Professional Documents
Culture Documents
التنفيذ عن طريق الإلتزام
التنفيذ عن طريق الإلتزام
المقياس /أحكـ ـ ــام االلت ـ ـزام ( قانون مدني) -السنة الثانية ليسانس ل م د ( مجموعة أ /األفواج 5 ،4 ،3 ،2 ،1و .)6
الفصــل الثانـي
سبق أن رأينا أن التنفيذ العيني ىو األصل ،و ليذا كان التنفيذ بمقابل أو التنفيذ عن طريق التعويض ىو طريق يمجأ إليو الدائن
عندما ال يستطيع أن يتحصل عمى التنفيذ العيني .و عمى ذلك فالتنفيذ بمقابل يعد طريقا احتياطيا أو بديال لمتنفيذ العيني ال يمجأ إليو
الدائن إال إذا تعذر التنفيذ العيني .و لذلك يجب أن نحدد نطاق التنفيذ بمقابل ،ثم نعرض بعد ذلك لكيفية تقديره.
المبحــــث األول
في ىذا الصدد سوف ندرس حاالت التنفيذ بمقابل ،ثم نعرض لمتعويض عن عدم التنفيذ و التعويض عن التأخير ،و أخي ار إلمكانية
التنفيذ بمقابل لكل التزام أيا كان مصدره.
المطمــب األول
التنفيذ بمقابل وسيمة عالجية تعوض الدائن عما لحقو من ضرر نتيجة لعدم قيام المدين بتنفيذ التزامو تنفيذا عينيا أو لتأخره في ىذا
التنفيذ .فيو إذن ليس إال وسيمة احتياطية ال يحتم االلتجاء إلييا إال إذا تعذر تنفيذ ذات االلتزام بكافة الشروط التي نشأ بيا .و لذلك
تتمخص ىذه الحاالت فيما يمي:
-1إذا أصبح التنفيذ العيني لاللتزام مستحيال بخطأ المدين ،لم يبق إال التنفيذ بطريق التعويض .و ىذه االستحالة متصورة بالنسبة
لاللتزام أيا كان محمو عدا االلتزام بدفع مبمغ من النقود حيث أن التنفيذ العيني ليذا االلتزام يعتبر ممكنا دائما.
-2إذا كان التنفيذ العيني لاللتزام غير ممكن أو غير مالئم إال إذا قام بو المدين شخصيا ،و لم تجد الغرامة التيديدية في التغمب
عمى تعنتو و امتناعو ،و قد سبق تناول ذلك.
-3إذا كان التنفيذ العيني لاللتزام ممكنا و لكن فيو إرىاق لممدين ،و إذا كان ذلك ال يمحق بالدائن ضر ار جسيما.
-4إذا كان التنفيذ العيني ممكنا ،و لكن لم يطمبو الدائن و لم يعرضو المدين ،و بذلك يكون قد اتجيت إرادتيما معا إلى التنفيذ
بمقابل ،رغم إمكانية التنفيذ العيني.
1
المطمب الثاني
سبق أن رأينا أن التنفيذ بمقابل وسيمة عالجية تعوض الدائن عما يمحقو من ضرر نتيجة لعدم قيام المدين بتنفيذ التزامو تنفيذا عينيا
أو لتأخره في ىذا التنفيذ.
و عمى ذلك فالتعويض نوعان ،تعويض عن عدم التنفيذ و تعويض عن التأخير و كالىما تنفيذ بمقابل .و ىذا واضح في التعويض
عن عدم التنفيذ حيث يمزم المدين الذي لم ينفذ التزامو تنفيذا عينيا بتعويض يحل محل ما كان يجب عميو أن يؤديو .و كذلك الحال إذا
لم ينفذ المدين التزامو سوى تنفيذا جزئيا أو معيبا ،فيمزم بتعويض النقض .و ىو صحيح أيضا فيما يتعمق بالتعويض عن التأخير ،إذ أن
التنفيذ ال يكون كامال إال إذا قام بو المدين في ذات الظروف التي كان عميو تأديتو فييا ،و لذلك يتضمن التأخر في التنفيذ إخالال
جزئيا بااللتزام .فإذا كان المدين لم يوف بدينو إال متأخ ار كان التنفيذ العيني غير كامل ،و ألزم بتعويض يحل محل ىذا النقض ىو
التعويض عن التأخير.
و من المتصور أن يجتمع نوعا التعويض معا -و ذلك إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامو فألزم بتعويض عن التأخير ،ثم أصر عمى
عدم التنفيذ أو أصبح التنفيذ العيني مستحيال بفعمو ،فيمزم بتعويض عن عدم التنفيذ .و إذا تم التنفيذ العيني متأخ ار كان لمدائن أن يجمع
بينو و بين التعويض عن التأخير .و عمى العكس ال يجتمع التنفيذ العيني و التعويض عن عدم التنفيذ إال في الحاالت التي يكون
التنفيذ العيني فييا ناقصا أو معيبا ،فيكون لمدائن تعويضا عن عدم تنفيذ جزئي.
المطمب الثالث
كل التزام أيا كان مصدره يجوز تنفيذه عن طريق التعويض ،فااللتزام العقدي ،سواء كان التزاما بنقل ممكية أو التزاما بعمل أو
التزاما باالمتناع عن عمل ،يكون تنفيذه بطريق التعويض في الحاالت التي تقدم ذكرىا ،و خاصة إذا أصبح التنفيذ العيني مستحيال
بخطأ المدين.
و االلتزامات التي ال يكون مصدرىا العقد يغمب أن يكون تنفيذىا بطريق التعويض .فااللتزام التقصيري ليس إال نتيجة لإلخالل
بالتزام قانوني ىو أن يتخذ الشخص الحيطة الواجبة لعدم اإلضرار بغيره ،و جزاء ىذا اإلخالل ىو التعويض ،و ىذه ىي المسؤولية
التقصيرية .و االلتزام الناشئ من اإلثراء بال سبب ليس إال نتيجة لإلخالل بالتزام قانوني آخر ،ىو أال يثرى الشخص عمى حساب غيره
دون سبب ،و جزاء ىذا اإلخالل ىو التعويض .و كثي ار من االلتزامات القانونية األخرى يكون تنفيذىا عن طريق التعويض ،كالتزام
الجار أال يضر بجاره ضر ار فاحشا و االلتزام بعدم إفشاء سر المينة.
2
المبحـــــث الثانــي
األصل في تقدير التعويض أن يتم بمعرفة القاضي ،و ىذا ىو التعويض القضائي .و لكن في نطاق االلتزامات التعاقدية قد يتفق
الطرفان مقدما عمى مقدار التعويض الذي يمتزم بو المدين إذا لم ينفذ التزامو أو إذا تأخر في الوفاء بو ،و ىذا ىو التعويض االتفاقي أو
الشرط الجزائي .و أخي ار قد يتكفل القانون بتقدير التعويض الذي يستحق عن التأخير في تنفيذ االلتزام ،و ىذا ىو التعويض القانوني.
