You are on page 1of 10

‫‪237‬‬

‫عبد اهلل هرهار *‬

‫زمن القبيلة وإشكالية السلطة والعنف‬


‫في المجتمع الصحراوي‬
‫‪ :‬رحال بوبريك‬ ‫الكاتب‬
‫‪ :‬الرباط‪ ،‬املغرب‬ ‫مكان النرش‬
‫‪ :‬دار أيب رقراق‬ ‫النارش‬
‫‪2012 :‬‬ ‫تاريخ النرش‬
‫عدد الصفحات‪354 :‬‬

‫وهو كتاب يتميز برصانته العلمية وعمق تاريخي‬ ‫تقديم‬


‫وأنثربولوجي‪.‬‬
‫كي�ف تحض�ر الجماع�ة ف�ي المجتم�ع‬
‫يتضمن كتاب زمن القبيلة بابين‪ ،‬يتمحور األول‬ ‫الصح�راوي؟ م�ا تعبيراته�ا ودالالته�ا‬
‫حول زمن القبيلة وآليات التدبير الذاتي للعنف‪،‬‬ ‫االجتماعي�ة والسياس�ية؟ حول ماذا تنبني ش�رعية‬
‫ويتمحور الثاني حول سلطتي الدولة والقبيلة‪.‬‬ ‫ومم تتش�كل ؟ كيف‬‫الجماع�ة كس�لطة سياس�ية؟ ّ‬
‫تواجهنا في الباب األول ثالثة فصول‪ ،‬يتمحور أولها‬ ‫تش�تغل مجالس�ها؟ وما ال�ذي يمي�ز الجماعة من‬
‫حول مؤسسات السلطة بين الجماعي والفردي‪،‬‬ ‫جماع�ة آي�ت أربعين؟ كي�ف تنظ�ر الجماعة إلى‬
‫والثاني حول العرف والعصبية والدِّ ين‪ ،‬والثالث‬ ‫ذاته�ا وإلى أعرافه�ا؟ ثم كي�ف يمك�ن للقبيلة أن‬
‫حول الذبيحة وأنماط الحماية وطقوسها‪ .‬يسلط‬ ‫تحاف�ظ عل�ى األمن والس�لم والنظام ف�ي مجتمع‬
‫الباب الثاني الضوء على سلطة الدولة وسلطة‬ ‫تغيب فيه الدولة؟‬

‫القبيلة‪ ،‬ويتعرض فيه لطبيعة العالقة بين القبيلة‬ ‫هذه مجموعة أسئلة تحاول هذه المقالة اإلجابة‬
‫ورجال المخزن [الحكومة]‪ ،‬والقبيلة ونظام الدولة‪.‬‬ ‫عنها من خالل قراءة كتاب زمن القبيلة ومراجعته‪،‬‬

‫* أستاذ علم االجتامع ‪ ،‬جامعة ابن طفيل القنيطرة‪ ،‬املغرب‪.‬‬


‫العدد ‪4‬‬
‫ربيع ‪2013‬‬
‫‪238‬‬

‫كل فخذة من القبيلة» (ص‪ .)26‬من هنا‪ ،‬فالجماعة‪،‬‬ ‫ً‬


‫أوال‪ :‬القبيلة وآليات تدبير‬
‫تتكون من أفخاذ‪ ،‬وكل‬ ‫ومنها جماعة آيت أربعين‪ّ ،‬‬ ‫العنف‬
‫يتكون من عدد من الرجال قد يصل عددهم‬ ‫فخذ ّ‬
‫تُعتبر الجماعة أهم جهاز لتدبير شؤون القبيلة‪.‬‬
‫إلى اثني عشر أو خمسة عشر رجلاً ‪ .‬كما أن الوضعية‬
‫وهذا النوع من المؤسسات ليس حديثًا في شمال‬
‫الديموغرافية واإلثنية والسياسية للمجموعات‬
‫أفريقيا‪ ،‬إذ نجد في سياسة ابن تومرت في العهد‬
‫المتفاعلة في الصحراء تجعل بعض األفخاذ يذوب‬
‫الموحدي ما يحيل إلى «أهل الجماعة» و«أهل‬
‫في أخرى‪ ،‬وتشكل وحدة سياسية قد تكون الجماعة‬
‫الخمسين» الذين يملكون السلطة العليا في تدبير‬
‫أحد تمظهراتها‪.‬‬
‫شؤون المجتمع‪ .‬يورد الباحث نص «جوامع‬
‫يستفيض الباحث في مناقشته مؤسسة آيت أربعين‪،‬‬ ‫المهمات» لجماعة قبيلة الركيبات في الصحراء‪،‬‬
‫من خالل وقوفه على التسمية ومالبساتها‪ ،‬مناقشً ا‬ ‫تتبع خيوط سلطة‬ ‫وهو النص الذي ّ‬
‫مكنه من ّ‬
‫ما ذهب إليه ديفيد هارت (‪ )D. Hart‬من خالل‬ ‫الجماعة وميكانيزماتها المبنية على مجموعة‬
‫استحضار حجج تتعلق أحيانًا بدراسات روبير‬ ‫من القواعد‪ ،‬منها التشاور على اختيار قادتها‬
‫مونتان (‪ ،)R. Montagne‬وأحيانًا أخرى بشهادات‬ ‫(المقدم)‪ ،‬ويشترط فيه التوفر على خصائص‬
‫مس ّنين من الصحراء‪ ،‬مستفيدً ا في ذلك من وثائق‬ ‫ومميزات تميزه في شخصه‪ ،‬وتؤهله لدور الوسيط‬
‫تشكل‬‫تاريخية توافرت له‪ .‬إن مؤسسة آيت أربعين ّ‬ ‫بين قرارات جماعة آيت أربعين وجماعته‪ .‬كما أن‬
‫مجلسا مؤق ًتا ذا سلطة تنفيذية‪ ،‬وهي مؤسسة عرفية‬
‫ً‬ ‫قيام الجماعة يحكمه منطق دفاعي عن الذات‪،‬‬
‫إال في شمال بالد‬ ‫ال توجد في غرب الصحراء ّ‬ ‫ومواجهة كل عدو خارجي افتراضي‪ ،‬ما دام‬
‫البيضان‪ .‬إن مثيل هذه المؤسسة يحضر في موريتانيا‬ ‫الوضع في الصحراء محكو ًما بقاعدة الحرب‬
‫يسمى الدعامة أو الركيزة‪.‬‬
‫من خالل ما ّ‬ ‫نتاجا لعدوانية كامنة‬
‫الدائمة‪ ،‬و«الحرب هنا ليست ً‬
‫إن اجتماعات هذا المجلس تفرضها التهديدات‬ ‫في البدو ورغبة جامحة في تطبع سلوكهم‪ ،‬بل نمط‬
‫الخارجية والنزاعات الداخلية‪ ،‬وأعضاؤه غير‬ ‫إنتاج قائم بذاته‪ ،‬يجلب الثروة عن طريق الغنائم»‬
‫دائمين‪ ،‬ينظرون في المشكالت العالقة ‪ ،‬وي ّتخذون‬ ‫دورا‬
‫ً‬ ‫(ص‪ .)22‬ثم إن وظيفة الجماعة ليس‬
‫مقدم يقوم‬
‫القرارات المهمة‪ .‬يتولى رئاسة المجلس ّ‬ ‫تقنيا‪ ،‬بل وظيفتها سياسية‪ ،‬تكمن في القيام بدور‬
‫ً‬
‫باختيار مساعدين له من رجاالت الجماعة‪ .‬ويسعى‬ ‫«الحاكم» في قيادة‪.‬‬
‫المجلس ألن يكون محايدً ا في عالقته بالنزاعات‬ ‫إن شرعية الجماعة ليست اجتماعية وسياسية‬
‫الداخلية وتدبيرها‪.‬‬ ‫فقط‪ ،‬بل شرعية دينية ً‬
‫أيضا؛ إذ تقوم مقام السلطان‬
‫إن الحياة القبلية في الصحراء هي حياة ترحال تتم‬ ‫في الحفاظ على أحوال المجتمع من االنحراف‬
‫من خالل وحدات قرابية‪ُ ،‬يعتبر الفريك أصغرها‪،‬‬ ‫والتسيب وانتشار الفوضى والمفاسد‪ .‬يقارن‬
‫ويليه المحصر الذي قد يضم ما بين مئة ومئتي‬ ‫الباحث بين السلطة المبنية على االجتماع والتوافق‬
‫خيمة‪ ،‬وبعدها تأتي الحلة التي يفوق عددها المئتي‬ ‫والسلطة المبنية على األسس‪ ‬الدينية‪.‬‬
‫خيمة (ص‪ .)32‬وال يحصل االجتماع في صيغة‬ ‫إذا كانت القبيلة هي اإلطار السياسي العام الذي‬
‫محصر وحلة إلاّ في حاالت الحرب‪ ،‬التي تقتضي‬ ‫ّ‬
‫تتشكل داخله الجماعة من «كل الرجال البالغين‬
‫دفاعا عن القبيلة وترابها‪.‬‬
‫العدة والعتاد ً‬ ‫والقادرين على حمل السالح‪ ،‬أو من أعيان يمثّلون‬
‫‪239‬‬ ‫مناقشات ومراجعات‬
‫زمن القبيلة وإشكالية السلطة والعنف في المجتمع الصحراوي‬

