You are on page 1of 4

‫اجلمهوريّة التونسيّة‬

‫إعداد‪ :‬الصّحيب بوقرّة‬ ‫وزارة التربية‬


‫أستاذ مريّز يف الفلسفة‬

‫[اخلري والسعادة]‬

‫اخلــري و السعادة‬
‫[ جذاذة مراجعة]‬

‫نبتش‬

‫آالن ‪ ":‬يستحيل أن نكون سعداء‪ ،‬إذا مل نرغب يف ذلك‪،‬‬


‫جيب على املرء أن يطلب سعادته وأن يصنعها"‬

‫إعداد‪ :‬الصّحيب بوقرّة‬

‫اإلهتمام‬
‫دواعينبتش‬

‫إعرتاض البعض على تدخل الفلسفة يف الشأن االخالقي‪ ...‬إذ قد يعدّ هذا التدخلّ تهديدا أو يشكلّ خطرا على منطق اجلماعة أو"النحن"‪...‬‬ ‫▪‬
‫ترتبط األخالق جبملة القواعد واملبادئ والقيم اليت تفتضي الطاعة واإلمتثال ولذلك عدّ التفكري يف الشان االخالقي خرقا وخيانة وعصيانا‪...‬‬ ‫▪‬
‫حتيل االخالق على مشكل انساني بامتياز ألن اإل نسان هو الكائن الوحيد الذي يتخذ مسافة من فعله‪ ،‬هذه املسافة هي مسافة الوعي واحلكم والسؤال‪...‬‬ ‫▪‬
‫التوترّ الذي يالزم الوجود اإلنساني بني امليول واألهواء وإرادة الرتفعّ والتسامي‪ ...‬هذا التوترّ هو شرط إنتقال الكائن من إنسان بالقوّة إىل إنسان بالفعل‪...‬‬ ‫▪‬
‫الكلّ ينشد السعادة ولكن ال أحد يستطيع حتديدها وإن كان ذلك ممكنا فإننا ال نلقى إمجاعا‪....‬‬ ‫▪‬
‫ال غرابة أننا ننشد الفضيلة بقدر ما ننبذ الرذيلة غري أنّ الطابع امللتبس ملعاني الفضيلة والرذيلة جيعل املنشود قيمة فضفاضة حتتاج منّا نظرا وتدقيقا‪...‬‬ ‫▪‬
‫عادة ما نسلم بداهة على أن اخلري هو معيار الفعل األخالقي‪ ،‬غري أن التجربة األخالقية تكشف إلتباسه حينما تطرح شروط حتققّه ألتباسا جيعله موضع جدال ال ينتهي‪...‬‬ ‫▪‬

‫إحراجات املسألة‪:‬‬
‫هل من املشروع أن نقيم صلة بني أخالق اخلري وأخالق السعادة؟ وهل ينبغي النظر إىل السعادة واخلري من ناحية والشر والشقاء من ناحية أخرى مبا هي قيم مطلقة‬ ‫•‬
‫أم مبا هي قيم نسبية؟‬
‫كيف أفهم اختالف السعادة باختالف قاصديها؟‬ ‫•‬
‫بأي معنى تكون املنفعة مبدأ للسعادة وأساسا للفعل األخالقي؟ أال يفيد جعل املنفعة مبدأ لألخالق اإلفراط يف طلب اللذة؟ وهل حيمل القول باللذة مبدأ للفعل‬ ‫•‬
‫األخالقي على معنى الدعوة إىل اإلفراط يف طلبها؟ وهل ميكن أن يكون يف األمل لذّة؟ وإذ كان األمل ميأل حياتنا فهل يؤدّي ذلك إىل اليأس من السعادة؟‬
‫هل أن أخالقيّة الفعل فيما يستحسنه العقل أم فيما تنشده الرغبة؟‬ ‫•‬
‫أليس الواجب بهذا املعنى هو أساس أخالقية الفعل؟ هل من تعارض بني طاعة الواجب وحرية الذات؟‬ ‫•‬
‫وهل الرفاه مولّد للسعادة؟ مبعنى هل تؤمّن احلضارة املعاصرة حقّ اإلنسان يف السعادة؟ وأي حتديد للسعادة يتمّ إقصاؤه يف حضارة االستهالك؟‬ ‫•‬
‫وهل ينتهي بنا التظنن على السعادة إىل القول بوهميتها؟‬ ‫•‬

