Professional Documents
Culture Documents
تقنيات الحِجاج في البلاغة الجديدة عند شاييم بيرلمان
تقنيات الحِجاج في البلاغة الجديدة عند شاييم بيرلمان
الملخص:
يعرفه الفيلسوف البلجيكي شاييم بريملان ، ChaÏm perlemanهو دراسة تقنيات اخلطاب اليت من شأهنا أن تؤدي ِ
احلجاج كما ّ
باألذهان إىل التسليم مبا يُعرض عليها من أطروحات ،أو أن تزيد يف درجة ذلك التسليم ،انطالقا من هذا التعريف ارتأينا أن يكون البحث
حماولة للكشف عن هذه التقنيات يف البالغة اجلديدة (احلجاج) عند رائدها بريملان ،من خالل مناقشة مفهوم احلِجاج و وظيفته ،مث التطرق
بشيء من التفصيل أل هم تقنياته احلجاجية و للياته اقإقناعية ،القائمة عل ننائية الفصل Dissociationو الوصل ، Liaison
باعتبارها أهم ركائز الدرس احلجاجي عند بريملان و َمن تأنروا ببالغته اجلديدة و تبنَّوا طرحه.
الكلمات المفتاحية :التقنيات ؛ احلجاج ؛ البالغة اجلديدة ؛ شاييم بريملان .
Abstract:
Argumentation as Chaim Perelman puts it is the study of techniques that uses the mind to
calculate the conclusion of a claim through interpersonal interaction, taking into account the
previous definition, this research paper tries to explore these new rhetoric techniques in the works
of Chaïm Perelman, the pioneer of new rhetoric, through the discussion of the concept of
argumentation, its function, and its premises, finally, we shall see in details the most important
techniques of argumentation and its mechanisms of persuasion, Perelman and whoever adopted his
perspective on rhetoric consider liaison and dissociation the two main categories of these
techniques.
Keywords: Technics, Argumentation, New rhetoric, Chaïm Perelman
مقدمة:
يعد شاييم بريملان ChaÏm perlmanأول من استخدم مصطلح البالغة اجلديدة رفقة أولربخيت تيتيكا ،و يعين
هبا احلجاج ،فهو رائد نظرية احلجاج و أول من بعثه و أحياه يف النصف الثاين من القرن العشرين ،بعد ركوده مدة
طويلة ،من خالل مؤلَّفه" :مصنف يف احلجاج -البالغة اجلديدةTraité de l’argumentation-la ( "-
)nouvelle rhétoriqueالذي شاركته يف إجنازه أولربخت تيتيكا L. Olbrechts Tytecaسنة ،8591
حيث ميثل هذا الكتاب أوج ما توصلت إليه املدرسة البلجيكية ،و " أكثر املصنفات شهرة و اكتماال و إملاما بقضايا
احلجاج ") ، (1وهو املستحدث لتقدم البحوث البالغية .
عرف احلجاج -كما رأينا -عل أنه معرفة و دراسة التقنيات اخلطابية اليت تساهم يف إذعان املتلقي ،أو
بريملان ،فقد ّ
وزعها بريملان
زيادة إذعانه ،و هذه التقنيات هي جمموعة احلجج املتنوعة اليت عليها مدار احلجاج يف أي خطاب ،و قد ّ
عل نوعني :األول هو " احلجج القائمة عل الوصل ،و هي اليت متكن من نقل القبول احلاصل حول املقدمات إىل
النتائج ،و الثاين هو احلجج القائمة عل الفصل ،و هي اليت تسع إىل الفصل بني عناصر ربطت اللغة أو إحدى
التقاليد املعرتف هبا بينها " (. )11
ج 1-طرائق الوصل : procédés de liaison
ج 1-1-الحجج شبه المنطقية ):(Les arguments quasi-logiques
هي اليت " تستمد قوهتا اقإقناعية من مشاهبتها للطرائق الشكلية ) ، (Formelleو املنطقية و الرياضية يف الربهنة
،لكن هي تشبهها فحسب و ليست هي إياها إذ فيها ما يثري االعرتاض " ) ، (12و بالتايل فهي تقرتب من املنطق
