You are on page 1of 3

‫الفصل الرابع‪ :‬أنواع القواعد القانونية من حيث قوتها اإللزامية (أو من حيث‬

‫الشكل)‬

‫أوال ‪ :‬التعريف بالقواعد اآلمرة والقواعد المكملة‪:‬‬


‫تنحصر القواعد القانونية بين نوعين من القواعد ‪ ،‬وذلك بسبب أن العالقة االجتماعية‬
‫والسلوكية ليست كلها على درجة واحدة من االتصال بمصلحة المجتمع وتنظيمه‪ ،‬فالعالقات‬
‫المنشئة للنظام العام ليست مثل العالقات الخاصة بمصالح األفراد‪ ،‬مما يدفع بالمشرع إلى سن‬
‫قواعد صارمة ومطلقة لحماية المصالح العليا واألساسية للمجتمع ‪،‬وال يسمح بمخالفتها أو‬
‫االتفاق على ما يخالفها وتدعى هذه القواعد باآلمرة‪.‬‬

‫في حين أنه قد يسن قواعد قانونية مالئمة لرغبات األفراد وليست آمرة‪ ،‬حيث يجيز لهم‬
‫االستغناء عن حكمها واستبداله بما يرونه مسهال لتنفيذ أعمالهم‪ ،‬والمحافظ على حقوقهم فتدعى‬
‫هذه القواعد بالمكملة‪.‬‬

‫والواقع أن التفرقة بين القواعد اآلمرة والقواعد المكملة تظهر أهميتها في القانون الخاص‬
‫أكثر مما في القانون العام‪ ،‬وذلك ألن الكثير من قواعده آمرة باعتبار أنها متصلة بالصالح‬
‫العام‪ ،‬بينما نجد تنظيم العالقات في القانون الخاص متروك لإلرادة الفردية‪ ،‬ولهذا كانت أغلب‬
‫القواعد في هذا القانون مكملة إلرادة أطراف العالقة‪ ،‬وهذا ال يعني أن القواعد اآلمرة ال‬
‫تستعمل إال في القانون العام‪ ،‬وأن القواعد المكملة ميدانها القانون الخاص‪ ،‬بل نجد المشرع‬
‫يعالج كل أمر بما يناسبه من القواعد بغض النظر عن نطاقه‪.‬‬
‫فاألمر المتعلق بالنظام العام أو بالمصالح العليا واألساسية للمجتمع‪ ،‬سواء جاء في القانون‬
‫العام أو القانون الخاص وجب أن يصاغ في شكل قاعدة آمرة‪.‬‬
‫أما العالقة التي تقتصر على طرفيها فقط‪ ،‬وال تتصل آثارها بالمجتمع وجب تنظيمها تنظيما‬
‫غير آمر أي بقاعدة مكملة‪.‬‬

‫وبناءا على ما سبق‪ ،‬فإن القاعدة المكملة هي القاعدة التي ال يجوز لألفراد مخالفة حكمها أو‬
‫االتفاق على ما يخالفه‪ ،‬والعلة في ذلك أن القاعدة اآلمرة تأتي لتنظم مسألة أساسية في نظام‬
‫المجتمع‪ ،‬لذا فهي تتميز بما يلي‪:‬‬
‫‪-‬أن حكمها مطلق في جميع الحاالت‪.‬‬
‫‪-‬وأن كل اتفاق يخالف حكمها يقع باطال وعديم األثر‪.‬‬
‫والمثال على القاعدة اآلمرة ما جاء في المادة ‪ 261‬من قانون العقوبات الجزائري‪ ،‬من أن‪":‬‬
‫يعاقب باإلعدام كل من ارتكب جريمة القتل أو قتل األصول أو قتل األصول أو التسميم"‪.‬‬

‫أما القاعدة المكملة فهي التي يجوز لألفراد مخالفة حكمها وتطبيق ما تم االتفاق عليه‪ ،‬تطبيقا‬
‫لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين‪ ،‬ولكونها ال تتصل بكيان المجتمع‪ ،‬ومن أهم ما تتميز به ما يلي‪:‬‬
‫‪-‬هي قاعدة قانونية واجبة اإلتباع ما لم يوجد اتفاق على مخالفة حكمها‪.‬‬
‫‪-‬هي غير مطلقة التطبيق‪ ،‬وال تنعدم فيها أرادة األفراد‪ ،‬بحيث يمكن لهم االتفاق عال‬
‫ما يخالف حكمها‪ ،‬و المثال على القاعدة المكملة ما جاء في التقنين المدني‪ ،‬م أن دفع‬
‫ثمن يكون وقت تسليم المبيع‪ ،‬ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بخالف ذلك‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التمييز بين القواعد اآلمرة والقواعد المكملة‪:‬‬


