You are on page 1of 9

‫تحليل دالية املتنبي‬

‫ا‬
‫أوًل‪ :‬املستوى التركيبي‪ /‬البنية التركيبية والظواهر األسلوبية‪:‬‬
‫أسلوب اًلستفهام‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ويلحظ أن بنية التراكيب اًلستفهامية ‪-‬في دالية املتنبي‪ -‬توزعت على ثنائية الحضور (الخطاب)‬
‫والغياب‪ ،‬أما على صعيد الحضور فإن اًلستفهام كغيره من أساليب الطلب يأوي الباث فيه إلى‬
‫إسهام املخاطب الذي يتحول من متقبل مجرد إلى طرف مشارك‪ّ ،‬‬
‫ولعل الحضور السياقي لآلخر‬
‫على هيئة (أنا) أو (أنت) من أبرز مظاهر املتقبل في الناتج الدًللي‪ ،‬وآية ذلك األبيات اآلتية‪:‬‬
‫عيد ‪ ...‬بما مض ى أم بأمرفيك تجديدُ‬ ‫عيد ب َأ ّية حال ُعدت يا ُ‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫وتسهيد‬ ‫أخمرفي كؤوسكما ‪ ...‬أم في كؤوسكما ٌّ‬
‫هم‬ ‫ٌ‬ ‫يا سا ِق َّ‬
‫يي‬
‫ٌ‬
‫أ صخرة أنا؟ ما لي ال تحركني ‪ ...‬هذي املدام وال هذي األغار ُيد‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫محسود‬ ‫باك منه‬‫ماذا لقيت من الدنيا وأعجبه ‪ ...‬أني بما أنا ٍ‬
‫حينا إلى ‪ /‬أنت ‪ٌ /‬‬‫ا‬
‫سواء كان يتمثل في الزمن (العيد)‬ ‫اًلستفهام في األبيات السابقة يتوجه‬
‫ا‬
‫أم يتمثل في (ساقيي الخمر)‪ ،‬ويتوجه حينا آخر إلى ‪ /‬أنا ‪ /‬وهو الشاعر نفسه‪ ،‬ونرى‬
‫امتعاض املتنبي لنفسه عبر توجيه الخطاب إلى ذاته‪.‬‬

‫ّ‬
‫ويتكرر اًلستفهام على نسق الغياب في النص الشعري خمس مرات‪ ،‬ومثال ذلك قوله في‬
‫األبيات اآلتية‪:‬‬
‫ص َر َت ْم ُ‬
‫هيد‬ ‫يد ُه ‪َ ...‬أو َخ َان ُه َف َل ُه في م ْ‬ ‫السوء َس َ‬ ‫ُّ‬ ‫بد‬‫ال َع ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َّ ْ َ‬
‫ت‬ ‫ـأ كلما اغ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصيدُ‬ ‫ُ‬
‫آباؤ ُه ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ ْ ُ َ ً َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫عل َ‬‫َّ‬
‫ِ‬ ‫أم‬ ‫يض‬ ‫الب‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫وم‬ ‫ق‬ ‫أ‬ ‫‪...‬‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ملخص‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫األسود‬ ‫م‬ ‫من‬
‫بال َف ْل َس ْين َم ْر ُ‬
‫دود‬
‫ْ‬
‫وهو‬ ‫ه‬ ‫دامية ‪َ ...‬أ ْم َق ْد ُر ُ‬
‫ً‬
‫خاس‬
‫ّ‬
‫الن‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ّأ ْم أذنه في َ‬
‫ي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صي ُة ُّ‬
‫السودُ‬ ‫فكيف الخ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫الجميل‬
‫ِ‬ ‫عاجزة ‪ ...‬ع ِن‬ ‫البيض ِ‬ ‫وذاك أن الفحول ِ‬
‫وجه‬
‫تتمركز داللة االستفهام يف األبيات حول الغياب‪ ،‬ولو ذكر الشاعر املخاطب (كافور) أو ّ‬
‫إليه اخلطاب مباشرةً‪ ،‬الحنصرت إحياءات األسلوب يف كافور اإلخشيدي وحده وال يشمل‬
‫غريه‪ ،‬وهذا ما جيعل دالالت األبيات منفتحة على الكل ال منغلقة على اجلزء‪ ،‬فضالً عن أن‬
‫نسق الغياب يساعد املتنيب يف إضفاء ٍ‬
‫لون من التعتيم على النص حىت ال تصل املعاين اهلجائية‬
‫الالذعة إىل كافور على حنو مباشر‪ ،‬ألن التلميح ابهلجاء أغىن دالل ًة من التصريح به‪.‬‬