المطمـب األول
التعويـــض القضائــي
يجب اعذار المدين و مطالبتو بتنفيذ التزامو ،و قد رأينا أن ىذا واجب في التنفيذ العيني ،و ىو واجب أيضا في التنفيذ بطريق
التعويض .بل إن االعذار في التنفيذ بطريق التعويض و خاصة في التعويض عن تأخر المدين في التنفيذ ،لو أىمية بالغة كما سنرى.
و أكثر ما يبرز االعذار في التعويض القضائي ،و إن كان واجبا أيضا في التعويض االتفاقي(الشرط الجزائي) .و قد آثرنا أن نبحث
االعذار في ىذا المطمب.
و بعد أن يعذر الدائن المدين ،يقيم عميو الدعوى يطالبو بتنفيذ التزامو .و نحن ىنا بصدد التنفيذ بطريق التعويض ،فيطمب الدائن
إلى القاضي تقدير التعويض عن الضرر الذي أصابو من جراء عدم تنفيذ المدين اللتزامو و من جراء تأخره في ىذا التنفيذ.
الفـــــرع األول
االعـــــــــذار
تنص المادة 179من القانون المدني ":ال يستحق التعويض إال بعد اعذار المدين ،ما لم يوجد نص مخالف لذلك".
لدراسة االعذار ينبغي أن نعرض لمعنى االعذار ،و كيف يتم االعذار ،و الحاالت التي ال ضرورة فييا لالعذار ،و النتائج التي
تترتب عمى االعذار.
الفقــــرة األولـــى
معنــى االعـــــذار
اعذار المدين ىو وضعو قانونا في حالة المتأخر في تنفيذ التزامو .ذلك أن مجرد حمول أجل االلتزام ال يكفي في جعل المدين في
ىذا الوضع القانوني ،بل البد من اعذاره .فقد يحل أجل االلتزام ،و مع ذلك يسكت الدائن عن أن يتقاضى التنفيذ من المدين ،فيحمل
ذلك منو محمل التسامح و أنو لم يصبو ضرر من تأخر المدين في تنفيذ التزامو ،و قد رضي ضمنا بمد األجل ما دام يستطيع
االنتظار دون ضرر يصيبو من ذلك .أما إذا كان الدائن يريد من المدين أن ينفذ التزامو الذي حل أجمو ،فعميو أن يشعره بذلك عن
3
طريق اعذاره بالطرق التي رسميا القانون .و عند ذلك يصبح المدين ممزما بتنفيذ التزامو فورا ،و كل تأخر في التنفيذ يستوجب
التعويض.
الفقـــرة الثانيـــة
تنص المادة 180من القانون المدني ":يكون اعذار المدين بإنذاره ،أو بما يقوم مقام اإلنذار ،و يجوز أن يتم االعذار عن طريق
البريد عمى الوجو المبين في ىذا القانون ،كما يجوز أن يكون مترتبا عمى اتفاق يقضي بأن يكون المدين معذ ار بمجرد حمول األجل دون
حاجة إلى أي إجراء آخر".
األصل في اعذار المدين أن يكون بانذاره ،و االنذار ورقة رسمية من أوراق المحضرين يبين فييا الدائن في وضوح أنو يطمب من
المدين تنفيذ التزامو .و ىذا ىو الطريق المعتاد العذار المدين ،حتى صح أن يقال " :قد أعذر من أنذر".
و يبين قانون اإلجراءات المدنية و اإلدارية ( )416 -406كيف يعمن المحضر اإلنذار :يسمم صورة اإلنذار إلى المدين نفسو في
موطنو ،فإن لم يجده سمميا إلى وكيمو أو خادمو أو من يكون ساكنا معو ،و إال سمميا إلى جية اإلدارة عمى الوجو الذي بينو قانون
اإلجراءات في النصوص المشار إلييا .و لما كانت المادة 180مدني تقضي بأنو يجوز أن يتم االعذار عن طريق البريد عمى الوجو
المبين في قانون اإلجراءات ،وجب الرجوع إلى ىذا القانون أيضا في ذلك.
و ليس اإلنذار ىو الطريق الوحيد إلنذار المدين .فيناك ما يقوم مقام اإلنذار .و أية ورقة رسمية تظير منيا بجالء رغبة الدائن في
أن ينفذ المدين التزامو تقوم مقام اإلنذار .من ذلك التنبيو الرسمي الذي يسبق التنفيذ .و من ذلك أيضا صحيفة الدعوى ،و محضر
الحجز ،و ىو من أعمال التنفيذ.
أما إذا كانت الورقة غير رسمية كبرقية مثال فال تكفي لالعذار في المسائل المدنية ،إال إذا كان ىناك اتفاق بين الدائن و المدين
عمى أنيا تكفي .ذلك أنو يجوز االتفاق عمى أن يكون المدين معذ ار بمجرد حمول األجل دون حاجة إلى أي اجراء ،فمن باب أولى
يجوز االتفاق عمى أن االعذار تكفي فيو ورقة غير رسمية أو إخطار شفوي .أما في المسائل التجارية فيكفي في االعذار أن يكون
بورقة غير رسمية وفقا لمعرف التجاري.
الفقــــرة الثالثـــة
تنص المادة 181من القانون المدني ":ال ضرورة العذار المدين في الحاالت اآلتية:
4
-إذا صرح المدين كتابة أنو ال ينوي تنفيذ التزامو".
ىناك حاالت ال ضرورة فييا لالعذار ،و يعتبر مجرد حمول الدين إشعا ار كافيا لممدين بوجوب تنفيذ التزامو و إال كان مسؤوال عن
التعويض .و ىذه الحاالت ترجع إما إلى االتفاق ،و إما إلى حكم القانون ،و إما إلى طبيعة األشياء .و قد نص عمييا جميعا في
المادتين 180و 181من القانون المدني.
فقد يتفق الطرفان مقدما عمى أن المدين يكون معذ ار بمجرد حمول أجل االلتزام دون حاجة إلى أي إجراء .و يكون ىذا االتفاق
صريحا أو ضمنيا .و مثل االتفاق الضمني أن يوجب رب العمل عمى المقاول إتمام البناء في تاريخ معين ،و أن يشترط الدائن في عقد
التوريد وجوب التسميم فو ار .و يجب أن يكون االتفاق الضمني غير محل شك.
181مدني عمى أال ضرورة لالعذار في حاالت معينة و قد يقضي القانون بعدم الحاجة إلى االعذار ،و قد نص فعال في المادة
بعضيا كان في حاجة إلى ىذا النص ،و بعضيا يرجع إلى طبيعة األشياء.
فأما ما كان في حاجة إلى النص فالحالة التي يكون فييا محل االلتزام رد شيء يعمم المدين أنو مسروق ،أو رد شيء تسممو دون
حق و ىو عالم بذلك .ففي ىذه الحالة يكون المدين سيء النية ،و يكون واجبا عميو أن يرد الشيء إلى الدائن ،و ليس الدائن-
بمقتضى النص -في حاجة إلى اعذاره .و من ثم يجب عمى المدين أن يبادر فو ار إلى رد الشيء لمدائن دون اعذار ،و إال كان مسؤوال
عن التأخر في الرد.
و أما ما يرجع إلى طبيعة األشياء و ورد مع ذلك فيو النص فثالث حاالت:
(أوال) – إذا أصبح تنفيذ االلتزام غير ممكن بفعل المدين .فال معنى العذار المدين ،و ىذا ما تقضي بو طبائع األشياء ألن االعذار
ىو دعوة المدين إلى تنفيذ التزامو و قد أصبح ىذا التنفيذ غير ممكن أو غير مجد بفعمو ،فاستحق عميو التعويض دون حاجة إلى
اعذار .و لو كانت استحالة التنفيذ نشأت بغير فعل المدين النقضى االلتزام ،و لما كان المدين مسؤوال حتى عن التعويض .منيا أن
يكون تنفيذ االلتزام غير مجد إال في وقت معين فيفوت ىذا الوقت دون أن ينفذ المدين التزامو ،كأن يمتزم مقاول ببناء مكان في معرض
ألحد العارضين و ينتيي المعرض قبل أن ينفذ المقاول التزامو .و كأن يمتزم محام برفع استئناف عن حكم و ينتيي ميعاد االستئناف
قبل أن يرفعو .و منيا أن يكون االلتزام باالمتناع عن عمل ثم يخل المدين بالتزامو و يأتي العمل الممنوع ،فال فائدة من االعذار في
ىذا الفرض إذ أصبح التنفيذ العيني غير ممكن.
(ثانيا) -إذا كان محل االلتزام تعويضا ترتب عمى عمل غير مشروع .ذلك أن العمل غير المشروع إنما ىو إخالل بالتزام الشخص أن
يتخذ الحيطة الواجبة لعدم اإلضرار بالغير .و متى أخل الشخص بيذا االلتزام فأضر بالغير ،لم يعد التنفيذ العيني لاللتزام ممكنا ،فال
ضرورة إذن لالعذار.
(ثالثا) -إذا صرح المدين كتابة أنو ال يريد القيام بالتزامو .فيعد ىذا التصريح الثابت بالكتابة ال جدوى في اعذاره ،فيو قد رد سمفا أنو ال
يريد القيام بالتزامو .و ال يكفي التصريح أمام شيود ،فالقانون قد اشترط الكتابة.
5
الفقــرة الرابعـة
(النتيجة األولى) يصبح المدين مسؤوال عن التعويض لتأخره في تنفيذ االلتزام ،و ذلك من وقت االعذار .أما في الفترة التي سبقت
االعذار ،فال يعوض الدائن المدين عن التأخر في التنفيذ ،فالمفروض كما قدمنا أن الدائن قد رضي بيذا التأخير و لم يصبو منو
179مدني بأنو" ال يستحق التعويض إال بعد ضرر ما دام أنو لم يعذر المدين .و النص صريح في ىذا المعنى ،فقد قضت المادة
اعذار المدين ،ما لم يوجد نص مخالف لذلك".
(النتيجة الثانية) ينتقل تحمل التبعة من طرف إلى آخر .و قد قدمنا أن تبعة اليالك في االلتزام بالتسميم تكون عمى المدين بيذا
االلتزام إذا كان التزاما تبعيا ،و تكون عمى المالك إذا كان التزاما مستقال .و رأينا أن االعذار ينقل تبعة اليالك من طرف إلى آخر في
كمتا الحالتين عمى التفصيل الذي قدمناه.
و رأينا أيضا أن المدين المعذر إذا أثبت أن الشيء كان ييمك في يد الدائن لو أنو سمم إليو ،اندفعت عنو تبعة اليالك بالرغم من
اعذاره ،و انقضى التزامو.
و رأينا أخي ار أنو يتحمل مع ذلك التبعة إذا كان الشيء مسروقا متى كان ىو السارق ،و لو أثبت أن المسروق كان ييمك عند
المالك لو أنو رد إليو.
الفـــرع الثانــي
األصل أن القاضي ىو الذي يقدر التعويض المستحق .لكن ىذا التقدير ال يتم إال إذا توافرت شروط استحقاقو .و لذلك يجب أن
نعرض لشروط استحقاق التعويض ،ثم نعرض بعد ذلك لقواعد ىذا التقدير ،سواء من حيث طريقة التقدير ،و عناصر ىذا التقدير ،و
مداه.
الفقـــرة األولــى
نصت المادة 176مدني ":إذا استحال عمى المدين أن ينفذ االلتزام عينا ،حكم عميو بتعويض الضرر الناجم عن عدم تنفيذ التزامو،
ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ نشأت عن سبب ال يد لو فيو ،و يكون الحكم كذلك إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامو".
ىذ النص ينصرف إلى المسؤولية المدنية بنوعييا ،سواء أكانت مسؤولية عقدية أم مسؤولية تقصيرية ،و يتضح من ذلك أن شروط
استحقاق التعويض ىي نفس أركان المسؤولية المدنية ،و ىذه األركان ىي الخطأ و الضرر و عالقة السببية.
6
و لذلك نحيل إلى دراسة المسؤولية العقدية و المسؤولية التقصيرية في القسم األول من نظرية االلتزام و الخاص بمصادر االلتزام.
الفـــقرة الثانيـــة
في ىذا الصدد سوف ندرس طريقة التعويض ،ثم نعرض بعد ذلك لعناصره لنقف بعد ذلك عمى مداه.
القاضي يقدر التعويض عادة بمبمغ من النقود ،سواء في ذلك المسؤولية العقدية أو المسؤولية التقصيرية ،أو أي التزام منشؤه
مصدر أخر .و مع ذلك قد يكون التعويض غير نقدي في بعض الحاالت ،بل تعويضا عينيا فيجوز لمقاضي أن يحكم بيدم حائط
أقاميا المالك تعسفا لحجب النور و اليواء عن جاره.
182مدني ":إذا لم يكن التعويض مقد ار في العقد أو الذي يقوم بتقدير التعويض عادة ىو القاضي كما قدمنا ،و قد نصت المادة
في القانون ،فالقاضي ىو الذي يقدره ،و يشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة و ما فاتو من كسب ،بشرط أن يكون ىذا نتيجة
طبيعية لعدم الوفاء بااللتزام أو لمتأخر في الوفاء بو ،و يعتبر الضرر نتيجة طبيعية إذا لم يكن في استطاعة الدائن أن يتوقاه ببذل جيد
معقول.
غير أنو إذا كان االلتزام مصدره العقد ،فال يمتزم المدين الذي لم يرتكب غشا أو خطأ جسيما إال بتعويض الضرر الذي كان يمكن
توقعو عادة وقت التعاقد".
و نرى من ىذا النص أن لمتعويض عنصرين :ما أصاب الدائن من الخسارة ،و ما ضاع عميو من الكسب .فالقاضي إذن في تقديره
لمتعويض -سواء التعويض عن عدم التنفيذ أو التعويض عن التأخر في التنفيذ -يدخل في حسابو ىذين العنصرين .فيقدر أوال ما
أصاب الدائن من ضرر بسبب عدم تنفيذ المدين اللتزامو أو بسبب تأخره في ىذا التنفيذ .ثم يقدر بعد ذلك ما فات الدائن من كسب .و
مجموع ىذين ىو التعويض.
فالمدين الذي ال يقوم بتنفيذ التزامو عن تسميم بضاعة تعيد بتسميميا لمدائن ،يدفع تعويضا عما أصاب الدائن من خسارة بسبب
اضط ارره لشراء ىذه البضاعة بثمن أعمى ،و عما ضاع عميو من ربح بسبب فوات صفقة رابحة ثبت أنو كان يعقدىا لو قام المدين
بتنفيذ التزامو و سممو البضاعة في الميعاد المتفق عميو .و الممثل الذي ال يقوم بتنفيذ التزامو من إحياء ليمة تمثيمية يدفع تعويضا لمدائن
عما أصابو من خسارة بسبب ما أنفقو في تنظيم ىذه الميمة ،و عما ضاع عميو من ربح كان يجنيو لو أن الممثل قام بالتزامو .و ىكذا.
و غني عن البيان أنو ال يكون ىناك محل لمتعويض إذا لم يصب الدائن ضرر و لم يفتو كسب من جراء عدم قيام المدين بتنفيذ
التزامو أو من جراء تأخره في ذلك .و كثي ار ما يتحقق ىذا األمر في حالة مجرد تأخر المدين في تنفيذ التزامو .و قد يتحقق أيضا في
حالة عدم التنفيذ ،كما إذا لم يقم محام بالتزامو نحو موكمو من التقدم بقيد رىن لمصمحتو ،و يتبين أن تخمف المحامي عن القيام بالتزامو
7
لم يمحق بالموكل ضر ار و لم يفوت عميو نفعا ،لو أنو كان قيد الرىن لمصمحتو لما كان ىذا القيد منتجا ألن العقار مثقل برىون سابقة
تستغرقو.
و الدائن ىو الذي يقع عميو عبء اإلثبات ،فيثبت مقدار ما أصابو من ضرر و مقدار ما فاتو من كسب.
قدمنا أن الغرض األساسي من التعويض ىو جبر الضرر الذي أصاب الدائن .و لذلك كانت قيمة الضرر كقاعدة عامة ىي
العامل األساسي في تحديد مبمغ التعويض المستحق عنو ،إال أن ىذا المبدأ يرد عميو قيدان :األول خاص بكل االلتزامات سواء أكانت
عقدية أم غير عقدية ،و الثاني خاص بااللتزامات العقدية.
أ -التعويض عن الضرر المباشر دون الضرر غير المباشر :ال يمزم المدين في المسؤولية المدنية بنوعييا إال بالتعويض عن الضرر
المباشر دون األضرار غير المباشرة .ىذا يفترض بطبيعة الحال أن ىناك أض ار ار تعاقبت عمى عدم التنفيذ أو التأخر فيو ،مما استمزم
معو تحديد ما يسأل عنو المدين من ىذه األضرار .و لذلك كان المبدأ العام في المسؤولية المدنية بنوعييا ،ىو قصر التعويض عمى
األضرار المباشرة دون األضرار غير المباشرة .
و الضرر المباشر ىو الضرر الذي يعتبر نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بااللتزام أو لمتأخر في الوفاء بو .و يعتبر الضرر نتيجة
طبيعية إذا لم يكن في استطاعة الدائن أن يتوقاه ببذل جيد معقول (المادة 1/182مدني).
و بناء عمى ذلك ،فإن ترك الدائن األضرار تتالحق واحد في إثر آخر ،رغم أنو كان يستطيع تالفييا ببذل جيد معقول ،يعتبر ىذا
خطأ من جانبو يقع عميو نتائجو و ال يسأل عنيا المدين .و يمكن تبرير ىذا الحكم من ناحية أخرى بأن األضرار التي تكون نتيجة
طبيعية لخطأ المدين التي تثبت كل الثبوت صمتيا بعدم تنفيذ االلتزام ،ىي وحدىا التي تحتفظ من الناحية القانونية بعالقة السببية بينيا
و بين الخطأ .أما غيرىا من األضرار ،و ىي األضرار غير المباشرة التي ال تكون نتيجة طبيعية لمخطأ أو التي ال تثبت كل الثبوت
اتصاليا ،فتقطع عالقة السببية بينيا و بين الخطأ و ال يكون المدعى عميو مسؤوال عنيا.
ب -ال تعويض في المسؤولية العقدية إال عن الضرر المتوقع :بعد أن بينت الفقرة األولى من المادة 182مدني القواعد العامة في
كيفية تقدير التعويض عن الضرر الناتج عن اإلخالل بالتزام أيا كان مصدره ،و ذلك ببيان عناصر التعويض ،و قصر التعويض في
المسؤولية المدنية عمى الضرر المباشر و تحديد المقصود بيذا الضرر ،نصت الفقرة الثانية من ذات المادة عمى أن التعويض في
المسؤولية العقدية يقتصر عمى التعويض عن الضرر المتوقع دون الضرر غير المتوقع ،و ذلك عمى خالف األمر في المسؤولية
التقصيرية ،فيما عدا حالتي الغش و الخطأ الجسيم حيث يشمل التعويض الضرر المتوقع و غير المتوقع.
فمن حيث المقصود بالضرر المتوقع فإنو ال يكفي أن يكون الضرر متوقع في سببو أو وقوعو لكي يسأل المدين عن تعويضو كامال
بل يجب أن يكون متوقعا في مقداره ،فال يسأل المدين إال عن القدر المتوقع منو.
8
العبرة في توقع الضرر بوقت التعاقد .فمو أن الضرر لم يكن متوقعا وقت العقد ،و لكنو صار ممكن التوقع بعد ذلك أي في الفترة
ما بين انعقاد العقد و اإلخالل بااللتزام ،فال يكون المدين مسؤوال عن تعويضو.
معيار توقع الضرر موضوعي مجرد .فالضرر المتوقع وفقا لنص المادة 2/182مدني ،ىو " الضرر الذي كان يمكن توقعو عادة
" فميس المقصود ىو الضرر الذي توقعو المدين فعال أو كان يستطيع ىنا المدين بالذات أن يتوقعو ،و إنما الضرر الذي كان يمكن أن
يتوقعو الشخص العادي لو وجد في مثل الظروف الخارجية التي وجد فييا المدين.