‫رهانات التفكري يف املسألة‬

‫‪ -‬التاكيد على أن الوجود اإلنساني وجود مثقل بالقيم‪.‬‬


‫الرّاهنية‪:‬‬ ‫‪ -‬الوعي بالتناقض الذي يصاحب القيم اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ -‬النظر للخري على أنه املفهوم املركزي يف األخالق‪.‬‬
‫ن إىل أن السعادة اليوم تفيد معنى الرفاه‬
‫التفط ّ‬ ‫‪ -‬التعامل مع السعادة كقيمة من جهة كونها ما مل يتحقق وما يظل أمال‪.‬‬
‫وبالتالي الوعي بانزياح السعادة عن حقلها األخالقي‪.‬‬ ‫‪ -‬السعادة ليست عطاء يوهب وإمنا مكسبا يتحققّ‪.‬‬

‫‪philofoubouguerra@yahoo.fr‬‬ ‫‪1‬‬ ‫الصّحبــي بـ ـ ــوقرّة‬


‫اجلمهوريّة التونسيّة‬
‫إعداد‪ :‬الصّحيب بوقرّة‬ ‫وزارة التربية‬
‫أستاذ مريّز يف الفلسفة‬

‫[اخلري والسعادة]‬

‫الفضيلة تساوي العقل‬ ‫السعادة هي اخلري‬

‫اخلري األمسى ‪ Bien suprême‬الذي هو الغاية القصوى هو السعادة‪،‬فكل أفعالنا ترتبط يف جوهرها و يف منتهاها على خري اخلريات هذا اال وهو السعادة باعتبارها‬
‫اخلري املطلق‪ ،‬إذ ال ينتسب هذا اخلري لغريه‪.‬‬
‫طبيعة السعادة ترتبط بالوظيفة اخلاصة باإلنسان اليت ترتبط بالنفس وتقرتن بالعقل " إذا كان األمر على هذا النحو و إذا سلمنا بأن وظيفة‬
‫اإلنسان تكمن يف ضرب من ضروب احلياة‪ ،‬أي يف نشاط للنفس و يف أفعال مقرتنة بالعقل‪ ،‬و إذا كانت وظيفة اإلنسان الفاضل هي حتقيق‬
‫هذا العمل ‪ ...‬بناء على هذه الشروط يتمثّل اخلري إذا بالنسبة إىل اإلنسان يف نشاط تقوم به النفس طبقا للفضيلة‪ ...‬و هذا طوال حياة كاملة‬
‫إىل النهاية‪ ،‬ألن خطافا أو نهارا مشمسا واحدا ال يدلّ على قدوم الربيع و هكذا الشأن بالنسبة إىل الغبطة و السعادة‪ ،‬فهما ال يكونان من‬
‫صنيع يوم واحد‪" ..‬‬

‫تبدو السعادة يف أعلى درجة غاية نهائية ألننا خنتارها لذاتها دائما وال نطلبها أبدا خلري آخر أعلى منها‪ ،‬ويف مقابل ذلك فإّننا‬
‫إذا كنّا نطلب اجملد واللذّة‪ ،‬والفطنة‪ ،‬أو أي قيمة أخرى‪ ،‬فإننّا نطلبهم يف ذاتهم ولكن من أجل السعادة‪.‬‬
‫‪Aristote- Ethique à Nicomaque, Livre I, 1097 b 1-7‬‬

