Professional Documents
Culture Documents
1.strategic Management
1.strategic Management
Mini MBA
الكتاب األول
اإلدارة اإلستراتيجية
Strategic management
التفكير اإلستراتيجي
مفهوم اإلستراتيجية
يمكن أن تكون اإلستراتيجية "فن" كما هي علم وذلك أثناء تطبيقها وممارستها عمليا.في االشتقاق الروسي،وبشكل دقيق ،هناك تمييز مثال في
المجال العسكري بين النظرية العسكرية و العمل العسكري ":كل قطاع،وكل مستوى في الحقل العسكري له هذين الجانبين،النظري والعملي".إن
كل نشاط أو فعل يكون مقادا من خالل القوانين،و المبادئ و الطرائق ،وهذا الفعل أو النشاط يقام أوال من خالل النظرية .ثم يأتي الفعل
والممارسة ليزيد من غنى النظرية.إذا في "التخطيط اإلستراتيجي" البد من معرفة الكثير نظريا من أجل الحصول على القليل عمليا.
إنها حقيقة أبدية،يقول اإلستراتيجي الصيني الشهير" ":"Sun Ziإن األكثر تميزا من القادة بيننا هم هؤالء األكثر حكمة و األكثر استشرافا و
رؤية" .بعد عشرين قرنا من مقولته يأتي القانون العسكري الياباني متأثرا بشكل عميق بهذه المقولة و ليفرض على العسكريين " العسكر يجب
أن يعرفوا في نفس الوقت الفنون و النظريات العسكرية" .ثم يأتي "فريدريك الثاني " في أوربا ليؤكد أن "قراءة األدب و الرسائل الجميلة هي
ضرورية لهؤالء الذين في الحياة العسكرية".
هناك ضرورة قصوى لقراءة اإلستراتيجية "كعلم" من أجل الحصول على تطبيق عملي في غاية الكمال و الحصول على اإلستراتيجية "كفن"
في أرقى أشكالها.هنا يرى بعض اإلستراتيجيين الفرنسيين ":النظرية التي تريد دائما السير بشكل مزدوج مع التجربة فإنها ستسقط آنيا أو الحقا
و ستهمل" .إذا هنا نرى التركيز على المعرفة النظرية كسابقة على العمل التنفيذي وهذه من حقائق الفكر اإلستراتيجي .و لإلستراتيجية قواعدها
كبقية العلوم والفنون،وهي متغيرة ولكنها ثابتة في بعضها،والجهل بقواعدها البد أنه يقود إلى السقوط.هذا ما يؤكده أحد اإلستراتيجيين
الفرنسيين ":إن مراقبة المبادئ و معرفتها ال يكفي دائما للحصول على النصر،ولكنها تخفف من وقع الهزيمة"( .الجنرال .)Lewalو يؤكد "
كلوزويتز" " :النظرية هامة جدا لتكوين المنفذين أو الذين سيطبقونها ،حتى تصبح لديهم محاكمة جيدة وتخدمهم وتساندهم في كل خطوة
ضرورية إلكمال مهمتهم" ( .من كتاب له ظهر في عام ،1814باريس).
النظرية إذا تهدف لتوضيح المحاكمة و تسهل عملية اتخاذ القرار ":إنها تلقي الضوء على مجموعة المواضيع وتعطي القدرة على معرفة
الطريق،إنها تساهم في اقتالع األعشاب الضارة،وتبين العالقات المتبادلة بين األشياء،وتفصل بين ما هو هام وما هو ثانوي" ( .من كتاب
"الحرب" ،كلوزويتز،باريس.)1955،
اإلستراتيجية هي في آن واحد كيمياء تحدث تحول جذريا وكيمياء كالسيكية قديمة .كيمياء "جديدة"جذرية يصل إليها اإلنسان الشريف النبيل
فقط و التي تتكون من التنظيم للمبادئ المستقرة الثابتة ومن منهج أو خطة أو معادلة من طرفين .كيمياء"قديمة" محصورة في قبضة مجموعة
من األتباع أو األنصار حيث لديهم القدرة على تحقيق تحوالت وتغيرات ليست في متناول الجميع في عمقها و إدراكها .ولدى العديد من
اإلستراتيجيين l،اإلستراتيجية المنهجية يمكن الحصول عليها ومعرفتها من خالل التجربة بالتأكيد،ولكن أيضا من خالل الدراسة وكما يعبر عن
ذلك " كارل بوبير" ":العلم ليس إال معنى مشتركا واضحا"
أوال ـ اإلستراتيجي العملي و اإلستراتيجي النظري:
إنه أمر واقعي و حقيقي القول بأن االنصهار الكامل بين النظري و العملي هو أمر نادر .فالعديد من القواد العسكريين كتبوا عن ذلك ".تورين"
ترك العديد من المذكرات،أيضا خصمه "مونتي توكلي" حرر العديد من المحاوالت حول فن الحرب ونابليون ،وخاصة في منفاه الطويل،فقد
ألّف ملخصات عن الحروب و إجراءاتها الطويلة و المعقدة.ولكن هذه األعمال من النادر أن يكون لها قيمة نظرية استثنائية .على العكس من
هؤالء المحاربين،المنظرون لم يكن له بريقا أو لمعانا في ميادين الصراع أو في كبرى قيادات المعارك.و األعظم من بين هؤالء Clausewitz
1
،كان له وفق ما يقول "ريمون أرون" " :عمال ومهنة في غاية اللمعان و البريق" ،1ودوره في القيادة العسكرية البروسية خالل حملة عام
1815كان متنازع عليه وخاضع للكثير من الجدل.
ويبقى هنا السؤال األهم :هل من الواجب الحصول أو التمتع بمعرفة عملية من أجل الوصول إلى المعرفة النظرية؟ هذا السؤال أحدث جداال
واسعا من غير نهاية.فمنذ القرن الثامن عشر ،المارشال Puységurدافع عن أن نظرية قيادة المعركة هي مستقلة وموجودة بشكل مستقل عن
الشكل العملي حيث يقول ":ليس من الضروري أن تكون في قلب الجيوش حتى تكون في قلب هذا الفن" . 2وعلى العكس من هذا الطرح ،الكاتب
"الفن العظيم للقيادة والنصر " حيث يفتقد في الغالب إلى "معرفة "المغمور " ـ ماركيز دو فوكييرـ يعتبر أن المؤرخ ال يستطيع أن يعلم
الجنرال البارع و القادر هو الذي الحركة المفاجئة والخفيفة جدا،وإلى االختالفات في الحاالت داخل الميدان أو في المعركة أو حتى داخل .
الجيش
يرى بنظرة واحدة كل االختالفات في الميدان،ولكن lفي عملية وصف هذا الفن أو المادة،المؤرخ الذي ال يقاد أو يوجه من قبل هؤالء الخبراء في
ميادين المعركة لن يكون قادرا نهائيا وبنفسه يراقب هذه االختالفات" .3دون شك ،اإلستراتيجية كانت إحدى الميادين المنتخبة للتمييز عندErnst
Jüngerبين إنسان المعرفة و إنسان القوة .األجواء مختلفة ،و أيضا نماذج التوظيف .اإلستراتيجي( ذلك الذي يفكر) يجب أن يفكر بكل شيء
يتصرفيجب أن يفكر بشكل موضعي .
محلياألول ال يعمل إال وفق منطق البرهان أو االستدالل ) وشموليا،بينما اإلستراتيجي (ذلك الذي يفعل و
،يعمل بهدوء في مكتبه و لديه الوقت ليفكر،الثاني مجبر أن يتصرف في لحظة وفق قاعدة من المعطيات و المعلومات غير كافية و ال أكيدة،
.
المكاتبكل إنه خاضع لضغط كبير .أكد ذلك سابقا المارشال ": Schaumburg -Lippeالحرب هي نظرية ولكن ال تكون كذلك إلى في
جوانبها خاضعة للبراهين ومعظم العمليات تعتمد على التأمل والتفكير والحسابات،ولكن عمليا ،الصدفة هي التي تقرر وخاصة في الميدان،وهذا
يعني التصرف مع هذا الجانب كما يكون في حقل المعركة حيث ما نريده نقرره حاال" .4هذا التفاوت و االختالل ال يمكن تجنبه .علم
اإلستراتيجية ليس إال مرحلة تحضيرية في خدمة فن اإلستراتيجية .ووفق التعبير الجميل لصاحبه ": Julien Freundمن أجل
الجوهري "، 5إن النظرية أو
" القرار،المعرفة عامل مساعد يجعل القرار أشد تأثيرا ،ولكن المعرفة ليست هي العنصر األساسي التكويني و
المذهب األفضل ليس ذلك المبني بشكل أفضل نظريا أو منهجيا ،بل ذلك الذي يؤدي إلى ".6
النصر
ثانياـ في أصل المصطلح أو االشتقاق
إذا انطلقنا من التحليل الكالسيكي للمصطلحات ،نجد أن مفهوم أو مصطلح اإلستراتيجية يوجد في مختلف اللغات األوربية أو اللغات
اإلغريقية/الالتينية .ففي األلمانية نجد ، strategieوفي الروسية strategijaوفي الهنغارية . strategiوعندما نقول ( )stratos ageinفهو
مصطلح اإلستراتيجية ذاته مقسم إلى جزئين ويعني " الجيش الذي ندفع به إلى األمام" .وبوصل طرفي المصطلح stratosو ageinنحصل
على strategosوهذا يعني " الجنرال " ،وفعل strategôيعني قاد أو أمر ،أما الصفة منها strategikosو التي تجمع strategikaفهي تعني
وظائف و أعمال الجنرال بالمفهوم العسكري للكلمة،وتعني الصفات التي يمتلكها الجنرال . 1اإلستراتيجية إذا هي فن القيادة للجيش أو بشكل
.
القيادة أشمل هي فن
هناك فرضية أخرى حول أصل االشتقاق في جذوره األولى .عندما نقول stratosفهذا ال يعني الجيش أو الجيوش بشكل عام ،بل يعني الجيش
الذي يعسكر في منطقة ما ويكون في حالة حرب .اإلستراتيجية في الواقع ال تحدد في حالة صراع واحدة .فكلمة stratosتتعلق بكلمة أخرى
وهي أكثر قوة في المعنى :
( )giaتعني األرض ،أما ( )ageinفهي تعني الدفع إلى األمام .هذه الفرضية األخيرة هي األكثر واقعية عند الكثير من مؤرخي العلوم
اإلستراتيجية .ربما ألن هذا االقتراح في التحليل يشير إلى أن اإلستراتيجية ليست شيئا "ساكنا" بل هي مرتبطة " بالحركة".
كلمة strategiaأيضا خرجت من نفس الجذر ككلمة strategemaو التي خرجت منها كلمة .stratagèmeولكن المارشال ( De Puységur
القرن الثامن عشر) يرى أن ":هذه الكلمة األخيرة كان لها معنى آخر في الالتينية لم يكن في الفرنسية :حيث تعني في الالتينية lالحيلة أو
الخديعة أو الوسيلة في الحرب" ( .انظر ، Hervé coutau Bégarieالمرجع السابق) .لكن ( stratagèmeالوسيلة أو الخديعة الحربية)
1
2
3
4
5
6
1
2
ليست فقط خديعة أو حيلة ،بل هي فعل عقلي ذكي يتمتع به"الجنرال" .ففي عالم الحروب و الصراعات التي يسيطر عليها بالقوة ،اإلستراتيجية
هي ترجمة حقيقية لهذا الفعل الذكي للعقل.
ثالثاـ في الـتأسيس و التك ّون
ّ
لقد ظهرت في أثينا منذ القرن الخامس قبل الميالد وظيفة ما يمكن أن نسميه المخطط اإلستراتيجي أو الحربي . stratègeحيث "القبائل" تختار
عشر " استراتيجيين" أو مخططين .يؤسسون مدرسة يستطيع أحد من داخلها أن يفرض نفسه على اآلخرين المتبقين .لكن جميع األعضاء في
هذه المدرسة ليدهم اإلمكانية في قيادة الجيش أو جزءا منه ،فاستراتيجي من بينهم يقود الجنود المسلحين في المناطق الريفية،وآخر مكلف
بالدفاع عن اإلقليم أو الدولة،واثنان آخران مهمتهما الدفاع عن الشواطئ،أما الخامس يهتم بتسليح األسطول ،والخمسة اآلخرون يكون لديهم
أعمال متعددة ومتغيرة .بعد االسكندر األكبر،مدرسة اإلستراتيجيين ستتبدل وتتغير في المملكة الهيلينية،ولكن lتبدل نحو التوسع على كافة
أراضي المملكة مع ضعف في األهمية لهذه المدرسة .ومع أن وظيفة اإلستراتيجي يبدو أنها أصبحت مؤمنة ومضمونة،لكن فكرة اإلستراتيجية
بقيت غامضة.
إن كلمة strategemaستظهر في الربع الثاني من القرن السادس قبل الميالد ،ولكنها ستوجد ولمرة واحد عند ، Xénophonأما تعريفها
الحقيقي سيأتي فيما بعد على يد الحكيم المسيحي Clément Alexandrieفي القرن الثاني قبل الميالد .وتقريبا في نفس العصر ستظهر كلمة
strategikaعلى يد .Demetrois de Phalèreالمصطلحان مرادفان لكلمات أخرى ،من غير أن يشير المعنى إلى الخداع و الحيلة،ولكن
رغم ذلك يبقى المعنى األكثر تداوال وقتها هو ما يشير إلى الحيلة و الوسيلة والخداع .لكن المصطلحين السابقين ال نجدهما ال عند "هيرودوت"
و ال عند " ثوسيدس" .ابتداء من مؤرخي القرن األول قبل الميالد كلمة strategemaترتبط بفكرة الحيلة والوسيلة والخداع في المعركة ،بينما
كلمة strategikaسيكون معناها مرتبط بوظيفة ومكتب "الجنرال" .أما الفعل strategeoسيحصل على معنى أكثر دقة ،فعند Onosander
سيعني تماما " ناور" من المناورة.
ضمن هذا الوضع سيلجأ الرومان إلى " لتينة" المفهومين ( لتينة :أعطى كلمة غير التينية lصيغة التينية) .حيث سيتحدث " شيشرون" عن
strategemaفي رسالة مؤرخة في العار من أيار سنة الواحد والخمسين قبل الميالد ،أما هذا المصطلح سيحل تدريجيا مكان معناه الالتيني
المنافس له( .)dolus ,ars ,astutia, sollertiaولكن حتى نحافظ على الجانب العلمي للدراسة البد من القول أن الرومان تحدثوا عن العلوم
العسكرية أو عن علم األشياء العسكرية ( )scientia rie militarisو الذي يتضمن اإلستراتيجية.
المنظرون اإلستراتيجيون البيزنطيون ،والذين سيبقون ناشطين حتى القرن الخامس بعد الميالد ،يقدمون strategosأو stratègeليكون "
االسم الذي نعطيه لمن يكون في المكان األول في الجيش،والذي يكون رئيسه" .أما الكاتب Syrianosسيعرف أحد فصول دراسته في القرن
السادس الميالدي تحت عنوان Peri strategikesأو اإلستراتيجية .بعد سيعرف مصطلح اإلستراتيجية الكثير من التراجع في العصر الهيليني،
وسيصبح اإلستراتيجي هو قائد ضمن اإلقليم،قبل أن يترك المكان بمعنى آخر وهو " الدوق" .مع ذلك مصطلح اإلستراتيجية بقي له بعض
االهتمام ،حيث مع مصطلح " التكتيك Taktika "lسيساعد لعودة بعض الروح للفن العسكري.
بعيدا عن العالم الروماني و اليوناني،ال نجد مفاهيم معادلة لمصطلح اإلستراتيجية ،حتى في المجتمعات التي كان لها عمقا وتجربة كبيرة بالفن
العسكري .االستثناء الوحيد كان في الصين مع االستراتيجي الصيني الشهير ، Zun ziو الذي وضع ( ،) bing-faوقد عمد المترجمون
المعاصرون لترجمته باإلستراتيجية،وإن كان يعني هذا المصطلح مفهوما أوسعا من مفهوم الطرق العسكرية أو فن الحرب .تحليل هذا المفهوم
يرتكز على "الطرائق" ،ويوجه حديثه و تحليله إلى من سيقود جيشا أو حملة ،إن ما يتحدث عنه Zun ziهو اإلستراتيجية بعينها.
في نفس العصر،المشرعون يطرحون وبكل وضوح العالقة ما بين الحرب والسياسة ":أن يصبح ملك محترما،لديه أرضا واسعة،وحاكما
للعالم،أو أن يكون ضعيفا أرضه محتلة ويفقد سلطته،كل ذلك تقريره بالحرب.من القديم وحتى أيامنا هذه،ليس لدينا أي مثل أو نموذج على أحد
أصبح قائدا للعالم من غير االنتصار بالحروب أو بالحصول على السلطة من غير منازع" .إذا كنا ال نستطيع أن نحصل على مفردة معادلة
لكلمة اإلستراتيجية في الصين القديمة،هذا يعود إلى أن طريقة التفكير الصينية تختلف عما هو عليه الحال في العالم الغربي أو غيره،ولكن ( فن
الجنرال،تحضير الخطط،تحليل الحاالت و األزمات،الطرائق) هي موجودة بالفكر الصيني ولم توضع فقط بشكل عملي في الحروب وغيرها
ولكن لها نظرياتها ومنظروها.
3
منذ القرن الثامن عشر،عودة و نهوض مفهوم اإلستراتيجية وكل تحوالته يمكن رصدها ومالحظتها من خالل مراحل عدة .األميرال Mathey
يرى أن عودة المصطلح كانت من اإلنكليز من خالل استخدام كلمة stratègeفي كتاب Oceanaلمؤلفه Harringtonعام ،1656ولكن بكل
بساطة هذا يعني عودة الكلمة الالتينية .strategnsمصطلح strategyفي اإلنكليزية ظهر 1688في كتاب Geographyلمؤلفه ، Morden
ولكن ضمن معنى إدارة مقاطعة أو إقليم،لم تأخذ أي معنى عسكريا حتى عام 1810وذلك في الطبعة الثالثة للقاموس Military Dictionary
لصاحبه ، Jamesفي نفس السنة الوقت ظهر الظرف strategicallyفي اإلنكليزية .على الجانب اآلخر نجد أن هذه الكلمة لم تظهر في كتاب
ميكيافلي،ولكنها ظهرت في كتاب Francesco Patriziوهو " "Paralleli militariوذلك في عام 1594حيث يقول في كتابه ":العسكري
يجب أن يتعلم مهنته في كتب عن التكتيك lو اإلستراتيجية و الميكانيك B."...على كل حال،هذا المصطلح أو المفهوم سيختفي فيما بعد من اللغة
اإليطالية .ثم لن يحظى مصطلح اإلستراتيجية بقدر كبير من النجاح في أوربا الشمالية،إال عندما،وفي نفس العصر Jean de Nassau ،يقترح
تقسيم اآلداب العسكرية الرومانية إلى ثالثة أقسام رئيسة. strategetica,tactica,poliorcetica :
في الواقع إن اللغة الفرنسية ومن دون شك أعادت إدخال مفهوم اإلستراتيجية في اللغة الحديثة.فالمفهوم أو كلمة إستراتيجية استعملت سابقا في
القرن السادس عشر من أجل اإلشارة إلى إدارة عسكرية في إقليم أو مقاطعة وذلك عند الرومان .في عام 1721قاموس Trévouxيعيد كلمة
اإلستراتيجي لإلشارة إلى" قيادة الكتائب والجماعات عند اليونانيين" .في كلتا الحالتين وكما هو الحال في اإلنكليزية ،لم يكن المفهوم أو
المصطلح" اإلستراتيجية" إلى مصطلحا قديما ،لم تمسه أي تغيرات أو تحوالت .في قاموس Trévouxيشرح كلمة ": stratagèmeحيلة أو
وسيلة عسكرية تستخدم في الحروب من أجل مفاجأة أو خداع العدو" .القاموس الالتيني لمؤلفه Du Cangeيعد ويحصي أكثر من اشتقاق
. strategus, straticus, stratigus, stratigotusأما قاموس Estienneيعرف كلمة strategusبأنها رئيس الجيش ،وفي النهاية القاموس
العالمي لمؤلفه Moreriال يذكر شيئا عن اإلستراتيجية.
اإلستراتيجية كفئة من الصراع
-1فائدة التصنيف:
أصبحت الصلة الوثيقة بين اإلستراتيجية والحرب في موضع تساؤل في العقود األخيرة ،مما أدى لظهور فئات وتقسيمات جديدة لمفهوم
اإلستراتيجية .للوصول إلى أفضل مقاربة لتلك الفئات تم اللجوء إلى علم التصنيف ، taxinomieبمعنى ترتيب كل المفاهيم المتقاربة من اجل
وضع اإلستراتيجية في البنية السياسية -العسكرية.
أ -الثالثية trilogieالكالسيكية
نشوء الثالثية:
ظهرت الحاجة إلى ترتيب تسلسلي لمستويات فن الحرب منذ نشوء الفكر االستراتيجي .اليونان مثال فصلوا التكتيك taktikaعن
. strategiaميز Dietrich von Bulowبينهما كاآلتي :اإلستراتيجية هي الحركات التي تتم أثناء الحرب بين جيشين،لكن خارج دائرة
المعارك المتبادلة ،أي خارج الدائرة المرئية .مهارة الحركات التي تتم بوجود العدو ،بحيث تكون إمكانية رؤيته قائمة دون قدرة مدفعيته lعلى
بلوغ األهداف ،هذه المهارة تسمى التكتيك.l
تم تبني مفهوم الثالثية عالميا ،بحيث نعرفها كما يلي :السياسة تحدد أهداف الحرب في إطار حكومة البلد ،ااالستراتيجية موقعها ضمن الحرب:
إنها تضع في العمل الوسائل العسكرية من اجل تحقيق أهداف سياسية ،أما التكتيك فانه يضع في العمل القوات لكن في إطار الفعل العنيف
نفسه.
السياسة تحدد أهداف الحرب:
لقد دافع Clausewitzبقوة عن هذه الفكرة في أطروحته :الهدف السياسي ،كدافع أساسي للحرب ،يقدم حجم الهدف المطلوب من
خالل العمل العسكري .الفكرة األساسية لهذه الصيغة هي أن :الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى .الحرب ليست فقط عمل سياسي ،لكن
أداة سياسية حقيقية ،متابعة لألهداف السياسية ،تحقيق لها بوسائل أخرى .لكن ،في المقابل ،هذه الفكرة لم تلق تأييدا عند العسكريين ،ومنهم
رئيس هيئة األركان األلماني في عام ( Moltke 1866في عهد بسمارك) .حسب األخير :الحكومة المدنية ال تتدخل في قيادة العمليات
العسكرية .إذن ،الحرب لم تعد استمرار للسياسة ،بل وكيل للسياسة .بمعنى آخر ،السياسة تتدخل في مرحلة ما ،لكن عند اندالع األعمال
العسكرية على السياسة أن تخلي الساحة لإلستراتيجية.
4
الجنرال Lewelكان واضحا في هذا الشأن ،حيث يعتبر أن المهارة العسكرية ليس لها عالقة بالسياسة وال يجب عليها أن تهتم باألخيرة،
مبادئ الحرب مستقلة تماما عن طبيعة الحرب أو عن األسباب التي أدت إلى وقوعها .تجب اإلشارة هنا إلى أن هذا النموذج paradigmeبقي
غالبا حتى الحرب العالمية األولى .كأمثلة على هذا النموذج نذكر هنا الجنرال الفرنسي Joffreالذي لعب دورا مستقال عن حكومته عندما قام
بإصالح البحرية ومن ثم إعالن العمليات الهجومية في عام . 1915كذلك الجنرال االلماني Ludendorfالذي دعا إلى تغييب التبعية lللسلطة
السياسية ،بل إلى إلغاءها تماما ،حيث على السلطة السياسية عدم التدخل ال في قيادة العمليات وال حتى في قيادة الحرب .هذه (االمبريالية)
اإلستراتيجية ،بمعنى السيطرة المطلقة لإلستراتيجية ،التي تنكر مقتضيات السياسة ،ساهمت بشكل حاسم في هزيمة ألمانيا :حيث أن األخيرة
أطلقت ما سمي حرب الغواصات بدون األخذ بعين االعتبار الدول المحايدة مما أدى لدخول الواليات المتحدة في الحرب.
لكن نموذج (األولوية لإلستراتيجية) لم يستطع التفوق بشكل دائم على نموذج (األولوية للسياسة) .الجنرال Poirierاقترح ما أسماه
اإلستراتيجية الكاملة ،حيث لم يرفض مبدأ تحديد lالغايات من خالل السياسة .يعرف اإلستراتيجية كسياسة في إطار الفعل أو التطبيق ،إنها
المهارة وفن المناورة الذي تتبعه القوات من أجل الوصول إلى غايات السياسة ،الغايات المترجمة في أهداف إستراتيجية.
اإلستراتيجية تعرف وتضع في التطبيق الوسائل من أجل تحقيق النصر في الحرب:
وضعت تعاريف عدة لإلستراتيجية في القرن التاسع عشر وتحديدا بين ، 1830 - 1820تم اعتبارها كنتيجة للمناخ الفكري الذي ساد آنذاك،
ولألثر الذي تركته المعارك الكبرى لنابليون .يمكننا ان نذكر مثال التعريف الذي قدمه المارشال Marmontبانها التحركات التي تتم في منأى
عن نظر العدو وقبل المعركة ،هدفها تحقيق تفوق عددي في يوم المعركة Clausewitz .يقدم تعريفا أكثر شموال حيث يعتبر اإلستراتيجية
استخدام القتال من أجل غايات الحرب .يجب عليها أن تحدد ،من كل فعل الحرب،غاية تتعلق بالهدف من الحرب .بمعنى أن تضع خطة الحرب
حسب الهدف المراد وأن يتم تنفيذ الخطة وفق سلسلة من األفعال التي يجب أن تقود إلى تحقيق هذا الهدف.
لقد ظهرت نظرية بديلة تميز االستراتيجية كمفهوم عن التكتيك lكتنفيذ .من روادها الجنرال البروسي ) - Ruhle Von Liliensternوهو من
المبشرين بقدوم ( Clausewitzحيث قدم تعريفا شبه فلسفي :اإلستراتيجية تنظر إلى الطريقة التي من خاللها يجب أن تقاد األشياء ،التكتيكl
بالمقابل هو السبب الذي يجعل شئ ما يحدث أو ينتج أو يتحقق بطريقة أو بأخرى .األولى تسبق في الزمن التنفيذ الحقيقي ،إنها بالنتيجة مختلفة
تاريخيا عن الثانية ،مختلفة في طبيعتها حتى في سلوكها ،بالنسبة للفعل ،actionكالكالم بالنسبة للتنفيذ .acte
تم اآلخذ بهذه األفكار فيما بعد ،خاصة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ،حيث يعتبر الكولونيل الفرنسي Blumeأن اإلستراتيجية
تحدد للجيش الهدف واالتجاه .أما التكتيك فيقع على عاتقه أمر بالتنفيذ .في فرنسا نجدها في دراسات الحرب للجنرال Lewelكذلك في
محاضرات الجنرال Bonnalفي المدرسة الحربية العليا :اإلستراتيجية هي فن التصور ،أما التكتيك lفهو علم التنفيذ.
لكن يوجد من طعن بصحة هذه المقاربة كالقائد العسكري Grouardأو األميرال Castexحيث يعتبر األول أنه من عدم الدقة القول أن
التكتيك lينفذ ما ترسمه اإلستراتيجية :ألنهما ليسا التصور والتنفيذ للشئ نفسه .إنهما يعالجان مواضيع مختلفة والقواعد التي يتبعانها تنطبق على
مراحل غير متزامنة ،لكن تالية لعملية عسكرية ....التكتيك ،كما كل األعمال الحياتية،يسلك التصور والتنفيذ .أما الثاني فيعتبر أن كل شخص،
وفي كل مستويات القيادة يقوم بفعل استراتيجي وتكتيكي في آن معا .يخلص Castexإلى أن التكتيك lهو القتال أما اإلستراتيجية فهي كل
الحرب قبل وبعد القتال .هنا نعود إلى نقطة البدء التي ال تحل مشكلة الدرجة التي منها تبدأ اإلستراتيجية :إذا اإلستراتيجية ليست إال القيادة
العامة للعمليات ،الفن األرقى الذي يمارسه القادة في مناصب عليا تسلسلية ،يبقى القول أن قيادة العمليات ليست إال القتال تحت هذه العتبة .عدد
من الكتاب يعتبر أن قيادة العمليات من اختصاص اللوجستيك logistiqueأي فن أو علم نقل الجنود وإمدادهم.