الصوري و الرياضي و لكنها ال تساويه ،و إال أصبح احلجاج برهنة و هذا يتعارض مع مفهومه و طبيعته االحتمالية و
املمكنة ،و بالتايل فهي قابلة للرد لكوهنا ليست منطقية ،فهذه احلجج تستمد قوهتا اقإقناعية من خالل استنادها إىل
)(13
،و هذه احلجج شبه املنطقية بعض املبادئ املنطقية " كالتناقض و التمانل التام أو اجلزئي ،و قانون التعدية "
تنقسم إىل أنواع هي كالتايل :
ج 1-1-1-الحجج شبه المنطقية التي تعتمد البنى المنطقية :و هي بدورها أنواع :
ج 1-1-1-1-التناقض و عدم االتفاق ):(Contradiction et incompatibilité
" املقصود بالتناقض ) (Contradictionهو أن تكون هنا قضيتان 2 propositionsيف نطاق مشكلتني
إحدامها نفي لألخرى و نقض هلا " ) ، (14فالتناقض هو الذي يكون فيه عدم اتفاق بني قضيتني ،أو بني فكرة و
نتائجها العملية ،كقولنا :الشيء موجود و غري موجود يف الوقت نفسه ،فهو نوع مجع بني إنبات و نفي ،أي أن
هنا قضية تنقض قضية أخرى و تنفيها ،و بالتايل يستحيل اجلمع بينهما ،و أما " التعارض بني ملفوظني فيتمثل يف
)(15
وضع امللفوظني عل حمك الواقع و الظروف أو املقام ،الختيار إحدى األطروحتني و إقصاء األخرى فهي خاطئة "
،أي أننا أمام قضية صحيحة و أخرى خاطئة فال وجود للنقض هنا ،و لذلك ارتبط التعارض باملقام و ظروفه اليت
ترجح قضية عل حساب أخرى ،حيث ميكن تأويل األلفاظ بطرق خمتلفة ،بينما ارتبط التناقض بقضايا النفي و ّ
اقإنبات ،و احلضور و الغياب ،و بالتايل فمجال احلجاج هو التعارض ) ، (incompatibilitéو ليس التناقض
املنطقي الصارم و املل ِزم الذي ال يتأنر بالظروف و ال املقام ،و كمثال عل التعارض أن املرء قد يق ّدم دعوى معينة مما
يسلم به اجلمهور ،مث هو يعارضها بأخرى خمالفة للواقع و املقام ،فيقع فيما أمساه بريملان بالسخرية و اهلزء Ridicule
،و يقدم عل ذلك مثاال " يتعلق بالشخص الذي يزعم أن م يسبق له أن قتل كائنا حيا ،و الذي يُبَ َّني له أنه مبعاجلة
جرح متقيّح ،سوف يضطر إىل قتل عدد هائل من امليكروبات " ) (16باعتبارها كائنات حية ،و لذلك اعترب بريملان أ
ن" السخرية أو اهلزء من أهم األسلحة احلجاجية " ) (17و عوامل جناحه.
إنباهتا من الناحية الكمية أن الكل يشتمل اجلزء و يتضمنه ،و أن اجلزء مهما كان حجمه فهو داخل يف الكل ،من
وجهة نظر كمية ،و كمثال عل ذلك " :ما أسكر كثريه فقليله حرام " (. )27
ج 2-2-1-1 -حجة تقسيم الكل إلى أجزاء ):(Argument de division
هذه احلجج تلجأ إىل تقسيم الكل باعتباره أفضل و أهم و أمشل إىل أجزائه املكونة ،حيث يوظفها احملاجج كي
يتسىن له إدراج " تلك األجزاء و لحميلها الشحنة اقإقناعية اليت كانت هلا جمتمعة " (، )28فهي نوع إنبات حضور
présenceللكل من خالل إنبات أجزائه ،و لضمان جناح هذا النوع من احلجج " ينبغي أن يكون تعداد األجزاء
شامال ،و إال لحطم كل ما بناه اخلطيب و أنار ضحك اآلخرين " ) ، (29فحضور األجزاء وسيلة ضرورية خللق الكل و
حضوره ،و مع ذلك تبق هذه احلجج شبه منطقية " ألن األجزاء ال تعرب يف كل احلاالت و بدقة عن الكل " ). (30
ج 3-2-1-1-حجة المقارنة ): (l’argument de comparaison
" تعترب املقارنة حجة شبه منطقية حني ال تسمح بإجراء وزن أو قياس فعلي " ) ، (31و إن كانت توحي بأننا أمام
قياس فعلي أو أننا نصدر حكما مضبوطا ،فمثال حني " نقارن شاعرا متوسطا فنقول إنه دون مكانة املتنيب ،فإننا نرفعه
هبذا ،و لكننا حينما نقول عنه أنه أرفع من شاعر ضعيف فإننا حنط من قيمته " ) ، (32فمعيار املقارنة ليس قياسا نابتا
و ال فعال قابال للقياس ،بل شبيه بذلك .