‫يصاحب مفهوم السعادة كخري أمسى مفهوم الفضيلة والفضيلة هي ما يناسب ماهية اإلنسان وبالتالي ما يتطابق مع طبيعته‪ .‬فأن نقوم باخلري هو ان نقوم مبا يتطابق مع طبيعتنا‬
‫ككائنات عاقلة أو ككائنات تستحق اإلنسانية‪ .‬والفعل اخلريّ إذا هو الفعل الذي به تتحقق كل وظائف الكمال اإلنساني‪ ،‬حبيث تكون السعادة يف االرث الفلسفي هي ما به‬
‫تتحقق الذات‪ ،‬ال باملعنى الفردي والذاتي حسب الذوق واللذة اخلاصة وإمنا مبعنى التطابق مع ما به يكون اإلنسان إنسانا‪ .‬والسؤال الذي جيب أن يصاغ هو التالي‪ :‬ما الذي جيب أن‬
‫نفعله حتى يتحقق كمال اإلنسان وبالتالي حتى يكون سعيدا؟ [اإلختالف بني القائلني بأن السعادة هي اخلري يكمن يف شكل االجابة]‬
‫و فلسفة السعادة ‪ Eudémonisme‬هي الفلسفة اليت تقول أن السعادة العقليّة هي اخلري األمسى ‪ Bien supreme‬وقد مثّل "املعلم األول" أرسطو هذا املوقف بعد أن مجع يف‬
‫كتابه" األخالق إىل نيقيماخوس" كل التعريفات املمكنة للسعادة‪ ،‬واختزل هذه التعريفات العامة يف ثنائيات ثالث‪:‬اللّذة=سعادة}‪{+‬الثراء=سعادة}‪{+‬الشرف=سعادة} وأثبت‪-‬‬
‫متجاوزا هذه الثنائيات‪ -‬أن السعادة احلقيقيّة مسألة ختصّ اإلنسان مبعنى توافق ماهيته‪ ،‬وماهية اإلنسان العقل وبالتالي ال تكون حياة اإلنسان سعيدة إال إذا كانت مطابقة للعقل‬
‫والتأمل و الفلسفة‪.‬‬
‫يقوم التحديد األرسطي للسعادة على ربط اخلري باملمارسة‪ ،‬فهو يعترب أن غاية كلّ نشاط حتقيق خري ما و السعادة هي اخلري األمسى ويشرتك أرسطو مع أفالطون يف اعتبار أن السعادة‬
‫هي اخلري األمسى‪ ،‬لكنّه خيتلف معه يف حتديد هذا اخلري األمسى؛ فاخلري األمسى عند أرسطو ليس مثاال أو مبدأ نظري كما هو احلال عند أفالطون بل هو مبدأ عملي‪ ،‬و اإليتيقا‬
‫ليست علما و ال يوجد خري مثالي أو خيــر يف ذاته‪ ،‬فاألخالق بعامة تتأسس على العادة والدربة‪ " :‬فعندما تعزف على آلة موسيقيّة تكون موسيقيا‪ ،‬و عندما تتدرّب أو تتعوّد على‬
‫الفضيلة تكون فاضال"‪.‬‬
‫‪ -‬مفهوم السعادة مع أرسطو ال حييل إىل األخالق فحسب بل كذلك إىل السياسية باعتبارها العلم األمسى للممارسة أو خري املدينة ‪ Polis‬و تتكوّن السعادة من ثالث عناصر‬
‫أساسيّة‪/1:‬احلكمة‪/2...‬الفضيلة‪/3...‬املتعة ‪ ،‬و هذه الرتاتبيّة هلا داللة تشري إىل أن العنصر اجلوهري للسعادة هو احلكمة و التأمل الفلسفي‪.‬‬
‫إستتباعات هذا الطرح‪ :‬املماهاة بني السعادة واخلري يقتضي التع الي على مفهوم اللّذة واعتباره ما جيمع بني اإلنسان واحليوان‪ .‬ولكن ربط السعادة باخلري هل حيمل على معنى التعالي‬
‫عن اللّذات أم على معنى حتقيقها؟ أي هل تقتضي السعادة احلقيقيّة التعالي عن اللذّة أم تقتضي حتقيقها؟‬
‫‪/‬‬
‫أخالق اللذة‬
‫املقاربة اإلبيقوريّة اليت متاثل بني اللذة والسعادة‪ ،‬تعربّ عن موقف نقدي من هذا اإلرث الفلسفي اإلغريقي‪ ،‬وخاصة الفلسفة األفالطونيّة اليت‬
‫مضمونها النهائي «سعادة اإلنسان يف موته أو الفلسفة كدربة على املوت"‪ ،‬لذلك حاول إبيقور رصد العالقة املاهويّة بني اإلنسان والرغبة‪ ،‬معتربا أن‬
‫اللذة أو املتعة هي ماهية الرغبة اليت هي ماهية اإلنسان‪ ،‬وهكذا يبدو البحث عن السعادة دون اعتبار هذه املاهية‪ ،‬إما حبثا عبثيّا أو حبثا عن سعادة‬
‫ال إنسانيّة‪ .‬و هذا يعين أن اللذة بالنسبة إلبيقور ال جيب أن تفهم يف بعدها اجلنسي أو املتعة اجلسديّة كأن نتحدّث عن " الفسّاق" ‪ ،‬ألن هذا الفهم‬
‫يعبّر عن جهل باملذهب أو تأويل خاطئ ‪ " ،‬بل اللذة اليت نقصدها هي اليت تتميز بانعدام األمل يف اجلسم واالضطراب يف النفس " ‪ ،‬والفهم اجليّد‬
‫لعالقة السعادة باللذة واخلري يقتضي حكمة قادرة على " التمييز و التصنيف" ‪ ،‬واحلكمة مطلوبها الفضيلة اليت هي " حساب اللذات ‪Calcul des‬‬
‫‪ ، "plaisirs‬و الفضيلة شرط السعادة وجوهرها ‪ ،‬فال ميكن أن يكون املرء سعيدا دون أن يكون فاضال و ال أن يكون فاضال دون أن يكون سعيدا ‪.‬‬