‫وهبذا ميكننا القول‪ :‬إ ّن "االستفهام هو املالذ الرئيسي الذي ينقذ القصيدة من الوقوع يف شرنقة‬
‫السكون"‪ ،‬ومن الطريف ان نلحظ أ ّن االستفهام أصبح تقنية تعمل على تشكيل بنية مدورة‬
‫تتمثل يف التوافق بني املطلع واخلامتة‪ ،‬فالنص الشعري يبدأ ابالستفهام وينتهي ابالستفهام‬
‫أيضاً‪ ،‬ممّا يؤكد حركية القصيدة وانطالقتها إىل ما هو أبعد لتجسيد االنفعاالت الوجدانية اليت‬
‫متور يف نفس الشاعر‪.‬‬

‫‪ -2‬أسلوب النفي‪:‬‬
‫يشكل أسلوب النفي ـ الصريح والضمين ـ أحد أبرز الظواهر األسلوبية يف القصيدة‪ ،‬وقد‬
‫متت تشكيالته أبدوات متنوعة (لوالـ مل ـ ما ـ ليس ـ ال)‪ ،‬غري أن األداة األكثر دوراانً يف‬
‫مكررة كما يف األبيات اآلتية‪:‬‬ ‫النص هي (ال)‪ ،‬وغالبًا ما أتيت ّ‬
‫ْي وال ِجي ُد‬ ‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫هر م ْن قَ لْيب وال كبدي ‪ ...‬شيئاً تُتيّ ُمهُ َع ٌْ‬ ‫مل يرتُك َّ ُ‬
‫أ صخرةٌ أان؟ مايل ال حتركين ‪ ...‬هذي املدام وال هذي األغاري ُد‬
‫ود‬
‫سان فال كانُوا وال اجلُ ُ‬ ‫ودهم ‪ِ ...‬من اللِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ود َّ ِ‬
‫َ‬ ‫الرجال من األيدي َو ُج ُ ُ‬ ‫ُج ُ‬
‫ِ‬ ‫ْن ُمن َفتِ ٍق ‪ ...‬ال يف َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النسوان َم ْع ُدود‬ ‫الرجال وال‬ ‫م ْن ُك َّل ِر ْخ ٍو ِوكاء البَط َ‬
‫مرد هذا االستخدام الكثيف وذلك التوزيع املتوازن إىل أ ّن األداة (ال) تقوم بوظيفة‬
‫لعل ّ‬
‫ّ‬
‫اجملال للشاعر لكي ينفس عن امتعاضه‬ ‫آن واحد‪ ،‬فهي تتيح َ‬ ‫داللية وفنية مزدوجة يف ٍ‬
‫الداخلي‪ ،‬كما تكشف عن شدة غضبه على كافور اإلخشيدي‪.‬‬

‫‪ -3‬أسلوب االعرتاض‪:‬‬
‫يؤدي االعرتاض بني ُركين اجلملة دوراً ابلغ األمهية يف إثراء النص ابملعاين اإلضافية اليت يبغي‬
‫الشاعر إاثرهتا‪ ،‬من ذلك قوله‪:‬‬
‫ُ‬
‫حمسود‬
‫ُ‬ ‫ابك منه‪-‬‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫يت ِم َن ُّ‬
‫الدنيا وأَعجبهُ ‪ ...‬أََن ‪-‬مبا َأان ٍ‬ ‫ماذا لَِق ُ‬
‫إن االعرتاض الذي وقع بني اسم إن وخربها يصور الواقع النفسي املؤمل الذي يعيشه‬
‫الشاعر‪ ،‬مثلما يوحي إبساءة اإلخشيدي إليه‪ ،‬فضالً عن أن االعرتاض هو الذي يعطي‬
‫القيمة الداللية لالستفهام الوارد يف بداية الصدر (ماذا)‪ ،‬ولعجبه يف هناية الصدر‬
‫(وأعجبه)‪.‬‬