‫العادية هي السلطة القائمة على اإلجماع وليس على‬ ‫يالحظ الباحث وجود عالقات قرابية مباشرة‪ ،‬تغذي‬
‫اإلكراه»(ص‪.)44‬‬ ‫وحدة الفريك‪ ،‬باعتباره مجالاً رمز ًيا لألفراد‪ .‬ومن‬
‫نادرا‬ ‫هذه النقطة السياسية تنشأ عالقات أخرى تشمل‬
‫يبين الباحث أن تاريخ القبيلة في الصحراء ً‬
‫ما يشهد وجود إجماع حول المشيخة‪ ،‬بمعنى أن‬ ‫االقتصاد والرعي‪ ،‬وتنتهي بتبادل النساء وباقي‬
‫الشيخ ال يحكم بل «يضمن النظام االجتماعي‬ ‫الخيرات‪ .‬من هنا‪ ،‬فالعشيرة لن تكون سوى اتحاد‬
‫ووسيط في الخالفات» (ص‪ .)44‬ويقوم بدور‬ ‫هذه الوحدات الصغرى‪ ،‬وهي الوحدات التي تعود‬
‫الحكم الذي يتوخى الصلح ال العقاب‪ ،‬ويعمل‬ ‫إليها م ْلكية التراب في صيغة جماعات ساللية هي‬
‫من أجل التخفيف من النزاعات الداخلية حتى ال‬ ‫التي تشكل القبيلة‪ .‬إن آيت أربعين مجلس مؤقت‪،‬‬
‫المقدم‪ ،‬فتكمن في كونه «يمثل‬ ‫ّ‬ ‫تتطور‪ّ .‬أما سلطة‬ ‫ومؤسسة غير دائمة ال وجود لها إلاّ في الفترات‬
‫الجماعة‪ ،‬و ُينتخب سنو ًيا أو حين تحتم الظروف‬ ‫الصعبة والحرجة من تاريخ القبيلة‪ ،‬في حين أن‬
‫ذلك» (ص ‪ .)45‬كما أنه يختار بدوره أفرا ًدا كهيئة‬ ‫مجلس الجماعة مجلس دائم‪.‬‬
‫تنفيذية تساعده في تنفيذ أوامر الجماعة وآيت‬ ‫عمليا ال يمكن للجماعة أن تمارس نفوذها‬ ‫ً‬
‫أربعين‪ ،‬وهو ال يمتلك سلطة مطلقة دون غيره‪.‬‬ ‫وسياستها إلاّ من خالل أدوات أو آليات معدة‬
‫المقدم وآيت أربعين من استفراد شيخ‬ ‫ّ‬ ‫تحد وظيفة‬ ‫لذلك؛ إذ تفوض سلطتها إلى زعيم قد يكون ً‬
‫شيخا‬
‫القبيلة بالسلطة‪ ،‬و ُيشترط في المقدم‪ ،‬لكي يحافظ‬ ‫أو مقد ًما‪« ،‬مع أن هناك تباي ًنا بين الوظيفتين حسب‬
‫وسياسيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫على وظيفته‪ ،‬أن يكون ثر ًيا‬ ‫القبائل والمناطق‪ ،‬فالشيخ له سلطة أكبر من المقدم‪،‬‬
‫وينتهي الباحث إلى خالصة مفادها‪« :‬إن جوهر‬ ‫كما أنه في الغالب يستمر في منصبه حتى وفاته»‬
‫السلطة في المجتمع الصحراوي التقليدي كان‬ ‫(ص ‪ .)39‬يتميز الشيخ بمجموعة من الخصال‬
‫ال يرتكز على العنف واإلكراه‪ ..‬كما هو األمر في‬ ‫والخصائص‪ ،‬منها‪ :‬التوقير واالحترام؛ االنتماء إلى‬
‫مجتمع الدولة المركزية» (ص‪ .)54‬واألمر الذي‬ ‫عائلة ذات سلطة وجاه وهو ما ال يرتبط دائما بالمال‬
‫يدعم هذه األطروحة هو‪:‬‬ ‫والثروة؛ ِكبر السن؛ حنكة الفصل في النزاعات؛‬
‫ُحسن اختيار مكان بناء الخيام؛ توجيه القبيلة‬
‫‪« -1‬التسميات التي تُطلق على رئيس القبيلة‪،‬‬
‫والجماعة وأفعالهما‪.‬‬
‫والتي تبين أنها ال تحمل دالالت سلطوية‪ ،‬فعبارة‬
‫يميزها من حكمة‬ ‫‘شيخ’ تحيل إلى فئة عمرية لما ّ‬ ‫المقدم‪ ،‬فيتميز في شخصه ووظيفته بما يلي‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ّأما‬
‫ووقار وحنكة‪ ،‬وكذلك عبارة ‘مقدم’ الجماعة‪،‬‬ ‫اختياره من األفخاذ‪ ،‬وتو ّليه قيادة الحرب حتى‬
‫فهو مقدم على قومه‪ ..‬المقدمة‪ ،‬وهاتان العبارتان‬ ‫يعوض بأحد‬ ‫نهايتها‪ .‬في حالة افتقاره إلى الكفاءة‪َّ ،‬‬
‫ال تحمالن مضمونًا يوحي إلى السلطة والرئاسة»‬ ‫أقربائه‪ .‬وفي أوقات السلم‪ ،‬يجري اختياره من‬
‫(ص ‪.)55 -54‬‬ ‫أفخاذ‪ ،‬ويراعى في اختياره نسبه إلى أولياء أو زوايا‬
‫القبيلة‪.‬‬
‫‪« - 2‬نمط عيش شيوخ القبائل وزعمائها شاهد‬
‫والمقدم ال‬
‫ّ‬ ‫على طبيعة السلطة‪ ،‬ذلك أن الشيخ‬ ‫تتباين وظائف الشيخ أو الزعيم بحسب الوضعية‬
‫يتوفران على امتيازات‪ ،‬أو يعيشان في بذخ وغنى‬ ‫التي تعيشها القبيلة‪« :‬إن سلطة الزعيم التي ال يمكن‬
‫فاحش يميزهما عن باقي أفراد المجتمع» (ص‪.)55‬‬ ‫معارضتها أيام الحرب‪ ،‬تعود بسرعة مع السلم تحت‬
‫وهؤالء الشيوخ والزعماء يتميزون بالهيبة‪ ،‬والقدرة‬ ‫مراقبة مجلس جماعي ّ‬
‫مشكل من األعيان؛ فالسلطة‬
‫العدد ‪4‬‬
‫ربيع ‪2013‬‬
‫‪240‬‬