‫يرى إبيقور أنّ من اللذات ما جيلب أملا ومن اآلالم ما حيققّ لذّة‪ ،‬فطالب باجتناب اللذّة اليت تنتهي أملا‪ ،‬والرضا باألمل الذّي تستتبعه لذّة‪ ،‬وأساس هذا التعديل هو مراعات املنفعة‪،‬‬
‫ومييّز بني لذة جسمية تبلغ أوج صورها يف الصحة اجلسمية الكاملة ‪.‬لذة عقلية وتعين التحرر الكامل من اخلوف والقلق‪ ...‬إن آالم العقل أقسى من آالم البدن اليت ميكن‬
‫حتملها واليت تنتهي ال حمالة باملوت‪ ،‬واملوت أمر طبيعي ال يوصف بأنه شر وال بأنه خري كذلك‪ .‬ولعلّ هذا ما يربرّ التساؤل عن عالقة اللّذة باملنفعة‪ .‬أال تفيد فكرة اللّذة من جهة‬
‫جتنّب األمل أو حتّمله معنى املنفعة؟‬
‫فبأي معنى تكون املنفعة مبدأ للسعادة وأساسا للفعل األخالقي؟ وما الذّي يشرّع للربط بني األخالق واملنفعة؟ أال يفيد جعل املنفعة مبدأ لألخالق اإلفراط يف طلب اللذة؟ هل‬ ‫▪‬
‫تأسيس األخالق على املنفعة باعث على توحيد املعايري األخالقية أم دافع للتضارب واالختالف؟ فما وجاهة القول إن األخالق حتقيق للمنافع؟‬

‫‪philofoubouguerra@yahoo.fr‬‬ ‫‪2‬‬ ‫الصّحبــي بـ ـ ــوقرّة‬


‫اجلمهوريّة التونسيّة‬
‫إعداد‪ :‬الصّحيب بوقرّة‬ ‫وزارة التربية‬
‫أستاذ مريّز يف الفلسفة‬

‫[اخلري والسعادة]‬

‫بنتام‬ ‫‪+‬‬ ‫جون ستيوارت ميل‬ ‫أخالق املنفعة‬


‫كثرية هي املقاربات اليت تعترب النفعيّة مواصلة ألخالق اللذّة‪ ،‬و لكن من املفيد بالرغم من هذا القول التمييز بني أخالق اللذة و أخالق املنفعة‪ ،‬و ذلك‬
‫العتبار أن إختزال اخلري يف اللذّة هو إختزال لألخالق يف بعدها الفردي و بالتالي األناني‪ ،‬يف حني أن اخلري بالنسبة للنفعيّة بعامة ولستيوارت ميل‬
‫خباصة هو"أكرب قسط من السعادة ألكرب عدد من الناس"‪ ،‬حبيث تكون املنفعة شبيهة باخلري العام للجنس البشري‪،‬و لكن من اخلطأ أن يظنّ ظانّ أنّ‬
‫امل نفعة تعين شيئا غري اللذّة‪ ،‬فاألفعال اإلنسانيّة خري مبقدار ما حتققّ من لذّة و تقي من األمل‪ ،‬و تكون شرّا بعكس ذلك‪ ،‬و الربهان الوحيد على أنّ‬
‫الشيء مرئي هو أن الناس يرونه بالفعل‪ ،‬و الدليل الوحيد على أنّ الصوت مسموع هو أن الناس يسمعونه بالفعل‪ ،‬و مبثل هذه الطريقة نقول إنّ الدليل‬
‫الوحيد الذيّ ميكن اإلذالء به عن أنّ شيئا ما مرغوب فيه هو أن الناس يرغبون فيه بالفعل‪.‬‬

