Professional Documents
Culture Documents
القبيلة ،ويتعرض فيه لطبيعة العالقة بين القبيلة هذه مجموعة أسئلة تحاول هذه المقالة اإلجابة
ورجال المخزن [الحكومة] ،والقبيلة ونظام الدولة. عنها من خالل قراءة كتاب زمن القبيلة ومراجعته،
العادية هي السلطة القائمة على اإلجماع وليس على يالحظ الباحث وجود عالقات قرابية مباشرة ،تغذي
اإلكراه»(ص.)44 وحدة الفريك ،باعتباره مجالاً رمز ًيا لألفراد .ومن
نادرا هذه النقطة السياسية تنشأ عالقات أخرى تشمل
يبين الباحث أن تاريخ القبيلة في الصحراء ً
ما يشهد وجود إجماع حول المشيخة ،بمعنى أن االقتصاد والرعي ،وتنتهي بتبادل النساء وباقي
الشيخ ال يحكم بل «يضمن النظام االجتماعي الخيرات .من هنا ،فالعشيرة لن تكون سوى اتحاد
ووسيط في الخالفات» (ص .)44ويقوم بدور هذه الوحدات الصغرى ،وهي الوحدات التي تعود
الحكم الذي يتوخى الصلح ال العقاب ،ويعمل إليها م ْلكية التراب في صيغة جماعات ساللية هي
من أجل التخفيف من النزاعات الداخلية حتى ال التي تشكل القبيلة .إن آيت أربعين مجلس مؤقت،
المقدم ،فتكمن في كونه «يمثل ّ تتطورّ .أما سلطة ومؤسسة غير دائمة ال وجود لها إلاّ في الفترات
الجماعة ،و ُينتخب سنو ًيا أو حين تحتم الظروف الصعبة والحرجة من تاريخ القبيلة ،في حين أن
ذلك» (ص .)45كما أنه يختار بدوره أفرا ًدا كهيئة مجلس الجماعة مجلس دائم.
تنفيذية تساعده في تنفيذ أوامر الجماعة وآيت عمليا ال يمكن للجماعة أن تمارس نفوذها ً
أربعين ،وهو ال يمتلك سلطة مطلقة دون غيره. وسياستها إلاّ من خالل أدوات أو آليات معدة
المقدم وآيت أربعين من استفراد شيخ ّ تحد وظيفة لذلك؛ إذ تفوض سلطتها إلى زعيم قد يكون ً
شيخا
القبيلة بالسلطة ،و ُيشترط في المقدم ،لكي يحافظ أو مقد ًما« ،مع أن هناك تباي ًنا بين الوظيفتين حسب
وسياسيا.
ً على وظيفته ،أن يكون ثر ًيا القبائل والمناطق ،فالشيخ له سلطة أكبر من المقدم،
وينتهي الباحث إلى خالصة مفادها« :إن جوهر كما أنه في الغالب يستمر في منصبه حتى وفاته»
السلطة في المجتمع الصحراوي التقليدي كان (ص .)39يتميز الشيخ بمجموعة من الخصال
ال يرتكز على العنف واإلكراه ..كما هو األمر في والخصائص ،منها :التوقير واالحترام؛ االنتماء إلى
مجتمع الدولة المركزية» (ص .)54واألمر الذي عائلة ذات سلطة وجاه وهو ما ال يرتبط دائما بالمال
يدعم هذه األطروحة هو: والثروة؛ ِكبر السن؛ حنكة الفصل في النزاعات؛
ُحسن اختيار مكان بناء الخيام؛ توجيه القبيلة
« -1التسميات التي تُطلق على رئيس القبيلة،
والجماعة وأفعالهما.
والتي تبين أنها ال تحمل دالالت سلطوية ،فعبارة
يميزها من حكمة ‘شيخ’ تحيل إلى فئة عمرية لما ّ المقدم ،فيتميز في شخصه ووظيفته بما يلي: ّ ّأما
ووقار وحنكة ،وكذلك عبارة ‘مقدم’ الجماعة، اختياره من األفخاذ ،وتو ّليه قيادة الحرب حتى
فهو مقدم على قومه ..المقدمة ،وهاتان العبارتان يعوض بأحد نهايتها .في حالة افتقاره إلى الكفاءةَّ ،
ال تحمالن مضمونًا يوحي إلى السلطة والرئاسة» أقربائه .وفي أوقات السلم ،يجري اختياره من
(ص .)55 -54 أفخاذ ،ويراعى في اختياره نسبه إلى أولياء أو زوايا
القبيلة.