‫العرف‪ ،‬حتى عندما اس ُتند إلى الدراسات‬ ‫إلى ُ‬ ‫على اإلقناع والتحكيم‪ ،‬وممارسة الصلح‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫االستشراقية أو األنثروبولوجية‪ .‬إن االعتراف‬ ‫قادرا على الهبة‬
‫ً‬ ‫«يجب على الزعيم أن يكون‬
‫بوجود نظام قانوني شفوي أو مكتوب‪ ،‬كان ال‬ ‫والسخاء والجود‪ .‬فال وجود هنا لسلطة فردية‬
‫كونتها‬
‫يتناسب مع النظرة والرؤية الجاهزة التي ّ‬ ‫يغيب فيها دور وعامل العطاء‪ ،‬وبواسطة هذا العطاء‬
‫كونها بعدها الدارسون‬ ‫النخبة العالمة اإلسالمية أو ّ‬ ‫التبادلي يتم الوصول إلى الخضوع اإلرادي للرعية»‬
‫األوربيون «الذين اشتغلوا حول البدو الرحل»‬ ‫(ص ‪.)60‬‬
‫دونت‬‫(ص‪ .)75‬إن أغلب القبائل في الصحراء ّ‬ ‫تم�ارس بالتواط�ؤ المتب�ادل‪،‬‬ ‫نح�ن أم�ام س�لطة‬
‫َ‬
‫أعرافها‪ ،‬وهي القوانين الصادرة عن جهاز القبيلة‪،‬‬ ‫وه�ي «الس�لطة القائمة عل�ى الت�وازن والتوافق بين‬
‫وهي بمنزلة سلطة تشريعية قضائية وتنفيذية‪ ،‬تطبق‬ ‫األط�راف‪ ،‬وحت�ى في حالة وج�ود هرمي�ة وتراتبية‪،‬‬
‫في إطار مجموعة بشرية مبنية على العصبية القبلية‬ ‫فإنها تنال رضا إن لم يكن الصمت المبيت والضمني‬
‫كأيديولوجيا تدفع نحو الترابط والتماسك‪ ،‬وهي‬ ‫للمجتمع الذي يقبلها بش�كل طبيع�ي‪ ،‬أو هكذا يراد‬
‫نزعة يعتبرها ابن خلدون طبيعية في البشر‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬ ‫لها أن تكون» (ص‪.)62‬‬
‫«إن النسب أمر وهمي ال حقيقة له‪ ،‬ونفعه إنما هو في‬
‫الوصلة وااللتحام» (ص‪.)77‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬سلطة الجماعة‬
‫الع�رف ن�ص قانون�ي يجس�د إرادة الجماع�ة‬
‫وروحه�ا كوح�دة نس�بية متضامن�ة ومتماس�كة‪.‬‬
‫والدين‬
‫ِّ‬ ‫العرف والشرف‬
‫أمام ُ‬
‫وهو الذي يتأس�س عل�ى مجموعة قواع�د‪ ،‬أهمها‬ ‫الع�رف بكون�ه «مجموع�ة م�ن‬ ‫يع�رف الباح�ث ُ‬ ‫ّ‬
‫يخ�ول تطبي�ق‬
‫ّ‬ ‫نظ�ام التعوي�ض والتراض�ي ال�ذي‬ ‫القواني�ن الوضعي�ة الت�ي تس�هر القبيلة على س� ّنها‪،‬‬
‫بن�ود الع�رف ألعض�اء مجل�س الجماع�ة أو آي�ت‬ ‫ف�ي س�بيل تنظي�م ش�ؤونها الداخلي�ة والخارجي�ة»‬
‫أربعي�ن‪ .‬إن األحكام العرفي�ة الصادرة عن مجلس‬ ‫والمالح�ظ أن الع�رف غي�ر ثاب�ت‪ ،‬ب�ل‬
‫َ‬ ‫(ص‪.)69‬‬
‫القبيل�ة ه�ي أحك�ام تقتض�ي الخض�وع واالنصياع‬ ‫دائم�ا للتغي�ر والتأقل�م بحس�ب الحال�ة أو‬
‫يخض�ع ً‬
‫م�ن قب�ل الجان�ي‪ ،‬وق�د يقتض�ي ذل�ك ممارس�ة‬ ‫الوض�ع أو المج�ال الجغراف�ي‪ .‬فضًل�اً ع�ن ذلك‪،‬‬
‫إكراه�ات مادية أو رمزية‪ .‬لذلك‪ ،‬تحاول الجماعة‬ ‫فه�و ال يمثّ�ل فق�ط الجوان�ب الزجري�ة والعقابي�ة‪،‬‬
‫م�ن خلال أعرافه�ا‪ ،‬احت�واء مختل�ف أش�كال‬ ‫أيض�ا «وح�دة العش�يرة أو القبيل�ة‪،‬‬ ‫«يجس�د» ً‬
‫ّ‬ ‫ب�ل‬
‫النزاع�ات وتجفي�ف مناب�ع التوت�ر داخ�ل القبيلة‪.‬‬ ‫فالعالق�ات القبلي�ة والقرابي�ة غير كافي�ة لخلق جو‬
‫م�ن هنا‪ ،‬يترجم الع�رف روح التضام�ن والتعاضد‬ ‫مالئ�م للتعاون الس�لمي بين أف�راد المجموعة‪ ،‬لذا‬
‫االجتماع�ي‪ ،‬وه�ي القي�م التي ي�راد لها أن تس�ود‬ ‫يمكن من‬ ‫تحت�م وجود قان�ون ش�فوي أو مكت�وب ّ‬
‫داخ�لالقبيل�ة‪،‬تفاد ًي�اللقص�اصوالث�أر‪.‬‬ ‫ضب�ط عالقاته�م‪ ،‬ويضع قواع�د ترمي إل�ى حماية‬
‫الع�رض ل�دى اإلنس�ان الصح�راوي ف�ي‬ ‫يتجس�د ِ‬ ‫المجموعة م�ن االنح�راف والفوض�ى» (ص‪.)70‬‬
‫الع�رف عل�ى معاقب�ة‬ ‫الم�رأة والخيم�ة؛ إذ يش�دد ُ‬ ‫من وظائف العرف حماية الفرد وممتلكاته في‬
‫الم�رأة ف�ي حال�ة حمله�ا خارج مؤسس�ة ال�زواج‪،‬‬ ‫مجتمع تنعدم فيه سلطة فوقية تقوم بهذه الوظيفة‪.‬‬
‫والخيم�ة حرم�ة يجب ألاّ تث�ار فيها الفت�ن أو تُمس‬ ‫العرف باعتباره‬
‫تميز النظر إلى ُ‬
‫لكن رغم ذلك‪ّ ،‬‬
‫الع�رض هنا‪ ،‬بل يش�مل ً‬
‫أيضا‬ ‫قدس�يتها‪ .‬وال يق�ف ِ‬ ‫«نظا ًما» مخال ًفا للشرع‪ .‬ولم تتغير هذه النظرة‬
‫‪241‬‬ ‫مناقشات ومراجعات‬
‫زمن القبيلة وإشكالية السلطة والعنف في المجتمع الصحراوي‬

‫في التفرد أو الخروج من الهابيتوس االجتماعي‪ .‬إن‬ ‫األرض الجماعي�ة والممتلك�ات‪ ،‬وه�و يحت�ل‬
‫األم�ر ال يتعلق بمجرد اعتب�ار الجماعة محد ًدا للفرد‬ ‫مكانً�ا مركز ًي�ا في المجتم�ع الب�دوي الصحراوي؛‬
‫موجها له» (ص‪.)111‬‬‫ً‬ ‫بل‬ ‫«فق�د تدور معارك طاحنة بس�بب إهان�ة أو مس في‬
‫الع�رض ولو باس�تعمال عنف لفظ�ي» (ص‪.)100‬‬ ‫ِ‬
‫أنتج المجتمع الصحراوي الكثير من الفقهاء‬
‫والقضاة في أمور اإلرث والزواج وتحرير العقود‪.‬‬ ‫لذل�ك‪ ،‬تس�عى الجماع�ة إل�ى تقني�ن كل م�ا يمكن‬
‫أن يصدر عن اإلنس�ان‪ ،‬كالتهدي�د بالعنف‪ ،‬والمس‬
‫وقد قام االستعمار بدور مهم في توفير القضاء‬
‫بالكرامة أو اإلهانة أو الش�تم‪ ،‬فضلاً عن ممارسات‬
‫الشرعي‪ ،‬وذلك من خالل تعيين قضاة رسميين‬
‫أخ�رى مرتبطة بالض�رب والجرح والس�رقة‪ ..‬بهذه‬
‫يتم اللجوء إليهم في حل النزاعات‪ .‬يؤكد جلنر أن‬
‫اإلج�راءات التنظيمية تكون الجماع�ة قد احتفظت‬
‫العرف والشرع؛‬ ‫تميز بين ُ‬
‫جماعات القبائل لم تكن ّ‬
‫لنفس�ها باحتكار الس�لطة لتجعل من نفسها المرجع‬
‫«فأحكام الشرع هي بدرجة من التعقيد وسعة‬
‫القانوني الوحيد داخل مجالها‪.‬‬
‫المجال‪ ،‬يصبح معه من العسير على العامة معرفتها‪،‬‬
‫كما أن الغموض بين ما هو شرعي وعرفي يظل هو‬ ‫العرف ال يقتصر على احتواء العالقات الداخلية‬ ‫إن ُ‬
‫الميزة السائدة لدى هؤالء الفقهاء» (ص‪ .)123‬بل‬ ‫ألفراد القبيلة‪ ،‬بل «يتعداه إلى العالقة بين القبائل‬
‫إن الشرع ظل هو مصدر القضايا المتعلقة باألحوال‬ ‫مكونات‬
‫على شكل اتفاقيات ثنائية أو جماعية بين ّ‬
‫الشخصية‪ّ .‬أما أسطورة التضاد بين العرف والشرع‪،‬‬ ‫قبلية تتقاسم مجالاً معي ًنا‪ ،‬وتحتم ظروف ومكان‬
‫دائما؛ فعندما تحاول‬‫فليست بالضرورة صحيحة ً‬ ‫الترحال واالحتكاك الدائم بين أفرادها» (ص‬
‫الجماعة إضفاء طابع الشرعية على قوانينها العرفية‪،‬‬ ‫العرف على ما أشرنا‬‫‪ .)104 -103‬كما ال يقتصر ُ‬
‫فهي إنما تهدف إلى سن بنية قانونية محلية‪ ،‬مع‬ ‫إليه سابقًا‪ ،‬بل يشمل ً‬
‫أيضا «التنظيم األمني للطرق‬
‫مراعاة النصوص الشرعية في ذلك‪.‬‬ ‫واألسواق والمواسم والغابة‪ ،‬وتدبير شؤون السقي‬
‫وضيافة المسافرين والمسجد والقطيع‪ ،‬وغيرها‬
‫من القضايا المتعلقة بجوانب الحياة االجتماعية»‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬الجماعة‬ ‫(ص‪.)106‬‬
‫وآليات االندماج واإلدماج‬ ‫تلقائي�ا ع�ن روح الجماعة‬ ‫تعبي�را‬ ‫الع�رف‬
‫لقد ك�ان ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫القانون العرفي وحده ال يكفي لضمان األمن‬ ‫ووعيه�ا‪ ،‬وه�و ال�ذي ك�ان يس�تحضر المش�كالت‬
‫والنظام‪ ،‬لذلك يتم اللجوء في الغالب إلى الذبيحة‬ ‫والحل�ول‪ ،‬ويجي�ب الحاج�ات الطارئ�ة‪ .‬وتب�دو‬
‫والتركيبة من أجل االحتماء‪ .‬وتتخذ الحماية أشكالاً‬ ‫األحك�ام العرفي�ة أكث�ر إنس�ية وأق�ل عن ًف�ا‪ ،‬لكونها‬
‫قد تكون مؤقتة وقد تكون دائمة‪ .‬ولم تشمل الحماية‬ ‫«تطب�ق عل�ى أبن�اء القبيل�ة الواح�دة‪ ،‬وتراع�ى فيه�ا‬
‫َّ‬
‫في المغرب أهل الجاه والشوكة فقط‪ ،‬بل شملت‬ ‫مجموعة عناصر تتحكم فيها روابط النسب وأواصر‬
‫أيضا رجال الدِّ ين‪ ،‬وأصحاب البركة والزوايا‬ ‫ً‬ ‫القرابة والدم المشترك» (ص‪.)109‬‬
‫والشرف‪ ،‬وأضرحة األولياء‪ .‬كما أن الحماية ال‬ ‫وم�ن خلال تفس�ير طبيع�ة العالق�ة بي�ن الف�رد‬
‫تقتصر على توفير األمن لمرتكب جريمة أو لمتمرد‬ ‫والجماعـ�ة‪ ،‬ينتص�ر الباحث ألطروحة بي�ار بورديو‬
‫أيضا المسافرين وغيرهم‬ ‫منفي من قبيلته‪ ،‬بل تشمل ً‬ ‫)‪ (P. Bourdieu‬بشأن الهابيتوس (‪ ،)habitus‬مبرزً ا‬
‫من التجار الذين يجوبون األسواق‪ .‬ومن شروط‬ ‫أن «الفرد هو تجسيد لالجتماعي وال يملك أي حرية‬
‫العدد ‪4‬‬
‫ربيع ‪2013‬‬
‫‪242‬‬