‫تنظر النفعية للخري على أّنه كلّ ماهو نافع فيكون معيار القيمة األخالقية ألي فعل مبنيا على نفعية نتائجه‪ ،‬أما غايته القصوى فتكمن يف حتقيق أكرب قدر من السعادة بالنسبة إىل‬
‫أكرب عدد ممكن من األفراد ‪.‬فاإلنسان ال يعمل إّال من أجل احلصول على املنفعة اليت إما أن تتجسم يف ضمان ربح ولّذة أو تفادي خسارة وأمل ‪.‬فاملنفعة تتحدد كقدرة كافية يف جمال معّني‬
‫على إنتاج ربح أو نفع أو امتياز أو لّذة أو خري أو سعادة‪ ،‬ويف املقابل يوجد وجه سليب هلذه املنفعة يتمّثل يف تفادي التعّرض إىل األمل واحلزن واخلسارة والشر‪ .‬يقول ستيوارت ميل يف"‪ :‬ما نعنيه‬
‫بالسعادة هو وجود اللّذة وغياب األمل"‪"،‬أما الشقاء فهو وجود األمل وغياب اللذّة"‪.‬‬
‫مبادئ النفعيّة‪:‬‬
‫اللذة هي الشيء الوحيد الذي يعدّ مرغوبا فيه ‪DESIRABLE.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫) الدليل الوحيد على أن شيئا ما "مرغوب" فيه هو كون الناس يرغبون فيه بالفعل‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫سعادة كلّ شخص متثل "خريا" بالقياس إىل هذا الشخص‪ ،‬وعلى ذلك فإن السعادة العامة "خري" بالنسبة إىل اجلميع‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫قد يرغب الناس يف موضوعات أخرى‪ ،‬ولكنهم ال يرغبون فيها إال باعتبارها وسيلة للسعادة أو اللذة‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫إذا لقيت لذة ما من بني لذتني خمتلفتني تفضيال من جانب أولئك الذي هم على دراية بكلتا اللذتني‪ ،‬فإنه من حقنا أن نقول إن هذه اللذة أمسى كيفيا من اللذة األخرى‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫وذهب "ستيوارت ميل "إىل أن م عيار اخلري ليس هو حتقيق سعادة الفاعل بل ضمان أكرب سعادة تعود على اجملموع وهو ما جعل البعض يطلق على مذهب ستيوارت مل تسمية‬
‫"مذهب السعادة اجلمعية‪".‬‬

‫ولكن ما أساس جدارة فعل موضوع احرتام؟ وهل يكفي فعل اخلري حتّى يكون اإلنسان سعيدا؟‬ ‫أخالق الواجب‬

‫‪-‬أخالق الواجب تلزمنا بالفعل حتى ولو كنا ال نرغب فيه أو حتى وإن كان هذا الفعل يتعارض مع سعادتنا‪ ،‬فال نقوم باخلري ألنه نافع وال ألنه ما به حنقق السعادة‪.‬‬
‫[الذي جيعل فعال ما أخالقيا ليس مضمون الفعل وإمنا شكله]‪.‬‬
‫مثال‪ :‬إذا أردت أن أقيم الكذب كفعل‪ ،‬ال جيب أن أحبث هل الكذب مفيد أحيانا أم ال؟ بل جيب أن أحبث امكانية أن يكون هذا الفعل قانونا كليا‪ ،‬فإذا كان‬
‫فعلي يدفعه مبدأ يسمح لي بالكذب كلما سنحت الفرصة‪ ،‬فإن ذات املبدأ جيب أن يربرّ كذب أي شخص آخر‪ ،‬ولكن إذا كان لكل واحد احلق يف الكذب وفق ذات‬
‫املبدأ‪ ،‬مل يعد من املمكن ان نصدق أو نثق يف أي شخص‪ ،‬وهذا يعين أنه مل يعد من املمكن ملن يكذب ان حيقق بكذبه ما يريده‪ ،‬حبيث ينفي هذا املبدأ ذاته‪.‬‬
‫‪-‬السعادة ليست ما به يكون الفعل خريّا‪ ،‬و هي حبكم ارتباطها برغباتنا اخلاصة و الذاتية قد تقودنا حنو التعاسة من جهة‪ ،‬و ال عالقة هلا باخلري من ناحية ثانية‪.‬‬
‫‪-‬يف عالقة السعادة ‪ Bonheur‬باألخالقيّة ‪:moralité‬‬
‫مشكل السعادة يكمن يف طابعها الذاتي من جهة واخلربي من جهة ثانية‪ ،‬فاختالف الوضعيات يظهر نسبية السعادة‪ ،‬فمن ال ميتلك الصحة مثال تكون سعادته يف‬
‫اكتسابها‪ ،‬ومن هو يف صحة جيدة ولكنه ال يعمل‪ ،‬سعادته تكمن من حتصيل وظيفة‪ ،‬ومن له الصحة والعمل قد تكون سعادته يف االلتقاء بطرف آخر حيبه وحيقق‬
‫سعادته‪ ...‬و هذا يعين مبدئيا أن السعادة ال متثلّ اخلري وال الفكرة العقلية اليت ميكن حتويلها مبدأ كونيا‪.‬‬

