You are on page 1of 351

‫هل هناكل إنسان‬

‫بقلآدم لعيه السالم ؟‬


‫ْ‬
‫بين اإلسالم و األديان السماوية و ال ِعلم‬

‫دار علم الحكـمـة‬ ‫أمين رياض لعريـبي‬


‫دار علم الحكمة‬

‫مجيع احلقوق حمفوظة‬

‫عنوان الكتاب‪ :‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪ -‬بني اإلسالم واألداين‬
‫السماوية والعلم ‪-‬‬

‫البلد‪ :‬اجلزائر‬

‫الطبعة‪ :‬طبعة اثنية ‪1442‬ه‪2020-‬م‪ ،‬اجلزائر العاصمة‬

‫إلرسال تعليقاتكم‪ :‬الربيد اإللكرتوين‪:‬‬


‫‪aminee206@gmail.com‬‬

‫ردمك‪978-9947-35-117-8 :‬‬

‫العنوان‪ :‬حي ‪ 18‬مسكن "للمعلمني" عمارة ب رقم ‪ 07‬سحاولة اجلزائر العاصمة‬

‫رقم اهلاتف‪213.21.35.32.03 :‬‬


‫هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟‬
‫بني‬
‫اإلسالم واألداين السماوية والعلم‬

‫أتليف‪ :‬أمني رايض لعري ـ ـبــي‬

‫مراجعة لغوية‪ :‬األستاذ عمر عريب وغريه‬


‫‪ -----------------------------‬املقدمة ‪5 -------------------------‬‬

‫مقدمة‬
‫احلمد هلل وحده‪ ،‬الذي أنزل القرآن الكريم تِب َيانًا لكل يشء‪ ،‬والصالة والسالم‬
‫عىل سيد ولد آدم الذي ختم به النبوة والدين‪ ،‬والذي مل يرتك لنا شيئا إال وذكر لنا منه‬
‫عل ًم مبني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫لقد ظهر اجلدال يف إمكانية وجود برش قبل آدم عليه السالم‪ ،‬وذلك لظهور‬
‫إشكاالت‪ ،‬أمهها نكاح املحارم املرتتب عىل كون آدم عليه السالم وزوجه حواء عليها‬
‫السالم‪ ،‬كانا أول زوج برشي وحيد عىل وجه األرض‪ ،‬إذ يستلزم من ذلك أننا أبناء‬
‫حمارم‪ ،‬كون لن جيد أبناء آدم عليه السالم إال أن ينكحوا أخواهتم‪ ،‬كي يستمر النسل‪.‬‬
‫وقد زاد هذا اإلشكال يف إمكانية وجود برش قبل آدم عليه السالم ال سيم يف‬
‫العرص احلديث بعدما ظهرت إشكاالت أخرى‪ ،‬وبخاصة بعد تطور العلم احلديث‪،‬‬
‫واكتشاف آثار ألناس كثريين عاشوا يف األرض بمئات آالف السنني بل أكثر من مليوين‬
‫سنة‪ ،‬قبل الفرتة التقريبية التي قد َرت ألبينا آدم عليه السالم‪ ،‬والتي هي حوايل سبعة‬
‫آالف سنة من اآلن‪ )1(.‬وإن قال أحد إن هذا الرقم من زمن آدم عليه السالم هو ليس من‬

‫)‪ -(1‬انظر‪ :‬سامي بن عبد اهلل املغلوث‪ ،‬أطلس تاريخ األنبياء والرسل‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ط السادسة‪،‬‬
‫الرياض‪1426 ،‬ه‪ ،‬ص ‪ .50‬وسيأيت إن شاء اهلل البحث يف هذا التاريخ بتفصيل‪.‬‬
‫ود َما َي ْق َت ِِض‪َ :‬أ َّن‬
‫اب ا ْلعه ِد ِعن ْدَ ا ْليه ِ‬
‫َ‬
‫وينقل ابن عاشور يف تفسريه‪ " :‬و َق ْد جاء ِيف ِس ْف ِر ال َّتك ِْو ِ ِ ِ‬
‫ين م ْن ك َت ِ َ ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫ف َقب َل ِميالَدِ‬ ‫ني وتِس ِع ِمئ ٍَة و َثالَ َث ِة َآال ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ت ي َوافِق َسن ََة ‪ 3942‬ا ْثنَ َت ْ ِ‬ ‫ض ِيف و ْق ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ني َو َأ ْر َبع َ َ ْ‬ ‫آ َد َم و ِجدَ عَ َىل ْاألَ ْر ِ َ‬
‫ف َقبْ َل ِميال َِد‬ ‫ني سن ًَة َف َتكون و َفاته ِيف سن َِة ‪ 3012‬ا ْثنَ َتي عَ ْرش َة و َثالَ َث ِة َآال ٍ‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِعيسى و َأنَّه َ ِ‬
‫عَاش ت ْس َع ِمئَة َو َثالَث َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ني‪( ".‬حممد الطاهر بن عاشور التونيس‪ ،‬التحرير‬ ‫ط السن ِ َ‬ ‫ون ل ِ َضب ِ‬
‫ْ‬ ‫ون ا ْمل َّتبِع َ‬‫يسى َه َذا َما ت ََق َّب َله ا ْملؤَ رخ َ‬ ‫ِ‬
‫ع َ‬
‫والتنوير‪ ،‬الدار التونسية للنرش‪ ،‬تونس‪ .)230/3 ،‬وحتى ولو ذهبنا تنز ً‬
‫ال وزدنا يف زمن آدم عليه‬
‫الس الم فإنه من الصعب أن يتجاوز العرشة آالف سنة‪ ،‬بينم قد وجدت هياكل عظمية ألنسان ال تعد‬
‫بمئات اآلالف من السنني بل بعضها يفوق املليون سنة‪ .‬وسيأيت بإذن اهلل بعض الكالم يف ذلك‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪6 --------------‬‬

‫الكتاب أو السنة‪ ،‬فاجلواب أنه يوجد حديث عن النبي صىل اهلل عليه وسلم قد يقربن َا‬
‫من هذا القول‪ ،‬أو عىل األقل َيدلنا أن الزمن الذي َم َض عىل آدم عليه السالم هو حوايل‬
‫بضعة آالف من السنني فقط‪ ،‬وهو قوله صىل اهلل عليه وسلم‪( :" :‬كان بني آد َم ونوحٍ‬
‫قرون)‪ )1(.‬ويمكن بعد هذا احلديث أن نحسب‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫قرون‪ ،‬وبني نوحٍ وإبراهيم عرشة‬ ‫عرشة‬
‫الزمن بني النبيني إبراهيم وحممد صىل اهلل عليهم وسلم بالرجوع إىل بعض اآلثار‪ ،‬مثل‬
‫اح ٍد ِم ْن َأ ْه ِل ا ْل ِعلْ ِم‪،‬‬ ‫ري و ِ‬
‫ما رواه الطربي يف تارخيه وابن سعد يف الطبقات الكربى‪َ " :‬ع ْن َغ ْ ِ َ‬
‫ني آ َد َم ونوح عرشة قرون‪ ،‬والقرن مائة سنة‪ ،‬وبني نوح وإبراهيم عرشة‬ ‫َقالوا‪ :‬ك َ‬
‫َان َب ْ َ‬
‫قرون‪ ،‬والقرن مائة سنة‪ ،‬وبني إبراهيم وموسى بن عمران عرشة قرون‪َ ،‬وا ْل َق ْرن ِمائَة‬
‫ود إِ َىل َب ْعث َِة‬
‫سن ٍَة‪ )2( ".‬ويقول بن حجر العسقالين‪" :‬و َق ِد ا َّت َف َق َأهل النَّ ْق ِل َع َىل َأ َّن مدَّ َة ا ْليه ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َت َأ ْكثَر ِمن َأ ْل َفي سن ٍَة ومدَّ َة النَّصارى ِمن َذل ِ َك ِست ِمئ ٍ‬ ‫اَّلل َع َليْ ِه َو َس َّل َم كَان ْ‬
‫َة"‪)3(.‬‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ ْ َ َ‬ ‫النَّبِي َص َّىل َّ‬
‫وه ـذا ما ي ـجعل زمن آدم عليه السالم من الستة آالف إىل الس ـبعة آالف س ـ ـنة م ـ ـن اآلن‬
‫– وهنالك آثار أخرى مصدرها الصحابة والتابعون تقرتب من هذا القول كذلك‬

‫وصححه األلباين‬
‫)‪ - (1‬أخرجه احلاكم (‪ ، )262/2‬والطرباين يف "املعجم الكبري" (‪َ ،)139-145/8‬‬
‫يف السلسلة الصحيحة‪ ،‬مكتبة املعارف للنرش والتوزيع‪ ،‬ط األوىل‪ ،‬الرياض‪ ،‬رقم ‪.852/7 ،3289‬‬
‫وروى الطرباين أيضا من حديث أيب أمامة ريض اهلل عنه‪ ( :‬أن رجالً قال‪ :‬يا رسول اهلل ! أنبي كان آدم‬
‫؟ قال‪":‬نعم‪ ،‬مع َّل ٌم مك َّل ٌم "‪ .‬قال‪ :‬كم بينه وبني نوح ؟ قال‪ ":‬عرشة قرون "‪.‬قال‪ :‬كم كان بني نوح‬
‫وإبراهيم ؟ قال‪ ":‬عرشة قرون "‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل! كم كانت الرسل؟ قال‪" :‬ثالث مئة ومخسة‬
‫عرش‪ ،‬مج ًا غفري ًا"‪ ).‬رواه الطرباين يف املعجم األوسط (‪ 398/2/24/1‬ترقيم األلباين)‪ ،‬قال احلاكم‪:‬‬
‫"صحيح عىل رشط مسلم "‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ ،‬وقال اهليثمي‪":‬رواه الطرباين‪ ،‬ورجاله رجال الصحيح؛‬
‫غري أمحد بن خليد احللبي‪ ،‬وهو ثقة"‪ .‬وكذلك صححه األلباين يف سلسلة الصحيحة‪ ،‬انظر‪ :‬األلباين‪،‬‬
‫سلسلة األحاديث الصحيحة‪.852/7 ،‬‬
‫)‪ -(2‬رواه الطربي يف تارخيه‪ ،235/2 ،‬ابن سعد الطبقات الكربى ‪.44/1‬‬
‫)‪ -(3‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪1379 ،‬ه‪.449/4 ،‬‬
‫‪ -----------------------------‬املقدمة ‪7 -------------------------‬‬

‫سأفصل فيها يشء من الكالم بإذن اهلل يف حملها ‪ )1(.-‬ويمكن كذلك زيادة التأكد من‬
‫هذا الزمن من جهات أخرى كإحصاء سلسلة نسب النبي صىل اهلل عليه وسلم من اآلباء‬
‫التي بينه وبني أبيه إبراهيم عليه الصالة والسالم‪ ،‬وكل هذا ما جيعل من املدة الزمنية التي‬
‫بين ــنا وب ـني آدم ع ـليه السالم ال خت ـ ـ ـتـ ـلف ك ـث ـريا عن ال ـعـ ـدد ال ـزمـ ـني ال ـذي ذك ـرن ـاه سابقا‪.‬‬
‫وهذا ما دعا إىل طرح مجلة األسئلة‪ :‬هل هذا القول بوجود برش قبل آدم عليه‬
‫السالم يتوافق مع النصوص اإلسالمية ؟ وما هو وجه اجلمع بينهم إن كان هذا األمر‬
‫صحيحا ؟ بل هل يوجد يف آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صىل اهلل عليه وسلم ما‬
‫يشري إىل وجود برش قبل آدم عليه السالم ؟ هل حقيقة البرشية أتت من زواج املحارم‬
‫بني اإلخوة وأخواهتم من أبناء آدم عليه السالم ؟ وهل يوجد يف القرآن الكريم والسنة‬
‫النبوية ِ‬
‫أد َّلة تث ْبِت أو تنفي ذلك ؟ وما هو مذهب األديان السموية يف وجود أناس قبل‬
‫آدم عليه السالم ؟ وهل يتناقض ما يقال أنه اكتشاف علمي مع األديان اإلبراهيمية أم‬
‫يتوافق معها ؟ وهل يوجد اتفاق أو تقارب بني النصوص اإلسالمية وما تبقى من بعض‬
‫نصوص األديان التي أصلها أديان سموية يف هذه املسألة ؟ وهل البرشية من أبوين‬

‫يم َأ ْلف َسن ٍَة‪َ ،‬و َب ْ َ‬


‫ني‬ ‫ِ‬
‫وح َوإِ ْب َراه َ‬ ‫وح َأ ْلف َسن ٍَة‪َ ،‬و َب ْ َ‬
‫ني ن ٍ‬ ‫)‪ - (1‬من أمهها‪َ " :‬ق َال ا ْبن عَ َّباس‪َ :‬و َب ْ َ‬
‫ني آ َد َم َون ٍ‬
‫حم َّم ٍد َص َّىل اهلل‬
‫يسى َو َ‬ ‫ني موسى و ِعيسى َمخْس ِمائ َِة سن ٍَة‪ ،‬وب َ ِ‬
‫ني ع َ‬ ‫ََْ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ ٍ‬
‫وسى َسبْع مائَة َسنَة‪َ ،‬و َب ْ َ َ َ َ‬ ‫يم َوم َ‬
‫ِ‬
‫إِ ْب َراه َ‬
‫عَ َليْ ِه َو َس َّل َم ِست ِمائ َِة َسن ٍَة "‪.‬رواه احلاكم يف مستدركه‪ ،654/2 ،‬وانظر‪ :‬السيوطي يف الدرر املنثور‪،‬‬
‫حتقيق عبد املحسن الرتكي‪ ،‬ط أوىل‪ ،‬مركز هجر‪ ،‬القاهرة‪1424 ،‬ه‪2003-‬م‪ .138/5 ،‬وملزيد أمانة‬
‫يسى بن‬ ‫ني موسى ب ِن ِعمر َ ِ‬ ‫ودقة يف البحث قد ر ِو َي حديث آخر عن بن عباس يقول فيه‪ " :‬ك َ‬
‫ان َوع َ‬ ‫َْ‬ ‫َان َب ْ َ َ ْ‬
‫ْسائِ َيل‪ِ ،‬س َوى‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫مريم الف سنه وتسعمئة َسنَة‪َ ،‬و َ ْمل َيك ْن َبيْنَه َم َف ْ َرتةٌ‪َ ،‬وإِنَّه أ ْرس َل َبيْنَه َم َأ ْلف نَبِ ٍّي م ْن َبني إِ ْ َ‬
‫ون َسن ٍَة "‪ .‬رواه الطربي يف‬ ‫يالد عيسى والنبي مخسمئة َوتِ ْس ٌع َو ِست َ‬ ‫ني ِم ِ‬ ‫َم ْن أ ْر ِس َل ِم ْن َغ ْ ِ‬
‫ري ِه ْم‪َ ،‬وك َ‬
‫َان َب ْ َ‬
‫َان بني آدم ونوح ألف سنة وبني نوح وإِبر ِ‬
‫اهيم ألف سنة َو َبني‬ ‫َ َْ‬ ‫ََ‬ ‫تارخيه‪" .236/2 ،‬وعَن َق َتا َدة َق َال‪ :‬ك َ َ‬
‫حممد ِستمئَة سنة "‪ .‬رواه‬ ‫يسى َو َ‬ ‫ِ‬ ‫يسى َأ ْر َب ِ‬
‫عمئَة سنة َو َبني ع َ‬
‫ِ‬
‫وسى َوع َ‬ ‫وسى ألف سنة َو َبني م َ‬
‫ِ‬
‫إِ ْب َراهيم وم َ‬
‫السيوطي‪ ،‬الدرر املنثور‪ .138/5 ،‬وسنحسب هذه التواريخ وأخرى يف حملها إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪8 --------------‬‬

‫وحيدين أم من آباء متعددة ؟ فهل حقيق ًة كان هنالك ٌ‬


‫برش يف األرض قبل آدم عليه‬
‫السالم؟‬
‫وتكمن أيضا أمهية هذا املوضوع يف حقيقة وجود برش قبل آدم عليه السالم أنه‬
‫قد يشكل شبْهة قد تستغل للطعن يف األديان اإلبراهيمية‪ ،‬ال سيم وأن أكثر أتباع األديان‬
‫الثالثة‪ ،‬اإلسالم واليهودية والنرصانية‪ ،‬وعلمئهم وأحبارهم يعدون أن آدم عليه السالم‬
‫هو أب كل الناس عىل وجه الكرة األرضية قديم وحديثا‪ ،‬بل يمكن القول أن هذا‬
‫املوضوع قد شكل شبهة عند أصحاب الفكر اإلحلادي للطعن يف األديان السموية‬
‫والرتويج إىل ِف ْك ِرهم املزعوم‪ .‬لذلك كان من األمهية الكربى البحث يف هذه املسألة ورد‬
‫هذه الشبهة‪ ،‬ودراسة حقيقة ما ت َقـرره النصوص اإلسالمية يف هذا األمر‪ ،‬ال سيم ونحن‬
‫املسلمون مطالبون بالر ِد عىل كل شبهة يمكن أن تشكل خطرا أو إشكاال ضد ثوابت‬
‫اإلسالم‪ ،‬الدين التوحيدي السليم الوحيد الذي بقي دون حتريف‪ ،‬وبخاصة أن كتابه‬
‫القرآن الكريم قد َّبني اهلل فيه كل يشء ونبيه صىل اهلل عليه وسلم ما ترك شيئا إال ذكر لنا‬
‫منه علم‪ ،‬فهالَّ بحثنا عن اإلجابة عىل ذلك يف كتاب َرب ـنَا وسنة نبِـيـنَا صىل اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫فلذلك كان من األَ ْجدر أن يبْ َح َث يف هذا املوضوع بِ ِدقة وموضوعية‪ ،‬ويت َف َّكر‬
‫وترد‪ ،‬وت ْس َت ْق َرأ النصوص بإنصاف‪ ،‬وين ْظر يف األدلة العلمية بتمعن‪،‬‬ ‫يف الوحي بِ َعدْل َ‬
‫وبخاصة أنه قد ظهر يف العرص احلديث رأي جديد يف بعض أوساط األديان الثالثة‪،‬‬
‫منهم ِم ْن املسلمني ِمن علمء الرشيعة وبعض العلمء والباحثني اآلخرين يف جماالت‬
‫أجازوا أو أ ْثـ َبـتوا بِنصوص الكتاب والسنة وجو َد‬
‫أخرى ‪ -‬كعلمء اإلنسانيات ‪ ،-‬الذين َ‬
‫َبرش َقبْل آدم عليه السالم‪ ،‬أخ ـص ب ـذك ـر ال ـب ــعض منهم‪ ،‬كاملـ َجدد حممد عبده‪ ،‬وال ــ ـ ع ـامل‬
‫والـم َف ـّس رش ـيد رضا‪ ،‬والشيخ الشعراوي‪ ،‬والدكتور واملفكر املرصي عبد الصبور‬
‫شاهني‪ ،‬والباحث صايف محدون – أفنى سنني طويلة يف البحث يف وجود برش قبل آدم‬
‫عليه السالم ‪ ،-‬حتى وإن هذا القول قد َن َقله الشيخ العامل ابن باز عىل سبيل ِ‬
‫القيْل يف‬
‫استدالله بإحدى آيات القرآن الكريم يف إحدى فتاويه عن هذا السؤال‪ :‬هل خلق اهلل‬
‫اإلنسان قبل آدم عليه السالم ؟‪ .‬هذا وقد نقل الشيخ العامل الف ـ ـقـ ــيه ابن عثيمني أنه كان‬
‫‪ -----------------------------‬املقدمة ‪9 -------------------------‬‬

‫هنالك خملوقات أو قوم أفسدوا يف األرض قبل بني آدم‪ ،‬كم سيأيت بيان ذلك إن شاء اهلل‬
‫تعاىل‪ .‬وأما من ناحية غري املسلمني فقد ظهرت يف العصور احلديثة طائفة من أهل‬
‫الكتاب وبخاصة من بعض اليهود تثبت وجود برش قبل آدم عليه السالم‪ ،‬وقد ظهر هذا‬
‫املوضوع حتت مسمى "ما قبل اآلدميني"‪ ،‬باإلنجليزية "‪ "pre-adamiTe‬وبالفرنسية‬
‫" ‪."préadamisme‬‬
‫أهداف وأمهية البحث‪:‬‬
‫‪ -‬الرد عىل الشبهة املثارة ضد اإلسالم يف حقيقة آدم عليه السالم وهل هنالك إنسان‬
‫قبل آدم عليه السالم ؟ وهل هو أب لكل البرش يف كل زمان ومكان؟‬
‫‪ -‬إثبات إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية يف خلق الناس‪.‬‬
‫‪ -‬البحث يف أصول البرش وكيف خلقهم اهلل ومتى أوجدهم يف األرض‪.‬‬
‫‪ -‬معرفة هل هنالك آيات وأحاديث تيز وجود برش قبل آدم عليه السالم أو تدل‬
‫عىل ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬الرد عىل التيارات الـمـادية واإلحلادية التي حتاول التشكيك يف قصة آدم وحواء‬
‫عليهم السالم باستدالهلم عىل وجود برش أقدمني قبل آدم عليه السالم‪ ،‬وإثبات أن هذه‬
‫احل َّجة مع القرآن الكريم وليست عليه‪ .‬وسد باب هذه الشبهة التي يستعملها عدد من‬
‫املالحدة والالدينيني كثريا ضد اإلسالم والدين عموما واخللقيني‪.‬‬
‫‪ -‬البحث يف كيفية خلق اإلنسان القديم‪ ،‬ودراسة بعض الفرضيات يف ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬البحث يف تصور العلم احلديث لإلنسان القديم‪.‬‬
‫‪ -‬التفريق بني ما هو من الوحي الصحيح وما هو من اعتقاد وأخبار بني إْسائيل يف‬
‫آدم وحواء عليهم السالم‪.‬‬
‫‪ -‬البحث يف هل النظرية التطورية تناقض اإلسالم ؟ وحكم من يعتقدها ؟‬
‫‪ -‬فهم نصوص الكتاب والسنة عىل حقيقتها يف آدم وزوجه عليهم السالم وهل مها‬
‫أبوان لكل الناس يف كل زمان ومكان‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪10 --------------‬‬

‫‪ -‬البحث عن احلقيقة يف قصة بدأ خلق آدم عليه السالم والبرش عموما‪ ،‬وما هي‬
‫األمور التي هي قابلة لالجتهاد‪.‬‬
‫‪ -‬فصل بعض ال َّت َصورات اخلاطئة لقصة آدم مع حواء عليهم السالم‪ ،‬والتي ضيقت‬
‫املعنى الواسع لنصوص الوحي‪ ،‬لتمنع فكرة وجود برش قبلهم‪ ،‬وهذا نتيجة دخول بعض‬
‫األفكار من اإلْسائيليات يف هذا األمر‪ ،‬وقد نقلها بعض قدماء املفّسين الـم ْجهدين‬
‫رمحهم اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪ -‬إثبات أن القرآن الكريم والسنة النبوية ال يتعارضان مع وجود أناس يف األرض‬
‫قبل آدم وحواء عليهم السالم‪.‬‬
‫‪ -‬إبراز حقيقة أن القرآن الكريم والسنة النبوية ال يتعارضان مع العلم احلديث الذي‬
‫يثبت باكتشافاته وجود برش منذ مئات اآلالف من السنني‪ ،‬بل بعضهم يفوق م ـليوين سنة‬
‫بكثري‪.‬‬
‫‪ -‬البحث يف مسألة هل القرآن الكريم سبق العلم احلديث باإلشارة إىل وجود‬
‫خملوقات عاقلة أو برش قبل من آدم عليه السالم ؟‬
‫‪ -‬يكفي البحث أمهية كونه يبحث يف تفاصيل عقيدة م ِه َّمة أثبتها اهلل يف القرآن‬
‫الكريم؛ وهي قصة خلق آدم وإنزاله مع زوجه عليهم السالم إىل األرض‪.‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪11 -------‬‬

‫الفصل األول‪:‬‬
‫موقف اإلسالم‬
‫من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم‬
‫وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬هل يثبت القرآن الكريم وجود إنسان قبل آدم‬
‫عليه السالم ؟‪:‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬هل يثبت حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم‬
‫وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟‪:‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬نتيجة حول الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم‬
‫من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم‪:‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪12 --------------‬‬

‫الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم‬


‫من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم‬
‫ال شك أنه يوجد مصدران للدين اإلسالمي ال ثالث هلم‪ ،‬فهم الفصل والعمدة‪،‬‬
‫واملرجع الذي ال يوجد بديل من غريمها يف كل الدين‪ ،‬إنه القرآن الكريم كالم رب‬
‫عجب وإعجاز‪ ،‬ثم سنة النبي األمني‪ ،‬التي هي خادم ٌة ومفصلة له‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫العاملني‪ ،‬الذي كله‬
‫يش ٍء َوهدً ى َو َر ْ َ‬
‫مح ًة‬ ‫ومها العمدة‪ ،‬واهلل تعاىل يقول‪ ( :‬ونَز ْلنَا َع َلي َك ا ْل ِك َت ِ‬
‫اب تبْ َيانًا لكل َ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ‬
‫الرسول َفخذوه َو َما َ ََناك ْم َعن ْه‬ ‫ني ) (النحل‪ ،)89‬ويقول‪َ ( :‬و َما آتَاكم َّ‬ ‫رش ٰى لِلْم ْسلِ ِم َ‬
‫َوب ْ َ‬
‫اب ) (احلرش‪.)7‬‬ ‫اَّلل َش ِديد ا ْل ِع َق ِ‬
‫اَّلل ۚ إِ َّن َّ َ‬
‫َفان َتهوا ۚ َواتَّقوا َّ َ‬
‫املطلب األول‪ :‬هل يثبت القرآن الكريم وجود إنسان قبل آدم عليه‬
‫السالم ؟‪:‬‬
‫دليل‪ :‬القرآن والسنة ال ينفيان وجود أناس آخرين يف األرض قبل آدم عليه‬
‫السالم‪:‬‬
‫ال يوجد يف القرآن الكريم وال يف السنة النبوية املطهرة أي نفي إلمكان وجود‬
‫أناس آخرين يف اخلليقة أو األرض قبل آدم عليه السالم‪.‬‬

‫دليل‪ :‬اهلل تعاىل يف كل القرآن الكريم مل يقل أبدا أن آدم هو أول كائن عاقل أو أول‬
‫إنسان سكن كل الكرة األرضية‪ ،‬أو أنه أب كل الناس األولني واآلخرين‪:‬‬
‫ال يوجد أي إثبات يف القرآن الكريم أن آدم عليه السالم هو أول كائن عاقل‬
‫سكن كل الكرة األرضية‪ ،‬والذي يدعي عكس ذلك فليأيت بالربهان‪ .‬وال يوجد أي آية‬
‫تقول أن آدم عليه السالم هو أب كل الناس‪ ،‬آما اآلية األوىل من سورة النساء فهي ال‬
‫تدل عىل ذلك‪ ،‬بل تدل عىل عكس ذلك كم سيأيت إن شاء اهلل بعد قليل تفسريها‪.‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪13 -------‬‬

‫دليل‪ :‬اهلل تعاىل نسب األب َّوة آلدم عليه السالم عىل أبنائه فقط دون سائر الناس‪:‬‬
‫اجلَن َِّة )‬ ‫قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬يا َبنِي آ َد َم َال َي ْفتِنَنَّكم َّ‬
‫الشيْ َطان ك ََم َأ ْخ َر َج َأ َب َو ْيكم م َن ْ‬
‫(األعراف ‪ ،)27‬فلو كان آدم وحواء أبوين لكل الناس‪ ،‬لكان من املحتمل أن يقول اهلل‬
‫تعاىل مثال‪ :‬يا أهيا الناس ال يفتننكم الشيطان كم أخرج أبويكم من اجلنة‪ .‬فحتى إن كان‬
‫هذا ليس دليال رصحيا‪ ،‬إال أن اآلية ال تعل أن كل الناس يرجعون إىل آدم عليه السالم‪.‬‬

‫دليل‪ :‬اهلل تعاىل خلق خملوقات مساوية أو أفضل من بني آدم‪ ،‬من غري املمتنع أن‬
‫بعضهم سكن األرض‪:‬‬
‫هنالك آيات تدل عىل أن اهلل خلق خملوقات ال نعرفها‪ ،‬وخلق خملوقات مساوية‬
‫حيرصها يف مكان معني‪ ،‬فقد يكون خلق بعضها يف‬ ‫َ‬ ‫أو أفضل من اإلنسان‪ ،‬دون أن‬
‫وها َو ِزينَ ًة ۚ َو َخيْلق َما َال‬ ‫اخلي َل وا ْلبِ َغ َال و ْ ِ ِ‬
‫احلَم َري ل َ ْرتكَب َ‬ ‫َ‬ ‫(و ْ َ ْ َ‬
‫األرض‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ :‬‬
‫َت ْع َلم َ‬
‫ون) ( النحل ‪ ،)8‬فكل من املخوقات املعينة يف هذه اآلية خلقها اهلل يف األرض‪،‬‬
‫أي اخليل واحلمري والبغال‪ ،‬فمن املحتمل أيضا أن املخلوقات التي مل يعينها يف اآلية خلق‬
‫بعضها يف األرض‪َ ،‬ف ـ ـ ـ َه ْل َيا ترى أن كل هذه املخلوقات التي خلقها اهلل تعاىل وال نعلمها‬
‫ال يـ ـوجد ف ـ ـ ـ ـيها من كان منها عاقال وشبيها بابن آدم ؟ وقال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َل َق ْد ك ََّر ْمنَا َبنِي‬
‫ات َو َف َّضلْنَاه ْم َع َىل كَثِ ٍ‬
‫ري ّم َّ ْن َخ َل ْقنَا‬ ‫محلْنَاهم ِيف ا ْلرب وا ْلبح ِر ور َز ْقنَاهم من ال َّطيب ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ْ ََ‬ ‫ْ‬ ‫آ َد َم َو َ َ‬
‫ٰ‬
‫َت ْف ِضيالً ) (اإلْساء‪ ،)70‬فانتبه أهيا القارئ جيدا إىل قوله سبحانه ( وفضلناهم عىل ٍ‬
‫كثري‬
‫) ومل يقل ( وفضلناهم عىل كل ما خلقنا )‪ ،‬يقول املفّس طاهر ابن عاشور يف هذه اآلية‪:‬‬
‫ري ِّم َّ ْن َخ َل ْقنا م َراد ِمن ْه‬‫ري ِيف َق ْول ِ ِه َت َع َاىل‪َ :‬و َف َّضلْناه ْم َعىل كَثِ ٍ‬
‫ظ كَثِ ٍ‬‫" و َال َش َّك َأ َّن إِ ْقحام َل ْف ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫خملو َق ٍ‬ ‫ور فِ ِيه‪َ ،‬في ْع َلم ِمن ْه َأ َّن َث َّم َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ات َغ ْ َري م َف َّض ٍل‬ ‫ال َّت ْق ِييد َواال ْح َرتاز َوال َّت ْعليم ا َّلذي َال غر َ‬
‫او َي ًة َأ ْو َأ ْف َض َل إِ ْمج ًَاال َأ ْو َت ْف ِصيالً ‪ )1(،"...‬فلو كان بنوا آدم‬ ‫َع َليْ َها َبنو آ َد َم تَكون م َس ِ‬

‫)‪ -(1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.166/15 ،‬‬


‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪14 --------------‬‬

‫مف ـ ـضلـني عىل كل من خلق اهلل لقال سبحانه‪ ( :‬وفضلناهم عىل من خلقنا تفضيال ) أو‬
‫( لفضلناهم عىل كل من خلقنا تفـ ـض ـيال )‪ ،‬فإذا ثمة خملوقات مساوية البن آدم أو أفضل‬
‫مفضل عليها بنو آدم‪ ،‬والشك أن العقل والتكليف من أسباب‬ ‫ٍ‬ ‫منه‪ ،‬وهنالك أم ٌم غري‬
‫التفضيل‪ ،‬فم هو المنع إذن إن سكنت هذه املخلوقات أو جزء منها األرض؟‬

‫استَخَ َل َ‬
‫ف َخملو ًقا أو أكثر يف األرض قد‬ ‫دليل‪ :‬القرآن الكريم يشري أن آدم ِ‬
‫(خلي ْ َفة) ْ‬
‫َ‬
‫يكون من جنسه أو قريبا منه‪ ،‬ويتوىل آدم بِنب َّوته تبليغ الرسالة إىل قوم والوالية واحلكم‬
‫عليهم‪ ،‬واملالئكة ت َِقيس سفك الدماء الذي سيكون من بني آدم يف األرض بمخلوق أو‬
‫خملوقات أخرى قبله سفكت الدماء‪ ،‬قد تكون مثله أو تشبهه‪:‬‬
‫هنالك يف القرآن الكريم إشارات إىل وجود خملوقات قبل آدم عليه السالم وبنيه‪،‬‬
‫ض خلِي َف ًة َقالوا َأ َ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يها َم ْن‬ ‫ت َعل ف َ‬ ‫قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬وإِ ْذ َق َال َرب َك للْ َمالَئكَة إِين َجاع ٌل ِيف ْاألَ ْر ِ َ‬
‫ون)‬ ‫َحن ن َسبح بِ َح ْم ِد َك َون َقدس َل َك َق َال إِين َأ ْع َلم َما َال َت ْع َلم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ي ْفسد ف َ‬
‫يها َو َي ْسفك الد َما َء َون ْ‬
‫(البقرة ‪)30‬‬
‫اخلَلِي َف ِة‬
‫واخلليفة قيل أنه آدم عليه السالم‪ ،‬يقول القرطبي يف تفسري اآلية‪َ " :‬وا ْ َمل ْعنِي بِ ْ‬
‫السالَم‪َ ،‬وه َو َخلِي َفة‬ ‫ِ‬
‫يل‪ -‬آ َدم َع َليْه َّ‬‫اس َو َمجِي ِع َأ ْه ِل ال َّتأْ ِو ِ‬ ‫هنَا‪ِ -‬يف َقو ِل اب ِن مسع ٍ‬
‫ود َوا ْب ِن َع َّب ٍ‬ ‫ْ ْ َ ْ‬
‫ض‪ ،‬كَم ِيف ح ِد ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫يث َأ ِيب َذ ٍّر‪َ ،‬ق َال‬ ‫َ‬ ‫اَّلل يف إِ ْم َضاء َأ ْحكَامه َو َأ َوام ِره‪ ،‬ألَنَّه َأ َّول َرسول إِ َىل ْاألَ ْر ِ َ‬
‫يث(‪ )2(،" )1‬ومن أهل التفسري من‬ ‫احلَ ِد َ‬
‫َان م ْر َسالً؟ َق َال‪َ ( :‬ن َع ْم) ْ‬ ‫اَّللِ انبئا ك َ‬‫ول َّ‬‫قلْت‪َ :‬يا َرس َ‬
‫يرى أنه يدخل يف اخلليفة من ذلك اجلنس‪ ،‬أي ليس آدم فقط لوحده‪ ،‬إذ يقول ابن كثري‬

‫)‪ -(1‬رواه ابن حبان (‪ )361‬والطرباين يف "الكبري" (‪ )1651‬ويف "املكارم" (‪ )1‬واآلجري يف‬
‫"األربعني" (‪ )40‬وأبو الشيخ يف "العظمة" (‪ )259‬وأبو نعيم يف "احللية" (‪ 18 /1‬و ‪،)168 - 166‬‬
‫وقد حكم ابن حبان بصحة هذا احلديث‪ ،‬وأورده يف صحيحه‪.‬‬
‫)‪ -(2‬أبو عبد اهلل حممد بن أمحد شمس الدين القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬دار الكتب املرصية‪،‬‬
‫ط الثانية‪ ،‬القاهرة‪1384 ،‬ه‪1964-‬ه‪.263/1 ،‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪15 -------‬‬

‫َان ك ََذل ِ َك َل َم َحس َن َق ْول ا ْ َملال َِئك َِة‪َ { :‬أ َ ْ‬


‫ت َعل‬ ‫يف تفسريه‪ " :‬وال َّظ ِ‬
‫اهر َأنَّه َملْ ي ِر ْد آ َد َم َعيْنًا إِ ْذ َل ْو ك َ‬ ‫َ‬
‫يها َو َي ْس ِفك الد َما َء } َف ـ ِإن ـَّه ْم إِن ـَ َم َأ َرادوا َأ َّن ِم ْن َهـ ــذا ْ ِ‬
‫اجل ـن ِ‬
‫ْس َم ـ ْن َي ْف َعل‬ ‫ِ ِ‬
‫يها َم ْن ي ْفسد ف َ‬
‫ف َ‬
‫ِ‬
‫ك "‪)1(.‬‬‫َذل ِ َ‬
‫وهنا كلمة ( خليفة ) فيها أمران‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬وهو استخالف آدم وبنيه ليشء كان يف األرض‪:‬‬
‫وعىل حد القولني السابقني فإن آدم أو آدم وذريته عليه السالم (هذا اجلنس)‬
‫س ـ ـيخلفون شيئا يف األرض‪ ،‬ف ـ ـإن اخلليفة هو الذي خيل ـ ـف ش ـيئا قبله‪ ،‬يـ ـقول ال ـ ـقرطبي‪:‬‬
‫َان‬ ‫َان َقبْ َله ِم َن ا ْ َملالَ ِئك َِة ِيف ْاألَ ْر ِ‬
‫ض‪َ ،‬أ ْو َم ْن ك َ‬ ‫" خلِي َف ًة" يكون بِمعنَى َف ِ‬
‫اع ٍل‪َ ،‬أ ْي َخيْلف َم ْن ك َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ري ا ْ َملال َِئك َِة َع َىل َما ر ِو َي‪ )2(".‬ويقول يف موضع آخر‪ " :‬وكل من جاء بعد من‬ ‫َقبْ َله ِم ْن َغ ْ ِ‬
‫مض فهو خليفة‪)3( ".‬‬

‫ويقول ابن جرير الطربي‪ " :‬والصواب يف تأويل قوله ‪ " :‬إين جاعل يف األرض خليفة‬
‫" ‪ :‬أي مستخلف يف األرض خليفة‪ ،‬ومصري فيها خلفا ‪ .‬وذلك أشبه بتأويل قول احلسن‬
‫وقتادة‪-...‬ثم يقول بعدها‪ -‬واخلليفة الفعيلة من قولك ‪ :‬خلف فالن فالنا يف هذا األمر‪،‬‬
‫إذا قام مقامه فيه بعده ‪ .‬كم قال جل ثناؤه ( ثم جعلناكم خالئف يف األرض من بعدهم‬
‫لننظر كيف تعملون ) [ سورة يونس ‪ ] 14 :‬يعني بذلك أنه أبدلكم يف األرض منهم ‪،‬‬
‫فجعلكم خلفاء بعدهم ‪ .‬ومن ذلك قيل للسلطان األعظم ‪ :‬خليفة ‪ ،‬ألنه خلف الذي‬

‫)‪ -(1‬ابن ك ثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬تح سامي سالمة‪ ،‬دار طيبة للنرش والتوزيع‪ ،‬ط الثانية‪،‬‬
‫‪1420‬ه‪1999-‬م‪.216 /1 ،‬‬
‫)‪ -(2‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪.263/1 ،‬‬
‫)‪ - (3‬املرجع نفسه‪.158/7 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪16 --------------‬‬

‫كان قبله ‪ ،‬فقام باألمر مقامه ‪ ،‬فكان منه خلفا ‪ .‬يقال منه ‪ :‬خلف اخلليفة ‪ ،‬خيلف خالفة‬
‫وخليفى‪)1( ".‬‬

‫ويقول ابن عثيمني يف تفسريه ملعنى ( خليفة ) يف هذه اآلية‪ ... " :‬أَنم خيلفون‬
‫من سبقهم؛ ألن األرض كانت معمورة قبل آدم؛ وعىل هذا االحتمل تكون {خليفة} هنا‬
‫بمعنى الفاعل ‪)2( "...‬‬

‫ويقول ابن عثيمني يف فتاوى نور عىل الدرب‪ " :‬قوله تعاىل ‪َ ﴿:‬وإِ ْذ َق َال َرب َك‬
‫ض َخلِي َف ًة ﴾ ‪.‬اختلف فيها املفّسون‪ :‬فمنهم من قال‪ :‬إن‬ ‫الئك َِة إِين ج ِ‬
‫اع ٌل ِيف األَ ْر ِ‬ ‫َ‬
‫لِلْم ِ‬
‫َ‬
‫معنى قوله ‪َ ﴿:‬خلي َف ًة ﴾ ‪.‬أي خالف ًا ملن سبقه‪ ،‬وكان يف األرض ع َّم ٌر قبل آدم‪ ،‬وكان‬ ‫ِ‬

‫هؤالء الع َّمر حيصل منهم سفك الدماء واإلفساد يف األرض؛ واستدل هؤالء بقول‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫املالئكة عليهم الصالة والسالم ‪َ ﴿:‬أ َ ْ ِ‬
‫َحن‬ ‫يها َم ْن ي ْفسد ف َ‬
‫يها َو َي ْسفك الد َما َء َون ْ‬ ‫ت َعل ف َ‬
‫ون ﴾؛ وب ـأن اجلن ق ـد خ ـلقوا قبل‬ ‫ن َسبح بِ َح ْم ِد َك َون َقدس َل َك َق َال إِين َأ ْع َلم َما ال َت ْع َلم َ‬
‫ال ِمن َمح ٍَإ مسن ٍ‬ ‫اإلنس؛ ك ـم قال اهلل تعاىل ‪ ﴿ :‬و َل َق ْد خ َل ْقنَا ا ِإلنْس َ ِ‬
‫ون َو ْ‬
‫اجلَ َّ‬
‫ان‬ ‫َ ْ‬ ‫ان م ْن َصلْ َص ٍ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫السمو ِم ﴾ ‪.‬ومنهم من قال‪ :‬بل إن املراد بقوله ‪َ ﴿:‬خلِي َف ًة ﴾ أي‪:‬‬ ‫َخ َل ْقنَاه ِم ْن َقبْل ِم ْن ن ِ‬
‫َار َّ‬
‫قوم ًا خيلف بعضهم بعض ًا‪ ،‬فيذهب أناس ويأيت آخرون‪ .‬وعندي أن األول األقرب‬
‫ملوافقته لظاهر اآلية‪ ،‬وهو أن آدم وذريته سيكونون خلفاء ملن سبقهم في ـمن ه ـم عىل‬
‫يها َو َي ْس ِفك الد َما َء ﴾؛ بناء عىل‬‫ِ ِ‬
‫يها َم ْن ي ْفسد ف َ‬
‫األرض‪ ،‬وأن املالئكة ق ـال ـوا ‪َ ﴿:‬أ َ ْ ِ‬
‫ت َعل ف َ‬
‫ما حصل من هؤالء القوم الذين خلفهم آدم وذريته يف األرض" )‪. (3‬‬

‫)‪ -(1‬الطربي‪ ،‬جامع البيان‪ ،‬تح أمحد حممد شاكر‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط األوىل‪1420 ،‬ه‪2000-‬م‪،‬‬
‫‪.449/1‬‬
‫)‪ -(2‬حممد ابن صالح العثيمني‪ ،‬تفسري الفاحتة والبقرة‪ ،‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪،‬‬
‫‪1423‬ه‪.113/1 ،‬‬
‫)‪ -(3‬موقع حممد ابن صالح العثيمني‪ ،‬فتوى‪ :‬كيف علمت املالئكة أن أهل األرض سيفسدون ؟‬
‫رابط‪http://binothaimeen.net/content/8887 :‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪17 -------‬‬

‫والسؤال الذي يتجىل هنا؛ ما هو اليشء الذي سيخلفه آدم أو آدم وذريته عليه‬
‫خلف أن َ ْخيل َ‬
‫ف شيئا قبله ؟‬ ‫السالم يف األرض؟ فال بد من الـمس َت ْ‬
‫لقد بحثت يف كتب كبار املفّسين للقرآن الكريم‪ ،‬فوجدت أن هناك من َتنَ َّبه إىل هذا‬
‫األمر املهم وذكر إجابة أكثر تفصيال من غريه من املفّسين‪ ،‬وهم العلمء ابن عثيمني‬
‫وابن باز وبخاصة حممد رشيد رضا يف تفسريه املنار والذي ينقل فيه كثيـ ـرا عن شيخه‬
‫حممد عبده‪.‬‬
‫نبدأ بمحمد ابن صالح العثيمني إذ يقول‪ ... " :‬أَنم خيلفون من سبقهم؛ ألن‬
‫األرض كانت معمورة قبل آدم؛ وبناء عىل هذا االحتمل تكون {خليفة} هنا بمعنى‬
‫الفاعل ‪ ...‬قول املالئكة‪{ :‬أتعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} يرجح أَنم خليفة‬
‫ملن سبقهم‪ ،‬وأنه كان عىل األرض خملوقات قبل ذلك تسفك الدماء‪ ،‬وتفسد فيها‪،‬‬
‫فسألت املالئكة رهبا عز وجل‪{ :‬أتعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} كم فعل من‬
‫قبلهم‪ )1( ".‬وقد وصف ابن عثيمني يف فتوى نور عىل الدرب السابقة هؤالء الذين كانوا‬
‫قبل آدم يف األرض ب ـ ــأَنم‪ " :‬قوم و عمر"‪)2(.‬‬

‫ويقوا ابن باز‪ " :‬اآلية الكريمة تدل عىل أن اهلل‪-‬جل وعال‪-‬جعل هذا اإلنسان‬
‫وهو آدم‪-‬عليه السالم‪-‬خليفة يف األرض عمن كان فيها من أهل الفساد وعدم‬
‫االستقامة‪ ،‬وقول املالئكة يدل عىل أنه كان هناك قو ٌم يفسدون يف األرض فبنت ما قالت‬
‫ٍ‬
‫ألسباب أخرى اطلعت عليها فقالت ما قالت ‪ ...‬ويقال‪:‬‬ ‫عىل ما جرى يف األرض‪ ،‬أو‬
‫إن الذي قبل آدم إَنم طوائف من الناس ومن اخلليقة يقال هلم‪ :‬اجلن واحلن‪)3( ".‬‬

‫)‪ -(1‬املرجع نفسه‪.113/1 ،‬‬


‫)‪ -(2‬انظر‪ :‬موقع حممد ابن صالح العثيمني‪ ،‬فتوى‪ :‬كيف علمت املالئكة أن أهل األرض‬
‫سيفسدون؟ رابط‪http://binothaimeen.net/content/8887 :‬‬
‫)‪ - (3‬موقع ابن باز رابط‪ https://cutt.us/elKaI :‬موقع ‪https://binbaz.org.sa/‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪18 --------------‬‬

‫وينقل رشيد رضا يف تفسريه هلذه اآلية من سورة البقرة وكلمة ( خليفة ) جوابا‬
‫ْف َأ ْو‬ ‫ض ِصن ٌ‬ ‫َان ِيف ْاألَ ْر ِ‬ ‫ب َب ْعضه ْم إِ َىل َأ َّن َه َذا ال َّل ْف َظ يشْ ِعر بِ َأنَّه ك َ‬ ‫أكثر تفصيالً قائال‪َ " :‬ذ َه َ‬
‫ْف ا َّل ِذي َأ ْخ َ َرب اهلل ا ْ َملال َِئ َك َة بِ َأ ْن‬ ‫ان النَّاطِ ِق َو َأنَّه انْ َق َر َض‪َ ،‬و َأ َّن َه َذا الصن َ‬ ‫احليو ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ ْكثَر م ْن ن َْو ِع ْ َ َ َ‬
‫حم َّله َو َخيْلفه‪ ،‬ك ََم َق َال ‪َ -‬ت َع َاىل ‪َ -‬ب ْعدَ ِذك ِْر إِ ْهال َِك‬ ‫ض َس َيحل َ َ‬ ‫َس َي ْج َع َله َخلِي َف ًة ِيف ْاألَ ْر ِ‬
‫ض ِم ْن َب ْع ِد ِه ْم ) (‪َ )14 :10‬و َقالوا‪ :‬إِ َّن َذل ِ َك‬ ‫ف ِيف ْاألَ ْر ِ‬ ‫ون‪ ( :‬ث َّم َج َعلْنَاك ْم َخال َِئ َ‬ ‫ا ْلقر ِ‬
‫ِ‬ ‫ْف ا ْل َب ِائدَ َق ْد َأ ْف َسدَ ِيف ْاألَ ْر ِ‬
‫اس َتن ْ َبطوا س َؤ َاهل ْم‬ ‫ض َو َس َف َك الد َما َء‪َ ،‬و َأ َّن ا ْ َملالَئ َك َة ْ‬ ‫الصن َ‬
‫ون ِم ْن َقبِيلِ ِه ك ََم َي َت َبا َدر إِ َىل ا ْل َف ْه ِم‬‫ب َم ْن َخيْلفه َو َيك َ‬ ‫ِ‬ ‫اس َع َلي ِه؛ ِألَ َّن ْ ِ‬
‫اخلَلي َف َة َال بدَّ َأ ْن ينَاس َ‬ ‫بِا ْلق َي ِ ْ‬
‫ِ‬

‫ض‪،‬‬ ‫ان َع َىل َه ِذ ِه ْاألَ ْر ِ‬ ‫احليو ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫‪َ ...‬وإِ َذا َص َّح َه َذا ا ْل َق ْول َف َلي ْ َس آ َدم َأ َّو َل الصن ْف ا ْل َعاق ِل م َن ْ َ َ َ‬
‫ف ا ْل َب ِائدَ ِة ِمن ْه ِيف‬ ‫ان النَّاطِ ِق ُتاثِل ال َّط ِائ َف َة َأ ِو ال َّطو ِائ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫احليو ِ‬ ‫ِ ٍ ِ ٍ ِ‬
‫َان َأ َّو َل َطائ َفة َجديدَ ة م َن ْ َ َ َ‬ ‫َوإِن ََّم ك َ‬
‫ض ْاألَ ْخال ِ َ َّ َ َ‬
‫َق والسجايا "‪)1(.‬‬ ‫ختالِف َها ِيف َب ْع ِ‬
‫ات َوا ْل َم َّد ِة‪َ ،‬و َ‬ ‫الذ ِ‬
‫َّ‬
‫اس َع َليْ ِه" فالقياس من‬ ‫اس َتن ْ َبطوا س َؤ َاهل ْم بِا ْل ِق َي ِ‬ ‫ِ‬
‫"و َأ َّن ا ْ َملالَئ َك َة ْ‬
‫أما قول الـمـ َفّس َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫املالئكة كان يف قوله تعاىل‪َ ( :‬قالوا َأ َ ْ ِ‬
‫َحن ن َسبح‬ ‫يها َو َي ْسفك الد َما َء َون ْ‬ ‫يها َم ْن ي ْفسد ف َ‬ ‫ت َعل ف َ‬
‫بِ َح ْم ِد َك َون َقدس َل َك ) ( البقرة ‪ ،)30‬أي كيف علمت املالئكة أن هذا اجلنس سيسفك‬
‫الدماء ويفسد يف األرض‪ ،‬فإن هذا غيب مستقبيل والغيب ال يعلمه إال اهلل ؟ واملالئكة‬
‫هم يف درجة من الورع‪ ،‬فمن الصعب ت ََصور حكمهم هذا الـم َس َّبق دون قياس منهم‬
‫إلفساد هذا اجلنس (بني آدم) عىل جنس ّماثل‪ ،‬فإن أهل التفسري قد أثبتوا هذا القياس‬
‫من املالئكة عىل خملوق سابق‪ ،‬يقول مثال ابن كثري‪َ ...":‬أ ْو َأ ََّن ْم َقاسوه ْم َ َ ْ َ َ‬
‫ع َىل من سب َق"(‪)2‬‬

‫وكذلك هذا القياس مثبت يف الكالم السابق لك ـل م ـن العاملني ابن عثيمني وابن باز‪،‬‬
‫وهنا نجد أن هذا الكالم من املفّس السابق رشيد رضا بأنه و ِجد حيوان عاقل عىل‬
‫األرجح مكلف يف األرض قبل آدم عليه السالم –برش آخرين أو نوع من البرش‪ -‬يشري‬
‫إليه القرآن الكريم يف كلم ـ ـ ـة ( خليفة )‪ ،‬وكذلك قياس املالئكة بني آدم عىل هذا املخلوق‬

‫)‪ -(1‬رشيد رضا‪ ،‬تفسري املنار‪ ،‬اهليئة املرصية العامة للكتاب‪1990 ،‬م‪.215/1 ،‬‬
‫)‪ -(2‬ابن كثري‪ ،‬تفّس القرآن العظيم‪.216/1 ،‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪19 -------‬‬

‫الذي كان قبله‪ ،‬والذي سفك الدماء وأفسد يف األرض‪ ،‬فكلم كان جنسا الـم َقاس‬
‫والـم َقاس عليه متقاربني كلم كان القياس حجة وأقرب إىل العقل‪ ،‬ال سيم وكأن كالم‬
‫يقن ِني بأن هذا النوع من املخلوق الذي سيجعله اهلل يف‬
‫املالئكة يدل عىل أَنم كانوا مس َت ِ‬
‫ْ‬
‫األرض سوف ي ْف ِسد فيها‪ ،‬وهذا عىل عكس من قال أن الـمقاس عليه هم اجلن‪ ،‬فإن‬
‫الـمقاس ومقاس عليه هنا ليسا متمثلني ُتام التمثل‪ ،‬فإنه قد يظهر إشكال‪" :‬هل اجلن‬
‫خلِق من طني كاإلنسان أو فيه دم كي يس َفك منه؟"‪ ،‬وهذا بغض النظر عن ِصحة هذا‬
‫اخلرب ومصدره بأن اجلن كانوا يف األرض فسفكوا الدماء فطردوا من املالئكة كم سيأيت‬
‫نقاش ذلك بعد قليل إن شاء اهلل تعاىل‪ ،‬مع كوننا ال نمنع هذا القياس عىل اجلن لكن‬
‫األوىل أن يكون القياس مع األقرب يف اجلنس‪ .‬والذي يظهر واهلل أعلم أن القياس قد‬
‫شمل كل من اجلن واألجناس اإلنسانية وما شاهبها والتي كانت قبل آدم عليه السالم‬
‫وأفسدت وسفكت الدماء‪.‬‬
‫بل قد يزداد األمر تأكيدا ‪-‬أي بأن يدخل يف معنى اليشء الـم ْستخلف مكانه؛‬
‫اجلنس البرشي‪ -‬إذا ح َّكمنا اآلية التي يقول اهلل فيها‪ ( :‬اَّلل ا َّل ِذي خ َل َق سبع سمو ٍ‬
‫ات‬ ‫َ َْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ‬
‫ض ِمثْ َله َّن ) (الطالق‪ ،)12 :‬وما قال عبد اهلل بن عباس يف تفسريها من وجود‬ ‫َو ِم َن ْاألَ ْر ِ‬
‫وح كَنوحٍ ‪،‬‬ ‫ني ِيف كل َأ ْر ٍ‬
‫ض نَبِي َكنَبِيك ْم‪َ ،‬وآ َدم كَآ َد َم‪َ ،‬ون ٌ‬ ‫(سبْ َع َأ َر ِض َ‬
‫أوادم غري آدمنا‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يسى)‪ )1(.‬ال سيم وأن حممد ًا صىل اهلل عليه وسلم هو‬ ‫يسى كَع َ‬ ‫يم‪َ ،‬وع َ‬ ‫َوإِ ْب َراهيم ك َِإ ْب َراه َ‬
‫ـحله‪.‬‬
‫خاتم النبيني‪ ،‬وسأرجع إىل هذه اآلية وهذا احلديث بالتفصيل إن شاء اهلل يف َم َ‬
‫وقد يوجد قرينة أخرى يف التأمل يف قول اهلل تعاىل يف نوح عليه السالم والذين‬
‫ف َو َأ ْغ َر ْقنَا ا َّل ِذي َن ك ََّذبوا‬
‫ك َو َج َعلْنَاه ْم َخال َِئ َ‬
‫آمنوا معه‪َ ( :‬فك ََّذبوه َفنَجينَاه ومن معه ِيف ا ْلفلْ ِ‬
‫َّ ْ َ َ َّ َ‬
‫نذ ِري َن ) (يونس‪ ،)73‬يقول املفّس القرطبي يف تفسري‬ ‫َان َع ِ‬
‫اق َبة ا ْمل َ‬ ‫فك َ‬‫بِآ َياتِنَا ۚ َفانظ ْر َكيْ َ‬

‫)‪ -(1‬سيأيت إن شاء اهلل الكالم عىل هذا احلديث متنا وسندا‪ .‬أخرجه البيهقي يف األسمء والصفات‪،‬‬
‫رقم‪ ،267/2 ،831 :‬وأخرجه غريه‪ ،‬واحلديث صحيح اإلسناد‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪20 --------------‬‬

‫هذه اآلية‪ ( " :‬وجعلناهم خالئف ) أي سكان األرض وخلفا ّمن غرق‪ )1(".‬ومن املعلوم‬
‫أن الذين أغرقوا هم ِمن َمن كذب دعوة نوح عليه السالم من البرش‪ ،‬فنوح عليه السالم‬
‫خ َلفوا برشا مثلهم‪ ،‬وهنا جاء معنى االستخالف –أو دخل يف‬ ‫اس َت ْ‬
‫والذين آمنوا معه ْ‬
‫معناه‪ -‬استخالف يشء من نفس جنسه‪ ،‬أي َبرشا بِ َبرش‪ ،‬وهذا ما قد ي َقوي القول أن‬
‫يكون استخالف آدم عليه السالم وبنيه حوى هذا املعنى‪ ،‬أي أن آدم عليه السالم وبنوه‬
‫استخلفوا أناسا آخرين من نفس اجلنس‪.‬‬
‫بل يمكن أ ْن نقول عىل حكم املالئكة عىل أن هذا النوع من املخلوق الذي‬
‫سيجعله اهلل يف األرض بأنه سوف ي ْف ِسد فيها؛ كأنه كان عىل يقني منهم بأن هذا اخلليفة‬
‫اجلديد سوف يفعل تلك ِ‬
‫الف ْعلة حقيقة؛ وهذا ربم كان أيضا بسبب كثرة الذين أفسدوا‬
‫وسفكوا الدماء قبلنا مع قرهبم أو طائفة منهم إىل جنسنا‪ ،‬فكلم كان الـمقاس عليه كثريا‬
‫وقريبا إىل جنس الـمقاس‪ ،‬كلم زاد وجه القياس كم قلنا‪ .‬حيث َي ْدخل يف القياس من كان‬
‫من نفس جنس بني آدم أو من كان أقرب منهم أو م َك َّلف مثلهم قبل آدم عليه السالم‬
‫ولو كان بني بعضهم يشء من االختالف‪)2(.‬‬

‫وبعد هذه األدلة وأقوال املفّسين نستخلص أن هذه اآلية من سورة البقرة يف‬
‫استخالف بني آدم وقياس املالئكة إفساده عىل من كان قبله‪ ،‬تشري إىل وجود خملوقات‬

‫)‪ - (1‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪.365/8 ،‬‬


‫)‪ -(2‬وربم هذا القياس من املالئكة ليس يف األرض فحسب وإنم قد يدخل فيه أماكن أخرى من‬
‫ٍ‬
‫وأراض كانت فيها خملوقات أفسدت فيها‪ ،‬فكان ذلك‬ ‫اخلليقة أو أنحاء من الكون الواسع فيه أماكن‬
‫ِ‬
‫القياس من املالئكة من قريب ومن بعيد –أي من جهة األرض التي نحن فيها حدث فيها الفساد ومن‬
‫جهة أراض بعيدة يف السموات وحدث فيها الفساد ‪ ،-‬وهذا القول أكثر شموال‪ ،‬بالرغم من أن األوىل‬
‫أن يثْ َبت هذا القياس يف األرض أو ً‬
‫ال – فهي مكان عيش واستخالف بني آدم ملن قبله من هذه‬
‫املخلوقات واألوىل من سياق اآلية ‪ -‬ثم ي َعمم القياس إىل غريها من األماكن أو األرايض التي خلقها‬
‫اهلل سبحانه يف السموات‪ ،‬وال يتعارض يف اجلمع بني هذا وذاك‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪21 -------‬‬

‫أفسدوا يف األرض قبل آدم عليه السالم بل قابلة أن تشري إىل أن ِم ْن هذه املخلوقات َم ْن‬
‫هم ِم َن الناس‪.‬‬
‫وسيزيد األمر تأكيدا ووضوحا فيم ييل إن شاء اهلل ‪.‬‬
‫واألمر الثاين يف اخلليفة‪ :‬هو معنى احلاكم ِ‬
‫بأوامر اهلل (اخلليفة والوايل)‪:‬‬
‫يقول ابن عثيمني‪ " :‬قوله تعاىل‪{ :‬إين جاعل يف األرض خليفة} ؛ خليفة خيلف‬
‫اهلل؛ أو خيلف من سبقه؛ أو خيلف بعضهم بعض ًا يتناسلون‪ .‬عىل أقوال‪ :‬أما األول‪:‬‬
‫فيحتمل أن اهلل أراد من هذه اخلليفة‪ .‬آدم‪ ،‬وبنيه‪ .‬أن جيعل منهم اخللفاء خيلفون اهلل تعاىل‬
‫يف عباده بإبالغ رشيعته‪ ،‬والدعوة إليها‪ ،‬واحلكم بني عباده؛ ال عن جهل باهلل سبحانه‬
‫وتعاىل‪ .‬وحاشاه من ذلك‪ ،‬وال عن عجز؛ ولكنه يمن عىل من يشاء من عباده‪ ،‬كم قال‬
‫تعاىل‪{ :‬يا داوود إنا جعلناك خليفة يف األرض فاحكم بني الناس} خليفة خيلف اهلل عز‬
‫وجل يف احلكم بني عباده‪)1( ".‬‬

‫اس َو َمجِي ِع‬ ‫اخللِي َف ِة هنَا‪ِ -‬يف َقو ِل اب ِن مسع ٍ‬ ‫ِ‬


‫ود َوا ْب ِن َع َّب ٍ‬ ‫ْ ْ َ ْ‬ ‫ويقول القرطبي‪َ " :‬وا ْ َمل ْعني بِ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َام ِه َو َأ َو ِام ِر ِه‪ِ ،‬ألَنَّه َأ َّول‬
‫اء َأحك ِ‬
‫اَّلل ِيف إِ ْم َض ْ‬
‫ِ‬
‫السالَم‪َ ،‬وه َو َخلي َفة َّ‬
‫ِ‬ ‫َأ ْه ِل ال َّتأْ ِو ِ‬
‫يل‪ -‬آ َدم َع َليْه َّ‬
‫َان م ْر َسالً؟ َق َال‪:‬‬ ‫اَّللِ انبئا ك َ‬ ‫يث َأ ِيب َذ ٍّر‪َ ،‬ق َال قلْت‪َ :‬يا َرس َ‬
‫ول َّ‬
‫ض‪ ،‬كَم ِيف ح ِد ِ‬
‫َ‬ ‫َرسول إِ َىل ْاألَ ْر ِ َ‬
‫ٍ‬
‫يث(‪ .)3( " )2‬واألمر املهم الذي يرتتب عىل هذا أنه البد أن يكون آدم عليه‬ ‫احلَ ِد َ‬
‫( َن َع ْم) ْ‬
‫السالم رسوال أو نبي ــا إىل أمة أو قوم وحاك ًم بأوامر اهلل عىل قوم ما‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َما‬
‫َاك‬ ‫ان َق ْو ِم ِه لِي َب َ‬
‫ني َهل ْم ) (إبراهيم ‪ ،)4‬وقال تعاىل‪ ( :‬إِنَّا َأ ْر َسلْن َ‬ ‫ول إِ َّال بِلِس ِ‬
‫َ‬
‫َأرسلْنَا ِمن رس ٍ‬
‫َّ‬ ‫ْ َ‬

‫)‪ -(1‬ابن عثيمني‪ ،‬تفسري الفاحتة والبقرة‪.113-112/1 ،‬‬


‫َ ِ‬
‫اَّلل َك ِم ْاألَنْبِ َياء َق َال‬ ‫)‪ - (2‬وهذا بعض نص احلديث كم رواه ابن حبان يف صحيحه‪ " :‬قلْت َيا َرسول َّ‬
‫َ ِ‬
‫مجا َغ ِف ًريا‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫ون َأ ْل ًفا قلْت َيا َرسول َّ‬
‫اَّلل َك ِم الرسل م ْن َذل َك َق َال َثالَث مائَة َو َثالَ َث َة عَ َ َ‬
‫رش َ ًّ‬ ‫ف َو ِع ْرش َ‬
‫ِمائَة َأ ْل ٍ‬
‫َ ِ‬ ‫اَّللِ َم ْن ك َ‬
‫اَّلل بِ َي ِد ِه‬
‫اَّلل َأنَبِ ٌّي م ْر َس ٌل َق َال َن َع ْم َخ َل َقه َّ‬
‫َان َأ َّوهل ْم َق َال آ َدم قلْت َيا َرسول َّ‬ ‫ول َّ‬ ‫َق َال قلْت َيا َرس َ‬
‫وح ِه َو َك َّل َمه ِق َبالً (احلديث) "‪ ،‬رواه ابن حبان يف صحيحه‪ ،361 ،‬وغريه‪.‬‬ ‫ون ََف َخ فِ ِيه ِمن ر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫)‪ -(3‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪.263/1 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪22 --------------‬‬

‫يها ن َِذ ٌير ) (فاطر ‪ ،)24‬قال أهل التفسري‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلَق َبش ًريا َونَذ ًيرا ۚ َوإِن م ْن أ َّمة إِ َّال َخالَ ف َ‬
‫بِ ْ‬
‫كالقرطبي أنه كان رسوال إىل بنيه‪ )1(،‬وهذا القول ّمكن لكن هذا من باب تضييق الواسع‪،‬‬
‫فإن الرسول أو النبي عاد ًة يكون مرسالً إىل قومه زيادة عن أهله بدليل اآليات السابقة‪،‬‬
‫وال يوجد يف القرآن الكريم يف علمنا أي آية تقول أن هنالك رسوال أو نبيا أرسله اهلل إىل‬
‫أهله فقط دون غريهم من الناس‪ ،‬وال شك أن الذي أدى بالذين ظنوا أن آدم عليه السالم‬
‫ٍ‬
‫وحيد‬ ‫ٍ‬
‫رجل‬ ‫م ٌ‬
‫رسل إىل أهله فقط إىل هذه النتيجة‪ ،‬هو بناؤهم استنباطهم عىل كونه أول‬
‫مع أهله عىل وجه كل األرض‪ ،‬وهذا ما ليس عليه دليل‪ ،‬بل هنالك ِ‬
‫أد َّلة تثْبِت عكس‬
‫ذلك كم مر معنا بفضل اهلل تعاىل من قياس املالئكة عىل كائن قبله أفسد يف األرض‪ ،‬ويف‬
‫املعنى األول لكلمة ( خليفة ) التي تقتِض من آدم أو جنس بني آدم عموما أن خيلفوا‬
‫شيئ ًا يف األرض ( وسيأيت مزيد أدلة عىل هذا إن شاء اهلل تعاىل )‪ .‬لذلك فإن إرسال آدم‬
‫موجهة ألهله ولقوم غري أهله مع ًا‪ ،‬بل إقامة‬ ‫ِ‬
‫عليه السالم برسالة م َن األوىل أن تكون َّ‬
‫حكم اهلل يف األرض تشري أن آدم عليه السالم كانت عنده حكم أو والية أعظم من‬
‫ب إِ َما ٍم َو َخلِي َف ٍة‬ ‫ِ ِ‬
‫واليته عىل بنيه فقط‪ - ،‬فإن القرطبي يقول‪َ " :‬هذه ْاآل َية َأ ْص ٌل ِيف ن ْ‬
‫َص ِ‬
‫اخلَلِي َف ِة‪ - )2( ".‬والعجيب َأن هنالك‬ ‫ج َت ِم َع بِ ِه ا ْلكَلِ َمة‪َ ،‬و َتن ْفذ بِ ِه َأ ْحكَام ْ‬ ‫ِ‬
‫ي ْس َمع َله َوي َطاع‪ ،‬ل َت ْ‬
‫مصدرا يف دين سموي آخر يؤكد أن آدم عليه السالم كان حقيقة ملِك ًا‪ ،‬وسوف نذكره‬
‫برش قبل آدم عليه السالم ‪،-‬‬ ‫ِ‬
‫استئناسا إن شاء اهلل تعاىل يف فصل األديان وهل هنالك ٌ‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬
‫من أهل التفسري من نقل أنه وجد خملوقات يف األرض قبل آدم عليه السالم‬
‫بداللة ذلك القياس من املالئكة يف سفك الدماء‪ ،‬وقالوا أن تلك املخلوقات هي من‬
‫اجلن‪ ،‬حيث أفسدت يف األرض فأتت املالئكة بعدها وطردوهم إىل جزر البِ َحار‬

‫)‪ -(1‬املرجع نفسه‪.264/1 ،‬‬


‫)‪ - (2‬املرجع نفسه‪.264/1 ،‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪23 -------‬‬

‫وأطراف اجلبال‪ )1(،‬لكن مل نجد عزوا هلذه املعلومة إىل حديث صحيح من أحاديث النبي‬
‫صىل اهلل عليه وسلم‪ .‬وحتى لو سلمنا هبا اخلرب فإنه يمكن اجلمع بني وجود برش عاقل‬
‫يشبه بني آدم سبق وجوده يف األرض مع وجود اجلن معه كم هو واقع اليوم‪ ،‬أي عيش‬
‫كل من اإلنس وبجوارهم اجلن‪ ،‬مع كون األوىل أن يكون القياس –من املالئكة يف سفك‬
‫الدماء‪ -‬أقرب إىل قياس خملوق شبيه بِبِني آدم كونه خملوق ًا من جنسه يشبِهه ذي َد ٍم وحل ٍم‪،‬‬
‫من أن يكون القياس باجلن لوحده الذي هو خملوق من نار‪ ،‬فيكون استعمل لفظ ( يسفك‬
‫الدماء ) أوىل أن يكون مع األول الذي هو خملوق فيه َدم وي ْس َفك ِمن ْه حقيقة ِم ْن أن ي ْس َقط‬
‫اللفظ عىل اجلن فقط‪ ،‬فإن اجلن خملوق من نار وال يرى عادة‪ ،‬وال ندري إن كان فيه َدم‬
‫أم ال‪ ،‬مع أننا ن ِقر أنه ّمكن أن يسقط عليه لفظ سفك الدماء –أي عىل اجلن‪ -‬حقيقة أو‬
‫جمازا‪ ،‬مع كون االحتمل األول أقرب – أي عىل اإلنسان‪ ،-‬أو عىل األقل عىل كليهم‬
‫اإلنس واجلن فإن هذا غري مستبعد وحمتمل كذلك‪ ،‬لم فيه من اجلمع بني القولني‪ ،‬فيكون‬
‫ناس ًا آخرين وجن‪ ،‬كم هو موجود يف‬
‫بذلك قد عاش يف األرض قبل آدم عليه السالم أ َ‬
‫األرض يف األحقاب بعد آدم عليه السالم إىل يومنا هذا‪ ،‬فإن الظاهر أن هذا االختالط‬
‫القريب وتقاسم العامل بني اجلن واإلنس موجود منذ القديم وحديثا‪ ،‬وال وجه‬
‫لتخصيص أن اجلن هم وحدهم من سكن األرض قبل بني آدم‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وقد أورد ابن كثري يف البداية والنهاية عن كثري من علمء التفسري أنه كان يف‬
‫األرض خملوقات تسمى البن ِ‬
‫واحلن (باحلاء وليس باجليم) وأَنم كانوا قبل اجلن‪ ،‬وهذا‬
‫السالَم‪َ ،‬وك َ‬
‫َان‬ ‫ِ‬ ‫ت ِْ‬
‫اجلن َقبْ َل آ َد َم َع َليْه َّ‬
‫ري‪ :‬خلِ َق ِ‬‫كالم ابن كثري‪َ " :‬ق َال كَثِ ٌري ِم ْن ع َلم ِء ال َّت ْف ِس ِ‬
‫َ‬
‫اجل َّن َع َليْ ِه ْم َف َق َتلوه ْم‪َ ،‬و َأ ْج َل ْوه ْم َعن َْها‬ ‫ض ِْ‬ ‫َقبْ َله ْم ِيف ْاألَ ْر ِ‬
‫احلن َوا ْلبِن‪َ ،‬ف َس َّل َط َّ‬
‫اَّلل ْ ِ‬
‫ب َما َأ ْحدَ ثوا‪ )2( ".‬ولو َس َّلمنا هبذا الكالم فإنه يدل‬ ‫وها َب ْعدَ ه ْم بِ َس َب ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َأ َبادوه ْم من َْها‪َ ،‬و َسكَن َ‬

‫)‪ -(1‬انظر‪ :‬الطربي‪ ،‬جامع البيان‪.450/1 ،‬‬


‫)‪ -(2‬ابن كثري‪ ،‬البداية النهاية‪ ،‬حتقيق عبد اهلل بن عبد املحسن الرتكي‪ ،‬دار هجر‪ ،‬ط األوىل‪1418 ،‬ه‪-‬‬
‫‪1997‬م‪.128/1 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪24 --------------‬‬

‫عىل أن اجلن مل يكونوا أول من يف األرض‪ ،‬وإذ افرتضنا أن البن واحلن هم صنف من‬
‫أصناف الناس فإن هذا قد يقرتب أو يتوافق أكثر مع اآلية التي تذكر سفك الدماء‪ ،‬وقد‬
‫يتوافق أيضا مع العلم احلديث الذي يثبت وجود أصناف من البرش عاشوا يف األرض‬
‫قبل مئات اآلالف السنني بل املليون سنة‪.‬‬
‫وأورد بإذن اهلل هنا فتوى ابن باز كاملة التي مل ينفي فيها وجود أناس قبل آدم‬
‫عليه السالم‪ ،‬بل نقل قول من قال بوجود أنَاس قبله عليه السالم بصيغة "ي َقال"‪ ،‬وهذه‬
‫نص الفتوى‪)1( :‬‬

‫السؤال‪:‬‬
‫ض َخلِي َف ًة َقالوا َأ َ ْ‬
‫ت َعل‬ ‫الئك َِة إِين ج ِ‬
‫اع ٌل ِيف األ َ ْر ِ‬ ‫َ‬
‫قال اهلل تعاىل‪ ( :‬وإِ ْذ َق َال رب َك لِلْم ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َحن ن َسبح بِ َح ْم ِد َك َون َقدس َل َك َق َال إِين َأ ْع َلم َما ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يها َم ْن ي ْفسد ف َ‬
‫يها َو َي ْسفك الد َما َء َون ْ‬ ‫ف َ‬
‫ِ‬
‫َت ْع َلم َ‬
‫ون ) (البقرة ‪ ،)30‬يقول‪ :‬هل معنى هذا أن اهلل خلق اإلنسان قبل آدم عليه السالم‪،‬‬
‫فسد يف األرض ويسفك الدماء وما القصد من‬ ‫إذ ًا فكيف عرفت املالئكة أن اإلنسان يـ ِ‬

‫أن اهلل جاعل يف األرض خليفة‪ ،‬وخليفة عمن ؟‬


‫جواب ابن باز‪:‬‬
‫اآلية الكريمة تدل عىل أن اهلل‪-‬جل وعال‪-‬جعل هذا اإلنسان وهو آدم‪-‬عليه‬
‫السالم‪-‬خليفة يف األرض عمن كان فيها من أهل الفساد وعدم االستقامة‪ ،‬وقول‬
‫املالئكة يدل عىل أنه كان هناك قو ٌم يفسدون يف األرض فبنت ما قالت عىل ما جرى يف‬
‫ٍ‬
‫ألسباب أخرى اطلعت عليها فقالت ما قالت‪ ،‬فأخربهم اهلل ‪ -‬سبحانه‬ ‫األرض‪ ،‬أو‬
‫وتعاىل – بأنه يعلم ما ال تعلمه املالئكة وأن هذا اخلليفة حيكم يف األرض برشع اهلل‪،‬‬
‫ودين اهلل وينرش الدعوة إىل توحيده‪ ،‬واإلخالص له‪ ،‬واإليمن به‪ ،‬وهكذا ذريته بعده‬
‫يكون فيهم األنبياء يكون فيهم الرسل‪ ،‬و األخيار‪ ،‬والعلمء الصاحلون‪ ،‬والعباد‬
‫املخلصون إىل غري ذلك‪ّ ،‬ما حصل يف األرض من العبادة هلل وحده وحتكيم رشيعته‪،‬‬

‫)‪ -(1‬موقع ابن باز‪ ،‬رابط‪ https://cutt.us/elKaI :‬موقع ‪https://binbaz.org.sa/‬‬


‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪25 -------‬‬

‫واألمر بم أمر به والنهي عم َنى عنه‪ ،‬هكذا جرى من األنبياء والرسل‪ ،‬والعلمء‬
‫الصاحلني‪ ،‬والعباد املخلصني إىل غري ذلك‪ ،‬وظهر أمر اهلل يف ذلك‪ ،‬وعلمت املالئكة‬
‫بعد ذلك هذا اخلري العظيم‪ ،‬ويقال إن الذي قبل آدم إَنم طوائف من الناس ومن اخلليقة‬
‫واحلن‪ ،‬وبكل حال فهو خليفة ملن مض قبله‪ ،‬وصل قبله يف أرض اهلل ّمن‬‫يقال هلم اجلن ِ‬
‫يعلمهم اهلل ‪ -‬سبحانه وتعاىل – وليس لدينا أدل ٌة قاطعة يف بيان من كان هناك قبل آدم‪،‬‬
‫وصفاهتم‪ ،‬وأعمهلم ليس هناك ما يبني هذا األمر‪ ،‬لكن جعله خليفة يدل عىل أن هناك‬
‫من قبله يف األرض‪ ،‬فهو خيلفهم يف إظهار احلق‪ ،‬وبيان رشيعة اهلل التي رشع له‪ ،‬وبيان ما‬
‫يريض اهلل ويقرب لديه‪ ،‬وينهى عن الفساد فيها‪ ،‬وهكذا من جاء بعده من ذريته‪ ،‬قاموا‬
‫هبذا األمر العظيم من األنبياء والصلحاء واألخيار‪ ،‬دعوا إىل احلق ووضحوا احلق‬
‫وأرشدوا إىل دين اهلل وعمروا األرض بطاعة اهلل وتوحيده واحلكم برشيعته‪ ،‬وأنكروا‬
‫عىل من خالف ذلك‪ .‬نعم اهلل املستعان‪( .‬انتهت الفتوى)‬

‫دليل‪ :‬حقيقة النفس الواحدة التي خلق اهلل الناس منها ليست بالرضورة واحلَ ْرص‬
‫آدم عليه السالم‪:‬‬
‫احدَ ٍة َو َخ َل َق‬
‫سو ِ‬ ‫ِ‬
‫قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬يا َأ َهيا النَّاس اتَّقوا َر َّبكم ا َّلذي َخ َل َقكم من َّن ْف ٍ َ‬
‫ِمن َْها َز ْو َج َها َو َب َّث ِمن ْه َم ِر َج ًاال كَثِ ًريا َونِ َسا ًء ) (النساء ‪.)1‬‬
‫ال يوجد أي حديث صحيح عن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم يفّس النفس‬
‫الواحدة هنا أَنا آدم لوحده حرصا‪ ،‬وإن فّسنا أن النفس الواحدة هي آدم حرصا‪ ،‬فقد‬
‫يعني (ليس بالرضورة) أن كل الناس جاؤوا من آدم عليه السالم وهذا ما مل يرصح به‬
‫القرآن رصاحة وال السنة‪ ،‬وهلذا نجد أن اهلل تعاىل يف هذا املوضع مل يقل ‪ ( :‬يا أهيا الناس‬
‫اتقوا ربكم الذي خلقكم من آدم وخلق منه زوجه )‪ ،‬أضف إىل ذلك أنه ال يوجد أيـة آية‬
‫وال حديث صحيح عن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم يصف كيفية خلق حواء بأَنا‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪26 --------------‬‬

‫خلقت من ضلع آدم‪ ،‬وإنم كان ذلك التفسري من بعض التابعني كمجاهد وقتادة‪ )1(،‬وأما‬
‫إذا رجعنا إىل حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم الذي هو العمدة‪ ،‬فنجد أنه قال صىل‬
‫يش ٍء ِيف‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس َت ْوصوا بِالن َساء َخ ْ ًريا َفإ ََّن َّن خل ْق َن م ْن ض َل ٍع َوإ َّن َأ ْع َو َج َ ْ‬
‫اهلل عليه وسلم‪ْ ( :‬‬
‫الض ـ َل ِع َأع ـالَه َف ِإ ْن َذهب ـت ت ِقيمه كَّستَه وإِ ْن تَر ْكته َمل ي ـز ْل َأع ـوج َفاستوص ـوا بِالن ـس ِ‬
‫اء‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ َْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ‬
‫َخ ـ ْ ًريا )(‪ ،)2‬فال يوجد يف هذا احلديث كم ترون أي ذكر أن النفس الواحدة هي آدم عليه‬
‫السالم‪ ،‬أو أن حواء خلقت من ضلع آدم عليه السالم األيّس وهو نائم كم نقل بعض‬
‫أهل التفسري‪ ،‬حتى إن رشيد رضا واأللباين رجحا أن هذا اخلرب األخري يف كيفية خلق‬
‫حواء عليها السالم أنه من اإلْسائيليات‪ ،‬وأكد األلباين أنه اليثبت أي حديث يف خلق‬
‫حواء من ضلع آدم عليه السالم‪)3(.‬‬

‫وأما حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم‪ ( :‬استوصوا بِالنس ِ‬


‫اء َخ ْ ًريا َف ِإ ََّن َّن خلِ ْق َن‬ ‫َ‬ ‫ْ َْ‬
‫َّستَه َوإِ ْن ت ََر ْك َته َملْ َي َز ْل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِم ْن ِض َل ٍع َوإِ َّن َأ ْع َو َج َ ٍ ِ‬
‫يشء يف الض َل ِع َأ ْعالَه َفإ ْن َذ َهبْ َت تقيمه ك َ ْ‬‫ْ‬
‫اء َخ ْ ًريا )‪ ،‬فمن العلمء من محله عىل احلقيقة ومنهم من محله عىل‬ ‫َأعوج َفاستوصوا بِالنس ِ‬
‫َ‬ ‫َْ َ ْ َْ‬
‫املجاز مثل القاري واأللباين‪ ،‬حيث ينقل األلباين يف سلسلته‪ " :‬وقال الشيخ القاري يف‬
‫"رشح املشكاة" (‪" : )460/3‬أي خلقن خلق ًا فيه اعوجاج‪ ،‬فكأَنن خلقن من‬
‫األضالع‪ ،‬وهو عظم معوج‪ ،‬واستعري للمعوج صورة‪ ،‬أو معنى ونظريه يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫{خلق اإلنسان من عجل} "‪ .‬قلت ‪-‬أي األلباين‪ :-‬وهذا هو الراجح عندي أنه استعارة‬
‫وتشبيه ال حقيقة‪ ،‬وذلك ألمرين‪ :‬األول‪ :‬أنه مل يثبت حديث يف خلق حواء من ضلع آدم‬
‫كم تقدم‪ .‬واآلخر‪ :‬أنه جاء احلديث بصيغة التشبيه يف رواية عن أيب هريرة بلفظ‪" :‬إن‬

‫)‪ -(1‬انظر‪ :‬الطربي‪ ،‬جامع البيان‪.515/7 ،‬‬


‫)‪ -(2‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،5185 ،5184 ،3331 ،‬ومسلم يف صحيحه‪.1468 ،‬‬
‫)‪ -(3‬انظر‪ :‬رشيد رضا‪ ،‬تفسري املنار‪ ،432-431/9 ،‬نارص الدين األلباين‪ ،‬سلسلة األحاديث‬
‫الضعيفة واملوضوعة‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬ط األوىل‪ ،‬الرياض اململكة العربية السعودية‪ 1412 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪1992‬م‪.1139/13 ،‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪27 -------‬‬

‫املرأة كالضلع‪)1("."..‬وسواء محِل احلديث عىل احلقيقة أم عىل املجاز فال يوجد فيه أن‬
‫حواء خلقت من ضلع آدم عليهم السالم‪ ،‬أو أن النفس الواحدة التي ذكرها اهلل يف كتابه‬
‫هي حرصا آدم عليه السالم‪ ،‬فمن جهة هذا احلديث ال يوجد أي إشكال‪.‬‬
‫جاء يف تفسري املنار لرشيد رضا ناقال عن شيخه حممد عبده –والذي يوافقه‬
‫عموما يف الرأي‪ ،‬ويسميه يف تفسريه األستاذ اإلمام‪ -‬يف تفسري هذه اآلية األوىل من‬
‫اه ِر‪َ ،‬ف ِم َن‬ ‫احدَ ِة آدم بِالنَّص‪ ،‬و َال بِال َّظ ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫س ا ْلو ِ‬
‫اإل َمام‪َ :‬لي ْ َس ا ْمل َراد بِالنَّ ْف ِ َ‬ ‫النساء‪ْ " :‬األ ْس َتاذ ْ ِ‬
‫ش‪َ ،‬ف ِإ َذا َص َّح َه َذا‬ ‫ين َم ْن َيقول‪ :‬إِ َّن ك َّل نِدَ ٍاء ِمث ِْل َه َذا ي َراد بِ ِه َأ ْهل َم َّك َة‪َ )2(،‬أ ْو ق َر ْي ٍ‬ ‫ّس َ‬ ‫ا ْمل َف ِ‬
‫اخل َطاب‬ ‫َان ْ ِ‬ ‫احدَ َة ِه َي ق َر ْي ٌش َأ ْو َع ْدنَان‪َ ،‬وإِ َذا ك َ‬ ‫ش َأ َّن النَّ ْفس ا ْلو ِ‬ ‫َج َاز َأ ْن َي ْف َه َم ِمن ْه َبنو ق َر ْي ٍ‬
‫َ َ‬
‫احدَ ِة َي ْعرب َأ ْو َق ْح َطان‪َ .‬وإِ َذا قلْنَا‪:‬‬ ‫س ا ْلو ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َعا َّم ًة َج َاز َأ ْن َي ْف َهموا من ْه َأ َّن ا ْمل َرا َد بِالنَّ ْف ِ َ‬ ‫لِلْ َع َر ِ‬
‫اإل ْسالَ ِم‪َ ،‬أ ْي ِجلَ ِمي ِع ْاأل َم ِم‪َ ،‬فالَ َش َّك َأ َّن ك َّل أ َّم ٍة َت ْف َهم‬ ‫اب ِجلَ ِمي ِع َأ ْه ِل الدَّ ْع َو ِة إِ َىل ْ ِ‬
‫اخل َط َ‬
‫إِ َّن ْ ِ‬
‫س‬ ‫ون َأ َّن ا ْمل َرا َد بِالنَّ ْف ِ‬ ‫رش ِم ْن سالَ َل ِة آ َد َم َي ْف َهم َ‬ ‫ِمن ْه َما َت ْع َت ِقده‪َ ،‬فا َّل ِذي َن َي ْع َت ِقد َ‬
‫ون َأ َّن َمجِي َع ا ْل َب َ ِ‬
‫ون النَّ ْف َس َع َىل َما‬ ‫رش َأ ًبا َ ْحي ِمل َ‬ ‫ْف ِم َن ا ْل َب َ ِ‬ ‫ون َأ َّن لِكل ِصن ٍ‬ ‫احدَ ِة آ َدم‪َ ،‬وا َّل ِذي َن َي ْع َت ِقد َ‬ ‫ا ْلو ِ‬
‫َ‬
‫ويل‪َ ،‬و ْاألَ ْس َود‬ ‫اِس‪َ ،‬و ْاألَ ْص َفر ا ْملَغ ِ‬ ‫ون (و ْاألَصنَاف ا ْلكربى ِهي ْاألَبيض ا ْلقو َق ِ‬ ‫ِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َي ْع َتقد َ َ ْ‬
‫احلَ َب ِيش‪َ ،‬و ْاهلِن ِْدي‬ ‫َاألَ ْمح َِر ْ‬
‫وال ك ْ‬ ‫الزن ِْجي َو َغ ْريه‪َ ،‬و َب ْعض فرو ِع َه َذا َتكَاد تَكون أص ً‬
‫يكي‪َ ،‬وا ْ َمل َل ِقي" (‪ ،)3‬فليس حتم أن يكون اخلطاب يتناول حرصا آدم وحواء وذريتهم‬ ‫ْاألَ ِم ِر ِ‬

‫)‪ -(1‬األلباين‪ ،‬سلسلة األحاديث الضعيفة واملوضوعة‪.1140-1139/13 ،‬‬


‫املفّس الواحدي يف تفسري قول اهلل تعاىل‪َ ( :‬يا َأ َهيا النَّاس‬
‫)‪ -(2‬أي قوله تعاىل‪ ( :‬يا أهيا الناس )‪ ،‬يقول َ‬
‫احدَ ٍة )‪ { " :‬يا أهيا الناس } يا أهل مكة " ( أبو احلسن الواحدي‬‫سو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اتَّقوا َر َّبكم ا َّلذي َخ َل َقك ْم م ْن َن ْف ٍ َ‬
‫النيسابوري‪ ،‬العزيز يف تفسري الكتاب العزيز‪ ،‬حتقيق‪ :‬صفوان عدنان داوودي‪ ،‬دار القلم الدار الشامية‬
‫‪-‬دمشق‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬األوىل‪ 1415 ،‬هـ‪ ،‬ص ‪ ،251‬وجاء يف تفسري زهرة التفاسري للمفّس أيب زهرة‪:‬‬
‫" يذكر بعض املفّسين أن النداء بـ " يا أهيا الناس " خياطب به أهل مكة‪ ،‬والنداء بـ " يا أهيا الذين آمنوا‬
‫" خياطب به املؤمنني‪ ،‬وأخذوا ذلك من أن أكثر اآليات التي ابتدئت بـ " يا أهيا الناس " نزلت بمكة ‪...‬‬
‫"‪( ،‬أيب زهرة أمحد بن أمحد‪ ،‬زهرة التفاسري‪ ،‬دار الفكر العريب‪).1573/3 ،‬‬
‫)‪ -(3‬رشيد رضا‪ ،‬تفسري املنار‪.265/4 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪28 --------------‬‬

‫–فليس كل البرش يعتقدون أَنم من آدم وحواء‪ -‬فقد أهبم ـ ـها اهلل ( نفس واحدة وخلق‬
‫منها زوجها ) فاألفضل أن تـ ْرتك كم هي مبهمة‪.‬‬
‫والقرينة األخرى املوجودة يف نفس اآلية والتي تدل عىل أن آدم وزوجه حواء‬
‫عليهم السالم ليسا أبوين لكل الناس‪ ،‬يف حال سلمنا أن النفس الواحدة وزوجها هي‬
‫آدم وحواء عليها السالم ‪-‬أو أَنم يدخالن يف العموم املقصود منها‪ ،-‬قوله تعاىل ( وبث‬
‫منهم رجاال كثريا ونساء )‪ ،‬فلو كان آدم حواء عليهم السالم ‪ -‬أو بعبارة أصح هذه النفس‬
‫الواحدة وزوجها التي أهبمهم اهلل – لقال اهلل تعاىل ‪ ( :‬وبث منهم الرجال والناس ) –‬
‫أي بالتعريف األلف والالم‪ -‬أو لقال ( بث منهم كل الرجال والنساء )‪ ،‬أي كلمة‬
‫"الرجال" "والنساء" بالتعريف للداللة عىل العموم‪ ،‬أي كل الرجال والنساء‪ ،‬ولكن أتت‬
‫الكلمتان نكرتان‪ ،‬ما يدل عىل أَنم ليْ َسا أبوين لكل الناس‪ ،‬وهنا ينقل رشيد رضا عن‬
‫حممد عبده يف تفسريه كالما نفيسا ويوافقه إذ يقول‪ " :‬قال‪َ :‬وا ْل َق ِرينَة َع َىل َأنَّه َليْ َس ا ْمل َراد‬
‫َان ا ْملن ِ‬ ‫احدَ ِة آ َد َم َق ْوله‪َ :‬و َب َّث ِمن ْهم ِر َج ًاال كَثِ ًريا َونِ َسا ًء بِال َّتن ِْك ِ‬ ‫س ا ْلو ِ‬
‫َاسب‬ ‫ري‪َ :‬وك َ‬ ‫َ‬ ‫هنَا بِالنَّ ْف ِ َ‬
‫ال والنس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َع َىل َه َذا ا ْل َو ْج ِه َأ ْن َيق َ‬
‫س‬ ‫ف َينص َع َىل َن ْف ٍ‬ ‫اء‪َ .‬و َكيْ َ‬ ‫يع الر َج َ َ‬ ‫ول‪َ :‬و َب َّث من ْه َم َمجِ َ‬
‫وب "‪ )1(،‬ثم يتابع الـم َفّس ذكر أسباب أخرى ت َؤكد‬ ‫اخل َطاب َعا ٌّم ِجلَ ِمي ِع الشع ِ‬ ‫معهود ٍة و ْ ِ‬
‫َ ْ َ َ‬
‫س معهود ٍة و ْ ِ‬
‫اخل َطاب‬ ‫ف َينص َع َىل َن ْف ٍ َ ْ َ َ‬ ‫هذا الرأي ناقال عن شيخه حممد عبده قائال‪َ " :‬و َكيْ َ‬
‫ون‬‫َّاس َم ْن َال َي ْع ِرف َ‬ ‫يع ِه ْم‪َ ،‬ف ِم َن الن ِ‬ ‫وب‪ .‬وه َذا ا ْلعهد َليس معرو ًفا ِعن ْدَ َمجِ ِ‬
‫َْ ْ َ َ ْ‬ ‫َعا ٌّم ِجلَمي ِع الشع ِ َ َ‬
‫ِ‬

‫آ َد َم َو َال َح َّوا َء َو َملْ َي ْس َمعوا ِهبِ َم‪َ .‬و َه َذا الن ََّسب ا ْملَشْ هور ِعن ْدَ ذر َّي ِة نوحٍ َم َثالً ه َو َمأْخو ٌذ َع ِن‬
‫َارخيًا م َّت ِصالً بِآ َد َم‪َ ،‬و َحدَّ دوا َله َز َمنًا َق ِري ًبا‪َ .‬و َأ ْهل‬ ‫رش ت ِ‬ ‫ني‪َ ،‬ف ِإ ََّن ْم هم ا َّل ِذي َن َج َعلوا لِلْ َب َ ِ‬ ‫ا ْل ِع ْ َربانِي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون بِ َت ِ ِ ِ‬ ‫ني َين ِْسب َ‬ ‫الص ِ‬
‫ب‬ ‫الز َم ِن ا َّلذي َذ َه َ‬ ‫ارخيه إِ َىل َز َم ٍن َأ ْب َعدَ م َن َّ‬ ‫آخ َر‪َ ،‬و َي ْذ َهب َ‬ ‫ب َ‬ ‫رش إِ َىل َأ ٍ‬
‫ون ا ْل َب َ َ‬
‫َحن‬ ‫ني‪َ ،‬ون ْ‬ ‫َاريخِ ا ْل ِع ْ َربانِي َ‬ ‫رش ِّمَّا َيطْ َعن ِيف ت ِ‬ ‫ار ا ْل َب َ ِ‬ ‫ون‪َ .‬وا ْل ِعلْم َوا ْلبَ ْحث ِيف آ َث ِ‬ ‫إِ َليْ ِه ا ْل ِع ْ َربانِي َ‬
‫السالَم ‪َ ،-‬ف ِإنَّه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َص ِد َيق ت ِ‬ ‫ا ْمل ْسلِ ِم َ‬
‫وسى ‪َ -‬ع َليْه َّ‬ ‫َاريخِ ا ْل َيهود‪َ ،‬وإِ ْن َع َز ْوه إِ َىل م َ‬ ‫ني َال ن َك َّلف ت ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َح َتج َع َىل َما َو َرا َء‬ ‫َحن َال ن ْ‬ ‫وسى‪َ .‬ق َال‪ :‬ن ْ‬ ‫َال ث َق َة عن ْد َنا بِ َأنَّه م َن ال َّت ْو َراة‪َ ،‬و َأنَّه َبق َي ك ََم َجا َء بِه م َ‬

‫)‪ - (1‬املرجع نفسه‪.265/4 ،‬‬


‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪29 -------‬‬

‫السالَم ‪َ ،-‬وإِ َّننَا ن َِقف ِعن ْدَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫احلس‪َ ،‬وا ْل َع ْق ِل إِ َّال بِا ْل َو ْح ِي ا َّلذي َجا َء بِه نَبِينَا ‪َ -‬ع َليْه َّ‬
‫َات ْ ِ‬ ‫مدْرك ِ‬
‫َ‬
‫ات كَثِ َريةً‪َ ،‬و َق ْد َأ ْ َهب َم اهلل ‪َ -‬ت َع َاىل ‪َ -‬ههنَا َأ ْم َر‬ ‫ه َذا ا ْلوح ِي َال ن َِزيد‪ ،‬و َال َنن ْقص كَم ق ْلنَا مر ٍ‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫س ا َّلتِي خلِ َق النَّاس ِمن ْ َها‪َ ،‬و َجا َء ِ َهبا ن َِك َر ًة َفنَدَ ع َها َع َىل إِ ْ َهب ِام َها‪َ .‬ف ِإ َذا َث َب َت َما َيقوله‬ ‫النَّ ْف ِ‬
‫َان َذل ِ َك َغ ْ َري َو ِار ٍد َع َىل‬
‫رش َأ ًبا ك َ‬ ‫ْف ِمن َأصن ِ‬
‫َاف ا ْل َب َ ِ‬ ‫ْ ْ‬
‫اإل ْف ِر ْنجِ ِمن َأ َّن لِكل ِصن ٍ‬
‫ْ‬ ‫ون ِم َن ْ ِ‬ ‫احث َ‬ ‫ا ْلب ِ‬
‫َ‬
‫يه ْم‬ ‫احثِ ِ‬
‫الرصيحِ ِيف َذل ِ َك‪ ،‬وهو ِّمَّا َمح ََل ب ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫يها ِم َن النَّص َّ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫كِ َتابِنَا ك ََم َي ِرد َع َىل كِ َت ِ ِ‬
‫اهبم ال َّت ْو َراة ل َم ف َ‬
‫اىل ‪ -‬ووح ِي ِه‪)1(".‬‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫َع َىل ال َّط ْع ِن ِيف ك َْو ِ ََنا م ْن عن ْد اهلل ‪َ -‬ت َع َ َ َ ْ‬
‫ثم يذكر نفس التفسري(‪ )2‬قرائن أخرى يستأنس هبا وهو ما نقله املفّس األلوِس‬
‫اإل َم ِام َّي ِة‪،‬‬
‫يف تفسريه عن اإلمامية والصوفية يف تعدد اآلدميني إذ يقول‪َ " :‬و َق ْد ن ِق َل َع ِن ْ ِ‬
‫ون‪َ ،‬ق َال ِيف‬ ‫ون كَثِري َ‬ ‫اب‪َ ،‬و ِعن ْدَ نَا آ َدم َ‬ ‫ور ِعن ْدَ َأ ْه ِل ا ْل ِك َت ِ‬ ‫َان َقبْ َل آ َد َم ا ْملَشْ ه ِ‬ ‫َوالصو ِف َّي ِة َأنَّه ك َ‬
‫اإلم ِامي ِة ِيف ا ْل َفص ِل ْ ِ‬ ‫احب ج ِام ِع ْاألَخب ِ ِ‬ ‫روحِ ا ْ َملع ِاين‪ :‬و َذكَر ص ِ‬
‫رش َخ َ ًربا‬ ‫اخلَام َس َع َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ار م َن ْ ِ َ َّ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ني كل آ َد َم‪َ ،‬وآ َد َم َأ ْلف‬ ‫اهلل ‪َ -‬ت َع َاىل ‪َ -‬خ َل َق َقبْ َل َأبِينَا آ َد َم َثالَثِ َ‬
‫ني آ َد َم َب ْ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫َطويالً َن َق َل فيه َأ َّن َ‬
‫ِ‬
‫ف َسن ٍَة‪ ،‬ث َّم‬ ‫ني َأ ْل َ‬ ‫ت َمخ ِْس َ‬ ‫ف َسن ٍَة‪ ،‬ث َّم عم َر ْ‬ ‫ت َخ َرا ًبا َب ْعدَ ه ْم َمخ ِْس َ‬
‫ني َأ ْل َ‬ ‫َسن ٍَة‪َ ،‬و َأ َّن الد ْن َيا َب ِق َي ْ‬
‫اد ِق ِيف‬ ‫يد َع ِن الص ِ‬ ‫اب ال َّتو ِح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫السالَم ‪َ .-‬و َر َوى ا ْبن َبا َب َو ْيه ِيف ك َت ِ ْ‬ ‫خل َق َأبونَا آ َدم ‪َ -‬ع َليْه َّ‬
‫ِ‬ ‫يث َط ِو ٍ‬ ‫ح ِد ٍ‬
‫رشا َغ ْ َريك ْم‪َ ،‬ب َىل‪َ ،‬واَّلل َل َق ْد َخ َل َق‬ ‫يل َأ ْي ًضا َأنَّه َق َال‪َ :‬ل َع َّل َك ت ََرى َأ َّن َ‬
‫اهلل َملْ َخيْل ْق َب َ ً‬ ‫َ‬
‫ري لِلنَّ ْهجِ ‪َ :‬ون ِق َل‬ ‫ني‪َ ،‬و َق َال ا ْملِيثَم ِيف َرش ِح ِه ا ْلكَبِ ِ‬ ‫آخ ِر أو َلئِ َك ْاآل َد ِمي َ‬ ‫ف آدم َأنْتم ِيف ِ‬
‫ف َأ ْل َ َ َ ْ‬ ‫َأ ْل َ‬
‫ْ‬
‫ف آ َد َم‪َ ،‬أ ْو َأ ْكثَر‪.‬‬ ‫اق ِر َأنَّه َق َال‪َ :‬ق ِد انْ َق َض َقب َل آدم ا َّل ِذي هو َأبونَا َأ ْلف َأ ْل ِ‬ ‫حمم ِد ب ِن َع ِيل ا ْلب ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ََ‬ ‫ٍّ َ‬ ‫َع ْن َ َّ ْ‬
‫ف‬ ‫ني َأ ْل َ‬ ‫اه ِر ِه َأ َّن َقبْ َل آ َد َم بِ َأ ْر َب ِع َ‬
‫الشيخ ْاألَكْرب ‪ -‬قدس ِْسه ‪ِ -‬يف فتوحاتِ ِه ما ي ْق َت ِِض بِ َظ ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َو َذك ََر َّ ْ‬

‫)‪ - (1‬املرجع نفسه‪.266/4 ،‬‬


‫)‪ -(2‬رشيد رضا يقر يف تفسريه أنه كان عىل عقيدة السلف‪ ،‬وعىل مذهبهم ومذهب أهل احلديث يف‬
‫أسمء اهلل وصفاته‪ ،‬ويثني بفضل كتب ابن تيمية وابن القيم عليه‪ ،‬حيث يقول‪ " :‬إِنَّنِي َو ِ ََّّللِ ْ‬
‫احلَ ْمد عَ َىل‬
‫ْهي ْم‪ .‬عَ َليْ َها َأ ْح َيا َوعَ َليْ َها َأموت إِ ْن َشا َء اهلل – َت َع َاىل "‪ ،‬وإنم كان نقله الستدالالت‬ ‫َط ِر َيق ِة الس َل ِ‬
‫ف َو َهد ِ ِ‬ ‫َّ‬
‫بعض املذاهب املخالفة لالستدالل واالستئناس وتقوية للحجة يف بعض املسائل‪ ،‬لم قد حتتويه من‬
‫بعض احلق الذي يصلح أن يكون حجة ودليل‪ ،‬ال لكونه يعتقد أن مذهبه صحيح‪ .‬انظر‪ :‬املرجع نفسه‪،‬‬
‫‪.211/1‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪30 --------------‬‬

‫ش) َما َيكَاد ي ْف َهم ِمن ْه ال َّت َعدد‬ ‫(ال ْب ِن َبا َب َو ْي ِه ك ََم ِيف ْاهل َ ِام ِ‬
‫ص ِ‬ ‫اخلَ َص ِائ ِ‬
‫اب ْ‬ ‫َسن ٍَة آ َد َم َغ ْ َريه‪َ .‬و ِيف كِ َت ِ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫َأ ْي ًضا ْاآل َن‪َ ،‬حيْث ر َوى فِ ِيه َع ِن َّ ِ ِ‬
‫ف َع َاملٍ‪،‬‬‫رش َأ ْل َ‬
‫الصادق َأنَّه َق َال‪ " :‬إ َّن ََّّلل ‪َ -‬ت َع َاىل ‪ -‬ا ْثن َْي َع َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ني‪َ ،‬ما َي َرى َع َاملٌ ِمن ْه ْم َأ َّن ِ ََّّلل ‪َ -‬ع َّز َو َج َّل‬ ‫ات َو َسبْ ِع َأ َر ِض َ‬ ‫كل َع َاملٍ ِمن ْهم َأكْرب ِمن سب ِع سمو ٍ‬
‫ْ َ ْ َ ْ َ َ َ‬
‫غريهم " ا ْنتهى ا ْملراد ِمن ْه‪)1( ".‬‬
‫َ‬ ‫‪َ -‬عا َل ًم َ ْ َ ْ َ َ‬
‫والدليل اآلخر الذي قد يستدل به عىل أن النفس الواحدة يف آية النساء ليست‬
‫آدم عليه السالم حرصا‪ ،‬قول اهلل تعاىل يف َناية سورة األعراف‪ ( :‬ه َو ا َّل ِذي َخ َل َقكم من‬
‫ت بِ ِه‬
‫محالً َخ ِفي ًفا َف َم َّر ْ‬
‫ت َْ‬‫مح َل ْ‬
‫اها َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّن ْف ٍ ِ ٍ‬
‫س َواحدَ ة َو َج َع َل من َْها َز ْو َج َها ل َي ْسك َن إِ َليْ َها ۚ َف َل َّم َت َغ َّش َ‬
‫ۚ َف َلم َأ ْث َق َلت د َعوا اَّلل رهبم َلئِن آ َتيتَنَا ص ِاحلا َّلنَكو َنن ِمن َّ ِ‬
‫الشاك ِري َن (‪َ )189‬ف َل َّم آت َ‬
‫َامها‬ ‫َّ َ‬ ‫َّ َ َّ َ َ َّ َ ْ ْ َ ً‬ ‫َّ‬
‫اَّلل َع َّم ي ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون ) (األعراف ‪.)190-189‬‬ ‫رشك َ‬ ‫َامها ۚ َف َت َع َاىل َّ‬
‫رشكَا َء ف َيم آت َ‬ ‫َصاحلًا َج َعالَ َله َ‬
‫فاإلشكال الذي قد يظهر إن كانت (النفس الواحدة) هنا آدم عليه السالم و (زوجها)‬
‫حي ِرم اهلل تعاىل الرشك‬ ‫حواء عليها السالم‪ ،‬كيف جيعالن هلل رشكاء فيم آتامها ؟‪ )2(،‬أمل َ‬

‫)‪ -(1‬املرجع نفسه‪ ،267-266/4 ،‬وانظر‪ :‬األلوِس‪ ،‬روح املعاين‪ ،‬املحقق عيل عبد الباري عطية‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬ط األوىل‪ ،‬بريوت‪ 1415 ،‬هـ‪.393-391/2 ،‬‬
‫)‪ –(2‬وأمـ ـا مـ ـا أورده ب ـعض أه ـل ال ـتفسري من حديث ينسب إىل النبي صىل اهلل عليه وسلم من قوله‪:‬‬
‫( لم محلت حواء طاف هبا إبليس‪ ،‬وكان ال يعيش هلا ولد‪ ،‬فقال‪ :‬سميه عبد احلارث‪ ،‬فسمته‪ :‬عبد‬
‫احل ـ ـ ـارث‪ ،‬ف ـ ـ ـعـ ـاش‪ ،‬وكـ ـان ذل ـ ـ ـك م ـن وح ـ ـي الشيطان وأم ـ ـره )‪ ،‬فـ ـق ـ ـد َضـ ـع ـ َف ـه األل ـبـ ـاين‪ ،‬وق ـال عـ ـنـ ـه‪:‬‬
‫" ضعيف‪ .‬أخرجه الرتمذي (‪ - 181 / 2‬بوالق) واحلاكم (‪ )545 / 2‬وابن برشان يف " األمايل "‬
‫(‪ )2 / 158‬وأمحد (‪ ) 11 / 5‬وغريهم من طريق عمر بن إبراهيم عن قتادة عن احلسن عن سمرة بن‬
‫جندب مرفوعا‪ ،‬وقال الرتمذ ي‪ :‬حديث حسن غريب ال نعرفه إال من حديث عمر بن إبراهيم عن‬
‫قتادة‪ ،‬وقال احلاكم‪ :‬صحيح اإلسناد ووافقه الذهبي ‪.‬قلت‪-‬أي األلباين‪ :-‬وليس كم قالوا‪ ،‬فإن احلسن‬
‫يف سمعه من سمرة خالف مشهور‪ ،‬ثم هو مدلس ومل يرصح بسمعه من سمرة وقال الذهبي يف ترمجته‬
‫من "امليزان"‪ :‬كان احلسن كثري التدليس‪ ،‬فإذا قال يف حديث‪ :‬عن فالن‪ ،‬ضعف احتجاجه‪ .‬قلت‪:‬‬
‫وأعله ابن عدي يف " الكامل " (‪ )1701 / 3‬بتفرد عمر بن إبراهيم وقال‪ :‬وحديثه عن قتادة مضطرب‪،‬‬
‫وهو مع ضعفه يكتب حديثه‪ .‬وّما يبني ضعف هذا احلديث الذي فّس به قوله تعاىل {فلم آتامها صاحلا‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪31 -------‬‬

‫حتى عىل أقرب الناس إليه األنبياء‪ ،‬ولو أرشكوا حلبط عملهم‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َل َق ْد‬
‫اْسي َن)‬ ‫ْت َل َي ْح َب َط َّن َع َمل َك َو َل َتكو َن َّن ِم َن ْ‬
‫اخلَ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أوح َي إ َليْ َك َوإ َىل ا َّلذي َن من َقبْل َك َلئ ْن َأ ْ َ‬
‫رشك َ‬
‫(الزمر‪ ،)65‬أليس آدم عليه السالم نبيا واألنبياء أوىل الناس تنزهيا لرهبم عن الرشك ؟‪،‬‬
‫لذلك اختلف املفّسون يف تفسري اآلية‪ ،‬وأورد الرازي أوجها يف تفسريه‪ ،‬أذكر منها إن‬
‫شاء اهلل وجهني يبعدان هذا اإلشكال‪ ،‬أوهلم جيعل أن هذه القصة جاءت من باب رضب‬
‫املثل باجلنس‪ ،‬ومعنى ( جعل منها زوجها ) أي جعل من جنسها زوجها‪ ،‬والثاين بأن‬
‫يكون اخلطاب لقريش عىل عهد النبي صىل اهلل عليه وسلم وهم آل قيص‪ ،‬يقول الرازي‪:‬‬
‫رض ِ‬
‫ب ا ْ َملث َِل‬ ‫يل َ ْ‬ ‫" ال َّتأْ ِويل ْاأل َ َّول‪َ :‬ما َذك ََره ا ْل َق َّفال َف َق َال‪ :‬إِنَّه َت َع َاىل َذك ََر َه ِذ ِه ا ْل ِق َّص َة َع َىل َُتْثِ ِ‬
‫الرش ِك‪َ ،‬و َت ْق ِرير‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ني يف َج ْهل ِه ْم‪َ ،‬و َق ْوهل ْم بِ ْ‬
‫رشكِ َ ِ‬ ‫ورة َحا َل ِة َهؤ َال ِء ا ْمل ْ ِ‬ ‫ان َأ َّن َه ِذ ِه ْ‬
‫احلَا َل َة ص َ‬
‫وبي ِ‬
‫َََ‬
‫احدَ ٍة َو َج َع َل ِم ْن‬
‫سو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫َه َذا ا ْل َكالَ ِم ك ََأنَّه َت َع َاىل َيقول‪ :‬ه َو ا َّلذي َخ َل َق ك َّل َواحد من ْك ْم م ْن َن ْف ٍ َ‬

‫جعال له رشكاء فيم آتامها ‪ }...‬اآلية‪ ،‬أن احلسن نفسه َف َّّس اآلية بغري ما يف حديثه هذا‪ ،‬فلوكان عنده‬
‫صحيحا مرفوعا لم عدل عنه‪ ،‬فقال يف تفسريها‪ :‬كان هذا يف بعض أهل امللل ومل يكن بآدم‪ ،‬ذكر ذلك‬
‫ابن كثري (‪ )275 - 274 / 2‬من طرق عنه ثم قال‪ :‬وهذه أسانيد صحيحة عن احلسن أنه فّس اآلية‬
‫بذلك‪ ،‬وه ـو مـ ـن أحـ ـ سن التفاسري وأوىل ما محلت عليه اآلية‪ ،‬وانظر ُتام كالمه فإنه نفيس‪ ،‬ونحوه يف‬
‫" التبيان يف أقسام القرآن " (ص ‪ )264‬البن القيم‪ ( ".‬األلباين‪ ،‬سلسلة األحاديث الضعيفة‬
‫واملوضوعة‪ .)517/516/1 ،‬قلت‪ :‬وكذلك قد أعل هذا احلديث ابن كثري يف تفسريه من ثالثة أوجه‬
‫من بينها الوجه الذي ذكره األلباين عنه‪.‬‬
‫ويقول رشيد رضا يف تفسريه عىل نفس احلديث يف آدم وحواء السابق‪ " :‬وهو عَ َىل َكثْر ِة ْ ِ‬
‫يب‬ ‫خم ِر ِجيه َغ ِر ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫ات خ َراف َّي ٌة‪َ ،‬تشْ َهد‬ ‫ت ْاآل َثار ِيف َه َذا ا ْ َمل ْعنَى م َف َّص َل ًة َوم َط َّو َل ًة َوفِ َيها ِز َيا َد ٌ‬ ‫يف كَم سيأْ ِيت‪ ،‬و َق ْد جاء ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َو َضع ٌ َ َ َ‬
‫يث ا ْمل َْرفوعَ ِة؛‬ ‫اد ِ‬
‫يل ْاألَح ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫اإل ِ ِ ِ‬ ‫عَ َليْ َها بِ َأ َّ ََنا ِم َن الدَّ َسائِ ِ‬
‫ْسائيل َّية‪َ ،‬و َهذه ْاآل َثار َيعد َها َب ْعض ا ْلع َل َمء م ْن َقبِ ِ َ‬ ‫س ِْْ َ‬
‫ري َأ َّن ك َّل ما هو ِمن ْها مظِنَّ ٌة لِإلِْْسائِيلِي ِ‬ ‫الرأْ ِي‪َ ،‬وا َّل ِذي َن ْع َت ِقده َو َج ْرينَا عَ َليْ ِه ِيف ال َّت ْف ِس ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫ْ َ َّ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ألَ َّ ََنا َال ت َقال بِ َّ‬
‫َت َم َع َذل ِ َك مشْ َت ِم َل ًة عَ َىل َما‬ ‫ب ْب ِن منَب ٍه َف ِه َي َال يو َثق ِ َهبا‪َ ،‬ف ِإ ْن كَان ْ‬ ‫ار َو َو ْه ِ‬ ‫ب ْاألَ ْح َب ِ‬ ‫ا ْمل َت َل َّق ِاة عَ ْن ِمث ِْل َك ْع ِ‬
‫َحن فِ ِيه ؛ ِألَ َّن فِ ِيه‬ ‫ِ‬ ‫ين ِْكره الدين َأ ِو ا ْل ِعلْم الص ِحيح َق َطعنَا بِبطْال ََِنا و َكو َِنا د ِسيس ًة إِ ِ ِ‬
‫ْسائيل َّي ًة‪َ ،‬ومن َْها َما ن ْ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ف‬ ‫ين‪َ ،‬و َت َك َّل َ‬ ‫الرش ِك‪َ ،‬ول ِ َذلِ َك َر َف َض َها َب ْعض ا ْمل َف ِ‬
‫ّس َ‬ ‫السالَم َو َر ْم ًيا َهل َم بِ ْ‬ ‫رص ًحيا ِيف آ َد َم َو َح َّوا َء عَ َليْ ِه َم َّ‬ ‫َط ْعنًا َ ِ‬
‫ون ِيف تَأْ ِويلِ َها بِ َم تن ِْكره الل َغة‪( "...‬رشيد رضا‪ ،‬تفسري املنار‪.)435/9 ،‬‬ ‫آخر َ‬ ‫َ‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪32 --------------‬‬
‫الز ْوج َز ْو َج َته َو َظ َه َر ْ‬ ‫او ِيه ِيف ْ ِ ِ ِ‬ ‫ِجن ِْس َها َز ْو َج َها إِن َْسانًا ي َس ِ‬
‫احلَ ْمل‪َ ،‬د َعا‬ ‫اإلن َْسان َّية‪َ ،‬ف َل َّم َت َغ َّشى َّ‬
‫الشاكِ ِري َن ِآل َال ِئ َك َو َن ْع َم ِئ َك‪.‬‬ ‫الز ْو َجة َر َّهب َم َلئِ ْن آ َتيْ َتنَا َو َلدً ا َص ِاحلًا َس ِو ًّيا َلنَكو َن َّن ِم َن َّ‬‫الز ْوج َو َّ‬ ‫َّ‬
‫الز ْو َجة ََّّلل رشكَاء فِيم آت َ ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َو َلدً ا َصاحلًا َس ِو ًّيا‪َ ،‬ج َع َل َّ‬
‫َامها‪ ،‬ألَ ََّن ْم ت َ‬
‫َار ًة‬ ‫َ َ َ‬ ‫الز ْوج َو َّ‬ ‫َف َل َّم آت َ‬
‫َامها َّ‬
‫ب ك ََم ه َو َق ْول‬ ‫َار ًة إِ َىل ا ْلك ََواكِ ِ‬
‫ني‪َ ،‬وت َ‬‫ون َذل ِ َك ا ْل َو َلدَ إِ َىل ال َّط َب ِائ ِع ك ََم ه َو َق ْول ال َّط َب ِائ ِعي َ‬ ‫َين ْسب َ‬
‫عاىل‬‫ان ك ََم ه َو َق ْول َع َبدَ ِة ْاألَ ْصنَا ِم‪ .‬ث َّم َق َال َت َع َاىل‪َ :‬ف َت َ‬ ‫ني‪ ،‬وتَار ًة إِ َىل ْاألَصنَا ِم و ْاألَو َث ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ا ْملنَجم َ َ َ‬
‫ِ‬
‫ون َأي َتنَزه اَّلل َعن َذل ِ َك الرش ِك‪ ،‬وه َذا جواب ِيف َغاي ِة الصح ِة والسدَ ِ‬ ‫اَّلل َع َّم ي ْ ِ‬
‫اد‪.‬‬ ‫َّ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫رشك َ ْ َّ َ َّ‬ ‫َّ‬
‫اَّلل َع َليْ ِه‬
‫اَّلل َص َّىل َّ‬ ‫ول َّ‬ ‫ش ا َّل ِذي َن كَانوا ِيف َع ْه ِد رس ِ‬
‫َ‬ ‫اخل َطاب لِق َر ْي ٍ‬ ‫ون ْ ِ‬ ‫ال َّتأْ ِويل الث َِّاين‪ :‬بِ َأ ْن َيك َ‬
‫يص َو َج َع َل ِم ْن‬ ‫س ق َ ٍّ‬ ‫يص‪َ ،‬وا ْمل َراد ِم ْن َق ْول ِ ِه‪ :‬ه َو ا َّل ِذي َخ َل َقك ْم ِم ْن َن ْف ِ‬ ‫َو َس َّل َم‪َ ،‬وه ْم آل ق َ ٍّ‬
‫الصالِحِ ال َّس ِوي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َامها َما َط َل َبا م َن ا ْل َو َلد َّ‬
‫ِ ِ‬
‫جن ْس َها َز ْو َج َها َع َربِ َّي ًة ق َرشيَّ ًة ل َي ْسك َن إِ َليْ َها‪َ ،‬ف َل َّم آت َ‬
‫ِ ِ‬

‫َاف‪َ ،‬و َعبْ ِد ا ْلع َّزى‪َ ،‬و َعب ْ ِد‬ ‫جعالَ َله رشكَاء ِفيم آتَامها حيث سميا َأو َالدمها ْاألَربع َة بِعب ِد من ٍ‬
‫ََْ َْ َ‬ ‫َ َ ْ َ َّ َ ْ َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ون َهل َم َو ِألَ ْع َق ِاهبِ َم ا َّل ِذي َن ا ْقتَدَ ْوا ِهبِ َم ِيف‬‫رشك َ‬ ‫الض ِم َري ِيف ي ْ ِ‬ ‫َّت‪َ ،‬و َج َع َل َّ‬ ‫قيص‪ ،‬و َعب ِد الال ِ‬
‫َ ٍّ َ ْ‬
‫ك‪)1(".‬‬ ‫الرش ِ‬
‫ْ‬
‫ونقل أيضا هذا القول األول الذي يؤكد أن النفس الواحدة هنا هي اجلنس ال‬
‫ْس‬‫اج ٌع إِ َىل ِجن ِ‬ ‫آدم عليه السالم القرطبي يف تفسريه‪ ،‬إذ يقول‪َ ..." :‬و َق َال َق ْوم‪ :‬إِ َّن َه َذا ر ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫السالَم‪َ ،‬وه َو ا َّل ِذي ي َع َّول َع َليْ ِه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني م ْن ذر َّية آ َد َم َع َليْه َّ‬
‫رش ِك َ ِ‬ ‫ال ا ْمل ْ ِ‬‫ني َع ْن َح ِ‬ ‫ني َوال َّتبْ ِي ِ‬ ‫ْاآل َد ِمي َ‬
‫الذ َك َر َو ْاألنْثَى ا ْلكَافِ َر ْي ِن‪ ،‬ويعنى به اجلنسان‪َ .‬و َد َّل َع َىل َه َذا‬ ‫َف َق ْوله‪َ " :‬ج َعال َله " َي ْعنِي َّ‬
‫َان‪َ .‬و َه َذا َق ْو ٌل َح َس ٌن‪َ .‬و ِق َيل‪ :‬ا ْ َمل ْعنَى" ه َو ا َّل ِذي‬ ‫رشك ِ‬ ‫ون) َو َمل َيق ْل ي ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َع َّم ي ْرشك َ ْ‬ ‫( َف َت َع َاىل َّ‬
‫اح ٍد" َو َج َع َل ِمن ْها َز ْو َجها" َأ ْي ِم ْن‬ ‫احدَ ٍة و َشك ٍْل و ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫واحدَ ٍة" ِمن هيئَ ٍة و ِ‬
‫ْ َْ َ‬
‫س ِ‬ ‫َخ َل َقك ْم ِم ْن َن ْف ٍ‬
‫ني‪َ .‬و َع َىل َه َذا ا ْل َق ْو ِل َال َيكون ِآل َد َم َو َح َّوا َء ِذك ٌْر ِيف ْاآل َي ِة‪،‬‬ ‫ِجن ِْس َها" َف َل َّم َت َغ َّشاها" َي ْعنِي ْ ِ‬
‫اجلن َْس ْ ِ‬
‫الرش ِك‪َ ،‬ف َه َذا فِ ْعل‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫رص َفاه َع ِن ا ْلفطْ َرة إ َىل ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َامها ا ْل َو َلدَ َصاحلًا َسل ًيم َسو ًّيا ك ََم َأ َرا َداه َ َ‬ ‫َف ِإ َذا آت َ‬
‫ود إِ َّال يو َلد َع َىل ا ْل ِفطْ َر ِة‪ِ -‬يف ِر َوا َي ٍة ( َع َىل‬
‫ني‪َ .‬ق َال ص َّىل اَّلل َع َلي ِه وس َّلم" ما ِمن مول ٍ‬
‫ْ َ َ َ َ ْ َْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫رشكِ َ‬‫ا ْمل ْ ِ‬

‫)‪ -(1‬فخر الدين الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬ط الثالثة‪ ،‬بريوت‪ 1420 ،‬هـ‪،‬‬
‫‪ .428/15‬وهاذان الوجهان أوردمها واستدل هبم رشيد رضا يف تفسريه كذلك‪.‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪33 -------‬‬

‫َرصانِ ِه َوي َمج َسانِ ِه "‪ )1(.‬بل هنالك من التابعني من فّس اآلية‬ ‫ِِ‬
‫هذه ) امللة‪ -‬أبواه َهيو َدانه َوين َ‬
‫أو آخر اآلية بغري آدم وحواء منزها إيامها من الرشك مثل عكرمة – تلميذ عبد اهلل بن‬
‫ص ِ َهبا آ َد َم‪َ ،‬و َل ِك ْن‬ ‫عباس ريض اهلل عنهم ‪ -‬واحلسن البرصي‪ ،‬يقول عكرمة‪َ " :‬ملْ َخي َّ‬
‫ض َأ ْه ِل‬ ‫َان َه َذا ِيف َب ْع ِ‬ ‫َج َع َل َها َعا َّم ًة ِجلَ ِمي ِع ْ‬
‫اخلَلْ ِق َب ْعدَ آ َد َم‪ )2(".‬ويقول احلسن البرصي‪ " :‬ك َ‬
‫ِ‬
‫ا ْمل َل ِ َ ْ َ ْ‬
‫ل و َمل يكن بآدم‪)3(".‬‬

‫ال ي َقرر بأن آدم عليه السالم ليس هو النفس‬


‫وكذلك األلوِس يف تفسريه ينقل قو ً‬
‫الواحدة هنا وإنم املراد هو اجلنس إذ يقول‪ " :‬وعن احلسن وقتادة أن ضمري جعال وآتامها‬
‫يعود عىل النفس وزوجها من ولد آدم ال إىل آدم وحواء عليهم السالم‪ ،‬وهو قول األصم‬
‫واحدَ ٍة خلق كل واحد‬
‫س ِ‬ ‫قال‪ :‬ويكون املعنى يف قوله سبحانه وتعاىل‪َ :‬خ َل َقك ْم ِم ْن َن ْف ٍ‬
‫منكم من نفس واحدة وخلق لكل نفس زوجا من جنسها فلم تغشى كل نفس زوجها‬
‫محلت محال خفيفا وهو ماء الفحل فلم أثقلت بمصري ذلك المء حلم ودما وعظم دعا‬
‫الرجل واملرأة رهبم لئن آتيتنا صاحلا أي ذكرا سويا لنكونن من الشاكرين وكانت عادهتم‬
‫أن يئدوا البنات فلم آتامها أي فلم أعطى اهلل تعاىل األب واألم ما سأاله جعال له رشكاء‬
‫‪ )4( "...‬ومثل هذا القول أيضا من اختيار ابن املنري‪ ،‬يقول األلوِس‪ ... " :‬نعم اختار ابن‬
‫املنري ما مآله هذا يف االنتصاف وادعى أنه أقرب وأسلم ّما تقدم وهو أن يكون املراد‬
‫َّ‬
‫وكأن املعنى واهلل تعاىل أعلم هو‬ ‫جنيس الذكر واألنثى وال يقصد معني من ذلك ثم قال‪:‬‬
‫الذي خلقكم جنسا واحدا وجعل أزواجكم منكم أيضا لتسكنوا إليهن فلم تغشى‬
‫اجلنس الذي هو الذكر اجلنس الذي هو األنثى جرى من هذين اجلنسني كيت وكيت‪،‬‬

‫)‪ -(1‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪.339/7 ،‬‬


‫)‪ - (2‬أورده النحاس يف معاين القرآن‪ ،116/3 ،‬والبغوي يف تفسريه ‪ ،222/2‬والقرطبي يف تفسريه‪،‬‬
‫‪.339/7‬‬
‫)‪ - (3‬رواه الطربي يف تفسريه‪.314/13 ،‬‬
‫)‪ -(4‬األلوِس‪ ،‬روح املعاين‪.132-131/5 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪34 --------------‬‬

‫وإنم نسب هذه املقالة إىل اجلنس وإن كان فيهم املوحدون ألن املرشكني منهم فجاز أن‬
‫يضاف الكالم إىل اجلنس عىل طريقة قتل بنو ُتيم فالنا وإنم قتله بعضهم‪ ،‬ومثله قوله‬
‫ف أ ْخ َرج َح ًّيا [مريم‪ ]66 :‬وقتِ َل ْ ِ‬
‫اإلنْسان ما َأك َْف َره‬ ‫اإلنْسان َأإِذا ما ِمت َل َس ْو َ‬
‫تعاىل‪َ :‬و َيقول ْ ِ‬
‫[عبس‪)1(."...]17 :‬‬

‫وبعد هذا فإن هذه اآلية من األعراف تقاس عليها اآلية األوىل من سورة النساء‪،‬‬
‫وهذا ما يؤكد أن النفس الواحدة ال حتمل بالرضورة أو باحلرص عىل آدم عليه السالم‪.‬‬
‫ويذكر رشيد رضا كالم طويال َح َسن ًا يف تفسري هذه اآليات السابقة من سورة األعراف‪،‬‬
‫احدَ ٍة َو َج َع َل ِمن َْها َز ْو َج َها ل ِ َي ْسك َن إِ َليْ َها َف َل َّم‬ ‫سو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال اهلل تعاىل‪ ( :‬ه َو ا َّلذي َخ َل َقك ْم م ْن َن ْف ٍ َ‬
‫اَّلل َر َّهب َم َل ِئ ْن آ َتيْ َتنَا َص ِاحلًا َلنَكو َن َّن‬
‫ت َد َع َوا َّ َ‬ ‫ت بِ ِه َف َل َّم َأ ْث َق َل ْ‬ ‫محالً َخ ِفي ًفا َف َم َّر ْ‬ ‫ت َْ‬ ‫مح َل ْ‬ ‫اها َ َ‬‫َت َغ َّش َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن َّ ِ‬
‫ون‬ ‫رشك َ‬ ‫اَّلل َع َّم ي ْ ِ‬‫َامها َف َت َع َاىل َّ‬
‫رشكَا َء ف َيم آت َ‬ ‫َامها َصاحلًا َج َعالَ َله َ‬ ‫الشاك ِري َن (‪َ )189‬ف َل َّم آت َ‬ ‫َ‬
‫ون (‪( ) )191‬األعراف ‪ ،)191-189‬إذ‬ ‫ون َما َال َخيْلق َشيْ ًئا َوه ْم ْخي َلق َ‬ ‫رشك َ‬ ‫(‪َ )190‬أي ْ ِ‬
‫احدَ ٍة َو َج َع َل ِمن َْها َز ْو َج َها ل ِ َي ْسك َن إِ َليْ َها‬ ‫سو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يقول يف تفسريه‪ " :‬ه َو ا َّلذي َخ َل َقك ْم م ْن َن ْف ٍ َ‬
‫اهلل َر َّهب َم َل ِئ ْن آ َتيْ َتنَا َص ِاحلًا‬ ‫ت َد َع َوا َ‬ ‫ت بِ ِه َف َل َّم َأ ْث َق َل ْ‬ ‫محالً َخ ِفي ًفا َف َم َّر ْ‬ ‫ت َْ‬ ‫مح َل ْ‬
‫اها َ َ‬ ‫َف َل َّم َت َغ َّش َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َلنَكو َنن ِمن َّ ِ‬
‫ون‬ ‫رشك َ‬ ‫َامها َف َت َع َاىل اهلل َع َّم ي ْ ِ‬ ‫رشكَا َء ف َيم آت َ‬ ‫َامها َصاحلًا َج َعالَ َله َ‬ ‫الشاك ِري َن َف َل َّم آت َ‬ ‫َّ َ‬
‫ون‬ ‫َرصا َو َال َأنْف َسه ْم َين ْرص َ‬ ‫ون َهل ْم ن ْ ً‬ ‫ون َو َال َي ْس َتطِيع َ‬ ‫خي َلق َ‬ ‫ون َما َال َخيْلق َشيْ ًئا َوه ْم ْ‬ ‫رشك َ‬ ‫َأي ْ ِ‬
‫ت‬ ‫ون ا ْفتتِ َح ْ‬ ‫َوإِ ْن َتدْعوه ْم إِ َىل ْاهلدَ ى َال َي َّتبِعوك ْم َس َوا ٌء َع َليْك ْم َأ َد َع ْوُتوه ْم َأ ْم َأنْت ْم َص ِامت َ‬
‫ين ال َّتو ِح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يد‪َ ،‬و ْاأل َ ْم ِر بِات َبا ِع َما َأن ِْز َل اهلل‪َ ،‬والنَّ ْه ِي َع ِن ات َبا ِع‬ ‫ورة بِدَ ْع َوة ا ْلق ْرآن إِ َىل د ِ ْ‬ ‫َهذه الس َ‬
‫ين‪َ ،‬وا ْل َعدَ َاو ِة َبيْنَه‬ ‫اخلَلْ ِق َوال َّتك ِْو ِ‬
‫وىل ِيف ْ‬ ‫ان ْاأل َ‬ ‫اإلنْس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َأ ْول َيا َء م ْن دونه‪َ ،‬و َتالَه ال َّت ْذكري بِنَشْ َأة ْ ِ َ‬
‫ِ ِ‬

‫الرش ِك‪،‬‬ ‫وىل‪َ .‬والنَّ ْهي َع ِن ْ‬ ‫ت ِ َهب ِذ ِه ا ْ َمل َع ِاين َوه َو ال َّت ْذكِري بِالنَّشْ َأ ِة ا ْأل َ‬ ‫اختتِ َم ْ‬ ‫ِ‬
‫الشيْ َطان‪ ،‬ث َّم ْ‬ ‫ني َّ‬ ‫َو َب ْ َ‬
‫آن‪َ ،‬ق َال َت َع َاىل‪ ( :‬ه َو ا َّل ِذي َخ َل َقك ْم‬ ‫يد واتباع ا ْلقر ِ‬
‫ْ‬
‫ِ ِ‬
‫الشيْ َطان‪َ ،‬و ْاألَ ْمر بِال َّت ْوح َ َ‬
‫ِ‬ ‫َوات َبا ِع َو ْس َو َس ِة َّ‬
‫رشا َس ِو ًّيا‬ ‫ِ ٍ ِ ٍ‬ ‫احدَ ٍة ) َأي‪ :‬خ َل َقكم ِمن ِجن ٍ ِ ٍ‬ ‫سو ِ‬ ‫ِ‬
‫ْس َواحد َأ ْو َحقي َقة َواحدَ ة‪َ ،‬ص َّو َر َها َب َ ً‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫م ْن َن ْف ٍ َ‬
‫َو َج َع َل ِمن َْها َز ْو َج َها ل ِ َي ْسك َن إِ َليْ َها سكونًا َز ْو ِج ًّيا‪َ ،‬أ ْي‪َ :‬ج َع َل َهلَا َز ْو ًجا ِم ْن ِجن ِْس َها َفكَانَا‬

‫)‪ - (1‬املرجع نفسه‪.132/5 ،‬‬


‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪35 -------‬‬

‫ني َذك ًَرا َوأنْثَى ك ََم َق َال َت َع َاىل‪َ ( :‬يا َأ َهيا النَّاس إِنَّا َخ َل ْقنَاك ْم ِم ْن َذك ٍَر َوأنْثَى ) (‪)13 :49‬‬ ‫َز ْو َج ْ ِ‬
‫َني‪َ ،‬ق َال َع َّز َو َج َّل‪َ ( :‬و ِم ْن كل‬ ‫ْس وكل نَو ٍع ِمن ْاألَحي ِ‬ ‫ِ‬
‫ني ا ْثن ْ ِ‬
‫اء َز ْو َج ْ ِ‬ ‫َ َْ‬ ‫ْ‬ ‫ك ََم َأنَّه َخ َل َق م ْن كل ِجن ٍ َ‬
‫اخلَالَ َيا‬ ‫اهد َأ َّن ك َّل َخلِ َّي ٍة ِم َن ْ‬ ‫ون ) (‪ )49 :51‬وإِ َّننَا ن َش ِ‬
‫َ‬ ‫ني َل َع َّلك ْم ت ََذكَّر َ‬ ‫َيش ٍء َخ َل ْقنَا َز ْو َج ْ ِ‬
‫ْ‬
‫َان َفي َو َّلد َبيْنَه َم َخلِ َّي ٌة‬ ‫ني َذك ٍَر وأ ْنثَى‪ ،‬ي ْق َ ِرتن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫احلَي َتن ْ َط ِوي َع َىل ن َو َّي َت ْ ِ‬ ‫اجل ْسم ْ‬ ‫ا َّلتِي ين ََّمى ِ َهبا ْ ِ‬
‫الز ْو َج ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني ك ََم َق َال َت َع َاىل‪:‬‬ ‫ف َي َتك ََّون ِيف ْاألَ ْر َحا ِم ك ٌّل م َن َّ‬ ‫أ ْخ َرى‪َ ،‬و َهل َّم َج َّرا‪َ ،‬و َن ْع َلم َأ ْي ًضا َكيْ َ‬
‫الذك ََر َو ْاأل ْنثَى ِم ْن نطْ َف ٍة إِ َذا ُتْنَى (‪َ )46 ،45 :53‬و َل ِكنَّنَا َال َند ِْري‬ ‫ني َّ‬ ‫الز ْو َج ْ ِ‬ ‫َو َأنَّه َخ َل َق َّ‬
‫َت َذك ًَرا َوأ ْنثَى‪َ ،‬ق َال َت َع َاىل‪َ ( :‬ما َأشْ َهدْ هت ْم‬ ‫وىل َب ْعدَ َو ْحدَ ِ َهتا َفكَان ْ‬ ‫ت النَّ ْفس ْاأل َ‬ ‫ف ْازدوج ِ‬
‫َكيْ َ َ َ َ‬
‫ض َو َال َخلْ َق َأنْف ِس ِه ْم ) (‪َ )51 :18‬و ِيف ال َّت ْو َر ِاة ا َّلتِي ِعن ْدَ َأ ْه ِل‬ ‫ات َو ْاألَ ْر ِ‬ ‫خلْ َق السمو ِ‬
‫َّ َ َ‬ ‫َ‬
‫اَّلل َع َليْ ِه َو َس َّل َم‬ ‫ت م ْن ضلْ ٍع م ْن َأ ْضالَ ِع آ َد َم‪َ ،‬و َق ْد َأ َم َرنَا نَبِينَا ‪َ -‬ص َّىل َّ‬
‫اب َأ َّن حواء خلِ َق ْ ِ ِ ِ‬
‫َ َّ َ‬ ‫ا ْل ِك َت ِ‬
‫َص فِ ِيه ِعن ْدَ نَا ِال ْحتِ َمل ِ ِه‪َ ،‬فن َْحن َن ْع َمل‬ ‫ِ‬
‫اب َو َال نكَذ َهب ْم‪َ ،‬أ ْي ف َيم َال ن َّ‬ ‫‪َ -‬أ َّال ن َصد َق َأ ْه َل ا ْل ِك َت ِ‬
‫ّسي َن َو َغ ْريه ْم‬ ‫اخلَ َ ِرب‪َ ،‬وإِ ْن َمح ََل َع َليْنَا َب ْعض ا ْمل َف ِ‬ ‫اَّلل َع َليْ ِه َو َس َّل َم ‪ِ -‬يف َه َذا ْ‬ ‫بِ َأ ْم ِره ‪َ -‬ص َّىل َّ‬
‫ِ‬

‫يش ٍء ِيف الضلْ ِع َأ ْعالَه‬ ‫ِ‬


‫ت م ْن ضلْ ٍع َوإ َّن َأ ْع َو َج َ ْ‬
‫اء َف ِإ َّن ا ْملَر َأ َة خلِ َق ْ ِ ِ‬
‫ْ‬
‫يث استوصوا بِالنس ِ‬
‫َ‬ ‫َحد َ ْ َ ْ‬
‫ِ‬

‫ان ِم ْن‬ ‫الشيخَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اس َت ْوصوا بِالن َساء َر َواه َّ ْ‬ ‫َّستَه‪َ ،‬وإِ ْن ت ََر ْك َته َملْ َي َز ْل َأ ْع َو َج‪َ ،‬ف ْ‬ ‫يمه ك َ ْ‬ ‫َف ِإ ْن َذ َهبْ َت تق َ‬
‫ري ِه َأ َّن ا ْمل َرا َد‬‫يث َأ ِيب ه َر ْي َر َة َم ْرفو ًعا‪َ .‬ف ِإ َّن ا ْمل َت َبا َد َر ِمن ْه ا َّل ِذي ا ْع َت َمدَ ه الرشاح ِيف َت ْف ِس ِ‬
‫َّ‬
‫ح ِد ِ‬
‫َ‬
‫ان‬ ‫الرج َل‪ ،‬ك ََم ي ِشري إِ َليْ ِه َما َر َواه ا ْبن ِح َّب َ‬ ‫وذ َ ِ ِ‬
‫ختالف بِه َّ‬
‫بِخَ لْ ِقها ِمن ْه َأَنا َذات ا ْع ِوجاجٍ وشذ ٍ‬
‫َ َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬
‫ت ِم ْن ِضلْ ٍع َأ ْع َو َج " َفه َو َع َىل َحد َق ْول ِ ِه َت َع َاىل‪ ( :‬خلِ َق‬ ‫َع ْن َأ ِيب ه َر ْي َر َة " إِ َّن ا ْمل َْر َأ َة خلِ َق ْ‬
‫َّاس ِيف َع ْ ِ‬
‫رص ال َّتن ِْز ِ‬ ‫ِ‬
‫يل‬ ‫ب الن َ‬ ‫اهلل َت َع َاىل َخا َط َ‬ ‫اإلن َْسان م ْن َع َج ٍل ) (‪َ ... )37 :21‬و َن ْذكر َأ َّن َ‬ ‫ِْ‬
‫اجا ِم ْن َأنْف ِس ِه ْم‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫بِمث ِْل َما َحكَاه ِيف َهذه ْاآل َية َع ْن َنشْ َأة ِجن ْس ِه ْم ِيف ك َْونه َت َع َاىل َخ َل َق َهل ْم َأ ْز َو ً‬
‫ِ‬

‫اجا ل ِ َت ْسكنوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬


‫ورة الرو ِم‪َ ( :‬وم ْن آ َياته َأ ْن َخ َل َق َلك ْم م ْن َأنْفسك ْم َأ ْز َو ً‬
‫ِ‬ ‫ان آياتِ ِه ِيف س ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫َف َق َال ِيف َب َي َ‬
‫اإلنْس ِ‬ ‫إِ َليْ َها َو َج َع َل َبيْنَك ْم َم َو َّد ًة َو َر ْ َ‬
‫ان‬ ‫اص بِ ْ ِ َ‬ ‫مح ًة ) (‪َ )21 :30‬ف َه َذا ا ْ َمل ْعنَى َعا ٌّم َال َخ ٌّ‬
‫ل"‪)1(.‬‬ ‫ْاألَ َّو ِ‬

‫ما هي هذه النفس الواحدة ؟‬

‫)‪ -(1‬رشيد رضا‪ ،‬تفسري املنار‪.432-431/9 ،‬‬


‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪36 --------------‬‬

‫أما عن ماهية هذه النفس الواحدة التي ذكرها اهلل يف كتابه‪ ،‬فقد اجتهد الرازي يف‬
‫وجه من أوجه تفسريه ‪-‬وقد أوردنا كالمه قبل قليل‪ -‬ورشيد رضا يف وصفها‪ ،‬عىل أنه‬
‫هو اإلنسان ‪ -‬جنس اإلنسان‪ -‬أو احلقيقة الواحدة التي كان عليها اإلنسان –وهذه‬
‫الوصف األخري حيتاج إىل تفكر كونه قد يكون أكثر حتديدا‪ ،-‬يقول رشيد رضا بعدما بني‬
‫األدلة عىل أنه ال يمكن َحرص النفس الواحدة يف آدم عليه السالم –وأدلته مذكورة يف‬
‫ات‪ ،‬وال َّت َقال ِ ِ‬ ‫ف النَّ َظ ِر َع ِن الرواي ِ‬ ‫س ‪ -‬بِرص ِ‬ ‫ادر ِمن َل ْف ِ‬ ‫ِ‬
‫يد‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ظ النَّ ْف ِ‬ ‫هذا املبحث‪َ " : -‬وإِ َّن ا ْمل َت َب َ ْ‬
‫اإلنْسان هو ه َذا ا ْلك ِ‬ ‫احلَ ِقي َقة ا َّلتِي ك َ‬
‫ت ‪َ -‬أ َّ ََنا ِه َي ا ْل َم ِه َّية‪َ ،‬أ ِو ْ‬ ‫ا ْملس َّلم ِ‬
‫َائن ا ْمل ْم َتاز َع َىل‬ ‫َ َ‬ ‫َان ِ َهبا ْ ِ َ‬ ‫َ َ‬
‫ال‪َ ،‬وكل‬ ‫احدَ ٍة ‪َ ...‬ع َىل كل َح ٍ‬ ‫اح ٍد‪ ،‬وح ِق َيق ٍة و ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ْس و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ريه م َن ا ْلكَائنَات‪َ ،‬أ ْي َخ َل َقك ْم م ْن ِجن ٍ َ‬
‫َغ ِ ِ ِ‬
‫ْ‬
‫َاسا‪َ ،‬و ِه َي‬ ‫احدَ ٍة ِهي ْ ِ ِ ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫اإلن َْسان َّية ا َّلتي كَانوا ِ َهبا ن ً‬ ‫َ‬ ‫َّاس ه ْم م ْن َن ْف ِ َ‬ ‫يع الن ِ‬ ‫َق ْول َيصح َأ َّن َمجِ َ‬
‫احلَ ِقي َقة‬ ‫َّاس‪َ ،‬وبِر ِه ْم َو َد ْف ِع ْاأل َ َذى َعن ْه ْم َع َىل ك َْو ِ ََنا ِه َي ْ‬
‫ري الن ِ‬ ‫ا َّلتِي َي َّت ِفق ا َّل ِذي َن َيدْع َ‬
‫ون إِ َىل َخ ْ ِ‬
‫ون َع ْن َمجِي ِع ْاألَ ْجن ِ‬ ‫اإلنْس ِ‬ ‫اجل ِامعة َهلم‪َ ،‬ف َرتاهم َع َىل ِ ِ‬
‫َاس‬ ‫ان َيقول َ‬ ‫اختالَف ِه ْم ِيف َأ ْص ِل ْ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ‬
‫اع َي َة ْاأل ْل َف ِة‬‫َاط ا ْلوحدَ ِة‪ ،‬ود ِ‬
‫َ َ‬
‫ون ْ ِ ِ‬
‫اإلن َْسان َّي َة َمن َ َ ْ‬ ‫اإلن َْسانِ َّي ِة‪َ ،‬ف َيعد َ‬ ‫َاف‪ :‬إِ ََّن ْم إِ ْخ َوتنَا ِيف ْ ِ‬ ‫و ْاألَصن ِ‬
‫َ ْ‬
‫احدَ ٍة ؛‬ ‫سو ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس بِ َأ ََّن ْم م ْن َن ْف ٍ َ‬
‫ري الن ِ‬ ‫‪...،‬و َه َذا ا ْ َمل ْعنَى ه َو ا ْمل َراد ِم ْن َت ْذكِ ِ‬
‫رش َ‬ ‫ني ا ْل َب َ ِ‬
‫ف َب ْ َ‬ ‫وال َّتعاط ِ‬
‫َ َ‬
‫اخلَلْ ِق‬‫ان َم َس ِائ ِل ْ‬ ‫وق ْاألَي َتا ِم‪ ،‬و ْاألَرحا ِم ؛ و َليس َكالَما مس َت ِقالًّ لِبي ِ‬
‫ََ‬ ‫ً ْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ِ‬
‫ِألَنَّه م َقد َم ٌة للْ َكالَ ِم ِيف حق ِ ْ‬
‫يل‪)1(." ...‬وإن كان هذا الوصف مجيال وأقرب أقوال أهل التفسري إىل‬ ‫ين بِال َّت ْف ِص ِ‬ ‫َوال َّتك ِْو ِ‬
‫الصواب‪ ،‬وال يمنع آدم وحواء عليهم السالم أن يدخال فيها كوَنا من ذات إنسانية‪ ،‬مع‬
‫كون املعنى عندي واهلل أعلم قد حيمل معنًا جامع ًا وأوسع وأبلغ مع محله هلذا املعنى‬
‫السابق–اإلنسانية‪ ،-‬مثل اليشء املشرتك الذي كان عليه الناس أو المهية التي خلقهم‬
‫منها اهلل‪ ،‬وال أبلغ ّما َع َّربت عليه اآلية عىل حاهلا‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ولقد تركت يف آخر كالمي عىل هذه اآلية األوىل العظيمة من سورة النساء يف‬
‫هذا املوضع وجها مهم قد َي ْصلح أيضا أن يكون وجها يفّس به هذه اآلية‪ ،‬وهو يف كلمة‬
‫( الناس )‪ ،‬أذكر باآلية؛ قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬يا َأ َهيا النَّاس اتَّقوا َر َّبكم ا َّل ِذي َخ َل َقكم من َّن ْف ٍ‬
‫س‬

‫)‪ - (1‬رشيد رضا‪ ،‬تفسري املنار‪.266/4،‬‬


‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪37 -------‬‬

‫احدَ ٍة َو َخ َل َق ِمن َْها َز ْو َج َها َو َب َّث ِمن ْه َم ِر َج ًاال كَثِ ًريا َونِ َسا ًء ) (النساء ‪ ،)1‬إن كلمة (الناس)‬
‫و ِ‬
‫َ‬
‫يف القرآن الكريم ال ي ْق َصد هبا حرصا كل الناس‪ ،‬وإنم قد يقصد هبا " طائفة من الناس "‪،‬‬
‫اض النَّاس‬ ‫واألمثلة عل ذلك يف القرآن كثرية‪ ،‬كقول اهلل تعاىل‪ ( :‬ث َّم َأ ِفيضوا ِم ْن َحيْث َأ َف َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ) (البقرة ‪ ،)199‬فليس كل الناس حيجون‬ ‫ور َّرح ٌ‬ ‫اَّلل ۚ إِ َّن َّ َ‬
‫اَّلل َغف ٌ‬ ‫اس َت ْغفروا َّ َ‬
‫َو ْ‬
‫وي ِفيْضون ِمن عرفات‪ ،‬ويف مثال آخر قال اهلل تعاىل يف سحرة فرعون‪َ ( :‬ق َال َأ ْلقوا ۚ َف َل َّم‬
‫اس َ ْرت َهبوه ْم َو َجاءوا بِ ِس ْح ٍر َعظِي ٍم ) ( األعراف ‪ ،)116‬ومن‬ ‫ني الن ِ‬
‫َّاس َو ْ‬ ‫َأ ْل َق ْوا َس َحروا َأ ْع َ‬
‫املعلوم أن سحرة فرعون مل يسحروا أعني كل الناس يف كل زمان ومكان‪ ،‬ومثال آخر‬
‫َّاس ِيف ا ْ َمل ْه ِد‬
‫قال اهلل تعاىل يف عيسى عليه السالم ومعجزة ك ـ ـالمه يف املهد‪َ ( :‬ويكَلم الن َ‬
‫ني ) ( آل عمران ‪ ،)46‬فعيسى عليه السالم مل يكَلم كل الناس وال‬ ‫و َكهالً و ِمن الص ِ ِ‬
‫احل َ‬ ‫َ ْ َ َ َّ‬
‫كل بني إْسائيل يف املهد‪ .‬وهنالك أمثلة عديدة يف القرآن الكريم يف جميء كلمة (الناس)‬
‫بمعنى طائفة من الناس وجزء منهم وليس كل الناس يف كل زمان ومكان‪ ،‬وسيأيت إن‬
‫شاء اهلل ِذكر أمثلة أخرى يف عنوان‪ " :‬دليل‪ :‬اآليات التي تذكر خلق الناس من طني ال‬
‫تعني بالرضورة أن كل الناس يف كل زمان ومكان هم من أبناء آدم عليه السالم "‪ ،‬بل‬
‫من املفّسين من ذكر أن النداء ب ـ ـ ( يا أهيا الناس ) يراد به يا أهل مكة – كم رأينا سابقا‬
‫حني أشار رشيد رضا إىل هذا النداء ‪ )1( ،-‬وهذا ما يتوافق يف معناه مع هذا الوجه الذي‬
‫نذكره‪ ،‬أي يا أيتها الطائفة من الناس‪ .‬فإذا أخذنا هذا املعنى أي أن كلمة ( الناس ) ي ْق َصد‬
‫هبا جزء من الناس‪ ،‬ونظرنا إىل قول اهلل تعاىل‪َ ( :‬يا َأ َهيا النَّاس اتَّقوا َر َّبكم ا َّل ِذي َخ َل َقكم‬

‫املفّس الواحدي يف تفسري قول اهلل تعاىل‪َ ( :‬يا َأ َهيا النَّاس اتَّقوا َر َّبكم ا َّل ِذي َخ َل َقك ْم ِم ْن َن ْف ٍ‬
‫س‬ ‫)‪ -(1‬يقول َ‬
‫احدَ ٍة )‪ { " :‬يا أهيا الناس } يا أهل مكة " ( أبو احلسن الواحدي النيسابوري‪ ،‬العزيز يف تفسري الكتاب‬ ‫و ِ‬
‫َ‬
‫العزيز‪ ،‬حتقيق‪ :‬صفوان عدنان داوودي‪ ،‬دار القلم الدار الشامية ‪-‬دمشق‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬األوىل‪1415 ،‬‬
‫هـ‪ ،‬ص ‪ ،251‬وجاء يف تفسري زهرة التفاسري للمفّس أيب زهرة‪ " :‬يذكر بعض املفّسين أن النداء بـ "‬
‫يا أهيا الناس " خياطب به أهل مكة‪ ،‬والنداء بـ " يا أهيا الذين آمنوا " خياطب به املؤمنني‪ ،‬وأخذوا ذلك‬
‫من أن أكثر اآليات التي ابتدئت بـ " يا أهيا الناس " نزلت بمكة ‪( ،" ...‬أيب زهرة أمحد بن أمحد‪ ،‬زهرة‬
‫التفاسري‪ ،‬دار الفكر العريب‪).1573/3 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪38 --------------‬‬

‫احدَ ٍة َو َخ َل َق ِمن َْها َز ْو َج َها َو َب َّث ِمن ْه َم ِر َج ًاال كَثِ ًريا َونِ َسا ًء )‪ ،‬ثم أخذنا قول من‬
‫سو ِ‬
‫من َّن ْف ٍ َ‬
‫قال بأن النفس الواحدة هي آدم وزوجها حواء عليهم السالم ‪ -‬حتى وإن كانت اآلية ال‬
‫فّس حرصا هبذا القول كم َب َينَّا سابقا ‪ ،-‬فـ ـإنه ي ـ ـظهر لنا معنى اآلية‪:‬‬
‫تلزم بالرضورة أن ت َّ َ‬
‫" يأيتها الطائفة من الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من آدم وخلق منه زوجه وبث منهم‬
‫رجاال كثريا ونساء "‪ ،‬فهنا يظهر املعنى واضحا أنه ليس بالرضورة أن كل الناس من آدم‬
‫عليه السالم‪ ،‬ومن غري املمتنع بل من املتوقع وجود أناس من غريه أو قبله‪ ،‬وهذا املعنى‬
‫أيضا يستقيم ويتوافق مع اآلية من سورة البقرة التي تذكر قياس املالئكة إلفساد بني آدم‬
‫يف األرض عىل خملوقات قبله‪ ،‬ويتناسب مع واقع آدم عليه السالم الزماين – والذي‬
‫سوف نحسبه باألدلة والقرائن فيم ييل من الكتاب بإذن اهلل ‪ -‬املتأخر كثريا عن ٍ‬
‫كثري من‬
‫آثار وبقايا اإلنسان التي اكتشفت يف األرض‪ ،‬وأدلة أخرى سوف نراها بإذن اهلل تعاىل‪.‬‬
‫فليس كل إنسان من بني آدم بينم كل بني آدم إنسان‪ ،‬كم سأيت مزيد برهان عىل ذلك‬
‫بإذن اهلل‪.‬‬

‫دليل‪ :‬حتريم زواج األخ مع أخته‪:‬‬


‫ت َع َليْك ْم أ َّم َهاتك ْم َو َبنَاتك ْم َو َأ َخ َواتك ْم َو َع َّمتك ْم‬ ‫قال اهلل تعاىل‪ ( :‬حر َم ْ‬
‫ت َوأ َّم َهاتكم الال َِّيت َأ ْر َض ْعنَك ْم َو َأ َخ َواتكم م َن‬ ‫وخ َاالتكم وبنَات ْاألَخِ وبنَات ْاألخ ِ‬
‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫ْ ََ‬ ‫َ َ‬
‫وركم من ن َس ِائكم الال َِّيت َد َخلْتم ِهبِ َّن‬ ‫الر َضا َع ِة َوأ َّم َهات نِ َس ِائك ْم َو َر َب ِائبكم الال َِّيت ِيف حج ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َاح َع َليْك ْم َو َحالَئل َأ ْبنَائكم ا َّلذي َن م ْن َأ ْصالَبِك ْم َو َأن‬ ‫َف ِإن َّملْ تَكونوا َد َخلْتم ِهبِ َّن َفالَ جن َ‬
‫َان َغفورا ر ِحيم ‪ .‬وا ْملحصنَات ِمن النس ِ‬ ‫ني ْاأل ْخ َت ْ ِ‬
‫اء‬ ‫َ َ‬ ‫ً َّ ً َ ْ َ‬ ‫ف ۚ إِ َّن َّ َ‬
‫اَّلل ك َ‬ ‫ني إِ َّال َما َق ْد َس َل َ‬ ‫ت َمعوا َب ْ َ‬ ‫َْ‬
‫َت َأ ْي َمنك ْم ) (النساء ‪.)24-23‬‬ ‫إِ َّال َما َم َلك ْ‬
‫اهلل تعاىل حرم علينا الزواج من األخت‪ ،‬وجعل ترتيب ذكرها يف آية التحريم‬
‫السابقة التي ذكر اهلل فيها املحرمات من النساء يف الرتبة الثالثة من أربع عرش امرأة‬
‫حمرمة‪ ،‬ما يدل ِشدة وأمهية حتريمها‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪39 -------‬‬