‫االستعمارية‪ ،‬وذلك في مقابل ضرائب سنوية‪.‬‬ ‫الحماية أال يضر ذلك بمصلحة القبيلة الحامية‬
‫إن طبيعة الحياة في الصحراء‪ ،‬التي تقتضي من‬ ‫لطالبيها‪ ،‬كما أن الحماية ال يقوم بها إلاّ من هو‬
‫الجماعات البشرية التنقل والترحال‪ ،‬يترتب عنها‬ ‫تحمل آثار‬
‫ّ‬ ‫في موقع القوة‪ ،‬ويملك القدرة على‬
‫غالبا ما يتم االنتقال‬
‫عدم ديمومة التحالفات‪ ،‬ولهذا ً‬ ‫تلك‪ ‬الحماية‪.‬‬
‫من تحالف إل آخر‪ّ .‬أما عملية االندماج االجتماعي‪،‬‬ ‫ال تقتصر الحماية على األفراد‪ ،‬بل يمكن أن تشمل‬
‫فال تعني في الغالب سوى األفراد أو العائالت‪ .‬وتتم‬ ‫فروعا منها على األقل تكون‬ ‫حتى بعض القبائل أو‬
‫ً‬
‫هذه العملية من خالل طقوس الذبح‪ ،‬التي يلجأ‬ ‫شوكتها قد انكسرت في معارك ما‪ ،‬وأصبحت تحت‬
‫إليها األشخاص المطرودون من جماعتهم األصلية‬ ‫حماية قبائل أقوى ورحمتها‪ .‬وقد يفضي بها وضعها‬
‫والمنفيون عنها‪.‬‬ ‫الجديد إلى فقدان اسمها األول والحصول على‬
‫كما يتم اللجوء في بعض األحيان إلى األماكن‬ ‫اسم آخر‪ .‬وكان األشخاص والجماعات المحمية‬
‫المقدسة احتماء بغطائها الرمزي والقدسي‪ ،‬حيث‬ ‫تسمى الحرمة‬ ‫يدفعون في مقابل حمايتهم ضرائب ّ‬
‫يلزم الشخص المزواك أن يحد من تحركاته حتى‬ ‫والغرامة‪ ،‬حيث األولى تحيل إلى الحماية والثانية‬
‫ال يثير خصومه‪ ،‬فضلاً عن ضرورة االلتزام بالقوانين‬ ‫تحيل إلى الخضوع‪« :‬إن المغرم يؤدى بشكل منتظم‬
‫التي تفرضها الجماعة الحامية‪ .‬وتتم عملية اإلدماج‬ ‫من طرف عصبية ضعيفة غير قادرة على حماية‬
‫أيضا من خالل تقديم أضحية‪ ،‬و ُيعتبر ذلك إعالن‬ ‫ً‬ ‫نفسها‪ّ .‬أما القبائل التي لم تكن تملك من الشوكة ما‬
‫ميالد عالقة دموية جديدة أساسها الدم والطعام‪،‬‬ ‫تدافع به عن نفسها‪ ،‬فتبحث أو يفرض عليها ضرائب‬
‫وميثاقها العهد والوفاء‪.‬‬ ‫الحرمة والغرامة من طرف قبائل حمل السالح الذي‬
‫إلزاميا» (ص‪.)136‬‬
‫ً‬ ‫طابعا‬
‫يتخذ مع الزمن ً‬
‫غي�ر أن إدم�اج الدخلاء والغرب�اء داخ�ل القبيل�ة‬
‫تب�وء المكان�ة والوظائ�ف االجتماعي�ة‬‫يخوله�م ّ‬
‫ال ّ‬ ‫كما كانت هناك آليات أخرى طبعت المجتمع‬
‫والسياس�ية ذات األهمي�ة‪« :‬إن االنتم�اء للقبيل�ة عن‬ ‫الصحراوي‪ ،‬منها الذبيحة والخاوة‪ ،‬ومن وظائفهما‪:‬‬
‫طري�ق ال�والء يمن�ح الف�رد حم�ل نس�بها‪ ،‬ولكن ال‬ ‫ربط العالقة بين أفراد ومجموعات خارج رابطة‬
‫مكوناتها التي تعتبر نفسها‬ ‫الدم المعهودة‪ ،‬من أجل تأسيس عالقات جديدة‬
‫يمنحه المس�اواة مع باقي ّ‬
‫من عصب‪ ،‬فش�جرات النس�ب الدموية تظل محد ًدا‬ ‫(األخوة)‪ ،‬وهي عالقة هرمية‬ ‫ّ‬ ‫مبنية على الخاوة‬
‫للمكانة االجتماعية والسياس�ية للفرد داخل القبيلة»‬ ‫يحتل فيها الذابح مرتبة دنيا أمام المذبوح عليه‪.‬‬
‫(ص‪.)115‬‬ ‫وتكون الذبيحة لغاية الحماية أو اإلدماج في القبيلة‪،‬‬
‫أو للترضية وصون ِ‬
‫العرض‪.‬‬
‫تكون الحماية مؤقتة عندما يتعلق األمر بوجود‬
‫رابعا‪ :‬السياسة‬
‫ً‬
‫مؤقت في مجال ما‪ ،‬بغاية الرعي أو التجارة أو‬
‫بين القبيلة والدولة‬
‫تقدم ليست مقابلاً ماد ًيا‬
‫السفر‪ .‬إن الذبيحة التي َّ‬
‫يعرض الباحث النقاشات النظرية بشأن السياسة‬ ‫الستغالل مراعي القبيلة‪ ،‬بل قيمتها سياسية تكمن‬
‫والدولة ومجتمع الالدولة‪ ،‬كما تبلور ذلك في‬ ‫في االعتراف بسيادة القبيلة على ذلك المجال‪ .‬ومع‬
‫علم االجتماع واألنثربولوجيا‪ .‬إن والدة الدولة‬ ‫االستعمار‪ ،‬سينتهي العمل بقانوني الذبيحة والغفر‪.‬‬
‫تتأسس على أنقاض القبيلة‪« ،‬والدولة بهذا المعنى‬ ‫وأصبح الحامي في الوضع الجديد هو السلطة‬
‫‪243‬‬ ‫مناقشات ومراجعات‬
‫زمن القبيلة وإشكالية السلطة والعنف في المجتمع الصحراوي‬

‫تبلورت مع ش�ارل دو فوكو (‪،)Ch. de Foucauld‬‬ ‫تتطلب انقراض التنظيم القبلي‪ ،‬ألنها تقوم على‬
‫ث�م وقف على اجته�ادات مؤرخي�ن مغاربة‪ .‬وينتهي‬ ‫مراقبة مجال ترابي يعيش عليه أفراد منضوون في‬
‫الباحث إلى أن بالد الصحراء من واد نون إلى وادي‬ ‫مجموعات ترابية وليس في مجموعات قرابية»‬
‫سياس�يا ظلت فيه السلطة في‬
‫ً‬ ‫تنظيما‬
‫ً‬ ‫الذهب «عرفت‬ ‫(ص‪ .)184‬ووفقًا للخطاطة التي وضعها مورغان‪،‬‬
‫حدود القبيلة» (ص‪)206‬؛ إذ بقيت السلطة السياسة‬ ‫فإن البشرية تسير من التوحش والبرية في اتجاه‬
‫ف�ي الصح�راء ف�ي ح�دود القبيل�ة‪ .‬وق�د اس�تغرق‬ ‫الحضارة‪ .‬وهذه النظرة التطورية للتاريخ سيكون‬
‫الباح�ث ف�ي تفاصي�ل كثي�رة بش�أن كرونولوجي�ا‬ ‫لها تأثير كبير في ما بعد‪ ،‬سواء مع إنجلز أو مع‬
‫الرس�ائل الس�لطانية‪ ،‬وأحداث ووقائع كثيرة تنم عن‬ ‫الدراسات األنثروبولوجية الالحقة‪ ،‬خصوصا مع‬
‫تفاصي�ل وطرق اش�تغال أس�ر ذات نف�وذ اقتصادي‬ ‫مرشال سالنز (‪.)M. Sahlins‬‬
‫وتطلعات‪ ‬سياسية‪.‬‬ ‫كان من الالزم انتظار بداية األربعينيات من القرن‬
‫أكد الباحث بعد ذلك أن النظام القائدي في المغرب‬ ‫الماضي‪ ،‬والتعرف إلى أعمال إفنس بريتشارد‬
‫لم يكن وليد عوامل خارجية فحسب‪ ،‬بل كان يجد‬ ‫(‪ )E. Pritchard‬المتعلقة بقبائل النوير جنوب‬
‫أيضا‪ .‬وقد لقي‬‫نشأته وتطوره في عوامل داخلية ً‬ ‫السودان‪ ،‬وثلة من الباحثين الذين اشتغلوا بشأن‬
‫هذا النظام عناية ودراسة ّ‬
‫كل من مونتان في البداية‬ ‫أفريقيا السوداء‪ ،‬وصولاً إلى الدراسات الالحقة في‬
‫ثم بول باسكون (‪ )P. Pascon‬في ما بعد‪ .‬يلخص‬ ‫ما يتعلق بالمغرب‪ ،‬مع إرنست كلنر (‪)E. Kilner‬‬
‫هذا األخير التيارات التي هيمنت على األطروحة‬ ‫وهارت وريمون جاموس‪ ،‬فضلاً عن مساهمات‬
‫القائدية في المغرب في ثالثة عناصر‪:‬‬ ‫المدرسة الفرنسية‪ ،‬خاصة مع األنثروبولوجيا‬
‫السياسية (جورج بالندييه)‪ ،‬من خالل تركيزه على‬
‫‪ -1‬إن أمغ�ار (الش�يخ) يظه�ر عل�ى هامش الس�لطة‬
‫عنصر القرابة‪ .‬كما أن األنثروبولوجيا السياسية‬
‫مخزني�ا‬
‫ً‬ ‫زعيم�ا‬
‫ً‬ ‫المركزي�ة وكل طموح�ه أن يصب�ح‬
‫ركزت بدورها على الجانب الطقوسي والرمزي في‬
‫م�ن خلال اعت�راف المخ�زن بس�لطته عل�ى القبيلة‬
‫دراستها للسلطة‪.‬‬
‫(مونتان)؛‬
‫هذا وقد انتهت الدراسات األنثربولوجية من خالل‬
‫‪ -2‬حين يقترب المخزن من القبيلة إبان «حركاته»‪،‬‬
‫هذا التراكم المعرفي‪ ،‬إلى تجاوز مفهوم السياسة‬
‫تلغي القبيلة دور الجماعة وتفوض أمر قيادتها‬
‫كما تجسدها الدولة‪« ،‬فأصبحت السياسة تتخذ‬
‫ألمغار يقود المقاومة ضد الجيش المخزني‪ .‬ونتائج‬
‫أبعا ًدا كثيرة ودالالت أغلبها ربط فعل السياسة‬
‫زعيما مستقلاً‬
‫ً‬ ‫هذه المقاومة هي التي تجعل منه ّإما‬
‫بالتحكيم والوساطة والحق في استعمال القوة؛ ففي‬
‫وإما قائدً ا يؤدي‬
‫يطمح إلى تأسيس ساللة حاكمة ّ‬ ‫المجتمعات التي تهيمن فيها روابط القرابة‪ ،‬تكون‬
‫دور الوسيط بين المخزن والقبيلة؛‬
‫المواطنة مشروطة ومحددة بنمط االنحدار النسبي‪،‬‬
‫‪ -3‬الظاهرة القائدية من صنع السياسة االستعمارية‬ ‫أموميا‪ .‬فالدور والمكانة والوظيفة‬
‫ً‬ ‫أبو ًيا كان أم‬
‫(أطروحة الحركة الوطنية)‪.‬‬ ‫السياسية ومراكز السلطة تحددها عوامل عشائرية‬
‫يؤك�د الباحث أن تجرب�ة الصحراء لم تش�هد نظا ًما‬ ‫مما تحددها عوامل‬‫وساللية قبلية»(ص‪ )192‬أكثر ّ‬
‫قائد ًي�ا وال ش�خصيات اس�تبدادية عل�ى ش�اكلة‬ ‫ومتغيرات أخرى‪.‬‬
‫س�متهم الكتاب�ات‬‫كب�ار ق�واد األطل�س‪ ،‬الذي�ن ّ‬ ‫تطرق الباحث كذلك إلى ثنائية المخزن والسيبة كما‬
‫ّ‬
‫العدد ‪4‬‬
‫ربيع ‪2013‬‬
‫‪244‬‬