‫ويعمل االعرتاض على إبراز ثنائية اإلقامة والرحيل يف قوله‪:‬‬


‫الرت َح ِ‬ ‫ِ‬
‫حمدود‬
‫ُ‬ ‫ال‪-‬‬ ‫ض ْي ُف ُه ْم ‪َ - ...‬ع ِن الق َرى وعن َّْ‬ ‫ْت بِ َك ّذ َ‬
‫ابْي َ‬ ‫إِ َّن نَ َزل ُ‬
‫يعمق االعرتاض هنا مغزى اهلجاء الساخر‪ ،‬لكونه مبنياً على مفارقة عجيبة تؤشر إىل‬
‫انعدام االستضافة الالئقة ابلشاعر‪ ،‬وعدم التخلي عنه لريحتل ُحّراً طليقاً‪.‬‬
‫وقد ورد االعرتاض يف مواضع أخرى من القصيدة‪ ،‬من ذلك قوله‪:‬‬
‫ِ‬
‫ود‬ ‫الع ْ ِ‬
‫ْي َم ْفئُ ُ‬ ‫ْي َ‬ ‫ضام َسخ ُ‬ ‫إِ َّن ْامرءاً أ ََمةٌ ُحبلى تُ َدبُِّرهُ ‪ ...‬لَ ُم ْستَ ٌ‬
‫ود‬
‫ف وال جرداءُ قَـْي ُد ُ‬ ‫أجوب هبا ‪َ ...‬و ْجنَاءُ َح ْر ٌ‬
‫ُ‬ ‫ب يب ما‬ ‫لوال العُلَى مل ََتُ ْ‬
‫ففي األمثلة كلها خيدم االعرتاض البنية الكلية للقصيدة من حيث تعميق املغزى وإفراز‬
‫املعاين اإلحيائية‪ ،‬حىت يظهر النص وكأنه كتلة مرتاصة تركيباً وداللة‪.‬‬
‫‪ -4‬أسلوب احلذف‪:‬‬
‫من ذلك قوله يف مطلع القصيدة‪:‬‬
‫ضى أم ِِبَم ٍر َ‬
‫فيك ََتْدي ُد‬ ‫دت اي عي ُد ‪ ...‬مبا َم َ‬ ‫عي ٌد ِِبيَِّة ٍ‬
‫حال عُ َ‬
‫إ ّن األصل اللغوي هلذا التعبري هو (هذا عي ٌد)‪ ،‬غري أن الشاعر أسقط املبتدأ واكتفى بداللة‬
‫اخلرب توجعاً منه فيما آلت إليه األوضاع من القطيعة بني احملبني يف العيد‪ ،‬فضالً عن أن‬
‫احلذف ُحيدث لوانً من التوازي الصويت بني بداية الشطر األول وهنايته‪.‬‬