‫وقد حرمت أديان سموية هذا الزواج‪ ،‬أي األخت مع أخيها‪ ،‬كاليهودية‬
‫والنرصانية(‪)1‬واملجوسية (الزرادشتية) األصلية‪ )2(،‬وحرمته أديان شبه سموية‬
‫كاهلندوسية –هي أصلها ديانة توحيدية لكن حمرف توحيدها‪ -‬والبوذية‪ِ )3(،‬‬
‫والف َطر‬
‫السليمة َتن ِْفر من مثل هذا النكاح‪ ،‬وحتى العلم أثبت أنه كلم كان زواج األقارب قريبا‬
‫كلم زاد احتمل اإلصابة باألمراض‪ ،‬والتجربة تؤكد ذلك‪.‬‬
‫وكل هذا يدل أنه من املستبعد أن آدم عليه السالم كان يزوج أبناءه مع بناته‪ ،‬ال‬
‫سيم وأنه كان نبي ًا عىل رشيعة‪ ،‬والرشائع السموية حتى لو كان فيها بعض االختالف يف‬
‫بعض الفروع مع اختالف الزمان أو املكان‪ ،‬كتحريم وحتليل بعض املأكوالت‪ ،‬وكيفية‬
‫أداء بعض العبادات‪ ،‬إال أن فيها ثوابت ًا ال تكاد تتغري مع الوقت‪ ،‬كتحريم القتل ظلم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فاخلبائث تبقى خبائث ًا والطيبات تبقى طي َبات‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬وحيل َهلم ال َّطي َبات َو َ‬
‫حيرم‬
‫اخلَ َب ِائ َث ) (األعراف‪.)157‬‬
‫َع َليْ ِهم ْ‬
‫فرشائع األنبياء تتقارب وتتش ـ ـابه يف األصول ومثل هذه األمور‪ ،‬يق ـول اب ـن ت ـي ـمية‪:‬‬
‫اَّلل‬ ‫" ومعلوم َأ َّن ك َّل ما َأمر اَّلل بِ ِه َع َىل لِس ِ‬
‫ان نَبِ ٍّي‪َ ،‬و َملْ َين َْسخْه النَّبِي الث َِّاين‪َ ،‬ب ْل َأ َق َّره؛ ك َ‬
‫َان َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َّ‬ ‫َ َ ْ ٌ‬
‫وب ات َبا ِع َما َأ َم َر بِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫آم ًرا بِه َع َىل ل َسان نَبِ ٍّي َب ْعدَ نَبِ ٍّي‪َ ،‬و َملْ َيك ْن ِيف َب ْعثَة الث َِّاين َما ي ْسقط وج َ‬

‫)‪ - (1‬انظر‪ :‬الكتاب املقدس‪ :‬سفر الالويني اإلصحاح السابع عرش‪.‬‬


‫)‪ - (2‬انظر األثر الذي روي عن عيل ريض اهلل عنه‪ ،‬حيث ذكر فيه أن املجوس كانوا حيرمون زواج‬
‫األخ مع أخته‪ .‬انظر‪ :‬الشافعي‪ ،‬املسند‪ . 763 ،‬ويؤكد معنى هذه األثر املؤرخ هريودوتس يف تارخيه‪،‬‬
‫حيث روى نفس احلادثة بمعنى يقرتب منها‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Hérodote, Histoire d'Hérodote, TraduiT par Larcher, CharpenTier‬‬
‫‪libraire- édiTeur, 1850, 1/249.‬‬
‫)‪ - (3‬انظر‪ :‬مقال ملحمد عيل البار بعنوان‪ :‬زواج األقارب واملحارم عند األمم‪ ،‬موقع اإلعجاز العلمي‬
‫برابط‪:‬‬
‫‪https://www.eajaz.org/index.php/component/content/article/81-‬‬
‫‪Number-XXIII/731-Inbreeding-and-incest-at-the-United‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪40 --------------‬‬

‫اب الث َِّاين َمجِ َ‬


‫يع َما‬ ‫اَّلل َين َْسخ بِا ْل ِك َت ِ‬
‫النَّبِي ْاألَ َّول َو َق َّر َره النَّبِي الث َِّاين‪َ .‬و َال َجيوز َأ ْن ي َق َال إِ َّن َّ َ‬
‫ت َع َليْـ ـ ـ ِه ا ْلكتب‬ ‫اب ْاألَ َّو ِل‪َ ،‬وإِن ََّم ا ْمل ـَن ْسوخ َقلِ ٌيل بِال ـن ْس َب ِة إِ َىل َما ا َّت َف َق ْ‬ ‫رش َعه بِا ْل ِك َت ِ‬‫َ َ‬
‫الش ـ ـر ِ‬
‫ائع "‪)1(.‬‬
‫َو َّ َ‬
‫َأم َّا ما نقله بعض أهل التفسري من أثر ين َْسب فيه أن آدم عليه السالم كان يولد له‬
‫يف كل محل زوج من التوائم ذكر وأنثى‪ ،‬وأنه كان ي َزوج غالم هذا البطن بأنثى البطن‬
‫ب إىل اإلْسائيليات‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬
‫اآلخر‪ ،‬وأنثى هذا البطن بذكر البطن اآلخر‪ ،‬فهذا اخلرب نس َ‬
‫األثر نذكره هنا كي يتبني األمر إن شاء اهلل تعاىل‪:‬‬
‫يروي ابن جرير الطربي يف تفسريه أثرين يثبتان املعنى السابق‪ ،‬أحدمها يذكر يف‬
‫سنده أنه من خرب أهل الكتاب‪ ،‬وهو‪ " :‬حدثنا ابن محيد قال‪ ،‬حدثنا سلمة‪ ،‬عن ابن‬
‫إسحاق‪ ،‬عن بعض أهل العلم بالكتاب األول‪ :‬أن آدم أمر ابنه قابيل أن ي ِ‬
‫نكح أخ َته ت ْؤ َمه‬ ‫َّ‬
‫هابيل‪ ،‬وأمر هابيل أن ينكح أخته ت ْؤ َمه قابيل‪ ،‬فسلم لذلك هابيل وريض‪ ،‬وأبى قابيل‬
‫ذلك وكره‪ ،‬تكر ًما عن أخت هابيل‪ ،‬ورغب بأخته عن هابيل‪ ،‬وقال‪ :‬نح َن ِوالدة اجلنة‪،‬‬
‫ومها من والدة األرض‪ ،‬وأنا أحق بأختي! ويقول بعض أهل العلم بالكتاب األول‪:‬‬
‫كانت أخت قابيل من أحسن الناس‪ ،‬فضن هبا عن أخيه وأرادها لنفسه‪ .‬فاهلل أعلم أي‬
‫ذلك كان فقال له أبوه‪ :‬يا بني إَنا ال حتل لك! فأبى قابيل أن يقبل ذلك من قول أبيه‪،‬‬
‫فقال له أبوه‪ :‬يا بني فقرب قربا ًنا‪ ،‬ويقرب أخوك هابيل قربانًا‪ ،‬فأيكم َقبِل اهلل قر َبانه فهو‬
‫أحق هبا‪ .‬وكان قابيل عىل َب ْذر األرض‪ ،‬وكان هابيل عىل ِرعاية المشية‪ ،‬فقرب قابيل‬
‫كارا من أبكار غنمه وبعضهم يقول‪ :‬قرب بقرة فأرسل اهلل جل‬
‫قمحا وقرب هابيل أ ْب ً‬
‫ً‬
‫نارا بيضاء فأكلت قربان هابيل‪ ،‬وتركت قربان قابيل‪ ،‬وبذلك كان ي ْق َبل القربان إذا‬
‫وعز ً‬
‫قبله"‪)2(.‬‬

‫)‪ -(1‬ابن تيمية‪ ،‬اجلواب الصحيح ملن بدل دين املسيح‪ ،‬حتقيق عىل بن حسنن – عبد العزيز‪ .‬ابن‬
‫إبراهيم ‪ -‬محدان بن حممد‪ ،‬دار العاصمة‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪ :‬الثانية‪1419 ،‬هـ ‪1999 -‬م‪.440/2 ،‬‬
‫)‪ - (2‬الطربي‪ ،‬جامع البيان‪.206-205/10 ،‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪41 -------‬‬

‫فهذا احلديث ليس من كالم النبي املعصوم صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬بل هو من‬
‫أقوال أهل الكتاب‪ ،‬بدليل نسبته إىل "بعض أهل العلم بالكتاب األول" كم يقول سند‬
‫األثر‪ ،‬والكتاب األول‪ ،‬هو كتب أهل الكتاب أو الكتب التي أنزهلا اهلل قبل القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬وأما اإلْسائيليات فال نصدقها وال نكذهبا‪ ،‬إال ما كان ي ِقره رشعنا‪ ،‬أو كان عليه‬
‫دليل ‪-‬أو قرينة مقبولة‪ -‬دون معارضة رشعنا‪ ،‬وإذا صدقناها كلها فينبغي تصديق كل ما‬
‫يقوله أهل الكتاب‪ ،‬ففي األنبياء مثالً؛ عندهم سليمن عليه السالم ارتَد عن دينه يف آخر‬
‫حياته وبنى معابد األصنام تعاىل اهلل عن ذلك علوا كبريا‪ ،‬وغري ذلك من األمور يف‬
‫أخبارهم التي يندى هلا اجلبني واهلل املستعان‪ ،‬وحتى ابن جرير الطربي روى أثرين فقط‬
‫هبذا املعنى يف زواج املحارم من أصل ستة عرش أثر‪ ،‬أي باقي األربعة عرش أثرا التي‬
‫رواها عن التابعني والصحابة ال يوجد فيها أن أبناء آدم عليه السالم كانوا يتزوجون‬
‫أخواهتم‪ ،‬لذلك ينبغي احلذر من هذه األمور إال ما كان عليه دليل‪ .‬وغالب الظن أن هذا‬
‫الكالم السابق يف زواج األخوة مع األخوات من أبناء آدم عليه السالم جمرد اجتهاد برش‬
‫اول فيه اخلروج من اإلشكال بــخرب ال يوجد له سند إىل‬
‫حي َ‬
‫بخاصة من أهل الكتاب‪َ ،‬‬
‫الوحي أو عليه دليل ‪ -‬بناء ربم عىل ختيلهم بأن آدم عليه السالم كان وحده مع أهله عىل‬
‫كل وجه الكرة األرضية ‪ ،-‬بل الرشائع السموية واألعراف املستقيمة والفطر السليمة‬
‫تَدل عىل عكس ِ‬
‫الف ْعل‪.‬‬
‫وبعد األدلة والقرائن التي رأيناها سابقا والتي توز وجود ٍ‬
‫برش قبل آدم عليه‬
‫السالم بل تشري إىل ذلك‪ ،‬وبعد اجلمع بينها وبني األدلة يف حتريم زواج املحارم؛ فإنه‬
‫يمكن القول أن آدم عليه السالم كان معارصا لقوم آخرين من جنسه‪ ،‬وأنه عىل الصحيح‬
‫قد تزوج أبناؤه وبناته معهم‪ ،‬ونشأت أجناس منهم‪ ،‬فنحن لسنا أبناء زواج حمارم‪ ،‬هذا‬
‫ٍ‬
‫وقرائن ليزداد اطمئنان من ارتاب يف ذلك‪ ،‬يف خالل هذا البحث إن‬ ‫وسيأيت مزيد ٍ‬
‫أدلة‬
‫شاء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪42 --------------‬‬

‫أرض آدم كآدم‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫أراض يف كل‬‫ٍ‬ ‫دليل‪ :‬قول عبد اهلل بن عباس؛ سبع‬
‫ض ِمثْ َله َّن َي َتن ََّزل ْاأل َ ْمر‬‫ات َو ِم َن ْاألَ ْر ِ‬ ‫قال اهلل تعاىل‪ ( :‬اَّلل ا َّل ِذي خ َل َق سبع سمو ٍ‬
‫َ َْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫يشء علْ ًم )‬ ‫اط بِكل َ ْ‬ ‫اَّلل َق ْد َأ َح َ‬
‫يشء َقد ٌير َو َأ َّن َّ َ‬ ‫َبيْنَه َّن ل َت ْع َلموا َأ َّن َّ َ‬
‫اَّلل َع َ ٰىل كل َ ْ‬
‫(الطالق‪ ،)12‬جاء يف تفسري هذه اآلية عن عبد اهلل بن عباس ريض اهلل عنهم أن ـه قال‪:‬‬
‫ض‬ ‫ض ِمثْ َله َّن} َق َال‪َ :‬سبْ َع َأ َر ِض َ‬
‫ني ِيف كل َأ ْر ٍ‬ ‫ات َو ِم َن ْاألَ ْر ِ‬
‫" {اَّلل ا َّل ِذي خ َل َق سبع سمو ٍ‬
‫َ َْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يسى "‪ )1(.‬فمعنى‬ ‫يسى كَع َ‬ ‫يم‪َ ،‬وع َ‬ ‫وح كَنوحٍ ‪َ ،‬وإِ ْب َراهيم ك َِإ ْب َراه َ‬
‫نَبِي َكنَبِيك ْم‪َ ،‬وآ َدم كَآ َد َم‪َ ،‬ون ٌ‬
‫أراض أخرى‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ذلك أنه يوجد أوادم آخرون‪ ،‬يف‬

‫)‪ -(1‬أخرجه البيهقي يف األسمء والصفات‪ ،‬رقم‪ ،267/2 ،831 :‬وأخرجه غريه‪.‬‬
‫وقال الذهبي يف كتاب " العلو للعيل الغفار " ما ملخَّ صه‪:‬‬
‫ب م َط َّوال بِ ِز َيا َد ٍة ‪َ ،‬غ ْ َري َأ َّننَا َال‬‫السائِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫"رواه ا ْل َبيْ َهقي ِيف الص َفات ‪ ،‬ور َواته ث َقات ‪َ ،‬ور ِو َي عَ ن عَ َطاء ْبن َّ‬
‫ِ‬

‫نبأنَا َأ ْمحد بن َي ْعقوب الث ََّق ِفي َحدثنَا ع َبيْد ْبن َغنَّا ٍم‬ ‫احلاكِم َأ َ‬ ‫ِ‬
‫لذل َك أصال ‪َ ،‬ف َق َال ا ْل َبيْ َهقي‪ :‬أخربنَا ْ َ‬
‫َنع َت ِقد أن َ ِ‬
‫ْ‬
‫ب عَ ْن َأ ِيب الض َحى عَ ِن ا ْب ِن عَ َّب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يم َحدَّ َثنَا َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس َق َال ‪" :‬سبع‬ ‫السائ ِ‬‫يك عَ ْن عَ َطاء ْب ِن َّ‬ ‫رش ٌ‬ ‫َحدَّ َثنَا عَ يل ْبن َحك ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َأرضني‪َ ،‬و ِيف كل َأ ْر ٍ‬
‫يسى‬ ‫يم‪َ ،‬وع َ‬ ‫وح‪َ ،‬وإِ ْب َراهيم ك َِإ ْب َراه َ‬ ‫وح كَن ٍ‬ ‫ض نَبِ ٌّي َكنَبِيك ْم‪َ ،‬وآ َدم كَآ َدمك ْم‪َ ،‬ون ٌ‬
‫استِطْ َرا ًدا‬ ‫السام َع َك َتبْت َها ْ‬
‫ِ‬
‫حتري َّ‬ ‫ني َال َيبْلغ ِهبِ َم َر َّد َح ِديثِ ِه َم َو َه ِذ ِه َبلِ َّي ٌة َ‬
‫يك َوعَ َطا ٌء فِ ِيه َم ل ِ ٌ‬ ‫رش ٌ‬ ‫يسى‪ِ َ ".‬‬ ‫ِ‬
‫كَع َ‬
‫ت"‪ (.‬شمس الدين أبو عبد اهلل حممد الذهبي‪ ،‬العلو للعيل الغفار‪،‬‬ ‫اسك ْ‬ ‫اس َم ْع َو ْ‬‫يل ْ‬ ‫ب َوه َو ِم ْن َقبِ ِ‬ ‫لِل َّت َعج ِ‬
‫مكتبة أضواء السلف‪ ،‬الرياض‪1416 ،‬ه‪1995-‬م‪ ،‬ص‪.) 75‬‬
‫َاد‪َ ،‬و َر َواه ا ْل َبيْ َه ِقي ِيف‬ ‫اإلسن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلديث َر َواه احلاكم ِيف ا ْمل ْس َتد َْرك َو َق َال‪َ :‬صحيح ْ ِ ْ‬
‫وقال السيوطي ‪َ " :‬ه َذا ْ ِ‬
‫َ‬
‫احل ْس ِن؛ َف ِإنَّه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب ِْ ِ‬
‫يح َو َلكنَّه َشا ٌّذ بِ َم َّرة‪َ ،‬و َه َذا ا ْل َكالَم م َن ا ْل َبيْ َهقي يف َغا َية ْ‬ ‫اإل َيمن َو َق َال‪ :‬إِ ْسنَاده َصح ٌ‬ ‫ش َع ِ‬
‫اإل ْسنَاد َو َيكون ِيف‬ ‫يث؛ ِال ْحتِ َم ِل َأ ْن َي ِص َّح ْ ِ‬
‫احل ِد ِ‬ ‫َال يلْ َزم ِمن ِصح ِة ْ ِ ِ ِ‬
‫اإل ْسنَاد ص َّحة ا ْ َملتْ ِن ك ََم ت ََق َّر َر ِيف علو ِم ْ َ‬ ‫ْ َّ‬ ‫َ‬
‫يث َأ ْغنَى َذل ِ َك عَ ْن تَأْ ِويلِ ِه؛ ِألَ َّن ِمث َْل َه َذا ا ْمل ََقا ِم‬ ‫احل ِد ِ‬
‫ني َض ْعف ْ َ‬ ‫ا ْ َملتْ ِن شذو ٌذ َأ ْو ِع َّل ٌة َُتْنَع ِص َّح َته‪َ ،‬وإِ َذا َت َب َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اديث َّ ِ‬ ‫َال ت ْقبل فِ ِيه ْاألَح ِ‬
‫اجل َّن عَ ْن‬ ‫ون ْ ِ‬‫ين كَانوا ي َبلغ َ‬ ‫الضع َيفة‪َ ،‬وي ْمكن َأ ْن يؤَ َّو َل عَ َىل َأ َّن ا ْمل َرا َد ِ ِهبم النذر ا َّلذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اس ِم النَّبِي ا َّل ِذي َب َّل َغ عَ ن ْه‪ ( ".‬جالل الدين عبد الرمحن‬ ‫ِ‬ ‫َأنْبِي ِ‬
‫رش‪َ ،‬و َال َيبْعد َأ ْن ي َس َّمى ك ٌّل من ْه ْم بِ ْ‬ ‫اء ا ْل َب َ ِ‬ ‫َ‬
‫السيوطي‪ ،‬احلاوي للفتاوي‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنرش‪ ،‬بريوت ‪1424 ،‬ه‪2004-‬م‪.) 462/1 ،‬‬
‫قلت‪ :‬نالحظ أن العلمء اختلفوا يف تصحيح احلديث‪ ،‬والذين ضعفوه مل يضعفوه من سنده إنم ضعفوه‬
‫من متنه‪ ،‬أي حكموا عليه بالشذوذ من املتن ألنه خالف عندهم ما ظنوا أنه معلوم عندهم من الدين‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪43 -------‬‬

‫أو فيه علة عند ظنهم‪ ،‬مع كوَنم يعرتفون أن رواته كلهم ثقات‪ ،‬حيث يف كالم البيهقي "إسناده صحيح‬
‫ني َال َيبْلغ ِ ِهب َم َر َّد َح ِديثِ ِه َم‬
‫يك َوعَ َطا ٌء فِ ِيه َم ل ِ ٌ‬ ‫ولكن‪ ،"...‬ويف كالم الذهبي يف رجلني من احلديث " َ ِ‬
‫رش ٌ‬
‫‪( "...‬أي يقبل حديثهم)‪ ،‬فاملسألة إذا هي حول نص احلديث‪ ،‬وهذا قابل للنقاش‪ ،‬وقابل أن يناقش‬
‫فيه من رآه أنه يعارض ا لكتاب أو السنة يف رأيه واجتهاده‪ ،‬ولذلك نجد يف كالم السيوطي دليال عن‬
‫إمكانية ِصح ة هذا احلديث عنده‪ ،‬إذ إنه مل جيزم بأنه ال يصح‪ ،‬لذلك نجد أنه حاول أن جيعل له تأويال‬
‫بحسب اجهاده رمحه اهلل فقال‪َ " :‬وي ْم ِكن َأ ْن يؤَ َّو َل عَ َىل َأ َّن ا ْمل َرا َد‪ ،"...‬وإن كانوا مأجورين العلمء‬
‫الذين قالوا باحتمل عدم ِصح ته عىل اجتهادهم‪ ،‬إال أن هذا الرأي ليس صواب‪ ،‬ألنه ال يوجد من‬
‫اَّلل ا َّل ِذي َخ َل َق‬
‫الدين ما يعارض ذلك‪ ،‬بل الـ ـعك ـ ـس‪ ،‬فإن هذا احلديث يتوافق مع اآلية الكريمة‪َّ { :‬‬
‫ض ِمثْ َله َّن }‪ ،‬فاألرض ال تكون فيها تراب وجبال و أشجار ومجاد فقط‪ ،‬وإنم‬ ‫ات َو ِم َن ْاألَ ْر ِ‬
‫سبع سمو ٍ‬
‫َ َْ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫فيها أشياء أخرى من أمهها البرش الذين يسكنوَنا‪ ،‬وأهم البرش هم األنبياء‪ ،‬فاملثْلية إذن بني هذه‬
‫األرا ضني ليست بالرضورة أن تكون حمصورة يف اجلمد أو الرتاب أم ما يف األرض من املخلوقات من‬
‫ِ‬
‫غري البرش‪ ،‬فقد تكون املثْلية أيضا يف البرش الذين هم مكَون من تلك األرض‪ ،‬إذ هم ينسبون إليها‬
‫لكوَنم من ساكنيها‪ ،‬وأمههم األنبياء كم قلنا‪ ،‬ولذلك نجد من املفّسين من رد هذا الرأي يف تضعيف‬
‫املتن وأثبت احلديث‪ ،‬مثلم قال األلوِس يف تفسري اآلية بعدما أورد كالم الذهبي‪ " :‬قال الذهبي‪:‬‬
‫إسناده صحيح ولكنه شاذ بمرة ال أعلم أليب الضحى عليه متابعا‪ ... .‬وأقول‪-‬أي األلوِس‪ -‬ال مانع‬
‫عقال وال رشعا من ِصح ته‪ ،‬واملراد أن يف كل أرض خلقا يرجعون إىل أصل واحد رجوع بني آدم يف‬
‫أرضنا إىل آدم عليه السالم‪ ،‬وفيه أفراد ّمتازون عىل سائرهم كنوح وإبراهيم وغريمها فينا‪( ".‬األلوِس‪،‬‬
‫روح املعني‪.)338/14 ،‬‬
‫وسبحان اهلل نجد أن عبد اهلل بن عباس ترمجان القرآن الذي دعا له النبي صىل اهلل عليه وسلم بالفقه‬
‫فاستشعر أنه سيكون من يكذب حديثه يف‬ ‫أح َّس بِعظم َو ْقع هذه اآلية عىل الناس‪ْ ،‬‬
‫والتأويل‪ ،‬قد َ‬
‫تفسريها‪ ،‬فنقل عنه أيضا أنه قال ريض اهلل عنه يف نفس اآلية‪" :‬لو حدثتكم بتفسريها لكفرتم وكفركم‬
‫تكذيبكم هبا"‪( .‬رواه الطربي يف تفسريه‪.)469/23 ،‬‬
‫قلت‪ :‬حقيقة ال يوجد أي مانع نقال وال عقال يف نص احلديث‪ ،‬بل علم مقارنة األديان وتاريخ األديان‬
‫يـؤيـد ذلك‪ ،‬وقد وجدنا تشاهب ًا يف شخصيات من املحتمل أَنا أنبياء يف ملل تلك األمم‪ ،‬من بينها األمة‬
‫الفارسية والشعب اآلري القديم‪ ،‬وسأذكر يف املتن إن شاء اهلل أمثلة من ذلك‪ ،‬وقد ادخرت أمثلة‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪44 --------------‬‬

‫وقد وجدنا شواهد ًا واقعية وتارخيية هلذا احلديث تتوافق معه بل تؤكد معناه‪،‬‬
‫حيث يوجد تشابه بني بعض األنبياء يف بعض املناطق املختلفة‪ ،‬مثل التشابه املوجود‬
‫لبعض الشخصيات يف اجلنس اآلري الفارِس القديم بينه وبني أنبياء الرشق األوسط‪،‬‬
‫"كالنَبِـي ِي َيم" الذي يشبه نوح عليه السالم‪ ،‬وزرادشت الذي يشبه حممد صىل اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وأبيهم كيومرث الذي هو بمنزلة آدم عليه السالم‪ ،‬وهذه التشاهبات يف أديان‬
‫وأماكن أخرى‪ ،‬وأمم خمتلفة يمكن الكالم عليها النحو التايل بإذن اهلل‪:‬‬

‫أخرى يف أمم أخرى‪ ،‬تؤكد هذا األمر أيضا‪ ،‬ألن املقام ليس مناسبا إليرادها‪ ،‬وسأوردها يف بحث آخر‬
‫إن شاء اهلل‪ ،‬وإلن اكتفينا باملثال اآلري الفارِس لكان كافيا‪ .‬ويمكن أن نقول بعدها أن هذا احلديث‬
‫له شاهد علمي تارخيي يؤيده‪ ،‬بل شاهد واقعي‪ ،‬وهي سنة اهلل يف تشابه األرايض واألمم واألنبياء‪.‬‬
‫واملفتاح اآلخر يف فهم اآلية هو معرفة أن لفظ أرض يف القرآن ال يقصد به حصار ًا الكرة األرضية‬
‫بأكملها‪ ،‬وإنم قد يقصد به جزء من الكرة األرضية‪ ،‬مثل قول اهلل تعاىل‪ ( :‬غلِب ِ‬
‫ت الروم ‪ِ .‬يف َأ ْدنَى‬ ‫َ‬
‫ض َوه ْم ِم ْن َب ْع ِد َغ َلبِ ِه ْم َس َي ْغلِب َ‬
‫ون ) (الروم ‪ ،)3-2‬قيل أدنى األرض‪ :‬أقرب أرض الشام إىل‬ ‫ْاألَ ْر ِ‬
‫فارس‪( ،‬انظر‪ :‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،)4/14 ،‬وقيل أدنى أرض الروم إىل أرض العرب‬
‫اف بِالَد َّ‬
‫الشام‬ ‫َت ْاهل ِزيمة ا ْلعظِيمة عَ َىل الرو ِم ِيف َأطْر ِ‬ ‫(أدنى معناه أقرب)‪ ،‬يقول ابن عاشور‪ " :‬وكَان ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ض َأي أدنى بِالَد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عَات‪َ .‬و َذل َك ه َو ا ْمل َراد ِيف َهذه ْاآل َية ِيف َأ ْدنَى ْاألَ ْر ِ‬‫رصى َو َأ ْذر َ‬ ‫املحا َّدة بِال َِد ا ْل َع َر ِ‬
‫ني ب ْ َ‬
‫ب َب ْ َ‬
‫ث عَ ن ْه ْم‪َ ،‬أ ِو الالَّم ِع َو ٌض‬
‫ض الرو ِم ا ْمل َتحدَّ ِ‬
‫َ‬ ‫ض لِلْ َع ْه ِد‪َ ،‬أ ْي َأ ْر ِ‬ ‫الروم إِ َىل بِالَد ا ْل َع َرب‪ .‬فالتعريف ِيف ْاألَ ْر ِ‬
‫َ ِ ِ‬
‫ض ا ََّّلل‪ ( " .‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪،‬‬ ‫اف إِ َليْ ِه‪َ ،‬أ ْي ِيف َأ ْد َنى َأ ْر ِض ِه ْم‪َ ،‬أ ْو َأ ْدنَى أ ْر‬‫عَن ا ْمل َض ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ ). 43/12‬بل قد يطلق لفظ األرض يف القرآن الكريم ليس عىل غري الكرة األرضية فحسب‪ ،‬وإنم‬
‫ِ‬
‫احلَ ْمد ِ ََّّلل ا َّل ِذي َصدَ َقنَا َوعْدَ ه َو َأ ْو َر َثنَا ْاألَ ْر َض َن َت َب َّوأ‬
‫عىل غري أرض الدنيا‪ ،‬مثل قول اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َقالوا ْ‬
‫ني ) (الزمر‪ ،)74‬حيث األرض املذكورة يف اآلية هذه هي‬ ‫املِ َ‬
‫اجلن َِّة حيث ن ََشاء ۚ َفنِعم َأجر ا ْلع ِ‬
‫َْ ْ َ‬ ‫م َن ْ َ َ ْ‬
‫ِ‬

‫أرض اجلنة‪( ،‬انظر‪ :‬الطربي‪ ،‬جامع البيان‪ ،)342/21 ،‬يقول ابن عاشور‪َ ... " :‬و َجيوز َأ ْن َيك َ‬
‫ون َل ْفظ‬
‫وىل‪ ( ".‬ابن عاشور‪،‬‬ ‫احلَ َي ِاة ْاأل َ‬ ‫ْاألَ ْر َض م ْس َت َع ًارا لِلْ َجن َِّة ِألَ َّ ََنا َق َراره ْم ك ََم َأ َّن ْاألَ ْر َض َق َرار الن ِ‬
‫َّاس ِيف ْ‬
‫التحرير والتنوير‪.)73/24 ،‬‬
‫وهذه األدلة التي رأيناها سنرى مزيد منها إن شاء اهلل مشرية إىل وجود برش قبل آدم عليه السالم‪.‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪45 -------‬‬

‫فمثال فيم يؤمن به املجوس (الزرادشتيون) الف ْرس يف أبيهم الذي يسمونَه‬
‫"كيومرث"‪ ،‬إذ ي َق ٍرر " األبتساق " أو األبستاه " الكتاب املقدس الفارِس‬
‫(الزرادشتي)(‪ - )1‬والذي حيتوي حقيقة عىل بقيا وحي قديم بالرغم من ضياع كثري منه‪-‬‬

‫)‪ -(1‬االبتساق (أو األفيستا أو األبستاه أو األبستا أو األوستا) وبالالتينية )‪ :(AVESTA‬هو‬


‫الكتاب املقدس للديانة الزرادشتية‪ ،‬واالبتساق الذي بني أيدينا هو جزء صغري من االبتساق الساساين‬
‫(زمن الساسانيني)‪ ،‬والذي بدوره أعيد مجعه يف زمن امللك أردشري الساساين عن األبتساق األصيل‬
‫الذي فقد كثري من أجزائه نتيجة حرقه وسلبه من اليونانيني بقيادة الكسندر املقدوين‪ ،‬وبالرغم من هذا‬
‫ومن التحريف كذلك‪ ،‬فإنه هذا األبتساق الذي بني أيدينا قد حافظ عىل بعض اآلثار ولو تقريبية من‬
‫األبتساق األصيل لزرادشت‪ ،‬والذي ينقلون أن اهلل أنزله عليه‪ ،‬فهم يعتقدون نبوته‪ ،‬والصحيح أنه‬
‫نبي‪ ،‬ولو أن أكثر هذا الكتاب ضاع كم قلنا‪ .‬واآلن هذا الكتاب بم يتكون من أسفار هي بيد ما تبقى‬
‫من جموس اهلند وإيران‪ ،‬وحسب رواية الفرس األفيستا (األبتساق) يف األصل يتكون من واحد‬
‫وعرشين ن َْسكًا )‪ (NASK‬أي كتابا‪ ،‬والكتب الذي يتكون منها هي‪ :‬الفنديداد (الذي ينقل أنه وصل‬
‫كامال من العهد الساساين)‪ ،‬و القسربد‪ ،‬واليسنا‪ ،‬واخلرده أفيستا‪ ،‬اليشتات‪.‬‬
‫أما الفنديداد‪ :‬فهو كتاب دين وُتدين وفيه أبحاث عن خلق العامل ويتألف من اثنني وعرشين َف ْرك َْرد‬
‫)‪ ،(Fargard‬جاء معظمه عىل صورة مكاملة بني اهلل وزرادشت‪.‬‬
‫القسربد‪ :‬فهو كتاب خاص باملراسيم الدينية وترتيبها‪ ،‬ويتألف من أربع وعرشين كردة أي فصال‪.‬‬
‫اليسنا‪ :‬تنقسم إىل اثنني وسبعني ها )‪ (ha‬أي قسم‪ .‬وهي عبارة عن أدعية تقرأ عند تقديم القرابني‪،‬‬
‫وتشمل الكاثات )‪ (GaTha‬والتي هي أناشيد جموسية ترجع إىل مطلع القرن السادس قبل امليالد‪،‬‬
‫اخلمس منها املكتوبة بلسان قديم جدا يقرؤها املجوِس يف أهم أحواله وحياته‪.‬‬
‫اخلرده أفيستا‪ :‬جمموع صلوات وأدعية وأناشيد تتال يف أوقات من اليوم ويف األيام املباركة واألعياد‬
‫الدينية‪.‬‬
‫اليشتات‪ :‬جمموع مدائح وترضعات وصلوات وقرابني‪ ،‬وكثري من العلمء ال يعدون اليشتات كتابا قائم‬
‫بذاته‪ ،‬بل يعتربونه جزءا من اخلرده أبستا‪ ،‬وعليه تكون كتب األبتساق يف نظرهم أربع فقط‪.‬‬
‫وكان األبتساق (األفيستا‪ ،‬األبستا) مكتوب يف البدأ باللسان األبستي‪ ،‬وهي لغة قديمة كان يتكلم هبا‬
‫يف مناطق من فارس ثم اندثرت‪ ،‬ثم نقل األبتساق إىل اللسان البهلوي عىل عهد الساسانيني‪ .‬وتوجد‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪46 --------------‬‬

‫أن أول إنسان هو كيومرث(‪-)1‬أي يف تلك األمة‪ ،-‬ويعتقد الفرس أَنم م ــنحدرون من‬
‫هذا الرجل وأنه أبوهم‪ ،‬يقول الشهرستاين‪ " :‬املجوس‪ .‬وهؤالء يقولون‪ :‬املبدأ األول‬
‫من األشخاص‪ :‬كيومرث‪ ،‬وربم يقولون زروان الكبري‪ ،‬والنبي الثاين‪ :‬زردشت‪.‬‬
‫والكيو َم ْرثِية يقولون‪ :‬كيومرث هو آدم عليه السالم‪ ،‬وتفسري كيومرث هو‪ :‬احلي الناطق‪.‬‬
‫وقد ورد يف تواريخ اهلند والعجم أن كيومرث هو آدم عليه السالم‪ ،‬وخيالفهم سائر‬
‫أصحاب التواريخ‪)2( ".‬ويقول املؤرخ القزويني عىل الفرس‪ " :‬وأهلها أصحاب العقول‬
‫الصحيحة واآلراء الراجحة واألبدان السليمة والشمئل الظريفة والرباعة يف كل صناعة‪،‬‬
‫فلذلك تراهم أحسن الناس وجوه ًا وأصحهم أبدان ًا وأحسنهم ملبوس ًا وأعذهبم أخالق ًا‬
‫وأعرفهم بتدبري األمور! ‪...‬كان أوهلم كيومرث ‪)3(." ...‬‬

‫والصحيح بل نجزم أن كيومرث ليس آدم عليه السالم‪ ،‬وإنم هو عىل الراجح‬
‫أب الفرس‪ ،‬واآلريني أو جزء كثري منهم‪ِ ،‬من األمة التي سكنت تلك املنطقة من وسط‬

‫أقسام منها بلسان السنسكريت يقرأها جموس اهلند (يسمون البارِس)‪ ،‬وتوجد تراجم باللسان‬
‫الكجرايت والفارِس احلديث‪ .‬وقد عنى الفرنج باألبتساق ونقلوه إىل لغتهم ودرسوه‪ ،‬ولكن مل ينقل‬
‫إىل العربية إال حديثا (يف هذا القرن األخري)‪ ،‬وأول من ترجم جزءا منه (الفنديداد) إىل العربية فيم بلغ‬
‫(داود اجللبي املوصيل) يف كتاب عنوانه (كتاب الفنديداد أهم الكتب التي تتألف منها األبستا وهي‬
‫جمموع كتب املجوس الزرادشتيني) هذا القرن األخري‪ ( ،‬حوايل َناية القرن الرابع عرش هلجرة النبي‬
‫حممد صىل اهلل عيه وسامل‪ ،‬منتصف القرن العرشين ) ‪-‬ليطلع عليه الباحثون العرب من األمة‬
‫اإلسالمية‪ ،-‬ثم تاله ترمجة لإلبتساق ( خلليل عبد الرمحن ) حتت عنوان (أقيستا الكتاب املقدس‬
‫للديانة الزرادشتية) أكثر شموال‪.‬‬
‫انظر‪ :‬داود اجللبي املوصيل‪ ،‬كتاب الفنديداد أهم الكتب التي تتألف منها األبستا‪ ،‬منشورات اجلمل‪،‬‬
‫ط األوىل‪ ،‬بريوت‪2011 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،6-5‬أرثر كرسيتنسن‪ ،‬إيران يف عهد الساسانيني‪ ،‬ص ‪.42-41‬‬
‫‪(1) - voir‬‬ ‫‪: Harlez, AvesTa livre sacré du zoroasTrisme, p cxx.‬‬
‫)‪ - (2‬أبو الفتح حممد بن عبد الكريم الشهرستاين‪ ،‬امللل والنحل‪ ،‬مؤسسة احللبي‪.38/2 ،‬‬
‫)‪ - (3‬زكريا بن حممد القزويني‪ ،‬آثار البالد واألخبار والعباد‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ص‪.233‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪47 -------‬‬

‫آسيا (التي مجعت اجلنس اآلري)‪ )1(،‬ويعدونه كذلك أول ملك يف تلك األرض (ناحية‬
‫ف ـارس‪ ،‬وآدم ع ـليه السالم مل ين ـقل أن ـه كان َملِكا بتـ ـلك األرض)‪ ،‬ي ـن ـقل ال ـ ـشهرس ـتاين‪:‬‬
‫" الزرداشتية أولئك هم أصحاب زردشت ‪ ...‬زعموا أن هلم أنبياء وملوكا‪ :‬أوهلم‬
‫كيومرث‪ .‬وكان أول من ملك األرض‪ ،‬وكان مقامه بإصطخر‪ ...‬ثم بعده أنبياء‬
‫وملوك‪ ...‬حتى انتهى امللك إىل كشتاسب بن هلراسب‪ ،‬وظهر يف زمانه زردشت‬
‫ث(‪ )3‬بحسب الفرس نبيا وأب ًا للفرس يف نفس الوقت‪،‬‬
‫احلكيم‪ )2( ".‬فيكون بذلك َكيو َم ْر ْ‬
‫فهو هبذا بمنزلة آدم عليه السالم عندنا‪.‬‬

‫)‪ -(1‬أما كنونه أب لآلريني كذلك والتي تنسب إليهم األمة الفارسية‪ ،‬انظر كذلك‪ :‬املوسوعة‬
‫اإليرانية‪http://www.iranicaonline.org/articles/gayomart- :‬‬
‫)‪ -(2‬الشهرستاين‪ ،‬امللل والنحل‪.41/2 ،‬‬
‫ب يف التاريخ‪ ،‬مثل ما جاء يف‬ ‫ث من نسل آدم عليه السالم (كم ذكر بعض َم ْن َك َت َ‬ ‫)‪ -(3‬فإن كان كَيو َم ْر ْ‬
‫يم ْب ِن َال َو َذ ْب ِن َسا ِم ْب ِن نوح" (ابن كثري‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َان أول ملوكه ْم جيومرت ْبن َأم َ‬
‫السرية النبوية البن كثري‪" :‬ك َ‬
‫السرية النبوية‪ ،)218/1 ،‬فال يوجد إشكال‪ ،‬إ ْذ يكون بذلك أبا آخرا (ثانيا أو ثالثا) ألمة الفارسية‬
‫اآلرية ويكون أبوها األول هو آدم عليه السالم‪ ،‬مثل أن نوح عليه السالم أبانا الثاين وآدم عليه السالم‬
‫ٌ‬
‫إشكال أيضا اللهم إال األمر‬ ‫أبانا األول‪ .‬وإن مل يكن كيومرث من نسل آدم عليه السالم‪ ،‬فال يوجد‬
‫املهم الذي نحن بصدده إثباته‪ ،‬وهو وجود برش قبل آدم عليه السالم‪ ،‬إ ْذ يستلزم أن يكون كيومرث يف‬
‫هذه احلالة من غري آدم عليه السالم‪ ،‬أي من غري نسله‪ ،‬وفيه احتملني‪ :‬االحتمل األول أن يكون اهلل‬
‫ال من غري ٍ‬
‫أب وال أ ٍم؛ مثل آدم عليه السالم‪ ،‬ثم انحدرت منه اآلريون والفرس‪ ،‬فهو‬ ‫قد َخلقه خلق ًا أو ً‬
‫كثري من‬ ‫ِ‬
‫أرضه مع ٍ‬ ‫ال منفصالً للفرس أو اآلريني مع ًا يف أرضه‪ ،‬مثل آدم عليه السالم يف‬ ‫بذلك أب ًا أو ً‬
‫الشعوب التي انحدرت منه وانترشت كالعرب واليهود وغريمها من الشعوب‪ .‬واالحتمل الثاين أنه‬
‫ناس آخرين‪ ،‬ويكون بذلك أبا آخرا‬ ‫نسل ٍ‬
‫آخر َغ َري آدم عليه السالم وذريته‪ ،‬أي من أ ٍ‬ ‫يكون منحدرا من ٍ‬
‫جمددا للفرس وإخواَنم ّمن انحدر منه من اآلريني‪ ،‬مثل نوح عليه السالم الذي هو أبا آخرا جمدا لنسل‬
‫آدم عليه السالم أو جزءا من نسله‪ ،‬وقد انحدر من نوح عليه السالم بعدها كل من الساميني واحلاميني‬
‫واليافثيني‪ .‬وأما إذا نظرنا إىل النصوص الزرادشتية فهي ُتيل إىل االحتمل األول كوَنا تذكر أن اهلل قد‬
‫خلق كيومرث من األرض –أي خلقا مستقال‪ -‬من تلك الناحية وسط آسيا وجعله ملِك ًا ونبي ًا‪ ،‬أي‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪48 --------------‬‬

‫وعندهم كذلك نبي قديم يف أسالفهم يشبه نوح عليه السالم ولكنه ليس نوحا‬
‫عليه السالم‪ ،‬حيث يسمى هذا الرجل ب ـ ِ‬
‫"يي ْ َم" (‪ )yima‬وهو من أوائل األنبياء الذين‬
‫بعثوا بحسب ما يرصح به الكتاب املقدس الزرادشتي " األبتساق " ‪-‬والذي ربم قد‬
‫يظهر أنه من أوائل األنبياء الذين بعثوا يف جنسهم اآلري القديم‪ ،-‬وحقيقة هذا الرجل‬

‫نواحي الرتكمنستان وأوزبكستا وكزكستان وما جاورها‪ ،‬وكان مقامه بإصطخر يف إيران (انظر يف هذا‪:‬‬
‫اإليرانية‬ ‫املوسوعة‬ ‫موقع‬ ‫‪،174/2‬‬ ‫والنحل‪،‬‬ ‫امللل‬ ‫الشهرستاين‪،‬‬
‫‪ ، http://www.iranicaonline.org/articles/gayomart-‬وموسوعة األديان يف العامل‪،‬‬
‫ص‪ )76‬أما كون ما نقلته نصوصهم املقدسة أنه جعله اهلل َملِك ًا ونبيا يبلغ دعوته إىل الناس‪ ،‬فيفهم‬
‫منها إىل أنه كان يعارصه أناس آخرين بدليل أنه كلف بتبليغ الرسالة إليهم وأنه كان ملكا عليهم‪ ،‬فإن‬
‫هذا يدل إن صحت هذه النصوص إىل أنه من اإلمكان أو من السنن أن خيلق اهلل رجالً خلقا مستقال‬
‫من األرض ابتداء‪ ،‬من دون ٍ‬
‫أب وال أ ٍم‪ ،‬ثم جيعله خليفة يف أرضه‪ ،‬التي هي أصال قد يكون فيها ٌ‬
‫أناس‬
‫من غري نسله‪ ،‬وجيعله نبيا وملكا فيهم‪ ،‬ثم يكون أبا لنسل ينحدر منه‪ ،‬وأبا أوال هلم‪ ،‬وهلذا يؤمن الفرس‬
‫و بعض من أقارهبم من اآلريني أن كيومرث أباهم الذي ين َْسبون إليه ‪-‬ونجد لذلك أثرا يف نصوصهم‬
‫املقدسة وبعض ميثولوجياهتم كأسكندناف‪ -،‬وهذا ما َق ْد يدع إىل اخلروج بتفسري مقارب خللق آدم‬
‫عليه السالم‪ ،‬ويف أنه قد خلق مثل كيومرث‪ ،‬بأن يكون خلق اهلل آدم من األرض التي عاش فيها‪،‬‬
‫وجعله فيها نبيا‪ ،‬مع برش آخرين عارصوه‪ ،‬ثم انحدرت منه ذريته‪ ،‬وهذا ما يبْ ِعد احتمل أننا أبناء زواج‬
‫حمارم‪ ،‬أي مل يتزوج أبناء آدم مع بناته – فإين مل أجد أي حديث صحيح يؤكد هذا النكاح بني األخوة‬
‫واألخوات‪ ،-‬وأنَبه أن هذا االستنتاج يف آدم عليه السالم مل نستنتجه ابتداء من قصة خلق كيومرث‪،‬‬
‫لكون من غري املمكن االعتمد عىل النصوص الزرادشتية لوحدها لم فيها من زيادة ونقصان عرب‬
‫الزمان‪ ،‬إال إذا أتت طر ٌق وقرائن أخرى تقوهيا‪ ،‬وإنم قد ظهر يل ِ‬
‫أدل ًة أخرى تثبت ذلك قبل دراسة‬
‫قصة أب الفرس أصال‪ ،‬لم تناولت دراسة أديان أخرى وبخاصة أديان األقوام البدائية يف أسرتاليا‬
‫وأمريكا –السيم أعمل العالمن أندرو النج اإلنجليزي و وليام شميد األلمين‪ -‬وغريها من الدراسات‬
‫ٍ‬
‫أراض‪ ،‬فوجدهتا‬ ‫التارخيية واألثرية والعلمية‪ ،‬ثم قياسها عىل حديث عبد اهلل بن عباس يف السبع‬
‫تتوافق معه‪ ،‬وقد زادت هذه النتيجة عندي يقينا لم درست الزرادشتية بأنبيائها وأبيهم كيومرث كم‬
‫بينت يف هذا الباب‪ ،‬بعدما وجدهتا أيضا تتوافق مع هذا األثر ومع فكرة تعدد وتشابه األوادم واألنبياء‪.‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪49 -------‬‬

‫تشهد عىل وجوده ثالث جهات‪ ،‬من املجوس واهلندوس واألسكندناف –إذ يدخلون‬
‫هؤالء الشعوب الثالثة يف أصول مشرتكة يف شعب واحد آري قديم‪ -‬ما َيدل ع ـىل حقيقة‬
‫الشبه يف ذلك أن اهلل أمر ِييم الذي آتاه الـملْك بِ َأن َي َّت ِخذ ملجأ‪ ،‬وأن‬
‫وجوده‪ )1(،‬ووجه َّ‬
‫جيمع فيه ما اصطفاه اهلل معه من بعض الناس‪ ،‬واحليوانات‪ ،‬والطيور‪ ،‬واحلصاد‪ ،‬وأن‬
‫يبني هلم ملجأ كبريا داخل األرض‪ ،‬فيجعلهم فيه‪ ،‬قبل أن هتب عاصفة ثلجية باردة‬
‫عظيمة عىل العامل اآلثم العايص –يعني أرض تلك األمة‪ ،-‬وتـ ْهلِك اخللق إال من كانوا‬
‫اآلريـني نظرا للتشابه بني ِ‬
‫القصتني‪.‬‬ ‫معه‪ )2(.‬وهبذا يمكن تسمية ِييم بنوح ِ‬

‫والتشابه اآلخر الـم ِهم املوجود هو بني النبي زرادشت –سـميت عليه‬
‫الزرادشتية‪ -‬الذي جيعله املجوس الف ْرس أعظم رسول أرسله اهلل عندهم وبني حممد‬
‫كالصالَح وحب اخللْ َوة‬
‫صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬حيث يوجد بينهم أوج ٌه مشرتكة متعددة‪َّ ،‬‬
‫واالعتزال قبل البِ ْع َثة‪ ،‬وكيفية نزول الـ َم َلك عليهم أول مرة يف اخلالء‪ ،‬وإنزال اهلل عليهم‬
‫كتابا فصيحا‪ ،‬وتديد الرشيعة عىل ِغرار الرسل الذي يبعثون بكتاب‪ ،‬وكثرة من الت َبع‬
‫مها‪ ،‬واشتهار دعوهتم‪ ،‬والتشابه بني رشيعتيهم‪ ،‬وإعراج اهلل تعاىل هبم إليه‪ ،‬وقد َف َّصلت‬
‫يف هذه األمور وإثبات أن الزرادشتية ديانة سموية‪ ،‬واألدلة عىل نبوة زرادشت وحتى‬

‫)‪ -(1‬خليل عبد الرمحان‪ ،‬أقستا‪ ،‬روافد للثقافة والفنون‪ ،‬ط الثانية‪ ،‬ص ‪ ،240‬ص‪ 248‬فصاعدا‪ ،‬و‬
‫‪Spiegel's- ArThur henry Bleek, AvesTa – Vendidad, Three volumes,‬‬
‫‪HerTFord Muncherjee Hormusjee Cama, 1864, vol 1, p13-14 a p19‬‬
‫‪Harlez, Avesta livre sacré du zoroastrisme, p CXL‬‬
‫وقد ورد اسم هذا النبي "ييم" يف الشاهانمة باسم "جامشيد"‪ ،‬انظر‪ :‬أمحد أمني وزكي نجيب حممود‪،‬‬
‫قصة األدب يف العامل‪ ،‬مطبعة جلنة التأليف والرتمجة والنرش‪1943 ،‬م‪.69 /1 ،‬‬
‫‪ -‬خليل عبد الرمحان‪ ،‬أفيستا‪ ،‬ص ‪ ،240‬ص‪ 248‬فصاعدا‪ ،‬و ‪Bleeck, Avesta,‬‬ ‫)‪(2‬‬

‫‪vendidad, vol 1, p13-14 a p19‬‬


‫‪Harlez, Avesta livre sacré du zoroastrisme, p CXL‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪50 --------------‬‬

‫تبشريه بالنبي حممد صىل اهلل عليه وسلم يف كتايب اآلخر " الزرادشتية الديانة السموية‬
‫رشت باملحمد صىل اهلل عليه وسلم‪)1( ".‬‬
‫التي ب َّ‬ ‫َ‬
‫والشواهد عىل حديث عبد اهلل بن عباس ال تقترص عىل الزرادشتية واجلنس‬
‫اآلري فحسب وإنم هنالك شواهد أخرى‪ ،‬يف أديان وعقائد شعوب آخرين‪ ،‬قد ظهرت‬
‫لنا بفضل اهلل بعد دراسات مهمة يف أديان وعقائد شعوب قديمة‪ ،‬إذ تبني لنا أن ثمة‬
‫بعض الشخصيات تشبه بعض أنبيائنا املعروفني‪ ،‬أنبياء الرشق األوسط الذين ذكرهم‬
‫اهلل يف القرآن الكريم‪ ،‬وبعض تلك الشخصيات جعل آهلة بفعل الغلو مثلم فعلت اليهود‬
‫أذكر هنا عىل سبيل املثال شخصية "مانو"‬ ‫أنبيائهم‪)2(.‬‬ ‫والنصارى مع بعض‬

‫)‪ -(1‬انظر‪ :‬لعريب أمني رياض‪ ،‬الزرادشتية الديانة السموية التي برشت بمحمد صىل اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عنوان‪َ :‬سبْ َع َأ َر ِض َ‬
‫ني ِيف كل َأ ْر ٍ‬
‫يسى‬‫يم َوع َ‬‫وح َوإِ ْب َراهيم ك َِإ ْب َراه َ‬ ‫ض نَبِي َكنَبِيك ْم َوآ َدم كَآ َد َم َون ٌ‬
‫وح كَن ٍ‬
‫يسى‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كَع َ‬
‫)‪ -(2‬وكذلك عند الوثنيني‪ ،‬فكثري من األنبياء ألِـهوا بعد موهتم‪ ،‬مثل املسيح عليه السالم ج ِعل ابنا هلل‪،‬‬
‫وإدريس عليه السالم‪ ،‬ج ِعل اإلله ِ‬
‫أوزريس عند املرصيني‪ ،‬بعد حتريف الدين‪ ،‬يقول حممود الرشقاوي‬
‫يف قدماء املرص يني‪ " :‬ولم طال عىل الناس األمد وقست قلوهبم نسجوا حول إدريس عليه السالم‬
‫األساطري وجعلوه أ ِز ِريس قايض املوتى من يضع املوازين القسط ليوم القيامة‪ ( ".‬حممد الرشقاوي‪،‬‬
‫(و َال َيأْم َرك ْم َأن َت َّت ِخذوا ا ْ َملال َِئ َك َة‬
‫التفسري الديني للتاريخ‪ ،‬كتاب الشعب‪ .)10/1 ،‬وقد قال اهلل تعاىل‪َ :‬‬
‫ون ) (‪ ،)80‬وقد أخرب النبي حممد صىل اهلل عليه‬ ‫ني َأ ْر َبا ًبا ۚ َأ َيأْمركم بِا ْلك ْف ِر َب ْعدَ إِ ْذ َأنتم م ْسلِم َ‬
‫َوالنَّبِي َ‬
‫اجدَ )‪( .‬رواه البخاري يف‬ ‫اختذوا قبور َأنْبِ َيائِ ِهم مس ِ‬ ‫وسلم قائال‪َ ( :‬لعنَة اَّللِ عَ َىل ا ْليه ِ‬
‫ود َوالن ََّص َارى َّ َ‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َّ‬
‫صحيحه – الصالة ‪ ،425‬ومسلم يف صحيحه – املساجد ومواضع الصالة ‪ ).829‬فإن كان فعلها‬
‫اليهود والنصارى مع أنبيائهم فكذلك فعلها آخرون‪ ،‬ولذلك قد نجد يف كثري من أساطري األمم آهلة‬
‫عىل هيئة برشية‪ ،‬وما هي يف كثري من األحيان إال أنبياء‪ ،‬غال فيهم أقوامهم من بعدهم‪ ،‬حتى جعلوهم‬
‫آهلة مع اهلل‪.‬‬
‫بل هنالك إعجاز يف القرآن الكريم يف ذكر مشاهبة أهل الكتاب ألهل األوثان؛ قال اهلل تعاىل يف مشاهبة‬
‫ت‬‫ت ا ْليهود عزير ابن اَّللِ و َقا َل ِ‬ ‫اليهود والنصارى للـ ـ ــكفار مـ ــن الوثنني وأم ــثال ــهم قبلهم‪ ( :‬و َقا َل ِ‬
‫َ ْ ٌ ْ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اه ِهم ۚ ي َض ِ‬
‫ِ‬ ‫النَّصارى ا ْمل َِسيح ابن ِ ِ‬
‫ين ك ََفروا من َقبْل ۚ َقا َت َلهم َّ‬
‫اَّلل‬ ‫ون َق ْو َل ا َّلذ َ‬
‫اهئ َ‬ ‫اَّلل ۚ َ ٰذل َك َق ْوهلم بِ َأ ْف َو ْ‬
‫ْ َّ‬ ‫َ َ‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪51 -------‬‬

‫" ‪" Menu‬عند هنود اهلند‪ ،‬إ ْذ هذا الرجل يف قصته يشبه نوحا عليه السالم إىل حد كبري‪،‬‬
‫لكنه ليس بنوح عليه السالم‪ ،‬حيث تذكر املصادر أن اإلله أنجاه من طوفان عظيم‪ ،‬بعدما‬
‫أ ِمر ببناء سفينة‪ ،‬ثم محل فيها أهله وبضع أناس‪ ،‬ومحل حيوانات وبذور‪ ،‬ولم بدأت السمء‬
‫ُتطر فاض المء ومحل السفينة بأمواج عاتية‪ ،‬ثم انتهى هبم املطاف إىل أن و َّق َ‬
‫ف "مانو"‬
‫السفينة عىل قمة جبل مل تغمره املياه يف انتظار زواهلا‪ ،‬وين ْ َسب إىل "مانو" كتاب فيه رشائع‬
‫وقوانني‪ )1(،‬فمن املحتمل دون أن نجزم بذلك‪ ،‬أن هذا الكتاب قد يكون من وحي اهلل‬
‫كم أوحى إىل أنبيائه كتبا‪.‬‬
‫وهذه القصة تشبه قِصة نوح عليه السالم كم هو عىل الظاهر‪ ،‬لكن هنالك‬
‫القصة ليست ِقصة نوح عليه السالم‪َّ ،‬أوهلا‬
‫اختالفا يف األمور والتفاصيل تعل من هذه ِ‬

‫اختالف املكان الذي تروى فيه كل من القصتني؛ فإحدامها يف األمة اهلندية البعيدة عن‬
‫منطقة األديان اإلبراهيمية‪ ،‬والقصة الثانية هي قصة طوفان نوح عليه السالم املعروفة‬
‫التي يروهيا أهل األديان اإلبراهيمية والتي حدثت يف ِج َهتِ ِهم‪ ،‬وب ْعد املسافة بني كل من‬
‫األمتني يدل عىل أَنم حادثتان منفصلتان السيم وأنه سيأيت معنا إن شاء اهلل إثبات كون‬
‫طوفان نوح عليه السالم قد حدث يف ناحية م َعينَة من األرض وليس كل العامل –يف ناحية‬
‫تركيا‪ ،-‬وهذا ما ال يناقض الوحي ويتفق مع اإلثبات العلمي احلديث هلذا الطوفان‪،‬‬
‫فاألمة اهلندية الكبرية والـمتَ َشعبة بأدياَنا وأعرافها بعيدة عن مناطق األديان السموية‬
‫الثالثة‪ ،‬ومن غري املمكن أن هيلكهم اهلل بطوفان نبي مل تبلغهم دعوته‪ ،‬فكم قال رسول‬

‫ۚ َأن َّٰى يؤْ َفك َ‬


‫ون ) (التوبة‪ .)30‬يضاهئون أي يشاهبون‪َ .‬فهنا اإلعجاز‪ ،‬ليأيت العلم احلديث وعلم األديان‬
‫والتاريخ َي ْصطف وراء القرآن‪ ،‬الذي سبق كل ذلك بمئات السنني يف إثبات هذا التشابه العقدي‪ ،‬بني‬
‫أهل الكتاب وبني أهل األوثان من قبل‪.‬‬
‫‪(1) - voir‬‬ ‫‪: https://mythologica.fr/hindou/manu.htm . George Feber, The‬‬
‫‪origin oF pagan idolatry, vol 2, R.and R.gilberT, ST.jhon's Square, 1816,‬‬
‫‪p 149-150.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪52 --------------‬‬
‫عام ًة)‪)1(،‬‬
‫َّ‬ ‫َان النَّبِي يبعث إِ َىل َقو ِم ِه خاص ًة وب ِعثْت إِ َىل الن ِ‬
‫َّاس َ‬ ‫ْ َ َّ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪( :‬وك َ‬
‫فال ينبغي لنوح عليه السالم أن َيدع َو أّم ًا متعددة يف الرشق األوسط ويف اهلند مجلة‬
‫واحدة‪ ،‬وال أن يكون موجودا يف أمكنة خمتلفة يف نفس الوقت‪ ،‬ومن املؤ َّكد أن يكون اهلل‬
‫وج ـنسهم اآلري ال ي ـعرفهم ال ـعرب وال ب ـنو‬‫قد أرسل إىل اهلند أنبياء من أم ـ ـتهم ِ‬
‫َ‬
‫إْسائيل‪)2(.‬‬

‫ومن أوجه االختالف بني القصتني عدم تشابه االسمني "نوح" و "مانو" إذ لو‬
‫كان الشخص واحدا لكان االسم واحد حتى ولو َن َقله لسان أعجمي‪ ،‬إذ إن اسم "نوح"‬
‫بعد آالف السنني بقي كم كان مل يتغري‪ ،‬فإن اللغة الالتِين ِـية بالرغم من ترمجة االسم‬
‫واختالفها عن اللغات السامية والّسيانية‪ ،‬نجد أن االسم بقي عىل حاله‪ ،‬ونطقه متقارب‬
‫ويكاد يكون متطابق‪ ،‬فمثال بالعربية "نوح" وباإلنجليزية " ‪ " Noah‬وبالفرنسية‬
‫" ‪ ،" Noé‬فيعلم رضورة أن الشخص املقصود واحد يف كل من اللغات الثالث‪ ،‬وإذا‬

‫)‪ -(1‬رواه البخاري يف صحيحه ‪.483-335‬‬


‫)‪ -(2‬ويذكر رشيد رضا كالما نفيسا حول بقايا التوحيد والنبوة يف األمم الوثنية القديمة واهلند‪ ،‬جاء‬
‫ب مشْ َت ِم َل ٍة‬ ‫ني َأ ْهل كت ٍ‬ ‫ني‪َ ،‬و َأ ْمث َِاهل ِ ْم كَا ْل َيا َبانِي َ‬
‫ني َو َو َثنِيي ْاهلِن ِْد َوالص ِ‬
‫الصابِئِ َ‬ ‫وس َو َّ‬‫يف تفسري املنار‪َ ":‬أ َّن ا ْملَج َ‬
‫يع ْاأل َم ِم ب ِع َث فِ َيها رس ٌل‪َ ،‬و َأ َّن كت َبه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ار ِ ِ‬
‫يخ َوم ْن َب َيان ا ْلق ْرآن َأ َّن َمجِ َ‬ ‫اهر ِم َن ال َّت ِ‬ ‫عَ َىل ال َّتو ِح ِ‬
‫يد إِ َىل ْاآل ِن‪ ،‬وال َّظ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫يخ"‪،‬‬ ‫ار ِ‬ ‫ود َوالن ََّص َارى ا َّلتِي ِه َي َأ ْحدَ ث عَ ْهدً ا ِيف ال َّت ِ‬ ‫ب ا ْليه ِ‬
‫َس َم ِو َّي ٌة َط َر َأ عَ َليْ َها ال َّت ْح ِريف ك ََم َط َر َأ عَ َىل كت ِ َ‬
‫(رشيد رضا‪ ،‬تفسري املنار‪).160/6 ،‬‬
‫ويذكر نفس الـم َفّس أس ــبابا لـ ـ ـع ــدم ذكر البوذيني واهلندوس والكـنفشيوسية يف القرآن الكريم ق ــائال‪:‬‬
‫ني وا ْملَجوس‪ ،‬و َمل ي ْذك ِر ا ْلرب ِامه َة وا ْلب ِ‬ ‫ِ‬ ‫آن َذكَر ِمن َأ ْه ِل ا ْملِ َل ِل ا ْل َق ِد ِ‬ ‫ِ‬
‫ني‬
‫وذي َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫لصابِئ َ َ‬ ‫يمة ا َّ‬ ‫َ‬ ‫" َوال َّظاهر َأ َّن ا ْلق ْر َ َ ْ‬
‫ب ا َّل ِذين خوطِبوا بِا ْلقر ِ‬ ‫ني ِعنْدَ ا ْل َع َر ِ‬
‫وس كَانوا َم ْعروفِ َ‬ ‫الصابِ ِئ َ‬
‫آن َأ َّو ًال‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ني َوا ْملَج َ‬ ‫وس ؛ ِألَ َّن َّ‬ ‫وشي َ‬ ‫اع كونْف ْ‬ ‫َو َأ ْت َب َ‬
‫ان َوالص ِ‬ ‫ون إِ َىل ْاهلِن ِْد وا ْلياب ِ‬ ‫اور ِ ِهتم َهلم ِيف ا ْل ِعر ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‪،‬‬‫ني َف َي ْع ِرفوا ْاآل َخ ِر َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫اق َوا ْل َب ْح َر ْي ِن‪َ ،‬و َملْ َيكونوا َي ْر َحل َ‬ ‫َ‬ ‫؛ مل َج َ َ ْ ْ‬
‫اب بِ ِذ ْك ِر َم ْن َال َي ْع ِرفه‬ ‫اج َة إِ َىل ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اإل ْغ َر ِ‬ ‫َوا ْ َمل ْقصود م َن ْاآل َية َحاص ٌل بِذك ِْر َم ْن ذك َر م َن ا ْمل َل ِل ا ْ َمل ْعرو َفة‪َ ،‬فالَ َح َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل َي ْف ِصل‬‫ني َب ْعدَ َذل َك َأ َّن َ‬ ‫رص ال َّتنَز ِل ِم ْن َأ ْه ِل ا ْمل َل ِل ْاأل ْخ َرى‪َ ،‬و َال َخي َْفى عَ َىل ا ْملخَ ا َطبِ َ‬ ‫ون ِيف عَ ْ ِ‬ ‫ا ْملخَ ا َطب َ‬
‫ري ِه ْم َأ ْي ًضا‪( ".‬رشيد رضا‪ ،‬تفسري املنار‪).156/6 ،‬‬ ‫ني َو َغ ْ ِ‬‫وذي َ‬ ‫ني ا ْلرب ِامه ِة وا ْلب ِ‬
‫َب ْ َ َ َ َ َ‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪53 -------‬‬

‫قارناه ب ـ " ‪ ،" Menu‬فنجد اختالفا بينه وبني اسم "نوح"‪ ،‬سواء كان بالعربية أو‬
‫بالالتنية‪ّ ،‬ما يعني أن كالً من االسمني يدالن عىل شخصني خمتلفني‪ ،‬أي أن "نوحا" ليس‬
‫"مانو"‪.‬‬
‫وهنالك أدلة أخرى يف التفاصيل ختتلف بني القصتني تدل أَنم حادثتان‬
‫منفصلتان‪ ،‬مثل وجود ح ٍ‬
‫وت صغري التقى مانو وطلب منه أن حيميه من احليتان الكبرية‪،‬‬
‫فأخذه ورباه عنده‪ ،‬وعندما كرب احلوت أطلق ْساحه؛ فأخربه احلوت بعدها بأن طوفانا‬
‫عظيم سوف يرضب‪ )1(،‬فإن أثر هذه الواقعة غري موجود يف قصة نوح عليه السالم‪ .‬هذا‬
‫وهنالك ِ‬
‫أدلة وقرائن أخرى تؤكد هذا االختالف مع تشابه القصتني‪ّ ،‬ما يدل أن كالً من‬
‫الشخصيتني لرجلني خمتلفني ومنفصلني‪ ،‬مثل أن طوفان نوح عليه السالم كان حمصورا‬
‫يف منطقة حمدودة –عىل الصحيحة تركيا وما جاورها‪ -‬ومل يصل إىل اهلند كم سيأيت إن‬
‫شاء اهلل إثبات ذلك يف الفصل األخري‪ ،‬ويزيد من احتمل نبوة "مانو" هذا‪ ،‬وأنه من‬
‫املحتمل أنه بمنزلة نوح عليه السالم عندنا‪.‬‬
‫ولست الوحيد من َفرق بني بعض قصص اهلند وقصص أنبياء الرشق األوسط‪،‬‬
‫توصل عموما إىل نفس‬
‫وتنبه إىل الفرق مع إثبات بعض التشابه‪ ،‬فالباحث صايف محدون َّ‬
‫النتيجة كذلك‪ ،‬إذ هنالك قصص يف أ َم ٍم أخرى متشاهبه لكنها ليست نفس القصص‪،‬‬
‫وهذه سنن التشابه موجودة يف ٍ‬
‫كثري من خلق اهلل كذلك‪ ،‬وهذا ما َي َتوافق مع آية السبع‬
‫أرا ٍ‬
‫ض التي نحن بصدد احلديث عنها‪ ،‬وحديث عبد اهلل بن عباس يف تفسريها‪ ،‬إذ أن‬
‫هذا الباحث توصل إىل نفس النتيجة كم قلت‪ ،‬مثبت ًا وجود أوادم آخرين‪ ،‬حيث وجد‬
‫هذا التشابه يف ميلثوجيات وأساطري وقصص الشعوب املختلفة‪ ،‬ووجد مطابقتها‬
‫حلديث عبد اهلل بن عباس‪ ،‬وقد سلك طرق ًا علمية أخرى غري التي سلكتها؛ من علم‬
‫وح َّك َّم ما وجد إىل القرآن الكريم والسنة‬
‫اآلثار والسفر إىل البلدان وغريها من البحوث‪َ ،‬‬
‫حتى خرج إىل نفس هذه النتيجة‪ .‬وقد عجبت شخصيا أين التقيت معه يف هذه النتيجة‬

‫‪(1) - voir‬‬ ‫‪: https://mythologica.fr/hindou/manu.htm‬‬


‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪54 --------------‬‬

‫قبل أن أقرأها يف بحوثه – فهو متقدم عيل يف السن ووقت إجراء البحوث ونرشها‪،-‬‬
‫وحينم اطلعت عليها جعلني ذلك أعجب و َأطْ َم ـ ِئن‪ ،‬كوننا التقينا عموما يف تلك النتائج‬
‫يف ظل حديث عبد اهلل بن عباس السابق مع سلوك كل واحد منا طريقا ومنهج بحث‬
‫خاص به‪ ،‬وهذا ما زاد األمر تأكيدا‪ ،‬فأنا سلكت وجهة البحث يف كتب الزرادشتية‬
‫وعقائدها‪ ،‬وكتب أديان األقوام البدائية وما كانوا عليه من أديان وعقائد ِفطرية كقبائل‬
‫األسرتاليني األصليني وهنود األمريكيني وغريهم‪ ،‬وكذلك يف دراسة أديان حضارات‬
‫ٍ‬
‫أشخاص‬ ‫ٍ‬
‫شخص أو‬ ‫كبرية كاهلند وأمريكا اجلنوبية‪ .‬حيث وجدت أكثر من مثل يف تشابه‬
‫مع نبي أو أنبياء معروفني يف الرشق األوسط‪ ،‬وهذا يف أقوام بعيدة كل البعد من الرشق‬
‫األوسط واألديان اإلبراهيمية كأسرتاليا وأمريكا الالتينية‪ ،‬بل بعضهم ظل معزوال عن‬
‫العامل ألحقاب طويلة‪.‬‬
‫ومن األمثلة عن هؤالء األقوام التي تعد شواهدا أخرى حلديث عبد اهلل بن‬
‫عباس السابق‪ ،‬والتي يستأنس هبا عىل وجود أوادم آخرين للبرشية؛ القبائل األصلية‬
‫ألسرتاليا "األبورجيان"‪ ،‬حيث و ِجد عند بعض هذه القبائل االعتقاد بوجود هلإ أعىل !‬
‫وأنه عندهم خلق أول إنسان من طني !‪ِ )1(.‬ع ًلم أن هذه الشهادات أ ِخ َذت من هذه‬
‫القبائل من طرف باحثني قبل أكثر من قرن من الزمن –أي يف بداية احتكاك املستعمر‬
‫األبيض مع السكان األصليني املنعزلني‪ ،-‬حيث أكد هؤالء العلمء الذين درسوهم عدم‬
‫تأثر هؤالء القبائل باألديان والعقائد اخلارجية بم فيها النرصانية‪ ،‬ال سيم وأن اكتشاف‬
‫تلك القارة كان حديث عهد‪ ،‬ومل يبدأ استعمرها من طرف بريطانيا إال يف القرن التاسع‬
‫عرش‪ )2(.‬أما هذا الرجل األول أو أباهم الذي يقولون أنه خلق من طني فيمكن أن يعترب‬

‫‪(1) - voir‬‬ ‫‪: Durkheim, les formes élémentaires de la vie religieuse, presse‬‬
‫‪universiTaire de france, 4e édiTion, 1960, p 411-412.‬‬
‫)‪ -(2‬انظر‪ :‬مقال للمؤرخة إليزابات برينيي )‪ Isabelle Bernier (HisTorienne‬حتت عنوان‬
‫? ‪ ،)2019/01/03( ،Qui a découverT l'Australie‬رابط‪:‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪55 -------‬‬

‫أب تلك القبائل (أو جزء منهم) وليس له عالقة بطبيعة احلال مع آدم عليه السالم‪ ،‬ال‬
‫سيم وأن الدراسات اجلينية احلديثة (‪ )dna‬التي أجريت عىل األسرتالني األصليني تؤكد‬
‫رجـع أصلهم إىل ِعرق‬
‫عزلتهم لقرابة من مخسني ألف ‪ 50.000‬سنة أو أكثر‪ ،‬حيث ت ِ‬
‫إفريقي هاجر من إفريقيا قديم (مخسني ألف ‪ 50.000‬سنة) والتحلق بتلك املناطق‬
‫وعاش هناك‪ )1(،‬وهذا يدل عىل أمرين‪ :‬األمر األول أن هذا األب الذي يؤمنون به ليس‬
‫آدم ًا عليه السالم بدليل أَنم كانوا متواجدين يف أسرتاليا لم نزل آدم يف قرابة السبعة آالف‬
‫سنة من اآلن إذ كانوا آنذاك معزولني فيها‪ ،‬وبعيدون جدا عن املكان الذي كان فيها آدم‬
‫عليه السالم أي الرشق األوسط‪ .‬واألمر الثاين‪ :‬أن أصل ِع ْر ِقهم أقدم من آدم عليه‬
‫السالم‪ ،‬فيلزم من ذلك أن أباهم األول كان متقدما زمانا عىل آدم عليه السالم‪ ،‬وحتى‬
‫لو َف َر ْضن َا أَنم يقصدون أب ًا هلم أكثر تأخرا من التاريخ السابق‪ ،‬فإنه ليس آدم ًا عليه السالم‬
‫بدليل العزلة والبعد املكاين الشاسع‪ ،‬فأسرتاليا تبعد آالف األميال عن الرشق األوسط‬
‫وعن مكة التي بنى فيها آدم عليه السالم الكعبة‪.‬‬

‫‪https://www.futura-sciences.com/planete/questions-‬‬
‫‪reponses/australie-decouvert-australie-10472/‬‬
‫)‪ - (1‬انظر‪ :‬صحيفة لوموند الفرنسية "‪ "Le Monde‬بعنوان " ‪Premier séquençage du‬‬
‫‪ ،)2011/09/22( ،"génome d'un Aborigène d'Australie‬رابط‪:‬‬
‫‪https://www.lemonde.fr/planete/article/2011/09/22/premier-‬‬
‫‪sequencage-du-genome-d-un-aborigene-d-‬‬
‫‪australie_1576529_3244.html‬‬
‫وأيضا مقال بعنوان ‪Aborigènes ausTraliens et Européens Il y a 50 000 ans‬‬
‫‪ enracinés en Afrique‬للكاتب ‪ STeFan AniTei‬رابط‪:‬‬
‫‪https://news.softpedia.com/news/Both-Aborigines-and-Europeans-‬‬
‫‪Rooted-in-Africa-54225.shtml‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪56 --------------‬‬

‫والعجيب أيضا أنه كان يف هؤالء األسرتاليني من يؤمن برجل عظيم كان يف‬
‫القديم فيهم‪ ،‬يسمى "مونغان نكاوة" ‪ Mungan-ngaua‬يعيش يف األرض وكان‬
‫متزوج ًا‪ ،‬ومعلم وداعيا كبريا‪ ،‬ع َّل َمهم كل الصناعات والفنون وتصنيع األسلحة‬
‫والقوارب‪...‬وكانوا يعظمونه وي َعظمون تعاليمه ويتناقلوَنا وهي‪ :‬االستمع لكرباء‬
‫السن وطاعتهم‪ ،‬العيش بسالم مع بعضهم البعض‪ ،‬اقتسام ما يملكون مع أصحاهبم‪،‬‬
‫عدم إقامة عالقة مع الفتيات أو النساء املتزوجات‪ ،‬م َراعاة أكل األطعمة املحرمة ‪،...‬‬
‫عدم املتاجرة مع زوجة آخر‪ ،‬عَدَ م فعل أعمل ختالف الفطرة (الطبيعة)‪ ،‬وأن ال يكونوا‬
‫س ٍّي ِـئـي ــن‪ ،‬وكانوا ينـْقلون ِقصة ِعصيان قو ٍم هلذا الرجل‪ ،‬حيث نقضوا عهده وخالفوا ما‬
‫عذاب من نار من السمء‪ ،‬وطوفان عظيم أغرقهم وأ ْغرقت تقريبا‬
‫ٌ‬ ‫أمرهم به‪ ،‬فنزل عليهم‬
‫كل البرشية وما نجى منهم إال القليل‪ ،‬وبعد ذلك َص ِعد ذلك الرجل إىل السمء‪ ،‬وقد ترك‬
‫ولدا –له‪ -‬عدد من أفراد تلك القبائل يرجع نسلهم إليه‪)1(.‬‬

‫وما نستطيع أن نقوله أن اجتمع هذه الصفات يف هذا الرجل ر َّبـم تعله من زمرة‬
‫األنبياء‪ ،‬لألسباب التالية بإذن اهلل‪:‬‬
‫‪" -‬من تعاليمه االستمع لكرباء السن وطاعتهم"‪ :‬لقد ورد يف اإلسالم ما يدع إىل‬
‫توقري الكبري واحرتامه‪ ،‬إذ هو من دعوة النبي حممد صىل اهلل عليه وسلم القائل‪ ( :‬إن من‬
‫إجالل اهلل إكرا َم ذي الشي َب ِة املسل ِ‬
‫م ‪)2(.)...‬‬ ‫ِ‬

‫)‪(1‬‬ ‫‪- voir : AlFred HowiTT, The native Tribes oF soTh-esT ausTralia,‬‬
‫‪London MACMILLAN AND CO Limited, NEW YORK : THE‬‬
‫‪MACMILLAN COMPANY, 1904, p 543-585-629 a 633. P-Guillaume‬‬
‫‪wilhelm schmiT, L'ORIGINE DE L'IDÉE DE DIEU, Librairie alphonse‬‬
‫‪picard eT Fils, 1910. p 90-91.‬‬
‫)‪ - (2‬رواه أبوداود يف سننه رقم ‪.4843‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪57 -------‬‬

‫ـح َّرمة"‪ :‬فيه دليل أن رشع هذا الـم َعلم يـ َحرم‬


‫‪" -‬من تعاليمه م َراعاة أكل األطعمة الـم َ‬
‫بعض األطعمة‪ ،‬والرشائع السموية حترم بعض األطعمة كذلك‪ ،‬كاليهودية والنرصانية‬
‫حرم اهلل بعض األطعمة‪ ،‬قال اهلل‬ ‫–األوىل قبل حتريفها‪ -‬واإلسالم‪ ،‬ففي اإلسالم مثال َّ‬
‫ِ َّ ِ ِ ِ َ ِ ِ‬ ‫تعاىل‪ ( :‬إِنَّم حرم َع َليكم ا ْ َملي َت َة والدَّ م و َحلم ْ ِ‬
‫اَّلل َف َم ِن ْ‬
‫اضط َّر َغ ْ َري‬ ‫اخلن ِْز ِير َو َما أهل به لغ ْري َّ‬ ‫ْ َ َ َ َْ‬ ‫َ َ َّ َ ْ‬
‫ور َر ِحي ٌم ) (البقرة ‪.)173‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َبا ٍغ َو َال َعاد َفالَ إِ ْث َم َع َليْه إِ َّن َّ َ‬
‫اَّلل َغف ٌ‬
‫‪" -‬أمرهم بال َع ـيْش بسالم مع بعضهم البعض"‪ :‬هذا يشْ بِه قوله صىل اهلل عليه‬
‫ون ِم ْن ل ِ َسانِ ِه َو َي ِد ِه ‪ )1(.)...‬ورشعنا يدعو املسلمني إىل‬ ‫وسلـ ـ ـ ـم‪ ( :‬امل ْسلِم َم ْن َسلِ َم امل ْسلِم َ‬
‫العيش بسالم مع بعضهم البعض‪ ،‬قال صىل اهلل عليه وسلم‪َ ( :‬مثَل ا ْمل ْؤ ِمن ِ َ‬
‫ني ِيف ت ََواد ِه ْم‪،‬‬
‫الس َه ِر‬ ‫اجلس ِد إِ َذا اشْ َتكَى ِمن ْه ع ْضو تَدَ ا َعى َله س ِائر ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلَ َسد بِ َّ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َوت ََرامح ِه ْم‪َ ،‬و َت َعاطف ِه ْم َمثَل ْ َ َ‬
‫و ْ‬
‫احلمى)‪)2(.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫‪" -‬دعاهم إىل اق ــتِسام ما يملكون مع أصحاهبم"‪ :‬هذا من الزهد واإليثار والذي ي َعد‬
‫من أكارم األخالق‪ ،‬وقد يدل هذا األمر أن صاحبه مل يكن مبتغيا الدنيا‪ ،‬وهذا يشبه إىل‬
‫حد ما ترغيب رشعنا احلنيف يف اإلحسان إىل إخواننا يف الدين وأن نحب هلم ما نحب‬
‫اإل َيم َن ِم ْن‬
‫ألنفسنا‪ ،‬وإىل خلق اإليثار والزهد‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬وا َّل ِذي َن َت َب َّوءوا الدَّ َار َو ْ ِ‬
‫ون َع َىل‬‫اج ًة ِّمَّا أوتوا َوي ْؤثِر َ‬ ‫وره ْم َح َ‬
‫ون ِيف صد ِ ِ‬ ‫اج َر إِ َليْ ِه ْم َو َال َجيِد َ‬ ‫َقبْلِ ِه ْم حيِب َ‬
‫ون َم ْن َه َ‬
‫ون ) (احلرش ‪،)9‬‬ ‫وق ش َّح َن ْف ِس ِه َفأو َل ِئ َك هم ا ْمل ْفلِح َ‬ ‫َان ِهبِ ْم َخ َص َ‬
‫اص ٌة َو َم ْن ي َ‬ ‫َأنْف ِس ِه ْم َو َل ْو ك َ‬
‫ني ِيف ت ََواد ِه ْم‪َ ،‬وت ََرامحِ ِه ْم‪َ ،‬و َت َعاط ِف ِه ْم‬ ‫وقال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪َ ( :‬مثَل ا ْمل ْؤ ِمن ِ َ‬
‫الس َه ِر َو ْ‬ ‫اجلس ِد إِ َذا اشْ َتكَى ِمن ْه ع ْضو تَدَ ا َعى َله س ِائر ْ ِ‬
‫احل َّمى)‪)3(.‬وقال أيضا‪:‬‬ ‫اجلَ َسد بِ َّ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َمثَل ْ َ َ‬
‫س ِه)‪)4(.‬‬ ‫ال ي ْؤ ِمن َأحدكم‪ ،‬ح َّتى حيِب ِألَ ِخ ِيه ما حيِب لِنَ ْف ِ‬ ‫( َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ َ‬

‫)‪ - (1‬رواه البخاري رقم ‪.10‬‬


‫)‪ - (2‬رواه مسلم يف صحيحه رقم ‪.2586‬‬
‫)‪ - (3‬رواه مسلم يف صحيحه رقم ‪.2586‬‬
‫)‪ - (4‬رواه البخاري يف صحيحه رقم ‪.13‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪58 --------------‬‬

‫‪" -‬من تعاليمه عدم إقامة عالقة مع الفتيات أو النساء املتزوجات"‪ :‬وهذا من الزنا‬
‫الذي حترمه الرشائع السموية واإلسالم خاصة‪ ،‬سواء كان مع املرأة املتزوجة أم مع غري‬
‫َان َف ِ‬
‫اح َش ًة َو َسا َء َسبِيالً ) (اإلْساء‬ ‫املتزوجة‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َال َت ْق َربوا الزنَا ۚ إِنَّه ك َ‬
‫‪.)32‬‬
‫‪" -‬كان متزوجا"‪ :‬يف مقابلة حتريم هذا الـمـعلم الكبري للزنا نجد أنه كان متزوج ًا‪،‬‬
‫وهذا من التفريق يف رشعه بني الزنا القبيح والزواج احلالل الذي أحلته الرشائع السموية‬
‫–فاإلحلاد مثال ال يكاد يفرق بني الزنا والزواج‪ ،-‬بل الزواج من سنَّة األنبياء واملرسلني‬
‫ِ‬
‫قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َل َق ْد َأ ْر َسلْنَا رسالً من َقبْل َك َو َج َعلْنَا َهل ْم َأ ْز َو ً‬
‫اجا َوذر َّي ًة ) (الرعد ‪.)38‬‬
‫‪" -‬من تعاليمه عدم فعل أعمل ختالف الفطرة (الطبيعة)"‪ :‬يبدو أن رشيعة هذا الرجل‬
‫هلا اعتبار ِ‬
‫للف َطر السليمة والطبائع القويمة‪ ،‬التي ُتيل إىل استحالل الطيبات وإىل استقباح‬
‫اخلبائث‪ ،‬بدليل أنه َح َّرم فعل األمور التي ختالف الفطرة أو الطبيعة‪ .‬ويف اإلسالم جاءت‬
‫ين‬ ‫األدلة عىل أن اهلل فطر اإلنسان عىل الدين السليم‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬ف َأ ِق ْم َو ْج َه َك لِلد ِ‬
‫َ ِ َ ِ ِْ ِ‬ ‫ت ِ ِ‬
‫اَّلل ۚ َ ٰذل ِ َك الدين ا ْل َقيم َو َ ٰل ِك َّن‬
‫َّاس َع َليْ َها ۚ ال َتبْديل خلَلق َّ‬
‫اَّلل ا َّلتي َف َط َر الن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َحني ًفا ۚ فطْ َر َ َّ‬
‫ون )(الروم ‪ ،)30‬وهذه هي الفطرة السليمة التي فطر اهلل عليها‬ ‫َأ ْكث ََر الن ِ‬
‫َّاس َال َي ْع َلم َ‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫‪" -‬كان م َعلم كبريا"‪ :‬كذلك األنبياء يف أقوامهم كانوا معلمون كِ َبارا‪.‬‬
‫‪" -‬دعاهم أن ال يكونوا سيٍّـئِـي ــن"‪ :‬فهذا يعني أن هذا املعلم دعا قومه أن يكونوا طيبني‬
‫خري تتمع عليها كل الرشائع السموية واألنبياء‪.‬‬ ‫وأن ال يكونوا سيئني‪ ،‬وهذه دعوة ٍ‬

‫‪" -‬قصة هذا الرجل مع قوم‪ ،‬حيث نقضوا عهده وخالفوا ما أمرهم به‪ ،‬فنزل عليهم‬
‫العذاب"‪ :‬وهذا يشبه قصص األنبياء مع أقوامهم املكذبني‪ ،‬فمن عادة سنن اهلل تعاىل أن‬
‫ٌ‬
‫ينزل العذاب عىل أقوام األنبياء الذين يكذبوَنم‪ ،‬ولنا أمثلة كثرية يف القرآن الكريم عىل‬
‫مثل ذلك؛ كقوم نوح وقوم هود وقوم لوط وقوم صالح وقوم موسى (يف الرشق‬
‫األوسط)‪ ،‬وال شك أن احلال يقتِض وجود أقوام آخرين كذبوا أنبياءهم يف أماكن بعيدة‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪59 -------‬‬
‫غري الرشق األوسط فح َّلت هبم نفس السنَّة‪ .‬قال اهلل تعاىل‪ ( :‬و َكم َأه َل ْكنَا ِمن ا ْلقر ِ‬
‫ون‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫اد ِه َخبِ ًريا َب ِص ًريا ) (اإلْساء‪.)17‬‬
‫وب ِعب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من َب ْعد نوحٍ ۚ َو َك َف ٰى بِ َرب َك بِذن ِ َ‬
‫‪" -‬علم قومه أشياء كثرية‪ ،‬كل الصناعات والفنون وتصنيع األسلحة والقوارب"‪:‬‬
‫فمعناه أنه كان م َت َعلم ومعلم هلذه الصناعات‪ ،‬وكذلك ِمن األنبياء َمن كان متعل ًم وم َعل ًم‬
‫لصناعات يف قومه‪ ،‬فنجد مثال أن داود عليه السالم علمه اهلل شيئا من هذه الصناعات‬
‫وس َّلك ْم لِت ْح ِصنَكم من َبأْ ِسك ْم ۚ َف َه ْل َأنت ْم‬
‫احلربِية‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َع َّل ْمنَاه َصن ْ َع َة َلب ٍ‬
‫ْ‬
‫ون ) (األنبياء ‪ ،)80‬يقول الطربي‪" :‬واللبوس عند العرب‪ :‬السالح كله‪ ،‬درعا كان‬ ‫َشاكِر َ‬
‫وع َداود‪َ .‬وإِن ََّم كَان ْ‬
‫َت‬ ‫أو جوشنا أو سيفا أو رحما"‪ )1(،‬وقال قتادة‪َ " :‬أ َّول َم ْن َصن ََع الدر َ‬
‫ِ‬
‫ْس َد َها َو َح َّل َق َها‪ )2( ".‬وكذلك إدريس عليه السالم وما علمه اهلل‬ ‫َص َفائح‪َ ،‬فه َو َأ َّول َم ْن َ َ‬
‫وآتاه‪ ،‬فقد علم أهل مرص الكثري وأنجز أمورا مهمة كم نقل أهل التفسري والتاريخ‪َ ،‬فــن ِقل‬
‫أنه أول من خاط الثياب ولبس املخيط‪ ،‬وأول من نظر يف علم النجوم واحلساب‪ ،‬وأول‬
‫من بنى اهلياكل ومـ ََّجد اهلل فيها‪ ،‬وأول من نظر يف الطب وتكلم فيه‪ )3(،‬وقيل أنه بنى‬
‫اهلرمني الكبريين‪ ،)4(...‬وكذلك ما آتا اهلل لنبيه سليمن عليه السالم من نحاس وأسباب‬

‫)‪ -(1‬الطربي‪ ،‬جامع البيان‪.480/18 ،‬‬


‫)‪ -(2‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪.320/11 ،‬‬
‫)‪ -(3‬وعندما ي َقال "أول من فعل ‪ "...‬ليس بالرضورة أنه األول يف كل زمان ومكان‪ ،‬وإنم قد يكون‬
‫األول يف ذلك املكان أو الزمان‪.‬‬
‫)‪ -(4‬انظر‪ :‬مجال الدين القفطي‪ ،‬إخبار العلمء بأخبار احلكمء‪ ،‬تح إبراهيم شمس الدين‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬ط األوىل بريوت –لبنان‪ 1426 ،‬هـ ‪ 2005 -‬م‪ ،‬ص‪ .12‬األلوِس‪ ،‬روح املعاين‪.366/3 ،‬‬
‫أمحد بن مصطفى املراغي‪ ،‬تفسري املراغي‪ ،‬رشكة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى احللبي وأوالده‬
‫بمرص‪ ،‬ط األوىل‪ 1365 ،‬هـ ‪ 1946 -‬م‪ .62/17 ،‬وإدريس عليه السالم غيل فيه بعد موته‪ ،‬كعادة‬
‫الناس مع أنبيئِهم‪ ،‬وج ِعل اإلله ِ‬
‫أوزريس املشهور عند املرصيني‪ ،‬بعد حتريف الدين‪ ،‬يقول حممود‬
‫الرشقاوي يف قدماء املرصيني‪ " :‬ولم طال عىل الناس األمد وقست قلوهبم نسجوا حول إدريس عليه‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪60 --------------‬‬

‫ني ا ْل ِقطْ ِر) (سبأ ‪ ،)12‬يقول‬


‫(و َأ َسلْنَا َله َع ْ َ‬ ‫ِ‬
‫وجن يعملون له ما يشاء‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ :‬‬
‫السعدي‪" :‬أي‪ :‬سخرنا له عني النحاس‪ ،‬وسهلنا له األسباب‪ ،‬يف استخراج ما يستخرج‬
‫ني َيدَ ْي ِه بِ ِإ ْذ ِن َرب ِه‬
‫اجلن َمن َي ْع َمل َب ْ َ‬ ‫منها من األواين وغريها‪ )1( ".‬وقال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و ِم َن ْ ِ‬
‫يب‬ ‫ار َ‬‫حم ِ‬ ‫ون َله َما َي َشاء ِمن َّ َ‬ ‫ري (‪َ )12‬ي ْع َمل َ‬ ‫الس ِع ِ‬ ‫ۚ َو َمن َي ِز ْغ ِمن ْه ْم َع ْن َأ ْم ِرنَا ن ِذ ْقه ِم ْن َع َذ ِ‬
‫اب َّ‬
‫ات ۚ ا ْعملوا َآل داوود شكْرا ۚ و َقلِ ٌيل من ِعب ِ‬ ‫اسي ٍ‬ ‫اب وقد ٍ ِ‬ ‫و َُتاثِ َيل و ِج َف ٍ‬
‫اد َي‬ ‫ْ َ‬ ‫ً َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ور َّر َ‬ ‫َاجلَ َو ِ َ‬ ‫ان ك ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َّ‬
‫الشكور ) (سبأ ‪ .)13‬فاألنبياء دعوا الناس إىل عبادة اهلل‪ ،‬ومنهم من علم قومه كثريا من‬
‫أمور دنياهم "كمختلف الصناعات وعمرة األرض"‪ ،‬فكثري منهم كان مـت ـ َفوقا يف الدنيا‬
‫واآلخرة وهذا من ُتام املعجزة اإلهلية يف حقهم‪.‬‬
‫عذاب من نار من السمء‪ ،‬وطوفان عظيم َأغرقهم وأغرقت تقريبا كل‬
‫ٌ‬ ‫‪" -‬فنزل عليهم‬
‫البرشية ونجى منهم إال القليل"‪ :‬أما كيفية تعذيبهم يف مسألة "نزول النار من السمء" فهذا‬
‫قد يدل أن عذاهبم كان فيه نوع من املعجزة‪ ،‬فالنار عادة ال تنزل من السمء‪ ،‬وأما كوَنم‬
‫"أغرقوا بطوفان عظيم وأغرقت تقريبا كل البرشية ونجى منهم إال القليل" فهذا ال شك‬
‫أنه يشْ بِه طوفان نوح عليه السالم إىل حد بعيد‪ ،‬فطوفان نوح عليه السالم َأ ْغ َرق ال ـناحية‬
‫التي ض ـرب فيها من الرشق األوسط –ووصف الناس بأنه أغرق ــت كل البرشية‪،)2(-‬‬

‫السالم األساطري وجعلوه أ ِز ِريس قايض املوتى من يضع املوازين القسط ليوم القيامة‪( ".‬حممد‬
‫الرشقاوي‪ ،‬التفسري الديني للتاريخ‪ ،‬كتاب الشعب‪)10/1 ،‬‬
‫)‪ -(1‬السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن‪ ،‬ص‪. 676‬‬
‫)‪ -(2‬ا ْق ِرتان كل من النار والطوفان يف هذا العذاب َيدل أن األسرتاليني يصفون طوفان آخر غري طوفان‬
‫نوح عليه السالم‪ ،‬ألن هذا األخري مل يكن فيه نار‪ ،‬فضال عن كونه الواقعتني متباعدين عن بعضهم‬
‫البعض عرشات اآلالف من األميال –والرجلني كذلك‪َ ،-‬فهم ال شك عذابني خمتلفني ويف نفس‬
‫الوقت متشاهبني‪.‬‬
‫وعندما ي َعرب الناس عن مثل هذه الطوفانات أَنا أهلكت البرشية ليس بالرضورة أن يكون أغرق كل‬
‫الناس يف الكرة األرضية‪ ،‬فالناس خصوصا يف القديم يصفون األحداث من زاويتهم‪ ،‬فالناس يف‬
‫املناطق التي قد َيعم َها مثل هذا العذاب يظنون أن كل العامل قد عمه هذا العذاب أو الغرق‪ ،‬ويف حقيقة‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪61 -------‬‬

‫وهذا الشهادات من طرف هؤالء األسرتاليني ال يمكن إمهاهلا‪ ،‬بل ينبغي تصديقها‪ ،‬ألنه‬
‫من شبه املستحيل أن يم َّر عليهم حدث يف مثل هذه العظمة وال تتذكرها أجياهلم‪ ،‬وهذا‬
‫مثل طوفان نوح عليه السالم الذي روته كث ٌري من األمم واحلضارات يف الرشق األوسط‬
‫–كالبابليني واإلْسائليني وبعض األقوام من رشق أروبا واملسلمني وغريهم‪ ،-‬فمن‬
‫الراجح إذن أن هذا الطوفان الذي وصفه األسرتاليون قد وقع عندهم يف أسرتاليا‪ ،‬وهذا‬
‫الدليل هو الذي جيعلنا نشبه هذا املعلم الكبري "مونغان نكاوة" ‪Mungan-ngaua‬‬
‫بنوح عليه السالم‪ ،‬ويمكن بعدها أن نسميه نوح األسرتاليني‪.‬‬
‫‪ -‬وقد ترك "مونغان نكاوة" ‪َ Mungan-ngaua‬ولدً ا‪ ،‬عدَ ٌد من أفراد تلك القبائل‬
‫يرجع نسلهم إليه‪ :‬هذا يدل عىل أن عدد ًا من تلك القبائل ترجع إىل هذا الـمعلم وابنه ر َّبم‬
‫مثل رجوع عدد من الناس إىل نوح عليه السالم وأبنائه الثالث (سام وحام ويافث)‪،‬‬
‫وهذا ما يزيد درجة الشبه بني الرجلني "مونغان نكاوة" ونوح عليه السالم‪.‬‬
‫‪ -‬وبعد ذلك صعد "مونغان نكاوة" ‪ Mungan-ngaua‬إىل السمء‪ :‬فيم يظاهر هنا‬
‫صح فيه تأكيد أن هذا الرجل ليس كباقي‬ ‫ِ‬
‫أنه قد َصعد بكل بدنه إىل السمء‪ ،‬وهذا إن َّ‬
‫الناس‪ ،‬وأن هذه م ْع ِج َزة حتدث لألنبياء‪ ،‬وهذا ما ي َقوي القول بِنبوة هذا الرجل‪.‬‬
‫ـحـ َت َمل يف أمريكا اجلنوبية يشبه عيسى عليه السالم سوف‬
‫هذا وهناك نبي آخر م ْ‬
‫أذكره وأ َفصل فيه يف كتايب اآلخر الذي يتكلم عىل التوحيد القديم واألنبياء يف خمتلف‬
‫وأح ِ‬
‫اول أن أ ْثبِت فيه أنه كان طوفان آخر رضب تلك الناحية من أمريكا باألدلة‪،‬‬ ‫األمم‪َ ،‬‬
‫ـح َت َمل وهذا التشابه‬
‫فارتقبوا الكتاب بإذن اهلل تعاىل كم َو َعدْت‪ ،‬وقد تن َّبه هلذا النبي الـم ْ‬

‫األمر ليس كذلك‪ ،‬السيم وأَنم يعربون عىل ما شاهدوا وعلِموا من أحداث يف مناطقهم‪ ،‬فإن أكثرهم‬
‫ال يدرون أن هنالك قارات متباعدة وأماكن متفرقة مل يصلها هذا العذاب‪ ،‬فإن بدائيتهم وتأخرهم‬
‫التكنلوجي مقارنة هبذه األزمنة ال ُتكنهم من معرفة ما يوجد ما وراء البحار وخارج أوطاَنم‬
‫وقاراهتم‪ ،‬ونفس اليشء الذي نقوله حول هذا الطوفان األسرتايل نقوله أيضا حول طوفان نوح عليه‬
‫السالم الرشق أوسطي‪ ،‬كم سيأيت إثبات ذلك باألدلة الرشعة والعلمية إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪62 --------------‬‬

‫واحدا ‪-‬أظنه من غري املسلمني‪ ،-‬وجعله عىل شكل بحث يف رشيط فيدهيو يف النت‬
‫"بالفرنسية" م ْستندً ا إىل مراجع تارخيية معتربة‪ ،‬وروايات تناقلها اهلنود اجلنوبيون ألمريكا‬
‫سجلها عنهم مؤرخ إسباين يف بداية احتكاك الرجل األبيض معهم‪ ،‬وسأذكر روابط‬
‫رشيط الفيدهيو يف اهلامش استئناسا فقط‪ ،‬إن شاء اهلل تعاىل‪)1(.‬‬

‫وكل هذه األدلة اآلنفة وقصص خمتلف هؤالء الشخصيات السابقة تدل عىل‬
‫وجاهة القول بوجود أوادم وأنبياء آخرين يف غري أرض الرشق األوسط أرض آدمنا‪،‬‬
‫وأن هؤالء األنبياء م َ‬
‫تشاهبون مع عدد من أنبياء الرشق األوسط املعروفني‪ ،‬بل بعض‬
‫هؤالء األوادم واألنبياء قد يكون يف أزمنة أخرى غري زمن آدمنا عليه السالم كم هو‬
‫ظاهر‪ ،‬ربم أقدم منه بعدد ال يعلمه إال اهلل من السنني‪ ،‬فال ينبغي جعل آدم عليه السالم‬
‫أب ًا لكل الناس يف كل زمان ومكان‪.‬‬

‫ِ‬
‫وحا َو َآل إِبْ َراه َ‬
‫يم‬ ‫اص َط َف ٰى آ َد َم َون ً‬ ‫دليل‪ :‬اصطفاء اهلل آلدم‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ ( :‬إِ َّن َّ َ‬
‫اَّلل ْ‬
‫ان ع َىل ا ْلع َ ِ‬
‫ني ) (آل عمران ‪:)33‬‬ ‫امل َ‬ ‫َ‬ ‫َو َآل ِع ْم َر َ َ‬
‫برش قبل آدم عليه السالم‪:‬‬ ‫يف هذه اآلية وجهان ي ِشريان الحتمل وجود ٍ‬

‫الوجه األول‪ :‬االصطفاء يكون عادة ِم ْن يشء سابق أو من يشء موجود‪:‬‬


‫يم َو َآل ِع ْم َر َ‬
‫ان َع َىل‬ ‫ِ‬
‫وحا َو َآل إِ ْب َراه َ‬
‫اص َط َف ٰى آ َد َم َون ً‬ ‫قال اهلل تعاىل‪( :‬إِ َّن َّ َ‬
‫اَّلل ْ‬
‫ني) (آل عمران ‪.)33‬‬ ‫ا ْلع َ ِ‬
‫امل َ‬ ‫َ‬
‫اصطفى يف هذه اآلية يعني اختار‪)2(.‬‬

‫)‪ -(1‬انظر‪ :‬هذان الرابطان يتحدث فيهم عىل هذا النبي املحتمل لالستئناس فقط‪:‬‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=OMiBaq5MgIY‬‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=jC35LoXim2k‬‬

‫)‪ -(2‬انظر‪ :‬الطربي‪ ،‬جامع البيان‪ ،326/6 ،‬وغريه من التفاسري‪.‬‬


‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪63 -------‬‬
‫ِ‬
‫فم ْن َمن اصطفى (اختار) اهلل آدم ؟ ففي ٍ‬
‫كثري من األحيان يكون االصطفاء‬
‫واالختيار من يشء موجود أو ّما مض‪ ،‬فم هو يف هذه احلالة املحتملة اليشء أو األمة‬
‫التي اصط ِف َي منها آدم عليه السالم ؟ فإن كان نوح وآل إبراهيم وآل عمران عليهم‬
‫السالم اصطفاهم اهلل ِمن مثل جنسهم من بني آدم‪ ،‬فم المنع أن يصطفي اهلل كذلك آدم‬
‫ِمن مثل جنسه من الناس ؟‬
‫اص َط َفى كِنَا َن َة ِم ْن َو َل ِد إِ ْس َم ِع َيل‪،‬‬ ‫يقول النبي حممد صىل اهلل عليه السلم‪ ( :‬إِ َّن َ‬
‫اهلل ْ‬
‫اص ـ َط ـ َف ِاين ِم ْن َبنِي‬ ‫ِ‬
‫ش َبـ ـني َه ـاش ٍم‪َ ،‬و ْ‬
‫واص ـ َط َفى قري ًشا ِمن كِنَا َن َة‪ ،‬واص ـ َط َفى ِم ـن ق ـري ٍ ِ‬
‫ْ َْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ‬
‫برش آخرين قبله وسابقني له كم‬ ‫اش ٍم )‪ )1(،‬فالنبي صىل اهلل عليه وسلم اصطفاه َربه ِمن ٍ‬ ‫ه ِ‬
‫َ‬
‫َيدل عليه احلديث‪ ،‬فلمذا ال يكون اصطفاء آدم عليه السالم مثل هذا االصطفاء للنبي‬
‫صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬أي من برش سابقني له‪ ،‬بل من املحتمل أنه كذلك‪ ،‬ألنه عادة‬
‫االصطفاء يأيت هبذا املعنى‪ ،‬وهذا ال يتعارض مع ك َْونه قد يدخل يف معنى هذا االصطفاء‬
‫أيضا االصطفاء الـم ْستقبيل ال َّقدَ ِري‪ ،‬أي َّ‬
‫أن آدم عليه السالم قد اصطفاه اهلل من الناس‬
‫الذين سوف يأتون من بعده‪ ،‬مثل أن النبي حممد صىل اهلل عليه وسلم قد اصطفاه‬
‫واختاره اهلل عىل من بعده –ومن كان قبله أيضا‪ ،-‬لكن ال ينبغي االقتصار عىل هذا‬
‫املعنى فقط دون األول‪ ،‬كون االصطفاء كثريا ما يأيت باملعنى األول ولم فيه من إعمل‬
‫الس َببِ َّية يف تسلسل األمم واألحداث‪ ،‬فالسببية من سنن اهلل تعاىل يف خلقه‪ ،‬ولم فيه من‬
‫َّ‬
‫ظهور معنى االصطفاء عىل من مض‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ملحوظة‪ :‬ال نن ْكر أبدا ما جاء يف القرآن والسنة يف كيفية خلق آدم عليه السالم‪،‬‬
‫وأنه حيتفظ بخاصيته يف ذلك‪ ،‬بأنه خلقه اهلل سبحانه بيده‪ ،‬وخلقه من طني‪ ،‬ونثبت بذلك‬
‫كل ما أثبتاه الكتاب والسنة‪ ،‬لكن الكيف ال نعلمه‪ ،‬وليس ما قد تتخ َّيله بعض العقول‬

‫)‪ -(1‬رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬باب فضل النبي صىل اهلل عليه وسلم وتسليم احلجر عليه قبل النبوة‬
‫‪ .2276-‬ورواه غريه‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪64 --------------‬‬

‫يف ذلك صحيح‪ ،‬إال ما كان له دليل‪ ،‬كم سنورد إن شاء اهلل آيات وأحاديث يف ذلك‬
‫الحقا‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬االصطفاء والتفضيل يف القرآن الكريم ال ي ْقصد به بالرضورة‬
‫االصطفاء عىل كل زمان ومكان وإنم قد يأيت بمعنى االصطفاء عىل زمان ومكان‬
‫حمددين‪:‬‬
‫ِ‬
‫وحا َو َآل إِ ْب َراه َ‬
‫يم‬ ‫اص َط َف ٰى آ َد َم َون ً‬ ‫هنالك وجه استدالل آخر يف اآلية؛ ( إِ َّن َّ َ‬
‫اَّلل ْ‬
‫ان ع َىل ا ْلع َ ِ‬
‫ني ) (آل عمران ‪ ،)33‬وهي مسألة م ِه َّمة يف االصطفاء‪ ،‬فإن‬ ‫امل َ‬ ‫َ‬ ‫َو َآل ِع ْم َر َ َ‬
‫ور ًة االصطفاء وال َّت ْف ِضيل عىل‬ ‫االصطفاء وال َّت ْفضيل يف القرآن الكريم ال ي ْق َصد به رض َ‬
‫ِ‬

‫ت‬‫كل زمان ومكان‪ ،‬والدليل عىل ذلك قول اهلل تعاىل يف مريم عليها السالم‪ ( :‬وإِ ْذ َقا َل ِ‬
‫َ‬
‫اء ا ْلع َ ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني ) (آل عمران‪،)42‬‬ ‫امل َ‬ ‫اص َط َفاك َع َىل ن َس َ‬ ‫اص َط َفاك َو َط َّه َرك َو ْ‬ ‫ا ْ َملالَئكَة َيا َم ْر َيم إِ َّن َّ َ‬
‫اَّلل ْ‬
‫ني} َأ ْي َأ ْهل َز َمانك "‪ )1(،‬وجاء يف‬ ‫جاء يف تفسري اجلاللني‪{ " :‬واص َط َفاك ع َىل نِساء ا ْلع َ ِ‬
‫امل َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫تفسـ ـري ه ـذه اآلية يف ال ـتفسري الـم َي ـ َّّس ال ـذي أل َف ـه مج ـع من أس ـاتذة التفسري املعاص ـرين‪:‬‬
‫واختارك عىل نساء العاملني يف زمانك‪ )2( ".‬وكذاك قول اهلل تعاىل يف بني إْسائيل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫"‬
‫( ولقد آتينا بني إْسائيل الكتاب واحلكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم عىل‬
‫العاملني ) (اجلاثية‪ ،)16‬يقول الطربي يف هذه اآلية‪ ( " :‬وفضلناهم عىل العاملني ) يقول‪:‬‬
‫عا َلـمـَي أهل زماَنم يف أيام فرعون وعهده يف ناحيتهم بمرص والشام"‪)3(.‬‬
‫وفضلناهم عىل َ‬
‫حمدَّ د وليس‬ ‫فمعنى ذلك أنه يأيت التفضيل وي ْق َصد به التفضيل عىل ناحية م َعينة وزمن َ‬
‫بالرضورة عىل كل األزمنة واألمكنة‪ ،‬ولذلك نجد ِيف كتب التفاسري من أشار إىل هذا‬
‫ِ‬
‫وحا َو َآل إِ ْب َراه َ‬
‫يم‬ ‫اص َط َف ٰى آ َد َم َون ً‬ ‫املعنى يف تفسري االصطفاء من آية آل عمران ( إِ َّن َّ َ‬
‫اَّلل ْ‬

‫يّس‪ ،‬لآلية اثنان وأربعني من سورة آل عمران‪.‬‬


‫)‪ - (1‬نخبة من علمء وأساتذة التفسري‪ ،‬التفسري الـم َّ‬
‫)‪ - (2‬جالل الدين املحيل وجالل الدين السيوطي‪ ،‬تفسري اجلاللني‪ ،‬لآلية اثنان وأربعني من سورة‬
‫آل عمران‪ ،‬دار احلديث‪ ،‬ط أوىل‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫)‪ - (3‬الطربي‪ ،‬جامع البيان‪.69/22 ،‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪65 -------‬‬
‫ان ع َىل ا ْلع َ ِ‬
‫ني )‪ ،‬إذ جاء يف تفسريها يف التفسري الـمي َّّس‪َّ " :‬‬
‫إن اهلل اختار آدم‬ ‫امل َ‬ ‫َ‬ ‫َو َآل ِع ْم َر َ َ‬
‫ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران‪ ،‬وجعلهم أفضل أهل زماَنم‪ )1( ".‬فمعنى ذلك أن‬
‫ً‬
‫هؤالء املذكورون يف اآلية ومن مجلتهم آدم عليه السالم قد اصطفاهم اهلل تعاىل يف زمن‬
‫ٍ‬
‫معارض‬ ‫ٍ‬
‫وأراض حمدَّ َدة‪ ،‬وليس يف كل زمان ومكان‪ ،‬وهذا ما جيعل هذا املعنى غري‬ ‫م َع َّني‬
‫ال يشملهم بالرضورة هذا‬ ‫أخرى(‪)2‬‬ ‫ٍ‬
‫وأراض‬ ‫لوجود أ ٍ‬
‫ناس آخرين يف أزمنة غابرة‬
‫االصطفاء املذكور يف اآلية‪ ،‬بمعنى أنه ليس رشطا أن يكون املذكورون يف اآلية أفضل‬
‫نقص من كون آدم ونوح وآل‬ ‫املخلوقات عىل اإلطالق يف كل زمان ومكان‪ ،‬وهذا ال ي ِ‬

‫إبراهيم وآل عمران هم من الـمصطفني األخيار يف أمة آدم عليه السالم األخرية‪ ،‬وبالتايل‬
‫ال يمنع من احتمل وجود أم ْم أخرى من غري بني آدم هلا آباؤها وأنبياؤها املصطفني ِمن‬
‫بني جنسهم‪ .‬وأما عن مدى اصطفاء آدم والنبيني املذكورين يف اآلية مقارنة عن األمم‬
‫اخلارجة عنهم وعن آدم فاهلل أعلم بمداه بالضبط‪ ،‬فالظاهر أن آدم وهؤالء األنبياء قد‬
‫يكون هلم يشء من مزية اصطفاء عىل األمم الغابرة القديمة التي ليست منهم‪ ،‬كون أمة‬
‫آدم عليه السالم هي آخر أمة قبل قيام الساعة – فمن عالمات قروب الساعة بعثة النبي‬
‫صىل اهلل عليه وسلم – والنبي حممد صىل اهلل عليه وسلم هو آخر نبي قبل قيام الساعة‬
‫وهو من ذرية آدم عليه السالم‪ ،‬وبخاصة يف الكرة األرضية التي نعيش فيها‪ ،‬لكن ينبغي‬
‫ال َّت َوقف والسكوت عن ما ليس لنا علم به‪ ،‬وينبغي احلذر من السقوط يف األخطاء التي‬
‫سقطت فيها الكنيسة يف القرون الوسطى؛ كجعل األرض مركز الكون وجعل آدم عليه‬
‫السالم أبا لكل الناس وكل األمم يف كل زمان ومكان‪ ،‬وغري ذلك من تعميم األشياء‬
‫التي مل ي َع ِم ْمها الشارع احلكيم‪ ،‬وباملقابل عدم اإلقدام عىل تضييق اآليات ذات املعاين‬

‫)‪ - (1‬نخبة من علمء وأساتذة التفسري‪ ،‬التفسري الـميّس‪ ،‬اآلية ثالثة وثالثني من آل عمران‪.‬‬
‫)‪ -(2‬هلم أنبياؤهم وهلم أراضيهم‪ ،‬ر َّب َـم كانوا يف قارات أو شبه قارات أخرى غري الرشق األوسط أو‬
‫ٍ‬
‫أراض أخرى ال نعرفها‪ ،‬كم َيدل عىل ذلك بقايا النبوات يف امللل الوثنية وبعض بقايا األديان‬ ‫يف‬
‫ورات واآلثار اإلنسانية‬
‫السموية كالزرادشتية واهلندوسية والكنفوشيوسة وغريها من امللل‪ ،‬أو األحف َ‬
‫لقدماء البرش التي أثبتها العلم احلديث‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪66 --------------‬‬

‫الواسعة‪ ،‬كقول اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َل َق ْد ك ََّر ْمنَا َبنِي آ َد َم َو َ َ‬


‫محلْنَاه ْم ِيف ا ْل َرب َوا ْل َب ْح ِر َو َر َز ْقنَاهم م َن‬
‫ري ّم َّ ْن َخ َل ْقنَا َت ْف ِضيالً ) (اإلْساء‪ ،)70‬فمفهوم اآلية يدل أنه‬ ‫ات َو َف َّضلْنَاه ْم َع َىل كَثِ ٍ‬
‫ال َّطيب ِ‬
‫َ‬
‫ٰ‬
‫ثمت خملوقات غري مفضل عليها بنوا آدم‪ ،‬ويعني ذلك أن ثمة أمم أفضل من آدم عليه‬
‫السالم وأمته‪ ،‬وأ َذكر بقول املفّس طاهر بن عاشور يف تفسري اآلية‪َ " :‬و َال َش َّك َأ َّن إِقْ َحا َم‬
‫ري ِّم َّ ْن َخ َل ْقنا مراد ِمن ْه ال َّت ْق ِييد َو ِ‬
‫اال ْح ِ َرتاز‬ ‫ري ِيف َق ْول ِ ِه َت َع َاىل‪َ :‬و َف َّضلْناه ْم َعىل كَثِ ٍ‬ ‫ظ كَثِ ٍ‬‫َل ْف ِ‬
‫َ‬
‫ات َغ ْ َري م َف َّض ٍل َع َليْ َها َبنو آ َد َم تَكون‬‫خملو َق ٍ‬ ‫ور ِف ِيه‪َ ،‬في ْع َلم ِمن ْه َأ َّن َث َّم َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوال َّت ْعليم ا َّلذي َال غر َ‬
‫اوي ًة َأو َأ ْف َض َل إِ ْمج ًَاال َأو َت ْف ِ‬
‫صيالً ‪)1(."...‬‬
‫ْ‬ ‫م َس ِ َ ْ‬
‫وحا َو َآل‬ ‫فآيات القرآن الكريم ومن بينها قول اهلل تعاىل‪ ( :‬إِ َّن َّ َ‬
‫اَّلل ا ْص َط َف ٰى آ َد َم َون ً‬
‫ان ع َىل ا ْلع َ ِ‬
‫برش أو أمم آخرين من‬ ‫ني ) كم نرى ال ُتنع معانيها وجود ٍ‬ ‫امل َ‬ ‫َ‬ ‫يم َو َآل ِع ْم َر َ َ‬ ‫ِ‬
‫إِ ْب َراه َ‬
‫غري آدم عليه السالم وال تتناقض مع ذلك‪ ،‬بل ربم قد تشري إىل ذلك بمعنى أن اهلل قد‬
‫اصطفاه واختاره عىل أقوام أخرى قبله‪ ،‬لكن برشط عدم ت َْض ِييق املعنى الواسع املوجود‬
‫فيها‪ ،‬مثـل كـ ـل ـ ـ ـمة ( اصطفى آدم ) فاالصطفاء هنا قد يكون من يشء سابق ‪-‬أمم أخرى‪-‬‬
‫كم يأيت معناه يف كثري من األحيان‪ ،‬وباملقابل عدم توسيع املعنى اخلاص املوجود فيها‬
‫مثل كلمة ( عىل العاملني ) أي عىل عاملي زماَنم ومكاَنم‪.‬‬

‫رصا كل الكرة األرضية‪:‬‬


‫قصد به َح ْ ً‬
‫دليل‪ :‬لفظ األرض يف القرآن الكريم ال ي َ‬
‫هنالك من قال أن آدم عليه السالم هو أول من سكن األرض من اإلنس‪،‬‬
‫واس َت َّ‬
‫دل بقول اهلل تعاىل مثال‪ ( :‬إين جاعل يف األرض خليفة ) (البقرة ‪ ،)30‬فحتى إن‬
‫كانت هذه اآلية ال تدل عىل أنه أول إنسان سكن األرض‪ ،‬بل قد َتدل عىل عكس ذلك‬
‫كم َب َّينا سابقا يف معنى لفظ ( خليفة ) وسقنا بعض أقوال أهل التفسري‪ ،‬والذي يعني أنه‬
‫ف شيئ ًا قبله يف األرض‪ ،‬قد يكون يشبِهه أو قريب منه‪ ،‬وزيادة يف الدليل قياس‬ ‫َخ َل َ‬
‫املالئكة سفك الدماء من بني آدم بمخلوق قبله‪ .‬ولكن عند الرجوع إىل من استدل هبذه‬

‫)‪ -(1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.166/15 ،‬‬


‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪67 -------‬‬

‫اآلية ومثلها بأن آدم عليه السالم هو أول من سكن كل الكرة األرضية‪ ،‬فإن هذا ال يلزم‬
‫من اآلية‪ ،‬ألن لفظ ( األرض ) يف القرآن الكريم ال يقصد به حرصا كل الكرة األرضية‪،‬‬
‫ض َوه ْم ِم ْن َب ْع ِد‬ ‫ت الروم ‪ِ .‬يف َأ ْدنَى ْاألَ ْر ِ‬ ‫ومن األدل ـة عىل ذلك؛ قول اهلل تعاىل‪ ( :‬غلِب ِ‬
‫َ‬
‫ون ) (الروم ‪ِ ،)3-2‬قيل أدنى األرض‪ :‬أقرب أرض الشام إىل فارس‪)1(،‬‬ ‫َغ َلبِ ِه ْم َس َي ْغلِب َ‬
‫َت‬‫أو أدنى أرض الروم إىل أرض العرب (أدنى معناه أقرب)‪ ،‬يقول ابن عاشور‪ " :‬وكَان ِ‬
‫َ‬
‫رصى‬ ‫ني ب ْ َ‬ ‫الشام الـمحا َّد ِة بِال َِد ا ْل َع َر ِ‬
‫ب َب ْ َ‬ ‫اف بِالَد َّ‬ ‫ْاهل ِزيمة ا ْلعظِيمة َع َىل الرو ِم ِيف َأطْر ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ض َأي أدنى بِالَد الروم إِ َىل بِالَد‬ ‫ات‪َ .‬و َذل ِ َك ه َو ا ْمل َراد ِيف َه ِذ ِه ْاآل َية ِيف َأ ْدنَى ْاألَ ْر ِ‬‫َو َأ ْذر َع َ‬
‫ث َعن ْه ْم‪َ ،‬أ ِو الالَّم ِع َو ٌض‬ ‫ض الرو ِم ا ْمل َتحدَّ ِ‬
‫َ‬ ‫ض لِلْ َع ْه ِد‪َ ،‬أ ْي َأ ْر ِ‬ ‫ا ْل َع َرب‪ .‬فالتعريف ِيف ْاألَ ْر ِ‬
‫َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اَّلل "‪ )3( )2(،‬بل إن كل أقوال أهل‬ ‫َع ِن ا ْمل َضاف إِ َليْه‪َ ،‬أ ْي ِيف َأ ْدنَى َأ ْرض ِه ْم‪َ ،‬أ ْو َأ ْدنَى أ ْرض َّ‬
‫التفسري هنا يف تفسري األرض تتفق أَنا ليست كل الكرة األرضية‪.‬‬
‫بل قد يطلق لفظ األرض يف القرآن الكريم ليس عىل غري الكرة األرضية‬
‫ِ‬
‫احلَ ْمد ِ ََّّلل ا َّل ِذي َصدَ َقنَا‬
‫فحسب‪ ،‬وإنم عىل غري أرض الدنيا‪ ،‬مثل قول اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َقالوا ْ‬
‫ني ) (الزمر‪،)74‬‬ ‫اجلَن َِّة َحيْث ن ََشاء ۚ َفن ِ ْع َم َأ ْجر ا ْل َع ِاملِ َ‬
‫َوعْدَ ه َو َأ ْو َر َثنَا ْاألَ ْر َض َن َت َب َّوأ ِم َن ْ‬
‫حيث األرض املذكورة يف اآلية هنا هي أرض اجلنة‪ )4(،‬يقول ابن عاشور‪َ ... " :‬و َجيوز‬
‫احلي ِ‬ ‫ون َل ْفظ ْاألَ ْر َض م ْس َت َع ًارا لِلْ َجن َِّة ِألَ َّ ََنا َق َراره ْم ك ََم َأ َّن ْاألَ ْر َض َق َرار الن ِ‬
‫اة‬ ‫َّاس ِيف ْ َ َ‬ ‫َأ ْن َيك َ‬
‫وىل‪)5( ".‬‬‫ْاأل َ‬

‫)‪ -(1‬انظر‪ :‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪.4/14 ،‬‬


‫)‪ -(2‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.43/12 ،‬‬
‫)‪ -(3‬وقيل أقرب األرض قياسا إىل مكة وقيل هي أرض الشام وقيل غري ذلك‪( ،‬انظر‪ :‬القرطبي‪،‬‬
‫اجلامع ألحكام القرآن‪ .) 4/14 ،‬وكل األقوال تتفق أَنا ليست األرض املذكورة يف اآلية كل الكرة‬
‫األرضية‪.‬‬
‫)‪ - (4‬انظر‪ :‬الطربي‪ ،‬جامع البيان‪.342/21 ،‬‬
‫)‪ -(5‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.73/24 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪68 --------------‬‬

‫وهبذا يتبني أن كلمة ( األرض ) يف القرآن الكريم تطلق عىل أكثر من معن ًا‪ ،‬وال‬
‫ي ْق َصد هبا حرصا كل الكرة األرضية أو كل األرض‪ ،‬بل قد يقصد هبا ناحية من األرض‪،‬‬
‫وعىل مثل ذلك َقد حيمل لفظ أرض يف قوله اهلل تعاىل‪ ( :‬إين جاعل يف األرض خليفة )‪.‬‬
‫و َيلزم من هذا الزم مهم‪ ،‬وهو حتى عىل قول من قال أن أول من سكن من‬
‫اإلنس يف األرض آدم عليه السالم‪ ،‬فيمكن أن حيمل قوله يف هذه احلالة أنه أول من سكن‬
‫ناحية من األرض‪-‬كم بينا أن األرض ال يقصد هبا حرصا كل الكرة األرضية‪ ،-‬كالرشق‬
‫األوسط وما جاورها‪ ،‬فأمريكا أرض‪ ،‬والصني أرض‪ ،‬وأسرتاليا أرض‪ ،‬وإفريقيا أرض‪،‬‬
‫وأروبا أرض‪ ...‬وبذلك يـحل اإلشكال عند من يقول هبذا القول‪ ،‬وإن كانت مسألة‬
‫األول ِ َّية بمعنى أولية يشء عىل غريه من األشياء هلا تفصيل‪ ،‬فليس كل أولية يقصد هبا‬
‫سمى‬‫األولية املطلقة‪ ،‬فقد يكون يشء أو برش َّأول يف مكان أو زمن معني أو أمة معينة وي َّ‬
‫ال‪ ،‬ولنا مثال عن ذلك يف القرآن الكريم يمكن أن يقاس به هذا املعنى‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬ ‫َأ َّو ً‬
‫يك َله ۚ َوبِ َ ٰذل ِ َك أ ِم ْرت‬ ‫ني‪َ .‬ال َ ِ‬
‫رش َ‬ ‫( ق ْل إِ َّن صال َِيت ونس ِكي وحمياي و َّم ِايت َِّلل ِ رب ا ْلع َ ِ‬
‫امل َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ َ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ني ) (األنعام ‪ ،)163-162‬فاآلية تقول عىل النبي صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫َو َأنَا َأ َّول ا ْمل ْسلِ ِم َ‬
‫أنه أول املسلمني بالرغم من أن اإلسالم هو دين كل األنبياء واملرسلني‪ ،‬ومن املعلوم‬
‫أَنم سبقوا النبي صىل اهلل عليه وسلم زمانا‪ ،‬فكيف يكون أوهلم إسالما ؟‪ ،‬وهبذا يكون‬
‫ني}‬ ‫{و َأنَا َأ َّول ا ْمل ْسلِ ِم َ‬
‫املعنى أنه أول املسلمني من هذه األمة‪ ،‬يقول ابن كثري‪َ " :‬و َق ْوله‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َت َد ْع َوهت ْم‬ ‫يع ْاألَنْبِ َياء َقبْ َله ك َّله ْم كَان ْ‬ ‫َق َال َق َتا َدة‪َ :‬أ ْي م ْن َهذه ْاأل َّمة‪َ .‬وه َو ك ََم َق َال‪َ ،‬ف ِإ َّن َمجِ َ‬
‫{و َما َأ ْر َسلْنَا ِم ْن َقبْلِ َك ِم ْن‬ ‫يك َله‪ ،‬ك ََم َق َال‪َ :‬‬ ‫رش َ‬ ‫اَّللِ َو ْحدَ ه َال َ ِ‬ ‫ِ‬
‫اإل ْسالَ ِم‪َ ،‬و َأ ْصله ع َبا َدة َّ‬ ‫إِ َىل ْ ِ‬
‫[األَنْبِي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫اء‪َ ، ]25 :‬و َق ْد َأ ْخ َ َرب َت َع َاىل َع ْن‬ ‫هلإ إِال َأنَا َفا ْعبدون} ْ َ‬ ‫َرسول إِال نوحي إِ َليْه َأنَّه َال َ َ‬
‫ِ‬
‫اَّلل َوأ ِم ْرت َأ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫نوحٍ َأنَّه َق َال ل َق ْومه‪َ { :‬ف ِإ ْن ت ََو َّليْت ْم َف َم َس َأ ْلتك ْم م ْن َأ ْج ٍر إِ ْن َأ ْج ِر َي إِال َع َىل َّ‬
‫يم إِال َم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ون ِم َن ا ْمل ْسلِ ِم َ‬
‫{و َم ْن َي ْر َغب َع ْن م َّلة إِ ْب َراه َ‬ ‫ني} [يون َس‪َ ، ]72 :‬و َق َال َت َع َاىل‪َ :‬‬ ‫َأك َ‬
‫ني‪ .‬إِ ْذ َق َال َله َربه َأ ْسلِ ْم َق َال‬ ‫اآلخر ِة َملِن الص ِ ِ‬
‫احل َ‬ ‫س ِفه َن ْفسه و َل َق ِد اص َط َفينَاه ِيف الدنْيا وإِنَّه ِيف ِ‬
‫َ َ َّ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َأس َلمت لِرب ا ْلع َ ِ‬
‫اص َط َفى َلكم الدي َن‬ ‫ني‪َ .‬و َو ََّّص ِ َهبا إِ ْب َراهيم َبنيه َو َي ْعقوب َيا َبن َّي إِ َّن َّ َ‬
‫اَّلل ْ‬ ‫امل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬
‫ون} [ ا ْلب ـَ َقـ ـ َر ِة ‪َ ، ] 132- 130 :‬و َقـ ـ ـ َال ي ـ ـوس ـف‪َ ،‬ع ـ ـ َليْـ ِه‬ ‫َفال َُتوت َّن إِال َو َأنْت ْم م ْسلِم َ‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪69 -------‬‬
‫يث َفاطِر السمو ِ‬
‫ات‬ ‫اد ِ‬‫يل األح ِ‬ ‫ك َو َع َّل ْم َتنِي ِم ْن تَأْ ِو ِ‬‫السالَم‪{ :‬رب َق ْد آ َتي َتنِي ِمن ا ْمللْ ِ‬
‫َ َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ف‪:‬‬‫ني} [يوس َ‬ ‫حل ْقنِي بِالص ِ ِ‬
‫احل َ‬ ‫اآلخر ِة تَو َّفنِي مسلِم و َأ ْ ِ‬ ‫ض َأن َْت ولِيي ِيف الدنْيا و ِ‬ ‫األر ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ ً َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َو ْ‬
‫‪)1(." ]101‬‬

‫فيمكن بعدها ملن يقول أن آدم عليه السالم هو َّأول الناس‪ ،‬أن يصح َح املعنى ويقول‬
‫أن آدم عليه السالم كان األول يف أمته مثل أن النبي حممد صىل اهلل عليه وسلم هو َّأول‬
‫املسلمني يف أ َّمتِه‪ - .‬وإن كان القول باألولية املطلقة آلدم عليه السالم ليس عليه دليل‪،‬‬
‫بل هنالك َأ ِد َّلة وإشارات تدل عىل غري ذلك كم رأينا سابقا ‪.-‬‬

‫دليل‪ :‬خطاب اهلل تعاىل للناس ب ـ ( يا بني آدم ) يف القرآن الكريم ال إشكال فيه‬
‫وال ينفي كونه م َو َّجها إىل كل الناس بم فيهم غري ذرية آدم عليه السالم‪:‬‬
‫أما خطاب اهلل تعاىل الناس ب ـ ( يا بني آدم ) يف القرآن الكريم؛ فهذا ال إشكال‬
‫فيه وال ينفي وجود أناس آخرين من غري ذرية آدم‪ ،‬وكون اخلطاب م َو َّجه ًا إليهم كذلك‪،‬‬
‫َّاس بِ َق ـ ـ ْول ِ ِه‪َ ( :‬يا َبنِي آ َد َم )‬
‫خما َط َب ِة الن ِ‬ ‫ات أ ْخ َرى ِم ْن َ‬ ‫جاء يف تفسري املنار‪ " :‬وما ورد ِيف آي ٍ‬
‫َ َ ََ َ َ‬
‫رش ِمن َأبن َِائ ِه‪ ،‬إِ ْذ يك ِْفي ِيف ِصح ِة ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخل َط ِ‬
‫اب‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َال ين َِايف َه َذا‪َ ،‬و َال ي َعد ن ًَّصا َقاط ًعا ِيف ك َْون َمجِي ِع ا ْل َب َ ِ ْ ْ‬
‫ري ِق َّص ِة آ َد َم ِيف‬‫يل ِم ْن َأ ْو َال ِد آ َد َم‪َ ،‬و َق ْد َت َقدَّ َم ِيف َت ْف ِس ِ‬
‫ون َم ْن وج َه إِ َليْ ِه ْم ِيف َز َم ِن ال َّتن ِْز ِ‬ ‫َأ ْن َيك َ‬
‫ِ‬ ‫اجلن ِ‬ ‫ض َقبْ َله ن َْو ٌع ِم ْن َه َذا ْ ِ‬ ‫َان ِيف ْاألَ ْر ِ‬ ‫ور ِة ا ْل َب َق َر ِة َأنَّه ك َ‬ ‫ِ‬
‫يها‪َ ،‬و َس َفكوا‬ ‫ْس َأ ْف َسدوا ف َ‬ ‫َأ َوائ ِل س َ‬
‫الدماء‪)2( ".‬‬
‫َ َ‬
‫وهنا يمكن أن نطرح سؤاال يكون وجها آخر ًا يف هذه املسألة‪ ،‬فإن قلنا هل اجلن‬
‫خماطبني بالقرآن الكريم ؟ كان اجلواب ال ريب فيه نعم‪ ،‬فمن باب أوىل إذ ًا أن يكون مجيع‬
‫الناس من بني آدم ومن غري ب ـنـي آدم خماطبني بالقرآن الكريم وبقول اهلل تعاىل‪ ( :‬يا بني‬

‫)‪ -(1‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪.382/3 ،‬‬


‫)‪ -(2‬رشيد رضا‪ ،‬تفسري املنار‪.266/4 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪70 --------------‬‬

‫آدم )‪ ،‬السيم وأَنم متقاربان يف اجلنس أكثر من مقاربة اجلن‪ .‬فاهلل تعاىل خاطب باقي‬
‫الناس من غري بني آدم مثلم خاطب اجلن‪.‬‬
‫وكذلك استعمل أسلوب اخلاص ال يمنع تعميم املعنى يف القرآن الكريم‪ ،‬أو كم‬
‫تقول القاعدة "العربة بعموم اللفظ ال بخصوص السبب"‪ ،‬فهنالك أحكا ٌم أو أسباب‬
‫ٍ‬
‫نزول أو أوامرا يف القرآن الكريم جاءت يف حق النبي صىل اهلل عليه وسلم أو نسائه أو‬
‫أصحابه لكن أحكامها تلحق بجميع األمة‪.‬‬
‫وهناك وجه آخر وهو الذي يكون من باب خروج اللفظ خمرج الغالب وال ينجر‬
‫منه مفهوم‪ ،‬كقول اهلل تعاىل يف املحرمات من النساء وحتريم الزواج من الربيبة التي يف‬
‫ورك ْم ) (النساء ‪ ،)23‬يقول ابن كثري‪َ " :‬و َأ َّما َق ْوله‪:‬‬ ‫الاليت ِيف حج ِ‬ ‫احلجر‪َ ( :‬و َر َب ِائبكم ِ‬
‫َت ِيف‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫{و َر َب ِائبكم‬
‫الاليت ِيف حجورك ْم} َفج ْمهور ْاألَئ َّمة َع َىل َأ َّن َّ‬
‫الربِي َب َة َح َرا ٌم َس َوا ٌء كَان ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ب‪َ ،‬فالَ َم ْفهو َم‬ ‫ِ‬
‫خم َر َج ا ْل َغال ِ‬
‫اخل َطاب َخ َر َج َ ْ‬ ‫ِحج ِر الرج ِل َأو َمل تَكن ِيف حج ِره‪َ ،‬قالوا‪ :‬و َه َذا ْ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ ْ‬ ‫ْ َّ‬
‫ِ‬
‫ور‪.)1( " ]33 :‬‬ ‫حتصنًا} [الن ِ‬ ‫{وال تك ِْرهوا َف َت َياتِك ْم َع َىل ا ْلبِ َغاء إِ ْن َأ َر ْد َن َ َ‬ ‫ِِ‬
‫َله َك َق ْوله َت َع َاىل‪َ :‬‬
‫فيكون اخلطاب التحريم والتحريم يشمل كل من الربيبة التي يف حجر الرجل والربيبة‬
‫التي ليست يف حجره‪ ،‬ومثل هذا أرى إمكانية قياس خطاب اهلل تعاىل الذي جاء بصيغة‬
‫( يا بني آدم )‪ ،‬فيدخل فيه بنو آدم حقيقة وغريهم من الناس الذين ليسوا من نسل آدم‪.‬‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬
‫ويمكن أن نذكر وجها آخرا‪ ،‬كأن يقال جاء خطاب (يا بني آدم ) من باب ذكر‬
‫اليشء بأهم أجزائه‪ ،‬كقوله صىل اهلل عليه وسلم‪ ( :‬احلج عرفة )‪ ،‬مع العلم أن عرفة‬
‫ليست كل احلج‪ ،‬وإنم هي جزء من أجزائه‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫أو يمكن أن حيمل عىل وجه آخر؛ مثال يف ما درج عليه العرب يف لساَنم؛ يف‬
‫تذكري اجلمعة من اإلناث إذا دخل عليهم رجل واحد بحكم الغالب‪ ،‬ويف غري التذكري‬
‫قد يكون التغليب لكثرة أو مناسبة أو أمهية‪ ،‬كون املخاطب به هو الغالب وليس رشطا‬

‫)‪ -(1‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪.251/2 ،‬‬


‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪71 -------‬‬

‫أن يكون أكثر عددا‪ .‬أو كذلك مثل خطاب نصوص الرشيعة التي قد تظهر أَنا للرجال‬
‫دون النساء‪ ،‬لكن يف احلقيقة يلْحق هبم النساء كذلك‪ ،‬وكم يقول حديث النبي صىل اهلل‬
‫عليه وسلم الذي ِ‬
‫اخت َذ قاعدة يف هذا الباب ( النساء شقائق الرجال )(‪ ،)1‬أي أن النساء‬
‫مساويات يف ما فرضه اهلل تعاىل عىل الرجال إال فيم استثناه‪ ،‬فكذلك الناس من غري بني‬
‫آدم هنا شقاق بني آدم فيم خاطبهم به رهبم وفرض عليهم‪ .‬فال إشكال بعدها يف خماطبة‬
‫اهلل تعاىل الناس بقوله تعاىل ( يا بني آدم )‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وربم يمكن أن نذكر وجها آخرا يف تشبيه إطالق األب َّوة يف هذه احلالة؛ فإن هذا‬
‫شبها أيضا بكلمة "بني إْسائيل" يف تسمية اليهود‪ ،‬فليس كل بني إْسائيل من اليهود‪،‬‬
‫له ً‬
‫وليس كل اليهود من بني إْسائيل ( وإْسائيل هو يعقوب عليه السالم )‪ ،‬فنجد من بني‬
‫إْسائيل من هو هيودي ومن هو نرصاين بل نجد َم ْن هم ِم َن األنبياء عليهم السالم‪ ،‬مثل‬
‫يوسف وعيسى عليهم السالم‪ ،‬ونجد من اليهود من هو من غري نسل نبي اهلل إْسائيل‬
‫أي من غري يعقوب عليه السالم‪ ،‬ومثل هذا كلمة ( بني آدم ) فليس كل الناس من بني‬
‫آدم بينم جيوز خطاهبم هبذه الصيغة مثل كلمة "بني إْسائيل"‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دليل‪ :‬قال اهلل تعاىل‪ ( :‬م َّل َة َأبِيك ْم إِبْ َراه َ‬
‫يم ) (احلج ‪ ،)78‬فاهلل تعاىل سمى إبراهيم‬
‫أبانا بالرغم من أنه ليس أب ًا لكل الناس‪:‬‬
‫إن الـمـتفكر يف آيات القرآن الكريم جيد الدليل أن األبوة يف كالم اهلل تطلق عىل‬
‫الـمـخَ ا َطبِني وال يقصد هبا أب َّوة الشخص عىل كل الناس أو كل املخاطبني‪ ،‬والدليل عىل‬
‫ني ِمن َقبْل ) (احلج ‪،)78‬‬
‫يم ه َو َس َّمكم ا ْمل ْسلِ ِم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذلك ما قاله اهلل تعاىل‪ ( :‬م َّل َة َأبِيك ْم إِ ْب َراه َ‬
‫وهنا ي ْفهم أن إبراهيم عليه السالم هو أب جزء من العرب و للقوم الذين أنزل فيهم‬
‫القرآن والنبي صىل اهلل عليه وسلم أو إبراهيم صىل اهلل عليه وسلم له احلرمة عىل‬

‫)‪ - (1‬أخرجه أمحد يف مسنده ‪ ،26195‬والرتمذي يف سننه ‪ ،113‬وابن ماجة يف سننه ‪ ،612‬وأيب داود‬
‫يف سننه ‪.263‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪72 --------------‬‬

‫املسلمني كحرمة األب عىل أبنائه‪ ،‬وليس إبراهيم أبا بالنسل لكل الناس كم هو معلوم‪،‬‬
‫وهذا من باب أوىل أن ي َقاس أيضا عىل آدم عليه السالم‪ ،‬فهو من ِج َهة أب أمة من الناس‬
‫بم فيهم إبراهيم وجزء كبري من السكان الذين أصلهم من الرشق األوسط‪ ،‬والتي نزلت‬
‫فيهم األديان اإلبراهيمية ‪ -‬وهذا بالرغم من أنه فيهم أناس ليسوا من ذرية آدم عليه‬
‫السالم كم سيأيت مزيد أدلة عىل األدلة السابقة إن شاء اهلل تعاىل ‪ ،-‬وهذا ما ت َؤيدْه اآلية‬
‫اجلَن َِّة ) ( األعراف‬ ‫التي تقول‪َ ( :‬يا َبنِي آ َد َم َال َي ْفتِنَنَّكم َّ‬
‫الشيْ َطان ك ََم َأ ْخ َر َج َأ َب َو ْيكم م َن ْ‬
‫أب لكل الناس‪ ،‬فاألبوة املذكورة يف‬
‫‪ ،)27‬وهذا مع أن اآلية ال تذكر أصال أن آدم هو ٌ‬
‫اآلية هي أب َّوة آدم عىل بنيه فقط ( يا بني آدم‪ ،‬أبويكم )‪ ،‬فلم يقل اهلل تعاىل‪ :‬يا أهيا الناس‬
‫ال يفتننكم الشيطان كم أخرج أبويكم من اجلنة‪ .‬ومن جهة فإن آدم عليه السالم هو‬
‫بمنزلة أب لكل الناس بمعنى استحقاق احلرمة والتعظيم مثل أن النبي حممد صىل اهلل‬
‫عليه وسلم هو أب لألمة اإلسالمية بمثل هذه املنزلة كذلك‪.‬‬
‫ويمكن أن نخرج بنتيجة أنه يمكن أن تأيت األٌبوة بمعنى أبوة شخص عىل‬
‫املخاطبني زمن نزول القرآن‪ ،‬وهذا أيضا بمعنى الغالب‪ ،‬فحتى إبراهيم ليس أبا لكل‬
‫العرب‪ ،‬فقد اختلط بعض نسله مع بعض العرب التي كانت يف اجلزيرة قبل جميء‬
‫إسمعيل إىل مكة مع أمه عليهم السالم –فقد تزوج منهم إسمعيل عليه السالم ‪ ،-‬أو‬
‫يمكن أن تأيت األب َّوة بمعنى وجوب احرتام الشخص وحفظ َحقه كم جيب احرتام األب‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ) (احلج ‪" :)78‬‬ ‫يقول املفّس طاهر بن عاشور يف تفسري قوله تعاىل ( م َّل َة َأبِيك ْم إِ ْب َراه َ‬
‫اخل َطاب م َو َّج ًها إِ َىل ا َّل ِذي َن َص ِحبوا النَّبِي َء َص َّىل اهلل َع َليْ ِه َو َس َّل َم َف ِإ َضا َفة أب َّو ِة‬ ‫َان ْ ِ‬ ‫ث َّم إِ ْن ك َ‬
‫رض َّي ِة َو َأ َّما‬
‫ب ا ْمل َ ِ‬ ‫ب ْاأل َّم ِة َي ْو َم ِئ ٍذ ِم َن ا ْل َع َر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ْاأل َّمة‪ِ ،‬ألَ َّن َغال َ‬ ‫ار َغال ِ ِ‬ ‫يم إِ َليْ ِه ْم بِا ْعتِ َب ِ‬ ‫ِ‬
‫إِ ْب َراه َ‬
‫ب‬ ‫السالَم ِألَ ََّن ْم ِم َن ا ْل َع َر ِ‬ ‫الصالَة َو َّ‬
‫ِ‬
‫يم َع َليْه َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْاألَن َْصار َف ِإ َّن ن ََس َبه ْم َال َين ْ َتمي إِ َىل إِ ْب َراه َ‬
‫ات‪َ .‬وإِ ْن ك َ‬ ‫اهيم َع َلي ِهم ِو َالد ٌة ِمن قِب ِل ْاألمه ِ‬ ‫ني َع َىل َأ َّن َأ ْكثَرهم كَان ْ ِ ِ‬ ‫ا ْل َق ْح َطانِي َ‬
‫َان‬ ‫َّ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َت ِإل ْب َر َ ْ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫احل ْر َم ِة‬
‫يم َهل ْم َع َىل َم ْعنَى ال َّت ـشْ بِ ِيه ِيف ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َت إِ َضا َفة أب َّوة إِ ْب َراه َ‬ ‫ني كَان ْ‬ ‫اخل َطاب لِعمو ِم ا ْمل ْسلِ ِم َ‬ ‫ِْ‬
‫[األَ ْح َزاب‪َ ، ]6 :‬و ِألَنَّه َأبو‬ ‫اق ال َّت ْعظِي ِم َك َق ْول ِ ِه َت َع َاىل‪َ ( :‬و َأ ْزواجه أ َّمهاهت ْم ) ْ‬ ‫َواستِ ْح ـ ـ ـ َق ِ‬
‫ْ‬
‫حم َّمدٌ َله َم َقام ْاألب َّو ِة للْمسلمني َوقد قرىء َق ْوله َت َع َاىل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫حم َّم ٍد َص َّىل اهلل َع َليْ ِه َو َس َّل َم َو َ‬ ‫النَّبِيء َ‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪73 -------‬‬

‫[األَ ْح َزاب‪ ]6 :‬بِ ِز َيا َد ِة َوه َو َأبوه ْم‪ )1( ".‬يقول املفّس البغوي‪َ " :‬ف ِإ ْن‬ ‫( َو َأ ْزواجه أ َّمهاهت ْم ) ْ‬
‫يم؟‪ِ .‬ق َيل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫{م َّل َة َأبِيكم} َو َليْ َس كل ا ْملسلِ ِم َ ِ‬
‫ني َي ْرجع ن ََسبه ْم إِ َىل إِ ْب َراه َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِق َيل‪َ :‬فم وجه َقول ِ ِه‪ِ :‬‬
‫َ َ ْ ْ‬
‫ني‪،‬‬ ‫يع ا ْمل ْسلِ ِم َ‬ ‫ِ‬
‫ب بِه َمجِ َ‬ ‫يم‪َ .‬وق َيل‪َ :‬خا َط َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب بِه ا ْل َع َر َب َوه ْم كَانوا م ْن ن َْس ِل إِ ْب َراه َ‬
‫ِ‬
‫َخا َط َ‬
‫اح ِ َرتام ْاألَ ِ‬ ‫ِِ ِ ِ ِ‬ ‫وإِبر ِ‬
‫ب‪َ ،‬وه َو‬ ‫اح ِ َرتامه َوح ْفظ َحقه ك ََم َجيِب ْ‬ ‫وب ْ‬ ‫اهيم َأ ٌب َهل ْم‪َ ،‬ع َىل َم ْعنَى وج ِ‬ ‫َ َْ‬
‫اَّلل َع َليْ ِه َو َس َّل َم‪:‬‬
‫اب‪َ ، )6 :‬و َق َال النَّبِي َص َّىل َّ‬ ‫(األَ ْح َز ِ‬‫{و َأ ْز َواجه أ َّم َهاهت ْم} ْ‬ ‫ِِ‬
‫َك َق ْوله َت َع َاىل‪َ :‬‬
‫اخل َطاب‬ ‫"إِنَّم َأنَا َلكم ِمثْل ا ْلوال ِ ِد [لِوال ِ ِد ِه](‪ )3(." )2‬ويقول القرطبي يف تفسريه‪" :‬و ِق َيل‪ِ ْ :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ني كَح ْر َم ِة‬ ‫يم َع َىل ا ْمل ْسلِ ِم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني‪َ ،‬وإِ ْن َملْ َيك ِن ا ْلكل م ْن َو َلده‪ ،‬ألَ َّن ح ْر َم َة إِ ْب َراه َ‬ ‫ِجلَ ِمي ِع ا ْمل ْسلِ ِم َ‬
‫ع َىل ا ْلو َل ِد‪)4( ".‬‬ ‫ا ْل َوال ِ ِد َ‬
‫َ‬
‫فيمكن أن تأيت األب َّوة بلفظ ( أبيكم أو أبويكم ) عىل أ َّمة معينة؛ أي أمة إبراهيم‬
‫أو أمة آدم عليهم الصالة والسالم‪ ،‬وتكون هذه األمة مقياسا لغريها من األمم‪ ،‬كون‬
‫خطاب الرشع ليس حمصور ًا فيها وإنم موجه ًا لغريها من الناس كذلك‪ ،‬وهذا األسلوب‬
‫موجود يف القرآن الكريم‪ ،‬مثل بعض اآليات التي ختاطب النبي صىل اهلل عليه وسلم‬
‫لكن أحكامها عامة لألمة‪ ،‬مثل قول اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َال ت َصل َع َ ٰىل َأ َح ٍد من ْهم َّم َ‬
‫ات َأ َبدً ا َو َال‬
‫ون ) (التوبة ‪ ،)84‬وهذا يف‬ ‫اسق َ‬ ‫تَقم َع َىل َق ِرب ِه ۚ إَِنم َك َفروا بِاَّللِ ورسول ِ ِه وماتوا وهم َف ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َّ ْ‬ ‫ْ ٰ ْ‬
‫ف‬ ‫حق املنافقني الذين ماتوا عىل كفرهم‪ ،‬قال ابن كثري‪َ " :‬و َه َذا حك ٌْم َعا ٌّم ِيف كل َم ْن ع ِر َ‬
‫نِ َفاقه‪ )5(".‬أو أوامرا ألزواج النبي صىل اهلل عليه وسلم تلحق أحكامها بباقي نساء األمة‪،‬‬
‫قال اهلل تعاىل‪ ( :‬يا نِساء النَّبِي َلستن ك ََأح ٍد ِمن النس ِ‬
‫اء إِ ِن ا َّت َقيْت َّن َفال َ ْ‬
‫خت َض ْع َن بِا ْل َق ْو ِل َف َيطْ َم َع‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َّ َ‬ ‫َ َ َ‬

‫)‪ -(1‬طاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.351-350/17 ،‬‬


‫)‪ -(2‬رواه أيب داوود ‪ ،6‬وابن ماجة ‪ ،313‬وصححه ابن حبان وحسنه األلباين‪ ،‬انظر‪ :‬األلباين‪ ،‬صحيح‬
‫وضعيف سنن ابن ماجة‪.385/1 ،‬‬
‫)‪ -(3‬البغوي‪ ،‬معامل التنزيل‪ ،‬حققه وخرج أحاديثه حممد عبد اهلل النمر ‪ -‬عثمن مجعة ضمريية ‪ -‬سليمن‬
‫مسلم احلرش‪ ،‬دار طيبة‪1417 ،‬ه‪1997-‬م‪404-403/5 ،‬‬
‫)‪ -(4‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪.101/12 ،‬‬
‫)‪ -(5‬ابن كثري‪ ،‬تفّس القرآن العظيم‪.193/4 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪74 --------------‬‬

‫اهلِ َّي ِة‬


‫اجل ِ‬
‫َرب ْج َن ت ََرب َج ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا َّلذي ِيف َقلْبِه َم َر ٌض َوقلْ َن َق ْوال َم ْعرو ًفا (‪َ )32‬و َق ْر َن ِيف بيوتك َّن َوال ت َ َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫الصال َة وآتِ َ‬ ‫َ ِ‬
‫اَّلل َو َرسو َله ) (األحزاب ‪ ،)33-32‬قال ابن‬ ‫الزكَا َة َو َأط ْع َن َّ َ‬
‫ني َّ‬ ‫األوىل َو َأق ْم َن َّ‬
‫اَّلل َع َليْ ِه َو َس َّل َم‪َ ،‬ونِ َساء ْاأل َّم ِة َت َب ٌع َهل َّن‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َت َع َاىل ِ َهبا ن َسا َء النَّبِي َص َّىل َّ‬
‫اب َأ َم َر َّ‬
‫ِ ِ‬
‫كثري‪َ " :‬هذه آ َد ٌ‬
‫ك "‪)1(.‬‬ ‫ِيف َذل ِ َ‬
‫أخر عىل كون الشخص إذا ن ِس َبت أب َّوته عىل قو ٍم ليس بالرضورة أن‬ ‫مثال ٌ‬ ‫وعندنا ٌ‬
‫يكونا أبا هلم حقيقة ونسالً‪ ،‬فإن هذا له شبه أيضا بكلمة "بني إْسائيل" يف تسمية اليهود‪،‬‬
‫فليس كل بني إْسائيل من اليهود‪ ،‬وليس كل اليهود من ب ـ ـني إس ـرائيل ( وإْسائيل هو‬
‫يعقوب عليه السالم )‪ ،‬فنجد من بني إْسائيل من هو هيودي ومن هو نرصاين بل نجد‬
‫هم من األنبياء عليهم السالم‪ ،‬مثل يوسف وعيسى عليهم السالم‪ ،‬ونجد من اليهود من‬
‫هو من غري نسل نبي اهلل إْسائيل أي من غري يعقوب عليه السالم‪.‬‬
‫أن اهلل مل يذكر يف القرآن الكريم أن آدم‬ ‫وبعد هذا يمكن استنباط نتيجة مفادها‪َّ ،‬‬
‫أب عىل الناس َكا َّفة‪ ،‬وإنم َن َسب سبحانه أب َّو َته عىل َبنِيه فقط قال اهلل‬ ‫عليه السالم هو ٌ‬
‫اجلَن َِّة )‪ ،‬وهذا ما يتناسب‬ ‫تعاىل‪َ ( :‬يا َبنِي آ َد َم َال َي ْفتِنَنَّكم َّ‬
‫الشيْ َطان ك ََم َأ ْخ َر َج َأ َب َو ْيكم م َن ْ‬
‫مع القول الذي يقول أنه ليس أب ًا عىل كل الشعوب‪ ،‬لكن يمكننا تسمية آدم عليه السالم‬
‫أب ًا عىل باقي الشعوب الذين ليسوا من ذريته وتكون بذلك أب َّوتَه أب َّوة تكريم وترشيف‬
‫واستحقاق احلرمة‪ ،‬وهذا قياسا عىل ابنيه إبراهيم وحممد صىل اهلل عليهم وسلم الذي‬
‫جعلهم الشارع كأَنم آباء لكل املسلمني حرمة وتكريم‪.‬‬

‫دليل‪ :‬اهلل تعاىل خلقنا وخلق الذين من َقب ْلِنا‪:‬‬


‫قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬يا َأ َهيا النَّاس ا ْعبدوا َر َّبكم ا َّل ِذي َخ َل َقك ْم َوا َّل ِذي َن ِم ْن َقبْلِك ْم )‬
‫(البقرة ‪ ،)21‬فمن هم الذين خلقهم اهلل من قبلنا ؟‬

‫)‪ - (1‬املرجع السابق‪.408/6 ،‬‬


‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪75 -------‬‬

‫ف األرض‪:‬‬ ‫دليل‪ :‬اهلل جعالنا َخالَئِ َ‬


‫ض َو َر َف َع َب ْع َضك ْم َف ْو َق َب ْع ٍ‬
‫ض‬ ‫ف ْاألَ ْر ِ‬‫قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬وه َو ا َّل ِذي َج َع َلك ْم َخال َِئ َ‬
‫ِ‬ ‫ْسيع ا ْل ِع َق ِ‬ ‫درج ٍ‬
‫ات ل َيبْل َوك ْم ِيف َما آتَاك ْم ۚ إِ َّن َر َّب َك َ ِ‬
‫يم ) (األنعام‬ ‫ور َّرح ٌ‬‫اب َوإِنَّه َل َغف ٌ‬ ‫ََ َ‬
‫‪ ،)165‬ينقل الطربي يف تفسريه عن السدي‪ " :‬أما " خالئف األرض "‪ ،‬فأهلك القرون‬
‫واستخلفنا فيها بعدهم‪ )1( ".‬ويقول القرطبي يف تفسري اآلية‪ " :‬خالئف األرض خالئف‬
‫مجع خليفة‪ ،‬ككرائم مجع كريمة‪ .‬وكل من جاء بعد من مض فهو خليفة‪ )2( ".‬فمن هؤالء‬
‫القوم الذي استخلفنا اهلل نحن بني آدم يف مكاَنم ؟ فإن استبدال أقوام مكان أقوام من‬
‫سنن اهلل يف خلقه‪ ،‬وبخاصة استبدال الذين يكفرون ويظلمون بأقوام آخرين‪.‬‬

‫دليل‪ :‬قال اهلل تعاىل‪ ( :‬إِ ْذ َق َال َرب َك لِلْ َمالَئِك َِة إِين َخال ِ ٌق َب َرشا من طِ ٍ‬
‫ني (‪َ )71‬ف ِإ َذا‬ ‫ً‬
‫اج ِدي َن ) (سورة ص‪:)71-72‬‬ ‫وحي َف َقعوا َله س ِ‬
‫َ‬
‫يه ِمن ر ِ‬‫سويته و َن َفخْت فِ ِ‬
‫َ َّ ْ َ‬
‫ينقل أهل التفسري أن ( برشا ) هنا هو آدم عليه السالم‪ )3(،‬لكن هل يف اآلية دليل‬
‫عىل أنه عليه السالم أول وأب كل البرش ؟ اجلواب ال‪ ،‬ألن اهلل تعاىل يف اآلية مل يقل إين‬
‫خالق أب البرش من طني‪ ،‬أو أب كل البرش من طني‪ ،‬أو أول البرش من طني‪.‬‬
‫برش آخرون من غري آدم‬
‫وكم رأينا أنه عىل الصحيح أنه كان موجو ٌد يف األرض ٌ‬
‫عليه السالم – وسيأيت إن شاء اهلل مزيد أدلة ‪ ،-‬فيظهر إذ ًا؛ أن مزية آدم عليه السالم‬
‫كثري من البرش الباقني‪ ،‬هي كونه سبحانه خلقه بيده‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬ما َمنَ َع َك‬ ‫مقارنة مع ٍ‬
‫َأ ْن ت َْسجدَ ل ِ َم َخ َل ْقت بِ َيدَ َّي ) (ص ‪ ،)75‬وأنه خلقه سبحانه خلق ًا مستقالً كمثل عيسى‬
‫يس ٰى ِعندَ‬ ‫ِ‬
‫عليه السالم وال يعني هذا أنه أول كل جنس البرش‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ ( :‬إِ َّن َمث ََل ع َ‬
‫اَّللِ ك ََمث َِل آ َد َم ۚ َخ َل َقه ِمن ت َر ٍ‬
‫اب ث َّم َق َال َله كن َف َيكون ) (آل عمران ‪.)59‬‬ ‫َّ‬

‫)‪ -(1‬الطربي‪ ،‬جامع البيان‪.288/11 ،‬‬


‫)‪ - (2‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪.158/7 ،‬‬
‫)‪ -(3‬انظر‪ :‬الطربي‪ ،‬جامع البيان‪.238/21 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪76 --------------‬‬

‫دليل‪ :‬اهلل تعاىل خلق آدم عليه السالم خلقا مستقالً يـشْ بِه عيسى عليه السالم‪ ،‬قال‬
‫اَّلل ِ ك ََمث َِل آ َد َم ۖ َخ َل َقه ِمن ت َر ٍ‬
‫اب ث َّم َق َال َله كن َف َيكون) (آل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل تعاىل‪( :‬إِ َّن َمث ََل ع َ‬
‫يس ٰى عندَ َّ‬
‫عمران ‪:)59‬‬
‫اَّلل ِ ك ََمث َِل آ َد َم َخ َل َقه ِم ْن ت َر ٍ‬
‫اب ث َّم َق َال َله‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إن قول اهلل تعاىل‪ ( :‬إِ َّن َمث ََل ع َ‬
‫يسى عن ْدَ َّ‬
‫ك ْن َف َيكون ) (آل عمران ‪ )59‬جيزم يف األمر‪ ،‬بأن َخلْ َق اهلل تعاىل آلدم عليه السالم مغاير‬
‫الر ْغم من أن زمن نزوله إىل األرض ال يتجاوز العرش آالف سنة‪،‬‬ ‫خللق باقي البرش‪ .‬فبِ َّ‬
‫ٌ‬
‫مستقل مثل‬ ‫خلق‬
‫بمعنى أن هنالك عد ٌد من برش قبله يف األرض‪ )1(،‬إال أنه عليه السالم ٌ‬
‫عيسى عليه السالم‪ ،‬والسؤال الذي يطرح ما هي درجة الـمثْلِية بينهم؟ (‪ )2‬نقول ال ينبغي‬
‫ترك املجال للتكهنات والتخيالت العقلية ون ْر ِجع كل ذلك لكتاب اهلل وسنة نبيه صىل‬

‫)‪ -(1‬وسأيت إن شاء اهلل الربهان عىل هذا الزمن‪ ،‬والبحث يف العدد االفرتايض لسكان العامل يف تلك‬
‫احلقبة وما يقوله العلم احلديث يف احصاء عدد النسمة إذ ذاك‪.‬‬
‫)‪ -(2‬أما يف كيفية خلق املسيح عليه السالم‪ ،‬فإن اهلل هو الذي أرسل روحه جربيل عليه السالم لينفخ‬
‫يف مريم عليه السالم فحملت به‪ ،‬أما مدة احلمل فقد جاء فيها أقوال‪ ،‬يقول ابن كثري يف تفسريه‪ " :‬ث َّم‬
‫ت بِ ِه تِ ْس َع َة َأ ْشه ٍر‪.‬‬ ‫اجل ْمه ِ‬
‫ور َأ َّ ََنا َ َ‬
‫مح َل ْ‬ ‫عَن ْ‬ ‫السالَم َفا ْملَشْ هور ِ‬ ‫ِ‬
‫يسى عَ َليْه َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون ِيف مدَّ ة َمح ِْل ع َ‬ ‫ف ا ْمل َفّس َ‬ ‫اخ َت َل َ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َق َال عك ِْر َمة‪َ :‬ث َمن َية َأ ْشه ٍر ‪َ -‬ق َال‪َ :‬وهل َ َذا َال َيعيش َو َلدٌ لث ََمن َية َأ ْشه ٍر‪َ .‬و َق َال ا ْبن ج َر ْيج‪َ :‬أ ْخ َ َرب ِين ا ْملغ َرية ْبن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫ت‪.‬‬ ‫ت َف َو َض َع ْ‬ ‫اس َوسئِ َل عَ ْن َح َبل َم ْر َي َم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ملْ َيك ْن إِ َّال َأ ْن َ َ‬
‫مح َل ْ‬ ‫اَّللِ الث ََّق ِفي‪َ ،‬س ِم َع ا ْب َن عَ َّب ٍ‬ ‫ِ‬
‫عث َْم َن ْب ِن عَ بْد َّ‬
‫ت بِ ِه َمكَانًا َق ِص ًّيا َف َأ َجا َء َها ا ْملَخَ اض إِ َىل‬ ‫اه ِر َق ْول ِ ِه َت َع َاىل‪َ { :‬ف َح َم َلتْه َفانْ َت َب َذ ْ‬ ‫و َه َذا َغ ِريب‪ ،‬وك ََأنَّه َأخ َذه ِمن َظ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫يب‪ ،‬و َل ِكن َتع ِقيب كل َ ٍ‬ ‫خ َل ِة} َفا ْل َفاء وإِ ْن كَان ْ ِ ِ‬ ‫ِج ْذ ِع النَّ ْ‬
‫{و َل َق ْد َخ َل ْقنَا‬‫يشء بِ َح ْسبِه‪ ،‬ك ََم َق َال َت َع َاىل‪َ :‬‬ ‫ْ‬ ‫َت لل َّت ْعق ِ َ َّ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ني ث َّم َخ َل ْقنَا النطْ َف َة عَ َل َق ًة َفخَ َل ْقنَا ا ْل َع َل َق َة م ْض َغ ًة‬ ‫ني ث َّم َج َعلْنَاه نطْ َف ًة ِيف َق َر ٍار َم ِك ٍ‬ ‫ان ِم ْن سال َل ٍة ِم ْن طِ ٍ‬ ‫اإلن َْس َ‬
‫يح ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون‪َ ]14- 12 :‬ف َه ِذ ِه ا ْل َفاء لِل َّت ْع ِق ِ‬ ‫َفخَ َل ْقنَا ا ْمل ْض َغ َة ِع َظا ًما} [ا ْملؤْ ِمن َ‬
‫ني‪:‬‬ ‫الصح َ‬ ‫يب بِ َح ْسبِ َها‪َ .‬و َق ْد َث َب َت ِيف َّ‬
‫ِ‬ ‫ني يوما و َق َال َتع َاىل‪َ { :‬أ َمل تَر َأ َّن اَّلل َأ َ ِ‬ ‫ني كل ِص َف َت ِ ِ‬
‫رضةً}‬ ‫خم َ َّ‬
‫األرض ْ‬ ‫الس َمء َما ًء َفت ْصبِح ْ‬ ‫نزل م َن َّ‬ ‫َّ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ني َأ ْر َبع َ َ ْ ً َ‬ ‫ْ‬ ‫َأ َّن َب ْ َ‬
‫حت ِمل الن َساء بِ َأ ْو َال ِد ِه َّن "‬ ‫ت بِ ِه ك ََم َ ْ‬ ‫يش ٍء َق ِد ٌير‪َ -‬أ َّ ََنا َ َ‬
‫مح َل ْ‬ ‫اَّلل عَ َىل كل َ ْ‬
‫ِ‬
‫[احلَج‪َ ]63 :‬فا ْملَشْ هور ال َّظاهر ‪َ -‬و َّ‬ ‫ْ‬
‫ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪.222/5 ،‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪77 -------‬‬

‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬وها هي بإذن اهلل اآليات واألحاديث التي ينبغي أن نرجع إليها يف كيفية‬
‫خلق آدم عليه السالم إذ هي الفصل يف ذلك‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫ْرب َ‬ ‫قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬ق َال َيا إِ ْبليس َما َمنَ َع َك َأن ت َْسجدَ ل َم َخ َل ْقت بِ َيدَ َّي ۚ َأ ْس َتك َ ْ‬
‫ني ) (سورة ص‪ ،)75‬فاهلل تعاىل خلق آدم بيديه سبحانه‪.‬‬ ‫نت ِم َن ا ْل َعال ِ َ‬ ‫َأ ْم ك َ‬
‫ول اهللِ َص َّىل اهلل َع َليْ ِه َو َس َّل َم َق َال‪َ ( :‬ل َّم َص َّو َر اهلل آ َد َم ِيف ْ‬
‫اجلَن َِّة‬ ‫َس‪َ ،‬أ َّن َرس َ‬ ‫و َع ْن َأن ٍ‬
‫ف َأنَّه‬ ‫ف َع َر َ‬ ‫ت ََركَه َما َشا َء اهلل َأ ْن َي ْرتكَه‪َ ،‬ف َج َع َل إِ ْبلِيس يطِيف بِ ِه‪َ ،‬ين ْظر َما ه َو‪َ ،‬ف َل َّم َرآه َأ ْج َو َ‬
‫خلِ َق خ ْل ًقا َال يتم َلك )‪)1(.‬‬
‫َ ََ‬ ‫َ‬
‫اَّلل آ َد َم َو َن َف َخ‬‫وعن أيب هريرة قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪َ ( :‬ل َّم َخ َل َق َّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب‬ ‫اَّلل َيا آ َدم‪ ،‬ا ْذ َه ْ‬ ‫اَّلل بِ ِإ ْذنه‪َ ،‬ف َق َال َله َربه‪َ :‬ر ِمح ََك َّ‬
‫وح َع َط َس َف َق َال‪ :‬احلَ ْمد ََّّلل‪َ ،‬ف َحمدَ َّ َ‬ ‫فيه الر َ‬
‫السالَم‬ ‫وس‪َ ،‬فق ْل‪ :‬ال َّسالَم َع َليْك ْم‪َ ،‬قالوا‪َ :‬و َع َليْ َك َّ‬ ‫إِ َىل أو َلئِ َك ا ْ َملال َِئك َِة‪ ،‬إِ َىل َمإلٍَ ِمن ْه ْم جل ٍ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َر ْمحَة اهلل‪ ،‬ث َّم َر َج َع إِ َىل َربه‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬إِ َّن َهذه َحتيَّت َك َو َحت َّية َبن َ َ ْ ْ‬
‫يك‪ ،‬بينَهم‪)2(.)...‬‬

‫)‪ -(1‬رواه مسلم يف صحيحه ‪ .2611‬جاء يف رشح فؤاد عبد الباقي‪( " :‬يطيف به) قال أهل اللغة طاف‬
‫باليشء يطوف طوفا وطوافا وأطاف يطيف ‪ -‬إذا استدار حواليه (فلم رآه أجوف) األجوف صاحب‬
‫اجلوف وقيل هو الذي داخله خال ومعنى ال يتملك ‪ -‬ال يملك نفسه وحيبسها عن الشهوات وقيل ال‬
‫يملك دفع الوسواس عنه وقيل ال يملك نفسه عند الغضب واملراد جنس بني آدم "‪ ،‬مسلم‪ ،‬صحيح‬
‫مسلم‪ ،‬حتقيق فؤاد عبد الباقي‪.2016/4 ،‬‬
‫ني َريب‬ ‫اخ َ ْرتت َي ِم َ‬ ‫ِ‬
‫اخ َ ْرت َأ َّهي َم شئْ َت‪َ ،‬ق َال‪ْ :‬‬
‫)‪ - (2‬وهذه تـتمة احلديث‪َ ...( :‬ف َق َال اَّلل َله ويدَ اه م ْقب َ ِ‬
‫وض َتان‪ْ :‬‬ ‫ََ َ‬ ‫َّ‬
‫ال ِء‬
‫ال ِء؟ َف َق َال‪َ :‬هؤ َ‬‫ني م َب َارك ٌَة ث َّم َب َس َط َها َف ِإ َذا فِ َيها آ َدم َوذر َّيته‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬أ ْي َرب‪َ ،‬ما َهؤ َ‬ ‫َوكِلْ َتا َيدَ ْي َريب َي ِم ٌ‬
‫ني عَ يْنَيْ ِه‪َ ،‬ف ِإ َذا فِ ِيه ْم َرج ٌل َأ ْض َوؤه ْم‪َ ،‬أ ْو ِم ْن َأ ْض َوئِ ِه ْم ‪َ -‬ق َال‪َ :‬يا‬ ‫ٍ‬
‫ذر َّيت َك‪َ ،‬ف ِإ َذا كل إِن َْسان َمكْت ٌ‬
‫وب ع ْمره َب ْ َ‬
‫اك‬‫ني َسن ًَة‪َ .‬ق َال‪َ :‬يا َرب ِز ْده ِيف ع ْم ِر ِه‪َ .‬ق َال‪َ :‬ذ َ‬ ‫َرب َم ْن َه َذا؟ َق َال‪َ :‬ه َذا ا ْبن َك َداود َق ْد َك َتبْت َله ع ْم َر َأ ْر َب ِع َ‬
‫اك‪َ ،‬ق َال‪ :‬ث َّم أ ْس ِك َن‬‫ني َسن ًَة‪َ .‬ق َال‪َ :‬أن َْت َو َذ َ‬ ‫ب َله‪َ .‬ق َال‪َ :‬أ ْي َرب‪َ ،‬ف ِإين َق ْد َج َع ْلت َله ِم ْن ع ْم ِري ِست َ‬ ‫ِ‬
‫ا َّلذي كت َ‬
‫ِ‬
‫َان آدم يعد لِنَ ْف ِس ِه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأتَاه م َلك ا ْملَو ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‪َ ،‬ف َق َال َله آ َدم‪َ :‬ق ْد عَ َّج ْل َت‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫اَّلل‪ ،‬ث َّم أ ْهبِ َط من َْها‪َ ،‬فك َ َ َ‬ ‫اجلَن ََّة َما َشا َء َّ‬
‫ِ‬ ‫ني َسن ًَة‪َ ،‬ف َج َحدَ َف َج َحدَ ْ‬ ‫ب ِيل َأ ْلف َسن ٍَة‪َ .‬ق َال‪َ :‬ب َىل َو َل ِكن ََّك َج َعلْ َت ِال ْبن ِ ِك َداو َد ِست َ‬ ‫ِ‬
‫َيس‬‫ت ذر َّيته‪َ ،‬ون َ‬ ‫َق ْد كت َ‬
‫اب والشه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َفن َِس َي ْ‬
‫ود‪ ).‬أخرجه الرتمذي (‪ )3368‬والنسائي يف‬ ‫ت ذر َّيته‪َ .‬ق َال‪َ :‬فم ْن َي ْومئذ أم َر بِالك َت ِ َ‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪78 --------------‬‬

‫عن أيب موسى األشعري عن النبي قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪ ( :‬إِ َّن‬
‫ض‪.‬‬ ‫اهلل َع َّز َو َج َّل َخ َل َق آ َد َم ِم ْن َقب ْ َض ٍة َق َب َض َها ِم ْن َمجِي ِع ْاألَ ْر ِ‬
‫ض‪َ ،‬ف َجا َء َبنو آ َد َم َع َىل َقد ِْر ْاألَ ْر ِ‬ ‫َ‬

‫"اليوم والليلة" (‪ )218‬وابن خزيمة يف "التوحيد" (‪ )160 /1‬وابن حبان (‪ )6167‬وأبو الشيخ يف‬
‫"العظمة" (‪ )1035‬واحلاكم (‪ 64 /1‬و ‪ )263 /4‬والبيهقي (‪ )147 /10‬ويف "األسمء" (ص ‪410‬‬
‫‪ ،)411 -‬وابن أيب عاصم يف "السنة" (‪ )206‬وابن منده يف "التوحيد" (‪ 452‬و ‪ ،)508‬وابن منده يف‬
‫"التوحيد" (‪ )570‬وإسمعيل األصبهاين يف "احلجة" (‪ ،)194‬قال الرتمذي‪ :‬حسن غريب" وقال‬
‫احلاكم‪ :‬صحيح عىل رشط مسلم" وقال ابن منده ‪ :‬هذا حديث صحيح"‪ ،‬واحلديث إسناده حسن كم‬
‫الساري يف‬ ‫ِ‬
‫أكد حمقق فتح الباري نبيل البصارة‪ .‬انظر‪ :‬نبيل بن َمنصور بن َيعقوب البصارة‪ ،‬أنيس َّ‬
‫السمحة‪،‬‬ ‫احلافظ ابن َحجر العسقالين يف َفتح ال َباري‪َّ ،‬‬
‫مؤس َسة َّ‬ ‫ختريج َوحتقيق األحاديث التي ذكرها َ‬
‫مؤس َسة الر َّيان‪ ،‬بريوت – لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1426 ،‬هـ ‪ 2005 -‬م‪.1591-1589/2 ،‬‬
‫َّ‬
‫هنالك رواية ضعيفة ال تصح فمقدمتها ختتلف عن احلديث الصحيح الذي أوردناه‪ ،‬وهي‪ :‬التي يروهيا‬
‫إسمعيل بن رافع عن املقربي عن أيب هريرة رفعه ( إن اهلل خلق آدم من تراب‪ ،‬ثم جعله طينا‪ ،‬ثم تركه‬
‫حتى إذا كان محأ مسنونا‪ ،‬خلقه وصوره‪ ،‬ثم تركه حتى إذا كان صلصاال كالفخار‪ .‬قال‪ :‬فكان إبليس‬
‫يمر به فيقول‪ :‬لقد خلقت ألمر عظيم‪ .‬ثم نفخ اهلل فيه روحه‪ ،‬فكان أول يشء جرى فيه الروح برصه‬
‫وخياشيمه‪ .‬فعطس فلقاه اهلل محد ربه‪ .‬فقال الرب‪ :‬يرمحك ربك‪ .‬ثم قال اهلل‪ :‬يا آدم‪ ،‬اذهب إىل أولئك‬
‫النفر‪ ،‬فقل هلم‪ ،‬وانظر ما يقولون‪ .‬فجاء‪ ،‬فسلم عليهم فقالوا‪ :‬وعليك السالم ورمحة اهلل‪ .‬فجاء إىل ربه‬
‫فقال‪ :‬ماذا قالوا لك؟ ‪ -‬وهو أعلم بم قالوا له‪ -‬قال‪ :‬يا رب‪ ،‬لم سلمت عليهم‪ ،‬قالوا‪ :‬وعليك السالم‬
‫ورمحة اهلل‪ .‬قال‪ :‬يا آدم‪ ،‬هذا حتيتك وحتية ذريتك‪( )...‬احلديث) (وهذه الرواية خمتلفة عن ألوىل يف‬
‫تتمة احلديث يف عمر داود إذ تعل له ستني بدل عن أربعني الذي يف الرواية الصحيحة السابقة)‪.‬‬
‫أخرجه أبو يعىل (رقم‪ )6580‬إسناده ضعيف فيه إِ ْس َم ِعيل ْبن َرافِ ٍع َض َّع َفه ْ‬
‫اجل ْمهور‪ ،‬انظر‪ :‬املرجع‬
‫السابق‪ .1989/2 ،‬جممع الزوائد ومنبع الفوائد‪ ،‬أبو احلسن نور الدين عيل بن أيب بكر بن سليمن‬
‫اهليثمي‪ ،‬حتقيق حسام الدين القدِس‪ ،‬مكتبة القدِس‪ ،‬القاهرة‪1414 ،‬ه‪1994-‬م‪ .197/8 ،‬وحكم‬
‫عليها كذلك حمقق مسند أيب يعىل حسني سليم أسد بالضعف‪ ،‬انظر‪ :‬أبو يعىل أمحد بن عيل بن املثنى‬
‫بن حييى بن عيسى بن هالل التميمي‪ ،‬مسند أيب يعلياملوصيل‪ ،‬املحقق حسني سليم أسد‪ ،‬دار املأمون‬
‫للرتاث – دمشق‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪1404 ،‬ه – ‪1984‬م‪.453/11 ،‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪79 -------‬‬
‫ني َذل ِ َك‪َ ،‬و ْ‬
‫اخلَبِيث‪َ ،‬وال َّطيب َو َّ‬
‫الس ْهل‪َ ،‬و ْ‬
‫احلَ ْزن‬ ‫َجا َء ِمن ْهم ْاألَ ْب َيض َو ْاألَ ْمحَر َو ْاأل َ ْس َود َو َب ْ َ‬
‫ك‪)1( ).‬‬ ‫ني َذل ِ َ‬
‫َو َب ْ َ‬
‫فالظاهر من اآليات واألحاديث أن آدم عليه السالم خلقه اهلل بيديه سبحانه‬
‫خلقا مستقالً‪ ،‬لكن اليوجد دليل يف القرآن وال يف السنة أن اهلل تعاىل قد خلقه وابتدعه‬
‫خلقا جديدا عىل غري مثال سابق‪ ،‬أي بدون أن يشبه أي خملوق من خملوقات اهلل السابقة‪.‬‬
‫وهنالك وجه استدالل مهم يف هذا األمر؛ وهو أن اهلل خلق عيسى عليه السالم‬
‫أب‪ ،‬مع كونه مسبوقا ببرش‪ ،‬وخلقه اهلل يشبههم‪ ،‬فإذا نظرنا‬ ‫مستقل ِم ْن أ ٍّم بغري ٍ‬
‫ٍ‬ ‫خلقا ِشبه‬
‫يف هذه اجلهة –أي يف جهة كونه مسبوق ًا بِ َبرش‪ -‬و ِقسناها بخلق آدم عليه الس ـ ـ ـ ـ ـالم؛ فإننا‬
‫ِ‬
‫نجد أن آدم عليه السالم كذلك خلق مسبوق ًا بِ َبرش‪ ،‬وخلقه اهلل عىل شبههم‪َ ،‬فكالَ َ‬
‫مها‬
‫عليهم السالم يف هذه احلالة مسبوقان بأناس مع كوَنم خلقني مستقلني‪ ،‬خلِ َقا وأ ْدمـِجا‬
‫يف األرض يف زمن كان الناس فيه موجودين‪ ،‬ويف هذه احلالة يكون التمثل بني عيسى‬
‫وآدم عليهم السالم أعظم ّما كان ي َظن‪.‬‬
‫ونحن مطالبون بعدها بالتفكر أكثر عىل ضوء الكتاب والسنَة يف التمثل الذي‬
‫اَّللِ ك ََمث َِل آ َد َم ۚ َخ َل َقه ِمن ت َر ٍ‬
‫اب ث َّم َق َال َله كن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذك ـ ـره اهلل تعاىل‪ ( :‬إِ َّن َمث ََل ع َ‬
‫يس ٰى عندَ َّ‬
‫احل َكم من ذلك‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬ ‫َفيكون ) (آل عمران ‪ ،)59‬واستخالص ِ‬
‫َ‬

‫)‪ -(1‬أخرجه ابن سعد (‪ )26 /1‬وأمحد (‪ 400 /4‬و ‪ )406‬وعبد بن محيد (‪ )549‬وأبو داود (‪)4693‬‬
‫والرتمذي (‪ )2955‬والطربي يف "تفسريه" (‪ )214 /1‬ويف "تارخيه" (‪ )91 /1‬وابن خزيمة يف‬
‫"التوحيد" (‪ 152 - 151 /1‬و ‪ )153 - 152‬وابن حبان (‪ 6160‬و‪ )6180‬وأبو الشيخ يف‬
‫"العظمة" (‪ 1002‬و ‪ )1003‬وابن بطة يف "اإلبانة" (‪ 1330‬و‪ )1331‬واخلطايب يف "العزلة" (ص‬
‫‪ )49‬واحلاكم (‪ )262 - 261 /2‬وأبو نعيم يف "احللية" (‪ 104 /3‬و ‪ )135 /8‬والبيهقي (‪)3 /9‬‬
‫ويف "األسمء" (ص ‪ )414 - 413‬واملزي يف "التهذيب" (‪ 603 /23‬و ‪.)604 - 603‬‬
‫صح َحه كذلك ابن حبان واأللباين‪ ،‬انظر‪ :‬األلباين‪ ،‬السلسلة‬
‫قال الرتمذي‪ :‬حسن صحيح‪ ،‬واحلديث َّ‬
‫الصحيحة‪.172/4 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪80 --------------‬‬

‫بل قد يزداد التشابه والتمثل بينهم يف انبثاق أمتني منهم؛ فإن قال القائل إن أمة‬
‫آدم عليه السالم معروفة فأين هو نسل عيسى عليه السالم الذي يقول النصارى عنه أنه‬
‫مل يتزوج ؟ فاجلواب عىل هذا؛ أين الدليل أن عيسى عليه السالم مل يتزوج‪ ،‬فإن كان جمرد‬
‫قول النصارى فهاذا ليس دليال؛ أمل يقل النصارى كذلك أن املسيح هو بن اهلل ؟ أمل يقل‬
‫النصارى أن اهلل ثالث ثالثة ؟ تعاىل اهلل عم يقولون علوا كبريا‪ ،‬ال سيم وقد ظهرت‬
‫حديثا ما يسمى بِ ِشي َفرة دا َفانت ِيش )‪(da vinci code‬؛ حيث َن َقل هذا ِ‬
‫الك َتاب ل ــ"دان‬ ‫ْ َ‬ ‫َّ‬
‫براون" من بعض النصارى أنفسهم وعلمء "كلِيوناردو دافانيش" و"إسحاق نيوتن"‬
‫ص ِمن النصارى يف أوروبا منذ‬
‫معلومة مفادها ‪-‬قيل أَنا كانت خمبأة وْسية يعلمها َخ َوا ٌ‬
‫مئات السنني‪ ،‬حيث كانت الكنيسة تتكتم عليها‪ -‬أن املسيح عليه السالم قد تزوج من‬
‫مريم املجدلية –إحدى حوارييه‪ -‬وأنجب منها بِن ْت ًا‪ ،‬ثم استمر هذا النسل يف بعض‬
‫األنحاء من أوروبا بعدما نجت وحفظت تلك البنت األوىل عىل أيدي أوئل ِم َن النصارى‬
‫ِم َن أيدي املضطهدين ِم َن اليهود أو الرومان‪ ،‬وال يزل إىل حد اليوم هذا النسل الذي‬
‫ين ْسب إىل املسيح عليه السالم منترشا يف بعض بقاع أوروبا‪)1(،‬وهذا ال يستغرب إن ظهر‬
‫مثل هذه اخلرب للعلن‪ ،‬كون الكنيسة َتك َّتمت وال تزال تتكتم عىل ٍ‬
‫كثري من األْسار عرب‬
‫التاريخ‪ ،‬حتى إن مكتبة الفاتيكان الكبرية منعوها لعوام الناس لم فيها من األْسار التي‬
‫ال يعلم حقيقتها إال اهلل ‪.‬‬
‫ولكن بِ َغض النظر عن تفاصيل هذا النسل وهذه القصة إن كانت صحيحة أم‬
‫ال‪ ،‬وإذا نظرنا يف أمر زواج عيسى عليه السالم لوحده وإمكان إنجابه؛ ورجعنا يف ذلك‬
‫إىل رشعنا وإىل القرآن الكريم الذي هو الفصل‪ ،‬لوجدنا أن القرآن الكريم مل ينفي ومل‬
‫ور‬
‫يثبت زواجا أو ذرية للمسيح عليه السالم؛ بينم أثبت أن حييى عليه السالم هو َحص ٌ‬

‫)‪- (1‬انظر‪ :‬دان براون‪ ،‬شيفرة دافانتيش‪ ،‬ترمجة سمة عبد ربه ‪ ،‬الدار العربية للعلوم‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪81 -------‬‬

‫(أي الذي اليقرب النساء )(‪ ،)1‬فالذي يظهر إن كانت هذه ميزة عيسى عليه السالم‬
‫لذكرها اهلل تعاىل يف َحقه مثلم ذكرها يف ابن خالته عليهم السالم‪ ،‬اللهم إن كان فيه حكمة‬
‫يعلمها اهلل لعدم نسبتها للمسيح‪ ،‬واهلل أعلم‪ ،‬بل إن اهلل تعاىل أثبت أن األنبياء يف العموم‬
‫يتزوجون ويكون هلم ذرية؛ قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َل َق ْد َأ ْر َسلْنَا رسالً ِم ْن َقبْلِ َك َو َج َعلْنَا َهل ْم‬
‫اجا َوذر َّي ًة ) (الرعد ‪)33‬؛ جاء يف تفسري السمعاين لآلية‪ " :‬معنى َق ْوله‪َ { :‬و َج َعلنَا َهلم‬ ‫َأ ْز َو ً‬
‫اجا وذرية } َوك ََذل ِ َك َعا َّمة ْاألَنْبِ َياء َت َز َّوجوا َوو َلد َهلم‪ )2( ".‬فليس من املستبعد بعدها‬
‫َأ ْز َو ً‬
‫أن يكون لعيسى عليه السالم ذرية أو نسل دون أن نجزم بذلك‪ ،‬وهذا االحتمل ينطبق‬
‫عليه كذلك عند نزوله قبل قيام الساعة‪ ،‬فيمكن أن يتزوج وينجب‪ ،‬فيكون يف هاتني‬
‫احلالتني يشبه آدم عليه السالم‪ ،‬حيث كالمها خلقهم اهلل خلق ًا مستقالً أو شبه مس َّت ِق ٍّل‪،‬‬
‫وكانا مع أناس آخرين وعاشا معهم وخالطاهم‪ ،‬وكان لكل من آدم وعيسى عليهم‬
‫ـسل فيهم – عيسى عليه السالم عىل سبيل االحتمل وليس القطع كم قلنا ‪،-‬‬ ‫السالم ن ـ ٌ‬
‫وإن كان آدم عليه السالم َأو َكد يف ذلك –فأمته مثبتة‪ ،-‬حيث كان له أمة عظيمة شبه‬
‫مستقلة حتى ولو اختلط بعضها فيم بعد بباققي أ َم ِم البرش الذين كانوا قبله‪ ،‬إذ كان بعض‬
‫نسلهم موجود عىل وجه الكرة األرضية‪ ،‬وبالرغم من ذلك اصطفاه اهلل ليكون أب ًا ألمة‬
‫جديدة‪ ،‬بل اختار اهلل تعاىل أن جيعل الرشيعة اخلاُتة يف حممد صىل اهلل عليه وسلم‬
‫والعرب الذين هم من أ َّمة آدم عليه السالم وذريته‪ ،‬وجعل أ َّمة آدم عليه السالم ِعرب ًة‬
‫لسائر البرش بواسطة رشيعة حممد صىل اهلل عليه وسلم التي جاءت للناس كا َّفة بالرغم‬
‫من أن كثريا من هؤالء البرش ليسوا من ذرية آدم عليه السالم‪ ،‬ح ـي ـث خوطبوا هبا يف‬

‫)‪ - (1‬وهذا قول عدد من السلف كابن مسعود وعبد اهلل بن عباس وعكرمة وجماهد وسعيد بن جبري‬
‫وعطية وأيب الشعثاء‪ ،‬ون ِق َل أقوال أخرى يف احلصور‪ .‬انظر‪ :‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪،38/2 ،‬‬
‫وغريه من التفاسري‪.‬‬
‫)‪ - (2‬أبو املظفر السمعاين‪ ،‬تفسري القرآن‪ ،‬حتقيق ياْس بن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم‪ ،‬دار‬
‫الوطن‪ ،‬الرياض‪1418 ،‬ه‪1997-‬م‪.99/3 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪82 --------------‬‬

‫وحل َقت أحكامهم –أي باقي البرش‪-‬‬‫القرآن الكريم " أي قوله تعاىل‪ ( :‬يابني آدم ) "(‪ِ ، )1‬‬

‫الدينية بأحكامها – أي بِأ َّمة آدم عليه السالم ‪ ،-‬وتكاليفهم الرشيعية بتكاليفها‪ ،‬وكانت‬
‫يف أمة آدم عليه السالم أشهر األديان والرسل‪ ،‬والتي َقص اهلل قصص كثري من هؤالء‬
‫األنبياء يف القرآن دون الرتكيز عىل غريهم من أنبياء األمم األخرى‪ ،‬أي من غري ذرية آدم‬
‫عليه السالم – مثل أنبياء أمريكا والصني والبِ َقاع البعيدة التي النعرفهم كوَنم مل يقصهم‬
‫اهلل يف القرآن الكريم ‪.-‬‬
‫وهنا قد َت َتضح ِحكمة من ِحكم اهلل تعاىل يف ذكره ألنبياء الرشق األوسط يف‬
‫القرآن الكريم دون غريهم؛ فعسى أن يكون اصطفاء اهلل تعاىل آلدم واستخالفه يف أرض‬
‫الرشق األوسط بعدما نزل من اجلنة‪ ،‬و َعيْشه هو وذريته يف تلك الـ ِمن ْ َطقة وما انجر منهم‬
‫من أ َّم ٍة عظيمة‪ ،‬مع اصطفائه كذلك ألنبيائها منها؛ كنوح وآل إبراهيم وآل عمران وحممد‬
‫عليهم الصالة والسالم؛ َف َلع َّلها من بني األسباب التي بسببها نجد أن القرآن الكريم ي َركز‬
‫عىل أنبياءها الذين هم من الرشق األوسط وعىل أنبياء اليهود والعرب‪ ،‬خملدَ هم بالذكر‬
‫والقصص ِ‬
‫والع َرب‪ ،‬وكذلك كون كل من الشعبني –اليهود والعرب‪ ،‬أو كثري منهم‪ -‬هم‬
‫من ذرية آدم عليه السالم احلقيقية‪ ،‬التي عاشت يف أرض الرشق األوسط‪ ،‬مهبط أبيها‬
‫عليه السالم‪ ،‬وجممع ومبدأ أهم األديان السموية املشهورة وبخاصة األديان اإلبراهيمية‪،‬‬
‫ِ‬
‫وحا َو َآل إِ ْب َراه َ‬
‫يم‬ ‫اص َط َف ٰى آ َد َم َون ً‬ ‫وهذا هو عني االصطفاء اإلهلي‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ ( :‬إِ َّن َّ َ‬
‫اَّلل ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ني (‪ )33‬ذر َّي ًة َب ْعض َها ِمن َب ْع ٍ‬‫ان ع َىل ا ْلع َ ِ‬
‫يم ) (آل عمران‬ ‫اَّلل َسمي ٌع َعل ٌ‬ ‫ض ۚ َو َّ‬ ‫امل َ‬ ‫َ‬ ‫َو َآل ِع ْم َر َ َ‬

‫)‪ -(1‬فهي قد تكون من باب ذكر اليشء بأهم أجزائه كقول النبي صىل اهلل عليه وسلم‪" :‬احلج عرفة"‪.‬‬
‫وحتمل عىل األوجه التي ذكرنا سابقا‪ ،‬مثل دخول اجلن يف هذا اخلطاب‪ ،‬فمن باب أوىل أن يدخل غري‬
‫بني آدم من الناس كذلك يف هذا اخلطاب بقوله تعاىل‪ ( :‬يا بني آدم )‪ ،‬راجع باقي األوجه فيكم ذكرناه‬
‫آنفا‪.‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪83 -------‬‬
‫‪– .)34‬وقذ ذكرنا بعض ِ‬
‫احلكَم األخرى الـمـ ِهمة يف اهلامش‪ :‬راجع أسفل الصفحة‪)1(-‬‬
‫َّ‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬

‫)‪ -(1‬واهلل تعاىل أثبت وجود أنبياء يف كل األمم‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬وإِن م ْن أ َّم ٍة إِ َّال َخالَ فِ َيها ن َِذ ٌير )‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َ‬
‫(فاطر‪ ،)24‬وقال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َل َق ْد أ ْر َسلْنَا رسالً من َقبْل َك من ْهم َّمن َق َص ْصنَا عَ َليْ َك َومن ْهم َّمن َّملْ‬
‫ٍ َ ْ ِ ِ ٍ ِ َّ ِ ِ ْ ِ ِ‬ ‫َن ْقصص عَ َلي َك ۚ وما ك َ ِ‬
‫نت‬ ‫اَّلل ) (غافر ‪ ،)78‬وقال اهلل تعاىل‪ ( :‬إِن ََّم َأ َ‬ ‫يت بآ َية إال بإذن َّ‬
‫َان ل َرسول أن َيأ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اد ) (الرعد ‪.)7‬‬ ‫نذر ۚ ولِكل َقو ٍم َه ٍ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫م ٌ َ‬
‫احلكَم أيضا يف تركيز اهلل تعاىل يف القرآن الكريم عىل ِذكْر أنبياء الرشق األوسط‪:‬‬ ‫ومن بني ِ‬

‫لعل من بني األسباب ِذكْر أنبياء الرشق األوسط (جزيرة العرب‪ ،‬الشام‪ ،‬مرص‪ ،‬العراق‪ ،‬تركيا) يف‬
‫القرآن الكريم؛ كالرتكيز عىل أنبياء اليهود والعرب دون غريهم من أنبياء األمم البعيدة كالصني واهلند‬
‫والفرس؛ اشتهار أنبيائهم وظهور أديان طائفة منهم عىل غريها‪ ،‬وبخاصة يف العامل احلديث؛ فنرصانية‬
‫املسيح عليه السالم التي حرفت وإسالم حممد صىل اهلل عليه وسلم يشكالن أتباعهم أكثر من نصف‬
‫أديان وعقائد العامل‪ ،‬وأيض ًا أن ذلك املكان من العامل أي الرشق األوسط ظل َيضم بيت اهلل الكعبة‬
‫ٍ‬
‫وشعوب كثرية (حضارة بابل‪ ،‬وسومر‪ ،‬ومرص‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫حلضارات كبرية‬ ‫واملسجد األقىص‪ ،‬وكان ملْ َتق ًا مه ًم‬
‫كثري من البرش عرب‬
‫واليونان‪ ،‬والروم‪ ،‬واليمن القديمة)‪ ،‬إضافة إىل أنه قد سكن يف تلك املنطقة ٌ‬
‫التاريخ‪ ،‬وتلك الناحية توسطت القارات وربطت بينها‪.‬‬
‫ولعل اهلل رأى يف بعض أهلها مرضا قلبيا زائدا بخاصة بني إْسائيل فكثر فيهم األنبياء‪ ،‬فالبلد الذي‬
‫يكثر فيه الوباء قد حيتاج إىل زيادة يف األطباء – وهذه ليست قاعدة مضطردة ألن بعثة األنبياء تتعلق‬
‫بحكمة اهلل تعاىل التي تتالئم مع األزمنة واألمكنة وأحوال الناس‪ ،‬فقد ال يكون قوم أهال لبعثة نبي‬
‫لتكذيبهم من قبله من األنبياء وعصياَنم إياه‪ ،‬وكفراَنم نعم اهلل‪ ،‬هذا وقد نزع اهلل النبوة من بني‬
‫إْسائيل وجعل ختامها يف العرب فلم يكونوا بذلك أهال أن ختتم فيهم النبوة‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم حيث‬
‫ً‬
‫خاصة إيمنية‪ ،‬ومزية‬ ‫وكيف ومتى وأين جيعل رسالته ‪ ،-‬ولعل اهلل رأى يف األمة العربية واإلسالمية‪،‬‬
‫فريدة‪ ،‬يف قبول ِدينه ونرصها له‪َ ،‬ف َج َعل فيهم خاتم أنبيائه‪ ،‬حممد صىل اهلل عليه وسلم‪ .‬و َل َعل ِذكْر‬
‫القرآن الكريم ألنبياء بني إْسائيل ألَنم أعظمهم عربة‪ ،‬ومالءمة للحال والزمان واملكان‪ ،‬ولكفاية‬
‫ِ‬
‫اشت ِهروا‬ ‫قصصهم عن غريها‪ ،‬قال املفّس الطاهر بن عاشور‪َ " :‬وإِن ََّم َذك ََر َّ‬
‫اَّلل َت َع َاىل هنَا ْاألَنْبِ َيا َء ا َّلذ َ‬
‫ين ْ‬
‫اجته ْم‪ .‬وإنَّم ترك اهلل أن يقص عىل النبي صىل اهلل عليه وسلم أسمء‬ ‫ْسائِ َيل ِألَ َّن ا ْ َمل ْقصو َد َ‬
‫حم َّ‬
‫ِ ِ‬
‫عن ْدَ َبني إِ ْ َ‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪84 --------------‬‬

‫كثري من الرسل لالكتفاء بمن قصهم عليه‪ :‬ألن املذكورين هم أعظم الرسل‪ ،‬واألنبياء‪ ،‬قصص ًا ذات‬
‫ِعرب‪( ".‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)35/6 ،‬‬
‫وكذلك لم فيه ُتام إقامة احلجة عىل أهل الكتاب من اليهود والنصارى وجمادلتهم وحماجاهتم‬
‫بأنبيائهم‪ ،‬ألَنم يعرفون أكثر تلك الرسل التي ذكرها اهلل يف القرآن الكريم ويؤمنون هبم‪ ،‬فال يكون‬
‫ذلك جديدا عنهم‪ ،‬فإن كثريا منهم مذكورون يف كتبهم ويعرفوَنم معرفة جيدة؛ كإبراهيم وموسى‬
‫ِ‬
‫ويعقوب ويوسف وعيسى وغريهم‪ ،‬وهلذا قال ابن عاشور‪َ " :‬وإِن ََّم َذك ََر َّ‬
‫اَّلل َت َع َاىل هنَا ْاألَنْبِ َيا َء ا َّلذ َ‬
‫ين‬
‫اجته ْم "‪ .‬ال سيم وأن أبناء إسمعيل من العرب الذين بعث‬ ‫ْسائِ َيل ِألَ َّن ا ْ َمل ْقصو َد َ‬
‫حم َّ‬
‫ِ ِ‬
‫اشت ِهروا عن ْدَ َبني إِ ْ َ‬
‫ْ‬
‫اهلل فيهم حممد صىل اهلل عليه وسلم هم أبناء عم اليهود‪ ،‬فهم أوىل أن يرسل فيهم –أي العرب‪ -‬من‬
‫يصحح ملة بني إْسائيل وجيادهلم بجنس ِعلْ ِم ِهم ويقيم احلجة عليهم‪ ،‬من أن َيبعث هذا النبي يف‬
‫غريهم من شعوب العامل البعيدة‪ ،‬فالعرب أقرباؤهم وجرياَنم‪ ،‬فهم يعرفون أنبياء املنطقة –مثل قصة‬
‫أبيهم املشرتك إبراهيم مع هاجر وإسمعيل يف مكة‪ ،‬وغريها من أخبار املعذبني مثل قوم لوط‪،-‬‬
‫وآباءهم مشرتكني كإبراهيم ونوح وآدم صىل اهلل عليهم وسلم‪ .‬فاحلكمة أبلغ من أن خياطبهم اهلل‬
‫بأنبياء ال يعرفوَنم من قارات أخرى بأخبار غريبة عنهم‪ .‬ويلحق هنا بمجادلة اليهود النصارى‬
‫كذلك‪ ،‬كون النصارى هم عىل ملة ورشيعة نبي من بني إْسائيل عيسى عليه السالم‪ ،‬ويدينون بعدد‬
‫من عقائد بني إْسائيل‪ ،‬مثل إيمَنم بكل أنبياء اليهود‪ ،‬حتى إن كتاهبم املقدس جزؤه األول هو العهد‬
‫القديم بم حواه من أسفار أنبياء بني إْسائيل عىل رأسها توراة موسى صىل اهلل عليه وسلم أو ما تبقى‬
‫منها‪.‬‬
‫فلو خاطبهم اهلل بأنبياء ال يعرفوَنم‪ ،‬ومن بالد بعيدة واقترص عىل ذلك؛ كالصني واليابان‬
‫وأسرتال يا واألمريكتني ومل يذكر هلم أنبيائهم املعروفني‪ ،‬لم كانت الفائدة املقصودة يف ذلك‪ ،‬ولربم‬
‫قالوا أن هذا القرآن ال خياطبهم وال يعنيهم‪ ،‬وأنه غريب عليهم‪ ،‬ومن أين أتى هبؤالء األنبياء الذين ال‬
‫يعرفهم أحد؟ وكيف يرتك القريب ويذكر البعيد؟ وال اختذوا ذلك ذريعة للطعن فيه‪ ،‬مثل قوهلم أن‬
‫القرآن ال يذكر أعظم قصص مرت باملنطقة و َط َبعت سكاَنا األقدمني؛ مثل قصة طوفان نوح صىل‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬وقصة عبور موسى ببني إْسائيل البحر بعدما شقه اهلل له‪ ،‬وقصة إهالك املؤتفكة من‬
‫قوم لوط صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وقصة يوسف الكريم صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وغريها من قصصهم التي‬
‫ذاعت يف القديم عند أهل الكتاب‪ ،‬وذكرت يف التوراة‪ ،‬حتى أن القرآن الكريم َص َّح َح ما حرف منها‪،‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪85 -------‬‬

‫ْسائِ َيل َأ ْكث ََر ا َّل ِذي ه ْم‬ ‫ِ ِ‬ ‫وبني هلم أكثر الذي اختلفوا فيه‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪( :‬إِ َّن َ ٰه َذا ا ْلق ْر َ‬
‫آن َيقص عَ َ ٰىل َبني إ ْ َ‬
‫عجيب يف مالءمة املكان والزمان‪ ،‬والبيئة العربية‬ ‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫ون) (النمل‪ .)76‬بل نجد أن القرآن فيه ٌ‬ ‫خي َتلِف َ‬
‫فِ ِيه َ ْ‬
‫التي نزل فيها‪ ،‬وهو ذكره كذلك لقصص كان َيسمع بآثارها العرب‪ ،‬كقصة النبي صالح صىل اهلل عليه‬
‫وسلم مع قومه (شمل غرب جزيرة العرب) وإهالك املكذبني منهم‪ ،‬وهود صىل اهلل عليه وسلم مع‬
‫قومه عاد وإهالك اهلل للمكذبني منهم‪ ،‬يف جنوب جزيرة العرب‪ ،‬فخاطبهم بم كانوا يسمعون‪ ،‬وال‬
‫شك أن ِ‬
‫العربة أكمل وأفضل؛ من أن يذكر اهلل أقواما ألنبياء كذبوهم ثم أهلكهم يف فارس أو اهلند أو‬
‫أسرتاليا أو أدغال إفريقيا أو أمريكا الشملية أو أمريكا اجلنوبية أو سيبرييا‪ ،‬أو غريها من املناطق البعيدة‬
‫التي ال يعرفها العرب وال أهل الكتاب من اليهود والنصارى‪ ،‬ثم يطيل فيها التفصيل‪.‬‬
‫وهذا ال ينفي أن مثل هذه القصص ألنبياء آخرين يف مثل هذه املناطق البعيدة غري موجودة‪،‬‬
‫وقد وجدنا بفضل اهلل آثارا لبعض أمثال تلك القصص من أنبياء مفرتضني مع أقوام أهلكهم اهلل‬
‫بذنوهبم‪ ،‬يف كتب بعض املسترشقني وأنثربولوجيني غربيني – منها ما نقلوها عن القبائل املعزولة‬
‫والبعيدة‪ ،‬وسأبسط فيها أدلة يف كتايب اآلخر الذي يتحدث عن توحيد اهلل واألنبياء‪ ،‬يف خمتلف قارات‬
‫العامل واألمم القديمة بإذن اهلل تعاىل ‪ ،-‬وهؤالء الباحثــني جاؤوا ببحوث درسوا فيها أديان البدائيني‬
‫يف أسرتاليا وأمريكا واجلزر املعزولة وبعض األقوام القديمة لكن مل يفرزها املسلمون‪- ،‬ومن أمثال‬
‫علمء الغرب الذين درسوا أديان البدائيني ووجدوا عقيدة هلإ أعىل‪ ،‬وبقايا عقائد ورشائع سموية‬
‫وأخبار أمم قديمة ال يمكن تفسريها إال بالوحي والنبوة‪ ،‬العالمن‪ :‬أندرو النج )‪(Andrew lange‬‬
‫الربيطاين ووليام شميت (‪ )wilhelm SchmiT‬األلمين ‪ ،-‬ولو ن ََّقبنا أكثر يف الكتب املقدسة‬
‫لألديان‪ ،‬وكتب امليثلوجيا‪ ،‬وبحوث األنثروبولوجني واملسترشقني الذين درسوا أديان الشعوب‬
‫املتفرقة يف القرن التاسع عرش وَناية القرن العرشين لوجدنا العجب‪ ،‬فال تكاد ختلوا قارة من القارات‬
‫وال ملة من امللل من مثل هذه القصص التي طبعت قدماء الشعوب والقبائل املتباعدة‪ ،‬وتناقلوها أبا‬
‫عن جد‪ ،‬ولو أن كثريا منها ِزيد فيه وأنقص‪ ،‬لكن بعد يشء من التدقيق‪ ،‬يمكن ُتييز ٍ‬
‫جزء كبري من احلق‬ ‫ْ‬
‫فيها وفصله‪ ،‬فكثري من األساطري هلا أصول صحيحة‪.‬‬
‫ولعل من بني أسباب ذكر القرآن لألنبياء املعروفني عند أهل الكتاب؛ قرب املسافة بني‬
‫مواطن األديان اإلبراهيمية السموية‪ ،‬وتقارب كثري من نسل أنبيائها‪ ،‬فخاتم النبني حممد صىل اهلل عليه‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪86 --------------‬‬

‫وسلم من ذرية إبراهيم اخلليل وابنه إسمعيل صىل اهلل عليهم وسلم‪ ،‬وإبراهيم بدوره أب أنبياء بني‬
‫إْسائيل‪ ،‬فاألقربون أوىل بالذكر وأوىل باالعتبار من غريهم‪.‬‬
‫ولعل من أسباب تركيز اهلل تعاىل يف القرآن عىل تلكم األنبياء من الرشق األوسط ألَنم‬
‫ببساطة من ذرية آدم عليه السالم وأمته‪ ،‬فهم مصطفون من أمة آدم عليه السالم الذي اصطفاه اهلل‬
‫ان َىل ا ْلع َ ِ‬
‫ني ) (آل عمران‬
‫امل َ‬ ‫َ‬ ‫يم َو َآل ِع ْم َر َ عَ‬ ‫ِ‬
‫وحا َو َآل إِ ْب َراه َ‬
‫اص َط َف ٰى آ َد َم َون ً‬ ‫بدوره‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ ( :‬إِ َّن َّ َ‬
‫اَّلل ْ‬
‫وح َو ِمن‬ ‫ني ِمن ذر َّي ِة آ َد َم َو ِّم َّ ْن َ َ‬
‫محلْنَا َم َع ن ٍ‬ ‫اَّلل عَ َليْ ِهم م َن النَّبِي َ‬‫ين َأ ْن َع َم َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ ،)33‬وقال تعاىل‪ ( :‬أو َ ٰلئ َك ا َّلذ َ‬
‫مح ِٰن َخروا س َّجدً ا َوب ِك ًّيا ۩ )‬ ‫اج َت َبيْنَا ۚ إِ َذا تتْ َ ٰىل عَ َليْ ِه ْم آ َيات َّ‬
‫الر ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫اهيم وإِ ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذر َّية إِ ْب َر َ َ ْ َ‬
‫ْسائ َيل َوّم َّ ْن َهدَ ْينَا َو ْ‬
‫(مريم ‪ .)58‬وحلكم اهلل األخرى البالغة يف ذلك‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وتركيز اهلل عىل ذكر أنبياء الرشق األوسط ال يعني أن اهلل مل يبعث أنبياء يف األمم األخرى‬
‫كم قلنا حاشا وكال‪ ،‬بل بعث فيهم أنبياء كثر حتى وإن مل نعلم كل أسمئهم‪ ،‬وإن كان بدأ بعضهم يظهر‪،‬‬
‫حني بلغت الدراسات ما بلغت‪( ،‬كزرادشت نبي الفرس‪ ،‬وكذلك عىل الراجح كل من كنفوشيوس‪،‬‬
‫قراط‪ ،‬وبوذا)‪ ،‬وحتى هنالك من املعارصين من أثبت نبوة هؤالء وله دراسات ِجدية يف ذلك‪،‬‬
‫وس َ‬
‫وقد نرشها يف الشبكة العنكبوتية‪ ،‬كالباحث َنرو طنطاوي –أثبت نبوهتم ما عدا سقراط‪ ،-‬راجع‬
‫رابط‪) http://www.ahl-alquran.com/arabic/profile.php?main_id=555 ( :‬‬
‫وأما يف ما يتعلق بإثبات نبوة زرادشت واألصل التوحيدي للزرادشتية والتنبؤ بمحمد صىل اهلل عليه‬
‫وسلم املوجود يف كتبها فراجع كتايب اآلخر‪ :‬رياض أمني لعريبي‪ ،‬الزرادشتية الديانة السموية التي‬
‫برشت بمحمد صىل اهلل عليه وسلم )‪ ،‬وهنالك من ذهب إىل نبوة بعض الشخصيات األخرى‪ ،‬مثل‬
‫الباحث فريدريك ترونغ ‪ Frédéric Truong‬يف كتابه بالفرنسية (ما أدري إن كان سوف يرتجم)‪:‬‬
‫األصل التوحيدي لـِكـل األديان والدور األساِس ملحمد خاتم الرسل‪L'origine ( ،‬‬
‫‪MONOTHEISTE de l'ensemble des religions et le rôle primordiale de‬‬
‫‪ ،) Mohamed sceau des prophèTes‬حيث ذهب إىل نبوة شخصيتي كل من كِ ِر ْشنَا و َرا َما‬
‫يف اهلندوسية و شخصية َ‬
‫ال ْوتزه يف الصني القديمة‪.‬‬
‫وكذلك باملقابل فإن األديان السموية القديمة غري اإلبراهيمية التي رشعها اهلل يف بلدان أخرى‪،‬‬
‫وقارات بعيدة‪ ،‬عىل الصحيح أن اهلل خاطبهم بم مض فيهم من أنبياء وقصص ارتبطت مع رشائع اهلل‬
‫التي كانت فيهم وجاورهتم‪ ،‬كم مر بفضل اهلل بعض األمثلة عىل ذلك يف الزرادشتية وبالد فارس‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪87 -------‬‬

‫وهذا بالرغم من خمالفة هذه احلقيقة لكثري ّما اعتاده الناس من أمم األديان‬
‫السموية الثالثة‪ ،‬املسلمني واليهود والنصارى‪ ،‬وبالرغم من اختالط جزء من ذريات‬
‫آباء العامل ال حقا بعضها ببعض‪ ،‬وبالرغم من جهل أكثر الناس هبذه احلقيقة‪ ،‬وأوائل‬
‫أنساب البرشية بتفاصيلها‪ ،‬فاهلل هو العليم بكل نسب ومنتهاه‪ ،‬فال يزال جزء م ِه ٌّم من‬
‫تطور العلم اإلنساين‪ ،‬فإنه ال ي َقارن بعلم اهلل‪ ،‬وال يبلغ ذر ًة‬
‫تاريخ البرشية غامض ًا‪ ،‬ولو َّ‬
‫منه‪ ،‬فإن اهلل تعاىل قال‪ ( :‬ما أشهدهتم خلق السموات واألرض وال خـ ــلق أنفسهــم وما‬
‫كنت متخذ املضلني عضد ًا ) (الكهف‪ .)51‬وحتى لو سمينا كل البرش ببني آدم تاوز ًا‪،‬‬

‫القديمة والكبرية‪ ،‬وهذا مثل اإلسالم مع األديان السموية التي جاورته (يف الرشق األوسط)‪ ،‬وارتباط‬
‫قصص أنبياء بني إْسائيل ونسلهم ومكاَنم بأنبياء العرب‪ ،‬عىل رأسهم خاُتهم صىل اهلل عليهم‬
‫وسلم‪ .‬ويستثنى من ذلك ذكره صىل اهلل عليه وسلم يف كتب األولني‪ ،‬فقد نجد له أثرا يف كتب‬
‫السابقني ولو البعيدة إذا تفحصناها بدقة‪ ،‬لكون اهلل تعاىل قال يف كتابه‪ ( :‬وإنه لفي زبر األولني )‪ ،‬أي‬
‫" أن ذكر القرآن وا رد يف كتب األولني‪ ،‬أي جاءت بشارات بمحمد صىل اهلل عليه وسلم وأنه رسول‬
‫جييء بكتاب"‪( .‬الطاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪( )191/19 ،‬دون أن حيرص هذه الكتب‬
‫ً‬
‫حقيقة بعض الباحثني املسلمني؛ يف كتب اهلند‪ ،‬ويف كتب البوذية‪ ،‬ويف كتب‬ ‫لألولني) وقد َو َجدَ بعضها‬
‫الزرادشتية حيث فصلنا يف هذا األمر يف كتايب اآلخر الذي تناول الزرادشتية بفضل اهلل تعاىل (ذكرنا‬
‫عنوان الكتاب قبل قليل)‪ ،‬ومن أهم هؤالء الباحثني الذين أثبتوا ذكره صىل اهلل عيه وسلم يف كتب‬
‫األولني؛ الباحث عبد احلق فديارثي يف كتابه " حممد يف الكتب املقدسة العاملية " " ‪Muhammad‬‬
‫‪ " in Wolrld ScripTures‬قبل حوايل قرن‪ ،‬والداعية ذاكر نايك‪ ،...‬وإن كان ذكره صىل اهلل عليه‬
‫وسلم يف هذه املِ َلل‪ ،‬يدل عىل األصل التوحيدي السموي التي كانت عليه وأن رشائعهم كان فيها من‬
‫تعاليم الوحي‪ ،‬وأَنا كانت تشبه اإلسالم‪ ،‬وتشبه اليهودية والنرصانية قبل حتريفهم‪ ،‬وأن أصحاب‬
‫تلك امللل والتي تنسب إليهم والذين تنبؤوا بالنبي صىل اهلل عليه وسلم؛ هم يف عىل األرجح من‬
‫األنبياء‪َ ،‬مثَلهم ك ََمث َِل زرادشت‪ ،‬و َيدل كذلك ذكره يف تلك الكتب عىل عظمة منزلته صىل اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وأمهية ووجوب اتباع أصحاب تلك األديان والكتب لرسالته األخرية‪ ،‬واإليمن برشيعته‬
‫احلجة عليهم بإرشادهم للنبي اخلاتم‪ ،‬ويدل أن دينه صىل اهلل عليه وسلم‬
‫اخلاُتة‪ ،‬فإن أنبياءهم أقاموا َّ‬
‫وعام لكافة الناس‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ناسخ لكل األديان وجمدد هلا‪،‬‬
‫ٌ‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪88 --------------‬‬

‫أو غلب ًة‪ ،‬فإن اليشء ال بد من إدراكه عىل حقيقته‪ ،‬قبل أن يأيت امللحد ليشككنا يف ديننا‬
‫بدعوى ِعلم حازه أو داروينية‪ ،‬أو حياول أن يتعامل عىل ما استأثر اهلل بعلمـ ـ ـ ـه من تفاصيل‬
‫أنساب البرش بدعوى عدم توافق إنساين ادعاه بعلمه القارص الذي فرح به‪ ،‬قال اهلل‬
‫تعاىل‪َ ( :‬و َما أوتِيتم م َن ا ْل ِعلْ ِم إِ َّال َقلِيالً ) (اإلْساء ‪.)85‬‬
‫ويبقى األصل كل األصل واملفتاح كل املفتاح يف فهم هذا األمر وأصل بدأ‬
‫شعوب البرشية؛ هو الفهم الصحيح للكتاب والسنة عىل مراد اهلل ورسوله‪ ،‬وعدم حرص‬
‫كالم اهلل تعاىل أو سنة نبيه صىل اهلل عليه وسلم الواسع معنامها‪ ،‬يف َت َّصو َرات ورثناها‪،‬‬
‫ِ‬
‫وح َّجرت واسعا‪ ،‬حتى إن‬ ‫أو مفاهيم معينة نق َلت لنا من أهل الكتاب‪ ،‬ضي َقت شاسعا‪َ ،‬‬
‫العلم احلديث يف آخر املطاف يأيت ليتبِع الوحي طوعا أو كرها‪ ،‬ال العكس‪ ،‬ويصدقه يف‬
‫كل يشء‪ ،‬بل وليسجد له‪ ،‬فاهلل تعاىل هو الذي خلق وهو الذي يعلم ما خلق كيف خلق‪،‬‬
‫ني يف‬ ‫اخلَبِري ) (امللك ‪ ،)14‬وهو الذي َب َّ َ‬ ‫قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬أ َال َي ْع َلم َم ْن َخ َل َق َوه َو ال َّلطِيف ْ‬
‫يش ٍء َوهدً ى َو َر ْ َ‬
‫مح ًة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كتابه كل يشء‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬ون ََّز ْلنَا َع َليْ َك ا ْلك َت َ‬
‫اب تبْ َيانًا لكل َ ْ‬
‫ني) (النحل‪.)89‬‬ ‫رش ٰى لِلْم ْسلِ ِم َ‬
‫َوب ْ َ‬

‫دليل‪ :‬اآليات التي تذكر خلق الناس من طني ال تعني أن كل الناس يف كل زمان‬
‫ومكان هم من أبناء آدم عليه السالم‪:‬‬
‫ب من ا ْلبع ِ‬
‫اب‬‫ث َف ِإنَّا َخ َل ْقنَاكم من ت َر ٍ‬ ‫قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬يا َأ َهيا النَّاس إِن كنت ْم ِيف َر ْي ٍ َ َ ْ‬
‫ني َلك ْم ۚ َون ِقر ِيف ْاألَ ْر َحا ِم َما‬ ‫خم َّل َق ٍة لن َب َ‬
‫ري َ‬‫خم َّل َق ٍة َو َغ ْ ِ‬
‫ث َّم ِمن نطْ َف ٍة ث َّم ِم ْن َع َل َق ٍة ث َّم ِمن م ْض َغ ٍة َ‬
‫ن ََشاء إِ َ ٰىل َأ َج ٍل م َس ًّمى ث َّم نخ ِْرجك ْم طِ ْفالً ث َّم ل ِ َتبْلغوا َأشدَّ ك ْم ۚ) (احلج ‪ .)5‬وقـ ـال اهلل‬
‫ان ِمن طِ ٍ‬ ‫اإلنس ِ‬ ‫تعاىل‪ ( :‬ا َّل ِذي َأحسن ك َّل َ ٍ‬
‫ني ) (السجدة ‪.)7‬‬ ‫يشء َخ َل َقه ۚ َو َبدَ َأ َخلْ َق ْ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َ‬
‫ب من ا ْلبع ِ‬
‫ث َف ِإنَّا َخ َل ْقنَاكم من‬ ‫أوال‪ :‬قول اهلل تعاىل‪َ ( :‬يا َأ َهيا النَّاس إِن كنت ْم ِيف َر ْي ٍ َ َ ْ‬
‫ني َلك ْم )(احلج ‪:)5‬‬ ‫خم َّل َق ٍة لن َب َ‬ ‫خم َّل َق ٍة َو َغ ْ ِ‬
‫ري َ‬ ‫اب ث َّم ِمن نطْ َف ٍة ث َّم ِم ْن َع َل َق ٍة ث َّم ِمن م ْض َغ ٍة َ‬ ‫ت َر ٍ‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪89 -------‬‬

‫يقول ابن كثري يف تفسري هذه اآلية‪ ( " :‬فإنا خلقناكم من تراب ) أي ‪ :‬أصل ب ْر ِئ ِه‬
‫لكم من تراب ‪ ،‬وهو الذي خلق منه آدم ‪ ،‬عليه السالم ( ثم من نطفة ) ‪ )1(،"...‬لكن هل‬
‫اآلية الكريمة َت ْر ِجع أصل كل الناس يف كل زمان ومكان إىل آدم عليه السالم ؟‪ ،‬اجلواب‬
‫ال‪ ،‬ألن لفظ ( النَّاس ) يف القرآن الكريم ال َي ِرد َم ْعنَاه َد ِائ ًم بمعنى العموم الـمطْ َلق أي كل‬
‫الناس‪ ،‬واآليات التي تدل عىل ذلك كثرية‪ ،‬أمثلة بإذن اهلل تعاىل‪:‬‬
‫قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬وإِ َذا قِ َيل َهل ْم ِآمنوا ك ََم آ َم َن النَّاس َقالوا َأن ْؤ ِمن ك ََم آ َم َن الس َف َهاء ۚ َأ َال‬
‫ون ) (البقرة ‪ ،)13‬يقول الطربي يف تفسري هذه اآلية‪" :‬‬ ‫إِ ََّن ْم هم الس َف َهاء َو َ ٰل ِكن َّال َي ْع َلم َ‬
‫" الناس "‪ :‬املؤمنني الذين آمنوا بمحمد ونبوته وما جاء به من عند اهلل‪)2( ".‬‬ ‫" ويعني ب ِـ‬
‫ويقول السعدي يف نفس اآلية‪ " :‬أي‪ :‬إذا قيل للمنافقني آمنوا كم آمن الناس‪ ،‬أي‪ :‬كإيمن‬
‫الصحابة ريض اهلل عنهم "‪ )3(،‬وعىل هذا فإن ( الناس ) يف هذه اآلية ال يقصد به كل‬
‫الناس يف كل زمان ومكان‪ ،‬وإنم هم طائفة من الناس‪ ،‬قد يكونون األقلية من حيث‬
‫العدد وبخاصة يف ذلك الزمن‪ ،‬حيث كان يسود يف األرض الرشك واملرشكني الذي كانوا‬
‫األكثرية قبيل بعثت النبي صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وهو القائل عن الزمن قبل بعثته‪ ( :‬وإن‬
‫اهلل نظر إىل أهل األرض فمقتهم عرهبم وعجمهم إال بقايا من أهل الكتاب وقال إنم‬
‫بعثتك ألبتليك وأبتيل بك ‪ )4(،)...‬يقول النووي يف رشح هذا احلديث‪ " :‬املقت ‪ :‬أشد‬
‫البغض ‪ ،‬واملراد هبذا املقت والنظر ما قبل بعثة رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم واملراد‬
‫ببقايا أهل الكتاب الباقون عىل التمسك بدينهم احلق من غري تبديل‪)5( " .‬وبعدما بعث‬
‫صىل اهلل عليه وسلم يف جزيرة العرب كان أتباعه من أصحابه أقلية مقارنة بباقي مرشكي‬

‫)‪ -(1‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪.395/5 ،‬‬


‫)‪ -(2‬الطربي‪ ،‬جامع البيان‪.292/1 ،‬‬
‫)‪ -(3‬عبد الرمحن السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن‪ ،‬ص ‪.43‬‬
‫)‪ -(4‬رواه مسلم ‪.2865‬‬
‫)‪ - (5‬النووي‪ ،‬رشح النووي عىل مسلم‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب بريوت‪ ،‬ط ‪1392 ،2‬ه‪195/17 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪90 --------------‬‬

‫العرب يف اجلزيرة الكبرية‪ - ،‬مدينة واحدة مؤمنة حتيطها مدن كثرية مرشكة ‪ -‬وبالرغم‬
‫سمهم اهلل ( الناس )‪.‬‬
‫من هـ ـذا َّ‬
‫وقال اهلل تعاىل‪َ ( :‬ف ِإن َّمل َت ْفعلوا و َلن َت ْفعلوا َفا َّتقوا النَّار ا َّلتِي وقود َها النَّاس و ْ ِ‬
‫احل َج َارة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫َاف ِري َن ) (البقرة ‪ ،)24‬فليس كل الناس هم وقود النار‪ ،‬إنم يدخلها من هو‬ ‫ت لِلْك ِ‬
‫ۚ أ ِعدَّ ْ‬
‫أهل هلا‪ ،‬من الكافرين وغريهم من الفاسقني وما شاكلهم‪ ،‬وأما الذين آمنوا باهلل ورسله‬
‫وعملوا الصاحلات فينجيهم اهلل من النار و ال يدخلوَنا‪.‬‬
‫َّاس ِيف‬
‫وقال اهلل تعاىل يف عيسى عليه السالم ومعجزة كالمه يف املهد‪َ ( :‬ويكَلم الن َ‬
‫ني ) ( آل عمران ‪ ،)46‬فعيسى عليه السالم مل يكَلم كل الناس‬ ‫ا ْ َمله ِد و َكهالً و ِمن الص ِ ِ‬
‫احل َ‬ ‫ْ َ ْ َ َ َّ‬
‫وال كل بني إْسائيل يف املهد‪.‬‬
‫ِ‬
‫وقال اهلل تعاىل‪ ( :‬ا َّلذي َن َق َال َهلم النَّاس إِ َّن الن َ‬
‫َّاس َق ْد َمجَعوا َلك ْم َف ْ‬
‫اخ َش ْوه ْم َف َزا َده ْم‬
‫اَّلل َونِ ْع َم ا ْل َوكِيل ) (آل عمران ‪ ،)173‬ينقل غري واحد من أهل‬ ‫إِ َيمنًا َو َقالوا َح ْسبنَا َّ‬
‫التفسري أن املقصود بقوله تعاىل‪ ( :‬الذين قال هلم الناس إن الناس قد مجعوا لكم‬
‫ركب –قوم‪ -‬بعثهم أبو سفيان ليثبطوا النبي صىل اهلل عليه وسلم‬
‫ٌ‬ ‫فاخشوهم ) هم‬
‫وأصحابه خيربوهم أن قريشا قد مجعوا هلم فاخشوهم‪ ،‬يقول الطربي‪ " :‬و"الذين" يف‬
‫موضع خفض مردود عىل"املؤمنني"‪ ،‬وهذه الصفة من صفة الذين استجابوا هلل‬
‫والرسول‪ .‬و"الناس" األول‪ ،‬هم قوم ‪-‬فيم ذكر لنا‪ -‬كان أبو سفيان سأهلم أن يثبطوا‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪ .‬وأصحابه الذين خرجوا يف طلبه بعد منرصفه عن أحد‬
‫إىل محراء األسد‪ .‬و"الناس" الثاين‪ ،‬هم أبو سفيان وأصحابه من قريش‪ ،‬الذين كانوا معه‬
‫بأحد‪ )1( ".‬فكلمة ( الناس ) يف كل من املوضعني يف اآلية ال ي ْق َصد هبا كل الناس‪.‬‬
‫ني الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫وقال اهلل تعاىل يف سحرة فرعون‪َ ( :‬ق َال َأ ْلقوا ۚ َف َل َّم َأ ْل َق ْوا َس َحروا َأ ْع َ‬
‫ح ٍر َعظِي ٍم ) ( األعراف ‪ ،)116‬ومن املعلوم أن سحرة فرعون‬ ‫ِ‬
‫اس َ ْرت َهبوه ْم َو َجاءوا بِس ْ‬
‫َو ْ‬
‫مل يسحروا أعني كل الناس يف كل زمان ومكان‪.‬‬

‫)‪ -(1‬الطربي‪ ،‬جامع البيان‪.405/7 ،‬‬


‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪91 -------‬‬
‫ِ‬ ‫وقال اهلل تعاىل‪ ( :‬ث َّم َأ ِفيضوا ِم ْن َحيْث َأ َف َ‬
‫ور‬ ‫اَّلل ۚ إِ َّن َّ َ‬
‫اَّلل َغف ٌ‬ ‫اس َت ْغفروا َّ َ‬
‫اض النَّاس َو ْ‬
‫يم ) (البقرة ‪ ،)199‬فليس كل الناس حيجون ويفيضون من عرفات‪ ،‬وهذه اآلية‬ ‫ِ‬
‫َّرح ٌ‬
‫تتكلم عن أحكام احلج‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ون ِيف ِد ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل‬
‫ين َّ‬ ‫َّاس َيدْخل َ‬ ‫وقال اهلل تعاىل‪( :‬إِ َذا َجا َء ن َْرص َّ‬
‫اَّلل َوا ْل َفتْح (‪َ )1‬و َر َأ ْي َت الن َ‬
‫اجا) ( نرص ‪ ،)2-1‬يقول الطربي‪ " :‬إذا جاءك نرص اهلل يا حممد عىل قومك من‬ ‫َأ ْف َو ً‬
‫َّاس ) من صنوف العرب وقبائلها أهل اليمن‬ ‫قريش‪ ،‬والفتح‪ :‬فتح مكة ( َو َر َأ ْي َت الن َ‬
‫َ ِ ِ ِ ِ‬
‫اجا )‪ )1(".‬فالنبي صىل اهلل عليه وسلم مل‬ ‫اَّلل َأ ْف َو ً‬
‫منهم‪ ،‬وقبائل نزار ( َيدْ خلون يف دين َّ‬
‫يشهد يف حياته دخول كل الناس من كل مكان يف اإلسالم‪ ،‬إنم شاهد دخول جزء من‬
‫الناس‪ ،‬بخاصة العرب الذين كانوا بجواره يف جزيرة العرب‪.‬‬
‫وهنالك مواضع أخرى يف القرآن الكريم ال يسع املقام لذكرها جاءت فيها‬
‫كلمت ( الناس ) ليس بمعنى كل الناس‪ .‬وعىل هذا الوجه فإن لفظ ( الناس ) يف قول‬
‫ب من ا ْلبع ِ‬
‫ث َف ِإنَّا َخ َل ْقنَاكم من ت َر ٍ‬
‫اب ) ال يعني‬ ‫اهلل تعاىل‪َ ( :‬يا َأ َهيا النَّاس إِن كنت ْم ِيف َر ْي ٍ َ َ ْ‬
‫بالرضورة أن كل الناس يف كل زمان ومكان يرجع خلقهم إىل الرتاب أو إىل آدم عليه‬
‫السالم‪ ،‬فاآلية قد تثبت أنه طائفة من الناس هم الذين يرجعون إىل آدم عليه السالم‬
‫وبالتايل خلقهم من تراب‪ .‬بل يوجد من املفّسين من ذكر أن النداء ب ـ ـ ( يا أهيا الناس )‬
‫يف القرآن الكريم يعني به العرب أو أهل مكة؛ يقول الـم َفّس الواحدي يف تفسريه‪{ " :‬يا‬
‫أهيا الناس} يا أهل مكة "‪)2(،‬جاء يف تفسري زهرة التفاسري للم َفّس أيب زهرة‪ " :‬يذكر‬
‫بعض الـم َف ِ‬
‫ّسين أن النداء بـ " يا أهيا الناس " خياطب به أهل مكة‪ ،‬والنداء بـ " يا أهيا الذين‬
‫آمنوا " خياطب به املؤمنني‪ ،‬وأخذوا ذلك من أن أكثر اآليات التي ابتدئت بـ " يا أهيا الناس‬
‫" نزلت بمكة ‪ )3(،" ...‬وجاء يف تفسري املنار للمفّس رشيد رضا‪ " :‬إِ َّن ك َّل نِدَ ٍاء ِمث ِْل َه َذا‬

‫)‪ -(1‬املرجع نفسه‪.667/24 ،‬‬


‫)‪ -(2‬أبو احلسن الواحدي النيسابوري‪ ،‬العزيز يف تفسري الكتاب العزيز‪ ،‬ص ‪.251‬‬
‫)‪ -(3‬أيب زهرة أمحد بن أمحد‪ ،‬زهرة التفاسري‪ ،‬دار الفكر العريب‪.1573/3 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪92 --------------‬‬
‫– أي يا أهيا الناس ‪ -‬ي َراد بِ ِه َأ ْهل َم َّك َة‪َ ،‬أ ْو ق َر ْي ٍ‬
‫ش"‪ )1( ،‬وهم من العرب‪ ،‬ولقد َت َر َّجح لنا‬
‫ّما سبق أن أبناء آدم عليه السالم وأمته التي جاءت منه قد سكنت الرشق األوسط‪،‬‬
‫وكانت تتواجد يف البيئة واملنطقة التي أصبحت الحقا موطنا للعرب والتي نزل فيها‬
‫القرآن‪ ،‬وقد رأينا فيم سبق أن العرب وبني إْسائيل أو جزء كبري منهم هم من ذرية آدم‬
‫عليه السالم بتلك اجلهة من الرشق األوسط – وسيأيت إن شاء اهلل مزيد تفصيل يف‬
‫عنوان‪ :‬من هم سكان العامل الذين ليسوا من أبناء آدم عليه السالم وال ن َْسلِه ؟ ‪.-‬‬
‫قصد ب ـ ( الناس ) كل الناس يف كل زمان‬ ‫بل حتى عىل قول من قال أن هذه اآلية َت ِ‬

‫ومكان‪ ،‬فإَنا ال ت َرصح عىل أَنم كلهم من أبناء آدم عليه السالم‪ ،‬بل ت ْر ِجعهم إىل َ‬
‫الرتاب‪،‬‬
‫وهذا ّمكن‪ ،‬فر َّبم آباء البرشية أو األوادم اآلخرون –الذي تكلمنا عليهم سابقا‪ -‬قد‬
‫خلقهم اهلل أو بعضهم من تراب‪ ،‬مثل آدمنا املعروف من الرشق األوسط عليه السالم‪،‬‬
‫وربـمـ َّا باقي األصول املجهولة لتلك األمم – من غري أمة آدم عليه السالم ‪ -‬ترجع إىل‬
‫الرتاب كذلك بكيفية علمناها أو جهلناها‪ ،‬أو يف أصل مادة تكوين وكيفية خلق كل‬
‫َ‬
‫الناس كان من طني كم سنذكر بعد قليل إن شاء اهلل رأي ًا من اجتهاد أهل التفسري يف‬
‫ني ) (السجدة ‪ ،)7‬ورأي ًا من ال ِعلْم‬
‫ان ِمن طِ ٍ‬
‫اإلنس ِ‬
‫تفسري قول اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َبدَ َأ َخلْ َق ْ ِ َ‬
‫احلديث‪)2(.‬‬

‫وقد مر معنا وأن أخذنا كلمة ( الناس ) بمعنى "جزء من الناس" أو "طائفة من‬
‫الناس"‪ ،‬أو "أهل مكة"‪ ،‬ونظرنا هبذا املعنى إىل اآلية األوىل لسورة النساء وهي قوله‬
‫احدَ ٍة َو َخ َل َق ِمن َْها َز ْو َج َها َو َب َّث‬
‫سو ِ‬ ‫ِ‬
‫تعاىل‪َ ( :‬يا َأ َهيا النَّاس اتَّقوا َر َّبكم ا َّلذي َخ َل َقكم من َّن ْف ٍ َ‬

‫)‪ -(1‬رشيد رضا‪ ،‬تفري املنار‪.265/4 ،‬‬


‫)‪ -(2‬يقول املفّس املراغي يف تفسري هذه اآلية‪ ... " :‬وقد يكون املعنى إن الطني ماء وتراب جمتمعان‪،‬‬
‫واآلدمي أصله منى‪ ،‬واملنى من الغذاء واألغذية إما حيوانية‪ ،‬وإما نباتية‪ .‬واحليوانية ترجع إىل النباتية‪،‬‬
‫والنبات وجوده بالمء والرتاب وهو الطني‪( ".‬أمحد بن مصطفى املراغي‪ ،‬تفسري املراغي‪).106/21 ،‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪93 -------‬‬

‫ِمن ْه َم ِر َج ًاال كَثِ ًريا ونسا ًء ) ( النساء ‪ - )1‬والتي أطلنا الكالم عليها سابقا يف أوائل الكتاب‬
‫‪ ،-‬ثم أخذنا قول من قال بأن النفس الواحدة هي آدم وزوجها حواء عليهم السالم ‪-‬‬
‫فّس حرصا هبذا القول كم َب َينَّا سابقا ‪ -‬فإنه‬
‫حتى وإن كانت اآلية ال يلزم بالرضورة أن ت َّ َ‬
‫يظهر لنا بعدها معنى اآلية‪ " :‬يأيتها الطائفة من الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من آدم‬
‫وخلق منه زوجه وبث منهم رجاال كثريا ونساء "‪ ،‬فهنا يظهر املعنى أنه ليس بالرضورة‬
‫أن كل الناس من آدم عليه السالم‪ ،‬وهذا املعنى أيضا يستقيم ويتوافق مع باقي األدلة من‬
‫القرآن – وسيأيت إن شاء اهلل أدلة أخرى من السنة ‪ -‬التي تشري إىل اإلمكانية الرصحية‬
‫لوجود أناس من غري آدم عليه السالم وقبله‪ ،‬ويتناسب أيضا مع واقع آدم عليه السالم‬
‫الزمني – والذي سوف نحسبه فيم ييل من الكتاب بإذن اهلل – ويتناسب مع واقع وزمن‬
‫أمته التي خرجت من صلبه مقارنة مع أزمنة اإلنسان القديم يف األرض‪ ،‬والتي بإذن اهلل‬
‫سوف نجزم تدرجييا أَنا – أي أمة آدم عليه السالم ‪ -‬إال جزء من باقي األمم اإلنسانية‪.‬‬
‫ني ) (السجدة ‪:)7‬‬ ‫ان ِمن طِ ٍ‬ ‫اإلنس ِ‬
‫ثانيا‪ :‬قول اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َبدَ َأ َخلْ َق ْ ِ َ‬
‫ني} وذلك بخلق‬ ‫ان ِم ْن طِ ٍ‬
‫يقول السعدي يف تفسري هذه اآلية‪{ " :‬وبدَ َأ خلْ َق اإلنْس ِ‬
‫َ‬ ‫ََ َ‬
‫آدم عليه السالم ‪ )1(،"...‬قد ي َقال بناء عىل هذا التفسري؛ أن هذه اآلية تعني أن كل إنسان‬
‫يف كل زمان ومكان خلق من طني وبالتايل فهو من آدم عليه السالم فكيف تقولون أنه‬
‫يوجد برش من غري آدم عليه السالم ؟ جوابنا عىل هذا السؤال أنه ال يلزم من اآلية الكريمة‬
‫أنه كل الناس هم من ذرية آدم عليه السالم ونسله‪ ،‬وذلك من أكثر من وجه‪ ،‬سوف‬
‫نوردها إن شاء اهلل تعاىل كم ييل‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬ليس رضورة أن ي َف َّّس ( اإلنسان ) يف اآلية بآدم عليه السالم حرصا‪:‬‬
‫إن اهلل يف هذه اآلية مل يقل أن اإلنسان هو حرصا آدم عليه السالم‪ ،‬ونجد من‬
‫املفّسين من حاول إيراد وجه آخر يف تفسري اآلية بحسب اجتهاده‪ ،‬حيث يقول املفّس‬
‫ان ِمن طِ ٍ‬
‫ني )‪ ... " :‬وقد يكون‬ ‫اإلنس ِ‬
‫املراغي يف تفسريه لقول اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َبدَ َأ َخلْ َق ْ ِ َ‬

‫)‪ -(1‬السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن‪ ،‬ص ‪.653‬‬


‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪94 --------------‬‬

‫املعنى إن الطني ماء وتراب جمتمعان‪ ،‬واآلدمي(‪ )1‬أصله منى‪ ،‬واملنى من الغذاء واألغذية‬
‫إما حيوانية‪ ،‬وإما نباتية‪ .‬واحليوانية ترجع إىل النباتية‪ ،‬والنبات وجوده بالمء والرتاب وهو‬
‫الطني‪ )2( ".‬فليس بالرضورة أن حيرص تفسري اآلية بآدم عليه السالم‪ ،‬فال حرج يف‬
‫تفسريها بغري َح ِ‬
‫رصها يف آدم عليه السالم‪ ،‬بحيث أن مادة الطني قد َتكَون منها اإلنسان‬
‫وخلْ َقته بطريقة أو بأخرى‪ ،‬برشط أن يكون اجتهادا صحيحا‬‫أو تدخل يف أصول مكَونَاتِه ِ‬

‫مبنيا عىل األدلة‪ .‬أما من ناحية العلْم احلديث فقد ظهرت نظرية م ِهمة تقول أن احلياة ر َّبم‬
‫نشأت من الطني‪)3(.‬‬

‫قصد به رضورة كل الناس‪:‬‬


‫الوجه الثاين‪ :‬لفظ ( اإلنسان ) يف القرآن الكريم ال ي َ‬
‫إن لفظ اإلنسان يف القرآن الكريم يأيت بأكثر من معن ًا حسب السياق‪ ،‬يقول‬
‫اهلرري يف تفسريه‪ " :‬اإلنسان من الناس اسم جنس يقع عىل املذكر‪ ،‬واملؤنث‪ ،‬والواحد‪،‬‬

‫)‪ -(1‬ال حي َمل معنى اآلدمي عىل املعنى اللفظي‪ ،‬إنم املقصود هنا يف استداللنا هو البرش‪ ،‬ألن الـمستقر‬
‫عند أكثر أهل التفسري أن اآلدمي هو البرش‪ ،‬ولكن يف احلقيقة هذا فيه تفصيل إن أردنا التحديد‪،‬‬
‫وخاصة يف كتابنا هذا‪ ،‬فليس كل برش من بني آدم بينم كل بني آدم من البرش ( كم سنزيد بسط أدلة عىل‬
‫ذلك تدرجييا بإذن اهلل)‪ ،‬لكن يمكن أن ي َس َمى اإلنسان باآلدمي تاوزا‪ ،‬ويمكن أن ت َصنَّف الكلمتان‬
‫من باب الكلمت التي إذا اتفقتا اختلفتا يف املعنى‪ ،‬وإذا تفرقتا التقتا يف املعنى‪ ،‬مثل كلمة اإليمن وكلمة‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫)‪ -(2‬أمحد بن مصطفى املراغي‪ ،‬تفسري املراغي‪.106/21 ،‬‬
‫)‪ -(3‬يعني أوائل اجلزيئات احلية‪ ،‬صاحب هذه النظرية هو االختصايص يف الكيمياء العضوية‬
‫"الكسندر جراهام كرينز سميث" "‪ "Alexander Graham Cairns SmiTh‬من جامعة‬
‫كالسكو يف اسكتلندا‪ ،‬انظر‪ :‬مــقال‪ ،7 Theories on the Origin oF LiFe :‬ل ِـ ـ ‪Charles‬‬
‫‪:)2016/03/24( Q.Choi‬‬
‫‪https://www.livescience.com/13363-7-theories-origin-life.html‬‬
‫"بالعربية"‪https://www.ida2at.com/origins-of-life-puzzle-clay-:‬‬ ‫وانظر‬
‫‪crystals-is-the-solution/‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪95 -------‬‬

‫واجلمع "‪ )1(،‬وبم أنه اسم جنس من كلمة ( الناس )‪ ،‬فإنه يمكن محل كلمة ( اإلنسان )‬
‫عىل كلمة ( الناس ) والتي قد مر معنا أَنا تأيت يف القرآن الكريم يف مواضع متعددة وال‬
‫يقصد هبا مجيع الناس‪ ،‬وإنم جزء منهم‪.‬‬
‫وجد أدلة رصحية يف أكثر من موضع يف القرآن الكريم تذكر كلمة (اإلنسان)‬
‫بل ت َ‬
‫وال تعني هبا كل الناس يف كل زمان ومكان‪ ،‬وهذه اآليات أكثر رصاحة يف االستدالل‪،‬‬
‫سنذكر إن شاء اهلل أمثلة منها عىل النحو التايل‪:‬‬
‫ِ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫وها إِ َّن‬
‫حتص َ‬‫اَّلل َال ْ‬‫قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬وآتَاك ْم م ْن كل َما َس َأ ْلتموه َوإِ ْن تَعدوا ن ْع َمة َّ‬
‫ْسان َل َظلو ٌم‬ ‫ان َل َظلو ٌم َك َّف ٌار ) (إبراهيم ‪ ،)34‬جاء يف تفسري القرطبي‪( " :‬إِ َّن ْ ِ‬
‫اإلن َ‬ ‫ِْ‬
‫اإلن َْس َ‬
‫وص‪َ ،‬ق َال ا ْبن َع َّب ٍ‬
‫اس‪َ :‬أ َرا َد َأ َبا َج ْه ٍل‪ .‬وقيل‪:‬‬ ‫اخلص َ‬ ‫ْس َو َأ َرا َد بِ ِه ْ‬
‫اإلن َْسان َل ْفظ ِجن ٍ‬
‫َك َّف ٌار) ْ ِ‬
‫اإلنْسان} ا ْلك ِ‬
‫َافر‪ )3( ".‬فيعني أن كلمة‬ ‫{إن ْ ِ َ‬‫مجيع الكفار‪ )2( ".‬وجاء يف تفسري اجلاللني‪َّ " :‬‬
‫( اإلنسان ) هنا ال يردا هبا كل إنسان أو مجيع الناس‪ ،‬وإنم املراد هبا عىل أوسع القولني‬
‫السابقني " جزء من الناس " أي الكافرين‪.‬‬
‫ف أ ْخ َرج َح ًّيا ) (مريم‪ ،)66‬يقول‬ ‫اإلنْسان َأإِذا َما ِمت َل َس ْو َ‬ ‫وقال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َيقول ْ ِ‬
‫ف أ ْخ َرج َح ًّيا)‬ ‫اإلنْسان َأإِذا َما ِمت َل َس ْو َ‬ ‫(و َيقول ْ ِ‬ ‫القرطبي يف تفسريه‪ " :‬قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ف َو َجدَ ِع َظا ًما َبال ِ َي ًة َف َف َّت َت َها بِيَ ِد ِه َو َق َال‪َ :‬ز َع َم َ‬
‫حم َّمدٌ َأنَّا نبْ َعث َب ْعدَ‬ ‫اإلنْسان هنَا أيب ابن خ َل ٍ‬
‫َ‬ ‫ِْ َ‬
‫ت ِيف ا ْلول ِ ِ‬
‫يد‬ ‫ريي َو َق َال ا ْ َمل ْهدَ ِوي ن ََز َل ْ‬ ‫اح ِدي َوال َّث ْع َلبِي َوا ْلق َش ْ ِ‬ ‫ت َقا َله ا ْل َكلْبِي َذكَره ا ْلو ِ‬
‫ا ْملَو ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬

‫)‪ -(1‬حممد بن عبد اهلل اهلرري‪ ،‬تفسري حدائق الروح والرحيان‪ ،‬إرشاف ومراجعة‪ :‬د‪.‬هاشم حممد عيل‬
‫بن حسني مهدي‪ ،‬دار طوق النجاة‪ ،‬بريوت – لبنان‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪ 1421 ،‬هـ ‪ 2001 -‬م‬
‫‪.226/16،‬‬
‫)‪ -(2‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪.367/9 ،‬‬
‫)‪ -(3‬تفسري اجلاللني لآلية‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪96 --------------‬‬

‫اس‪ )1( ".‬وجاء يف تفسري اجلاللني " {ويقول‬ ‫ْب ِن ا ْمل ِغ َري ِة َو َأ ْص َحابِ ِه َوه َو َق ْول ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان} املنكر للبعث أيب بن َخ َلف َأ ْو ا ْل َوليد ْبن ا ْملغ َرية الن َِّازل فيه ْ َ‬
‫اآلية "‪)2(.‬‬

‫ور )‬ ‫ْسان َلكَف ٌ‬ ‫اإلن َ‬ ‫وقال اهلل تعاىل‪َ ( :‬وه َو ا َّل ِذي َأ ْحياك ْم ث َّم ي ِميتك ْم ث َّم ْحي ِييك ْم إِ َّن ْ ِ‬
‫اس‪ :‬ي ِريد‬ ‫(احلج ‪ ،)66‬ينقل القرطبي يف تفسريه حول ( اإلنسان ) هنا‪َ " :‬ق َال ا ْبن َع َّب ٍ‬
‫ني‪.‬‬ ‫رشكِ َ‬ ‫اص ْب ِن ِه َشا ٍم َو َمجَا َع ًة ِم َن ا ْمل ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْاألَ ْس َو َد ابن َعبْد ْاأل َ َسد َو َأ َبا َج ْه ِل ْب َن ه َشا ٍم َوا ْل َع َ‬
‫ان ك ْفر الن َع ِم‪ ،‬ك ََم َق َال َت َع َاىل‪َ ( :‬و َقلِ ٌيل ِم ْن‬ ‫اإلنْس ِ‬
‫ب َع َىل ْ ِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوق َيل‪ :‬إِن ََّم َق َال َذل َك ِألَ َّن ا ْل َغال َ‬
‫ِ‬

‫رشك‬ ‫اإلن َْسان} َأ ْي ا ْمل ْ ِ‬ ‫{إن ْ ِ‬


‫الشكور ) [سبأ‪ )3( ".]13 :‬وجاء يف تفسري اجلاللني‪َّ " :‬‬ ‫ِع ِ‬
‫باد َي َّ‬
‫اَّلل بِ َ ْرتكِ ِه توحيده‪ )4( ".‬فعىل كل هذه األقوال فإنه ال َيدل لفظ ( اإلنسان‬ ‫ِِ‬
‫{ َلكَفور} لن َع ِم َّ‬
‫) هنا عىل أنه كل إنسان‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ني ) (يس‬ ‫يم مبِ ٌ‬ ‫وقال اهلل تعاىل‪َ ( :‬أ َو َملْ َي َر اإلن َْسان َأنَّا َخ َل ْقنَاه م ْن نطْ َفة َف ِإ َذا ه َو َخص ٌ‬
‫‪ ،)77‬ينقل ابن كثري يف تفسري هذه اآلية‪َ " :‬ع ِن ابن عباس‪ ،‬أن العاَّص ْب َن َو ِائ ٍل َأ َخ َذ َعظْ ًم‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َه َذا َب ْعدَ َما‬ ‫حي ِيي َّ‬ ‫اَّلل َع َليْه َو َس َّل َم‪َ :‬أ ْ‬ ‫اَّلل َص َّىل َّ‬ ‫م َن ا ْل َبطْ َحاء فف َّته بِ َيده‪ ،‬ث َّم َق َال ل َرسول َّ‬
‫حي ِي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يك‪ ،‬ث َّم يدخلك‬ ‫اَّلل َع َليْه َو َس َّل َم‪َ " :‬ن َع ْم‪ ،‬يميت َك َّ‬
‫اَّلل ث َّم ْ‬ ‫اَّلل َص َّىل َّ‬ ‫َأ َرى؟ َف َق َال َرسول َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‪،‬‬ ‫وب ْب ِن إِ ْب َراه َ‬ ‫آخ ِر "يس‪َ ".‬و َر َواه ا ْبن َج ِر ٍير َع ْن َي ْعق َ‬ ‫جهنم"‪ .‬قال‪َ :‬ون ََز َلت ْاآل َيات م ْن َ‬
‫ري‪َ ،‬ف َذك ََره َو َملْ َي ْذك ِر "ا ْب َن َع َّباس‪َ ".‬ور ِو َي ِم ْن‬ ‫يد ْب ِن ج َب ْ ٍ‬ ‫رش‪َ ،‬عن س ِع ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َع ْن ه َشيْ ٍم‪َ ،‬ع ْن َأ ِيب بِ ْ ٍ‬
‫ِ‬ ‫َط ِر ِيق ا ْل َع ْو ِيف‪َ ،‬ع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫َح َو َما َت َقدَّ َم‪.‬‬ ‫يب بِ َعظْ ٍم ف َف َّته َو َذك ََر ن ْ‬‫اَّلل ْبن أ ٍَّ‬ ‫اس َق َال‪َ :‬جا َء َعبْد َّ‬
‫َان بِا ْمل َِدين َِة‪َ .‬و َع َىل كل‬ ‫ول إِن ََّم ك َ‬ ‫ور َة مكية‪ ،‬وعبد اهلل بن أيب بن َسل َ‬ ‫ِ‬
‫َو َه َذا منْك ٌَر؛ ألَ َّن الس َ‬
‫اص [ ْب ِن َو ِائ ٍل]‪َ ،‬أ ْو‬ ‫ف‪َ ،‬أ ْو ِ[يف] ا ْل َع ِ‬ ‫ت ِيف أيب ب ِن خ َل ٍ‬
‫ْ َ‬ ‫َت َه ِذ ِه ْاآل َيات َق ْد ن ََز َل ْ‬ ‫َت ْق ِد ٍير َس َوا ًء كَان ْ‬
‫يه َم‪َ ،‬ف ِه َي َعا َّم ٌة ِيف كل َم ْن َأنْك ََر ا ْل َب ْع َث‪َ .‬و ْاألَلِف َوالالَّم ِيف َق ْول ِ ِه‪َ { :‬أ َو َملْ َي َر اإلن َْسان}‬ ‫ِف ِ‬

‫)‪ -(1‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪.131/11 ،‬‬


‫)‪ -(2‬تفسري اجلاللني لآلية‪.‬‬
‫)‪ -(3‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪.93/12 ،‬‬
‫)‪ -(4‬تفسري اجلاللني لآلية‪.‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪97 -------‬‬
‫ْس‪ ،‬يعم ك َّل من ِْك ٍر لِلْبع ِ‬ ‫ِ‬
‫ث‪ ".‬ويقول املفّس السعدي‪ ... " :‬فقال تعاىل‪َ { :‬أ َو َملْ َي َر‬ ‫َْ‬ ‫للْ ِجن ِ َ‬
‫اإلن َْسان} امل ـ ـنكر للبعث وال ـ ـ َّشاك فيه "‪ )1(.‬ف ـ ـاآلية ال تـ ـتناول امل ـ ـؤمن وال ت ـ ـشمله ك ـ ـلمة‬
‫( اإلنسان ) هنا‪.‬‬
‫َج َم َع ِع َظا َمه ) (القيامة ‪ ،)3‬جاء يف تفسري‬
‫اإلن َْسان َأ َّل ْن ن ْ‬ ‫وقال اهلل تعاىل‪َ ( :‬أ َ ْ‬
‫حي َسب ْ ِ‬
‫اإلنْسان} َأي ا ْلكَافِر "‪)2(.‬‬
‫ْ‬ ‫اجلاللني‪َ { " :‬أ َ ْحي َسب ْ ِ َ‬
‫وهنالك آيات أخرى ال َي َسع املقام لذكرها ال تعني بكلمة ( اإلنسان ) كل‬
‫اإلنسان‪ ،‬وإنم تعني أفرادا أو جزء من اإلنسان‪ ،‬وهلذا فإن ( اإلنسان ) يف قوله اهلل تعاىل‪:‬‬
‫ني ) ال يعني رضورة كل إنسان‪ ،‬فإن كنا نجزم أن اإلنسان‬ ‫ان ِمن طِ ٍ‬
‫اإلنس ِ‬
‫( َو َبدَ َأ َخلْ َق ْ ِ َ‬
‫الذي هو من نسل آدم عليه السالم وأمتِه يرجع إىل أبيه الذي خلقه من طني‪ ،‬وبالتايل‬
‫فيمكن أن َنن ْ ِسب خلق هذا اإلنسان إىل الطني‪ ،‬لكن اإلنسان الذي ليس من آدم عليه‬
‫السالم ليس بالرضورة أن يكون خملوقا من طني‪ ،‬فإن هذه اآلية حتتمل هذا االستثناء‬
‫احتمال بدليل اآليات السابقة التي رأيناها‪ .‬وحتى عىل قول أن هذا اإلنسان الذي ليس‬
‫ٌ‬
‫خملوق م ـ ـن ط ـ ـني باحـ ـ ـتمل أن ـ ـه ق ـ ـد يقصد يف اآلية م ـ ـن كلمة‬ ‫من آدم عليه السالم أي ـ ـضا‬
‫( اإلنسان ) كل الناس –وهذا القول أيضا حمتمل‪ -‬فإن هذه الكيفية ال تعل كل إنسان‬
‫منسوبا آلدم عليه السالم‪ ،‬ألن اآلية يف هذا الوجه ترجع اإلنسان ككل إىل الطني وال‬
‫يوجد فيها أي ذكر آلدم عليه السالم‪ ،‬فيمكن أن يكون أصل المدة املشرتكة التي خلِق‬
‫منها كل الناس أو أصوهلم ‪-‬أو التي دخلت يف تكوينهم األول‪ -‬هي الطني‪ ،‬ربم بكيفية‬
‫وصفتها االجتهادات التفسريية أو النظرية احلديثة التي رأيناها أو بطريقة ال يزال علمها‬
‫عند اهلل‪)3(.‬‬

‫)‪ -(1‬السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن‪ ،‬ص ‪.699‬‬


‫)‪ -(2‬تفسري اجلاللني لآلية‪.‬‬
‫)‪ -(3‬وحتى لو فرضنا أن اإلنسان من غري آدم عليه السالم قد خلقه اهلل من طني‪ ،‬سواء بخلق آباء‬
‫األجناس أو أصوله املجهولة أو أصل مادته من طني‪ ،‬أو خلقه بطريقة علمناها أو جهلناها من طني‪،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪98 --------------‬‬

‫دليل‪ :‬آيات التهديد باستبدالنا بقوم آخرين‪ ،‬وما يدرينا أن اهلل فعلها من قبل‪:‬‬
‫قال اهلل تعاىل ‪ ( :‬يا أهيا الناس أنتم الفقراء إىل اهلل واهلل هو الغني احلميد إن يشأ‬
‫يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك عىل اهلل بعزيز ) (فاطر ‪ ،)17 - 15‬وقال تعاىل ‪:‬‬
‫( واهلل الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غريكم ثم ال يكونوا أمثالكم ) (حممد‬
‫‪ ،)38‬وقال اهلل تعاىل ‪ ( :‬إن يشأ يذهبكم أهيا الناس ويأت بآخرين وكان اهلل عىل ذلك‬
‫قديرا ) ( النساء ‪ ،)133‬فربم فعل اهلل هذا التهديد من قبل ؟ وما يدرينا أن اهلل فعل هذا‬
‫التهديد مع أقوام قبل آدم عليه السالم‪ ،‬كم فعله مع قوم نوح املكذبني وما شاهبهم من‬
‫األمم املكذبة من بعد آدم عليه السالم‪ .‬وربم استبدهلم بنا نحن بنوا آدم مكاَنم‪ ،‬أو‬
‫أذهب أقواما منهم واستخلفنا يف األرض ؟‬
‫علمي يف مثل هذه السنة اإلهلية؛ فيم يقوله علمء اإلنسان من‬
‫ٌ‬ ‫وربم لنا ٌ‬
‫مثال‬
‫اختفاء وانقراض أجناس برشية كاملة مثل جنس النيندرتال وبقاء آخرين مثل‬
‫اهلوموسابني (وهو اإلنسان املعارص)‪ )1(.‬والذي يظهر أن علم األنثروبولوجيا اكتشف‬
‫أيضا أجناسا أخرى من أناس عندهم بعض االختالف عن البرش األحياء‪ ،‬انقرضت‬
‫أجناسهم منذ آالف السنني‪ )2(،‬مع كوننا نؤكد أَنم أناس عاقلون‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫دليل‪ :‬اهلل أنشأنا من ذرية قوم آخرين‪:‬‬
‫ف ِمن َب ْع ِدكم‬
‫الر ْمح َِة ۚ إِن َي َشأْ ي ْذ ِهبْك ْم َو َي ْس َتخْلِ ْ‬ ‫ِ‬
‫قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َرب َك ا ْل َغني ذو َّ‬
‫آخ ِري َن ) ( األنعام ‪.)133‬‬ ‫ِ‬
‫نش َأكم من ذر َّية َق ْو ٍم َ‬
‫َّما َي َشاء ك ََم َأ َ‬
‫فمن هم ذرية القو ِم اآلخرين الذين أنشأنا اهلل منهم ؟‬

‫فإن هذا ال َيدل أن هذا اإلنسان من آدم عليه السالم‪ ،‬وهذا ما تدل عليه اآلية‪ ،‬فإَنا ال ت َرصح أن كل‬
‫هذا اإلنسان من آدم عليه السالم‪ .‬وهذا ما بيناه يف الوجه األول‪.‬‬
‫‪(1) - voir : Richard G. Klein, PerspecTives, WhiTher The NeanderThals?,‬‬

‫‪Science, Vol 299, 7 MARCH 2003, p 1526.‬‬


‫)‪ - (2‬سيأيت ال َّت َعرف عىل بعضهم يف الفصل األخري بإذن اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪99 -------‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬هل يثبت حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم وجود‬
‫إنسان قبل آدم عليه السالم ؟‬

‫دليل‪ :‬اليوجد أي حديث من أحاديث النبي صىل اهلل عليه وسلم ينفي وجود‬
‫أناس قبل آدم عليه السالم‪:‬‬
‫وهذا أمر م ِهم‪ ،‬فلو تأملنا فيم بلغنا من سنة نبينا الصحيحة‪ ،‬والذي مل يرتك صىل‬
‫اهلل عليه وسلم شيئا إال ذكر لنا منه علم‪ ،‬فإننا ال نجد فيها نفيا لوجود أناس قبل آدم عليه‬
‫السالم عىل وجه كل األرض‪.‬‬

‫دليل‪ :‬آدم عليه السالم كان ِْسيانِي ًا وتكلم بالّسيانِية‪ِ ،‬‬


‫والّس َيانيون َقبْلهم ٌ‬
‫برش كثري‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬

‫جاء يف جزء من حديث أيب ذر الطويل الذي كان يسأل فيه النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم ثم جييب‪:‬‬
‫ون َأ ْل ًفا" قلْت‪َ :‬يا َرس َ‬ ‫ف َو ِع ْرش َ‬ ‫ول اَّللِ‪َ ،‬ك ِم ْاألَنْبِياء؟‪َ ،‬ق َال‪ِ " :‬مائَة َأ ْل ٍ‬
‫ول‬ ‫َ‬ ‫( قلْت‪َ :‬يا َرس َ َّ‬
‫ِ‬
‫مجا َغ ِف ًريا"‪َ ،‬ق َال‪ :‬قلْت‪َ :‬يا‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫اَّلل‪َ ،‬ك ِم الرسل م ْن َذل َك ؟‪َ ،‬ق َال‪َ " :‬ثالَث مائَة َو َثالَ َث َة َع َ َ‬
‫رش َ ًّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل‪َ ،‬أنَبِ ٌّي م ْر َس ٌل ؟‪َ ،‬ق َال‪:‬‬
‫ول َّ‬ ‫َان َأ َّوهل ْم ؟‪َ )1(،‬ق َال‪" :‬آ َدم" قلْت‪َ :‬يا َرس َ‬ ‫اَّلل‪َ ،‬م ْن ك َ‬ ‫َرس َ‬
‫ول َّ‬

‫فصلنا يف معنى كلمة "األول"‪ ،‬فإن أولية يشء أو شخص عىل غريه ليست‬ ‫)‪ -(1‬وقد مر معنا وأن َّ‬
‫بالرضورة أولية مطلقة يف كل زمان ومكان‪ ،‬وإنم تطلق كلِ َمة أول قد يقصد هبا األول يف زمان معني‬
‫أو مكان حمدد أو أمة‪ ،‬فآدم عليه السالم األول يف أمته وأنبياء أمته‪ ،‬وقد ذكرنا سابقا مثال يف قول اهلل‬
‫تعاىل يف النبي صىل اهلل عليه وسلم‪ ( :‬وأنا أول املسلمني ) (األنعام ‪ )163‬بالرغم من أن الذين قبله‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪100 --------------‬‬

‫وح ِه‪َ ،‬و َك َّل َمه ِق َبالً" ث َّم‪َ ،‬ق َال‪َ " :‬يا َأ َبا َذ ٍّر َأ ْر َب َع ٌة‬
‫" َنعم‪ ،‬خ َل َقه اَّلل بِي ِد ِه‪ ،‬و َن َف َخ ِف ِيه ِمن ر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ْس َيانِي َ‬
‫وح َو َأ ْر َب َع ٌة‬ ‫ون‪ :‬آ َدم‪َ ،‬وشيث‪َ ،‬و َأ ْخنوخ َوه َو إِ ْد ِريس‪َ ،‬وه َو َأ َّول َم ْن َخ َّط بِا ْل َق َل ِم‪َ ،‬ون ٌ‬ ‫ْ‬
‫ع َلي ِه وس َّلم" (احلديث) )‪)1(.‬‬ ‫ب‪َ ،‬و َصال ِ ٌح‪َ ،‬ونَبِي َك َ‬ ‫ِم َن ا ْل َع َر ِ‬
‫اَّلل َ ْ َ َ َ‬ ‫حم َّمدٌ َص َّىل َّ‬ ‫ب‪ :‬هو ٌد‪َ ،‬وش َعيْ ٌ‬

‫من األنبياء كانوا مسلمني‪ ،‬ونقلت قول أهل التفسري يف اآلية أنه املقصود منها أنه أول املسلمني يف‬
‫حي َمل احلديث السابق هنا آلدم عىل أنه أول األنبياء يف أمته وبنيه‪.‬‬
‫أمته‪ ،‬وعىل هذا ْ‬
‫)‪ -(1‬رواه ابن حبان يف صحيحه (‪ )361‬والطرباين يف "الكبري" (‪ )1651‬ويف "املكارم" (‪ )1‬واآلجري‬
‫يف "األربعني" (‪ )40‬وأبو الشيخ يف "العظمة" (‪ )259‬وأبو نعيم يف "احللية" (‪ 18 /1‬و ‪)168 - 166‬‬
‫وأبو عمرو الداين يف "البيان يف عد آي القرآن" (ص ‪ )22 - 21‬والشجري يف "أماليه" (‪)73 /1‬‬
‫والقضاعي (‪ 651‬و ‪ 740‬و ‪ )837‬والبيهقي يف "األسمء" (ص ‪ )511 - 510‬ويف "الشعب"‬
‫(‪ 4325‬و ‪ )7668‬وابن عبد الرب يف "التمهيد" (‪ ،)199 /9‬وغريهم‪ .‬اختلف أهل احلديث يف هذا‬
‫احلديث‪ ،‬حيث أخرج له أحد عرش طريق روي منها كلها ضعيفة‪ ،‬انظر‪( :‬أبو حذيفة الكويتي‪ ،‬أنِيس‬
‫احلافظ ابن َحجر العسقالين يف َفتح ال َباري‪،‬‬ ‫الساري يف ختريج َوحتقيق األحاديث التي ذكرها َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ ،)518/1‬فاأللباين ي َضعفه بينم ابن حبان ي َصححه‪ ،‬لكن الظاهر أنه بكثرة طرقه يتقوى‪ ،‬فقد و ِجدَ له‬
‫قرابة أحد عرش طريق كم قلنا‪ ،‬عسى أن يتقوى هبا‪ ،‬وقد حكم ابن حبان بصحته‪ ،‬وأورده يف صحيحه‪،‬‬
‫والذي اعتربه بعض أهل العلم رابع الكتب من حيث ترتيب درجة الصحة بعد صحيح البخاري‬
‫ومسلم وابن خزيمة‪ ،‬نظرا لدرجة رشوط ابن حبان يف رجاله‪ ،‬وقد استدل بجزء من احلديث ابن تيمية‬
‫يف جمموع الفتاوى‪( ،‬انظر‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ ،‬املحقق عبد الرمحن بن حممد بن قاسم‪ ،‬جممع‬
‫امللك فهد لطباعة املصحف الرشيف‪ ،‬املدينة النبوية اململكة العربية السعودية‪1416 ،‬هـ‪1995/‬م‪،‬‬
‫‪ ،) 198/16‬ولبعض أجزاء احلديث شواهد من طرق صحيحة أخرى‪ ،‬كعدد الرسل (انظر‪ :‬األلباين‪،‬‬
‫السلسلة الصحيحة‪ ،852/7 ،‬وموسوعة األلباين يف العقيدة‪ ،‬مركز النعمن للبحوث والدراسات‬
‫اإلسالمية وحتقيق الرتاث والرتمجة‪ ،‬ط األوىل‪ 1431 ،‬هـ ‪ 2010 -‬م‪ .)139/8 ،‬وأما عدد األنبياء‬
‫املذكور يف هذا احلديث (أي يف هذه الرواية االبن حبان مائة وعرشون ألف) فهو غري دقيق ربم لسوء‬
‫ضبط من بعض الرواة‪ ،‬فإن العدد الذي يف بعض الطرق األخرى الصحيحة كذلك هو مائة ألف‬
‫وأربعة وعرشون ألف (أي ‪ 124.000‬نبي)‪( ،‬انظر‪ :‬اخلطيب التربيزي‪ ،‬مشكاة املصابيح‪ ،‬حتقيق‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪101 -------‬‬

‫الدليل املوجود يف هذا احلديث والذي يدل أن آدم عليه السالم مس ٌ‬


‫بوق بأناس‪،‬‬
‫هو الشاهد الذي جاء يف وصف النبي صىل اهلل عليه وسلم بأن آدم عليه السالم كان‬
‫ون‪ :‬آ َدم‪َ ،‬و ِشيث‪َ ،‬و َأ ْخنوخ‬
‫ْس َيانِي َ‬
‫ْسياني ًا‪ ،‬حيث قال صىل اهلل عليه وسلم‪َ ( :‬أ َبا َذ ٍّر َأ ْر َب َع ٌة ْ‬
‫ْ‬
‫ِ‬

‫َوه َو إِ ْد ِريس )‪.‬‬


‫والصحيح أن آدم عليه السالم كان يتكلم بالّسيانية‪ ،‬وقد رجح عدد من العلمء‬
‫َان آدم َع َليْ ِه‬
‫أَنا كانت لغته واحلديث دليل عىل ذلك‪ ،‬يذكر ال َعيْن ِي يف عمدة القاري‪َ " :‬وك َ‬
‫السالَم ي َت َك َّلم باللغة الّسيانية َوك ََذل ِ َك َأ ْو َالده من ْاألَنْبِ َياء َو َغريهم غري َأن‬
‫الصالَة َو َّ‬
‫َّ‬
‫اهيم َع َلي ِه الصالَة والسالَم حولت لغته إِ َىل العربانية ِ‬
‫حني عرب النَّهر َأي ا ْلفرات " (‪)1‬‬ ‫إِبر ِ‬
‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫ْ َّ‬ ‫َْ‬
‫ْس َي ِاين َوه َو ِعن ْدَ َأ ْه ِل ا ْل ِك َت ِ‬
‫اب آ َدام‬ ‫اس ٌم ْ ٌّ‬ ‫ويقول ابن حجر يف كتابه فتح الباري ‪ْ " :‬‬
‫مي ِة"‪)2( .‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رصفه للْع ْج َمة َوا ْل َع َل َّ‬‫بِإشْ َبا ِع َفتْ َحة الدَّ ال بِ َو ْزن َخانَا َم َو ْزنه َفا َعال َوا ْم َتن ََع َ ْ‬
‫ويقول املناوي يف فيض القدير‪( " :‬آدم) أبو البرش من أديم األرض أي ظاهر‬
‫وجهها‪ ،‬سمي به خللقه منه أو من األدمة وهي السمرة‪ ،‬قيل اشتقاقه يؤيد أنه عريب‪ .‬ومنع‬
‫َّ‬
‫بأن توافق اللغتني غري ّمتنع‪ ،‬وبأنه ال داللة عىل أن االشتقاق من خواص كالم العرب‪.‬‬
‫ورد بأن األصل عدم التوافق واطراد االشتقاق‪ ،‬وهو وإن صح تكلمه بكل لسان‪ ،‬لكن‬
‫الغالب بالّسياين كم َتدل عليه أسامي أوالده‪)3( ".‬‬

‫األلباين‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬ط الثالثة‪ ،‬بريوت‪1985 ،‬م‪ ،1599/3 ،‬األلباين‪ ،‬السلسلة الصحيحة‪،‬‬
‫‪ .)360/6‬أما فيم يتعلق هبل آدم عليه السالم نبي أو رسول ؟ فهنالك اختالف يف ذلك‪ ،‬فهذه الرواية‬
‫البن حبان تذكر أنه رسول بينم هنالك رواية أخرى تذكر أنه نبي‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫)‪ - (1‬بدر الدين العيني‪ ،‬عمدة القاري رشح صحيح البخاري‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪.52/1‬‬
‫)‪ - (2‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪.364/6 ،‬‬
‫)‪ - (3‬عبد الرؤوف املناوي‪ ،‬فيض القدير رشح اجلامع الصغري‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬ط الثانية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪.47/1‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪102 --------------‬‬

‫خ َلص من حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم يف‬ ‫واملعنى الذي يمكن أن ي ْس َت ْ‬
‫وصف آدم عليه السالم أنه كان ْسيانيا ثم أقوال العلمء أنه كذلك ي ْف ِِض إىل احتملني‪،‬‬
‫ويف كِالَ االحتملني يظهر أن آدم عليه السالم مسبوق ببرش‪ ،‬ومها بإذن اهلل كالتايل‪:‬‬
‫االحتمل األول‪ :‬أنه آدم عليه السالم من الّسيانيني؛ بمعنى أنه أصبح منهم‬
‫ِ‬
‫وعيشه معهم بعدما نزل من اجلنة‪ ،‬وتكلم بلساَنم‪ ،‬فمعنى ذلك أنه‬ ‫ِ‬
‫بمخالطته هلم‬
‫مسبوق بنسل‪ ،‬وهذا يعني أنه وجد ٌ‬
‫نسل قبله عليه السالم‪ ،‬فهو مسبوق ببرش وليس أوهلم‬ ‫ٌ‬
‫يف األرض‪.‬‬
‫االحتمل الثاين‪ :‬أن آدم عليه السالم أبو الّسيان‪ ،‬وأَنم انحدروا منه بعد نزوله‬
‫من اجلنَّة‪ ،‬وكان يتكلم الّسيانية‪ .‬وهنا يمكن القول أن الّسيان جنسهم منفصل عن‬
‫الصينني مثالً‪ ،‬وال يمكن لّسياين أن يكون أب ًا للصينني‪ ،‬فذاك ِجن ْس وقدَ ماء الصينيني‬
‫جنس آخر بدليل أن كِالَ من الشعبني كانا م َتع ِ‬
‫ارصين –فإن الصني كشعب ثم كحضارة‬ ‫َ‬
‫زمنها متقدم‪ )1(،-‬وتلك حضارة واألخرى حضارة منفصلة‪ ،‬وال يوجد بني الشعبني َش َبه‬

‫)‪ - (1‬فاألقوام املزارعة كانت تعيش يف الصني منذ حويل عرشة آالف ‪ 10.000‬سنة‪ ،‬وثقافة صينية‬
‫م َت َم َّيزة كان يمكن ُتييزها ابتداء من ستة ‪ 6000‬سنة من اآلن‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪https://www.metmuseum.org/toah/hd/cneo/hd_cneo.htm‬‬
‫‪http://news.bbc.co.uk/2/hi/asia-pacific/6669569.stm‬‬
‫أما عن أقدم آثار اإلنسان يف الصني‪ ،‬فهي قديمة إذ يرجع أقدم عظم برشي اكتشف يف تلك املنطقة‪،‬‬
‫والذي اشتهر حتت اسم رجل بيكني ‪ Peking Man‬إىل حوايل سبعمئة وثمنني ألف سنة ‪780.000‬‬
‫سنة بحسب تقنيات تأريخ زمني حديثة‪ .‬أما عن كيفية ِحساب مثل هذه األزمنة البعيدة والتي ت َعد‬
‫بمئات وماليني السنني‪ ،‬والتي عاش يف بعضها اإلنسان القديم؛ فهي تعتمد عىل تقنيات تَأْريخ حديثة‪،‬‬
‫بقياس إشعاع أيونات حمددة وتصوير شعاعي دقيق خمتلف عن الكاربون أربعة عرش (‪ )c14‬املشهور‬
‫ألنه اليصلح حلساب هذه األزمنة البعيدة‪ ،‬وإنم ي ْس َتعمل الكربون أربعة عرش يف حساب تأريخ العظام‬
‫وبعض األثار التي ال يتجاوز عمرها عرشات اآلالف من السنني (حوايل أربعني ألف سنة)‪ ،‬أما يف‬
‫تأريخ األزمنة األبعد التي تعد بمئات اآلالف من السنني فأكثر؛ فإنه يستعمل يف ذلك قياس إشعاع‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪103 -------‬‬

‫ِخلْقي‪ ،‬أو تقارب مكاين‪ ،‬بل بينم آالف األميال‪ ،‬ومل أسمع من جعل نسبا قريبا بينهم‪،‬‬
‫فكيف يكون آدم عليه السالم الّسياين أبا للصينيني ؟‪ .‬بالرغم كذلك من أنه مل نسمع يف‬
‫ِعلمنا أنه من علمء اآلثار أو علمء اإلنسان من جعل أن الصينيني وشعوب أخرى؛‬
‫كاألفارقة أو األسرتاليني األصليني أو اإلسكمو أو اهلنود احلمر األمريكيني ِم ْن نسل‬
‫الّسيان وأبنائهم كون هذه الشعوب كانت متعارصة‪.‬‬ ‫ِ‬

‫أضف إىل ذلك أن الّسيان كحضارة قد ال َتفوق نصف األلف الثالثة قبل‬
‫امليالد‪ ،‬أي حوايل ‪ 2500‬قبل امليالد‪ ،‬فهي بذلك قديمة لكن ليست أقدم من احلضارة‬
‫املرصية مثال‪ ،‬والتي تقدر بِدايتها قبل األلفية الثالثة قبل امليالد‪ ،‬أي حوايل ‪ 3150‬قبل‬
‫امليالد‪ .‬أما من ناحية الّسيانية بعباداهتا وشعبها ولغتها وثقفتها ومدَنا فهي قديمة نواعا‬
‫ما‪ ،‬إ ْذ يقدرها الباحثون إىل قرابة األلفية الرابعة قبل امليالد‪ ،‬أي حوايل ‪ 3800‬قبل‬
‫بالر ْغم ِمن هذا التقدم الن ْسبِي مقارنة مع بعض احلضارات إال أن‬
‫امليالد‪ )1(،‬لكن َّ‬

‫أيونات مثل‪ :‬الربيليوم الـمشع ‪ ،Béryllium 10‬واأللومينيوم الـمشع ‪،Aluminium-26‬‬


‫والبوتاسيوم أرغون ‪ ،Potassium-Argon‬والرنني املغناطييس اإللكرتوين ‪(ElecTron‬‬
‫)‪– paramagneTic resonance‬يبلغ مداه إىل مخسة ماليني ‪ 5‬ماليني يف تأريخ العظام‪ -‬وغريها‬
‫من املواد والطرق التي قد يؤرخ هبا أزمنة بمئات وبماليني السنني‪ ،‬وخيتلف استعمله هذه الطرق‬
‫حديثة‪)1(.-‬انظر‪:‬‬ ‫وآالت‬ ‫تقنيات‬ ‫باستعمل‬ ‫الـمقاسة‬ ‫احلالة‬ ‫بحسب‬
‫‪http://www.archeologiesenchantier.ens.fr/spip.php?article9‬‬
‫‪http://acces.ens-‬‬
‫‪lyon.fr/acces/thematiques/paleo/variations/paleoclimats/syntheses/datatio‬‬
‫‪n-des-echantillons/les-techniques-de-datation-1‬‬
‫‪https://www.nature.com/articles/nature07741‬‬
‫)‪ -(1‬والظاهر أنه ال يزال جيهل العلمء تاريخ ظهور اللغة الّسيانية بالضبط‪ ،‬والتي قد يمكن معرفته‬
‫من إعطاء معلومات أكثر حول ظهور الّسيان كشعب‪ ،‬يقول جربائيل صوما يف كتابه الثقافة‬
‫الّسيانية‪ " :‬أصبحت اللغة الّسيانية بعد ظهورها ومرور األزمنة عليها واألجيال‪ ،‬فال يمكن لإلنسان‬
‫أن يعرف زمن ظهورها بالضبط ‪ ...‬وقد ظهرت هذه اللغة يف بالد ما بني النهرين ومنها انتقلت إىل‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪104 --------------‬‬

‫الّسيانيني كشعب بعيدون جدا عن اآلثار القديمة املكتشفة لإلنسان؛ فحتى عىل سبيل‬
‫املثال لو زدنا حترزا ألف سنة أخرى يف زمن الّسيان‪ ،‬فإننا نصل إىل حوايل اخلمس آالف‬
‫سنة قبل امليالد‪ ،‬أي قرابة سبع آالف سنة من اآلن ‪ -‬وهو الزمن التقريبي آلدم عليه‬
‫السالم ‪ )1(-‬فهذا بعيد جدا عن زمن تواجد اإلنسان يف كثري من األماكن يف العامل‪ ،‬والذي‬
‫ي َعد بعرشات اآلالف‪ ،‬بل بمئات آالف‪ ،‬بل بماليني السنني‪ - ،‬كم سيأيت إن شاء اهلل‬
‫الكالم عىل ذلك يف الفصل الثالث‪ :‬هل ِ‬
‫العلْم يثبت وجود إنسان قبـل آدم عليه السالم؟‪-‬‬
‫وهنا يتبني أنه يف كل هذه االحتمالت ال بد أن يكون آدم عليه السالم ليس أبا لكل‬
‫ِ‬
‫ومعارص ألناس آخرين ليسوا من جنسه‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫مسبوق بناس‪،‬‬ ‫الناس‪ ،‬و َيتبني أنه‬

‫مناطق عديدة وامتدت إىل أقطار كثرية وعمت البالد التي وطئتها أقدام الشعوب الّسيانية كالبابلني‬
‫والكلدانيني والكنعانيني (األموريني الفينيقيني) واآلراميني وقد سميت هذه الشعوب بحسب أسمء‬
‫املناطق التي سكنوها وكان ذلك حتي األجيال املتأخرة وقبل امليالد عرفت باللغة الّسيانية‪...‬عرفة‬
‫اللغة الّسيانية باسم اللغة الكلدانية أو اليابلية يف أوائل اجليل الرابع قبل املسيح يف إقليم أ َك ْد وسومر‬
‫الواقعة يف جنوب ما بني النهرين‪ ،‬إذ آنذاك مل تكن خترج من ضمن حدود املنطقة وحملها‪ ،‬ويعترب زمن‬
‫ظهورها بالنسبة لإلنسان جمهوال وحتى زمن حياهتا أيضا‪ ،‬وهلذا السبب نكتفي بمبدأ كالمنا منذ زمن‬
‫ثقافتها الكائنة منذ األلف الرابع قبل املسيح سنة ‪ 3800‬ق‪.‬م‪ .‬حيث أخذت تنترش اللغة إىل خارج‬
‫حدود األكاديني بواسط ة الفتوحات واالنتصارات التي قام هبا امللك ْسجون األول (األكدي‬
‫مؤسس الدولة األكدية ما بني النهرين ‪ 2470-‬ق‪.‬م ‪ 2418‬ق‪.‬م‪ -‬ومنذ ذلك احلني أخذت اللغة‬
‫تنترش إىل بالد أخرى تدرجييا ‪ ."...‬جربائيل صوما‪ ،‬الثقافة الّسيانية‪ ،‬ترمجة الشمس بطرس قاشا‪،‬‬
‫مركز دراسة الوحدة العربية‪ ،‬ص‪ .35-34‬قلت‪ :‬وحتى لو زدنا للّسيان ولغتهم وثقافتهم ألفني أو‬
‫ثالث آالف سنة فلن يصلوا إىل األثر اإلنساين الذي اكتشف يف األرض‪ ،‬والذي ي َعد بمآت اآلالف‬
‫سنة بل يفوق املليون سنة بكثري‪.‬‬
‫)‪ -(1‬يف ما َخيص هذا الزمن آلدم عليه السالم انظر‪ :‬سامي بن عبد اهلل املغلوث‪ ،‬أطلس األنبياء‪ ،‬ص‬
‫‪ .50‬وسيأيت بعد قليل إن شاء اهلل مزيد بحث وأدلة يف زمن آلدم عليه السالم‪.‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪105 -------‬‬

‫دليل‪ :‬زمن آدم عليه السالم ال يتجاوز السبعة آالف سنة ‪ 7.000‬استنادا عىل‬
‫حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم مع مجعه ببعض آثار الصحابة والتابعني‪:‬‬
‫ِ‬
‫قرون‪ ،‬وبني نوحٍ‬ ‫قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪( :‬كان بني آد َم ونوحٍ عرشة‬
‫قرون)‪ ،‬وتبقى ِح َساب الـمدة بني إبراهيم وحممد صىل اهلل عليهم وسلم‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫وإبراهيم عرشة‬
‫والتي هي مدة يف مجلتها قصرية كم تدل آثار الصحايب عبد هلل بن عباس والتابعني مقارنة‬
‫بني آثار البرش وبقاياهم التي يقدر زمن بعضها بمئات اآلالف من السنني بل يفوق‬
‫املليون سنة‪:‬‬
‫ِ‬
‫قرون‪ ،‬وبني‬ ‫قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪( :‬كان بني آد َم ونوحٍ عرشة‬
‫ٍ‬
‫قرون)‪)1(.‬‬ ‫نوحٍ وإبراهيم عرشة‬
‫وروى الطرباين من حديث أيب أمامة ريض اهلل عنه‪ ( :‬أن رجالً قال‪ :‬يا رسول‬
‫اهلل ! أنبي كان آدم ؟ قال‪ ":‬نعم‪ ،‬مع َّل ٌم مك َّل ٌم "‪ .‬قال‪ :‬كم بينه وبني نوح؟ قال‪ ":‬عرشة‬
‫قرون "‪.‬قال‪ :‬كم كان بني نوح وإبراهيم ؟ قال‪ ":‬عرشة قرون "‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل !‬
‫كم كانت الرسل؟ قال‪" :‬ثالث مئة ومخسة عرش‪ ،‬مج ًا غفري ًا "‪)2().‬‬

‫هاذان احلديثان رصحيان عن النبي صىل اهلل عليه وسلم يف كون الزمن بني آدم‬
‫ونوح عليهم السالم هو ألف سنة‪ ،‬وبني نوح وإبراهيم عليهم السالم هو ألف سنة‬

‫وصححه‬
‫)‪ -(1‬أخرجه احلاكم (‪ ، )262/2‬والطرباين يف "املعجم الكبري" (‪َ ،)139-145/8‬‬
‫األلباين يف السلسلة الصحيحة‪ ،‬رقم ‪.852/7 ،3289‬‬
‫)‪ -(2‬رواه الطرباين يف املعج األوسط (‪ 398/2/24/1‬ترقيم األلباين)‪ ،‬قال احلاكم‪" :‬صحيح عىل‬
‫رشط مسلم "‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ ،‬و قال اهليثمي‪":‬رواه الطرباين‪ ،‬ورجاله رجال الصحيح؛ غري أمحد بن‬
‫خليد احللبي‪ ،‬وهو ثقة"‪ .‬وكذلك َص َّح َحه األلباين يف سلسلة الصحيحة‪ ،‬انظر‪ :‬األلباين‪ ،‬سلسلة‬
‫األحاديث الصحيحة‪.852/7 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪106 --------------‬‬
‫العلمء‪)1(،‬‬ ‫كذلك‪ ،‬وهذا عىل من قال أن القرن املقصود هو مائة سنة وهو املشهور بني‬
‫وحتى إن كان هذان احلديثان مل يذكر فيهم النبي صىل اهلل عليه وسلم الزمن بينه وبني‬
‫آدم عليه الصالة والسالم‪ ،‬إال أنه ذكر أمرا م ِه َّم يف تِب َيان الزمن بني نوح وإبراهيم وأبيهم‬
‫آدم عليهم الصالة والسالم‪ ،‬والذي سيساعد كثريا إن شاء اهلل يف حتديد الزمن بني حممد‬
‫وبني أبينا آدم صىل اهلل عليهم وسلم‪.‬‬

‫يرض هنا يف هذا االستدالل‪ ،‬ألنه من أكثر‬


‫‪ -‬اختالف العلمء يف تقدير القرن‪ ،‬لكن هذا اختالف ال َّ‬
‫)‪(1‬‬

‫ما قيل فيه هو مائة وعرشين سنة كم نقل ابن حجر‪ ،‬ما جيعل زيادة نسبة االرتياب يف احلساب هنا قرابة‬
‫عرشين سنة لكل قرن‪ ،‬أي عرشين مرضوب يف عرشين‪ ،‬أي أربع مائة سنة ما بني نوح وإبراهيم عليهم‬
‫السالم‪ ،‬وهذا ال يصل إىل مئات اآلالف من السنني أو أكثر من مليون سنة من وجود البرش‪ ،‬كم‬
‫سنكمل الربهان عىل ذلك إن شاء اهلل تعاىل‪ ،‬يقول ابن حجر يف فتح الباري ‪َ " :‬ويطْ َلق ا ْل َق ْرن عَ َىل مدَّ ٍة‬
‫ني َو َال‬ ‫السبْ ِع َ‬
‫رص َح بِ َّ‬
‫ِ‬
‫ين َلك ْن َملْ َأ َر َم ْن َ َّ‬ ‫رش َ‬ ‫رش ِة َأع َْوا ٍم إِ َىل ِمائ ٍَة َو ِع ْ ِ‬ ‫ان واخ َت َلفوا ِيف َ ْ ِ ِ ِ‬
‫حتديد َها م ْن عَ َ َ‬
‫ِ‬
‫الز َم َ ْ‬ ‫م َن َّ‬
‫ِ‬
‫ني و َق ْد و َقع ِيف ح ِد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ني ال َّثالَثِ َ‬ ‫رش ٍة َو َما عَ دَ ا َذل ِ َك َف َق ْد َق َال بِ ِه َقائِ ٌل َو َذك ََر ْ‬
‫اجلَ ْو َه ِري َب ْ َ‬ ‫ٍ‬
‫يث‬ ‫ني َوالث ََّمن َ َ َ َ َ‬ ‫بِ ِمئَة َوعَ َ َ‬
‫احب ا ْ َمل َطال ِ ِع ا ْل َق ْرن أ َّم ٌة‬ ‫ّس ِعن ْدَ مسلِ ٍم ما يدل عَ َىل َأ َّن ا ْل َقر َن ِمائ ٌَة وهو ا ْملَشْ هور و َق َال ص ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫اَّللِ ْب ِن ب ْ ٍ‬ ‫ِ‬
‫عَ بْد َّ‬
‫يث عَ بْ ِد اهلل بن بّس َو ِهي ماعند َأ ْكث َِر َأ ْه ِل ا ْل ِعر ِ‬
‫اق َو َ ْمل‬ ‫ت ا ْل ِمئَة ِيف ح ِد ِ‬
‫َ‬
‫َت َف َلم يب َق ِمن ْهم َأحدٌ و َثب َت ِ‬
‫ْ َ َ َ‬ ‫َه َلك ْ ْ َ ْ‬
‫َ‬
‫ني ث َّم َق َال َه َذا ه َو ا ْل َقدْر ا ْمل َت َوسط ِم ْن َأع َْم ِر‬ ‫رش إِ َىل َسبْ ِع َ‬ ‫ني َو َذك ََر ِم ْن عَ ْ ٍ‬‫اخلَ ْم ِس َ‬
‫احب ا ْمل ْح َك ِم ْ‬ ‫ي ْذكر ص ِ‬
‫َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫حي َم َل‬ ‫َأ ْه ِل كل زَ َم ٍن َو َه َذا َأعْدَ ل ْاألَ ْق َوال َوبِه رصح بن ْاألَع َْر ِايب َو َق َال إِنَّه َمأْخو ٌذ م َن ْاألَ ْق َران َوي ْمكن َأ ْن ْ‬
‫ون َذلِ َك َفالَ‬ ‫اعدً ا َأ َّما َم ْن َق َال إِنَّه د َ‬ ‫ون َفص ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫خ َتلِف ِم َن ْاألَ ْق َو ِ‬
‫ال ا ْمل َت َقد َمة ّم َّ ْن َق َال إِ َّن ا ْل َق ْر َن َأ ْر َبع َ َ‬ ‫عَ َليْ ِه ا ْمل ْ‬
‫ِ‬
‫اَّلل َأ ْع َلم ‪ "...‬ابن حجر العسقالين‪ ،‬فتح الباري رشح صحيح البخاري‪ ،‬دار‬ ‫َيلْ َتئم عَ َىل َه َذا ا ْل َق ْو ِل َو َّ‬
‫املعرفة‪ ،‬بريوت‪1379 ،‬ه‪ .5/7 ،‬ونص احلديث الذي يؤيد القول أن القرن هنا مائة سنة‪ ،‬وهو احلدث‬
‫الذي أشار إليه ابن حجر أي قول النبي صىل اهلل عليه وسلم الذي يرويه عبد اهلل بن بّس‪َ ( :‬حدَّ َثنَا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل ْب َن‬‫حم َّمد ْبن ا ْل َقاس ِم ال َّطائي‪َ ،‬ق َال‪َ :‬سم ْعت عَ بْدَ َّ‬ ‫حي َيى ْبن َصال ِ ٍح‪َ ،‬ق َال‪ :‬نا َ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫إِ ْب َراهيم ْبن َسعيد‪َ ،‬ق َال‪ :‬نا َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب ٍ ِ‬
‫اَّلل َص َّىل اهلل عَ َليْه َو َس َّل َم‪َ ( :‬لتد ِْرك َّ‬
‫َن َق ْرنًا) ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َب َل َغنَا َأنَّه‬ ‫اَّلل عَ ن ْه َيقول‪َ :‬ق َال ِيل َرسول َّ‬‫يض َّ‬
‫ّس‪َ ،‬ر َ‬ ‫ْ‬
‫َت عَ َليْ ِه ِمائَة َسن ٍَة )‪ ،‬أخرجه البزار يف مسنده‪ ،430/8 ،‬وحكم احلديث حسن‪ ،‬انظر‪ :‬مقبل بن هادي‬ ‫َأت ْ‬
‫الوادعي‪ ،‬اجلامع الصحيح ّما ليس يف الصحيحني‪ ،‬مكتبة بن تيمية‪ ،‬ط األوىل‪ ،‬القاهرة‪1416 ،‬ه‪-‬‬
‫‪1995‬م‪.417/3 ،‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪107 -------‬‬

‫إن أول إشارة م ِهمة يمكن استخالصها من احلديثني السابقني هي‪ :‬أنه من‬
‫املـحال أن يتصور أنه كان الزمن بني آدم وإبراهيم عليهم السالم ألفي سنة – مجعا بني‬
‫احلديثني – أن يكون الزمن بني إبراهيم وحممد صىل اهلل عليه وسلم مئات اآلالف من‬
‫السنني فضال عن ماليني السنني‪ ،‬ألنه ما يمكن تصوره يف الزمن بني إبراهيم وحممد صىل‬
‫اهلل عليهم وسلم أن يكون يعد ما بني ألفني إىل أربع آالف سنة‪ ،‬وأقىص ما يمكن تصوره‬
‫يف ذلك أن ال يتجاوز بضع آالف من السنني ال أكثر‪.‬‬
‫ويمكن البحث يف حساب هذا التاريخ الذي ينقصنا من أكثر من طريق‪ ،‬من‬
‫طريق خربي ومن طريق علمي حديث –‪ ،-science‬وسأكتفي هنا بإذن اهلل بالطريق‬
‫اخلربي وأؤجل الطريق العلمي إىل " فصل‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلْم وجود إنسان قبل آدم عليه‬
‫السالم ؟ "‪ ،‬وأشري أن الربهان الذي يستند عىل العلم احلديث سوف يبحث يف زمن‬
‫الطوفان‪ ،‬وبعد إثباته إن شاء اهلل يبقى فقط زيادة ألف سنة التي بني نوح وآدم عليم‬
‫السالم التي ثبتت يف احلديث الصحيح عن النبي صىل اهلل عليه وسلم الذي مر معنا‪ ،‬أما‬
‫اآلن سأذكر أدلة خربية قد تكفي لوحدها ملعرفة الزمن التقريبي آلدم عليه السالم‪ ،‬وهذا‬
‫بالبحث عن ت ْك ِم َلة الزمن بني إبراهيم وحممد صىل اهلل عليهم وسلم‪ ،‬وكل هذا بإذن اهلل‬
‫تعاىل‪.‬‬
‫جاءت بعض اآلثار عن الصحايب ترمجان القرآن عبد اهلل ابن عباس ريض اهلل‬
‫عنهم‪ ،‬والتابعي الكبري قتادة‪ ،‬وعن بعض العلمء كذلك‪ ،‬إذ نّسد إن شاء اهلل اآلثار التي‬
‫نسبت إليهم كالتايل‪:‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪108 --------------‬‬

‫ني آ َد َم َونوحٍ َأ ْلف‬ ‫روى احلاكم يف مستدركه عن ابن عباس‪َ " :‬ق َال ا ْبن َع َّباس‪َ :‬و َب ْ َ‬
‫وسى‬ ‫ني م َ‬ ‫وسى َسبْع ِمائ َِة َسن ٍَة‪َ ،‬و َب ْ َ‬ ‫يم َوم َ‬
‫ِ‬ ‫يم َأ ْلف َسن ٍَة‪َ ،‬و َب ْ َ‬
‫ني إِ ْب َراه َ‬
‫ِ‬ ‫َسن ٍَة‪َ )1(،‬و َب ْ َ‬
‫ني نوحٍ َوإِ ْب َراه َ‬
‫َة سن ٍَة "‪)2(.‬‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ني ِعيسى و َ ٍ‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫حم َّمد َص َّىل اهلل َع َليْه َو َس َّل َم ست مائ َ‬ ‫يسى َمخْس مائَة َسنَة‪َ ،‬و َب ْ َ َ َ‬ ‫َوع َ‬
‫ود َّقة يف البحث قد ر ِو َي حديث آخر عن بن عباس يقول فيه‪ " :‬ك َ‬
‫َان‬ ‫وملزيد أمانة ِ‬

‫يسى بن مريم الف سنه وتسعمئة َسن ٍَة‪َ ،‬و َملْ َيك ْن َبيْنَه َم َف ْ َرتةٌ‪َ ،‬وإِنَّه‬ ‫ني موسى ب ِن ِعمر َ ِ‬
‫ان َوع َ‬ ‫َْ‬ ‫َب ْ َ َ ْ‬
‫ني ِم ِ‬
‫يالد‬ ‫َان َب ْ َ‬ ‫ري ِه ْم‪َ ،‬وك َ‬ ‫أ ْر ِس َل َبيْنَهم َأ ْلف نَبِ ٍّي ِم ْن َبنِي إِ ْْس ِائ َيل‪ِ ،‬س َوى َم ْن أ ْر ِس َل ِم ْن َغ ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ون سن ٍَة "‪)3(.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عيسى والنبي مخسمئة َوت ْس ٌع َوست َ َ‬
‫وروى السيوطي يف تفسريه الدرر املنثور‪َ " :‬عن َق َتا َدة َق َال‪ :‬ك َ‬
‫َان َبني آدم ونوح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وسى‬
‫وسى ألف سنة َو َبني م َ‬ ‫ألف سنة َو َبني نوح َوإِ ْب َراهيم ألف سنة َو َبني إِ ْب َراهيم وم َ‬
‫ستمئَة سنة "‪)4(.‬‬ ‫حممد ِ‬
‫يسى َو َ‬ ‫ِ‬ ‫يسى َأ ْر َب ِ‬ ‫ِ‬
‫عمئَة سنة َو َبني ع َ‬ ‫َوع َ‬
‫وروى الطربي يف تارخيه وابن سعد يف الطبقات الكربى (واللفظ للطربي)‪" :‬‬
‫حم َّمد ْبن َس ْع ٍد‪َ ،‬ق َال‪َ :‬حدَّ َثنَا حممد بن ع َم َر ْب ِن َو ِاق ٍد‬
‫حدثني احلارث ْبن حممد‪َ ،‬ق َال‪َ :‬حدَّ َثنَا َ‬
‫ني آ َد َم ونوح عرشة قرون‪ ،‬والقرن‬ ‫اح ٍد ِم ْن َأ ْه ِل ا ْل ِعلْ ِم‪َ ،‬قالوا‪ :‬ك َ‬
‫َان َب ْ َ‬ ‫ري و ِ‬ ‫ِ‬
‫األَ ْس َلمي‪َ ،‬ع ْن َغ ْ ِ َ‬
‫مائة سنة‪ ،‬وبني نوح وإبراهيم عرشة قرون‪ ،‬والقرن مائة سنة‪ ،‬وبني إبراهيم وموسى بن‬
‫عمران عرشة قرون‪ ،‬وا ْل َقرن ِمائَة سن ٍَة‪)5( ".‬‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬

‫)‪ -(1‬وهذا ما ي َقوي القول أن َ‬


‫القرن هو مئة سنة‪ ،‬إذ ورد يف حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم السابق‬
‫أنه بني آدم ونوح عليهم السالم عرشة قرون‪ ،‬وهنا يف حديث عبد اهلل بن عباس ريض اهلل عنهم ألف‬
‫سنة‪ ،‬فعرشة قرون هي ألف سنة عىل أرجح األقوال‪.‬‬
‫)‪ -(2‬رواه احلاكم يف مستدركه‪ ،654/2 ،‬وانظر‪ :‬السيوطي يف الدرر املنثور‪ ،‬حتقيق عبد املحسن‬
‫الرتكي‪ ،‬ط أوىل‪ ،‬مركز هجر‪ ،‬القاهرة‪1424 ،‬ه‪2003-‬م‪.138/5 ،‬‬
‫)‪ -(3‬رواه الطربي يف تارخيه‪.236/2 ،‬‬
‫)‪ -(4‬رواه السيوطي‪ ،‬الدرر املنثور‪.138/5 ،‬‬
‫)‪ -(5‬رواه الطربي يف تارخيه‪ ،235/2 ،‬ابن سعد الطبقات الكربى ‪.44/1‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪109 -------‬‬

‫وروى كذلك الطربي يف تارخيه عن التابعي وهب بن منبه قوله‪" :‬قد خال من‬
‫الدنيا مخسه آالف سنه وستمئه سنة‪)1(".‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫قال ابن حجر‪َ " :‬و َقد ا َّت َف َق َأ ْهل النَّ ْق ِل َع َىل َأ َّن مدَّ َة ا ْل َيهود إِ َىل َب ْعثَة النَّبِي َص َّىل َّ‬
‫اَّلل‬
‫َة‪)2( " .‬‬ ‫َت َأ ْكثَر ِمن َأ ْل َفي سن ٍَة ومدَّ َة النَّصارى ِمن َذل ِ َك ِست ِمئ ٍ‬ ‫َع َليْ ِه َو َس َّل َم كَان ْ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ ْ َ َ‬
‫رشح هذه اآلثار وحساب زمن آدم عليه السالم‪:‬‬
‫ني آ َد َم َونوحٍ َأ ْلف َسن ٍَة‪،‬‬‫أثر عبد اهلل بن عباس ريض اهلل عنه‪َ :‬ق َال ا ْبن َع َّباس‪َ :‬و َب ْ َ‬
‫ِ‬ ‫وسى َسبْع ِمائ َِة َسن ٍَة‪َ ،‬و َب ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫يم َأ ْلف َسن ٍَة‪َ ،‬و َب ْ َ‬ ‫ِ‬
‫يسى‬ ‫وسى َوع َ‬ ‫ني م َ‬ ‫يم َوم َ‬ ‫ني إِ ْب َراه َ‬ ‫ني نوحٍ َوإِ ْب َراه َ‬
‫َو َب ْ َ‬
‫حم َّم ٍد َص َّىل اهلل َع َليْ ِه َو َس َّل َم ِست ِمائ َِة َسن ٍَة "‪ .‬فمن خالل‬ ‫يسى َو َ‬ ‫َمخْس ِمائ َِة سن ٍَة‪ ،‬وب َ ِ‬
‫ني ع َ‬ ‫ََْ‬ ‫َ‬
‫هذا األثر لعبد اهلل بن عباس نجد أن الزمن بني إبراهيم وحممد صىل اهلل عليهم وسلم‬
‫هو ألف وتسع مائة سنة‪ ،‬أي بعد عملية مجع بني فرتات ما بني إبراهيم وموسى وعيسى‬
‫وحممد صىل اهلل عليهم وسلم‪ ،‬وإذا أضفنا هذا العدد إىل األلفي سنة التي بني آدم‬
‫وإبراهيم صىل اهلل عليهم وسلم كم جاء يف حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم السابق‪،‬‬
‫سوف نخلص إىل ثالثة آالف وثمن مائة سنة ‪ 3800‬سنة تفصل حممد عن أبيه آدم صىل‬
‫اهلل عليهم وسلم‪ ،‬وإذا أضفنا إىل ذلك الـمدة التي تفصلنا عن النبي حممد صىل اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬أي ألف وأربع مائة سنة‪ ،‬فسوف نحصل يف هذه احلالة عىل مدة إمجالية بني آدم‬
‫عليه السالم وزمننا تقدر ب ــخمسة آالف ومائتان سنة ‪ 5200‬سنة‪.‬‬
‫وملزيد حتري نرجع إىل الرواية األخرى لعبد اهلل بن عباس ريض اهلل عنهم الذي‬
‫ٍ‬ ‫ني موسى ب ِن ِعمر َ ِ‬
‫يسى بن مريم الف سنه وتسعمئة َسنَة‪َ ،‬و َملْ‬ ‫ان َوع َ‬ ‫َْ‬ ‫َان َب ْ َ َ ْ‬ ‫يقول فيها‪ " :‬ك َ‬
‫َيك ْن َبيْنَهم َف ْ َرتةٌ‪َ ،‬وإِنَّه أ ْر ِس َل َبيْنَهم َأ ْلف نَبِ ٍّي ِم ْن َبنِي إِ ْْس ِائ َيل‪ِ ،‬س َوى َم ْن أ ْر ِس َل ِم ْن َغ ْ ِ‬
‫ري ِه ْم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ون َسنَة "‪ ،‬فإذا استندنا إىل هذه الرواية‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني ميالد عيسى والنبي مخسمئة َوت ْس ٌع َوست َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َوك َ‬
‫َان َب ْ َ‬
‫فسوف نجد أهم اختالف بني األوىل وهذه‪ ،‬وهذا االختالف هو أساسا يف الزمن بني‬

‫)‪ - (1‬رواه الطربي يف تارخيه‪.236/2 ،‬‬


‫)‪ -(2‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪.449/4 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪110 --------------‬‬

‫موسى وعيسى صىل اهلل عليهم وسلم‪ ،‬إذ أن الرواية األوىل تقدره ب ــخمس مائة سنة بينم‬
‫هذه تقدره بألف وتسع مائة سنة‪ ،‬فإذا أخذنا الرواية يف هذه احلقبة األكثر طوال وزدناها‬
‫إىل األوىل وحسبناها‪ ،‬فإننا نجد أن الزمن بني النبي حممد صىل اهلل عليه وسلم وأبيه آدم‬
‫صىل اهلل عليه وسلم هو مخسة آالف ومائتان سنة ‪ 5200‬سنة‪ ،‬ويصبح الزمن بيننا وبني‬
‫آدم صىل اهلل عليه وسلم بعد زيادة األلف وأربع مائة سنة‪ ،‬ستة آالف وست مائة سنة‬
‫‪ 6600‬سنة‪.‬‬
‫َان َبني آدم ونوح ألف سنة َو َبني‬ ‫أثر قتادة بن دعامة السدوِس‪َ " :‬عن َق َتا َدة َق َال‪ :‬ك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يسى َأ ْر َب ِ‬
‫عمئَة‬ ‫وسى َوع َ‬
‫وسى ألف سنة َو َبني م َ‬ ‫نوح َوإِ ْب َراهيم ألف سنة َو َبني إِ ْب َراهيم وم َ‬
‫حممد ِستمئَة سنة "‪ ،‬من خالل أثر قتادة نجد أن املدة بني إبراهيم وحممد‬ ‫يسى َو َ‬ ‫ِ‬
‫سنة َو َبني ع َ‬
‫صىل اهلل عليهم وسلم هي ألفي سنة‪ ،‬وإذا أضفنا األلفني التي تفصل آدم عن إبراهيم‬
‫صىل اهلل عليهم وسلم نجد أربع آالف سنة ‪ 4000‬سنة‪ ،‬وهي املدة التي تفصل آدم عن‬
‫حممد صىل اهلل عليهم وسلم‪ ،‬وإذا أضفنا ألف وأربع مائة سنة من بعثة حممد صىل اهلل‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فسوف نحصل عىل املدة التي تفصلنا بآدم عليه السالم وهي مخسة آالف‬
‫وأربع مائة سنة ‪ 5400‬سنة‪.‬‬
‫ني آ َد َم‬ ‫األثر الذي رواه الطربي عن غري واحد من أهل العلم‪َ :‬قالوا‪ ":‬ك َ‬
‫َان َب ْ َ‬
‫ونوح عرشة قرون‪ ،‬والقرن مائة سنة‪ ،‬وبني نوح وإبراهيم عرشة قرون‪ ،‬والقرن مائة سنة‪،‬‬
‫وبني إبراهيم وموسى بن عمران عرشة قرون‪َ ،‬وا ْل َق ْرن ِمائَة َسن ٍَة"‪ ،‬من خالل هذا األثر‬
‫نجد الزمن بني موسى وإبراهيم هو ألف سنة‪ ،‬وهو زمن معقول ينطبق مع أثر قتادة‬
‫ويقرتب من أثر عبد اهلل بن عباس األول‪.‬‬
‫أثر التابعي الكبري وهب بن منبه‪" :‬قد خال من الدنيا مخسة آالف سنه وستمئه‬
‫سنة‪ ".‬الظاهر أن وهب بن منبه قد حسب الزمن بينه ‪-‬أي أهل زمانه‪ -‬وبني آدم عليه‬
‫السالم‪ ،‬بدليل أن الطربي أورد هذا األثر مع أثر عبد اهلل بن عباس السابق وغريه يف ذكر‬
‫الفرتات بني آدم عليه السالم وبني غريه من األنبياء‪ ،‬وهذا التعبري من وهب يشري أنه كان‬
‫يظن أن الدنيا تبدأ مع آدم عليه السالم وربـَّم هذا لِم قد كان شائعا قديم وبخاصة عند‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪111 -------‬‬

‫أهل الكتاب من أن خلق البرش والدنيا قد بدأ مع آدم عليه السالم ومن املعلوم أن هذا‬
‫الظن ليس بصحيح‪ ،‬أو كان تعبريه هو عن آدم عليه السالم ببداية الدنيا‪ ،‬وربم أيضا كان‬
‫هذا نتاج سوء فهم األيام الستة التي خلق اهلل فيها اخللق بحيث جعلوها عىل أَنا أيام ًا‬
‫كأيامنا نحن‪ .‬أما عن املصدر األصيل هلذا اخلرب من وهب بن منبه رمحه اهلل؛ فربم كان‬
‫من أثر أخبار أهل الكتاب كون وهب بن منبه كان عالم بأخبارهم(‪ِ ،)1‬وب َغض النظر عن‬
‫هذا التقدير‪ ،‬فإن الذي َهيمنا من حديث وهب هذا‪ ،‬هو التقدير الزمني آلدم عليه السالم‪،‬‬
‫والذي هو مخسه آالف سنه وستمئه سنة من زمن هذا التابعي الذي عاش يف القرن األول‬
‫بعد هجرة النبي صىل اهلل عليه وسلم؛ فإنه ينتج لنا بعد أن نزيد ألف أربع مائة سنة التي‬
‫مضت من وهب بن منبه إىل زمننا إىل هذا الرقم الذي ذكره سبع آالف سنة من آدم عليه‬
‫السالم‪ ،‬أي ‪ 5600‬زائد ‪ 1400‬يساوي ‪ 7000‬سنة‪ ،‬وهذا ما يقرتب من التقدير‬
‫املشهور الذي ذكر يف زمن آدم عليه السالم‪ ،‬وهو كذلك بعيد عن أثر اإلنسان الذي ي َقدَّ ر‬
‫بمئات اآلالف من السنني‪ ،‬بل يفوق املليون سنة بكثري‪.‬‬
‫ود إِ َىل َب ْعثَ ِة‬
‫قول ابن حجر العسقالين‪ " :‬و َق ِد ا َّت َف َق َأهل النَّ ْق ِل َع َىل َأ َّن مدَّ َة ا ْليه ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َت َأ ْكث ََر ِم ْن َأ ْل َف ْي َسن ٍَة َومدَّ َة الن ََّص َارى ِم ْن َذل ِ َك ِست ِمئ ٍَة‪".‬‬
‫اَّلل َع َليْ ِه َو َس َّل َم كَان ْ‬
‫النَّبِي َص َّىل َّ‬
‫وهذا القول إن بدأنا ال َعد من بعد زمن إبراهيم عليه الصالة والسالم مبارشة‪ ،‬كون اليهود‬
‫يبدؤون بعده – فهم أبناء إْسائيل‪ ،‬وإْسائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم‬
‫السالم ‪ ،-‬فإننا نجد أن املدة بني إبراهيم وحممد صىل اهلل عليه وسلم تفوق أو تقرب‬
‫حوايل األيف عام‪ ،‬وهذا القول يقرتب من قول عبد اهلل بن عباس األول وقول قتادة‪.‬‬

‫)‪ -(1‬يقول عليه الذهبي‪" :‬وعنده من علم أهل الكتاب يشء كثري فإنه رصف عنايته إىل ذلك وبالغ"‪.‬‬
‫شمس الدين الذهبي‪ ،‬تذكرة احلفاظ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط أوىل‪ ،‬بريوت –لبنان‪1419 ،‬ه ‪-‬‬
‫‪1998‬م‪.77/1 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪112 --------------‬‬

‫نتيجة يف زمن آدم عليه السالم‪:‬‬


‫بعد حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬الذي هو رصيح يف كون أنه بني آدم‬
‫وإبراهيم صىل اهلل عليهم وسلم عرشون قرن‪ ،‬وبعد دراسة اآلثار واألخبار التي مرت‬
‫معنا‪ ،‬يمكننا أن نخرج بنتيجة حول الزمن التقريبي آلدم عليه السالم وهي‪:‬‬
‫أقل تقدير‪ :‬مائتان ومخسة آالف سنة ‪ .5200‬أعىل تقدير‪ :‬سبعة آالف سنة‬
‫‪.7000‬‬
‫وعىل أقىص تقدير من التقديرين فإن آدم صىل اهلل عليه وسلم يبقى متأخرا عىل‬
‫كثري من قدماء الناس الذين و ِجدوا يف األرض‪ ،‬وسنأيت بأمثلة من آثار من أولئك‬
‫آثار ٍ‬
‫حملها إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫الناس يف َ َ‬
‫دليل‪ :‬عمر آدم عليه السالم استنادا إىل سلسلة نسب النبي حممد صىل اهلل عليه وسلم‬
‫إىل إبراهيم صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬ومن ثمة زيادة مدَّ ة عرشة قرون بني إبراهيم وآدم صىل‬
‫اهلل عليهم وسلم املثبتة يف احلديث الصحيح‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل‬
‫حم َّمد ْبن َعبْد َّ‬ ‫قال الذهبي يف نسب النبي حممد صىل اهلل عليه وسلم‪ " :‬ه َو َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اسم َعبْ ِد ا ْمل َّطلِ ِ‬ ‫ْب ِن َعبْ ِد ا ْمل َّطلِ ِ‬
‫اسمه‬ ‫اسمه َع ْمرو‪ْ ،‬بن َعبْد َمنَاف َو ْ‬ ‫ب َشيْ َبة ْبن َهاش ٍم َو ْ‬ ‫ب‪َ ،‬و ْ‬
‫ب بن فهر بن‬ ‫ب ْب ِن ل َؤي ْب ِن َغال ِ ِ‬ ‫اسمه َز ْيد‪ْ ،‬بن كِال ِ‬
‫َب ْب ِن م َّر َة ْب ِن َك ْع ِ‬ ‫ا ْملغ َرية‪ْ ،‬بن ق َ ٍّ‬
‫يص َو ْ‬
‫ِ‬

‫رض ْب ِن نِ َز ِار‬‫اس ْب ِن م َ َ‬
‫ِ‬
‫اسمه َعامر‪ْ ،‬بن إِ ْل َي َ‬
‫ِ‬
‫َّرض ْب ِن كنَا َن َة ْب ِن خ َز ْي َم َة ْب ِن مد ِْر َك َة‪َ ،‬و ْ‬
‫مالك ابن الن ْ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َع َليْ ِه َم َو َع َىل نَبِينَا‬
‫يم‪َ ،‬ص َّىل َّ‬ ‫َان‪َ ،‬و َع ْدنَان م ْن َو َلد إِ ْس َمع َيل ْب ِن إِ ْب َراه َ‬ ‫ْب ِن َم َعد ْب ِن َع ْدن َ‬
‫َّاس‪.‬‬‫َو َس َّل َم‪ ،‬بِ ِإ ْمجَا ِع الن ِ‬

‫اء‪َ ،‬و ِق َيل‪:‬‬ ‫اء‪َ ،‬ف ِق َيل‪ :‬بينَهم تِسعة آب ٍ‬ ‫َان وبني إِسم ِع َيل ِمن ْاآلب ِ‬
‫َْ َ ْ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ني َع ْدن َ َ َ ْ َ ْ َ‬ ‫اخ َت َلفوا ِف َيم َب ْ َ‬ ‫ِ‬
‫َلك ِن ْ‬
‫اء‪َ ،‬و ِق َيل‪َ :‬بيْنَه َم َ ْ‬‫ض ْاآلب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫مخ َس َة‬ ‫اخ َت َلفوا ِيف َأ ْس َمء َب ْع ِ َ‬ ‫َسبْ َع ٌة‪َ ،‬وق َيل‪ :‬مثْل َذل َك َع ْن َمجَا َعة‪َ .‬لك ِن ْ‬
‫ب َذل ِ َك‪.‬‬ ‫ون َأ ًبا َوه َو َب ِعيدٌ ‪َ ،‬و َق ْد َو َر َد َع ْن َط ِائ َف ٍة ِم َن ا ْل َع َر ِ‬
‫رش َأ ًبا‪َ ،‬و ِق َيل‪َ :‬بيْنَه َم َأ ْر َبع َ‬
‫َع َ َ‬
‫ان إِ َّال‬
‫َان َو َال َق ْح َط َ‬ ‫ري َف َق َال‪َ :‬ما َو َج ْدنَا َم ْن َي ْع ِرف َما َو َرا َء َع ْدن َ‬ ‫َو َأ َّما ع ْر َوة ْبن الز َب ْ ِ‬
‫ََ‬
‫ختر ًصا‪.‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪113 -------‬‬

‫َان عىل عهد عيسى ابن َم ْر َي َم‬ ‫‪ ...‬قال هشام ابن ا ْل َكلْبِي‪َ :‬س ِم ْعت َم ْن َيقول‪ :‬إِ َّن َم َعدًّ ا ك َ‬
‫ِ‬
‫السالَم‪.‬‬‫َع َليْه َّ‬
‫َاه َري َها‬ ‫ب َف ِإ َّن َأ ْه َل ا ْل ِعلْ ِم بِ َأي ِامها و َأنْس ِاهبا َق ْد و َعوا وح ِفظوا َمج ِ‬ ‫َو َأ َّما َأن َْساب ا ْل َع َر ِ‬
‫َ ْ َ َ‬ ‫َّ َ َ َ َ‬
‫الشأْ ِن َأنَّه‪َ :‬ع ْدنَان‬ ‫ض فرو ِع َذل ِ َك‪َ .‬وا َّل ِذي َع َليْ ِه َأ ِئ َّمة َه َذا َّ‬ ‫اخ َت َلفوا ِيف َب ْع ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َوأ َّم َهات َق َبائل َها‪َ ،‬و ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‬‫ب ْب ِن نَابِت ْب ِن إِ ْس َمع َيل ْب ِن إِ ْب َراه َ‬ ‫َريحِ ْب ِن َي ْعر َب ْب ِن َيشْ ج َ‬
‫ور ْب ِن ت ْ َ‬
‫ْبن أ َدد ْب ِن م َقو ِم ْب ِن نَاح َ‬
‫يل ابن آزر‪ ،‬واسمه تارح بن ناحور بن ساروح بن راعو ْب ِن َفا َل َخ ْب ِن َعيْ َ َرب ْب ِن َشال ِ َخ‬ ‫اخلَلِ ِ‬‫ْ‬
‫ِ‬
‫وخ‪َ ،‬وه َو‬ ‫وش َل َخ ْب ِن َخن َ‬ ‫السالَم ‪ -‬بن المك ْب ِن َمت َ‬ ‫ْب ِن َأ ْر َفخ َْش َذ ْب ِن َسا ِم ْب ِن نوحٍ ‪َ -‬ع َليْه َّ‬
‫رش َع َليْ ِه‬ ‫يث ْب ِن آ َد َم َأ ِيب ا ْل َب َ ِ‬‫إِ ْد ِريس َع َليْ ِه السالم‪ ،‬بن َي ْر َد ْب ِن ِم ْهلِ َيل ْب ِن َقيْنَ َن ْب ِن َيانِ َش ْب ِن ِش َ‬
‫ِ ِ‬ ‫السالَم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬و َه َذا ا َّل ِذي ا ْع َت َمدَ ه َ‬
‫ف َأ ْص َحاب ا ْب ِن‬ ‫اق ِيف الس َرية‪َ ،‬و َقد ْ‬
‫اخ َت َل َ‬ ‫حم َّمد ْبن إِ ْس َح َ‬ ‫َّ‬
‫األَسم ِء‪)1( ".‬‬ ‫اق َع َليْ ِه ِيف َب ْع ِ‬‫إِ ْس َح َ‬
‫ض ْ َْ‬
‫اس َت َقا َم‬‫ت‪ْ ":‬‬ ‫َاد َجي ٍد َع ْن َع ِائ َش َة َقا َل ْ‬ ‫وقال احلافظ ابن حجر‪ ":‬روى ال َّطرب ِاين بِ ِإسن ٍ‬
‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬
‫َّاس إِ َىل َم َعد ْب ِن َعـ ْدن َ‬
‫َان "‪ )2(.‬والناس املقصود به العرب العدنانية الذين هم من‬ ‫ن ََسب الن ِ‬
‫ذرية عدنان‪.‬‬
‫وقال ابن ِحبان‪ " :‬قال أبو حاتم‪ :‬نسبة رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ت َِصح إىل‬
‫عدنان‪ ،‬وما وراء عدنان فليس عندي فيه يشء صحيح أعتمد عليه غري أين أذكر‬
‫اختالفهم فيه بعضهم لبعض من ليس ذلك من صناعته‪ :‬فهو صىل اهلل عليه وسلم حممد‬
‫بن عبد اهلل بن عبد املطلب‪ -‬واسم عبد املطلب شيبة‪ -‬بن هاشم‪ -‬واسم هاشم عمرو‪-‬‬
‫بن عبد مناف‪ -‬واسم عبد مناف املغرية‪ -‬بن قيص‪ -‬واسم قيص زيد‪ -‬بن كالب‪ -‬وهو‬
‫املهذب‪ -‬بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النرض‪ -‬وهو قريش‪-‬‬
‫بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مرض بن نزار بن معد بن عدنان إىل هنا ليس‬

‫)‪ -(1‬هنا ينتهي نقل الذهبي‪( :‬شمس الدين الذهبي‪ ،‬تاريخ اإلسالم‪ ،‬حتقيق بشار عواد معروف‪ ،‬دار‬
‫الغرب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األوىل‪2003 ،‬م‪.)479-478/1 ،‬‬
‫)‪ -(2‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪.529/6 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪114 --------------‬‬

‫يل ابن آزر‪ ،‬واسمه‬ ‫اخلَلِ ِ‬‫بني الن ََّسا َبة خالف فيه؛ ومن عدنان هم خمتلفون فيه إىل إبراهيم ْ‬
‫تارح بن ناحور بن ساروح بن راعو ْب ِن َفا َل َخ ْب ِن َعيْ َ َرب ْب ِن َشال ِ َخ ْب ِن َأ ْر َفخ َْش َذ ْب ِن َسا ِم ْب ِن‬
‫وخ‪َ ،‬وه َو إِ ْد ِريس َع َليْ ِه السالم‪ ،‬بن‬ ‫وش َل َخ ْب ِن َخن َ‬ ‫السالَم ‪ -‬بن المك ْب ِن َمت َ‬ ‫ِ‬
‫نوحٍ ‪َ -‬ع َليْه َّ‬
‫السالَم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬و َه َذا ا َّل ِذي‬ ‫ِ‬
‫رش َع َليْه َّ‬ ‫يث ْب ِن آ َد َم َأ ِيب ا ْل َب َ ِ‬‫َي ْر َد ْب ِن ِم ْهلِ َيل ْب ِن َقيْنَ َن ْب ِن َيانِ َش ْب ِن ِش َ‬
‫ض‬‫اق َع َليْ ِه ِيف َب ْع ِ‬ ‫ف َأ ْص َحاب ا ْب ِن إِ ْس َح َ‬ ‫اخ َت َل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اق ِيف الس َرية‪َ ،‬و َقد ْ‬ ‫حم َّمد ْبن إِ ْس َح َ‬ ‫ا ْع َت َمدَ ه َ‬
‫ْاألَ ْس َم ِء‪ )1(".‬ثم ينقل ابن حبان بعد ذلك مخسة أقواال يف أسمء اآلباء بني حممد وإبراهيم‬
‫صىل اهلل عليهم وسلم‪ ،‬أقرصها من جعل بينهم أربعة آباء‪ ،‬وأطوهلا من جعل بينهم‬
‫عرشين أب ًا‪ ،‬أي حتى إسمعيل عليه الصالة السالم‪)2( .‬‬

‫يستخلص من أقول العلمء السابقني أن نسب النبي صىل اهلل عليه وسلم إىل‬
‫عدنان جممع عليه‪ ،‬فإننا رأينا أن نفس النسب الذي نقله الذهبي إىل عدنان ونقل اإلمجاع‬
‫فيه هو نفس اإلمجاع الذي أورده ابن حبان ونقل أيضا االتفاق فيه‪ ،‬وإنم اخلالف فيم بعد‬
‫عدنان إىل إبراهيم صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وال بد هنا أن ن َذكر أن الذي هيمنا يف هذا البحث‬
‫هو حساب املدة التقريبية بني حممد وإبراهيم صىل اهلل عليهم وسلم‪ ،‬فال هيمنا أسمء‬
‫الرجال بينهم بقدر ما هيمنا عددهم‪ ،‬فابن حبان مجع أقواال أقلها من جيعل بينهم عليهم‬
‫الصالة والسالم أربعة آباء وأطوهلا عرشون أب ًا‪ ،‬وأما الذهبي ذكر أقواال ما بني السبعة‬
‫آباء إىل اخلمسة عرش أب ًا وقد استبعد من قال أربعني أبا‪ .‬وعىل هذا احرتازا نأخذ أكثر عدد‬
‫اآلباء يف األقوال التي ذكرها العالمن وهو قول من قال أربعني رجالً مع العلم أن هذا‬
‫احليْطة والحتمل أن يكون فيه نسبة من‬‫القول قد يكون مبالغا فيه لكن نأخذه من باب ِ‬
‫الصحة‪ ،‬فالذي هيمنا هو الزمن ما بني النبيني ولو عىل أقىص تقدير‪ ،‬فإذا أضفنا هذا العدد‬
‫أربعني الذي هو بني عدنان وإبراهيم صىل اهلل عليه وسلم إىل عدد اآلباء بني حممد صىل‬

‫)‪ -(1‬حممد بن حبان‪ ،‬السرية النبوية وأخبار اخللفاء‪ ،‬الكتب الثقافية‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬بريوت‪1417 ،‬‬
‫هـ‪.39/1 ،‬‬
‫)‪ -(2‬انظر‪ :‬املرجع نفسه‪ 40/1 ،‬إىل ‪.42‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪115 -------‬‬

‫ـجمع عليه؛ والذي هو واحد وعرشين رجال باحتساب‬


‫اهلل عليه وسلم وعدنان الـمـ َ‬
‫عدنان‪ ،‬فإننا نتحصل عىل واحدا وستني رجال بني النبي حممد وإبراهيم صىل اهلل عليهم‬
‫وسلم‪.‬‬
‫فإذا افرتضنا أن كل أب من آباء النبي حممد صىل اهلل عليه وسلم إىل غاية إبراهيم‬
‫صىل اهلل عليه وسلم قد أنجب ابنه يف حوايل األربعني السنة‪ ،‬فإنه ال بدَّ من رضب هذا‬
‫العدد يف واحد وستني كي نحصل عىل الزمن التقريبي بني النبيني عليهم السالم عىل حد‬
‫هذا القول‪ ،‬أي ‪ 2460 = 40 * 61‬سنة‪ ،‬أي نحصل عىل ألفني وأربعمئة وستني سنة‪،‬‬
‫وهذا الذي كان َهيمنا حلساب الزمن التقريبي بيننا وبني آدم عليه الصالة والسالم من‬
‫هذا الطريق‪ ،‬فإنه إذا أضفنا هذا العدد األخري إىل العرشين قرن التي تفصل بني إبراهيم‬
‫وأبيه آدم عليهم الصالة والسالم الواردة يف احلديث الصحيح فإننا نحصل إن شاء اهلل‬
‫عىل؛ ‪ 2460‬زائد ‪ 4460 = 2000‬سنة‪ ،‬وهذا الزمن بني حممد بني أبيه آدم عليهم الصالة‬
‫والسالم‪ ،‬وإذا أضفنا إليه األلف وأربع مائة سنة التي تفصل بينا وبني نبينا حممد صىل‬
‫اهلل عليه وسلم فإننا نحصل عىل الزمن التقريبي الذي يفصل بيننا وبني آدم عليه السالم؛‬
‫‪ 1400‬زائد ‪ 5860 = 4460‬سنة‪ ،‬أي قرابة الستة آالف سنة من اآلن‪ ،‬مع العلم أن‬
‫زمان هبوط آدم عليه السالم قد يكون أبعد من هذا بقليل كونه عاش ألف سنة إالَّ ستني‬
‫عاما‪ ،‬وهذا ما جيعل زمن آدم عليه السالم يف حوايل الستة آالف إىل السبعة آالف سنة من‬
‫اآلن‪ ،‬وهذا الزمن يقرتب من األزمنة التي مرت معنا من خالل حساب بعض اآلثار‬
‫للصحابة والتابعني –بل قد يقرتب حتى ّما يقدره به أهل الكتاب‪ ،-‬و ال هيمنا الدقة‬
‫العالية يف حتديده بقدر ما هيمنا أن هذا الزمن إمجاال ال يتعدى الثمن آالف سنة‪ ،‬وهذا‬
‫الطريق يف حساب زمن آدم عليه السالم من جهة النسب‪ ،‬ي َقوي األقوال السابقة يف كون‬
‫زمنه عليه السالم يدور حتت الثمن آالف سنة‪ ،‬وهو قصري مقارنة بزمن وجود البرش يف‬
‫األرض الذي يعد بمئات األالف من السنني بل يفوق املليوين سنة (‪ 2‬مليون سنة)‪.‬‬
‫وهذا ما يؤكد وجود برش قبل آدم عليه السالم يف األرض‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪116 --------------‬‬

‫دليل‪ :‬توضيح حديث (أنتم بنوا آدم‪ ،‬وآدم من تراب)‪:‬‬


‫اهلل‬
‫إن َ‬ ‫عن أيب هريرة ريض اهلل تعاىل عنه أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال‪َّ ( :‬‬
‫اج ٌر َش ِق ٌي‪ ،‬أنت ْم َبنو‬
‫ؤم ٌن ت َِقي‪ ،‬أو َف ِ‬ ‫ِ‬
‫باآلباء‪ ،‬إما م ِ‬ ‫اهلِ َّية‪ ،‬و َفخ َْر َها‬
‫قد أذهب َعنكم عبي َة اجل ِ‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َّ َ‬ ‫َ‬
‫خرهم بأقوا ٍم ما ه ْم إال َف ْح ٌم ِم ْن َف ْح ِم َجهنَّم‪ ،‬أو‬‫رجال َف َ‬ ‫ٌ‬ ‫آد َم‪ ،‬وآدم من ت َراب‪َ ،‬ل َيدَ َع َّن‬
‫بأنف ِه النَّتن‪)1( ).‬‬
‫ليكو َنن عىل اهلل أهون من اجلعل الذي يدْفع ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َّ‬
‫فإذا ِق ـيْل أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال (أنتم بنوا آدم) ويف رواية ( كلكم‬
‫آلدم) فكيف يكون هنالك أناس آخرون من غري آدم عليه السالم ؟ وإن وجدوا كيف‬
‫يكون اخلطاب موجها جلميع الناس هبذه الصيغة ؟ فنقول أ َّنه ال إشكال يف ذلك واجلواب‬
‫عىل ذلك سهل‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أمل يقل اهلل تعاىل‪ ( :‬م َّل َة َأبِيك ْم إِ ْب َراه َ‬
‫يم ) (احلج ‪ ،)78‬فيمكن أن نقول بمفهوم‬
‫اآلية‪ :‬نحن أبناء إبراهيم‪ ،‬بالرغم من أن إبراهيم ليس أبا لكل الناس أو أبا عىل كل واحد‬
‫منا‪ ،‬كم مر معنا االستدالل هبذه اآلية يف موضع سابق يف إثبات أن األب َّوة قد تطْ َلق وال‬
‫يقصد هبا األبوة احلقيقية عىل كل الناس وسواء هذا كان بحكم ما يغالب عىل املخاطبني‬
‫زمن النزول‪ ،‬أو عىل معنى التشبيه يف الـحـ ْر َمة واستحقاق التعظيم‪ ،‬حيث يقول الطاهر‬
‫حبوا النَّبِي َء َص َّىل‬ ‫اخل َطاب موجها إِ َىل ا َّل ِذين ص ِ‬ ‫َان ْ ِ‬ ‫بن عاشور يف تفسري اآلية‪ " :‬ث َّم إِ ْن ك َ‬
‫َ َ‬ ‫َ َّ ً‬
‫ب ْاأل َّم ِة َي ْو َمئِ ٍذ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ْاأل َّمة‪ِ ،‬ألَ َّن َغال َ‬ ‫ار َغال ِ ِ‬ ‫يم إِ َليْ ِه ْم بِا ْعتِ َب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل َع َليْه َو َس َّل َم َف ِإ َضا َفة أب َّوة إِ ْب َراه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب ا ْمل َ ِ ِ‬ ‫ِم َن ا ْل َع َر ِ‬
‫السالَم‬ ‫الصالَة َو َّ‬ ‫يم َع َليْه َّ‬‫رض َّية َو َأ َّما ْاألَن َْصار َف ِإ َّن ن ََس َبه ْم َال َين ْ َتمي إِ َىل إِ ْب َراه َ‬

‫صح َحه األلباين يف صحيح وضعيف‬


‫)‪ -(1‬رواه الرتمذي يف سنه ‪ 3270‬والبيهقي يف الشعب ‪َّ ،4773‬‬
‫الرتمذي‪.270/7 ،‬‬
‫وقال ابن مندة عقب احلديث‪ :‬هذا حديث مشهور عن هشام‪ ،‬م َّت ِص ٌل صحيح‪ .‬وذكر ابن تيمية الوجه‬
‫األول يف (اقتضاء الرصاط املستقيم) (‪ )219 /1‬وصححه‪ .‬انظر‪ :‬إبراهيم بن عبد اهلل بن عبد الرمحن‬
‫املدهيش‪ ،‬األحاديث املرفوعة واملوقوفة يف كتاب (حياة احليوان الكربى) للدَّ ِمريي‪1431 ،‬هـ‬
‫‪1432/‬هـ حديث رقم ‪.654/1 ،109‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪117 -------‬‬

‫يم َع َليْ ِه ْم ِو َال َد ٌة ِم ْن ِق َب ِل‬ ‫ني َع َىل َأ َّن َأ ْكثَرهم كَان ْ ِ ِ‬


‫َت ِإل ْب َراه َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ب ا ْل َق ْح َطانِي َ‬ ‫ِألَ ََّن ْم ِم َن ا ْل َع َر ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اخل َطاب لِعمو ِم ا ْمل ْسلِ ِم َ‬ ‫َان ْ ِ‬ ‫ْاألمه ِ‬
‫يم َهل ْم َع َىل َم ْعنَى‬ ‫َت إِ َضا َفة أب َّوة إِ ْب َراه َ‬
‫ني كَان ْ‬ ‫ات‪َ .‬وإِ ْن ك َ‬ ‫َّ َ‬
‫[األَ ْح َزاب‪،]6 :‬‬ ‫اق ال َّت ْعظِي ِم َك َق ْول ِ ِه َت َع َاىل‪َ ( :‬و َأ ْزواجه أ َّمهاهت ْم ) ْ‬
‫احلرم ِة َواستِ ْح َق ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ال َّتشْ بِيه ِيف ْ ْ َ‬
‫حم َّمدٌ َله َم َقام ْاألب َّو ِة للْمسلمني َوقد قرىء‬ ‫ِ‬
‫حم َّم ٍد َص َّىل اهلل َع َليْ ِه َو َس َّل َم َو َ‬ ‫َو ِألَنَّه َأبو النَّبِيء َ‬
‫[األَحزاب‪ ]6 :‬بِ ِزياد ِة وهو َأبوهم‪)1( ".‬‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َق ْوله َت َع َاىل‪َ ( :‬و َأ ْزواجه أ َّمهاهت ْم ) ْ ْ َ‬
‫وعىل مثل هذا املعنى يدخل فيه قوله صىل اهلل عليه وسلم‪( :‬أنتم بنو آدم)‪،‬‬
‫فالناس الذين كان خياطبهم كانوا من الصحابة‪ ،‬والصحابة عرب‪ ،‬وكث ٌري من العرب هم‬
‫من أبناء آدم عليه السالم حقيقة أو غلبة‪-‬وكذلك من اليهود وعدد معترب من الناس‬
‫الذين أصلهم من شعوب الرشق األوسط‪َ ،-‬فنَ َس َبهم صىل اهلل عليه وسلم إىل أبِي ْ ِهم‬
‫احلقيقي‪ ،‬فلم يكن يت ـ ـ ـحدث النبي صىل اهلل عليه وسلم مع الصينيني‪ ،‬أو األفارقة السود‬
‫أو هنود األمريكتني الشملية واجلنوبية أو األسرتاليني األصليني – والذين ليس أغلبهم‬
‫من آدم عليه السالم ‪ ،-‬وهذا ال يعني أن خطاب النبي صىل اهلل عليه وسلم ليس موجه ًا‬
‫ِ‬
‫اَّلل إِ َليْك ْم َمجِي ًعا )‬
‫لكل الناس كذلك‪ ،‬واهلل تعاىل يقـ ــول‪ ( :‬ق ْل َيا َأ َهيا النَّاس إِين َرسول َّ‬
‫(األعراف ‪ ،)158‬فإن هذه األب َّوة آلدم عليه السالم التي ذكرها صىل اهلل عليه وسلم‬
‫حت َمل كذلك عىل باقي املسلمني‪ ،‬كم محِ َلت أب َّوة إبراهيم وحممد عليهم السالم عليهم‪،‬‬
‫ْ‬
‫َّ‬
‫وألن آدم عليه السالم هو أب لكل من‬ ‫أي عىل التشبيه يف احلرمة واستحقاق التعظيم‪،‬‬
‫إبراهيم وحممد عليهم السالم اللذان هلم مقام األب َّوة السابقة عىل املسلمني‪.‬‬
‫وحديث النبي صىل اهلل عليه وسلم السابق‪ ( :‬أنتم بنو آدم ) كذلك يشبه قول‬
‫اهلل تعاىل‪ ( :‬يا بني آدم ) يف القرآن الكريم‪ ،‬مع كون اخلطاب موجها جلميع الناس‪،‬‬
‫فالعربة بعموم اللفظ ال بخصوص املعنى‪ ،‬وقد ذكرنا آنفا أوجها يف اآلية منها‪:‬‬
‫أنه إن قلنا هل اجلن خماطبون بالقرآن الكريم ؟ كان اجلواب ال ريب نعم‪ ،‬فمن‬
‫باب أوىل إذ ًا أن يكون مجيع الناس من بني آدم ومن غري بني آدم خماطبني بالقرآن الكريم‬

‫)‪ -(1‬طاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.351-350/17 ،‬‬


‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪118 --------------‬‬

‫وبقوله اهلل تعاىل‪ ( :‬يا بني آدم )‪ ،‬السيم وأَنم متقاربان يف اجلنس بل يكادون يتطابقون‪.‬‬
‫فاهلل تعاىل خاطب باقي الناس من غري بني آدم مثلم خاطب اجلن‪.‬‬
‫وهناك وجه آخر وهو الذي يكون من باب خروج اللفظ خمرج الغالب وال ينجر‬
‫منه مفهوم‪ ،‬كقول اهلل تعاىل يف املحرمات من النساء وحتريم الزواج من الربيبة التي يف‬
‫ورك ْم ) (النساء ‪ ،)23‬يقول ابن كثري‪َ " :‬و َأ َّما َق ْوله‪:‬‬ ‫الاليت ِيف حج ِ‬ ‫احلجر‪َ ( :‬و َر َب ِائبكم ِ‬
‫َت ِيف‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫{و َر َب ِائبكم‬
‫الربِي َب َة َح َرا ٌم َس َوا ٌء كَان ْ‬‫الاليت ِيف حجورك ْم} َفج ْمهور ْاألَئ َّمة َع َىل َأ َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ب‪َ ،‬فالَ َم ْفهو َم‬ ‫خم َر َج ا ْل َغال ِ ِ‬
‫اخل َطاب َخ َر َج َ ْ‬ ‫ِحج ِر الرج ِل َأو َمل تَكن ِيف ِحج ِر ِه‪َ ،‬قالوا‪ :‬و َه َذا ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ ْ‬ ‫ْ َّ‬
‫ِ‬
‫ور‪.)1( " ]33 :‬‬ ‫حتصنًا} [الن ِ‬ ‫{وال تك ِْرهوا َف َت َياتِك ْم َع َىل ا ْلبِ َغاء إِ ْن َأ َر ْد َن َ َ‬ ‫ِِ‬
‫َله َك َق ْوله َت َع َاىل‪َ :‬‬
‫وهنالك أيضا وجه آخر مهم قياسا عن القرآن الكريم‪ ،‬والذي نقله رشيد ِرضا‬
‫يف تفسريه وهو يشبه قول الطاهر بن عاشور السابق يف أب َّوة إبراهيم عليه السالم‪ ،‬إذ يذكر‬
‫ـاس بِ َق ْول ِ ِه‪َ ( :‬يا َبنِي آ َد َم ) َال ين َِايف َه َذا‪َ ،‬و َال‬
‫خما َط َب ِة النَّ ـ ِ‬
‫ات أ ْخ َرى ِم ْن َ‬ ‫ِرضا‪ " :‬وما ورد ِيف آي ٍ‬
‫َ َ ََ َ َ‬
‫رش ِمن َأبن َِائ ِه‪ ،‬إِ ْذ يك ِْفي ِيف ِصح ِة ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون َم ْن‬‫اب َأ ْن َيك َ‬ ‫اخل َط ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ي َعد ن ًَّصا َقاط ًعا ِيف ك َْون َمجِي ِع ا ْل َب َ ِ ْ ْ‬
‫ور ِة‬ ‫ِ‬ ‫يل ِمن َأو َال ِد آدم‪ ،‬و َق ْد َت َقدَّ م ِيف َت ْف ِس ِ ِ ِ‬
‫ري ق َّصة آ َد َم ِيف َأ َوائ ِل س َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬ ‫وج َه إِ َليْ ِه ْم ِيف َز َم ِن ال َّتن ِْز ِ ْ ْ‬
‫ْس َأ ْفسدوا ِفيها‪ ،‬وس َفكوا الدماء"‪)2(.‬‬ ‫ض َقبْ َله ن َْو ٌع ِم ْن َه َذا ْ ِ‬ ‫ا ْل َب َق َر ِة َأنَّه ك َ‬
‫َان ِيف ْاألَ ْر ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫اجلن ِ َ‬

‫ويمكن أن يقاس أيضا حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم كم جاء يف الرواية‬
‫األخرى‪ ( :‬كلكم آلدم)‪ ،‬بحديث آخر للنبي صىل اهلل عليه وسلم وهو ( َأال كلك ْم َراعٍ‪،‬‬
‫ول َع ْن َر ِعيَّتِ ِه )‪ )3(،‬فيظهر أن لفظ كلكم هنا قد يكون فيه استثناء‪ ،‬مثل‬
‫َوكلك ْم َم ْسؤ ٌ‬
‫الطفل الذي مل يبلغ فيجري عليه القلم‪ ،‬بل حتى الذي بلغ حديثا وال يكون عنده يشء‬
‫يرعاه كي ي ْسأل عنه‪ ،‬وربم الرجل الذي ليس له أوالد وال زوجة وال يشء من الغري‬

‫)‪ -(1‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪.251/2 ،‬‬


‫)‪ -(2‬رشيد رضا‪ ،‬تفسري املنار‪.266/4 ،‬‬
‫)‪ -(3‬رواه البخاري يف صحيحه ‪ ،2409‬ومسلم يف صحيحه ‪.1829‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪119 -------‬‬

‫مسؤول عنه‪ ،‬واملرأة التي مثله‪ ،‬وما شاهبهم‪ ،‬وحاالت أخرى مثل أهل الفرتة الذين مل‬
‫تبلغهم الدعوة‪ ،‬وغري ذلك من احلاالت‪ ،‬فيكون اللفظ هنا يف احلديث "كلكم" خرج‬
‫خمرج الغالب‪.‬‬
‫بل أيضا يمكن أن نقيس نفس احلديث السابق ( كلكم ألدم )‪ ،‬بقول اهلل تعاىل‬
‫ني َيدَ ْي ِه َو ِم ْن‬ ‫ت النذر ِمن َب ْ ِ‬ ‫اف و َق ْد خ َل ِ‬‫ِ‬
‫نذ َر َق ْو َمه بِ ْاألَ ْح َق َ َ‬
‫يف قوم عاد‪ ( :‬وا ْذكر َأخا َع ٍ‬
‫اد إِ ْذ َأ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫اب َي ْو ٍم َعظِي ٍم (‪َ )21‬قالوا َأ ِجئْ َتنَا ل ِ َتأْفِ َكنَا‬ ‫اَّلل إِين َأ َخاف َع َليْك ْم َع َذ َ‬
‫ِِ‬
‫َخلْفه َأ َّال َت ْعبدوا إِ َّال َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اَّلل َوأ َبلغكم َّما‬ ‫ني (‪َ )22‬ق َال إِن ََّم ا ْلعلْم عندَ َّ‬ ‫اد ِق َ‬‫نت ِمن الص ِ‬ ‫ِ‬
‫َع ْن آهلَتنَا َفأْتنَا بِ َم تَعدنَا إِن ك َ َ َّ‬
‫ار ًضا م ْس َت ْقبِ َل َأ ْو ِد َيتِ ِه ْم َقالوا َ ٰه َذا‬ ‫ون (‪َ )23‬ف َلم َر َأ ْوه َع ِ‬
‫َّ‬ ‫ت َهل َ‬‫أ ْر ِسلْت بِ ِه َو َ ٰل ِكني َأ َراك ْم َق ْو ًما َ ْ‬
‫يش ٍء‬
‫يم (‪ )24‬تدَ مر ك َّل َ ْ‬
‫ِ‬
‫اب َأل ٌ‬ ‫يها َع َذ ٌ‬
‫ار ٌض ّمْطِرنَا ۚ ب ْل هو ما اس َتعجلْتم بِ ِه ۚ ِر ِ‬
‫يح ف َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ َ ْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َع ِ‬
‫ني )‬ ‫َج ِزي ا ْل َق ْو َم ا ْمل ْج ِر ِم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بِ َأ ْم ِر َر َهبا َف َأ ْص َبحوا َال ي َر ٰى إِ َّال َم َساكنه ْم ۚ ك َ َٰذل َك ن ْ‬
‫(األحقاف‪ ،)25-21‬وجه القياس ( كل يشء ) يف اآلية مع (كلكم آلدم) يف احلديث‪،‬‬
‫حيث نرى يف اآلية الكريمة أن اهلل تعاىل استعمل لفظ ( كل ) بالرغم من أنه يوجد‬
‫استثناء من األشياء التي مل تدمرها الريح‪ ،‬وهي مساكنهم‪ ،‬وهذا املعنى ي ْس َت ْع َمل يف القرآن‬
‫–ويف كالم العرب‪ -‬كم قال اهلل تعاىل‪ ( :‬فأصبحوا ال يرى إال مساكنهم )‪ ،‬فهذا يدل َّ‬
‫أن‬
‫لفظ ( كل ) قد ي ْط َلق يف اللغة ويكون معه استثناء‪ ،‬وقد سمى بعض أهل التفسري (كل)‬
‫هنا بمعنى "التكثري"‪ ،‬يقول األلوِس يف تفسريه‪ " :‬كل للتكثري والتفخيم كم يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫يش ٍء بِ َأ ْم ِر َرهبا ) "‪ )1( ،‬ويقول الطهر بن عاشور يف تفسري هذه اآلية‪ " :‬ك َّل‬ ‫( تدَ مر ك َّل َ ْ‬
‫َيش ٍء مستعم ٍل ِيف َكثْر ِة ْاألَشْ ي ِ‬
‫اء َف ِإ َّن (كالًّ) تَأْ ِيت كَثِ ًريا ِيف َكال َِم ِه ْم بِ َم ْعنَى ا ْل َكث َْر ِة‪َ .‬و َق ْد َت َقدَّ َم‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ََْْ‬
‫ور ِة يون َس [‪ )2(،" ]97‬فعىل هذا احلال‬ ‫ٍ‬ ‫ِِ‬
‫عن ْ ـدَ َق ْوله َت َع َاىل‪َ ( :‬و َل ْو جا َء ْهت ْم كل آ َية ) ِيف س َ‬
‫ِ‬

‫يكون لفظ حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم ( كلكم آلدم ) بمعنى الكثرة‪ ،‬وكث ٌري من‬

‫)‪ -(1‬األلوِس‪ ،‬روح املعاين‪.452/7 ،‬‬


‫)‪ - (2‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.50/26 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪120 --------------‬‬

‫عرب مكة كانوا من أبناء إسمعيل بن إبراهيم عليهم السالم‪ ،‬واللذان مها من نسل آدم‬
‫عليه السالم‪.‬‬

‫دليل‪ :‬آدم عليه السالم كان نبيا َأ ْرسله اهلل‪ ،‬من هم القوم الذين َأ ْر َس َله اهلل إليهم ؟‪:‬‬
‫جاء يف جزء من حديث أيب ذر الطويل الذي كان يسأل فيه النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم ثم جييب‪:‬‬
‫ون َأ ْل ًفا) قلْت‪َ :‬يا َرس َ‬ ‫ف َو ِع ْرش َ‬ ‫ول اَّللِ‪َ ،‬ك ِم ْاألَنْبِياء؟‪َ ،‬ق َال‪ِ ( :‬مائَة َأ ْل ٍ‬
‫ول‬ ‫َ‬ ‫( قلْت‪َ :‬يا َرس َ َّ‬
‫ِ‬
‫مجا َغ ِف ًريا)‪َ ،‬ق َال‪ :‬قلْت‪َ :‬يا‬ ‫رش َ ًّ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫اَّلل‪َ ،‬ك ِم الرسل م ْن َذل َك ؟‪َ ،‬ق َال‪َ ( :‬ثالَث مائَة َو َثالَ َث َة َع َ َ‬ ‫َّ‬
‫َ ِ‬ ‫اَّللِ‪َ ،‬م ْن ك َ‬
‫اَّلل‪َ ،‬أنَبِ ٌّي م ْر َس ٌل ؟‪َ ،‬ق َال‪َ ( :‬ن َع ْم‪،‬‬ ‫َان َأ َّوهل ْم ؟‪َ ،‬ق َال‪( :‬آ َدم) قلْت‪َ :‬يا َرسول َّ‬ ‫ول َّ‬ ‫َرس َ‬
‫وح ِه‪َ ،‬و َك َّل َمه ِق َبالً) ث ـ َّم‪َ ،‬ق ـ ـ َال‪َ :‬يا ( َأ َبا َذ ٍّر َأ ْر َبعـ ـ َـ ٌة‬ ‫خ َل َقه اَّلل بِي ِد ِه‪ ،‬و َن َف ـ ـ َخ ِف ِيه ِمن ر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫س ـ ـ ْر َيانِي َ‬
‫وح‬ ‫ون‪ :‬آ َدم‪َ ،‬وشـ ـي ـث‪َ ،‬و َأ ْخ ـنوخ َوه ـ َو إِ ْد ِريس‪َ ،‬وه ـ ـ َو َأ َّول َم ـ ـ ْن َخ ـ ـ َّط بِا ْل َق ـ َل ِم‪َ ،‬ون ـ ـ ٌ‬
‫اَّلل َع َليْ ِه َو َس َّل َم )‬ ‫حم ـ َّمدٌ َص َّىل َّ‬ ‫ب‪َ ،‬و َص ـ ـال ِ ٌح‪َ ،‬ونَبِ ـ ـي ـ َك َ‬‫ب‪ :‬ه ـو ٌد‪َ ،‬وش ـ َع ـيْ ٌ‬‫َو َأ ْر َب ـ َعـ ـ ٌة ِم ـ َن ا ْل ـ ـ َع ـ َر ِ‬
‫(احلديث) )‪)1(.‬‬

‫)‪ -(1‬رواه ابن حبان يف صحيحه (‪ )361‬والطرباين يف "الكبري" (‪ )1651‬ويف "املكارم" (‪ )1‬واآلجري‬
‫يف "األربعني" (‪ )40‬وأبو الشيخ يف "العظمة" (‪ )259‬وأبو نعيم يف "احللية" (‪ 18 /1‬و ‪)168 - 166‬‬
‫وأبو عمرو الداين يف "البيان يف عد آي القرآن" (ص ‪ )22 - 21‬والشجري يف "أماليه" (‪)73 /1‬‬
‫والقضاعي (‪ 651‬و ‪ 740‬و ‪ )837‬والبيهقي يف "األسمء" (ص ‪ )511 - 510‬ويف "الشعب"‬
‫(‪ 4325‬و ‪ )7668‬وابن عبد الرب يف "التمهيد" (‪ ،)199 /9‬وغريهم‪ .‬اختلف أهل احلديث يف هذا‬
‫احلديث‪ ،‬حيث أخرج له أحد عرش طريق روي منها كلها ضعيفة‪ ،‬انظر‪( :‬أبو حذيفة الكويتي‪ ،‬أنِيس‬
‫احلافظ ابن َحجر العسقالين يف َفتح ال َباري‪،‬‬
‫الساري يف ختريج َوحتقيق األحاديث التي ذكرها َ‬ ‫َّ‬
‫‪ ،)518/1‬لكن الظاهر أنه ربم بكثرة طرقه يتقوى‪ ،‬فقد و ٍجدَ له قرابة أحد عرش طريق كم قلنا‪ ،‬عسى‬
‫أن يتقوى هبم واهلل أعلم‪ ،‬وقد حكم ابن حبان بصحته‪ ،‬وأورده يف صحيحه‪ ،‬والذي اعتربه بعض أهل‬
‫العلم رابع الكتب من حيث ترتيب درجة الصحة بعد صحيح البخاري ومسلم وابن خزيمة‪ ،‬نظرا‬
‫لرشوط ابن حبان يف رجاله‪ ،‬وقد استدل بجزء من احلديث ابن تيمية يف جمموع الفتاوى‪ ،‬انظر‪ :‬ابن‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪121 -------‬‬

‫يف هذا احلديث قرينة تدل عىل أنه يوجد أناس قبل آدم عليه السالم وهي‪:‬‬
‫فيم يلزم الرسول أو النبي أن ي َبلغ إىل أمة أو قوم‪:‬‬
‫هذا احلديث يشهد أن آدم عليه السالم رسول ونبي‪ ،‬وليس نبيا فقط‪ )1(،‬بدليل‬
‫ما جاء فيه ( قلت‪ :‬يا رسول اهلل أنبي مرسل؟‪ ،‬قال نعم )‪ ،‬وهلذا شاهد من حديث آخر‬
‫للنبي صىل اهلل عليه وسلم يؤكده يف اجلمع بني لفظ النبوة والرسالة‪ ،‬التي تعني أنه رسول‬
‫من اهلل وليس نبيا فقط‪ ،‬وهي قوله صىل اهلل عليه وسلم لم صحح اجلملة للرباء بن‬
‫عازب حني علمه دعاء النوم يف احلديث الذي رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬فعن الرباء بن‬
‫ِ‬
‫ت َم ْض َج َع َك‪َ ،‬ف َت َو َّضأْ‬ ‫ول اهلل َص َّىل اهلل َع َليْ ِه َو َس َّل َم‪َ ،‬ق َال‪ " :‬إِ َذا َأ َخ ْذ َ‬ ‫عازب ( َأ َّن َرس َ‬
‫اض َط ِج ْع َع َىل ِشق َك ْاألَ ْي َم ِن‪ ،‬ث َّم ق ْل‪ :‬الله َّم إِين َأ ْس َل ْمت َو ْج ِهي‬ ‫لصال َِة‪ ،‬ث َّم ْ‬ ‫ِ‬
‫وضو َء َك ل َّ‬
‫إِ َليْ َك‪َ ،‬و َف َّو ْضت َأ ْم ِري إِ َليْ َك‪َ ،‬و َأ ْجلَأْت َظ ْه ِري إِ َليْ َك َر ْغ َب ًة َو َر ْه َب ًة إِ َليْ َك‪َ ،‬ال َملْ َج َأ َو َال َمن َْجا‬
‫ِمن َْك إِ َّال إِ َلي َك‪ ،‬آمن ْت بِ ِك َتابِ َك ا َّل ِذي َأنْز ْل َت‪ ،‬وبِنَبِي َك ا َّل ِذي َأرسلْ َت‪ ،‬واجعلْهن ِمن ِ‬
‫آخ ِر‬ ‫َ ْ َ َّ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬

‫تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ .198/16 ،‬وأما عدد األنبياء املذكور يف هذا احلديث فهو غري دقيق ربم لسوء‬
‫ضبط من بعض الروات‪ ،‬فإن العدد الذي يف بعض الطرق األخرى الصحيحة هو مائة ألف وأربعة‬
‫وعرشون ألف (أي ‪ 124.000‬نبي)‪ ،‬انظر‪ :‬اخلطيب التربيزي‪ ،‬حتقيق األلباين‪ ،‬مشكاة املصابيح‪،‬‬
‫‪ ،1599/3‬األلباين‪ ،‬السلسلة الصحيحة ‪.360/6‬‬
‫ونقل بن قتيبة الدينوري (ت‪ 276‬ه) عن بن عباس ريض اهلل عنهم أثر قد يقرتب من احلديث السابق‬
‫للنبي صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬يقول فيه ابن عباس‪ ( :‬أول املرسلني آدم‪ ،‬وآخرهم حممد‪ -‬صىل اهلل عليه‬
‫وسلم وعليهم أمجعني وكانت األنبياء مائة ألف‪ ،‬وأربعة وعرشين ألف نبي‪ ،‬الرسل منهم ثالثمئة‬
‫ومخسة عرش رسوال ويقال‪ :‬ثالثة عرش رسوال‪ .‬منهم‪ :‬مخسة عربانيون‪ ،‬وهم‪ :‬آدم‪ ،‬وشيث‪ ،‬وإدريس‪،‬‬
‫ونوح‪ ،‬وإبراهيم ومخسة من العرب‪ ،‬وهم‪ :‬هود‪ ،‬وصالح‪ ،‬وإسمعيل‪ ،‬وشعيب‪ ،‬وحممد‪ .‬وأول أنبياء‬
‫بنى إْسائيل‪ :‬موسى‪ .‬وآخرهم‪ :‬عيسى‪ ،‬عليهم السالم‪ ).‬ابن قتيب الدينوري‪ ،‬املعارف‪ ،‬حتقيق ثورة‬
‫عكاشة‪ ،‬اهليئة املرصية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪1992 ،‬م‪ .56/1 ،‬فهذا األثر الذي نقل عن عبد اهلل‬
‫ٌ‬
‫رسول ما قد ي َقوي القول بأن آدم رسول وليس نبي فقط‪.‬‬ ‫بن عباس يثبت أن آدم عليه السالم‬
‫)‪ -(1‬فكل رسول نبي وليس كل نبي رسول‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪122 --------------‬‬

‫َكال َِم َك‪َ ،‬ف ِإ ْن م َّت ِم ْن َليْ َلتِ َك‪ ،‬م َّت َو َأن َْت َع َىل ا ْل ِفطْ َر ِة َق َال‪َ :‬ف َر َّد ْدهت َّن ِألَ ْس َت ْذكِ َره َّن َفقلْت‪:‬‬
‫آ َمن ْت بِ َرسول ِ َك ا َّل ِذي َأ ْر َسلْ َت‪َ ،‬ق َال‪ " :‬ق ْل‪ :‬آ َمن ْت بِنَبِي َك ا َّل ِذي َأ ْر َسلْ َت " )‪ )1(،‬فوجه‬
‫الشاهد قوله ( نبيك الذي أرسلت ) ما يدل عىل أن هذه اللفظ يعني اجلمع بني الرسالة‬
‫ونبوة يف شخص واحد‪ ،‬ألن حممد صىل اهلل عليه وسلم كان رسول ونبي ًا‪ ،‬يقول القايض‬
‫عياض يف رشح هذا احلديث‪ ... " :‬عىل أن قوله‪ " :‬ورسولك الذى أرسلت " ال يفيد من‬
‫معنى واحد ًا وهو الرسالة‪ ،‬وقوله‪ " :‬ونبيك الذى أرسلت " يفيد من جهة‬
‫جهة لفظه إال ً‬
‫نطقه النبوة والرسالة‪ .‬وقد يكون نبي ليس برسول‪ .‬واعتمد عىل ما قلناه من اتباع اللفظ‬
‫(‪)2‬‬ ‫املسموع من الرشع‪ ،‬وإنم ذكرنا هذا الفرق ليشري إىل معنى ما يفرتق فيه اللفظان‪".‬‬
‫أنبي مرسل؟ قال نعم ) يظهر لنا‬
‫وقياسا عىل هذا فإن اللفظ يف حديث آدم عليه السالم ( ٌ‬
‫منه أنه نبي ورسول حيمل رسالة من اهلل يف نفس الوقت مثل حممد صىل اهلل عليه وسلم‬
‫وسائر الرسل‪ .‬وهذا القول بأن آدم عليه السالم رسول هو مذهب القرطبي إذ يقول يف‬
‫اس َو َمجِي ِع َأ ْه ِل ال َّتأْ ِو ِ‬ ‫اخللِي َف ِة هنَا‪ِ -‬يف َقو ِل اب ِن مسع ٍ‬ ‫ِ‬
‫يل‪-‬‬ ‫ود َوابْ ِن َع َّب ٍ‬ ‫ْ ْ َ ْ‬ ‫تفسريه‪َ " :‬وا ْ َمل ْعني بِ ْ َ‬
‫َام ِه َو َأ َو ِام ِر ِه‪ِ ،‬ألَنَّه َأ َّول رس ٍ‬
‫ول إِ َىل‬ ‫اء َأحك ِ‬ ‫آدم ع َلي ِه السالَم‪ ،‬وهو خلِي َفة اَّللِ ِيف إِمض ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ ْ َّ‬
‫َان م ْر َسالً؟ َق َال‪َ ( :‬ن َع ْم)‬ ‫اَّللِ انبئا ك َ‬‫ول َّ‬ ‫يث َأ ِيب َذ ٍّر‪َ ،‬ق َال قلْت‪َ :‬يا َرس َ‬ ‫ض‪ ،‬كَم ِيف ح ِد ِ‬
‫َ‬ ‫ْاألَ ْر ِ َ‬
‫احلَ ِد َ‬
‫يث "‪)3(.‬‬ ‫ْ‬
‫وهذا للعودة إىل السؤال املهم الذي مر معنا آنفا والذي يرتتب حتم عن ذلك‪،‬‬
‫من هم القوم الذين أرسل إليهم آدم عليه السالم؟ واهلل تعاىل يقول‪( :‬ك َ َٰذل ِ َك َما َأتَى‬
‫ون ) (الذاريات ‪ ،)52‬يقول املفّس‬ ‫ول إِ َّال َقالوا س ِ‬
‫اح ٌر َأ ْو َ ْ‬
‫جمن ٌ‬ ‫ا َّل ِذي َن ِمن َقبْلِ ِهم من رس ٍ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫السعدي يف تفسري هذه اآلية‪ " :‬فم أرسل اهلل من رسول‪ ،‬إال رماه قومه بالسحر أو‬

‫)‪ -(1‬رواه مسلم يف صحيحه‪ .2710 ،‬وغريه‪.‬‬


‫حي َيى إِ ْس َم ِعيل‪،‬‬
‫)‪ -(2‬عياض بن موسى السبتي (القايض عياض)‪ ،‬إكمل املعلم بفوائد مسلم‪ ،‬تح د‪ْ .‬‬
‫دار الوفاء للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬مرص‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1419 ،‬هـ ‪ 1998 -‬م‪.208/8 ،‬‬
‫)‪ -(3‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪.263/1 ،‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪123 -------‬‬

‫اجلنون‪ )1( ".‬فهل يوجد قوم رموا آدم عليه السالم بالسحر أو اجلنون كم ف ِعل بالرسل ؟‬
‫فكل رسول أرسله اهلل إىل قوم إال قالوا عنه ساحر أو جمنون‪ ،‬فهل هنالك دليل أن نلصق‬
‫دليل يف قوله تعاىل‪َ ( :‬وإِن م ْن‬
‫هذه التهمة بأبنائه عليه السالم‪ ،‬ال أظن ذلك‪ .‬وكذلك لنا ٌ‬
‫يها ن َِذ ٌير ) (فاطر ‪ ،)24‬يقول القرطبي يف تفسريها‪ " :‬وإن من أمة إال خال‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫أ َّمة إِ َّال َخالَ ف َ‬
‫فيها نذير أي سلف فيها نبي "‪ )2(،‬فم هي إذ ًا األمة أو القوم الذين أرسل إليهم آدم عليه‬
‫السالم ؟‬
‫وحتى عىل قول من قال أن آدم عليه السالم نبي فقط وليس رسول‪ ،‬استنادا عىل‬
‫حديث آخر أو رواية أخرى عن النبي صىل اهلل عليه وسلم س ِئل فيها عن آدم عليه‬
‫السالم‪ ( :‬أن رجالً قال‪ :‬يا رسول اهلل أنبي كان آدم ؟ قال‪ :‬نعم معلم مكلم )‪ )3(،‬فإن‬
‫هذا ال يغري من األمر الكثري‪ ،‬بالرغم من أن هذه الرواية تقترص عىل النبوة – حتى وإن‬
‫كان اقتصار إثبات هذا احلديث للنبوة فإن هذا ال يعني نفي الرسالة‪ ،-‬بل قد يزداد األمر‬
‫يها ن َِذ ٌير )‪ ،‬إذ أن النذر ليْسوا‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫تأكيدا‪ ،‬بدليل قول اهلل تعاىل السابق‪َ ( :‬وإِن م ْن أ َّمة إِ َّال َخالَ ف َ‬
‫رسال فقط‪ ،‬إذ يدخل فيهم األنبياء كذلك‪ ،‬وكالم القرطبي السابق يؤكد هذا‪ ،‬وكذلك‬
‫األنبياء يؤمرون بالتبليغ‪ ،‬فالعلمء يبلغون إىل غريهم فمن َباب أوىل األنبياء‪ .‬و َّ‬
‫إن من‬
‫أصح ما قيل يف الفرق بني الرسول والنبي؛ أن الرسول من أوحي إليه برشع جديد‪،‬‬
‫والنبي هو املبعوث لتقرير رشع من َقبْله‪ ،‬أو يراد بالرسول من بعث بكتاب والنبي من‬
‫ب ِع َث بِ َغري كتاب‪ِ )4(،‬‬
‫فكالمها يبعثان للتبليغ‪ ،‬فيبقى السؤال نفسه؛ من هي األمة أو القوم‬

‫)‪ -(1‬السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن‪.812 ،‬‬


‫)‪ -(2‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪.340/14 ،‬‬
‫)‪ - (3‬أخرجه احلاكم‪ ،262/2 ،‬وقال صحيح عىل رشط مسلم‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ ،‬وصححه األلباين‬
‫أيضا‪ .‬انظر‪ :‬األلباين‪ ،‬موسوعة األلباين‪.140/8 ،‬‬
‫)‪ - (4‬أو يراد نحو ذلك ّما حيصل به املقابلة مع تعلق اإلرسال هبم‪ ،‬انظر‪ :‬األلوِس‪ ،‬روح املعاين‪،‬‬
‫‪.165/9‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪124 --------------‬‬

‫الذين أمر آدم عليه السالم بتبليغ الدعوة إليهم ؟ بل إن النبي يبعث لتقرير رشع من قبله‬
‫كم قلنا‪ ،‬فإن كان آدم عليه السالم نبيا فرضا بصحة هذا القول وليس رسوال‪ ،‬فم هي‬
‫رشيعة النبي الذي كان قبله وأتى لي ِقر رشعه حسبم يقول التعريف السابق للنبي؟ لذلك‬
‫يمكن اخللوص بعد هذه القرائن أن آدم عليه السالم كان مسبوقا بأناس‪ ،‬وأنه عىل‬
‫خاصة بأهله فقط‪ ،‬وإن كان هذا‬
‫األرجح قد وج َهت نب َّوته إىل قوم‪ ،‬إذ أن دعوته مل تكن َّ‬
‫يستنبط من استقراء النصوص والقرائن وليس رشط ًا من أدلة مبارشة‪.‬‬

‫دليل‪ :‬مل يثبت أي حديث عن النبي صىل اهلل عليه وسلم يف ِ‬


‫كيفية خلق حواء عليها‬
‫السالم‪:‬‬
‫احدَ ٍة‬
‫سو ِ‬ ‫ِ‬
‫مر معنا قول اهلل تعاىل‪َ ( :‬يا َأ َهيا النَّاس اتَّقوا َر َّبكم ا َّلذي َخ َل َقكم من َّن ْف ٍ َ‬
‫َّ‬
‫َو َخ َل َق ِمن َْها َز ْو َج َها ) ( النساء ‪ ،)1‬وقد أثبتنا سابقا باألدلة أن النفس الواحدة ليست‬
‫بالرضورة آدم عليه السالم‪ ،‬ومعناه تَعديا ليست بالرضورة أن زوجها هنا هي حواء‬
‫عليها السالم‪ ،‬إذ رأينا أن النفس الواحدة معناها أوسع؛ فقيل أَنا اإلنسانية (جنس‬

‫وهنالك من أثبت أن آلدم عليه السالم صحف (انظر تفسري‪ :‬املوىل أبو الفداء‪ ،‬روح البيان‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫ف آدم ككتاب مقدس هلم‪ ،‬وهذا إىل اآلن ويسمونه‬ ‫بريوت‪ ،)18/9 ،‬إضافة إىل أن الصابئة يؤمنون بِص ِ‬

‫الكنزاربا‪ ( ،‬انظ ر‪ :‬الندوة العاملية للشباب اإلسالمي‪ ،‬املوسوعة امليّسة يف األديان واملذاهب‬
‫واألحزاب املعارصة‪ ،‬إرشاف وختطيط ومراجعة‪ :‬د‪ .‬مانع بن محاد اجلهني‪ ،‬دار الندوة العاملية للطباعة‬
‫والنرش والتوزيع‪ ،‬ط الرابعة‪ 1420 ،‬هـ‪ )715/2 ،‬وهذا قد يستأنس به كذلك يف القول بأنه رسول‬
‫وليس نبي فقط‪ ،‬عمال بالتعريف السابق أي " يراد بالرسول من بعث بكتاب والنبي من ب ِع َث بِ َغري‬
‫كتاب "‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪125 -------‬‬

‫ٌ‬
‫إنسان كم نقل رشيد رضا‪ )1(،‬أو األصل الذي كان‬ ‫اإلنسان) أو احلقيقة التي هبا اإلنسان‬
‫عليه الناس‪.‬‬
‫فاآلية إذن اليوجد فيها أن حواء خلِ َقت من ضلع آدم وهو نائم وإنم كان ذلك‬
‫التفسري من بعض أهل التفسري والتابعني كمجاهد وقتادة‪ )2(،‬إذ مر معنا أن ذكرنا أنه مل‬
‫يثبت أي حديث عن النبي صىل اهلل عليه وسلم يف كيفية خلق حواء عليها السالم‪ ،‬وال‬
‫أَنا خلقت من آدم عليه السالم‪ ،‬وأما إذا رجعنا إىل حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم‬
‫الذي هو العمدة‪ ،‬فنجد أن احلديث الوحيد الوارد يف الباب ال يذكر آدم وال حواء‪ ،‬وإنم‬
‫يذكر أن النساء –بصيغت اجلمع‪ -‬خلقن من ِضلع ال أكثر وال أقل‪ ،‬وهو الذي يقول فيه‬
‫يش ٍء‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس َت ْوصوا بِالن َساء َخ ْ ًريا َفإ ََّن َّن خل ْق َن م ْن ض َل ٍع َوإ َّن َأ ْع َو َج َ ْ‬
‫صىل اهلل عليه وسلـ ـ ـ ــم‪ْ ( :‬‬
‫اء‬‫ِيف الض َل ِع َأعالَه َف ِإ ْن َذهبت ت ِقيمه َك ـّستَه وإِ ْن تَر ْكته َمل يز ْل َأعوج َفاس ـتوصوا بِالنس ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ََْ َْ َ ْ َْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ‬
‫َخ ْ ًريا )(‪ ،)3‬فال يوجد كم ترون أي ذكر حلواء أَنا خلقت من آدم عليه السالم يف احلديث‪،‬‬
‫وإنم ذكر النساء بصيغة اجلمع‪ ،‬ومل يذكر احلديث أَنن خلقن من الرجال أصال‪.‬‬
‫وأرشنا أن اآلثار التي وردت واصفة أن حواء خلقت من ضلع آدم عليه السالم‬
‫األيّس ليس هلا حكم الرفع‪ ،‬أي أَنا ال تنسب إىل النبي صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬بل رجح‬

‫)‪ -(1‬راجع‪ :‬دليل حقيقة النفس الواحدة التي خلق اهلل كل الناس منها ليست بالرضورة آدم عليه‬
‫احدَ ٍة َو َخ َل َق ِمن َْها زَ ْو َج َها)‬
‫سو ِ‬ ‫ِ‬
‫السالم‪ :‬قول اهلل تعاىل‪َ ( :‬يا َأ َهيا النَّاس اتَّقوا َر َّبكم ا َّلذي َخ َل َقكم من َّن ْف ٍ َ‬
‫( النساء ‪.)1‬‬
‫)‪ -(2‬انظر‪ :‬الطربي‪ ،‬جامع البيان‪.115/7 ،‬‬
‫)‪ -(3‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،5185 ،5184 ،3331 ،‬ومسلم يف صحيحه‪.1468 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪126 --------------‬‬

‫كل من العاملني‪ ،‬املحدث األلباين واملجدد رشيد رضا أَنا من اإلْسائيليات‪ )1(،‬وأكد‬
‫األلباين أنه اليثبت أي حديث يف خلق حواء من ضلع آدم عليه السالم‪)2(.‬‬

‫أما معنى هذا احلديث للنبي صىل اهلل عليه وسلم –(استوصوا بالنساء خريا)‪-‬‬
‫فيقول األلباين‪ " :‬وقال الشيخ القاري يف "رشح املشكاة" (‪ " : )460/3‬أي خلقن خلق ًا‬
‫فيه اعوجاج‪ ،‬فكأَنن خلقن من األضالع‪ ،‬وهو عظم معوج‪ ،‬واستعري للمعوج صورة‪،‬‬
‫أو معنى ونظريه يف قوله تعاىل‪{ :‬خلق اإلنسان من عجل} "‪ .‬قلت ‪-‬أي األلباين‪ :-‬وهذا‬
‫هو الراجح عندي أنه استعارة وتشبيه ال حقيقة‪ ،‬وذلك ألمرين‪ :‬األول‪ :‬أنه مل يثبت‬
‫حديث يف خلق حواء من ضلع آدم كم تقدم‪ .‬واآلخر‪ :‬أنه جاء احلديث بصيغة التشبيه يف‬
‫رواية عن أيب هريرة بلفظ‪" :‬إن املرأة كالضلع ‪ )3( "." ...‬فهو عىل قول األلباين استعارة‬
‫وتشبيه ال يراد منعناه احلقيقي‪ ،‬أي شبه فيه صىل اهلل عليه وسلم خلق املرأة بالعظم‬
‫العوجاجٍ فيه‪.‬‬
‫فإذا علمنا أنه ال يظهر لنا يف علمنا القارص نص يف كيفية خلق حواء عليها‬
‫السالم‪َ ،‬فن َفوض أمر خلقها احلقيقي التفصييل إىل اهلل‪ ،‬وهذا ال يعني ترك التفكر يف آيات‬
‫اهلل وأحاديث النبي صىل اهلل عليه وسلم يف ذلك‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬أ َفالَ َيتَدَ َّبر َ‬
‫ون ا ْلق ْر َ‬
‫آن‬
‫َأ ْم َع َ ٰىل قل ٍ‬
‫وب َأ ْق َفاهلَا ) (حممد ‪ ،)24‬عسى أن نجد إشارات وقرائن يف ذلك بإذن اهلل‪ ،‬أو‬
‫عىل األقل نسكت عىل ذلك دون اإلخالل باملعنى‪.‬‬
‫وسأذكر كم يسأيت بإذن اهلل تعاىل استئناسا بعض عقائد أديان أخرى يف كيفية‬
‫ٍ‬
‫وعميق لنصوصنا‬ ‫خلق حواء عليها السالم‪ ،‬لعل تلك األخبار ترشدنا إىل فهم سلي ٍم‬
‫والتفكر فيها أكثر‪.‬‬

‫)‪ -(1‬انظر‪ :‬رشيد رضا‪ ،‬تفسري املنار‪ ،432-431/9 ،‬األلباين‪ ،‬سلسلة األحاديث الضعيفة‬
‫واملوضوعة‪.1139/13 ،‬‬
‫)‪ -(2‬انظر‪ :‬األلباين‪ ،‬سلسلة األحاديث الضعيفة واملوضوعة‪.1139/13 ،‬‬
‫)‪ -(3‬األلباين‪ ،‬سلسلة األحاديث الضعيفة واملوضوعة‪.1140-1139/13 ،‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪127 -------‬‬

‫فإنه يمكن القول؛ إن كان بعض أهل التفسري نقلوا هذا القول يف كيفية خلق‬
‫حواء من ضلع آدم عليهم السالم اجتهادا منهم من أهل الكتاب من اليهود أو النصارى‬
‫يف ذلك‪ ،‬فيمكن أيضا أن ننقل باملقابل اجتهاد واستئناسا منا قوال آخرا من املجوس وهم‬
‫أهل كتاب كذلك – سيأيت إن شاء اهلل ذكر األدلة عىل أَنم عىل الصحيح أهل كتاب ‪،-‬‬
‫فإنه يوجد يف كتبهم عقيدة تقول أن األبوين آدم وحواء عليهم السالم‪ ،‬قد نـجيا واصطفيا‬
‫من دورة برشية سابقة ليكونا آباء لدوة برشية جديدة‪ -،‬وسأذكر إن شاء اهلل استئناسا‬
‫هذه املسألة يف المجوسية (الزرادشتية) بمراجعها الحقا؛ يف فصل‪ :‬هل هنالك إنسان‬
‫قبل آدم عليه السالم يف األديان السموية ؟ بل سأزيد إن شاء اهلل استئناسات من أديان‬
‫أخرى يف وجود برش قبل آدم عليه السالم ‪ )1(،-‬ولو صحت مثل هذه العقائد‪ ،‬فيمكن‬
‫أن تفتح الباب أمام فهم علمي أو تارخيي يف ظل الكتاب والسنة هلذه املسألة ‪-‬لكن ينبغي‬
‫أن يكون َمبْنِي ًّا عىل الدليل‪ ،-‬والوحي مل ينهنا عن البحث يف آيات القرآن الكريم أو‬
‫أحاديث النبي صىل اهلل عليه وسلم والتفكر فيها بالعلم الصحيح‪ ،‬فعسى هذا أن يساعد‬
‫بإذن اهلل عىل معرفة تفاصيل من أهم القصص يف خلق آدم وزوجه عليهم السالم‪ ،‬وبداية‬
‫أمة آدم عليه السالم العظيمة‪ ،‬ومعرفة أصلنا‪ ،‬وكيف كان حال األرض ومن سكن فيها‬
‫حني نزوهلم من اجلنة‪ ،‬وأين عاشا؟ ومع من التقيا؟ ومع من َتزوج أبناءمها؟ فإن القرآن‬
‫ميلء باإلعجاز والبحث والعلم َيكتشف بعض أْساره كلم مر الزمن‪ ،‬فربم قد يتمكن‬
‫العلم والبحث الصحيح من كشف مزيد من األْسار يف قصة آدم عليه السالم العظيمة‪.‬‬

‫)‪ -(1‬أي يف الفصل الثاين‪ :‬هل تثبت األديان السموية وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟‪ ،‬حيث‬
‫سأذكر بإذن اهلل اعتقاد الصابئة واملجوس (الزرادشتية) واهلندوسية يف ذلك‪ .‬وهذا استئناسا وليس‬
‫إيمنا‪ ،‬فإننا لسنا مطالبني بأن نؤمن بذلك ابتداء‪ ،‬لكن لعل تِ ْل َك األخبار ت ِ‬
‫رشدنا إىل فهم سليم وعميق‬
‫لنصوص وحينا وال َّتفكر فيها أكثر بإذن اهلل‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪128 --------------‬‬

‫دليل‪ :‬حديث قتل من تزوج امرأة أبيه‪:‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫از ٍ‬‫( َع ِن ا ْل َ َرب ِاء ْب ِن َع ِ‬
‫الرا َية ‪ ،‬قلْت‪:‬‬ ‫اَّلل َعن ْه ‪َ ، -‬ق َال ‪َ :‬لقيت َخ ِايل َو َم َعه َّ‬ ‫يض َّ‬‫ب ‪َ -‬ر َ‬
‫اَّلل َع َليْ ِه َوآل ِ ِه َو َس َّل َم ‪ -‬إِ َىل َرج ٍل ت ََز َّو َج ا ْم َر َأ َة َأبِ ِيه ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫َأ ْي َن ت ِريد ؟ َق َال ‪َ :‬ب َعثَني النَّبِي ‪َ -‬ص َىل َّ‬
‫ِ ِ‬
‫َب ْعده ‪َ ،‬ف َأ َم َر ِين َأ ْن َأ ْ ِ َ‬
‫رضب عن َقه )‪)1(.‬‬

‫هذا احلديث حيمل عىل من استحل نكاح امرأة أبيه ويدخل فيه من استحل نكاح‬
‫املحارم من النساء بشكل عام‪ ،‬وهذا يدل عىل عظم جرم نكاح املحارم‪ ،‬والذي تنفر منه‬
‫النفوس السليمة‪ ،‬لكونه فاحشة فوق فاحشة الزنى‪ ،‬وقبيحة فوق القبيحة‪ ،‬والسؤال‬
‫املهم الذي ينجر من وراء هذا االستدالل‪ ،‬كيف يرىض آدم عليه السالم والذي كان نبيا‬
‫مرسال بمثل هذا الزواج املحرم يف بنيه‪ ،‬فيزوج األخ مع أخته‪ ،‬وحتى إذا َتنَّزلنا إىل قول‬
‫من يقول بأنه أول برش يف كل اخلليقة‪ ،‬فإن اخلوض يف هذه املسألة واجلزم بأن أبناء آدم‬
‫عليه السالم تزوجوا بعضهم من بعض هو رجم بالغيب‪ ،‬لعدم ورود أي دليل عىل ذلك‪،‬‬
‫فكان حلِـ ًّيا عىل من يعتقد هذا القول أن يتوقف ويسكت عىل األمر‪ ،‬حتى يتبني له الدليل‪.‬‬
‫وإن كنا نرى يف كل هذا قرينة عىل أنه عليه السالم مل يكن وحيدا عىل كل وجه‬
‫الكرة األرضية الكبرية الواسعة‪ ،‬وإنم عىل األرجح أنه كان يف األرض أقوام آخرون‪ ،‬من‬
‫األرجح أَنم تزاوجوا وتناسلوا مع ذريته عليه السالم‪ ،‬كم رأينا سابقا يف مثيل هذا الدليل‬
‫يف حتريم زواج املحارم يف القرآن الكريم وغري ذلك من األديان‪ ،‬واهلل أعلم‪)2(.‬‬

‫)‪ -(1‬رواه ابن ماجه يف سننه ‪ ،2607‬وأيب داود سننه ‪ ،4465‬وأمحد يف مسنده ‪ ،18557‬والنسائي يف‬
‫سننه ‪ ،3313‬رواه احلاكم يف مستدركه ‪ 2830‬واللفظ له‪.‬‬
‫)‪ -(2‬وملن أراد أن يستزيد بحثا‪ ،‬فلريجع إىل بحوث الباحث صايف محدون عىل الشبكة العنكبوتية‪،‬‬
‫بكتابة عبارة "برش قبل آدم صايف محدون" أو ما شابه يف حمركات البحث‪ .‬إال أين أشري أن الصايف محدون‬
‫قد أصاب يف أصول فكرته‪ ،‬إذ توصل إىل نفس النتيجة معي فيم خيص وجود برش قبل آدم عليه السالم‪،‬‬
‫لكني أخالفه يف جزء من تفاصيل بحوثه‪ ،‬وهذا من طبائع البرش‪ ،‬فهم خيطؤون ويصيبون‪ ،‬والذي هيمنا‬
‫من نتائجه‪ ،‬أنه خلص من بحوثه لقرابة الثالثني سنة‪ ،‬أنه يوجد برش قبل آدم عليه السالم‪ ،‬وأنه حني‬
‫هبط كان أعدا ٌد من البرش ي َعمرون قبله األرض (يف الصني واهلند ومرص واحلجاز وغريها من‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪129 -------‬‬

‫دليل‪ :‬البحث يف طول آدم عليه السالم احلقيقي‪:‬‬


‫اَّلل َعن ْه‪َ ،‬ع ِن النَّبِي َص َّىل اهلل َع َليْ ِه‬
‫يض َّ‬
‫ِ‬
‫روى البخاري يف صحيحه‪َ :‬ع ْن َأ ِيب ه َر ْي َر َة َر َ‬
‫ب َف َسل ْم َع َىل أو َل ِئ َك ِم َن‬ ‫وس َّلم‪َ ،‬ق َال‪ ( :‬خ َل َق اَّلل آدم وطوله ِست َ ِ‬
‫ون ذ َرا ًعا‪ ،‬ث َّم َق َال‪ :‬ا ْذ َه ْ‬ ‫َّ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬

‫البلدان)‪ ،‬وأنه آدم عليه السالم كان يف ناحية احلجاز ومكة –أو ناحية الرشق األوسط عموما‪ ،-‬وأنه‬
‫تزوج أبناؤه مع أولئك الناس الذين كانوا يف تلك الناحية‪ ،‬وكان من ذريته العرب‪ .‬والذي يظهر لنا‬
‫أن هذه النتائج األقرب إىل الصواب يف مجلتها‪ ،‬وبحوثي الشخصية التي قمت هبا تعضد ذلك‪ ،‬أوهلا‬
‫وأمهها البحث يف القرآن الكريم والسنة‪ ،‬والتفكر فيهم جيدا‪ ،‬واعتبار أقوال ِ‬
‫القلة القليلة من أهل‬
‫التفسري‪ ،‬وبخاصة من العلمء املعارصين الذين نقلوا القول بوجود برش آخرين من غري ذرية آدم عليه‬
‫السالم‪ ،‬كاملجدد حممد عبده وتلميذه رشيد رضا‪ ،‬وبعض نقول األلوِس‪ ،‬ثم من ناحية أخرى‪ ،‬أي‬
‫من ناحية دراسة األديان القديمة التي هلا أصول سموية‪ ،‬وعقائد قدماء الفرس واهلنود والصابئة‪،‬‬
‫وعقائد األقوام البدائية التي مجعها ونقل جلها علمء غرب يف القرن التاسع عرش –وهي موجودة اآلن‬
‫يف كتب‪ ، -‬ثم البحث فيم يقوله العلم احلديث يف آثار قدماء البرش‪ ،‬وهذا الكتاب الذي بني أيديكم‬
‫هو زبدة ما خلصت إليه‪ ،‬وإن كان ال يزل االجتهاد مفتوحا يف اجلواب عىل بعض األسئلة حول آدم‬
‫عليه السالم وذريته‪ ،‬مثل من أي مكان هبط بالتحديد وأي أسباب اختذها يف هبوطه من اجلنة‪ ،‬وهل‬
‫هذه جنة اخللد أم جنة أخرى غري جنة اخللد –والصـ ـ ـحيح أَنا غري جنة اخل ـلد وهو رأي طائفة من‬
‫أهل التفسري‪ ،-‬وأين التقى مع زوجه حواء يف األرض أم هبط معها؟‪ ،‬وكيفية عيشه عليه السالم يف‬
‫األرض‪ ،‬ودرجة احلضارة التي كان عليها‪ ،‬ومع من تزاوجت ذريته وتفاصيل األنساب والشعوب‬
‫التي انحدرت منه بالضبط؟‪ ،‬وغري ذلك من األْسار التي نسأل اهلل أن يوفقنا إىل اكتشاف يشء منها‪،‬‬
‫كي نفهم تار خينا عىل حقيقته‪ ،‬قبل أن يأيت املخالفون ويملوا علينا شيئا من فهمهم وعلمهم القارص‪،‬‬
‫رك دون وحي‪ ،‬مل ي ِفد يف كِ ِ‬
‫ثري يشء‪ ،‬بل لوقع فيه إشكاالت معرفية‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َل ْو‬ ‫والذي لو ت َ‬
‫َ ِ ِ ِ َ ِ ِ‬
‫اختِالَ ًفا كَثِ ًريا ) (النساء ‪ ،)82‬فيبقى وحي ربنا هو امليزان‪ ،‬وفهمه‬ ‫ِ ِ‬
‫اَّلل َل َو َجدوا فيه ْ‬
‫كَان م ْن عند غ ْري َّ‬
‫الصحيح هو املفتاح‪ ،‬يف التقدم يف مثل هذه البحوث‪ ،‬بل يف كلها‪ ،‬فهو الذي ي َسري العلم يف ِ‬
‫الو ْج َهة‬
‫الصحيحة‪ ،‬ويف الطريق الـمراد‪ ،‬لِي ْصبِح خادما له‪ ،‬ومعينا يف التدبر يف اآليات والتفكر فيها‪ ،‬لتفصح‬
‫عن خباياها‪ ،‬وكنوزها املعرفية‪َ ،‬فت ْك َت َشف األَْسار‪ ،‬وت َْسقط أحقاب بعيدة من األستار‪ ،‬لتتبني أهم‬
‫قصص طبعت البرشية‪ ،‬والتي ذكر اهلل أصلها يف كتابه لنتدبرها‪ ،‬ولنقرأها يف قرآنه حق ِقراءهتا‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪130 --------------‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا َملال َِئك َِة‪َ ،‬ف ِ‬
‫السالَم‬ ‫السالَم َع َليْك ْم‪َ ،‬ف َقالوا‪َّ :‬‬ ‫حييون ََك‪َ ،‬حت َّيت َك َو َحت َّية ذر َّيت َك‪َ ،‬ف َق َال َّ‬
‫اس َتم ْع َما َ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ور ِة آ َد َم‪َ ،‬ف َل ْم َي َز ِل‬
‫اَّلل‪َ ،‬فكل َم ْن َيدْخل اجلَنَّ َة َع َىل ص َ‬ ‫َع َليْ َك َو َر ْمحَة َّ‬
‫اَّلل‪َ ،‬ف َزادوه‪َ :‬و َر ْمحَة َّ‬
‫اخلَلْق َين ْقص َح َّتى َ‬
‫اآلن‪)1( ).‬‬

‫وقد اختلف العلمء يف طول جسد آدم عليه السالم احلقيقي عىل وجه األرض‪،‬‬
‫فمنهم من قال أن طوله هذا ستون ِذرا ًعا كان يف اجلنة ثم لم نزل إىل األرض نزل عىل‬
‫صورة عادية‪ ،‬وهنالك من قال أنه نزل عىل تلك الصورة الطويلة عىل األرض‪.‬‬ ‫ِ‬

‫وم ْن َمن يرى أن طول آدم هذا أي ستون ذراع كان يف االبتداء فقط ال يف‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬ابن حجر العسقالين‪ ،‬إذ يقول يف فتح الباري يف رشح ه ـ ــذا احل ـ ـ ــديث‪ " :‬و َظ ِ‬
‫اهر‬ ‫َ‬
‫ني ِ َ َ َ ْ َ‬
‫ذراعا وهو ا ْملعتمد "‪)2(.‬‬ ‫الص ِحيحِ َأنَّه خلِ َق ِيف ا ْبتِدَ ِاء ْاألَم ِر َع َىل ط ِ‬
‫ول ِست َ‬ ‫ْ ِ ِ‬
‫احلَديث َّ‬
‫ْ‬
‫ت عندنا من حال عمراهتم أنه كان طوهلم ستون‬ ‫ويقول ابن خلدون‪ " :‬مل َيثْب ْ‬
‫ِذ َرا ًعا يف ٍ‬
‫زمن‪ ،‬بل بيوهتم يف االرتفاع فيم مض كم هي اليوم‪)3( ".‬‬

‫وجاء يف فيض الباري عىل صحيح البخاري ملحمد أنور اهلندي‪ " :‬قوله‪( :‬ست َ‬
‫ون‬
‫يكون مراد احلديث أنه كان قدر طوهلم هذا‬ ‫َ‬ ‫وحي َت َمل أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َمء)‪ ،‬أي يف الطول‪ْ ،‬‬ ‫ذ َرا ًعا يف َّ‬
‫يف اجلنة‪ ،‬فإذا نَزلوا عادوا إىل ِ‬
‫الق َرص‪ .‬فإن األحكا َم َت َت َفاوت بتفاوت البلدان‪ ،‬واألوطان‪.‬‬ ‫َ‬
‫سنة ّما تَعدون‪ ،‬فهو يوم يف العامل العلوي‪ ،‬وألف ٍ‬
‫سنة يف‬ ‫كم أن يوما عند ربك كألف ٍ‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫تكون قاماهتم تلك يف اجلنة‪ ،‬فإذا َد َخلوها عادوا إىل أصل‬ ‫َ‬ ‫العامل السفيل‪ ،‬هكذا ي ْم ِكن أن‬
‫قامتهم‪)4( ".‬‬

‫)‪ -(1‬رواه البخاري يف صحيحه ‪.3326‬‬


‫)‪ - (2‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪.367/6 ،‬‬
‫)‪ - (3‬حممد أنور شاه اهلندي‪ ،‬فيض الباري عىل صحيح البخاري‪ ،‬املحقق حممد بدر عامل املريهتي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية بريوت – لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1426 ،‬هـ ‪ 2005 -‬م‪.342/4 ،‬‬
‫)‪ - (4‬املرجع نفسه‪.343-342/4 ،‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪131 -------‬‬

‫اخلَلْق َين ْقص َأ ْي‬ ‫ني َق ْوله َف َل ْم َي َز ِل ْ‬ ‫"و َق َال بن الت ِ‬ ‫وجاء يف فتح الباري البن حجر‪َ :‬‬
‫ني ح َّتى إِ َذا كَثر ِ‬ ‫الشخْص َشيْ ًئا َف َشيْ ًئا َو َال َي َت َب َّني َذل ِ َك فِ َيم َب ْ َ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫ني َو َال ا ْل َي ْو َم ْ ِ َ‬‫السا َع َت ْ ِ‬
‫ني َّ‬ ‫ك ََم َي ِزيد َّ‬
‫ار ْاأل َم ِم‬ ‫وجد ْاآل َن ِم ْن آ َث ِ‬ ‫ص َو َيشْ كل َع َىل َه َذا َما ي َ‬ ‫احلكْم ِيف النَّ ْق ِ‬ ‫ني َفك ََذل ِ َك َه َذا ْ‬ ‫ْاألَ َّيام َت َب َّ َ‬
‫ول َع َىل َح َس ِ‬ ‫اهتم َمل تَك ْن م ْف ِر َط َة الط ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ ِ ِ‬
‫ب‬ ‫السال َفة كَد َيار َثمو َد َفإ َّن َم َساكنَه ْم تَدل َع َىل أ َّن َقا َم ْ ْ‬
‫ان ا َّل ِذي َبيْنَه ْم َو َب ْ َ‬
‫ني آ َد َم‬ ‫يم َو َأ َّن َّ‬
‫الز َم َ‬ ‫ِ‬
‫السابِق َو َال َش َّك َأ َّن َع ْهدَ ه ْم َقد ٌ‬ ‫الرتتيب َّ‬
‫ما ي ْق َت ِض ِيه َّ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ني َأ َّو ِل َه ِذ ِه ْاأل َّم ِة َو َملْ َيظْ َه ْر ِيل إِ َىل ْاآل َن َما ي ِزيل َه َذا‬ ‫ان ا َّل ِذي َبيْنَه ْم َو َب ْ َ‬ ‫ون الزم ِ‬
‫د َ َّ َ‬
‫َال‪)1(".‬‬ ‫اإلشْ ك ِ‬ ‫ِْ‬
‫وهنالك من محل احلديث عىل كل من اجلنة والدنيا‪ ،‬أي بأن آدم عليه السالم نزل‬
‫إىل األرض أيضا وطوله ستون ذراع‪ ،‬أي قرابة الثالثني مرت أو أكثر‪.‬‬
‫ويمكن بإذن اهلل أن نسوق أدلة عىل هاذين القولني يف طول آدم عليه السالم عىل‬
‫النحو التايل‪:‬‬
‫أ‪ .‬فيمكن االستدالل عىل أن آدم عليه السالم نزل بقرابة طول باقي البرش بأدلة يمكن‬
‫أن نجملها بعضها إن شاء اهلل يف ما ييل‪:‬‬
‫‪ -‬ألسباب قد رأينا بعضها سابقا‪ ،‬مثل كونه من املستبعد أن يكون آدم عليه الصالة‬
‫والسالم قد أنكح املحارم من بناته مع أبنائه‪ ،‬فال بدَّ أن يكونوا قد تزوجوا مع غريهم من‬
‫النسل الذي كان موجودا يف األرض من ذوي الطول العادي‪ ،‬فمن الصعب أن يتزوج‬
‫رجل وامرأة خمتلفني يف الطول واحلجم هبذه النسبة العالية‪ ،‬ألن األبناء ال بدَّ أن يكونوا‬
‫عىل حجم آبائهم‪ ،‬فمخالطتهم مع األقوام الذين كانوا يف األرض يدل عىل أَنم كانوا‬
‫عىل شاكلتهم يف اخللق اجلسدي‪ .‬وكذلك يمكن االستئناس بنبوة آدم عليه السالم‪ ،‬والتي‬
‫رجحنا آنفا أَنا مل تكون ن َّبوته موجهة حرصا ألهل فقط‪ ،‬حيث أنه من غري املرجح أن‬
‫يكون هناك نبِي ًّا يبعث يف قوم ويكون هذا الفارق اجلسدي الكبري بينه وبني القوم الذين‬
‫بعث فيهم‪ .‬وكذلك هذا الكالم يقال عىل نوح عليه السالم احلفيد القريب آلدم عليه‬

‫)‪ - (1‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪.367/6 ،‬‬


‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪132 --------------‬‬

‫السالم –فاحلفيد تقرتب ِخ ْل َقته مع ِخلْقة أبيه وبخاصة إن كان قريبا منه‪ ،-‬وقصته مع‬
‫قومه والذين مل يكونوا بذلك احلجم اعتمدا عىل ما يستنبط من الوحي‪ ،‬إذ مل يرد يف الوحي‬
‫اختصاصهم بذلك الطول كم اختص قوم عاد‪.‬‬
‫‪ -‬ويمكن أن يستأنس كذلك هنا بالعلم احلديث (علم اإلنسان واآلثار) واملشاهدة‪،‬‬
‫فإن اهلياكل العظمية البرشية الـم ـ ْعلنة التي و ِجدَ ت للبرش يف فرتة آدم عليه السالم‪ ،‬أي‬
‫حوايل سبعة آالف سنة من اآلن وقبله كذلك‪ ،‬هي عظام برشية ذات طول عادي يف‬
‫جلها‪ )1(،‬وال أقول أنه ال يوجد استثناء‪ ،‬ألن هذا الدليل العلمي يستأنس به –لكونه قد‬
‫ي َقوي قول عىل قول آخر‪ ،-‬فقياس آدم عليه السالم عىل الغالب أكثر احتمال ور ْج َحانا‬
‫من قياسه عىل االستثناء‪ ،‬وهذا ي ِفيد أيضا يف معرفة قامة غالب البرش الذين كانوا يف ذلك‬
‫الزمن الذي عاش معهم آدم عليه السالم يف األرض‪ ،‬واهلل أعلم‪ .‬وليس عيبا أن تستعمل‬
‫مثل هذه الدراسات العلمية احلديثة يف الرتجيح بني األقوال‪ ،‬وقد رأينا كيف استعمل‬
‫بعض العلمء السابق ذكرهم مشاهدة آثار األمم المضية يف ترجيح قول أن آدم عليه‬
‫السالم مل يكن يف األرض بذلك الطول العظيم‪ ،‬مثل ابن خلدون‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ال فإنه جياب عليه بإذن اهلل ِم ْن‬
‫‪ -‬أما االستدالل بوجود قوم عاد الذين كانوا طِ َوا ً‬
‫أكثر من وجه‪ ،‬الوجه األول‪ :‬هذا ليس بدليل عىل محله عىل آدم عليه السالم يف األرض‪،‬‬
‫كون هؤالء كانوا ِضخاما يف األرض‪ ،‬أما آدم عليه السالم فقد سكن كل من اجلنة‬
‫واألرض ‪-‬والقاعدة تقول‪ :‬إذا دخل االحتمل سقط االستدالل‪ ،-‬فاهلل أسكنه ابتداء يف‬

‫)‪ -(1‬انظر كمثال عظام اإلنسان الذي عاش ما قبل السبعة آالف سنة‪ ،‬وهذا بإذن اهلل مرجع علمي‬
‫يثبت هذا الكالم‪ ،‬ويتكلم عن صفات اإلنسان ما بني مخسة وأربعني ألف سنة إىل سبعة آالف سنة من‬
‫اآلن‪ ،‬ويثبت يف اجلملة أن حجم اإلنسان كان عاديا‪ ،‬انظر‪ :‬إىل هذه دراسة التي نرشت عىل موقع‬
‫عنوان‪:‬‬ ‫حتت‬ ‫الباب‪-‬‬ ‫يف‬ ‫‪-‬الشهري‬ ‫‪science‬‬ ‫‪daily‬‬ ‫داييل‬ ‫السيانس‬
‫‪:The geneTic history oF Ice Age Europe‬‬ ‫‪،May 2, 2016‬‬
‫‪https://www.sciencedaily.com/releases/2016/05/160502131231.htm‬‬
‫لكن أؤكد أنه يوجد استثناء كم سوف أسوق أدلة علمية بعد قليل إن شاء اهلل‪.‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪133 -------‬‬

‫اجلنة‪ ،‬وال يوجد دليل رصيح أنه هبط إىل األرض هبذه الصورة (ستون ذراعا أي قرابة‬
‫الثالثون مرت أو أكثر)‪ ،‬فالذي يظهر عىل هذا القول أنه كان طويال يف اجلنة هبذه الصورة‬
‫ثم نزل إىل األرض بصفة أصغر –كم ذكر هذا االحتمل العلمء السابقون كم رأينا‪،-‬‬
‫والوجه الثاين‪ :‬لقد أخرب النبي صىل اهلل عليه وسلم أنه كل من يدخل اجلنة سوف يدخلها‬
‫ور ِة آ َد َم)‪ ،‬أي‬
‫عىل صورة آدم عليه السالم كم يف احلديث ( َفكل َم ْن َيدْخل اجلَنَّ َة َع َىل ص َ‬
‫عىل طوله ومجاله وحسنه كم جاء رشح احلديث(‪ ،)1‬ومعنى ذلك أن اإلنسان سيغري اهلل‬
‫طوله من الصغر يف األرض إىل الكرب يف اجلنة‪ ،‬فم المنع أن يكون اهلل قد َغـريه من الك ْرب‬
‫يف اجلنة إىل الصغر يف األرض‪ .‬والوجه الثالث‪َ :‬أنَّه يف نفس الوقت كان يعارص قوم عاد‬
‫أناس ذوو قامة عادية‪ ،‬بدليل أن اهلل تعاىل ذكر هذا النوع من االختصاص وال ِـمـنة التي‬
‫خصهم هبا عىل كثري من غريهم عىل لسان نبيه هودا‪ ،‬قال اهلل تعاىل يف كتابه‪َ ( :‬وا ْذكروا‬
‫ِ‬ ‫إِ ْذ َج َع َلك ْم خ َل َفا َء ِمن َب ْع ِد َق ْو ِم نوحٍ َو َزا َدك ْم ِيف ْ‬
‫اخلَلْ ِق َب ْس َط ًة ۚ َفا ْذكروا َآال َء َّ‬
‫اَّلل َل َع َّلك ْم‬
‫ون ) (األعراف ‪ ،)69‬قال ابن كثري‪ ( " :‬وزادكم يف اخللق بسطة ) أي ‪ :‬زاد طولكم‬ ‫ت ْفلِح َ‬
‫عىل الناس بسطة‪ ،‬أي ‪ :‬جعلكم أطول من أبناء جنسكم " (‪ ،)2‬أي يفهم من اآلية أنه كان‬
‫هلم زيادة يف اخللق عىل غريهم‪ ،‬وهذا يدل أنه كان هنالك قوم ًا ِمن العمليق معارصين‬
‫ألناس عاديني‪ ،‬فلمذا هذا التفريق بأنه يقارن هذا اجلنس من العمليق بآدم وال ي َقارن‬
‫اجلنس العادي به عليه الصالة والسالم ال سيم وأن األناس العادين هم األصل أو‬
‫األغلب بإشارة اآلية نفسها‪ ،‬كون اآلية كأَنا قد جعلت تلك النعمة يف الزيادة يف بسطة‬
‫اخللق استثنائية وتفضيلية يف عاد (الذي يظهر يف املكان الذي عاشوا فيه) َف َذك َرهم اهلل‬
‫هبا‪ ،‬وهلذا قال ابن كثري‪" :‬زاد طولكم عىل الناس"‪ ،‬أي أن غالب الناس ليس هلم طولكم‪،‬‬
‫فلمذا ِ‬
‫القياس عىل االستثناء وترك القياس عىل العموم‪ .‬والذي أريد أن أخرج به يف هذا‬
‫الرأي األول؛ أنه ليس بالرضورة أن يكون تالزم بني آدم عليه الصالة والسالم وقوم عاد‬
‫يف الطول واجلسم‪ .‬والذي يظهر واهلل أعلم أن اآلية السابقة قد يكون فيها إشارة أخرى‬

‫)‪ - (1‬انظر‪ :‬بدر الدين العيني‪ ،‬عمدة القاري رشح صحيح البخاري‪.209/15 ،‬‬
‫)‪ - (2‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪.434/3 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪134 --------------‬‬

‫خف َية إىل أن طول آدم عليه السالم كان أقرص من طول قوم عاد‪ ،‬ألَنا تشري إىل أن طول‬
‫قوم عاد كان أطول من ط ــول قوم نوح عليه السالم‪ ،‬فقد قال اَّلل تعاىل‪ ( :‬خ َل َفا َء ِمن َب ْع ِد‬
‫اخلَلْ ِق َب ْس َط ًة )‪ ،‬أي يدخل يف املعنى أن زيادة البسطة لعاد ليست عىل‬ ‫َق ْو ِم نوحٍ َو َزا َدك ْم ِيف ْ‬
‫األقوام التي عارصهتم فقط وإنم زيادة يف البسطة عىل قوم نوح عليه السالم‪ ،‬وعندما‬
‫نقول قوم نوح فكأننا نتحدث عىل طول آدم عليه السالم ومن عارصه‪ ،‬ألنه عليه السالم‬
‫ليس بينه وبني نوح عليه السالم الكثري‪ ،‬ألف سنة كم جاء يف احلديث أي قرابة عمر آدم‬
‫عليه السالم ‪ ،‬حتى أنه ورد أثر البن عباس يقول فيه‪" :‬أن آدم مل يمت حتى ولد له‬
‫فمن غري املعقول أن يناقض طول اجلد طول احلفيد القريب‪.‬‬‫نوح"‪ِ )1(.‬‬

‫ب‪ .‬ويمكن أن يستدل باملقابل أن آدم عليه السالم نزل يف األرض بطول ستني ذراع‬
‫بأدلة يمكن أن نجملها بعضها إن شاء اهلل فيم ييل‪:‬‬
‫‪ -‬جميء نص ـوص ال ـ ـوحي أن ق ـوم عاد زادهم اهلل يف اخللق بسطة‪ ،‬قـ ـ ـ ــال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫ال‪ ،‬وقد سكنوا‬ ‫اخلَلْ ِق َب ْس َط ًة )‪،‬حيث نقل أهل التفسري أَنم كانوا طِ َوا ً‬
‫( َو َزا َدك ْم ِيف ْ‬
‫األرض‪ ،‬فم المنع أن يكون آدم عليه الصالة والسالم مثلهم ؟‬
‫‪ -‬طول السن الذي عاشه آدم عليه السالم ألف سنة إال ستني عام‪ ،‬ومن قرب من‬
‫نسله مثل نوح عليه السالم الذي مكث يف قومه ألف سنة إال مخسني عاما‪ ،‬وهذا يوحي‬
‫ربم أن أجسامهم كانت ضخمة كي يعيشوا مثل هذا السن‪ ،‬والذي يظهر أن العلم قد‬
‫يتناسب مع هذا أكثر ّما يتناسب مع طول عمر كهذا يف إنسان صاحب الطول العادي‪،‬‬
‫وهذا بحكم املشاهدة والتجربة كذلك‪ ،‬فاإلنسان املعارص قليال ما يتجاوز التسعني‪ .‬وقد‬
‫نجد قياسا يف ذلك عىل احليوانات‪ ،‬إذ أنه يف كثري من األحيان احليوانات األكرب أكثر‬
‫تعمريا من احليوانات الصغرية واحلرشات‪.‬‬
‫‪ -‬ادعاء عدم وجود آثار أو بِنَا َيات تدل عىل عدم وجود أناس هبذا الطول ادعاء‬
‫خاطئ بل العكس‪،‬فقد ثبتت أدلة عىل وجود أقوام من العمليق عاشت يف األرض ‪ -‬وإن‬

‫)‪ -(1‬رواه السيوطي يف الدرر املنثور‪ ،437/6 ،‬ورواه ابن عساكر يف تاريخ دمشق‪.244/62 ،‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪135 -------‬‬

‫كان الدليل القرآين يف قوم عاد وحده يكفينا‪ ،‬لكن ال حرج يف أن نبيني هذا علميا أو‬
‫مشاهدة َتنَز ً‬
‫ال مع املتشككني يف ذلك أو املخالفني يف العقيدة ‪ -‬مثل بعض األبنية‬
‫الضخمة التي وجدت يف أنحاء خمتلفة من األرض‪ ،‬والتي من الصعب أن يبنيها برش ذوو‬
‫طول عادي يف ذلك الزمن‪ ،‬مثل وجود آثار‪ :‬يف ناحية َب ْع َل َبك يف لبنان حتتوي عىل أعمدة‬
‫وآثار ذات ارتفاع كبري وتزن عرشات األطنان‪ ،‬حيث قيل أن احلجارة املستعملة يف يشء‬
‫من األبنية يقدر وزَنا ما بني ‪ 800‬طن و ‪ 1200‬طن‪ )1(،‬وبعض املناطق يف اليونان‬
‫القديم‪ ،‬ورومانيا‪ ،‬وربم مرص القديمة‪ ،‬وغريها من املناطق‪.‬‬
‫‪ -‬هذا وقد بدأت بعض البحوث يف الزمن احلديث تأيت بأدلة عىل إثبات وجود أقوا ٍم‬
‫من العمليق طوهلم ما بني ثالثة إىل أربعة أمتار – حيث حتاول بعض األوساط ال َّتنَكر هلذه‬
‫البحوث– وعاشوا بجوار شعوب عاديني‪ ،‬بل وقع بينهم حروب وقتال‪ .‬ومن بني هذه‬
‫ٍ‬
‫إثبات ‪-‬باألدلة العلمية واألثرية‬ ‫البحوث‪ ،‬ما قام به أحد الباحثني الفرنسيني مؤخرا من‬
‫القوية‪ -‬وجود قوم من العمليق يرتاوح طوهلم ما بني ثالثة إىل أربع أمتار عاشوا يف القديم‬
‫وسكنوا منطقة يف رومانيا –دولة رومانيا احلديثة‪ -‬حوايل ألفي ‪ 2000‬سنة من اآلن‪ ،‬وقد‬
‫دخلوا يف حرب مع الرومان‪ ،‬لكن بفعل كثرة اجلنود الرومان ه ِزموا‪ ،‬وأبِيدوا عن بِك َْرة‬
‫أبيهم وانقرضوا بعدها‪ ،‬وقد أثبت الباحث يف رشيط علمي وجود آثار هلم وخملفات‪،‬‬
‫كخوذات ضخمة وخواتيم –مجع خاتم‪ -‬كبرية‪ ،‬بل حتى شهادات شهود عىل هياكل‬
‫عظمية ضخمة‪ ،‬حتى أن قدماء الرومان – أعني احلضارة الرومانية القديمة‬
‫(اإليطاليني)‪ -‬قد أشاروا إليهم يف بعض املباين‪ ،‬وقد اجتهدت بعض األوساط اخلفية‬
‫حديثا يف كتمن واخفاء تلك اآلثار‪ ،‬حيث ض ِغطت عىل احلكومة الرومانية –دولة رومانيا‬

‫)‪ - (1‬انظر‪:‬‬
‫‪https://www.kabbos.com/index.php?darck=1060‬‬
‫‪https://www.greatsciences.com/167/hl-altarykh-aldhy-ndrsh-‬‬
‫‪hqyqy-am-mzwr-wmhrf-hl-alshkhsyat-walahdath-alty-ntlmha-n-‬‬
‫‪alaghryq-w-alywnan-w-alrwman-walbyznt-hqyqyt‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪136 --------------‬‬

‫احلديثة‪ -‬للتسرت عليها‪ ،‬لكن مثل هذه البحوث تساهم يف اسدال األستار عن مثل هذه‬
‫احلقائق‪ ،‬واسم الوثائقي العلمي هو بالفرنسية‪،L'AuTre Terre des Dieux :‬‬
‫وباإلنجليزية‪ The OTher Land oF Gods. :‬وهذا يدل أن هنالك بعض‬
‫الرواج‪ ،‬وأنه يوجد حكومات ْسية وأيدي خفية‬
‫النظريات العلمية أو احلقائق ال يراد هلا َّ‬
‫يف الغرب تتهد يف كتمن حقائق ال ختدم مصاحلها‪ ،‬وأن العلم احلديث يف بعض األحيان‬
‫ٌ‬
‫وخمطوط له حدود حمر ٌم عليه اجتيازها‪ ،‬وهذا عىل عكس ما يظن فيه بعض املفتونني‬ ‫م َق َّيد‬
‫بالغرب وأبحاثه واعتقادهم فيها أَنا حقيقة مطلقة ال ختضع للضغوط‪ .‬وإن كنا نحن‬
‫الـمسلمني ال نحتاج إىل مثل هذه البحوث يف إثبات وجود العمليق كي نؤمن هبم كوَنم‬
‫مذكورين يف القرآن الكريم يف قصة عاد‪ ،‬حيث يفهم من القرآن إثبات وجود مثل هؤالء‬
‫العمليق‪ ،‬فالوحي يغنِينَا ِغن ًا تاما‪ ،‬لكن قد حتتاج احلكمة يف دعوة املخالفني إىل استعمل‬
‫يشء من هذه األدلة العلمية‪ ،‬ال سيم يف هذا الزمن الذي انترشت فيه الشبهات‬
‫والتشكيك يف الثوابت اإليمنية‪ ،‬فأصبحت لغة العلم أداة م ِه َّمة يف حماجات املخالفني يف‬
‫العقيدة‪ ،‬وقد أمرنا اهلل باستعمل احلكمة يف الدعوة إليـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ ( :‬ا ْدع إِ َ ٰىل‬
‫اد ْهلم بِا َّلتِي ِه َي َأ ْح َسن ۚ إِ َّن َر َّب َك ه َو َأ ْع َلم‬
‫احلسن َِة ۚ وج ِ‬
‫َ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫يل رب َك بِ ْ ِ ِ‬
‫احلك َْمة َوا ْمل َْوع َظة ْ َ َ‬ ‫َسبِ ِ َ‬
‫بِ َمن َض َّل َعن َسبِيلِ ِه ۚ َوه َو َأ ْع َلم بِا ْمل ْه َت ِدي َن ) (النحل ‪ .)125‬وباملوازاة يف كثري من‬
‫األحيان يظهر اإلعجاز العلمي للوحي يف استعمل البحوث العلمية‪ ،‬مثل حالة العمليق‬
‫هنا التي ت َصدق ما جاء به الوحي‪ ،‬فمن الذي علم حممد صىل اهلل عليه وسلم أنه كان‬
‫يوجد عمليق يف األرض قديم ؟‬
‫ت‪ .‬نتيجة يف طول آدم عليه السالم‪:‬‬
‫أرى أن القول األول بأن طول آدم عليه السالم يف األرض كان يمثل أو أقرب‬
‫إىل طول اإلنسان املعارص هو األرجح بني القولني‪ ،‬لقوة األدلة السابقة‪ ،‬مع كون خلقه‬
‫األصيل األول كان طويال كم جاء يف حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم ستون ذراع ًا‪.‬‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪137 -------‬‬

‫دليل‪ :‬الفرق يف السن بني آدم عليه السالم وبنيه وبني باقي البرش‪:‬‬
‫هنالك يشء م ِه ٌم قد يدل من طريق آخر أن هنالك برش قبل آدم عليه السالم‪،‬‬
‫وهو الفرق يف السن بني آدم عليه السالم وبنيه املبارشين وبني باقي البرش والتي أعمرهم‬
‫يف العموم مثلنا اليوم‪ ،‬وهذا ما َيدل كذلك عىل وجود بعض االختالف بني اجلنسني‪.‬‬
‫فنعلم من حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم أن آدم عليه السالم كان عمره طويل‪ ،‬حيث‬
‫أنه عاش تسع مائة وأربعني سنة‪ ،‬إذ يقول صىل اهلل عليه وسلم –يف احلديث الصحيح‪-‬‬
‫فيم يرويه من حوار اهلل تعاىل مع آدم‪َ ( :‬ق َال‪َ :‬يا َرب َم ْن َه َذا؟ َق َال‪َ :‬ه َذا ا ْبن َك َداود َق ْد‬
‫ب َله‪َ .‬ق َال‪َ :‬أ ْي‬ ‫ِ‬ ‫ني سنَ ًة‪َ .‬ق َال‪ :‬يا رب ِزده ِيف عم ِر ِه‪َ .‬ق َال‪َ :‬ذ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫اك ا َّلذي كت َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َك َتبْت َله ع ْم َر َأ ْر َبع َ َ‬
‫اك‪َ ،‬ق َال‪ :‬ث َّم أ ْس ِك َن اجلَنَّ َة َما‬‫ني َسنَ ًة‪َ .‬ق َال‪َ :‬أن َْت َو َذ َ‬ ‫َرب‪َ ،‬ف ِإين َق ْد َج َعلْت َله ِم ْن ع ْم ِري ِست َ‬
‫َان آدم يعد لِنَ ْف ِس ِه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأتَاه م َلك ا ْملَو ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‪َ ،‬ف َق َال َله آ َدم‪َ :‬ق ْد‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫اَّلل‪ ،‬ث َّم أ ْهبِ َط من َْها‪َ ،‬فك َ َ َ‬ ‫َشا َء َّ‬
‫ني َسنَ ًة‪َ ،‬ف َج َحدَ‬ ‫ك َداو َد ِست َ‬ ‫َعجلْ َت‪َ ،‬ق ْد كتِب ِيل َأ ْلف سن ٍَة‪َ .‬ق َال‪ :‬ب َىل و َل ِكن ََّك جعلْ َت ِالبن ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫اب والشه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َيس َفن َِس َي ْ‬‫ِ‬
‫ود‪)1().‬‬
‫ت ذر َّيته‪َ .‬ق َال‪َ :‬فم ْن َي ْومئذ أم َر بِالك َت ِ َ‬ ‫ت ذر َّيته‪َ ،‬ون َ‬ ‫َف َج َحدَ ْ‬
‫وقد جاءت اآلية الرصحية يف نوح عليه السالم والذي هو حفيد قريب من آدم‬
‫عليه السالم أنه لبث يف قومه ألف سنة إال مخسني عاما ( وقد اختلف أهل التفسري يف‬
‫زمن عيشه عليه السالم‪ ،‬فقالت طائفة أن هذا الع ْمر هو زمن لبثه مع قومه فقط وإنم هو‬

‫)‪ -(1‬أخرجه الرتمذي (‪ )3368‬والنسائي يف "اليوم والليلة" (‪ )218‬وابن خزيمة يف "التوحيد" (‪/1‬‬
‫‪ )160‬وابن حبان (‪ )6167‬وأبو الشيخ يف "العظمة" (‪ )1035‬واحلاكم (‪ 64 /1‬و ‪)263 /4‬‬
‫والبيهقي (‪ )147 /10‬ويف "األسمء" (ص ‪ ،)411 - 410‬وابن أيب عاصم يف "السنة" (‪ )206‬وابن‬
‫منده يف "التوحيد" (‪ 452‬و ‪ ،)508‬وابن منده يف "التوحيد" (‪ )570‬وإسمعيل األصبهاين يف "احلجة"‬
‫(‪ ،)194‬قال الرتمذي‪ :‬حسن غريب" وقال احلاكم‪ :‬صحيح عىل رشط مسلم" وقال ابن منده‪ :‬هذا‬
‫حديث صحيح"‪ ،‬واحلديث إسناده حسن كم أكد حمقق فتح الباري الشيخ نبيل البصارة‪ .‬انظر‪ :‬أنِيس‬
‫احلافظ ابن َحجر العسقالين يف َفتح ال َباري‪ ،‬نبيل بن‬
‫الساري يف ختريج َوحتقيق األحاديث التي ذكرها َ‬
‫َّ‬
‫مؤس َسة الر َّيان‪ ،‬بريوت – لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪1426 ،‬‬
‫السمحة‪َّ ،‬‬
‫مؤس َسة َّ‬
‫َمنصور بن َيعقوب البصارة‪َّ ،‬‬
‫هـ ‪ 2005 -‬م‪.1591-1589/2 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪138 --------------‬‬

‫قد عمر أكثر من ذلك وهذا هو ظاهر اآلية واهلل أعلم )‪ )1(.‬ون َّذكر هنا إن شاء اهلل ما نقل‬
‫يف نسب نوح عليه السالم إىل جده آدم عليه السالم كي يزداد األمر تأكيدا أن نوح عليه‬
‫السالم هو من ذريته القريبة املبارشة‪ ،‬فقد نقل ابن كثري يف البداية والنهاية‪ " :‬ه َو نوح ْبن‬
‫وخ َوه َو إِ ْد ِريس ْبن َي ْر َد‪ْ ،‬ب ِن َم ْهال َِئ َيل ْب ِن َقيْنَ َن ْب ِن َأن َ‬
‫وش ْب ِن‬ ‫وش َل َخ‪ْ ،‬ب ِن َخن َ‬
‫َال َم َك ْب ِن َمت َ‬
‫يث ْب ِن آ َد َم" (‪ )2‬فليس بني نوح آدم عليهم السالم آباء كثريون‪.‬‬ ‫ِش َ‬
‫وربم األثر الذي رواه السيوطي يف الدرر املنثور وابن عساكر يف تاريخ دمشق‬
‫عن عبد اهلل بن عباس يزيد هذا الفرق وضوحا‪ ،‬أي الفرق بني ِسن آدم عليه السالم‬
‫وذريته املبارشة كنوح عليه السالم وبني غريهم من الناس الذين كانوا يعيشون يف ذلك‬
‫أن نوحا ب ِعث يف األلف‬
‫الزمن من غري نسل آدم عليه السالم‪ ،‬يقول عبد اهلل بن عباس‪َّ " :‬‬
‫الثاين وأن آدم مل َيـمت حتى ولِدَ َله نوح يف آخر األلف األول وكان قد فشت فيهم‬
‫املعايص وكثرت اجلبابرة وعتوا عتوا كبريا وكان نوح يدعوهم ليال وَنارا ْسا وعالنية‬
‫صبورا حليم ومل يلق أحد من األنبياء أشد ّما لقي نوح فكانوا يدخلون عليه فيخنقونه‬
‫وي ْرضب يف املجالس ويطْرد وكان ال يدع عىل ما يصنع به أن يدعوهم ويقول ‪ :‬يا رب‬
‫اغفر لقومي فإَنم ال يعلمون فكان ال يزيدهم ذلك إال فرارا منه حتى إنَّه ليكلم الرجل‬
‫منهم فيلف رأسه بثوبه وجيعل أصابعه يف أذنيه لكيال يسمع شيئا من كالمه فذلك قول‬

‫ني َسن ٍَة‪،‬‬‫وح َوه َو ِألَ ْر َب ِع َ‬ ‫ِ‬ ‫عَن ا ْب ِن عَ َّب ٍ‬


‫اس َق َال‪ :‬بع َث ن ٌ‬ ‫)‪ - (1‬ينقل ابن كثري بعض األقوال يف ذلك قائال‪ِ " :‬‬
‫ان ِست َ‬
‫ني عَ ا ًما‪َ ،‬ح َّتى كَث َر النَّاس َو َف َش ْوا‪.‬‬ ‫اش بعدَ الطو َف ِ‬ ‫ف َسن ٍَة إِ َّال َمخ ِْس َ‬
‫ني عَ ا ًما‪َ ،‬وعَ َ َ ْ‬ ‫َو َلبِ َث ِيف َق ْو ِم ِه َأ ْل َ‬
‫ني عَ ا ًما‪َ ،‬لبِ َث فِ ِيه ْم َقبْ َل َأ ْن َيدْع َوه ْم َث َلث َِمئ َِة‬ ‫ف َسن ٍَة إِ َّال َمخ ِْس َ‬‫َان] َأ ْل َ‬ ‫َو َق َال َق َتا َدة‪ :‬ي َقال إِ َّن عم َره ك َّله [ك َ‬
‫اق ِم َن‬ ‫اهر الس َي ِ‬ ‫ني سن ًَة‪ .‬و َه َذا َقو ٌل َغ ِريب‪ ،‬و َظ ِ‬
‫ٌ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َسنَة‪َ ،‬و َدعَ اه ْم َث َلث َِمئَة َو َلبِ َث َب ْعدَ الطو َفان َث َلث َِمئَة َو َمخْس َ َ‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ني عَا ًما‪َ .‬و َق َال عَ ْون ْبن َأ ِيب َشدَّ اد‪ :‬إِ َّن َّ َ‬
‫اَّلل‬ ‫ف َسن ٍَة إِ َّال َمخ ِْس َ‬ ‫ِِ‬
‫َث ِيف َق ْومه َيدْعوه ْم إِ َىل َّ‬
‫اَّلل َأ ْل َ‬ ‫ْاآل َي ِة َأنَّه َمك َ‬
‫اش َب ْعدَ‬ ‫ني عَا ًما‪ ،‬ث َّم عَ َ‬ ‫ف َسن ٍَة إِ َّال َمخ ِْس َ‬
‫ني َو َث َلث َِمئ َِة َسن ٍَة‪َ ،‬فدَ عَاه ْم َأ ْل َ‬‫وحا إِ َىل َق ْو ِم ِه َوه َو ا ْبن َمخ ِْس َ‬
‫َأ ْر َس َل ن ً‬
‫اس َأ ْق َرب‪،‬‬ ‫يب‪َ ،‬ر َواه ا ْبن َأ ِيب َحاتِ ٍم‪َ ،‬وا ْبن َج ِر ٍير‪َ ،‬و َق ْول ا ْب ِن عَ َّب ٍ‬ ‫ني َسن ًَة‪َ .‬و َه َذا َأ ْي ًضا َغ ِر ٌ‬‫َذل ِ َك َث َلث َِمئ ٍَة َو َمخ ِْس َ‬
‫اَّلل َأ ْع َلم‪ ".‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪.268/6 ،‬‬
‫َو َّ‬
‫)‪ - (2‬ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية‪.237/1 ،‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪139 -------‬‬

‫اهلل {جعلوا أصابعهم يف آذاَنم واستغشوا ثياهبم} (نوح اآلية ‪ )7‬ثم قاموا من املجلس‬
‫فأْسعوا امليش وقالوا ‪ :‬امضوا فإنه كذاب ‪ ،‬واشتد عليه البالء وكان ينتظر القرن بعد‬
‫القرن واجليل بعد اجليل فال يأيت قرن إال وهو أخبث من األول وأعتى من األول ويقول‬
‫الرجل منهم ‪ :‬قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا فلم يزل هكذا جمنونا وكان الرجل منهم‬
‫إذا أوَّص عند الوفاة يقول ألوالده ‪ :‬احذروا هذا املجنون فإنه قد حدثني آبائي ‪ :‬إن‬
‫هالك الناس عىل يدي هذا ‪ ،‬فكانوا كذلك يتوارثون الوصية بينهم حتى أن كان الرجل‬
‫ليحمل ولده عىل عاتقه ثم يقف به وعليه فيقول ‪ :‬يا بني إن عشت ومت أنا فاحذر هذا‬
‫الشيخ فلم طال ذلك به وهبم {قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بم تعدنا إن‬
‫فال َّظاهر عىل حسب هذا األثر أن نوحا عليه‬ ‫كنت من الصادقني} (هود اآلية ‪)1( ".)32‬‬

‫السالم كان يعيش أكثر من قومه‪ ،‬حيث كانوا يموتون يف حياته‪ ،‬ويتداول عليه األجيال‬
‫جيل بعد جيل والقرن بعد القرن‪ ،‬حتى يويص السلف منهم اخللف بتكذيبه‪ ،‬وهذا يدل‬
‫عىل طول عمره مقارتة هبم‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫دليل عىل أن آدم عليه السالم وبنيه وأحفاده القريبني‬
‫ٌ‬
‫ودليل عىل نوع ما من‬ ‫املبارشين كنوح عليه السالم كانوا أكثر تعمريا من باقي الناس‪،‬‬
‫اختالف آدم عليه السالم ونسله عن باقي البرش الذين كانوا موجودون عند نزوله‪.‬‬
‫وأرى أن نقصان العمر التدرجيي من آدم عليه السالم إىل األجيال الالحقة‪،‬‬
‫وح ِيف‬‫والذي نقل عن بعض السلف؛ فعن جماهد أن عبد اهلل بن عمر قال له‪َ ":‬ك ْم َلبِ َث ن ٌ‬
‫ان ِم ْن‬
‫ني َعاما‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف ِإ َّن النَّاس َمل يزالوا ِيف ن ْقص ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ْ ََ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ف َسنَة إِ َّال َمخْس َ ً‬‫َق ْو ِم ِه؟ َق َال‪ :‬قلْت َأ ْل َ‬
‫َأ ْع َم ِر ِه ْم َو َأ ْحال َِم ِه ْم َو َأ ْخالَقِ ِه ْم إِ َىل َي ْو ِم َك َه َذا‪ )2( ".‬فهذا النقصان يف العمر التدرجيي‬
‫األوائل إىل أن ينتهي النقصان إىل العمر‬ ‫ِ‬ ‫َخيص نسل آدم عليه السالم ويبدأ ِبه ث َّم ذ ِر َّيتِه‬
‫احلايل للبرش‪ ،‬إذ أن آدم وبنيه األوائل هم الذين كانوا يعيشون طويال‪ ،‬وليس هذا النقصان‬
‫يشمل البرش اآلخرين من غري آدم عليه السالم‪ ،‬سواء الذين قبله أو املعارصين له‪ ،‬كوَنم‬

‫)‪ - (1‬رواه السيوطي يف الدرر املنثور‪ ،437/6 ،‬ورواه ابن عساكر يف تاريخ دمشق‪.244/62 ،‬‬
‫)‪ -(2‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪.268/6 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪140 --------------‬‬

‫كانوا يعيشون مثلنا أو أقل‪ ،‬أي أقل بكثري من آدم عليه السالم وأبنائه‪ ،‬وهذا مثبت علمي ًا‪،‬‬
‫أي أن عمر قدماء البرش يف العموم كان قصريا مقارنة مع آدم عليه السالم وبنيه‪ ،‬فهنالك‬
‫دراسات علمية حديثة تقول َّ‬
‫أن قابلية تعمري البرش املحتملة (هوموسابني ‪-‬االسم‬
‫العلمي‪ )-‬هي حوايل اثنتني وتسعني سنة ‪ ،92‬وأ َّما النياندرتال (صنف من البرش عاش‬
‫قبلنا قديم ثم انقرض يرجع أصله إىل أكثر من ‪ 400.000‬سنة) هو حوايل ثالثة وتسعني‬
‫سنة ‪ ،93‬وأما متوسط عمر قدماء البرش؛ فمثال يف فرنسا القديمة بِنَاحية (بيكاردي)‬
‫)‪ (Picardie‬ما بني ألفني وأربع مائة قبل امليالد ‪ 2400‬ق‪.‬م إىل ألف وثمن مائة قبل‬
‫امليالد ‪ 1800‬ق‪.‬م كان متوسط عمر الوفاة حوايل اثنان ومخسون سنة ‪( 52‬بنسبة ارتياب‬
‫ثالثة سنني)‪ )1(.‬بل هنالك دراسة نرشت يف املوقع العلمي الشهري (‪)sciencedaily‬‬
‫أثبتت أن أمل عمر اإلنسان القديم ( الذي عاش حوايل قبل ‪ 150000‬سنة) عىل الراجح‬
‫يتشابه ويقرتب من أمل حياة اإلنسان احلديث‪ )2( .‬وهذا يدل أن قدماء البرش من غري آدم‬
‫عليه السالم يف العموم كانوا أقرب يف مدة العيش من البرش املعارصين ولو كانوا أقدم‬
‫من آدم عليه السالم كرجل النياندرتال وغريه من قدماء اهلوموسابني –اإلنسان‬
‫احلديث‪.-‬‬
‫وأرى أن هذا النقصان يف عمر آدم عليه السالم وبنيه املبارشين واألقربني يمكن‬
‫أن ي َفّس ِع ِ‬
‫لمي ًا وعقالً‪ ،‬بمعنى أن آدم عليه السالم لم أنزله اهلل إىل األرض مع زوجه‬
‫تتزوج وتتخالط تدرجييا مع بقية البرش الذين أعمرهم‬‫حواء عليها السالم‪ ،‬بدأت ذريتهم َّ‬
‫تقارب أعمرنا اآلن‪ ،‬وكانوا أغلب البرش إذ ذاك ( انظر خمطط تِ ْعدَ اد شعوب العامل منذ‬

‫)‪(1‬‬ ‫‪- voir : pierre L.Thilaud, Pour une approche de la vieillesse en‬‬
‫‪Préhistoire, HisToir des sciences médicales, Tome XLVII - N° 4 – 2013,‬‬
‫‪p 496.‬‬
‫‪(2) – voir‬‬ ‫‪:‬‬
‫‪https://www.sciencedaily.com/releases/2011/01/110111133254.htm‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪141 -------‬‬

‫القديم بعد قليل بإذن اهلل )‪ ،‬فبدأ خيتلط ِع ْرق هؤالء مع نسل آدم عليه السالم‪ ،‬وبدأت‬
‫أعمر نسل آدم عليه السالم من ذ ِريتِه بالتناقص تدرجييا بِ َغ َلبة ِ‬
‫الع ْرق‪ ،‬ألن اآلخرين كانوا‬ ‫َ‬
‫األكثرية ( وهذا بدليل تعداد سكان العامل يف حويل السبعة آالف ومخس مئة سنة ‪7500‬‬
‫من اآلن وهو الزمن التقريبي آلدم عليه السالم‪ ،‬إذ كان تعداد السكان بحسب بحوث‬
‫علمية هو حوايل عرش ‪ 10‬ماليني نسمة‪ ،‬انظر املخطط العلمي الالحق بإن اهلل )‪ ،‬ولع َّلنا‬
‫نرى شاهدا عىل احللقة الوسيطة يف إبراهيم عليه السالم الذي جاء بعد آدم عليه السالم‬
‫بعرشين قرن ًا كم مر معنا احلديث الصحيح‪ ،‬فقد جاءت األخبار أنه عاش ما بني المئة‬
‫ومخس وسبعني سنة ‪ 175‬إىل مائتي سنة ‪ ،)1( 200‬وهو من ذرية آدم عليه السالم‪َ ،‬بيْنَم‬
‫ابنَه إسحاق عليه السالم ن ِق َل أنه تو ِيف عن مائة وثمنني سنة ‪ )2(،180‬وهذه األعمر من‬
‫الصعب لعامة البرش أن يبلغوها مع كوَنا أصغر من عمر آدم عليه السالم بكثري‪ ،‬ويزداد‬
‫رصا يف ذرية آدم من األنبياء عليهم السالم ك َّل َم زاد البعد عن أبيهم آدم‬ ‫ِ‬
‫العمر يف العموم ق َ ً‬
‫عليه السالم واختلط النسل أكثر‪ ،‬فقد ن ِقل مثال يف عمر موسى عليه السالم الذي هو من‬

‫ين َو ِمائ ٍَة‪ ،‬ث َّم عاش بعد‬ ‫اهيم َص َّىل اهلل عَ َليْ ِه َو َس َّل َم‪َ ،‬وه َو ا ْبن ِع ْ ِ‬
‫رش َ‬
‫)‪ -(1‬عَ ن َأ ِيب هرير َة َق َال‪ " :‬اخ َت َتن إِبر ِ‬
‫ْ َ َْ‬ ‫ََْ‬ ‫ْ‬
‫ذلك ثمنني سنة‪ ".‬قال األلباين‪( :‬صحيح اإلسناد موقوف ًا ومقطوع ًا‪ )...‬األلباين‪ ،‬صحيح األدب‬
‫املفرد‪ ،‬ص‪ . 483‬وهنالك مع روى هذا احلديث مرفوعا للنبي صىل اهلل عليه وسلم مثل ابن حبان يف‬
‫ص ـحيحه (‪ ،)84/14‬لكن اخ ـتلفوا يف تـ ـصحيحه‪ ،‬فابن ح ـبان ي َص ِحـ ـحه بي ـنم األلباين يضعـ ـف لـ ـفـ ـظ‬
‫( عاش بعد ذلك ثمنني سنة )‪ ،‬وقد ناقش ابن كثري عمر إبراهيم عليه الصالة والسالم وذكر ثالثة‬
‫أعمر‪ :‬قيل مائة ومخسة وسبعني ‪ 175‬سنة‪ ،‬وقيل مائة وتسعني ‪ 190‬سنة‪ ،‬وقيل مائتي ‪ 200‬سنة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية‪.403/1 ،‬‬
‫)‪ -(2‬انظر‪ :‬ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية‪ .455/1 ،‬وقيل مائة وثالثني سنة‪ ،‬انظر‪ :‬ابن األثري‪ ،‬الكامل يف‬
‫التاريخ‪.150/1 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪142 --------------‬‬

‫أحفاد إبراهيم عليه السالم (‪ )1‬أنه عاش مائة وعرشين سنة ‪ )2(،120‬بينم يزداد العمر كلم‬
‫رجعنا صاعدا إىل آدم عليه السالم‪ ،‬إذ ينقل ابن كثري يف البداية والنهاية عن أهل الكتاب‬
‫ِ‬
‫أعمر سلسلة آباء إبراهيم عليه السالم قائالً‪ " :‬ه َو إِ ْب َراهيم ْبن ت َ‬
‫َار َخ ‪-250‬سنة‪ْ -‬ب ِن‬
‫ور ‪-148‬سنة‪ْ -‬ب ِن َسارو َغ ‪-230‬سنة‪ْ -‬ب ِن َراغ َو ‪-239‬سنة‪ْ -‬ب ِن َفا َل َغ ‪-439‬سنة‪-‬‬ ‫نَاح َ‬
‫ْب ِن َعا َب َر‪-464‬سنة‪ْ -‬ب ِن َشا َل َخ ‪-433‬سنة‪ْ -‬ب ِن َأ ْر َفخ َْشدَ ‪-438‬سنة‪ْ -‬ب ِن َسا ِم ‪-600‬‬
‫اب ِيف كِ َت ِ ِ‬
‫اهب ْم "‪- )3(،‬األعمر هي باألرقام‬ ‫السالَم‪َ .‬ه َذا نَص َأ ْه ِل ا ْل ِك َت ِ‬ ‫ِ‬
‫سنة‪ْ -‬ب ِن نوحٍ َع َليْه َّ‬
‫إىل جانب االسم‪ -‬أما عمر نوح عليه السالم فهو ‪ 950‬سنة أو أكثر وآدم عليه السالم‬
‫َفكتب له ألف سنة تصدق بستني منها لداود عليه السالم كم مر معنا يف حديث النبي‬
‫ني وواضح‪،‬‬
‫صىل اهلل عليه وسلم الصحيح‪ ،‬فهذا التصاعد التدرجيي يف سلسلة األعمر َب ٌ‬
‫وهذا ما يتوافق مع ِعلْم اجلينات احلديث‪َ ،‬فكلم زادت األجيال وبعدت واختلطت مع‬
‫ص العمر و َقرص‪ )4(،‬وبل يكون يف هذا توافق بني الرشع والعقل‬ ‫باقي الناس كلم َنق َ‬
‫ِ‬
‫والعلْم‪ ،‬واألدلة التي رأيناها يف هذا الكتاب تتوافق مع هذا املعنى‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫ان ب ِن يصهر ب ِن َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اه َث‬ ‫وسى ْبن ع ْم َر َ ْ َ ْ َ َ ْ‬ ‫)‪ -(1‬ينقل ابن األثري يف نسب موسى عليه السالم‪ " :‬ق َيل‪ :‬ه َو م َ‬
‫ني َسن ًَة‪َ ،‬وولِدَ‬‫وب َوه َو ا ْبن تِ ْس ٍع َو َث َمنِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‪َ ،‬وولدَ َال ِوي ل َي ْعق َ‬
‫ِ‬
‫اق ْب ِن إِ ْب َراه َ‬
‫وب ْب ِن إِ ْس َح َ‬ ‫ْب ِن َال ِوي ْب ِن َي ْعق َ‬
‫اه َث َي ْص َهر‪َ ،‬وولِدَ ِع ْم َران ل ِ َي ْص َه َر َو َله ِست َ‬
‫ون َسن ًَة‪،‬‬ ‫ني سن ًَة‪ ،‬وولِدَ ل ِ َق ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َقاهث لال َِوي َوه َو ا ْبن س ٍّت َو َأ ْر َبع َ َ‬
‫ِ ِ‬

‫ني َسن ًَة‪ ".‬ابن األثري‪ ،‬الكامل يف التاريخ‪.150/1 ،‬‬ ‫َان عمره َمجِيعه ِمائ ًَة َو َثالَثِ َ‬‫َوك َ‬
‫)‪ - (2‬انظر‪ :‬ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية‪.226/2 ،‬‬
‫)‪ -(3‬ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية‪.324/1 ،‬‬
‫)‪ - (4‬ويمكن أن نمثل عىل ذلك بإنسان أبيض ذهب إىل العيش يف إفريقيا مع السود‪ ،‬فعاش معهم‬
‫وتزوج منهم وتناسل فيهم‪ ،‬فإن أبنائه املبارشين قد يظهر فيهم اللون األبيض أو التوسط بني البياض‬
‫والسواد‪ ،‬وأحفاده يكون فيهم البياض أقل‪ ،‬وأبناء أحفاده يغلب عليهم السواد‪ ،‬إىل أن خيتفي ذلك‬
‫البياض تدرجييا من خالل األجيال‪.‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪143 -------‬‬

‫وهذا بإذن اهلل منحنى إحصاء شعوب العامل منذ القديم بحسب دراسات علمية‪:‬‬

‫منحني يوضح تقديرات سكان العامل منذ ‪ 65.000‬سنة قبل امليالد‪ ،‬فعن اليمني‬
‫عدد السنني يقابله‬
‫عدد الناس باملاليني‪ ،‬املصدر‪(PopulaTion eT SociéTés n° 394, octobre :‬‬
‫)‪2003, Jean-Noël Biraben, L'évoluTion du nombre des hommes, p 3‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪144 --------------‬‬

‫املنحني األصيل بالفرنسية يوضح تقديرات سكان العامل منذ ‪ 65.000‬سنة قبل‬
‫امليالد‪ ،‬فعن اليمني عدد السنني يقابله عدد الناس باملاليني‪ ،‬املصدر‪(PopulaTion :‬‬
‫‪eT SociéTés n° 394, octobre 2003, Jean-Noël Biraben, L'évolution du‬‬
‫)‪nombre des hommes, p3‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪145 -------‬‬

‫مالحظات من خالل املنحني‪ :‬عدد السكان يف زمن آدم عليه السالم‪:‬‬


‫من خالل املنحني السابق يمكننا معرفة عدد سكان العامل –عىل تقدير هذه‬
‫الدراسة‪ -‬يف زمن آدم عليه السالم‪ ،‬حيث إذا علمنا ّما سبق أن آدم عليه السالم قد سكن‬
‫يف األرض حوايل السبعة آالف سنة من اآلن‪ ،‬فإن عدد سكان العامل يف زمانه من خالل‬
‫هذه الدراسة يكون حوايل العرش ماليني ‪ 10‬نسمة‪ ،‬وهذا ما يعني أن العامل إذ ذاك كان‬
‫فيه عدد ال يستهان به من الناس وإ ْن مل يبلغوا الكثافة املعارصة‪ ،‬إال َّ‬
‫أن هؤالء كانوا يف‬
‫األرض قبل نزول آدم عليه السالم وعارصوه‪ .‬ولنا بعدها أن نتصور عدد سكان الرشق‬
‫األوسط (أرض آدم) حني نزوله عليه السالم إىل ذلك املكان‪ ،‬أي ر َّبم كان يف حدود‬
‫املئات اآلالف إىل املليوين ‪ 2‬نسمة‪ ،‬وهؤالء عىل الصحيح هم الذي َجاوروه يف األرض‬
‫وتزوجت منهم ذريته واختلطت هبم فيم بعد‪.‬‬
‫ويمكن أن نقول أن آدم عليه السالم كان شبيها يف العموم –باستثناء طول‬
‫السن‪ -‬بالبرش املوجودين حني سكن األرض‪ ،‬بدليل أن ذريته اختلطت معهم‪،‬‬
‫وتزوجوا بعضهم البعض‪ ،‬وأن كثريا من األنبياء يف الرشق األوسط والناس هم من‬
‫ذريته‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪146 --------------‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬نتيجة حول الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من‬


‫وجود إنسان قبل آدم عليه السالم‪:‬‬
‫‪ -‬القرآن الكريم ال ينفي وجود أناس آخرين يف األرض قبل آدم عليه السالم‪ ،‬وال‬
‫يثبت أبدا أن آدم عليه السالم هو أول كائن عاقل أو أول إنسان سكن كل الكرة‬
‫األرضية‪ ،‬أو أنه أب كل الناس األولني واآلخرين‪.‬‬
‫‪ -‬القرآن الكريم يشري إىل وجود خملوقات أفسدوا يف األرض قبل آدم عليه السالم‬
‫بل قابل أن يشري إىل أن ِم ْن هذه املخلوقات َم ْن هم ِم َن الناس‪ ،‬وذلك يف آيات متعددة‬
‫أمهها اآلية يف سورة البقرة التي تذكر أن آدم خليفة ملن سبقه والتي فيها قياس املالئكة‬
‫عىل إفساده يف األرض عىل من قبله‪.‬‬
‫‪ -‬القرآن الكريم يشري أن آدم عليه السالم توىل ِ‬
‫الو َ‬
‫الية واحلكم بم أنزل اهلل عىل قوم‪،‬‬
‫وال يوجد دليل أن هذا احلكم والنب َّوة كانت بالرضورة عىل أهله وأبنائه فقط دو غريهم‬
‫وذلك يف معنى كلمة ( خليفة )‪.‬‬
‫أب لكل الناس خالفا للمفهوم‬ ‫‪ -‬ال يثبت القرآن الكريم أن آدم عليه السالم هو ٌ‬
‫اإلْسائييل الذي انتقل إلينا‪ ،‬وهذا ما ال يعارض فكرة وجود َب َ ٍ‬
‫رش قبل آدم عليه السالم‪،‬‬
‫وكذلك ال يعارض فكرة كل بني آدم إنسان وليس كل إنسان بني آدم‪.‬‬
‫‪ -‬ال يوجد يف القرآن الكريم أن حواء خلقت من ضلع آدم عليهم السالم‪ ،‬واآلثار‬
‫الواردة يف ذلك عىل الصحيح أَنا من اإلْسائيليات كم أكد ذلك األلباين ورشيد رضا‪،‬‬
‫وذكر األلباين أنه مل يثبت أي حديث يف خلق حواء من ضلع آدم عليهم السالم‪.‬‬
‫‪ -‬حقيقة النفس الواحدة التي خلقنا اهلل منها وذكرها يف أوئل سورة النساء وأواخر‬
‫األعراف ليست بالرضورة آدم عليه السالم‪ ،‬ومن أحسن األقوال من قال املراد هبا هي‬
‫اإلنسانية‪ ،‬أي جنس اإلنسان‪.‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪147 -------‬‬

‫‪ -‬اليوجد يف القرآن الكريم أن آدم عليه السالم كان ي َزوج أبناءه مع بناته أو أي إقرار‬
‫بزواج املحارم يف ما قبلنا من الرشائع السموية‪ ،‬واألدلة يف القرآن الكريم تشري عىل حتريم‬
‫مثل هذا الزواج‪.‬‬
‫ات َو ِم َن ْاألَ ْر ِ‬
‫ض‬ ‫‪ -‬تفسري عبد اهلل بن عباس لقوله تعاىل‪ ( :‬اَّلل ا َّل ِذي خ َل َق سبع سمو ٍ‬
‫َ َ َْ َ َ َ‬ ‫َّ‬
‫"(سبْ َع َأ َر ِض َ‬
‫ني ِيف كل َأ ْر ٍ‬ ‫ِ‬
‫ض نَبِي َكنَبِيك ْم‪َ ،‬وآ َدم كَآ َد َم‪َ ،‬ون ٌ‬
‫وح‬ ‫مثْ َله َّن ) (الطالق‪ )12 :‬بقوله َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يسى)‪َ ،‬يدل رصاحة عىل وجود أوادم غري آدم‬ ‫يسى كَع َ‬ ‫كَنوحٍ ‪َ ،‬وإِ ْب َراهيم ك َِإ ْب َراه َ‬
‫يم‪َ ،‬وع َ‬
‫عليه السالم وآبا ًء آخرين‪.‬‬
‫‪ -‬يوجد أمثلة عن شخصيات يع َت َقد أن منهم َمن هم أباء وأنبياء يف أجناس وأديان‬
‫َكيومرث‬‫أخرى تشهد حلديث عبد اهلل بن عباس يف األرايض وتتوافق معه يف اجلملة‪ ،‬ك ِ‬
‫ْ‬
‫أب الفرس والذي هو بمثابة آدم عليه السالم‪ ،‬والنبي ييم الذي هو بمثابة نوح عليه‬
‫السالم‪ ،‬وزرادشت الذي هو بمثابة حممد صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وهؤالء عند الفرس‪،‬‬
‫وم َلل قديمة أخرى حتتوي عىل بقايا َو ْحي فِيْها َش َبه هي‬
‫وهنالك شخصيات يف شعوب ِ‬

‫كذلك بأنبياء الرشق األوسط‪ ،‬كشخصية مانو يف اهلندوسية الذي يشبه نوح عليه السالم‬
‫لكنه ليس نوح عليه السالم‪ ،‬وكل هذا يقوي وجه االستدالل بحديث عبد اهلل بن‬
‫وأَنم أو‬
‫عباس‪ ،‬ويستنبط به وجاهة القول بوجود أوادم آخرين غري آدم عليه السالم‪َّ ،‬‬
‫بعضهم أسبق منه عليه السالم‪.‬‬
‫يم َو َآل ِع ْم َر َ‬
‫ان‬ ‫ِ‬
‫وحا َو َآل إِ ْب َراه َ‬
‫اص َط َف ٰى آ َد َم َون ً‬ ‫‪ -‬ر َّبم قد يشري قول اهلل تعاىل‪ ( :‬إِ َّن َّ َ‬
‫اَّلل ْ‬
‫ني ) (آل عمران ‪ )33‬أن اهلل قد اصطفى آدم من يشء أو أجناس قبله‪ ،‬فإن‬ ‫ع َىل ا ْلع َ ِ‬
‫امل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫ماض‪.‬‬ ‫االصطفاء يف ٍ‬
‫كثري من األحيان ما يكون من يشء‬
‫‪ -‬خطاب اهلل تعاىل للناس ب ـ ـ ( يا بني آدم ) يف القرآن الكريم ال ينفي كونه موجها إىل‬
‫كل الناس بم فيهم غري ذرية آدم عليه السالم‪ ،‬وذلك من أوجه عديدة منها‪ ،‬إن كان اجلن‬
‫خماطبني هبا فمن باب أوىل أن يكون غريهم من اإلنس خماطبون هبا كذلك‪ .‬وكذلك‬
‫استعمل أسلوب اخلاص ال يمنع تعميم املعنى يف القرآن الكريم‪ ،‬أو كم تقول القاعدة‬
‫أوامر يف‬ ‫ٍ‬
‫نزول أو‬ ‫"العربة بعموم اللفظ ال بخصوص السبب"‪ ،‬فهنالك أحكام أو أسباب‬
‫ٌ‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪148 --------------‬‬

‫القرآن الكريم جاءت يف حق النبي صىل اهلل عليه وسلم أو نسائه أو أصحابه لكن‬
‫أحكامها تلحق بجميع األمة‪ .‬وغري ذلك من األوجه‪.‬‬
‫أب عىل الناس كَا َّفة‪،‬‬
‫‪ -‬اهلل تعاىل مل يذكر يف القرآن الكريم أن آدم عليه السالم هو ٌ‬
‫وإنم ن ََسب سبحانه أب َّوتَه عىل َبنِيه فقط قال اهلل تعاىل‪ ( :‬يا بني آدم ال يفتننكم الشيطان كم‬
‫أخرج أبويكم من اجلنة )‪ ،‬وهذا ما يتناسب مع القول الذي يقول أنه ليس أب ًا عىل كل‬
‫الشعوب‪ ،‬لكن يمكننا تسمية آدم عليه السالم أب ًا عىل باقي الشعوب الذين ليسوا من‬
‫ذريته وتكون بذلك أب َّوتَه أب َّوة تكريم وترشيف واستحقاق احلرمة‪ ،‬وهذا قياسا عىل ابنيه‬
‫إبراهيم وحممد صىل اهلل عليهم وسلم الذي جعلهم الشارع كأَنم آباء لكل املسلمني‬
‫حرمة وتكريم‪.‬‬
‫‪ -‬هنالك ِ‬
‫أدلة يف القرآن الكريم تثبت أن اهلل خلق خملوقات مساوية أو أفضل من‬
‫ب ـ ـني آدم‪ ،‬وم ـ ـن غري املمتنع أن ب ـ ـعض ه ـ ـذه املخلوقات س ـ ـكن األرض‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫محلْنَاهم ِيف ا ْلرب وا ْلبح ِر ور َز ْقنَاهم من ال َّطيب ِ‬
‫ات َو َف َّضلْنَاه ْم َع َ ٰىل‬ ‫( َو َل َق ْد ك ََّر ْمنَا َبنِي آ َد َم َو َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ْ ََ‬ ‫ْ‬
‫ري ّم َّ ْن َخ َل ْقنَا َت ْف ِضيالً ) (اإلْساء ‪ ،)70‬فقال ( عىل كثري ) ومل يقل ( عىل كل )‪.‬‬ ‫كَثِ ٍ‬

‫‪ -‬ال يزال جزء م ِه ٌّم من تاريخ البرشية غامض ًا‪ ،‬ولو َّ‬
‫تطور العلم اإلنساين احلديث‬
‫وبلغ ما بلغ‪ ،‬فإنه ال ي َقارن بعلم اهلل‪ ،‬وال يبلغ ذر ًة منه‪ ،‬فإن اهلل تعاىل قال‪ ( :‬ما أشهدهتم‬
‫خلق السموات واألرض وال خـ ــلق أنفسهــم وما كنت متخذ املضلني عضد ًا )‬
‫(الكهف‪ .)51‬وحتى لو سـمينا كل البرش ببني آدم تاوز ًا‪ ،‬أو غلب ًة‪ ،‬فإن اليشء ال بد من‬
‫إدراكه عىل حقيقته‪ ،‬قبل أن يأيت امللحد ليشككنا يف ديننا بدعوى ِعلم حازه أو داروينية‪،‬‬
‫أو حياول أن يتعامل عىل ما استأثر اهلل بعلم ـ ـ ــه من تفاصيل أنساب البرش بدعوى عدم‬
‫توافق إنساين ادعاه بعلمه القارص الذي فرح به‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َما أوتِيتم م َن ا ْل ِعلْ ِم‬
‫إِ َّال َقلِيالً ) (اإلْساء ‪.)85‬‬
‫‪ -‬يبقى األصل كل األصل واملفتاح كل املفتاح فهم أصل شعوب البرشية وكيفية‬
‫خلقهم؛ هو الفهم الصحيح للكتاب والسنة عىل مراد اهلل ورسوله‪ ،‬وعدم حرص كالم‬
‫اهلل تعاىل أو سنة نبيه صىل اهلل عليه وسلم الواسع معنامها‪ ،‬يف ت ََّصو َرات ورثناها‪ ،‬أو‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪149 -------‬‬
‫ِ‬
‫مفاهيم معينة نق َلت لنا من أهل الكتاب‪ ،‬ضي َقت شاسعا‪َ ،‬‬
‫وح َّجرت واسعا‪ ،‬حتى إن‬
‫العلم احلديث يف آخر املطاف يأيت ليتبِع الوحي طوعا أو كرها‪ ،‬ال العكس‪ ،‬ويصدقه يف‬
‫كل يشء‪ ،‬بل وليسجد له‪ ،‬فاهلل تعاىل هو الذي خلق وهو الذي يعلم ما خلق كيف خلق‪،‬‬
‫ني يف‬ ‫اخلَبِري ) (امللك ‪ ،)14‬وهو الذي َب َّ َ‬ ‫قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬أ َال َي ْع َلم َم ْن َخ َل َق َوه َو ال َّلطِيف ْ‬
‫يش ٍء َوهدً ى َو َر ْ َ‬
‫مح ًة‬ ‫كتابه كل يشء‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ ( :‬ونَز ْلنَا َع َلي َك ا ْل ِك َت ِ‬
‫اب تبْ َيانًا لكل َ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ‬
‫ني ) (النحل‪.)89‬‬ ‫رش ٰى لِلْم ْسلِ ِم َ‬
‫َوب ْ َ‬
‫‪ -‬الظاهر من اآليات واألحاديث أن آدم عليه السالم خلقه اهلل بيديه سبحانه خلقا‬
‫مستقالً‪ ،‬لكن اليوجد دليل يف القرآن وال يف السنة أن اهلل تعاىل قد خلقه وابتدعه خلقا‬
‫جديدا عىل غري مثال سابق‪ ،‬أي بدون أن يشبه أي خملوق من خملوقات اهلل التي قبله‪.‬‬
‫أب‪ ،‬مع كونه مسبوقا‬ ‫مستقل ِم ْن أ ٍّم بغري ٍ‬
‫ٍ‬ ‫‪ -‬إن اهلل خلق عيسى عليه السالم خلقا ِشبه‬
‫ببرش‪ ،‬وخلقه اهلل يشبههم‪ ،‬فإذا نظرنا يف هذه اجلهة –أي يف جهة كونه مسبوق ًا بِ َبرش‪-‬‬
‫وقسناها بخلق آدم عليه الس ـ ـ ـ ـ ــالم؛ فإننا نجد أن آدم عليه السالم كذلك خلق مسبوق ًا‬‫ِ‬
‫ِ‬
‫بِ َبرش‪ ،‬وخلقه اهلل عىل شبههم‪َ ،‬فكالَ َ‬
‫مها عليهم السالم يف هذه احلالة مسبوقان بأناس مع‬
‫كوَنم خلقني مستقلني‪ ،‬خلِ َقا وأ ْدمـِجا يف األرض يف زمن كان الناس فيه موجودين‪ ،‬ويف‬
‫هذه احلالة يكون التمثل بني عيسى وآدم عليهم السالم أعظم ّما كان ي َظن‪.‬‬
‫احلكَم يف تركيز اهلل تعاىل عىل ذكر أنبياء الرشق األوسط (جزيرة‬ ‫‪ -‬لعل من بني ِ‬
‫العرب‪ ،‬الشام‪ ،‬مرص‪ ،‬العراق‪ ،‬تركيا) يف القرآن الكريم ألَنم أعظمهم عربة ومالءمة‬
‫للحال والزمان واملكان‪ ،‬والكتفاء قصصهم عن غريها‪ ،‬والشتهار أنبيائهم وظهور أديان‬
‫طائفة منهم عىل غريها‪ ،‬وملحاجة أهل الكتاب من اليهود والنصارى وإقامة احلجة‬
‫عليهم‪ ،‬ال سيم وأن أبناء إسمعيل من العرب الذين بعث اهلل فيهم حممدا صىل اهلل عليه‬
‫وسلم هم أبناء عم اليهود‪ ،‬فهم أوىل أن يرسل فيهم –أي العرب‪ -‬من يصحح ملة بني‬
‫إْسائيل وجيادهلم بجنس ِعلْ ِم ِهم ومن ما يعرفون من أنبياء ويقيم احلجة عليهم‪ ،‬من أن‬
‫يبعث هذا النبي يف غريهم من شعوب العامل البعيدة‪ ،‬فالعرب أقرباؤهم وجرياَنم‪ ،‬فهم‬
‫يعرفون أنبياء املنطقة‪-،‬مثل قصة أبيهم املشرتك إبراهيم مع هاجر وإسمعيل عليهم‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪150 --------------‬‬

‫السالم يف مكة‪ ،‬وغريها من أخبار الـمعذبني من قوم لوط‪ -‬وآباؤهم مشرتكني كإبراهيم‬
‫ونوح وآدم صىل اهلل عليهم وسلم‪ ،‬فاحلكمة أبلغ من أن خياطبهم اهلل بأنبياء ال يعرفوَنم‬
‫من قارات أخرى بأخبار غريبة عنهم‪ .‬ويلحق هنا بمجادلة اليهود النصارى كذلك‪ ،‬كون‬
‫النصارى هم عىل ملة ورشيعة نبي من بني إْسائيل عيسى عليه السالم‪ ،‬ويدينون بعدد‬
‫من عقائدهم‪ ،‬مثل إيمَنم بكل أنبياء اليهود‪ ،‬حتى إن كتاهبم املقدس جزؤه األول هو‬
‫العهد القديم بم حواه من أسفار أنبياء بني إْسائيل عىل رأسها توراة موسى صىل اهلل‬
‫عليه وسلم أو ما تبقى منها‪ .‬فلو خاطبهم اهلل بقصص أنبياء يف أمريكا أو أسرتاليا أو‬
‫غريها من األماكن البعيدة وترك ذكر أنبياء املنطقة‪ ،‬لتذرعوا ولزاد اهتامهم للنبي حممد‬
‫صىل اهلل عليه وسلم بالكذب –وحاشاه‪ ،-‬ولقالوا لمذا أتى هذا القرآن بأخبار هؤالء‬
‫األنبياء الذين ال يعرفهم أحد ؟ وأن القرآن ال يعنينا؟ وكيف يرتك القريب ويذكر البعيد؟‬
‫ومن أين أتى هبؤالء األنبياء الذي ال يعرفهم أحد؟ وال اختذوا ذلك ذريعة للطعن فيه‪،‬‬
‫مثل قوهلم أن القرآن ال يذكر أعظم قصص مرت باملنطقة و َط َبعت سكاَنا األقدمني؛‬
‫مثل قصة طوفان نوح صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وقصة عبور موسى ببني إْسائيل البحر‬
‫بعدما شقه اهلل له‪ ،‬وقصة إهالك املؤتفكة من قوم لوط صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وغريهم‬
‫من القصص‪ ،‬وكذلك لعل من بني أسباب ذكر القرآن لألنبياء املعروفني عند أهل‬
‫الكتاب؛ قرب املسافة بني األديان اإلبراهيمية السموية‪ ،‬وتقارب كثري من نسل األنبياء‪،‬‬
‫عىل رأسهم كون خاتم النبني حممد صىل اهلل عليه وسلم من ذرية إبراهيم اخلليل وابنه‬
‫إسمعيل صىل اهلل عليهم وسلم‪ ،‬وإبراهيم بدوره أب أنبياء بني إْسائيل‪ ،‬فاألقربون أوىل‬
‫بالذكر وأوىل باالعتبار من غريهم‪ ،‬وهذا ما نجده يف القرآن الكريم‪ ،‬ولعل اهلل رأى يف‬
‫األمة العربية واإلسالمية‪ ،‬خاص ًة إيمنية‪ ،‬ومزية فريدة يف قبول ِدينه ونرصها له‪ ،‬وأهلية‬
‫عزيزة‪َ ،‬ف َج َعل فيهم خاتم أنبيائه‪ ،‬حممد صىل اهلل عليه وسلم‪ .‬ولعل من أسباب تركيز‬
‫اهلل تعاىل يف القرآن عىل تلكم األنبياء من الرشق األوسط ألَنم ببساطة من ذرية آدم عليه‬
‫السالم وأمته‪ ،‬فهم مصطفون من أمة آدم عليه السالم الذي اصطفاه اهلل بدوره‪ ،‬قال اهلل‬
‫ان ع َىل ا ْلع َ ِ‬
‫ني ) (آل عمران‬‫امل َ‬ ‫َ‬ ‫يم َو َآل ِع ْم َر َ َ‬ ‫ِ‬
‫وحا َو َآل إِ ْب َراه َ‬
‫اص َط َف ٰى آ َد َم َون ً‬ ‫تعاىل‪ ( :‬إِ َّن َّ َ‬
‫اَّلل ْ‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪151 -------‬‬

‫ني ِمن ذر َّي ِة آ َد َم َو ِّم َّ ْن َ َ‬


‫محلْنَا َم َع‬ ‫اَّلل َع َليْ ِهم م َن النَّبِي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ ،)33‬وقال تعاىل‪ ( :‬أو َ ٰلئ َك ا َّلذي َن َأنْ َع َم َّ‬
‫ِ‬ ‫اهيم وإِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫مح ِٰن‬ ‫اج َت َبيْنَا ۚ إِ َذا تتْ َ ٰىل َع َليْ ِه ْم آ َيات َّ‬
‫الر ْ َ‬ ‫ْسائ َيل َوّم َّ ْن َهدَ ْينَا َو ْ‬ ‫نوحٍ َومن ذر َّية إ ْب َر َ َ ْ َ‬
‫َخروا س َّجدً ا َوب ِك ًّيا ۩ ) (مريم ‪.)58‬‬
‫‪ -‬إن تركيز اهلل عىل ذكر أنبياء الرشق األوسط ال يعني أن اهلل مل يبعث أنبياء يف األمم‬
‫األخرى كم قلنا حاشا وكال‪ ،‬بل بعث فيهم أنبياء كثر حتى وإن مل نعلم كل أسمئهم‪ ،‬وإن‬
‫كان بدأ بعضهم يظهر‪ ،‬حني بلغت الدراسات ما بلغت‪( ،‬كزرادشت نبي الفرس‪،‬‬
‫قراط‪ ،‬بالرغم من حتريف دعوهتم)‬
‫وكذلك عىل الراجح كل من كنفوشيوس‪ ،‬وبوذا‪ ،‬وس َ‬
‫حتى هنالك من الباحثني املسلمني املعارصين من أثبت نبوة هؤالء وله دراسات ِجدية‬
‫يف ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬إن اهلل بعث أنبياء يف األمم األخرى البعيدة كم بعث يف الرشق األوسط أنبياء‪،‬‬
‫ورشع فيهم أديان سموية‪ ،‬وعىل الصحيح أن اهلل خاطبهم بم مض فيهم من أنبياء‬
‫وقصص ارتبطت مع رشائع اهلل التي كانت عندهم يف أراضيهم وجاورهتم‪ ،‬كم مر‬
‫بفضل اهلل بعض األمثلة عىل ذلك يف الزرادشتية وبالد فارس القديمة وأسرتاليا‪ ،‬وهذا‬
‫مثل اإلسالم مع األديان السموية التي جاورته (يف الرشق األوسط)‪ ،‬وارتباط قصص‬
‫أنبياء بني إْسائيل ونسلهم ومكاَنم بأنبياء العرب‪ ،‬عىل رأسهم خاُتهم صىل اهلل عليهم‬
‫وسلم‪ .‬وأن حممد صىل اهلل عليه وسلم مذكور عند تلك األمم البعيدة كاهلندوس‬
‫والبوذيني عىل غرار الزرادشتية بالرغم من بعدهم عن الرشق األوسط‪ ،‬وقد أثبت ذلك‬
‫باحثون مسلمون معارصون ذكره صىل اهلل عليه وسلم يف كتب تلك امللل (وخاصة‬
‫باحثني مسلمني من اهلند)‪ ،‬كاهلندوسية والبوذية ‪ -‬عىل غرار الزرادشتية التي تناولنا يف‬
‫هذا الكتاب إشارة عىل ذكره صىل اهلل عليه وسلم فيها – ما يوحي أن أصحاب تلك‬
‫امللل التي تنسب إليهم هم عىل األرجح من األنبياء‪ ،‬مثلهم كمثل زرادشت‪ ،‬وأن‬
‫رشائعهم كان فيها من تعاليم الوحي‪.‬‬
‫‪ -‬لقد جاءت كلمة ( الناس ) و كلمة ( اإلنسان ) يف مواضع متعددة من القرآن‬
‫الكريم دون أن يعني هبا كل الناس أو كل إنسان‪ ،‬وعىل هذا فليس بالرضورة أن يكون‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪152 --------------‬‬
‫ب من ا ْلبع ِ‬
‫ث َف ِإنَّا َخ َل ْقنَاكم من ت َر ٍ‬
‫اب )‪،‬‬ ‫قول اهلل تعاىل‪َ ( :‬يا َأ َهيا النَّاس إِن كنت ْم ِيف َر ْي ٍ َ َ ْ‬
‫ني ) يعني به كل الناس أو كل إنسان‪ ،‬وإنم‬ ‫ان ِمن طِ ٍ‬‫اإلنس ِ‬
‫وقوله اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َبدَ َأ َخلْ َق ْ ِ َ‬
‫قد يعني به جزء أو أفراد من الناس واإلنسان‪ ،‬فإن كنا نجزم أن اإلنسان الذي هو من‬
‫نسل آدم عليه السالم وأمتِه يرجع إىل أبيه الذي خلقه من طني‪ ،‬وبالتايل فيمكن أن َنن ِْسب‬
‫خلق هذا اإلنسان إىل الطني‪ ،‬لكن اإلنسان الذي ليس من آدم عليه السالم ليس‬
‫بالرضورة أن يكون خملوقا من طني‪ ،‬فإن اآليتني حتتمالن هذا االستثناء بدليل اآليات‬
‫املتعددة التي تذكر ( الناس ) و ( اإلنسان ) بمعنى جزء منهم‪ .‬وحتى عىل قول أنه ي ْق َصد‬
‫هبم كل الناس أو كل إنسان وهذا ّم ْ ِكن؛ فإنه ليس بالرضورة أن يكونوا كلهم أبناء آلدم‬
‫عليه السالم؛ ألن اآليتني ت ْرجعهم إىل الرتاب وال يوجد ذكر آلدم عليه السالم فيهم‪،‬‬
‫حم َتمل بحيث يكون كل الناس خملوقني من تراب من غري أن يرجعوا كلهم آلدم‬
‫وهذا ْ‬
‫عليه السالم‪ ،‬بحيث أنشأهم اهلل مجيعهم من ت َراب بطريقة علمناها أو يعلمها اهلل‪.‬وقد‬
‫العلم احلديث يقول‬‫نقلنا رأي ًا من اجتهاد أهل التفسري يف كيفية ذلك‪ ،‬ونقلنا رأي ًا من ِ‬

‫باحتمل نشأة احلياة من الطني‬


‫‪ -‬ال يوجد أي حديث من أحاديث النبي صىل اهلل عليه وسلم ينفي وجود أناس قبل‬
‫آدم عليه السالم‪.‬‬
‫والّسيانِيون قبلهم‬
‫ْ‬ ‫‪ -‬عىل الراجح أن آدم عليه السالم كان ْسيانيا و َت َك َّلم بالّسيانية‪،‬‬
‫برش كثري‪.‬‬
‫ٌ‬
‫‪ -‬زمن آدم عليه السالم ال يتجاوز السبعة آالف سنة استنادا إىل حديث النبي صىل‬
‫اهلل عليه وسلم مع مجعه ببعض آثار الصحابة والتابعني‪ ،‬وهذا ما يعني أن آدم صىل اهلل‬
‫عليه وسلم يبقى متأخرا عىل ٍ‬
‫كثري من قدماء الناس الذين َع َّمروا قديم األرض‪.‬‬
‫‪ -‬طريق حساب زمن آدم عليه السالم استنادا عىل سلسلة نسب النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم ال خيتلف كثريا عن الزمن الذي يثْبِته احلديث مجعا مع اآلثار‪ ،‬أي أقل من ثمنية‬
‫آالف سنة وهذا ما يزيد زمن آدم عليه السالم تأكيدا‪ ،‬وبالتايل يــؤكد تقدم كثريا من البرش‬
‫زمنيا عىل آدم عليه السالم‪.‬‬
‫‪ ---------‬الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪153 -------‬‬

‫‪ -‬حديث ( أنتم بنوا آدم ) ال يعني أن كل الناس يف كل زمان ومكان هم أبناء آدم‬
‫عليه السالم‪ ،‬ألن النبي صىل اهلل عليه وسلم كان خياطب العرب من قومه الذين كانوا‬
‫حقيقة من آدم عليه السالم أو أكثرهم‪ ،‬واخلطاب زمن التنزيل إذا كان موجها إىل البعض‬
‫فإنه يف كثري من األحيان موجه إىل باقي األمة كم هو من أساليب القرآن الكريم‪ ،‬أما‬
‫بالنظر إىل باقي الناس فإ َّن األب َّوة ليس بالرضورة أن تكون حقيقية‪ ،‬وإنم تأيت بمعنى‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الترشيف والتعظيم‪ ،‬كم جاء هذا املعنى يف قول اهلل تعاىل‪ ( :‬م َّل َة َأبِيك ْم إِ ْب َراه َ‬
‫يم ) (احلج‬
‫‪ ،)78‬فمن املعلوم أنه ليس كل الناس من أبناء إبراهيم عليه السالم‪ ،‬ورغم ذلك جعله‬
‫اهلل أبا عىل كل الناس‪ ،‬وهذه ت َسمى أبوة الترشيف والتعظيم كم نقل أهل التفسري وليس‬
‫األبوة احلقيقة‪ ،‬وعىل هذا أيضا يمكن محل حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم ( أنتم بنوا‬
‫أب بمعنى الترشيف والتعظيم‪.‬‬
‫آدم ) عىل الذين ليسوا من نسل آدم عليه السالم‪ ،‬أي أنه ٌ‬
‫‪ -‬آدم عليه السالم كان نبيا أرسله اهلل وهذا ما ي َشكك يف كونه كان مبعوثا إىل أهله‬
‫فقط‪ ،‬ويطرح الفرضية املحتملة أنه كانت بعثته م َت َعدية وليست مقترصة عىل أهله فقط‪.‬‬
‫‪ -‬اختلف العلمء يف طول آدم عليه السالم احلقيقي عىل وجه األرض‪ ،‬والذي يظهر‬
‫أنه كان يقرتب أو يساوي طول الناس اليوم‪ ،‬مع كون خلقه األصيل كان ستني ذراعا كم‬
‫ينص احلديث الصحيح‪.‬‬
‫‪ -‬ربم الفرق بني ِسن آدم عليه السالم وذر َيته القريبة –أي عمرهم الطويل‪ -‬وبني‬
‫ِسن حياة باقي شعوب العامل –أي عمرهم قصري كعمرنا اآلن‪ -‬يدل عىل اختالط تدرجيي‬
‫لذرية آدم عليه السالم مع باقي شعوب العامل التي كانت ُتثل األكثرية آنذاك – والتي‬
‫كانت تعيش كم تقول الدراسات العلمية تقريبا مثل ع ْمر اإلنسان احلديث‪ ،-‬فأدى ذلك‬
‫إىل ن ْقص تدرجيي يف أعمر ذ ِرية آدم عليه السالم بحكم غلبت ِ‬
‫الع ْرق‪ ،‬فاختفت تدرجييا‬
‫األعمر الطويلة التي كان يعيشها آدم عليه السالم مع ذريته املبارشين‪.‬‬
‫‪ -‬كان ي َقدر عدد سكان كل العامل يف زمن آدم عليه السالم حسب احصائيات علمية‬
‫بحوايل عرشة ماليني نسمة‪ ،‬ما يؤكد وجود برش كثري كانوا قبله ويعارصونه عليه السالم‪،‬‬
‫حتى وإن مل يبلغوا الكثافة املعرصة‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪154 --------------‬‬

