Professional Documents
Culture Documents
إعداد الدكتور
محمد بن عبد العزيز بن سعيد
-0-
مادة
الدراسات اإلسالمية
السلم 112 :عام
-1-
مقدمة
احلمد هلل وحده والصالة والسالم على من ال نيب بعده ،وبعد :
فإن من أعظم القربات إىل اهلل تعاىل طلب العلم الشرعي ،ومعرفة دين اهلل على بصرية
وهو من عالمة اخلريية يف اجملتمع -ذكورا وإناثا -حينما يعتين بشرع اهلل تعاىل تعلما وتعليما
وعمال قال تعاىل { :قل هذه سبيلي أدعو إلى هللا على بصيرة أنا ومن
اتبعني } ،و قال " :من يرد اهلل به خريا يفقهه يف الدين ".
وقد أعددت هذا املنهج مضمنا إياه ما حيتاجه الطالب والطالبة مما يتعلق ببناء اجملتمع
املسلم بناء سليما ،وذلك بذكر مفهومه و منهج بنائه ومصادر الرتبية فيه ،و مساته ،و
التطرق جلملة من املشكالت اليت حتف بأفراده وسبل الوقاية منها ،وبيان األحكام املتعلقة
باألسرة يف اجلملة ؛ ليخرج لنا جيل واع و متوازن حيافظ على مبادئه وقيمه وهويته ،ويكون
خري عدة لدينه ووطنه .
وقد اعتمدت يف تأليف هذا املنهج على مراجع كثرية منها املقررات اجلامعية ؛ لكي ال
خنرج عن اإلطار املرسوم يف اجلامعات األخرى ،كما وضعته على أحدث النظريات الرتبوية
من مناهج وطرق تدريس ،وعلم نفس تربوي ،وغريها وأضفت زيادات بسيطة اقرتحها مجلة
من الطالب والطالبات جزاهم اهلل خري اجلزاء فرأيت أمهيتها واحلاجة إىل إضافتها ،فجاء
املقرر منوع األساليب التدريسية ،والتعليمية متوافقا مع الثقافات املختلفة.
كما مت تزويد املنهج بالرسوم التوضيحية ،واألنشطة التعليمية وملفات اإلجناز ؛ حماوال أن
أبرز مقرر الدراسات اإلسالمية يف حلة جديدة بأسلوب علمي سهل يسري على من يقوم
بتعليمه وتعلمه .
وعلى الرغم من هذا أجد أن الفصل الدراسي الواحد ال يكفي إلضافة كل املواضيع
املتعلقة ببناء اجملتمع وأحكام األسرة ،ولكن حسبنا من القالدة ما أحاط بالعنق؛ لذلك
ينبغي ملن يدرس هذا املنهج أن يسهم يف إثراء احملاضرة مبشاركات طالبية تضفي نوعا من
التكامل والتوازن والتناغم ،وقد أرفقت يف هناية املنهج ملحقا يضم مواضيع متعددة ليشارك
هبا الطالب والطالبات خالل الفصل الدراسي .
-2-
هذا ،واهلل أسأل أن جيعل هذا العمل خالصا لوجهه الكرمي ،موصال ملرضاته سبحانه إنه
. مسيع جميب.
د /حممد بن عبد العزيز بن سعيد
1438/3/4ه
-3-
األهداف العامة للمقرر
يتوقع من الدارس بعد إنهائه هذه الوحدة ما يلي:
-1يوضح املقصود باجملتمع .
-2يؤمن بتميز اجملتمع اإلسالمي.
-3يعدد مسات اجملتمع اإلسالمي.
-4يناقش عوامل حتقيق األمن الفكري يف اجملتمع اإلسالمي.
-5يعدد القواعد الوقائية من الشبهات الفكرية املعاصرة.
-6يناقش األحكام الشرعية املتعلقة باألمر باملعروف والنهي عن املنكر.
-7يشرح املقصود باملشكالت االجتماعية.
-8يؤمن بأمهية التمسك باآلداب واألحكام الشرعية.
-9يناقش املفاهيم األساسية ببعض املشكالت االجتماعية.
يتجنب األسباب املؤدية لالحنراف اجلنسي. -10
حيذر املخدرات واملسكرات. -11
يوضح خطورة التدخني. -12
يؤمن خبطورة التقليد والتبعية لغري املسلمني. -13
يؤمن حبماية اإلسالم لألسرة. -14
يناقش األحكام املتعلقة باألسرة. -15
يناقش األحكام الشرعية املتعلقة بالنكاح. -16
حيذر املخالفات الشرعية يف الزواج. -17
يعدد صورا للمخالفات الشرعية يف الزواج. -18
يبني احلقوق الزوجية. -19
يناقش األحكام املتعلقة بالطالق. -20
-4-
وحدات المقرر
-5-
الوحدة األولى
سمات المجتمع اإلسالمي
موضوعات الوحدة:
-6-
الموضوع األول
المجتمع (المفهوم ،المكونات األساسية)
خلق اهلل اإلنسان على أن يكون ألوفا بطبيعته ،حمبا لالجتماع ،فليس بوسع إنسان أن
يعيش منفردا ،ولقد ذكر املختصون بعلم النفس واالجتماع أن أقصى أنواع التعذيب لإلنسان
حبسه انفراديا ،فحاجة الفرد إىل الفرد كحاجة العضو إىل العضو ،واخللية إىل اخللية(.)1
ورغم أن التفكري االجتماعي قدمي قدم اإلنسان نفسه ،إال أن االجتماع اإلنساين مل يصبح
موضوعا للعلم إال يف فرتة الحقة ،وكان أول من نبه إىل وجود هذا العلم ،واستقالل موضوعه
عن غريه ابن خلدون حماوال ربط فكره و معتقداته اإلسالمية مبا شاهده يف رحالته ،يف تفسري
العمران البشري واالجتماع اإلنساين ،وألف كتابه " ديوان املبتدأ واخلرب يف تاريخ العرب
والرببر ومن عاصرهم من ذوي الشأن األكرب" ،واملعروف باسم مقدمة ابن خلدون ،مث
ظهرت من بعد الفلسفات والنظريات اليت تسعى إىل تفسري حب الفرد إىل العيش يف
مجاعات ،وتفسر سلوكياته يف حماولة لفهم السلوك اإلنساين االجتماعي و التنبؤ به يف
مواقف خمتلفة؛ واستفاد الغرب من آراء العلماء والفالسفة املسلمني بصفة عامة وابن خلدون
بصفة خاصة يف نشأة علم االجتماع (.)2
أوالً :تعريف المجتمع:
-المجتمع لغة :موضع االجتماع واجلماعة من الناس(.)3
-المجتمع اصطالحاً :هناك العديد من التعريفات يف علم االجتماع حول اجملتمع إال
أهنا تنحصر حول عدد كبري من األفراد املستقرين يف منطقة جغرافية ما ،جتمعهم روابط
اجتماعية ومصاحل مشرتكة ،تصحبها أنظمة تضبط سلوكهم وسلطة تراعها(.)4
( )1انظر :اجملتمع اإلسالمي حملمد أمني املصري ص ، 8علم االجتماع واجملتمع من منظور إسالمي ،أبو إلياس معتز
حممد عبد احلميد .
( )2رواد علم االجتماع ،حممد شهاب.
( )3انظر :املعجم الوسيط مادة مجع ص .136
( )4علم االجتماع واجملتمع من منظور إسالمي ،أبو إلياس معتز حممد عبد احلميد .
-7-
وقدميا كان يُشرتط يف اجملتمعات االستقرار يف مكان ما ،ولكن اآلن مع التقنيات احلديثة،
واالتصاالت اليت ربطت العامل كله فأصبح كما يقال (قرية صغرية) فانتفى هذا الشرط ،فمن
املمكن أن يكون هناك جمموعة من األفراد تربطهم روابط وأفكار ومصاحل مشرتكة ،لكنهم يف
مناطق خمتلفة مرتامية األطراف ،ولعل ذلك يتضح يف مصطلح اجملتمع اإلسالمي ،فاجملتمع
اإلسالمي جمتمع له فكره وثقافته وجيمع أفراده مصاحل دنيوية وأخروية مشرتكة ،ولديه نظام
الشريعة منظما له كما لديه السلطة اإلهلية راعية له(.)1
ثانياً :المكونات األساسية للمجتمعات :
اإلنسان. -1
الروابط . -2
املصاحل واألهداف املشرتكة . -3
العرف أو القانون . -4
()2
األرض . -5
مالحظات:
-كلما كانت املؤسسات اليت تربط بني أفراد اجملتمع قوية وذات تأثري كلما زاد متاسك
تلك اجملتمعات.
-كلما كانت البيئة اليت تتفاعل عليها هذه املكونات أكثر حتديدا كلما كان متاسك
هذا اجملتمع وجتانس أفراده أكرب.
( )1علم االجتماع واجملتمع من منظور إسالمي ،أبو إلياس معتز حممد عبد احلميد.
( )2انظر :اجملتمع واألسرة يف اإلسالم للدكتور حممد طاهر اجلواليب ص .14
-8-
الموضوع الثاني
تعريف المجتمع المسلم
إن اجملتمع املسلم ككل جمتمع إنساين له نفس العناصر األساسية املكونة لكل جمتمع ،بيد أنه
يتميز ببعض الروابط كالعقيدة اإلسالمية ،وحتكيم الشريعة فهو يزيد على العناصر السابقة
باعتماد اإلسالم عقيدة ومنهج حياة .
وعلى هذا ميكن تعريفه بأنه :عدد هائل من األفراد املسلمني ،مجعت بينهم مصاحل ،وعاشوا
معا يف أرض واحدة ،واتبعوا اإلسالم عقيدة ،ومنهج حياة(.)1
منهج بناء المجتمع المسلم :
لبناء جمتمع مسلم متمسك بثوابته اإلسالمية ال بد من االهتمام برتبية اإلنسان يف كل
املراحل واألحوال فردا يف األسرة ،وتلميذا يف املدرسة ،وطالبا يف اجلامعة ،أو عامال يف
املصنع ،أو موظفا يف اإلدارة ،ورجال كان أم امرأة وتربيته يف شىت اجملاالت تربية روحية،
وبدنية ،وعملية(.)2
مصادر التربية :
مصادر الرتبية يف اإلسالم هي القرآن الكرمي ،والسنة ،واجتهادات أئمة أهل السنة ،وما
يستمد من احلياة مما تقتضيه ،وال يتعارض مع أحكام الشريعة.
وستتضح هذه املصادر من خالل ذكر األصول اليت ترتكز عليها تربية املسلم وهي :
-1عقيدة التوحيد ،وأثرها يف السلوك اإلنساين.
-2عبادة اهلل تعاىل ،وإصالحها الفرد واجملتمع.
-3تنظيم املعامالت حسب األحكام الشرعية.
-4األخالق اإلسالمية ،ودورها يف بناء العالقات االجتماعية.
-5األمر باملعروف والنهي عن املنكر واثره الرتبوي.
-6طلب العلم ،ودوره يف وعي اجملتمع.
-9-
-7ضرورة العمل وقيمته ،وأثره يف عزة النفس ويف ثواب اآلخرة.
-8االعتزاز باإلسالم ،ودفع الشبهات عنه.
فإذا ترىب أفراد اجملتمع على هذه األصول استقام سلوكهم وتآخوا ،وسعوا مجيعا إىل تنميته مبا
حيقق مطالبهم الروحية كالعقيدة والعبادة ،واملادية بتوفري متطلبات اجلسم مما أحل اهلل تعاىل.
()1
- 10 -
الموضوع الثالث
سمات المجتمع اإلسالمي
متيز اجملتمع اإلسالمي عن غريه من اجملتمعات بعدد من السمات جعلته حبق جمتمعا فريدا ،مل
تعرف البشرية جمتمعا غريه مجع يف ثناياه هذه السمات احلميدة؛ ليكون أمنوذجا يرجتى ومثاال
حيتذى عند العقالء من بين البشر.
إن من أبرز مسات اجملتمع اإلسالمي أنه جمتمع:
ملتزم بالشرع
جاد
متسامح
مسات اجملتمع اإلسالمي
آمن
متناصح
تسوده املساواة
مرتاحم
- 11 -
م م أ ْن ي ُقو ُلوا س ِم ْعنا وأط ْعنا و ُأولئِك ُ
ه ُ إِلى ال َّل ِه ور ُ
سو ِل ِه ِلي ْح ُكم بيْن ُه ْ
ال ُم ْف ِل ُحون}(.)1
إن االلتزام والقيام مبا تأمر به شريعة اجملتمع هو دليل قوة االستمساك بالعقيدة ،وهذا ما
جيعلنا نشدد على أن اجملتمع اإلسالمي جمتمع يقوم على أساس العقيدة وأهنا أكرب ميزة متيزه
عن غريه من اجملتمعات.
وهذا األمر يعين ما يلي:
-1أن اجملتمع اإلسالمي حيتكم إىل قاعدة احلسن ما حسنه الشرع ،والقبيح ما قبحه
الشرع.
-2أنه جمتمع ملتزم التزاماُ ال حتويل عنه وال تبديل باألحكام الشرعية اليت تنظم تصرفات
األفراد وشؤون األسرة وأخالقيات اجملتمع.
-3أن هذا اجملتمع يرى االلتزام جزءا من التزامه الديين وعبوديته هلل.
-4أنه هذا اجملتمع ال يلتفت إىل تلك الدعوات اليت تصدر بني احلني واآلخر مغلفة
باسم احلرية والتطور وحقوق اإلنسان وهي يف حقيقتها تسعى إىل النيل من ثوابت اجملتمع
واملساس بالتزاماته جتاه مرجعيته العليا.
-5أن هذا االلتزام الذي جيعل اجملتمع اإلسالمي متميزا ،جيعله كذلك عرضة للنقد،
واهلجوم من قبل أعداء اإلنسانية الطاهرة وهو ما ينبغي أن يتنبه له أفراد اجملتمع اإلسالمي.
()2
- 12 -
المظهر األول :العلم النافع
إن العلم النافع هو كل علم حيقق مرضاة اهلل تعاىل وجيلب النفع لعباده ،فاجملتمع اإلسالمي،
يرحب هبذا العلم ويهيئ املناخ املناسب له؛ ألنه الوسيلة الفاعلة لتحقيق مقاصد ثالثة حيرص
عليها اجملتمع وهي توجيه التفكري ،وإصالح العمل ،وإجياد الوازع النفسي.
إن اجملتمع اإلسالمي يرفض كل علم ال يكون وسيلة لتحقيق إحدى الغايات السامية
للمجتمع ،ويصنفه على أنه علم ال ينفع ،وقد أرشدنا النيب إىل هذا الفهم حني استعاذ
من هذا العلم ،فكان يقول« :اللهم إين أعوذ بك من علم ال ينفع»( )1هذا النوع من
العلم يسعى اجملتمع اإلسالمي إىل حماصرته والتضييق على أهله أيا كان الوعاء الذي يظهر
فيه هذا العلم؛ ألن حمصلته واحدة وهي الرتويح للعبث وإضاعة الوقت ،والتشكيك يف
الثوابت ،وإثارة الشبهات ،وهي أمور كان خيلو اجملتمع اإلسالمي منها يف عصوره الذهبية.
المظهر الثاني :العمل الصالح
يتبع العلم النافع العمل الصاحل إذ أهنما متالزمان ،وال يتصور انفصاهلما ،إذا ال يكون العمل
صاحلا ما مل ينب على علم نافع ،وهلذا قدم اهلل تعاىل األمر بالعلم على األمر بالعمل يف قوله
م ْؤ ِمنِين م أ َّن ُه لا إِله ا ْلأ ال َّل ُه و ْ
است ْغ ِف ْر ِلذ ْن ِبك و ِل ْل ُ اعل ْ
ْ تعاىل{ :
نات}( ،)2وال قيمة لعلم نافع ،ما مل يتبعه عمل صاحل فقد ذم اهلل تعاىل هذا م ْؤ ِم ِ
وا ْل ُ
االنفصام يف قوله سبحانه{ :ك ُبر م ْقتا ِع ْند ال َّل ِه أ ْن ت ُقو ُلوا ما لا ت ْفع ُلون }(.)3
إن مفهوم العمل الصاحل ،مرتبط مبفهوم العبادة كما يفهما اجملتمع اإلسالمي فدائرة العمل
الصاحل واسعة ،فكل عمل يؤدي إىل مرضاة اهلل وجيلب النفع إىل البشرية فهو عمل صاحل
يرحب به اجملتمع اإلسالمي.
- 13 -
يف الوقت نفسه يضيق اجملتمع اإلسالمي على األعمال العبثية بكل أنواعها؛ ألهنا مضيعة
للوقت ،مهدرة للجهد ،مشغلة عن اجلد ،وال مكان يف جمتمع أنيطت به مهمة اخلالفة يف
()1
األرض ملثل هذه األعمال مهما حاول أهلها تزيينها للناس.
السمة الثالثة :مجتمع متسامح:
التسامح يف اللغة :مصدر ساحمه إذا أبدى له السماحة القوية؛ وأصل السماحة :السهولة يف
()2
املخالطة واملعاشرة ،وهي :لني الطبع يف مظان تكثر يف أمثاهلا الشدة.
إن السماحة صفة بارزة من صفات اجملتمع اإلسالمي؛ ألهنا ظاهرة يف ثنايا اإلسالم كله
فاألحكام الشرعية مبنية عليها فهذا قول اهلل تعاىل ينطق هبا{ :فم ِن ْ
اض ُط َّر غيْر باغ ولا
عاد فلا إِ ْثم عليْ ِه}( ،)3واهلل تعاىل يصف رسوله بالسماحة ويوجهه للمداومة عليها،
َّ
م ول ْو ُك ْنت ف ًّظا غ ِليظ وذلك يف قوله تعاىل{ :ف ِبما ر ْحمة ِمن الل ِه ِل ْنت ل ُه ْ
ضوا ِم ْن ح ْو ِلك}( ،)4ويلخص هذا القول النيب « :أحب الدين إىل اهلل لانف ُّ
ب ْ الق ْل ِ
احلنيفية السمحة»(.)5
تظهر السماحة يف اجملتمع اإلسالمي جلية يف املواطن اليت يظن فيها ظهور ضدها كاالنفعال
واملشادة والغضب واألنانية ،وذلك يف حاالت البيع والشراء ،واالختالط يف أماكن املنافع
واالحتكاك يف الطرق العامة ،فإن أبناء اجملتمع اإلسالمي ميتثلون قول النيب « :رحم اهلل
رجال مسحا إذا باع وإذا اشرتى وإذا اقتضى»( ،)6فالسماحة مبفهومها الواسع ،صفة مصاحبة
لتصرفات أفراد اجملتمع اإلسالمي ،فهم بعيدون عن االنفعاالت حذرون من املشاحنات،
معرضون عن التجاوزات ،وهذا ما تقتضيه األخوة يف الدين.
وال يعين هذا أن السماحة حمصورة بني املسلمني فيما بينهم ،فقد أمر اهلل تعاىل هبا مع
املخالفني يف الدين ،فأمر باإلحسان إىل الوالدين الكافرين ،وأذن سبحانه برب املخالفني ما مل
( )1انظر :اإلسالم وبناء اجملتمع تأليف الدكتور عبد الفتاح أبو غدة وآخرون ص .31
( )2انظر :أصول النظام االجتماعي يف اإلسالم للطاهر بن عاشور ،ص.266
( )3سورة البقرة ،اآلية (.)173
( )4سورة آل عمران ،اآلية (.)159
( )5أخرجه البخاري تعليقا يف كتاب اإلميان ،باب الدين يسر.
( )6أخرجه البخاري يف صحيحه ،حديث رقم [.]2076
- 14 -
يكونوا حماربني ،وأباح الزواج من نساء اليهود والنصارى ،وأجاز املعامالت الدنيوية معهم،
وهذه هي السماحة بعينها ،وهذا غري الوالء الذي ال يكون إال هلل ويف اهلل.
وال يعذر املسلم برتك السماحة واإلعراض عنها حبجة أن غريه ال يعىن هبا أو حبجة كثرة
اهلموم وضغط العمل وسوء األحوال ،فإن اهلل تعاىل وصف عباد الرمحن بقوله{ :و ِع ُ
باد
جاه ُلون قا ُلوا
م ال ِ
ض ه ْونا و إِذا خاطب ُه ُشون على ْاألأ ْر ِ من ا َّل ِذين ي ْ
م ُ الر ْح ِ
َّ
سلاما}(.)1
س بْ ِن فع ْن أنأ ِ
وسرية النيب حافلة باألحداث اليت تؤكد مساحته مع كل من تعامل معهم أ
ول اهللِ ،وعلأي ِه ِرداء أْجنرِايني أغلِي ُ ِ ِ ت أأم ِشي مع رس ِ ِ
ظ احلأاشيأة ،فأأ ْأد أرأكهُ أأْ أ ٌ أ أمالك ، قأ أالُ « :كْن ُ ْ أ أ أ ُ
ت ِهبأا أثر ْ ِ ِ ت إِ أىل أ ِ ِ
ص ْف أحة عُنُق أر ُسول اهلل أوقأ ْد أ أ يدة ،نأظأْر ُ ايب ،فأ أجبأ أذهُ بِ ِرأدائِِه أجْب أذة أش ِد أ
أ ْأعأرِ ي
ِ ِ ِ ِ ِ اشيةُ ِّ ِ ِ ِ ِ ِِ ِ
تالرأداء ،م ْن شدَّة أجْب أذتهُ ،مثَّ قأ أال :يأا ُحمأ َّم ُد ُم ْر ِيل م ْن أمال اهلل الَّذي عْن أد أك ،فأالْتأت أف أ أح أ
كُ ،مثَّ أ أأمأر لأهُ بِ أعطأاء»(.)2 ض ِح أ
ول اهلل فأ أ
إِلأي ِه رس ُ ِ
ْ أُ
و كلما كان اجملتمع إىل اإلسالم أقرب كان باب السماحة فيه أوسع وأرحب فيحسن باملرء
أن جياهد نفسه لتصبح السماحة خلقا الزما له{ :وما ُيلقَّاها إِ َّلا ا َّل ِذين صب ُروا وما
ُيلقَّاها إِ َّلا ُذو حظ ع ِظيم } .