(Les arguments basés sur la ج 3-1-1-الحجج المؤسسة على بنية الواقع
stucture du réel) :
إذا كانت احلجج شبه املنطقية ترتكز يف بناء قوهتا احلجاجية عل بنيات منطقية و رياضية ،فإن احلجج املؤسسة عل
بنية الواقع " تستخدم احلجج شبه املنطقية للربط بني أحكام مسلَّم هبا " ) ، (33فتكون هذه األخرية متابعة و متصلة
باألوىل ،ألن األحكام املسلم هبا سواء أكانت وقائع أو حقائق أو فرضيات ..فإهنا استمدت قوهتا احلجاجية من كوهنا
نابعة من الواقع الذي يذعن له املتلقي و يقتنع به ،و هذه احلجج هلا طريقتان للربط بني عناصر الواقع :األوىل هي
عالقات " االتصال التتابعي ) (liaison de coexistenceالذي يكون بني شخص و أعماله ،و عموما بني
اجلوهر و جتلياته كأن يقال عن طفل ما إنه عظيم باعتبار أن أباه فالن (قياس العرض عل اجلوهر) ") ، (34و تتجل
أنواع كل من االتصالني و تفرعاهتما كما يلي:
ج 1-3-1-1-االتاا التتابعي و الحجة البراغماتية:
هذا النوع من احلجج كما قلنا يعتمد عل عالقة االتصال السبيب من طريقني ،إما الربط بني السبب أو احلدث أو
املقدمة و ما ينتج عنها من نتائج ،و إما عكسيا تنطلق من النتائج لتصل إىل أسباهبا ،و يتم ذلك عرب نالنة أنواع من
احلجاج " :حجاج يسري يف اجتاه البحث عن أسباب ظاهرة ما ") ، (35أي يعتمد يف بنائه عل الربط بني السبب و
تكاسل فرسب ،و " حجاج يرمي إىل لحديد لنار ظاهرة ما " ) ، (36فهو ينطلق من النتيجة ليصل إىل َ نتائجه مثل :
)(37
استخالص األحداث و األسباب مثل :رسب ألنه تكاسل ،و " حجاج يرمي إىل تقييم حدث ما بواسطة نتائجه "
،أي أنه يعتمد عل التكهن مبا سيقع من نتائج لو توفر سبب و حدث معني ،مثل :هو يتكاسل فسريسب ،و يف
هذا السياق حييلنا بريملان عن حجج أخرى تعتمد عل عالقة االتصال التتابعي ،من بينها :
* الحجة النفعية ) :(Argument pragmatiqueو هي اليت يعرفها بريملان بقوله :
ُمسّي حجة نفعية حجة النتائج اليت تقيّم فعال أو حدنا أو قاعدة ،أو أي شيء لخر تبعا لنتائجه اقإجيابية أو السلبية
" أَ
") ، (38فهذه احلجة تربط قيمة السبب أو الفعل أو احلدث بقيمة ما ينتج عنه من نتائج إجيابا أو سلبا ،و لذلك تع ّد
هذه احلجة من أهم احلجج اليت حيفل هبا احملاجج ،فاحلكم عل قيمة السبب تابع للحكم عل نتائجه ،مثل قولنا "
هذه السياسة جيدة ألن نتائجها جيدة ") ، (39فتقومينا و توجيهنا لألسباب و األحداث بأن يُنظر إليها باعتبار ما
سيسفر عنها من نتائج.
* حجة التبذير أو التبديد) : (l’argument de gaspillageقد تبدو هذه احلجة للوهلة األوىل
متعلقة بصفة تبديد احلجج ،أي كثرة توظيفها و اقإسراف فيها عل حنو يقلل من فعاليتها ،و لكنها غري ذلك ،فهي
بعد يف القيام به ،و يتلخص ذلك " يف القول بأننا ملا كنا بدأنا
تقوم عل ضرورة استكمال ما بُدئ فيه و إمتام ما ُشرع ُ
جتسمناها يف سبيله لو ختلّينا عن املهمة فإنه ينبغي املواصلة يف االجتاه ذاته ")، (40
عمال ما ،و ملا كنا سنخسر تضحيات ّ
و بالتايل فهذه احلجة تلعب دورا مهما يف جعل املتلقي يذعن و يقتنع مبواصلة ما بدأ فيه ،و إكماله ما دام أنه قطع
شوطا يف ذلك ،و بذل إمكانات و تضحيات من أجل ذلك.