التكتيك يضع موضع العمل وسائل القتال ناظرا إلى تحقيق النصر في المعركة:
يشمل التكتيك lبشكل أساسي قيادة المعركة ،ما أن تصل هذه األخيرة إلى درجة معينة من التمام ،بمعنى أنه يجب أال تقود إلى معارك أخرى
منفردة .يأتي من النظام اإلغريقي ،من التنظيم ،الجاهزية .كذلك ،كما تقول Joly de Maizeroyفي كتابها نظرية الحرب ،هذا المصطلح
بمعناه العسكري يعني الوضع الخاص للرجال الذين يشكلون قواتا أيا تكن ،وضع قوات مختلفة تشكل جيشا ،وضع تحركاتها ،عملها،
والعالقات فيما بينها Jean de Vignay .يقول في الترجمة الفرنسية للكلمة -التي ظهرت بين 1310و 1320أن التكتيك lهو mestres
. d’armesلكن تعتبر انكلترا أول من تكلم عن التكتيك :تمت اإلشارة إلى هذه الكلمة - tactice-عام . 1570في فرنسا ،ظهرت في
السياسة العسكرية التي اتبعها Paul Hay du Châteletعام . 1968كما توجد الكلمة في قاموس Furetièreلعام .1690ظهرت في
5
قاموس أكسفورد عام . 1766أما الفرنسي Mesnil Durandفيكتب في العام : 1770لم يكن لدينا أي عمل عن التكتيك lقبل عشرين عاما..
حيث بالكاد كنا نعرف ما هو التكتيك ،موضوعه وتعريفه ،العسكريون ليسوا تماما متفقين فيما بينهم.
يعتبر Clausewitzأن التكتيك lهو النظرية النسبية الستخدام القوة المسلحة في المعركة .انه العملية التي تستخدم الذكاء ،المعرفة والتنظيم كما
يشير نابليون في أحد تعليقاته .يعتبر Antoine Grouardفي كتابه لالستراتيجية :موضوع -ارشاد -عناصر والصادر عام 1895أن
التكتيك lله ثالثة أجزاء :التكتيك األولي ،أو التكتيك lالمفصل ،يضم أساليب القتال للوحدات الصغيرة في كل جيش؛ تكتيك lالمجموع أو للجيوش
الثالثة (المشاة ،الفرسان ،المدفعية) يعمل لمعرفة دور كل جيش في المعركة؛ التكتيك الكبير أو تكتيك الوحدات الكبيرة ،وهو مهارة قادة الجيش
،الفن الذي يتبعه قائد الجيش لتحديد دور كل من جيوشه في المعركة ،للنصح باستخدام قوات االحتياط ،وجعلها تتدخل في الوقت المناسب وفي
الشروط المالئمة.
يجب تمييز التكتيك عن القتال:
يجب التمييز بين التكتيك lو القتال البدائي الذي يدعو إلى القوة والشجاعة .في هذا الوسط يمكن أن تتحطم الحسابات العلمية كنتيجة
لردود فعل أولية ال يمكن ضبطها .نذكر هنا حاالت الهلع التي تسيطر على القوات مهما كانت قوتها كما حدث لقوات الحماية الفرنسية في
Malplaquetعام . 1709في بداية القرن العشرين ،كرس الجنرال الفرنسي Jean Colinجزءا من كتابه -تحوالت الحرب
-Transformations de la guerreللحديث عن القتال األولي أو البدائي ،حيث يستنتج أن علم التكتيك lلديه مبرر لوجوده؛ لكنه غير
فعال في حال أن الجنود غير مشبعين بروح الشجاعة والحماس وإرادة النصر .بالطبع ،لم يفقد هذا المعطى األساسي من أهميته رغم
تطور وسائل الحرب فيما يتعلق بقوة النيران أو القوة الكترونية .األمثلة هنا موجودة من الحرب العالمية الثانية كمعارك Bir-Hakeim
، Stalingradأو . Budapest
الشكل اآلتي يوضح التيبولوجياـ الكالسيكية لتسلسل هرم القيادة ،حيث تأتي السياسة في أعلى التسلسل ،أي أنها المسؤولة عن رسم الخطط اإلستراتيجية:
6
التحركات (فرع قريب من اإلستراتيجية) ،أي عندما يتحرك الجيش( ،وفرع أخر قريب من التكتيك )lأي عندما ينتقل الجيش من أمر السllير
إلى أوامر القتال .ال يعتبر أن اللوجستيك في أي من األحوال كجزء من فن الحرب متعلق بالتزويد أو التموين.
تشير الكلمة في العالم االنكلوساكسوني إلى معlنى مlادي ،حيث هlو فlرع من العلم العسlكري مرتبlط بحركllة ،بوقllوف ،اصlطفاف،
وتموين الجيوش .يذكر James A. Hustonفي كتابه -مصدر قوة الحرب - The sinews of warأنه لن يتم االعتراف باللوجستيك،
كفرع هام من فن الحرب ،إال أثناء الحرب العالمية الثانية ،عندما يقوم األمريكيون بوضع طرق ومفهوم ما يسمى : logisticsفن تخطيط
وقيادة التحركات العسكرية ،اإلجالء والتموين .يشار أنه في الترجمة العربية للكلمة تعني :السوقية -بفتح السين -وتعني فن أو علم نقل
الجنود وإمدادهم بالطعام وإيوائهم.
البعد التنظيمي:
لم يعllط الكتllاب الكالسllيكيون من أمثllال Clausewitzأهميllة كبllيرة للعمليllات أو لفن الحllرب بمعنllاه الضllيق ،على العكس من
Nockern de Schornفي القرن xviiiوالذي شدد على ضرورة تحديد ما أسماه (البنية العامة للوضع العسكري) ،والتي تشكل جllزءا
من علم الحرب مثلها مثل اإلستراتيجية أو التكتيك :يجب تعميق المبادئ التي تساعد على بناء الوضع العسكري بشكل عام ،توفير ما يلزم
لصيانته والقيام بكل التدابير من أجل استمراره بحالة جيدة؛ كل ذلك يشكل مدخال الى علم الحرب و أول جزء منه هو بناء الفن العسكري.
تزايد االهتمام بما يسمى -تنظيم القوات -في القرن التاسع عشر وخاصة بعد هزيمة فرنسا أمام ألمانيا عام ، 1870حيث دافع الكولونيllل
الفرنسي Lewelعن فكرة التنظيم العقالني : Organisation rationnelleالتكوين العقالني للجيوش الفعالة له أهمية لم تكن موجودة
قبل 12عاما فقط .لذلك من اإلجباري البحث عن الشروط الضرورية من أجل الوصول إلى أفضل النتائج .تكلم عن الجزء التنظيمي
Partie organiqueعنllد دراسllة الحllرب ،والllذي أخllذ صllدى واسllعا في ايطاليllا حيث عرفllه Giovani Sechiبأنllه الجllزء من الفن
العسكري المرتبط باإلعداد organisationوبتحضير العتاد واألشخاص .بالرغم من أهمية هذا الفرع من العلم العسllكري إال انllه لم يتم
االعتراف به كفرع مستقل كاإلستراتيجية مثال.
ب ـ :تقسيم اإلستراتيجية في القرن العشرين:
ارتقاء اإلستراتيجية:
أصبحت الثنائية إستراتيجية -تكتيك lفي موضع تساؤل خاصة بعد تزايد أعداد المقاتلين في الجيوش .إذ أنه اعتبارا من القرن التاسllع عشllر
أصبح تعداد بعض الجيوش مئات اآلالف ،مما جعل من الضروري تعدد lمستويات القيادة ،وهذا ما جربه نابليون فعال عنllدما أوكllل قيllادة
الجيوش إلى ماريشاالته أثناء الحملة ضد ألمانيا عام B B B.1813خالل سنوات العشرينيات من القرن المنصllرم يشllير الكولونيllل Culmann
إلى أن هدف اإلستراتيجية هو إدارة مجموعات الجيlوش وكlذلك الجيlوش المنفlردة .أمlا مlع الحlرب العالميlة الثانيlة فإننlا نالحlظ ارتقlاء
مستوى العمليات ،والتي من اآلن فصاعدا في عالقات متبادلة ودائمة رغم توسع مسرح الحرب.
التطور الثاني تقني .إذ أنllه في السlابق ،ونتيجllة لبطء نقllل المعلومllات ،كllانت عمليlة القيlادة المركزيlة للحlرب مسlتحيلة .أمlا مllع ظهlور
التلغراف ،ومن ثم التلفون ،سكة الحديد l،االتوموبيل ،الطائرة ،أصبح من الممكن للقيادة المركزية متابعة الحرب عن بعد أو التنقل شخصيا
إذا اقتضت الضرورة .كذلك مع هذه التطورات فان تصور خطة الحرب وقيادة العمليات لم تعد منفصلة بالكامل كما في السابق حيث تمتع
القادة الميدانيون بحرية تصرف كبيرة نتيجة صعوبة التواصل مع المركز.
التطور الثالث يتجلى في أن الحرب الحديثة تتطلب حشدا ضخما للوسائل ومن كل األنواع .تتطلب الحرب تعديال للنشاطات الصllناعية من
أجل إنتاج كميات ضخمة من األسلحة والذخائر ،وأن تأخذ الدولة على عاتقها عملية التقنين وضبط التجارة الخارجية وتنظيم دعاية منظمة
فيما يتعلق بسكان أكثر تعليما واطالعا من الماضي ،ولذلك فهم اقل إذعانا.
نمت درجة شمولية وتجرد اإلستراتيجية مllع تصllنيع industrialisationالحllرب ،بحيث أنهllا توسllعت وارتقت إلى درجllة الفكllاك عن
التكتيك .lمفهوم اإلستراتيجية السائد ما بين الحربين أصبح متداوال فبما بعد الحرب العالميlة الثانية .هllذا التوسlع أدى إلى تقسlيمها وظهllور
مستوى وسيط سمي :الفن العملياتي.
إستراتيجية كبيرة ،إستراتيجية عامة ،إستراتيجية متعلقة بالعمليات العسكرية:
لإلستراتيجية جناحان :سياسي وعسكري .تضمن اإلدارة العامة للحرب ولالزمات والقيادة العامة للعمليات أو لألعمال العسllكرية .في هllذا
اإلطار يعرفها Herbert Rosinskiبأنها المفهوم المركزي الموجه الذي ينظم كل العناصر ويوجهها نحو غاية محددة سلفا.
7
- 1تتطابق اإلستراتيجية ،في القيادة العامة للحرب وفي إدارة األزمات،مع السياسة في الفعل ،ال بل تستحوذ على مجمل قيادة العمل حيث
في هذه الحالة تندمج lالسياسة التقليدية في اإلستراتيجية العامة ،وهنا تتنوع المسميات حسب الدول.
اإلستراتيجية الكبرى مفهوم أنكلوسكسوني ،أصبح متداوال في منتصف القرن الماضي .يعرفها Liddell Hartفي كتابه strategyعلى
أنها سياسة الحرب؛ هدفها تنظيم وإدارة كل موارد األمة أو تحالف ما من أجل الوصول إلى هدف سياسي للحرب .بهذا المعنى إن الحرب
استمرار للسياسة لكن بوسائل أخرى .يفضل األمريكيون الحديث عن إسllتراتيجية قوميllة ،والllتي قسllموها مllؤخرا إلى إسllتراتيجية األمن
القومي وإستراتيجية األمن العسكري ،األولي تتعلق باإلستراتيجية الكبرى.
فضل الفرنسيون في سنوات الخمسينيات مفهوم اإلستراتيجية العامة .ورد تعريفها في برنامج التعليم حول اسllتخدام القllوات المسllلحة لعllام
1959والذي تم استبداله ببرنامج عام 1984على أنها الفن الذي يجمع كل الوسائل التي تستحوذها السلطة السياسية من اجل الوصول إلى
األهداف التي وضعتها.
مlيز الlروس بين السياسllة العسllكرية واإلسlتراتيجية العسllكرية .كمllا يشlرح Jacques Laurentفي عملllه outil pour la pensée
militaire soviétiqueأو أداة من أجل الفكر العسكري السوفييتي فان األولى تتعلق بالتحضير وباستخدام وسائل القوة المسلحة من اجل
الوصول إلى األهداف السياسية؛ أما الثانية فهي جزء أساسي ومجال أعلى من الفن العسكري يشمل النظرية والتطبيق فيما يتعلق بتحضير
القوات المسلحة أو بلد ما للحرب .يمكن أن نفسر رفض الروس لإلستراتيجية الكبرى على أنه رفض من جانب الحزب الشيوعي إلخضاع
الغايات السياسية للوسائل ،في إشارة واضحة إلى اقتسام سلطته المطلقة مع المتخصصين.
- 2في القيادة العامة للعمليات ولألعمال العسكرية ،اإلستراتيجية تمارس دورها التقليدي ،خاصة العسكري ،حيث تخضع لقيادة عليlا في
صلة وثيقة مع الحكومة .األميركيون يسمونها اإلستراتيجية العسكرية القومية .في فرنسا ،ممارسة القيادة في أعلى مستوى عسكري يشمل
تصور ،تحضير وقيادة العمليات العسكرية.
القيادة العامة للعمليات تسير وفق اتجاهين :اإلستراتيجية القديمة على األرض من اآلن فصاعدا تسمى اإلستراتيجية العملياتية :تضعها
موضع التطبيق القيادات العسكرية العملياتية ،مجموعات الجيش ،القوات البحرية أو قيادة مسرح العمليات ،و إستراتيجية الوسائل التي
تقوم ،من خالل الموارد المتاحة ،بالتنظيم واإلمداد اللوجستي .
بالتدريج l،الصلة بين اإلستراتيجية والعمليات تتفكك :حيث أن الفن العملياتي سوف ينافس اإلستراتيجية العملياتية ،ال بل سيحل محلها.
الفن العملياتي : opératique
من المتداول أن المنظرين السوفييت هم أول من اوجد مفهوم الفن العمليllاتي art opératifفي عشllرينيات القllرن الماضي .لكن الفكllرة
كانت موجودة في بدايات القرن حيث ميز الجنرال االسباني Richardo Burgueteالقطيعة التكتيكية - lالحاصلة على جبهllة المعركllة
نتيجة لهجوم قوي جدا ،-القطيعlة العملياتية -الحاصlلة على آليlة التنظيم بمجملهlا وذلlك عنlدما نصlل من خالل المعركlة إلى تlدمير هlذه
اآللية .في القطيعة العملياتية يجب ،ومن خالل ضربات سريعة كالبرق ،التغلب على المجموعات القريبة الواحدة بعllد األخllرى .يفllترض
الجنرال أن األولى مستحيلة وان الثانية ال يمكن تحقيقهlا بإتبllاع طlرق نlابليون ،إذن :النتيجllة ال تlأتي إال من تجمllع قطيعlات وسlطى بين
التكتيكية و العملياتية.
يشير المفهوم حسب المدرسة السوفييتية إلى أن توسع الجبهات يجعل من المستحيل من اآلن فصاعدا تدمير العدو من خالل معركة واحدة،
هذا اليمكن حصوله إال من خالل سلسلة متعاقبة من العمليات المرتبطة فيما بينها .الفن العملياتي يقيم الصllلة بين التكتيllك واإلسllتراتيجية (
انظر الشكل في نهاية الفقرة) ،كما يشرح Alexandre Svechinمخترع المفهوم :المعركة هي وسيلة العملية ،التكتيك lهو أساس الفن
العملياتي .العملية هي وسيلة اإلستراتيجية والفن العملياتي هو أساس اإلستراتيجية .في سنوات السبعينيات ،عرفت األنسكلوبيديا العسكرية
الروسية الفن العملياتي على انه نظرية وتطبيق التحضير وقيادة العمليات فيما بين الجيوش المجتمعة أو المستقلة ،هذه العمليات تقاد من
خالل تشكيالت كبيرة لمختلف أنواع القوى (بحرية ،مشاة ،فيالق .)...يضيف :في عدد من البلدان األجنبية نستخدم في النظرية العسكرية
بدال من الفن العملياتي مصطلحات من قبيل التكتيك الكبير أو اإلستراتيجية الصغيرة.
8
الجيش األميركي تبنى هذا المفهوم عام ، 1982البحرية األمريكية أخذت به في الوثيقة العقائدية المعنونة vision : A Navy for 2020
: the 21st Centuryهدف الخيارات اإلستراتيجية كسر إرادة العدو أو تعديل lنواياه ؛ الخيارات العملياتية تهاجم البنية التحتية للعدو،
المكونات العسكرية والصناعات المدنية lالتي تسمح لقواته بالقتال بفعالية؛ هدف الخيارات التكتيكية lهزيمة القوات العسكرية للعدو على
ارض المعركة .يتبين لنا أن التمييز بين الخيارات اإلستراتيجية العملياتية يبقى مصطنعا أو بكلمة أخرى سطحيا.
في فرنسا ميز الجllنرال Beaufreفي كتابه -مllدخل إلى اإلسllتراتيجية -بين العمليllات والقتllال .األولى هي مجمllوع التllدابير والمنllاورات
المخصصة للدخول في القتال وبشروط مثالية ،لكنه لم يضف مسllتوى عمليllاتي بين اإلسllتراتيجية والتكتيllك؛ lظهllر وكأنllه يضllع الخطllوط
العريضllة لتميllيز ثالثي في عملllه المllذكور ،لكن فيمllا يتعلllق بالسllالح النllووي التكllتيكي .فيمllا بعlد lالجllنرال Poitierدافllع في كتابه-
اإلستراتيجية النظرية -عن المفهوم العملياتي . opératiqueأما الكولونيل Francartفيشير في مجلة Objectif 21المتخصصة (عدد
، 2الفصل األول B)1996إلى انه في المستوى العملياتي العملية مخططة ،مدعومة ومقادة ،من اجل الوصول إلى هدف استراتيجي على
مسرح العمليات .هذا هو مستوى توحيد أفعال مختلف الجيوش وتحت مسؤولية القائد العسكري في مسرح العمليات.
9
الفن العملياتي متعلق بكل أنواع الجيوش ،من اإلجباريـ التنسيق بين القوات البرية والجوية ،أو الجوية والبحرية ...مع ذلك أعد السوفييت فنوناـ عملياتية خاصة
بكل نوع من القوات ،بما فيها فنا عملياتياـ لحماية الخطوط الخلفية وللدفاع المدني.
ـ التكتيك.
التكتيك lهو أقل شأنا أو درجة من اإلسlتراتيجية،يهllدف إلى تنفيlذ االلتزامlات الllتي تم وضllعها ضlمن نطlاق اإلسlتراتيجية العملياتيllة وبغllرض
الوصول إلى األهداف المثبتة lبواسطة اإلسllتراتيجية العامة .لكن التكتيlك lليس بالضllرورة يهllدف إلى قيllادة العمليllات أو الصllراع،بllل يمكن أن
يستخدم في العمليات التحضيرية .بعد الجنرال ،Lewalالجنرال Iungاقترح تعريفا بقي صالحا لزمن طويل ":التكتيك العسكري يشكل مجمل
األحكام أو التنظيمات القادرة على تنظيم توظيف مهارات اإلنسان،الوسائل و األماكن ،بهدف تحقيق هدف فوري".
وقد عرف السوفييت التكتيك في السابق " هو النظرية والتطبيق للتحضير ولقيادة الصراع بواسطة الوحllدات الصllغيرة ،والوحllدات الكبllيرة من
مختلف أنواع القوى ،المسلحة أو القوى التابعة للعمليات الخاصة" .في الواقع هذا التعريف يضم فكرتين قويتين :
ـ التكتيك،كما اإلستراتيجية ،لديه وجهين،نظري وعملي.
ـ التكتيك lيظهر في المسllتوى األساسllي،بمعllنى على مسllتوى الوحllدات الصllغيرة ،ولكن يظهllر أيضllا في المسllتويات األكllثر ارتفاعا .حيث أن
التكتيك lالسوفييتي تألف من :
ـ التكتيك العام.
ـ تكتيك القوى ( اإلستراتيجية،المشاة،الدفاع الجوي ،القوى الجوية ،القوى البحرية).
ـ تكتيك األسلحة ( كل نوع من القوة العسكرية ينقسم وفق األسلحة المستخدمة).
ـ تكتيك الوحدات الخاصة ( كل سالح يمتلك وحداته الخاصة).
إن نمو وتنوع الوسائل ساهم بشكل كبير بزيادة االعتبار للجانب المتعلق بالتكتيك .lالجنرال Poirierيعرف التكتيlك lبعllد أن يشllير إلى تعقيداتllه
المتنامية ":فن التوفيق ،أثناء العمليات ،بين سلوك وأفعال جميع الوسائل العسكرية".
ت ـ تنظيم أو فصل المستويات.
ـ سياسة و إستراتيجية.
إن الصلة أو العالقة التي وضعت من قبل منظري اإلستراتيجية في القرن التاسع عشر أو قبل وبعlده،بين السياسlة و اإلسlتراتيجية و الحlرب و
اإلستراتيجية ،ظلت قائمة لم تتغير حتى من قبlل كبlار منظlري هlذا العلم في القlرن العشlرين .ولكن اإلشlكاليات الlتي يمكن طرحهlا في إطlار
العالقة بين السياسة و اإلستراتيجية (بمعنى علم الحرب) هي إشكاليات تتعلlق بالسlلطة المدنيlة lوعالقتهlا بالسlلطة العسlكرية .فالمدنيlة lوبشlكل
طبيعي لها نزعة تجاوز مناخها أو بيئتها من أجل التدخل في قيادة العمليات،بينما الثانية تطعن في محاولة تجاهلها.
نجlد هlذا الشlكل من الصlراع بين السllلطتين في جميlع المجتمعlات.وقllد طرحllه مسlبقا " ،"Sun Binوهlو من أهم مؤسسlي العلllوم الصllينية
الحربيllة،بطريقllة ظلت تحتفllظ بقيمتهllا حllتى اآلن " :ال نتعllدى على حقllوق أو سllلطات الجllنرال .أوامllر الملllك يجب أال تتجllاوز أبllواب
المعسكرات،وهذا ما يضمن حالة أو وضع الجllنرال .وإذا األوامllر تجllاوزت أبllواب المعسllكر ،الجllنرال لن يخllدم طllويال و الجيش ال يمكن أن
يحافظ على بقائه".
ـ اإلستراتيجية و التكتيك.
التمييز بين اإلستراتيجية و التكتيك ليس سهال كما تريد أن تقول األدبيات الكالسllيكية حllول هllذا الموضllوع.حllتى المفهllوم الغllير منتشllر كثllيرا
والذي يعرف اإلستراتيجية "كمفهوم نظري" و التكتيك"كتنفيذ" لهذا المفهوم ليس دقيقا جدا ،ألنه يعllني بllأن اإلسllتراتيجية تllأتي قبllل التكتيllك وثم
تترك له المكان بعد وضع اللمسات األخيرة على المخطط،ثم تتدخل من وقت آلخllر لتوجيllه التكتيك .lهllذا المفهllوم ال يمكن مسllاندته كثllيرا كمllا
يقول .Hervé Coutau Bégarieولكن إذا اقتربنا من المفهوم الذي يعتمده lمعظم اإلستراتيجيين للتميز بين المفهومين،فأين يقع خط الفصل
بينهما،بين lاإلستراتيجية والتكتيك l؟ مع Bülowو Jominiيمكن أن نفهم هذا ،ومن خالل اقتراحهما معيارا سهال هو المعركة .علمllا أنllه ومن
القرن التاسع عشر وجد من يتحدث عن ضبابية هذا المعيار .يقول ":Jominiيوجد عمليات مختلطة تشارك فيها اإلستراتيجية من أجllل القيllادة
والتكتيك lمن أجل التنفيذ،ويكون هذا مهما من أجل المفاجآت أو في الحروب الكبيرة. "..على الصعيد النظري ،يمكننllا أن نضllع تميllيزا وضllاحا
10
جدا في حالة أن الصراع يصل إلى ذروته أو أوجه paroxystiqueوهذه حالlة نlادرة :مثlال على ذلlك بعض الحlروب النابليونيlة الlتي كlانت
تحسم بساعات أو بأيام فقط كما حصل في .Leipzig
بشكل عام ،يمكن أن نقول بأن اإلستراتيجية و التكتيك يتميزان من خالل توقعات أو رؤى مختلفة كما يشير على ذلك Antoine Grouardفي
عمله " اختيار نقاط هجوم حاسمة" .حيث "االعتبارات التكتيكية "lتقllود إلى مهاجمllة النقllاط األكllثر سllهولة ،و "االعتبllارات اإلسllتراتيجية" تقllود
لوضع مواقف تعطي النتائج الكبرى والحاسمة .أما الجنرال Iungفقد شرح نفس الفكرة ولكن بمفردات أكllثر شllموال ":التكتيllك ال يختلllف عن
اإلستراتجية إال من خالل الهدف.وسائلهما متشابهة.فقط هllدفها ليس واحد.في اإلسllتراتيجية،ال يوجllد نهائيllا تصllرف أو فعllل فllوري ،بينمllا في
التكتيك lهو دائم فوري" .
11
اإلستراتيجية كعلم
أوالـ مجال علم اإلستراتيجية
عندما نحدد اإلستراتيجية من خالل إعطاء تعريف لها فإن هذا ال يعني بالضرورة تحديlد lأو حصllر المجllال لإلسllتراتيجية كعلم .فاإلسllتراتيجي
كمنظllر واإلسllتراتيجي الllذي يطبllق المخططllات اإلسllتراتيجية كالهمllا يسllتطيع اسllتخدام جميllع الوسllائل .واإلسllتراتيجية تختلllف عن جميllع
العلوم،حيث بإمكانها االستفادة من جميع العلوم :فهي بحاجة للعلوم التجريبية من أجل تطوير وتقllييم قاعllدتها التقنيllة،بحاجllة لالقتصllاد لتطllوير
إمكاناتها،للعلوم السياسية بسبب عالقتها الخاصة مع السياسة،لعلم االجتماع من أجل وضllع الصllراع على أي مسllتوى في سllياقه العllام،للتllاريخ
لالستفادة من أمثلته والمعلومات التي يقدمها.
بشكل آخر،يمكننا أن نضع في المكتبة اإلستراتيجية جميع الكتب .بداية مllع التllاريخ،وخاصllة تllاريخ الحllروب .ثم مllذكرات كبllار القllادة وكبllار
المؤرخين،فمن الصعب مثال أن نقرأ اإلستراتيجية القديمة من غير العودة إلى Thucydide ، Césarو .Taciteأما في العصر الحديث فإن
مذكرات Turenneهي إجبارية لفهم اإلستراتيجية.
تطور النظرية اإلستراتيجية في الحياة المعاصرة لم يرفض هذا المصدر القديم :فمذكرات المارشال )Von Manstein ( Verlorene Siege
الصادرة في عام 1955باإلنكليزية،وعام 1958بالفرنسية ،و"دفاتر" المارشال Rommelهي جميعها تعتبر مصادر أساسlية لإلسllتراتيجية.
ولكن معلوماتها تستخرج بصعوبة حيث على القارئ نفسه أن يبذل جهllدا من أجlل فهمهllا وفهم النظريllة الlتي أراد الكlاتب قولها .وأخllيرا نريllد
القول أن علم اإلستراتجية اليوم ال يمكنه lاستبعاد أي مجال من مجاالت العلوم.
ـ علم عسكري وعلم إستراتيجي.
إذا اإلستراتيجية ليس مجاال مستقال .فهي فرع من مجال ضخم جدا،إنه قيادة الحرب ،وبشكل أعم اليوم ،قيllادة الصllراع ،حيث كllانت تllدعي في
الماضي "علم عسllكري" (خاصllة في العصllر الرومllاني) ،أو "فن الفروسllية" (في العصllر الوسllيط) " ،فن الميليشllيات أو الوحllدات" (مllع بدايllة
العصر الحديث)" ،فن الحرب"( تسمية بدأت تفرضها نفسها مع بداية القرن الثامن عشر) .والسؤال :هل يمكننا فك ارتباط اإلسllتراتيجية من كllل
12
هذا التاريخ الذي يعطيها اليlوم معناهlا؟ في الواقlع وحlتى وقت متlأخر،اإلسlتراتيجية كlانت دائمlا ضlمن فن الحlرب بمعlنى أنهlا داخlل الفكlر
العسكري،وهي اليوم تشغل المرحلة العليا في هذا الفكر.
إن علم اإلستراتيجية يحتاج مساندة علم التكتيك من غير أن يتضllمن األول جميlع مlا يتعلlق بالثllاني .في القlرن السlابع عشlر والثllامن عشlر تم
تطوير فكر تكتيكي مستقل ،ولكن معظم الكتاب العسكريين ركزوا بشكل كبير على جدلية السالم والحرب .بعد ذلك تم انتشار اإلسllتراتجية من
خالل اتساع التنظير للتكتيك،ولكن كllان لllديها في البدايllة مفهومlا يربllط الحlرب بالسياسة .والمشllكلة هنllا أن جميllع هllذه الفئllات أو التصllنيفات
المختلفة لم يتم تحديدها أو تظهر معالمها الخاصة إال ببطء شديد ،وهذا ما رأيناه عندما درسنا في البداية مفهوم اإلستراتيجية وتطور مفهوم هllذا
المصطلح .إذا ال يمكننا االدعاء وكما يشير الكثير من منظر ي هذا العلم،أنه باإلمكllان تحديllد مجlال أو حقllل البحث في اإلسllتراتيجية من خالل
االستناد فقط على مراجع أو مؤلفات إستراتجية "نقية أو خالصة" .فال بد من تبني رؤية متطورة تنطلق من العلم العسllكري من أجllل الوصllول،
حاليا ،إلى علم اإلستراتيجية
ـ هل هناك عالمية لعلم اإلستراتيجية؟
ُ
الحرب هَ ٌم و انشغال عالمي ونرى ذلك في معظم األدبيات التي أنتجتها الحضارات المختلفة التي أرخت بالكتابllة ،ولكن هllذا ال يعllني أن جميllع
الحضارات أنتجت أدبيات إستراتيجية تشير إلى اإلسlتراتيجية كعلم .أشlهر المؤلفlات الlتي تتحlدث عن عالميllة علم اإلسlتراتيجية هlو مlا قدمllه
Gérard Chaliandفي مؤلفه "االنطولوجيا العالمية لعلم اإلستراتيجية" ( .)l’Anthologie mondiale de la stratégieفهو ينقلنا في هذا
الكتاب من أيام العبريين إلى اإلستراتيجية النووية مرورا ببالد ما بين النهرين و الشرق األقصllى،ولكنllه ال يصlل إلى نتيجllة إال بعllد أن يlدرس
العديد من النصوص التي ال يتفق معه العديد من المنظرين أنها نصوص تتعلق بعلم اإلستراتيجية .طبعا يتحدث في كتابllه عن التllوراة و عصllر
غلغامش (بالد ما بين النهرين قبل 2000عام تقريبا من الميالد) ،ثم يصف الصlراعات الlتي سlادت آنlذاك ،ولكنهlا ال تشlكل قاعlدة لبنlاء علم
لإلستراتيجية ولو تضمن العديد lمن فنون الحرب.
ويعتقد ": Hervé Coutauأنه ال المصريين القدماء وال األشوريين،وال حتى الفرس لم ينتجوا اتفاقيات عسllكرية أو مفllاهيم تقllترب ولllو من
بعيد من مفهوم اإلستراتيجية أو التكتيك ."lفيما يتعلق بالشرق األقصى،فقد تحدث الهنود عن مفاهيم اقllرب للسياسllة منهllا إلى اإلسllتراتيجية .أمllا
الحضارة اليونانية ،تحدثت من خالل مؤرخيها عن وعي باألبعاد العليا والراقية لفن الحرب وعن العالقة بين الحرب والسياسة وهذا مllا نllدعوه
اليوم "إستراتيجية"،ولكن هذا ال يعني صياغة علم أو نظريllة لإلسllتراتيجية .في الواقllع،الفكllر االسllتراتيجي ليس عllالمي،إال إذا أردنllا إضllعاف
محتواها بإدخال نصوص كثيرة عن فنون الحرب وبأي طريقة داخل "اإلستراتيجية" .علم اإلستراتيجية لديه تاريخ غير مستمر أو غllير متصل.
ومن بين الحضارات التي طورت فنا للحرب معقدا وعميقا حتى أننlا يمكن أن نسlميه إسlتراتيجية ،العديlد منهlا لم تنتج أيlة أدبيlات إسlتراتيجية
يمكنها أن تحمل هذا االسم.
ـ دور العوامل االجتماعية في علم اإلستراتيجية.
تحدثنا في الفقرة السابقة وقلنا أن علم اإلستراتيجية لديه تاريخ متقطع ،في الواقع هذا التقطع ليس من السهل حصllر أسllبابه وفهمllا بشllكل كامل.
ولكن مع ذلك هناك خمسة عوامل مشتركة بين معظم الذين أرخوا لهذا العلم وأكدوا في نفس الوقت أنها تحتاج إلى تعميق معرفي وتاريخي.
1ـ الفكر االستراتيجي يجب أن يستجيب إلى حاجة معينة،كما يقول Hervé Coutauفي كتابllه عن علم اإلسllتراتيجية (مرجllع سllابق،صllفحة
B B B.)146أما المؤرخ األمريكي Everett L. Wheelerقام بدراسة مقارنة ،للظهور المتزامن تقريبا،للنظرية العسكرية في اليونان القllديم وفي
الصين أثناء القرن الرابع قبل الميالد .وصل المؤرخ األمريكي إلى نتيجة أن " :رغم االختالفات الثقافية الكبيرة،إال أنه وجدت عوامllل متشllابهة
سهلت تطور النظرية العسكرية في قلب هاتين الحضارتين،وأدت في الواقllع بين أولى النظريllات في الغlرب و أولى النظريllات في الشlرق إلى
بناء مواضيع مشتركة".
من بين العوامل المشتركة ،أن الصين و اليونان لم تعرفا استقرارا سياسيا بل على العكس كان فيهمllا الكثllير من الحllروب ،في الصllين حllروب
Royaumes Combattantsوفي اليونان حروب .Péloponnèseبمعنى آخر كان هناك طلب كبير على الخllبرات العسllكرية .ففي اليونllان
وجد ما يسمى األساتذة أو Hoplomachoiوهم يعلمون فن القيادة،أما في الصين فقد أحاط الملك نفسه بمجموعة من المستشllارين العسllكريين
مثل االستراتيجي الشهير Sun Ziأو .Sun Bin
2ـ الفكر االستراتيجي يفترض انفتاحا ،حيث يتوجب عليه االستفادة من مختلف الخبرات مهما كانت وأينما كانت .مع ذلك عبر التاريخ ،تحفllظ
القادة العسكريون والسياسيون على مخططاتهم ،وخير مثال على ذلك ما كان يفعله الفينيقيون والقرطllاجيون من إخفllاء لسllير رحالتهم البحريllة
13
بغرض عدم كشفها أمام المنافسين لهم .ومن الصعوبات األخرى التي كانت أمام انتقال مبادئ علم اإلستراتيجية هي وجود مجتمعllات لم تعllرف
الكتابة،وعملية تناقل األفكار اإلستراتيجية كانت شفهية وهذا ما أعاق عملية االنفتاح والمعرفة.
3ـ الفكر اإلستراتيجي يفترض،في نفس الوقت ،خبرة عملية و نزوع أو ميل للتفكير والتأمل الذي ال يتكرر عادة عند نفس الشخص .فأكبر قادة
الحروب كتبوا رؤيتهم النظرية بعد lأن استطاعوا التفرغ لذلك وأصبح لديهم القدرة على المراقبة من خارج الحدث .ولكن التنظllير االسllتراتيجي
يفترض كما يرى الكثير من المؤرخين،مستوى من التعليم و التكllوين،كمllا يفllترض أيضllا الكثllير من االبتعllاد عن الllذات أو النظllرة الشخصllية
الضيقة.
4ـ الفكر االستراتيجي يفترض شكال من أشكال العقلية القادرة على التجريد .فاليونان القدماء ومعهم البيزنطيون صاغوا أدبllا إسllتراتيجيا ألنهم
كانوا مفتونين و معجبين بالفلسفة وعلم الالهوت .أما الرومان فلم يكتبوا شيئا في هذا الصدد ألنهم ابتعدوا عن التنظllير االسllتراتيجي و اسllتندوا
فقط على الممارسة العملية .في العصر الحديث،وبعد lاالنفتاح الذي حصل على العالم في القرن التاسع عشllر ،األدب االسllتراتيجي اليابllاني بقي
فقيرا،مقارنة باإلنتاج الغني لهذا النوع من الدراسات في الصين،وقبل انتصار اإليديولوجية الكنفشيوسية.
5ـ أخيرا ،الفكر االستراتيجي "ربما" يفترض شكال من أشكال العقليlة المحكومllة بمبllدأ الفعالية .فlالفكر االسllتراتيجي،كمlا الفكllر االقتصlادي،
يتطلب تصرفا عقالنيا لشخص يمركز عمله بالكامل حول هدف واحد .فمثال الرجل االستراتيجي لن يبحث سوى عن النصllر على العllدو .وكllل
مllا يمكن أن يllؤدي إلى النصllر يمكن وضllعه في خدمllة اإلسllتراتيجية من غllير االنتبllاه إلى االعتبllارات األخالقيllة أو احllترام العllدو .والفكllر
االستراتيجي المعاصر يشارك في "إزالة األوهام" عن العالم ،وقد حلله السيسيولوجيون منذ "مllاكس فيllبر" و أسllس على الفصllل بين النشllاطات
اإلنسانية و محاولة عقلنتها. rationalisation
ـ ندرة علم اإلستراتيجية.
يمكننا القول أن علم اإلستراتيجية بقي محصورا في المجتمعات المتطورة،والllتي كllانت في حالllة مواجهllة مllع الحllروب،فيهllا نقاشllات مفتوحllة
ومحكومllة بllالبحث عن الفائllدة و األداة .وعمليllا،كمllا يllرى بعض منظllري اإلسllتراتيجية ،هllذه الشllروط ليس متllوفرة بشllكل دائم .فالعصllر
الوسllيط،على سllبيل المثllال،لم يكن قllادرا على إنتllاج المرحلllة الجنينيllة لعلم اإلسllتراتيجية،بينمllا أوصllل الفكllر الالهllوتي إلى القمllة مllع saint
Bonaventureو saint Thomas d’Aquinوآخرين .مع ذلك يمكننlا أن نجlد كتابlا معlزولين هنlا وهنlاك أو أعمlال إسlتراتيجية بأشlكال
أخرى،ولكنها لم تكف لبناء فكر إستراتيجية مبني بشكل علمي .وأخيرا نستطيع القول أن الفكر االستراتيجي تركز حول ثالثة مllدارس إذا صllح
التعبير :المدرسة الصينية،المدرسة اليونانية القديمة بامتداداتها الرومانية و البيزنطية ،ثم أوربا الحديثة والllتي صllدر عنهllا الفكllر االسllتراتيجي
المعاصر ،Hervé Coutau (.المرجع السابق ،صفحة .)150
ثانيا ـ نماذج من العلوم اإلستراتيجية.
1ـ الفكر اإلستراتيجي اآلسيوي القديم.
ـ نموذج الفكر الصيني.
كlان للكتابlة مكانlة رفيعlة في الصlين،وقlد كlرس الكثlير منهlا لألشlياء العسlكرية .ففي القlرن الخlامس والرابlع قبlل الميالد بlدأ تشlكل الفكlر
االستراتيجي الصيني،ولكن اليوم هناك الكثير من هذه الكتاب التي فقدت .ومن أهم أعالم الفكllر االسllتراتيجي الصllيني نجllد "المعلم " ،"Hsün
المعلم .Kuan"، Lao Zi, Mo Zi
أما أشهر االستراتيجيين الصينيين lفكان ،Sun Ziويعتقد أنه عاش في القرن الخامس قبل الميالد .تجاهله الكثير من المؤرخين والبعض اآلخر
لم يعترف إال بعد وقت متأخر .ولكن هناك كتابات جادة تشهد بقدم إنتاجه حول الفكر اإلستراتيجي،أهمها :ثالثة عشlر مقlاال حlول"فن الحlرب"
استفاد منها معظم القادة في الجيش الصيني قديما.
بعد Sun Ziيأتي Sun Binوهو حفيده .فقدت أعماله لفترة استمرت ألفي عام،والسبب أن أعماله لم توضع مllع أو من بين "األعمllال السllبع"
الكالسيكية التي جمعت في عصر .Songاعتقد المؤرخون أن االثllنين lهمllا شllخص واحllد،ولكن عمllل الثllاني اكتشllف في مقllبرة صllينية عllام
1972وهو يدور حول "االتفاقية العسكرية" .يغلب الطابع العملي على رؤيته اإلستراتيجية أكثر من جllده .أيضllا تحllدث عن الllدعم اللوجسllتي و
دوره في زيادة فعالية إطالة الحمالت العسكرية .وأخيرا يمكن القول أنه كان أقل اهتماما بالتنظير اإلستراتيجية من جده.
ـ تكون الثقافة اإلستراتيجية.
14
أسس Sun Ziفكرا إستراتيجيا هاما.ثم بعد عقود عدة جاء إستراتيجيون آخرون مثل الجنرال Cao Caoوهو من أهم العسكريين في عصllر
أسرة ،Hanو Li Quanالذي عمل في ظل وجود األسرة المالكة Tangفي القرنين السابع و الثامن بعد الميالد l،ويأتي بعده He Yanshiو
Zhang Yuفي صر األسرة المالكة .Songمعظم هlؤالء وجllد في عصllر ،Royaumes Combattantsأي قبllل توحيllد اإلمبراطوريllة،
حيث عرف الفكر اإلستراتيجي تيارين أساسيين :تحليال عميقا للعالقة بين الحرب والسياسة من قبل التيار األول ،أما التيار الثاني فقد كllان لديllه
اتجاها ضد "العسكرة" وشارك بشكل متناقض في تطوير الفكر العسكري ،فهو يرفض الحرب ويقبل حق الدفاع عن النفس.
في نهاية القرن الحادي عشر،اإلمبراطور Shen Zongأوقف ما سlمي قائمlة "السlبعة أعمlال" وليتم التعامlل مllع قائمlة جديlدة من المؤلفlات
اإلستراتيجية،وهي ،Hervé Coutau (:مرجع سابق،صفحة )156
ـ ،Wu Zi Bingfaكتاب وضعه جنرال من القرن الرابع قبل الميالد،يتllألف من عشllرة فصllول تllتركز جميعهllا على تحقيllق المصllالحة بين
األخالق الكنفشيوسية و الشؤون العسكرية.
ـ ،Sima Faوهllو نص مختصllر ظهllر في نفس العصllر ويمكن أن يllترجم عنllوان كالتllالي" كتllاب معلم الفروسllية" .يتحllدث على إدارة
الجيش،ضرورة أن تكون الحرب عادلة و يحلل قليال المناورات العسكرية وقيادتها.
ـ ،Wei Liao Ziكتاب أعده مشرع صيني في نهاية القرن الرابع قبل الميالد،ويتحدث فيه عن تنظيم الجيش.
ـ ،San lüeأو "اإلستراتيجيات الثالث"لمؤلفه ، Huang Shegongيحلل في سيطرة الحكومة و األبعاد السياسية لإلستراتجية.
ـ ،Tai Gong Liutaoأو " التعليمات السرية العشرة" ،كتبها ، Taigongويقيم هذا الكتاب بأنه األكثر قوت وإنجازا للمدرسة اإلستراتيجيين.
ـ "، Tang Li Wenduiسؤال و جواب بين Tang Taizongو ،"Li Weigongظهر في القlرن السlابع الميالدي،يركlز على األمlور
العسكرية بشكل كبير ،ثم يدرس اإلستراتيجية والتكتيك.l
إن عملية انتشار الثقافة اإلستراتيجية لم تتوقف على النخبة اإلدارية،بل دخلت إلى األدب والمسرح الشعبي لدرجة أنه من الصعب أن تجد مثلهllا
في الدول الغربية.
ـ الفكر اإلستراتيجي الصيني و الغرب.
وجد اتجاه دائم عند الغربيين يعتقد أن الفكر الصيني هو حكمة أكثر مما هو علم،بمعنى أن الصينيين يفضلوا أن يقترحوا أكثر ممlا يحlددوا بدقlة
ما يريدون .في الواقع هذا الرأي يتناسى السياق الثقافي العام التي ظهرت فيه الكتابات اإلستراتيجية الصينية.
مع بداية القرن الثامن عشر،أحد اليسوعيين الفرنسيين وهو األب Amyotقدم األفكار الصينية إلى أوربا ،وذلك عبر كتابه "الفن العسكري عند
الصينيين" ،ويعود بكتابه إلى التحليالت حول الحرب في الصين والتي سبقت العصر المسيحي،والكتllاب هllو أيضllا تقllديم للعديllد من الجllنراالت
الصينيين،وتمت ترجمة هذا الكتاب من الفرنسية إلى األلمانية في عام .1779ولكن عمليا يمكن القول أن الlروس وحlدهم قllدموا ترجمlة كاملllة
لإلستراتيجي الصيني الشهير Sun Ziفي عامي 1860و B.1889وعلينا أن ننتظر بداية القرن العشرين حتى نرى االهتمام األوربي الحقيقي
بالفكر االستراتيجي الصيني عبر الترجمة اإلنكلllيزي الllتي قllدمها الجllنرال Calthorpeللكتllاب الllذي ذكرنllاه سlابقا وترجمllه الlروس.ثم عllاد
الروس،األلمان و اإليطاليون بتقديم ترجمة جديدة لنفس الكتاب في أعllوام 1950،1957و .1950أمllا بالنسllبة للعllرب فليس هنllاك أي اهتمllام
على اإلطالق بالفكر اإلستراتيجي الصيني.
15
يعllود هllذا التحليllل لإلسllتراتيجي اليونllاني Asclépiodoteالllذي عllاش في القllرن األول قبllل الميالد .يقllول Alphonse Dainفي كتابllه
"اإلسlllتراتيجيون البlllيزنطيون"،وفي الصlllفحة 326منه ":لم يكن Asclépiodoteعسlllكريا في مهنتlllه،بlllل اهتم بالتlllدوين وبمنطlllق إدارة
الصراعات،لقد نظر لوحدات الجيش وتنظيم المعارك في مقدونيا".
في نفس الفترة ظهر استراتيجي آخر وهو Onesandrosلم يكتب كثيرا حول الحروب أو العلllوم العسllكرية بlل تllرك لنlا كتابllا حlول وظlائف
ومهام الجنرال .جاء بعده Elienوهو أيضا عاش في القرن األول قبل الميالد ،وقد ألف كتابا أهداه إلى "طروادة" وكان الهدف منllه فهم الكتllاب
الذين عاشوا من قبله .نستنتج أن الفكر اإلستراتيجي اليوناني القديم اعتمد بشكل كبير على الممارسات العملية أكllثر من التنظllير.مllع ذلllك يمكن
متابعة التنظير للفكر اإلستراتيجي مع Xénophonو .Thucydideفقد تحدث Thucydideعن "تاريخ حرب "Péloponnèseمبينllا من
دون أدنى شك أو غموض،أن البعد اإلستراتيجي كllان حاضllرا ومفهومllا من قبllل اليونllان القllدماء .أيضllا Xénophonكllان أول كllاتب عمllق
دراسته التاريخية من خالل التفكير النظري وخاصة حول التكتيك،وذلك في كتابه "تحليل الفروسية" والذي ينطلق من مفاهيم إستراتيجية.
ـ المقاربة البراغماتية عند الرومان.
يعتقد الكولونيل "رتبة عقيد" Reichelأن الرومان ":كان لديهم فكرا عسكريا أصيال وجديدا،وصل إلى عمllق األشllياء كمllا وصllلنا في محتllوى
العديد من النصوص الرومانية" .أما التفوق التكتيكي واالستراتيجي الروماني خالل قرون متتالية لم يكن من غllير هllذه البنيllة التنظيميllة الدقيقllة
للعقيدة العسكرية الرومانية .هذه البنية كانت ثمرة للممارسة والخبرة كما يقول ":Polybeالمرشحون للوظائف العامة كان عليهم المشاركة في
عشllر حمالت عسllكرية قبllل اختيllارهم من قبllل المواطllنين" .رغم ذلllك لم تحllول الخllبرات الرومllاني إلى مؤلفllات اسllتطاعت أن تشllكل أدبllا
إستراتيجيا رومانيا في النهاية.
لكن يوجد بعض التحليالت للتكتيك و اإلستراتيجية .ففي القرن الثاني قبل الميالد كتب أحد أشهر الرومان في ذلك العصر وهو Catonمؤلفه "
"De Re militariولم يبق منه شيئا .أما Polybeفكتب " "Taktikaواليوم يعتبر من الكتب الرومانية المفقودة .والكاتب األكllثر شllهرة في
اإلمبراطورية الرومانية كان Frontinusفقد قدم مؤلفا خصصه للتعليق على "تعليقات عسكرية عند هوميروس" .أمllا Arrienكllان يعتllبر من
ورثة التكتيكllيين lاليونlان ،وقlد قlدم أيضlا عملlه الخlاص بlه " فن التكتيك" الlذي قlارن فيlه بين التكتيlك اليونlاني و المقlدوني القlديم و التكتيlكl
الروماني.
ظهرت بعض االنتقادات للفكر التكتيكي واإلستراتيجي الروماني كllان أهمهllا مllا كتبllه ":Brian Campbellالرومllان لم يكن لllديهم أكاديميllة
عسكرية،وال يوجد عمليllة مؤسسllاتية للتكllوين و التllدريب فيمllا يتعلllق باإلسllتراتيجية والتكتيllك،ولم يكن لllديهم وسllائل منظمllة ومنهجيllة لتقllييم
المرشحين للوظائف العليا".
يعتبر القيصر الروماني من المعلمين النادرين لفن الحرب خاصة انه كان في نفس الوقت منظرا لإلستراتيجية وممارسا لها .لقد حقق انتصارات
عسlllكرية كبlllيرة وقlllدمها في مؤلفlllات تتحlllدث عنهlllا،حيث القت هlllذه المؤلفlllات نجاحlllات واسlllعة في عصlllرها،ونlllذكر منهlllا (حlllرب
،Alexandrineحرب إسبانيا،حرب أفريقيا) .ما يميز مؤلفاته أنها جمعت التحليل العسكري للحرب األهلية و تحليllل السياسllات القائمllة،بمعllنى
تحليل اإلستراتجية من خالل ظروف سياسية أو سياق سياسي قائم.
بعد القيصر،جاء مؤرخو اإلمبراطورية ،ومن أهمهم .Taciteوهو كاتب عسكري،قدم مؤلفا يحتوي على معلومات كثيرة موضوعية ومتماسكة
حول إستراتيجية الدولة العظمى أو اإلمبريالية.
ـ الفكر البيزنطي.
ترك البيزنطيون العديد lمن المؤلفات التي تحدث عن المؤسسlات العسllكرية،ونجllد فيهllا أدبllا إسllتراتيجيا مزدهllرا في الكثllير من األحllوال،رغم
تركيزهم الكبير على قيادة المعاركة أكllثر من أي شllيء آخر .ولكن الllتراث اإلسllتراتيجي البllيزنطي فقllد في معظمه .من األسllماء اإلسllتراتجية
المعروفة عن تلك الحقبة اسم Syrianosالقاضي والذي كان صلة وصل بين اليونllان القllدماء و بيزنطllة ،حllتى أن اإلمllبراطور Constantin
السابع طلب من ولده أن يحمل معه في حمالته العسكرية كتب كل من Polyenو .Syrianosيذكر هنا أن مجموعllة من الدراسllات المجهولllة
في اإلستراتيجية يرجعها المؤرخون في بعض أجزائها إلى .Syrianos
اليوم تهدف مجمل الدراسlات عن الفكlر اإلسllتراتيجي البllيزنطي إلى إعlادة تllرميم و التعllرف على النصlوص المفقlودة أو المجهولة.ومن هlذه
الدراسات "مجموعة اإلستراتيجيين" التي تهدف للتعرف على التراث اإلستراتيجي البيزنطي.
16
3ـ الفكر اإلستراتيجي العربي/اإلسالمي.
تأثر العرب و الفرس كثيرا بالكتاب البيزنطيين.lلكن العلوم الدينية lالتي لها طابع اإلجبار في القرآن أعlاقت ظهlور فكlر إسlتراتيجي حقيقي عنlد
العرب .في كل األحوال وبعد مراجعاتنا للعديد من الكتب الغربية حول هذا الموضوع (حيث لم يتوفر لدينا مراجllع عربية)،وجllدنا إجماعllا على
أن أهم المخطوطات أو التراث الفكري اإلستراتيجي العربي فقد في بغداد lبعد أن سllقطت بيllد المغllول .وفي القllرن الرابllع عشllر،كتب المllؤرخ
العربي الشهير ابن خلدون عن الحروب والطرق المستخدمة في المعارك من قبل مختلف الشعوب ،ويقول ابن خلدون في هذا الصllدد":ليس من
المؤكد وجود نصر في الحرب،حتى ولو وجد تفوق في التسليح والفعالية.النصر و التفllوق في الحllرب يعllودان للحllظ و الصllدفة" (.نص مقتبس
من كتاب ،Gérard Chaliandبعنوان "االنطولوجيا العالمية لإلستراتيجية"،الصفحة .)499
في مصر العهد المملوكي،القرن الثالث عشر و السادس عشر،وضlعت العديlد lمن المؤلفlات الllتي تقlترب من التكتيlك lواإلسllتراتيجية من بينهllا
كتاب "تعليمات رسمية للتعبئة lالعسكرية" لصاحبه "ابن منقولي"(لدينا شك في صحة االسم أو طريقة كتابته) .هذا الكتllاب يعllالج الحمالت البريllة
ويتحدث باختصlار عن المعlارك البحرية .في إمlارة غرناطlة وضlعت العديlد lمن اآلداب العسlكرية والllتي حlاولت فهم آليlات فن الحlرب عن
المسيحيين ،وفي القرن الثامن عشر تم الكشف عند العديد من المخطوطات كان أهمها مخطوطllة بعنllوان"الفن العسllكري" كتبهllا محمllد بن عبllد
هللا ،و "الفن العسكري والفروسية" كتبها علي بن عبد الشامان بن هزيل،أيضا "تحليل ومعالجة الصراع" مؤلفه مجهول حتى اليوم .أما ابن هديل
األندلسي فقد ألّف في القرن الرابع عشر مجموعة حول فن الحرب تضمنت مبادئ لقيادة المعارك و الحروب(.وردت هذه المعلومات في كتllاب
" االنطولوجيا العالمية لإلستراتيجية" ،مرجع سابق ،الصفحة 484ـ ،486و الصفحات 519ـ .)522
ثالثا ـ الفكر اإلستراتيجي األوربي الحديث.
يعتبر الفكر اإلستراتيجي في العصر الوسيط فقيرا جدا .ولم يتطور هذا الفكر بشكل حقيقي إال في النصف الثاني من القرن الخllامس عشر.الفكllر
اإلستراتيجي العسكري بllدأ اإلعالن عن نفسllه بشllكل واضllح في إسllبانيا،مllع كتllاب " ( "Libro de la Guerraكتllاب الحlرب) حlوالي عllام
،1420وقد كتبه المlاركيز ،Vellenaأيضlا كتlاب" ( "le Tratado de la PERFECCIÓN del triunfo militarتحليlل االنتصlار
العسكري) حوالي عام ،1459وكتبه .Alfonso Hernandez
في فرنسا،نجد العديد lمن الكتاب مثل Robert de Balsacوكتابllه " مبllادئ الصllراعات النبيلة" في عllام ،1502وفي إنكلllترا في نفس الفllترة
الزمنية نجد كتاب "تحليل لفن الحرب" وضعه ،Béraud Stuartوفي ألمانيا كتاب "( "Kriegsbuchكتlاب الحlرب) لمؤلفlه Philippe von
Seldeneckنحو نهاية القرن الخمس عشر .في إيطاليا بعد كتاب " "Semideus liber tertius de re militariعام 1438لمؤلفه Catone
،Seccoنجد كتاب " "De Re militariلمؤلفه ،Roberto Valturioوكان أول كتاب يتحدث عن التحليل العسكري ويتم طبعه.
ـ ميكيافلي :التكتيكي lو اإلستراتيجي.
المؤلف األكثر شهرة في القرن السادس عشر هو مؤلف ميكيافلي الذي يحمل عنوان " ( "L’arte della Guerraفن الحllرب)وفي الواقllع هllو
كتابه الوحيد الذي نشر أثناء حياته .كما في كتاب "األمير"،الكتابات العسكرية عند ميكيافلي "هي بشكل أساسي كتابات سلبية،أو نقllد للمؤسسllات
العسكرية التي كllانت سlائدة في عصllره" .إن تllأثير "فن الحlرب" سllيكون كبllيرا وسيسllتمر طlويال ":لقllد أصllبح من األركlان األساسllية لآلداب
العسكرية .وتمت إعادة طباعته سبع مرات في القرن السادس عشر،ثم ترجم إلى معظم اللغات األوربيllة،في فرنسllا عllام ،1546في إسllبانيا عllام
،1536في إنكلترا عام ،1560في ألمانيا عام ،1623في الالتينية lعام B B ."1610بعد ذلك سllيعاد طبعllه باللغllة الروسllية في عllام B B .1839في هllذا
الكتاب تحدث ميكيافلي عن العديد lمن المحاور الهامة ونوجزها بما يلي:الكتاب األول،في عدم أهمية ووهم حماية الممرات،الكتاب الثllاني:حllول
المصلحة من قيام حرب ما،الفصل العاشر من الكتاب الثاني :حول العالقة بين المال والحllرب ،الكتllاب الثllالث :حllول المعلومllات وأهميتهllا في
الحرب.أخيرا إذا وضعنا كتابي "األمير" و "فن الحرب" جنبا إلى جنب نستطيع القول أن ميكيافلي أعلن والدة و تسريع ظهور فكllر إسllتراتيجي
منظم ومؤسس.
ـ المفكرون اإلنكليز و الفرنسيون.
عرف الفكر اإلستراتيجي اإلنكليزي تأخر كبيرا بعد حرب"المائة عام" وحدوث القطيعة بعد نهاية هذه العرب مع القارة األوربية .بشllكل عllام لم
يستطيع هllذا الفكllر تحقيllق أي تطlور بllل تمسllك باإلنتllاج الفكllري القllديم أو الماضllي مثllل "النظريllة العسllكرية اإلنكليزيllة في القllرن السllادس
عشر"والتي ستصبح مسيطرة على التفكير العسكري الوطني .كما أن العديlد lمن الكتllاب سllيلجؤون على الماضllي وخاصllة على "االنتصllارات
17
الشهيرة للملوك التي حملت اسم إدوارد وهنري في التاريخ اإلنكليزي" .وكان الكاتب اإلنكليزي األكثر أهمية والمثال على هذه الحالة هو John
Smytheفي كتابllه "خطابllات عسllكرية" عllام ،1590أيضllا Roger Aschamو Matthew Sutcliffeفي كتllاب " The Practice,
"Proceedings and Laws of Armsعام .1593
ويمكننا أيضا أن نذكر بعض المفكرين و مؤلفاتهم بشكل متسلسل كالتالي:
Roger William (A Briefe Discourse of Warre, 1590).ـ
Humphrey Barwick (A Briefe Discours, concerning the force and Effect of all manual Weapons of Fire,ـ
1594).
Thomas Smith ( The Art of Gunnery, 1600).ـ
Robert Barret ( The Theorike and Practike of Moderne Warres, 1598).ـ
يشار هنا إلى أن الحرب األهلية أثرت بشكل كبير على إنتاج الفكر العسكري في إنكلترا ،خاصة أنها استمرت لوقت طويل جدا.
أما الفرنسيون فقد استفادوا كثيرا من الحروب اإليطالية مما فتح أمامهم مجاال واسعا للخبرة،وكانت البداية مع كتاب " أشجار ورد الحروب" في
عام ،1502وقد كتب بناءا على طلب الملك لويس الحادي عشllر من أجllل تربيllة وتعليم ولي عهllده،وقllد اسllتخدم ميكيllافلي عنوانllا مشllابها لهllذا
العنوان في عام 1510في كتابه "شجرة الصراعات" .بعد ذلك وضعت كتب كثllيرة في فرنسlا تتنllاول فن الحlرب وكlان أهمهllا " معلومllات أو
معرفة حول تأثير الحرب" لمؤلفه Rémy Rousseauنشر عام ،1548ثم ترجم إلى معظم اللغات األوربية.
ـ المفكرون األلمان.
أنتج األلمان العديد من المؤلفات اإلستراتيجية العسكرية،خاصة أنها عرفت حروبا بين مقاطعاتها أو مع اإلمبراطور نفسه .الكاتب "فيليب" وهllو
دوق ، Clèvesفي مقاطعlة Flammandوكlان تحت حكم ، Habsbourgأعطى مlا بين عlامي 1508و " 1516معرفlة حlول كlل أشlكال
الحرب البحرية والبرية" .جاء بعده Reinhardوهو كونت ،Solmوقllد ألllف مجموعllة من ثمانيllة كتب من غllير أن يعطي لهllا عنوانllا،مllابين
عامي 1544و 1549؛ ثم L. Fronsbergerوقد قدم خمسة كتب بعنوان " ( "Fünff Bücher von Kriegsregiment und Ordnung
خمسة كتب في الحرب و نظام األفواج أو الحشود) ،ما بين عامي 1554و 1556وقد كانت لهذه الكتب نجاح كبير وواسع.
أما الكاتب األكثر شهرة فكان ،Lazarus von Schwendiوكان قائدا لألركان أو للجيوش في عهllد الجيش اإلمllبراطوري،وقllد تllأثرا كثllيرا
بميكيافلي السيما عندما كتب ( Kriegsdiskursخطابات الحlرب) بين عlامي 1571و ،1577داعيlا إلى جيش دائم و منظم .بعlد ذلlك جlاءت
حرب السنوات الثالثين لتستخدم أدوات تكتيكية lجديدة وستستمر هذه األدوات طويال ولتؤثر على التكوين الفكllري اإلسllتراتيجي األلمllاني الllذي
استفاد منها كثيرا ،ويجب االعتراف هنا بأن السويسريين كانون من أهم أذا لم نقل أنهم مخترعو التكتيك الحديث.
18
يتميز القرن السابع عشر بإنتاجه الفكري حول التكتيك،والمشكلة األساسية التي كانت أمام اإلستراتيجية هي التخصص أو الحقل،فقد كllان هنllاك
حاجة آلليات جديدة ضرورية وتتوافق مع نظام جديllد للمعllارك .قllدم ،Maurice Nassauضllن هllذا المجllال،تجديllدا lو ودعمllا كبllيرا لإلنتllاج
النظري حول التكتيك .لكن هذا اإلنتاج وغيره تأثرا سلبا وبشكل كبير بظهور أفكار جديدة استطاعت تغييبه lوأهمها أفكار عصllر األنllوار .ومن
جهة أخرى كlان للصlراعات داخlل القlارة األوربيlة تlأثير من حيث ان الممارسlة سlبقت النظريlة،علمlا أن بعض المlؤرخين مثlل Antonio
Espino Lopezيعتبر أنه في القرن السادس عشر":تم إنتllاج أعمllال نبيلllة كllان لهllا أهميتهllا مقارنllة بالكالسllيكيات في نهايllة القllرن السllادس
عشر" .
ـ صعود أوربا الشمالية.
يعتllبر الكثllيرون أن "النمllوذج الهولنllدي" أحllدث توازنllا في اآلداب العسllكرية لصllالح أوربllا الشllمالية،بعllد lأن كllانت خاضllعة للمدرسllة
اإلسبانية/اإليطالية في القرن السابق .فالهولنllديون هم من أهم من أسllس مقاربllة أكllثر علميllة لفن الحllرب وللتنظيم العسllكريJohan Jakob .
von Wallhauseمدير أول أكاديمية عسكرية والتي أسسها ، Jean Nassauترك كتابا غنيا حول توظيllف مختلllف األسllلحة في عllام 1615
وقد ترجم إلى معظم اللغات األوربية ،وهو الكاتب األكثر قراءة في ذلك العصر،Hervé BEGARIE (.المرجع السابق).
في إنكلllترا،وقبllل الحllرب األهليllة،ظهllرت العديllد من الدراسllات العسllكرية الllتي مهllدت الطريllق أمllام "نمllوذج جديllد للجيش في عهllد
كرومويل"،مستفيدة من أعمال خارجية مثل " "The principales of the art Militarieالذي يتحدث عن الجيش الهولندي.
ـ انحطاط أوربا الجنوبية ؟
يرى مؤرخو اإلستراتيجية أن بلدان أوربا الجنوبية أصابها تراجع فيما يتعلق بالفكر اإلسllتراتيجي،وذلlك لصlالح تlوازن جديllد عlاد إلى البلllدان
األنكلو ـ سكسونية .ولكن رأيا آخرا يرى أنه رغم التراجع النسllبي لهllذا الحقllل الفكllري في أوربllا الجنوبيllة إال أن إنتاجlا غزيllرا وجllد في ذلllك
العصر لكنه بقي غير معروف .واألمثلة على ذلك كثيرة كما يllرى هlؤالء :منهlا الفهرسllة الlتي وضllعها ،Francisco Baradoو الفرضllيات
الجديدة لصاحبها Antonio Espino Lopezواليت تغطي جميع حقول فن الحرب.أمlا التكتيlك فتمت دراسlته من قبlل Fernando Alvia
Castroو Cristobal de Rojasثم .Luis méndez de Vasconcellos
ونجد أيضا بعض الكتاب الذي عllالجوا تنظيم الجيllوش والعديlد lمنهم وصllل إلى مرحلllة الحllديث عن اإلسllتراتيجية،كمllا كllان مllع Francisco
Meloفي عام 1638وكتابه " ( "Politica militar y avisos de generalesآراء عامة في السياسة العسكرية).
اإلنتاج اإليطالي كان أقل غزارة من القرن السابق،ويظهر أن هذا منطقيا ،حيث أن إيطاليا لم تعد مسرحا للحروب األوربية .أما الكllاتب االكllثر
أهمية في هذه المرحلة اإليطالية فقد كان Giorgio Bastaوهو من أصول ألبانية،وخاصة في كتابه " "Il maestro di campo general
الصادر في عام ،1606ثم كتاب " "Del governo dell’artiglieraو صادر عام .1610
ـ الفكر العسكري الفرنسي.
في فرنسا قام Louis de Montgomeryبتحليل إصالحات Maurice de Nassauوقدر ذكرناه في السابق ،أيضا Jérémie de Billon
تحدث عن األنظمة المختلفة للمعركة في كتابه "مبادئ فن الحرب" الصادر في أعllوام B B . 1612،1622،1636،1641أمllا دوق Rohanوهllو
من زعماء الحزب البروتستانتي فقد نشر كتابه "القائد الكامل" في عllام 1636وقllد كllان مثلllه األعلى في هllذا الكتllاب هllو "القيصر" .وفي عllام
1663صllدرت مخطوطة "كتllاب الحllرب" لمؤلفllه Aurignacويصllف فيllه ( المبllادئ الخمس للعمllل العسllكري والllتي هي :العسllكرة،
السير،القتال،الهجوم،الدفاع عن األماكن) .وأخيرا عمد الفرنسيون إلى ترجمة الكثير من الكتب الصادرة في الدول األوربية األخرى على لغتهم.
ـ Montecucculiاإلستراتيجي األول.
عرف النصف الثllاني من القllرن السllابع عشllر سllيطرة المفكllر اإليطllالي ، Montecucculiفقllد كتب عن قيllادة الجيllوش بشllكل وصlل إلى
الدراسات اإلستراتيجية،مع تصنيف للحروب(أهلية أو خارجية،دفاعية أو هجومية ،بحرية أو برية)،ثم قllارن بين الحllرب بلعبllة الشllطرنج .لكن
جميع كتاباته لن تنشر بشكل حقيقي وواسع إال بعد موته،وأهمها "الفن العسكري" الذي هر باللغة اإليطالية في عام ،1653واإلسبانية ،1693أمllا
الكتابات المتبقية لم تنشر حتى القرن الثامن عشر .كتب مذاكراتllه بالفرنسllية وطبعت تسllع مllرات بين عllامي 1712و B B .1760اعتllبر كتابllه "
"Della Guerra col Turco in Ungheriaهو األكثر شهرة وتأثيرا،حيث أنه طبع سبع مرات باإليطالية،سllت في الفرنسllية،اثنتllان في
الالتينية،اثنتان lفي اإلسبانية،اثنتان في األلمانية وواحدة في الروسية.
19
خامسا ـ اإلستراتيجية في القرن الثامن عشر.
ـ حوار التكتيك في فرنسا.
بدأ الفكر العسكري بالتفتح أكثر في القرن الثامن عشر .ويعود تطوره إلى التعقيدات المتنامية لفن الحرب،قوة الدولllة وإلى حالllة السllالم الطويلllة
في القارة األوربية .أيضا يعود هذا التطور إلى جانب فكري متطور من خالل تطllور عمليlات الطباعlة والنشlر،ازدهlار الكتابlات العسllكرية و
اهتمام العامة بالقضايا العسكرية .عرفت هذه الفترة الحديث عن التكتيك أكثر من االهتمام بالفكر االستراتيجي بشكل عام.
من أهم الدراسات التي ظهرت في هذه الفترة " اكتشافات جديدة حول فن الحرب" في عام ،1724ثم جاء بعده "تاريخ "Polybeونشر منه ستة
أجزاء بين عامي 1727و ،1730وأعيد طبعه في عامي 1753و ،1774أما مؤلف الدراسllتين فكllان " ."Folardفي منتصllف القllرن،ألّllف
المارشال Maurice Saxeدراسات ستنشر بعد موته في عام 1756والتي تركز على " روح قوانين التكتيك" .وقد افتتح دراسllاته أو مؤلفاتllه
بجملة شهيرة سنجدها في مقدمة الكثير من الكتب التي جاءت بعده ":الحرب هي علم مغطى بالظالم،في داخلها ال نخطي خطوة واحllدة مؤكllدة؛
تقييماتنا المسبقة هي األساس والقاعدة.كل العلوم لديها مبادئها،بينما الحرب فقط ال تملكها حتى اآلن".
في أعوام 1770ـ ،1780الحوار حول التكتيك lسيبقى مكثفا في فرنسا إن كان في مجllال العلllوم العسllكرية البحريllة أو العلllوم العسllكرية البرية.
واستمر هذا حتى بدايات تبلور األفكار اإلستراتيجية في فرنسا.
ـ ظهور البعد اإلستراتيجي في فرنسا.
هlذا الفكlر اإلسlتراتيجي،الllذي كlان مؤسسlات على الكثllير من التكتيllك،بllدأ lبالتllدريج االنتقlال إلى اإلسlتراتيجية .حيث أن النمllو في الفعاليlات
العسكرية وفعاليات الجيوش سمحت باتساع ميدان المعركة وبالتllالي الحاجllة إلى تخطيllط إسllتراتيجي شllامل .النصllف األول من القllرن الثllامن
عشر هيمنت عليه ثالثة أسماء هي Folard, Feuquière , Puységurولكنها كانت مختلفة في وجهات النظر .مع Feuquièreكان هناك
تطلع إلى اإلستراتيجية ،ومع Folardعلى التكتيك،أما مع Puységurفكان اللوجستيك .Logistiqueوكلمة اللوجستيك هنا تllأتي بمعllنى"علم
رئاسة أركان الجيوش".
في عام 1736نشرت وألول مرة مذكرات الجنرال Antoine de Pasثم أعيد طبعها بعد ذلك خمس مرات .يحاول فيها هذا الجنرال التنظير
لفن المناورة عبر التاريخ الذي سبقه أو في األنظمة القديمة.وفي عام 1748نشر كتاب المارشllال " Jacques-François de Chastentفن
الحرب من خالل المبادئ والقواعد .وصف كتابه بأنه عقالني يعتمد lتنظيم المعارك وخطواتها وكيفية تطبيقها.
الموجة الثانية من تطور الفكر اإلستراتيجي في فرنسا ضمت العديد من الكتاب ومن أهمهم Roy de Bosrogerوالذي وضع كتاب "مبllادئ
فن الحllرب" عllام ،1770وكتllاب "عناصllر الحllرب" عllام B B .1773ثم يllأتي كتllاب " دراسllة نظريllة حllول الصllراعات" وضllعه كllونت منطقllة
Grimoradفي عlllام ،1775ومن بعlllده Paul –Gédéonوالlllذي أدخlllل في المفlllردات العسlllكرية مفهlllوم اإلسlllتراتيجيةHervé( .
،BEGARIEالمرجع السابق ،الصفحة B B B.)195هذا األخير تقوم نظريته على " من غير نظرية مؤسسllة على قواعllد ثابتllة،لن نتقllدم نهائيllا في
علوم الجيش والتسلح" .وفي الجزء الثالث من كتابه يتحدث عن اإلستراتيجية أو جدل عمليات الحرب .إنه يبين lأن "علم الحوار أو الجدل يسllتند
دائما على حسابات الزمن والمسافة".
ـ الكتّاب األلمان.
في رأي الكثير من الكتاب األوربيين،يعتبر "فريدريك الثاني" أفضل محلل لنظامه .حيث وضع مؤلفا شهيرا بالفرنسية هو " الوصية العسllكرية"
في عام ،1768وكان من قبل قد كتب دراستين أيضا وهما" المبادئ العامllة للحllرب" في عllام ،1746و "تعليمllات من أجllل ضllباطي" في عllام
،1747أما في عام 1771فقد وضllع كتابllه "عناصllر التكتيك ."lالكllاتب األلمllاني األكllثر شllهرة في حقllل الفكllر اإلسllتراتيجي هllو Wilhelm
Schaumbourg-Lippeترك ألمانيا ووضع نفسه في خدمة ملك البرتغlال الlذي عينlه مارشlاال .كتب بالفرنسlية العديlد من المlذكرات .ومن
وجهة نظر إستراتيجية يمكن الحديث عن تنظيره لعمليات الدفاع ثم إعطاءه دورا كبيرا لعلم النفس في الحروب.
ـ اإلنتاج البريطاني.
ترك Henry Lloydكتابا غنيا وغزيlرا بالمعرفlة تحت عنlوان " A Political and Military Rhapsody on the Invasion and
"Defence of Great Britain and Irelandوذلك في عام ،1790وقد تمت طباعتllه سllبع مllرات بمختلllف اللغllات األوربية .ومن كتبllه
20
األخرى " "The History of the late War between the King og Prussia and the Empress of Germany and her Allies
صدر في عام .1763
ويمكن أن نذكر أيضا من بريطانيا Humphrey Bland ،في كتابه " "A Treatise of Military Disciplineوقد طبع تسع مرات ابتداء
من عام 1727وحتى عام .1762وقد تحدث العديد من الكتّاب البريطانيين عن "اإلستراتيجية الكllبرى" في مختلllف إنتllاجهم المعllرفي في هllذا
المجال.
الفرق بين هذه المؤلفات هو أن Jominiأدخل تعديالت lمبنية على مقارنات مع العمليات التي حضرها او شارك فيها .في السنوات التالية نشllر
العديد من المؤلفات التي تحلل الحروب النمساوية ثم حروب "ثورة اإلمبراطورية"،وفي النهاية وصل مؤلفه إلى ثمانيllة أجllزاء كllان آخرهllا في
عllام ،1816وقllد عllاد ليعيش في فرنسllا،ثم تllوفي في عllام 1869عن عمllر 90عاما ( .من كتllاب تllاريخ اإلسllتراتيجيةHervé Bégarie ،
الصفحة 200إلى .)210
في الشكل النهائي لمؤلفه يمكننا مالحظة جزأين رئيسيين " :تحليل العمليات العسكرية الكبرى" وقد كرّسه لحروب فريدريك الثاني؛ ثم " تllاريخ
النقllدي والعسllكري لحlروب الثllورة" ويتllألف من 15مجلllدا .ربمllا يكllون هllذا المؤلllف الكبllير منسllيا إال أنllه من أهم اآلبllاء المؤسسllين للفكlر
اإلستراتيجي المعاصر .لقllد كllان لllه تllأثير كبllير على جميllع منظllري الفكllر اإلسllتراتيجي من روسllيا إلى الواليllات المتحllدة ومllرورا بالقllارة
21
األوربية،وقلما تجد لغة لم يظهر فيها كتاب عنه أو ترجمة ألعماله .وبشكل خاص كان له تأثير واضح على الكتاب األوائل للفكllر اإلسllتراتيجي
األمريكي الممثل بكllل من William Duaneو ، John Armstrongثم Dennis Hart Mahanأسllتاذ التكتيlك lفي ، West Pointو
( Alfred Thayer Mahanابن ، )Dennisو المعروف بتحليله للقوة البحرية والذي ستتحول تعليماته و أفكاره إلى إستراتيجية بحرية .ولم
يعرف تاريخ الثقافة اإلستراتيجية األمريكية تأثرا بكاتب آخر كما عرف تأثره بالكاتب . Jomini
ثانيا ـ .Clausewitz
يعتبر اليوم األشllهر من بين جميllع المفكllرين العسllكريين .وضllع كتابllا شllهيرا تحت عنllوان Vom Kriegeوهlو يقابllل كتllاب "األمllير" عنllد
ميكيافلي،ولقد أصبح مرجعا لمعظم المفكرين اإلستراتيجيين،وقلما نجد كتابا إسlتراتيجيا لم يأخlذ منه .ولlد Clausewitzفي عlام B B.1780لديlه
خبرة عسكرية طويلة وتجارب من خالل مشاركته في الحروب .أول كتابة إستراتيجية له كllانت بعنllوان " نقllد عميllق لنظlام الحllرب عنllد von
.Bülowفي عام 1806بدا باإلعداد ألكبر مؤلف له ثم بدأ كتابته بعد عام ،1815عندما وصلت حياته العسكرية إلى طريق مسدود.
كتب العديد من المؤلفات التاريخيllة حllول الحمالت العسllكرية لكllل من Turenne, Frédéric IIو ثllورة اإلمبراطورية .ومن خالل القاعllدة
التاريخية التي يمتلكها استطاع وضع كتابه opus magnumويضم ثالثة كتب هي :تحليل للحllرب الكllبرى أو اإلسllتراتيجية ،تحليllل للحllرب
الصغرى ،وأخيرا تحليل للتكتيك .lبسبب موته المفاجئ ،لم يستطع Clausewitzإكمllال هllذا المشlروع الضlخم حlول الفكlر اإلسlتراتيجي.فمن
كتاب "تحليل التكتيك ،"lلم يبق إال بعض الصفحات التي لم تشد انتباه أحllدا .إمlا كتlاب "الحlرب الصllغرى" فlد فقllد بكاملllه ،ولم يبقى منllه سlوى
المحاضرات التي ألقيت عنه في Kriegsakademieفي عام .1810وأخيرا كتاب "تحليل الحرب الكبرى" فقد استطاع إكماله ،ولكنه يشير في
أعلى المخطوطة وبوضوح :إال أن الفصل األول من الكتاب هو وحده كامل أو منجز من الناحية الفكرية.
ووفق مالحظة تمت كتابتها في 10تموز عام Clausewitz l،1827حقllق مرحلllة جديllدة في تفكllيره االسllتراتيجي،حيث تركllز على الحllرب
كاستمرار للسياسة ولكن بوسlائل أخlرى وعلى قاعlدة التميlيز بين الشlكلين أو وجهي الحlرب .وأخlيرا نقlول بlان القlراءات الدوغمائيlة للفكlر
اإلستراتيجي عند Clausewitzأدت إلى تعليقات و تحليالت مختلفllة ومتغllايرة ومن ثم إلى نتllائج مختلفllة زادت من تعقيllد نظريته .و نضllيف
أخيرا أن كتابه السابع كان حول "الهجوم" ،وكتابه الثامن حول "مخطط الحرب" ،وهما غير مكتملين.l
ثالثا ـ .New- clausewitziens
إن Clausewitzلم ينشر شيئا من دراساته وهو على قيد الحياة ،ألنه كان يعتقlد بأنهlا لم تصlل بعlد lإلى مرحلllة اإلتمlام والكمllال .وبعlد وفاتlه
عمدت زوجته إلى نشر مخطوطاته في عشر أجزاء ما بين عامي 1832و B.1837ردة الفعل حول فكره اإلستراتيجي كانت متغايرة كما أشرنا
سابقا ،وهذا لم يساعد في نفاذ 1500نسخة من كتاباته كانت قد طبعت خالل 15عاما .في فرنسا مثال لم يكن معروفا بشكل جيد إال بين قلة من
األفراد .وفي عام 1880نشر بحث عنه في دورية فرنسية شهيرة le Spectateur militaireمن قبل ضابط من أصول بولونية وهو Louis
. de Bystrzonowski
وسننتظر حتى عام 1870حتى نرى انطالقة Clausewitzوانتشار سمعته كمفكر إستراتيجي،ويعllود هllذا ألسllباب قوميllة أكllثر منهllا أسllباب
فكرية .فاإلمبراطورية البروسية المنتصرة في Sadowaعام 1866وفي Sedanعام ،1870كانت تبحث عن شرعية نظرية لتفوقها الميداني
ودراسllات Jominiالllتي تحllدثنا عنهllا سllابقا لم تكllف هllذه اإلمبراطوريllة أو ترضllيها ،خاصllة ألنllه سويسlري وكllان في نفس القllوت منظllرا
لالستخبارات و المعلومات عند نابليون ،ونضيف أنه كان ينتقد فريlدريك الثlاني من وقت آلخر Clausewitz .كlان بروسlيا حقيقيlا ورأى فيlه
فريدريك الثاني نموذجا له ،كما كان مرضيا للقراء األلمان.
إذا بعد االنتصارات األلمانية ،حlاولت الكثllير من البلllدان تقليllد النمllوذج األلمllاني والمعلم الجديllد للنظريllة اإلسllتراتيجية .من هنllا تمت ترجمllة
Clausewitzللكثير من اللغات .وفي ألمانيا نفسها أصبح Clausewitzمرجعا قانونيا لهذا الفكllر ،أمllا كتابllه Vom Kriegeفقllد قllام أكllبر
القادة آنذاك Schlieffenبكتابة مقدمة له،وذلك في عام .1905ولكن ال بد من اإلشارة إلى أن تركيز Clausewitzعلى السياسة كحل ومن ثم
ثانيا على الllدفاع تم رفضllه من قبllل الكثllيرين أو تم تجاهله .فllالمعجبين بكتاباتllه بحثllوا فيهllا عن الحجج الllتي تllدعم أفكllارهم في الهجllوم أثنllاء
المعارك الفاصلة.
22
في فرنسا التي كانت ضحية أللمانيا وخصما مصنفا في أي حرب جديدة ،أظهرت الكثllير من المصllلحة في قllراءة Clausewitzوخاصllة بعllد
هزيمة عامي B.1870/1871ومنذ عام 1880إلى ،1905ستظهر فيها موجة عارمة من أنصار مدرسة .Clausewitzوكانت البداية مع قائد
الجيوش Cardotفي"المدرسة الحربية العليا" حيث حاضر عن Clausewitzمنذ عام ،1884وبعد ذلllك من خالل دراسllة للكllابتن Georges
Gilbertفي عام B B B.1887وقامت المدرسة الحربية فيما بعد بترجمة معظم الحمالت العسكرية التي كتبهllا .Clausewitzأمllا الكتllاب األلمllان
والفرنسيون فقد اختلفوا حول شرح حروب نابليون من قبل ،Clausewitzفالفرنسيون يقولون أن اإلستراتيجي األلماني لم يحلل نابليون بشllكل
كاف أو صحيح،واأللمان يباركون هذا الشرح والتحليل.
بالنسبة للعالم األنكلو ـ سكسوني فقد بدا أنه أكثر تحفظا وتكتما تجاه كتابات .Clausewitzففي عام 1834ترجمت وفي مرجع إنكلllيزي وآخllر
أمريكي بعض الصفحات الllتي لم تتجllاوز العشllرين والllتي أخllذت من كتllاب .Vom Kriegeأمllا األعمllال الكاملllة فلن تllترجم إال مllع العقيllد
Grahamفي عام 1873وسوف يتخلل الترجمة الكثير من األخطاء والتي ستصحح على يد F.N Maudeفي عام B.1908لكن هذه األعمال
أصابها فشكل كبير في العالم األنكلو ـ سكسوني ،حيث لم يطبع منها سوى 69نسخة خالل 12عاما
فالشكل الفلسlفي ألعمlال Clausewitzاصlطدم بالبراغماتيlة البريطانية .فبالنسlبة لإلسlتراتيجي Corbettالlذي أيlد المقاربlة الlتي وضlعها
Clausewitzحول اإلستراتيجية البحرية،فقد بقي حالة استثنائية .أما Fullerو ،Liddell Hartوبعد قراءة Clausewitzلم يجllدا العناصllر
التي تتوافق مع نظريتهما .في الواليات المتحدة كان هناك ازدراء عllام لكتابllات اإلسllتراتيجي Jominiوبقي هllذا الوضllع قائمllا حllتى النصllف
الثاني من القرن العشرين .وقllد كتب "ريمllون آرون" في عllام 1976عن هllذه الوضllع قllائال ":من بين األسllماء الكبllيرة الllتي تعمllل في الحقllل
اإلستراتيجي في الواليات المتحدة ،فقط Bernard Brodieهو الذي قرأ Clausewitzبشكل عميق".
في إيطاليا ،لم يقرأ Clausewitzإال بشكل قليل في القرن التاسllع عشر .واكتشllافه بشllكل حقيllق كllان على يllد الكllاتب اإلسllتراتيجي Emilio
،Canevariعندما كتب عنه مؤلفه " Clausewitz( "Clausewitz e la guerra odiernaو الحlرب اليlوم) .وفي إسlبانيا ،كlان العقيlد
Banus Comasفي كتابه " "Estrategiaالصادر في عام 1887واحدا من النادرين الذين قرؤوا .Clausewitzوسlوف ننتظlر حlتى عlام
1908لllنرى ظهllور أول ترجمllة ألعمالllه في اإلسllبانية.أمllا الترجمllة الكاملllة فلم تظهllر أال بعllد نهايllة الحllرب العالميllة الثانية .ولم يصllبح
Clausewitzمعروفllا في هllذا البلllد بشllكل جيllد حllتى عllام B B B.1970وبعllد هllذا العllام انتشllرت ترجمتllه إلى معظم اللغllات األوربيllة،وحllتى
الصينية،العبرية،االندونيسية،والعربية lبشكل بسيط أو جزئي .أما الروس فقد أولllوا اهتمامllا خاصllا لكتاباتllه وكllان لllه تllأثير كبllير على المكتبllة
اإلستراتيجية الروسية .
23
ثالثا ـ المدرسة الروسية.
تابعت المدرسة الروسية تقلباتها بين طريق وطني حصرا ،وطريق فيه بصمات أجنبية .الجنرال Nicolas Medemفي كتابه " Obozrenie
( "isvestnjchich pravil i sistem strategiiدراسة حول القواعد واألنظمة المعروفة لإلستراتيجية) صادر في عام ،1836يحلل كتابات كل
من Lloyd, Bülow, Jomini, Clausewitz؛ ثم في كتابllه Taktikaفي عllام ،1837يعلن العllودة إلى Souvorovالllذي سينتشllر في
السنوات األخيرة من القlرن التاسlع عشر .أمlا العقيlد M .I Bogdanovichفقlد كlرّس كتابlه ( Zapiski strategiiدراسlة اإلسlتراتيجية)
،1847من أجل دراسة نابليون.
ثم يأتي الجنرال Astafevليحلل "فن الحرب الحديثة"،في كتاب تم وصفه بأنه من التيار اإلصالحي الذي ظهر بعد الهزيمة،وقllد صllدر الكتllاب
تحت إشراف ، Dimitri Milioutineوهو مؤرخ عسكري معروف في روسيا ووزيرا للحرب في عام 1861وحتى B.1881وأيضا سنقرأ
مع الجنرال Okounieffكتابه "مذكرات حول مبادئ اإلستراتيجية" ،1831وتعليقاته اإلستراتيجية حول حملة عام ،1812هllذه التعليقlات الlتي
ترجمت إلى الفرنسية في عام ،1841وإلى األلمانية في عام .1876
رابعا ـ المدرسة الفرنسية.
يالحظ أن اإلنتاج االستراتيجي الفرنسي كان تحت هيمنة كتاب ألفه المارشال Marmontتحت عنوان "روح المؤسسات العسكرية" وظهllر في
عام 1845ثم أعيد نشره في عام B B B.1865ذهب اليوم ضحية للنسيان،ولكن عمله يتركز في الواقع حllول النظريllة العامllة للفن العسllكري،تنظيم
الجيوش،العمليات المختلفة للحرب،وأخيرا فلسفة الحرب .عمليا ،السنوات الممتدة من 1815على ،1870عرفت اسllتقرارا سياسllيا في فرنسا.
فالنقاش حول الجيش لم يكن على مستوى عميق أو واسع.مع بدايات القرن العشlرين سllتعرف فرنسllا إنتاجllا آخllرا للعلllوم اإلسllتراتيجية،سllوف
نتطرق إليه في الفقرات القادمة.
ثامنا ـ القرن التاسع عشر و مأسسة العلم العسكري.
بدأت التغيرات تظهر على التفكير اإلستراتيجي وفي كل أبعاده بعllد عllام B B .1870فبعllد أن كllان هllذا التفكllير مقتصllرا على أقليllة من الضllباط
والجنراالت "باستثناء ألمانيا"،أصبح عنصرا أسياسيا من عناصر تكوين الضباط الكبار في الجيش .لهذا السبب انتشرت المدارس العسllكرية في
معظم الدول والتي شجعت على ما يسمى التفكير االستراتيجي .أيضا بعد عlام 1870ازداد عlدد المطبوعlات و الكتب اإلسllتراتيجية في معظم
أنحllاء أوربllا باإلضllافة للمخطوطllات و المراجllع الكبllيرة .ولكن علينllا القllول هنllا،أن معظم المطبوعllات أعطت مسllاحات كبllير للحllديث عن
الجغرافية العسكرية والتكتيك،لكن التقدم نحو العلوم اإلستراتيجية كان بطيئا.
ـ إعادة اكتشاف اإلستراتيجية.
بعد تراكم الدراسات حول التكتيك ،بدأت وفي عام 1880تظهر دراسات أخرى تعطي الفكر اإلسllتراتيجي أبعllادا أخllرى أعمllق و اشllمل .ففي
ألمانيا أخذ الفكر اإلستراتيجي هذه األبعاد الجديدة مع المارشال Colmar von der Goltzوهو من أشهر الكتاب في تلك المرحلة السيما في
كتابه " ( "Das Volk in Waffenالشعب في الجيش) والذي صدر عام ،1883ثم ترجم إلى الفرنسية ام ،1884اإلنكليزية ،1887اإلسبانية
،التركيllة،السllويدية B B B B.1887أيضllا كتllاب العقيllد ،Wilhelm von Blume " Die Strategie" 1882وتllرجم إلى الفرنسllية في عllام
،1884السويدية عام ،1887الروسية عام .1899
لكن الحوار حول اإلستراتيجية بعد ذلك أخذ طابع الجدل وأحيانا الصراع الفكري مllع كتllاب " تصllارع اإلسllتراتيجيات" الllذي وضllعه المllؤرخ
Hans Delbrückوالذي يفسر فيه الحروب التي قام بها فريدريك الثاني .ومع بداية عام 1910سنعود بسرعة مع الجنرال Friedrich von
Bernhardiإلى التأليف حول األفكار اإلسllتراتيجية في كتابllه " ( "Vom heutigen Kriegeالحllروب الحالية) والصllادر في عllام ،1912
ترجم إلى الروسية عام ،1912اإلنكليزية عام ،1912الفرنسية عام ،1913اليابانية .1914عمليا،الكتابات اإلستراتيجية سوف تنتشllر في معظم
القارة األوربية و الواليات المتحدة :في بريطانيا مع W.H. jamesوكتابه " "Modern Strategyصادر عام 1904؛ H. Tovey lوكتابه
" "Elements of Strategy؛ ثم F.N Maudeوكتابه " "The Evolution of Moderne Strategy from the XVIII Century
صllادر في عllام B B B.1905وفي الواليllات المتحllدة مllع John Bigelowفي كتابه" "Principles of Strategyالصllادر في عllام 1891؛ ثم
Arthur Wagnerفي كتابه " "Strategyالصدر عام .1903
تاسعا ـ اإلستراتيجية في القرن العشرين.
24
بدأ في عام 1914نقاش حاد حول التغيرات الجذرية للفن العسكري،مع هيمنة مسبقة للجانب العملي على النظري .والعديد lمن الملفات عن هذه
الفترة تشهد باألفكار التي فرضتها األحllداث ،خاصllة أن معظم العسllكريين لم يكن لllديهم الllوقت للكتابllة،فإمllا كllانوا على الجبهllات أو في قيllادة
األركان الخاصة بالعمليات العسكرية .وهذا عمليا ما يفسر الغيlاب شlبه الكلي للمنشlورات و المطبوعlات العسlكرية في تلlك الفlترة .ومlع بlدء
الحرب العالمية األولى كانت العلوم اإلستراتيجية قد أصبحت ط ّي النسيان،ولكن هل يعني أنها اختفت تماما ؟
في الواقع ،الكثير من المفكرين والكتاب تحllدثوا عن العلllوم اإلسllتراتيجية ولكن ليس في كتب أو مراجllع،بllل في مقllاالت صllحفية ظهllرت هنllا
وهناك،وفي بعض الكتب غير العسكرية أو غير المتخصصة .من بين هؤالء كان البريطاني Charlesالذي كتب في صحيفة Timesوقllد قllدم
فكرا إستراتيجيا حقيقيا في بريطانيا والواليات المتحدة .أيضا Spenser Wilkinsonالذي ترك العمل الصحفي في عام 1909ليصبح أسllتاذ
"التاريخ العسكري" في جامعة أكسفورد،وقد كتب أثناء الحرب " ،"First lessons in War 1914ثم " Gouvernment and the War
."1918
في ألمانيا ،قام Lucia Frostبإدخال بعض التعليقات حول أعمال Clausewitzفي مرجع يهتم باألدب بشكل عام .وفي فرنسا ،يمكننا متابعllة
دراسات عسكرية منتظمة في المرجع " . …La Revue des deux-mondes، La Revue de Paris ، La Revue universelleفي
سويسرا ،كتب العقيد Ferdinand Feylerمجموعة من التعليقات حول الحرب العالمية األولى منها ( مدخل إستراتيجي عام 1915؛ و مشاكل
إستراتيجية مستفادة من الحرب األوربية عام B B B.)1918وال بد من اإلشارة هنا إلى "المرجع العسكري السويسري" الذي بقي لllه تllأثير مهم ،كمllا
هي مجموعة "المراجع العسكرية األمريكية".
مع انتهاء عام ،1918كانت المفاهيم اإلستراتيجية النظرية قد أعيد بناؤها .فكل القناعات و التأكيدات السابقة تعرضت لالنهيار مع نهاية الحرب
األولى .أما سيتركز من هذا التاريخ بين الذين يأخذون بالمذهب العسكري الجديد حllول الجبهllة المسllتمرة وتفllوق العمllل الllدفاعي ،و المجllددينl
الذي يريدون استثمار اإلمكانيات الجديدة المفتوحة بواسطة األسلحة الجديدة التي استخدمت أثناء الحرب،وأهمها الدبابة والطائرة.
ـ الفكر اإلستراتيجي في الثالثينات :بين التجديد و الجمود.
في الثالثينات من القرن الماضي بدا وكأنه هناك نزعة للتشدد فيما يتعلllق بهllذا الفكر.ففي إيطاليllا كتب الجllنرال Visconti-Prascaكتابllا أخllذ
شهرة كبيرة تحت عنوان " ( "La Guerra decisivaالحرب الحاسمة) في عام ،1934ترجم لأللمانية والفرنسية في عام B.1935يدعو الجنرال
في هذا الكتاب إلى العودة لعقيدة الهجوم .وفي فرنسا أيضا لم يتوقف التيار المتشدد في الفكر اإلستراتيجي عن الظهور كما يتبين ذلك مع كتllاب
الجنرال Chauvineauبعنوان "هل االقتحام مازال ممكنا؟" وقد صدر في عام ،1939وهو مثllال جيllد على عllودة المحllافظين إلى داخllل هllذا
الفكر.
أيضا في ألمانيا ،فقد أخذ هذا االتجاه توسعا كبيرا مع العديد lمن منظريه وأهمهمWilhelm Reinhardt, Alfred Krauss, Waldemar :
.von Erfurth, Herman Foertschوفيما يتعلق بعقيدة الهجوم،فقد أحدث األلمان تطورا كبيرا بعد تصنيعهم وامتالكهم بشكل كبير لكل من
الطائرة و الدبابة .ونذكر هنا أن اإلستراتيجيين األلمان تأثروا كثيرا بالمنظرين اإلستراتيجيين البريطانيين مثل . Azar Gatأما في روسيا فقد
حاول السوفييت تطوير نظرية أصيلة وخاصة بهم .والكاتب األكlثر شlهرة في هlذا المجlال كlان الجlنرال Alexandre Svechinفي كتابlه "
"Strategijaالصادر عام B B.1926ويصنف اليوم كمؤلَّف كالسيكي .ساهم كتابllه بتأسllيس مlا يسllمى بالمllذهب"الllواقعي" ،وقllد دعم الماركسlي
الشهير "تروتسكي" هذا المذهب قائال ":ال يمكننا بناء قاعدة للحرب مع الماركسية".
عمليا اصطدم هذا المllذهب ومعlه تروتسlكي بكتابlات Mihail Frounzeالمllدعوم من قبlل المارشlال Toukhatchevskiالllذي يllدعو إلى
"مlllذهب عسlllكري واحlllد ال يتغlllير" ،والlllذي يجب أن يكlllون " التعبlllير عن اإلرادة الواحlllدة للطبقlllة االجتماعيlllة في السlllلطة" .هlllاجم
Toukhatchevskiخصومه من الجllانب اإليllديولوجي ممllا أدى فيمllا بعllد لتصllفيته ومعllه أيضllا .Svechinفي عllام ،1939وصllل الفكllر
اإلستراتيجي إلى حالة مختلفة تماما عما كان عليه في عام ،1914حيث لم يعد هناك إجماع عقيدي،بل على العكس أصيب بفجllوة كبllيرة وقعت
بين المحافظين و المحدثين.
ـ الفكر اإلستراتيجي خالل الحرب العالمية الثانية.
الحرب التي اندلعت في سبتمبر 1939أحدثت انقالبات جذرية في المذاهب اإلستراتيجية التي كانت سائدة بين الحربين .فالخطط اإلسllتراتيجية
لم تعد على مستوى حرب صغيرة أو كبيرة بل أصبحت على مستوى العالم ككlل،ومن أهم أسlباب هlذا التغlير هlو التطlور الحاصlل في جميlع
25
صنوف األسلحة المستخدمة .إذا أصبحت األسلحة تفرض قوانينها ،أما اإلستراتيجيات فتجرب جميعها في ميادين المعارك .مllع ذلllك،التفكllير و
التنظير اإلستراتيجي لم يختllف من البلllدان األوربيllة،حيث اسllتمرت العديlد lمن المراجllع والمطبوعllات اإلسllتراتيجية النظريllة بllالظهور خالل
الحرب.
إن الحدث األهم الذي عرفته الحرب الثانية هو الصعود القوي للواليات المتحدة األمريكية.وهذا ما ترافق أيضا في ميlدان التفكlير اإلسlتراتيجي
النظري .ومن المعروف أن هذا البلد لم يكن بعlد lقllد أنتج تلllك المراجllع الكllبرى في العلllوم اإلسllتراتيجية،طبعllا إذا اسllتثنينا .Mahanخlروج
الواليات المتحدة منتصرة في الحرب الثانية جعلها تهتم كثllيرا بالميllدان النظllري للعلllوم اإلسllتراتيجية والقى هllذه االهتمllام اتسllاعا كبllيرا على
المستوى العالمي .فقد بدأت الجامعات األمريكية بوضع البرامج البحثية التي تقرأ وتحلل الفكllر اإلسllتراتيجي األوربي :مثال Edward Mead
Earleأطلق دراساته حول كبار اإلستراتيجيين األوربيين في كتاب له تحت عنوان " "Makers of Strategyصدر في عllام ،1943وتllرجم
للفرنسية في عام ،1982وقد استمر هذا المرجع نصف قرن من الزمان كأحد أهم المراجع في هذا المضمار.
أيضا Stephen Possonyأدار برنامجا ضخما للترجمة لجميع اإلستراتيجيات الكالسيكية .والعددي من المحللين درسllوا تحllوالت وتغllيرات
الحروب البريlة و البحرية .ومن هنــا بــدأت تظهــر مالمح تيــار جديــد في العلــوم اإلســتراتيجية،هــذا التيــار سيؤســس لمــا سنســميه فيمــا بعــد
بالجيوإستراتيجية .ويمكن القول هنا،إن القوة العالمية للواليات المتحدة ليست فقط وليدة ظروف معينة،بل هي أيضlا ناتجlة عن برنlامج ناضlج
من التفكير والبحث قبل أن يوضع في التنفيذ .حيث بالنسبة لهم النظرية توجه وتغني التطبيق العملي.
26
اليوم مع تعيق األبحاث والدراسات يمكننا فهم السياق األيديولوجي التي ظهرت فيه النظريات اإلستراتيجية ،ثم تطورت وتراجعت .اليوم أيضllا
نحllدد االختالف بين المعllنى الllذي يكllون إسllتراتيجيا خالصllا للمllذاهب الllتي ظهllرت في نهايllة القllرن التاسllع عشllر والllتي تركllزت على
الهجوم،واإليديولوجية الهجومية التي استولت على العقول والنفوس .إذا اإلستراتيجية توقlف علن أن تكlون معرفlة "روحية" لهlا سlمو وتفlوق،
لتدخل ضمن البيئة التي تعيش فيها وتصبح جزءا منها .ربما يكون من الضروري معرفة التأثيرات التي مورست على هذا الكاتب أو ذاك،ولكن
هذه المعرفة ال تكفي للقول أن كاتب إستراتيجي معين استطاع بناء نظرية أو مذهب إستراتيجي فقط ألنه قرأ فيلسوفا أو مجموعlة من المؤلفlات
الفلسفية ،ألن التأثيرات اإليديولوجية والفلسفية،لوحدها ،ال يمكنها أن تبني نظاما أو نسقا فكريا.
باإلضافة لذلك ،حتى ولو اعترفنا بتعدد وكثرة التأثيرات الخارجية،أيضا ال يمكننllا القllول أنهllا بllديل ع تفكllير وتجربllة اإلسllتراتيجي أو الكllاتب
اإلستراتيجي،كما أن النظريات اإلستراتيجية أو المذاهب اإلستراتيجية ليست انعكاسا بسيطا إليديولوجية عامة سائدة.
3ـ المدارس اإلستراتيجية.
باإلضافة للتعدد الذي ال يمكن تجنبه في تيارات الفكر اإلستراتيجي ،يمكننا أيضا تمييز ثالثة مدارس كبيرة ظهرت بشكل متعاقب وهي ما تزال
موجودة:
1ـ المدرسة الكالسيكية ،وتتركز حول قيادة الحرب،وتجمع كل المنتمين إلى المفهوم التقليدي للحرب حول نموذج واحد :هو النصر .ترى هذه
المدرسة أن اإلستراتيجية هي فن الجنرال وهي معرفته الlتي يتمتllع بهllا كقائlد أو كعبقlري،معرفlة تسlمح لlه وتحlدد مllدى اسlتعداده للنصlر أو
الهزيمة.
2ـ المدرسة الكالسيكية الجديدة ،وظهرت في نهاية القرن التاسع عشر،وقد ساهم في ظهورها تقدم العلوم االجتماعية و الدراسllات العلمية.هllذه
العلوم أعطت بعدا جديدا ووعيlا للظllروف والبيئlة الlتي يمكن أن تحيlط باإلسllتراتيجية .بقي نموذجهlا يسllتند على مفهllوم تحقيlق النصlر،ولكن
الحرب هي من اآلن فصاعدا تدخل في أفق صراعي أكسر ضخامة واتساعا،كأن يكون لlدينا إسllتراتيجيات للسlالم ليس فيهlا بعllد عسlكري.من
أهم أعالمها األميرال Castexفي مرحلة ما بين الحربين العالميتين l،و Bernard Brodieفي الواليات المتحدة األمريكية،وأخيرا Beaufre
في فرنسا.
3ـ ـ المدرســة الحديثة،لم تتطllور هllذه المدرسllة بشllكل حقيقي إال بعllد عllام .1945تllرك هllذه المدرسllة نمllوذج النصllر الllذي تسllعى الحllرب
لتحقيقه،وبدأت تقرأ اإلستراتيجية كعلم اجتماعي ال يمكن وضع حدود له فقllط داخllل حقllل الصllراع و المعllارك.هllذه المدرسllة أو اإلسllتراتيجية
الحديثة كانت عمال أو نتيجة لباحثين مدنيين،أيضا شارك فيها العديد من العسكريين .إشكالية هllذه المدرسllة كllانت في التميllيز بين هllؤالء الllذين
بالفعل جددوا نظرية اإلستراتيجية كما هو الحال مع Thomas Schellingفي الواليات المتحllدة أو الجllنرال Lucien Poirierفي فرنسllا ؛
وأولئك الذين يكتفون بخطاب يستند على أفكار قديمة.
إن االختالف و االنقسام حول مفهوم اإلستراتيجية في عالمنllا المعاصllر ليس إال انعكاسllا لالنقسllام واالختالف حllول النظlام االجتمllاعي بأكملllه
وخاصة في قرن عرف تغيرات جذرية وكبيرة على مستوى البشرية جمعاء.
27
عرف أحد علماء السياسة المعاصllرين النظريllة بأنهllا ":على األقllل مخطllط،برنllامج لتسllجيل،تصllنيف وتllرتيب المعطيllات و المعllارف.أيضllا
النظرية،على األقل،تستطيع الحصول على قوة تنظيمية وقيمة نقدية" .باإلضافة لllذلك،يمكننllا تنظيم وظllائف النظريllة حllول ثالثllة محllاور وفllق
وظائف اللغة :
أوال،وظيفة التعبير .فالوصول إلى الكتابة ليس تغيير بسيط،بل يجبر الكاتب ببذل جهد كبير وصارم.وهنا ال بllد من اإلشllارة إلى أن العسllكريين
يكتبون بشكل أكثر بساطة وعدم تعقيد،من lرجال الدولة أو الدبلوماسيين ،وهذا يعني أنهم بحاجة وبشكل قllوي إلى نظرية .فوظيفllة التعبllير،إنهllا
النظرية اإلستراتيجية في ذاتها أو هي نفسها،وهذا يعود للشخص الذي يكتبها أو يبنيها.
ثانيــا،وظيفــة االتصــال .ومن خالل هlذه الوظيفlة "المعلم"ينقlل معرفتlه إمlا إلى تالميlذ مختlارين،كمlا كlان في الlزمن القlديم،أو على قlراء ال
يعرفهم،كما حصل مع بداية العصور الحديثة .وتحول هذه الوظيفة من الحالة الشفهية على الكتابيllة حllتى يتم ضllمان وصllول الرسllالة ومعرفllة
أصحابها أو منظريها بشكل أفضل\.
ثالثا،وظيفة التمثيل .هذه الوظيفة تتخيل رموزا أو صورا إستراتيجية لم يتم وجدودها بعد .هذا البعد مرتبط بتحlوالت اجتماعية/سياسlية تتعلlق
بتغيرات فن الحرب .وظيفة التمثيل أخذت أهمية كبيرة بعد النمو السريع في التقنيlة،ففي العlالم األكlثر تعقيlدا،اإلسlتراتيجية تحتlاج أكlثر من أي
وقت على مساندة نظرية تمثلها أو تقدمها.
إن هذه الرؤية للنظرية وأهميتها تجعلنا نطرح السؤال التالي:
ما هي غاية النظرية؟ وهل هناك مقاربات مختلفة لهذه الغاية؟
المقاربllة " الواقعية" تقودنllا للحllديث عن االختالف و التنllوع في البشllر،ومllدى قllدرة النظريllة على أن تُ َع َّمم حيث تجردهllا سيصllبح أكllثر
ضعفا،وربما تتحول إلى تاريخ .أما المقاربة"المثالية" هي أكثر طموحا،ولكنها أكثر صعوبة أيضا.فهي تتطلب دقlة كبlيرة في توظيlف المفlاهيم،
هذه المفاهيم التي سيتم إدراكها كأفكار عامة ولكن ليست مطلقة.هllذه المقاربllة أيضllا،ستضllع تحت الضllوء،وباإلضllافة للتنllوع واالنقسllام الllذي
نعرفه بعد التجربة التاريخية،جوهرا معينا سيخدم كنقاط عالم من أجل بناء النظرية.اإلستراتيجي الشهير Clausewitzاعترف بوجllود شllكلين
للحرب،ألن المجابهة الواضحة للنظرية مع الخبرة الشخصية قادته للوصل إلى أن مفهllوم الحllرب المطلقllة ال يأخllذ بالحسllبان شllمولية الحllرب
الحقيقية ويضيف ":النظرية عليها أن تقبل كل هذا،ولكن واجبها هو بإعطاء المكان األول للشكل المطلق للحرب،كنقطllة مرجعيllة،ألن lمن يريllد
أن يتعلم األشياء النظرية فإنه سيتعلم على أال يفقد نهائيا الرؤية".
أما تلميذه Rosinskiفقد نقل تعليماته إلى اإلستراتيجية البحرية ":نظرية مثالية ستشlير بشlكل قlوي إلى أن السlيطرة على البحlر هي المفهlوم
الوحيد الذي من خالله نظرية مطلقة ،كاملة و مرضية للحرب البحرية يمكن أن تتطllور،حllتى ولllو أن هllذا الهllدف ال يصllل لحllد التطllبيق" .إذا
المشكلة الحاسمة هي في المصالحة بين المتطلب النظري مع براغماتية اإلستراتيجية،أو في بناء نظرية ال تكون منقطعllة عن الحقيقllة الllتي لهllا
قيمة عملية كبيرة .فالنظرية اإلستراتيجية يجب أن تترافق بجرعة تجريبية .أو أخيرا،كما يقول "ريمونlد آرون" ":التفكlير بكlل وضlوح،مفهlوم
الحرب و حقائق الحرب".
إذا كان على النظرية أن ترتبط بالواقع والتجربة ،فما هي المستويات المتعددة لهذه النظرية؟
إن النظرية تفترض جهدا من التفكير حول المفاهيم وحول المناهج أو الطرائق والتي يصعب تحقيقها في الكثير من األحيان .إذا من الضllروري
وداخل التمييز الجوهري بين المذهب والنظرية أن نجري عملية من التصنيف أكثر دقة .بمعنى أننا نمllيز بين النظريllة اإلسllتراتيجية و التحليllل
اإلستراتيجي،وذلك وفق درجة الدقة والصفاء الفكري.فالمنظر اإلستراتيجي يسعى لتقديم عمlل إبlداعي وفlق تفكlير منهجي منظم،بينمlا المعلlق
اإلستراتيجي له حدود تقف عند دراسة حالة معينة،معتمدا على نظريات أو منظرين إستراتيجيين.
كذلك،وضمن هذا التحليل يمكن أن نقول بأن Jomini, Clausewitz, Mahan, Corbett, Castex, Fuller, Liddell Hart, Douhet,
...Beaufre, Poirier, Schellingهم منظرون إستراتيجيون ،بينما ,Caemmerer, Mordacqاللذان يعلقان على كتابات إستراتيجية في
القرن التاسع عشر ،و Puleston , Lepotierاللذان هما امتداد لإلستراتيجي Mahanوآخرون كثيرون هم محللون إستراتيجيون.
في الواقع،ال يمكن الفصل النهائي بين النظرية والتحليل .كما هو الحال في علم الالهوت والفلسفة،حيث تعليقات وتحليالت المؤسسين تllرقى إلى
تجديد كبير قد يصل إلى ثورة داخل هذه العلوم .أما المعيار األساسي هنlا كمllا في أمlاكن أخllرى،هllو الموهبllة الlتي توضllع في خدمllة مشlروع
ما .أيضا يمكننا أنى منظرين إستراتيجيين ال يصلون على حد بناء نظرية متكاملة وفlق مlا يطمحlون إليlه،ونlرى منظlرين يقlدمون قيمlا فكريlة
عظيمة لكنها تنهار مع أول تجربة عملية لها.
28
2ـ المذهب . Doctrine
يقول ": Lucien Poirierالمذهب يسبق اختيارا محسوبا داخل مجموع النظريات الموجودة .يَستخرج منها مفاهيم يفضلها في عملية التطبيق
أو الفعل"( .من كتابه " الورشة اإلستراتيجية الصفحة .)129إن المذهب له طابع محلي وليس شمولي،ويتم تبنيه ضمن إطار وطllني،كمllا أن لllه
نهاية أو غاية عملية كما يقول ": Jacques Laurentالمبادئ القائدة،عندما يتم تشكيلها ،تخدم كدليل أو مرشد في بناء القرارات العمليllة الllتي
سنتخذها" (.من كتابه " أداة من أجل الفكر العسكري السوفييتي" ،الصفحة .)47
وقد ورد في الموسوعة العسكرية السوفييتية lتعريفا للمذهب ":بأنه نظام من وجهات النظر التي تتبناها الدولة خالل فllترة زمنيllة معينllة l،منطلقllا
من األمور الجوهرية ،األهداف وطبيعة حرب ما قادمة ،أيضا تحضير البالد و القوات العسllكرية لهllذه الحllرب ووضllع الوسllائل الممكنة" .أمllا
الواليات المتحدة فقد عرّفت المذهب ":هو الدليل من اجل قيادة الحروب والعمليات األخرى غير الحروب".
في الواقع ،الحوار المذهبي اإلستراتيجي يجب أن يصllل إلى نتيجllة في تبllني مllذهب رسllمي يتم فllرض تطبيقllه،وقllد تم شllرحه في تعليمllات أو
منشورات تؤسس قواعد أو كتابا أبيضا.القوات المسلحة األمريكية تنشر بشكل دوري نصوصا مذهبية l،وقlد تم نشlرها وتغييرهlا خالل سlنوات
متعددة (.) 1963،1982،1986،1993 ،1954
في الواقع،تربط المذهب عالقة قوية بالنظرية :فالمذهب يحتوي عادة على النظرية بشllكل واضllح أو مبطن،مباشllر أو غllير مباشر .ولكن هllذه
العالقة بين طرفي علم اإلستراتيجية لم تتطlور بشlكل مماثlل في العlالم المعاصر .وهنlا نسlتطيع القlول أن النظريlة هي بشlكل جlوهري عمlل
تراكمي،بمعنى أنها تستند في أجزائها على كتابات ماضية،وعلى مفاهيم ومناهج من الماضي تم تعريفها مسبقا،والهدف هو إغناء هllذه النظريllة
ومحاولة وصولها إلى الكمال .على العكس من ذلك،المذاهب تأتي بشكل متتال أو متعاقب،أي بشكل متقطع،من غير أن نراها ترتبllط بالمllذاهب
التي سبقتها أو التي تظهر وتنشر في مكان آخر،وحتى في الشكل العملي للعالقة بين المذاهب،القطيعة ال تكون نهائية،إال أننا نرى العالقllة بينهllا
بطيئة،ضعيفة وكل مذهب إذا أراد االرتباط أو األخذ من مذهب آخر فيكون من خالل محاكاته أو تقليده.في النتيجllة ،إن طllرق ومنllاهج التعبllير
هي مختلفة بين الجانبين،النظرية و المذهب .وتبقى النظرية اإلستراتيجية هي قبل كل شيء فكر منفتح،بينما المذاهب اإلسllتراتيجية فيهllا الكثllير
من التستر على األسرار و األفكار،وخاصة فيما يتعلق بالشؤون الدفاعية.
باالستناد إلى تحليل العالقة بين النظرية و المذهب ،نستطيع تحديد lبعض األمور المتعلقllة بطريقllة عمllل المllذهب.فعلى الخالف من النظريllة أو
من النموذج األمثل لها،المذهب لم يكن في أي يوم من األيام حياديا،فهو يدار ويحكم بواسطة مبدأ الفعالية و الثبllات .وهllو من األجllل االسllتخدام
الداخلي والخارجي في نفس الوقت.
في الداخل،يهدف المذهب لخلق مجتمع أو تجمع من الفكر بهدف القيام بفعل ما (.انظر،Foch :مرجع سابق ،الصفحة .) 101فخالل العديد من
القرون،كان عمل المذهب يتركز على تعريف طريقة وعمل األسلحة،وهذا العمل بشكل عllام لم يختلllف من بلllد آلخllر إال بشllكل بسllيط جllدا.إذا
كانت وظيفته،بالتحديد l،وظيفة عملية،ونذكر هنا أن Clausewitzأبعد من حقل ومجال التفكير اإلسlتراتيجي كlل مlا يتعلlق بتحضlير الحlرب.
فمجال المذهب كان محددا بصرامة ودقة ولم تتطور هذه الوظيفة إال بشكل بطيء.
ومllع التقllدم التقllني السllريع،كllان على المllذهب وضllع تعريllف جديllد لتوظيllف األسllلحة،بمعllنى مllا هي األسllلحة الllتي يجب أن نسllتخدمها في
البداية.وفي نفس الوقت،كان عليه الموافقة بتحديد lمكان ألشياء جديدة أكثر كبرا من الماضي أو قبل عام B B .1789ففي العصر الحديث كllان على
المقررين أن يواجهوا ضرورة االختيار بين أمور متعددة .هlذه االختيllارات تنتج بشllكل أقlل عن تطlور موضlوعي إلمكانيlة العتlاد أو المllواد،
وشكل أكبر عن مفاهيم يجب اختيارها .فالتأخر التقني ليس فقط نتيجة لالفتقار إلى الوسائل،بل ينتج أيضا عن التأخر و الجمود الفكري.
وعلى العكس،الذي أخذوا بمقاربة "فردية" يؤيدون أن طاقة المعركة و استخدام الذكاء في حالة معينlة خاصlة،بالنسlبة للقlادة،هي عوامlل نجlاح
ذات قوة وتأثير أكبر من المذاهب التي توضع بشكل مسllبق .وعمليllا هllذا الllرأي يتفllق بشllكل كبllير مllع Clausewitzالllذي يعطي دورا مهمllا
للصدفة و الحظ أثناء الحرب.مع ذلك،هذا األخير كllان قllد تحllدث في السllابق عن أن المllذهب المشllترك هllو أفضllل وسllيلة لضllمان فهم أفضllل
لألوامر واألنظمة الموضوعة .ولهذا السبب،في ظل غياب مذهب معين للقيادة في الحروب و المعارك،فإن موت أحد القllادة العسllكريين الكبllار
أو القادة المباشرين قد يؤثر بشكل سلبي كبير على المعركة أو الحرب.
29
باإلضافة لما سبق،وفيما يتعلق بانتشllار المllذهب بشllكل واسllع أو ضllيق،يمكن القllول أن المllذهب هنllا على عكس النظريllة أيضا .فالنظريllة في
الغالب تنتشر بين "نخبة" فكرية،بينما المذهب ينتشر بشكل واسع،فليس القادة وحدهم من يفهمه ويعرفه ،بllل على المنفllذين لllه أيضllا أن يمتلكllوا
معرفة دقيقة للمذهب.
ثانيا ـ المناهج و الطرائق اإلستراتيجية.
في طرحنا أو سؤالنا عن المنllاهج المسllتخدمة في العلlوم اإلسllتراتيجية،نكllون قllد وصllلنا إلى موضlوع بlالغ األهميllة يتعلllق بهllذه العلllوم .فعلم
اإلستراتيجية كما الفروع العلمية األخرى لديه أصول معرفية أو إبستمولوجية،ولديه أيضllا منهجllه أو طريقته .ومن اإلشllكاليات المطروحllة في
هذا الشأن أمام الكتاب اإلستراتيجيين أنهم ال يمتلكllون تكوينllا أو معرفllة فلسllفية أو أكاديميlة lتسllمح لهم بllإجراءات مقاربllات معينllة في األفكllار
والمواضيع التي يطرحونها.
Clausewitzأحد كبار الكتاب اإلستراتيجيين،كان قد درس جيدا الفيلسوف األلماني الشهير فيخته ألنه وعى مبكرا على أهمية التكوين الفلسفي
للكاتب اإلستراتيجي .مع ذلك يرى بعض مؤرخي اإلستراتيجية أنه لم يصل إلى المرحلة التي تقدم فكرا نقديا،بل كان لديه كتابllات عامة .ويقllول
"مllاكس فيllبر" في الحllديث عن اإلسllتراتيجيين ":معظمهم فهم هllذا الحقllل العلمي أو أدركllه كمعرفllة موضllوعية مشllيدة على قواعllد شllاملة
وعالمية،ولكن علم اإلستراتيجية،في الغالب ،ليس إال ترجمة لتجربة تاريخية محدودة ومحلية".
أيضا اإلستراتيجي الشهير ،Mahanاستبعد في دراساته أية نظرية شاملة للقوة البحرية انطالقا من دراسة تاريخ بحري واحllد ألوربllا الحديثة.
ونذكر هنا أنه في القرن التسع عشر،دراسة التاريخ كانت المصدر المفضل ،إذا لم نقل الوحيد،من lأجل دراسllة الحllرب .وقllد ذكllر نllابليون هllذا
الموضوع أكثر من مرة عندما قال ":إذا أردت القيام بحرب هجومية مثل اإلسكندر،هانيبال،القيصر ،أو غيرهم ،اقرأ،ثم أعد قراءة التاريخ فيما
يتعلق بالثالث والثمانين حملة قاموا بها ،كن مثلهم أو قلدهم،وهذه هي الوسيلة الوحيدة لتصبح قائدا كبيرا" ( .من كتاب مالحظات نابليون األول،
الجزء السادس ،الصفحة .)179
إن هذا المصدر التاريخي تحول بشكل طبيعي إلى منهج l،هو المنهج التاريخي والذي وصل إلى ذروته بين عlامي 1880ـ ،1914وتم تطبيقlه
في كل مكان،السيما في اإلستراتيجيات البرية والبحرية،علما أن هذا المنهج تم الخروج عليه في العديد من الحاالت في فرنسا وألمانيllا ،وأيضllا
على يد كبار مؤسسي اإلستراتيجيات البحرية وأهمهم األمريكي Alfred T.Mahanو البريطاني .Philip Colombمن جهة أخرى،كllان
هذا المنهج في منافسة كبيرة مع منهج آخر ال يعتمد lعلى التاريخ بل على "الحاضر" بمعllنى أنllه اعتمllد على مقاربllة أخllرى وهي التقllدم الكبllير
والجذري في المجال التقني و على الثورة الصناعية .وكانت بداية التمييز بين المنهجين مع البريطاني Reginald Custanceالllذي مllيز بين
المنهج التاريخي و المنهج المادي في بداية القرن العشرين في كتابه " "Naval Policyالصادر عام .1907
أما الكتاب العسكريون في نهاية القرن التاسع عشر،فقد فضلوا مواجهة المنهج التاريخي بمنهج آخllر هllو المنهج العقالني ،والllذي وجllد أصllوله
في المقاربة الهندسية عند التكتيكيين lفي العصlر الحlديث .من جهتهllا،الجغرافيllة العسlكرية بنت منهجهlا الخlاص في البحث اإلسllتراتيجي .أمlا
بالنسبة للمنهج العقالني والمنهج الوضعي فهما متجاوران بشllكل كبllير إذا لم نقllل أنهمllا متمllاثلين في الكثllير من الحllاالت،والتفريllق أو التميllيز
بينهما يعود العتبارات تاريخية .أما فيما يتعلق بالمنهج الفلسفي فإنه يتميز من خالل موضوع الدراسة الخاص به أكثر مما يتميز بالطريقة،وهو
ليس إال تطبيق نوعي للمنهج العقالني.
1ـ المنهج التاريخي.
وهو األكثر اسllتخداما،أو على األقllل كllان كllذلك حllتى الثllورة النووية.هllذا المنهج يعتمllد المقارنllة و التجربllة أيضllا،ولكنllه ال يعتبرهمllا عملين
إجباريين في البحث .اإلستراتيجي والجنرال البروسي ،Scharnhorstفي نهاية القرن الثامن عشر ،ف ّ
ضل العمل على أمثلة قليلة ،ولكن على أن
تتم دراستها بعمق .أما الجنرال ،Hubert Bonnalفي نهاية القرن التاسع عشر ،وضع منهجا يتألف أو يقوم على مثال واحد بهllدف الوصllول
لنتائج إستراتيجية أكثر منها تكتيكية .بشكل عام ،المنهج التاريخي كان يهدف من خالل مقارنة التجارب التاريخية المتعددة،الوصول إلى وضllع
قوانين أو قواعد محددة.لقد عرف هذا المنهج العديد lمن الصعوبات أو عدم الوصول إلى القناعة التامllة بllه كمنهج متكامل .من هllذه الصllعوبات
هي الطابع غير الكامل أو غير األكيد للمصادر خاصة القديمة منها.
2ـ المنهج الواقعي.
30
تحت اسم هذا المنهج تختفي الطريقة المادية القديمة التي تتأسس على وسائل موجودة في بيئة محددة أكثر مما تتأسس على معاينllة موروثllة من
الماضي والتي ليس لديها الكثير لتقديمه لنا .فالكثير من الدروس التي استفيد منها في حروب ماضllية ال يمكن االسllتفادة منهllا اآلن كمllا ال يمكن
استخدامها.ونشير هنا أننا عندما نقول منهج "مادي" فإن هذه التسمية ال تقتصر على جانب مادي مطلق،ألن العوامل اإلنسانية يبقى لها دور بالغ
األهمية،وأيضا استطاعة الوسائل المادية يجب أن تترافق و تتوافق مع الطريقة التي نريد استخدام هذه الوسائل فيها.
في الواقع،المنهج الواقعي سوف يعمل على وضع اإلستراتيجيات وفق عمل وسير الوسائل الممكنة.وهو ينقسم إلى فرعين :المنهج الموضllوعي
والذي سيرتبط بقدرة الوسائل المتاحة ،و المنهج الذاتي /الشخصي المرتبط بالمذاهب المستخدمة والlتي يمكن أال تتطlابق مlع القlدرات القصlوى
للوسائل المتاحة،أو أال تتأقلم نهائيا معها.
3ـ المنهج العقالني/العلمي.
المنهج العقالني أو الllذي يمكن أن نسllميه بllالعلمي "،يُقllت َرح من خالل االنطالق من أولويllة وسllائل اإلسllتراتيجية ،حllتى الوصllول ومن خالل
البراهين،إلى القواعد التي ستتبع ومن أجل تحديد األجزاء األكllثر أهميllة و الllتي يمكن اسllتغاللها بشllكل كبllير" .إن الخطllوات الllتي يتبعهllا هllذا
المنهج ليست مؤسسة على الخبرة أو التجربة ،كما في المنهج التاريخي،وليس مؤسسة على الوسائل،كمllا في المنهج الllواقعي،بllل مؤسسllة على
المنطق الخالص.
استُخدم هllذا المنهج منllذ زمن بعيllد حيث ظهllر في البدايllة بشllكل أو هيئllة هندسllية،السllيما عنllد مؤسسllي الفكllر التكllتيكي الحllديث،إن كllان في
اإلستراتيجيات البحرية أو البرية .المارشال Puységurاستند بشكل واضح على علم الهندسة ويقول في كتابllه "فن الحllرب" " :قاعllدة وأسllاس
كل فن الحرب هي في القدرة على تشكيل أنظمة جيدة للمعارك وجعلها تتحرك و تتفاعل ضمن قواعد كاملة أو األكثر كماال في الحركة؛وهذا ما
يمكن استخراج مبادئه من علم الهندسة".
ويبدو أن معظم ،إذا لم نقل جميع ،الكتاب اإلستراتيجيين استندوا على هlذه المبlادئ من اجlل تقlديم تعريlف القواعlد و األنظمlة بشlكل نlاجز أو
كامل،و يمكن تطبيقها في جميع الظروف من غير العودة لوضع الخصllم أو اعتباراتllه الخاصllة،أو حllتى إعطllاء اعتبllارات خاصllة للميllدان.إن
المنهج العقالني المستند lإلى العلوم الهندسية تحول إلى مخططات إستراتيجية عنllد الكثllيرين أثنllاء المعllارك وحllروب االسllتقالل.أمllا اليllوم فقllد
اختفى هذا اإلعجاب الكبير بهذا المنهج أو الطريقة،مع العلم أن المنهج العلمي عرف تطورا هاما على مستوى العمليات و التكتيك.l
أخيرا ،ومع بدايllة القlرن العشllرين،بllدأت الكثllير من الجيllوش البحث عن تطبيقllات أكllثر خفllة وسllرعة .وأثنllاء الحllرب العllالمي الثllاني،وضllع
األمريكيون و البريطانيون مجموعات علمية مكلفة بتحسين توظيف عمل الرادارات والوسائل المضlادة للغواصlات .وقlد أصlبح البحث العلمي
في العمليات شيئا دارجا ومفتوحا أمام التحليالت المنهجية.
4ـ المنهج الجغرافي.
استطاعت العلوم الجغرافية العسكرية أن تؤسس منهجا تقدم و تدرج بشكل مستمر حllتى أصllبح"حقال علميا" كllامال ومطلوبllا بشllكل كبllير وهllو
"الجيوإستراتيجية" .هذا المفهوم قديم جدا وأكثر مما نعتقد،فقد ظهر مع "الجيوتكتيك، "lوالذي لم يعرف نفس الحظ ،تحت ريشة الجنرال اإليطالي
Giacomo Durandoفي عlام B B .1846لكن هlذا المنهج لم يتأسlس بشlكل حقيقي إال في نهايlة القlرن التاسlع عشر.وبينمlا المنهج التlاريخي
والمنهج الlllواقعي يهتمlllان كليهمlllا "بlllاألداة"،أي بlllالقوى المسlllلحة؛ إال أن المنهج الجغlllرافي يهتم "بالوسط" أو البيئlllة الlllتي سlllتعمل فيهlllا
"األداة".الجغرافيllة العسllكرية تهتم بصlفات األرض و الميllدان،أمllا الجيوإسllتراتيجية فتهتم وتحلllل المسllافات ،وهllذا عامllل رئيسlي في الحllرب
الحديثة.
5ـ المنهج الثقافي.
يعتبر هذا المنهج من المناهج التي وضعت حديثا،فمفهوم الثقافة اإلستراتيجية لم يوضع ويفرض إلى مع نهايllة السllبعينات من القllرن العشllرين.
فقد اسllتخدمه بشllكل واضllح أكllثر من غllيره البروفسllور األمllريكي في العالقllات الدوليllة ،Jack Snyderوفي كتllاب بعنllوان The Soviet
Strategic Cultureوالصllادر في عllام B B B B.1977المنهج الثقllافي يعتمllد على مجموعllة من العلllوم وأهمهllا السllيكولوجية،اإلتنولوجيllة و
السيسيولوجية .يبحث هذا المنهج عن إقامة ثقافات إستراتيجية يمكن تعريفها كالتالي ":وهي مجموعة من المواقف و المعتقllدات المفضllلة داخllل
معهد أو مؤسسة عسكرية،فيما يتعلق بالهدف السياسي للحرب والطريقة اإلستراتيجية و العمالتية lاألكثر تأثيرا و التي يمكن الوصول إليها".
يقصد بهذا التعريف وكما هو متعارف عليlه بين الكتlاب اإلسlتراتيجيين الفرنسlيين،تحديlد lفي أيlة أجlواء ومناخlات تجlذرت المحlاور الكlبرى
لإلستراتيجية داخل الثقافة الوطنية بشكل أساسي،ألن هذه الثقافات اإلستراتيجية الوطنية يمكن أن تترافق أو تواكب ثقافة إستراتيجية تعllود لفllرد
31
أو جماعllة،حيث كllل جيش يسllتطيع أن يقllول أن لllه ثقافتllه اإلسllتراتيجية الllتي يمتلكها .ففي الواليllات المتحllدة الجيش يعطي مكانllة خاصllة
لإلستراتيجي ،Jominiوالقوى البحرية تعطي هذه المكانة لإلستراتيجي البحري ،Mahanأما القوى الجوية مع Douhetوهllو منظllر الحllرب
الجوية اإليطالية .إن مفهوم الثقافة اإلستراتيجية استلهم الكثllير من الثقافllة السياسllية الllتي جllاء بهllا الكتllاب السياسllيون األمريكيllون في سllنوات
الستينات مثل Gabriel Almond, Sidney Verbaفي كتابهما ( ،)The Civic Culture،1963و Lucien Pyeفي
( .)Political culture and Political Development ،1965
6ـ المنهج التركيبي.
هذا المنهج يتكون من مجموع المناهج السابقة.ولكن البد من القول هنا أنه من الصعب العثور على كتابllات قديمllة أو كالسllيكية اسllتخدمت هllذه
المناهج مع بعضها .وتشير بعض الدراسات التي أرخت علم اإلستراتيجية على أن األمlيرال Castexفي كتابlه "نظريlات إسlتراتيجية" اقlترب
كثيرا من استخدام المنهج التركيبي .بعد األميرال Castexيأتي Bernard Brodieوالذي استخدم المناهج التاريخية و الواقعية معllا،وخاصllة
في أعماله األولى حول اإلستراتيجية البحرية،ولكنه لم يعط مساحة أو مكانة واضحة للمنهج الجغرافي ،ولم يعرف أيضا قيمة المنهج الثقافي إال
بشكل متأخر.
7ـ المنهج الفلسفي.
وهlو الجlزء األرقى واألصlعب في علم اإلسlتراتيجية.ويعتlبر الصlينيون أول من اسlتخدم هlذا المنهج أو الطريقة .وبينمlا الفكlر االسlتراتيجي
الغربي امتلك قاعدة تاريخية،الفكر اإلستراتيجي عند الصيني Sun Ziومن أتى بعده كانت يرتكز على أسس فلسفية .حيث أراد اإلستراتيجيون
الصينيون تطبيق المنهج الفلسفي والحكمة في مجال الحرب،كما في المجاالت األخرى من الحياة االجتماعية.
المنهج الفلسفي وكما يقllول Clausewitzيهتم بجllوهر الحllرب ،أو بجlزء منهllا كمllا يقllول Corbettو Rosinskiفي عملهمllا عن الحllرب
البحرية،أما اليوم فيهتم هذا المنهج بالعلوم اإلستراتيجية كعلوم معرفية،ويساند هllذا المفهllوم اإلسllتراتيجي .Poirierأمllا الصllفة المشllتركة بين
هؤالء هي ما نستطيع تسميته بالمتطلب النظlري،بمعlنى اإلرادة في تجlاوز األشllياء كمllا هي،أو تجlاوز الطبيعlة المlادي لألشlياء من أجlل فهم
طبيعتها الفلسفية و المعرفية،أما الهدف النهائي فهو الوصول إلى نظرية موحllدة.بالنسllبة للعllالم الغllربي،يعتllبر Clausewitzالنمllوذج الllذي ال
يمكن تجاوزه،إن كان فيما يتعلق بعمق أفكاره أو من خالل قلقه الدائم من أجل ربط التطورات العملياتية بالنظرية.
بعد محاولة القراءة السريعة لمناهج البحث اإلستراتيجي،البد من طرح سؤال في غاية األهمية يتعلق بجميع هذه المناهج :
هل يمكننا تحديد منهج واحد من بينها يكون أكثر دقة من غيره؟
المنهج التاريخي هو منهج متغير بشكل كبير،بمعنى أنه من الصعب أن يكون منهجا شامال وقادرا بشكل دائم على الوصول إلى الحقيقة.
المنهج الواقعي يقدم الموضوع التقني على غيره.بمعنى أن يبحث عن الوسائل الممكنة التي مصدرها التقدم التقني.
أالمنهج الجغرافي،فيعطي األولية للوسط أو البيئة.وكما رأينا ذلك مع منظري الجيوإستراتيجية في القرن العشرين.
المنهج العقالني ـ العلمي فإنه يهمل العوامل المادية ويصل إلى اختزال الحرب إلى قواعد رياضية أو هندسية.بمعنى أن هذا المنهج يبحث عن
صيغة دائمة يمكن تطبيقها في جميع الظروف.
المنهج الثقافي نجد أنه مرتبط بالبيئllة االجتماعية.وهنllا يقllترب كثllيرا من المنهج الllواقعي ليشllير إلينllا بمتغllيرات اإلسllتراتيجية حسllب المكllان
والزمان.
المنهج التركيبي الناتج عن التوفيق بين العديد lمن المناهج،وهو بالتعريف منهج متعدد lويرتكز على إستراتيجية متعددة lالوسائل.
المنهج الفلسفي الذي يرتكز بشكل جوهري على النظرية.فهlو بهlذه الحالlة ال يسlتند على عامlل واحlد بشlكل خlاص ،بlل يحlاول فهم ظlاهرة
الصlراع بأقصlى حlد ممكن من الدقllة والصllرامة العلميllة،ثم يضlعها في بيئتهlا الخاصlة للوصllول بالوسlائل المسllتخدمة إلى الغايlات النهائيlة
المنشودة.
32
مبlllادئ اإلسlllتراتيجية ال يمكن تجاهلهlllا ال على المسlllتوى االسlllتراتيجي وال على المسlllتوى التكlllتيكي في الحlllرب أو في غيرها .فالمبlllادئ
اإلستراتيجية هي قواعد عامة تهدف للوقاية من مفاجآت العدو والتأكد من التفوق عليه في أية خطوة نختارها في التعامل معه .إن التllاريخ يllبين
أن وضع مبادئ لإلستراتيجية ثم التقيد فيها في عملية صناعة القرار هي من أكبر الصعوبات التي واجهت عمل اإلستراتيجيين في زمن الحرب
و السلم .وعمليا هذا ما دفع العديد lمنهم للقllول بllأن تطllبيق مبllادئ محllددة لإلسllتراتيجية يختلllف كثllيرا عن صllياغتها أو وضllعها،حيث أنllه من
المستحيل التقيد الصارم بهذه المبادئ.
إذا ،هل يمكن وضع قواعد دائمة يمكنها قيادتنا السيما أثناء الحروب؟
إن البحث عن مبادئ إستراتيجية بدأ بشكل عملي منذ بداية تبلور الفكر العسكري الحديث .في بداية القرن السادس عشر كان ميكيllافلي قllد أعلن
ذلlllك مسlllبقا ":ال يوجlllد علم لديlllه مبادئlllه العامlllة الlllتي هي قاعlllدة لمختلlllف العمليlllات أو الممارسlllات الlllتي نقlllوم بها" (.من كتlllاب فن
الحرب،ميكيافلي،مرجع سابق ،الصفحة B.)188هذا البحث عن المبادئ طُرح بشكل واضح من قبل المارشال ":Marmontنحن نكتشف مبدأ
ثم نبحث فيما بعد عن أفضل وسيلة للوصول إليه أو تطبيقه.المبادئ تكون معروفة ،لكن العبقرية في تطبيقها وهنا يكمن فن الحرب".
إن جميع التأكيدات حول عالمية المبادئ تصطدم بمسألة تتعلllق بشllكل مباشllر بهlذه المبlادئ وهي تنوعهlا وتحوالتهllا الدائمة .فالمبlادئ في علم
اإلستراتيجية تتغير من كاتب إلى آخر،وما هو أساسي عند هذا الكاتب ربما يكون هامشيا عند غيره .وهذا ما دفع العديد من المتخصصين للقول
وهم يحاولون إيجاد حل لتحوالت وتغيرات المبادئ،بأن المهم ليس إيجاد المبادئ ولكن المهم هو البحث عنها.
ـ كيف يمكن التحقق من المبادئ ؟
إن مسيرة التحقق والتعرف على مبادئ اإلستراتيجية أنتجت لنا أدبا إستراتيجيا خاصا وضخما .فمثال الجنرال و اإلستراتيجي الشllهير ( Foch
1851ـ ،)1929يشير في العديد من كتاباته إلى "المبدأ السامي أو األرقى" وهو ـ اقتصاد القوى ـ ،ويضيف عليه مبدأ آخرا يllرى فيllه أنllه مطلقllا
وهو ـ حرية الفعل والتصرف ـ،وهذا المبدأ األخير يستعيره الكاتب من Xénophonعنllدما يقllول ":فن الحllرب هllو بشllكل جllازم ونهllائي فن
الحفاظ على حريته" ( .من كتاب " Fochمبادئ من أجل الحرب"،كتبه في عام ،1903الصفحة .)95
أما الميجور ـ جنرال Fullerفقد اقترح الئحllة اسllتفاد منهllا الجيش األمllريكي بشllكل كبllير في عllام B B .1921تم تنقيحهllا و تصllحيحها أكllثر من
مرة،مع ذلك احتفظت ،ورغم تناولها من قبل مذاهب مختلفة،بقوتها ومكانتها .وفي آخر طبعة للمرجlع Field Manual 100-5الصlادرة في
عlllام 1993عن الجيش األمlllريكي،تأخlllذ هlllذه الطبعlllة بتسlllعة مبlllادئ هي :الهlllدف،الهجlllوم،التجمlllع،اقتصlllاد القlllوى،المنlllاورة،وحlllدة
القيادة،األمن،المفاجأة والبسlاطة.أمlا تغlيرات وتحlوالت المبlادئ ال تنتهي وليس لهlا حد .لقlد تحlدث بعض اإلسlتراتيجيين عن مبlدأ أو مبlدأينl
كبيرين يلخصان كل فن الحرب .األميرال Labouerieحدد المبادئ جميعها بمبدأين فقط وهما :الصعق أو الرعب و الشك.