‫كافورا يتخذه وسيل ًة لتحقيق مرامي الشهرة والصيت يفيد من حذف‬


‫أحس املتنيب أبن ً‬
‫وإذ َّ‬
‫املبتدأ للرتكيز على داللة اخلرب وإبراز موقعه يف التعبري‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫مقصود‬
‫ُ‬ ‫عظيم الق ْد ِر‬
‫قال ُ‬ ‫أيكل ِمن زادي وُُيِس ُكين ‪ ...‬لكي يُ َ‬
‫َج ْوعا ُن ُ‬
‫الشاعر إىل حذف املبتدأ (هو) يف صدارة البيت ويف حشوه‪ ،‬والتقدير (هو جوعان)‬ ‫ُ‬ ‫عمد‬
‫و (هو عظيم القدر)‪ ،‬إبراز جشع املهجو وطمعه الشديدين يف األول‪ ،‬حىت كأنه ال يشبع‬
‫من طعامه هو فيم ّد يده إىل طعام ضيوفه‪ ،‬كما يركز يف الثاين على التفاخر األجوف الذي‬
‫يبغيه كافور من مدح املتنيب ّإّيه حىت يقال عظيم القدر رفيع الشأن‪ ،‬لذا يقصده املتنيب‬
‫كل هذه املعاين اإلحيائية بتوظيف احلذف يف األداء‪ ،‬إذ أن من‬
‫الشاعر َّ‬
‫ُ‬ ‫مبدائحه‪ ،‬وقد أاثر‬
‫قيمة احلذف األسلوبية هو تركيز انتباه املتلقي ولفت ذهنه إىل احلدث أو الوصف دون‬
‫سواه‪.‬‬

‫اثنيًا‪ :‬البنية الداللية املتمثلة يف الصور البيانية‪:‬‬


‫اًلستعارة‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ ْ َ ْ َ‬ ‫َ ْ‬
‫عالبها ‪ ...‬فق ْد َب ِش ْم َن وما تفنى العنا ِقيد‬
‫نامت نواطير ِمص ٍرعن ِ‬
‫ث‬
‫إن عدول كل من األلفاظ الثلثة (نواطير ـ ثعالبها ـ العناقيد) من دًللتها املعجمية (حافظ‬ ‫ّ‬
‫معان ثانية (السادات ـ األراذل ـ األموال) يتيح املجال‬
‫الزرع ـ الحيوان املعروف ـ ثمر العنب) إلى ٍ‬
‫ا‬ ‫للشاعر لحشد بعض املعاني السلبية في إيجاز شديد‪ ،‬ومن ّ‬
‫ثم رمي املهجو بها دفعة‬
‫ا‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫سمت أبعاد صورة مزرية للمهجو بكونه ثعلبا يجول‬ ‫واحدة‪ ،‬فضل عن أن اًلستعارة قد ر‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫في أطراف البلد آكل وشاربا حتى أخذته التخمة‪ ،‬وترى ُحراس البلدة‪ ،‬القائمين على‬
‫ا‬
‫حمايتها وحفظها‪ ،‬في غفلة عن هذا الثعلب الجشع الذي عاث في أموال الناس فسادا‪.‬‬

‫َ َ ُ‬ ‫ُتط ُ‬ ‫وب م ْش َف ُر ُ‬ ‫َ َ ُ‬
‫عاد ُيد‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الر‬ ‫يط‬
‫ر‬ ‫ا‬‫ض‬ ‫الع‬ ‫ذي‬ ‫يع ُ‬
‫ه‬ ‫ِ‬ ‫‪...‬‬ ‫ه‬ ‫ِ‬
‫املثق َ‬ ‫َّ‬
‫وأن ذا األسود‬
‫ّ‬
‫للمهجو استهز ااء به وسخرية‪.‬‬ ‫املشفر في األصل للبعير‪ ،‬وقد جعله املتنبي سمة‬

‫‪ -2‬التشخيص‪:‬‬
‫فيك َت ْج ُ‬ ‫َ‬
‫عيد ‪ ...‬بما َم َض ى أم بأمر َ‬ ‫ُ َ‬
‫دت يا ُ‬ ‫ٌ‬
‫عيد ب َّ‬
‫ديد‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ع‬ ‫حال‬
‫ٍ‬ ‫ة‬‫ِ‬ ‫أي‬ ‫ِ‬
‫تحول العيد إلى عاقل يشارك املتنبي همومه‪.‬‬