* حجة االتجاه ) " : (l’argument de directionتتمثل أساسا يف التحذير من مغبّة اتباع سياسة
تتنازل أكثر يف املرة القادمة ،و اهلل أعلم أين ستقف بك
لت هذه املرة وجب عليك أن َ املراحل التنازلية كقولنا :إذا تناز َ
سياسة التنازالت هذه ؟ " ) ، (41فهي تقنية يلجأ إليها احملاجج و يعتمد فيها أسلوب التحذير ،و التخويف من سلسلة
التنازالت اليت تؤدي باملتلقي يف النهاية إىل نتيجة تؤول به إىل االستسالم ،كما أهنا تعتمد " التحذير من انتشار ظاهرة
ما حبجة أهنا قد تصيب اجملاور هلا بالعدوى ).(42) " (l’argument de contagions
ج 2-3-1-1-االتاا التواجدي و عالقات التعايش):(les liaison de coexistance
ج 1-2-3-1-1-الشخص و أعماله:
إذا كانت حجج االتصال التتابعي تربط بني األسباب سواء أكانت أحدانا أو مقدمات ،مبا ينتج عنها من نتائج ،
فإن صور االتصال التواجدي ختتلف عنها ،باعتبارها تربط بني عالقات متداخلة بني الشخص و أعماله " ،و تتمثل
توضحه ")،(43فثنائية
هذه احلجة يف تفسري حدث أو موقف ما ،و التنبؤ به انطالقا من الذات اليت تعرب عنه أو جتلّيه و ّ
الشخص و أعماله ال تكاد تنفصل ،و لذلك فأعمال الشخص و أفعاله املتجلية و املتجسدة تساعدنا يف الكشف عن
جوهره و نيته ،و أفكاره لحيلنا و تنبئنا مبا سيصدر عنها من أعمال و مواقف قبل وقوعها ،و تفسرها لنا بعد وقوعها ،و
هذا يف الغالب يصدق حينما نكون أمام شخصية متغرية متناقضة ،و يف هذه احلالة بإمكان املتلقي رد حجتنا يف
الشخص و أفعاله حبجة مضادة تقوم عل مبدأ التناقض و التغري املرصود بني الشخصية و أعماهلا ،فهي عالقة متبادلة
ص ّدقها ما يتجلّ عنها منتسري يف اجتاهني ،فما ن ّدعيه و حنتج به من صفات ُخلُقية و نوايا و مقاصد يف شخصية ما يُ َ
شعبان أمقران 228
ردمد0712-7171: المجلد 5العدد 75سبتمبر 0272 التعليمية
أفعال و العكس صحيح ،ولذلك يويل بريملان اهتماما لنية الشخص و قصده بقوله " :فالنية اليت ختتبئ وراء األفعال
تصبح هي األساس ،فهي اليت جيب أن نبحث عنها وراء التجليات اخلارجية للشخص ،و هي اليت تعطيها معناها و
()44
أمهيتها ،من هنا يأيت إصدار حكم مزدوج ،أحدمها يتعلق بالفعل ذاته و اآلخر بالفاعل "
ج 2-2-3-1-1-حجة السلطة ):(Argument d’autorité
هنا حجج متنوعة يف خطابات الناس تستمد قوهتا من هيبة prestigeالشخص و مكانته ،و من بينها حجة
احملاجج " هيبة شخص أو جمموعة أشخاص لدفع املخاطَب إىل تبين دعوى ما ،و السلطة ،اليت يستخدم فيها ِ
السلطات اليت يتم االعتماد عليها يف احلجاج متنوعة ،فقد تكون اقإمجاع أو الرأي العام تارة ،و قد تكون فئات من
الناس تارة أخرى كالعلماء و الفالسفة و رجال الدين و األنبياء ،و أحيانا قد تكون سلطة غري شخصية كالفيزياء أو
املنزلة " ( ،)45إذن فاحملاجج املتكلم أو الكاتب يدعم أقواله و طروحاته موظّفا هلذه السلطات ،و
املذهب او الكتب ّ
لكننا كما يرى بريملان " قبل أن نستند إىل سلطة فإننا غالبا ما نؤكدها و نعضدها و مننحها رصانة ٍ
شاهد مشروع")،(46
فالذي يضمن قبوهلا لدى هذا األخري هي السلطة نفسها و ليس شخص ِ
احملاجج ،الذي ال يعدو أن يكون مصدر
إنبات ،أما إذا كان هو نفسه السلطة فإن جناح حجاجه و جناعته سيكون أقوى و أضمن قبوال لدى املتلقي ،و بالتايل
ص ينبغي التمييز بني حالتني :حالة السلطة اليت تتجلّ مباشرة من قِبَل املخرب أو مصدر اقإنباتات ،و حالة السلطة اليت
)(47
يستشهد هبا املتكلم لدعم أقواله "
و يف كلتا احلالتني فالسلطة متنح املتكلم مصداقية و قيمة ملا يطرحه ،تضمن هبا قبول املتلقي ،و مع ذلك فإن حجة
مكملة و رافدة لعناصر حجاجية أخرى ، السلطة ال توظَّف يف اخلطابات احلجاجية مستقلة ،و مكتفية بذاهتا بل تأيت ّ
لتكمل حجاجا نريا عوض أن تكون احلجة و يف هذا السياق يقول بريملان " :تأيت حجة السلطة يف أغلب األحيان ّ
الوحيدة فيه ،فنستنتج عندها أن سلطة ما قد تُرفع أو ُلحط حسب اتفاقها أو اختالفها مع رأي املتكلم " ) ، (48نستنتج
من ذلك أن حجة السلطة تكتسب أمهيتها احلجاجية يف غياب حجج أخرى مقنعة ،و مع ما متتلكه السلطة من قوة
حجاجية فإنه بإمكان املتلقي مناقشتها و ردها بسلطة أخرى أقوى ما م تكن السلطة حمل النقاش إهلية أو معصومة.