‫الفصل الثاين‪:‬‬
‫هل تثْبِت األديان السموية‬
‫وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟‬
‫وفيه مخسة مطالب‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬إنسان قبل آدم عليه السالم يف التوراة واليهودية‪:‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬إن ـ ـ ـسـ ـ ـان قب ـ ـل آدم عـ ـليـ ـه السالم فـي ال ـ ـ َّزرادشـ ـتي ـة‬
‫(املجوسية)‪:‬‬
‫الصابئة‪:‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬إنسان قبل آدم عليه السالم عند َّ‬
‫املطلب الرابع‪ :‬النرصانية ووجود إنسان قبل آدم عليه السالم‪:‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬نتيجة حول الفصل الثاين‪ :‬إنسان قبل آدم عليه‬
‫السالم يف األديان السموية‪:‬‬
‫‪ --------‬الفصل الثاين‪ :‬هل تـثبت األديان السموية وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪155 ----‬‬

‫الفصل الثاين‪ :‬هل تثْبِت األديان السموية‬


‫وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟‬
‫يف هذا الفصل سوف نرى إن شاء اهلل نظرة من األديان ذات األصول السموية حول‬
‫آدم عليه السالم‪ ،‬وهل هو أول البرش يف األرض أم هو مسبوق بأناس ؟‪ ،‬عسى أن نستدل‬
‫أو نستأنس بتلك املعلومات‪ ،‬ال سيم وسوف نستشهد إن شاء اهلل تعاىل بأديان سموية‪،‬‬
‫علم نافع يف هذا األمر‪.‬‬
‫قد يكون بقي يف كتبها الـمقدسة ومصادرها ٌ‬
‫املطلب األول‪ :‬إنسان قبل آدم عليه السالم يف التوراة واليهودية‪:‬‬
‫إذا رجعنا إىل التوراة ( العهد القديم )‪ ،‬يف القصة الشهرية لألخوين ابـنـَ ْـي آدم‬
‫عليه السالم‪ ،‬فإننا نجد أن قابيل لم قتل هابيل‪ ،‬طرده اهلل من أرضه‪ ،‬حيث جاء يف سفر‬
‫ض‪َ ،‬و ِم ْن َو ْج ِه َك َأ ْخ َت ِفي َو َأكون‬
‫التكوين ‪ ( :14/4‬إِن ََّك َق ْد َط َر ْدتَنِي ا ْل َي ْو َم َع ْن َو ْج ِه األَ ْر ِ‬
‫ض‪َ ،‬ف َيكون كل َم ْن َو َجدَ ِين َي ْقتلنِي )‪ ،‬هنالك عبارة غري رصحية قد‬ ‫ت َِائ ًها َو َه ِ‬
‫ار ًبا ِيف األَ ْر ِ‬
‫تشري إىل وجود برش آخرين يف األرض‪ ،‬هي (كل من وجدين يقتلني)‪ ،‬فلو كانت األرض‬
‫فارغة وموجود فيها عائلة صغرية من أبوين وإخوة قابيل فقط لكان من غري املرجح أن‬
‫يقول (كل من وجدين يقتلني)‪ ،‬وإنم يقول مثال ( من وجدين من أيب وإخويت يقتلني)‪،‬‬
‫فقد يبدو أنه سمع بواقعة القتل آخرين من غري أهله‪ ،‬لذلك نجد أن قابيل كان خائفا‪،‬‬
‫وكل هذا مع احتمل األخذ بعني االعتبار ما نقله الطربي بأن قابيل هو أول أبناء آدم‬
‫وأكربهم ِسنًا‪ )1(،‬ما يعني أن احتمل من ِ‬
‫يقدر عىل قتله من إخوته قليل‪ ،‬ما قد يلزم من‬
‫ذلك أن لفظ "كل من وجدين" له معنى أوسع من أن يشمله أهله لوحدهم‪ - ،‬ربم يدخل‬
‫يف ذلك قوم كانوا حتت حكْم أبيه‪ .‬وهذا ما قد يتوافق مع اسم (خليفة) أي (احلاكم)‬
‫املذكور يف حق آدم عليه السالم يف سورة البقرة‪ ،‬كم رأينا سابقا آراء أهل التفسري‬

‫)‪ -(1‬انظر‪ :‬الطربي‪ ،‬تاريخ الطربي‪ ،‬ط ثانية‪ ،‬دار الرتاث‪ ،‬بريوت‪1387 ،‬ه‪.145/1 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪156 --------------‬‬

‫كالقرطبي وغريه (أي معنى خليفة احلاكم أو الوايل) (‪ ،-)1‬وكذلك يتوافق استئناسا مع‬
‫الزرادشتية – سوف يأيت ذكرها مع مصادرها بعد قليل بإذن اهلل ‪ ،-‬والتي تذكر بعض‬
‫مصادرها أن آدم عليه السالم باإلضافة إىل نبوته كان ملك ًا‪ ،‬لكن ال بدَّ من التوضيح أن‬
‫العبارة التوراتية السابقة ليست رصحية يف الداللة كي يعتمد عليها لوحدها كون قد‬
‫يقترص معناه عىل أهل آدم عليه السالم فقط‪ ،‬لكن هنالك قرينة َأ ْرصح تأيت من بعدها‬
‫مبارشة‪ ،‬حيث يذكر نفس الس ْفر أن قابيل بعد ِفعلته غادر إىل مكان آخر وتزوج منه‬
‫الرب‪ " :‬لِذل ِ َك كل َم ْن َق َت َل َق ِاي َ‬
‫ني‬ ‫بامرأة‪ ،‬جاء يف األعداد التي بعد السابق‪َ ( :‬ف َق َال َله َّ‬
‫ال َي ْقت َله كل َم ْن َو َجدَ ه‪.‬‬ ‫ني َعالَ َم ًة لِك َْي َ‬
‫الرب ل ِ َق ِاي َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َف َسبْ َع َة َأ ْض َعاف ين ْ َت َقم من ْه "‪َ .‬و َج َع َل َّ‬
‫ف َق ِايني ا ْم َر َأتَه‬ ‫ود َرشقِي َعد ٍ‬ ‫ضن ٍ‬ ‫الرب‪َ ،‬و َس َك َن ِيف َأ ْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْن‪َ .‬و َع َر َ‬ ‫ْ َّ‬ ‫َفخَ َر َج َق ِايني م ْن َلدن َّ‬
‫وك‪( ).‬تكوين‪ ،)17-16-15/4‬فيظهر هنا أن امرأته ليست أخته‪،‬‬ ‫ت َحن َ‬ ‫َف َحبِ َل ْ‬
‫ت َو َو َلدَ ْ‬
‫وأَنا من ذلك املكان "أرض نود"‪ .‬وهذا ما َيدع إىل التساؤل‪ ،‬من أي جنس كانت امرته‬
‫التي تزوجها يف ذلك املكان "أرض نود" ؟ فال بد أن تكون هذه املرأة من قو ٍم آخرين‬
‫كوَنا أجنبية عن األرض األصلية لقابيل‪ ،‬فمن أي نسل ينتمي أولئك القوم الذي تزوج‬
‫منه قابيل ؟‬
‫وهذا العدد من التوراة ل ْست أنا األول من استدل باإلشارة املوجودة فيه عىل‬
‫أناس آخرين من غري آدم وبنيه‪ ،‬وإنم است َّ‬
‫دل به بعض أهل الكتاب وبخاصة من بعض‬
‫اليهود الذين يرون أن توراهتم تشري إىل وجود أناس آخرين قبل آدم عليه السالم وأنه‬
‫ليس أول كل الناس‪ ،‬وهم من الذين يعتقدون بوجود برش قبل آدم عليه السالم‪ .‬وقد‬
‫ظهر هذه املوضوع يف العصور املتأخرة حتت مسمى "ما قبل اآلدميني" باإلنجليزية‬
‫"‪ "pre-adamiTe‬وبالفرنسية " ‪."préadamisme‬‬
‫وقد ظهر يف اليهود بعض التيارات أو شخصيات وبخاصة يف العرص احلديث؛‬
‫تقر بوجود برش آخرين من غري آدم عليه السالم وبنيه‪ ،‬فقد سمعنا بطائفة منهم تسمى‬

‫)‪ -(1‬انظر‪ :‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪.263-262/1 ،‬‬


‫‪ --------‬الفصل الثاين‪ :‬هل تـثبت األديان السموية وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪157 ----‬‬

‫"امليمونيون"‪ ،‬وقد سمعت بأذين بشخصية هيودية معارصة تستدل هبذا العدد السابق من‬
‫سفر التكوين‪ ،‬الذي فيه أن زوجة قابيل كانت من قبيلة أخرى‪ ،‬وهذه إشارة من التوراة‬
‫إىل وجود أشخاص من غري آدم عليه السالم و َب ــن ِــيه‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬إنسان قبل آدم عليه السالم يف الزرادشتية (املجوسية)‪:‬‬


‫تعريف الزرادشتية‪ :‬هو الدين املجوِس الذي كان يدين به األمة الفارسية قبل‬
‫أن يدخل اإلسالم إىل فارس (إيران)‪ ،‬والزرادشتية نسبة إىل زرادشت‪ ،‬حيث يعتقدون‬
‫أنه نبي‪ ،‬ويمكن أن تسميتها باملجوسية‪ ،‬والتزال بعض الطوائف يف اهلند وإيران تَدين‬
‫هبذه امللة بعدما دخل أكثرهم يف اإلسالم عقب الفتوحات اإلسالمية‪)1( .‬‬

‫مر معنا بفضل اهلل وتوفيقه أن أثبتنا يف كتاب آخر حتت عنوان " الزرادشتية‬
‫الديانة السموية التي برشت بمحمد صىل اهلل عليه وسلم "؛ أن الزرادشتية (املجوسية)‬
‫أصلها ديانة توحيدية سموية‪ ،‬وأن رسوهلا هو زرادشت الذي أرسله اهلل إىل األمة‬
‫الفارسية القديمة‪ ،‬بكتاب ورشيعة ربانية صافية تقرتب من رشيعة األديان السموية عامة‬
‫واإلسالم خاصة‪ ،‬ونريد من خالل هذا املبحث إن شاء اهلل تعاىل‪ ،‬معرفة مذهب‬
‫أناس قد عاشوا يف األرض قبل آدم عليه السالم‪،‬‬
‫الزرادشتية يف إثبات أو نفي أن يكون ٌ‬
‫ال عىل سبيل اعتقادها بداية ولكن عىل سبيل االستئناس هبا كم قلنا‪.‬‬

‫)‪ - (1‬هنالك فرق بني الزرادشتية (املجوسية املتأخرة) وبني الدين املجوِس القديم الذي كان يدين به‬
‫الفرس قبلها (املجوسية القديمة)‪ ،‬والذي كان فيه بقايا تعاليم أنبياء آريني وفرس لكنه تعرض‬
‫للتحريف ودخل فيه الرشك‪ ،‬ثم جاءت الزرادشتية يف تلك األمة لرتجع ما نساه املجوس‪ ،‬من دعوة‬
‫النبوة األوىل‪ ،‬لتجدد بدعوهتا التوحيدية دين اهلل تعاىل‪ ،‬وتدع لعبادة اهلل وحده‪ ،‬قبل أن يدخلها‬
‫التحريف تدرجييا هي بدورها‪ ،‬وانظر كتايب اآلخر‪ :‬رياض لعريبي‪ ،‬الزرادشتية الديانة السموية التي‬
‫برشت بالنبي صىل اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪158 --------------‬‬

‫‪ )1‬إثبات أن املجوسية (الزرادشتية) أصلها ديانة كتابية سموية‪:‬‬


‫ويمكن تلخيص أهم األدلة عىل أن الزرادشتية (املجوسية) أصلها ديانة‬
‫توحيدية سموية‪ ،‬وأن املجوس هم أهل كتاب فيم ييل‪:‬‬
‫أوال‪ :‬بيان أن املجوس (الزرادشتيون) أصلهم ِم ْن أهل الكتاب ِم ْن القرآن الكريم‪:‬‬
‫وس‬‫ني َوالن ََّص َارى َوا ْملَج َ‬ ‫الصابِ ِئ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال اهلل تعاىل‪ ( :‬إِ َّن ا َّلذي َن آ َمنوا َوا َّلذي َن َهادوا َو َّ‬
‫يش ٍء َش ِهيدٌ ) (احلج‪.)17:‬‬ ‫اَّلل َع َىل كل َ ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َي ْفصل َبيْنَه ْم َي ْو َم ا ْلق َيا َمة إِ َّن َّ َ‬ ‫رشكوا إِ َّن َّ َ‬
‫ِ‬
‫َوا َّلذي َن َأ ْ َ‬
‫ت‬‫يقول املفّس رشيد رضا يف تفسري اآلية‪َ " :‬ف َق ْد جع َل ا ْملَجوس ِقسم مس َت ِقالًّ‪ ،‬وجاء ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ ًْ ْ‬ ‫َ َ‬
‫اجل ْز َي ِة‪َ ،‬فدَ َّل َذل ِ َك َع َىل َأ ََّن ْم كَانوا َأ ْه َل‬ ‫اب ِيف انْتِه ِ‬
‫اء ِق َت ِاهلِ ْم بِ ْ ِ‬ ‫السنَّة بِم َعا َم َلتِ ِه ْم ك ََأ ْه ِل ا ْل ِك َت ِ‬
‫َ‬
‫ب َع َليْ ِه ْم‪َ ،‬ور ِو َي َذل ِ َك َع ْن َع ِ ٍّيل ك ََّر َم اهلل‬ ‫ظ ِمن ْه َما ي َصحح إِطْال ََق ال َّل َق ِ‬ ‫اب‪َ ،‬وإِ ْن َملْ ْحي َف ْ‬ ‫كِ َت ٍ‬
‫األم"‪)1(.‬‬ ‫اف ِعي ِيف ْ‬ ‫الش ِ‬‫َو ْج َهه‪َ ،‬و َج َز َم بِ ِه َّ‬
‫ني ) (الزخرف ‪.)6‬‬ ‫وقال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َك ْم َأ ْر َسلْنَا ِمن نَّبِ ٍّي ِيف ْاأل َ َّول ِ َ‬
‫يقول املفّس عبد الرمحن السعدي يف تفسري هذه اآلية‪ " :‬يقول تعاىل‪ :‬إن هذه سنتنا‬
‫يف اخللق‪ ،‬أن ال نرتكهم مهال‪ ،‬فكم { َأ ْر َسلْنَا ِم ْن نَبِ ٍّي ِيف ْاألَ َّول ِ َ‬
‫ني } يأمروَنم بعبادة اَّلل‬
‫وحده ال رشيك له "‪)2(.‬‬

‫يها ن َِذ ٌير ) (فاطر‪.)24‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬


‫وقال اهلل تعاىل‪َ ( :‬وإِن م ْن أ َّمة إِ َّال َخالَ ف َ‬
‫وقال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َل َق ْد َأ ْر َسلْنَا رسالً من َقبْلِ َك ِمن ْهم َّمن َق َص ْصنَا َع َليْ َك َو ِمن ْهم َّمن‬
‫ٍ َ ْ ِ ِ ٍ ِ َّ ِ ِ ْ ِ ِ‬ ‫َّمل َن ْقصص َع َلي َك ۚ وما ك َ ِ‬
‫اَّلل ) (غافر ‪.)78‬‬ ‫يت بآ َية إال بإذن َّ‬ ‫َان ل َرسول أن َيأ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫وقال اهلل تعاىل‪َ ( :‬ورسالً َق ْد َق َص ْصنَاه ْم َع َليْ َك ِمن َقبْل َورسالً َّملْ َن ْقص ْصه ْم َع َليْ َك )‬
‫(النساء ‪.)164‬‬
‫اد ) (الرعد ‪.)7‬‬ ‫نذر ۚ ولِكل َقو ٍم ه ٍ‬ ‫وقال اهلل تعاىل‪ ( :‬إِنَّم َأ َ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫نت م ٌ َ‬ ‫َ‬

‫)‪ -(1‬رشيد رضا‪ ،‬تفسري املنار‪.255/10 ،‬‬


‫)‪ -(2‬السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن‪ ،‬ص‪.762‬‬
‫‪ --------‬الفصل الثاين‪ :‬هل تـثبت األديان السموية وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪159 ----‬‬

‫َان َرب َك م ْهلِ َك ا ْلق َر ٰى َح َّت ٰى َيبْ َع َث ِيف أم َها َرس ً‬


‫وال َيتْلو َع َليْ ِه ْم‬ ‫وقال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َما ك َ‬
‫ون ) (القصص‪.)59‬‬ ‫آ َياتِنَا ۚ َو َما كنَّا م ْهلِ ِكي ا ْلق َر ٰى إِ َّال َو َأ ْهل َها َظا ِمل َ‬
‫وت ۚ‬ ‫اج َتنِبوا ال َّطاغ َ‬
‫اَّلل َو ْ‬
‫وقال اهلل تعاىل‪ ( :‬و َل َق ْد بعثْنَا ِيف كل أم ٍة رس ً ِ‬
‫وال َأن ا ْعبدوا َّ َ‬ ‫َّ َّ‬ ‫َ ََ‬
‫ف‬ ‫ض َفانظروا َكي ْ َ‬ ‫الضالَ َلة ۚ َف ِسريوا ِيف ْاألَ ْر ِ‬ ‫ت َع َليْ ِه َّ‬‫اَّلل َو ِمن ْهم َّم ْن َح َّق ْ‬
‫َفمن ْهم َّم ْن َهدَ ى َّ‬
‫ِ‬

‫ني ) (النحل ‪.)36‬‬ ‫َان َع ِ‬


‫اق َبة ا ْملكَذبِ َ‬ ‫ك َ‬
‫واملجوس أمة‪ ،‬فيستلزم من هذه اآليات أن اهلل قد بعث فيهم نبيا أو أنبياء َيدْعوَنم‬
‫إىل عبادة اهلل وحده واجتناب الرشك به‪ ،‬وهذا من عدل اهلل تعاىل أن يبعث يف كل أمة‬
‫رسوال‪ ،‬دون أن حيرم أّم ًا أخرى‪ ،‬فلم خيتص الرشائع اإلبراهيمية يف الشام واحلجاز‬
‫والعراق ومرص فقط بالوحي دون غريها من األمم والبلدان‪ ،‬وإنم بعث رسال يف أ َم ٍم‬
‫ومناطِق أخرى كم تَدل عىل ذلك اآليات الكريمة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬بيان أن املجوس (الزرادشتيون) أصلهم أهل كتاب من سنة النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم‪:‬‬
‫أ‪ .‬تؤخذ اجلزية من املجوس كم تؤخذ من أهل الكتاب اليهود والنصارى‪:‬‬
‫روى البخاري يف صحيحه‪ ..." :‬ومل يكن عمر أخذ اجلزية من املجوس حتى شهد‬
‫‪)1( ".‬‬ ‫عبد الرمحن بن عوف أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم أخذها من جموس هجر‬

‫َ ِ‬
‫اَّلل َع َليْ ِه َو َس َّل َم َيقول ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫الر ْمح َِن ْبن َع ْوف ‪َ :‬أشْ َهد َل َسم ْعت َرسول َّ‬
‫اَّلل َص َّىل َّ‬ ‫عن " َعبْد َّ‬
‫اب" (‪.)2‬‬‫سنوا ِهبِ ْم سنَّ َة َأ ْه ِل ا ْل ِك َت ِ‬

‫)‪ -(1‬رواه البخاري يف صحيحه‪- ،‬اجلزية ‪.2987‬‬


‫اجل ْز َي ِة ِم َن ا ْملَج ِ‬
‫وس ‪ ،9736‬وغريه‪ .‬وقال األلباين‪" :‬فهو‬ ‫)‪ -(2‬رواه عبد الرزاق يف مصنفه ‪َ -‬أ ْخذ ْ ِ‬
‫ضعيف هبذا اللفظ‪ ،‬ويغنى عنه احلديث اآليت بعده‪ ".‬حممد نرص الدين األلباين‪ ،‬إرواء الغليل يف ختريج‬
‫أحاديث منار السبيل‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط الثانية‪1405 ،‬ه‪1985/‬م‪ .88/5 ،‬قلت‪ :‬يقصد‬
‫األلباين باحلديث اآليت بعده هو احلديث الذي رواه البخاري بلفظ‪ :‬حدثنا عيل بن عبد اهلل حدثنا‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪160 --------------‬‬

‫ب‪ .‬معاملة آنيتهم مثل معاملة اليهود والنصارى‪:‬‬


‫َ ِ‬
‫اَّلل إِنَّا َأ ْهل َصيْ ٍد َق َال إِ َذا‬
‫اخل َشن َّي َق َال قلْت َيا َرسول َّ‬
‫جاء يف حديث‪َ ":‬أبا َثع َلب َة ْ ِ‬
‫َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َع َليْه َف َأ ْم َس َك َع َليْ َك َفك ْل قلْت َوإِ ْن َق َت َل َق َال َوإِ ْن َقتَ َل‬ ‫اس َم َّ‬
‫ت ْ‬ ‫َأ ْر َسلْ َت َكلْ َب َك َو َذك َْر َ‬
‫ت َع َلي َك َقوس َك َفك ْل َق َال قلْت إِنَّا َأهل س َف ٍر نَمر بِا ْليه ِ‬
‫ود‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫قلْت إِنَّا َأ ْهل َر ْم ٍي َق َال َما َر َّد ْ ْ‬
‫وها بِا ْل َم ِء ث َّم‬ ‫ِ‬
‫تدوا َغ ْ َري َها َفا ْغسل َ‬‫َجد َغ ْ َري آنِ َيتِ ِهم َق َال َف ِإ ْن َمل َ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫وس َفالَ ن ِ‬‫َوالن ََّص َارى َوا ْملَج ِ‬
‫ِ‬
‫يها َو ْ َ‬
‫ارشبوا‪)1( ."...‬‬
‫كلوا ف َ‬
‫ج‪َ .‬ذك ََرهم يف حديث واحد مع أهل الكتاب اليهود والنصارى‪:‬‬
‫الفطْ َر ِة‪َ ،‬ف َأ َب َواه‬
‫ود إِ َّال يو َلد َع َىل ِ‬
‫قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪ " :‬ما ِمن مول ٍ‬
‫َ ْ َْ‬
‫هيودانِ ِه َأو ينَرصانِ ِه‪َ ،‬أو يمجسانِ ِه "‪)2(.‬‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫وكل هذا يوحي أن لألديان الثالثة بعض األحكام املشرتكة أو املتقاربة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬بيان أن املجوس أصلهم أهل كتاب من أقوال الصحابة‪:‬‬
‫علم يع َلمونه وكتاب‬ ‫ِ‬
‫باملجوس ك َا َن هل ْم ٌ‬ ‫اَّلل عن ْه‪ :‬أنَا َأع َلم الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫ريض َّ‬
‫َ‬ ‫"‪َ ...‬ق َال ٌ‬
‫عيل‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فلم‬‫أو أخته فاطلع َع َليْه بعض أهل ّم َلكته َّ‬ ‫يدرسونَه وأن ملكهم َسكر َف َو َق َع عىل ابنَته ْ‬
‫فامتنع منه ْم فدَ ع َا َآل ّم َلكَتِ ِه ف َق َال‪ :‬تع َلم َ‬
‫ون دينن ًا خري ًا‬ ‫َ‬ ‫ع َلي ِه احلدَّ (‪)3‬‬ ‫صح َا جاءوا ِ‬
‫يقيم َ‬
‫ون َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫سفيان قال سمعت عمرا قال كنت جالسا مع جابر بن زيد وعمرو بن أوس فحدثهم بجالة سنة سبعني‬
‫عام حج مصعب بن ا لزبري بأهل البرصة عند درج زمزم قال كنت كاتبا جلزء بن معاوية عم األحنف‬
‫فأتانا كتاب عمر بن اخلطاب قبل موته بسنة فرقوا بني كل ذي حمرم من املجوس ومل يكن عمر أخذ‬
‫اجلزية من املجوس حتى شهد عبد الرمحن بن عوف أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم أخذها من‬
‫جموس هجر ‪ ".‬وهو احلديث السابق ذكر جزء منه يف املتن بفضل اهلل‪.‬‬
‫)‪ -(1‬رواه الرتمذي يف سننه ‪ -‬كتاب الصيد عن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ‪ .1464‬وغريه‪ ،‬قال‬
‫ِ‬ ‫يسى َه َذا َح ِد ٌ‬ ‫ِ‬
‫يح "‪.‬‬
‫يث َح َس ٌن َصح ٌ‬ ‫الرتمذي‪َ " :‬ق َال َأبو ع َ‬
‫)‪ -(2‬رواه البخاري يف صحيحه– اجلنائز ‪ ،1292‬ومسلم يف صحيحه – القدر ‪.2856‬‬
‫)‪ -(3‬الزم ذلك أن علي ًا ريض اهلل عنه كان يعلم أن يف دينهم حدود ًا رشعية‪.‬‬
‫‪ --------‬الفصل الثاين‪ :‬هل تـثبت األديان السموية وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪161 ----‬‬

‫ين آ َد َم ما يرغب بكم عن ِدين ِ ِه‬


‫نكح َبن ِ ِيه ِم ْن َبنَاتِ ِه َفأنا َع َىل ِد ِ‬
‫ِمن دين آدم َف َق ْد ك َا ْن آدم ي ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬
‫فأص َبحوا وقد أْسى َع َىل‬‫وخالفوا الدي َن وقاتَلوا الذين خا َلفوهم َحتى قتلوهم ْ‬ ‫ف َبا َيعوه َ‬
‫كت َاهبم فر ِف َع من َب ْني أظهرهم و َذ َهب ا ْلعلم ا َّل ِذي يف صدورهم َوه ْم أهل كتاب و َق ْد َ‬
‫أخذ‬
‫ع َليه وسلم وأبو بكر وعمر ريض اَّلل تعاىل عن ْهم منهم اجلزي َة‪)1(".‬‬
‫ْ َْ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫اَّلل َ ْ‬
‫اَّلل صىل َّ‬ ‫رسول َّ‬
‫وأهم فائدة من هذا احلديث أن عيل ريض اهلل عنه كان يعلم أن املجوس أهل كتاب‪،‬‬
‫ومن بني األدلة التي استند إليها يف احلديث‪ ،‬أخذ رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم أخذ‬
‫منهم اجلزية وأبو بكر وعمر‪ ،‬ألن اجلزية ال تؤخذ إال من أهل الكتاب‪.‬‬
‫وهذا احلديث عن عيل ريض اهلل عنه له شاهد تارخيي‪ ،‬إذ أن هذا امللك الذي ذكره‬
‫عيل ريض اهلل عنه عىل الصحيح هو قمبيز‪ ،‬فقد نَقل املؤرخ اليوناين هريودوت عنه رواية‬
‫تتفق مع قمبيز يف زواج األخت‪ ،‬إذ يقول هريودوت يف تارخيه‪ " :‬كان قمبيز قد شغف‬
‫بحب إحدى شقيقاته وأراد أن يتزوجها وذلك مل يسبق إليه‪ ،‬فاستدعى قضاة امللك‬
‫وسأهلم هل توجد رشيعة تسمح لألخ أن يتزوج أخته إذا كان يشتهي ذلك‪ .‬وكان هؤالء‬
‫القضاة خمتارين من كل الفرس ويبقون يف وظائفهم إىل آخر حياهتم ما مل يتحقق منهم‬
‫يشء من املظامل‪ ،‬وهم مفّسو الرشائع وقضاة الدعاوى وكل املصالح تنتهي إىل جملسهم‪،‬‬
‫فلم سأهلم قمبيز أجابوه جوابا يأمنون به اخلطر بدون أن يمس جانب العدالة برضر فإَنم‬
‫قالوا‪ :‬ال توجد رشيعة تسمح لألخ أن يتزوج أخته‪ ،‬ولكن توجد رشيعة تسمح مللك‬
‫الفرس أن يفعل ما يريد‪ .‬فبجواهبم هذا مل ينقضوا حكم الرشع مع أَنم كانوا خائفني من‬

‫)‪ -(1‬رواه الشافعي يف مسنده‪ .763 ،‬هنالك من ضعف احلديث بسب رجل يف السند اسمه َس ِعيد ْبن‬
‫ا ْملَرزب ِ‬
‫ان‪ ،‬لكن ابن حجر يف الفتح نقل أن إسناده حسن‪ ،‬انظر‪ :‬عبد اهلل الزيلعي‪ ،‬نصب الراية‪ ،‬مؤسسة‬ ‫ْ َ‬
‫الريان للطباعة والنرش‪ ،‬بريوت ‪-‬لبنان‪ ،‬دار القبلة للثقافة اإلسالمية‪ ،‬جدة –السعودية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1418‬ه‪ .450-449 /3 ،1997-‬أمحد بن عيل بن حجر‪ ،‬فتح الباري رشح صحيح البخاري‪ ،‬دار‬
‫املعرفة‪ ،‬بريوت‪1379 ،‬ه‪ .261/6 ،‬قلت‪ :‬وهذا احلديث له شاهد تارخيي أيضا يصدقه‪ ،‬إذ هو يتطابق‬
‫مع ما نقله املؤرخ اليوناين هريودوت يف امللك قمبيز‪ ،‬ما يزيد قو ًة حمتوى ومتن هذا احلديث الذي نقل‬
‫عن عيل ريض اهلل عنه‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪162 --------------‬‬

‫قمبيز‪ ،‬ولكي ال يعرضوا أنفسهم للهالك بمنعه وجدوا سنة أخرى تسمح للملك‬
‫بالزواج بم اشتهاه من تزوج أخته‪ ،‬فعىل هذا اجلواب تزوج قمبيز التي حيبها‪ ،‬وبعد قليل‬
‫من الزمن اختذ زوجة واحدة أخرى من شقائقه وهي أصغرهن سنا‪ ،‬فهذه هي التي‬
‫مضت معه إىل مرص وقتلها‪)1(".‬ومعنى ذلك أن حديث عيل ريض اهلل عنه له شاهد‬
‫تارخيي يؤكده‪.‬‬
‫ات نَبِيه ْم‬ ‫وعن الصحايب عبد اهلل ا ْب ِن َع َّباس ريض اهلل عنه َق َال‪" :‬إِ َّن َأ ْه َل َف ِ‬
‫ار َس َل َّم َم َ‬
‫وس َّي َة "‪ )2(.‬الفائدة األهم التي قد تظهر استنباطا من هذا احلديث؛‬ ‫َك َتب َهلم إِبلِيس ا ْملَج ِ‬
‫َ ْ ْ‬
‫أن عبد اهلل بن عباس ريض اهلل عنه كان يعلم أن الفرس (الزرادشتيون) أصلهم أهل‬
‫كتاب‪ ،‬أي كانوا يعبدون اهلل عىل رشيعة نبيهم‪ ،‬والفائدة األخرى فيه إشارة من عبد اهلل‬
‫بن عباس إىل نبي الفارسيني‪ ،‬وهذا النبي ال يكون إال زرادشت كونه أشهرهم وأعظمهم‬
‫وإن مل يذكره باالسم‪ - ،‬فالصحيح أن زرادشت نبي أرسله اهلل تعاىل إىل بالد فارس‬
‫القديمة واألدلة عىل ذلك معتربة ‪ ،)3(-‬والفائدة الثالثة هي دخول التحريف يف دين‬
‫فارس‪ ،‬بعد خلو نبيهم‪ ،‬وهذا يتفق عموما يف ما كانت عليه الزرادشتية األصلية زرادشتية‬
‫زرادشت‪ ،‬ثم بعد ما مض نبيهم دخلها التحريف بم سول هلم إبليس‪ ( ،‬هذا ال يعني أن‬

‫‪(1) - Hérodote, Histoire d'Hérodote, TraduiT par Larcher, CharpenTier‬‬

‫‪libraire- édiTeur, 1850, 1/249.‬‬


‫)‪ -(2‬حسنه األلباين‪ ،‬وقال‪" :‬حسن اإلسناد موقوف"‪ ،‬األلباين‪ ،‬صحيح وضعيف سنن أيب داود‪،‬‬
‫فهرسة أمحد عبد اهلل عضو يف ملتقى أهل احلديث‪ ،‬رقم ‪( .3042‬مرقم آليا املكتبة الشاملة)‪ .‬واحلديث‬
‫رواه‪ :‬أبو داوود‪ ،‬السنن ‪-‬اخلراج واإلمارة والفيء ‪ ،3042‬والبيهقي‪ ،‬السنن الكربى ‪-‬األرشبة واحلد‬
‫فيها ‪.17163‬‬
‫)‪ -(3‬راجع يف هذا كتاب‪ :‬رياض لعريبي‪ ،‬الزرادشتية الديانة السموية التي َبرشت بمحمد صىل اهلل‬
‫عليه وسلم‪ .‬وكتاب‪ :‬ماحي أمحد‪ ،‬زرادشت والزرادشتية‪ ،‬حوليات اآلداب والعلوم‪ ،‬جامعة الكويت‪.‬‬
‫وكتاب‪ :‬حامد عبد القادر‪ ،‬زرادشت احلكيم نبي قدامى اإليرانيني‪ ،‬مكتبة النهضة‪ ،‬القاهرة مرص‪،‬‬
‫‪1956‬م‪.‬‬
‫‪ --------‬الفصل الثاين‪ :‬هل تـثبت األديان السموية وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪163 ----‬‬

‫التحريف كان مجلة واحدة‪ ،‬وإنم كان ذلك تدرجييا‪ ،‬بعدما كانت الزرادشتية أحقابا عىل‬
‫التوحيد‪).‬‬
‫رابعا‪ :‬رأي الفقهاء يف املجوس والصحيح أَنم أهل كتاب‪:‬‬
‫اختلف العلمء يف املجوس هل هم أهل كتاب أم ليسوا كذلك‪ ،‬حيث ذهب‬
‫اجلـ ـمهور إىل أَنم ليسوا أه ـل كتاب‪ ،‬ل ـكن ذهبت طائفة من ال ـعلمء أَنم أه ـ ـل كتاب‬
‫وه ـ ـذا ال ـ ـقول ه ـ ـو الصح ـيح‪ ،‬وم ـن ذه ـ ـب إل ـيه قت ـ ـادة وس ـ ـعيد ب ـ ـن امل ـسيب وأب ـ ـي‬
‫ح ـنيف ـ ـة (‪)1‬والش ـاف ـعي وأيب ثور والبيهقي وابن حزم ومجهور الظاهرية‪)2(،‬ومن‬
‫املعارصين رشيد رضا (‪)3‬وغريهم‪.‬‬

‫)‪ -(1‬ينقل رشيد رضا أن‪ :‬أيب حنيفة يدخل الصابئني كذلك من مجلة أهل الكتاب‪ ...‬ثم يقول‪-‬رضا‪-‬‬
‫‪":‬ويقال‪ :‬إن الفريقني –املجوس والصابئة‪ -‬كانا أهل كتاب فقدوه بطول األمد‪ "،‬انظر‪ :‬رشيد رضا‪،‬‬
‫تفسري املنار‪ .154/6 ،‬والصحيح أَنم من أهل الكتاب؛ فإن كل من املجوس والصابئة كانوا يعبدون‬
‫اهلل‪ .‬وكان هلم رشيعة ويؤمنون بالنبوة‪ .‬وسيأيت بإذن اهلل مزيد بيان تفاصيل إيمن ورشائع الزرادشتية‬
‫ويتضح حقيقة الكتاب والنبي الذي كان فيهم‪.‬‬
‫)‪ -(2‬انظر‪ :‬ابن حزم‪ ،‬الفصل يف امللل واألهواء والنحل‪ ،‬مكتبة اخلانجي‪ ،‬القاهرة‪.92/1 ،‬‬
‫)‪ -(3‬رشيد رضا يقول كانوا أهل كتاب‪ ،‬انظر‪ :‬رشيد رضا‪ ،‬تفسري املنار‪ .154/6 ،‬وتنز ً‬
‫ال حتى مع‬
‫الفرض بقول من اعتربهم من الفقهاء الذين قالوا أَنم ليسوا من أهل الكتاب‪ ،‬فإنه ال يدل رضورة‬
‫أَنم مل يكن فيهم توحيد وكتاب وأنبياء‪ ،‬ألن نسب التحريف ختتلف من دين آلخر‪ ،‬فم ال يدركه جيل‬
‫قد يدركه جيل آخر‪ ،‬وألنه قد يظهر زيادة بحث يف األديان‪ ،‬السيم يف ظل تطور علم التاريخ وعلم‬
‫اإلنسان واآلثار‪ ،‬والعلم املعارص عموما؛ بإظهار عقائد قديمة وأشياء كان يؤمن هبا أقوام معينون‪،‬‬
‫مثل اكتشاف التوحيد يف احلضارة املرصية القديمة؛ حيث رصح عدة علمء مرصيات غربيني بأصالة‬
‫التوحيد عند قدماء املرصيني (انظر‪ :‬نديم السيار‪ ،‬قدماء املرصيني أوائل املوحدين‪ ،)6 /1 ،‬حتى وإن‬
‫كان يف حال الزرادشتية التوحيد فيها أكثر وضوحا‪ ،‬وقد زادت البحوث احلديثة األمر حتديدا‪-‬سواء‬
‫كان من بعض املسلمني أو املسترشقني أو ما بلغنا من اليونان‪ -‬باإلثبات األصل السموي لدين‬
‫زرادشت كم رأينا بعض األقوال سابقا‪ ،‬وسيأيت مزيد بإذن اهلل‪ ،‬بل األهم من أقوال الباحثني‪ ،‬أن‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪164 --------------‬‬

‫والدليل أن املجوس أهل كتاب؛ وقد استدل به العلمء القائلون بذلك‪ :‬أخذ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم اجلزية من جموس هجر‪ ،‬ألن اجلزية ال تؤخذ إال من أهل‬
‫ان‪ ،‬ل ِ َق ْول ِ ِه‬
‫اب و َال ت ْؤخذ َعن َأه ـ ِل ْاألَو َث ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجل ْز َية ت ْق َبل م ْن َأ ْه ِل ا ْلك َت ِ َ‬
‫الكتاب‪ ،‬قال الشافعي‪ِ ْ ":‬‬
‫ِ‬ ‫َ ِ َّ ِ َ ِ َ ِ ِ‬
‫اَّلل َو َرسوله‬ ‫حيرم َ‬
‫ون َما َح َّر َم َّ‬ ‫اَّلل َو َال بِا ْل َي ْو ِم ْاآلخ ِر َو َال َ‬
‫َت َع َاىل ‪( :‬قاتلوا الذي َن ال ي ْؤمنون ب َّ‬
‫اجل ْز َي َة َع ْن َي ٍد َوه ْم‬ ‫اب َح َّتى ي ْعطوا ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلَق م َن ا َّلذي َن أوتوا ا ْلك َت َ‬
‫ون ِدين ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َو َال َي ِدين َ‬
‫ون)‪ )1( ".‬وكذلك استدلوا بأثر عيل ريض اهلل عنه السابق ذكره الذي شهد فيه أن‬ ‫اغر َ‬ ‫ص ِ‬
‫َ‬
‫املجوس هم أهل كتاب‪.‬‬
‫و ابن حزم أكد يف كتابه الفصل يف امللل واألهواء والنحل؛ أنه كان عند املجوس‬
‫(الزرادشتيني) كتاب‪ ،‬حيث ذكر أنه بقي يشء منه‪)2(.‬‬

‫إذ يقول يف موضع آخر‪َ " :‬و ِّم َّ ْن َق َال َأن ا ْملَجوس أهل كتاب َعيل بن أيب َطالب‬
‫َوح َذ ْي َفة َر ِيض اهلل َعن ْه َم َو َس ِعيد بن ا ْملسيب َو َق َتا َدة َو َأبو َث ْور َومجْهور َأ ْص َحاب أهل‬
‫لص َّحة َه َذا ال َق ْول ِيف ك َتابنَا ا ْمل َسمى اإليصال ِيف كتاب‬ ‫اهني ا ْملوجبة ِ‬‫اهر وقد بينا ا ْلرب ِ‬ ‫ال َّظ ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬
‫الذ َب ِائح ِمن ْه َو ِيف كتاب النكَاح ِمن ْه َو ْ‬
‫احلَ ْمد هلل رب ا ْل َعاملني ويكفى‬ ‫اجل َهاد ِمن ْه َو ِيف كتاب َّ‬ ‫ِْ‬
‫اجل ْز َية ِمن ْهم َوقد حرم اهلل عز َوجل‬
‫من َذلِك ِص َحة َأخذ َرسول اهلل صىل اهلل َع َليْ ِه َوسلم ْ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورة نزلت من ْه َوهي َب َرا َءة َأن ت ْؤ َخذ ْ ِ ْ َ‬
‫اجلزية من غري كتايب "‪)3(.‬‬
‫ِيف نَص ا ْلق ْرآن ِيف آخر س َ‬

‫بعض اإلشارات األوىل يف إثبات األصل السموي للمجوسية كانت يف القرآن الكريم‪ ،‬ثم السنة‬
‫النبوية‪ ،‬ثم أقوال بعض الصحابة كم رأينا فيم سلف‪ .‬أضف إىل ذلك أن العلم احلديث الصحيح ‪-‬‬
‫علم تاريخ األديان والتاريخ واآلثار واإلنسان‪ -‬والتعمق يف البحوث قد يرجح قوال عىل قول فقهي‬
‫آخر‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫)‪ -(1‬حممد أرشف بن أمري آبادي‪ ،‬عون املعبون رشح سنن أيب داوود‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪1415‬ه‪.203/8 ،‬‬
‫)‪ -(2‬أي أقل من الثلث‪ ،‬انظر‪ :‬ابن حزم‪ ،‬الفصل يف امللل واألهواء والنحل‪ .93/1 ،‬وألكسندر‬
‫املقدوين هو الذي أحرق "االبتساق" كتاهبم املقدس فضاع أكثره‪.‬‬
‫)‪ -(3‬املرجع نفسه‪.92/1،‬‬
‫‪ --------‬الفصل الثاين‪ :‬هل تـثبت األديان السموية وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪165 ----‬‬

‫خامسا‪ :‬شهادة علمء مسلمني وغربني عىل األصل التوحيدي للزرادشتية ونبوة‬
‫زرادشت‪:‬‬
‫وسأتناول فيه بإذن اهلل بعض أقوال طائفة من باحثني مسلمني‪ ،‬ثم يليهم آراء‬
‫مسترشقني غربيني درسوا معمقا الزرادشتية‪:‬‬
‫نقل الشهرستاين العامل يف أديان األمم واملذاهب (‪ 548 - 479‬هـ)؛ ما قيل يف عقيدة‬
‫املجوس ويف قصة تنبؤ زرادشت‪ ،‬وتأييد اهلل له باملعجزات‪ ،‬وإرساله إىل ملك من ملوك‬
‫فارس كشتاسب (كشتساف) ‪ ":‬فبعثه اهلل تعاىل نبيا‪ ،‬ورسوال إىل اخللق‪ .‬فدعا كشتاسب‬
‫امللك‪ ،‬فأجابه إىل دينه‪ .‬وكان دينه‪ :‬عبادة اهلل‪ ،‬والكفر بالشيطان‪ ،‬واألمر باملعروف‪،‬‬
‫والنهي عن املنكر‪ ،‬واجتناب اخلبائث‪ .‬وقال‪ :‬النور والظلمة أصالن متضادان‪ ،‬وكذلك‬
‫يزدان وأهرمن‪ ،‬ومها مبدأ موجودات العامل‪ ،‬وحصلت الرتاكيب من امتزاجهم‪ ،‬وحدثت‬
‫الصور من الرتاكيب املختلفة‪ .‬والباري تعاىل خالق النور والظلمة ومبدعهم‪ ،‬وهو ال‬
‫رشيك له وال ضد‪ ،‬وال ن ـد‪ ،‬وال جيوز أن ين ـسب إليه وجود الظلمة‪ ،‬ك ـم ق ـالت‬
‫الزروانية‪)1( ".‬‬

‫يقول املؤرخ والرحالة البحاثة املسعودي (ت‪346‬ه) يف كتابه مروج الذهب‪ ،‬يف نبوة‬
‫زرادشت والكتاب الذي جاء به األبتساق‪ " :‬زرادشت بن أسبيمن‪ ،‬وهو نبي املجوس‬
‫الذي أتاهم بالكتاب املعروف بالزمزمة عند عوام الناس‪ ،‬واسمه عند املجوس بستاه‬
‫نسياه‪ ،‬وأتى زرادشت عندهم باملعجزات الباهرات للعقول‪ ،‬وأخرب عن الكائنات من‬
‫املغيبات قبل حدوثها من الكليات واجلزئيات‪ ،‬والكليات‪ :‬هي األشياء العامة‪،‬‬
‫واجلزئيات‪ :‬هي األشياء اخلاصة‪ ،‬مثل زيد يموت يوم كذا‪ ،‬ويمرض فالن يف وقت كذا‪،‬‬
‫ويولد لفالن يف وقت كذا‪ ،‬وأشباه ذلك‪ ،‬ومعجم هذا الكتاب يدور عىل ستني حرفا من‬
‫أحرف املعجم‪ ،‬وليس يف سائر اللغات أكثر حروف ًا من هذا ‪ ...‬وكتب هذا الكتاب يف‬
‫اثني عرش ألف جملد بالذهب‪ ،‬فيه وعد ووعيد‪ ،‬وأمر وَني‪ ،‬وغري ذلك من الرشائع‬

‫)‪ -(1‬الشهرستاين‪ ،‬امللل والنحل‪.42/2 ،‬‬


‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪166 --------------‬‬

‫والعبادات‪ ...‬ثم عمل زرادشت تفسري ًا عند عجزهم عن فهمه‪ ،‬وسموا التفسري زند ًا‬
‫"‪ )1(،‬وفيه دليل من نقل املسعودي عىل نبوة زرادشت‪ ،‬فإن اهلل وحده هو الذي يطلع‬
‫األنبياء عىل بعض الغيب آية منه‪ ،‬وجيعل هلم معجزات‪ ،‬كي يعرف الناس أَنم أنبياء‪.‬‬
‫وينقل املؤرخ واجل ـغرايف أب ـو الفداء (‪732 - 672‬ه) ع ـن ع ـقيدة زرادش ـت‪ " :‬وقال‬
‫زرادشت بإله يسمى أرمزد بالفارِس وأنه خالق النور والظلمة ومبدعهم‪ ،‬وهو واحد ال‬
‫رشيك له‪ ،‬وأن اخلري والرش والصالح والفساد إِنم حصل من امتزاج النور بالظلمة‪ ،‬ولو‬
‫مل يمتزجا لم كان وجود للعامل‪ ،‬وال يزال املزاج حتى يغلب النور الظلمة‪ ،‬ثم يتخلص‬
‫اخلري إِىل عامله والرش إِىل عامله ‪)2(."...‬‬

‫ويقول اإلمام يف التفسري واحلديث والتاريخ ابن كثري (‪774-700‬ه) يف تفسريه‪" :‬‬
‫رش ِع ِه‪َ ،‬فرفِ َع‬ ‫ِ‬ ‫َوا ْملَجوس ي َقال‪ :‬إِ ََّن ْم كَانوا ي ْؤ ِمن َ‬
‫ون بِنَبِ ٍّي َهل ْم ي َقال َله َز َرادشْ ت‪ ،‬ث َّم َك َفروا بِ َ ْ‬
‫ع َلم‪)3( ".‬‬ ‫ِ‬ ‫ِم ْن َب ْ ِ‬
‫ني َأظْه ِره ْم‪َ ،‬و َّ‬
‫اَّلل َأ ْ‬
‫وقد ألف حامد عبد القادر األستاذ اللغوي‪ ،‬والباحث املختص يف اللغات‬
‫الرشقية والفارسية القديمة‪ ،‬وصاحب مؤلفات عدة؛ كتاب اسمه زرادشت احلكيم نبي‬
‫قدامى اإليرانيني‪ ،‬أكد فيه أن أصل الزرادشتية ديانة سموية موحا ٌة من اهلل‪ ،‬وأن اهلل‬
‫أوحاها إىل نبيه زرادشت‪ ،‬إذ يقول يف كتابه‪ " :‬كانت الزرادشتية يف أصلها ديانة توحيد‬
‫تدعو إىل عبادة اإلله الواحد هو (( أهورامزدا )) اهلل‪ ،‬وحتارب الرشك وعبادة األصنام‬
‫والكواكب وقوى الطبيعة‪ ،‬وكانت مجيع أدعيتها وصلواهتا وآيات أسفارها تتجه إىل هذا‬
‫اإلله وحده‪ ،‬كم يظهر من التأمل يف النصوص التي نقلناه من سفر الياسنا (‪ )4‬وتصفه‬

‫)‪ -(1‬املسعودي‪ ،‬مروج الذهب‪ ،‬حتقيق أسعد داغر‪ ،‬دار اهلجرة‪ ،‬قم‪1409 ،‬هـ‪.253-252/1 ،‬‬
‫)‪ -(2‬أبو الفداء عمد الدين إسمعيل بن عيل‪ ،‬املخترص يف أخبار البرش‪ ،‬املطبعة احلسينية املرصية‪،‬‬
‫ط‪.83/1 ،1‬‬
‫)‪ -(3‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪.445/2 ،‬‬
‫)‪ -(4‬هو جزء من الكتاب املقدس لدى الزرادشتيني األبتساق كم مر معنا‪.‬‬
‫‪ --------‬الفصل الثاين‪ :‬هل تـثبت األديان السموية وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪167 ----‬‬
‫بصفات ِ‬
‫القدم والبقاء والقدرة واإلرادة والعلم واملخالفة للحوادث‪ ،‬وأنه ي ِ‬
‫درك‬
‫األبصار وال تدركه األبصار‪ ،‬و َيعلم حقيقة ما يف السموات واألرض وال يصل أحد إىل‬
‫معرفة حقيقته‪ ...‬بل إن اسم (( أهورامازدا )) يف الفارسية يدل معناه عىل ذلك ‪ ...‬غري‬
‫أنه يظهر أنه قد دخل الديانة الزرادشتية فم بعد كثري من التحريف والتبديل‪ ،‬فانتهى هبا‬
‫األمر يف عصورها األخرية إىل أن أصبحت ديانة مثنوية أو ثانوية أي تعتقد بوجود إهلني‬
‫اثنني‪ :‬أوهلم (( أهورامازدا )) وتعله إالها للخري؛ واآلخر ((أهريمن)) وتعله إالها‬
‫للرش‪...‬مع أن ((أهريمن)) هذا – وهو يف األصل ((أنكره مينو)) ومعناه اخلبث أو‬
‫الرش‪ -‬ال يذكر يف أسفار الزرادشتيني مقابل (( أهورامازدا )) عىل أنه رشيك له‪ ،‬ولكنه‬
‫يذكر يف مقابل ((سبنتامينو)) ومعناه القدسية أو اخلري‪ .‬فلم يكن يف أصل العقيدة‬
‫الزرادشتية إهلان‪ )1( ".‬ويقول يف موضع آخر عن زرادشت ‪" :‬إن هذا الرجل إذا قيس‬
‫بمقياس التاريخ‪ ،‬وجب أن يعد يف صف كبار األنبياء الذين ظهروا يف شتى البيئات‬
‫والعصور‪ ،‬وأرشدوا الناس إىل طريق احلق واخلري؛ لم عرف عنهم من دقة استقامة‪،‬‬
‫وشدة إخالص لربه‪ ،‬وتفرغه لتقديسه‪ ،‬وقوة إيمنه برسالته‪ ،‬وشدة حتمسه يف نرش‬
‫دعوته‪ )2( ".‬والكاتب يبني أهم األسباب الدافعة للقول بنبوة زرادشت‪ ،‬ويوجزها يف‬
‫املعجزة‪ ،‬ونزول الوحي والدعوة إىل اإليمن بإله واحد هو أهورامزدا؛ أي‪ :‬أنا خالق‬
‫الكون‪)3(.‬‬

‫يح‬
‫ويرى الدكتور كامل سعفان يف كتابه معتقدات آسيوية أن دين زرادشت دي ٌن صح ٌ‬
‫توحيدي إذ يقول‪" :‬إنه قد ثبت اآلن دين زارادشت كان دين التوحيد الذي حيرم‬
‫ٌ‬ ‫رباين‬
‫ٌ‬
‫الرشك باهلل وعبادة األصنام‪ .‬وقد أبطل زرادشت مجيع معتقدات املجوس القدماء‬

‫)‪ -(1‬انظر‪ :‬حامد عبد القادر‪ ،‬زرادشت احلكيم‪ ،‬ص‪ 80‬إىل‪ ،83‬نقال عن‪ :‬عبد الواحد وايف‪ ،‬األسفار‬
‫املقدسة لألديان السابقة لإلسالم‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة َنضة مرص‪1384 ،‬ه‪1964-‬م‪ ،‬ص‪.144-143‬‬
‫)‪ -(2‬حامد عبد القادر‪ ،‬زرادشت احلكيم نبي قداما اإليرانيني‪ ،‬نقال عن‪ :‬مناهج جامعة املدينة العاملية‪،‬‬
‫األديان واملذاهب‪ ،‬جامعة املدينة‪.383/1 ،‬‬
‫)‪ -(3‬انظر‪ :‬املرجع نفسه‪.383/1 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪168 --------------‬‬

‫(موغوش)‪ ،‬قائال‪ :‬ليس هنالك قوى روحية كثرية للخري‪ ،‬وال عفاريت كثرية للرش‪ ،‬إنم‬
‫هو هلإ واحد‪ ،‬اسمه (أهورامزدا) الذي ليس كمثله يشء‪ ،‬وهو الواحد األحد‪ ،‬القدوس‪،‬‬
‫الصمد‪ ،‬وهو احلق والنور‪ ،‬وهو احلكيم القادر اخلالق الذي ال يشاركه يف ملكه وربوبيته‬
‫يشء‪ ،‬وإن القوى الروحية التي زعموها خالقة للخري ليست بخالقة‪ ،‬بل هي نفسها من‬
‫خلق (أهورامزدا)‪ ... ،‬إن من العنارص األساس َّية للدين الزرادشتي‪ ،‬االعتقاد باحلياة‬
‫األخروية‪ ،‬فقد قال زرادشت‪ :‬ال تنتهي حياة اإلنسان بموته يف هذا العامل المدي‪ ،‬بل له‬
‫حياة أخرى بعد هذه احلياة الدنيا‪ ،‬فالذين عملوا الصاحلات يف حياهتم الدنيا يدخلون‬
‫عامل السعادة‪ ،‬والذين دنَّسوا نفوسهم بالرشور يدخلون عامل الشقاء‪ .‬وكذا االعتقاد ببقاء‬
‫الروح من معتقدات الدين الزرادشتي األساسيَّة‪ ،‬فهو يقول بفناء اجلسم‪ ،‬أما الروح‬
‫فيبقى ويالقي جزاءه"‪)1(.‬‬

‫سادسا‪ :‬آراء علمء من الغرب ومسترشقني يف التوحيد يف الزرادشتية ونبوة زرادشت‪:‬‬


‫ظهرت دراسة من أوائل الدراسات االسترشاقية اجلدية للزرادشتية‪ ،‬بجامعة‬
‫أوكسفورد‪ ،‬للمسترشق وعامل اللغويات توماس هايد )‪( (Thomas Hyde‬سنة‬
‫والربثيني وال ِـميديني)‪ ،‬اعتمد فيها هايد عىل‬
‫‪1700‬م)‪ ،‬حتت عنوان (تاريخ أديان الفرس َ ْ‬
‫كتاب اإلغريق‪ ،‬وكتابات الرحالة واملؤلفات العربية‪ ،‬والنصوص الزرادشتية املتوفرة‬
‫ل ـ ـ ـ ــديه‪ ،‬فتوصل من خالل دراسته إىل نتيجة مفادها؛ أن زرادشت دعا إىل ِ‬
‫الو ْحدانية‬
‫املطلقة‪ ،‬وهو رسول مرسل من ِقبل اإلله األعظم‪ ،‬لينقل إىل اإليرانيني القدماء وصايا‬
‫إبراهيم اخلليل‪ ،‬ولكن اليونانيني شوهوا تعاليمه و َع َرضوها كأَنا تدعوا إىل االعتقاد بآهلة‬
‫متعددة‪)2(.‬‬

‫)‪ -(1‬كامل سعفان‪ ،‬معتقدات آسيوية‪ ،‬دار الندى‪ ،‬ط األوىل‪1419 ،‬ه‪1999-‬م‪ ،‬ص‪ .107‬وحقيقة‬
‫ـحـرم عبادة األصنام يف االبتساق‪ ،‬انظر‪ :‬خليل عبد الرمحن أقستا‪ ،‬ص‪.582‬‬
‫نجدد نصوص ت َ‬
‫)‪ -(2‬انظر‪ :‬خليل عبد الرمحن‪ ،‬أقستا‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫‪ --------‬الفصل الثاين‪ :‬هل تـثبت األديان السموية وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪169 ----‬‬

‫يرى املسترشق األلمين مارتن هوغ (‪( )MarTin Haug‬ولد سنة ‪1827‬م)‬
‫واخلبري بالديانة الزرادشتية واللغة الفارسية القديمة‪ ،‬أن الزرادشتية فيها توحيد‬
‫خالص‪)1(.‬‬

‫يق ـ ـ ــول الربوفسور ك ــوسوويتتز (‪ )Kossowicz‬بجامعة سن بيرتسبورغ‬


‫الروسية‪ ،‬صاحب كتاب (‪،)ZaraThustricae GâThae Très posTeriores‬‬
‫يعرتف بإله واحد‪ ،‬خالق العامل‪ ،‬خالق كل‬ ‫والذي درس الزرادشتية‪ " :‬دين زرادشت ِ‬
‫أشياء الطبيعة وفيها الروح املقدسة والطيبة ‪ ...‬القوة اإلهلية حتكم وهلا ِق َوامة وتدبري كل‬
‫يشء موجود‪ .‬الرجل م َقدَّ ر بحسب زرادشت للعيش يف هذه احلياة ثم التمتع السموي‬
‫يف األخرى‪ ،‬كل يشء خملوق مسخر لإلنسان للتوجه نحو هذا الفوز‪ ،‬لكن هو َمرتوك له‬
‫اخليار الختيار(‪ )2‬الفوز باحلياة القادمة‪ ،)3( "...‬ويف هذا الكالم بعد اإلقرار بعبادة اهلل يف‬
‫الزرادشتية‪ ،‬نجد اإليمن بالقضاء والقدر ( الرجل مقدر‪.)...‬‬
‫يقول وليام كارتر (‪ (William CarTer‬صاحب كتاب الزرادشتية واليهودية‬
‫‪ ": ZoroasTrianism and Judaism‬يف كل موضع يف النصوص املقدسة اإليرانية‬
‫سيادة أهورمازدا معرتف هبا‪ ،‬ومن سمت هذا التفوق أن (المزداييزم) )‪(Mazdaism‬‬
‫هو االسم الذي تسمى به أحيانا هذه الديانة‪ ،‬أهورمازدا يدعا ب ـ (باخلالق‪ ،‬الالمع‪،‬‬

‫‪(1) - Harlez, Avesta livre sacré du ZoroasTrisme, p LXXIX.‬‬

‫)‪ -(2‬من أهم األشياء بعد كمل توحيد اخلالق وقدرته يف الزرادشتية من خالل كالم كوسوويتتز‬
‫(‪ )Kossowicz‬وّما يفهم من بعض نصوص االبتساق‪ ،‬اإليمن بالقضاء والقدر عىل أن اإلنسان‬
‫ليس جمبورا عىل أفعاله‪ .‬فاهلل ال جيرب اإلنسان عىل أفعاله واختياراته‪ ،‬كم قيل‪ :‬ألقاه يف اليم مكتوف‬
‫األيدي وقال له إياك إياك أن تبتل بالمء‪ ،‬والشك أن هذه هي العقيدة السليمة إن كان ذلك ال خيرج‬
‫ِ‬
‫عن مشيئة اهلل وقدره‪- ،‬أي التوسط بني اجلرب والقدر‪ ،-‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬مل ْن َشا َء ِمن ْك ْم َأ ْن َي َت َقدَّ َم َأ ْو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون إِ َّال َأن َي َشا َء َّ‬
‫اَّلل‬ ‫يم (‪َ )28‬و َما ت ََشاء َ‬ ‫َي َت َأ َّخ َر ) (املدثر‪ ،)37‬وقال اهلل تعاىل‪( :‬ملَن َشا َء منك ْم َأن َي ْس َتق َ‬
‫ني ) (‪ ( )29‬التكوير ‪.)29-28‬‬ ‫رب ا ْلع َ ِ‬
‫امل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪(3) - ibid, p LXXIX.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪170 --------------‬‬

‫املجيد‪ ،‬العظيم‪ ،‬األفضل‪ ،‬األمجل‪ ،‬احلازم‪ ،‬احلكيم‪... ،‬األكثر مثالية‪ ،‬الذي يبلغ مراده‬
‫بدون أي خطأ ‪ ...‬الذي خلقنا وسوانا‪ ،‬الذي أطعمنا وحفظنا‪ ،)1( "...‬وأهورامازدا هو‬
‫اهلل عز وجل عند الفارسيني‪ .‬ويقول الكاتب عىل زرادشت يف موضع آخر‪ " :‬زرادشت‬
‫نادى بعبادة أهورامازدا وحده وتاهل كل اآلهلة الصغرية‪ ،‬وأراد أن ينقل الدين من‬
‫الرشك إىل التوحيد‪ ،‬وجاهد ضد عبادة الشيطان والسحر واخلرافات‪)2( ".‬‬

‫يقول عامل األعراق واللغوي الفرنيس شارل شوبل (‪)charles shoebel‬‬


‫ف نفسه واإلنسان عن طريق الوحي‪ ،‬وأن هذه‬
‫(‪1888-1813‬م)‪ " :‬إن اهلل قد َع َّر َ‬
‫احلقيقة تتجىل بنور ال يقهر عند األجناس األكثر تباينا‪ ،‬وعند األجناس التي اعتربها‬
‫رينان األكثر تباعدا دينيا‪ ،‬عند اإليرانيني كم الساميني ويف األفيستا كم يف الكتاب‬
‫املقدس‪ ،‬فهذه عالقة حقيقية بني اإلنسان واهلل‪ .‬لكن اإلنسان حيرف هذه العالقة –وهنا‬
‫يشري إىل حتريف الدين‪ -‬بنفسه‪ ،‬وجيد نفسه وثنيا حموال عن الدين الصحيح‪ ،‬فقد استمع‬
‫لروح الرش واتبع هواه‪ ،‬وها هو مع الثالوث‪ ،‬والطبيعة اخلارجية‪ ،‬والشيطان‪)3( ".‬‬

‫فشوبل يؤكد هنا أن اإليرانيني قد تلقوا وحيا من اهلل تعاىل‪ ،‬بل جيعل مقارنة‬
‫بينهم وبني الساميني أجداد اليهود ‪-‬أصحاب األنبياء الكثر‪ -‬والعرب‪ ،‬فاهلل تعاىل بوحيه‬
‫و أنبيائه مل خيص الساميني دون غريهم‪ ،‬وقد جعل –شوبل‪ -‬األفيستا والكتاب املقدس‬
‫يف نفس منزلة الوحي مقررا أن اإلنسان بعد ذلك هو من حيرف الدين‪ ،‬متبعا اهلوى‬

‫‪(1) - William Carter, Zoroastrianism and Judaism, Richard G.badger The‬‬

‫‪gorham press, 1918, p41.‬‬


‫‪(2) - ibid, p 45.‬‬

‫)‪(3‬‬ ‫‪- voir : Charles shoebel, MEMOIRE SUR LE MONOTHEISME‬‬


‫‪PRMITIF, challamel ainé libraire de la sociéTé d'éTnographie‬‬
‫‪américane eT orienTale, paris, 1860, p 9.‬‬
‫‪ --------‬الفصل الثاين‪ :‬هل تـثبت األديان السموية وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪171 ----‬‬

‫والشيطان حتى يصل إىل نتائج إيمنية تناقض التوحيد مثل التثليث‪ )1(.‬فسبحان اهلل‪ ،‬كل‬
‫من الديانتني بدأتا بالتوحيد السموي الذي أوحاه اهلل‪ ،‬وطرأ بعدها عليهم الثالوث‬
‫الوثني الذي َم َق َته اهلل‪ )2(.‬بالرغم أن التحريف نحو الثنائية كان األكرب يف دين الفارسيني‪،‬‬
‫مع بقاء التوحيد هو األصل كم تشهد عليه النصوص الزرادشتية‪ ،‬وحتى علمؤهم‪.‬‬

‫)‪ -(1‬يقـ ــول عامل الالهوت اإلنجليزي فـ ــيرب ‪" : Feber‬هكذا الفرس كان عندهم أهورمازدا‪ ،‬مثرا‪ ،‬و‬
‫أهرمان‪ ،‬أو يف بعض األحيان األخرى كان مثرا – وحده – يقوم بدور الثالوث‪ "،‬تعاىل اهلل عن ذلك‬
‫علوا كبريا‪) ،‬انظر‪George Feber, The origin oF pagan idolatry, vol 3, R.and :‬‬
‫‪ ,( R.gilberT, ST.jhon's Square, 1816, 3/470‬و يمكن القول أن فارس فيها يف بعض‬
‫فرتات التحريف؛ صنفان من الثالوث األول يتمثل يف‪ :‬أهورمازدا‪ ،‬و هو اسم ( اهلل ) اإلله األعظم‬
‫الواحد الذي كان يدعو إليه زرادشت النبي‪ ،‬و الذي كان اإلله الواحد للزرادشتية بل لكل فارس قبل‬
‫أن حيرف هذا الدين‪ ،‬و خيلطوا عقائده مع الوثنيات‪ ،‬فأضافوا إىل اإلله الواحد أهورمازدا ( اهلل )‬
‫معبودين معه‪ ،‬أما املعبود الثاين فهو ِمثرا حيث اعتربه الفرس معاونا ألهورمازدا‪ ،‬و املعبود الثالث يف‬
‫هذا الثالوث هو أهرمان الذي ينسب إليه الرش كله‪ ،‬و الذي هو الشيطان‪ ).‬انظر‪Douane, bible :‬‬
‫‪myth and there parrallels in other religions, The TruTh seeker CO, new‬‬
‫‪ ( york, sevenTh ediTion, 1910, p 376.‬وفيه تشابه عجيب ومريب بني الثالوث النرصاين‬
‫والثالوث الفارِس‪ ،‬حيث كل من الثالوثني جيعل من اهلل بمنزلة اآلب‪ ،‬ويتشاهبان بجعل املسيح ابن‬
‫هلل تعاىل ومثرا ابن هلل تعاىل‪ ،‬وكذلك بجعلهم خمل َصني للبرشية‪ ،‬تعاىل اهلل عن كل ذلك علوا كبريا‪.‬‬
‫وقد قال اهلل تعاىل يف مشاهبة أهل الكتاب للكفار من الوثنني وأمثاهلم قبلهم‪ ( :‬و َقا َل ِ‬
‫ت ا ْل َيهود ع َز ْي ٌر‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اه ِهم ۚ ي َض ِ‬
‫ِ‬ ‫ت النَّصارى ا ْمل َِسيح ابن ِ ِ‬
‫ابن اَّللِ و َقا َل ِ‬
‫ين ك ََفروا من‬ ‫ون َق ْو َل ا َّلذ َ‬
‫اهئ َ‬ ‫اَّلل ۚ َ ٰذل َك َق ْوهلم بِ َأ ْف َو ْ‬
‫ْ َّ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َّ َ‬
‫اَّلل ۚ َأن َّٰى يؤْ َفك َ‬
‫ون ) (التوبة‪ .)30‬يضاهئون أي يشاهبون‪َ .‬فهنا أيضا اإلعجاز‪ ،‬ليأيت‬ ‫َقبْل ۚ َقا َت َلهم َّ‬
‫العلم احلديث وعلم األديان والتاريخ َي ْصطف وراء القرآن‪ ،‬الذي سبقه بمئات السنني يف إثبات هذا‬
‫التشابه العقدي‪ ،‬بني قول أهل الكتاب وقول أهل األوثان من قبل‪.‬‬
‫)‪ -(2‬نعم عقيدة الثانوية ظهرت فيم بعد يف الزرادشتية بعد حتريفها أكثر من الثالوث‪ ،‬لكنها حتريف‬
‫فه ٍم وليس أصال‪ ،‬حتى وسوف نفصل بإذن اهلل أن التوحيد بقي دائم األصل باعرتاف علمء‬
‫الزاردشتيني‪ ،‬وكون النصوص الدينية ال يزال أصلها التوحيدي واضحا‪ ،‬وإنم ذلك الفهم الثانوي‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪172 --------------‬‬

‫فإذا تبني لنا أن الزرادشتية (املجوسية) أصلها ديانة سموية وتؤمن بآدم عليه‬
‫السالم‪ ،‬فال بد من التساؤل يف هذا املقام ولو استئناسا‪ ،‬هل تذكر الزرادشتية أن آدم عليه‬
‫السالم هو أول كل البرش‪ ،‬أم هنالك إنسانا قبله ؟‬
‫ٌ‬
‫إنسان قبل آدم عليه السالم‪:‬‬ ‫‪ )2‬الزرادشتية (املجوسية) تثبت أن هنالك‬
‫تؤمن الزرادشتية بآدم عليه السالم ويسمونه (مهاباد)‪ ،‬وهو ليس (كيومرث)‬
‫الذي جيعلونه أبا هلم‪ ،‬أي أب الفرس‪ ،‬والذي هو بعد مهاباد ( آدم عليه السالم ) املتقدم‬
‫عليه زمانيا‪ )1(،‬ولقد ذكِ َر آدم عليه السالم ( مهاباد ) يف املصدر الزرادشتي دساتري وهو‬
‫كتاب فارِس تؤمن به طائفة زرادشتية‪ )2(،‬وين ْسب إىل أنبياء قدماء مضوا يف اجلنس‬
‫أسفار‪ ،‬كل ِسفر ين ْسب إىل‬‫الفارِس واجلنس اآلري القديم‪ ،‬وهذا الكتاب حيتوي عىل ْ‬
‫نبي فارِس أو آري قديم (الفرس هم من الشعوب اآلرية)(‪ ،)3‬وحيتوي عىل بشارات تتنبأ‬

‫راجع إىل حتريف النصوص مع سوء فهمها‪ .‬ومع كون كثري من الباحثني‪ ،‬يثبتون األصل التوحيدي‬
‫هلذا الدين كم رأينا‪ ،‬وعلمء الزرادشتية أنفسهم يقولون أن دينهم توحيدي‪ ،‬والظاهر من نصوص‬
‫كتبهم كذلك‪.‬‬
‫)‪(1‬‬ ‫‪- voir : The desaTir or sacred wriTings oF The ancient Persian‬‬
‫‪propheTs: in The original Tonge, Mulla firuz, Vol 2, courier press,‬‬
‫‪bonbay, 1818, p22-23-194, p IV. John malcom,The hisTory oF persia,‬‬
‫‪london,vol 1, Johne murray, london, p7-8-9-10.‬‬
‫)‪ -(2‬وقد ذكر عبد احلق فديارثي أن كتاب دساتري هنالك من الزرادشتيني من يعتربه أوثق من الزند‬
‫أفستا (االبتساق)‪ ،‬وهنالك من يعترب الزند أفستا أوثق من دساتري‪ .‬انظر‪AbdUL HAQUE :‬‬
‫‪Vidyarthy, Muhammad in Wolrld Scriptures, vol III, Din Muhammadi‬‬
‫‪Press, second ediTion, Lahore – Pakistan, 1975, p 998.‬‬
‫)‪ -(3‬فإن الفرس هم واهلنود من اآلريني‪ ،‬إذ هلم أصول مشرتكة مع أجناس أوروبية انحدرت من‬
‫والسالَفْ "الروس وماجاورهم"‬
‫ْ‬ ‫األجناس اآلرية كاأللمن واألسكندناف والسكسون والكلت‬
‫‪ --------‬الفصل الثاين‪ :‬هل تـثبت األديان السموية وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪173 ----‬‬

‫ببعثة النبي حممد صىل اهلل عليه وسلم و َت ِص ْفه بنعت يتطابق عليه‪ ،‬وأصول كتاب دساتري‬
‫كم يعتقد أقدم من اإلسالم‪ ،‬وقد ذكرهتا يف الكتاب الذي أرشنا إليه آنفا ( الزرادشتية‬
‫الديانة السموية التي برشت بمحمد صىل اهلل عليه وسلم )‪ ،‬وذكرتها أيضا خمتصون‬
‫كعبد احلق فديارثي(‪ )1‬يف كتابه الذي يبحث يف بشارات النبي صىل اهلل عليه وسلم يف‬
‫كتب الزرادشتيني واهلندوس والبوذيني‪)2(.‬‬

‫واإلنجليز والفرنجة‪ ،‬وهم يشرتكون كم أكدت بعض البحوث يف شعب آري مشرتك كان أصله يف‬
‫ناحية الرتكستان ثم هاجروا إىل باقي أنحاء أوروبا‪.‬‬
‫‪(1) - voir‬‬ ‫‪: Ibid, p 969 a 998.‬‬
‫)‪ - (2‬جاء يف نص البشارة يف كتاب دساتري املجوِس والتي تتنبأ ببعثة النبي حممد صىل اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫"بينم هم مشتغلون يف ذلك‪ ،‬سيقوم رجـ ـ ــل من بني التوارجيس‪-‬العرب‪ ،-‬بواسطة أتباعه‪ ،‬التاج‪،‬‬
‫ال من معبد األوثان (أو عبادة األوثان)‪،‬‬‫وخي َضع األقوياء‪ ،‬وبد ً‬
‫العرش واحلكومة‪ ،‬والدين يطاح هبم‪َ ،‬‬
‫َحوه الصالة‪َ ،‬منزوع ِمن صورها –‬ ‫أو معبد النار الذي بِ َبيْت عَ َباد ‪-‬مهاباد‪َ -‬سريى مكان توجه ن َ‬
‫الكاذبة‪ ،-‬وحوله املياه المحلة‪ ،‬بعد ذلك سيقهرون نار املعابد التي بِمدير وكلم و ِجدَ هبا وي ِ‬
‫نفجيد‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫فصيحا‬
‫ً‬ ‫ونِ َيواك ‪-‬مدينتي طوس وبلخ يف فارس‪ ،-‬واألَماكن الكبِ َرية‪ ،‬وم َرشعهم سيكون رجالً‬
‫وكلمته َبلِيغة" ‪(The desaTir or sacred wriTings oF The ancient Persian‬‬
‫‪propheTs: in The original Tonge, Mulla firuz, Vol 2, courier press,‬‬
‫‪ ) bonbay, 1818, p 194.‬رشح البشارة‪:‬‬
‫أما معنى التوارجيس فهم العرب‪ ،‬بداللة الشارح الزرادشتي (موال فريوز) لكتاب دساتري نفسه‪ ،‬إذ‬
‫يؤكد يف احلاشية أن توارجيس هم العرب‪ ،‬بل ي ِقر أن هذه النبوة هي ختص انتشار اإلسالم واتاه‬
‫القبلة إذ يقول‪ " :‬هذه النبوة حول أصل وانتشار املحمدية‪ِ ،‬‬
‫والقبْ َلة‪ ،‬وخصائص النبي‪ ،‬هي بالتأكيد‬
‫متميزة بشكل كاف"‪( ،‬حاشية املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ .)p 194 /194‬وأما بيت عباد فهو بيت مهاباد أي‬
‫آدم عليه السالم‪ ،‬وهي الكعبة بإقرار ساسان اخلامس الزرادشتي (العرص الساساين) الذي ينسب إليه‬
‫إعادة مج ع أسفار كتاب دساتري‪ ،‬إذ يقول هذا األخري يف هذا البيت بجوار متن البشارة‪" :‬البيت الذي‬
‫هو من بني التوارج ـ ـ ــيس –الـ ـ ــعرب‪ -‬يف الصحراء الرملية‪ ،‬الذي بناه عب ـ ـ ـ ـ ــاد –ماهاباد‪("-‬املرجع‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪174 --------------‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص‪ ،)p 194 /194‬وأما كونه بنى الكعبة؛ فهذا يتوافق مع ما نقله علمء مسلمون يف أن حقيقة‬
‫آدم عليه السالم قد بنى الكعبة (انظر‪ :‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪.)120/2 ،‬‬
‫أما الرجل الذي سيقوم من بني العرب فال مرية يف ذلك أنه حممد صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬إذ هو الذي‬
‫تنطبق عليه كل هذه األوصاف يف هذه البشارة‪ :‬له أتباع‪ ،‬سيطيح بدين وحكومة وعرش وملك‬
‫العرب‪ ،‬وخيْضع األقوياء وامللوك‪ ،‬وبدال من معبد األوثان التي كانت عليه الكعبة يف اجلاهلية‪ ،‬ستنزع‬
‫الصور التي تقول الكذب من الكعبة‪ ،‬وتصبح ِقبْ َلة يتوجه نحوها يف الصالة‪.‬‬
‫وهذا ما حدث حقيقة بعد ما انترص حممد صىل اهلل وصحابته عىل مرشكي العرب‪ ،‬وظهر اإلسالم عىل‬
‫دينهم‪ ،‬وعند دخول النبي صىل اهلل عليه وسلم فاحتا مكة‪ ،‬طهر البيت احلرام من األصنام‪ ،‬ونزع‬
‫الصور التي كانت عىل ظهره‪ ،‬والتي كانت تكذب يف جعل إبراهيم مع إسمعيل عليهم السالم‬
‫يتقاسمن باألزالم‪( ،‬كم تشري البشارة‪ :‬منزوع من صورها –الكاذبة‪( ،)-‬فقد جا يف احلديث‪َ :‬أ َّن النَّبِ َّي‬
‫يم َوإِ ْس َم ِع َيل‬ ‫ِ‬
‫ت‪َ ،‬و َر َأى إِ ْب َراه َ‬‫ت َ ْمل َيدْخ ْل َح َّتى َأ َم َر ِ َهبا َفم ِح َي ْ‬
‫ص َّىل اهلل عَ َلي ِه وس َّلم‪َ ،‬لم ر َأى الصور ِيف البي ِ‬
‫َْ‬ ‫ََ‬ ‫ْ َ َ َ َّ َ‬ ‫َ‬
‫الم‪َ ،‬ف َق َال " َقا َت َلهم اَّلل‪ ،‬و ِ ِ‬
‫السالَم بِ َأ ْي ِدهيِ َم األَزْ َ‬
‫ال ِم َقط " ) (رواه البخاري‬ ‫اَّلل إِن ْ‬
‫اس َت ْق َس َم بِاألَزْ َ‬ ‫َّ َ َّ‬ ‫عَ َليْ ِه َم َّ‬
‫يف صحيحه ‪ ،)3352‬وجعل اإلسالم البيت ِقبلة ي َتوجه نحوه يف الصالة (كم تشري البشارة‪ :‬بِ َبيْت عَ َباد‬
‫َحوه الصالة)‪ ،‬ومن بعدها انتشار اإلسالم بالفتوح اإلسالمية‪،‬‬
‫‪-‬مهاباد‪َ -‬سريى مكان توجه ن َ‬
‫وإخضاع اإلمرباطوريات وامللكات الكربى بملوكهم وبلداهتم‪ ،‬من بينها فارس وأمصارها ومدَنا‪،‬‬
‫وقد ذكرت البشارة مدينتني مهمتني فيها (طوس وبلخ)‪ ،‬حيث سيدخل فيها املسلمون قاهرين ملعابد‬
‫النريان املوجودة فيها‪ ،‬وقد ذكرت أيضا البشارة وصفا آخرا ينطبق عىل النبي حممد صىل اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬حيث وصفت " أن مرشعهم سيكون رجال فصيحا وكلمته بليغة "‪ ،‬وال شك أنه صىل اهلل‬
‫عليه وسلم قد أنزل اهلل عليه رشعا "مرشعهم"‪ ،‬وكان كالمه فصيحا‪ ،‬وهل يوجد يشء أفصح من‬
‫القرآن الذي أنزله اهلل عليه ؟‪ ،‬والذي حتدى اهلل فيه اإلنس واجلن وفصحاء العرب عىل اإلتيان بمثله‬
‫فعجزوا‪ ،‬حتى أقر له أعداؤه بفصاحته وإعجازه‪ ،‬إضافة إىل كونه صىل اهلل عليه وسلم أفصح العرب‬
‫نطق بالضاد وتكلم بجوامع الكلم‪ ،‬وبالكالم القليل ذي املعنى الكثري والغزير‪ ،‬فكان هو أفصحهم‬
‫اء بِ ِس ٍّت‪ :‬أعْطِيت َج َو ِام َع ا ْلكَلِ ِم‪،‬‬ ‫دون منازع‪ ،‬وهو القائل ص َّىل اهلل عَ َلي ِه وس َّلم‪ " :‬فضلْت عَ َىل ْاألَنْبِي ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ورا َو َم ْس ِجدً ا‪َ ،‬وأ ْر ِسلْت إِ َىل ْ‬
‫اخلَ ْل ِق كَا َّف ًة‪،‬‬ ‫ت ِ َيل ا ْل َغنَائِم‪َ ،‬وج ِع َل ْ‬
‫ت ِ َيل ْاألَ ْرض َطه ً‬ ‫ْب‪َ ،‬وأ ِح َّل ْ‬
‫رصت بِالرع ِ‬ ‫ِ‬
‫َون ْ‬
‫ون "( رواه مسلم ‪ ،)532‬قال اهلروي يف جوامع الكَلِم‪ " :‬يعني به القرآن َمجع اهلل تعاىل‬ ‫يب النَّبِي َ‬ ‫ِ‬
‫َوخت َم ِ َ‬
‫‪ --------‬الفصل الثاين‪ :‬هل تـثبت األديان السموية وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪175 ----‬‬

‫أب البرش احلاليني(‪ ،)1‬وأنه‬


‫وقد ذكر هذا املصدر المجوِس دساتري أن مهاباد كان َ‬
‫كان نبيا وملكا‪ ،‬وأنه بنى الكعبة يف صحراء العرب ‪-‬ويسميها بيت مهاباد‪.)2(-‬‬
‫والعجيب أن هذه الـمواصفات تتطابق مع آدم عليه السالم يف اإلسالم‪ ،‬وتؤكد أنه ه َو‪،‬‬
‫نبي كم وصفه النبي صىل اهلل عليه وسلم يف احلديث‬
‫فابتداء بنبوته؛ فآدم عليه السالم حقا ٌ‬
‫الذي مر معنا‪ ،‬يف مبحث هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم من حديث النبي صىل‬
‫اهلل عليه وسلم كم‪ ،‬وأما كونه َملِكًا‪ ،‬فهذا يتوافق مع كلمة ( خليفة ) يف القرآن الكريم‪،‬‬

‫يف األلفاظ اليسرية منه املعاين الكثرية وكالمه صىل اهلل عليه وسلم كان باجلوامع قليل اللفظ كثري‬
‫املعاين‪( ".‬حاشية‪ :‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬حتقيق فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪.)371/1‬‬
‫وهنالك بشارات أخرى مهمة يف كتب الزرادشتية ال يسع املقام لذكرها‪ ،‬ومثل هذه التنبؤات ال‬
‫يستغرب وجودها يف كتب األنبياء السابقني‪ ،‬كون اهلل سبحانه وتعاىل قال‪َ ( :‬وإِ َّنه َل ِفي زب ِر ْاألَ َّولِ َ‬
‫ني )‬
‫(الشعراء ‪ ،)196‬وقال القرطبي يف تفسري اآلية‪ " :‬وإنه لفي زبر األولني أي وإن ذكر نزوله‪ -‬القرآن ‪-‬‬
‫لفي كتب األولني يعني األنبياء ‪ .‬وقيل ‪ :‬أي إن ذكر حممد عليه السالم يف كتب األولني؛ كم قال تعاىل‪:‬‬
‫جيدونه مكتوبا عندهم يف التوراة واإلنجيل و " الزبر " الكتب‪ ،‬الواحد " زبور "‪ ،‬القرطبي‪ ،‬اجلامع‬
‫ألحكام القرآن‪1384 ،‬ه‪1964-‬ه‪ . 138/13 ،‬قال الطاهر بن عاشور يف تفسري اآلية‪ " :‬فاملعنى أن‬
‫ذكر القرآن وارد يف كتب األولني‪ ،‬أي جاءت بشارات بمحمد صىل اهلل عليه وسلم وأنه رسول جييء‬
‫بكتاب "‪ ،‬الطاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪َ .191/19 ،‬ووجود مثل هذه البشارات بالنبي حممد‬
‫صىل اهلل عليه وسلم يف كتب املجوسية (الزرادشتية) يشري إىل كوَنا ديانة سموية‪.‬‬
‫)‪ -(1‬وهذا ال يعني أن املصدر الزرادشتي يصفه بأنه أب كل البرش يف كل زمان ومكان‪ ،‬بل قد يفهم‬
‫كم أمكننا أن نستنتج رأيناه من قبل؛ بأنه أب جزء مهم من البرش عىل وجه الكرة األرضية‪ ،‬يف زمن‬
‫معني‪ ،‬كم سيأيت إن شاء اهلل مزيد بيان واستنتاج ذلك‪.‬‬
‫)‪(2‬‬ ‫‪- voir : The desaTir or sacred wriTings oF The ancient Persian‬‬
‫‪propheTs: in The original Tonge, Mulla firuz, Vol 2, courier press,‬‬
‫‪bonbay, 1818, p22-23-194, p IV, John malcom,The hisTory oF persia,‬‬
‫‪london,vol 1, Johne murray, london, p7-8-9-10,‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪176 --------------‬‬

‫والذي يدخل يف معناها اخلليفة بمعنى الوايل واحلاكم (كم ذكرنا سابقا يف تفسري قول اهلل‬
‫تعاىل‪ ( :‬إين جاعل يف األرض خليفة ) (البقرة ‪ ،) )30‬بل ويدع إىل التساؤل كم تسائلنا‬
‫يف اآلية القرآنية من سورة البقرة؛ أي قوم كان عليهم ملكا؟ وإىل من كان نبيا مرسال؟‪.‬‬
‫وأما كونه بنى الكعبة فهذه أيضا معلومة تتوافق مع ما نقله بعض العلمء املسلمني يف آدم‬
‫عليه السالم من كونه بنى البيت(‪.)1‬‬
‫برش قبل آدم عليه السالم ؟‪ ،‬فالذي يمكن‬
‫وأما فيم يتعلق بالسؤال هل يوجد ٌ‬
‫أن يستأنس به من الزرادشتية يف هذا األمر‪ ،‬هو ما يوجد من أمر عجيب يف كتاب دساتري‬
‫السابق‪ ،‬إذ ي ِشري هذا املصدر أن آدم (مهاباد) وزوجه عليهم السالم كانا مسبوقني ببرش‪،‬‬
‫ألَنم قد ا ْصط ِفيا من دورة برشية سابقة‪ ،‬فالبرشية بِ َح َسبِه مقس َمة إىل دورات برشية‪ ،‬لكل‬
‫منها آباء من البرش‪ ،‬فقد نجى كل من آدم وحواء عليهم السالم من دورة كبرية‪ ،‬ليكونا‬
‫أبوين لدورة برشية الحقة‪ ،‬التي نحن فيها‪ .‬لذلك قدماء الفرس كانوا يعتربون أنه من‬
‫املستحيل معرفة اآلباء األولني احلقيقيني لكل األجناس البرشي‪ ،‬وأن علم اإلنسان كان‬
‫قارصا عن مثل هذا اإلدراك‪)2(.‬‬

‫وهذا إن فرضنا بصحة هذا القول فإين ال أجد له معارضة رصحية لنصوص‬
‫القرآن الكريم والسنة املطهرة يف اإلسالم‪ ،‬ال سيم وقد رأينا سابقا أَنم يشريان إىل وجود‬
‫خملوقات مكلفة أو أناس قبل آدم عليه السالم‪ ،‬بل أرى يف هذا القول نوعا من التميش‬
‫أراض أخرى‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مع حديث عبد اهلل بن عباس السابق ذكره يف إثبات أوادم آخرين يف‬
‫ض ِمثْ َله َّن )‬ ‫ات َو ِم َن ْاألَ ْر ِ‬
‫وذلك يف تفسري قول اهلل تعاىل‪ ( :‬اَّلل ا َّل ِذي خ َل َق سبع سمو ٍ‬
‫َ َْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫(الطالق‪.)12 :‬‬

‫)‪ -(1‬انظر‪ :‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪.120/2 ،‬‬


‫)‪(2‬‬ ‫‪- voir : The desaTir or sacred wriTings oF The ancient Persian‬‬
‫‪propheTs: in The original Tonge, Mulla firuz, Vol 2, p21 - p VII, John‬‬
‫‪malcom, HisTory oF percsia, vol 2, p 8-9.‬‬
‫‪ --------‬الفصل الثاين‪ :‬هل تـثبت األديان السموية وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪177 ----‬‬

‫وأرى أن هذه العقيدة يف وجود دورات برشية أو أزواجا يكونون آباء للناس هلا‬
‫ما ي َقوهيا داخل الزرادشتية نفسها وخارجها‪ ،‬فمن داخلها ما نقلناه من كوَنا تثبت أن‬
‫آدم عليه السالم (عباد أو مهاباد) كان ملك عىل أناس‪ ،‬فمن املستبعد أن يكون هؤالء‬
‫الناس هم بنوه فقط‪ ،‬إذن لكانت كافية عليهم والية األبوة‪ ،‬ولـَمـا ا ْح َتاج أن يكون ملِك ًا‪.‬‬
‫وكذلك كونه جيعلونه نبيا أوحى اهلل إليه‪ )1(،‬وهنا يعاد طرح السؤال السابق‪ ،‬إىل من‬
‫كانت دعوته موجهة؟‪ ،‬هل إىل أبنائه فقط؟ فمن املستبعد ذلك‪ ،‬وهذا قد يقتِض وجود‬
‫برش كانوا معارصين له‪ ،‬بحيث كان نبيا فيهم‪ ،‬وربم َملِ ًكا عىل طائفة منهم‪ ،‬كم تشري إليه‬
‫ظاهر تلك املراجع‪ ،‬واهلل أعلم‪ .‬واألمر اآلخر الذي يق ِوي هذه العقيدة يف الزرادشتية‬
‫من خارجها‪ ،‬أي يف وجود دورات برشية قبل آدم عليه السالم؛ ما و ِجد يف دين آخر شبه‬
‫سموي‪ ،‬وهو اهلندوسية – إذ يوجد فيها توحيد أصيل وإنم الرشك والتعدد هو من‬
‫التحريف ‪)2(-‬؛ إذ نجد فيها تقريبا نفس هذه العقيدة يف تقسيم الزمن إىل دورات‪ ،‬مع‬

‫‪(1) - voir‬‬ ‫‪: John malcom, HisTory oF percsia, vol 2, p 8-9.‬‬


‫)‪ -(2‬يوجد يف الكتاب املقدس للهندوس الفيدا؛ نصوص تشري إىل األصل التوحيدي‪ ،‬فإنه يعرتف‬
‫بذلك ال َّت َطوري الدارويني ماكس مولر‪ ،‬الذي درس أديان اهلند والفيدا واللغة السنسكريتية لسنني‬
‫كثرية‪ ،‬بل يؤكده قائال‪...." :‬هنالك توحيد يسبق الوثنية يف الفيدا‪ ،‬وحتى يف دعاء تلك اآلهلة التي ال‬
‫حرص هلا يوجد ذكريات هلإ واحد الَنائي تكّس غيوم العربات الوثنية‪ ،‬مثل السمء الزرقاء التي كانت‬
‫ختفيها السحب العابرة‪Max muller, HisTory oF ancient SanskriT literaTure, ( ".‬‬
‫‪ ،)Williams and norgaTe, paris- london, 1859, p559.‬حتى أن الذي يقرأ كالم‬
‫مولر جيد اشكاال عظيم عنده؛ كون وجود التوحيد يف اهلند القديمة والفيدا بإقراره السابق يسقط القول‬
‫بتطور الدين من الوثنية إىل التوحيد‪ ،‬والذي نادى به هو والتطوريون مثله‪ ،‬إذ أن شعوب اهلند ُتثل‬
‫جنس قديم‪ ،‬وهذا يدل أن التوحيد قديم‪ ،‬بل هو أصل أديان البرش‪ ،‬وهو فطري فيهم‪.‬‬
‫ونقل العامل املسلم البريوين (ت ‪440‬ه) أن خواص اهلند كانوا يؤمنون باهلل عىل غري العوام‬
‫الذين كانوا يميلون للتجسيم وعدم تنزيه اهلل تنزهيا يليق بجالله‪ ،‬حيث قال يف خواصهم‪ " :‬واعتقاد‬
‫اهلند يف اهلل سبحانه أنه الواحد األزيل‪ ،‬من غري ابتداء وال انتهاء املختار يف فعله القادر احلكيم احلي‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪178 --------------‬‬

‫إبقاء زوج برشي لكل دورة قادمة‪ ،‬كي يكونا خليفتني وآبا ًء لنسل جديد‪( ،‬وتسمى‬
‫عندهم يوغس ‪ Yugs‬أو ‪ .–)1( ) Yuga‬وكل هذا أراه قد ال يتناقض أو يتوافق مع‬
‫معنى ( اخلليفة ) يف حق آدم عليه السالم وبنيه؛ الذي جاء يف سورة البقرة‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫( إين جاعل يف األرض خليفة )‪ ،‬والذي يقصد منه االستخالف‪ ،‬أي استخالف َمن كان‬
‫ف ْاألَ ْر ِ‬
‫ض‬ ‫ِمن قبل‪ ،‬ويف سورة األنعام التي قال اهلل فيها‪َ ( :‬وه َو ا َّل ِذي َج َع َلك ْم َخال َِئ َ‬
‫ات ل َيبْل َوك ْم ِيف َما آتَاك ْم ۚ إِ َّن َر َّب َك َس ِـريع ا ْل ِع َق ِ‬
‫اب َوإِنَّه‬ ‫ض درج ٍ‬
‫َو َر َف َع َب ْع َضك ْم َف ْو َق َب ْع ٍ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫ـيم ) (األنعام ‪ ،)165‬يقول الطربي يف تفسري هذه اآلية‪ " :‬واهلل الذي جعلكم‪،‬‬ ‫ور َّرح ٌ‬ ‫َل َغف ٌ‬

‫املحيي املدبر املبقي الفرد يف ملكوته عن األضداد واألنداد ال يشبه شيئا وال يشبهه يشء ‪( "...‬أبو‬
‫رحيان حممد البريوين‪ ،‬حتقيق ما للهند من مقولة مقبولة يف العقل أو مرذولة‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬ط ثانية‪،‬‬
‫بريوت‪1403 ،‬ه‪ ،‬ص‪).24‬‬
‫ويقول عامل األعراق واللغوي الفرنيس شارل سوبل يف كتابه مذكرة حول التوحيد البدائي‪:‬‬
‫" ولو درسنا اآلن دين ِآريِيي اهلند‪ ،‬نحصل عىل حقيقة مفادها أن التوحيد قد سبق املمرسات‬
‫الرشكية‪.(charle shoebel, Mémoire sur le MONOTHEISME primiTiF, ".‬‬
‫)‪p16‬‬
‫وكذلك أورد املؤرخ األمريكي وول ديورانت التقرير املرفوع للحكومة الربيطانية قائال‪" :‬‬
‫فيم ييل عبارة مقتبسة من التقرير عن تعداد سنة ‪ ،1901‬املرفوع إىل احلكومة الربيطانية يف اهلند‪" :‬إن‬
‫النتيجة العامة التي انتهيت إليها من البحث هي أن كثرة اهلنود الغالبة تعتقد راسخة يف كائن واحد‬
‫أعىل‪( ".‬ول ديورنت‪ ،‬قصة احلضارة‪ ،‬دار اجليل بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬واملنظمة العبية للثقافة والعلوم‪،‬‬
‫تونس‪1408 ،‬ه‪1988-‬م‪ ،‬حاشية جملد ‪.)209/3‬‬
‫ني‪،‬‬ ‫ني َو َو َثنِيي ْاهلِن ِْد َوالص ِ‬‫الصابِئِ َ‬ ‫وس َو َّ‬ ‫ويقول املفّس رشيد رضا يف تفسريه‪َ " :‬أ َّن ا ْملَج َ‬
‫آن َأ َّن‬ ‫ْ‬
‫يخ و ِمن بي ِ‬
‫ان ا ْلقر ِ‬
‫ار ِ َ ْ َ َ‬ ‫اهر ِم َن ال َّت ِ‬ ‫َ‬
‫ب مشْ َت ِم َل ٍة عَ َىل ال َّتو ِح ِ‬
‫يد إِ َىل ْاآل ِن‪ ،‬وال َّظ ِ‬
‫ْ‬ ‫َو َأ ْمث َِاهل ِ ْم كَا ْل َيا َبانِي َ‬
‫ني َأ ْهل كت ٍ‬
‫ب ا ْليه ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ود‬ ‫يع ْاأل َم ِم بع َث ف َيها رس ٌل‪َ ،‬و َأ َّن كت َبه ْم َس َم ِو َّي ٌة َط َر َأ عَ َليْ َها ال َّت ْح ِريف ك ََم َط َر َأ عَ َىل كت ِ َ‬ ‫َمجِ َ‬
‫يخ"‪( ،‬رشيد رضا‪ ،‬تفسري املنار‪).160/6 ،‬‬ ‫ار ِ‬‫َوالن ََّص َارى ا َّلتِي ِه َي َأ ْحدَ ث عَ ْهدً ا ِيف ال َّت ِ‬
‫‪(1) - voir‬‬ ‫‪: John malcom, The HisTory oF percsia, vol 2, p 8.‬‬
‫‪ --------‬الفصل الثاين‪ :‬هل تـثبت األديان السموية وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪179 ----‬‬

‫خالئف األرض )‪ ،‬بأن أهلك َم ْن كان قبلكم من القرون واألمم اخلالية‪،‬‬


‫َ‬ ‫أهيا الناس‪( ،‬‬
‫واستخلفكم‪ ،‬فجعلكم خالئف منهم يف األرض‪ ،‬ختلفوَنم فيها‪ ،‬وتعمروَنا بعدَ هم‪ .‬و‬
‫" اخلالئف " مجع " خليفة "‪ ،‬كم " الوصائف " مجع " وصيفة "‪ ،‬وهي من قول القائل‪" :‬‬
‫َخ َلف فالن فالنًا يف داره خيلفه ِخالفة‪ ،‬فهو خليفة فيها‪ )1( ".‬وينقل نفس الـمفّس عن‬
‫السدي قوله‪ " :‬أما " خالئف األرض "‪ ،‬فأهلك القرون واستخلفنا فيها بعدهم‪ )2( ".‬فم‬
‫هي هذه القرون التي استخلفنا اهلل نحن بنو آدم يف مكاَنم ؟‪ ،‬وهذه العقيدة يف حال‬
‫صحتها وثبوهتا‪ ،‬ال يلزم حتم منها عدم بقاء برش يف األرض يعارصون آدم عليه السالم‪،‬‬
‫والدليل عىل ذلك من وجهني‪ :‬أوهلم قد يكون االستبدال أو االستخالف لطائفة من‬
‫خلِف فيها أبونا آدم عليه السالم‪،‬‬
‫است ْ‬
‫الناس وليس كلهم يف تلك الناحية من األرض التي ْ‬
‫فيكون قد بقي جياوره فيها آخرون ‪ -‬ناهيك عن الناس الذين كانوا يف غريه من القارات‪-‬‬
‫خ َلفوا طائفة معينة من البرش –ليس كلهم‪ -‬بناحية معينة‬
‫‪ ،‬فآدم عليه السالم وبنوه است ْ‬
‫من األرض‪ ،‬فلفظ األرض يف الرشيعة ال يقصد به حرصا كل الكرة األرضية –كم قلنا‪-‬‬
‫‪ ،‬أي استخلف ناحية من الرشق األوسط واحل َجار مثال (عىل األرجح)‪ ،‬دون أن يكون‬
‫قد َعم َر كل الكرة األرض املرتامية األطراف واملتباعدة الزوايا واملنقطعة القارات‪.‬‬
‫عمرته ذريته من بعده‪،‬‬
‫فيكون بذلك آدم عليه السالم قد عاش يف الرشق األوسط‪ ،‬الذي َّ‬
‫وجاورت فيه شعوبا أخرى‪ ،‬ومن بعدما مرت السنني واألحقاب‪ ،‬كثرت ذريته وظهرت‬
‫أمته العظيمة‪ ،‬واحت ـكت ب ـعـ ـض شعوب هذه األمة بشعوب أخرى وناسبتها‪ ،‬فكان‬
‫بذلك أبا لتلك األمم من باب الغالب أو من باب الترشيف‪ ،‬مع بقاء أمم أخرى بِر َّمتِها‬
‫من قارات ومـناطق بعيدة ل ـيـست من ذرية آدم عليه السالم إىل اليوم‪ ،‬وهذا ال يطعن يف‬
‫كون آدم عليه السالم هو أب أمة عظيمة‪ )3(،‬جعلها اهلل عربة لباقي أمم األرض‪ ،‬كوَنا‬

‫)‪ - (1‬الطربي‪ ،‬جامع البيان‪.288/11 ،‬‬


‫)‪ - (2‬املرجع نفسه‪.288/12 ،‬‬
‫)‪ -(3‬ويف بحث الباحث صايف محدون الذي أثبت فيه وجود برش قبل آدم عليه السالم حيث استغرق‬
‫بحثه سنني‪ ،‬يقول أن أبناء آدم هم العرب واألحباش والرتك فقط وهذا ما توصل إليه‪ ،‬إال أين مل أُتكن‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪180 --------------‬‬

‫أنزلت عليها أشهر –وليس كل‪ -‬الكتب السموية؛ التوراة واإلنجيل والقرآن الكريم‪،‬‬
‫وخرجت منها األديان اإلبراهيمية‪ ،‬التي طبعت البرشية‪ ،‬حتى ظن الكثري‪ ،‬أن آدم عليه‬
‫السالم هو أب كل سكان األرض –أي الكرة األرضية‪ -‬يف كل زمان ومكان‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬إنسان قبل آدم عليه السالم عند الصابئة‪:‬‬


‫أ‪ .‬الصابئة يلحقون بأهل الكتاب‪:‬‬

‫من االطالع عىل األدلة التي اعتمد عليها يف ذلك فال أستطيع أن أؤكد أو أن أنفي هذا األمر‪ ،‬مع كوين‬
‫أرجح أن اليهود هم كذلك من ذرية آدم عليه السالم فأن قصته مذكورة يف كتبهم وعىل لسان أنبيائهم‪،‬‬
‫وأما بحثه يف العموم فيقول أنه قدَّ مه إىل مفتي اململكة و أن املفتي مل ي َقدم عليه مالحظات أو اعرتاض‪،‬‬
‫وتم االحتفاظ ببحثه وجاءه التوجيه الشفوي بالذهاب إىل وزارة اإلعالم‪ .‬وأما ما يمكن أن أقول عن‬
‫بحثه بشكل عام أنه أصاب يف جوهر الفكرة بوجود برش قبل آدم عليه السالم ويف وجود أوادم ورسل‬
‫آخرين يشبهون رسل األديان اإلبراهيمية‪ ،‬ال سيم وقد ساعده عىل ذلك سنني من البحث الطويل‪ ،‬إذ‬
‫يقول أنه طِ َوال ثالثني سنة كان يسافر ويبحث يف مثل هذه األمور‪ ،‬فمن غري الصعب للذي يبحث‬
‫بإنصاف أن هيتدي أن القرآن الكريم والسنة النبوية ال ينفيان وجود برش قبل آدم عليه السالم بل‬
‫يكتشف فيهم إشارات عىل ذلك‪ ،‬أضف إىل ذلك خمتلف األدلة األثرية والعرقية والتارخيية واإلنسانية‬
‫التي تدل عىل قدم اجلنس البرشي وأسبقيته عىل آدم عليه السالم‪ ،‬هذا وقد تنبه صايف محدون عىل‬
‫وجود أوادم آخرين يف ن ََو ٍ‬
‫اح أخرى من الكرة األرضية‪ ،‬وهذا ما جعله يلتقي معي يف هذه النتيجة‪ ،‬أي‬
‫ٍ‬
‫أراض بالرغم من أنه سلك طرق أخرى يف‬ ‫يف التأكيد العلمي حلديث عبد اهلل بن عباس يف السبع‬
‫بحوثة‪ ،‬وهذا ما يزيد هذه احلقيقة تأكيدا‪ .‬وقد تويف الباحث صايف محدون رمحه اهلل منذ بضع سنني‬
‫وأظن أن بحوثه بقيت عند بِن ْته تنتظر من يطلع عليها ويدرسها بجدية‪ ،‬ويزيد بحثا عليها‪ ،‬وأن يؤخذ‬
‫بصواهبا وي َص ِحح خطؤها‪ ،‬هذا وقد نرش بعضها يف املنتديات يف الشبكة العنكبوتية‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪http://cutt.us/CfTCg‬‬
‫‪ http://www.qassimy.com/vb/showthread.php?t=405118‬وهنالك منتديات‬
‫أخرى نرش فيها عددا من بحوثه‪.‬‬
‫‪ --------‬الفصل الثاين‪ :‬هل تـثبت األديان السموية وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪181 ----‬‬

‫ومن األديان ذات األصول السموية التي جيدر بنا البحث فيها عن إمكانية وجود‬
‫برش قبل آدم عليه السالم الصابئة‪ ،‬إذ أن الفقهاء َأحلقوا هذه الطائفة بأهل الكتاب‪ ،‬حتى‬
‫إنه ال يزال األثر التوحيدي موجودا يف كتاهبم املقدس ودينهم‪ ،‬وأذكر هنا بعض األدلة‬
‫واألقوال عىل أَنم أهل كتاب‪ ،‬ابتداء من القرآن الكريم‪.‬‬
‫الصابِ ِئ َ‬
‫ني َم ْن آ َم َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال اهلل تعاىل‪ ( :‬إِ َّن ا َّلذي َن آ َمنوا َوا َّلذي َن َهادوا َوالن ََّص َار ٰى َو َّ‬
‫ِ ِ‬
‫ف َع َليْ ِه ْم َو َال ه ْم‬ ‫اَّلل َوا ْل َي ْو ِم ْاآل ِخ ِر َو َع ِم َل َص ِاحلًا َف َله ْم َأ ْجره ْم ِعندَ َرهبِ ْم َو َال َخ ْو ٌ‬
‫ب َّ‬
‫حي َزن َ‬
‫ون ) (البقرة ‪.)62‬‬ ‫َْ‬
‫حت َّص َل ِم ْن َم ْذ َهبِ ِه ْم‪ِ -‬ف َيم َذك ََره‬
‫يقول القرطبي يف تفسريه هلذه اآلية ‪َ " :‬وا َّل ِذي َ َ‬
‫ون تَأْثِري النجو ِم‪)1("...‬‬ ‫ِ‬ ‫َب ْعض ع َل َم ِئنَا‪َ -‬أ ََّن ْم م َوحد َ‬
‫ون م ْع َتقد َ َ‬
‫ويقول السدي ‪" :‬هم ِفر َق ٌة ِمن َأه ِل ا ْل ِكت ِ‬
‫اب‪)2( ".‬‬
‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫كأهل الكتاب‪)3(.‬‬ ‫وأيب حنيفة عنده الصابؤون‬
‫يقول ابن تيمية‪ " :‬وكذلك اختالف الفقهاء يف الصابئني هل هم من أهل الكتاب‬
‫أم ال؟ وي ذكر فيه عن امحد روايتان وكذلك قوالن للشافعي والذي عليه حمققوا الفقهاء‬
‫أَنم صنفان فمن دان بدين أهل الكتاب كان منهم وإال فال "‪)4( .‬‬

‫ينقل رشيد رضا أن‪ :‬ثم يقول‪-‬رضا‪":-‬ويقال‪ :‬إن الفريقني –املجوس‬


‫والصابئة‪-‬كانا أهل كتاب فقدوه بطول األمد‪)5(".‬‬

‫)‪ -(1‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪.435/1 ،‬‬


‫)‪ -(2‬املرجع نفسه‪ .434/1 ،‬وهذا ال يعني أَنم مل حيرفوا دينهم‪.‬‬
‫)‪ -(3‬انظر‪ :‬رشيد رضا‪ ،‬تفسري املنار‪.154/6 ،‬‬
‫)‪ -(4‬ابن تيمية‪ ،‬الرد عىل املنطقيني‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ص ‪.456‬‬
‫)‪ -(5‬رشيد رضا‪ ،‬تفسري املنار‪.154/6 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪182 --------------‬‬

‫وج ـ ـاء يف امل ـ ـوسوعة الـمـيّسة يف األدي ـ ـان وال ـمذاه ـ ـب واألح ـ ـزاب املـ ـعارصة‪:‬‬
‫" الصابئة املندائيون‪ :‬وتعد من أقدم الديانات التي تعتقد بأن اخلالق واحد وهي هبذا‬
‫الوصف تعترب من الديانات السموية ويعترب أتباعها أتباع دين كتايب‪)1( ".‬‬

‫أما من الصابئة أنفسهم فقد جاء يف مقدمة كتاب الصابئة املندانيون‪ ،‬والتي كتبها‬
‫كل من الصابِ َئني؛ نعيم بدوي وغضبان الرومي (ومها مرتمجا هذا الكتاب ومؤلفه الليدي‬
‫دراوور)‪ " :‬إن الدين الصابئي دين قديم يعتقد معتنقوه أنه من أقدم األديان إن مل يكن‬
‫أقدمها‪ ،‬فهم ينسبون كتاهبم ( كنزه ربه ) إىل آدم عليه السالم‪ ... ،‬واخلالصة فإن دين‬
‫الصابئني كم هو مدَ ون يف كتبهم الدينية يتلخص يف أَنم يؤمنون باهلل واليوم اآلخر‬
‫ويؤمنون باحلساب والعقاب‪ ،‬وأن األبرار منهم يذهبون بعد الوفاة إىل عامل النور وأن‬
‫املذنبني يذهبون إىل عامل الظالم‪)2( "...‬‬

‫وقد افتتح كتاهبم املقدس " الكنزا ربا " (الكنز العظيم) بالتوحيد‪ ،‬فقد جاء يف‬
‫مسبح ريب بقلب نقي‪ ،‬هو احلي العظيم‪ ،‬البصري القدير‬
‫ٌ‬ ‫أوله‪ " :‬باسم احلي العظيم‪،‬‬
‫العليم‪ ،‬العزيز احلكيم ‪ .‬هو األزيل القديم‪ ،‬الغريب عن أكوان النور‪ ،‬الغني عن أكوان‬
‫النور ‪ .‬هو القول والسمع والبرص‪ ،‬والشفاء والظفر‪ ،‬والقوة والثبات ‪ .‬هو احلي العظيم‪،‬‬
‫مّسة القلب‪ ،‬وغفران اخلطايا ‪ .‬مسبح ريب بقلب نقي ‪ .‬يارب األكوان مجيعا ‪ ..‬مسب ٌح‬
‫أنت‪ ،‬مبارك ّمجدٌ ‪ ،‬معظم موقر قيوم ‪ .‬العظيم السامي‪ ،‬ملك النور السامي ‪ .‬احلنان‬

‫)‪ -(1‬الندوة العاملية للشباب اإلسالمي‪ ،‬املوسوعة امليّسة يف األديان واملذاهب واألحزاب املعارصة‪،‬‬
‫إرشاف وختطيط ومراجعة‪ :‬د‪ .‬مانع بن محاد اجلهني‬
‫دار الندوة العاملية للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬ط الرابعة‪ 1420 ،‬هـ‪.712/2 ،‬‬
‫)‪ - (2‬الليدي دراوور‪ ،‬الصابئة املندانيون‪ ،‬ترمجة نعيم بدوي وغضبان رومي‪ ،‬دار املدى للثقافة‬
‫والنرش‪ ،‬ط الثانية‪ ،‬لبنان‪ 2006 ،‬م‪ ،‬ص ‪.15-14‬‬
‫‪ --------‬الفصل الثاين‪ :‬هل تـثبت األديان السموية وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪183 ----‬‬

‫التواب الرؤوف الرحيم ‪ .‬احلي العظيم ‪ .‬ال حد لبهائه ‪ .‬وال مدى لضيائه ‪ .‬املنترشة قوته‪،‬‬
‫العظيمة قدرته ‪ .‬هو العظيم الذي اليرى وال حيد ‪ .‬الرشيك له يف سلطانه ‪)1( "...‬‬
‫َ‬
‫وبعد كل هذا فإن الصحيح أن أصل الصابئة من أهل الكتاب؛ وهذا عىل تقدير‬
‫أنه كان منهم من يعبد اهلل‪ ،‬وكانت فيهم رشيعة ويؤمنون بالنبوة‪.‬‬
‫ب‪ .‬الصابئة ووجود برش قبل آدم عليه السالم‪:‬‬
‫واجلدير بالذكر هنا يف ما يتعلق بالصابئة‪ ،‬فقد نَقل عنهم موسى بن ميمون‬
‫األندليس أَنم يعتقدون بوجود برش قبل آدم عليه السالم‪)2(،‬وهذا ما يدع إىل التفكري‬
‫جمددا وطرح السؤال؛ لمذا هذا الدين اآلخر‪ ،‬ذو األصول السموية‪ ،‬يثبت وجود برش‬
‫قبل آدم عليه السالم ؟‬

‫املطلب الرابع‪ :‬النرصانية ووجود إنسان قبل آدم عليه السالم‪:‬‬


‫َتناقض العقيدة النرصانية (التثليثية) مع وجود أناس قبل آدم عليه السالم‪:‬‬
‫إن اإليمن بوجود برش سبقوا آدم عليه السالم عقيدة تناقض النرصانية‪ ،‬ألَنا‬
‫تناقض عقيدة اخلالص (التجسد والفداء) التي أصبحت جزء ال يتجزء من النرصانية‬
‫بعد حتريفها‪ ،‬إذ يعتقد النصارى أن أول خطيئة برشية ارتكبها آدم بأكله من شجرة معرفة‬

‫)‪ - (1‬كنزاربا (الكنز العظيم)‪ ،‬رشكة الدوان للطباعة‪1999 ،‬م‪( ،‬الكتاب األول‪ ،‬التسبيح األول‪،‬‬
‫التوحيد)‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫)‪ -(2‬انظر‪ :‬موسى بن ميمون األندليس‪ ،‬داللة احلائرين " اهلل جل جالله واملالئكة واألنبياء يف‬
‫التوراة "‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت –لبنان‪ ،‬ص‪.322‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪184 --------------‬‬

‫الرش واخلري التي َناه اهلل عنها (‪ ،)1‬وبذاك جلب عىل نفسه املوت الروحي وأورثها ذريته‬
‫–من غري إرادهتم‪ ،-‬فصار كل إنسان إال وقد محل وزر أبيه آدم(‪.)2‬‬
‫ومن عدل اهلل تعاىل حسب زعمهم أنه ال يرتك خطيئة إال وجب عليه معاقبتها‬
‫وتكفريها‪ ،‬وهلذا الغرض بعث ابنه الوحيد ليكون خملصا للبرشية (‪ - )3‬وكيف يكون هذا‬
‫عدال وقد نسبوا إىل اهلل الظلم بتحميل الناس خطيئة مل يرتكبوها فضال عن اختاذهم‬
‫يش ٍء ۚ َو َال‬ ‫املسيح هلإ مع اهلل واهلل تعاىل يقول‪ ( :‬ق ْل َأ َغري ِ ِ‬
‫اَّلل َأ ْبغي َر ًّبا َوه َو َرب كل َ ْ‬ ‫ْ َ َّ‬
‫َتك ِْسب كل َن ْف ٍ‬
‫س إِ َّال َع َليْ َها ۚ َو َال ت َِزر َو ِاز َر ٌة ِو ْز َر أ ْخ َر ٰى ۚ ث َّم إِ َ ٰىل َربكم َّم ْر ِجعك ْم َفينَبئكم‬
‫ون ) (األنعام ‪ ،- )164‬وال يكون هذا اخلالص إال بِتجسده يف صورة‬ ‫خت َتلِف َ‬ ‫بِ َم كنت ْم فِ ِيه َ ْ‬
‫املسيح اإلنسانية‪ ،‬ثم يتحمل العقاب والعذاب عىل الصليب ليكفر خطيئة كل البرش‪،‬‬
‫وبعبارة خمترصة؛ تسد االبن يف جسد اإلنسان (املسيح) ليكون فاديا وخملصا للبرشية‪.‬‬
‫نوع من التالزم إذا بني هذه العقيدة وبني أسبقية آدم عىل باقي البرش‪ ،‬وبالتايل فمن‬
‫فيوجد ٌ‬
‫الصعب أن ت ْق َبل عندهم فكرة برش قبل آدم أو برش آخرين من غريه‪ ،‬ألن املسيح بزعمهم‬
‫أتى ليفتدي بدمه كل البرش كي خيلصهم من خطيئة أبيهم التي انتقلت إليهم‪.‬‬
‫فال نستغرب بعدها أن الكنيسة رفضت فكرة وجود أناس قبل آدم عليه السالم‬
‫منذ البداية‪ ،‬بينم قال هبا بعض الق َّلة من اليهود –متأخرين كم مر معنا‪ ،-‬ال سيم وأن هذه‬

‫)‪ -(1‬انظر‪ :‬التكوين ‪.17/6‬‬


‫)‪ -(2‬خيتلف النصارى يف سبب انتقال خطيئة آدم إىل البرش باختالف كبري‪ ،‬منهم من يرى أَنا إرادة اهلل‬
‫املطلقة ومنهم من يقول ألن البرش ساروا عىل َنج أبيهم‪ ،‬ومنهم من يرى أَنا سببا ملجيء ابن اهلل‬
‫خملصا للبرشية مع اتفاقهم أن املسيح أتى ليكفر وخيلص هذه اخلطيئة‪ ،‬انظر‪ :‬ميخائيل مينا‪ ،‬علم‬
‫الالهوت‪ ،‬علم الالهوت‪ ،‬مكتبة املحبة‪ ،‬ط ‪ ،4‬مرص‪1948 ،‬م‪ .310-309/1 ،‬وليم مكدونلد‪،‬‬
‫اسكندر جديد وعبد املسيح‪ ،‬أجوبة اهلل عىل اسئلة اإلنسان‪ ،‬دار ‪ ،call iF hoppe‬ط‪ ،1‬ألمنيا‪،‬‬
‫‪1995‬م‪ ،‬ص‪.5‬‬
‫)‪ - (3‬انظر‪ :‬اسكندر جديد وعبد املسيح‪ ،‬اذهبوا اىل العامل أمجع‪ ،‬ص‪ ،5‬ميخائيل مينا‪ ،‬علم الالهوت‪،‬‬
‫‪.311/1‬‬
‫‪ --------‬الفصل الثاين‪ :‬هل تـثبت األديان السموية وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪185 ----‬‬

‫الفكرة قد طفت جمددا يف العامل الغريب لم اكت ِش َفت القارة األمريكية أو ما يسمى بالعامل‬
‫اجلديد سنة (‪1492‬م)‪ ،‬وما حوته من ماليني البرش اجلدد‪ ،‬حيث إنه من الصعب تارخييا‬
‫إثبات أن كل هؤوالء من ذرية آدم عليه السالم‪ )1(،‬فيجب علينا نحن املسلمون أن ال‬
‫فهم صحيحا لكتاب ربنا‬
‫نبقى رهنا عىل ما قاله اآلخرون‪ ،‬وآمن به املخالفون‪ ،‬وكفانا ً‬
‫وسنة نبينا‪َ ،‬فه َم َح ْسبنَا‪.‬‬

‫املطلب اخلامس‪ :‬نتيجة حول الفصل الثاين‪ :‬إنسان قبل آدم عليه‬
‫السالم يف األديان السموية‪:‬‬
‫‪ -‬الكتاب املقدس لليهود والنصارى يف العهد القديم (التوراة) التي تؤمن هبا‬
‫كل من الديانتني يشري الحتمل وجود برش كانوا معارصين آلدم عليه السالم‪ ،‬وبالتايل‬

‫)‪ -(1‬ال بد أن نعرف يشء عن تاريخ السكان األصليني ألمريكا من اهلنود احلمر‪ ،‬هل هؤالء السكان‬
‫يرجع أصلهم القديم إىل تلك البالد؟ أم هم من بالد أخرى؟ تقول املصدر العلمية أن السكان‬
‫األصليون من أمريكا قد قدموا إليها من سيبرييا الروسية‪ ،‬عرب ّمرات جليدية قديمة تصل بني أمريكا‬
‫وروسيا احلالية‪ ،‬من مضيق بريغ (‪ )DéTroiT de Béring‬أو قريب منه قبل ثني عرشة ألف سنة‬
‫(‪( )12.000‬انظر‪ :‬الكرباِس‪ ،‬اإلسالم يف األرجنتني‪ ،‬بيت العلم للناهبني‪ ،‬ط ‪1431 ،1‬هـ‪ ،‬بريوت ‪،‬‬
‫ص‪( )42‬وقيل مخسة عرش ألف ‪ 15.000‬سنة)‪ ،‬وهذا يدل عىل أشياء؛ منها أن هؤالء السكان‬
‫األصليني يمكن أن حيملوا معني هذا االسم‪ ،‬أي أَنم سكان أصليون لتلك البالد وهذا باعتبار ِقدَ م‬
‫وفودهم إىل أمريكا – وهذه األولية نسبية وليست مطلقة كونه من املحتمل أن يكون هنالك أناس‬
‫قبلهم يف أمريكا‪ ،‬مع كون العلم احلديث يف علمي إىل حد الساعة ال يؤكد هذا االحتمل‪ ،-‬وأهم من‬
‫ذلك أَنم كم يظهر ليس هلؤالء القدماء من األمريكيني األصليني عالقة ارتباط بآدم عليه السالم ألَنم‬
‫أقدم منه‪ ،‬حيث مر معنا أن تكلمنا عىل تاريخ وجوده يف األرض‪ ،‬والذي يرتاوح ما بني السبع آالف‬
‫متأخر مقارنا بآباء اهلنود احلمر األولني‪ ،‬ويمكن بعدها يف ظل هذه‬
‫ٌ‬ ‫إىل الثمن آالف سنة‪ ،‬وهذا التاريخ‬
‫املعطيات العلمية أن نقول أن السكان األصليني ألمريكا (اهلنود احلمر) ليسوا من آدم عليه السالم‬
‫وذريته‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪186 --------------‬‬

‫احتمل وجود برش قبله‪ ،‬بدليل أن ابن آدم قابيل بعدما قتل أخاه‪ ،‬ذهب وتزوج من ناحية‬
‫أرض غري أرض قومه‪.‬‬‫ٍ‬ ‫أخرى يف‬
‫‪ -‬هذه اإلشارة السابقة يف التوراة استدل هبا بعض الباحثني الغربيني املعارصين‬
‫عىل وجود برش قبل آدم عليه السالم‪.‬‬
‫‪ -‬إن دين املجوسية "الزرادشتية" ودين الصابئة أصلهم دينان سمويان‬
‫ويلحقون بأهل كتاب‪ ،‬أما اهلندوسية هي دين يغلب عليه الوثنية‪ ،‬لكن حيتوي هذا الدين‬
‫عىل بقايا شعائر سموية وبقايا تعاليم أنبياء‪ ،‬وأه ـم هذه الرشائع هي أصلية اإليمن بإله‬
‫واحد أعىل ( اهلل ) يف هذا الدين كم أكد ذالك علمء درسوه‪ ،‬وهذا ما يدع إىل االلتفات‬
‫والتفكر فيم تذكره هذه األديان يف ِق َّصة بداية اإلنسان‪ ،‬ال سيم املجوسية والصابئة‬
‫الدينني الكتابيني اللذين يؤمنان بوجود آدم عليه السالم‪ ،‬فإن األخبار الواردة يف هاذين‬
‫الدينني ت َّنزل منزلة أخبار أهل الكتاب من اإلْسائيليات‪ ،‬وقد أخرب النبي صىل اهلل عليه‬
‫ْس ِائيْل وال حرج‪.‬‬‫ِ ِ‬
‫وسلم أن ن َحدث عن َبني إ َ‬
‫‪ -‬إن األديان (الزرادشتية "املجوسية"‪ ،‬والصابئة‪ ،‬واهلندوسية ) تشري لوجود‬
‫برش قبل آدم عليه السالم‪.‬‬
‫‪ -‬عقيدة النرصانية الثالوثية الـمـ َح َّر َفة قد تتناقض مع وجود برش قبل آدم عليه‬
‫السالم‪ ،‬ألَنا تؤمن بعقيدة "اخلالص" وتوارث خطيئة آدم عليه السالم لكل البرش‪،‬‬
‫فينبغي بزعمهم أن يأيت ابن اهلل الوحيد ( الـمخَ لِص ) كي يموت مصلوبا عىل الصليب‬
‫ص ذنوب كل البرش‪ ،‬فال ينبغي بناء عىل هذه العقيدة أن يكون برش قبل آدم عليه‬ ‫ِ‬
‫ليخَ ل َ‬
‫السالم‪.‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪187 -------‬‬

‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫هل يثْبِت ِ‬
‫العلْم‬
‫وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟‬
‫وفيه أربعة مطالب‬
‫املطلب األول‪ِ :‬ح َساب زمن آدم عليه السالم ِعلْ ِميا بقياس‬
‫زمان الطوفان‪:‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أجناس برشية عاشت قبل آدم عليه السالم‬
‫بمئات اآلالف وماليني السنني‪:‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الدين والنظرية التطو ِرية‪:‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬نتيجة حول الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلْم‬
‫وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪188 --------------‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬هل يثْبِت ِ‬


‫العلْم‬
‫وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫إن ما توصل إليه العلم احلديث (علم اإلنسان وعلم اآلثار وعلم‬
‫األنثروبولوجيا وعلم اجلينات ‪ )...‬من بعض االكتشافات التارخيية يف تفاصيل أصول‬
‫وتاريخ البرش والتي ال تناقض القرآن الكريم وال السنة النبوية‪ ،‬يمكن االستفادة منها‪،‬‬
‫سواء يف زيادة تدبر الكتاب والسنة يف قضية خلق البرش‪ ،‬أو االستفادة بفهم أمور ال‬
‫تناقضهم‪ ،‬وال شك أن الوحي هو الفصل يف كل مسألة وهو الذي ي َرد إليه كل يشء‪،‬‬
‫لكن ينبغي فهم الوحي عىل مراد اهلل تعاىل وعىل مراد رسوله صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬كي‬
‫حي َرص تفسريمها عىل نظرة ضيقة يف زمن‬
‫نحسن وال نخطئ التقدير‪ ،‬فليس صحيحا أن ْ‬
‫معني قديم‪ ،‬مثلم كان ي َتصور فيه أن آدم عليه السالم هو أول كل الناس عىل وجه كل‬
‫األرض ‪ -‬ال سيم ت ََصور اإلْسائيليات الذي أرشنا إليه آنفا‪ ،‬بل قد رأينا بعض ما يوجد‬
‫يف كل من الكتاب والسنة من اإلشارات التي تعارض ذلك ‪ -‬وإذا علمنا هذه احلقائق؛‬
‫فإنه ال حرج بعدها أن يزداد اإلنسان بحثا يف هذا العلم احلديث املثبت الصحيح‪ ،‬ال سيم‬
‫وأنه قد ي ِعني بإذن اهلل عىل حسن تَدبر كالم اهلل وسنة رسوله صىل اهلل عليه وسلم و‬
‫ال َّتفكر فيهم‪ ،‬ويفتح املجال الستخالص مزيد فوائد منهم‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬أ َفالَ َيتَدَ َّبر َ‬
‫ون‬
‫وب َأ ْق َفاهلَا ) (حممد ‪ ،)24‬أو حتى يثْبِ َت إعجازمها العلمي يف هذا‬ ‫آن َأ ْم َع َ ٰىل قل ٍ‬
‫ا ْلق ْر َ‬
‫املوضوع‪ ،‬ل َي َت َب َّني باملقابل اخللل املوجود يف اإلْسائيليات‪.‬‬
‫فقصة آدم عليه السالم التي ذكرها اهلل يف كتابه ال تزال تـ ِ‬
‫خفي لنا الكثري‪ ،‬وعسى‬
‫أيضا أن يساعد هذا العلم احلديث بإذن اهلل إذا َخ َضع لتدبر القرآن والسنة عىل معرفة‬
‫يشء من تفاصيل‪ :‬كتوزع البرش يف زمن ومكان آدم عليه السالم وبعده‪ ،‬وكيفية خلق آدم‬
‫وزوجه عليهم السالم؟‪ ،‬وكيفية سكنهم يف اجلنة ونزوهلم منها؟‪ ،‬وأين توجد تلك اجلنة‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪189 -------‬‬

‫التي ليست جنة اخللد؟‪ ،‬وهل ال تزال موجودة إىل ح ـ ـ ــد الس ـ ـ ــاعة ؟‪ ،‬وأين عاش ومع‬
‫من التقى عليه السالم لم نزل؟‪ ،‬وكيف خلقت حواء؟‪ ،‬وكيف التقى معها؟‪ ،‬وكيف كان‬
‫حال األرض ومن سكن فيها حني نزوهلم من اجلنة؟‪ ،‬ومع أي قوم –عرق‪َ -‬زوج أبنائه‬
‫عليه السالم؟ –وعىل الصحيح كم رأينا أبناء آدم عليه السالم مل يتزوجوا مع أخواهتم‪،-‬‬
‫ومن هم نسله املبارشين ثم املختلطني؟‪ ،‬والبحث يف كيفية بداية أمة آدم عليه السالم‬
‫العظيمة‪ ،‬وكيفية انتشارها من بعده يف األرض‪ ،‬ومعرفة أصلنا‪ ،‬بل ر َّبـم يساعد هذا العلم‬
‫عىل حسن تدبر الوحي؛ ف ــت ـ ْكشف أْسار يشء من أصول البرش اآلخرين الذين كانوا قبل‬
‫آدم عليه السالم يف األرض وكيفية خلقهم‪ ،‬فإن القرآن ميلء باإلعجاز‪ ،‬ويكتشف أْساره‬
‫كلم مر الزمن‪ ،‬سواء كان هذا يف كشف مزيد من اخلبايا يف قصة آدم القرآنية العظيمة أو‬
‫أصول خلق باقي الناس الذين كانوا قبله وليسوا منه‪.‬‬

‫املطلب األول‪ِ :‬ح َساب زمن آدم عليه السالم ِعلْ ِميا بقياس زمان‬
‫الطوفان‪:‬‬
‫سوف نعيد إن شاء اهلل يف هذا املقام ِح َساب زمان آدم عليه السالم من طريق‬
‫آخر‪ ،‬وهذا كي يزداد تأكيد الزمن الذي َح ِسبْنَاه سابقا ‪-‬وربم يزداد التقدير دقة‪ ،-‬ويزداد‬
‫اطْمئنان من بقي مرتابا فيه‪ .‬وال بد أن أشري أنه يف هذا املقام أيضا نعتمد أوال عىل حديث‬
‫النبي صىل اهلل عليه وسلم الذي يثبت يقين ًا أن بني آدم ونوح عليهم السالم عرشة قرون‪،‬‬
‫وإنم سنسوق إن شاء اهلل الدليل العلمي لنتأكد من باقي الفرتة بني نوح عليه السالم‬
‫وزمننا‪ ،‬ولقد استعملنا سابقا حل ِساب باقي تلك الفرتة – أي بني نوح عليه السالم وزماننا‬
‫‪ -‬آثارا لبعض الصحابة والتابعني والعلمء وحسبنا أيضا الزمن بني آدم وحممد صىل اهلل‬
‫عليهم والسلم من طريق آخر وهو سلسلة النسب بينهم‪ ،‬والدليل العلمي هنا يعتمد عىل‬
‫تقدير زمن طوفان نوح عليه السالم عن طريق بحوث علمية خمتصة‪ ،‬ووسائل وآالت‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪190 --------------‬‬

‫حديثة‪ ،‬وبذلك يمكننا حساب زمن آدم عليه السالم من طريق آخر‪ ،‬ويمكن بعدها النظر‬
‫إن كان هذ الطريق يتفق مع الطريقني اآلخرين أم ال‪.‬‬
‫أ‪ .‬هل الطوفان شمل كل الكرة األرضية أم كان يف ناحية معينة ؟ ‪:‬‬
‫قبل أن نّسد البحث العلمي إن شاء اهلل تعاىل؛ سوف نبدأ بإذن اهلل بالقرآن‬
‫الكريم الذي هو الفصل يف كل يشء ملعرفة أمر مهم؛ وهو أن طوفان نوح عليه السالم‬
‫عىل الصحيح مل يكن طوفان عامليا أ ْغ ِر َقت فيه كل الكرة األرضية وإنم كان يف ناحية‬
‫معينة من األرض‪ ،‬لألدلة التالية‪:‬‬
‫دليل يثبت أن كل الكرة األرضية أغرقتها املياه يف هذا‬ ‫‪ -‬ال يوجد آية فيها ٌ‬
‫الطوفان‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ ( :‬ث َّم َأ ْغ َر ْقنَا ْاآل َخ ِري َن ) (الصافات ‪ ،)82‬يقول املفّس ابن عطية‬
‫األندليس (‪ 542 - 481‬هـ) يف تفسريه املحرر الوجيز هلذه اآلية‪ " :‬ث َّم َأ ْغ َرقْنَا ْاآل َخ ِري َن‬
‫يقتِض أنه أغرق قوم نوح وأمته ومكذبيه‪ ،‬وليس يف ذلك نص عىل أن الغرق عم مجيع‬
‫أهل األرض "‪)1(.‬‬

‫‪ -‬قول اهلل تعاىل‪َ ( :‬و ِق َيل َيا َأ ْرض ا ْب َل ِعي َما َء ِك ) (هود ‪ )44‬ليس فيه إشكال‪،‬‬
‫ألن لفظ األرض يف القرآن الكريم ال يطلق حرصا عىل كل الكرة األرضية وإنم قد يقصد‬
‫ت الروم ‪ِ .‬يف َأ ْدنَى‬ ‫منه جزء منها –مثل ما أثبتنا ذلك آنفا‪ ،-‬مثل قول اهلل تعاىل‪ ( :‬غلِب ِ‬
‫َ‬
‫ون ) (الروم ‪ ،)3-2‬قيل أدنى األرض‪ :‬أقرب أرض‬ ‫ض َوه ْم ِم ْن َب ْع ِد َغ َلبِ ِه ْم َس َي ْغلِب َ‬ ‫ْاألَ ْر ِ‬
‫الشام إىل فارس‪ )2(،‬وقيل أدنى أرض الروم إىل أرض العرب (أدنى معناه أقرب)‪ ،‬يقول‬
‫الشام الـم َحا َّد ِة بِال َِد‬ ‫اف بِالَد َّ‬ ‫َت ْاهل ِزيمة ا ْلعظِيمة َع َىل الرو ِم ِيف َأطْر ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫ابن عاشور‪ " :‬وكَان ِ‬
‫َ‬
‫ض َأي أدنى‬ ‫ات‪َ .‬و َذل ِ َك ه َو ا ْمل َراد ِيف َه ِذ ِه ْاآل َية ِيف َأ ْدنَى ْاألَ ْر ِ‬‫رصى َو َأ ْذر َع َ‬ ‫ني ب ْ َ‬
‫ب َب ْ َ‬‫ا ْل َع َر ِ‬
‫ث‬ ‫ض الرو ِم ا ْمل َتحدَّ ِ‬ ‫ض لِلْ َع ْه ِد‪َ ،‬أ ْي َأ ْر ِ‬
‫بِالَد الروم إِ َىل بِالَد ا ْل َع َرب‪ .‬فالتعريف ِيف ْاألَ ْر ِ‬
‫َ‬

‫)‪ - (1‬أبو حممد عبد احلق ابن عطية األندليس‪ ،‬التحرير الوجيز يف تفسري الكتاب العزيز‪ ،‬حتقيق عبد‬
‫السالم عبد الشايف حممد‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط األوىل‪ ،‬بريوت‪1422 ،‬ه‪.477/4 ،‬‬
‫)‪ -(2‬انظر‪ :‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪.4/14 ،‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪191 -------‬‬
‫اَّلل ِ "‪)1(،‬‬
‫اف إِ َليْ ِه‪َ ،‬أ ْي ِيف َأ ْد َنى َأ ْر ِض ِه ْم‪َ ،‬أ ْو َأ ْدنَى َأ ْر ِ‬
‫َعن ْهم‪َ ،‬أ ِو الالَّم ِعو ٌض َع ِن ا ْمل َض ِ‬
‫ض َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫(‪ )2‬فكل من القولني هنا يتفقان أَنا ليست كل الكرة األرضية‪ .‬بل قد يطلق لفظ األرض‬
‫يف القرآن الكريم ليس عىل غري الكرة األرضية فحسب‪ ،‬وإنم عىل غري أرض الدنيا‪ ،‬مثل‬
‫احلَ ْمد ِ ََّّلل ِ ا َّل ِذي َصدَ َقنَا َوعْدَ ه َو َأ ْو َر َثنَا ْاألَ ْر َض َن َت َب َّوأ ِم َن ْ‬
‫اجلَن َِّة‬ ‫قول اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َقالوا ْ‬
‫ني ) (الزمر‪ ،)74‬حيث األرض املذكورة يف اآلية هذه هي‬ ‫َحيْث ن ََشاء ۚ َفن ِ ْع َم َأ ْجر ا ْل َع ِاملِ َ‬
‫ون َل ْفظ ْاألَ ْر َض‬ ‫أرض اجلنة‪ )3(،‬يقول املفّس ابن عاشور يف تفسريه‪َ ... " :‬و َجيوز َأ ْن َيك َ‬
‫احلي ِ‬ ‫م ْس َت َع ًارا لِلْ َجن َِّة ِأل َ َّ ََنا َق َراره ْم ك ََم َأ َّن ْاألَ ْر َض َق َرار الن ِ‬
‫وىل‪)4( ".‬وعىل هذا‬ ‫اة ْاأل َ‬ ‫َّاس ِيف ْ َ َ‬
‫فإن قول اهلل تعاىل‪َ ( :‬و ِق َيل َيا َأ ْرض ا ْب َل ِعي َما َء ِك )‪ ،‬يقصد به جزء من الكرة األرضية‪.‬‬
‫ط بِسالَ ٍم منَّا وبرك ٍ‬ ‫ِ‬
‫َات َع َليْ َك َو َع َ ٰىل أ َم ٍم ّمَّن‬ ‫َََ‬ ‫‪ -‬قال اهلل تعاىل‪ ( :‬ق َيل َيا نوح ا ْهبِ ْ َ‬
‫ِ‬
‫يم ) (هود ‪ ،)48‬ف ـ ـفي ظاهر قوله سبحانه‬ ‫اب َأل ٌ‬ ‫َّم َع َك ۚ َوأ َم ٌم َسن َمتعه ْم ث َّم َي َمسهم منَّا َع َذ ٌ‬
‫( َوأ َم ٌم َسن َمتعه ْم ) أن هنالك أ َّم ًا أخرى ليسوا ِّمَن مع نوح مل يشملهم الغرق‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم‪ ،‬لذلك نجد من تَنبه من أهل التفسري هلذا األمر –أي أنه ال يوجد نص يدل أن‬
‫الغرق أهلك مجيع أهل األرض‪ ،-‬مثل الـمـ َفّس ابن عطية األندليس الذي هو من قدَ ماء‬
‫املفّسين حيث يقول يف تفسري اآلية األخرية من قول اهلل تعاىل‪َ ( :‬سالَ ٌم َع َ ٰىل نوحٍ ِيف‬
‫ا ْلع َ ِ‬
‫ادنَا ا ْمل ْؤ ِمن ِ َ‬
‫ني (‪ )81‬ث َّم َأ ْغ َر ْقنَا‬ ‫ني (‪ )80‬إِنَّه ِمن ِعب ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َج ِزي ا ْمل ْح ِسن ِ َ‬ ‫ِ‬
‫ني (‪ )79‬إِنَّا ك َ َٰذل َك ن ْ‬
‫امل َ‬ ‫َ‬
‫ْاآل َخ ِري َن (‪( ) )82‬الصافات ‪ ": )82-79‬ث َّم َأ ْغ َر ْقنَا ْاآل َخ ِري َن يقتِض أنه أغرق قوم نوح‬
‫وأمته ومكذبيه‪ ،‬وليس يف ذلك نص عىل أن الغرق عم مجيع أهل األرض "‪- )5(.‬وهذا‬

‫)‪ -(1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.43/12 ،‬‬


‫)‪ -(2‬و قيل أقرب األرض قياسا إىل مكة وقيل هي أرض الشام وقيل غري ذلك‪( ،‬انظر‪ :‬القرطبي‪،‬‬
‫اجلامع ألحكام القرآن‪ .) 4/14 ،‬وكل األقوال تتفق أَنا ليست األرض املذكورة يف اآلية كل الكرة‬
‫األرضية‪.‬‬
‫)‪ -(3‬انظر‪ :‬الطربي‪ ،‬جامع البيان‪.342/21 ،‬‬
‫)‪ -(4‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.73/24 ،‬‬
‫)‪ - (5‬ابن عطية األندليس‪ ،‬التحرير الوجيز يف تفسري الكتاب العزيز‪.477/4 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪192 --------------‬‬

‫كالم عامل تفسري من القرن السادس اهلجري مل يطلع عىل البحوث احلديثة يف كيفية زمن‬
‫ومكان الطوفان‪ .-‬لذلك فالذي يظهر أنه يف ذلك إشارة أن هنالك أ َمم كانت تعيش يف‬
‫ض أخرى مل يرسل إليهم نوح عليه السالم‪ ،‬ألن النبي يب َعث إىل قومه خاصة‪ ،‬بدليل‬ ‫أرا ٍ‬
‫اص ًة َوب ِعثْت إِ َىل‬ ‫ِِ‬
‫َان النَّبِي يب ْ َعث إِ َىل َق ْومه َخ َّ‬
‫حديث النبي حممد صىل اهلل عليه وسلم‪َ ( :‬وك َ‬
‫َّاس َعا َّم ًة )‪ )1(،‬وهذا فيه دليل أنه مل يكن قوم نوح عليه السالم وحدهم يف كل األرض‬ ‫الن ِ‬
‫ألنه يلزم من ذلك معارضة هذا احلديث بأنه جيب أن يرسل إىل كل الناس يف ذلك الزمان‬
‫وهذا خاص بالنبي حممد صىل اهلل عليه وسلم‪ .‬وهذا الدليل ال يقترص عىل االستدالل‬
‫أن طوفان نوح عليه السالم مل يشمل كل العامل‪ ،‬وإنم قد يطرح جزء من اإلشكال الذي‬
‫نعاجله يف هذا البحث؛ هل كل هذه األمم التي مل تكن مع نوح عليه السالم كلها من ذرية‬
‫آدم عليه السالم ؟ أم كان هنالك أمم أخرى بعيدة عن الرشق األوسط كأسرتاليا وإفريقيا‬
‫السوداء واألمريكتني ؟ ال سيم وأن الفارق الزمني بني كل من آدم ونوح عليهم الصالة‬
‫والسالم هو عرش قرون كم رأينا حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم الصحيح يف ذلك‪،‬‬
‫وهذا الفارق قصري مقارنة بِس َّلم التاريخ‪ ،‬فكيف تكفي هذه الـمدة فقط إلعمر كل وجه‬
‫الكرة األرضية باألمم البرشية من زوجني وحيدين؟ ‪-‬أي عرشة قرون مدة قصرية نسبيا‬
‫مقارنة مع معيار االنتشار اإلنساين‪( .-‬لذلك فإن الصحيح يف هذا األمر أنه كان هنالك‬
‫يف األرض أمم أخرى من غري ذرية آدم عليه السالم منترشة خارج الرشق األوسط‪،‬‬
‫وكذلك كان هنالك أقوام أخرى من غري قوم نوح عليه السالم يف زمانه وقبل زمانه‪ ،‬ال‬
‫سيم يف قارات كأمريكا وأسرتاليا وإفريقيا كم رأينا‪ ،‬وسنرى مزيد من األدلة العلمية‬
‫واألمثلة عىل ذلك تدرجييا يف هذا الكتاب إن شاء اهلل تعاىل‪ ،‬مع كونه قد سبق لنا من‬
‫األدلة ما يكفي عىل استنتاج هذا األمر)‪.‬‬
‫‪ -‬قد يلزم من القول أن الطوفان عم مجيع الكرة األرضية لوازم ال تنبغي يف حق‬
‫اهلل تعاىل وعدله‪ ،‬مثل إهالك أقوا ٍم مل تبلغهم دعوة نوح صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬كالصني‬

‫)‪ - (1‬رواه البخاري يف صحيحه ‪ ،3122 – 438 -335‬ومسلم يف صحيحه ‪.521‬‬


‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪193 -------‬‬

‫واألمريكتني وأسرتاليا وإفريقيا السوداء وأروبا‪ ،‬وغريها من اجلزر املعزولة واألماكن‬


‫ال ـبعيـ ـدة‪ ،‬ق ـال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َال ت َِزر َو ِاز َر ٌة ِو ْز َر أ ْخ َر ٰى ۚ َو َما كنَّا م َعذبِ َ‬
‫ني َح َّت ٰى َنبْ َع َث‬
‫َرس ً‬
‫وال ) (اإلْساء‪.)15‬‬
‫‪ -‬وجود نقول تارخيية قديمة ألمم جماورة أو بعيدة من وسط الرشق األوسط‬
‫تنفي حودث الطوفان عندها‪ ،‬ما يتوافق مع الرأي الذي يثبت أنه وقع يف ناحية معينة‪،‬‬
‫ويف ذلك نقل الـم َفّس ابن عاشور أن مؤرخي الصني أنكروا وقوع الطوفان‪ ،‬وقالوا أنه‬
‫مل يشمل أرضهم‪ )1(،‬وكذلك إن من أهل اهلند وطائفة من الفرس أنكرت وقوع الطوفان‪،‬‬
‫وأثبته آخرون منهم لكن قالوا أنه كان بأرض بعيدة‪ ،‬يف حني نجد أن حضارة بابل‬
‫السومرية القديمة أثبتته يف أساطريها كونه كان فيها أو قريب منها ‪-‬يف ألواح التي تروي‬
‫ملحمة جاجلاميش الشهرية‪ ،-‬وقد نقل هذا القول عن املجوس بعدم إثباهتم للطوفان‬
‫اهلند كذلك‪)2(،-‬‬ ‫يف بالدهم كل من ابن كثري وابن األثري –واألول نقل إنكاره من أهل‬
‫َان بعضهم ي ِقر بِالطو َف ِ‬
‫ان َو َي ْزعم‬ ‫ْ‬ ‫"وك َ َ ْ‬‫جاء يف الكامل يف التاريخ البن األثري عن املجوس‪َ :‬‬
‫َت‬
‫ث –أي كيومرث‪ )3(-‬كَان ْ‬ ‫َان ِيف إِ ْقلِي ِم َبابِ َل َو َما َقر َب ِمن ْه‪َ ،‬و َأ َّن َم َساكِ َن َو َل ِد جيو َم ْر َ‬
‫َأنَّه ك َ‬
‫َرش ِق َف َل ْم َي ِص ْل َذل ِ َك إِ َلي ْ ِه ْم‪ ،)4("...،‬وهذا النقل يزيدنا فائدة إىل جانب إثباته أن‬ ‫بِا ْمل ْ ِ‬
‫الطوفان مل يشمل كل العامل وهي حتديده للمكان التقريبي الذي فاض فيه؛ وهو رشق‬

‫)‪ -(1‬انظر‪ :‬طاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.230/3 ،‬‬


‫)‪ -(2‬انظر‪(:‬ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية‪ ،)275/1 ،‬وإن كان ابن كثري واب ــن األثري خيالفان يف الرأي ‪-‬‬
‫أي بقوهلم بعوم الطوفان‪ ،-‬ومها بحول اهلل مأجوران عىل اجـ ـ ــتهادمها‪ ،‬لـ َِم بلغهم من أخبار واجتهاد يف‬
‫زماَنم‪ ،‬واملسلمون مل يكتشفوا يف زماَنم كثريا من األرايض كأمريكا وأسرتاليا والصني وإفري ــقيا‬
‫السوداء فـ ـ ــهل كل أمـ ـ ــم هاته األرايض أهلكهم اهلل مـ ـ ــع قوم نـ ـ ـ ــوح الذين كانوا يف ناحية معية م ـ ـ ــن‬
‫الش ـ ـ ــرق األوس ـ ـ ــط ؟ هذا ما ينكره النقل قبل العقل‪.‬‬
‫)‪ -(3‬وهو أب الفرس كم حتدثنا عليه سابقا‪.‬‬
‫)‪ -(4‬أبو احلسن عيل بن األثري‪ ،‬الكامل يف التاريخ‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت –لبنان‪1417 ،‬ه‪-‬‬
‫‪1997‬م‪.67/1 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪194 --------------‬‬

‫فارس أي يف إقليم بابل وما َقر َب ِمنه‪ ،‬وهذا ما يقرتب يف اجلملة مع الدليل العلمي الذي‬
‫سوف نسوقه بعد قليل حلساب زمنه التقريبي‪ ،‬إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وكل هذه األدلة التي س ْقناها َتدل أن طوفان نوح عليه السالم مل يشمل كل‬
‫العامل‪ ،‬وإنم شمل ناحية من الرشق األوسط‪ ،‬وهذا ما قد ي َّت ِفق عو ًما مع العلم احلديث‪،‬‬
‫عىل الوجه التايل بإذن اهلل تعاىل‪:‬‬
‫ب‪ .‬تقدير زمن الطوفان علميا‪:‬‬
‫ِم ْن أهم البحوث العلمية التي فكت لغز الطوفان العظيم‪ ،‬هو البحث الذي‬
‫أجري سنة ألفني واثنا عرش ‪ 2012‬م والذي قاده "روبر باالر‪،"Robert Ballard ،‬‬
‫من أشهر علمء اآلثار البحريني حيث تنسب هلذا الرجل اكتشافات م ِه َّمة وهي أنقاظ‬
‫الباخرة الشهرية "تيتانيك‪ ،"TiTanic ،‬وإعادة اكتشاف البارجة األلمنية الضخمة‬
‫"بسمرك‪ "Bismarck ،‬التي أغرقت يف احلرب العاملية الثانية حتت البحر‪ ،‬وسخرت‬
‫هلذا البحث الذي تناول الطوفان سفينة ُتلك أجهزة وغواصة متطورة‪ ،‬وفريق من‬
‫املختصني‪ ،‬وكان وجهتهم البحر امليت‪ ،‬وهذه ِ‬
‫الو ْج َهة مل تَكن صدف ًة‪ ،‬وإنم كانت اعتمدا‬
‫عىل بحث سابق من "جامعة كولومبيا‪ ،"l'Université de Columbia ،‬قام به‬
‫العالمن اجليولوجيان "وليام رايان ووالرت بيتمن‪William Ryan et ،‬‬
‫‪ ،"Walter Pitman‬حيث أثبت هذا البحث األخري الذي طرح سنة ‪ 1990‬م؛ وجود‬
‫آثار لغرقى وفخار قديم وبقايا أناس ماتوا غرقا بطوفان عظيم داخل البحر امليت‪ ،‬منذ‬
‫حوايل سبع آالف سنة‪ ،‬حيث كان جزء كبري من هذا البحر آنذاك أرض يابسة غري مغطاة‬
‫بالمء‪ ،‬فكان عبارة عن بحرية من المء العذب منخفضة بمئات األمتار عن البحر‬
‫املتوسط الذي يفصل بينهم مضيق البسفور وأرض واسعة‪ ،‬وعندما حدث الطوفان‬
‫غمرت مياه املتوسط المحلة فجأة تلك الناحية وأجزاء شاسعة من األرض كاْسة‬
‫احلاجز‪ ،‬وحافرة واد بعمق عظيم‪ ،‬ليتدفق المء يف البحرية العذبة حموال إياها إىل بحر‬
‫مالح‪ ،‬ومشكال ما نعرفه اآلن باسم البحر امليت‪ ،‬وكان هذا التدفق بقوة ماءتا مرة ‪200‬‬
‫شالالت نياغارا الشهرية‪ ،‬حيث ٌقدر أنه حوايل مائة ومخسني ألف ‪ 150000‬كيلومرت‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪195 -------‬‬

‫مربع من األرايض غرقت آنذاك‪ ،‬وهذه النَّ َظ ِرية تشري أن هذا الطوفان هو طوفان نوح‬
‫عليه الصالة والسالم وهي يف العموم النظرية التي أراد الباحث "روبر باالر" تأكيدها‪،‬‬
‫وهلذا أجرى بحوثه الـمعمقة يف البحر امليت لكن هذه املرة باستعمل وسائل أكثر‬
‫تطورا‪)1(.‬‬

‫يقول "باالر"‪ " :‬لقد ذهبنا إىل ذلك املكان للبحث عىل الطوفان‪...‬ليس فقط‬
‫ارتفاع تدرجيي ملياه البحر‪ ،‬وإنم فيضان كبري بقا"‪.‬عىل عمق أربع مائة مرت ‪ 400‬م حتت‬
‫سطح المء عثروا عىل ساحل قديم‪ ،‬وقد ا ْعترب هذا االكتشاف دليال عىل يشء كارثي‬
‫حدث يف البحر امليت‪ ،‬وبعد حساب بالكاربون؛ استطاعوا أن يقدروا زمن حدوث تلك‬
‫الكارثة بحوايل مخس آالف سنة قبل امليالد ‪ 5000‬ق‪.‬م‪ .‬وبحسب بعض املختصني –‬
‫الغربيني‪ -‬فإنه الزمن التقريبي الذي حدث فيه طوفان نوح عليه الصالة والسالم‪ ،‬يقول‬
‫"باالر"‪" :‬ربم كان يوما سيئا ‪ ...‬حني اجتاح الفيضان وغمر هذا املكان بقوة –أي البحر‬

‫)‪ -(1‬هاذين البحثني نقلهم أكثر من موقع يف النت‪ ،‬حيث حاولت اإلحالة إىل املواقع التي رأيتها أكثر‬
‫موثوقية ومالءمة‪ ،‬مثل القناة األمريكية الشهرية ‪ ،abc‬والتي أجرت مقابة تلفزيونية مع اجليولوجي‬
‫"روبر باالر"‪ ،‬وغريها من املوقع انظر‪:‬‬
‫‪https://abcnews.go.com/Technology/evidence-suggests-biblical-‬‬
‫‪great-flood-noahs-time-happened/story?id=17884533‬‬
‫‪https://abcnews.go.com/2020/video/noahs-biblical-flood-evidence-‬‬
‫‪suggests-happened-‬‬
‫‪18041950?fbclid=IwAR3V3Y5AbqLA8TB5IA51H87omubgbdZgqs‬‬
‫‪WOGNj1hiMcQQpwZ_xvIbFF5_U‬‬
‫‪https://www.ancient-origins.net/human-origins-science/great-‬‬
‫‪flood-scientific-evidence-00263‬‬
‫‪https://www.smithsonianmag.com/science-nature/evidence-for-a-‬‬
‫‪flood-102813115/‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪196 --------------‬‬

‫امليت‪ -‬ومعه كثري من املنازل‪ ،‬مائة ومخ ـسن أل ــف ‪ 150000‬كلم مربع من األرض‬
‫لقصة التي طبعت الناجني‪ ،‬تناقلها الناس من‬ ‫دمرت‪ ".‬وهذه النظرية تفرض أن هذه ا ِ‬
‫َ‬
‫بعدهم جيال بعد جيل‪ .‬وقد وصل أثر هذه الواقعة العظيمة إىل بالد الرافدين املجاورة‪،‬‬
‫لذلك نجد يشء من بقايا هذه القصة يف ملحمة جاجلميش السومرية الشهرية – وإن‬
‫حم َّرفة عن قصة نوح عليه السالم األصلية ‪ .-‬وقد قال "باالر" عن عملهم حتت‬ ‫كانت َ‬
‫البحر‪" :‬لقد بدأنا يف اكتشاف بِنَاي َات تشبه البِنَا َيات التي يبنيها اإلنسان‪ ،"...‬واكتشفوا‬
‫أيضا آنية فخارية قديمة‪)1(.‬‬

‫ولدينا بعض الشواهد يف الرتاث اإلسالمي تتوافق عموما يف يشء من نتائج هذه‬
‫البحوث العلمية‪ ،‬وهي اجلهة التي وقع فيها الطوفان عىل وجه التحديد‪ ،‬إذ يمكن‬
‫االستئناس بم ورد يف موضع جبل اجلودي الذي استقرت عليه سفينة نوح عليه السالم‪،‬‬
‫ِض ْاأل َ ْمر‬‫ِ‬ ‫قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و ِق َيل َيا َأ ْرض ا ْب َل ِعي َما َء ِك َو َيا َس َمء َأ ْقلِ ِعي َو ِغ َ‬
‫يض ا ْل َمء َوق َ‬
‫ِِ‬
‫ني ) (هود‪ ،)44‬ينقل الطربي يف تفسريه‪:‬‬ ‫ودي ۚ َوقِ َيل ب ْعدً ا للْ َق ْو ِم ال َّظامل َ‬
‫اجل ِ‬
‫ت َع َىل ْ‬
‫اس َت َو ْ‬
‫َو ْ‬
‫" (واستوت عىل اجلودي) ‪ ،‬يعني الفلك ‪ " ،‬استوت "‪ :‬أرست ‪ " ،‬عىل اجلودي" ‪ ،‬وهو‬
‫جبل ‪ ،‬فيم ذكر بناحية ال َـم ْو ِصل أو اجلزيرة‪ ...‬حدثنا عبيد بن سليمن قال‪ ،‬سمعت‬
‫الضحاك يقول‪( :‬واستوت عىل اجلودي) ‪ ،‬هو جبل باملوصل‪ )2( " .‬ويقول ابن عاشور‬
‫يف تفسريه ناقال عن قتادة أن صدر هذه األمة قد أدرك أثر السفينة باملوصل وأن اهلل قد‬

‫)‪ -(1‬انظر‪:‬‬
‫‪https://abcnews.go.com/Technology/evidence-suggests-biblical-‬‬
‫‪great-flood-noahs-time-happened/story?id=17884533‬‬
‫‪https://abcnews.go.com/2020/video/noahs-biblical-flood-evidence-‬‬
‫‪suggests-happened-‬‬
‫‪18041950?fbclid=IwAR3V3Y5AbqLA8TB5IA51H87omubgbdZgqs‬‬
‫‪WOGNj1hiMcQQpwZ_xvIbFF5_U‬‬
‫)‪ - (2‬الطربي‪ ،‬جامع البيان‪.338/15 ،‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪197 -------‬‬