‫يعترب كانط أنه ليس باإل مكان تأسيس أخالق للسعادة عقليّا‪ ،‬مؤكدّا على ضرورة التمييز بني أخالق الواجب اليت ميثّل العقل أساسا هلا‪ ،‬والسّعادة اليت تتأسّس على الرغبة‪ ،‬ألن‬
‫هذا التمييز خيلّصنا من اخللط القديم بني " اخلري" و "السعادة"‪ ،‬فاخلري يرتبط بالواجب العقلي‪ ،‬يف حني ترتبط السعادة باملبدأ املادي للرّغبة‪ ،‬فهي جمرّد شعور باملتعة يصاحب الوجود‪.‬‬
‫هذا ما حياول كانط إبرازه يف كتابه" تأسيس ميتافيزيقا األخالق " حيث بيّن " أنّ مفهوم السعادة مفهوم بلغ من عدم التحديد مبلغا جعل كلّ إنسان‪-‬على الرغم من رغبته يف أن‬
‫يكون سعيدا‪ -‬يعجز عن أن يقول يف ألفاظ دقيقة ومتماسكة مـــا يرغب فيه وما يرومه على احلقيقة " ‪ ،‬و التعثر يف حتديد السعادة يعود إىل ارتباط هذا املفهوم بعناصر خربيّة مثل‬
‫"الصحة" و"الثروة" و"اجلاه" و"رغد العيش" ‪ ...‬يف حني أن التعريف يقتضي من منظور كانط كلّية و إطالقا والكليّة ال ختتزل يف أي عنصر من العناصر اخلربية التّي تؤلف مفهوم‬
‫السعادة‪.‬؛ ويعتمد كانط لتوضيح فكرته القائلة بغموض مفهوم السعادة على بعض األمثلة‪:‬‬
‫مثال‪ :1‬حياة الثراء‪ :‬هي مصدر للهموم واحلسد واملكايد‪ ،‬وهذه العناصر تتعارض مع فكرة السعادة‪.‬‬
‫مثال‪ :2‬حياة املعرفة‪ :‬خطرية على اإلنسان ألنّه إما أن متدّنا املعرفة بنظرة ثاقبة لشرور كنّا النعرفها وإما أن تكشف لنا عن حاجيات جديدة مل نقدر على حتقيقها يف السابق؛‬
‫والي " إن اإلنسان عاجز عن أن حيدد بيقني تام وتبعا ملبدأ من املبادئ ما جيعله سعيدا حبق" ‪ .‬بناء على ذلك يؤكد كانط على أن السعادة ال تقوم على مبادئ موضوعية عقليّة بل تقوم‬
‫على مبادئ مستمدّة من التجربة اخلربيّة‪ ،‬كتب كانط‪ " :‬إن مجيع العناصر اليت تألف مفهوم السعادة هي يف جمملها عناصر خربيّة أعين أنه يلزم أن تستعار من التجربة وأنه مع ذلك‬
‫من الضروري بالنسبة لفكرة السعادة أن يكون هناك كلّ مطلق" لذلك تبدو السعادة مثال أعلى للتخيل‪ ،‬والتخيّل عند كانط ملكة حسيّة‪ .‬لذلك " فتحديد أي فعل ميكن أن‬
‫جيلب السعادة لكائن عاقل حتديدا يقينيّا وعاما هي مشكلة ال حلّ هلا على اإلطالق"‪ ،‬وليست األوامر اليت ترتبط بتحقيق السعادة إال أوامر"حيطة ‪ " Prudence‬ال ميكن‬
‫صياغتها صياغة عقليّة‪ ،‬ألنها ال تأمر بشيء بل هي جمرّد نصائح‪.‬‬

‫‪philofoubouguerra@yahoo.fr‬‬ ‫‪3‬‬ ‫الصّحبــي بـ ـ ــوقرّة‬


‫اجلمهوريّة التونسيّة‬
‫إعداد‪ :‬الصّحيب بوقرّة‬ ‫وزارة التربية‬
‫أستاذ مريّز يف الفلسفة‬

‫[اخلري والسعادة]‬

‫▪ الواجب‪ Devoir‬إلزام أخالقي‪ ،‬ولكنه ال يعربّ عن ضرورة أو حتمية أخالقية‪ ،‬ألن الضروري هو الذّي ال ميكن أالّ يكون‪ .‬فمثال تبخرّ املاء الساخن يعبّر عن ضرورة‪ ،‬الالزم إذا‬
‫ليس بالضرورة ضروري‪.‬‬
‫▪ اإللزام إذا يقتضي الوعي‪/‬القصد‪/‬اإلرادة‪...‬احلرية‪ ،‬فالواجب األخالقي الذّ ي يلزمنا باحرتام ممتلكات الغري ال ميلك سلطة متنعنا من السرقة‪ ،‬فالواجب يطلب منا الفعل أو‬
‫عدمه دون إكراهنا على الفعل أو على عدمه‪.‬‬
‫ما الذّي جيعل فعال ما فعال أخالقيّا؟ وهل ميكن أن يتأسسّ اإللزام اخللقي للوّاجب على العقل؟ أي هل العقل قادر على تأسيس قانون أخالقي صارم مطلق؟‬