« - 2نمط عيش شيوخ القبائل وزعمائها شاهد
والمقدم ال
ّ على طبيعة السلطة ،ذلك أن الشيخ تتباين وظائف الشيخ أو الزعيم بحسب الوضعية
يتوفران على امتيازات ،أو يعيشان في بذخ وغنى التي تعيشها القبيلة« :إن سلطة الزعيم التي ال يمكن
فاحش يميزهما عن باقي أفراد المجتمع» (ص.)55 معارضتها أيام الحرب ،تعود بسرعة مع السلم تحت
وهؤالء الشيوخ والزعماء يتميزون بالهيبة ،والقدرة مراقبة مجلس جماعي ّ
مشكل من األعيان؛ فالسلطة
العدد 4
ربيع 2013
240
العرف ،حتى عندما اس ُتند إلى الدراسات إلى ُ على اإلقناع والتحكيم ،وممارسة الصلح .لذلك،
االستشراقية أو األنثروبولوجية .إن االعتراف قادرا على الهبة
ً «يجب على الزعيم أن يكون
بوجود نظام قانوني شفوي أو مكتوب ،كان ال والسخاء والجود .فال وجود هنا لسلطة فردية
كونتها
يتناسب مع النظرة والرؤية الجاهزة التي ّ يغيب فيها دور وعامل العطاء ،وبواسطة هذا العطاء
كونها بعدها الدارسون النخبة العالمة اإلسالمية أو ّ التبادلي يتم الوصول إلى الخضوع اإلرادي للرعية»
األوربيون «الذين اشتغلوا حول البدو الرحل» (ص .)60
دونت(ص .)75إن أغلب القبائل في الصحراء ّ تم�ارس بالتواط�ؤ المتب�ادل، نح�ن أم�ام س�لطة
َ
أعرافها ،وهي القوانين الصادرة عن جهاز القبيلة، وه�ي «الس�لطة القائمة عل�ى الت�وازن والتوافق بين
وهي بمنزلة سلطة تشريعية قضائية وتنفيذية ،تطبق األط�راف ،وحت�ى في حالة وج�ود هرمي�ة وتراتبية،
في إطار مجموعة بشرية مبنية على العصبية القبلية فإنها تنال رضا إن لم يكن الصمت المبيت والضمني
كأيديولوجيا تدفع نحو الترابط والتماسك ،وهي للمجتمع الذي يقبلها بش�كل طبيع�ي ،أو هكذا يراد
نزعة يعتبرها ابن خلدون طبيعية في البشر ،إذ يقول: لها أن تكون» (ص.)62
«إن النسب أمر وهمي ال حقيقة له ،ونفعه إنما هو في
الوصلة وااللتحام» (ص.)77
ثان ًيا :سلطة الجماعة
الع�رف ن�ص قانون�ي يجس�د إرادة الجماع�ة
وروحه�ا كوح�دة نس�بية متضامن�ة ومتماس�كة.
والدين
ِّ العرف والشرف
أمام ُ
وهو الذي يتأس�س عل�ى مجموعة قواع�د ،أهمها الع�رف بكون�ه «مجموع�ة م�ن يع�رف الباح�ث ُ ّ
يخ�ول تطبي�ق
ّ نظ�ام التعوي�ض والتراض�ي ال�ذي القواني�ن الوضعي�ة الت�ي تس�هر القبيلة على س� ّنها،
بن�ود الع�رف ألعض�اء مجل�س الجماع�ة أو آي�ت ف�ي س�بيل تنظي�م ش�ؤونها الداخلي�ة والخارجي�ة»
أربعي�ن .إن األحكام العرفي�ة الصادرة عن مجلس والمالح�ظ أن الع�رف غي�ر ثاب�ت ،ب�ل
َ (ص.)69
القبيل�ة ه�ي أحك�ام تقتض�ي الخض�وع واالنصياع دائم�ا للتغي�ر والتأقل�م بحس�ب الحال�ة أو
يخض�ع ً
م�ن قب�ل الجان�ي ،وق�د يقتض�ي ذل�ك ممارس�ة الوض�ع أو المج�ال الجغراف�ي .فضًل�اً ع�ن ذلك،
إكراه�ات مادية أو رمزية .لذلك ،تحاول الجماعة فه�و ال يمثّ�ل فق�ط الجوان�ب الزجري�ة والعقابي�ة،
م�ن خلال أعرافه�ا ،احت�واء مختل�ف أش�كال أيض�ا «وح�دة العش�يرة أو القبيل�ة، «يجس�د» ً
ّ ب�ل
النزاع�ات وتجفي�ف مناب�ع التوت�ر داخ�ل القبيلة. فالعالق�ات القبلي�ة والقرابي�ة غير كافي�ة لخلق جو
م�ن هنا ،يترجم الع�رف روح التضام�ن والتعاضد مالئ�م للتعاون الس�لمي بين أف�راد المجموعة ،لذا
االجتماع�ي ،وه�ي القي�م التي ي�راد لها أن تس�ود يمكن من تحت�م وجود قان�ون ش�فوي أو مكت�وب ّ
داخ�لالقبيل�ة،تفاد ًي�اللقص�اصوالث�أر. ضب�ط عالقاته�م ،ويضع قواع�د ترمي إل�ى حماية
الع�رض ل�دى اإلنس�ان الصح�راوي ف�ي يتجس�د ِ المجموعة م�ن االنح�راف والفوض�ى» (ص.)70
الع�رف عل�ى معاقب�ة الم�رأة والخيم�ة؛ إذ يش�دد ُ من وظائف العرف حماية الفرد وممتلكاته في
الم�رأة ف�ي حال�ة حمله�ا خارج مؤسس�ة ال�زواج، مجتمع تنعدم فيه سلطة فوقية تقوم بهذه الوظيفة.