‫ود َّي ج َبيْ ٌل ق ْر َب َق ْر َي ٍة‬


‫اجل ِ‬‫اخلَ َرب بِ َأ َّن ْ‬
‫اض ْ‬
‫اس َت َف َ‬
‫تركها آية‪ ،‬إذ يقول الطاهر ابن عاشور‪َ " :‬و ْ‬
‫ورا ِم ْن َج ِز َير ِة ا ْب ِن ع َم َر‬ ‫ال م ْفت ٍ‬ ‫ون ِ‬ ‫اف وسك ِ‬ ‫ِ‬ ‫تسمى (ب ِ‬
‫وحة َم ْقص ً‬ ‫الراء َو َد ٍ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َّس ا ْل َق َ‬ ‫اق ْر َدى) بِك ْ ِ‬ ‫َ َّ َ‬
‫اري) َق َال َق َتا َدة‪َ ( :‬ل َق ْد َش ِهدَ َها َصدْر َه ِذ ِه‬ ‫قر َب ا ْمل َْو ِص ِل َرش ِق َّي ِد ْج َل َة‪َ .‬و ِيف ( َص ِحيحِ ا ْلبخَ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ني )‪)1( ".‬ويقول ياقوت‬ ‫ـوت ( وجعلْناها آي ًة لِلْ َ ِ‬ ‫ْاألم ـ ـ ِة) َق َال َتع َاىل ِيف س ـور ِة ا ْل ـ ـعن ْ َك ـب ـ ِ‬
‫عامل َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫احلموي يف معجم البلدان‪ " :‬بليدة عند جبل اجلودي قرب جزيرة ابن عمر التغلبي فوق‬
‫املوصل‪ ،‬كان أول من نزله نوح‪ ،‬عليه السالم‪ ،‬لم خرج من السفينة ومعه ثمنون إنسانا‪،‬‬
‫فبنوا هلم مساكن هبذا املوضع وأقاموا به‪ ،‬فسمي املوضع هبم‪ ،‬ثم أصاهبم وباء فمت‬
‫الثمنون غري نوح‪ ،‬عليه السالم‪ ،‬وولده ‪ )2(."...‬والـمـو ِصل هي يف شمل ِ‬
‫الع َراق وت ْرشف‬ ‫َ ْ‬
‫عىل احلدود الرتكية اجلنوبية‪ ،‬وجبل اجلودي حاليا يقع يف جنوب رشق تركيا بالقرب من‬
‫احلدود مع الـ َم ْو ِصل‪ ،‬أي مقاربا لوصف قدَ ماء علمء اإلسالم‪ ،‬ألن احلدود اإلدارية‬
‫احلالية ودولة تركيا مل تكن آنذاك موجودة‪ ،‬فوصف املكان أنه ناحية من املوصل صحيح‪،‬‬
‫ويف هذا اجلبل ال تزال آثار سفينة ضخمة يشاهد آثارها عىل ظهره‪ ،‬حيث أعيد اكشاف‬
‫وتقييم أثرها يف العصور احلديثة –حتى صنف موقعها من ِق َبل احلكومة الرتكية كموقع‬
‫أثري‪ ،-‬وقد قام بدراستها يف األزمنة املعارصة علمء أجانب‪ ،‬من أمههم فريق أمريكي‬
‫كان بعضهم يبحث يف إثبات أَنا آثار سفينة نوح عليه السالم‪ ،‬وال يزال إىل جانبها بقايا‬
‫ِح َجارة ضخمة (مراِس) تستعملها السفن يف الرسو‪ )3(.‬وقد أوردنا هذا للداللة أن هذه‬
‫الدراسات العلمية السابقة التي تثبت أن الطوفان كان يف تركيا‪ ،‬تتوافق يف العموم مع ما‬

‫)‪ -(1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.186/27 ،‬‬


‫)‪ -(2‬ياقوت احلموي‪ ،‬معجم البلدان‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الثانية‪1995 ،‬م‪.84/2 ،‬‬
‫)‪ -(3‬انظر‪:‬‬
‫‪http://www.jameataleman.org/main/articles.aspx?selected_article_n‬‬
‫‪o=1815‬‬
‫وهذا رشيط يظهر البحث الذي قام به الفريق األمريكي‪:‬‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=GAR_ujRy3kk‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪198 --------------‬‬

‫ورد يف القرآن الكريم يف ذكره سبحانه الستواء السفينة عىل جبل اجلودي‪ ،‬والذي موقعه‬
‫شمل املوصل ‪-‬أي جنوب تركيا‪ -‬كم جاء يف الرتاث اإلسالمي وآثار التابعني‪.‬‬
‫وبعد هذا يمكن أن نخرج بنتيجة‪ ،‬يف توافق بحثني خمتلفني سواء كان البحث‬
‫األول الذي أجراه الباحثان "وليام رايان ووالرت بيتمن" يف جامعة كلومبيا‪ ،‬أو بحث‬
‫"باالر" وفريقه الذي أجري بعدمها بأكثر من عرشين سنة بوسائل أحدث؛ عىل إثبات‬
‫وقوع الطوفان يف ناحية تركيا احلالية‪ ،‬أي البحر امليت وما جاوره‪ ،‬وكل ذلك استنادا عىل‬
‫أدلة ِعلمية‪ ،‬وهذه النتائج يف اجلملة ال تتعارض مع القرآن الكريم‪ ،‬فقد ب ـينا سـ ـابقا أنه‬
‫عىل الصحي ــح الطوفان يف القرآن قد أغرق جزءا من الكرة األرضية وليس كلها‪ ،‬بل كان‬
‫فيه نوع من التوافق يف جهة الطوفان مع أقوال بعض السلف وعلمء اإلسالم يف أن مكان‬
‫رسو السفينة يف جبل اجل ِ‬
‫ودي املذكور يف القرآن يقع جنوب رشق تركيا‪ ،‬أي غري بعيد‬
‫عن ما أثبتته األبحاث السابقة يف مكان الطوفان‪ ،‬وأما الذي هيمنا من هذه البحوث‬
‫العلمية؛ هو توافق كل من البحثني السابقني يف حتديد الزمن التقريبي هلذا الطوفان؛ وهو‬
‫قرابة السبعة آالف سنة ‪ ،7000‬وعىل هذا سنبني إن شاء اهلل حسابنا لزمن آدم عليه‬
‫السالم‪.‬‬
‫ت‪ .‬تقدير زمن آدم عليه الصالة والسالم ِعلْ ِم ًيا بناء عىل زمن الطوفان‪:‬‬
‫اآلن وبعدما حصلنا عىل الزمن التقريبي لطوفان نوح عليه السالم علميا‪ ،‬فإنه‬
‫يبقى لنا فقط أن نضيف هذه املدة إىل الفرتة التي بني آدم ونوح عليهم السالم‪ ،‬والتي‬
‫جزم فيها النبي املعصوم صىل اهلل عليه وسلم بأَنا عرشة قرون‪ ،‬وأذكر بقوله صىل اهلل‬
‫ٍ‬
‫قرون)‪ )1(.‬وهذا‬ ‫ِ‬
‫قرون‪ ،‬وبني نوحٍ وإبراهيم عرشة‬ ‫عليه وسلم‪( :‬كان بني آد َم ونوحٍ عرشة‬

‫وصححه‬
‫)‪ - (1‬أخرجه احلاكم (‪ ، )262/2‬والطرباين يف "املعجم الكبري" (‪َ ،)139-145/8‬‬
‫األلباين يف السلسلة الصحيحة‪ ،‬رقم ‪.852/7 ،3289‬‬
‫وروى الطرباين أيضا من حديث أيب أمامة ريض اهلل عنه‪ ( :‬أن رجالً قال‪ :‬يا رسول اهلل ! أنبي كان آدم‬
‫؟ قال‪":‬نعم‪ ،‬مع َّل ٌم مك َّل ٌم "‪ .‬قال‪ :‬كم بينه وبني نوح ؟ قال‪ ":‬عرشة قرون "‪.‬قال‪ :‬كم كان بني نوح‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪199 -------‬‬

‫فيه تأكد من طريق آخر غري طريق السلف وما نقله علمء اإلسالم فيم مر معنا سابقا يف‬
‫تقديرهم لم بعد زمن نوح عليه السالم‪.‬‬
‫الزمن بني آدم ونوح عليهم السالم من حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم‪ :‬عرشة‬
‫قرون‪.‬‬
‫الزمن التقريبي بيننا وبني طوفان نوح عليه السالم‪ :‬سبعة آالف سنة‪.‬‬
‫زمن آدم عليه السالم هنا هو املجموع‪ :‬حوايل ثمنية آالف سنة ‪.8000‬‬
‫وإذا قارن َّا هذا الزمن آلدم عليه السالم حوايل ثمنية آالف سنة ‪ 8000‬الذي‬
‫حتصلنا عليه من هذا الطريق العلمي‪ ،‬وقارناه مع الزمن الذي حسبناه سابقا من طريق‬
‫السلف وما نقله علمء اإلسالم وم َؤرخوهم وطريق نسب النبي صىل اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫والذي هو عىل أقىص تقدير سبعة آالف سنة ‪ ،7000‬نجد أن هذين التقديرين متقاربان‪،‬‬
‫بل فيهم نوع من االتفاق وال َّت َقوي بأن زمن وجود آدم عليه السالم يدور بني هاتني‬
‫املدتني أي حوايل األلفية الثامنة قبل امليالد‪ ،‬واأللف سنة التي بينهم (‪ )1‬ال هتمنا بقدر ما‬
‫هيمنَا الزمن اإلمجايل‪ ،‬والذي هو أقل من عرشة آالف سنة‪ ،‬وهذا بالرغم من أخذ أعىل‬
‫التقديرين أي ثمنية آالف سنة‪ ،‬فإن هذا الزمن ال يقارن مع عمر اإلنسان يف األرض الذي‬
‫ي َقدَّ ر بمئات اآلالف من السنني بل يفوق املليون سنة بكثري‪ ،‬كم سيأيت أمثلة عن ذلك‬

‫وإبراهيم ؟ قال‪ ":‬عرشة قرون "‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل ! كم كانت الرسل ؟ قال‪" :‬ثالث مئة ومخسة‬
‫عرش‪ ،‬مج ًا غفري ًا"‪ ).‬رواه الطرباين يف املعجم األوسط (‪ 398/2/24/1‬ترقيم األلباين)‪ ،‬قال احلاكم‪:‬‬
‫"صحيح عىل رشط مسلم "‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ ،‬وقال اهليثمي‪":‬رواه الطرباين‪ ،‬ورجاله رجال الصحيح؛‬
‫غري أمحد بن خليد احللبي‪ ،‬وهو ثقة"‪ .‬وكذلك صححه األلباين يف سلسلة الصحيحة‪ ،‬انظر‪ :‬األلباين‪،‬‬
‫سلسلة األحاديث الصحيحة‪.852/7 ،‬‬
‫)‪ -(1‬ال ننسى أن آدم عليه السالم قد عاش ألف سنة إال ستني‪ ،‬أضف إىل ذلك نسبة االرتياب واخلطأ‬
‫فهم هذا االرتياب الزمني‪ ،‬وهذا‬
‫املوجودة يف البحوث العلمية‪ ،‬ألَنا نسبة تقريبية‪ ،‬وهذا ما جيعلنا َن َت َّ‬
‫ال يرض‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪200 --------------‬‬

‫ال ِحق ًا إن شاء اهلل تعاىل‪ ،‬وهذا إن دل عىل يشء إنم يدل عىل وجود برش قبل آدم عليه‬
‫السالم‪.‬‬
‫بل يمكن تأكيد نتيجة ّما سبق وهي أن زمن وموقع الطوفان لوحده قد يكفي‬
‫ملعرفة أنه كان يف زمن نوح عليه السالم أم ٌم أخرى بعيدة ومنفصلة عن قومه‪ ،‬حيث إنه‬
‫عليه السالم مل ي ْر َسل إليهم‪ ،‬وأن كثريا من تِلْكم األمم ال ينحدرون َّ‬
‫بالرضورة من أبيه‬
‫آدم عليه السالم‪ ،‬ال سيم التي سكنت يف مناطق بعيدة‪ ،‬ولقد مر معنا املنحنى االفرتايض‬
‫لتِ ْعداد الناس عىل وجه األرض يف تِلْ َك األزمنة‪ ،‬وكل هذا ال يتناقض مع القرآن الكريم‪،‬‬
‫كم رأينا من األدلة والقرائن‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬أجناس برشية عاشت قبل آدم عليه السالم بمئات‬
‫اآلالف وماليني السنني‪:‬‬
‫مقدمة يف َكي ْ ِفية ِح َساب أزمنة العظام البرشية التي ت َعد بمئات وماليني السنني‬
‫و َتأْ ِرخي ـِها ِ‬
‫علميًّا‪:‬‬
‫أما عن كيفية ِح َساب األزمنة البعيدة للعظام البرشية التي ت َعد بمئات وماليني‬
‫السنني‪ ،‬والتي عاش يف بعضها اإلنسان القديم؛ فهي تعتمد عىل تقنيات تَأْريخ حديثة‪،‬‬
‫بقياس إشعاع أيونات حمددة وتصوير شعاعي دقيق خمتلف عن الكاربون أربعة عرش‬
‫(‪ )c14‬املشهور ألنه اليصلح حلساب هذه األزمنة البعيدة‪ ،‬وإنم ي ْس َتعمل الكربون أربعة‬
‫عرش يف ِح َساب تأريخ العظام وبعض األثار التي ال يتجاوز عمرها عرشات اآلالف من‬
‫السنني (حوايل أربعني ألف سنة)‪ ،‬أما يف تأريخ األزمنة األبعد التي تعد بمئات اآلالف‬
‫من السنني فأكثر؛ فإنه يستعمل يف ذلك قياس إشعاع أيونات مثل‪ :‬الربيليوم الـمشع‬
‫‪ ،Béryllium 10‬واأللومينيوم الـمشع ‪ ،Aluminium-26‬والبوتاسيوم أرغون‬
‫‪(ElecTron‬‬ ‫اإللكرتوين‬ ‫املغناطييس‬ ‫والرنني‬ ‫‪،Potassium-Argon‬‬
‫)‪– paramagneTic resonance‬يبلغ مداه إىل مخسة ماليني ‪ 5‬ماليني يف تأريخ‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪201 -------‬‬

‫العظام‪ -‬وغريها من املواد والطرق التي قد يؤرخ هبا أزمنة بمئات وبماليني السنني‪،‬‬
‫وخيتلف استعمله هذه الطرق بحسب احلالة الـمقاسة باستعمل تقنيات وآالت حديثة‪)1(.‬‬

‫وهذه الوسائل معمول هبا يف العلم احلديث‪ ،‬ويستعملها علمء األنثروبولوجا واآلثار‪.‬‬

‫‪ )1‬إنسان اهلوموسابني (احلديث) (‪( )homo sapiens‬عاش قبل ثالث مائة‬


‫ألف سنة ‪ 300.000‬إىل اآلن)‪:‬‬
‫هو جنس اإلنسان احلايل‪ ،‬ويصنَّف عىل أنه الصنف البرشي الوحيد الذي اليزال‬
‫يعيش عىل وجه الكرة األرضية‪ ،‬بينم األصناف األخرى "كالنيادرتال وغريه" انقرضت‪،‬‬
‫ويمتاز هذا اإلنسان بِ ِس َعة ِدماغية كبرية‪ ،‬وهو الذي تنسب إليه احلضارات الكبرية‬
‫املتأخرة التي اشْ ت ِه َرت يف التاريخ (بعد العرشة آالف سنة األخرية)‪ ،‬وقد كان ي َظن أن‬
‫هذا الصنف يرجع إىل حوايل مائتي ألف سنة ‪ 200.000‬لكن هذا الرقم مل يكن دقيقا‪،‬‬
‫فقد تم اكتشاف هياكل برشية حديثا سنة ‪2017‬م يف املغرب‪ ،‬تعودع إىل حوايل ثالث‬
‫مائة ألف سنة ‪ 300.000‬وهذا ما أدى إىل إعدة النظر يف تاريخ ظهوره إىل فرتة أقدم من‬
‫ذلك بكثري‪ .‬لتظهر بسبب هذا االكتشاف فرضية ودراسات حديثة تفرتض أصل ظهوره‬
‫إىل مابني أربع مائة ألف سنة ‪ 400.000‬إىل مخس مائة ألف سنة ‪– 500.000‬ألن ظهور‬

‫)‪ - (1‬وملزيد من املعلومات يف كيفية التأريخ الزمني انظر‪:‬‬


‫‪http://www.archeologiesenchantier.ens.fr/spip.php?article9‬‬
‫‪http://acces.ens-‬‬
‫‪lyon.fr/acces/thematiques/paleo/variations/paleoclimats/syntheses/d‬‬
‫‪atation-des-echantillons/les-techniques-de-datation-1‬‬
‫‪https://www.nature.com/articles/nature07741‬‬
‫وهنالك تقنيات أخرى تتمثل يف ِح َساب ع ْمر الطبقات اجليولوجية التي يعثر فيها عىل عظام أو أدوات‬
‫برشية‪ ،‬فكلم كان الع ْمق أكرب ك َلم كان العمر أقدم‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪202 --------------‬‬

‫األص ـل ي ـكون أقدم من اهلياكل املـ ـكتشفة‪ ،‬وقد تظهر هياكل أقدم م ـن التي ت ـ َّم‬
‫اك ـتشافها‪)1(.-‬‬

‫وهذا هو الصنف من البرش الذي عاش مع آدم عليه السالم حينم نزل من اجلنة‬
‫إىل األرض حويل سبعة آالف إىل ثمنية آالف من اآلن‪ ،‬وناسبته ذريته عليه السالم فيم‬
‫بعد واختلطت مع عدد منهم‪ ،‬ويظهر أن اهلوموسابني شبيه كثريا بآدم عليه السالم يف‬
‫العموم‪ ،‬إال أنه قد يظهر بعض االختالفات بينهم‪ ،‬أمهها فيم يظهر طول ع ْمر آدم عليه‬
‫السالم و َبنِيْه املبارشين مقارنة بباقي البرش‪ ،‬حيث جاء احلديث الصحيح يف إثبات أن‬
‫عمر آدم ألف سنة إال ستني عاما‪)2(،‬وقد جاءت اآلية الرصحية يف نوح عليه السالم‬
‫والذي هو حفيد قريب من آدم عليه السالم أنه لبث يف قومه ألف سنة إال مخسني عاما‬
‫(وقد اختلف أهل التفسري يف زمن عيشه عليه السالم‪ ،‬فقالت طائفة أن هذا العمر هو‬
‫زمن لبثه مع قومه فقط وإنم هو قد َعم َر أكثر من ذلك وهذا هو ظاهر اآلية واهلل‬

‫)‪ -(1‬انظر‪ :‬ناسا بالعريب )‪ ،(nasa‬اإلنسان العاقل أسبق ب ‪ ،(pdF) ،100.000‬وانظر‪:‬‬


‫‪https://www.universalis.fr/encyclopedie/homo-sapiens/‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ِيل‬ ‫)‪ -(2‬جاء يف جزء من احلديث الطويل‪َ ... ( :‬ف َأتَاه َم َلك ا ْمل َْوت‪َ ،‬ف َق َال َله آ َدم‪َ :‬ق ْد عَ َّجلْ َت‪َ ،‬ق ْد كت َ‬
‫ت‬ ‫ِ‬
‫َيس َفن َِس َي ْ‬ ‫ني َسن ًَة‪َ ،‬ف َج َحدَ َف َج َحدَ ْ‬‫َأ ْلف َسن ٍَة‪َ .‬ق َال‪َ :‬ب َىل َو َل ِكن ََّك َج َع ْل َت ِال ْبن ِ ِك َداو َد ِست َ‬
‫ت ذر َّيته‪َ ،‬ون َ‬
‫اب والشه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ود‪ ).‬أخرجه الرتمذي (‪ )3368‬والنسائي يف "اليوم‬ ‫ذر َّيته‪َ .‬ق َال‪َ :‬فم ْن َي ْومئذ أم َر بِالك َت ِ َ‬
‫والليلة" (‪ )218‬وابن خزيمة يف "التوحيد" (‪ )160 /1‬وابن حبان (‪ )6167‬وأبو الشيخ يف "العظمة"‬
‫(‪ )1035‬واحلاكم (‪ 64 /1‬و ‪ )263 /4‬والبيهقي (‪ )147 /10‬ويف "األسمء" (ص ‪،)411 - 410‬‬
‫وابن أيب عاصم يف "السنة" (‪ )206‬وابن منده يف "التوحيد" (‪ 452‬و ‪ ،)508‬وابن منده يف "التوحيد"‬
‫(‪ )570‬وإسمعيل األصبهاين يف "احلجة" (‪ ،)194‬قال الرتمذي‪ :‬حسن غريب" وقال احلاكم‪ :‬صحيح‬
‫عىل رشط مسلم" وقال ابن منده‪ :‬هذا حديث صحيح"‪ ،‬واحلديث إسناده حسن كم أكد حمقق فتح‬
‫الساري يف ختريج َوحتقيق األحاديث التي ذكرها احلَافظ‬ ‫ِ‬
‫الباري الشيخ نبيل البصارة‪ .‬انظر‪ ( :‬أنيس َّ‬
‫ابن َحجر العسقالين يف َفتح ال َباري‪ ،‬نبيل بن َمنصور بن َيعقوب البصارة‪.) 1591-1589/2 ،‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪203 -------‬‬

‫أعلم)‪ )1(.‬ون َّذكر هنا إن شاء اهلل ما نقل يف نسب نوح عليه السالم إىل َجده آدم عليه‬
‫السالم كي يزداد األمر تأكيدا أن نوح عليه السالم هو من ذريته القريبة املبارشة‪ ،‬فقد‬
‫وخ‪َ ،‬وه َو إِ ْد ِريس‬
‫وش َل َخ ْب ِن َخن َ‬
‫نقل ابن كثري يف البداية والنهاية‪ " :‬ه َو نوح ْبن َال َم َك ْب ِن َمت َ‬
‫يث ْب ِن آ َد َم" (‪ )2‬فليس بني نوح آدم عليهم‬ ‫وش ْب ِن ِش َ‬‫ْبن َي ْر َد ْب ِن َم ْهال َِئ َيل ْب ِن َقيْنَ َن ْب ِن َأن َ‬
‫السالم آباء كثريون‪.‬‬
‫وربم األثر الذي رواه السيوطي يف الدرر املنثور وابن عساكر يف تاريخ دمشق‬
‫عن عبد اهلل بن عباس يزيد هذا الفرق وضوحا‪ ،‬أي يؤكد الفرق بني ِسن آدم عليه السالم‬
‫وذريته املبارشة كنوح عليه السالم وبني غريهم من الناس الذين كانوا يعيشون يف ذلك‬
‫أن نوحا ب ِعث يف األلف‬
‫الزمن من غري نسل آدم عليه السالم‪ ،‬يقول عبد اهلل بن عباس‪َّ " :‬‬
‫الثاين وأن آدم مل يمت حتى ولِدَ َله نوح يف آخر األلف األول وكان قد فشت فيهم‬
‫املعايص وكثرت اجلبابرة وعتوا عتوا كبريا وكان نوح يدعوهم ليال وَنارا ْسا وعالنية‬
‫صبورا حليم ومل يلق أحد من األنبياء أشد ّما لقي نوح فكانوا يدخلون عليه فيخنقونه‬
‫وي ْرضب يف املجالس ويطْرد وكان ال يدع عىل ما يصنع به أن يدعوهم ويقول ‪ :‬يا رب‬
‫اغفر لقومي فإَنم ال يعلمون فكان ال يزيدهم ذلك إال فرارا منه حتى إنَّه ليكلم الرجل‬
‫منهم فيلف رأسه بثوبه وجيعل أصابعه يف أذنيه لكيال يسمع شيئا من كالمه فذلك قول‬

‫ني َسن ٍَة‪،‬‬‫وح َوه َو ِألَ ْر َب ِع َ‬ ‫ِ‬ ‫)‪ - (1‬ينقل ابن كثري بعض األقوال يف ذلك قائال‪ " :‬عَ ِن ا ْب ِن عَ َّب ٍ‬
‫اس َق َال‪ :‬بع َث ن ٌ‬
‫ان ِست َ‬
‫ني عَ ا ًما‪َ ،‬ح َّتى كَث َر النَّاس َو َف َش ْوا‪.‬‬ ‫اش بعدَ الطو َف ِ‬ ‫ف َسن ٍَة إِ َّال َمخ ِْس َ‬
‫ني عَ ا ًما‪َ ،‬وعَ َ َ ْ‬ ‫َو َلبِ َث ِيف َق ْو ِم ِه َأ ْل َ‬
‫ني عَ ا ًما‪َ ،‬لبِ َث فِ ِيه ْم َقبْ َل َأ ْن َيدْع َوه ْم َث َلث َِمئ َِة‬ ‫ف َسن ٍَة إِ َّال َمخ ِْس َ‬ ‫َان] َأ ْل َ‬ ‫َو َق َال َق َتا َدة‪ :‬ي َقال إِ َّن عم َره ك َّله [ك َ‬
‫اق ِم َن‬ ‫يب‪َ ،‬و َظا ِهر الس َي ِ‬ ‫ني َسن ًَة‪َ .‬و َه َذا َق ْو ٌل َغ ِر ٌ‬ ‫ان َث َلث َِمئ ٍَة َو َمخ ِْس َ‬
‫سن ٍَة‪ ،‬ودعَ اهم َث َلث َِمئ ٍَة و َلبِ َث بعدَ الطو َف ِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني عَا ًما‪َ .‬و َق َال عَ ْون ْبن َأ ِيب َشدَّ اد‪ :‬إِ َّن َّ َ‬
‫اَّلل‬ ‫ف َسنَة إِ َّال َمخْس َ‬ ‫َث ِيف َق ْومه َيدْعوه ْم إِ َىل َّ‬
‫اَّلل َأ ْل َ‬ ‫ْاآل َية َأنَّه َمك َ‬
‫اش َب ْعدَ‬ ‫ني عَا ًما‪ ،‬ث َّم عَ َ‬ ‫مخ ِس َ‬‫ف َسن ٍَة إِ َّال َ ْ‬
‫ني َو َث َلث َِمئ َِة َسن ٍَة‪َ ،‬فدَ عَاه ْم َأ ْل َ‬‫وحا إِ َىل َق ْو ِم ِه َوه َو ا ْبن َمخ ِْس َ‬‫َأ ْر َس َل ن ً‬
‫اس َأ ْق َرب‪،‬‬ ‫يب‪َ ،‬ر َواه ا ْبن َأ ِيب َحاتِ ٍم‪َ ،‬وا ْبن َج ِر ٍير‪َ ،‬و َق ْول ا ْب ِن عَ َّب ٍ‬ ‫ني َسن ًَة‪َ .‬و َه َذا َأ ْي ًضا َغ ِر ٌ‬‫َذل ِ َك َث َلث َِمئ ٍَة َو َمخ ِْس َ‬
‫اَّلل َأ ْع َلم‪ ".‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪.268/6 ،‬‬
‫َو َّ‬
‫)‪ - (2‬ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية‪.237/1 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪204 --------------‬‬

‫اهلل {جعلوا أصابعهم يف آذاَنم واستغشوا ثياهبم} (نوح اآلية ‪ )7‬ثم قاموا من املجلس‬
‫فأْسعوا امليش وقالوا ‪ :‬امضوا فإنه كذاب ‪ ،‬واشتد عليه البالء وكان ينتظر القرن بعد‬
‫القرن واجليل بعد اجليل فال يأيت قرن إال وهو أخبث من األول وأعتى من األول ويقول‬
‫الرجل منهم ‪ :‬قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا فلم يزل هكذا جمنونا وكان الرجل منهم‬
‫إذا أوَّص عند الوفاة يقول ألوالده ‪ :‬احذروا هذا املجنون فإنه قد حدثني آبائي ‪ :‬إن‬
‫هالك الناس عىل يدي هذا ‪ ،‬فكانوا كذلك يتوارثون الوصية بينهم حتى أن كان الرجل‬
‫ليحمل ولده عىل عاتقه ثم يقف به وعليه فيقول ‪ :‬يا بني إن عشت ومت أنا فاحذر هذا‬
‫الشيخ فلم طال ذلك به وهبم {قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بم تعدنا إن‬
‫فال َّظاهر عىل حسب هذا األثر أن نوح عليه‬ ‫كنت من الصادقني} (هود اآلية ‪)1( ".)32‬‬

‫السالم كان يعيش أكثر من قومه‪ ،‬حيث أدرك آباءهم وأجدادهم‪ ،‬وكان قومه يموتون يف‬
‫حياته‪ ،‬و َي َتداول عليه األجيال جيل بعد جيل‪ ،‬يويص السلف منهم اخللف بتكذيبه‪ ،‬وهذا‬
‫يدل عىل طول عمره مقارنة هبم‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫دليل عىل أن آدم عليه السالم وبنيه وأحفاده‬
‫القريبني املبارشين كنوح عليه السالم كانوا أكثر تعمريا من باقي الناس‪ ،‬ودليل ٌكذلك‬
‫عىل نوع من اختالف بني آدم عليه السالم ونسله وبني البرش الذين كانوا موجودين عند‬
‫نزوله‪.‬‬
‫إن نقصان العمر التدرجيي من آدم عليه السالم إىل األجيال احلديثة من أحفاده‪،‬‬
‫وح ِيف‬‫والذي نقل عن بعض السلف؛ فعن جماهد أن عبد اهلل بن عمر قال له‪َ ":‬ك ْم َلبِ َث ن ٌ‬
‫ان ِم ْن‬
‫ني َعاما‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف ِإ َّن النَّاس َمل يزالوا ِيف ن ْقص ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ْ ََ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َق ْو ِم ِه؟ َق َال‪ :‬قلْت َأ ْل َ‬
‫ف َسنَة إِ َّال َمخْس َ ً‬
‫َأ ْع َم ِر ِه ْم َو َأ ْحال َِم ِه ْم َو َأ ْخال َِق ِه ْم إِ َىل َي ْو ِم َك َه َذا‪ )2( ".‬فإين أرى أن هذا النقصان يف العمر‬
‫ِ‬
‫األوائل إىل أن ينتهي الن ْق َصان إىل‬ ‫التدرجيي َخيص نسل آدم عليه السالم ويبدأ ِبه ث َّم ذ ِر َّيتِه‬
‫العمر احلايل للبرش‪ ،‬إذ هم الذين كانوا يعيشون طويال‪ ،‬وليس هذا النقصان يشمل البرش‬

‫)‪ - (1‬رواه السيوطي يف الدرر املنثور‪ ،437/6 ،‬ورواه ابن عساكر يف تاريخ دمشق‪.244/62 ،‬‬
‫)‪ -(2‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪.268/6 ،‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪205 -------‬‬

‫اآلخرين من غري آدم عليه السالم‪ ،‬سواء الذين قبله أو املعارصين له‪ ،‬ألَنم كانوا‬
‫يعيشون مثلنا أو أقل –بدليل احل َجج السابقة‪ ،-‬أي أقل بكثري من آدم عليه السالم‬
‫وأبنائه‪ ،‬وهذا مثبت علمي ًا‪ ،‬أي أن عمر قدماء البرش كان قصريا مقارنة مع آدم عليه‬
‫السالم وبنيه‪ ،‬فهنالك دراسات حديثة تقول َّ‬
‫أن قابلية تعمري البرش املحتملة (هوموسابني‬
‫‪-‬االسم العلمي‪ )-‬حوايل اثنتني وتسعني سنة ‪ ،92‬وأ َّما النياندرتال (صنف من البرش‬
‫عاش قبل مئات اآلالف من السنني) هي حوايل ثالثة وتسعني سنة ‪ ،93‬وأما متوسط‬
‫العمر للبرش (باحتساب نسبة وفيات األطفال)؛ فمثال يف فرنسا القديمة بناحية "بيكاري‬
‫)‪ (Picardie‬ما بني ألفني وأربع مائة قبل امليالد ‪ 2400‬ق‪.‬م إىل ألف وثمن مائة قبل‬
‫امليالد ‪ 1800‬ق‪.‬م كان متوسط عمر الوفاة حوايل اثنان ومخسون سنة ‪( 52‬بنسبة ارتياب‬
‫ثالثة سنني)‪ )1(.‬بل هنالك دراسة نرشت يف املوقع العلمي الشهري (‪)Sciencedaily‬‬
‫أثبتت أن أمل عمر اإلنسان القديم ( الذي عاش حوايل قبل ‪ 150.000‬سنة) عىل‬
‫الراجح يتشابه ويقرتب من أمل حياة اإلنسان احلديث‪ )2(.‬وهذا َيدل أن قدماء البرش من‬
‫غري آدم عليه السالم يف العموم كانوا أقرب يف زمن العيش من البرش املعارصين‪.‬‬
‫وأرى أن هذا النقصان يف عمر نسل آدم عليه السالم وبنيه املبارشين واألقربني‬
‫يمكن أن ي َفّس ِع ِ‬
‫لمي ًا وعقالً‪ ،‬بمعنى أن آدم عليه السالم لم أنزله اهلل إىل األرض مع‬
‫زوجه حواء عليها السالم‪ ،‬بدأت ذريتهم تتزوج وتتخالط تدرجييا مع بقية البرش الذين‬
‫أعمرهم تقارب أعمرنا اآلن‪ ،‬وكانوا أغلب البرش آنذاك (انظر خمطط تِ ْعدَ اد شعوب العامل‬
‫منذ القديم بعد هذا بإذن اهلل )‪ ،‬فبدأ خيتلط ِع ْرق هؤالء البرش مع نسل آدم عليه‬

‫)‪(1‬‬ ‫‪- voir : Pierre L.Thilaud, Pour une approche de la vieillesse en‬‬
‫‪Préhistoire, HisToir des sciences médicales, Tome XLVII - N° 4 – 2013,‬‬
‫‪p 496.‬‬
‫‪(2) - voir‬‬ ‫‪:‬‬
‫‪https://www.sciencedaily.com/releases/2011/01/110111133254.htm‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪206 --------------‬‬
‫السالم‪ ،‬وبدأت أعمر نسل آدم عليه السالم من ذ ِريتِه بالتناقص تدرجييا بِ َغ َلبة ِ‬
‫الع ْرق‪،‬‬ ‫َ‬
‫ألن اآلخرين كانوا األكثرية‪ ،‬فبدأ طول العمر الذي كان ميزة عند نسل آدم عليه السالم‬
‫بالتقلص تدرجييا بالتناسل مع باقي البرش العاديني‪ ،‬ولع َّلنا نرى شاهدا عىل احللقة‬
‫الوسيطة يف إبراهيم عليه السالم الذي جاء بعد آدم عليه السالم بعرشين قرنٍا كم مر معنا‬
‫احلديث الصحيح‪ ،‬فقد جاءت األخبار أنه عاش ما بني المئة ومخس وسبعني سنة ‪175‬‬
‫إىل مائتي سنة ‪َ ،)1( 200‬بيْنَم ابنَه إسحاق عليه السالم ن ِق َل أنه تو ِيف عن مائة وثمنني سنة‬
‫‪ )2(،180‬وهذه األعمر من الصعب لعامة البرش أن يبلغوها مع كوَنا أصغر من عمر آدم‬
‫رصا يف ذرية آدم من األنبياء عليهم السالم‬ ‫ِ‬
‫عليه السالم بكثري‪ ،‬ويزداد العمر يف العموم ق َ ً‬
‫ك َّل َم زاد البعد عن أبيهم عليه السالم واختلط النسل‪ ،‬فقد ن ِقل مثال يف عمر موسى عليه‬
‫السالم الذي هو من أحفاد إبراهيم عليه السالم (‪ )3‬أنه عاش مائة وعرشين سنة ‪)4(،120‬‬

‫ين َو ِمائ ٍَة‪ ،‬ث َّم عاش بعد‬ ‫اهيم َص َّىل اهلل عَ َليْ ِه َو َس َّل َم‪َ ،‬وه َو ا ْبن ِع ْ ِ‬
‫رش َ‬
‫)‪ -(1‬عَ ن َأ ِيب هرير َة َق َال‪ " :‬اخ َت َتن إِبر ِ‬
‫ْ َ َْ‬ ‫ََْ‬ ‫ْ‬
‫ذلك ثمنني سنة‪ ".‬قال األلباين‪( :‬صحيح اإلسناد موقوف ًا ومقطوع ًا‪ )...‬األلباين‪ ،‬صحيح األدب‬
‫املفرد‪ ،‬ص‪ .483‬وهنالك مع روى هذا احلديث مرفوعا للنبي صىل اهلل عليه وسلم مثل ابن حبان يف‬
‫صحيحه (‪ ،)84/14‬لكن اختلفوا يف تصحيحه‪ ،‬فابن حبان ي َص ِححه بينم األلباين ي َض ِعف لفظ (عاش‬
‫بعد ذلك ثمنني سنة)‪ ،‬وقد ناقش ابن كثري عمر إبراهيم عليه الصالة والسالم وذكر فيه ثالثة أعمر‪:‬‬
‫قيل مائة ومخسة وسبعني ‪ 175‬سنة‪ ،‬وقيل مائة وتسعني ‪ 190‬سنة‪ ،‬وقيل مائتي ‪ 200‬سنة‪ .‬انظر‪ :‬ابن‬
‫كثري‪ ،‬البداية والنهاية‪.403/1 ،‬‬
‫)‪ -(2‬انظر‪ :‬ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية‪ .455/1 ،‬وقيل مائة وثالثني سنة‪ ،‬انظر‪ :‬ابن األثري‪ ،‬الكامل يف‬
‫التاريخ‪.150/1 ،‬‬
‫ان ب ِن يصهر ب ِن َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اه َث‬ ‫وسى ْبن ع ْم َر َ ْ َ ْ َ َ ْ‬ ‫)‪ -(3‬ينقل ابن األثري يف نسب موسى عليه السالم‪ " :‬ق َيل‪ :‬ه َو م َ‬
‫ني َسنَ ًة‪َ ،‬وولِدَ‬‫وب َوه َو ا ْبن تِ ْس ٍع َو َث َمنِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‪َ ،‬وولدَ َال ِوي ل َي ْعق َ‬
‫ِ‬
‫اق ْب ِن إِ ْب َراه َ‬
‫وب ْب ِن إِ ْس َح َ‬ ‫ْب ِن َال ِوي ْب ِن َي ْعق َ‬
‫اه َث َي ْص َهر‪َ ،‬وولِدَ ِع ْم َران ل ِ َي ْص َه َر َو َله ِست َ‬
‫ون َسنَ ًة‪،‬‬ ‫ني سن ًَة‪ ،‬وولِدَ ل ِ َق ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َقاهث لالَ ِوي َوه َو ا ْبن س ٍّت َو َأ ْر َبع َ َ‬
‫ِ ِ‬

‫ني َسن ًَة‪ ".‬ابن األثري‪ ،‬الكامل يف التاريخ‪.150/1 ،‬‬ ‫َان عمره َمجِيعه ِمائ ًَة َو َثالَثِ َ‬‫َوك َ‬
‫)‪ - (4‬انظر‪ :‬ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية‪.226/2 ،‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪207 -------‬‬

‫بينم يزداد طوال العمر كلم ذهبنا صاعدا إىل آدم عليه السالم‪ ،‬إذ ينقل ابن كثري يف البداية‬
‫والنهاية عن أهل الكتاب أعمر سلسلة آباء إبراهيم عليه السالم باألرقام قائالً‪ " :‬ه َو‬
‫ِ‬
‫ور ‪-148‬سنة‪ْ -‬ب ِن َسارو َغ ‪-230‬سنة‪ْ -‬ب ِن َراغ َو‬ ‫إِ ْب َراهيم ْبن ت َ‬
‫َار َخ ‪-250‬سنة‪ْ -‬ب ِن نَاح َ‬
‫‪-239‬سنة‪ْ -‬ب ِن َفا َل َغ ‪-439‬سنة‪ْ -‬ب ِن َعا َب َر‪-464‬سنة‪ْ -‬ب ِن َشا َل َخ ‪-433‬سنة‪ْ -‬ب ِن‬
‫اب‬‫السالَم‪َ .‬ه َذا نَص َأ ْه ِل ا ْل ِك َت ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ ْر َفخ َْشدَ ‪-438‬سنة‪ْ -‬ب ِن َسا ِم ‪-600‬سنة‪ْ -‬ب ِن نوحٍ َع َليْه َّ‬
‫ني وواضح‪ ،‬وهذا ما يتوافق مع‬ ‫اهب ْم "‪ )1(،‬فالتصاعد التدرجيي يف سلسلة األعمر َب ٌ‬ ‫ِيف كِ َت ِ ِ‬
‫ِع ْلم اجلينات احلديث‪ ،‬بل يكون يف هذا توافق بني الرشع والعقل والتجربة ِ‬
‫والع ْلم‪،‬‬
‫واألدلة التي رأيناها يف هذا الكتاب ال تتناقض مع هذا املعنى‪ ،‬بل تتوافق يف العموم معه‪.‬‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬

‫)‪ -(1‬ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية‪.324/1 ،‬‬


‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪208 --------------‬‬

‫وهذا بإذن اهلل منحنى إحصاء شعوب العامل منذ القديم بحسب دراسات علمية‬
‫(نعيده ملزيد فائدة إن شاء اهلل )‪:‬‬

‫منحني يوضح تقديرات سكان العامل منذ ‪ 65.000‬سنة قبل امليالد‪ ،‬فعن اليمني‬
‫عدد السنني يقابله عدد الناس باملاليني‪ ،‬املصدر‪(PopulaTion eT SociéTés :‬‬
‫‪n° 394, octobre 2003, Jean-Noël Biraben, L'évolution du‬‬
‫)‪nombre des hommes, p3‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪209 -------‬‬

‫املنحني األصيل بالفرنسية يوضح تقديرات سكان العامل منذ ‪ 65.000‬سنة قبل‬
‫امليالد‪ ،‬فعن اليمني عدد السنني يقابله عدد الناس باملاليني‪ ،‬املصدر‪(PopulaTion :‬‬
‫‪eT SociéTés n° 394, octobre 2003, Jean-Noël Biraben,‬‬
‫)‪L'évolution du nombre des hommes, p3‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪210 --------------‬‬

‫مالحظات ‪ :‬عدد السكان يف زمن آدم عليه السالم‪:‬‬


‫من خالل املنحني السابق يمكننا معرفة عدد سكان العامل –عىل تقدير هذه‬
‫الدراسة‪ -‬يف زمن آدم عليه السالم‪ ،‬حيث إذا علمنا ّما سبق أن آدم عليه السالم قد سكن‬
‫يف األرض حوايل ثمنية آالف إىل ستتة آالف سنة من اآلن‪ ،‬فإن عدد سكان العامل يف زمانه‬
‫من خالل هذه الدراسة يكون حوايل عرش ‪ 10‬ماليني نسمة (ويف الرشق األوسط موطن‬
‫آدم عليه السالم كان العدد أقل من ذلك)‪ ،‬وهذا ما يعني أن العامل إذ ذاك كان فيه عدد ال‬
‫يستهان به من الناس‪ ،‬وإ ْن كانوا أبعد بكثري عن الكثافة املعارصة‪ ،‬إال َّ‬
‫أن هؤالء حقيقة‬
‫كانوا يف األرض قبل آدم عليه السالم ومعارصين له‪.‬‬
‫ويمكن أن نقول أن آدم عليه السالم كان شبيها يف العموم بالبرش املوجودين‬
‫حني سكن األرض بدليل أن ذريته اختلطت معهم‪ ،‬وتزوجوا بعضهم البعض‪ ،‬باستثناء‬
‫طول السن وربم أمور أخرى‪ ،‬فاهلل تعاىل قد خلقه خلقا مستقال‪ ،‬لكن اليوجد دليل يف‬
‫القرآن وال السنة أن اهلل تعاىل قد خلقه وابتدعه خلقا جديدا عىل غري مثال سابق‪ ،‬أي‬
‫بدون أن يشبه أي خملوق من خملوقات اهلل السابقة‪.‬‬

‫‪ )2‬إنسان النياندرتال )‪( (The NeanderThal) (le NéanderTal‬أكثر‬


‫من ‪ 430.000‬سنة)‪:‬‬
‫وهو جنس برشي قديم منقرض‪ ،‬وهو من أفضل األجناس اإلنسانية القديمة‬
‫فه ًم من ِقبل الباحثني‪ .‬لقد تم اكتشاف عدة آالف من عظام جنس النياندرتال يف مواقع‬
‫خمتلفة‪ ،‬وقرابة الثالثمئة موقع أثري أخرج منها آثار تعطي معلومات عن كيفية معيشة‬
‫النياندرتال وطعامه وترصفاته‪ ،‬وأهم قارة وجد فيها هي قارة أوروبا‪ ،‬حيث وجدت هلم‬
‫عظام يف هذه القارة يقدر عمرها بحوايل أربع مئة وثالثني ألف ‪ 430.000‬سنة‪ ،‬وتقول‬
‫الدراسات أن نشأهتم وموطنهم الرئيس كان يف أوروبا‪ ،‬وقد انترش هذا اإلنسان ووصل‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪211 -------‬‬

‫إىل إسبانيا غربا‪ ،‬وإىل روسيا وغرب آسيا رشقا حوايل ثمنني ألف سنة ‪ 80.000‬يف‬
‫الميض‪ ،‬وقد وصلت أقدامهم إىل غاية أسيا الوسطى حوايل مابني مخسني إىل ثالثني ألف‬
‫سنة ‪ 30.000- 50.000‬سنة‪ ،‬والعجيب أنه يف نفس الوقت من كون النياندرتال كان‬
‫يعيش يف أروبا وآسيا الغربية؛ كانت هنالك أجناس برشية أخرى تعيش يف إفريقيا وآسيا‬
‫الرشقية‪ )1(،‬حيث كان يعيش يف إفريقيا مثال (اهلوموسابيان) وهو اإلنسان احلديث –‬
‫والذي حتدثنا بفضل اهلل عليه سابقا ‪ ، -‬وقد أهبر اكتشاف متأخر (سنة ‪ )2017‬يف دولة‬
‫املغرب الباحثني واملختصني‪ ،‬حيث اكتشفت عضا ٌم برشية تعود لإلنسان احلديث (أي‬
‫اهلوموسابني الصنف البرشي الذي يعيش يف األرض اليوم)‪ ،‬يف عمرها حوايل ثالثمئة‬
‫ألف سنة ‪ ،300.000‬أي أقدم بكثري من ما كان ي َت َصور يف الميض‪ )2(،‬وإذا قارنا هذا مع‬
‫أقدم عظام للنياندرتال التي تم اكتشافها ‪-‬وهي بقايا وجدوها يف إسبانيا‪ -‬والتي تقدر‬
‫بحوايل أربع مئة وثالنني ألف ‪ 430.000‬سنة‪ )3(،‬فإن هذا يؤدي إىل نتيجة مفادها أن‬
‫كل من هوموسبيان والنياندرتال كانا إنسانني متعارصين أدركا بعضهم –بالرغم من أن‬
‫النياندرتال متقدم قليال‪ ،-‬وليس متباعدين كثريا نسبيا –من خالل هذه املعطيات القابلة‬
‫للتغيري‪ ،‬فيمكن أن يعثر الباحثون عىل عظام أخرى تقارهبم أكـ ـث ـر زمانيا‪ ،-‬إىل أن ساد‬

‫‪(1) - voir‬‬ ‫‪: Richard G. Klein, PaleonThropology, PersPecTives, Science‬‬


‫‪Vol 299 March 2003, p 1525.‬‬
‫)‪ -(2‬انظر‪ :‬ناسا (‪ )Nasa‬بالعريب‪ ،‬أحفورة املغرب‪ :‬اإلنسان العاقل أسبق ب ‪ 100.000‬سنة‪،‬‬
‫بتاريخ‪ ،2017/08/23 :‬ص‪.2‬‬
‫‪(3) - voir‬‬ ‫‪: Néandertal vivait en Espagne il y a 430 000 ans PAR MICHEL‬‬
‫‪DE PRACONTAL, ARTICLE PUBLIÉ LE MARDI 15 MARS 2016,‬‬
‫‪https://www.mediapart.fr/ , p1. Nuclear DNA sequences from the‬‬
‫‪Middle Pleistocene Sima de los Huesos hominins, Published: 14 March‬‬
‫‪2016, https://www.nature.com/articles/nature17405#ref1 .‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪212 --------------‬‬

‫بعدها اهلوموسابني عىل حساب النياندرتال‪ ،‬بعدما انقرض بعد عرشات اآلالف من‬
‫السنني‪ ،‬فرتك املجال أمام الثاين لتعمري األرض من بعده وتشييد حضارات كربى‪.‬‬
‫وجسم النياندرتال يتميز برؤوس كبرية‪ ،‬وجذوع –أي وسط البدن‪ -‬ضخمة‪،‬‬
‫وأطراف قصرية وقوية‪ ،‬ومتوسط حجم دماغهم يساوي أو يفوق قليال دماغ‬
‫اهلوموسابني‪- ،‬ما يوحي إىل إمكانية تفكري ووعي مقاربة بني اجلنسني‪ ،‬لكن بعض‬
‫الباحثني رأوا أن دماغ النياندرتال كان قليال أدنى تطورا من دماغ اهلوموسابني‪ ،‬نظرا‬
‫لوجود بعض االختالفات يف مججمته الداخلية‪ ،‬والتي ظنوا أَنا قد تدل عىل بعض‬
‫االختالفات بنقص حجم موضعني داخل الدماغ‪ ،‬يقومان بدور النطق والذاكرة‪،‬‬
‫وكذلك استندوا عىل دراسة أحد أطفال هذا اجلنس‪ ،‬حيث وجدوه أْسع بلوغا من طفل‬
‫اهلوموسابني‪ ،‬حيث ادعى أحد العلمء املعارصين بعد استعمل تقنيات متطورة أن هذا‬
‫الطفل للنياندتال بلغ مرحلة متقدمة من النضوج يف سن الثامنة فقط (باستعمل مساح‬
‫ضوئي حديث حيدد عمر اإلنسان بدقة عالية)‪ ،‬وهذا ما يوحي إىل نقص ادراكي مقارنة‬
‫مع اجلنس احلايل من اإلنسان‪ ،‬والذي بدوره يأخذ وقت أطول يف مرحلة الطفولة كي‬
‫يتعلم وينضج أكثر‪ ،‬وعىل كل حال يبقى هذا اجلنس قريبا جدا منا‪ ،‬وصاحب ذكاء ال‬
‫يستهان به‪ )1(-‬وأما وجوههم فهي ّمدودة إىل األمام‪ ،‬وأبداَنم كانت تتالءم مع املناخ‬
‫البارد واجلليدي الذي كان يف أروبا ومواطن سكناهم‪ ،‬واجلدير بالذكر أن هذا الرجل‬
‫كان حيسن نحت احلجارة وكّسها ليتحصل عىل أدوات بدائية‪ ،‬كاحلجارة التي تقوم‬
‫بدور الفأس أو السكاكني؛ ليقطع هبا أجزاء احليوانات التي يصطادها (كان أغلب طعامه‬
‫اللحم‪ ،‬إذ كان يصطاد احليوانات الكبرية خاصة)‪ ،‬باإلضافة إىل أنه كان يبدي اهتمما‬
‫للتوابل واألمالح املعدنية الطبيعية‪ ،‬وكان أيضا يتحكم يف ايقاد النار ليستعملها يف طهي‬
‫اللحوم واألغذية وبعض الشؤون من حياته‪ .‬وّما ينقله الباحثون أن هذا الشعب كان‬

‫‪(1) - voir‬‬ ‫‪: Aux origines de l'humaniTé 3 Homo Sapiens – DocumenTaire‬‬


‫‪diffusaiT sur la chaine A.R.T.‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪213 -------‬‬

‫يعتني بمرضاه وكبار السن عنده‪ ،‬بل و ِجد عندهم دفن املوتى‪ .‬وكل هذا يدل أن هذا‬
‫املشهورة‪)1(.‬‬ ‫اجلنس كان له نوع من احلضاراة البدائية وإن كانت بعيدة عن احلضارات‬
‫وقد انقرض هذا النوع من البرش منذ حوايل مخسة وعرشين ألف سنة ‪ ،25.000‬وبعد‬
‫هذه الفرتة مل يعثر هلم عىل أي أثر يف اآلثار األرضية‪)2(.‬‬

‫وال يزال سبب انقراض النياندرتال غري م َتيقن به‪ ،‬فقيل أنه بسبب تغري املناخ‬
‫ومرور موجة من الربد عىل وجه األرض‪ .‬وقيل بسب سوء تأقلمه مع الوسط املحيط‬
‫ِ‬
‫وق َّلة معرفة مقارنة مع اهلوموسابني‪ .‬وقيل بسب وباء‪ ،‬وقيل بسبب بركان هائل انفجر‬
‫حويل ‪ 39.000‬سنة من اآلن‪ ،‬حيث نجم عنه سحابة دخانية ضخمة غطت أجزاء‬
‫واسعة من أوروبا‪ ،‬فنتج عنه موت غطاء نبايت واسع‪ ،‬و بالتايل سالسل حيوانية هائلة‬
‫تتغذى بذلك النبات‪ ،‬فنقصت احليوانات والغذاء التي كان يفرتسها ويقطفها هذا‬
‫اجلنس‪ ،‬فأدى ذلك إىل انقراضه‪ .‬وقيل بسب ابتالعه وقهره من اهلوموسابن واهليمنة‬
‫عليه؛ باالضدهاد والرصاع من أجل األرض واملوارد‪ ،‬والطرد والسبي‪ ،‬كم هو من عادة‬
‫البرش –القوي يقهر الضعيف‪ ،-‬حيث وجد بعض اآلثار للتهجني واالختالط اجليني‬
‫بني كل من اهلوموسابني والنياندرتال (ربم نتيجة سبي واستعباد النيادرتال من طرف‬
‫اهلوموسابني كم أكد بعض املختصني)‪ ،‬وكذلك هنالك دراسات تثبت أن احلمض‬
‫النووي )‪ (D.n.a‬للرجل األرويب احلديث؛ فيه بعض اآلثار من محض النووي‬
‫للنيانديرتال‪ ،‬وهذا يتمشى مع هذه الفرضية التي تقول بالقضاء عىل النياندرتال حضاريا‬

‫‪(1) - voir‬‬ ‫‪: Richard G. Klein, PaleonThropology, PersPecTives, Science‬‬


‫‪Vol 299 March 2003, p 1525.‬‬
‫‪(2) - voir‬‬ ‫‪: Aux origines de l'humaniTé 3 Homo Sapiens – DocumenTaire‬‬
‫‪diffusaiT sur la chaine a.r.T.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪214 --------------‬‬

‫وغلب ًة وقهرا من طرف اهلوموسابني‪)1( .‬ور َّبـم قد يكون سبب انقراضه خليط من بعض‬
‫هذه األسباب السابقة‪.‬‬
‫وأما عن السبب احلقيقي الذي قد يفّس به انقراض هذا اجلنس البرشي – أي‬
‫ليس كيف أهلكوا وإنم لمذا أهلكوا –‪ ،‬فربم قد يدخل يف سنن اهلل تعاىل التي تقتض‬
‫باسبدال القوم الظاملني بأقوام غريهم‪ ،‬فمن املحتمل أن ٍ‬
‫كثري منهم قد عصوا اهلل تعاىل؛‬
‫فكانت عاقبتهم مثل كثري من األمم املكذبة‪ ،‬والتي قص اهلل من قصصهم يف القرآن‬
‫ت‬ ‫الكريم ما فيه عربة ألويل األلباب‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َما َأ َصا َبكم من م ِصي َب ٍة َفبِ َم ك ََس َب ْ‬
‫ِ ِ‬
‫اَّلل ِمن‬ ‫ض ۚ َو َما َلكم من دون َّ‬ ‫َأ ْي ِديك ْم َو َي ْعفو َعن كَثِ ٍ‬
‫ري (‪َ )30‬و َما َأنتم بِم ْع ِج ِزي َن ِيف ْاألَ ْر ِ‬
‫ِ‬
‫امل ًة‬
‫َت َظ َ‬ ‫ري ) (الشورى ‪ ،)31-30‬وقال تعاىل‪َ ( :‬و َك ْم َق َص ْمنَا ِمن َق ْر َي ٍة كَان ْ‬ ‫َو ِيل َو َال ن َِص ٍ‬
‫ٍّ‬
‫آخ ِري َن ) (األنبياء ‪ .)11‬واهلل أعلم‪.‬‬ ‫نشأْنَا َب ْعدَ َها َق ْو ًما َ‬
‫َو َأ َ‬
‫وأما عن دين واعتقاد النياندارتال فن الصعب حتديده بدقة‪ ،‬كون كيفية معرفة‬
‫عبادة األمم القديمة التي اندثرت يعتمد عىل دراسة لغاهتم أو املخلفات املكتوبة عنهم‬
‫أو م ـنحوتاهتم‪ ،‬فأ َّما لـغ ــة ه ـؤالء القوم ف ـقد ذهبت معهم ف ـال يمكن سـمع ما كانوا‬
‫يقولون‪ ،‬وأما كتاباهتم فلم تكن لدهيم كتابة معروفة ودقيقة تنقل لنا بعض عقائدهم‬

‫)‪(1‬‬ ‫‪- voir : Richard G. Klein, PaleonThropology, PersPecTives, Science‬‬


‫‪Vol 299 March 2003, p 1526. DocumenTaire Science grand format,‬‬
‫‪L'apocalypse de Néandertal, diffusé sur France 5 le 29 novembre 2018.‬‬
‫‪ScienTiFic ReporT- Climate deteriorations and Neanderthal demise in‬‬
‫‪interior Iberia, Neanderthal Extinction by Competitive Exclusion -‬‬
‫‪William E. Banks , Francesco d'Errico, A. Townsend Peterson, Masa‬‬
‫‪Kageyama, Adriana Sima, Maria-Fernanda Sánchez-Goñi Published:‬‬
‫‪December 24, 2008. Synchrotron Reveals Human Children Outpaced‬‬
‫‪Neanderthals by Slowing Down, Press Release: December 2010 :‬‬
‫‪https://heb.fas.harvard.edu/press .‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪215 -------‬‬

‫وت َعرب لنا عن لغتهم‪ )1(،‬فلم يصل النيادايرتال إىل ابتكار الكتابة‪ ،‬لكن بالرغم من ذلك‬
‫إال أنه هنالك إشارات علمية تدل أن هذا اجلنس كان م َتدَ ينا‪ ،‬ألنه كان عاقال وواعيا‪،‬‬
‫بدليل أنه إنسان مثلنا‪ ،‬وألنه اكت ِشف بأنه كان يدفن موتاه ويعتني بمرضاه وكبار السن‪،‬‬
‫وكان له نظام اجتمعي –وإن مل يكن معقدا مثلنا‪ ،-‬وكل هذا يرجح عىل أنه كان مكلفا‬
‫باإليمن بِ َربه ومتَدَ ينا‪.‬‬
‫أ َّما عن نوع الدين الذي كان يدين به‪ ،‬وبدرجة التدين عنده‪ ،‬فال شك أنه أمة مثلنا‬
‫ومثل باقي األمم التي عمرت األرض‪ ،‬ال سيم أنه َعمر األرض ألكثر من أربع مئة ألف‬
‫سنة‪ ،‬فالبدَّ أن اهلل قد بعث فيهم أنبياء يدعوَنم إىل عبادته؛ قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬وإِن م ْن أ َّم ٍة‬
‫يها ن َِذ ٌير ) (فاطر‪ ،)24‬وقال سبحانه‪َ ( :‬و َل َق ْد َأ ْر َسلْنَا رسالً من َقبْلِ َك ِمن ْهم َّمن‬ ‫ِ‬
‫إِ َّال َخالَ ف َ‬
‫ص َع َليْ َك ) (غافر‪ ،)78‬وقال أيضا‪َ ( :‬و َل َق ْد َب َعثْنَا ِيف كل‬ ‫ِ‬
‫َق َص ْصنَا َع َليْ َك َومن ْهم َّمن َّملْ َن ْقص ْ‬
‫ت‬ ‫اَّلل َو ِمن ْهم َّم ْن َح َّق ْ‬ ‫ِ‬
‫وت ۚ َفمن ْهم َّم ْن َهدَ ى َّ‬ ‫اج َتنِبوا ال َّطاغ َ‬ ‫أم ٍة رس ً ِ‬
‫وال َأن ا ْعبدوا َّ َ‬
‫اَّلل َو ْ‬ ‫َّ َّ‬
‫ني ) (النحل ‪.)36‬‬ ‫َان َع ِ‬
‫اق َبة ا ْملكَذبِ َ‬ ‫فك َ‬ ‫ض َفانظروا َكيْ َ‬ ‫الضالَ َلة ۚ َف ِسريوا ِيف ْاألَ ْر ِ‬ ‫َع َليْ ِه َّ‬
‫والبد بعدها أن يكون قد كان منهم املهتدون الذين آمنوا برهبم واتبعوا أنبياءه‪،‬‬
‫والضالون الذين كفروا باهلل وكذبوهم‪ ،‬والبد أنه قد كان منهم املسلمون ومنهم‬
‫القاسطون ومنهم دون ذلك‪ ،‬وال عـ ـ ـجب إن و ِجد التوحيد عند النيان ـ ـ ـ ـ ـدارتال‪ ،‬ألنه‬
‫و ِجدَ ت عبادة اإلله األعىل ( التوحيد النسبي) يف ع ـدد كثري من األقوام البدائية التي‬
‫عاشت يف األرض‪ ،‬والتي قد تتشابه أو تقرتب منه يف درجة احلضارة‪ ،‬كأبورجيان‬
‫أسرتاليا‪ ،‬وقبال جزر أندرمان‪ ،‬وكثري من هنود أمريكا الشملية واجلنوبية‪ ،‬وجزء من‬
‫القبائل اإلفريقية‪ ،‬كقبائل اهلوتونتوت‪ ،‬وقبائل الزولو‪ ،‬وقبائل سود السودان‪ ،‬وقبائل‬
‫مداعشقر‪ ،‬وجزء من اإليسكيمو‪ ،‬وبعض هنود اهلند البدائيني‪ ،‬وغريهم من الشعوب‬

‫)‪ -(1‬يقول عامل اإلنسان الفرنيس أندري لوروا غورهان (‪" :)André Leroi-Gourhan‬ابتداء‬
‫من كون اإلنسان ليس بإمكانه أن يتكلم‪ ،‬ألنه غائب أو ميت‪ ،‬أو تكون البيانات غائبة‪ ،‬تبقى شهادتان‬
‫شهادة الفن والتقنية" (انظر‪Leroi-Gourhan, Ėvolution eT Techniques. Vol. I , :‬‬
‫)‪L'homme eT la maTière , Paris, Albin-Michel, 1943, p. 7.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪216 --------------‬‬

‫البدائية التي وجد فيها آثار التوحيد‪ )1(.‬فهذا يدل أن اهلل قد بعث فيهم أنبياء‪ ،‬وأ َّنه‬
‫سبحانه قد فطر الناس عىل توحيده واإليمن به‪.‬‬

‫‪ )3‬إنسان اهلومو إيركتوس (‪( )Homo erecTus‬عاش قبل حوايل ‪ 1.8‬مليون‬


‫سنة)‪:‬‬
‫هذا الصنف من اإلنسان العاقل‪ ،‬يقدَّ ر زمن ظهوره إىل حوايل ‪ 1.9‬مليون سنة‬
‫يف إفريقيا‪ ،‬وْسعان ما هاجر إىل مناطق أخرى خارج إفريقيا حوايل ‪ 1.8‬مليون سنة‪ ،‬أما‬
‫طول اهلومو إيركتوس فهو مثل اإلنسان املعارص‪ ،‬أي يرتاوح ما بني (‪ 160‬إىل ‪185‬‬
‫سنتمرت)‪ ،‬ووزنه مابني (‪ 50‬إىل ‪ 70‬كلغ)‪ .‬من أشهر وأكمل اهلياكل العظمية التي‬
‫وجدت هلذا اجلنس‪ ،‬هو هيكل عظمي لفتى ناريكوتوم (‪ )narikoTom‬و ِجد يف كينيا‪،‬‬
‫وهو هيكل عظمي ِ‬
‫شبه كامل‪ ،‬قدر بحوايل ‪ 1.5‬مليون سنة‪)2(.‬‬

‫أما من جهة الفرق بينه وبني اإلنسان احلديث (هوموسابني) فإن هومو‬
‫إريكتوس يمتاز بِجمجمة ودماغ أصغر حجم من دماغ اإلنسان احلديث‪ ،‬حيث يرتاوح‬
‫حجم دماغه حوايل ما بني (‪ 600‬إىل ‪ 1100‬سنتمر مكعب)‪ ،‬أما اإلنسان احلديث فحجم‬

‫)‪ -(1‬وإن كانت درجة التوحيد عندهم متفاوتة‪ ،‬وسوف نتكلم عن هذا التوحيد يف الشعوب البدائية‬
‫واحلضارات القديمة يف كتابنا اآلخر‪ ،‬التوحيد منذ ِ‬
‫القدَ م واألنبياء يف كل األمم –أو عنوان قريب منه‪-‬‬
‫الذي وعدت به إن شاء اهلل تعاىل‪ ،‬وانظر يف هذا التوحيد عند األمم القديمة البدائية بحوث العاملني‬
‫األلمين وهلام شميد والربيطاين أندرو النج‪ ،‬وكثري منهم م َلخَّ ص يف الكتاب التايل بإذن اهلل تعاىل‪،‬‬
‫انظر‪:‬‬
‫‪Guillaume schmiT, L'ORIGINE DE L'IDÉE DE DIEU , Librairie‬‬
‫‪alphonse picard eT Fils, 1910, p78 a p105.‬‬
‫)‪(2‬‬ ‫‪- voir : https://www.nature.com/articles/449291a#ref10‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪217 -------‬‬

‫دماغه ما بني حوايل (‪ 1100‬إىل ‪ 1600‬سنتم م َ‬


‫كعب)‪)1(.‬‬
‫َ‬

‫* خمطط يوضح حجم دماغ أصناف برشية‪ :‬اإلنسان احلديث (متوسطه حوايل‬
‫‪ 1350‬سنتمر مكعب) و هومو إيريكتوس و هومو هابِيلِس‪ ،‬وحجم دماغ ِق َر َدة‪:‬‬
‫الشامبانزي والغوريال‪ ،‬املصدر‪ :‬موقع املجلة العلمية الشهرية (‪)2(.(naTure‬‬

‫ملحوظة‪ :‬قد أثبتت عدة تارب أ ْج ِريت عىل العامل احليواين أنه يف العموم ذكاء الكائن‬
‫يتناسب طردا مع حجم الدماغ‪ ،‬بمعنى أنه كل ما كان حجم ِد َماغ الكائن احلي كبريا‬
‫بالنسبة إىل جسمه كل ما كانت نسبة ذكائه أعىل يف العموم‪)3(.‬‬

‫واهلومو إيريكتوس كان يستطيع التحكم يف النار يف حياته اليومية (إلنضاج‬


‫الطعام أو لطرد احليوانات املفرتسة أو لصناعة بعض األدوات)‪ ،‬وقد اخرتع هذا اجلنس‬
‫أدوات وأسلحة من احلجارة‪ ،‬وهو أيضا مسافر كبري‪ ،‬وي َصنفه الباحثون عىل أنه أول‬
‫إنسان خرج من إفريقيا إىل قارات وأماكن أخرى‪ ،‬أوروبا والرشق األوسط وآسيا عىل‬
‫جهة التحديد‪ ،‬ومن األمثلة للبقايا العظمية التي وجدت له‪ ،‬مثال يف الصني ما يسمى‬
‫(برجل بيكني) (‪ )homme de pékin‬حيث اكتشفت بقايا تعود لرجل بالغ قد َر زمنه‬

‫)‪(1‬‬ ‫‪- voir : https://www.nature.com/articles/449291a#ref10‬‬


‫‪(2) - voir‬‬ ‫‪: https://www.nature.com/articles/449291a#ref10‬‬
‫‪(3) - voir‬‬ ‫‪: https://www.hominides.com/html/dossiers/cerveau.php.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪218 --------------‬‬

‫بحوايل سبع مائة وسبعني ألف سنة ‪ ،770.000‬واكت ِشفت أيضا بعض البقايا هلذا‬
‫اجلنس يف أوروبا‪ ،‬كجزء من مججمة يف إيطاليا تقدر بحوايل ثمن مائة ألف سنة‬
‫‪- ،800.000‬واكتشفت بعض اجلمجم شبه مكتملة يف جورجيا أحلقت يف األصل إىل‬
‫هذا الصنف‪ ،-‬وتقول بعض الدراسات أن أواخر هذا النوع قد عاشت منذ حوايل مائة‬
‫ومخسني ألف سنة ‪ ،150.000‬بمعنى أن أغلبه قد اندثر حوايل هذا الزمن‪ ،‬إال أنه قد‬
‫يوجد بعض االستثناء‪ ،‬حيث هنالك دراسات أخرى تقول أنه بقي بعض البقايا منه إىل‬
‫حوايل سبعني ألف سنة ‪ ،70.000‬وهذا ما يسمى برجل جافا (‪)homme de java‬‬
‫والذي قد أ ِ‬
‫حل َق باهلومو إيكتوس‪)1(.‬‬

‫وكم يبدو أن هذا الصنف من الناس عاش وانقرض قبل آدم عليه السالم بزمن‬
‫بعيد‪ ،‬وليس بينهم عالقة نسب مبارشة وظاهرة‪ ،‬بدليل أن ظهور اهلومو إيريكتوس يرجع‬
‫إىل حوايل املليوين سنة‪.‬‬

‫‪ )4‬إنسان اهلومو هابيليس (‪( )Homo habilis‬عاش حوايل ‪ 2.5‬مليون سنة)‪:‬‬


‫هو جنس من اإلنسان عاش ما بني املليونني ونصف سنة ‪( 2.5‬مليون سنة) إىل‬
‫املليون ونصف سنة ‪( 1.5‬مليون سنة) يف إفريقيا الرشقية وإفريقيا اجلنوبية‪ ،‬يميش عىل‬
‫رجلني مثل اإلنسان احلديث‪ ،‬وقد عاش هذا اجلنس مع أجناس أخرى‬
‫كاألسرتالوبيتاكس (‪- ،)AusTralopiThecus,AustralopiThèque‬سعة‬
‫دماغ اهلومو هابيليس (‪ )Homo habilis‬ما بني مخس مائة ومخسني ‪ cm3 550‬إىل‬
‫سبع مائة ‪ cm3 700‬سنتمرت م َك َّعب انظر اخلانة الثالثة ترتيبا من األعىل يف اجلدول‬

‫‪(1) - voir‬‬ ‫‪: https://www.futura-‬‬


‫‪sciences.com/planete/definitions/paleontologie-homo-erectus-4117/‬‬
‫‪https://www.universalis.fr/encyclopedie/homo-erectus/‬‬
‫‪https://www.nature.com/articles/nature07741‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪219 -------‬‬

‫السابق‪ ،-‬وعند اهلومو هابيليس فك يقرتب من فك اإلنسان احلديث فبطبيعته يأكل كل‬
‫من النبات واللحم‪ ،‬كان باستطاعته استعمل أدوات‪ ،‬وكان بإمكانه صناعة هذه األدوات‬
‫بتكسري أطرافها باحلجارة‪ ،‬حتى تصلح لتقطيح احليونات املصطادة وتكسري العظام‪)1(.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬الدين والنظرية التطو ِرية‪:‬‬


‫‪ .1‬هل نظرية ال َّت َطور تنَاقِض اإلسالم ؟‪:‬‬
‫ما هو مفهوم نظرية التطور؟‪ :‬إذا كان يقصد بنظرية التطور؛ تطور املخلوقات‬
‫املوجه من دون خالق‪ ،‬فهذا باطل مجلة وتفصيال‪ ،‬وال حيتاج أن نبحث فيه‪ ،‬بل هذا‬
‫َّ‬
‫مناقض للنقل والفطرة والعقل والعلم‪ ،‬فوجود اخلالق سبحانه وتعاىل مثبت بكل هؤالء‬
‫دون منازع‪ ،‬بل كل يشء يف هذا الوجود دليل عليه سبحانه‪ .‬وأما إن كان يقصد بنظرية‬
‫التطور؛ التطور الـم َو َّجه الذي يقول بأن اهلل خلق املخلوقات من أصول مشرتكة‪ ،‬ثم‬
‫خيلقها وي ِصور َها َوي َو ِجه َها وي َطورها ت ِ‬
‫َدرجيِي ًّا فهذا حيتاج إىل تفصيل‪ ،‬ويمكن أن نذكر‬
‫بعض التفاصيل كاآليت إن شاء اهلل تعاىل‪:‬‬
‫ال شك أن نظرية التطور قد القت معارضة من ِق َب ِل كثري من أتباع األديان‬
‫السموية واملسلمني إال قليال منهم‪ ،‬ومن أهم األسباب يف ذلك هو فهمهم لقصة خلق‬
‫آدم وحواء عليهم السالم (بم فيه الفهم اإلْسائييل)‪ ،‬وقد رأيتم بفضل اهلل من خالل ما‬
‫سبق االختالف بني الفهم الذي يعتقده كثري من الناس وبني احلقيقة التي مرت معنا‪،‬‬
‫فالفهم القديم –واليزال الغالب لألسف‪ -‬كان جيعل من آدم عليه السالم أبا لكل الناس‬
‫يف كل زمان ومكان‪ ،‬وهذا ما أدى إىل رفض ٍ‬
‫كثري من الناس من أتباع األديان السموية‬
‫لنظرية التطور ابتداء‪ ،‬وخاصة أَنا تقول بتطور اإلنسان من أصل مشرتك بينه وبني ِ‬
‫القرد‪،‬‬
‫فظهرت هلم مناقضة بينة بني ما كانوا يعتقدونه وبني ما أتى به التطوريون‪ .‬مع كون‬

‫‪(1) - voir‬‬ ‫‪: https://www.futura-‬‬


‫‪sciences.com/planete/definitions/paleontologie-homo-habilis-4116/‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪220 --------------‬‬

‫خلق مس َت َق ٌّل َع َّمر هو وأبناؤه جهة معينة من كوكب‬


‫احلقيقة يف آدم عليه السالم أنه ٌ‬
‫األرض يف مرحلة نوعا ما متأخرة مقارنة باألجناس البرشية القديمة‪ ،‬أما البرش اآلخرين‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫قني أو‬ ‫من غري آدم عليه السالم و َبنيه والذين كانوا من َقبْله يف األرض فليس عندنا ٌ‬
‫خرب َي ٌ‬
‫جاز ٌم يف أصوهلم وكيفية خلقهم مع كون مزيد البحث يتمشى مع وجود أوادم‬ ‫ِعلْ ٌم ِ‬
‫آخرين كم ب َّينا آنفا‪.‬‬
‫أب‬
‫الضيق – الذي يقول أن آدم عليه السالم ٌ‬ ‫وباملقابل أدى كذلك هذا الفهم َّ‬
‫لكل الناس‪ -‬إىل إدخال الدين يف تعارض مع هذه النظرية؛ ما دفع إىل إحلاد بعض ضعفاء‬
‫اإليمن من النصارى وما شاهبهم وبخاصة يف أروبا‪ ،‬وكان هذا األمر من بني األمور التي‬
‫سامهت بطريقة غري مبارشة يف املوجة اإلحلادية املناهضة للدين وبخاصة ضد الكنيسة‬
‫‪-‬وليست التطورية فقط هي التي سامهت يف ظهور املوجة اإلحلادية اجلديدة‪ ،‬وإنم‬
‫هنالك أمور أخرى أمهها حتريفهم للتوراة واإلنجيل‪ ،‬ما جعل هذا التحريف يناقض‬
‫بعض النظريات العلمية‪ ،‬وجور الكنيسة يف أروبا القديمة‪ ،‬حيث وصل هبا األمر إىل‬
‫اضطهاد وإحراق من خالفها من العلمء‪ -‬أو عىل األقل زاد إمهال الدين وفصله عن‬
‫العلم وحتجيمه يف أروبا عىل وجه التحديد‪ ،‬وكمثال عىل هذا استبدال رؤية اخللق‬
‫اإلْسائيلية لنشأة اإلنسان بالنظرية التطوية الداروينية –وقد سميت قصة اخللق عندهم‬
‫باإلْسائيلية ألنه ليس رشطا علينا نحن املسلمون أن نلتزم بتفاصيلها عندهم ورؤيتهم‬
‫هلا‪ ،‬وقد تكلمنا يف الفصل األول عىل أخطاء اإلْسائيليات يف ذلك‪ ،-‬وقد ازداد ترسخ‬
‫التطورية ما بعد القرن التاسع عرش شيئا فشيئا وقد بقي هذا اإلشكال دون حل مقنع‪.‬‬
‫وال بد بعدها من االعرتاف أن االحلاد قد اغتنم هذه النظرية ووجد فيها انتقامه ضد‬
‫الرؤية الكنسية والدينية التي كانت سائدة يف القديم‪ ،‬وهذا بالرغم من أن هذه النظرية ال‬
‫تدعوا إىل اإلحلاد وليس هلا عالقة به‪ ،‬وإنم هي ت َفّس طريقة نشأة املخلوقات احلية‬
‫واإلنسان فقط‪.‬‬
‫ني بإذن اهلل وفضله من خالل ما سبق أن هذه املقدمة التي بنِي عليها‬
‫لكن قد َت َب َّ‬
‫هذا الرفض خاطئة‪ ،‬بمعنى أن الوحي ال يعارض وجود برش قبل آدم عليه السالم‪ ،‬بل‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪221 -------‬‬

‫يشري إىل ذلك‪ ،‬مع كونه عليه السالم مستقال عنهم ِخلق ًة‪ ،‬فإن اهلل خلقه بيده ونفخ فيه‬
‫من روحه وأنزله إىل األرض بعد معصيته وتوبته عليه السالم‪ ،‬حيث كان موجودا قبله‬
‫برش آخرين ليس هلم عالقة نسب ظاهرة معه‪ ،‬وهنا تتغري املعطيات ويظهر‬
‫يف األرض ٌ‬
‫السؤال جمددا بنوع من االختالف والتحديد‪ :‬هل تتعارض بعد هذه احلقيقة قصة آدم‬
‫عليه السالم مع النظرية التطورية ؟ وهل يصح أن نؤمن بنظرية التطور يف حق البرش‬
‫الذين ليسوا من آدم عليه السالم بعدما علمنا أن اهلل خلقه عليه السالم خلقا مستقال‬
‫عنهم‪ ،‬وأسكنه يف هذه األرض متأخرا عن كثري من البرش األولني الذين سبقوه بمئات‬
‫اآلالف من السنني ؟‬
‫أوال جيب أن نعرف إن كانت هذه النظرية تتناول البرش الذين هم من غري آدم‬
‫عليه السالم وبنيه املبارشين‪ ،‬فإن هذا ال يناقض اإلسالم‪ ،‬فإن اهلل تعاىل قد ذكر لنا أن‬
‫آدم عليه السالم هو الذي خلقه خلقا مستقال‪ ،‬وليس قدَ َماء الناس الذي نتحدث عليهم‪،‬‬
‫أي أن اخللق املستقل لكل البرش ليست قاعدة قابلة للتعميم‪ ،‬وهذا ما يرتتب عليه أمور‬
‫أهـمها تويز االجتهاد العلمي ‪ -science-‬يف تفسري خلقه سبحانه للشعوب‬ ‫م ِه َّمة؛ َ‬
‫األخرى‪ ،‬وأنه إن ظهرت هذه النظرية ٍ‬
‫بأدلة صحيحة فال حرج يف قبوهلا‪ ،‬وال يرتتب عىل‬
‫إنكار َرش ِع ٌي‪ ،‬أو وجوب إيمن عقدي بم تقدمه من أفكار‪ ،‬فكل إنسان ح ٌّر أن ي َّتبِع‬ ‫ٌ‬ ‫ذلك‬
‫ترجح له ِم ْن ِف ْكرة أو َي ْرت َكها إن كانت ال تناقض الدين‪ ،‬فإن هذا ال يبْنى عليه‬ ‫يف ذلك ما َّ‬
‫حالل أو حرام‪ .‬يذكر املفّس رشيد رضا يف تفسريه‪َ " :‬أنَّه َليس ِيف ا ْلقر ِ‬
‫آن‬ ‫ٌ‬ ‫تكليف رشعي‬
‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ٌ‬
‫احلَ َي َوان النَّاطِق‪،‬‬ ‫رش هنَا َه َذا ْ‬ ‫رش ِم ْن ذر َّي ِة آ َد َم‪َ ،‬وا ْمل َراد بِا ْل َب َ ِ‬ ‫يع ا ْل َب َ ِ‬ ‫نَص أص ِ ِ‬
‫ويل َقاط ٌع َع َىل َأ َّن َمجِ َ‬‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬
‫الرأْ ِي َال ي َرد‬ ‫ادي ا ْلب َرش ِة‪ ،‬ا ْملن ْ َت ِصب ا ْل َقام ِة‪ ،‬ا َّل ِذي يطْ َلق َع َلي ِه َل ْفظ ْ ِ ِ‬ ‫ا ْلب ِ‬
‫اإلن َْسان‪َ ،‬و َع َىل َه َذا َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫رش ِعدَّ َة آب ٍ‬
‫ني‪َ ،‬و َم ِن اقْ َتن ََع بِ َق ْو ِهل ِ ْم ِم ْن َأ َّن لِلْ َب َ ِ‬
‫اء ت َْر ِجع إِ َليْ ِه ْم‬ ‫َ‬ ‫احثِ َ‬ ‫آن ما يقوله بعض ا ْلب ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬
‫َع َىل ا ْلق ْر َ َ‬
‫اإل َمام –يقصد رشيد رضا هنا شيخه‬ ‫ب إِ َليْ ِه ْاأل ْس َتاذ ْ ِ‬ ‫ِ ٍ ِ‬
‫َسالَئل كل صن ْف من ْه ْم‪ .‬ث َّم إِ َّن َما َذ َه َ‬
‫ِ‬

‫ات ا َّلتِي ت َِرد ِيف َه َذا ا ْ َمل َقا ِم‪َ ،‬و َل ِكنَّه َال َي ْمنَع ا ْمل ْع َت ِق ِدي َن َأ َّن آ َد َم ه َو‬ ‫حممد عبده ‪ -‬يرد الشبه ِ‬
‫ََ‬ ‫َ‬
‫اال ْعتِ َقا َد‪َ ،‬وإِن ََّم‬
‫آن َين ِْفي َه َذا ِ‬ ‫اد ِه ْم َه َذا ؛ ِألَنَّه َال َيقول‪ :‬إِ َّن ا ْلق ْر َ‬ ‫رش كل ِهم ِمن ا ْعتِ َق ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َأبو ا ْل َب َ ِ‬
‫رص ْحنَا ِ َهب َذا؛ ِألَ َّن َب ْع َض الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس ك َ‬
‫َان‬ ‫َيقول‪ :‬إنَّه َال يثْبِته إ ْث َباتًا َقطْع ًّيا َال َ ْحي َتمل ال َّتأْو َيل‪َ ،‬و َق ْد َ َّ‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪222 --------------‬‬

‫رش‬‫اال ْعتِ َقا َد‪َ ،‬أ ِي ا ْعتِ َقا َد َأ َّن آ َد َم َأبو ا ْل َب َ ِ‬ ‫آن ين َِايف َه َذا ِ‬ ‫َف ِه َم ِم ْن َد ْر ِس ِه َأنَّه َيقول‪ :‬إِ َّن ا ْلق ْر َ‬
‫ون ِيف‬ ‫وت ما يقوله ا ْلب ِ‬
‫احث َ‬ ‫َ‬ ‫ني َأ َّن ثب َ َ َ‬ ‫حيا‪َ ،‬وإِن ََّم َب َّ َ‬ ‫حيا‪َ ،‬و َال َتلْ ِو ً‬‫َرص ً‬ ‫كل ِه ْم‪َ )1(،‬وه َو َمل َيق ْل َه َذا ت ْ ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رش عدَّ َة أصول‪َ ،‬وم ْن ك َْون آ َد َم‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلَ َي َوانَات م ْن َأ َّن للْ َب َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رش‪َ ،‬و َعاد َّياهت ْم َو ْ‬ ‫ا ْلعلو ِم‪َ ،‬وآ َث ِ‬
‫ار ا ْل َب َ ِ‬
‫آن‪َ ،‬و َال ينَاقِضه‪،‬‬ ‫ض َق ِد ًيم َو َح ِديثًا‪ ،‬كل َه َذا َال ين َِايف ا ْلق ْر َ‬ ‫َليْ َس َأ ًبا َهل ْم كل ِه ْم ِيف َمجِي ِع ْاألَ ْر ِ‬
‫آن َب ْل َله ِحين َِئ ٍذ َأ ْن َيق َ‬ ‫ون مسلِم م ْؤ ِمنًا بِا ْلقر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َان ا ْلق ْرآن‬ ‫ول‪َ :‬ل ْو ك َ‬ ‫ْ‬ ‫َوي ْمكن َمل ْن َث َب َت عن ْدَ ه َأ ْن َيك َ ْ ً‬
‫الش ِائ َع‬ ‫اال ْعتِ َقا َد َّ‬ ‫َص َقاطِ ٍع ي َؤيد َه َذا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َع َليْه َو َس َّل َم ‪َ -‬ل َم َخالَ م ْن ن ٍّ‬ ‫حم َّمد ‪َ -‬ص َّىل َّ‬
‫ِمن ِعن ِْد َ ٍ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫اب ِيف َذل ِ َك‪َ ،‬و َل ِكنَّه ‪َ -‬وه َو ِم ْن ِعن ِْد اهلل ‪َ -‬جا َء ِيف َذل ِ َك بِ َم َملْ ت َْس َتطِ ِع ا ْل َيهود‬ ‫َع ْن َأ ْه ِل ا ْل ِك َت ِ‬
‫ارضوه ِم ْن َب ْعد‬ ‫ون َأ ْن ي َع ِ‬ ‫احث َ‬ ‫خما َل َفتِ ِه لِكتبِ ِهم‪ ،‬و َمل يس َتطِ ِع ا ْلب ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ َْ ْ‬ ‫ار َضه ِم ْن َقبْل بِدَ ْع َوى َ‬ ‫َأ ْن ت َع ِ‬
‫ِملخَ ا َل َفتِ ِه َما َث َب َت ِعن ْدَ ه ْم‪َ .‬و َليْ َت ِش ْع ِري َما َذا َيقول ا َّل ِذي َن َي ْذ َهب َ‬
‫ون إِ َىل َأ َّن ا ْمل َْس َأ َل َة َقطْ ِعيَّ ٌة‬
‫ون‬‫ول؟ َه ْل َيقول َ‬ ‫ت ِعن ْدَ ه بِ َأ َّن ا ْل َب َرش ِم ْن ِعدَّ ِة أص ٍ‬ ‫وقن بِدَ َال ِئ َل َقا َم ْ‬ ‫آن فِيمن ي ِ‬
‫َ ْ‬
‫بِنَص ا ْلقر ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ون م ْسلِ ًم‪َ ،‬و َت َع َّذ َر َع َليْ ِه ت َْرك َي ِقين ِ ِه ِيف ا ْمل َْس َأ َل ِة‪ :‬إِنَّه َال َي ِصح إِ َيمنه‪َ ،‬و َال‬ ‫إِ َذا َأ َرا َد َأ ْن َيك َ‬
‫ِ‬
‫ارض َي ِقينَه! ؟‬ ‫َص ِف ِيه ي َع ِ‬ ‫آن َكالَم اهلل‪َ ،‬و َأنَّه َال ن َّ‬ ‫ي ْق َبل إِ ْسالَمه‪َ ،‬وإِ ْن َأ ْي َق َن بِ َأ َّن ا ْلق ْر َ‬
‫ادر ِمن َل ْف ِ‬ ‫ِ‬
‫س ( أي قول اهلل تعاىل‪ ( :‬هو الذي خلقكم من نفس‬ ‫ظ النَّ ْف ِ‬ ‫َه َذا َوإِ َّن ا ْمل َت َب َ ْ‬
‫ت ‪َ -‬أ َّ ََنا ِه َي ا ْل َم ِه َّية‪َ ،‬أ ِو‬ ‫يد ا ْملس َّلم ِ‬ ‫ات‪ ،‬وال َّت َقال ِ ِ‬ ‫ف النَّ َظ ِر َع ِن الرواي ِ‬ ‫واحدة ) )‪ -‬بِرص ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫َائن ِ‬
‫ري ِه ِمن ا ْلك ِ‬ ‫ِ‬ ‫احلَ ِقي َقة ا َّلتِي ك َ‬
‫َات‪َ ،‬أ ْي َخ َل َقك ْم‬ ‫اإلن َْسان ه َو َه َذا ا ْلكَائن ا ْمل ْم َتاز َع َىل َغ ْ ِ َ‬ ‫َان ِ َهبا ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫احلَ ِقي َقة ب ِدئ ْ‬
‫َت بِآ َد َم‬ ‫ون َه ِذ ِه ْ‬ ‫ني َأ ْن تَك َ‬ ‫احدَ ٍة‪َ ،‬و َال َف ْر َق ِيف َه َذا َب ْ َ‬‫اح ٍد‪ ،‬وح ِقي َق ٍة و ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ْس و ِ‬
‫م ْن ِجن ٍ َ‬
‫ِ‬

‫ري ِه َوانْ َق َرضوا ك ََم َقا َله َب ْعض‬ ‫َت بِ َغ ْ ِ‬‫ني(‪َ -)2‬أ ْو ب ِدئ ْ‬ ‫اب َومجْهور ا ْمل ْسلِ ِم َ‬ ‫‪ -‬ك ََم َع َليْ ِه َأ ْهل ا ْل ِك َت ِ‬
‫َاف ك ََم َع َليْ ِه َب ْعض‬ ‫ول انْب َّث ِمن ْها ِعدَّ ة َأصن ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َت بِعدَّ ة أص ٍ َ‬
‫الشيع ِة والصوفِي ِة‪َ )3(،‬أو ب ِدئ ْ ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬

‫أب لكل البرش يف‬


‫)‪ -(1‬وإن كان الصواب أن نقول أن القرآن الكريم ال يثبت أن آدم عليه السالم هو ٌ‬
‫كل األزمنة واألمكنة‪ ،‬وقد مر معنا ما يكفي من األدلة عىل ذلك‪.‬‬
‫)‪ -(2‬وليس رأي اجلمهور دليل عىل أن الرأي حق‪ ،‬بل يف بعض األحيان احلق خيالف رأي اجلمهور‪،‬‬
‫فالعربة بالدليل‪.‬‬
‫)‪ -(3‬ولدينا حديث عبد اهلل بن عباس يف السبع أوادم السابق ِذكْره يف تفّس آية السبع أراضني‪ ،‬والذي‬
‫قد يكفي يف إثبات هذه الطريقة يف اخللق‪.‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪223 -------‬‬

‫َات‪َ ،‬أ ْو‬ ‫احليوان ِ‬ ‫ون َه ِذ ِه ْاألصول َأ ِو ْاألَ ْصل ِّمَّا ْار َت َقى َع ْن َب ْع ِ‬ ‫ني َأ ْن تَك َ‬ ‫احثِ َ‬ ‫ا ْلب ِ‬
‫ض ََْ َ‬ ‫ني‪َ ،‬و َال َب ْ َ‬ ‫َ‬
‫رص‪َ ،‬واَّلل ‪َ -‬ت َع َاىل ‪َ -‬يقول ِيف‬ ‫َّاس ِيف َه َذا ا ْل َع ْ ِ‬ ‫ني الن ِ‬ ‫اخلالَف َب ْ َ‬ ‫خلِ َق مس َت ِقالًّ َع َىل ما َع َلي ِه ْ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ‬
‫ني [‪ ]12 :23‬اآليات‪َ ،‬و َسن َبني ِيف‬ ‫ان ِم ْن سالَ َل ٍة ِم ْن طِ ٍ‬ ‫ني‪َ :‬و َل َق ْد َخ َل ْقنَا ْ ِ‬
‫اإلن َْس َ‬ ‫ور ِة ا ْمل ْؤ ِمن ِ َ‬ ‫س َ‬
‫ان ِم ْن َكيْ ِف َّي ِة‬ ‫اإلنْس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جمموع ْاآل َيات ا ْملن ََّز َلة ِيف َخلْ ِق ْ ِ َ‬ ‫احل ْج ِر َما ي ِفيده َ ْ‬ ‫ري سور ِة ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ري َها‪َ ،‬أ ْو َت ْفس ِ َ‬ ‫َت ْف ِس ِ‬
‫اإلن َْسانِ َّية‬ ‫احدَ ٍة ِه َي ْ ِ‬‫سو ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس ه ْم م ْن َن ْف ِ َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ٍ‬
‫َتك ِْوينه‪َ .‬ع َىل كل َحال‪َ ،‬وكل َق ْول َيصح َأ َّن َمجِ َ‬
‫يع الن ِ‬ ‫ِِ‬

‫َّاس‪َ ،‬وبِر ِه ْم َو َد ْف ِع ْاألَ َذى‬ ‫ري الن ِ‬ ‫َاسا‪َ ،‬و ِه َي ا َّلتِي َي َّت ِفق ا َّل ِذي َن َيدْع َ‬
‫ون إِ َىل َخ ْ ِ‬ ‫ا َّلتي كَانوا ِ َهبا ن ً‬
‫ِ‬
‫اإلنْس ِ‬ ‫اجل ِامعة َهلم‪َ ،‬ف َرتاهم َع َىل ِ ِ‬ ‫َعن ْهم َع َىل كَو َِنا ِهي ْ ِ‬
‫ون‬‫ان َيقول َ‬ ‫اختالَف ِه ْم ِيف َأ ْص ِل ْ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫احلَقي َقة ْ َ َ ْ َ ْ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ْ‬
‫َاط‬‫اإلن َْسانِ َّي َة َمن َ‬ ‫اإلن َْسانِ َّي ِة‪َ ،‬ف َيعد َ‬
‫ون ْ ِ‬ ‫َاف‪ :‬إِ ََّن ْم إِ ْخ َوتنَا ِيف ْ ِ‬ ‫َاس و ْاألَصن ِ‬
‫َع ْن َمجِي ِع ْاألَ ْجن ِ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ني ا ْل َب َ ِ‬ ‫اعي َة ْاأل ْل َف ِة وال َّتعاط ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السالَم‬ ‫رش‪َ ،‬س َوا ٌء ا ْع َت َقدوا َأ َّن َأ َباه ْم آ َدم ‪َ -‬ع َليْه َّ‬ ‫ف َب ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ا ْل َو ْحدَ ة‪َ ،‬و َد َ‬
‫ك‪)1(".‬‬ ‫‪َ -‬أ ِو ا ْل ِق ْرد‪َ ،‬أ ْو َغ ْري َذل ِ َ‬
‫َوأذكر بم نقله رشيد رضا عن شيخه حممد عبده يف تفسري النفس الواحدة يف أول‬
‫وب‪.‬‬ ‫اخل َطاب َعا ٌّم ِجلَ ِمي ِع الشع ِ‬ ‫س معهود ٍة و ْ ِ‬
‫ف َينص َع َىل َن ْف ٍ َ ْ َ َ‬ ‫سورة النساء قائال‪َ " :‬و َكيْ َ‬
‫َّاس َم ْن َال َي ْع ِرف َ‬ ‫يع ِه ْم‪َ ،‬ف ِم َن الن ِ‬ ‫وه َذا ا ْلعهد َليس معرو ًفا ِعن ْدَ َمجِ ِ‬
‫ون آ َد َم َو َال َح َّوا َء َو َملْ‬ ‫َْ ْ َ َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ني‪َ ،‬ف ِإ ََّن ْم‬ ‫َي ْس َمعوا ِ ِهب َم‪َ .‬و َه َذا الن ََّسب ا ْملَشْ هور ِعن ْدَ ذر َّي ِة نوحٍ َم َثالً ه َو َمأْخو ٌذ َع ِن ا ْل ِع ْ َربانِي َ‬
‫ون‬‫ني َين ِْسب َ‬ ‫َارخيًا م َّت ِصالً بِآ َد َم‪َ ،‬و َحدَّ دوا َله َز َمنًا َق ِري ًبا‪َ .‬و َأ ْهل الص ِ‬ ‫رش ت ِ‬ ‫هم ا َّل ِذي َن َج َعلوا لِلْ َب َ ِ‬
‫ون‪.‬‬ ‫ب إِ َليْ ِه ا ْل ِع ْ َربانِي َ‬ ‫ِ‬
‫الز َم ِن ا َّلذي َذ َه َ‬
‫ِ‬ ‫ون بِ َت ِ ِ ِ‬
‫ارخيه إِ َىل َز َم ٍن َأ ْب َعدَ م َن َّ‬ ‫آخ َر‪َ ،‬و َي ْذ َهب َ‬ ‫ب َ‬ ‫رش إِ َىل َأ ٍ‬
‫ا ْل َب َ َ‬
‫ني َال ن َك َّلف‬ ‫َحن ا ْمل ْسلِ ِم َ‬ ‫ني‪َ ،‬ون ْ‬ ‫َاريخِ ا ْل ِع ْ َربانِي َ‬
‫رش ِّمَّا َيطْ َعن ِيف ت ِ‬ ‫َوا ْل ِعلْم َوا ْل َب ْحث ِيف آ َث ِ‬
‫ار ا ْلبَ َ ِ‬
‫السالَم ‪َ ،-‬ف ِإنَّه َال ثِ َق َة ِعن ِْد َنا بِ َأنَّه ِم َن‬ ‫ِ‬
‫وسى ‪َ -‬ع َليْه َّ‬
‫ِ‬
‫َاريخِ ا ْل َيهود‪َ ،‬وإِ ْن َع َز ْوه إِ َىل م َ‬ ‫َص ِد َيق ت ِ‬ ‫ت ْ‬
‫احلس‪،‬‬ ‫َات ْ ِ‬ ‫ال َّتور ِاة‪ ،‬و َأنَّه ب ِقي كَم جاء بِ ِه موسى‪َ .‬ق َال‪ :‬نَحن َال نَح َتج َع َىل ما وراء مدْرك ِ‬
‫َ ََ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ َ َ َ َ َ‬
‫السالَم ‪َ ،-‬وإِ َّننَا ن َِقف ِعن ْدَ َه َذا ا ْل َو ْح ِي َال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوا ْل َع ْق ِل إِ َّال بِا ْل َو ْح ِي ا َّلذي َجا َء بِه نَبِينَا ‪َ -‬ع َليْه َّ‬
‫س ا َّلتِي خلِ َق‬ ‫ات كَثِ َريةً‪َ ،‬و َق ْد َأ ْ َهب َم اهلل ‪َ -‬ت َع َاىل ‪َ -‬ههنَا َأ ْم َر النَّ ْف ِ‬ ‫ن َِزيد‪ ،‬و َال َنن ْقص كَم قلْنَا مر ٍ‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اإل ْف ِرنْجِ‬‫ون ِم َن ْ ِ‬ ‫احث َ‬ ‫النَّاس ِمن ْها‪ ،‬وجاء ِهبا ن َِكر ًة َفنَدَ عها َع َىل إِهب ِامها‪َ .‬ف ِإ َذا َثب َت ما يقوله ا ْلب ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ‬

‫)‪ -(1‬رشيد رضا‪ ،‬تفسري املنار‪.268 -267/4 ،‬‬


‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪224 --------------‬‬

‫َان َذل ِ َك َغ ْ َري َو ِار ٍد َع َىل كِ َتابِنَا ك ََم َي ِرد َع َىل كِ َت ِاهبِم‬ ‫ْف ِمن َأصن ِ‬
‫َاف ا ْل َب َ ِ‬
‫رش َأ ًبا ك َ‬ ‫ْ ْ‬
‫ِمن َأ َّن لِكل ِصن ٍ‬
‫ْ‬
‫يه ْم َع َىل ال َّط ْع ِن ِيف ك َْو ِ ََنا ِم ْن‬‫احثِ ِ‬‫الرصيحِ ِيف َذل ِ َك‪ ،‬وهو ِّمَّا َمح ََل ب ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫يها ِم َن النَّص َّ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ال َّت ْو َراة ل َم ف َ‬
‫اىل ‪ -‬ووح ِي ِه‪)1(".‬‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫عن ْد اهلل ‪َ -‬ت َع َ َ َ ْ‬
‫وبعد هذا املوقف من رشيد رضا وشيخه حممد عبده يمكن القول؛ أن رد هذه‬
‫النظرية التطورية مجلة وتفصيال بدعوى أَنا تناقض الوحي هو فهم خاطئ كم بينا آنفا‪،‬‬
‫فكم َّ‬
‫أن اهلل قادر أن خيلق خلقا ما مستقال‪ ،‬يمكنه سبحانه أن خيلق آخرين تدرجييا من‬
‫أصل مشرتك‪ ،‬ويف حال ثبتت هذه النظرية كم قلت فإَنا ال تناقض الوحي‪ ،‬وال يوجد‬
‫أي إشكال يف اجلمع بينها وبني خلق اهلل تعاىل املستقل آلدم عيل السالم‪ ،‬كونه ال يوجد‬
‫عالقة انحدار نسل بني البرش الذي كانوا من قبل يف األرض وبني آدم عليه السالم الذي‬
‫فم َث ِل آدم يشْ بِه مثل عيسى‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ ( :‬إِ َّن َمث ََل‬‫نزل بعدهم خالقا مستقال عنهم‪َ ،‬‬
‫احلَق ِمن َّرب َك‬ ‫اَّللِ ك ََمث َِل آ َد َم ۚ َخ َل َقه ِمن ت َر ٍ‬
‫اب ث َّم َق َال َله كن َف َيكون (‪ْ )59‬‬ ‫ِ‬
‫يس ٰى عندَ َّ‬
‫ع َ‬
‫ِ‬

‫َفالَ تَكن م َن ا ْمل ْم َ ِرتي َن )(آل عمران ‪ .)60-59‬فعندما نتكلم عن التطورية فإننا نتناول‬
‫أصل اجلنس البرشي وليس أبوة فرد معني عىل أمة م َعينة وهي التي ختص آدم عليه‬
‫السالم‪ ،‬وال يوجد أي تناقض عند اجلمع بني الفكرتني‪ ،‬فاألمر األول –أي ال َّت َطورية‪-‬‬
‫يتناول أصول جنس الناس من غري آدم عليه السالم‪ ،‬والثاين – أي آدم عليه السالم ‪-‬‬
‫ٍ‬
‫واحدة من األمم اإلنسانية الكثرية‪ ،‬السيم وأن هذه األمة متأخرة‬ ‫أب أل ٍ‬
‫مة‬ ‫يتكلم عن ٍ‬
‫عىل كثري من األمم السابقة القديمة‪ ،‬فإن الالجتهاد يف معرفة أصول هذه األمم السابقة‬
‫واجلنس اإلنساين ككل سائغ‪ ،‬وال يتعارض مع ِق َّصة آدم عليه السالم الـمث َبتَة بالوحي‬
‫القطعي الذي ال ريب فيه‪.‬‬
‫فيبقى تفسري كيفية خلق البرش اآلخرين الذين كانوا قبل آدم عليه السالم اجتهادا‬
‫قابال لألخذ والرد‪ ،‬بل من الـمـ َـر َّجح أيضا أن اهلل خلق أوادم آخرين بطريقة قد تشبه‬
‫خلقه آلدم عليه السالم –ولو يف العموم مثل اخللق املستقل‪ ،‬وقد سقنا سابقا أدلة عىل‬

‫)‪ - (1‬املرجع نفسه‪.266/4 ،‬‬


‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪225 -------‬‬
‫ني ِيف كل َأ ْر ٍ‬
‫ض نَبِي‬ ‫(سبْ َع َأ َر ِض َ‬
‫ذلك‪ ،-‬لورود حديث عبد اهلل بن عباس السابق ذكره َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يسى)‪)1(،‬وذلك يف‬ ‫يسى كَع َ‬ ‫يم‪َ ،‬وع َ‬ ‫وح كَنوحٍ ‪َ ،‬وإِ ْب َراهيم ك َِإ ْب َراه َ‬‫َكنَبِيك ْم‪َ ،‬وآ َدم كَآ َد َم‪َ ،‬ون ٌ‬
‫ض ِمثْ َله َّن ) (الطالق‪:‬‬ ‫ات َو ِم َن ْاألَ ْر ِ‬
‫تفسريه لقول اهلل تعاىل‪ ( :‬اَّلل ا َّل ِذي خ َل َق سبع سمو ٍ‬
‫َ َ َْ َ َ َ‬ ‫َّ‬
‫‪ )12‬كم مر معنا وأن رشحنا هذه املسألة‪ ،‬فقوله "آدم كآدم" يقتِض التشبيه بينهم أيضا‬
‫وأديان أخرى كخلق‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شعوب‬ ‫يف كيفية اخللق الـم ْستقل‪- ،‬وقد رأينا مثاال عن ذلك يف‬
‫كيومرث أب الفرس‪ ،‬وغريه من شخصيات يف ملل وأراض أخرى تشبه بعض أنبياء‬
‫الرشق األوسط‪ .)2(-‬ويبقى بعدها إمكانية اجلمع بني كل هذا؛ فإنه ال إشكال أن يكون‬
‫اهلل قد خلق آدم عليه السالم خلقا مستقال‪ ،‬وكذلك خلق أوادم آخرين خلقا مستقال يف‬
‫ٍ‬
‫وأراض أخرى مثل آدمنا‪ ،‬وال مانع أن اهلل سبحانه خلق أيضا برشا آخرين من‬ ‫ٍ‬
‫أزمنة‬
‫أصل أو أصول مشرتكة أطوارا تطورت عرب ماليني السنني كم ظهرت بعض األدلة عىل‬
‫ذلك يف العلم احلديث‪ ،‬فال يظهر يف الوحي يشء يعارض ذلك‪ ،‬فال يتناىف أن يرتافق هذا‬
‫حيرص وجود كل‬ ‫مع ذاك‪ ،‬فأصل سلسلة نشوء كل البرش جمهول‪ ،‬وليس هنالك دليل َ ْ‬
‫البرش يف األو ِ‬
‫ادم‪ ،‬ومع أنَّه َي َ َرت َّجح وجودهم لألدلة السابقة‪ ،‬فإنه من غري املمتنع أنه قد‬ ‫َ‬
‫َطو َر وارتقى من خملوقات أدنى منه عرب ماليني‬ ‫أتى آوادم بـِمـ َو َازاة نسل برشي قديم ت َّ‬
‫ِ‬
‫السنني‪ ،‬فخلق البرش م َع َّقد وجمهول األصول وقديم‪ ،‬فليس بالرضورة أن ْ‬
‫حي َرص تفسري‬
‫نشأته يف تفسري واحد بأن يكون كل النسل البرشي قد أتى حرصا من هؤالء اآلباء أو‬
‫أب واحد‪ -‬وهذا ما ظهر لنا يف الت َفكر فيم توفر عندنا‬‫األوادم –فضال أن يكون جاء من ٍ‬
‫أدلة‪ ،‬فعيسى عليه السالم الذي خلقه اهلل تعاىل خلقا خمتلفا عن خلق الناس ويشبه‬ ‫من ِ‬

‫آدم عليه السالم‪ ،‬إال أن اهلل خلقه مسبوقا ببرش وجاء إىل الدنيا يف سياق هذا النسل‬
‫ٌ‬
‫مسبوق ببرش كذلك‪ ،‬وآدم عليه السالم‬ ‫اإلنساين‪ ،‬ونوح عليه السالم أب بني آدم الثاين‬
‫ٌ‬
‫مستقل هو كذلك قد أتى بـِم َو َازاة نسل إنساين أسبق منه ( كم سيأيت‬ ‫خلق‬
‫نفسه الذي هو ٌ‬

‫)‪ -(1‬احلديث صحيح وسبق خترجيه‪.‬‬


‫)‪ -(2‬وقد مر معنا مثال كيومرث عند الفرس‪ ،‬والذي يعتقد فيه الزرادشتيون أنه أبوهم وخلقه اهلل‬
‫خلقا مستقال من األرض‪ .‬راجع عنوان‪ :‬سبع أراض يف كل أرض آدم كآدم‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪226 --------------‬‬

‫إن شاء اهلل أمثلة علمية حول أنواع هؤالء البرش الذين كانوا قبل )‪ ،‬وكيومرث الذي هو‬
‫أب الفرس والنقول فيه ت ِفيد أنه ٌ‬
‫خلق مستقل إال أنه قد أتى أيضا يف سياق نسل برشي‬
‫أقدم منه –والتاريخ يؤكد ذلك فآدم عليه السالم أقدم زمانا عىل كيومرث‪ِ )1(-‬‬
‫وقس عىل‬
‫ذلك آباء البرش الذين ال نعرفهم‪ ،‬والذين قد يكونون أقدم من آدم عليه السالم بعدد كبري‬
‫من السنني ال مانع أَنم أتوا بدورهم بِـم َو َازاة نسل برشي أقدم منهم‪ ،‬ما َيدل أن النسل‬
‫اإلنساين قديم‪ ،‬قد يعد بماليني السنني –بتأكيد العلم احلديث‪ ،-‬وهذا ما َيدع إىل دراسة‬
‫أمر أكثر تعقيدً ا ّما كان ي َت َص َّور‪،‬‬
‫أعمق هلذا النسل‪ ،‬وهذا ما يوحي أن وجود كل البرش ٌ‬
‫ابل أن جيتهد فيه ع ـلمي ًا‪ ،‬واهلل تعاىل ح ـث ع ـىل الت َفكر يف ب ـداية اخللق قال اهلل تعاىل‪:‬‬ ‫وق ـ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫( ق ْل ِسريوا ِيف ْاألَ ْر ِ‬
‫اَّلل ينشئ النَّشْ َأ َة ْاآلخ َر َة ۚ إِ َّن َّ َ‬
‫اَّلل‬ ‫ف َبدَ َأ ْ‬
‫اخلَلْ َق ۚ ث َّم َّ‬ ‫ض َفانظروا َكيْ َ‬
‫يش ٍء َق ِد ٌير ) (العنكبوت‪ ،)20‬وهذا ما قد يفتح املجال أمام احتمالت أخرى‬ ‫َع َ ٰىل كل َ ْ‬
‫لتفسري نشأة اإلنسان‪ ،‬ربم منها هذه التطورية التدرجيية‪ ،‬فاخللق الـم ْستقل معجزة‬
‫واستثناء‪ ،‬وليس عادة أغلبية‪ ،‬فاهلل تعاىل خيلق باألسباب والتَّدَ رج عادة‪ ،‬كم خيلق‬
‫باملعجزة استثناء‪ ،‬وال إشكال بني اجلمع بني هاذين النوعني من اخللق‪ ،‬فاهلل خيلق كيف‬
‫يشاء وهو عىل كل يشء قدير‪.‬‬
‫بل إن أمكن استغالل هذه النظرية ال َّتطورية والتي يرى بِ ِص َّحة بحوثها أو جزء‬
‫بديل ِعلْ ِم ٌي م َربهنا أفضل منها‬
‫منها باحثون مسلمون مـخ َّتصون؛ والتي مل يظهر إىل اآلن ٌ‬
‫يف تفسري نشأة الكائتات ‪-‬وال َب ِديل الذي كان يظن يف نشأة البرش املستقل ليس قابال‬
‫مجيل بِ َرشط أن تن ْزع‬
‫للتعميم عىل كل البرش يف كل زمان ومكان كم رأينا‪ -‬فإن هذا يشء ٌ‬
‫الشوائب اإلحلادية التي ألصقها الالدينييون بالتطورية‪ )2(،‬وإنه إ ْن أ ْح ِسن استغالل هذه‬

‫)‪ - (1‬راجع عنوان‪ :‬إنسان قبل آدم عليه السالم يف الزرادشتية (املجوسية)‪.‬‬
‫)‪ - (2‬مثل القول بالصدَ ف العمياء والتغري العبثي دون خالق‪ ،‬واألعضاء من دون فائدة‪ ،‬تعاىل اهلل عن‬
‫ذلك علوا كبريا‪ ،‬فم ال ندرك حكمته ال يعني أن ليس له حكمة يف خلقه‪ ،‬واألدلة الالمتناهية البارزة‬
‫يف خلق اهلل التي تدرك حكمتها تبطل هذا الزعم‪ ،‬وتكفي لتنزهيه سبحانه عن كل عشوائية‪ ،‬واإلتقان‬
‫العجيب للخلق يدل عىل ِع َظم وتعايل خالقه عن العبث‪ ،‬فاهلل ال خيلق إال لفائدة وحكمة‪ .‬ونرضب‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪227 -------‬‬

‫اقض اإلسالم‬ ‫النَّ َظ ِرية وتوجيهها فهذا قد خيدم الدين اإلسالمي‪ ،‬برشط أن نبني أَنا ال تنَ ِ‬
‫َ‬
‫حرفة ألهل الكاتب كم سبق وبينَا شيئ ًا من ذلك‪ ،‬بل َيدَّ ِعي‬‫عىل عكس بعض األديان الـم َّ‬
‫بعض الباحثني املسلمني أن يف الوحي اإلسالمي أدلة أو إشارات عىل ذلك؛ حيث‬
‫وج ـ ـدوا بعض الن ـصوص ر َّب َم قد يكون فيها أوجه داللة صحيحة‪ ،‬مثل قول اهلل تعاىل‪:‬‬
‫الر ْمح َِة ۚ إِن َي َشأْ‬ ‫ِ‬
‫( َو َق ْد َخ َل َقك ْم َأطْ َو ًارا ) (نوح‪ ،)14‬وقول اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َرب َك ا ْل َغني ذو َّ‬
‫آخ ِري َن ) (األنعام‬ ‫ِ‬ ‫ف ِمن َب ْع ِدكم َّما َي َشاء ك ََم َأ َ‬
‫ي ْذ ِهبْك ْم َو َي ْس َتخْلِ ْ‬
‫نش َأكم من ذر َّية َق ْو ٍم َ‬
‫ف و َم ْن هم ذرية قو ٍم آخرين الذي أنشأنا اهلل منهم ؟ فاآلية تدل أن هنالك‬ ‫‪َ ،)133‬ف َكيْ َ‬
‫قوم ـا آخرين أنشأنا اهلل منهم ر َّبـم قد يكن فيهم شيئا ِمن املغايرة ل ـ ـ ـ ـنا‪ ،‬وقول اهلل تعاىل‪:‬‬
‫الس ْري‬
‫حث عىل َ‬ ‫اخلَلْ َق ) (العنكبوت‪ ،)20‬ففيه ٌ‬ ‫ف َبدَ َأ ْ‬
‫ض َفانظروا َكيْ َ‬ ‫( ق ْل ِسريوا ِيف ْاألَ ْر ِ‬
‫يف األرض والبحث عن َكيْف َّية بدء ونشوء املخلوقات‪ ،‬وهذا قد يدخل يف هذا النظر‬
‫ال َّت َأمل يف املخلوقات الـ َحـَيَّة و َت َتبع الـمس َّت َحثات واألحفورات امليتة‪ ،‬ودراسة كيفية‬
‫خلقها وأزمنة ظهورها‪ ،‬وقول اهلل تعاىل‪ ( :‬واَّلل خ َل َق ك َّل داب ٍة من م ٍ‬
‫اء ۚ َف ِمن ْهم َّمن َي ْم ِيش‬ ‫َّ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ َّ َ‬
‫ِ‬ ‫َع َىل بطْن ِ ِه و ِمن ْهم من يم ِيش َع َىل ِرج َل ِ ِ‬
‫ني َومن ْهم َّمن َي ْميش َع َ ٰىل َأ ْر َب ٍع ۚ َخيْلق َّ‬
‫اَّلل َما َي َشاء ۚ‬ ‫ٰ ْ ْ‬ ‫َّ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ٰ َ‬
‫س‬‫نش َأكم من َّن ْف ٍ‬ ‫يش ٍء َق ِد ٌير ) (النور‪ ،)45‬وقول اهلل تعاىل‪َ ( :‬وه َو ا َّل ِذي َأ َ‬ ‫إِ َّن َّ َ‬
‫اَّلل َع َ ٰىل كل َ ْ‬
‫ون ) (األنعام‪ ،)98‬وقد بينا آنفا‬ ‫ات ل ِ َق ْو ٍم َي ْف َقه َ‬
‫احدَ ٍة َفمس َت َقر ومس َتودع ۚ َق ْد َفصلْنَا ْاآلي ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ ٌّ َ ْ ْ َ ٌ‬
‫و ِ‬
‫َ‬
‫أن النفس الوحدة ال ي ْق َصد هبا رضور ًة يف القرآن الكريم آدم عليه السالم –راجع الفصل‬

‫هنا مثاال عم كانوا يقولون حول الزائدة الدودية لإلنسان حيث ادعَ ى البعض أنه ال وضيفة هلا يف جسم‬
‫اإلنسان وأَنا من بقايا األسالف التي كانت تس َتعمل عندهم‪ ،‬ثم أظهرت دراسات حديثة بطالن هذا‬
‫القول‪ ،‬حيث نرش بحث علمي حديثا ي َ ْربهن أن هذه الزائدة ذات فوائد كبرية‪ ،‬الزائدة قد تعمل‬
‫كمخزن أو ملجأ للبكترييا النافعة‪ ،‬وهذه األنواع من البكترييا النافعة تساهم يف اإلبقاء عىل األمعاء‬
‫صحية وتساعد يف الشفاء من البكترييا املمرضة‪ ،‬والن ْقص يف أعدادها يسبب مشاكل ها َّمة يف القولون‬
‫)انظر‪:‬‬ ‫والغازات‪.‬‬ ‫القولون‬ ‫انتفاخ‬ ‫عند‬ ‫تنتهي‬ ‫وال‬ ‫اهلضم‬ ‫بعّس‬ ‫تبدأ‬
‫‪https://www.sciencedaily.com/releases/2015/11/151130130021.htm‬‬
‫‪( https://www.nature.com/articles/ni.3332 ،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪228 --------------‬‬

‫ون )‬ ‫يش ٍء َح ٍّي ۚ َأ َفالَ ي ْؤ ِمن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫األول‪ ،-‬وقـ ـول اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َج َع ْلنَا م َن ا ْل َمء ك َّل َ ْ‬
‫يش ٍء َخ َل َقه ۚ َو َبدَ َأ‬ ‫ِ‬
‫(األنبياء‪ ،)30‬وخلق اإلنسان من اجلمد قال تعاىل‪ ( :‬ا َّلذي َأ ْح َس َن ك َّل َ ْ‬
‫ني ) (السجدة‪ ،)7‬وقوله تعاىل يف إخراج احلي من امليت‪ ( :‬خي ِْرج‬ ‫ان ِمن طِ ٍ‬‫اإلنس ِ‬
‫َخلْ َق ْ ِ َ‬
‫ون )‬ ‫خت َرج َ‬ ‫حي ِيي ْاألَ ْر َض َب ْعدَ َم ْو ِ َهتا ۚ َوك َ َٰذل ِ َك ْ‬ ‫ت َوخي ِْرج ا ْملَي َت ِم َن ْ‬
‫احلَي َو ْ‬
‫احلي ِمن ا ْملَي ِ‬
‫ْ َ َّ َ‬
‫(‪ )19‬فاهلل تعاىل خيلق وخيرج من اليشء الـمـيـت اجلامد اليشء احلي‪ ،‬والتطورية تقول أن‬
‫املخلوقات احلية واإلنسان خاصة خلِقوا من اجلمد و َت َط َّوروا منه عرب مئات املاليني من‬
‫السنني‪ ،‬وقول اهلل تعاىل الذي فيه كلمة خليفة الذي خيلف من قبله وسؤال املالئكة‬
‫ت َعل‬ ‫ض َخلِي َف ًة ۚ َقالوا َأ َ ْ‬ ‫الشهري؛ قال اهلل تعاىل‪ ( :‬إِ ْذ َق َال رب َك لِلْمال َِئك َِة إِين ج ِ‬
‫اع ٌل ِيف ْاألَ ْر ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َحن ن َسبح بِ َح ْم ِد َك َون َقدس َل َك ۚ َق َال إِين َأ ْع َلم َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يها َمن ي ْفسد ف َ‬
‫يها َو َي ْسفك الد َما َء َون ْ‬
‫ِ‬
‫ف َ‬
‫ون ) (البقرة‪ ،)30‬وقد سبق لنا االستدالل بقياس املالئكة يف هذه الآلية حول‬ ‫َال َت ْع َلم َ‬
‫طمئِن عقيل" يف‬ ‫ِ‬
‫وجود خملوقات قبل آدم عليه السالم‪ -،‬ويذكر أمحد العمري يف كتابه "ل َي َ‬
‫معنى كالمه أنه يمكن النظر إىل سفك الد َماء هنا بعني االنتقاء الطبيعي والبقاء لألقوى‬
‫اَّلل َأنْ َب َتك ْم ِم َن‬
‫التي كانت تعيش فيه املخلوقات‪ )1(،‬واهلل أعلم ‪ .-‬وقول اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َّ‬
‫ْاألَ ْر ِ‬
‫ض نَبات ًا ) (نوح‪ .)17‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫لذلك جيب االنطالق من القرآن الكريم وسنة النبي صىل اهلل عليه وسلم يف مثل‬
‫هذه البحوث‪ ،‬وحتكيم كل األدلة العلمية املتحصل عليها من هذه النظرية التطورية وما‬
‫شاهبها من البحوث التجريبية إىل الوحي‪ ،‬وال أقول األدلة فقط وإنـم ما هو أهم‪ ،‬وهو‬
‫حتكيم نتائج هذه البحوث إىل كالم ربن َا‪ ،‬وبالتايل يمكن بعدها احلكم عىل هذه النظريات‬
‫بتخطيئها أو تصويبها أو السكوت عليها‪.‬‬
‫وكذلك االستفادة من هذه النظرية ال َّت َطو ِرية وعدم تركها للمالحدة قد يرتتب‬
‫عليه فوائد متعددة‪ ،‬ال سيم وأن هذه النظرية قد أصبحت شبه مسلمة علمية تدرس يف‬
‫أغلب اجلامعات – حتى وإن كان الكثرة واالعرتاف ليس حجة إنم احلجة بالدليل‪،-‬‬

‫)‪ -(1‬انظر‪ :‬أمحد خريي العمري‪ ،‬ليطمئن عقيل‪ ،‬دار عصري الكتب‪ ،‬ط أوىل‪ ،2019 ،‬ص ‪.180‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪229 -------‬‬

‫وكذلك لم فيه من إبطال سالح اخلصم الالديني يف حماربة الدين ‪-‬فينقلب السحر عىل‬
‫الساحر‪ ،-‬فيكون الدليل الذي حياول أن يس ِ‬
‫تدل به الـمـلحد عىل إحلاده دليال يبْطل مذهبه‬ ‫َ ْ‬
‫بالدرجة األوىل بل ويدل أن هلذه املخلوقات خالقا عليم حكيم خيلقها وي ِ‬
‫وجه َها توجيها‬
‫ذكي ًا‪ ،‬وفق سنة كونية مضبوطة حكيمة‪- ،‬فالطبيعة تكره الفراغ فإن تركناها للملحد فإنه‬
‫سوف يـ َحرفها إىل مذهبه الباطل ويستعمل هذه النظرية ملحاربة الدين واملتدينني‪ .-‬ولم‬
‫فيه من العدل الذي أمرنا به الشارع يف التعاطي مع املعطيات واألخبار والعلوم‪ ،‬والنظر‬
‫بإنصاف يف األدلة التي تقدمها بعد ُتحيصها‪ ،‬وهذا بالرغم من اختطاف هذه النظرية من‬
‫بعض المديني ملحاربة الدين فإن هذا ال ي َغري من كون احلق حق ًا –إن وجد فيها‪ ،-‬فقد‬
‫حيمل الفاسق يشء من احلق ولو كان فاسقا‪ ،‬فنحن جيب أن ننظر يف حجية العلم ال يف‬
‫حامله‪ ،‬ونحكم عىل عموم اليش ال شوائبه‪ ،‬وهذا من العدل الذي جيب أن نتحىل به‪ ،‬قال‬
‫ِ ِ‬ ‫َ ِ ِ ِ‬
‫جي ِر َمنَّك ْم َشنَآن َق ْو ٍم‬ ‫اهلل تعاىل‪َ ( :‬يا َأ َهيا ا َّل ِذي َن آ َمنوا كونوا ق َّوام َ‬
‫ني ََّّلل ش َهدَ ا َء بِا ْلق ْسط ۚ َو َال َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون)‬ ‫اَّلل ۚ إِ َّن َّ َ‬
‫اَّلل َخبِ ٌري بِ َم َت ْع َمل َ‬ ‫َع َ ٰىل َأ َّال َت ْعدلوا ۚ ا ْعدلوا ه َو َأ ْق َرب لل َّت ْق َو ٰى ۚ َواتَّقوا َّ َ‬
‫(المئدة ‪ - ،)8‬مع العلم أن كثريا ِّمن يعتقد بصحة هذه النظرية يف األوساط الغربية هم‬
‫من املتدينني ومن املؤمنني بوجود خالق ‪ .-‬ول ِ َـم فيه من البحث يف تفسري نشأة اإلنسان‬
‫القديم‪ ،‬والذي تتهافت إىل فهمها قلوب الباحثني الغربيني والرشقيني‪ ،‬ول ِ َـم فيه من‬
‫استعطاف من يعتقد هبذه النظرية وتأليف قلوهبم لإلسالم‪ ،‬وتبني هلم احلق يف أن هذه‬
‫النظرية يف جوهرها ال تناقض اإلسالم‪ ،‬ولـ َِم فيه من قطع ذريعة كبرية أمام اإلحلاد‪،‬‬
‫و َكبْت شبهة مهمة أمام خروج بعض الشباب املسلم من الدين وبخاصة ضعيفي اإليمن‬
‫املتأثرين بالغرب‪ )1(،‬وأنه ال تثريب عىل املؤمنني الذين يعتقدوَنا‪ ،‬بل تذهب الشبهة من‬
‫قلوهبم‪ ،‬ولـِ َم فيه من مداراة وتوجيه أصحاب املنهج التجريبي وبعض غالهتم‪ ،‬ول ِ َـم يف‬
‫ذلك من حاجة ملِ َّحة يف فصل األفكار اإلحلادية والعنرصية التي ألصقت بالتطورية‪،‬‬
‫وإخضاع النظرية وتكييفها مع الدين ال العكس‪ ،‬ولـ َِم يف ذلك من التمس العذر ملن‬

‫)‪ -(1‬حتى إين أعرف شاب ًا مسلم كان مالزم يل‪ ،‬ثم أحلد‪ ،‬وكان من أهم أسباب إحلاده هذه النظرية‪،‬‬
‫واحلمد هلل قد من عليه وهاده‪ ،‬ورجع جمددا لإلسالم‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪230 --------------‬‬

‫خيالفك يف إثبات هذه النظرية ويعتقد بصحتها‪ ،‬وأن ذلك ال ين ْجر عليه تكفري وال تفسيق‬
‫وال تبديع –مثل باقي األمور الدنْيوية التي ال يرتتب عىل االختالف فيها يشء فهي‬
‫اجتهادات علمية تـَ َت ـ َّنوع فيها رؤى الباحثني‪ ،-‬برشط أن يث ْبت ما أثبت اهلل تعاىل‪ ،‬وأن ال‬
‫ي َطبق التطورية عىل آدم عليه السالم الذي خلقه اهلل خلقا مستقال بيديه سبحانه دون‬
‫ريب يف ذلك‪.‬‬
‫لكن جيب اإلقرار أن السكوت عىل أشياء كالتطورية وترك كل إنسان خيتار‬
‫تصوره فيها ‪-‬رفضا هلا يف الغالب ال سيم عند كثري منا‪ -‬مراعاة لبعض األزمنة واألوساط‬
‫واألفكار والشخصيات‪ ،‬قد يكون له أحيانا من املزايا وبعض الفوائد أكثر من السلبيات‬
‫ِ‬
‫نجر‬ ‫املرتتبة عىل إثباهتا واإلقرار بصحتها وبخاصة إذا ت ِركَت َّ‬
‫كأَنا تعارض الدين‪ ،‬لـ َم َي َ‬
‫من مضار َلـ َمـا ال تكون األمة أو الفرد متهيئني لقبول هذه الفكرة دون تفصيل‪ ،‬وبخاصة‬
‫عندما مل يـ َِحن الوقت ملعرفة مثل هذا األمر‪- ،‬لكن أرى أنه قد بدأ حيني الوقت إلحاطة‬
‫بعض اخلواص من هذه األمة هبذه املسألة‪ ،‬ثم يدرسوها للباقني كل بحسب مبلغ علمه‬
‫واحتياجاته املعرفية‪ -‬لكن هذا خيتلف من شخص آلخر‪ ،‬ومن زمن إىل زمن‪ ،‬وبحسب‬
‫القدرة العلمية لإلنسان والوسط‪ ،‬وطريقة فهمهم للوحي خاصة ودرجة خمالفتهم لم هو‬
‫موروث من غري دليل‪ ،‬أو هو معتاد من غري برهان‪ ،‬وخيتلف كذلك باختالف الزمان‬
‫واملكان‪ ،‬فإذا َعلِمنا أن شخصا ما ال يمكن إقناعه بوجود برش قبل آدم عليه السالم‪،‬‬
‫لتعصب أو غري ذلك‪ ،‬ففي كثري من األحيان البد من تركه عىل حاله من رفضه القطعي‬
‫للتطورية‪ ،‬ألن عدم رفضه لـ ـه ــا وق ـبول ـه هبا‪ ،‬يـ ـرتتب عليه تناقض فهمه للوحي مع هذه‬
‫النظرية‪ ،‬وهنا يقع اإلشكال الكبري‪ ،‬وهذا قد يتطور إىل شبهة‪ ،‬والشبهة قد تتطور إىل‬
‫شبهات‪ ،‬والشبهات قد تصعد إىل درجة الشك يف الدين‪ ،‬وهذا من املفسدة بمكان‪ ،‬فمثل‬
‫هذا الشخص اتركه وشأنه‪ ،‬فإن هذا األمر ليس من أصول اإليمن كي جيب عليه‬
‫تصديقها‪ ،‬بل ليس هذا من احلكمة‪ .‬لكن إذا رأيت يف هذا الشخص انصافا ونضوجا‬
‫عقليا أو اختصاصا –وبخاصة أهل العلم الرشعي والطبعيني وأهل علم اإلنسان واآلثار‬
‫وماشابه ‪ ،-‬والحظت فيه َت َتبعا للدليل‪ ،‬وقبوال للحق مهم خالف املؤلوف‪ ،‬وكان يف‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪231 -------‬‬

‫األمر رضورة معرفية‪ ،‬فعليك أن ختربه باحلقيقة‪ ،‬فإن إدراك املسلم وبخاصة ذوي‬
‫االختصاصات السابقة أنه يوجد برش قبل آدم عليه السالم استنادا عىل الوحي‪ ،‬وأن هذا‬
‫الوحي الفصل اليناقض هذه النظرية‪ ،‬فإن هذا يبْ ِعد عليهم مثل هذه الشبهات‬
‫واالشكاالت العقدية –وهذه الشبهات أهل علوم األحياء واإلنسان أكثر عرضة هلا ألن‬
‫اختصاصاهتم ت َعرضهم لذلك‪ ،-‬ويفتح عليهم أبواب اجتهادية أخرى كل يف‬
‫اختصاصه‪ ،‬كونه قد حصل الفهم السليم للنص الرشعي وذلك ال يناقض العلم‬
‫الصحيح احلديث إن صح‪ ،‬ألن هذا العلم احلديث مبني عىل قواعد العقل الرصيح‪،‬‬
‫والعقل الرصيح الصحيح ال يتناقض أبدا مع الوحي‪ ،‬بل هذا العلم احلديث قد يساهم‬
‫يف نرش هذا احلق‪ ،‬إىل أن يفتح اهلل تعاىل إن شاء وتفهم باقي األمة وعىل رأسها علمؤها‬
‫هذه احلقيقية‪ ،‬وي ْص ِغي علمء الرشع إىل علمء األحياء والطبيعة والعكس‪ ،‬أليسوا كلهم‬
‫من املسلمني؟ وي َقدر كل واحد ما عند اآلخر من ِعلم‪ ،‬كي َي َّت ِفقوا عىل قول واحد أو‬
‫وملَ ال؛ فاإليمن هو الذي‬ ‫يتقاربوا عىل األقل عىل أقوال متقاربة يف هذا املوضوع‪ِ ،‬‬

‫جيمعهم‪ ،‬والقرآن هو َح َكمهم‪ ،‬ويدركوا هذه احلقيقة العظيمة‪ ،‬بأن الوحي يشري إىل‬
‫وجود برش قبل آدم عليه السالم‪ ،‬وال جمال أن تن َكر بعدها أي فكرة علمية يف تفسري‬
‫النَّشىء األول إال بالدليل‪ ،‬وال حرج أن يدرس كل اجتهاد يف ذلك‪ ،‬ابتداء بقياسه عىل‬
‫الوحي‪.‬‬
‫إن عدم فهم الوحي َح َّق فهمه‪ ،‬حيث يضيق معناه الواسع‪ ،‬ويفهم خالف معناه‬
‫احلقيقي‪ ،‬هذا له من السلبيات بحيث إذا ظهرت نظرية علمية م َع َّينة عليها شيئا من‬
‫الدليل تصادم هذا الفهم الضيق للوحي‪ ،‬ترى يف ردة فعل الناس عىل ذلك أنواعا‪ ،‬فإما‬
‫ترى من تقع الشبه بل والشك يف قلب ضعيف اإليمن‪ ،‬وهنا يقع املشكل الكبري‪ )1(،‬وإما‬

‫)‪ -(1‬وهنا يوجه السؤال للباحث الذي يدَ افع عىل بطالن هذه النظرية‪ ،‬هل يمكن أن ينزع الشك من‬
‫هذا الضعيف املتأثر بم يثبته الغرب؟ إن كان نعم فبها ونعمة‪ ،‬وإن كان ال‪ ،‬فليس له أن ين ِْكر عىل من‬
‫يعتقد ِ‬
‫بص َّحة النظرية التطورية أن هيدي هذا الضعيف‪ ،‬وأن يزيل الشبهة عليه م َبينا له أن هذا الذي‬
‫يعتقده ال يتناقض مع الوحي‪ .‬بل أرى أن الثاين أوىل يف إقناع هذا الضعيف من األول‪ ،‬كوَنم يتفقان‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪232 --------------‬‬

‫يف اجلملة حول التطورية‪ ،‬ويلتقيان يف يشء خيتلف معهم األول فيه مجلة وتفصيال‪ ،‬فيبقى فقط أن يبني‬
‫للضعيف الذي شك –ويدخل يف ذلك حتى الـم ْسلِم الذي أحلد بسبب هذا األمر‪ -‬املوقف الصحيح‬
‫ـحق بعدها أن نطرح سؤاال مهم‪ :‬أليس من اخلطري يا‬ ‫للوحي يف ذلك والذي رأينا جزءا منه سابقا‪ .‬وي ِ‬
‫َ‬
‫من ينكر نظرية التطور أن نرتك هؤالء الشباب الذين درسوا يف اجلامعات يف علم األحياء واإلنسان‬
‫أن يتشككوا يف دينهم‪ ،‬بحرصهم يف جواب واحد يف األمر‪ ،‬وحتريم عليهم أن خيتاروا خالف ما هو‬
‫ترجح هلم‪ ،‬أليس من اإلنصاف اعتبار باقي اآلراء التي ختالفك ال سيم وأَنا تنَجي كثريا‬
‫موروث أو ما َّ‬
‫من الشباب من هذه الورطة العقدية‪ ،‬فيجب علينا أ ْن ال ننسى أن النظرية التطورية كانت سببا معترب‬
‫يف إحلاد بعض الشباب املسلم‪ ،‬أليس من األدلة يف القرآن والسنة والتي سقنا بعضها يف هذا الكتاب‬
‫ما يكفي يف إثبات أن هذه التطورية ال تناقض اإلسالم‪ ،‬فلمذا جعلها العدو واختالق أعداء غري‬
‫ً‬
‫ومهية –تكاد تنترص عليه بأدلتها العلمية‪ -‬والذي هو يف غنا‬ ‫حقيقيني‪ ،‬وإدخال املسلم عنوة يف معركة‬
‫عنها‪ ،‬أليس أن إهيام الناس بأن اإلسالم يعارض هذه النظرية فيه نوع من االستنساخ لفعل الكنيسة‬
‫ورهباَنا مع العلمء يف زمن الظلمت األورويب‪ ،‬ال سيم وأن وحينا سليم وغني عن كل تشبيه مع‬
‫التحريف الذي تعرض له كتاب النصارى‪ ،‬فكيف بعدها ن َِضل أو نتشبه بقدماء النصارى وكالم ربنا‬
‫وجه هذه النظرية توجيها صحيحا‪ ،‬ويقبل فيها كالم بعض‬
‫وسنة نبينا صافيان بني أظهرنا‪ ،‬فم المنع أن ت َّ‬
‫علمء رشعنا الذين أجازوها إن َص َّحة –كمحمد عبده ورشيد رضا‪ ،-‬وت ْقرأ قراءة سليمة –وهذا الذي‬
‫أراه‪ -‬وين َْزع ما أ ِ‬
‫لصق هبا من بعض الشوائب اإلحلادية وتبدَّ ل بخلق اهلل املتدرج يف املخلوقات‪ ،‬من‬
‫دون أن يمس ذلك أو يتعارض مع معجزة خلق آدم عليه السالم امل ِ‬
‫ستقلة‪ ،‬أليس البرش قبله كثري كم‬
‫أثبتنا‪ ،‬وما لنا إن أراد اهلل أن خيلق الكائنات من أصول وآباء مرشكة ثم تتنوع وتتدرج وتتعدد شيئا‬
‫فشيئا‪ ،‬أليس التدرج من سنن اهلل يف خلقه‪ ،‬والتأقلم كذلك‪ - ،‬أم نريد أن نميل عىل اهلل كيف خيلق‬
‫بحسب أهوائنا ؟ (خلقا حسب ال َـم َقاس) ‪ ،-‬أليس إن كان التأقلم والتطور الصغري يكاد جيمع عليه‬
‫الفريقني‪-‬التطور الصغري نوع من التأقلم يثبته كل من اخللقيني والتطوريني‪ ،-‬يمكنه أن َيتَدَ رج‬
‫ويصبح تطورا كبريا (وهذا الذي ينكره معارضو التطورية)‪- ،‬فاليشء اليسري إن طال الزمن عليه‬
‫يصبح كبريا‪ ،‬فالقارات األرضية كانت ملتصقة قبل زمن بعيد كم يثبت ذلك علم اجليولوجيا (وكيفية‬
‫رسم القرات أكرب دليل أَنا كانت ملتصقة)‪ ،‬لكن بعد ماليني السنني أصبح بينها آالف الكيلومرتات‪،‬‬
‫وهذا نتاج تباعد سنوي يسري‪ ،‬وأصناف الكائنات احلية قابلة للقياس عىل هذا املثال‪ ،‬فالزمن الطويل‬
‫قادر عىل أن يغري اليشء الكثري‪ ،‬ويقلب احلالة جذريا‪ ،‬بل احلجر القاِس قابل أن يتغري شكله بفعل‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪233 -------‬‬

‫حفر المء أو الريح له بعد آالف أو ماليني السنني‪ ،‬ولكم مثال يف الوديان وأشكال اجلبال‪ ،-‬فإن كنا‬
‫نؤمن باملعجزة فيم هو أكرب من هذا‪ ،‬كمعجزة خلق آدم عليه السالم الذي خلقه اهلل من تراب‪،‬‬
‫ومعجزات التي أجراها اهلل عىل األنبياء‪ ،‬فمن باب أوىل أن نقبل بم هو أقل من هذه املعجزات والذي‬
‫ورة من ال َّتطور الصغري إىل التطور الكبري (وهذا موضع اخلالف بني‬
‫كالصري َ‬
‫يدخل حتت سنن السببية‪َّ ،‬‬
‫الفريقني)‪ ،‬أليس قد ظهر عدد من احللقات ال َبيْنِية التي كان يطالب هبا املعارضون للنظرية –أي‬
‫حلقات مفقودة ما بني أصناف متباينة من احليوانات‪ ،-‬كأحفورة حيوان (التايتاليك‪)TikTaalik ،‬‬
‫الذي هو حيوان ما بني احلوت والزواحف‪ ،‬وأحفورة طائر (األركيوبترييكس‪،‬‬
‫‪ )ArchaeopTeryx‬الذي هو طائر ما بني الديناصورات والطيور –فيه إشارة إىل حتول بقايا من‬
‫الديناصورات إىل طيور‪ ،-‬أو أحفورة )احل َّية ذات األرجل‪ )Serpent a PaTTe Fossile ،‬والتي‬
‫هي حية عندها أرجل صغرية تصنَّف عىل أَنا حلقة ما بني احل َّيات والزواحف –فيها إشارة إىل حتول‬
‫بعض الزواحف إىل حيات‪ ،-‬وغريها من الكائنات ذات احللقات البينِية‪ ،‬راجع قائمة األحفورات‬
‫رابط‪:‬‬ ‫ويكيبيديا‬ ‫(موسوعة‬ ‫والبينِية‬ ‫الوسيطة‬ ‫للكائنات‬
‫‪،https://en.wikipedia.org/wiki/List_of_transitional_fossils‬‬
‫‪ ،)https://en.wikipedia.org/wiki/Transitional_fossil‬وال يكفي املقام هنا لبسط‬
‫كل أدلة التطورية وليس هو اهلدف األساِس هلذا الكتاب‪ ،‬ولكن ال بد من بيان أن هذه النظرية ال‬
‫تعارض اإلسالم‪ ،‬وأن هلا من األدلة ما هو م ْعترب وقوي‪ ،‬وأنه من اخلطأ ومن ال َّتكلف أن ن ْد ِخ َل‬
‫قارص‪ ،‬ونجعل اإلسالم خطأ كأنه يناقض أدلة علمية‬ ‫اإلسالم يف رصاع معها جورا بسبب فه ٍم م َقل ٍد ِ‬

‫معتربة‪ ،‬فيقع الغلط الوخيم‪ ،‬ويرتتب عن ذلك إشكاالت عقدية‪ ،‬ابتداء عند بعض الشباب املسلم‪،‬‬
‫وانتهاء عند نظرة كثري من الباحثني الغربيني لإلسالم‪ ،‬إضافة إىل بعض اإلشكاالت العلمية التي حتتاج‬
‫خري‬
‫إىل أجوبة يف باب تصادم العلم مع الدين‪ ،‬وغري ذلك من اخللل واللبس يف هذا األمر‪ ،‬فالوقاية ٌ‬
‫من العالج‪ ،‬فالتحري هنا مطلوب‪ ،‬وال َّرتيث ِجد مرغوب‪ ،‬واإلصابة هنا يف احلكم رضورية‪ ،‬فاخلطأ‬
‫ب إىل اإلسالم ما ليس إليه‪ ،‬ولو بـِحسن نِية وإرادة َتن ِْز ْيه‪ ،‬وقبل هذا‬ ‫ِ‬
‫هنا ال يكاد ي ْغ َتفر‪ ،‬كي ال َنن ْس َ‬
‫مراعاة للعدل الذي أمرنا به ِديننَا يف احلكم عىل األقوال واآلراء والنظريات‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪234 --------------‬‬

‫ترى من الناس من يعرض عن البحث يف املسألة‪ ،‬ويقدم فهمه اخلاص للكتاب والسنة‬
‫عىل النظرية دون مزيد بحث‪ ،‬فإن كان هذا عنده يشء من التقصري إال أنه قد نجى –ويف‬
‫بعض احلاالت ينجو إىل حني‪ ،-‬وهذا أسوب التقليد الذي له وعليه‪ .‬وإما ترى من‬
‫يعرض عن النظرية والبحث إعراضا‪ ،‬وعن الرجوع السليم إىل الوحي ابتداء‪ ،‬مقدما‬
‫املوروث عىل جوهر النصوص‪ ،‬ظانا أن ذلك هو النص وأنه عىل احلق املبني الذي ال‬
‫يعرتيه شك‪ ،‬فيسارع يف نفيها مبارشة‪ ،‬وجيتهد يف كبت أي حماولة يف إعادة قراءة الوحي‬
‫خم َّل َصة من املوروثات واإلْسائيليات وغري ذلك‪ -‬بِـح َّجة أن هذه القراءة‬
‫قراءة سليمة – َ‬
‫غري معهودة‪ ،‬وبالتايل ينفي أي توفيق بينها وبني الوحي‪ ،‬بل يرفض أي رأي يثبت أَنا ال‬
‫تناقض الوحي‪ ،‬ولو كانت هذه النظرية املعينة عليها شيئا من األدلة العلمية املقبولة التي‬
‫َت ْس َت ِهل الوقوف والنَّ َظر‪.‬‬
‫لكن ربم إن كانت هذه النظرية العلمية ليس هلا رواج أو نظرية منسية وغري‬
‫شهرية لربم غضينا الطرف‪ ،‬ونسيناها برشط إن مل ختالف العدل واإلنصاف الذي أمرنا‬
‫اهلل به وإذا دعت احلكمة إىل ذلك‪ ،‬لكن إذا كانت هذه النظرية عليها يشء من األدلة‬
‫واشتهرت بني الناس‪ ،‬وأصبحت حقيقة مس َّل َمة عند ٍ‬
‫كثري من الباحثني مكس َب ًة أمهية كبرية‬
‫يف أوساط البحث العلمي‪ ،‬هنا ختتلف املسألة‪ ،‬إذ البد من الرجوع إىل نصوص الوحي‬
‫الذي هو الفصل يف األمر‪ ،‬وإعادة البحث فيه بحثا صحيحا وإبعاد املوروثات‬
‫واإلْسائيليات التي ضيقت كثريا من فهمنا لوحي ربنا‪ ،‬وال أقول تأويله إىل تأويالت‬
‫بعيدة‪ ،‬أو َليه ليا مقيتا – أي يل نصوص الوحي ‪ ،-‬وباملقابل ال أقول كذلك حتجريه‬
‫حت جريا مذموما‪ ،‬وبالتايل اخلروج من الوحي بالنتيجة الصحيحة الصافية الفهم‪ ،‬التي‬
‫تتطابق مع مراد اهلل ومراد رسوله صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وإن تعذر فيجب أن تقرتب ما‬
‫أمكن إىل مرادمها‪ ،‬وهي التي نحكم هبا عىل مثل هذه النظريات نفيا أو إثباتا أو بني ذلك‬
‫–يعني إقرار بعض األشياء ونفي أشياء أخرى‪ -‬دون أن نخاف يف اهلل لومة الئم‪.‬‬
‫حت ِدثه يف النفس من َص َغار‬
‫أما رد مثل هذه النظريات العلمية ابتداء؛ بسبب ما قد ْ‬
‫كوَنا ترجع اإلنسان إىل أصل مشرتك مع احليوان‪ ،‬فهذا ليس بحجة ترد هبا نظرية بن ِيت‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪235 -------‬‬

‫عىل يشء من األدلة العلمية‪ ،‬بل اهلل تعاىل يف كتابه قد أثبت أن أصل اإلنسان أهون من‬
‫ذلك وهو الطني والمء املهني‪ ،‬أو أن تردها هذه النظرية بسب العنرصية التي ألصقها هبا‬
‫املالحدة والمديون فهذا أيضا ليس بحجة‪ ،‬كوننا م َطالبون بفصل جوهر الف ْك َرة من‬
‫اللباب الدخيل‪ ،‬والتفريق بني احلق وبني التشويه املقصود‪ ،‬وبني الدليل العلمي وبني‬
‫ِ‬
‫الك ْرب األناين‪ .‬واألصل أن االستفادة من بحوث غرينا ليس حراما‪ ،‬بل املسلمون أوىل‬
‫هبذه العلوم‪ ،‬أمل يستفد املسلمون من بعض بحوث اليونان‪- ،‬مع كون احلذر جد مطلوب‬
‫يف التعامل مع ماطوره الغرب‪ -‬وهذا ال يمنع أن كثريا من باحثي الغرب موضوعيون‪،‬‬
‫وأن كثريا من بحوثهم يف جوهرها تستند عىل أشياء صحيحة‪ ،‬والباحثون املسلمون من‬
‫علمء اإلنسان واألحياء واآلثار مطالبون بِ َت َحمل جزء كبري من املسؤولية يف االستفادة‬
‫من ذلك بعد تسل ِح ِهم بالعلم الرشعي الذي يؤطر هذا الباب ويعينهم يف ُتييز احلق من‬
‫الباطل والصحيح من السقيم‪ ،‬فهم مؤتـمنون يف تصفية ودمج مثل هذه النظريات‪ ،‬فإن‬
‫كان الغرب فعل ذلك مع علوم احلضارة اإلسالمية عند زواهلا‪ )1(،‬فم المنع أن نفعل‬
‫ذلك مع ما توصلوا إليه حديثا‪ ،‬وأعيد أن توخي احلذر مطلوب‪ ،‬يف تصفية ما هو‬
‫مرغوب‪ ،‬فإن السموم تدس أيضا يف العلوم‪ .‬ولنعلم بعدها أن العلم –أقصد العلم‬
‫احلديث‪ -‬هو الذي يتمشى مع الدين ال العكس‪ ،‬وأن العلم الصحيح مل يكن أبدا ليناقض‬

‫)‪ -(1‬من أهم أسباب التجديد الغريب‪ ،‬وخروج أوروبا من الظلمت إىل عرص النهضة العلمي احلديث‪،‬‬
‫وتطورها يف كثري من املجاالت‪ ،‬هو االستفادة من معارف احلضارة اإلسالمية‪ ،‬وأخذها لم توصل إليه‬
‫العلمء والباحثون املسلمون يف شتى املجاالت‪ ،‬سواء بالتتلمذ املبارش عىل أيدي العلمء املسلمني‬
‫بإرسال بعثات طالبية من أوروبا إىل األندلس‪ ،‬أو ترمجت الكتب واملؤلفات واملخطوطات اإلسالمية‬
‫وْسقتها‪ ،‬وهذا السبب األخري سبب م ِهم يف تطور العلم يف أوروبا‪ ،‬ال سيم ترمجة أعظم مكتبتني‬
‫إسالميتني يف األندلس وقربص‪ ،‬وهذا بإقرار املنصفني من علمئهم‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪236 --------------‬‬

‫الرشع‪ )1(،‬بل العلم الصحيح يساعد يف ال َتدبر والتفكر يف كالم اهلل تعاىل‪ ،‬قال سبحانه‪:‬‬
‫احلق ۚ َأو َمل يك ِ‬
‫ْف بِ َرب َك َأنَّه َع َ ٰىل‬ ‫اق َو ِيف َأنف ِس ِه ْم َح َّت ٰى َي َت َب َّ َ‬
‫( سن ِرهيِم آ َياتِنَا ِيف ْاآل َف ِ‬
‫َ َْ‬ ‫ني َهل ْم َأنَّه ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اء رهبِم ۚ َأ َال إِنَّه بِكل َيش ٍء ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫كل َ ٍ‬
‫يط (‪) )54‬‬ ‫حم ٌ‬ ‫ْ‬ ‫يشء َش ِهيدٌ (‪َ )53‬أ َال إِ ََّن ْم ِيف م ْر َية من ل َق َ ْ‬ ‫ْ‬
‫(فصلت‪ .)54.53‬ومن أراد أن خيالف يف األمر ويعتقد بطالن هذه النظرية ألدلة‬
‫ترجحت له فله ذلك‪ ،‬ف ـهـو جمتهد ومأجور إن شاء اهلل تعاىل‪ ،‬فاهلل تعاىل مل يتعبدنا بمثل‬
‫نكر عىل من رأى‬ ‫هذا األمر إبتداء‪ ،‬لكن ال حيق ملن رأى بطالَنا أن يكَفر أو ي َفسق أو ي ِ‬

‫خالف رأيه‪ ،‬فمثل ما هو اجتهد فغريه كذلك اجتهد‪.‬‬


‫ويف النهاية ال بد من معرفة أمر م ِهم‪ ،‬وهو أن الذي توصل إليه هذا العلم‬
‫ات‬‫احلديث ال يساوي شيئا يف عـلم اهلل تعاىل‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ ( :‬اَّلل ا َّل ِذي خ َل َق سبع سمو ٍ‬
‫َ َ َْ َ َ َ‬ ‫َّ‬
‫ض ِمثْ َلهن ي َتنَزل ْاألَمر بينَهن ل ِ َتع َلموا َأ َّن اَّلل َع َىل كل َ ٍ ِ‬
‫َو ِم َن ْاألَ ْر ِ‬
‫يشء َقد ٌير َو َأ َّن َّ َ‬
‫اَّلل َق ْد‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ ٰ‬ ‫ْ َ ْ َّ ْ‬ ‫َّ َ َّ‬
‫اهر‬ ‫اط بِكل َشـ ـ ـ ـي ٍء ِعلْم ) (الطالق ‪ ،)12‬وقال تعاىل‪ ( :‬هو ْاألَول و ْاآل ِخر وال َّظ ِ‬ ‫َأ َح َ‬
‫َ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫يم ) (احلديد‪ .)3‬فإنه البد لكل نظرية أن َتـم َّر عىل الوحي‬ ‫وا ْلباطِن ۚ وهو بِكل َ ٍ ِ‬
‫يشء َعل ٌ‬‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ان و َف ْصل لكل يشء‪ .‬والبد من فهم وادراك يشء مهم كذلك‪،‬‬ ‫كي ن ِقرها‪ ،‬فالوحي تِبْ َي ٌ‬
‫مشرتك؛ فكل هذا بقدرة‬ ‫ٍ‬ ‫وهو سواء أخلق اهلل خلقا ما مستقال بمعجزة أو خلقه من أصل‬
‫يش ٍء‬
‫اهلل وحده وإرادته وإبداعه‪ ،‬وهو خالق وم َقدر كل يشء قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َخ َل َق ك َّل َ ْ‬
‫يش ٍء َخ َل ْقنَاه بِ َقدَ ٍر ) (القمر‪َ ،)49‬يقول‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف َقدَّ َره َت ْقد ًيرا ) (الفرقان ‪ ،)2‬وقال تعاىل‪ ( :‬إنَّا ك َّل َ ْ‬
‫الـم َّفّس السعدي يف تفسري هذه اآلية األخرية‪ " :‬وهذا شامل للمخلوقات والعوامل‬
‫العلوية والسفلية‪ ،‬أن اهلل تعاىل وحده خلقها ال خالق هلا سواه‪ ،‬وال مشارك له يف َخلْ ِقها‪،‬‬
‫وخ َل َقها بقضاء سبق به علمه‪ ،‬وجرى به قلمه‪ ،‬بوقتها ومقدارها‪ ،‬ومجيع ما اشتملت عليه‬ ‫َ‬
‫ارئ‬ ‫اخلَالِق ا ْل َب ِ‬
‫اَّلل ْ‬
‫من األوصاف‪ ،‬وذلك عىل اهلل يسري "‪ )2(.‬وقال اهلل تعاىل‪ ( :‬ه َو َّ‬

‫)‪ -(1‬ألن العلم الصحيح مبني عىل مقدمات عقلية رصحية‪ ،‬ورصيح املعقول مل يكن ليناقض صحيح‬
‫املنقول‪ ،‬وقد ألف ابن تيمة كتابا مشهور يف هذا الباب‪ ،‬حتت مسمى درء تعارض العقل والنقل أو‬
‫بيان موافقة رصيح املعقول لصحيح املنقول‪.‬‬
‫)‪ - (2‬السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن‪ ،‬ص ‪.827‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪237 -------‬‬

‫بارئ‬ ‫اخلالِق هنَا ا ْمل َقدر‪ .‬وا ْل ِ‬ ‫ا ْمل َصور ) (احلرش‪ ،)24‬يقول القرطبي يف تفسري هذه اآلية‪ْ " :‬‬
‫ات ْ ِ ٍ‬ ‫ْرتع‪ .‬وا ْملصور مصور الصو ِر ومركبها َع َىل هي َئ ٍ‬ ‫ا ْملن ِْشئ ا ْملخ َ ِ‬
‫َّب‬‫خم َتل َفة‪َ .‬فال َّت ْص ِوير م َرت ٌ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اخلَلْ ِق َوا ْل َ َربا َي ِة َوتَابِ ٌع َهل َم‪َ .‬و َم ْعنَى ال َّت ْص ِو ِير ال َّتخْطِيط َوال َّتشْ ِكيل‪ )1( ".‬وهو الذي‬ ‫َع َىل ْ‬
‫يسرينا ويسري كل ذرة يف هذا الكون‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ ( :‬ه َو ا َّل ِذي ي َسريك ْم ِيف ا ْل َرب َوا ْل َب ْح ِر )‬
‫مسك السموات واألرض وكل يشء أن يزول‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬ ‫(يونس ‪ ،)22‬وهو الذي ي ِ‬

‫وال ۚ َو َلئِن َزا َل َتا إِ ْن َأ ْم َسكَه َم ِم ْن َأ َح ٍد من َب ْع ِد ِه‬ ‫ات َو ْاألَ ْر َض َأن تَز َ‬ ‫( إِ َّن اَّلل يم ِسك السمو ِ‬
‫َّ َ َ‬ ‫َّ َ ْ‬
‫َان حلِيم َغفورا ) (فاطر‪ ،)41‬وهو َقيوم السموات واألرض وقيوميته م ِ‬
‫ستم َّرة‬ ‫ً‬ ‫ۚ إِنَّه ك َ َ ً‬
‫هلإ إِ َّال ه َو ْ‬ ‫ِ‬
‫احلَي ا ْل َقيوم ) (البقرة ‪ ،)255‬يقول ابن‬ ‫اَّلل َال َٰ َ‬‫عىل خلقه‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َّ ( :‬‬
‫َان ع َمر َي ْق َرأ‪:‬‬ ‫ري ِه َوك َ‬
‫احلَي ِيف َن ْف ِس ِه ا َّل ِذي َال َيموت َأ َبدً ا ا ْل َقيم ل ِ َغ ْ ِ‬ ‫{احلَي ا ْل َقيوم} َأ ِي‪ْ :‬‬‫كثري‪ْ " :‬‬
‫ون َأ ْم ِر ِه َك َق ْول ِ ِه‪:‬‬
‫ات م ْف َت ِقر ٌة إِ َلي ِه وهو َغنِي َعن ْها و َال َقوام َهلا بِد ِ‬
‫َ ْ َ َ ٌّ َ َ َ َ َ‬
‫"ال َقيام" َفج ِميع ا ْملَوجود ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫األرض بِ َأ ْم ِر ِه} [الرو ِم‪)2( ".]25:‬وهو الصمد الغني عن ما‬ ‫الس َمء َو ْ‬
‫ِِ‬
‫{وم ْن آ َياته َأ ْن تَقو َم َّ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫سواه الـم ْف َت ِقر إليه كل ما عداه‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ ( :‬اهلل الصمد ) (اإلخالص‪ ،)2‬وهو الذي‬
‫ض‬ ‫ات َو ْاألَ ْر ِ‬ ‫أنشأ السموات واألرض من غري مثال سابق‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ ( :‬ب ِديع السمو ِ‬
‫َّ َ َ‬ ‫َ‬
‫ض َأ ْم ًرا َف ِإن ََّم َيقول َله كن َف َيكون ) (البقرة ‪ ،)117‬يقول السعدي يف تفسريها‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ۚ َوإ َذا َق َ ٰ‬
‫" أي‪ :‬خالقهم عىل وجه قد أتقنهم وأحسنهم عىل غري مثال سبق‪ ،)3( ".‬وقال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫ش ي ْغ ِيش‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َم َوات َو ْاألَ ْر َض ِيف ستَّة َأ َّيا ٍم ث َّم ْ‬
‫اس َت َو ٰى َع َىل ا ْل َع ْر ِ‬ ‫ِ‬
‫( إِ َّن َر َّبكم َّ‬
‫اَّلل ا َّلذي َخ َل َق َّ‬
‫ات بِ َأ ْم ِر ِه ۚ َأ َال َله ْ‬
‫اخلَلْق‬ ‫الشمس وا ْل َقمر والنجوم مسخَّ ر ٍ‬
‫َ َ َ‬
‫ِ‬
‫ال َّليْ َل الن ََّه َار َيطْلبه َحثيثًا َو َّ ْ َ َ َ َ َ‬
‫ني ) (األعراف ‪.)54‬‬ ‫و ْاألَمر ۚ تبار َك اَّلل رب ا ْلع َ ِ‬
‫امل َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ َ َّ َ‬