‫يكشف كانط قدرة العقل على إخضاع اإلرادة حنو اخلري األمسى‪ ،‬لتتحوّل اإلرادة بدورها إرادة خيّرة‪ ،‬ولكن ما معنى "اإلرادة اخليّرة"؟‬
‫‪ -‬هي اإلرادة التّي تتحدّد‪ -‬بالنسبة لكانط‪-‬انطالقا من"الواجب" وليس انطالقا من "املنفعة" أو "املصلحة" ‪ ،‬إذ ال تظهر املنفعة إالّ وقد اصطحبت األنانيّة‪ ،‬واصطحبت بالتالي مصاحل شخصيّة‪ ،‬خمتلفة‬
‫ومتناقضة؛ يف حني أن"الفعل " انطالقا من الواجب هو النظر للفعل على أنّه قاعدة كلّية وليس منفعة ذاتيّة‪ ،‬ولذلك من بني ثالث أفعال خيتار كانط واحدا فقط يكون أخالقيّا‪:‬‬
‫إمّا أن يكون الفعل منافيا للواجب أو مناقضا له [فعل ضدّ‪ -‬أخالقي]‬
‫‪-‬إمّا أن يكون مطابقا للوّاجب ولكن بدافع املنفعة [فعل ال‪ -‬أخالقي]‬
‫‪ -‬وإمّا أن يكون الفعل عن واجب أي مطابقا للواجب وبدافع الوّاجب [فعل أخالقي]‬

‫وهذا التصنيف هو الذّي جيعل الفعل األخالقي املطابق للواجب وبدافع الواجب‪ ،‬يتخّذ صياغة قطعيّة ["األمر قطعي"]‬
‫‪ -‬أخالق الواجب تبدو كما يقدمها كانط كونية وكلية‪ ،‬ومن حيرتم الواجب يف ذاته يكون جديرا بالسعادة اليت يستحقها‪ ،‬إذ السعادة أثر للواجب ال مطلب الواجب‪.‬‬
‫‪ -‬يكون الفعل أخالقيّا عندما يرتبط مببادئه ال بنتائجه‪ ،‬أي عندما يكون بدافع الوّاجب الذّي"هو ضرورة القيام بالفعل انطالقا من القانون"‪ ،‬وإذا وجب تستطيع‪ .‬ويف هذا نلمس نقد كانط ال لألخالق‬
‫اليت ختلط بني اخلري والسعادة فحسب بل نلمس نقدا لألخالق النفعية والرباغماتية كما قدمها جون ستيوارت ميل وبنتام‪.‬‬
‫‪ -‬اخلضوع للواجب وااللتزام بالقانون اخللقي وباألمر القطعي يف صيغه الثالث ليس نفيا للحرّية بل هو شرط إمكانها‪.‬‬

‫هل يوجد بالفعل فعال أخالقيّا له هذه املواصفات الصوّرية؟ أم أننّا سنقول ما يقوله آالن‪ " :‬ال توجد يف الواجب أيّة صعوبة ما عدى حتقيقه"؟ هل ميكن أن‬ ‫يف نقد الواجب والسعادة‬
‫يتحملّ اإلنسان‪-‬كما يقول إيبسن‪ "-‬الواجب‪...‬هذا اللفظ اللعني‪ ،‬الذي هو يف منتهى احلدّة واحلموضة ومنتهى الربودة‪...‬لكأنه وخز باإلبر"؟ وإن وجد مثل هذا‬
‫الفعل هل يبقى إنسانيّا؟ وإن كان اإلنسان قادرا على مثل هذا الفعل كيف نتأكّد من دوافعه ومن " نيّته الطيّبة"؟‬
‫يعترب هيقل أن أخالق الواجب فارغة احملتوى ألن اإللزام فيها صوريّا‪ ،‬يف حني أن األخالق املوضوعيّة اليت تعبّر عن اإلرادة املوضوعيّة واليتّ تتحقق يف فضاء‬
‫الدولة تتعاىل على كلّ األخالقيات الصوريّة واالجتماعية اليت ينتجها العقل‪.‬‬
‫‪ -‬يبيّن ماركس أن ما يبدو كليّا يف فلسفة كانط ال يعبّر إال عن ما هو كائن أو على األصحّ عن صورة اإلنسان الربجوازي‪.‬يبدو أنّ ما تطلبه أخالق كانط‬
‫من اإلنسان هو أن يكون أكثر من إنسان‪ ،‬أي أن يدخل يف صراع مع ذاته و طبيعته لتتحوّل األخالق معاناة‪ ،‬ويتحوّل الوعي شقاء‪.‬و لعلّ هذا هو الذّي جعل‬
‫نيتشة يشبّه عقال حيمل واجبا على أنّه "مجل" حيمل أثقاال‪ ،‬سيلقيها جانبا حلظة يتحوّل" أسد" متمرّدا رافضا مهنة رفع األثقال‪ ،‬ليعود من جديد "طفال "يف‬
‫تلقائيّته‪ ،‬قادرا على اجلمع بني الوعي و اإلحساس‪ ،‬فالوعي الذّي حيبّ ال يشعر بالواجب على أنه محل‪.‬‬