والخيم�ة حرم�ة يجب ألاّ تث�ار فيها الفت�ن أو تُمس العرف باعتباره
تميز النظر إلى ُ
لكن رغم ذلكّ ،
الع�رض هنا ،بل يش�مل ً
أيضا قدس�يتها .وال يق�ف ِ «نظا ًما» مخال ًفا للشرع .ولم تتغير هذه النظرة
241 مناقشات ومراجعات
زمن القبيلة وإشكالية السلطة والعنف في المجتمع الصحراوي
في التفرد أو الخروج من الهابيتوس االجتماعي .إن األرض الجماعي�ة والممتلك�ات ،وه�و يحت�ل
األم�ر ال يتعلق بمجرد اعتب�ار الجماعة محد ًدا للفرد مكانً�ا مركز ًي�ا في المجتم�ع الب�دوي الصحراوي؛
موجها له» (ص.)111ً بل «فق�د تدور معارك طاحنة بس�بب إهان�ة أو مس في
الع�رض ولو باس�تعمال عنف لفظ�ي» (ص.)100 ِ
أنتج المجتمع الصحراوي الكثير من الفقهاء
والقضاة في أمور اإلرث والزواج وتحرير العقود. لذل�ك ،تس�عى الجماع�ة إل�ى تقني�ن كل م�ا يمكن
أن يصدر عن اإلنس�ان ،كالتهدي�د بالعنف ،والمس
وقد قام االستعمار بدور مهم في توفير القضاء
بالكرامة أو اإلهانة أو الش�تم ،فضلاً عن ممارسات
الشرعي ،وذلك من خالل تعيين قضاة رسميين
أخ�رى مرتبطة بالض�رب والجرح والس�رقة ..بهذه
يتم اللجوء إليهم في حل النزاعات .يؤكد جلنر أن
اإلج�راءات التنظيمية تكون الجماع�ة قد احتفظت
العرف والشرع؛ تميز بين ُ
جماعات القبائل لم تكن ّ
لنفس�ها باحتكار الس�لطة لتجعل من نفسها المرجع
«فأحكام الشرع هي بدرجة من التعقيد وسعة
القانوني الوحيد داخل مجالها.
المجال ،يصبح معه من العسير على العامة معرفتها،
كما أن الغموض بين ما هو شرعي وعرفي يظل هو العرف ال يقتصر على احتواء العالقات الداخلية إن ُ
الميزة السائدة لدى هؤالء الفقهاء» (ص .)123بل ألفراد القبيلة ،بل «يتعداه إلى العالقة بين القبائل
إن الشرع ظل هو مصدر القضايا المتعلقة باألحوال مكونات
على شكل اتفاقيات ثنائية أو جماعية بين ّ
الشخصيةّ .أما أسطورة التضاد بين العرف والشرع، قبلية تتقاسم مجالاً معي ًنا ،وتحتم ظروف ومكان
دائما؛ فعندما تحاولفليست بالضرورة صحيحة ً الترحال واالحتكاك الدائم بين أفرادها» (ص
الجماعة إضفاء طابع الشرعية على قوانينها العرفية، العرف على ما أشرنا .)104 -103كما ال يقتصر ُ
فهي إنما تهدف إلى سن بنية قانونية محلية ،مع إليه سابقًا ،بل يشمل ً
أيضا «التنظيم األمني للطرق
مراعاة النصوص الشرعية في ذلك. واألسواق والمواسم والغابة ،وتدبير شؤون السقي
وضيافة المسافرين والمسجد والقطيع ،وغيرها
من القضايا المتعلقة بجوانب الحياة االجتماعية»
ً
ثالثا :الجماعة (ص.)106
وآليات االندماج واإلدماج تلقائي�ا ع�ن روح الجماعة تعبي�را الع�رف
لقد ك�ان ُ
ً ً
القانون العرفي وحده ال يكفي لضمان األمن ووعيه�ا ،وه�و ال�ذي ك�ان يس�تحضر المش�كالت
والنظام ،لذلك يتم اللجوء في الغالب إلى الذبيحة والحل�ول ،ويجي�ب الحاج�ات الطارئ�ة .وتب�دو
والتركيبة من أجل االحتماء .وتتخذ الحماية أشكالاً األحك�ام العرفي�ة أكث�ر إنس�ية وأق�ل عن ًف�ا ،لكونها
قد تكون مؤقتة وقد تكون دائمة .ولم تشمل الحماية «تطب�ق عل�ى أبن�اء القبيل�ة الواح�دة ،وتراع�ى فيه�ا
َّ
في المغرب أهل الجاه والشوكة فقط ،بل شملت مجموعة عناصر تتحكم فيها روابط النسب وأواصر