‫في شمال المغرب‪ ،‬وذلك من خالل هيكلة السلطة‬ ‫االس�تعمارية األس�ياد الفيوداليي�ن‪ّ .‬أم�ا النم�وذج‬
‫داخل القبيلة‪ .‬وهكذا حافظت سلطات الحماية على‬ ‫القائدي ال�ذي عرفته منطقة واد نون ‪ ،‬فكان حديث‬
‫مؤسسات المخزن التقليدية كمؤسسات صورية‪.‬‬ ‫العه�د‪ ،‬وق�د تجل�ى ف�ي مؤسس�ة القائ�د المخزني‬
‫ولم يستطع المقيم العام ليوطي إلغاء مؤسسة‬ ‫وتبين الدراس�ة أن‬
‫ف�ي أواخر القرن التاس�ع عش�ر‪ّ .‬‬
‫السلطان لشرعيته الدينية كأمير للمؤمنين يسود‬ ‫الس�لطة المركزية لم تكن تهدف إلى الحصول على‬
‫ويحكم‪ .‬وكان الهدف من إبقاء السلطان في مكانه‬ ‫المغ�ارم والضرائب‪ ،‬بل إلى من�ع التغلغل األجنبي‬
‫استغالل شرعيته الدينية وتج ّنب غضب المغاربة‪.‬‬ ‫ف�ي الس�واحل الصحراوي�ة‪« :‬رغ�م ضعف س�لطة‬
‫كما أن المحافظة على النظام المخزني كان بغاية‬ ‫المخ�زن المباش�رة في الصحراء‪ ،‬خاص�ة مع العقد‬
‫االستفادة من خبرات وتجارب موظفيه في تدبير‬ ‫األول من القرن العش�رين‪ ،‬ظل تأثير الس�لطان على‬
‫البلد‪ .‬وقد اعتمدت الحماية الفرنسية على هذا‬ ‫حاض�را‪ ،‬فالزعام�ات القبلية لم‬
‫ً‬ ‫المس�توى الرمزي‬
‫النظام من خالل توجيهه ومراقبته‪.‬‬ ‫تعد تكتفي بالش�رعية المحلي�ة‪ ،‬بل أصبحت تبحث‬
‫بأي ثمن عن ش�رعية من المركز» (ص‪.)227‬‬
‫تبن للسلطة الفردية‬ ‫إن تب ّني النظام القائدي هو ٍّ‬
‫لبت قضايا القبيلة‪ .‬وقد‬‫بغاية توفير مخاطب واحد ِّ‬ ‫إن وجود القواد المخزنيين لم يلغ دور جماعة‬
‫أصبحت وظيفة القائد «االستعماري» وظيفة إخبارية‬ ‫القبيلة‪ ،‬لغياب آليات ميدانية في يد القواد‪ .‬ثم إن‬
‫وتطبيق السياسة االستعمارية‪ ،‬و أصبح مجرد‬ ‫تعيين قواد من خارج القبيلة تواجهه صعوبات‪،‬‬
‫موظف مساعد لمسؤول الشؤون األهلية التابع له‪،‬‬ ‫جغرافيا عن المركز‪،‬‬
‫ً‬ ‫من أهمها كون القبيلة بعيدة‬
‫إذ يصعب على قائد من دون قوة عسكرية وال‬
‫ووسيط بين السلطة والقبيلة‪ .‬وقد عملت السلطات‬
‫إمكانات بسط نفوذه على تلك القبائل‪ .‬والقبائل‬
‫الفرنسية على جعل هؤالء القواد والشيوخ يتمتعون‬
‫دائما على القواد الذين يأتونها من‬ ‫ً‬ ‫ال ترضى‬
‫وحدت وفي الوقت نفسه من طموحهم‬ ‫ّ‬ ‫بالشرعية‪،‬‬
‫الخارج‪ .‬يضاف إلى ذلك أن القواد القبليين لم‬
‫لالستقالل عنها‪ .‬وكانت الوظائف التي ُأسندت إلى‬
‫يكونوا الجهة الوحيدة المخاطبة من ِقبل السلطة‬
‫هؤالء القواد تجعلهم في مواقف حرجة مع قبائلهم؛‬
‫المركزية؛ فالسلطة تعتمد ً‬
‫أيضا على أرباب الزوايا‪.‬‬
‫فبعض الشيوخ الذين رفضوا االنصياع لألوامر‬
‫ومن أمثلة هؤالء الشيخ ماء العينين‪ .‬إن هؤالء‬
‫جرت تنحيتهم بسهولة أو ُرحلوا برفقة مقربيهم إلى‬
‫القواد كانوا شبه موظفين‪ ،‬يفتقرون إلى الوسائل‬
‫مكان آخر‪.‬‬
‫تمكنهم من الحلول محل الجماعة في تسيير‬ ‫التي ّ‬
‫بعد السيطرة الميدانية على األرض‪ ،‬أجرى‬ ‫شؤون القبيلة‪ .‬واقتصر دورهم على الوساطة بين‬
‫مست جوهر السلطة‬ ‫«المخزن الفرنسي» تغييرات ّ‬ ‫المخزن ومجال قبيلتهم‪.‬‬
‫داخل القبيلة‪ ،‬فتم االنتقال بها من السلطة الجماعية‬
‫إلى السلطة الفردية؛ إذ شرع الفرنسيون في التفكير‬
‫خامسا‪ :‬المؤسسات التقليدية‬
‫ً‬
‫في وضع تنظيم إداري في المغرب‪ ،‬ولم يجدوا‬
‫بين التقويض والمقاومة‬
‫غير الجماعة كمؤسسة سياسية تقوم بمهمة تنظيم‬
‫المجتمع‪ ،‬فتم التركيز على هذه المؤسسة بسبب‬ ‫يؤكد الباحث أن الجيوش الفرنسية لم تصل إلى‬
‫عمقها التاريخي وقدرتها على تنظيم الحياة العامة‬ ‫منطقة وادي نون إلاّ في سنة ‪ .1934‬وتال ذلك‬
‫في البوادي‪.‬‬ ‫وضع تنظيم إداري على شاكلة التنظيم الذي كان‬
‫ُ‬
‫‪245‬‬ ‫مناقشات ومراجعات‬
‫زمن القبيلة وإشكالية السلطة والعنف في المجتمع الصحراوي‬

‫غي�ر المباش�ر عب�ر توظي�ف األعي�ان المحليي�ن‬ ‫عم�دت فرنس�ا من�ذ احتالله�ا الج�زء الش�مالي‬
‫كمخبرين‪ .‬ومنذ س�نة ‪ 1958‬تدخ�ل جيش التحرير‬ ‫م�ن الصح�راء‪ ،‬عل�ى تقوي�ض الجماع�ة القاعدي�ة‬
‫عج�ل بتغيي�ر السياس�ة في‬‫ف�ي الجن�وب‪ ،‬وه�و م�ا ّ‬ ‫التقليدي�ة‪ ،‬لصال�ح نظ�ام إداري وسياس�ي جدي�د‪،‬‬
‫المنطقة؛ إذ ش�جعت إسبانيا االس�تقرار في المنطقة‬ ‫تتك�ون من فرد من‬
‫ّ‬ ‫فأصبح�ت «الجماع�ة القضائية»‬
‫من خالل تقديم مس�اعدات للساكنة‪ ،‬وبداية التمهيد‬ ‫كل فخ�ذ‪ ،‬وه�ي الجماعة التي أصبح�ت ال تتضمن‬
‫الس�تغالل خيراته�ا‪ .‬وفي س�نة ‪ ،1961‬صدر قانون‬ ‫ش�يوخ األفخ�اذ الت�ي يقت�رح أعضاؤه�ا م�ن طرف‬
‫لتنظيم القضاء يأخ�ذ بعين االعتبار خصوصية البلد‪،‬‬ ‫المراق�ب المدن�ي‪ ،‬إذ لم تعد القبيلة ه�ي التي تختار‬
‫ويدع�و إلى ض�رورة تأقل�م النظ�ام اإلداري مع هذه‬ ‫أعيانه�ا بل أصب�ح االختي�ار يتم من جانب الس�لطة‬
‫الخصوصية الجغرافية والثقافية‪ .‬وقامت إس�بانيا في‬ ‫االستعمارية‪ ‬والمخزن‪.‬‬
‫نهاية الس�تينيات بإنش�اء «الجمعية العامة للصحراء»‬ ‫قلصت السلطة االستعمارية من الدور السياسي‬
‫كوس�يلة لرف�ع «تمثيلي�ة» الصحراويي�ن‪ ،‬وه�ي م�ا‬ ‫للجماعة لصالح سلطة فردية‪ ،‬تتجسد في الشيخ‬
‫س ُتعرف الحقًا باسم «الجماعة» (ص‪.)302‬‬ ‫والقائد‪ّ .‬أما الجماعة القضائية‪« ،‬فلم تكن في‬
‫لقد استلهم النظام السياسي المعاصر أحيانًا لغته من‬ ‫مكانة ودور الجماعة التقليدية‪ .‬احتفظت القبيلة‬
‫األنماط التنظيمية التقليدية‪ ،‬كي يضفي عليها شرعية‬ ‫في الصحراء ببعض وجوهها من األعيان ورجال‬
‫وتمنحه صدقية‪ ،‬من أجل تدبير عالقته بالساكنة‪.‬‬ ‫دين لهم سمعة وجاه ومكانة خارج دواليب اإلدارة‬
‫وسواء تع ّلق األمر بإسبانيا أو بفرنسا‪ ،‬فإنهما‬ ‫االستعمارية المراقبة والمباشرة‪ .‬هذا االستمرار‬
‫تتعامالن بانتقائية وانتهازية مع المؤسسات التقليدية‬ ‫السياسي للقبيلة‪ ،‬كان ضرورة سوسيولوجية داخلية‬
‫كالجماعة‪ ،‬وتوظفانها ألغراضهما بعد إفراغها من‬ ‫لتدبير شؤون القبيلة‪ ،‬ومقاومة صامتة إلدارتها‪،‬‬
‫محتواها السوسيولوجي والرمزي‪.‬‬ ‫ً‬
‫ورفضا لألعيان الذين فرضتهم اإلدارة االستعمارية‪.‬‬

