You are on page 1of 476

‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪1‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫التعبير آدبي‬
‫الجزء آول‬
‫تأليف‬

‫د‪ .‬أنور غ ي الموسوي‬

‫ال سخة االكترونية – من تصميم المؤلف‬

‫العراق – الحلة ‪2015-‬‬

‫‪2‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫المقدمة‬

‫ان اادب اشراقة على بعد نقي و ناعم من الروح اانسانية ‪ ،‬وهو بذلك‬
‫شكل من المعرفة ‪ ،‬و ليس وسيلة امتاع و ابهار فقط ‪ ،‬و من ه ا و ٓجل‬
‫ص ظاهرة انسانية و ليس فقط انجاز فردي ‪ ،‬و ٓ ّن ال ص‬‫حقيقة أ ّن ال ّ‬
‫اضافة تعبيرية ‪ ،‬و توسعة في مجال التعبير و المع ى كانت ل ا متابعة‬
‫لل صوص و استفادة الكثير من ااساليب التعبيرية متجاوزين الشكانية‬
‫ااسلوبية نحو ابحاث ادبية اكثر عمقا و شموا بت اول الظاهرة اادبية‬
‫ب صها و ما وراء ال ص مع التركيز على مباحث الشعر عموما و قصيدة‬
‫ال ثر خصوصا ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الجهة ااولى ‪ :‬ااسلوبيات ال صية‬

‫القسم آول ‪ :‬المعادات التعبيرية‬

‫تجليات العوامل و المعادات التعبيرية في الشعر الصوري‬

‫لقد بي ا في مواضع سابقة ان التقسيم المعهود للكتابة الشعرية الى ما يكتب‬


‫بالوزن و ما يكتب بغير الوزن ما عاد كافيا امام الزخم الهائل و الكثيف‬
‫للشاعرية المعاصرة ‪ ،‬و توسع الفهم للغة اابداعية و تغير المعارف العامة‬
‫باللغة و طبيعة استعمالها ‪ .‬و بعد الفهم العميق لتق يات قصيدة ال ثر و الشكل‬
‫الذي هي عليه في ااعمال الساعية نحو الشعر الكامل في ال ثر الكامل ‪،‬‬
‫صار لزاما االتفات الى ان اايقاع و الشعرية بال ثر اما ان تكون بصورة ُ شعر‬
‫سردي أ يعتمد تق يات السرد التعبيري بشكل ال ثر اليومي ‪ ،‬او ان يكون‬
‫بشكل ُ الشعر الصوري أ يعتمد تق يات الصورة الشعرية و التوزيع اللفظي‬
‫اايقاعي بالتشطير و نحو ‪.‬‬

‫و ٓجل هذ الحقيقة أي وجود شعر سردي و شعر صوري كان لزاما على ال قد‬
‫تقديم نظرية متكاملة تستطيع مجاراة هذا التطور وهذا الفهم و الواقع الجديد‬
‫للشعر ‪ ،‬و لقد نجح ال قد التعبيري و بأدواته الواقعية من تحقيق نهج مدرسي‬

‫‪4‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫يعتمد الرسوخ المعرفي و قابلية التجريب مما يفتح الباب امام علم نقدي ادبي‬
‫مختص بالتعبير اادبي آبداعي ‪.‬‬

‫أهم أدوات ال قد التعبيري في تفسير الظاهرة آدبية و جمالياتها و ع اصر‬


‫آبداع في العمل هو نظام ُ المعادل التعبيري أ و الذي يتمثل بوحدات لغوية‬
‫نصية بصور و اشكال مختلفة تحاكي و تعكس الجوهر آدبي و الجمالي‬
‫العميق الذي كشفه و لمسه المؤلف المتمثل ُ بالعامل التعبيري أ و الذي‬
‫يكون بأشكال مختلفة جمالية و مع وية و فكرية و غير ذلك ‪ ،‬اا انه ا يتجلى‬
‫و ا ي كشف اا بواسطة المعادل التعبيري ‪.‬‬

‫ان عملية اابداع الجوهرية هي ااشراق اابداعي بااطاع و اقت اص و رؤية و‬


‫تمييز العامل التعبيري الف ي ‪ .‬و مهمة المؤلف ال صية ااهم هي الكشف عن‬
‫العامل التعبيري العميق و اظهار و ابراز بمعادل تعبيري نصي ‪ .‬و العوامل‬
‫يجمعها تأثيرها العميق و اثارة ااستجابة الجمالية بتجليها ال صي ‪ .‬ان هذا‬
‫الفهم ضمن ادوات ال قد التعبيري يتجاوز ث ائية الشكل و المضمون و ي تج‬
‫نظاما نصيا تعبيريا موحدا بوجهين ‪ ،‬فكما ان ااستجابة الجمالية تثار‬
‫بالمعادات التعبيرية الشكلية الظاهرية فانها ايضا تثار بالعوامل التعبيرية‬
‫المضمونية العميقة ‪ ،‬و هذا يحقق تكامل الشكل و المضمون و التوافق بي هما‬
‫بدل التضاد و التعارض بي هما الذي يعد معرفة شبه راسخة‪.‬‬

‫بعد أن صار الكتاب يكتبون السرد الشعري و القطعة الواحدة ‪،‬و القصيدة التي‬
‫تكون بشكل ال ثر و فقراته ‪ ،‬صار في قابل الشعر الصوري المعهود نظام‬
‫الشعر السردي المعتمد على السرد التعبيري بالسرد الممانع للسرد ‪ ،‬والسرد‬
‫ا بقصد السرد بل بقصد اايحاء و الرمز ‪ .‬و لقد ت اول ا مظاهر العوامل و‬
‫المعادات التعبيرية في الشعر السردي في م اسبات سابقة وه ا س ت اول‬
‫‪5‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫مظاهر المعادات و العوامل التعبيرية في الشعر الصوري كأدوات تحليلية و‬


‫اجرائية لل قد التعبيري ‪.‬‬

‫الشعر الصوري يعتمد تق يات خاصة و معروفة بمعادات تعبيرية نصية و‬


‫شكلية متداولة تتجلى بواسطتها عوامل تعبيرية عميقة ‪ ،‬أهم تلك التق يات هي‬
‫الصورة الشعرية و اايقاع اللفظي بالتشطير و التقسيم و نحو ذلك ‪ .‬وه ا‬
‫س ت اول وفق م هج ال قد الثيمي نماذج شعرية تعتمد الصورة الشعرية و‬
‫اايقاعات اللفظية و تق ياتهما كمعادات تعبيرية ٓنظمة العوامل التعبيرية التي‬
‫تتجلى بواسطتها ‪.‬‬

‫يقول عادل قاسم‬

‫في بوح شفيف وصور شعرية عالية‬

‫لسةً‪....‬‬ ‫ِ‬
‫ُخ َ‬
‫نَتَسلل خارج ِ‬
‫الس ِ‬
‫رب‬ ‫َ ُ َ‬

‫دد نَشيَ َد‪.....‬‬


‫نُ َر ُ‬

‫َخرافَتَ ا‪.......‬‬

‫نحن المولعو َن‪...‬‬


‫ُ‬
‫ِ‬
‫الحكيمة‬ ‫بآ ِ‬
‫قفال‬

‫وبالمفاتيح التي‪...‬‬
‫ِ‬

‫‪6‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ضحك من سباتِ ا‬
‫تَ ُ‬

‫ُكلما َخ َر ْج ا‪.....‬‬

‫من كهوفِ ا الفاره ْة أ‬

‫ان ال ص يحقق بوحا عاليا بواسطة عمق و نفوذ المعاني و بواسطة التوظيفات‬
‫و ااستعارات التي توسع و تعظم طاقة اللغة بشكل واضح ‪ ،‬فما بين مجاات‬
‫الدالة للخلسة و الخروج و بين مجاات الخرافة و الوهم وقاموس السبات و‬
‫الكهفية يتحقق مزاج ظاهر وقوي لل ص يحضر القارئ اليه و يجعله يعيش‬
‫اجواء ‪ .‬ان ال ص يحقق غاياته اابداعية من جهة الف ية باستعارات و مجازات‬
‫فذة و من جهة الجمالية بلغة صادمة و مثيرة و من جهة الرسالية بخطاب و‬
‫بوح رفيع ‪ .‬و بهذا التكامل اابداعي يحقق نموذج ال ص الكامل و الشعر‬
‫الرسالة و القضية و نموذج آدب الرفيع ‪.‬‬

‫نَتَسلل خارج ِ‬
‫الس ِ‬
‫رب‬ ‫َ ُ َ‬

‫دد نَشيَ َد‪.....‬‬


‫نُ َر ُ‬

‫َخرافَتَ ا‪.......‬‬

‫نحن المولعو َن‪...‬‬


‫ُ‬
‫ِ‬
‫الحكيمة‬ ‫بآ ِ‬
‫قفال‬

‫وبالمفاتيح التي‪...‬‬
‫ِ‬

‫ضحك من سباتِ ا‬
‫تَ ُ‬
‫‪7‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ُكلما َخ َر ْج ا‪.....‬‬

‫من كهوفِ ا الفاره ْة‬

‫يقول هاني ال واف‬

‫بمعادل تعبيري يتمثل بالرمزية التعبيرية في نص ُ الشرفةُ الفارغة أ‬

‫ُُ‬

‫اله ِ‬
‫مس‬ ‫ِ‬
‫َهدهدةٌ على ماء َ‬
‫ِ‬
‫الكام‬ ‫تَمسحُ ج ازَة‬

‫الممض‬
‫ضراوةَ الهل ِع ُ‬
‫تتلف ُع َ‬
‫ائش الش ِ‬
‫رفة الفارغة‪..‬‬ ‫لعر ِ‬

‫ان التعبيرية العميقة تتجلى في علو اانزياح و المجاز الذي تتصف بها‬
‫الكلمات فه ا ُ ماء الهمس ‪ ،‬ج ازة الكام ‪ ،‬حمرة ال واح ‪ ،‬حوائك ال ار أ ‪.‬‬
‫ان هذ التعبيرية المفهومية تتجلى بالمجاز العالي المتجاوز لماهية ااشياء و‬
‫فكرتها فه ا للهمس ماء و للكام ج ازة ‪ ،‬استعارات و مجاز يحتاج الى توسع‬
‫في فهم ااشياء بفهم جديد للهمس و للكام ‪ ،‬مع توسيع لطلقات اللغة و‬
‫نقل فذ للعواطف و ااحاسيس ‪ ،‬فماء الهمس اكبر طاقة من الهمس و ج ازة‬
‫الكام اكبر طاقة م ه ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫و تقول هاا الشعار‬

‫ب ص دافق و معبأ بالعاطفة في قصيدتها ُ برهة عشقأ‬

‫ُيا أيها الربان المجه ُد‬

‫أنا الشجرة زفير آرض‬

‫تتوضأ الريح تفاحاً على غص ي‬

‫وسط قافلة سراب‬

‫اب جذري‬
‫يشهق التر ُ‬
‫ُ‬

‫أتكح ُل خضار شمس صبح‬


‫ّ‬

‫تمرر أشعتها ضفائر ضفائر‬


‫ُ‬

‫وج ات الثمار‬
‫على َ‬

‫لتوقظ الدفء‬

‫وتؤجج اللهيب أ‬

‫ان هذ الصور الشعرية ‪ ،‬استطاعت بب اء مبحر في مستويات خيال عالية ان‬


‫تخلق عالما نصيا موازيا ‪ ،‬وهو اقصى ما يمكن ان تحققه الشعرية الصورية ‪،‬‬
‫حيث ان ه في واقعه حالة مستمرة من الصورة الشعرية المتعددة و المتجاور مما‬
‫ي قل القارئ الى ذلك العالم و يجعله يعيش ذلك الخيال كعالم مستقل وهذ‬

‫‪9‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الحالة يمكن ان نسميها العالم او الواقع الموازي المحقق بلغة الشعر الصوري‬
‫المستقيمة في قبال وقع ة الخيال لغة الشعر السردي المتموجة ‪ .‬تكمن الطاقة‬
‫التعبيرية في نظام الصورة الشعرية المستمرة و العالم او الواقع ال صي الموازي‬
‫في ان التعبير ه ا يكون كتليا و ليس جزئيا فقط ‪ ،‬فتكون الرسالة ال صية‬
‫محمولة وسط ذلك ال ظام ال صي و ليس فقط وسط الكلمات و الجمل كما‬
‫هو معهود في التعابير اابداعبة ‪.‬‬

‫و تقول حس ة اولهاشمي‬

‫ب الْغُ ْربَِةأ‬ ‫بلغة تعبيرية في ِ‬


‫ُم َراك ُ‬
‫َ‬

‫وح‬ ‫ُح َفاة فِي ُد ُر ِ‬


‫وب الر ِ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫يَلُ ُ ِ‬
‫وحو َن بأَ ْعاَِم الش َقاء َو ِو َشاح ال َْه ِز َ‬
‫يمة‬

‫لِ َم َراكِ ِ‬
‫ب الْغُ ْربَة‬

‫الحل ِْم‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫آخر م ٍ‬


‫ِ‬
‫ساء يَ ْعبُ ُر ش َفا َ ً‬
‫َو َ َ‬

‫س ِد َس ْهواً‬ ‫ت َخا ِرطَة ال َ‬


‫ْج َ‬ ‫َس َقطَ ْ‬

‫ت لُغَة آَ ْع َ‬
‫ضاء‬ ‫تَ َعطلَ ْ‬

‫َوغَ َفا ِسر ا ِإ َش َارة‬

‫‪10‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ص ْد ِر‬
‫ض الْ ُق ُرنْ ُفلَة َعلَى َ‬
‫تَلَ ْعثَ َم نَ ْب ُ‬

‫ْجبَل الر ِيفي‬


‫اك ال َ‬
‫َذ َ‬

‫اقها ِج َهةَ ال ْه ِر الْ َق ِديم‬


‫ال َس َ‬
‫َم َ‬

‫لَم ي ع ْد لِلْم َك ِ‬
‫ان َرائِ َحة أ‬ ‫ْ َُ َ‬

‫من المعادات التعبيرية المهمة و العالية هي القاموس اللفظي لل ص و المزاج‬


‫العام للقصيدة ‪ ،‬لقد نجحت الشاعرة ه ا في خلق مزاج ال ص و فضائه‬
‫الكئيب و المعبأ بالحرمان و الفقدان بقاموس الفاظ تحضر ذلك المجال‬
‫ْج َس ِد ‪،‬‬
‫ت َخا ِرطَة ال َ‬‫يمة ‪َ ،..‬س َقطَ ْ‬ ‫ُح َفاة الشقاء ‪ِ ،‬و َشاح ال َْه ِز َ‬ ‫المع ي و الدالي ُ‬
‫ِ‬
‫اقها ‪،‬‬
‫ال َس َ‬ ‫ضاء ‪َ ،‬وغَ َفا سر ا ِإ َش َارة ‪ ،‬تَلَ ْعثَ َم نَ ْب ُ‬
‫ض الْ ُق ُرنْ ُفلَة ‪َ ،‬م َ‬ ‫ت لُغَة آَ ْع َ‬‫تَ َعطلَ ْ‬
‫ان َرائِ َحة أ ‪ .‬كما ان من الع اصر ااسلوبية ااخرى التي تحقق‬ ‫لَم ي ع ْد لِلْم َك ِ‬
‫ْ َُ َ‬
‫نفوذا في ال فس بكل هذ العاطفة و ااحساس هو استخدام الفاظ حميمية و‬
‫ص ْد ِر‬ ‫س ِد ‪ ،‬لُغَة آَ ْع َ‬
‫ضاء ‪َ ،‬‬ ‫الحل ِْم‪َ ، ..‬خا ِرطَة ال َ‬
‫ْج َ‬
‫وب الر ِ ِ‬
‫وح ‪ ،‬ش َفا َ ً‬ ‫مقربة ُ ُد ُر ِ‬
‫ْجبَل الر ِيفي ‪ ،‬ال ْه ِر الْ َق ِديم أ بصور شعرية كاشفة و مبرزة لعامل تعبيري‬ ‫اك ال َ‬
‫َذ َ‬
‫وجداني و عاطفي وهذا ما يمكن ان نسميه العامل التعبيري الوجداني ‪.‬‬

‫و يقول اسماعيل عزيز‬

‫في ُُأتساءل‪...‬كيف؟ أ ب ص بوح رفيع يشتمل على اايقاع العميق‬

‫أيها البحر‪..‬‬

‫‪11‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫أيها‪....‬‬

‫أتساءل‪.....‬‬

‫أ ٓن ا ي ابيع طافحة بآخطاء‬

‫تحاصرنا الرياح‬

‫محملة بغموض الصحارى‪..‬‬

‫فماذا لو‪..‬‬

‫غادر عن معجم آرض‬

‫‪....................................‬تقويم الفصول؟‬

‫وأستوطن الخريف بأزلية المكان‬

‫فكيف ستكون‪..‬‬

‫لعبة آنشاء؟‬

‫والشهداء؟ أ‬

‫يبتدأ الشاعر كتابته بع وان ُ أتساءل‪ ...‬كيف أ بع صر نصي مقرب وهو‬


‫السؤال وهو من مجال الطلب ‪ ،‬ثم يبدأ ال ص بع صر حميمي و مقرب وهو‬
‫ال داء ‪ ،‬و يوجه بوصلة ال ص نحو البوح و العاطفة ‪ ،‬و بالتساؤل و البيان و‬
‫الكشف الكامل يكون ااعتماد كبيرا على عمق الفكرة و لمعانها و على علو‬

‫‪12‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الصورة الشعرية و توهجها ‪ ،‬بتساؤات و بوح رفيع يحقق معادا تعبيريا صوريا‬
‫لعمق و نظام عوامل تعبيري انساني و انتمائي و وجودي ‪ ،‬وهذا ما يمكن ان‬
‫نسميه العامل التعبيري الفكري ‪.‬‬

‫و يقول صاح حس ية‬

‫في ُ سجادة نور أ‬

‫تاعب ي الكلمات‬

‫تفرش لي سجاجيد الحروف‬

‫ثرثرة فم قواميس في أقاليم الورق‬

‫وعلى مداخل القلب‬

‫ستائر صوت تبعثرها غابات ال دى ‪.‬أ‬

‫ب ص تعبيري عميق يرتكز على الصورة الشعرية و البوح ‪ ،‬ب ص من فن ُ‬


‫الميتاشعرأ يسطر المشاعر و اانفعاات الذاتية تجا الكتابة و الشعر ‪ ،‬و‬
‫حمل‬
‫يكشف عن المعاني الشخصية لالفاظ و الحروف و الكتابة ‪ .‬لقد ّ‬
‫الشاعر كلماته طاقات تعبيرية تفوق المعاني العادية لها ‪ ،‬فان ااستعارات ه ا‬
‫جاء ب ظم مجازية تعبيرية واضحة فعبارة ُ تاعب ي الكلماتأ كشف قوي و‬
‫معبر عن الحالة التي يريد الشاعر الحديث ع ها و عبارة ُ تفرش لي سجاجيد‬
‫الحروف أ بيان راق لحالة الكتابة و عملية وادة ال ص ‪ .‬و من خال تعبير ُ‬

‫‪13‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫أقاليم الورق أ و قواميس ي قل الشاعر و بكفاءة عالية القارئ الى مجال مع وي‬
‫و فكري حول الكتابة و اابداع ‪ ,‬بهذ الصورة الشعرية الفذة يتجلى عامل‬
‫تعبيري عميق فكري و شعوري و خاص جدا يتعلق باابداع و الكتابة ‪.‬‬

‫و تقول غيداء الحاج حسين‬

‫في تجربة شعرية عميقة في نص ُ اختاس أ‬

‫ُ تختلسين‬

‫بحة الصوت البعيد‬

‫لتقلقي هذا الفراغ الراكد‬

‫كحلكة ليل شتائي طويل‬

‫يتمترس في كل ركن‬

‫يعشش في الزوايا‬

‫و يستتب في التفاصيل الدقيقة‬

‫حياتك التي تمضي كعادتها‬

‫رتيبة أ‬

‫‪14‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫لقد نجحت الشاعرة في تحقيق نظام ُ البوح ااقصى أ ‪ ،‬اذ انها لم تترك‬
‫ع صرا لفظيا و لغويا اا و وظفته في كشف و اظهار الشعور العميق ‪ ،‬بصور‬
‫شعرية عالية ُتختلسين \ بحة الصوت البعيد \ لتقلقي هذا الفراغ الراكد \‬
‫كحلكة ليل شتائي طويل أ لقد استطاعت الشاعرة من خال تعابيرها و الوان‬
‫كلماتها ان تحقق مزاجا لل ص يخيم عليه الركود ُ تختلسين بحة الصوت‬
‫البعيد \ لتقلقي هذا الفراغ الراكد \ حياتك التي تمضي كعادتها أ ‪ ،‬فتحققت‬
‫صورة الرتابة التعبيرية ‪ ،‬ليأتي التصريح بها بتعاونية و اخاص كتابي ‪ .‬بهذ‬
‫اادب القريب تتجلى عوامل تعبيرية عميقة من تجربة فردية و حياتية و‬
‫اجتماعية يومية ‪.‬‬

‫المعادل الجمالي في مجموعة ُ وحيدا دون العصور أ للشاعر عباس باني‬


‫المالكي‬

‫‪15‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫لقد بي ا في مواضع عدة ان الظاهرة الجمالية معقدة و ليست بسيطة ‪ ،‬اذ‬


‫ان لكل تعبير ادبي مستويات ابهار و ادهاش عدة ‪ ،‬تتكشف و تتجلى جميعها‬
‫في آن واحد اث اء القراءة على مدى ذه ي عريض يشمل الوعي و الاوعي ‪.‬‬
‫اهم تلك المستويات مستوى المعادل الجمالي الظاهري و مستوى العامل‬
‫الجمالي العميق و مستوى ااستجابة الجمالية في نفس القارئ ‪ ،‬و في كل‬
‫جهة من تلك الجهات يمكن بلوغ درجات عالية من المعيارية و الضبط و‬
‫اانتزاع الكلي حسب ادوات ال قد التعبيري و ااسلوبية التعبيرية ‪.‬‬

‫ُ وحيدا دون العصور أ مجموعة شعرية للشاعر و ال اقد العراقي عباس‬


‫باني المالكي صاحب المؤلفات التي تجاوزت خمسة عشر مطبوعا في شتى‬
‫الص وف اادبية ‪ .‬تشتمل المجموعة على ما يقارب ُ ‪300‬أ نصا قصيرا مع‬
‫نصين متوسطين ‪ ،‬بلغة هادئة عميقة تعتمد عمق التعبير و المع ى ‪ ،‬محققة‬
‫مستويات عالية من التجلي للمعادات و العوامل الجمالية ‪.‬‬

‫ان المعادل الجمالي هو الع صر ااسلوبي التعبيري في العمل الف ي الذي‬


‫يحقق ااثارة و اابهار بما له من تفرد و تميز يميز العمل الف ي عن العادي ‪،‬‬
‫وفي اادب هو المميز ااسلوبي الظاهري الذي يميز العمل اادبي عن غير‬
‫من عمل غير ادبي و يعطيه الفرادة و التميز عن عمل ادبي اخر‪.‬‬

‫في مستويي المعادل الجمالي تجليات ٓركان الكتابة المتمثلة بالمؤلف و‬


‫اللغة و القارئ و ال ص ‪،‬تظهر في مامح واضحة من ع اصر المعادل الجمالي‬
‫‪ .‬من ه ا و فيما يخص المعادل الجمالي فلدي ا اربعة اشكال من المعادات‬
‫الجمالية ‪-:‬‬

‫المعادل الجمالي التأليفي الرؤيوي‬

‫‪16‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫المعادل الجمالي اللغوي اانثيالي‬

‫المعادل الجمالي ال صي الف ي‬

‫المعادل الجمالي القراءاتي التداولي‬

‫المعادل الجمالي التأليفي‬

‫يعكس هذا المعادل تأثير و حضور المؤلف في ال ص ككيان واع له ارادة‬


‫فردية و جماعية ‪ ،‬بالفردية تبرز التعبيرية و الرؤية الخاصة و بالجماعية يبرز‬
‫ادب القضية و ااندماج ال وعي و الرؤية العامة‪.‬‬

‫في نص ُ‪4‬أ‬

‫ُُ هجر الباد ‪...‬‬

‫دفن رأسه في الغياب‬

‫ترملت أشجار ‪...‬‬

‫سافر إلى الصحراء بحقيبة العطش أأ‬

‫يتجلى ه ا وعي المؤلف و الخلفية الجماعية في عصر الخيبات و‬


‫الضياع ‪ ،‬حيث ظاهرة الهجرة من الباد و الرغبة فيها ‪ ،‬و الميل تحو الغياب‬
‫حتى من دون ارادته ‪ ،‬حيث الترمل المستشري ‪ ،‬و الاجدوى في كل خطوة‬
‫‪.‬ونجد الرسالية ايضا و تب ي معاناة المجتمع و الجماعة في ال ص ُ‪7‬أ‬

‫‪17‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ُُالخليفة لم يعد إنسانا‬

‫يعتقل الهواء في المدن‬

‫آحام غادرت شهيق الذاكرة أأ‬

‫انه صوت اامم المظلومة تحت وطأة الدكتاتوريات المتسترة باسم الدين‬
‫‪ ،‬و التي تتلهم المكان و ا تدع شيئا حتى الهواء ‪ ،‬فتخلو ال فوس من اآمال‬
‫و ااحام ‪.‬‬

‫و في ال ص ُ‪10‬أ‬

‫ُقد تكون أنت القادم‬

‫قد أكون أنا‪..‬‬

‫قد تكونون أنتم‬

‫دون اانتبا إلى صمت البحر أ‬

‫يتمثل ه ا المؤلف صوت اانسانية و حكمة العقل البشري ‪ ،‬بان السماح‬


‫لحصول شيء للغير يع ي با ريب حصول يوما ما على غير و على من سمح ‪.‬‬
‫انها دعوة ثورية لعدم السماح للظلم و لو على الغير انه سيدور على الكل ‪.‬‬

‫وهكذا في نصوص اخرى تتحدث عن الوطن و الحرب و ااحزان ‪.‬‬

‫المعادل الجمالي اللغوي‬

‫‪18‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫يعكس هذا المعادل تأثير نظام اللغة العام و تجليه في ال ص ‪،‬من حيث‬
‫اانسيابية و الترابط اانثيالي و الت اغم ‪ .‬ومن ه ا لدي ا ع اصر انثيالية و‬
‫انسيابية و ت اغمية‪.‬‬

‫في نص ُ ‪5‬أ‬

‫ُُأنتظر أن أتي الى أنا‬

‫روحي غادرت أجفان الدروب‬

‫الطرق مزدحمة بالسؤال‬

‫أأ‬

‫نجد ه ا تجليا ت اغميا للغة بحقول دالية متقاربة ُ فانتظر ‪ ،‬غادرت ‪،‬‬
‫دروب ‪ ،‬الطرق ‪،‬مزدحمة أأ فانها ت قل القارئ الى عالم دالي موغل في‬
‫الرحيل و المغادرة ‪ .‬و هذا ال ص يحاكي غير من ال صوص كال ص السابق‬
‫نصُ‪ 4‬أ الموغل في الرحيل ايضا ‪ .‬وهذا كله يدور في فلك الغربة و الوحدة‬
‫الذي ع ونة به المجموعة ‪.‬‬

‫و في ال ص ُ‪9‬أ‬

‫ُُأتدثر بالصمت‬

‫المدن تثرثر على جثة الوقت‬

‫الساعات ذابلة بظال المكان‬

‫‪19‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫أراقب حتفي قبل قدوم الفصول أأ‬

‫نجد اللغة بانثيااتها تتجلى بت اسق حقلي مع وي دالي بتعابير خاصة بها‬
‫ُُ اندثر ‪ ،‬جثة ‪ ،‬ذابلة ‪ ،‬حتفي أأ الفاظ من حقل الموت و ال هاية و هي ايضا‬
‫تحاكي و تقاب حقول المغادرة و الرحيل و الوحدة ‪.‬‬

‫و كذلك يحضر الغياب في ال ص ُ‪22‬أ‬

‫تضيع الشموع في المساءات العمياء‬

‫حين يولد القمر وحيدا‬

‫في لجة الصمت‪...‬‬

‫الليل خيمة آحزان‬

‫فالفاظ ُ تضيع ‪ ،‬العمياء ‪ ،‬وحيدا ‪ ،‬الصمت ‪ ،‬ااحزانأ تص ع مزاجا و‬


‫جوا نصيا خاصا و ت قل القارئ الى حقل دالي خاص ‪ ،‬يخيم عليه الحزن و‬
‫الوحدة و الضياع ‪ ،‬وهو يحاكي و يت اغم مع غير من ال صوص ‪.‬‬

‫المعادل الجمالي ال صي‬

‫وهذا المعادل هو الذي تتجلى فيه مظاهر الف ية و الجمالية بشكل مجرد‬
‫وحر ‪،‬و فيه يكون الفضاء الرحب للمهارة و الفرادة الف ية ‪ ،‬فكل آسلوبيات‬
‫الف ية و الجمالية اابداعية الخاصة بال ص و غير الموجودة في غير و التي ا‬

‫‪20‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫تعكس اا نفسها هي من هذا المستوى ‪ ،‬لذا فهذا المستوى اكثر المستويات‬


‫تجردا و حرية و التصاقا بال ص و فرادته ‪.‬‬

‫والمعادات الجمالية ه ا هي في جهة الف ية او الجمالية ‪ ،‬فمن‬


‫المعادات الجمالية ال صية الخاصة بالف ية نجد المعادل الجمال الشرطي وهو‬
‫الحد آدنى المطلوب للحكم بالف ية و المعادل الجمالي التج يسي وهو‬
‫الع صر الف ي المطلوب لتج يس العمل اادبي ومن اي ج س ادبي هو ‪ .‬و‬
‫نجد المعادات الجمالية الخاصة بالجمالية وم ها المعادات الجمالية‬
‫التقليدية و التي يب ى فيها ال ص وفق ما هو متعارف من تق يات ابداعية‬
‫كالمجاز مثا‬

‫و م ها المعادات الجمالية اابتكارية وهي التق يات الخاصة بالمؤلف او‬


‫ال ص التي تعتبر تفردا و اضافة و تجديدا و غير مقلدة او محاكية لخارجه ‪ ،‬و‬
‫م ها ايضا الكتابة القصدية في اسلوب خاص معين بحيث يكون المؤلف او‬
‫ال ص تجليا قويا و متفردا لذلك ااسلوب ‪.‬‬

‫في نصوص المجموعة تبرز الرمزية التعبيرية ‪ ،‬التي تطغى فيها رؤية‬
‫المتكلم و تقدم العالم بالصورة الباط ية للمؤلف ‪ ،‬م ها نصي ُ‪ 16‬و‪17‬أ‬

‫ُُ‬

‫ُ‪16‬أ‬

‫قالوا ‪ :‬لماذا تعشق‬

‫‪21‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫قلت ‪:‬ولماذا الروح‬

‫تركتهم با جاذبية التفاح‬

‫ُ‪17‬أ‬

‫دائما يتكلمون عن العشق‬

‫إا يعرفون أنه با سمع‬

‫سوى شريان يحمل دم العاصفة أأ‬

‫فالمؤلف يقدم نظرته و رؤيته في قبال الرؤية الخارجية ‪ ،‬و يبين بتعابير‬
‫معبأة بالعاطفة و العمق نظرته تجا امور ‪ ،‬ناقا معه ااحساس العميق بتلك‬
‫ااشياء ‪.‬‬

‫و يتجلى المجاز العالي و اانزياحية الكبيرة في ال ص ُ‪23‬أ‬

‫ُُ حين تخرس أج حة الفراشات‬

‫يضيع صوت آزهار‬

‫تحت ظال تكر المرايا أأ‬

‫‪22‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫فه ا تجاورات و اس ادات و تراكيب انزياحية عالية ‪ ،‬و تعابير مفتوحة‬


‫الدالة ‪ ،‬و رمزية تعبيرية عالية ‪ ،‬تبوح و ت قل ااحساس العميق ‪ ،‬و تحقق‬
‫اابهار الجمالي ‪.‬‬

‫و في ف ية اخر تتقابل فيها التراكيب في نسيج تركيبي يقترب من انغام‬


‫الهايكو في ال ص ُ‪26‬أ‬

‫ُقلت ‪ :‬أحبك إلى آبد‬

‫قالت ‪ :‬سأنتظرك كل عمري‬

‫ألتفتت إلى الوراء‬

‫لتحمل البحر بزنبيل المطر‬

‫الغيم في أول طفولته ‪ !..‬أ‬

‫فان عبارة ُ الغيم في اول طفولته أ هي مقابل تركيبي مبين و مختزل‬


‫لمضمون التراكيب السابقة عليه ‪ ،‬و كذلك في نص ُ‪32‬أ‬

‫ُ الج ود الذين عسكروا في الغبار‬

‫تاريخهم من حجر‪...‬‬

‫الحروب شهوة الطغاة ‪!...‬أ‬

‫فان التفسيرية و البيانية في المقطع ااخير ‪ ،‬و الربط بي ه و بين ما فوقه‬


‫لم يكن بالشكل التركيبي البسيط ‪ ،‬بل كان بشكل الدمج البياني ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫و في لوحة انزياحية باهرة تتجسد قوة المجاز و عمقه و علو التعبيري‬


‫في ال ص ُ‪39‬أ‬

‫ُالذين تدلوا بأخر ع اقيد وجعهم‬

‫بقوا يحرسون تساقط المطر‬

‫ال هارات تجف من الغيم‬

‫‪...‬‬ ‫ال هر‬ ‫الى‬ ‫أركض‬


‫أسابق ظل الماء ‪!...‬‬

‫أ‬

‫حيث ان المجاز و اانزياح ه ا على اكثر من مستوى تركيبي ‪ ،‬في صور‬


‫سعرية عالية المستوى ‪ ،‬و توظيفات ف ية رقيقة و موصلة لغاياتها ‪ .‬كما ان‬
‫تعدد الوسائط الدالية في عملية الفهم تحدث استجابة جمالية عميقة لدى‬
‫القارئ حيث ان حالة الت قل الوسائطي و التجوال الفكري بين الداات يولد‬
‫اللذة و اامت اع ‪.‬‬

‫المعادل الجمالي القراءاتي‬

‫‪24‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫وهو يعكس حضور القارئ في عمليتي الكتابة و القراءة ‪ .‬يكون في‬


‫الكتابة من خال الوعي بالقارئ و ترسب المفاهيم التداولية ‪،‬و في القراءة‬
‫بأنظمة طلب اافادة و الفهم و التأثر‪.‬‬

‫ان التداولية و اللغة القريبة ظاهرة في اسلوبيات عباس باني المالكي ‪،‬‬
‫فهو دوما يسعى بامانة ان يوصل فكرته العميقة بالشعر العميق ‪ ،‬دون غموض‬
‫او انغاق رغم المجاز العالي و اانزباحات الشديدة‬

‫في نص ُ‪18‬أ‬

‫ُُ تركت قلبي على حافة الموج‬

‫يوم رأيتها ‪...‬‬

‫تغسل ذاكرتها بماء المطر‪.‬أأ‬

‫مع ان ال ص مفتوح داليا و مع انه يتميز بانزياحات عالية و على‬


‫مستويات متعددة من ااس اد الى الجملة الى الفقرة ‪ ،‬فان الشاعر وضع نقاط‬
‫دالة دالية و توصيل تشير الى حضور وعي القارئ في الكتابة ‪.‬‬

‫و قد رأيت في ال ص ُ‪39‬أ المتقدم ‪ ،‬حيث ااستجابة الجمالية العميقة‬


‫المتحقق ب ص يشتمل على نظام دالي معقد متعدد الوسائط يحقق حالة‬
‫التجوال و الت قل الفكري بين حقول الدالة و المع ى و اافادة و الفهم مما‬
‫يولد شكا مزخرفا و ملونا من اانظمة الدالية محققا المتعة و اابهار ‪.‬‬

‫وهذا ال سيج الدالي الملون و التجوال الفكري في حقول المع ى نجد‬


‫ايضا في نص ُ‪55‬أ‬

‫‪25‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ُالدليل الذي فقد خوذة الضوء‬

‫صار سجانا ع د أبواب الفصول‬

‫أبحث عن م اقير العصافير‬

‫ٓصل الى قمح ال هار ‪ !...‬أ‬

‫هكذا تشكلت في نصوص مجموعة ُ وحيدا دون العصور أ المعادات‬


‫الجمالية الفذة و العالية في نسيج مبهر و حالم و هادئ و رسالي بأنامل شاعر‬
‫يتكلم بلغة مخملية ناعمة هادفة ‪.‬‬

‫مظاهر التعبير آدبي في القصة السريالية ‪ ،‬مجموعة ُ رواية حمزة‬


‫آصفهاني أ للدكتور غالب المسعودي نموذجا‬

‫تمهيد‬

‫الدكتور غالب المسعودي ‪ ،‬طبيب و قاص و شاعر و ف ان تشكلي عراقي له‬


‫مجموعة من المعارض الف ية الشخصية و ااصدارات اادبية ‪ ،‬و له ت ظيرات‬
‫ف ية ‪ ،‬يكتب ال قصة السريالية ‪ ،‬بين ايدي ا و محل الدراسة مجموعة من قصصه‬
‫السريالية ع وانها ُ رواية حمزة ااصفهاني أ ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫س عتمد ه ا آليات ال قد التعبيري في الت اول و القراءة‪ .‬و ُ التعبيري أ ه ا‬


‫مشتق من التعبير اادبي اي من المع ى اللغوي للكلمة و ا عاقة له بالمدرسة‬
‫التعبيرية كما قد يتوهم ‪.‬‬

‫يقدم ال قد التعبيري اطروحة معرفية اساسها ان التميّز و التفرد التأليفي هو‬


‫جوهر الظاهرة اادبية ‪ ،‬و ان وظيفة ال قد تفسير الظاهرة اادبية و عملية‬
‫اانبهار‪ ،‬و ان مامح تلك الظاهرة اوسع من فكرة اانحراف عن المعياري كما‬
‫عن ااسلوبية ‪ ،‬كما ا يمكن اختزالها بم اهج وصفية لطرق الدالة اللغوية كما‬
‫عن علم اللغة ‪ .‬و بالقدر الذي يجد ال قد التعبيري فكرته العامة اانتزاعية‬
‫واضحة فانه ايضا ا يقصدها اا في العمل اادبي و من خاله فقط ‪ ،‬بمع ى‬
‫ان الوجود ال ظري ل ظرية ال قد التعبيري متأخرة عما هو فعا موجود و متحقق‬
‫في العمل اادبي من انظمة و ع اصر ابداعية ‪ ،‬لذلك فان ال قد التعبيري‬
‫انساني و واقعي بخاف الجفاء و التجريد الذي عانت م ه م اهج اخرى ‪.‬‬

‫مستويات الظاهرة آبداعية‬

‫لقد بي ا في مواضع مختلفة تصورات تفصيلية عن ااطار ال ظري لل قد التعبيري‬


‫م ها ما في مقدمة ال قد التعبيري ُالموسوي ‪ 2015‬أ ‪ ،‬و س عمد ه ا الى‬
‫تطبيق ادوات ال قد التعبيري ااجرائية على ال صوص ‪.‬‬

‫في كل مستوى انساني متعلق باادب و في كل موضع و نظام متعلق بتركيبة‬


‫ال عمل اابداعي ه اك مظاهر ادبية ‪ ،‬وظيفة ال قد اادبي البحث ع ها و ابرازها‬
‫و تبيي ها ‪ ،‬كخصائص اسلوبية فريدة ‪ ،‬تحاول ااجابة على السؤال المهم عن‬
‫سر تأثير على المتلقي ‪ .‬في ال قد التعبيري محاولة‬
‫سبب تميز العمل اادبي و ّ‬
‫‪27‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫حقيقية لتجاوز ااشكاات التي عانت م ها الم اهج السيميائية و تعاني م ها‬
‫م اهج ال قد ااسلوبي كما سيتضح بجاء ‪ .‬فبي ما تكون مادة السيمائيين‬
‫واسعة تتمثل بال ص و ما ابعد م ها ‪ ،‬فان اداتهم ضيقة تتمثل بالدالة و‬
‫المداليل المع وية ‪ ،‬و بي ما تكون اداة ااسلوبيين واسعة تتمثل بااسلوب و‬
‫التفرد الامحدود فان مادتهم محدودة تمثلها تركيبة ال ص و ابعاد الظاهرية ‪.‬‬
‫اما ال قد التعبيري فانه يشتمل على اداة واسعة و مادة واسعة ‪ ،‬فانه يتسع في‬
‫مادته سعة التجربة اانسانية مشتما على ال ص و المؤلف و القارئ واللغة و‬
‫ما هو خارج ذلك فكل ذلك ميادين لل قد التعبيري ‪ ،‬و اداته واسعة سعة التفرد‬
‫و الت وع و ااشتراك و ااجتماع ‪.‬‬

‫ان وظيفة ال قد التعبيري رصد الع اصر الف ية و الجمالية و الرسالية التي بحث ها‬
‫في قانون اابداع و ما يتعلق به ُ الموسوي ‪2014‬أ ‪ .‬و سيأتي التطرق الى ما‬
‫هو متجسد م ها في هذ المجموعة القصصية ‪ ،‬في كل نظام تركيبي كامي من‬
‫تلمس‬
‫المفردة الى ااس اد اللفظي الى الجملة الى الفقرة ثم الى ال ص كله ‪ ،‬و ّ‬
‫و تتبع تجليات المستويات اانسانية في العمل اابداعي من حيث تجلّي‬
‫المؤلف و القارئ و نظام اللغة و ال ص نفسه ‪.‬‬

‫المظاهر الف ية في العمل آدبي‬

‫المظاهر اابداعية التي يبحث ع ها ال قد التعبيري في العمل اادبي تتمييز‬


‫بميزتين ااولى ااستقرار و الثانية الحركة اما ااستقرار فمن حيث اانطاق‬
‫من المظاهر اابداعية ااكثر رسوخا و استقرارا ‪ ،‬وهي ما يمكن ان نسميها ُ‬
‫المعايير اابداعية أ و تمثل ااصالة ‪ ،‬و اما الحركية فتتمثل بماحقة و متابعة‬
‫ال ص و التفرد الذي خلِق به و ما وجد فيه من مظاهر ابداع وهو ما يمكن ان‬
‫نسميه ُ ااضافات اابداعية أ و تمثل التجديد ‪ .‬و المظاهر اابداعية اما ف ية‬
‫‪28‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫او جمالية ‪ ،‬فيبحث اابداع المعياري و ااضافي في الجهتين الف ية و‬


‫الجمالية ‪ ،‬وهذا ايضا من تفردات ال قد التعبيري حيث يميز ما بين الف ي و‬
‫الجمالي ‪.‬‬

‫المطلب الف ي هو بحث توفّر الحد اادنى من الشرط للحكم بأدبية العمل و‬
‫تج يسه ‪ ،‬و ا يعتقد ان ذلك يع ي اشتماله فقط على امور معيارية راسخة ‪ ،‬بل‬
‫ال قد التعبيري ي فتح على كل ما يمكن ان يؤسس لمعايير ف ية جديدة وهذ‬
‫صفة تم ع الجمود و التخلف في ال قد التعبيري و تعطيه القدرة ليس فقط على‬
‫مواكبة تطور اابداع و انما ايضا المساعدة على اكتشافه و بيان مامحه ‪.‬‬

‫مجموعة ُ رواية حمزة ااصفهاني أ مجموعة قصص سريالية ‪ ،‬و القصصية‬


‫متقومة في السرد الحكائي و ‪،‬السريالية متقومة في تجاوز الم طق و الزمن‬
‫الفقراتي ‪ .‬لذلك عد البعض ال ص السريالي من السردية التعبيرية التي هي قوام‬
‫قصيدة ال ثر ُ دانييل ميتشل ‪2014‬أ‪.‬‬

‫مظاهر السردية واضحة في ال صوص بحيث ان جميع ال صوص شواهد عليها ‪،‬‬
‫اذ ان تعدد الشخوص و ااحداث و تعدد الرؤى و نقاط التبئير و الحواريات‬
‫طاغ في ال صوص ‪ ،‬و في تجل قوي للسردية في قصة ُهذيانأ ‪:‬‬

‫ُُكان كعادته ع دما يجلس أمام لوحة الحاسوب‪ ,‬يتابع ما أشتهى أن يتابع‪ ,‬في‬
‫الخلفية التلفزيون‪ ,‬على احدى الق وات ااخبارية ‪ ,‬عقله ااول م شغل‬
‫بالحاسوب‪ ,‬عقله الثاني يتابع التلفاز بشكل مستقل‪ ,‬هو يتابع مقطوعة جاز ل‬
‫ب‪.‬ب‪ .‬ك ج‪,‬على اليو تيوب‪ ,‬أخذته إغفاءة ‪ ,‬إذا به يحلم مرة اخرى‪!......‬‬
‫شرب كأساً من عصير الليمون ناجى حبيبته ‪ ...‬ال صأأ‬

‫‪29‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫تتجلى السريالية في نصوص المجموعة بوضوح كاسرة الم طقية ‪ ،‬و من اقوى‬
‫تجل لها في قصة ُ آفاعي ا تبتسم أ‪:‬‬

‫ُُكان الحد الفاصل ل هاية الجدل‪ ,‬هو إصرارها على إستخدام قالب الشمع‬
‫وتقدمه كحلوى لغريمي‪ ,‬إني أعرف جيداً إنه ا يفرق بين البوظة والشمع‪ ,‬لكن‬
‫هذا رأيها ‪ ,‬إحترمته ‪ ,‬لم أطلب م ها الرحيل ‪ ,‬إا أنها آثرت أن تقف في بداية‬
‫الزقاق ‪,‬في بيوت ا الشرقية غرفة صغيرة تستخدم لحفظ المؤونة‪ ,‬يوجد بداخلها‬
‫موقد وأحي ا ت ور‪ ,‬إتكأت على كيس الفحم بجوار كيس الحطب‪ ,‬مددت رجلي‬
‫على اارض ‪,‬لم أكن أنتعل شيئا ‪ ,‬تعباً من حدة ال قاش‪ ,‬أسلمت نفسي إلى‬
‫نوم عميق كأنه الموت‪ ,‬بين الحلم و الاحلم ‪,‬وجدتها فاغرًة فاها‪ ,‬أفعى كوبرا‬
‫الملك كما يسموها‪ ,‬تبتسم لي‪ ,‬تمد لسانها المشقوق تاعبه في الهواء تمسح‬
‫جبهتي بلعابها ال اعم‪ ,‬ك ت متعباً جداً من ال قاش‪ ,‬أصابع الفحم وشوك سعف‬
‫الحطب مستمرة في لعبتها الموجعة كانها مسامير حادة ‪,‬يحركها سجان إختص‬
‫بالتعذيب قبل أن يطلق القاضي حكمه بأٓعدام ‪ ...‬ال ص أأ‬

‫و في تجل قوي اخر للسريالية في قصةُُ الضفادع تتبختر في الماء أ‬

‫ٌ‬
‫مسؤول رسمي كل الدوائر ‪ ,‬وجدها خالية إا من أشباح‪ ,‬تركض بين‬ ‫ُُ إفتتح‬
‫أٓزقة‪ ,‬تصطاد ألجرذان ‪ ,‬تسير بكل آتجاهات ‪,‬بعضهم يركز فوهة ب دقيته‬
‫إستمر في الركض‪ ,‬يبدو أن‬
‫ّ‬ ‫على ذيل جرذ‪ ,‬أصابه بدقة مت اهية‪ ,‬لكن الجرذ‬
‫ذيله ا يهم ‪ ,‬م ظمات إنسانية تدخل على الخط ‪,‬قالوا ل ا إنهم مرسلون من‬
‫م ظمة رعاية الحيوان‪ ,‬الضفادع تتقافز‪ ,‬تمارس حيلتها المعروفة‪ ,‬العيش خارج‬
‫وداخل الماء‪ ,‬تصور تدريب الضفادع ‪,‬يكفي لك أن تعيش مزدوجاً وتصبح‬
‫ضفدعاً ممتازاً‪ ,‬تحقق إنتصاراً‪ ...‬ال صأأ‬

‫‪30‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫و هكذا جميع نصوص المجموعة فانها شواهد على السردية و السريالية‬


‫المتكاملة فتكون المجموعة محققة للشرط الف ي للوصف ‪ ،‬اضافة الى تكاملها‬
‫في اابعاد و الشرط الكتابية ااخرى المقومة للكتابة الف ية عموما ‪.‬‬

‫مظاهر الرسالية في العمل آدبي‬

‫الرسالية آدبية اي الهدف و القضية عامل جوهري في أدبية اادب ‪ ،‬و‬


‫الرسالية قد تكون اجتماعية اخاقية و قد تكون ف ية ادبية ‪.‬أما الرسالية الف ية‬
‫فظاهرة في المجموع من حيث التصدي لهذا الشكل الحداثوي و المعقد من‬
‫الكتابة مما يحقق اضافة في العملية الف ية ال وعية ‪ .‬و اما الرسالية ااجتماعية‬
‫فان نصوص المجموعة مشحونة بالرسائل ااجتماعية و اانسانية و ااخاقية‬
‫‪ .‬و كما ان ه اك الرسالة التصريحية فه اك الرسالة الضم ية اايحائية‪.‬و‬
‫الرسالية هي مظهر من مظهر تجليات المؤلف في ال ص ‪.‬‬

‫من الرسائل ااجتماعية التصريحية في المجموعة ما في قصة ُ الضفادع‬


‫تتبختر في الماء آسنأ ُه اك مصطلحات شبع ا من أكلها حتى التخمة‪ ,‬لكن‬
‫الوطن ازال يتاشى‪ ,‬أ و في قصة ُُ المعاريض أأ ُابد من ال وم بعد متابعة‬
‫حلقة ممتعة على تلفزيون الحياة عن الكذب مشرع اً‪ ,‬نحن نعيش اآن في وهم‬
‫الصدق أ و في قصة ُالقمر يرتفع عاليا في السماء أأُ في ماحم ا الحالية ا‬
‫توجد بطوات ‪ ,‬أحام ا ا تتجاوز تحليق حمام‪ ,‬نعرف أآن ‪,‬أن حضارة ألعالم‬
‫تحلق في الفضاء وبين المجرات ‪,‬و الصحراوي لحد هذ ألثانية ‪ ,‬غير قادر أن‬
‫يتسلق شجرًة أو ربوة أ بل ان الرسالية حتى تطغى بتصريحية في الع اوين كقصة‬

‫‪31‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ُ ع دما تمطي ااعراب ذيل السلطة أ و قصة ُ اافاعي ا تبتسم حين تعض‬
‫أ‪.‬‬

‫و اما الرسالية ااجتماعية اايحائية ف جدها ايضا مبثوثة في ال صوص ففي قصة‬
‫ُأشباح أ ُُإنها تعوي في جسدي ‪ ,‬كأنغام َكيتار حزين يعزف على الم فرد‪ ,‬له‬
‫يجتر خاصرتي‪ ,‬أشكو لمن ‪ ,‬وحدتي أأ ان قاموس االفاظ ُ‬ ‫إيقاع خاص‪ّ ,‬‬
‫تعوي ‪ ،‬حزين ‪ ،‬يجتر ‪ ،‬اشكوأ كما ان مفاد التعابير و دالتها يشير الى شكل‬
‫عميق من آسى و الغربة و الحزن ‪ ،‬و اعتراض و طلب للتغيير و الخاص ‪.‬‬
‫وفي قصة ُ متاهة التماسيحأ بوح على مستوى الفكرة ‪ ،‬و على مستوى السرد‬
‫‪ ،‬و على مستوى الصور و اايحاءات ‪.‬فاما الفكرة فمن الظاهر ان المؤلف قد‬
‫عبأ نصه بافكار و هواجس و رؤى كثيرة ‪ ،‬نقلها ال ص بلغة واضحة و صريحة‬
‫و احيانا ايحائية ‪ .‬فبين التيه العريض و على مستويات مختلفة و التي تذهب‬
‫فيه اارواح و الس ين ‪ ،‬فالحيرة و الوهم و الامع ى ‪ ،‬و الوحوش البشرية و من‬
‫يعتاش على دماء ال اس و حياتهم ‪ ،‬كلها نجدها حاضرة في مراجعة و طلب‬
‫مراجعة للفكرة و الفكر ‪ .‬و اما البوح على مستوى السرد فمن الواضح ان‬
‫سريالية ال ص تمثل طبقة للبوح و شكا تعبيريا اخر عن التيه و الضباب و‬
‫الوهم و حياة كالحلم في عدم م طقيتها و التباس امورها ‪ ،‬في تقل السرد بشكل‬
‫عشوائي ا م طقي بين المقاطع و ااحداث بشبكة ترابطات بعيدة تحقق‬
‫سريالية واضحة في ال ص ‪.‬و اما على مستوى الصور ففي ال ص مقاطع و‬
‫عبارات اعتراضية و جزئية تتسم بايحائية و توظيفات بوحية عالية كما في قوله‬
‫‪ُ:‬وأراد مي وس أن يجعل م ها سجًا للوحش الذي يسمى المي اتور‪ ,‬إذ كان‬
‫يضحى بسبعة من شباب أثي ا‪ ،‬وسبع عذارى لهذا الوحش كل س ةُماحظة‬
‫نحن نضحي أكثرأ‪ .‬فبعد مقدمة تعريف المتاهة بين سبب وجودها ااسطوري ‪،‬‬
‫و يبين انها اجل الحماية من الوحش و باسلوب ارتدادي ي قدح استفهام‬

‫‪32‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫مبطن بانه ما السبب الحالي لهذ المتاهة ؟ و تغير ع وانها و مع اها فصارت و‬
‫سيلة الوحش البشري لصيد الضعفاء في عالم الغاب الجديد ‪ .‬و يقول ‪ُ :‬لك ه‬
‫لم يعرف أن التماسيح تب ي تحت الماء متاهة‪ ,‬تصور أنها تب يها ٓجل أن‬
‫تسحب فريستها وتأكلها بهدوء‪ ,‬دون تطفل آخرين وخصوصاً الحيوانات‬
‫ألقمامة‪ ,‬إا أن الباحثين أثبتوا أنها اتستعملها لهذا الغرضُالتماسيح اترى في‬
‫الظلمة وهي تحت الماءأ‪ ,‬ه ا شعور و اشعار بامور خفية و ان اامور في عالم‬
‫المتاهات ليست كما تبدو ‪ ،‬و ان الظاهر ليس كل شيء ‪ ،‬كما ان ه ا يظهر‬
‫سلطة العلم في عصر العولمة و عدم كفاية اافكار الموروثة و ااسطورية ‪ .‬كما‬
‫فصل ا في مستويات البوح في القصة السريالية ُالموسوي ‪ 2015‬أ‬

‫المظاهر الجمالية في العمل اابداعي‬

‫الجمالية هي المكان الرحب الواسع لل قد التعبيري و الذي يكشف فيه و‬


‫بحيوية فذة عن مواطن اابداع و الجمال في ال ص مستعي ا بالواقعية و‬
‫الوجدانية من دون ادعاء او تزييف ‪ ،‬انه رصد لمظاهر الجمال و التي تسبب‬
‫ااثارة الجمالية و تحدث ااستجابة الجمالية لدى المتلقي ‪ ،‬و بهذا يظهر‬
‫البحث الجمالي التعبيري اكثر واقعية و موضوعية و علمية من كثير من‬
‫ااطروحات التي ت ّدعي الكشف عن الجمال ‪ ،‬و لقد اثبتت المقاات و‬
‫القراءات المتعددة التي قدم اها ب قد تعبيري ٓعمال ابداعية ُ الموسوي‬
‫يتلمسها‬
‫‪2015‬أ صدق و واقعية و حرفية و جوهرية الع اصر الجمالية التي ّ‬
‫ال قد التعبيري ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ان أهم ما يشير اليه ال قد التعبيري في البحث الجمالي هو ُ المعادل الجمالي‬


‫أ حيث ان ااستجابة الجمالية تحدث بسبب ُ عامل جمالي أ عميق ‪ .‬من‬
‫سر ابداع و اكتشاف المبدع ‪،‬‬
‫وظيفة ال قد بيان ذلك العامل ‪ ،‬وهذا العامل هو ّ‬
‫اا ان ذلك العامل الجمالي يحتاج الى شكل و صورة لكي يظهر بها الى‬
‫الخارجي ‪ ،‬المبدع يعمل على ايجاد ذلك الشكل بمظهر ادبي نصي وهو ُ‬
‫المعادل الجمالي أ ‪.‬و هذا ايضا من تفردات ال قد التعبيري فان المبدع ليس‬
‫فقط مبدعا في ايجاد المعادل الجمالي وهو المظهر و الع صر اادبي ال صي‬
‫الذي يعرفه و يدركه المتلقي و الذي يشير اليه ال قد التقليدي ‪ ،‬و انما و قبل‬
‫ذلك فان المبدع يكتشف العامل الجمالي ‪،‬و الذي يحكيه و يصوغ الدال‬
‫عليه بشكل مظهر خارجي نصي هو المعادل الجمالي في نظام الدالة الجمالية‬
‫‪.‬‬

‫المعادات و العوامل الجمالية‬

‫ٓجل تصور متقدم و مضيف للفكر الجمالي اادبي ا بد من بيان المعادات‬


‫الجمالية المتحققة في ال صوص سواء كانت معهودة او غير معهودة ‪ ،‬و بيان‬
‫العوامل الجمالية التي تقابلها ولو اجماا ‪ .‬واهم المعادات الجمالية هي‬
‫التوظيفات و الاألفة او اانحراف و الت اغم ‪ ،‬و قد بي ا سابقا بعض ال ماذج و‬
‫س بين فيما يأتي صور أخر لذلك ‪ ،‬يقابلها عوامل جمالية مهمة عامة مثل‬
‫آنس و ااكتشاف و الصدمة و العجز و اابتكار ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫البحث الذي يمكن ان يستوفي وجودات المعادات الجمالية و تجليات‬


‫العوامل الجمالية هو البحث التدريجي و نقصد به اابتداء من المفرد ثم‬
‫ااس اد الفظي ثم الجملة ثم الفقرة ثم ال ص ‪ ،‬و مع ان هذا البحث في‬
‫حقيقته استقرائي مطول حتى في ال ص الواحد اا انه يمكن بعملية انتخاب‬
‫ال ماذج التمثيلية معالجة ذلك ‪ ،‬كما انه ب فس الطريقة يمكن بحث نصوص‬
‫متعددة في مقام واحد ‪ .‬و مع ان عوامل جمالية مهمة هي الغالبة كمؤثر في‬
‫ااستجابة الجمالية مثال آنس و ااكتشاف كمقابل للت اغم و الصدمة العجز‬
‫و آبتكار كمقابل لاألفة ‪ ،‬اا انها تكون اكثر وظيفية في بعض الوحدات و‬
‫اانظمة الكامية من غيرها كما س بين ‪ .‬كما انه في كل موضع و وحدة كامية‬
‫يمكن تلمس تجليات المؤلف و القارئ و اللغة و ال ص ‪ .‬من ه ا سيكون‬
‫مقسم على اانظمة الخمسة المتقدمة ‪.‬‬
‫البحث التعبيري ّ‬

‫نظام المفردة‬ ‫‪.1‬‬

‫أهم اابحاث التعبيرية على مستوى نظام المفردة هو القاموس‬


‫المفرداتي و قدرته في خلق مزاج ال ص و الذي من وسطه تحصل‬
‫التوظيفات اابداعية ااخرى ‪ ،‬اذ انه ا بد من خلق مزاج لل ص عام‬
‫يكون كالسماء لل ص ‪ ،‬اجل ان تبرز و تظهر التكتات الداخلية‬
‫ك جوم و كوكب فيه ‪ .‬العامل الجمالي المقابل لهذا المعادل يكون‬
‫بشكلين ااول عاطفي انفعالي اتجا القاموس ‪ ،‬فالحقل المع وي الذي‬
‫يحقق القاموس و المزاج العام له مقابل عاطفي ‪ ،‬فقاموس و مزاج‬
‫الحزن له مقابل يختلف عن قاموس و مزاج الفرح ‪،‬وهكذا ‪ .‬الشكل‬
‫الثاني انه بتحقق المزاج و القاموس و المقابل العميق ‪ ،‬فان الكتل و‬
‫التعابير الم بثقة في ال ص تحقق تجاورية تحليلية تشبه في تأثيرها‬

‫‪35‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫التجاورية الشكلية التي سياتي الحديث ع ها و لها نفس مقاباتها‬


‫العميقة ‪.‬‬

‫وقد تقدم بيان كيف ان القاموس المفرداتي خلق تعبيرا وبوحا بااسى و‬
‫الحزن في مقطع من قصة ُ أشباح أ و في قصة ُ سفر أ نجد قاموسا‬
‫مفرداتيا في مقطع م ها ي قل القارئ الى الحقول المع وية في السفر و‬
‫يخلق مزاجا عاما بااكتشاف ُأتذكر غاندي ومسيرة الملح ‪,‬المقاومة‬
‫با ع ف‪ ,‬أرى شوارع مدي تي‪ ,‬فيها ال اس يقتلون أنفسهم ويقتلون ا‪,‬‬
‫حتى أصبح ا نعيش في مدن آشباح‪ ,‬إنه نموذج لخداع البصر‬
‫والبصيرة ‪,‬تمتعت بإجازة من عملي‪ ,‬قال البعض ز َار جزيرة كيش ‪,‬‬
‫البعض اآخر قال ز َار مدي ة االعاب في أعلى ناطحة سحاب في‬
‫العالم‪ ,‬والذين يتم ون لي الهداية‪ ,‬يقولون ذهب للعمرة ‪,‬لك ي في‬
‫الحقيقة لم أنقل جسدي من مشغلي‪ ,‬لدي مفهوم فيه بعض الشذوذ‪,‬‬
‫أفلسفه كما يلي‪ ,!.....‬أحيانا اللذة ألروحية و الجسدية ا يستوعبها‬
‫المكان‪ ,‬إن ك ت تريد أن تسافر‪ ,‬سافر إلى روحك‪ ,‬دغدغ ضفائرها‬
‫ستجيبك أ فألفاظ ُ مسيرة ‪ ،‬شوارع ‪،‬مدي تي ‪ ،‬اجازة ‪،‬زار ‪ ،‬جزيرة ‪،‬‬
‫العمرة ‪ ،‬سافر أ هذا القاموس ي قل القارئ الى حقول المع ى الخاصة‬
‫بالسفر و اانتقال ‪ ،‬و ه اك الفاظ تخلق جو العلو و مزاج التعالي و‬
‫ااشراق ُ غاندي ‪،‬مقاومة ‪،‬جزيرة كيش ‪،‬اعلى ‪ ،‬ناطحة سحاب ‪،‬اللذة‬
‫‪ ،‬الروحية ‪ ،‬روحك أ ‪ .‬قاموس المفردات و ما يخلق من مزاج وجو‬
‫لل ص هو نموذج للت اغم الف ي وهذ المعادات الجمالية يقابلها‬
‫عوامل جمالية اهمها اانس و ااكتشاف كما انه يمثل تجليا للغة و‬
‫انثيااتها ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫نظام ااس اد‬ ‫‪.2‬‬

‫اهم اابحاث التعبيرية في نظام ااس اد هو التوجيه المع وي ‪ ،‬بان‬


‫يضيف المؤلف صفة او نعت او اس اد معين يخصص اتجا المفردة‬
‫المع وي و االفة و الاألفة ااس ادية اي الم طقية الكامية حيث ان‬
‫لكل مفردة مجال توقع تجاوري ‪ ،‬بالاألفة يحصل كسر له ‪ .‬و بألفة‬
‫التجاور او األفته تتحدد سرع الكلمات ‪ ،‬اذ كلما زادت االفة بين‬
‫الكلمات المس دة قلت سرعة المفردات و كلما قلت زادت سرعتها ‪،‬‬
‫و ادراك هذ العاقة او ال ظام التجاوري هو جزء من نظام التجاورية‬
‫الشكلية الذي يشمل ايضا الجمل الماجورة و الفقرات المتجاورة ‪.‬‬
‫الاألفة و اانحراف و السرع الكامية معادات جمالية توظيفية ‪،‬‬
‫يقابلها عوامل جمالية ابهارية اهمها الصدمة و اابتكار و العجز‬
‫العملي بان يحصل لدى المتلقي شعور بالعجز تجا الم جز ‪.‬‬

‫في المقطع المتقدم من قصة ُ سفر أ نجد توجيها مع ويا اس اديا‬


‫ظاهرا في اس ادات مثل ُ مسيرة الملح ‪ ,‬المقاومة با ع ف‪ ,‬شوارع‬
‫مدي تي‪ ,‬ال اس يقتلون أنفسهم ‪ ،‬مدن آشباح ‪ ،‬خداع البصر والبصيرة‬
‫‪ ,‬مد ي ة االعاب في أعلى ناطحة سحاب في العالم‪ ,‬مفهوم فيه بعض‬
‫الشذوذ أ من الواضح ان المفردات المركزية في تلك التعابير قد‬
‫اقتص المؤلف م ها حصص خاصة فالمسيرة هي مسيرة الملح و‬
‫المقاومة هي مقاومة الاع ف و مدي ة االعاب في اعلى ناطحة‬
‫سحاب في العالم و هكذا أ ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫اما الاألفة ااس ادية فهو اانحراف و اانزياح و المجاز و الشعرية‬


‫وهي طاغية في المجموعة حتى انها تصل الى الع اوين مثل ُ الضفادع‬
‫تتبختر في الماء اآسن أ و ُ زمان الصفر أ ُ ع دما تصحو الت انين أ‬
‫ُ حلم سريالي أ ُ ع دما يمتطي ااعراب ذيل السلطة أ ‪ .‬و انظمة‬
‫التجاور و ااس اد تتأثر كثير بغايات ال ص و تجلياته كما ا يخفى ‪.‬‬

‫نظام الجملة‬ ‫‪.3‬‬

‫اهم اابحاث التعبيرية في نظام الجملة هي اافادة ‪،‬و التوظيف‬


‫فاافادة قد تكون قريبة او بعيدة مباشرة او غير مباشرة ‪ ،‬توصيلية او‬
‫ايحائية ‪ ،‬وهذا انعكاس التوظيف فيها ‪ ،‬و من المعلوم ان الجملة‬
‫تحتل مكانة مهمة في القراءة اادبية اذ انها في الشعر الصوري تحقق‬
‫الصورة الشعرية و في السرد القصصي تحقق الحكاية ‪ ،‬و اما في‬
‫السرد التعبيري المقوم لشعر ال ثر و قصيدة ال ثر فانها تحقق التعبير ‪.‬‬

‫و نصوص المجموعة كلها شاهدة على حكائية الجمل بسردية حكائية‬


‫‪ ،‬كما ان السردية الحكائية بوصفيتها و تشخيصيتها مهمة ه ا اجل‬
‫خلق العمل السريالي ‪ ،‬انه يعتمد على التجاور الام طقي بين‬
‫الم طقيات ‪ .‬و لذلك يكون من المستبعد امكانية ال ص السريالي في‬
‫الشعر الصوري المعتمد على الصورة الشعرية نعم الرسالية ممك ة في‬
‫السردية التعبيرية لقصيدة ال ثر ‪.‬‬

‫نظام الفقرة‬ ‫‪.4‬‬

‫‪38‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ربما يغفل احيانا عن اهمية نظام الفقرة في ال ص ‪ ،‬اا انه في الواقع‬


‫هو من اهم ما يحدد الطبيعة التج يسية لل ص ‪ ،‬اذ ان الم طقية‬
‫المطلوبة بين الجمل ايضا تؤثر بل هي اساسية في مظهر ال ص ‪ ،‬و‬
‫كما ان التجاور الفقراتي يميز بين السرد و التصوير ‪ ،‬فانه ايضا يميز‬
‫بين السرد الم طقي و السرد الام طقي المتمثل بالسرد السريالي ‪ ،‬و‬
‫السرد التعبيري ‪ ،‬و من هذ الجهة اي اشتراك السرد السريالي مع‬
‫السرد التعبيري في كسر الم طقية الفقراتية وان كانت هي أشد و‬
‫اع ف في السريالية ‪ ،‬فانه يعد احيانا من قصيدة ال ثر كما اشرنا ‪.‬‬

‫من الواضح ان العاقات الفقراتية بين الجمل مهمة في قصص‬


‫مجموعة ُ رواية حمزة ااصفهاني أ ‪ ،‬اذ بالام طقية التجاورية بين‬
‫الجمل تتحقق السريالية ‪ ،‬و من الواضح ان جميع فقرات قصص‬
‫المجموعة شواهد على ذلك ‪.‬‬

‫نظام ال ص‬ ‫‪.5‬‬

‫اضافة الي البحث الف ي في رسالية ال ص الجمالية و ااجتماعية فان‬


‫البحث التعبيري الجمالي في ال ص يبحث في تكامله الجمالي ‪،‬اي‬
‫في قيمته و ثراء و هو مجموع ما فيه من ت وعات ابداعية ‪ ،‬و ا‬
‫يعتقد ان ذلك يت اسب مع طول ال ص ‪ ،‬ان القيمة الجمالية لل ص‬
‫ليس مجموعية و انما نسبية اي بمع ى انها تساوي مقدار ما يحققه‬
‫ال ص على مستوى الوحدة الكامية ‪ ،‬و من المعلوم ان هذا الفهم‬
‫اصافة الى انه يفسر التقليل الجمالي من الزيادات الضارة في ال ص‬
‫فانه من تفردات ال قد التعبيري ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ان عملية تتبع قيمة ال ص و ثراء هي عملية احصائية ‪ ،‬احصاء ف ي و‬


‫جمالي ‪ ،‬كما ان ال سبية و توزيع الوحدات اابداعية على الوحدات‬
‫ا لكتابية ايضا من وظيفة البحث في قيمة ال ص ‪ ،‬و من نتائج البحث‬
‫ال صي هي ااضافة التي يحققها العمل ‪.‬‬

‫في القصة السريالية و بما تشتمل عليه من مستويات تعبيرية و ع اصر ادهاش‬
‫و ابهار و تكثيف و األفة و ا م طقية كامية فانها تحقق مقادير عالية من‬
‫الثراء ال صي و البوحي و ااضافة الف ية ‪.‬‬

‫ما وراء الظاهرة الجمالية‬

‫ان الظاهرة الجمالية بمعاداتها وعواملها هي ع اصر فاعلة و خالقة للتأثير في‬
‫نفس المتلقي ما يحصل لدى المتلقي ااستجابة الجمالية اضافة الى امور‬
‫اخرى خارج لت اول ال قدي اادبي كااضافات المعرفية لغوية و فكرية ‪ .‬و‬
‫العالم الذي يحص فيه التأثر ممكن ان نسميه ب ظام ااستجابة الجمالية ‪ ،‬و‬
‫الذي يمكن ال ظر اليه من جهة ال ظرية و التطبيق ‪ ،‬تشتمل الجهة ااولى على‬
‫بحث حقيقة ااستجابة الجمالية و البعد الجمالية و الجهة الثانية القراءة‬
‫اابداعية و التي هي مظهر من مظاهر تجلي القارئ في ال ص ‪ ،‬هذا الفهم‬
‫لظاهرة التعبير آدبي هو من تفردات ال قد التعبيري وغ ا ‪.‬‬

‫ااستجابة الظاهرية و العميقة‬ ‫‪.1‬‬

‫في الطرف اآخر من عملية التمتع بالقراءة نظام ااستجابة الجمالية ‪ ،‬و بالقدر‬
‫الذي تكون كثير من مظاهر ااستجابة الظاهرية معقدة ‪ ،‬فانه ايضا ه اك وضوح‬

‫‪40‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫في مديات و اشكال ااستجابة الجمالية ‪ .‬ان تأثير العمل اابداعي على‬
‫المتلقي اما ان يكون بحركة شعورية ظاهرية وهذا هو اابهار الظاهري و الذي‬
‫يتصل كثيرا بالت اغم الحسي المادي للعمل سواء على مستوى الشكل ام‬
‫المضمون ‪ ،‬اذ كما ان للشكل ت اغما فان للفكر و تعامله مع المضمون‬
‫متطلبات ت اغم ‪ ،‬و يمكن ان نسمي هذا الشكل من ااثارة بااثارة الت اغمية ‪.‬‬
‫و ه اك استجابة و اثارة عميقة تتجاوز الت اغم الشكلي و المضموني تكون‬
‫اساسا في الصدمة و المفارقة و كسر التوقع ‪ ،‬وهذ ااثارة الشعورية تكون‬
‫عميقة ‪ ،‬و لها ايضا ع اصر شكلية و مضمونية ‪،‬و يمكن ان نسميها ااثارة‬
‫الصادمة ‪ .‬ان هذا الفهم يتجاوز و با ريب اشكاليات الفهم السيمائية لاثارة‬
‫المرتكز كثيرا على التوافق و ااشتراك و اابهار الت اغمي ‪ ،‬و يتجاوز ايضا‬
‫اشكاليات الفهم ااسلوبي لاثارة القائم بشكل شبه كامل على اانحراف و‬
‫التفرد و اابهار الصادم ‪ ،‬كما انه يعطي تصورا متقدما عن المادة المثيرة و انها‬
‫ليست امرا مستقرا في العمل بل انها مترامية ااطراف و تدخل القراءة كعامل‬
‫جوهري فيها ‪.‬‬

‫لكل من ااستجابة الظاهرية و العميقة محدثات و م تجات خاصة ملحوظة من‬


‫المعادات الجمالية و المظاهر و الع اصر ال صة ‪ ،‬او بمع ى ادق ان لكل‬
‫ع صر نصي جمالي تأثير متميز خاص في جهة معين م هما ‪ ،‬فع اصر الت اغم‬
‫كالموسيقى الشكلية مثا تحقق ااستجابة و ااثارة الظاهرية ‪ ،‬بي ما اانحراف‬
‫و الاألفة و الصدمة تحقق ااستجابة و ااثارة العميقة ‪.‬‬

‫في قصة ُ حلم سرياليأ ع اصر ت اغمية و ات اغمية ‪.‬‬

‫ُُ اليوم أنهيت كتابة الرواية‪ ,‬لي بعض الماحظات التعبيرية‪ ,‬كونها اتمثل كل‬
‫ما في وجداني‪ ,‬لك ي بكيت‪ ,‬ع دما إنتهيت من ت ضيد آوراق كانت دموعي‬
‫‪41‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫غزيرة ‪ ,‬ت اولت قطعة من الورق الصحي ‪ ,‬مسحت عي ي ‪ ,‬كان الورق نظيفاً‪,‬‬
‫تم يت لو أن الكل تمسح دموعها به حتى لو كانت دموع تماسيح‪ ,‬حزنت‬
‫على مصير جورية ‪ ,‬خلقتها في خيالي ‪,‬لكن الكثير يعتقدون إن كل ما أكتبه‬
‫كل ما أكتبه هو من وحي أحامي ‪ ,‬ع دما أنظر‬
‫هو من وحي الواقع‪ ,‬أعترف إن ّ‬
‫الى الجدار أحلم‪ ,‬ع دما أنظر الى البحر أحلم‪ ,‬ما المشكلة إن ي أحلم دائما‪,‬‬
‫الحلم مملكتي الخاصة‪ ,‬يوما ما حلمت بإآهة سومرية‪ ,‬أسميتها رغم أنها ا‬
‫تحمل المستمسكات آربع‪ ,‬ال ص أأ‬

‫ع اصر الت اغم تتجلى في ال ص في مراعاة التداولية و الموسيقى الشكلية وفي‬


‫القصص يكون ااول غالبا ‪ ،‬فمن صور الت اغم ااسلوب السردي اذ انه‬
‫تداولي و قريب لل فس من التصوير الشعري فيحثث الفة ‪ ،‬و الصورة ااخرى‬
‫االفظ االيفة ُ اليوم ‪ ،‬وجداني ‪ ،‬بكيت ‪ ،‬دموع ‪ ،‬ورق صحي وغيرها أ ‪ ،‬و‬
‫ايضا الوصفية و الحكائية الواضحة ‪ ،‬كما ان الخطابية في ُالكثير يعتقدون إن‬
‫كل ما أكتبه هو من وحي أحامي‬
‫كل ما أكتبه هو من وحي الواقع‪ ,‬أعترف إن ّ‬
‫‪ ,‬ع دما أنظر الى الجدار أحلم‪ ,‬ع دما أنظر الى البحر أحلم‪ ,‬ما المشكلة إن ي‬
‫أحلم دائما أ هذ كلها من حيث االفة و القرب التي تحقق انظمة ت اغم‬
‫فكرية و أنس و تلذذ ظاهري ‪ .‬اما انظمة الات اغم فالسريالية و القفز‬
‫الام طقي ‪ ،‬و التراكيب اانزيحاية ‪ ،‬و كذلك الرسالة الصادمة كما في ُتم يت‬
‫لو أن الكل تمسح دموعها به حتى لو كانت دموع تماسيح أ اضافة الى‬
‫الخيالية التصويرية الصادمة وهي شيء اخر غير الرسالية مثل ُلك ي بكيت‪,‬‬
‫ع دما إنتهيت من ت ضيد آوراق أ و كذلك عبارة ُ كانت دموعي غزيرة ‪,‬‬
‫ت اولت قطعة من الورق الصحي ‪ ,‬مسحت عي ي أ ‪.‬اذ ان السريالية تتجلى في‬
‫العاقة التجاورية بين الجمل ‪ ،‬اما داخل الجمال فاانياح الخيالي التصويري‬
‫وكلها تحقق ااثارة العميقة ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫البعد الجمالي‬ ‫‪.2‬‬

‫نظام ااستجابة الجمالي و ااثارة دوما مركب من الشكلين الظاهري و العميق‬


‫وان كانت الغالبية ٓحدهما انهما شبه ضدين ‪ ،‬بمع ى آخر ان التركيبية في‬
‫ااستجابة و اابهار الجمالي ازم ‪ ،‬بحيث ان ه اك دوما مقدار من‬
‫اابهارالت اغمي الظاهري و مقدار من اابهار الات اغمي العميق ‪ .‬و نظام‬
‫المتعة و ااثارة و اانبهار يتحدد كمحصلة نهائية لمجموع مقداري هذين‬
‫الشكلين ‪.‬‬

‫ان مقدار اانبهار مع حقيقته الكمية فانه ايضا كيفي ‪ ،‬يعتمد في كمه و كيفه‬
‫على ال قاط الشعورية التي يحفزها ‪ ،‬فلدي ا كم من م اطق الشعور المحفزة و‬
‫كيف و نوعية م ها ‪ ،‬مساحة الم اطق المحفزة يحقق البعد الكمي ‪ ،‬و توزع و‬
‫ت وع الم اطق يحقق البعد الكيفي ‪ ،‬و كما ان المقدار الكمي يتجسد بكتلة‬
‫الم طقة و المساحة فان البعد الكيفي يتجسد بشكل اشكال من مستقيم و‬
‫مستوي و مجسم ‪ .‬وكما ان ه اك فرقا في المقادير الكمية فان ه اك فرقا في‬
‫التجسيدات الشكلية من حيث كون ااستجابة مستقيمة ام مستوية ام مجسمة‬
‫‪ .‬وكما ان لكل من شكلي ااستجابة الظاهري و العميق ع اصر نصية غالبة‬
‫فان في اشكال اابعاد الجمالية ايضا ع اصر م اسبة تحدثها ‪.‬‬

‫القراءة اابداعية وحركة ال ص ‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ان لل ص اادبي بابعاد المتقدمة ‪ -‬اضافة الى بعد ال صي الب ائي ك ص‬


‫بمفردات و جمل و فقرات متجاورة ‪ -‬بعدا ابداعيا اسلوبيا يتمثل بالف ية و‬
‫الجمالية و له ايضا بعد دالي تجلياتي يتمثل بتجلّي اللغة و ال ص و المؤلف ‪.‬‬
‫بي ما يكون قاصرا تتبع ع اصر البعد اابداعي ااسلوبي فقط او تتبع ع اصر‬
‫البعد الكتابي الدالي فقط ‪ ،‬فان تتبع نقاط تاقيهما التعبيرية الجمالية يكون‬
‫بالقراءة التعبيرية اابداعية ‪ ،‬و التي تتجاوز جميع اشكاليات الشكلين‬
‫المتقدمين من قراءة ال ص ‪ .‬هذ القراءة بهذ اابعاد هي ما يحصل لكل قارئ‬
‫و نتاجها وان كان اجماليا و عميقا و ضبابيا اا انه يحدث دوما وحسب‬
‫استعداد القارئ ‪ ،‬وما القراءة ااحترافية اا جاء و بيان لتلك الحالة الموجودة‬
‫‪ ،‬فال قد ليس خلقا للقراءة و انما كشفا ع ها ‪.‬‬

‫ما يحدث في عملية القراءة انها تتطور من مستوى المفردة الى مستوى ااس اد‬
‫او التجاور المفرداتي الى مستوى الجملة الى مستوى الفقرة ثم الى مستوى‬
‫ال ص بكله ‪ ،‬و اث اء كل مستوى يحضر البعد اللغوي الدالي و البعد اابداعي‬
‫ااسلوبي ‪ ،‬و بمجموع ما يتم من انظمة احتكاك و تقابل و التقاء و تقاطع ‪،‬‬
‫يحقق العمل اابداع في ذلك الموضع او ال ظام ال صي المعين نقطة تعبيرية‬
‫جمالية تحصل في الفكر و ال فس ‪ ،‬يمكن ان تفهم كمقابل كم للعملية‬
‫اابداعية ‪ ،‬و من ه ا و بال قطة التعبيرية يقدم ال قد التعبيري فهما كميا للجمال‬
‫وهو من تفرداته في هذا الشأن ‪ .‬يقابل تلك ال قطة في كل وحدة كتابية بعد‬
‫خاص بالقراءة هو البعد الشعوري و ااستجابة الجمالية وهي خلق خاص‬
‫بالقارئ لل ص يختلف فيه عن غير ‪ .‬بعبارة اخرى بي ما يكون ال ص ككيان‬
‫مكتوب شكا ساك ا ا حراك فيه ‪ ،‬فانه ككيان مقروء يكون كيانا متحركا له‬
‫بعد الحركي هو البعد القراءاتي الشعوري ويمثل بعد الحركة الذي يخرج ال ص‬

‫‪44‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫من السكون ‪ ،‬كما ان استعداد القارئ و تصوراته تأثير على سرعة تلك الحركة‬
‫‪ ،‬وكلما كان ال ص ذا حركة سريعة بثراء و ثراء القارئ كان أكثر ابهارا ‪.‬‬

‫القراءة ما هي اا عملية مشاهدة و تلقي تبحر فيها ال فس في ‪ -1‬عوالم ال ص‬


‫و الكتابة ‪ ،‬و ‪ -2‬عوالم الفكر و اللغة ‪ ،‬و ‪ -3‬عوالم الخيال و اابداع ‪ ،‬و‬
‫‪ -4‬عوالم الشعور و المتعة ‪ .‬بي ما العوالم الثاثة تخلق الشكل المجسم‬
‫لل ص ‪ ،‬فان العالم الرابع اي القراءة هو البعد الحركي الذي يكتسبه ال ص‬
‫روحا و حركة تخرجه عن السكون ‪ .‬هذ العوالم ااربعة الحاضرة دوما في‬
‫الكتابة اابداعية هي التي تضرب في عمق ال فس و تجعل الكتابة اادبية‬
‫مميزة ‪ ،‬و بمقدار تجلي ع اصر و اشياء تلك العوالم و تلك اابعاد يتحدد‬
‫وقع القراءة و مقدارها التعبيري ‪ .‬وان القصص السريالية في مجموعة ُ رواية‬
‫حمزة ااصفهاني أ كانت موط ا لتجليات فذة و عالية للمؤلف و القارئ و‬
‫اللغة و ال ص ‪ ،‬انها نصوص تبلغ اهدافها و تحقق ااضافة اادبية و الرسالة‬
‫المرجوة ‪ .‬و ال قد التعبيري هو ااداة الصادق و المجال الفسيح الذي يدرك‬
‫و يرى تلك اانظمة و تلك اابعاد بواقعية و صدق و وضوح ‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫صي في سردية ُ ع ز و ِقدر و إبريق أ لفريد قاسم‬


‫الرمزية البسيطة و التأريخ ال ّ‬
‫غانم‬

‫‪46‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الرمزية و الشعرية ‪ ،‬من المامح الواضحة لكتابات القاص الفلسطي ي الف ّذ‬
‫فريد قاسم غانم ‪ ،‬و من المعلوم ا ّن هذا ال هج هو من مامح السرد الحديث ‪.‬‬
‫و ا يخفى عظم اامتاع الذي يح ّققه السرد المتصف بالشاعرية ‪ ،‬و الرمزية ‪،‬‬
‫لكن في بعض من سرديات فريد قاسم نجد الرمزية البسيطة ‪ ،‬و في الحقيقة‬
‫قصة ُ ع ز و قدر و ابريقأ مثّلت نموذجا‬
‫هذ لغة متفردة لم نعهدها ‪ ،‬و نجد ّ‬
‫لهذ الرمزية ‪ ،‬كما انّها بج ب ذلك أبدعت في تحقيق التأريخ ال صي ‪ ،‬و‬
‫الذي نع ي به خلق الرمز ال صي في قبال الرمز الخارجي الموظّف ‪ .‬و س احظ‬
‫تطور القصة تتحول‬
‫قصة فريد قاسم مع الوقت و ّ‬ ‫و بيسر كيف أ ّن شخوص ّ‬
‫الى رموز ‪ ،‬و ا ّن الع ز لم يكن بآساس ع زا ‪ ،‬او لم يعد كذلك و هكذا‬
‫القصة اوا ثم نعمد الى‬ ‫ِ‬
‫اابريق و القدر ‪ ،‬و غير ذلك ‪ .‬و من اافضل ان نقرأ ّ‬
‫تتبع الرمزية البسيطة و التأريخ ال صي و خلق الرمز فيها ‪.‬‬

‫أ‬ ‫وإبري ٌق‬ ‫وقِ ْد ٌر‬ ‫ع ٌز‬ ‫ُ‬


‫غانم‬ ‫قاسم‬ ‫فريد‬ ‫بقلم‪:‬‬
‫الق ْدر المطليةُ بآَسو ِد ِ‬
‫الفاح ِم على الجبَ ِل الرخ ِو‪ .‬إلى جانبِها استلقى‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫اتّكأَت ُ‬
‫والرمادي العادي‬ ‫يج من آ ِ‬ ‫ش ِ‬
‫َسود الطري ّ‬ ‫َ‬ ‫مكسواً بمز ٍ‬
‫ّ‬ ‫يق‬
‫اي‪ .‬كان اإبر ُ‬ ‫يق ال ّ‬
‫إبر ُ‬
‫وعا من آلوم يوم‬ ‫ضي الباهت‪ ،‬دال ًة على أنّهُ كان في طفولتِ ِه مص ً‬ ‫والف ّ‬
‫ِ‬
‫ساخ َرة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بسمة‬ ‫سمت بقايا‬ ‫هة اإبريق ارتَ ْ‬ ‫الرخيص‪ .‬وعلى فو ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫طال من الجي س‬ ‫شاب بب ٍ‬ ‫رجل ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المرطبَة بالظّال‪ ،‬استلقى ٌ‬ ‫هامش الرقعة ُ‬ ‫في‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫محشوةٌ َبر ُج ٍل صحر ّ‬
‫اوي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ت عباءةٌ‬‫قرفص ْ‬
‫َ‬ ‫الرمل‪ ،‬ومقابلَهُ‬ ‫المرصوف بحبّات ّ‬
‫ت خل َفها‬‫ض ْ‬
‫وشم أزرق‪ ،‬فيما تراك َ‬‫ت المكا َن من ور ِاء ٍ‬ ‫ت امرأةٌ طاع ةٌ‪ ،‬عاي َ ِ‬
‫َ‬
‫ضر ِ‬
‫ح ََ‬
‫كأنها عارضةُ أزياء‪ .‬كانت الع ُز صامتةً‪.‬‬ ‫نحيف‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مثل ظلها‪ ،‬ع ٌز شقراءُ ِبق ٍ‬
‫وام‬ ‫َ‬

‫‪47‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫واقترحت كما يبدو‪ ،‬بله ٍ‬


‫جة‬ ‫ْ‬ ‫يق من لسانِِه‪،‬‬ ‫حملَت المرأةُ ِ‬
‫الق ْد َر من أُذُنِها واإبر َ‬
‫ت‬ ‫اانتقال إلى الظل المت ّقل‪ ،‬فيما خطََف ِ‬ ‫صاحب ب طال الجي س‪،‬‬ ‫يفهمها‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫لم ْ‬
‫قبل أ ْن‬ ‫ِ‬ ‫كانت ملقا ًة على ب ِ‬
‫والتهم ْتها َ‬
‫َ‬ ‫صاحب الب طال‬ ‫عد ذر ٍاع من‬ ‫ُ‬ ‫الع ُز خارطةً ْ ُ‬
‫شاب‬ ‫فشعر ال ّ‬
‫َ‬ ‫حات‪،‬‬
‫الولوات والص ْي ُ‬
‫ُ‬ ‫شاب ما حدث‪ .‬لم تش َف ِع‬ ‫يستوعب ال ّ‬
‫َ‬
‫المساء سوف تجتر‬ ‫ِ‬ ‫العالم اآن في بطن ع ٍز‪ .‬في‬ ‫ياع في هذ البراري‪.‬‬ ‫ض ِ‬ ‫بال ّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫انته ِ‬
‫الخارطة‪،‬‬ ‫ت الع ُز من‬ ‫ض لاجترا ِر من كل ُمجتَ ّر‪َ .‬‬ ‫عر َ‬‫الم ّ‬
‫العالم‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫الع ُز‬
‫كأس‬ ‫طال الجي س‪ ،‬حين اختط َف ْ ِ‬ ‫صاحب ب ِ‬ ‫ِ‬
‫ت بفمها َ‬ ‫شاب‬ ‫حبل أفكار ال ّ‬ ‫وقطعت َ‬
‫تلع ُق ما تب ّقى من السائل البّي الغامق‬ ‫الرمل‪ ،‬وراحت َ‬ ‫ِ‬
‫المغروس في ّ‬ ‫شاي‬ ‫ال ّ‬
‫عليها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بلسانِها‪.‬‬
‫وعرض ْ‬ ‫َ‬ ‫بالرمل‪،‬‬
‫صاحب الب طال المرصوف ّ‬ ‫ُ‬ ‫شاب‬ ‫ضحك ال ّ‬
‫َ‬
‫سيجارةً‪.‬‬
‫أشعة‬
‫الهارب من ّ‬ ‫ِ‬ ‫الرمل‪ ،‬سعيًا وراء الظل‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫مل إلى ّ‬ ‫انتقلَت المجموعةُ من ّ‬
‫رج ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الشمس الحا ِرقة‪ .‬استلقى الشاب‬
‫صاحب الجي س قبال َة العباءة المحشوة ب ُ‬ ‫ُ‬
‫اء صاحبتِها‪.‬‬ ‫تدور ور َ‬‫ُ‬ ‫الصحراء‪ ،‬في الموق ِع الجديد‪ ،‬فيما أخذت الع ُز‬
‫العجوز‬ ‫اقترحت‬ ‫ٍ‬ ‫لم ِ‬
‫ُ‬ ‫الوقت‪ ،‬حتى َ‬ ‫ُ‬ ‫يتحر ُك فيه‬
‫طويل‪ ،‬في مكان ا ّ‬ ‫وقت ٌ‬ ‫يمض ٌ‬
‫ث من ور ِاء ق ٍاع من‬ ‫اانتقال مرًة أخرى بحثاً عن الظل الهارب‪ .‬كانت تتحد ُ‬
‫آصل‪ ،‬ثم ُر ِسمت‬ ‫ُ‬ ‫الوشم هي‬‫ِ‬ ‫لصاحب الب طال أن لوحةَ‬ ‫ِ‬ ‫الوشم‪ .‬تهيأ‬ ‫حبّات َ‬
‫ِ‬
‫والفم الخالي من‬ ‫ِ‬ ‫وآنف الم ح ي‬‫ِ‬ ‫الوجه؛ العي ْين‬‫ِ‬ ‫مامح‬ ‫عليها فيما بع ُد‬
‫ُ‬
‫ط الع كبوت من ِ‬
‫تلقاء‬ ‫نمت مثلما ت مو خيو ُ‬ ‫وشبكة من التّجاعيد التي ْ‬ ‫ٍ‬ ‫آس ان‬
‫نفسها‪.‬‬‫ِ‬
‫در فاتّكأت على‬ ‫يق‪ ،‬وسارت وراء الظل‪ِ ِ .‬‬ ‫ُ ِ‬ ‫حملَ ِ‬
‫رمت الق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫در واإبر َ‬ ‫العجوز الق َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫يق فاستظل ِ‬
‫بالقدر واتّسعت بسمتُهُ حتّى تجاوزت‬ ‫ورَمت اإبر َ‬ ‫الجبَ ِل واستقرت‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫وتكوَمت‪ ،‬والتحفت ع ُزها بظلّها وغابت‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫العجوز بالظل‬
‫ُ‬ ‫بطَه‪ .‬التحفت‬
‫طال نظرًة دائريةً في ااتّجاهات التي ا تُعد وا تحصى‪.‬‬ ‫شاب ذو الب ِ‬ ‫ألقى ال ّ‬

‫‪48‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫امتداد الّظر‪ ،‬ما عدا‬‫ِ‬ ‫رمل على‬‫بالج وب بالغرب بالشرق‪ٌ .‬‬ ‫مال ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫ط عليه ال ّ‬ ‫اختل َ‬
‫جهة لم يستطع تحدي َدها‪ .‬رفع رأسه إلى الس ِ‬
‫ماء‬ ‫الجبال البعيدة في ٍ‬ ‫ِ‬ ‫شبحا من‬
‫ّ‬ ‫َ َُ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫ٍ‬
‫صخرة‬ ‫ِ‬
‫امتداد‬ ‫امتداد الّهار‪ ،‬على‬ ‫ِ‬ ‫رفقاء ُ ي تقلون على‬
‫فاكتشف أ ّن َ‬‫َ‬ ‫المشتعلة‪،‬‬
‫كيف لم ي تب ْه ِمن البداية؟!‬ ‫جبا‪َ .‬‬ ‫يكن ذلك ً‬ ‫حجم ب اية ضخمة‪ .‬إذن‪ ،‬لم ْ‬
‫في ِ ٍ‬
‫أشعل‬ ‫المقرفِصة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫اب ذو ب طال الجي س على مقربة من العباءة ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫استلقى ال ّ‬
‫الرمل‪.‬‬ ‫على‬ ‫ال ّد ِ‬
‫خان‬ ‫حر ِ‬
‫كات‬ ‫اقب‬
‫ّ‬ ‫ير ُ‬ ‫اح‬
‫ور َ‬ ‫سيجارًة‬
‫بيتُكم؟‬ ‫هو‬ ‫هذا‬ ‫إذن‬ ‫سأل‪:‬‬
‫َ‬ ‫وكأنّهُ‬
‫داد الصخرة‪ .‬نت ّق ُل من‬ ‫داخل العباءة‪ :‬نعيش على امت ِ‬ ‫أجاب من ِ‬ ‫الرجل‬ ‫وكأن‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الغرب إلى‬‫ِ‬ ‫ونعود من‬ ‫هرا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫طرفِها‬
‫ُ‬ ‫بي ظُ ً‬‫صل إلى طرفها الغر ّ‬‫صباحا‪ ،‬ف ُ‬ ‫ً‬ ‫الشرقي‬
‫ّ‬
‫والزوال‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الظه ِر‬ ‫بين‬ ‫شرق‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫ِ‬
‫احظة‬ ‫الم‬ ‫ِ‬ ‫ظرف ٍ‬
‫وقت غي ِر ٍ‬ ‫قلة الرابعة‪ ،‬في ِ‬ ‫خال الّ ِ‬
‫قابل للقياس‪ ،‬بدا ل َدقيقي ُ‬ ‫َ‬
‫وانطاقات الي َديْن من ِ‬
‫داخل‬ ‫ِ‬ ‫شاب‬ ‫لو تابعوا المشه َد من بعيد‪ ،‬أن حر ِ‬
‫كات ال ّ‬ ‫َ‬
‫شاب‬ ‫عل َم ال ّ‬‫كوع‪ ،‬تدل على أنّهما يتبادان الحديث‪ .‬وقد ِ‬ ‫المتكئة على ٍ‬ ‫ِ‬ ‫العباءةِ‬
‫ِ‬
‫للعائلة بيتًا‬ ‫جل الساك ِن في عباءتِه‪ ،‬أو هكذا ُهيّ َئ لهُ‪ ،‬أن‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫ذو الب طال من ّ‬
‫يفهم‪ ،‬أن لديهم‬ ‫وعلم‪ ،‬أو هكذا أحب أن َ‬ ‫شاطئ‪َ .‬‬ ‫ياحي على ال ّ‬
‫الس ّ‬ ‫قرب المركز ّ‬ ‫َ‬
‫وقت‪ ،‬ه ا على امتدادِ‬ ‫باعي‪ .‬لك هم يؤثرو َن الحياةَ با ٍ‬ ‫ذات َدفْ ٍع ُر ّ‬ ‫سيارةً حديثةً َ‬
‫الص ْخرة‪.‬‬
‫الكأس المملوءةَ حتى‬ ‫فعرض عليها‬
‫َ‬ ‫طال الجي س‪،‬‬ ‫صاحب ب ِ‬
‫ِ‬ ‫ت الع ُز من‬‫اقترب ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫تردد‪ .‬مدت لِسانَها من فجوةٍ بين ص ّفي‬ ‫تصفها‪ .‬أخذتْها بأس انِها‪ ،‬با ٍ‬ ‫م ِ‬
‫أبطال‬ ‫يعجز ع ها‬ ‫اعة‬ ‫ٍ‬
‫بمهارة وبر ٍ‬ ‫والم َحلّى‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الداكن ُ‬
‫َ‬ ‫اي‬
‫ش َ‬ ‫ولعقت ال ّ‬
‫ْ‬ ‫آس ان‪،‬‬
‫تتردد في آنحاء وترتد‬
‫ُ‬ ‫عرض عليها سيجارًة‪ ،‬فيما كانت قهقهتُهُ‬ ‫َ‬ ‫السيرك‪.‬‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫أخرج من حقيبته دفتراً‪،‬‬ ‫وقضم ْتها قضم ًة واحدة‪.‬‬ ‫بصدى ُمضاعف‪ ،‬فأخ َذتْها‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ضها على الع ز‪ .‬أخذتها بأس انِها‪ ،‬م فرجةَ آسارير‪ ،‬وراحت‬ ‫وعر َ‬
‫ف م ه ورقةً‪َ ،‬‬ ‫نتَ َ‬

‫‪49‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫صد ِرها‪.‬‬ ‫على‬ ‫تساقطَت‬ ‫بل ّذ ٍة‬ ‫َم َه ٍل‪،‬‬ ‫على‬ ‫تلوُكها‬
‫وظائف‬
‫َ‬ ‫لع‬
‫الس ُ‬
‫وتشرب كل ما يُشرب‪ .‬ه ا تأخ ُذ ّ‬
‫ُ‬ ‫كل‪،‬‬
‫تأكل الع ُز كل ما يؤ ُ‬‫ها ُ‬
‫والحدود والتك ولوجيا‬
‫ُ‬ ‫والمحيطات‬
‫ُ‬ ‫ط العرض والطول‬ ‫أخرى‪ .‬كل ِ‬
‫العالم وخطو ُ‬
‫ِ‬
‫العائد‬ ‫خلف الظل‬
‫اانتقال شرقاً‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫في بط ِن ع ٍز نحيفة‪ .‬لكن‪ ،‬صار عليهم اآن‬
‫والقلم إلى الحقيبة‪ ،‬فيما اكتسى وجهُ‬ ‫فتر‬ ‫ِِ‬
‫َ‬ ‫وأعاد ال ّد َ‬
‫َ‬ ‫شاب‬ ‫تمتم ال ّ‬
‫إلى بدايته‪َ .‬‬
‫كثب‪ ،‬ببعض اإحباط‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫اقب عن‬ ‫الع ِز التي كانت تر ُ‬
‫ِ‬
‫الموقد الذي‬ ‫يق قد سبقاهما إلى المحطّة القادمة‪ .‬وعلى‬ ‫در واإبر ُ‬ ‫ِ‬
‫كانت الق ُ‬
‫وغاب في‬ ‫يق على ظهرِ‬‫در‪ ،‬فيما استلقى اإبر ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫العجوز‪ ،‬جلست الق ُ‬ ‫ُ‬ ‫أشعلَْتهُ‬
‫ٍ‬
‫قيلولة‪.‬‬
‫جل المحشو فيها‪.‬‬ ‫الر ُ‬
‫ونام ّ‬‫الرمل َ‬ ‫نائما‪ ،‬فتم ّددت العباءةُ على ّ‬ ‫الوقت ً‬‫ُ‬ ‫كان‬
‫ضت‪ ،‬فيما اختبأت الع ُز تحت‬ ‫الصغير وأغم َ‬ ‫ِ‬
‫الجبل ّ‬ ‫ظهرها إلى‬ ‫العجوز َ‬
‫ُ‬ ‫أَسَ َدت‬
‫ِ‬
‫المشتعلة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫آخشاب‬ ‫الصحراء‪ ،‬ما عدا هسهس َة‬ ‫ِ‬
‫وت من ّ‬ ‫الص ُ‬‫هاجر ّ‬
‫ماءتها‪َ .‬‬
‫ِ‬
‫الق ْدر‪.‬‬ ‫داخل‬ ‫فجر‬
‫َ‬ ‫ي ُ‬ ‫بدأ‬ ‫الذي‬ ‫البركان‬ ‫وضجيج‬
‫َ‬
‫حلم‪ .‬ورأى‬ ‫اف ٍ‬ ‫شاب‪ ،‬أو ظن أنّه أفا َق‪ ،‬رأى يدي ِه تُمسكان بأطر ِ‬ ‫حي ما أفا َق ال ّ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ضوء‪ .‬الظل‪ ،‬في هذا المكان‪،‬‬ ‫بات ال ّ‬ ‫تحت ضر ِ‬ ‫أن الظل لم يكن سقوطًا لأشياء َ‬
‫ِ‬
‫الحياة‬ ‫يبقيه على ْقي ِد‬ ‫ويلتحف بآشياء‪ ،‬مما ِ‬ ‫ذكي‪ .‬إنه يهرب من ِ‬
‫القيظ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫كائن ّ ُ ُ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫طلق الظل‬‫مل‪ ،‬ي ُ‬ ‫الر ِ‬
‫خلف كثبان ّ‬ ‫مس‪َ ،‬‬ ‫ش ُ‬ ‫م ُذ العصوِر آولى‪ .‬وع دما ُ‬
‫تغيب ال ّ‬
‫أرواح هائمة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تيس َر من‬ ‫ّ‬ ‫ويصطاد ما‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫آرض‬ ‫على امتداد‬
‫ِ‬
‫المرصوف‬ ‫شاب ذو الب ِ‬
‫طال‬ ‫حين أفا َق‪ ،‬مرًة أخرى‪ ،‬أو ظن أنّهُ أفا َق‪ ،‬رأى ال ّ‬
‫عجوزا‬ ‫تبتلع مدي تَهُ ثم تجترها‪ .‬ورأى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫الرمل‪ ،‬ع ًزا في مساحة المحيط‪ُ ،‬‬ ‫بحبّات ّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َس َود‪ .‬ورأى الع َز‬ ‫بحليب داك ٍن يشبهُ الح َبر آ ْ‬ ‫آنهار‬
‫َ‬ ‫تحلب الع َز‪ ،‬وتمأُ‬‫ُ‬
‫ات إهليليجيةٍ‬ ‫الغيم ب عر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِج على حدود ِ َ َ‬ ‫خلف الجبال العالية‪ ،‬وتُدحر ُ‬ ‫تختلي برهةً‪َ ،‬‬
‫اإمبراطوريّات‪.‬‬ ‫حدود‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫عليه‬ ‫سمت‬
‫ُر ْ‬

‫‪50‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ثم أفا َق للمرِة الثالثة‪ ،‬أو ظن أنّهُ أفاق‪ ،‬فرأى العباءةَ المحشوةَ برج ٍل‪ِ ،‬‬
‫مقرفصةً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرمل‪.‬‬ ‫شاب ساعةَ يد ودملَها تحت ّ‬ ‫ملح‪ .‬ألقى ال ّ‬ ‫وتأخ ُذ من الق ْد ِر ً‬
‫طعاما با ٍ‬
‫ِ‬ ‫الم َبه ِم‪َ ،‬‬ ‫ثم أخ َذ قطعةً من الط ِ‬
‫ابتسم‬
‫َ‬ ‫تبادل الّظرات مع اإبر ِيق ّ‬
‫الساخر‪،‬‬ ‫عام ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫تظر عودة‬ ‫للع ِز التي أطلّت بعي ٍن واحدة من تحت الماءة‪ ،‬وراح يقهقهُ وي ُ‬
‫الصدى‪.‬‬
‫ّ‬
‫باد قديمة‪ ،‬وإلى‬‫قادمة من ٍ‬
‫أقدام ٍ‬ ‫المساء‪ ،‬كانوا يستمعون إلى وق ِع ٍ‬ ‫ِ‬
‫في ساعات َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نداءات الحيتان في البح ِر البعيد‪ ،‬وتثاؤبات ال جوم التي استيقظت ّ‬
‫للتو‪.‬‬
‫الصدى‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫رج َع‬
‫ْ‬ ‫تظر‬
‫ي ُ‬ ‫شاب‬‫ال ّ‬ ‫كان‬
‫المرة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫هذ‬ ‫الصدى‪،‬‬
‫ّ‬ ‫لكن‬
‫مسافرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ظل‬

‫لم تكتف سردية فريد قاسم بالرمزية ‪ ،‬بل عمدت الى رمزية مميّزة و ربما‬
‫متفردة تفوق تجارب الشعر لشعراء كثيرين‪ ،‬انّها الرمزية البسيطة ‪.‬‬
‫ّ‬
‫الق ْدر المطليةُ بآَسو ِد ِ‬
‫الفاح ِم‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫القصة ُ اتّكأَت ُ‬ ‫يحكي ل ا فريد قاسم في بداية ّ‬
‫يج‬
‫مكسواً بمز ٍ‬
‫ّ‬ ‫يق‬
‫اي‪ .‬كان اإبر ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫على الجبَ ِل الرخ ِو‪ .‬إلى جانبِها استلقى إبر ُ‬
‫يق ال ّ‬
‫ضي الباهت‪ ،‬دالةً على أنّهُ كان في‬ ‫والرمادي العادي والف ّ‬ ‫من آ ِ‬
‫َسود الطري ّ‬ ‫َ‬
‫سمت بقايا‬‫فوهة اإبريق ارتَ ْ‬‫ِ‬ ‫طفولتِ ِه مص ً‬
‫الرخيص‪ .‬وعلى ّ‬ ‫وعا من آلوم يوم ّ‬
‫ِ‬
‫ساخ َرة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بسمة‬
‫طال من الجي س‬ ‫شاب بب ٍ‬‫رجل ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المرطبَة بالظّال‪ ،‬استلقى ٌ‬ ‫هامش الرقعة ُ‬ ‫في‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫محشوةٌ َبر ُج ٍل صحر ّ‬
‫اوي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ت عباءةٌ‬ ‫قرفص ْ‬
‫َ‬ ‫الرمل‪ ،‬ومقابلَهُ‬‫المرصوف بحبّات ّ‬
‫ت خل َفها‬ ‫ض ْ‬ ‫ت المكا َن من ور ِاء ٍ‬
‫وشم أزرق‪ ،‬فيما تراك َ‬ ‫ت امرأةٌ طاع ةٌ‪ ،‬عاي َ ِ‬
‫َ‬
‫ضر ِ‬
‫ح ََ‬
‫كأنها عارضةُ أزياء‪ .‬كانت الع ُز صامتةً‪ .‬أ‬‫نحيف‪ّ ،‬‬‫ٍ‬ ‫مثل ظلها‪ ،‬ع ٌز شقراءُ ِبق ٍ‬
‫وام‬ ‫َ‬
‫‪51‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫و من الواضح جدا المميزات السردية و الجماليات الجمة التي انطوى عليها‬


‫هذا المقطع من جوانب كثيرة ‪ ،‬لك ا ه ا س عمد على التركيز على موضوع ا‬
‫صي ‪.‬‬
‫في الرمزية البسيطة و التأريخ ال ّ‬

‫نجد م ذ البداية تموضع الشخوص و بشاعرية ت ِطق الجمادات و تشخص ها و‬


‫تجعل لها افكارا و عواطف و مواقف ‪ ،‬و لو التفت ا الى تلك ااشياء انّها قدر‬
‫و ابريق و ع ز ‪ ،‬اضافة الى عباءة و ب طلون ج س ‪ ،‬ثم الشاب البطل و الرجل‬
‫الصحراوي و المرأة العجوز ذات الوشم ‪.‬‬

‫بجانب التجربة الممتعة و السرد آ ّخاذ ‪ ،‬الذي يشعرك كأنّك تشرب ماء زاا‬
‫باردا في صيف حار ‪ ،‬و ليس كأنك تقرأ قصة ‪ ،‬انّها البساطة بأبهى صورها ‪.‬‬
‫ثم نجد كيف ان تلك المميزات و التوسعات التي اعطيت لتلك ااشياء‬
‫تتحول الشخوص ‪ ،‬او المسميّات‬
‫البسيطة قد حققت تأريخا نصيا لها ‪ ،‬حيث ّ‬
‫عموما مع الوقت في ال صّ الى مفاهيم ذات تأريخ و بحسب المركزية في‬
‫ال ص يبزر لها تأريخ نصي ‪ ،‬و من خال تراكم و ت امي ال عوت و ااحوال و‬
‫الظروف يتحقق لذلك الشيء صورة مع وية تكون حاضرة في كل توظيف او‬
‫ذكر مستقبلي ‪ ،‬و هذا بالضبط ما نع يه بالتاريخ ال صي ‪ .‬و ا ريب ا ّن طبيعة‬
‫تتفوق فيها على‬
‫السرد توفّر مجاا خصبا لتحقيق الرمزية ال صية ‪ ،‬وهذ صفة ّ‬
‫الشعر ‪ ،‬مع انّهما يشتركان في التوظيف للرمز الخارجي ‪ ،‬و هذا ا يم ع من‬
‫تحقيق الرمز ال صي في الشعر اا انه اكثر حضورا و يسرا في السرد ‪.‬‬

‫نجد مع تطور ال ص ان ع زت ا و قدرنا و ابريق ا قد تطورت شخصياتهم ‪ ،‬طبعا‬


‫القصة تحفل بالبوح و اايحاء ‪ ،‬اا ان هذا امر جمالي اخر ‪ ،‬و من اسلوب ا‬
‫ال قدي هو التركيز الموضوعي ‪ ،‬و اا فان الكام سيطول و يحتاج الى فصول‬
‫‪.‬‬
‫‪52‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫بعد فترة سردية حدثية تطورية تتصاعد ااحداث و المواقف و تتطور‬


‫الشخصيات حيث ‪:‬‬

‫ٍ‬
‫بلهجة‬ ‫واقترحت كما يبدو‪،‬‬
‫ْ‬ ‫يق من لسانِِه‪،‬‬ ‫ُ حملَت المرأةُ ِ‬
‫الق ْد َر من أُذُنِها واإبر َ‬
‫ت‬ ‫اانتقال إلى الظل المت ّقل‪ ،‬فيما خطََف ِ‬ ‫صاحب ب طال الجي س‪،‬‬ ‫يفهمها‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫لم ْ‬
‫قبل أ ْن‬ ‫ِ‬ ‫كانت ملقا ًة على ب ِ‬
‫والتهم ْتها َ‬
‫َ‬ ‫صاحب الب طال‬ ‫عد ذر ٍاع من‬‫ُ‬ ‫الع ُز خارطةً ْ ُ‬
‫شاب‬ ‫فشعر ال ّ‬
‫َ‬ ‫حات‪،‬‬
‫الولوات والص ْي ُ‬
‫ُ‬ ‫شاب ما حدث‪ .‬لم تش َف ِع‬ ‫يستوعب ال ّ‬
‫َ‬
‫المساء سوف تجتر‬‫ِ‬ ‫العالم اآن في بطن ع ٍز‪ .‬في‬ ‫ياع في هذ البراري‪.‬‬ ‫ض ِ‬‫بال ّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫انته ِ‬
‫الخارطة‪،‬‬ ‫ت الع ُز من‬ ‫ض لاجترا ِر من كل ُمجتَ ّر‪َ .‬‬ ‫عر َ‬‫الم ّ‬
‫العالم‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫الع ُز‬
‫كأس‬ ‫طال الجي س‪ ،‬حين اختط َف ْ ِ‬ ‫صاحب ب ِ‬ ‫ِ‬
‫ت بفمها َ‬ ‫شاب‬‫حبل أفكار ال ّ‬‫وقطعت َ‬
‫تلع ُق ما تب ّقى من السائل البّي الغامق‬ ‫الرمل‪ ،‬وراحت َ‬ ‫ِ‬
‫المغروس في ّ‬ ‫شاي‬ ‫ال ّ‬
‫عليها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بلسانِها‪.‬‬
‫وعرض ْ‬
‫َ‬ ‫بالرمل‪،‬‬
‫صاحب الب طال المرصوف ّ‬ ‫ُ‬ ‫شاب‬ ‫ضحك ال ّ‬
‫َ‬
‫يق‪ ،‬وسارت‬ ‫در واإبر َ‬ ‫ُ ِ‬ ‫سيجارةً‪ .....‬الى ان يقول القاص ‪ ُ :‬حملَ ِ‬
‫العجوز الق َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫وراء الظل‪ِ ِ .‬‬
‫يق فاستظل‬ ‫ورَمت اإبر َ‬ ‫الجبَ ِل واستقرت‪َ ،‬‬‫در فاتّكأت على َ‬ ‫رمت الق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وتكوَمت‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العجوز بالظل ّ‬‫ُ‬ ‫بالقدر واتّسعت بسمتُهُ حتّى تجاوزت بطَه‪ .‬التحفت‬
‫والتحفت ع ُزها بظلّها وغابت‪.‬أ‬

‫ناحظ بعد فصل طويل من محورية الع زة التي صار العالم في بط ها ‪ ،‬كيف ا ّن‬
‫تلك ااشياء الجمادات ايضا تبرز كشخوص ‪ ،‬كما ان الغرائبية التي بدأت بها‬
‫الحكاية تعود في هذا المقطع لكن بتقبل اكبر مّا ‪ ،‬و هذا ناتج عن التطويع و‬
‫التقبّل الذي حصل ع دنا من الوصف ااول ‪ ،‬بحيث ان ا اآن ا نشعر بالغرابة‬
‫يق استظل ِ‬
‫بالقدر واتّسعت بسمتُهُ حتّى تجاوزت بطَه أ‬ ‫الكبيرة من ان ُ اإبر َ‬
‫اّن ا قد تعلم ا من ال ص ان هذا اابريق ليس مجرد ابريق بل هو شخص و‬
‫ذات لها افكارها و تطلعاتها و برغباتها ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫و في لمحة قصير تبرز رؤية الشاعر في درجة تبئيرية بيّ ة وهو الميل الى‬
‫يفهم‪ ،‬أن لديهم سيارًة حديثةً‬
‫ُوعلم‪ ،‬أو هكذا أحب أن َ‬ ‫َ‬ ‫البساطة حيث يقول‬
‫ِ‬
‫امتداد الص ْخرة‪ .‬أ‬ ‫باعي‪ .‬لك هم يؤثرو َن الحياةَ با ٍ‬
‫وقت‪ ،‬ه ا على‬ ‫ذات َدفْ ٍع ُر ّ‬
‫َ‬
‫و لو راجع ا القصة وفق هذ ال ظرة لوجدنا البساطة رمز و القصة كلها كانت‬
‫رمزا للميل و التبّى و الرؤية و فكرة و اعتراض ‪.‬‬

‫و في مقطع جميل يعطي محورية للظّل كذات لها كيانها و ارادتها و رغباتها ‪:‬‬

‫اف ٍ‬
‫حلم‪.‬‬ ‫شاب‪ ،‬أو ظن أنّه أفا َق‪ ،‬رأى يدي ِه تُمسكان بأطر ِ‬‫فُحي ما أفا َق ال ّ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ضوء‪ .‬الظل‪ ،‬في هذا‬ ‫تحت ضر ِ‬
‫بات ال ّ‬ ‫ورأى أن الظل لم يكن سقوطًا لأشياء َ‬
‫ويلتحف بآشياء‪ ،‬مما ِ‬
‫يبقيه على‬ ‫ذكي‪ .‬إنه يهرب من ِ‬
‫القيظ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫كائن ّ ُ‬ ‫المكان‪ٌ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ِ‬
‫مل‪،‬‬ ‫خلف كثبان ّ‬‫مس‪َ ،‬‬ ‫ش ُ‬ ‫ْقيد الحياة م ُذ العصوِر آولى‪ .‬وع دما ُ‬
‫تغيب ال ّ‬
‫أرواح هائمة‪ .‬أ‬
‫تيس َر من ٍ‬ ‫ويصطاد ما ّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫آرض‬ ‫طلق الظل على امتداد‬‫ي ُ‬

‫و في نهاية او نهايات متعددة مفتوحة نجد الشخوص في امواج من ااحوال و‬


‫الظروف تتولى ‪ ،‬الع ز و اابريق و القدر و الرجل و الشاب ‪ ،‬ثم المكان‬
‫وصدا الذي يختصر الكون و حقيقته و جوهر ‪ ،‬الذي يبقى مسافرا ‪.‬‬

‫لقد كانت رحلة ممتعة مع لغة ساحرة ‪ ،‬اذ حي ما يحضر المجاز ويكون الرمز‬
‫بسيطا ‪ ،‬ا تعرف حي ها هل انّك تقرأ سردا ام شعرا ؟ عالم مفتوح غير مجّس‬
‫‪ ،‬اا ا ّن ه اك شيئا أكيدا ‪ ،‬هو انّك قرأت شيئا ساحرا ‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫خلق الرمز و التاريخ ال صي ‪ ،‬تبتل في محراب القلب نموذجا‬