‫ُ‬
‫الحنين بالشاعر إلى استذكار أهله راح يخاطب البيداء على طريقة التشخيص‬ ‫وحين استبد‬
‫ا‬
‫أيضا‪:‬‬
‫يد‬
‫ً‬
‫يدا ُدونها ب ُ‬ ‫ب‬ ‫دونك‬
‫َ‬
‫فليت‬ ‫‪...‬‬ ‫داء ُد ُ‬
‫ونه ُ‬
‫م‬ ‫ّأما األح ّب ُة َف َ‬
‫الب ْي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ -3‬الكناية‪:‬‬
‫َ‬
‫النسوان َم ْع ُد ُ‬ ‫الب ْط َن ُم ْن َف ِتق ‪ ...‬ال في َّ‬
‫م ْن ُك َّل ر ْخو وكاء َ‬
‫ود‬ ‫ِ‬ ‫وال‬ ‫جال‬ ‫الر‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ٍ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫كناية عن أنه ًل يمسك ما في بطنه من ريح‪ ،‬فهو دائم الفساء‪.‬‬

‫بال َف ْل َس ْين َم ْر ُ‬
‫دود‬
‫ْ‬
‫وهو‬ ‫دامية ‪َ ...‬أ ْم َق ْد ُر ُ‬
‫ه‬
‫ً‬
‫اس‬‫خ‬
‫ّ َّ‬
‫الن‬ ‫ي‬‫د‬ ‫ّأ ْم أذنه في َ‬
‫ي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إن البيت كله أسلوب كنائي يرسم املهجو‪ ،‬وهو في قبضة ّبياع الرقيق (النخاس) الذي‬
‫عبدا‪ ،‬والنخاس يريد أن يبيعه بثمن بخس (فلسين) لكنه‬‫يمسك أذنه علمة على كونه ا‬
‫مع ذلك ًل يشتريه أحد‪ ،‬كناية عن تفاهته وحقارته‪.‬‬

‫‪ -4‬املفارقة‪:‬‬
‫املقصود بها‪ :‬تعبير لغوي بأسلوب بليغ يهدف إلى استثارة القارئ وتحفيز ذهنه لتجاوز‬
‫املعنى الظاهري املتناقض للعبارة والوصول إلى املعاني الخفية التي هي مرام الشاعر‬
‫الحقيقي‪.‬‬
‫والتناقض سمة بارزة في حياة املتنبي‪ ،‬ألنه عاش في صراع دائم بين الواقع واملثال‪ ،‬وبين األمل‬
‫واليأس‪ ،‬وبين الحزن والسرور‪ ،‬فكان شعره صورة لنفسه املضطربة املتناقضة‪.‬‬

‫ُ‬ ‫َ َّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َّ ُ ّ ّ‬
‫موجود‬ ‫البيضاء‬
‫ِ‬ ‫أبي‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ث‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ن‬‫وأ‬ ‫‪...‬‬ ‫دوا‬‫ق‬‫وال توه ْمت أن الناس قد ِ‬
‫ف‬
‫كنى عن كافور اإلخشيدي بأبي البيضاء‪ ،‬مع أنه كان أسود‪ ،‬بل شديد السواد‪ ،‬ومن خلله‬ ‫ّ‬
‫يمكن القول بان الدًللة العميقة لهذا التناقض الدًللي هو السخرية اللذعة من لون‬
‫اإلخشيدي وهيأته بإعطائه صفة التضاد‪.‬‬

‫وبالطريقة نفسها يسخر من آبائه وأجداده ا‬


‫نافيا عنهم أي ُ‬
‫مكرمة تضعهم في مصاف الكرام من‬
‫الناس‪:‬‬
‫الص ُ‬ ‫ُ‬
‫آباؤ ُه ّ‬ ‫وم ُه الب ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ملخص َّي َمك ُر َمة ‪ ...‬أق ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫عل َ‬
‫يد‬ ‫ِ‬ ‫أم‬ ‫يض‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا‬ ‫األسود‬ ‫م‬ ‫من‬
‫وقد تولد املفارقة لدى املتنبي نتيجة الذات الحزينة املؤملة‪ ،‬فتقلب األمور إلى أضدادها‪:‬‬
‫عيد ‪ ...‬بما َم َض ى أم ب َأمر َ‬
‫فيك َت ْجديدُ‬ ‫دت يا ُ‬‫ُ َ‬
‫حال ع‬ ‫ٌ َّ‬
‫ِ ٍ‬ ‫عيد ِبأي ِة ٍ‬
‫العيد في نفسه الفرح والسرور ـ كما هو املعتاد ـ فإنه كان ا‬
‫سببا في إثارة‬ ‫فبدل من أن يبعث ُ‬
‫مشاعر الحزن واألس ى‪.‬‬

‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ ُّ ْ َ َ ُ ُ َ‬
‫محسود‬ ‫باك منه‬
‫ماذا ل ِقيت ِمن الدنيا وأعجبه ‪ ...‬أني بما أنا ٍ‬
‫إنها املفارقة الكبرى التي تعكس لنا شدة أمله‪ ،‬فرغم بؤسه وشقائه لكنه محسود من الناس‪.‬‬

‫‪ -5‬جمع التكسير‪:‬‬
‫وردت جموع التكسير بنسبة عالية يبلغ عددها ثلثين صيغة (ثعالبها‪ ،‬العناقيد‪ ،‬أنجاس‪،‬‬
‫ّ‬
‫مناكيد‪ ،‬الخصية السود‪ ،‬آباؤه البيض‪ ،‬اللئام‪ ،‬العبيد ‪ ،) ...‬وجلها ترتبط باملعاني السلبية‬
‫الرامية إلى التقليل من قدر املهجو و الحط من منزلته‪ ،‬والجمع بدوره يكثف الطاقة األسلوبية‬
‫لأللفاظ‪ ،‬وكأن الشاعر يوحي إلى القارئ بأن اإلخشيدي هو مجمع السيئات وملتقى الرذائل‪،‬‬
‫ويلحظ أن الصيغة التي وردت عليها غالبية جموع التكسير هي صيغ الكثرة وصيغ منتهى‬
‫الجموع‪.‬‬

‫ا‬
‫ثالثا‪ :‬املستوى الصوتي‪ /‬البنية اإليقاعية‪:‬‬
‫البعد األول‪ :‬قد أطلق الباحثون املحدثون على التوافقات الصوتية الداخلية مصطلح "التوازي"‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ٌ‬
‫وهو "عبارة عن عنصر بنائي في الشعر يقوم على تكرار أجزاء متساوية"‪.‬‬
‫‪ -1‬يتجلى أول مظهر من مظاهر التوازي بوضوح في مطلع القصيدة من خلل لجوء املتنبي إلى‬
‫(التصريع)‪:‬‬
‫فيك َت ْج ُ‬ ‫َ‬
‫عيد ‪ ...‬بما َم َض ى أم بأمر َ‬
‫دت يا ُ‬‫ُ َ‬ ‫ٌ‬
‫عيد ب َّ‬
‫ديد‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ع‬ ‫حال‬
‫ٍ‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫أي‬ ‫ِ‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫‪ُ -2‬ي ُّ‬
‫عد التصدير (ر ّد العجزعلى الصدر) من صور التوازي التي تحدث تناظرا صوتيا وتناسبا‬
‫ا‬
‫إيقاعيا بين الشطرين‪ ،‬ويظهر ذلك في قوله‪:‬‬
‫الج ُ‬ ‫ُ‬
‫كانوا وال ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ ُ ُ ُ‬ ‫ُ ُ َّ‬
‫ود‬ ‫سان فال‬
‫األيدي وجودهم ‪ِ ...‬من ِ ِ‬
‫الل‬ ‫جال من ِ‬ ‫جود الر ِ‬

‫‪ -3‬وقد حفلت القصيدة بلو ٍن آخر من ألوان التوازي الصوتي‪ ،‬وهو (الجناس) الذي يجمع‬
‫بين التماثل الصوتي والتكثيف الدًللي‪ ،‬وتتجسد هذه املوازاة املوسيقية في أبيات متفرقة‬
‫ُ‬
‫(جود‪//‬عود)‪،‬‬ ‫(جيد‪ //‬بيد)‪( ،‬تسهيد‪//‬تمهيد)‪( ،‬مفقود‪//‬مفؤود)‪،‬‬ ‫بين دوال عديدة هي ِ‬
‫(محسود‪ //‬محمود)‪( ،‬مولود‪ //‬موجود)‪( ،‬محدود‪//‬معدود)‪ُ ،‬ويلحظ أن الجناسات كلها‬
‫قار في القصيدة‪ ،‬وهو القافية‪ُ ،‬ويعرف هذا بـ (جناس القوافي)‪.‬‬
‫قد استقرت في موقع ّ‬