أيضا رجال الدِّ ين ،وأصحاب البركة والزوايا ً القرابة والدم المشترك» (ص.)109
والشرف ،وأضرحة األولياء .كما أن الحماية ال وم�ن خلال تفس�ير طبيع�ة العالق�ة بي�ن الف�رد
تقتصر على توفير األمن لمرتكب جريمة أو لمتمرد والجماعـ�ة ،ينتص�ر الباحث ألطروحة بي�ار بورديو
أيضا المسافرين وغيرهم منفي من قبيلته ،بل تشمل ً ) (P. Bourdieuبشأن الهابيتوس ( ،)habitusمبرزً ا
من التجار الذين يجوبون األسواق .ومن شروط أن «الفرد هو تجسيد لالجتماعي وال يملك أي حرية
العدد 4
ربيع 2013
242
االستعمارية ،وذلك في مقابل ضرائب سنوية. الحماية أال يضر ذلك بمصلحة القبيلة الحامية
إن طبيعة الحياة في الصحراء ،التي تقتضي من لطالبيها ،كما أن الحماية ال يقوم بها إلاّ من هو
الجماعات البشرية التنقل والترحال ،يترتب عنها تحمل آثار
ّ في موقع القوة ،ويملك القدرة على
غالبا ما يتم االنتقال
عدم ديمومة التحالفات ،ولهذا ً تلك الحماية.
من تحالف إل آخرّ .أما عملية االندماج االجتماعي، ال تقتصر الحماية على األفراد ،بل يمكن أن تشمل
فال تعني في الغالب سوى األفراد أو العائالت .وتتم فروعا منها على األقل تكون حتى بعض القبائل أو
ً
هذه العملية من خالل طقوس الذبح ،التي يلجأ شوكتها قد انكسرت في معارك ما ،وأصبحت تحت
إليها األشخاص المطرودون من جماعتهم األصلية حماية قبائل أقوى ورحمتها .وقد يفضي بها وضعها
والمنفيون عنها. الجديد إلى فقدان اسمها األول والحصول على
كما يتم اللجوء في بعض األحيان إلى األماكن اسم آخر .وكان األشخاص والجماعات المحمية
المقدسة احتماء بغطائها الرمزي والقدسي ،حيث تسمى الحرمة يدفعون في مقابل حمايتهم ضرائب ّ
يلزم الشخص المزواك أن يحد من تحركاته حتى والغرامة ،حيث األولى تحيل إلى الحماية والثانية
ال يثير خصومه ،فضلاً عن ضرورة االلتزام بالقوانين تحيل إلى الخضوع« :إن المغرم يؤدى بشكل منتظم
التي تفرضها الجماعة الحامية .وتتم عملية اإلدماج من طرف عصبية ضعيفة غير قادرة على حماية
أيضا من خالل تقديم أضحية ،و ُيعتبر ذلك إعالن ً نفسهاّ .أما القبائل التي لم تكن تملك من الشوكة ما
ميالد عالقة دموية جديدة أساسها الدم والطعام، تدافع به عن نفسها ،فتبحث أو يفرض عليها ضرائب
وميثاقها العهد والوفاء. الحرمة والغرامة من طرف قبائل حمل السالح الذي
إلزاميا» (ص.)136
ً طابعا
يتخذ مع الزمن ً
غي�ر أن إدم�اج الدخلاء والغرب�اء داخ�ل القبيل�ة
تب�وء المكان�ة والوظائ�ف االجتماعي�ةيخوله�م ّ
ال ّ كما كانت هناك آليات أخرى طبعت المجتمع
والسياس�ية ذات األهمي�ة« :إن االنتم�اء للقبيل�ة عن الصحراوي ،منها الذبيحة والخاوة ،ومن وظائفهما:
طري�ق ال�والء يمن�ح الف�رد حم�ل نس�بها ،ولكن ال ربط العالقة بين أفراد ومجموعات خارج رابطة
مكوناتها التي تعتبر نفسها الدم المعهودة ،من أجل تأسيس عالقات جديدة
يمنحه المس�اواة مع باقي ّ
من عصب ،فش�جرات النس�ب الدموية تظل محد ًدا (األخوة) ،وهي عالقة هرمية ّ مبنية على الخاوة
للمكانة االجتماعية والسياس�ية للفرد داخل القبيلة» يحتل فيها الذابح مرتبة دنيا أمام المذبوح عليه.
(ص.)115 وتكون الذبيحة لغاية الحماية أو اإلدماج في القبيلة،
أو للترضية وصون ِ
العرض.
تكون الحماية مؤقتة عندما يتعلق األمر بوجود
رابعا :السياسة
ً
مؤقت في مجال ما ،بغاية الرعي أو التجارة أو
بين القبيلة والدولة
تقدم ليست مقابلاً ماد ًيا
السفر .إن الذبيحة التي َّ
يعرض الباحث النقاشات النظرية بشأن السياسة الستغالل مراعي القبيلة ،بل قيمتها سياسية تكمن
والدولة ومجتمع الالدولة ،كما تبلور ذلك في في االعتراف بسيادة القبيلة على ذلك المجال .ومع
علم االجتماع واألنثربولوجيا .إن والدة الدولة االستعمار ،سينتهي العمل بقانوني الذبيحة والغفر.
تتأسس على أنقاض القبيلة« ،والدولة بهذا المعنى وأصبح الحامي في الوضع الجديد هو السلطة
243 مناقشات ومراجعات
زمن القبيلة وإشكالية السلطة والعنف في المجتمع الصحراوي
تبلورت مع ش�ارل دو فوكو (،)Ch. de Foucauld تتطلب انقراض التنظيم القبلي ،ألنها تقوم على
ث�م وقف على اجته�ادات مؤرخي�ن مغاربة .وينتهي مراقبة مجال ترابي يعيش عليه أفراد منضوون في
الباحث إلى أن بالد الصحراء من واد نون إلى وادي مجموعات ترابية وليس في مجموعات قرابية»
سياس�يا ظلت فيه السلطة في
ً تنظيما
ً الذهب «عرفت (ص .)184ووفقًا للخطاطة التي وضعها مورغان،
حدود القبيلة» (ص)206؛ إذ بقيت السلطة السياسة فإن البشرية تسير من التوحش والبرية في اتجاه
ف�ي الصح�راء ف�ي ح�دود القبيل�ة .وق�د اس�تغرق الحضارة .وهذه النظرة التطورية للتاريخ سيكون
الباح�ث ف�ي تفاصي�ل كثي�رة بش�أن كرونولوجي�ا لها تأثير كبير في ما بعد ،سواء مع إنجلز أو مع
الرس�ائل الس�لطانية ،وأحداث ووقائع كثيرة تنم عن الدراسات األنثروبولوجية الالحقة ،خصوصا مع
تفاصي�ل وطرق اش�تغال أس�ر ذات نف�وذ اقتصادي مرشال سالنز (.)M. Sahlins
وتطلعات سياسية. كان من الالزم انتظار بداية األربعينيات من القرن
أكد الباحث بعد ذلك أن النظام القائدي في المغرب الماضي ،والتعرف إلى أعمال إفنس بريتشارد
لم يكن وليد عوامل خارجية فحسب ،بل كان يجد ( )E. Pritchardالمتعلقة بقبائل النوير جنوب
أيضا .وقد لقينشأته وتطوره في عوامل داخلية ً السودان ،وثلة من الباحثين الذين اشتغلوا بشأن
هذا النظام عناية ودراسة ّ
كل من مونتان في البداية أفريقيا السوداء ،وصولاً إلى الدراسات الالحقة في
ثم بول باسكون ( )P. Pasconفي ما بعد .يلخص ما يتعلق بالمغرب ،مع إرنست كلنر ()E. Kilner
هذا األخير التيارات التي هيمنت على األطروحة وهارت وريمون جاموس ،فضلاً عن مساهمات
القائدية في المغرب في ثالثة عناصر: المدرسة الفرنسية ،خاصة مع األنثروبولوجيا
السياسية (جورج بالندييه) ،من خالل تركيزه على
-1إن أمغ�ار (الش�يخ) يظه�ر عل�ى هامش الس�لطة
عنصر القرابة .كما أن األنثروبولوجيا السياسية
مخزني�ا
ً زعيم�ا
ً المركزي�ة وكل طموح�ه أن يصب�ح
ركزت بدورها على الجانب الطقوسي والرمزي في
م�ن خلال اعت�راف المخ�زن بس�لطته عل�ى القبيلة
دراستها للسلطة.
(مونتان)؛
هذا وقد انتهت الدراسات األنثربولوجية من خالل
-2حين يقترب المخزن من القبيلة إبان «حركاته»،
هذا التراكم المعرفي ،إلى تجاوز مفهوم السياسة
تلغي القبيلة دور الجماعة وتفوض أمر قيادتها
كما تجسدها الدولة« ،فأصبحت السياسة تتخذ
ألمغار يقود المقاومة ضد الجيش المخزني .ونتائج
أبعا ًدا كثيرة ودالالت أغلبها ربط فعل السياسة
زعيما مستقلاً
ً هذه المقاومة هي التي تجعل منه ّإما
بالتحكيم والوساطة والحق في استعمال القوة؛ ففي
وإما قائدً ا يؤدي
يطمح إلى تأسيس ساللة حاكمة ّ المجتمعات التي تهيمن فيها روابط القرابة ،تكون
دور الوسيط بين المخزن والقبيلة؛
المواطنة مشروطة ومحددة بنمط االنحدار النسبي،
-3الظاهرة القائدية من صنع السياسة االستعمارية أموميا .فالدور والمكانة والوظيفة
ً أبو ًيا كان أم
(أطروحة الحركة الوطنية). السياسية ومراكز السلطة تحددها عوامل عشائرية
يؤك�د الباحث أن تجرب�ة الصحراء لم تش�هد نظا ًما مما تحددها عواملوساللية قبلية»(ص )192أكثر ّ
قائد ًي�ا وال ش�خصيات اس�تبدادية عل�ى ش�اكلة ومتغيرات أخرى.
س�متهم الكتاب�اتكب�ار ق�واد األطل�س ،الذي�ن ّ تطرق الباحث كذلك إلى ثنائية المخزن والسيبة كما
ّ
العدد 4
ربيع 2013
244
في شمال المغرب ،وذلك من خالل هيكلة السلطة االس�تعمارية األس�ياد الفيوداليي�نّ .أم�ا النم�وذج
داخل القبيلة .وهكذا حافظت سلطات الحماية على القائدي ال�ذي عرفته منطقة واد نون ،فكان حديث
مؤسسات المخزن التقليدية كمؤسسات صورية. العه�د ،وق�د تجل�ى ف�ي مؤسس�ة القائ�د المخزني
ولم يستطع المقيم العام ليوطي إلغاء مؤسسة وتبين الدراس�ة أن
ف�ي أواخر القرن التاس�ع عش�رّ .
السلطان لشرعيته الدينية كأمير للمؤمنين يسود الس�لطة المركزية لم تكن تهدف إلى الحصول على
ويحكم .وكان الهدف من إبقاء السلطان في مكانه المغ�ارم والضرائب ،بل إلى من�ع التغلغل األجنبي
استغالل شرعيته الدينية وتج ّنب غضب المغاربة. ف�ي الس�واحل الصحراوي�ة« :رغ�م ضعف س�لطة
كما أن المحافظة على النظام المخزني كان بغاية المخ�زن المباش�رة في الصحراء ،خاص�ة مع العقد
االستفادة من خبرات وتجارب موظفيه في تدبير األول من القرن العش�رين ،ظل تأثير الس�لطان على
البلد .وقد اعتمدت الحماية الفرنسية على هذا حاض�را ،فالزعام�ات القبلية لم
ً المس�توى الرمزي
النظام من خالل توجيهه ومراقبته. تعد تكتفي بالش�رعية المحلي�ة ،بل أصبحت تبحث
بأي ثمن عن ش�رعية من المركز» (ص.)227
تبن للسلطة الفردية إن تب ّني النظام القائدي هو ٍّ
لبت قضايا القبيلة .وقدبغاية توفير مخاطب واحد ِّ إن وجود القواد المخزنيين لم يلغ دور جماعة
أصبحت وظيفة القائد «االستعماري» وظيفة إخبارية القبيلة ،لغياب آليات ميدانية في يد القواد .ثم إن
وتطبيق السياسة االستعمارية ،و أصبح مجرد تعيين قواد من خارج القبيلة تواجهه صعوبات،
موظف مساعد لمسؤول الشؤون األهلية التابع له، جغرافيا عن المركز،
ً من أهمها كون القبيلة بعيدة
إذ يصعب على قائد من دون قوة عسكرية وال
ووسيط بين السلطة والقبيلة .وقد عملت السلطات
إمكانات بسط نفوذه على تلك القبائل .والقبائل
الفرنسية على جعل هؤالء القواد والشيوخ يتمتعون
دائما على القواد الذين يأتونها من ً ال ترضى
وحدت وفي الوقت نفسه من طموحهم ّ بالشرعية،
الخارج .يضاف إلى ذلك أن القواد القبليين لم
لالستقالل عنها .وكانت الوظائف التي ُأسندت إلى
يكونوا الجهة الوحيدة المخاطبة من ِقبل السلطة
هؤالء القواد تجعلهم في مواقف حرجة مع قبائلهم؛
المركزية؛ فالسلطة تعتمد ً
أيضا على أرباب الزوايا.
فبعض الشيوخ الذين رفضوا االنصياع لألوامر
ومن أمثلة هؤالء الشيخ ماء العينين .إن هؤالء
جرت تنحيتهم بسهولة أو ُرحلوا برفقة مقربيهم إلى
القواد كانوا شبه موظفين ،يفتقرون إلى الوسائل
مكان آخر.
تمكنهم من الحلول محل الجماعة في تسيير التي ّ
بعد السيطرة الميدانية على األرض ،أجرى شؤون القبيلة .واقتصر دورهم على الوساطة بين
مست جوهر السلطة «المخزن الفرنسي» تغييرات ّ المخزن ومجال قبيلتهم.
داخل القبيلة ،فتم االنتقال بها من السلطة الجماعية
إلى السلطة الفردية؛ إذ شرع الفرنسيون في التفكير
خامسا :المؤسسات التقليدية
ً
في وضع تنظيم إداري في المغرب ،ولم يجدوا
بين التقويض والمقاومة
غير الجماعة كمؤسسة سياسية تقوم بمهمة تنظيم
المجتمع ،فتم التركيز على هذه المؤسسة بسبب يؤكد الباحث أن الجيوش الفرنسية لم تصل إلى
عمقها التاريخي وقدرتها على تنظيم الحياة العامة منطقة وادي نون إلاّ في سنة .1934وتال ذلك
في البوادي. وضع تنظيم إداري على شاكلة التنظيم الذي كان
ُ
245 مناقشات ومراجعات
زمن القبيلة وإشكالية السلطة والعنف في المجتمع الصحراوي
غي�ر المباش�ر عب�ر توظي�ف األعي�ان المحليي�ن عم�دت فرنس�ا من�ذ احتالله�ا الج�زء الش�مالي
كمخبرين .ومنذ س�نة 1958تدخ�ل جيش التحرير م�ن الصح�راء ،عل�ى تقوي�ض الجماع�ة القاعدي�ة
عج�ل بتغيي�ر السياس�ة فيف�ي الجن�وب ،وه�و م�ا ّ التقليدي�ة ،لصال�ح نظ�ام إداري وسياس�ي جدي�د،
المنطقة؛ إذ ش�جعت إسبانيا االس�تقرار في المنطقة تتك�ون من فرد من
ّ فأصبح�ت «الجماع�ة القضائية»
من خالل تقديم مس�اعدات للساكنة ،وبداية التمهيد كل فخ�ذ ،وه�ي الجماعة التي أصبح�ت ال تتضمن
الس�تغالل خيراته�ا .وفي س�نة ،1961صدر قانون ش�يوخ األفخ�اذ الت�ي يقت�رح أعضاؤه�ا م�ن طرف
لتنظيم القضاء يأخ�ذ بعين االعتبار خصوصية البلد، المراق�ب المدن�ي ،إذ لم تعد القبيلة ه�ي التي تختار
ويدع�و إلى ض�رورة تأقل�م النظ�ام اإلداري مع هذه أعيانه�ا بل أصب�ح االختي�ار يتم من جانب الس�لطة
الخصوصية الجغرافية والثقافية .وقامت إس�بانيا في االستعمارية والمخزن.
نهاية الس�تينيات بإنش�اء «الجمعية العامة للصحراء» قلصت السلطة االستعمارية من الدور السياسي
كوس�يلة لرف�ع «تمثيلي�ة» الصحراويي�ن ،وه�ي م�ا للجماعة لصالح سلطة فردية ،تتجسد في الشيخ
س ُتعرف الحقًا باسم «الجماعة» (ص.)302 والقائدّ .أما الجماعة القضائية« ،فلم تكن في
لقد استلهم النظام السياسي المعاصر أحيانًا لغته من مكانة ودور الجماعة التقليدية .احتفظت القبيلة
األنماط التنظيمية التقليدية ،كي يضفي عليها شرعية في الصحراء ببعض وجوهها من األعيان ورجال
وتمنحه صدقية ،من أجل تدبير عالقته بالساكنة. دين لهم سمعة وجاه ومكانة خارج دواليب اإلدارة
وسواء تع ّلق األمر بإسبانيا أو بفرنسا ،فإنهما االستعمارية المراقبة والمباشرة .هذا االستمرار
تتعامالن بانتقائية وانتهازية مع المؤسسات التقليدية السياسي للقبيلة ،كان ضرورة سوسيولوجية داخلية
كالجماعة ،وتوظفانها ألغراضهما بعد إفراغها من لتدبير شؤون القبيلة ،ومقاومة صامتة إلدارتها،
محتواها السوسيولوجي والرمزي. ً
ورفضا لألعيان الذين فرضتهم اإلدارة االستعمارية.
وقف الباحث على التحول الذي عرفه العرف ،بما يؤك�د الباح�ث أن اإلس�بان ل�م يك�ن لديه�م حت�ى
يعبر عنه من نظام يعكس هوية عش�رينيات الق�رن الماض�ي أي رغب�ة ف�ي إخض�اع
يجسده من نظم ،وما ّ
ويسجل
ِّ القبيلة وقدرتها على تدبير عالقاتها القرابية. القبائ�ل الصحراوية .كما أن س�اكنة الصحراء كانت
أيضا أن التعارض بين العرف والشرع ،متجسدً ا في ً ت�رى ف�ي اإلس�بان قب�ل س�نة 1934مج�رد تج�ار
كرسته الحقبة االستعمارية، يزاول�ون تجارته�م ف�ي الصح�راء ،أو يمارس�ون
الكتابات الفقهيةّ ،
إسالميا. الئكيا والشرع قانونًا فأصبح العرف قانونًا الصي�د .وكان األمر الذي س�اهم في ه�ذه الرؤية هو
ً ً
هذا وقد ساهمت دراسات الحقبة االستعمارية في طبيعة السياس�ة الس�لمية اإلس�بانية ف�ي المنطقة ،ثم
توسيع الهوة بين العرف والشرع ،من منطلق أن العم�ل على اس�تقطاب أعيان القبيلة والش�خصيات
العرف هو قانون الئكي دنيوي والشرع هو نص الدينية.
منظري المدرسة إسالمي ديني .وقد ّبين الباحث أن ّ وابت�داء من س�نة 1934بدأت إس�بانيا تضع أس�س
السوسيولوجية الكولونياية ،وغيرهم ممن درسوا تنظي�م سياس�ي وإداري وعس�كري للتحك�م ف�ي
قواعد التنظيم اإلداري القضائي في مغرب الحماية، المنطق�ة .إلاّ أن ه�ذا التنظي�م ّ
تمي�ز ،مقارن�ة بمثيل�ه
ميزوا فصلوا بين بالد العرف وبالد الشرع ،كما ّ الفرنس�ي ،بالمرون�ة ف�ي التس�يير وع�دم التدخ�ل
بين قبائل عربية وأخرى أمازيغية .إن التصور الذي الدائ�م في ش�ؤون القبيلة .وانتهجت سياس�ة التدبير
العدد 4
ربيع 2013
246
وهو ما أفضى بشكل تدريجي إلى انخراط البدو وعممته كان خاط ًئا في
سيدته اإلدارة االستعمارية ّ
في الجيش وشركات الفوسفات والتجارة .ويعلن نظر الباحث ،ألننا في الصحراء أمام قبائل لسانها
الباحث نهاية التراتبية االجتماعية التي كانت تقوم للعرف كما تخضع غير أمازيغي ،ولكنها تخضع ُ
على توزيع وظيفي لألدوار ،حمل السالح (حسان)، للجماعة« ،كما نجد قبائل أمازيغية ،كان للشرع
الكتاب (الزوايا) ،وازناكة (الفئات التابعة) .إن فيها مكانة مهمة وكانت مشبعة بقيم اإلسالم»
إدماج القبائل ضمن سلطة مركزية ،هو بداية تفكك (ص.)314
القبيلة ،ولذلك ستظهر مؤسسة القائد كسلطة لها وينتهي إلى القول إن السياسة االستعمارية لم
شرعية ،وستدمج في دواليب اإلدارة التي أضفت تأخذ بعين االعتبار خصوصية قبائل الصحراء،
مؤسساتيا.
ً طابعا
عليها ً وكانت متذبذبة ،إذ وجدت نفسها أمام وضعيات
يستنتج الباحث أن القوانين العرفية ،كمؤسسة مركّ بة ومعقّدة ،يختلط فيها ،في كثير من األحيان،
الخاوة والذبيحة ،هي من أهم العوامل التي تقنن مهما طرأ على ًّ األمازيغي والعربي .ولكن تحولاً
العنف .وتُعتبر مؤسسة الجماعة أهم جهاز يسن مجال الصحراء يتمثّل في انتقال النزاعات بين
تحول كل شيء العرف ويسهر على تطبيقه .وقد ّ ُ القبائل من نزاعات مسلحة إلى أشكال سلمية
تحول مس القبيلة في
مع االستعمار وبعده ،وهو ّ تحول ً
أيضا مجال انتجاع القبيلة إلى وهادئة .وقد ّ
تحول شمل ّ عالقتها بذاتها وبآليات اشتغالها؛ تراب محدد ومسير بقواعد بيروقراطية صارمة
ً
أيضا العالقة بين القبائل ،كما شمل عالقة القبائل تحول على
أيضا ّ ولصالح السلطة المركزية .وظهر ً
بالدولة المركزية. مظاهر الحياة البدوية ،مع ظهور مراكز مستقرة،