‫ما يميز الشاعر عن غير هو امتاكه رؤية متميز عن الحياة و اشيائها ‪ ،‬ان‬
‫يستطيع ان يرى ما ا يرا غير ‪ ،‬ان يعبر عما ا يمكن التعبير ع ه ‪ ،‬ان‬
‫يكون صانعا للفكرة الجميلة بلغة جميلة ‪ .‬ان الشاعر بذلك يكون صانع‬
‫الكيانات و صانع التواريخ الكتابية ‪ ،‬اذ ان الرؤية الخاصة و التعبير الخاص و‬
‫التفاعل الخاص يعطي للفظ المعين او للمع ى المعين وجودا مستقا و متميزا‬
‫و تشكا في الوعي خاصا به وفق ما قدمه الكاتب ‪ ،‬و كذا حال جميع‬
‫التعبيرات او المعاني او الفكر التي يوظفها او يخترعها الف ان او ااديب شاعرا‬
‫ذلك‪.‬‬ ‫غير‬ ‫امر‬ ‫قاصا‬ ‫ام‬ ‫كان‬
‫الكتابة اابداعية تعتمد في جزء م ها على التوظيف ‪ٓ ،‬جل اعطاء الكلمات او‬
‫التعابير اكبر طاقة تعبيرية ‪ ،‬وهذا احد اسرار الجمال في اللغة اابداعية ‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫لذلك كانت اللغة الرمزية ‪ ،‬وكما انه يعتمد فيها توظيف ما كان له تاريخ و ابعاد‬
‫معلومة في الخارج فيعطي بتوظيفه كما تعبيريا يطور الطاقة التعبيرية ‪ ،‬فان‬
‫الكاتب ايضا يعمد الى ان يخلق رموز الخاصة و يوظفها في كتابته ‪ .‬فيكون‬
‫لذلك الرمز الموظف تاريخ غير الذي في الخارج وهذا ما نسميه التاريخ‬
‫الكتابي و لو اقتصر التتبع على ال ص يكون لدي ا تاريخ نصي ‪.‬‬
‫ان عملية خلق الرمز هذ ادب متفرد يحقق درجات عالية من الجمالية و قوة‬
‫التعبير و عمق اامتاع ‪.‬و لخلق الرمز و اعطاء تاريخا كتابيا شكان ‪ ،‬اما ان‬
‫يكون بسيطا و ساندا او ان يكون معقد و محوريا ‪ .‬الرمز الكتابي المحوري‬
‫هو ما يعمد الكاتب و يتقصد تعبأته بالرؤى و اافكار فيكون مرآة تعبيرية‬
‫يستحضر بها الكاتب رؤا و افكار ع د التوظيف ‪ ،‬اما الرمز البسيط الساند‬
‫فهو نتاج طبيعي لتعبيرية الشاعر ‪ ،‬فيكون لكثير من االفاظ و المعاني التي‬
‫يوردها الكاتب و يستعين بها تاريخ و ا يقتصر ذلك على الشخوص بل يشمل‬
‫المفاهيم حتى اسماء الزمان و المكان ‪ .‬بل حتى اافعال‪.‬‬
‫نص ُ تبتل في محراب القلب أ للشاعر العراقي المبدع يحيى السماوي كان‬
‫نموذجا متقدما في عملية خلق الرمز و التاريخ ال صي ‪.‬سواء للرمز المحوري‬
‫‪.‬‬ ‫المساند‬ ‫ام‬

‫المحورية‬ ‫ال صية‬ ‫الرموز‬


‫في ال ص ثاثة شخصيات رئيسية لها تاريخ نصي متطور مغاير للخارج تعمد و‬
‫تقصد الشارع ان يكون لها هذا التاريخ في نصه ‪ ،‬المتكلم و المخاطب و‬
‫الوسط وهو مجموعة من ااشياء جعل لها الشاعر تاريخا مغايرا لخارج ‪.‬‬

‫ال ص‬ ‫في‬ ‫المتكلم‬ ‫تاريخ‬ ‫‪-1‬‬

‫‪56‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪:‬‬ ‫فقال‬ ‫ال ص‬ ‫في‬ ‫المتكلم‬ ‫بصيغة‬ ‫كتب الشاعر‬


‫وح\ خ ذل ت ي‬ ‫ف \ف أن ا ال م ف ض ُ‬ ‫ك \ ف ي ي م ي ي ‪ :‬دم ع ةٌ ت س ت ع ِط ُ‬‫م ذنِب اً ج ئ تُ ِ‬
‫ُ‬
‫وأس م ي ي ال ُم ص لّ ي‬
‫ب ‪َ \..‬‬ ‫وأس ّم ي ي ‪ :‬ال َم غ ي ْ‬
‫وأس ّم ي ي ‪ :‬ج ري ح اً \ َ‬
‫ل غ ت ي\ َ‬
‫وأس م ي ي ‪َ :‬م س ي ح اً دون إن ج ي لٍ ‪ \..‬ف س ي روي ي ال ذي‬
‫ب ي ن م ح راب ي نِ \ َ‬
‫ص راخٍ‬
‫ُ‬ ‫من‬ ‫ج رح ي‬ ‫بئر‬ ‫في‬
‫ب‬
‫لهي ْ‬ ‫من‬ ‫وب ق ل ب ي‬
‫من الواضح ان قاموس االفاظ المتعلق بهذ الشخصية قاموس كئيب ونادم و‬
‫احتياجي و توسلي ‪ ،‬وبهذا فان الشاعر قد برع في ان يجعل هذ الشخصية‬
‫تتجلى حسب رؤيته من ال دم و الرجاء انه تجلي بديع لل دم و الرجاء ‪.‬‬
‫نحن اوردنا المقاطع حسب التسلسل الزم ي للعبارات في ال ص ‪ ،‬و لو احظ ا‬
‫لوجدنا حكائية تطورية عن شخصية المتكلم في ال ص ‪ ،‬فدلي ا في البدء مجيء‬
‫مع وضوح الغاية و الهدف من المجيء ثم تلعثم و عدم قدرة على المواجهة ‪،‬‬
‫ثم الجهر بالقضية و المراد ‪ ،‬ثم الخاتمة التي يرسمها الشاعر و التي تبين‬
‫‪.‬‬ ‫اليه‬ ‫ذهب‬ ‫من‬ ‫رد‬ ‫في‬ ‫رايه‬ ‫و‬ ‫الحكاية‬ ‫نهاية‬

‫ال ص‬ ‫في‬ ‫المخاطب‬ ‫تأريخ‬ ‫‪-2‬‬


‫خاطب الشاعر شخصية بصيغة المؤنث في ال ص قائا ‪:‬‬
‫ب\‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫م ذنِب اً ج ئ تُ ِ‬
‫وأس ّم ي ك ‪ :‬دوائ ي وال ط ب ي ْ‬‫أس ت ج ديك ص ف ح ا ‪َ \ \..‬‬ ‫ك ْ‬ ‫ُ‬
‫وت ف ي ِع ق ِد ِك ‪َ :‬س ْف ح ا\‬ ‫وأسميك ‪ :‬ش روق ي ‪ \..‬وأس م ي م ه ب طَ ال ي اق ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫وز ال ذي ي ج ع ُل‬ ‫ذاء ‪ \..‬وال ف َ‬‫اء وآش َ‬ ‫وأس م ي ك ‪ :‬ال ت ي ت خ ت ِز ُل آس م َ‬
‫س ‪ ..‬ال ي ق ي َن ‪ ..‬ال ِق ْب ل ةَ ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خ س ران َي رب ح ا ‪ \..‬وأس م ي ك ‪ :‬ال ف رادي َ‬
‫راب ‪..‬‬
‫ال م ح َ‬

‫‪57‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫وأس م ي ي ‪َ :‬م س ي ح اً دون إن ج ي لٍ ‪ ..‬وقُرب ا َن ال م راث ي‪\..‬‬


‫ب\ َ‬ ‫وال وادي ال ّرح ي ْ‬
‫ش ف َع وال ِوتْ َر ف اب ع دي ح ي ُ‬
‫ث ت ش ائ ي َن ‪..‬‬ ‫ب\ وال ع ا َق ال ّ‬ ‫وأس م ي ِ‬
‫صلي ْ‬
‫ك ‪ :‬ال ّ‬ ‫َ‬
‫ارك ب ي ال م وج ةَ وال ّري َح ‪\..‬اح ج ب ي آم ط َار وآن ه َار ع ن بُس ت ان ص دري ‪..‬‬

‫من الوهلة ااولى يبين ل ا الشاعر ان من ذهب اليها هي مصدر العطاء و الخير‬
‫و الكرم وهذا تمجيد و رسم قيمي و اخاقي ‪ ،‬و مع هذ البداية العالية فان‬
‫الشاعر لم يتوقف ع دها بل ذهب م طلقا في تمجيد اكبر حتى يصل الذروة‬
‫في قوله ُ اسميك ُ التي تختزل ااسماءأ أ ‪ ،‬ثم ا يكتفي الشاعر بالمع ى‬
‫الفردي بل ذهب نحو المع ى الجماعي بالتقديس و المعرفة فيصف المخاطب‬
‫بالمقدس و المعرفة القبلة و اليقين ‪ .‬ثم يعلن ان المخاطب هو المصير‬
‫المحتوم له ُ انه الصليب للمسيح أ و ع اق الشفع و الوتر ‪ .‬و يختمها‬
‫بالخاتمة التي اشرنا اليها من رأيه في ابتعاد المخاطب و فرض عدم استجابتها‬
‫‪.‬‬ ‫له‬
‫ان تاريخ شخصية المتكلم ه ا ا يمكن اا القول انه تاريخ ص اعي فذ خاق ‪،‬‬
‫تجاوز الحدود في التصور و اامكان ‪ ،‬حتى تخلل م اطق العمق في الشعور‬
‫اانساني ‪ ،‬وهو انعكاس الى صدق شفيف باح به الشاعر في صور التخيلية‬
‫‪.‬‬ ‫الرفيعة‬

‫الوسطيات‬ ‫تاريخ‬ ‫‪-3‬‬


‫اورد الشاعر مجموعة من ااسماء جعلها وسطا تعبيريا ٓجل ايصال افكار اا‬
‫انه اعطها مع ى قصديا مخالف للخارج ‪ ،‬بمع ى انه لم يأت بها استعارة و‬
‫مجازا فقط و انما قصد ان يهبها مع ى و اسما غير اسمها و مع اها الخارجي‬

‫‪58‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪:‬‬ ‫فقال‬
‫ان ‪ :‬ج رح ا ‪ \..‬وأس م ي زه رةَ ال ت ّف احِ ف ي خ ص ِ‬
‫رك ‪:‬‬ ‫س أس م ي ورد َة ال رم ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وت ف ي ِع ق ِد ِك ‪َ :‬س ْف ح ا ‪.‬‬ ‫ص ب ح ا\ وأس م ي م ه ب طَ ال ي اق ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫لقد اخترل الشاعر اشارات و داات في عبارات ومضية ايحائية ولغة‬
‫متوهجة اعطت للغة طاقة تعبيرية كبيرة جعلت لتلك ااشياء التي سماها‬
‫باسماء مغايرة و ونعتها ب عوت مختلفة عن واقعها تشكا متميزا في الذهن ‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫للخارج‬ ‫مغاير‬ ‫نصي‬ ‫لها‬ ‫تاريخا‬ ‫بذلك‬ ‫صانعا‬

‫الساندة‬ ‫ال صية‬ ‫الرموز‬

‫من ااشياء التي صار لها تاريخ متميز في ال ص ‪ ،‬ع د ااستعانة بها و تكررها‬
‫في ال ص هي فعل التسمية بصيغة ُ اسمي أ و من خال عاقات التجاور و‬
‫التوصيل يمكن ماحظة التقابل بين المسميات و التسميات و التي عكف‬
‫قائا‬ ‫عليها‬ ‫الشاعر‬
‫ِ‬
‫وأسميك ‪:‬‬ ‫وأس ّم ي ي ‪ :‬ج ري ح اً \‬ ‫ِ‬
‫ب\ َ‬ ‫وأس ّم ي ك ‪ :‬دوائ ي وال ط ب ي ْ‬ ‫َ‬
‫س ‪ ..‬ال ي ق ي َن ‪..‬‬ ‫ِ‬
‫ب \ وأس م ي ك ‪ :‬ال ف رادي َ‬ ‫وأس ّم ي ي ‪ :‬ال َم غ ي ْ‬
‫ش روق ي ‪َ \..‬‬
‫راب ‪..‬‬‫ال م ح َ‬ ‫‪..‬‬ ‫ال ِق ْب ل ةَ‬
‫وأس م ي ي ‪َ :‬م س ي ح اً دون إن ج ي لٍ ‪ ..‬وقُرب ا َن‬ ‫ب\ َ‬ ‫وال وادي ال ّرح ي ْ‬
‫ب‬ ‫ال م راث ي ‪\..‬وأس م ي ِ‬
‫صلي ْ‬ ‫ال ّ‬ ‫‪:‬‬ ‫ك‬ ‫َ‬
‫وهو اسلوب باغي موسيقي من حيث المع ى ‪ ،‬فيكون لفعل التسمية تاريخ‬
‫تكراري بالصور التي يظهر فيها ‪ ،‬و ه اك خط تطوري اخر للتسمية هو الفصل‬
‫بين تسمية المتكلم و تسميات المخاطب و تسميات الوسط و تأخذ معانيها و‬

‫‪59‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪.‬‬ ‫الجهات‬ ‫تلك‬ ‫في‬ ‫ذكرها‬ ‫مما‬ ‫دالتها‬

‫من اامور الساندة التي صار لها تاريخ في ال ص اعضاء الجسد حي ما يقول‬
‫ب‬ ‫ح ِام اً ج ث م ان أم س ي ‪\ ..‬ف ي ي م ي ي ‪ :‬دم ع ةٌ ت س ت ع ِط ُ‬
‫ف ال ع ف َو وق ل ٌ‬
‫ي ت ش ظّى !\‬
‫‪.‬‬ ‫ب‬
‫ال ُم س ت ري ْ‬ ‫ك ت اب ي‬ ‫ثِ ْق َل‬ ‫تشتكي‬ ‫‪:‬‬ ‫وي س اري‬
‫لقد صار للجثمان و لليد اليم ى و للقلب و لليد اليسرى ‪ ،‬تاريخ مغاير‬
‫للواقع انها كيانات تعبيرية للرجاء و ااستعطاف ما عادت و سائل للحياة فقط‬
‫‪.‬‬ ‫فعا‬ ‫توظيفاته‬ ‫و‬ ‫صور‬ ‫في‬ ‫الشاعر‬ ‫ابدع‬ ‫‪.‬لقد‬

‫ااصلي‬ ‫ال ص‬

‫القلب‬ ‫م ح راب‬ ‫في‬ ‫تبت ل‬


‫****‬
‫العراق‬ ‫‪/‬‬ ‫السماوي‬ ‫يحيى‬ ‫‪/‬‬ ‫شعر‬
‫****‬
‫________‬

‫‪60‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ص ف ح ا ‪..‬‬ ‫أس ت ج ِ‬
‫ديك‬ ‫ْ‬ ‫ج ئ تُ ِ‬
‫ك‬ ‫ُم ذنِب اً‬
‫*‬
‫أم س ي ‪..‬‬ ‫ج ث م ان‬ ‫ح ِام اً‬
‫ي ت ش ظّى !‬ ‫ب‬
‫ال ع ف َو وق ل ٌ‬ ‫ت س ت ع ِط ُ‬
‫ف‬ ‫دم ع ةٌ‬ ‫‪:‬‬ ‫يمي ي‬ ‫في‬
‫ب‬
‫ال ُم س ت ري ْ‬ ‫ك ت اب ي‬ ‫ثِ ْق َل‬ ‫تشتكي‬ ‫‪:‬‬ ‫وي س اري‬
‫*‬
‫ع ذاب ات ي ‪..‬‬ ‫ال ج ْه ُر‬ ‫ف ض َح‬
‫ضحا‬
‫ف ْ‬ ‫وال ت أوي ُل‬ ‫ال س ر‬ ‫اد‬
‫وز َ‬
‫*‬
‫وح ا ‪..‬‬
‫وبَ َ‬ ‫ص ْم ت اً‬
‫َ‬ ‫إ ْن‬ ‫‪:‬‬ ‫ال ح ال ي نِ‬ ‫في‬ ‫وح‬
‫ال م ف ض ُ‬ ‫ف أن ا‬
‫*‬
‫ب‬
‫ال ل ه ي ْ‬ ‫ن ِ‬
‫اب‬ ‫من‬ ‫رس‬
‫أش ُ‬ ‫دم‬
‫ن ٌ‬ ‫ب ُح ط ام ي‬ ‫ي ت س لّ ى‬
‫*‬
‫ص ح ا ‪..‬‬
‫نُ ْ‬ ‫ال ع ش ِق‬ ‫في كت ِ‬
‫اب‬ ‫ل ْي‬ ‫ف ال ت ِم س ي‬ ‫لغتي‬ ‫خ ذل ت ي‬
‫*‬
‫ُج رح ا ‪..‬‬ ‫‪:‬‬ ‫ال رم ِ‬
‫ان‬ ‫ورد َة‬ ‫س أس ّم ي‬
‫ّ‬
‫*‬
‫ب‬ ‫وأس م ي ِ‬
‫وال ط ب ي ْ‬ ‫دوائ ي‬ ‫‪:‬‬ ‫ك‬ ‫َّ‬
‫*‬
‫ج ري ح اً‬ ‫‪:‬‬ ‫وأس ّم ي ي‬
‫َ‬
‫ب‬
‫صبي ْ‬
‫ال ّ‬ ‫وال ّدم ُع‬ ‫ات‬
‫اآه ُ‬ ‫ن ْزفُهُ‬
‫*‬
‫ص ب ح ا ‪..‬‬ ‫‪:‬‬ ‫خص ِ‬
‫رك‬ ‫في‬ ‫ال ت ّف احِ‬ ‫زه رةَ‬ ‫وأس م ي‬
‫ُ‬ ‫َ‬

‫‪61‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫*‬
‫ش روق ي ‪..‬‬ ‫‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وأسميك‬
‫ب ‪..‬‬
‫ال َم غ ي ْ‬ ‫‪:‬‬ ‫وأس ّم ي ي‬
‫َ‬
‫*‬
‫َس ْف ح ا‬ ‫‪:‬‬ ‫ِع ق ِد ِك‬ ‫في‬ ‫ال ي اق ِ‬
‫وت‬ ‫م ه ب طَ‬ ‫وأس ّم ي‬
‫َ‬
‫*‬
‫ب‬
‫ال ّرط ي ْ‬ ‫ال ب ت ول ي‬ ‫ِ‬
‫واآس‬ ‫وال ري ح انِ‬ ‫ال ُف ل‬ ‫لهض ِ‬
‫اب‬
‫*‬
‫م ح راب ي نِ‬ ‫بين‬ ‫ال ُم ص لّ ي‬ ‫وأس م ي ي‬
‫َ‬
‫ال ج ي ِد‬ ‫من‬ ‫ن ع اع اً‬ ‫ي س ت ش ُق‬
‫ب‬
‫طي ْ‬ ‫ص د ِر ِك‬ ‫م ئ ذنَتَ ْي‬ ‫وم ن‬
‫*‬
‫ذاء ‪..‬‬ ‫ت خ ت ِز ُل‬ ‫وأس م ي ِ‬
‫وآش َ‬ ‫اء‬
‫آس م َ‬ ‫ال ت ي‬ ‫‪:‬‬ ‫ك‬
‫رب ح ا ‪..‬‬ ‫ِخ س ران َي‬ ‫ي ج ع ُل‬ ‫ال ذي‬ ‫وز‬
‫وال ف َ‬
‫*‬
‫غُ ص اً ‪..‬‬ ‫ط‬
‫سو َ‬
‫ال ّ‬ ‫ويُح ي ُل‬
‫ًً‬ ‫ن ه را‬ ‫ال ك ه ِ‬
‫ف‬ ‫دار‬
‫ج َ‬ ‫و‬
‫ب‬
‫ال ع دل ي ْ‬ ‫دو‬
‫وش ُ‬ ‫ال ش ه ُد‬ ‫وج هُ‬
‫م ُ‬
‫*‬
‫اب ‪..‬‬
‫‪ ..‬ال م ح ر َ‬ ‫س ‪ ..‬ال ي ق ي َن ‪ ..‬ال ِق ْب ل ةَ‬ ‫ِ‬
‫وأس م ي ك ‪ :‬ال ف رادي َ‬
‫ب‬
‫ال ّرح ي ْ‬ ‫وال وادي‬
‫*‬
‫ال م راث ي ‪..‬‬ ‫وقُرب ا َن‬ ‫‪..‬‬ ‫إن ج ي لٍ‬ ‫دون‬ ‫َم س ي ح اً‬ ‫‪:‬‬ ‫وأس م ي ي‬
‫َ‬

‫‪62‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ب‬ ‫وأس م ي ِ‬
‫صلي ْ‬
‫ال ّ‬ ‫‪:‬‬ ‫ك‬ ‫َ‬
‫*‬
‫وال ِوتْ َر *‬ ‫ش ف َع‬
‫ال ّ‬ ‫وال ع ا َق‬
‫ال م اف ي‬ ‫أح زان‬ ‫ي درأ‬ ‫ال ذي‬
‫ب‬ ‫ال ك ه ِل‬ ‫وع ذاب ِ‬
‫ال غ ري ْ‬ ‫‪/‬‬ ‫‪/‬‬ ‫ال ف ت ى‬ ‫ات‬
‫*‬
‫ت ش ائ ي َن ‪..‬‬ ‫ث‬‫حي ُ‬ ‫ف اب ع دي‬
‫وال ّري َح ‪..‬‬ ‫ال م وج ةَ‬ ‫ارك ب ي‬
‫ص دري ‪..‬‬ ‫بُس ت ان‬ ‫عن‬ ‫وآن ه َار‬ ‫آم ط َار‬ ‫اح ج ب ي‬
‫ص راخٍ‬
‫ُ‬ ‫من‬ ‫ج رح ي‬ ‫بئر‬ ‫في‬ ‫ال ذي‬ ‫ف س ي روي ي‬
‫ب‬
‫لهي ْ‬ ‫من‬ ‫وب ق ل ب ي‬
‫**‬
‫* الشفع والوتر ‪ :‬عددان أقسم بهما اه تعالى في سورة الفجر في قوله ‪:‬‬
‫ُوالشفع والوترأ ‪ ..‬والوتر في المصطلح الفقهي هي الصاة التي تختم بها‬
‫صاة الليل وسميت بذلك ٓنها تصلى وتراً أي ركعة واحدة أو ثاثاً أو نحو‬
‫ذلك ‪ ..‬أما صاة الشفع فيراد بها الركعتان اللتان تسبقان الوتر ‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪64‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫مظاهر الشعر العالي في ُنشيد الماء أ للشاعر عيسى ابو راغب‬

‫المقدمة‬

‫وظيفة ال قد معاي ة ال ص و بيان مواطن اابداع فيه ‪ ،‬انه رسالة صادقة تحليلية‬
‫للجمال الخارجي في العمل الف ي و لاستجابة الجمالية الداخلية في نفس‬
‫اانسان ‪ .‬من المعروف ان الف ية عالية المستوى في ادب اديب معين تكون‬
‫في الغالب بشكل تموجي ‪ ،‬بحيث تتباين ال صوص من حيث المستوى الف ي‬
‫في مقاطعها ‪ ،‬و عادة ما تجد بعض مقاطع ال ص يحتفظ بالف ية المطلوبة‬
‫متخليا عن المستوى العالي م ها ‪ ،‬بمع ى اخر ان المقاطع عالية الف ية في‬
‫ال ص تكون م ثورة كالدر بين باقي المقاطع ‪ ،‬لكن في الحقيقة مقاطع نصوص‬
‫ُ تشيد الماء أ كلها تحافظ على مستوها العالي الف ي ‪ ،‬فتجد ال فس ت بهر و‬
‫ت شد و تستمتع بكل مقطع كتب ‪ ،‬و مع ان ُ نشيد الماءأ كان فرصة شعرية‬
‫ٓجل عمل نقدي و تطوير فكرة الشعر‪ ،‬فانه تجربة ممتعة يشكر الكاتب عليها‬
‫‪.‬‬

‫مواطن اابداع في كل عمل ف ي يمكن ان ي ظر اليها من جهات ثاث ‪ ،‬الجهة‬


‫الف ية ‪ ،‬الجهة الجمالية و الجهة الرسالية ‪ ،‬حسب م هج ا في تبين ع اصر‬
‫اابداع اعتمادا على ااستقراء لما غلب على كلمات المختصين في اابحاث‬
‫ال قدية ‪ ،‬و اعتماد مبدأ الشيوع اي شيوع ذلك الع صر المعين لدى ال قاد ‪،‬‬
‫المصدق بما لدى العرف من معارف و مرتكزات وما هو ظاهر للوجدان ‪ .‬هذ‬

‫‪65‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ال م هجية و التشدد انما كان ٓجل تحصين المعرفة ال قدية من التكلف و‬
‫الوهم ‪ ،‬ان المعرفة ال قدية معرفة حقائقية في عالم التذوق و اامتاع ‪،‬و‬
‫تست د في مظاهرها الخارجية الى عوامل واقعية و حقيقية على التحليل ال قدي‬
‫تتبعها و ااسترشاد بضيائها ٓجل الوصول الى عوالم التفرد و اانجاز‬
‫ااستث ائي للمبدع ‪ ،‬و انكشاف جوهر التجربة قيد الدرس ‪ .‬ان اعتماد قاعدة‬
‫قوية من اانظمة التحليلية ال قدية مع جهات ثابتة و جوانب صلبة انما هي‬
‫الطريق لفتح ابواب ال ص المبحوث ‪ ،‬و اكتشاف عوالم اابداع و الجمال فيه‬
‫‪ ،‬و تلمس التفرد الذي يشتمل عليه ‪.‬‬

‫سيكون البحث في هذا المقال في ابحاث الع اصر الف ية في ديوان نشيد الماء‬
‫‪ .‬و حسب ااستقراء و الشائع في اابحاث و مراجعة العرف المصدق‬
‫بالوجدان فع اصر الف ية ترجع الى ااصالة و المعاصرة وان لم يعبر ع هما‬
‫بالصراحة انما يمكن تلمسهما في مطاوي اابحاث ‪ .‬و ااصالة الف ية تتجسد‬
‫في العمق الف ي أي المقدرة و ااتقان و تحقيق درجات عالية في الف ية ‪ ،‬اما‬
‫المعاصرة فتتمثل باابتكار و المواكبة و التفرد و ااق اع باانسيابية و الساسة‬
‫و التشويق ‪.‬‬

‫الموضع ااول ‪ :‬ااصالة الف ية‬

‫اوا ‪ :‬العمق الف ي‬

‫‪66‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ااثارة و اابهار على طول خط القراءة امر سائد في نصوص‬


‫الديوان ‪ ،‬فا ت فك من الخروج من اثارة و ابهار اا و واجهك‬
‫غير ‪ ،‬ففي ُ نحن لم نمت أُ تعال نقيس المسافة بين اانح اءة‬
‫ومدى تقوس الظهر في ا ونعيد ترتيب قوانين الرياضيات \ ها نحن‬
‫لم نمت كما قالوا ‪ /‬ك ا فقط في نومة هانئة وحلم قلق ‪ .‬أ و في‬
‫ُالشتاء أُ ورغم حبي لحبات المطر إا أن ا نتشاجر مرة ادفعها‬
‫بعيدا خوفا من الغرق ومرة اجذبها ابلل روحي العطشى واراقصها‬
‫في الشوارع العارية من المارةأ‬

‫و هكذا جميع مقاطع ال صوص تكون شواهد لذلك ‪ .‬و في ُ‬


‫ظلي و الباد أُ ما زلت أزاحم طريقي للعبور إلى الموت ‪/‬واضرب‬
‫أضاعي بج ون ما ألقته آيام القاسية ‪/‬هذ فت ة أرختها آيام‬
‫على جسديأ و في ال شيد ااول من نشيد الماء ُارتعاش القرنفل‬
‫في الماء\أي لون للماء بعد الذي يسيل\جداول تتغ ج مع‬
‫الريح\وا ترحل إا عميقاأ‪.‬‬

‫و اما المجاز و التوهج و الصور ‪ ،‬فا تكاد تترك مساحة او نفسا‬


‫لأفكار و التوصيل ‪ ،‬فأما المجازية فمن اول كلمة حتى اخر سطر‬
‫‪ ،‬تدفق هائل و نادر من اانزياحات و التعابير المشعة و الصور‬
‫الموازية المفعمة بالبوح بلغة ثانية و تعبير اخر ‪ ،‬ففي نحن لم‬
‫نمت ُاذكر ‪ /‬انه حي ما التقي ا في م تصف المسافة الفاصلة بين‬
‫نبض قلبي وبين رعشة آرض الحزي ة طلبت م ك أن تعتلي سقف‬
‫الروح والسماء أ و في نهايتها في نهاية ال شيد الحادي عشر من‬

‫‪67‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫نشيد الماء ُواسقي ي شهقتك التالية\ عرفت اآن من نكون\أنا‬


‫ال بي وأنت المرسلة تعالي نقرا صحائف التكوين من جديد أ و‬
‫في ال شيد الثاني ُا أراك إا قتيا يدخل ج ة خالدة \أيها‬
‫الموت القليل\انتظرني أعيد إلى وجهي مامحه الهاربة أ انها‬
‫نصوص عالية الف ية بكل مع ى الكلمة ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬ااتقان‬

‫المجاز العالي و التوهج الشديد و التصوير البديع من سمات هذ‬


‫ال صوص ‪ ،‬ففي ُ نحن لمن نمت أُ اذكر ‪ /‬انه حي ما التقي ا في‬
‫م تصف المسافة الفاصلة بين نبض قلبي وبين رعشة آرض‬
‫الحزي ة طلبت م ك أن تعتلي سقف الروح والسماء ‪ /‬أن نشيح‬
‫بوجه ا عن كل الخداع الكوني أ انه المجاز العالي و التوهج‬
‫الشديد و التصوير البديع بحق ‪ .‬و في ُصاة العاشقين أُ ك ت‬
‫كلما دق باب الليل وتعالت أصوات شواء الكست اء \راقصت ي‬
‫مبتهجة وأعادت لي ذاكرة ووصايا الليل \وتساقط شالها آسود‬
‫عن كتفيها داعية ج وني أن أقشر كتف الغرام أ و في ال شيد‬
‫الحادي عشر ُرسمت علي الغيمة شفتي ف زل المطر قباً‬
‫حارقة\ وقلت التقطها واحدة واحدة كي تغ ي العصافير‬

‫‪68‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الربيع\ويستريح الصمت في عي يك بح ان غريب \ويكتب لغة‬


‫عصرية جديدة وتكبر الحكايات ب ا أ ه ا المجازية و التوهجية و‬
‫التصويرية في اعلى مستوياتها ‪ ،‬و على هذا الم وال باقي نصوص‬
‫الديوان ‪.‬‬

‫الموضع الثاني ‪ :‬المعاصرة‬

‫اوا ‪ :‬اابتكار الف ي‬

‫في ُ لم نمت بعد أ تتجسد المواكبة في ُاذكر ‪ /‬انه حي ما‬


‫التقي ا في م تصف المسافة الفاصلة بين نبض قلبي وبين‬
‫رعشة آرض الحزي ة طلبت م ك أن تعتلي سقف الروح‬
‫والسماء ‪ /‬أن نشيح بوجه ا عن كل الخداع الكوني ‪/‬فهذا‬
‫ال فاق قد استيقظ من نومه أ بالتحرر من الزمان و المكان ‪،‬و‬
‫ااتجا نحو الكونية و الامحدودية ‪ .‬و في ال شيد الثاني‬
‫له‬ ‫قالت‬ ‫تكون‬ ‫من‬ ‫ُاعرف‬
‫وكلمات ا في المجاز\والتشبيه\وااستعارة\اعرف ع دما تولد‬
‫العبارة‬ ‫مك‬
‫قال لها ومن أكون؟؟؟غير فاح فقير يحرث آرض إعارة أ‬

‫‪69‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫بااتجا نحو الحوار و الحكاية ‪ ،‬انه الشعر الحواري‬


‫الحكائي ‪.‬‬

‫ما يتفرد به نشيد الماء او شعر عيسى ابو راغب عموما هو‬
‫ااعتماد على قوة الفكرة و التعبير ‪ ،‬فتاتي العبارة عميقة جدا‬
‫من الوهلة ااولى تخترق العمق مع ااحتفاظ بف يتها العالية ‪،‬‬
‫ان هذا التزاوج بين فكرة عميقة و لغة عالية يعطي للكتابة‬
‫نكهة مميزة ‪،‬و تكون م تمية الى اللغة القوية المؤثرة في‬
‫ال فس مع المحافظة الى الف ية العالية ‪ ،‬و كل ال صوص‬
‫شواهد على ذلك و م ها ال شيد السادس ُ ففي في تلك‬
‫اللحظة تماماً\شيء ما يشبه رفرفة الحمام \يتلف الوقت‬
‫وفي تلك الفحة الحارة التي تخترق الروح \‬
‫لحظة‬ ‫الجسد\أنت‪\.....‬أنت‪\..................‬تقرر‬
‫ميادي في الشبق\وأنت تقرر نوع القبل\ولي أن اعلق‬
‫بعشبك كالوردة\ولي أن أموت واحيا\ستكون في كامل‬
‫عريك جمياًأ و في ال شيد الحادي عشر ُأنا عيسى‬
‫المصلوب بين القبلتين \ه ا أزهرت بتات من دمي\وه اك‬
‫زيتون يقرأني السام\ ه ا أرى بحري قريب \وه اك بحر في‬
‫القصيدة من هوانا أ‬

‫ثانيا ‪ :‬ااق اع‬

‫‪70‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫اللغة الشعرية الحكائية المقومة لقصيدة ال ثر بصورته الحقيقة‬


‫تخلق شدا و تشويقا و انسيابية و وحدة ظاهرة وهو امر‬
‫اتسمت به نصوص نشيد الماء ‪ ،‬فم ها مثا ما في ُالشتاءأُ‬
‫كلما أتى الشتاء ركضت إلى أمي سريعاَ لتص ع لي جوارب من‬
‫صوف ثخين إني أخاف البرد ‪....‬ورغم حبي لحبات المطر‬
‫إا أن ا نتشاجر مرة ادفعها بعيدا خوفا من الغرق ومرة اجذبها‬
‫ابلل روحي العطشى واراقصها في الشوارع العارية من المارة أ‬
‫و في رسائل ا تموت ُإلى أبي الذي يت فس أخر أنفاس‬
‫الحياة \ ما زلت أنا يا أبي ذاك الطفل الذي يحمل صدى‬
‫الوطن وغيم السماء بكفي ‪...‬سام لك أ و ذروة التشويق و‬
‫الشد في ُ نحن ام نمت أُ اذكر ‪ /‬انه حي ما التقي ا في‬
‫م تصف المسافة الفاصلة بين نبض قلبي وبين رعشة آرض‬
‫الحزي ة طلبت م ك أن تعتلي سقف الروح والسماء ‪ /‬أن‬
‫نشيح بوجه ا عن كل الخداع الكوني ‪/‬فهذا ال فاق قد‬
‫استيقظ من نومه أ ‪.‬‬

‫ان نصوص نشيد الماء تقدم ل ا نموذجا عالي المستوى في‬


‫قصيدة ال ثر ‪ ،‬و يشير الى بلوغ قصيدة ال ثر العربية مستويات‬
‫عالية و انها تختط لها تأريخا مشرقا ‪ .‬ان تكامل الف ية و‬
‫الثراء الذي اشتملت عليه نصوص ديوان نشيد الماء يمك ا‬
‫من القول انها تحتل مكانة مرموقة في الكتابات العربية‬
‫اابداعية المعاصرة ‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪72‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫التعبيرية القاموسية ع د كريم عبداه و سعد عودة‬

‫اادب اوسع من ااناقة و الكلمات العذبة و الجميلة و اانتقائية ‪ ،‬و التي ا‬


‫ريب انها تمثل الخط العام للكتابة اادبية ‪ .‬لكن ايضا حي ما يكون الظرف و‬
‫الزمن مرا و كئيبا و مليئا بالقبح ‪ ،‬تتكاثر قواميس الكآبة و المرارة و الفاظ الذم‬
‫في كتابات ااديب الملتصق باارض و المجمتع ‪.‬‬

‫و من المؤكد ان قاموس الفاظ ال ص تص ع مزاج ال ص العام و ااحساس الذي‬


‫يراد نقله الى القارئ بغض ال ظر عن صور و مواضيعهه وهذا ما يمكن ان‬
‫نسميه ُ التعبيرية القاموسية أ التي ت قل القارئ الى حقول مع وية معي ة يريدها‬
‫الكاتب تعبيرا عن واقع يشبه الفاظه التي استعملها ‪.‬‬

‫ان التعبيرية القاموسية عملية مقصودة وهي من عامات تبيئير ال ص و تجلي‬


‫رؤية الكاتب فيه ‪ .‬وهو ما يبطل ادعاءات التفكيكية و انعزال ال ص عن مؤلفه‬
‫‪.‬‬

‫ه ا لدي ا نصان من اادب المفتوح العابر لاج اس ‪ ،‬يتميزان بصفتين مهمتين‬


‫ااولى التوظيفي لالفاظ العامية الدارجة ‪ ،‬و الثانية استعمال قاموس صادم من‬
‫االفاظ الكئيبة و المريرة و الم تمية لحقول مع وية بعيدة عن ااناقة و اانتقاء‬
‫‪.‬‬

‫ف ص كريم عبد اه يعج بقاموس الكابة و المرارة و الانتقائية و الاأناقة ففيه ‪:‬‬

‫‪73‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫تحيض‬ ‫تبصق \ ال فايات \ ِ‬


‫وحل \‬ ‫أرعن \‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ نشا ٌز ‪ \،‬مزم ة \ الشخير \ ٌ‬
‫لين ُ‬
‫المتسو َ‬
‫ّ‬ ‫اء \ ِ‬
‫دنس \‬ ‫\ مؤخرتهُ \ العور َ‬

‫و نص سعد عودة يعج بقاموس اكثر كابة و شكل ع يف من الانتقائية و‬


‫الاأناقة‬

‫قبور مخاطيةٌ \ سراويل \ الجزء السفلي \ خ افس وسحلية \ُشامبوأ \‬ ‫ُ ٌ‬


‫دمامل \ ُالخوصأ \مؤخرتهُ مفتوحةٌ \ مقبرةٍ مخصية \ أخصائها \مابين‬
‫فخذيها \الدورة الشهرية \ الخصيتين الصغيرتين \ خ ثية أ‬

‫ان القصدية واضحة في ان يمأ ال ص بهذا القاموس من االفاظ ‪ ،‬و ان ما‬


‫جاء من تعابير و موضوعات و صور انما كان وسيلة و طريقة ابراز هذا‬
‫القاموس ‪ ،‬وه ا تجلي للغة و لتجربة الكاتب ‪ ،‬و احضار صادم و ع يق للقارئ‬
‫الى ال ص ‪ .‬و انعكاس امين لواقع مرير و كئيب كما هو حال قاموس تلك‬
‫ال صوص ‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫لغة آلم في قصيدة ُ أبي قد ماتأ لعيسى ابو الراغب‬

‫ُ أنا وريث ام فى \ حن ولدت \ كانت امرأة مل ي جدائل شعرها \‬


‫رسائل الباد\ قصت حبلي السري وأوثقته باأرض )‬

‫عيسى أبو الراغب‬

‫اهم مكامن الجمال في اللغة الف ية هو الطاقة التعبيرية و الفرادة في‬


‫ا ّن ّ‬
‫اهم مظاهر تلك التعبيرية هو توصيل ااحساس و نقل‬ ‫البوح ‪ ،‬كما ا ّن من ّ‬
‫القارئ الى مجال المع ى الشعوري بواسطة اللغة اعتمادا على ااسلوب و‬

‫‪75‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ليس على توصيلية اللغة ‪ .‬ه ا تكمن الف ية و الجمالية للغة اابداعية ‪،‬‬
‫فبدل ان تبوح بااستعانة بطريقية و مرآتية االفاظ و دالتها على المعاني ‪،‬‬
‫و يكون فهم و توصيل ااحساس بواسطة القول من اخبار او انشاء الذي‬
‫توصله اللغة ‪ ،‬فا ّن اللغة الف ية تعتمد في توصيل ااحساس باسلوب تعبيري‬
‫أي على ع اصر توظيفية غير القول و الطريقية ‪ ،‬و بعبارة ثانية ان القول و‬
‫ااخبار في اللغة العادية يكون واسطة بين اللغة و ااحساس الم قول ‪،‬‬
‫بي ما في اللغة الف ية يكون ااحساس م قوا بواسطة اللغة بعملية بوح عير‬
‫توصيل غير معتمد على القول و ااخبار ‪ ،‬و يكون المع ى حي ها عبارة عن‬
‫شكل للغة العاكسة ااحساس ‪ ،‬فبي ما في اللغة العادية تكون االفاظ‬
‫عاكسة للمعاني و المعاني عاكسة لاحساس وهذ هي التوصيلية ‪ ،‬ففي‬
‫اللغة الف ية تكون االفاظ عاكسة لاحساس من دون واسطة القول‪ ،‬و انما‬
‫يكون المع ى شكا خارجيا للغة ‪.‬‬

‫ربما بهذا الفهم يكون جليا عدم الت اقض في بوح اللغة الف ية و عدم‬
‫اشتمالها على قول حقيقي ‪ ،‬فحي ما يقال ان لغة الشعر تبوح و ا تقول ‪،‬‬
‫ا يع ي دعوة الى خواء اللغة و تجريدها من المع ى و المضمون ‪ ،‬بل‬
‫المراد ان ما ي قل بالطريقة العادية ي قل بطريقة غير عادية في اللغة الف ية ‪،‬‬
‫لذلك فاللغة الشعرية تبوح بما تقوله اللغة العادية ‪ ،‬و في عملية البوح هذ‬
‫تحل‬
‫ت هدم و ت خرم و تتصدع كثير من م طقيات و معايير اللغة العادية ‪ ،‬و ّ‬
‫محلها انظمة تعبيرية متفردة و عالية تتجلى فيها عبقرية اللغة ‪ ،‬و ا يراد‬
‫بعبقرية اللغة اا هذ المع ى ‪.‬‬

‫السر‬
‫اذن يتبيّن مما تقدم و بشكل سلسل ا يعتريه أي ريب ا ّن اللغة هي ّ‬
‫السري‬
‫ّ‬ ‫ااعظم لجمال الكتابة ‪ ،‬و ااسلوبية هي محور و رحى ذلك العالم‬

‫‪76‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪ .‬و من البيّن ا ّن ااسلوبية تت قل بين مستويات لغوية ثاث الصيغ اللغوية‬


‫و حقول المع ى اللغوية و المجال الوسطي اللغوي ‪ .‬شكل العاقة و‬
‫ال ظام الذي تظهر فيه تلك الع اصر الثاث من جهة المؤلف هو بوح و من‬
‫جهة المتلقي هو تعبير ‪ ،‬و الجهة التي ي ظر بها الى ذلك ال ظام مهمة‬
‫ايضا كع صر ابداعي ‪ .‬و بالقدر الذي تظهر فيه غائية ااحساس و الشعور‬
‫وانّه ما يراد البوح به و التعبير ع ه ‪ ،‬فانه ي كشف و بشكل جلي ا ّن‬
‫المحورية في عملية ابداع الجمال هو انظمة ذلك البوح و ذلك التعبير ‪ ،‬و‬
‫الذي يكون ااسلوب مركزيا فيها ‪ ،‬كما انّه ي كشف ايضا ان ااسلوب‬
‫ليس امرا شكليا مختص بآلفاظ و التراكيب ‪ ،‬و انما هو امر عميق يتسع‬
‫سعة التجربة اانسانية ‪ ،‬وهذا الفهم لاسلوبية يح ّقق توسع في مفهوم‬
‫الجمال فيشمل جميع مظاهر الحياة و اانسانية انّه يهيمن على مجاات‬
‫المع ى و الشعور وهي اوسع و اعمق الوجودات و التفسيرات للعالم و‬
‫التصور ال قد الجمالي متوسعا بشكل‬
‫ّ‬ ‫الخارج ‪ ،‬و بذلك يكون وحسب هذا‬
‫غير مسبوق و شاما ٓمور تتجاوز الشكل و ع اصر ‪ ،‬بل يغور عميقا في‬
‫عوالم اانسانية و تجاربها و م جزاتها ‪.‬‬

‫لقد قل ا ا ّن المحور الجمالي في ال ص هو نظام البوح و المظاهر التعبيرية‬


‫فيه ‪ ،‬و ا ّن ااسلوبية مركزية في ذلك ال ظام ‪ ،‬و ٓجل تييسر المضي في‬
‫تطبيقات هذا الفهم ا بد من عملية دائرية بين صيغ التعبير و مجال‬
‫المع ى و الواسطة البوحية ‪ ،‬و ربما عملية الت قل هذ هي من اسباب‬
‫اامتاع و يت اسب حجم المتعة باابداع مع شكل و طبيعة ذلك ال ظام و‬
‫الت قل فيه ‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫نصا ‪ ،‬تعمل مفرداته و تراكيبه بموادها و صيغها على‬


‫حي ما يواجه القارئ ّ‬
‫نقل ذهن القارئ الى مجال مع وي خاص ‪ ،‬هذا ال قل ليس توصيليا بل‬
‫تعبيريا ‪ ،‬ال قل التعبيري هذا له ع اصر اسلوبية ‪ ،‬ليس من وظيفة القراءة‬
‫التعرف على تلك الع اصر ‪ ،‬و انما ذلك وظيفة ال قد ‪ ،‬لذلك قل ا‬
‫التذوقيّة ّ‬
‫سابقا ا ّن جوهر ال قد ليس التذوق و انما فهم اللغة و المراد بذلك هذا‬
‫المع ى ‪ .‬و لكل كتابة اسلوبها في البوح و التعبير و نقل القارئ الى مجال‬
‫المع ى الذي يبدعه ال ص ‪ ،‬و ا يتوقف اامر الى هذا الحد ‪ ،‬فبعد‬
‫ارتحال القارئ الى ذلك المجال المع وي يتكون المجال العام لل ص ‪ ،‬من‬
‫ثم تأتي براعة المؤلف في اابداعات ااسلوبية التعبيرية في صياغة الشكل‬
‫المع وي و الشعوري لل ص ‪ ،‬بشكل كواكب مزي ة في سماء ال ص ‪ ،‬او‬
‫التصور‬
‫ّ‬ ‫الوان في لوحة ‪ ،‬او كيانات واشياء و اشباح في فضاء واسع ‪ .‬هذا‬
‫في الحقيقة ا ي طبق اا على قصيدة ال ثر او الكتابة التي توظف لغة‬
‫قصيدة ال ثر ‪ ،‬لذلك من العبث تطبيق هذ التصورات على الشعر‬
‫التوصيلي مهما كانت جماليته ‪.‬‬

‫ه ا امام ا نص نموذجي لقصيدة ال ثر ُ أبي قد مات أ للشاعر الفلسطي ي‬


‫الماهر عيسى أبو الراغب ‪ ،‬مليء بع اصر ابداعية لتجلّي مظاهر انظمة‬
‫البوح و التعبير و الع اصر ااسلوبية للبوح و نقل القارئ الى مجاات‬
‫المع ى الخاصة و بروز ااشكال الداخلية المبحرة و المتألئة في سماء‬
‫تلمس تلك الع اصر فيه ‪:‬‬
‫ال ص و فضائه ‪ .‬و من المفيد ايراد ال ص ثم ّ‬

‫ُأبي قد ماتأ‬

‫أي قد مات‬

‫‪78‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫مات بعد حف ة من القهر واأم وام فى والغياب‬

‫أي الذي مات ي ام فى البعيد‬

‫حن مل رغيف خبز والقمح ي خابية كسرها العابر‬

‫أي كتب على صدر بعود الس ابل اأصفر‬

‫حن اأرض‬

‫حن اطل برأسه من ه اك على امدى البصري‬

‫م ير إا طن اأرض ووردة وزيتونة ت ح للعاشقن‬

‫ت ادي بعضها بعضا‬

‫ه اك حيث امدى كان أكثر ما يلزم‬

‫وكان اه يرتب الرسائل للقادم من الزمن ويؤرخ التاريخ‬

‫ِ‬
‫وظ ُل الرماد وفوضى العباد تزحف حو اجهول‬

‫با‬ ‫أحاطت‬ ‫القهر‬ ‫من‬ ‫قبيلة‬


‫أي قد مات‬

‫دق وتد ا يمة‬

‫أوقف عقارب الساعة و اصم مع الوقت‬

‫كان كل صباح حكي ل ا حكايات أول الطريق الطي‬

‫‪79‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫قال لن يفهم احد سرنا‬

‫حن ت اأرض حيا‬

‫علي ا أن هشم ص م الذات وهش اأم واممات‬

‫تتوسط الساحة الطي ية مفتوحة من أربع جهات‬ ‫ا يمة ال‬


‫أنا وريث ام فى‬

‫حن ولدت‬

‫كانت امرأة مل ي جدائل شعرها‬

‫رسائل الباد‬

‫قصت حبلي السري وأوثقته باأرض‬

‫نادت على الرجل الواقف‬

‫صاحب العمامة والدين‬

‫اأكر‬ ‫ال داء‬ ‫أذي‬ ‫ي‬ ‫ي ادي‬


‫العظيم‬ ‫سري‬ ‫فواصل‬ ‫ي‬ ‫أحيا‬ ‫أنا‬
‫اأرض والسماء‬

‫الباد‬ ‫ملح‬ ‫من‬ ‫نثروا‬ ‫ما‬ ‫أتتبع‬


‫أع ا يا اه‬

‫ل قايض رسائلهم ما رتبت من رسائل اكتظاظ ا زن في ا‬

‫‪80‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫م موعد الفطام؟‬

‫هذ أوراق ا ياة‬

‫بدأت تتثاءب وتعلن موعد ال وم‬

‫ـحة ِ‬
‫القول وقه ِر الداخل‬ ‫هذا الصوت ي ب ِ‬
‫ُ‬

‫هل ك ا نصف الصدفة ونصف ا لم؟‬

‫والقراءة اأخرة لدورة ا ياة‬

‫ها حن نرقب قلقلة اآهة‬

‫وانغماس اأسطورة ي السدم‬

‫س دفن امع والصورة ي الطن اأول‬

‫نشكله طرا يطر‬

‫ن ادي أيها الغراب ا كيم‬

‫يا سيد هذ اأرض ا راب‬

‫ل عود للبداية‬

‫هذ اأرض ليست أرض ا‬

‫ما أتي ا إا ل شارك ي صاة الوردة والزيتونة وطقوس العاشقن أ‬

‫‪81‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫للغة التعبيرية توظيفات اسلوبية تتوزع بشكل عميق في جوانب‬


‫جو العام يكون‬‫كثير في ال ص ‪ ،‬فأجل خلق سماء ال ص و ّ‬
‫توظيف للع وان و قاموس المفردات و التراكيب ‪ ،‬و تقريبا تتدخل‬
‫في هذا اامر امور شعورية و غير شعورية تمثل طغيان اللغة و‬
‫الكتابة و تعالي صوت البوح مهما اراد الشاعر حرف بوصلة ال قل‬
‫ااحساسي في ال ص ‪ ،‬لذلك و كمدخل قراءاتي جيد للجوهر‬
‫العميق للغة ال ص يتمظهر القاموس المفرداتي و التركيبي لل ص و‬
‫ع وانه ّبوابة لذلك ‪.‬‬

‫مهمة‬
‫ع وان ال ص ُ أبي قد مات أ وهو يشتمل على ثاثة مجاات مع وية ّ‬
‫‪ ،‬الحميمية و اانتماء في كلمة ُ أبي أ ‪ ،‬و الحزن و آسى في كلمة ُ قد‬
‫مات أ ‪ ،‬و ااخبار الخطابي بتقديم كلمة أبي ‪ ،‬المشيرة الى ا ّن المخاطب‬
‫قد استفهم مسبقا عن حال آب ‪ .‬اذن الع وان يرشد الى مجاات‬
‫لجو‬
‫الحكاية و الحزن و آلفة ‪ ،‬ومع ان الع وان عادة ما يكون عاكسا ّ‬
‫ال ص اا انّه ا ب ّد من اجراء عملية مسح لل ص ٓجل ااطمئ ان من ذلك‬
‫البوح ‪ .‬وحي ما نجد ا ّن هذ العبارة اقصد ُ ابي قد مات أ هي اول عبارة‬
‫في ال ص ت تهي مرحلة القلق القراءاتي و ت كشف سماء ال ص و نعلم ان ا‬
‫انتقل ا فعا الى مجاات المع ى الخاصة بال ص ‪ ،‬وهذ وظيفة الع اوين‬
‫المركبة ‪.‬‬

‫يعج بمفردات تلك العوالم المع وي التي‬


‫بقاموس المفردات نجد ال ص ّ‬
‫اشرنا اليها من اانتماء و الحميمية و الحزن و ااسى و ااخبار و التأكيد‬
‫‪-:‬‬

‫‪82‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫مفردات الحزن ُ مات ‪ ،‬القهر‪ ،‬اأم ‪ ،‬ام فى ‪ ،‬الغياب ‪ ،‬ام فى ‪ ،‬اممات ‪،‬‬
‫ام فى ‪ ،‬ا زن ‪ ،‬تتثاءب ‪ ،‬ب ِ‬
‫ـحة ‪ /‬السدم ‪ ،‬الغراب ‪ ،‬ا راب أ‬‫ُ‬

‫مفردات اانتماء (أي ‪ ،‬رغيف ‪ ،‬خبز ‪ ،‬القمح ‪ ،‬صدر ‪ ،‬الس ابل ‪ ،‬اأرض ‪،‬‬
‫زيتونة ‪ ،‬للعاشقن ‪ ،‬قبيلة ‪ ،‬وتد ‪ ،‬ا يمة ‪ ،‬الذات ‪ ،‬الفطام ‪ ،‬وريث ‪ ،‬ولدت ‪،‬‬
‫امرأة ‪ ،‬الباد ‪) ،‬‬

‫اطل ‪ ،‬ت ادي ‪ ،‬يرتب ‪،‬‬


‫مفردات ااخبار و التأكيد ( مل ‪ ،‬كتب ‪ ،‬حن ‪ّ ،‬‬
‫دق ‪ ،‬أوثقته ‪ ،‬أذي ‪ ،‬ال داء )‬

‫و أيضا اأم و اانتماء و ااخبار ي الراكيب ااس ادية‬


‫التعريفية ي ال ص ‪-:‬‬

‫اأم (حف ة من القهر ‪ ،‬ام فى البعيد ‪ ،‬قبيلة من القهر ‪ ،‬اكتظاظ ا زن ‪،‬‬


‫س دفن امع ‪ ،‬الغراب ا كيم )‬

‫اانتماء (رغيف خبز ‪ ،‬عود الس ابل ‪ ،‬طن اأرض ‪ ،‬وتد ا يمة ‪ ،‬الطريق‬
‫الطي ‪ ،‬ص م الذات ‪ ،‬وريث ام فى ‪ ،‬جدائل شعرها ‪ ،‬رسائل الباد ‪ ،‬حبلي‬
‫ـحة ِ‬
‫القول ‪ ،‬وقه ِر الداخل ‪ ،‬موعد الفطام ‪ ،‬صاة‬ ‫السري ‪ ،‬سري العظيم ‪ ،‬ب ِ‬
‫ُ‬
‫الوردة )‬

‫ااخبار (يرتب الرسائل ‪ ،‬أوراق ا ياة ‪ ،‬قراءة اأخرة ‪ ،‬انغماس اأسطورة‬

‫‪83‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫و تتجلى تلك ا قول امع وية ي الراكيب ا ميلة التامة‬


‫ا املة للمعاي الثاث ي الغالب ي تركيب واحد فكانت‬
‫تشع ي ماء القصيدة ال رمها الشاعر بقاموس‬
‫كال جوم ّ‬
‫مفرداته و مس داته ‪.‬‬

‫(أي قد مات ‪ ،‬مات بعد حف ة من القهر واأم وام فى والغياب ‪ ،‬أي الذي‬
‫مات ي ام فى البعيد ‪ ،‬حن مل رغيف خبز والقمح ي خابية كسرها العابر ‪،‬‬
‫أي كتب على صدر بعود الس ابل اأصفر ‪ ،‬حن اأرض ‪ ،‬وكان اه يرتب‬
‫الرسائل للقادم من الزمن ويؤرخ التاريخ ‪ِ ،‬‬
‫وظ ُل الرماد وفوضى العباد تزحف حو‬
‫اجهول ‪ ،‬قبيلة من القهر أحاطت ب ا ‪ ،‬أنا وريث ام فى ‪ ،‬قصت حبلي السري‬
‫وأوثقته باأرض ‪ ،‬أنا أحيا ي فواصل سري العظيم ‪ ،‬أتتبع ما نثروا من ملح‬
‫ـحة ِ‬
‫القول وقه ِر الداخل ‪ ،‬ما أتي ا إا ل شارك ي‬ ‫الباد ‪ ،‬هذا الصوت ي ب ِ‬
‫ُ‬
‫صاة الوردة )‬

‫ص و اعمدة ا طاب و‬ ‫لو احظ ا هذ الراكيب وهي امراكز البوحية ي ال ّ‬


‫الرسالة فيه ‪ ،‬فانّا ناحظ كل ملة فيها قد معت امعاي الثاث (اأم و‬
‫اانتماء و ااخبار ) ‪ .‬ا ّن هذا الشكل من ااتقان اللغوي ح ّقق ت اغما ف ّذا ي‬
‫القصيدة ‪ ،‬و كانت تتجلّى اوجها ختلفة و مرايا تعكس وجه اأم و ا ميمية و‬
‫اإخبار ‪ ،‬تلك ا قول امع وية ال نقل ا الشاعر اليها ي صور شعرية عالية‬
‫امستوى و عميقة حد الذهول ‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫شمس با عذرية أ‬
‫ٌ‬ ‫التعبيرية المغ ِرقة في نص ُغر ُق آنها ِر‪...‬‬

‫ئي للغة ‪ ،‬لذلك فان التمييز العاماتي بين الكام‬


‫ص في جوهر مصداق جز ّ‬
‫ال ّ‬
‫و اللغة ا يست د الى قاعدة واقعية ‪ ،‬نعم مجموع المتكلّم ُ المرسلأ و‬
‫المتل ّقي ُ المرسل اليه أ و ال ص ُ الرسالة أ و قاعدة التخاطب ُ المرجعية‬
‫اللغوية أ يكون نظاما جزئيا مصداقيا للغة و تجسيدا ظاهريا لها ‪ .‬من ه ا‬
‫ص كلها من اللغة ‪.‬‬
‫فالمؤلف و المتل ّقي و المرجعيات اللغوية و ال ّ‬

‫حي ما يكون ااستعمال مرجعيّا ‪ ،‬تستعمل الوحدات اللغوية المتق ّدمة فيما‬
‫ص و قاعدة التخاطب بمعانيها و‬ ‫المؤلف و المتل ّقي و ال ّ‬
‫ُ‬ ‫وضعت له ‪ ،‬فيُلحظ‬
‫مرجعي و خارقا‬
‫ّ‬ ‫مفاهيهما المرجعية ااعتيادية ‪ .‬اما اذا كان ااستعمال غير‬
‫للمرجعيات اللغويّة ‪ ،‬فالخرق قد يكون على مستوى المؤلف او مستوى‬
‫ص ‪ ،‬او مستوى القاعدة التخطابية ‪.‬‬
‫المتلقي او مستوى ال ّ‬

‫‪85‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ان اللغة الف ية اانزياحية اما ان تكون تركيبية استعمالية او مفهومية مرجعية ‪.‬‬
‫اانزياح التركيبي ااستعمالي هو تعبيرية استعمالية ‪ ،‬اما اانزياح المفهومي فهو‬
‫التعبيرية المفهومية ‪ .‬التعبيرية في عمقها نقل ااحساس الى المتلقي ‪ ،‬وذلك‬
‫بالتوظيفات التركيبية و ااستعمالية ‪ ،‬او بالتوسعة و التغيير في المفاهيمية و‬
‫المع وي حتى يصل حد التجريد في التعبيرية التجريدية ‪.‬‬

‫حي ما ي جح ال ص في ان يشعرك بذاته و غاياته ‪ ،‬و حي ما ي جح ال ص في ان‬


‫ي قل لك احساسه بكل قوة و عمق ‪ ،‬حي ها نكون امام نص فذ ‪ُ .‬غر ُق‬
‫شمس با عذرية أ نص للشاعر العراقي مهدي سهم الربيعي ‪ ،‬فيه‬
‫ٌ‬ ‫آنها ِر‪...‬‬
‫من التوظيفات و القاموس اللغوي و التراكيب الب ائية و التجاورات اللفظية و‬
‫الصور الشعرية ‪ ،‬ما يجعلك تحس بالغرق ‪ ،‬و يجعلك تشعر بان العالم‬
‫يتساقط و يغرق و انه ا مفر ‪.‬‬

‫التعبيرية ااستعمالية في ال ص يمكن تتبعها في اربع مستويات‬

‫المستوى القاموسي لالفاظ‬ ‫‪.1‬‬

‫المستوى ااس ادي ال عتي و اافعالي‬ ‫‪.2‬‬

‫المستوى الجملي‬ ‫‪.3‬‬

‫المستوى ال صي الكلي‬ ‫‪.4‬‬

‫المستوى القاموسي‬ ‫‪.1‬‬

‫في ال ص سيل هادر من االفاظ الموحية و الدالة ‪:‬‬

‫ضياع‪،...‬‬
‫ضبابيةٌ قلقةٌ ‪َ ،..‬‬
‫اثر ‪ ،‬يَس ُقط‪َ ، ...‬‬
‫عارم ‪ ٌ،‬ملتهبةٌ‪ ،‬تتَ ُ‬
‫خ ‪ ،‬تيهٌ ٌ‬
‫فصرا ٌ‬
‫ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫غَ ِ‬
‫شحوب‪َ ،... ...‬كشهقة ُمحتض ٍر‪ٌ ،...‬‬
‫جزر مفقودة‪،....‬‬ ‫رق ‪ ، ...‬يَطفو ال ُ‬

‫‪86‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫كتسح‪،...‬‬ ‫ٍ‬ ‫مغروسةٌ ‪ُ ،‬جذوعُ خاويةٌ‪َ ،..‬شظايا ٍ‬


‫حمم‪ ،...‬بركان ‪ُ ،‬متدفق‪ ، ..‬تَ ُ‬
‫ِ‬
‫السيل أ‬

‫لقد نجح الشاعر بقاموس الفاظه ان يحقق غايات ال ص و ان يوصل الرسالة و‬


‫الخطاب و ان ي قل ااحساس ‪.‬‬

‫لقد بي ا مرارا ان نقل ااحساس هي من اهم و اصعب مهام المؤلف ‪ ،‬و انها‬
‫تخت لف عن التوصيل و الخطاب ‪ ،‬انها صبغ ال ص بمزاج معين مراد ‪ ،‬ثم نثر‬
‫الكلمات فيه بصورة تجعل القارئ يعيش اجواء ال ص ‪ .‬لقد حقق ال ص ُ‬
‫القاموسية التعبيرية أ‬

‫المستوى ااس ادي‬ ‫‪.2‬‬

‫المستوى ال صي ااخر كما بي ا هو المستوى التركيبي ااس ادي ‪ ،‬في ال عوت‬


‫يكاد‬
‫عالم ُ‬
‫اثر ال َخطايا‪ٌ ، ...‬‬‫أفكار ملتهبةٌ ‪ ،‬تتَ ُ‬
‫ٌ‬ ‫عارم ‪،‬‬
‫و اافعال مثال ُتيهٌ ٌ‬
‫شحوب‪َ ...‬ك ِ‬
‫شهقة‬ ‫ضبابيةٌ قلقةٌ ‪ ، ..‬غَ ِ‬
‫رق آنها ِر‪ ،...‬يَطفو ال ُ‬ ‫يَس ُقط‪َ ، ...‬‬
‫حمم‪ ، ...‬بر ٍ‬
‫ذوع خاويةٌ‪َ ، ..‬شظايا ٍ‬
‫كان ُمتدفق‪، ..‬‬ ‫ُمحتض ٍر‪ٌ ،‬‬
‫جزر مفقودة‪ُ ،....‬ج ُ‬
‫ِ‬
‫الوقوف‪ ...‬أ‬ ‫دو َن القدرةِ‪ ..‬على‬

‫من الواضح ان تلك ااس ادات ت قل القارئ الى حقول مع وية و دالية مشعرة‬
‫بالتهاوي و ال هاية و العجز ‪ ،‬حقول تحيط بفكر الغرق ‪ .‬لقد حقق ال ص ُ‬
‫ااس ادية التعبيرية أ‬

‫ان اهمية المعجم القاموسي لل ص و طبيعة ااس اد ‪ ،‬انها ب قل القارئ الى‬


‫حقول معانيها فانها تولد لديه انثياات م اسبة تعظم وجودك تلك المعاني في‬

‫‪87‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ال فس ‪ ،‬و من خال عمق و جهورية تجليات تلك لمعاني تترسخ الرسالة التي‬
‫يحملها ال ص في داخل القارئ ‪.‬‬

‫الجملي‬
‫المستوى ُ‬ ‫‪.3‬‬

‫المستوى الثالث هو المستوى الجملي ‪ ،‬المحقق للصور ‪ ،‬و جعل ال ص و‬


‫صور تحمل القارئ الى عوالم مع وي شديد الوقع من حيث التبليغ و ااخبار‬
‫‪ ،‬مرسخة الرسالة في ال فس ففي مقطع‬

‫‪...‬‬ ‫خ‬
‫ُصرا ٌ‬
‫ُ‬
‫الكلمات‪...‬‬ ‫بين‬
‫َ‬ ‫عارم‬
‫ٌ‬ ‫تيهٌ‬
‫ملتهبةٌ‪....‬‬ ‫أفكار‬
‫ٌ‬
‫ال َخطايا‪...‬‬ ‫اثر‬
‫تتَ ُ‬
‫يكاد يَس ُقط‪ ...‬أ‬
‫عالم ُ‬‫ٌ‬

‫ان البوح عال ه ا ‪ ،‬و التوظيفات الف ية و التعبيرية ااستعمالية واضحة في‬
‫انزياحات و استعارات ف ية فذة ‪ ،‬و مجاز قريب موصل للرسالة ‪ ،‬ابواب تعبيرية‬
‫متعددة ل فوذ الفكرة و تجليها الى المتلقي ‪ ،‬وهذا الشكل من التعبير البوحي‬
‫نسميه بلغة المرايا ‪ ،‬حيث تطرح الفكرة باكثر من شكل تعبيري اجل تأكيد‬
‫الرسالة و الباغ ‪.‬‬

‫و في مقطع واضح الرمزية و التوصيلية يقول الشاعر‪:‬‬

‫آنها ِر‪...‬‬ ‫غَ ِ‬


‫رق‬ ‫ُفي‬
‫شحوب‪...‬‬
‫ال ُ‬ ‫يَطفو‬
‫رحيل الغَيم‪ ....‬أ‬
‫ُم تظراً ُ‬

‫‪88‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ه ا تعريف نصي ‪ ،‬و تأريخي نصي عائقي يخالف المع ى ااصلي ‪ ،‬ما يحقق‬
‫توسعة في المفهوم فتتحق التعبيرية المفهومية اضافة الى التعبيرية ااستعمالية ‪.‬‬
‫فه ا انزياح على مستوى ااستعال و التركيب و انزياح على مستوى المفهوم و‬
‫المع ى المرجعي ‪ .‬ال ص يحقق التعبيرية الجملية ‪.‬‬

‫المستوى ال صي الكلي‬ ‫‪.4‬‬

‫المستوى التعبيري الرابع هو المستوى التركيبي ال صي الكلي ‪ ،‬أي نظام‬


‫العاقة التجاوري بين مقاطع ال ص ‪ ،‬وهو اما ان يكون بشكل تصويري او ان‬
‫قسم ال ص الى ثاثة فصول ‪ ،‬تربط بي ها‬
‫يكون بشكل سردي ‪ .‬ان الشاعر قد ّ‬
‫مكون من مقاطع تصويرية‬‫عاقات دالية ظاهرية و عميقة ‪ .‬كل فصل م ها ّ‬
‫شعرية ‪ ،‬من ه ا فالتعبيرية التركيبية ال صية ه ا معتمدة على الشعرية التصويرية‬
‫‪.‬و بمجموع ما تقدم و انظمة التداخل بي ها حقق ال ص ُ التعبيرية ال صية أ‬

‫شمس با عذرية أ نص حقق اهدافه و نقل ااحساس‬


‫ٌ‬ ‫ان نص ُغر ُق آنها ِر‪...‬‬
‫الى القارئ و نقل القارئ اليه و كان نموذجا للتعبيرية ااستعمالية ‪.‬‬

‫ال ص‬

‫عذرية‪...‬‬ ‫با‬ ‫شمس‬


‫ٌ‬ ‫آنها ِر‪...‬‬ ‫غر ُق‬
‫مهدي سهم الربيعي‬

‫ُ ‪1‬أ‬
‫‪...‬‬ ‫خ‬
‫صرا ٌ‬‫ُ‬
‫الكلمات‪...‬‬ ‫بين‬
‫َ‬ ‫عارم‬
‫ٌ‬ ‫تيهٌ‬
‫ملتهبةٌ‪....‬‬ ‫أفكار‬
‫ٌ‬

‫‪89‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ال َخطايا‪...‬‬ ‫اثر‬


‫تتَ ُ‬
‫يَس ُقط‪...‬‬ ‫يكاد‬
‫ُ‬ ‫عالم‬
‫ٌ‬
‫‪...‬‬ ‫آسى‬ ‫لتصق‬
‫يَ ُ‬
‫أختيار‪....‬‬ ‫دو َن‬
‫‪..‬‬ ‫ثوباً‬
‫‪!!..‬‬ ‫الذنوب‬ ‫ات‬
‫عور ُ‬ ‫ِبه‬ ‫تَستتَ ُر‬
‫‪..‬‬ ‫قلقةٌ‬ ‫ضبابيةٌ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫الحروف‪...‬‬ ‫بوق ِع‬ ‫تَهزأُ‬
‫ضياع‪...‬‬
‫َ‬ ‫أكبر‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الشمس‪...‬‬ ‫ِ‬
‫بكارة‬ ‫فَضو‬ ‫حين‬
‫َ‬
‫أطياف‪...‬‬ ‫عض‬
‫بَ ُ‬
‫الحمقى‪...‬‬
‫المثَرثرين َ‬
‫ُ‬

‫ُ ‪2‬أ‬
‫آنها ِر‪...‬‬ ‫غَ ِ‬
‫رق‬ ‫في‬
‫شحوب‪...‬‬
‫ال ُ‬ ‫يَطفو‬
‫الغَيم‪....‬‬ ‫رحيل‬
‫ُ‬ ‫ُم تظراً‬
‫غتسل‪..‬‬
‫تَ ُ‬ ‫َجبهةٌ‬
‫َشمس‪....‬‬ ‫أشراقةُ‬ ‫ِ‬
‫بأول‬
‫تَحضر‪.....‬‬ ‫لَم‬
‫حالك‪...‬‬ ‫بلي‬
‫َج ٌ‬ ‫ليل‬
‫ٌ‬
‫َنجم‪....‬‬
‫أ ُ‬ ‫بِا‬

‫‪90‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ِ‬
‫آشرعة‪....‬‬ ‫بأطر ِ‬
‫اف‬ ‫يوشي‬
‫ِ‬
‫آنفس‪....‬‬ ‫على‬ ‫مر‬
‫تَ ُ‬
‫ُمحتض ٍر‪...‬‬ ‫َك ِ‬
‫شهقة‬

‫أ‬ ‫‪3‬أ‬
‫مفقودة‪....‬‬ ‫جزر‬
‫ٌ‬ ‫شواطئ‬
‫ُ‬
‫ُه اك‪...‬‬ ‫مغروسةٌ‬ ‫أجسا ٌد‬
‫خاويةٌ‪..‬‬ ‫ُجذوعُ‬
‫الربيعِ ‪....‬‬
‫َ‬ ‫يف‬
‫َز َ‬ ‫تَشكو‬
‫َمحار ٌق‪..‬‬ ‫رب‬
‫قُ َ‬ ‫نَوماً‬
‫ٍ‬
‫حمم‪...‬‬ ‫َشظايا‬ ‫لَظاها‬
‫ُمتدفق‪..‬‬ ‫بر ٍ‬
‫كان‬ ‫مجرت‬
‫َز ُ‬
‫كتسح‪...‬‬
‫تَ ُ‬
‫‪...‬‬ ‫ِ‬
‫السيل‬ ‫ِ‬
‫برهبة‬
‫القدرةِ‪..‬‬ ‫دو َن‬
‫ِ‬
‫الوقوف‪...‬‬ ‫على‬

‫‪91‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫العالم الصوري الموازي في قصيدة ُ ع دما احترق المطر أ للشاعرة العراقية‬


‫سلمى حربة‬

‫احتلت الصورة الشعرية مركزية معروفة في مفهوم الشعر و الوعي به ‪ ،‬و‬


‫ازدادت مركزيتها قوة حي ما تخلى الشعر عن موسيقا الشكلية فصار يكتب‬
‫بال ثر‪ ،‬بحيث ما عاد ممك ا بيان تعريف واقعي للشعر يميز عن ال ثر اا‬
‫بإدخال الصورة الشعرية فيه ‪.‬‬

‫ان ااثارة التي تحققها الصورة الشعرية تحفز مواطن م اسبة في مجال‬
‫ااستجابة ‪ ،‬فيعمد الفكر الى نسج ما يستطيع من انظمة المع ى و ااستفادة‬
‫بتصور يفارق الواقعية في كثير من لحظات وجود ‪ ،‬ان الصورة الشعر هي‬
‫المت فس الحقيقي للفكر لرؤية الخارج بلغة خاقة ‪ ،‬بعبارة ثانية ان الصورة‬
‫الشعرية ليست عما مختصا بالكاتب و انما حقيقة انتاجها يرجع الى عالم‬
‫التلقي‪.‬‬

‫حي ما يواجه الفكر الصورة الشعرية يرتفع في مستوى ال ظر الى ااشياء و‬


‫يتخ لى عن الم طقية المعهودة و يكون على استعداد عال لذلك ‪.‬و يحضر‬
‫انجاز المؤلف ه ا بالقاموس المع وي و طبيعة العاقة بين الصورة و مكوناتها ‪،‬‬
‫فيخلق اث اء توجيه الب اء ال صي شكا فكريا ب اء م تجا يحلق به المتلقي ‪،‬‬
‫يعتمد شكله على طبيعة مكونات الصورة والعاقات بي ها‬

‫‪92‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الصورة بحسب اللغة المعتمدة في تكوي ها ‪ ،‬اما ان تكون تعبيرية تحكي الواقع‬
‫بشكل جميل بشكل مباشر او غير مباشر ‪ ،‬تكون الحكاية اولية فيها ‪ ،‬او‬
‫تجسيدية تعطي لاشياء مع ى اخر و توسع مدارك الفكر بااشياء ‪ ،‬و بهذا‬
‫الشكل من التعبير يمكن فهم اابداع على انه حالة مستقبلية معرفية تتجاوز‬
‫حدود الواقع و امكانته في اطاق فكر اانسان وخياله نحو حياة افضل ‪.‬‬
‫وهذا يقع في صلب رسالية اادب و اخاقياته ‪.‬‬

‫حي ما ت ساب الصور مبحرة بالفكر يتبلور في الذهن معان اشياء الصورة‬
‫تختلف عما هو معهود بقدر الطاقة التي اكتسبها بفعل الصورة ‪ ،‬حتى تصل في‬
‫التغاير و الب اء في عاقتها الى نظام متكامل قائم ب فسه يظهر كعالم مواز لعالم‬
‫مرجعيات اللغة ‪.‬‬

‫اللغة التي رسمت بها الشاعرة المبدعة سلمى حربة قصيدتها ُع دما احترق‬
‫تمثل نموذجا متقدما و واضحا للغة العالم الصوري الموازي ‪.‬‬ ‫المطر !! أ‬
‫ونجد ذلك جليا لو نظرنا الى ثاث وحدات تركيبية في ال ص ‪،‬الوحدة‬
‫التجاورية ‪ ،‬و الوحدة الجملية و الوحدة ال صية ‪.‬‬

‫الوحدات التجاورية ‪.‬‬

‫يتحقق السيل الصوري و من ثم العالم الموازي ‪ ،‬بتجاورات مجازية متوالية ا‬


‫تترك مساحة للم طقية اللغوية ‪ ،‬فتغادر بذلك الكلمات مرجعياتها نحو عالم من‬
‫الداات و المعاني مغاير ‪ ،‬صانعة بذلك مرجعية جديدة غير المرجعية‬
‫المعهودة يمكن ان نسميها المرجعية ال صية في قبال المرجعية الخارجية ‪ .‬و‬

‫‪93‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫لطالما فهم ا ان الشعر او ال ص اادبي عموما هو اعتراض على الخارج‬


‫فتجيء المرجعية ال صية شكا من اشكال ااعتراض على الخارج ‪.‬‬

‫فمن اول الع وان احتراق المطر األفة تجاورية ‪ ،‬ثم ت ساب الاألفة التجاورية و‬
‫المجازات من دون هوادة بشكل صادم و مبهر لمواطن الشعور العميقة ‪.‬‬

‫اارض ت طفئ‪\ ،‬‬


‫ُ‬ ‫الشمس \‬
‫ُ‬ ‫صقيع\ ت حاز‬ ‫بللت َجمراتُه ُ‬
‫المطر‪ْ \ ،‬‬
‫ُ‬ ‫احتر َق‬
‫كفي \‬ ‫ٍ‬ ‫بات ِ‬ ‫شمعة َهدها التعب‪ \،‬روحي بين عر ِ‬ ‫ٍ‬
‫رحيل مسكون‪\،‬ثقباً في ّ‬ ‫ُ‬
‫الضباب حولي‬ ‫ِ‬
‫خاصرة الغيم‪\ ِ،‬‬ ‫زمن موؤ ٌد \‬ ‫ِ‬
‫الضباب \‬ ‫تملصت من‬
‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫كوشاح \ َهذيا ُن كو ٌن \ ِ‬
‫غثيان بح ٍر ‪ .‬أ ان األفة التجاور بين كلمات هذ‬ ‫ٍ‬
‫التراكيب امر ظاهر ‪ ،‬و لو حسب ا المساحة التي شغلتها هذ التراكيب‬
‫س جدها تتجاوز الغالبية العظمى م ها ‪ ،‬و لو علم ا ان هذ التراكيب محورية و‬
‫مركزية في التركيب الجملي و ال صي ستكون القصيدة مخلوقة و متقومه بهذ‬
‫الصور و هذا هو المدخل الى العالم الموازي الذي ص عته القصيدة ‪.‬‬

‫الوحدات الجملية‬

‫بعد تبين ان التراكيب التجاورية المحققة لاألفة عالية هي مركز التراكيب‬


‫الجملية ‪ ،‬فان الجمل بذلك ا تكون اا شكا وتجسيدا للصورة التي تريدها‬
‫تلك التراكيب ‪ ،‬وان هذا التشكل الذي تطغى فيه اللغة على وسائليتها و‬
‫توصيليتها و طريقيتها يحقق التوهج و اكتساب طاقات تعبيرية و دالية واسعة‬

‫‪94‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪ ،‬و ا يمكن لوعي القارئ بعد ذلك اا ان ي ظر بعين متجردة الى عالم متعال‬
‫و متسام من اللغة ‪ ،‬باستعداد مرتفع ا يتوفر لها في الواقع ‪ ،‬وهذ ال قطة‬
‫احترق‬
‫َ‬ ‫بالذات من مصادر اامتاع العميق في الشعر ‪ ،‬ف جد انه ُ ِع دما‬
‫صقيع ٍ‬
‫أرض لم ي ْ‬
‫زل بها البَ َر ْد أ انه احتراف غير مألوف‬ ‫بللت َجمراتُه ُ‬
‫المطر‪ْ ،‬‬
‫ُ‬
‫همدت روحي بين‬
‫ْ‬ ‫لمطر وجمرات وارض ارضا غير التي نعرفها أ و في عبارة ُ‬
‫مسكون‪ ُ،‬هذا الهمود غير المالوف بين عربات الرحيل ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بات ِ‬
‫رحيل‬ ‫عر ِ‬
‫المسكون ‪ ،‬ابدا ا يمكن للفكر اا ان يبحر ‪ ،‬و ا يتوقف عن اابحار‪ ،‬ففي‬
‫ِ‬
‫الضباب َحول َعي ي أ تبلغ ه ا القصيدة‬ ‫تملصت من‬ ‫كفي ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أيت ثقباً في ّ‬
‫ُر ُ‬
‫ذروتها في ال زوع و التجريد في اللغة و التفلّت من التوصيل و الحكاية انها‬
‫لغة الص ع و الخلق ‪ ،‬انه ابداع للفكر و المعاني و للخاص انه عالم اخر‬
‫ِ‬
‫خاصرة الغيم‪ ِ،‬أ يحضر انه بالطبع ليس‬ ‫زمن موؤ ٌد على‬
‫يطرح ه ا ‪ ،‬ثم اذا به ُ ٌ‬
‫كزم ا انه يقبع في خاصرة الغيم و ترتفع ه ا وتيرة التصور و التصوير الى ما ا‬
‫كوشاح‬
‫ٍ‬ ‫الضباب َحولى‬
‫ُ‬ ‫اثر‬
‫نهاية انفتاح على المع ى مق ن و متعمد ‪ ،‬ثم ُت َ‬
‫أبيض أ و شاح و كفن معبآن بمعاني غير التي نعرفها و ُ َهذيان كون‬ ‫‪،‬ككف ٍن ٍ‬
‫ِ‬
‫ُكغثيان بح ٍر غَطى ِرمالهُ الزب ْد‪ ،‬أ لقد اسرت الغربة‬ ‫يج المط ِر‪ ،‬أ و‬
‫كا َن نش ُ‬
‫المكان ‪ ،‬فغيرت اايحاءات و الداات و التعابير التي وصلت الي ا و البوح‬
‫العميق ‪ ،‬ارتَدت الكلمات و الجمل و العبارات شكل غربة و افتراق واع تاق ‪.‬‬

‫الوحدات ال صية‬

‫عادة ما يصح القول ان ال ص نتاج عباراته و تراكيبه الجزئية ‪ ،‬وهذا صحيح‬


‫الى حد ما ‪ ،‬لذلك ا نجد حدودا لل ص غير التي يص عها ال ص نفسه بعباراته‬
‫و تراكيبه ‪ .‬ان السيل الصوري ‪ ،‬و التحليق الذي طالبت ا به عبارات ال ص ‪،‬‬
‫جعل ا و بقوة نبحر بعيدا عن فهم ا لأمور و ااشياء ‪ ،‬وكأن ا صرنا ن ظر الى‬

‫‪95‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫عال م كامل تتشكل فيها ااشياء بأشكال مغايرة ‪ ،‬انها ااسماء ذات ااسماء‬
‫اا ان تمظهرها و مامحها و تفاعاتها غير التي نعرف ‪ ،‬انه عالم اخر ٓشيائ ا‬
‫‪ ،‬و ٓفكارنا و ٓرواح ا ‪.‬‬

‫ان هذا ال ص يبين و بقوة ان المجاز ليس فقط لعبا بآلفاظ و انما هو خلق‬
‫جديد و ص ع جديد و معاني جديدة و تجربة جديدة و فهم جديد لأشياء و‬
‫الحياة ‪ ،‬و يبين ايضا كيف يمكن للغة ان تصبح جسدا و شكا و عالما للفكر‬
‫و الوعي ‪ ،‬و تتمرد على طبيعتها و اساس وجودها من التوصيل و محاكاة‬
‫الخارج و المرآتية ‪ ،‬انها ه ا تخلق المعاني و تخلق الفكر ‪ ،‬بل تخلق القارئ و‬
‫ا لعالم الجديد الذي جهرت به ‪ .‬و بهذا الكم الكبير من الطاقة و التوهج‬
‫تحرك اللغة اعماق مواطن ااستجابة الجمالية ‪ ،‬و تطرح قيمها و نظرتها الى‬
‫الحياة ‪ ،‬ان لغة العالم الصوري الموازي تجسد الشعر و الشاعر ٓنها ا تكون‬
‫اا رؤية بشكل لغة ‪،‬و ليس رؤية ت قلها ل ا اللغة ‪ ،‬انها تجسيد للتجربة و تجلي‬
‫للفكر باللغة و ابحار الى عالم من المعاني الجديدة وهذا ما نسميه الثراء ‪.‬‬

‫ال ص ااصلي‬

‫ع دما إحترق المطر !!‬

‫‪96‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫حربة‬ ‫سلمى‬
‫‪..........................‬‬
‫المطر‪،‬‬
‫ُ‬ ‫احتر َق‬ ‫ِع دما‬
‫ٍ‬
‫أرض‬ ‫صقيع‬
‫ُ‬ ‫َجمراتُه‬ ‫بللت‬
‫ْ‬
‫البَ َر ْد‪،‬‬ ‫بها‬ ‫ي ْ‬
‫زل‬ ‫لم‬
‫اليّها‪،‬‬ ‫الشمس‬
‫ُ‬ ‫ت حاز‬ ‫ولم‬
‫ت طفئ‪،‬‬ ‫اارض‬
‫ُ‬ ‫كانت‬
‫التعب‪،‬‬ ‫َهدها‬ ‫ٍ‬
‫كشمعة‬
‫ُ‬
‫بين‬ ‫ما‬ ‫أدور‬
‫ُ‬ ‫يح‬
‫كر ٍ‬ ‫ت‬
‫وك ُ‬
‫خروج‬
‫ٍ‬ ‫شبابيك‬
‫َ‬ ‫عن‬ ‫أفتش‬ ‫ِ‬
‫الغرف‪،‬‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫مسكون‪،‬‬ ‫ِ‬
‫رحيل‬ ‫عر ِ‬
‫بات‬ ‫بين‬ ‫روحي‬ ‫همدت‬
‫ْ‬
‫‪،‬‬ ‫كفي‬
‫ّ‬ ‫في‬ ‫ثقباً‬ ‫أيت‬
‫ر ُ‬
‫َعي ي‪،‬‬ ‫َحول‬ ‫ِ‬
‫الضباب‬ ‫من‬ ‫تملصت‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الرمال‪،‬‬ ‫حبات‬
‫َ‬ ‫أعد‬ ‫وجلست‬
‫ُ‬
‫الزم ِن‪،‬‬ ‫ِ‬
‫لمعضلة‬ ‫تفسي ٍر‬ ‫الى‬ ‫أصل‬ ‫لعلي‬
‫ُ‬
‫الغيم‪ِ،‬‬ ‫ِ‬
‫خاصرة‬ ‫على‬ ‫موؤ ٌد‬
‫زمن‬
‫ٌ‬
‫أبيض وأمتد على َمرمى البص ِر‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫كوشاح ‪،‬ككف ٍن‬
‫ٍ‬ ‫الضباب َحولى‬
‫ُ‬ ‫اثر‬
‫ت َ‬
‫المط ِر‪،‬‬ ‫نشيج‬
‫ُ‬ ‫كا َن‬ ‫كون‬ ‫َهذيان‬
‫اك‪،‬‬‫وه َ‬‫ُ‬ ‫ُه ا‬ ‫يَترامى‬ ‫ووجع‬
‫ٌ‬ ‫أنين‬
‫ٌ‬
‫الزب ْد‪،‬‬ ‫ِرمالهُ‬ ‫غَطى‬ ‫بح ٍر‬ ‫ِ‬
‫كغثيان‬
‫ذلك هو احترا ُق المطر ‪...‬‬
‫كا َن َ‬

‫‪97‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪98‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الرمزية التعبيرية ع د هاني ال واف‬

‫تمهيد‬

‫م ذ اطاع ا على التعبيرية االمانية و اهمها نصوص جورج تركل الذي ك ت قد‬
‫ترجمت له قصيدة ُ صيف أ ‪ ،‬لم نجد هذا المستوى الرمزي و التعبيري اا‬
‫في نصوص لشعراء من المغرب العربي ك صوص الشاعرة و الروائية التونسية‬
‫عفاف السمعلي و الشاعر التونسي لطفي العبيدي ‪ .‬و ا بد من القول بان‬
‫الرمزية التعبيرية اكثر تطورا في المغرب العربي م ها في مشرقه ‪ ،‬و لقد ت اول ا‬
‫هذا اامر مع الشاعر و ال اقد الدكتور عاء ااديب فعزى السبب الى‬
‫ااحتكاك الكبير ادباء المغرب العربي باادب الغربي و هو تام كما يبدو ‪ .‬و‬
‫لم نجد في كتابات ادباء المشرق العربي رمزية تقترب من تلك الرمزية اا في‬
‫متفرقات ‪ ،‬لكن لدي ا شاعر عراقي فذ يكتب برمزية تعبيرية عالية تقترب من‬
‫مستويات التعبيرية االمانية أا و هو الشاعر هاني ال واف ‪ .‬س بين ه ا مامح‬
‫و مستويات و عمق تلك التعبيرية كظاهرة متفردة واضافة ادبية ‪.‬‬

‫أهمية التفرد ااسلوبي و واجب ال قد تجاهه‬

‫ليست المهمة الكبرى لل قد في متابعة تحقق المعايير في نصوص معي ة ‪ ،‬و‬


‫انما ال قد المهم هو ما يشير و يدلل على ااضافات المهمة لل صوص ‪ .‬ان‬
‫تجل تختلف فيها ال صوص ‪ ،‬و ا‬‫الظاهرة اادبية لها مستويات و درجات ّ‬
‫تكون ااشارة ال قدية مق عة ما لم يصدقها تجل عال للثيمة في العمل اادبي‬
‫المعين ‪ .‬من ه ا يكون للتفرد ااسلوبي باعتبار تجل عال للتجربة اهمية من‬

‫‪99‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫جهة احداث ااضافة ‪ ،‬يكون لزاما على ال قد متابعتها ٓجل تكامل اادب و‬
‫تطور و ااحتذاء بالتجليات العالية ‪.‬‬

‫الرمزية التعبيرية‬

‫توجها و ابدع فيها االمان ‪،‬‬


‫التعبيرية مدرسة معروفة في الفن و اادب ‪ ،‬و لقد ّ‬
‫حتى انها صارت احيانا ت سب اليهم فيقال ُ التعبيرية االمانية أ ‪ .‬و التعبيرية‬
‫وان كانت حركة مضادة للتأثيرية و اانطباعية ‪ ،‬اا انها حملت الحقيقة و‬
‫ااخاص لأدب و اانسان ‪ .‬و مع ان التعبيرية تُحصر عادة في فترة زم ية‬
‫معي ة ‪ ،‬اا ان المتتبع يجد ان اسلوب التعبيرية بمعاييرها الريادية ا زال مستمرا‬
‫‪ ،‬كم ان معظم الكتابات الشعرية العربية و غيرها تشتمل على درجات من‬
‫الرمزية التعبيرية ‪ ،‬وان اختلفت درجات تجليها ‪.‬‬

‫لقد ابدعت التعبيرية في جعل اانسان هو المحور ‪ ،‬و احترمت الفردية ‪ .‬ان‬
‫التعبيرية بهذا الفهم يمكن ان تكون م طلقا لفلسفة واسعة عن الحياة تحترم‬
‫اانسان و حرياته و حقوقه ‪ .‬و فيما يخص اادب فان التعبيرية قد وسعت من‬
‫قدرة الكتابة و م اهلها ‪ ،‬و لقد بي ا في مواضع سابقة ان من التعبيرية ما يكون‬
‫فيه توسعة في عاقات التجاور اللفظي و ااس ادي ُ التعبيرية التركيبية أ ‪ ،‬اذ‬
‫ان الرمزية تستوجب مجازات و انزياحات ٓجل تأديتها ‪ ،‬مما يؤدي الى خلق‬
‫عاقات جديدة بين الوحدات الكامية غير مسبوقة ‪ ،‬و م ها ما يكون فيه‬
‫توسعة مفهومية عميقة ت فذ في جوهر المع ى و اسمي اها ُ التعبيرية المفهومية أ‬
‫و التي تحدث توسعا مفهوميا عميقا في المع ى و الفكرة ‪.‬‬

‫الف ية التعبيرية و جمالياتها وفق ادوات ال قد التعبيري‬

‫‪100‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ال قد التعبيري بادوات بحثه و تتبعه في جهات اابداع بااسلوبية التعبيرية‬


‫يت اول ال ص م هجيا من ثاث جهات ‪ -1 :‬ف يته و ‪ -2‬جماليته و ‪-3‬‬
‫رساليته ‪.‬‬

‫بخصوص الف ية التعبيرية فانها تتجلى في رك ين ‪ :‬ااول الرمزية العالية و الثانية‬


‫اانفعالية الفردية تجا الحياة و امورها ‪ ،‬و ا يمكن عد الكتابة محققة‬
‫للتعبيرية ان لم تشتمل على هذين الشرطين اع ي ُ الرمزية أ و ُ اانفعالية‬
‫الفردية أ ‪ .‬و الجمالية اضافة الى التوظيفات و اانزيحات فانها تحقق توسعة‬
‫عاقاتية على مستوى التركيب ُ التعبيرية التركيبية أ بفرادة اسلوبية تركيبية و‬
‫عاقاتية بين المفردات و على مستوى الفهم ُ التعبيرية المفهومية أ بطرح فهم‬
‫و تعريف خاص و فردي لاشياء كما اسلف ا ‪ .‬و اما الرسالية فانها تتمثل في‬
‫مركزية اانسان في التعبيرية و محوريته و تحرير و احترام رؤا و افكار و‬
‫البحث عن الخاص و العالم ااصدق و ااكثر جوهرية ‪.‬‬

‫تجليات التعبيرية في نصوص هاني ال واف‬

‫هاني ال واف شاعر عراقي يتميز شعر بتجل عال للتعبيرية قل نظير ‪ ،‬من حيث‬
‫عمق الفكرة و عمق العاقة اانزياحية بين الوحدات الكامية ‪ .‬ان شعر هاني‬
‫ال واف يحقق مستويات عالية من التعبيرية بالف ية المتكاملة من حيث الرمزية و‬
‫الفردية و الجمالية المتكاملة من حيث التعبيرية التركيبية و المفهومية ‪ ،‬و‬
‫الرسالية المتكاملة من حيث اانسانية و الكونية في أدبه ‪ .‬وه ا نورد نماذجا‬
‫لتلك التجليات في قصيدته ُ حين أستدار ال عاة أ وهي قصيدة نثر حرة‬
‫مكتوبة بلغة سردية التعبيرية اي بالسرد الممانع للسرد ‪ ،‬السرد ا بقصد‬
‫الحكاية و السرد ‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪ -1‬الرمزية‬

‫الرمزية في هذ القصيدة تكون باشكال مختلفة و واسعة ‪:‬‬

‫يقول الشاعر ‪:‬‬

‫اعصاب الط ْي ِن‪...‬‬ ‫ِ‬


‫‪...‬وهادئَةٌ‬ ‫ُالرعشةُ الحبلى فَا ِرغةُ الس ِ‬
‫قوط‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫بكوابيس الر ِ‬
‫يبة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫جه ِد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫باكر فِ ْت َةً‪ ،‬تَ ُمد نَ ْف َح َة‬
‫الم َ‬
‫وع َف َن آزقة ُ‬
‫المآذن‪َ ،‬‬ ‫والوج ُد يُ ُ‬
‫ْ‬
‫ّال الع ِ‬ ‫ِ‬ ‫بوس ِدثَا ِر يَِقي ٍن ُمرتَ ِع ِ‬
‫غزل‬
‫ميقة‪...‬ويَ ُ‬ ‫ش هدأ َة الظ ِ َ‬ ‫ش اليَ ِ‬
‫باس‪ ،‬يُْع ُ‬ ‫وعُ ِ‬
‫الطحلب الج ِ‬
‫وفاء‪ ،‬وا ْخ ِ‬ ‫انخطاف الع ِ‬
‫ال التحو ِل َ‬
‫العقيمِ ‪ .....‬أ‬ ‫ض ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫لشوارع‬
‫ِ‬ ‫روق‪،‬‬ ‫َ ُ‬

‫نجد ه ا رمزية متجلية وقوية و بصور اسلوبية مختلفة ‪ .‬ف جد الرمزية الخارجية‬
‫التوظيفية و التي تكون بتوظيفات الرمزيات العرفية و الخارجية ككلمات ُ‬
‫المآذن و اازقة و الشوارع أ‬

‫الرمزية التكاملية و تكون باعطاء رمزية اضافية لما له رمزية خارجية ككلمات ُ‬
‫الرعشة و الوجد و الظال أ‬

‫الرمزية ال صية الداخلية و تكون باعطاء رمزية خاصة و نصية لاشياء ككلمات‬
‫ُالطين و اليباس و الطحلب أ ‪.‬‬

‫‪ -2‬اانفعالية الفردية‬

‫اللغة التعبيرية دوما تحاول نقل ااحساس بالشيء و اانفعال به قبل نقله و‬
‫نحس بها و بما تع ي ل ا ا بما هي‬
‫محاكاته ‪ .‬انها ترسم ااشياء و تصورها كما ّ‬
‫‪102‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫في الخارج ‪ .‬انها تقدم العالم ب ظرة خاصة و بفكرة فردية و تضفي على‬
‫ااشياء معان خاصة ‪ ،‬و تحاول نقل ااحساس بالشيء اكثر من نقل مع ا الى‬
‫المتلقي ‪.‬‬

‫يقول هاني ال واف ‪:‬‬

‫ِ‬
‫وحمامات‬ ‫نخاع الع ِ‬
‫تمة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪...،‬ويأكل ُمتكئاً‪َ َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫آشيب‬ ‫بالتعب‬ ‫قرفص‬
‫ُكا َن أبي يُ ُ‬
‫الع ْف ِوي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال َف ْج ِر السوداء‪ ..،‬يَمض ُغ صد َ‬
‫غ اللحظة الموشى‪َ ،‬بع َماء الص ْح ِو َ‬
‫وع بخطايا‬ ‫الم ْ ُق ِ‬ ‫هادن للصبا ِر‪ ،‬وه َ ِ‬
‫وع ال َقم ِح الم ِ‬
‫اء َ‬‫شا َشة ال َق ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫بج ِ ْ‬ ‫غتسل ُ‬
‫ويَ ُ‬
‫ال ْه ِر‪ ...‬أ‬

‫نجد نقاط انفعال حادة في ُ كان ابي يقرفص بالتعب ااشيبأ ان هذ العبارة‬
‫تبلغ اقصى مدى ممكن للتعبير و اانفعال ‪ ،‬انها ت جح و بقوة ب قل احساس‬
‫الشاعر ل ا ‪ .‬و مثل ذلك في عبارة ُ يغتسل بجوع القمح المهادن للصبار أ ‪.‬‬
‫و يقدم ل ا ال ص التصور الخاص عن ااشياء المغاير للتصورات العامة و‬
‫الخارجية مع عمق تعبيري واضح ُ حمامات الفجر السوداء ‪ ،‬الصحو العفوي‬
‫‪ ،‬ال قاء الم قوع بخطايا ال هر أ ‪.‬‬

‫‪ -3‬التعبيرية التركيبية‬

‫تتجلى التعبيرية التركيبية بااضافات العاقاتية التركيبية واهمها صور اانزياح‬


‫الفذ و العالي ‪ .‬ويكون ذلك على مستوى التركيب ااس ادي بين المفردات و‬
‫على مستوى التركيب الجملي بين اجزاء الجملة و على مستوى التركيب‬
‫الفقراتي بين الجمل و على مستوى التركيب ال صي بين فقراته ‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫نجد تجليات التعبيرية في نص هاني ال واف على مستوى التركيب ااس ادي‬
‫ِ‬ ‫نخاع الع ِ‬ ‫ُفَا ِرغةُ الس ِ‬
‫وع ال َق ْم ِح‬
‫اللحظة ‪ُ ،‬ج ِ‬ ‫غ‬
‫تمة ‪ ،‬صد َ‬ ‫اعصاب الط ْي ِن ‪َ َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫قوط ‪،‬‬ ‫ّ‬
‫أ وهكذا كثير‪ .‬و نجدها في التركيب الجملي ُالرعشةُ الحبلى فَا ِرغةُ الس ِ‬
‫قوط‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫بل السري‪،‬‬ ‫الح ُ‬
‫باس ‪َ ،‬‬ ‫بوس ِدثَا ِر يَِقي ٍن ُمرتَ ِع ِ‬
‫ش اليَ ِ‬ ‫اعصاب الط ْي ِن‪ ، .‬عُ ِ‬
‫ُ‬
‫‪ِ ،‬‬
‫هادئَةٌ‬
‫عتم أ و هكذا غيرها ‪.‬‬ ‫الم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يَ ْزف ُر خلس َة الشتاء ُ‬

‫ان ال ص يعتمد السرد التعبيري ‪ ،‬و من خال الرمزية التعبيرية ‪ ،‬يتحقق مزج و‬
‫ث ائية تعبيرية ‪ ،‬تتميز بالعذوبة و العلو ‪ ،‬ظاهرة و جلية ‪ .‬ان اهم ما تقدمه‬
‫السردية التعبيرية لل ص هو اضفاء عذوبة و حاوة لدى المتلقي ‪ ،‬و عذوبة‬
‫الرمزية بالسرد التعبيرية واضحة في هذ ال ص و جميع فقراته شاهدة على ذلك‬
‫‪.‬‬

‫اما التركيب ال صي ‪ ،‬فمع ما تق ّدم من المزاج و الجو العام العذب للسردية في‬
‫ال ص ‪ ،‬فان ا يمكن ان ناحظ التقابل التعبيري بين الفقرات و انها تدور حول‬
‫فكرة عميقة مركزية ‪ ،‬و كأن ال ص وهو بشكل قصيدة نثر حرة مقسم الى‬
‫فقرات مت اصة ‪ ،‬كل هذ الفقرات تحاول ان توصل الى المتلقي فكرة مركزية ‪،‬‬
‫هذ الحركة الدورانية و التعابير المتقابلة و المترادفة في فكرتها و التي نسميها‬
‫ُ الت اص الداخلي أ تحقق اسلوب لغة المرايا و ُ ال ص الفسيفسائي أ و ان‬
‫لم يكن في تجل عال كما في نصوص شعراء اخرين كالشاعر كريم عبد اه و د‬
‫انور غ ي الموسوي ‪.‬‬

‫‪ -4‬التعبيرية المفهومية‬

‫‪104‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫بي ما يكون اابداع في التعبيرية التركيبية على مستوى التركيب و العاقات‬


‫الب ائية بين الوحدات الكامية ‪ ،‬فان التعبيرية المفهومية ت فذ عميقا في المع ى‬
‫و الفهم لاشياء ‪ ،‬فتعطي فهما جديدا لها و خاصا ‪.‬‬

‫نجد في هذا ال ص الفهم الخاص و الفردي في اشياء م ها ُ رعشة حبلى ‪،‬‬


‫سقوط فارغ ‪ ،‬طين له اعصاب ‪ ،‬يقين مرتعش اليباس ‪،‬العتمة التي لها نخاع ‪،‬‬
‫اللحظة التي لها صدغ ‪ ،‬القمح الجائع ‪ ،‬ال قاء الم قوع بالخطايا ‪ ،‬الضباب‬
‫الم بوذ ‪ ،‬صيحات اانوار ‪ ،‬ضوضاء صافية الخاطر أ وهكذا غيرها ‪ .‬ان هذ‬
‫ااس ادات اضافة الى توسيعها لفاهيم تلك ااشياء و ال ظرة الخاصة و الفردية‬
‫تجاهها ‪ ،‬فانها ايضا تعمل على تغيير تج يسي لها بوصف السمعي بصفة‬
‫بصرية و وصف المكاني بصفة زمانية و وصف الزماني بصفة مكانية ‪ ،‬و الباس‬
‫الضد صفات ضد ‪ ،‬وهكذا ‪ ،‬و هذا اعمق اشكال التعبيرية كما هو واضح ‪.‬‬

‫‪ -5‬التعبيرية الرسالية‬

‫من اولى و واضح اشكال الرسالية في التعبيرية هو لغة ااعتراض و الخروج‬


‫على واقع ااشياء بااسلوب التعبيرية و الرمزية العميقة وهذ تحقق الرسالية‬
‫اادبية و ااجتماعية ‪ .‬كما انها تتجلى في طلب الخاص و نشدان واقع‬
‫افضل ‪ ،‬اضافة الى ان حقيقة صدور ال ص التعبيري كمآة و صورة لعمق‬
‫المؤلف و انفعااته و عواطفه و آامه فانه دوما ي طوي على رسالة و خطاب ‪.‬‬
‫بمع ى آخر ان الرسالية متأصلة في ال ص التعبيرية ‪ .‬و ال ص ه ا معبأ بالهم و‬
‫بث فيها ما تحمله ال فس و تراكم داخلها‬
‫الحزن و ا يترك أية م اسبة اا و ّ‬
‫مر و مستقبل ضبابي ‪ .‬هذ الرسالة‬ ‫ٍ‬
‫تجا واقع محزن بماض تعب و حاضر ّ‬
‫قديم‪..،‬‬
‫ُبؤس ٌ‬
‫ٌ‬ ‫تأسر جميع فقرات ال ص و تتجلى واضحة في قول الشاعر‬
‫التعب المث َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي ُ ِ‬
‫لة‪ ،‬باحتماات الر ِ‬
‫حيل‬ ‫ِ ُ‬ ‫اتيل أجر ِ‬
‫اس‬ ‫قتات َمواس َم الشتات‪ ،‬وتَر َ‬‫َ‬
‫‪105‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫حقول‬
‫س ُمتعبةُ اآتي‪َ ،‬و ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫وت الضال الكئيب!‪..،‬الش ْم ُ‬‫ص َ‬ ‫آخيرة ل َمائك‪ ....‬يَا َ‬
‫وت الوردةِ‪ ،‬في حمرةِ إنص ٍ‬ ‫شب عطشى لِس ِ‬
‫ماء الظ ِل‪ ،‬وم ِ‬
‫ات َملهوف‪ ...‬أ‬ ‫ُ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫العُ ِ َ‬

‫ال ص‬

‫ُ حين استدار ال عاة أ‬

‫هاني ال واف‬

‫‪2015\7\26‬‬

‫اعصاب الط ْي ِن‪...‬‬ ‫ِ‬


‫‪...‬وهادئَةٌ‬ ‫الرعشةُ الحبلى فَا ِرغةُ الس ِ‬
‫قوط‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫بكوابيس الر ِ‬
‫يبة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫جه ِد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫باكر فِ ْت َةً‪ ،‬تَ ُمد نَ ْف َح َة‬
‫الم َ‬
‫وع َف َن آزقة ُ‬
‫المآذن‪َ ،‬‬ ‫والوج ُد يُ ُ‬
‫ْ‬
‫ّال الع ِ‬ ‫ِ‬ ‫بوس ِدثَا ِر يَِقي ٍن ُمرتَ ِع ِ‬
‫غزل‬
‫ميقة‪...‬ويَ ُ‬ ‫ش هدأةَ الظ ِ َ‬ ‫ش اليَ ِ‬
‫باس‪ ،‬يُْع ُ‬ ‫وعُ ِ‬
‫الطحلب الج ِ‬
‫وفاء‪ ،‬وا ْخ ِ‬ ‫انخطاف الع ِ‬
‫ال التحو ِل َ‬
‫العقيمِ ‪.....‬‬ ‫ض ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫لشوارع‬
‫ِ‬ ‫روق‪،‬‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫وحمامات‬ ‫الع ِ‬
‫تمة‪،‬‬ ‫نخاع‬ ‫‪...،‬ويأكل ُمتكئاً‪،‬‬ ‫ِ‬
‫آشيب‬ ‫ِ‬
‫بالتعب‬ ‫قرفص‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫كا َن أبي يُ ُ‬
‫الع ْف ِوي‪،‬‬
‫الص ْح ِو َ‬ ‫اللحظة الموشى‪َ ،‬بع َم ِاء‬‫ِ‬ ‫غ‬
‫وداء‪..،‬يَمض ُغ صد َ‬‫ال َفج ِر الس ِ‬
‫ْ‬
‫هادن للصبا ِر‪،‬وه َ ِ‬
‫وع بخطايا ال ْه ِر‪...‬‬
‫الم ْ ُق ِ‬
‫اء َ‬ ‫شا َشة ال َق ْ‬ ‫الم ِ ّ َ‬ ‫وع ال َق ْم ِح ُ‬
‫بج ِ‬
‫غتسل ُ‬
‫ويَ ُ‬

‫‪106‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫وحر ِ‬
‫ائق‬ ‫ِ‬ ‫يف بأَنْ َق ِ‬
‫اض الظّ ون‪َ ،‬‬ ‫الباب!‪...‬قبل أن يَ ْبتَل الص ُ‬
‫َ‬ ‫صرخ بي ‪ :‬اغل ْق علي ا‬
‫يَ ُ‬
‫غف‬ ‫الكبت ‪ ،‬وص ِ‬
‫وت الش ِ‬ ‫ِ‬ ‫أس‪ ،‬بكل اتجاهات‬ ‫حاب‪ ...‬يلوح ح ِ‬
‫اس َر الر ِ‬ ‫الس ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫تق‪...‬‬ ‫حجوب ِ‬
‫الع ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم‬
‫َ‬

‫المتَ اثِ ِر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الضباب الم ِ‬


‫أخشاب ال َخ ْوف ُ‬ ‫بوذ‪َ ،‬ورائحةَ‬ ‫ِ َ‬ ‫وب‬
‫تلبس ثَ َ‬
‫الت ُ‬ ‫فالغرفةُ ماز ْ‬
‫جتاح عُ ْم َق الوجو ِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وصيحات آنوا ِر ُ‬
‫المراقة ‪ ،‬تَ ُ‬
‫ِ‬
‫الوقُوف َ‬ ‫يس ُ‬ ‫تُرا ِوغُ تَضار َ‬
‫المخموِر في‬ ‫الموجة الشهيّ ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫اطر‪ِ ،‬‬ ‫ض ٍ‬
‫وضاء صافية ال َخ ِ‬
‫وابتهاج الصدى َ‬
‫ِ‬ ‫لح‬
‫كم ِ‬ ‫َ‬ ‫بَ‬
‫س ِ‬
‫قف الريح‪...‬‬ ‫َ‬
‫التعب المث َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لة‪،‬‬ ‫ِ ُ‬ ‫اتيل أجر ِ‬
‫اس‬ ‫قتات َمواس َم الشتات‪ ،‬وتَر َ‬ ‫قديم‪ ..،‬يَ ُ‬
‫ٌ‬ ‫بؤس‬
‫ٌ‬
‫حيل آخيرةِ لِ َمائِك‪....‬‬
‫باحتماات الر ِ‬

‫حقول العُ ِ‬
‫شب َعطشى‬ ‫س ُمتعبةُ اآتي‪َ ،‬و ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وت الضال الكئيب!‪..،‬الش ْم ُ‬ ‫اص َ‬
‫يَ َ‬
‫وت الوردةِ‪ ،‬في حمرةِ إنص ٍ‬
‫ات َملهوف‪...‬‬ ‫لِس ِ‬
‫ماء الظ ِل‪ ،‬وم ِ‬
‫ُ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عتم ‪ ،‬وما تَبَ قى من الس ِ‬
‫ؤال ال َك ِ‬
‫ليل‪،‬‬ ‫الم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ّ‬ ‫بل السري‪ ،‬يَ ْزف ُر خلسةَ الشتاء ُ‬
‫والح ُ‬
‫َ‬
‫استدار ال عاةُ‪...‬‬
‫َ‬ ‫ليل‪ ،‬حينَ‬ ‫ِ‬
‫ابتسام الد ِ‬

‫‪107‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫اللغة الرمزية في الشعر التونسي المعاصر‬

‫التعبير الرمزي قديم ع د اانسان ‪ ،‬و تقوم عليه كثير من انظمة الفكر و‬
‫التعامات الحياتية المهمة ‪ ،‬و برز في آدب بشكله ال اضج في نهاية القرن‬
‫التاسع عشر ‪ ،‬مما يعطي انطباعا بان بوادر اقدم من ذلك ‪ .‬و على كل حال‬
‫الرمزية في آدب اتخذت شكلين مهمين ااول هو الرمزية الوصفية باعتماد‬
‫الرمز الخارجي ‪ ،‬بالتعبير عن شيء بشيء ‪ٓ ،‬سباب سياسية و اجتماعية فلم‬
‫تكن عن فكرة جمالية بآصل ‪ ،‬اا انها اصبحت ف ية و جمالية بالتوظيف فيما‬
‫بعد ‪ ،‬و الشكل الثاني وهو آهم و الذي كانت له اسباب ف ية و جمالية هو‬
‫الرمزية التعبيرية ‪ ،‬باعتماد الشعور الداخلي و التصور الداخلي عن ااشياء و‬
‫‪108‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫خلق الرمزي و ص اعته‪ ،‬فلم يكن تعبيرا عن الشيء بالشيء و انما كان تعبيرا‬
‫عن ااشياء بالصورة التي في الدواخل العميقة و بالرؤى‪.‬‬

‫قد ذكرت للرمزية كحركة ادبية مامح نمطية مميزة و اهمها تراسل الحواس و‬
‫الغموض ‪ ،‬اا ان ذلك ا يبدو اا مجرد مظاهر تعبيرية فا تكون شرطا و ا‬
‫متأصا في الرمزية ‪ ،‬انما الحقيقة المميزة للغة الرمزية عن غيرها هو ذلك‬
‫نمطا ّ‬
‫التعبير المتجاوز للمحاكات و الوصفية ‪ ،‬بااتجا نحو التصور العميق و‬
‫الحس الداخلي و الفهم ال قي لأشياء ‪ ،‬و بهذا الوصف فان من الواضح كون‬
‫الرمزية شكا من اشكال اللغة التعبيرية حيث انها تشتمل على ااعتراض‬
‫بااستعمال اللغوي المغاير للمألوف ‪.‬‬

‫لقد اصبحت الرمزية كما التعبيرية من مامح الشعر العربي المعاصر ‪ ،‬بحيث ا‬
‫تجد كتابة حديثة تتجاوز الوصفية و اانطباعية اا و فيها مظاهر بارزة من‬
‫الرمزية ‪ ،‬متخذة اشكاا متعددة فم ها التوظيف للرمز و م ها الرمزية التعبيرية‬
‫باعطاء دفقة شعورية داخلية رمزية اضافية للمعاني و المسميات و م ها الرمزية‬
‫التجريدية الى ت فتح الى قراءات متعددة ‪ ،‬و ه ا س شير الى مظاهر مميزة و‬
‫واضحة من اللغة الرمزية في الشعر التونسي المعاصر ‪.‬‬

‫الرمزية التوظيفية‬

‫تعتمد الرمزية التوظيفية على توظيف ما له مرجعية تاريخية في الخارج و ابعاد‬


‫رمزية و دالية معهودة ‪ ،‬فتوفر طاقة تعبيرية اختزالية وهذا من الف ية الشعرية‬
‫العالية ‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫في لوحة معبرة عن الفقدان و آلم تحضر ال خلة في شعر شكري مسعي‬
‫ببعدها الرمزي يلتف بها الوجع و الحزن ‪ ،‬حيث الحمام قد غادر المكان اذ‬
‫يقول ‪:‬‬

‫ُماذا أقول ل خلة تبكي و تمعن في السؤال \ و جريدها الموجوع أدما صهيل‬
‫الوقت في شفة الظام \ طار الحمام \ و نأى بعيدا ي شر مزق الهديل أ‬

‫و يحضر القمر و المطر بابعادهما المع وية و الشعورية في لغة عفاف السمعلي‬
‫اذ تقول ‪:‬‬

‫ُكلما نطقتك شفتاي \ي ع دك شرفةُ القمر \ ومطر ‪,‬مطر يعاودني \بغيث‬


‫القبات أ‬

‫و في مقطع بوحي شفيف تحضر عشتار و يوظف اسم امرتين في مقطع رقيق‬
‫لعفاف السمعلي تقول فيه ‪:‬‬

‫عشتار بلون التبر \ ما عاد في العمر الكثير ٓسكبه وأجرب‪.‬‬


‫َ‬ ‫ُ امرتين ارسم‬
‫أ‬

‫و من الم اسب ااشارة ه ا الى المزج الموفق بين اايحاء الرومانسي ‪ ،‬و في‬
‫لوحة شعرية رائعة تعبيرية بامتياز تقول عفاف السمعلي ‪:‬‬

‫ُمد يديك نحطم \صخور الخيبات \ ونرحل لعالم تحكمه العصافير\ انه‬
‫العالم الذي تحكمه العصافير بما لها من مع ى انساني عميق ‪ .‬أ‬

‫و تحضر مريم و ال خلة في لوحة لماجدة الظاهري تقول فيها ‪:‬‬

‫‪110‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ت لِ َم ْريَ َم‬
‫طال السماء \كانَ ْ‬
‫ت \تُ َربّي َس ْع َفها أ ْن يَ َ‬ ‫ُتُ َؤرقُ ي ِ‬
‫الحكايَةُ \نَ ْخلَةً كانَ ْ‬
‫ِ‬
‫ت لي عُذوقُها ُحمى السعير أ‬ ‫ظاً ظَلياً \ َ‬
‫صار ْ‬

‫و يجعل عماد ال فزي في خزائن الوشم ‪ ،‬ع وانا يجعل للوشم رمزية ‪ ،‬فيخاطب‬
‫ذات الوشم العزيزة عليه ببوح شفيف راجيا عدم رحيلها ٓنها خزائن و ك وز و‬
‫ٓنها معان و وجود ا يمكن لغيرها س ّد فيقول‪:‬‬

‫ُحبيبتي يا صاحبة الوشم العتيق \ماحان و اه وقت السفر أ‬

‫و تحضر الشمس و تانيت و عشتار وبابل في لوحة رائعة للعامرية سعداه‬


‫تقول فيها ‪:‬‬

‫جاعت \ وما قبلت‬


‫ْ‬ ‫ُيا شمس ا ا تغربي \ وإن غربت فأشرقي \تانيت‬
‫افترشت من جرار بابل شوفان ‪.‬أ‬
‫ْ‬ ‫كعشتار قرابين \وما‬

‫و في لغة ف ية عالية توظف ااقمار و عصى موسى في لوحة للعامرية سعداه‬


‫فتقول ‪:‬‬

‫ُيا كل آقمار \ شقي طريقي \ بين اللجج‪ \ .‬كوني عصا موسى\ تفتح‬
‫آفاقي \ تُ بت ي شمسا في غدي \كوني صرحا\ كوني سيفا يُعيد المجد أ‬

‫و في لوحة لفاطمة سعداه يحضر الربيع و الصيف في جو بهيج اذ تقول ‪:‬‬

‫ُ سمائي اليوم تعزف سمفونية السكي ة ‪ \ ...‬وبسمة الربيع ‪\..‬وس ابل‬


‫الصيف‪ ..‬أ‬

‫‪111‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫و يحضر ايضا ال خيل و الربيع موظفا بطاقات تعبيرية عالية لفاطمة سعداه‬
‫تقول فيها ‪:‬‬

‫ُوعلى سرير آماني … \ وبين الحلم والحلم ‪ \ ..‬أجدني ‪..‬أستبشر بالربيع‬


‫‪ \ ..‬و أهز جدائل ال خيل هازئة بصقيع \تمازجت فيه الفصول والفواصل‬
‫…أ‬

‫و يطل علي ا في ليل فاطمة سعداه القمر المتواطئ في لغة رمزية بوحية تقول‬
‫فيها‪:‬‬

‫ُآ ٍ أيها الليل ‪..‬لِ َم ابتلعت ال جوم ‪..‬؟ \ وأنت أيها القمر المتواطىء‪..‬أكمل‬
‫شئت‪ \ ..‬والتهم‬
‫المسير …\ نحو دورتك المحتومة‪\ ..‬ازرع الظام ‪..‬ان َ‬
‫قدرت‪ \ ..‬فأنا‪..‬لن أخشى العتمة الجاثية على صدرك \ أنا‬
‫َ‬ ‫الكام‪..‬ان‬
‫‪..‬أطرز ال جوم ‪ \ ..‬وأنسج الغيوم ‪\ ..‬ليولد المطر …أ‬
‫ّ‬