()4( )3
- 15 -
يف احلياة على مستوى الفرد واجملتمع ،ويف جماالهتا املختلفة املتشعبة :االجتماعية،
واالقتصادية ،والسياسية ،والفكرية.
إن حاجة اإلنسان إىل نعمة األمن واألمان ال تقل أمهية عن نعمة الطعام والشراب ،فاإلنسان
قد جيوع ويعطش فيصرب وال يرى أن شيئا قد فاته ،ولكنه إذا فقد األمن وصار خائفا فال
يكاد يتلذذ بطعام أو شراب ،وال يهنأ براحة بال ،وصدق املصطفى الكرمي إذ قال« :من
أصبح منكم آمنا يف سربه ،معاىف يف جسده ،عنده قوت يومه فكأمنا حيزت له الدنيا»(،)1
فانظر كيف أنزل أمن اإلنسان يف بيته مقرونا بالعافية يف بدنه وحبصوله على قوت يومه منزلة
()2
إحراز الدنيا كلها.
ثانياً :عوامل تحقيق األمن في المجتمع اإلسالمي:
إن خصيصة األمن اليت اتسم هبا اجملتمع اإلسالمي مل تكن لتتحقق لوال توفر أمور:
-1الوازع الديين يف قلوب أبناء اجملتمع املسلم :فاإلميان الصادق يقتضي منع كل أشكال
األذى والعدوان على اآلخرين بغري وجه حق قال « :ال يزين الزاين حني يزين وهو مؤمن،
وال يشرب اخلمر حني يشرهبا وهو مؤمن ،وال يسرق حني يسرق وهو مؤمن ،وال ينتهب ُهنبة
يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حني ينتهبها وهو مؤمن»(.)3
( )1أخرجه الرتمذي ،حديث رقم [ ،]2268وابن ماجه ،حديث رقم [.]4131
( )2انظر :الثقافة اإلسالمية للدكتور هشام بن سعيد أزهر وآخرين ص. 165
( )3أخرجه البخاري يف صحيحه ،حديث رقم [.]2295
- 16 -
-2تطبيق التشريع اإلسالمي :بأحكامه اليت جاءت بكل ما من شأنه أن حيفظ املصاحل،
ومن أهم األحكام اليت جاءت هبا الشريعة الغراء أحكام العقوبات من حدود وقصاص
م َّ اص حياة يا ُأو ِلي ْاألأ ْلبا ِ
ب لعل ُك ْ م ِفي ال ِقص ِوتعزيرات ،قال تعاىل{ :ول ُك ْ
()2( )1
ت َّت ُقون} .
-3االهتمام بالقواعد الوقائية من الشبهات الفكرية املعاصرة ،وهذه القواعد على النحو
التايل(:)3
- 17 -
وهذه القضية هلا حضور كبري يف القرآن الكرمي ،ومن وسائل تعزيز اليقني:
- 18 -
-ثالثا :العناية بالكتب اليت اهتمت ببيان دالئل صحة أصول اإلسالم؛ وقد كتب العلماء
قدميا وحديثا يف هذا اجملال فنجد كثريا من املتقدمني كتبوا يف إعجاز القرآن كاخلطايب والرماين
والباقالين واجلرجاين وغريهم ،كما جند أكثر من ذلك يف باب دالئل النبوة ككتاب أيب نعيم
األصبهاين ،والقاضي عبد اجلبار ،والبيهقي ،وغريهم كثري .
وهناك بعض الكتب املعاصرة ،منها:
-كتاب (النبأ العظيم) حملمد عبد اهلل دراز ،وما أمجله من كتاب يتحدث عن دالئل
صحة القرآن ،وصدق النيب ، بعبارات أدبية ،وتعبريات بيانية تالمس املشاعر
والوجدان .
-كتاب (براهني وأدلة إميانية) لعبد الرمحن حسن حبنكة امليداين ‘ ،وكتاب (نبوة حممد
من الشك إىل اليقني) لفاضل السامرائي.
-كتاب (األدلة العقلية النقلية على أصول االعتقاد) لسعود العريفي ،وهو كتاب كبري ذو
مستوى عايل من التحريرات.
-كتاب (كامل الصورة) ألمحد بن يوسف السيد.
-كتاب ( آليات ووسائل البناء العقدي يف اجملتمع ) حملمد بن عبد العزيز بن سعيد.
-رابعا :االهتمام يف اخلطاب الدعوي باحلديث عن اهلل وصفاته وعظمته ووحدانيته.
-خامسا :االهتمام بعبادة القلوب يف الدعوة والعلم والعمل؛ إذ إن الوقاية من شبهات
الشك والكفر واإلحلاد لن تكون لقلب مل يذق حالوة اإلميان ؛ إذ إنه لن يشعر باخلسارة
والفقد لو تركه ،وأما من ذاق طعم اإلميان ولذته فلن يرضى بأي بديل آخر؛ ولذلك فإن
العناية تقوية إميان القلب وتعلقه باهلل سبحانه ،وتوكله وإنابته وخشيته وحمبته ورجائه ملن أكرب
أسباب الوقاية من الشبهات ،فأين حضور هذه القضية يف خطابنا ؟ وهل أعطيناها القدر
الذي يستحقه ؟
إن مما ال شك فيه وال ريب أن كثريا من الشبهات منشؤها ضعف اإلميان وعدم تذوق
حالوته ،ولذا حنن حباجة إىل مراجعة إمياننا وقلوبنا وأعمالنا وصدقنا مع اهلل سبحانه ،وهذا
كله من الوقاية واملناعة القوية ضد احلرب الفكرية املوجهة إىل اإلسالم وثوابته .
- 19 -
-سادسا :قصص املسلمني اجلدد؛ فإن هلا أثرا كبريا يف االرتياح اإلمياين وتعزيز اليقني
وخاصة حني ترى تنوع ختصصاهتم ،واختالف بلداهنم ،وأهنم إمنا دخلوا اإلسالم عن قناعة
ورضا ،وشعور باألفضل ،هذا كله مع شدة التشويه الذي ميارس ضد اإلسالم واملسلمني ،
مث جند تزاحم الغربيني والشرقيني على بوابة اإلسالم !.
ومن أمجل الربامج اليت ميكن أن تشاهد يف ذلك برنامج ( بالقرآن اهتديت ) لفهد الكندري
وفقه اهلل .
القاعدة الثانية :تكوين العقل الناقد
العقل الناقد :هو العقل الفاحص الذي ال يقبل دعوى دون دليل ،وال يقبل األدلة الفاسدة ،
وال مترر عليه املغالطات املنطقية .
إن كثريا من الشبهات اليت أثرت على شرحية من الشباب كان من أهم عوامل تأثريها :غياب
التفكري الناقد ،والعقلية الفاحصة؛ ولذلك فإن العناية بغرس معاين التفكري الصحيح ،القادر
على التمييز بني املقبول واملردود من املعلومات ،يعترب أمرا مهما جدا يف التحصني من
الشبهات وتعزيز املناعة الفكرية .
وقد اعتىن علماء املسلمني بالفحص والتدقيق يف املعلومات قبل قبوهلا ،ومن أبرز الصور اليت
متثل ذلك :ما أنتجه علماء احلديث من منظومة فحصية مذهلة ،نقدوا هبا رواة احلديث ،ومل
يغرتوا مبجرد الظاهر ،وقارنوا بني الروايات ،وضعفوا املنقطعات ،واكتشفوا الكذابني حىت صار
منهجهم النقدي مأمونا على سنة النيب .
كذلك اعتىن علماء املسلمني ببيان أسس اجلدل واملناظرة ،وحتدثوا عن احلجج املقبولة
والدعاوى املردودة يف كتب ":علم اجلدل ".
ومما يساهم يف تقوية أدوات العقل الناقد :أن يكون على دراية بطرق البحث العلمي
ومهاراته ،فالعقل الناقد حيتاج إىل معرفة مبصادر املعلومات ،وكيف يتعامل معها ليتثبت
ويدقق.
القاعدة الثالثة :التأصيل الشرعي
التأصيل الشرعي هو دراسة أصول الفنون الشرعية كالعقيدة ،والفقه ،وأصول الفقه ،و
املصطلح ،واللغة ،وعلوم القرآن .
- 20 -
القاعدة الرابعة :عدم التعرض لخطاب الشبهات من غير المتخصص
من املهم ملن يتخصص يف الرد على الشبهات أن يكون عارفا بتفاصيلها وقائليها وتارخيها،
ورمبا حيتاج إىل قراءة بعض كتبهم ،أو الدخول إىل بعض مواقعهم وصفحاهتم ،حىت حيسن
اجلواب عنها ،وأما غري املتخصص فإن يف دخوله إىل عامل الشبهات خماطرة غري مأمونة
العواقب ،خصوصا إذا قرأ كتبهم ،أو استعرض تغريداهتم ومشاركاهتم يف شبكات التواصل،
إما من باب التعرف على ما عند اآلخرين ،أو من باب الفضول وتضييع الوقت ،أو من باب
الثقافة العامة وحنو ذلك ،وهناك من دخل إىل صفحات وحسابات إحلادية بدافع حسن
فتأثر تأثرا سلبيا كبريا ما كان يريده وال يظنه ،وهذا يذكرنا بتحذيرات السلف الصاحل من
االستماع إىل أهل البدع؛ ألن القلوب ضعيفة والشبه خطافة كما قال الذهيب ،تعاىل.
القاعدة الخامسة :القراءة الوقائية في كتب الردود على الشبهات
ميكن ملن يريد أن يتخصص يف الرد على الشبهات أن يقرأ يف كتب الردود والشبهات أن
يقرأ يف تلك الكتب بشروط ،منها:
- 21 -
-احلرية الشخصية غري املقيدة بشيء .
فحني خيتل ترتيب األمهية بني هذه األمور ال يقف الشخص موقفا صحيحا متوازنا جتاهها ،
فمثال لو كان عند شاب أن التقدم املادي هو رأس اهلرم ،فكيف ستكون نظرته لغري
املسلمني الذين حققوا السبق يف هذا اجملال ؟ وكيف سينظر للمسلمني ؟.