المطمــــب الثانـــي
بعد أن وضعت المادة 182مدني المبدأ و ىو أنو " إذا لم يكن التعويض مقد ار في العقد أو في القانون ،فالقاضي ىو الذي
يقدره "...جاءت المادة 183مدني لتنص عمى أنو ":يجوز لممتعاقدين أن يحددا مقدما قيمة التعويض بالنص عمييا في العقد ،أو في
اتفاق الحق ،و تطبق في ىذه الحالة أحكام المواد 176إلى ."181
و عمى ضوء ذلك يجب أن نعرض أوال لمتعريف بالشرط الجزائي ،و ثانيا لشروط استحقاق الشرط الجزائي ،و ثالثا لمتكييف القانوني
لمشرط الجزائي ،و رابعا آلثاره و سمطة القاضي إزاءه.
الفـــرع األول
إذا كان األصل أن القاضي ىو الذي يقوم بتقدير التعويض عمى النحو السابق بيانو ،إال أنو ليس ثمة ما يمنع من اتفاق الطرفين
مقدما عمى مقدار التعويض المستحق لمدائن في حالة عدم تنفيذ المدين اللتزامو أو التأخر فيو.
فالشرط الجزائي ىو اتفاق يقدر فيو الطرفان مقدما مقدار التعويض الذي يستحقو الدائن إذا لم ينفذ المدين التزامو أو إذا تأخر في
تنفيذه ،و سمي بالشرط الجزائي ألنو يوضع عادة كشرط ضمن شروط العقد األصمي الذي يستحق التعويض عمى أساسو .لكن قد ال
يدرج الشرط الجزائي في صمب العقد األصمي بل يتضمنو اتفاق الحق( المادة 183مدني) .في ىذه الحالة ينبغي أن يكون ىذا االتفاق
سابق عمى واقعة إخالل المدين بالتزامو ،أي سابقا عمى عدم تنفيذ المدين اللتزامو أو التأخر فيو ،ألنو إذا كان الحقا ليا فإنو يعتبر
صمحا ال شرطا جزائيا .كما أنو ليس ىناك ما يمنع من االلتجاء إلى الشرط الجزائي في تقدير التعويض المستحق عن اإلخالل بالتزام
غير عقدي ،فمثال إذا كان اإلخالل بالعقد مكونا لجريمة كجريمة خيانة األمانة ،و اتفق المتعاقدان سمفا عمى التعويض عن مسؤولية
تقصيرية ،و كذلك االتفاق عمى تعويض يستحقو الدائن في حالة فسخ العقد.
و كما ىو واضح فإن الشرط الجزائي قد يكون شرطا جزائيا عن عدم التنفيذ ،و ذك إذا اتفق الطرفان مقدما عمى مقدار التعويض
الذي يستحقو الدائن إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامو ،و قد يكون شرطا جزائيا عن التأخير ،و ذلك إذا اتفق الطرفان عمى مقدار
التعويض الذي يستحقو الدائن غذا تأخر المدين في التنفيذ .و من أمثمة األول ،ما تحدده السكة الحديد و شركات النقل من مبمغ معين
9
تدفعو المصمحة أو الشركة إذا ما فقد طرد أو تمف .و من أمثمة الثاني ،ما ينص عميو في عقود المقاوالت من التزام المقاول بدفع مبمغ
معين عن كل فترة زمنية معينة يتأخر فييا عن إتمام العمل الذي تعيد بو.
و إذا كان الغالب أن يكون الشرط الجزائي مبمغا من النقود إال أنو ليس ىناك ما يمنع من أن يكون شيئا أو عمال أو امتناعا أو
تقصير ميعاد في استعمال الحق أو تشديد في شروط استعمالو أو غير ذلك .مثل ذلك اشتراط حمول جميع أقساط الدين إذا تأخر
المدين في دفع قسط منيا ،أو إذا اتفق المؤجر و المستأجر عمى أن يسمم المستأجر األرض بعد انتياء اإليجار خالية من الزراعة و
إشترط في العقد أن الزراعة التي تكون قائمة عند انتياء اإليجار تصبح ممكا لممؤجر تعويضا لو عن اإلخالل بيذا االتفاق ،و في ىذه
الحاالت لم يكن الشرط الجزائي مقد ار بمبمغ معين من النقود ،و إنما كان التعويض محددا بغير النقود.
الفـــرع الثانــي
يتبين من نص المادة 183مدني سالفة الذكر ،أن الشرط الجزائي ليس ىو السبب في استحقاق التعويض ،و إنما نشأ التعويض
من مصدر آخر ،يغمب أن يكون عقدا كما مر القول .و عدم قيام المدين بتنفيذ التزامو الناشئ من ىذا العقد ىو السبب في استحقاق
التعويض عن عدم التنفيذ ،و كذلك تأخر المدين في تنفيذ التزامو العقدي ىو السبب في استحقاق التعويض عن التأخير .و الشرط
الجزائي إنما ىو تقدير المتعاقدين مقدما لكل من التعويضين.
فشروط استحقاق الشرط الجزائي ىي نفس شروط استحقاق التعويض .و قد قدمنا أن شروط استحقاق التعويض القضائي ىي وجود
خطأ من المدين ،و ضرر يصيب الدائن ،وعالقة سببية ما بين الخطأ و الضرر ،و اعذار المدين .فيذه ىي أيضا شروط استحقاق
الشرط الجزائي.
شرط الخطأ :فال يستحق الشرط الجزائي إذن إال إذا كان ىناك خطأ من المدين .و الغالب أن يكون ىذا الخطأ خطأ عقديا كما
أسمفنا القول .فإذا لم يكن ىناك خطأ من المدين ،فال مسؤولية في جانبو ،و ال يكون التعويض مستحقا .و من ثم ال محل إلعمال
الشرط الجزائي ،فما ىو إال تقدير لتعويض قد استحق ،و لم يستحق التعويض كما قدمنا.
شرط الضرر :ال يستحق الشرط الجزائي كذلك إذا لم يكن ىناك ضرر أصاب الدائن .ذلك أن الضرر من أركان استحقاق
التعويض ،فإذا لم يوجد ضرر لم يكن التعويض مستحقا ،و ال محل إلعمال الشرط الجزائي في ىذه الحالة.
شرط عالقة السببية :ال يستحق الشرط الجزائي إال إذا قامت عالقة السببية بين الخطأ و الضرر .أما إذا انتفت ىذه العالقة بثبوت
السبب األجنبي ،أو انتفت بأن كان الضرر غير مباشر أو كان في المسؤولية العقدية مباش ار و لكنو غير متوقع ،فعند ذلك ال تتحقق
المسؤولية ،و ال يستحق التعويض.
شرط االعذار :االعذار شرط الستحقاق الشرط الجزائي في جميع األحوال التي يجب فييا اعذار المدين .أما في األحوال التي ال
ضرورة فييا لالعذار ،فإنو ال يشترط .و قد تقدم ذكر كل ذلك تفصيال .و ما دام التعويض ال يستحق إال باالعذار في األحوال التي
يجب فييا ،فإنو إذا لم يقم الدائن باعذار المدين في ىذه األحوال لم يكن التعويض مستحقا ،و ال يكون ثمة ىناك محل إلعمال الشرط
10
181 -180مدني) .و أن مجرد الجزائي ،و قد أشارت المادة 183مدني إلى وجوب تطبيق النصوص المتعمقة باالعذار( المادة
وجود شرط جزائي ال يعفي من االعذار ،و ال يعتبر و جود ىذا الشرط اتفاقا صريحا أو ضمنيا عمى إعفاء الدائن من اعذار المدين.
الفــــرع الثالـــــث
االلتزام بالشرط الجزائي ىو التزام تابع لاللتزام األصمي ال التزام أصيل .أما االلتزام األصيل الذي يتبعو االلتزام بالشرط الجزائي فيو
ما التزم بو المدين أصال بالعقد أو بغيره من مصادر االلتزام ،فقد يمتزم بنقل ممكية أو بعمل أو باالمتناع عن عمل ،ثم يتفق مع الدائن
عمى مبمغ معين يقدران بو التعويض فيما إذا أخل المدين بالتزامو.
و يترتب عمى أن االلتزام بالشرط الجزائي التزام تابع أمران(:أوال) أن العبرة ىي بااللتزام األصمي ال بالشرط الجزائي(.ثانيا) بطالن
االلتزام األصمي يستتبع بطالن الشرط الجزائي ،أما بطالن الشرط الجزائي فال يستتبع بطالن االلتزام األصمي.
أوال-العبرة بااللتزام األصيل ال بالشرط الجزائي :ال يستطيع الدائن أن يطالب المدين إال بااللتزام األصمي مادام تنفيذه ممكنا .كذلك
ال يجوز لممدين أن يعرض عمى الدائن إال االلتزام األصمي .و إنما يستطيع الدائن أن يطالب بالشرط الجزائي ،و يستطيع المدين أن
يعرضو عمى الدائن ،إذا أصبح تنفيذ االلتزام األصمي مستحيال بخطأ المدين .أما إذا صبح تنفيذ االلتزام األصمي مستحيال بسبب
أجنبي ،فقد انقضى ىذا االلتزام ،و ال يجوز عندئذ لمدائن المطالبة بالشرط الجزائي ،ألن الشرط الجزائي ليس إال تقدي ار لتعويض
مستحق ،و ىنا ال يستحق الدائن تعويضا ما.
و ينبني عمى ما تقدم أن الشرط الجزائي -كالتعويض -ال يعتبر التزاما تخييريا و ال التزاما بدليا .فيو ليس بالتزام تخييري ،ألن
الدائن ال يستطيع أن يختار بين االلتزام األصمي و الشرط الجزائي تنفيذ أييما ،بل ىو ال يستطيع أن يطمب إال تنفيذ االلتزام األصمي
ما دام ىذا ممكنا .و ألن المدين ىو أيضا ال يممك ىذا الخيار ،بل ىو ال يستطيع إال أن يعرض تنفيذ االلتزام األصمي ما أمكنو ذلك.
و الشرط الجزائي ليس بالتزام بدلي ،ألن المدين ال يممك أن يعدل عن تنفيذ االلتزام األصمي إذا كان ممكنا إلى تنفيذ الشرط الجزائي
كبديل عن االلتزام األصمي .و إنما االلتزام بالشرط الجزائي ىو التزام تابع لاللتزام األصمي ،يبقى ببقائو و ينقضي بانقضائو .فإذا ما
أصبح تنفيذ االلتزام األصمي مستحيال بخطأ المدين ،تغير محل االلتزام األصمي و أصبح تعويضا تكفل الشرط الجزائي بتقديره.
ثانيا -بطالن االلتزام األصمي يستتبع بطالن الشرط الجزائي و ال عكس :إذا كان االلتزام األصمي باطال ،كان الشرط الجزائي و ىو
التزام تابع باطال كذلك .فإذا عقد االلتزام األصمي غير ذي أىمية أو غير ذي صفة ،أو تعيد شخص بارتكاب جريمة و إال دفع مبمغا
معينا كشرط جزائي ،كان كل من االلتزام األصمي و الشرط الجزائي باطال.
و لكن إذا كان الشرط الجزائي باطال ،فال يستتبع ذلك أن يكون االلتزام األصمي باطال ،ألن الشرط الجزائي التزام تابع ،فال يتعمق بو
مصير االلتزام األصمي .مثل ذلك أن يشترط الدائن المرتين ،كشرط جزائي إذا لم يستوف الدين عند حمولو ،أن يبيع العين المرىونة
دون إتباع اإلجراءات الواجبة قانونا أو أن يتممك العين ،ففي ىذه الحالة يكون الشرط الجزائي باطال دون أن يبطل االلتزام األصمي.
11
و يترتب عمى تبعية الشرط الجزائي أيضا أن الدائن إذا اختار عند إخالل المدين بالتزامو األصمي ،فسخ العقد بدال من المطالبة
بتنفيذ الشرط الجزائي ،سقط االلتزام األصمي بمجرد فسخ العقد ،و سقط معو الشرط الجزائي ألنو تابع لو ،و يطالب الدائن في ىذه
الحالة بالتعويضات التي يقدرىا القاضي وفقا لمقواعد العامة التي تقدم ذكرىا ،و ال يطالب بالتعويض المقدر في الشرط الجزائي.
الفــرع الرابــع
تنص المادة 184مدني ":ال يكون التعويض المحدد في االتفاق مستحقا إذا اثبت المدين أن الدائن لم يمحقو أي ضرر.
و يجوز لمقاضي أن يخفض مبمغ التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مفرطا أو أن االلتزام األصمي قد نفذ في جزء منو.
و تنص المادة 185مدني ":إذا جاوز الضرر قيمة التعويض المحدد في االتفاق ،فال يجوز لمدائن أن يطالب بأكثر من ىذه القيمة
إال إذا أثبت أن المدين قد ارتكب غشا أو خطأ جسيما".
و نرى من نصوص القانون المدني سالفة الذكر أنو متى وجد الشرط الجزائي عمى النحو الذي بسطناه ،و أصبح مستحقا ،لم يبق
إال القضاء بو عمى المدين ،فإنو تعويض مقدر ارتضاه مقدما ،فالحكم عميو بو حكم بما ارتضاه عمى نفسو .و لكن الشرط الجزائي ال
184مدني ،و يتبين من ىذا يستحق إذا أثبت المدين أن الدائن لم يمحقو أي ضرر ،و ىذا ما تنص عميو الفقرة األولى من المادة
النص أن الشرط الجزائي بالنسبة إلى وقوع الضرر ،ال يخمو من فائدة .فوجود ىذا الشرط يجعل الضرر واقعا في تقدير المتعاقدين ،و
لذلك يفترض وقوع الضرر ،و ال يكمف الدائن إثباتو ،و عمى المدين إذا ادعى أن الدائن لم يمحقو أي ضرر ،أن يثبت ذلك .فعبء
إثبات الضرر إذن -خالفا لمقواعد العامة -ينتقل من الدائن إلى المدين بفضل وجود الشرط الجزائي .يبقى بعد ىذا أن الشرط الجزائي-
كما تقول المادتان 185 -184مدني -قابل لمتخفيض و قابل لمزيادة .ىناك ثالث حاالت يجوز أن يتدخل القاضي فييا ليعدل الشرط
الجزائي .فنبحث متى يجوز تخفيضو ،و متى تجوز زيادتو.
الفقـــرة األولـــى
184مدني أنو يجوز لمقاضي أن يخفض الشرط الجزائي في حالتين( :أوليما) إذا نفذ يتبين من نص الفقرة الثانية من المادة
المدين االلتزام األصمي في جزء منو .و (الثانية) إذا أثبت المدين أن تقدير التعويض في الشرط الجزائي كان مبالغا فيو إلى درجة
كبيرة.
أوال -تنفيذ االلتزام األصمي في جزء منو :يوضع الشرط الجزائي عادة لحالة عدم قيام المدين بتنفيذ التزامو أصال ،فإذا كان المدين
قد قام بتنفيذ جزء من التزامو ،فإن القاضي يكون قد احترم إرادة المتعاقدين إذا خفض الشرط الجزائي بنسبة ما نفذ المدين من التزامو.
و يعتبر األساس ىو المبمغ المقدر في الشرط الجزائي ،فيخفض ىذا المبمغ إلى النسبة التي تتفق مع الجزء الباقي دون تنفيذ من االلتزام
األصمي .و يقع عبء إثبات التنفيذ الجزئي عمى المدين.
12
و قد يتفق الطرفان عمى استحقاق الشرط الجزائي إذا لم ينفذ المدين االلتزام األصمي تنفيذا سميما ،سواء كان ذلك بأن لم ينفذه أصال
او نفذه تنفيذا معيبا .و في ىذه الحالة يستحق الشرط الجزائي كمو إذا كان ىناك عيب في التنفيذ ،نزوال عمى اتفاق الطرفين .و لكن إذا
كان ىذا العيب غير جسيم بحيث يكون الشرط الجزائي ،كتعويض عنو ،مبالغا فيو إلى درجة كبيرة ،جاز لمقاضي تخفيض الشرط
الجزائي إلى الحد المناسب كما سنرى.
ثانيا -تقدير التعويض في الشرط الجزائي مبالغ فيو إلى درجة كبيرة :المبدأ أن الشرط الجزائي في حالة عدم التنفيذ يحتفظ بقوتو
الممزمة .و لذلك ال يكفي أن يثبت المدين أن الشرط الجزائي يجاوز مقدار الضرر الذي لحق بالدائن ،حتى يستطيع القاضي أن
يخفض ىذا الشرط ،و إال نكون قد نزعنا كل فائدة لمشرط الجزائي .فينبغي أن يمارس القاضي ىذه السمطة بحذر و بطريقة استثنائية،
حالة ما إذا كان الشرط الجزائي مجحفا بالمدين .و عبء اإلثبات يقع عمى المدين ،حيث يتعين عميو أن يثبت أن تقدير التعويض كان
مبالغ فيو إلى درجة كبيرة .فإذا ما أثبت المدين ذلك يقوم القاضي بخفض التعويض إلى الحد المعقول ،أي إلى الحد الذي يتناسب مع
الضرر ،ال إلى الحد المساوي لمضرر ،آخذا في االعتبار إرادة المتعاقدين و مصالح الدائن و حسن نية المدين.
و لمقاضي في ىذا الصدد سمطة تقديرية واسعة فيما يقرره أو ينفيو من مبالغة في التعويض المشروط أو فيما يراه حدا مناسبا
لتخفيضو .و ال رقابة عميو في ذلك من جانب محكمة النقض.
و األحكام التي قدمناىا -وقوع ضرر الستحقاق الشرط الجزائي و جواز تخفيض ىذا الشرط لمتنفيذ الجزئي أو لممبالغة في التقدير-
تعتبر من النظام العام ،فال يجوز االتفاق عمى ما يخالفيا .و قد نصت الفقرة الثالثة من المادة 184مدني صراحة عمى ذلك إذ تقول"
و يكون باطال كل اتفاق يخالف أحكام الفقرتين أعاله".
و من ثم ال يجوز لمطرفين أن يضيفا إلى الشرط الجزائي أنو واجب الدفع عمى كل حال ،حتى لو لم يقع ضرر أو قام المدين بتنفيذ
االلتزام تنفيذا جزئيا أو تبين أن التقدير مبالغ فيو غمى درجة كبيرة .و لو تم االتفاق عمى ذلك ،كان ىذا االتفاق باطال لمخالفتو لمنظام
العام ،و جاز لمقاضي بالرغم من وجوده أال يحكم بأي تعويض إذا أثبت المدين أن الدائن لم يمحقو أي ضرر ،و أن يخفض الشرط
الجزائي إذا أثبت المدين أنو قام بتنفيذ االلتزام تنفيذا جزئيا أو أن التقدير كان مبالغ فيو إلى درجة كبيرة.فالقانون ىنا يحمي المدين ،و
يعتبر أن رضاءه يمثل ىذا االتفاق أقرب إلى اإلذعان منو إلى القبول.
الفقرة الثانية
إذا تبين عمى العكس مما تقدم ،أن التعويض المقدر ليس مبالغا فيو بل ىو أقل من الضرر الواقع ،فإن القاضي مع ذلك ال يزيده
ليكون مساويا لمضرر ،بل يحكم بو ىو .و يكون الشرط الجزائي في ىذه الحالة بمثابة تخفيف لمسؤولية المدين ،و االتفاق عمى
التخفيف من المسؤولية أو اإلعفاء منيا جائز ،فقد قضت الفقرة الثانية من المادة 178مدني بجواز االتفاق عمى إعفاء المدين من أية
مسؤولية تترتب عمى عدم تنفيذه التزامو التعاقدي إال ما ينشأ عن غشو أو خطئو الجسيم.
و معنى ذلك أنو إذا زاد الضرر عمى التعويض المقدر ،و لكن الدائن أثبت أن المدين قد ارتكب غشا أو خطأ جسيما ،فإن الشرط
الجزائي الذي جاز أن يخفف من مسؤولية المدين في حالة الخطأ العادي ال يستطيع أن يخفف من مسؤوليتو في حالتي الغش و الخطأ
الجسيم .و ينبني عمى ذلك أن القاضي يزيد في مقدار التعويض حتى يصبح معادال لمضرر الذي وقع ،و ال يمنعو من ذلك أن
13
التعويض مقدر في الشرط الجزائي ،فإن الدائن في اتفاقو مع المدين عمى تقدير التعويض لم يدخل في حسابو غش المدين أو خطأه
الجسيم ،و ال ينبغي أن يحسب ىذا الحساب.
عمى أن الفقرة الثانية من المادة 178مدني تضيف إلى ما تقدم أنو يجوز لممدين أن يشترط عدم مسؤوليتو عن الغش أو الخطأ
الجسيم الذي يقع من أشخاص يستخدميم في تنفيذ التزامو .و ينبني عمى ذلك أنو يجوز االتفاق عمى شرط جزائي يقدر التعويض الذي
يستحق من جراء تحقق مسؤولية األشخاص الذين يستخدميم المدين في تنفيذ التزامو ،و ال يجوز لمقاضي زيادة ىذا التعويض حتى لو
جاوز الضرر المبمغ المقدر و وقع غش أو خطأ جسيم من األشخاص الذين يستخدميم المدين في تنفيذ التزامو .ذلك أن الشرط الجزائي
في ىذه الحالة يعتبر اتفاقا عمى تخفيف المسؤولية عن الغش أو الخطأ الجسيم الذي يقع من تابعي المدين ،و مثل ىذا االتفاق جائز
كما قدمنا.
المطمــــب الثالـــث
التعويــض القانونــــي
إن التعويض كما سبقت اإلشارة إليو قد يتم تقديره باتفاق الطرفين و ىو ما يعرف بالشرط الجزائي ،كما قد يتدخل المشرع و يقوم
بتحديد قيمة ىذا التعويض مسبقا ،و ىذا ما يسمى بالتعويض القانوني.
قد يعمد المشرع إلى وضع أحكام تتعمق بتحديد التعويض تحديدا إجماليا ،و عادة ما يربط الفقو ىذا التحديد القانوني بالفوائد القانونية
فغالبا ما تذىب بعض التشريعات إلى تحديد نسب قانونية تعرف بالفوائد القانونية تكون مستحقة الدفع عن مجرد التأخير في الوفاء دون
حاجة إلى أن يثبت وقوع ضرر لمدائن ،ألن الضرر مفترض في الديون النقدية نتيجة الحرمان من استثمارىا اقتصاديا .و يجد التقدير
القانوني لمتعويض عن التأخير تطبيقو في مجال المسؤولية العقدية دون المسؤولية التقصيرية.
أما بالنسبة لمقانون المدني الجزائري فمم ينص عمى الفوائد التأخيرية تأث ار منو بمبادئ الشريعة اإلسالمية التي تنظر إلى تمك الفوائد
عمى أنيا ربا و محرمة شرعا .و ىذا ما يتضح من نص المادة 454مدني بقوليا ":القرض بين األفراد يكون دائما دون أجر ،و يقع
باطال كل نص يخالف ذلك" .و مع ذلك فإن المشرع قد قرر نصا آخر جعل فيو لمدائن الحق في الحصول عمى تعويض عن الضرر
الالحق بو جراء تأخر المدين في الوفاء بالتزامو ،إذا كان محل االلتزام مبمغا من النقود و معين المقدار وقت رفع الدعوى ،لكنو أناط
186مدني ":إذا كان محل تقدير التعويض لمقاضي وفقا لمقواعد العامة ( تعويض قضائي) و لم يحدده مسبقا ،و ىذا ما تقرره المادة
االلتزام بين األفراد مبمغا من النقود ،عين مقداره وقت رفع الدعوى و تأخر المدين في الوفاء بو ،فيجب عميو أن يعوض لمدائن الضرر
الالحق من ىذا التأخير".
456بموجب القانون رقم 05-07المؤرخ في 13ماي 2007المعدل و غير أن التعديل الذي أدخمو المشرع عمى نص المادة
المتمم لمقانون المدني ،أجاز من خالليا لمؤسسات القرض التي تمنح قروضا قصد تشجيع النشاط االقتصادي الوطني أن تأخذ فائدة
عمى أن يحدد مقدارىا بموجب قرار من الوزير المكمف بالمالية.
و لكن ىذه الفوائد تستحق عن مجرد االقتراض كمقابل لالنتفاع بالنقود و منح أجل لموفاء ،و ليست فوائد عن التأخر في سداد
القرض.
14
و من تطبيقات التقدير القانوني لمتعويض ما نصت عميو بعض القوانين الخاصة و مثاليا:
األمر رقم 15 -74الصادر بتاريخ 1974/01/30المتعمق بإلزامية التأمين عمى السيارات و بنظام التعويض عن األضرار المادية
و الجسمانية الناتجة عن حوادث السيارات المعدل و المتمم بالقانون رقم 31 -88المؤرخ في 30جانفي 1988و الذي وضع أسسا
لحساب التعويض.
قانون رقم 13 -83المؤرخ في 1983/07/02المعدل و المتمم باألمر رقم 19 -96المؤرخ في 1996/07/06المتعمق بحوادث
العمل و األمراض المينية.
و قد توصل الفقو إلى اعتبار أن التعويض في ىاذين القانونين ىو نظام قائم بذاتو ،بمعنى ال يقوم عمى أساس المسؤولية المدنية.
ال يقع عمى عاتق المتضرر إثبات أركانيا ،و إنما بمجرد ما يتبين أنو قد لحقو ضرر ترتب تعويضو .و يتم تقدير ىذا التعويض في
ىذه الحالة في الحدود الموضوعة من طرف المشرع ،إذ قد يقوم في حاالت معينة بوضع حد أقصى ال يمكن أن يتجاوزه التعويض
الذي يستحقو المتضرر ،و لو كان الضرر الذي أصابو يفوق المبمغ المحدد.
يجد تقدير التعويض وفقا لمتحديد القانوني مجال تطبيقو في المسؤولية العقدية ،و يظير جميا في مسؤولية الناقل ،كما ىو عميو
الحال في كل من قانون الطيران المدني و القانون البحري.
06 -98المؤرخ في 1998/06/27المحدد لمقواعد العامة تناول المشرع الجزائري مسؤولية الناقل الجوي من خالل القانون رقم
المتعمقة بالطيران المدني.
و قد تناول المشرع الجزائري مسؤولية الناقل البحري من خالل األمر رقم 80 -76المؤرخ في 23أكتوبر 1976المعدل و المتمم
بالقانون رقم 05 -98المؤرخ في 1998/06/25و المتعمق بالقانون البحري.
15