‫‪ -‬حينما نتجاوز سطح الوجود وحنفر وراء أسس احلضارة املعاصرة أي وراء عامل الوفرة والرفاه‪ ،‬أي حينما نتجاوز السطح ستظهر لنا صورة إنسان‬
‫العصر وقد انزاح عنه ثقل األخالق وثقل القيم‪ ،‬حبيث مل يعد كائنا مثقال بالقيم وإمنا كائنا مثقال بالفراغ األنطولوجي للقيم‪.‬‬
‫‪ -‬عندما يتكشف لنا قدر اإلنسان ومغزى الوجود ندرك أن السعادة ليست شأنا إنسانيا أو ندرك على األقل أنهّ‪ ":‬مل يدخل يف خطّة اخللق‬
‫البتة أن يكون اإلنسان سعيدا"على حدّ عبارة فرويد‬

‫▪ يوجه فيلسوف املطرقة نيتشة كل النقد ألخالق النفاق‪ ،‬وأخالق احلقد املتسرت وراء شعار حبّ اآلخر واخلري وأخالق الكرامة املبثوثة وراء اإلحساس بالذل واإلهانة‪ ،‬ألنها يف‬
‫احملصلة النهائية أخالق هدم لإلبداع واالستقاللية‪ .‬إن أخالق نيتشة هي اليت توجه املطرقة حنو أخالق األب يف كلّ جتلياته ومظاهره‪ ،‬لتعلن خالص الدين ونهاية الدين‪،‬‬
‫ليعود الفعل إىل براءته األوىل‪.‬‬
‫▪ وإذا كانت جينيالوجيا األخالق تثري محاسة من يعتقد أنه فوق اجلماعة واحلشد فإن مضمونها يتجاوز هذه احلماسة‪ -‬شأنه شأن بعض السفسطائيني والريبيني‪ -‬ليفرض أساسا‬
‫لألخالق فيما وراء املمارسات االجتماعية‪ ،‬حيث تكون احلرية واإلبداع‪.‬‬

‫▪ احلرية هي أساس كل القيم‪ ،‬وانطالقا من فكرة أن الوجود يسبق املاهية‪ ،‬يعترب سارتر أن اإلنسان يصنع وجوده‪ ،‬أي ينتج قيمه اخلاصة‪ ،‬واليت وإن‬ ‫اإلستخالص‪ :‬يف اخلتام نقول‪:‬‬
‫كانت خاصة فهي كلية‪ ،‬إذ يصنع اإلنسان يف فعله مشروع اإلنسان‪.‬‬
‫▪ اإلنسان هو الواضع للقيم ألنه الوحيد الذي ميتلك شعورا مزدوجا القلق واملسؤولية‪.‬‬
‫احلرية ال تتعارض بالنسبة لسارتر مع املسؤولية [احلرية مسؤولة] فأنا عندما أصنع ذاتي أصنع صورة اإلنسان‪ ،‬وبالتالي كما أنا مسؤول على ذاتي‬
‫مسؤول على صورة اإلنسان‪.‬‬
‫▪ هنا يلتقي سارتر مع كانط يف فكرة إنتاج قيم كونية‪ ،‬ليختلف معه من جهة القول بنسبيتها وقابليتها للتجاوز‪ ،‬وإن كانت القيم هي أساس‬
‫احلرية حسب كانط‪ ،‬فإن احلرية –حسب سارتر‪ -‬هي أساس القيم‪.‬‬
‫‪ -‬ال وجود لسبب يرب ّر احلرية‪ ،‬بل احلرية هي ما يربرّ كلّ سبب‪.‬‬

‫‪philofoubouguerra@yahoo.fr‬‬ ‫‪4‬‬ ‫الصّحبــي بـ ـ ــوقرّة‬

You might also like