ج 3-2-3-1-1-االتاا الرمزي ):(La liaison symbolique
تُلحق الروابط الرمزية بروابط التواجد و التعايش حسب بريملان ،فالرمز ) (Symboleله" قوة تأنريية يف الذين
معني ،و اهلالل بالنسبة إىل حضارة اقإسالم
العلَم يف نسبته إىل وطن ّ
يقرون بوجود عالقة بني الرامز و املرموز إليه كداللة َ
،و الصليب بالنسبة إىل املسيحية ،و امليزان إىل العدالة ") ، (49إذن فالقيمة احلجاجية للرمز يف عالقته مبا يرمز إليه
مرهونة مبقام استخدامه ،أي بالفئة و البيئة االجتماعية و الثقافية و الدينية اليت أنشأته ،أي أن تأنريه العاطفي و الذهين
مقتصر عل اجلماعة اليت اتفقت عل داللته دون غريها ،فال يكون له دور و فعالية خارجها " ألن الرموز تتغري بتغري
األوساط االجتماعية و البيئات الثقافية " ) ، (50و تنتهي داللة الرمز و إحيائه بانفصال عالقة الرتابط و االتصال اليت
جتمع بينه و بني ما يرمز إليه ،هذه العالقة مسّاها بريملان عالقة املشاركة ) (Rapport de motivationحبيث
جتل للواقع ،و لكن حني تكون الظواهر ) (les apparencesمتعارضة ...فإهنا ال ميكن أن متثّل يكون الظاهر سوى ٍّ
الواقع كما هو ،ألنه حمكوم مببدإ عدم التناقض ،يصبح من الضروري إذن متييز الظواهر اليت تطابق الواقع عن تلك اليت
تكون خادعة " ) ، (70فظاهر الشيء ال يدل بالضرورة عل حقيقته ،رغم ارتباطهما الونيق ،فيصبح ظاهر الشيء حمل
شك يف كونه صادقا يف متثيله و تعبريه عن الواقع ،أم أنه جمرد وهم و خداع و تضليل و صورة خاطئة و مزيّفة عن الواقع
أو احلقيقة ،من هذا املنطلق رأى بريملان أنه لغايات حجاجية البد أن تكسر وحدة هذه الثنائية الظاهر/احلقيقي أو ما
عرب عنها بثنائية (احلد /8احلد " ، )2فاحلد 2ملا كان متييزه ال يكون إال يف عالقته باحلد 8و مقارنة به ،فإنه ال ميكن
ّ
أن يكون إال نتيجة فصل ) (Dissociationحندنه داخل احلد 8نفسه ،سعيا منا إىل القضاء عل ما ميكن أن
يزودنا احلد 2يف هذه العملية باملقياس أو القاعدة اليت تتيح لنا أن
نلمحه من مظاهر احلد 8هذا من تناقضات ...و ّ
يزودنا به
منيز داخل مظاهر احلد 8بني ما له قيمة ،و ما ليس له قيمة فنقول عن املظاهر غري املطابقة للحد 2الذي ّ
الواقع إهنا زائفة و خاطئة وظاهرية ") ، (71و بالتايل بالفصل بني ح ّد ْي الثنائية نستطيع أن منيّز أحدمها عن اآلخر ،و أن
نقصي و نبعد كل ما حيمله احلد ( 8الظاهر) من تضليل و تزييف و مظاهر خادعة بعيدة عن واقع احلد ( 2احلقيقة) ،
أي إسقاط أحد احل ّدين و إبقاء اآلخر ،أي أننا ننطلق من احلد 2الذي ميثّل القاعدة و األساس و اجلوهر الذي حنكم
من خالله عل صحة احلد ، 8فرتتفع قيمة احلد 2و ُلحط قيمة احلد اآلخر ،و من بني هذه الثنائيات عل سبيل
املثال ننائية عا م املادة/عا م املثل اليت طغت عل املشروع الفلسفي األفالطوين ،و قد انبثقت عنها ننائيات فرعية يف
لحول/نبات ،كثرة /
حماورة فيدروس ، phèdreو منها ظاهر/حقيقي ،معرفة حسية/معرفة عقلية ،جسم/روح ّ ،
وحدة ،إنساين/إهلي ) ، (72و من بني الثنائيات أيضا ما عرضها بريملان يف مصنفه ،ننائية :غاية/وسيلة ،نتيجة/حدث ،
فعل/شخص ،عرض/جوهر ،مناسبة/سبب ،نسيب/مطلق ،ذايت/موضوعي ،تعددية /وحدانية ،عادي/معيار ،
فردي/كوين ،خاص/عام ،نظرية/تطبيق ،لغة/فكر ،لفظ/معىن ،حيث رأى الفكر الغريب املنتمي إىل الفلسفة الوجودية و