وأما حني يرجع إىل القرآن ليعرف مراد اهلل سبحانه وما قاله يف ذلك فسيجد أن أقوام األنبياء
كانوا على درجة عالية من التقدم املادي ،ولكن القرآن مل يصور هذا التقدم يف مقابل
كفرهم باهلل سبحانه على أنه جناح حقيقي ،وليس ذلك لعدم أمهية احلضارة العلمية والتقدم
الصناعي ،وإمنا ليعلم الناس أن هذه األمور جيب أال حترف اإلنسان عن الغاية األوىل اليت
وجد هلا ،وهي عبادة اهلل سبحانه وتعاىل ،فإذا كان هذا التقدم صارفا عن حتقيقها فهو
مذموم .
- 22 -
خاصمت ،أعوذ بعزتك ال إله إال أنت أن تضلين ،أنت احلي الذي ال ميوت ،واجلن
واإلنس ميوتون " (.)1
اس مة ُأ ْخ ِرج ْ
ت ِلل َّن ِ م خيْر ُأ َّ
-4األمر باملعروف والنهي عن املنكر ،قال تعاىلُ { :ك ْن ُت ْ
وف وت ْنه ْون ع ِن ال ُم ْنك ِر}( ، )2فجعل املوىل تبارك وتعاىل األمر تأْ ُم ُرون ِبا ْلم ْع ُر ِ
باملعروف والنهي عن املنكر خصيصة من خصائص هذه األمة وهو ما سنتحدث عنه يف
السمة اخلامسة.
- 23 -
م ْنك ِر وا ْلحا ِف ُظون ِل ُح ُدو ِد
اهون ع ِن ال ُ
وف وال َّن ُ
آم ُرون ِبا ْلم ْع ُر ِ
اج ُدون ال ِ س ِ
ال َّ
ال َّل ِه وب ِ
ش ِر ال ُم ْؤ ِمنِين}(.)1
وسنتحدث فيما يلي عن مسائل تتعلق باألمر باملعروف والنهي عن املنكر على النحو التايل:
- 24 -
فاألمر باملعروف والنهي عن املنكر أصل من أصول اإلسالم ،بل هو الغاية اليت بعث اهلل من
سولا أ ِن أجلها الرسل عليهم الصالة والسالم قال تعاىل{ :ولق ْد بع ْثنا ِفي ُك ِل ُأ َّ
مة ر ُ
اغوت }(.)1الط ُ اع ُب ُدوا ال َّله و ْ
اجتنِ ُبوا َّ ْ
-2حماية المجتمع المسلم:
حماية المجتمع من العقوبات اإللهية: أ-
لقد توعد اهلل سبحانه وتعاىل هذه األمة أن يصيبها مثل ما أصاب األمم السابقة إذا تركت
سوا ما ُذ ِك ُروا ِب ِه أ ْنجيْنا واجب األمر باملعروف والنهي عن املنكر قال تعاىل{ :فل َّ
ما ن ُ
كانوا
موا ِبعذاب بئِيس ِبما ُ سو ِء وأخ ْذنا ا َّل ِذين ظل ُ
ا َّل ِذين ي ْنه ْون ع ِن ال ُّ
س ُقون}(.)2ي ْف ُ
ب -حماية المجتمع من أضرار المعاصي وانتشارها:
فال خيفى ما للمعاصي واملنكرات من أضرار على الفرد واجملتمع يف الدنيا واآلخرة ،وباألمر
باملعروف والنهي عن املنكر حيفظ اجملتمع من الرذائل واملوبقات ،وينحسر الشر ،وختتفي
املنكرات ،وتعمه الفضائل واملكرمات.
- 25 -
اهليئة 1108مصانع ،إضافة إىل معاجلة وحدة اجلرائم املعلوماتية لت 836بالغا من مواطنني
تعرضوا لنشر مقاطع عن طريق مواقع التواصل االجتماعي ،والرفع حبجب 26857موقعا
إلكرتونيا حيوي خمالفات عقائدية وأخالقية ،ورصد 146حسابا يف مواقع التواصل
االجتماعي تستغل لنشر الرذيلة والفساد ،والشذوذ ،والقبض على أصحاهبا ،وإحالتهم
جلهات االختصاص ،وإعداد التقارير الالزمة عن 13برناجما من برامج التواصل االجتماعي
وخطرها(.)1
-ثالثا :حكم األمر باملعروف والنهي عن املنكر:
يعد األمر باملعروف والنهي عن املنكر فريضة من الفرائض قال النووي" :قد تطابق على
وجوب األمر باملعروف والنهي عن املنكر الكتاب والسنة واإلمجاع ،وهو أيضا من النصيحة
اليت هي من الدين"(.)2
ولكنهم اختلفوا :هل األمر باملعروف والنهي عن املنكر فرض عني أم فرض كفاية؟
مجهور العلماء على أنه من فروض الكفاية ،قال األلوسي" :إن العلماء اتفقوا على أن األمر
باملعروف والنهي عن املنكر من فروض الكفايات ،ومل خيالف يف ذلك إال النزر"(.)3
واستدل اجلمهور بعدة أدلة منها:
مة ي ْد ُعون إِلى الخيْ ِر و يأْ ُم ُرون م ُأ َّ -1قول اهلل تعاىل{ :و ْلت ُك ْن ِم ْن ُك ْ
الم ْف ِل ُحون }( ،)4والشاهد من اآلية م ُ م ْنك ِر و ُأولئِك ُ
ه ُ وف و ي ْنه ْون ع ِن ال ُ
ِبا ْلم ْع ُر ِ
أن (من) يف (منكم) للتبعيض وهذا يدل على أن األمر باملعروف والنهي عن املنكر فرض
على الكفاية(.)5
صلاة وآت ُوا قاموا ال َّ
ض أ ُ م ِفي ْاألأ ْر ِ -2وبقوله تعاىل{ :ا َّل ِذين إِ ْن مكَّ َّن ُ
اه ْ
وف ونه ْوا ع ِن ا ْل ُم ْنك ِر}( ،)6ووجه الداللة من اآلية :أن
ال َّزكاة وأم ُروا ِبا ْلم ْع ُر ِ
- 26 -
القيام باألمر باملعروف والنهي عن املنكر يقتضيه التمكني يف األرض وليس كل الناس
ممكنون(.)1
-رابعاً :وسائل األمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وردت وسائل القيام باألمر باملعروف والنهي عن املنكر يف قول النيب « :من رأى منكم
منكرا فليغريه بيده ،فإن مل يستطع فبلسانه ،فإن مل يستطع فبقلبه ،وذلك أضعف اإلميان».
فمن هذا احلديث الشريف يتبني أن وسائل تغيري املنكر هي:
اإلنكار باليد ،و يشرتط لإلنكار باليد ما يلي : -1
أ -تعذر اإلنكار بغريه :كأن يكون صاحب املنكر قد استُنفذ معه أسلوب النصيحة
بالرفق واللني ،والتخويف والرتغيب والرتهيب.
ب -أال يغلب على ظن امل ِ
نكر أن اإلنكار باليد سيسبب منكرا أكرب.
ِ ُ
ج -أن يكون للمنكر والية عامة أو خاصة على من وقع يف املنكر ،كوالية السلطان على
رعيته ،أو والية من يفوض إليه السلطان تنفيذ األحكام واحلدود ،ووالية الوالد على ابنه.
اإلنكار باللسان :وهذه الوسيلة الثانية اليت تنتقل إليها إذا مل يتمكن من اإلنكار -2
باليد وله مراتب وآداب:
التعريف بحكم الشرع. أ-
ب -النصح والوعظ :وهذه املرتبة تستعمل مع من يفعل املنكر وهو عامل حبكمه يف
يل ر ِبك قال تعاىلْ { :
اد ُع إِلى س ِب ِ الشرع فينبه ويذكر باحلكمة واملوعظة احلسنة،
ِبا َّلتِي ِهي أ ْحس ُن}( ،)2وينصح سرا م
ِبا ْل ِحكْم ِة وا ْلم ْو ِعظ ِة الحسن ِة وجا ِد ْل ُه ْ
وال يشهر به ،ويشعره املنكر أنه حيب له ما حيب لنفسه من اخلري ،ويكره له ما يكرهه لنفسه.
ُ
ج -التعنيف في القول :وال يلجأ إليه إال عند الضرورة ،وعند عدم جدوى الوعظ
والنصح ،وبعد اإلصرار على املعصية ،أو ترك الواجب ،من غري سب أو شتم أو فحش يف
القول.
- 27 -
اإلنكار بالقلب :ومعناه كراهية املنكر ،وبغضه ،والشعور باحلزن لوقوعه ،قال املناوي -3
" فبقلبه؛ ألن ذلك مقدوره ،فيكرهه بقلبه ،ويعزم أنه لو قدر عليه بقول أو فعل أزاله ...وهذا
واجب عينا على كل مسلم خبالف الذي قبله"(.)1
ومن صور كراهية املنكر ،عدم البقاء يف املكان الذي يرتكب فيه وإظهار الغضب وعدم
الرضا من فعله(.)2
- 28 -
وينزع الثقة فيما بينهم ،وينشر سوء الظن ،قال عليه « :إنك ان اتبعت عورات الناس
أفسدهتم أو كدت تفسدهم»(.)1
-3ال إنكار على مجتهد وال على مختلف فيه :قال ابن قدامة" :ويشرتك يف إنكار
املنكر أن يكون معلوما كونه منكرا بغري اجتهاد ،فكل ما هو يف حمل االجتهاد فال حسبة
فيه"( ،)2ويستثين القاضي أبو يعلى من ذلك إذا كان اخلالف ضعيفا يف مسألة من املسائل،
فيقول" :ما ضعف اخلالف فيه ،وكان ذريعة إىل حمظور متفق عليه ...فيدخل يف إنكار
احملتسب حبكم واليته"(.)3
-4ترك االستفزاز واستخدام اإلقناع :حىت ال يصر املنكر عليه على منكره ،فقد هنانا
اهلل تعاىل عن سب آهلة املشركني ملا يرتتب على ذلك من ردة فعل ال حتمد عقباها ،قال
سبُّوا ال َّله ع ْدوا ِبغيْ ِر ِع ْلم
ون ال َّل ِه في ُ
سبُّوا ا َّل ِذين ي ْد ُعون ِم ْن ُد ِ
تعاىل{ :ولا ت ُ
}( ،)4ولننظر إىل خليل اهلل إبراهيم كيف أقام احلجة على خصمه باحلجة البينة:
يم
اه ُ م ْلك إِ ْذ قال إِبْر ِاه ال َّل ُه ال ُ
اهيم ِفي ر ِب ِه أ ْن آت ُ م تر إِلى ا َّل ِذي ح َّ
اج إِبْر ِ {أل ْ
يم فإِ َّن ال َّله
اه ُيت قال إِبْر ِ يت قال أنا ُأ ْح ِيي و ُأ ِم ُ ر ِبي ا َّل ِذي ُي ْح ِيي و ُي ِم ُ
ب ف ُب ِهت ا َّل ِذي كفر ت ِبها ِمن الم ْغ ِر ِ س ِمن المشْ ِر ِق فأْ ِ م ِ يأْتِي ِبال َّ
ش ْ
وال َّل ُه لا ي ْه ِدي الق ْوم َّ
الظا ِل ِمين}(.)5
-5الستر :فاإلسالم حيب السرت ،وينهى عن تتبع العورات ،ما مل يكن صاحب املنكر
جماهرا بني الناس ،وقد وجه النيب رجال من أصحابه استشاره ماعز بعد وقوعه يف
فاحشة الزنا فأشار عليه أن خيرب النيب ،فلما أقيم عليه احلد قال النيب لذلك الرجل
هزال ،لو كنت سرتته بثوبك كان خريا لك»( ،)6قال ابن حجر: هزال« :ويلك يا ّ وامسه ّ
- 29 -
"يستحب ملن وقع يف معصية وندم أن يبادر إىل التوبة منها ،وال خيرب أحدا ويسترت بسرت اهلل،
وإن اتفق أنه خيرب أحدا فيستحب ان يأمره بالتوبة وسرت ذلك عن الناس"(.)1
فإذا كان صاحب املنكر جماهرا به ،أو تعدى ضرره غريه من املسلمني فعند ذلك جيب
التحذير منه ،قال ابن العريب" :إذا كان متظاهرا بالفاحشة جماهرا ،فإين أحب مكاشفته
والتربيح به لينزجر هو وغريه"(.)2
اخلالصة
للمجتمع اإلسالمي مسات عديدة منها :ملتزم بالشرع ،جاد ،متسامح ،آمن، •
متناصح ،تسوده املساواة ،مرتاحم ،مطيع ألويل األمر.
من عوامل حتقيق األمن يف اجملتمع اإلسالمي :الوازع الديين يف قلوب أبناء اجملتمع •
املسلم ،تطبيق التشريع اإلسالمي ،االهتمام بالقواعد الوقائية من الشبهات الفكرية
املعاصرة ،األمر باملعروف والنهي عن املنكر.
القواعد الوقائية من الشبهات الفكرية املعاصرة :تعزيز اليقني بأصول اإلسالم ،تكوين •
العقل الناقد ،التأصيل الشرعي ،عدم التعرض خلطاب الشبهات من غري املتخصص،
القراءة الوقائية يف كتب الردود على الشبهات بشروط ،ترتيب األولويات الكربى يف
النظر اإلنساين على مراد اهلل ،تعزيز الربامج اجلماعية املفيدة فكريا وعاطفيا ،الدعاء
واالبتهال.
من وسائل تعزيز اليقني بأصول اإلسالم :إحياء وإشاعة عبادة التفكر يف آيات اهلل •
الكونية ،إشاعة عبادة التفكر يف آيات اهلل الشرعية ،وربط الناس بالقرآن والسنة
الصحيحة ،العناية بالكتب اليت اهتمت ببيان دالئل صحة أصول اإلسالم ،االهتمام
- 30 -
يف اخلطاب الدعوي باحلديث عن اهلل وصفاته وعظمته ووحدانيته ،االهتمام بعبادة
القلوب يف الدعوة والعلم والعمل ،قصص املسلمني اجلدد.
األمر باملعروف والنهي عن املنكر هو :األمر بواجبات الشرع والنهي عن حمرماته. •
أمهية األمر باملعروف والنهي عن املنكر :حتقيق العبودية هلل وحده ،محاية اجملتمع •
املسلم.
حكم األمر باملعروف والنهي عن املنكر :مجهور العلماء على أنه من فروض الكفاية. •
وسائل األمر باملعروف والنهي عن املنكر :وردت وسائل القيام باألمر باملعروف •
والنهي عن املنكر يف حديث النيب « :من رأى منكم منكرا فليغريه بيده ،فإن مل
يستطع فبلسانه ،فإن مل يستطع فبقلبه ،وذلك أضعف اإلميان».
يشرتط لألمر باملعروف والنهي عن املنكر شروط بعضها يتعلق ( ِ
باملنكر احملتسب)، •
وبعضها يتعلق (باملن أكر عليه).
قواعد يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر :تقدمي األهم على املهم ،التثبت ،ال •
إنكار على جمتهد وال على خمتلف فيه ،ترك االستفزاز واستخدام اإلقناع ،السرت.
- 31 -
مصادر التعلم
- 32 -
-قدم ورقة حبثية عن مسات اجملتمع اإلسالمي يف عهد النيب .
-قارن بني مسات اجملتمع اإلسالمي ومسات اجملتمعات الغربية يف العصر احلايل.
-قدم ورقة حبثية عن حفظ الشريعة للكليات اخلمس (الدين ،والنفس ،والعقل،
والعرض ،واملال).
- 33 -
الوحدة الثانية
أبرز المشكالت االجتماعية ،أسبابها وعالجها
موضوعات الوحدة:
مقدمة.
الموضوع األول :المشكلة األولى ( :االنحراف الجنسي).
الموضوع الثاني :المشكلة الثاني ( :المخدرات والمسكرات).
الموضوع الثالث :المشكلة الثالثة ( :التدخين).
الموضوع الرابع :المشكلة الرابعة ( :التقليد والتبعية لغير المسلمين).
- 34 -
مقدمة
()2
الموضوع األول :أبرز المشكالت االجتماعية ،أسبابها وعالجها
المشكلة األولى :االنحراف الجنسي
إن مشكلة االحنراف اجلنسي لدى الشباب تعد من أخطر املشاكل وأكثرها ضررا دينيا
ودنيويا عليهم وعلى جمتمعهم ،ويأِت على رأس ; `gفعل الزنا وعمل قوم لوط.
-ومها يف شرع اهلل من كبائر الذنوب ،فقد قرن اهلل تعاىل الزنا باإلشراك به وقتل النفس
احملرمة فقال تعاىل{ :وا َّل ِذين لا ي ْد ُعون مع ال َّل ِه إِلها آخر ولا ي ْق ُت ُلون ال َّن ْفس
ل ذ ِلك ي ْلق أثاما * ا َّلتِي ح َّرم ال َّل ُه ا ْلأ ِبا ْلح ِق ولا ي ْز ُنون وم ْن ي ْفع ْ
يه ُمهانا}(،)3
ذاب ي ْوم ال ِقيام ِة و ي ْخ ُل ْد ِف ِ
ف ل ُه الع ُ ُيضاع ْ
م ُرنا
ما جاء أ ْ -وأما فعل قوم لوط فقد عاقبهم اهلل عليه أشد العقاب فقال تعاىل{ :فل َّ
ضود * س ِجيل م ْن ُمط ْرنا عليْها ِحجارة ِم ْن ِ جع ْلنا عا ِليها سا ِفلها وأ ْ
()4
الظا ِل ِمين ِبب ِعيد}
ُمس َّومة ِع ْند ر ِبك وما ِهي ِمن َّ
- 35 -
تحريم اإلسالم للمقدمات المفضية للزنا:
لعظم هذه اجلرمية ،وبشاعتها يف النفوس ،وآثارها السيئة على اجملتمع ،مل يكتف اإلسالم
بتحرميها ،بل حرم املقدمات املفضية هلا ،وفرض أمورا تقي منها فمن ذلك:
-1حترمي اخللوة باملرأة األجنبية( :)1إذ يقول النيب « :ال خيلون رجل بامرأة إال ومعها
ذو حمرم»( ،)2ويؤكد خطورة املسألة بقوله« :إياكم والدخول على النساء» فقال رجل من
األنصار :يا رسول اهلل :أفرأيت احلمو؟ قال« :احلمو املوت»(.)3
ضوا
م ْؤ ِمنِين ي ُغ ُّ -2حترمي النظر إىل املرأة األجنبية :ويف هذا يقول تعاىلُ { :ق ْ
ل ِل ْل ُ
م إِ َّن ال َّله خ ِبير ِبما
م ذ ِلك أ ْزكى ل ُه ْ
م و ي ْحف ُظوا ُف ُروج ُه ْ
ِم ْن أبْصا ِر ِه ْ
صن ُعون}(.)4ي ْ
هني املرأة عن جمانبة احلشمة بالتكسر واخلضوع عند حمادثة الرجال. -3
ضن
ض ْ
نات ي ْغ ُ
م ْؤ ِم ِ فرض احلجاب على املرأة :ويف هذا يقول تعاىل{ :و ُق ْ
ل ِل ْل ُ -4
ِم ْن أبْصا ِر ِه َّن و ي ْحف ْظن ُف ُروج ُه َّن ولا ُي ْب ِدين ِز ينت ُه َّن ا ْلأ ما ظهر ِم ْنها
ض ِربْن ِب ُخ ُم ِر ِه َّن على ُج ُيو ِب ِه َّن ولا ُيبْ ِدين ِز ينت ُه َّن ا ْلأ ِل ُب ُعولتِ ِه َّن }(.)5
و ْلي ْ
عقوبته الدنيوية:
ختتلف عقوبة الزاين بني كونه حمصنا أو غري حمصن ،واحملصن هو من سبق له الوطء يف نكاح
صحيح ولو مرة واحدة.
-فغري احملصن وغري احملصنة عقوبتهما أن جيلدا مائة جلدة ويغربا عن بلدمها عاما كامال،
واحد ِم ْن ُهما ِمائة ج ْلدة
ِ ل وفيهم يقول تعاىل{:ال َّزانِي ُة وال َّزانِي ف ْ
اج ِل ُدوا ُك َّ
- 36 -
م ُت ْؤ ِم ُنون ِبال َّل ِه وا ْلي ْو ِم ولا تأْ ُخ ْذ ُكم ِب ِهما رأْفة ِفي ِد ِ َّ
ين الل ِه إِ ْن ُك ْن ُت ْ ْ
()1
شه ْد عذاب ُهما طائِفة ِمن ال ُم ْؤ ِمنِين} . آخ ِر و ْلي ْ
ال ِ
ويف الصحيح عن زيد بن خالد عن رسول اهلل « :أنه أمر فيمن زىن ومل حيصن جبلد
مائة وتغريب عام»(.)2
-وأما احملصن واحملصنة فعقوبتهما الرجم باحلجارة حىت املوت ففي الصحيح عن عمر
قال« :لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حىت يقول قائل :ال جند الرجم يف كتاب اهلل
أحصن إذا قامت البينة
فيضلوا برتك فريضة أنزهلا اهلل ،أال وإن الرجم حق على من زىن وقد أ أ
أو كان احلمل ،أو االعرتاف ،أال وقد رجم رسول اهلل ورمجنا بعده»(.)3
-عقوبة عمل قوم لوط على قول أكثر أهل العلم القتل للفاعل واملفعول به ،سواء كان
حمصنني أم ال ،وقال بعضهم :عقوبته كعقوبة الزنا ،وقال بعضهم :إن عقوبته التعزير.