‫وقف الباحث على التحول الذي عرفه العرف‪ ،‬بما‬ ‫يؤك�د الباح�ث أن اإلس�بان ل�م يك�ن لديه�م حت�ى‬
‫يعبر عنه من نظام يعكس هوية‬ ‫عش�رينيات الق�رن الماض�ي أي رغب�ة ف�ي إخض�اع‬
‫يجسده من نظم‪ ،‬وما ّ‬
‫ويسجل‬
‫ِّ‬ ‫القبيلة وقدرتها على تدبير عالقاتها القرابية‪.‬‬ ‫القبائ�ل الصحراوية‪ .‬كما أن س�اكنة الصحراء كانت‬
‫أيضا أن التعارض بين العرف والشرع‪ ،‬متجسدً ا في‬ ‫ً‬ ‫ت�رى ف�ي اإلس�بان قب�ل س�نة ‪ 1934‬مج�رد تج�ار‬
‫كرسته الحقبة االستعمارية‪،‬‬ ‫يزاول�ون تجارته�م ف�ي الصح�راء‪ ،‬أو يمارس�ون‬
‫الكتابات الفقهية‪ّ ،‬‬
‫إسالميا‪.‬‬ ‫الئكيا والشرع قانونًا‬ ‫فأصبح العرف قانونًا‬ ‫الصي�د‪ .‬وكان األمر الذي س�اهم في ه�ذه الرؤية هو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هذا وقد ساهمت دراسات الحقبة االستعمارية في‬ ‫طبيعة السياس�ة الس�لمية اإلس�بانية ف�ي المنطقة‪ ،‬ثم‬
‫توسيع الهوة بين العرف والشرع‪ ،‬من منطلق أن‬ ‫العم�ل على اس�تقطاب أعيان القبيلة والش�خصيات‬
‫العرف هو قانون الئكي دنيوي والشرع هو نص‬ ‫الدينية‪.‬‬
‫منظري المدرسة‬ ‫إسالمي ديني‪ .‬وقد ّبين الباحث أن ّ‬ ‫وابت�داء من س�نة ‪ 1934‬بدأت إس�بانيا تضع أس�س‬
‫السوسيولوجية الكولونياية‪ ،‬وغيرهم ممن درسوا‬ ‫تنظي�م سياس�ي وإداري وعس�كري للتحك�م ف�ي‬
‫قواعد التنظيم اإلداري القضائي في مغرب الحماية‪،‬‬ ‫المنطق�ة‪ .‬إلاّ أن ه�ذا التنظي�م ّ‬
‫تمي�ز‪ ،‬مقارن�ة بمثيل�ه‬
‫ميزوا‬ ‫فصلوا بين بالد العرف وبالد الشرع‪ ،‬كما ّ‬ ‫الفرنس�ي‪ ،‬بالمرون�ة ف�ي التس�يير وع�دم التدخ�ل‬
‫بين قبائل عربية وأخرى أمازيغية‪ .‬إن التصور الذي‬ ‫الدائ�م في ش�ؤون القبيلة‪ .‬وانتهجت سياس�ة التدبير‬
‫العدد ‪4‬‬
‫ربيع ‪2013‬‬
‫‪246‬‬

‫وهو ما أفضى بشكل تدريجي إلى انخراط البدو‬ ‫وعممته كان خاط ًئا في‬
‫سيدته اإلدارة االستعمارية ّ‬
‫في الجيش وشركات الفوسفات والتجارة‪ .‬ويعلن‬ ‫نظر الباحث‪ ،‬ألننا في الصحراء أمام قبائل لسانها‬
‫الباحث نهاية التراتبية االجتماعية التي كانت تقوم‬ ‫للعرف كما تخضع‬ ‫غير أمازيغي‪ ،‬ولكنها تخضع ُ‬
‫على توزيع وظيفي لألدوار‪ ،‬حمل السالح (حسان)‪،‬‬ ‫للجماعة‪« ،‬كما نجد قبائل أمازيغية‪ ،‬كان للشرع‬
‫الكتاب (الزوايا)‪ ،‬وازناكة (الفئات التابعة)‪ .‬إن‬ ‫فيها مكانة مهمة وكانت مشبعة بقيم اإلسالم»‬
‫إدماج القبائل ضمن سلطة مركزية‪ ،‬هو بداية تفكك‬ ‫(ص‪.)314‬‬
‫القبيلة‪ ،‬ولذلك ستظهر مؤسسة القائد كسلطة لها‬ ‫وينتهي إلى القول إن السياسة االستعمارية لم‬
‫شرعية‪ ،‬وستدمج في دواليب اإلدارة التي أضفت‬ ‫تأخذ بعين االعتبار خصوصية قبائل الصحراء‪،‬‬
‫مؤسساتيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫طابعا‬
‫عليها ً‬ ‫وكانت متذبذبة‪ ،‬إذ وجدت نفسها أمام وضعيات‬
‫يستنتج الباحث أن القوانين العرفية‪ ،‬كمؤسسة‬ ‫مركّ بة ومعقّدة‪ ،‬يختلط فيها‪ ،‬في كثير من األحيان‪،‬‬
‫الخاوة والذبيحة‪ ،‬هي من أهم العوامل التي تقنن‬ ‫مهما طرأ على‬ ‫ًّ‬ ‫األمازيغي والعربي‪ .‬ولكن تحولاً‬
‫العنف‪ .‬وتُعتبر مؤسسة الجماعة أهم جهاز يسن‬ ‫مجال الصحراء يتمثّل في انتقال النزاعات بين‬
‫تحول كل شيء‬ ‫العرف ويسهر على تطبيقه‪ .‬وقد ّ‬ ‫ُ‬ ‫القبائل من نزاعات مسلحة إلى أشكال سلمية‬
‫تحول مس القبيلة في‬
‫مع االستعمار وبعده‪ ،‬وهو ّ‬ ‫تحول ً‬
‫أيضا مجال انتجاع القبيلة إلى‬ ‫وهادئة‪ .‬وقد ّ‬
‫تحول شمل‬ ‫ّ‬ ‫عالقتها بذاتها وبآليات اشتغالها؛‬ ‫تراب محدد ومسير بقواعد بيروقراطية صارمة‬
‫ً‬
‫أيضا العالقة بين القبائل‪ ،‬كما شمل عالقة القبائل‬ ‫تحول على‬
‫أيضا ّ‬ ‫ولصالح السلطة المركزية‪ .‬وظهر ً‬
‫بالدولة‪ ‬المركزية‪.‬‬ ‫مظاهر الحياة البدوية‪ ،‬مع ظهور مراكز مستقرة‪،‬‬

You might also like