‫سواء كان التكر ُار على صعيد‬


‫‪ -4‬ومن وجوه التوازي في القصيدة ظاهرة (التكرار)‪ ،‬ا‬
‫الفونيمات (األصوات) أم على صعيد الدوال (األلفاظ)‪.‬‬
‫فمن تكرار الفونيمات على نحو ًلفت للنظر قوله‪:‬‬
‫ديد‬
‫َ‬ ‫عيد ‪ ...‬بما َم َض ى أم ب َأمر َ‬
‫فيك ت ْج ُ‬ ‫ُ َ‬
‫دت يا ُ‬‫حال ع‬ ‫ٌ َّ‬
‫ِ ٍ‬ ‫عيد ِبأي ِة ٍ‬
‫ُ‬
‫الشاعر صوت الياء الطويل والقصير عشر مرات‬ ‫ّ‬
‫كرر‬

‫ويردد املتنبي صوت (األلف) سبع مرات في قوله‪:‬‬


‫َ‬
‫جرداء ق ْي ُد ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬
‫ود‬ ‫ُ‬ ‫أجوب بها ‪َ ...‬و ْجن ُاء َح ْرف وال‬
‫ُ‬ ‫العلى لم ت ُج ْب بي ما‬ ‫لوال‬
‫وربما يعود السبب في هذا التردد الواضح لأللف إلى أنها تسمح املجال للشاعر للتعبير عن الحزن‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ّ‬
‫قطيعة دامت ردحا طويل من الزمن‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫العالق بنفسه وبث شكواه من‬
‫ومن تكرار الدوال قوله‪:‬‬
‫يد‬
‫ً‬
‫يدا ُدونها ب ُ‬ ‫ب‬ ‫دونك‬
‫َ‬
‫فليت‬ ‫‪...‬‬ ‫داء ُد ُ‬
‫ونه ُ‬
‫م‬ ‫ّأما األح ّب ُة َف َ‬
‫الب ْي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إن تكرار (البيداء) وجمعه ثلث مرات يكشف عن العبء الثقيل الذي تركه النأي على نفسية‬
‫الشاعر‪.‬‬

‫ّأما ُ‬
‫البعد الثاني من البنية اإليقاعية فيتمثل في الوزن والقافية‪ ،‬فالقصيدة من البحر البسيط‪،‬‬
‫بحر غزير املوسيقي‪ ،‬متدفق النغم‪ ،‬يصلح ًلستيعاب كل املشاعر ذات الصلة بالشجن أو‬ ‫وهو ُ‬
‫ا‬
‫الحزن أو الغضب‪ ،‬وهذه القصيدة ًل تخرج عن تلك األطر املعنوية املذكورة‪ ،‬إذ بنيت أساسا ـ من‬
‫ٌ‬
‫التعبير عن الحزن الشديد‪ ،‬واآلخر السخرية القائمة على‬ ‫حيث املضمون ـ على محورين‪ ،‬أحدهما‬
‫الغضب املستعر‪.‬‬

‫والقصيدة بنيت على روي (الدال)‪ ،‬وهو حرف لساني مجهور شديد يتسم بوضوح سمعي ٍ‬
‫عال‪،‬‬
‫مما يؤكد الشدة في التعبير عن األحاسيس املندفعة في حزنها ووجعها ا‬
‫حينا‪ ،‬وفي سخريته وهجائه‬
‫ا ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫حينا آخر‪ .‬وكأنه ويرفع صوته ويصيح في وجه املهجو غاضبا ومنفعل مرة أخرى‪.‬‬

You might also like