عقوبته األخروية:
توعد املوىل تبارك وتعاىل من أتى هذه الفواحش ومل يتب منها يف الدنيا بأشد الوعيد ،وقد
سبق قوله تعاىل{ :وا َّل ِذين لا ي ْد ُعون مع ال َّل ِه إِلها آخر ولا ي ْق ُت ُلون ال َّن ْفس ا َّل ِتي
ف ل ُه ح َّرم ال َّل ُه ا ْلأ ِبا ْلح ِق ولا ي ْز ُنون وم ْن ي ْفع ْ
ل ذ ِلك ي ْلق أثاما * ُيضاع ْ
يه ُمهانا}(،)4
ذاب ي ْوم ال ِقيام ِة و ي ْخ ُل ْد ِف ِ
الع ُ
اآلثار المترتبة على هذه الفواحش
من أبرز اآلثار السلبية املرتتبة على هذه الفواحش فيما يلي:
األضرار الدينية :فاالحنرافات اجلنسية تورث موت القلب وبعده عن اهلل. -1
األضرار االجتماعية :كاختالط األنساب ،وكثرة اللقطاء ،وفقدان املرأة لعفتها أ-
وشرفها ،وفقدان البكر لعذريتها مما يؤثر بعد ذلك سلبا على زواجها.
األضرار األخالقية :إذ هذه االحنرافات تفسد املروءة ،وتذهب الفضيلة ،وتئد الغرية. -2
- 37 -
األضرار الصحية :فقد توعد اهلل تبارك وتعاىل القوم الذين تستشري فيهم الفاحشة -3
بشىت األمراض ،إذ يقول النيب « :مل تظهر الفاحشة يف قوم قط حىت يعلنوا هبا إال فشا
فيهم الطاعون ،واألوجاع اليت مل تكن مضت يف أسالفهم الذين مضوا»( ،)1وقد صدق
احلبيب إذ األمراض انتشرت اليوم بسبب هذه الفواحش حىت ال ختفى على أحد كالزهري
والسيالن واإليدز.
الموضوع الثاني
المشكلة الثانية :المخدرات والمسكرات
املخدرات واملسكرات يف اإلسالم حمرمة بكل أنواعها ،وقد نص القرآن صراحة على حرمة
ُ
صاب ن
ْ ألْ او ر س
ِ ي م ل
ْ او ر م خ ال ام نَّ ِ إ وا ن
ُ آم ين ذ
ِ َّ
ل ا ا هُّ ي أ يا { تعاىل: اخلمر ،فقال
ُ ْ ُ ُْ
وه لع َّل ُك ْم ُت ْف ِل ُحون}(.)2
اجتنِ ُب ُ طان ف ْشيْ ِ لام ِر ْجس ِم ْن عم ِل ال َّ وا ْلأ ْز ُ
فإذا كان هذا شأن اخلمر اليت تعترب من أقل املسكرات ،واملخدرات ضررا فكيف بغريها من
املخدرات ،كما أنه قد صح عن النيب أنه قال« :كل مسكر حرام»(.)3
عقوبتها الشرعية:
أما اخلمر فقد ثبت يف السنة أن شارهبا جيلد ،وأما مقدار اجللد فقد روى مسلم أن عليا
جلد شارهبا أربعني جلدة ،وقال« :جلد النيب أربعني ،وجلد أبو بكر أربعني ،وعمر
أربعني وكل سنة ،وهذا أحب إيل»( .)4ويف بعض الروايات أن عمر زاد أربعني جلدة ملا
رأى الناس تساهلوا يف اخلمر.
وتعترب مشكلة املخدرات من أخطر املشاكل؛ ملا هلا من آثار شنيعة على الفرد واألسرة
واجملتمع ،وملا فشا أمرها يف هذا الزمان اختذت بالدنا موقفا حازما من مروجيها ،ومهربيها،
- 38 -
وقد صدر قرار من جملس هيئة كبار العلماء رقم 138بتاريخ 1407/6/20هت يقضي بقتل
مهرب املخدرات ،وبتعزير مروجيها تعزيرا بليغا ميكن أن يصل إىل القتل ،وقد صدر األمر
السامي رقم /4ب 9666/وتاريخ 1407/7/10هت لكل من وزارة العدل ووزارة الداخلية
باعتماد العمل بقرار جملس هيئة كبار العلماء السابق(.)1
واليوم مثة عدد من الدول تنادي بتطبيق العقوبة ذاهتا.
عقوبتها األخروية:
قال النيب « :كل مسكر حرام ،إن على اهلل جل جالله عهدا ملن يشرب املسكر أن
يسقيه من طينة اخلبال» ،قال« :عرق أهل النار أو عصارة أهل النار»( ،)2وقال « :ومن
شرب اخلمر يف الدينا فمات وهو يدمنها مل يتب مل يشرهبا يف اآلخرة»(.)3
خامساً :األضرار المترتبة على تعاطي المسكرات والمخدرات:
ورد عن عثمان بن عفان أنه مسى اخلمر (أم الخبائث)؛ وهذا ألن من سكر يقع بسكره
يف شىت الذنوب واآلثام ،وقد يرتكب شىت اجلرائم حتت وطأة سكره ،ولذلك فإن األضرار
املرتتبة على هذه اآلفة املدمرة أكثر من أن حتصى ،سواء أكانت أضرارا صحية تؤدي إىل
اهلالك وتسبب السرطان أم أضرارا اجتماعية ،أم اقتصادية.
الموضوع الثالث
المشكلة الثالثة :التدخين
يف العامل اليوم أكثر من 50ألف حبث علمي من ( )80دولة كلها تدين التبغ وتؤكد أنه
م
بات و ُيح ِر ُم عليْ ِه ُ
الط ِي ِ
م َّ مدمر للصحة ،واهلل تبارك وتعاىل يقول{ :و ُي ِح ُّ
ل ل ُه ُ
الخبائِث }( ،)4فهل ميكن أن نعد التدخني من الطيبات دون اخلبائث ،ويقول تعاىل
- 39 -
يل ال َّل ِه ولا ُت ْل ُقوا ()1
م} ،ويقول{ :وأ ْن ِف ُقوا ِفي س ِب ِ كذلك{ :ولا ت ْق ُت ُلوا أ ْن ُفس ُك ْ
ِبأيْ ِدي ُك ْم إِلى ال َّت ْه ُلك ِة}( ،)2وقد ثبت مما مضى من اإلحصاءات أن التدخني قاتل من
الطراز األول.
وقد صدرت عشرات الفتاوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء حبرمة شرب
الدخان ،وبيعه ،وزراعته ،فمن ذلك الفتوى رقم 15928ونصها" :ال جتوز زراعة الدخان،
وال بيعه ،وال استعماله؛ ألنه حرام من عدة وجوه :ألضراره الصحية العظيمة ،وخلبثه ،وعدم
ف ائدته ،وعلى املسلم تركه ،واالبتعاد عنه ،وعدم زراعته واالجتار به؛ ألن اهلل إذا حرم شيئا
حرم مثنه "(.)3
الموضوع الرابع
المشكلة الرابعة :التقليد والتبعية لغير المسلمين
- 40 -
َّشبُّ ِه بِالْ ُكفَّا ِر ِيف أقْتواهلِِم وأفْتعاهلِِم ،ولِب ِ
اس ِه ْم أوأ ْأعيأ ِاد ِه ْم، ِ ِِ ِِ
الشَّديد أوالتت َّْهديد أوالْ أو ِعيد ،أعلأى الت أ
أ ْ أ أ ْ أأ
()1
اليت مل تشرع لنا وال نتُ أقر أعلأْيت أها " ك ِم ْن أ ُُموِرِه ُم ِ ِ ِِ
أو ِعبأ أاداهت ْم أو أغ ِْري ذأل أ
رابعاً :خطورة التقليد:
-1إن التقليد هو اخلطوة األوىل يف طريق التبعية الكاملة ،فالتقليد يف الظاهر هو داللة
على نوع من التقليد الباطن ،وهذا والعياذ باهلل قد يفضي إىل الظن بأن ديانة غري اإلسالم
هي أفضل من اإلسالم(.)2
-2إن املقلد يلغي بتقليده وجوده ويقضي على شخصيته ،ويوقف حركة عقله وتفكريه
ليفكر بعقوهلم ..هذا يف التقليد ككل ،فكيف إذا كان التقليد يف الضار دون النافع.
خامساً :سبب تقليد المسلم لغيره :
كانت أمتنا اإلسالمية مقصدا لألمم األخرى فقد كانت األمم هي اليت تسعى لتقليدها،
وكان أبناء األمم يرحتلون إىل ديار اإلسالم لنيل العلوم بشىت أنواعها ،فلما فقدت األمة
مكانتها بني األمم ،وضعفت قوهتا ،صار بنوها هم الذين يقلدون أعداءهم.
سادساً :وسائل معالجة ظاهرة التقليد :
-1إحياء روح االعتزاز بالدين اإلسالمي يف نفوس شبابنا وشاباتنا.
-2تعريف الشباب املسلم بسرية نبيهم وصحبه الكرام ،ليكون التقليد له وهلم إذ
من املؤسف أن عددا كبريا من أبناء املسلمني ال يعرف من سرية نبيه إال النزر اليسري.
-3بيان اجلانب الزائف يف احلضارة الغربية ،من خالل بيان كثرة الداخلني يف اإلسالم يف
هذا الزمان ،مما يدل على أن األمم تعيش يف خواء ،وتبحث عن الدين الذي ميأل هذا
اخلواء ،وكذا من خالل إبراز أقوال الغربيني أنفسهم عن أوضاعهم ،وأقوال املنصفني منهم
()3
عن اإلسالم وحضارته
- 41 -
الوحدة الثالثة
أحكام األسرة في اإلسالم
موضوعات الوحدة:
- 42 -
الموضوع األول
األسرة في اإلسالم
( )1انظر :املعجم الوسيط مادة أسر ص ، 17تاج العروس 51/10مادة أسر.
()2انظر :األسرة يف اإلسالم مقرر جامعة امللك سعود ص .2
( )3أخرجه مسلم يف صحيحه برقم [.]2658
( )4سورة الروم ،اآلية (.)30
- 43 -
ثانياً :المقاصد الشرعية من تكوين األسرة:
يهدف اإلسالم إىل حتقيق مقاصد عظيمة بتكوين األسرة وحتقيق مثرات ذات أثر وفعالة،
وبعيدة املدى يف حياة الفرد واجملتمع ،إذ إن األسرة نعمة من نعم اهلل امنت اهلل هبا على عباده
م
س ُك ْ واختارها هلم لتستقر هبم احلياة قال تعاىل{ :و ِم ْن آياتِ ِه أ ْن خلق ل ُك ْ
م ِم ْن أ ْن ُف ِ
م مو َّدة ور ْحمة إِ َّن ِفي ذ ِلك لآيات
س ُك ُنوا إِليْها وجعل بيْن ُك ْ
أ ْزواجا ِلت ْ
ِلق ْوم يتفكَّ ُرون}(.)1
وميكن أن نلخص أهم وأبرز مقاصد األسرة يف اإلسالم فيما يلي:
-1إقامة حدود اهلل وحتقيق شرعه ومرضاته.
-2إقامة البيت املسلم؛ الذي يبىن على حتقيق عبادة اهلل.
- 44 -
-3حتقيق مقصد إجناب النسل املؤمن الصاحل ،قال تعاىل{ :وب َّ
ث ِم ْن ُهما ِرجالا
كثِيرا ونِساء}( ،)1فاإلجناب مطلب موجود ولذلك وصف القرآن البنني بأهنم أحد
ياة ال ُّد ْنيا}( )2وقال
المال وا ْلب ُنون ِز ين ُة الح ِ
ُ عنصري زينة احلياة الدنيا فقال تعاىل{ :
النيب « :تزوجوا الودود الولود فإين مكاثر بكم األمم يوم القيامة»(.)3
م ِم ْن ن ْفس -4حتقيق السكن النفسي والطمأنينة ،قال تعاىلَّ ُ :
{هو ال ِذي خلق ُك ْ
()4
س ُكن إِليْها }
واحدة وجعل ِم ْنها ز ْوجها ِلي ْ
ِ
-5حفظ النسب؛ ومن أجل ذلك حرم اإلسالم الزنا والتبين ،وشرعت األحكام اخلاصة
بالعدة ،وعدم كتم ما يف األرحام ،وإثبات النسب ،وغري ذلك من األحكام.
-6املشاركة يف حتمل أعباء احلياة بني الزوجني ،وهو مقصد نبيل من مقاصد األسرة يف
اإلسالم ،قال« :الدنيا متاع ،وخري متاعها املرأة الصاحلة»(.)5
-7حتقيق النمو اجلسدي والعاطفي ،وذلك بإشباع النزعات الفطرية وامليول الغريزية،
وتلبية املطالب النفسية والروحية واجلسدية باعتدال.
-8التدريب على حتمل املسؤولية ،فاألسرة مؤسسة للتدريب على حتمل املسؤوليات
وإبراز الطاقات.
-9جتسيد معاين التكافل االجتماعي وروح التعاون(.)6
- 45 -
ثالثاً :مقومات األسرة:
مقومات األسرة
اهتم اإلسالم حبماية األسرة من الفساد ،ووضع هلا مقومات وأسسا تساعدها على حتقيق
التوافق بني الزوج والزوجة داخل األسرة ،وفيما يلي أهم هذه املقومات:
االتصال الصحيح باهلل تعالى: أ-
االتصال الصحيح باهلل سبحانه وتعاىل يعترب من أهم املقومات اليت تضمن لألسر سعادهتا يف
الدنيا واآلخرة؛ ألن أساسه هو املنهج الرباين الذي بني ما جيب على كل فرد من أفراد األسرة
من واجبات ،وأرشد إىل طريق السعادة يف األسر واجملتمعات.
ب -الرحمة والمودة:
اإلسالم حرص على أن تقوم حقوق الزوجني وواجباهتما على أساس من املودة والرمحة ،قال
س ُك ُنوا إِل ْيها وجعل
م أ ْزواجا ِلت ْ
س ُك ْ تعاىل{ :و ِم ْن آياتِ ِه أ ْن خلق ل ُك ْ
م ِم ْن أ ْن ُف ِ
بيْن ُك ْم مو َّدة ور ْحمة}( ،)1ومل يذكر اهلل تعاىل احلب ،وجيعله رباطا ،بل ذكر املودة والرمحة
وجعلهما الرباط؛ ألن احلب ليس أساسا لدوام العشرة ،وغالبا ما تنطفي جذوته بعد الزواج،
فهو ليس من عناصر الثبات يف احلياة الزوجية ،فكم رأينا رباطا قام على احلب مث ما لبث أن
تراخى وانتهى بالفرقة ،أما املودة والرمحة فهما رباط روحي منهما تنشأ احملبة لتالئم بني
جسدين تعدمها حلياة مستقرة ومستمرة ،ومشاركة يف إنشاء األسرة(.)2
- 46 -
وسائل تحقيق المودة والرحمة بين الزوجين
-1الكلمة الطيبة :وهي املفتاح الذهيب للحياة الزوجية ميت قيلت يف الوقت والكيفية
املناسبة وهي تبقى يف ذاكرة اإلنسان (الزوجني) ،وقد حيتاج أن يستدعيها الطرف األخر يف
مواقف اإلحباط والضغوط املختلفة.
-2اشباع احلاجات من الطرف اآلخر :وهو أمر نسيب خيتلف حسب مبدأ الفروق
الفردية ،ومن هنا ال يوجد أي طريقة إلزامية يف حل هذه احلاجات وإشباعها ،فالبعض حيتاج
خلق جو جلسات الصفاء والسمر ،والبعض حيب اهلدايا ،والبعض يكتفي بالكلمات الطيبة.
-3ادراك الفروق الفردية والتكوينية :جتعل كل فرد يعطي ويأخذ بطريقة تكشف عن
شخصيته مبا يف ذلك مستوى نضجه وطريقة تفكريه.
-4معرفة أن صفات األنسان (عيوب وقصور) قد تتغري وميكن تعديلها :إن وجدت
الظروف املالئمة ،وإذا أعطي الشخص الوقت الكايف والتوجيه املفيد كما ميكن أن يتعلم كل
طرف كيفية اإلنصات والتفاعل والتجاوب بطريقة مرحية ومرنة.
- 47 -
-5اخللق والدين :يعترب الدين ومستوى اخللق من أهم عوامل اصالح األسرة املسلمة بل
إن هناك عددا من الدراسات أكدت أن عزوف أحد الزوجني عن أداء واجباته الدينية سبب
يف وقوع اخلالفات الزوجية.
-6الكفاءة :فالبد أن يكون الزوجان على درجة من الكفاءة يف حالة الطلب والقبول
والكفاءة تكون باملهارات الشخصية واألخالقية العالية ،والقدرة املتوازنة بني القيام بالواجبات
وأخذ احلقوق.
-7التزين :يعد التزين من اجلوانب اجلمالية اليت كان يعتين هبا النيب فقد جاء يف
حديث ابن عباس ب« :لقد رأيت على رسول اهلل أحسن ما يكون من احللل» ،وقال
عبداهلل بن عباس ب" :أحب أن اتزين لزوجيت كما أحب أن تتزين يل" ،والتزين يكون حبسن
اهليئة والصورة ،وحسن النظرة والرائحة ،وحسن املنطق والفكر.
-8االحتواء :ويكون عاطفيا وفكريا وجسديا ،ويعين احتضان مشاعر وآالم الشخص
اآلخر انفعاليا وجسديا وفكريا؛ سواء يف حلظات الفرح أو احلزن.
ج -حسن المعاملة:
أوجب اإلسالم حسن املعاملة بني أفراد اجملتمع عامة وأفراد األسرة خاصة ،وبني الزوجني
وه َّن بصورة مؤكدة بنصوص القرآن الكرمي ،وأحاديث الرسول ،قال تعاىل{ :و ِ
عاش ُر ُ
هوا ش ْيئا و ي ْجعل ال َّل ُه ِف ِ
يه وه َّن فعسى أ ْن تكْر ُ
م ُه ُت ُ
وف فإِ ْن ك ِر ِْبا ْلم ْع ُر ِ
خيْرا ك ِثيرا}(.)1
وقال « :استوصوا بالنساء خريا»(.)2
د -تبادل الحقوق والواجبات:
للمحافظة عل متاسك األسرة واستقرارها فإن ذلك يتطلب من الزوجني القيام مبجموعة من
احلقوق والواجبات املتبادلة بينهما فالزوج له حق الطاعة يف املعروف؛ بأن جتتهد الزوجة يف
إرضائه ملا يف ذلك من املصلحة واخلري لألسرة حيث جعل النيب رضا الزوج على زوجته
- 48 -
سببا لدخول اجلنة ،فقال« :أميا امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت اجلنة»( )1ومن ذلك
القرار يف بيته وعدم اخلروج إال بإذنه؛ ألن البيت ميدان وظيفتها الفطرية ونشاطها الطبيعي،
وهذا يتطلب منها حضورا دائما ،ومالزمة مستمرة تتابع فيها شئون األبناء واحتياجاهتم،
وتراعي مصاحل املنزل وتدبر شئونه ،فيكون واحة لألمن والسكينة والراحة جلميع أفراد األسرة
زوجا وأبناء قال تعاىل{ :وق ْرن ِفي ُب ُيوتِ ُك َّن ولا تب َّر ْجن تب ُّرج ال ِ
جاه ِل َّي ِة
الأُولى}( ،)2وقال « :واملرأة راعية يف بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها»(.)3
ويف املقابل للزوجة من احلقوق ما يكفل هلا االستقرار والسعادة ،فأوجب على الزوج حتسني
وف }( ،)4كما أوجب عليه وه َّن ِبا ْلم ْع ُر ِ خلقه مع زوجته والرفق هبا ،قال تعاىل{ :و ِ
عاش ُر ُ
توفري ما حتتاج إليه الزوجة من طعام ومسكن وكسوة حىت وإن كانت غنية؛ لقول تعاىل:
وف لا ُتك َّل ُ
ف ن ْفس ْاألأ سو ُت ُه َّن ِبا ْلم ْع ُر ِ
{وعلى الم ْو ُلو ِد ل ُه ِر ْز ُق ُه َّن و ِك ْ
سعها}(.)5
ُو ْ
( )1أخرجه ابن ماجة يف سننه من حديث أم سلمة برقم [ ،]1854وضعفه األلباين يف تعليقه على سنن ابن ماجة.
( )2سورة األحزاب ،اآلية (.)33
( )3أخرجه البخاري يف صحيحه ،حديث رقم [.]2409
( )4سورة النساء ،اآلية (.)19
( )5سورة البقرة ،اآلية (.)23
- 49 -
-أوال :الزوج:
ضل ال َّل ُه امون على النِسا ِء ِبما ف َّ ال ق َّو ُ
{الرج ُ
ِ -وظيفته :القوامة لقوله سبحانه:
()1
جال
لر ِ م} ،وقال تعاىل{ :و ِل ِ موا ِل ِه ْ
م على ب ْعض و ِبما أ ْنف ُقوا ِم ْن أ ْ ب ْعض ُه ْ
عليْ ِه َّن درجة وال َّل ُه ع ِز يز ح ِكيم }( ،)2ودرجة الرجال على النساء هي درجة اإلشراف
والرعاية والذود عن األسرة ،وهي درجة الرفق والرمحة والتعاون ،وكل الصفات الواجبة يف حق
الرجل يف معاشرته ألهله؛ وليست حماباة للرجل وال تنقيصا من حق املرأة أو مكانتها ،وإمنا
هي مسؤولية ملقاة على عاتق الرجل ،وبكلمة جامعة هي درجة القوامة ،والقوامة هي:
الصيانة والرعاية والكفالة والحماية ،فالقوامة تعين قيام الزوج على أسرته باحلماية والرعاية
والصيانة والتدبري ويشمل ذلك:
-1أن يوفر هلم كل أسباب احلياة من مسكن ومطعم وملبس ،ورعايتهم ومحايتهم من
كل سوء.