التيار الوضعاين ،قد تقبّل هذه الثنائيات كما هي دون أن يناقشها بفصل حدها األول عن الثاين ،خبالف الفكر
امليتافيزيقي الذي تبنّاه أفالطون ) ، (73إن التعبري عن ننائيات احلد/8احلد 2يكون وفق أساليب خمتلفة يتجلّ فيها الفصل
بني احل ّدين ،كاستخدام عبارات و سوابق ) (préfixesمعينة مثل (شبه) كقولنا –:و األمثلة من عندنا -شبه طيب أو
الال أخالقي ،و بعض الصفات مثل (املزعوم و املوهوم) كقولنا :اهليكل املزعوم ،
الال) كقولنا ّ :
شبه عسكري ،و ( ّ
يعرب عنه بعبارات دقيقة مثل استعمال احلرف التاجي )، (Majuscule فهي كلها تشري إىل احلد ، 8يف حني احلد ّ 2
و أداة التعريف (أل) ،و نعوت مثل (فريد) و (حقيقي) ) ، (74و من بني أهم الطرق اليت يفصل فيها بني طريف ننائية
ظاهر/حقيقي يف املفهوم الواحد ،أسلوب التعريف les définitionsخصوصا إذا جاءت هذه التعريفات تزعم
تقدمي معىن حقيقي للمفهوم ، le sens véritable ou réelيف مقابل معناه الظاهري اجلاري به العرف و العادة ،
مثل قولنا يف مقام االعتذار :نسيت أن أجنز ذلك العمل ألنيين إنسان و ما مسي اقإنسان إال لنسيانه ). (75
خاتمة:
ميكننا أن خنلص إىل أن مسامهات بريملان يف ميدان احلجاج ،جتسدت يف مؤلَّفه " مصنف يف احلجاج :البالغة
اجلديدة " ،الذي اعتربه الدارسون عودة قوية لبالغة اقإقناع بعد أن أُمهلت لقرون ،فقد أعاد بعث الدرس احلجاجي يف
اخلمسينيات من القرن العشرين من زاوية بالغية ،ليضع بذلك أسس النظرية احلجاجية احلديثة ،و يربطها جبذورها
اليونانية اليت مض عل وجودها زمن قدمي ،مرتكزا عل البالغة القدمية املتمثلة يف اخلطابة و اجلدل األرسطيني ،لكنه
يف الوقت ذاته افرتق عنهما من خالل لحرره من بعض مساهتا كصرامة املنطق و االستدالل ،و كذا املغالطات و التالعب
بالعواطف ،و اقرتابه من جمال استعمال اللغة و اخلطاب املكتوب الذي أمهلته اخلطابة القدمية ،فأعاد بعثها يف نوب
جديد هو " البالغة اجلديدة " أو احلجاج ،و قد ق ّدم هلذا األخري تعريفا و أسند إليه غاية و وظيفة ،باعتباره جمموعة
احملاجج ( متكلّما كان أم كاتبا ) ،هبدف إحداث تأنري فعلي عملي يف سلو املتلقي و تقنيات خطابية يستخدمها ِ
موقفه بعد أن يكون قد اقتنع ذهنيا و عاطفيا ،أو إحداث زيادة يف تصديقه و قبوله جتاه قضية أو دعوى ما إذا كان
يسلّم هبا َسلَفاً ،كما أن احلجاج عنده يقوم عل مبدأ احلرية و املعقولية ،و احلوار املتبادل بني اخلطيب و مجهوره ،
مهما اختلف مهما اختلف نوع هذا اجلمهور سواء أكان خاصا أو كونيا ،ألنه يهدف إىل لحقيق االقتناع ال اقإلزام و
وزعة
اقإكراه ،مراعيا يف ذلك مقامه و حاله ،كما ينبين اخلطاب احلجاجي يف تصور بريملان عل جمموعة من احلجج م ّ
بني مجلة من التقنيات املنقسمة إىل نوعني :نوع ميثل تقنيات الوصل اليت تعتمد عل تقريب احلجج املتباعدة و الربط
املؤسسة
املؤسسة عل بنية الواقع ،و احلجج ِّ بينها للوصول إىل نتيجة واحدة ،و منها احلجج شبه املنطقية و احلجج َّ
طريف ننائية (الظاهر/احلقيقي) يف املفهوم الواحد ،حيث تشكللبنية الواقع ،و نوع ميثل تقنيات الفصل اليت تفصل بني ْ
هذه التقنيات أهم ركائز الدرس احلجاجي عند بريملان ،و َمن تأنروا ببالغته اجلديدة و تبنَّوا طرحه كتلميذيه كريستيان
بالنتان و ميشال مايري.