‫)‪ - (1‬القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪.48/18 ،‬‬


‫)‪ - (2‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪.678/1 ،‬‬
‫)‪ - (3‬السعدي‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪238 --------------‬‬

‫‪ .2‬نتيجة حول‪ :‬هل نظرية ال َّت َطور تنَاقِض اإلسالم ؟‪:‬‬


‫لقد رأينا من األدلة أو القرائن ما تعل أنه من الراجح أن باقي شعوب العامل‬
‫التي ليست من آدم عليه السالم‪ ،‬كان فيهم آباء أو أوادم آخرون‪ ،‬لكن هذا التفسري ال‬
‫َي ْصلح أن ي َفّس به لوحده نشأة كل أصول أ َمم العامل‪ ،‬فيبقى النسل البرشي كبريا وواسعا‬
‫وجمهوال وقديم وم َع َّقدا‪ ،‬فهو ٌ‬
‫قابل أن ت َفّس نشأته بأكثر من نظرية‪ ،‬فلذلك يبقى االجتهاد‬
‫يف كيفية خلقه مفتوح ًا – من غري آدم عليه السالم ونسله ‪ ،-‬فحتى لو قلنا بِوجود أوادم‬
‫للبرش إال أن هذا ال يكفي لتفسري نشأة كل الناس‪ ،‬ألن وجود األوادم ال يتعارض مع‬
‫كون النسل اإلنساين كان أقدم منهم ورافقهم منذ القديم كم هو ظاهر ( كآدم عليه‬
‫السالم الذي كان مسبوقا بنسل برشي )‪ ،‬إضافة إىل جهلنا بكيفية خلق هؤالء اآلباء‪ ،‬هل‬
‫هو خلق مستقل كآدم عليه السالم‪ ،‬أو خلق كباقي البرش كنوح عليه السالم (األب الثاين‬
‫لألمة اآلدمية)‪ ،‬أو تطور وارتقاء عن خملوقات أدنى‪ ،‬أم يشء من هذا وذاك‪ ،‬ولسبب م ِهم‬
‫وهو ليس بالرضورة أن يكون كل النسل البرشي قد أتى من هؤالء اآلباء أو األوادم‪،‬‬
‫وهذا ما جيعل أن تفسري نشأة اإلنسان ال يتعارض مع وجود نسل إنساين تطو َر منذ‬
‫القديم‪ ،‬ولم كانت النظرية التطورية أقوى نظريات العلم احلديث يف تفسري نشأة األحياء‬
‫بم تقدمه من أدلة‪ ،‬فال مانع من قبوهلا يف تفسري نشأة جزء كبري من النسل البرشي‪،‬‬
‫لألسباب التالية‪:‬‬
‫‪ -‬عدم تعارض هذه النظرية مع الوحي ( اإلسالم )‪ ،‬فالوحي أثبت اخللق املستقل‬
‫آلدم عليه السالم‪ ،‬وآما باقي األمم فاالجتهاد فيهم مفتوح‪ ،‬فاهلل خيلق باملعجزة كم خيلق‬
‫باألسباب املعتادة والتدرج‪.‬‬
‫‪ -‬اإلنصاف والعدل الذي دعا إليه اهلل يف التعامل مع األقوال واآلراء واألدلة‪.‬‬
‫والنظريات العلمية ال خترج عن هذه الدائرة‪( .‬لو قال هبا األعداء واخلصوم)‬
‫‪ -‬عدد معترب من قدَ َماء علمء املسلمني قالو بمقدمات وأس ِ‬
‫س هذه النظرية َقبل‬
‫دارون ‪ darwin‬والغربيني بمئات السنني‪ ،‬ك ـ ( ابن خلدون‪ ،‬والبريوين‪ ،‬وإخوان الصفا‪،‬‬
‫واجلاحظ‪ ،‬وابن مسكويه‪ ،‬كم سييل إن شاء اهلل ِذكْر آرائهم )‪ ،‬وحتى عدد من علمء‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪239 -------‬‬

‫الرشيعة املسلمني املعارصين رأوا أَنا ال تتعارض مع اإلسالم ك ـ ( حممد عبده‪ ،‬ورشيد‬
‫رضا)‪ ،‬ومن الباحثني املسلمني من وجدوا فيها أدلة علمية صحيحة (وكذلك كثري من‬
‫املتدينني من أهل الكتاب يف الغرب يعتقدون بصحتها)‪.‬‬
‫‪ -‬ق َّوة األدلة العلمية التي ت َقدم َها هذه النظرية‪.‬‬
‫ديل ِع ٍ‬
‫لمي عن هذه النظرية يف تفسري طريقة نشأة احليوانات‬ ‫‪ -‬العجز عن تقديم َب ٍ‬
‫والكائنات‪.‬‬
‫‪ -‬ال َّتدرج يف اخللق‪ ،‬والتَّدَ رج سنَّة إهلية‪.‬‬
‫‪ -‬ظهور أدلة علمية جديدة تقوي هذه النظرية كلم تقدَّ م العلم‪.‬‬
‫وقبول نظرية التطور يكون برشوط‪:‬‬
‫ٌ‬
‫مستقل مثل عيسى عليه‬ ‫‪ -‬عدم تناول النَّ َظ ِرية التطورية آلدم عليه السالم ألنَّه ٌ‬
‫خلق‬
‫السالم‪.‬‬
‫‪ -‬نزع الشوائب اإلحلادية من هذه النظرية‪ ،‬كَن ِ ْسبَ ِة اخللق للطبيعة‪ ،‬والقول بالصدَ ف‬
‫العشوائية واألخطاء اخللقية‪ ،‬فاهلل هو الذي خلق الطبيعة وما فيها‪ ،‬وهو الذي يدَ بر‬
‫وي َسريها وكل ما فيها‪ ،‬واهلل تعاىل منَز ٌه أن خيلق بالصدف واألخطاء‪ ،‬وإنم خيلق بالقضاء‬
‫والقدر والدقة العالية واحلكمة البالغة‪.‬‬
‫من املزايا يف قبول النظرية التطورية‪:‬‬
‫‪ -‬التخلص من الفهم الضيق خللق البرش يف الكتاب والسنة‪ ،‬وعزل االْسائيليات‬
‫عنهم‪.‬‬
‫‪ -‬القضاء عىل دعوى احتكار االحلاد هلذه النظرية وتربئتها منه‪ ،‬فاإلسالم أوىل هبذه‬
‫النظرية من غريه من األديان والعقائد‪.‬‬
‫‪ -‬حماربة اإلحلاد بسالحه‪.‬‬
‫‪ -‬عدم ادخال اإلسالم خطأ يف رصاع ومهي مع نظرية ذات أدلة علمية قوية‪ ،‬يؤمن‬
‫هبا أغلب علمء األحياء يف العامل‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪240 --------------‬‬

‫‪ -‬إظهار أن النظرية التطورية ال تناقض اإلسالم عىل عكس بعض األديان املحرفة‪،‬‬
‫وبالتايل استغالل هذه النظرية يف الدعوة إىل هذا الدين العظيم‪.‬‬
‫‪ -‬النظر إىل ال َّتطور يف خلق اهلل بنظرة تدب ِرية وتَفكرية تدل عىل قوة ِ‬
‫وعلْم و َع َظمة‬
‫َخالقه‪.‬‬
‫‪ -‬إعادة ادماج ضعفاء اإليمن من املسلمني املفتونني بالنظريات الغربية يف سلك‬
‫اإليمن‪ ،‬وارجاعهم إىل منطقية وعقالنية أد َّلة الكتاب والسنة‪.‬‬

‫‪ .3‬علمء مسلِمون قدماء قالوا بتَّ َطور املخلوقات قبل دارون ‪ Darwin‬بمئات‬
‫السنني‪:‬‬
‫من هذا العنوان قد يعجب القارئ الذي جيهل هذا األمر! نعم إن الت َطور‬
‫واالرتقاء يف املخلوقات قد قال به وأشار إليه بعض العلمء من قدماء املسلمني قبل‬
‫ِ‬
‫دارون بمئات السنني‪ ،‬كإخوان الصفا‪ ،‬واجلاحظ‪ ،‬وابن مسكويه‪ ،‬والطوِس‪ ،‬والبريوين‪،‬‬
‫وابن خلدون‪ ،‬والقزويني‪ .‬بل هذه النظرية التطورية عند أول ظهورها يف أوروبا كانت‬
‫ـح َّم ِد َي ٌة" – أي إسالمية ‪ )1(-‬ر َّبـ َم ألن أصول فكرة التطور‬ ‫ِ‬
‫ت َّتهم من ق َب ِل معارضيها بأَنا "م َ‬
‫الرتاث اإلسالمي حيث أشار إليها غري واحد من العلمء‬
‫بشكل عام كانت موجودة يف َ‬
‫املسلمني‪.‬‬
‫وسنذكر إن شاء اهلل شيئا من أقوال قدَ َماء ع َلمء اإلسالم يف ذلك عىل النحو‬
‫التايل‪:‬‬

‫‪(1) - voir‬‬ ‫‪: John william draper, hisTory oF The conFlicT beTween‬‬
‫‪Religion and science, p 126.‬‬
‫‪https://pdfbooks.co.za/library/JOHN_WILLIAM_DRAPER-‬‬
‫‪HISTORY_OF_THE_CONFLICT_BETWEEN_RELIGION_AND_S‬‬
‫‪CIENCE.pdf‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪241 -------‬‬

‫ابن خلدون (‪732‬هـ ‪808-‬هـ)‪( :‬الفيلسوف املؤرخ ومؤسس ِعلْم االجتمع)‪:‬‬


‫يقول عامل االجتمع وعميد كلية الرتبية بجامعة األزهر األسبق‪ ،‬وعميد كلية‬
‫وحمقق مقدمة ابن خلدون‪ ،‬الدكتور عبد الواحد وايف‬
‫اآلداب بجامعة أم درمان األسبق‪َ ،‬‬
‫عن ابن خلدون‪ " :‬عرض –يقصد ابن خلدون‪ -‬يف املقدمة السادسة من الباب األول‬
‫ويف الفصل اخلامس من الباب السادس ملوضوع هام من بحوث علم البيولوجيا (علم‬
‫احلياة) وهو موضوع ارتقاء األنواع وانشعاب بعضها من بعض وقد ذهب يف هذا‬
‫املوضوع مذهبا سبق به دارون ‪ Darwin‬ومجاعة االرتقائيني ‪EvoluTionnisTes‬‬
‫فيم يقرونه بشأن ارتقاء األنواع وانشعاب أعالها من أدناها وتفرع اإلنسان عن ِ‬
‫الق َردة‬
‫عها هي واإلنسان عن أصل واحد جمهول‪)1( ".‬‬ ‫العليا أو َت َفر ِ‬

‫يقول ابن خلدون يف كتابه املقدمة‪ ،‬املقدمة السادسة من الباب األول‪ " :‬اعلم‬
‫أرشدنا اهلل وإياك‪ ،‬أنا نشاهد هذا العامل بم فيه من املخلوقات كلها عىل هيئة من الرتتيب‬
‫واإلحكام‪ ،‬وربط األسباب باملسببات‪ ،‬واتصال األكوان باألكوان‪ ،‬واستحالة بعض‬
‫املوجودات إىل بعض‪ ،‬ال تنقِض عجائبه يف ذلك وال تنتهي غاياته‪ .‬وأبدأ من ذلك بالعامل‬
‫تدرج صاعد ًا من األرض إىل‬
‫املحسوس اجلثمين‪ .‬وأوالً عامل العنارص املشاهدة كيف َّ‬
‫المء ثم إىل اهلواء ثم إىل النار متصالً بعضها ببعض‪ .‬وكل واحد منها مستعد إىل أن‬
‫يستحيل إىل ما يليه صاعد ًا وهابط ًا‪ ،‬ويستحيل بعض األوقات‪ .‬والصاعد منها ألطف ّما‬
‫قبله إىل أن ينتهي إىل عامل األفالك وهو ألطف من الكل عىل طبقات اتصل بعضهم ببعض‬
‫عىل هيئة ال يدرك احلس منها إال احلركات فقط‪ ،‬وهبا هيتدي بعضهم إىل معرفة مقاديرها‬
‫وأوضاعها‪ ،‬وما بعد ذلك من وجود الذوات التي هلا هذه اآلثار فيها‪ .‬ثم انظر إىل عامل‬
‫التكوين كيف ابتدأ من املعادن ثم النبات ثم احليوان عىل هيئة بديعة من التدريج‪ .‬آخر‬

‫)‪ -(1‬عبد الواحد وايف‪ ،‬عبقريات ابن خلدون‪ ،‬عكاظ للنرش والتوزيع‪ ،‬ط أوىل للنارش –ط ثانية‬
‫للكاتب‪1404 ،‬ه‪1984-‬م‪ ،‬ص ‪.188‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪242 --------------‬‬

‫أفق املعادن متصل بأول أفق النبات(‪ )1‬مثل احلشائش‪ ،‬وما ال بذر له‪ ،‬وآخر أفق النبات‬
‫مثل النخل والكرم متصل بأول أفق احليوان مثل احللزون والصدف‪ ،‬ومل يوجد هلم إال‬

‫)‪ -(1‬وحتى إن كان يف التطورية أمورا علٍم تفسريها‪ ،‬إال أنه فيها أمورا مل يستطع الباحثون تفسريها‬
‫حول اهلل اجلمد إىل حياة‪ ،‬فهذا ال ي َشكل عائقا‪ ،‬إذ ليس‬
‫بعد‪ ،‬مثل كيفية خلق اهلل ألول خلية‪ ،‬أو كيف َّ‬
‫رشطا أن يكون اهلل تعاىل أنشأ بداية احلياة من خلية‪ ،‬مع كون هذا االحتمل ّمكنا جدا‪ ،‬وحتى إن مل تد‬
‫له تفسريات علمية إىل حد الساعة فإن هذا ال يعني بطالن النظرية‪ ،‬فكم تقول القاعدة املنطقية أن عَدَ م‬
‫الدليل ليس دليالً عىل ال َعدَ م‪ ،‬فإن كنت ال ُتلك دليال عىل وقوع يشء‪ ،‬فإن هذا ال يعني عدم وقوعه‪،‬‬
‫أو بعبارة أخرى عدم معرفة يشء ال يدل عىل عدم وجوده‪ ،‬فيمكن أن يأيت يوم ويك َْشف فيه ِْس كيفية‬
‫خلق اهلل عز وجل للخلية األوىل‪ ،‬وليس من العقل أن تبطل نظرية كاملة بكل ما ُتتلكه هذه األخرية‬
‫من أدلة‪ ،‬بسبب فجوة مل يكتشف العلم كيفية حدوثها بعد‪ ،‬فعدم معرفة كيفية حدوث اليشء ال يدل‬
‫عىل عدم حدوثه‪ .‬وكمثال عن ذلك‪ :‬رجل مر يف صحراء رملية وترك آثار‪ ،‬فأتى رجل آخر وتتبع آثار‬
‫أقدام األول َف َعلِم اجل َهة التي آتى منها‪ ،‬ثم نأيت ونحكم عىل الثاين ونقول له كيف عرفت من أين أتى‬
‫الرجل األول‪ ،‬فيجيبنا بأنه تتبع جهة آثار مشيه يف الصحراء‪ ،‬فنقول له هل رأيت آثار أول خطوة خطاها‬
‫فيقول ال‪ ،‬فنقول لقد أخطأت؛ ألنك مل ترى أول خطوة خطاها ! وال شك أن هذا االعرتاض باطل‪،‬‬
‫فال يشْ َرتط العلم بمقدمة األشياء ملعرفة حمتواها أو احلكم بصحتها‪ .‬أو كمثال آخر؛ ليس ضياع مقدمة‬
‫كتاب من الكتب‪ ،‬دليال عىل بطالن كل ما يف هذا الكتاب‪ .‬هذا وقد ظهرت حديثا نظرية م ِهمة قد تقدم‬
‫إجابة عىل هذا اإلشكال‪ ،‬وهذه النظرية قد تتوافق مع القرآن الكريم ألَنا تقول باحتمل نشأة أوئل‬
‫جزيئات احلياة من الطني (صاحب النظرية "الكسندر جراهام كايرنس" اختصايص الكمياء‬
‫العضوية)‪ :‬انظر‪https://www.livescience.com/13363-7-theories-origin-life.html :‬‬
‫‪https://www.ida2at.com/origins-of-life-puzzle-clay-crystals-is-the-solution/‬‬
‫بل نحن املسلمون أوىل بأن ال يكون عندنا مشكلة يف هذا األمر –أي نشأة اخللية األوىل‪-‬‬
‫ألننا نؤمن باملعجزة‪ ،‬فيمكن أن نقول تَنز ً‬
‫ال وليس جزما‪ :‬أنه كم يمكن هلل أن خيلق بالسنَن واألسباب‬
‫الكونية املتكررة يمكنه سبحانه أن خيلق باملعجزة االستثنائية يف هذه اجلزئية – وإن كان هذا فرضا‬
‫ال مع من يرى استحالة حدوث هذا األمر‪ ،-‬فيمكن أن اهلل أنشأ هذه اخللية بمعجزة كخلق آدم‬ ‫و َتنَز ً‬
‫عليه السالم ابتداء‪ ،‬فاملؤمن أوىل بتصديق هذه النشأة من الـملْ ِحد‪ ،‬كونه يؤمن باملعجزات ‪ ،-‬وإن كان‬
‫الذي نراه أن احتمل حتول اجلمد إىل خاليا حية قد حدث بسنن اهلل الكونية وليس باملعجزة ‪ -‬حتى‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪243 -------‬‬

‫قوة اللمس فقط ومعنى االتصال يف هذه املكونات أن آخر أفق منها مستعد باالستعداد‬
‫الغريب ألن يصري أول أفق الذي بعده‪ .‬واتسع عامل احليوان وتعددت أنواعه‪ ،‬وانتهى يف‬
‫تدريج التكوين إىل االنسان صاحب الفكر والروية‪ ،‬يرتفع إليه من عامل ِ‬
‫الق َر َدة الذي‬
‫اجتمع فيه احلس واإلدراك‪ ،‬ومل ينته إىل الروية والفكر بالفعل‪ ،‬وكان ذلك أول أفق من‬
‫اإلنسان بعده‪)1( ".‬‬

‫وقد أشار ابن خلدون إىل هذا يف املعنى يف موضع آخر من كتابه "املقدمة" يف‬
‫(فصل علوم األنبياء عليهم الصالة والسالم)‪ ،‬إذ يقول‪ " :‬وقد تقدم لنا الكالم يف الوحي‬
‫أول الكتاب يف فصل املدركني للغيب‪ .‬وبينا هنالك أن الوجود كله يف عوامله البسيطة‬

‫أنه قد أدرك وقوع هذا األمر (أي حتول اجلمد إىل يشء حي) بعض من قدماء علمء اإلسالم بالرغم‬
‫من ت ََقدم زماَنم كم رأينا سابقا ‪ ،-‬وسواء استطاع العلم احلديث معرفة تفصيل كيفية خلق اهلل ألول‬
‫خلية أو مل يستطع‪ ،‬يبقى هذا َيدل عىل إبداعه سبحانه‪ ،‬وأن تصميم اخلالق العليم جيب أن يكون هو‬
‫الذي صور الكائنات‪ ،‬فاهلل كم خيلق باألسباب خيلق باملعجزات‪ ،‬وكم خيلق ما يـ ْم ِكن َت ْفسريه خيلق ما‬
‫ال يمكن تفسريه‪ ،‬واهلل كم هو خالق الفجوات هو كذلك خالق الواضحات املعهودات‪ ،‬بل إذا نظرنا‬
‫إىل كل هذا الكون الذي خلقه اهلل فإنه يف حد ذاته معجزة‪.‬‬
‫وأما الرتكيز عىل األشياء التي مل ت َفّس بعد (كنشأة أول خلية) والتغافل عَ ْمدً ا عن األشياء‬
‫الكثرية التي ال تناقض الدين وأثبتتها هذه النظرية‪ ،‬فإن هذا من عدم العدل واإلنصاف الذي أمرنا اهلل‬
‫َان َذا‬‫اَّلل َيأْمر بِا ْل َعد ِْل ) (النحل ‪ ،)90‬ويقول‪َ ( :‬وإِ َذا قلْت ْم َفاع ِْدلوا َو َل ْو ك َ‬ ‫به‪ ،‬واهلل تعاىل يقول‪ ( :‬إِ َّن َّ َ‬
‫ِ‬
‫ط ش َهدَ ا َء ِ ََّّلل َو َل ْو عَ َ ٰىل َأنف ِسك ْم‬
‫ني بِا ْل ِقس ِ‬
‫ْ‬ ‫ين آ َمنوا كونوا َق َّو ِام َ‬ ‫ِ‬
‫ق ْر َب ٰى ) (األنعام ‪ ،)152‬ويقول ( َيا َأ َهيا ا َّلذ َ‬
‫ني ۚ إِن َيك ْن َغن ِ ًّيا َأ ْو َف ِق ًريا َفا ََّّلل َأ ْو َ ٰىل ِهبِ َم ۚ َفالَ َت َّتبِعوا ْاهل َ َو ٰى َأن َت ْع ِدلوا ۚ َوإِن َتلْووا‬ ‫َأ ِو ا ْل َوالِدَ ْي ِن َو ْاألَ ْق َربِ َ‬
‫ون َخبِ ًريا ) (النساء ‪ .)135‬فكم قيل‪ :‬عَني ِ‬ ‫ِ‬
‫الرضا عَ ن كل عَ ٍ‬
‫يب كَلي َل ٌة‬ ‫َان بِ َم َت ْع َمل َ‬ ‫َأ ْو ت ْع ِرضوا َفإ َّن َّ َ‬
‫اَّلل ك َ‬
‫ني الس ِ‬
‫خط تبدي امل ِ‬
‫َساو َيا‪.‬‬ ‫َو َل ِك َّن عَ َ‬
‫)‪ - (1‬ابن خلدون‪ ،‬مقدمة ابن خلدون وبذيلها رشحها املسمى اجلوهر املكنون‪ ،‬تأليف وائل حافظ‬
‫خلف‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ص‪ 173-172-171‬وانظر أيضا‪ :‬عبد الواحد وايف‪ ،‬عبقريات‬
‫ابن خلدون‪ ،‬ص‪.189-188‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪244 --------------‬‬

‫واملركبة عىل تركيب طبيعي من أعالها وأسفلها متصلة كلها اتصا ً‬


‫ال ال ينخرم‪ .‬وأن‬
‫الذوات التي يف آخر كل أفق من العوامل مستعدة ألن تنقلب إىل الذات التي تاورها من‬
‫األسفل واألعىل‪ ،‬استعداد ًا طبيعي ًا‪ ،‬كم يف العنارص اجلسمنية البسيطة‪ ،‬وكم يف النخل‬
‫والكرم من آخر أفق النبات مع احللزون والصدَ ف من أفق احليوان‪ ،‬وكم يف ِ‬
‫الق َر َدة التي‬
‫استجمع فيها الكيس واإلدراك مع اإلنسان صاحب الفكر والرويه‪ .‬وهذا االستعداد‬
‫الذي يف جانبي كل أفق من العوامل هو معنى االتصال فيها‪)1( ".‬‬

‫إن ابن خلدون َق َّرر فيم سبق بعبارات رصحية أن الكائنات األخرية (البدائية)‬
‫من كل مرتبة قابلة بِطبعها ألن تتحول (تستحيل) إىل الكائنات األوىل من املرتبة (األكثر‬
‫تعقيدا) التي تليها‪ ،‬وأنـها قد تستحيل إليها بالفعل‪ ،‬وهبذا َيسبِق ابن خلدون بقوله بارتقاء‬
‫املخلوقات واإلنسان دارون ومن تابعه من التطوريني ويقرتب من نظريتهم‪)2(.‬‬

‫البريوين (‪362‬هـ‪440-‬هـ)‪( :‬الفيلسوف املؤرخ والعامل الريايض وا َّلر َحالة)‪:‬‬


‫من أهم املؤلفات التي تركها البريوين هو كتاب "حتقيق ما للهند من مقولة‬
‫مقبولة يف العقل أو مرذولة"‪ ،‬وقد تكلم املؤلف يف هذا الكتاب عن خمتلف أديان اهلند‬
‫ورشائعهم وآداهبم وتقاليدهم وفنوَنم‪ ،‬باإلضافة إىل اجلغرافيا والرياضيات والتاريخ‬
‫والفلك واألشياء اهلندية املختلفة‪ ،‬وقد ترجم هذا الكتاب املسترشق األلمين سخاو‬
‫)‪ ،(sachau‬و َم ْو ِضع الشاهد هنا‪ ،‬أن أحد املفكرين األروبيني وهو راينو )‪(rainow‬‬
‫يف عام ‪1943‬م اكتشف يف هذا الكتاب أنه حيتوي عىل نظرية التطور قبل نرش دارون‬
‫لنظريته يف االنتخاب الطبيعي ب ــثمن مائة عام‪.‬‬
‫البريوين يشري إىل االنتخاب الطبيعي والبقاء لألصلح‪ :‬يقول البريوين فيم خيص‬
‫َسل‪ ،‬وكِالمها‬
‫باحلرث والن ْ‬
‫َ‬ ‫عمور‬
‫هذا املبدأ الـمهم من نظرية التطور‪ " :‬إن العامل َم ٌ‬

‫)‪ - (1‬ابن خلدون‪ ،‬مقدمة ابن خلدون وبذيلها رشحها املسمى اجلوهر املكنون‪ ،‬حاشية ص‪.172‬‬
‫وانظر أيضا‪ :‬عبد الواحد وايف‪ ،‬عبقريات ابن خلدون‪ ،‬ص‪.189‬‬
‫)‪ - (2‬انظر‪ :‬عبد الواحد وايف‪ ،‬عبقريات ابن خلدون‪ ،‬ص‪.191‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪245 -------‬‬

‫تزايدان َعىل األيام وال َتزايد غري َحمدود والعامل حمدود‪َ ،‬و َمهم ت ِر َك ال َتزايد وتِ َريتَه يف نو ٍع‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫واحد ِم َن النبات واحلَيوان‪ ،‬وك ٌل ِمنهم ال يكون وال يفسد مرة‪ ،‬ولكنه يو َلد ِمثله بل أمثاله‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫لإلنتشار‬ ‫يوان واح ْد عىل األرض ما َو َجد‬ ‫واحدة أو نوع َح ٌ‬ ‫مرات‪ ،‬استو َلت نوع َ‬
‫شجرة‬
‫َرش موضع ًا والزراع يتنقى زرعه فيرتك فيه ما َحيتْاج إليه و َيقلع ما عداه‪ ،‬والنَاطور‬ ‫والن ِ‬
‫نسه من‬ ‫يرتك من األغصان ما يعرف فيه النجابة وي َقلم ما سواه‪ ،‬بل النحل يقتل من ِج ِ‬

‫يأكل وال يعمل يف كوارته‪- ،‬بل يشري البريوين إىل أمر أكثر دقة بنسبة هذا االنتقاء‬
‫فسد من الشجر‬ ‫للطبيعة‪ -‬والطبيعة تفعل كذلك ولكنها ال ُتيز ألن فعلها واحد‪َ ،‬فـتـ ـ ِ‬

‫ورقها وثمرها وُتنعها عن الفعل املعد هلا فتزحيها‪ ،‬كذلك الدنيا إذا فسدت بكثرة أو‬
‫كادت وهلا مدَ بر وعنايته بالكلية يف كل جزء منها موجودة فإنه يرسل إليها من يقلل‬
‫الكثرة وحيسم مواد الرشة " (‪)1‬‬

‫لكن ينبغي اإلقرار أن البريوين كان يصف عقائد أهل اهلند‪ ،‬فال نتستطيع اجلزم‬
‫ف إلحدى قصصهم‪ .‬وتبقى‬ ‫أنه كان يعتقد هذا القول‪ ،‬السيم وأنه كان يف مع ِرض وص ٍ‬
‫َ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫هذه احلقيقة َّ‬
‫بأن مبدأ االنتخاب الطبيعي الذي هو من أهم أسس نظرية التطور‪ ،‬مذكور‬
‫يف كتاب هذا العامل والرحالة الكبري املسلم قبل أن يعيد صياغتها التطوريون الغربيون يف‬
‫العرص احلديث بزمن طويل‪.‬‬
‫اجلاحظ (‪163‬هـ‪255-‬هـ)‪( :‬إمام كبري من أئمة األدب)‪:‬‬
‫أن اجلاحظ تناول األدب فقط‪ ،‬بِ َكونه إمام من كبار أئمة األدب‬
‫قد َيظن اإلنسان َّ‬
‫يف زمانه‪ ،‬لكن ذكائه أدى به إىل اإلبداع يف علوم الطبيعة واألحياء كذلك‪ ،‬وهو من أوائل‬
‫العلمء املسلمني من أشار إىل مبادئ نظرية التطور وهذا باعتبار تقدمه الزماين‪ ،‬أي قرابة‬
‫األلف واملئتان سنة من اآلن‪.‬‬

‫)‪ - (1‬أبو رحيان حممد البريوين‪ ،‬حتقيق ما للهند من مقولة مقبولة يف العقل أو مرذولة‪ ،‬عامل الكتب‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1403 ،‬هـ‪ ،‬ص‪.305‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪246 --------------‬‬

‫يعتقد اجلاحظ تأ َّثر الكائنات ببيئتها إذ يقول يف كتابه احليوان حتت عنوان‪ :‬أثر‬
‫وديدَ ِاَنا خرضاء‪ ،‬وتَراها يف غري اخل ِ‬
‫رضة عىل‬ ‫البيئة ‪ ...":‬وترى جراد البقول والرياحني ِ‬
‫َ‬
‫غري ذلك‪ .‬وترى ال َق ْمل َة يف رأس الشاب األسود الشعر سوداء‪ ،‬وتراها يف رأس الشيخ‬
‫أس األَشْ َمط َش ْمط َاء"‪ )1(،‬وال شك أن تأثري الطبيعة‬
‫األبيض الشعر َبي ْ َضا ْء‪ ،‬وت ََر َاها يف َر ِ‬
‫يف الكان احلي مبدأ م ِهم من مبادئ التأقلم ثم ال َّت َطور‪.‬‬
‫بل يذهب اجلاحظ يف هذا التأثري البيئي حمددا إياه بأنه يمس اإلنسان ويؤثر عليه‬
‫و َيطْ َبعه‪ ،‬وكأنه جيعل عالقة بينه وبني املسخ‪ ،‬وهنا نورد تَتِ َّمة كالمه السابق إن شاء اهلل‪،‬‬
‫كي يزداد املعنى وضوحا إذ يقول‪ " :‬وقد رأينا العرب وكانوا أعرابا حني نزلوا خراسان‪،‬‬
‫كيف انسلخوا من مجيع تلك املعاين‪ ،‬وترى طباع بالد الرتك كيف تطبع اإلبل والدواب‬
‫ومجيع ماشيتهم‪ :‬من سبع وهبيمة‪ ،‬عىل طبائعهم‪ .‬وترى جراد البقول والرياحني وديداَنا‬
‫خرضاء‪ ،‬وتراها يف غري اخلرضة عىل غري ذلك‪ .‬وترى القملة يف رأس الشاب األسود‬
‫الشعر سوداء‪ ،‬وتراها يف رأس الشيخ األبيض الشعر بيضاء‪ ،‬وتراها يف رأس األشمط‬
‫شمطاء‪ ،‬ويف لون اجلمل األورق‪ .‬فإذا كانت يف رأس اخلضيب باحلمرة تراها محراء‪ .‬فإن‬
‫نصل خضابه صار فيها شكلة‪ ،‬من بني بيض ومحر‪ .‬وقد نرى حرة بني سليم‪ ،‬وما‬
‫اشتملت عليه من إنسان‪ ،‬وسبع‪ ،‬وهبيمة‪ ،‬وطائر‪ ،‬وحرشة فرتاها كلها سوداء‪ .‬وقد خربنا‬
‫من ال حيىص من الناس أَنم قد أدركوا رجاال من نبط بيسان (‪ ،)2‬وهلم أذناب إال تكن‬
‫أذناب التمسيح واألسد والبقر واخليل؛ وإال كأذناب السالحف واجلرذان‪ ،‬فقد كان هلم‬
‫عجوب(‪ )3‬طِ َوال كاألذناب‪ .‬وربم رأينا املالح النبطي يف بعض اجلعفريات عىل وجهه‬
‫َشبه ِ‬
‫الق ْرد‪ .‬وربم رأينا الرجل من املغرب فال نجد بينه وبني املسخ‪ ،‬إال القليل‪ .‬وقد جيوز‬ ‫َ‬

‫)‪ -(1‬عمرو بن بحر اجلاحظ‪ ،‬احليوان‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬بريوت‪1424 ،‬هـ‪.295/4 ،‬‬
‫)‪ - (2‬مدينة باألردن بالغور الشامي‪ ،‬وهي بني حوران وفلسطني‪ .‬انظر‪ :‬شهاب الدين ياقوت احلموي‪،‬‬
‫معجم البلدان‪ ،‬النارش‪ :‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1995 ،‬م‪.527/1 ،‬‬
‫ون‪ :‬ا ْل َعظْ ِم ا َّل ِذي ِيف َأسفل الص ْلب ِعن ْدَ ال َعجز‪َ ،‬وه َو ال َع ِسيب ِم َن‬
‫)‪ - (3‬عجوب‪ :‬مجع عَ جب‪ ،‬بِالسك ِ‬
‫ْ‬
‫الدَّ واب‪ .‬انظر‪ :‬حممد بن مكرم بن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪1414 ،‬ه‪.582/1 ،‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪247 -------‬‬

‫أن يصادف ذلك اهلواء الفاسد‪ ،‬والمء اخلبيث‪ ،‬والرتبة الردية‪ ،‬ناسا يف صفة هؤالء‬
‫املغربيني واألنباط‪ ،‬ويكونون جهاال‪ ،‬فال يرحتلون؛ ضنانة بمساكنهم وأوطاَنم‪ ،‬وال‬
‫ينتقلون‪ .‬فإذا طال ذلك عليهم زاد يف تلك الشعور‪ ،‬ويف تلك األذناب‪ ،‬ويف تلك األلوان‬
‫الشقر‪ ،‬ويف تلك الصور املناسبة للقرود‪ .‬قالوا‪ :‬ومل نعرف‪ ،‬ومل يثبت عندنا باخلرب الذي‬
‫ال يعارض‪ ،‬أن املوضع الذي قلب صور قوم إىل صور اخلنازير‪ ،‬هو املوضع الذي نقل‬
‫صور قوم إىل صور القرود‪ .‬وقد جيوز أن تكون هذه الصور انقلبت يف مهب الريح‬
‫الشميل‪ ،‬واألخرى يف مهب اجلنوب‪ .‬وجيوز أن يكون ذلك كان يف دهر واحد؛ وجيوز أن‬
‫يكون بينهم دهر ودهور‪ .‬قالوا‪ :‬فلسنا ننكر املسخ إن كان عىل هذا الرتتيب؛ ألنه إن كان‬
‫عىل جمرى الطبائع‪ ،‬وما تدور به األدوار‪ ،‬فليس ذلك بناقض لقولنا‪ ،‬وال مثبت لقولكم‪.‬‬
‫رصاع بني نوع ونوع‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ويصف اجلاحظ استمرار الوجود عىل أنه رصاع ولكنه‬
‫المن ضمن النوع الواحد نفسه‪ ،‬فاألقوى واألكثر حيلة يفرتس األضعف ليتحقق‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التوازن الشامل‪ ،‬فيقول واصف ًا َ‬
‫الرصاع من أجل البقاء –والذي هو من مبادئ التطورية‪-‬‬
‫‪ " :‬فإن اجلرذ خيرج يلتمس الطعم‪ ،‬فهو حيتال لطعمه‪ ،‬وهو يأكل ما دونه يف القوة‪ ،‬كنحو‬
‫صغار الدواب والطري‪ ،‬وبيضها وفراخها‪ ،‬وّما ال يسكن يف جحر‪ ،‬أو تكون أفاحيصه‬
‫عىل وجه األرض‪ ،‬فهو حيتال لذلك‪ ،‬وحيتال ملنع نفسه من احليات ومن سباع الطري‪.‬‬
‫واحلية تريغ اجلرذ لتأكله‪ ،‬وحتتال أيضا لالمتناع من الورل والقنفذ‪ ،‬ومها عليه أقوى منه‬
‫عليهم‪ .‬والورل إنم حيتال للحية‪ ،‬وحيتال للثعلب‪ ،‬والثعلب حيتال لم دونه‪ .‬قال‪ :‬وخترج‬
‫البعوضة لطلب الطعم‪ ،‬والبعوضة تعرف بطبعها أن الذي يعيشها الدم‪ ،‬ومتى أبرصت‬
‫الفيل واجلاموس وما دوَنم‪ ،‬علمت أنم خلقت جلودمها هلا غذاء‪ ،‬فتسقط عليهم وتطعن‬
‫بخرطومها‪ ،‬ثقة منها بنفوذ سالحها‪ ،‬وهبجومها عىل الدم‪ .‬وخترج الذبابة وهلا رضوب‬
‫من املطعم‪ ،‬والبعوض من أكرب صيدها وأحب غذائها إليها‪ .‬ولوال الذبان لكان رضر‬
‫البعوض َنارا أكثر‪ .‬وخترج الوزغة والعنكبوت الذي يقال له الليث فيصيدان الذباب‬
‫بألطف حيلة‪ ،‬وأجود تدبري‪ ،‬ثم تذهب تلك أيضا كشأن غريمها‪ .‬كأنه يقول‪ :‬هذا مذهب‬
‫يف أكل الطيبات بعضها لبعض‪ .‬وليس جلميعها بد من الطعم‪ ،‬وال بد للصائد أن يصطاد‪،‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪248 --------------‬‬

‫وكل ضعيف فهو يأكل أضعف منه‪ ،‬وكل قوي فال بد أن يأكله من هو أقوى منه‪ ،‬والناس‬
‫بعضهم عىل بعض شبيه بذلك‪ ،‬وإن قرصوا عن درك املقدار‪ ،‬فجعل اهلل عز وجل بعضها‬
‫حياة لبعض‪ ،‬وبعضها موتا لبعض‪)1( ".‬‬

‫يقول "بول باترمان" بعدما درس أقول علمء اإلسالم يف نظرية التطور‪ ،‬وكتب‬
‫دراسة حتت عنوان (األصل اإلسالمي لنظرية التطور) معلقا عىل اجلاحظ بعدما أورد‬
‫شيئا من أقواله السابقة‪ " :‬يتوسع اجلاحظ يف فهارس أرسطو لتصنيف احليوانات‪،‬‬
‫ومعترب ًا أَنا دليالً عىل تصميم اخلالق‪ ،‬ويناقش قدرهتا عىل ال َّت َكيف يف بيئتها‪ ،‬وهذا بذاته‬
‫ال خيربنا عن العملية التي تسببت يف جلب هذه األحياء إىل الوجود‪ ،‬وعىل أي حال فهناك‬
‫نص يف كتاب احليوان يثبت فيه اجلاحظ مالحظته عىل تشابه الكالب مع الذئاب‬
‫والثعالب ويوضح ذلك بأنه يعود إىل سلف مشرتك بني هذه األنواع‪ ،‬وبذلك فهو يتبنى‬
‫اىل ٍ‬
‫حد ما الفكرة األساسية لـ “تغريية األنواع” وكذلك قد تكلم عن تكيف األنواع يف‬
‫بيئتها‪ ،‬ومن كل ما سبق فإنه من املغري أن نقول إن اجلاحظ قد تنبأ بالتطور عىل أساس‬
‫االنتخاب الطبيعي‪ ،‬ولكنني أعتقد أن هذا ال أساس له‪ ،‬عىل الرغم من أن النص السابق‬
‫يبدو هام ًا من منظورنا‪ ،‬إال أنه مل يمعن التفكري يف املوضوع‪ .‬وهبذا ال ينبغي لنا أن نلوم‬
‫اجلاحظ العامل الرائد يف الطبيعيات من القرن الثالث العرش‪ ،‬ألن التطبيقات الواضحة يف‬
‫علم التطور مل حتدث يف عرصه‪ ،‬فلم نكن نتوقع منه أكثر ّما سبق‪ ،‬فنحن نمتلك املعرفة‬
‫التي نعلم هبا كيف تطور العلم الحق ًا بينم هو مل يعرف يف حينها‪)2( ".‬‬

‫)‪ -(1‬اجلاحظ‪ ،‬احليوان‪.528/6 ،‬‬


‫)‪ - (2‬املرشوع العراقي للرتمجة‪ ،‬األصل اإلسالمي لنظرية التطور‪ ،‬رابط‪:‬‬
‫‪https://www.iqtp.org/?p=14324‬‬
‫وأصله باإلنجليزية‪Islamic Foreshadowing oF Evolution, By Paul S. BraTerman, :‬‬
‫رابط‪:‬‬
‫‪https://muslimheritage.com/islamic-foreshadowing-of-evolution/‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪249 -------‬‬

‫ابن مسكويه (ت ‪ ( :)421‬مؤرخ باحث‪ ،‬اشتغل بالفلسفة والكيمياء واملنطق مدة‪،‬‬


‫ثم بالتاريخ واألدب)‪:‬‬
‫ي َقرر ابن مسكويه يف كتابه الفوز األصغر قضية اتصال املخلوقات فيم بينها‬
‫وارتقاء األدنى منها إىل األعىل‪ ،‬حتت "املسألة الثالثة‪ :‬يف النبوات‪ ،‬الفصل األول‪ :‬يف‬
‫مراتب موجودات العامل واتصال بعضها ببعض"‪ ،‬إذ يقول‪ " :‬فأما اتصال املوجودات‬
‫التي تقول أن احلكمة سارية فيها حتى إذا أوجدهتا وأظهرت التدبري املتقن من ِق َبل‬
‫الواحد احلق يف مجيعها حتى اتصل آخر كل نوع بأول نوع آخر فصار كالسك الواحد‬
‫الذي ينظِم خرزا كثريا عىل تأليف صحيح وحتى جاء من اجلميع واحد فهو الذي ننبه‬
‫عليه بمعونة اهلل "‪ )1( .‬ثم يرتب ابن مسكويه بعدها مبارشة كيفية ظهور هذه املخلوقات‬
‫قائال‪ " :‬إن أول أثر ظهر يف عاملنا هذا من نحو املركز بعد امتزاج العنارص األ َول أثر‬
‫حركة النفس يف النبات وذلك أ َّنه ُت َ َّي َز عن اجلمد باحلركة واالغتذاء‪ .‬والنبات يف قبول‬
‫هذا ألثر غرض كثري ومراتب خمتلفة ال حتىص إال أنا نقسمه إىل ثالث مراتب‪...‬فنقول‬
‫إن مرتبة النبات يف قبول هذا األثر الرشيف هو لم نجم من األرض ومل حيتج إىل بذر ومل‬
‫حيفظ نوعه ببذر كأنواع احلشائش وذلك أنه يف أفق اجلمد والفرق بينهم هو هذا القدر‬
‫اليسري يف احلركة الضعيفة يف قبول أثر النفس و ال يزال هذا ألثر يقوى يف نبات آخر يليه‬
‫يف الرشف إىل أن يصري له من القوة يف احلركة إىل أن يتفرع وينبسط ويتشعب وحيفظ نوعه‬
‫بالبذر ويظهر فيه من أثر احلكمة أكثر ّما يظهر يف األول وال يزال هذا املعنى يزداد فيه‬
‫يشء بعد يشء ظهورا إىل أن يصري إىل الشجر الذي له ساق وورق حيفظ به نوعه وغراس‬
‫ال َّ‬
‫أن أول هذه املرتبة‬ ‫يصونه هبا بحسب حاجته إليها وهذا هو الوسط من املنازل الثالثة إ َّ‬
‫مت ِـصل بم قبله وهو يف أفقه وهو ما كان من الشجر عىل اجلبال ويف الرباري املنقطعة ويف‬
‫الغياض وجزائر البحار ال حتتاج إىل غرس بل ينبت لذاته وإن كان حيفظ نوعه بالبزر‬

‫)‪ -(1‬ابن مسكويه‪ ،‬الفوز األصغر‪ ،‬طبعة بريوت‪1319 ،‬ه‪ ،‬ص‪.86‬‬


‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪250 --------------‬‬

‫وهو ثقيل احلركة بطيء النشوء ثم يتدرج كم هذه املرتبة ويقوى هذا األثر فيه ويظهر‬
‫رشفه عىل ما دونه حتى ينتهي إىل األشجار الكريمة التي حتتاج إىل عناية ‪...‬ويتدرج أيضا‬
‫يف قبول هذا األثر من ظهور الرشف إىل أن ينتهي إىل رتبة الكرم والنخل‪ .‬فإذا انتهى إىل‬
‫ذلك صار يف األفق األعىل من النبات وصار بحيث إن زاد قبوله هلذا األثر مل يبق له صورة‬
‫النبات و َقبِل حينئذ صورة احليوان‪...‬وهذه الرتبة يف النبات وإن كانت يف رشفه فإَنا أول‬
‫أفق احليوان وهو أدون مرتبة وأخسها وذلك أول ما يرقى النبات من منزلته األخرية‬
‫ويتميز به من مراتبه األ َول هو أن ينقطع من األرض وال حيتاج إىل إثبات العروق فيم‬
‫حيصل له من الترصف باحلركة االختيارية وهذه الرتبة األوىل من احليوانية ضعيفة‬
‫لضعف أثر ِاحلس فيها وإنم تظهر بجهة واحدة أعني ِحسا واحدا وهو احلس العام الذي‬
‫يقال له حس اللمس وذلك كالصدَ ف وأنواع احللزون الذي يوجد يف شاطئ األَنار‬
‫وسواحل البحار ‪...‬ثم ينتقل عن هذه الرتبة إىل أن ينتقل ويتحرك ويقوى فيه قوة احلس‬
‫كالدود وكثري من الفراش والدبيب ثم يرتقي عن هذه املرتبة أيضا ويقوى أثر النفس إىل‬
‫أن يصري منه احليوان الذي له أربعة حواس كاخللد وما شابه ثم يرتقي من ذلك إىل أن‬
‫يصري له من حسن البرص ضعيف كالنمل والنحل واحليوان الذي عيونه تشبه اخلرز‬
‫وليس له أجفان وال ما يسرت أحداقهم‪ .‬ثم يقوى ذلك إىل أن يصري احليوان الكامل يف‬
‫احلواس اخلمس وهي مع ذلك متفاوتة املراتب فمنها البليدة اجلافية احلواس ومنها‬
‫الذكية اللطيفة احلواس التي تستجيب للتأديب وتقبل األمر والنهي وتستعد لقبول أثر‬
‫النطق واملييز كالفرس من البهائم والبازي من الطري‪ .‬ثم يقرتب آخر مرتبة البهائم ويصري‬
‫يف أفقه األعىل وهي مرتبة اإلنسان وهذه املرتبة إن كانت رشيفة فهي خسيسة ذنيئة بعيدة‬
‫من مرتبة اإلنسان وهي مراتب القرود وأشبهها من احليوان التي قاربت اإلنسان يف خلق‬
‫اإلنسانية وليس بينها وبني اإلنسان إال اليسري الذي إذا تاوز صار إنسان ًا‪ .‬فإذا بلغه‬
‫انتصبت قامته ويظهر فيه من قوة ُتييز اليشء اليسري فضل ُتييز واهتداء إىل املعارف‬
‫وقوى فيه أثر النفس ويقبل التأديب بالفهم والتمييز‪ .‬وهذا األثر كان رشيفا باإلضافة‬
‫إىل ما دونه من رتب البهائم فهو خسيْس دينء جدا باإلضافة إىل اإلنسان الكامل النطق‪.‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪251 -------‬‬

‫املرتبة قريبة من مراتبة اإلنسان هي يف أفق البهيمة وهي يف أقىص املعمورة من األرض‬
‫ويف أطوافها من الشمل واجلنوب كأواخر الزنج وغريهم‪ .‬فإن هؤالء ليس بينهم وبني‬
‫الرتبة اآلخرة من البهائم التي ذكرناها كثري فرق بالتمييز إىل كثري يشء من املنافع‬
‫هلم‪...‬ثم ال يزال أثر النطق يزيد إىل أن يصري يف وسط املعمورة يف اإلقليم الثالث والرابع‬
‫واخلامس فحينئذ يكتمل هذا األثر ويصري بحيث تراه من الذكاء والفهم والتيقظ لألمور‬
‫والكيس يف الصناعات واستخراج غوامض العلوم واالتساع يف املعارف‪ .‬ثم يقع‬
‫التفاوت يف هذه الرتبة منها إىل حيث يومى إىل الواحد بعد الواحد يف ْسعة اهلاجس‬
‫وقوته واستقامة النظر وصحة الفكر وجودة احلكم عىل األمور الكائنة واالخبار‬
‫باألحوال املستقبلة حتى يقال فالن املعي وفالن املحدس فكأنم ينظر إىل الغيب من وراء‬
‫سرت رقيق‪ .‬فإذا بلغ اإلنسان هذه الرتبة فقد قارب البلوغ إىل أفقه الذي يتصل به إىل أفق‬
‫املالئكة أعني الوجود الذي هو أعىل من الوجود اإلنساين ومل يبق بينه وبني مرتبة عليني‬
‫إال درجة يسرية يدركها‪ .‬وإذا رتَّبنا قوى العامل الصغري ورشحنا اتصال قواه بعضها‬
‫ببعض وكيف ترتقي قوة احلواس منه إىل ما هو أعىل منها ومنها إىل ما بعدها حتى جياور‬
‫الـ َمـ َلك ويناسبه ويستمد منه فهنالك يتبني غاية أفق اإلنسانية وَناية رشفه وكيفية مرتبته‬
‫واتصال الروح املسمى يف القرآن الروح القدس َف َي َّطلع النَّاظر يف هذه املراتب عىل صور‬
‫املوجود ويفهمه ويعرف رشف الرسالة وعلو درجة النبوة إن شاء اهلل تعاىل‪)1( ".‬‬

‫إخوان الصفا (القرن الثالث للهجرة)‪( :‬مجاعة من العلمء املسلمني)‪:‬‬


‫هي مجاعة من العلمء والفالسفة املسلمني ظهروا يف أنحاء خمتلفة من ِ‬
‫العراق‪،‬‬
‫تناولوا أنواع خمتلفة من العلوم‪ ،‬أ َّثروا يف الفكر الفلسفي لذلك الزمن‪ ،‬وهنالك آراء‬
‫متعددة يف زمن نشأهتم‪ ،‬هنالك من يرى أَنم نشأوا يف القرن الثالث اهلجري‪ ،‬وهنالك‬

‫)‪ -(1‬املرجع نفسه‪ 86 ،‬إىل ‪.92‬‬


‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪252 --------------‬‬

‫من يرى أَنم يف منتصف هذا القرن‪ ،‬وهنالك من يرى أَنم يف القرن الرابع‪ ،‬أو منتصفه‪،‬‬
‫ويرى آخرون أَنم قبل ذلك أي مابني ثمنني إىل ثمنية وأربعني ومائة للهجرة‪)1(.‬‬

‫يثبت إخوان الصفا التطور يف الكائنات من األدنى إىل األعىل‪ ،‬وهذا التطور له‬
‫غاية وهدف وليس تطورا عشوائيا‪ ،‬لكل كون ونشوء غاية أوال وابتداء‪ ،‬وله َناية إليها‬
‫يرتقي ‪ ،‬ولغايتها ثمرة تتنى‪ ،‬فهم لدهيم غاية بعيدة أكثر تعقيدا وترتيبا تنزع إليها‬
‫املوجودات مجيعا‪ ،‬أي أَنا تبدأ بم هو جزئي لتنتهي إىل ذلك الكيل‪ ،‬تبدأ من البسيط‬
‫لتنتهي إىل املعقد‪ ،‬فاملوجودات دائم متوجهة نحو التمم‪ ،‬من األنقص نحو األتم‪ ،‬ومن‬
‫األدون إىل األرشف‪ ،‬وهذا التطور يكون عرب الزمن الذي يؤثر يف الكائنات الناقصة كي‬
‫ترقى إىل ما هو أفضل‪)2(.‬‬

‫وارتباط الكائنات وترتيبها والتي أصلها واحد يدل عىل اتقان اخلالق وابداعه‬
‫وأنه واحد‪ ،‬جاء يف رسالة إخوان الصفا‪ " :‬واعلم يا أخي‪ ،‬أيدك ااهلل وإيانا بروحٍ منه‪،‬‬
‫بأن الباري‪ ،‬جل ثناؤه‪ ،‬لم أبدع املوجودات واخرتع الكائنات‪ ،‬جعل أصلها كلها من‬
‫هيوىل واحدة‪ ،‬وخالف بينها بالصور املختلفة‪ ،‬وجعلها أجناس ًا وأنواع ًا خمتلفة متفننة‬
‫ٍ‬
‫ترتيب‬ ‫متباينة‪ ،‬وقوى ما بني أطرافها‪ ،‬وربط أوائلها وأواخرها بم قبلها رباط ًا واحد ًا عىل‬
‫ونظام لم فيه من إتقان احلكمة وإحكام الصنعة‪ ،‬لتكون املوجودات كلها عالم‬
‫واحد ًا منتظ ًم نظام ًا واحد ًا وترتيب ًا واحدا‪ ،‬لتدل عىل صان ٍع واحد ‪.‬فمن أجل تلك‬
‫املوجودات املختلفة األجناس‪ ،‬املتباينة األنواع‪ ،‬املربوطة أوائلها بأواخرها‪ ،‬وأواخرها‬
‫بم قبلها يف الرتتيب وانتظام املولدات‪ ،‬الكائنات التي دون فلك القمر وهي أربعة‬
‫أجناس‪ :‬املعادن والنبات واحليوان واإلنسان‪ ،‬وذلك أن كل جنس منها حتته أنواع كثرية‪،‬‬
‫فمنها ما هويف َأ ْدون املراتب‪ ،‬ومنها ما هويف أرشفها وأعالها‪ ،‬ومنها ما هوبني الطرفني‪.‬‬

‫)‪ -(1‬انظر‪ :‬جمدي عبد احلافظ‪ ،‬فكرة التطور عند فالسفة اإلسالم‪ ،‬املجلس األعىل للثقافة‪2005 ،‬م‪،‬‬
‫ص ‪.34-33‬‬
‫)‪ -(2‬انظر‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.40‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪253 -------‬‬

‫فأدون أطراف املعادن ّما ييل الرتاب اجلص والزاج وأنواع الشبوب؛ والطرف األرشف‬
‫الياقوت والذهب األمحر‪ ،‬والباقي بني هذين الطرفني من الرشف والدناءة كم بينا يف‬
‫رسالة املعادن ‪.‬وهكذا أيض ًا حكم النبات فإنه أنواع كثرية متباينة متفاوت ٌة‪ ،‬ولكن منه ما‬
‫هو يف أدون الرتبة ّما ييل رتبة املعادن‪ ،‬وهي خرضاء الدمن ومنها ما هو يف أرشف الرتبة‬
‫ّما ييل رتبة احليوان‪ ،‬وهي شجرة النخل‪)1(...‬‬

‫احلمد َِّللِ وسالَم َع َىل ِعب ِ‬


‫اد ِه ا َّل ِذي َن‬ ‫وجاء يف رسائل إخوان الصفا‪ ( " :‬ق ِل ْ َ ْ َّ َ َ ٌ ٰ َ‬
‫ون )‪( ،‬فصل)‪ ،‬اعلم أهيا األخ البار الرحيم‪ ،‬أيدك اهلل وإ َّيانا‬ ‫آَّلل َخ ْ ٌري َأ َّما ي ْ ِ‬
‫رشك َ‬ ‫اص َط َف ٰى ۚ َّ‬
‫ْ‬
‫بروح منه‪ ،‬أنه لم فرغنا من ذكر اجلواهر املعدنية‪ ،‬وبينَّا طرفا من كيفية تكوينها‪ ،‬وكمية‬
‫أجناسها‪ ،‬وفنون أنواعها‪ ،‬وخواص منافعها ومضارها يف رسالة لنا‪ ،‬وبينا فيها أن آخر‬
‫مرتبة اجلواهر املعدنية م َّتصلة بأول مرتبة اجلواهر النباتية‪... ،‬فإن أول مرتبة النبات‬
‫متصلة بأول مرتبة احليوانية‪ ،‬وآخر مرتبة احليوانية متصلة بأول مرتبة اإلنسانية‪ ،‬وآخر‬
‫مرتبة اإلنسانية م َّت ِصلة بأول مرتبة املالئكة الذين هم سكان السموات وقانطنوا األفالك‬
‫الذين خلقهم اهلل تبارك وتعاىل لعمرة عامله مطيعني يف طاعته ال يعصون اهلل ما أمرهم‪،‬‬
‫ويفعلون ما يؤمرون ‪)2( "...‬‬

‫وجاء يف موضع آخر من رسائلهم‪ " :‬واعلم أهيا األخ أن هلذه املوجودات التي‬
‫حتت فلك القمر نظاما وترتيبا يف الوجود والبقاء‪ ،‬وهي مرتبة بعضها حتت بعض‪ ،‬متصل‬
‫أواخرها بأوائلها كرتتيب العدد وترتيب األفالك ‪...‬بيان ذلك أن املعادن م َّت ِصل أوهلا‬
‫بالرتاب وآخرها بالنبات‪ ،‬والنبات أيضا متصل آخره باحليوان‪ ،‬واحليوان متصل آخره‬

‫)‪ -(1‬رسائل إخوان الصفا وخالن الوفا‪ ،‬مكتب اإلعالم اإلسالمي‪-‬قم‪ ،-‬طبعة ‪1405‬ه‪ ،‬املجلد‬
‫الثاين‪ ،‬ص‪.167-166‬‬
‫)‪ -(2‬رسائل إخوان الصفا وخالن الوفا‪ ،‬املجلد الرابع‪ ،‬ص‪.151-150‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪254 --------------‬‬

‫باإلنسان‪ ،‬واإلنسان متصل آخره باملالئكة‪ ،‬واملالئكة أيضا هلا مراتب مقامات متصلة‬
‫أواخرها بأوائلها (‪)1‬‬

‫ويرتب إخوان الصفا زمان ظهور النبات قبل احليوان ويذكرون أسباب ذلك‪:‬‬
‫" ثم اعلم يا أخي بأن النبات متقدم الكون والوجود عىل احليوان بالزمان‪ ،‬ألنه ماد ٌة هلا‬
‫كلها‪ ،‬وهيوىل لصورها‪ ،‬وغذا ٌء ألجسادها‪ ،‬وهو كالوالدة للحيوان‪ ،‬أعني النبات‪ .‬وذلك‬
‫أنه يمتص رطوبات المء ولطائف أجزاء األرض بعروقه إىل أصوله‪ ،‬ثم حييلها إىل ذاته‪،‬‬
‫وجيعل من فضائل تلك املواد ورق ًا وثمر ًا وحبوب ًا نضيج ًا‪ ،‬ويتناول احليوان غذا ًء صافي ًا‬
‫هنيئ ًا مريئ ًا كم تفعل الوالدة بالولد فإَنا تأكل الطعام نضيج ًا ونيئ ًا‪ ،‬وتناول ولدها لبن ًا‬
‫خالص ًا سائغ ًا للشاربني‪ .‬فلومل يكن النبات يفعل ذلك من األركان لكان حيتاج احليوان‬
‫إىل أن يتغذى من الطني ِرصف ًا‪ ،‬ومن الرتاب سف ًا‪ ،‬ويكون منغص ًا يف غذائه ومالذه فانظر‬
‫أيدك اهلل وإيانا بروح منه إىل معرفة حكمة الباري‪ ،‬جل ثناؤه‪ ،‬كيف جعل النبات واسطة‬
‫بني احليوان وبني األركان‪ ،‬حتى يتناول بعروقه لطائف األركان وعصارهتا وهيضمها‬
‫وينضجها ويصفيها‪ ،‬ويناول احليوان من لطائف لباهبا وحبوهبا وقشورها وورقها ‪...‬‬
‫لطفا من اهلل تعاىل بخلقه وعناية منه بربيته‪ ،‬فتبارك اهلل أحسن اخلالقني وأحكم احلاكمني‬
‫وأرحم الرامحني ! " (‪ .)2‬فأما تقديم زمن ظهور النبات من طرف إخوان الصفا فإن هذا‬
‫ما ينطبق مع بعض البحوث احلديثة التي تقول بأن النبات هو من أوائل الكائنات احلية‬
‫التي ظهرت يف األرض –قبل احليوانات‪)3(.-‬‬

‫)‪ - (1‬رسائل إخوان الصفا وخالن الوفا‪ ،‬املجلد الرابع‪ ،‬ص‪.277-276‬‬


‫)‪ -(2‬املرجع نفسه‪ ،‬املجلد الثاين‪ ،‬ص‪.180‬‬
‫)‪ -(3‬كشف علمء يف بنسلفانيا بالواليات املتحدة أن النباتات ظهرت قبل احليوانات يف األرض‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪https://www.albayan.ae/five-senses/2001-08-12-1.1125765‬‬
‫‪http://cutt.us.com/x7vz8ym6‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪255 -------‬‬

‫ويرتب إخوان الصفا النبات إىل درجات‪ ،‬من األدنى يف بداية الس َلم النبايت إىل‬
‫األعىل الذي يقرتب إىل احليوان إذا جاء يف رسائلهم‪" :‬وأما النبات فنقول إن هذا اجلنس‬
‫من الكائنات م َّت ِصل َّأوله باملعادن وآخره متصل باحليوان؛ بيان ذلك‪ :‬اعلم يا أخي أو‬
‫أول مرتبة وأدوَنا ّما ييل الرتاب هي خرضاء الدمن‪ ،‬وآخرها وأرشفهم ّما ييل احليوانية‬
‫النخل‪)1( "....‬‬

‫وي َرتب إخوان الصفا زمان ظهور احليوانات بحسب تعقيد ِخلْ َقتِها وكمله‪ ،‬بل‬
‫يذهبون بعيدا بذكرهم أن حيوان المء ظهر وجوده قبل حيوان الرب‪ " :‬ثم اعلم يا أخي‪،‬‬
‫أيدَ ك اهلل وإيانا بروح منه‪ ،‬بأن احليوان ما هو تام ِ‬
‫اخللْ َقة كامل الصورة كالتي َتن ْزو وحتبل‬ ‫َّ‬
‫اخلل َقة كالتي تكون من العفونات‪ ،‬ومنها ما هو‬ ‫وتلد وترضع‪ ،‬ومنها ما هو ناقص ِ‬
‫ْ‬
‫كاحلرشات واهلوام بني ذلك‪ ،‬كالتي تنفذ وتبيض وختصن وتريب‪ .‬ثم اعلم بأن احليوانات‬
‫الناقصة اخللقة متقدمة الوجود عىل التامة ِ‬
‫اخللقة بالزمان يف بدأ اخللق‪ ،‬وذلك أَنا تتكون‬
‫يف زمن قصري‪ ،‬والتي هي تامة اخللقة تتكون يف زمن طويل ألسباب وعلل يطول‬
‫رشحها‪ ،‬وقد ذكرنا طرفا منها يف رسالة مسقط النطْفة‪ ،‬ورسالة األفعال الروحانية ونقول‬
‫أيضا إن حيوان المء وجوده قبل وجود حيوان الرب بِ ٍ‬
‫زمان‪ ، )2( " ...‬وأذكر هنا أن ال َّت َقدم‬ ‫َ‬
‫الزماين حليوان البحر من حيث الوجود عىل حيوان الرب وال َت َقدم الزماين للكائن البسيط‬
‫عىل الكائن األكثر تعقيدا يقول به كذلك علمء التطور املعارصون‪.‬‬
‫وفيم يتعلق بعالقة القرب بني اإلنسان وغريه من املخلوقات فإن إخوان الصفا‬
‫يقولون‪ " :‬إن رتبة احليوانية ّما ييل اإلنسانية ليست من وجه واحد ولكن من عدة وجوه‬
‫وذلك أن رتبة اإلنسانية لم كانت معدنا للفضل وينبوعا للمناقب مل يستوعبها نوع واحد‬
‫من احليوان‪ ،‬ولكن عدة أنواع‪ ،‬فمنها ما قارب رتبة اإلنسانية بصورة جسده مثل ِ‬
‫الق ْرد‪،‬‬
‫ومنها باألخالق النفسانية كالفرس يف كثري من أخالقه وكالطائر اإلنيس أيض ًا‪ ،‬ومثل‬

‫)‪ -(1‬رسائل إخوان الصفا وخالن الوفا‪ ،‬املجلد الرابع‪ ،‬ص‪.277‬‬


‫)‪ -(2‬املرجع نفسه‪ ،‬املجلد الثاين‪ ،‬ص‪.181‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪256 --------------‬‬

‫الفيل يف ذكائه وكالببغاء واهلزار ونحومها من األطيار الكثرية األصوات واألحلان‬


‫والنغمت‪ ،‬ومثل ذلك النحل اللطيف الصنائع‪ ،‬إىل ما شاكل هذه األجناس‪ .‬وذلك أنه‬
‫ما من حيوان يستعمله الناس أو يأنس هبم إال ولنفسه يف نفس قرب من نفس‬
‫اإلنسانية‪ .‬أما القرد فلقرب شكل جسده من شكل جسد اإلنسان صارت نفسه حتاكي‬
‫أفعال النفس اإلنسانية وذلك منه متعارف بني الناس (‪)1‬‬

‫وي ِشري إخ ـوان الص ـفا إىل مبـ ـدأ من نظرية ال ـت ـطور وه ـو النزاع م ـن أجل ال ـبقاء‪:‬‬
‫" واعلم يا أخي أيدك اهلل وإيانا بروح منه‪ ،‬بأنك إن أمعنت النظر فيم وصفنا‪ ،‬وتأملت‬
‫وعلة املوجودات‪ ،‬علمت وتيقنت أن‬‫ما ذكرنا‪ ،‬وجودت البحث عن مبادئ الكائنات ِ‬

‫هاتني احلالتني‪ ،‬أعني شهوة البقاء وكراهية الفناء‪ ،‬أصل وقانون جلميع شهوات النفوس‬
‫املركوزة يف جبلتها وإن تلك الشهوات املركوزة يف ِجبِ َّلتِها أصول وقوانني جلميع‬
‫أخالقها وسجاياها‪ ،‬وتلك األخالق أصول وقوانني جلميع أفعاهلا وصنائعها ومعارفها‬
‫ومترصفاهتا " (‪)2‬‬

‫ويثبت إخوان الصفا بطريقتهم مبدأ آخر من مبادئ ال َّت َطورية وهو تأثري الطبيعة‬
‫والبيئة عىل الكائن احلي‪ ،‬سواء كان إنسانا أم حيوانا‪ ،‬إذ جاء يف رسائلهم‪ " :‬ويف كل مدينة‬
‫أمم من الناس خمتلفة ألسنتهم وألواَنم وطباعهم وآداهبم ومذاهبهم وأعمهلم‬
‫ِ‬
‫ومعادَنا‪ ،‬خمتلفة‬ ‫وصنائعهم وعاداهتم‪ ،‬ال يشبه بعضهم بعض ًا‪ .‬وهكذا حكم حيواَنا‬
‫الشكل والطعم واللون والرائحة‪ .‬وسبب ذلك اختالف أهوية البالد وتربة البقاع‬
‫وعذوبة املياه وملوحتها‪ ،‬ولك هذا االختالف بحسب طوالع الربوج ودرجاهتا عىل‬
‫آفاق تلك البالد‪ ،‬بحسب ّمرات الكواكب عىل مسامتات تلك البقاع‪ ،‬ومطارح شعاعاهتا‬
‫من اآلفاق عىل تلك املواضع‪.)3( ".‬‬

‫)‪ -(1‬املرجع نفسه‪ ،‬املجلد الثاين‪ ،‬ص‪.170-169‬‬


‫)‪ -(2‬املرجع نفسه‪ ،‬املجلد األول‪ ،‬ص‪.317-316‬‬
‫)‪ -(3‬املرجع نفسه‪ ،‬املجلد األول‪ ،‬ص ‪.179‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪257 -------‬‬

‫‪ .4‬نتيجة حول‪ :‬علمء من قدماء املسلمني قالوا بنظرية التطور‪:‬‬


‫لقد تبني لنا فيم رأينا سابقا أن َد ْار ِون ليس هو أول من قال بِ َّتطور الكائنات‪ ،‬ألن‬
‫املسلمني سبقوه إىل القول هبذه النظرية التطورية يف العموم‪ ،‬وأثبتوا بعض أس ِسها‬
‫بإرهاصات َبينَة‪ ،‬بالرغم من اشتهارها فيم بعد باسمه‪ ،‬بعد مئات السنني‪ ،‬وحتى إن مل‬
‫تبلغ تقريرات قدماء العلمء املسلمني ما فص َله داروين فيها‪ ،‬والذي هو بدوره مل يبلغ ما‬
‫صححه وفصله العلم احلديث فيها‪ ،‬والعلم احلديث بدوره ال زال جيهل كثريا من‬
‫أْسارها‪ ،‬والتي تتبني مع مرور الوقت‪ ،‬إال أنه يمكن القول يف العموم أن النظرية‬
‫التطورية هلا أصول إسالمية‪ ،‬وال تتعارض يف قواعدها الصحيحة مع الوحي‪.‬‬

‫‪ .5‬باحثون مسلمون معارصون يرون بِ ِص َّحة نظرية التطور‪:‬‬


‫يعتقد عدد من الباحثني املسلمني املعارصين املختصني بِ ِصحة نظرية ال َّت َطور‪،‬‬
‫وال يرون بتعارض هذه النظرية مع اإلسالم‪ ،‬ويرون بصحة األدلة العلمية التي تقدمها‪،‬‬
‫وال جيدون بأسا يف اجلمع بني اإليمن بدينهم وبني التطورية‪ ،‬وسييل ذكر بعض األمثلة‬
‫من هؤالء وما قالوه حول هذا األمر إن شاء اهلل تعاىل‪:‬‬
‫‪ -‬الدكتور سامي حممد زلط أستاذ التنوع البيولوجي بجامعة قناة السويس (مرص)‪:‬‬
‫يستفتح مقدمة كتابه "لمذا التطور حقيقة؟" بقوله‪ " :‬كلمة التطور ليست البديل‬
‫عن كلمة اخلالق ‪ ...‬يمكن أن تكون متدينا وتؤمن بالتطور "‪ ،‬مضيفا أن التطور هو‬
‫التفسري العلمي واملنطقي لم نراه من تنوع وتشكل يف هذه احلياة‪ ،‬ثم يوضح بأنه مل جيد‬
‫تناقضا فيم قرأه مع معتقداته كشخص مسلم‪ ،‬ألن عقله يتغذى بالعلم واملعرفة وقلبه‬
‫وروحه ّملوءان باإليمن باهلل‪)1(.‬‬

‫)‪ -(1‬انظر‪ :‬سامي حممد زلط‪ ،‬لمذا التطور حقيقة؟‪ ،‬نقال عن مقال لشادي عبد احلافظ‪ ،‬نرش عىل موقع‬
‫قناة اجلزيرة حتت عنوان‪ :‬حرب الدين واجلينات‪ ..‬هل نظرية التطور بديل عن اخلالق‪ ،‬رابط‪:‬‬
‫‪https://cutt.us/qU2dC‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪258 --------------‬‬

‫‪ -‬أمحد شوقي حسن‪ ،‬أستاذ علم الوراثة بكلية الزراعة جامعة الزقازيق (مرص)‪:‬‬
‫ومن الباحثني املختصني الذين يرون بصحة التطورية الدكتور أمحد شوقي‬
‫حسن‪ ،‬أستاذ علم الوراثة بكلية الزراعة جامعة الزقازيق‪ ،‬حيث يوضح يف كتابه "ثالث‬
‫قصص علمية" أن املوقف احلادي املعادي للدين من ِقبل بعض متخصيص البيولوجيا‬
‫التطورية واملروجني هلا‪ ،‬أمثال هكسيل قديم وريتشارد دوكينز حاليا‪ ،‬أعطى فرصة‬
‫لرواج الفكرة القائلة بالربط بني التطور واإلحلاد‪ ،‬ويقول‪ " :‬إننا نعد التطور سنة اهلل يف‬
‫خلقه‪ ،‬وندرس آلياته‪ ،‬ونصحح فهمنا هلا باستمرار "‪)1(.‬‬

‫‪ -‬ا لدكتورة رنا دجاين‪ ،‬عاملة أردنية متخصصة يف نطاق بيولوجيا اخللية‪ ،‬متحصلة‬
‫عىل دكتوراه يف البيولوجيا اجلزيئية من جامعة آيوا‪:‬‬
‫ترى هذه الدكتورة يف مقال هلا يف دورية "نيترش" الشهرية أن رفض الطالب‬
‫اجلامعيني املسلمني للبيولوجيا التطورية هو "فرصة"‪ ،‬فعىل الرغم من أَنم يدخلون إىل‬
‫الفصل الدراِس رافضني ومعادين ُتاما هلذا النطاق العلمي‪ ،‬فإنه بنهاية الفصل الدراِس‬
‫يكون معظمهم قد تق َّبل الفكرة‪ .‬وبالرغم من أن الطالب يستغربون حني يروَنا مسلمة‬
‫حمجبة مع أَنا تقف أمامهم لتقول إن البيولوجيا التطورية هي التفسري العلمي لتنوع‬
‫احلياة عىل سطح األرض‪)2(.‬‬

‫ويقول شادي عبد احلافظ صاحب املقال يف حول العالقة بني الدين والتطورية‪،‬‬
‫معلقا عىل موقف الدكتورة دجاين السابق –بعدما أورد كالمها‪ -‬وغريها من العلمء‬
‫املسلمني الذين يرون ِ‬
‫بصحة ال َّت َطورية‪ " ،‬دعنا هنا نتأمل مشكلة مهمة‪ ،‬إىل جانب التصور‬
‫اخلاطئ السائد بني املواطنني يف الوطن العريب‪ ،‬والقائل إن التطور يقف بديال عن اهلل‬

‫)‪ -(1‬انظر‪ :‬أمحد شوقي حسن‪ ،‬ثالث قصص علمية‪ ،‬نقال عن مقال لشادي عبد احلافظ‪ ،‬نرش عىل‬
‫موقع قناة اجلزيرة حتت عنوان‪ :‬حرب الدين واجلينات‪ ..‬هل نظرية التطور بديل عن اخلالق‪ ،‬رابط‪:‬‬
‫‪https://cutt.us/qU2dC‬‬
‫)‪ -(2‬انظر‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬رابط‪https://cutt.us/qU2dC :‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪259 -------‬‬

‫(حتدثنا عنه قبل قليل)‪ ،‬فإن تاريخ الرتويج ضد التطور‪ ،‬وربطه باالستعمر‪ ،‬واإلمربيالية‪،‬‬
‫والغرب‪ ،‬واإلحلاد‪ ،‬والمدية‪ ،‬والعنرصية‪ ،‬وضع املتحدثني عن التطور تلقائيا يف خانة‬
‫نمطية سيئة للغاية‪ ،‬بالتايل فإن دجاين‪ ،‬وغريها من العلمء املسلمني املهتمني بالبيولوجيا‬
‫التطورية‪ ،‬هم صدمة كبرية للطالب حتديدا‪ ،‬ألن الطالب قدموا إىل اجلامعات وهم‬
‫متيقنون من أن املتحدث عن التطور ملحد أو عىل األقل يواجه مشكلة حرجة يف‬
‫معتقداته‪ ،‬قوال واحدا! ‪)1( ".‬‬

‫‪ -‬الدكتور نضال قسوم‪ ،‬الفيزيائي الفلكي اجلزائري واحلاصل عىل شهاديت‬


‫الدكتوراه والمجستري من جامعة كاليفورنيا‪:‬‬
‫كذلك الدكتور نضال قسوم هو من أشد املعتقدين بنظرية التطور‪ ،‬وينظم إىل العلمء‬
‫املسلمني املدافعني عن هذه النظرية وله بعض الرشوح يف ذلك‪ ،‬من بينها ما هو مرئي‬
‫منشور يف الشبكة العنكبوتية‪)2(.‬‬

‫الوحي والنظرية التَّ َطو ِر َية‪:‬‬


‫‪ .5‬حماولة اجلمع بني َّ‬
‫وبعد هذا‪ ،‬فإنه النبغي أن ي ْف َهم ّما سبق أننا نؤيد كل من حاول أن جيمع بني‬
‫الوحي وهذه النظرية‪ ،‬فنرى أن اخلطأ الذي وقع فيه بعض املسلمني الذين ترجحت‬
‫َّ‬
‫عندهم نظرية التطور هو حماولة التوفيق بينها وبني نصوص الوحي بتوفيق خاطئ‪ ،‬أي‬
‫أدى ببعضهم إىل تأويل نصوص الوحي تأويال خاطئا أو بعيدا كي ي ِ‬
‫وافق عندهم نظرهم‬

‫)‪ -(1‬انظر‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬رابط‪https://cutt.us/qU2dC :‬‬


‫)‪ -(2‬انظر‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬رابط‪ ، https://cutt.us/qU2dC :‬وراجع بعض رشوح نضال قسوم‬
‫املرئية للتطورية وتناوله جلوانبها الدينية العقدية والعلمية‪ ،‬رابط‪:‬‬
‫اجلانب العقدي للنظرية‪https://www.youtube.com/watch?v=bEmth44pj6k :‬‬

‫التطورية وأدلتها العلمية‪https://www.youtube.com/watch?v=uNDoiokVsWk :‬‬


‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪260 --------------‬‬

‫لل َّت َطور‪ ،‬وهذا اخلطأ راجع يف بعض األحيان إىل عدم اختصاصهم يف العلوم اإلسالمية‬
‫وال يف تفسري القرآن الكريم‪َ ،‬ف َغ َّلبوا ما ْحي ِسنو َنه من علوم –إنسانية وطبيعية وغريها من‬
‫راجع‬
‫ٌ‬ ‫العلوم املحرتمة‪ -‬عىل ِح َساب تفسري القرآن الصحيح فوقعوا يف اخلطأ‪ ،‬وكذلك‬
‫ـهمة التي يتناوهلا هذا الكتاب وهي‪َّ :‬‬
‫أن آدم عليه السالم‬ ‫أساسا إىل جهل الـم َقد َمة الـمـ َّ‬
‫ليس أبا لكل الناس وإنـَّمــا كان مسبوقا بكثري ِم ْن َب َ ٍ‬
‫رش ليسوا منه‪ ،‬فالغفلة عن هذه املقدمة‬
‫األساسية وجعل آدم عليه السالم أب ًا لكل البرش يف كل زمان ومكان يوقع كثريا يف اخلطأ‬
‫والتأويل البعيد واملذمون بإخضاع ِقصة خلق آدم عليه السالم إىل اجتهادات مبن ِية عىل‬
‫م َقدمة خاطئة‪ ،‬فتكون النتيجة غري صحيحة‪ ،‬بل قد يقع ما هو أعظم؛ بأن حترف كيفية‬
‫وقصة خلقه عليه السالم الواردة يف الوحي‪ ،‬بتأويالت بعيدة‪ ،‬أو ختمينات خيالية‪،‬‬
‫تـ َحرف النص الرشعي عن معناه‪ ،‬ونفس هذه الغفلة عن هذه املقدمة أدت بجمهور‬
‫املسلمني – وأصحاب األديان السموية عموما – يف اجلهة املقابلة إىل نفي أي تَدَ رج أو‬
‫ارتقاء أو َت َطور برشي قبل آدم عليه السالم‪ ،‬بل أدى هبم َسد الذريعة –يف التشكيك يف‬
‫فكرة أن كل البرشية أتت من رجل واحد‪ -‬إىل نفي تطور األحياء وكل املخلوقات عىل‬
‫وجه األرض مجلة وتفصيال‪ ،‬وحتى إن كان قد َن َت َف َّهم هذا االحرتاز الـمس َّبق والرغبة يف‬
‫محاية حوزة الد ْين‪ ،‬إال أن هذا ليس ح َّجة‪ ،‬فإن الغاية التربر الوسيلة‪ ،‬وإرادة التنزيه ال‬
‫تربر اخلطأ‪ ،‬فكم ِمن م ِر ْيد للتنزيه وقع يف أخطاء كبرية من حيث ال يدري‪ ،‬وال ينبغي‬
‫بغ ْري احلق‪ ،‬ولو كانت هذه النظرية وحدها هي التي أ ِريد إبطاهلا لكان‬ ‫الدفاع عن احلق ِ‬

‫اح َتاج األمر لكل هذا اإلنكار واإلطناب – مع كون الوحي ال يقر عدم‬ ‫اخلطأ أهون‪ ،‬ولم ْ‬
‫العدل وحيرم الظلم سواء كان هذا مع األشخاص أو مع األفكار أو مع النظريات –‪،‬‬
‫لكن كان األمر الـم َ َرتتِب عىل ذلك هو إقرار َت ْف ٍ‬
‫سري َ ِ‬
‫برش ٍي َض َّيق وخاطئ للوحي‪،‬‬
‫واالستمتة يف الدفاع عىل هذا الرأي االجتهادي عىل أنه احلقيقة املطلقة‪ ،‬فال ينبغي أن‬
‫يأيت يشء ي َش ِكك ولو ذرة يف هذا الرأي لقدماء علمئنا املفّسين املجتهدين رمحهم اهلل‪،‬‬
‫وحتى لو كان هذا أصل من اإلْسائيليات – أي جعل آدم عليه السالم أبا لكل‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪261 -------‬‬

‫الناس(‪ ،-)1‬وبعد ال َّت َفكر فإننا نجد أنفسنا يف احلقيقة ندَ افِع عىل فكرة إْسائيلة األصل‪،‬‬
‫أصبحت لألسف م َس َّل َمة و َم ْورو َثة غري قابلة للنقاش عند أكثرنا‪ ،‬بل وجعلناها هي‬
‫النص نفسه دون أن نرتك أدنى ٍ‬
‫جمال للرأي آخر‪ ،‬بل وأدخلنا الوحي خطأ وجهال من‬
‫حيث ال نشعر يف تناقض رصيح مع أدلة َق ِو َّية يف العلم احلديث الذي ي َؤلـهه كث ٌري من‬
‫الناس اليوم‪ ،‬دون أن نراعي عواقب ذلك الوخيمة وسيئات ذلك العظيمة‪ ،‬فعىل الذين‬
‫يقولون خالف هذا أن يتحملوا املسؤلية إذن‪ ،‬أوال من جهة الوحي بأن يثبتوا لنا أن آدم‬
‫ف يف كل األرض‪- ،‬وهذا ما اليمكن إثباته البتة‪ ،‬بل هو‬ ‫رش م َك َل ٍ‬
‫عليه السالم هو أول َب َ ٍ‬
‫باطل باألدلة القاطعة التي رأيناها آنفا‪ .-‬وثانيا من جهة نظرية التطور بأن يثبتوا بطالَنا‬
‫من ِجن ْس األدلة التي تقدمها هذه النظرية ‪-‬وهذا من الصعب بمكان نظرا لقوة األدلة‬
‫العلمية التي تقدمها هذه األخرية‪ ،-‬فإن هم عجزوا عن ذلك فعليهم حتمل ال َّتبِ َعات‬
‫ِ‬
‫املالحدَ ة‬ ‫واملفاسد الكبرية التي بدأت َتـمس الشباب وطائفة من الباحثني‪ ،‬بِ َس َبب‬

‫)‪ -(1‬وأ َذكر بموقف رشيد رضا وحممد عبده يف النفس الواحدة وتأكيده أن جعل آدم أبا لكل الناس‬
‫ام ِجلَ ِمي ِع‬ ‫اخل َطاب عَ ٌّ‬
‫س م ْعهو َد ٍة َو ْ ِ‬
‫ف َينص عَ َىل َن ْف ٍ َ‬ ‫الع ِربيني –إْسائيليات‪َ " :-‬و َكيْ َ‬ ‫هو من قول ِ‬

‫ون آ َد َم َو َال َح َّوا َء َو َملْ َي ْس َمعوا‬ ‫َّاس َم ْن َال َي ْع ِرف َ‬ ‫يع ِه ْم‪َ ،‬ف ِم َن الن ِ‬
‫وب‪ .‬و َه َذا ا ْلعهد َليس معرو ًفا ِعنْدَ َمجِ ِ‬
‫َْ ْ َ َ ْ‬ ‫الشع ِ َ‬
‫رش‬‫ين َج َعلوا لِلْ َب َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني‪َ ،‬ف ِإ ََّن ْم هم ا َّلذ َ‬ ‫عَن ا ْل ِع ْ َربانِي َ‬
‫وح َم َثالً ه َو َمأْخو ٌذ ِ‬ ‫ِ ِهب َم‪َ .‬و َه َذا الن ََّسب ا ْملَشْ هور ِعن ْدَ ذر َّي ِة ن ٍ‬
‫ارخيِ ِه‬ ‫ون بِ َت ِ‬‫آخ َر‪َ ،‬و َي ْذ َهب َ‬‫ب َ‬ ‫رش إِ َىل َأ ٍ‬ ‫ني َين ِْسب َ‬
‫ون ا ْل َب َ َ‬
‫َارخيًا م َّت ِصالً بِآ َد َم‪َ ،‬و َحدَّ دوا َله زَ َمنًا َق ِري ًبا‪َ .‬و َأ ْهل الص ِ‬ ‫ت ِ‬
‫يخ‬ ‫َار ِ‬‫رش ِّمَّا َيطْ َعن ِيف ت ِ‬ ‫ون‪َ .‬وا ْل ِعلْم َوا ْل َب ْحث ِيف آ َث ِ‬
‫ار ا ْل َب َ ِ‬ ‫ب إِ َليْ ِه ا ْل ِع ْ َربانِي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إِ َىل زَ َم ٍن َأ ْب َعدَ م َن َّ‬
‫الز َم ِن ا َّلذي َذ َه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َص ِد َيق ت ِ‬ ‫َحن ا ْمل ْسلِ ِم َ‬ ‫ا ْل ِع ْ َربانِي َ‬
‫السالَم ‪،-‬‬ ‫وسى ‪ -‬عَ َليْه َّ‬ ‫عَز ْوه إِ َىل م َ‬
‫يخ ا ْل َيهود‪َ ،‬وإِ ْن َ‬ ‫َار ِ‬ ‫ني َال ن َك َّلف ت ْ‬ ‫ني‪َ ،‬ون ْ‬
‫َات‬‫َف ِإنَّه َال ثِ َق َة ِعن ِْدنَا بِ َأنَّه ِمن ال َّتور ِاة‪ ،‬و َأنَّه ب ِقي كَم جاء بِ ِه موسى‪َ .‬ق َال‪ :‬نَحن َال نَح َتج عَ َىل ما وراء مدْرك ِ‬
‫َ ََ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ َ َ َ َ َ َ‬
‫السالَم ‪َ ،-‬وإِ َّننَا ن َِقف ِعن ْدَ َه َذا ا ْل َو ْح ِي َال ن َِزيد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلس‪َ ،‬وا ْل َع ْق ِل إِ َّال بِا ْل َو ْح ِي ا َّلذي َجا َء بِه نَبِينَا ‪ -‬عَ َليْه َّ‬
‫ِْ‬

‫س ا َّلتِي خلِ َق النَّاس ِمن َْها‪َ ،‬و َجا َء‬ ‫ات كَثِ َريةً‪َ ،‬و َق ْد َأ ْ َهب َم اهلل ‪َ -‬ت َع َاىل ‪َ -‬ههنَا َأ ْم َر النَّ ْف ِ‬ ‫و َال َنن ْقص كَم قلْنَا مر ٍ‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْف ِمن َأصن ِ‬ ‫اإل ْف ِرن ِْج ِمن َأ َّن لِكل ِصن ٍ‬ ‫ون ِم َن ْ ِ‬ ‫امها‪َ .‬ف ِإ َذا َثب َت ما يقوله ا ْلب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َاف‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫احث َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ِ َهبا نَك َر ًة َفنَدَ ع َها عَ َىل إِ ْ َهب َ‬
‫يح ِيف َذل ِ َك‪،‬‬ ‫َان َذل ِ َك َغ ْ َري َو ِار ٍد عَ َىل كِ َتابِنَا ك ََم َي ِرد عَ َىل كِ َت ِاهبِم ال َّت ْو َر ِاة لِ َم فِ َيها ِم َن النَّص َّ ِ‬
‫الرص ِ‬ ‫رش َأ ًبا ك َ‬‫ا ْل َب َ ِ‬
‫ِ‬
‫احثِ ِيه ْم عَ َىل ال َّط ْع ِن ِيف ك َْو ِ ََنا ِم ْن ِعن ِْد اهلل ‪َ -‬ت َع َاىل ‪َ -‬و َو ْحيِ ِه‪ ".‬رشيد رضا‪ ،‬تفسري املنار‪،‬‬ ‫وهو ِّمَّا َمح ََل ب ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫‪.211/1‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪262 --------------‬‬

‫واختطافهم هلذه النظرية وحتويلها لسالح ضد الدين‪ ،‬وبسبب أفكارهم التي حتاول أن‬
‫ُتأل هذه اجلزئية العلمية أو الفراغ العلمي‪ ،‬والذي عجز املتدينون عن ِملْ ِئه مكاَنم أو‬
‫تقديم بديل مقن ِع عن هذه النظرية‪ ،‬وإن أرادوا إصالح خطئهم فعليهم أن يعرتفوا بعدم‬
‫وجاهة الرأي الذي ذهبوا إليه‪ ،‬أو عىل األقل أن يرتكوا املجال للرأي اآلخر(‪ )1‬بأن ي ْصلِ َح‬
‫تِلْ َك املفاسد التي كانوا سبب ولو غري مبارش فيها‪ ،‬ونرجوا من اهلل أن يكونوا معذورين‬
‫باعتبار العذر بالتأويل واالجتهاد‪)2(.‬‬

‫‪ .6‬نتيجة حول النظرية التَّطورية وعالقتها مع الدين‪:‬‬


‫‪ -‬النظرية التطورية يف عمومها ال تناقض القرآن والسنة‪ ،‬وإنم تناقض الرواية‬
‫اإلْسائيلية واعتقاد الكنيسة خللق آدم وحواء عليهم السالم بجعلهم آباء أوئال لكل‬
‫البرش يف كل زمان ومكان‪.‬‬
‫عارض الدين‬ ‫‪ -‬إ َّننَا َندْعوا َم ْن خالف من املسلمني ورأى عنده أن هذه النظرية ت ِ‬
‫وت ََضا َي َق ِمن َْها‪ ،‬علمء رشيعة كانوا وطلبة علم أو علمء علوم وباحثني وعوام‪ ،‬إىل إعادة‬
‫ال َت َفكر يف آيات وأحاديث بداية اخللق يف القرآن والسنة‪ ،‬وأن ي َت َفادى ابتداء كل ما هو‬
‫كم م َس َّبق‪ ،‬ثم لِين ْظر املؤمن هل جيد معارضة بني نصوص‬ ‫وث أو إْسائييل أو ح ٌ‬‫َمور ٌ‬

‫)‪ -(1‬والذي هو موضوع هذا الكتاب كم رأيتم‪.‬‬


‫)‪ -(2‬وق د رأينا سابقا أسباب ذلك؛ ومن أهم تلك األسباب عدم فهم القرآن جيدا يف مسألة بداية‬
‫اخللق‪ ،‬وجعل آدم عليه السالم أبا لكل الناس ورفض أي فكرة لوجود ٍ‬
‫برش قبله‪ ،‬وهذا راجع إىل عدم‬
‫تفسري القرآن بالقرآن يف أول آية من سورة النساء‪ ،‬كم قيل ما فّس القرآن مثل القرآن‪ ،‬وأقصد عدم‬
‫االعتمد يف تفسري النفس الواحدة يف أول سورة النساء بالنفس الواحدة يف آخر سورة األعراف‪،‬‬
‫وحرص النفس الواحدة يف آدم صىل اهلل عليه وسلم بدون أي حديث للنبي صىل اهلل عليه وسلم أو‬
‫دليل حيرص ذلك‪ ،‬بل األثر اإلْسائييل يف خلق حواء من ضلع آدم واشتهاره يف التفاسري َي َت َح َّمل كِ ْفال‬
‫كبريا يف هذا اخلطأ‪.‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪263 -------‬‬

‫الوحي يف بداية اخللق وبني النشوء التدرجيي للمخلوقات واإلنسان وما قاله العلم‬
‫احلديث يف ذلك‪ ،‬وبخاصة اإلشارات إىل وجود خملوقات عاقلة قبل آدم عليه السالم‬
‫منفصلة عنه‪ ،‬فم المنع أن ختضع هذه املخلوقات املنفصلة إىل هذا النشوء التدرجيي الذي‬
‫مستقل ِمثْل عيسى‬
‫ٌ‬ ‫لق‬
‫قال به أغلب علمء األحياء‪ ،‬باستثناء آدم عليه السالم الذي هو َخ ٌ‬
‫عليه السالم بداللة الوحي الرصيح‪.‬‬
‫‪ -‬ليس َمطْلوب ًا من املؤمن أن ي َصد َق بنظرية التطور إن كان األمر ال يعنيه أو ي َشكل‬
‫له أزمة‪ ،‬فالتطورية ليست ر ْكنًا من أركان اإليمن كي يلْ َز َم املؤمن بتصديقها‪ ،‬لكن إن آمن‬
‫آخرون هبا ومجعوا بينها وبني اإليمن باهلل‪ ،‬بل وقد جيدون َأد َّلة يف القرآن والسنة عىل‬
‫ذلك‪ ،‬فليس عىل الـذي خيَال ِ ْفهم أن حيارهبم أو َحيارب ما يؤمنون بِه‪.‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬مسائل م ِه َّمة‪:‬‬


‫‪ .1‬ما هو دين اإلنسان ال َّق ِديم؟‪:‬‬
‫قد يظن البعض أن اإلنسان القديم مل يكن يعرف ربه‪ ،‬وأنه كان متوحشا وناقصا‬
‫يف العقل بحيث مل يتمكن من التدين‪ ،‬لكن حقيقة األمر خالف ذلك‪.‬‬
‫يها ن َِذ ٌير ) (فاطر ‪ ،)24‬ويقول‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫أوال يقول اهلل تعاىل‪َ ( :‬وإِن م ْن أ َّمة إِ َّال َخالَ ف َ‬
‫تعاىل‪َ ( :‬ورسالً َق ْد َق َص ْصنَاه ْم َع َليْ َك ِمن َقبْل َورسالً َّملْ َن ْقص ْصه ْم َع َليْ َك ) (النساء‬
‫اجتَنِبوا ال َّطاغ َ‬
‫وت)‬ ‫اَّلل َو ْ‬
‫‪ ،)164‬ويقول تعاىل‪( :‬و َل َق ْد بعثْنَا ِيف كل أم ٍة رس ً ِ‬
‫وال َأن ا ْعبدوا َّ َ‬ ‫َّ َّ‬ ‫َ ََ‬
‫(النحل ‪ ،)36‬فإذا علمنا أن قدماء البرش الذين عاشوا قبل آدم عليه السالم هم عبارة‬
‫عن أ َمم‪ ،‬فإنه بالرضورة أن اهلل قد أرسل فيهم رسال‪ ،‬وهذا خرب رباين ال ِمرية فيه‪.‬‬
‫أما واقع ذلك العلمي فهم موجود‪ ،‬وحتى إن مل يكن موجودا فإن النص القرآين‬
‫يقطع يف األمر‪ ،‬ويكفي كل الكفاية عن أن نذهب إىل غريه‪ ،‬ولكن لم كان املخاطب هبذا‬
‫الكتاب؛ كل الناس سواء كانوا كاميل اإليمن وغري املؤمنني الذي يرجى إسالمهم‪ ،‬أو ما‬
‫بني ذلك من ضعفاء اإليمن كي يزدادوا إيمنا‪ ،‬فال حرج إىل تبني اإلعجاز التي حوته‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪264 --------------‬‬

‫اق َو ِيف َأنف ِس ِه ْم َح َّت ٰى َي َت َب َّ َ‬


‫ني َهل ْم‬ ‫اآليات السابقة‪ ،‬واهلل تعاىل يقول‪ ( :‬سن ِرهيِم آ َياتِنَا ِيف ْاآل َف ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫يش ٍء َش ِهيدٌ ) (فصلت ‪ ،)53‬وكي ت َفنَّد كل الر َؤى‬ ‫ِ‬
‫احلَق ۚ َأ َو َملْ َيكْف بِ َرب َك َأنَّه َع َ ٰىل كل َ ْ‬
‫َأنَّه ْ‬
‫اإلحلادية التي حتاول أن ت َفّس نشأة الدين عند اإلنسان‪ ،‬وكي تثْبت باملقابل الرؤيا التي‬
‫تقول أن التوحيد فطري يف اإلنسان‪ ،‬وأنه أصل أديان الناس وأسبق من الوثنية‪ ،‬وكي‬
‫صورها ال َّغرب وي َصورها‬
‫يتبني أن قدماء البرش ليسوا بدرجة الوحشية التي كان َي َت َّ‬
‫لآلخرين‪ ،‬فإننا نذهب إىل دراسات علمية من الغربيني أنفسهم‪ ،‬شاهدة عىل احلق‪،‬‬
‫سنّسدها بإذن اهلل فيم ييل عىل مسامعكم‪.‬‬
‫عند بداية توسع اإلنسان الغريب يف العامل‪ ،‬إبان النهضة األروبية‪ ،‬ظهرت‬
‫التساؤالت عن طبيعة أديان الشعوب البدائية التي كانت تعمر أطراف األرض املرتامية‪،‬‬
‫حيث اعتربت عقائد هذه الشعوب كأَنا شاهد حي عن أديان قدماء البرش‪ ،‬فإن كثريا‬
‫من هذه األمم البدائية مل ترى نور احلضارة‪ ،‬بل حافظت عىل عقائد أبائها األولني‪،‬‬
‫متوارثينها أبا عن جد‪ ،‬بعضها دون أن يدخلها التأثري اخلارجي‪.‬‬
‫هل ـ ـذا السبب شكلت هذه الشعوب عينة نقية صافية للدراسة‪ ،‬سواء عند‬
‫أصحاب التفسري اإلحلادي لنشأة الدين كاإلجتمعي الفرنيس إيميل دوركايم صاحب‬
‫النظرية الطوطمية –تقول أن اإلنسان بدأ بعبادة الطوطم‪ ،‬رمز حيواين وماشابه تعبده‬
‫العشرية‪ ،-‬أو باملقابل عند أصحاب النظرية التوحيدية – تقول أن اإلنسان منذ القديم‬
‫كان يعبد اهلل‪ ،‬بم يف ذلك إثبات نزول الوحي من اهلل عىل قدماء البرش‪ -‬ك َأنْدرو النج‬
‫)‪ (Andrew lange‬اإلنجليزي وويليام ِش ِميْد األلمين )‪.(Guillaume schmidT‬‬
‫وعندما نذهب إىل عبادة القبائل البدائية التي تعترب األمم الشاهدة عىل طبيعة‬
‫عبادة قدماء البرش فإننا نجد ال َعجب؛ وأعظم هذه األشياء العجيبة التي نجدها عند ٍ‬
‫كثري‬
‫منهم هو التوحيد أو بقايا التوحيد‪- ،‬والذي و ِجد ِعن ْد ٍ‬
‫كثري من أقدم هذه القبائل بل‬
‫طام ًسا بذلك النظريات اإلحلادية التي قالت أن اإلنسان‬ ‫وأقدم احلضارات العاملية‪-‬؛ ِ‬

‫األول بدأ بالتعدد الرشكي وعبادة األوثان‪ ،‬فاألماكن التي و ِجد فيها هذا التوحيد مثال ً‪:‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪265 -------‬‬

‫ويف أسرتاليا‪ ،‬ويف أمريكا اجلنوبية‪ ،‬ويف‬ ‫الشملية‪)1(،‬‬ ‫عند كثري من القبائل يف أمريكا‬
‫إفريقيا‪ ،‬ووجد أيضا التوحيد وآثاره يف حضارات قديمة كمرص‪ ،‬واهلند‪ ،‬ويف سومر‬
‫ِ‬
‫(العراق)‪ ،‬ويف الصني ويف اليونان‪.......‬وكثري من تلك األقوام البدائية كان معزوال عن‬
‫العامل كلية‪ ،‬مثل قبائل جزر أندرمان (أو أندمان)‪ ،‬وقبائل أسرتاليا‪ ،‬وكثري من قبائل‬
‫أمريكا‪ ،‬فجزر أندرمان وجد عندهم عقيدة اإلله األعىل‪ ،‬واإليمن باحلياة بعد املوت‪،‬‬
‫واحلساب‪ ،‬واإليمن باجلنة والنار‪ ،‬واإليمن بالرصاط ِ‬
‫اجل ّْس الذي يـمر فوقه يوم القيامة‪،‬‬
‫من حتته العذاب وتتاز فوقه األنفس‪ ،‬واإليمن باملالئكة‪ ،‬والروح‪ ،‬وحتريم حلم اخلنزير‬
‫باخلوف من انتقام اهلل عىل من أكله‪ ،‬وغريها من العقائد والرشائع التي ال يمكن إدراكها‬
‫بالعقل املجرد‪ .‬فمن علمهم كل هذا ؟ ِعل ًم أن املسترشق األول الذي درسهم يف القرن‬
‫التاسع عرش (اإلنجيزي إدوارد مان ‪ edward man‬كان رئيس احلكومة اإلستعمرية‬
‫وَنم‬
‫يف جزر أندرمان) أكد أن تلك اجلزر مل يقرهبا غريهم من الناس‪ ،‬ألن الناس كانوا َيظن َ‬
‫آكيل حلوم البرش‪ ،‬ومل يكونوا كذلك‪ ،‬فظلوا معزولني عن العامل لفرتات طويلة‪ ،‬بل عندما‬
‫تعم َق هذا املسترشق يف دراستهم واختلط هبم وتع َّلم شيئا من لغتهم‪ ،‬أكد له وجهاؤهم‬
‫َّ‬
‫وك َباراؤهم َّأَنم تلقوا ذلك اإليمن والتعاليم عن آبائهم األولني‪ )2(.‬فمن علم آباءهم‬
‫األولني ؟ ِعل ًم أن السكَان األصليني يرجع ت ََوطنهم يف تلك اجلزر إىل عرشات آالف‬
‫السنني (أي قبل اإلسالم والنرصانية واليهودية)‪ ،‬وقد وردت دراسات جينية حديثة عىل‬

‫)‪(1‬‬ ‫‪- voir : Guillaume schmidT, L'ORIGINE DE L'IDÉE DE DIEU ,‬‬


‫‪p102 . Andrew lange, THE MAKING OF RELIGION, Longmans green‬‬
‫‪and co, Third ediTion, 1909, P 230-231. Andrew lange, MYTH RITUAL‬‬
‫‪AND RELIGION, The Silver Library, 1901, 1/xxxii-xxxiii.‬‬
‫‪(2) - voir‬‬ ‫‪: Guillaume schmiT, L'ORIGINE DE L'IDÉE DE DIEU , p78 a‬‬
‫‪p102 . E.h.man ,On The Aboriginal InhabiTants oF The Andaman‬‬
‫‪Islands, Royal anThropological insTiTuTe oF greaTe briTain and‬‬
‫)وما فوق صفحة ‪ )88‬ومافوقها…‪ireland, London, 1932, p88‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪266 --------------‬‬

‫َعينَة برشية من تلك اجلزر‪ ،‬فبعد دراسة األمحاض النووية‪ ،‬أكدت الدراسة أن األكثرية‬
‫الساحقة لشعب أندرمان األصيل(‪ )1‬ترجع إىل ِعرق إفريقي هاجر يف القديم من إفريقية‬
‫إىل تلك اجلزر‪ ،‬وأن اهلجرة كانت ما بني سبعني ألف (‪ )70.000‬ومخسني ألف سنة‬
‫(‪ )50.000‬قبل اآلن (يف العرص احلجري األوسط)‪ ،‬وبقوا يف جزر أندرمان يف ِشبْه عزلة‬
‫عن العامل‪ ،‬ألحقاب طويلة عرشات آالف السنني‪ )2(،‬وإذا أخذنا أقل التارخيني أي مخسني‬
‫ألف سنة (‪ )50.000‬وقارنَّاه مع زمن إبراهيم صىل اهلل عليه السالم ‪-‬وبداية ظهور‬
‫األديان اإلبراهيمية‪ -‬الذي يقدر حوايل ما بني ‪1997‬ق‪.‬م و‪1822‬ق‪.‬م‪ )3(،‬أي قرابة ثمن‬
‫مئة وثالثة آالف سنة قبل اآلن ‪ 3.800‬سنة‪ ،‬نجد بعملية طرح‪ ،‬أن قبائل أندرمان كانوا‬
‫معزولني يف تلك اجلزر قبل حوايل أكثر من مخس وأربعني ألف سنة (‪ )45.000‬من‬
‫ميالد إبراهيم صىل اهلل عليه وسلم واألديان اإلبراهيمية عموما‪ ،‬فال يعقل بعدها أن‬
‫يقال أن األندمانيني نقلوا عقائدهم من األديان اإلبراهيمية ؟ فهذا الشعب شاهدٌ بم محله‬
‫من بقايا دين احلق عىل ما أوحاه اهلل إىل البرش من عقيدة التوحيد قبل آالف السنني وعىل‬
‫بعثة األنبياء‪ ،‬وهذا ما يمثل جدارا أمام التفسريات اإلحلادية لنشأة الدين عامة‪ ،‬واألديان‬
‫السموية خاصة‪ ،‬واإلسالم يف أخص اخلاصة‪ ،‬فمن قال أن الوحي واألنبياء كانوا‬
‫حمصورين يف األديان اإلبراهيمية فقد ضل ضالال مبِي ْنا‪ ،‬فهذه أد َّلة علمية أنثروبولوجية‬
‫ت َفند من قال أن الدين من اخرتاع البرش وأن التوحيد من أواخر ما توصل إليه العقل‬
‫البرشي‪ ،‬وتكذب من قال أن الناس يف القديم كانوا متَوحشني ومل يكن باستطاعتهم‬
‫معرفة رهبم وال عبادته‪ ،‬بل هذه األدلة العلمية تثبت أن التوحيد هو أصل أديان البرش‬

‫)‪ -(1‬الدراسة تناولت عينات من محض النووي لألندمانيني (أو األندرمانيني) األصليني‪ ،‬ألنه يف‬
‫األزمنة احلديثة املتأخرة استوطن فيها كثري من الشعوب املجاورة ال سيم من اهلند‪.‬‬
‫‪(2) - voir: Brevia, ReconsTrucTing The Origin oF Andaman Islanders, 13‬‬

‫‪MAY 2005 VOL 308, p996.‬‬


‫)‪ -(3‬وهو الزمن التقريبي إلبراهيم صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬انظر‪ :‬سامي بن عبد اهلل املغلوث‪ ،‬أطلس‬
‫األنبياء والرسل‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ط السادسة‪ ،‬الرياض‪1426 ،‬ه‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪267 -------‬‬
‫بوجوده مع ٍ‬
‫كثري من فروع عقائده ورشائعه عند أقوام من أكثر الشعوب عزلة عن العامل‬
‫وبدائية‪ ،‬ما جيعل تفسري ذلك إال أنبياء أرسلهم اهلل إليهم وأن اإلنسان أو َد َع اهلل فيه فطرة‬
‫وال‬‫عبادته واإليمن به م ـنذ القديم‪ ،‬وها ه ـ ـو قول اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َل َق ْد َب َعثْنَا ِيف كل أ َّم ٍة َّرس ً‬
‫ت‬‫ين َحنِي ًفا ۚ ِفطْ َر َ‬ ‫وت ۚ ) (النحل ‪َ ( )36‬ف َأ ِق ْم َو ْج َه َك لِلد ِ‬ ‫اج َتنِبوا ال َّطاغ َ‬ ‫َأن ا ْعبدوا َّ َ‬
‫اَّلل َو ْ‬
‫ِ‬
‫اَّللِ ۚ َ ٰذل ِ َك الدين ا ْل َقيم َو َ ٰل ِك َّن َأ ْكث ََر الن ِ‬
‫َّاس َال‬ ‫ِ ِ‬
‫َّاس َع َليْ َها ۚ َال َتبْد َيل خلَلْ ِق َّ‬
‫ِ ِ‬
‫اَّلل ا َّلتي َف َط َر الن َ‬
‫َّ‬
‫َي ْع َلم َ‬
‫ون ) (الروم ‪ )1()30‬يتجسد يف البحوث العلمية‪.‬‬
‫والتوحيد أيضا و ِجد يف حضارات كبرية وقديمة مثل احلضارة السومرية (بالد‬
‫الرافدين)‪ ،‬وأصلية عبادة إلله األعىل يف سومر مثبتة‪ ،‬فدراسات العلمء تثبت ذلك‪ :‬يقول‬
‫عامل اآلثار و اآلشوريات ستفان النغدون )‪ " :(STephen Langdon‬بعد دراسة‬
‫طويلة للمصادر السامية والسومرية‪ ،‬أنا مقتنع بأن ال َّطو َط ِم َّية و الروحية ليس هلم أي‬
‫عالقة مع أصول األديان السو َم ِرية أو السامية‪ ،‬و ال يمكن إثبات ذلك‪ ،‬بل إَنم مظاهر‬
‫فرعية من تلك األديان‪ ،‬ربم ال أستطيع اإلقناع بنتيجتي التي توصلت إليها و املتمثلة يف‬
‫أن ( التوحيد يف سومر واألديان السامية قد سبق الوثنية واالعتقاد باألرواح الطيبة‬
‫والرشيرة)‪ )2( ".‬وهنالك حفريات وتنقيبات أخرى من طرف علمء ألمن يف موقع تل‬
‫أسمر األثري –بمنطقة دياىل يف العراق‪ -‬تؤكد هذا املعنى بِ ِقدم هذا التوحيد يف حضارة‬
‫ِ‬
‫الرافدين القديمة‪)3(.‬‬

‫)‪ - (1‬يقول البغوي يف تفسريه‪ ( " :‬فطرة اهلل ) دين اهلل ‪ ،‬وهو نصب عىل اإلغراء ‪ ،‬أي ‪ :‬إلزم فطرة اهلل‬
‫( التي فطر الناس عليها ) أي ‪ :‬خلق الناس عليها ‪ ،‬وهذا قول ابن عباس ومجاعة من املفّسين أن‬
‫املراد بالفطرة ‪ :‬الدين ‪ ،‬وهو اإلسالم‪ ".‬البغوي‪ ،‬معامل التنزيل‪.269/6 ،‬‬
‫)‪(2‬‬ ‫‪- STephen langdon, The myThology oF all races –SemiTic, vol 5,‬‬
‫‪cooper sqare publishers, 1964, p xviii.‬‬
‫)‪(3‬‬ ‫‪- voir :Wisemans, new discoveries in babilonia aboouT genesis, Air‬‬
‫‪commodore, p22.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪268 --------------‬‬

‫أما هنود األمريكيون فوجد عندهم أن قبائل منهم تعبد اإلله األعىل –بشهادة‬
‫تقارير ّمن درسهم من أوائل املستعمرين األوروبيني لـ ـتلك البـالد‪ ،-‬وتَرفع أيدهيا إىل‬
‫السمء لتدعوه‪ ،‬وتصيل له‪ ،‬وتؤمن باحلياة بعد املوت‪ ،‬والروح املوجودة يف اجلسم‪،‬‬
‫والشيطان الرشير‪ ،‬ووجد عندهم اإليمن بأن اهلل حياسب الناس بعد املوت ِ‬
‫(احل َساب)‪،‬‬ ‫َ‬
‫ويثِيب النفس ال َّطي َبة‪ ،‬وتصعد هذه النفس بعد موهتا لتف َتح هلا أبواب السمء ثم يرزقها‬
‫اخلالق بكل يشء‪ ،‬وعندهم حتريم أكل آكالت اللحوم من احليوانات‪ ،‬وغريها من عقائد‬
‫ورشائع سموية وجدها عندهم أوائل املستكشفني األوروبيني لتلك البالد الكبرية‪،‬‬
‫وسأذكر بحول اهلل بعض تقاريرهم الـمبكرة (يف مطلع القرن السادس عرش) عن أديان‬
‫اهلنود احلمر يف اهلامش‪)1(،‬وهذا ما يستبعد أي تأثري لنرصانية املستعمرين عليهم‪ .‬فمن‬

‫)‪ -(1‬من أوائـ ـ ــل التقـ ـ ـ ـ ــارير التي وصفت عبادة اهلنود األمريكيني – أمريكا الشملية – ت ـ ـ ـ ــقرير (وليـ ـ ــام‬
‫سرتاشاي) (‪ )Wiliam Strachey‬أول سكرتري للمستعمرة الربيطانية يف (فريجينيا) األمريكية‪ ،‬قد‬
‫أعَ ده يف زمن مبكر من استعمر تلك املنطقة‪ ،‬والذي نرش سنة (‪ (1616-1612‬بعد اكتشاف‬
‫البلد والذي يصف فيه عقيدة هنود والية فريجينيا‪ ،‬يذكر إيمَنم بإله أعىل‪ " :‬هذا اإلله العظيم الذي‬
‫حيكم كل العامل و ي َربق الشمس‪ ،‬الذي خلق القمر و النجوم‪ ،‬أصحاب الشمس‪ ...،‬إنه يسمى ( َأهو ْن)‬
‫(‪ ،) AHONE‬اإلله الطيب املسامل‪ ...،‬ال حيتاج إىل أضاحي‪ ،‬لكن يرزق الناس كل اخلريات و ال‬
‫يؤذهيم ‪Chillame Shmidt, L'origine De L'idée De Dieu, P 101, Andrew "...‬‬
‫‪Lang, The Making OF Religion, P 230-231, Andrew Lang, Myth RiTual‬‬
‫‪And Religion, 1/Xx Ii—Xxiii.‬‬
‫ويف (نيومكسكو) (‪ ،)Nouveau Mexique‬جنوب الواليات املتحدة‪ ،‬موطن قوم (زوين)‬
‫(‪ )Zuni‬من اهلنود‪ ،‬وجد عندهم اإليمن باإلله األعىل كذلك‪ ،‬إذ ورد يف صلواهتم التي كانوا يذكروَنا‬
‫بحرضة الرجل اإلسباين‪ " :‬قبل بداية اخللق اجلديد مل يكن إال (أوونا ِولونا) ( ‪AWONA‬‬
‫‪ ،)WILONA‬اخلالق واحلافظ لكل يشء‪ ،‬أب كل يشء‪ ،‬الذي مل خي َلق‪ ،‬الذي مل يولد‪" ... ،‬‬
‫‪Andrew Lang, Myth RiTual And Religion ,2/87, Chillame Shmidt‬‬
‫‪L'origine De L'idée De Dieu, P 102.‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪269 -------‬‬

‫َعلم هؤالء اهلنود هذا الدين ؟ عل ًم أن جزء من هذه العقائد قد توارثوها عرب أجيال‬
‫وأحقاب طويلة ال يعلمها إال اهلل‪.‬‬
‫وكذلك األسرتالني التي اكتشف قارهتم يف العرص احلديث اهلولنديون يف القرن‬
‫السابع عرش‪ ،‬وجد عندهم بقايا توحيد‪ ،‬ووجدوا جزء منهم يؤمنون بوجود هلإ أعىل‪،‬‬
‫ويرفعون أيدهيم إىل السمء لدعائه مترضعني وخاشعني‪ - ،‬سبحان اهلل رفع األيدي‬
‫لدعاء اهلل شعرية إسالمية بل ِفطرية ‪ ،-‬ووجدوا عندهم اإليمن باآلخرة واحلساب‬
‫والعقاب‪ ،‬والروح املوجودة يف اإلنسان‪ ،‬وحتريم القتل والزنى والكذب وزواج‬
‫املحارم‪ ،‬سن الزواج ‪ )1(...‬فمن علمهم كل هذه العقائد والرشائع السموية الصحيحة‬
‫؟‪ ،‬وو ِجد طوائف منهم خيتنون الذكور –أي خي َتتِنون مثل املسلمني واليهود‪ ،)2( -‬فمن‬
‫عل َمهم اخلتان‪ ،‬الذي هو من رشائع األديان السموية ومن سنة إبراهيم عليه السالم ؟‬
‫درك بالعقل الـمـجرد‪.‬‬
‫فمثل هذا األمر اليمكن أن ي َ‬

‫وسندرس التوحيد وما تفرع منه من رشائع سموية‪ ،‬و ِجدَ ت عجبا يف أمريكا القديمة وباقي الشعوب‬
‫البدائية وحضارات قديمة يف العامل‪ ،‬كالصني ومرص يف كتايب اآلخر‪ ،‬وسأحتدث عن نبي حمتمل يف‬
‫أمريكا اجلنوبية يشبه عيسى عله السالم بإذن اهلل‪ ،‬فارتقبوا الكتاب إن شاء اهلل تعاىل كم َوعَ ْدت‪.‬‬
‫فقط‪:‬‬ ‫لالستئناس‬ ‫املحتمل‬ ‫النبي‬ ‫هذا‬ ‫عىل‬ ‫يتحدثا‬ ‫رابطان‬ ‫وهذان‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=OMiBaq5MgIY‬‬
‫‪. https://www.youtube.com/watch?v=jC35LoXim2k‬‬
‫)‪(1‬‬ ‫‪- voir : Guillaume schmiT, L'ORIGINE DE L'IDÉE DE DIEU, p81 a‬‬
‫‪p91. Langloh Parker, The echlayi Tribe, Archbald ConsTable and‬‬
‫‪Company, London, 1905, p xiii. AlFred howiTT, The naTive Tribes oF‬‬
‫‪souTh-easT ausTralia, p495-p498- p640-p678.‬‬
‫)‪(2‬‬ ‫‪- voir : Guillaume SchmiT, L'ORIGINE DE L'IDÉE DE DIEU, p89.‬‬
‫‪Langloh Parker, The Echlayi Tribe, p xiii.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪270 --------------‬‬

‫وبعد كل هذا يمكن أن نقول أن القبائل األكثر بدائية يف العامل‪ ،‬والتي ا ْعت ِ َربت‬
‫من طرف الباحثني شاهدة عىل طبيعة أديان قدماء البرش‪ )1(،‬كان كثري منها يدين ببقايا‬
‫التوحيد والرشائع السموية‪ ،‬ما َيدل عىل أن اهلل تعاىل قد فطر اإلنسان عىل عبادته‪ ،‬وأنه‬
‫بعث يف القدماء رسال وأنبياء يدعوَنم إىل عبادة رهبم و َيسنون فيهم عقائدا ورشائعا‬
‫سموية‪ ،‬وأن أصل األديان هو التوحيد‪ ،‬وما الرشك والتعدد إال يشء طارئ وشذوذا يف‬
‫البرشية خيالف األصل‪ ،‬ويدل كذلك أن اإلنسان القديم مل يك ـن بدرجة الوحشية التي‬
‫يصورها الـ ـب ـعض ‪-‬كالعنرصيني البيض‪ ،-‬بدليل أنه كان م َتدينا‪.‬‬
‫وسأتناول أمر التوحيد يف األمم واحلضارات القديمة بيشء من التفصيل‪ ،‬مع‬
‫البحث يف أنبياء حمتملني من غري الرشق األوسط يف كتايب اآلخر؛ كم وعدت إن شاء اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬فارتقبوه بإذن اهلل بكتابة اسمي عىل حمركات البحث يف النت‪.‬‬

‫(ح َّواء امليتوكندري) العلم يث ْبِت وجود أ ٍم أخرى أقدم من َح َّواء املعروفة لكنها‬
‫‪َ .2‬‬
‫لي ْ َست أ ًما لِكل البَّ َرش‪:‬‬
‫أجريت دراسة علمية َت َتبع فيها الباحثون أصل احلمض النووي )‪ (dna‬الذي‬
‫يوجد داخل امليتوكندري‪ ،‬وهذا احلمض له خاصية أنه يورث من األم فقط وليس من‬
‫األب (فهو أنثوي فقط)‪ ،‬فوجدوا أن أصله عند البرش املعارصين يلتقي يف جدَّ ة مشرتكة‪،‬‬
‫إفريقيا‪)2(،‬‬ ‫وهذه أم عاشت حوايل مأيت ألف سنة من اآلن ‪ 200.000‬عىل الراجح يف‬
‫مر معنا سابق ًا أن زمنها مع آدم عليهم السالم ال‬ ‫لكنها ليست أمنَا حواء قطعا كون قد َّ‬
‫يتجاوز الثمن آالف سنة‪ ،‬لكن هذه املعلومة بِ َحدَ اثة حواء احلقيق َّية زمنا مل تكفي ملنع‬

‫وحشة‪ ،‬يمشون عراة‪ ،‬مثل آكِ ِيل حلوم البرش الذين‬


‫)‪ - (1‬وهذا ال يعني أنه مل يوجد يف التاريخ قبائل م َت ِ‬

‫يسكنون يف بعض األنحاء من إفريقيا‪.‬‬


‫)‪ -(2‬انظر موقع ناتور شهري يف املجال العلمي‪:‬‬
‫‪https://www.nature.com/articles/325031a0?foxtrotcallback=true‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪271 -------‬‬

‫خلط بعض الناس بني كل من املرأتني وسوء فهم هذه التجربة عندهم‪ ،‬حتى أدى‬
‫ببعضهم إىل اعتبار أن هذا الدليل كأنه يثبت أن كل البرش يرجعون إىل أبوين اثنني ( آدم‬
‫وحواء عليهم السالم )‪ ،‬وهذا األمر خاطئ مجلة وتفصيال‪ ،‬ولذلك ال بد أن ن َبني أمورا‬
‫م ِه َّمة بإذن اهلل يف هذه الدراسة‪:‬‬
‫أوال‪ :‬هذه الدراسة َأ َخ َذت بعني االعتبار احلمض النووي )‪ (dna‬للميتوكندري‬
‫الذي داخل اخللية‪ ،‬وهذا وليس احلمض النووي لنواة اخللية الذي ي َم ِرره كل من األب‬
‫واألم لألبناء‪ ،‬فهو حيتوي عىل احلمض النووي لألباء واألمهات ذكورا وإناثا‪ ،‬والدراسة‬
‫(للتسهيل) أخذت عينات محض النووي للميتوكندري فقط‪ ،‬وهو محض ُترره األمهات‬
‫فقط‪ ،‬فوجدوه يرجع إىل أم واحدة‪ ،‬فيعني أن هذه األم كان هلا سلسلة بنات مل تنقطع‪،‬‬
‫وأن هذه اجلينات قدر مرت إىل األجيال املعارصة عرب هذه السلسلة األنثوية‪ .‬وهذا ال‬
‫يعني أَنا األم الوحيدة للبرشية ألن الدراسة مل تأخذ بعني االعتبار ال ــحمض النووي‬
‫الذي داخل النواة والذي يوجد فيه جينات الذكور واإلناث معا (آباء وأمهات) وينقله‬
‫كل منها‪ ،‬فالدراسة تعل هذه املرأة أم البرش من حيث امليتوكندري فقط‪)1(.‬‬

‫ثانيا‪ :‬هذه األم ليست األم الوحيدة لكل البرش املعارصين‪ ،‬ألنه كان يوجد نساء‬
‫معارصات هلا ولكن إما مل يكن هلن أوالد‪ ،‬وإما كان هل َّن ذكور فقط‪ ،‬أو كان هلن ذكور‬
‫وإناث لكن استمر نسل الذكور فقط‪( ،‬بمعنى أَنن مل تكن هلن سلسلة أنثوية من البنات‬
‫مل تنقطع إىل األجيال املعصارة) ويف كل هذه احلاالت ال ُتر جينات ميتوكندري األم‪،‬‬
‫فإذا كانت امرأة عندها أوالد ذكور فقط ثم توسعت هاته الذرية عرب األجيال إىل املالييني‬
‫َفكَأ َّنـم تلك األم مل يكن هلا ولد‪ ،‬بل كأنم مل تكن موجودة‪ ،‬ألن الدراسة تأخذ بعني‬

‫‪(1) - voir‬‬ ‫‪:‬‬


‫‪http://pages.ucsd.edu/~dkjordan/resources/clarifications/MitochondrialE‬‬
‫‪ve.html#happened‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪272 --------------‬‬

‫االعتبار جينات امليتوكندي والتي ال تعرب إال يف السلسلة األنثوية‪ )1(.‬يقول روجر بول‬
‫الذ ِري للمتحف ال َكنَ ِدي‬
‫‪ roger bull‬مستشار البحوث الرئيسية يف خمرب ال َّتنَوع احليوي َّ‬
‫للطبيعة حول هذه الدراسة (حواء امليتوكندري)‪" :‬إن استعمل تسمية (حواء) هو فهم‬
‫خاطئ‪ ،‬كون البحث يتناول َأ ْحدث أصل مشْ َرتك من حيث امليتوكندري للبرش‬
‫األحياء‪ ...‬وال يتناول أول مرأة برشية لكل زمان"‪)2(.‬‬

‫لذلك ينبغي أن نَع ْقل أن هذه املرأة ليست أم ًا حقيقية للبرش املعارصين‪ ،‬فضال‬
‫أن تكون أم ًا جلميع البرش يف كل زمان‪ ،‬وإنم هي أم املعارصين من حيث امليتوكندري‬
‫برش آخرون يعارصوَنا‪ ،‬وإن مل تكن جيناهتم مرت يف‬ ‫فقط‪ ،‬ألنه كان يوجد معها ٌ‬
‫امليتوكندري إال أن جيناهتم قد مرت عند املعارصين يف جزء أعقد من اخللية وهو النواة‪.‬‬
‫فال َي ْصلح إذا االستدالل هبذه الدراسة عىل إثبات أن كل البرش املعارصين يرجعون إىل‬
‫أم واحدة أو زوج برشي واحد‪.‬‬
‫وأرى واهلل أعلم أن هذه الدراسة اجلينية أقىص ما يمكن االستدالل هبا يف‬
‫موضوعنا –إن صح هذا االستدالل‪ ،-‬أنه ربم قد ي ْس َتدَ ل هبا يف التأكيد العلمي يف وجود‬
‫حواءات وأوادم متعددة للبرشية كم أثبتنا آنفا‪ ،‬بمعنى أنه ربم قد يستدل هبا أيضا إىل‬
‫ٍ‬
‫صنف من اجلينات عىل‬ ‫وجود نو ٍع من االصطفاء بحكمة بالغة من اهلل تعاىل بابقاء‬
‫حساب أخرى‪ ،‬ربم هذا ي َذكرنا يف إبقائه اهلل تعاىل لنسل نوح عليه السالم فقط من دون‬
‫املؤمنني الذين نجوج معه من الفيضان يف بعض نواحي الرشق األوسط وليس كل العامل‬

‫‪(1) - voir‬‬ ‫‪:‬‬


‫‪http://pages.ucsd.edu/~dkjordan/resources/clarifications/MitochondrialE‬‬
‫‪ve.html#happened‬‬
‫‪https://www.smithsonianmag.com/science-nature/no-mitochondrial-eve-‬‬
‫‪not-first-female-species-180959593/‬‬
‫‪(2) - https://www.smithsonianmag.com/science-nature/no-mitochondrial-‬‬

‫‪eve-not-first-female-species-180959593/‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪273 -------‬‬

‫–كونه كانت توجد أمم أخرى يف باقي أنحاء العامل من غري جهة الطوفان (تركيا وما‬
‫جاورها) كم مر معنا‪ ،-‬فبقي نسل نوح عليه السالم يف تلك الناحية من العامل‪ ،‬وليس‬
‫بالرضورة يوجد تشابه بني قصة نوح عليه السالم وهذ الدراسة السابقة‪ ،‬إ َّ‬
‫ال أن إبقاء اهلل‬
‫تعاىل جلينات امليتوكندرية هلذه املرأة عرب األجيال دون انقطاع‪ ،‬ووراثته من ِق َبل الناس‬
‫اليوم َيدل أنه ثمة ِحكمة وربم نوعا من االصطفاء ِاجلـن ِـي يف هذه احلالة ويف بعض مراحل‬
‫البرشية‪ ،‬وهذا ما يدعو للبحث أكثر يف هذا املوضوع‪ ،‬وبالتايل حماولة البحث يف‬
‫االصطفاء الراباين لنسل نوح عليه السالم مثال‪ ،‬أو حماولة َت َتبع نسل آدم عليه السالم‬
‫جينيا وماذا قدم نسله لكل البرشية ؟‪ ،‬ودراسة كل هذا والبحث فيه وإثباته بعلم اجلينات‬
‫احلديث‪ .‬والنتيجة التي يمكن أن نخرج هبا أيضا بعد مجع نتيجة هذه الدراسة بني ما رأينا‬
‫سابقا من أدلة حول وجود أوادم متعددة لإلنسانية‪ ،‬هي بإمكان الدراسات اجلينية إذ‬
‫بلغت مستوى ٍ‬
‫عال من ال َّتطور معرفة آباء البرشية‪ ،‬وربـَّم متى ظهر األوادم املختلفة‬
‫للبرش‪ ،‬وحتديد أدوارهم يف تديد النسل يف مناطقهم وأراضيهم كنوح عليه السالم‪ ،‬أو‬
‫إضافة نسل جديد إىل البرشية كآدم عليه السالم بأمته وما أتى منه من شعوب أخرى‬
‫كألمة اإلبراهيمية ‪-‬ألن الفرق بينهم أن نوح عليه السالم خلق من نسل إنساين كباقي‬
‫البرش وآدم عليه السالم خلقه اهلل خل ًقا مستقالً عنهم – وإثبات ذلك بعلم اجلينات‬
‫احلديث‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪ .3‬من هم سكان العامل الذين ليسوا من أبناء آدم عليه السالم وال َن ْسلِه ؟‪:‬‬
‫سبقنا أن أرشنا أ َّنه لم اكت ِش َفت القارة األمريكية أو ما يسمى بالعامل اجلديد سنة‬
‫(‪1492‬م)‪ ،‬وما حواه من ماليني البرش اجلدد‪ ،‬ظهر اإلشكال حول أصول هؤالء البرش‪،‬‬
‫فهل نستطيع بعد كل املعطيات السابقة التي مرت معنا أن نحكم عليهم أَنم من ذرية‬
‫آدم عليه السالم‪.‬‬
‫ال بد أن نعرف شيئا عن تاريخ السكان األصليني ألمريكا من اهلنود احلمر‪ ،‬وهو‬
‫هل هؤالء السكان يرجع أصلهم القديم إىل تلك البالد؟ أم هم من بالد أخرى؟ تقول‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪274 --------------‬‬

‫املصادر العلمية أن السكان األصليني من أمريكا قد قدموا إليها من سيبرييا الروسية‪،‬‬


‫عرب ّمرات جليدية قديمة تصل بني أمريكا وروسيا احلالية‪( ،‬من مضيق بريغ‬
‫(‪)1‬‬ ‫‪ DéTroiT de Béring‬أو قريب منه) قبل ثني عرشة ألف سنة (‪)12.000‬‬
‫(وقيل مخسة عرش ألف ‪ 15.000‬سنة)‪ ،‬وهذا َيدل عىل أشياء؛ منها أن هؤالء الس َكان‬
‫األصليني يمكن أن حيملوا معنى هذا االسم‪ ،‬أي أَنم سكان أصليون لتلك البالد وهذا‬
‫باعتبار ِقدَ م وفودهم إىل أمريكا –وهذه األولية نسبية وليست مطلقة ألنه من املحتمل‬
‫أن يكون هنالك أناس قبلهم يف أمريكا‪ ،‬مع كون العلم احلديث الرسمي يف علمي إىل‬
‫حد الساعة ال يؤكد هذا االحتمل‪ ،-‬وأهم من ذلك أَنم كم يظهر ليس هلؤالء القدماء‬
‫من األمريكيني األصليني عالقة ارتباط بآدم عليه السالم ألَنم أقدم منه ( حيث مر معنا‬
‫أن تكلمنا عىل تاريخ وجوده عليه السالم يف األرض‪ ،‬والذي يرتاوح ما بني السبع آالف‬
‫متأخر مقارنة بآباء اهلنود احلمر األولني‪ ،‬إذ أن‬
‫ٌ‬ ‫إىل الثمن آالف سنة فقط‪ ،‬وهذا التاريخ‬
‫وفود آبائهم إىل تلك القارة يف حوايل ثنتي عرشة ألف سنة أو أكثر‪ ،‬ويمكن بعدها يف ظل‬
‫هذه املعطيات العلمية أن نقول أن السكان األصليني ألمريكا (اهلنود احلمر) ليسوا من‬
‫آدم عليه السالم وذريته‪.‬‬
‫وهذه القاعدة قابلة للقياس عىل باقي أنحاء وقارات األرض‪ ،‬فكث ٌري من البرش‬
‫من غري الرشق األوسط ليسوا من نسل آدم عليه السالم املبارش‪ ،‬وكذلك كل البرش‬
‫الذين أصول آبائهم قبل الثمن آالف سنة ليسوا من آدم عليه السالم‪ ،‬وأكثر هؤالء‬
‫الشعوب موجودون يف األرايض والقارات البعيدة عن الرشق األوسط؛ كأسرتاليا أو‬
‫الصني أو اهلند أو أوروبا أو إفريقيا‪ ،‬أي أن كثري من النسل البرشي ليسوا من نسله عليه‬
‫السالم –إال ما استثنته اهلجرات واختالط األنساب باألمة اآلدمية‪ ،-‬وإذا أطلقنا لفظ‬
‫أبوة آدم عليه السالم عليهم؛ فيكون ذلك من باب الترشيف كم مر معنا وأن تكلمنا عن‬
‫ذلك يف الفصل األول‪.‬‬

‫)‪ - (1‬انظر‪ :‬الكرباِس‪ ،‬اإلسالم يف األرجنتني‪ ،‬ص‪.42‬‬


‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪275 -------‬‬

‫وقد سبقت أن أرشت إىل أعمل الباحث صايف محدون يف هذا السياق‪ ،‬أي يف‬
‫حتديده لشعوب األرض التي ترجع إىل آدم عليه السالم‪ ،‬لكن ال أستطيع أن أؤكد تلك‬
‫النتائج ألين مل أ َّطلِع عىل كل األدلة التي قدمها‪ ،‬وقد ذكر جزء من تلك البحوث يف‬
‫الشبكة العنكبوتية‪ )1(،‬لكن أستطيع أن أقول أن العرب أو جزء كثري منهم مع اليهود أو‬

‫)‪ -(1‬ويف بحث الباحث صايف محدون الذي أثبت فيه وجود برش قبل آدم عليه السالم حيث استغرق‬
‫بحثه سنني‪ ،‬يقول أن أبناء آدم هم العرب واألحباش والرتك فقط وهذا ما توصل إليه‪ ،‬إال أين مل أُتكن‬
‫من االطالع عىل األدلة التي اعتمد عليها يف ذلك فال أستطيع أن أؤكد أو أنفي هذا األمر‪ ،‬مع كوين‬
‫أرجح أن اليهود هم كذلك من ذرية آدم عليه السالم فأن قصته مذكورة يف كتبهم وعىل لسان أنبيائهم‪،‬‬
‫وأما بحثه يف العموم فيقول أنه قدَّ مه إىل مفتي اململكة و أن املفتي مل ي َقدم عليه مالحظات أو اعرتاض‪،‬‬
‫وتم االحتفاظ ببحثه وجاءه التوجيه الشفوي بالذهاب إىل وزارة اإلعالم‪ .‬وأما ما يمكن أن أقول عن‬
‫بحثه بشكل عام أنه أصاب يف جوهر الفكرة بوجود برش قبل آدم عليه السالم ويف وجود أوادم ورسل‬
‫آخرين يشبهون رسل األديان اإلبراهيمية‪ ،‬ال سيم وقد ساعده عىل ذلك سنني من البحث الطويل‪ ،‬إذ‬
‫يقول أنه طِ َوال ثالثني سنة كان يسافر ويبحث يف مثل هذه األمور‪ ،‬فمن غري الصعب للذي يبحث‬
‫بإنصاف أن هيتدي أن القرآن الكريم والسنة النبوية ال ينفيان وجود برش قبل آدم عليه السالم بل‬
‫يكتشف فيهم إشارات عىل ذلك‪ ،‬أضف إىل ذلك خمتلف األدلة األثرية والعرقية والتارخيية واإلنسانية‬
‫التي تدل عىل قدم اجلنس البرشي وأسبقيته عىل آدم عليه السالم‪ ،‬هذا وقد تنبه صايف محدون عىل‬
‫وجود أوادم آخرين يف ن ََو ٍ‬
‫اح أخرى من الكرة األرضية‪ ،‬وهذا ما جعله يلتقي معي يف هذه النتيجة‪ ،‬أي‬
‫ٍ‬
‫أراض بالرغم من أنه سلك طرق أخرى يف‬ ‫يف التأكيد العلمي حلديث عبد اهلل بن عباس يف السبع‬
‫بحوثة‪ ،‬وهذا ما يزيد هذه احلقيقة تأكيدا‪ .‬وقد تويف الباحث صايف محدون رمحه اهلل منذ بضع سنني‬
‫وأظن أن بحوثه بقيت عند بِن ْته تنتظر من يطلع عليها ويدرسها بجدية‪ ،‬ويزيد بحثا عليها‪ ،‬وأن يؤخذ‬
‫بصواهبا وي َص ِحح خطؤها‪ ،‬هذا وقد نرش بعضها يف املنتديات يف الشبكة العنكبوتية‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪http://cutt.us/CfTCg‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪276 --------------‬‬

‫جزء كثري منهم؛ يرجع نسلهم آلدم عليه السالم‪ ،‬ألن جزءا كبريا من األمتني ترجع إىل‬
‫إبراهيم عليه السالم‪ ،‬والذي هو بدوره من نسل آدم عليه السالم –راجع سلسلة نسب‬
‫إبراهيم إىل آدم عليهم الصالة والسالم‪ ،-‬وأستطيع أن أقول أن كثريا من الشعوب‬
‫البرشية املعارصة ال يرجع أصلها املبارش إىل آدم عليه السالم‪ ،‬ألن زمن نزوله إىل األرض‬
‫مر معنا دراسة علمية حتيص‬
‫كان متأخرا مقارنة مع زمن وجود اإلنسان يف األرض‪ ،‬وقد َّ‬
‫عدد سكان العامل يف حدود السبع آالف إىل الثمن آالف سنة (أي الزمن التقريبي لتواجد‬
‫آدم عليه السالم يف األرض) بحوايل بضعة ماليني نسمة –حوايل ‪ 10‬ماليني‪ )1(،-‬وهذا‬
‫ما يعني أن النسل الذي انحدر من هؤالء السكان يف العموم ليس من نسل آدم عليه‬
‫السالم‪ ،‬لكن هذا ال َي ْسلِب َأ َبانَا آدم عليه السالم أن َي ْس َت ِح َّق مقام األب َّوة الترشيفية‬
‫والتعظيمية عىل كل س َكان العامل ولو كانوا من غري ذريته املبارشة من باقي سكان‬
‫األرض‪ ،‬وهذا ال ي ـ َغـي ـِـر من كون أبينا آدم عليه السالم هو ٌ‬
‫أب ألمة عظيمة وكبرية‬
‫اصطفاها اهلل وخلدَ َها بالذكْر يف القرآن الكريم‪ ،‬ورشع فيها األديان اإلبراهيمية أشهر‬
‫األديان‪ ،‬وبعث فيها خاتم املرسلني‪ ،‬ورشع فيها اإلسالم آخر أديان العاملني‪.‬‬

‫‪ .4‬ما هي الصور احلقيقية لألصناف البرشية التي عاشت قبل آدم عليه السالم‬
‫بآالف وماليني السنني واالختالفات بينها ؟‪:‬‬
‫سنعرض بإذن اهلل خمططات وصور حقيقية لبقايا عظام برشية عاشت قبل آدم‬
‫عليه السالم بآالف وماليني السنني‪ ،‬وسنرى بعض االختالفات بينها‪ ،‬وسنرى بعض‬
‫االختالفات بني األصناف البرشية القديمة وبني اإلنسان احلديث‪ ،‬بإذن اهلل تعاىل‪.‬‬

‫‪ http://www.qassimy.com/vb/showthread.php?t=405118‬وهنالك منتديات‬
‫أخرى نرش فيها عدد من بحوثه‪.‬‬
‫)‪ -(1‬انظر خمططات إحصاء عدد سكان العامل يف القديم السابق ذكرها‪.‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪277 -------‬‬

‫صور رقم واحد‪:‬‬

‫صورتان حقيقيتان هليكل عظمي لكائن واحد م ْك َت َشف ي َس َّمى هوموناليدي ‪homo‬‬
‫‪ naledi‬اكتشف عام ‪2013‬م‪ ،‬وهو ي َصنف ضمن ِصنف جديد‪ ،‬ويرجع زمن هذا‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪278 --------------‬‬

‫الكائن إىل ما بني ‪ 236000‬إىل ‪ 335000‬سنة‪ ،‬ويمتاز بحجم دماغ صغري ما بني ‪465‬‬
‫إىل ‪ 560‬سنتمرت م َك َّعب (متوسط حجم دماغ اإلنسان احلديث حوايل ‪ 1300‬سنتمر‬
‫مكعب)‪ .‬املرجع‪:‬‬
‫‪https://www.sciencesetavenir.fr/archeo-paleo/homo-naledi-300-000-ans-un-‬‬
‫‪homme-relique-contemporain-des-premiers-homo-sapiens_112838‬‬
‫‪https://www.science-et-vie.com/archives/paleontologie-homo-naledi-enrichit-‬‬
‫‪la-grande-famille-humaine-32471‬‬

‫ملحوظة‪:‬‬
‫أذكر أنه قد أثبتت عدة تارب أ ْج ِريت عىل العامل احليواين أنه يف العموم ذكاء الكائن‬
‫يتناسب طردا مع حجم الدماغ‪ ،‬بمعنى أنه كلم كان حجم ِد َماغ الكائن احلي كبريا‬
‫(انظر‪:‬‬ ‫بالنسبة إىل جسمه كلم كانت نسبة ذكائه أعىل يف العموم‪.‬‬
‫‪) https://www.hominides.com/html/dossiers/cerveau.php‬‬

‫صور رقم اثنان‪:‬‬


‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪279 -------‬‬

‫ثالثة صور حقيقية لكائن واحد مكْتشف من أشباه البرش يدعا – ‪liTTel‬‬
‫‪ -FooT‬عاش حوايل ‪ 3.65‬مليون سنة‪ ،‬وي َصنَّف أنه من جنس األسرتالوبيتاكس‬
‫‪- AusTralopithecus‬يصنَّف ما بني اجلنسني‪ ، -‬وقد عثر عليه داخل كهف يف‬
‫جنوب إفريقيا وهيكله ِشبه كامل إذ هو من أكمل اهلياكل العظمية الشبه برشية التي عثر‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪280 --------------‬‬

‫عليها يف مثل هذه الفرتة البعيدة‪ ،‬حيث تقدر نسبة كمل هيكله قرابة تسعني ‪ 90‬باملئة‪.‬‬
‫ويف عام ‪ 2017‬م اكمل إعادة تركيب هيكله الباحثون بعد سنني طويلة من العمل‪،‬‬
‫ويالحظ احلجم الصغري جلمجمته مقارنة مع اإلنسان‪ ،‬مع كون جسمه يشبه جسم‬
‫اإلنسان احلديث لكن أقرص منه‪ ،‬ويميش عىل رجلني‪ ،‬وتقول دراسات حديثة أن حجم‬
‫دماغ الاليتل فوت –‪ -liTTel FooT‬هو حوايل ‪ 408‬سنتمرت م َك َّعب‪- ،‬اإلنسان‬
‫احلديث حويل ‪ 1300‬سم معكب‪ -‬أي يقرتب يف ِصغره من حجم ِد َماغ ِق ْرد الشامبنزي‬
‫–والذي يقدر بحوايل مابني ‪ 300‬إىل ‪ 500‬سم مكعب‪ .-‬وتقول نفس الدراسات أن‬
‫اغية تشبه اإلنسان احلديث مقرونة ببعض خصائص‬ ‫هذا الكائن كان له خصائص ِدم ِ‬
‫َ‬
‫ِدماغ ِق ْرد الشامبنزي احلايل‪ ،‬املراجع انظر‪:‬‬
‫‪https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0047248418302‬‬
‫‪793?via=ihub‬‬
‫‪https://www.hominides.com/html/actualites/little-foot-cerveau-‬‬
‫‪composite-1319.php‬‬
‫‪https://abcnews.go.com/Technology/meet-foot-367-million-year-‬‬
‫‪human-ancestor/story?id=30062072‬‬
‫‪https://www.pourlascience.fr/sd/prehistoire/little-foot-est-il-aussi-‬‬
‫‪vieux-que-lucynbsp-11898.php‬‬
‫‪https://www.lemonde.fr/paleontologie/article/2015/04/01/le-‬‬
‫‪fossile-little-foot-un-pied-dans-le-berceau-de-l-‬‬
‫‪humanite_4607721_1650762.html‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪281 -------‬‬

‫صورة رقم ثالثة‪:‬‬

‫صور تظْ ِهر مجاجم م ْك َتشفة ألجناس خمتلفة إنسانية ِ‬


‫وشب ْه إنسانية‪ ،‬مر َّت َبة يف العموم‬
‫بحسب تقدمها الزماين (إال مججمتني األوىل ألَنا مججمة قرد شامبنزي فإنه ال يزال‬
‫موجودا‪ ،‬والسادسة مججمة إنسان قديم ترتيبه تقريبي) وحتتها اسم اجلنس وزمنه‬
‫بماليني السنني وحجم دماغه (‪ ،)ml‬هذا املخطط يظهر االختالف هيئة اجلمجمة‬
‫بحسب الصنف وتقدم الزمن‪ .‬ويالحظ يف العموم كلم تقدم الزمن كلم زاد حجم‬
‫مججمة (دماغ) البرش‪.‬‬
‫‪(Fossil hominid skulls: Labeled with specimen name, species, age,‬‬
‫‪and cranial capacity in milliliters (cranial capacity is the volume of the‬‬
‫© ‪space inside the skull, and correlates closely with brain size). Images‬‬
‫‪2000 Smithsonian Institution, modified from: TalkOrigins Common‬‬
‫)‪Ancestry FAQ‬‬
‫املرجع انظر‪:‬‬
‫‪https://ncse.com/creationism/analysis/transitional-fossils-are-not-rare‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪282 --------------‬‬

‫ملحوظة‪:‬‬
‫إن اهلياكل العظمية واجلمجم املكتشفة لقدماء البرش قبل آدم عليه السالم تدل‬
‫أَنم كانوا أصنافا خمتلفة‪ ،‬ر َّبـم يرجعون يف األصل إىل أصل مشرتك قديم‪ ،‬لكن ينبغي‬
‫اإلقرار بيشء ولو كان صعب التصديق عند البعض‪ ،‬أنه كلم رجعنا آالف السنني إىل‬
‫أدم َغتِ َها وأطوال‬‫اخللف كلم هذه البقايا البرشية يف العموم تزداد بدائية‪ ،‬و َتن ْقص أحجام ِ‬
‫َّ‬
‫قامتها‪ ،‬وتتق َّلص جبهات رؤوسها –حتى ختتفي‪ ،-‬وتزداد حجم َأ ْفو ِ‬
‫اه َها‪ ،‬وت َْربز‬ ‫َ‬
‫القر َدة‪ - ،‬وهذه‬ ‫حواجبها‪ ،‬وُتيل وجوهها نَحو األمام‪ ،‬وتقرتب صورها من صور ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫التغريات الحظها علمء اإلنسان املختصون ويمكن مالحظتها بوضوح يف الصورة‬
‫السابقة وأيضا يف الصور األخرى بإذن اهلل ‪ ،-‬حتى إنه يوجد من هذه األصناف ما هو‬
‫والق ْرد‪ ،‬كجنس األسرتالوبيتاكس‬ ‫ِ‬ ‫حقيقة حلقة ما بني اإلنسان‬
‫)‪ (AusTralopiThecus, AustralopiThèque‬الذي َيعده العلمء من أشباه‬
‫البرش‪ ،‬وهو أقدمهم تواجدً ا‪ ،‬حيث أن ِسعة دماغه تقرتب من سعة دماغ ِ‬
‫الق ْرد‬ ‫َ‬
‫(شامبنزي)‪ ،‬مع كون صورته تشبه صورة اإلنسان‪ ،‬وحيافظ عىل خصائص مثل اإلنسان‬
‫ِْ‬
‫كامليش عىل قدمني اثنني‪.‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪283 -------‬‬

‫صورة رقم أربعة‪:‬‬

‫صورة تظهر رجل كويب مقارنة مع اهلوموهريكتوس‪ ،‬ويظهر بِوضوح أن‬


‫اهلموهريكتوس عنده فك كبري‪ ،‬بينم تكاد تنعدم اجلبهة عند كل من الرجلني –بخاصة‬
‫اهلومومريكتوس‪ -‬وكل من الصنفني عاش يف حقبة تقارب ‪ 1.9‬مل ـيون س ـنة‬
‫املرجع‪:‬‬
‫‪https://www.si.edu/newsdesk/photos/human-origins-timeline-diversity-‬‬
‫‪species‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪284 --------------‬‬

‫صورة رقم مخسة‪:‬‬

‫صور تظْ ِهر مجاجم مكتشفة ألجناس خمتلفة إنسانية ِ‬


‫وشبْه إنسانية‪ ،‬مر َّتبَة يف العموم‬
‫بحسب تقدمها الزماين‪ ،‬واملفتاح يف األسفل يذكر اسم اجلنس وتاريخ عيشه يف‬
‫األرض بأالف وماليني السنني‪ My( ،‬يعني مليون سنة)‪.‬‬
‫املرجع‪Research projecT - human evoluTion, p 9 :‬‬
‫رابط‪:‬‬
‫‪https://www.slideshare.net/tbutle/research-project-human-evolution‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪285 -------‬‬

‫صورة رقم ستة‪:‬‬

‫صورة ألكثر من مججمة للهوموهابيليس‪ ،‬مع بعض أدواته (حوايل ما بني ‪ 2.4‬إىل‬
‫‪ 1.6‬مليون سنة) وأ َذكر أن حجم دماغ هذا اجلنس القديم هو حوايل مابني ‪ 550‬إىل‬
‫‪ 700‬سنتمرت مك َّعب‪ ،‬مرجع الصور‪human origine EvoluTion ParT 2, p66 :‬‬

‫رابط‪:‬‬
‫‪https://fr.slideshare.net/JennyWoolway/evolution-part-2-62400634‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪286 --------------‬‬

‫صورة رقم سبعة‪:‬‬

‫صور تظهر اهلوموهريكتوس وبعض األدوات التي كان يصنعها (عاش إىل حوايل ‪8.1‬‬
‫إىل ‪ 1.9‬مليون سنة)‪ ،‬وأذكر أن حجم دماغ هذا اجلنس اإلنساين القديم مابني ‪ 600‬إىل‬
‫‪1100‬سنتمرت م َك َّعب‪ ،‬أي حجمه ما بني حجم دماغ اهلوموهابيليس وحجم دماغ‬
‫اهلوموسابني (اإلنسان احلديث)‪.‬‬
‫مرجع الصورة‪human origine EvoluTion ParT 2, p66 :‬‬
‫رابط‪:‬‬
‫‪https://fr.slideshare.net/JennyWoolway/evolution-part-2-62400634‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪287 -------‬‬

‫صورة رقم ثمنية‪:‬‬

‫صورة جلنس "اهلادنربغ أنسيس‪ "heidelbergensis ،‬والذي اختلف فيه‬


‫الباحثون قيل أ َّنه اجلد املشرتك لكل من النياندريتال واهلوموسابني (اإلنسان احلديث)‬
‫جي َعل أبا للنياندرتال ألن‬
‫أو قيل هو اجلد املشرتك للنيانديرتال‪ ،‬إذ أن عىل حد القولني ْ‬
‫التشابه الشكيل بينم كبري والتقديرات التقريبية تقول أنه عاش ما بني ‪ 700.000‬إىل‬
‫‪ 300.000‬ألف سنة أي أقدم من النياندرتال واهلوموسابني‪ ،‬وي َقدَّ ر حجم دماغه‬
‫‪ 1200‬سنتمرت م َك َّعب أي أكثر من اهلوموهريكتوس الذي يسبقه يف الزمن وأقل قليال‬
‫من حجم مججمة اإلنسان احلديث اهلوموسابني (حوايل ‪ 1300‬سم مكعب) والذي هو‬
‫متأخر عليه يف الزمن‪ ،‬ويالحظ عند "اهلادنربغ أنسيس" انعدام اجلبهة‪ ،‬مرجع الصورة‪:‬‬
‫‪https://sites.google.com/site/scientificboardaus/home/homo-‬‬
‫‪heidelbergensis‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪288 --------------‬‬

‫صورة رقم تسعة‪:‬‬

‫صورة تظهر مقارنة بني رجل النياندَ ْرتال عىل اليمني والرجل الكروماين عن الش َمل‬
‫حيث هذا األخري ي َصنَّف من جنس اهلوموسابني أي اإلنسان احلديث‪ ،‬ونالحظ عند‬
‫النياندرتال جبهة قليلة موجهة للخلف‪ ،‬ووجود قوالب حاجبية بارزة حول العينني‪،‬‬
‫وعينان كبريتان و َفك م َت َقدم لألمام مع أسنان عريضة وسميكة ووجه مائل قليال نحو‬
‫األمام مع مججمة من ْ َس ِحبَة للخلف‪ ،‬وهذه من أهم ِس َمت االختالف الوجهي مقارنة مع‬
‫جنس اهلوموسابني‪ ،‬وأ َذكر أنه بحسب تقديرات فإن النياندرتال عاش حوايل ما قبل‬
‫‪ 430.000‬إىل ‪ 30.000‬سنة‪ ،‬أم ـ ـ ـا اهلوموسابني فهو حوايل ما قبل ‪ 315.000‬إىل اآلن‬
‫مرجع ال ـ ـ ـص ـ ـ ـ ــورة‪:‬‬
‫‪https://lejournal.cnrs.fr/articles/neandertal-le-cousin-rehabilite‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪289 -------‬‬

‫خمطط رقم واحد‪:‬‬

‫خمطط افرتايض يظهر زمن عيش أهم األصناف اإلنسانية والشبْه إنسانية الـمكتشفة‬
‫وتغريها‪ ،‬فكل مثلث يمثل جنسا معينا مكتشف وزمن تواجده عىل األرض بماليني‬
‫الس ـنـ ـني ( يف األع ـىل السـ ـ َّلم مـ ـن ‪ 0‬إىل ‪ 7‬مـ ـ ـلـ ـيون س ـ ـ ـنة )‪ :‬ال ـ ـ ـمرجع‪:‬‬
‫‪https://www.hominides.com/html/ancetres/ancetres.php‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪290 --------------‬‬

‫خمطط رقم اثنان‪:‬‬

‫خمطط يظهر ال َّت َطور التقريبي الـم َتوسط حلجم دماغ األجناس البرشية ِ‬
‫والشبْه برشية‬ ‫َ‬
‫من ْذ ماليني السنني (مع ِ‬
‫العلْم أن هذا الـمخَ َطط الـم َقارن ال يأخذ احلجم الدماغي الدقيق‬
‫لكل جنس) (السلم ماليني السنني يف األسفل بِدَ اللة حجم الدماغ بالسنتمرت امل َك َعب‬
‫مر معنا قبل قليل وأن‬
‫يف األعىل)‪ ،‬ويالحظ أن حجم الدماغ يزداد كلم مر الزمن‪ ،‬وقد َّ‬
‫أرشنا إىل أن الدراسات العلمية أثبتت أنه كلم زاد حجم الدماغ كلم زادت نسبة الذكاء‬
‫يف العموم‪.‬‬
‫املرجع‪:‬‬
‫‪https://www.hominides.com/html/dossiers/cerveau.php‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪291 -------‬‬

‫خمطط رقم ثالثة ‪:‬‬

‫رسم ختطيطي يظهر األسمء العلمية ألنواع البرش وأشباه البرش التي تم اكتشافهم مع‬
‫حتديد احلد الزمني االفرتايض الذي عاشوا فيه (الس َّلم الزمني عن اليسار بماليني السنني‬
‫من ‪ 0‬إىل ‪ 7‬مليون سنة) املرجع‪:‬‬
‫‪https://planet-terre.ens-lyon.fr/article/Homo-naledi.xml‬‬
‫‪، B. Wood E.K. Boyle, 2016. Hominin taxic diversity: Fact or‬‬
‫‪fantasy? , Am. J. Phys. Anthropol., 159, S61, 37–78, [ doi:‬‬
‫] ‪10.1002/ajpa.22902‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪292 --------------‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬نتيجة حول الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلْم‬
‫وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟‬
‫‪ -‬إن طوفان نوح عليه السالم مل يشمل كل الكرة أرضية وإنم شمل جزءا من‬
‫الرشق األوسط‪ ،‬وهذا تؤيده أدلة من الوحي والعلم احلديث‪.‬‬
‫ط بِسالَ ٍم منَّا وبرك ٍ‬ ‫ِ‬
‫َات َع َليْ َك َو َع َ ٰىل أ َم ٍم ّمَّن‬ ‫َََ‬ ‫‪ -‬قال اهلل تعاىل‪ ( :‬ق َيل َيا نوح ا ْهبِ ْ َ‬
‫ِ‬
‫يم ) (هود ‪ ،)48‬ف ـ ـفي ظاهر قوله سبحانه‬ ‫اب َأل ٌ‬ ‫َّم َع َك ۚ َوأ َم ٌم َسن َمتعه ْم ث َّم َي َمسهم منَّا َع َذ ٌ‬
‫( َوأ َم ٌم َسن َمتعه ْم ) أن هنالك أ َّمًا أخرى ليسوا ِّمَن مع نوح‪ ،‬واهلل أعلم‪ ،‬بل يقول الـم َـفّس‬
‫ابن عطية الذي هو من قدماء املفّسين يف تفسري اآلية األخرية من قول اهلل تعاىل‪َ ( :‬سالَ ٌم‬
‫ع َىل نوحٍ ِيف ا ْلع َ ِ‬
‫ني (‪)81‬‬ ‫ادنَا ا ْمل ْؤ ِمن ِ َ‬
‫ني (‪ )80‬إِنَّه ِمن ِعب ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َج ِزي ا ْمل ْح ِسن ِ َ‬ ‫ِ‬
‫ني (‪ )79‬إِنَّا ك َ َٰذل َك ن ْ‬
‫امل َ‬ ‫َ‬ ‫َ ٰ‬
‫ث َّم َأ ْغ َر ْقنَا ْاآل َخ ِري َن (‪( ) )82‬الصافات ‪ ": )82-79‬ث َّم َأ ْغ َر ْقنَا ْاآل َخ ِري َن يقتِض أنه أغرق‬
‫قوم نوح وأمته ومكذبيه‪ ،‬وليس يف ذلك نص عىل أن الغرق عم مجيع أهل األرض‪- ".‬‬
‫وهذا كالم عامل تفسري من القرن السادس اهلجري مل يطلع عىل البحوث احلديثة يف كيفية‬
‫زمن ومكان الطوفان‪ .-‬لذلك فالذي يظهر أنه يف ذلك إشارة أن هنالك أ َّم ًا كانت تعيش‬
‫أراض أخرى مل يرسل إليهم نوح عليه السالم‪ ،‬ألن النبي يب َعث إىل قومه خاصة‪ ،‬بدليل‬ ‫ٍ‬ ‫يف‬
‫اص ًة َوب ِعثْت إِ َىل‬ ‫ِِ‬
‫َان النَّبِي يب ْ َعث إِ َىل َق ْومه َخ َّ‬
‫حديث النبي حممد صىل اهلل عليه وسلم‪َ ( :‬وك َ‬
‫َّاس َعا َّم ًة )‪ ،‬وهذا فيه دليل أنه مل يكن قوم نوح عليه السالم وحدهم يف كل األرض‬ ‫الن ِ‬
‫ألنه يلزم من ذلك معارضة هذا احلديث بأنه جيب أن يرسل إىل كل الناس يف ذلك الزمان‬
‫وهذا خاص بالنبي حممد صىل اهلل عليه وسلم‪ .‬وهذا الدليل ال يقترص عىل االستدالل‬
‫أن طوفان نوح عليه السالم مل يشمل كل العامل‪ ،‬وإنم قد يطرح جزءا من اإلشكال الذي‬
‫نعاجله يف هذا البحث؛ هل كل هذه األمم التي مل تكن مع نوح عليه السالم كلها من ذرية‬
‫آدم عليه السالم ؟ أم كان هنالك أمم أخرى بعيدة عن الرشق األوسط كأسرتاليا وإفريقيا‬
‫السوداء واألمريكتني ؟ ال سيم وأن الفارق الزمني بني كل من آدم ونوح عليهم الصالة‬
‫والسالم هو عرش قرون كم رأينا حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم الصحيح يف ذلك‪،‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪293 -------‬‬

‫وهذا الفارق قصري مقارنة بِس َّلم التاريخ‪ ،‬فكيف تكفي هذه الـمدة فقط إلعمر كل وجه‬
‫الكرة األرضية باألمم البرشية من زوجني وحيدين؟ ‪-‬أي عرشة قرون مدة قصرية نسبيا‬
‫مقارنة مع معيار االنتشار اإلنساين‪ ( .-‬لذلك فإن الصحيح يف هذا األمر أنه كان هنالك‬
‫يف األرض أمم أخرى من غري ذرية آدم عليه السالم منترشة خارج الرشق األوسط‪،‬‬
‫وكذلك كان هنالك أقوام أخرى من غري قوم نوح عليه السالم يف زمانه وقبل زمانه‪ .‬ال‬
‫سيم يف قارات كأمريكا وأسرتاليا وإفريقيا كم رأينا )‪.‬‬
‫‪ -‬الزمن التقريبي بيننا وبني طوفان نوح عليه السالم بحسب دراسات علمية‬
‫حديثة حول الطوفان هو حوايل سبعة آالف سنة‪ ،‬وإذا أضفنا هذا العدد إىل الزمن بني‬
‫آدم ونوح عليهم السالم املذكور يف حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم والذي هو ألف‬
‫سنة فإننا نحصل عىل الزمن التقريبي آلدم عليه السالم من خالل هذا الطريق العلمي‬
‫أي‪ :‬حوايل ثمنية آالف سنة ‪ .8000‬وإذا قارن َّا هذا الزمن مع الزمن الذي حسبناه سابقا‬
‫من طريق السلف وما نقله علمء اإلسالم وم َؤر ِخيهم وطريق نسب النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬والذي هو عىل أقىص تقدير سبعة آالف سنة ‪ ،7000‬نجد أن هذان التقديران‬
‫متقاربان‪ ،‬بل فيهم نوع من االتفاق وال َّت َقوي بأن زمن وجود آدم عليه السالم يدور بني‬
‫هاتني املدتني أي حوايل األلفية الثامنة قبل امليالد‪ ،‬واأللف سنة التي بينهم ال هتمنا بقدر‬
‫ما هيمنَا الزمن اإلمجايل‪ ،‬والذي هو أقل من عرشة آالف سنة‪ ،‬وهذا بالرغم من أخذ أعىل‬
‫التقديرين أي ثمنية آالف سنة‪ ،‬فإن هذا الزمن ال يقارن مع عمر اإلنسان يف األرض الذي‬
‫ي َقدَّ ر بمئات اآلالف من السنني بل يفوق املليون سنة بكثري‪.‬‬
‫‪ -‬يمكن تأكيد نتيجة ّما سبق وهي أن زمن وموقع الطوفان لوحده قد يكفي‬
‫ملعرفة أنه كان يف زمن نوح عليه السالم أم ٌم أخرى بعيدة ومنفصلة عن قومه‪ ،‬حيث أنه‬
‫عليه السالم مل ي ْر َسل إليهم‪ ،‬وأن كثريا من تِلْكم األمم ال ينحدرون َّ‬
‫بالرضورة من أبيه‬
‫آدم عليه السالم‪ ،‬ال سيم التي سكنت يف مناطق بعيدة‪ ،‬ولقد مر معنا املنحنى االفرتايض‬
‫لتِ ْعداد الناس عىل وجه األرض يف تِلْ َك األزمنة‪ ،‬وكل هذا ال يتناقض مع القرآن الكريم‪،‬‬
‫كم رأينا من األدلة والقرائن‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪294 --------------‬‬

‫‪ -‬أما عن كيفية ِح َساب األزمنة البعيدة للعظام البرشية التي ت َعد بمئات وماليني‬
‫السنني‪ ،‬والتي عاش يف بعضها اإلنسان القديم؛ فهي تعتمد عىل تقنيات تَأْريخ حديثة‪،‬‬
‫بقياس إشعاع أيونات حمددة وتصوير شعاعي دقيق خمتلف عن الكاربون أربعة عرش‬
‫(‪ )c14‬املشهور ألنه اليصلح حلساب هذه األزمنة البعيدة‪ ،‬وإنم ي ْس َتعمل الكربون أربعة‬
‫عرش يف ِح َساب تأريخ العظام وبعض األثار التي ال يتجاوز عمرها عرشات اآلالف من‬
‫السنني (حوايل أربعني ألف سنة)‪ ،‬أما يف تأريخ األزمنة األبعد التي تعد بمئات اآلالف‬
‫من السنني فأكثر؛ فإنه يستعمل يف ذلك قياس إشعاع أيونات مثل‪ :‬الربيليوم الـمشع‬
‫‪ ،Béryllium 10‬واأللومينيوم الـمشع ‪ ،Aluminium-26‬والبوتاسيوم أرغون‬
‫‪(ElecTron‬‬ ‫اإللكرتوين‬ ‫املغناطييس‬ ‫والرنني‬ ‫‪،Potassium-Argon‬‬
‫)‪– paramagneTic resonance‬يبلغ مداه إىل مخسة ماليني ‪ 5‬ماليني يف تأريخ‬
‫العظام‪ -‬وغريها من املواد والطرق التي قد يؤرخ هبا أزمنة بمئات وبماليني السنني‪،‬‬
‫وخيتلف استعمل هذه الطرق بحسب احلالة الـمقاسة باستعمل تقنيات وآالت حديثة‪.‬‬
‫وهذه الوسائل معمول هبا يف العلم احلديث‪ ،‬ويستعملها علمء األنثروبولوجا واآلثار‪.‬‬
‫‪ -‬بحسب دراسات علمية حديثة فإن عدد سكان كل الكرة األرضية يف زمن‬
‫آدم عليه السالم أي حوايل ‪ 7500‬قبل امليالد هو حوايل عرش ‪ 10‬ماليني‪ ،‬ما يدل عىل‬
‫وجود عدد معترب من الناس كانوا قبل آدم عليه السالم يف األرض حتى وإن مل يبلغوا‬
‫الكثافة احلديثة‪ ،‬وأما يف الرشق األوسط فكان عدد الناس أقل‪ ،‬وهؤالء عىل الصحيح‬
‫هم الذين تزوجت واختلطت هبم ذريته فيم بعد‪.‬‬
‫‪ -‬هنلك أجناس برشية عاشت قبل آدم عليه السالم بمئات اآلالف وماليني‬
‫السنني‪:‬‬
‫إنسان اهلوموسابني (‪ )homo sapiens‬اإلنسان احلديث (عاش قبل ثالث مائة‬
‫ألف سنة ‪ 300.000‬إىل اآلن)‬
‫إنسان النياندرتال )‪( (The NeanderThal) (le NéanderTal‬أكثر من أربع‬
‫مائة وثالثني ‪ 430.000‬سنة)‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪295 -------‬‬

‫إنسان اهلومو إيركتوس (‪( )Homo erecTus‬عاش قبل حوايل ‪ 1.8‬مليون سنة)‬
‫إنسان اهلومو هابيليس (‪( )Homo habilis‬عاش حوايل ‪ 2.5‬مليون سنة)‬
‫‪ -‬نظرية التطور ال تعارض اإلسالم لألدلة التالية‪:‬‬
‫لقد رأينا من األدلة أو القرائن ما تعل أنه من الراجح أن باقي شعوب العامل التي‬
‫ليست من آدم عليه السالم‪ ،‬كان فيهم آباء أو أوادم آخرون‪ ،‬لكن هذا التفسري ال َي ْصلح‬
‫أن ي َفّس به لوحده نشأة كل أصول أ َمم العامل‪ ،‬فيبقى النسل البرشي كبريا وواسعا‬
‫وجمهوال وقديم وم َع َّقدا فهو ٌ‬
‫قابل أن ت َفّس نشأته بأكثر من نظرية‪ ،‬فلذلك يبقى االجتهاد‬
‫يف كيفية خلقه مفتوح – من غري آدم عليه السالم ونسله ‪ ،-‬فحتى لو قلنا بِوجود أوادم‬
‫للبرش إال أن هذا ال يكفي لتفسري نشأة كل الناس‪ ،‬ألن وجود األوادم ال يتعارض مع‬
‫كون النسل اإلنساين كان أقدم منهم ورافقهم منذ القديم كم هو ظاهر ( كآدم عليه‬
‫السالم الذي كان مسبوقا بنسل برشي )‪ ،‬إضافة إىل جهلنا بكيفية خلق هؤالء اآلباء‪ ،‬هل‬
‫هو خلق مستقل كآدم عليه السالم‪ ،‬أو خلق يف سياق نسل برشي البرش كنوح عليه‬
‫السالم (األب الثاين لألمة اآلدمية)‪ ،‬أو تطور وارتقاء عن خملوقات أدنى‪ ،‬أم يشء من‬
‫هذا وذاك‪ ،‬ولسبب م ِهم وهو ليس بالرضورة أن يكون كل النسل البرشي قد أتى من‬
‫هؤالء اآلباء أو األوادم‪ ،‬وهذا ما جيعل أن تفسري نشأة اإلنسان ال يتعارض مع وجود‬
‫نسل إنساين تطو َر منذ القديم‪ ،‬ولـم كانت النظرية التطورية أقوى نظريات العلم احلديث‬
‫يف تفسري نشأة األحياء بم تقدمه من أدلة‪ ،‬فال مانع من قبوهلا يف تفسري نشأة جزء كبري من‬
‫النسل البرشي‪ ،‬لألسباب التالية‪:‬‬
‫* عدم تعارض هذه النظرية مع الوحي ( اإلسالم )‪ ،‬فالوحي أثبت اخللق املستقل‬
‫آلدم عليه السالم‪ ،‬وآما باقي األمم فاالجتهاد فيهم مفتوح‪ ،‬فاهلل خيلق باملعجزة كم خيلق‬
‫باألسباب املعتادة والتدرج‪.‬‬
‫* اإلنصاف والعدل الذي دعا إليه اهلل يف التعامل مع األقوال واآلراء واألدلة‪.‬‬
‫والنظريات العلمية ال خترج عن هذه الدائرة‪( .‬لو قال هبا األعداء واخلصوم)‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪296 --------------‬‬
‫* عدد معترب من قدَ َماء علمء املسلمني قالو بمقدمات وأس ِ‬
‫س هذه النظرية َقبل‬
‫داروين ‪ darwin‬والغربيني بمئات السنني‪ ،‬ك ـ (ابن خلدون‪ ،‬والبريوين‪ ،‬وإخوان الصفا‪،‬‬
‫واجلاحظ‪ ،‬وابن مسكويه)‪ ،‬وحتى عدد من علمء الرشيعة املسلمني املعارصين رأوا أَنا‬
‫ال تتعارض مع اإلسالم ك ـ ( حممد عبده‪ ،‬ورشيد رضا )‪ ،‬ومن الباحثني املسلمني من‬
‫وجدوا فيها أدلة علمية صحيحة (وكذلك كثري من املتدينني من أهل الكتاب يف الغرب‬
‫يعتقدون بصحتها)‪.‬‬
‫* ق َّوة األدلة العلمية التي ت َقدم َها هذه النظرية‪.‬‬
‫ديل ِع ٍ‬
‫لمي عن هذه النظرية يف تفسري طريقة نشأة احليوانات‬ ‫* العجز عن تقديم َب ٍ‬
‫والكائنات‪.‬‬
‫* ال َّتدرج يف اخللق‪ ،‬والتَّدَ رج سنَّة إهلية‪.‬‬
‫* ظهور أدلة علمية جديدة ت ـقوي هذه النظرية كلم تقدَّ م العلم‪.‬‬
‫وقبول نظرية التطور يكون برشوط‪:‬‬
‫ٌ‬
‫مستقل مثل عيسى عليه‬ ‫* عدم تناول النَّ َظ ِرية التطورية آلدم عليه السالم ألنَّه ٌ‬
‫خلق‬
‫السالم‪.‬‬
‫* نزع الشوائب اإلحلادية من هذه النظرية‪ ،‬كَن ِ ْس َب ِة اخللق للطبيعة‪ ،‬والقول بالصدَ ف‬
‫العشوائية واألخطاء اخللقية‪ ،‬فاهلل هو الذي خلق الطبيعة وما فيها‪ ،‬وهو الذي يدَ بر‬
‫وي َسريها وكل ما فيها‪ ،‬واهلل تعاىل منَز ٌه أن خيلق بالصدف واألخطاء‪ ،‬وإنم خيلق بالقضاء‬
‫والقدر والدقة العالية واحلكمة البالغة‪.‬‬
‫من املزايا يف قبول النظرية التطورية‪:‬‬
‫* التخلص من الفهم الضيق خللق البرش يف الكتاب والسنة‪ ،‬وعزل االْسائيليات‬
‫عنهم‪.‬‬
‫* القضاء عىل دعوى احتكار االحلاد هلذه النظرية وتربئتها منه‪ ،‬فاإلسالم أوىل هبذه‬
‫النظرية من غريه من األديان والعقائد‪.‬‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪297 -------‬‬

‫* حماربة اإلحلاد بسالحه‪.‬‬


‫* عدم ادخال اإلسالم خطأ يف رصاع ومهي مع نظرية ذات أدلة علمية قوية‪ ،‬يؤمن‬
‫هبا أغلب علمء األحياء يف العامل‪.‬‬
‫* إظهار أن النظرية التطورية ال تناقض اإلسالم عىل عكس بعض األديان املحرفة‪،‬‬
‫وبالتايل استغالل هذه النظرية يف الدعوة إىل هذا الدين العظيم‪.‬‬
‫* النظر إىل ال َّتطور يف خلق اهلل بنظرة تدب ِرية وتَفكرية تدل عىل قوة وعلم وعظمة‬
‫خالقه‪.‬‬
‫* إعادة ادماج ضعفاء اإليمن من املسلمني املفتونني بالنظريات الغربية يف سلك‬
‫اإليمن‪ ،‬وارجاعهم إىل منطقية وعقالنية أدلة الكتاب والسنة‬
‫‪ -‬هنالك علمء من قدماء املسلمني قالوا وأشاروا إىل َّت َطور املخلوقات‬
‫واإلنسان قبل دارون ‪ darwin‬بمئات السنني‪ ،‬كإخوان الصفا‪ ،‬واجلاحظ‪ ،‬وابن‬
‫مسكويه‪ ،‬والطوِس‪ ،‬والبريوين‪ ،‬وابن خلدون‪ ،‬والقزويني‪.‬‬
‫‪ -‬هنالك علمء مسلمون خمتصون ال سيم يف األحياء والبيولوجيا يرون ِ‬
‫بصحة‬
‫النظرية التطورية وأَنا ال تناقض الدين‪.‬‬
‫‪ -‬إن النظرية التطورية عند أول ظهورها يف أوروبا كانت ت َّتهم من ِق َب ِل‬
‫ـح َّم ِد َي ٌة" – أي إسالمية ‪ -‬ر َّبـ َم ألن أصول فكرة التطور بشكل عام‬
‫معارضيها بأَنا "م َ‬
‫الرتاث اإلسالمي حيث أشار إليها غري واحد من العلمء املسلمني‪.‬‬ ‫كانت موجودة يف َ‬
‫‪ -‬النظرية ال َّتطورية وعالقتها مع الدين‪:‬‬
‫* النظرية التطورية يف عمومها ال تناقض القرآن والسنة‪ ،‬وإنم تناقض الرواية‬
‫اإلْسائيلية واعتقاد الكنيسة يف خلق آدم وحواء عليهم السالم بجعلهم آباء أوئال لكل‬
‫البرش يف كل زمان ومكان‪.‬‬
‫عارض الدين‬ ‫* إ َّننَا َندْعوا َم ْن خالف من املسلمني ورأى عنده أن هذه النظرية ت ِ‬
‫وت ََضا َي َق ِمن َْها‪ ،‬علمء رشيعة كانوا وطلبة علم أو علمء علوم وباحثني وعوام‪ ،‬إىل إعادة‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪298 --------------‬‬

‫ال َت َفكر يف آيات وأحاديث بداية اخللق يف القرآن والسنة‪ ،‬وأن ي َت َفادى ابتداء كل ما هو‬
‫كم م َس َّبق‪ ،‬ثم لِين ْظر املؤمن هل جيد معارضة بني نصوص‬ ‫وث أو إْسائييل أو ح ٌ‬
‫َمور ٌ‬
‫الوحي يف بداية اخللق وبني النشوء التدرجيي للمخلوقات واإلنسان وما قاله العلم‬
‫احلديث يف ذلك‪ ،‬وبخاصة اإلشارات إىل وجود خملوقات عاقلة قبل آدم عليه السالم‬
‫منفصلة عنه‪ ،‬فم المنع أن ختضع هذه املخلوقات املنفصلة إىل هذا النشوء التدرجيي الذي‬
‫مستقل ِمثْل عيسى‬
‫ٌ‬ ‫لق‬
‫قال به أغلب علمء األحياء‪ ،‬باستثناء آدم عليه السالم الذي هو َخ ٌ‬
‫عليه السالم بداللة الوحي الرصيح‪.‬‬
‫* ليس َمطْلوب ًا من املؤمن أن ي َصد َق بنظرية التطور إن كان األمر ال يعنيه أو ي َشكل‬
‫له أزمة‪ ،‬فالتطورية ليست ر ْكنًا من أركان اإليمن كي يلْ َز َم املؤمن بتصديقها‪ ،‬لكن إن آمن‬
‫آخرون هبا ومجعوا بينها وبني اإليمن باهلل‪ ،‬بل وقد جيدون َأد َّلة يف القرآن والسنة عىل‬
‫وحيارب ما يؤمنون بِه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ذلك‪ ،‬فليس عىل الـذي خيَال ْفهم أن حيارهبم َ‬
‫‪ -‬اإلنسان القديم كان م َتدينا‪ :‬قد يظن البعض أن اإلنسان القديم مل يكن يعرف‬
‫ربه‪ ،‬وأنه كان متوحشا وناقصا يف العقل بحيث مل يتمكن من التدين‪ ،‬لكن حقيقة األمر‬
‫يها ن َِذ ٌير ) (فاطر ‪ ،)24‬ويقول تعاىل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫خالف ذلك‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬وإِن م ْن أ َّمة إِ َّال َخالَ ف َ‬
‫( َورسالً َق ْد َق َص ْصنَاه ْم َع َلي ْ َك ِمن َقبْل َورسالً َّملْ َن ْقص ْصه ْم َع َليْ َك ) (النساء ‪،)164‬‬
‫وت) (النحل‬ ‫اج َتنِبوا ال َّطاغ َ‬
‫اَّلل َو ْ‬
‫ويقول تعاىل‪( :‬و َل َق ْد بعثْنَا ِيف كل أم ٍة رس ً ِ‬
‫وال َأن ا ْعبدوا َّ َ‬ ‫َّ َّ‬ ‫َ ََ‬
‫‪ ،)36‬فإذا علمنا أن قدماء البرش الذين عاشوا قبل آدم عليه السالم هم عبارة عن أ َمم‪،‬‬
‫فإنه بالرضورة أن اهلل قد أرسل فيهم رسال‪ ،‬وهذا خرب رباين ال مرية فيه‪ .‬والدليل العلمي‬
‫عىل هذه احلقيقة وعىل تدين اإلنسان القديم وإيمنه بإله أعىل‪ ،‬ما وجده وأثبته علمء من‬
‫كأنْدرو النج )‪ (Andrew lange‬اإلنجليزي‬ ‫الغرب عند دراسة أديان األمم البدائية َ‬
‫وويليام ِش ِميْد األلمين )‪ ،(Guillaume schmidT‬حيث تعترب هذه األقوام شاهدا‬
‫نقيا عىل أديان قدماء البرش ألَنا حافظت عىل أديان أسالفها ومل ختتلط ِم َلل َها باألديان‬
‫اإلبراهيمية وبعضها كان معزوال عن العامل ألحقاب طويلة‪ ،‬وقد و ِجد التوحيد وبقايا‬
‫كثري من هذه القبائل البدائية القديمة‪ ،‬وأقدم احلضارات العاملية؛ ِ‬
‫طام ًسا بذلك‬ ‫منه ِعن ْد ٍ‬
‫‪ ----------‬الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪299 -------‬‬

‫النظريات اإلحلادية التي قالت أن اإلنسان األول بدأ بالتعدد الرشكي وعبادة األوثان‪،‬‬
‫حيث وجدوا هذه البقايا من التوحيد عند كثري من القبائل البدائية يف أمريكا الشملية ويف‬
‫أسرتاليا‪ ،‬ويف أمريكا اجلنوبية‪ ،‬ويف إفريقيا‪ ،‬ووجد أيضا التوحيد وآثاره يف حضارات‬
‫قديمة كمرص‪ ،‬واهلند‪ ،‬ويف أرض سومر (العراق)‪ ،‬ويف الصني ويف اليونان‪.......‬وكثري‬
‫من تلك األقوام البدائية كان معزوال عن العامل كلية‪ ،‬مثل قبائل جزر أندرمان (أو‬
‫أندمان)‪ ،‬وقبائل أسرتاليا‪ ،‬وكثري من قبائل أمريكا‪ ،‬ووجدوا عندهم بقايا كثرية من‬
‫رشائع سموية‪ ،‬وكل هذا يدل أنه كان فيهم وحي قديم وأنبياء بعثهم اهلل فيهم‪ ،‬وأن‬
‫التكليف كان قبل آدم عليه السالم‪ ،‬ويدل عىل أن اهلل قد فطر اإلنسان عىل اإليمن به‪.‬‬
‫(ح َّواء امليتوكندري) العلم يثْبِت وجود أ ٍم أخرى أقدم من َح َّواء املعروفة‬
‫‪َ -‬‬
‫بكثري لكنها ليْ َست أ ًما لِكل ال َّب َرش‪ ،‬إنم هي أم جزء معني من البرش من ناحية احلمض‬
‫النووي )‪ (dna‬للميتوكوندري فقط‪.‬‬
‫‪ -‬إن كثريا من الشعوب البرشية املعارصة ال يرجع أصلها املبارش إىل آدم عليه‬
‫السالم (وبخاصة الشعوب التي سكنت األرايض والقارات خارج الرشق األوسط‬
‫كاألسرتاليني واألفارقة والصينيني واألوروبيني واألمريكيني األصليني)‪ ،‬ألن زمن‬
‫نزوله عليه السالم إىل األرض كان متأخرا مقارنة مع زمن وجود أجداد هؤالء يف‬
‫مر معنا دراسة علمية حتيص عدد سكان العامل يف حدود السبع آالف إىل‬
‫األرض‪ ،‬وقد َّ‬
‫الثمن آالف سنة (أي الزمن التقريبي لتواجد آدم عليه السالم يف األرض) بحوايل بضعة‬
‫ماليني نسمة –حوايل ‪ 10‬ماليني‪ ،-‬وهذا ما يعني أن النسل الذي انحدر من هؤالء‬
‫السكان يف العموم ليس من نسل آدم عليه السالم‪ ،‬لكن هذا ال َي ْسلِب َأ َبانَا آدم عليه‬
‫السالم أن يس َت ِ‬
‫ح َّق مقام األب َّوة الترشيفية والتعظيمية عىل كل سكَان العامل ولو كانوا من‬ ‫َ ْ‬
‫غري ذريته املبارشة من باقي سكان األرض‪ ،‬وهذا ال ي ـ َغـي ـِـر من كون أبينا آدم عليه السالم‬
‫هو أب ًا ألمة عظيمة وكبرية اصطفاها اهلل وخلدَ َها بالذكْر يف القرآن الكريم‪ ،‬ورشع فيها‬
‫األديان اإلبراهيمية أشهر األديان‪ ،‬وبعث فيها خاتم املرسلني‪ ،‬ورشع فيها اإلسالم آخر‬
‫أديان العاملني‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪300 --------------‬‬

‫‪ -‬يوجد أدلة علمية دامغة عىل شكل بقايا هياكل عظمية ومجاجم ألصناف‬
‫برشية ترتاوح أعمرها من آالف السنني إىل أزيد من مليوين سنة؛ م َقاسة بطرق علمية‬
‫حديثة‪ ،‬تعطي نظرة عىل أشكاهلم احلقيقة‪ ،‬وتؤكد أن البرش كانوا موجودين قبل آدم عليه‬
‫السالم‪.‬‬
‫‪ -‬إن اهلياكل العظمية واجلمجم املكتشفة لقدماء البرش قبل آدم عليه السالم تدل‬
‫أَنم كانوا أصنافا خمتلفة‪ ،‬ر َّبـم يرجعون يف األصل إىل جد مشرتك قديم‪ ،‬لكن ينبغي‬
‫اإلقرار بيشء ولو كان صعب التصديق عند البعض‪ ،‬أنه كلم رجعنا آالف السنني إىل‬
‫اخللف كلم هذه البقايا البرشية يف العموم تزداد بدائية‪ ،‬وتنقص أحجام أدمغتها‪ ،‬وأطوال‬
‫اهها‪ ،‬و َتربز حواجبها‪ ،‬وتقرتب صورها من صور ِ‬ ‫ِ‬
‫القر َدة‪ ،‬حتى‬ ‫ْ‬ ‫قامتها‪ ،‬وتـزداد حجم َأ ْف َو َ‬
‫إنه يوجد منها ما هو حقيقة حلقة ما بني اإلنسان ِ‬
‫والق ْرد‪ ،‬كجنس األسرتالوبيتاكس‬
‫)‪ (AusTralopiThecus, AustralopiThèque‬الذي َيعده العلمء من أشباه‬
‫الق ْرد (شامبنزي)‪ ،‬مع كون صورته‬‫البرش‪ ،‬حيث أن ِسعة دماغه تقرتب من سعة دماغ ِ‬
‫َ‬
‫تشبه صورة اإلنسان‪ ،‬وحيافظ عىل خصائص برشية مثل امليشء عىل قدمني اثنني‪.‬‬
‫‪ ----------------------------‬اخلاُتة ‪301 ------------------------‬‬

‫اخلاُتة‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪302 --------------‬‬

‫اخلاُتة‬
‫‪ .1‬نتيجة البحث العامة‪:‬‬
‫يظهر أنه قد تبني من اآليات القرآنية واألحاديث النبوية واألدلة السابقة أرجحية‬
‫أن آدم عليه السالم ليس أب ًا لكل الناس باختالف أصنافهم‪ ،‬وأنه كان مسبوقا بكثري من‬
‫ٍ‬
‫لكثري من الناس وألمة عظيمة عىل وجه هذه‬ ‫البرش‪ ،‬مع كون هذا ال يمنع أن يكون أب ًا‬
‫ٍ‬
‫أراض متعددة وواسعة‪ .‬ويظهر أن أرضه األصلية التي‬ ‫الكرة األرضية‪ ،‬والتي حتتوي عىل‬
‫عاش فيها وانترشت فيها ِف َيم َب ْعد ذريته هي أرض الرشق األوسط –جزيرة العرب‪،‬‬
‫الشام‪ ،‬فلسطني‪ ،‬مرص‪ ،‬العراق‪ ،‬تركيا‪ ،‬وما جاورها‪ ،-‬والتي يظهر أَنا هي األرض التي‬
‫خص اهلل بذكر كثري من أنبيائها يف القرآن الكريم‪ ،‬ويظهر أن حديث عبد اهلل بن عباس‬
‫ض ِمثْ َله َّن )‬
‫ات َو ِم َن ْاألَ ْر ِ‬
‫الذي تناول تفسري قول اهلل تعاىل‪ ( :‬اَّلل ا َّل ِذي خ َل َق سبع سمو ٍ‬
‫َ َ َْ َ َ َ‬ ‫َّ‬
‫وذكر فيه األرايض السبع وما يف كل واحدة من نبي كنبينا وآدم كآدمنا ونوح كنوحنا‬
‫وإبراهيم كإبراهيمنا ومسيح كمسيحنا‪ ،‬له شواهد يف الواقع وعلم األديان والعلم‬
‫احلديث بعد القرآن الكريم‪ ،‬فالقرآن أوال هو الذي أشار إىل وجود أناس قبل آدم عليه‬
‫السالم‪ ،‬بل ر َّبـم أشار إىل وجود الـمثلية يف سبع أراضني كم هو مفهوم هذه اآلية‪ ،‬وقد‬
‫بينا أن الـمثلية عىل األرجح ال تكون فقط يف يابسة األرض وما عىل ظهرها من نبات‬
‫وحيوان غري عاقل‪ ،‬وإنم قد تكون املثلية أيضا يف ما قد يكون عىل ظهرها من كائن عاقل‪،‬‬
‫وحديث عبد اهلل بن عباس خري شاهد عىل إقرار هذا املعنى يف اآلية السابقة‪ .‬وهنالك‬
‫رو ْوها يف وجود برش‬ ‫شواهد عىل هذا املعنى يف املذاهب اإلسالمية ويف بعض اآلثار التي َ‬
‫قبل آدم وتعدد األوادم‪ ،‬وهنالك شواهد يف أديان شعوب أخرى‪ ،‬مثل ما رأيناه ِم ْن أدلة‬
‫ألب هلم "كيومرث" بمنزلة آدم عليه السالم‪ ،‬ونبي "ييم"‬ ‫يف الزرادشتية‪ ،‬يف إثباهتم ٍ‬
‫بمنزلة نوح عليه السالم‪ ،‬وزرادشت بمنزلة حممد صىل اهلل عليه وسلم –إال أنه أرسل‬
‫إىل قومه‪ ،-‬وما رأيناه من شهادة الزرادشتية باصطفاء آدم (مهاباد) مع زوجته من دورة‬
‫برشية سابقة ليكونا أبا ًء لدورة الحقة‪ ،‬مع احتمل إقرارها بوجود ٍ‬
‫برش معه عارصوه‪،‬‬
‫بدليل أن مصادرهم تذكر أنه كان ملكا ورسوال‪ ،‬وكذلك ما شابه ذلك من استئناسات‬
‫‪ ----------------------------‬اخلاُتة ‪303 ------------------------‬‬

‫تتوافق مجلة من وجود برش قبل آدم عليه السالم يف اهلندوسية الديانة الشبه سموية –وقد‬
‫ثبتنا أصالة التوحيد فيها‪ -‬التي تشهد بدورات برشية تتمثل مع ما هو موجود يف‬
‫الزرادشتية وكتاهبا دساتري‪ ،‬وكذلك ما وجدناه يف عقائد األسرتاليني األصليني من عقائد‬
‫تتمشى مع حديث عبد اهلل بن عباس‪.‬‬
‫وكذلك يف دين الصابئة الذي يقر بوجود أناس قبل آدم عليه السالم‪ ،‬وكذلك‬
‫نص التوراة يف قابيل الذي يشري إىل وجود برش آخرين من غري أهل بيت آدم عليه السالم‪،‬‬
‫بداللة أن قابيل ذهب وتزوج منهم‪ ،‬وعند الصني الذين يذهبون بأبيهم وأصلهم إىل أبعد‬
‫من آدمنا‪ ،‬وانتهاء باألبحاث العلمية احلديثة التي تثبت وجود آثار لبقايا برش قبل آدم‬
‫عليه السالم بمئات اآلالف من السنني‪ ،‬بل اهلياكل العظمية والبقايا البرشية ترجع إىل‬
‫خ َلفوا طائفة معينة من‬ ‫أكثر من مليوين سنة‪ .‬فال َّظ ِ‬
‫اهر أن آدم عليه السالم وبنيه است ْ‬
‫املخلوقات أو الناس –ليس كلهم‪ -‬بناحية معينة من األرض‪ ،‬فلفظ األرض يف الرشيعة‬
‫ال يقصد به حرصا كل الكرة األرضية –كم قلنا‪ ،-‬أي استخلف ناحية من الرشق‬
‫األوسط واحل َجار (عىل األرجح)‪ ،‬دون أن يكون قد َع َّم َر كل الكرة األرضية املرتامية‬
‫األطراف واملتباعدة الزوايا واملنقطعة القارات‪.‬‬
‫عمرته ذريته‬
‫فيكون بذلك آدم عليه السالم قد عاش يف الرشق األوسط‪ ،‬الذي َّ‬
‫من بعده‪ ،‬وجاورت فيه شعوبا أخرى‪ ،‬وبعدما مرت السنني واألحقاب‪ ،‬كثرت ذريته‬
‫شعوب من هذه األمة بشعوب أخرى وناسبتها‬ ‫ٌ‬ ‫وظهرت أمته العظيمة‪ ،‬واحتكت‬
‫واختلطت نسلها أو بعض نسلها معها‪ ،‬فكان بذلك آدم عليه السالم أبا لتلك األمم من‬
‫باب الغالب أو من باب الترشيف‪ ،‬مع بقاء أ َم ٍم أخرى بِر َّمتِها من قارات ومناطق بعيدة‬
‫ليست من ذرية آدم عليه السالم إىل اليوم‪ ،‬وهذا ال يطعن يف كون آدم عليه السالم هو‬
‫أب أمة عظيمة‪ ،‬جعلها اهلل ِع ْ َربة لباقي أ َم ْم األرض‪ ،‬كوَنا أن ِْزلت عليها أشهر الكتب‬
‫السموية –وليس كلها‪-‬؛ التوراة واإلنجيل والقرآن الكريم‪ ،‬وخرجت منها األديان‬
‫اإلبراهيمية‪ ،‬أشهر األديان التي طبعت البرشية‪ ،‬وجاء فيها أشهر الرسل‪ ،‬حتى ظن‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪304 --------------‬‬

‫الكثري من أتباع األديان الثالثة (املسلمني واليهود والنصارى)‪ ،‬أن آدم عليه السالم هو‬
‫أب كل سكان األرض –أي الكرة األرضية‪ -‬يف كل زمان ومكان‪.‬‬
‫ٌ‬
‫وإذا أردنا اخلروج بنتيجة‪ ،‬فيمكننا القول أنه تظافرت األدلة عىل وجود أناس‬
‫قبل آدم عليه السالم سكنوا يف األرض‪ ،‬وهذا ال يقدح أبدا يف العقيدة اإلسالمية وال يف‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬بل العكس‪ ،‬لكون القرآن نفسه قد أشار إىل وجود أناس قبل آدم عليه‬
‫السالم كم رأينا آنفا‪ ،‬وهذا من كمل إعجاز هذا الكتاب العظيم الذي ال تنقِض عجائبه‪،‬‬
‫فهنالك فرق بني حقيقة نصوص الوحي‪ ،‬وبني ما فهمه بعض الناس من النصوص‬
‫وتوارثوه‪ ،‬وال سيم ما أراد أهل الكتاب اقناع الناس به؛ بجعلهم آلدم عليه السالم أبا‬
‫لكل البرش يف كل زمان مكان‪ ،‬وكان من أثره ذلك أن تو َّغ َلت تِلك اإلْسائيليات يف عدد‬
‫من التفاسري اإلسالمية‪ ،‬فانعكس ذلك عىل فهم بعض نصوص الوحي‪ ،‬ونظِ َر إليها وفق‬
‫وجهة ضيقة‪ ،‬وف ِ‬
‫ّست من زاوية قارصة‪ ،‬بينم ما تشري إليه اآليات واألحاديث يف احلقيقة‬
‫هو يشء واسع من ذلك بكثري‪ ،‬فأما فهم الناس فليس بمعصوم‪ ،‬وأما الوحي فهو‬
‫معصوم‪ .‬وليس عيبا إن تفطن املسلمون هلذا األمر الحقا‪ ،‬وصححوا ذلك اخلطأ‪- ،‬فهم‬
‫حرفوا‬
‫أوىل أن يصححوا هذا الفهم قبل أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين َّ‬
‫كت َبهم‪ -‬ال سيم يف زمن ظهرت فيه أدل ٌة وقرائ ٌن أخرى‪ ،‬سامهت يف تسليط الضوء عىل‬
‫ذلك الفهم الضيق‪ ،‬وقد أدرك هذه احلقيقة –ولو عموما‪ -‬بعض الباحثني يف العرص‬
‫احلديث –كالعاملني حممد عبده ورشيد رضا‪ ،‬والباحث صايف محدون‪ ،- ،‬وغريهم ِم َـمن‬
‫َف َت َح اهلل عليهم بم آتاهم من علوم‪ ،‬وبم خص كل واحد ِمنهم ِمن فنون‪ ،‬بإدراك هذه‬
‫اهلفوة‪ ،‬وتَدَ ارك هذه الزلة‪ ،‬سادين الذريعة أمام أصحاب الشب َهات‪ ،‬ومس ِ ِ‬
‫امهني يف تبيني؛‬ ‫َ‬
‫أن الوحي الكريم مل يرتك شيئا صغريا وال كبريا إال أشار إىل ِ‬
‫العلْم الصحيح فيه‪.‬‬
‫أما فيم خيص باقي شعوب العامل التي ليست من آدم عليه السالم‪ ،‬فقد رأينا من‬
‫األدلة أو القرائن ما تعل من الراجح أنه كان فيهم آباء أو أوادم آخرون‪ ،‬لكن هذا‬
‫التفسري ال َي ْصلح أن ي َفّس به لوحده نشأة كل أصول أ َمم العامل‪ ،‬فيبقى النسل البرشي‬
‫كبريا وواسعا وجمهوال وقديم وم َع َّقدا فهو ٌ‬
‫قابل أن ت َفّس نشأته بأكثر من نظرية‪ ،‬فلذلك‬
‫‪ ----------------------------‬اخلاُتة ‪305 ------------------------‬‬

‫يبقى االجتهاد يف كيفية خلقه مفتوحا – من غري آدم عليه السالم وذريته ‪ ،-‬فحتى لو قلنا‬
‫بِوجود أوادم للبرش إال أن هذا ال يكفي لتفسري نشأة كل الناس‪ ،‬ألن وجود األوادم ال‬
‫يتعارض مع ك ـون النسل اإلنس ـاين كان أق ـدم م ـنهم ورافقهم منذ القديم ك ـم هو ظ ـاه ـر‬
‫( كآدم عليه السالم الذي كان مسبوقا بنسل برشي وكذلك األب الثاين لنسله نوح عليه‬
‫السالم )‪ ،‬إضافة إىل جهلنا بكيفية خلق هؤالء اآلباء‪ ،‬هل هو خلق مستقل كآدم عليه‬
‫السالم‪ ،‬أم هو خلق كباقي البرش كنوح عليه السالم (األب الثاين لألمة اآلدمية)‪ ،‬أم‬
‫َت َطور وارتقاء عن خملوقات أدنى‪ ،‬أم يشء من هذا وذاك‪ ،‬وهذا ما جيعل أن تفسري نشأة‬
‫اإلنسان ال يتعارض مع وجود نسل إنساين تطو َر منذ القديم‪ ،‬ولم كانت النَّظرية‬
‫التطورية ال تناقض اإلسالم من هذه الناحية‪ ،‬إضافة إىل أَنا تصنف من أقوى النظريات‬
‫العلمية يف هذا الباب بم تقدمه من أدلة يف هذا األمر‪ ،‬فإنه من األجدر قبوهلا يف تفسري‬
‫نشأة هذا اجلزء األكرب من النسل البرشي القديم‪ ،‬وهذا من االنصاف والعدل الذي دعا‬
‫إليه اهلل يف التعامل مع األقوال واآلراء واألدلة‪ ،‬السيم وأن عدد معترب من قدماء علمء‬
‫اإلسالم قالوا بال َّتطور يف املخلوقات واإلنسان قبل ِ‬
‫دارون )‪ (darwin‬بمئات السنني ك ـ‬
‫( ابن خلدون‪ ،‬والبريوين‪ ،‬وإخوان الصفا‪ ،‬واجلاحظ‪ ،‬وابن مسكويه )‪ ،‬وحتى عدد من‬
‫علمء الرشيعة املسلمني املعارصين رأوا أَنا ال تتعارض مع اإلسالم ك ـ ( حممد عبده‪،‬‬
‫ورشيد رضا )‪ ،‬ومن الباحثني املسلمني من وجدوا فيها أدلة علمية صحيحة‪ ،‬وقبول‬
‫نظرية التطور يكون برشوط‪ :‬من أمهها نزع الشوائب اإلحلادية منها وتصحيحها؛ كنسبة‬
‫اخللق إىل اهلل تعاىل ال إىل الطبيعة‪ .‬وعدم تناول النظرية التطورية آلدم عليه السالم ألنه‬
‫ٌ‬
‫مستقل مثل عيسى عليه السالم‪ .‬ومن مزايا قبول هذه النظرية التطورية‪ :‬القضاء‬ ‫خلق‬
‫ٌ‬
‫عىل دعوى احتكار اإلحلاد هلا وتربئتها منه‪ ،‬فاإلسالم أوىل هبذه النظرية من غريه من‬
‫األديان والعقائد‪ ،‬وإظهار أَنا ال تناقض ديننا عىل عكس بعض األديان املحرفة‪،‬‬
‫واستغالهلا يف خدمة اإلسالم والدعوة إىل هذا الدين العظيم‪.‬‬
‫فوجود برش قبل آدم عليه السالم وغري ذلك من احلقائق التي برهنَّا عليها من‬
‫خالل ما مر معنا يف هذا الكتاب البد من إثباهتا‪ ،‬بالرغم من خمالفة هذه احلقائق لكثري ّما‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪306 --------------‬‬

‫اعتاده الناس‪ ،‬سواء عند املسلمني أو عند غريهم‪ ،‬وبالرغم من اختالط جزء من ذريات‬
‫آباء العامل ال حقا بعضها ببعض‪ ،‬وبالرغم من جهل أكثر الناس هبذه احلقيقة‪ ،‬وأوائل‬
‫أنساب البرشية بتفاصيلها‪ ،‬فاهلل هو العليم بكل نسب ومن ْ َت َهاه‪ ،‬فال يزال جزء م ِه ٌّم من‬
‫تطور العلم اإلنساين‪ ،‬فإنه ال ي َقارن بعلم اهلل‪ ،‬وال يبلغ ذر ًة‬
‫تاريخ البرشية غامض ًا‪ ،‬ولو َّ‬
‫منه‪ ،‬فإن اهلل تعاىل قال‪ ( :‬ما أشهدهتم خلق السموات واألرض وال خـ ــلق أنفسهــم وما‬
‫كنت متخذ املضلني عضد ًا ) (الكهف‪ .)51‬وحتى لو سمينا كل البرش ببني آدم تاوز ًا‪،‬‬
‫أو غلب ًة‪ ،‬فإن اليشء ال بد من إدراكه عىل حقيقته‪ ،‬قبل أن يأيت امللحد ليشككنا يف ديننا‬
‫بدعوى ِعلم حازه أو داروينية‪ ،‬أو حياول أن يتعامل عىل ما استأثر اهلل بعلم ـ ـ ــه من تفاصيل‬
‫أنساب البرش بدعوى عدم توافق إنساين ادعاه بِ ِعلْ ِم ِه القارص الذي ي ْف ـ ـ ـ ـ ـ َرح به‪ ،‬قال اهلل‬
‫تعاىل‪َ ( :‬و َما أوتِيتم م َن ا ْل ِعلْ ِم إِ َّال َقلِيالً ) (اإلْساء ‪.)85‬‬
‫ويبقى األصل كل األصل واملِ ْفتاح كل املِ ْفتاح يف فهم هذا األمر وأصل بدأ‬
‫شعوب البرشية؛ هو الفهم الصحيح للكتاب والسنة عىل مراد اهلل ورسوله‪ ،‬وعدم حرص‬
‫كالم اهلل تعاىل أو سنة نبيه صىل اهلل عليه وسلم الواسع معنامها‪ ،‬يف ت ََّصو َرات ورثناها‪،‬‬
‫ِ‬
‫وح َّجرت واسعا‪ ،‬حتى إن‬ ‫أو مفاهيم معينة نق َلت لنا من أهل الكتاب‪ ،‬ضي َقت شاسعا‪َ ،‬‬
‫العلم احلديث يف آخر املطاف يأيت ليتبِع الوحي طوعا أو كرها‪ ،‬ال العكس‪ ،‬ويصدقه يف‬
‫كل يشء‪ ،‬بل وليسجد له‪ ،‬فاهلل تعاىل هو الذي َخ َلق وهو الذي يعلم ما َخ َلق كيف َخ َلق‪،‬‬
‫ني يف‬ ‫اخلَبِري ) (امللك ‪ ،)14‬وهو الذي َب َّ َ‬ ‫قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬أ َال َي ْع َلم َم ْن َخ َل َق َوه َو ال َّلطِيف ْ‬
‫يش ٍء َوهدً ى َو َر ْ َ‬
‫مح ًة‬ ‫كتابه كل يشء‪ ،‬ق ـ ـ ـ ـ ـ ـال اهلل تعاىل‪ ( :‬ونَز ْلنَا َع َلي َك ا ْل ِك َت ِ‬
‫اب تبْ َيانًا لكل َ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ‬
‫ني ) (النحل‪.)89‬‬ ‫رش ٰى لِلْم ْسلِ ِم َ‬
‫َوب ْ َ‬
‫‪ ----------------------------‬اخلاُتة ‪307 ------------------------‬‬

‫‪ .2‬نتائج تفصيلية للبحث‪:‬‬


‫نتيجة حول الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم‪:‬‬
‫‪ -‬القرآن الكريم ال ينفي وجود أناس آخرين يف األرض قبل آدم عليه السالم‪ ،‬وال‬
‫يثبت أبدا أن آدم عليه السالم هو أول كائن عاقل أو أول إنسان سكن كل الكرة‬
‫األرضية‪ ،‬أو أنه أب كل الناس األولني واآلخرين‪.‬‬
‫‪ -‬القرآن الكريم يشري إىل وجود خملوقات أفسدوا يف األرض قبل آدم عليه السالم‬
‫بل قابل أن يشري إىل أن ِم ْن هذه املخلوقات َم ْن هم ِم َن الناس‪ ،‬وذلك يف آيات متعددة‬
‫أمهها اآلية يف سورة البقرة التي تذكر أن آدم خليفة ملن سبقه والتي فيها قياس املالئكة‬
‫عىل إفساده يف األرض عىل من قبله‪.‬‬
‫‪ -‬القرآن الكريم يشري أن آدم عليه السالم توىل ِ‬
‫الو َ‬
‫الية واحلكم بم أنزل اهلل عىل قوم‪،‬‬
‫وال يوجد دليل أن هذا احلكم والنب َّوة كانت بالرضورة عىل أهله وأبنائه فقط دو غريهم‬
‫وذلك يف معنى كلمة ( خليفة )‪.‬‬
‫أب لكل الناس خالفا للمفهوم‬ ‫‪ -‬ال يثبت القرآن الكريم أن آدم عليه السالم هو ٌ‬
‫اإلْسائييل الذي انتقل إلينا‪ ،‬وهذا ما ال يعارض فكرة وجود َب َ ٍ‬
‫رش قبل آدم عليه السالم‪،‬‬
‫وكذلك ال يعارض فكرة كل بني آدم إنسان وليس كل إنسان بني آدم‪.‬‬
‫‪ -‬ال يوجد يف القرآن الكريم أن حواء خلقت من ضلع آدم عليهم السالم‪ ،‬واآلثار‬
‫الواردة يف ذلك عىل الصحيح أَنا من اإلْسائيليات كم أكد ذلك األلباين ورشيد رضا‪،‬‬
‫وذكر األلباين أنه مل يثبت أي حديث يف خلق حواء من ضلع آدم عليهم السالم‪.‬‬
‫‪ -‬حقيقة النفس الواحدة التي خلقنا اهلل منها وذكرها يف أوئل سورة النساء وأواخر‬
‫األعراف ليست بالرضورة آدم عليه السالم‪ ،‬ومن أحسن األقوال من قال املراد هبا هي‬
‫اإلنسانية‪ ،‬أي جنس اإلنسان‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪308 --------------‬‬

‫‪ -‬اليوجد يف القرآن الكريم أن آدم عليه السالم كان ي َزوج أبناءه مع بناته أو أي إقرار‬
‫بزواج املحارم يف ما قبلنا من الرشائع السموية‪ ،‬واألدلة يف القرآن الكريم تشري عىل حتريم‬
‫مثل هذا الزواج‪.‬‬
‫ات َو ِم َن ْاألَ ْر ِ‬
‫ض‬ ‫‪ -‬تفسري عبد اهلل بن عباس لقوله تعاىل‪ ( :‬اَّلل ا َّل ِذي خ َل َق سبع سمو ٍ‬
‫َ َ َْ َ َ َ‬ ‫َّ‬
‫"(سبْ َع َأ َر ِض َ‬
‫ني ِيف كل َأ ْر ٍ‬ ‫ِ‬
‫ض نَبِي َكنَبِيك ْم‪َ ،‬وآ َدم كَآ َد َم‪َ ،‬ون ٌ‬
‫وح‬ ‫مثْ َله َّن ) (الطالق‪ )12 :‬بقوله َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يسى)‪َ ،‬يدل رصاحة عىل وجود أوادم غري آدم‬ ‫يسى كَع َ‬ ‫كَنوحٍ ‪َ ،‬وإِ ْب َراهيم ك َِإ ْب َراه َ‬
‫يم‪َ ،‬وع َ‬
‫عليه السالم وآبا ًء آخرين‪.‬‬
‫‪ -‬يوجد أمثلة عن شخصيات يع َت َقد أن منهم َمن هم أباء وأنبياء يف أجناس وأديان‬
‫َكيومرث‬‫أخرى تشهد حلديث عبد اهلل بن عباس يف األرايض وتتوافق معه يف اجلملة‪ ،‬ك ِ‬
‫ْ‬
‫أب الفرس والذي هو بمثابة آدم عليه السالم‪ ،‬والنبي ييم الذي هو بمثابة نوح عليه‬
‫السالم‪ ،‬وزرادشت الذي هو بمثابة حممد صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وهؤالء عند الفرس‪،‬‬
‫وم َلل قديمة أخرى حتتوي عىل بقايا َو ْحي فِيْها َش َبه هي‬
‫وهنالك شخصيات يف شعوب ِ‬

‫كذلك بأنبياء الرشق األوسط‪ ،‬كشخصية مانو يف اهلندوسية الذي يشبه نوح عليه السالم‬
‫لكنه ليس نوح عليه السالم‪ ،‬وكل هذا يقوي وجه االستدالل بحديث عبد اهلل بن‬
‫وأَنم أو‬
‫عباس‪ ،‬ويستنبط به وجاهة القول بوجود أوادم آخرين غري آدم عليه السالم‪َّ ،‬‬
‫بعضهم أسبق منه عليه السالم‪.‬‬
‫يم َو َآل ِع ْم َر َ‬
‫ان‬ ‫ِ‬
‫وحا َو َآل إِ ْب َراه َ‬
‫اص َط َف ٰى آ َد َم َون ً‬ ‫‪ -‬ر َّبم قد يشري قول اهلل تعاىل‪ ( :‬إِ َّن َّ َ‬
‫اَّلل ْ‬
‫ني ) (آل عمران ‪ )33‬أن اهلل قد اصطفى آدم من يشء أو أجناس قبله‪ ،‬فإن‬ ‫ع َىل ا ْلع َ ِ‬
‫امل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫ماض‪.‬‬ ‫االصطفاء يف ٍ‬
‫كثري من األحيان ما يكون من يشء‬
‫‪ -‬خطاب اهلل تعاىل للناس ب ـ ـ ( يا بني آدم ) يف القرآن الكريم ال ينفي كونه موجها إىل‬
‫كل الناس بم فيهم غري ذرية آدم عليه السالم‪ ،‬وذلك من أوجه عديدة منها‪ ،‬إن كان اجلن‬
‫خماطبني هبا فمن باب أوىل أن يكون غريهم من اإلنس خماطبني هبا كذلك‪ .‬وكذلك‬
‫استعمل أسلوب اخلاص ال يمنع تعميم املعنى يف القرآن الكريم‪ ،‬أو كم تقول القاعدة‬
‫ٍ‬
‫نزول أو أوامر يف‬ ‫"العربة بعموم اللفظ ال بخصوص السبب"‪ ،‬فهنالك أحكام أو أسباب‬
‫‪ ----------------------------‬اخلاُتة ‪309 ------------------------‬‬

‫القرآن الكريم جاءت يف حق النبي صىل اهلل عليه وسلم أو نسائه أو أصحابه لكن‬
‫أحكامها تلحق بجميع األمة‪ .‬وغري ذلك من األوجه‪.‬‬
‫أب عىل الناس كَا َّفة‪ ،‬وإنم‬
‫‪ -‬اهلل مل يذكر يف القرآن الكريم أن آدم عليه السالم هو ٌ‬
‫ن ََسب سبحانه أب َّوتَه عىل َبنِيه فقط قال اهلل تعاىل‪ ( :‬يا بني آدم ال يفتننكم الشيطان كم‬
‫أخرج أبويكم من اجلنة )‪ ،‬وهذا ما يتناسب مع القول الذي يقول أنه ليس أب ًا عىل كل‬
‫الشعوب‪ ،‬لكن يمكننا تسمية آدم عليه السالم أب ًا عىل باقي الشعوب الذين ليسوا من‬
‫ذريته وتكون بذلك أب َّوتَه أب َّوة تكريم وترشيف واستحقاق احلرمة‪ ،‬وهذا قياسا عىل ابنيه‬
‫إبراهيم وحممد صىل اهلل عليهم وسلم الذي جعلهم الشارع كأَنم آباء لكل املسلمني‬
‫حرمة وتكريم‪.‬‬
‫‪ -‬هنالك ِ‬
‫أدلة يف القرآن الكريم تثبت أن اهلل خلق خملوقات مساوية أو أفضل من‬
‫بني آدم‪ ،‬وم ـن غ ـري امل ـمتنع أن ب ـع ـض ه ـ ـذه امل ـ ـخلوقات سكن األرض‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫محلْنَاهم ِيف ا ْلرب وا ْلبح ِر ور َز ْقنَاهم من ال َّطيب ِ‬
‫ات َو َف َّضلْنَاه ْم َع َ ٰىل‬ ‫( َو َل َق ْد ك ََّر ْمنَا َبنِي آ َد َم َو َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ْ ََ‬ ‫ْ‬
‫ري ّم َّ ْن َخ َل ْقنَا َت ْف ِضيالً ) (اإلْساء ‪ ،)70‬فقال ( عىل كثري ) ومل يقل عىل ( عىل كل )‪.‬‬ ‫كَثِ ٍ‬

‫‪ -‬ال يزال جزء م ِه ٌّم من تاريخ البرشية غامض ًا‪ ،‬ولو َّ‬
‫تطور العلم اإلنساين احلديث‬
‫وبلغ ما بلغ‪ ،‬فإنه ال ي َقارن بعلم اهلل‪ ،‬وال يبلغ ذر ًة منه‪ ،‬فإن اهلل تعاىل قال‪ ( :‬ما أشهدهتم‬
‫خلق السموات واألرض وال خـ ــلق أنفسهــم وما كنت متخذ املضلني عضد ًا )‬
‫(الكهف‪ .)51‬وحتى لو سمينا كل البرش ببني آدم تاوز ًا‪ ،‬أو غلب ًة‪ ،‬فإن اليشء ال بد من‬
‫إدراكه عىل حقيقته‪ ،‬قبل أن يأيت امللحد ليشككنا يف ديننا بدعوى ِعلم حازه أو داروينية‪،‬‬
‫أو حياول أن يتعامل عىل ما استأثر اهلل بعلم ـ ـ ــه من تفاصيل أنساب البرش بدعوى عدم‬
‫توافق إنساين ادعاه بعلمه القارص الذي فرح به‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َما أوتِيتم م َن ا ْل ِعلْ ِم‬
‫إِ َّال َقلِيالً ) (اإلْساء ‪.)85‬‬
‫‪ -‬يبقى األصل كل األصل واملفتاح كل املفتاح فهم أصل شعوب البرشية وكيفية‬
‫خلقهم؛ هو الفهم الصحيح للكتاب والسنة عىل مراد اهلل ورسوله‪ ،‬وعدم حرص كالم‬
‫اهلل تعاىل أو سنة نبيه صىل اهلل عليه وسلم الواسع معنامها‪ ،‬يف ت ََّصو َرات ورثناها‪ ،‬أو‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪310 --------------‬‬
‫ِ‬
‫مفاهيم معينة نق َلت لنا من أهل الكتاب‪ ،‬ضي َقت شاسعا‪َ ،‬‬
‫وح َّجرت واسعا‪ ،‬حتى إن‬
‫العلم احلديث يف آخر املطاف يأيت ليتبِع الوحي طوعا أو كرها‪ ،‬ال العكس‪ ،‬ويصدقه يف‬
‫كل يشء‪ ،‬بل وليسجد له‪ ،‬فاهلل تعاىل هو الذي خلق وهو الذي يعلم ما خلق كيف خلق‪،‬‬
‫ني يف‬ ‫اخلَبِري ) (امللك ‪ ،)14‬وهو الذي َب َّ َ‬ ‫قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬أ َال َي ْع َلم َم ْن َخ َل َق َوه َو ال َّلطِيف ْ‬
‫يش ٍء َوهدً ى َو َر ْ َ‬
‫مح ًة‬ ‫كتابه كل يشء‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ ( :‬ونَز ْلنَا َع َلي َك ا ْل ِك َت ِ‬
‫اب تبْ َيانًا لكل َ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ‬
‫ني ) (النحل‪.)89‬‬ ‫رش ٰى لِلْم ْسلِ ِم َ‬
‫َوب ْ َ‬
‫‪ -‬الظاهر من اآليات واألحاديث أن آدم عليه السالم خلقه اهلل بيديه سبحانه خلقا‬
‫مستقالً‪ ،‬لكن اليوجد دليل يف القرآن وال يف السنة أن اهلل تعاىل قد خلقه وابتدعه خلقا‬
‫جديدا عىل غري مثال سابق‪ ،‬أي بدون أن يشبه أي خملوق من خملوقات اهلل التي قبله‪.‬‬
‫أب‪ ،‬مع كونه مسبوقا‬ ‫مستقل ِم ْن أ ٍّم بغري ٍ‬
‫ٍ‬ ‫‪ -‬إن اهلل خلق عيسى عليه السالم خلقا ِشبه‬
‫ببرش‪ ،‬وخلقه اهلل يشبههم‪ ،‬فإذا نظرنا يف هذه اجلهة –أي يف جهة كونه مسبوق ًا بِ َبرش‪-‬‬
‫وقسناها بخلق آدم عليه الس ـ ـ ـ ـ ــالم؛ فإننا نجد أن آدم عليه السالم كذلك خلق مسبوق ًا‬‫ِ‬
‫ِ‬
‫بِ َبرش‪ ،‬وخلقه اهلل عىل شبههم‪َ ،‬فكالَ َ‬
‫مها عليهم السالم يف هذه احلالة مسبوقان بأناس مع‬
‫كوَنم خلقني مستقلني‪ ،‬خلِ َقا وأ ْدمـِجا يف األرض يف زمن كان الناس فيه موجودين‪ ،‬ويف‬
‫هذه احلالة يكون التمثل بني عيسى وآدم عليهم السالم أعظم ّما كان ي َظن‪.‬‬
‫احلكَم يف تركيز اهلل تعاىل عىل ذكر أنبياء الرشق األوسط (جزيرة‬ ‫‪ -‬لعل من بني ِ‬
‫العرب‪ ،‬الشام‪ ،‬مرص‪ ،‬العراق‪ ،‬تركيا) يف القرآن الكريم ألَنم أعظمهم عربة ومالءمة‬
‫للحال والزمان واملكان‪ ،‬والكتفاء قصصهم عن غريها‪ ،‬والشتهار أنبيائهم وظهور أديان‬
‫طائفة منهم عىل غريها‪ ،‬وملحاجة أهل الكتاب من اليهود والنصارى وإقامة احلجة‬
‫عليهم‪ ،‬ال سيم وأن أبناء إسمعيل من العرب الذين بعث اهلل فيهم حممد صىل اهلل عليه‬
‫وسلم هم أبناء عم اليهود‪ ،‬فهم أوىل أن يرسل فيهم –أي العرب‪ -‬من يصحح ملة بني‬
‫إْسائيل وجيادهلم بجنس ِعلْ ِم ِهم ومن ما يعرفون من أنبياء ويقيم احلجة عليهم‪ ،‬من أن‬
‫يبعث هذا النبي يف غريهم من شعوب العامل البعيدة‪ ،‬فالعرب أقرباؤهم وجرياَنم‪ ،‬فهم‬
‫يعرفون أنبياء املنطقة‪-،‬مثل قصة أبيهم املشرتك إبراهيم مع هاجر وإسمعيل عليهم‬
‫‪ ----------------------------‬اخلاُتة ‪311 ------------------------‬‬

‫السالم يف مكة‪ ،‬وغريها من أخبار الـمعذبني من قوم لوط‪ -‬وآباءهم مشرتكون كإبراهيم‬
‫ونوح وآدم صىل اهلل عليهم وسلم‪ ،‬فاحلكمة أبلغ من أن خياطبهم اهلل بأنبياء ال يعرفوَنم‬
‫من قارات أخرى بأخبار غريبة عنهم‪ .‬ويلحق هنا بمجادلة اليهود النصارى كذلك‪ ،‬كون‬
‫النصارى هم عىل ملة ورشيعة نبي من بني إْسائيل عيسى عليه السالم‪ ،‬ويدينون بعدد‬
‫من عقائدهم‪ ،‬مثل إيمَنم بكل أنبياء اليهود‪ ،‬حتى إن كتاهبم املقدس جزؤه األول هو‬
‫العهد القديم بم حواه من أسفار أنبياء بني إْسائيل عىل رأسها توراة موسى صىل اهلل‬
‫عليه وسلم أو ما تبقى منها‪ .‬فلو خاطبهم اهلل بقصص أنبياء يف أمريكا أو أسرتاليا أو‬
‫غريها من األماكن البعيدة وترك ذكر أنبياء املنطقة‪ ،‬لتذرعوا ولزاد اهتامهم للنبي حممد‬
‫صىل اهلل عليه وسلم بالكذب –وحاشاه‪ ،-‬ولقالوا لمذا أتى هذا القرآن بأخبار هؤالء‬
‫األنبياء الذين ال يعرفهم أحد ؟ وأن القرآن ال يعنينا؟ وكيف يرتك القريب ويذكر البعيد؟‬
‫ومن أين أتى هبؤالء األنبياء الذي ال يعرفهم أحد؟ وال اختذوا ذلك ذريعة للطعن فيه‪،‬‬
‫مثل قوهلم أن القرآن ال يذكر أعظم قصص مرت باملنطقة و َط َبعت سكاَنا األقدمني؛‬
‫مثل قصة طوفان نوح صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وقصة عبور موسى ببني إْسائيل البحر‬
‫بعدما شقه اهلل له‪ ،‬وقصة إهالك املؤتفكة من قوم لوط صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وغريهم‬
‫من القصص‪ ،‬وكذلك لعل من بني أسباب ذكر القرآن لألنبياء املعروفني عند أهل‬
‫الكتاب؛ قرب املسافة بني األديان اإلبراهيمية السموية‪ ،‬وتقارب كثري من نسل األنبياء‪،‬‬
‫عىل رأسهم كون خاتم النبني حممد صىل اهلل عليه وسلم من ذرية إبراهيم اخلليل وابنه‬
‫إسمعيل صىل اهلل عليهم وسلم‪ ،‬وإبراهيم بدوره أب أنبياء بني إْسائيل‪ ،‬فاألقربون أوىل‬
‫بالذكر وأوىل باالعتبار من غريهم‪ ،‬وهذا ما نجده يف القرآن الكريم‪ ،‬ولعل اهلل رأى يف‬
‫األمة العربية واإلسالمية‪ ،‬خاص ًة إيمنية‪ ،‬ومزية فريدة يف قبول ِدينه ونرصها له‪ ،‬وأهلية‬
‫عزيزة‪َ ،‬ف َج َعل فيهم خاتم أنبيائه‪ ،‬حممد صىل اهلل عليه وسلم‪ .‬ولعل من أسباب تركيز‬
‫اهلل تعاىل يف القرآن عىل تلكم األنبياء من الرشق األوسط ألَنم ببساطة من ذرية آدم عليه‬
‫السالم وأمته‪ ،‬فهم املصطفون من أمة آدم عليه السالم الذي اصطفاه اهلل بدوره‪ ،‬قال‬
‫ان ع َىل ا ْلع َ ِ‬
‫ني ) (آل‬
‫امل َ‬ ‫َ‬ ‫يم َو َآل ِع ْم َر َ َ‬ ‫ِ‬
‫وحا َو َآل إِ ْب َراه َ‬
‫اص َط َف ٰى آ َد َم َون ً‬ ‫اهلل تعاىل‪ ( :‬إِ َّن َّ َ‬
‫اَّلل ْ‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪312 --------------‬‬

‫ني ِمن ذر َّي ِة آ َد َم َو ِّم َّ ْن‬


‫اَّلل َع َليْ ِهم م َن النَّبِي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عمران ‪ ،)33‬وقال تعاىل‪ ( :‬أو َ ٰلئ َك ا َّلذي َن َأنْ َع َم َّ‬
‫اج َت َبيْنَا ۚ إِ َذا تت ْ َ ٰىل َع َليْ ِه ْم آ َيات‬ ‫ِ‬ ‫اهيم وإِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْسائ َيل َوّم َّ ْن َهدَ ْينَا َو ْ‬ ‫محلْنَا َم َع نوحٍ َومن ذر َّية إ ْب َر َ َ ْ َ‬ ‫ََ‬
‫مح ِٰن َخروا س َّجدً ا َوب ِك ًّيا ۩ ) (مريم ‪.)58‬‬‫الر ْ َ‬
‫َّ‬
‫‪ -‬إن تركيز اهلل عىل ذكر أنبياء الرشق األوسط ال يعني أن اهلل مل يبعث أنبياء يف األمم‬
‫األخرى كم قلنا حاشا وكال‪ ،‬بل بعث فيهم أنبياء كثر حتى وإن مل نعلم كل أسمئهم‪ ،‬وإن‬
‫كان بدأ بعضهم يظهر‪ ،‬حني بلغت الدراسات ما بلغت‪( ،‬كزرادشت نبي الفرس‪،‬‬
‫قراط‪ ،‬بالرغم من حتريف‬
‫وكذلك عىل الراجح كل من كنفوشيوس‪ ،‬وبوذا‪ ،‬ور َّبم س َ‬
‫دعوهتم) حتى هنالك من الباحثني املسلمني املعارصين من أثبت نبوة هؤالء وله‬
‫دراسات ِجدية يف ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬إن اهلل بعث أنبياء يف األمم األخرى البعيدة كم بعث يف الرشق األوسط أنبياء‪،‬‬
‫ورشع فيهم أديانا سموية‪ ،‬وعىل الصحيح أن اهلل خاطبهم بم مض فيهم من أنبياء‬
‫وقصص ارتبطت مع رشائع اهلل التي كانت عندهم يف أراضيهم وجاورهتم‪ ،‬كم مر‬
‫بفضل اهلل بعض األمثلة عىل ذلك يف الزرادشتية وبالد فارس القديمة والكبرية‬
‫وأسرتاليا‪ ،‬وهذا مثل اإلسالم مع األديان السموية التي جاورته (يف الرشق األوسط)‪،‬‬
‫وارتباط قصص أنبياء بني إْسائيل ونسلهم ومكاَنم بأنبياء العرب‪ ،‬عىل رأسهم خاُتهم‬
‫صىل اهلل عليهم وسلم‪ .‬وأن حممد صىل اهلل عليه وسلم مذكور عند تلك األمم البعيدة‬
‫كاهلندوس والبوذيني والزرادشتية بالرغم من بعدهم عن الرشق األوسط‪ ،‬وقد أثبت‬
‫ذلك باحثون مسلمون معارصون ذكره صىل اهلل عليه وسلم يف كتب تلك امللل‬
‫(وخاصة باحثني مسلمني من اهلند) كاهلندوسية والبوذية عىل غرار الزرادشتية التي‬
‫تناولنا يف هذا الكتاب بعض النبوات عىل ذكره صىل اهلل عليه وسلم يف كتبها‪ ،‬ما يوحي‬
‫أن أصحاب تلك امللل التي تنسب إليهم هم عىل األرجح من األنبياء‪ ،‬مثل زرادشت‪،‬‬
‫وأن رشائعهم كان فيها من تعاليم الوحي‪.‬‬
‫‪ -‬لقد جاءت كلمة ( الناس ) و كلمة ( اإلنسان ) يف مواضع متعددة من القرآن‬
‫الكريم دون أن يعني هبا كل الناس أو كل إنسان‪ ،‬وعىل هذا فليس بالرضورة أن يكون‬
‫‪ ----------------------------‬اخلاُتة ‪313 ------------------------‬‬
‫ب من ا ْلبع ِ‬
‫ث َف ِإنَّا َخ َل ْقنَاكم من ت َر ٍ‬
‫اب )‪،‬‬ ‫قول اهلل تعاىل‪َ ( :‬يا َأ َهيا النَّاس إِن كنت ْم ِيف َر ْي ٍ َ َ ْ‬
‫ني ) يعني به كل الناس أو كل إنسان‪ ،‬وإنم‬ ‫ان ِمن طِ ٍ‬‫اإلنس ِ‬
‫وقوله اهلل تعاىل‪َ ( :‬و َبدَ َأ َخلْ َق ْ ِ َ‬
‫قد يعني به جزء أو أفراد من الناس واإلنسان‪ ،‬فإن كنا نجزم أن اإلنسان الذي هو من‬
‫نسل آدم عليه السالم وأمتِه يرجع إىل أبيه الذي خلقه من طني‪ ،‬وبالتايل فيمكن أن َنن ِْسب‬
‫خلق هذا اإلنسان إىل الطني‪ ،‬لكن اإلنسان الذي ليس من آدم عليه السالم ليس‬
‫بالرضورة أن يكون خملوقا من طني‪ ،‬فإن اآليتني حتتمالن هذا االستثناء بدليل اآليات‬
‫املتعدد التي تذكر ( الناس ) و ( اإلنسان ) بمعنى جزء منهم‪ .‬وحتى عىل قول أنه ي ْق َصد‬
‫هبم كل الناس أو كل إنسان وهذا ّمكن؛ فإنه ليس بالرضورة أن يكونوا كلهم أبناء آلدم‬
‫عليه السالم؛ ألن اآلياتني ت ْرجعهم إىل الرتاب وال يوجد ذكر آلدم عليه السالم فيهم‪،‬‬
‫وهذا ّمكن بحيث يكون كل الناس خملوقني من تراب من غري أن يرجعوا كلهم آلدم‬
‫عليه السالم‪ ،‬بحيث أنشأهم اهلل مجيعهم من ت َراب بطريقة علمناها أو يعلمها اهلل‪ .‬وقد‬
‫العلم احلديث يقول‬‫نقلنا رأي ًا من اجتهاد أهل التفسري يف كيفية ذلك‪ ،‬ونقلنا رأي ًا من ِ‬

‫باحتمل نشأة احلياة من الطني‪.‬‬


‫‪ -‬ال يوجد أي حديث من أحاديث النبي صىل اهلل عليه وسلم ينفي وجود أناس قبل‬
‫آدم عليه السالم‪.‬‬
‫والّسيانِيون قبلهم‬
‫ْ‬ ‫‪ -‬عىل الراجح أن آدم عليه السالم كان ْسيانيا و َت َك َّلم بالّسيانية‪،‬‬
‫برش كثري‪.‬‬
‫ٌ‬
‫‪ -‬زمن آدم عليه السالم ال يتجاوز السبعة آالف سنة استنادا إىل حديث النبي صىل‬
‫اهلل عليه وسلم مع مجعه ببعض آثار الصحابة والتابعني‪ ،‬وهذا ما يعني أن آدم صىل اهلل‬
‫عليه وسلم يبقى متأخرا عىل ٍ‬
‫كثري من قدماء الناس الذين َع َّمروا قديم األرض‪.‬‬
‫‪ -‬طريق حساب زمن آدم عليه السالم استنادا عىل سلسلة نسب النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم ال خيتلف كثريا عن الزمن الذي يثْبِته احلديث مجعا مع اآلثار‪ ،‬أي أقل من ثمنية‬
‫آالف سنة وهذا ما يزيد زمن آدم عليه السالم تأكيدا‪ ،‬وبالتايل يــؤكد تقدم كثريا من البرش‬
‫زمنيا عىل آدم عليه السالم‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪314 --------------‬‬

‫‪ -‬حديث ( أنتم بنوا آدم ) ال يعني أن كل الناس يف كل زمان ومكان هم أبناء آدم‬
‫عليه السالم‪ ،‬ألن النبي صىل اهلل عليه وسلم كان خياطب العرب من قومه الذين كانوا‬
‫حقيقة من آدم عليه السالم أو أكثرهم‪ ،‬واخلطاب زمن التنزيل إذا كان م َوجها إىل البعض‬
‫فإنه يف كثري من األحيان موجه إىل باقي األمة كم هو من أساليب القرآن الكريم‪ ،‬أما‬
‫فإن األب َّوة ليس بالرضورة أن تكون حقيقية‪ ،‬وإنم تأيت بمعنى‬ ‫بالنظر إىل باقي الناس َّ‬
‫الترشيف والتعظيم‪ ،‬كم جاء هذا املعنى يف قول اهلل تعاىل‪ِ ( :‬م َّل َة َأبِيكم إِبر ِ‬
‫اهي َم ) (احلج‬ ‫ْ َْ‬
‫‪ ،)78‬فمن املعلوم أن ليس كل الناس من أبناء إبراهيم عليه السالم‪ ،‬ورغم ذلك جعله‬
‫اهلل أبا عىل كل الناس‪ ،‬وهذه ت َسمى أبوة الترشيف والتعظيم كم نقل أهل التفسري وليس‬
‫األبوة احلقيقة‪ ،‬وعىل هذا أيضا يمكن محل حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم ( أنتم بنوا‬
‫أب بمعنى الترشيف والتعظيم‪.‬‬
‫آدم ) عىل الذين ليسوا من نسل آدم عليه السالم‪ ،‬أي أنه ٌ‬
‫‪ -‬آدم عليه السالم كان نبيا أرسله اهلل وهذا ما ي َشكك يف كونه كان مبعوثا إىل أهله‬
‫فقط‪ ،‬ويطرح الفرضية املحتملة أنه كانت بعثته م َت َعدية وليست مقترصة عىل أهله فقط‪.‬‬
‫‪ -‬اختلف العلمء يف طول آدم عليه السالم احلقيقي عىل وجه األرض‪ ،‬والذي يظهر‬
‫أنه كان يقرتب أو يساوي طول الناس اليوم‪ ،‬مع كون خلقه األصيل كان ستني ذراعا كم‬
‫ينص احلديث الصحيح‪.‬‬
‫‪ -‬ربم الفرق بني ِسن آدم عليه السالم وذر َيته القريبة –أي عمرهم الطويل‪ -‬وبني‬
‫ِسن حياة باقي شعوب العامل –أي عمرهم قصري كعمرنا اآلن‪ -‬يدل عىل اختالط تدرجيي‬
‫لذرية آدم عليه السالم مع باقي شعوب العامل التي كانت ُتثل األكثرية آنذاك – والتي‬
‫كانت تعيش كم تقول الدراسات العلمية تقريبا مثل ع ْمر اإلنسان احلديث‪ ،-‬فأدى ذلك‬
‫إىل ن ْقص تدرجيي يف أعمر ذ ِرية آدم عليه السالم بحكم غلبت ِ‬
‫الع ْرق‪ ،‬فاختفت تدرجييا‬
‫األعمر الطويلة التي كان يعيشها آدم عليه السالم مع ذريته املبارشين‪.‬‬
‫‪ -‬كان ي َقدر عدد سكان العامل يف زمن آدم عليه السالم حسب احصائيات علمية‬
‫بحوايل عرشة ماليني نسمة‪ ،‬ما يؤكد وجود كثري من البرش كانوا قبله ويعارصونه عليه‬
‫‪ ----------------------------‬اخلاُتة ‪315 ------------------------‬‬

‫السالم‪ ،‬حتى وإن مل يبلغوا الكثافة املعارصة‪ ،‬وأما يف الرشق األوسط فكان عدد الناس‬
‫أقل‪ ،‬وهؤالء عىل الصحيح هم الذين تزوجت واختلطت هبم ذريته فيم بعد‪.‬‬
‫نتيجة حول الفصل الثاين‪ :‬إنسان قبل آدم عليه السالم يف األديان السموية‪:‬‬
‫‪ -‬الكتاب املقدس لليهود والنصارى يف العهد القديم (التوراة) التي تؤمن هبا كل‬
‫من الديانتني يشري الحتمل وجود برش كانوا معارصين آلدم عليه السالم‪ ،‬وبالتايل احتمل‬
‫وجود برش قبله‪ ،‬بدليل أن ابن آدم قابيل بعدما قتل أخاه‪ ،‬ذهب وتزوج من ناحية أخرى‬
‫أرض غري أرض قومه‪.‬‬‫ٍ‬ ‫يف‬
‫‪ -‬هذه اإلشارة السابقة يف التوراة استدل هبا بعض الباحثني الغربيني املعارصين عىل‬
‫وجود برش قبل آدم عليه السالم‪.‬‬
‫‪ -‬إن دين املجوسية "الزرادشتية" ودين الصابئة أصلهم دينان سمويان ويلحقون‬
‫بأهل الكتاب‪ ،‬أما اهلندوسية هي دين يغلب عليه الوثنية‪ ،‬لكن حيتوي هذا الدين عىل‬
‫بقايا شعائر سموية وبقايا تعاليم أنبياء‪ ،‬وأه ـم هذه الرشائع هي أصلية اإليمن بإله واحد‬
‫أعىل ( اهلل ) يف هذا الدين كم أكد ذالك علمء درسوه‪ ،‬وهذا ما يدع إىل االلتفات والتفكر‬
‫فيم تذكره هذه األديان يف ِق َّصة بداية اإلنسان‪ ،‬ال سيم املجوسية والصابئة الدينني‬
‫الكتابيني اللذين يؤمنان بوجود آدم عليه السالم‪ ،‬فإن األخبار الواردة يف هاذين الدينني‬
‫ت َّنزل منزلة أخبار أهل الكتاب من اإلْسائيليات‪ ،‬وقد أخرب النبي صىل اهلل عليه وسلم‬
‫ْس ِائيْل وال حرج‪.‬‬‫ِ ِ‬
‫أن ن َحدث عن َبني إ َ‬
‫‪ -‬إن األديان (الزرادشتية "املجوسية"‪ ،‬والصابئة‪ ،‬واهلندوسية ) تشري لوجود برش‬
‫قبل آدم عليه السالم‪.‬‬
‫ـح َّر َفة قد تتناقض مع وجود برش قبل آدم عليه‬
‫‪ -‬عقيدة النرصانية الثالوثية الـم َ‬
‫السالم‪ ،‬ألَنا تؤمن بعقيدة "اخلالص" وتوارث خطيئة آدم عليه السالم لكل البرش‪،‬‬
‫فينبغي بزعمهم أن يأيت ابن اهلل الوحيد ( املخلص ) كي يموت مصلوبا عىل الصليب‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪316 --------------‬‬

‫ص ذنوب كل البرش‪ ،‬فال ينبغي بناء عىل هذه العقيدة أن يكون برش قبل آدم عليه‬ ‫ِ‬
‫ليخَ ل َ‬
‫السالم‪.‬‬
‫نتيجة حول الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلْم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟‬
‫‪ -‬إن طوفان نوح عليه السالم مل يشمل كل الكرة أرضية وإنم شمل جزءا من الرشق‬
‫األوسط‪ ،‬وهذا تؤيده أدلة من الوحي والعلم احلديث‪.‬‬
‫ط بِسالَ ٍم منَّا وبرك ٍ‬ ‫ِ‬
‫َات َع َليْ َك َو َع َ ٰىل أ َم ٍم ّمَّن َّم َع َك‬ ‫َََ‬ ‫‪ -‬قال اهلل تعاىل‪ ( :‬ق َيل َيا نوح ا ْهبِ ْ َ‬
‫ِ‬
‫يم ) (هود ‪ ،)48‬ف ـ ـف ـي ظ ـ ـ ـاه ـ ـ ـر قوله سبحانه‬ ‫اب َأل ٌ‬
‫ۚ َوأ َم ٌم َسن َمتعه ْم ث َّم َي َمسهم منَّا َع َذ ٌ‬
‫( َوأ َم ٌم َسن َمتعه ْم ) أن هنالك أ َّمًا أخرى ليسوا ِّمَن مع نوح‪ ،‬واهلل أعلم‪ ،‬بل يقول الـم َـفّس‬
‫ابن عطية الذي هو من قدماء املفّسين يف تفسري اآلية األخرية من قول اهلل تعاىل‪َ ( :‬سالَ ٌم‬
‫ع َىل نوحٍ ِيف ا ْلع َ ِ‬
‫ني (‪)81‬‬ ‫ادنَا ا ْمل ْؤ ِمن ِ َ‬
‫ني (‪ )80‬إِنَّه ِمن ِعب ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َج ِزي ا ْمل ْح ِسن ِ َ‬ ‫ِ‬
‫ني (‪ )79‬إِنَّا ك َ َٰذل َك ن ْ‬
‫امل َ‬ ‫َ‬ ‫َ ٰ‬
‫ث َّم َأ ْغ َر ْقنَا ْاآل َخ ِري َن (‪( ) )82‬الصافات ‪ ": )82-79‬ث َّم َأ ْغ َر ْقنَا ْاآل َخ ِري َن يقتِض أنه أغرق‬
‫قوم نوح وأمته ومكذبيه‪ ،‬وليس يف ذلك نص عىل أن الغرق عم مجيع أهل األرض"‪- .‬‬
‫وهذا كالم عامل تفسري من القرن السادس اهلجري مل يطلع عىل البحوث احلديثة يف كيفية‬
‫زمن ومكان الطوفان‪ .-‬لذلك فالذي يظهر أنه يف ذلك إشارة أن هنالك أ َمـ ًم كانت تعيش‬
‫أراض أخرى مل يرسل إليهم نوح عليه السالم‪ ،‬ألن النبي يب َعث إىل قومه خاصة‪ ،‬بدليل‬ ‫ٍ‬ ‫يف‬
‫اص ًة َوب ِعثْت إِ َىل‬ ‫ِِ‬
‫َان النَّبِي يب ْ َعث إِ َىل َق ْومه َخ َّ‬
‫حديث النبي حممد صىل اهلل عليه وسلم‪َ ( :‬وك َ‬
‫َّاس َعا َّم ًة )‪ ،‬وهذا فيه دليل أنه مل يكن قوم نوح عليه السالم وحدهم يف كل األرض‬ ‫الن ِ‬
‫ألنه يلزم من ذلك معارضة هذا احلديث بأنه جيب أن يرسل إىل كل الناس يف ذلك الزمان‬
‫وهذا خاص بالنبي حممد صىل اهلل عليه وسلم‪ .‬وهذا الدليل ال يقترص عىل االستدالل‬
‫أن طوفان نوح عليه السالم مل يشمل كل العامل‪ ،‬وإنم قد يطرح جزء من اإلشكال الذي‬
‫نعاجله يف هذا البحث؛ هل كل هذه األمم التي مل تكن مع نوح عليه السالم كلها من ذرية‬
‫آدم عليه السالم ؟ أم كان هنالك أمم أخرى بعيدة عن الرشق األوسط كأسرتاليا وإفريقيا‬
‫السوداء واألمريكتني ؟ ال سيم وأن الفارق الزمني بني كل من آدم ونوح عليهم الصالة‬
‫والسالم هو عرش قرون كم رأينا حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم الصحيح يف ذلك‪،‬‬
‫‪ ----------------------------‬اخلاُتة ‪317 ------------------------‬‬

‫وهذا الفارق قصري مقارنة بِس َّلم التاريخ‪ ،‬فكيف تكفي هذه الـمدة فقط إلعمر كل وجه‬
‫الكرة األرضية باألمم البرشية من زوجني وحيدين؟ ‪-‬أي عرشة قرون مدة قصرية نسبيا‬
‫مقارنة مع معيار االنتشار اإلنساين‪ ( .-‬لذلك فإن الصحيح يف هذا األمر أنه كان هنالك‬
‫يف األرض أمم أخرى من غري ذرية آدم عليه السالم منترشة خارج الرشق األوسط‪،‬‬
‫وكذلك كان هنالك أقوام أخرى من غري قوم نوح عليه السالم يف زمانه وقبل زمانه‪ .‬ال‬
‫سيم يف قارات كأمريكا وأسرتاليا وإفريقيا وأروبا كم رأينا )‪.‬‬
‫‪ -‬الزمن التقريبي بيننا وبني طوفان نوح عليه السالم بحسب دراسات علمية حديثة‬
‫حول الطوفان هو حوايل سبعة آالف سنة‪ ،‬وإذا أضفنا هذا العدد إىل الزمن بني آدم ونوح‬
‫عليهم السالم املذكور يف حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم والذي هو ألف سنة فإننا‬
‫نحصل عىل الزمن التقريبي آلدم عليه السالم من خالل هذا الطريق العلمي أي‪ :‬حوايل‬
‫ثمنية آالف سنة ‪ .8000‬وإذا قارن َّا هذا الزمن مع الزمن الذي حسبناه سابقا من طريق‬
‫السلف وما نقله علمء اإلسالم وم َؤر ِخيهم وطريق نسب النبي صىل اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫والذي هو عىل أقىص تقدير سبعة آالف سنة ‪ ،7000‬نجد أن هذان التقديران متقاربان‪،‬‬
‫بل فيهم نوع من االتفاق وال َّت َقوي بأن زمن وجود آدم عليه السالم يدور بني هاتني‬
‫املدتني أي حوايل األلفية الثامنة قبل امليالد‪ ،‬واأللف سنة التي بينهم ال هتمنا بقدر ما‬
‫هيمنَا الزمن اإلمجايل‪ ،‬والذي هو أقل من عرشة آالف سنة‪ ،‬وهذا بالرغم من أخذ أعىل‬
‫التقديرين أي ثمنية آالف سنة‪ ،‬فإن هذا الزمن ال يقارن مع عمر اإلنسان يف األرض الذي‬
‫ي َقدَّ ر بمئات اآلالف من السنني بل يفوق املليون سنة بكثري‪.‬‬
‫‪ -‬يمكن تأكيد نتيجة ّما سبق وهي أن زمن وموقع الطوفان لوحده قد يكفي ملعرفة‬
‫أنه كان يف زمن نوح عليه السالم أم ٌم أخرى بعيدة ومنفصلة عن قومه‪ ،‬حيث أنه عليه‬
‫السالم مل ي ْر َسل إليهم‪ ،‬وأن كثريا من تِلْكم األمم ال ينحدرون َّ‬
‫بالرضورة من أبيه آدم‬
‫عليه السالم‪ ،‬ال سيم التي سكنت يف مناطق بعيدة‪ ،‬ولقد مر معنا املنحنى االفرتايض‬
‫لتِ ْعداد الناس عىل وجه األرض يف تِلْ َك األزمنة‪ ،‬وكل هذا ال يتناقض مع القرآن الكريم‪،‬‬
‫كم رأينا من األدلة والقرائن‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪318 --------------‬‬

‫‪ -‬أما عن كيفية ِح َساب األزمنة البعيدة للعظام البرشية التي ت َعد بمئات وماليني‬
‫السنني‪ ،‬والتي عاش يف بعضها اإلنسان القديم؛ فهي تعتمد عىل تقنيات تَأْريخ حديثة‪،‬‬
‫بقياس إشعاع أيونات حمددة وتصوير شعاعي دقيق خمتلف عن الكاربون أربعة عرش‬
‫(‪ )c14‬املشهور ألنه اليصلح حلساب هذه األزمنة البعيدة‪ ،‬وإنم ي ْس َتعمل الكربون أربعة‬
‫عرش يف ِح َساب تأريخ العظام وبعض األثار التي ال يتجاوز عمرها عرشات اآلالف من‬
‫السنني (حوايل أربعني ألف سنة)‪ ،‬أما يف تأريخ األزمنة األبعد التي تعد بمئات اآلالف‬
‫من السنني فأكثر؛ فإنه يستعمل يف ذلك قياس إشعاع أيونات مثل‪ :‬الربيليوم الـمشع‬
‫‪ ،Béryllium 10‬واأللومينيوم الـمشع ‪ ،Aluminium-26‬والبوتاسيوم أرغون‬
‫‪(ElecTron‬‬ ‫اإللكرتوين‬ ‫املغناطييس‬ ‫والرنني‬ ‫‪،Potassium-Argon‬‬
‫)‪– paramagneTic resonance‬يبلغ مداه إىل مخسة ماليني ‪ 5‬ماليني يف تأريخ‬
‫العظام‪ -‬وغريها من املواد والطرق التي قد يؤرخ هبا أزمنة بمئات وبماليني السنني‪،‬‬
‫وخيتلف استعمل هذه الطرق بحسب احلالة الـمقاسة باستعمل تقنيات وآالت حديثة‪.‬‬
‫وهذه الوسائل معمول هبا يف العلم احلديث‪ ،‬ويستعملها علمء األنثروبولوجا واآلثار‪.‬‬
‫‪ -‬هنالك أجناس برشية عاشت قبل آدم عليه السالم بمئات اآلالف وماليني‬
‫السنني‪:‬‬
‫إنسان اهلوموسابني (‪ )homo sapiens‬اإلنسان احلديث (عاش قبل ثالث مائة‬
‫ألف سنة ‪ 300.000‬إىل اآلن)‬
‫إنسان النياندرتال )‪( (The NeanderThal) (le NéanderTal‬أكثر من أربع‬
‫مائة وثالثني ‪ 430.000‬سنة)‬
‫إنسان اهلومو إيركتوس (‪( )Homo erecTus‬عاش قبل حوايل ‪ 1.8‬مليون سنة)‬
‫إنسان اهلومو هابيليس (‪( )Homo habilis‬عاش حوايل ‪ 2.5‬مليون سنة)‬
‫‪ -‬نظرية التطور ال تعارض اإلسالم لألدلة التالية‪:‬‬
‫‪ ----------------------------‬اخلاُتة ‪319 ------------------------‬‬

‫لقد رأينا من األدلة أو القرائن ما تعل أنه من الراجح أن باقي شعوب العامل التي‬
‫ليست من آدم عليه السالم‪ ،‬كان فيهم آباء أو أوادم آخرون‪ ،‬لكن هذا التفسري ال َي ْصلح‬
‫أن ي َفّس به لوحده نشأة كل أصول أ َمم العامل‪ ،‬فيبقى النسل البرشي كب ٌري وواسعا وجمهوال‬
‫وقديم وم َع َّقدا فهو ٌ‬
‫قابل أن ت َفّس نشأته بأكثر من نظرية‪ ،‬فلذلك يبقى االجتهاد يف كيفية‬
‫خلقه مفتوحا – من غري آدم عليه السالم ونسله ‪ ،-‬فحتى لو قلنا بِوجود أوادم للبرش إال‬
‫أن هذا ال يكفي لتفسري نشأة كل الناس‪ ،‬ألن وجود األوادم ال يتعارض مع كون النسل‬
‫اإلنساين كان أقدم منهم ورافقهم منذ القديم كم هو ظاهر ( كآدم عليه السالم الذي كان‬
‫مسبوقا بنسل برشي )‪ ،‬إضافة إىل جهلنا بكيفية خلق هؤالء اآلباء‪ ،‬هل هو خلق مستقل‬
‫كآدم عليه السالم‪ ،‬أو خلق يف سياق نسل برشي البرش كنوح عليه السالم (األب الثاين‬
‫لألمة اآلدمية)‪ ،‬أو تطور وارتقاء عن خملوقات أدنى‪ ،‬أم يشء من هذا وذاك‪ ،‬ولسبب م ِهم‬
‫وهو ليس بالرضورة أن يكون كل النسل البرشي قد أتى من هؤالء اآلباء أو األوادم‪،‬‬
‫وهذا ما جيعل أن تفسري نشأة اإلنسان ال يتعارض مع وجود نسل إنساين تطو َر منذ‬
‫القديم‪ ،‬ولـم كانت النظرية التطورية أقوى نظريات العلم احلديث يف تفسري نشأة األحياء‬
‫بم تقدمه من أدلة‪ ،‬فال مانع من قبوهلا يف تفسري نشأة جزء كبري من النسل البرشي‪،‬‬
‫لألسباب التالية‪:‬‬
‫* عدم تعارض هذه النظرية مع الوحي ( اإلسالم )‪ ،‬فالوحي أثبت اخللق املستقل‬
‫آلدم عليه السالم‪ ،‬وآما باقي األمم فاالجتهاد فيهم مفتوح‪ ،‬فاهلل خيلق باملعجزة كم خيلق‬
‫باألسباب املعتادة والتدرج‪.‬‬
‫* اإلنصاف والعدل الذي دعا إليه اهلل يف التعامل مع األقوال واآلراء واألدلة‪.‬‬
‫والنظريات العلمية ال خترج عن هذه الدائرة‪( .‬لو قال هبا األعداء واخلصوم)‬
‫* عدد م ْعترب من قدَ َماء علمء املسلمني قالو بمقدمات وأس ِ‬
‫س هذه النظرية َقبل‬
‫داروين ‪ darwin‬والغربيني بمئات السنني‪ ،‬ك ـ (ابن خلدون‪ ،‬والبريوين‪ ،‬وإخوان الصفا‪،‬‬
‫واجلاحظ‪ ،‬وابن مسكويه)‪ ،‬وحتى عدد من علمء الرشيعة املسلمني املعارصين رأوا أَنا‬
‫ال تتعارض مع اإلسالم ك ـ ( حممد عبده‪ ،‬ورشيد رضا )‪ ،‬ومن الباحثني املسلمني من‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪320 --------------‬‬

‫وجدوا فيها أدلة علمية صحيحة (وكذلك كثري من املتدينني من أهل الكتاب يف الغرب‬
‫يعتقدون بِ ِص َّحتِها)‪.‬‬
‫* ق َّوة األدلة العلمية التي ت َقدم َها هذه النظرية‪.‬‬
‫ديل ِع ٍ‬
‫لمي عن هذه النظرية يف تفسري طريقة نشأة احليوانات‬ ‫* العجز عن تقديم َب ٍ‬
‫والكائنات‪.‬‬
‫* ال َّتدرج يف اخللق‪ ،‬والتَّدَ رج سنَّة إهلية‪.‬‬
‫* ظهور أدلة علمية جديدة تقوي هذه النظرية كلم تقدَّ م العلم‪.‬‬
‫وقبول نظرية التطور يكون برشوط‪:‬‬
‫ٌ‬
‫مستقل مثل عيسى عليه‬ ‫* عدم تناول النَّ َظ ِرية التطورية آلدم عليه السالم ألنَّه ٌ‬
‫خلق‬
‫السالم‪.‬‬
‫* نزع الشوائب اإلحلادية من هذه النظرية‪ ،‬كَن ِ ْس َب ِة اخللق للطبيعة‪ ،‬والقول بالصدَ ف‬
‫العشوائية واألخطاء اخللقية‪ ،‬فاهلل هو الذي خلق الطبيعة وما فيها‪ ،‬وهو الذي يدَ بر‬
‫وي َسريها وكل ما فيها‪ ،‬واهلل تعاىل منَز ٌه أن خيلق بالصدف واألخطاء‪ ،‬وإنم خيلق بالقضاء‬
‫والقدر والدقة العالية واحلكمة البالغة‪.‬‬
‫من املزايا يف قبول النظرية التطورية‪:‬‬
‫الضيق خللق البرش يف الكتاب والسنة‪ ،‬وعزل االْسائيليات‬
‫* التخلص من الفهم َ‬
‫عنهم‪.‬‬
‫* القضاء عىل دعوى احتكار االحلاد هلذه النظرية وتربئتها منه‪ ،‬فاإلسالم أوىل هبذه‬
‫النظرية من غريه من األديان والعقائد‪.‬‬
‫* حماربة اإلحلاد بسالحه‪.‬‬
‫* عدم ادخال اإلسالم خطأ يف رصاع ومهي مع نظرية ذات أدلة علمية قوية‪ ،‬يؤمن‬
‫هبا أغلب علمء األحياء يف العامل‪.‬‬
‫‪ ----------------------------‬اخلاُتة ‪321 ------------------------‬‬

‫* إظهار أن النظرية التطورية ال تناقض اإلسالم عىل عكس بعض األديان املحرفة‪،‬‬
‫وبالتايل استغالل هذه النظرية يف الدعوة إىل هذا الدين العظيم‪.‬‬
‫* النظر إىل ال َّتطور يف خلق اهلل بنظرة تدب ِرية وتَفكرية تدل عىل قوة وعلم وعظمة‬
‫خالقه‪.‬‬
‫* إعادة ادماج ضعفاء اإليمن من املسلمني املفتونني بالنظريات الغربية يف سلك‬
‫اإليمن‪ ،‬وارجاعهم إىل منطقية وعقالنية أدلة الكتاب والسنة‬
‫‪ -‬هنالك علمء من قدماء املسلمني قالوا وأشاروا إىل َّت َطور املخلوقات‬
‫واإلنسان قبل دارون ‪ darwin‬بمئات السنني‪ ،‬كإخوان الصفا‪ ،‬واجلاحظ‪ ،‬وابن‬
‫مسكويه‪ ،‬والطوِس‪ ،‬والبريوين‪ ،‬وابن خلدون‪ ،‬والقزويني‪.‬‬
‫‪ -‬هنالك علمء مسلمون خمتصون ال سيم يف األحياء والبيولوجيا يرون بِصحة‬
‫النظرية التطورية وأَنا ال تناقض الدين‪.‬‬
‫‪ -‬إن النظرية التطورية عند أول ظهورها يف أوروبا كانت ت َّتهم من ِق َب ِل‬
‫ـح َّم ِد َي ٌة" – أي إسالمية ‪ -‬ر َّبـ َم ألن أصول فكرة التطور بشكل عام‬
‫معارضيها بأَنا "م َ‬
‫الرتاث اإلسالمي حيث أشار إليها غري واحد من العلمء املسلمني‪.‬‬
‫كانت موجودة يف َ‬
‫‪ -‬النظرية ال َّتطورية وعالقتها مع الدين‪:‬‬
‫* النظرية التطورية يف عمومها ال تناقض القرآن والسنة‪ ،‬وإنم تناقض الرواية‬
‫اإلْسائيلية واعتقاد الكنيسة يف خلق آدم وحواء عليهم السالم بجعلهم آباء أوئال لكل‬
‫البرش يف كل زمان ومكان‪.‬‬
‫عارض الدين‬ ‫* إ َّننَا َندْعوا َم ْن خالف من املسلمني ورأى عنده أن هذه النظرية ت ِ‬
‫وت ََضا َي َق ِمن َْها‪ ،‬علمء رشيعة كانوا وطلبة علم أو علمء علوم وباحثني وعوام‪ ،‬إىل إعادة‬
‫ال َت َفكر يف آيات وأحاديث بداية اخللق يف القرآن والسنة‪ ،‬وأن ي َت َفادى ابتداء كل ما هو‬
‫كم م َس َّبق‪ ،‬ثم لِين ْظر املؤمن هل جيد معارضة بني نصوص‬ ‫وث أو إْسائييل أو ح ٌ‬‫َمور ٌ‬
‫الوحي يف بداية اخللق وبني النشوء التدرجيي للمخلوقات واإلنسان وما قاله العلم‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪322 --------------‬‬

‫احلديث يف ذلك‪ ،‬وبخاصة اإلشارات إىل وجود خملوقات عاقلة قبل آدم عليه السالم‬
‫من ْ َفصلة عنه‪ ،‬فم المنع أن ختضع هذه املخلوقات املنفصلة إىل هذا النشوء التدرجيي الذي‬
‫مستقل ِمثْل عيسى‬
‫ٌ‬ ‫لق‬
‫قال به أغلب علمء األحياء‪ ،‬باستثناء آدم عليه السالم الذي هو َخ ٌ‬
‫عليه السالم بداللة الوحي الرصيح‪.‬‬
‫* ليس َمطْلوب ًا من املؤمن أن ي َصد َق بنظرية التطور إن كان األمر ال يعنيه أو ي َشكل‬
‫له أزمة‪ ،‬فالتطورية ليست ر ْكنًا من أركان اإليمن كي يلْ َز َم املؤمن بتصديقها‪ ،‬لكن إن آمن‬
‫آخرون هبا ومجعوا بينها وبني اإليمن باهلل‪ ،‬بل وقد جيدون َأد َّلة يف القرآن والسنة عىل‬
‫وحيارب ما يؤمنون بِه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ذلك‪ ،‬فليس عىل الـذي خيَال ْفهم أن حيارهبم َ‬
‫‪ -‬اإلنسان القديم كان م َتدينا‪ :‬قد يظن البعض أن اإلنسان القديم مل يكن يعرف ربه‪،‬‬
‫وأنه ك ـان متوحشا وناقصا يف العقل بحيث مل يتمكن من التدين‪ ،‬لكن حقيقة األمر‬
‫يها ن َِذ ٌير ) (فاطر ‪ ،)24‬ويقول تعاىل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫خالف ذل ـك‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ ( :‬وإِن م ْن أ َّمة إِ َّال َخالَ ف َ‬
‫( َورسالً َق ْد َق َص ْصنَاه ْم َع َلي ْ َك ِمن َقبْل َورسالً َّملْ َن ْقص ْصه ْم َع َليْ َك ) (النساء ‪،)164‬‬
‫اج َتنِبوا ال َّطاغ َ‬
‫وت ) (النحل‬ ‫اَّلل َو ْ‬
‫ويقول تعاىل‪ ( :‬و َل َق ْد بعثْنَا ِيف كل أم ٍة رس ً ِ‬
‫وال َأن ا ْعبدوا َّ َ‬ ‫َّ َّ‬ ‫َ ََ‬
‫‪ ،)36‬فإذا علمنا أن قدماء البرش الذين عاشوا قبل آدم عليه السالم هم عبارة عن أ َمم‪،‬‬
‫فإنه بالرضورة أن اهلل قد أرسل فيهم رسال‪ ،‬وهذا خرب رباين ال مرية فيه‪ .‬والدليل العلمي‬
‫عىل هذه احلقيقة وعىل َتـدَ ي ـن اإلنسان القديم وإيمنه بإله األعىل‪ ،‬ما وجده وأثبته علمء‬
‫كأنْدرو النج )‪(Andrew lange‬‬ ‫من الغرب عند دراسة أديان األمم البدائية َ‬
‫اإلنجليزي وويليام ِش ِميْد األلمين )‪ ،(Guillaume schmidT‬حيث تعترب هذه‬
‫األقوام شاهدا نقيا عىل أديان قدماء البرش ألَنا حافظت عىل أديان أسالفها ومل ختتلط‬
‫ِم َلل َها باألديان اإلبراهيمية وبعضها كان معزوال عن العامل ألحقاب طويلة‪ ،‬وقد و ِجد‬
‫التوحيد وبقايا منه ِعن ْد ٍ‬
‫كثري من هذه القبائل البدائية القديمة‪ ،‬وأقدم احلضارات العاملية؛‬
‫طام ًسا بذلك النظريات اإلحلادية التي قالت أن اإلنسان األول بدأ بالتعدد الرشكي‬ ‫ِ‬

‫وعبادة األوثان‪ ،‬حيث وجدوا هذه البقايا من التوحيد عند كثري من القبائل البدائية يف‬
‫أمريكا الشملية ويف أسرتاليا‪ ،‬ويف أمريكا اجلنوبية‪ ،‬ويف إفريقيا‪ ،‬ووجد أيضا التوحيد‬
‫‪ ----------------------------‬اخلاُتة ‪323 ------------------------‬‬

‫وآثاره يف حضارات قديمة كمرص‪ ،‬واهلند‪ ،‬ويف أرض سومر (العراق)‪ ،‬ويف الصني ويف‬
‫اليونان‪.......‬وكث ٌري من تلك األقوام البدائية كان معزوال عن العامل كلية‪ ،‬مثل قبائل جزر‬
‫أندرمان (أو أندمان)‪ ،‬وقبائل أسرتاليا‪ ،‬وكثري من قبائل أمريكا‪ ،‬ووجدوا عندهم بقايا‬
‫كثرية من رشائع سموية‪ ،‬وكل هذا يدل أنه كان فيهم وحي قديم وأنبياء بعثهم اهلل فيهم‪،‬‬
‫وأن التكليف كان قبل آدم عليه السالم‪ ،‬ويدل عىل أن اهلل قد فطر اإلنسان عىل اإليمن‬
‫به‪.‬‬
‫(ح َّواء امليتوكندري) العلم يثْبِت وجود أ ٍم أخرى أقدم من َح َّواء املعروفة بكثري‬
‫‪َ -‬‬
‫لكنها ليْ َست أ ًما لِكل ال َّب َرش‪ ،‬إنم هي أم جزء معني من البرش من ناحية احلمض النووي‬
‫)‪ (dna‬للميتوكوندري فقط‪.‬‬
‫‪ -‬إن كثريا من الشعوب البرشية املعارصة ال يرجع أصلها املبارش إىل آدم عليه السالم‬
‫(وبخاصة الشعوب التي سكنت األرايض والقارات خارج الرشق األوسط‬
‫كاألسرتاليني واألفارقة والصينيني واألوروبيني واألمريكيني األصليني)‪ ،‬ألن زمن‬
‫نزوله عليه السالم إىل األرض كان متأخرا مقارنة مع زمن وجود أجداد هؤالء يف‬
‫مر معنا دراسة علمية حتيص عدد سكان العامل يف حدود السبع آالف إىل‬
‫األرض‪ ،‬وقد َّ‬
‫الثمن آالف سنة (أي الزمن التقريبي آلدم عليه السالم يف األرض) بحوايل بضعة ماليني‬
‫نسمة –حوايل ‪ 10‬ماليني‪ ،-‬وهذا ما يعني أن النسل الذي انحدر من هؤالء السكان يف‬
‫العموم ليس من نسل آدم عليه السالم‪ ،‬لكن هذا ال َي ْسلِب َأ َبانَا آدم عليه السالم أن‬
‫َي ْس َت ِح َّق مقام األب َّوة الترشيفية والتعظيمية عىل كل سكَان العامل ولو كانوا من غري ذريته‬
‫املبارشة من باقي سكان األرض‪ ،‬وهذا ال ي ـ َغـي ـِـر من كون أبينا آدم عليه السالم هو ٌ‬
‫أب‬
‫ألمة عظيمة وكبرية اصطفاها اهلل وخلدَ َها بالذكْر يف القرآن الكريم‪ ،‬ورشع فيها األديان‬
‫اإلبراهيمية أشهر األديان‪ ،‬وبعث فيها خاتم املرسلني‪ ،‬ورشع فيها اإلسالم آخر أديان‬
‫العاملني‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪324 --------------‬‬

‫‪ -‬يوجد أدلة علمية دامغة عىل شكل بقايا هياكل عظمية ومجاجم ألصناف برشية‬
‫ترتاوح أعمرها من آالف السنني إىل أزيد من مليوين سنة؛ م َقاسة بطرق علمية حديثة‪،‬‬
‫تعطي نظرة عىل أشكاهلم احلقيقة‪ ،‬وتؤكد أن البرش كانوا موجودين قبل آدم عليه السالم‪.‬‬
‫‪ -‬إن اهلياكل العظمية واجلمجم املكتشفة لقدماء البرش قبل آدم عليه السالم تدل‬
‫أَنم كانوا أصنافا خمتلفة‪ ،‬ر َّبـم يرجعون يف األصل إىل جد مشرتك قديم‪ ،‬لكن ينبغي‬
‫اإلقرار بيشء ولو كان صعب التصديق عند البعض‪ ،‬أنه كلم رجعنا آالف السنني إىل‬
‫اخللف كلم هذه البقايا البرشية يف العموم تزداد بدائية‪ ،‬وتنقص أحجام أدمغتها‪ ،‬وأطوال‬
‫اهها‪ ،‬وتَربز حواجبها‪ ،‬وتقرتب صورها من صور ِ‬ ‫ِ‬
‫القر َدة‪ ،‬حتى‬ ‫ْ‬ ‫قامتها‪ ،‬وتـزداد حجم َأ ْف َو َ‬
‫إنه يوجد منها ما هو حقيقة حلقة ما بني اإلنسان ِ‬
‫والق ْرد‪ ،‬كجنس األسرتالوبيتاكس‬
‫)‪ (AusTralopiThecus, AustralopiThèque‬الذي َيعده العلمء من أشباه‬
‫الق ْرد (شامبنزي)‪ ،‬مع كون صورته‬‫البرش‪ ،‬حيث أن ِسعة دماغه تقرتب من سعة دماغ ِ‬
‫َ‬
‫تشبه صورة اإلنسان‪ ،‬وحيافظ عىل خصائص برشية مثل امليشء عىل قدمني اثنني‪.‬‬
‫‪ .3‬توصيات‪:‬‬
‫أنصح بالنَّ َظر إىل املسائل التي تناوهلا هذا الكتاب بـ ِِجد َّية من ِق َبل كل واحد َق َر َأه‪،‬‬
‫وبخاصة ع َلمء األ َّمة ود َعاهتا والباحثني وأهل االختصاص‪ ،‬نسأل اهلل أن ي َو ِف َقنا كلنا يف‬
‫حتمل املسؤولية أمامك يا ربـنا عىل كل ما اجتهدنا فيه وما علمتـنا‪ ،‬وما و َّف َق َتنَّا ل ِ َت ْعلِيْ ِمه‬
‫لآلخرين‪ ،‬ونسأل اهلل تعاىل أن يغفر لنا خطأنا وتقصرينا يف هذا الكتاب ويف غريه‪ ،‬فإن‬
‫أصبت فمن اهلل وإن خطأت فمني ومن الشيطان‪ ،‬ونسأل اهلل أن ينفع وهيدي هبذا‬
‫البحث كل م ٍ‬
‫ريد للحق وكل ضال‪ ،‬وأن يبطل به الشبه يف هذا املجال‪.‬‬
‫سبْ َحانك ال َّلهم وبحمدك أشهد أن ال هلإ إال أنت أستغفرك وأتوب إليك‪ ،‬ال َّلهم‬
‫صل عىل حممد وعىل آل حممد كم صليت عىل إبراهيم وعىل آل إبراهيم إنك محيد جميد‪،‬‬
‫وبارك عىل حممد وعىل آل حممد كم باركت عىل إبراهيم وعىل آل إب ـ ـراهيم إنك محيد جميد‪،‬‬
‫احلمد َِّللِ رب ا ْلع َ ِ‬
‫ني ) (الصافات ‪.)182-181‬‬ ‫امل َ‬ ‫َ‬ ‫( َو َسالَ ٌم َع َىل ا ْمل ْر َسلِ َ‬
‫ني ‪َ .‬و ْ َ ْ َّ َ‬
‫‪ ------------------------‬فهرس املصادر واملراجع ‪325 ------------------‬‬

‫فهرس املصادر واملراجع‬


‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪326 --------------‬‬

‫الكتب املقدسة‪:‬‬
‫‪ .1‬القرآن الكريم‬
‫‪ .2‬الكتاب املقدس ( التوراة واإلنجيل )‬
‫‪ .3‬كنزاربا (الكنز العظيم) ( وهو الكتاب املقدس لدين الصابئة)‬
‫‪ .4‬األفيستا " اإلبتساق " (وهو الكتاب املقدس لدين الزرادشتيية)‬

‫املصادر واملراجع باللغة العربية‪:‬‬


‫‪ .5‬إبراهيم بن عبد اهلل بن عبد الرمحن املدهيش‪ ،‬األحاديث املرفوعة واملوقوفة يف‬
‫كتاب (حياة احليوان الكربى) للدَّ ِمريي‪1431 ،‬هـ ‪1432/‬هـ‪.‬‬
‫‪ .6‬أبو الفداء‪ ،‬عمد الدين إسمعيل بن عيل‪ ،‬املخترص يف أخبار البرش‪ ،‬املطبعة‬
‫احلسينية املرصية‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ .7‬أبو يعىل‪ ،‬أمحد بن عيل بن املثنى بن حييى بن عيسى بن هالل التميمي‪ ،‬مسند أيب‬
‫يعىل املوصيل‪ ،‬املحقق حسني سليم أسد‪ ،‬دار املأمون للرتاث – دمشق‪ ،‬الطبعة‪ :‬األوىل‪،‬‬
‫‪1404‬ه – ‪1984‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬أيب زهرة‪ ،‬أمحد بن أمحد‪ ،‬زهرة التفاسري‪ ،‬دار الفكر العريب‪.‬‬
‫‪ . 9‬أمحد أمني وزكي نجيب حممود‪ ،‬قصة األدب يف العامل‪ ،‬مطبعة جلنة التأليف‬
‫والرتمجة والنرش‪1943 ،‬م‬
‫‪ .10‬أمحد خريي العمري‪ ،‬ليطمئن عقيل‪ ،‬دار عصري الكتب‪ ،‬ط أوىل‪.2019 ،‬‬
‫‪ .11‬إخوان الصفا‪ ،‬رسائل إخوان الصفا وخالن الوفا‪ ،‬مكتب اإلعالم اإلسالمي‪-‬‬
‫قم‪ ،-‬طبعة ‪1405‬ه‬
‫‪ .12‬أرثر كريستنسن‪ ،‬إيران يف عهد الساسانيني‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ ------------------------‬فهرس املصادر واملراجع ‪327 ------------------‬‬

‫‪ .13‬األلباين‪ ،‬نارص الدين سلسلة األحاديث الصحيحة‪ ،‬مكتبة املعارف للنرش‬


‫والتوزيع‪ ،‬ط األوىل‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ .14‬األلباين‪ ،‬نارص الدين سلسلة األحاديث الضعيفة واملوضوعة‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬ط‬
‫األوىل‪ ،‬الرياض اململكة العربية السعودية‪ 1412 ،‬هـ ‪ 1992 /‬م‪.‬‬
‫‪ .15‬األلباين‪ ،‬نارص الدين‪ ،‬موسوعة األلباين يف العقيدة‪ ،‬مركز النعمن للبحوث‬
‫والدراسات اإلسالمية وحتقيق الرتاث والرتمجة‪ ،‬ط األوىل‪ 1431 ،‬هـ ‪ 2010 -‬م‬
‫‪ .16‬األلباين‪ ،‬نارص الدين‪ ،‬إرواء الغليل يف ختريج أحاديث منار السبيل‪ ،‬املكتب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط الثانية‪1405 ،‬ه‪1985/‬م‬
‫‪ .17‬األلباين‪ ،‬نارص الدين‪ ،‬صحيح وضعيف سنن أيب داود‪ ،‬فهرسة أمحد عبد اهلل‬
‫عضو يف ملتقى أهل احلديث‪.‬‬
‫‪ .18‬اسكندر جديد وعبد املسيح‪ ،‬اذهبوا اىل العامل أمجع‪.‬‬
‫‪ .19‬األلوِس‪ ،‬حممد شهاب الدين‪ ،‬روح املعاين‪ ،‬املحقق عيل عبد الباري عطية‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬ط األوىل‪ ،‬بريوت‪ 1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .20‬ابن األثري‪ ،‬أبو احلسن عيل‪ ،‬الكامل يف التاريخ‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت –‬
‫لبنان‪1417 ،‬ه‪1997-‬م‬
‫‪ .21‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ ،‬املحقق عبد الرمحن‬
‫بن حممد بن قاسم‪ ،‬جممع امللك فهد لطباعة املصحف الرشيف‪ ،‬املدينة النبوية اململكة‬
‫العربية السعودية‪1416 ،‬هـ‪1995/‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ ،‬الرد عىل املنطقيني‪ ،‬دار املعرفة‪،‬‬
‫بريوت‪.‬‬
‫‪ .23‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أمحد بن عبد احلليم‪ ،‬اجلواب الصحيح ملن بدل دين‬
‫املسيح‪ ،‬تح عىل بن حسنن – عبد العزيز‪ .‬ابن إبراهيم ‪ -‬محدان بن حممد‪ ،‬دار العاصمة‪،‬‬
‫السعودية‪ ،‬ط‪ :‬الثانية‪1419 ،‬هـ ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪328 --------------‬‬

‫‪ .24‬ابن حبان‪ ،‬حممد‪ ،‬السرية النبوية وأخبار اخللفاء‪ ،‬الكتب الثقافية‪ ،‬الطبعة الثالثة‪،‬‬
‫بريوت‪ 1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .25‬ابن حجر العسقالين‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪1379 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ .26‬ابن جرير الطربي‪ ،‬جامع البيان‪ ،‬تح أمحد حممد شاكر‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‬
‫األوىل‪1420 ،‬ه‪2000-‬م‪.‬‬
‫‪ .27‬ابن جرير الطربي‪ ،‬تاريخ الطربي‪ ،‬ط ثانية‪ ،‬دار الرتاث‪ ،‬بريوت‪1387 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ .28‬ابن حزم األندليس‪ ،‬عيل بن أمحد‪ ،‬الفصل يف امللل واألهواء والنحل‪ ،‬مكتبة‬
‫اخلانجي‪ ،‬القاهرة‪.92/1 ،‬‬
‫‪ .29‬ابن عاشور‪ ،‬حممد الطاهر‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬الدار التونسية للنرش‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫‪1984‬‬
‫‪ .30‬ابن عطية األندليس‪ ،‬أبو حممد عبد احلق‪ ،‬التحرير الوجيز يف تفسري الكتاب‬
‫العزيز‪ ،‬حتقيق عبد السالم عبد الشايف حممد‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط األوىل‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪1422‬ه‪.‬‬
‫‪ .31‬البغوي‪ ،‬أبو حممد احلسني بن مسعود‪ ،‬معامل التنزيل‪ ،‬حققه وخرج أحاديثه حممد‬
‫عبد اهلل النمر ‪ -‬عثمن مجعة ضمريية ‪ -‬سليمن مسلم احلرش‪ ،‬دار طيبة‪1417 ،‬ه‪-‬‬
‫‪1997‬م‪.‬‬
‫‪ .32‬ابن مسكويه‪ ،‬أمحد بن حممد‪ ،‬الفوز األصغر‪ ،‬طبعة بريوت‪1319 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ .33‬ابن كثري‪ ،‬أبو الفداء إسمعيل بن عمرو‪ ،‬البداية والنهاية‪ ،‬تح عبد اهلل بن عبد‬
‫املحسن الرتكي‪ ،‬دار هجر‪ ،‬ط األوىل‪1418 ،‬ه‪1997-‬م‬
‫‪ .34‬ابن كثري‪ ،‬أبو الفداء إسمعيل بن عمرو‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬تح سامي‬
‫سالمة‪ ،‬دار طيبة للنرش والتوزيع‪ ،‬ط الثانية‪1420 ،‬ه‪1999-‬م‪.‬‬
‫‪ .35‬ابن منظور‪ ،‬حممد بن مكرم‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪1414 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ ------------------------‬فهرس املصادر واملراجع ‪329 ------------------‬‬

‫‪ .36‬ابن ميمون األندليس‪ ،‬موسى‪ ،‬داللة احلائرين " اهلل جل جالله واملالئكة‬
‫واألنبياء يف التوراة "‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت –لبنان‪.‬‬
‫‪ .37‬البريوين‪ ،‬أبو رحيان حممد‪ ،‬حتقيق ما للهند من مقولة مقبولة يف العقل أو مرذولة‪،‬‬
‫عامل الكتب‪ ،‬ط ثانية‪ ،‬بريوت‪1403 ،‬ه‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫‪ .38‬اجلاحظ‪ ،‬عمرو بن بحر‪ ،‬احليوان‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪ .39‬جالل الدين املحيل وجالل الدين السيوطي‪ ،‬تفسري اجلاللني‪ ،‬دار احلديث‪ ،‬ط‬
‫األوىل‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ .40‬حامد عبد القادر‪ ،‬زرادشت احلكيم نبي قدامى اإليرانيني‪.‬‬
‫‪ .41‬احلموي‪ ،‬ياقوت‪ ،‬معجم البلدان‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬الثانية‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .42‬اخلطيب التربيزي‪ ،‬حممد بن عبد اهلل أبو عبد اهلل‪ ،‬مشكاة املصابيح‪ ،‬حتقيق‬
‫األلباين‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬ط الثالثة‪ ،‬بريوت‪1985 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .43‬خليل عبد الرمحان‪ ،‬أفيستا‪ ،‬أقستا‪ ،‬روافد للثقافة والفنون‪ ،‬ط الثانية‪.‬‬
‫‪ .44‬دان براون‪ ،‬شيفرة دافانتيش‪ ،‬ترمجة سمة عبد ربه‪ ،‬الدار العربية للعلوم‪،‬‬
‫‪2004‬م‪.‬‬
‫‪ .45‬داود اجللبي املوصيل‪ ،‬كتاب الفنديداد أهم الكتب التي تتألف منها األبستا‪،‬‬
‫منشورات اجلمل‪ ،‬ط األوىل‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .46‬الدينوري‪ ،‬ابن قتيب‪ ،‬املعراف‪ ،‬حتقيق ثورة عكاشة‪ ،‬اهليئة املرصية العامة‬
‫للكتاب‪ ،‬القاهرة‪1992 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .47‬الذهبي‪ ،‬شمس الدين أبو عبد اهلل حممد‪ ،‬العلو للعيل الغفار‪ ،‬مكتبة أضواء‬
‫السلف‪ ،‬الرياض‪1416 ،‬ه‪1995-‬م‪.‬‬
‫‪ .48‬الذهبي‪ ،‬شمس الدين أبو عبد اهلل حممد‪ ،‬تاريخ اإلسالم‪ ،‬حتقيق بشار عواد‬
‫معروف‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األوىل‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪330 --------------‬‬

‫‪ .49‬الذهبي‪ ،‬شمس الدين أبو عبد اهلل حممد‪ ،‬تذكرة احلفاظ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫ط أوىل‪ ،‬بريوت –لبنان‪1419 ،‬ه ‪1998-‬م‪.‬‬
‫‪ .50‬الرازي‪ ،‬فخر الدين‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬ط الثالثة‪،‬‬
‫بريوت‪ 1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .51‬رشيد رضا‪ ،‬تفسري املنار‪ ،‬اهليئة املرصية العامة للكتاب‪1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .52‬الزيلعي‪ ،‬عبد اهلل‪ ،‬نصب الراية‪ ،‬مؤسسة الريان للطباعة والنرش‪ ،‬بريوت ‪-‬‬
‫لبنان‪ ،‬دار القبلة للثقافة اإلسالمية‪ ،‬جدة –السعودية‪ ،‬ط‪1418 ،1‬ه‪1997-‬‬
‫‪ .53‬سامي بن عبد اهلل املغلوث‪ ،‬أطلس تاريخ األنبياء والرسل‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ط‬
‫السادسة‪ ،‬الرياض‪1426 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ .54‬السعدي‪ ،‬عبد الرمحن‪ ،‬تيسري الكريم الرمحن‪ ،‬تح عبد الرمحن اللوحيق‪ ،‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬ط األوىل‪1420 ،‬ه‪2000-‬م‪.‬‬
‫‪ .55‬السمعاين‪ ،‬أبو املظفر‪ ،‬تفسري القرآن‪ ،‬حتقيق ياْس بن إبراهيم وغنيم بن عباس‬
‫بن غنيم‪ ،‬دار الوطن‪ ،‬الرياض‪1418 ،‬ه‪1997-‬م‪.‬‬
‫‪ .56‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين عبد الرمحان الدرر املنثور‪ ،‬حتقيق عبد املحسن الرتكي‪،‬‬
‫ط أوىل‪ ،‬مركز هجر‪ ،‬القاهرة‪1424 ،‬ه‪2003-‬م‪ .‬والدرر املنثور‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .57‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين عبد الرمحن‪ ،‬احلاوي للفتاوي‪ ،‬دار الفكر للطباعة‬
‫والنرش‪ ،‬بريوت –لبنان‪1424 ،‬ه‪2004-‬م‪.‬‬
‫‪ .58‬الشهرستاين‪ ،‬أبو الفتح حممد بن عبد الكريم‪ ،‬امللل والنحل‪ ،‬مؤسسة احللبي‪.‬‬
‫‪ .59‬عبد الواحد وايف‪ ،‬األسفار املقدسة لألديان السابقة لإلسالم‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة َنضة‬
‫مرص‪1384 ،‬ه‪1964-‬م‪.‬‬
‫‪ .60‬عبد الواحد وايف‪ ،‬عبقريات ابن خلدون‪ ،‬عكاظ للنرش والتوزيع‪ ،‬ط أوىل‬
‫للنارش –ط ثانية للكاتب‪1404 ،‬ه‪1984-‬م‪.‬‬
‫‪ ------------------------‬فهرس املصادر واملراجع ‪331 ------------------‬‬

‫‪ .61‬العثيمني‪ ،‬حممد ابن صالح تفسري الفاحتة والبقرة‪ ،‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬اململكة‬
‫العربية السعودية‪1423 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ .66‬عياض بن موسى السبتي (القايض عياض)‪ ،‬إكمل املعلم بفوائد مسلم‪ ،‬تح د‪.‬‬
‫حي َيى إِ ْس َم ِعيل‪ ،‬دار الوفاء للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬مرص‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1419 ،‬هـ ‪-‬‬
‫ْ‬
‫‪ 1998‬م‪.‬‬
‫‪ .67‬العيني‪ ،‬بدر الدين‪ ،‬عمدة القاري رشح صحيح البخاري‪ ،‬دار إحياء الرتاث‬
‫العريب‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .68‬القرطبي‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن أمحد شمس الدين‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن‪ ،‬دار‬
‫الكتب املرصية‪ ،‬ط الثانية‪ ،‬القاهرة‪1384 ،‬ه‪1964-‬ه‪.263/1 ،‬‬
‫‪ .69‬القزويني‪ ،‬زكريا بن حممد‪ ،‬آثار البالد واألخبار والعباد‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .70‬كامل سعفان‪ ،‬معتقدات آسيوية‪ ،‬دار الندى‪ ،‬ط األوىل‪1419 ،‬ه‪1999-‬م‪.‬‬
‫‪ .71‬الكرباِس‪ ،‬اإلسالم يف األرجنتني‪ ،‬بيت العلم للناهبني‪ ،‬ط ‪1431 ،1‬هـ‪،‬‬
‫بريوت‪.‬‬
‫‪ .72‬كنززاربا (الكنز العظيم)‪ ،‬الكتاب املقدس للصابئة املندانيني‪ ،‬رشكة الدوان‬
‫للطباعة‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫‪ . 73‬الليدي دراوور‪ ،‬الصابئة املندانيون‪ ،‬ترمجة نعيم بدوي وغضبان رومي‪ ،‬دار‬
‫املدى للثقافة والنرش‪ ،‬ط الثانية‪ ،‬لبنان‪ 2006 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .74‬ماحي أمحد‪ ،‬زرادشت والزرادشتية‪ ،‬حوليات اآلداب والعلوم االجتمعية‪،‬‬
‫جامعة الكويت‪.‬‬
‫‪ .75‬جمدي عبد احلافظ‪ ،‬فكرة التطور عند فالسفة اإلسالم‪ ،‬املجلس األعىل للثقافة‪،‬‬
‫‪2005‬م‪.‬‬
‫‪ .76‬حممد أرشف بن أمري آبادي‪ ،‬عون املعبود رشح سنن أيب داوود‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪1415 ،‬ه‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪332 --------------‬‬

‫‪ .77‬حممد أنور شاه اهلندي‪ ،‬فيض الباري عىل صحيح البخاري‪ ،‬املحقق حممد بدر‬
‫عامل املريهتي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪ .78‬حممد الرشقاوي‪ ،‬التفسري الديني للتاريخ‪ ،‬كتاب الشعب‪.‬‬
‫‪ .79‬املسعودي‪ ،‬أبو احلسن عىل‪ ،‬مروج الذهب‪ ،‬حتقيق أسعد داغر‪ ،‬دار اهلجرة‪ ،‬قم‪،‬‬
‫‪1409‬هـ‪.‬‬
‫‪ .80‬مناهج جامعة املدينة العاملية‪ ،‬األديان واملذاهب‪ ،‬جامعة املدينة‪.‬‬
‫‪ .81‬املناوي‪ ،‬عبد الرؤوف‪ ،‬فيض القدير رشح اجلامع الصغري‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬ط‬
‫الثانية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .82‬املراغي‪ ،‬أمحد بن مصطفى‪ ،‬تفسري املراغي‪ ،‬رشكة مكتبة ومطبعة مصطفى‬
‫البابى احللبي وأوالده بمرص‪ ،‬ط األوىل‪ 1365 ،‬هـ ‪ 1946 -‬م‪.‬‬
‫‪ .83‬املوىل أبو الفداء‪ ،‬روح البيان‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .84‬ميخائيل مينا‪ ،‬علم الالهوت‪ ،‬علم الالهوت‪ ،‬مكتبة املحبة‪ ،‬ط ‪ ،4‬مرص‪،‬‬
‫‪1948‬م‪.‬‬
‫‪ .85‬ناسا )‪ (Nasa‬بالعريب‪ ،‬أحفورة املغرب‪ :‬اإلنسان العاقل أسبق ب ‪100.000‬‬
‫سنة‪ ،‬بتاريخ‪.2017/08/23 :‬‬
‫الساري يف ختريج َوحتقيق األحاديث‬ ‫ِ‬
‫‪ .86‬نبيل بن َمنصور بن َيعقوب البصارة‪ ،‬أنيس َّ‬
‫التي ذكرها احلَافظ ابن َحجر العسقالين يف َفتح ال َباري‪ ،‬نبيل بن َمنصور بن َيعقوب‬
‫مؤس َسة الر َّيان‪ ،‬بريوت – لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1426 ،‬هـ ‪-‬‬
‫السمحة‪َّ ،‬‬
‫مؤس َسة َّ‬
‫البصارة‪َّ ،‬‬
‫‪2005‬م‪.‬‬
‫‪ .87‬نخبة من علمء وأساتذة التفسري‪ ،‬التفسري امليّس‪.‬‬
‫‪ . 88‬النووي‪ ،‬أبو زكريا حميي‪ ،‬رشح النووي عىل مسلم‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب –‬
‫بريوت‪ ،‬ط الثانية‪ 1392 ،‬ه‪.‬‬
‫‪ ------------------------‬فهرس املصادر واملراجع ‪333 ------------------‬‬

‫‪ .89‬النيسابوري‪ ،‬أبو احلسن الواحدي‪ ،‬العزيز يف تفسري الكتاب العزيز‪ ،‬حتقيق‪:‬‬


‫صفوان عدنان داوودي‪ ،‬دار القلم الدار الشامية ‪-‬دمشق‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬األوىل‪1415 ،‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫‪ .90‬النيسابوري‪ ،‬أبو احلسن الواحدي‪ ،‬العزيز يف تفسري الكتاب العزيز‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫صفوان داوودي‪ ،‬دار القلم الدار الشامية ‪-‬دمشق‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ :‬األوىل‪ 1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .91‬الندوة العاملية للشباب اإلسالمي‪ ،‬املوسوعة امليّسة يف األديان واملذاهب‬
‫واألحزاب املعارصة‪ ،‬إرشاف وختطيط ومراجعة‪ :‬د‪ .‬مانع بن محاد اجلهني‪ ،‬دار الندوة‬
‫العاملية للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬ط الرابعة‪ 1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .92‬اهلرري‪ ،‬حممد األمني بن عبد اهلل‪ ،‬تفسري حدائق الروح والرحيان‪ ،‬إرشاف‬
‫ومراجعة‪ :‬الدكتور هاشم حممد عيل بن حسني مهدي‪ ،‬دار طوق النجاة‪ ،‬بريوت – لبنان‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األوىل‪ 1421 ،‬هـ ‪ 2001 -‬م‪.‬‬
‫‪ .93‬الوادعي‪ ،‬مقبل بن هادي‪ ،‬اجلامع الصحيح ّما ليس يف الصحيحني‪ ،‬مكتبة بن‬
‫تيمية‪ ،‬ط األوىل‪ ،‬القاهرة‪1416 ،‬ه‪1995-‬م‪.‬‬
‫‪ .94‬وائل حافظ خلف‪ ،‬ابن خلدون‪ ،‬مقدمة ابن خلدون وبذيلها رشحها املسمى‬
‫اجلوهر املكنون‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .95‬ول ديورنت‪ ،‬قصة احلضارة‪ ،‬دار اجليل بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬واملنظمة العبية للثقافة‬
‫والعلوم‪ ،‬تونس‪1408 ،‬ه‪1988-‬م‪.‬‬
‫‪ . 96‬وليم مكدونلد‪ ،‬اسكندر جديد وعبد املسيح‪ ،‬أجوبة اهلل عىل اسئلة اإلنسان‪،‬‬
‫دار ‪ ،call iF hoppe‬ط‪ ،1‬ألمنيا‪1995 ،‬م‪.‬‬
334 -------------- ‫ هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟‬-------------------

:‫املراجع باللغة األجنبية‬


97. AbdUL HAQUE Vidyarthy, Muhammad in Wolrld
Scriptures, vol III, Din Muhammadi Press, second ediTion,
Lahore – Pakistan, 1975.
98. AlFred howiTT, The naTive Tribes oF souTh-easT
ausTralia, London MACMILLAN AND CO Limited, 1904.
99. Charles shoebel, MEMOIRE SUR LE
MONOTHEISME PRMITIF, challamel ainé libraire de la
sociéTé d'éTnographie américane eT orienTale, paris, 1860.
100. Douane, bible myth and there parrallels in other
religions, The TruTh seeker CO, new york, sevenTh ediTion,
1910.
101. E.h.man, On The Aboriginal InhabiTants oF The
Andaman Islands, Royal anThropological insTiTuTe oF
greaTe briTain and ireland, London, 1932.
102. Frédéric Truong, L'origine MONOTHEISTE de
l'ensemble des religions eT le rôle primordiale de Mohamed
sceau des prophèTes.
103. George Feber, The origin oF pagan idolatry, vol 3,
R.and R.gilberT, ST.jhon's Square, 1816
104. Harlez C, AvesTa livre sacré du zoroastrisme,
maisonneuve eT Cie libraires-édiTeures, paris, deuxieme
édiTion, 1881
335 ------------------ ‫ فهرس املصادر واملراجع‬------------------------

105. Hérodote, Histoire d'Hérodote, TraduiT par Larcher,


CharpenTier libraire- édiTeur, 1850.
106. John malcom,The hisTory oF persia, london, Johne
murray, london.
107. John william draper, hisTory oF The conFlicT
beTween Religion and science.
108. Jean-Noël Biraben, PopulaTion eT SociéTés n° 394,
octobre 2003, L'évoluTion du nombre des hommes.
109. lange, Andrew, The making oF Religion,Longmans
green and co, Third ediTion, 1909.
110. lange, Andrew, myTh ritual and Religion, The Silver
Library, 1901.
111. Langloh parker, The echlayi Tribe, Archbald
ConsTable and Company, London, 1905.
112. Max muller, HisTory oF ancient SanskriT literaTure,
Williams and norgaTe, paris- london, 1859.
113. Pierre L.Thilaud, Pour une approche de la vieillesse en
Préhistoire, HisToir des sciences médicales, Tome XLVII - N°
4 – 2013.
114. Richard G. Klein, PerspecTives, Whither the
Neanderthals?, Science, Vol 299, 7 MARCH 2003.
115. SchmiT, P.Guillaume wilhelm, L'ORIGINE DE
L'IDÉE DE DIEU, Librairie alphonse picard eT Fils, 1910.
336 -------------- ‫ هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟‬-------------------

116. ScienTiFic ReporT- Climate deteriorations and


Neanderthal demise in interior Iberia, Neanderthal Extinction
by Competitive Exclusion - William E. Banks , Francesco
d'Errico, A. Townsend Peterson, Masa Kageyama, Adriana
Sima, Maria-Fernanda Sánchez-Goñi Published: December
24, 2008.
117. Spiegel's- ArThur henry bleek, AvesTa – Vendidad,
Three volumes, HerTFord Muncherjee Hormusjee Cama,
1864.
118. STephen en langdon, The myThology oF all races, vol
5, cooper sqare publishers, 1964
119. The desaTir or sacred wriTings oF The ancient Persian
propheTs: in The original Tonge, Mulla firuz, Vol 2, courier
press, bonbay, 1818.
120. William Carter, Zoroastrianism and Judaism, Richard
G.badger The gorham press, 1918.
121. P.j Wisemans, new discoveries in babilonia aboouT
genesis, Marshall Morgan & ScoTT LTd.
‫‪ ------------------------‬فهرس املصادر واملراجع ‪337 ------------------‬‬

‫مواقع الشبكة العنكبوتية‪:‬‬


‫موقع أهل القرآن‪:‬‬
‫‪http://www.ahl-alquran.com/arabic/profile.php?main_id=555‬‬
‫موقع حممد ابن صالح العثيمني‪ ،‬فتوى‪ :‬كيف علمت املالئكة أن أهل األرض‬
‫سيفسدون ؟ رابط‪http://binothaimeen.net/content/8887 :‬‬
‫موقع الشيخ ابن باز رابط‪:‬‬
‫‪ https://cutt.us/elKaI‬و ‪https://binbaz.org.sa/‬‬
‫مقال ملحمد عيل البار بعنوان‪ :‬زواج األقارب واملحارم عند األمم‪ ،‬موقع اإلعجاز‬
‫العلمي برابط‪:‬‬
‫‪https://www.eajaz.org/index.php/component/content/article/81‬‬
‫‪-Number-XXIII/731-Inbreeding-and-incest-at-the-United‬‬
‫املرشوع العراقي للرتمجة‪ ،‬األصل اإلسالمي لنظرية التطور‪:‬‬
‫رابط‪https://www.iqtp.org/?p=14324 :‬‬
‫وأصله باإلنجليزية‪Islamic Foreshadowing oF Evolution, By :‬‬
‫‪ Paul S. BraTerman‬رابط‪:‬‬
‫‪https://muslimheritage.com/islamic-foreshadowing-of-‬‬
‫‪evolution/‬‬
‫موقع قناة اجلزيرة‪:‬‬
‫مقال لشادي عبد احلافظ‪ ،‬نرش عىل موقع قناة اجلزيرة حتت عنوان‪ :‬حرب الدين‬
‫واجلينات‪ ..‬هل نظرية التطور بديل عن اخلالق‪ ،‬رابط‪https://cutt.us/qU2dC :‬‬
‫موقع ميثولوجيكا‪ :‬رابط‬
‫‪https://mythologica.fr/hindou/manu.htm‬‬
338 -------------- ‫ هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟‬-------------------

:‫املوسوعة اإليرانية‬
http://www.iranicaonline.org/articles/gayomart-
:bbc ‫موقع القناة اإلخبارية الربيطانية‬
http://news.bbc.co.uk/2/hi/asia-pacific/6669569.stm
:naTure ‫موقع املجلة العلمية الشهرية ناتور‬
https://www.nature.com/articles/nature07741
https://www.nature.com/articles/325031a0?foxtrotcallba
ck=true
https://www.nature.com/articles/449291a#ref10
https://www.nature.com/articles/nature17405#ref1
https://www.nature.com/articles/ni.3332
:science daily ‫موقع ساينس داييل‬
https://www.sciencedaily.com/releases/2016/05/160502
131231.htm
https://www.sciencedaily.com/releases/2011/01/110111
133254.htm
https://www.sciencedaily.com/releases/2015/11/151130
130021.htm
:abc ‫موقع قناة اإلخبارية األمريكية‬
https://abcnews.go.com/Technology/evidence-suggests-
biblical-great-flood-noahs-time-happened/story?id=17884533
339 ------------------ ‫ فهرس املصادر واملراجع‬------------------------

https://abcnews.go.com/2020/video/noahs-biblical-flood-
evidence-suggests-happened-
18041950?fbclid=IwAR3V3Y5AbqLA8TB5IA51H87omubgbdZ
gqsWOGNj1hiMcQQpwZ_xvIbFF5_U
https://abcnews.go.com/Technology/meet-foot-367-million-
year-human-ancestor/story?id=30062072
:hominidés ‫موقع هومينيدي‬
https://www.hominides.com/html/actualites/little-foot-
cerveau-composite-1319.php
https://www.hominides.com/html/dossiers/cerveau.php
https://www.hominides.com/html/ancetres/ancetres.php
:science-eT-vie ‫موقع املجلة الشهرية علوم وحياة‬
https://www.science-et-vie.com/archives/paleontologie-
homo-naledi-enrichit-la-grande-famille-humaine-32471
:‫موقع جامعة اإليمن‬
http://www.jameataleman.org/main/articles.aspx?selecte
d_article_no=1815
:FuTura science ‫موقع‬
https://www.futura-sciences.com/planete/definitions/paleontologie-
homo-erectus-4117/
https://www.futura-sciences.com/planete/definitions/paleontologie-
homo-habilis-4116/
340 -------------- ‫ هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟‬-------------------

:Le monde ‫موقع جريدة لوموند الفرنسية‬


https://www.lemonde.fr/paleontologie/article/2015/04/01/le-
fossile-little-foot-un-pied-dans-le-berceau-de-l-
humanite_4607721_1650762.html
:SmiThsonianmag ‫موقع‬
https://www.smithsonianmag.com/science-nature/no-
mitochondrial-eve-not-first-female-species-180959593/
https://www.smithsonianmag.com/science-nature/evidence-for-a-
flood-102813115/
:lejournal.cnrs ‫موقع‬
https://lejournal.cnrs.fr/articles/neandertal-le-cousin-rehabilite
:Universalis ‫موقع يونوفرساليس‬
https://www.universalis.fr/encyclopedie/homo-sapiens/
https://www.universalis.fr/encyclopedie/homo-erectus/
:Archéologies en chanTier ‫موقع علم اآلثار يف الورشة‬
http://www.archeologiesenchantier.ens.fr/spip.php?article9
http://www.archeologiesenchantier.ens.fr/spip.php?article9
:‫حلقات مرئية للباحث الفيزيائي نضال قسوم‬
:‫ رابط‬،‫رشوحه املرئية للتطورية وتناوله جلوانبها الدينية العقدية والعلمية‬
:‫اجلانب العقدي للنظرية‬
https://www.youtube.com/watch?v=bEmth44pj6k
:‫النظرية التطورية وأدلتها‬
https://www.youtube.com/watch?v=uNDoiokVsWk
341 ------------------ ‫ فهرس املصادر واملراجع‬------------------------

:‫مواقع وروابط خمتلفة‬


https://www.metmuseum.org/toah/hd/cneo/hd_cneo.htm
https://www.kabbos.com/index.php?darck=1060
https://www.greatsciences.com/167/hl-altarykh-aldhy-
ndrsh-hqyqy-am-mzwr-wmhrf-hl-alshkhsyat-walahdath-
alty-ntlmha-n-alaghryq-w-alywnan-w-alrwman-
walbyznt-hqyqyt
http://cutt.us/CfTCg
http://www.qassimy.com/vb/showthread.php?t=405118
https://www.ancient-origins.net/human-origins-
science/great-flood-scientific-evidence-00263
https://www.youtube.com/watch?v=GAR_ujRy3kk
http://acces.ens-
lyon.fr/acces/thematiques/paleo/variations/paleoclimats/sy
ntheses/datation-des-echantillons/les-techniques-de-
datation-1
http://pages.ucsd.edu/~dkjordan/resources/clarifications/Mitoc
hondrialEve.html#happened
http://cutt.us/CfTCg
http://www.qassimy.com/vb/showthread.php?t=405118
https://www.sciencesetavenir.fr/archeo-paleo/homo-
naledi-300-000-ans-un-homme-relique-contemporain-
des-premiers-homo-sapiens_112838
342 -------------- ‫ هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟‬-------------------

https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S004724
8418302793?via=ihub
https://www.pourlascience.fr/sd/prehistoire/little-foot-est-
il-aussi-vieux-que-lucynbsp-11898.php
https://ncse.com/creationism/analysis/transitional-fossils-
are-not-rare
https://www.slideshare.net/tbutle/research-project-human-
evolution
https://www.si.edu/newsdesk/photos/human-origins-
timeline-diversity-species
https://fr.slideshare.net/JennyWoolway/evolution-part-2-
62400634
https://sites.google.com/site/scientificboardaus/home/hom
o-heidelbergensis
https://planet-terre.ens-lyon.fr/article/Homo-naledi.xml
https://www.albayan.ae/five-senses/2001-08-12-
1.1125765
http://cutt.us.com/x7vz8ym6
http://acces.ens-
lyon.fr/acces/thematiques/paleo/variations/paleoclimats/sy
ntheses/datation-des-echantillons/les-techniques-de-
datation-1
343 ------------------ ‫ فهرس املصادر واملراجع‬------------------------

Néandertal vivait en Espagne il y a 430 000 ans PAR


MICHEL DE PRACONTAL, ARTICLE PUBLIÉ LE MARDI
15 MARS 2016, https://www.mediapart.fr/ , p1.
Néandertal vivait en Espagne il y a 430 000 ans PAR
MICHEL DE PRACONTAL, ARTICLE PUBLIÉ LE MARDI
15 MARS 2016. https://www.mediapart.fr/
Synchrotron Reveals Human Children Outpaced
Neanderthals by Slowing Down, Press Release: December
2010 : https://heb.fas.harvard.edu/press .

:‫األرشطة العلمية‬
Aux origines de l'humaniTé 3 Homo Sapiens –
DocumenTaire diffusaiT sur la chaine A.R.T.
DocumenTaire Science grand format, L'apocalypse de
Néandertal, diffusé sur France 5 le 29 novembre 2
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪344 --------------‬‬

‫فهرس املواضيع‬
‫‪ --------------------------‬فهرس املواضيع ‪345 ---------------------‬‬

‫الصفحة‬ ‫العنوان‬
‫مقدمة‪5.............................................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪11..............‬‬
‫املطلب األول‪ :‬هل يثبت القرآن الكريم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ …‪12......‬‬
‫دليل‪ :‬القرآن والسنة ال ينفيان وجود أناس آخرين يف األرض قبل آدم عليه السالم ‪12..‬‬
‫دليل‪ :‬اهلل تعاىل يف كل القرآن الكريم مل يقل أبدا أن آدم هو أول كائن عاقل أو أول إنسان‬
‫سكن كل الكرة األرضية‪ ،‬أو أنه أب كل الناس األولني واآلخرين‪12.................‬‬
‫دليل‪ :‬اهلل تعاىل نسب األب َّوة آلدم عليه السالم عىل أبنائه فقط دون سائر الناس ‪13 ....‬‬
‫دليل‪ :‬اهلل تعاىل خلق خملوقات مساوية أو أفضل من بني آدم‪ ،‬من غري املمتنع أن بعضهم‬
‫سكن األرض ‪13...................................................................‬‬
‫اس َتخَ َل َ‬
‫ف َخملو ًقا أو أكثر يف األرض قد يكون‬ ‫دليل‪ :‬القرآن الكريم يشري أن آدم ِ‬
‫(خليْ َفة) ْ‬
‫َ‬
‫من جنسه أو قريبا منه‪ ،‬ويتوىل آدم بِنب َّوته تبليغ الرسالة إىل قوم والوالية واحلكم عليهم‪،‬‬
‫واملالئكة ت َِقيس سفك الدماء الذي سيكون من بني آدم يف األرض بمخلوق أو خملوقات‬
‫أخرى قبله سفكت الدماء‪ ،‬قد تكون مثله أو تشبهه ‪14...............................‬‬
‫دليل‪ :‬حقيقة النفس الواحدة التي خلق اهلل الناس منها ليست بالرضورة واحلَ ْرص آدم‬
‫عليه السالم ‪25.....................................................................‬‬
‫دليل‪ :‬حتريم زواج األخ مع أخته ‪38.................................................‬‬
‫أرض آدم كآدم ‪42.................‬‬ ‫ٍ‬ ‫ض يف كل‬ ‫دليل‪ :‬قول عبد اهلل بن عباس؛ سبع أرا ٍ‬
‫ِ‬
‫وحا َو َآل إِبْ َراه َ‬
‫يم َو َآل‬ ‫اص َط َف ٰى آ َد َم َون ً‬ ‫دليل‪ :‬اصطفاء اهلل آلدم‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ ( :‬إِ َّن َّ َ‬
‫اَّلل ْ‬
‫ان ع َىل ا ْلع َ ِ‬
‫ني ) (آل عمران ‪62........................................... )33‬‬ ‫امل َ‬ ‫َ‬ ‫ِع ْم َر َ َ‬
‫رصا كل الكرة األرضية ‪66.......‬‬
‫قصد به َح ْ ً‬
‫دليل‪ :‬لـفظ األرض يف القرآن الكريم ال ي َ‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪346 --------------‬‬

‫دليل‪ :‬خطاب اهلل تعاىل للناس ب ـ ( يا بني آدم ) يف القرآن الكريم ال إشكال فيه وال ينفي‬
‫كونه م َو َّجها إىل كل الناس بم فيهم غري ذرية آدم عليه السالم ‪69......................‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ) (احلج ‪ ،)78‬فاهلل تعاىل سمى إبراهيم أبانا‬ ‫دليل‪ :‬قال اهلل تعاىل‪ ( :‬م َّل َة َأبِيك ْم إِ ْب َراه َ‬
‫بالرغم من أنه ليس أب ًا لكل الناس ‪71................................................‬‬
‫دليل‪ :‬اهلل تعاىل خلقنا وخلق الذين من َقبْلِنا ‪74......................................‬‬
‫ف األرض ‪75...............................................‬‬ ‫دليل‪ :‬اهلل جعالنا َخال َِئ َ‬
‫دليل‪ :‬قال اهلل تعاىل‪ ( :‬إِ ْذ َق َال َرب َك لِلْ َمال َِئك َِة إِين َخال ِ ٌق َب َرشا من طِ ٍ‬
‫ني (‪َ )71‬ف ِإ َذا َس َّو ْيته‬ ‫ً‬
‫اج ِدي َن ) (سورة ص‪75................. )71-72‬‬ ‫وحي َف َقعوا َله س ِ‬
‫َ‬
‫و َن َفخْت ِف ِيه ِمن ر ِ‬
‫َ‬
‫دليل‪ :‬اهلل تعاىل خلق آدم عليه السالم خلقا مستقالً يشبه عيسى عليه السالم‪ ،‬قال اهلل‬
‫اَّللِ ك ََمث َِل آ َد َم ۚ َخ َل َقه ِمن ت َر ٍ‬
‫اب ث َّم َق َال َله كن َف َيكون ) (آل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تعاىل‪ ( :‬إِ َّن َمث ََل ع َ‬
‫يس ٰى عندَ َّ‬
‫عمران ‪76..................................................................... )59‬‬
‫دليل‪ :‬اآليات التي تذكر خلق الناس من طني ال تعني أن كل الناس يف كل زمان ومكان‬
‫هم من أبناء آدم عليه السالم ‪88.....................................................‬‬
‫دليل‪ :‬آيات التهديد باستبدالنا بقوم آخرين‪ ،‬وما يدرينا أن اهلل فعلها من قبل ‪98......‬‬
‫دليل‪ :‬اهلل أنشأنا من ذرية قوم آخرين ‪98 ............................................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬هل يثبت حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم وجود إنسان قبل آدم عليه‬
‫السالم ؟ ‪99........................................................................‬‬
‫دليل‪ :‬ال يوجد أي حديث من أحاديث النبي صىل اهلل عليه وسلم ينفي وجود أناس قبل‬
‫آدم عليه السالم ‪99..................................................................‬‬
‫دليل‪ :‬آدم عليه السالم كان ِْسيانِي ًا وتكلم بالّسيانِية‪ِ ،‬‬
‫والّس َيانيون َقبْلهم ٌ‬
‫برش كثري ‪99..‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫دليل‪ :‬زمن آدم عليه السالم ال يتجاوز السبعة آالف سنة ‪ 7.000‬استنادا عىل حديث‬
‫النبي صىل اهلل عليه وسلم مع مجعه ببعض آثار الصحابة والتابعني ‪105 ................‬‬
‫‪ --------------------------‬فهرس املواضيع ‪347 ---------------------‬‬

‫دليل‪ :‬عمر آدم عليه السالم استنادا إىل سلسلة نسب النبي حممد صىل اهلل عليه وسلم إىل‬
‫إبراهيم صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬ومن ثمة زيادة مدَّ ة عرشة قرون بني إبراهيم وآدم صىل‬
‫اهلل عليهم وسلم املثبتة يف احلديث الصحيح ‪112....................................‬‬
‫دليل‪ :‬توضيح حديث (أنتم بنوا آدم‪ ،‬وآدم من تراب) ‪116...........................‬‬
‫دليل‪ :‬آدم عليه السالم كان نبيا َأ ْرسله اهلل‪ ،‬من هم القوم الذين َأ ْر َس َله اهلل إليهم ؟‪120..‬‬
‫كيفية خلق حواء عليها‬ ‫دليل‪ :‬مل يثبت أي حديث عن النبي صىل اهلل عليه وسلم يف ِ‬

‫السالم ‪124........................................................................‬‬
‫دليل‪ :‬حديث قتل من تزوج امرأة أبيه ‪128..........................................‬‬
‫دليل‪ :‬البحث يف طول آدم عليه السالم احلقيقي ‪129.................................‬‬
‫دليل‪ :‬الفرق يف السن بني آدم عليه السالم وبنيه وبني باقي البرش‪137.................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬نتيجة حول الفصل األول‪ :‬موقف اإلسالم من وجود إنسان قبل آدم‬
‫عليه السالم ‪146....................................................................‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬هل تثْبِت األديان السموية وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪154....‬‬
‫املطلب األول‪ :‬إنسان قبل آدم عليه السالم يف التوراة واليهودية ‪155.................‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬إنسان قبل آدم عليه السالم يف الزرادشتية (املجوسية) ‪157.............‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬إنسان قبل آدم عليه السالم عند الصابئة ‪180.........................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬النرصانية ووجود إنسان قبل آدم عليه السالم ‪183....................‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬نتيجة حول الفصل الثاين‪ :‬هل تث ْبِت األديان السموية وجود إنسان قبل‬
‫آدم عليه السالم ؟ ‪185.............................................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬هل يثْبِت ِ‬
‫العلْم وجود إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪187.............‬‬
‫املطلب األول‪ِ :‬ح َساب زمن آدم عليه السالم ِعلْ ِميا بقياس زمان الطوفان ‪189........‬‬
‫‪ -------------------‬هل هنالك إنسان قبل آدم عليه السالم ؟ ‪348 --------------‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬أجناس برشية عاشت قبل آدم عليه السالم بمئات اآلالف وماليني‬
‫السنني‪200.........................................................................‬‬
‫مقدمة يف َكيْ ِفية ِح َساب أزمنة العظام البرشية التي ت َعد بمئات وماليني السنني وتَأْ ِرخي ـِها‬
‫علم ًّيا ‪200.........................................................................‬‬ ‫ِ‬

‫إنسان اهلوموسابني (‪( )homo sapiens‬احلديث) (عاش قبل ثالث مائة ألف سنة‬
‫‪ 300.000‬إىل اآلن) ‪201...........................................................‬‬
‫إنسان النياندرتال )‪( (The NeanderThal) (le NéanderTal‬أكثر من‬
‫‪ 430.000‬سنة) ‪210..............................................................‬‬
‫إنسان اهلومو إيركتوس (‪( )Homo erecTus‬عاش قبل حوايل ‪ 1.8‬مليون سنة)‬
‫‪216................................................................................‬‬
‫إنسان اهلومو هابيليس (‪( )Homo habilis‬عاش حوايل ‪ 2.5‬مليون سنة)‪218......‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الدين والنظرية التطو ِرية ‪219.......................................‬‬
‫َاقض اإلسالم ؟ ‪219............................................‬‬ ‫هل نظرية ال َّت َطور تن ِ‬
‫نتيجة حول هل نظرية ال َّت َطور تن ِ‬
‫َاقض اإلسالم ؟ ‪238................................‬‬
‫علمء مسلِمون قدَ ماء قالوا ب َّت َطور املخلوقات قبل دارون ‪ Darwin‬بمئات السنني‪240‬‬
‫ابن خلدون (‪732‬ه ‪808-‬ه)‪( :‬الفيلسوف املؤرخ ومؤسس ِعلْم االجتمع) ‪241......‬‬
‫والر َحالة) ‪244........‬‬
‫البريوين (‪362‬ه‪440-‬ه)‪( :‬الفيلسوف املؤرخ والعامل الريايض َّ‬
‫اجلاحظ (‪163‬ه‪255-‬ه)‪( :‬إمام كبري من أئمة األدب) ‪245..........................‬‬
‫ابن مسكويه (ت‪421‬ه)‪ ( :‬مؤرخ باحث‪ ،‬اشتغل بالفلسفة والكيمياء واملنطق)‪249....‬‬
‫إخوان الصفا (القرن الثالث للهجرة)‪( :‬مجاعة من العلمء املسلمني) ‪251..............‬‬
‫نتيجة حول‪ :‬علمء من قدماء املسلمني قالوا بنظرية التطور ‪257.......................‬‬
‫باحثون مسلمون معارصون يرون بِ ِص َّحة نظرية التطور‪257...........................‬‬
‫‪ --------------------------‬فهرس املواضيع ‪349 ---------------------‬‬

‫الوحي والنظرية ال َّت َطو ِر َية ‪259......................................‬‬


‫حماولة اجلمع بني َّ‬
‫نتيجة حول النظرية ال َّتطورية وعالقتها مع الدين ‪262................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬مسائل م ِه َّمة ‪263....................................................‬‬
‫ما هو دين اإلنسان ال َّق ِديم؟‪263.....................................................‬‬
‫(ح َّواء امليتوكندري) العلم يثْبِت وجود أ ٍم أخرى أقدم من َح َّواء املعروفة لكنها ليْ َست‬
‫َ‬
‫أ ًما لِكل ال َّب َرش ‪270..................................................................‬‬
‫من هم سكان العامل الذين ليسوا من أبناء آدم عليه السالم وال ن َْسلِه ؟ ‪273...........‬‬
‫ما هي الصور احلقيقية لألصناف البرشية التي عاشت قبل آدم عليه السالم بآالف‬
‫وماليني السنني واالختالفات بينها ؟ ‪276...........................................‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬نتيجة حول الفصل الثالث‪ :‬هل يثبت ِ‬
‫العلْم وجود إنسان قبل آدم عليه‬
‫السالم ؟ ‪292.......................................................................‬‬
‫اخلاُتة ‪301.........................................................................‬‬
‫نتيجة البحث العامة ‪302............................................................‬‬
‫نتائج تفصيلية للبحث ‪307..........................................................‬‬
‫توصيات ‪324......................................................................‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع ‪325.......................................................‬‬
‫فهرس املواضيع ‪344...............................................................‬‬
‫كتاب لنفس املؤلف‪:‬‬
‫دار علم الحكـمـة‬

You might also like