‫و في قصيدة ع ونتها فاطمة سعداه بُ ترميزأ مملؤة بالرموز و التعبيرات و‬


‫اايحاءات نصها ‪:‬‬

‫ُ… ……‪ .‬صمتك‪..‬ترميز مقصود…وآمك ة\ ‪ .‬وآزم ة‪ \..‬شيفرات‬


‫مطلسمة‪\..‬مليئة برفيف آرواح‪\ ..‬وآسرار العُلْوية‪ \..‬لِ َم تغرق في‬
‫فك مشابك المتاهات‪..‬؟؟ \ أحتاج الى ‪..‬إلى‬ ‫اإبحار‪..‬؟ \ لِ َم تدعوني إلى ّ‬
‫ستة أيام من الخليقة ‪ٓ \..‬قرأ العهود الستة‪ \..‬أحتاج ‪..‬إلى آسفار العتيقة‪..‬‬
‫‪112‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ٓفك‬
‫ٓفسر الحلم‪ّ \..‬‬
‫نصر‪ \..‬إلى حكمة دانيال‪ّ \..‬‬
‫\ إلى لطف نبوخذ ّ‬
‫عي ْيك‪ ..‬أ‬
‫طاسم ال ور ‪..‬في ْ‬

‫محققة نموذجا فذا للشعر الرمزي التوظيفي ‪ .‬وتحضر في لوحة رمزية عميقة‬
‫لس ية مدروي بتوظيف لاحص ة و الصحارى و ال خيل و المزن اذ تقول ‪:‬‬

‫ِ‬ ‫صَةً للرِح ِ‬ ‫َح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ب َرْم َل الص َح َارى‪\،‬‬
‫يل‪ \ ،‬تُ َداع ُ‬ ‫يح تُ َجه ُز أ ْ‬ ‫ُوتَأْتي ال َقصي َدةُ‪ِ \ ،‬ر ٌ‬
‫َ‬
‫الع ِق ِيم‪ \،‬بِ ُم ْز ٍن َم ِط ْيرأ‬
‫يل َ‬‫وتُ ْحبِ ُل ُكل ال ِخ ِ‬

‫و في مقطوعة لسليمى سرايري تحضر الصلوات مفقودة صامتة حيث تقول ‪:‬‬

‫ُ انا من علمت ي الفراغات أن أطفو من دهشتي \ في أقاصي الج ون \ لم‬


‫يعد لي اآن ما يمكن م ي \ صمت كصلوات مفقودة ‪ \...‬تتكدس فيه كل‬
‫جهات آرض ‪........‬أ‬

‫الرمزية التعبيرية‬

‫اللغة الرمزية التعبيرية ت بع من الداخل برؤية داخلية عميق اشياء فتطلق المعاني‬
‫التي نعرفها ملونة بلون الداخل العميق للشاعر ملبسا اياها داات و ابعاد غير‬
‫مالوفة ‪ ،‬فتتشكل في انظمة تركيبية مجازية غير مألوفة و في انظمة مع وية و‬
‫مفاهيمية جديدة ‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫في لوحة ف ّذة يص ف ل ا شكري مسعي مفاخر حبيبه المفقود بلغة رمزية معبرة اذ‬
‫يقول ‪:‬‬

‫كل يوم و توّزع‬


‫الزهري شهدا من زال \ إنّي أراك تكبر ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ مازال عطر كامك‬
‫كف الجمال أ‬
‫الحّاء \ من ّ‬

‫ان ه ا توظيفا فذا للمفردات و معانيها في ُ عطر الكام ‪ ،‬الزهري شهدا أ انها‬
‫لوحة رمزية متكاملة و نموذج مدرسي ا ريب انه ناتج من خلفية جمالية‬
‫للشاعر ال اقد شكري مسعي حيث يختلط المع وي بالمادي و الزم ي بالمكاني‬
‫و البصري بالسمعي ‪،‬وهذا هو تراسل الحواس الذي ابدعه الرمزيون ‪.‬‬

‫وحي ما يضيع الغروب و يتمزق الحلم على ثغر ااصيل يخق ل ا شكري مسعي‬
‫لوحة رمزية فذة بالتصورات و المشاعر العميقة حيث يقول ‪:‬‬

‫تمزق الحلم على ثغر آصيل أ‬


‫ُ ضاع الغروب \ و ّ‬

‫و في لغة عفاف السمعلي يكون للوطن مع ى اخر و للحبيب مع ى اخر اذ‬


‫تقول ‪:‬‬

‫كل‬
‫ُبحثت عن وطن \يجعل ي أرتقي لحدود الشمس \ وطن استث يه عن ّ‬
‫الروح أ‬
‫آوطان \ فك ت حبيبي\ الوطن‪ّ ,‬‬

‫و في لوحة عميقة بتصور شعوري للرؤيا و اللغة تقول عفاف السمعلي ‪:‬‬

‫الدروب \ توسا‬
‫ُ‬ ‫فأستدير بلغتي \ حيث زوايا المدى أثخ تها‬
‫ُ‬ ‫المجاز‬
‫ُ‬ ‫ُيلوك ي‬
‫أ‬

‫‪114‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫للسان مع ى و مفهوما جديدا اذ‬


‫و في قصيدة محاكاة لشعر لامرتين تعطي ّ‬
‫تقول ‪:‬‬

‫ُعلى ضفاف فلسفتي \ رمق ي نهر السان ب ظرة غرق أ‬

‫و من الواضح الشعرية العالية في االب اءات المجازية في هذ العبارة وهي من‬


‫خصائص الرمزية ايضا كما هو معلوم ‪.‬‬

‫و يكون لامرتين وجود اخر خاص المع ى اذ تقول‪:‬‬

‫ُت هد امرتين \ \ وسكب السؤال تلو \ السؤال \\ أين انا م ك يا طفلتي؟‬


‫\\ أزهر حبه زهر لوز \ فتوردت وج تاي \\ لي ع دك أحام \\ ودماء‬
‫تثور أ‬

‫في هذا المقطع عالي التق ية تمتزج بساطة المشاعر مع عمق المعاني فيتحقق‬
‫عالم شعري عالي المستوى فعا ‪ .‬و من اشكال اللغة الرمزية الفريدة هو‬
‫استعمال المؤلف اسمه ليجعله رمزا و يضفي عليه المع ى الذي يرا تقول‬
‫عفاف السمعلي ‪:‬‬

‫نهبت ذاكرتي البالية \ وأمطرتها زهر لوز‬


‫قررت أن أستعيد "عفاف \ ُ‬ ‫ُ حين ُ‬
‫\يستحم بروح امراة اغتالت لغة العجز‪.‬أ‬

‫‪115‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫من الواضح انها حكاية تكون فيها عفاف بما لها من مع ى ت تقل بتاريخ نصي‬
‫من الزمن الماضي الى الحاضر الى التطلع نحو المستقبل ‪ ،‬كتبت بلغة مكثفة‬
‫وامضة ‪ ،‬تأبى التج يس تت قل بحرية بين الشعر و السرد ‪.‬‬

‫و في لوحة عالية المستوى تكشف العامرية سعداه عن رمزية الضمائر و‬


‫الحروف اذ تقول‪:‬‬

‫ي \ فالهاءُ هراءٌ‪...‬‬
‫خ أبد ّ‬
‫وقفت موقف الدهشة \ بين الهاء و ال ون \ برز ٌ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ليست أدركه‬
‫ُ‬ ‫اب‬
‫\ سر ٌ‬

‫ط‬
‫يكتب عه ًدا \ مداد ُ البحر \ ‪...‬وبين الم ّد والجزر \ تسق ُ‬
‫ُ‬ ‫القلم \‬
‫يسطّر ُ‬
‫نقطةَ ال ِ‬
‫ون \ فترتَ ّد قمرا‬

‫ور كمشكاةٍ بها ز ٌ‬


‫يت \ ي ير‬ ‫فجر \ ال و ُن ن ٌ‬
‫تدفع ليلي \ ي قضي عهد \ يولد ٌ‬
‫الدرب \يرسمه أ‬

‫و في لوحة موغلة في التعبير حيث تتميز مواطن الشعور و ااحاسيس تصل‬


‫حد تعدد الذات فتصير ذاتين ع د العامرية سعداه حيث تقول ‪:‬‬

‫ُهل اختزلك يا زمن \ أم اختزل نفسي فيك ؟؟ \ حتى أنشطر ذاتين ‪\،‬‬
‫ذات تسرق ي م ك \ت ثرني على عتبات آروقة \ تذري ي \ تصلب ي‬
‫جرسا\ يُد ُق على ك ائس الجسد \وذات تسبح غيمة \ تعزف س فونية‬
‫الخلق ‪ \..‬أصغي إلى ذاتي التائهة\ فاسمع لح ي يمأ الشمس \يفتح ي‬
‫صحفا ‪ \.‬يعزف ي لح ا\ ي ثرني وردا \ في حدائق الوجد أ‬

‫‪116‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫و في مقطوعة رائعة مفعمة بالبوح العميق ت قل ا فاطمة سعداه الى عالمها‬


‫الفرح فتقول ‪:‬‬

‫ُ هذا الصباح ‪...‬ترصعت السماء بالطيور ‪ \ ...‬انفلتت من شبكة الهجرة‬


‫ف رحيق آرض و عطر الحضور ‪\...‬ت قر حبات ال غم\‬ ‫‪ \...‬وعادت تتر ّش ُ‬
‫‪ ..‬تستحم ب ور تلك ال جمات المتغانجة وت عم بالعودة ‪..‬الى دفئك أيها‬
‫الحضن ‪ .. ..‬أ‬

‫ان ا نشع ر و نحس انها روح محتفلة في فضاءات السرور ‪ ،‬من ثم تصرح‬
‫الشاعرة ُ هذا الصباح ‪..‬ت تظم ااحتفالية ‪..‬أ هذا الصباح بتاريخه ال صي‬
‫سيكون رمزا لانتصار على العدم اذ تقول فاطمة سعداه‪:‬‬

‫ُهذا الصباح يول ُد من جديد ‪ \..‬ما أجمل هزيمة العدم ‪..‬أ‬

‫و في لوحة ف ية تعبيرية فذة بتراكيب مجازية عالية و طاقات تعبيرية كبيرة تقول‬
‫فاطمة سعداه ُتتأرجح م اديل آيام ‪..‬مبلّلة بالشوق ‪ \ ..‬معطرة بالتوق ‪\..‬‬
‫حواف نافذتي ‪..‬نبضات الضياع‪ \..‬وترقص شراشيف الوداع ‪\..‬‬
‫ّ‬ ‫لتض ّخ على‬
‫على مذبح ‪..‬يحترق في مجامر آمل ‪ ..‬أ‬

‫و في اطالة تعبيرية اخرى عميقة تقول فاطمة سعد اه ‪:‬‬

‫قدمين ‪ \ ..‬تقف‬
‫ُبا جسد ‪ \ ..‬يقف الترقب على جسر التم ي ‪ \..‬با ْ‬
‫الحكايا مكبلة ‪ \..‬بجليد قطبي \ ‪\ .‬با توقّف ‪ \..‬يمت ّد المدى كأفعوان‬
‫هوة المعجزات‪\ ..‬ويرتطم السراب‬‫مرقّط‪\ ..‬على يمين الجسر تبتسم ّ‬
‫‪..‬شماا‪\ ..‬على صخور ال سيان‪ \..‬على حافة الجسر الشارد‪..‬تتك ّدس‬

‫‪117‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫اآهات‪...‬أ‬ ‫وتغرق‬ ‫المداءات‪.‬‬


‫انه جسر التم ي ‪ ،‬حيث الحكايات مكبلة بجليد قطي ‪ ،‬حيث افعوان مرقط و‬
‫سراب و صخور نسيان ‪ .‬و في حورايّة عميقة ببوح تعبيري تقول جميلة عطوي‬
‫‪:‬‬

‫ُأوجاعك جمة أيها الطين ‪ \..‬وأنت أيتها الروح الشفافة\نورك باهر ‪..‬عبير‬
‫من نقاء ‪ \..‬يا غدي المأمول ‪..‬يا أرجوحة السحر \ عانق الشرفات‪ \..‬افتح‬
‫نوافذ الفجر ‪ \..‬امأ الكون بهاء ‪.‬أ‬

‫و في قصيدتها ُ و تأتي القصيدة أ تبوح س ية مدروري بلوحة تعبيرية عالية‬


‫التق ية تقول فيها ‪:‬‬

‫سافِ ْر‪ \ ،‬وتُقِ ُع بُلبُ َل َر ْغبَتِ َها بِلِ َق ٍاء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُوتَأْتي ال َقصي َدةُ‪ \ ،‬أُمّ تعد َح َقائ َ‬
‫ب َزْو ٍج ُم َ‬
‫َح ِم ٍيم‬
‫صد ُق قَلْبًا َك ِس ْير‬ ‫ِ‬ ‫َح َ ِ‬ ‫يش طَائِْر \ وتَ ْع ِر ُ‬
‫َعلَى ِر ِ‬
‫شائ َها‪َ ،‬ك ْم تُ َقام ْر\ تُ َ‬ ‫ف‪ ،‬في عُ ْم ِق \أ ْ‬
‫\و في لوحة تعبيرية عميقة يقول شكري سمعي ُصهيل البحر ّأرق ي ‪ ..‬و لم‬
‫الريح أغ يتي أ‬
‫يدر\ بأ ّن الحزن يمأني\ و حين أم ّد أشرعتي\ تر ّد ّ‬

‫و في بوح تعبيري عميق تتلون لوحة لسليمى سرايري اذ تقول ‪:‬‬

‫ُكأني الباد تمتحن شوارعها بعد موت العابرين \ و أطفال يعودون من خصر‬
‫يت اوب عليه الغزاة \ اآن أفتح الساحات الخالية \ و أروقة الخيول الم بهرة‬
‫بالفراغ\ أفصح عن موتي بمع ى ا يفهمه الماكثون في الضوء أ‬

‫‪118‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الرمزية التجريدية‬

‫اجل عدم امكانية بلوغ الكتابة الع اصر ااساسية كما هو الحال في الفن‬
‫التشكيلي اذ يسهل استعمل الع اصر ااساسية من االوان و ااشكال‬
‫ااساسية ‪ ،‬فان اللغة ا يمكن الوصول بها الى هذا الحد من التجريد لذلك‬
‫فان الشكل الممكن للتجريدية هو المجازات العالية جد ‪ ،‬ال ص المفتوح بلغة‬
‫تثير قراءات متعددة لدى المتلقي ‪ ،‬كشكل من التعبير انقى و اعمق ‪ .‬في لوحة‬
‫تجريدية فذة متعددة المعاني تقول عفاف السمعلي ‪:‬‬

‫لجام الغضب ؟ \ \لتسقط زغاريدي في فوهة الهشيم \\‬ ‫أدوار يشد َ‬‫ُ ٌ‬
‫وتر مدي تي الظمأى لحقول القمح \ \ ل هود أقام شيبَها الرحيل \ ما‬
‫أفتح َ‬
‫ِ‬
‫قسمات وجهي \\‬ ‫السديم حين يعصف في الروح \\ أخبري ي يا‬ ‫أصعب‬
‫َ‬
‫تمج طاء ملحها \ \ فوق الشفا ‪..‬؟ \\ س ونوة \ \‬ ‫كيف أجعل الذاكرةَ ّ‬
‫ويسرق ي ازدحامي‪ٓ \\ \ ...‬غرق في خاصرة الوجع ‪ \ \ ...‬س ونوةً‬
‫أتوسل صابتي الموشومةَ بالذكرى \ \\‬
‫ُ‬ ‫أهرقها بكر الفجائع‪\\ \ ...‬‬
‫نتوءات الهزائم على الم حدرأ‬
‫ُ‬ ‫ثال‬
‫لت َ‬

‫هذا ال ص ع ونته عفاف السمعلي بع وان ُ ذاكرة أ ‪ ،‬و ال فس القصصي‬


‫واضح للشاعرة الروائية ‪ ،‬و معطيات البوح كثيرة ‪ ،‬اا ان الاألفة عالية بين‬
‫المفردات و التراكيب ‪ ،‬و اايحاءات كثيرة ‪ ،‬فيتحقق لدي ا لغة رمزية تعبيرية ‪،‬‬
‫لغة عالية المجاز و اانزياح ب فس بوحي و تعبيري ‪ ،‬محققة لغة رمزية تجريدية‬

‫‪119‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫بامتياز ‪.‬تعطي لكل مفردة و لكل تركيب رمزية و طاقة تعبيرية عالية في تعدد‬
‫للداات رفيع ‪.‬‬

‫اانزياح الشعري ‪ ُ ،‬الوجه السابع أ للشاعرة ميادة العاني نموذجا‬

‫تمهيد‬

‫يمك ا القول و بشكل صريح ا ّن مفهوم الشعر قد تغيّر نحو ّتوسع في‬
‫تحرر‬
‫فكرة المجاز ‪ ،‬و دخل فيه و بقوة مصطلح اانزياح مع ما يحمله من ّ‬
‫وسعت ال ظرة الجمالية لخرق‬
‫كبير ‪ .‬و ا بد من التأكيد أ ّن فكرة اانزياح ّ‬
‫اللغة من العاقة بين المفردات ‪ ،‬الى الخرق للعاقة بين الجمل و الفقرات‬
‫في ال ص ‪.‬‬

‫ان ما يدفع ا للحديث عن ف ية الشعر و عن نماذج تحقق اانزياح الشعري‬


‫‪ ،‬هو اابتعاد غير المبرر الذي نتج عن فكرة التأويلية ‪ ،‬و فتح الباب أمام‬
‫المسوغ للتركيب‬
‫ّ‬ ‫التجاورية اللفظية المتجافية و الجافة التي تتجاوز حدود‬
‫‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫تخل بجمالية العبارة ‪ ،‬حيث ا ّن الصدمة‬


‫المبرر ّ‬
‫ان التجاورية الجافة غير ّ‬
‫الحاصلة بالخرق اللغوي ا ت فذ الى العمق ان لم تكن لها مبرر من آلفية‬
‫‪ ،‬من دون ذلك لن ت فذ الصدمة الى العمق و تبقى شيئا سطحيا ‪ .‬و اللذة‬
‫الشعرية في حقيقتها هي ما كانت تضرب في العمق ‪ ،‬و التي ا تذعن اا‬
‫للطاقة التعبيرية ااضافية للتركيب و ليس مجرد خرق لم طقية اللغة و‬
‫ابتداع تجاورات و صور تحقق األفة عالية و تبقى في مجال الجفاء ‪.‬‬
‫بمع ى أخر ان اهم مميز لانزياح الشعري انه يفيد وظيفية تعبيرية و اضافة‬
‫في طاقة اللغة ‪ ،‬و يشتمل على ث ائية تضادية تتمثل بالألفة التجاورية‬
‫الظاهرية ال صيّة و آلفة الفكرية العميقة القراءاتية ‪،‬وفي هذا ترسيخ و‬
‫تأكيد لحقيقة ان الشعرية و اابداع تعتمد في جانب م ها على القارئ و‬
‫قراءته ‪ ،‬و يؤكد على ضرورة التداولية و الخطابية في ال ص اابداعي و‬
‫تجعل التأويلية في زاوية ااشكال و التساؤل ‪.‬‬

‫غاية المقال‬

‫الغاية من المقال التمييز بين اانزياح الشعري المحقق‬


‫لصدمة و ادهاش عميقين ‪ ،‬و بين اانزياح غير المبرر‬
‫المحقق لصدمة سطحية و جفاء ‪ ،‬و اعطاء فهم مميز‬
‫للشعرية بانها تشتمل على ث ائية تضادية من الالفة‬
‫التجاورية ال صية و االفة الفكرية القراءاتية ‪ .‬كما ان‬
‫تتبع تلك الع اصر هو من ادوات ال قد التعبيري العميق‬
‫او نقد ُ ما بعد ااسلوبية أ المتجاوز اخفاقات ال قد‬
‫ااسلوبي المقتصر على ال ص ونظام اللغة‪.‬‬

‫ال موذج‬
‫‪121‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫س ورد ه ا نموذجا لانزياح الشعري المحقق لمتطلبات‬


‫الفكرة المتقدمة ‪ ،‬يتمثل بقصيدة ُ الوجه السابع أ‬
‫للشاعرة العراقية ميادة العاني ‪.‬‬

‫ُ الوجه السابع أ‬

‫ميادة العاني‬
‫وتقاطري‬ ‫رحيلك‬ ‫بين‬
‫ٍ‬
‫اشتهاءات‬ ‫جملة‬
‫الهرم‬ ‫سريعة‬
‫حروفي‬ ‫أتعرى‬
‫ارتقاء‬ ‫معاجم‬ ‫فتلبس ي‬
‫الكلمات‬ ‫أماجن‬
‫الرقص‬ ‫لها‬ ‫أبيح‬
‫الرغبة‬ ‫مذبح‬ ‫على‬
‫الم كوبة‬ ‫مدي تي‬
‫التواري‬ ‫بسرابيل‬
‫بائسة‬ ‫بقصيدة‬ ‫اعزيها‬
‫العامات‬ ‫توزيع‬ ‫أعيد‬
‫خرائطي‬ ‫فوق‬
‫باسقات‬ ‫شرفات‬ ‫أاحق‬
‫عقيم‬ ‫ليل‬ ‫كفحولة‬ ‫ي تصبن‬
‫السكرات‬ ‫أعاقر‬
‫ضامرة‬ ‫بموانئ‬

‫‪122‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫!‬ ‫العالم‬
‫هيستيريا‬
‫!‬ ‫واانتشاء‬
‫بليد‬ ‫لزمن‬ ‫معتقة‬ ‫خمرة‬
‫انتصف‬
‫وبي ك‬ ‫‪..‬‬ ‫بي ك‬
‫هذياناً‬ ‫عل‬
‫ُ‬
‫هلوستي‬ ‫يقد‬
‫قبل‬ ‫من‬
‫خط‬ ‫وع د‬
‫الشياطين‬ ‫ترسمه‬
‫العزم‬ ‫نعقد‬
‫المبادرة‬ ‫ن تظر‬
‫ليل‬ ‫يدبر‬ ‫لم‬ ‫ٓمر‬
‫بالوهن‬ ‫ف لوذ‬
‫للف اء‬ ‫وادة‬ ‫العمر‬ ‫ان‬
‫!‬ ‫ونحن‬
‫غرباء‬ ‫‪..‬‬ ‫زل ا‬ ‫ا‬
‫!‬ ‫خيمتي‬
‫رسائل‬
‫الفراغ‬ ‫يتخطاها‬ ‫‪....‬‬
‫!‬ ‫وسمائي‬
‫كبرياء‬ ‫شبح‬

‫‪123‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫جافة‬ ‫حمماً‬ ‫يمطر‬ ‫‪...‬‬


‫!‬ ‫الشبق‬
‫اعتاء‬ ‫مسات‬
‫بالمكان‬ ‫محتق ة‬ ‫‪...‬‬
‫أنفاسها‬ ‫تلفظ‬
‫أرصفة‬ ‫على‬ ‫التجمل‬ ‫لا‬ ‫وتجيز‬
‫الغرباء‬ ‫يتراشقها‬
‫تساؤاتها‬ ‫تفرض‬ ‫بعيون‬
‫؟‬ ‫يفيض‬ ‫وجود‬ ‫من‬ ‫أ‬
‫والعباب‬
‫؟‬ ‫الحلول‬ ‫أنصاف‬ ‫على‬ ‫يجثم‬
‫أقطار‬ ‫كأنصاف‬
‫!‬ ‫تدور‬
‫الضباب‬ ‫محاور‬ ‫في‬
‫م بوذ‬ ‫كائن‬ ‫وكأي‬
‫وهما‬ ‫اكسر‬
‫إيهاما‬ ‫ٓخلق‬
‫راحلتي‬ ‫يمازج‬ ‫بقلق‬
‫!‬ ‫فال رد‬
‫سابع‬ ‫وجه‬ ‫له‬
‫لخيبتك‬ ‫يا‬
‫باانزواء‬ ‫المكت زة‬
‫أطيق‬ ‫اعد‬ ‫لم‬

‫‪124‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الفاجعة‬ ‫سأسحب‬
‫أذنيها‬ ‫من‬ ‫‪.....‬‬
‫بالتشظي‬ ‫محموم ٍة‬ ‫بوحشية‬
‫مهزوم‬ ‫حلم‬ ‫إلى‬ ‫أسافر‬ ‫ولن‬
‫فيه‬ ‫ترقد‬
‫الصدى‬ ‫أموات‬
‫وسابكيك‬
‫معصوبة‬ ‫بعيون‬
‫الفجر‬ ‫مسها‬
‫ال ور‬ ‫يلفظه‬ ‫وطن‬ ‫عد‬
‫؟!‬ ‫الحدقات‬ ‫اتساع‬ ‫جدوى‬ ‫فما‬
‫الحياة‬ ‫سراح‬ ‫يطلقون‬ ‫لموتى‬
‫العروق‬ ‫ويمدون‬
‫بالوهم‬
‫التوحد‬ ‫فيهم‬ ‫يتجلى‬
‫ثرية‬ ‫مخيلة‬ ‫خيول‬ ‫ويلكز‬
‫نصا‬ ‫فتكتب‬
‫يشبه‬ ‫ا‬
‫‪ ........‬إا نفسه‬

‫طريقة التحليل‬

‫‪125‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ه ا س بحث مامح اانزياح الشعري بخاصيتيه المتقدمتين‬


‫التعبيرية و الث ائية التضادية بين االفة و الالفة ‪ ،‬و طريقت ا‬
‫المعتادة بالتركيز على جزئية واحدة في لغة ال ص ‪ ،‬و اابتعاد عن‬
‫الحكم ااجمالي او البحث الكلي لجميع ال ص ‪ ،‬وهذا م طلق‬
‫من امرين ااول ان ا نعتقد بعلوية اابداع و انه عمل غير عادية‬
‫لذلك ا يمكن اختزاله في مقال ‪ ،‬بل كل نص تحتاج دراسته الى‬
‫صفحات و جهات كثيرة ‪ ،‬وهذا نابع من باب ااعتزاز و التقدير‬
‫للعمل اابداع ‪ ،‬كما انه يوجه اشكاا كبيرا على القراءة المتسرعة‬
‫‪ .‬و ثانيا انه من السع ي لبلورة نظام افكار يخص نظرية اادب‬
‫م طلقا من ال صوص و الجزئي الخارجي ‪ ،‬فبعد تراكم تلك‬
‫اابحاث الجزئي نستطيع حي ها التوجه نحو بيان معالم نظرية ادبية‬
‫و نقدية خاصة ‪ .‬و من المهم جدا التسليم بان اابداع ‪ ،‬اي ابداع‬
‫يتسم بالتدرج ‪ ،‬و الت وع ‪ ،‬لذلك في اي بحث في موضوعة ف ية‬
‫معي ة او ع صر جمالي معين ‪ ،‬ا بد ان يتلفت و بدقة الى درجات‬
‫تجلي تلك الفكرة في ال ص ‪ ،‬و صورها التي تتمظهر بها ‪ ،‬بمع ى‬
‫اخر ان اشكال تجلي الفكرة او درجات ذلك التجلي مهمة‬
‫جماليا اجل التوصل الى المامح الدقيقة للع اصر الجمالية ‪.‬‬

‫التحليل و القراءة‬

‫اانزياح الشعري في ال ص المتقدم يتجلى بصور‬


‫مختلفة و درجات مختلفة س تلمسها في كلمات ا القادمة‬
‫‪ .‬تقول الشاعرة ميادة العاني ‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫وتقاطري‬ ‫رحيلك‬ ‫بين‬ ‫ُ‬


‫ٍ‬
‫اشتهاءات‬ ‫جملة‬
‫سريعة الهرم أ‬

‫اانزياح ه ا ليس اس اديا بين المفردات ‪ ،‬و انما كان بين ال ظام الجامع‬
‫بي ها ‪ ،‬اذ من الواضح ااختاف الكبير بين حقل المع ى للرحيل و التقاطر‬
‫و ااشتهاءات و الهرم أ ‪ ،‬فاانزياح ه ا نظامي جملي باالفة نصية ظاهرة‬
‫‪ ،‬و حقول المع ى للمفردات متباعدة ‪ ،‬اذن نحن امام االفة نصية جملية‬
‫متباعدة ‪ .‬التبرير المع وي العميق للتركيب له ع اصر ه ا ‪ ،‬فكلمة ُ بين أ‬
‫اكدت الظرفية الزمانية الوجودية و الحدوثية لاشتهاءات ‪ ،‬فتجلى العام‬
‫الحدوثي لاشتهاء في ظرف حدوثي ‪ ،‬كما ان الرحيل و ما يبعث من شوق‬
‫و ح ين ‪ ،‬يقابله الح ين و الشوق في ااشتهاءات ‪ ،‬و التقاطر ايضا ي ثال‬
‫م ه الذوبان و الف اء اجل المطلوب ‪ ،‬وهو يشتمل على الح ين و الشوق‬
‫‪ .‬اذن الوحدة التبريرة للمجاز الجملي ه ا هو االتقاء اانثيالي ‪ ،‬حيث ان‬
‫تلك المفردات ا تلتقي في حقولها المعرفية و انما في انثيااتها ‪.‬‬

‫من ه ا يتبين تجلي الخاصية ااولى لانزياح الشعري وهو الث ائية التضادية‬
‫المع وية ‪ ،‬و اما الخاصية الثانية وهو التعبيرية و توسيع طاقات اللغة ‪ ،‬فمن‬
‫الواضح اارتقاء العالي للغة بهذا ال ظام الذي احدثته الشاعرة ‪ ،‬اذ ا ريب‬
‫في تعاظم اابهار و الدالة في ااستعارات الموجودة في التقاطر و‬
‫ااشتهاءات و الهرم السريع ‪ .‬و بهذا فالتركيب مع تعالي انزياحاته فانه‬
‫قدم بوحا عميقا و انساي ا و اقترب من القصد القراءاتي ‪ ،‬و بذلك يقدم ل ا‬
‫لغة شعرية مدهشة و جمالية و هادفة و ب اءة ‪ ،‬ترفع من مستوى اللغة و‬

‫‪127‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫مستوى القراءة و تحقيق الجمال الشعري بكل م طقية و علو ‪.‬و هذا‬
‫الشكل نجد حاضرا ايضا في مقطع اخر للشاعرة تقول فيه‬

‫!‬ ‫ُالشبق‬
‫اعتاء‬ ‫مسات‬
‫بالمكان‬ ‫محتق ة‬ ‫‪...‬‬
‫تلفظ أنفاسها أ‬

‫فانا نجد التباعد المع وي بين المفردات و ان التبريرات المع وية و‬


‫التحاطبية عميقة و انثيالية فهذا من اانزياح الجملي اانثيالي ‪ .‬وفي مقطع‬
‫عالي الف ية أخر تقول الشاعرة‬

‫الكلمات‬ ‫ُأماجن‬
‫الرقص‬ ‫لها‬ ‫أبيح‬
‫على مذبح الرغبة أ‬

‫ه ا اان زياح يقع بين المفردات و ضمن حقول مع وية متقاربة ‪ ،‬ليست‬
‫كالصورة السابقة ‪ ،‬اذ االتقاء ه ا ا يحتاج الى التبرير اانثيالي ‪ ،‬و انما‬
‫يحصل بذات البعد الحقلي للمع ى لكل مفردة ‪.‬‬

‫فعبارة ُ اماجن الكلمات أ من القريب جدا فهم الدالة القريبة لكلمة‬


‫اماجن بفعل الكتابة و الكام ‪ ،‬فتكون استعارة تعبيرية قريبة تلتقي في حقل‬
‫المع ى ‪ ،‬اا انها بطاقة تعبيرية اضافية واضحة ‪ ،‬فتتحقق الخاصيتين‬
‫لانزياح الشعري ه ا ‪ ،‬و كذا في عبارة ُ ابيح لها الرقص على مذبح الرغبة‬
‫أ بل ان التقارب في حقول المع ى ه ا اوضح ‪ ،‬اا انه ا يصل الى حد‬

‫‪128‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الوضوح الكبير في غيرها من اانزياحات التوصيلية التي تتدخل حقول‬


‫المع ى الى اقرب من ذلك ‪ .‬اذن لدي ا ه ا انزياح مفرداتي حقلي في قبال‬
‫اانزياح السابق الذي كان انزياحا جمليا انثياليا ‪ .‬وكذا نجد هذ‬
‫الخصائص في مقطع أخر للشاعرة تقول فيه ‪:‬‬

‫ونحن‬ ‫ُ!‬
‫غرباء‬ ‫‪..‬‬ ‫زل ا‬ ‫ا‬
‫!‬ ‫خيمتي‬
‫رسائل‬
‫الفراغ‬ ‫يتخطاها‬ ‫‪....‬‬
‫!‬ ‫وسمائي‬
‫كبرياء‬ ‫شبح‬
‫‪ ...‬يمطر حمماً جافة أ‬

‫اذ من البين ان اانزياحات ه ا في تعابير هذا المقطع ترجع الى اانزياح‬


‫المفرداتي الحقلي ‪ .‬و في مقطع اخر تقول الشاعرة‬

‫الفاجعة‬ ‫ُسأسحب‬
‫أذنيها‬ ‫من‬ ‫‪.....‬‬
‫ٍ‬
‫محمومة بالتشظي أ‬ ‫بوحشية‬

‫ناحظ المجاز ااس ادي بين المفردات ‪ ،‬لكن التباعد‬


‫الحقلي كبير بي ها ‪ ،‬فا يبرر اا اانثياات ‪ ،‬بين‬
‫الفاجعة و ااذن ‪ ،‬و الوحشية و التشظي ‪ ،‬فاانزياح‬

‫‪129‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ه ا و ان كان مفرداتيا اا انه انثيالي ‪ .‬و كذا نجد هذ‬


‫الخصائص في مقطع اخر للشاعر تقول فيه ‪:‬‬

‫باسقات‬ ‫شرفات‬ ‫ُأاحق‬


‫عقيم‬ ‫ليل‬ ‫كفحولة‬ ‫ي تصبن‬
‫السكرات‬ ‫أعاقر‬
‫بموانئ ضامرة أ‬

‫فمن الواضح االفة ال صية بين الماحقة و الشرفات و‬


‫في فحولة ليل عقيم و اعاقر السكرات و موانئ ضامرة‬
‫‪ .‬و في مقطع فذ تقول الشاعرة‬

‫خط‬ ‫وع د‬ ‫ُ‬


‫الشياطين‬ ‫ترسمه‬
‫العزم‬ ‫نعقد‬
‫المبادرة‬ ‫ن تظر‬
‫ليل‬ ‫يدبر‬ ‫لم‬ ‫ٓمر‬
‫بالوهن‬ ‫ف لوذ‬
‫ان العمر وادة للف اء أ‬

‫من الواضح اانزياحات الجملية التوظيفية ه ا ‪ ،‬كما ان‬


‫الطاقة التعبيرية العالية متجلية ‪.‬في خط ترسمه‬
‫الشياطين ‪ ،‬و نلوذ بالوهن أ ‪ .‬كما انه من الظاهر‬
‫التقارب الشديد بين حقول المع ى للمفردات ‪ ،‬بل انها‬
‫ت تمي الى حقل مع وي واحد هو اارادة ‪ ،‬بل يمكن‬

‫‪130‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ارجاعها جميعا الى اج اس موحدة هي ارادة اانسانية و‬


‫الجماعة و المدي ة التي ذكرتها الشاعرة سابقا ‪ ،‬و‬
‫الوهن و الضعف ‪ .‬اذن للعبارة دالة واضحة بل وقاهرة‬
‫توجه القارئ الى عالم و حقل مع وي و ااواصر‬
‫المع وية بين المفردات واضحة ‪ ،‬فهذا شكل لانزياح‬
‫الشعري الجملي الحقلي ‪ ،‬تكون فيه اطراف نظام‬
‫اانزياح من حقل مع وي واحد ‪ ،‬بل من ج س مع وي‬
‫واحد ‪ ،‬اذن التبرير التخطابي شديد الوضوح ‪ ،‬وهذا ما‬
‫يمكن ان نسميه باانزياح الشعري قوي آصرة ‪ .‬و‬
‫هكذا الوصف و ال ظام في مقطع اخر للشاعر تقول‬
‫فيه ‪:‬‬

‫ُوسابكيك‬
‫معصوبة‬ ‫بعيون‬
‫الفجر‬ ‫مسها‬
‫ال ور‬ ‫يلفظه‬ ‫وطن‬ ‫عد‬
‫؟!‬ ‫الحدقات‬ ‫اتساع‬ ‫جدوى‬ ‫فما‬
‫الحياة‬ ‫سراح‬ ‫يطلقون‬ ‫لموتى‬
‫العروق‬ ‫ويمدون‬
‫بالوهم‬
‫التوحد‬ ‫فيهم‬ ‫يتجلى‬
‫ثرية‬ ‫مخيلة‬ ‫خيول‬ ‫ويلكز‬
‫نصا‬ ‫فتكتب‬
‫ا يشبه أ‬

‫‪131‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫اذ من الواضح اشتمل هذا المقطع على الصفات‬


‫المتقدمة فتكون عباراته من اانزياح الشعري شديد‬
‫ااصرة ‪.‬‬

‫ال تيجة‬

‫يفيدنا ال ص المتقدم و ما خطته يد الشاعرة ميادة‬


‫العاني ‪ ،‬ان لانزياح الشعري صور و درجات ‪ ،‬فم ه ما‬
‫يكون اس اديا و م ه ما يكون جمليا ‪ ،‬و م ه ما يكون‬
‫حقليا و م ه ما يكون انثياليا ‪ ،‬فيكون لدي ا اربعة اشكال‬
‫بدرجات اربع ‪:‬‬

‫الشكل ااول ‪ :‬اانزياح الحقلي المفرداتي‬

‫الشكل الثاني ‪ :‬اانزياح الحقلي الجملي‬

‫الشكل الثالث ‪ :‬اانزياح اانثيالي المفرداتي‬

‫الشكل الرابع ‪ :‬اانزياح ال ثيالي الجملي ‪.‬‬

‫الخاتمة‬

‫اجل الخروج من ازمة جفاء اللغة و اانغاق و الترميز الموحش ‪ ،‬ا بد‬
‫ان تشتمل اللغة الجميلة و التعبيرات الجمالية على تبريرات تخاطبية‬

‫‪132‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫مع وية قريبة حقلية او بعيدة انثيالية ‪ ،‬اجل ال فوذ الى اعماق المتلقي و‬
‫تعرف الشعر الحق و تميز عن‬
‫احداث الدهشة الجمالية العميقة التي ّ‬
‫التجاورات الب ائية الجافة و المتجافية ‪.‬‬

‫قصيدة الومضة في الشعر العراقي المعاصر‬

‫ااختزال و التكثيف من مطالب الكام الفطرية ‪ ،‬ح اها تعد من ماليته‬


‫الشعبية ‪ ،‬و ما يتفاخر به اهل اللغة من قدم اازمان ‪ ،‬وهو احد اهم مظاهر‬

‫‪133‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الباغة و الفصاحة العربية ‪ ،‬كما ان قصيدة البيت الواحد معروفة و مشهورة ع د‬


‫العرب ‪ ،‬وهكذا ا ال ي قصائد اهايكو ‪.‬‬
‫ان التوظيف ا ماي للغة ااقتصادية امختزلة له مفهومه الواضح ادبيا ‪ ،‬كما‬
‫انه قد حاكي ا ركة التقليلية (‪ ) minimalism‬ال تعتمد على اقل ما مكن من‬
‫ع اصر الفن كاألوان ي الفن التشكيلي ‪ ،‬او الكلمات ‪ ،‬بعيدا عن الزوائد كما نرا‬
‫واضحا ي كتابات ستيفن كرين احد رواد اللغة التقليلية و قصيدة الومضة ي القرن‬
‫التاسع عشر ‪ .‬و قيقة لّي اللغة الف ية امعاصرة عن ا ماليات الشكلية ‪ ،‬فلقد‬
‫برزت مامح ف ية لقصيدة الومضة صارت مقومة لتعريفها و جوهرها ‪.‬‬
‫لو تتبع ا المقاات ال قدية التي ت اولت قصيدة الومضة ُ ‪1‬أ ‪ ،‬نجد ان‬
‫ه اك مامح واضحة للف ية فيها ‪ ،‬يمكن تلخيصها بآمور التالية ‪:‬‬
‫‪ -‬ااقتصاد اللغوي باايجاز ‪ ،‬و الكثافة و التركيز‪ ،‬و تج ب الزوائد و‬ ‫‪.1‬‬

‫ال عوت الفرعية ‪.‬‬


‫الوحدة العضوية المتكاملة و الفكرة الواحد و اندماج الشكل و‬ ‫‪.2‬‬

‫المحتوى بحصر المحتوى بدفقة فكرية واحدة واضحة البداية وال هاية‬
‫‪.‬‬
‫اللغة الوامضة ‪ :‬باإيماض داخل ال ص من جهة‪ ،‬وفي ذات المتلقي‬ ‫‪.3‬‬

‫من جهة أخرى مع توتر شديد فعلي وانفعالي‪ ،‬يم حها قدرة أكبر على‬
‫التعامل مع الحدث‪ ،‬الّذي يومض داخل ال ص وخارجه معتمدة‬
‫المفارقة الصادمة وكسر التوقع و اإدهاش العالي ‪.‬‬
‫‪.‬فه ا لدي ا ثاثة فصول س ت اول فيها تلك المامح مع نماذج من‬
‫قصيدة الومضة العراقية لكتابات متقدمة كلغة وامضة ‪.‬‬
‫الفصل ااول ‪ :‬الوحدة العضوية المتكاملة‬

‫‪134‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الوحدة العضوية في قصيدة الومضة اكثر من واضحة ‪ ،‬بل احيانا ا‬


‫تجد ااس اد اا لموضوع واحد ‪ ،‬يقول ناصر الحاج ‪:‬‬
‫المتدلي َة‬ ‫ُالفكرةُ‬
‫ِ‬
‫نافذة‬ ‫من‬
‫الليل‬
‫تقضم ي‬
‫خلس ًة‬ ‫بعي يها‬
‫بياضها‬ ‫من‬
‫المتورد‬
‫أقاصي‬ ‫من‬
‫الحياء أ‬
‫من الواضح دوران جميع الكلمات و بشكل متراص و مكثف حول‬
‫الفكرة ‪ ،‬التي هي قطب ال ص و محور البين ‪ ،‬وناحظ بوضوح ذوبان الزمن و‬
‫الذات و ال عوت في عالم ذلك الموضوع ‪ ،‬فا تجد شيئا بعيدا عن ذلك‬
‫القطب المركزي ‪.‬‬
‫و يقول خالد العزاوي ‪:‬‬

‫ع دي‬ ‫ُسيان‬
‫ِ‬
‫للحب‬ ‫أغ ي‬ ‫أن‬
‫ِ‬
‫للحرب‬ ‫أو‬
‫‪,‬فقط‪..‬‬ ‫أغ ي‬
‫سوى‬ ‫لست‬
‫ح جرةٍ عمياء‬
‫ومغن أحمق‪ .‬أ‬
‫‪135‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ناحظ ه ا دوران فلك القصيدة و كواكبها المشدودة الى مورد المجرة‬


‫ال صية بانجذاب عظيم ‪ ،‬اا وهو اانا الكونية ‪ ،‬انا المتكلم الغارقة في عمق‬
‫اانسانية ‪ ،‬و تلك الظال الوصفية و المس دات ‪ ،‬كلها مشدودة بعالم كتلي‬
‫متراص نحو المحور ال صي ذلك اانا العميق ‪.‬‬

‫و يقول سعد عودة‬

‫أفاق‬ ‫ُع دما‬


‫الخروج‬ ‫ِ‬
‫وشك‬ ‫على‬ ‫حلمهُ‬ ‫وجد‬
‫الغرفة‬ ‫من‬
‫ِ‬
‫بيأسه‬ ‫فألتحف‬
‫ونام أ‬

‫ناحظ تلك المعاني و اارادات و الرغبات و السكونات كلها م شدة‬


‫و مجذوب نحو محور ال ص و مركز و هو الغائب العميق ‪ ،‬ضمير ُ هو أ‬
‫المت اهي في جذور اانسانية و ضياعها المميت ‪ .‬ورغم سعة المعاني التي‬
‫تجلت في فضاء ال ص ‪ ،‬كالحلم و الياس ‪ ،‬اا انها ذابت كليا في تلك الغرفة‬
‫و ذلك ال وم لذلك البطل ااسطوري البائس ‪.‬‬

‫و يقول قاسم وداي ‪:‬‬

‫ناديتها‬ ‫البيوت‪...‬‬ ‫ضفاف‬ ‫بين‬ ‫الممتد‬ ‫ال هر‬ ‫على‬ ‫ُ‬


‫فكان الصدى حوار الصمت أ‬

‫ناحظ ال ص جميعه يتمحور حول تلك اللحظة المميزة في المكان‬


‫الحبيب ‪ ،‬مع الصدى الحبيب ‪ ،‬بالصمت الحبيب ‪ ،‬انها شعلة مضيئة من‬

‫‪136‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الشعور العميق ‪ ،‬و ال شوة العارمة ااخاذة ‪ ،‬المحور و المكرز الذي يذوب فيه‬
‫اانا و ااخر و الزمان و المكان ‪.‬‬

‫وتقول صبا ا لع زي ‪:‬‬

‫العمر‬ ‫ُخمائل‬
‫نائمة‬ ‫بدت‬
‫اأبيض‬ ‫الرازقي‬ ‫زهرة‬ ‫على‬
‫الصبح‬ ‫اقبل‬ ‫حين‬
‫م تشيا‬
‫خفيف‬ ‫بسكر‬
‫من اشعة الشمس أ‬

‫ان ا نرى كيف ان ال وم على الزهر ‪ ،‬حي ما اقبل الصباح م تشيا ‪ ،‬كان‬
‫يلتف خمائل العمر ‪ ،‬مركز ال ص و محور ‪ ،‬جميع تلك الفضاءات و اارادت‬
‫‪ ،‬تذوب و بقوة في خمائل العمر ال ائمة ‪.‬‬

‫و يقول وادي الحلفي ‪:‬‬

‫ال خيل‬ ‫بحب‬ ‫المحبوك‬ ‫ُايها‬


‫الب ادق‬ ‫جذع‬ ‫تهز‬ ‫وانت‬
‫الرطب‬ ‫لي هال‬
‫الس ابل‬ ‫لك‬ ‫انح ت‬ ‫هكذا‬
‫عودك‬ ‫اخضرار‬ ‫عد‬
‫في سماء الوطن أ‬

‫‪137‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ااخر المخاطب ‪ ،‬الحامل للمعاني الكبيرة و الحبيبة و العطاء الكبير‬


‫في ‪ ،‬ال خيل ‪،‬و الرطب ‪ ،‬و الس ابل ‪ ،‬و ااخضرار ‪ٓ ،‬جل سماء الوطن‬
‫الحبيب ‪ ،‬كل هذ المعاني تتجسد شاخصة في محور ال ص و مركز اا وهو‬
‫ااخر المخاطب ‪ ،‬الذي يهز جذع الب ادق ‪.‬‬

‫لو احظ ا ال صوص المتقدم و رغم قصرها فانها تخلق تاريخا نصيا‬
‫هائا ‪ ،‬وهذا اامر لم يكن متيسرا اا لعمق الموضوع و تركيز ال ص ‪ ،‬و كثافة‬
‫اللغة ‪.‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬اللغة المقتصدة‬


‫ااقتصاد في اللغة من الميزات المهمة لقصيدة الومضة ‪ ،‬ليس فقط في‬
‫قصر المقطوعة بل ايضا في خلوها من الزوائد و اايضاحات ‪،‬و التكثيف‬
‫بمع ى اخر ‪ ،‬انها تعتمد اايحاء و ااخفاء و عدم البيان التفصيلي و تهتم فقط‬
‫بجوهر الفكرة و قضيتها المركزية ‪.‬‬
‫يقول ناصر الحاج‬

‫تك‬
‫ُأخبر َ‬
‫االف‬ ‫ِ‬
‫للمرة‬
‫تُعيد‬ ‫وأنت‬
‫بحجرين‬ ‫اامساك‬
‫الغيم‬ ‫من‬
‫ه اك‬ ‫ليس‬
‫ٍ‬
‫خلفية‬ ‫سالم‬
‫َ‬
‫للمطر ‪ ..‬أ‬

‫‪138‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫من الواضح ااقتصاد الشديد في الكام ‪ ،‬بحيث ا تجد نعتا اا ما‬


‫هو ضروري في ُ المرة االف أ و ُ السالم الخلفية أ و التي ا بد م ها ‪ ،‬و‬
‫اما باقي المفردات فكلها مجردة ‪ ،‬انها لغة مركزة في ب ائها و ليس فقط في‬
‫بوحها و دالتها ‪.‬‬

‫و يقول خالد العزاوي‬

‫كبير‬ ‫وطن‬ ‫أنا‬ ‫ُ‬


‫ِ‬
‫ظل‬ ‫عن‬ ‫يبحث‬
‫خوذةِ‬ ‫في‬
‫ج دي أ‬

‫ناحظ ااختزال الكبير في المفردات ‪ ،‬و خلوها من الزوائد فا نعوت‬


‫اا ما هو ضروري في ُ وطن كبير أ و اما الباقي فخط مستقيم تعبيري نحو‬
‫ال هاية ‪.‬‬

‫و في ب اء تقليلي فذ فعا و عالي المستوى يقول قاسم وداي ‪:‬‬

‫ُ هم يملكون الظام ‪..‬‬

‫وأنا سراجي أس انها أ‬

‫فليس ه ا سوى خط ب اء اختزالي مكثف و سريع بعيد عن كل تفرعات‬


‫او ايضحات نعتية او اعتراضية ‪ ،‬و بكتلة كامة متراصة ‪ ،‬بعوالم من المع ى‬
‫واسعة ‪ ،‬ذات ايحاء و عمق كبيرين ‪.‬‬

‫و يقول وداي الحلفي‬

‫‪139‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الظال‬ ‫لهذ‬ ‫ُما‬


‫اشجارها‬ ‫تركت‬
‫بارد في فمي‬

‫أ ناحظ ان الكام يتجه بسرعة نحو ال هاية دون توقف او اعتراض او‬
‫تفريع ‪ ،‬يتجه نحو الكمال البوحي ‪ ،‬برمزية عميقة و مجازية واسعة و لغة‬
‫وامضة ‪.‬‬

‫و كذا الحال في لوحة لصبا الع زي‬

‫ُالعالم‪...‬‬
‫اكذوبة‬
‫في فراغ أ‬

‫فان ا نجد العبارة تتجه بقوة نحو ال هاية ‪ ،‬في ب اء متراص بعيد عن‬
‫الزوائد ‪ ،‬و من خال ظال المع ى و عوالم الداات ت فجر الجملة على‬
‫فضاء واسع من البوح و اايحاء ‪.‬‬

‫و يقول سعد عودة‬


‫اخر‬ ‫أتجا ٍ‬ ‫كأي‬ ‫انا‬ ‫ُ‬
‫ّ‬
‫ارتكاز‬ ‫نقطة‬ ‫فقط‬ ‫مايهمهُ‬
‫ّ‬
‫في هذ اللحظةأ‬
‫التكثيف و ااقتصاد يأخذ مساحة واسعة في ال ص ‪ ،‬فا مجال اا لما‬
‫هو ضروري من ااعتارض بُ كاي اتجا اخر أ لبيان الوحدة ‪ ،‬فالعبارة ليس‬

‫‪140‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫فقط تتجه نحو ال هاية بقوة بل ايضا نحو نفسها نحو نقطة واضحة ‪ ،‬معبأة‬
‫بسيل من نقاط التوهج المع وي الكبير‪.‬‬

‫الفصل ‪ :‬اللغة الواضمة و المفارقة‬


‫تتجه قصيدة الومضة الى التكثيف الكامي و القولي الشديد و السريع‬
‫‪ ،‬معتمدة في اادهاش كثيرا على المفارقة الظاهرية و الخفية ‪ ،‬سواء باابتعاد‬
‫المتقصد عن جو ال ص ‪ ،‬و خلق التضاد و التقاطع اللفظي و التعبيري ‪ ،‬او‬
‫ب حو مفارقة عميقة بالت اقض بين ظاهر ال ص و باط ه المكشوف بمفاتيح و‬
‫رسائل و اضحة ‪،‬و بي ما ااخير من وسائل و تق يات الشعر وخصوصا قصيدة‬
‫ال ثر ‪ ،‬فان المفارقة اللفظية و كسر خط اافادة و الب اء هي ااوضح و‬
‫آلصق بقصيدة الومضة ‪ .‬و نجد كل ذلك ظاهرا في قصيدة الومضة العراقية ‪.‬‬

‫يقول قاسم وداي‬

‫ُ يكفي ي وجهها ‪..........‬‬

‫‪.‬أذا أزدحم الظام ‪.‬أ‬

‫نجد ه ا وجه الخاص و وجه اامل ‪ ،‬الذي يكفي ال فس الكبيرة‬


‫المريدة ‪ ،‬في زمن يزدحم فيه الظام ‪ ،‬ه ا تلك المعاني التي ت طلق بسرعة‬
‫كبيرة نحو المركز ‪ ،‬نحو بؤرة عميق في ال ص انه وجهها ‪ ،‬ثم ت بثق م ه مرة‬
‫اخرى لتضيء ‪ ،‬هذ الحركة العظيمة ضمن عالم مشدود متراص ‪ ،‬احد عوالم‬
‫اادهاش و الوحدة ‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫و في انح اءة خطية كبيرة محققة المفارقة في خط الب اء اللغوي يقول‬


‫قاسم وداي‬

‫ُ خبئي ي بين جف يك حتى يزورني الدمع ٓغسل ذنوبي أ‬

‫اذ تأتي عبارة ُ ٓغسل ذنوبي أ بكل الصدمة و اادهاش و اانحاء في‬
‫خط ب اء اافادة ‪.‬‬

‫و في لوحة وامضة رمزية و عالية يقول وادي الحلفي‬

‫الظال‬ ‫لهذ‬ ‫ُما‬


‫اشجارها‬ ‫تركت‬
‫بارد في فمي أ‬

‫فبعد اتجا اللغة نحو درجة الصفر في اافادة يأتي كسر واضح‬
‫لم طقيتها بعبارة ُ باردة في فمي أ لتحقق مفارقة مدهشة و صادمة ‪.‬‬

‫و في تعبيرية وامضة و خاطفة يتحقق الكسر الم طقي لب اء اللغة في‬


‫نص ل اصر الحاج‬

‫الحجر‬ ‫ُذلك‬
‫َ‬
‫مستهُ‬ ‫الذي‬
‫ِ‬
‫الروعة‬
‫مثقوباً‬ ‫مازال‬
‫ِ‬
‫بالكلمة‬
‫يكفي‬ ‫بما‬

‫‪142‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫مه‬ ‫ليتسرب‬
‫الحب أ‬

‫فبعد ان صاغت المفردات و التراكيب في ال ص جوا خاص لل ص‬


‫متجها نحو حقل من المع ى معين ‪ ،‬تأتي اانح اءت المفارقية لتحدث‬
‫استرجاعا قراءاتيا بعبارة ُ م ه الحب أ ‪.‬‬

‫و في لوحة وامضة تعبيرية يقول سعد عودة‬

‫أبيه‬ ‫وجه‬
‫َ‬ ‫رأى‬ ‫ُع دما‬
‫ساعة‬ ‫قبل‬ ‫توفى‬ ‫الذي‬
‫ابتسم‬
‫أبيه‬ ‫ِ‬
‫وجه‬ ‫بين‬ ‫يفرق‬ ‫يكن‬ ‫لم‬
‫ووجو الذين قتلهم أ‬

‫ه ا اكثر من موضع لكسر م طقية اافادة و الب اء الخطي للغة ‪ ،‬ففي ُ‬


‫لجو ال ص الحزائ ي و في ُ الذين قتلهم أ خرق اخر‬ ‫ابتسم أ خرق فاضح ّ‬
‫لجو الحميمية ‪ ،‬فتتحق المفارقة ب موذجية عالية ه ا ‪.‬‬
‫ّ‬

‫و في ومضة بارعة لصبا الع زي يتحقق ارتداد تعبيري في نص تقول فيه‬

‫ُقلبي‬
‫الخطايا‬ ‫يحتمل‬ ‫ا‬
‫هو يذوب بها فقط أ‬

‫‪143‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ناحظ اانكسار التعبيري و اانح اء في خط اافادة من جو مليء‬


‫بااعتراض ‪ ،‬الى حالة من التسليم محققة للمفارقة الصادمة و المدهشة ‪.‬‬

‫ان اهمية قصيدة الومضة ا تكمن فقط في ما تحققه من جمالية و‬


‫تجسيد لغايات اللغة الفطرية من التكثيف و ااختزال ‪ ،‬و انما ايضا اعتمادها‬
‫تق يات ا تسعها الكثير من الت اوات المعتمدة على الخطابية ‪،‬فالقصيدة‬
‫الوامضة خرق حر لخطابية اللغة ‪ ،‬و من يجعلها ضمن اشكال الخطاب اللغوي‬
‫انما يمارس التحكم و ااقحام و مثل تلك الدراسات ستصطدم بالذوق‬
‫الفطري و المطالب ااولية ٓصول التخاطب ‪.‬‬

‫كما انه قد اتضح في ضوء ما تقدم ان قصيدة الومضة ليست ج سا‬


‫مختلفا في قبال قصيدة ال ثر ‪ ،‬بل هي قصيدة ال ثر اا انها بتق يات خاصة و‬
‫نمطية معي ة ‪ ،‬ربما تكون مبثوثة بشكل غير نمطي و غير م تظم في قصيدة‬
‫ال ثر ال موذجية التي تتسم بحرية اكبر و انبساطية و بوحية اكثر في عوالم و‬
‫فضاءات واسعة تبلغ درجة الحلم و السحر ‪.‬‬

‫و قصيدة الومضة بصفاتها المقومة تدخل تحت اللغة التعبيرية ‪ ،‬و‬


‫تقترب كثيرا من حركة التعبيرية التقليلية في الفن التشكيلي‬
‫ُ‪ minimalism‬أ ‪ ،‬و الذي ربما يستدعي ايضا نقدا تقليليا بعيدا عن‬
‫الزوائد و التفرعات ‪ ،‬يتكلم عن الجمال بلغة مكثفة و مختزلة و يشير الى‬
‫ع اصر اا بداع بلغة مقتصدة ‪ ،‬و ربما س شهد وادة المقالة القصيرة جدا في‬
‫المستقبل القريب ‪.‬‬

‫المصادر المشار اليها‬ ‫‪.1‬‬

‫‪144‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫لقمان محمود ‪ ُ :‬جماليات قصيدة الومضة في مرايا صغيرة أ ‪ :‬جريدة‬ ‫‪‬‬

‫ااتحاد‬
‫حجو ‪ :‬الومضة الشعرية ‪ :‬ستارت تامز‬
‫فواز ّ‬ ‫‪‬‬

‫علوان سلمان ‪ :‬ش وار ابراهيم و القصيدة الكردية الوامضة ‪ :‬صحيفة‬ ‫‪‬‬

‫ال ور‬
‫أديب حسين محمد ‪ :‬ما هي قصيدة الومضة ‪ :‬جريدة الحوار المتمدن‬ ‫‪‬‬

‫‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ال حت بالكلمات ‪ ،‬ومضات قاسم وداي الربيعي نموذجا‬

‫كثيرا ما ك ت أرى الكلمات توضع في بعض الب اءات الشعرية ‪ ،‬لمجرد‬


‫توصيل المع ى ‪ ،‬و كأنّها اشياء قابعة على جانبي الطريق ‪ ،‬طبعا كان لها تأثيرها‬
‫و دورها‪ ،‬اا انّها لم تكن تلبس البهاء آكمل ‪ ،‬و ك ت أو ّد لو أنّها صيغت و‬
‫وضعت بطرقة أخرى ‪ .‬طبعا هذ الجملة ا يمكن بيانها بسهولة ‪ ،‬لكن حي ما‬
‫وقع نظري على ومضات للشاعر العراقي الفذ قاسم وداي الربيعي ‪ ،‬و وجدت‬
‫ذلك التوظيف و التق ية العالية ‪ ،‬التي تعطي الكلمات وزنها ‪ ،‬فا تكون فقط‬
‫موظفات على جانب الطريق ‪ ،‬بل تكون كقمم شاهقة مبهرة تص ع عالما رفيعا‬
‫تم يت ان تكون عليه الكتابة الف ية ‪،‬‬
‫من الفكر و الخيال ‪ ،‬هذا ال موذج الذي ّ‬
‫ال موذج الذي تبرز به الكلمة و تتجلى ‪ ،‬انّه اختراق عمق المع ى بالكلمة‬
‫البارزة ‪ ،‬انه التجلّي الكامل للغة ‪ ،‬انه طغيان اللغة ‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫حي ما تقرأ ومضات قاسم وداي ‪ ،‬تجد أنك تبحر في عوالم و ليس‬
‫تتلمس وجوها و ليس مفردات ‪ ،‬ا يمكن ان تتجاوز المفردة الى‬
‫كلمات ‪ ،‬و ّ‬
‫ما بعدها اا و تشعر انك قد قطعت اضعاف الزمن المطلوب لانتقال ‪ ،‬ا ّن‬
‫هذا التباين الظاهر بين زمن الرؤية و زمن القراءة ‪ ،‬يع ي و ببساطة طاقة تعبيرية‬
‫للمفردات تزيد من زمن القراءة ‪ .‬و حي ما يكون للكلمة ذلك البروز و الظهور‬
‫تتلمس جسدا ‪ ،‬و كيانا ثاثي اابعاد ‪ ،‬انه بحق ال حت بالكلمات ‪.‬‬
‫تشعر انك ّ‬
‫يقول قاسم وداي ‪:‬‬

‫ُ أفكر أن أكتب لها ‪..‬لك ي أعلم أن قلبها مثقوب من شدةِ الصدمات‬


‫‪ ..‬أ‬

‫ان الزمن البصري لهذا المقطع المكاني ا يتجاوز الثانية او اكثر ‪ ،‬لكن‬
‫تحل الرؤية‬
‫زمن القراءة أطول بكثير ‪ ،‬بل انّه من شدة طوله يتاشى المكان و ّ‬
‫المع وية بدل البصرية ‪ ،‬ان هذا المقطع حي ما نريد أن نقرأ فانا مضطرون أن‬
‫نقرأ بهذ الطريقة ‪:‬‬

‫أفكر ‪....‬‬
‫ُ ُ‬

‫أكتب ‪....‬‬
‫أن َ‬

‫لها ‪.....‬‬

‫لكّي ‪....‬‬

‫أعلم ‪....‬‬
‫ُ‬

‫أن ‪...‬‬

‫‪147‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫قلبها ‪....‬‬

‫مثقوب ‪....‬‬
‫ٌ‬

‫من شدة الصدمات ‪.....‬أ‬

‫التعمق البوحي ‪ ،‬و التركيز على المفردة ‪ ،‬أضافة الى ما‬


‫ا ّن هذا ال بر ‪ ،‬و ّ‬
‫أشرنا اليه من ابراز و ظهور للكلمات بما لها من معاني ‪ ،‬يزيد من طاقة اللغة ‪،‬‬
‫فا ّن عالم الدالة و اابحار في فضاءات المفاهيم ‪ ،‬و ما يتعلق بها من‬
‫يتسع بسعة الزمن المستغرق في القراءة ‪ .‬و ربما ا نحتاج كثير بيان‬
‫انثياات ‪ّ ،‬‬
‫لاشارة الى عملية البروز و الظهور للكلمات ه ا ‪ ،‬و انّها قد جاءت بصورة‬
‫تختلف كثيرا عما نجد في بعض الكتابات من التسارع الكتابي ‪ ،‬بحيث تغرق‬
‫الكلمة في ال ص ‪ ،‬و ا تجد لها اثرا كبيرا اا من خال التركيب ‪ ،‬وفي هذا‬
‫خسارة ف ية و امتاعية ‪ ،‬بحيث يكون ثقل التعبير على كاهل الفكرة و المع ى‬
‫الكلي ‪.‬‬

‫ان ما يجب التأكيد عليه ان حجم اابداع الكتابي يت اسب مع مقدار‬


‫الطاقة اللغوية ‪ ،‬و مقدار توهج اللغة ‪ ،‬و كل استثمار للغة يعطيها طاقة اضافية‬
‫توهجا اكبر ‪ ،‬و اسلوب ابراز و اظهار المفردات او ال حت بالكلمات هو‬
‫و ّ‬
‫توظيف ف ي عالي المستوى يكسب لغة ال ص طاقات اضافية و توهج اكبر ‪.‬‬

‫في مقطع ف ّذ اخر يقول قاسم وداي ‪:‬‬

‫من يقول لها ‪..‬أنها أجمل عاصفة ت فسها الشراع أ‬


‫ُ ْ‬

‫ناحظ و بوضوح اابراز التوظيفي و التق ية العالية في الصياغة ‪:‬‬

‫‪148‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ُ من يقول لها ‪...‬‬

‫أنّها ‪...‬‬

‫أجمل عاصفة ‪...‬‬

‫ت ّفسها الشراع أ‬

‫ان هذ الصياغة جعلت من كلمة ُ يقول أ غير التي نعرف ‪ ،‬و جعلت‬
‫كلمتي ُ اجمل و عاصفةأ اكبر مما نرى ‪ ،‬و جعلت كلمتي ُ ت فس و شراع أ‬
‫بأحجام مع وية و زمانية اوسع مما لدي ا ‪ ..‬اذن ال حت بالكلمات ليس فقط‬
‫يوسع مفاهيمها اآنية ‪ ،‬و بهذا ّ‬
‫التوسع تتعاظم طاقة اللغة‬ ‫يبرز المفردات و انما ّ‬
‫‪ ،‬و تتوسع عوالم المع ى الكلّي لل ص ‪.‬‬

‫و في مقطع نحتي أخر يقول قاسم وداي ‪:‬‬

‫ُ ا تحزني أيتها آم ‪..‬هو خلف آساك الشائكة يتوحد بالبياض أ‬

‫ناحظ اابراز و ااظهار للمفردات ‪:‬‬

‫ُ ا تحزني‬

‫ايتها اام‬

‫هو خلف ااساك الشائكة‬

‫يتوحد‬
‫ّ‬

‫‪149‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫بالبياض أ‬

‫فاضافة الى التعبيرية الومضية و المع ى المرّكز و البوح العالي في هذا‬


‫ال ص ‪ ،‬فانه ايضا يمثل صياغة فذة تعطي للغة طاقات تعبيرية اكبر و تبرز‬
‫تامة‬
‫الكلمات و ت حت وجوهها فكأن الكلمات تخرج من الورق بأجساد ّ‬
‫ثاثية اابعاد ‪.‬‬

‫و في مقطع ايحائي بوحي عاطفي يقول قاسم وداي‬

‫ُ حبيبتي ‪...‬هم يكتبون ‪..‬يحتفلون ‪.......‬ونحن ن تظر أ‬

‫احظ مدى التعبير اايحائي و التوقف ااضطراري للزمن المصحوب‬


‫طبعا بانثياات مع وية ‪:‬‬

‫ُ حبيبتي ‪...‬‬

‫هم يكتبون ‪...‬‬

‫يحتفلون ‪...‬‬

‫و نحن ن تظر ‪...‬أ‬

‫و في مقطع اخر يتمدد به زمن القراءة ‪:‬‬

‫صدري‬ ‫عن‬ ‫سأكشف‬ ‫‪..‬‬ ‫أراها‬ ‫أن‬ ‫ُبمجرد‬


‫كي ترى سوطها ورصاصاتها ‪..‬وكأس السم أ‬

‫‪150‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫نرى بوضوح ال بر في الصياغة ‪ ،‬الذي يخلق اابحار ‪ ،‬و ابراز للمفردات‬


‫و ما خلفها من انثياات و ايحاءات ‪ .‬انك حي ما تقرأ هذ ال صوص تشعر‬
‫بوجود كيان بارز و خلفه اصوات و كيانات اخرى ‪ ،‬انها لغة ثاثية اابعاد ‪ ،‬انه‬
‫ال حت بالكلمات ‪ .‬انه ابداع رفيع لقاسم وداي الربيعي ‪.‬‬

‫احضار الغياب في مجموعة ُحي ما تجلت بين يديه أ للشاعر رحيم زاير الغانم‬

‫ُحي ما تجلت بين يديه أ مجموعة شعرية للشاعر العراقي رحيم زاير الغانم‬
‫‪ ،‬اصدار عام ‪ ، 2015‬تحتوي على ‪ 83‬نصا ‪ ،‬من قصائد ال ثر المتوسطة‬
‫و القصيرة ‪.‬‬

‫ع وان ُحي ما تجلت بين يديه أ موغل في الغياب كما هو ظاهر في تأجيل‬
‫البوح ‪ ،‬حيث ان جواب الشرط محذوف و الجملة غير تامة ‪ ،‬و الثانية هو‬
‫ااضمار المؤكد في الفاعل ُهي أ صاحبة التجلي وُ هو أمن تجلت بين‬
‫يديه ‪.‬و هذا يبعث على الشعور ان ا امام لغة تميل الى احضار الغياب ‪ .‬و‬
‫نجد هذ ااسلوبية حاضرة في نصوص الديوان ‪ ،‬و تمثل سمة بارزة في‬
‫كتابة رحيم زاير في هذ المجموعة ‪.‬‬

‫ان جمالية اسلوب احضار الغياب تكمن في تحقيقها ادهاشا للقارئ من‬
‫خال تأجيل البوح بااضمار او اابهام او من خال ال قل الى عالم‬
‫الغائب المفارق لخطابية الكام و حضور ‪ .‬اضافة الى ذلك فان اسلوب‬
‫احضار الغياب ت طوي على عذوبة الهمس الرقيق الذي يجعل القراءة‬

‫‪151‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫عملية ابحار او بمع ى ادق كالعوم ‪ ،‬فانت في خضم توهم امتاكك‬


‫المبادرة في الفهم و اامساك ببوح ال ص ‪ ،‬فهو ايضا بسبب الغياب‬
‫المحض ر يكون كالعائم في ماء البحر ‪ ،‬ا يدري اي موجة ستأتيه ‪ ،‬و الى‬
‫ان ستأخذ ‪ ،‬فاما الى الساحل آهدأ او الى اعماق البحر ‪ .‬و ه ا يكمن‬
‫توتر الخاص بين ث ائية تضادية من امتاك ناصية فهم ال ص و الخشية من‬
‫الضياع فيه ‪ ،‬و هذا ما يحقق اابهار و اامتاع‪.‬‬

‫و ا يكتفي رحيم زاير في دفع القارئ الى اابحار فقط باسلوب كتابته ‪ ،‬و‬
‫انما ايضا في قاموس مفرداته و تراكيبها كما في قصيدته ُ اابحارأ حيث‬
‫يقول ‪:‬‬

‫ُ اما زال قصر الرمل‬

‫م ح يا على ساحلك الهش‬

‫متدليا من اعلى الكوة‬

‫موحيا باابحار‬

‫الى السواحل البعيدة‬

‫مشركا الموج‬

‫في م ولوج عزف ابدي‬

‫يشاركك فيه‬

‫االق و اابتسام‬
‫‪152‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫داعيا حتى الغمام‬

‫كي تعذر رحيلك أ‬

‫هذا ال ص العذب الهامس اضافة الى رمزيته و انفتاح دااته المحققة و‬


‫اضافة الى اسلوب احضار الغياب ‪ ،‬فان ال ص غارق في ُلغة اابحار أ‬
‫التي ت شد السواحل البعيدة ‪ .‬فال ص مملوء باالفاظ اابحارية ليس فقط‬
‫في مفرداته ُكاابحار و ساحل و موج أو انما ايضا في طبيعة التراكيب‬
‫المتموجة و المتحركة مثال ُ قصر الرمل ‪ ،‬ساحلك الهش ‪ ،‬متدليا من‬
‫اعلى الكوة ‪ ،‬م لوج عزف ‪ ،‬تعذر رحيلك أ ‪.‬‬

‫بهذ الثراء و اللغة اايحائية العذبة تتميز باقي نصوص المجموعة الشعرية‬
‫تلمس ذلك في باقي ال صوص بلغة تموجية ترقبية مع اخضار‬ ‫و يمكن ّ‬
‫للغياب ففي قصيدة ُ ولوج أ يقول الشاعر ‪:‬‬

‫ُ لك م ي شروق‬

‫يعد الطيف الخجول‬

‫في امسيات‬

‫ا يبدو الغاية‬

‫فيها واضحة‬

‫فقد تجول في الفكر‬

‫ترهات‬
‫‪153‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ا ارغب في ماقرتها‬

‫وان يدوم السكر‬

‫قد ا يستحيل‬

‫اابتسام‬

‫و قد ترتوي اايام‬

‫بالولوج‬

‫اقف بعيدا‬

‫عن هرمون العزلة‬

‫مخلفا‬

‫الغبش ورائي أ‬

‫و كذا يحضر الغياب و التموج البوحي في قصيدة ُ اعتذار أ‬

‫آسف ان ك ت بعيدا عن ألمك‬

‫آسف ان شاهدت الكلمات‬

‫تذبل‬

‫آسف ان في حلمي ااخير‬

‫‪154‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫بدت صورتك غير واضحة آلوان‬

‫أعذرني فأنا غائب ‪.‬‬

‫و بهذا يحقق الشاعر تفردا بلغة خاصة تعمل على احضار القاري الى‬
‫ال ص اضافة الى عذوبة و همس رقيق ‪ .‬و هذا ما نسميه اادب الممتع‬
‫مع الف ية العالية و ايحائية قريبة وهو و ما نصبو اليه في الكتابة معاصرة ‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫مظاهر الضربة الشعورية في اادب العذب‬

‫من الظاهر جدا ان القصيدة العربية تطورت في العقود آخيرة تطورا كبيرا ‪ .‬و‬
‫أصبح نظام ال ص شيئا عالي التق ية و اابهار ‪ ،‬بحيث صار من ال ادر العثور‬
‫على كتابات تتخلى عن ااستخدام اايحائي و التق ي للغة ‪ .‬ان ا فعا في عصر‬
‫ُ ال ص المثقف أ و الذي تكتب فيه ال صوص وسط تراكمات و مرجعيات‬
‫ثقافية و نقدية ‪ .‬لكن ظهرت بسبب تب ي هذ التق يات الف ية ااحترافية فجوة‬
‫و ابتعاد عن مخيلة القارئ و حدود تخيله ‪ ،‬و صار ه اك حاجز و حاجب بين‬
‫ال ص و القارئ ‪ .‬لقد ادى التعالي الف ي الى جفاء و فجوة بين القارئ و ال ص‬
‫‪ ،‬و مع ان كتابات ما بعد الحداثة تحاول جاهدة ااقتراب من القارئ اا ان‬

‫‪156‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫اادب ا زال في قاعه العالية و حصونه الكتابية الم يعة بجفاء مر و فجوة‬
‫مخيبة مع القارئ و ال اس ‪.‬‬

‫ان تلك الحالة المتطورة من الوعي الكتابي و الذي يرجع الى عوامل كثيرة‬
‫ترتبط بحقائق و ظواهر عالمية و ثقافية و اجتماعية ‪ ،‬صاحبها نظام و ارث من‬
‫الفكر ال قدي السلبي ‪ ،‬و الذي حرف بوصلة تلك القدرة و ادى الى سوء‬
‫صياغة و انتاج للمخزون اادبي العربي ‪ ،‬فوجه اادب و القصيدة خصوصا الى‬
‫جهات ا يجب ان تتجه نحوها ‪.‬‬

‫ان غياب فكرة نقدية ناضجة ت اسب الثراء اادبي لادباء و المبدعين ادى الى‬
‫ظهور ال قد المتخلف ‪ ،‬و ال قد السلبي ‪ ،‬و صار من الجهل المركب وصف‬
‫نص مابعد حداثوي بانه حداثوي بي ما هو نص يكتب بتق يات ما بعد الحداثة‬
‫في الس ة الخمسين على تجاوز عصر الحداثة ‪ .‬لقد فشلت ال ظرية ال قدية‬
‫الحداثية في تقديم تفسيرات مق عة و مثمرة لظاهرة اادب و الجمال و‬
‫انحصرت و اسباب كثيرة في التوظيفات الشكلية و الب ائية السطحية ‪ ،‬حتى‬
‫انه يمكن القول انها كانت من اساليب تجريد اادب من ادبيته و ابعاد عن‬
‫ال اس بحجج كثيرة انطلت على الوعي الجمعي و ادت الى خسارات كبيرة في‬
‫غايات اادب و جوهر ‪ ،‬الى ان ظهرت في العقود الخمس ااخيرة افكار و‬
‫فهم جديد للغة و ال ص و رسالته اجبرت ال قد الحداثي الى اانصياع الى‬
‫الحقيقة و ااتجا نحو ال ص بدا من جذبه و جر ‪ .‬كل ذلك الحراك ادى‬
‫الى ظهور نقد مثمر و مفيد هو ُ ال قد الثيمي أ الذي يعتمد على تق ية كشف‬
‫الثيمة و الع صر اادبي في مجموعة كتابات ‪ ،‬بدل من ال قد القديم الذي‬
‫يعتمد ااضاءة و تسليط الضوء على الكاتب ‪ .‬ان ال قد الثيمي هو البوابة‬
‫الواسعة نحو ال قد المثمر الذي يفصل بين الكاتب و بين ال ص ‪ ،‬فال ص الثري‬

‫‪157‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫المحقق لثيمة ادبية متطور يقدم على اي نص غير وهذ من مظاهر العلمية و‬
‫الموضوعية ‪ ،‬و ما عاد المجال ممك ا الى نقد ااضاءة و التكلف ‪.‬‬

‫ان تلك التراكمات و اارث الثقيل ٓدب الحداثة المتعالي ا يمكن تجاوز‬
‫بسهولة ‪ ،‬فصار اادب ا يفهم اا بالرمزية المتعالية و هذ خسارة كبيرة ‪،‬‬
‫بحيث ع ّد ااقتراب من الشعور و ال فس شيئا مقلا من ف ية اادب ‪ ،‬وهذا‬
‫تصور ليس فقط خاطئا بل و خطيرا و ربما كان ال قد سببا من اسباب استمرار‬
‫هذا الحال المأساوي ‪ .‬و في ضوء الفهم التعبيري لادب و التمييز بين‬
‫المعادل التعبيري و العامل التعبيري باعتبار ااول صورة و محاكات نصية‬
‫للعامل التعبيري العميق تذلل الكثير من العقبات امام نظرية اادب بل و نظرية‬
‫ال قد و ارتفع الكثير من الت اقضات المعهودة و التي قد تعد من الثوابت ‪ ،‬اذ‬
‫بفهم ان ه اك عاما تعبيريا عميقا متعدد ااشكال من ال فسية و الجمالية و‬
‫الشعورية و الثقافية ‪ ،‬و الذي يعكسه المؤلف و يكشفه و يجليه بمعادل‬
‫تعبيري نصي ‪ ،‬ت تهي فعا مسألة الث ائيات التي قام عليها ال قد القديم لعقود‬
‫‪،‬و ترتفع الت اقضات المعهودة بين الشكل و المع ى و الظاهر و الجوهر ‪ ،‬و‬
‫بدل ال ظام التعارضي التضادي يتحقق نظام توافقي تكاملي ‪.‬‬

‫لقد ظهرت كتابات عذبة تجمع بين الف ية العالية و القرب من القارئ و ال فوذ‬
‫الى مكام ه الشعورية باعتماد ما نسميه اللغة القوية العذبة المعتمدة الضربة‬
‫الشعورية في قبال التف ن التق ي و الضربة الف ية ‪ .‬و لقد حققت كتابات‬
‫السردية التعبيرية العذبة القريبة و لغتها المتموجة كسرا واضحا لهذا الجفاء و‬
‫التعالي آدبي ‪ .‬و س ورد ه ا نماذج من اللغة العذبة المعتمدة على الضربة‬
‫الشعورية التي تقترب من ال فس اضافة الى كتابات سابقة قد ت اول اها و بي ا‬
‫الع اصر و الثيمات الف ية و الجمالية فيها ‪ ،‬وه ا س ت اول نصوصا من اادب‬

‫‪158‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫العذب بالضربة الشعورية و ال فوذ الى اعماق ال فس مع اتصافه بالف ية الظاهرة‬


‫و الشعرية العالية ‪.‬‬

‫يقول نعمة حسون علوان‬

‫سأخبئ نصوصي هذ المرة في مكان ما‬

‫ِ‬
‫المارة‬ ‫ا تصله يد احد من‬

‫وامضي‬

‫فجسدي الذي فقدتُه ه اك‬

‫في واحدة من تلك الحروب اللعي ة‬

‫لم يعد يع ي ي في شيء‬

‫وا حتى اصبح ي اسب مقاساتي‬

‫بعد ان نبتت لي اج حة كثيرة‬

‫وحلقت بها بعيدا‬


‫ُ‬
‫عن هذ البركة الر ِ‬
‫اكدة‬ ‫ْ‬

‫من االم‬

‫ما يلزم ي فعا من هذا المكان ‪...‬‬


‫‪159‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫هو ان تكوني معي‬

‫فقط انا‬

‫وانت يا صغيرتي‬

‫وما سيبقى عالقا في ذه ي ا‬

‫ِ‬
‫القصائد وكفى‬ ‫من‬

‫تقرب ال ص من‬ ‫من الواضح ان في ال ص كثيرا من الع اصر ااسلوبية التي ّ‬


‫القارئ اهمها السرد الشعري و الخطاب و التعاونية و ااخاص التعبيري ‪ ،‬كما‬
‫ان ه اك تقليا من الجفاء اللغوي بااتعاد عن الصور المتعالية و المجازات و‬
‫ااستعارات المتعالية ‪ ،‬ف جد ال ص كتب بلغة قريبة و نافذة ا تقبل اا ان‬
‫تخرق الشعور و ت فذ عميقا في ال فس ‪ ،‬مع حفاظ ال ص على الخيال الشعري‬
‫و اللغة الف ية العالية ‪ ،‬معطيا نموذجا من السردية التعبيرية و الشعر السردي‬
‫الفذ ‪ .‬ان ال فوذ الى العمق بمعادات تعبيرية عالية تشير الى عمق العامل‬
‫التعبيري ‪،‬وهذ صورة جلية معايرية و تقييمة لادب الحقيقي ‪.‬‬

‫ويقول ميثاق الحلفي‬

‫حضائر العزاء‬
‫ُ‬

‫‪160‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ِ‬
‫الساحل‬ ‫أطفال‬
‫ُ‬ ‫قذفك اليم ياوط ي‪ .‬قْبلةً صباحي ًة تَلَقفها‬
‫َ‬ ‫حين‬
‫كن اغفاءةً َ‬
‫لَ ْم تَ ْ‬
‫دباد‪..‬على جبي ه المتشح‬ ‫ِ ِ‬
‫الشاردتان ترم ُق ااّ ما حمله الس ُ‬ ‫كن عي اي‬
‫ولَ ْم تَ ْ‬
‫اليك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العشق َ‬ ‫رسائل‬
‫َ‬ ‫بالشحوب‪ .‬وتُجفف الرمال‬

‫علي ؟‬
‫كذبت ّ‬
‫َ‬ ‫عليك ُمذ صغري‪ .‬فَِل َم‬
‫لَ ْم اكذب َ‬

‫استميحك‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫بسيف من خشب‪ .‬لَ ْن‬ ‫وجعلت ي اشك بأن ُمارتن لوثرأ كا َن ِ‬
‫ماسكاً‬
‫الدهر ظهري‪.‬‬
‫العذر على خداعي وغشي وتضليلي بعدما انقض ُ‬

‫جلبت الى‬
‫َ‬ ‫الرصاص الى بيتي وأمي لَ ْم تُ َدج ُن ااّ العصافير لِ َم‬
‫َ‬ ‫جلبت‬
‫َ‬ ‫لِ َم‬
‫حضائرها العزاء‬

‫ال ص نموذج عال و رفيع لأدب العذب ‪ ،‬المعتمد على اللغة القوية و التموج‬
‫التعبيري بين ااستعارات و المجاز العالي و التوصيلية و البوح الشفيف ‪،‬‬
‫محققا نصا قريبا من القارئ مع ف ية عالية بسرد تعبيري فذ ‪ ،‬بلغة حرة توظف‬
‫تق يات الدراما و الرسالة و الخطاب ‪ .‬لقد كتب ال ص بمعادات تعبيرية فذة‬
‫عاكسة و محاكية لعوامل تعبيرية عميقة ‪ ،‬مما يحقق نموذج اادب الحقيقي ‪،‬‬
‫بالوصف المعياري و التقييمي ‪.‬‬

‫و يقول رياض الفتاوي‬

‫صباح أحدب‬
‫ٌ‬

‫***********‬

‫‪161‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫فس‬ ‫ِ‬ ‫يتكئ على ِ‬


‫رمال الصحراء‪ ......‬مازالت تت ُ‬‫ظل الزوال‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫صباح أحدب‬
‫ٌ‬
‫تلك الغابة المخملية‪ ،‬شجرةُ آراك ت دب فيأها‪ ،‬الذي سرقه‬
‫اك في َ‬
‫القيض‪ ،‬ه َ‬
‫َ‬
‫وتلك الس ون‬
‫َ‬ ‫ذاك الشتاء القارص‪،‬‬
‫بتلك العتمة المس ة‪ ،‬بصقي ِع َ‬
‫الظام‪َ ،‬‬
‫العجاف‪ ،‬التي‪ ...‬أرعبها تعبير يوسف‪ ،‬ها هي اليوم تخرج‪ ،‬من وادي السباع‪،‬‬
‫ِ‬
‫الجرذان‪ ،‬تقرض‬ ‫اك ثورةٌ من‪....‬‬
‫لق الغد‪ ،‬بم جلها آعمى‪ ،‬ه َ‬‫تكاد أن تُ ّح َ‬
‫ُ‬
‫الزمن‪ ،‬ورقاص الساعة مازال مسرعاً‪ ،‬ي تظر مائدة القسط‪ ،‬آلهة الصخب قيدت‬
‫الهواء‪ ،‬بساسل‪ ...‬تعويذة آمون‪ ،‬حتى ا يستيقظ الربيع‪ ،‬وتت فس تلك‬
‫تلك العصافير من أقفاصها‪،‬‬
‫الس ين‪ ...‬العجاف‪ ،‬عزيز مصر‪ ،‬ويحرر َ‬

‫والصباح مازال أحدب‪ ،‬ي تظر من يبرأ آكمه وآبرص‪ ،‬لعله يستقيم وا يتكئ‬
‫على ظل أحد ‪..............‬؟‬

‫ال ص بتوظيفاته الرمزية و استعاراته العالية يحقق ف ية و جمالية و رسالية ادبية‬


‫جلية ‪ ،‬و كذلك من خال قضيته و بوحه و تعاونيته يقترب من القارئ و ي فذ‬
‫في ال فس و يضرب في مواطن الشعور العميقة ‪ ،‬محققا لغة عذبة و قوية‬
‫معتمدة اسلوب السرد التعبيرية و التموج اللغوي بانظمة تراكيب انزياحية و‬
‫توصيلية مت اوبة ‪ .‬و من خال المعادات التعبيرية العالية الكاشفة عن عوامل‬
‫تعبيرية عميقة يتحقق نظام اادب الحقيقي ‪.‬‬

‫و يقول عامر الساعدي‬

‫سلحفاة‬

‫‪::::::::::::‬‬

‫في فروةِ رأسي سلحفاة‬

‫‪162‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫شكل ٍ‬
‫قبعة‬ ‫على ِ‬

‫طاحونة تغازل الهواء‬

‫تبحث عن ِ‬
‫وقت مداعبتها‬ ‫ُ‬

‫مطر غز ٌير‬
‫ٌ‬
‫يهطل على ِ‬
‫تلة الصيف‬ ‫ُ‬

‫بأمواج البحر‬
‫ِ‬ ‫تعصف‬
‫ُ‬ ‫يح‬
‫والر ُ‬

‫كيف أعوم‬

‫وبداخلي ِ‬
‫بقعة ز ٍ‬
‫يت‬

‫ِ‬
‫معرض االم لوحة صماء‬ ‫في‬

‫أحتاج وقتاً‬

‫وقلياً من موسم الربيع‬

‫قبل أن أنتعش مثل العصفور‬

‫فوق صدر الحقل‬

‫أذوب إن فاحت شهقة الس ابل‬

‫لك ي خارج الشريعة‬

‫‪163‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫مدجج باا وغضب السماء‬


‫ٌ‬

‫فراغٌ شاسع وضوءٌ راكد‬

‫ٍ‬
‫بصوت صارخ‬ ‫يخيم علي‬
‫ُ‬

‫ما زالت أسئلتي تلوح حولي‬

‫ِ‬
‫الحزن‬ ‫والكثير من‬

‫ِ‬
‫بصيص أماً تائهً بشفاهي‬

‫وثغر اارض واسع‬


‫ُ‬

‫قطعاً سوف ترفض ي اارض‬

‫ان ي ٍ‬
‫بذرة معفرة ِ‬
‫بالهم‬

‫فتحت ص دوق ذكرياتي‬


‫ُ‬

‫وجدت عي اً فصرخت مرعوباً‬

‫عصافير بيضاء‬
‫ٌ‬ ‫وجدت‬
‫ُ‬

‫تريد أيقاظ عتمة اوراق الخريف‬

‫خطوات مغمضة‬

‫قالت لي وداعاً‬

‫‪164‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫كأنها نفس سلحفاة رأسي‬

‫بقيت كما أنا‬

‫أعتصر ال هار انتظاراً‬


‫م سي على ِ‬
‫رف الذكريات‬ ‫ٌ‬

‫ال ص بصور الشعرية الفذة ‪ ،‬و استعاراته العميقة ‪ ،‬كتب ايضا برمزية قريبة و‬
‫بوح و نفوذ نفسي يحقق لغة قوية تقترب من ال فس بقاموس لغوي يوجه بوصلة‬
‫ال ص و بوحه فيحقق لغة قوية بشعرية عالية ملموسة و قريبة من القارئ بعذوبة‬
‫و تعاونية واضحة ‪ .‬ان هذ الوحدات من المعادات التعبيرية و بما تعكسه و‬
‫تكشفه من عوامل تعبيرية ف ية و جمالية يتحقق نظام ادبي حقيقي ورفيع بلغة‬
‫عالية عذبة ‪.‬‬

‫و يقول عاء الحمداني‬

‫ُرغبات قش أ‬

‫أنا كومة قش ‪،‬‬

‫تت اقل ي الريح‬

‫‪165‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫لربما واحدة م ي ‪ ،‬ستكسر ظهر البعير ‪.‬‬

‫او سأجد بعضي طعاما"سائغا" لحيوان أليف ‪،‬‬

‫وٓكون أكثر أنصافا" ‪،‬‬

‫ربما انا آن أعصر في معدة خاوية اا م ي ‪،‬‬

‫كأن تكون لطفل ‪ ،‬لم يرتكب ابوا فاحشة الوطن‬

‫أو لربما ‪،‬‬

‫فزاعة !‬

‫الهو مع العصافير الجائعة ‪،‬‬

‫تارة اتحرك فأثيرها‬

‫أو اتركها ‪،‬‬

‫تمزق صمت الس ابل‬

‫لك ي مؤكدا" سأكون اكثر بريقا"أن أحرقوني !‬

‫فه اك عائلة عالقة على حدود الوجع‬

‫تطلب الدفء ‪،‬‬

‫بعد أن تقيأها البحر ‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ال ص من أدب القضية و زاخر بالبوح و الرسالة ‪ ،‬بلغة عذبة قريبة تعتمد السرد‬
‫التعبيرية ‪ ،‬و الدراما و الخطاب و التساؤات القريبة ‪ ،‬و مبتعدة عن التعالي‬
‫الف ي ‪ ،‬مع محافظتها على الجودة الشعرية و الف ية العالية محققة نصا ي فذ الى‬
‫اعماق ال فس و يحقق ضربة شعورية فذة بلغة القوية ‪ .‬و من خال تلك‬
‫المعادات التعبيرية الف ية التي تحاكي عوامل تعبيرية نافذة و عميقة يتحقق‬
‫نظام ادبي حقيقي فذ ‪.‬‬

‫من ه ا يكون من الظاهر ان القرب من القارئ ا يحتاج الى تقليل من ف ية‬


‫آدب ‪ ،‬بل ربما تحصل حالة تكامل كما بي ا ان التوافق ال ثروشعري ممكن و‬
‫حاصل بالسرد التعبيري و الشعر السردي ‪ ،‬فان التوافق بين الف ية و التعاونية و‬
‫القرب من القارئ ايضا ممكن و حاصل بالشعر التعبيري ‪.‬ان نصوص اللغة‬
‫القوية ‪ ،‬المعتمدة على السرد التعبيري و ُ الشعر السردي أ تحقق نموذجا في‬
‫ل ظام نصي بالغ التعقيد في عمقه و عذب و سهل في ظاهر و تلقيه وه ا‬
‫تكمن عبقرية اللغة ‪ .‬كما انه بهذا اايجاز تظهر القدرة التقييمية و التقديرية‬
‫لل قد التعبيري الثيمي الحر و تسقط احدى اهم الثقافات الواهمة لل قد‬
‫الحداثي بانعدام قدرة ال قد على التقييم وهو المخالف للوجدان و الواقع بل و‬
‫للتطبيق من خال الجوائز و الم افسات التي وجدت بوجود اادب و استمرت‬
‫معه و ستبقي مستمرة ‪ ،‬و يتجه ال قد نحو ال صوص و الع اصر اابداعية فيها‬
‫من دون ال ظر الى اية جهة أخرى بخاف ال قد القديم الغارق في ااحكام‬
‫المسبقة و نقد ااضاءة الغارق في الشخص ة ‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫مظاهر التوظيفات التعبيرية في ُ نوافل السبي في قصور الحضارة أ لبارقة أبو‬


‫الشون‬

‫التوظيف التعبيري من التق يات الف ّذة في الشعر ‪ ،‬و رغم ا ّن له صور في‬
‫فترات زم ية طويلة من تأريخ الشعر ‪ ،‬اا اّنه اصبح يأخذ مساحة واسعة في‬
‫التطور في الشعر ‪ ،‬كما انّه من ع اصر الف ية‬
‫الشعر المعاصر ‪ ،‬و هو من مامح ّ‬
‫و الجمالية ‪ ،‬بل و الرسالية ايضا ‪ ،‬و من ال ادر ا ّن نجد ع صرا اسلوبيا يحقق‬
‫اركان اابداع الثاثة دفعة واحدة ‪ ،‬اقصد الف ية و الجمالية و الرسالية ‪.‬‬

‫التوظيفات المتحققة في الكتابات الشعرية كثيرة ‪ ،‬اا ا ّن اهمها التوظيفات‬


‫التعبيرية ‪ٓ ،‬جل اعطاء اللغة طاقة تعبيرية اكبر ‪ ،‬و بالقدر الذي يحصل فيه‬
‫اضافة بالتوظيف لل ص فانّه ايضا يحصل اضافة للمع ى الموظف بال ظام‬
‫التركيبي الجديد ‪ , .‬قصيدة ُنوافل السبي في قصور الحضارة \ جبل س جارأ‬
‫توسع طاقات اللغة‬
‫للشاعرة العراقية بارقة أبو الشون ‪ ،‬تشتمل على توظيفات ّ‬
‫بشكل ظاهر ‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الع وان مليء بالتوظيفات بحيث ا ّن كل مفردة فيه تلقي بظالها الرمزية على‬
‫كل من هذ‬
‫المع ى ‪ ُ ،‬نوافل \ سبي \ قصور \ الحضارة \ جبل س جارأ ّ‬
‫يوسع التعبير في الع وان ‪ ،‬و لربّما يمكن‬
‫المفردات لها بعد اجتماعي و انساني ّ‬
‫القول اضافة الى كاشفية الع وان عن مضامين ال ص و مقاصد ‪ ،‬وهو من نوع‬
‫الوفاء الع واني ‪ ،‬فانه ايضا يحقق نصا قصيرا و قصيدة قصيرة ‪.‬‬

‫تقول الشاعرة في مطلع القصيدة ‪:‬‬

‫ُ في محفل الشمس \ ت زل صاعدة آرواح أ‬

‫الترميز ظاهر في محفل الشمس ‪ ،‬بان ما يحصل هو في مرأى من عيون‬


‫ال اظرين ‪ ،‬و في ُ ت زل صاعدة أ توظيف للت اغم التضادي المجازي سلس ا‬
‫يعاني من ااقحام ‪ ،‬ثم تأتي كلمة ُ آرواح أ وهو جوهر و حقيقة الوجود ‪،‬‬
‫وه ا تعبير عن عمق آلم و المأساة ‪ ،‬و باضافة الصعود نعلم ا ّن الشاعرة ترسم‬
‫عالما متعاليا لمن وقع عليه ظلم الزمن ‪ ،‬وهذا من التعبيرية الداخلية البحتة ‪.‬‬

‫ُ تئن السبايا ‪\ ...‬يترمل الجبل تسقط حضارتكم… أ‬

‫ه ا توظيف للرمز الخارجيُ السبايا و الحضارة أ بلغة مكثفة ‪ ،‬و تقابل بين ألم‬
‫الضحية و خسارة الجاني في ُ تئن و تترمل أ الضحية و بين ُ يسقط أ وجود‬
‫الجاني أ‪ ،‬و هذ صورة عالية و هي من اشكال اانتصار ‪،‬و هذ س ة المظلوم‬
‫و الظالم التاريخية ‪ ،‬يذكرنا بشهادة المظلومين ‪ ،‬حيث يكون الموت و‬
‫الشهادة طريق خلود الشهيد المظلوم و رمزيته ‪ ،‬و طريق الذم التاريخي للظالم‬

‫‪169‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫و ذهابه الى مزبلة التاريخ ‪ ،‬و الخطاب للمجموع اي العالم ي بئ عن فكرة‬


‫تعبيرية بتحميل العالم آعمى المسؤولية في هذ المأساة و الظلم ‪ ،‬و هو من‬
‫مظاهر التعبيرية البحتة ايضا ‪.‬‬

‫ويأتي بيان تفصيلي تعبيري تصويري يشتمل على ابداعات ف ية في فصل طويل‬
‫‪:‬‬

‫ُالمدن اللقيطة مهجورة …‪ \.‬آرصفة مكسورة على أعتاب الركام \ حرائق‬


‫تُطل َق الفاجعة \في أحضان الموت‪\ ..‬تبتهل الملوك \يتوضأ رفات الوطن‬
‫بدعاء اليتامى‪ \..‬باطلة أوراق الب ادق‪ \..‬السماء هي ذاتها تئن من رداءة‬
‫التاريخ‪ ...‬أ‬

‫ا ّن هذ اللغة التي ت طلق الصور فيها من قصد و بؤرة تعبيرية واحدة يمكن ان‬
‫نسميها ُ لغة المرايا أ ‪ ،‬حيث يتم عرض الفكرة في أكثر من صورة ٓجل‬
‫تأكيد الحالة التعبيرية و الشعورية ‪ ،‬كما انه من الميل نحو التجريد برؤية‬
‫الع صر العميق لاشياء و المعارف ‪ ،‬و محاكاته بصور تعبيرية متعددة ‪ ،‬فتتحقق‬
‫الوحدة في التعدد ‪ ،‬وهو من الت اغم الداخلي التضادي المميز لقصيدة ال ثر ‪.‬‬

‫بعدها تقول الشاعرة ‪:‬‬

‫ُباطلة \ الدروب \ أسئلة الج ود ‪ \...‬غائمة ترتل صاة الحفاة‪ ...‬أ‬

‫‪170‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ه ا توظيف لمفهوم دي ي وهو البطان ‪ ،‬وبخاف ااستعماات الشاعرية لتائهة‬


‫او ضائعة ونحوهما في هكذا تركيب ‪ ،‬فان الشاعرة اختارت هذ المفردة‬
‫لصلتها بالتبريرات الكاذبة للمأساة بأسم الدين ‪ ،‬و كذا مفردة ُ صاة أ ‪ ،‬و‬
‫سط جو من دروب الحرب و تساؤاتها الكبيرة محدثة صدمة تعبيرية واضحة‬

‫بعد عرض ااعتراض الشعرية و الواقع المأساوي المرفوض تشرع الشاعرة‬


‫بعرض فكرة الخاص ‪ ،‬و تقدم الشهادة كطريق اول للخاص في هذا الواقع‬
‫يمس وجود اانسان و حياته القريبة حيث تقول‪:‬‬
‫الخطير الذي ّ‬

‫الضجيج ‪ \....‬اخلع \ قلبك انه الوادي‬ ‫تام في ْأو ِج‬ ‫ِ‬


‫َ‬ ‫ُالشهداء وفود الخ ُ‬
‫المقدس \في كرباء‪ \..‬كل الطرقات الى العراق تسبى ‪ ...‬أ‬

‫تقرر‬
‫و تستحتضر الشاعرة ه ا السبي الكربائي لأسرة ال بوية المقدسة ‪ ،‬و ّ‬
‫عميقا ان هذا التأريخ قد اجتاح وجود العراق م ذ ذلك الحين ‪ ،‬و ه ا نجاح‬
‫للشاعرة في خلق الجو المق ّدس العام لل ص وسط جو المأساة ‪ ،‬و الحميمية‬
‫وسط ا لجفاء ‪ ،‬بساسة و دون قفز‪ ،‬وهذ المقابلة بقدر ما تعكس مظلومة و‬
‫المسبي الحاضر كما الماضي ‪ ،‬فانّها ايضا تعكس وحشية و همجية من‬
‫ّ‬ ‫براءة‬
‫قام بالسبي الحاضر كما الماضي ‪ ،‬كما انها تعطي قدسية للشهادة الحاضرة‬
‫كما في الشهادة الكربائية ‪ ،‬و انك لتجد نجاحا للشاعر في اختراق حاجز‬
‫الزمن ‪ ،‬و عوالم الدالة بتراكيبها المتميزة ‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫و ت هي الشاعرة قصيدتها في توسعة عالم المأساة بتوسعة معاني المظلومين في‬


‫مفهوم ال ساء بخلق تاريخ نصي لها ‪ ،‬و مفهوم الظلم ليشمل القهر و المشانق‬
‫‪ ،‬ثم تورد في الخاتمة تساؤات عميقة عن تبريرات الحروب و الظلم الذي‬
‫اتشح به وجه هذا الوطن ‪ ،‬و تلمح بايحاءات خفية الى اسباب تلك المآسي و‬
‫الحروب و انها عملية بيع و شراء على حساب الدماء و ااعراض ‪:‬‬

‫ُ ال ساء وجه الحضارة \ و قداس العويل‪ \..‬مازال ع دهم قلق المخاض‬


‫\مازالت \جبا المشانقِ تحصد الرؤوس بكفوفهم ‪ \ ...‬آما آن للحضارة ان‬
‫تستفيق ‪ \...‬من يشتري الحروب في مامح الوطن ‪..‬؟؟ أ‬

‫ان استعمال مفردة الحضارة و بما لها من بعد اشراقي و ازدهاري في فكر‬
‫اانسانية ‪ ،‬استعمالها في وضع انحطاطي وهو الغفلة و ال وم ‪ ،‬و مطالبتها‬
‫باافاقة تحدث صدمة فكرية ‪،‬و تضادا ت اغماي ‪ ،‬وهو من التق يات الف ية‬
‫للشعر ال ثري ‪.‬‬

‫ال ص‬

‫نوافل السبي في قصور الحضارة‬

‫‪172‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫جبل س جار‬

‫بارقة أبو الشون‬

‫في محفل الشمس‬

‫ت زل صاعدة آرواح ‪..‬‬

‫تئن السبايا ‪...‬‬

‫يترمل الجبل تسقط حضارتكم…‬

‫المدن اللقيطة مهجورة …‪.‬‬

‫آرصفة مكسورة على أعتاب الركام‬

‫حرائق تُطل َق الفاجعة‬

‫في أحضان الموت‪..‬‬

‫تبتهل الملوك‬

‫يتوضأ رفات الوطن بدعاء اليتامى‪..‬‬

‫باطلة أوراق الب ادق‪..‬‬

‫السماء هي ذاتها تئن من رداءة التاريخ‪...‬‬

‫‪173‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫سيدتي‬

‫عباءة الحزن‬

‫والدفاتر ازالت تخبىء السبي ‪...‬‬

‫باطلة‬

‫الدروب‬

‫أسئلة الج ود ‪...‬‬

‫غائمة ترتل صاة الحفاة‪...‬‬

‫الضجيج ‪....‬‬ ‫تام في ْأو ِج‬ ‫ِ‬


‫َ‬ ‫الشهداء وفود الخ ُ‬

‫اخلع‬

‫قلبك انه الوادي المقدس‬

‫في كرباء‪..‬‬

‫كل الطرقات الى العراق تسبى ‪...‬‬

‫ال ساء وجه الحضارة‬

‫و قداس العويل‪..‬‬

‫مازال ع دهم قلق المخاض‬

‫‪174‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫مازالت‬

‫جبا المشانقِ تحصد الرؤوس بكفوفهم ‪...‬‬

‫آما آن للحضارة ان تستفيق ‪...‬‬

‫من يشتري الحروب في مامح الوطن ‪..‬؟؟‬

‫آذار ‪ 3\2015‬بارقة ابو الشون‬

‫التوظيف الف ي في الشعر السوري المعاصر‬

‫‪175‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ُبي ما راح الغروب \يعبث بالموانئ الراحلة خلف المجاز المشاغب \‬


‫والقطة ما زالت ت ظرني بعي ي الدهشة \تسأل ي أين \تركت خلفي مواعيد‬
‫العيد \ أين تركت أرجوحتي الحمراءأ‬

‫رشا السيد احمد‬

‫التوظيف اللفظي و المع وي مهارة عالية تعطي للصورة الف ية ابعادا جديدة‬
‫‪ ،‬بل يمكن القول ان التوظيف الف ي في اللغة يح ّقق البعد الثالث للصورة الف ية‬
‫‪ ،‬فيمت ّد بروحها و شكلها الى عوالم اخرى تبحر فيها ال فس ويضاء فيها الفكر‬
‫و يتّسع معها الفهم ‪.‬‬

‫التوظيف الف ي سواء اللفظي او المع وي ليس جديدا بل هو قديم قدم‬


‫الشعر و اللغة الف ية ‪ ،‬و يمكن ع ّد ما موجود اآن امتداد طبيعي للباغة العربية‬
‫و علمي البديع و البيان ‪ ،‬اا ا ّن للتوظيف الف ي في لغة الشعر الحديث مظاهر‬
‫ف ّذة و متق ّدمة ‪ ،‬يكون من المهم متابعتها و رصدها و تبييّن مامحهما الظاهرة‬
‫‪ .‬و ا ّن الثراء الطبيعي و اانساني و الفكري لأدب السوري المعاصر يق ّدم ل ا‬
‫نموذجا رائعا في التوظيف الف ي مع ت وع م قطع ال ظير يعكس ذلك الثراء‬
‫المعهود ‪ .‬وه ا في هذ المقال س عمد الى مظاهر التوظيف الف ي في الشعر‬
‫السوري المعاصر في نماذج ظاهرة و جليّة تتجلى فيها التوظيفات الف ية التي‬
‫تهب الصور بعدا ثالثا و ت قل الفهم و التصور الى عوالم من المع ى و‬
‫فضاءات رحبة من الدالة و البوح ‪.‬‬

‫اوا ‪ :‬توظيف صوت الطبيعة‬

‫‪176‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫صوت الطبيعة و اشياؤها العذبة و الجلية تحضر بقوة في الشعر السوري‬


‫الملون بالونها الزاهية يقول محمد الدمشقي‪:‬‬

‫ُرماد آهات ا \ ذكريات الريح \ نغمات آرق \ ليت ا ك ا ‪ ..‬غبارا \‬


‫يحمل البشرى إلى زهرة \ يرددنا ال دى \ يبعثرنا الضياء\ يشرب ا السحاب‬
‫\نسمة نسمة \ ليت ا ما اشتري ا بالعبير دخاناً\ و بصفاء لهفت ا ضباب لقاء أ‬

‫ليس غريبا ان يكون كل سطر من كلمتين او ثاث ‪ ،‬احدها مفردة من‬


‫مفردات الطبيعة ‪ ،‬و ليس غريبا ان تكون لها معان غير معانيها ‪ ،‬و ليس غريبا‬
‫تأو و حسرة على فقدان روعة الحياة و حلول‬
‫ان تكون هذ اللوحة الرقيقة ّ‬
‫الدخان و الضباب ‪.‬‬

‫و في لوحة ف ية فذة و مجازات عالية ببوح رقيق تقول رشا السيد احمد‪:‬‬

‫ُعلى صدر البحر \ المزحوم ببوح أمواجه \ هذب الليل بتأمله الكون \‬
‫نبضي المتسارع \‬

‫بأج حة الحلم \ خلف ريش الفضاء البعيد أ‬

‫ف جد ه ا التوظيف اانسيابي اللطيف لمفردات الطبيعة ‪ ،‬تتجلى بدفق و‬


‫بوح شفيف ‪ ،‬المحلق في فضاءات و عوالم من المعاني لما تحمله تلك‬
‫المفردات من داات و وقع و تأريخ في نفس اانسان ‪ ،‬ا ّن هذا اارتباط‬
‫العميق بين ال فس و العوالم الشاسعة ٓشياء الطبيعة و دااتها الرحبة و‬
‫المطلقة يح ّقق و كما نرى داات اكثر قوة و اكثر توصيا من باقي التوظيفات‬
‫المتعلقة بالمدنية و ما لها من انقباض و تكتل ‪ .‬يمك ا اان و بسهولة تبيّن‬
‫سر الميل الى توظيف مفردات الطبيعة في الشعر السوري ‪ ،‬وذلك ٓنّه و‬ ‫ّ‬

‫‪177‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ببساطة يحاكي الروح المطلقة و الرحبة و الرقيقة و التي ا يمكن ان توفرها‬


‫مفردات المدنية و معانيها الضيقة و المغلقة ‪ .‬و يتجلى هذا البعد بل يتجسد‬
‫بشكل صريح في مقطوعة بوح و محاكاة رفيعة لرشا السيد احمد حي ما تقول ‪:‬‬

‫ُقطفت من حدائق آصيل ألف أغ ية \ ِ‬


‫لك وما أغ اك أيتها الروح عن‬
‫البحث \ ترسمين لي‬

‫\ في آفق فراشة مرصعة \ بالرؤى الفريدة \ت اوش أغ ية الكون بهدبها‬


‫أ‬

‫ا ّن هذ المقطوعة الجميلة بتكثيفها العالي و بوحها الشفيف تختصر كثيرا‬


‫من المعاني و المامح و المظاهر الف ية للغة و صاحبتها و روحها الكونية‬
‫الرقيقة ‪.‬‬

‫و صوت الطبيعة يحضر ايضا في توظيف عال للبوح باالم و الحزن ففي‬
‫لوحة رائعة لرشا السيد احمد تقول فيها مخاطبة دمشق ‪:‬‬

‫ُكيف تترك حمائمك أعشاشها \ مذعورة من فتك شواهين \ استساغت‬


‫كأس \ الدم نبيذا تعتق به صباحات الغدر ؟!\ ا فرق دمك دمي ‪ \ .‬دم‬
‫الياسمين أ‬

‫ان المفردات المستقاة من الطبيعة و مما هو متأصل في الشام من ياسيمن‬


‫و حمائم ‪ ،‬ا ّدت ه ا وظيفتها العالية التعبيرية في توصيل عال المستوى و فذ ‪.‬‬

‫و في توظيفات توصيلية بوحية اشياء الطبيعة و مفرداتها تقول فيروز‬


‫مخول ‪:‬‬

‫‪178‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫\ تمزق قميص الليل لترسم \ خارطتي الى باد‬ ‫ُعيونك‬


‫ال دى \ابتسامتك \‬
‫ترش عبقا \على خد الب فسج أ‬

‫اضافة الى المجازات العالية فا ّن المفردات ه ا ا ّدت وظيفتها العالية ‪ .‬و‬


‫في لوحة فذة يقول ماهر قطريب ‪:‬‬

‫ُهو والشام توءمان \هكذا أخبر العصافير يوماً \ وذات ٍ‬


‫ألم أخبرني\‬
‫نبضه‬ ‫تشبه‬ ‫الشام‬
‫ٍ‬
‫كبرعم‬ ‫أتصارع آورام ُ\ وعيون الغرباء\ ‪ ..‬وغداً ست هض كزهرةٍ \وسي هض‬
‫\ بربيع قادم ‪ ..‬أراد لها \ وأرادته له \ هكذا أخبرني \وأخبر الطير‬
‫والسحاب ‪..‬أ‬

‫من الواضح القدرة التعبيرية لالفاظ المستقاة من الطبيعة الموظفة ه ا ‪ ،‬و‬


‫بشكل احترافي عال ادت وظيفتها بجدارة ‪.‬‬

‫و في لوحة تعبيرية بتوظيف عال اشياء الطبيعة يقول احمد امين زمام‬

‫ُفجر هجر عطر الب فسح \ دامية أمطار السماء \ ا صهيل‪\ ...‬ا وقع‬
‫حوافر‪ \...‬هي طع ة‪..‬‬

‫هي غصة‪ ..‬أ‬

‫ثانيا ‪ :‬توظيف صوت الطفولة‬

‫‪179‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫في توظيف اشياء الطفولة و البراءة تحضر الطائرة الورقية ع د محمد‬


‫الدمشقي اذ يقول ‪:‬‬
‫ُلم نلتقي ؟ \ و هل تحرق الشمس ظلي \ لو ناجيتك نبضا \ و القيد‬
‫َ‬
‫ورق‬ ‫طائرة‬ ‫\‬ ‫يرسم ي‬
‫خيطها سراب \يمسك بي ضياع \يشدني نحو الترابأ‬
‫ا ّن تكامل الصورة في هذا المقطع البوح ما كان يبلغ تلك الدرجة من‬
‫العمق و البوح لوا التوظيف العالي للطائرة الورقية ودالتها الواسعة و ما رافقها‬
‫من شرح بخيط السراب و الضياع ‪.‬‬
‫و في لوحة تعبيرية بوحية توظّف لفظة الطفولة تقول رشا السيد احمد ‪:‬‬

‫ُبعد تراتيل غياب \ أشتاقت طفلة اللؤلؤ \أن تشرب صوت الشروق‬
‫آول أ‬

‫من الواضح الحجم الدالي الذي حققت لفظة طفلة اللؤلؤ و الذي يحمل‬
‫دااته الخاصة المختصرة لمساحة واسعة من التعبير ‪ .‬و في توظيف فذ‬
‫لمفردات الطفولة بلغة تعبيرية بالغة تقول رشا السيد احمد ‪:‬‬

‫ُدون أن أرغب بعودة \ م ذ تاهت تلك الطفلة حباً \ في غابات اللون‬


‫القاتل بسحر\‬

‫وعدت إلى قطتي الصغيرة \ التي انتظرت ي فوق السطور \ لتدفىء‬


‫أحامها في صدري \‬

‫‪180‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫وحدها الضفائر الذهبية لتلك الطفلة \ كانت ترمي بسمة \للحلم وت هيدة‬
‫قاتلة في الوتين \ بي ما راح الغروب \يعبث بالموانئ الراحلة خلف المجاز‬
‫المشاغب \ والقطة ما زالت ت ظرني بعي ي الدهشة \تسأل ي أين \تركت‬
‫خلفي مواعيد العيد \ أين تركت أرجوحتي الحمراء أ‬

‫من البين الطاقات الدالية لتلك المفردات التي ادت وظيفتها في هذا‬
‫ال ص بقدرة كبيرة ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬توظيف صوت العاطفة‬


‫ليس خفيا الرقة العالية التي يتميز بها اادب الشامي بلد الياسمين ‪ ،‬و‬
‫التي تعكس جمال طبيعة و رقة تلك ااجواء ‪ ،‬و لذلك نجد اادب السوري‬
‫يتربع قمة اادب الرقيق و العاطفة السيّالة الواسعة التي تتسع الكون في لوحة‬
‫وجدانية عذبة يقول محمد الدمشقي ‪:‬‬

‫ُ أين يكتب ا اللقاء ؟\ نظراتك المكان \و قلبي صفحة محترقة أ‬

‫و في مقطع اخر يلهج باامل و التطلع للحياة ااجمل تحضر التعابير‬


‫العاطفية في لوحة بوح راقية يقول فيها محمد الدمشقي ‪:‬‬
‫صوت العاشقين كلمتَهُ ‪ \ ..‬سيستعي ُد‬
‫ُ‬ ‫ض‬‫فم ال شي ْد \ سيف ِر ُ‬
‫ُلو كمموا َ‬
‫لحن حياة أ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صدا \و يضخ في عروق الموت َ‬
‫ا ريب ان التوظيف العالي لمفردات عاطفية كال شيد و العاشقين ادت‬
‫دورها بشكل تام في تحقيق مظهر عميق و متوهج للصورة كرمز للرغبة بالحياة‬
‫و اانتصار على الموت ‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫و في لوحة تغ ي بالمدي ة الحبيبة مع نداء رفيع تقول رشا السيد احمد في‬
‫دمشق ‪:‬‬

‫ُنور في عي يها للعا ي ده ي \كلما احت لي بيدها \نبتت لي ألف يد‬


‫بحبها تلوح \و ألف فرح \من عي يها ي بثق غمائم حب تظلل ي أ‬

‫ناحظ كيف وظّفت كلمة الحب لتؤدي دورها التعبيري الكامل المختصر‬
‫لكثير من الشروحات ‪ ،‬و اختصرت مديات واسعة من المعاني و الداات ‪.‬و‬
‫في لوحة تعبيرية توظف فيها مفردات العاطفة و العشق بشكل عال تقول رشا‬
‫السيد احمد ‪:‬‬

‫ُدمشق \ نيران عشق زهت بأماني عاشقيها مع كل \رقصة صباح ومع‬


‫كل سمر أ‬

‫ناحظ كيف قد ادت تلك الكلمات وظيفتها بكفاءة عالية و توصيلية فذة‬
‫‪ ،‬مختصرة مساحة تعبيرية واسعة باحجام دالية كبيرة ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬توظيف الصوت الدي ي‬


‫للم اجاة و التعلق بالمعاني العالية انعكاسة رفيعة في اادب السوري ف جد‬
‫المفردات السماوية و العالية تتجسد في اشعار السوريين فبتعابير دي ية و‬
‫سماوية تتجلى لوحة بوح عالية و صادحة لرشا السيد احمد تقول فيها ‪:‬‬

‫ُاه يا دمشق \ صاغتك يد اإله في العا آية \فكيف حدث أنك في‬
‫سدرة الم تهى ما بقيت‬

‫سيدة الب فسج والمرايا الخضر ؟أ‬


‫‪182‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ان فن التوظيف من الف ون الباذخة ‪ ،‬و التي تحقق تكثيفا رشيقا للغة ‪ ،‬و‬
‫تختصر تراكيب تعبيرية ذات داات واسعة ‪ ،‬فيتحقق ربح تعبيري هو احد‬
‫غايات الكام ‪ ،‬حيث ان ااختزال و العبارات الجزلة كانت و ما زات غاية‬
‫تخاطبية انسانية رفيعة ‪ .‬و في لوحة مفعمة بالمفردات الدي ية و الصوفية ترسم‬
‫رسا السيد احمد عالما رفيعا اذ تقول ‪:‬‬

‫يغيب ضياؤها‬
‫اديس حالمة \ وق اديل سماويةً تزهو عاشقة \ ُ‬
‫بك فر ً‬ ‫ُأنا َ‬
‫ِ‬
‫استغفارات الصباح‬ ‫تسابيح الزنابق \كل‬
‫ِ‬ ‫الغياب\ أنا بِ َ‬
‫ك كل‬ ‫حين ِ‬
‫يره ُقها ِ‬
‫احتيك أ‬ ‫ِ‬
‫المعتق في ر َ‬ ‫\كل تهج ٍد للش ِ‬
‫وق‬

‫كان جميا جدا هذا التوظيف لتلك المصطلحات و مفردات الشعائر‬


‫الدي ية و لقد ا ّدت وظيفتها الف ية ببراعة فائقة ‪.‬‬

‫و في توظيف نادر لمفردات الطقوس تقول فيروز مخول ‪:‬‬

‫ُتعال نقتسم \ سحابات ااشتياق \ نحتل سماء الوله \نمارس طقوس‬


‫الع اق \ نشعل مبخرة القبل أ‬

‫خامسا ‪ :‬توظيف صوت الفكر‬

‫العمق الفكري بما له من مساحة مع وية ‪ ،‬يجعل لتوظفيه و ااشارة الى‬


‫م اطقه المع وية سحرا داليا و جمالية متفردة ‪ ،‬حيث انه بتلك التوظيفات‬
‫يحقق سرع كامية كبيرة ا تقل عن المجازات العالية ‪ ،‬مع الحفاظ على‬

‫‪183‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫التوصيلية ‪ .‬في لوحة تعكس عمق الفكر و سعة البحث و السؤال تقول رشا‬
‫السيد احمد ‪:‬‬

‫ُهاوديِي \ مرة ل عبر خلف الحجب معاً \ هاوديِي مرة \ل كون نشوة‬
‫الكون في المرايا معاً‬

‫وأجعليِي \أطوق الكون ذات يوم لوحة ُسك ى أ‬

‫انه نفوذ الى عمق الحقيقة المتجاوز للحجب و المتسع للكون ‪ ،‬انه طلب‬
‫الانهاية الم بثق من فكر عميق و فلسفة بيّ ة ‪ .‬و في لوحة اخرى اكثر اتساعا‬
‫و عمقا تقول رشا السيد احمد ‪:‬‬

‫ُايتها الروح العميقة الحلم \ عودي ه ا من أطراف آبدية ‪ ..‬حلمك وراء‬


‫الوجود ‪ \...‬اتحاولي رتق شيء ستتسع الم افي أكثر وأكثر ‪ ..‬أ‬

‫ان كل كلمة في هذا المقطع قد جيء بها في مكانها ‪ ،‬و قد وظّفت‬


‫الجلي كيف ان هذ‬
‫ّ‬ ‫بالشكل الذي ا يمكن لغيرها ان تؤدي ما ا ّدته ‪ ،‬و من‬
‫المفردات العميقة و الفلسفية قد وظّفت لتؤدي دااتها الف ية ‪ ،‬فكان صورة‬
‫بابعاد متعددة تتجاوز الزمان و المكان ‪.‬‬

‫و في لغة كونية عميقة تقول رشا السيد أحمد ‪:‬‬

‫ُا عجب أن تكون أنت الطوفان آول \ وأكون أنا الجودي \فكلي ا‬
‫شعلة الكون أ‬

‫‪184‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫انه ااتجا الفائق السرعة نحو العمق الكوني نحو الحقيقة ‪ ،‬بعيدا عن كل‬
‫ماا يمت للحقيقة بصلة نحو ال ور ‪ ،‬انها روح ا ترضى اا بالعوالي و ااعماق‬
‫‪.‬‬

‫اابحاث اابداعية في رواية ُ ح ينأ‬

‫لاديبة التونسية عفاف السمعلي‬

‫تمهيد‬

‫اوا ‪ :‬الشاعرة الروائية‬

‫كل ا صار يعلم ان الرواية ‪ ,‬وهي الفن الجميل اانيق فعا ‪ ,‬ازاح الشعر‬
‫عن الصدارة كديوان للعرب ‪ ،‬طبعا مع احتفاظ الشعر بسحر السرمدي و‬
‫فوقيته الخالدة ‪ .‬و كل ا يعلم ان الكاتب حي ما يعمد للكتابة فانه يريد ان‬
‫يقول شيئا ‪ ،‬و السؤال ما الفرق بين الشعر و السرد من هذ الجهة ؟ اي من‬
‫جهة ان الكتابة وسيلة لقول شيء ‪ ،‬ربما يكون الجواب الواضح ان في الشعر‬
‫يذوب الكاتب في الكتابة لتسلط الكتابة الشعرية على زمن الكاتبة ‪ ،‬اما في‬

‫‪185‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫السرد فان الكتابة تذوب في الكاتب لتسلطه على زم ها ‪ .‬بمع ى اخر ان ما‬
‫يحصل في الشعر هو توظيف الكتابة للكاتب ‪ ،‬بي ما ما يحصل في السرد هو‬
‫توظيف الكاتب للكتابة ‪.‬لذلك ا يكون من السهل على من يكتب شعرا ان‬
‫يكتب سردا ‪ ،‬ان الفرق بي هما ليس فقط من حيث الف ية و انما من حيث‬
‫الوجود و عملية التكون ‪.‬لذلك يمكن القول ان الشعر اقرب الى الرسم م ه‬
‫الى السرد ‪ ،‬و ان السرد اقرب الى الدراما م ه الى الشعر ‪.‬‬

‫اول ما يواجه ا من امور ادهاشية في رواية ُ ح ين أ هو ان الراوية ُ‬


‫مؤنث راو حسب قاموس المعاني ‪2014‬أ هي شاعرة ‪ ،‬اذن ا بد ان نتبين‬
‫مع ى ذلك ‪ .‬و لقد عمدنا الى لفظ الراوية انها تدل على القيام بالفعل و‬
‫اانتاج و هذا ما نحتاج ااشارة اليها ه ا في بحث فعل الكتابة و الرواية ‪ ،‬اما‬
‫لفظة الروائية فتدل على الملكة و ااختصاص ‪ .‬ان الفرق الذي اشرنا اليه بين‬
‫الشعر و السرد من حيث عملية اانجاز و التكوين و الذي يجعل ااعمال‬
‫الف ية اانسانية في مجالين ‪ ،‬مجال ما يتسلط على الزمن و المؤلف اث اء‬
‫عملية اانتاج كالشعر و الرسم و مجال ما يتسلط عليه الزمن و المؤلف‬
‫كالسرد و الدراما ‪ ،‬هذا الفرق يولد م ظومة من الفوارق التاليفية و الت اولية‬
‫فضا عن الفوارق التلقياتية ‪ ،‬يجعل من تحقيق انجاز ابداعي روائي متميز مع‬
‫ابداع شعري متميز تجلي شخصية كاتبة و تجربة كتابية استث ائية ‪ ،‬و لقد اشار‬
‫ااستاذ عاء ااديب الى هذا اامر اجماا في دراسته للرواية ُ عاء ااديب‬
‫‪2014‬أ‬

‫ثانيا ‪ :‬العقد التخاطبي و عملية القراءة‬

‫من الواضح ان بين المتكلم و المتلقي ‪ ،‬و بين المؤلف و القارئ عقدا‬
‫تخطابيا ‪ ،‬يعتبر فيه شروط ا يصح اي من الطرفين الخروج عليها اا بتواضع‬
‫‪186‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫نوعي ‪ ،‬وهذا كله يرجع لحقيقة التخاطبية في هكذا امور ‪ .‬و في الحقيقة ا‬
‫بد ل ا ان نشكر ال قد اادبي على انجاز الكبير في انه حرر المؤلف من‬
‫صرامة متطلبات مباشرية التوصيل و اعطاة حرية مقبولة في اختيار وسائلة‬
‫التعبيرية و شكلها الم اسب اعترافا م ه بفوقية عملية اابداع ‪ ،‬و طالب‬
‫المتلقي باارتقاء الى مستوى ال ص ‪ ،‬و هذا تطور كبير في التخطابية البشرية‬
‫‪ ،‬و تغير دستوري في العقد التخاطبي ‪ ،‬ثم جاء ال قد بانجاز اخر كبير جدا‬
‫حيث انه ابرز اهمية عملية التلقي في تكامل العمل الف ي ‪ ،‬و في الحقيقة كل ا‬
‫يعرف ان هذا ليس مجرد ادعاء ‪ ،‬فيمكن للمتتبع ان يتلمس اثر القراءة في‬
‫اشد ال صوص ظهورا و اوضحها دالة ‪ ،‬من ه ا يمكن القول ان للقراءة تبئيرا‬
‫ايضا ‪ ،‬و ان فضاءات المعاني و الدالة و المعارف و الجماليات كلها تتاثر‬
‫بزاوية الرؤية و طريقة و م هج القراءة و ربما اوضح دليل على ذلك اختاف‬
‫القراءات باختاف المعارف الثقافية ع د المتلقين ‪.‬‬

‫ما يهم ا في الموضوع ان فضاء اابداع قد اتسع و صارت ه اك حرية‬


‫اكبر في عملية التخاطب ‪ ،‬من حيث التوصيل و الفهم ‪.‬و ما يهم ا ايضا‬
‫كقراء ان ا لم نعد مطالبين بالبحث الحثيث عن مراد الكاتب و مقصوداته ‪،‬‬
‫بل ان القراءة عملية فكرية انجازية امتاعية ‪ ،‬غايتها التعامل مع ال ص او العمل‬
‫الف ي كظاهرة على القارئ ان يتعامل معها بما لديه من قدرات و كم اسبة‬
‫لتطوير ذات القارئ و توسيع رؤا و فهمه للحياة ‪ ،‬ان هكذا فهم يرفع عن‬
‫القارئ مطالبته بالفهم وادراك مراد الكاتب و ما اراد ايصاله على الواقع ‪،‬‬
‫فتجلت ظاهرة تعدد القراءات من القارئ الواحد ‪ ،‬طبعا هذا يجري وفق‬
‫السلوك ال وعي و ااق اع ‪ ،‬و ليس مجرد اسقاطات فردية و تخيات ‪ ،‬ان‬
‫هذ اامور تؤدي الى الوهم المعرفي و الذوقي ‪ ،‬بمع ى ان التبيئر القراءاتي ا‬
‫يتخلى و ا يتعارض مع حقيقة ان القراءة عمل نوعي بمعايير نوعية ‪ ،‬و مهما‬

‫‪187‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫كانت القراءة و رؤية القراءة فردية فان ا يجوز ان تكون مجرد تخيات و‬
‫ادعاءات ‪ ،‬بل ا بد من عملية علمية عقائية تخضع لمعايير نوعية تواضعية‬
‫اجل تحصيل ااطمئ ان بان ما استفيد من معارف فكرية و جمالية لها‬
‫وجودها الواقعي ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬اابداع الروائي‬

‫بي ما يكون البوح في الشعر وليد اللغة الطاغية المتمردة و الصورة‬


‫الحاضرة ‪ ،‬فان البوح في السرد يكون وليد اللغة الطيعة و الصورة المصوغة ‪،‬‬
‫بمع ى تميز السرد بعملية توظيف و صياغة للغة ‪ ،‬وهذ العملية يقابلها في‬
‫الشعر عالم التصوير العالي كما هو معلوم ‪ ،‬لذلك عادة ما ي سب الوعي‬
‫البشري الشعر الى عالم فوقي مغاير للروح البشرية ‪ ،‬و اما من حيث الت اول‬
‫فان اابداعية السردية تختلف في جوانب عدة عما عمليه في الشعر ‪ .‬وربما‬
‫يكون من غير الم طقي ادعاء وجود عمل روائي ا يحتوي اا على السردية‬
‫الموضوعية ‪ ،‬و ا يلتزم اا بال ثر السردي ‪ ،‬ان هكذا كام ا واقع له ‪ ،‬ف جد‬
‫ان مواطن للسرد الذاتي ‪ ،‬و ال ثر الشعري ‪ ،‬و الشعرية ال ثرية ‪ ،‬بل و تضمين‬
‫الرواية شعرا صريحا كلها امور واضحة في ااعمال الروائية ‪ ،‬طبعا وجود هذ‬
‫ااشكال يحقق تموجا كتابيا لذلك ا بد للكاتب ان يكون على قدرة عالية‬
‫في ان يجعل لتجاور هذ ااشكال في الزمان و المكان انسيابية اق اعية ‪ ،‬و‬
‫هذا ما س بحثه في التفصيل في مبحثي ااتقان و الجمالية السردية ‪ ،‬ان‬
‫رواية ح ين مفعمة بال ثر الشعري و تتضمن سردا ذاتيا و شعرا صريحا ‪.‬‬

‫في خضم ازمة المصطلح ال قدي و الرؤية ‪ ،‬يكون من المهم في ال قد‬


‫ان يكون الحديث عن الموجود في العمل الف ي و ليس عن شيء متخيل ‪ ،‬و‬
‫يكون اامر اروع لو ك ت مطمئ ا ان الذي ترا هو الحقيقة التي يراها او‬
‫‪188‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫سيراها غيرك ‪ ،‬و ليس من وسيلة متاحة لبلوغ هكذا غاية اا بال قد ااستقرائي‬
‫‪ ،‬و حسب فهم ا ااستقرائي لعملية اابداع و ع اصر و ت اسبه مع مقدار ما‬
‫يحققه العمل في جهات الف ية و الجمالية و الرسالية ‪ ،‬فان قراءت ا لروية ُ‬
‫ح ين أ و فهم ا لع اصر اابداع المتجلي سيكون في هذ الجهات الثاث‬
‫الثابتة ‪ ،‬حسب متطلبات و ع اصر الف ية السردية و الجمالية السردية و‬
‫الرسالية في هذا العمل ‪.‬‬

‫الجزء ااول ‪ :‬اابحاث الف ية ‪.‬‬

‫الجزء الثانية ‪ :‬اابحاث الجمالية‪.‬‬

‫الجزء الثالث ‪ :‬اابحاث الرسالية ‪.‬‬

‫الجزء ااول ‪ :‬اابحاث الف ية‬

‫ع اصر الف ية اما ان ترجع الى الشروط الف ية و ااتقان في نظام اصالة‬
‫العمل ‪ ،‬او الى اابتكار و ااق اع في نظام التجديد ‪.‬‬

‫الع صر ااول ‪ :‬الشروط الروائية‬

‫الرواية بحسب تعريفها الشائع ‪ ُ،‬ويكيبيديا ‪2014‬أ اضافة الى بداهة‬


‫اعتبار السرد و التشخيص ‪ ،‬و الحجم ‪ ،‬يشترط فيها ت وع ااحداث و‬

‫‪189‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫تسلسلها و الوصف و الحوار و الصراع ‪ .‬اذن لدي ا ستة شروط تبحث في‬
‫رواية ح ين ‪ ،‬طبعا بحث الشرط ليس فقط في توفر و انما في تكامله ‪،.‬‬
‫حيث ان تكامله يع ي تكامل الف ية ‪ ،‬و ادراك عميق باانجاز و مجال العمل‬
‫‪ ،‬و ان تكامل عوامل الف ية لدى المؤلف هو الم طلق الحقيقي نحو اابتكار‬
‫و الشخصية الكتابية المتفردة ‪.‬‬

‫السرد‬ ‫‪.1‬‬

‫قصد الحكاية في رواية ح ين ظاهر ‪ ،‬و هو الجو العام لها و ي حو الى‬


‫سردية موضوعية كما في فصل طيف الياسمين ُوصلت المدرسة‪ .‬بوابل من‬
‫القبات استقبلها تاميذها ‪.‬شموعا من آمل تتهاوى نظراتها المفعمة ح انا‬
‫على روح كل طفل في فصلها‪ .‬يا اه ما أجمل الورود ‪،‬حين يتسابق التاميذ‬
‫وي ثرونها على مكتبك‪ .‬أ و في الرواية سرد ذاتي كما في التمهيد و فصل‬
‫كل أعاصير الج ون لست أدري هذا اللّيل‬
‫ورود ااشتهاء ُيا رياح الج وب‪ ،‬يا ّ‬
‫الصمت في‬ ‫الكئيب متى ي تهي؟ أعصر وجعي بين أصابع الصمت فيصرخ ّ‬
‫الراسية‪،‬‬
‫شوارع المسافرة ‪،‬في الجبال ّ‬
‫الجرح ‪،‬في ال ّدمع ‪،‬في القلوب ‪،‬في ال ّ‬
‫المكوم على الشفا المك ّدرة في اإسفلت المعشش في آفكار‬‫ّ‬ ‫في الثّلج‬
‫في‪ .‬فتثور‬
‫الرخيصة التافهة أص ع تمثالي من غضبي ‪،‬من انتفاضات البراكين ّ‬
‫كل العواصف المدفونة فيك يا قمر‪.‬أ و ايضا ادراجات شعرية ‪ ،‬فرغم ان‬
‫المجازية طاغية في لغة الرواية و السبب معروف طبعا ‪ ،‬فان الراوية تصرح‬
‫بشعر قصدي مج س مدرج في الرواية في فصل بغداد و العراقي ااسمر ُ‬
‫بحر‬
‫ُكسر دمائي ُ‬
‫ُقه ْر‪..‬ولم أ ْ‬
‫يخ ‪..‬لم أ َ‬
‫أسمر أوم ذ وادة التأر ِ‬
‫ْ‬ ‫عراقي أنا‬
‫ٍ‬
‫أطياب‪ ..‬وأنفاسي شذا ع ْبر‪..‬أ ‪ .‬ا بد من القول ان الشعرية مستشرية و‬
‫طاغية في الرواية ‪ ،‬اا انها لم تفقد السرد مامحه الظاهرة ‪ ،‬فما لدنا نص نثر‬

‫‪190‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫شعري في كثير من اجزاء ‪ ، ،‬فتكون هذ الرواية نموذجا لل ثر الشعري ‪ ،‬و‬


‫الى ذلك كان قد اشار ااستاذ عاء ااديب ُ عاء اادبب ‪2014‬أ‬

‫التشخيص‬ ‫‪.2‬‬

‫اضافة الى البطلة ُشمس أ و البطل ااخر ُ قمر أ فه اك اشخاص‬


‫اخرون و ايضا ه اك ااماكن و اازمان ‪ ،‬كما ان التطور في الشخصيات كان‬
‫ملحوظا حتى في المكانيات و الزمانيات ‪ ،‬و ارجع هذا الى شاعرية الراوية‬
‫التي تستطيع تجاوز سلطة الزمان و المكان و تتعامل مع جميع ااشياء‬
‫كاشياء حية متطورة و ا اقل دليل ان اسمي بطليها شمس و قمر ‪ ،‬و مثال‬
‫على تطور المسمى المكاني ‪ ،‬مسمى ُ بغداد أ فانا نجدها تتطور في الرواية‬
‫اقي آسمر ‪ ،‬و طبعا الع وان يع ي اانتزاعية و‬
‫‪ ،‬ف جدها ع وانا ‪ :‬بغداد والعر ّ‬
‫الداات العريضة لكن هذا ا يعطيها المجانية ان فهم ا انها حكاية استباقية‬
‫‪ .‬في فصل بغداد في وسطه عبارة ُ فجأة خرج من غرفته شغّل سيارته وانطلق‬
‫ا يعرف إلى أين‪ ...‬يخيط شوارع بغدادأ الحيرة في بغداد و الموازاة ‪ ،‬بي ما‬
‫رمم صور وأشعل أفق بغداد ق اديا أ ن تقل‬
‫في فصل بغداد في نهايته نجد ُ ّ‬
‫الى التفاعل و الت اغم و اللحمة ‪ ،‬و في فصل ُو أمطرت السماء ورودا أ‬
‫نجد ُنسائم الفجر تداعب طرقات بغداد أ بغداد هي التي تبتهج و تشترك‬
‫وهذا تطور ‪ .‬واما في نهايته ُو‪ ..‬دمروا بغداد وبابل وأشور وسومر‪ ..‬أ فانها‬
‫حكاية استرجاعية ا تتداخل مع التطور الحاصل للشخصية المكانية كما هو‬
‫حال الع وان الذي كان في علو تطور حكاية استباقية ‪.‬‬

‫ان التطور الحضوري لشخصية بغداد امر ا يمكن تجاوز ‪ ،‬و من‬
‫المؤكد من الجهة الروائية ان ذلك كان انعكاسا و تزام ا للتطور الحاصل‬
‫للشخصية البغدادية قمر ‪ ،‬فيمكن القول ان التوظيف الحاصل للمكان لبيان‬
‫‪191‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫حالة البطل المرتبط بذلك المكان لم يكن على حساب المكان بل كان في‬
‫حالة تكامل معه وهو من توظيف التاريخ الروائي المص وع في الرواية ‪ ،‬و في‬
‫الحقيقة هذا شيء مثير لاعجاب و ابداعي متقدم ‪.‬‬

‫الحجم‬ ‫‪.3‬‬

‫عدد كلمات الرواية مع التمهيد ُ ‪ 209،11‬أ و من دونه ُ‪534،10‬أ‬


‫‪ ،‬فهي تكون من حجم الرواية القصيرة ‪ ،‬لكن الحجم ليس فقط العامل‬
‫الحاسم ب ل ا بد من توفر شروط اخرى في الرواية لتكون رواية قصيرة ُ‬
‫‪ novelette‬أ فهي شكل روائي و ليس مجرد حجم من هذ الشروط‬
‫حسب الويكيبيديا ُ ويكيبيديا ‪2014‬أ ‪:‬‬

‫هي الرواية التي يترواح عدد كلماتها ما بين ‪ 10.000‬كلمة‬ ‫‪.1‬‬

‫و‪ 20.000‬كلمة‪ ،‬فهو حجم متوسط ا يمكن ال ظر إليه على أنه‬


‫حجم لقصة قصيرة ‪ ،‬وا يمكن ال ظر إليه على أنه حجم لرواية طويلة‬
‫‪،‬‬
‫استهال ذو طبيعة خاصة ‪:‬فتميل الروايات القصيرة لاستهاات‬ ‫‪.2‬‬

‫المركزة المكثفة ؛‬
‫يتميز بشيوع الحس الكوميدي ‪ ،‬أو التراجيدي ‪ ،‬والتأريخ للبطل‬ ‫‪.3‬‬

‫والمكان‬
‫‪.‬لغة مكثفة تقترب بالسرد من الشعر‪ .‬و ازدواجية الدالة ‪ ،‬فالكاتب ا‬ ‫‪.4‬‬

‫يصرح بل يلمح ‪ ،‬ويترك الكثير لعقلية المتلقى ااستشفافية ‪ ،‬ودائما‬


‫لسرد أكثر من دالة ‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫بطل محوري واحد‪ :‬تقوم الرواية القصيرة على اكتاف بطل محوري‬ ‫‪.5‬‬

‫واحد ‪ ،‬وبقية الشخصيات فيها ملحقة بالمركز ‪.‬‬


‫حدث مركزي واحد ‪ :‬تقوم الرواية القصيرة على حدث مركزي واحد‬ ‫‪.6‬‬

‫يستقطب كل مكونات العمل ‪.‬‬


‫وجهة نظر خاصة للواقع ‪ :‬تميل الروايات القصيرة إلى تحويل مدركات‬ ‫‪.7‬‬

‫الواقع البسيطة إلى فعل مرئي محسوس ‪ ،‬وتغلب المألوف واليومي‬


‫وال ادر والثانوي على آساسي والمباشر‪.‬‬
‫وصف موجز ‪:‬تعتمد الرواية القصيرة على الوصف الموجز الفعال ‪.‬‬ ‫‪.8‬‬

‫ملمح السخرية‪ :‬من العامات المميزة للرواية القصيرة ملمح السخرية‬ ‫‪.9‬‬

‫‪ ،‬ويكون أحيانا بأسلوب ااستفزاز ‪ ،‬وأحيانا بالرسم الكاريكاتيري‪،‬‬


‫وبالمواقف الكوميدية ‪ ،‬والتعليقات المضحكة ‪.‬‬
‫‪ .11‬فضاء خاص يتسم بالمحدودية‪ ،‬يستمد رحابته المكانية والزمانية من‬
‫القفزات والوثبات ال اتجة عن توارد الخواطر ‪.‬‬
‫‪ .11‬إثارة آسئلة ‪ :‬ال ص الروائي القصير يثير كما من آسئلة دون‬
‫ااهتمام بطرح أية إجابات ‪.‬‬

‫لو نظرنا الى هذ الشروط و التي هي مقبولة كصفات للرواية القصيرة‬


‫بمعيار الشيوع الثقافي الذي نعتمد ‪ ،‬فان رواية ح ين تتصف بكثير م ها و‬
‫على درجة عالية من التمثيل و التكامل ‪ ،‬و بال سبة للسادسة ‪ ،‬فانا اذا فهم ا‬
‫رجوع ااحداث الى نظام اعلى جامع هو الحب و الح ين يكون لدي ا ما‬
‫يقترب لمثل ذلك الحدث المركزي ‪ ،‬و فيما يخص ال قطة التاسعة فانا اذا‬
‫فهم ا ان المراد م ه هو ال قد ‪ ،‬فهو متحقق ه ا فان رواية ح ين تتضمن نقدا‬
‫واسعا و عريضا بل يمكن فهم الرواية على انها موقف ‪.‬و اما العاشر فانا ا‬
‫يمكن ان نسلم به في ما يسمى بالرواية نعم لو كان قصة قصيرة مع ف ية عالية‬

‫‪193‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫معتدية على السرد ‪ ،‬فهذا ممكن اما في ما يسمى رواية فانه يخالف جوهر‬
‫مفهومه ‪ .‬و في رواية ح ين التسلسلية ظاهرة ‪ ،‬و ليس من قفزات مخلة‬
‫بالسردية حتى ان بعض الدراسات التي كتبت عن رواية ح ين ع ون بالتواصل‬
‫التسلسلي ُ حسن البحار ‪2014‬أ ‪ .‬من ه ا يمكن القول انا ما بين ايدي ا‬
‫هي رواية قصيرة ‪.‬‬

‫ت وع ااحداث‬ ‫‪.4‬‬

‫ت وع ااحداث ظاهر في ال ص ‪ ،‬والت وع ليس حسب المتطلبات‬


‫المعهودة من تغير في الزمان و المكان و الشخوص فحسب‪ ،‬و انما لدي ا‬
‫ت وع اخر وهو من حيث الطبيعة فلدي ا حدث خارجي و لدي ا حدث خيالي و‬
‫لدي ا حدث ذه ي و لدي ا حدث الكتروني ‪.‬‬

‫ففي فصل ُ طيف الياسمين أ أ فوق أرصفة الزمن العابر‪ ،‬تعزف‬


‫سيمفونيتها الصباحية ‘تشق الشارع الطويل ‪،‬ا تدري كيف ترتقها خطاها‬
‫ضياع التي تتعسر‬
‫الزحام وفوهة ال ّ‬
‫وتفتقها‪ .‬اعتادها الطريق ال ائم في حضن ّ‬
‫على وجو ال اس الكالحة‪ .‬وصلت المدرسة‪ .‬بوابل من القبات استقبلها‬
‫تاميذها ‪.‬أ هذا حدث خارجي محاك للخارج ‪.‬‬

‫و فيه ايضا ُ ما أجمل الشعر وما اش ّد قسوته حين احتاجه يهرب م ي ‪،‬‬
‫ألف‬
‫ي فلت من بين أصابع زم ي وزم ي أنا‪..‬هو أن اكتب‪.....‬أن اكتب أن ّ‬
‫جسدي بزهريات من قصائد وروايات انثرها كالياسمين‪.‬أ فهذا حدث ذه ي ‪،‬‬
‫يكون الحوار فيه مع ال فس ‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫بل يظهر و يتجلى صريحا في ُ خاطبت ذاتها ‪,‬قلمها ‪,‬حبرها ‪,‬أريد أن‬
‫أكتب فالقلم ا يراوغ أحرفي ا يكتب ي زيفا بل يترجم ي‪...‬أ‬

‫و فيه ايضا ُ في هذ اللحظات وهي تجادل الشرود لمحت طيفا بهيا!!‬


‫بين بتات الياسمين‪.‬أغمضت عي يها وفتحتهما وأغمضتهما وفتحتهما‪...‬؟؟؟؟‬
‫لك ه على خدود الورد قد ُرسم أ وهذا حدث خيالي ‪.‬‬

‫و فيه ايضا ُ همس بصوته الدافئ ‪:‬شمس أنا ه ا ‪..‬أين ذهبت ؟‬


‫واحتق ت وج تاها‪ .‬لقبّها بالشمس دون أن يعرف شكلها وا مامحها‪ .‬وارت‬
‫حياء آنثى وراء ضحكات متتاليات تتجاوز بها هذا الغزل آنيق‪ .‬هاي‪ ..‬يا‬
‫قمر ‪...‬لقبته بالقمر‪ ..‬أ وهذا حدث االكتروني فان فيها عامات تشير الى‬
‫ان المحادثة كانت عبر اانترنت ‪.‬‬

‫الوصف‬ ‫‪.5‬‬

‫الوصف ظاهر في ال ص ‪ ،‬و يمكن استفادة اشكال مختلفة من الوصف‬


‫فه اك اضافة الى الوصف الواقعي و الخيالي و التوصيلي و المجازي فان‬
‫لدي ا وصفا حكائيا و وصفا تعبيريا ‪ ،‬فالحكائي يرغب برسم مامح شخصية‬
‫او شيء او مكان و موضعه من ال ص ‪ ،‬وهو وان كان موظفا ايضا اا ان‬
‫الحكائية هي الغالبة و التوظيف ثانوي ‪ ،‬ففي فصل افوف الورد ُفاجأها بحبه‬
‫وأحست بتدفق الدم في شرايي ها ‪ .‬شعرت برغبة‬
‫ّ‬ ‫‪،‬وتهلّلت أسارير وجهها‬
‫شديدة في ال طق بلمى اسمه‪..‬و زرع اسمه بساتين ورد في ذاكرتها ‪.‬شعرت‬
‫أنّها تحتاج إليه بزهر البرتقال فيه يطوق أحاسيسها‪ .‬أ فانا امام وصف لمشاعر‬
‫شمس ‪ ،‬وهذا الوصف و ان كانت فيه داات على امر اخرى غير المشاعر‬
‫و اارادة و الرغبة اا انها ثانوية ‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫وه اك في هذا ال ص ايضا الوصف التعبيري وهو وصف متطور يشير‬


‫الى ثراء اللغة ‪ ،‬بان يكون الغالب فيه هو التوظيف وان احتوى ع صر الحكاية‬
‫الرجال‬
‫‪ ،‬ففي ذات الفصل ُهاهي تهرول ضد تكلّس الزمن فتختزل جميع ّ‬
‫فيه‪ ،‬وتب ي في وجه الريح حصونها ‪ .‬قررت أن ت سى ‪..‬أنوثتها إلى حين‬
‫مجيئه‪ .‬غيرت نمط لباسها ‪،‬عطورها ‪،‬إلى أن ترحمهما السماء باللقاء‪ .‬أ هذا‬
‫الوصف لسلوك شمس يتضمن معاني اجتماعية و فردية ‪ ،‬ا احد يفكر بعد‬
‫اان اا بان شمس على مستوى عال من ال ضج و الوفاء و الحكمة و‬
‫الجدية و الرقي ‪،‬و الصبر و ان ذلك هو مثال اانسان و مثال المجتمع الذي‬
‫تريد الكاتبة ‪ ،‬فلم تكن هذ العبارة مجرد قرار و موقف اتخذته شمس اجل‬
‫حبيبها ‪.‬‬

‫من ه ا يكون واضحا في نظام الوصف ان الحكائية تت اسب مع مقدار‬


‫الرسم ‪ ،‬اي رسم المامح ‪ ،‬و التعبيرية تت اسب مع مقدار التوظيف ‪ ،‬اي‬
‫توظيف الوصف اجل التوصيل و الرمز و اايحاء ‪ ،‬و من الواضح ان‬
‫التوصيل و الرمز و اايحاء هي من وظائف الصورة الشعرية في ااساس ‪ ،‬و‬
‫بذلك يق ترب الوصف السردي في التوظيف و التعبير من الصورة الشعرية ‪،‬‬
‫بمع ى اخر يمك ا تمييز ثاث درجات من الوصف التوظيفي التعبيري ‪،‬‬
‫البسيط و المتوسط و الضعيف ‪.‬‬

‫قمر‪....‬ومر كالح ظل‪...‬فما‬


‫ّ‬ ‫ففي مثل حب و حرب ُصعب فراقك يا‬
‫عساك تقول؟ بآمس حين كانت المعاني سقيمة حين كانت الحياة تظلم ي‬
‫كل أشيائك‬
‫أندس بين ث ايا وجهك أحلم وأتخيل ّ‬
‫ّ‬ ‫أعود إليك كطفلة صغيرة‬
‫الجميلة فيغرق فيك تفكيري وتشرق أم ياتي كشمس الصباح كزهرة ياسمين‬

‫‪196‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ندية‪،‬وأنسى جرحي‪ .‬أ فان الوصف موظف لتوجيه خطابات متعددة ‪ ،‬بتجلي‬
‫الفراق و اثر على اانسان ‪ ،‬و تجلي قسوة الحياة و ااغتراب و الافهم‬
‫الذي قد يحيط باانسان ‪ ،‬و تجلي اانتماء بالعثور على الوطن و الفضاء ‪ ،‬و‬
‫تجلي اازدهار و اابداع و ال ماء في عالم الفهم و ااعتزاز و الحب ‪ ،‬فلم‬
‫يعد هذ الفقرة مجرد وصف للحزن بالفراق و ابتعاد العزيز الغالي ‪.‬‬

‫و فيه ايضا ُ‪ ..‬أبحث ع ك حبيبي بين خبايا ابتسامات الّهار‪،‬في جرح‬


‫الصغار‪،‬في براكين الغضب اللذيذة‪\ .‬ت تحر حبيبي‬
‫الشعوب‪،‬في انتفاضات ّ‬
‫كل يوم من اجل الكرامة‪\.‬ماذا أقول اليوم ٓرصفة الطريق التي شهدت‬
‫ّ‬
‫البشرية‪..‬؟؟للج ائز‬ ‫للمذابح‬ ‫أقول‬ ‫القضية!!!!\ماذا‬ ‫على‬ ‫دموع ا‬
‫بكل ما فيك من عزة ونخوة وكرامة‪.‬أ فان هذا‬ ‫اليومية؟؟؟‪\.‬أحبك يا قمر ّ‬
‫ال ص كما يصف دوافع الحب ‪ ،‬اا انه يعبر عن فكرة الرجولة الذي تريد ان‬
‫تراها المراة في الرجل و تجلي فكرة البحث اانساني نحو الكمال و التكامل‬
‫‪ ،‬و فكرة ااستقالية و ارادة المت اغم و الموافق ‪ ،‬و فكرة الحرية و التحرر ‪،‬‬
‫و فكرة الشعوب الجريحة و الشعوب الحية و فكرة الطفولة المسلوبة ‪ ،‬و‬
‫فكرة الموقف اانساني و ااخاق و المبادئ و القيم ‪ ،‬و فكرة انحطاط‬
‫الحضارة و تدهور وضع البشرية ‪ ،‬هذ العبارة هي من التوظيف العالي و ما‬
‫قدم ا اوا هو من التوظيف المتوسط ‪ ،‬و ه اك توظيف بسيط في ال ص كما‬
‫الرحيل؟ متى اللّقاء؟ نطقت‬
‫في بدية الفصل ُخاطبت السفن أشرعتها متى ّ‬
‫حرك فيها رغبة الج ون‪.‬وفاض كأس‬
‫دموعها بكل شيء ‪.‬زلزلها حبه الجامح ّ‬
‫انتظارها‪ .‬أ و الذي يقترب من الوصف الحكائي ‪.‬‬

‫ان الملفت لل ظر فعا انك من الصعب ان تجد وصفا حكائيا او تعبيريا‬


‫بسيطا ‪ ،‬فان لغة الرواية تميل و بقوة الى التوظيف المتوسط و الشديد ‪ ،‬و‬

‫‪197‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الذي يجعل من السرد الوصفي ه ا سردا مكثفا و ربما يرجع ذلك الى شاعرية‬
‫الكاتبة ‪ ،‬حتى انا نجدها تصرح باشعاعية روحها و كلماتها ففي ذات الفصل‬
‫والسكون‪!!!...‬شمس‬
‫الحب ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‪.‬شمس ليست مجرد امرأة جميلة تبحث عن‬
‫خ جر في قلوب أسياد القبيلة الخائ ة‪،‬جرح ي زف م ذ عصور‪\.‬هاتف صدا‬
‫يأتي من أنين أجدادي ‪,‬وأجدادك أ اذن هذ هي شمس او لغة ال ص او كتابة‬
‫الكاتبة لغة اشعاعية معبأة الى اقصى حد ممكن ‪ ،‬لذلك ا نجد اسم ذات‬
‫يمر اا واردفته الكاتبة بصفة فيه مجازية تزيحه عن كونه مجرد جزء وصفي‬
‫لتعطيه ثقا تعبيريا ففي فصل حب وحرب ُبآمس ُ أي امس أ حين كانت‬
‫المعاني ُ أي معاني أ سقيمة ُ أي سقمأ حين كانت الحياة ُ أي حياةأ‬
‫أندس بين ث ايا‬
‫تظلم ي أعود إليك كطفلة ُ أي طفلة أ صغيرة ُ أي صغيرة أ ّ‬
‫كل أشيائك ُ أي اشياء أ الجميلة ُ أي‬
‫وجهك ُ أي اندساس أ أحلم وأتخيل ّ‬
‫جمال أ فيغرق فيك تفكيري ُ أي غرق أ وتشرق أم ياتي ُ أي شروق أ‬
‫كشمس ُ أي شمس أ الصباح كزهرة ياسمين ُ أي زهرة أ ندية ‪ .‬أ ان هذا‬
‫السرد التصويري كان يمكن ان يكتب بلغة سردية معهودة هكذا ُ باامس‬
‫حين كانت الحياة تظلم ي الجا اليك أ اا ان الكاتبة ابت اا ان تعطي وصفا‬
‫تعبيريا لكل كلمة من هذ العبارة ‪ ،‬و ان تعطي للمبين مع ى اخر ‪ ،‬و ان تعطي‬
‫للمع ى ااخر ثقا اخر ‪ ،‬انها سعت نحو سرد وصفي توهجي ‪ ،‬من خال‬
‫التصوير التعبيري ‪ ،‬فانه ليس مجرد تاكيد و بيان الوطأة و شكل المع ى ‪ ،‬و‬
‫انما خلق للمع ى و تثقيل و توسيع بل و تغيير احيانا ‪ ،‬اذ كيف يمك ا ان‬
‫نتصور الخاص من عالم با مع ى و سقيم بمجرد تخيل و حلم ‪ ،‬اا اذ‬
‫فهم ا ان ذلك التخيل و الحلم كان عالما اقوى من العالم السقيم فادى الى‬
‫ااشراق و الحياة الجديدة ‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الحوار‬ ‫‪.6‬‬

‫الحوار م تشر في ال ص ‪ ،‬و يتخذ اشكال مختلفة ‪ ،‬حتى انه قد يكون‬


‫شاما لجميع اشكال الخطاب ‪ ،‬الذي يست طق غير ال اطق واقعا ‪ ،‬فالكاتبة‬
‫بخيالها تستطيع ان ترى ان كل شيء يسمع و كل شيء يتكلم ببساطة ودون‬
‫تكلف ‪ .‬حتى ان ا نجد خطابا موجها الى الامعين و الى الفراغ الذي يستطيع‬
‫ان يحل مكانه من يريد القارئ ‪ ،‬الحبيب ‪ ،‬المجتمع ‪ ،‬اانسانية ‪ ،‬ااشياء ‪،‬‬
‫الكون ‪ .‬وهذ عادة هي لغة الموقف و اللغة المجانية من حيث المخاطب ‪ ،‬و‬
‫لوا التزام ا بفهم الرواية ك ص سردي ‪ ،‬امك ا القول بحاات تداخل‬
‫الضمائر ‪ ،‬و حلول المتكلم محل المخاطب و بالعكس كما في لغة الشعر ‪،‬‬
‫ف جد الشاعر يذم نفسه بضمير المتكلم و المراد المجتمع او اانسانية التي‬
‫تمثلها ‪.‬‬

‫كل أعاصير الج ون لست أدري‬


‫في ورود ااشتهاء ُيا رياح الج وب‪ ،‬يا ّ‬
‫هذا اللّيل الكئيب متى ي تهي؟ أ المتكلم ‪ ،‬الغامض بين الشخصية و الكاتبة‬
‫يتحدث الى الرياح و ااعاصير ‪ ،‬و هذا ما ا يكون اا بمجانية الخطاب ‪،‬‬
‫الذي ساحته ااصلية الشعر ‪ ،‬فه ا نحن امام اعلى مستويات ال ثر الشعري ‪،‬‬
‫و لوا التعاونية و العقدية بالسردية و التعبيرية ‪ ،‬امكن القول بشعرية هذا‬
‫المقطع ‪ .‬لكن في الحقيقة ا ي تهي اامر الى ه ا فان بعد ذلك تقول الكاتبة‬
‫الصمت في الجرح‬ ‫او الشخصية ُأعصر وجعي بين أصابع الصمت فيصرخ ّ‬
‫الراسية‪ ،‬في الثّلج‬
‫شوارع المسافرة ‪،‬في الجبال ّ‬
‫‪،‬في ال ّدمع ‪،‬في القلوب ‪،‬في ال ّ‬
‫المكوم على الشفا المك ّدرة في اإسفلت المعشش في آفكار الرخيصة‬ ‫ّ‬
‫في‪ .‬فتثور كل‬
‫التافهة‪\.‬أص ع تمثالي من غضبي ‪،‬من انتفاضات البراكين ّ‬
‫العواصف المدفونة فيك يا قمر‪.‬أ من الظاهر ان هذ التصويرية و المجازية ا‬

‫‪199‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫يمكن ان توصف بموضوعية اا انها شعر ‪ ،‬و ربما يمك ا تاكيد ذلك بانثيال‬
‫تجاوري مفهوم جدا حي ما تقرر الكاتبة انها امام حالة شعرية فتقول بعد ذلك‬
‫ُترتجف بحور الشعر حين تتبعثر كل الغرائز الكونية ‪...‬وت تحر القصائد بين‬
‫تال الزحام العطشى‪...‬متى ت تهي أيّها الليل ‪.‬أ‬

‫الصراع‬ ‫‪.7‬‬

‫طبعا من العلوم ان مصطلح الصراع حاضر و بقوة في فكرة الرواية‬


‫‪ .‬إن الصراع يعد بمثابة العمود الفقري في الب اء الدرامي فبدونه ا قيمة‬
‫للحدث أو ا وجود للحدث‪ ُ .‬عبد العزيز حمودة ‪1998‬أ ‪ ،‬و للصراع‬
‫مفهوم حضوري قوي جدا مكبل و خطير ا يترك حرية للكتابة ‪ ،‬فوجود‬
‫يتطلب نسقا من اانظمة و العاقات ا يمكن تجاوزها اا بكسر الم طقية‬
‫السردية ‪ ،‬لذلك و لما س بين يجوز ل ا التشكيك في اشتراط هكذا مفهوم في‬
‫الرواية و ان ما هو معتبر هو التوتر فان مركب ااحداث و المواقف حتما‬
‫يؤدي الى توتر ‪ ،‬او ان يتوسع في مفهوم الصراع ليشمل التوتر ‪.‬‬

‫ُصراع ‪ :‬خصومة وم افسة ‪ ،‬نزاع ‪ ،‬مشا ّدة ِ‬


‫صراع ‪ :‬تباين‬ ‫في القاموس ِ‬
‫وخاصة التباين الذي يؤثر‬
‫ّ‬ ‫خيالي‬
‫ّ‬ ‫امي أو‬
‫بين الشخصيات والقوى في عمل در ّ‬
‫مما يؤ ّدي إلى الخاف‬
‫على العقدة أ في علوم ااجتماع أ تضارب آهداف ّ‬
‫أو التصارع بين قوتين أو جماعتين أ قاموس المعاني ‪ 2014‬أ من الماحظ‬
‫و كما هو واضح للوجدان الصراع غير التباين و ااختاف و التضارب ‪ ،‬و‬
‫انما هو تباين خاص له اثر ‪ ،‬و هو تضارب يؤدي الى الخاف و التصارع ‪.‬‬
‫تقول ايمان بومزير ُيستخدم مصطلح الصراع عادة لإشارة إلى وضع تكون‬

‫‪200‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫فيه مجموعة معي ة من آفراد سواء قبيلة أو مجموعة عرقية‪ ,‬ثقافية‪ ,‬لغوية‪,‬‬
‫دي ية‪ ,‬اجتماعية‪ ,‬اقتصادية‪ ...‬ت خرط في تعارض واعي مع مجموعات أخرى‬
‫معي ة ان كل من هذ المجموعات يسعى إلى تحقيق أهداف مت اقضة‪ .‬و‬
‫يعرفه لويس كوسر " بأنه ت افس على القيم و على القوة و الموارد يكون‬
‫الهدف فيه بين المت افسين هو تحييد أو تصفية أو إيذاء خصومهم " و‬
‫الصراع هو تفاعل بين البشر وهذا يع ي انه يتضمن درجة أعلى من مجرد‬
‫الت افس ُ ايمان بومزير ‪2013‬أ و في الوكيبيديا ‪ :‬نظرية‬
‫الصراع ‪ Theory Conflict‬في علم ااجتماع هو مصطلح يشير إلى‬
‫أطروحات مفادها أن معظم الكيانات المجتمعية تشهد حالة من الصراع الدائم‬
‫من قبل الم ضوين فيها بهدف تعظيم م افعهم‪ ،‬هذ الحالة الصراعية تسهم‬
‫بشكل أساسي في إحداث حالة حراك وتطور اجتماعي تصل إلى أقصى‬
‫درجاتها مع قيام الثورات وما يصاحبها من تطورات سياسية‪ ُ.‬وكيبيديا‬
‫‪2014‬أ ‪ .‬هذا ما اردت ان اشير اليه ان الصراع يؤدي الى وضع قوي يفرض‬
‫نفسه و في فضاء السرد يع ي تسلط الكتابة على الكاتب وهو خاف تقوم‬
‫السرد بتسلط الكاتب على الكتابة ‪ .‬فلو حصل صراع فاما السير وفق‬
‫م طقيته او ‪ ،‬التجاوز الام طقي عليه ‪.‬‬

‫رواية ح ين حكاية حب و موقف ‪ ،‬و لو ارجع ا الحب الى الموقف‬


‫صارت لدي ا حكاية موقف نقية ‪ ،‬و يتجلى الموقف في رواية ح ين باشكال‬
‫مختلفة من الصراع ‪،‬و الذي في الغالب تكون الذات محورا و جزء ‪ ،‬ف جد‬
‫صراعا مع الواقع الفردي الرتيب و صراع مع عالم العواطف الجديد و صراع‬
‫مع واقع المجتمع المختلف ‪ ،‬و صراع مع الواقع العالمي الظالم و مظاهر‬
‫ذلك واضحة للقارئ ‪ ،‬و ان الرواية قائمة عن عالم اانسجام و فكرة ال ضج‬

‫‪201‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫و العقانية فان مظاهر الصراع مع ال فس و الحبيب ا تظهر اا نادرا وهذا‬


‫واضح ايضا ‪.‬‬

‫اضافة الى م ا تقدم من اشكال الصراع الخارجية و الداخلية ‪ ،‬فان نجد‬


‫في رواية ح ين صراعا انتمائيا يماشي فيه الكاتب المجموعة و يحيل القاري‬
‫الى صراع موازي للكتابة اما واقعي او خيالي ‪ ،‬و صراعا نقديا اانتمائي تثور‬
‫فيه الكاتبة على المجموعة و واقعها ‪ .‬فااول اي الصراع اانتمائي يتمثل‬
‫بالوط ية ففي فصل شهادة وطن ُحبيبي يا أغلى من روحي ا تخف علي أنا‬
‫مع ال اس في الشوارع ُيع ي ترضى أظل في برجي العاجي أكتب شعر وقصص‬
‫وأواد بلدي بيموتو بالشوارع؟ أيشت ّد ج ون قمر ويزداد قلقه عليها هو يعرف‬
‫شخصية شمس الع ودة ‪..‬ولما رأت الشوارع الهادرة رفعت يدها وصرخت‬
‫بصوت محبوس من زمن بعيد ُإذا الشعب يوما أراد الحياة فا بد أن‬
‫يستجيب القدرأرأت نفسها تسير ضمن مجموعة كبيرة من الشباب والب ات‬
‫شهادة للوطن ‪ .‬كانت حولها همهمات‬
‫اللذين رفعوا موقف الحياة إلى موقف ال ّ‬
‫كثيرة تشير جميعها لفداء أرض ا وشعب ا ‪ .‬م ّدت يدها والتقطت صورة الوطن‬
‫الملقاة على أرضية الطريق ورفعتها ٓعلى كان صوتها المخ وق بادئا في‬
‫الّشيج‪ .‬أ و بالقومية ففي فصل اشياء للذاكرة ُ فترسم كلماتها على افتات‬
‫وتسلّمها صباحا لرفاقها في الوقت المحدد للمسيرة الطّابية‪ .‬التي ت ّدد‬
‫برفض الظلم والبطش الصهيوني على بعض الدول العربية أ و في فصل‬
‫امطرت السماء وردا ُو‪..‬سرقوا أمجادنا ونسبوها إليهم بل وساعدناهم في‬
‫ذلك بالمفاسد التي تقترفها بعض القلوب العربية المريضة نفسيا ‪،‬التي تفرش‬
‫آرض وردا للمحتل ‪ ،‬وتق ّدم له أمت ا على طبق من ذهب‪...،‬نحن نجوع‬
‫آمرين ‪ ،‬ليشبعوا هم من أرض ا الحبلى ب خيلها وكرومها‬
‫ونشرد ونكابد ّ‬ ‫ّ‬
‫وثرواتها وبترولها ‪....‬شيء ُمقرف يا قمر‪...‬كلما حاول ا ت اسي القضيّة وعمق‬

‫‪202‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫شتد الغضب داخل ا‬‫الوجع إا وصفع ا التاريخ والكرامة وجذورنا آصيلة‪ ،‬فيَ ّ‬
‫الرخيصة‪....‬ولكن‬
‫ونرفض العيش البخس وتختار الموت بشرف على الحياة ّ‬
‫هل يشعر هؤاء البيادقة الذين باعوا أمت ا ولو للحظة بالّدم؟؟؟ \هل مازالوا‬
‫سيقدمون دوا أخرى ككبش فداء؟؟ إذن لغة الدم لن ت تهي من أرض ا‪،‬نحن‬
‫لهم بالمرصاد‪..‬أ و يستمر الحديث عن معاناة الشعوب العرية فياخذ مساحة‬
‫كبيرة نسبيا فيكون للقضية القومية حضور المميز ‪.‬‬

‫الثاني من الصراع هو الصراع الاانتمائي ب قد مظاهر اجتماعية متخلفة‬


‫ففي ذات الفصل ُ لكن أنانية هذا المجتمع الذي تجذرت فيه رواسب‬
‫أخاقية بغيضة ‪.‬حيث يرى أغلبه المرأة جسدا ومتعة وكائ ا خلق لإنجاب‬
‫وتربية آواد "وإرضاء سي السيد" العربي ‪..‬هذا المجتمع المتخلّف‪ ،‬الذي‬
‫يف ّكر ب صفه آسفل الذي يقتل آحام أ و فيه ايضا ُمالك حبيبتي؟؟ \‬
‫م زعجة من بعض آفكار الرجعيّة ‪ ،‬حياتي أنا أع ّد مقاا حول اضطهاد المرأة‬
‫في مجتمعات ا \‪-‬شمس بطلي ج ان وريحي حالك \وتدخل شمس في نقاش‬
‫مطول مع قمر وتتضارب آفكار‪\ .‬فقمر يدافع عن رأيه مدعما كامه‬
‫يفسرها حسب اجتهاد بعض المذاهب الفقهية‪\.‬وأمام ع اد قمر‬
‫بشواهد دي ية ّ‬
‫وإصرار على موقفه يتحول وجه شمس إلى إعصار‪ \.‬فتخت ق آحام داخلها‬
‫فتزج في‬
‫شيء الذي جعل أنفاسها تحبس للحظات ّ‬ ‫وتشعر بانهيار عرشها ال ّ‬
‫حوار مع الذاتأ و هكذا تجعل قضية المراة مركزية في جزء كبير من ال ص‬
‫ثائرة بذلك على افكار المجموعة ‪.‬‬

‫الع صر الثاني ‪ :‬ااتقان‬

‫و فق معيار الشيوع ااصطاحي الذي نتب ا في تبين الع اصر اابداعية‬


‫انه قريب من م هج ااستقراء العلمي ‪ ،‬فان الرواية المتق ة توصف غالبا بانها‬
‫‪203‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫آسرة تشد القارئ و تحضر معها في ااحداث بالتسلسل و العقد ‪ .‬و ثانيا‬
‫التشويق و غموض ال تيجة ‪ ،‬و ثالثا ااقتصاد في الشخصيات و عدم‬
‫ااسفاف في الشرح وانما يكتفى بالتلميح و رابعا حيادية الكاتب بحيث ا‬
‫يظهر رايه او فكر الم اوئ للشخصيات ُبدر بن عبدالرحمن العيسى‬
‫‪2006‬أ ‪ .‬و ا بد من ااشارة ان ااتقان الف ي ا يع ي الجمالية ‪ ،‬اا ان‬
‫ااتقان الف ي و تكامله يشير الى امتاك المؤلف القدرة على اانجاز الجمالي‬
‫‪ ،‬اذن ااتقان الف ي مؤشر على الجمالية ا انه هو الجمالية ‪.‬‬

‫من الواضح بلوغ الرواية درجات متقدمة في هذ الجوانب و التي‬


‫س شير الى كثير من تفاصيلها في اابحاث التالية ‪ ،‬و اما حيادية الكاتب فهو‬
‫مؤكد في السرد الموضوعي و الوصف و التقرير ‪ ،‬اما في السرد الذاتي ‪ ،‬و‬
‫رواية الموقف الذي يكون من المحكي الذاتي بحيث يكون المؤلف حاكيا ‪،‬‬
‫و الرواية رواية خطاب موقف كما هو شكل رواية ح ين ‪ ،‬فان للذات المؤلفة‬
‫حضور مؤثر و تكون ل ظرتها توجيه ظاهر للسرد و مكوناته ‪.‬‬

‫الع صر الثالث ‪ :‬اابتكار‬

‫من الماحظ اتصاف الرواية بصفات مميزة م ها ‪:‬‬

‫اوا ‪ :‬طغيان اللغة الشعرية و المجاز و جميع فقرات الرواية شاهدة‬


‫على ذلك ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬طغيان الخطاب و تجاوز لحدود ال ص ففي فصل ورود ااشتهاء‬


‫ُك ت أبكي هموم ال اس وأتعذب لمشهد المظالم وإراقة الدماء ‪ .‬كم تمّيت‬
‫السحرية فأجعل آرض ج ة أبدية ‪,‬اغسل القلوب‬
‫السماء عصاها ّ‬ ‫لو تم ح ي ّ‬

‫‪204‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الفاجرة والظّالمة فتصير اإنسانية أحلى وأجمل‪...‬كم تم يت لو أجعل ال اس‬


‫إخوانا ‪,‬أمحو الطب ّقية‪....‬قد تضحكك كلماتي ‪..‬قد تقول أنّي معتوهة‪..‬أ و‬
‫غيرها كثير ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬تجلي الموقف و حضور القوي ففي فصل ورود ااشتهاء ُأيّها‬
‫الزمن أيتها البشريّة؟؟؟ عشت عمري أحلم بين الكتب وأب ي قصورا من المثل‬
‫ّ‬
‫كل آدران الكونية‪ .‬أ حتى‬
‫وشخصيات من نبع أخيلتي‪ .‬شخصيات م زهة من ّ‬
‫بمثلي‬
‫تقول ُأني غارقة مع أفاطون في مدي ته ‪،‬لكّي سعيدة بغرقي سعيدة ُ‬
‫‪..‬حتى وإن عزلتك أيها الزمن عن ذاكرتي وسبحت بين أحامي وحيدة‬
‫السماء وذبت كما الثّلج في التّال البعيدة‪ .‬حتى‬
‫‪،‬فأكون قد التقطت نجوم ّ‬
‫تورمت قدماي فسأنهض من جديد سأعض على جرحي وأمضي نحو‬ ‫وان ّ‬
‫السماء‪ .‬ا تقلق من أجلى أيها الشتّاء اذا حزنت فمن‬
‫شمس شامخة ألثم ّ‬ ‫ال ّ‬
‫حزني أص ع دروع الكبرياء ومن وجعي أولد ٓكون اقوى الّساء‪ .‬أ‬

‫رابعا ‪ :‬حضور المؤلف في الرويات بان يكون حاكيا و محكيا ففي‬


‫تمهيد ظال الشمس ُفي الليالي الحالكات فرشت لي رموشها ‪.‬فصول‬
‫الرواية تدفع ي للبوح ب بض الحرف‪ .‬مسكت قلمي ‪،‬أناملي ترتعش‪.‬هل سيفهم‬
‫القارئ ما يجيش في أعماقي‪..‬أريد أن اكتب من الكلمات لؤلؤات أو ّدع بها‬
‫عتمة الخوف والتردد فتوقظ آرض لتفك ضفائر الخير والقيم الخالدات‬
‫‪....‬هكذا سبحت شمس بين شاات العبر تبحث في دهاليز الحياة عن‬
‫مامح وجهه أصابعها مجمدة جعل الحرف معوج والمامح غريبة ‪.‬أ‬

‫‪205‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫خامسا ‪ :‬استعمال اللغة الشعبية ‪ :‬ففي فصل حب و حرب ُ تصرخ‬


‫شمس ‪ :‬اترك شعري يا قمر أنت هيك بتؤلم ي ‪ -‬ما حتركك إا لما تقولي‬
‫بحبك يا قمر ‪ -‬واه بموت فيك يا قمر بس اترك شعراتي أ و في فصل ورود‬
‫ااشتهاء ُاشتقتيلي يا شموسة مو هيك؟ أ و ُ انا بخير أشوفك بعد شوي" أ‬

‫اضافة الى ذلك ه اك تميز اسلوبي في الحكي ‪ ،‬م ها التوظيف و‬


‫ااعتماد على التراكم التاريخي للكيانات الخارجية و الداخلية ‪ ،‬و كذلك‬
‫ااهتمام بتطور الكيانات الروائية و ص اعة تاريخ روائي لكياناته ‪ ،‬و التوسعة‬
‫في مساحة العقد الكتابي ‪ ،‬و اللغة السردية اايحائية و س تحدث عن ذلك‬
‫مفصا في مبحث الجمالية ‪.‬‬

‫الع صر الرابع ‪ :‬ااق اع ‪.‬‬

‫ان عدم الشعور بالقفز رغم تضمن الرواية مجموعة من التوظيفات و‬


‫اابتكارات التي اشرنا اليها ‪ ،‬بحيث ا يجد القارئ خلا في التركيب رغم‬
‫التباين الظاهر في شكل اللغة من شعبي و فصيح و موضوعي و ذاتي و نثري‬
‫و شعري ‪ ،‬كل ذلك يدل على تحقيق الرواية مستوى متميزا من ااق اع ‪.‬‬

‫الجزء الثاني ‪ :‬اابحاث الجمالية ُالجمالية السردية أ‬

‫اوا ‪ :‬التجليات‬

‫ا بد ان نكون ممت ين فعا لما بلغه الوعي اادبي في مجال فكرة‬


‫الكتابة و القراءة ‪ ،‬و تحقيق وعي عميق و حقيقي في مفهوم اانجاز و‬
‫الجمالية ‪ ،‬يقول ابراهيم فتحي ‪ :‬أن الجمالية أساساً هي تطوير طاقات‬
‫‪206‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫اإنسان الحسية والعاطفية والذه ية ‪ ،‬وليست مجرد زخرفة وتراكيب‪ ،‬ان‬


‫جمال ال ص هو مجموع ما يبتعثه من أحاسيس ومشاعر ورؤى تعصف بالقارئ‬
‫وتوسع نظرته للعالم ‪ ،‬تدرج الفرد في ال وع البشري وترفعه إلى المستوى‬
‫اإنساني‪ ُ.‬ابراهيم فتحي ‪2014‬أ ‪ .‬من الواضح جدا ان حضور البعد‬
‫المعرفي في مشاهدات اانسان المعاصر و طغيان نظرية العلم و اادراك‬
‫العميق بالحقائق التي تقف خلف الظواهر ‪،‬اسقط ظاله على فكرة القراءة و‬
‫المتعة بانها ابحار في جميع اانظمة و العاقات و العوالم الممك ة في ع صر‬
‫المشاهدة و العمل اابداعي ‪ ،‬ان انكشاف العوالم الخلفية من داات و‬
‫تمثيات كلها تحقق متعة جمالية صارت جزء حقيقيا من الوعي الجمالي‬
‫اانساني المعاصر ‪ ،‬وهذا ما نسميه بمصطلح ا الخاص ُ التجلي أ و الذي‬
‫نعد احد ابرز مامح الجمالية المعاصرة ‪.‬‬

‫و يشير ايضا الى حقيقة روائية مهمة اذ يقول ‪ :‬تتعلق الجمالية أيضاً‬
‫بتصوير الشخصيات تصويراً يبتعد عن التصوير اإخباري المباشر‪ ،‬بل تصوير‬
‫اتساقها مع مسار آحداث وتفاعلها مع اآخرين خال مونولوجاتها الداخلية‬
‫وحواراتها‪ ،‬فهي تكتسب الجمالية من خصوصيتها وليس من كونها شخصية‬
‫جاهزة ‪ ُ .‬ابراهيم فتحي ‪ 2014‬أ ‪ .‬و ايضا يمكن القول ان ه اك شكا اخر‬
‫من التصوير هو التصوير التراكمي ‪ ،‬بمع ى ان مامح الشخصية تتكامل من‬
‫خال جميع صفات و مامح الكيانات و اانظمة التي يرتبط بها ‪ ،‬فمثا‬
‫حي ما يكون ُقمر أ في رواية هو العراقي ااسمر ‪ ،‬فان بذلك تتشكل له‬
‫مامح غير م طوقة و انما معلومة بالتراكم المعرفي و الخلفي ‪ ،‬و هذا الشكل‬
‫من الوصف التراكمي ‪ ،‬يعتمد وسيلتين ‪ ،‬ااولى هي ااحالة الى كيان تاريخي‬
‫واقعي معلوم ‪ ،‬و الوسلية الثانية هي تكوين تاريخ خيالي للكيان ‪ ،‬و بربط‬
‫الشخصية باي م هما تدخل المعارف التي يحملها ذلك الكيان التاريخي في‬

‫‪207‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫صفات الشخصية و مامحها ع د القارئ ‪ ،‬من ه ا يكون واضحا ان تجلي‬


‫التجارب و الذوات في ال ص يكون تراكميا مركبا انتزاعيا من عدة م اهل‬
‫داخل ال ص و خارجه ‪.‬‬

‫ان هذا التطور المهم في الكتابة الذي يبتعد عن ااخبار عن المامح و‬


‫يتجه الى تجسيدها مع ان له بعدا مثاليا بحلول العمل محل القول ‪ ،‬فانه‬
‫يحقق جمالية عالية من متعة اكتشاف المامح و تكميل الصورة بواسطة‬
‫القارئ ‪ ،‬مما يؤدي الى فهم ااستجابات و المواقف و تبريرها ‪ ،‬ان حضور‬
‫المامح تجسيدا و ليس اخبارا هو التجلي ‪ ،‬و هذا الشكل من اابداع و‬
‫الحضور نجد له صورا واضح في رواية ح ين‬

‫فالح ين الذي هو ع وان الرواية نجد يتجسد قويا في ال ص ‪ ،‬بحيث‬


‫ان ال ص يرسم ل ا ح ي ا مميزا تريد الكاتبة ان يكون مثاا انسانيا ‪ ،‬و‬
‫بااسلوبين ااحالة على المعلوم التاريخي الواقعي و بص اعة تاريخ خيالي‬
‫للح ين ذي خلفيات معرفية واضحة ففي فصل افوف الورد ُشعرت أنّها‬
‫تحتاج إليه بزهر البرتقال فيه يطوق أحاسيسها‪ .‬لك ها تعاند نبضها ‪،‬تقاوم‬
‫تدفقه إليها‪ ،‬رغيف اللهفة يشحذ شوقها أغ يات‪ .‬أ انه ح ين احتياج ‪ ،‬ياسر‬
‫ااحاسيس ه ا يتشكل تاريخ خيالي لح ين شمس ‪ ،‬ثم توظيف لبيان هذا‬
‫الح ين زهر الرتقال باعطاء زخما مع ويا ‪ ،‬و اكثر صراحة و شدة هو استعارة‬
‫الرغيف الذي هو عصب الحياة ‪ ،‬و ح ين يص ع ااغ يات التي نعرف كل ا‬
‫انها ا تكون اا من ااعماق ‪ ،‬اذن تشكلت في هذا المقطع صورة مامحية‬
‫للح ين متجسد ‪ ،‬و هكذا من خال بيانات و اشارات اخرى للمشاعر و‬
‫ااستجابات و المواقف و التصريحات تتشكل صورة كاملة عن ذلك الح ين‬
‫‪ ،‬ليس بالوصف التقريري و انما بتجسيد عمليا و حضورا شخصيا ‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ان عمل التجلي يجعل من جميع المعاني ذوات حاضرة في العمل ‪ ،‬ا‬
‫شيء يقبل ااهمال و ا شيء هامشي ‪ ،‬كل مع ى اضافة الى الشخصيات‬
‫يكون له حضور و تاريخه و تجسديه ‪ ،‬العمل التجلياتي ي طوي على مجموعة‬
‫كبيرة من اابطال و الحاضرين و الفعلين ‪ ،‬الكل يتجسد و الكل يحضر كل‬
‫ما له اسم او مع ى ‪ ،‬الكل يصبح له تاريخ تص عه الرواية ‪ ،‬و بهذا التاريخ‬
‫تتفتح عوالم امام القارئ ‪ ،‬و تتوسع مدراكاته و فهمه لذلك المع ى ‪ ،‬اضافة‬
‫الى ما يصاحب ذلك من تمثيل لذلك المع ى لمعاني اخرى تريد ان تتجلى ‪،‬‬
‫فالح ين ه ا كما انه حالة شعورية لشمس فانه صورة تعبيرية عن شمس و عن‬
‫قمر و عن الزمان و المكان ‪ ،‬و عن الرغيف و عن البرتقال و غير ذلك مما‬
‫يدخل في ارتباط معه في ال ص و خارجه ‪ ،‬ان التجلي عالم كامل من الحاكي‬
‫المحكي ‪ ،‬فا يقتصر على ان يكون الكاتب حاكيا محكيا بل كل كيان او‬
‫مع ى في ال ص هو حاك او محكي ‪ ،‬فتصور مقدار الدهشة و الفضاءات التي‬
‫ستكون في القراءة ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التوظيف‬

‫من الواضح ان التوظيفية ترجع في حقيقتها الى الف ية السردية ‪ ،‬و‬


‫ت طلق التوظيفية من فكرة انه ا شيء في الب اء الف ي زائد ‪ ،‬بل الكل له مكانه‬
‫و دور و ما كان اا بقصدية عالية ‪ ،‬ان جمالية السرد في جزئها ااعظم و‬
‫المتعة التي تتحقق بقراءة الرواية تكمن في حقيقة ان العمل الف ي ليس انتاجا‬
‫فحسب بل هو ساحة لانتاج ‪ ،‬و ربما انتاج معاني ا ت تهي و ذلك يعتمد‬
‫على المتلقي ايضا ‪ ،‬لكن في تعظيم اانتاج تظهر قدرة الكاتب و ابداعه‬

‫‪209‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الف ي شعرا كان او سردا ‪ ،‬و بي ما تتمظهر اانتاجية الشعرية في التصوير فان‬
‫اانتاجية السردية تتمظهر بالتوظيف لع اصر السرد ‪.‬‬

‫ان الحكاية قد تج ح الى السرد المفصل التقريري بتسكين القارئ و‬


‫تغذيته بالمعلومة ‪ ،‬و قد تج ح الى اثارة القارئ و تفعيله و جعله مشاركا ‪،‬‬
‫التوظيف الذي يحتاج دائما الى ب اء و تركيب و مراجعة للمخزون المعرفي‬
‫الخيالي و الواقعي ‪ ،‬يجعل من القارئ جزا من المؤلف ‪ ،‬وهذا امر مهم في‬
‫تطور الكتابة المعاصرة و القراءة ايضا ‪.‬‬

‫اشكال التوظيف و اامور الموظفة في رواية ح ين كثيرة جدا و م تشرة‬


‫في ال ص ‪ ،‬بحيث ان التوظيف هو السمة الغالبة على ال ص ‪ ،‬و ا نقصد‬
‫فقط ااعتماد على ما له تاريخ في الوعي العام الخارجي ‪ ،‬و انما نقصد ايضا‬
‫ما له تاريخ خيالي في ال ص ‪ ،‬فالتوظيف كما يمكن ان يكون للتاريخ الخارجي‬
‫اي خارج ال ص فانه ايضا يكون للتاريخ الداخلي ‪ ،‬و يمكن ان نلحظ في‬
‫ال ص تاريخا مميزا هو التاريخ الروائي ‪.‬‬

‫التوظيف كما قل ا له اشكال متعددة و موظفات متعددة في الرواية لكن‬


‫من الموظفات الع اوين وه ا نقاط ‪:‬‬

‫اوا الشكل الع واني ‪ :‬الع وان الرئيسي ح ين اسم واضح المفهوم و‬ ‫‪.1‬‬

‫الدالة ‪ ،‬توصلي بذاته مستقل ‪ ،‬و اختيار ع وانا يحعل م ه ع صر‬


‫م اسبة لتجلي مع ى الحتين و احضار و حضور بقوة امام ا جميعا ‪،‬‬
‫فيكون ال ص عامدا و من الوهلة ااولى الى البوح العالي ‪ ،‬و ان حقل‬
‫الح ين هو العطاء و الحب و الحاجة ‪ ،‬فان ا من الوهلة ااولى امام‬
‫انسانية وعطاء و محبة متجلية في هذا الع ون ‪..‬‬

‫‪210‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ثانيا عاقة الع وان بالمع ون‬ ‫‪.2‬‬

‫بقراءة الرواية نجد ان العاقة بين الع وان و ال ص انتزاعية ‪ ،‬فهو‬


‫يختصر المحور البوحي و القصدية للكاتبة و الكتابة‪ ،‬ف كون بذلك على‬
‫ادراك واضح ان ا اما تجل و حضور لمعاني اانسانية و العطاء و المحبة في‬
‫هذا ال ص ‪ .‬واما ع اوين الفصول العشرة ‪ ،‬فاغلبها مركبات مجازية و التعبير‬
‫بها عن المضمون مجازي ايضا ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬قاموس الع اوين ‪:‬‬ ‫‪.3‬‬

‫من الواضح رجوع مفردات الع اوين الى حقول مع وية رقيقة من ورود و‬
‫حب و اغ ية ‪ ،‬و ايضا الى عوالم مع وية اكثر قوة و حضورا كالمطر و‬
‫ااشتهاء ‪ ،‬و نجد ايضا لفظا ع يفا واحد متمثا بكلمة ُ حرب أ جاءت‬
‫مقرونة بالحب ‪ .‬و لو احظ ا انتزاعية الع اوين ‪ ،‬فان عالم الع وان المع وي‬
‫توسع كثيرا ‪ ،‬فا نكون امام حقل و مزاج رقيق عاطفي ‪ ،‬و انما نحن امام‬
‫فضاءات و عوالم من المواقف و المشاعر و الرقة و بمعونة الب اء المجازي و‬
‫الش اعري فانا امام عالم من اللغة الشعرية و الخيال ‪ ،‬و من خال الحكي‬
‫الذاتي فان تجليات الذات المريدة و المطالبة تاسر المكان ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬التاريخ الروائي‬

‫في التاريخ الروائي تكون كيانات ال ص كيانات متطورة ‪ ،‬بغض ال ظر عن‬


‫طبيعتها ‪ ،‬حية كانت ام غير حية عاقلة ام غير عاقلة خارجية كانت ام ذه ية ‪،‬‬
‫الكل له تاريخه ‪ ،‬و الكل له اماله و سعيه و حركته ‪ ،‬و في الحقيقة هكذا‬

‫‪211‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫سعة في ال ظر لاشياء يحتاج الى مخيلة ‪ ،‬انه كسر صريح و قوي لم طقية‬
‫الوجود ‪ .‬قد مثل ا في ما سبق كيف تطورت ُ بغداد أ في ال ص و صار لها‬
‫تاريخ روائي ‪ ،‬و نذكر ه ا مثا اخر هو الزمن ‪ .‬فبعد شخص ة الزمن و جعله‬
‫الزمن أيتها البشريّة؟؟؟ \ حتى وإن عزلتك أيها الزمن عن ذاكرتي\‬
‫ذات ُأيّها ّ‬
‫الزمن‪ \ .‬لم يأبه الزمن آناني لصرخة هؤاء ‪ ,‬أ يتخذ الموقف‬
‫أمام ع جهية ّ‬
‫م ه مع التبرير فانه ُالزمن العابر\ تكلّس الزمن\ الزمن آناني \ صهيل‬
‫محب حطّم كل البقايا‬
‫ّ‬ ‫الزمن الموبوء‪.‬زمن الخسة أ فيكون الموقف ُ نعم‬
‫ّ‬
‫الزمن‪ \ \.‬حتى وإن عزلتك أيها الزمن‬
‫الفوضوية‪ ،‬وقع معاهدة التح ّدي مع ّ‬
‫عن ذاكرتي\‬

‫وأشرع صدرك لكدمات الزمن‪ .‬أ ف احظ ان الزمن في رواية ح ين له‬


‫صورة ليست هي صورة الزمن الظرف الذي نعرفه‬

‫‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬العقد التخاطبي و الوفاء‬

‫بين كل متكلم و قارئ عقد تخاطبي كما اشرنا سابقا ‪ .‬و ه اك امور‬
‫مقومة للتخاطب بديهية اهمها القصدية ‪ ،‬فانه ا يكون كاما ما ا قصدية فيه‬
‫‪ ،‬كما ان اافادة مقومة للكام ‪ ،‬و هذ اافادة ا تقتصر على المع ى ‪ .‬و‬
‫حي ما يكون تلميح او تصريح بتقديم شكل كتابي معين ‪ ،‬فان العقد يمكن‬
‫ااخر من توقع صورة اجمالية للعمل ‪ ،‬ان هذ الصورة تكون راجعة الى‬
‫مرجعيات نوعية ‪ ،‬احداث تغيير او اضافة عليها يحتاج الى عمل كبير و اق اع‬
‫‪ ،‬نجد انفس ا كقراء امام رواية لكن في وسط السردية نجد شعرا ‪ ،‬اا انه‬

‫‪212‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫بظهور مق ع ‪ ،‬و نحن ايضا امام لغة فصحى ‪ ،‬و في وسطها لغة شعبية ‪ ،‬اا‬
‫انها بظهور مق ع ايضا ‪.‬‬

‫لو طرح سؤال ما الفائدة من دراسة ااعمال اابداعية ؟ لكان الجواب‬


‫الواضح هو توسيع المدركات بالفن و الجمال ‪ .‬و هذ الصورة من التوسعة‬
‫لعالم العمل و مكوناته احدث توسعة مفهومية و ف ية و الجمالية ع دنا ‪ ،‬وهذ‬
‫احدى الغايات الجوهرية للقراءة التي قد تكون اهم من اامتاع حتى من جهة‬
‫ال ظرة الجمالية ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬الرؤية‬

‫راوية ح ين هي رواية الروائي بامتياز ‪ ،‬فان تدخله في التفاصيل واضح ‪،‬‬


‫و كان الراوي يحجم عن الخيالية اجل ان من الواضح ان الرواية رواية موقف‬
‫و لغالبية للسرد الذاتي ‪ ،‬فان الكاتبة تكون في كثير من ااجزاء حاكية و‬
‫محكية ‪ ،‬و انحصار السرد ب ظرة و رؤية الكاتبة مما ا يخفى بل هو طاغ في‬
‫ال ص ‪ ،‬و لقد بي ا كثيرا من مظاهر الموقف و الصراع الرؤيوي و الثورية و‬
‫الخطابية التي اشتمل عليها ال ص ‪ ،‬و كذلك ما اشرنا اليه من السعي و الحلم‬
‫بوجود مثالي للحب و اانسان و اايثار ‪ ،‬بمع ى اخرى ان ا امام نص يجسد‬
‫رؤية الخير و العطاء ‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬الطاقة الحكائية‬

‫‪213‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ان مفاد السرد هو الحكاية ‪ ،‬و كلما كان ه اك تعدد و ثراء بالحكاية و‬
‫عدم اط اب في السرد يكون لدي ا لغة سردية بطاقة حكائية اكبر ‪ ،‬و التوظيف‬
‫واهمه الرمزي او التراكمي و التلميح من الوسائل المهمة جدا في تعظيم طاقة‬
‫السرد الحكائية ‪ ،‬و بتجلي التجربة و الرؤية ‪ ،‬يكون امام ا عمل بطاقات‬
‫حكائية كبيرة ‪ .‬في رواية ح ين ‪ ،‬ه اك توظيف لموظفات و توسيع في قيمة‬
‫الحكي في المادة السردية ‪ ،‬و بمعونة اايحاء الشعري و المجازي ‪ ،‬فان‬
‫ال ص مملوء بمواطن الطاقة الحكائية فمثا في فصل وامطرت السماء وردا ُ‬
‫قصة حب شمس وقمر ضمير الوجود الذي يعانقهما بما فيه من بشر وشجر‬
‫ّ‬
‫ورائعات الورود وطيور شادية تصرخ داخل صدر الحياة‪\..‬كأنّهما بحبّهما‬
‫المج ون‪ ،‬وأشواقهما التي ا تحد‪،‬وطهرهما‪،‬أصبحا فوق البشر‪\...‬يصليان‬
‫معا في محراب العذراء‪،‬في صومعة آتقياء‪ ،‬في المساجد التي تفوح برائحة‬
‫المسك والع بر أ ان استعمال كلمات لها تاريخ كبير في الوعي هو من‬
‫التوظيف العالي فكلمة ُ ضمير ‪ ،‬بشر ‪ ،‬شجر ‪ ،‬طيور شادية ‪ ،‬الطهر ‪،‬فوق‬
‫البشر ‪ ،‬الصاة و المحراب ‪ ،‬العذراء ‪ ،‬الصومعة ‪ ،‬ااتقياء ‪ ،‬المساجد ‪،‬‬
‫المسك و الع بر أ هذ الكلمات اعطت للوحدة السردية طاقة حكائية عالية‬
‫انها مختصرات سردية ذات تاريخ واسع في الوعي اانساني ‪ ،‬انها لغة سردية‬
‫ايحائية تختلف نوعا ما عن اللغة السردية الوصفية ‪.‬‬

‫الجزء الثالث ‪ :‬اابحاث الرسالية‬

‫عكس ما هو شائع من اعتقاد حصول فوضى عارمة في الفكر و‬


‫المصطاحات و المفاهيم ‪ ،‬فان ما حصل فعا هو ان عملية التاقح و الترابط‬
‫جعلت الثقافات المختلفة ترى المفاهيم عن قرب ‪ ،‬فتحاول استيعابها عن‬

‫‪214‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫قرب ‪ ،‬و اا فان فكرة البشر عن الحياة في تقدم و نضج بفضل العلم‬
‫المسيطر على كل شيء ‪ ،‬ان ما يحصل فعا هو حالة تخلف عملي يرافق‬
‫تطور معرفي ‪ ،‬فالخلل الواضح في العمل اانساني ليس مصدر الفكر‬
‫الضعيف بل سببه تخلف العمل عن الفكر الواضح ‪ .‬من اهم اانجازات في‬
‫هذا المجال هو تغير ال ظرة الى العمل اادبي من ال ص الى الخطاب ‪ ،‬وهذا‬
‫المع ى يجعل الخطابية و الرسالية جوهرية في ما هية العمل الف ي و تعريفه ‪،‬‬
‫و هذا امر مهم انه يع ي دخول االتزام ااخاقي اانساني في مهوم الم جز‬
‫‪ .‬رواية ح ين و في كل فقرة م ها مثلت فكرة ان العمل خطاب ‪ ،‬بل وه اك‬
‫تاكيد على الرسالية فيه ‪ ،‬يصل حد التصريح بذلك ‪.‬‬

‫اوا ‪ :‬الرسالية الجمالية ‪:‬‬

‫الدافع الجمالي‬ ‫‪.1‬‬

‫قصد الكتابة الجمالية واضح في رواية ح ين ‪ ،‬ففي ظال الشمس‬


‫ُ‪.‬أريد أن اكتب من الكلمات لؤلؤات أ ‪ ،‬فلس ا ه ا امام كتابة تعبيرية و بوح و‬
‫انما تريد الكاتبة ان تكتب عما جميا ابداعيا ‪.‬‬

‫الم اهل الجمالية‬ ‫‪.2‬‬

‫لم ترد الكاتبة ان تكتب حتى تتيقن انها تمتلك اادوات الكاملة و انها‬
‫انسان مبدع للجمال ‪ ،‬وهذا امر متأصل في الكتاب الخالدين ‪ ،‬و حي ما‬
‫احست من نفسها ذلك شرعت في البوح ‪ ،‬ففي تمهيد نور القمر ُوتت ازلُ‬
‫شمسأ عن عرشها في مجرة الجمال أ‬

‫ادراك العظمة الجمالية‬ ‫‪.3‬‬

‫‪215‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الكاتبة تدرك عظم المسؤولية و خطورتها بال سبة اليها ‪ ،‬فيتجلى في‬
‫نفسها الخوف من محاولة الكتابة ففي تمهيد ظال الشمس ُفصول الرواية‬
‫تدفع ي للبوح ب بض الحرف‪ .‬مسكت قلمي ‪،‬أناملي ترتعش‪ .‬أ اضافة الى ان‬
‫ه اك اسبابا اخرى خارجية ففي تمهيد نور القمر ُ وُشمسأ تأبى اإشراق‬
‫وتتدلل وراء الغيم حي ا ووراء دثار اسود أحيانا‪ .‬أو اخرى داخلية ربما تتمحور‬
‫حول حقيقة ان اانجاز اادبي الذي حققته الكاتبة في مشوارها الف ي‬
‫الشعري يجعلها تردد في تجربة جديدة وهذا امر حكيم جدا ‪ ،‬لك ها تعلم انها‬
‫تستطيع ان تحقق اضافة ففي تمهيد نور القمر ُما أحوج اللّيل لشمس فهل‬
‫كانت تتل ّذذ بالغياب وخلقت مجرتها ه اك بعيدا بعيدا‪ .‬أ ‪ .‬لذلك فهي بحثت‬
‫عن ااق اع و ادراك اانجاز الظاهري و اطمأنت لتحققه ففي التمهيد ُ‬
‫أرسلت شمس عبير شعاعها ‪.‬إهتز القمر من على العرش فشذاها اخترق فؤاد‬
‫‪ .‬أ لقد ادركت الكاتبة انها كتبت شيئا جميا و حققت انجازا فلم يعد‬
‫للخوف ما يبرر ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الرسالية اانسانية‬

‫الدافع اانساني‬ ‫‪.1‬‬

‫تحدد الكاتبة موقفها من الغرض من الكاتبة و انها تريد بذلك ان تجسد‬


‫القيم ومظاهر الخير في ظال الشمس التمهيدي ُ فتوقظ آرض لتفك‬
‫ضفائر الخير والقيم الخالدات ‪...‬أ ‪ ،‬اذن نحن امام عمل يحدد غرضه بانه‬
‫عمل اخاقي و معرفي ‪ ،‬ان ذلك هو الخالد و هو الخير ‪.‬‬

‫الم اهل اانسانية‬ ‫‪.2‬‬

‫‪216‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫اجل غرضها اانساني ااخاقي المعرفي فان الكاتبة تدرك ان اللب ات‬
‫و المصادر ا بد ان تكون الحكمة و العبرة ففي ظال الشمس التمهيدية ُ و‬
‫تتحرك ‪.‬هكذا سبحت شمس بين شاات العبر تبحث في دهاليز الحياة عن‬
‫مامح وجهه أصابعها مجمدة جعل الحرف معوج والمامح غريبة أ اا ان‬
‫تراكمات ااخطاء البشرية اضعف مظاهر تلك المعارف و القيم ع د ال اس ‪،‬‬
‫ان الكاتبة تبوح بموقفها ااخاقي المعرفي و ان الخارج ليس كما يجب ‪.‬‬

‫الرؤية و الرسالة‬ ‫‪.3‬‬

‫الرؤية واضحة و الكتابة كانت اجل ايصال رسالة مصرح بها في تمهيد‬
‫ظال الشمس ُفصول الرواية تدفع ي للبوح ب بض الحرف‪ .‬مسكت قلمي‬
‫‪،‬أناملي ترتعش‪ .‬أ‬

‫التركيز على القارئ‬ ‫‪.4‬‬

‫ااهتمام بالقارئ ‪ ،‬و اعتبار الفن حالة تواصل و خطاب امر تصرح به‬
‫الكاتبة ففي تمهيد ظال الشمس ُ هل سيفهم القارئ ما يجيش في‬
‫أعماقي‪ ..‬أ‬

‫تجلي الذات الحكيمة‬ ‫‪.5‬‬

‫الحكمة عالم تتوق له ال فس البشرية ‪ ،‬و تقر له بعلو و سمو ‪ ،‬و‬


‫ع دما تحاول ال فس ان ترتدي ثياب الحكمة ‪ ،‬فان ذلك يع ي الولوج الى‬
‫عالم متكامل من الرقي السلوكي ‪ ،‬تتخذ الكاتبة موقفها بان تكتب الحكمة و‬
‫ليس شيئا اخر ‪ ،‬ففي تمهيد نور القمر ُكذلك اللّسان الذي ا ي طق‬

‫‪217‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫بالصوت الجمال فحقه أن يفتك به ال ّدود ‪ .‬أ و من‬


‫بالحكمة وا يرسم ّ‬
‫الواضح ااخاقية و اانسانية في هذا الموقف ‪.‬‬

‫الموقف ااخاقي و العطائي‬ ‫‪.6‬‬

‫تتخذ الشاعر موقفها تجا العمل ‪ ،‬فتريد ان يكون عملها معطاء و بعيدا‬
‫عن اانانية ففي التمهيد ُفتبرئ ال فس من سقم آنا‪ .‬أ ان ما تريد ان يصل‬
‫ااشعاع الى الخارج ان يبصر ال ور الذي اودعته في الرواية من دون قصد‬
‫تحقيق مطالب انانية ‪ ،‬ففي التمهيد ُكي اهدي تباشير فجري لمن شئت أ‬

‫هكذا ادرك ا هذا العمل المعبأ بالداات و الساعي نحو اهدافه بقوة ‪،‬‬
‫انه تجسيد و تجل للخير و العطاء على مستوى الجمال و اانسانية ‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫تلوين الكلمات في مجموعة ُللفرات المسافر أبجدية ثانية أ للشاعر اسماعيل‬


‫عزيز‬

‫‪219‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ُ للفرات المسافر أبجدية ثانية أ مجموعة شعرية للشاعر العراقي إسماعيل‬


‫ع زيز كاظ م ‪ ،‬صادرة عن دار السومري للطباعة وال شر في العراق ‪ -‬كرباء‬
‫عام ‪ ، 2012‬تشتمل المجوعة الشعرية على ‪ 33‬نصا ‪ ،‬قصائد نثر ‪ ،‬بين‬
‫القصير و متوسط الحجم ‪ .‬ما ان يقع نظر القارئ على نصوص هذ المجموعة‬
‫يتوضح لديه شعور بانه امام نصوص مثقفة ‪ ،‬قد اجريت عليها اشتغاات ف ية‬
‫كثيرة ‪ ،‬بغية اعطاء اللغة طاقة تعبيرية اكبر‪.‬كما ان من الظاهر للمتتبع لل صوص‬
‫انها قصائد شعرية تصويرية بامتياز ‪ ،‬تميل الى طغيان التصوير الشعري و ا‬
‫تج ح الى السردية اا في مواضع متفرقة ‪ ،‬و تطغى على المجموعة اللغة‬
‫الرمزية القريبة و اايحائية البوحية الشفيفة ‪.‬‬

‫تتميز ال صوص في معظمها به دسة شكلية تعتمد التدرج الكتابي باستغال‬


‫التسطير و الفراغ و التأجيل ‪ ،‬وهي من اساليب التعبيرية الكتابية ‪ ،‬و تفعيل‬
‫فترة زمن الفراءة في ب اء موازي للكتابة ‪ .‬يقول الشاعر في قصيدة المجموعة‬
‫آولى ُ حصرم أ‬

‫ُ أرى الجسر‬

‫من خجل ي ح ي‬

‫فعين من المها‬

‫تعدو عليه‬

‫خبأت تحت عباءتها‬

‫‪220‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫س با‬

‫وال ار‬

‫في الماء‬

‫ربما ا ي فصان‬

‫وضوء م ن الكرخ‬

‫تشابكت ضفائر أ‬

‫و على هذ الشاكلة جرت نصوص المجموعة في معظمها ‪.‬‬

‫وايضا من ااساليب الواضحة و الطاغية في الديوان هو اانزياحية العالية و‬


‫التي تتموج بين القريب و البعيد من اانزياح ‪ ،‬وا يقتصر ذلك على ال صوص‬
‫بل يشمل الع اوين ايضا ‪ ،‬وهذا من الشعرية المعروفة لدى الشاعر و التي‬
‫يتمتع بها بشكل مبهر و ارتجالي فذ ‪.‬‬

‫اانزياحات القريبة‬

‫في انزياح قريب مراع للم طقية اللغوية يقول اسماعيل عزيز في قصيدة ُ‬
‫انتهاء المدى أ‬
‫ُ فمن يرسم اآن خارطة‬

‫‪221‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ال هر‬
‫بعد أن‬
‫هجر الماء شطآنه‬
‫وشاطت روافد‬
‫حتى وإن ألقى العرس قربانه تحت‬
‫جسر الرصافة‬
‫وقيل ‪ :‬اركل برجليك ‪0‬‬
‫ما لي قدمان سوى‬
‫بقايا عصا‬
‫أتكأ عليها أ‬
‫فمن الواضح التقارب الحقلي بين المفردات المس دة المكونة للصورة ‪ ،‬و انها‬
‫جميعا تدور حول ال هر و ماء ‪ ،‬حتى التوظيف الت صيصي ااخير ايضا يرجع الى‬
‫الماء كما هو معلوم ‪.‬‬
‫اانزياحات البعيدة‬
‫من اانزياح البعيد باالفة عالية و تباعد حقلي صادم ‪ ،‬ما سطّر الشاعر في‬
‫قصيدة ُ ألم الماءأ يبدأ اانزياح العالي بحقوله المتباعدة من الع وان ثم يوغل في‬
‫التعبرية الشخوصية في ال ص حيث يقول ‪:‬‬
‫ُ الماء‬
‫يصرخ في الضفاف‬
‫ي حدر من جدران العتمة‬
‫وهو يشكو ألما‬
‫من فالة‬

‫‪222‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫صياد‬
‫غريب‬
‫فمازال زورقه‬
‫يعرب عن‬
‫موجة في‬
‫خاصرة الماء تحب الشواطىء‬
‫الحالمة‬
‫أي زلق‬
‫السهم ؟‬
‫يترك قوسه ؟‬
‫لم تعد تمتلكه الك انة‬
‫ٓنها‬
‫تصرخ ألما أ‬
‫من الواضح ان القاموس لمفردات ال ص و اشكال ااس اد في كثير م ها ي تمي‬
‫الى حقول مع وية متباعدة فمع ان الماء و الصيد و الشاطئ و الضفاف تخلق جو‬
‫ال ص و مزاجه ‪ ،‬و تكتل للقوس و السهم و الك انة اا ان الخاصرة و العتمة و‬
‫الجدار و اانزاق و السهم و الصراخ أ تخلق لوحة مع وية ملونة فوق جدارية‬
‫سماوية قد ص عها الشاعر سلفا ‪ ،‬و هذا الشكل من الب اء هو من ابرع اشكال‬
‫التلوين للكلمات ‪ ،‬حيث كما ا ّن لالوان خلفيات و كتل تتأثر ببعض ‪ ،‬كما تتأثر‬
‫ألوان و أشكال ال جوم بلون السماء ‪ ،‬فان االوان البارزة في اللوحة ذات الخلفية‬
‫تتغير تعبيراتها و صورها مع تغير الخلفية ‪ ،‬و كذلك الكلمات في عاقتها مع ال سيج‬
‫العام لل ص و مزاجه الكلي ‪ ،‬فانها بوقوعها فيها و دخولها في نظام عاقة معه‬

‫‪223‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫كخلفية لها يصبح لها لون تعبيري مغاير لما هي عليه م فردة وفق مرجعيات اللغة ‪.‬و‬
‫هذا ما يمكن ان نسميه بتلوين الكلمات ‪.‬‬
‫ان التباين الحاصل بين الخلفية ال صية و التراكيب او المفردات الساقطة عليها‬
‫له شكان بارزان ‪ ،‬اما ان تختلف الخلفية و الكتل في مستوى قربها و بوحها و‬
‫الفتها من الوعي التلقياتي العام للقارئ او تختلف ‪ .‬و ي تج عن ذلك ثاث صورة‬
‫خارجية للغة ال ص ‪:‬‬
‫ااول ‪ :‬تلوين الكلمات بمستويات بوحية متقاربة قريبة‬
‫بحيث يكون البوح برمزية قريبة و ايحائية جلية واضحة كما في قصيدة ُ من‬
‫يطلق الع صفور ؟أ حيث يقول الشاعر ‪:‬‬
‫ُ متى يقبل‬
‫الفجر ؟‬
‫كي يغسل المقلتين‬
‫يكحلها‬
‫من ظل هذا‬
‫المساء‬
‫يدرك ا الدفء‬
‫فقد‬
‫غادرنا الصبح‬
‫ومازال هذا الفتى‬
‫قلبه فارغ من الصوت أ‬

‫‪224‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫البوح شفيف ه ا و اايحائية قريبة تعبيرية عن واقع محفوف بالفقدان و الخيبة و‬


‫ضوء اامل نحو فجر جديد أ وهكذا نجد هذ اللغة في قصيدة ُ صوت من نافذة‬
‫الغ بشأ حيث يقول الشاعر ‪:‬‬
‫ُ كيف لي أن افتح القلب ؟‬
‫أثخ ته الجراح حد التمرد‬
‫كيف لي ان اعرف وجهي‬
‫والمكان ليس فيه مرايا ؟‬
‫فمذ غادر الصبح نافذتي‬
‫ماعاد للطين مع ى‬
‫وما عاد آفق أزرق أ‬
‫وهذا الشكل من اللغة هو الطاغي على نصوص المجموعة برمزية قريبة و ايحائية‬
‫بوحية شفيفة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬تلوين الكلمات بسمتويات بوحية متقاربة لك ها بعيدة ‪.‬‬
‫كما في قصيدة ُأسئلة ناق صة أ ‪ ،‬فانا نجد مستويات حقلية مع وية متقاربة اا‬
‫انها في مستوى رمزي و ايحائي بعيد حيث يقول الشاعر ‪:‬‬
‫ُ عصافير نافذتي‬
‫مرايا‬
‫من يتهم اآن شراعا‬
‫كانت بأصبعه خارطة الطفولة‬
‫أو يدا سرقت ٓحرفها من‬
‫عين الشمس ؟‬
‫كانت تحمل‬

‫‪225‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫لحن الرياح‬
‫تعطي لغة‬
‫كيف يكون استقبال الموج‬
‫لشواطئ مازالت حيرى‬
‫يحمل أشرعة جديدة‬
‫قد ا تألفها المرافئ‬
‫خوفا من دفة زورق‬
‫تلوح في آفق‬
‫ترسم خارطة‬
‫للسراب‬
‫حيث من الظاهر التقارب الحقلية لالفاظ و مس داتها ‪ ،‬اا ان ال ص يتميز‬
‫برمزية عالية و ايحائية مفتوحة بعيدة ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬تلوين الكلمات بسمتويات بوحية مختلفة ‪.‬‬
‫وم ها ما اشرنا اليه في قصيدة ُ ألم الماء أ و ايضا نجدها في قصيدة ُ ف ي‬
‫الزوايا أو قريبا م ها أ حيث يقول الشاعر ‪:‬‬
‫ُ كطائر غريب‬
‫يستيقظ الخصب‬
‫يلقي إلى الماء أسئلته‬
‫كيف أضحى الرمل حجرا ؟‬
‫وأصبح التفتح للورد حزنا ؟‬
‫شفتي لوعة من ضباب‬
‫وفي يدي صار الماء مالحا‬

‫‪226‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫والغيوم سرابا‬
‫والخطى‬
‫أتعبتها الريح فهي‬
‫انكسار الرؤى‬
‫وانصهار السكاكين في‬
‫عتمة خبأتها الس ين‬
‫فمع تقارب حقول الخصب و الماء و قريبا م ها الطائر و الرمل و الورود ‪ ،‬و‬
‫التي تخلق جو ال ص و خلفيته ‪ ،‬اا ان اانصهار و السكاكين و الرؤى و الخطى و‬
‫السراب تفترق ع ها حقوليا و تبتعد أ ‪.‬‬

‫جماليات الصورة الشعرية ع د سجال الركابي‬

‫تبك البحر \ لِطَلبي \ موجة عاتية \ تُغ ِر ُق تر ّد َ‬


‫دك \ حف ة آليء \ ترتّق‬ ‫ِ‬
‫ُ ار َ‬
‫ٍ‬
‫ببسمة عاتية \ فيهرع الموج \ طالباً‬ ‫سأغمر َك \‬ ‫يبتك \ مالي وللمتر ّددين \‬
‫ر َ‬
‫ُ‬
‫\ طو َق نجاة أ‬
‫سجال الركابي‬

‫‪227‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫لطالما كانت الصورة الشعرية شغف الشعراء و المتذوقين ‪ ،‬و لطالما كانت‬
‫المظهر آبرز الكاشف عن شاعرية الشاعر و ف يته‪ .‬و بطبيعة الحال حي ما‬
‫نت اول أدب شاعرة كبيرة مثل سجال الركابي التي كتب عن أدبها الكثيرة‪،‬‬
‫يواجه اانسان صعوبة في ان يح ّقق اضافة في هذا الخصوص ‪ .‬اا ا ّن اامر‬
‫الذي يسهل المهمة هو التصورات محدثة عن الصورة الشعرية بأنظمة جوهرية‬
‫كليّة بي ا أسسها في أبحاث ال قد ال ظري ‪ ،‬هي المحتوى الصوري ‪ ،‬و الكيف‬
‫الصوري و الكم الصوري ‪.‬‬

‫المحتوى الصوري‬

‫تشمل أبحاث المحتوى الصوري الت اوات الجمالية للصورة ‪ ،‬من حيث‬
‫التركيب اللفظي و المع وي ‪ ،‬اي ما يحقق اابهار و الدهشة الذوقية ‪ .‬و شعر‬
‫سجال الركابي يتمظهر بمحتوى صوري و نظام لفظي و عالم مع وي ثري و‬
‫خاب ‪.‬‬

‫تقول في لوحة رفيعة لها ‪:‬‬

‫حيرتي الخرساء أ‬
‫وح في \عتمةِ َ‬ ‫ُدمعتك الصامتة \ عصافير ٍ‬
‫عسل \ ت ُ‬ ‫َ‬

‫و في بوح رقيق أ ّخاذ تقول ‪:‬‬


‫ببح ِة َخ َجل )‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ ا ترم بشبكة صيد \ إنثر توقَك دافئا \ أ ّ‬
‫ُغرد \ عيو َن نع ٍاع ّ‬

‫و في لغة شفيفة تقول ‪:‬‬

‫‪228‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ازورد \ ي ِ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫غيوم‬ ‫اقصك طائرة ورقيّة \ أش ّد َك … َ‬
‫نور‬ ‫تعال نسيما \ أر َ‬
‫ُ َ‬
‫التاشي أ‬

‫و في رسم مدهش بمعان و بوح و الفاظ آسرة تقول ‪:‬‬


‫حين‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫كفِ الرتابة \ أكتبُ ي \ ‪ ... ..‬بُستاناً َ‬
‫دهشة لعوب \ في ّ‬ ‫أرس ُم ي خط‬
‫ُ ُ‬
‫وانتحرت‬
‫ْ‬ ‫القلم \‬
‫ُ‬ ‫لق‬
‫ك \ إنز َ‬ ‫رسمت قلبَ َ‬
‫ُ‬ ‫رمضاء‪..\.‬لماذا‪ \... ...‬كلّما‬
‫أختار لوناً‪ \... ...‬ليس يُمحى‬
‫رسمت \ ُ‬ ‫ُ‬ ‫الخطوط‪...‬؟ \ ‪ ... ...‬سأمحو ما‬
‫‪ ...‬بالت ائي أ‬

‫‪-2‬الكيف الصوري‬

‫جزءنا الشعر الى وحدات ‪ ،‬لوجدنا تلك الوحدات هي الصور ‪ ،‬و لو‬ ‫لو انّا ّ‬
‫تمع ا في الصور لوجدنها ت تهي الى انظمة لفظية و انظمة مع وية‪ ،‬و ما يميز‬
‫ّ‬
‫الشعر عن الكام العادي انه يبتدع عاقات جديدة بين االفاظ و المعاني ‪ ،‬و‬
‫اهم ميزة للغة الشعر هي حصول حالة تجاوز واعتداء على‬ ‫من الواضح ان ّ‬
‫العاقة التاريخية الم طقية الكشفية و المرآتية بين اللفظ و المع ى ‪.‬‬

‫المتعمد عليها له اشكال‬


‫ّ‬ ‫انظمة هذا التجاوز و الكسر لهذ العاقة و الخروج‬
‫تلمس ثاثة اشكال عامة في الكيف‬
‫متعددة تحدد اسلوب الكتابة ‪ ،‬ويمكن ّ‬
‫الصوري الشعري ‪:‬‬

‫ااول ان يكون اابتعاد عن م طقيّة استخدام االفاظ غير كبير بمع ى اخر‬
‫يكون المجاز توظيفي واضح الدالة و يمكن ان نسمي هذا الشكل باللغة‬
‫الساك ة و من مصاديقها الظاهرة البوح التوصيلي ‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الثاني ان يكون اابتعاد كبيرا حتى يصل ح ّد التجريد و يمكن ان نسمي هذ‬
‫اللغة باللغة المتعالية و من مصاديقها البوح اايحائي و الرمزية و ومن مخاطر‬
‫هذا اللغة الغموض ‪.‬‬

‫متموجة هي صفة اللغة القوية‬


‫و الثالث ‪ :‬هو المزج بين ااث ين ‪ ،‬فتظهر ل ا لغة ّ‬
‫تتموج بين الرمزية و التوصيلية و هي من اصعب اللغات و أرقاها ع دي ‪.‬‬

‫ع د سجال الركابي جميع هذ ااشكال حاضرة ‪:‬‬

‫ففي لغة ساك ة ببوح توصيلي شفيف تقول ‪:‬‬


‫أهادنك ‪ ...‬فتج ح \ الى‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫مسالك خطرة \‬ ‫ضك ‪ ...‬فتجمح \ الى‬ ‫ُأرو َ‬
‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫شطآن موحشة‪... ... ...‬‬
‫ازدواج الائحة‪ ...‬؟؟؟ أ‬
‫ِ‬ ‫اك ‪ ...‬ا ترَكع‪\... ...‬‬
‫أيها التو ُق الشفيف \ أر َ‬

‫و في لغة متعالية بايحائية ف ّذة و عمق رفيع تقول ‪:‬‬

‫أساك على‬
‫أرواح ا‪ \ !...‬ضع َ‬ ‫تبادل ا‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُماذا لو‪ \ ...‬اتكئ ا على أحام ا \ َ‬
‫ك غيم َة بكاء \ تُ ِ‬
‫زه ُر سواقي نوٍر‪ \...‬بِ ٍ‬
‫همس شفيف \ لكن‬ ‫كتفي \ أ ِ‬
‫َغدقُ َ‬
‫ُ‬
‫الوقت ‪ \...‬موتوا أ‬
‫الطوطم يصفر‪ \..‬انتهى َ‬
‫ُ‬ ‫‪\ ...‬‬

‫و في لغة قوية تتموج بين التوصيل و الرمزية تقول سجال الركابي ‪:‬‬
‫ترددك \ حف ة آليء \ ترتق‬ ‫تبك البحر \ لِطَلبي \ موجة عاتية \ تُغ ِر ُق‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ار َ‬
‫ٍ‬
‫ببسمة عاتية \ فيهرع الموج \ طالبا‬ ‫سأغمر َك \‬ ‫يبتك \مالي وللمترددين \‬
‫ر َ‬
‫ُ‬
‫\ طو َق نجاة أ‬

‫‪230‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫من الماحظة و كما اشرنا اليه في ابحاث ال قد ال ظري ان هذا التمييز‬


‫اشكال اللغات انما ي بع من اختاف ااستجابة الجمالية لها ‪ ،‬حتى انه‬
‫يمك ا القول ان ال قاط الشعورية لاستجابة الجمالية للتعبير التوصيلي تختلف‬
‫ع ها في التعبير اايحائي ‪ ،‬في ما تكون الدهشة و اابهار ب قاط و عوالم‬
‫التذوق العادية البسيطة فان ااستجابة للجمالية اايحائية تكون في انظمة‬
‫وسائ طية معقدة ‪ ،‬تظهر حاوتها و رونقها ع د بلوغ اعماق الفكرة و بداعة‬
‫التعبير ‪ ،‬و ذلك كله يجتمع في اللغة القوية ‪ ،‬بمع ى اخر بي ما كل من اللغة‬
‫الساك ة و المتعالية تح ّفز نقاط استجابة مختلفة فان اللغة القوية تحفز ااث ين‬
‫وهذا مكسب ذوقي و شعوري و امتاعي ‪.‬‬

‫‪-3‬الكم الصوري‬

‫بالكم الصور مقدار الصور التي تتح ّقق في ذهن القارئ اث اء عملية‬
‫ّ‬ ‫نقصد‬
‫التل ّقي ‪،‬اي مقدار القراءات للصورة ‪ ،‬اي انها بحث في تشكل المع ى لدى‬
‫المتلقي ‪ ،‬فلو كان مجال الكم الصوري صغيرا كانت القراءات المتشكلة‬
‫واحدة او اث ين ا اكثر و تكون اللغة مباشرة ‪ ،‬و اما اذا كان واسعا فانه يكون‬
‫لدي ا قراءات متعددة حتى نصل الى ال ص المفتوح ‪ ،‬و من الماحظ للمتتبع‬
‫جل شعر سجال الركابي هو من القسم الثاني اايحائي ‪.‬‬
‫ان ّ‬

‫تتجلى اللغة ااولى في لوح بوح شفيف تقول فيها سجال الركابي ‪:‬‬

‫‪231‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ٍ‬
‫شطآن‬ ‫أهادنك ‪ ...‬فتج ح \الى‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫مسالك خطرة \‬ ‫ضك ‪ ...‬فتجمح \الى‬ ‫ُأرو َ‬
‫ّ‬
‫ازدواج‬
‫ِ‬ ‫اك ‪ ...‬ا ترَكع‪\... ...‬‬ ‫ِ‬
‫موحشة‪ \... ... ...‬أيها التو ُق الشفيف \أر َ‬
‫الائحة‪ ...‬؟؟؟ أ‬

‫جل اشعار الشاعر مثال لذلك و م ها مقطع‬


‫و اما الشكل الثاني فكما قل ا ّ‬
‫تساؤلي رقيق تقول فيه ‪:‬‬

‫فق \أي ير لمع ِ‬


‫البرق‬ ‫يات المستدامة \ آشذاءُ الصادحةُ ب ِر ٍ ُ ُ َ‬
‫ُ أيتها الذكر ُ‬
‫أصداء الدروب ِ‬
‫الموحشة؟ أ‬

‫و في كتابة تجريبية بعبارات تتخللها فراغات مقصودة اذ تقول و تكتب ‪:‬‬

‫أبحث‪ \ ... ...‬عن‬


‫ُ‬ ‫مجرةٍ أُخرى \ ‪...‬با جدوى \‬ ‫ِ‬
‫ُأَفر ‪ \ ... ...‬الى ّ‬
‫لمستُها أ‬ ‫ٍ‬
‫كدت أن ‪َ ...‬‬
‫همهمة \ ُ‬

‫و اظهر من ذلك في مقطع اخر ‪:‬‬


‫ُ ‪ ...‬المواويل تثاءبت ملل تكرار \ دوران\‪ ... ..‬ال بض ‪ ...‬حين تطل ‪...‬‬
‫\ القمر‪ِ - ...‬‬
‫اتشح نور خ ّد َك ‪ \-‬دوران‪ \...‬الترقب بعد‪-‬خيبة أمل\ ‪-‬‬
‫عطش في ِ‬
‫جفاء ناعور أُمِيات‪..‬أ‬ ‫بك \نهر ٍ‬ ‫حين يف ّكر َ‬
‫العقل ‪َ -‬‬

‫وهذا ااسلوب يرجع الى التعبيرية الشكلية بتوظيف البصريات ليس فقط ٓجل‬
‫اعمال قدرة القارئ اكمال الب اءات ‪ ،‬بل له دواعي تعبيرية ت اغم الفكرة و‬
‫الصورة فتكون في تكامل معها‬

‫‪232‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫جماليات أسلوب إحضار الكلي بالجزئي‬

‫في ديوان ُ طيف آصيل أ للشاعر العراقي ضمد كاظم وسمي‬

‫آدب شعور باللغة و إحساس بها و إبحار في أعماقها و كشف عن‬


‫أسرارها و عبقريتها ‪ ،‬ليس اادب تعقيدا للخطاب ‪ ،‬و ب اءات متجافية جافة‪.‬‬
‫و لقد رأي ا و أحسس ا بالخسارة التي سببتها ااعمال المتجافية و المعقدة‬
‫لكثير من ادب الحداثة التي ا زال تأثيرها السلبي مستمرا ‪ ،‬متسببا في عزلة‬
‫آدب ‪ ،‬و افتقار للشعبية و التأثير على الجماهير ‪.‬‬

‫إن الخطوة المهمة التي قطعتها نظرية ال قد المعاصرة في العقود ااخيرة‬


‫باانتقال بجرأة من الم اهج الوصفية كالب يوية و التفكيكية غير الفعالة الى‬
‫الم اهج ااكثر تماسا مع ظاهرة اابداع و الجمال متمثلة بااسلوبية ‪ ،‬هذ‬
‫الخطوة اطلّت بواقعية اكبر على عملية اابداع و مظاهر الخارجية في‬
‫ال صوص ‪ .‬و لحقيقة معاناة ااسلوبية من اشكاليات تبعدها عن جوهر اادب‬
‫و حقيقة جماله ‪ ،‬بي اها تفصيا في مقال ا ُ نقد ال قد ااسلوبي أ كانت‬
‫ااسلوبية التعبيرية هي ااقرب من ظاهرة اابداع و الجمال اللغوي ‪.‬‬

‫في ديوان ُ طيف آصيل أ للشاعر العراقي ضمد كاظم وسمي ‪ ،‬نجد‬
‫لغة تعبيرية عالية ‪ ،‬حيث نجد اإمتاع حاضرا ‪ ،‬و الهدف و اضحا ‪ ،‬و‬

‫‪233‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫آسلوب الف ي العالي جليا ‪ .‬حيث تتجلى هذ الع اصر في مواطن كثيرة و‬
‫تلمس أسلوبيات إمتاعية و جمالية و إبداعية‬
‫مواضع بارزة في ال ص ‪ ،‬إذ يمكن ّ‬
‫كثيرة في الديوان ‪ ،‬اا انّا س رّكز ه ا على أسلوب فذ و عالي المستوى في‬
‫الكلي بالجزئي ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اللغة التعبيرية في الديون هو أسلوب إحضار‬

‫الجمالية المتحققة في احضار الكلي بالجزئي تعتمد في جزء كبير م ها‬


‫على عملية القراءة و التلقي ‪ ،‬بمع ى آخر ا ّن هذا ااسلوب من ااساليب التي‬
‫تعتمد في امتاعها على المتلقي و عملية القراءة ‪.‬‬

‫ان استحضار الكلي بالحديث عن الجزئي يخرق م طقية التخاطب في‬


‫ثاث جهات ‪ ،‬ااولى من جهة القول و الثانية من جهة اللغة و الثالثة من جهة‬
‫المفهوم ‪ ،‬فالخرق الحاصل على مستوى الكام ‪ ،‬يتحقق بكون القراءة تص َدم‬
‫ط‬
‫تؤجل ‪ ،‬و الخ ّ‬
‫بان درجة الصفر الكامية التي ت تجها قراءة الجملة التخاطبية ّ‬
‫البياني للفهم يرت ّد الى نقطة البداية في عملية هدم للفهم و ب اء جديد فيكون‬
‫تعبيري واحد كما هو مبين بالشكل التالي ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫لدي ا خطابين حاضرين في تركيب‬

‫اث اء عملية التلقي ي طلق الفهم مع اول الكام من نظام واسع من‬
‫ااحتماات الدالية ‪ ،‬و مع كل مفردة اضافية يتضيق حقل الدالة و يتشخص‬
‫المراد اكثر فاكثر ‪ ،‬حتى يصل الى نقطة الصفر و هو الجملة التامة المفيدة‬

‫‪234‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الواضحة الدالة ‪ ،‬اا ان ما يحصل في استحضار الكلي ‪ ،‬انه بعد توقع‬


‫المتلقي ان الحديث كان عن الجزئي المعين و انه احكم الفهم و الفكرة ‪،‬‬
‫لك ه بعد ااقتراب من درجة الصفر الدالية ‪ ،‬يحصل ارتداد و توسع و عودة‬
‫الى ااحتمالية الدالية فترتد عملية الفهم الى المرحلة ااولى حي ما يصبح‬
‫التعبير و الخطاب عن الكلي ‪ ،‬هذا الشكل من التعبير فيه خرق واضح و‬
‫موسع و‬
‫صادم للتخاطبية و التداولية ‪ ،‬وهو المحقق اسلوب جمالي تعبيري و ّ‬
‫معظّم لطاقات اللغة و كاشف عن عبقريتها ‪.‬و يصاحب ذلك اهتزاز كبير في‬ ‫َ‬
‫مرجعيات اللغة و حقول المع ى و عاقة اللفظ بالمع ى ‪ ،‬كما انه يولد توسع‬
‫ملحوظ في المفهوم لموضوعات الحديث من جزئي و كلي ‪.‬‬

‫ديوان ُ طيف ااصيل أ ‪ ،‬مجموعة شعرية للشاعر و الباحث العراقي ضمد‬


‫كاظم وسمي ‪ ،‬إصدار دار الصداقة للثقافة وال شر االكتروني س ة ‪، 2010‬‬
‫يحتوي الديوان على ستة عشر نصا متوسط الحجم من قصائد نثر و تفعيلة ‪.‬‬
‫في هذا الديوان نجد إستحضار الكلي بالجزئي متكررا كثيرا ‪ ،‬ففي قصيدة‬
‫اسرار الوردة ‪ ،‬و بعد حديث الشاعر عن وردته و انوثتها الى ان يقول ‪:‬‬

‫ُ تساقط أيها الثلج‬

‫فوردتي ليست في آجامها‬

‫فلتت من أناملي‬

‫كسمكة مزقت شباكها أ‬

‫الى ه ا القارئ ي تقل بال ص الى حقول جزئية للوردة و اانثى و المشاعر‬
‫يحس‬
‫ّ‬ ‫الوجدانية و الخيبة و الحزن الخاص في تلك العاقة المرسومة ‪ ،‬و‬

‫‪235‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫القارئ انه امتلك زمام الفهم و ال ص و انه اقترب من درجة الصفر الدالية و‬
‫ليس من احتماات اضافية ‪ ،‬اا انه بعد ذلك يقول الشاعر ‪:‬‬

‫ُ شعرة رمادية تعانق روحي‬

‫فشعرت باختاج الغروب‬

‫وصرير آبواب يقايض ي أ‬

‫ه ا يحصل ارتداد و اهتزاز في التلقي و دخول للشك في ذهن القارئ ‪،‬‬


‫يجعله يقلل من ايمانه بما توصل اليه من فهم و من حقول ‪ ،‬بعدها يقول‬
‫الشاعر ‪:‬‬

‫ُ عبوس السماء‬

‫وعويل آشياء‬

‫والزمن المتدحرج كرأس‬

‫فوق مقصلة آيام‬

‫يستهوي اللصوص‬

‫خلف الجدران‬

‫‪236‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ه ا يحصل قطع ع د المتلقي ا ّن الخط البياني الذي رسمه و تلقا لم‬


‫يكن هو القصد الواقعي فتتوسع الدالة و تعود ااحتمات كما ااول ‪ ،‬و ترتد‬
‫عملية الفهم الى نقطة البداية ‪ ،‬وه ا تحصل الصدمة و اابهار ‪ .‬ثم يقول‬
‫الشاعر ‪:‬‬

‫ُ وقلبي يقفز‬

‫خارج أضلعي‬

‫لك ي اختبئ‬

‫داخل قلبي !‬

‫من خلف القضبان‬

‫يشايع اللصوص‬

‫نعش وردتي‬

‫التي قضمت الظام‬

‫ب ور أوراقها المتطايرة‬

‫وثلمت أ‬

‫وه ا يحصل خرق لمرجعيات اللغة و التلقي ‪ ،‬بانزياح لغوي و انزياح‬


‫نصي ناتج عن التوسع و اارتداد الصادم احتمات الدالة ‪ ،‬و ي تقل الكام‬

‫‪237‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫من الجزئي و الوردة الى الكلي اانتمائي و اانساني ‪ ،‬فيكون للمفردات معان‬
‫غير معانيها اللغوية و ا معانيها ال صية ‪ ،‬بمع ى اخر يحصل ه ا انزياح مزدوج‬
‫على مستوى المرجعية اللغوية للمفردة و على مستوى المرجعية ال صية لها ‪.‬‬
‫وهذا ااسلوب يحقق صدمة و ابهارا و امتاعا جماليا واضحا ‪.‬‬

‫و في قصيدة ُ طيف ااصيل أ بعد ان تح ّدث الشاعر عن زهرته العبقة‬


‫بخطابات وجدانية و يقول لها ‪:‬‬

‫ُ كيف ادخل‬

‫خدرك الم مق؟‬

‫فامزق ع ه ااوهام‬

‫بعدما رمزت حقائبك‬

‫و شددت رحالك‬

‫للسفر البعيد‬

‫فأدميت قلبي العميد أ‬

‫لك ا نجد انه بعد ذلك يقول ‪:‬‬

‫ِ‬
‫رمت ان تريهم ال ظرة‬

‫فهتفوا‬

‫‪238‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الى مهافي الفترة أ‬

‫ه ا يحصل ارباك فهمي بكسر التوقع و يحصل اهتزاز في مجال الدالة‬


‫بعد شعور القارئ بااقتراب من صفر القراءة ‪ ،‬ثم تتوسع الدالة اكبر في قوله‬
‫‪:‬‬

‫ُ دللتهم على شعاع الشمس‬

‫في ضحى الجمال‬

‫فعكفوا على‬

‫خفافيش الكهوف أ‬

‫وه ا يحصل ارتداد في نظام ااحتماات و تعود القراءة الى مربعها ااول‬
‫فيتحول الكام من الجزئي الى الكلي الذي يدل على الشمس و الجمال و‬
‫الكلي الذين عكفوا على خفافيش الكهوف ‪ ،‬و بهذا اارتداد تحصل الصدمة‬
‫و اابهار و يتحقق اامتاع ‪.‬‬

‫و بهذا ااسلوب السلس العذب ‪ ،‬و العالي الف ية ت تظم قصائد ضمد‬
‫كاظم وسمي في لغة تعبيرية فذة و مميزة في ديوانه ُ طيف آصيل أ الذي‬
‫أبدع فيه الشاعر بقصائد نثر كما هو مبدع في قصائد الموزون و القافية ‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫اللغة العميقة ع د إيمان مصاروة‬

‫ااستجابة الجمالية عمليّة عقليّة ‪ ،‬و كلّ ما يخالف ذلك من قول‬


‫يفتقر الى الواقعية ‪ ،‬و في تلك العملية تحصل حاات ت ّقل للفكر بين مواطن‬
‫التوهج هو مصدر اإبهار و ال ّدهشة‬
‫توهج لعاقات بي ها ‪ ،‬ذلك ّ‬‫اإدراك ‪ ،‬و ّ‬
‫تجا العمل الفّي ‪ .‬إ ّن في عمق التجربة اإنسانية عالم للمفاهيم و الرؤى ‪،‬‬
‫بقدر اإضاءة التي تحصل فيه تكون اإثارة و اإذعان ‪ .‬و في ذلك الفضاء‬
‫حقول شعورية و فكرية ‪ ،‬و بإعماق مختلفة بقدر ما يخترق الخطاب العمق ‪،‬‬
‫يكون اإبهار‪.‬‬

‫اللغة العميقة تحقق إبهارا و دهشة جمالية ب فوذها الى اعماق ال فس ‪،‬‬
‫مضيئة مواطن للشعور و الفكر ‪ ،‬و لس ا نريد باللغة العميقة الب ية العميقة‬
‫حا لفكرة الجمال ‪ ،‬و تبقى‬
‫التوليدية فإنّها من اإبحاث اللغوية التي ا تق ّدم ّ‬
‫‪240‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫في إطار الوصفية ‪ ،‬و إنّما نريد بها ما يامس العمق و ما يثير آعماق ‪ ،‬تلك‬
‫البساطة العميقة في ا ‪ ،‬ه ا نحاول فهم وجدان ا البسيط و عالم ا العميق‬
‫المت اهي في البساطة المعقدة ‪ .‬ان اإبهار العالي الذي تحققه اللغة العميقة‬
‫يجعلها أحد اهم شكال اللغة القويّة ‪ ،‬التي يتكامل فيها البوح مع الف ية ‪،‬‬
‫فاللغة العميقة تعتمد في قوتها على ما تحدثه من إبهار عميق ‪ ،‬تق ّدم ل ا أعماق ا‬
‫جوهرة نقية بكل بساطة و سالة ‪.‬‬

‫ليست اللغة العميقة لغة قويّة بما تحدثه اللغة من إضاءة لأعماق‬
‫فحسب تتح ّقق لها مساحة تستقي حدودها من حجم الدالة و حقولها ‪ ،‬وهذا‬
‫شكل من اشكالها ‪ ،‬و يمكن ان نسميه العمق الدالي ‪ ،‬و انما ايضا تتجلى‬
‫قوة اللغة العميقة بأسلوب يعتمد على اإدهاش باإنعطاف في م طقية القراءة ‪،‬‬
‫ّ‬
‫اذ ان لكل كتابة م طقية حين قراءتها ‪ ،‬تميل الى الهدوء ‪ ،‬لكن باإنعطافات‬
‫هزة قراءاتية ت فذ الى العمق ‪ ،‬طارقة إعماق ال فس ‪ ،‬مح ّققة‬
‫الشديدة تحدث ّ‬
‫ذروة صورية و شعورية بارزة ‪ ،‬فت تهي بشكل يختلف عن الشكل الذي ت تهي به‬
‫غيرها ‪ ،‬وهذا ما نسميه عمق الصدمة ‪.‬‬

‫شعر الشاعرة الفلسطي ية المدبعة إيمان مصارة يشتمل على نموذجين‬


‫من اللغة العميقة وهو عامة ثراء يختلفان في اإسلوب التعبيري و تق ية‬
‫ااداء ‪ ،‬ما بين القاموس المفرداتي و اايحاء الدالي المرتكز على المعاني‬
‫يتلمس عمق لغتها القوية بإدراك و تتبع ما‬
‫العميقة و تب ي القضية و اإنتماء ‪ ،‬ف ّ‬
‫يضاء بهما من عوالم ‪ ،‬و بين اإسلوبية بإعتماد اإنعطاف الكامي ‪ ،‬فتتباع‬
‫قوتها و عمقها بآثار الصدمة و اإدهاش ‪.‬‬
‫سبيل هزني \ وهوى على‬
‫في ُقدري أنا أيقونةٌ ونداء أ البوح العميق ُقدري ٌ‬
‫\‬ ‫جسدي‬

‫‪241‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫اب أ ه ا عمق دالي قاموسي ‪ ،‬فانه القدر الضارب في العمق ‪،‬‬


‫فأدماني السر ْ‬
‫المتحكم بالذات و تش ّكلها ‪ ،‬و الذي ا مهرب م ه ‪ ،‬في كشف على يديه‬
‫السراب ‪ ،‬المؤلم ‪ .‬و وسط جريان هادئ تأتي اإنعطافة أو الذروة ‪ ،‬ف احظ ُ‬
‫قدري سبيل هزني وهوى على جسديأ الى ه ا الفكر ياحق الصورة و يتأملها‬
‫بت اغم و جريان يمسك بحدود و زمامه أ لكن حي ما يأتي المقطع ُ فأدماني‬
‫الهزة و الصحوة القراءاتية ‪ ،‬انها خاتمة مبكرة لصورة‬
‫السراب أ تحدث مثل ّ‬
‫أهم مميّزات اللغة العميقة الصادمة أنّها لغة تعتمد‬
‫معل ة عاشها القارئ ‪ .‬من ّ‬
‫الضربة و ال قرة ‪ ،‬بعبارة ثانية ان المقطع في اللغة العميقة الصادمة يمثل ادبا‬
‫م فردا مكتفيا بذاته ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كطفلة‬ ‫أحلم بالحياةِ \‬
‫و في ذات ال ص حيث تتاشى آماني ُكم ك ت ُ‬
‫ليغتال الم ى أ انّه و‬
‫الموج \يرقبها َ‬ ‫تدرك بأن‬ ‫ِ‬
‫الشطآن \أم يةً ولم ْ‬ ‫كتبت على‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫با ريب إستحضار و إختصار لتجربت ا العميقة بقاموسية الكتابة و ما وراءها من‬
‫المترسخ في نفوس ا ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫داات ‪ ،‬و لليد الخاطفة لاماني و ااحام ‪ ،‬انّه العجز‬
‫و كما نرى بوضوح التراكيب و العاقات تجري و اافكار ت سج و الصورة‬
‫تتشكل بهدوء و بشكل هامس ‪ ،‬حتى نصل الى الصدمة ُ ولم تدرك بأن‬
‫الموج يرقبها أ الى ه ا في الواقع ذروة صورية و تحقيق إدهاش و صدمة بحيث‬
‫يمكن ااقفال ‪ ،‬اا ان الميل البوحي و الشعور ع د الكاتبة بطرق ذروة اخرى‬
‫بالتعليل ُ ليغتال الم ى أ هذ ذروة صورية اخرى تضرب عميقا في ال فس ‪ ،‬و‬
‫من الماحظ محافظة كتابة الشاعرة في اإنعطافات الصادمة على الوحدة‬
‫المعهودة فا تصل مرحلة التشظي ‪ ،‬و ربما يرتبط ذلك الى كتابتها الشعر‬
‫الموزون ‪ ،‬و يبدو ذلك أيضا في التقابات بين عباراتها و كانّها ت سج أبياتا‬
‫ُتسكب السماءُ ن َارها \على‬
‫ُ‬ ‫للقصيدة ‪ ،‬ففي مقطوعة تقترب من الهايكو‬
‫الشهداء \ يصعدو َن إلى ِ‬
‫اه‬ ‫ِ‬ ‫الكثير من‬ ‫الفرح \\\\\‬
‫ِ‬ ‫أن ِ‬
‫فاس‬
‫َ‬ ‫ُ‬

‫‪242‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ِ‬
‫الخيمة وآجساد أ تقابل واضح‬ ‫ِ‬
‫أشاء‬ ‫تأكل ماتب ّقى من \‬
‫\\\\\\الّ ْار ُ‬
‫بين ثاثة مقاطع بلغة وامضة مكثفة بداات تخترق العمق السماء ب ارها و‬
‫أنفاس الفرح و الشهداء الصاعدون الى السماء ‪ ،‬و ال ار التي ا تأكل اا‬
‫الخيمة و آجساد ‪ ،‬و الذي به ت عطف اللغة محققة صدمة و نفاذا أخر نحو‬
‫العمق ‪.‬‬
‫وك‬ ‫اب بأُ ْذ ِنه م از َ‬
‫لت حي اً يافتى \إذ ودع ْ‬ ‫مس الغي ُ‬
‫ُه َ‬
‫و في جوارح ا تغفو َ‬
‫ايات إنتص ا ٍر أ مقطع بلغة مكثفة كل مفردة‬‫\وتسير فو َق أكفهم \ تسمو كر ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫تتعمق في س احات الدالة العميقة فالغياب الذي خطف الشهيد ‪ ،‬همس بإذنه‬
‫‪ ،‬إنه الهمس العميق للغياب ‪ ،‬بالحياة الحقيقة ‪ ،‬التي تعلو على هذ الحياة ‪،‬‬
‫أكف‬
‫إنها قدسية الشهادة المتج ّذرة في نفوس الثائرين حي ما يسير على ّ‬
‫الحاملين ‪ ،‬هو ليس غائبا بل هو راية إنتصار و نبراس لإجيال ‪ .‬ه ا إيضا‬
‫تتجلى القدرة العالية للكاتبة على ص اعة الذورة الصورية و طرق اعماق الشعور‬
‫‪ ،‬اذ بعد المجازات الشفيفة و الرقيقة و الح ونة ‪ ،‬و جريان التعبير وفق هدوء‬
‫و اضح ‪ ،‬تعلو اللغة و ت عطف كصوت عال في عبارة ُو تسمو كرايات إنتصار‬
‫هزة قراءاتية و ذروة تعبيرية تضرب بالعمق ‪.‬‬
‫أ فتحدث ّ‬
‫والحرف‬
‫ُ‬ ‫والبحر وآشاءُ \‬
‫ُ‬ ‫والحرب \‬
‫ُ‬ ‫ُالحب‬
‫ُ‬ ‫و في الحرب و الحب‬
‫أنات الثكلى في‬ ‫نيم \جحافل الغر ِ‬
‫بان \ ُ‬ ‫ابل الضوء الز ِ‬
‫ُ‬ ‫آخير ووجهها \وق ُ‬
‫\ ُ‬
‫غير الوضاعة أمقطوعة تلخص‬ ‫أكتب ما أرى َ‬
‫ُ‬ ‫حين‬
‫لست غيري \ َ‬‫خزاع ْة\ ُ‬
‫تأريخا رهيبا من الخسارات ي فذ الى إعماق الشعور ‪ ،‬بحقول دااته الحزي ة ‪،‬‬
‫تتميز بها الشاعرة تظهر عبارة ُ لست غيري حين أكتب أ‬
‫و بإنعطافة ملحوظة ّ‬
‫ثم ياتي التعليل إذ ا شيء سوى ُ الوضاعة أ ‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫لطالما كان ال ص مصدر إشعاعا لل ظريّة آدبية و المرتكز آسمى لب اء تلك‬


‫ال ظريّة و تكاملها ‪ ،‬و ه ا تق ّدم ل ا لغة إيمان مصاروة نموذجا للكتابة العميقة‬
‫بشكلين مختلفين و بثراء بيّن ‪.‬‬

‫شجن أ إيمان مصاروة‬ ‫ِ‬


‫ات على مفارق ْ‬
‫اللغة المتقابلة في ُ عبار ْ‬

‫يسكب جمراً \ يوري للبدء عيوني‬


‫ُ‬ ‫عسل م ّر‬
‫ُ أن القهو َة عش ْق مثلي \ ٌ‬
‫ٍ‬
‫بصمت‬ ‫يلثم وجهَ الحز ْن \‬ ‫الليل بفج ِر \ عابق ‪ ،‬كانت مثلي‬
‫تعشق مرا ُ‬
‫ُ‬ ‫يختتم َ‬
‫ُ‬ ‫‪،‬‬
‫كي نكتب قصت ا شعرا أ‬

‫إيمان مصارة‬

‫ع في أشكال لغة الكتابة ‪ ،‬و تع ّدد‬


‫من مظاهر سعة تجربة آديب الت ّو ُ‬
‫أطراف وعوالم العمق التي يشرق أدبه عليها ‪ ،‬و إيمان مصارة في م اسبات‬
‫ع ّدة تُظهر سعة في التجربة اادبية بت ّوع ف ّذ في شكل الكتابة ‪ .‬فبي ما يتجلّى‬
‫أدب القضية و يتعالى صوت البوح و التركيز الموضوعي في قصائد نموذجية‬
‫لها بلغة متسلسلة ‪ ،‬نجدها في قصيدة ُ عبارات في مفارق شجن أ أظهرت‬
‫متحررة من أحد طرفي م طقية الكتابة ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ص بلغة ّ‬ ‫تحررا من التسلسلية ف ُكتب ال ّ‬
‫ّ‬
‫الحرة و لقد أسمي ا في أبحاث ا اللغة المعلّقة ‪ ،‬و قد‬
‫وهذا أحد أشكال اللغة ّ‬
‫مثل ا لها بانّها كع اقيد الع ب ‪ ،‬معلّقة بشجرتها و موضوعها العميق و فكرتها‬
‫آصل الذي يكون كجدارية خلفية و سماء صافية تملؤها آلوان و ال جوم ‪،‬‬
‫الملونة ‪.‬و لقد كانت تلك‬
‫كما تت اثر ع اقيد الع ب على شجرتها كال جوم ّ‬
‫الحرية المعلقة بأسلوب ف ّذ ورصين هو التقابل اللغوي ‪ ،‬بالجمع بين ااضداد‬
‫‪244‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫اما نصيّا او جمليا ‪ ،‬هذا ولقد اطلعت على كتابات إيمان مصارة سابقة تقترب‬
‫من الهايكو بلغة متشظيّة ‪ ،‬محققة الشكل الثائر للغة الحرة و التي نسميها‬
‫تتحرر من مط قيّة اللغة نحو التجريد فتكون وحدة‬
‫اللغة المتشظية التي ّ‬
‫القصيدة بما صدرت ع ه من أحاسيس و لحظات شعورية و فكرة عميقة و‬
‫قضية متمثلة ‪.‬‬

‫ص على نصوص ‪ ،‬اا انّها‬‫لقد أجادت التفكيكية في القول بإشتمال ال ّ‬


‫أخفقت في قولها ا ّن ما يقوله ال ص خاف ما يقوله المؤلف ‪ ،‬اذ قد بي ما في‬
‫مقاات سابقة ا ّن ال ص يشتمل على نصوص في عملية القراءة اا ا ّن تلك‬
‫ال صوص توافق ما يقوله المؤلف و ت اغمه و تست د الى إرادته ‪ .‬و نحن ه ا‬
‫س بين مظاهر الوحدة و التشظي التي اعتمدتها الشاعرة إيمان مصاروة في‬
‫قصيدتها ُ عبارات على مفارق شجن أ ‪ ،‬و أساليب تحرير اللغة و واإمساك‬
‫بها ‪ ،‬لي تج ل ا نص بلغة متوهجة عالية يشتمل على التقابل و التضاد اللغوي ‪.‬‬

‫شجن أ نموذج للغة الملع ّقة ‪ ،‬لغة ع اقيد‬ ‫قصيدة ُ عبارات على ِ‬
‫مفارق‬
‫ْ‬
‫الع ب الذي تسبح فيها الصور كالكواكب الدرية المضيئة في فضاء رحب ‪ ،‬و‬
‫كأنك امام نص من خمسة فصول ‪ ،‬بموضوعات مختلفة ‪ ،‬و بيانات مت وعة اا‬
‫ا ّن أشعة عميقة و ظاهرة تش ّد أطراف ال ص و زوايا ‪ ،‬محققة وحدة القصيدة‬
‫رغم الفصل الشكلي و المع وي ‪.‬‬

‫آشعة الكتابية التي تك ّفلت بخلق عالم القصيدة و ترتيب مجاات‬


‫البوح و الدالة ‪ ،‬و فضاءات الفكر و المع ى ‪ ،‬تمظهرت بع اصر أسلوبية‬
‫متعددة ‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫في الع وان كلمة ُ عبارات أ ‪ ،‬وهي دالة على التع ّدد ‪ ،‬و لم تضف الى‬
‫أسم لكي يتحقق اانتماء اليه فتعرف به ‪ ،‬و انّما اتكأت على حرف الجر و‬
‫الظرفية ‪ ،‬في دالة واضحة على ا ّن لدي ا عالما من الكواكب يسبح في سماء‬
‫واحدة ‪ ،‬و ا ّن لدي ا ع اقيد ع ب كتابية معلقة بشجرة واحدة ‪ .‬و يزيد هذا‬
‫اامر وضوح ا السكون الذي أرادته الشاعر في كلمة عبارات في الع وان‬
‫شجن أ وهو يدل على التوقف و اانقطاع و ااستقال ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُعبارات على مفارق ْ‬‫ْ‬
‫اذن لدي ا كتل كتابية مستقلة بموضوعات و معرفات خاصة بيها ‪ ،‬متشخصة‬
‫بذاتها ‪ ،‬ا يجمعها موضوعي كتابي اا موضوعها العميق ‪ ،‬و غير متكئة على‬
‫معرف تُعرف به غير قضيتها و فكرتها آساس و ما تبوح به ‪.‬‬
‫ّ‬

‫نص سماء او خلفية ُ‪ background‬أ تلك الخلفية تمثّل‬ ‫لكل ّ‬


‫ّ‬
‫الجو ااحساسي العام ‪ ،‬و المسحة الشعورية المخيّمة على ال ص ‪ ،‬و هذا‬
‫التش ّكل الفضائي الخلفي هو أحد ع اصر الوحدة و اانسجام في ال ص ‪ ،‬و‬
‫جو العام و خلفيته ااحساسية تتكون بمجموعة من الع اصر‬
‫صو ّ‬ ‫سماء ال ّ‬
‫اهمها قاموس المفردات و التراكيب ‪ .‬و في قصيدة ُ عبارات على‬
‫ااسلوبية ّ‬
‫مفارق شجن أ تحضر مجاات معي ة بذاتها في ال ص ت بث في فصوله خالقة‬
‫الت اغم و اانسجام الهامس و الخفي ‪ ،‬وه ا تبرز مقدرة الشاعرة على رؤية ما‬
‫خلف اللغة حي ما تبوح و تكتب ‪.‬‬

‫مفردات ال ص تتوزع في مجاات مع وية ‪ ،‬فالقاموس العام للمفردات‬


‫يخيم عليا الحزن و الوجع و اللوعة ُ مفارق ‪ ،‬شجن ‪ ،‬محاورة ‪ ،‬افترق ا ‪،‬‬
‫ظ دمع ا ‪ ،‬ألمي \ مراراً ‪ ،‬الوج ِع ‪ ،‬الملتاعُ أ ‪ ،‬و ايضا‬
‫الصباح‪ ،‬ايق َ‬
‫َ‬ ‫عابس ‪ ،‬قتل‬
‫ٌ‬
‫قبال ذلك مفردات اامل و التطلع ُنحيا ‪ ،‬عاشقي ِن ‪ ،‬لح اً ‪ ،‬صباحي ‪،‬الشذا‪،‬‬
‫ظ ‪ ،‬سقى ‪ ،‬ال دى ‪ ،‬وحياً ‪ ،‬يروي ‪ ،‬العبور ‪ ،‬الحبأ ا ّن هذا‬ ‫شفا ِ ‪ ،‬الورد ‪ ،‬ايق َ‬

‫‪246‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الفضاء الجامع بين مجاات متضادة و مع ميل للمجال ااول من الشجن و‬


‫آسى ‪ ،‬يح ّقق نموذجا للغة متقابلة متضادة خاقة ‪،‬و نجد ذلك التقابل ا‬
‫يقتصر على الحضور القاموسي بل في التركيب اآني وهو اقصى اشكال‬
‫التضاد التعبيري ُ‬

‫ُ ولم نزل في \ البعد نحيا عاشقي ِن أ‬

‫الصباح على شفا ِ \الورد أيق َ‬


‫ظ دمع ا وسقى ال دى وحياً أ‬ ‫َ‬ ‫ُ قتل‬

‫العشق أ‬ ‫يكتب قافيةً فيها‬ ‫آثر أن‬ ‫ِ‬


‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أزداد مراراً \ ْ‬
‫حين َ‬ ‫ُ ألمي كالقهوة ْ‬

‫حتى تصل الشاعرة الى ذرة البوح و الكشف عن اسرار الكتابة ه ا‪:‬‬

‫يسكب جمراً \ يوري للبدء عيوني‬


‫ُ‬ ‫عسل م ّر‬
‫ُ أن القهو َة عش ْق مثلي \ ٌ‬
‫ٍ‬
‫بصمت‬ ‫يلثم وجهَ الحز ْن \‬ ‫الليل بفج ِر \ عابق كانت مثلي‬
‫تعشق مرا ُ‬
‫ُ‬ ‫يختتم َ‬
‫ُ‬ ‫‪،‬‬
‫كي نكتب قصت ا شعرا أ‬

‫لو احظ ا العبارات ااخيرة نجدها تجمع بين المتضادات بشكل ظاهر‬
‫تأسس لأمل و بزوغ الفجر بعد الليل و العسل بعد المرارة و‬‫و مذهل ‪ ،‬و ّ‬
‫القصيدة بعد آلم أ انّها قصيدة ااستذكار و اام يات انها قصيدة الرغبة و‬
‫الرؤية ‪.‬‬

‫‪247‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫القصيدة فيها بوح عالي وخطاب و رسالة و كل ذلك يتخفى خلف‬


‫رمزية رقيقة ومجاز و اشارات هامسة تتميز بها اللغة الجميلة ٓيمان مصارة ‪،‬‬
‫بل كان لذلك المجاز و ااستتار حضور ظاهري ه ا ُولم يزل يروي العبور‬
‫مرت ِ‬
‫بذات الحب \واستترت ب ا \قل للمج از أ‬ ‫\ ْ‬

‫اما التراكيب فيخيّم عليه ااستذكار و التساؤل والمحاورة بين المتكلم‬


‫و المخاطب و ثالث ‪ ،‬نتتبعها في ال ص و س شير لاختصار الى كل فصل‬
‫برقم ‪.‬‬

‫طفلين ‪ ،‬ك ا نحب ‪2ُ ،‬أ‬


‫ْ‬ ‫نحب كأي‬
‫من صيغ ااستذكار‪1ُ ُ :‬أ ك ا ُ‬
‫هي ذي تعي ُد \عبارتي لح اً صباحي \الشذا كانت ه ا أ‪3ُ ،‬أ الم تقل يوم‬
‫ذات القتيل‬ ‫مت على طرف اللمى ‪ ،‬على فر ٍ‬
‫اق ك تهُ \ َ‬ ‫افترق ا ُ‪ 4‬أ ياسمرًة ُر ِس ْ‬
‫س أن‬ ‫ِ‬
‫أزداد مراراً ‪ ،‬وفيها مانسي الملتاعُ \ ومالم ي َ‬
‫حين َ‬ ‫ُ‪5‬أ ألمي كالقهوة ْ‬
‫وجه الحز ْن أ‬
‫يلثم َ‬
‫تعشق مرا ُ‬
‫ُ‬ ‫القهوةَ عش ْق مثلي ‪ ،‬كانت مثلي‬

‫ِ‬
‫الكون ؟‬ ‫قال أن الشمس ا تغفو بعقر‬
‫و من صيع السؤال ُ ُ‪2‬أ من َ‬
‫عابس ‪ .‬وهو مع الجوابات و المخاطبة‬‫ليلك \ ٌ‬ ‫‪3ُ،‬أ الم تقل يوم افترق ا ان َ‬
‫نحب‬
‫تتحقق المحاورة بل ان ال ص يصرح بالمحاورة حيث تقول الشاعرة ُك ا ُ‬
‫ِ‬
‫محاورة الس ي ِن ولم نزل في\ البعد نحيا عاشقي ِن أ‬ ‫طفلين إستقاما في \‬ ‫كأي‬
‫ْ‬

‫و من مجال الزمن تحضر مفردات الزمن الماضي ت بث في جميع‬


‫الفصول ‪:‬‬

‫‪248‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫نحب ‪2ُ ،‬أ هي ذي تعي ُد \عبارتي لح اً صباحي \الشذا‬ ‫ُ ُ‪1‬أ ك ا ُ‬


‫مت على طرف اللمى‬ ‫كانت ه ا ‪3ُ ،‬أ الم تقل يوم افترق ا ‪4ُ ،‬أ ياسمرةً ُر ِس ْ‬
‫تعشق مرا ‪5ُ ،‬أ ألمي‬
‫ُ‬ ‫ذات القتيل ‪5ُ ،‬أ كانت مثلي‬ ‫اق ك تهُ \ َ‬ ‫‪4ُ،‬أ على فر ٍ‬
‫أزداد مراراً أ‬
‫حين َ‬ ‫ِ‬
‫كالقهوة ْ‬

‫و في قبال هذا ال داء الماضوي و ااستذكار يحضر اادراك بالحاضر‬


‫و ااستمرار‪:‬‬

‫ُ ُ‪1‬أ ولم نزل في \ البعد نحيا عاشقي ِن ‪2ُ ،‬أ هي ذي تعي ُد \عبارتي‬
‫يختتم‬
‫ُ‬ ‫‪3ُ ،‬أ ولم يزل يروي العبور ‪4ُ ،‬أ لكي تكون ‪5ُ ،‬أ يوري للبدء عيوني‬
‫الليل بفج ِر أ‬
‫َ‬

‫و لم يكن الحضور لع اصر الزمن هو التقابل الوحيد لهما بل نجد تق ية‬


‫عالية و واضحة للشاعر و يبدو انها مقصودة في ان يكون التقابل آنيا و في‬
‫تريكب واحد ‪ ،‬في لغة متطورة فعا نموذجية في قصيدة ال ثر ‪:‬‬

‫ُ ‪1‬أ ُ ولم نزل في \ البعد نحيا عاشقي ِن \ ك ا نحب أ‬

‫ُ‪2‬أ ُهي ذي تعي ُد \ عبارتي لح اً صباحي \الشذا كانت ه ا أ‬

‫مرت ِ‬
‫بذات الحب \ واستترت ب ا أ‬ ‫ُ‪3‬أ ُولم يزل يروي العبور \ ْ‬

‫ذات القتيل‬ ‫ايك العمر \ في على فر ٍ‬


‫اق ك تهُ \ َ‬ ‫ُ‪4‬أ ُناح اليمام وناح ُ‬
‫\لكي تكون ‪....‬أ‬

‫يلثم‬
‫تعشق مرا ُ‬
‫ُ‬ ‫س أ ُكانت مثلي‬
‫ُ‪5‬أ ُوفيها مانسي الملتاعُ \ ومالم ي َ‬
‫ٍ‬
‫بصمت كي نكتب قصت ا شعرا أ‬ ‫وجه الحز ْن \‬
‫َ‬
‫‪249‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫و من الث ائيات التي كانت في القصيدة و انبثت بين فصولها مشكلة‬


‫سماء ال ص و خلفتيه التقابل في اشكال الطلب بين ااستفهام و اامر ‪.‬‬

‫ِ‬
‫الكون ؟ \ أخطأ قول ا هي ذي‬ ‫قال أن الشمس ا تغفو بعقر‬
‫ُ‪2‬أ ُمن َ‬
‫تعي ُد أ‬

‫عابس أ‬
‫ليلك \ ٌ‬
‫ُ‪3‬أ ُقل للمج از الم تقل يوم افترق ا ان َ‬

‫جو العام ظاهرت ا‬


‫وايضا من الع اصر ااسلوبية المكونة لسماء ال ص و ّ‬
‫شكليتان ‪ ،‬ااولى هو تأجيل المتعلق من المجرور بحرق الجر او المضاف اليه‬
‫الى السطر الثاني ‪،‬و الثانية التكرار ‪ ،‬وانتشار ذلك بين ال صوص خلق جوا‬
‫عاما لل ص مت اغما ‪.‬‬

‫فمن صور التأجيل ااس ادي ال حوي‪:‬‬

‫طفلين إستقاما في‬


‫ْ‬ ‫نحب كأي‬
‫ُ ‪1‬أ ك ا ُ‬ ‫‪‬‬

‫محاورةِ الس ي ِن ولم نزل في‬

‫البعد‬

‫ليلك‬
‫ُ‪3‬أ قل للمج از الم تقل يوم افترق ا ان َ‬ ‫‪‬‬

‫عابس قتل الصباح على شفا ِ‬


‫َ‬ ‫ٌ‬

‫ظ دمع ا وسقى ال دى وحياً‬


‫الورد ايق َ‬

‫ايك العمر‬
‫ُ‪4‬أ ناح اليمام وناح ُ‬ ‫‪‬‬

‫‪250‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫في على فر ٍ‬
‫اق ك تهُ‬

‫ذات القتيل‬
‫َ‬

‫الليل بفج ِر‬


‫يختتم َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‪5‬أ يوري للبدء عيوني‬ ‫‪‬‬

‫يلثم وجهَ الحز ْن‬


‫تعشق مرا ُ‬
‫ُ‬ ‫عابق كانت مثلي‬

‫من المعلوم ا ّن هكذا تأجيل ليس خاصا بهذا ال ص ‪ ،‬لكن‬


‫التأكيد عليه و تكرار و انبثاثه في فصول ال ص حقق التوظيف‬
‫الف ي و الع صر ااسلوبي المس ّخر أاجل الغرض و خلق وحدة‬
‫نصية ‪.‬‬

‫و اما ظاهرت التكرار لبعض المقاطع فمن الواضح اضافة‬


‫الى البوح فيها ‪ ،‬فانها توظيف شعوري للمؤلف ‪ ،‬و انبثاثها في‬
‫فصول ال ص حققت ع اصريتها لجو ال ص و وحدته ‪:‬‬

‫طفلين ‪.....‬ك ا نحب أ‬


‫ْ‬ ‫نحب كأي‬
‫ُ ‪1‬أ ك ا ُ‬

‫ُ‪2‬أ ُقل للمج از الم تقل يوم افترق ا ‪ ......‬قل للمج از أ‬

‫نص ُ عبارات على مفارق شجن أ م اسبة بديعة ونموذجا‬


‫لقد كان ّ‬
‫تدل و بكل‬
‫حقيقيا للغة المتقابلة الحرة ‪ ،‬مشتما على اشتغاات و توظيفات ّ‬
‫وضوح على مقدرة شعرية للشاعرة القديرة إيمان مصاروة ‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ال ص‬

‫شجن أ‬ ‫ِ‬
‫ات على مفارق ْ‬
‫ُ عبار ْ‬

‫إيمان مصاروة‬

‫طفلين إستقاما في‬


‫ْ‬ ‫نحب كأي‬
‫كا ُ‬

‫محاورةِ الس ي ِن ولم نزل في‬

‫البعد نحيا عاشقي ِن‬

‫ك ا نحب‬

‫‪........‬‬

‫ِ‬
‫الكون‬ ‫قال أن الشمس ا تغفو بعقر‬
‫من َ‬

‫أخطأ قول ا هي ذي تعي ُد‬

‫عبارتي لح اً صباحي‬

‫الشذا كانت ه ا‬

‫‪252‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪..........‬‬

‫ليلك‬
‫قل للمج از الم تقل يوم افترق ا ان َ‬
‫عابس قتل الصباح على شفا ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬

‫ظ دمع ا وسقى ال دى وحياً‬


‫الورد ايق َ‬

‫يؤكد في البعيد وفي القريب‬

‫ولم يزل يروي العبور‬

‫مرت ِ‬
‫بذات الحب‬ ‫ْ‬

‫واستترت ب ا‬

‫قل للمج از‬

‫‪..............‬‬

‫ياسمرةً ُر ِس ْ‬
‫مت على طرف اللمى‬

‫وعلم الدمع السكيب‬


‫الليل الغريب َ‬
‫من علم َ‬

‫اللحن المدثر في القلوب لمثلها‬


‫َ‬ ‫ورتل‬
‫‪253‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ايك العمر‬
‫ناح اليمام وناح ُ‬
‫في على فر ٍ‬
‫اق ك تهُ‬

‫ذات القتيل‬
‫َ‬

‫لكي تكون ‪........‬‬

‫‪........................‬‬

‫أزداد مراراً‬
‫حين َ‬ ‫ِ‬
‫ألمي كالقهوة ْ‬

‫العشق‬
‫ُ‬ ‫يكتب قافيةً فيها‬
‫َ‬ ‫آثر أن‬
‫ْ‬

‫روي الوج ِع وفيها مانسي الملتاعُ‬

‫ومالم ي سى أن القهوةَ عش ْق مثلي‬

‫يسكب جمراً‬
‫ُ‬ ‫عسل م ّر‬
‫ٌ‬

‫الليل بفج ِر‬


‫يختتم َ‬
‫ُ‬ ‫يوري للبدء عيوني‬

‫يلثم وجهَ الحز ْن‬


‫تعشق مرا ُ‬
‫ُ‬ ‫عابق كانت مثلي‬

‫ٍ‬
‫بصمت كي نكتب قصت ا شعرا‬

‫‪254‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪255‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ال ص الكامل ُ كلمة المرور أ للشاعرة الدكتورة سجال الركابي نموذجا‬

‫في نص ُ كلمة مرور أ تجليات نصية و سردية تعبيرية تعكس تجربة متمك ة و‬
‫متقدمة ادبيا و فكريا ‪ ،‬فاضافة الى القاموس اللفظي الذي يخيم عليه‬
‫ااضطراب و التيه و القلق بمفردات ت قل القارئ الى ذلك ال ص و حقوله‬
‫المع وي المقصودة ‪ ،‬اذ ا تجد مقطعا او سطرا اا و فيه مفردة من حقل‬
‫القلق \يُربِك ي \ افتقد‬
‫ُ‬ ‫القلق و ااضطراب ُأدور‪ \ ...‬يمي اً شمااً \‬
‫الخوف كلمة المرور \‬ ‫آرواح \‬ ‫ّي‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫الجواب \المسارات المضطربة \تشظ َ‬
‫فضاء المجهول‪!...‬؟ \أخفاها الاممكن‪...‬؟؟؟ ُ‬

‫لقد نجحت الشاعرة في احضار القارئ الى ال ص ‪ ،‬وهذ من اهم المهام التي‬
‫تقع على عاتق الشاعر و نصه ‪.‬‬

‫في توظيف اخر يضرب في عمق المع ى و حقيقية اادب و الشعر هو تجلي‬
‫حالة استقرار القلق و ااضطراب الذي يطال اعماق ال فس و الثوابت ‪ ،‬وهو‬
‫شيء ابدعت فيه الشاعرة و اجادته بقوة في مقاطع فذة ‪:‬‬

‫في مقطعين نجد تمك ا و ارسوخا للقلق الذي ياخذ باانفاس و زوايا ال فس ُ‬
‫يتامل ي القلق \ يستبشر البكاء أ وهو مع ى عميق و خانق ‪.‬‬

‫‪256‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫في مقطع اخر ُ يربك ي اليقين أ نجد اليقين المربك الذي هو خاف اليقين‬
‫الباعث على ااطمئ ان و الثقة ‪ ،‬انه تعبير صادم و عميق و كاشف عن عمق‬
‫اازمة ‪.‬‬

‫آرواحأ ‪ ،‬فان‬
‫ِ‬ ‫تشظي‬
‫َ‬ ‫كما ان عمق اازمة و التجربة ايضا ي كشف في تعبير أ‬
‫الروح هي الجوهر وهي القطب الذي يذاد ع ه ‪ ،‬فاذا وصل التشظي اليها ‪،‬‬
‫فان ذلك عاكس عن عمق المأساة و اازمة ‪.‬‬

‫الخوف كلمة المرور أ‪ ،‬اذ انه‬


‫ُ‬ ‫أصبح‬
‫َ‬ ‫و ايضا تتجلى عمق التجربة في عبارة ُ‬
‫نظرة تتجاوز الذاتية بل و المحلية لتطلق نداء الى العالم ‪ ،‬الذي صار يعيش‬
‫على الخوف ‪ ،‬فا مسار وا طريق اا و يتشح بالخوف ‪ ،‬وهذا ايضا يكشف‬
‫و يعكس عمق المأساة و التجربة ‪.‬‬

‫و في مقطعين اخرين تتجلى التجربة و عمقها ُ ُ هل أنعتِ ُق ِم َن المكتوب أ ‪ُ ،‬‬


‫تميت في فضاء المجهول‪!...‬؟ أ ‪ ،‬اذ انها تكشف بلوغ ال فس ذروة الحيرة‬
‫ار ُ‬
‫حتى انها تصل الى حد قرار اارتماء في المجهول ‪.‬‬

‫ان نص ُ كلمة مرور أ بتحقيقه السردية التعبيرية ‪ ،‬و تكامله في تجليات ال ص‬


‫من جهة تجلي اللغة و انثيااتها و تجلي ال ص و توظيفاته الجمالية و تجلي‬
‫تجربة المؤلف و قصد و قضيته و افكار ‪ ،‬و من خال البراعة في احضار‬
‫القارئ الى ال ص ‪ ،‬و الرسالية الواضحة الجمالية و اانسانية يتحقق ه ا ُ‬
‫ال ص الكامل أ ‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫المجاز التعبيري في ُ بين بكائين أو أكثر أ لبكر زواهر‬

‫يعرف الشعر أنّه المجاز العالي ‪ .‬و ا‬


‫المجاز جوهرة الشعر ‪ ،‬حتى أ ّن البعض ّ‬
‫تأصل التوظيف في المجاز ‪ ،‬بأن يُعمد إليه ٓجل غاية و وظيفة ‪ .‬و‬
‫ريب في ّ‬
‫يمكن ماحظة شكالين من التوظيف للمجاز في اللغة آدبية اابداعية ‪ ،‬آول‬
‫المجاز التوصيلي وهو السائد بأن يلجأ الكاتب الى مع ى يشترك في إحساسه‬
‫تجاهه مع المع ى المراد ‪ ،‬وهو سمة اللغة الحكائية ‪ ،‬الثاني المجاز التعبيري‬
‫وهو مجاز يعطي للمع ى المتش ّكل بعداً دالياً و إضافة ذاتية تتجلّى فيه رؤية‬
‫الكاتب وهذا أحد شكال التعبيرية كما هو ظاهر ‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫يعرف المع ى من جديد و‬


‫المجاز التعبيري يعمد الى توظيف دالي موسع ‪ّ ،‬‬
‫متفردة الى الحد المح ّقق لدالة إضافيّة و خلق مرجعية نصيّة‬
‫يق ّدمه بصورة ّ‬
‫مبتكرة ‪ .‬فيتجه الفكر و القراءة بفعل ذلك المجاز الى حقول دالية و مفاهيم‬
‫كمحسن لفظي‬
‫ّ‬ ‫تعريفية مغايرة للّبَ َة آصليّة المع وية ‪ .‬فيتعامل مع المجاز ليس‬
‫و وسيلة توصيلية كما في اللغة الحكائية و حسب ‪ ،‬و إنما يتعامل معه كحالة‬
‫إبداع و خلق جديد لمجال مع وي مغاير ‪.‬‬

‫من ه ا يتبين أ ّن الفرق جوهري بين المجاز التعبيري و التوصيلي ‪ ،‬حيث يكون‬
‫اإستعمال في آخير في حدود عملية توظيف اللفظ ‪ ،‬بي ما يكون في المجاز‬
‫التعبيري في مجال التعبير بالمع ى عن المع ى فيكون التوظيف للمع ى ايضا و‬
‫ليس اللفظ فقط ‪ .‬و لغة بكر زواهر تق ّدم نموذجاً لتجلّي المجاز التعبيري ‪،‬‬
‫الموسع للمفاهيم و اإدراكات إضافة الى الشاعريّة المح ّققة ‪.‬‬
‫ّ‬

‫في قصيدة ُ بين بكائين و أكثرأ يتمظهر توظيف للمجاز موغل في الرؤية و ا‬
‫يرضى بالتسليم لما هو معهود من داات وفهم ‪ ،‬حيث يقول الشاعر في‬
‫مقطوعة عالية التق ية و بلغة تتكامل ف يتها و شاعريتها ُأنقش في ِ‬
‫وجه‬ ‫ُ‬
‫يح‬ ‫ِ‬
‫المثقوب رماا \ والر ُ‬ ‫فيهل الغيث الساخن \ في عشبي‬
‫الريح \دموعي ُ‬
‫ٍ‬
‫حصان \ مضمر أ ‪ ،‬ه ا ُ غيث ساخن أ و‬ ‫ط غابات \آحزان\ بصهيل‬ ‫تمش ُ‬
‫مجرد تحسين لفظي ‪ ،‬و ا حكاية عما هو خارجي ‪ ،‬انما هو‬
‫ا ريب أنّه ليس ّ‬
‫حراً إنّما غيث‬
‫بوح من الشاعرو دعوة لكي نرى غيثاً ساخ اً ليس غيثاً مطلقا ّ‬
‫ساخن ‪ .‬و إيضا ُ عشبي المثقوب أ ‪ ،‬فهو ليس فقط تحسين لفظي و حكاية‬
‫عن الخارج بل هو إطالة للشاعر على ما يرا و ما رأي ا معه ‪ ،‬انّه ليس‬
‫أي‬
‫العشب الذي يدور في خلدنا إنّه عشب مثقوب ‪ ،‬فهو ليس عشباً فقط أو ّ‬

‫‪259‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫عشب‪ .‬و في ُ صهيل حصان مضمر أ تجلّي لرؤية الشاعر و دعوته ل ا لكي‬
‫نحس معه و نشعر في ضمور صاحب الصهيل ‪.‬‬
‫ّ‬

‫و في موضع أخر عالي الشعرية و اإيحاء حتى أ ّن المفردات و التركيب في‬


‫ُأتيمم‬
‫ُ‬ ‫توهجها تصبح وجوهاً و عامات لعوالم دالية واسعة و عميقة ‪ ،‬حيث‬
‫ّ‬
‫بالجبل الكاظم غيظ الماء \الى قاع الصبر \وناب الجرافة يفتح جمجمة‬
‫التاريخ بكابوس قاس كخرافة رعب \ ا أخشى البركان هشاشة\ نيران يطفئها‬
‫تجل للتجربة الذاتية و‬
‫الوقت رمادا بارد أ ‪ ،‬فالجبل الكاظم غيض الماء ‪ّ ،‬‬
‫الفهم الذاتي و دعوة للقارئ الى تلك الرؤية ‪ ،‬إنّه ليس جباً بمع ا الواسع‬
‫المطلق ‪ ،‬إنّما هو الجبل الكاظم غيض الماء ‪ ،‬و في نهايته ُ رماد بارد أ إنّه‬
‫أي‬
‫ط الدالة لكي يسير وفق رؤية ذاتية و الشعور العميق فهو ليس ّ‬
‫توجيه لخ ّ‬
‫موجهة ا تُكتب إا من العمق و من‬
‫رماد ‪،‬إنّه الرماد البارد ‪ .‬ا ّن هكذا لغة ّ‬
‫مواطن الصدق ‪ ،‬و ا تريد اا البوح العميق و المستقل ‪ ،‬إ ّن المجاز التعبيري‬
‫يق ّدم ل ا مشاعر نقيّة و واضحة ا لبس فيها و يعلّم ا صوراً لأشياء ‪ ،‬الشاعر‬
‫سيّدها و مبدعها ‪ ،‬المجاز التعبيري واحة خلق و إبداع من جهة الشاعر ‪ ،‬و‬
‫فرصة فهم أوسع و إبحار أعمق من جهت ا تجاهه و تجا آشياء ‪.‬‬

‫ما تق ّدم من أمثلة كان من المجاز التعبيري بتركيب ال عت المباشر البسيط ‪ ،‬و‬
‫في ال صّ المجاز اإس ادي اإسمي و الفعلي و جميع مقاطع القصيدة مثال‬
‫تلمس ذلك الب اء‬
‫تأمل ‪ .‬تاركاً لكم متعة ّ‬
‫حي لذلك و يمكن ماحظته بأدنى ّ‬ ‫ّ‬
‫الف ّذ الجميل في نصّ ُ بين بكائين أو أكثر أ‬

‫وأكثر‬ ‫بكائين‬ ‫بين‬


‫زواهر‬ ‫بكر‬
‫‪---‬‬
‫‪260‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الريح‬ ‫ِ‬
‫وجه‬ ‫في‬ ‫أنقش‬
‫ُ‬
‫الساخن‬ ‫الغيث‬ ‫فيهل‬
‫ُ‬ ‫دموعي‬
‫رماا‬ ‫ِ‬
‫المثقوب‬ ‫عشبي‬ ‫في‬
‫غابات‬ ‫ط‬
‫تمش ُ‬ ‫يح‬
‫والر ُ‬
‫آحزان‬
‫ٍ‬
‫حصان‬ ‫بصهيل‬
‫مضمر‬
‫صدري‬ ‫في‬ ‫مزروعٌ‬ ‫وط ي‬
‫العليا‬ ‫ااشياء‬ ‫في‬ ‫مزروعٌ‬ ‫وأنا‬
‫الزيتون‬ ‫لحم‬ ‫من‬ ‫مخلو ٌق‬
‫آوطان‬ ‫ملك‬ ‫من‬ ‫ومرسوم‬
‫ٌ‬
‫ال خل‬ ‫حدق‬ ‫من‬ ‫عيوني‬
‫عبادة‬ ‫المصلوب‬
‫لاعلى‬ ‫سجود‬ ‫ال خل‬ ‫فوقوف‬
‫الصوفي‬ ‫بالعشق‬ ‫مأخوذ‬
‫تغ ي‬ ‫آشياء‬ ‫كل‬
‫يغ ي‬ ‫الحزن‬ ‫حتى‬
‫ال زف‬ ‫أوصاف‬ ‫يفقد‬ ‫كي‬
‫نداء‬ ‫طي ِر‬ ‫من‬ ‫كأسراب‬
‫آرض‬ ‫شمس‬ ‫تغسل‬
‫المتعب‬ ‫مسيرتها‬ ‫بقرص‬
‫الماء‬ ‫غيظ‬ ‫الكاظم‬ ‫بالجبل‬ ‫أتيمم‬
‫ُ‬
‫الصبر‬ ‫قاع‬ ‫الى‬

‫‪261‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫التاريخ‬ ‫جمجمة‬ ‫يفتح‬ ‫الجرافة‬ ‫وناب‬


‫رعب‬ ‫كخرافة‬ ‫قاس‬ ‫بكابوس‬
‫هشاشة‬ ‫البركان‬ ‫أخشى‬ ‫ا‬
‫باردا‬ ‫رمادا‬ ‫الوقت‬ ‫يطفئها‬ ‫نيران‬
‫آعصاب‬ ‫أشاء‬ ‫يحمل‬ ‫كفن‬
‫ٌ‬ ‫جلدي‬
‫البيت‬ ‫سقف‬ ‫من‬ ‫يهوي‬ ‫ونجم‬
‫ٌ‬
‫أكفر‬
‫ْ‬ ‫ولم‬ ‫آحجار‬ ‫قدست‬
‫يعرفها‬ ‫ا‬ ‫عشق‬ ‫أيقونة‬ ‫وط ي‬
‫العشاق‬ ‫دين‬ ‫في‬ ‫الضالع‬ ‫اا‬
‫‪----‬‬

‫القسم الثاني ‪ :‬السردية التعبيرية‬

‫اشكال الشعر السردي ُ السردية التعبيريةأ في ديوان ُ بغداد في حلتها‬


‫الجديدة أ للشاعر كريم عبد اه‬

‫‪262‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫كل متابع ل صوص الشاعر العراقي كريم عبد اه يدرك و يتلمس شخصية‬
‫ال ص المثقف المب ي وفق رؤية شعرية و نقدية ‪ ،‬إذ ا يكتب كريم عبد اه نصا‬
‫اا وجعل له ع وانا تص يفيا ثانيا بيانيا من حيث الرؤية الشعرية و ال قدية ‪ ،‬و‬
‫ه ا في ديوان ُ بغداد في حلتها الجديدة أ نجد ال صوص التي كتبت باسلوب‬
‫السرد التعبيري محققة لشعر سردي نموذجي ‪ ،‬نجدها تقدم تحت تص يفات‬
‫تجديدية من حيث البوليفونية بتعدد ااصوات و الفسيفسائية بلغة المرايا و‬
‫الترادف التعبيري ‪ .‬لقد بي ا كثيرا من هذ المفاهيم في كتابات ل ا سابقة و ه ا‬
‫س ت اول المظاهر ااسلوبية و ال صية لهذ ااشكال الكتابية في هذا الديوان‬
‫الذي يع ّد و بحق عتبة العبور نحو شكل جديد من الشعر المكتوب باللغة‬
‫العربية و قصيدة ال ثر العربية المعاصرة ‪.‬‬

‫‪ -1‬ال قد التعبيري وأبعاد القراءة‬

‫حي ما تحدث عملية القراءة فانها تتطور من مستوى المفردة الى مستوى‬
‫ااس اد او التجاور المفرداتي الى مستوى الجملة الى مستوى الفقرة ثم الى‬
‫مستوى ال ص بكله ‪ .‬اث اء كل مستوى يحضر البعد اللغوي الدالي و البعد‬
‫اابداعي ااسلوبي ‪ ،‬و بمجموع ما يتم من انظمة احتكاك و تقابل و التقاء و‬
‫تقاطع و بفعل مستوى ال قطة التعبيرية لكل بعد تحصل في الفكر و ال فس‬
‫مواضع تعبيرية لكل وحدة كتابية فيه يقابله بعد رابع خاص بالقارئ هو البعد‬
‫الشعوري و ااستجابة الجمالية ‪ ،‬بعبارة اخرى بي ما يكون ال ص ككيان مكتوب‬
‫شكا ثاثي اابعاد ساكن ا حراك فيه ‪ ،‬فانه ككيان مقروء يكون كيانا متحركا‬
‫له اربعة ابعاد البعد الرابع هو البعد الشعوري ويمثل بعد الحركة الذي يخرج‬

‫‪263‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ال ص من السكون ‪ .‬فتكون القراءة هي العملية التي تعطي لل ص روحا و‬


‫تخرجه من الموت الى الحياة ‪ ،‬وهذا ما نسميه ُ حركة ال ص أ ‪.‬‬
‫القراءة ما هي اا عملية مشاهدة و تلقي تبحر فيها ال فس في عوالم‬
‫ال ص و الكتابة ‪،‬و الفكر و اللغة ‪ ،‬و الخيال و اابداع ‪ ،‬و الشعور و المتعة‬
‫‪ .‬هذ العوالم ااربعة الحاضرة دوما في الكتابة اابداعية هي التي تضرب في‬
‫عمق ال فس و تجعل الكتابة اادبية مميزة ‪ ،‬و بمقدار تجلي ع اصر و اشياء‬
‫تلك العوالم و تلك اابعاد يتحدد وقع القراءة و مقدارها التعبيري ‪ .‬ال قد‬
‫التعبيري هو المجال الذي يبحث اانظمة المتحققة من تفاعل تلك اابعاد و‬
‫ما ي تج ع ها من مواضع و قيم تعبيرية في فضاء الكتابة و عوالمها ‪ .‬ان‬
‫التشخيص الدقيق و عالي الكفاءة للبعد الجمالي للكتابة بواسطة ادوات ال قد‬
‫التعبيري و تحديد المقادير الكمية و التشكات الكيفية للبعد الجمالي لل ص‬
‫يمكن من تشخيص عالي المستوى لقيم ال صوص جماليا مما يعد مدخا‬
‫علميا للظاهرة الجمالية و ااستجابة الشعورية تجا الجمال ‪ .‬وه ا س ت اول‬
‫ديوان ُ بغداد في حلتها الجديدة أ للشاعر العراقي كريم عبد اه و فق آليات‬
‫و أدوات ال قد التعبيري ‪.‬‬

‫‪ – 2‬الشعر السردي و السردي التعبيري‬


‫ان التقسيم المعهود للكتابة الشعرية الى ما يكتب بالوزن و ما يكتب‬
‫بغير الوزن ما عاد كافيا امام الزخم الهائل و الكثيف للشاعرية المعاصرة ‪ ،‬و‬
‫توسع الفهم للغة اابداعية و تغير المعارف العامة باللغة و طبيعة استعمالها ‪ .‬و‬
‫بعد الفهم العميق لتق يات قصيدة ال ثر و الشكل الذي هي عليه في ااعمال‬
‫الساعية نحو الشعر الكامل في ال ثر الكامل ‪ ،‬صار لزاما االتفات الى ان‬
‫اايقاع و الشعرية بال ثر اما ان تكون بصورة ُ شعر سردي أ يعتمد تق يات‬
‫السرد التعبيري بشكل ال ثر اليومي ‪ ،‬او ان يكون بشكل ُ الشعر الصوري أ‬
‫‪264‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫يعتمد تق يات الصورة الشعرية و التوزيع اللفظي اايقاعي بالتشطير و نحو ‪ .‬و‬
‫ٓجل هذ الحقيقة أي وجود شعر سردي و شعر صوري كان لزاما على ال قد‬
‫تقديم نظرية متكاملة تستطيع مجاراة هذا التطور وهذا الفهم و الواقع الجديد‬
‫للشعر‬

‫الشعر حي ما يكتب بشكل نثر فانه بال هاية سيكون شعرا ‪ ،‬و المميز بين‬
‫ال ثر و الشعر ليس الوزن كما يعتقد ‪ ،‬و ا الصورة الشعرية و المجاز العالي‬
‫كما اثبته الشعر السردي ‪ ،‬انما المميز بي هما ان الشعر السردي يشتمل على‬
‫السردية التعبيرية ‪ ،‬اي السرد ا يقصد الحكاية و التوصيل ‪ ،‬السرد الممانع‬
‫للسرد ‪ ،‬بي ما السرد ال ثري اما قصصي حكائي يقصد الحكاية او توصيلي‬
‫بشكل خطاب و رسالة‪ .‬بمع ى اخر ان الفرق بين الشعر و القص و اللذين‬
‫يشتمان على السرد ‪ ،‬ان السرد في القصة حكائي قصصي يقصد الحكاية و‬
‫الوصف ‪،‬بي ما السرد في الشعر تعبيري هو سرد ا بقصد السرد هو السرد‬
‫الذي يمانع و يقاوم السرد ‪،‬انه السرد بقصد اايحاء و الرمز ا بقصد الحكاية‬
‫و الوصف‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫مظاهر السرد التعبيري جلية في ديوان ُ بغداد في حلتها الجديدة أ ‪،‬‬


‫فان القصد م ه ليس الحكاية و الوصف و ب اء الحدث ‪ ،‬و انما القصد‬
‫اايحاء و نقل ااحساس ‪ ،‬و تعمد اابهار ‪ ،‬فيكون تجل لعوالم الشعور‬
‫ااحساس ان الميزة آهم للشعر السردي الذي يميز عن ال ثر وان كان شعريا‬

‫‪265‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫هو التعبيرية في السرد ‪ ،‬فبي ما في ال ثر السردي يكون السرد ٓجل السرد و‬


‫الحكاية ‪ ،‬فانه في الشعر السردي يكون موظفا ٓجل تعظيم طاقات اللغة‬
‫التعبيرية‪ .‬وجميع نصوص الديوان نماذج لذلك ‪ ،‬يقول كريم عبد اه في نص ُ‬
‫صور تحمي الساحاتأ‬

‫الساحات ب ب ادقهم بي ما الرمل يمأُ فوهاتها‬


‫َ‬ ‫ٍ‬
‫جديد عادوا يحرسون‬ ‫ُ ِم ْن‬
‫شمس الظهيرةِ تاركةً جيوبهم‬
‫ُ‬ ‫شوهتها‬‫خرساء ّ‬
‫َ‬ ‫آجساد هربت‬
‫ُ‬ ‫الصدئة ‪...‬‬
‫ضب ي هذا التكرار‬ ‫ِ‬
‫ذاكرة الشوارع ‪ ....‬خ ّ‬ ‫تهمس في‬ ‫يح‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫تصفر فيها ر ٌ‬
‫العسكريّة ُ‬
‫شِ‬
‫اق المغدورين في مداف ِن آيام‬ ‫ِ‬
‫حكايات الع ّ‬ ‫لن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مواويل الحبيبات وهن يغز َ‬ ‫في‬
‫إشارات المروِر تح و على أحامهم المحّطة أ‬
‫ُ‬ ‫‪...‬كلّمتهم كثيراً‬

‫يتجلى السرد التعبيري بع اصر كتابية نصية اساسية اهمها السرد الظاهري‬
‫و الرمزية و اايحاء و ممانعة للسرد ببوح شعري ‪ ،‬و بالشعرية ال اتجة من ذلك‬
‫ال ظام ‪ .‬تق يات السرد في ال ص كما في غير واضحة ‪ ،‬فكأن ال ص يريد‬
‫الحكاية و سرد حادثة ‪ ،‬و تبرز الشخصيات و الحدث ال صي ‪ ،‬اا انها في‬
‫ال هاية تتجه نحو بوح شعري فا قصد سردي و قصصي ه ا و انما تعبير عميق‬
‫و شاعرية هي غاية الكتابة برمزية و ايحاءات و بوح شعري ‪ .‬وعلى هذا ال سق‬
‫و بهذ ااسلوبية تسير نصوص الديوان ‪.‬‬

‫‪ -3‬العوامل و المعادات التعبيرية‬

‫‪266‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫أهم أدوات ال قد التعبيري في تفسير الظاهرة آدبية و جمالياتها و ع اصر‬


‫آبداع في العمل هو نظام ُ المعادل التعبيري أ و الذي يتمثل بوحدات لغوية‬
‫نصية بصور و اشكال مختلفة تحاكي و تعكس الجوهر آدبي و الجمالي‬
‫العميق الذي كشفه و لمسه المؤلف المتمثل ُ بالعامل التعبيري أ و الذي‬
‫يكون بأشكال مختلفة جمالية و مع وية و فكرية و غير ذلك ‪ ،‬اا انه ا يتجلى‬
‫و ا ي كشف اا بواسطة المعادل التعبيري ‪ ُ.‬د أنور الموسوي ‪2015‬أ‬

‫ان عملية اابداع الجوهرية هي ااشراق اابداعي بااطاع و اقت اص و رؤية و‬


‫تمييز العامل التعبيري الف ي ‪ .‬و مهمة المؤلف ال صية ااهم هي الكشف عن‬
‫العامل التعبيري العميق و اظهار و ابراز بمعادل تعبيري نصي ‪ .‬و العوامل‬
‫يجمعها تأثيرها العميق و اثارة ااستجابة الجمالية بتجليها ال صي ‪ .‬ان هذا‬
‫الفهم ضمن ادوات ال قد التعبيري يتجاوز ث ائية الشكل و المضمون و ي تج‬
‫نظاما نصيا تعبيريا موحدا بوجهين ‪ ،‬فكما ان ااستجابة الجمالية تثار‬
‫بالمعادات التعبيرية الشكلية الظاهرية فانها ايضا تثار بالعوامل التعبيرية‬
‫المضمونية العميقة ‪ ،‬و هذا يحقق تكامل الشكل و المضمون و التوافق بي هما‬
‫بدل التضاد و التعارض بي هما الذي يعد معرفة شبه راسخة‪.‬‬

‫و أسلوبيات السرد التعبيري في الشعر السردي في هذا الديوان تحقق انظمة‬


‫باغية نموذجية و جلية لوحدات العوامل و المعادات التعبيرية ‪ ،‬و محققة‬
‫انظمة نصية باغية جديدة س ت اولها في الفصول التالية ‪ ،‬فان كل شكل لغوي‬
‫و اسلوب كتابي و ع صر نصي من تق يات السرد التعبيري التي س بحثها ه ا‬
‫هو وحدة و نظام متكامل من انظمة ُ العامل‪ -‬المعادل أ التعبيري ‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫و للشاعر كريم عبد اه عمق شعري في العوامل الجمالية و اابداعية و‬


‫التعبيرية ‪ ،‬بال فوذ عميقا الى مكامن ال فس و التجربة الجمالية و الهم اانساني‬
‫و الوط ي ‪ ،‬ثم يكشف ع ه و يبرز بمعادات تعبيرية شعرية عالية المستوى و‬
‫جميع نصوص الديوان شواهد على ذلك و م ها نص ُ ذات نهار موحش أ‬
‫يقول فيه الشاعر ‪:‬‬

‫السماء ! يالهُ ِم ْن نها ٍر‬


‫َ‬ ‫كيف تستفز ذاكرتي أط اناً ِم َن الشظايا تمطرها‬ ‫ُانظروا َ‬
‫ِ‬
‫العشيقات‬ ‫صور‬
‫كيف ت زوي ُ‬ ‫أيتم َ‬ ‫هل ر ْ‬ ‫خلف السوات ِر ت امُ آحام ‪ْ ,‬‬
‫موحش ! َ‬ ‫ٍ‬
‫آرض يتملّكها الرعب في ِ‬
‫حقول‬ ‫ِ‬ ‫كين ب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المتمس َ‬
‫ّ‬ ‫أقدام‬
‫الجيوب المثقوبة ! ُ‬ ‫في‬
‫تجهل‬ ‫ِ‬
‫الموت ما أقسى قذائفهاَ‬ ‫تأتيك ب‬
‫اجمات كثيرةٌ َ‬
‫ٌ‬ ‫اك ر‬
‫كانت ه َ‬
‫آلغام ‪ْ ,‬‬
‫ُ‬
‫عام‬ ‫ِ‬
‫الماجىء الترابيّ ِة ‪,‬‬ ‫ط ب وحشيّ ٍة على‬
‫نفسك َ‬ ‫َ‬ ‫وتتساءل في‬
‫ُ‬ ‫حين تتساق ُ‬
‫سرُ َ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫آبواب‬ ‫تلك‬
‫خلف َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أسمع أدعية آمهات َ‬ ‫أكاد‬
‫كل هذا الخراب ‪ ....‬؟! ‪ُ .‬‬
‫ُ‬
‫الموصدة ‪...‬أ‬

‫الهم اانساني المتسائل عن دوافع الخراب ‪ ،‬و كل هذا‬


‫ان ال ص ي فذ الى ّ‬
‫الدمار ‪ ،‬انه السؤال العميق الذي يظهر عجز و قصور البشرية و حضارتها و‬
‫عقلها الذي تتبجح به ‪ ،‬هذا العامل التعبيري العميق يبرز و يكشفه الشاعر‬
‫بمعادات تعبيرية بتشكات تصويرية تتمثل بتاشي ااحام و خيبات‬
‫العاشقات لفقدان المعشوقين الذي يسقطون في الحروب ‪ ،‬و وطأة ذلك على‬
‫الذاكرة و ال فس ‪ ،‬و سط تساؤات اانسان و نحيب اامهات الم كوبات ‪.‬‬
‫باستعارات و سرد و بوح ف ي رفيع بشعر سردي عذب بتق يات السرد التعبيري‬
‫موسعا طاقات اللغة و قدرها التعبيرية ‪.‬‬
‫‪268‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪ -4‬البوليفونية و تعدد آصوات‬

‫البوليفونية ُ‪ polyphonic‬أ مصطلح ابتكر باختين في اادب ‪،‬‬


‫اساسا لمعالجة العمل الروائي استقا من فن الموسيقى ‪ ،‬و اساسها تعدد‬
‫التعمق نجد ان للبوليفونية بعدين‬
‫ااصوات المتجلية في ال ص ‪ .‬ع د ّ‬
‫في ال ص ‪ ،‬بعد رؤيوي و بعد اسلوبي ‪ ،‬البعد الرؤيوي يدعو الى تحرير‬
‫ال ص من رؤية المؤلف و سلطته فتتعدد الرؤى و اافكار و‬
‫اايدولوجيات و تطرح بشكل حر و حيادي ‪ ،‬اما البعد ااسلوبي‬
‫فيتمثل بتعدد اساليب التعبير و الشخوص بل حتى ااج اس اادبية في‬
‫ال ص الواحد ‪.‬‬

‫رغم ان ميخائيل باختين أكد أن البوليفونية هي من خصائص الرواية و أن‬


‫الشعر عمل فردي ا يقبل تعدد ااصوات و الرؤى ُباختين ‪1981‬أ ‪ ،‬فان‬
‫هذا القول يكون صحيحا الى حد ما في الشعر ُ الصوري أ التصويري المعتمد‬
‫على الصورة الشعرية و المجاز في التعبير و المفتقر الى السرد و الحدثية‬
‫ال صية ‪ ،‬اما في السردية التعبيرية ‪ ،‬المعتمدة على السرد و تعدد ااحداث و‬
‫الشخوص فان من الواضح امكانية تعدد ااصوات و الرؤى فيه ُالموسوي‬
‫‪2015‬أ و ربما تكون نظرة باختين عن الشعر قد نتجت عن اعائه و اعطائه‬
‫امتيازا للرواية على حساب الشعر في فكرته البروسياكس ُ‪ prosaics‬أ‬

‫‪269‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫فانها ادبيا تع ى ما يقابل الشعر من ادب و اعاء الرواية عليه ُمرسن و امرسن‬
‫‪1990‬أ ‪.‬‬

‫من ه ا يكون واضحا ان لتعدد ااصوات و الرؤى مجال أوسع في السرد‬


‫التعبيري الشعري م ه في السرد القصي للرواية و القصة ‪ ،‬اذ ان ااخير يعتمد‬
‫على الشخوصية القريبة و الحدثية الحكائية ‪ ،‬وهو يتطلب االتزام بالمعايير‬
‫اللغوية ال وعية في الشخوص و ااحداث و ااعتماد على الشخصية المادية و‬
‫المعهودة نوعيا ‪ ،‬بخاف السردية التعبيرية الشعرية فان اانحراف و الخروج‬
‫عن المعايير اللغوية يم ّكن من توسعة الشخصية ال صية لتتعدى الشخصية‬
‫الواقعية و المعهودة الى ما يمكن ان نسميه ُبالشخصية ال صية أ ‪.‬‬

‫من الواضح ان الفهم البوليفوني لل ص يماشي عصر العولمة و ما بعد‬


‫الحداثة و الدعوة الى الحريات الواسعة و الديمقراطيات الشعبية ‪ ،‬فيكون‬
‫ال ص انعكاسا لهذا الجو و الفكر السائد ‪ .‬و قد يعتقد ان ااسلوب‬
‫البوليفوني يتعارض مع التعبيرية التي تعكس الفهم العميق للمؤلف لاشياء و‬
‫رؤيته المتميزة تجا العالم ‪ ،‬وهذا ا يت اسب مع الحيادية الرؤيوية و تعددها ‪،‬‬
‫اا انه يمكن فهم الكتابة على مستويين مستوى ب ائي و مستوى قصدي ‪،‬‬
‫فتكون البوليفونية و تعدد ااصوات و الرؤى في مستوى الب اء محققا شكا‬
‫ثاثي اابعاد ‪ ،‬بي ما تكون رؤية المؤلف الخفية التعبيرية في مستوى القصد‬
‫تتجسد بش كل عالم ايحائي و رمزي لكلمات ال ص و ب اءاته و رؤا و اصواته‬
‫المتعددة ‪.‬‬

‫هذا و من الظاهر ان البوليفونية تحتاج الى حد ما الى السرد ‪ ،‬وهذا‬


‫يع ي انه في الشعر يكون من خصائص السردية التعبيرية لقصيدة ما بعد‬
‫الحداثة ‪ ،‬و ا ت اسب كثيرا الشعر التصويري للقصيدة الحرة‬
‫‪270‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫في قصيدة ُ بيوت في زقاق بعيد أ في هذا الديوان تتجلى البوليفونية‬


‫بتعدد الرؤى و ااصوات بشكل واضح تعكسه و تكشفه التعابير التالية ‪:‬‬

‫الصباح‬
‫ِ‬ ‫لبعض أن أسار َير‬ ‫ٍ‬ ‫أشجارها متجاورة آغصان توحي بعضها‬ ‫‪.1‬‬

‫القديمة وهي تشكو ِم ْن الشيخوخ ِة‬ ‫ِ‬ ‫يخ صامتةً كالقر ِ‬


‫اطيس‬ ‫تمضي بالتوار ِ‬
‫تترك صغارها تت ّزُ على‬ ‫صباح ُ‬
‫ٍ‬ ‫صوت العصافير تحملهُ ال سمات كل‬ ‫ُ‬ ‫‪.2‬‬
‫الش ِ‬
‫اشيل‬
‫الشمس ا تغيب ‪,‬‬ ‫ِ‬
‫للوسائد أن‬ ‫وظلّها يحكي‬ ‫‪.3‬‬
‫َ‬
‫تستفيق على نقيق الضفادع !‬ ‫ُ‬ ‫الغبش أزهار وهي‬‫ُ‬ ‫غ‬
‫إذا دغد َ‬ ‫‪.4‬‬
‫ِ‬
‫بساتين آزها ِر ت اغي َ‬
‫أقدام‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫للشمس أ ْن‬ ‫كانت تومىءُ‬
‫المتجاورة ْ‬ ‫البيوت‬
‫ُ‬ ‫‪.5‬‬

‫الفتيات فيشعر َن بآمان ‪ ُ ,‬ماحظة هذ العبارة مكثفة صوتيا جدا‬


‫فيها ثاثة اصوات احدها للبيوت و الثاني البساتين و الثالثة للفتياتأ‬
‫تحمل ِم ْن‬
‫ُ‬ ‫تفضح رغباتهم الطفوليّ ِة بما‬ ‫ُ‬ ‫ت حلوى ُ يوح اأ‬ ‫مذ كانَ ْ‬ ‫‪.6‬‬

‫تمج ُد الرب‬ ‫ٍ‬


‫صلوات ّ‬
‫ِ‬
‫آسيجة‬ ‫ئش مستريحةً على‬ ‫علي أ مختوماً باسرا ِر العرا ِ‬ ‫بُ ّ‬ ‫كا َن ع ُ‬ ‫‪.7‬‬
‫تقبّ ُل ضجيج ال ِ‬
‫حل‬
‫ِ‬
‫المدرسة ُ‬ ‫ِ‬
‫ساحة‬ ‫أصوات التامي َذ ي شدو َن في‬‫َ‬ ‫يسمع‬ ‫وكا َن ُ عثمان أ‬ ‫‪.8‬‬
‫ُ‬
‫وطن واح ٌد أ‬ ‫ٌ‬
‫من وراء الحدود ‪ ُ -:‬ا بد ِم ْن‬ ‫تجلجل ْ‬
‫ُ‬ ‫يح أصواتاً قادمةً‬ ‫لي الر َ‬‫تحمل َ‬
‫ُ‬ ‫‪.9‬‬
‫ٍ‬
‫حكم جديد أ ‪,‬‬ ‫ٍ‬
‫طق ِ‬
‫بالحق عالياً ‪.‬‬ ‫‪ .11‬وحد ُ السيف سي ُ‬

‫‪271‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫خلف‬
‫يخفت بالتدريج ويتاشى َ‬
‫ُ‬ ‫المارِة في الشوارع لماذا بدأ‬
‫ضجيج ّ‬ ‫ُ‬ ‫‪.11‬‬

‫شج الحز َن ‪,‬‬ ‫آبواب الخشبيّ ِة وأنا أسمعها َ‬


‫كيف ت ُ‬
‫ِ‬
‫الحاكم‬ ‫حول‬
‫تلتمع عليها السيوف َ‬
‫تدعك ببعضها تأكلها نار ُ‬
‫ُ‬ ‫‪ .12‬آغصا ُن‬
‫بأم ِر اه ‪.‬‬

‫ان تعدد ااصوات في هذا ال ص المكثّف يحقق نسجا متفردا من التكثيف‬


‫يقل نظيرها وهي‬
‫اذ ا تجد عبارة اا وهي صوت ‪ ،‬وهذ براعة تكثيفية ّ‬
‫جلي و رفيع للسردية التعبيرية ‪ .‬و من الواضح ان المؤلف‬
‫فعا مظهر ّ‬
‫مختف في كثير من فقرات ال ص بحيث ا تكاد تشعر بوجود وهذا مهم‬
‫للبوليفونية و تجسيد رؤى الشخوص ‪ .‬و الرؤى واضحة جدا و تمظهرت‬
‫بصور شتى حلمية و مستقبلية و ماضوية و واقعية و عقائدية و فكرية و‬
‫بت وع بين ايضا ‪ .‬هذا ال ص ليس فقط يحقق البوليفونية بل يحقق صور‬
‫عالية لها بسردية تعبيرية فذة ‪.‬‬

‫‪ -5‬الفسيفسائية و لغة المرايا‬

‫ان طرح الفكرة ذاتها بتراكيب لفظية مختلفة يمكن من القول ان ا نظرنا‬
‫للشيء الواحد من زوايا متعددة ‪ ،‬و من هذ الحيثية يمكن وصف ال ص بانه‬
‫متعدد الزوايا ‪ ،‬اا انه لو نظرنا الى التراكيب فيما بي ها فانا س راها تركيبة‬
‫فسيفسائية يكون كل تركيب بشكل مرآة لذاك يمكن وصف هذ اللغة بلغة‬
‫المرايا و وصف ال ص بال ص الفسيفسائي ‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫في نص ُ خلف أبوابك نحتمي دائما أ نجد لغة المرايا حاضرة بأسلوب‬
‫الترادف في التعابير ‪ .‬ان التراكب ه ا تتجه دوما نحو غايات موحدة كأزهار‬
‫الشمس تتجه في كل وقت نحو الشمس ‪ ،‬محققة مرآتية ترادفية اذ تكون‬
‫التعابير ‪ -‬رغم افادتها المختلفة ‪ -‬معبرة عن مع ى عميق تاحقه ‪ ،‬ب سيج‬
‫فسيفسائي مرآتي يعكس عمقا تعبيريا من المعاني و اافكار الموحدة ‪.‬‬

‫ان الشيء الجديد فعا في ال ص الفسيفسائي اضافة الى ااستعمال‬


‫المختلف و غير المعهود للغة هو تحقق انظمة جديدة لوحدة القصيدة العضوية‬
‫‪ ،‬يتمثل بأنظمة متعددة اهمها الت اسق و الت اغم الذي تحققه المرآتية و‬
‫الفسيفسائية ‪ ،‬و الثاني العمق التعبيري الذي يوحد مكونات ال ص اللفظية ليس‬
‫فقط في الموضوع و انما في الغايات الرؤيوية و الفكرية و المع وية ‪ ،‬اضافة‬
‫الى وحدة اسلوبية تفرضها الفسيفسائية على ال ص ‪.‬‬

‫في ال ص ثاثة عوامل تعبيرية عميقة تتجه نحوها التعابير ‪ ،‬لها مسحة‬
‫زمانية و تاريخية بين الماضي مع ااعتداد و ااعتزاز و الحاضر مع المأساة و‬
‫المرار و المستقبل مع اانتظار و التطلع ‪ .‬و مع هذ اانظمة ال صية العامة‬
‫ه اك محاكاة تعبيرية تفصيلية ايضا في كل نظام س بي ها احقا ‪ ،‬مما يجعل‬
‫ال ص يحقق لغة المرايا و الفسيفسائية بشكل نموذجي ‪.‬‬

‫الوحدات ال صية لل ظام ااول ُ ااستذكار وااعتداد و ااعتزاز أ‬

‫وساوس‬ ‫ونطرد‬
‫ُ‬ ‫ّت ذكريات ا نحتمي بها‬ ‫ِ‬
‫أبوابك إكتظ ْ‬ ‫خلف‬
‫‪َ -1‬‬
‫َ‬
‫الشكوك‬

‫‪273‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ط‬
‫شُ‬‫بأريج حقولها وتم ّ‬ ‫حصونك العصيّ ِة ِم ْن ه َ‬
‫اك تغمرني ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪-2‬‬
‫ِ‬
‫الغافية ‪,‬‬ ‫ف ضفافي‬
‫َس َع َ‬

‫الملتهبة حقواً ِم َن الح ي ِن تبذري ها دائماً في‬


‫ِ‬ ‫‪ -3‬بي ما قصائدي‬
‫ِ‬
‫أصابك الخطر‬ ‫صدري أرتّلها إذا‬

‫نفااتك الملو ِنة تتقافز ِ‬


‫فيه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بأنفاس كر‬ ‫ابيعك المعط ِ‬
‫ّرة‬ ‫‪ -4‬ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫تسابيح ح َد ٍ‬
‫قات تت اهشها آطياف‬ ‫ُ َ‬
‫ِ‬
‫دروبك‬ ‫تحاصر‬ ‫ك أساكهم لو‬ ‫‪ -5‬تماسكي جيداً فا ترهبّ َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫روحك ‪.‬‬ ‫تتشج ُر في‬
‫ط ع اقيداً ّ‬ ‫المحاّ ِة بالح ي ِن يتساق ُ‬

‫لقد نجاح الشاعر بقاموس لفظي متقارب ي تمي الى مجاات‬


‫ااعتداد و ااعتزاز و العمق و اانتماء و ااحتماء في خلق مزاج‬
‫موحد لتلك التراكيب باعث على خلق صورة براقة لوجود عميق و‬
‫اصيل و متجذر ‪ .‬ناحظ في المقاطع ااربعة وحدتين مركزيتين بارزتين‬
‫ااولى ُ تعابير الم عة و السعة ُ خلف ابوابك ‪ ،‬حصونك العصية ‪،‬‬
‫تبذري ها في صدري ‪ ،‬ي ابيعك ‪ ،‬دروبك المحاة أ و الثانية فاعلية‬
‫المخاطب ُ نحتمي بها ‪ ،‬تغمرني ‪ ،‬تبذري ها ‪ ،‬المعطرة ‪ ،‬تتشجر في‬
‫روحك أ‪.‬‬

‫المر و المأساة أ‬
‫الوحدات ال صية لل ظام الثاني ُ الحاضر ّ‬
‫ِ‬
‫القحط‬ ‫تتمرى س وات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ -1‬بزي ة مدائ ك ّ‬

‫‪274‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ِ‬
‫زهورك‬ ‫تشو ُ‬ ‫ِ‬
‫ايات الغزاة لئا ّ‬
‫الروح ر ُ‬
‫شغاف ِ‬‫ِ‬ ‫ط ِم ْن‬
‫‪ -2‬أكش ُ‬
‫بض هتافاتهم المسعورةِ‬ ‫ِ‬
‫المفعمة بال ِ‬

‫الحروب الخاسرةِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ويات‬ ‫ك ُ برب الفلق أ ِم ْن‬
‫أحص ِ‬
‫‪ّ -3‬‬
‫ِ‬
‫الفجيعة بي َن‬ ‫ِ‬
‫العائمة فو َق ر ِ‬
‫كام‬ ‫وظمأَ فوهاتها ‪ ,‬سأدس مدائ ِ‬
‫ك‬ ‫ّ‬
‫الح ايا ‪,‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ساجمع م ْن على جسدك ما خلّفتهُ المح ة أصوغهُ‬
‫ُ‬ ‫‪-4‬‬
‫الليل الطويل ‪,‬‬ ‫ق ادياً تضيءُ وحشةَ الفج ِر ّ‬
‫وتمز ُق هذا َ‬
‫ِ‬
‫أبكيك‬ ‫ِ‬
‫أرصفة الخ اج ِر مطعوناً‬ ‫حت على‬
‫فكم ترنّ ُ‬
‫‪ْ -5‬‬
‫معشوقة رائعة ‪,‬‬

‫ان هذا ال ظام له تجل واضح في ال ص ‪ ،‬حتى انه يمكن‬


‫عد القطب و المحور متمثا بألم الحاضر و مأساته الذي فاض‬
‫من جانبيه البوح ااول بااعتداد بالماضي و البوح الثالث بالتطلع‬
‫الى مستقبل افضل ‪ ،‬كما ان الشاعر قد استخدم زخما تعبيريا قويا‬
‫ه ا مما اعطى هذا ال ظام محورية ظاهرة و تجل كبير‪ ،‬و لم يترك‬
‫الشاعر شيئا من التوظيفات التعبيرية و القاموسية اا و استخدمه‬
‫وهذا ما نسيمه ُ الحد ااقصى من البوح أ ‪.‬‬

‫الوحدات ال صية لل ظام الثالث ُ اانتظار و التطلع الى‬


‫المستقبل اافضل و الخاص أ‬

‫‪275‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫لقد استخدم الشاعر في تجلي و ابراز هذا ال ظام اسلوبين‬


‫ااول ااستفهام و السؤال و الثاني الطلب و التشجيع ‪ ،‬و من‬
‫المعلوم ان كاهما من انظمة الطلب‬

‫أ‪ -‬الصيغة ااولى ُ سؤاات الخاص أ‬

‫يرفع‬
‫وم ْن ُ‬ ‫ِ‬
‫آحام المشققة ‪َ ,‬‬ ‫‪َ -1‬م ْن يلم شتات ا وغرب َة‬
‫ِ‬
‫هديلك يحك‬ ‫أسمع‬ ‫ِ‬
‫السماء البعيدة وأنا‬ ‫أبواب‬ ‫صلوات ا تطر ُق‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫المكبوتة ؟!‬ ‫اناشيدنا‬

‫ِ‬
‫عيونك كل‬ ‫عن‬ ‫ِ‬ ‫‪ -2‬من يعي ُد لتأر ِ‬
‫ويمسح ْ‬
‫ُ‬ ‫البهجة‬ ‫يخك تدفّ َق‬ ‫َْ‬
‫فتح على هذا ِ‬
‫آفق‬ ‫السام محبةً ي ُ‬
‫َ‬ ‫التشتت ؟ َم ْن يزرعُ‬
‫َ‬ ‫هذا‬
‫الشاحب ؟‬
‫َ‬

‫كبت في‬‫نمز َق شرنقة ع ْ‬


‫نحتاج أ ْن ّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الوقت‬ ‫كم ِم َن‬
‫‪ْ -3‬‬
‫بجروح ٍ‬
‫نازفة‬ ‫ٍ‬ ‫شرفاتك المدثّرةِ‬
‫ِ‬ ‫ستزهر‬ ‫ِ‬
‫الشاسعة ؟ ومتى‬ ‫ِ‬
‫حقولك‬
‫ُ‬
‫تفيض بالقرابين ؟ ‪.‬‬
‫ُ‬

‫ب – الصيغة الثانية ُ طلب التغيير أ‬

‫‪ -1‬فأستعي ُد تواز َن ِ‬
‫اللغة كلّما ي تابها الضمور‬

‫اآنتظار والمواعي ُد ت أى تلوذُ‬


‫َ‬ ‫‪ -2‬أنهك ي هذا‬
‫خلفها آم يات‬

‫بعض أنفاسي ‪.‬‬


‫‪ -3‬فأم حي ي صحوة تعي ُد لي َ‬

‫‪276‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ِ‬
‫الشهقة تدفّقي ياقوتاً‬ ‫‪ -4‬أيّتها الساك ةُ في سواق ِي‬
‫ِ‬
‫بالصمت ‪,‬‬ ‫ِ‬
‫المغلولة‬ ‫يرص ُع أبواب ا‬
‫ّ‬

‫إستشرس هذا الطغيا َن‬


‫َ‬ ‫الروح وق ْد‬
‫‪ -5‬ما أحر لهيب ِ‬
‫وته ّد َل حزني فأوقفي هذا التصحر ب ٍ‬
‫بيذ طالما إنتظرتهُ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫مضض ‪,‬‬ ‫على‬

‫جديد وأنزعي ِم ْن عيوني‬


‫ٍ‬ ‫‪ -6‬إحتشدي ِم ْن‬
‫الذابات س ي اً ثي ٍ‬
‫بات ‪,‬‬ ‫ِ‬
‫ّ‬

‫تتعثر‬
‫يتكاثر الحز ُن مج ّدداً في أرضي وا ُ‬
‫َ‬ ‫لن‬
‫‪ْ -7‬‬
‫يل على‬‫سج ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين حجارًة م ْن ّ‬
‫الخطوات وأنت اآ َن تمطر َ‬
‫ِ‬
‫رؤوس الطغاة ‪.‬‬

‫لقد حقق ال ص غاياته القصدية التعبيرية بتجلي‬


‫طلب الخاص و الثورة على الواقع غير الائق و غاياته‬
‫ااسلوبية بتعابير ترادفية و لغة مرآتية متعاكسة و نص‬
‫فسيفسائي ‪ ،‬بسردية تعبيرية عذبة ورفيعة ‪.‬‬

‫ان أية قراءة ل صوص هذا الديوان تكشف و من الوهلة آولى ان ا أمام‬
‫أدب ثري و عميق ‪ .‬مشتمل على نصوص مسبوكة بتق يات شعرية عالية‬
‫المستوى و بلغة عذب و قريبة ‪ ،‬ان هذا الديوان المهم يع ّد فعا عبورا و‬

‫‪277‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫تجاوزا لمرحلة في الكتابة الشعرية العربية المعاصرة و اتجا حقيقيا نحو‬


‫الشكل ال موذجي لقصيدة ال ثر ‪.‬‬

‫السردية التعبيرية ؛ ُ حي ما يحلق الفي يق بقيثارة سومرية أ نموذجا‬

‫لقد تولد في آونة آخيرة شعور قوي بحضور السرد في العمل الشعري عموما‬
‫‪ ،‬سواء في آوساط الغربية او العربية ‪ ،‬اذ يقول بيتر هون في مقال ُ السرد‬
‫في الشعر و الدراما ‪in potry and drama , Narration‬‬
‫‪ Peter Huhn 2013‬أ ُ ان الشعر الغ ائي ُ و ليس بالضرورة القصصي‬
‫أ يمثل بجوهر سيل من المعاناة ال فسية و الوجدانية التي عاناها متكلم واحد‬
‫و أفصح بها من مكانه الى ان يقول و يمكن تلمس تق يات السرد في الشعر‬
‫الغ ائي أ‪ .‬و يقول شجاع العاني ُاذا كان السرد الف ي هو مجرد احتمال فان‬
‫القصيدة الغ ائية على مستوى الصيغة ج س غير نقي و كما ان وجود رواية او‬
‫قصة قصيرة با حوار هو استث اء كذلك فان خلو قصيدة غ ائية من السرد هو‬
‫استث اء ايضا‪.‬أ ‪ .‬كما ان تربع قصيدة ال ثر اامريكية المعاصرة وهيم تها على‬
‫الشكل ال موذجي لقصيدة ال ثر الحديثة بما لها من سردية اثار مفاهيم و‬
‫تصورات جديدة ومهمة ‪ ،‬يقول عبد القادر الج ابي ُليست مبالغة القول إن‬
‫‪278‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫بروز قصيدة ال ثر في مقدمة الشعر آميركي اليوم‪ ،‬دفع عدة فرنسيين إلى‬
‫إعادة ال ظر في مفهوم قصيدة ال ثر الفرنسية حد أن ثاثة كتب نقدية جامعية‬
‫صدرت خال الس وات آخيرة في تحاليل نقدية جديدة تتعارض وطروحات‬
‫سوزان برنار‪ ،‬إذ كتابها‪ ،‬الغارق بدراسات إيقاعية حد تشويه حقيقة قصيدة ال ثر‬
‫أ ‪ .‬و لقد بدأ يشيع و يؤصل مصطلح السرد الشعري ‪ ،‬و فكرة عدم وجود‬
‫سرد نقي و غ ائية نقية و البحث عن اصول تمتد الى قديم اازمان و التجارب‬
‫في هذا ااطار ‪ ،‬وهو حق و جوهري ‪ ،‬اا انه من غير الممكن تصور كون‬
‫السرد في قصيدة ال ثر هو سرد حكائي ان ذلك من خصائص ال ثر و القصة ‪،‬‬
‫و سيحيل المقطوعة الى نثر وان كان شعريا او ستصبح قصيدة سردية ‪ ،‬و انما‬
‫السردية المقومة لقصيدة ال ثر هي السردية التعبيرية ‪ ،‬حيث يكون السرد ا‬
‫بقصد الحكاية وانما بقصد نقل ااحساس و الرؤية العميقة ‪ ،‬اي حضور‬
‫تق يات السرد و توظيفه كمعادل موضوعي ‪ ،‬الذي اشار اليه ت س اليوت في‬
‫الشعر حيث يقول ُالشعر الحقيقي ا يخلو من العاطفة‪ ،‬لك ه يحولها إلى‬
‫تجربة ف ية جمالية تصل إلى اآخرين أ و بهذا الصدد يقول جميل الغالبي‬
‫ُيمكن القول ان نظرية المعادل الموضوعي في الشعر التي اسسها الشاعر‬
‫اانكليزي ت س اليوت من اهم ال ظريات التي احدثت جدا في اادب‬
‫وخصوصا الشعر والتي تعتبر ذخيرة مهمة للشعراء فيما بعد ‪ ،‬حيث تاثر فيها‬
‫الكثير من الشعراء وخصوصا الشاعر بدر شاكر السياب وصاح عبد الصبور ‪،‬‬
‫وملخص تلك ال ظرية او المفهوم هي استخدام مجموعة من الرموز او‬
‫الحركات التي تعبر عن فكرة او موضوع وهي تعتبر وسائل ايضاح او مؤنة‬
‫لخيال الشاعر أ ‪.‬‬

‫في مجموعة ُُ حي ما يحلق الفي يق بقيثارة سومرية أ الشعرية المشتركة بين‬


‫الشاعر العراقي عدنان الامي و الشاعرة اللب انية فاطمة م صور ‪،‬الصادرة عن‬

‫‪279‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫دار آمل السورية ‪ ، 2015‬نجد السردية التعبيرية حاضرة في نماذج فذة من‬
‫قصيدة ال ثر مع شيء من التصويرية و التشطير الموروث عربيا ‪.‬‬

‫فاضافة الى السردية الجلية في ع وان المجموعة من الحدثية و الوصفية و‬


‫الشخوصية في عبارة ُحي ما يحلق الفي يق بقيثارة سومرية أ فان هذ السردية‬
‫بائحاءاتها و تعبيريتها مبثوثة في نصوص المجموعة ‪.‬‬

‫في قصيدة ُ أسماء على جدران مثقوبة أ يقول عدنان الامي ‪:‬‬

‫ُكان بوسع نصف وجهي‬

‫ان يفترس جدران جاحدة‬

‫لكن ثقوب أصابعي‬

‫اقل أستغراقا" من أرتجاف الشظايا‬

‫في ُحادث مؤسفأ‬

‫والريح العالقة في شحة البسملة‬

‫تمتمت بقرابين صغار‬

‫ك ت كمن يرخص خيط قصير‬

‫في قطرة ماء‬

‫وماقلمته رئتي‬

‫‪280‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫كان حوقلة صمت‬

‫حرض رائحة الصدأ‬

‫في ضجيجُ عرضيأ‬

‫قال الشاهد‬

‫اان انزوى‬

‫من سقط على حافة الهروب‬

‫وا يزال كف الزوايا ُمجهول الهويةأ‬

‫قلت ونفسي‬

‫ليت ي أقبع في التكرار‬

‫ٓعيد هدر الرأس لهشاشة الجسد‬

‫وا ألزم أحدا"‬

‫من كان وجهه عائم‬

‫في حقول ااسماء‬

‫التصاوير تتقرفص في دمي‬

‫واللحظة تت افذ في عروق آسئلة‬

‫‪281‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الخطوة تصوغ موت ا يطرف‬

‫وال بض المعصوب على فم الجمر‬

‫يحتطب سرابيل من صدى‬

‫يغزل انحدار اليقظة‬

‫على فواصل القلق‬

‫الزمن مشيمة قصوى‬

‫كفن طاسم عفته‬

‫وتكدس مثلي‬

‫بمجاهيل حدود الخرائط أ‬

‫ناحظ حضور الفعل السردي وهو ضرورة ا م اص م ها اجل خلق قصيدة‬


‫نثر نموذجية ‪ ،‬و اا بقي الشعر في تصويريته ‪ ،‬وكان الشعر قصيدة حرة من‬
‫الشعر الم ثور وهو ما نسميه الشعر التصويري في قبال شعر ال ثر ‪ ،‬كما انه قد‬
‫يعاني من الجفاف و التفكك ايحانا ‪.‬‬

‫نجد السرد حاضرا في ال ص بصور مختلفة ‪ ،‬م ها الع وان فانه رغم ايحائيته‬
‫فانه يشتمل على شخوصية و يثير تصورات حدثية باسماء كائ ة على جدران قد‬
‫حدث فيها ثقوب بفعل فاعل ذاتي ام خارجي ‪ ،‬فه ا توظيف سردي مكثف ‪ ،‬و‬
‫عبارة موحية بالسرد التعبيري اايحائي ‪.‬‬

‫‪282‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫من مظاهر السرد ااخرى هو القاموس اللفظي بحضور الفاظ الحكاية و السرد‬
‫مثل ُ كان بوسع ‪ ،‬في ُحادث مؤسفأ ‪ ،‬ك ت كمن يرخص ‪ ،‬في ضجيجُ‬
‫عرضيأ ‪ ،‬قال الشاهد ‪ ،‬قلت ونفسي أ‬

‫و ايضا نجد صوتا واضحا للزمن في ال ص بحضور صيغه و هيم ته على ال ص‬


‫فالماضي ُُكان بوسع نصف وجهي ‪ ....‬في ُحادث مؤسفأ ‪...‬تمتمت‬
‫بقرابين صغار ‪....‬ك ت كمن يرخص خيط قصير ‪....‬كان حوقلة صمت ‪....‬أ‬
‫ثم ي تقل الى الحاضر بصيغ مضارعة ُ اان انزوى ‪..‬وا يزال كف الزوايا ‪...‬أ‬
‫ثم المستقبل ُ ليت ي أقبع في التكرار ‪ٓ..‬عيد هدر الرأس لهشاشة الجسد أ‬

‫و ايضا نجد الحوار ‪ ،‬بخطاب عام بوحي الى المتلقي المطلق بسرد تبدأ به‬
‫القصيدة من ُكان بوسع نصف وجهي أ و ت تهي به ‪ ،‬و ايضا بحوار داخلي‬
‫حكائي في ُ قال الشاهد أ و ُ قلت و نفسي أ وهو تجل للحوار مع ال فس ‪.‬‬

‫و نجد تعاما مع ماديات كشخوص فضا عن امور مع وية فه ا ُجدران‬


‫جاحدة ‪ ،‬ثقوب أصابع‪ ،‬والريح العالقة ‪ ،‬بقرابين صغار أ فان ال عتية و‬
‫التفصيلية كما انهاتعطي تفصيات شخوصية و تأريخا نصيا لتلك المسميات ‪،‬‬
‫فانها ايضا تحقق وصفية و حدثية حكائية بي ة ‪ ،‬تتجلى فيها السردية ‪.‬‬

‫و هذ المظاهر السردية نجدها ايضا حاضرة في قصيدة ُ نشيج الع كبوت أ‬


‫للشاعرة فاطمة م صور حيث تقول ‪:‬‬

‫القديمة‬ ‫السطور‬ ‫استفاقت‬ ‫ُ‬


‫الشياطين‬ ‫مجلس‬ ‫مهابة‬ ‫على‬
‫الع اكب‬ ‫رفوف‬ ‫من‬ ‫بها‬ ‫يهوي‬ ‫ما‬ ‫وانتظرت‬

‫‪283‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫التقاويم‬ ‫في‬ ‫الهشة‬ ‫المسالك‬


‫المح طة‬ ‫القلوب‬ ‫رذاذ‬ ‫تدب‬
‫الوقت‬ ‫مسامات‬ ‫الى‬ ‫ت ساب‬ ‫الظلمة‬
‫سائبة‬ ‫جدران‬ ‫على‬ ‫اليابس‬ ‫بالتراب‬ ‫تلعثم‬ ‫اللسان‬
‫آحتراق‬ ‫يتاقف‬ ‫الجسد‬ ‫ومازال‬
‫صباي‬
‫الذكرى‬ ‫ليل‬ ‫من‬ ‫اكليل‬
‫المقفلة‬ ‫آكمة‬ ‫يكلل‬ ‫راح‬
‫دمي‬ ‫اج حة‬ ‫أكلتها‬ ‫بثمرات‬
‫في نقرس التخمة المعلبة‬

‫اارض‬ ‫تعامت‬
‫البوار‬ ‫صيد‬ ‫من‬ ‫يأسوا‬ ‫الصيادون‬
‫ب زيفه‬ ‫ليلوح‬ ‫بأذنيه‬ ‫تكوع‬ ‫والعمر‬
‫الشرفات‬ ‫بزفير‬ ‫الى‬ ‫عرج‬ ‫من‬ ‫وهالك‬
‫ني‬ ‫ذات‪...........‬‬
‫العراة‬ ‫يسمعه‬ ‫ان‬ ‫استحال‬
‫الريح‬ ‫أرباب‬ ‫من‬ ‫أضحيت‬ ‫ٓني‬
‫الخوف‬ ‫أبتلع‬ ‫ان‬ ‫ت اهيت‬
‫مغادر‬ ‫وجه‬ ‫على‬ ‫وأمضي‬
‫المؤانسة‬ ‫صدور‬ ‫بجاء‬ ‫تزحزحت‬
‫واه ة‬ ‫بحبال‬ ‫المربوطة‬ ‫الضفائر‬ ‫أفك‬
‫تقلب ي‬ ‫أن‬ ‫من‬ ‫أهون‬ ‫اارض‬ ‫ان‬ ‫أدركت‬
‫للريح‬ ‫أمري‬ ‫أهمي‬ ‫نشيج‬ ‫وبغير‬

‫‪284‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫متألئا"‬ ‫سراجا"‬ ‫أشعل‬


‫التاوين‬ ‫من‬ ‫أفواجا"‬ ‫ورائي‬ ‫من‬ ‫وأجر‬
‫الغبار‬ ‫لجوف‬ ‫لساني‬ ‫اعيد‬ ‫ان‬ ‫عساي‬
‫ادم‬ ‫بثمرة‬ ‫وأنطق‬
‫المؤجلة‬ ‫أافراح‬ ‫مكر‬ ‫أثار‬ ‫تتبع‬
‫أدمغها‬
‫الكام‬ ‫فحولة‬ ‫في‬ ‫أدخلها‬
‫المزدجر‬ ‫تهمة‬ ‫من‬ ‫أبرئه‬
‫ٓهلها‬ ‫البيوت‬ ‫اعيد‬
‫خوفي‬ ‫أوهن‬ ‫لعلي‬
‫التكرار‬ ‫من‬
‫مامحي‬ ‫عليها‬ ‫تتشابه‬ ‫قلوبهم‬ ‫ولكن‬
‫الشمال‬ ‫أصحاب‬ ‫ص فهم‬
‫مواويل‬ ‫رذاذ‬ ‫اني‬ ‫عرفت‬ ‫وبصدفة‬
‫مر على موتي ااف الس ين أ‬

‫فه ا اسلوب سردي تعبيري متميز اذ تقول ‪:‬‬

‫القديمة‬ ‫السطور‬ ‫ُاستفاقت‬


‫الشياطين‬ ‫مجلس‬ ‫مهابة‬ ‫على‬
‫وانتظرت ما يهوي بها من رفوف الع اكب أ‬

‫فالسرد ‪ ،‬بالحكي ‪ ،‬و الزمان و المكان ‪ ،‬و الوصف و الحدث ‪ ،‬كله حاضر‬
‫ه ا ‪ ،‬لكن ليس سردا بسيطا ‪ ،‬ليس سردا نقيا ‪ ،‬انما سرد تعبيري ائحائي ‪،‬‬

‫‪285‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫برمزية قريبة و بوح شفيف ‪ ،‬و يمكن القول انه تطوير شعري للتحفيز ااستعاري‬
‫الذي اشار اليه شارلز ماي ‪.‬‬

‫وايضا يحضر السرد بقاموس الفاظ حدثية و زمانية و مكانية في ُ‬

‫ُ استفاقت السطور ‪ ،‬مجلس الشياطين ‪ ،‬وانتظرت ‪ ،‬رفوف ‪ ،‬المسالك ‪،‬‬


‫مسامات الوقت ‪ ،‬جدران ‪ ،‬ت اهيت ‪ ،‬وأمضي ‪ ،‬تزحزحت ‪ ،‬أفك الضفائر ‪،‬‬
‫أشعل سراجا" متألئا أ‬

‫كما ان ال عتية و الوصفية تخلق مدى حكائيا واسعا و تفصيات شخوصية‬


‫بصيغ جلية كما في ُ السطور القديمة ‪ ،‬مجلس الشياطين ‪ ،‬رفوف الع اكب ‪،‬‬
‫المسالك الهشة في التقاويم ‪ ،‬القلوب المح طة ‪ ،‬آكمة المقفلة‪ ،‬التخمة‬
‫المعلبة ‪ ،‬الضفائر المربوطة أ ‪.‬‬

‫هذ السردية بتق يات السرد ‪ ،‬اا انه ليست سردا بسيطا حكائيا ‪ ،‬انما هو‬
‫سرد تعبيري يفجر طاقات اللغة ‪ ،‬و يخلق الفضاء العريض الذي تتجلى فيه‬
‫اعماق ااحاسيس و المشاعر و الفكر التعبيرية ‪ ،‬التي اراد الشاعر لها ان‬
‫تصل الى المتلقي ‪ .‬اضافة الى خلقه التحفيز و الشد الذي يحضر القارئ الى‬
‫ال ص بادب ممتع عالي الف ية ‪ ،‬و هذا الشكل من التعبير اادبي المهم نجد‬
‫حاضرا في نصوص المجموعة الشعرية ُ حي ما يحلق الفي يق بقيثارة سومرية أ‬

‫‪286‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪287‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫السردية التعبيريية رياض الغريب و ناظم ناصر نموذجا‬

‫ضمن تعريف كاديمي حديث لقصيدة ال ثر في موقع تق يات اادب‬


‫كمقوم اساسي لها ‪ ،‬انّها شعر‬
‫‪ device literary‬أ أ ‪ ،‬يبرز السرد ّ‬
‫باسلوب سردي ‪ ،‬حيث ان ااتكاء على الصورة الشعرية هو من الشعرية‬
‫التصويرية المعهودة ‪ ،‬وهي في جوهرها تخالف نثرية قصيدة ال ثر‪ .‬قصيدة ال ثر‬
‫ليست صورا شعرية بصورة نثر و انما سرد لصور شعرية انها شعر سردي و‬
‫الفرق واضح ‪.‬‬

‫الميزة آهم للشعر السردي الذي يميز عن ال ثر وان كان شعريا هو‬
‫التعبيرية في السرد ‪ ،‬فبي ما في ال ثر السردي يكون السرد ٓجل السرد ‪ ،‬فانه‬
‫في الشعر السردي يكون موظفا ٓجل تعظيم طاقات اللغة التعبيرية‪.‬‬

‫تعتمد التعبيرية في اللغة على التوظيفات في ثاث مستويات كما بي ا‬


‫سابقا في مقاات ا ‪ ،‬مستوى ال ص كقول و كتركيب لفظي مع وي ‪ ،‬و مستوى‬
‫التجربة كعالم من المعاني و الحقول الفكرية المع وية ‪ ،‬و المستوى الوسيط‬
‫الرابط ي هما ‪ ،‬فبي ما الجمالية في ع اصر ال ص التعبيرية تعتمد على انجازات‬
‫فردية اسلوبية على مستوى المفردات و التراكيب كوحدات كامية ‪ ،‬فا ّن‬
‫ع اصر الجمالية اللغوية في حقول المع ى الفكرية العميقة و العامة تكمن في‬
‫اشكال تمظهر و تجلّي لم اطق و افراد تلك الحقول ‪ ،‬و اما الع صر الوسيط‬
‫فهي عملية ذه ية رابطة ت تج عن عملية القراءة ‪ ،‬بمع ى اخر لدي ا ثاثة عوامل‬

‫‪288‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ت تج اللحظة الجميلة و اادهاش المصاحب ‪ :‬ع اصر كتابية نصية و ع اصر‬


‫التجربة العميقة و ع اصر قراءاتية و سيطة بالمع ى المتقدم ‪ ،‬هذا الت اول هو‬
‫شكل من اشكال ال قد التعبيري ‪،‬و الذي بتجاوز اخفاقات ال قد ااسلوبي في‬
‫م طقتي الع اصر القراءاتية الوسيطة و ع اصر التجربة اللغوية العميقة ‪.‬‬

‫س ت اول ه ا كم وذج للسردية التعبرين نصين من قصيدة ال ثر ‪ :‬ااول ُ في‬


‫صورته يرى أ الرياض الغريب ‪ ،‬و الثاني ُ ظل تقيا السراب أ و يكون من‬
‫المفيد اوا ايراد ال صين قبل الحديث ع هما ‪:‬‬

‫ُ من صورته يرى أ‬
‫رياض الغريب‬
‫بعيدة‬ ‫نافذة‬ ‫من‬ ‫تدلى‬ ‫خوف‬ ‫من‬
‫أيامهُ‬ ‫يرى‬
‫كامرتهُ‬ ‫جهز‬
‫ِ‬
‫بالمقلوب‬ ‫ِ‬
‫لحياته‬ ‫ليلتقط صورة‬
‫رِ‬
‫أسها‬ ‫على‬ ‫تقف‬ ‫ان‬ ‫ِ‬
‫لهيئته‬ ‫اشار‬
‫تختفيان‬ ‫القدمان‬
‫يختفي‬ ‫الرأس‬
‫مثقوبة‬ ‫اسئلة‬ ‫واضحة‬ ‫مامح‬
‫عي ان‬
‫كامرته‬ ‫جهز‬
‫لمشهد ايتكرر‬

‫‪289‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫بالخسائر‬ ‫ايامه‬ ‫فداحة‬ ‫يستقبل‬


‫البعيدة‬ ‫والذكريات‬
‫الملتوي‬ ‫الطريق‬ ‫في‬
‫فوق اجساد العابرين يكتشف العشب ثقل المساء في قلوب المتلفتين ويفتح‬
‫بابا لصوت قادم من امك ة يسك ها حلم راكض باتجا افق شاحب لم تكن‬
‫فيه‪.‬‬ ‫انت‬
‫عطل بسيط في الكامر أخر تصوير المشهد‬
‫يعتقدون‬ ‫هم‬
‫كلما اراد متلفت م هم ان يقد شروقه من وجع رافقه تصفعه اايادي التي‬
‫‪..‬‬ ‫ذه ه‬ ‫في‬ ‫الشاحب‪..‬‬ ‫المشهد‬ ‫خلف‬ ‫تختفي‬
‫نعيش‬ ‫التي‬ ‫الحياة‬ ‫تلك‬ ‫مؤلمة‬ ‫هي‬ ‫كم‬ ‫يااه‬
‫الشعر‬ ‫بيت‬ ‫يرفع‬ ‫ان‬ ‫يحاول‬ ‫وهو‬ ‫قالها‬
‫الحلم‬ ‫ضوء‬ ‫من‬ ‫لديه‬ ‫ماتبقى‬ ‫اخر‬ ‫على‬ ‫ليقضي‬
‫بالكام‬ ‫متعثر‬ ‫هو‬
‫الغياب‬ ‫حقيقة‬ ‫امام‬
‫بالمقلوب‬ ‫الصورة‬
‫والمشهد عار اتستر عورته عشبة المساء‬

‫&&&‬

‫السراب‬ ‫تقيأ‬ ‫ظل‬


‫قفص‬ ‫في‬ ‫مسجونة‬ ‫كريح‬
‫الزجاجة‬ ‫عق‬ ‫من‬ ‫يخرج‬ ‫ا‬ ‫صوتي‬
‫الوهم‬ ‫في‬ ‫تتبدد‬ ‫رملية‬ ‫ساعة‬

‫‪290‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ال دم‬ ‫حيرة‬ ‫في‬ ‫الذهول‬ ‫أسقط ي‬


‫‪...‬‬ ‫وحدي‬ ‫أقف‬
‫آصيل‬ ‫في‬ ‫تذوب‬ ‫وهي‬ ‫شمسي‬ ‫الى‬ ‫انظر‬
‫المساء‬ ‫كف‬ ‫في‬ ‫آلوان‬ ‫تبهت‬
‫الظام‬ ‫في‬ ‫التفاصيل‬ ‫تضيع‬
‫الجذور‬ ‫تبلل‬ ‫الصغيرة‬ ‫والموجات‬
‫التاريخ‬ ‫سالة‬ ‫يحمل‬ ‫الذي‬ ‫بالطين‬ ‫مبتهجة‬
‫الحضارة‬ ‫وت اسل‬
‫الوقت‬ ‫يتأبط‬ ‫‪...‬‬ ‫الزمن‬ ‫كان‬
‫‪...‬‬ ‫السكون‬ ‫يظ ه‬
‫‪...‬‬ ‫راكدة‬ ‫ريح‬ ‫لك ه‬
‫‪..................................................‬ناظم ناصر‬

‫نصي ‪ ،‬اا ان حقل المع ى لكل‬


‫ال صان يرتكزان على السرد ‪ ،‬وهو ع صر ّ‬
‫م هما مختلف ‪ ،‬فمفردات و تراكيب رياض الغريب ‪ ،‬تت قل وسط حقول قريبة‬
‫في مفرداتها و تراكيبها ‪ ،‬اما حقول المع ى ع د ناظم ناصر فانها تت قل وسط‬
‫حقول بعيدة شاعرية ‪ ،‬وهذ من ع اصر التجربة اللغوية ‪ ،‬اذن السردية الشعرية‬
‫ممكن ان تكون قريبة ‪ ،‬و ممكن ان تكون بعيدة ‪ .‬و طبعا كل من ذلك يفرض‬
‫سياقات و اسلوبيات خاصة في تحقيق الصدمة و اابهار ‪.‬‬

‫وسط هذا الجو القريب ع د رياض الغريب ‪ ،‬ت بثق الخروقات اللغوية‬
‫اابداعية في انزياحات و توظيفات فذة ‪ ،‬كع اصر كتابية جمالية فتحصل حالة‬
‫تموج تعبيرية ‪ ،‬تكون فيها العاقة بين حقول الدالة و المع ى و ع اصر ال ص‬
‫ّ‬

‫‪291‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الكتابية عاقة متغيّرة ‪ ،‬وهذا توظيف في الوسط الرابط بين الدال و المدلول ‪،‬‬
‫يقول رياض الغريب ‪:‬‬

‫ُ من خوف تدلى ‪ ،‬من نافذة بعيدة \ يرى ايامه \ جهز كامرته \ ليلتقط‬
‫صورة لحياته بالمقلوب أ‬

‫الجو العام لل ص ُ خوف ‪،‬‬


‫ليس فقط المفردات المركزية التي خلقت ّ‬
‫نافذة ‪ ،‬كاميرة‪ ،‬صورة ‪ ،‬حياة أ في توظيف عال المستوى ل قل القارئ الى‬
‫حقل المع ى ‪ ،‬بل ا ّن الع اصر الكامية الرابطة ُ تدلى ‪ ،‬بعيدة ‪ ،‬المقلوب أ‬
‫كان لها اثر جمالي صادم ‪ ،‬انها تحدث المفارقة و الت اقص ‪ ،‬اذ ا ّن خط‬
‫الكام و اافادة يتجه نحو الرؤية و السيطرة و التمكن ‪ ،‬اا ا ّن هذ المفردات‬
‫الجو ‪ ،‬احدثت اضطرابا في ت اغم عقل القارئ مع‬
‫احدثت اخاا في ذلك ّ‬
‫فكرة القارئ ‪ ،‬لقد حصلت حالة انعطافية في القراءة اجلت نقطة الصفر‬
‫القراءاتية ‪ ،‬فكأن فكر القارئ قد استدار و انعطف الى زاوية هزت كيانه ‪ ،‬و‬
‫احدثت الهزة الجمالية الصادمة ‪ ،‬و ان كانت بهدوء يطغى على اسلوب رياض‬
‫الغريب ‪.‬‬

‫بي ما في تعبيرية ناظم ناصر ‪ ،‬فبعد ان تم نقل القارئ الى عالم عال من‬
‫الحقول المع وي بقاموس شاعري ‪ ،‬ترسخ في ذهن القارئ الجو العام‬
‫اانزياحي ‪ ،‬و هذا ي عكس على تأثير اانزياحات لتركيبية ‪ ،‬فيكون كأنه ي ظر‬
‫الى سماء بالوان مفردات ال ص و حقول المع ى التي تطرقه ‪ ،‬يقول ناظم ناصر‬
‫‪:‬‬

‫‪292‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ُ كريح مسجونة أقف وحدي \صوتي ا يخرج من ع ق الزجاجة \ ساعة‬


‫رملية تتبدد في الوهم \ اسقط ي الذهول في حيرة ال دم \ اقف وحدي \‬
‫انظر الى شمس وهي تذوب في ااصيل أ‬

‫فرغم تبين الجو العام لل ص بقاموس مفردات مأساوية وحزي ة تخيم عليه‬
‫الحسرة و اليأس ‪ ،‬اا ان التراكيب كانت مشتملة على استعارات و التشبيهات‬
‫تعبيرية بلغة تحلق نحو شعرية بارزة ‪ .‬ان ع اصر ال ص الم بثّة و سط التراكيب‬
‫كانت فاعلة في تحقيق الوحدة السردية متمثا بصوت المتكلم و اشيائه ‪ ،‬و‬
‫بالوصف التفصيلي احوال الذات المركزية ‪ ،‬فكان الشاعر ممسكا بتراكيبه‬
‫الشعرية و سط ب اء سردي واضح ‪ .‬اابهار ه ا مع هذ الشاعرية يعتمد كثيرا‬
‫على تلك التركيبة الفذة بين سردية الب اء و شعرية الوحدات الكامية ‪ ،‬فتتحقق‬
‫المتموجة ‪ ،‬من خال تلك العاقة فذهن القارئ يت قل بين تصوير و‬
‫ّ‬ ‫اللغة‬
‫تكوين لغوي متغير مع زمن ال ص ‪ ،‬و هذ الممارسة ايضا ه ا لها اثرها في‬
‫تحقيق اابهار ‪ ،‬بصوت هادئ ‪.‬‬

‫اذن السردية التعبيرية ابدا ليست ٓجل ان تحكي ‪ ،‬و انما ٓجل ان تخلق‬
‫التموج في تلقي‬
‫لغة وسط اللغة ‪ ،‬و تعبيرا وسط التعبير ‪ ،‬و من الماحظ ان ّ‬
‫الخطاب في السردية التعبيرية يكون بشكل نار هادئة ‪ ،‬و افق واضح و فضاء‬
‫موحد ‪ ،‬بي ما تموجية التلقي في الشعرية الصوري تكون حماسية ‪ ،‬و على قدر‬
‫واضح من التشظي ‪.‬هذا الفرق الجوهري بين شعرية قصيدة ال ثر المعتمدة‬
‫التموجية التعبيرية الهادئة و الموحدة ‪ ،‬و بين الشعر التصويري المعتمد‬
‫على ّ‬
‫على التموجية التعبيرية الحماسية المتشظية غاليا ‪.‬‬

‫ان تاثير هذ العملية الذه ية و اثرها الواضح كع صر جمالي و ع صر من‬


‫ع اصر اابهار ادركته المدرسة ااسلوبية متأخرا ‪ ،‬فاتجهت من التركيب‬
‫‪293‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الجملي المعتمد على خرف اللغة على مستوى تجاور المفردات الى ال ص‬
‫كب اء كلي و فضاء لابداع اللغوي ‪.‬‬

‫هذا الشكل من التعبيرية يتكرر في كل من ال صين كمظهر من مظاهر‬


‫التف ن اللغوي و ع صرا من ع اصر اابهار الجمالي ‪.‬‬

‫و في ع صر تعبيري اخر و هو امتداد للغة الصادمة يقول رياض الغريب‬

‫ُ القدمان تختفيان \ الراس يختفي \ مامح واضحة اسئلة مثقوبة أ‬

‫وه ا بهذ التعبيرية يحقق الشاعر بوحا عميقا و تصل القصيدة السردية ه ا‬
‫الى ذروتها في محاكاة م طقية للسرد ال ثري ‪ .‬و نجد هذا اامتداد و الذروة‬
‫السردية في قول ناظم ناصر ‪:‬‬

‫ُ اقف وحدي \ انظر الى شمس وهي تذزب في ااصيل \ تبهت االوان‬
‫في كف المساء \ تضيع التفاصيل في الظلتم أ‬

‫ه ا في هذ اللوحة التعبيرية تصل قصيدة ناظم ناصر ذروتها في طرح‬


‫ااعتراض و السؤال و وصف الحال ‪.‬‬

‫حتى يستمر و يدخل في لمحة طلب الخاص ‪ ،‬و بيان الرؤية ‪ ،‬و التعليل‬
‫في قوله‬

‫ُ كان الزمن ‪ ..‬يتأبط الوقت \ يظ ه السكون \ لك ه ريح راكدة أ‬

‫في هذا المقطع المكثف طرح لجانبين من الحكاية ‪ ،‬التعليل وهو اساسي‬
‫كثيرا في الشعرية السردية ‪ ،‬بحيث يختصر الشاعر الحال السابقة و يتجه نحو‬

‫‪294‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫بيان علل و مسببات الوضع ‪ ،‬طبعا بتفكيرنا السردي و ليس بواقع ال ص‬


‫الشعري المكثف ‪ ،‬و بالذي نرا كقراء و ليس بما هو عليه ال ص ككتابة ‪ ،‬ثم‬
‫يتجه ال ص الشعري نحو لمحة الخاصة و الحل ‪ ،‬اا ان ه ا خفوتا في هذا‬
‫الجانب ‪ ،‬وهو امتداد و فاء لليأس المخيم على ال ص ‪،‬فما ه ا سوى تأبط‬
‫للوقت و ظ ون ‪ ،‬و سكون ‪ ،‬اا ا ّن ه اك اشارة الى ريح راكدة يمكن ان تهيج‬
‫‪ .‬بالطبع هذ الخاتمة السردية لم ترد في ااساس ان تحكي ل ا قصة ‪ ،‬و انما‬
‫ه ا توظيف عال للتعبير ‪ ،‬لبيان اكبر للفكرة ‪ ،‬و ايضاح تعبيري اكبر للداات‬
‫‪ ،‬ان السردية ي قصيدة ال ثر محاولة جادة اغراق القارئ في ال ص ‪ ،‬و نقله‬
‫بشتى السبل الى عوالم مع ا ‪ ،‬بحيث يجد القارئ نفسه في لحظة ما انه ذاب‬
‫في ال ص و عاش لحظته و كانه هو من كتب ال ص ‪ ،‬وهذا انجاز عال‬
‫المستوى كلغة تعبيرية ‪ .‬يقول رياض الغريب ‪:‬‬

‫ُ في الطريق الملتوي \ فوق اجساد العابرين يكتشف العشب ثقل‬


‫المساء في قلوب المتلفتين و يفتح الباب لصوت قادم من امك ة يسك ها حلم‬
‫راكض باتجا افقشاحب لم تكن انت فيه \ عطل في الكامرة اخر تصوير‬
‫المشهد \ هم يعتقدون \ كلما اراد متلفت م هم ان يقد شروقه من وجع‬
‫رافقه تصفعه اايدي التي تختفي خلف المشهد الشاحب ‪ ...‬في ذه ه أ‬

‫ه ا يسطّر الشاعر التعليل و يصور بصور مختلفة لها تأثير واضح في‬
‫تجلّي المأساة و ديمومتها ‪ .‬مع أشارة رؤيوة نحو تلك العلل و مدى واقعيتها ‪.‬‬
‫ثم يتجه ال ص نحو طلب الخاص ‪ ،‬و ان كان بتعبير عكسي بذكر نقيضه في‬
‫لغة تعبيرية فذة حيث يقول‬

‫ُ هو متعثر بالكام \ امام حقيقة الغياب \ الصورة بالمقلوب \ و‬


‫المشهد عار ا تستر عورته عشبة المساء أ‬
‫‪295‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫في ضوء ما تق ّدم ‪ ،‬المبيّن لجانب من جوانب التف ن ااسلوبي العميق‬


‫للشعرية السردية ‪ ،‬المتمثّل بالسردية التعبيرية ‪ ،‬يتضح الفارق بين سردية الف ون‬
‫ال ثرية و سردية قصيدة ال ثر ‪ ،‬بل واختاف ااخير عما في الشعر التصويري ‪،‬‬
‫فيكون للقول بان قصيدة ال ثر ج س ثالث مجال عريض جدا ‪.‬‬

‫‪296‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫القسم الثالث ‪ :‬الفسيفسائية‬

‫الفسيفسائية التجريدية‬

‫ُ عمق أ نص فسيفسائي تجريدية‬

‫انور غ ي الموسوي‬

‫ٍ‬
‫عاصف ا يصل ي م ه سوى الهمس ‪ ،‬كضجيج‬ ‫السكون جفن ناعس لهواء‬
‫الشمس وصوت لهيبها ‪ ،‬ا يصل ي م ه سوى نسمة ضوء ‪ ،‬اا تشعر بذلك ؟‬

‫رحلت كمركبة غريبة نحو العمق ‪ ،‬نحو مرآة أرت ي عالما براقا لج يات‬
‫ُ‬ ‫لقد‬
‫الربيع و فراشاته ناعسة الجفون ‪ ،‬كل هذا ما كان ليكون لوا صخب رهيب‬
‫يتربع أغصان حكاياتي الباردة ‪.‬‬

‫‪297‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫أنظر الي ‪ ،‬أنا أقف ه اك كطائر قطبي ‪ ،‬ا أنتظر شيئا ‪ ،‬فلقد اهدت ي الرمال‬
‫دي مساماتي و زوايا روحي‬
‫العاصفة وردة حمراء باسمة ‪ ،‬لقد مأ عبقها ال ّ‬
‫المسافرة ‪ .‬انظر الي يدي ‪ ،‬انها تحتفل ‪ ،‬أنا واثق انك تشعر بذلك ‪.‬‬

‫هامش‬

‫الفسسيفسائية ترتكز على الترادف التعبيري ‪ ،‬اي مجموعة تعابير في نص‬


‫واحد متميز عن بعضها اا انها ت طلق من فكرة محورية و تشابه تعبيري كبير ‪،‬‬
‫محققة حالة تشبه الترادف اللظي و تكون تعابير ال ص و جمله و فقراته بشكل‬
‫مرايا متجاورة تعكس صورة عميقة و فكرة موحدة ‪ ،‬و تكون التعابير متجهة‬
‫نحو تلك الفكرة و القضية و الصورة العميقة الموحدة كما تتجه ازهار الشمس‬
‫نحوها في كل حين ‪.‬‬

‫و التجريدية ترتكز على استعمال اللغة و االفاظ بشكل تعبيري غير معهود ‪،‬‬
‫اي ليس ٓجل نقل المع ى و توصيل الفكرة و الحكاية ‪ ،‬و انما ل قل‬
‫ااحساس و الشعور ‪ ،‬و جعل المشاعر و ااحاسيس هي ما يتجلى باالفظ و‬
‫ليس المعاني و المغزى ‪ ،‬كتكون االفاظ و الجمل كالوان المجردة من دون‬
‫تشكل محاكاتي اي بشكل الوان في لوحة تجريدية تعتمد في تاثيرها على‬
‫ااحساس و الشعور و ليس المحاكاة و المع ى ‪.‬ا مشكلة أبدا في ان تصبح‬
‫اافاظ و الجمل بهذا المستوى من التجريد ‪ ،‬و لقد نجحت تجارب عالمية و‬
‫تجارب لي خاصة في ذلك ‪.‬‬

‫ه ا تجربة جديدة و معقدة ‪ ،‬وهي كيف يمكن تحقيق نص تجريد و اافاظ ا‬


‫تحكي و ا تبين و انما ت قل ااحساس ‪ ،‬و في ذات الوقت يكون فسيفسائيا‬
‫‪ ،‬وهو نص يعتمد على الترادف التعبيري ‪ .‬و الجواب يمكن تبي ه من خال‬

‫‪298‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫حقيقة ان الترادف الفسيفسائي غير م حصر في الترادف المع وي و الفكري و‬


‫الحكائي ‪ ،‬كما ان التعبير آدب ا ي حصر بذلك بل لدي ا التعبير التجريدي و‬
‫الذي يحقق نظاما تعبيريا شعوايا احساسيا كما تحقق اللغة الحكائية نظاما‬
‫تعبيريا مع ويا حكائيا ‪ .‬و كما ان الترادف الفسيفسائي يكون بين التعبير المعبرة‬
‫عن فكرة و حكاية واحدة في الترادف المع وي فانها تكون معبرة عن احساس‬
‫و شعور واحد في الترادف التجريدي ‪ ،‬فتكون لغة المرايا ه ا مرايا احساس و‬
‫شعور واحدة يتجسد في التعابير و يتجلى في المرايا ‪.‬‬

‫لو احظ ا ال ص اعا ُ عمق أ نجد ان كل فقرة ت قل و تجسد احساسا و‬


‫شعورا واضحا و نجد ايضا ان ااحاسيس و المشاعر التي تتجسد في الفقرات‬
‫متقاربة و ت متمي الى مجال احساسي واحد ‪ .‬ان الفسيفسائية التجريدية تبين و‬
‫بشكل صريح انه كما ان ه اك حقوا دالية و مع وية في اللغة فان فيها حقوا‬
‫شعورية و احساسية ‪ .‬كما ان ا س كون امام وحدة نصية و ايقاعية و ت اغمية‬
‫جديدة و عميقة هي الوحدة ااحساسية الشعورية كما هو ظاهر في ال ص‬
‫اعا ‪.‬‬

‫‪299‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫مظاهر الفسيفسائية و لغة المرايا في كتاب الفصول الخمسة ُكليلة و دم ة أ‬

‫ا يوجد كتاب أدبي انتشر بشكل واسع و تجذر عميقا في ثقافات‬


‫اامم كما كان لكتاب ب جات ترا ُ‪ Panchatantra‬أ او الفصول الخمسة‬
‫او ما يعرف ب ُ كليلة و دم ة أ ‪ ،‬و لقد ترجم الى اكثر من ‪ 200‬ترجمة‬
‫بستين لغة ُ ‪ 1‬أ ‪.‬‬

‫‪300‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫س ت اول في دراست ا هذ مظاهر الفسيفسائية و لغة المرايا في نصوص‬


‫كتاب الفصول الخمسة ُ كلياة و دم ة أ كأسلوب ادبي حقق مزايا للكتاب من‬
‫حيث الت اغم و اايقاع و ااق اع و التثقيف و العذوبة ‪.‬‬

‫فصل ‪ :‬اطالة على تأريح ترجمة كتاب الفصول الخمسة ُ كليلة و دم ة أ‬

‫كتاب كليلة و دم ة هو ترجمة لكتاب ه دي قديم اسمه ب جات ترا ‪ ،‬ا‬


‫يعرف مؤلفه ‪ ،‬و الذي ترجم ٓول مرة من قبل طبيب ه دي شاب اسمه‬

‫‪301‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫لقد ت قل الطبيب‬ ‫برزويه تابيب ُ ‪ Tabib Borzoyeh‬أ ‪.‬‬


‫برزويه كثيرا في اله د بحثا عن عشبة طبية و نقل معه الب جات تر ‪ ،‬و ترجمه‬
‫الى اللغة الفارسية البهلوية ُ ُ ‪Pahlvi‬و اسما ُ كليلة و دم ةأ و هذ‬
‫انت أول ترجمة للكتاب ُ‪ 2‬أ ‪ .‬و نسخة برزويه هذ مفقودة اآن ُ‪1‬أ ‪.‬‬
‫يقول مانوراما جافا ُ ‪ Jafa Manorama‬أ ‪ ،‬انه ا يعرف‬
‫بالضبط مؤلف و تاريخ تأليف الب جات ترا ‪،‬و في اله د وحدها ه اك ‪25‬‬
‫‪Vishnu‬‬ ‫في بعضها يظهر اسم ويش و شارما ُ‬ ‫نسخة‬
‫‪ Sharma‬أ كمؤلف ُ‪3‬أ ‪.‬‬
‫لقد تعددت نسخ كتاب الب جات تر او ُ الفصول الخمسة أ المعروف‬
‫بكتاب كليلة و دم ة ‪ ،‬ويُجمع الباحثون على أن الكتاب ه دي آصل‪ ،‬كتب‬
‫الميادي ‪ ،‬وأسمه ب جا‬
‫ّ‬ ‫باللغة الس سكريتيّة ُ ه دوأ في أواخر القرن الرابع‬
‫ت ترا ُ ‪2‬أ ‪.‬‬
‫اضافة الى ال سخة الشرق آسايوية المأخوذة عن اللغة ااصلية‬
‫الس سكريتية ُ‪4‬أ و نسخة انكليزية هي ال سخة قبل الحديثة ُ ‪pre-‬‬
‫‪ modern‬أ مأخوذة عن نسخة ابن المقفع ُ‪5‬أ ‪ ،‬فه اك نسخة‬
‫انكليزية مترجمة عن ااصل اله دي بواسطة ب جوين ُ ‪Penguin‬أ في‬
‫س ة ُ‪1993‬أ تعتمد ال ص الشمالي الغربي ‪ ،‬و الثانية بواسطة اوليفيلُ‬
‫في س ة ُ‪1997‬أ تعتمد ال ص الج وبي آصلي ايضا‬ ‫‪Olivelle's‬أ‬
‫وهي نسخة جامعة اكسفورد ُ ‪6‬أ ‪.‬‬
‫من المعروف ان المصدر ااهم لكتاب ُالب جاتانترا أ اله دي هو‬
‫كتاب كليلة و دم ة ابن المقفع ‪،‬و الذي ترجم في س ة ُ‪570‬أ الى‬
‫مسيحي يدعى بود ُ ‪ Bud‬أ‬ ‫السريانية بواسطة كاتب‬ ‫اللغة‬
‫وقد اكتشفت هذ ال سخة في مدريد و تركيا عام ‪7ُ1870‬أ ‪ ،‬ثم بعد‬

‫‪302‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫مائتي س ة في عام ُ ‪750‬أ ترجمه ابن المقفع الى العربية ُ ‪8،2،1‬أ ‪ .‬مع ان‬
‫بعض المصادر تقول ان ابن المقفع ترجمها عن اللغة الفارسية‬
‫البهلوية ‪Pahlavi‬أ أ ُ ‪9‬أ ‪،‬و من ثم ترجم الى اللغات الغربية حتى‬
‫صار الى ال سخة اانكليزية بواسطة ثوماس نورث ُ ‪Thomas Sir‬‬
‫‪ North‬أ أ‪10‬أ ‪ .‬وه ا اشارات الى ان ابن المقفع قد اضاف على‬
‫الكتاب ُ ‪ 11‬أ و سمى مؤلفه بيدبا ‪ ،‬بل ي سب الى ابن خلّكان ان الكتاب‬
‫من وضع ابن المقفع ُ ‪12،11‬أ و تصرح عهود الامي بان ابن المقفع ُ‬
‫أضاف للكتاب رموزا حساسة كالعاقة بين السلطان والمثقف و تأكيد مؤسسة‬
‫القانون وشرح ال تائج الخطيرة المترتبة على تقريب بطانة السوء ‪ ,‬ومن اهتمام‬
‫ابن المقفع على مبدأ ” عدم العقاب على التهمة ” نرى أنه أضاف إلى كتاب‬
‫كليلة ودم ة بابا باسم ُ باب الفحص في أمر دم ةأ وأضاف قصتين مضمونهما‬
‫يشير لش اعة أن يعاقب السلطان على الظن فإن الدم عظيم ُ‪12‬أ ‪ .‬و‬
‫ه اك من يقول ان برزويه تابيب نفسه قد اضاف على الكتاب‬
‫ااصلي قصصا من ااساطير اله دية ُ‪11،1‬أ ‪ .‬و لقد ظهرت ترجمة‬
‫انكليزية عن ال سخة اله دية ااصلية بواسطة اكرتون ُ ‪ Edgerton‬أ و‬
‫تعرف بالس خة الح وبيةأ ُ‪5‬أ ‪ .‬و في ُ ‪ 1990‬أ نشرت نسختان باللغة‬
‫اانكليزية لكتاب الب جاتانترا ‪ ،‬ااولى بواسطة ب جوين ‪ ,‬الثانية بواسطة‬
‫اوليفيل كما اسلف ا ذكر ‪.‬‬
‫ان هذ ااشارات و الحقائق تدعو الى ضرورة المقارنة التأليفية و آدبية‬
‫بين نسخة ابن المقفع و ال سخ الباقية المترجمة عن آصل اله دي ٓجل تبين‬
‫الحال و دعوى ااضافات التي ت سب الى ابن المقفع ‪ .‬يقول جهاد فاضل‬
‫ف على آقدمين‬
‫ُويبدو أن إدعاء ابن المقفع نقل الكتاب عن الفارسية لم يَ ْخ َ‬
‫فأين عمر الكلبي المتوفى عام ‪ ٤٠٠‬هجرية قال إن ابن المقفع لم ي قل‬

‫‪303‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الكتاب عن الفارسية‪ ،‬وأنه نسبه إلى الفرس لغايات في نفسه إبان الصراعات‬
‫الشعوبية بين العرب والعجم‪ .‬كما ذكر ابن عمر اليم ي صراحة أن الكتاب من‬
‫«وضع» ابن المقفع‪ ،‬وأن مصادر متعددة‪ ،‬وأن هذا آمر كان ص يع غير من‬
‫الكتاب‪ .‬أ ُ‪13‬أ‬

‫فصل في الفسيفسائية و لغة المرايا‬

‫المعهود ان لكل لفظ و كام غاية تعبيرية و مقصد هي نهايته التعبيرية ‪،‬‬
‫اما في لغة المرايا فان هذ القاعدة و ال اموس يُحطم ‪ ،‬لتحل محله توظيفات و‬
‫تق ية مغايرة بحيث ان معادات تعبيرية متباعدة تكون مرايا لعوامل تعبيرية‬
‫متقاربة فيكون ُ الت اص الداخلي أ او ُ الترادف التعبيري أ‪ ،‬او ان معادات‬
‫تعبيرية متقاربة تكون مرايا لعوامل تعبيرية عميقة او ُ ااشتراك التعبيري ُ‪ 14‬أ‬

‫ان طرح الفكرة ذاتها بتراكيب لفظية مختلفة يمكن من القول ان ا نظرنا‬
‫للشيء الواحد من زوايا متعددة ‪ ،‬و من هذ الحيثية يمكن وصف ال ص بانه‬
‫متعدد الزوايا ‪ ،‬اا انه لو نظرنا الى التراكيب فيما بي ها فانا س راها تركيبة‬

‫‪304‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫فسيفسائية يكون كل تركيب بشكل مرآة لذاك يمكن وصف هذ اللغة بلغة‬
‫المرايا و وصف ال ص بال ص الفسيفسائية ُ‪15‬أ‪.‬‬

‫تعكس الفسيفسائية في السرد الميل الت اغمي اايقاعي لدى المؤلف ‪ ،‬و‬
‫بع اصرها ال صية تحقق ايقاعا نصيا و ت اسقا عميقا ب ظام موسيقي فكري وهذا‬
‫من أهم صفات العذوبة و الجذب في ال ص الفسيفسائي ‪.‬‬

‫فصل ‪ :‬مظاهر الفسيفسائية و لغة المرايا في نصوص كتاب كليلة و دم ة‬


‫ُالفصول الخمسة ُ الب جابانترا أأ‬

‫ان مظاهر الفسيفسائية بارزة و متجلية في نصوص كليلة و دم ة كثيرة ‪،‬‬


‫بل يمكن القول كما سيتبين ان تأليف الكتاب و ب اء نصوصه قائم على التعابير‬
‫المترادفة و لغة المرايا و الفسيفسائية ‪ .‬و س تتبع تلك المظاهر في فصول من‬
‫الكتاب تمثل نموذجا لذلك ااسلوب آدبي ‪ .‬و ال سخة التي س عتمدها هي‬
‫نسخة موقع ُ‪ PDF Kutup‬أ ُ‪16‬أ‬

‫‪305‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪ -1‬الفسيفسائية ااسلوبية في اسلوب الق اع و الرمزية العكسية‬

‫الفسيفسائية ااسلوبية تحققها ع اصر نصية اسلوبية ‪ ،‬تتجه نحو غايات‬


‫مع وية موحدة ‪ ،‬محققة نظاما من الت اغم و اايقاع الشكلي في ال ص ‪ .‬ان‬
‫الكاتب يصرح باايحائية و التعبيرية في مقدمة الكتاب ُصفحة‪9‬أ حيث يقول‬
‫الملك للفيلسوف بيدبا ُ قد احببت ان تضع لي كتابا بليغا تستفرغ فيه عقلك‬
‫يكون ظاهر سياسة العامة و تأديبها و باط ه اخاق الملوك و سياستها للرعية‬
‫‪.‬أ فان التمييز بين الظاهر و الباطن انما هو صيغة اخر لايحاء و الرمزية ‪ .‬و‬
‫في المقدمة ايضا صفحة ُ‪10‬أ قال ُ ثم جعل كامه على ألسن البهائم و‬
‫السباع و الطير ‪ ،‬ليكون ظاهر لهوا لخواص و العوام و باط ه رياضة لعقول‬
‫الخاصة أ الى ان قال ُ فلم يزل هو و تلميذ يعمان الفكر حتى فتق لهما‬
‫العقل ان يكون كامهما على لسان بهيمتين ‪ ،‬فوقع لهما موضع اللهو و الهزل‬
‫بكام البهائم وكانت الحكمة ما نطقا به أ ‪.‬‬

‫ان مثل ذلك التقريب و التذليل يكون بب اء تقابلي بين الظاهر و الباطن‬
‫التعبيري و الب ائي ‪ ،‬فيكون ه اك عاقة عرضية بين اللغة العالية و اللغة القريبة‬
‫‪ .‬اتخاذ اسلوب الق اع م هجا و تب يه مع الرمزية العكسية باستعمال القريب و‬
‫المألوف للتعبير عن العالي و البعيد و غير المألوف ‪ .‬بهذا ااسلوب حقق‬

‫‪306‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ال ص ت اغما عميقا و هيئة ايقاعية تشكيلية ‪ ،‬بتعابير مترادفة متجهة نحو‬
‫مقاصد وغايات اسلوبية موحدة ‪.‬‬

‫‪ -2‬الفسيفسائية الموضوعية بقصد الحكمة باط ا و التسلية ظاهرا ‪.‬‬

‫ان الكتاب مليء باشارات و دائل تدل على ان الكتاب وضع للحكمة‬
‫في باط ه و للتسلية في ظاهر ‪ ،‬و ان نصوصه جميعها جرت وفق هذا القصد‬
‫و الغاية ‪ .‬في المقدمة صفحة ُ‪10‬أ قال ُ ثم جعل كامه على ألسن البهائم و‬
‫السباع و الطير ‪ ،‬ليكون ظاهر لهوا لخواص و العوام و باط ه رياضة لعقول‬
‫الخاصة أ الى ان قال ُ فلم يزل هو و تلميذ يعمان الفكر حتى فتق لهما‬
‫العقل ان يكون كامهما على لسان بهيمتين ‪ ،‬فوقع لهما موضع اللهو و الهزل‬
‫بكام البهائم وكانت الحكمة ما نطقا به أ ‪.‬‬

‫ان من اهم الفوائد التي تحققها الفيسفسائية الموضوعية اضافة الى ت اغم‬
‫و ايقاع عميق في قبال التاغم و اايقاع الشكلي في ااسلوبية ‪ ،‬هو تحقق‬
‫وحدة موضوعية لل ص ‪ .‬بهذ الوحدة مع ت وع ال صوص و افادتها تتحق‬
‫‪307‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫فسيفسائية بعتابير مترادفة من هذ الجهة ‪ ،‬حيث ان للترادف التعبيري مراتب‬


‫بحسب الخصوص العموم و الج س و ال وع ‪.‬‬

‫‪ -3‬الت اص الداخلي في الفسيفسائية الموضوعية‬

‫دوران ال صوص حول مواضيع و اهداف مع وية موحدة و بترادف التعابير‬


‫‪ ،‬يتحقق ت اص داخلي قصدي ‪ ،‬محققا ت اغما و ايقاعا فكريا خفيا ‪ .‬و من‬
‫الواضح ع د التأمل ان غالببية ال صوص و الكتب التي تشتمل على رسالة و‬
‫دستور و غايات فكرية معي ة تكون متصفة بالت اص الداخلي و الترادف‬
‫التعبيري ‪ ،‬بل ان في بعض آحيانا نجد تكرار عبارات بعي ها و تماثل نصي في‬
‫بعضها ‪ .‬الت اص الداخلي هو مازم حتمي للترادف التعبيري و الفسيفسائية‬
‫الموضوعية ‪ ،‬ان ااختاف التعبيري انما يكون بزيادة و نقصان تعبيري مع‬

‫‪308‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الحفاظ على المشترك القصدي و المع وي كما ناحظه في الفقرات السابقة‬


‫في الغرض من تحرير الكتاب ‪.‬‬

‫‪ -4‬مظاهر الترادف التعبيري‬

‫‪309‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الترادف التعبيري أحد اشكال لغة المرايا و الفسيفسائية ال صية ‪ ،‬بان‬


‫تكون تعابير مختلفة تدل و ت تهي الى مقاصد موحدة و نجد هذا ااسلوب في‬
‫مواضع كثيرة من الكتاب م ها في باب ااسد و الثور ‪ :‬ففي نظام فسيفسائي‬
‫بتعابير مترادفة نجد ‪:‬‬

‫أ – ال ظام الفسيفسائي ااول‬

‫في ُصفحة ‪ 27‬أُ كان في ارض دستاوند رجل شيخ و كان له ثاثة‬ ‫‪.1‬‬

‫ب ين ‪،‬فلما بلغو اشدهم اسرفوا في مال ابيهم و لم يكونوا احترفوا‬


‫حرفة يكسبون انفسهم بها خيرا ‪.‬أ‬

‫صفحة ‪ ُ27‬اما ااربعة التي احتاجها في درك هذ الثاثة فاكتساب‬ ‫‪.1‬‬

‫المال من احسن وجه يكون ‪ ،‬ثم حسن القيام على ما اكتسب م ه ‪،‬‬
‫ثم استثمار ‪ ،‬ثم انفاقه فيما يصلح المعيشة أ‬

‫صفحة ‪ ُ 27‬فمن ضيع شيئا من هذ ااحوال لم يدرك ما اراد من‬ ‫‪.2‬‬

‫حاجته ؛ انه ان لم يكتسب لم يكن مال يعيش به ‪ ،‬وان هو كان ذا‬


‫مال و اكتساب ثم لم يحسن القيام عليه اوشك المال ان يف ى و يبقى‬
‫معدوما ‪.‬‬

‫‪310‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ناحظ ه ا ثاثة تراكب تعبيرية تتجه و تسعى نحو غايات و مقاصد‬


‫مع وية موحدة ‪.‬و في نظام فسيفسائي اخر نجد ‪:‬‬

‫ب‪ -‬ال ظام الفسيفسائي الثاني‬

‫صفحة ‪ ُ 27‬و ان هو وضعه و لم يستثمر لم تم عه قلة اانفاق من‬ ‫‪.1‬‬

‫شرعة الذهاب ‪.‬‬

‫صفحة ‪ ُ 27‬كالكحل الذي ا يؤخذ م ه اا غبار الميلثم هو مع ذلك‬ ‫‪.1‬‬

‫سريع ف اؤ أ‬

‫صفحة ‪ ُ 27‬ثم ا يم ع ذلك ماله من التلف بالخوادث و العلل التي‬ ‫‪.2‬‬

‫تجري عليه أ‬

‫صفحة ‪ ُ 28‬كمحبس الماء الذي ا تزال الميا ت صب فيه فان لم‬ ‫‪.3‬‬

‫يكن مخرج و مفيض و مت فس يخرج الماء م ه بقدر ما ي بغي ‪ ،‬خرب‬


‫و زال و ّنز من نواح كثيرة ‪ ،‬و ربما انبثق البثق العظيم فذهب الماء‬
‫ضياعا ‪.‬‬

‫و ايضا في نفس ال ص نجد نظاما فسيفسائيا اخر‬

‫‪311‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ج‪ -‬ال ظام الفسيفسائي الثالث‬

‫صفحة ‪ ُ 28‬فعالجه الرجل و اصحابه حتى بلغ م هم الجهد فلم‬ ‫‪.1‬‬

‫يقدروا على اخراجه فذهب الرجل و خلف ع د رجا يشارفه لعل‬


‫الوحل ي شف فيتبعه بالثور ‪ ،‬فلما بات الرجل في ذلك المكان تبرم و‬
‫استوحش ‪ ،‬فترك الثور و التحق بصاحبه ‪ ،‬فاخبر ان الثورة قد مات أ‬

‫صفحة ‪ ُ 28‬قال له ‪ :‬ن اانسان اذا انقضت مدته و حانت م يته‬ ‫‪.1‬‬

‫فهو و ان اجتهد في التوقي من اامورلتي يخاب فيها على نفسه‬


‫الهاك لم يغن ذلك ع ه شيئا و ربما عاد اجتهاد في توقيه و حذر‬
‫وباا عليه أ‬

‫صفحة ‪ ُ 28‬لما سار غير بعيد اعترض له ذئب من احد الذئاب و‬ ‫‪.2‬‬

‫اضراها فلما رأى الرجل ان الذئب قاصد نحو خاف م ه و نظرا يمي ا‬
‫و شماا يجد موضعا يتحرز فيه من الذئب فلم يرى اا قرية خلف‬
‫واد‪ ،‬و رأى الذئب قد ادركه ‪ ،‬و القى نفسه في الماء وهو ا يحسن‬
‫السباحة ‪ ،‬و كاد يغرق لوا ان ابصر به قوم من اهل القرية ‪ ،‬فتواقعوا‬
‫اخراجه فاخرجو ‪ ،‬وقد اشرف على الهاك ‪ ،‬فلما حصل الرجل‬
‫ع دهم و امن من غائلة الذب ‪ ،‬راى على عدوة الوادي بيتا مفردا ‪،‬‬
‫فقال ادخل هذا البيت فاستريح فيه ‪ ،‬فلما دخله وجد جماعة من‬
‫اللصوص و قد قطعوا الطريق على رجل من التجار‪ ،‬وهم يقتسمون‬
‫ماله و يريدون قتله ‪ ،‬فلما راى الرجل ذلك خاف على نفسه و مضى‬

‫‪312‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫نحو القرية ‪،‬فاس د ظهر الى حائط من حيطانها ليستريح مما حل به‬
‫من الهول و ااعياء ‪ ،‬اذ سقط عليه الحائط فمات ‪.‬‬

‫و في هذا الباب ايضا نظاما فسيفسائيا أخر‬

‫ال ظام الفسيفسائي الرابع‬ ‫‪.8‬‬

‫صفحة ‪ ُ 28‬قال دم ة ٓخيه كليلة ‪ :‬يا أخي ما بال آسد مقيما‬ ‫‪.1‬‬

‫مكانه ا يبرح و ا ي شط ؟ قال له كليلة ما شأنك أنت و المسألة عن‬


‫هذاأ‬

‫صفحة ‪ ُ 28‬لس ا من أهل المرتبة التي يت اول أهلها كام الملوك و‬ ‫‪.1‬‬

‫ال ظر في أمورهم فأمسك عن هذا أ‬

‫صفحة ‪ ُ 28‬من تكلف من القول و الفعل ما ليس من شأنه أصابه ما‬ ‫‪.2‬‬

‫أصاب القرد من ال جار أ‬

‫‪313‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫صفحة ‪ ُ 29‬ان قردا رأى نجارا يشق خشبة بين وتدين ‪ ،‬وهو راكب‬ ‫‪.3‬‬

‫عليها ‪،‬فاعجبه ذلك ‪،‬ثم ان ال جار ذهب لبعض شأنه ‪ ،‬فقام القرد و‬
‫تكلف من ليس من شأنه ‪ ،‬فركب الخشبة و جعل ظهر قبل الوتد و‬
‫ظهر قبل الخشبة ‪،‬فتدلى ذنبه بالشق ‪،‬ف زع الوتد فلزم الشق عليه‬
‫فخر مغشيا عليه فكان ما لقي من ال جار من الضرباشد مما اصابه من‬
‫الخشبة أ‬

‫و ايضا في هذا الباب نظام فسيفسائي بتعابير مترادفة ‪.‬‬

‫ه ‪ -‬ال ظام الفسيفسائي الخامس‬

‫صفحة ‪ ُ 29‬ان كل من يدنو من الملوك ليس يدنو م هم لبط ه ‪ ،‬و‬ ‫‪.1‬‬

‫انما يدنو م هم ليسر الصديق و يكبت العدو أ‬

‫صفحة ‪ ُ 29‬ان من ال اس من ا مروءة له وهم الذين قرحون بالقليل‬ ‫‪.1‬‬

‫و يرضون بالدون كالكلب الذي يصيب عظما يابسا فيفرح به ‪ ،‬و اما‬
‫أهل الفضل و المروءة فا يق عهم القليل و ا يرضون به دون ان‬
‫تسموا نفوسهم الى ما هم أهل له أ‬

‫صفحة ‪ ُ 29‬كآسد الذي يفترس آرنب فاذا رأى البعير تركها و‬ ‫‪.2‬‬

‫طلب البعير أ‬
‫‪314‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫صفحة ‪ ُ 29‬اا ترى ان الكلب يبصبص بذنبهحتى ترمى له الكسرة ‪،‬‬ ‫‪.3‬‬

‫و ان الفيل المعترف بفضله ووقوتهاذا قدم اليه علفه ا يعتلفه حتى‬


‫يمسح و يتملق له أ‬

‫صفحة ‪ ُ 29‬فمن عاش ذا مال و كان ذا فضل و افضال على اهله و‬ ‫‪.4‬‬

‫اخوانه فهو و ان قل عمر طويل العمر ‪،‬و من كان في عيشه ضيق و‬


‫قلة و امساك على نفسه و ذويه فالمقبور احيا م ه أ‬

‫و فيه ايضا نظام فسيفسائي اخر ‪ ،‬و في الحقيقة نصوص الكتاب كلها‬
‫مب ية و قائمة على هذا ال ظام بلغة المرايا و الترادف التعبيري و الفسيفسائية ‪،‬‬
‫و هذا ااسلوب له مبرراته ان غرضه طرح الفكرته و تأكيدها و ترسيخها و‬
‫حمل القارئ اليها و اق اعه بها ‪ ،‬وهذا شأن الخطابات التثقيفية و ااق اعية و‬
‫ال تي يرتجى م ها ااعتقاد و ااعت اق ‪ ،‬فهذا الكتاب كان الغرض م ه ااق اع و‬
‫التثقيف بالحكمة و باسلوب التاكيد و الترسيخ و التجلي و تعدد جوانب‬
‫الطرحو وجه الفكرة ‪.‬‬

‫‪315‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫و‪ -‬ال ظام الفسيفسائي السادس‬

‫صقحة ‪ ُ 30‬لو دنوت م ه و عرفت اخاقه لرفقت في متابعته و قلة‬ ‫‪.1‬‬

‫الخاف له أ‬

‫صفحة ‪ ُ 30‬اذا اراد امرا هو في نفسه صواب زي ته له و صبرته عليه‬ ‫‪.1‬‬

‫‪ ،‬و عرفته بما فيه من ال فع و الخير ‪،‬و شجعت عليه و على الوصول‬
‫اليه ‪،‬حتى يزداد به سرورا ‪ ،‬و اذا اراد امرا بما فيه الضر و السين ‪،‬‬
‫اوقفته على ما في تركه ال فع و الزين أ‬

‫صقحة ‪ ُ 30‬ان الرجل ااديب الرفيق لو شاء ان يبطل حقا اويحق‬ ‫‪.2‬‬

‫باطا لفعل أ‬

‫صفحة ‪ ُ 30‬كالمصور الماهر الذي يصور في الحيطان صورا كأنها‬ ‫‪.3‬‬

‫خارجة و ليست بخارجة ‪ ،‬و أخرى كأنها داخلة و ليست بداخلة أ‬

‫و ايضا في الباب نظام فسيفسائي رائع جدا ‪:‬‬

‫ز‪ -‬ال ظام الفسيفسائي السابع‬

‫‪316‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الصفحة ‪ ُ 30‬ان كثرة آعوان اذا لم يكونوا مختبرين ربما يكون‬ ‫‪.1‬‬

‫مضرة على العمل أ‬

‫الصفحة ‪ ُ 30‬ان العمل ليس رجاؤ بكثرة آعوان و لكن بصالحي‬ ‫‪.1‬‬

‫آعوانأ‬

‫الصفحة ‪ ُ 30‬مثل ذلك مثل الرجل الذي يحمل الحجر الثقيل فيثقل‬ ‫‪.2‬‬

‫به نفسه و ا يجد له ثم ا أ‬

‫الصفحة ‪ ُ 30‬و الرجل الذي يحتاج الى الجذوع ا يجزئه القصب‬ ‫‪.3‬‬

‫وان كثر أ‬

‫على هذا الم وال و بهذا الب اء الفسيفسائي تجري باقي الكتاب و‬
‫نصوصه ‪ ،‬ما يدلل على ان هذا الكتاب التثقيفي قائم على هذا ااسلوب ‪ .‬و‬
‫بالتتبع يمكن ماحظة ان هذا ااسلوب هو ااسلوب السائد في الخطابات‬
‫التثقيفية و ااعتقادية ‪.‬‬

‫ان لغة المرايا و الفسيفسائية اضافة الى تحقيقها الوحدة الموضوعية و‬


‫اايقاع و الت اغم ‪ ،‬فانها تدلل على المستوى العالي لخيال المؤلف و على‬
‫عبقريته اللغوية ‪ ،‬و امكاناته العالية ‪ ،‬اذ انها اقت اص للتماثل و التقارب العميق‬
‫بين الصور ‪ ،‬انها اكتشاف و تبين الوحدة بين كيانات ملونة مختلفة ‪ .‬كما ان‬
‫متابعتها تكشف عن المقاصد الحقيقية و العميقة لامثال و ال صوص و ما اراد‬
‫المؤلف ايصاله الى القارئ في هذا الكتاب‬

‫‪317‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الخاصة‬

‫من خال ما تقدم و الذي يعكس ااسلوب العام و الب اء الذي قامت‬
‫عليه نصوص الكتاب ‪ ،‬يظهر واضحا ان هذا الكتاب وهو كتاب حكمة و‬
‫اق اع و تثقيف قائم على لغة المرايا ٓجل اكبر قدر من بيان الفكرة و تجليها‬
‫و متعمد على الترادف التعبيري لتتعد اوجه الطرح و يترسخ القصد في وغي‬
‫القارئ بب اء فسيفسائي يشتمل على اايقاع الفكري و الموضوعي و الت اغم‬
‫ااسلوبي و العذوبة في الطرح ‪ ،‬يكشف المقاصد و الغايات الحقيقية لامثال‬
‫و القصص و ال صوص التي فيه ‪ .‬وهذا ااسلوب الفسيفسائي التاغ مي و‬
‫الثري و ااق اعي كان من اهم أسرار ثراء الكتاب و جودته ‪.‬‬

‫المصادر‬

‫‪http://www.arabacademy.com/arabic-‬‬ ‫‪.1‬‬

‫‪2013 /blog/arabic-books/kalila-wa-dimna‬‬
‫‪Wikipedia‬‬ ‫‪.1‬‬

‫‪318‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

Manorama .2

jafa
http://dl.ndl.go.jp/view/download/digidep
o_998358_po_2004-11-jafa-
e.pdf?contentNo=2
and Dimnah; or, The fables of Kalilah .3

literary Bidpai; being an account of their


xiv .p ,history
of the Migration History ,Bedekar Vijay .4

Institute for Oriental ,Panchatantra of


Study, Thane
Olivelle ,‫أ‬1997ُ Olivelle ,‫أ‬1993ُ Rajan .5

.‫أ‬2006ُ
Colin :Review" ]link dead[
Hall Tarquin .6

Shadow of the Silk ,Thubron


Windus, & London: Chatto ,Road
September 2011, 25 ,New Statesman ,2006
includes description of how some Review
ancient of the monks likely traveled in
.times
1819 Knatchbull - .7

encyclopedia - .8

1888 Jacobs .9

319
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪ .11‬كليلة ودم ة‪ ..‬من تأليف ابن المقفع ْأم بيدبا اله دي؟جمال بن‬
‫جويرب المهيري ؛ البيان ‪201‬‬
‫المعا ِرض‪ ،‬سيرة ابن المقفع نموذجا ‪ ،‬المقال‬
‫عهود الامي ؛ شيط ة ُ‬ ‫‪.11‬‬

‫‪2012‬‬
‫‪ .12‬جريدة الرياض ‪ 2011‬لماذا قُتل ابن المقفع؟ جهاد فاضل‬

‫‪ .13‬د انور غ ي الموسوي ‪ ،‬لغة المرايا و الفسيفسائية ‪ ،‬مجلة تجديد‬


‫‪2015‬‬

‫‪ .14‬د أنور غ ي الموسوي ؛ لغة المرايا و الفسيفسائية في نص ُ حوار‬


‫الصدى و المرآةأ للشاعر عصام سلمان ؛ جريدة دنيا الرأي ‪2015‬‬

‫‪http://www.kutubpdf.net/download.html? .15‬‬
‫‪did=294‬‬

‫‪320‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫اسلوبيات ال ص الفسيفسائي و الترادف التعبيري ع د كريم عبد اه‬

‫المعهود ان لكل لفظ و كام غاية تعبيرية و مقصد هي نهايته التعبيرية ‪ ،‬اما في‬
‫لغة المرايا فان هذ القاعدة و ال اموس يُحطم ‪ ،‬لتحل محله توظيفات و تق ية‬
‫مغايرة بحيث ان معادات تعبيرية متباعدة تكون مرايا لعوامل تعبيرية متقاربة‬
‫فيكون ُ الت اص الداخلي أ او ُ الترادف التعبيري أ‪ ،‬او ان معادات تعبيرية‬
‫متقاربة تكون مرايا لعوامل تعبيرية عميقة او ُ ااشتراك التعبيري أ ‪ ُ.‬أنور‬
‫الموسوي ‪2015‬أ‬

‫ان طرح الفكرة ذاتها بتراكيب لفظية مختلفة يمكن من القول ان ا نظرنا للشيء‬
‫الواحد من زوايا متعددة ‪ ،‬و من هذ الحيثية يمكن وصف ال ص بانه متعدد‬
‫الزوايا ‪ ،‬اا انه لو نظرنا الى التراكيب فيما بي ها فانا س راها تركيبة فسيفسائية‬

‫‪321‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫يكون كل تركيب بشكل مرآة لذاك يمكن وصف هذ اللغة بلغة المرايا و‬
‫وصف ال ص بال ص الفسيفسائي ُ أنور الموسوي ‪2015‬أ‪.‬‬

‫الشاعر كريم عبد اه يكتب نصوص فسيفسائية تبلغ غاياتها المعيارية و‬


‫الجمالية ‪ ،‬بشكل الترادف التعبيري ‪ ،‬كما انه سبّاق في هذ التجربة اادبية‬
‫المغايرة للمألوف ‪.‬‬

‫في نص ُ خلف أبوابك نحتمي دائماُ‪ 2015‬أ أ نجد لغة المرايا حاضرة‬
‫بأسلوب الترادف في التعابير ‪ .‬ان التراكب ه ا تتجه دوما نحو غايات موحدة‬
‫كأزهار الشمس تتجه في كل وقت نحو الشمس ‪ ،‬محققة مرآتية ترادفية اذ‬
‫تكون التعابير ‪ -‬رغم افادتها المختلفة ‪ -‬معبرة عن مع ى عميق تاحقه ‪،‬‬
‫ب سيج فسيفسائي مرآتي يعكس عمقا تعبيريا من المعاني و اافكار الموحدة ‪.‬‬

‫ان الشيء الجديد فعا في ال ص الفسيفسائي اضافة الى ااستعمال المختلف‬


‫و غير المعهود للغة هو تحقق انظمة جديدة لوحدة القصيدة العضوية ‪ ،‬يتمثل‬
‫بأنظمة متعددة اهمها الت اسق و الت اغم الذي تحققه المرآتية و الفسيفسائية ‪،‬‬
‫و الثاني العمق التعبيري الذي يوحد مكونات ال ص اللفظية ليس فقط في‬
‫الموضوع و انما في الغايات الرؤيوية و الفكرية و المع وية ‪ ،‬اضافة الى وحدة‬
‫اسلوبية تفرضها الفسيفسائية على ال ص ‪.‬‬

‫في ال ص ثاثة عوامل تعبيرية عميقة تتجه نحوها التعابير ‪ ،‬لها مسحة زمانية و‬
‫تاريخية بين الماضي مع ااعتداد و ااعتزاز و الحاضر مع المأساة و المرار و‬
‫المستقبل مع اانتظار و التطلع ‪ .‬و مع هذ اانظمة ال صية العامة ه اك‬

‫‪322‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫محاكاة تعبيرية تفصيلية ايضا في كل نظام س بي ها احقا ‪ ،‬مما يجعل ال ص‬


‫يحقق لغة المرايا و الفسيفسائية بشكل نموذجي ‪.‬‬

‫الوحدات ال صية لل ظام ااول ُ ااستذكار وااعتداد و ااعتزاز أ‬

‫وساوس الشكوك‬ ‫ونطرد‬


‫ُ‬ ‫ّت ذكريات ا نحتمي بها‬ ‫ِ‬
‫أبوابك إكتظ ْ‬ ‫خلف‬
‫‪َ -1‬‬
‫َ‬

‫ف ضفافي‬
‫ط َس َع َ‬
‫شُ‬‫يج حقولها وتم ّ‬ ‫حصونك العصيّ ِة ِم ْن ه َ‬
‫اك تغمرني بأر ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪-2‬‬
‫ِ‬
‫الغافية ‪,‬‬

‫الملتهبة حقواً ِم َن الح ي ِن تبذري ها دائماً في صدري أرتّلها‬


‫ِ‬ ‫‪ -3‬بي ما قصائدي‬
‫ِ‬
‫أصابك الخطر‬ ‫إذا‬

‫قات‬ ‫نفااتك الملو ِنة تتقافز ِ‬


‫فيه تسابيح ح َد ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بأنفاس كر‬ ‫ابيعك المعطّرةِ‬
‫‪ -4‬ي ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫تت اهشها آطياف‬

‫دروبك المحاّ ِة بالح ي ِن‬


‫ِ‬ ‫تحاصر‬
‫ُ‬ ‫ك أساكهم لو‬‫‪ -5‬تماسكي جيداً فا ترهبّ َ‬
‫ِ‬
‫روحك ‪,‬‬ ‫تتشج ُر في‬
‫ط ع اقيداً ّ‬
‫يتساق ُ‬

‫لقد نجاح الشاعر بقاموس لفظي متقارب ي تمي الى مجاات ااعتداد و‬
‫ااعتزاز و العمق و اانتماء و ااحتماء في خلق مزاج موحد لتلك التراكيب‬
‫باعث على خلق صورة براقة لوجود عميق و اصيل و متجذر ‪ .‬ناحظ في‬
‫المقاطع ااربعة وحدتين مركزيتين بارزتين ااولى ُ تعابير الم عة و السعة ُ‬
‫خلف ابوابك ‪ ،‬حصونك العصية ‪ ،‬تبذري ها في صدري ‪ ،‬ي ابيعك ‪ ،‬دروبك‬
‫المحاة أ و الثانية فاعلية المخاطب ُ نحتمي بها ‪ ،‬تغمرني ‪ ،‬تبذري ها ‪،‬‬
‫المعطرة ‪ ،‬تتشجر في روحك أ‪.‬‬

‫‪323‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫المر و المأساة أ‬
‫الوحدات ال صية لل ظام الثاني ُ الحاضر ّ‬
‫ِ‬
‫القحط‬ ‫تتمرى س وات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ -1‬بزي ة مدائ ك ّ‬

‫بض‬ ‫ِ‬
‫المفعمة بال ِ‬ ‫ِ‬
‫زهورك‬ ‫تشو ُ‬ ‫ِ‬
‫ايات الغزاة لئا ّ‬
‫الروح ر ُ‬ ‫ِ‬
‫شغاف ِ‬ ‫ط ِم ْن‬
‫‪ -2‬أكش ُ‬
‫ِ‬
‫المسعورة‬ ‫هتافاتهم‬

‫فوهاتها ‪,‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الحروب الخاسرة وظمأَ ّ‬
‫ِ‬
‫ويات‬ ‫ك ُ برب الفلق أ ِم ْن‬ ‫أحص ِ‬
‫‪ّ -3‬‬
‫بين الح ايا ‪,‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العائمة فو َق ر ِ‬ ‫سأدس مدائ ِ‬
‫كام الفجيعة َ‬ ‫ك‬

‫ِ‬
‫جسدك ما خلّفتهُ المح ة أصوغهُ ق ادياً تضيءُ وحش َة‬ ‫ساجمع ِم ْن على‬
‫ُ‬ ‫‪-4‬‬
‫الليل الطويل ‪,‬‬
‫وتمز ُق هذا َ‬‫الفج ِر ّ‬
‫ِ‬
‫أبكيك معشوقة رائعة ‪,‬‬ ‫ِ‬
‫أرصفة الخ اج ِر مطعوناً‬ ‫حت على‬
‫فكم ترنّ ُ‬
‫‪ْ -5‬‬

‫ان هذا ال ظام له تجل واضح في ال ص ‪ ،‬حتى انه يمكن عد القطب و‬


‫المحور متمثا بألم الحاضر و مأساته الذي فاض من جانبيه البوح ااول‬
‫بااعتداد بالماضي و البوح الثالث بالتطلع الى مستقبل افضل ‪ ،‬كما ان‬
‫الشاعر قد استخدم زخما تعبيريا قويا ه ا مما اعطى هذا ال ظام محورية ظاهرة‬
‫و تجل كبير‪ ،‬و لم يترك الشاعر شيئا من التوظيفات التعبيرية و القاموسية اا و‬
‫استخدمه وهذا ما نسيمه ُ الحد ااقصى من البوح أ ‪.‬‬

‫الوحدات ال صية لل ظام الثالث ُ اانتظار و التطلع الى المستقبل اافضل و‬


‫الخاص أ‬

‫‪324‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫لقد استخدم الشاعر في تجلي و ابراز هذا ال ظام اسلوبين ااول ااستفهام و‬
‫السؤال و الثاني الطلب و التشجيع ‪ ،‬و من المعلوم ان كاهما من انظمة‬
‫الطلب‬

‫أ‪ -‬الصيغة ااولى ُ سؤاات الخاص أ‬

‫أبواب‬
‫َ‬ ‫يرفع صلوات ا تطر ُق‬
‫وم ْن ُ‬ ‫ِ‬
‫آحام المشققة ‪َ ,‬‬ ‫‪َ -1‬م ْن يلم شتات ا وغربةَ‬
‫ِ‬
‫المكبوتة ؟!‬ ‫ِ‬
‫هديلك يحك اناشيدنا‬ ‫أسمع‬ ‫ِ‬
‫السماء البعيدة وأنا ُ‬

‫التشتت ؟ َم ْن‬ ‫ِ‬


‫عيونك كل هذا‬ ‫عن‬ ‫ِ‬ ‫‪ -2‬من يعي ُد لتأر ِ‬
‫َ‬ ‫ويمسح ْ‬
‫ُ‬ ‫البهجة‬ ‫يخك تدفّ َق‬ ‫َْ‬
‫الشاحب ؟‬
‫َ‬ ‫فتح على هذا ِ‬
‫آفق‬ ‫السام محب ًة ي ُ‬
‫َ‬ ‫يزرعُ‬
‫ِ‬
‫الشاسعة ؟ ومتى‬ ‫ِ‬
‫حقولك‬ ‫كبت في‬
‫نمز َق شرنقة ع ْ‬
‫نحتاج أ ْن ّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الوقت‬ ‫كم ِم َن‬
‫‪ْ -3‬‬
‫تفيض بالقرابين ؟ ‪.‬‬ ‫ٍ ٍ‬ ‫شرفاتك المدثّرةِ‬
‫ِ‬
‫بجروح نازفة ُ‬ ‫ستزهر‬
‫ُ‬

‫ب – الصيغة الثانية ُ طلب التغيير أ‬

‫‪ -1‬فأستعي ُد تواز َن ِ‬
‫اللغة كلّما ي تابها الضمور‬

‫اآنتظار والمواعي ُد ت أى تلوذُ خلفها آم يات‬


‫َ‬ ‫‪ -2‬أنهك ي هذا‬

‫بعض أنفاسي ‪.‬‬


‫‪ -3‬فأم حي ي صحوة تعي ُد لي َ‬
‫ِ‬
‫المغلولة‬ ‫يرص ُع أبواب ا‬ ‫ِ‬
‫‪ -4‬أيّتها الساك ةُ في سواق ِي الشهقة تدفّقي ياقوتاً ّ‬
‫ِ‬
‫بالصمت ‪,‬‬

‫إستشرس هذا الطغيا َن وته ّد َل حزني فأوقفي هذا‬


‫َ‬ ‫الروح وق ْد‬
‫‪ -5‬ما أحر لهيب ِ‬
‫ٍ‬
‫مضض ‪,‬‬ ‫التصحر ب ٍ‬
‫بيذ طالما إنتظرتهُ على‬ ‫َّ‬
‫‪325‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الذابات س ي اً ثي ٍ‬
‫بات ‪,‬‬‫ّ‬
‫ِ‬ ‫جديد وأنزعي ِم ْن عيوني‬
‫‪ -6‬إحتشدي ِمن ٍ‬
‫ْ‬

‫تمطرين‬ ‫‪ -7‬لن يتكاثر الحز ُن مج ّدداً في أرضي وا تتعثر الخطوات ِ‬


‫وأنت اآ َن‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫يل على ِ‬
‫رؤوس الطغاة ‪.‬‬ ‫سج ٍ‬ ‫ِ‬
‫حجارًة م ْن ّ‬

‫لقد حقق ال ص غاياته القصدية التعبيرية بتجلي طلب الخاص و الثورة على‬
‫الواقع غير الائق و غاياته ااسلوبية بتعابير ترادفية و لغة مرآتية متعاكسة و‬
‫نص فسيفسائي ‪ ،‬بسردية تعبيرية عذبة ورفيعة ‪.‬‬

‫ال ص ‪ :‬خلف أبوابك نحتمي دائما‬

‫كريم عبد اه‬

‫ص الفسيفسائي أ‬
‫ُ لغة المرآيا وال ّ‬
‫ونطرد وساوس الشكوك ‪ ,‬ي ِ‬
‫ابيعك‬ ‫ُ‬ ‫ّت ذكريات ا نحتمي بها‬ ‫ِ‬
‫أبوابك إكتظ ْ‬ ‫خلف‬
‫َ‬
‫َ‬
‫قات تت اهشها‬ ‫فيه تسابيح ح َد ٍ‬ ‫نفااتك الملو ِنة تتقافز ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بأنفاس كر‬ ‫المعطّرةِ‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫اللغة كلّما ي تابها‬ ‫ِ‬
‫القحط فأستعي ُد تواز َن ِ‬ ‫تتمرى س وات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آطياف ‪ ,‬بزي ة مدائ ك ّ‬
‫ف‬‫ط َس َع َ‬
‫شُ‬ ‫يج حقولها وتم ّ‬ ‫اك تغمرني بأر ِ‬ ‫حصونك العصيّ ِة ِم ْن ه َ‬
‫ِ‬ ‫الضمور ‪,‬‬
‫اآنتظار والمواعي ُد ت أى تلوذُ خلفها آم يات ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الغافية ‪ ,‬أنهك ي هذا‬ ‫ضفافي‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫المفعمة بال ِ‬
‫بض‬ ‫ِ‬
‫زهورك‬ ‫تشو ُ‬ ‫ِ‬
‫ايات الغزاة لئا ّ‬ ‫الروح ر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شغاف‬ ‫ط ِم ْن‬‫أكش ُ‬
‫ِ‬
‫الخاسرة‬ ‫ِ‬
‫الحروب‬ ‫ِ‬
‫ويات‬ ‫ك ُ برب الفلق أ ِم ْن‬ ‫أحص ِ‬ ‫ِ‬
‫هتافاتهم المسعورة ‪ّ ,‬‬

‫‪326‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫بين الح ايا ‪,‬‬ ‫ِ‬ ‫العائمة فو َق ر ِ‬‫ِ‬ ‫وظمأَ فوهاتها ‪ ,‬سأدس مدائ ِ‬
‫كام الفجيعة َ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬
‫دروبك المحاّ ِة بالح ي ِن‬ ‫ِ‬ ‫تحاصر‬
‫ُ‬ ‫ك أساكهم لو‬ ‫تماسكي جيداً فا ترهبّ َ‬
‫بعض أنفاسي ‪.‬‬ ‫روحك ‪ ,‬فأم حي ي صحوة تعي ُد لي َ‬ ‫ِ‬ ‫تتشج ُر في‬
‫ط ع اقيداً ّ‬ ‫يتساق ُ‬
‫ِ‬
‫السماء‬ ‫أبواب‬ ‫ِ‬
‫يرفع صلوات ا تطر ُق َ‬ ‫وم ْن ُ‬ ‫آحام المشققة ‪َ ,‬‬ ‫َم ْن يلم شتات ا وغربةَ‬
‫المكبوتة ؟! من يعي ُد لتأر ِ‬
‫يخك تدفّ َق‬ ‫ِ‬ ‫هديلك يحك اناشيدنا‬ ‫ِ‬ ‫أسمع‬ ‫البعيدة وأنا‬
‫َْ‬ ‫ُ‬
‫فتح‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السام محب ًة ي ُ‬‫َ‬ ‫التشتت ؟ َم ْن يزرعُ‬
‫َ‬ ‫عيونك كل هذا‬ ‫عن‬
‫ويمسح ْ‬‫ُ‬ ‫البهجة‬
‫كبت في‬ ‫نمز َق شرنقة ع ْ‬ ‫نحتاج أ ْن ّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الوقت‬ ‫كم ِم َن‬
‫الشاحب ؟ ْ‬ ‫َ‬ ‫على هذا ِ‬
‫آفق‬
‫تفيض بالقرابين‬ ‫بجروح ٍ‬
‫نازفة‬ ‫ٍ‬ ‫شرفاتك المدثّرةِ‬
‫ِ‬ ‫ستزهر‬ ‫ِ‬
‫الشاسعة ؟ ومتى‬ ‫ِ‬
‫حقولك‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫جسدك ما خلّفتهُ المح ة أصوغهُ ق ادياً تضيءُ وحشةَ‬ ‫ِ‬ ‫ساجمع ِم ْن على‬
‫ُ‬ ‫؟‪.‬‬
‫ِ‬
‫الشهقة تدفّقي‬ ‫الليل الطويل ‪ ,‬أيّتها الساك ةُ في سواق ِي‬ ‫وتمز ُق هذا َ‬ ‫الفج ِر ّ‬
‫إستشرس هذا‬ ‫الروح وق ْد‬
‫بالصمت ‪ ,‬ما أحر لهيب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المغلولة‬ ‫يرص ُع أبواب ا‬
‫َ‬ ‫ياقوتاً ّ‬
‫مضض ‪,‬‬‫ٍ‬ ‫بيذ طالما إنتظرتهُ على‬ ‫الطغيا َن وته ّد َل حزني فأوقفي هذا التصحر ب ٍ‬
‫َّ‬
‫حت‬‫فكم ترنّ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫إحتشدي م ْن جديد وأنزعي م ْن عيوني الذابات س ي اً ثيّبات ‪ْ ,‬‬
‫ِ‬
‫الملتهبة‬ ‫أبكيك معشوقة رائعة ‪ ,‬بي ما قصائدي‬ ‫ِ‬ ‫أرصفة الخ اج ِر مطعوناً‬ ‫ِ‬ ‫على‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حقواً م َن الح ي ِن تبذري ها دائماً في صدري أرتّلها إذا أصابك الخطر ‪ْ ,‬‬
‫لن‬
‫ين حجارًة‬ ‫ِ‬
‫تتعثر الخطوات وأنت اآ َن تمطر َ‬ ‫يتكاثر الحز ُن مج ّدداً في أرضي وا ُ‬ ‫َ‬
‫رؤوس الطغاة ‪.‬‬ ‫يل على ِ‬ ‫سج ٍ‬ ‫ِ‬
‫م ْن ّ‬

‫لغة المرايا و ال ص الفسيفسائي‬

‫ُالعمياء أ‬

‫لغة المرايا و ال ص الفسيفسائي‬

‫‪327‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫البدلة العمياء ‪ ،‬القبعة العمياء ‪ ،‬ال داءات العمياء تلتهم المكان ‪ ،‬تب ي في قلبه‬
‫انشودة نصر سوداء ‪ ،‬لقد أسرت جداول قريتي ‪ ،‬لم يبق في حلمها شيء من‬
‫الرحيق ‪ .‬انظر الى ذلك الوجه الكالح ‪ ،‬يا للحضارة التعسة تتعثر بكل شيء ‪،‬‬
‫يداها سائبتان تحطم كل شيء ‪ ،‬الشوارع خاوية ‪ ،‬كأنها خريف قديم ‪ .‬ليتها‬
‫تعي شيئا ‪ ،‬هذ الحضارة العمياء ‪ ،‬ليتها تتعلم أغ ية أخرى ‪ ،‬العمى يأسر‬
‫المكان ا يدع للبابل صوتا ‪ .‬لقد زرعت في حديقتي كل شوكة و كل ألم‬
‫فضيع ‪ ،‬لقد أهدت ي حكايات مرة ‪ ،‬أخبرت ي أني سفر مؤجل ‪ ،‬و أن الدفء‬
‫شيء من السراب ‪ .‬يا للحضارة العمياء ‪.‬‬

‫لغة المرايا و ال ص الفسيفسائي‬ ‫‪‬‬

‫ع صر المشاه دة الواحد امام ا ‪ ،‬اذا اختلفت زاوية الرؤية اليه اختلف شكله ‪،‬‬
‫هكذا هي المعاني و ااحاسيس ‪ ،‬و لو اعتبرنا آلفظ هي نواقل للمع ى و‬
‫ااحساس ‪ ،‬و ان للتعبير زوايا ‪ ،‬فان طرح الفكرة ذاتها بتراكيب لفظية مختلفة‬
‫يمكن من القول ان ا نظرنا للشيء الواحد من زوايا متعددة ‪ ،‬و من هذ الحيثية‬
‫يمكن وصف ال ص بانه متعدد الزوايا ‪ ،‬اا انه لو نظرنا الى التراكيب فيما بي ها‬
‫فانا س راها تركيبة فسيفسائية يكون كل تركيب بشكل مرآة لذاك يمكن وصف‬
‫هذ اللغة بلغة المرايا و وصف ال ص بال ص الفسيفسائي ‪.‬‬

‫‪328‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ماذا تع ي لغة المرايا كتعبير‬

‫لغة المرايا تعبير مغاير للمألوف في اللغة وع د اهلها ‪ ،‬حيث ان الراسخ في‬
‫اللغة و ع د مستعمليها ان لكل نقطة مع وية تعبير لفظي واحد هو ااكثر‬
‫تشخيصا و تعبيرا ع ها ‪ ،‬ما تفعله لغة المرايا هو اانطاق من مع ى واحد و‬
‫بوحدات لفظية متعددة ‪ ،‬بمع ى اخر ان نص المرايا او الفسيفسائي يع ي وحدة‬
‫المع ى و تعدد اللفظ بخاف ال ص المفتوح الذي يكون بوحدة اللفظ و تعدد‬
‫المع ى ‪ ،‬فيكون لدي ا في ال ص الفسيفسائي ت اص داخل ال ص ‪ ،‬اي ت اص‬
‫بين وحدات ال ص نفسه و ليس بين نصوص مختلفة ‪.‬‬

‫فائدة لغة المرايا‬

‫تحقق لغة المرايا و ال ص الفيسفسائي تج ّل اكبر للفكرة و المع ى المقصود‬


‫كما انه يرسخه و يعمقه في نفس المتلقي ‪ .‬الفائدة الثانية ان تعدد صور الفكرة‬
‫يحقق الحركة ‪ ،‬لذلك يكون ال ص حركيا بدل سكونه وهي بذلك تشابه‬
‫المستقبلية في الرسم ‪.‬‬

‫مخاطر لغة المرايا‬

‫نتيجة لتقليب الفكرة و طرحها في اكثر من صورة ا بد من توفير ع اصر‬


‫اادهاش ااق اع و ااضافة ‪ ،‬و اا اصبح في ال ص زيادات و ترهات ‪ ،‬طبعا‬
‫يمكن التغلب على ذلك بت ويع ااسلوب ودرجة الرمزية و اانسيابية و ارجاع‬
‫الوحدات الكامية الى نقطة واحدة ليكون في التركيب المغاير اضافة ‪.‬‬

‫فسسيفسائية نص ُ العمياء أ ولغة المرايا فيه‬

‫‪329‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫في نص ُ العمياء أ المتقدم يمكن تمييز اربع وحدات تركيبية فقراتية‬

‫‪ -1‬البدلة العمياء ‪ ،‬القبعة العمياء ‪ ،‬ال داءات العمياء تلتهم المكان ‪ ،‬تب ي في‬
‫قلبه انشودة نصر سوداء ‪ ،‬قد أسرت جداول قريتي ‪ ،‬لم يبق في حلمها شيء‬
‫من الرحيق ‪.‬‬

‫‪ -2‬انظر الى ذلك الوجه الكالح ‪ ،‬يا لحضارتها التعسة تتعثر بكل شيء ‪،‬‬
‫يداها سائبتان تحطم كل شيء جميل ‪ ،‬الشوارع خاوية ‪ ،‬كأنها خريف قديم ‪.‬‬

‫‪ -3‬ليتها تعي شيئا هذ الحضارة العمياء ‪ ،‬ليتها تتعلم اغ ية اخرى ‪ ،‬العمى‬


‫يأسر المكان ا يدع للبابل صوتا ‪.‬‬

‫‪ -4‬لقد زرعت في حديقتي كل شوكة و كل الم فضيع ‪ ،‬لقد اهدت ي حكايات‬


‫مرة ‪ ،‬اخبرت ي اني سفر مؤجل ‪ ،‬وان الدفء شيء من السراب ‪ .‬يا للحضارة‬
‫العمياء ‪.‬‬

‫لو احظ ا فان كل واحدة من هذ الفقرات او الوحدات الكامية التركيبية‬


‫المتقدمة تشير الى فكرة واحدة و ت طلق من فكرة واحدة ‪،‬وهو ذم الحضارة‬
‫ا لمعاصرة و حالتها التعسة و اثارها السيئة ‪ ،‬فلدي ا تراكيب كامية مختلفة‬
‫م طلقة من نقطة مع وية و فكرية واحدة ‪ ،‬انها تعمل على التأكيد و الترسيخ ‪،‬‬
‫و بذلك تتجلى الفكرة و تتجذر عميقا في ال فس ‪ ،‬كما ان التراكيب تلك‬
‫ستكون بشكل مرايا مختلفة لشيء واحدة ‪ ،‬و تكون وحدات ت اص فيما بي ها‬
‫فيتحقق الت اص في داخل ال ص الواحد ‪،‬كما ان ال ظر الى ال ص من خارج‬
‫سيتحقق ال ص الفسيفسائي المرآتي ‪.‬‬

‫‪330‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫لغة المرايا و الفسيفسائية في نص ُ حوار الصدى و المرآةأ للشاعر عصام‬


‫سلمان‬

‫المعهود في اللغة و استعمال االفاظ ان لكل لفظ و كام غاية تعبيرية و‬


‫مقصد هي نهايته التعبيرية ‪ ،‬اي ان لكل معادل كامي ه اك عامل لغوي تعبيري‬
‫‪ .‬و نقصد بالعامل التعبيري ال هاية التعبيرية و المقصود المع وي او الجمالي‬
‫العميق الذي يراد نقله بالكام الى المخاطب ‪ ،‬و المعادل التعبيري هو الصيغة‬
‫الكامية التي تستخدم للتعبير عن العامل التعبيرية و نقله الى المخاطب ‪.‬‬

‫في لغة المرايا هذ القاعدة و ال اموس يُحطم ‪ ،‬لتحل محله توظيفات و تق ية‬
‫مغايرة بحيث ان معادات تعبيرية متباعدة تكون مرايا لعوامل تعبيرية متقاربة‬
‫فيكون ُ الت اص الداخلي أ او ُ الترادف التعبيري أ‪ ،‬او ان معادات تعبيرية‬
‫متقاربة تكون مرايا لعوامل تعبيرية عميقة او ُ ااشتراك التعبيري أ ‪.‬فلغة المرايا‬
‫و فسيفسائية ال ص لها شكان ااول الترادف التعبير بان تعابير مختلفة تدل‬
‫على مراد واحد و الثاني ااشتراك التعبيري بان تعبير مختلفة تدل على مرادات‬
‫مختلفة بالضبط كما هو الحال في الترادف و ااشتراك اللفظي اا ان ما لدي ا‬
‫ه ا ليس الفاظا مفردة و انما تعابير و عبارات و جمل ‪.‬‬

‫نماذج ناضجة من لغة المرايا و الفيسفسائية التعبيرية بالشكل ااول اي الت اص‬
‫الداخلي نجدها في كتابات للشاعر كريم عبد اه و الدكتور انور غ ي الموسوي‬
‫‪ .‬و ه ا نجد مامح الشكل الثاني ُ ااشتراك التعبيري أ في نص ُ حوار‬

‫‪331‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الصدى و المرآةأ حيث ان تعابير و معادات تعبيرية متقاربة تشير الى داات‬
‫و عوامل تعبيرية متباعدة ‪.‬‬

‫لقد بي ا في مواضع عدة انه كما ان للمؤلف غاياته و للقارئ غاياته في ال ص ‪،‬‬
‫فان لل ص غاياته و للغة غاياتها ‪ ،‬و مع ان ااختيارية و القصدية موجودة من‬
‫قبل المؤلف اا ان طبيعة القاموس الع واني كان مما فرضه ال ص ‪ ،‬فعبارة ُ‬
‫حوار الصدى و المرآةأ هو تب ي قاموسي بالفاظ ترجع كلها الى لغة المرايا و‬
‫ااشرتاك التعبيري الفسيفسائية ‪ ،‬اذ ان لغة المرايا هي حوار تعبيري بين عبارات‬
‫و جمل ‪ ،‬و هي صدى ما يكون بالمرآة التعبيرية بين العوامل العميقة و المعاني‬
‫و التعابير و المعادات ال صية ‪.‬‬

‫ان تكرار لفظي ُ الصدى و المرآةأ و في وضع او ب اء بداات مختلفة يحقق‬


‫شكا متميزا من لغة المرايا و الفسيفسائية ‪ ،‬حيث ان الفسيفسائية متقومة‬
‫بالتقابل و الت اغم و الت اسق الذي يعكس صورا مختلفة و جهات مختلفة ‪،‬‬
‫وهو استخدام ه دسي و تق ي ابداعي و مختلف للغة ‪.‬‬

‫ال ص يعتمد لغة رمزية و تعبيرية عالية ظاهرة جدا ‪ ،‬و ب سق و مستوى واحد‬
‫وهكذا الب اء ااسلوبي الموزع باتقان على مقاطع ال ص ايضا حالة تكرارية‬
‫تعطي فسيسفائية لل ص ‪ .‬و ايضا من المراتية ااسلوبية هو طبيعة الخطاب‬
‫الذي يصدر عن اطراف الحوار ‪ ،‬فان عبارات الصدى متقاربة في زم يتها و‬
‫قاموسيتها و اسلوبها و كذلك عباراة المرآة متقاربة في زم يتها و اسلوب‬
‫حكايتها و خطابتها ‪ ،‬وهذ ايضا فسيفسائية نصية خطابية ‪ .‬ان ما يحصل‬
‫بواسطة تلك الع اصر هو احداث نظام مت اسق مت اغم موسيقي اا انه بداات‬
‫مختلفة ‪ ،‬وهذا يختلف عن غير من اانظمة الت اغمية ‪ .‬و ايضا من ع اصر‬
‫الفيسفسائية في ال ص هو الثيمة ‪ ،‬فان خطاب الصدى يتمحور حول ثيمة‬
‫‪332‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫خاصة من الرغبة و الحيرة و البحث و كذلك خطاب المرآة ايضا يتمحور‬


‫حول ثيمة خاصة من اليقين و المعرفة و البيان ‪.‬‬

‫الم ْو ِجي‪ \،‬وأَتْ لُو فَ ْو َق العُ ْش ِ‬


‫ب ُش ُؤْو َن الغَْي ِم‪\،‬‬ ‫ِ‬
‫بالح ْزن َ‬
‫‪ -1‬الصدى ُ" أَتَ َعط ُر ُ‬
‫ب الريْ ْح"‪.‬‬
‫شُ ُح ْو َ‬

‫طار الص ْح ِو َعلَى نَ ْوِم‬ ‫‪ -2‬الصدى ُ أَتَ َوح ُد بالل َه ِ‬


‫ب آَ ْخ َ‬
‫ض ْر؛\ أَتْ لُو أ َْم َ‬
‫ام"‪ .‬أ‬
‫َح ْ‬
‫آ ْ‬

‫ظات‪ \.‬ا‬
‫ج في الل َح ْ‬ ‫ْف َ ِ‬ ‫‪ -3‬الصدى ُأَتَكاث َُر َخل َ‬
‫ضياعي؛\ ُكلي طُُر ٌق تَتَ َد ْح َر ُ‬
‫‪،‬و ُخطْواتِي ال ْسيا ُن أ‬
‫ف أَعُ ْو ُد إِلَي َ‬ ‫أَ ْع ِر ُ‬
‫ف َك ْي َ‬
‫ِ‬
‫ث َع ْن‬ ‫َس ُك ُن شَْيئاً يَ ْمل ُكِي‪ \،‬أَتَ َ‬
‫شاه ُق أَبْ َح ُ‬ ‫‪ -4‬الصدى ُ ا أَ ْع ِرفُِي‪ \ ،‬ا أ ْ‬
‫ُمطْلَ ْق"‪ .‬أ‬

‫جاس ُد نَ ْجم اً يَ ْب ِكي‪َ \ ،‬ويُ َوس ُع ِسرُ لِأ َْم ِ‬


‫واج‪ ،‬يُ َوس ُع ُج ْر َحهُ‬ ‫‪ -1‬المرآة ُوكا َن ي ِ‬
‫ُ‬
‫تأ‬ ‫ِ‬
‫ْت المرئي‪ ،‬وكا َن ي لُم ح ُقو َل الصم ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫الوق َ َ ْ َ َ ُ ْ‬ ‫لل َْم ْع َى‪ \.‬كا َن َ‬
‫صاف الجر ِح‪ ،‬ي ِ‬
‫سام ُح يَقْظَت َهُ!؟‬ ‫‪ -2‬المرآة ُ" هل كا ْن َشراراً يِْ هض \ ِمن ص ْف ِ‬
‫ُْ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َْ‬
‫واء ا يَ ْخ ُُقهُ‪،‬أ‬ ‫\ وي ُقو ُل ب ِوح ِي ال ه ِر ي اب ِيع العطَ ِ ِ‬
‫ش آ ََزلي‪ \ ،‬يَ ُق ْو ُل ه َ ً‬ ‫ْ َ َْ َ‬ ‫ََ ْ َ ْ‬

‫ش ْوفاً‬ ‫امح ٍ‬
‫ماء‪ ،‬أ َْم َجسَداً لِ ُ‬
‫شعا ْع !؟ \ َه ْل كا َن ُك ُ‬ ‫ِ‬
‫‪ -3‬المرآة ُ َه ْل كا َن َم َ‬
‫ض ْو ِح ِه‪ \،‬أ َْم َوهْماً يَتَ َج ْم َه ُر في الص ْدفَ ْة‪،‬أ‬
‫ُم ْحتَ ِجباً ُبو ُ‬

‫‪ -4‬المرآة ُا َش ْيءٌ يُ ْق َرأُ أ َْو يَظ َْه ْر"‪"\ .‬ا َش ْيءٌ يَظ َْه ُر أ َْو \يُ ْق َرأْ"‪ .‬أ‬

‫‪333‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫من الواضح جدا التقارب الزم ي و الخطابي و الثيمي في عبارات الصدى و‬


‫كذلك الشيء نفسه في عبارات المرآة ‪ .‬و باللغة الرمزية و التعبيرية و بما‬
‫تقدم من تق يات نج د ان ال ص قد كتب بتق ية عالية و بلغ اهدافه التعبيرية و‬
‫حقق نظاما نموذجيا من لغة المرايا و ال ص الفيسفسائي ‪.‬‬

‫ال ص‬

‫‪ِ -‬‬
‫ُحوار الص َدى ِ‬
‫والم ْرآةأ –‬ ‫ُ‬

‫عصام سلمان‬

‫*****************‬

‫‪-I-‬‬

‫ص َدىأ‪:‬‬
‫َُ‬

‫الم ْو ِجي‪،‬‬ ‫ِ‬


‫بالح ْزن َ‬
‫" أَتَ َعط ُر ُ‬

‫وأَتْ لُو فَ ْو َق العُ ْش ِ‬


‫ب ُش ُؤْو َن الغَْي ِم‪،‬‬

‫ب الريْ ْح"‪.‬‬
‫شُ ُح ْو َ‬

‫ُ ِم ْرآ ْةأ ‪:‬‬

‫‪334‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الم ْرئِي‪،‬‬
‫ْت َ‬‫الوق َ‬
‫" كا َن َ‬

‫جاس ُد نَ ْجم اً يَ ْب ِكي‪،‬‬


‫وكا َن ي ِ‬
‫ُ‬

‫واج‪ ،‬يُ َوس ُع ُج ْر َحهُ لِل َْم ْع َى‪.‬‬


‫َويُ َوس ُع ِسرُ لِأ َْم ِ‬

‫ْت المرئِي‪ ،‬وكا َن ي لُم ح ُقو َل الصم ِ‬


‫ت‬ ‫ْ‬ ‫الوق َ َ ْ َ َ ُ ْ‬ ‫كا َن َ‬

‫جاب‪.‬‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َويَ ْس ُك ُها ظاً ظاً َوح ْ‬
‫ام ِه ِحين ت ِ‬
‫كاش ُفهُ ِ‬
‫الم ْرآةُ‬ ‫وي ي ِز ُك ُكل َك ِ‬
‫َْ ُ‬ ‫َ ُ َْ‬
‫س‪ ،‬و ِ‬ ‫ب ِعُ ْر ِي ال َ‬
‫شطْآ ْن"‪.‬‬
‫عادات ال ُ‬ ‫ش ْم ِ َ‬

‫*****************‬

‫‪-II-‬‬

‫ص َدىأ‪:‬‬
‫َُ‬

‫" أَتَ َوح ُد بالل َه ِ‬


‫ب آَ ْخ َ‬
‫ض ْر؛‬

‫ِ‬
‫ام"‪.‬‬ ‫طار الص ْح ِو َعلَى نَ ْوم آ ْ‬
‫َح ْ‬ ‫أَتْ لُو أ َْم َ‬

‫ُ ِم ْرآ ْةأ‪:‬‬

‫" َه ْل كا ْن َشراراً يِْ َه ُ‬


‫ض‬

‫صاف الجر ِح‪ ،‬ي ِ‬


‫سام ُح يَقْظَت َهُ!؟‬ ‫ِمن ص ْف ِ‬
‫ُْ ُ‬ ‫ْ َ‬

‫‪335‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ش آ ََزلِي‪،‬‬ ‫َويَ ُق ْو ُل ب َِو ْح ِي ال ْه ِر يَ اب ِْي َع َ‬


‫العطَ ِ‬

‫واء ا يَ ْخ ُُقهُ‪،‬‬
‫يَ ُق ْو ُل ه َ ً‬

‫س ًوا ب ِغُبا ِر البَ ْو ْح‪.‬‬ ‫ِ‬


‫ص ًدى ا يَ ْرج ُع َم ْك ُ‬
‫َو َ‬

‫ت‪.‬‬
‫الم ْو ْ‬ ‫ِ‬ ‫ي ت وهم أَنه لَي ِ‬
‫س َوح ْيداً يَ ْعبُ ُر ذاك َرَة َ‬
‫ََ َ ُ ُ ْ َ‬

‫ت"‪.‬‬
‫الم ْو ْ‬
‫س َ‬ ‫هم أَن هُ لَْي َ‬
‫يَتَ َو ُ‬

‫*****************‬

‫‪-III-‬‬

‫ص َدىأ‪:‬‬
‫َُ‬
‫ض ِ‬
‫ياعي؛‬ ‫"أَتَكاث َُر َخل َ‬
‫ْف َ‬

‫ظات‪.‬‬
‫ج في الل َح ْ‬
‫ُكلي طُُر ٌق تَتَ َد ْح َر ُ‬

‫‪،‬و ُخطْواتِي ال ْسيا ُن‬


‫ف أَعُ ْو ُد إِلَي َ‬ ‫ا أَ ْع ِر ُ‬
‫ف َك ْي َ‬

‫وأَ ْزِمَةٌ تَغْ َر ْق"‪.‬‬

‫ُ ِم ْرآ ْةأ ‪:‬‬

‫ع !؟‬ ‫امح ٍ‬
‫ماء‪ ،‬أ َْم َجسَداً لِ ُ‬
‫شعا ْ‬ ‫ِ‬
‫" َه ْل كا َن َم َ‬

‫ض ْو ِح ِه‪،‬‬
‫ش ْوفاً ُم ْحتَ ِجباً ُبو ُ‬
‫َه ْل كا َن ُك ُ‬

‫‪336‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫أ َْم َوهْماً يَتَ َج ْم َه ُر في الص ْدفَ ْة‪،‬‬

‫َج ِ َح ٍة َونُ ُج ْو ْم!؟‬ ‫ٍِ‬


‫ظاه ُرفي َح ْشد م ْن أ ْ‬
‫يَتَ َ‬

‫َه ْل كا َن َكثافَةَ ه َذا البَ ْر ِق‪ ،‬لَطافَةَ َه ِذيرالت ْربَ ْة‪،‬‬

‫أ َْم َرْمزاً يَ ْ َحل إِذا أ َْو َ‬


‫ض ْح"!؟‬

‫*****************‬

‫‪-IV-‬‬

‫ص َدىأ‪:‬‬
‫َُ‬

‫" ا أَ ْع ِرفُِي‪،‬‬

‫َس ُك ُن شَْيئاً يَ ْملِ ُكِي‪،‬‬


‫اأْ‬

‫ث َع ْن ُمطْلَ ْق"‪.‬‬ ‫أَتَ َ‬


‫شاه ُق أَبْ َح ُ‬

‫ُ ِم ْرآ ْةأ ‪:‬‬

‫"ا َش ْيءٌ يُ ْق َرأُ أ َْو يَظ َْه ْر"‪.‬‬

‫"ا َش ْيءٌ يَظ َْه ُر أ َْو‬

‫يُْق َرأْ"‪.‬‬

‫‪337‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫القسم الثالث ‪ :‬المتموجة و ال ثروشعرية‬

‫اللغة المتموجة و ال ثروشعرية‬

‫ان غاية قصيدة ال ثر و م تهاها هو تحقيق حالة الشعر الكامل بال ثر الكامل ‪.‬‬
‫حيث يتجلى الشعر في قلب ال ثر ‪.‬و ي بثق الشعر من رحم ال ثر ‪ .‬حيث‬
‫يشخص الشعر الكامل من وسط ال ثر الكامل‪.‬‬

‫ونقصد بالكامل ه ا ما يبلغ اقصى درجاته و م تها و غاياته ‪ ،‬فالشعر الكامل‬


‫هو ما يبلغ اقصى درجات الشعرية و مظاهرها و غاياتها و ال ثر الكامل هو ما‬
‫يبلغ اقصى درجات ال ثرية و مظاهرها و غاياتها ‪ .‬و ا ربب ان ال ص و الكيان‬
‫الذي يجمع هذين اامرين ‪ -‬اع ي الشعر الكامل و ال ثر الكامل ‪ -‬هو غاية‬
‫قصيدة ال ثر و م تهاها‪.‬‬

‫ان هكذا لغة ا تكمن اهميتها في الغاية الف ية المذكورة ‪ -‬اع ي كونها غاية‬
‫قصيدة ال ثر‪ -‬بل انها تحقق اللغة القوية التي تصل الى قلب و وجدان كل‬
‫قارئ مع محافظتها على ف يتها و شعريتها ‪ .‬و من المعلوم ان هكذا لغة كانت‬
‫و ما زالت هاجسا و غاية لأدب و اادباء‪.‬‬

‫‪338‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫لقد وفرت السردية التعبيرية امكانيات كبيرة لل ص لبلوغ هذ الغاية و تحقيق‬


‫هذ اللغة ‪ ،‬اذ ان السرد يتطلب و بشكل قاهر عذوبة و قربا و ساسة تحقق‬
‫الفة للقارئ ‪ ،‬و تحقق التعبيرية ابحارا و صعودا و تحليقا و تعمقا يحقق‬
‫اادهاش و اابهار الشعري‪ .‬و من الجدير بالذكر ان اية سردية تعبيرية مستوفية‬
‫لشروطها تحقق هذ الغاية ‪ ،‬لكن نصوص السرد التعبيري تتباين في مستوى‬
‫ال فوذ و اابهار ‪ ،‬اذ ان اسلوب الكاتب و قاموسه اللفظي و ميله التعبيري و‬
‫الب ائي يحدد درجة الميل نحو ال ثرية و انخفاض الشعرية او ميله نحو الشعرية‬
‫و انخفاض ال ثرية‪ .‬وهذا الميل ليس لحقيقة التضاد بين ال ثر و الشعر في‬
‫ال ص السردي التعبيري ‪ ،‬و انما هو بفعل معالجة المؤلف و طاقاته التعبيرية ‪،‬‬
‫فانه في قبال هذ الصورة يمكن تحقق التصاعد الت اسبي الطردي بال ثرية و‬
‫الشعرية في السرد التعبيري ‪ ،‬اي تحقيق درجات تصاعدية في كا الجانبين في‬
‫وقت واحد ‪ .‬وهذ الحالة التي يتحقق فيها علو ف ي لشعرية ال ص و نثريته في‬
‫آن واحد يمكن ان نسميها ُالتوافق ال ثروشعريأ وهي الحالة الفريدة و‬
‫الوحيدة ربما التي يتحقق فيها تطور و تجل اكبر لل ثر مصاحبا و مازما لتطور‬
‫وتجل اكبر للشعر ‪ ،‬فمع كل درجة شعرية اعلى يحققها الشعر تتحقق معه‬
‫درجة نثرية اعلى لل ثر ‪.‬وهذا بخاف حالة الت افر و التضاد بي هما في‬
‫الكتابات ااخر و م ها الشعر الصوري المعهود اذ ان حالة ُ التضاد‬
‫ال ثروشعري أ هي السائدة بحيث ان كل تقدم و ميل نحو الشعرية في ال ص‬
‫يقابله نقصان و تراجع في نثريته وهكذا العكس ‪.‬‬

‫من اوضح ااساليب التي تحقق حالة التوافق ال ثروشعري هي اللغة التي تتموج‬
‫بين القرب و التوصيل و بين الرمز و اايحاء ‪ ،‬و بين التجلي و التعبير ‪ ،‬هذ‬
‫اللغة هي اللغة المتموجة بين التوصيل و اايحاء والتجلي ‪ ،‬بين الم طقية‬
‫اانحرافية التركيبية اي بين واقعية ااس اد اللفظي و ب اءاته و بين خياليته‬

‫‪339‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫واالفته فتحصل حالة ُوقع ة الخيال أ اي اظهار الخيال بلباس واقعي مما‬
‫يعطي ال ص عذوبة و قربا و الفة و يزيل ع ه اية حالة جفاء او جفاف او‬
‫اغتراب يطرا عليه بفعل الرمزية و اايحائية‪ .‬ان السردية التعبيرية باللغة‬
‫المتموجة تبلغ درجات متقدمة من التوافق ال ثروشعري ‪ ،‬و تصل ساحة الشعر‬
‫الكامل بال ثر الكامل ‪.‬‬

‫للغة المتموجة اشكال و درجات بحسب قوة الخيال و الشعرية ‪ ،‬و س ورد ه ا‬
‫ثاثة نصوص ل ا مكتوبة بلغة متموجة تتباين في درجات شعريتها و سرديتها و‬
‫ناحظ كيف ان التوافق ال ثروشعري يتجلى بوضوح في السردية التعبيرية‬
‫المكتوية بلغة متموجة ‪.‬‬

‫ان العامل ااهم في تبين درجات تموج اللغة هو اانحراف اللغوي و السردية‬
‫و الحقل الدالي ‪ ،‬في ال ص ااول ُ سفر أ ا نجد انحرافا كبيرا والسردية‬
‫بسيطة مع بوح جلي و الحقول الدالية متقاربة فاللغة تعتمد على لمسة شعرية‬
‫خفيفة بشعرية هامسة ‪ .‬في ال ص الثاني ُألمأ اانحراف ال صي عالي مع‬
‫سردية آسرة تخلق عالما خاصا بال ص ُ العالم ال صي الموازيأ معقد في نظام‬
‫حقوله الدالية ‪ .‬في ال ص الثالث ُ رحلة أ نجد اانحراف العميق و التعبيرية‬
‫المفهومية ‪ ،‬برمزية تعبيرية واضحة و حقول دالية متباعدة ‪ .‬و يمكن ماحظة‬
‫كيف ان التصاعد في شعرية ال صوص يرافقه تصاعد في نثريته محققة حالة‬
‫التوافق ال ثروشعري عكس ما هو متوقع في غير ذلك من كتابات التي يطغى‬
‫عليها التضاد ال ثروشعري ‪.‬‬

‫ال ص ااول ُ سفر أ‬

‫‪340‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ُ لغة متموجة ببوح عال و لمسة شعرية هامسةأ‬

‫أحب‬
‫سأغفو قليا فقلد أهدت ي العصافير أنشودة الفجر الخالدة ‪ .‬أجل أنا ّ‬
‫أحب السفر كثيرا ‪ ،‬بل ا أحبّه مطلقا ‪ ،‬و الجزر التي‬
‫زقزقة العصافير ‪ .‬أنا ا ّ‬
‫حدثت ي ع ها نجوم البراري ما عادت عي ي تتأٓ شوقا لرؤيتها ‪ ،‬فلقد مليء‬
‫قلبي حزنا ‪.‬‬

‫سأخرج مع الليلك المبلل بقطرات ال دى الى الحقل باكرا ‪ ،‬أجمع حكايات‬


‫مر ‪ ،‬يحصد آخر حبّة ا ّدخرتها جدتي لتدفّئ بها آيام ‪.‬‬
‫الظل ‪ ،‬فالشتاء شهر ّ‬

‫سأنظر الى وجه الزمن ببرود ‪ ،‬فكل ما رأي ا في ساعات الصباح ال دية هو‬
‫بعض الحكاية ‪ ،‬ه اك خلف الشبح آسطوري أغ ية يأسرني الح ين اليها ‪ ،‬ا‬
‫شيء ه اك سوى أزاهير نور و وديان من بهجة ‪.‬‬

‫شط شعر السعادة المخملية ‪ ،‬و ااضواء‬


‫ه اك فراشات الربيع بكل أنوثتها تم ّ‬
‫خافتة ‪ ،‬ه اك خلف السفر الحبيب ت تظرني بدايتي المؤجلة ‪.‬‬

‫ال ص الثاني ُ ألمأ‬

‫ُ لغة متموجة بانحرافية شعرية و سردية قوية ُ العالم ال صي الموازي أ أ‬

‫‪341‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫آامي زاهية ‪ ،‬كأعياد رأس الس ة ‪ ،‬تذهب كل صباح الى الد ّكان المجاور‬
‫دراجة وكلباّ ‪ ،‬لعلها تصل الى أبعد نقطة من بشرتي ال اعسة ‪.‬‬
‫لبلدتي ‪ ،‬لتشتري ّ‬

‫المصفرة ‪ ،‬أم ّد‬


‫ّ‬ ‫حي ها ك ت ه اك فوق تلك الشجرة ‪ ،‬نعم تلك ‪ ،‬ذات آشواك‬
‫يدي نحو سحابة واهية ‪ ،‬ك ت حي ها أبتسم ‪ ،‬يا للغرابة ‪.‬‬

‫المجرة بحثا ع ك ‪ ،‬أيّها آلم العريض ‪ .‬ه اك‬


‫ّ‬ ‫قدمي ‪ ،‬وهما تجوبان‬
‫لقد رأيت ّ‬
‫مدور كحبّة ع ب ‪ ،‬ه اك أنا و أنت و شجرة البلّوط ‪ ،‬نهايةُ مؤكدة ‪.‬‬
‫في زمن ّ‬
‫السحري ‪ ،‬كّا أغ ية من ثلج ‪ ،‬كّا بساطاّ فتّانا ‪ ،‬أنا و أنت ‪ ،‬أيّها‬
‫ّ‬ ‫نسافر بقارب ا‬
‫المر ‪ ،‬أنا و أنت بهجةٌ ا ت طفئ ‪ .‬يا للسعادة ‪ ،‬يا لفرحتي التعسة ‪.‬‬
‫آلم ّ‬

‫ال ص الثالث ُ رحلةأ‬

‫ُلغة متموجة بتعبيرية مفهومية عميقة ناقلة لاحساس ُ الرمزية التعبيريةأ أ‬

‫حتما سيكون لها احتفال ‪ ،‬و يكون لها نهارات تلثم وجه الحقول ‪ ،‬و يكون‬
‫لها اسم ‪ ،‬تلك ‪ ،‬ضحكات ا المؤجلة ‪.‬‬

‫لقد أهدت ي بلسما و زيا اسطوريا لم يخطر ببال احد ‪ ،‬حتى المحاربين القدامى‬
‫و الجالسين في المقهى الشتوي ‪ ،‬يا لعظمة تلك البهجة ‪،‬يا ٓلوانها المحلقة‬
‫نحو جزر من بلور ‪.‬‬

‫‪342‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫اتلمس العبير المتساقط في اازقة ال يلية من الشمس ‪ ،‬حيث‬


‫احيانا كثيرة انا ّ‬
‫شى من دون عكاز و ا قبعة قش ‪،‬عجبا اا ترى كثرة الفراشات في‬
‫المساء يتم ّ‬
‫ايام ا هذ ؟ اا ترى ان ي احب ان اخبرك عن امور كثيرة ‪ٓ،‬ن ي بدأت أشعر‬
‫بهمسات الضوء‪.‬‬

‫سأحكي لك عن لون نسيته جدائل العروس الغارقة في الح اء ‪ ،‬و عن زورق‬


‫ص عه جدي قبل رحلته الكبيرة نحو البرود الكوني ‪،‬انا لم اكن حي ها افهم‬
‫الكثير ‪،‬ك ت حي ها احمل في يدي تفاحة حمراء و كان قميصي يختبئ تحت‬
‫سعفات نخلة بيت ا القديم ‪ ،‬آ ليتك رأيت ال سيم ‪،‬ليتك رأيت ذلك‪.‬‬

‫عجبا يا للغربة الحبيبة ‪،‬يترنم في زوايا املي طائر الس ونو ‪،‬و نهر رقراق‬
‫يح مل ي الى مدي ة الزنبق العائمة ‪ ،‬لقد رايتها ه اك ‪،‬اع ي الانهاية ‪ ،‬في يدها‬
‫اليم ى اسماء اشجار الص وبر و الخيزران ‪،‬كانت تلمع ‪،‬و في يدها ااخرى‬
‫رأيت روحا بيضاء ‪،‬بلون لهب شمعة خافت ‪،‬أظ ها روحك انت يا صديقي‬

‫التضاد و التوافق ال ثرو شعري ‪ ،‬نصوص حسن المهدي نموذجا‬

‫‪343‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫تمهيد‬

‫المعهود من الكتابة آدبية ليس فقط التمييز بين الشعر و ال ثر ‪ ،‬بل رسوخ‬
‫فكرة تضادهما فالكتابة التي تميل الى الشعرية و توظف تق يات الشعر تضعف‬
‫فيها ال ثرية ‪ ،‬و هكذا العكس في الكتابة التي تميل الى ال ثرية و توظف‬
‫تق ياتها فان الشعرية تضعف فيها ‪ .‬هذا التضاد و الت اسب العكسي بين الشعر‬
‫و ال ثر هو المعروف و الراسخ في الكتابة لمئات الس ين ‪ ،‬و لقد مثل الشعر‬
‫الصوري المعهود ال موذج ااوضح لهذ الظاهرة ‪ ،‬اذ كلما تعالى ال ص في‬
‫شعريته ابتعد و نأى عن ال ثرية وهذا ما ا يحتاج الى مزيد بيان ‪.‬‬

‫لكن الذي يبدو و كم ا بي ا في مقال ا ُ اللغة المتموجة و التوافق ال ثروشعري أ‬


‫ان هذا التضاد ليس ناتجا عن امر ذاتي و اساسي في نظام الشعر و ال ثر ‪ ،‬بل‬
‫هو نتاج اسلوب الكتابة و الفكر السائد ع ها ‪ .‬اذ قد بي ت نصوص السردية‬
‫التعبيرية ‪ ،‬وهو السرد الممانع للسرد و السرد ا بقصد السرد ان حالة التوافق‬
‫بين الشعر و ال ثر ممك ة و واقعية ‪ ،‬و ان الت اسب الطردي و التكامل بي هما‬
‫ايضا ممكن و واقع ‪.‬‬

‫ان السردية التعبيرية بسعيها نحو الغاية القصوى لقصيدة ال ثر في تحقيق الشعر‬
‫الكامل بال ثر الكامل و تحقيق حالة الشعر الم بثق من وسط ال ثر ‪ ،‬وفرت‬
‫اامكانية و القدرة على تحقيق نظام ُ التوافق ال ثروشعري أ ‪ .‬و ا بد من‬
‫التأكيد ان فكرة التوافق بين الشعر و ال ثر و ا ذاتية تضادهما هو نتاج اصيل‬
‫و مستقل للسردية التعبيرية و غير مسبوقة في هذا الفهم و ان كان تلمس‬

‫‪344‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫اشكال من تجليات نظام التوافق ال ثروشعري في سرديات تعبيرية عالية كالقران‬


‫الكريم و ملحمة جلجامش ‪.‬‬

‫ه ا س تعرض الى مامح التضاد ال ثروشعري و نظام التوافق ال ثروشعري في‬


‫نصوص من الشعر الصوري المعتمد على الصورة الشعرية و من الشعر السردي‬
‫المعتمد على السردية التعبيرية للشاعر العراقي حسن المهدي الذي يكتب‬
‫الشكلين الشعريين ‪.‬‬

‫نظام التضاد ال ثروشعري‬

‫ال ص ‪ ُ :‬ورقة أ‬

‫ُ على اج حة الهوى‬

‫حملت الهوى‬

‫‪...........‬‬

‫حين رفرف بج احيه‬

‫ليغادر الشجرة‬

‫سقطت ورقه ‪ ...‬خضراء باردة‬

‫اطفأت الجوى ‪.........‬‬

‫‪345‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪..........‬‬

‫ربما كانت تلكم ‪ ..‬من ورق الج ة‬

‫نسياها ابواي ه اك‬

‫‪............‬‬

‫‪.....‬‬

‫فكيف زاغ ‪.....‬‬

‫الهوى ‪....‬‬

‫من‬

‫‪........‬الهوى ‪..... ...‬‬

‫يا لقلبها‬

‫اقسى ‪ ..‬من ‪ ..‬الصخر ‪.‬أ‬

‫اضافة الى التق يات الشكلية و التوزيع و الفراغات و التشطير و كلها من‬
‫ااسلوبيات التي ازمت الشعر الصوري و وظفت في تحقيق غايات ال ص‬
‫الشعري من حيث التركيز على المزايا السمعية و البصرية للكتابة الشعرية ‪ ،‬فانا‬
‫نجد في ال ص تركيزا و اعتمادا على الصورة الشعرية و المجاز ‪ .‬و اضافة الى‬
‫الصورية الواضحة في تراكيب ال ص ‪ ،‬فان اسلوب تأجيل البوح ‪ ،‬و الممانعة‬

‫‪346‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫التوصيلية ‪ ،‬و السكوت و ااخفاء ايضا واضحة ‪ .‬كما ان التراكيب العالية و‬


‫البدايات المفاجئة و ال هايات المفاجئة كل ذلك يرفع من شعرية ال ص و‬
‫يضعف نثريته ‪ ،‬بحيث انك ا تجد تجل ٓي ظاهرة نثرية في ال ص و في هذا‬
‫تجل واضح و ظاهر ل ظام ُ التضاد ال ثروشعري أ ‪.‬‬

‫نظام التوافق ال ثروشعري‬

‫ال ص ‪ ُ :‬ذكراها أ‬

‫ُانا من اودع تلكم المساءات المشتهات بطن حوت يونس ‪ ،‬وانا اول من‬
‫امتطى صهوة فرس عربية هج ها التتار حين دخلوا بغداد بدبابات مص وعة من‬
‫جلود حيوانات جوفاء العظم ت شر الرمد في عيون خفت بريقها وهي تحمحم‬
‫سائرة الهوي ى على صوت فرقعة السمسم الم ثور في الطرقات الحجريه‬
‫‪..‬وعلى هذ الطرقات انا الذي اضعت سلسلة مفاتيحي وا ادري هل تلكم‬
‫المفاتيح تصلح لتلكم ااقفال جميعها ام ان طفا اشيب يتقرفص ع د مقدمة‬
‫جبهتي ع د تخوم ااق عة المعلقة لصق بعضها والمعلمة بتواريخها الفارسة نسي‬
‫ان يحفظ ارقامها السرية‪..‬اترا يعشق اميرتي كالمخبول وهي تراود بغ ج ما‬
‫بين التم ع والوصال لتهيل مدى اريحيا في المكان فتضرب ي عصا السحرية‬
‫فاتبخر واعود انث مطرا يرطب رمال صحاري يلسع رملها بفعل الجدب‬
‫ومكابدات مساجين الجزر ال ائية ع د تخوم اارض ‪ ..‬اترا يشم ما ا اشم‬

‫‪347‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ويرتقي يجمع شتات خيول فطست في حروب قديمة محاوا اعادة كتابة تاريخ‬
‫ملئ بالهزائم التي ربحها ااقزام السبعه ‪.‬‬

‫‪ ..‬دعها يامج ون ‪ ..‬يامج ون دعها ‪ ..‬دعها وانزل اشرعتك عن صواريها فلم‬


‫يعد في البحر متسع لسفن با اج حه ‪.‬أ‬

‫اواً ا بد من ااشارة الى أمرين ‪ :‬ااول ان هذا ال ص المبهر يحقق غايات‬


‫ال ص الكامل من حيث الف ية و الجمالية و الرسالية ‪ ،‬فانه قد تكامل في ف يته‬
‫و في ع اصر الجمال اادبي و في رسالته و خطابه وهذا ظاهر جدا ‪ .‬اامر‬
‫الثاني ان حسن مهدي في كتاباته السردية التعبيرية يجيد اللغة المتموجة و لديه‬
‫نزعة نحو التراكيب السريالية بشكل رمزي و بوحي من دون تجريد ‪ .‬وهذا‬
‫ال ص مثال لهذ اللغة و تلك التطعيمات السريالية ‪.‬‬

‫لقد بي ا في موضع سابق ان الت اوب بين التوصيل و اايحاء يحقق اللغة‬
‫المتموجة و التي تحقق نظام تزامن التجلي الظاهر لل ثر و الشعر في ال ص‬
‫وهذ هي العتبة ااولى لتجاوز حالة التضاد بي هما ‪ .‬وه ا س بين نماذج محورية‬
‫طاغية قد لونت و انتجت المزاج العام لل ص و تحكمت في مظهر ال هائية‬
‫بلغة متموجة ‪.‬‬

‫ُ انا من اودع تلكم المساءات المشتهات بطن حوت يونس أ‬

‫ُ وانا اول من امتطى صهوة فرس عربية هج ها التتار أ‬

‫ُ جلود حيوانات جوفاء العظم ت شر الرمد في عيون خفت بريقها وهي تحمحم‬
‫سائرة الهوي ى على صوت فرقعة السمسم الم ثور في الطرقات الحجريهأ‬

‫‪348‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ُ وعلى هذ الطرقات انا الذي اضعت سلسلة مفاتيحي وا ادري هل تلكم‬


‫المفاتيح تصلح لتلكم ااقفال جميعها ام ان طفا اشيب يتقرفص ع د مقدمة‬
‫جبهتي ع د تخوم ااق عة المعلقةأ‬

‫ُ فتضرب ي عصا السحرية فاتبخر واعود انث مطرا يرطب رمال صحاري يلسع‬
‫رملها بفعل الجدب ومكابدات مساجين الجزر ال ائية ع د تخوم اارضأ‬

‫ُ محاوا اعادة كتابة تاريخ ملئ بالهزائم التي ربحها ااقزام السبعه ‪ .‬أ‬

‫من الواضح التموج التعبيري ‪ ،‬و ت اوب التوصيل و الواقعية و اايحاء و الرمزية‬
‫و الخيالية و التطعيمات و التوظيفات السريالية وكسر الم طقية و التوقع ‪،‬‬
‫محققا لغة متموجة تتميز بالعذوبة و الساسة ‪.‬‬

‫و بتق يات السردية التعبيرية حقق ال ص نفوذا الى نفس القارئ و نقله الى‬
‫ال ص ‪ ،‬و بعد كسر حالة التضاد يعمد ال ص من خال ترسيخ ال فوذ في نفس‬
‫القارئ و نقله الى ال ص مع الف ية العالية بالمجاز و اانحراف اللغوي و‬
‫الرمزية و اايحائية بساسة و عذوبة توفرها السردية التعبيرية يكون الطريق‬
‫ممهدا لحالة التوافق ال ثرو شعري ‪.‬‬

‫مظاهر نظام التوافق ال ثروشعري‬

‫تتبين و تبرز مامح نظام التوافق ال ثروشعري من خال تتبع التق يات ال ثرية و‬
‫الشعرية في ال ص ‪ ،‬ف جد انها ليست فقط تتزامن و ا تتضاد ‪ ،‬و انما تتوافق‬
‫و تت اسب طرديا في تطورها و صعودها ‪ ،‬بحيث ان حالة العلو و التصاعد‬
‫الشعري ا يازمه ضعف في ال ثرية بل على العكس فان ال ثر ايضا يتصاعد و‬
‫‪349‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫يتطور معه ‪ .‬ان اهم ما يحققه نظام التوافق ال ثروشعري هو طرح المادة اادبية‬
‫عالية المستوى بشكل سلسل وعذب وهذا ما سيساعد على اعادة ال اس الى‬
‫اادب بعد القطعة التي سببتها الحداثة اادبية ‪.‬‬

‫من المظاهر البارزة لحالة التوافق ال ثروشعري هو ت اسب شدة العبارة الشعرية‬
‫مع شدة العبارة ال ثرية و من صورها الواضحة شدة اانزياح اللغوي مع شدة‬
‫السرد وال فوذ و الساسة ‪ .‬ونجد في هذا ال ص ان الشاعر حسن المهدي قد‬
‫طرح مادة ادبية عالية المستوى بتق يات معاصرة ‪ ،‬طرحها بشكل سلس عذب‬
‫ي فذ الى نفس القارئ بيسر ‪.‬‬

‫ففي مقطع ُ أنا اول من امتطى صهوة فرس عربية هج ها التتار حين دخلوا‬
‫بغداد بدبابات مص وعة من جلود حيوانات جوفاء العظم ت شر الرمد في عيون‬
‫خفت بريقها وهي تحمحم سائرة الهوي ى على صوت فرقعة السمسم الم ثور‬
‫في الطرقات الحجريه أ‬

‫من الواضحة التق يات الشعرية العالية من ترميزات و ايحاءات و انحرافات‬


‫لغوية و فردية تعبيرية ‪ ،‬اا ان الشاعر طرحها بشكل سرد سلس عذب ي فذ الى‬
‫نفس القارئ و يحضر القارئ الى ال ص ‪.‬‬

‫بالسرد الواضح و الحوارية يمرر شاعر السردية التعبيرية شعر عالي المستوى‬
‫بشكل عذب و سلس يقول حسن المهدي‬

‫ُ وعلى هذ الطرقات انا الذي اضعت سلسلة مفاتيحي وا ادري هل تلكم‬


‫المفاتيح تصلح لتلكم ااقفال جميعها ام ان طفا اشيب يتقرفص ع د مقدمة‬
‫جبهتي ع د تخوم ااق عة بعضها أ‬

‫‪350‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ناحظة عبارة ُان طفا اشيب يتقرفص ع د مقدمة جبهتي ع د تخوم ااق عة‬
‫المعلقة لصق بعضها أ فانها عبارة شعرية عالية جدا ‪ ،‬و لو انها القيت هكذا‬
‫لوحدها ٓحتاجت الى معالجات ذه ية و تخيلية اجل تحصيل توافق قراءاتي‬
‫لها ‪ ،‬لكن وسط العبارة السردية المتقدمة فانها جاءت ضمن عملية سردية نثرية‬
‫عالية ايضا محققة الساسة و العذوبة بدل الجفاء و التجافي ‪ .‬وحالة الت اسب‬
‫الطردي التطوري بين الشدة الشعرية و الشدة ال ثرية في هذ العبارة تحقق‬
‫نظام توافق نثروشعري جلي ‪ .‬يقول الشاعر ايضا‬

‫ُ اترا يعشق اميرتي كالمخبول وهي تراود بغ ج ما بين التم ع والوصال لتهيل‬
‫مدى اريحيا في المكان فتضرب ي عصا السحرية فاتبخر واعود انث مطرا‬
‫يرطب رمال صحاري يلسع رملها بفعل الجدب ومكابدات مساجين الجزر‬
‫ال ائية ع د تخوم اارض ‪.‬أ‬

‫ناحظ التركيب الفذ في هذا المقطع الذي بدأ بتوصيلية مباشرة تبلغ حد‬
‫الحكاية و الواقعية ‪ ،‬اا انها تتصاعد و ت تهي بعبارة شعرية عالية المستوى من‬
‫حيث اانحراف و اايحاء و الخيالية ‪ .‬هذا التركيب المحقق ل ثرية شديدة مع‬
‫شعرية شديدة هو صورة واضحة للتوافق ال ثروشعري ‪.‬‬

‫ا بد من ااشارة الى ان علو و تطور نظام التوافق ال ثروشعري ا يع ي ان نظام‬


‫التضاد ال ثروشعري و الذي قام عليه الشعر الصوري لمئات الس ين يخلو من‬
‫الجمالية ‪ ،‬ان هذا كام فارغ بل ان نظام التضاد ال ثروشعري له جماليته ‪ ،‬بل‬
‫له فكر و ت ظيراته التي ليس من السهل التخلي ع ها ع د الكثيرين ‪ ،‬لكن و‬
‫من خال الواقع الذي ا ريب فيه ان نظام التوافق ال ثروشعري يحقق تجربة‬

‫‪351‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ادبية و اضافة ادبية بالغة ااهمية و العلو و التطور من حيث اانجاز اانساني‬
‫‪.‬كما انه من المفيد ااشارة الى ان تلك الدرجة من التجلي و الوضوح ل ظام‬
‫التوافق الشعري يبعد تحققه من دون سردية تعبيرية و لغة متموجة ‪ ،‬و ان تجلي‬
‫التجربة المعي ة و درجتها مهمة جدا في آدب ‪ ،‬اذ باامكان ان نجد شيئا من‬
‫التجربة المعي ة في كثير من ااعمال ‪ ،‬اا ان التجلي ااعلى و ااقصى ا‬
‫يكون اا في اعمال معي ة مع القصدية فيها ‪ ،‬هكذا هو الحال في نظام التوافق‬
‫ال ثروشعري فانه يمكن تتبعه و العثور على شيء م ه في اعمال كثيرة و‬
‫باشكالها اادبية المختلفة اا ان تجليه ااقصى و ااعلى ا يكون اا في‬
‫السردية التعبيرية ‪.‬‬

‫‪352‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫السردية التعبيرية و اسلوبياتها‬

‫‪ -1‬ابعاد ال ص و القراءة التعبيرية‬

‫‪353‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫لل ص اادبي ابعاد ثاثة ‪ ،‬فاضافة الى بعد الكتابي الب ائي ك ص بمفردات و‬
‫جمل و فقرات متجاورة ‪ ،‬فان له بعدا ابداعيا اسلوبيا يتمثل بالف ية و الجمالية‬
‫و الرسالية ‪ ،‬و له ايضا بعد لغوي دالي يتمثل بتجلّي اللغة و ال ص و المؤلف‬
‫و القارئ ‪ .‬ما يحصل اث اء الكتابة هو تقاطع خطوط هذ اابعاد و تقابلها و‬
‫تاقيها في ال هاية في نقاط تعبيرية ‪ .‬بي ما يكون تتبع ع اصر البعد اابداعي‬
‫ااسلوبي هو من القراءة ااسلوبية ‪ ،‬و تتبع ع اصر البعد اللغوي الدالي هو‬
‫من القراءة الدالية اللغوية ‪ ،‬فان تتبع نقاط تاقيهما التعبيرية يكون بالقراءة‬
‫التعبيرية بادوات ال قد التعبيري ‪ .‬و من ه ا يتجلى الفرق الواضح واصالة ال قد‬
‫التعبيري و تميز عن اابحاث الدالية و ااسلوبية و ان كانت جزء م ه و‬
‫مستفيدا من ادواتهما ‪.‬‬

‫و من ه ا ايضا يظهر ان التصور السائد كون ال ص كيانا زمانيا ترتب ع اصر‬


‫في الزمن ا يتسم بالواقعية ‪ ،‬بل ان ال ص كيان ثاثي اابعاد ‪ ،‬بعد كتابي نصي‬
‫و بعد لغوي دالي و بعد اسلوبي ابداعي ‪ .‬يعتمد وضوح و تجلي هذا الشكل‬
‫على مدى ظهور و قوة نقاط ابعاد المتقدمة اث اء القراءة ‪.‬‬

‫حي ما تحدث عملية القراءة فانها تتطور من مستوى المفردة الى مستوى‬
‫ااس اد او التجاور المفرداتي الى مستوى الجملة الى مستوى الفقرة ثم الى‬
‫مستوى ال ص بكله ‪ .‬اث اء كل مستوى يحضر البعد اللغوي الدالي و البعد‬
‫اابداعي ااسلوبي ‪ ،‬و بمجموع ما يتم من انظمة احتكاك و تقابل و التقاء و‬
‫تقاطع و بفعل مستوى ال قطة التعبيرية لكل بعد تحصل في الفكر و ال فس‬
‫مواضع تعبيرية لكل وحدة كتابية فيه يقابله بعد رابع خاص بالقارئ هو البعد‬
‫الشعوري و ااستجابة الجمالية ‪ ،‬بعبارة اخرى بي ما يكون ال ص ككيان مكتوب‬
‫شكا ثاثي اابعاد ساكن ا حراك فيه ‪ ،‬فانه ككيان مقروء يكون كيانا متحركا‬

‫‪354‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫له اربعة ابعاد البعد الرابع هو البعد الشعوري ويمثل بعد الحركة الذي يخرج‬
‫ال ص من السكون ‪ .‬فتكون القراءة هي العملية التي تعطي لل ص روحا و‬
‫تخرجه من الموت الى الحياة ‪ ،‬وهذا ما نسميه ُ حركة ال ص أ‬

‫القراءة ما هي اا عملية مشاهدة و تلقي تبحر فيها ال فس في عوالم ال ص و‬


‫الكتابة ‪،‬و الفكر و اللغة ‪ ،‬و الخيال و اابداع ‪ ،‬و الشعور و المتعة ‪ .‬هذ‬
‫العوالم ااربعة الحاضرة دوما في الكتابة اابداعية هي التي تضرب في عمق‬
‫ال فس و تجعل الكتابة اادبية مميزة ‪ ،‬و بمقدار تجلي ع اصر و اشياء تلك‬
‫العوالم و تلك اابعاد يتحدد وقع القراءة و مقدارها التعبيري ‪ .‬ال قد التعبيري‬
‫هو المجال الذي يبحث اانظمة المتحققة من تفاعل تلك اابعاد و ما ي تج‬
‫ع ها من مواضع و قيم تعبيرية في فضاء الكتابة و عوالمها ‪ .‬ان التشخيص‬
‫الدقيق و عالي الكفاءة للبعد الجمالي للكتابة بواسطة ادوات ال قد التعبيري و‬
‫تحديد المقادير الكمية و التشكات الكيفية للبعد الجمالي لل ص يمكن من‬
‫تشخيص عالي المستوى لقيم ال صوص جماليا مما يعد مدخا علميا للظاهرة‬
‫الجمالية و ااستجابة الشعورية تجا الجمال ‪.‬‬

‫تعتمد التعبيرية في اللغة على التوظيفات في ثاث مستويات كما بي ا سابقا في‬
‫مقاات ا ‪ ،‬مستوى ال ص كقول و كتركيب لفظي مع وي ‪ ،‬و مستوى التجربة‬
‫كعالم من المعاني و الحقول الفكرية المع وية ‪ ،‬و المستوى الوسيط الرابط‬
‫ي هما ‪ ،‬فبي ما الجمالية في ع اصر ال ص التعبيرية تعتمد على انجازات فردية‬
‫اسلوبية على مستوى المفردات و التراكيب كوحدات كامية ‪ ،‬فا ّن ع اصر‬
‫الجمالية اللغوية في حقول المع ى الفكرية العميقة و العامة تكمن في اشكال‬
‫‪355‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫تمظهر و تجلّي لم اطق و افراد تلك الحقول ‪ ،‬و اما الع صر الوسيط فهي‬
‫عملية ذه ية رابطة ت تج عن عملية القراءة ‪ ،‬بمع ى اخر لدي ا ثاثة عوامل ت تج‬
‫اللحظة الجميلة و اادهاش المصاحب ‪ :‬ع اصر كتابية نصية و ع اصر التجربة‬
‫العميقة و ع اصر قراءاتية و سيطة بالمع ى المتقدم ‪ ،‬هذا الت اول هو شكل من‬
‫اشكال ال قد التعبيري ‪،‬و الذي بتجاوز اخفاقات ال قد ااسلوبي في م طقتي‬
‫الع اصر القراءاتية الوسيطة و ع اصر التجربة اللغوية العميقة ‪.‬‬

‫‪ -2‬السردية التعبيرية‬

‫ان ما يقابل الشعر هو ال ثر و ليس السرد كما يعتقد البعض ‪،‬السرد يقابله‬
‫التصوير ‪ ،‬و الشعر حي ما يكتب بشكل نثر فانه بال هاية سيكون شعرا ‪ ،‬و‬
‫المميز بين ال ثر و الشعر ليس الوزن كما هو معلوم ‪،‬و ا الصورة الشعرية و‬
‫المجاز العالي كما اثبتته قصيدة ال ثر السردية بالكتلة ال ثرية الواحدة ‪ ،‬انما‬
‫المميز بي هما ان الشعر يشتمل على السردية التعبيرية و ا يقصد الحكاية او‬
‫التوصيل ‪ ،‬بي ما ال ثر اما قصصي حكائي يقصد الحكاية او توصيلي بشكل‬
‫خطاب و رسالة‪ .‬بمع ى اخر ان الفرق بين الشعر و القص و اللذين يشتمان‬
‫على السرد ‪ ،‬ان السرد في القصة حكائي قصصي يقصد الحكاية و الوصف‬
‫ولو خياا ‪،‬بي ما السرد في الشعر تعبيري هو سرد ا بقصد السرد هو السرد‬
‫الذي يمانع و يقاوم السرد ‪،‬انه السرد بقصد اايحاء و الرمز ونقل العاطفة و‬
‫ااحساس ا الحكاية و الوصف‪.‬‬

‫‪356‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫السرد ا بقصد السرد ‪ ،‬السرد الممانع للسرد ‪ ،‬السرد ا بقصد الحكاية و‬


‫القص ‪ ،‬السرد بقصد اايحاء و الرمز و نقل ااحساس و العاطفة ‪ ،‬هذ هي ُ‬
‫ّ‬
‫السردية التعبيرية أ ‪.‬‬

‫مظاهر السرد التعبيري و الذي يكون القصد م ه ليس الحكاية و الوصف و‬


‫ب اء الحدث ‪ ،‬و انما القصد اايحاء و نقل ااحساس ‪ ،‬و تعمد اابهار ‪،‬‬
‫فيكون تجل لعوالم الشعور ااحساس بمع ى اخر ُ ان الميزة آهم للشعر‬
‫السردي الذي يميز عن ال ثر وان كان شعريا هو التعبيرية في السرد ‪ ،‬فبي ما‬
‫في ال ثر السردي يكون السرد ٓجل السرد و الحكاية ‪ ،‬فانه في الشعر‬
‫السردي يكون موظفا ٓجل تعظيم طاقات اللغة التعبيرية‪ .‬أ ُ انور الموسوي‬
‫‪215‬أ‬

‫‪ -3‬اللغة المتموجة و وقع ة الخيال‬

‫جمال آدب يكمن في طريقة التعبير و أسلوب الدالة ‪ ،‬و لكل تعبير أدبي‬
‫قدرة معي ة على الكشف عن جماليات بدرجات مختلفة ‪ ،‬هذ هي المرتكزات‬
‫ااساسية لل قد التعبيري ‪ ،‬اي البحث الواسع في اسلوب التعبير اادبي ‪ ،‬و ا‬
‫بد من ااشارة انه ا عاقة لل قد التعبيري بالمدرسة التعبيرية و انما هو م هج‬
‫اسلوبي موس ع ‪ .‬مما تقدم من اهمية طريقة التعبير و الدالة و تدرج تجلي‬

‫‪357‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ع اصر الجمال تتبين قلة ااهمية في مبحث المداليل كهدف اساسي ٓنه ا‬
‫يعين المكمن الحقيقي للجمالية اادبية و ايضا تتبين ا واقعية فكرة الوجود‬
‫التام و الفقدان التام لحقيقة الوجود الدرجاتي للع اصر الجمالية في العمل‬
‫اادبي ‪.‬‬

‫ان الواقعية مهمة في كل معرفة تقريرية و ال قد معرفة تقريرية ‪ ،‬و هذ الواقعية‬


‫تحتاج الى ع صرين الوضوح و التجريبية ‪ ،‬فما لم يكن ه اك وضوح و ما لم‬
‫يكن ه اك قدرة على ااستقراء و التجريب فانه ا مجال لبلوغ الواقعية في‬
‫ال قد ‪ ،‬وا تدخل الكتابة حيز الجدية و العطاء ‪ .‬ان ال قد التعبيري ‪ ،‬بتركيز‬
‫على اسلوب التعبير و ال ظرة الواسعة الى الع صر اادبي ‪ ،‬و اانطاق من امور‬
‫بي ة كالتعبير و ااستجابة الجماليات و المؤثرات الجمالية من معادات و‬
‫عوامل جمالية ‪ ،‬كل ذلك يعطي لل قد التعبيري درجة عالية من الوضوح و‬
‫التجريبية و ااستقرائية ‪.‬‬

‫وفق مفاهيم ال قد التعبيري فان القراءة في جوهرها اندماج و عيش في ال ص ‪،‬‬


‫و اذا لم يكن ال ص مق عا فانه ا تتحقق هذ الغاية ‪ .‬على ال ص ان يحمل‬
‫القارئ اليه و ان يجعله يعيشه ‪ ،‬و ا يقال ان المجاز العالي يعرقل ذلك ‪ ،‬بل‬
‫العكس صحيح انم ا المجاز هو وسيلة لتعظيم طاقة اللغة و ال ص و اعطائه‬
‫قدرة اكبر على التأثير و التقريب من نفس المتلقي ‪.‬‬