الهوامش:
) (1ينظر:عبد اهلل صولة ،يف نظرية احلجاج – دراسات و تطبيقات،-مسكيلياين للنشر و التوزيع ،تونس ،ط،2188، 8ص.88:
) (2املرجع السابق ،ص.81:
( )3سامية الدريدي ،احلجاج يف الشعر العريب القدمي من اجلاهلية إىل القرن الثاين للهجرة – بنيته و أساليبه – عا م الكتب احلديث للنشر و التوزيع ،األردن ،
ط ، 2111 ، 8ص.28:
( )4فرانز فان إميرن/روب غروتندورست ،نظرية نسقية يف احلجاج-املقاربة الذريعية اجلدلية،-ترمجة عبد اجمليد جحفة ،دار الكتاب اجلديدة املتحدة ،بريوت،لبنان
،ط،2182 ، 8ص.22:
( )5عبد اجلليل العشراوي ،احلجاج يف اخلطابة النبوية ،عا م الكتب احلديث ،إربد ،األردن ،ط ،2182 ،8ص.11:
( )6عبد اهلل صولة ،يف نظرية احلجاج ،ص.89:
( )7املرجع السابق ص.89:
( )8ينظر :املرجع السابق ص.89:
( )9كمال الزماين ،حجاجية الصورة يف اخلطابة السياسية لدى اقإمام علي رضي اهلل عنه ،عا م الكتب احلديث ،إربد ،األردن ،ط ،2182 ، 8ص.881:
( )10ينظر :عبد اهلل صولة ،يف نظرية احلجاج ،ص.82:
( )11احلسني بنو هاشم ،نظرية احلجاج عند شاييم بريملان ،دار الكتاب اجلديدة املتحدة ،بريوت ،لبنان ،ط ،2181 ،8ص.95:
( )11عبد اهلل صولة ،يف نظرية احلجاج ص.95:
( )12عبد اهلل صولة ،يف نظرية احلجاج ،ص.12:
( )13عباس حشاين ،خطاب احلجاج و التداولية دراسة يف نتاج ابن باديس األديب ،عا م الكتب احلديث ،ط2181 ،8ص.19:
( )14عبد اهلل صولة ،يف نظرية احلجاج ،ص.11-12:
( )15املرجع نفسه ص.11:
( )16احلسني بنو هاشم ،نظرية احلجاج عند شاييم بريملان ،ص.95:
( )17حممد سا م حممد األمني الطلبة ،احلجاج يف البالغة املعاصرة ،دار الكتاب اجلديد املتحدة ،بريوت ،لبنان ،ط ، 2111 ، 8ص.821:
( )18عبد اهلل صولة ،يف نظرية احلجاج ،ص.11:
( )19سامية الدريدي :احلجاج يف الشعر العريب ،ص. 211:
( )20فيليب بروتون و جييل جوتييه ،تاريخ نظريات احلجاج ،ترمجة د .حممد صاحل ناجي الغامدي ،مركز النشر العلمي ،جامعة امللك عبد العزيز ،جدة ،
ط ، 2188 ،8ص.11:
( )21احلسني بنو هاشم ،نظرية احلجاج عند شاييم بريملان ص .21 :
( )22عبد اهلل صولة ،يف نظرية احلجاج ،ص.12:
( )23احلسني بنو هاشم ،نظرية احلجاج عند شاييم بريملان ،ص.22 :
( )24فيليب بروتون و جيل جوتييه ،تاريخ نظريات احلجاج ،ص.15:
األالف البن حزم األندلسي ،دار سحر للمعرفة ،تونس ،دط ، 2181 ،ص.29 : ( )25سراب الرمحوين ،احلجاج يف بنية كتاب طوق احلمامة يف األلفة و ّ
( )26سامية الدريدي ،احلجاج يف الشعر العريب ،ص.281:
( )27عبد اهلل صولة ،يف نظرية احلجاج ،ص.11:
( )28حممد سا م حممد األمني الطلبة ،احلجاج يف البالغة املعاصرة ،ص.825 :
( )29احلسني بنو هاشم ،نظرية احلجاج عند شاييم بريملان ،ص.22
( )30سامية الدريدي ،احلجاج يف الشعر العريب ،ص.215 :
( )31احلسني بنو هاشم ،نظرية احلجاج عند شاييم بريملان ،ص.25:
( )32املرجع السابق ص.51 :
( )33عبد اهلل صولة ،يف نظرية احلجاج ،ص.15:
( )34املرجع نفسه ص.15 :
( )35احلسني بنو هاشم ،نظرية احلجاج عند شاييم بريملان ،ص.58:
( )36املرجع نفسه ص.58:
( )37املرجع نفسه ص.58:
( )38املرجع نفسه ص.52:
( )39فيليب بروتون و جيل جوتييه ،تاريخ نظريات احلجاج ،ص.91:
( )40سامية الدريدي ،احلجاج يف الشعر العريب ،ص.221 :
( )41عبد اهلل صولة ،يف نظرية احلجاج ص.98-91:
( )42حممد سا م حممد األمني الطلبة ،ص.811 :
( )43سامية الدريدي ،احلجاج يف الشعر العريب ،ص.221:
( )44احلسني بنو هاشم ،نظرية احلجاج عند بريملان ،ص.51:
( )45احلسني بنو هاشم ،نظرية احلجاج عند شاييم بريملان ،ص.55:
( )46فيليب بروطون ،احلجاج يف التواصل ،ترمجة :حممد مشبال و عبد الواحد التهامي العلمي ،املركز القومي للرتمجة ،القاهرة ،مصر ،ط 2181 ، 8
ص.11:
( )47كريستيان بالنتان ،احلجاج ،ترمجة ع بد القادر املهريي ،دار سيناترا ،املركز الوطين للرتمجة ،تونس ،دط ،2111 ،ص.891:
( )48سامية الدريدي ،احلجاج يف الشعر العريب ،ص.212:
( )49صابر احلباشة ،التداولية و احلجاج ،مداخل و نصوص ،صفحات للدراسات و النشر ،سورية ،ط ، 2111 ،8ص.11:
( )50سامية الدريدي ،احلجاج يف الشعر العريب ،ص.212:
( )51ينظر :احلسني بنو هاشم ،نظرية احلجاج عند شاييم بريملان ،ص.18:
( )52عبد اهلل صولة ،يف نظرية احلجاج ،ص.91 :
املوجه إىل بين إسرائيل ،عا م الكتب احلديث ،األردن ،ط ، 2182 ، 8ص.12: ( )53قدور عمران ،البعد التداويل و احلجاجي يف اخلطاب القرلين ّ
( )54عبد القادر قادا ،احلجاج يف اخلطاب السياسي – الرسائل السياسية األندلسية خالل القرن اهلجري اخلامس أمنوذجا دراسة لحليلية ، -دار كنوز املعرفة ،
عمان ،ط ، 2189 ، 8ص.855:
( )55عبد اهلل صولة ،يف نظرية احلجاج ،ص.91:
( )56صابر احلباشة ،التداولية و احلجاج ،ص.15:
( )57احلسني بنو هاشم ،نظرية احلجاج عند شاييم بريملان ،ص.19:
( )58حممد سا م حممد األمني الطلبة ،احلجاج يف البالغة املعاصرة ،ص.818:
( )59عبد اهلل صولة ،يف نظرية احلجاج ،ص.99 :
( )60سامية الدريدي ،احلجاج يف الشعر العريب ،ص.219:
( )61احلسني بنو هاشم ،نظرية احلجاج عند شاييم بريملان ،ص.12:
( )62عبد اهلل صولة ،يف نظرية احلجاج ،ص.92:
( )63عبد السالم عشري ،عندما نتواصل نغري -مقاربة تداولية معرفية آلليات التواصل و احلجاج ، -أفريقيا الشرق ،الدار البيضاء ،املغرب ،ط2182 ، 2
،ص.55:
( )64احلسني بنو هاشم ،نظرية احلجاج عند شاييم بريملان ،ص.11:
( )65عبد اهلل صولة ،يف نظرية احلجاج ،ص.21:
( )66احلسني بنو هاشم ،نظرية احلجاج عند شاييم بريملان ،ص.51:
( )67ينظر :املرجع نفسه ص .51 :
( )68فيليب بروطون ،احلجاج يف التواصل ،ص.821:
( )69سعيد العوادي ،تلقي احلجاج يف الدراسات العربية املعاصرة عبد اهلل صولة أمنوذجا ،ضمن الكتاب اجلماعي :احلجاج و االستدالل احلجاجي دراسات
عمان،ط،2188 ،8ص.258: يف البالغة اجلديدة ،إشراف حافظ إمساعيلي علوي ،دار ورد األردنية ّ ،
( )70احلسني بنو هاشم ،نظرية احلجاج عند شاييم بريملان ،ص.59:
( )71عبد اهلل صولة ،يف نظرية احلجاج ،ص.22:
( )72ينظر :املرجع نفسه ،ص.22 :
( )73ينظر :احلسني بنو هاشم ،نظرية احلجاج عند شاييم بريملان ،ص.55:
()74ينظر :املرجع السابق ص .51:
( )75ينظر :عبد اهلل صولة ،يف نظرية احلجاج ،ص.21: