‫نبذة عن صاحب النظرية وتكوينه العلمي‬

‫تميّز القرن الخامس الهجري بنضج العلم والتأليف واإلبداع‪ ،‬حيث تكاملت فيه شتى علوم العربية من نح ٍو وبالغة‬
‫وفقه ونقد وغيرها‪ ،‬وجمعت فيه ك ّل دواوين الشعر‪ ،‬وألّفـت فيه المعجمات ودوّنت المفردات؛كما برزت فيه‬
‫طوائف مختلفة من متكلّمين و أشاعرة ومعتزلة‪ ،‬هؤالء الذين عالجوا مختلف القضايا العلمية واألدبية والدينية‬
‫بمنطق العقل واالجتهاد‪ ،‬معتمدين في ذلك على حرية اإلدالء بآرائهم وحق مناقشتها والدفاع عنها‪.‬‬
‫ومن أهم ما تميز به هذا العصر والدة نادرة البطون‪ ،‬ونابغة البلغاء ورئيس حلبة الفصحاء أبو بكر عبد القاهر بن‬
‫عبد الرحمن بن محمد الجرجاني‪ ،‬الذي ولد في مطلع القرن الخامس هجري‪ .‬وهو من أصل فارسي من أهل‬
‫جرجان‪ ،‬الواقعة في شمالي إيران بين طبرستان و ُخرسان‪ ،‬قرب بحر الخرز وهذا سبب نسبه إلى جرجان‪ ،‬فقيل‬
‫[‪]1‬‬
‫الجرجاني"‪.‬‬
‫ولد بجرجان ونشأ فيها ونهل مختلف العلوم في بلدته‪ ،‬لزم أستاذه أبا الحسن محمد بن الحسين بن محمد بن الحسين‬
‫بن عبد الوارث الفارسي النّحوي (ت‪421‬هـ)‪ ،‬وهو ابن أخت العالمة أبي علي الفارسي‪ ،‬وكان يع ّد إمام النحاة‬
‫بعده‪ ،‬فعكف على دروسه وأخذ عنه ك ّل علمه‪ ،‬ولم يذكر أنّه خرج من بلدته جرجان إلى غيرها‪ ،‬حتّى توفي فيها‬
‫(سنة‪471‬هـ)‪ ،‬أ ّما سنة والدته فبقيت مجهولة "‪.‬‬
‫وبعد أن أت ّم تعلمه‪ ،‬اشتغل بالتدريس في بلدته‪ ،‬وروي أنّه برز في ميدان الشعر أوال‪ ،‬وحاول التكسب به إالّ أنّه لم‬
‫[‪]2‬‬
‫يظفر برضا الملوك واألمراء‪ ،‬فمال إلى التأليف والتدريس محاوال اإلبداع فيهما"‪.‬‬
‫ي األصول‪ ،‬حيث طبّق الكثير من مبادئ األشاعرة في االجتهاد والجدل‬ ‫كان عبد القاهر شافع ّي المذهب‪ ،‬أشعر ّ‬
‫ّ‬
‫ومناقشة المفاهيم على مؤلفاته‪ ،‬وبدا ذلك في كتابيه "أسرار البالغة"و"دالئل اإلعجاز" اللذين برزت شهرته من‬
‫خاللهما‪ ،‬وأثبت فيهما مدى تمسكه بدينه‪ ،‬واعتزازه بالكتاب والسنة واعتبارهما قدوة ك ّل مقتــد‪ .‬كان اإلمام عبد‬
‫[‪]3‬‬
‫القاهر ُمصنِّفا مكثرا‪ ،‬وج ّل مؤلفاته في النّحو‪ ،‬ولكن فيها مختارات‪ ،‬وعروض وإعجاز‪ ،‬وأكثرها مخطوط‪.‬‬
‫ع ّد بكتابه "دالئل اإلعجاز"من أبرز النّقاد في تاريخ األدب‪ ،‬وأثبت ببراعته أنّه صاحب نظرية علمية دقيقة‪ ،‬كان‬
‫هدفه األساسي منها بيان مدى إعجاز القرآن‪ ،‬الذي بلغ أعلى درجات الفصاحة والبالغة‪ ،‬فكانت بذلك دالئله‬
‫عصارة فكره وغاية جهده‪.‬‬

‫كيف شرح عبد القاهر الجرجاني نظرية النظم في دالئل اإلعجاز؟‬

‫شرح عبد القاهر الجرجاني نظرية النظم في كتابه دالئل اإلعجاز وعرضها عرضا واسعا ‪،‬ففي مقدمته يعرف‬
‫النظم بأنه(تعليق الكلم بعضها ببعض‪،‬وجعل بعضها بسبب من بعض ‪،‬والكلم ثالث‪:‬اسم وفعل وحرف‪،‬وللتعليق‬
‫فيما بينها طرق معلومة‪،‬ال يعدو ثالثة أقسام‪:‬تعلق اسم باسم‪،‬تعلق اسم بفعل‪،‬تعلق حرف بهما) وبذلك كان أول ربط‬
‫بين النظم وعلم النحو‪.‬‬

‫الفرق بين نظم الحروف ونظم الكلم‬

‫نظم الحروف‪:‬هو تواليها في النطق فقط وليس نظمها بمقتضى عن معنى ‪،‬وال الناظم لها بمقتف في ذلك رسما من‬
‫العقل‪،‬فلو أن واضع اللغة كان قد قال "ربض" مكان "ضرب" لما كان في ذلك ما يؤدي إلى فساد‪.‬‬

‫أما نظم الكلم‪:‬تقتضي في نظمها آثار المعاني وترتيبها على حسب ترتيب المعني في النفس‪،‬وليس هو النظم الذي‬
‫معناه ضم الشيء إلى الشيء كيف جاء واتفق‪.‬‬

‫خالصة قول الجرجاني‬

‫النظم هو توخي معاني النحو وأحكامه فيما بين الكلم من عالقات حيث يقول "واعلم أن ليس النظم إال أن تضع‬
‫كالمك الوضع الذي يقتضيه علم النحو‪،‬وتعمل على قوانينه وأصوله‪،‬وتعرف مناهجه التي نهجت‪،‬فال تزيغ‬
‫عنها‪،‬وتحفظ الرسوم التي رسمت فال تبخل بشيء منها"‪ ]4[.‬وهذا التعريف الشامل يوضح مدى العالقة بين علم‬
‫النحو وعلم المعاني في تحديد نظرية النظم‪.‬‬

‫ما الفرق بين النظم والنحو؟‬