رابعا ـ القرار اإلستراتيجي.
تُفهم اإلسllتراتيجية في العllادة على أنهlا رؤيllة شlاملة على المllدى الطويllل،ولكنهlا تقllع تحت رحمlة التغllيرات المسllتمرة وغlير المتوقعة.أيضlا
القرارات اإلستراتيجية تؤخذ في الكثير من األحيان في أجواء من الضغط المستمر يكون بدرجة كبيرة أو قليلة .إذا ليس من المدهش القllول بllأن
القرار اإلستراتيجي هو واحد من أصعب القرارات التي يمكن أن تحدث،وأيضا من أعقدها على اإلطالق،ومن هنا ربما تllأتي النllدرة في وجllود
قادة عظام وكبار .فالقرار اإلستراتيجي يقع تحت هيمنة التغيرات و التحوالت،إنllه يتبllع مؤشllرا متعllددا lوليس واحllدا،إنllه قllرار يllأتي بعllد عllدة
تقييمات وتقديرات أهمها :
ـ المجازفة والرهانات.
ـ الوسائل و اإلمكانيات.
ـ األخطار.
ـ الظروف.
1ـ المجازفة و الرهانات.
وتقع على مستويات مختلفة،إنها ضرورية من أجل التمييز بين الغايات السياسية و األهداف اإلستراتيجية .هذا التمييز في العادة تصllعب رؤيتllه
أو تحقيقه كما يقع ضحية للخلط في المفاهيم .ويرى Clausewitzأنه كلما كان الرهان حيويا كلما كانت المخاطرة مllبررة وتسllتحق الكثllير من
التضحيات،وإذا كان الرهان "محدودا" فنعطيه بعض الوسائل التي تتناسب معه،مع أدنى مستوى من المخlاطرة.وعلى المسllتوي العمليllاتي،البlدl
33
من تقدير وتقييم التماسك لهذا الهدف أو ذاك .إن التاريخ اإلنساني والعسكري بشكل خاص يعطينlا أمثلlة كثlيرة على القlرارات الlتي اتخlذت أو
استندت على أسس وتقييمات سيئة وخاطئة للرهان،إن كان على المستوي السياسي /اإلستراتيجي أو على مستوى العمليات العسكرية والحروب.
2ـ الوسائل و اإلمكانيات.
يرى اإلستراتيجيون أنه من الناحية المبدئية،بأن الوسائل واإلمكانيات رغم تحولها وتغيرها إال أنها سهلة الفهم .مع ذلك،البد من اختيار الوسائل
التي يمكن توظيفها،ثم االختيار فيما بينها،وبعد lذلك يجب األخذ بالحسبان عدم الدقة والتأكد الكامlل من الlرأي الlذي تم اتخlاذه .اختيlار الوسlائل
يعتمد،في نفس الوقت ،على إمكانيات الفاعلين بمعنى (يجب التصرف وفق ما لدينا)،وأيضا على طبيعlة المشllكلة المطروحlة بمعllنى (هlذا يقllود
للغاية التي نريد الوصول إليها).
3ـ األخطار.
يقول نابليون بونابرت في هذا الصدد ":الحرب ال يمكن أن تكون من غير أخطار،فنحن نرى شرورها أكثر مما نرى شرور الحرب نفسها،لذلك
البد من إظهار الثقة دائما" .وجميع فنون الحرب تأخذ في حسبانها دائما األخطار وتقوم بالتخطيط لهllا بشllكل مسllبق،ومن هنllا البllد للوسllائل أن
تتوافق مع األخطار المتوقعة،أو على األقل أال تكون أقل منها بكثير .االحتياط من الخطر يأتي على جميع المستويات،ثم يوسع هامش الحسابات
للصدفة،ولكن بالمقابل يجب أن يكون هناك استعداد lدائم لمعالجة النتائج التي يمكن أن يتسبب بها قllرار خllاطئ على مسllتوى عllال .هllذا القlرار
يمكن أن يسبب تراكمات خطيرة ولكن يمكن تحييدها بشكل تدريجي إذا تم التخطيط لألخطار المتوقعة.
اليوم،حساب األخطار يختلف عن الماضي،وربما يعود هذا ألن الحرب أو حllتى الميllادين األخlرى أصlبحت تسllتخدم وسlائل متطlورة جlدا في
تطبيق اإلستراتيجيات .هذا الوسائل تحاول الوصول إلى ضمانات شبه مطلقة في عدم وقوع أية خسائر ال في الحرب وال في غيرها ،وقد سlمي
هذا التيار الجديد في التخطيط لعدم وقوع األخطار " صفر من الموت"،بمعنى أال يموت أحد .ولكن على أرض الواقع ليس دائما التطllور التقllني
والتكنولوجي هو من يحدد طبيعة تطور األخطار،فالعدو أو المنافس في هذه الحالة هو من يلعب الدور الحاسم.
4ـ الظروف.
هناك من يردد دائما بأن التاريخ ال يعيد lنفسه نهائيا،مع ذلك نرى أننا بحاجة لقراءته بشكل مستمر.في الواقع،توجد ظروف تلعب دوراها بشllكل
مستمر ومنها الجغرافية،التقنية و العامل اإلنسllاني،ولكن ال يوجllد حتميllة في هllذا الشllأن،فكllل حالllة لهllا ظروفهllا الخاصllة الllتي يجب أن تأخllذ
جغرافية،ظروف سياسي ٍة،دبلوماسية وعسllكرية .ويبقى أن نقllول بllأن
ٍ باالعتبار في أي قرار إستراتيجي.هذه الظروف الخاصة تعود إلى عوامل
قدرة الخصم واستعداده يلعبان دورا حاسما.
ويرى نابليون بونابرت أن القرار و التخطيط اإلستراتيجي عليهما التوافق مع الظروف التي يمكن ان تتغير بشكل ستمر ":أن تنفيذ العمليات هو
تدريجي ويخضع لتأثيرات وأحداث يمكن أن تقع وتتغير كل يوم" .
خامسا ـ وسائل القرار اإلستراتيجي.
إن األخذ بالحسبان لجميع معايير وتقديرات القرار اإلستراتيجي ال يعني أن نبعد جميع الفرضيات المحتملة لصالح واحدة فقط .فالطابع المllيز و
الغالب على اإلستراتيجية هي أنها لها طابع "احتمالي" .فمن بين جميع المتغيرات النظرية التي يمكن تقييمها وتقديرها بشكل موضllوعي،إال أنllه
يبقى لدينا جانب ال يمكن تقييمه بشكل صحيح إال من خالل الجانب الشخصي والذي يتعلق مباشرة بتصرفات وسلوك الخصم،المنافس أو العدو.
عن الطريقة األفضlل للتقllييم هي بنllاء شllبكة كبllيرة وقlادرة على الحصllول على جميllع المعلومllات المطلوبة.فllرغم الصllعوبات الllتي تعllترض
"مهنة"التجسس،إلى أن كبار القادة السياسيون والعسكريون يعمدون lإلى تدعيم هذه المهنة مهمllا كllانت مكلفllة وحllتى لllو أن القllوانين تحكم بأشllد
العقوبات على من يمارس هذه المهنة .إذا هذه الوسيلة كانت وما تزال هي من الوسائل المتبعة في عملية اتخاذ القرار اإلستراتيجي.
ولكن مهما كانت النوعية أو األهمية التي تتميز بها المعلومة التي نحصllل عليهllا،فإنllه من النllادر أن تسllمح لنllا بإبعllاد كلي لعllدم التأكllد أو عllدم
اليقين،أو الحصول على معرفة كلية وأكيدة للموضوع الذي نريده .بمعنى آخر،إن التحليل الموضوعي للوضع والحالة سllيترك مكانllه في لحظllة
معينة لتقييم آخر وتطورات أخرى تتعلق بالجانب الشخصي وكما ذكرنا سابقا .ضمن هذا المجال،يوجد مدرستين تتحدثان عن المعلومات وهمllا
متخصصتان بها .المدرسة األولى،وتسمى مدرسة اإلمكانيات أو االحتماالت،وتنطلق من الوضع الراهن أو القائم من أجllل تحديlد lالحلllول الllتي
يمكن إتباعها مع العدو.وهي طريقة اتبعها نابليون بونابرت والذي يقول ":يجب أال نبحث نهائيا عن تخيل أو تصllور مllاذا سllيفعل الخصم".ومن
34
مميزات هذه الطريقة أنها تحبرنا على األخذ في االعتبار جميع الفرضيات،ومحاول إيجاد جواب على كل حالة أو فرضllية متوقllع أن يقllوم بهllا
الخصم.
المدرسة الثانية ،وهي المدرسة المخطَّطَة .تنطلق هذه المدرسة من حالllة أو وضllع،من إشllارات ودالئllل يمكن أن تطبعهllا بطابعهllا،من مllذاهب
وتيارات،ومن تجارب سابقة للخصم أو العدو،من سلوك اعتيادي يقوم به الزعيم أو الرئيس،وتبحث عن تحديد الخطط والنيات التي يرمي إليهllا
الخصم،وإلى فهم المناورة التي ربما سيقوم بها.بالتأكيد هناك خطورة بتوقع فهم جميع الخطط والنيllات الllتي يريllدها الخصllم وهllذه من العيllوب
التي تشوب هذه المدرسة .كما أن هذه الطريقة تعتمد في الكثير من األحيان على وجود عباقرة في هذا التخصlص ،وليس طريقllة يمكن تطبيقهlا
بشكل دائم.
اإلستراتيجية كنظام
1ـ مدخل
عرف العالم بعد الحربين العالميتين الكثير من التطورات وعلى كافة األصعدة .فقد تضاعف عدد سكان العالم،وزاد النمو االقتصادي في الكثllير
من األقاليم و القlارات .وترافlق هlذا النمlو و التطlور مlع تقlدم على المسlتوى التقlني و التكنولlوجي،حlتى أن سlار على سlطح القمlر في عlام
35
.1969أيضا هذا بدوره قاد إلى تغيرات سياسية واجتماعية لحقت في جميع الميادين والقطاعات،مما أدى لزعزعة العديد من البllنى االجتماعيllة
والثقافية السائدة والقديمة.
نحن نعرف أن الحرب في القرن التاسع عشر كانت حروبا وطنية،وأصبحت في القرن العشرين حروبا أيديولوجية .لقد كانت حربا صناعية في
التاسع عشر وأصبحت شاملة في القرن العشرين،أي وظفت كل مصادر الدولة وثرواتها وطاقتها من أجllل خدمllة الحllرب.والمثllال األكllبر على
هذا التوظيف الشامل هو أن البشرية فقدت في الحرب العالمية الثانيllة ماليين الضllحايا .والنتيجllة هي إعllادة بنllاء بعض أولويllات إسllتراتيجيات
اإلبادة أو التدمير.ففي حرب شاملة لم يعد lالهدف هو الحصول على مكاسب جديlدة من األرض أو تllوازن الlرعب والقlوة ،بllل التlدمير النهllائي
للخصم.
في الحربين العالميتين،تطور األسلحة من الناحية التقنية كان أسرع من المتوقع .فقد أصبحت الحرب تستخدم اآللة بشllكل كبllير،وهllذا مllا سllمح
بتوسيع مساحات المعارك،ال بل مهاجمة الخصم في أرضه نفسها،ثم العمل على اجتياحها .وهنا كانت نتيجة جديدة وقاطعة :تمدد lوتوسع مسرح
المعارك،حتى وصلنا إلى مفهوم جديد سlميناه بالجيوإسlتراتيجية ،أي إسlتراتيجية المسlاحات أو الفضlاءات الكبlيرة والlتي تنظم العمليlات الlتي
تجري في وقت متزامن على مسارح منفصلة .أما الوصول لتصنيع السالح النووي فقد احدث انقالبا كبيرا في عمليات التسليح،وهذا مllا أحllدث
بدوره تش ٍّ
ظ أو تجزئة لإلستراتيجية.
لقد ذكرنا في السابق أن اإلستراتيجية عرفت في تعريفها القديم "بفن الجنرال" .وهذا المفهوم يعllود إلى العهllد اليونllاني القllديم،وبقي كllذلك حllتى
نهاية العصر الحديث،ولم يحدث تغيرات كبيرة على المفهوم إال في عهد حديث ويعود هllذا لتllأثيرات كبllيرة ناتجllة عن التطllور التقllني،الفكllري
واالجتماعي في القرن العشرين.لقد وضع مؤرخ العلوم "توماس كوهان" بنية للثورات العلمية تسمح بفهم المتغيرات التي حصllلت بعllد الحllرب
العالمية الثانية واألسئلة الكثيرة التي دارت حولها.
يقول "توماس كوهان" إن تطور العلم تمركز حول أربعة مراحل:
1ـ في البداية وجدت نظرية أو مجموعة من النظريات كان عليها اتفاق كبير،ويمكن أن نسمي هlذه النظريlات "بlراديغم" .فlالبراديغم يعطي أو
يأخذ بالحسبان حالة العلم في لحظة معينة .فمثال يمكننا التحدث عن براديغم نيوتن في الفيزياء اعتبارا من القرن السابع عشر،وبقي مقبllوال حllتى
الثورة في حقل "النسبية".
2ـ تأتي لحظة معينة يصاب البراديغم فيها بأزمة .فالعمل المستمر للباحثين يعطي ويطرح أسئلة جديدة،وهذا البراديغم ال يستطيع أن يعطي دائما
أجوبة كاملة على األسئلة المطروحة.إذن تظهر حدود ال يكون هناك قدرة على تجاوزها،وبالتالي في هllذه الحالllة يصllبح المنllاخ مسllتعدا بشllكل
أكبر لظهور براديغم جديد يرد بشكل أفضل على األسئلة الجديدة التي يطرحها تقدم العلم والمعرفة.
3ـ هذا البراديغم الجديد lسيخضع للمواجهة مع المعطيات العلمية الموجودة السيما النقد الموجه من قبل البراديغمات السائدة.هذه المرحلllة الثالثllة
تتصف بوجود حوار قد يتحول إلى صراع بين وضعية في طريقها لالنحطاط و شرعية صاعدة.
4ـ البراديغم الجديد يقترب بشكل أكبر من الحقيقة ومن ظواهر وأسئلة مطروحة ،أكثر من البراديغم الذي قبله .فهذا األخير تم تركه ،أما الجديllد
فتتم مأسسته .هنا تغلق دائرة الثورة العلمية ،ولكن هذه الدائرة يمكن أن تعود من جديد.
إن تقسيم "توماس كوهان" له أهميته الكبيرة،فقد استطاع تحقيق المصالحة بين مقاربتين للمعرفة العلمية كانتا في حالة من الصراع حllتى انجllاز
كتابه :النموذج القائم على أساس دائري و البراديغم .ويمكن عمليا تطبيق هذا النموذج على الفكر اإلستراتيجي المعاصر.أيضlا يمكننlا االسlتناد
على الثورة العلمية التي غيرت العالم،وذلك بإدخال في مجال الفكر اإلستراتيجي،السيما الثورة ما بين سنوات 1945و.1970
ـ هل من تغير في مقاربة اإلستراتيجية ؟
يعتبر الكثير من الكتاب أن المسائل العسكرية هي وحيدة،بمعنى أنهlا تختلlف بشlكل كبlير عن الفعاليlات المدنية.lو اإلسlتراتيجية امتلكت قضlايا
ومجاالت عسكرية منها التاريخ العسكري والجغرافية العسكرية .وفي الواقllع،كllان لإلسllتراتيجية خصوصllية تختلllف عن غيرهllا،فالعسllكريون
أنفسهم الذين كتبوا في المجال اإلستراتيجي امتلكوا بدورهم شبكة من المعلومات والقواعد التعليمية ودور النشllر التابعllة لهم .هllذه الخصوصllية
وصلت إلى مجموعة من المفاهيم اإلستراتيجية و التي تنتمي وفق الكثير من المراقبين إلى نفس الفرضية ،أي إلى الفصllل الجllذري بين مجllالي
السllالم والحllرب،السllيطرة الكاملllة على العسllكريين في ميllدان العمليllات،عllدم تllدخل العسllكريين في الحيllاة المدنية .وفي فرنسllا مثال ،كllان
العسكريون ممنوعين من التصويت حتى عام .1945
36
هذه المقاربة التقليدية lلإلستراتيجية انتقدت بشكل كبير بعد الحرب العالمية الثانية .حيث عرف مفهوم اإلستراتيجية تطورا وصل لحد كبllير نقلllه
خllارج المنllاخ والبيئllة العسllكرية.ولم يعllد هنllاك مقاربllة خاصllة تعتمllد فقllط على الجllانب العسllكري،السllيما بعllد اسllتند مفهومهllا على
مناهج،مدارس،وتحليالت قادمة من علوم وأدوات مستخدمة في المجال المدني،وبشكل أساسي االقتصاد و العلوم السياسlية.ومنlذ نهايlة الحlرب
العالمية الثانية،السيما مع بداية عام ،1949وضع Bernard Brodieروابllط بين اإلسllتراتيجية و االقتصllاد واقllترح مقاربllة األمن من خالل
مصطلحات ومفردات تتعلق بالثروات النادرة.
ـ اإلستراتيجية و المنهج الجديد.
يعllرف معظم المراقllبين و المllؤرخين لإلسllتراتيجية التقليديlة lبأنهllا لم تتبllع أو تعتمllد على العديlد lمن المنllاهج والطرائllق المتنوعة .فدراسllات
اإلسllتراتيجية،إال في بعض االسllتثناءات ،لم تعتمllد على أصllول معرفيllة أو علllوم منهجية .فالمفllاهيم في الماضllي كllانت تعتمllد lعلى رؤيllة
شخصية،حيث أن اإلستراتيجية كعلم كانت في خدمة اإلستراتيجية كفن،بمعنى آخر ضاعت قدرات الباحثين والمنظرين أمlام مllا يقllوم بllه رجlل
الميدان أو العمليات العسكرية،فالهدف لم يكن سوى تحقيق النصر.
هذه لعقلية تزعزعت بعد الحرب العالمية الثانية .حيث بدأت تظهر تيارات ومذاهب جديدة عرفت انتشارا واسعا وتبناها عدد كبlير من البlاحثين.
وكانت اإلستراتيجية في نفس الوقت مدعوة إلدخال الروح النقدية إلى مجالها كما كانت مطالبة بالتواضع وعدم االستمرار في حصر نفسllها بين
أيدي قلة قليلة .لقد بدأت االعتماد على مناهج تحليلية مختلفة من قبل منظريها،ويمكن القول أنها بدأت دخول الحداثة.
فالمنهج التاريخي لم يعد مستخدما بعدما توقف استخدام السالح النووي بعد الحرب الثانية،والمنهج الواقعي لم يعد كافيا بعدما تllبين أن اسllتعمال
هllذا السllالح ال يمكن فصllله عن غايllات اإلسllتراتيجية .أمllا المنهج الجغllرافي لم يعllد سllوى أداة لهllا منفعllة هامشllية بعllد التقllدم التقllني
والتكنولوجي.المنهج الوحيد المستخدم هو"السيناريوهات" .بمعنى آخر وكما يقول "هيرمان كاهان" ،التفكير بغير المفكllر فيllه،أي محاولllة تخيllل
عمل أو وظيفة عقالنية ألداة يمكن أن تؤدي لردة فعل غير عقالنية.
إذا السيناريو ال يقترح علينا بأن نأخذ الحقيقة أو الواقع في الحسبان ،ولكن أن نتخيل حقيقة أخرى لم توجد بعد.هنا نصل إال مllا يمكن أن نسllميه
"اإلستراتيجية االفتراضية" .أيضا أصllبحت هنllاك أداة أخllرى تسllتخدمها اإلسllتراتيجية هي "اإلســتراتيجية المتخيلة"،وقllد نتجت عن ـ مبllادرة
الدفاع اإلستراتيجي ـ التي وضعها الرئيس األميركي األسبق رونالد ريغان،وهي في الوقع نظام لم يوجد أو يفكر فيه من قبل أو لم يوجد بعد.
ـ هل تغيرت مواضيع اإلستراتيجية ؟
اهتمت اإلسllتراتيجية التقليديllة بشllكل كبllير بالعمليllات العسllكرية ( دراسllة الحمالت،خطllط المعllارك،التفكllير حllول الصllراع،فن القيllادة على
األرض)،تاركة كل ما تبقى للسياسة .لكن المفهوم الكالسيكي الذي يميز بين مجالي الحرب و السالم ترك المكان لنظام جديllد في داخلllه يتواجllد
المفهومان بشكل مختلط أو مندمج،ويكمالن اإلستراتيجية التي من اآلن فصاعدا ال يمكنها أن تحد نفسها بمجllال واحllد فقllط يتعلllق بllالحرب،وال
يمكن أن تنغلق على نفسها في الحقل العسكري .فاإلستراتيجية العملياتية تمت إزاحتها بقوة من قبل إستراتيجية شllاملة تأخllذ في الحسllبان جميllع
التطورات واألبعاد الجديدة.
37
تدعم وتطllور الفكllر اإلسlتراتيجي األمlريكي من خالل المبlادالت الllتي حصlلت بين الجامعllات و المؤسسlات البحثيlة الكllبرى العامllة مثlل ( :
،)Institute of Defense Analysis، Centre of Naval Analysis، Congressional Research Serviceأو المؤسسات البحثية
الخاصة مثل .)Rand Corporation، Brookings Institute، American Entreprise Institute ( :أما الطرف اآلخر في المبادلة
كانت اإلدارة األمريكية،هؤالء بمجموعهم شكلوا "مجتمعا" إستراتيجيا حقيقيا ال يوجد له مثيل في العالم.
في بريطانيا،استطاعت هذه الدولة أن تقدم العديد من المنظرين اإلستراتيجيين الكبار،وقد كان في طليعتهم الفيزيائي P.M.S Blackettوالذي
كان من أوائل المتحدثين lعن دور السالح النووي في التخطيط اإلسlتراتيجي ،ثم Basil Liddell Hartوالlذي ّ
وضlح العديllد من المفlاهيم في
سlنوات الخمسlينات،السlيما من خالل التميlيز بين مصlطلحات كثlيرة تتعلlق بالشlؤون الدفاعية .في الواقlع،وفيمlا يتعلlق بlالفكر اإلسlتراتيجي
البريطاني،هناك من يعتقد بأن بريطانيا وبسبب عمق عالقاتها وارتباطها بالواليllات المتحllدة لم تسllتطع أن تضllع إسllتراتيجيات مسllتقلة خاصllة
بها،وقد انعكس هذا بدوره على الفكر اإلستراتيجي البريطاني.
على صعيد الدولة األلمانية،نستطيع lأن نرى وبوضوح اختفاء هذه الدولة من المسرح اإلستراتيجي العالمي بعد الفشllل الكبllير وفقllدان الشllرعية
للمؤسسات العسكرية األلمانية بعد الحرب العالمية الثانية.أم أهم مشاركاتها في هllذا المضllمار فكllانت عllبر بعض الكتllاب المllدنيين lمثllل Wolf
Schneider ، Erik Grawert-May، Panaiotis Kondylisو .Gunter Maschke
في فرنسllا،لم يكتب النجllاح لألبحllاث اإلسllتراتيجية المدنيllة في أن تتحllول إلى مؤسسllات دائمllة،وال في أن يكllون لهllا تllأثير فعلي على أرض
الواقع .فالمؤسسات البحثية الفرنسية تأثيرها هامشي بسبب ضعف اإلمكانيات والوسائل،ولكن أيضا ألسباب أكثر قوة وهي تكتم العسكريين فيمllا
يتعلق بالتخطيط العسكري وهيمنتهم على المعلومات والمعطيات التي ال يستطيع أحد سواهم الوصول أليها أو اختراقها .والمركlز الوحيllد الllذي
ساهم بتوجيه اإلستراتيجية الفرنسية هو مركز "التقييمات و التوجهات المستقبلية"،ويعود في ملكيته إلى وزارة الllدفاع .أمllا الجامعllات الفرنسllية
فلم تعرف "علم اإلستراتيجية"كتخصص،فهي تلحقه بالعلوم السياسية والتي ال تعطيه أهمية كبيرة أو عميقة.
3ـ النظام اإلستراتيجي.
أ ـ مفهوم ونظرية النظام اإلستراتيجي.
وضع عالم األحياء النمساوي 1901 ( Ludwig von Bertalanffyـ ،)1972نظريته "النظرية العامة لألنظمة" وذلك في كتابه " General
، " System Theoryوقد كتب عنها العديد lمن األبحاث و المؤلفات .عرفت هذه النظرية في البداية داخل أوساط العلوم البيولوجية ثم انتقلت
إلى العلوم األخرى ،السيما العلوم االجتماعية،وبشكل خاص في العلوم السياسية من خالل . David Estonكما أن هذه النظرية عرفت طريقا
لهlا إلى العالقlات الدوليlة بواسlطة Morton Kaplan و Karl Deutschفي الواليlات المتحlدة ،و Marcel Merleفي فرنسا .لكن هlذه
النظريllة لم تعllرف امتllدادا لهllا نحllو النظريllة اإلسllتراتيجية ،باسllتثناء محاولllة جllادة قllام بهllا ضllابط بحllري أرجنتيllني هllو Pablo Oscar
،Mazzoniوفي وقت متأخر على يد الجنرال Wardenفي كتابه "العدو كنظlام" .مlع ذلlك ،النظريllة العامllة لألنظمllة اسllتطاعت الlدخول إلى
اإلستراتيجية لتبين كم أصبح هذا العلم معقدا في العصر الحديث.
قدم Ludwig von Bertalanffyفي عام 1937مفهllوم "النظllام المفتllوح"،ثم قllام بتطllويره شllيئا فشllيئا إلى أن وصlل إلى "النظريllة العامllة
لألنظمة" .يقول العالم النمساوي في كتابه ":هدف هذه النظرية هو الوصول إلى مبادئ موضحة للكون أو العالم الllذي نعتlبره كنظlام،وبمسlاعدة
هذه المبادئ يمكننا تصميم أو "نمذجة"(من نموذج) الحقيقة" ،ويتابع قائال ":يوجد أنظمة في كل مكان" .ولكن ما هو النظام أو ما مفهومllه بشllكل
عام ؟إن الشهرة التي يتمتع lبها هذا المصطلح يجب أال تضعنا في موقف مفهومي غامض،حيث الكثير من علماء السياسllة تحllدثوا عن األنظمllة
السياسية ،Systèmeفي الوقت الذي تحدثوا فيه مسبقا عن النظام السياسي بمعنى ، régimeوذلك من غير تغيرات جوهريlة بlالمعنى القlانوني
أو الوصفي .النظام systèmeهو مفهوم عصري نستخدمه مع محتوى أشمل و أعم .ويعرف اإلبستمولوجي Paul Weissالنظام ":هو كل ما
كاف وذلك من أجل أن يستحق االسم" .مع ذلك نقول بأن نظرية األنظمة هي أكثر تعقيدا بكثير.
ٍ يملك التجانس بشكل
النظام عند Ludwig von Bertalanffyهو ":ك ٌل منظ ٌم والذي فيه جميع العناصر في عالقة قوية ويمتلك تنظيما داخليا .إنllه ينبثllق في بيئllة
فيها اإلجبار والقسر ويستقبل المطالبات،ثم يتصرف منتجا القرارات .أيضا هناك تيارا من التبادالت المستمرة تقام بين النظام وبيئته،مع lآلية من
مفعول رجعي يضمن اسlتقراره" ( .من كتابlه المشlار أليlه سlابقا) .هنlاك العديlد lمن االنتقlادات و األفكlار اإليديولوجيlة وجهت االتهامlات إلى
38
منظري التيار الذي ينظر "للنظام" ،Systèmeمنها أنه نقل عملية الصراع وحاول ترقيllة أو إعالء نمllوذج اجتمllاعي نظllري واحllد ومتفllرد من
اجل شرعنة الفكر المحافظ.
إن "النظرية العامة لألنظمة" يمكنها أن تسمح بإقامة نماذج إستراتيجية تأخذ بالحسبان تداخل اإلستراتيجيات في العصر الحديث،وتوضllح كيllف
يستطيع الفاعلون في هذا الميدان الحفاظ على هامش للمناورة يمكنهم استخدامه .فالصراع،هو أكثر مما كان في الماضي،شllكال من االتصllال و
التنظيم.فهذا المفهوم ال يمكن أن يصل إلى تحديllد أو حتميllة "نظامية" (من نظllام) والllتي ستصllل إلى إنكllار كllل الخطllوات اإلسllتراتيجية ،فهllذه
األخيرة "الخطوات اإلستراتيجية" تبقى وبشكل واسع مؤسسة على مبادرة الفاعل،سلوكه وتصرفه .عمليا،وبشكل أولي،يمكننا القlول أن الخطlوة
القادمة من نظرية النظام،تتكامل مع الخطوة اإلستراتيجية.
ب ـ نظام إستراتيجي ونظام تقني.
هناك أهمية وفائدة جوهرية للتحليل النظامي أو "النسقي" وهي اإلصرار على الشمولية وعلى العالقات الدائمة بين العناصر التي تؤلف النظllام.
هذه المقاربة هي بشكل خاص تم تبنيها من أجل البنى المعقدة التي ال تختزل في فئllة واحllدة من العناصlر أو الظllواهر .و اإلسllتراتيجية عllرفت
بشكل دقيق،في الحياة المعاصرة،تطورا نحlو تعقيllدات متناميllة تجعلهllا تختلllف أكllثر فllأكثر عن جميllع النمllاذج اإلسllتراتيجية الllتي وجllدت في
الماضي .ويمكننا التعرف على أهمية هذا التطور من خالل إجراء مقاربة مع مفهوم مركزي لتحليل المجتمعات المعاصllرة وهllو " التقllني" .في
عام 1977قام Jacques Ellulبتطبيق التحليlل النظlامي او النسlقي على التحليlل التقlني،ورأى أن الصlفات الlتي نعطيهlا للنظlام التقlني هي
متحولة أو متنقلة من غير خضوعها لتغييرات،ويمكن انتقالها إلى النظام اإلستراتيجي.
ووفق Jacques Ellulهناك تماثل حقيقي وواضح يبدأ مع تعريف قاعدة المفهوم .فالتقني بالنسبة له "هlو االنشlغال المسlبق بlالبحث في جميlع
األشياء عن المنهج األكثر فعَّالية" .يميز Jacques Ellulثماني صفات للظاهرة التقنية :
1ـ االستقاللية :يعني أن التقني ال يتبع إال نفسه،يخط طريقه لوحده،إنه عامل أساسي وجوهري وال يمكن أن يكون في المرتبة الثانية،ويجب أن
يعتبر جهازا قائما بحد ذاته،قادر على حكم نفسه،إنه هدف بحد ذاته .هنا يمكننllا أن نالحllظ تحليال يتعلllق باإلسllتراتيجية إنllه البحث عن عقالنيllة
تعتمد،في أقل تقدير ،الغايات السياسية .فاإلستراتيجية تمحور قواعدها الخاصة وتبحث للعمل داخل نظام مغلق .وهنا نرى انحرافا معينا ،رفضه
Clausewitzبقوة والذي يحمل الوسائل إلى غايات ما،وبالتlالي الحlرب بهlدف سياسlي،ولكن في العمlوم هlذا اتجlاه يمكن أن نجlده في جميlع
العصور وضمن مختلف الفعاليات اإلنسانية،وخاصة عندما يكون هناك خوف قادم من الخارج.
2ـ الوحدة :حيث التقنيات مرتبطة بعضها ببعض بشكل ال يمكن يوجد احllدها من غllير اآلخllر أو بواسllطته،وهي تابعllة لبعضllها بعض .وتجllزأ
اإلستراتيجية المعاصllرة سllيذهب في نفس السllياق و المعllنى.حيث تم االنتقllال من إسllتراتيجية الllردع إلى إسllتراتيجية الفعllل،من اإلسllتراتيجية
النووية إلى الحرب الثورية و ثم التدميرية .كlل هllذه العناصllر و المركبllات مرتبطllة ببعضllها .ومن األفكllار القويlة لإلسlتراتيجية النوويlة بعllد
التردد،هي أن الذرة ال يمكنها أن تكون إال في خدمة حماية المصالح الحيوية.اإلستراتيجية المعاصlرة يتم فهمهlا وإدراكهlا "ككل" مlع تفرعlات
أخرى،و "كنظام" مؤلف من تعدد lآخر يأتي تحت النظام وهو متشابك متداخل.
3ــ الشــمولية والعمومية :النظllام التقllني يمتllد إلى جميllع المجllاالت،حيث يوجllد في البدايllة شllمولية تتعلllق بالبيئllة ومنllاخ العمllل والفعاليllات
اإلنسانية.ثم يوجد شمولية جغرافية ،فالنظام التقllني يشllمل جميllع البلllدان .هاتllان الصllفتان توجllدان في اإلسllتراتيجية المعاصllرة.إن شllمولية أو
عمومية المجاالت هي حقيقة واقعية ألن اإلسllتراتيجية كمllا رأينllا سllابقا انتقلت من فضllائها العسllكري أو الحllربي لكي يتم تطبيقهllا في مختلllف
الحقول والميادين،إذا ال يمكن وضع حد لها في المجال الحربي،بل يتم وضعها بشكل كامllل وشllامل لجميllع الشllؤون ومن بينهllا العسllكرية،كمllا
االقتصادية والثقافية..الخ.
4ـ الجمع أو "التجميع" :يمكننا أن ندرس ظاهرة تقنية والتي بشكل عام ال يوجد دراسة أخرى خاصlة درس هlذا الجlانب فيهlا أو ذاك .فlالجمع
هو الوجه اآلخر للتخصيص.
5ـ النمو الذاتي :الدارس للنظام التقني يراه يتطور بشكل ذاتي أو من خالل قوة داخلية ومن غير تدخل كبير أو حاسم من قبل اإلنسان أراد ذلك
أم لم يرد .ففي اإلستراتيجية هذه الصفة تتجسllد في الثنllائي او المllركب العسllكري/الصllناعي .حيث أن البllاحثين،المصllنعين lلألسllلحة ورؤسllاء
األركان محاصرين بالخوف من يتم تجاوزهم أو تخطيهم ،وذلك بسبب السllباق في التطllوير الllذي يllؤدي في النهايllة إلى تطllور ذاتي داخلي في
قلب اإلستراتيجية.
39
6ـ اآللية أو التلقائية :ففي كل حالة أو وضع جديد،وفي كل ميدان أو حقlل جديllد،التقlنيون يتوافقllون في النتllائج وفي شlكل مسlتقل عن القlرار
اإلنساني .فاآللية ال تتخلى أو تتنازل في بداية االختيار،بل تعمل على االختيار من بين كل االختيارات التي وضعت،بمعنى تختار ما هو متوافق
مع اإلستراتيجية وما هو غير متوافق .في الواقعة هذه التلقائية أو اآللية تصل وتبلغ النموذج العلمي.
7ـ التقدم السببي و غياب الغاية :إن التقني ال يتطور ضمن مفهوم الوصول إلى غايات يريد متابعتهllا،ولكن ضllمن إمكانيllات للتطllور موجllودة
بشكل مسبق .ففي العصر النووي،الترسانة النووية يمكن فهمها ضمن رؤية تقنية مفتوحة على البحث ،أكثر من رؤيتهllا موجllدة لغايllات سياسllية
أو تتعلق بالخصم أو المنافس .والمشروع الذي وضعه الرئيس األمllريكي األسllبق ريغllان حlول "مبllادرة الllدفاع اإلسllتراتيجي" كllان لllه غايlات
سياسية،ولكنه لم يوجد على أرض الواقع إال بعlد مشlروع عمالق عlرف ميالده في المخlابر،وبعlد أبحlاث ليس لهllا أهllداف سياسllية محlددة أو
نوعية.
8ـ السرعة :لقد عرف النظام اإلستراتيجي سرعة كبيرة لم يشهدها من قبل منذ عام ،1945ليس فقط في الجllوانب التقنيllة،بllل أيضllا في أبعllاده
السياسية .ربما أصابه التباطؤ بعد انهيار االتحاد السوفييتي،ولكن فقط ضمن المجال العلمي .أما ظهور وتتعد األزمات المحلية واإلقليمية فربمllا
أو ستؤدي إلى ظهور اقتراحات جديدة تقود بدورها إلى تسارع جديد في السنوات القادمة.
ت ـ شمولية النظام.
تحدثنا سابقا أن التغيرات و التحوالت البنيويllة الllتي أحllدثتها التطllورات المعقllدة في جميllع مسllتويات اإلسllتراتيجية،جعلت من غllير الممكن أن
يكتفي أي جزء من النظام بنفسه أو أن يوضع في التنفيذ كجزء يعمل لوحده،بل ال بد أن يعمل كمركب من جزء متكامل.
على الصعيد التقني :يتم الحديث اليوم بشكل أكبر عن نظام األسلحة .أيام األسلحة الكالسيكية كانت استخدامها بسيط،بمعنى نحدد نقطllة مllا ويتم
اإلطالق عليهllا،مlع األسlلحة الحديثlة lنحن بحاجlة لبيئllة فيهllا الكثlير من الحسlابات المعقllدة والمتعقلllة،من غlير ذلllك ال نسlتطيع اسlتخدام هllذه
األسllllلحة.فالصllllواريخ مثال ال من برمجتهllllا قبllllل إطالقها .إن اسllllتخدام األسllllلحة الحديثllllة lيllllترافق بعناصllllر أخllllر تعتمllllد على
المعلومات،االتصاالت،القرار و أشياء أخرى.
فالمعومات ليست هي نفسها كما كانت في الماضي،يقدمها مجموعة من المخبرين وتراقب من قبل األجهزة والمؤسسات العسكرية ثم توجه لقلllة
من المقررين .فالمعلومات اليوم مطلوبة في جميع الميادين وتقوم فيها وفي معظم األحيان وكاالت متخصصة تخضع لسلطة مدنيllة،مllع وسllائل
بالغة التقدم والتعقيد،تكنولوجية و إنسانية.ثم توزع بطرق غامضة بسرعة كبيرة وعلى جميع المستويات المدنية lوالعسllكرية وغيرهlا،وذلlك من
أجل الوصول وضمان تحقيق بيئة إستراتيجية متكاملة تستطيع التحرك بأفضل وأحسن حال أو شكل.
أما االتصاالت فهي مضمونة من خالل مجموعة من الوسائل السريعة و الفعالlة،ولكن يمكن تعطيلهlا بشllكل سlريع أيضا.من هنlا جlاء التطllور
الكبير في وسائل الحماية و السرية .والصراع حول أنظمة االتصاالت عرف تطورا ضخما خالل الحرب العالمية الثانية .فيما يتعلق بالقرار،فقد
أصبح من الواجب السيطرة على معطيات كثيرة ومختلفة في هذا الشأن،كما أن السلطة المدنية لم تعد تسمح للسلطة العسlكرية بالحريlة المطلقlة
في اختيار الوسائل والطرق.
من اآلن فصاعدا أصبحت وسئل المساندة الدائمة والضخمة تحقق نتائج كبيرة على الصعيد اإلسllتراتيجي،مثllل الllدعم اللوجسllتي وغllيره ،الllتي
تقدم دعما كبيرا للقوات وتبقى في اتصال معها،وتجعلها قادرة على الحفlاظ على مسllتواها لمllدة كبllيرة،كمlا أنهlا تقlوم بlترميم كlل مllا يتعlرض
للتدمير lوبسرعة استثنائية.
على الصعيد اإلســتراتيجي :النظlام اإلسllتراتيجي هlو تنظيم جميllع القlوى الlتي توضlع في العمlل وفي خدمlة اإلسllتراتيجية العامlة،الشlاملة أو
الوطنية .هذا النظام يتجاوز عمليات الفصل والتمييز المعروفة بين السياسة الداخلية والسياسllة الخارجيllة،وبين الدبلوماسllية و اإلسllتراتيجية في
تعريفها الكالسيكي،بين المؤسسات وجماعات الضغط.؛في عملية هندسية معقدة تنقسم إلى فضائين أساسيين ،مlادي مثlل ( القlوى) وثقlافي مثlل
(المذاهب والتيارات،الثقافة اإلستراتيجية) ،و معنوي مثllل ( االنتمllاء واالرتبllاط باألمllة،ترابllط وتعllاون النخب الحاكمة) ،وهllذا مllا سllماه بعض
اإلستراتيجيين " المعنوي اإلستراتيجي".
هذان الفضاءان يتبعان أو يصبهما تأثير خاضع للبيئة أو المناخ الذي يوجدان فيه وهو ما نسميه "المدخالت" ،ويحاوالن التفاعllل معllه من خالل
تثبيت األهداف الحالية أو الكامنة والتي في النهاية تتعارض مع أهداف العدو أو الخصم .هذه األهداف متغيرة ومتبدلة حتى يكون لديها اسllتعداد
المواجهة مع الظروف والمتغيرات .أما وضعها في التطبيق يتطلب قرارات ستصطدم بعمل النظام وسيره مثل (البيروقراطية،الدعم اللوجسllتي
والمساندة،والحالة الفنية و التقنية) ؛هذا االصطدام يترجم باتخاذ قرارات خاطئة أو بعدم اتخاذ القرار.
40
ث ـ في تداخل العالقة بين العوامل الداخلية و الصراعات الدولية.
بالتأكيد هناك قيمة كبيرة للمصلحة التي تحددها العوامل الداخلية لإلستراتيجية وللسياسة الخارجية.مع ذلك يجب االبتعllاد نهائيllا أو تجنب فقllدان
الرؤية الصحيحة فيما يتعلق بالعامل المركزي أو األساسي ،هذا العامل هو أن اإلستراتيجية تفترض دائما خصما أو منافسا محددا .إذا ال بllد من
وجود عدو موضوعي أو يمكن اإلشارة إليه ومعرفته بطريقة ما ( ،كما كان االتحllاد السllوفييتي مثال موضllع انشllغال دائم للواليllات المتحllدة أو
للدول الغربية بشكل عام) Colin Gray .تحدث عن وجود طبيعتين لسباق التسلح ،هاتان الطبيعتان ناتجتان عن ظاهرة الفعل /ورد الفعل،والتي
أصبحت أكثر تعقيدا من خالل تدخل الضغوطات الداخلية.
إن وجود سباق للتسلح يفترض التنافس بين اثنين على األقل .واألمثلة التاريخية هي كثيرة على هذه الحالة ،مثل التنllافس البحllري بين ألمانيllا و
إنكلترا في بداية القرن العشرين،التنافس البري بين فرنسا وألمانيllا بين عllامي 1870ـ،1940الصllراع والتنllافس األمllريكي ـ السllوفييتي طيلllة
الحرب الباردة .يمكن أن يبدأ السباق من قبل بلد يريد ردع كل التصرفات العدوانية من خالل إظهار قوته الهجومية و الدفاعية،أو من اجllل دعم
قوته الدبلوماسية،وهي عوامل تتعلق هنا بالسياسlة الخارجية.وأيضlا يمكن لسlباق التسlلح أن يبlدأ ألنlه من الضlروري والمفيlد عنlد العديllد من
الفاعلين والمستفيدين في هذا المضمار .ويمكن أن يكون نتيجة لعملية سياسية ،كما فعل الرئيس جون كنيllدي بالحllديث عن صllاروخ gapأثنllاء
حملته االنتخابية في عام .1960
Colin Grayيحllدد ثمانيllة عوامllل أو تllأثيرات داخليllة محرضllة أو تشllترط سllباق التسllلح،وهي تظهllر كحالllة إجباريllة ناتجllة عن تهديllدات
خارجية،هذه العوامل هي:
ـ الجمود
ـ التقنية
ـ مصالح المقررين
ـ وباء الخوف من أن يسبقك اآلخرون
ـ التخطيط
ـ المذهب اإلستراتيجي
ـ الحكومة وعالقتها مع الجيش
ـ الموقع الجغرافي
هذا المثال عن التسليح يظهر الطبيعة المزدوجة و المعقدة لسباق التسلح والذي ال يمكن اختزاله إلى فئة واحدة من العوامل .من هنllا تllأتي فائllدة
التحليل "النظامي" (من نظام)،والذي يأخذ بالحسبان هذا التراكب imbricationبين العوامل الداخلية و العوامل الخارجية.
4ـ االستشراف اإلستراتيجي.
ـ مفهوم "الثورة داخل الشؤون العسكرية".
إن فكرة النظام بدأت في أخذ مكانها داخل المفردات اإلستراتيجية،السيما بعllد دخllول فكllرة الثllورة في الشllؤون العسllكرية.أتت هllذه الثllورة في
الشؤون العسكرية من قبل الواليات المتحدة األميركية،وذلك من خالل أدب جديد وغزير تناول هذا المفهوم مع مطلllع التسllعينات.حllاول الكثllير
من المنظرين البحث عن أصول بعيدة لمفهوم الثورة في الشؤون العسكرية،حتى أن بعضهم عاد به إلى منتصف القرن التاسع عشllر،ولكن هllذا
المفهوم يبدو انه أحدث من ذلك بكثير .فقد عمد السوفييت إلى تطوير فكرة "الثورة في األشياء العسكرية" منذ عام ،1963وفي عام 1980فتحوا
حوارا حول "الطرق التكتيكية lالجديدة"،حتى أن بعض المعلقين أطلق عليه "الثورة التكتيكية."l
إن مصطلح ) ،Revolution in Military Affairs ( RMAظهر في المفردات األميركية في سنوات التسعينات وذلك بتحريض من مدير
،Net Assessment Office of Pentagoneوهو ، Andrew w. Marshallحيث وقف مع الفكر القائلة بأن الثورة العميقة التي نتجت عن
التجديدات التقنية سيكون لها نتائج مذهبية doctrinalesكبيرة .أما ( B B )RMAفقد كان موضوعا لتقرير سllري في عllام ،1992ثم تم نشllره في
السنة التالية .إذا الحوار حول المصطلح انطلllق وبقllوة،إن كllان بين المحللين أو في جميllع وحllدات الجيش،والllتي بllدورها وضllعت مجموعllات
متخصصة هدفها الوصل إلى بناء مذهب جديد.
إن الفكرة األساسية للمفهوم ترتكز على أن الحرب من اآلن فصاعدا قد تغيرت بشكل جذري فيما يتعلق بطريقة وآلية العمل،أو بطبيعتها،السيما
مع قدوم وسائل أخرى جديدة في المراقبة و بناء جيوش لها قدرات كبيرة ودقيقة في نفس الllوقت .أمllا الشllجاعة واإلرادة اإلنسllانية فقllد وجllدت
أيضا من اآلن فصاعدا أمام أو في مواجهة التقنية .فالتقنية تحكم في جميع المجاالت،إنها تفرض تغيرات مذهبية وعملياتية لها اتساع كبير .وقllد
41
تحدث البعض،مثل األميرال " "Owensعن مفهوم جديد في هذا المضمار وهو "نظام األنظمة" من أجل اإلشارة إلى أنه ال يوجد أي قطاع من
السياسة أو اإلستراتيجية لم تتدخل هذه التحوالت الجديدة.
وقد ظهرت العديد lمن الكتب القت نجاحا كبيرا في هذا الموضوع،السيما War and Anti Warفي عام 1993لمؤلفه Alvin and Heidi
،Tofflerوقد ترجم بشكل سريع إلى الكثير من اللغات،ترجمة ساهمت في تعميم ونشر فكر أن الحرب هي "كبسة زر"
إن مفهوم "الثورة في الشؤون العسكرية" قدم في مراحل متعددة بشكل مغال فيه،حتى أصبح البعض يعتقده أكثر أهمية من الثورة التي صllاحبت
السالح النووي نفسه .أما المعلومات ستصبح من اآلن فصاعدا من المفردات التي تضم بقوة على اإلستراتيجية .حيث ستسمح بإبعاد الشك وعllدم
اليقين من أمام كل من يستخدمها ويسيطر عليها،ستساعد في معرفة ماذا نهاجم،كيllف ومllتى .حllتى أن المرجllع األمllيركي المتعلllق بالعمليllات "
"FM 100-5سيضاف إليه ملحقا تحت اسم " عمليات المعلومات" .FM 100-6
هذان المرجعان سيضعان في التنفيذ مفاهيم عملياتية جديدة :المناورة الكبرى ،والتي تؤسس على القدرة في السيطرة على المعلومات والحركة
؛ االلتزام الدقيق،وفيه تحدد الوحدات أهدافها وكيفية الوصل إليها بجهد أقل؛ الحمايــة الكاملة ،والllتي تضllمن الحريllة الكاملllة في الفعllل وتقllدر
الخسائر ؛ اللوجستيك المدمج ،حيث يحدث التوافق من خالله في تقنيات المعلومات التي تسمح بدورها وسائل نقل تllؤدي لllردة فعllل سllريعة في
األزمات وعلى جميع المستويات.
ـ في نقد مفهوم وخطاب "الثورة في الشؤون العسكرية".
لقد كرّس الحوار حlول مفهlوم "الثlورة في الشlؤون العسlكرية" نفسlه ليقlول بضlرورة وجlود هندسlة شlاملة و تماسlك بين الجlوانب التقنيlة و
العملياتية .نتllذكر هنllا أن مسllاعد وزيllر الllدفاع األمllيركي Edward Warnerيعllرف الثllورة في الشllؤون العسllكرية كتوافllق في تقنيllات
جديدة،وتغيرات مذهبية ،ثم بتغيرات في البنى .ويضllيف أن الكثllير من التغllيرات هي متطllورة عن أشllياء سllابقة أو عن غيرهllا،أكllثر ممllا هي
تغيرات ثورية ،وهذا ما يقود للقول بأن تلك التحوالت و التغيرات الجذرية هي غامضة أو مبهمة.l
أما البحث عن المعلومات فهو معطى دائم في تاريخ اإلستراتيجية،وعدما نغير كلمة "معلومات" بكلمة أخlرى هي "مخlابرات" فهlذا ليس مlبررا
للقول بأن تغيرا جذريا قد حصل.ويتllابع المتشlككون في هlذه "الثlورة" القlول أو التسlاؤل :هlل المخlابرات أو المعلومllات تسllتطيع بشllكل فعلي
القضاء على الشك وعدم اليقين،محولة الحرب بذلك إلى لعبة؟ أما جوابهم فهو أن العامل اإلنساني يبقى له دور كبير في الموضوع،بحيث أنllا ال
نستطيع إعطاء أو توصيف ردة الفعل اإلنسانية بشكل ناجز وكامل .وقد كانت الحرب في كوسllوفو و حllرب الخليج أمثلllة جيllدة على االختالف
في وجهات النظر حول "الثورة داخل الشؤون العسكرية".
ـ ماهية ومعنى خطاب "الثورة في الشؤون العسكرية".
الثllورة داخllل الشllؤون العسllكرية كllانت خطابllا في البدايllة أكllثر ممllا هي إشllارة على متغllيرات تقنيllة،كمllا كllانت في البدايllة "مبllادرة الllدفاع
اإلستراتيجي" التي وضعها الرئيس األسبق ريغان .ولكن هذه اإلثارة و االنتشار النظري كانت نتيجة لمفهوم يحاول اإلجابة على منطقين :داخلي
وخارجي" .فالثورة" هذه،كانت عمليllة من أجllل شlرعنة بنيllة وتطllوير القllوى المسllلحة األميركية .والمقصlود هنllا أن وزارة الllدفاع األميركيllة
"البنتاغون" قد تبنت التغيرات الكبيرة وفي جميع الميادين والتي تظهر اليllوم بشllكل كبlير أو يتم إنتاجهllا على جميllع المسllتويات،أو هي التجديlد
العسكري نفسه.إن خطاب هذه "الثورة" هو موضوع محرك على صعيد المذاهب العسكرية وخاصllة في داخllل المؤسسllة العسllكرية،وهllو فعَّال
على الصعيد السياسي في مواجهة محاوالت تخفيض أو تقليص الميزانيات العسكرية.
أيضا خطاب "الثورة" يشكل رسالة هامة يمكن توجيهها إلى الخارج .فالواليات المتحدة تقترح من جديد نموذجا للعالم بأسره،فهي تبين وفي نفس
الوقت أنها ما تزال متقدمة على العالم ومهما حصل،وأن المستقبل سيكون ملك الجيوش التي تتطابق مع هذا النموذج،أي النموذج األميركي.أمllا
الذين يرفضون هذا التطور اإلجباري فهم في نظر أصحاب "الثورة" ليسوا إال متأخرين عن التطور .ولكن تجربة اللحاق بالواليات المتحllدة من
قبل الدول العظمى مكلفة جدا وخاصة فيما يتعلق بالتحديث في الشؤون العسكرية.
فمن جهة،محاولة تقليد الواليات المتحدة تعني البقاء تحت خط قوتها،والسllبب هllو عllدم وجllود اإلمكانيllات أو حllتى امتالك منllاهج عمllل وسllير
التحديث األميركي .ومن جهة أخرى،هناك العديد من القوى ترى أن الوسائل التقنية المعروضة من قبل مفهوم"الثورة داخل الشؤون العسllكرية"
ربما تكون مفيدة من اجل وضع أو بناء إستراتيجية ليس في الحقل العسكري فقط،بllل في جميllع المجllاالت.إذا ،وفي قراءتنllا لمفهllوم أو خطllاب
"الثورة داخل الشؤون العسكرية" نعرف ما هي التطبيقات العملية التي يستطيع أن يقدمها مفهllوم يتصllف بأنllه مجllرد أكllثر من مفهllوم "النظllام"
42
الذي أوردناه سابقا" .فالثورة" هنا تذكرنا بضرورة فهم وإدراك اإلستراتيجية بشكلها الشllمولي وليس الجllزئي،مهمllا كllانت إسllتراتيجية تقنيllة أو
تعتمد مذهبا بحد ذاته .أيضا،تحليل هذا الخطاب يسمح بمعرفة الخلفية اإليديولوجية للمفاهيم التي تقدم نفسها على أنها مفاهيم تقنية خالصllة،وهي
في الواقع تضع نفسها في خدمة وجهة نظر سياسية أو مشروع سياسي.
في النهاية،يرى الكثير من اإلستراتيجيين أن البعد العسكري ليس إال عنصر من العناصر األخرى لإلستراتيجية،فاليوم هناك صعود كبير وقوي
للبعد lاالقتصادي،طبعا من غير أن ننسى الثورة المعلوماتية التي ال تقل أهمية.إذا النظرة وحيدة الجانب أو التي تعتمlد lالبعlد العسlكري فقllط هي
في نفس الوقت،نزعة ذاتية أو استعالئية تهدف للرفع من شأن بلد على حساب البلدان األخرى،وتتجاهل التعددية الثقافيllة بين األمم و تنطلllق من
موقف قومي يمكن أن نصفه بالتطرف ،وهي أيضا معرفة غير عميقة بطبيعllة اإلسllتراتيجية،ومؤسسllة على عالقllة صllراعية conflictuelو
على إمكانية تحقيق إقصاء نهائي يصل لدرجllة تغيب الخصlم من الوجllود نهائيا .إن مفهlوم البعlد الواحllد لإلسlتراتيجية ليس بمفهlوم جديlد فقlد
تحدث عنه إستراتيجيو الصين السيما Sun Ziعندما قال ":الحرب هي ميدان الحياة والموت،إنها الطريق الذي يؤدي للحياة أو للعدم والفناء".
إذا نظرنllا بعمllق إلى تllاريخ التحllوالت و التغllيرات الllتي اسllتمرت منllذ 2500عllام،وبشllكل خllاص تلllك التحllوالت الllتي نراهllا اليllوم أمllام
أعيننا،نستطيع القول إن حكمة هذا اإلستراتيجي الصيني بقيت وستكون األساس أو جllوهر كllل فكllر إسllتراتيجي .وهllذا مllا سllنتابعه في دراسllة
الحقة لهذا الكتاب.
43