‫الف ون آدبية تعتمد الخيال في ب اءها ‪ ،‬ليس فقط في ما ترمي اليه من معان‬
‫وداات وانما في طريقة التعبير ‪ ،‬و ما اانزياح اا شكل من اشكال التعبير‬
‫بوساطة الخي ال ‪ ،‬اذ ان العاقة اانزياحية خيالية كما هو حال المجاز ‪ ،‬اذ‬
‫ريب ان ه اك األفة بين المجاز و ذهن القارئ ‪ ،‬لذلك ا بد على ال ص ان‬
‫يطرح مجاز بشكل واقعي ‪ ،‬طرح المجاز وهو عاقة خيالية بصورة واقعية هو‬
‫‪358‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ُ وقع ة الخيال أ ‪ ،‬و وق عة اشتقق اها من كلمة واقعي ‪ ،‬و يمكن وصف حالة‬
‫تحقيق آلفة للاألفة التي يتميز بها الخيال التعبيري بانها حالة وقع ة له ‪،‬‬
‫فالخيال المجازي في علو و بعد و األفته الذه ية حي ما ي جح المؤلف في‬
‫تقريبه و الباسه ثوب الواقعية و الحقيقية فانه يكون طرحه بصورة واقعية‬
‫وحقيقية ‪.‬‬

‫ان اللغة المتموجة التي توفرها السردية التعبيرية ‪ ،‬و التي تت اوب بين مفردات و‬
‫تراكيب توصيلية و اخرى مجازية انزياحية ‪ ،‬يعطيها ميزة ا تتوفر في الشكلين‬
‫ااخرين من الكتابة ‪ ،‬اقصد السردية القصصية و الشعرية التصويرية ‪ ،‬فااولى‬
‫ليس لها اا ان توغل في التداولية و التوصيلية وتخ ّفض من مجازها و الثانية‬
‫ليس لها اا ان تتعالى في المجاز ‪ .‬و ا يظن ان ذلك مختص بالب اء الشكلي‬
‫اللفظي لل ص بل انه ي فذ عميقا الى الجذور المع وية و الدالية و الفكرية له ‪،‬‬
‫اذ ان الكتابة في كل واحد من تلك ااشكال تتصف بتلك الفوارق في كل‬
‫مستوى من مستوياتها المختلفة ‪.‬‬

‫لطا لما تحدث ا عن لغة قوية تصل و ت فذ الى اعماق ال فس اانسانية و في‬
‫الوقت نفسه تحافظ على ف يتها العالية ‪ ،‬و يمكن ان نرى بوضوح ان السردية‬
‫التعبيرية تحقق هذ الغاية فانها تخضع المجاز و اانزياح باي درجة كان الى‬
‫الواقعية و الحقيقية و القرب ‪ ،‬انها جمع حر بين االفة و الاألفة انها جعل‬
‫الشيء غير آليف أليفا ‪ .‬و ربما ا احد يستطيع ان يقلل من قيمة ااسلوب‬
‫الذي يتمكن بحرية و سالة ان يجعل غير المألوف مألوفا ‪ ،‬السردية التعبيرية‬
‫بكل حرية و سالة تحقق ذلك ‪.‬‬

‫‪359‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ان التعبيرية المتموجة بين الواقعية و الخيالية في ب اء نصوص السرد التعبيرية‬


‫تحقق اللغة التي ت فذ الى ااعماق مع المحافظة على ف يتها العالية ‪ .‬و من‬
‫الواضح ان الفهم و التصور الذي يقدم ال قد التعبيري عن الع اصر التي يشير‬
‫اليها كما في الخيال المجازي ه ا و وقع ته و تحقيق السردية التعبيري‬
‫لتجليات عالية له و التموج التعبيري ‪ ،‬يمثل درجات عالية من الجدية و‬
‫الواقعية في م هج ال قد التعبيري بادواته ااسلوبية التعبيرية ‪ .‬كما ان وضوح‬
‫عدم امكانية بلوغ مثل تلك الدرجات من الظهور و التجلي لحالة وقع ة الخيال‬
‫في الشعر التصويري و السرد القصصي ‪ ،‬لضعف تجلي التموج التعبيري فيها‬
‫يدل با ريب على التجريبية العالية و ااستقرائية البي ة في ال قد التعبيرية ‪ ،‬مما‬
‫يمثل بابا واسعا و حقيقيا نحو ب اء علمي لل قد اادبي ‪.‬‬

‫‪ -4‬التوافق ال ثروشعري‬

‫المعهود من الكتابة آدبية ليس فقط التمييز بين الشعر و ال ثر ‪ ،‬بل رسوخ‬
‫فكرة تضادهما فالكتابة التي تميل الى الشعرية و توظف تق يات الشعر تضعف‬
‫فيها ال ثرية ‪ ،‬و هكذا العكس في الكتابة التي تميل الى ال ثرية و توظف‬
‫تق ياتها فان الشعرية تضعف فيها ‪ .‬هذا التضاد و الت اسب العكسي بين الشعر‬
‫و ال ثر هو المعروف و الراسخ في الكتابة لمئات الس ين ‪ ،‬و لقد مثل الشعر‬
‫الصوري المعهود ال موذج ااوضح لهذ الظاهرة ‪ ،‬اذ كلما تعالى ال ص في‬
‫شعريته ابتعد و نأى عن ال ثرية وهذا ما ا يحتاج الى مزيد بيان ‪.‬‬

‫لكن الذي يبدو و كما بي ا في مقال ا ُ اللغة المتموجة و التوافق ال ثروشعري أ‬


‫ان هذا التضاد ليس ناتجا عن امر ذاتي و اساسي في نظام الشعر و ال ثر ‪ ،‬بل‬

‫‪360‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫هو نتاج اسلوب الكتابة و الفكر السائد ع ها ‪ .‬اذ قد بي ت نصوص السردية‬


‫التعبيرية ‪ ،‬وهو السرد الممانع للسرد و السرد ا بقصد السرد ان حالة التوافق‬
‫بين الشعر و ال ثر ممك ة و واقعية ‪ ،‬و ان الت اسب الطردي و التكامل بي هما‬
‫ايضا ممكن و واقع ‪.‬‬

‫ان السردية التعبيرية بسعيها نحو الغاية القصوى لقصيدة ال ثر في تحقيق الشعر‬
‫الكامل بال ثر الكامل و تحقيق حالة الشعر الم بثق من وسط ال ثر ‪ ،‬وفرت‬
‫اامكانية و القدرة على تحقيق نظام ُ التوافق ال ثروشعري أ ‪ .‬و ا بد من‬
‫التأكيد ان فكرة التوافق بين الشعر و ال ثر و ا ذاتية تضادهما هو نتاج اصيل‬
‫و مستقل للسردية التعبيرية و غير مسبوقة في هذا الفهم و ان كان تلمس‬
‫اشكال من تجليات نظام التوافق ال ثروشعري في سرديات تعبيرية عالية كالقران‬
‫الكريم و ملحمة جلجامش ‪.‬‬

‫ه ا س تعرض الى مامح التضاد ال ثروشعري و نظام التوافق ال ثروشعري في‬


‫نصوص من الشعر الصوري المعتمد على الصورة الشعرية و من الشعر السردي‬
‫المعتمد على السردية التعبيرية للشاعر العراقي حسن المهدي الذي يكتب‬
‫الشكلين الشعريين ‪.‬‬

‫لقد وفرت السردية التعبيرية امكانيات كبيرة لل ص لبلوغ هذ الغاية و تحقيق‬


‫هذ اللغة ‪ ،‬اذ ان السرد يتطلب و بشكل قاهر عذوبة و قربا و ساسة تحقق‬
‫الفة للقارئ ‪ ،‬و تحقق التعبيرية ابحارا و صعودا و تحليقا و تعمقا يحقق‬
‫اادهاش و اابهار الشعري‪ .‬و من الجدير بالذكر ان اية سردية تعبيرية مستوفية‬
‫لشروطها تحقق هذ الغاية ‪ ،‬لكن نصوص السرد التعبيري تتباين في مستوى‬

‫‪361‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ال فوذ و اابهار ‪ ،‬اذ ان اسلوب الكاتب و قاموسه اللفظي و ميله التعبيري و‬
‫الب ائي يحدد درجة الميل نحو ال ثرية و انخفاض الشعرية او ميله نحو الشعرية‬
‫و انخفاض ال ثرية‪ .‬وهذا الميل ليس لحقيقة التضاد بين ال ثر و الشعر في‬
‫ال ص السردي التعبيري ‪ ،‬و انما هو بفعل معالجة المؤلف و طاقاته التعبيرية ‪،‬‬
‫فانه في قبال هذ الصورة يمكن تحقق التصاعد الت اسبي الطردي بال ثرية و‬
‫الشعرية في السرد التعبيري ‪ ،‬اي تحقيق درجات تصاعدية في كا الجانبين في‬
‫وقت واحد ‪ .‬وهذ الحالة التي يتحقق فيها علو ف ي لشعرية ال ص و نثريته في‬
‫آن واحد يمكن ان نسميها ُالتوافق ال ثروشعريأ وهي الحالة الفريدة و‬
‫الوحيدة ربما التي يتحقق فيها تطور و تجل اكبر لل ثر مصاحبا و مازما لتطور‬
‫وتجل اكبر للشعر ‪ ،‬فمع كل درجة شعرية اعلى يحققها الشعر تتحقق معه‬
‫درجة نثرية اعلى لل ثر ‪.‬وهذا بخاف حالة الت افر و التضاد بي هما في‬
‫الكتابات ااخر و م ها الشعر الصوري المعهود اذ ان حالة ُ التضاد‬
‫ال ثروشعري أ هي السائد بحيث ان كل تقدم و ميل نحو الشعرية في ال ص‬
‫يقابله نقصان و تراجع في نثريته وهكذا العكس ‪.‬‬

‫من اوضح ااساليب التي تحقق حالة التوافق ال ثروشعري هي اللغة التي تتموج‬
‫بين القرب و التوصيل و بين الرمز و اايحاء ‪ ،‬و بين التجلي و التعبير ‪ ،‬هذ‬
‫اللغة هي اللغة المتموجة بين التوصيل و اايحاء والتجلي ‪ ،‬بين الم طقية‬
‫اانحرافية التركيبية اي بين واقعية ااس اد اللفظي و ب اءاته و بين خياليته‬
‫واالفته فتحصل حالة ُوقع ة الخيال أ اي اظهار الخيال بلباس واقعي مما‬
‫يعطي ال ص عذوبة و قربا و الفة و يزيل ع ه اية حالة جفاء او جفاف او‬
‫اغتراب يطرا عليه بفعل الرمزية و اايحائية‪ .‬ان السردية التعبيرية باللغة‬
‫المتموجة تبلغ درجات متقدمة من التوافق ال ثروشعري ‪ ،‬و تصل ساحة الشعر‬
‫الكامل بال ثر الكامل ‪.‬‬

‫‪362‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪ -5‬اللغة الحرة و ال ص الحر‬

‫ان اللغة الحرة و ال صوص الحرة العابرة لاج اس و التي ستكون و با شك‬
‫الشكل المستقبلي لادب لن تاخذ شرعيتها بسهولة و بفترة قصيرة ٓمور كثيرة‬
‫اهمها تجاوزها ااج اس اادبية و تحطيمها ٓعراف سائدة في اللغة و اادب‬
‫‪ .‬لقد بقي اادب يعاني من سطوة ال اشر فكان يفارق رغبة المؤلف و رغبة‬
‫القارئ اجل ان يعجب ال اشر فاهدر الكثير من الوقت و الجهد لتلبية تلك‬
‫اارادات الاف ية و الاعلمية ‪،‬اما اآن و بفضل ال شر االكتروني و امكانية‬
‫ال شر بشكل حر و تحرر مواقع نشر كثيرة من تلك اافكار ‪ ،‬صار الوقت‬
‫م اسبا لظهور اادب الحر و اللغة الحرة و ال ص الحر العابر لاج اس ‪،‬فا‬
‫يكون امام عين القارئ سوى ما يريد ان يقوله و ا شيء سوى اللغة التي يريد‬
‫استعمالها ‪،‬من دون وصاية ا فكرية و ا موضوعية و ا سلوبية ‪ ،‬با و ا‬
‫ادبية فالمهم الكتابة و ا يهم ما ج سها و ما تص يفها ‪ ،‬و الجمهور هو‬
‫الحكم‪ .‬لقد انتهى عصر الوصاية اادبية و بدا عصر اادب الحر و اللغة‬
‫الحرة‪.‬‬

‫لقد اثبتت الكتابات آدبية في العشرين س ة آخيرة انه ا اهمية تذكر‬


‫لتج يس ال صوص ‪ ،‬و صارت الكتابات آدبية تتداخل حتى انها تصل الى حد‬
‫ا يمكن تصي ف ال ص الى ج س ادبي معين و يختلف في تج يسه ‪ ،‬ممل‬
‫مهد لظهور ال ص الحر العابر لاج اس ‪ .‬و السردية التعبيرية بامكانتها الواسعة‬
‫ّ‬
‫يمكن ان تكون البوابة الواسعة نحو ال ص الحر ‪ .‬و ا بد من تأكيد الفرق بين‬
‫ال ص الحر العابر اج اس اادببية و بين القصيدة الحرة ‪ ،‬التي تعتمد نمطيات‬
‫و تق يات الشعر الصوري ‪ .‬نعم ال ص الحر قريب جدا من قصيدة ال ثر ‪ ،‬اا‬

‫‪363‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫انه ليس قصيدة نثر حرة ‪ ،‬بل هو نص ‪ ،‬قد يرا البعض شعرا و البعض قصة و‬
‫البعض خاطرة و ااخر رسالة ‪ ،‬ان ال ص الحر يحرر المؤلف و القارئ و يحرر‬
‫نفسه ‪.‬‬

‫‪ -6‬اللغة التجريدية‬

‫التجريدية في التعبير و اللغة هو استعما اللغة في نقل ااحساس و الشعور و‬


‫ليس الحكاية ‪ ،‬فتتخلى االفاظ عن وظيفة نقل المع ى الى نقل ااحساس‬
‫المصاحب له كمركز للتعبير ‪ ،‬فيرى القارئ ااحاسيس و المشاعر الم قولة‬
‫اكثر مما يرى المعاني ‪.‬‬

‫و انطاقا من فكرة ا ّن اابداع اللغوي و خصوصا الشعر ا يتجه بآساس نحو‬


‫الب اء المعرفي و المفاهيم ‪ ،‬و ا ّن محور اابداع هو عالم المع ى و الشعور و‬
‫ااحساس ‪ ،‬فان ا يمكن فهم اللغة التجريدية بانها اتجا عميق نحو صور‬
‫خالصة و مجردة وكلية لموضوعات اادب و عوالم الجمال و الشعور و‬
‫ااحساس و المع ى ‪ ،‬التي تعصف ب فس الشاعر و تلهمه ‪ ،‬و تختلف هذ‬
‫التعبيرية بشكل واضح عما يتجه نحو الجزئي من تجرية و جماليات و‬
‫موضوعات قريبة ‪ ،‬و ي عكس ذلك بشكل ملحوظ على لغة التعبير ان‬
‫خصوصية الموضوع لها تاثيرها الحاسم في شكل اللغة التي تتحدث ع ه ‪،‬‬
‫فبي ما الجاء و الوضوح و القرب و ااحتفاء و المجاز التعبيري وحتى الرمزية‬
‫الموظفة من سمات اللغة المعبرة عن التصورات الجزئية لموضوعات اابداع و‬
‫الجمال الجزئية بلغة تعبيرية جزئية تشخصية ‪ ،‬فان التجسيد الخالص ‪ ،‬و‬

‫‪364‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫التصورات الكلية و الرمزية المبتكرة و التحليق الحر و العمق البعيد من سمات‬


‫اللغة التي تتجسد فيها التصورات الكلية لموضوعات اابداع و الجمال الكلية‬
‫بلغة تعبيرية كلية تجريدية ‪.‬‬

‫ا بد من القول و بشكل حاسم و واضح ان اانطاق بالكتابة من العوالم‬


‫العميقة و الكلية للمع ى و الشعور ا يكفي لتحقيق التجريد ‪ ،‬بل ا بد من ان‬
‫يظهر اثر ذلك في اللغة ايضا ‪ ،‬و ا تكفي الرمزية مع توظيفها و حكايتها و‬
‫وصفيتها ‪ ،‬با ا بد ان تكون في وضع ااشعاع و التوهج المرئي بدل الحكاية‬
‫‪.‬‬

‫بااضافة الى ع اصر اابداع من الف ية و الجمالية و الرسالية التي يجب توفّرها‬
‫في العمل الشعري ال اضج ‪ ،‬ا ب ّد ان تتصف اللغة التجريدية بصفات محددة‬
‫اهمها ان تكون تعبيرا عن عالم عميق للمعاني و ااحاسيس ‪ ،‬بوجوداتها‬ ‫ّ‬
‫الخالصة الحرة ‪ ،‬البعيدة عن التشكل و القصد ‪ ،‬ببوح كلي و كوني و انساني‬
‫عميق ‪ ،‬بمفردات و تراكيب ا ترى فيها اا تجليات و تجسيدات لتلك‬
‫العوالم و ع اصرها من خفوت شديد للقول و الحكاية و التوصيل ‪ ،‬بلغة تشع‬
‫و ا تقول ‪ .‬حي ها نكون امام لغة تجريدية لغة ااشعاع التي تتجاوز مجال‬
‫القول و التش ّخص ‪.‬‬

‫وقع ة الخيال و التموج التعبيري في السردية التعبيرية‬

‫‪365‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫جمال آدب يكمن في طريقة التعبير و أسلوب الدالة ‪ ،‬و لكل تعبير أدبي‬
‫قدرة معي ة على الكشف عن جماليات بدرجات مختلفة ‪ ،‬هذ هي المرتكزات‬
‫ااساسية لل قد التعبيري ‪ ،‬اي البحث الواسع في اسلوب التعبير اادبي ‪ ،‬و ا‬
‫بد من ااشارة انه ا عاقة لل قد التعبيري بالمدرسة التعبيرية و انما هو م هج‬
‫اسلوبي موسع ‪ .‬مما تقدم من اهمية طريقة التعبير و الدالة و تدرج تجلي‬
‫ع اصر الجمال تتبين قلة ااهمية في مبحث المداليل كهدف اساسي ٓنه ا‬
‫يعين المكمن الحقيقي للجمالية اادبية و ايضا تتبين ا واقعية فكرة الوجود‬
‫التام و الفقدان التام لحقيقة الوجود الدرجاتي للع اصر الجمالية في العمل‬
‫اادبي ‪.‬‬

‫ان الواقعية مهمة في كل معرفة تقريرية و ال قد معرفة تقريرية ‪ ،‬و هذ الواقعية‬


‫تحتاج الى ع صرين الوضوح و التجريبية ‪ ،‬فما لم يكن ه اك وضوح و ما لم‬
‫يكن ه اك قدرة على ااستقراء و التجريب فانه ا مجال لبلوغ الواقعية في‬
‫ال قد ‪ ،‬وا تدخل الكتابة حيز الجدية و العطاء ‪ .‬ان ال قد التعبيري ‪ ،‬بتركيز‬
‫على اسلوب التعبير و ال ظرة الواسعة الى الع صر اادبي ‪ ،‬و اانطاق من امور‬
‫بي ة كالتعبير و ااستجابة الجماليات و المؤثرات الجمالية من معادات و‬
‫عوامل جمالية ‪ ،‬كل ذلك يعطي لل قد التعبيري درجة عالية من الوضوح و‬
‫التجريبية و ااستقرائية ‪.‬‬

‫وفق مفاهيم ال قد التعبيري فان القراءة في جوهرها اندماج و عيش في ال ص ‪،‬‬


‫و اذا لم يكن ال ص مق عا فانه ا تتحقق هذ الغاية ‪ .‬على ال ص ان يحمل‬
‫القارئ اليه و ان يجعله يعيشه ‪ ،‬و ا يقال ان المجاز العالي يعرقل ذلك ‪ ،‬بل‬
‫العكس صحيح انما المجاز هو وسيلة لتعظيم طاقة اللغة و ال ص و اعطائه‬
‫قدرة اكبر على التأثير و التقريب من نفس المتلقي ‪.‬‬

‫‪366‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الف ون آدبية تعتمد الخيال في ب اءها ‪ ،‬ليس فقط في ما ترمي اليه من معان‬
‫وداات وانما في طريقة التعبير ‪ ،‬و ما اانزياح اا شكل من اشكال التعبير‬
‫بوساطة الخيال ‪ ،‬اذ ان العاقة اانزياحية خيالية كما هو حال المجاز ‪ ،‬اذ‬
‫ريب ان ه اك األفة بين المجاز و ذهن القارئ ‪ ،‬لذلك ا بد على ال ص ان‬
‫يطرح مجاز بشكل واقعي ‪ ،‬طرح المجاز وهو عاقة خيالية بصورة واقعية هو‬
‫ُ وقع ة الخيال أ ‪ ،‬و وق عة اشتقق اها من كلمة واقعي ‪ ،‬و يمكن وصف حالة‬
‫تحقيق آلفة للاألفة التي يتميز بها الخيال التعبيري بانها حالة وقع ة له ‪،‬‬
‫فالخيال المجازي في علو و بعد و األفته الذه ية حي ما ي جح المؤلف في‬
‫تقريبه و الباسه ثوب الواقعية و الحقيقية فانه يكون طرحه بصورة واقعية‬
‫وحقيقية ‪.‬‬

‫ان اللغة المتموجة التي توفرها السردية التعبيرية ‪ ،‬و التي تت اوب بين مفردات و‬
‫تراكيب توصيلية و اخرى مجازية انزياحية ‪ ،‬يعطيها ميزة ا تتوفر في الشكلين‬
‫ااخرين من الكتابة ‪ ،‬اقصد السردية القصصية و الشعرية التصويرية ‪ ،‬فااولى‬
‫ليس لها اا ان توغل في التداولية و التوصيلية وتخ ّفض من مجازها و الثانية‬
‫ليس لها اا ان تتعالى في المجاز ‪ .‬و ا يظن ان ذلك مختص بالب اء الشكلي‬
‫اللفظي لل ص بل انه ي فذ عميقا الى الجذور المع وية و الدالية و الفكرية له ‪،‬‬
‫اذ ان الكتابة في كل واحد من تلك ااشكال تتصف بتلك الفوارق في كل‬
‫مستوى من مستوياتها المختلفة ‪.‬‬

‫لطالما تحدث ا عن لغة قوية تصل و ت فذ الى اعماق ال فس اانسانية و في‬


‫الوقت نفسه تحافظ على ف يتها العالية ‪ ،‬و يمكن ان نرى بوضوح ان السردية‬
‫التعبيرية تحقق هذ الغاية فانها تخضع المجاز و اانزياح باي درجة كان الى‬
‫الواقعية و الحقيقية و القرب ‪ ،‬انها جمع حر بين االفة و الاألفة انها جعل‬

‫‪367‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الشيء غير آليف أليفا ‪ .‬و ربما ا احد يستطيع ان يقلل من قيمة ااسلوب‬
‫الذي يتمكن بحرية و سالة ان يجعل غير المألوف مألوفا ‪ ،‬السردية التعبيرية‬
‫بكل حرية و سالة تحقق ذلك ‪ .‬وه ا نماذج من تدجين المجاز و وقع ته في‬
‫كتابات سردية تعبيرية ُ‪1‬أ‬

‫في نص ُ رسام أ للشاعر و القاص فريد قاسم غانم‬


‫وقاطعها س َدنةُ‬
‫َ‬ ‫ُ في ج ازتِِه آخيرة‪ ،‬التي َ‬
‫شارك فيها أكلةُ البطاطا والحجارة‬
‫نجوم‬ ‫ت جبي ُهُ العالي‬
‫وحرثَ ْ‬ ‫خرجت من عي ي ِه شتلتا عب ِ‬
‫ٌ‬ ‫شمس‪َ ،‬‬ ‫اد ال ّ‬‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫المعابد‪،‬‬
‫فاقعةُ ااصفرار‪ .... ،‬أ‬
‫ربما ا نحتاج الى كثير كام لبيان كيف ان المقطع التوصيلي السردي في بداية‬
‫ال ص حمل القارئ و هيأ و ساعد على الوجود و التعايش مع ال ص و تقبل‬
‫المجازات و اانزياحات التالية بيسر ودون غرابة كبيرة مع ال ص غرائبي و‬
‫سريالي ‪ .‬فان القارئ بعبارة ُ في ج ازته ااخيرة ‪ ،....‬أ التوصيلي جاء فعل ُ‬
‫خرجت من عي يه شتلتا عباد الشمس أ المشتملة على اانزياح و المجاز ‪ ،‬اا‬
‫انها و بفعل السردية التعبيرية لبست ثوبة الواقعية و الحقيقية رغم ف يتها الكبيرة‬
‫و مجازيتها العالية ‪ .‬هكذا تحقق السردية التعبيرية لغة قوية عالية الف ية و عالية‬
‫التأثير ‪.‬‬
‫و في نص كرنفال شمس للدكتور انور غ ي الموسوي‬

‫حارة مستعرة كأزهارها ال ارية ‪ .‬لطالما ح ّدثت ي عن روحها الذائبة‬


‫ُه ا القلوب ّ‬
‫في عشق الظهيرة السمراء و عن الحرية ال ضرة و هي تمشط شعرها ال اري و‬
‫سط هتافات الجماهير الملتهبة ‪.... ..‬أ‬

‫‪368‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ه ا اللغة متموجة بشكل كبير وسط سردية تعبيرية واضحة بحيث ان كل مقطع‬
‫توصيلي واقعي يترك المكان لمقطع مجازي خيالي ُ فه ا القلوب حارة مستعرة‬
‫‪ ..‬ثم ‪ ..‬كازهارها ال ارية ‪ ...‬ثم لطالما حدثت ي عن روحها ‪.‬الذائبة ‪...‬ثم في‬
‫عشق الظهيرة السمراء ‪ ..‬ثم ‪ ...‬وعن الحرية ال ظرة ‪...‬ثم وهي تمشط شعرها‬
‫ال اري ‪ ....‬أ وهكذا يستمر ال ص بلغة متموجة ‪ ،‬تحمل القارئ الى ال ص و‬
‫تدجن الخيال و تلبس المجاز ثوب الحقيقة و الواقعية ‪.‬‬

‫و في نص ُ بيوت في زقاق بعيد أ لكريم عبد اه‬

‫ُ البيوت في المدي ِة البعيدةِ تغفو دائماً أشجارها متجاورة آغصان توحي‬


‫ِ‬
‫القديمة‬ ‫يخ صامتةً كالقر ِ‬
‫اطيس‬ ‫الصباح تمضي بالتوار ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫لبعض أن أسار َير‬ ‫بعضها‬
‫تترك‬
‫صباح ُ‬
‫صوت العصافير تحملهُ ال سمات كل ٍ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الشيخوخة ‪,‬‬ ‫وهي تشكو ِم ْن‬
‫الشمس ا تغيب ‪ ,‬ماذا‬ ‫ِ‬
‫للوسائد أن‬ ‫صغارها تت ّزُ على الش ِ‬
‫اشيل وظلّها يحكي‬
‫َ‬
‫تستفيق على نقيق الضفادع‬ ‫الغبش أزهار وهي‬ ‫غ‬
‫يفعل إذا دغد َ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫بوسعه ال هر أ ْن َ‬
‫!‪.....‬أ‬

‫اللغة الموجية ه ا تبدأ بسردية تداولية توصيلية تأخذ مساحة من الكام ُالبيوت‬
‫ِ‬
‫البعيدة تغفو دائماً أشجارها متجاورة آغصان توحي بعضها ٍ‬
‫لبعض‬ ‫في المدي ِة‬
‫أ مع مجاز قريب في ُ تغفو و توحي أ ‪...‬ثم تتعالى المجازية في تموج تعبيرية‬
‫ِ‬
‫القديمة وهي تشكو‬ ‫يخ صامتةً كالقر ِ‬
‫اطيس‬ ‫الصباح تمضي بالتوار ِ‬
‫ِ‬ ‫‪ ُ...‬أن أسار َير‬
‫ُصوت العصافير تحملهُ ال سمات كل‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الشيخوخة ‪,‬أ ثم تأتي موجة توصيلية‬ ‫ِم ْن‬
‫تترك صغارها تت ّزُ على الش ِ‬
‫اشيل وظلّها‬ ‫صباح أ ‪ ..‬ثم موجة مجازية عالية ُ ُ‬ ‫ٍ‬
‫الشمس ا تغيب أ وهكذا يستمر ال ص في لغته المتموجة‬ ‫ِ‬
‫للوسائد أن‬ ‫يحكي‬
‫َ‬
‫التي تجعل من الخيالية المجازية واقعا يعيشه القارئ دون قفز او اقحام ‪.‬‬

‫‪369‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫و في نص ُ قططأ للشاعر جواد شال‬

‫ُ ثمة قطط سمان اجتاحت الباحة الخلفية للدير المقدس ‪ ،‬أنها تزهو بالمواء‬
‫حد الغ ج …‪ ..‬رغم شعورها بانها ثقيلة على آفئدة ‪ ..‬توسم جباهها بزعفران‬
‫مستورد من وراء ال هر … اكتظت بها … الشبابيك ‪ ..‬آواني ‪..‬وحقول‬
‫‪..‬‬ ‫المستعصي‬ ‫الرمد‬
‫المغ ون … أدركوا أن الصبح … ليس بقريب ‪ ..‬غادروا بباهة إلى مراجل‬
‫الغربة العف ة … المواء … تسلق المسرح ‪ ..‬استحوذ على قيثارة بابل‬
‫‪......‬أ‬

‫فالسردية الواقعية في مقدمة ال ص ُثمة قطط سمان اجتاحت الباحة الخلفية‬


‫للدير ‪ ،‬و الوصف التعبيري القريب ُأنها تزهو بالمواء حد الغ ج أ تمهد لمجاز‬
‫تصاعدي ُرغم شعورها بانها ثقيلة على آفئدة ‪ ..‬أ ثم يدخل ال ص موجة‬
‫المجاز العالي ُ‪ ..‬توسم جباهها بزعفران مستورد من وراء ال هر … أ ‪ ..‬ثم‬
‫بعد ذلك موجة توصيلية ُاكتظت بها … الشبابيك ‪ ..‬آواني أ ثم موجة‬
‫خيال تعبيري ُوحقول الرمد المستعصي ‪ ..‬أ ‪ ..‬وهكذا يستمر ال ص في تموج‬
‫تعبيري بين تعبير خيالي مجازي و تعبير واقعي حقيقي ‪.‬‬

‫ان التعبيرية المتموجة بين الواقعية و الخيالية في ب اء نصوص السرد التعبيرية‬


‫تحقق اللغة التي ت فذ الى ااعماق مع المحافظة على ف يتها العالية ‪ .‬و من‬
‫الواضح ان الفهم و التصور الذي يقدم ال قد التعبيري عن الع اصر التي يشير‬
‫اليها كما في الخيال المجازي ه ا و وقع ته و تحقيق السردية التعبيري‬

‫‪370‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫لتجليات عالية له و التموج التعبيري ‪ ،‬يمثل درجات عالية من الجدية و‬


‫الواقعية في م هج ال قد التعبيري بادواته ااسلوبية التعبيرية ‪ .‬كما ان وضوح‬
‫عدم امكانية بلوغ مثل تلك الدرجات من الظهور و التجلي لحالة وقع ة الخيال‬
‫في الشعر التصويري و السرد القصصي ‪ ،‬لضعف تجلي التموج التعبيري فيها‬
‫يدل با ريب على التجريبية العالية و ااستقرائية البي ة في ال قد التعبيرية ‪ ،‬مما‬
‫يمثل بابا واسعا و حقيقيا نحو ب اء علمي لل قد اادبي ‪.‬‬

‫مصدر ال صوص مجلة تجديد اادبية العدد ااول و الثاني ‪2015‬‬ ‫‪.1‬‬

‫‪371‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫القسم الرابع ‪ :‬البوليفونية‬


‫البوليفونية التعبيرية ‪ ُ ،‬البركة الجريحة أ نوذجا‬

‫ُ البركة الجريحة أ‬

‫د أنور غ ي الموسوي‬
‫‪372‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫المر في كلمات غريبة ‪ ،‬ذلك ال حيل‬


‫ظل انا و مرآة شاحبة ‪ ،‬أنثر ألمه ّ‬
‫ّ‬
‫الذي تدمي الصخور ركبتيه ‪ ،‬لقد اعتاد السير عليهما نحو البركة الجريحة ‪.‬‬
‫مروا من ه اك ‪،‬‬
‫في الطريق تلقا آعمدة الحجرية القديمة ‪ ،‬تح ّدثه عن الذين ّ‬
‫و ايضا عن اارواح التي مأت أعماق البركة بال داء و آغ يات الشجيّة ‪ ،‬و‬
‫تدون‬
‫عن ص دوقها الخشبي ‪ ،‬الذي تخرجه كل مساء و بحبرها ااحمر ّ‬
‫جراحها ‪ ،‬ما فعلته أيدي أب ائها الغالين ‪.‬‬

‫لقد كان ذلك ال حيل كثير اابتسام ‪ ،‬ا يهتّم كثرا لل زيف اليومي من‬
‫يتوسل عطف العالم الواسع و ا كلماته الحماسية ‪.‬‬
‫قلبه و ركبيه ‪ ،‬ا يريد أن ّ‬
‫تطل من تلك التلّة على كذب العيون الباردة ‪ ،‬تقول في‬ ‫ليتك ترا و انت ّ‬
‫نفسك ‪ :‬يا لشعر آشعث ‪ ،‬يا لثيابه الرثة ‪ ،‬ايها القارئ يا أنا ‪ ،‬متى ترى‬
‫جراح ركبتيه و قلبه اليائس ؟‬

‫البوليفونية ُ‪ polyphonic‬أ مصطلح ابتكر باختين في اادب ‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫اساسا لمعالجة ال عمل الروائي استقا من فن الموسيقى ‪ ،‬و اساسها‬


‫التعمق نجد ان للبوليفونية‬
‫تعدد ااصوات المتجلية في ال ص ‪ .‬ع د ّ‬
‫بعدين في ال ص ‪ ،‬بعد رؤيوي و بعد اسلوبي ‪ ،‬البعد الرؤيوي يدعو الى‬
‫تحرير ال ص من رؤية المؤلف و سلطته فتتعدد الرؤى و اافكار و‬
‫اايدولوجيات و تطرح بشكل حر و حيادي ‪ ،‬اما البعد ااسلوبي‬

‫‪373‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫فيتمثل بتعدد اساليب التعبير و الشخوص بل حتى ااج اس اادبية‬


‫في ال ص الواحد ‪.‬‬

‫من الواضح ان الفهم البوليفوني لل ص يماشي عصر العولمة و ما بعد‬


‫الحداثة و الدعوة الى الحريات الواسعة و الديمقراطيات الشعبية ‪ ،‬فيكون‬
‫ال ص انعكاسا لهذا الجو و الفكر السائد ‪ .‬و قد يعتقد ان ااسلوب‬
‫البوليفوني يتعارض مع التعبيرية التي تعكس الفهم العميق للمؤلف لاشياء و‬
‫رؤيته المتميزة تجا العالم ‪ ،‬وهذا ا يت اسب مع الحيادية الرؤيوية و تعددها ‪،‬‬
‫اا انه يمكن فهم الكتابة على مستويين مستوى ب ائي و مستوى قصدي ‪،‬‬
‫فتكون البوليفونية و تعدد ااصوات و الرؤى في مستوى الب اء محققا شكا‬
‫ثاثي اابعاد ‪ ،‬بي ما تكون رؤية المؤلف الخفية التعبيرية في مستوى القصد‬
‫تتجسد بشكل عالم ايحائي و رمزي لكلمات ال ص و ب اءاته و رؤا و اصواته‬
‫المتعددة ‪.‬‬

‫هذا و من الظاهر ان البوليفونية تحتاج الى حد ما الى السرد ‪ ،‬وهذا‬


‫يع ي انه في الشعر يكون من خصائص السردية التعبيرية لقصيدة ما بعد‬
‫الحداثة ‪ ،‬و ا ت اسب كثيرا الشعر التصويري للقصيدة الحرة ‪.‬كما ان تعدد‬
‫ااصوات و الرؤى كما انه يمكن ان يتحقق بتعدد الشخوص و تعابريهم ‪ ،‬فانه‬
‫يمكن ان يتحقق باسلوب تداخل ااصوات ‪ ،‬بان تطرح رؤية الغير على لسان‬
‫المتكلم او ان يعطى نعت ي اسب رؤية ااخر و ليس المتكلم ‪ .‬فمثا في‬
‫قصيد الموت و الحياة الطويلة للدكتور انور غ ي الموسوي مقطع جاء فيه‬

‫ُ ليس لي أا أن أحتضر ‪ .‬و ليس للحضارة الغالية أا أن تسأم كل‬


‫قطرة صفراء في المحيط ‪ .‬للشمس إشراقة تجعل الشجر قصائد ساك ة ا‬

‫‪374‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫تعرف شيئا عن الخلود ‪ .‬هكذا تكذب الحضارة ‪ ،‬تتكاثر في أوردة غادرتها‬


‫ااجراس ‪،‬تتمدد شارعا قديما ‪ ،‬أثلجه قلّة السائرين ‪.‬أ‬

‫بي ما يكثر انور غ ي في تلك القصيدة من وصف الحضارة بالميتة و‬


‫الغاربة نجد يصفها ه ا بالغالية ُ و ليس للحضارة الغالية أا أن تسأم كل‬
‫قطرة صفراء في المحيط ‪.‬أ‬

‫و ا ريب ان الحضارة ليست غالية ع د و انما غالية ع د ااخر ‪ ،‬و‬


‫بهذا تجلى صوت ااخر و رؤيته بكام المتكلم و تعبير وها تداخل صوتي تم‬
‫بشخصية واحدة ‪.‬‬

‫ثم يقول‬

‫ُ للشمس إشراقة تجعل الشجر قصائد ساك ة ا تعرف شيئا عن‬


‫الخلود ‪.‬أ في ال ظر ال وعي الذي تتب ا كل ذات يحب ااشراق و ال ور ‪ ،‬و‬
‫انما هذ نظرة من ا يرغب بال ور و الحرية اي انه صوت ااخر اا انه جاء‬
‫بلسان المؤلف ‪ ،‬و الذي يصرح بعد ذلك ان هذا القول هو قول الحضارة‬
‫الكاذبة و مريديها ُ هكذا تكذب الحضارة أ‬

‫وه ا في نص ُ البركة الجريحة أ ايضا يستخدم التداخل الصوتي في‬


‫عبارة ُما فعلته أيدي أب ائها الغالين ‪ .‬أ اذ ا ريب ان ال ظرة ال وعية و م ها‬
‫نظرة المؤلف الى هؤاء ااب اء الذين يجرحون امهم انهم قساة و خطاؤون ‪،‬‬
‫تحن على‬
‫لك ه عبّر بصفة ُ الغالين أ وهذا يعكس نظرة البركة آم التي ّ‬
‫أوادها رغم قسوتهم و خطأهم ‪ .‬و كذلك في عبارة ُايها القارئ يا أنا ‪ ،‬متى‬

‫‪375‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ترى جراح ركبتيه و قلبه اليائس ؟ أ فان الذات ا ترى نفسها هكذا و انما‬
‫تجل‬
‫هذا صوت ااخر ال وعي الذي يلوم ُ انا أ المتكلم و القارئ ‪ ،‬فيكون ّ‬
‫لرؤية ااخر بلسان المتكلم وهذا تعدد صوتي طرح بشخصية واحدة فيكون‬
‫تداخا صوتيا ‪.‬‬

‫من شعورنا العميق بان ابعاد البوليفونية عن التعبيرية يحقق خسارة ف ية‬
‫فانا نحاول طرح فكرة الجمع بين ضدين بين تعدد الرؤى الظاهري و وحدة‬
‫الرؤية العميقة وهذا التوحيد هو جمع بين متضادين و هو توتري و مفيد‬
‫لقصيدة ال ثر ‪ ،‬ت طلق من ادراك ان البوليفونية خاصية سردية اسلوبية ‪ ،‬بي ما‬
‫التعبيرية فهي فهم و ادراك عميق لادب و الشعر و ااشياء ‪ ،‬لها مظاهر‬
‫اسلوبية م ها السردية التعبيرية و التي م ها البلويفونية التعبيرية ‪.‬‬

‫‪376‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫مامح البوليفونية في نصوص السردية التعبيرية‬

‫رغم ان ميخائيل باختين أكد أن البوليفونية هي من خصائص الرواية و أن‬


‫الشعر عمل فردي ا يقبل تعدد ااصوات و الرؤى ُباختين ‪1981‬أ ‪ ،‬فان‬
‫هذا القول يكون صحيحا الى حد ما في الشعر ُ الصوري أ التصويري المعتمد‬
‫على الصورة الشعرية و المجاز في التعبير و المفتقر الى السرد و الحدثية‬
‫ال صية ‪ ،‬اما في السردية التعبيرية ‪ ،‬المعتمدة على السرد و تعدد ااحداث و‬
‫الشخوص فان من الواضح امكانية تعدد ااصوات و الرؤى فيه ُالموسوي‬
‫‪2015‬أ ‪ .‬اذ ان البوليفونية اادبية و ان كانت قد اخذت تسميتها من‬
‫الموسيقى اا انها استعملت في اادب بشكل استعاري للتعبير عن تعدد‬
‫ااصوات و الرؤى في العمل اادبي كما صرح باختين بذلك ب فسه ُباختين‬
‫‪1986‬أ ‪ .‬مع ان البوليفونية اادبية يمكن فهمها على انها حضور اصوات في‬
‫صوت واحد بحيث يكون صوت المتكلم صدى اصوات اخرى ُ ارثر فرانك‬
‫‪ 2006‬أ ‪ ،‬بل يمكن تلمس ذلك في فكرة الهتيروكلوسيا‬

‫‪377‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ُ‪ heteoglossia‬أ و تأثير البيئة على ال ص ع د باختين نفسه ُ باختين‬


‫‪1981‬أ وهذ الفكرة بالذات يمكن ان تتجلى بأسلوب أدبي يتمثل فيها‬
‫المتكلم رؤى الغير فتتداخل ااصوات و الرؤى بفن أسمي ا ُ تداخل‬
‫ااصواتأُ الموسوي ‪2015‬أ ‪ .‬و ربما تكون نظرة باختين عن الشعر قد‬
‫نتجت عن اعائه و اعطائه امتيازا للرواية على حساب الشعر في فكرته‬
‫البروسياكس ُ‪ prosaics‬أ فانها ادبيا تع ى ما يقابل الشعر من ادب و اعاء‬
‫الرواية عليه ُمرسن و امرسن ‪1990‬أ ‪.‬‬

‫من ه ا يكون واضحا ان لتعدد ااصوات و الرؤى مجال أوسع في السرد‬


‫التعبيري الشعري م ه في السرد القصي للرواية و القصة ‪ ،‬اذ ان ااخير يعتمد‬
‫على الشخوصية القريبة و الحدثية الحكائية ‪ ،‬وهو يتطلب االتزام بالمعايير‬
‫اللغوية ال وعية في الشخوص و ااحداث و ااعتماد على الشخصية المادية و‬
‫المعهودة نوعيا ‪ ،‬بخاف السردية التعبيرية الشعرية فان اانحراف و الخروج‬
‫عن المعايير اللغوية يم ّكن من توسعة الشخصية ال صية لتتعدى الشخصية‬
‫الواقعية و المعهودة الى ما يمكن ان نسميه ُبالشخصية ال صية أ ‪ .‬و اما‬
‫مسالة اارادة المقومة للرؤية في فكرة ُ الانهائية التعرفية أ‬
‫ُ‪ unfinalizability‬أ و الذي يع ي عدم امكانية بلوغ المعرفة الكاملة‬
‫عن دواخل و بواطن ااشخاص ‪ ،‬و انا مهما عرف ا الشخص فان ه اك دوما‬
‫جانب خفي ع ا ُ باختين ‪ 1984‬أ فهو امر واقعي با ريب ‪ ،‬وهو مصطلح‬
‫استخدمه باختين كمرتكز للبوليفونية و تعدد الرؤية في السرد ‪ ،‬و مرتكز‬
‫الحوارية ُ‪ dialog‬أ حيث ا يكون الحديث عن الشخص بل يكون معه ُ‬
‫باختين ‪ 1984‬أ ‪ ،‬اذ مع المعرفة ال هائية بالشخص ا تتحقق ااستقالية‬
‫المقومة للرؤية ُفاديميروفج ‪ 2006‬أ ‪ ،‬و هي تقتضي عدم بلوغ احكام نهائية‬
‫على رؤية الشخص و ا على موقفه و اعتماد الحيادية في الحديث ع ه وان‬

‫‪378‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫كل شيء متوقع الحصول ُ مورسن و امرسن ‪ 1990‬أ كما انها تع ى ع د‬


‫الكانطية الجديدة الصفة الامت اهية لل فس في التقبل و التغيّر ُ هيرمان كوهين‬
‫‪2011‬أ ‪ .‬ان ااقرار بانهائية المعرفة بااشخاص و ال هايات المفتوحة و‬
‫امكانية التغير و عدم بلوغ احكام نهائية على بواطن ااشخاص يمثل فكرا‬
‫عميقا و قاعدة للتسامح في حيات ا اليومية ُ باول سميث ‪2008‬أ‬

‫ه ا س ت اول مامح البلوليفونية في نصوص سردية تعبيرية حيث يكون السرد‬


‫ضد السرد ‪ ،‬حيث السرد يمانع السرد ‪ ،‬حيث السرد ا يكون بقصد القص و‬
‫الحكاية و انما بقصد الرمز و ااحياء ‪ ،‬و ست تاول اشكال مختلفة من السردية‬
‫التعبيري كتبت باسلوبي بولفيوني ‪ ،‬و هذ ااشكال هي ‪-:‬‬

‫قصيدة نثر الكتلة الواحدة أو ما نسميه ُ قصيدة نثر ما بعد الحداثة أ‬ ‫‪.1‬‬

‫و التي تكتب بكتلة واحدة موحدة موضوعيا و تعبيريا و شكليا ‪ ،‬تتميزا‬


‫لها عن الشكل الحر المعهود ‪ .‬وس ت اول ه ا قصيدتان‬

‫ااولى ‪ :‬بيوت في زقاق بعيد للشاعر كريم عبد اه‬

‫الثاني ‪ :‬البركة الجريحة للدكتور أنور غ ي الموسوي‬

‫قصيدة ال ثر الحرة ‪ ،‬و التي تكون مامح القصيدة واضحة بسردية‬ ‫‪.2‬‬

‫تعبيرية اا انها ليست بكتلة واحدة و انما تكتب بشكل حر ‪ .‬و‬


‫س ت اول ه ا قصيدة‬

‫‪379‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫اج ة الج ان للشاعر فراقد السعد‬

‫ال ص الحر العابر لاج اس ‪ ،‬حيث تكتب السردية التعبيرية بشكل حر‬ ‫‪.3‬‬

‫جدا يتموج بين الشعر و القص و الخطابة و نت اول ه ا نص ‪:‬‬

‫بوشكين للقاص و الشاعر فريد قاسم غانم‬

‫مما تقدم يظهر ان تجلي البوليفونية في ال ص يكون باربعة ع اصر‬

‫ااول ‪ :‬تعدد الرؤى و ااصوات‬

‫الثاني ‪ :‬بروز شخوص نصية‬

‫الثالث ‪ :‬بروز حدثية نصية‬

‫الرابع ‪ :‬تعبيرات نصية اسلوبية كاشفة عن الرؤى‬

‫ال ص آول ‪ :‬بيوت في زقاق بعيد للشاعر كريم عبد اه‬

‫في قصيدة ُ بيوت في زقاق بعيد أ ذات الكتلة الواحدة ‪ ،‬تتجلى‬


‫البوليفونية بتعدد الرؤى و ااصوات بشكل واضح تعكسه و تكشفه‬
‫التعابير التالية ‪:‬‬

‫‪380‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الصباح‬
‫ِ‬ ‫لبعض أن أسار َير‬‫ٍ‬ ‫‪ .13‬أشجارها متجاورة آغصان توحي بعضها‬
‫ِ‬
‫الشيخوخة‬ ‫القديمة وهي تشكو ِم ْن‬
‫ِ‬ ‫يخ صامتةً كالقر ِ‬
‫اطيس‬ ‫تمضي بالتوار ِ‬
‫تترك صغارها تت ّزُ على‬ ‫صباح ُ‬
‫ٍ‬ ‫صوت العصافير تحملهُ ال سمات كل‬ ‫‪ُ .14‬‬
‫الش ِ‬
‫اشيل‬
‫الشمس ا تغيب ‪,‬‬ ‫ِ‬
‫للوسائد أن‬ ‫‪ .15‬وظلّها يحكي‬
‫َ‬
‫تستفيق على نقيق الضفادع !‬
‫ُ‬ ‫الغبش أزهار وهي‬
‫ُ‬ ‫غ‬
‫‪ .16‬إذا دغد َ‬
‫ِ‬
‫بساتين آزها ِر ت اغي َ‬
‫أقدام‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫للشمس أ ْن‬ ‫كانت تومىءُ‬
‫المتجاورة ْ‬ ‫البيوت‬
‫ُ‬ ‫‪.17‬‬

‫الفتيات فيشعر َن بآمان ‪ ُ ,‬ماحظة هذ العبارة مكثفة صوتيا جدا‬


‫فيها ثاثة اصوات احدها للبيوت و الثاني البساتين و الثالثة للفتياتأ‬
‫تحمل ِم ْن‬
‫ُ‬ ‫تفضح رغباتهم الطفوليّ ِة بما‬
‫ُ‬ ‫ت حلوى ُ يوح اأ‬ ‫‪ .18‬مذ كانَ ْ‬
‫تمج ُد الرب‬ ‫ٍ‬
‫صلوات ّ‬
‫ِ‬
‫آسيجة‬ ‫ائش مستريحةً على‬ ‫علي أ مختوماً باسرا ِر العر ِ‬‫بُ ّ‬ ‫‪ .19‬كا َن ع ُ‬
‫تقبّ ُل ضجيج ال ِ‬
‫حل‬
‫ِ‬
‫المدرسة ُ‬ ‫ِ‬
‫ساحة‬ ‫أصوات التامي َذ ي شدو َن في‬
‫َ‬ ‫يسمع‬ ‫‪ .21‬وكا َن ُ عثمان أ‬
‫ُ‬
‫وطن واح ٌد أ‬‫ٌ‬
‫ِ‬
‫من وراء الحدود ‪ ُ -:‬ا بد م ْن‬ ‫تجلجل ْ‬
‫ُ‬ ‫يح أصواتاً قادمةً‬
‫لي الر َ‬‫تحمل َ‬
‫ُ‬ ‫‪.21‬‬
‫حكم ٍ‬
‫جديد أ ‪,‬‬ ‫ٍ‬
‫طق ِ‬
‫بالحق عالياً ‪.‬‬ ‫‪ .22‬وحد ُ السيف سي ُ‬
‫خلف‬
‫يخفت بالتدريج ويتاشى َ‬
‫ُ‬ ‫المارِة في الشوارع لماذا بدأ‬
‫ضجيج ّ‬ ‫ُ‬ ‫‪.23‬‬

‫شج الحز َن ‪,‬‬ ‫آبواب الخشبيّ ِة وأنا أسمعها َ‬


‫كيف ت ُ‬
‫ِ‬
‫الحاكم‬ ‫حول‬
‫تلتمع عليها السيوف َ‬
‫تدعك ببعضها تأكلها نار ُ‬‫ُ‬ ‫‪ .24‬آغصا ُن‬
‫بأم ِر اه ‪.‬‬

‫‪381‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ان تعدد ااصوات في هذا ال ص المكثّف يحقق نسجا متفردا من التكثيف‬


‫يقل نظيرها وهي‬
‫اذ ا تجد عبارة اا وهي صوت ‪ ،‬وهذ براعة تكثيفية ّ‬
‫جلي و رفيع للسردية التعبيرية ‪ .‬و من الواضح ان المؤلف‬
‫فعا مظهر ّ‬
‫مختف في كثير من فقرات ال ص بحيث ا تكاد تشعر بوجود وهذا مهم‬
‫للبوليفونية و تجسيد رؤى الشخوص ‪ .‬و الرؤى واضحة جدا و تمظهرت‬
‫بصور شتى حلمية و مستقبلية و ماضوية و واقعية و عقائدية و فكرية و‬
‫بت وع بين ايضا ‪ .‬هذا ال ص ليس فقط يحقق البوليفونية بل يحقق صور‬
‫عالية لها بسردية تعبيرية فذة ‪.‬‬

‫ال ص الثاني ‪ :‬البركة الجريحة للدكتور أنور غ ي الموسوي‬

‫في قصيدة البركة الجريحة للدكتور انور غ ي الموسوي تتجلى البوليفونية‬


‫بشكل سردي مع اسلوب تداخل ااصوات الذي يجيد الشاعر ‪:‬‬

‫المر في كلمات غريبة ُ ماحظة ه ا‬


‫ظل انا و مرآة شاحبة ‪ ،‬أنثر ألمه ّ‬
‫ّ‬ ‫‪.1‬‬

‫تصريح تاأيفي بتمثل رؤى ااخر و تب يها في تداولية واضحة أ‬


‫مروا من‬
‫في الطريق تلقا آعمدة الحجرية القديمة ‪ ،‬تح ّدثه عن الذين ّ‬ ‫‪.2‬‬

‫ه اك‬
‫و ايضا عن اارواح التي مأت أعماق البركة بال داء و آغ يات‬ ‫‪.3‬‬

‫الشجيّة ‪،‬‬
‫تدون جراحها ‪ ،‬ما فعلته أيدي أب ائها الغالين ‪.‬‬
‫و بحبرها ااحمر ّ‬ ‫‪.4‬‬

‫‪382‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫لقد كان ذلك ال حيل كثير اابتسام ‪ ،‬ا يهتّم كثيرا لل زيف اليومي من‬ ‫‪.5‬‬

‫يتوسل عطف العالم الواسع و ا كلماته‬


‫قلبه و ركبيه ‪ ،‬ا يريد أن ّ‬
‫الحماسية ‪.‬‬
‫تقول في نفسك ‪ :‬يا لشعر آشعث ‪ ،‬يا لثيابه الرثة ‪.‬‬ ‫‪.6‬‬

‫ايها القارئ يا أنا ‪ ،‬متى ترى جراح ركبتيه و قلبه اليائس ؟‬ ‫‪.7‬‬

‫البوليفونية بتعدد ااصوات و الرؤى ظاهر ‪ ،‬فان تعدد الرؤى ي عكس ه ا‬


‫بحواريات نصية في عبارات مثل ُ الذين مروا من ه اك ‪ ،‬ااغ يات الشجية‬
‫‪،‬اب ائها الغالين ‪ ،‬عطف العالم و كلماته الحماسية ‪ ،‬ايها القارئ يا انا ‪ ،‬متى‬
‫ترى أ ‪ ،‬كما ان في ال ص شخوصية نصية انزياحية تتمثل بالبركة و ااعمدة‬
‫القديمة و ال خيل أ كلها شخوص لها موقف و رؤية بال ص اا انها شخوص‬
‫اعتبارية ان زياحية و ليست حقيقية معهودة ‪ .‬و في ال ص تجل ظاهر لفن ُ‬
‫تداخل ااصوات أ و تمثل رؤى الغير كما اشير اليها اهمها كلمة اب ائها‬
‫الغاليين أ فانها صفة لاب اء اآثمين وهي ا يمكن ان تصدر اا من أمهم‬
‫الح ونة فالحكم ال وعي الذي يشمل المؤلف يحكم سلبيا عليهم ‪ .‬و كذلك‬
‫في ُ ايها القارئ يا انا متى ترى ‪...‬أ فان اللوم و العتاب للمتكلم ا يكون‬
‫صادرا م ه اا بانعكاس الخارج و الغير عليه كما ا يخفى ‪.‬و بهذا ال ص يبرز‬
‫شكل آخر لحيادية المؤلف ا تكون باخفاء صوته تماما و انما بتمثله و تحدثه‬
‫باسم الغير و بصوته ‪ ،‬فالمؤلف ه ا يتكلم اا انه ا يتكلم واقعا وله صوت اا‬
‫انه ليس له صوت حقيقة ‪.‬‬

‫ال ص الثالث ‪ :‬اج ة الج ان للشاعر فراقد السعد‬

‫‪383‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫في قصيدة أج ة الج ان للشاعرة فراقد السعد تتجلى البوليفونية في أدب قضية‬
‫و بوح بسردية تعبيرية حرة ب ص يبلغ اهدافه الشعرية و اانسانية ‪ ،‬وهذا شيء‬
‫ا يكون متيسرا اا باعتماد الت اص العميق و تمثل صوت الغير حيث تتجلى‬
‫اافكار ال وعية في صوت المؤلف ‪.‬‬

‫يت‬‫كة ز ٍ‬‫أسدل عيوناً شامخةَ الحلم ‪ ..‬بب ر ِ‬‫َ‬ ‫ثقاب مقتدر …‬ ‫عود ٍ‬ ‫هو ُ‬ ‫‪.1‬‬
‫ُْ‬
‫بأسواق ِ‬
‫العبيد …‬ ‫ِ‬ ‫… إيّا ُك ْم وبيع تفاحتي المختارة ‪..‬‬
‫شوبُها نعيق …‬ ‫أصوات يَ ُ‬
‫ٌ‬ ‫َهيهات لع ّف ِة الجدائِ ِل …‬ ‫‪.2‬‬
‫ِ‬
‫المرسومة …‬ ‫اديب الخر ِ‬
‫ائط‬ ‫أيا حوريت ا الموهوبة بسر ِ‬ ‫‪.3‬‬

‫عوالم أقبية مخلدة في الا نوم …‬ ‫ضاحكة …‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫بزقزقات‬ ‫تستهجن‬ ‫‪.4‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫هل ستأكل ال ار ‪..‬ال ار؟ …‬
‫بشرف الحوريات …لَ َك ْم‬‫ِ‬ ‫ت ياالملغومة‬ ‫يهدل نعي اليمام …ياااااا أن ِ‬ ‫ُ‬ ‫‪.5‬‬
‫ِ‬
‫إنسكابك !؟ …‬ ‫جرئ‬
‫يت …‬ ‫الطرف … عي ان غارقتان في الز ِ‬ ‫ِ‬ ‫حب آسماءُ مخجولةَ‬ ‫ت ُ‬ ‫‪.6‬‬

‫عي ان غارقتان في الطُه ِر … تَ َجم َد الّلهب ‪ ..‬جلباب طهر … َج ي يةُ‬


‫سري …‬ ‫تمسك الج ا َن ٍ‬
‫بحبل ّ‬ ‫ُ‬
‫تفترش سجادة‬‫ُ‬ ‫حن مريمي…المائكةُ‬ ‫حشود الج ان … الّلَ ُ‬ ‫ُ‬ ‫تبتَ ِه ُل‬ ‫‪.7‬‬

‫صاة ‪.‬‬

‫ان السردية التعبيرية واضحة وجلية ‪ ،‬و الشخوص ال صية و الحدثية‬


‫ال صية ايضا واضحة ‪ ،‬و كذلك في ال ص حضور واضح اصوات‬
‫متعددة ‪ ،‬مع طغيان و ظهور للبوح و تعابير المشيرة الى فكرة ال ص و‬
‫قضيته اانسانية و الصوت ال وعي الذي تمثله المؤلف ‪.‬‬

‫‪384‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ال ص الرابع ‪ :‬بوشكين للقاص و الشاعر فريد قاسم غانم‬

‫في نص ُ بوشكين أ للتعبير و البوح مستويات عدة ‪ ،‬وهو من تفردات و‬


‫تميزات نصوص فريد قاسم غانم ‪ ،‬اذ ان التكثيف ا يقتصر فقط على المادة‬
‫التعبيرية بل طريقة التعبير ‪،‬تتجلى السردية التعبيرية في كل عبارة ‪ ،‬و في كل‬
‫انتقالة سريالية و حالمة ‪ ،‬ان اسلوب لغة الحلم الواعي الم ظم هو ما يجيد‬
‫فريد قاسم و يسحر به القارئ ‪.‬‬

‫تتجلى البوليفونية في ال ص في تعابير متعددة‬

‫روائح آسفا ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫همر ُ‬ ‫طرِز على طريقة بَ ْد ِو ُ‬
‫الج وب‪ ،‬كانت ت ُ‬ ‫الم ّ‬
‫من ثوبها ُ‬ ‫‪.1‬‬

‫القديمة‪.‬‬
‫وث”‪.‬‬
‫اسمها “ ُر ْ‬
‫قالت إن َ‬ ‫‪.2‬‬

‫لم أصد ْق‪.‬‬ ‫‪.3‬‬

‫ت إلى‬
‫هاجر ْ‬ ‫والحقول‬
‫َ‬ ‫ت‪ ،‬حين انتبهت إلى أن البيار ِ‬
‫ات‬ ‫اك ب َك ْ‬
‫‪.‬ه َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫‪.4‬‬

‫سطح المدي ة‪.‬‬


‫ِ‬
‫باسمها في خز ِ‬
‫انة ج ّدتِها فاكتست بِه‪.‬‬ ‫وقالت إنها تعثّرت ِ‬ ‫‪.5‬‬

‫اسمها “ناديا”**‪ .‬لم أُص ّد ْق‪.‬‬


‫وقالت إن َ‬ ‫‪.6‬‬

‫‪385‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫وجهها في‬
‫ت َ‬ ‫اوية البعيدةِ‪ ،‬حملَ ْ‬‫المصباح في الز ِ‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫حين اشتد ضوءُ‬
‫ثم‪َ ،‬‬ ‫‪.7‬‬
‫المقطوف من ِ‬
‫كروم‬ ‫ِ‬ ‫كؤوس من ال ِ‬
‫بيذ المعتّ ِق‬ ‫ٍ‬ ‫ثاث‬
‫ت َ‬ ‫راحتَ ْيها‪ ،‬وصبّ ْ‬
‫ِ‬
‫شجرة الل ْيمون وواحد ًة‬ ‫ِ‬
‫الواقفة على‬ ‫سليمان؛ واحدةً لي‪ ،‬واحد ًة للمر ِأة‬
‫شائبة‪.‬‬ ‫والر ِ‬
‫موش ال ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الروسيّة ّ‬‫للقط آجعد ذي اللّك ة ّ‬
‫ي م ُذ قرنَ ْين‪.‬‬
‫يعاقر الخمرَة والتّح ّد َ‬
‫كش َفت لي أنّهُ ُ‬ ‫‪.8‬‬

‫مالحا على نوٍر ِم ّز‪.‬‬‫نورا ً‬‫فأضاءت الكؤوس‪ .‬رأي ا ً‬‫َ‬ ‫ت دموعُها‬


‫‪ .9‬سقطَ ْ‬
‫ِ‬
‫حاويات ال ُقمامة‪.‬‬ ‫بين‬ ‫ِ‬
‫ويخرج للعراك َ‬
‫ُ‬ ‫ضا‬‫سيثمل اللّيل َة أي ً‬
‫ُ‬ ‫ت‪:‬‬
‫تمتم ْ‬
‫َ‬
‫‪ .11‬وأخشى أن تكو َن هذ جولتَه آخيرة‪.‬‬
‫يخرج ويموءُ‪“ :‬ناتاليا‪ ،‬ناتاليا”***‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ .11‬ها هو‬
‫بض بي ا‬ ‫لق‪ ،‬زمجر‪ ،‬قفز على م ضدةٍ‬
‫ثم ر َ‬
‫أضيق م ه‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫‪ٓ .12‬ن بوشكين انز َ‬
‫أوديسا‬
‫ّ‬ ‫شاسع على مدي ِة‬
‫وأشعل ظلهُ ال ّ‬
‫َ‬ ‫المصباح‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وبين‬
‫َ‬

‫ان هذا ال ص الثري الحواري ا يحتاج الى الكثر لبيان تعدد ااصوات فيه و‬
‫تعدد الرؤى ‪ ،‬بل ان المؤلف المتقن حقق شرط الحوارية الباختي ية بالتحدث‬
‫مع الشخوص و ليس ع هم ‪ ،‬و كذلك من خال تطور و تعدد مظاهر‬
‫الشخصية المتحدث معها وتعدد اسمائها و رؤاها يحقق فريد قاسم غانم تجليا‬
‫واضحا و نموذجيا لفكرة ُ الانهائية التعرفية ‪ unfinalizability‬أ ‪.‬‬

‫ان هذا المستوى من الحرية و الثراء ل صوص السردية التعبيرية و التي ا‬


‫تتحقق بهذا الشكل باي حال من ااحوال في الشعر التصويري ‪ ،‬يدلل و بقوة‬
‫على ان هذا الشكل اادبي له من السعة و العطاء و الحرية ما يفتح الباب‬
‫واسعا امام اسلوبيات ف ية ابدعية كثيرة و كبيرة م ها مثا ال ص ثاثي اابعاد و‬
‫ال ص الفسيفسائي بالتعابير المتقابلة و لغة المرايا و ال ص السردي التقليلي ‪،‬‬
‫ان ا نرى ذلك بوضوح كما نرى شمس ال هار ‪.‬‬

‫‪386‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫المصادر‬

of Problems ‫أ‬M.M. (1984 ,Bakhtin 

Ed. and trans. Caryl .Dostoevsky’s Poetics


Emerson. Minneapolis: University of
.Press Minnesota
Genres and Speech ‫أ‬M.M. (1986 ,Bakhtin 

Trans. Vern W. .Other Late Essays


McGee. Austin, Tx: University of Texas
.Press
Acompanion Wilde Carolyn ,Smith Paul 

2008- to Art Theory


On - Vladimirovich Nikulin Dmitriĭ 

Philosophy – 2006 - Dialogue


Mikhail Emerson Caryl ,Saul Morson Gary 

Literary - Bakhtin: Creation of a Prosaics


Criticism- 1990

387
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪Dialogical Narrative Analysis Practicing‬‬ ‫‪‬‬

‫‪2006 Arthur W. Frank‬‬


‫مجلة تجديد آدبية العدد ااول و الثاني ؛ ‪2015‬‬ ‫‪‬‬

‫الشعر بين التقليلية و البوليفونية‬

‫في دراسات متعددة معمقة ُ‪3،2،1‬أ بُيّن الفتح الجديد في الشعر‬


‫المكتوب باللغة اانكليزية على يد الشاعرة اامريكية اميل لويل ُ‪–1874‬‬
‫‪ 1925‬أ الحائزة على جائزة بولتزر عام ‪4ُ 1926‬أ باكتشافها ال ص‬
‫البوليفوني في مجموعتها ُقلعة كان كرانديس ُ‪ 2018‬أ ‪ ،‬مما اعتبر تجديدا‬
‫عميقا في الشعر المكتوب باللغة اانكليزية باعتماد العمق الصوتي و اعتماد‬

‫‪388‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫نظام ااوركسترا الصوتية و ال ثر البوليفوني ُ‪3،1‬أ وت ازل الم ولوج الشعري‬


‫عن عرشه‪ ،‬مما حدا البعض بتوجيه ااشكاات الى اطروحة ميخائيل باختين‬
‫بحصر الحوارية و البوليفونية في الرواية ‪ ،‬وفكرته عن احادية الشعر ُ ‪6،5‬أ‬
‫حيث يقول اليزا ست بي و ت تي كابور ان مصطلحات باختين البوليفونية في‬
‫الرواية تتعارض مع فكرته عن الشعر بانه عمل مونولوجي و انه يمثل فاشية‬
‫الشاعر و الواعي الواحد ُ ‪6‬أ و ي قان قول باختين ُ في لغة الشعر ‪ ،‬حي ما‬
‫يبلغ الشاعر اسلوبه ‪ ،‬فانه يصبح فاشستيا و عقائديا و محافظا ‪ ،‬و يسحب‬
‫نفسه من تاثير ما هو خارج اادب من صراع اجتماعي ُ‪7‬أ ‪.‬‬

‫رغم ان اللغة التقليلية راسخة في عملية الكام البشري الساعي نحو‬


‫التكثيف و ااختزال و ااقتصاد حتى ان العرب يفتخرون بالمعاني القصيرة في‬
‫حجمها الكبيرة في مدلولها ‪ ،‬اا انها لم تستقر بشكل مذهب في الشعر اا‬
‫بعد انجازات ستيفن الشعرية ُ ستيفن كرين ‪1900-1871‬أ و الهايكو‬
‫الياباني ُ ‪8‬أ ‪.‬‬

‫و قد يتصور وجود مازمة بين التقليلية و الصوت الواحد ‪ ،‬كما قد يتصور‬


‫ذلك ايضا بخصوص التعبيرية والتي تهتم كثيرا في طرح المادة الف ية معبأ‬
‫بااحاسيس الفردية و الرؤية الخاصة للمؤلف تجا العالم ُ ‪9‬أ كردة فعل على‬
‫اانطباعية و الخشية من ضياع ال فس و الروح اانسانية وسط مادية العالم‬
‫الخارجي بتاكيدها على الذات و القيم ُ‪10‬أ ‪ .‬اا ان هذ التصورات ا واقع‬
‫لها ان التقليلية و البوليفونية ما هي اا وسائل تعبيرية و ادوات نصية ‪ ،‬و في‬
‫مستوى اخر غير مستوى التعبيرية ‪.‬‬

‫و من ه ا ا يظهر اي تضاد بين البوليف وية التي تع ي تعدد ااصوات و‬


‫الرؤى في ال ص و التقليلية و التي تع ي التكثيف و ااختزال ‪ ،‬بل ان التقليلية‬
‫‪389‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫تضاد الطول في ال ص و البوليفونية تضاد الم ولوج في ال ص ‪ ،‬نعم يكون من‬


‫الصعب اداء ال ص البوليفوني بلغة تقليلية ‪ ،‬اا ان لدي ا نص تقليلي لستفين‬
‫كرين مشتمل على اكثر من صوت و رؤية في قصيدة ُ في الصحراء أ ‪:‬‬

‫الصحراء‬ ‫في‬
‫مخلوقا‬ ‫رأيت‬
‫القرفصاء‬ ‫يجلس‬
‫بيديه‬ ‫قلبه‬ ‫ممسكا‬
‫به‬ ‫يأكل‬ ‫وهو‬
‫ُ‬ ‫؟‬ ‫صديقي‬ ‫يا‬ ‫طيب‬ ‫هو‬ ‫هل‬ ‫ُ‬ ‫له‬ ‫قلت‬
‫أ‬ ‫مر‬
‫ّ‬ ‫مر‬
‫ّ‬ ‫انه‬ ‫ُ‬ ‫فاجاب ي‬
‫أحبّه‬ ‫لك ي‬
‫مر‬
‫ّ‬ ‫ٓنّه‬
‫وٓنّه قلبي‬
‫و يتجلى ايضا تعدد ااصوات في قصيدة تقليلية حاكيت فيها قصيدة‬
‫كرين هذ ع وانها اق عة‬

‫ُ أق عة أ‬

‫لقد أخبرت ي ّأمي أن أتسلّق الجبل باكرا‬

‫و حي ما و صلت م تصف الطريق‬

‫وجدت رجا في كوخ و بين يديه سال أق عة بشعة ‪.‬‬

‫‪390‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫قلت له لماذا أنت ه ا ؟ و لمن هذ آق عة ‪.‬‬

‫قال لقد طردني القبح من مدي تكم‬

‫و هذا آق عة ابعث بها الى كل جميل‬

‫ليرتديها فا يطرد م ها مثلي ‪.‬‬

‫و بهذا يتضح و بجاء ان التقليلية و البوليف وية هي مظاهر اسلوبية و‬


‫تق يات تعبيرية ‪ ،‬بمع ى اخر انها تقع في مستوى اخر مغاير لمستوى التعبيرية‬
‫و قصد المؤلف و فكرته العميقة و نقله احساسه و نظرته تجا العالم ‪ ،‬و‬
‫مغاير لمستوى رؤيته لاشياء ‪ ،‬لذلك فان كل م هما انما هو وسيلة تعبيرية و‬
‫مظهر تعبيري ‪ ،‬فيمكن للشاعر التعبيري نقل احساسه بااشياء عن طريق نص‬
‫تقليلي او عن طريق نص بوليفوني متعدد ااصوات ‪.‬‬

‫ه اك امر اكثر جوهرية ‪ ،‬اذ بي ما تكون التقليلية دائما في موضع تعبيري و‬


‫ايحائي و رمزي متميز مما يضمن شعريتها ‪ ،‬فان البوليف وية و بفعل تعدد‬
‫الشخوص و الرؤي ستكون قصا و حكاية ا اكثر ان لم تشتمل على بعد‬
‫تعبيري ‪ ،‬و سيفشل السرد البوليفونيي في تحقيق الشعرية ان لم ي طوي على‬
‫بعد تعبيري يلبسه ثوب الرمزية و اايحاء ‪ .‬من ه ا يظهر و بوضوح ان التعبيرية‬
‫ليست شيئا ممك ا مع البوليفونية فحسب و انما ضرورة لتحقيق السردية‬
‫التعبيرية في قصيدة ال ثر ‪.‬‬

‫المصادر‬

‫‪391‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

Miss Lowell's Discovery: , Fletcher , Gould John .1


No. 1 (Apr., ,Vol. 6 , Poetry , Polyphonic Prose
1915), pp. 32-36

:by Published

poetry foundation , biography 1925–1874 Lowell Amy

H.D. and the Public Sphere of Modernist Taylor Georgina


Talking Women , oxfordpress :Women Writers 1913-1946

Amy Lawrence Lowell was an American . Wikipedia .2


from Brookline, poet of the imagist school
Massachusetts, who posthumously won the Pulitzer
.Prize for Poetry in 1926
and his Bakhtin , Liisa Steinby, Tintti Klapur by .3
, Others: (Inter)subjectivity, Chronotope, Dialogism
Press Anthem
poetic , Poetry Bakhtin on , Eskin and Jerry Michael .4
. todays
Problem of Bakhtinian Terminology and The .5
language of poetic genres, when they The ُ Poetry
often becomes ,approach their stylistic limit
authoritarian, dogmatic and conservative, sealing
itself off from the influence of extraliterary social
Therefore such ideas as a special ‘poetic .dialects
of the gods’, a ‘priestly language’, a ‘language
could flourish on language of poetry’ and so forth
‫أ‬poetic soil.(Bakhtin 1981, 273
Literary minimalism , Wikipedia .6
expressionism , Art movement .7
Expressionism , Art story .8

392
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫القسم الخامس ‪ :‬التجريدية‬

‫ال ص التجريدي الفكرة و ال موذج‬

‫‪393‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫التجريدية في التعبير و اللغة هو استعمال اللغة في نقل ااحساس و الشعور و‬


‫ليس الحكاية ‪ ،‬فتتخلى االفاظ عن وظيفة نقل المع ى الى نقل ااحساس‬
‫المصاحب له كمركز للتعبير ‪ ،‬فيرى القارئ ااحاسيس و المشاعر الم قولة‬
‫اكثر مما يرى المعاني ‪.‬اذن التجريدية في اللغة هي ال زوع نحو الت ّخلي عن‬
‫طريقية االفاظ الى المع ى و امرآتية الوحدات الكامية ‪ ،‬و بلوغ التعبيرية في‬
‫التراكيب الجملية و ال صية حالة نقل ااحساس و المعادل الشعوري للمدلول‬
‫شكل الفكرة ا انها الحاكية ع ها ‪ ،‬لذلك ا يكون للحكاية و‬
‫ُ‬ ‫‪ ،‬فتكون اللغة‬
‫التشخص و الكيانية مركزية فيها ‪ ،‬بل الب اءات التي تبعث في نفس القارئ‬
‫التأثير الشعوري و ااحساسي و الحكاية غير المباشرة ‪ ،‬بمع ى ان التراكيب‬
‫ليست من يحكي و انما القراءة هي التي تحكي و ا تحكي معان و انما‬
‫أحاسيس ‪.‬‬

‫و انطاقا من فكرة ا ّن اابداع اللغوي و خصوصا الشعر ا يتجه بآساس نحو‬


‫الب اء المعرفي و المفاهيم ‪ ،‬و ا ّن محور اابداع هو عالم المع ى و الشعور و‬
‫ااحساس ‪ ،‬فان ا يمكن فهم اللغة التجريدية بانها اتجا عميق نحو صور‬
‫خ الصة و مجردة وكلية لموضوعات اادب و عوالم الجمال و الشعور و‬
‫ااحساس و المع ى ‪ ،‬التي تعصف ب فس الشاعر و تلهمه ‪ ،‬و تختلف هذ‬
‫التعبيرية بشكل واضح عما يتجه نحو الجزئي من تجرية و جماليات و‬
‫موضوعات قريبة ‪ ،‬و ي عكس ذلك بشكل ملحوظ على لغة التعبير ان‬
‫خصوصية الموضوع لها تأثيرها الحاسم في شكل اللغة التي تتحدث ع ه ‪،‬‬
‫فبي ما الجاء و الوضوح و القرب و ااحتفاء و المجاز التعبيري وحتى الرمزية‬
‫الموظفة من سمات اللغة المعبرة عن التصورات الجزئية لموضوعات اابداع و‬

‫‪394‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الجمال الجزئية بلغة تعبيرية جزئية تشخصية ‪ ،‬فان التجسيد الخالص ‪ ،‬و‬
‫التصورات الكلية و الرمزية المبتكرة و التحليق الحر و العمق البعيد من سمات‬
‫اللغة التي تتجسد فيها التصورات الكلية لموضوعات اابداع و الجمال الكلية‬
‫بلغة تعبيرية كلية تجريدية ‪.‬‬

‫ا بد من القول و بشكل حاسم و واضح ان اانطاق بالكتابة من العوالم‬


‫العميقة و الكلية للمع ى و الشعور ا يكفي لتحقيق التجريد ‪ ،‬بل ا بد من ان‬
‫يظهر اثر ذلك في اللغة ايضا ‪ ،‬و ا تكفي الرمزية مع توظيفها و حكايتها و‬
‫وصفيتها ‪ ،‬با ا بد ان تكون في وضع ااشعاع و التوهج المرئي بدل الحكاية‬
‫‪.‬‬

‫بااضافة الى ع اصر اابداع من الف ية و الجمالية و الرسالية التي يجب توفّرها‬
‫في العمل الشعري ال اضج ‪ ،‬ا ب ّد ان تتصف اللغة التجريدية بصفات محددة‬
‫اهمها ان تكون تعبيرا عن عالم عميق للمعاني و ااحاسيس ‪ ،‬بوجوداتها‬ ‫ّ‬
‫الخالصة الحرة ‪ ،‬البعيدة عن التشكل و القصد ‪ ،‬ببوح كلي و كوني و انساني‬
‫عميق ‪ ،‬بمفردات و تراكيب ا ترى فيها اا تجليات و تجسيدات لتلك‬
‫العوالم و ع اصرها من خفوت شديد للقول و الحكاية و التوصيل ‪ ،‬بلغة تشع‬
‫و ا تقول ‪ .‬حي ها نكون امام لغة تجريدية لغة ااشعاع التي تتجاوز مجال‬
‫القول و التش ّخص ‪.‬‬

‫نصوص تجريدية للدكتور أنور غ ي الموسوي‬

‫‪395‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪ -1‬الواحة‬

‫بين يدي الغروب يجلس آقحوان ‪ ،‬كمسافر على بساط الهمس ‪ ،‬يراقص‬
‫ال سيم ‪.‬‬

‫مرآ ًة ورديّةً كان وجه الماء ‪ ،‬بعذوبة غريبة تداعبها أيدي الريح ‪ .‬كالطفولة‬
‫اللذيذة أبهرني لون الشمس ‪.‬‬

‫الرملي ‪ ،‬تخترق صوت‬


‫ّ‬ ‫الرمال تعزف ألحانها المقرمشة ‪ ،‬و خيول البادية بعبقها‬
‫الزمن الحالم ‪ .‬وه اك ‪ ،‬نحو الواحة ‪ ،‬نحو شجرة البلّوط ‪ ،‬صبيةٌ يلعبون ‪ ،‬و‬
‫فراشات ناعسة ‪ ،‬قد بلّل ثيابها المساء ‪.‬‬

‫اللماعة ‪ ،‬و الطيور ‪،‬‬


‫كم قد أسرت ي ترانيم آغصان ‪ ،‬و أوراقها ذات العيون ّ‬
‫أجل الطيور‬

‫تأسر المكان بألوانها الزاهية و سحرها آ ّخاذ ‪.‬‬

‫ظل شجرة ت شد لل سيم ‪.‬‬


‫أحب رائحة الصيف ‪ ،‬و ّ‬
‫آ كم ّ‬

‫‪ -2‬صباحات ب ية‬

‫‪396‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫كل جسد متعب ‪ ،‬في نهاياته‬


‫أّيتها الصباحات الب ية ‪ ،‬تعالي نحوي ‪ ،‬إليك ّ‬
‫شيء من رحيق مختوم ‪.‬‬

‫اليست المغارات وردية و صافية ؟ الم تكن شعبا مرجانية تتهادى نحو الفضاء‬
‫الواسع ؟ ال رجس ‪ ،‬السماوات ‪ ،‬هطول مطر ّبري ‪ ،‬أعوام من آسى القرنفلي ‪.‬‬

‫يا للح ين يا للح ين ‪ ،‬يتراقص كجدول ناعس ‪ ،‬حيث القطط الب فسجية ترتّل‬
‫صلواتها ااخيرة ‪ ،‬الكون حي ها كان يقظاً و ّتواقا ‪ ،‬ليت المجد يتعلّم الرؤية ‪،‬‬
‫سماءٌ ا تكاد تريد شيئا من البوح ‪.‬‬

‫العذابات ‪ ،‬العذابات ‪ ،‬القضبان ‪ ،‬التواريخ ‪ ،‬آصابع الصفراء ‪ ،‬العمى المرير‪.‬‬

‫تعج باللون ‪ ،‬بكل اللون ‪ ،‬بتراتيل الخضرة‬


‫الت هدات الحمراء ‪ ،‬الوردية ‪ّ ،‬‬
‫الزرقاء ‪ّ .‬بوابة الفردوس فضيّة ‪ ،‬و براقة و مشعة ‪ ،‬تت اثر تحت الجسر بطعمها‬
‫الرقراق ‪.‬‬

‫اك ه اك شيء من ورد ‪ ،‬تتعثر بالميا الشقيّة ‪ ،‬آسماك‬


‫إنّها تتأرجح ‪ ،‬و عي َ‬
‫دب الغابة عاشقا ‪.‬‬
‫الورديّة تتقافز ه ا و ه اك ‪ ،‬أجل كان ّ‬

‫انّها تصغي ‪ ،‬تع ّد أصوات الضوء ‪ ،‬تص ع م ها واحة و أغ ية ‪ .‬هي ليست ناعمة‬
‫الظل ‪ ،‬تص ع شمسا و‬
‫و ا كثيرة الخشونة ‪ ،‬كما أنّها با هدير ‪ .‬تقف تحت ّ‬
‫حكاية ‪ ،‬تعيد كوكبا و نبةً و رياحا ‪.‬‬

‫مرحى ‪ ،‬مرحى يا للسعادة ‪.‬‬

‫‪397‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪ -3‬الشرفة‬

‫نحو الشرفة ال اعسة ‪ ،‬نحو عيون الشتاء ‪ ،‬حيث يتساقط الشوق كالمساءات‪،‬‬
‫شا بطعم الذيول ‪.‬‬
‫يتخ ّفى خلف السكون ‪ ،‬خلف صوت الغيم ‪ ،‬يب ي ع ّ‬

‫الظال تلك الظال ‪ ،‬ترنو نحو باحة الصمت ‪،‬ه اك خلف ستارة الوهج البّي‬
‫‪ ،‬حيث أنفاس الصقيع تر ّدد غربة الفجر‪.‬‬

‫من تلك الزاوية ‪ ،‬تتصاعد أرواح الضباب الخضراء ‪ ،‬مبتهجة بال سيم ‪.‬‬

‫جوالة أ‬
‫مظاهر التعبيرية التجريدية في ُ أم يات ّ‬

‫جوالة أ‬
‫ُ أم يات ّ‬

‫‪398‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫المعجون بالعاج‬ ‫بقلبها‬ ‫‪،‬‬ ‫المرير‬ ‫بلونها‬ ‫الستائر‬


‫والزان ‪ ،‬تهدهد صوت بركة اللوتس البراق ‪ ،‬ك ا حي ها نع ّد أس ان المجرة‬
‫ورموش عي يها الحالمتين ‪ ،‬نرسم حولية ذبول الكون الفسيح ‪.‬‬
‫كل شئ ‪ ،‬خيم َة ي بوع الخلود ‪ ،‬مزرع َة الفراشات و رمادها‬
‫أنهيت ّ‬
‫ُ‬ ‫لقد‬
‫الغامض ‪ ،‬حتى الصحون الفضية ‪ ،‬تركة اجدادي القدامى مع ص دوقهم‬
‫كل‬
‫الازوردي ‪ ،‬و نسماتهم المتخثرة في حدقات تحوم فوق غابات آرز ‪ّ .‬‬
‫ذلك بعثت به الى رجال الرمل وعسس السور البّي كي يتدفؤوا به ‪.‬‬
‫تستحم في بركة قزح‬
‫ّ‬ ‫لقد أنهيت كل شيء فعا ‪ ،‬فالحياة صبيّة لطيفة‬
‫تحب أن ت ام باكرا في معبد قديم ‪.‬‬
‫القمر ‪ّ ،‬‬
‫عجبا ما ك ت أتصور ا ّن الرغبة خيط من ريح ‪ ،‬و أن ي سأحتفل يوما‬
‫بدراجتها الهوائية و قبعتها‬
‫تتجول ّ‬
‫بكل هذا الضياع ‪ .‬لقد تقاعدت اانسانية ‪ّ ،‬‬
‫الظل ‪ ،‬لقد رأيتها و قد‬
‫المتجول الباحث عن ّ‬
‫ّ‬ ‫السوداء ‪ ،‬كالتي يبيعها ذلك‬
‫ماتت م ذ زمن بعيد ‪.‬‬
‫آ كم هي مسكي ة المركبات التي تسحبها ثيران الحقول الباردة‬
‫مثل ا ‪ ،‬ا أدري ربما شربت روح الصقيع ‪ ،‬و ربما ورث ا ذلك الشحوب من‬
‫أشجار الص وبر المجيدة ‪ ،‬كرع اها مع اليانسون والسوسن الجبلي ومسحوق‬
‫البرق ‪ .‬ذلك ليس مهما بالمرة ‪ ،‬يكفي ان ا تعاطي ا عبر الس ين ‪.‬‬

‫بلى ‪ ،‬لقد صدقت ‪ ،‬سأجمع حاجياتي ‪ ،‬الريح الشمالية ما عدنا بحاجة‬


‫اليها‪ ،‬وخوابي اليقطين الممتلئة بعصير القصب ‪ ،‬حتى الديك آحمر الحكيم‬
‫الذي لطالما أهداني بوابات المصير ‪ ،‬وعالم مسحور تسك ه حشود الضباب‬
‫وج يّات أشجار الياقوت اليابسة ‪ ،‬وزهرة زرقاء ندية كأنها دمعة الفجر ‪.‬‬

‫‪399‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫اجل البيت أجمل بالورد البري ‪ ،‬لك ا قبائل جوالة لدي ا خيمة من‬
‫جلود الق افذ ‪ ،‬ا نجيد غير زراعة الخيزران واصطياد خيوط الهلل ال ائمة ‪،‬‬
‫نستدل عليها من الشخير‪.‬‬

‫لكن حقول اللوتس بعيدة ؟ بي ا جدول‬ ‫بيت ا أجمل بالزهور ‪ّ ،‬‬


‫الشيخوخة وذاكرة الثرى ‪ .‬أنا ا أظ ها ستأتي قريبا ‪ ،‬ربما علي ا فتح حقيبة‬
‫آيام ‪ ،‬فقد سمعت جدي يقول أ ّن في جيب الزمن آيمن انهارا فضيّة من‬
‫حليب وحكايات مؤجلة عن البجعة ااميرة التي لم يسعفها القدر‪.‬‬
‫إذن سي تهي فصل الرماد ‪ ،‬بعد حياة غارقة في نهر أصفر ‪ ،‬حي ها سأرى‬
‫في حديقتي أرنبا و سلحفاة وردية ‪ .‬حي ها سيكون للصباح شكل أخر ‪ ،‬ليتها‬
‫تأتي أرواح ا المهاجرة ‪ .‬ل لثم الصوت آبيض ٓرتال الثرى ‪ ،‬نلج أسوار‬
‫الضوء ‪ ،‬ونركب أيائل الدخان في برك المساء الازوردية ‪ ،‬ه اك‬
‫حيث قصور الشمس ال ائية ‪.‬‬
‫سعد غام و أنور غ ي الموسوي ‪2015\4\2‬‬

‫جوالة أ ال ص المشترك بين الشاعرين سعد مهدي غام و أنور غ ي‬


‫ُ أم يات ّ‬
‫الموسوي ‪ ،‬ليس جديدا فقط من حيث انه نص مشترك بين شاعرين ‪ ،‬بل ايضا‬
‫في لغته الجديدة ايضا ‪ ،‬و التي تميل الى ان تكون في مجال تعبيري آخر غير‬
‫واع ‪ ،‬اا وهي اللغة التعبيرية التجريدية ‪.‬‬
‫مطروق بشكل متعمد و ٍ‬

‫تميز السخوصية و الكيانية في‬


‫نصاً سرياليّا ‪ ،‬لعدم ّ‬
‫جوالة أ ليس ّ‬
‫ُ أم يات ّ‬
‫متقومة بالتموضع الام طقي للتشخصات و‬ ‫ب اءاته ‪ ،‬حيث أ ّن السريالية ّ‬

‫‪400‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الكيانات ‪ ،‬كما انه ا يحكي عن الامعقول ان الحكاية عن الامعقول ميزة‬


‫جوالة أ فان السردية فيه‬
‫السردية الحكائية ‪ ،‬اما السردية الغرائبية في ُ أم يات ّ‬
‫تعبيرية امرآتية ت قل ااحساس و ا تريد أن تحكي وانما تسعى الى تحميل‬
‫اللغة طاقات اضافية ‪.‬‬

‫و قبل الحديث أكثر عن تجربة ااشتراك في تأليف نص موحد بين شاعرين ‪،‬‬
‫يتح ّقق بذلك ليس فقط خرق لكثير من التق يات و الت ظيرات المتعلّقة بالرؤية‬
‫و الغاية و العاطفة الصادرة من نفس انسانية لتعدد المؤلف ه ا ‪ ،‬بل ا ّن ااهم‬
‫من ذلك هو تجاوز الصعوبات التأليفية و الوصول الى نقاط مشتركة بين لغتي‬
‫الشاعرين و نظرتهما عن اادب ‪ .‬طبعا ا بد من ااشارة ا ّن امتاك الشاعرين‬
‫رؤية نقدية و تفسير و فهم للغة الجميلة ‪ ،‬أ ّدى الى فهم سريع لغايات لغة كل‬
‫م هما ‪ ،‬و ااقتراب من التشكيل اللغوي المطروح ‪ ،‬و بهذا ظهر نص بانسيابية‬
‫و وحدة تأليفية عالية بااضافة الى أنه يحافظ على لمسات كل من الشاعرين و‬
‫تق ياته فهي واضحة فعا لكل من يعرف لغة الشاعرين ‪.‬‬

‫ان جوهر التعبيرية هو استغال التوظيفات الممك ة لع اصر البوح غير الحكائية‬
‫في تعظيم طاقة اللغة و توصيل ااحساس ‪ ،‬و استعمال التق يات الظاهرية و‬
‫العميقة في توسيع حقل الدالة ‪ ،‬و بال سبة لقصيدة ال ثر فان السردية التعبيرية‬
‫ركن مهم في تحقيق ذلك ‪ .‬و من خصائص لغة ُ أم يات جوالة أ هو القدرة‬
‫العالية على نقل القارئ الى عالم ال ص و ان كان متميزا بمستويات عالية و‬
‫عميقة و غرائبية ‪ ،‬و معبأة بداات تعبيرية واضحة ‪ ،‬و هذا ال ظام بكل تلك‬
‫الميزات يحقق لغة تعبيرية ساحرة كما هو ماحظ ‪.‬‬

‫اما التجريدية فهي ال زوع نحو الت ّخلي عن طريقية االفاظ الى المع ى و‬
‫امرآتية الوحدات الكامية ‪ ،‬و بلوغ التعبيرية في التراكيب الجملية و ال صية‬
‫‪401‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الى مجال نقل ااحساس و المعادل الشعوري للمدلول ‪ ،‬و تجسيد الفكرة في‬
‫شكل الفكرة ا انها الحاكية ع ها ‪ ،‬لذلك ا يكون للحكاية‬
‫اللغة فتكون اللغة ُ‬
‫و التشخص و الكيانية مركزية فيها ‪ ،‬بل الب اءات التي تبعث في نفس القارئ‬
‫الفهم الشعوري و ااحساسي و الحكاية غير المباشرة ‪ ،‬بمع ى ان التراكيب‬
‫ليست من يحكي و انما القراءة هي التي تحكي ‪.‬‬

‫‪402‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫القسم السادس ‪ :‬ال ص العابر لاج اس‬

‫ال ص الحرة‬

‫ُُ ُمداراة أ‬

‫حر‬
‫حرة ‪ ،‬نص ّ‬
‫لغة ّ‬

‫د أنور غ ي الموسوي‬

‫القهوة التي جاء بها إنكيدو من عوالم الرمل ‪ ،‬تبيّن مؤخراً أنها شقيقة الربيع ‪.‬‬
‫الخبر لم يثر استغراب الكثيرين ‪ٓ ،‬ن ا تعودنا أمورا كهذ في هذا العالم آعمى‬
‫الذي ما عاد له نكهة‪.‬‬

‫المغردة مراعا ًة لمشاعر القهوة و حبّاً‬


‫لم يعترض أحد حتى الزهور ‪ ،‬و الطيور ّ‬
‫بالربيع ‪ ،‬و مدارا ًة للم ظمات اانسانية و تقاريرها العمياء ‪.‬‬

‫إلي ‪ -‬فانا حي ها ك ت طفا أسطوريا ا‬


‫لقد جاء في التقرير أيضا و كما نقل ّ‬
‫أعرف الكثير عن هذا العالم الرخيص ‪ -‬قالوا حي ما ترفع ركبتيك عن أسفلت‬
‫الذل أعدهما ال ى مكانهما مراعاة لمشاعر ااسفلت ‪ .‬و حي ما تصفعك الريح‬
‫ّ‬
‫المتجبرة ‪ ،‬المس يدها برفق مداراة لمشاعرها و احتراما لمقام السلطان الجاثم‬

‫‪403‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫قصة محزنة عن الحريّة في الزمن‬


‫على صدورنا‪ .‬و قيل أيضا ان في التقرير ّ‬
‫الماضي ‪ ،‬حكمت الجماهير على أصحابها بال في و القتل ‪ .‬مرحى كم هو بارد‬
‫و مأجور تأريخ اانسانية ‪.‬‬

‫تدمر ؟ و الكل صامتون مداراة لمشاعر‬


‫أا ترى آعراض ت تهك و المدن ّ‬
‫الملك و ما خلفه من أصابع طويلة ‪ .‬كم نحن دمى رخيصة ؟ نخرب بيوت ا‬
‫بأيدي ا ‪.‬‬

‫في الحقيقة لقد ملئت جيوب ا بالخيبات ‪ ،‬إنهم لم يتركوا ل ا شيئا ل خسر ‪،‬‬
‫لذلك نحن م اضلون و ثوار ‪.‬‬

‫هامش‬

‫يقسم بشكل نموذجي الى شعر موزون‬


‫بعد ظهور الشعر الحر ‪ ،‬صار الشعر ّ‬
‫وفق البحور الشعرية ُ عمودي أ و شعر حر ا يخضع لها سواء كان محتفظا‬
‫بالوزن فقط كما في شعر التفعيلة او انه لم يحتفظ بالوزن كما في القصيدة‬
‫الحرة التي تكتب بال ثر و تسمى قصيدة نثر و هي ليست كذلك واقعا ‪ ،‬انما‬
‫هو شعر صوري بتق يات الشعر اا انه حر ‪.‬‬

‫يقسم بشكل‬
‫و بعد ظهور قصيدة ال ثر التي تعتمد تق يات ال ثر ‪ ،‬صار الشعر ّ‬
‫عام الى ‪ -1‬شعر موزون ومقفى حسب البحور ُ العمودي أ و ‪ -2‬الشعر‬
‫الحر ُ قصيدة التفعيلة و القصيدة الصورية الحر أ و ‪ -3‬قصيدة ال ثر ‪ ،‬و ابرز‬
‫صورها اان قصيدة ال ثر اامريكية التي تكتب وفق تق يات السرد التعبيرية و‬
‫تق يات ال ثر بالفقرات و الكتلة الواحدة ‪.‬‬

‫‪404‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ان قصيدة ال ثر رغم انها بلغت مديات واسعة من التطور الكتابي و مثلت مرتبة‬
‫عالية من اابداع اادبي ‪ ،‬فانها سرعان ما صارت لها صور و اشكال نمطية‬
‫مميزة وهذا امر جيد و مهم ‪ ،‬اا ان التطور الحاصل في اللغة في العقود‬
‫ااخيرة و ال ظريات اللغوية و التطور الحاصل لدى القارئ استدعى حرية اكبر‬
‫تتجاوز ال مطية و التق ي ية ‪ ،‬و صارت ه اك دعوات جادة و واقعية نحو لغة‬
‫ابداعية حرة ‪ ،‬تقترب من اللغة ال ثرية اليومية ‪ ،‬من دون تزويق او اضافات و‬
‫انما يتحدث المبدع بها باللغة ال ثرية العادية و يمكن ان نسميها نص ال ثر‬
‫العادي او ال ص الحر ‪.‬‬

‫لم يعد الفرق بين الشعر الصوري و الشعر ال ثري في كون ااول موزونا و‬
‫الثاني نثرا ‪ ،‬و انما الفرق الجوهري هو في طبيعة الكتابة ‪ ،‬فالشعر الصوري‬
‫يعتمد الصورة الشعرية كمرتكز سواء كتب موزونا ام نثرا ‪ ،‬و قصيدة ال ثر تعتمد‬
‫تق يات ال ثر و اهمها السرد التعبيري ‪.‬‬

‫ان اللغة الحرة و ال صوص الحرة العابرة لاج اس و التي ستكون و با شك‬
‫الشكل المستقبلي لادب لن تاخذ شرعيتها بسهولة و بفترة قصيرة ٓمور كثيرة‬
‫اهمها تجاوزها ااج اس اادبية و تحطيمها ٓعراف سائدة في اللغة و اادب‬
‫‪ .‬لقد بقي اادب يعاني من سطوة ال اشر فكان يفارق رغبة المؤلف و رغبة‬
‫القارئ اجل ان يعجب ال اشر فاهدر الكثير من الوقت و الجهد لتلبية تلك‬
‫اارادات الاف ية و الاعلمية ‪،‬اما اآن و بفضل ال شر االكتروني و امكانية‬
‫ال شر بشكل حر و تحرر مواقع نشر كثيرة من تلك اافكار ‪ ،‬صار الوقت‬
‫م اسبا لظهور اادب الحر و اللغة الحرة و ال ص الحر العابر لاج اس ‪،‬فا‬
‫يكون امام عين القارئ سوى ما يريد ان يقوله و ا شيء سوى اللغة التي يريد‬
‫استعمالها ‪،‬من دون وصاية ا فكرية و ا موضوعية و ا سلوبية ‪ ،‬با و ا‬

‫‪405‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ادبية فالمهم الكتابة و ا يهم ما ج سها و ما تص يفها ‪ ،‬و الجمهور هو‬


‫الحكم‪ .‬لقد انتهى عصر الوصاية اادبية و بدا عصر اادب الحر و اللغة‬
‫الحرة‪.‬‬

‫لقد اثبتت الكتابات آدبية في العشرين س ة آخيرة انه ا اهمية تذكر‬


‫لتج يس ال صوص ‪ ،‬و صارت الكتابات آدبية تتداخل حتى انها تصل الى حد‬
‫ا يمكن تصي ف ال ص الى ج س ادبي معين و يختلف في تج يسه ‪ ،‬ممل‬
‫مهد لظهور ال ص الحر العابر لاج اس ‪ .‬و السردية التعبيرية بامكانتها الواسعة‬
‫ّ‬
‫يمكن ان تكون البوابة الواسعة نحو ال ص الحر ‪ .‬و ا بد من تأكيد الفرق بين‬
‫ال ص الحر العابر اج اس اادببية و بين القصيدة الحرة ‪ ،‬التي تعتمد نمطيات‬
‫و تق يات الشعر الصوري ‪ .‬نعم ال ص الحر قريب جدا من قصيدة ال ثر ‪ ،‬اا‬
‫انه ليس قصيدة نثر حرة ‪ ،‬بل هو نص ‪ ،‬قد يرا البعض شعرا و البعض قصة و‬
‫البعض خاطرة و ااخر رسالة ‪ ،‬ان ال ص الحر يحرر المؤلف و القارئ و يحرر‬
‫نفسه ‪.‬‬

‫‪406‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ااسلوب المفتوح ع د فريد قاسم غانم‬

‫كتابات فريد قاسم غانم احيانا تحدث ارباكا لدى القارئ في تج يسها ‪ ،‬و‬
‫هذ حقيقة جلية لكل من يقرأ لفريد قاسم ‪ .‬و في واقع اامر ان هذا ناتج من‬

‫‪407‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫حقيقة ان فريد قاسم غانم يكتب نصا عابرا لاج اس بامتياز و بكل عفوية و‬
‫طاقة ‪ ،‬حتى ان المحلل لو استعمل ادق المميزات و الفوارق ااج اسية فانه‬
‫ا يستطيع رفع حيرته التج يسية لبعض نصوص فريد قاسم ‪ .‬وهذا تجل واضح‬
‫و نموذج مثالي لل ص العابر لاج اس ‪.‬‬

‫ال ص العابر لاج اس بهذا الواقع يشتمل على ظاهرة ُتعدد ااسلوب أ في‬
‫الوحدة التعبيرية الواحدة ‪ ،‬وهذا التعدد ليس من ال ظر الى الكاتب با ريب بل‬
‫من ال ظر الى الكتابة و القارئ ‪ .‬و في الحقيقة هذ ال ظرة تتجاوز ااسلوبية‬
‫التي غالبا ما تربط ااسلوب بالكاتب ‪.‬‬

‫ه ا نص ُ مملكة أ لفريد قاسم س حاول تلمس ذلك ااسلوب المتعدد‬


‫ااسلوب و ال ص العابر لاج اس ‪ ،‬ومن الواضح ان هذا ال ص نموذج اكثر‬
‫كتابات فريد قاسم كما يعلم المتابعون له ‪.‬‬

‫مملكة ؛ فريد قاسم غانم ؛ مجلة تجديد‬

‫ُ مملكة أ ‪ ،‬نص في السردية التعبيرية ‪ ،‬السرد الممانع للسرد ‪ ،‬السرد‬


‫المتوهج ‪ .‬كما انه نص تعبيري بامتياز أي ان الرؤية ت طلق من عمق الكاتب‬
‫الى الخارج ‪ ،‬فال ص يرسم عالما ب ظرة الكاتب الخاصة ‪.‬‬

‫ان هذا ال ص يحقق ظاهرة التعدد ااسلوبي و ال ص العابر لاج اس على‬


‫مستويات مختلفة و اهمها على مستوى ال ص و على مستوى الوحدات‬
‫التعبرية المتميزة واهمها الجملة ‪.‬‬

‫و من الجيد ااشارة الى امر وهو ان ال ص المفتوح عادة ما يعرف بانه نص‬
‫متعدد الداات ‪ ،‬و في الحقيقة هذا الفهم هو اداة و الية نقدية اكثر مما‬

‫‪408‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫يكون تشخيصا و تعريفا لظاهرة ادبية ‪ .‬و ا يخفى ان ماحظة تعدد الدالة في‬
‫الوحدة الكتابية قديم قدم البشرية ‪ .‬و من ه ا امكن القول ان فكرة ال ص‬
‫المفتوح و ان كانت معالجة متطورة لل ص اا انها لم تأت بشيء جوهري و لم‬
‫تشخصا شيئا جديدا ‪.‬‬

‫في قبال ما تقدم من تصور ه اك فهم لل ص المفتوح هي كونه عابرا لاج اس‬
‫اادبية ‪.‬و هذا اسلوب من الكتاب الذي تتعدد فيه ااج اس و تتعدد ااساليب‬
‫في ال ص الواحد يمكن ان نصفه ُ بااسلوب المفتوح أ و ال ص الذي يكتب‬
‫كذلك من اانسب ان يسمى ُ ال ص العابر لاج اس أ كما في كلمات‬
‫البعض ‪.‬‬

‫لاسلوب المفتوح مستويان ‪ ،‬ااول على مستوى ال ص و الثاني على مستوى‬


‫الوحدات التعبيرية الصغيرة واهمها الجملة ‪ .‬في ااول يكون الااج اسية طوليا‬
‫اي انه يتجلى بمجموع ال ص بي ما في الثاني عرضيا اي يتجلى في الجملة او‬
‫العبارة الواحدة كما س بي ه ‪.‬‬

‫في نص مملكة ناحظ التعدد ااج اسي و ااسلوب المفتوح على مستوى‬
‫ال ص و الجملة ‪ ،‬اي بالتعدد ااج اسي الطولي و العرضي ‪.‬‬

‫فمن ااول اي على مستوى ال ص ا نحتاج الى كثير كام لبيان ان هذا ال ص‬
‫قد كتب بمزيج اج اسي بين القصة و الشعر و الرسالة ‪ .‬كتب بسرد تعبيري‬
‫متميز ‪ ،‬سرد يفجر طاقات اللغة و يصل بها الى مستويات تعبيرية قل نظيرها ‪.‬‬
‫ففي جزء م ه‬

‫‪409‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫أبواب‬
‫َ‬ ‫يسد علي‬ ‫ف ُ‬ ‫ُهي‪ ،‬في آول وآخي ِر‪ ،‬مملَكتي الصغيرةُ‪\ .‬لها س ْق ٌ‬
‫ام واقفةً كلّما َمر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الش ْم ِ‬
‫س وال جوم واللع ات‪ ،‬وجدرا ٌن ُملونةٌ بأَحامي‪ ،‬ومرآةٌ تَ ُ‬
‫يبتكر التّراتيل ِ‬
‫ويلص ُق‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬
‫َ‬ ‫صغيرا‪ ,‬وحيًا عب ًدا ُ‬ ‫الظام‪ \.‬في غُرفتي‪ ،‬أكو ُن حيًا إلها ً‬
‫ِ‬
‫الوسائد‬ ‫اكن في‬ ‫ِ‬
‫الس َ‬ ‫والعث ّ‬ ‫ور والغُبَ َار َ‬
‫شق البَ ُخ َ‬
‫قوس‪ ،‬ويست ُ‬
‫التمائ َم والط َ‬
‫ِ‬
‫والكتَاب‪.‬أ‬

‫م طقية التخيل وهي من ميزات القص ظاهرة في مطلع ال ص ‪ ،‬ثم فجأت‬


‫يسد‬
‫ف ُ‬‫يتحرر ال ص من الم طقية في كل شيء في الخيال و في اللغة ُلها س ْق ٌ‬
‫ات‪ ،‬أ ه ا كسر للم طقية واضح و ا‬ ‫س وال ِ‬
‫جوم واللع ِ‬ ‫أبواب الش ْم ِ‬ ‫علي‬
‫َ‬
‫مجانية تتحرر من الزمان ال صي مما يحقق مستوى عال من الشعرية ‪.‬و في‬
‫اتيل أ تبلغ‬ ‫ِ‬ ‫عبارة ُفي غُرفتي‪ ،‬أكو ُن حيًا إ ٰلها‬
‫صغيرا‪ ,‬وحيًا عب ًدا يبتك ُر التّر َ‬
‫ً‬
‫الرسالة و التبيين مرحلة متميزة تختلف عن غيرها ‪ .‬وهكذا باقي اجزاء ال ص ‪،‬‬
‫حتى يتكون لدى القارئ تصور و وعي اجمالي بان ما امامه من كتابة عابرة‬
‫لاج اس و ان اسلوبها مفتوح على كل تعبير ‪.‬‬

‫و اما على مستوى الجملة فالتعدد ااج اسي ايضا حاضر ‪ .‬في هذا المقطع‬
‫الهصوِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آسد َ‬‫رفتي الصغيرة‪ ،‬أعتلي ل ْب َد َة َ‬
‫الذي له وحدة موضوعية ُفي غُ َ‬
‫جيدها‪ ،‬أُطلِ ُق‬
‫وضةَ؛ فأُعل ُق اسما هشا على ِ‬ ‫لء ال َك ْو ِن‪ ،‬وأصاد ُق البَ عُ َ‬ ‫وأتثاء ِ‬
‫ًْ َ‬ ‫بم َ‬‫َُ‬
‫أفتح لها‬ ‫بالمبراةِ ‪ ،‬أجلو بكفي صو َ ِ‬ ‫الريح في الج اح ْي ِن‪ ،‬أشح ُذ نابها ِ‬
‫ت ط ي ها‪ُ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ضا من دمي‪ .‬أ من‬ ‫ماء وبع ً‬‫ماء الس ِ‬
‫أقطف من ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الخام َسةَ‪ ،‬وأسقيها ما‬ ‫ِ‬
‫الجهةَ‬
‫ّ‬
‫الواضح ان في هذ العبارة قد اجتمعت تق يات القص و الشعر و الخاطرة ‪.‬‬
‫فا يمكن ان يرى هذا المقطع على انه قص بشكل واضح و ا يمكن ان يقال‬
‫انه شعر بشكل واضح و ا يمكن ان يقال انه خاطرة ‪ ،‬انه مزيج اج اسي مبهر‬
‫و عذب او انه ج س متميز متجاوز لاج اس المعهودة ‪.‬‬

‫‪410‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫و بهذا المزيج ااج اسي نفسه نجد مقطع ُه ا‪ ،‬في غُرفتي الصغيرةِ‪ ،‬أكو ُن كما‬
‫ٍ‬
‫رشيقة‪،‬‬ ‫اات بأُم يَ ٍة‬
‫أكسر َشو َك الج ر ِ‬
‫ُ ْ‬
‫َساطيل‪ِ ،‬‬
‫الحرب على آ ِ‬
‫َ‬ ‫أشاء‪\ .‬أُعلِ ُن‬
‫اق‪ ،‬أ‬‫بول‪ ،‬أزرعُ بقايا قرطاج في بقايا العر ِ‬
‫أنقل القسط طي يةَ إلى إسط َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬

‫ربما التوظيف التعبيري للك ايات و المجاز يم ّكن البعض من رؤية المقطع انه‬
‫قص ‪ ،‬و ربما يم ّكن الكسر الواضح للم طقية و التحليق العالي للخيال و‬
‫التصويري انه شعر والسردية ا تم ع اذ ان ال ص سردية تعبيرية ‪ ،‬و من خال‬
‫الحديث عن ال فس و احامها يمكن ان يرى انه خاطرة اا ان التعبيرية و‬
‫الرمزية واضحة و غايات ال ص التوهجية واضحة ‪.‬‬

‫ان ااسلوب المفتوح من وظيفته ص ع الحيرة التج يسية فهو من جهة يفتح‬
‫الباب للقارئ للسير بخط السرد الم طقي لكن يصدمه بالام طقية ‪ ،‬و من‬
‫جهة يفتح له خط التصوير و التحليق الشعري لكن يصدمه بالسردية و الحكاية‬
‫ومن جهة يفتح له خط الخاطرة و الحديث عن ال فس اا انه يصدمه بالرمزية و‬
‫التوظيف و التوهج ‪ .‬بهذ البيان ااخير يكون واضحا الجواب عن تصور قد‬
‫يطرح ‪ ،‬بان القارئ و كذا الكاتب غير مهتم بج س ال ص و ا باسلوب الكتابة‬
‫‪ ،‬و هذا صحيح فان غاية الكاتب التعبير و غاية القارئ التلقي ‪ ،‬لكن هذ‬
‫الغايات انما يسلك فيها العقل خطا تج يسيا معي ا اجل استفادتها ‪ ،‬بمع ى ان‬
‫الكاتب اذا كتب شعرا فانه يبدع في شيء يظهر له انه شعر و كذا في غير‬
‫الشعر من اج اس و القارئ حي ما يتمتع و ي دهش و بشعر فانه يفعل ذلك في‬
‫كتابة تظهر له انها شعر ‪ ،‬اي ان اابهار و اادهاش و اامتاع كلها تكون‬
‫حسب م طقية اج اسية ‪ .‬اما في ال ص العابر لاج اس ‪ ،‬و ااسلوب المفتوح‬
‫فان القارئ يتحصل على الدهشة و اانبهار و المتعة من خال مستويين من‬
‫التجربة اادبية ‪ ،‬من الام طقية اادبية المختلفة عن الكام الحياتي العادي و‬

‫‪411‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫من الام طقية ااج اسية المختلفة عن الكتابة اادبية المج سة ‪ .‬و طبعا ه اك‬
‫مستوى ثالث من اابهار هو الام طقية الف ية المختلفة عن اابداعات الف ية‬
‫بانها عابرة للف ون وهو ما اسمي ها بالعمل التجلياتي العابر للف ون و التي لدي ا‬
‫تجارب فيها ‪.‬‬

‫فريد قاسم غانم صاحب القلم المدهش ‪ ،‬لم يقبل اا ان يدهش ا و يبهرنا على‬
‫مستويين ااول على مستوى الكتابة اادبية المختلفة عن الكتابة العادية و على‬
‫مستوى اادب الاج اسي المختلف عن اادب ااج اسي ‪ ، ،‬فيعلم ا هذا‬
‫الشاعر اامهر ‪ ،‬ان اابهار الكتابي ا ي حصر بادبية ال ص بل ه اك طريق اخر‬
‫لابهار هو اأج اسية ال ص بااسلوب المفتوح و ال ص العابر لاج اس ‪.‬‬

‫‪412‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫القسم السابع ‪ :‬اللغة التقليلية‬

‫قصيدة الكلمة الواحدة‬

‫قصيدة من كلمة واحدة‬

‫ُُ تجريد أأ‬

‫د أنور غ ي الموسوي‬

‫‪413‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫هامش‬

‫مع كون هكذا قصيدة ُ أي قصيدة الكلمة الواحدة أ من ال ص المفتوح با‬


‫شك فانه يمكن رد قصيدة الكلمة الواحدة الى اللغة التجريدية والتي تعتمد‬
‫على نقل ااحساس والشعور والتجربة اانسانية بآلفاظ بدل ااعتماد على‬
‫الداات والمعاني واافادة الكامية ‪ .‬وعلى كل حال يمكن السؤال ما الفرق‬
‫بين نص متكون من ست كلمات يولد زخما داليا وفكريا وشعوريا معي ا‬
‫وقصيدة متكونة من كلمة واحدة تتجاوز في زخمها الرمزي والفكري والشعوري‬
‫ما كان لذلك ال ص المكون من ست كلمات ‪ ُ.‬أنور الموسوي ‪2015‬أ ‪.‬‬

‫في الويكيبيديا ا ّن آرام سوريان ُ‪ Saroyan Aram‬أ الشاعر و الروائي‬


‫اامريكي المولود س ة ‪ 1943‬قد ارتبط اسمه باعماله التقليلية الكاملة ‪ ،‬و‬
‫عمله الشهير قصيدة الكلمة الواحدة ُ ‪ lighght‬أ في ‪ ، 1965‬و ايضا‬
‫قصيدة الحرف الواحدة بحرف ُ‪ m‬أ المكتوب باربعة ارجل ‪ .‬و التي دخلت‬
‫في مقياس غيتيش كأقصر قصيدة في العالم ُ‪ Wikipedia‬أ ‪.‬‬

‫تقول اين دالي في خريف ‪ ، 1965‬كتب شاعر عمر ‪ 22‬عاما اسمه ارام‬
‫سوريان سبعة حروف لتكون اكثر قصيدة مثيرة للجدل عبر التأريخ ‪.‬ان كلمة‬
‫ُ‪ lighght‬أ بالخطأ امائيا انما هي ع صر مشاهدة و ليس قراءة ‪ ،‬فا‬
‫توجد عملية قراءة ه ا ُ ‪ Ian Daly 200‬أ ‪.‬‬

‫‪414‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫اقول ان فكرة التقليلية الكاملة حتى تصل الحرف الواحدة محققة لغايات‬
‫التقليلية و م تهاها با شك ‪ ،‬اا ان تجميع حروف او حرف من دون ااحالة‬
‫على مع ى او احساس م قول و عدم ااعتماد على الوظيفة اللغوية للفظة فانها‬
‫تخرج عن كونها عما ادبيا ‪ ،‬و تصبح شيئا بصريا لوحة او نحو ذلك ‪ .‬بمع ى‬
‫آخر ان ارام سوريام لم يكتب قصيدة و انما عما بصريا سواء في عمله‬
‫‪ lighght‬أ أ او الحرف أ ‪ m‬أ بااربعة ارجل ‪ .‬و مثل ذلك ما كان من‬
‫تلوين و تغيير اشكال الحروف او وضع الكلمة وسط لوحة او رسم كلها‬
‫لوحات و ليست قصائد انها ليست أدبا فاادب يحيل على مع ى و احساس‬
‫م قول و هذا بخاف تلك ااعمال فانها تبدع و توجد ااحساس و ا ت قله و‬
‫تعتمد على امور بصرية و ليس وظيفة اللغة ‪.‬‬

‫ان العمل اللغوي مهما بلغ من التجريد فانه ب قل الى القارئ ااحساس المرتبط‬
‫باللغة و التراكمات و التجربة اانسانية المرتبطة بالكلمات ‪ .‬بل ا بد من ان‬
‫ت قل الكلمة ااحساس و التجربة اانسانية ‪ ،‬بمع ى آخر ا يمكن ان تكون‬
‫الكلمة قصيدة اا ان تكون ذات مع ى ومعتمدة على الوظيفة اللغوية و ليس‬
‫شيء آخر من العوامل البصرية ‪ .‬و خير مثال على قصيدة الكلمة الواحدة هي‬
‫قصيدة ديفد آر سافت‪ R Slavitt David‬أ أ ُبا ّأمأ ‪.‬‬

‫‪word poem One‬‬

‫‪R Slavitt David‬‬

‫‪Motherless‬‬

‫‪415‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫في تعليق لم شور اكاديمية الشعر ااميريكة ُ ُ ‪of Academy‬‬


‫‪American Poets‬‬

‫على قصيدة ديفيد سافت هذ تبين الزخم الشعوري و الدالي لكلمة ُ با‬
‫ّأمأ ُُ ان فقدان اام امر صعب ومأساوي‪ ،‬وربما ان هذ الكلمة هي اكثر‬
‫الكلمات حزنا وتعاسة لدى الشاعر واراد ان ي قل ااحاسيس بها الى القارئ‬
‫‪ org poetsُ.‬أ ‪ .‬من ه ا يكون ظاهرا اعتبار اعتماد وظيفة اللفظة اللغوي‬
‫في تحقيق ادبية الكلمة و تحقيق نظام القصيدة لكي يصح ان توصف انها‬
‫قصيدة من كلمة واحدة ‪.‬‬