‫اعتمد الفقه للتمييز بين القواعد اآلمرة والقواعد المكملة على معيارين لتحديد ما إذا كانت‬
‫القاعدة آمرة أو مكملة‪ ،‬وهما‪:‬‬

‫أ ‪-‬المعيار الشكلي أو اللفظي‪:‬‬


‫ومؤداه أن المشرع استعمل بعض المصطلحات أو األلفاظ للداللة على نوع القاعدة‬
‫القانونية‪ ،‬كما لو استعمل في صياغة النص أنه ال يجوز االتفاق على ما يخالف مضمونه‪.‬‬
‫أو يعاقب كل من يخالف حكمه‪ ،‬أو يقضي ببطالن كل اتفاق يخالف حكمه‪ ،‬وفي هذه الحالة‬
‫تعتبر القاعدة آمرة ال يجوز محالفتها‪.‬‬
‫وقد يقضي نص القاعدة بجواز الخروج عليها صراحة أو االتفاق على ما يخالفها‪ ،‬وعندئذ تعد‬
‫القاعدة مكملة‪.‬‬
‫فبالنظر أو االعتماد على األلفاظ التي استخدمها المشرع في صياغة القاعدة القانونية بشكل‬
‫صريح‪ ،‬يعتبر المعيار الشكلي أو اللفظي هو المعيار الحاسم والمنطقي للتمييز بين القاعدة‬
‫اآلمرة والقاعدة المكملة‪.‬‬
‫حيث نجد في القاعدة اآلمرة األلفاظ أو العبارات التالية‪:‬‬
‫ال يجوز ‪ ،.....‬يقع باطال ‪ ،...‬ال يصح ‪ ... ،...‬يعاقب ‪ ... ،‬يتعين‪ ....، ....‬يلزم‪...‬‬
‫‪ ،‬وغبرها من األلفاظ التي تفيد األمر أو النهي‪.‬‬
‫ومن أمثلة القواعد اآلمرة ما تنص عليه المواد القانونية التالية‪:‬‬
‫‪ -‬تنص المادة ‪ 45‬من القانون المدني على أنه ليس ألحد التنازل عن أهليته وال لتغيير أحكامها‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬تنص المادة ‪ 46‬من القانون المدني على أنه ليس ألحد التنازل عن حريته الشخصية‪.‬‬
‫‪-‬تنص المادة ‪ 124‬من القانون المدني على أن كل عمل أيا كان‪ ،‬يرتكبه المرء ويسبب ضررا‬
‫للغير يلزم من كان سببا في حدوثه‪.‬‬

‫أما نوع األلفاظ التي تجعل القاعدة القانونية قاعدة مكملة فتأتي بالصيغة التالية‪:‬‬
‫‪...‬ما لم يوجد اتفاق على خالف ذلك ‪. ...‬يجوز االتفاق‪...‬‬

‫من أمثلة القواعد المكملة ما تنص عليه المواد القانونية التالية‪:‬‬


‫‪ -‬تنص المادة ‪ 1/378‬من القانون المدني على أنه يدفع ثمن البيع من مكان تسليم المبيع ما لم‬
‫يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬تنص المادة ‪ 395‬ق م بأن نفقات تسلم المبيع تكون على المشتري ما لم يوجد عرف أو‬
‫اتفاق يقضي بغير ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬تنص المادة ‪ 559‬ق م على أن تدفع األجرة عند تسلم العمل إال إذا اقتضى العرف أو االتفاق‬
‫خالف ذلك‪.‬‬
‫ب‪-‬المعيار الموضوعي‪:‬‬
‫يقصد بهذا المعيار النظر إلى موضوع القاعدة القانونية‪ ،‬فإذا كان الموضوع يهم المجتمع‬
‫أي له عالقة مباشرة بالنظام العام كانت القاعدة آمرة‪ ،‬أما إذا جاء لينظم أمرا خاصا ال يهم إال‬
‫أطرافه‪ ،‬فإن القاعدة تعتبر مكملة‪.‬‬
‫و النظام العام مصطلح واسع الداللة‪ ،‬يقصد به مجموعة األسس السياسية واالجتماعية‬
‫واالقتصادية التي يبنى عليها كيان مجتمع معين‪ ،‬وهو يختلف من مجتمع آلخر‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن كل مجتمع يقوم على مجموعة من األسس والدعامات ‪ ،‬إذا تداعت أو انهارت‬
‫فإن المجتمع ذاته ينهار‪ ،‬ولذلك وجب الحفاظ على هذه األسس وصيانتها من قبل الجماعة‬
‫حكاما ومحكومين بالقواعد اآلمرة‪.‬‬

You might also like