‫ااشراق و التجلي في ال صوص التقليلية‬

‫‪416‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ُأفتش ع ك‪........ \ ....‬خلف عوالم الشمس أ‬

‫شيخ التقليلية رجب الشيخ ‪.‬‬

‫ال ص التقليلي الذي يعتمد ااقتصاد اللغوي و اداء الفكرة بأقصر خط لغوي ‪،‬‬
‫اي اعتماد الخط المستقيم في التعبير ‪ ،‬هذا ال ص القصير تعبيريا ا بد ٓجل‬
‫تحقيقه اادهاش ان يشتمل على حالة التجربة غير العادية ‪ ،‬و نقصد بذلك‬
‫ال فوذ العميق الى مكامن ال فس و الشعور اانساني و اقت اص اللحظة المؤثرة‬
‫التي ا تترك مجاا للقارئ اا الدهشة و اانبهار ‪ .‬ان الشاعر التقليلي ُ‬
‫‪ minimalist‬أ يعبر و يكشف عن تجربة انسانية يدركها الكل لكن ا‬
‫احد يت اولها او يعبر ع ها كما يقول المت بي ُ القائل القول لم يترك و لم يقل أ‬
‫‪ .‬هذا هو ااشراق الشع ري انه الكشف عن الخفي و التجربة العميقة في‬
‫ال فوس ‪ ،‬انه ااطاع على المعارف و التجارب الجمالية اادبية العميقة و‬
‫التي ليس لكل احد ت اولها و بلوغها ‪ .‬انها بلوغ الي ابيع السرية للجمال و‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫التقليلية‬ ‫‪.‬‬ ‫العميق‬ ‫اانساني‬ ‫الشعور‬ ‫على‬ ‫ااطاع‬
‫‪minimalism‬اشراق عميق و ليس تعبيرا أدبيا شاعريا فقط ‪.‬‬

‫ال ص التقليلي ليس شعرا عاديا و ا بوحا شفيفا فقط و ا تجربة ف ية معهودة ‪،‬‬
‫انه تحطيم للحجب و التوجه بسرعة فائقة نحو بلوغ مسافات عميقة في‬

‫‪417‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ال فس ‪ .‬ا بد ٓجل التقليلية من تجاوز حالة الوساطة اللغوية و المرآتية ‪ ،‬و‬
‫تقد يم الفكرة الجوهر مجردة ‪ ،‬و كأن القارئ ا يرى حروفا و ا كلمات و انما‬
‫يرى الفكرة و هي تتجلى ‪ ،‬ان التقليلية تجل عظيم للجمال ‪ .‬ليست التقليلية‬
‫اقتصادا لغويا فقط بجمل خالية من ال عوت و الشرح و التفصيل مكتفية‬
‫بااشارة و التلميح ‪ ،‬بل ايضا لغة عميقة ‪ ،‬انها اقتصاد لغوي و تعبيري يتجه و‬
‫بسرعة فائقة نحو العمق اانساني ‪.‬‬

‫اذن التقليلية هي التجلي ااشراقي ااكبر للفكرة الجميلة العميقة ال افذة في‬
‫ال فس و الشعور ‪.‬‬

‫يقول شيخ التقليلية رجب الشيخ‬

‫ُُحي ما ولدت ي أمي \ شربت ماء ال هر \ فتعلمت سر الحياة \ ورحلة‬


‫الخلود \ وعرفت أني مخلوق \ من طين‪ ...‬الطين سر وجودي أأ‬

‫في نص سردي تعبيري ‪ ،‬معبأ بالشاعرية العالية من استعارات و رموز قريبة‬


‫تحمل القارئ بسرعة الى فكرة ال ص و جوهر دون زيادات او رتوش ‪ ،‬محققا‬
‫التجلي الكامل للفكرة ‪ ،‬مع نفوذ عميق في ال فس و عالم الشعور ‪ ،‬باشراق‬
‫تعبيري اسلوبي و بيان مصرح به في متن ال ص ‪ .‬ان ال ص يحقق غاياته‬
‫التقليلية بالتجلي ااشراقي لجوهر الفكرة مع سردية تعبيرية ‪ .‬فيقدم ل ا رجب‬
‫الشيخ نموذجا للسردية التعبيرية التقليلية وهي تجربة شعرية نادرة ‪ .‬كما هو‬
‫حال تحقيق التقليلية السردية البوليفي ية في نص ُأق عة أ للدكتور انور غ ي‬
‫الموسوي‬

‫‪418‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ُُ أخبرت ي ّأمي أن أتسلّق الجبل \ و حي ما و صلت م تصف الطريق‬


‫لم أنت ه ا ؟ قال‬
‫\وجدت رجا في كوخ و بين يديه أق عة بشعة ‪\ .‬قلت له َ‬
‫كل جميل \‬
‫‪ :‬لقد طردني القبح من مدي تكم \و هذا آق عة ابعث بها الى ّ‬
‫ليرتديها فا يطرد م ها مثلي ‪ .‬أأ‬

‫و بلغة مقتصدة جدا او ما نسميه التقليلية الشديدة تحقق اللغة غاياتها التقليلية‬
‫في نص للشاعر القدير عادل قاسم‬

‫ُالموتى‪ \ ..‬حالمو ْن‪ ...‬أ‬

‫ه ا صورة شعرية و استعارة فذة تحقق شاعرية عالية و بمعادل كمي جمالي ‪،‬‬
‫يبهر و يدهش ‪ ،‬و يحقق غايات ال ص المفتوح ‪ ،‬وهو ما اشرنا اليه في مواضع‬
‫سابقة ان التقليلية الشديدة تتمحور حور ال ص المفتوح و ان كان بكلمة واحدة‬
‫كما في قصيدة الكلمة الواحدة ‪ ،‬مع تحقيق ااشراق و التجلي ‪.‬‬

‫كذلك نجد التجربة في نص لعامر الساعدي‬

‫الليل تتوحل أرجلهُ \ الليل وحد ُ يتحمل الصمت \‬


‫ُ‬ ‫ُُالظلمة داك ة \‬
‫الخريف يبكي \ وااشجار ا تكف عن ِ‬
‫لومه أأ‬

‫الفكرة بجوهرها تتجلى ه ا ‪ ،‬ليس فقط تتجلى بوجه وصورة واحدة بل تتجلى‬
‫بعدة صور ‪ ،‬و هذا التجلي متعدد الصور في ال ص الواحد هو من اساليب لغة‬
‫المرايا ‪ ،‬و الت اص الداخلي و مع ااشراقية العميقة بال فوذ الى التجربة‬
‫اانسانية الخفية و الكشف ع ها للقارئ ‪ ،‬يحقق ال ص تقليلية فسيفسائية ‪،‬‬
‫وهو نموذج نادر بالكتابة ‪.‬‬

‫‪419‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫و نجد المجال الشعوري العميق متجليا في نص تقليلي لرشا السيد احمد‬

‫ُُ لست محمومة هذا المساء \ فقط ‪ ..‬المشكلة أن ذاكرتي يقظة جدا هذ‬
‫الليلة ‪ .‬أأ‬

‫ه ا لغة ترتكز على اابهار العميق و الكشف و ااشراق الفائق السرعة ‪ ،‬ان‬
‫الكلمات تتجه و بقوة نحو مكامن الشعور العميقة بلغة قوية تحقق غايات‬
‫التكامل ال ثروشعري ‪ .‬فالكمال ال ثري بالسردية القوية و ال ثرية الجلية مقرونة‬
‫و مصحوبة بشعرية ت فذ الى ااعماق و تبحر بالقارئ الى الم ابع الجوهرية و‬
‫تحقق التوافق ال ثروشعري ب ص تقليلي ‪.‬‬

‫ونجد الشعرية العالية ايضا في نص تقليلي فذ بقيمة تعبيرية كبيرة لرياض ماشي‬
‫الفتاوي‬

‫ُُ هدير همسك ‪ \ ...‬أثقب مسامعي ‪...‬أأ‬

‫ليس يسيرا تحقيق التقليلية بشعرية متقدمة ايضا ‪ ،‬ف جد هذ ال ص التقليلي‬


‫تجلي ا و اشراقا اشتمل على صورة شعرية فذة ‪ ،‬فقدم ل ا رياض الفتاوي نصا‬
‫تقليليا بث ائية تجلي جوهرة الفكرة ‪ ،‬و الصورة الشعرية العالية ‪ ،‬و لقد تكلم ا‬
‫في موضع سابق ان لكل تعبير ادبي قيمة جمالية كمية وصف ا بالمعادل الكمي‬
‫‪ ،‬يعتمد على مدى ما يحققه ال ص من عطاء و ثراء تعبيري ‪ ،‬ما يحقق علمية و‬
‫موضوعية للثراء ال صي و ا يبقى مسالة وجدانية و ذوقية ‪ ،‬وهذا ال ص يحقق‬
‫قيمة كمية جمالية عالية اضافة الى معادله الشعري الكيفي العالي ايضا ‪.‬‬

‫و نجد التقليلية المصحوبة بالصورة الشعرية في نص هاا الشعار‬

‫‪420‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ُآمطار \ شهيق آرض \ زفيرها آشجار أ‬

‫و من الواضح تأثير ال فس الهايكوي و التغ ي بالطبيعة في شاعرية هاا الشعار‬


‫لتقدم ل ا قطعة شعرية باستعارة فذة تحقق غايات ال ص التقليلي بتجلي الفكرة‬
‫و اشراقها ‪.‬‬

‫و في تقليلية سردية لحسن المهدي يقول فيه‬

‫ُُ م ذ ثاث عقود \ و \ نيف ‪ \ ...‬كلما صعدت الجبل \ ٓلقاك ‪ ..‬ه اك‬
‫اهثا \ ‪..‬اجدك قد وصلت اسفل الوادي \ ‪ \ .......‬الغريب ان ا لم نكن‬
‫نرى بعض ا \ في اجتيازنا \ م تصف المسافة \ مهما تكرر‬
‫اامر‪ .................‬أأ‬

‫ان هذ اللغة القوية المحققة للتوافق ال ثروشعري ت فذ في ال فس و تتجلى‬


‫فكرتها بوضوح مقت صة اللحظة اانسانية و الشعرية الخفية فتكشف ع ها ببوح‬
‫رفيع محققة التجلي و ااشراق التقليلية بسردية تعبيرية ‪.‬‬

‫و في نص يعتمد البوح الصادم تقول جانيت لطوف‬

‫ُُقيدوا قصيدتي ضد مجهول \ تعرت ب ات أفكاري وأصبحت يتيمة أأ‬

‫ال ص يتجه نحو الفكرة بخط تعبيري مستقيم ‪ ،‬بتوظيف استعاري قريب ‪ ،‬ي فذ‬
‫الى اعماق ال فس و الشعور بسرعة كبيرة ‪ ،‬فيحقق ال ص غاياته التقليلية بتجل‬
‫و اشراق للفكرة ‪.‬‬

‫و في نص مشرق يقول محمد عبيد الواسطي‬

‫‪421‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ُُ ما زلت أتبعه‪ \ ..‬ما \ ا \ يأتي أأ‬

‫ان الشاعر ه ا استخدم توظيفات تعبيرية فذة قريبة للكشف و ايصال الفكرة ‪،‬‬
‫و اعتمد ال ص على التجربة العميقة و اانسانية العالية ‪ ،‬فال ص يبلغ مستوى‬
‫عال جدا من ااشراق ‪ ،‬و بلغة مقتصدة يتحقق نص تقليلي عالي المستوى‬
‫فعا ‪.‬‬

‫و يقول محمد يزن في نص تقليلي‬

‫ُُ أتلذذ بال وم واتعذب بالحلم أأ‬

‫انك ا تكاد ترى الكلمات ‪ ،‬و انما ترى الفكرة ‪ ،‬تراها بجوهرها المجرد ‪ ،‬لقد‬
‫نجح ال ص في تحقيق التجلي ‪ ،‬كما ان ال ص يطرق اعماق ال فس بتجربة‬
‫انسانية تمس ااعماق و يصدقها الوجدان ‪ ،‬مع تحقيق حالة كشف و اقت اص‬
‫‪ ،‬و بهذا ي جح ال ص في تحقيق ااشراق ‪ .‬ان في هذا ال ص تجل و اشراق‬
‫للفكرة المجردة بتقليلية ف ية كاملة ‪.‬‬

‫و في نص تقليلي لقيس خضر‬

‫ُُنسيت قلبي \ على طاولة \ بائعة الزهور أأ‬

‫التقليلية واضحة لغة مجردة من دون زوائد و ا تفاصيل خط تعبيري مستقيم‬


‫جدا ‪ ،‬الفكرة تتجلى بجوهرها من دون مقدمات و ا وسائط ‪ .‬ال ص ي فذ الى‬
‫عمق القارئ من دون ت قات رمزية او دالية ‪ ،‬فيتحقق التجلي المجرد للفكرة‬
‫‪ ،‬و ت فذ الى اعماق ال فس و الى المواطن الخفية في الشعور ‪ ،‬و اقت اص‬

‫‪422‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫تجربة انسانية شاعرية بالكشف و ااقت اص فيتحقق ااشراق ‪ .‬ان ال ص يبلغ‬


‫غايات التقليلية بالتجلي و ااشراق لجوهرة الفكرة العميقة المجردة ‪.‬‬

‫و بآسلوب الرمزي و ااستعارية نجد تحسين فالح في نص تقليلي يبلغ‬


‫غايات التقليلية‬

‫ور ِك العالقة‪َ \ ..‬ويُهتَ ُ‬


‫ف بتغريد العصافير‪..‬‬ ‫ص ُ‬‫رفع ُ‬
‫ُُع َد انتفاضة الخيال \ تُ ُ‬
‫\ليُعلَ َن زقزقة العشق‪ ..‬أأ‬

‫ال ص زاخر بصورة شعرية عالية و استعارات فذة ‪ ،‬كما انها قطعة في الميتاشعر‬
‫‪ ،‬قريبة ت فذ و بسرعة من دون توقف الى العمق ‪ ،‬فتتجلى الفكرة و يتحقق‬
‫ااشراق باقت اص هذ اللحظة اانسانية و الشعورية الخفية و العميقة ‪.‬‬

‫‪423‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫القسم الثامن ‪ :‬اللغة التبادلية‬

‫المشترك التعبيري و اللغة التبادلية ع د أنور غ ي الموسوي ‪.‬‬

‫من الميزات الواضحة في نصوص أنور غ ي الموسوي هو ال ظر الى التجربة‬


‫التأثيرية الشعورية الكائ ة خلف التعابير و لحقيقة عملية ااختيار في تكوين‬
‫ال ص التي أثبتتها ااسلوبية و بجدارة مسقطة جميع افكار القهر و ااجبار‬
‫المدعاة في هذا الشأن ‪ ،‬فان امكانية ابراز العامل التعبيري العميق ُ من شعور‬
‫و جمال و فكر أ باكثر من وحدة نصية ُ وحدة كتابية أ يحقق عملية اختيار‬
‫تعبيرية يقصد بها تلك المعرفة او التجربة التأثيرية الشعورية و الجمالية العميقة‬
‫و تكون المفردات و دااتها المع وية ثانوية جدا ‪ .‬و بهذا الفهم فال ص في‬
‫واقعه يتكون من وحدات جمالية و شعورية و فكرية و ليس مقتصرا على امور‬
‫بصرية و شكلية ‪ ،‬اا ان تلك الوحدات الكتابية هي ما ي عكس عليها كل ذلك‬
‫و ما يرى بواسطتها كل ذلك ‪.‬‬

‫‪424‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ان التداولية المعهودة او العامة بين ال اس في الحياة العادية تكون من خال‬


‫الدال نحو المدلول المع وي ‪ ،‬بي ما في التداولية اادبية التأثيرية تكون‬
‫المحورية للمعادل التعبيري الماوراء شكلي أي الماوراء نصي ‪ ،‬و اما الوحدة‬
‫ال صية فان قصدها من قبل الكاتب و المتلقي يكون ثانويا ‪ ،‬لذلك ا يكون‬
‫مخا بالتداولية و التوصي ل استبدال الوحدة التعبيرية ااوضح و ااقرب بما هو‬
‫ابعد و اغرب ‪ ،‬فلكل تجربة انسانية شعورية او جمالية عامل تعبيري قريب‬
‫م طقي مألوف وه اك ايضا معادات و وحدات تعبيرية اخرى يمك ها ايصال‬
‫ذلك الشعور او ذلك التأثير من دون تقييد بالدالة و مجال المع ى وهي‬
‫المعادات التعبيرية البعيدة ‪.‬‬

‫المعادل التعبيري القريب و المعادل البعيد يشتركان بقدرتهما على حمل ذات‬
‫الشعور الى المتلقي ‪ ،‬اا ان المعادل القريب يكون بتداولية مع وية أي م طقية‬
‫تعبيرية مع وية و دالية بي ما المعادل البعيد ا يحافظ على ذلك بل يخل بها‬
‫عمدا و اختيارا اا انه يبقي على التداولية الشعورية و التأثيرية ‪ .‬عملية اختيار‬
‫المعادل البعيد الام طقي و اانزياحي هو اسلوب تبديل اختياري و اسمي ا ُ‬
‫اللغة التبادلية أ و ما بي ا شكل توافقي للغة التبادلية و ه اك شكل اخر هو‬
‫التبادلية العكسية ‪ ،‬أي انه يستبدل المعادل التعبيري القريب بما يعاكسه ‪.‬‬

‫في قصيدة ُ بستان كشميري أبستان كشميري‬

‫يكن ماحظة تعمد كسر الم طقية و وان االفاظ المذكورة ا يراد بها بعدها‬
‫الدالي و انما يراد بعدها التأثيري الشعوري ‪ ،‬فالرمزية ه ا ليست دالية و انما‬
‫ه ا رمزية شعورية و جمالية ‪ .‬فالرمزية الدالية ت تقل من الرمز الى مدلول مع وي‬

‫‪425‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫مهما كان شكله خاصا ام عاما شخصيا ام كليا ‪ ،‬اما ه ا فا نجد تلك الرمزية‬
‫بوضوح بل البارز فعا هو رمزية تأثيرية تعبيرية جمالية ‪.‬‬

‫فعبارة ُايها السعداء أ هذ العبارة مجانية يمكن ان تشمل مجاميع دالية غير‬
‫محدودة ‪ ،‬اا ان الشاعر قد اعقبها ببيان معرفي ميتاشعري ُان الشعر اصابع‬
‫ضوء أ و بهذ القري ة نعلم ان الخطاب موجه الى فئة عارفة او مختصة وذكر‬
‫الشعر يشير الى ان المراد ه ا اما الشعراء او العارفون او ااشراقيون ‪ ،‬اا ان‬
‫العبارة التي بعدها تشكك في هذ اافادة ‪ ،‬اذ ان هذا ليس الشعر و انما‬
‫شيء اخر او على اقل احتمال هو شيء اخر ‪ .‬هذا ااسلوب المركب من‬
‫ثاث تق يات ‪ :‬تأجيل البوح ‪ ،‬و كسر م طق اللغة ‪ ،‬و بساطة الصورة هو ما‬
‫يحقق حالة جمع ااضداد وهي ما اسمي اها ب ظام ُ ال ثروشعر أ ‪.‬‬

‫ان المسألة في ُ بستان كشميري أ ليست مسألة مجاز فقط و ا رمزية فقط و‬
‫انما ه اك بعد اخر ملحوظ في الكتابة هو البعد التعبيري التأثيري ‪ ،‬فالسعداء‬
‫و الشعر و اصابعه و المساء و الفاح و الشمس و ضفيرتاها و الفجر و‬
‫البستان و جدها و ج ائن كشمير و ااساف و المخاطب و المتكلم بل كل‬
‫مفردة من ال ص ا يراد م ها مع اها و ا دالتها القريبة و ا رمزيتها الم طقية‬
‫الدالية المع وية ‪ .‬ان هذا ال ص تحطيم كامل لمجال الدالة و استعمال‬
‫عمدي للمفردات في بعد غير دالي ‪ ،‬و انما هو اقتراب من لغة التجريد و‬
‫ال ظر الى البعد التأثيري الشعوري للمفردات و التراكيب ‪.‬‬

‫انها لغة في حقيقتها تعمل على بعد المفردات و قربه من الشعور و حب‬
‫المفردة و بغضها و ما تع يه من تراكم تجربة و ذاكرة ‪ ،‬انها لغة تعتمد الوعي‬
‫التراكمي لانسان تجا المفردات لذلك فهذا ال ص ا يمكن ان يكون اا‬
‫بوجود القارئ ‪ ،‬انه كتب بطريقة ا تؤدي مع ا اا بوجود انسان يشعر‬
‫‪426‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫بالكلمات و يحس بها ‪ ،‬ليس هذا نص دالي و انما نص شعوري ‪ ،‬وهذا‬


‫الفهم يقترب كثيرا من اللغة التجريدية ‪ ،‬اا ان هذا ال ص تعبيري و ليس‬
‫تجريدي لوضوح الهدف و الغاية و الرسالة رغم الضبابية الدالية في بعض‬
‫عباراته ‪.‬اذن نحتاج اضافة الى القراءة المفتوحة الى قراءة شعورية ‪ ،‬أي ان هذا‬
‫ال ص يعتمد على ب اء شعوري و المفردات ه ا و ان كانت تبدو انها كلمات‬
‫لكن في الواقع هذي وحدات شعورية تأثيرية ‪ ،‬كما لو أنك ت ظر الى احجار‬
‫ملونة فانك حي ما ت ظر اليها ا يكون محور ال ظر انها من أي نوع من الحجر‬
‫و انما محور ال ظر الوانها و بريقها و لمعانها و ما تتركه في دخلك من شعور ‪،‬‬
‫بعبارة ثانية ان ما يتركب م ه ال ص وان كان يبدو وحدا كتابية اا انه في واقعه‬
‫وحدات شعورية ‪ ،‬و ااس اد ه ا شعوري ‪ .‬هذ القراءة المفتوحة و الشعورية‬
‫هي المدخل لقراءة ال ص التجريدي و انها تفيد ه ا في هذا ال ص التعبيري‬
‫الذي فيه لون تجريد في بعض فقراته ‪.‬‬

‫و اان س قرأ ال ص شعوريا أي بالبعد الشعوري للمفردات و التراكيب و‬


‫بالباغة الشعورية و ليس اللفظية ‪ ،‬أي سوف نتجاوز الوجود اللفظي و ن تقل‬
‫الى الوجود الشعوري ‪.‬‬

‫الكتلة ااولى ُأيها السعداء ‪ ،‬إ ّن الشعر أصابع ضوء ‪ ،‬ي زل في المساء كفاح‬
‫قديم ‪ ،‬عي ا من الازورد ‪ .‬أ من الواضح ان الكام ليس للسعداء كما انه‬
‫ليس عن الشعر و انما الخطاب موجه الى وجودات واعية تحتاج الى ت بيه‬
‫بقري ة البيان ‪ ،‬كما ان ذلك الموصوف ليس الشعر قطعا و انما هو وجود‬
‫انساني اكبر ربما هو الوجود نفسه او حياة اانسان او ما هو اكبر او اصغر من‬
‫ذلك ‪ ،‬كما ان الفاح ليس الفاح و انما شيء استث ائي و رفيع ‪ ،‬وكلها تدلل‬
‫ان الحديث عن شيء ثمين وان ه اك تقصير تجاهه ‪ .‬وهذا الصوت فيه نوع‬

‫‪427‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫لوم مما يدل على ان ُ السعداء أ بجانب عدم الفهم المدعى ا يراد بهم‬
‫السعداء بل ربما يراد بهم التعساء ‪ ،‬انهم لم يفهموا اامر كما يجب وهذ‬
‫تبادلية عكسية ‪ .‬فه ا في هذا التركيب اجتمعت التبادلية التوافقية بالجزاء‬
‫المتقدم و التبادلية العكسية في عبارة ُ ايها السعداء أ فان واقعها التهكم و‬
‫الذم و المراد نقيضها ‪.‬‬

‫في العبارة الثانية ُ لقد أخبرني أن للشمس ضفيرتين طويلتين ‪ ،‬تخرج مع‬
‫الفجر إلى بستان جدها العامر ‪ ،‬إنه و إلى حد كبير يشبه ج ائن كشمير‬
‫آ ّخاذة ‪ .‬ه اك الوجو صافية ‪ ،‬تذ ّكرني بآساف ‪ .‬التفاح أبيض براق كاللؤلؤ‬
‫‪ ،‬ليتك رأيته وهو يتدثر بفرش من حرير ‪ ،‬ليتك رأيت أنهارها الرقيقة لقد كانت‬
‫ناعمة كقلوب البصريين ‪ .‬أ اانتقال من وجود معين الى وجود أخر مشعر‬
‫ب قص في الوجود ااخر ‪ ،‬و انه لم يصل الى الوضع الذي كان يفترض فيه و‬
‫كلمة ُ ه اك أ تكشف عن هذا الفارق الوجودي ‪ ،‬فالج ائن الكشميرية الرمزية‬
‫التي فيها تلك اامور الرائعة هي المثال الذي كان يجب ان يكون عليه بستان‬
‫جد الشمس الرمزي ‪ ،‬و من الواضح من خال رموز االفة ُ الفاح ‪ ،‬الشمس‬
‫‪ ،‬جد أ يتضح ان الشاعر يتكلم عن شيء اليف و حبيب ‪ ،‬و نهاية ال ص‬
‫تكشف انه يتحدث عن وط ه ‪.‬‬

‫الوضع الخيالي و الرمزي للبستان الشمسي و الوضع الخيالي و الرمزي‬


‫للج ائن الكمشيرية اوصلت الرسالة الى القارئ ليس بالمعاني و الداات و‬
‫باللغة الوصفية و انما من خال الكتل الشعورية و التأثيرية ‪ ،‬بان الوطن الحافل‬
‫بالمأساة كان يجب ان يكون جميا و رائعا كالمثال الذي بي ه ال ص ‪ .‬في هذا‬
‫البيان نحن لس ا بصدد شرح ال ص او بيان دااته ٓن ا نعتقد ان هذ ليست‬

‫‪428‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫وظيفة ال قد و ا القراءة ‪ ،‬و انما اقتضت ادوات ال قد ه ا التطرق الى عوالم‬


‫الدالة و تشخيص المدلوات ولو تأويليا ٓجل بيان طريقة التعبير ه ا ‪.‬‬

‫حر ا‬
‫العبارة التالية ُ لقد أوصاني أن أترك السواحل آرجوانية ‪ ،‬فالبحر طائر ّ‬
‫يعيش في هذا العالم الذليل ‪ .‬كان يتكلم بهدوء ‪ ،‬و أنا أصغي ‪ ،‬ثم غلب ي‬
‫البكاء ‪ ،‬لقد أخبرني أ ّن العراق شقيق الشمس ‪ ،‬كان خبراً غريباً و مدهشاً ‪ .‬أين‬
‫إذن بساتين أجدادنا الغوالي ؟ و أين ج ائن كشمير العامرة ؟ أ من الواضح ان‬
‫تلك الوصية هي ااقتراح الذي يضعه ال ص اجل الخروج من المأزق ‪ ،‬لكن‬
‫ه ا لغة تبادلية حصلت وهي ان الشاعر انتقل من ااخبار عن الشيء الخارجي‬
‫الى ااخبار عن الذات ‪ ،‬وهذا اسلوب ُ التلبّس أ ‪ ،‬اذ ان من الم اسب ان‬
‫تكون الوصية للخارج التعس و المأساوي الذي يرا الشاعر ‪ ،‬وهذا اسلوب‬
‫دقيق يحتاج الى فهم لغة الشاعر ‪ ،‬لذلك دوما نقول انه ُ ا نص من دون‬
‫كاتب أ فاستبدال الضمائر و تغيير اتجا الوصف هو اسلوب من اللغة‬
‫التبادلية ‪ ،‬وهو تعبير عن نظرة ااتحاد الكوني و ان اي ضرر في اي جزء من‬
‫العالم يع ي ضرر في اي جزء اخر ‪ ،‬لذلك فالسوء الذي يصيب اي انسان هو‬
‫مصيب فعا لكل انسان ‪ .‬فالوصية هي في ترك الم هجية و الفكرة البراجماتية‬
‫القائمة على ااستغال ‪ ،‬فان هذا الوضع المأساوي ُ الذليل أ للعالم عديم‬
‫الشخصية و العدالة و الضمير ا ي اسب الحقيقة الوجودية المفترضة لانسان‬
‫و الوطن ‪.‬‬

‫ثم تأتي العبارة الوجدانية الشارحة ُكان يتكلم بهدوء ‪ ،‬و أنا أصغي ‪ ،‬ثم غلب ي‬
‫البكاء ‪ ،‬لقد أخبرني أ ّن العراق شقيق الشمس ‪ ،‬كان خبراً غريباً و مدهشاً ‪ .‬أين‬
‫إذن بساتين أجدادنا الغوالي ؟ و أين ج ائن كشمير العامرة ؟ أ و التي تختصر‬
‫ال ص و تكشف ع ه مما ا يدع شكا في ان تلك ااوصاف كانت للوطن و‬

‫‪429‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫اهله و للعالم المأساوي واهله التعساء و طرح فكرة الخاص و ما يفترض ان‬
‫يكون عليه العراق و العالم ‪ ،‬و لم تكن تلك الرسالة برمزية دالية و ا بتداولية‬
‫مع وية و انما كانت برمزية شعورية و بتداولية تأثيرية و بااستعانة باللغة التبادلية‬
‫و ال ظر الى المشتركات التأثيرية بين المفردات و المعاني ‪.‬‬

‫‪430‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫القسم التاسع اللغة الهامسة‬

‫اللغة الهامسة ع د عادل قاسم‬

‫ِ‬
‫ألصاخب ْه \‬ ‫ضجر \ لِجَتَ ِ‬
‫ك‬ ‫َجيئك \ ها ِرباً \ ِم َن‬
‫ُسأ ِ‬
‫َ‬ ‫الضجيج ‪ \ ..‬وال َ َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫بالسكي ْه أ‬
‫َ‬

‫عادل قاسم‬

‫لطالما أبهرنا جمال الشعر ‪ ،‬اا انّه و م ذ ظهور قصيدة ال ثر صار للشعر‬
‫مفهوم اخر ‪ ،‬وصارت اللغة تبرز بقوة اكبر و تتمظهر بأشكال أوضح ‪ ،‬و‬
‫صارت محور الجمال ‪ ،‬و مركز اابداع ‪.‬‬

‫لقد اغدقت علي ا قصيدة ال ثر عوالم رائعة من اللغة الجميلة ‪ ،‬و ما عاد‬
‫تذوق ف ّذ كي ترى كل ذلك السحر في‬
‫اامر محتاجا اا الى تركيز و تأمل و ّ‬
‫لغة الشعر ال ثري ‪.‬‬

‫لقد ت اول ا و بواقعية أشكاا جميلة من لغة الشعر ال ثري ‪ ،‬و كان لبعضها‬
‫حقيقية ا يمكن تجاوزها ‪ ،‬و من خال تتبعي للغة التي يكتبها الشاعر العراقي‬
‫احس انه يهمس في بوحه و كلماته ‪ ،‬و يتخذ‬
‫الف ّذ عادل قاسم ‪ ،‬دوما ك ت ّ‬
‫هذا الهمس اشكاا و صور متعددة يكون من الجميل تتبع تلك الصور و‬
‫ااشكال لثراء هذا اللون الجميل و اللغة المتفردة ‪.‬‬

‫‪431‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫تتمظهر اللغة الهامسة في شعر عادل قاسم بمظاهر مختلفة و كثيرة ‪،‬‬
‫م ها ما يعتمد على االفاظ و م ها ما يعتمد على المعانى و م ها ما يعتمد على‬
‫الصور ‪ .‬تتجلى اللغة الهامسة في صور ا تميل الى الح ّدة ‪ ،‬و كثير من‬
‫جوانبها مؤجلة ‪ ،‬و يكون البوح واصا الى المتلقي من خال ارتدادات و‬
‫كل متابع لشعر‬
‫هزات بعيدة عن التلقين ‪ ،‬بالفاظ همسيّة و معاني رقيقة ‪ ،‬و ّ‬
‫عادل قاسم يجد ذلك شاخصا في كتاباته ‪ .‬ونجد ذلك جليا في مقطع بوح‬
‫رقيق يقول فيه ‪:‬‬

‫َسأَ ْكتَ ْفي‪..‬‬ ‫ُ‬


‫بِالتَب ِ‬
‫ص ِر‬ ‫َ‬
‫ْف‪..‬‬
‫ماخل َ‬
‫َ‬ ‫ُك َل‬ ‫ٓ َن‬
‫البالي ْه‬ ‫الستارةِ‬
‫ِ‬ ‫ْك‬ ‫تِل َ‬
‫الرتِ ْيبة‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫البياض‬ ‫ِ‬
‫ناص ُع‬ ‫ثلج‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫فاح ْم‬ ‫َسوا ٌد‬ ‫أوربَما‬
‫ُ‬
‫شيء‬
‫ا َ‬
‫ت‬‫ثابِ َ‬
‫هار‬
‫ي ُ‬ ‫شيء‬ ‫كل‬
‫ُ‬
‫ديد‪..‬‬
‫َج ْ‬ ‫من‬ ‫بجس‬
‫َويَ ْ ُ‬
‫وج ٍه َ‬
‫آخ َر أ‬ ‫بِ ْ‬

‫ان هذا المقطع عال الشعرية احتوى على مجموعة من الع اصر ااسلوبية‬
‫للغة الهامسة اا ان ابرزها هو الهمس التصويري ‪ ،‬ف جد اافعال ُ ساكتفي ‪،‬‬

‫‪432‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫التبصر أ و ااحوال التي‬


‫و ي هار و ي بجس أ و ااعمال التي يفعلها المتكلم ُ ّ‬
‫تظهر بها اشياء الصورة ُ الستارة البالية الرتيبة ‪ ،‬ثلج ناصع او ربما سواد ‪ ،‬و‬
‫كل شيء ي هار و ي بجس من جديد أ ان هذ التشكيلة التصويرية ‪ ،‬تق ّدم بوحا‬
‫رقيقا و هامسا و تُ ِ‬
‫وصل الفكرة و المراد الى المتل ّقي ليس عبر الصوت العالي‬
‫و التلقين ‪ ،‬و انّما بهمس و بهدوء بوحي و فكري و تصويري ‪.‬‬

‫و في صورة اخرى ‪ ،‬يكون فيها المسار للشيء الشفاف و الرقيق ‪ ،‬و‬


‫الذي يبرهن على وجود و حاله بالفعل و الوجود و ليس بالقول و الكلمات‬
‫حيث يقول ‪:‬‬

‫س ِ‬
‫أجيئك‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ختصراٍ‪..‬‬
‫م ِ‬
‫ُ‬
‫المج ِ‬
‫رآت‪،‬‬ ‫ِ‬
‫المسافات‪،‬‬ ‫ُكل‬
‫ََ‬
‫جوم‪...،‬‬
‫ال ُ َ‬ ‫الس ُد َم‪،‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ألكون‬ ‫هذا‬ ‫في‬ ‫ألسابح ْه‬
‫ِ‬
‫للضوء‬ ‫إُبَ ْرِه َن‬
‫ِ‬
‫إليك‬ ‫وقي‬
‫َش َ‬ ‫إ َن‬
‫يم ِة‬ ‫ِ‬
‫بهز َ‬ ‫فيل‬
‫َك ٌ‬
‫ياء أ‬
‫ُكل قَوانين الفيز ْ‬

‫ان هذا الشكل من المجيء و هذا الشكل من الوجود ‪ ،‬الذي يجتاز‬


‫المجرات و السدوم و ال جوم ‪ ،‬ا يمكن اا ان يكون اثيريا و رقيقا مكونا‬
‫بذلك بوحا هامسا يوصل الفكرة و المراد الى المتلقي عبر هذا التصوير الرقيق‬
‫‪.‬‬

‫‪433‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫و في لوحة رائعة و شاعرية و ببوح عال المستوى ‪ ،‬اا انه يعكس الروح‬
‫الهامسة للشاعر ‪ ،‬و الميل الفريد للسكون و الهدوء ‪ ،‬البالغ حد الهروب من‬
‫الضجيج و الضجر حيث يقول ‪:‬‬

‫سأ ِ‬
‫َجيئك‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ها ِرباً‬
‫‪..‬‬ ‫الضجيج‬
‫ِ‬ ‫ِم َن‬
‫ض َجر‬
‫وال َ‬
‫ِ‬
‫ألصاخب ْه‬ ‫ك‬‫لِجَتَ ِ‬
‫َ‬
‫بالسكي ْه أ‬
‫َ‬

‫احظ كيف امتأت هذ اللوحة بحروف هامسة ‪ ،‬و كيف بلغ التعبير‬
‫فيها مدا بالهروب من عالم الضجيج نحو عالم السكي ة ‪.‬‬

‫و في لوحة هائمة من اانتظار ‪ ،‬التي رغم تصاعد صوت البوح فيها ‪ ،‬اا‬
‫ان اشياء الصورة ا تبرز اا ككيانات مكانية في لوحة مع وية مرتبة ‪ ،‬و رغم‬
‫قل نظير ‪ ،‬يقول‬
‫عمق آلم و البوح اا انّه بوح رقيق ‪ ،‬و بتعبير هامس أ ّخاذ ّ‬
‫عادل قاسم ‪:‬‬

‫إنتظرتُك‬ ‫ُ‬
‫جاف‬
‫الع ْ‬‫ِ‬ ‫والليالي‬ ‫أنا‬
‫تَط َْر ُق‪...‬‬ ‫روب‬
‫والح ُ‬
‫َ‬
‫بابي‪..‬‬
‫فاف‬
‫الج ْ‬
‫َو َ‬ ‫وت‬
‫والم ُ‬
‫َ‬
‫إنْتَظَرتُ ِ‬
‫ك‬ ‫ْ‬

‫‪434‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ال َقتيل ْه‬ ‫الباد‬


‫َو ُ‬ ‫أنا‬
‫‪....‬‬
‫َمر ٍ‬ ‫ألف‬
‫َ‬ ‫َموت‬
‫أ ُ‬
‫لَيل ْه‬ ‫ُكل‬
‫البا ْد‬ ‫ٓ ِ‬
‫نك‬
‫حبيبتي‪..‬‬ ‫ك‬‫ٓنَ ِ‬
‫‪................‬بَغْدا ْد أ‬

‫ان هذا المقطع الذي استطاع الشاعر فيه ان يجمع بين المشاعر و‬
‫العواطف المتأججة و بين بيان الواقع المؤلم و الميرير من جهة و من جهة‬
‫اخرى ان يأتي كل ذلك بلوحة رقيقة ت اغم الروح الهامسة و الشفافة للشاعر ‪.‬‬

‫و في مقطع بوحي رقيق نجد الشاعر يعبر ايضا عن طلبه للسكي ة في‬
‫عالم فقدها بالكلية حيث يقول ‪:‬‬

‫الصباح‪...‬‬
‫ْ‬ ‫هذا‬ ‫ُ‬
‫أْبْ ِرد‪..‬‬ ‫آليت‬
‫ُ‬
‫‪..‬‬ ‫حر‬
‫ماولى‪..‬‬
‫ياح‬
‫الر ْ‬ ‫َذرتهُ‬
‫َوأ َ‬
‫رت‬
‫فم َر ُ‬
‫َ‬
‫السكي ْه‬
‫َ‬ ‫َستَ ْجدي‬
‫أْ‬
‫ِ‬
‫أج ْد‬ ‫فَ لَ ْم‬
‫ص‬ ‫ال َ ِ‬
‫شواخ َ‬ ‫غَ َير‬
‫باح أ‬
‫الم ْستَ ْ‬
‫هار ُ‬
‫َوالَ َ‬

‫‪435‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫و ناحظ ايضا اسخدام افعال مهمة في صياغة الصورة الهامسة ُ ابرد و‬


‫اذرته ‪ ،‬استجدي ‪ ،‬مررت أ كلها افعال تعمل على نقل المعاني و التصويرات‬
‫الى عالم من الرقة و الهدوء ‪.‬‬

‫و يتجلى ايضا البوح الهمسي للفقدان و الخسارات في مقطع رقيق يقول‬


‫فيه عادل قاسم‬

‫أ ِ‬
‫ُحد ُق‬ ‫ُ‬
‫الوجو ِ‬ ‫في‬
‫لَ َعل‬
‫َو ْجه ْي‬
‫أرا ُ‬
‫ُم َعلَ َقاً‬
‫بَي ِن الوجو ِ أ‬

‫و في مقطع يعبر فيه الشاعر عن همسه بصراحة ‪ ،‬و انه يهمس بوجعه و‬
‫شكوا ‪ ،‬فيجد يد الحبيبة مأوى يستعير يد ّأمه حيث يقول ‪:‬‬

‫ُكلما‪...‬‬ ‫ُ‬
‫شاكيا‪..‬‬ ‫أهمس‬
‫ُ‬
‫عي‪..‬‬
‫َو َج ْ‬
‫تعيرين‪..‬‬
‫تَ ْس َ‬
‫أُمي‬ ‫يَ َد‬
‫دين‪..‬‬ ‫ِ‬
‫َوتُ َمس َ‬
‫‪.‬‬ ‫على‪.‬‬

‫‪436‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ت‪..‬‬
‫ُخصا َ‬ ‫من‬ ‫ماتَبقى‬
‫َش ْعري‪..‬‬
‫أزداد‪...‬يَقي اً‪..‬‬
‫ُ‬
‫أُمي‪..‬‬ ‫إن‬
‫لَ ْم‪..‬‬
‫تَ ُمت بَع ْد أ‬

‫من الواضح ان للغة عادل قاسم فرادة ‪ ،‬بألفاظ و ٍ‬


‫معان و تراكيب‬
‫واضحة الخصوصية ‪ ،‬خلقت لها عالما خاصا ‪ ،‬و فضاء مميزا يقوم على‬
‫الهمس و البوح الرقيق ‪.‬‬

‫القسم العاشر ‪:‬البوح التعبيري‬

‫‪437‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ُُ مظاهر البوح التعبيري ااقصى في مجموعة ُ أسطورة عشق أ الشعرية للشاعرة فراقد السعدأأ‬

‫ان البوح التعبيري الطاغي على نصوص مجموعة ُ أسطورة عشقأ المجموعة‬
‫الشعرية للشاعرة العراقية فراقد السعد ‪ ،‬يتخذ اشكاا مختلفة ‪،‬‬
‫أهمها التوظيفات اللغوية و اانزياحات التعبيرية ‪ ،‬التي استطاعت ‪ -‬اضافة‬
‫الى الوصف و الحكاية – ان ت قل الى القارئ م ظومة ااحاسيس و المشاعر‬
‫و بدرجاته و مستوياته المشاعرية العالية وهو الموافق لع وان المجموعة فكانت‬
‫لوحات للعشق ااسطوري ‪.‬‬

‫في قصيدة ُ عقد واء أ تقول وفاء السعد‪:‬‬

‫ُ عمدني بصولجان وائه‬

‫انتفضت وريقات ملكوت الجسد‬

‫فاقشعرت راعشة قهوت ا‬

‫اسدلت عيون فاغر الغ ج‬

‫بشوق معتق اسكر ناهم الثواني أ‬

‫‪438‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ان التعبيرية جلية جدا في هذا المقطع ‪ ،‬اذ ان الوصف و السرد ه ا كان يمكن‬
‫ان يؤدى بالفاظ و تعابير شعرية ا تكون بهذ الدرجة من العمق و المدى ‪،‬‬
‫ان استعمال الفاظ معي ة ه ا اعطى اللغة طاقة تعبيرية اكبر ‪ ،‬وجعلها اقدر على‬
‫ايصال ااحاسيس و المشاعر و لحظة التجربة الى القارئ ‪ .‬ان العبارات غارقة‬
‫كليا في فضاء التجربة ُ فبين التعميد الغارقة المتماهي في صولجان ااقتدار و‬
‫ااحاطة ‪ ،‬في فضاء الوفاء و العقد الوائي ‪ ،‬كان سببا في انتفاض عميق كما‬
‫هو حال وريقات ‪ ،‬تلك الوريقات كانت لشعور يجتاح كل الجسد بعمق ‪ ،‬ما‬
‫يأخذ بملكوته الواسع من كل اطرفا ‪ ،‬فكانت القشعريرة الراعشة ‪ ،‬لما استعبر‬
‫من ألفة في القهوة ‪ ،‬بحالة من الشوق ضاربة في العمق كما المعتقات التي‬
‫تسكر من هو متفاني في نهم الوقت العزيز و الحبيب ‪.‬‬

‫ان هذ اابعاد الشعورية و اانسانية المحضرة بال ص ‪ ،‬انما كانت اساسا نتيجة‬
‫اللغة التعبيرية و التوظيفات الشعرية الفاظ لها داات ضاربة في العمق ‪،‬‬
‫وهجت اللغة و اعطتها طاقة تعبيرية مضاعفة ‪.‬‬
‫ّ‬

‫و نجد هذ اللغة التي تج ح الى العمق العميق في ال ص الثاني من المجموعة‬


‫ُ تراتيل حب أ حيث تقول الشاعرة‪:‬‬

‫ُ اتكئ على رك ي المسكون بالوحي‬

‫تسدل سطورك ج ح الليل‬

‫يصافح اوداجي ضحى ال عاس‬

‫مخمورة بهمهمات الحروف‬

‫‪439‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫في اشتهاء المزيد أ‬

‫من ترتيل الع وان ‪ ،‬التي تحضر القارئ الى عالم خاص بل شديد الخصوصية‬
‫من ااخاص و التجرد ‪ ،‬الى ااتكاء على ركن ‪ ،‬في عمق الثقة و ااطمئ ان‬
‫‪ ،‬الذي يسك ه الوحي العالي المتعالي ‪ ،‬فيتحقق مزاج و جو لل ص غارق في‬
‫الخصوصية و السمو و ااخاص ‪ ،‬كما الصوفية العاشقة ‪ ،‬التي تصافح اوداج‬
‫الحياة و البقاء ‪ ،‬المخمور بكاس العشق ‪ ،‬الذي ا يمل بل هو ذائب في‬
‫اشتهاء المزيد ‪ ،‬انه مستوى عال من العشق و الذوبان ‪ ،‬ا يكون اا لقلب‬
‫الصوفي و الوجود اانساني الراقي ‪.‬‬

‫هذا المستوى من الذوبان و الخلوص نجد مبثوثا في نصوص الديوان بحيث‬


‫لن تجد نصا في المجموعة اا و فيه هذا ال فس الذي يميل الى السمو و‬
‫العمق في تجربة التعلق و العشق ‪.‬‬

‫في قصيدة ُ همس ال وى أ تقول الشاعرة‬

‫ُ أشفق على خجلي‬

‫ببسملة تحتل كياني‬

‫دع جيوب الث ايا تخفي هاجس التلعثم‬

‫ففي كهفك العاجي تتراءى اشرعة مملكتي‬

‫تترنم اهات اللظى في ال زق‬

‫ارتشف الوان ال عاس في خدار الوله‬

‫‪440‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫يا سيد ااضواء‬

‫مرابعك تغوي ناسك الوجدأ‬

‫ان هذا الشكل من اللغة الذي يميل الى اقصى درجات تجلي التجربة و‬
‫الشعور ‪ ،‬يمكن ان نصفها باللغة القصوى ‪ ،‬في قبال اللغة المتوسطة‬
‫المعتدلة ‪ ،‬حيث انا اذا نظرنا الى التعابير عموما من نقطة واحدة فانا س جد‬
‫تعابيرا تكون وسطية تعبيريا و وصفيا و اخرى تتجه نحو اقاصي التجربة ‪،‬‬
‫محضرة اعلى مستويات التجلي م ها كما في الشكل التالي ‪-:‬‬

‫القارئ في نظر الى تعابير الكتابة تتحقق زوايا لل ظر ‪ ،‬من خال تلك الزاوية‬
‫تتحدد درجة التعبير من حيث كونه تعبير يميل الى الدرجات القصوى ام انه‬
‫ضمن اللغة المعتدلة المتوسطة ‪ .‬درجة التعبير بااضافة الى كشفها عن‬
‫التجربة و بوحها فانها ت قل ااحساس وهذا وظيفية تعبيرية ‪ ،‬و كلما كانت‬
‫درجة التعبير حادة كان ااحساس الم قول اكثر تجليا و وضوحا ‪.‬‬

‫و لغة فراقد السعد في نصوص اسطورة تعشق ‪ ،‬بلغة ال سك و التملك و‬


‫الذوبان و اارتعاش و التماهي و ااخاص و الخلوص تحقق درجات تعبيرية‬
‫قصوى و حادة و تجل كبير لتجربة شعورية رفيعة و بوح شفيف ‪.‬‬

‫‪441‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الرسالية‬
‫مامح ادب الصرخة ‪ُ ،‬ع دما يحترق التاريخ ويترك ل ا الرماد أ نموذجا‬

‫في اهم نظرة للشعر عبر ع ه انه اعتراض ‪ ،‬ليس محاكاة وا رسما للخارج ‪ ،‬بل‬
‫هو صوت اعتراض على الخارج ‪ ،‬و قد يقال ان هذ الفكرة ا تطرد في‬
‫ااعمال اادبية اابداعية ‪ ،‬فالتمجيد و ااحتفاء بالم جز و المديح لما هو‬
‫قائم شائع في اادب ‪ ،‬و فيه ان هذا صحيح اا ان كل ذلك ما هو اا نتاج‬
‫عملية مقارنة بين الممجد و الممدوح و غير ‪ ،‬فهو ايضا ي طوي على اعتراض‬
‫‪ .‬من ه ا يظهر ل ا ان ااعتراض اادبي يتجسد في الشكل المباشر الصريح‬
‫الذي يكون ال ص صريحا فيه و الشكل غير المباشر غير الصريح ب ص‬
‫احتفاء م طو على ااعتراض غير المصرح به ‪.‬‬

‫ان الفرق الفيزيائي بين الصوت العادي و الصارخ هو الشدة ‪ ،‬و حي ما نجد‬
‫اعتراضا ادبيا صريحا شديدا بحيث تبلغ فيه التعابير مديات بعيدة و واسعة فانا‬
‫نكون امام صرخة كتابية ‪ ،‬و بتكرارها نكون امام انتفاضة كتابية ‪.‬و لو حققت‬
‫تغلغا في الوعي العام و تجاوبا معتدا به فانا نكون امام ثورة كتابية ‪.‬‬

‫اذن الشدة الكتابية تت اسب مع شدة ااعتراض ‪ ،‬و الصرخة الكتابية تتجسد‬
‫بشدة ااعتراض ‪.‬‬

‫في ملحمة جلجامش مثا كان اعتراض شديد على الطغيان بلغ حد الصرخة و‬
‫تكررت معانيه فيها فكانت انتفاضة و حصل التجاوب العام فحصلت الثورة‬

‫‪442‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الكتابية فكانت ملحمة جلجامش بحق صرخة وثورة عارمة ضد الظلم و‬


‫الطغيان ‪.‬‬

‫وكما يتحقق الصرخة في اللغة اابداعية فإنها ايضا يمكن ان تتحقق في اللغة‬
‫التقريرية وكمثال واضح ااعتراض الشديد السائد بين ال قاد العرب المعاصرين‬
‫بخصوص المصطلح ال قدي و الممارسة ال قدية ‪،‬وهذا واضح لكل متابع ‪ ،‬و‬
‫بي ما بلغ اعتراضهم على المصطلح بحد الصرخة اا ان اعتراضهم على ااداء‬
‫تجاوزها نحو الثورة ‪ ،‬لذلك سيكون من المتوقع حدوث تغير جوهري في‬
‫ال ظرية ال قدية العربية و الممارسة ال قدية في المستقبل القريب‪.‬‬
‫في قصيدة ُ ع دما يحترق التاريخ و يترك ل ا الرمادأ للشاعر هشام ايوب‬
‫يتجسد ااعتراض الكتابي ‪ ،‬انها اعتراض من باديتها ‪ ،‬فان هكذا ع وان و‬
‫بتوصيلية عالية و اشارة صريحة بوح صار ‪ ،‬فيكون صرخة كتابة ظاهرة ‪ .‬ثم‬
‫يستمر ااعتراض الشديد ُالجدران باردة أ و ُتحرق روما أ و ُ أسراب‬
‫ال ح ل تهاج رأ و ُالتاريخ يح ترق مثل م دن بائسة م ر به ا أس راب من‬
‫الجرادأ و برمزية توصيلية يتجه البوح نحو فضاء لغوي اخر اا انه ا زال في‬
‫عالم ااعتراض و قائم به ‪ُ ،‬والصحف تعل ن الهزيم ة أ و ُانتصار قائ د‬
‫البح ار \على موج ة \حاولت الوص ول للشاطىء أ انه تجل للهزيمة و‬
‫الخذان و الطغيان أ‪ ،‬بل حتى الهامش هو جزء من سلسة ااعتراض حيث‬
‫يقول الشاعر ُ بقلمي أ وه ا ابراز للمتكلم ‪ ،‬ثم يقول ُأول نص في العام‬
‫الجديد أ وهو بوح وايحاء ان هذ هي الصورة و الحال مع بداية هذا العام ‪،‬‬
‫فتصور ايها القارئ و عتمة الحاضر و قتامة المستقبل ‪ ،‬ان هذ القصيدة اخبار‬
‫عن انعدام الحياة ‪ ،‬بل انعدام الوجود ‪.‬‬

‫ال ص‬

‫‪443‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الرماد‬ ‫لا‬ ‫ويترك‬ ‫التاريخ‬ ‫يحترق‬ ‫ع دما‬


‫***********************‬
‫ُ ‪ 1‬أ الجدران باردة \ أعمدة روم ا ت تظر\ نيرون\ زعيم آباط رة\‬
‫ج ون\ تحرق روم ا\يحيا آمبرط ور‬
‫ُ ‪ 2‬أ أسراب ال ح ل\ تهاج ر\ آخر الربي ع\ لتتجمد\ فوق مرتفع ات‬
‫\الصقيع‬
‫ُ ‪ 3‬أ التاريخ يح ترق\ مثل م دن بائسة\ م ر\ به ا أس راب \ الج راد‬
‫\ فلم يجد فيه ا\ سوى المقاب ر\ تعلن الجه اد‬
‫ُ ‪ 4‬أ الكتب تعلن ال ص ر\ والصحف تعل ن \الهزيم ة\ انتصار قائ د‬
‫\الصح راء \ على زواب ع الرمل \ حاولت التص ت \ على شخير السجان‬
‫************‬
‫انتصار قائ د \البح ار \على موج ة \ حاولت الوص ول \للشاطىء‬
‫ُ ‪ 5‬أ التاريخ \ يمضي يحص د \ أرواح العسك ر \ المدن \ تكتب‬
‫الفأر‬ ‫\‬ ‫تاريخه ا‬
‫ات\ ال ص ر‬ ‫يتلذذ بقض م \ صفح‬
‫موسى‬ ‫أيوب‬ ‫هشام‬ ‫‪/‬‬ ‫بقلمي‬
‫‪ 2015/1/9‬أول نص في العام الجديد ‪.‬‬

‫‪444‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫لغة ال داء في قصيدة ُ عفوا عراق المجدأ لشال ع وز‬

‫الرسالية من اركان اابداع ‪ ،‬و بج ب الرسالية الف ية ب شد التجديد و‬


‫اامة و الشعب ‪،‬‬
‫التأصيل ‪ ،‬تبرز الرسالية الجماهيرية ‪ ،‬التي يتبّى فيها الشاعر ّ‬
‫فيتجلى صوتهم و معاناتهم و احامهم و املهم في شعر الشاعر و كلماته ‪.‬‬

‫ومع ان هذا التجلي بذاته من مامح الجماهيرية التي تجعل من اادب‬


‫قضية ‪ ،‬اا ا ّن لهذا التجلي درجات ‪ ،‬تختلف فيها درجات التعبير ‪ ،‬فه اك‬
‫ثاث درجات للتعبير الجماهيري و ادب القضية في الشعر ‪ .‬الدرجة ااولى‬
‫باشتمال اادب على ااعتراض بصوت معهود وهو لغة البوح ‪ ،‬و الثانية‬

‫‪445‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫اشتماله على صوت عال من ااعتراض فيكون حي ها الشعر صرخة ‪ ،‬و الثالث‬
‫اشتماله على اعتراض كبير واضح يأسر المكان وهو لغة ال داء و طلب‬
‫الخاص ‪ .‬هذ درجات البوح الجاهيري و تمثيل اامة ‪ ،‬و لكل اسلوب م ها‬
‫وظيفته و محله و زمانه ‪ ،‬فلغة البوح لها زمانها و مكانها و تأثيرها ‪ ،‬و لغة‬
‫ال صرخة لها مكانها و زمانها و تأثيرها ‪ ،‬و لغة ال داء لها زمانها و مكانها و‬
‫تأثيرها ‪.‬‬

‫في قصيدة ُ عفوا عراق المجدأ للشاعر العراقي الفذ شال ع وز تتجلى‬
‫الرسالية الجماهرية بمظاهر واضح و معالم بي ة ‪ .‬الع وان بحد ذاته بوح و نداء‬
‫رقيق ُ عفوا عراق المجدأ ‪ ،‬يختصر القصيدة وهذا من التوظيف الع واني‬
‫للشعرية الف ية العالية ‪.‬‬

‫في بوح رقيق يقول الشاعر في مطلع القصيدة ‪:‬‬

‫ويقول أ‬
‫صامت ُ‬‫ٌ‬ ‫ونثيث بوح‬
‫ُ‬ ‫وذهول‬
‫ُ‬ ‫وتوجس‬
‫ٌ‬ ‫ُ أنا شهقةٌ‬

‫و اذا ما احظ ا التطور الحاصل في صوت و سرعة كلمات اابيات‬


‫السابقة ستتكون لدي ا صورة حركة تطورية كأن ا امام كيان زماني يتحرك بسرعة‬
‫متصاعدة ‪ ،‬و في هذا محاكاة لحركة الطبيعة ‪ .‬و القاموس في هذا البيت‬
‫الشفيف و الرقيق ‪ ،‬و الخافت ‪ ،‬مع التصدير باانا ‪ ،‬يعطي جوا عاما من‬
‫اارسال و القصد ‪،‬اا انه معبأ بالبوح ‪ ،‬انه البوح الرقيق الخافت ‪.‬‬

‫‪446‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫بعد بيت البوح هذا ي تقل الشاعر الى لغة الصرخة بتصريح واضح ‪ ،‬ففي‬
‫البيت ااول كان بوحا ‪ ،‬و في الثان صار صرخة ‪ .‬حيث يقول ‪:‬‬

‫ويدول أ‬
‫ُ‬ ‫ُ أنا صرخةٌ مصلوبةٌ لماّ تزل حيرى ياعبها الجوى‬

‫و في البيت الثالث بعد البوح و الصرخة ‪ ،‬يدخل ع صر الزمن المستمر ‪،‬‬


‫ليعن تحقق وجود راسخ و ثابت من االم و الصوت فتتحقق لغة ال داء في‬
‫اادب ‪ ،‬انه صرخة مستمرة ‪ ،‬و حكاية آلم وطلب الخاص ‪ ،‬حيث يقول ‪:‬‬

‫وتصول أ‬
‫ُ‬ ‫ُأنا آهةُ الزمن البعيد تفز بي حمماً فتصرخ في دمي‬

‫اامة و اشكال‬
‫في ثاثة ابيات لشال ع وز تجلى تأريخ اللغة و تاريخ ّ‬
‫البوح الجماهيري ‪ .‬و اصبح ا اان امام قصيدة كاملة بمع ى الكلمة ‪ ،‬فتكون‬
‫اابيات التالية شرح و بيان و مزيد نور و ضياء ‪ ،‬حيث اللغة قالت قولها في‬
‫هذ اابيات الثاثة و اوصلت ما تريد ‪ ،‬بصوت حديث ‪ ،‬وهذا يرجع الى‬
‫شعرية عالية ع د شال ع وز تتجاوز الطريقة الكاسيكية ‪ ،‬و تعلم ا درسا ان‬
‫ليس كل ما يكتب عموديا هو شعر كاسيكي ‪.‬‬

‫‪447‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ان لغة ال داء هي لغة طلب الخاص ‪ ،‬تتجاوز البوح و ااعتراض ‪ ،‬و‬
‫الصرحة ‪ ،‬و ال دب ‪ ،‬انها تعلن مرارة الواقع و الحاجة الى الخاص ‪ ،‬و لقد‬
‫تكررت هذ المامح في ابيات متعددة في القصيدة وهذ ااستمرارية ترسخ‬
‫هذا البوح بصوت عال ‪.‬‬

‫في تصوير حزين لواقع مر يقول الشاعر ‪:‬‬

‫وعويل أ‬
‫ُ‬ ‫وزفاف يومي غصةٌ‬
‫ُ‬ ‫ُ مد ٌن من اآ المريرة لوعتي‬

‫و اقسى من هذا القاموس و المفردات بيته ااخر الذي يقول فيه ‪:‬‬

‫مقتول أ‬
‫ُ‬ ‫قاتل‬
‫دمى ٌ‬‫الم ّ‬
‫يأكل قامتي أنذا ُ‬
‫وناب الموت ُ‬
‫ُ أمشي ُ‬

‫ان درجة ااعتراض ليس فقط تتجلى بالتراكيب بل بقاموس المفردات‬


‫نفسها ‪ ،‬فا ريب ان ُ موت ‪ ،‬يأكل ‪ ،‬قاتل ‪ ،‬مقتول أ هي اكثر ف اء و دمارا‬
‫حسا‬
‫من ُ آ ‪ ،‬لوعة ‪ ،‬غصة و عويل أ كما ان هذا التوزيع للمفردات يعكس ّ‬
‫عاليا بالموسيقى الفكرية و الت اغم بين المفردات ‪ ،‬و هو تجاوز لموسيقى‬
‫الشكل بااتجا نحو المع ى ‪.‬‬

‫و في تصويري مؤلم للخسارات الفادحة يقول ‪:‬‬

‫ويطول أ‬
‫ُ‬ ‫نازف‬
‫ُ أرنو الى حلمي الذبيح وأمتطي وجعي وليلي ٌ‬

‫‪448‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫و في تصاعد طوفاني يصل حد الطوفان و يفرض مفرداته على ال ص يقول‬


‫‪:‬‬

‫وخجول‬
‫ُ‬ ‫وطرفي مطر ٌق‬
‫َ‬ ‫ُ هذا هوالطوفان ه د معاقلي غرقاً‬

‫مشلول أ‬
‫ُ‬ ‫يزحف هائجاً وأنا ذراعي ُمحبط‬
‫ُ‬ ‫هذا هو الطوفا ُن‬

‫ان هذا التصاعد ال صي و التجلي الواضح للغة يشير الى عمق التجربة و‬
‫ترسخ الشعرية ع د الشاعر ‪.‬‬

‫الى ان يصل الى ذروة الماساة فيقول‬

‫وطلول أ‬
‫ُ‬ ‫وتطاحن وتصح ٌر‬
‫ٌ‬ ‫ومقابر‬
‫ٌ‬ ‫ائب‬
‫ُ أنا جثةٌ وخر ٌ‬

‫ال ص‬

‫فوا عراق المجد‬ ‫ع‬

‫ويقول‬
‫وذهول ونثيث بوح صامت ُ‬
‫ُ‬ ‫وتوجس‬
‫ٌ‬ ‫أنا شهقةٌ‬

‫ويدول‬
‫ُ‬ ‫أنا صرخة مصلوبة لما تزل حيرى ياعبها الجوى‬

‫‪449‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫وتصول‬
‫ُ‬ ‫أنا آهة الزمن البعيد تفز بي حمما فتصرخ في دمي‬

‫مخذول‬
‫ُ‬ ‫أنا ذلك اافق البهي لتالد شاد العا أناطارف‬

‫وعويل‬
‫ُ‬ ‫مدن من اآ المريرة لوعتي وزفاف يومي غصة‬

‫مقتول‬
‫ُ‬ ‫أمشي وناب الموت يأكل قامتي أنذا المدمى قاتل‬

‫وطويل‬
‫ُ‬ ‫أرنو الى حلمي الذبيح وأمتطي وجعي وليلي نازف‬

‫وخجول‬
‫ُ‬ ‫هذا هوالطوفان ه د معاقلي غرقا وطرفي مطرق‬

‫مشلول‬
‫ُ‬ ‫هذا هو الطوفان يزحف هائجا وأنا ذراعي محبط‬

‫وطلول‬
‫ُ‬ ‫أنا جثة وخرائب ومقابر وتطاحن وتصحر‬

‫مغلول‬
‫ُ‬ ‫ودمي مباح حللته شريعة للمارقين وساعد‬

‫وأطيل‬
‫ُ‬ ‫أنذا عراق القحط يشرب ي اآسى ضمأ فألعق خيبتي‬

‫المجهول‬
‫ُ‬ ‫قلق وهذا التيه قاد سفي تي أنى أتجهت يلف ي‬

‫ذحول‬
‫ُ‬ ‫اشيء ع دي من يلم تشتتي ؟ وصفاء أهلي بددته‬

‫جميل‬
‫ُ‬ ‫عفوا عراق المجد جرحي مزمن وتصبري في راحتيك‬

‫التقبيل‬
‫ُ‬ ‫أنا مذ نشأت وأنت ترضع ي الوفا والمكرمات فيزهر‬

‫وهديل‬
‫ُ‬ ‫من قال انك محض أرض أو سما؟؟ فْنت في نسغي م ى‬

‫‪450‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫وهطول‬
‫ُ‬ ‫في كل شبر من ترابك جذوة للخالدين ونهضة‬

‫وجهول‬
‫ُ‬ ‫أنت الذي أمطرت غيرك علمه وسواك جدب جاهل‬

‫نخيل‬
‫وغرست في رحم الدهور سافة غ ى لها ع د الشروق ُ‬

‫التأويل‬
‫ُ‬ ‫وحملت لْتين أشرعة الهدى أنى تقارب أو نأى‬

‫وآنجيل‬
‫ُ‬ ‫من هاه ا مرت ركائب هاجر وتعانق القرآن‬

‫المسلول‬
‫ُ‬ ‫وه ا توهجت الصروح تمخضت ألفا وأوغل سيفها‬

‫وصهيل‬
‫ُ‬ ‫ماك ت اا فوق سارية العا أبدا ومدك صولة‬

‫وخليل‬
‫ُ‬ ‫يامن تعفر في ترابك حيدر وبطور موسى سعى‬

‫آكليل‬
‫ُ‬ ‫وبك ابن ب ت المصطفى زرع الفدا يوم الطفوف فأورق‬

‫ويميل‬
‫ُ‬ ‫ها انت يابلد آباة تضج بي أفقا يغ ي بالس ا‬

‫والمتبول‬
‫ُ‬ ‫ها أنت ياهذا العراق قصيدتي فأنا المتيم فيك‬

‫قتيل‬
‫خذني لجرحك مرهما ودريئة اني بحبك ياعراق ُ‬

‫‪451‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫نموذجا‬ ‫البابلي‬ ‫الشباب‬ ‫شعر‬ ‫‪،‬‬ ‫ال داء‬ ‫لغة‬

‫البوح روح الشعر ‪ ،‬و ااعتراض نَ َفس تلك الروح ‪ ،‬و حي ما تطغى الرغبة و‬
‫اارادة و تجمح كخيول مسرعة ‪ ،‬ت تقل لغة ال ص الى فضاءات بريّة من البوح‬
‫‪ ،‬معل ة كل اشكال ااعتراض ‪ ،‬طلبا للحياة الرفيعة و الخاص ‪ ،‬في نداءات‬
‫عريضة موجهة الى الزمن و اهله عسى ان تلقى قلوبا تضيء فيها شموع تلك‬
‫‪.‬‬ ‫الشفيفة‬ ‫ال داءات‬
‫ان لغة ال داء تعتمد على ع اصر اسلوبية ‪ ،‬و مع ا ّن اساس وجودها هو الفكرة‬
‫و البوح العميق ع د الشاعر ‪ ،‬اا انها ا تتمظهر و ا تتجلّى اا بأسلوب‬
‫الكتابة ‪،‬و ب اءات اللغة في ال ص ‪ ،‬و بع اصر اسلوبية معي ة ت تقل بها اللغة من‬
‫الخطاب الهادئ الى ااعتراض فااعتراض الشديد مح ّققة لغة ال داء و طلب‬
‫‪.‬‬ ‫الخاص‬
‫ان تعالي صوت ااعتراض و مفرداته و تراكيبه ‪ ،‬و الميل الى اللغة شديدة‬
‫البوح و المتطرفة في التوصيل و التعبير ‪ ،‬يح ّقق لغة ال داء ‪ ،‬و بصور مختلفة ‪،‬‬
‫بعضها تصاعدي في الخطاب يبدأ من نقطة هادئة ثم يتصاعد حتى يصل‬
‫الذروة ‪ ،‬و بعضها يبدأ من ّاول كلمة بااعتراض الشديد و ي قل اللغة الى عالم‬
‫ال داء ‪ ،‬و م ها من يعتمد الصدمة في نقل اللغة ‪ ،‬فتجد ا ّن اللغة تجري وفق‬
‫فجر امام القراءة ناقلة اللغة من عالم الخطاب‬
‫انسيابية خطابية هادئة و فجأة ت ّ‬
‫الهادئ الى عالم ااعتراض و ال داء ‪ .‬و س رّكز ه ا على الفترات ال صيّة‬
‫الدقيقة التي ت تقل بها اللغة من عالم الخطاب الهادئ الى عالم ال داء و‬
‫ااعتراض الشديد ‪ ،‬باعتبار ا ّن هذ ااسلوبية ع صرا جماليا و ابداعيا في‬
‫سعي ا الحثيث نحو كشف اسرار جمال ال صوص اابداعية و لغتها الفريدة ‪.‬‬

‫‪452‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫تتجلّى لغة ال داء في شعر مجموعة من شعراء مدي ة بابل الشباب من‬
‫العراق ‪ ،‬في القراءة العرضية ‪ ،‬بصور مختلفة م ها على مستوى المفردة ‪ ،‬و‬
‫م ها على مستوى التركيب و م ها على مستوى الفكرة ‪ ،‬و اما على المستوى‬
‫الطولي بتأريخ ال ص و تطور مفاهيمه و رموز فمن المعلوم ا ّن هذا ا يتيسر اا‬
‫ص واحد ‪ ،‬و من الواضح ان مقال ا موضوعه غير‬
‫في القراءة لشاعر واحد او ل ّ‬
‫تجل للعبقريّة ‪ ،‬و خير ما‬
‫مهمة هي ّ‬
‫ان كل كتابة ّ‬
‫ذلك ‪ .‬و ا بد من التأكيد ّ‬
‫يس د هذا القول ا ّن مما أثّر في الفن و اادب اعماا لشباب او انّها كتبت في‬
‫زمن الشباب لهؤاء الكتّاب ‪ ،‬لذلك فتوصيف ا ه ا للشعراء بالشباب ا يع ي‬
‫مهم و‬
‫أبدا ا ّن ه اك تجربة شبابية أدبية و تجربة احترافية ‪ ،‬بل الشاعر المهم ّ‬
‫ان كان في شبابه ‪ ،‬و هذا الكام ا يختص بالفن و اادب بل حتى في العلوم‬
‫‪ ،‬فكم من العلماء نبغوا وهم ا زالوا في عمر الشباب و اامثلة كثير ‪ ،‬ما أريد‬
‫قوله ان التمييز بي ن جيل الشباب و غيرها ا يست د الى واقعية ‪ ،‬و ه ا س ت اول‬
‫متطورة و فيها ع اصر جمالية ف ّذة تشير الى تكاملية في‬
‫مجموعة كتابات ّ‬
‫الكتابة لمن هم من جيل الشباب ‪ .‬و ا بدّ من ااشارة ا ّن من عوامل ال قد‬
‫اضافة الى طاقات ال ص هو الحاجة الى فهم لغة ال ص و القرب م ه ‪ ،‬لذلك‬
‫كان ااختيار لهذ ال ماذج للقرب و الفهم للغة التي كتبت بها ‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫بوحي‬ ‫مقطع‬ ‫في‬ ‫الصكر‬ ‫سامي‬ ‫محمد‬ ‫يقول‬
‫؟؟‬ ‫صمتك‬ ‫جدار‬ ‫تكسر‬ ‫كيف‬ ‫ُ‬
‫الوقت‬ ‫خلف‬ ‫من‬ ‫لتصرخ‬
‫حي‪..‬‬ ‫انك‬
‫حديثا‬ ‫نصا‬ ‫لتص ع‬
‫‪.......‬‬ ‫الدهشة‬ ‫يثير‬
‫أ‬ ‫ميت!!‬ ‫اني‬ ‫تدري‬ ‫ا‬ ‫لك ك‬

‫‪453‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫يتجلى ال داء في هذا ال ص بصور متعددة و على مستويات متعددة ‪ ،‬و في‬
‫الحقيقة هو من البوح التوصيلي العالي ‪ ،‬فالتركيب و الب اء بوح و نداء في قوله‬
‫ُ تكسر جدار الصمت أ و قوله ُ لتصرخ من خلف الوقت أ بوح و اعتراض‬
‫و من بداية العبارة ‪ ،‬و حول هذا الكسر و الصراخ عالمُ التقابل بين طرفي‬
‫الوجود من الموت و الحياة ‪ ،‬انّه هيجان كامل يلتّف عالم اارادة و الرغبة ‪،‬‬
‫اعصار تعبيري بين طلب صارخ للحياة و اعان للموت ‪.‬‬
‫و يقول محمد سامي مبتدأ لغته بااعتراض ‪ ،‬و محافظا على ال داء و الطلب‬
‫‪:‬‬ ‫الشفيف‬
‫الوقت‬ ‫سيذبل‬ ‫‪..‬‬ ‫تأت‬ ‫لم‬ ‫أ‬
‫الصاة‬ ‫وتذوب‬
‫الفرات‬ ‫سيحترق‬
‫بردا‬ ‫الورد‬ ‫ويموت‬
‫انا‬
‫ُ‬ ‫اشتهيك‬ ‫كالقصب‬
‫ناحظ انها تعابير متقابلة متقاربة في شكل البوح و شدة ااعتراض ‪ ،‬ومحققة‬
‫لل داء من اول المقطع الى اخر ‪ ،‬ان ال داء ه ا حاضر في كل لحظة من زمن‬
‫ال ص‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫صارخة‬ ‫حوارية‬ ‫بوحية‬ ‫لوحة‬ ‫في‬ ‫مردان‬ ‫أنمار‬ ‫يقول‬ ‫و‬
‫كاذب‬
‫ٌ‬ ‫ين‬
‫طَ ٌ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫نقوش‬ ‫مجرد‬
‫ُ‬ ‫وأنت‬ ‫وأنا‬
‫الجوع‬
‫ِ‬ ‫طع ِ‬
‫ات‬ ‫علي ا‬ ‫تعبر‬
‫ُ‬
‫أ‬ ‫مر ٍ‬
‫تبكة‬ ‫ٍ‬
‫سماء‬ ‫ِ‬
‫رقعة‬ ‫الموت‬
‫َ‬ ‫في‬ ‫ونشرب‬
‫ان نسبة الوهم و الكذب للذات من التطرف البوحي و عالم هذ االفكرة‬

‫‪454‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ااعتراض العريض ‪ ،‬و في وسط هذا العالم البوحي نجد التراكيب الموسعة‬
‫لطاقات اللغة ُ ط ين كاذب أ و ُ وانا و انت مجرد نقوش أ و ُ و تشرب‬
‫الموت أ هذ التراكيب و بما فيها من صوت و بوح ترتفع بدرجة البوح‬
‫ااعتراضية و سط مزاج عام لل ص بااعتراض فتحقق عالم من ال داء ‪.‬ان‬
‫ال داء ه ا يحضر و بشكل عال جدا و واضح من بداية ال ص حتى نهايته ‪.‬‬
‫ايضا‬ ‫مردان‬ ‫أنمار‬ ‫يقول‬ ‫و‬
‫استيقظ‬ ‫أنا‪,‬‬ ‫يا‬ ‫ُ‬
‫بسمةٍ‬ ‫كل‬ ‫تُ زع ا‬ ‫فلع تُهم‬
‫قُبلةٍ‬ ‫كل‬
‫أ‬ ‫القبر‬
‫َ‬ ‫فألبس‬
‫نسبة الذات الى الغفلة و استذكار لع ة آخر للذات كلها تقع في عالم‬
‫اعتراضي و بوحي يحقق لغة ال داء ‪ .‬و يبدأ ااعتراض من ّاول مفردة حتى‬
‫‪.‬‬ ‫ال ص‬ ‫نهاية‬
‫فيه ‪:‬‬ ‫يقول‬ ‫مردان‬ ‫ٓنمار‬ ‫جهوري‬ ‫بوح‬ ‫في‬ ‫و‬
‫الصف ِر‬ ‫إلى‬ ‫أيام ا‬ ‫تطهو‬ ‫الساعةُ‬ ‫ُ‬
‫الله ِو‬ ‫سكر ِ‬
‫ات‬ ‫على‬ ‫نائمات‬ ‫حريم‬ ‫اصفر ُارها‬
‫ِ‬
‫بالمرة‬ ‫مق ٍ‬
‫عة‬ ‫غير‬ ‫أسماؤنا‬
‫أ‬ ‫ِ‬
‫القادمة‬ ‫القصيدةِ‬ ‫فوق‬
‫التائهةُ‬ ‫خايانا‬
‫ناحظ ه ا و بوضوح لغة ال داء التي تمظهرت و ارتكزت على المفردات ‪ ،‬لقد‬
‫عبّئ ال ص بمفردات الوحشة و ااغتراب ُ تطهو ‪ ،‬الصفر ‪ ،‬اصفرار ‪ ،‬سكرات‬
‫‪ ،‬غير مق عة ‪ ،‬التائهة أ هذ المفردات بوجودها وحد تخلق ااعتراض ‪ ،‬و‬
‫تؤثر بما لها من داات على مجمل وضع ال ص و لغته و مجاله البوحي ‪.‬‬
‫و في لوحة شعرية عالية المستوى لشاعر ف ّذ يقول أنمار كامل حسين ‪:‬‬

‫‪455‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫حذفي‬ ‫نحو‬
‫َ‬ ‫السائر‬
‫ُ‬ ‫أنا‬ ‫أ‬
‫تب ٍغ‬ ‫ِ‬
‫كورقة‬
‫ال ُدخان‬ ‫نجيع‬
‫َ‬ ‫تلف‬
‫تسيل بأفوا ٍ‬
‫ُ‬
‫فيها‬ ‫الصمت‬
‫ُ‬ ‫يضج‬
‫ُ‬ ‫الصوِر‬ ‫في‬‫فخ‬
‫يُ ُ‬ ‫يوم‬
‫َ‬
‫انها لوحة تعبيرية رمزية مع استحضار لمفاهيم و معارف وجودية ‪ ،‬اذ يبرز السير‬
‫نحو الحذف ‪ ،‬و نسبته الى الذات ‪ ،‬مما يحقق ااعتراض العريض و ي قل‬
‫اللغة الى جانب موغل في ااعتراض و محقق للغة ال داء ‪ ،‬و بعد نقل لغة‬
‫تموج خطابية و تعبيرية عذبة‬
‫ال ص الى عالم ال داء ‪ ،‬صارت اللغة في حالة ّ‬
‫تحتاج الى مهارة عالية ت تمي الى مجال اللغة القوية الجامعة بين التوصيل و‬
‫‪.‬‬ ‫الواحد‬ ‫اللفظي‬ ‫التركيب‬ ‫في‬ ‫اايحاء‬
‫عالية‬ ‫تعبيرية‬ ‫لوحة‬ ‫في‬ ‫كامل‬ ‫أنمار‬ ‫ايضا‬ ‫يقول‬ ‫و‬
‫الظام‬ ‫كف‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫المعاق‬
‫ُ‬ ‫أصبعهُ‬ ‫ي ُدس‬
‫ٍ‬
‫عاشق‬ ‫ُج ِثة‬ ‫ِ‬
‫أنف‬ ‫في‬
‫بال ُزكامأ‬ ‫يحلم‬
‫ُ‬ ‫ال‬
‫از َ‬
‫ان هذا التسلّط للظام ‪ ،‬و قهر لموجود يظهر كجثة في ال ص ‪ ،‬يحقق‬
‫اعتراضا واسعا و ي قل اللغة و على الفور على خارج حدود الهدوء نحو البوح‬
‫‪.‬‬ ‫آلم‬ ‫و‬ ‫ال داء‬ ‫العالي‬
‫‪:‬‬ ‫الشاعرية‬ ‫عالي‬ ‫مقطع‬ ‫في‬ ‫كامل‬ ‫انمار‬ ‫يقول‬ ‫و‬
‫وجه ي‬ ‫في‬ ‫الشيطا َن‬ ‫سأرت دي‬ ‫ُ‬
‫بالهم وم‬ ‫المكت ظ‬
‫ُ‬ ‫اللي ِل‬ ‫في‬

‫‪456‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫أ‬ ‫الدم وع‬ ‫مّ ي‬ ‫اف‬


‫لتخ َ‬
‫في هذ اللوحة المميّزة مع توظيفاتها العالية برمزيتها الخارجية و ال صية ‪ ،‬و‬
‫مفرداتها ااعتراضية و تراكيبها البوحية ‪ ،‬يتحقق عالم من البوح العالي و‬
‫ااعتراض الصارخ و نداء يتجلى بهذا الوجود اايحائي بع اصر اسلوبية عديدة‬
‫من حيث الفكرة المستوحشة و االفاظ المغتربة و التراكيب اانزياحية ‪.‬‬
‫فاضل‬ ‫محمد‬ ‫يقول‬ ‫بوحي‬ ‫مقطع‬ ‫في‬ ‫و‬
‫وأغير‬ ‫ِ‬
‫أهواك‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫صباح‬
‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫جسدي‬
‫أخر‬ ‫جسدا‬ ‫ط‬
‫وأح ُ‬
‫اانتظار‬ ‫صالة‬ ‫في‬
‫أ‬ ‫بموعد‬ ‫اآخر‬ ‫حف‬
‫وأتْ ُ‬
‫ان تركيب ُ أغير جسدي أ و ُ أح ط جسدا اخر أ ي قل اللغة الى عالم‬
‫ااعتراض الشديد ‪ ،‬و بوح عال ‪ ،‬فيتحقق صوت نداء و طلب شفيف ‪.‬‬
‫آخر ‪:‬‬ ‫مقطع‬ ‫في‬ ‫فاضل‬ ‫محمد‬ ‫يقول‬ ‫و‬
‫كئيبة‬ ‫ٍ‬
‫نافذة‬ ‫وكل‬ ‫أنا‬ ‫ُ‬
‫المعاكس أ‬ ‫ا ذنب ل ا سوى أن الشمس تشرق بااتجا‬
‫ان البوح ه ا مؤجل و اللغة جرت وفق هدوء و ان كان ببوح ظاهر اا ان‬
‫الصورة ارتفع فيها صوت ااعتراض ع د آخر العبارة ُ ا ّن الشمس تشرق‬
‫بااتجا المعاكس أ ف قلت اللغة الى عالم ااعتراض الشديد و تحقق ال داء و‬
‫‪.‬‬ ‫الخاص‬ ‫طلب‬
‫الشعرية‬ ‫عال‬ ‫مقطع‬ ‫في‬ ‫حمود‬ ‫حسين‬ ‫عاء‬ ‫يقول‬ ‫و‬
‫الخيال‬ ‫اقتحم‬ ‫أ‬
‫راجا‬ ‫تقذف ي‬ ‫بلذة‬ ‫اشعر‬

‫‪457‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫انا‬ ‫عن‬ ‫بحثا‬


‫بالاشعورأ‬ ‫يهمس‬ ‫ضلّك‬ ‫ٓجد‬
‫في وسط ال ص ت تقل اللغة من التعبير او البوح الهادئ نحو ااعتراض الشديد‬
‫في عبارة ُ بحثا عن انا أ فان البحث عن اانا من اشكال ااعتراض و مظهر‬
‫جلي للغة ال داء ‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫شفيف‬ ‫بوح‬ ‫مقطع‬ ‫في‬ ‫جواد‬ ‫ايفان‬ ‫يقول‬ ‫و‬
‫ال خيل‬ ‫وطن‬ ‫أبا‬ ‫ُ‬
‫‪...‬‬ ‫في‬ ‫أتو‬ ‫دع ي‬
‫المج ون‬ ‫كفك‬ ‫تافيف‬
‫أ‬ ‫المشوهة‬ ‫شوارعه‬ ‫ترميم‬ ‫أعيد‬
‫ه ا ااعتراض يتصاعد ‪ ،‬بل انّه يبدأ من نقطة آلفة و الحب ُ أيا وطن ال خيل‬
‫ببث مفردات الوحشة ُ دع ي اتو أ ثم ُ كفك‬
‫أ بعدها يبدأ ااغتراب ‪ّ ،‬‬
‫المج ون أ حتى يصال ال داء الى اقصا في عبارة ُ شوارعه المشوهةأ ‪.‬‬
‫ا ّن هذ الصور الرائعة من لغة ال داء و بأساليب مختلفة و تق يات عالية ‪،‬‬
‫اضافة الى ما في تلك الكتابات من ع اصر ابداعية متكاملة ‪ ،‬فتحت ابواب‬
‫السعي نحو نظرية ادبية في اشكال اللغة و مجاات البوح و ااعتراض ‪ ،‬و‬
‫ّ‬
‫فضاءات الخطاب و ال داء ‪ ،‬و تجليات طلب الخاص ‪ ،‬بمفاهيم تطبيقية‬
‫ملموسة وظاهرة بشكل مق ع و فاتن ‪.‬‬

‫‪458‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫مستويات البوح في القصة السريالية ُ متاهة التماسيح أ للدكتور غالب‬


‫المسعودي‬

‫ا ريب ان الرمزية قد احدثت تطورا مهما في التعبير اادبي ‪ ،‬اا ان اانتقالة‬


‫الجوهرية في فكرة اابداع و التلقي كانت في الحركة السريالية و ما تبعها من‬
‫حركات تعبيرية ‪ .‬فصار تعدد مستويات البوح و اايحاء من سمات العمل‬
‫اابداعي ‪ .‬ففي جوار البوح و التعبير اآني للعبارة و المقطع و باسلوب الكتابة‬
‫‪ ،‬فان لتراكم التعبيرات و طبيعة انتشارها في ال ص وسط عاقات تعبيرية معقدة‬
‫تعطي زخما و طاقة تعبيرية عالية للغة ‪ ،‬تحققت انظمة عالية متعددة من التعبير‬
‫على ايدي السرياليين و التعبيريين ‪.‬‬

‫في قصة ُ متاهة التماسيح أ السريالية لاديب و الف ان التشكيلي العراقي‬


‫الدكتور غالب المسعودي ‪ ،‬نجد تلك التوظيفات و انظمة البوح المعقدة و‬
‫مستوياته المتعددة حاضرا و بوضوح ممثلة نموذجا للغة تعبيرية تتعدد فيها‬
‫مستويات البوح ‪ .‬و من المفيد ان نورد القصة أوا ‪:‬‬

‫‪459‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ُ‬ ‫ُسريالية‬ ‫ُقصة‬ ‫ألتماسيح‬ ‫متاهة‬


‫د‪.‬غالب المسعودي‬

‫المتاهة آرض التي يتو فيها السالك ‪ ،‬وايكاد يعرف فيها طريقاً‪ ,‬ويراد بها‬
‫في أٓساطير مب ى التّيه ذو الممرات الفرعية المعقدة الذي ب ا ديدالوس‬
‫للملك مي وس ملك كريت ‪ ،‬حسب آسطورة اإغريقية‪ ،‬وأراد مي وس أن‬
‫يجعل م ها سجًا للوحش الذي يسمى المي اتور‪ ,‬إذ كان يضحى بسبعة من‬
‫شباب أثي ا‪ ،‬وسبع عذارى لهذا الوحش كل س ةُماحظة نحن نضحي أكثرأ‪.‬‬

‫قبل أن يوقد مصباح ال وم‪ ,‬هو يخاف ال وم في الظلمة‪ ,‬نسي أن التلفاز‬


‫موصول بالكهرباء الوط ية ُفي حي ها كانت اتوجد وط يةأ‪ ,‬أضاءت الشاشة‪,‬‬
‫برنامج عن الحياة البرية للتماسيح في بوتسوانا ‪ ,‬سمع بدموع التماسيح ‪,‬‬
‫أس ان التماسيح ‪,‬عاقة الدي اصورات بالتماسيح‪ ,‬لك ه لم يعرف أن التماسيح‬
‫تب ي تحت الماء متاهة‪ ,‬تصور أنها تب يها ٓجل أن تسحب فريستها وتأكلها‬
‫بهدوء‪ ,‬دون تطفل آخرين وخصوصاً الحيوانات ألقمامة‪ ,‬إا أن الباحثين أثبتوا‬
‫أنها اتستعملها لهذا الغرضُالتماسيح اترى في الظلمة وهي تحت الماءأ‪,‬‬
‫وضع وسادته تحت رأسه‪ ,‬إستغرق في نوم عميق بعد أن تبللت أطرافه وظهر‬
‫بالعرق ‪,‬نصحو أن يشرب ماء مالح ‪,‬هو شرب ماء العلقم‪,‬عامات أٓستفهام‬
‫ت مو في مخيلته ‪,‬لم متاهة التماسيح ‪,‬ه اك متاهات في الحياة ثمة متاهة بين‬
‫الحرمين‪ ,‬ثمة متاهة في المدي ة القديمة‪ ,‬بعضها يوصلك الى ج ة تحت أرضية‪,‬‬
‫بعضها يوفر لك الفاكهة في غير موسمها‪ ,‬وه اك متاهة السياسة العراقية‬
‫‪,‬وه اك متاهة ال سيان‪ ,‬يبدو إنه إستغرق كثيراً‪ ,‬في حلمه تصور نفسه في‬
‫الفردوس‪ ,‬تقف أمامه وجها لوجه ج يته التي اطاحت بحياته‪ ,‬ومن أجلها راح‬
‫شهيداً‪ ,‬لكي يضمن أن تكون نهايته الج ة با حساب ‪,‬قال لها حبيبتي ها نحن‬

‫‪460‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫في الفردوس تم ي ‪ ,‬فاكهة أعطانيها الرب‪ ,‬عصير محلى ‪ ,‬خمر ليس فيها‬
‫غول‪ ,‬أنهار عسل‪ ,‬أنهار لبن مزكى كرائحة عطرك يوم إلتقي ا ٓول مرة ‪,‬قالت له‬
‫أمهل ي لحظة ٓستطلع أم ياتي‪,‬هل ه اك ولدان مخلدون يحملون أباريق من‬
‫فضة وكأنهم الؤلؤ المك ون‪.........‬؟ ‪,‬رد الصدى نعم ها نحن‪ ,‬قالت لهم‬
‫دلوني على الفاكهة المحرمة‪ ,‬كانت ل ا سلوى في الدنيا ‪,‬نأكلها بغير‬
‫إشتهاء‪,‬وهذا ذو رائحة الجرذ أطعم ي إيها رغم أنفي ‪,‬أا تعلموا كم أنا مشتاقة‬
‫أن يسقي يها ولد أو ولدان ويكفوني شر هذا الذي يتابع ي حتى الفردوس‪,‬‬
‫سأختار سبعة ‪ ,‬أنا أعرف أن خيارته إث ان وسبعون ‪,‬لكن عليكم أن تتبعوني الى‬
‫متاهتي رغم أن رضوان وكل حراس الفردوس يعرفون مساحتها‪,‬إا أن متاهتي‬
‫تسك ها آلهة المغاليق‪ّ ,‬ترجع الصدى لن ي ال م ها أحد‪ ,‬متاهتي هي رعب‬
‫المكان‪ ,‬إنها متاهة الجسد في آولى‪ ,‬وقفت على أطراف أصابعها‪ ,‬خلعت‬
‫أهدابها ‪,‬لم يكن العري مذموما في الفردوس‪ ,‬في زاوية مظلمة من متاهتها‬
‫استدرجت سبعة ولدان ‪,‬قالت لأول إخلع نعليك ‪,‬إنك بالوادي المقدس‬
‫طوى‪ ,‬لم يصغي ٓنه كان با نعل‪ ,‬قالت للثاني أفرد ج احيك‪ ,‬لم يصغي ‪,‬لم‬
‫يكن طائراً ‪,‬قالت للثالث أطفيء نارك في ملعقتي‪ ,‬لم يصغي كله من نار‪ ,‬جاء‬
‫دور السابع‪ ,‬كان يطوف حول رأس الشهيد‪ ,‬ناولها رسالة م ه حذفتها في الماء‬
‫اآسن ُايوجد في الفردوس ماء آسنأ لك ها ظ ت أنه موجود‪ ,‬قالت له أنت‬
‫خياري آخير‪ ,‬دع شهيدك وأغمرني بقبلة‪ ,‬قال لها أنزلي رأسك الى آسفل‪,‬‬
‫وجدت حوضه وما تحته ممسوح كلعبة مانيكان باستيكية‪ ,‬ضحك الشهيد‪,‬‬
‫غ ادر ج ة عدن‪ ,‬شغل التلفاز رأى إن أسباب ب اء التماسيح لمتاهتها هو سبب‬
‫نفسي ‪,‬ع دما تتعرض لضغط ما تلجأ اليها ٓخذ قسط من الراحة‪ ,‬ثم تعود‬
‫لمزاولة حياتها العادية‪ ,‬لكن مشكلته أن متاهته هي مساحة وطن ‪,‬والتماسيح‬
‫قمامة ‪,‬لم يتسع له المكان إستشهد ثانية‪.‬‬

‫‪461‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪-------------‬‬

‫ف ي هذا ال ص للبوح مستويات ‪ ،‬فه اك بوح على مستوى الفكرة ‪ ،‬و على‬
‫مستوى السرد ‪ ،‬و على مستوى الصور و اايحاءات ‪.‬‬

‫فاما الفكرة فمن الظاهر ان المؤلف قد عبأ نصه بافكار و هواجس و رؤى‬
‫كثيرة ‪ ،‬نقلها ال ص بلغة واضحة و صريحة و احيانا ايحائية ‪.‬فبين التيه العريض‬
‫و على مست ويات مختلفة و التي تذهب فيه اارواح و الس ين ‪ ،‬فالحيرة و‬
‫الوهم و الامع ى ‪ ،‬و الوحوش البشرية و من يعتاش على دماء ال اس و حياتهم‬
‫‪ ،‬كلها نجدها حاضرة في مراجعة و طلب مراجعة للفكرة و الفكر ‪.‬‬

‫و اما البوح على مستوى السرد فمن الواضح ان سريالية ال ص تمثل طبقة‬
‫للبوح و شكا تعبيريا اخر عن التيه و الضباب و الوهم و حياة كالحلم في‬
‫عدم م طقيتها و التباس امورها ‪ ،‬في تقل السرد بشكل عشوائي ا م طقي بين‬
‫المقاطع و ااحداث بشبكة ترابطات بعيدة تحقق سريالية واضحة في ال ص ‪.‬‬

‫و اما على مستوى الصور ففي ال ص مقاطع و عبارات اعتراضية و جزئية تتسم‬
‫بايحائية و توظيفات بوحية عالية كما في قوله ‪:‬‬

‫ُوأراد مي وس أن يجعل م ها سجًا للوحش الذي يسمى المي اتور‪ ,‬إذ كان‬
‫يضحى بسبعة من شباب أثي ا‪ ،‬وسبع عذارى لهذا الوحش كل س ةُماحظة‬
‫نحن نضحي أكثرأ‪ .‬أ‬

‫فبعد مقدمة تعريف المتاهة بين سبب وجودها ااسطوري ‪ ،‬و يبين انها اجل‬
‫الحماية من الوحش و باسلوب ارتدادي ي قدح استفهام مبطن بانه ما السبب‬

‫‪462‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الحالي لهذ المتاهة ؟ و تغير ع وانها و مع اها فصارت و سيلة الوحش‬


‫البشري لصيد الضعفاء في عالم الغاب الجديد ‪.‬‬

‫و يقول ‪:‬‬

‫ُلك ه لم يعرف أن التماسيح تب ي تحت الماء متاهة‪ ,‬تصور أنها تب يها ٓجل أن‬
‫تسحب فريستها وتأكلها بهدوء‪ ,‬دون تطفل آخرين وخصوصاً الحيوانات‬
‫ألقمامة‪ ,‬إا أن الباحثين أثبتوا أنها اتستعملها لهذا الغرضُالتماسيح اترى في‬
‫الظلمة وهي تحت الماءأ‪,‬‬

‫ه ا شعور و اشعار بامور خفية و ان اامور في عالم المتاهات ليست كما تبدو‬
‫‪ ،‬و ان الظاهر ليس كل شيء ‪ ،‬كما ان ه ا يظهر سلطة العلم في عصر العولمة‬
‫و عدم كفاية اافكار الموروثة و ااسطورية ‪.‬‬

‫و يصل الى الثيمة الرئيسية في ال ص ‪:‬‬

‫ُوضع وسادته تحت رأسه‪ ,‬إستغرق في نوم عميق بعد أن تبللت أطرافه وظهر‬
‫بالعرق ‪,‬نصحو أن يشرب ماء مالح ‪ ,‬هو شرب ماء العلقم ‪,‬عامات‬
‫أٓستفهام ت مو في مخيلته ‪,‬لم متاهة التماسيح ‪,‬ه اك متاهات في الحياة أ‬

‫بيان شخصية البطل الرئيسي في القصة وسط هذا المزاج العام من التيه و‬
‫الوهم ‪ ،‬نجد وصفه بالتعرق و الضغف و الحاجة للماء المالح انه يمثل‬
‫اانسان التائه في هذ المتاهات ‪ ،‬كما انه ا يعرف مصلحته و ربما يسعى‬
‫نحو المرارة بارادته و ربما بدافع و قوى خارجة عن ارادته حتى انه شرب‬
‫العلقم ثم يستحضر المتاهات المحلية بالسياسة العراقية و العميقة في‬
‫المعتقدات ثم في الحياة كلها كما هي خاتمة ال ص ‪.‬‬

‫‪463‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫اا انه مع ذلك هو ا يزال قادرا على التساؤل ‪ ،‬و يستفهم ‪ ،‬و ايضا مدرك‬
‫للوضع و الواقع ‪ ،‬لكن مجمل ااحداث و السرد يظهر انه عاجز و واهم ‪.‬‬

‫ثم يغرق البطل و يوغل في وهمه و حلمه حتى يصل الى ام ياته و تم ياته‬
‫العميقة و غاية م ا ‪ ،‬فيرى نفسه في الفردوس و ايضا يكون لديه تصورات غير‬
‫صحيحة ‪ ،‬حتى في هذا الجانب الذي عليه ان يتحفظ فيه على اعتقادته و‬
‫افكار ‪،‬وفق تساؤات كبيرة بين تطلعاته و تطلعات ااشياء و اامور‬

‫بتصور خيالي ‪:‬‬

‫ُ‪,‬قال لها حبيبتي ها نحن في الفردوس تم ي ‪ ,‬فاكهة أعطانيها الرب‪ ,‬عصير‬


‫محلى ‪ ,‬خمر ليس فيها غول‪ ,‬أنهار عسل‪ ,‬أنهار لبن مزكى كرائحة عطرك يوم‬
‫إلتقي ا ٓول مرة ‪,‬قالت له أمهل ي لحظة ٓستطلع أم ياتي أ‬

‫ثم يفيق او يتشظى اكثر فيعود الى العلم و سلطته ‪ ،‬فتصدمه الحقيقة بان‬
‫للمتاهة سببا اخر لم يكن بباله وا يشبهه ما في وجود و واقعه حيث انه ‪:‬‬

‫ُشغل التلفاز رأى إن أسباب ب اء التماسيح لمتاهتها هو سبب نفسي ‪,‬ع دما‬
‫تتعرض لضغط ما تلجأ اليها ٓخذ قسط من الراحة‪ ,‬ثم تعود لمزاولة حياتها‬
‫العادية‪ ,‬لكن مشكلته أن متاهته هي مساحة وطن ‪,‬والتماسيح قمامة ‪,‬لم يتسع‬
‫له المكان إستشهد ثانية‪ .‬أ‬

‫هكذا يجد نفسه في متاهة كبيرة تأسر كل شيء متاهة الوطن ‪ ،‬و متاهة ال فس‬
‫و اافكار ‪ ،‬انه نص ا يترك صغيرة و ا كبيرة اا تخبرك و تعلمك و تدلك‬
‫على التيه و المتاهاة في حياة اانسان المعاصر ‪.‬‬

‫‪464‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪465‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫مظاهر البوح في الشعر ااردني المعاصر‬

‫ُ التاريخ يح ترق \ مثل م دن بائسة \ م ّر \ به ا أس راب \ الج راد \‬


‫فلم يجد فيه ا \سوى المقاب ر أ‬
‫هشام ايوب‬

‫سر‬
‫سرا ‪ ،‬فبوح الشاعر كشف ّ‬ ‫السر‪ ،‬و لطالما كان الشاعر ّ‬
‫البوح كشف ّ‬
‫السر ‪ ،‬انه يرى ما ا يرى و يحكي ما ا يُحكى ‪ .‬البوح جوهر الشعر ‪ ،‬بل‬
‫ّ‬
‫ربما يمك ا ر ّد الشعر كله اليه ‪ ،‬فيتجلّى في المفردات في ااسلوب في‬
‫الموضوعات و في الصور ‪ ،‬بل نجد البوح يتجلّى في كل فرصة ممك ة ‪ .‬و من‬
‫ه ا يكون من الخطأ جدا تصور أ ّن الشاعر يخفي ع ا شيئا ‪ ، ،‬ان الشاعر‬
‫حي ما يكتب فانه ي طلق بأكبر سرعة ممك ة اجل اكبر قدر من البوح ‪ .‬ا ّن‬
‫الشعر ا يعرف ااخفاء ‪ ،‬و كما انه في مرآة التوصيل يتجلى البوح ‪ ،‬فانه في‬
‫اعماق اايحاء ايضا يتجلى ‪ ،‬فيكون التأجيل من جماليات البوح الفريدة ‪ ،‬اما‬
‫الغموض و التخفي فليس ه اك ما يجعله من الجمال ‪ .‬ان اللغة المحجبة‬
‫بالغموض لغة مصط عة اثبتت فشلها كتعبير انساني كما انها تعاني من السطحية‬
‫الف ية ‪ .‬و ا بد للغة الشعر من ان تبوح و تشير ‪ ،‬و اما التخفي و ااحجتاب‬
‫و الصومعات فربما هي لغة تجريبية لم تجد ما يساعد على حقيقيتها ‪ ،‬و شعرية‬
‫الشعر ا تقتضي ذلك ‪ ،‬و ا ت شد ذلك ‪.‬‬

‫‪466‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫البوح هو الفضاء العريض الذي تبحر فيه التوصيلية و اايحائية ‪ ،‬بلغة‬


‫ممتعة و جميلة ‪ ،‬و ا يجب ان تستمر معاناة القراءة ‪ ،‬و تعمد التخفي‬
‫المتكلّف غير المبرر ‪ ،‬و الحجب المصط عة التي يتوهم انها من صلب‬
‫الشعرية مجرد وهم ‪ ،‬بل بتجلي البوح و عمق المع ى و اابهار الصوري يكون‬
‫الشعر الحقيقي ‪.‬‬

‫البوح ركن من اركان اابداع ‪ ،‬فاضافة الى الف ية و الرسالية تكون‬


‫الجمالية هي الع صر الثالث من ع اصر اابداع ‪ ،‬و الجمالية تتمظهر في البوح‬
‫و التجريد ‪ .‬ان البوح الشعري يتجلى في التعبير و عوالم المع ى المعبر ع ها‬
‫حيث تجلي التجربة بالرؤية و الموقف ‪ .‬اما التعبير فيكون ملوناً بااسلوب و‬
‫الصور و قاموس االفاظ و المعاني و التوظيفات ‪ .‬وه ا س بحث أساليب البوح‬
‫في الشعر ااردني المعاصر باعتبار ع صرا جماليا مع نماذج تتجلى فيها‬
‫اشكال البوح ‪.‬‬

‫البوح التوصيلي‬

‫ه اك دوما مساحة م طقية بين المع ى و الصيغ المعبرة ع ه ‪ ،‬حي ما‬


‫يكون خط التعبير مستقيما و من دون واسطة يتحقق التعبير التوصيلي ‪،‬‬
‫فيكون الظهور للمع ى ‪ ،‬و لهذا ااسلوب وظيفيته و م اسباته و اهمها‬
‫ارادة البيان‪ ،‬و توصيل الوجدانيات دون تأجيل و ااقتران بالموسيقى‬
‫الشكلية ‪.‬‬

‫‪467‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫يوسف العلي الذي يختصر فكرة البوح الشعري في مقولة له ُأ ْن‬


‫اس لبكائكُ ! نرا يحلّق في مقطع شوق‬ ‫تكو َن شاعراً ‪..‬يع ي أ ْن يُص ّف َق الّ ُ‬
‫بهي رقيق اذ يقول ‪:‬‬

‫ُوحيداً \ على ض ّف ٍة في خيالي ‪ \ ..‬تمر علي ال ّد ُ‬


‫قائق َك ْسلى \‬
‫\‬ ‫ف‬‫توقّ َ‬ ‫الزما َن‬
‫ّ‬ ‫كأن‬
‫ِ‬
‫ااشتياق !أ‬ ‫في ذروةِ‬

‫وفي لوحة رقيقة وجدانية يقول صيام مواجدة ‪:‬‬

‫ُلم تُ ْف ِل ْح \ ُكل ُحروف الجر \ بجري \ في جدولك ال ُم ْ ِ‬


‫ساب \ لم‬
‫ب \ بِتَ ْ ِ‬
‫صيبي \في ساحة ٍ‬
‫قلب أ ْغرى بي أ‬ ‫صِ‬ ‫ِ‬
‫تُ ْفل ْح \ ُكل ُحروف ال ْ‬

‫و يقول سيد اللغة اايحائية هشام ايوب في بوح رقيق توصيلي ‪:‬‬
‫ُ ارتطم الجسد \ المحترق \ بآخر الكلمات \ من فضلك ا تبعثري‬
‫\ أحامي أ‬

‫وفي لغة عميقة تتجلى فيها التجربة يقول عاطف الحاج ‪:‬‬

‫ُحتى في آساطير‪ \ ،‬وع د آلهة اابتسام‪ \ ،‬وحوريات البحار‬


‫الضاحكة‪ \،‬حتى في آحجيات وآلغاز‪ \ ،‬لم يبتسم يوماً \غريق!! أ‬

‫و في مقطع يتجلى فيه الح ين و ااعتراض الشفاف تقول نبيلة حمد ‪:‬‬

‫‪468‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ُ أحن ل فسي التي في السراب \ ب ت أم ِ‬


‫يات الحياة اله ية \ وخالت‬ ‫ّ‬
‫الوفاء يضيء \ ظام ال فوس ويردي الدنية أ‬
‫َ‬ ‫بأن‬

‫و في تساؤات عميقة و شكوى يقول مختار العالم ‪:‬‬

‫ات؟! \ خرٓقٓ ال داء صدورنا \وطبقة‬


‫هل تسمعوا؟ \ ْأم أنّ ُك ْم أمو ْ‬
‫ُ ْ‬
‫خرت في البكاء أ‬
‫آوزون ّ‬

‫و في بوح عميق و اعتراض رفيع يقول سعيد يوسف‬

‫ص ْف ُر ‪َ //‬وَما ُؤ ُ َمالِ ٌح َوُمر أ‬ ‫ِ‬


‫ُأ َْوَرا ُق َه َذا الزَمان ُ‬

‫ونجد نضال برقان في بوح حواري تساؤلي يرثي الواقع المر يقول فيه ‪:‬‬

‫اس‬
‫يقتل ال َ‬
‫قلت \ إلى أين؟ قالت \ ‪ -‬إلى حيث ا ُ‬ ‫هرب؟ ُ‬‫ُهل س ُ‬
‫ش عن موتها‪ ،‬في الزحام‪ ،‬أ‬
‫أغادر‪ ،‬قالت \ وراحت تفتّ ُ‬
‫ناس \ أنا لن َ‬
‫ٌ‬

‫البوح اايحائي‬

‫ا بد من التأكيد ان اهم انجازات الكتابة اادبية الحديثة هو ترسيخ‬


‫اللغة اايحائية ‪ ، ،‬و كما ان للغة التوصيلية م اسبتها و وظيفتها فان للبوح‬
‫اايحائي وظيفته ‪ ،‬و بي ما اابهار قريب و الدهشة مت اولة في البوح‬
‫التوصيلي فانه عميق و متوهج في البوح اايحائي ‪.‬‬

‫و في الوقت الذي يحقق البوح اايحائي جمالية اسلوبية فانه ايضا‬


‫يشير الى م اطق ذوقية عميقة ‪ ،‬يمك ا و بالتتبع لل ماذج القول ان مواطن‬
‫تذوق اللغة اايحائية مختلفة بعض الشيء عن م اطق التذوق للغة‬

‫‪469‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫التوصيلية ‪ ،‬لذلك و بي ما تتربى الذوقية التوصيلية بشكل عادي و طبيعي‬


‫ع د كل انسان ‪ ،‬فان الذائقة اايحائية تحتاج الى تربية فعالة‪ ،‬و سيجد من‬
‫ت ضج ع د تلك الذائقة بداعة و جمال اللغة اايحائية و الشعر ال ثري‬
‫بالخصوص ‪.‬‬

‫في لوحة تعبيرية ايحائية ت دب الخواء و الواقع المرير يقول هشام‬


‫ايوب ‪:‬‬

‫ُ أسراب ال ح ل \ تهاج ر \آخر الربي ع \ لتتجمد \ فوق‬


‫مرتفع ات \ الصقيع*** التاريخ يح ترق \ مثل م دن بائسة \ م ر \ به ا‬
‫أس راب \ الج راد \فلم يجد فيه ا \سوى المقاب ر أ‬

‫و في لوحة فذة ترسم العجز المرير يقول هشام ايوب ‪:‬‬

‫اة \‬ ‫ُ فاشل ة ِ‬
‫أنت \ في رس م الشف ا \ في رس م خط\ الحي‬
‫صورة أحاديّة الل ْون \ رمادية أ‬

‫و في مقطع تعبيري عميق يقول يوسف العلي ‪:‬‬

‫زجاج‬
‫فسال على ِ‬
‫السماءُ \ َ‬
‫موع ‪ :‬ما تب ّخ َر مّي \ ولم تحتض هُ ّ‬
‫ُال ّد ُ‬
‫عيوني ! أ‬

‫و في لغة تعبيرية عميقة يقول ‪:‬‬

‫ليست سوى‬ ‫الح ين \ إنّ ي أحترق \وهذ القصائ ُد \‬ ‫ُ ِ‬


‫ْ‬ ‫وقود َ‬
‫العط ُْر ُ‬
‫رمادي ! أ‬

‫‪470‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫و في بوح تعبيري عميق وخيبة امل و انكشاف حقيقة يقول نضال برقان‬
‫‪:‬‬
‫ٍ‬
‫أكذوبة دهمتها‬ ‫انكسرت فجأ ًة مثل‬
‫ْ‬ ‫عكست ضوء أسمائِ ا‬
‫ْ‬ ‫ُالسماءُ التي‬
‫اس سوآتِهم‬
‫حر ُ‬
‫اس ها لم يكونوا كما زعموا طيبين هم‪ ،‬اآن‪ّ ،‬‬
‫حر َ‬
‫الحقيقةُ لكن ّ‬
‫الخر ِ‬
‫اب الذي بي ا والصدى‪ .‬أ‬

‫ا ّن البحث في جوانب البوح الف ي اضافة الى ااسلوب ‪،‬‬


‫يتضمن البحث الصوري و تجلي التجربة و قاموس المعاني و االفاظ‬
‫و التوظيف ‪ ،‬و رغم ان ما اشرنا اليه يكشف عن كثير من هذ‬
‫الجوانب اا انها في حقيقة اامر تحتاج الى ابحاث مستقلة مطولة‬
‫س عمد الى بحثها في المستقبل ان شاء اه ‪.‬‬

‫‪471‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫الف رست‬
‫امقدمة ‪ϯ ................................... ................................ ................................‬‬

‫الجهة ااولى ‪ :‬ااسلوبيات ال صية ‪ϰ ......................................... ................................‬‬

‫القسم آول ‪ :‬المعادات التعبيرية ‪ϰ ..................................... ................................‬‬

‫تجليات العوامل و المعادات التعبيرية في الشعر الصوري ‪ϰ ............ ................................‬‬

‫المعادل الجمالي في مجموعة ُ وحيدا دون العصور أ للشاعر عباس باني المالكي ‪ϭϱ ...................‬‬

‫صي في سردية ُ ع ز و قِدر و إبريق أ لفريد قاسم غانم ‪ϰϲ ..................‬‬


‫الرمزية البسيطة و التأريخ ال ّ‬
‫خلق الرمز و التاريخ ال صي ‪ ،‬تبتل في محراب القلب نموذجا ‪ϱϰ ......................................‬‬

‫مظاهر الشعر العالي في ُنشيد الماء أ للشاعر عيسى ابو راغب ‪ϲϰ ....................................‬‬

‫لغة آلم في قصيدة ُ أبي قد ماتأ لعيسى ابو الراغب ‪ϳϰ ............ ................................‬‬

‫العالم الصوري الموازي في قصيدة ُ ع دما احترق المطر أ للشاعرة العراقية سلمى حربة ‪ϵϭ .............‬‬

‫الرمزية التعبيرية ع د هاني ال واف ‪ϵϴ ................................. ................................‬‬

‫اللغة الرمزية في الشعر التونسي المعاصر ‪ϭϬϳ ........................ ................................‬‬

‫اانزياح الشعري ‪ ُ ،‬الوجه السابع أ للشاعرة ميادة العاني نموذجا ‪ϭϭϵ .................................‬‬

‫قصيدة الومضة في الشعر العراقي المعاصر ‪ϭϯϯ ...................... ................................‬‬

‫احضار الغياب في مجموعة ُحي ما تجلت بين يديه أ للشاعر رحيم زاير الغانم ‪ϭϱϬ .....................‬‬

‫مظاهر الضربة الشعورية في اادب العذب ‪ϭϱϱ ....................... ................................‬‬

‫مظاهر التوظيفات التعبيرية في ُ نوافل السبي في قصور الحضارة أ لبارقة أبو الشون ‪ϭϲϳ ...............‬‬

‫تلوين الكلمات في مجموعة ُللفرات المسافر أبجدية ثانية أ للشاعر اسماعيل عزيز ‪Ϯϭϵ ...............‬‬

‫جماليات أسلوب إحضار الكلي بالجزئي ‪ϮϯϮ ........................ ................................‬‬

‫‪472‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫اللغة العميقة ع د إيمان مصاروة ‪Ϯϯϵ ................................ ................................‬‬

‫شجن أ إيمان مصاروة ‪Ϯϰϯ ..................................‬‬ ‫ِ‬


‫ات على مفارق ْ‬
‫اللغة المتقابلة في ُ عبار ْ‬

‫ال ص الكامل ُ كلمة المرور أ للشاعرة الدكتورة سجال الركابي نموذجا ‪Ϯϱϱ ...........................‬‬

‫القسم الثاني ‪ :‬السردية التعبيرية ‪Ϯϲϭ .................................... ................................‬‬

‫اشكال الشعر السردي ُ السردية التعبيريةأ في ديوان ُ بغداد في حلتها الجديدة أ للشاعر كريم عبد اه‬
‫‪Ϯϲϭ .............................. ................................ ................................‬‬
‫السردية التعبيرية ؛ ُ حي ما يحلق الفي يق بقيثارة سومرية أ نموذجا ‪Ϯϳϳ .................................‬‬

‫السردية التعبيريية رياض الغريب و ناظم ناصر نموذجا ‪Ϯϴϳ ............ ................................‬‬

‫مظاهر الفسيفسائية و لغة المرايا في كتاب الفصول الخمسة ُكليلة و دم ة أ ‪Ϯϵϵ .....................‬‬

‫اسلوبيات ال ص الفسيفسائي و الترادف التعبيري ع د كريم عبد اه ‪ϯϮϬ ...............................‬‬

‫لغة المرايا و ال ص الفسيفسائي ‪ϯϮϲ ................................. ................................‬‬

‫لغة المرايا و الفسيفسائية في نص ُ حوار الصدى و المرآةأ للشاعر عصام سلمان ‪ϯϯϬ .................‬‬

‫القسم الثالث ‪ :‬المتموجة و ال ثروشعرية ‪ϯϯϳ ............................. ................................‬‬

‫اللغة المتموجة و ال ثروشعرية ‪ϯϯϳ ................................... ................................‬‬

‫التضاد و التوافق ال ثرو شعري ‪ ،‬نصوص حسن المهدي نموذجا ‪ϯϰϮ ..................................‬‬

‫السردية التعبرية و اسلوبياها ‪ϯϱϮ ..................................... ................................‬‬

‫وقع ة الخيال و التموج التعبيري في السردية التعبيرية ‪ϯϲϰ ............. ................................‬‬

‫القسم الرابع ‪ :‬البوليفونية ‪ϯϳϭ ............ ................................ ................................‬‬

‫مامح البوليفونية في نصوص السردية التعبيرية ‪ϯϳϲ ................... ................................‬‬

‫الشعر بين التقليلية و البوليفونية ‪ϯϴϳ ................................ ................................‬‬

‫القسم الخامس ‪ :‬التجريدية ‪ϯϵϮ ........................................ ................................‬‬

‫ال ص التجريدي الفكرة و ال موذج ‪ϯϵϮ .............................. ................................‬‬

‫جوالة أ ‪ϯϵϳ .................. ................................‬‬


‫مظاهر التعبيرية التجريدية في ُ أم يات ّ‬
‫القسم السادس ‪ :‬ال ص العابر لاج اس ‪ϰϬϮ ............................. ................................‬‬

‫‪473‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫ال ص الحرة ‪ϰϬϮ ................... ................................ ................................‬‬

‫ااسلوب المفتوح ع د فريد قاسم غانم ‪ϰϬϲ .......................... ................................‬‬

‫القسم السابع ‪ :‬اللغة التقليلية ‪ϰϭϮ ...................................... ................................‬‬

‫قصيدة الكلمة الواحدة ‪ϰϭϮ ......................................... ................................‬‬

‫ااشراق و التجلي في ال صوص التقليلية ‪ϰϭϱ ........................ ................................‬‬

‫القسم الثامن ‪ :‬اللغة التبادلية ‪ϰϮϯ ....................................... ................................‬‬

‫المشترك التعبيري و اللغة التبادلية ع د أنور غ ي الموسوي ‪ϰϮϯ ...................................... .‬‬

‫القسم التاسع اللغة الهامسة ‪ϰϯϬ .................................... ................................‬‬

‫القسم العاشر ‪:‬البوح التعبيري ‪ϰϯϲ ...................................... ................................‬‬

‫ُُ مظاهر البوح التعبيري ااقصى في مجموعة ُ أسطورة عشق أ الشعرية للشاعرة فراقد السعدأأ ‪ϰϯϳ ....‬‬

‫لغة ال داء في قصيدة ُ عفوا عراق المجدأ لشال ع وز ‪ϰϰϰ ..........................................‬‬

‫مستويات البوح في القصة السريالية ُ متاهة التماسيح أ للدكتور غالب المسعودي ‪ϰϱϴ .................‬‬

‫مظاهر البوح في الشعر ااردني المعاصر ‪ϰϲϱ ........................ ................................‬‬

‫‪474‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪475‬‬
‫التعبير اادبي الجزء اأ ل‬

‫‪476‬‬

You might also like