-2الرعاية الدينية :أي أن يعلمهم دينهم وشريعة رهبم؛ لقوله تبارك وتعاىل{ :يا أيُّها
اس وا ْل ِحجار ُة عل ْيها
ودها ال َّن ُم نارا و ُق ُ َّ
ه ِلي ُك ْ
م وأ ْ
ال ِذين آم ُنوا ُقوا أ ْن ُفس ُك ْ
صون ال َّله ما أمر ُه ْم و ي ْفع ُلون ما ُي ْؤم ُرون }(،)3 شداد لا ي ْع ُ ملائِكة ِغلاظ ِ
فالقوامة ليست سيفا مسلطا على املرأة بل هي تكليف للرجل ومحاية للمرأة(.)4
-ثانياً :الزوجة:
ب ِبما
حات قانِتات حا ِفظات ِل ْلغيْ ِ
ُ -وظيفتها :احلافظية لقوله سبحانه{ :فال َّ
صا ِل
ح ِفظ ال َّل ُه }( ،)5فحافظية املرأة ال تقتصر على حفظ حقوق الزوج ،بل تشمل كل حقوق
اهلل تعاىل املكلفة هبا ،عن عمر بن اخلطاب قال :قال رسول اهلل « :أال أخربك خبري ما
- 50 -
يكنز املرء؟ املرأة الصاحلة ،إذا نظر إليها سرته ،وإذا أمرها أطاعته ،وإذا غاب عنها
حفظته»(.)1
قوله« :إذا نظر إليها سرته» :ينظر الزوج إىل زوجته فتسره؛ يعين ذلك أهنا تعجبه ويسكن
إليها ،وال يعين هذا أن تكون فاتنة اجلمال اجلسدي ،فاجلمال مجال الروح ومجال اخللق
ومجال احلافظية ،أما مجال املظهر فذلك يذبل ويزول.
قوله« :وإذا أمرها أطاعته» هذه الطاعة مقرونة بالقوامة اليت جتعل من الزوج ربانا لسفينة
األسرة ،والرئيس عادة يستجاب ألوامره ويطاع يف املعروف وفيما يرضي اهلل تعاىل لقول
رسول اهلل « :ال طاعة يف معصية ،إمنا الطاعة يف املعروف»( ،)2والطاعة ليست طاعة
خضوع أو نزول عن مستوى اإلنسانية ،بل هي طاعة تضمن استقرار األسرة وسالمة
رحلتها.
قوله« :وإذا غاب عنها حفظته» :أي حتفظه يف نسبه فإن أنفس ما حتفظه املرأة أنساب
األمة ،وأيضا حتفظه يف أبنائه تأمر باحلسن ،وتزجر عن القبيح ،وحتفظه يف ماله تدبريا للنفقة
واقتصادا يف املعيشة ،فاملرأة الصاحلة القانتة مربية األجيال وصانعة املستقبل(.)3
-ثالثا :األبناء:
وواجبهم االحرتام والطاعة يف املعروف ،واإلحسان إىل الوالدين ،ورعايتهما ومحايتهما يف
كربمها كما رعوه وسهروا عليه يف صغره قال تعاىل{ :وقضى ربُّك ا ْلأ ت ْع ُب ُدوا ا ْلأ إِيَّ ُ
اه
ل
لاهما فلا ت ُق ْ
هما أ ْو ِك ُ ما يبْ ُلغ َّن ِع ْندك ال ِكبر أح ُد ُ
و ِبا ْلوا ِلديْ ِن إِ ْحسانا إِ َّ
ض ل ُهما جناح ال ُّذ ِل
اخ ِف ْ
ل ل ُهما ق ْولا ك ِر يما * و ْ هما و ُق ْ ل ُهما ُأف ولا ت ْنه ْر ُ
ب ْارح ْم ُهما كما ربَّيانِي ص ِغيرا}(.)4 لر ِ الر ْحم ِة و ُق ْ
ِمن َّ
( )1أخرجه أبو داود يف سننه برقم [ ،]1664وضعفه األلباين يف تعليقه على سنن أيب داود.
( )2أخرجه البخاري ،حديث رقم [.]7257
( )3انظر :األسرة يف اإلسالم ص. 14
( )4سورة اإلسراء ،اآلية (.)24-23
- 51 -
اخلالصة
• األسرة يف اللغة :تطلق على عدة معاين منها :الدرع احلصينة ،أهل الرجل وعشريته
ألنه يتقوى هبم.
• األسرة في االصطالح :هي تلك الوحدة االجتماعية اليت تتكون من الزوج والزوجة،
واليت حتكمها جمموعة من احلقوق والواجبات ،وهي الشكل االجتماعي الشرعي
املعرتف به إلجناب األبناء.
• أهم وأبرز مقاصد األسرة يف اإلسالم :إقامة حدود اهلل وحتقيق شرعه ومرضاته ،و
إقامة البيت املسلم؛ الذي يبىن على حتقيق عبادة اهلل ،وحتقيق مقصد إجناب النسل
املؤمن الصاحل ،وحتقيق السكن النفسي والطمأنينة ،و حفظ النسب ،واملشاركة يف
حتمل أعباء احلياة بني الزوجني ،وحتقيق النمو اجلسدي والعاطفي ،والتدريب على
حتمل املسؤولية ،وجتسيد معاين التكافل االجتماعي وروح التعاون.
• مقومات األسرة يف اإلسالم :تبادل احلقوق والواجبات ،وحسن املعاملة ،والرمحة
واملودة ،واالتصال الصحيح باهلل تعاىل.
• أركان األسرة يف اإلسالم :الزوج ،والزوجة ،واألبناء.
- 52 -
الموضوع الثاني
الخطبة في اإلسالم
مقدمة عن ِ
الخطبة:
ملا كان الزواج من أخطر العقود ملا فيه من التكاليف وااللتزامات ما ليس يف غريه ،وترتتب
عليه آثارا عديدة كثبوت النسب وحرمة املصاهرة وغري ذلك ،حض اإلسالم على أن يكون
مسبوقا مبقدمة قبل عقد الزواج تسمى باخلطبة ليكون الزوج على بينة من الطرف اآلخر،
ويتحقق هلما هبذا العقد الراحة والسعادة البيتية.
أوالً :معنى الخطبة:
ِ -
الخطبة لغة :بكسر اخلاء مصدر أخطأب واملراد :طلب املرأة للزواج(.)1
-الخطبة اصطالحاً :طلب الرجل وإظهار رغبته يف الزواج من امرأة معينة خالية من املوانع
الشرعية(.)2
فإذا متت اإلجابة على هذا الطلب فقد متت اخلطبة ،ويعترب ما بني اخلاطبني وعدا متبادال
على عقد الزواج يف املستقبل ،ومن شأن اخلطبة أن تتيح لكال الطرفني التعرف على
صفات اآلخر اخلألقية واخلُلُقية ،والتحقق من مقدار االنسجام بعد الزواج ،وبذلك ينبين
الزواج على أساس قوي من الوضوح والثقة والتفاهم.
ثانياً :مشروعية الخطبة:
-ثبتت مشروعية اخلطبة من الكتاب والسنة واإلمجاع والعرف.
م ِب ِه ِم ْن ِخ ْطب ِة
ض ُت ْ
م ِفيما ع َّر ْ -1القرآن :قوله تعاىل{ :ولا ُجناح عليْ ُك ْ
النِساءِ}(.)3
- 53 -
-2السنة :قوله « : إذا خطب أحدكم امرأة ،فإن استطاع أن ينظر إىل ما يدعوه إىل
نكاحها فليفعل»(.)1
-3اإلمجاع :انعقد اإلمجاع على جواز اخلطبة ،وهو ما تواضع عليه الناس يف أعرافهم.
ثالثاً :مدة الخطبة:
ليس للخطبة مدة حمددة يف الشرع ،وإن كان يستحسن أال تطول لئال ختالطها خالفات
وحمظورات شرعية.
رابعاً :مقاصد الخطبة:
تتحقق باخلطبة األمور التالية:
-1التعرف على رغبة اخلاطب يف نكاح املرأة ،وذلك عندما يطلبها من وليها.
-2وضوح الرؤية للخاطب يف املوافقة على تزوجيه من عدم ذلك.
-3أن املدة اليت بني اخلطبة وبني العقد متثل مرحلة تروي وتبصر للطرفني ليطمئن كل
واحد منهما ويتأكد أنه وفق حلسن االختيار ،حبيث لو ظهر ألحدمها رغبة يف العدول عن
النكاح ألي سبب من األسباب ألمكنه ذلك ،إذ إن الرتك قبل عقد النكاح أيسر وأسهل
من حصوله بعده ،فالرتاجع بعد إبرام العقد والدخول صعب ،بل يرتتب عليه أحيانا قضايا
مالية ومشاكل ودعاوى عديدة.
-4إن نظر اخلاطب إىل خمطوبته بالشروط الشرعية ،ال يأِت غالبا إال بعد اخلطبة ،ومن
خالله يتعرف على أوصاف خمطوبته اخللقية واخللقية ،وهو من دواعي دوام احلياة الزوجية.
-خامساً :المخالفات الشرعية في الخطبة:
( )1أخرجه أبو داود ،حديث رقم [ ،]2082قال احلافظ ابن حجر " :وسنده حسن وله شاهد من حديث حممتد بتن
مسلمة ،وصححه ابن حبان واحلاكم " فتح الباري .227/9
- 54 -
من املخالفات اليت تقع يف فرتة اخلطوبة وقبل العقد :اجللوس مع املخطوبة والتحدث واخلروج
معها ،وهو أمر حمرم شرعا؛ ألن خطبة النكاح ال يرتتب عليها أثر شرعي كالعقد فيبقى كل
من اخلاطب واملخطوبة أجنبيا عن اآلخر قال « :ال خيلون رجل بامرأة إال مع ذي
حمرم»( ،)1فال جتوز اخللوة بينهما.
ومما يؤسف له أن بعض اجملتمعات اإلسالمية متارس فيها تصرفات غري مشروعة يف هذا
الصدد ،حيث مسحوا بإجراء عالقات بني اخلاطب واملخطوبة ،بعيدة كل البعد عن املنهج
اإلسالمي ،والسبب يف ذلك:
-ضعف الوازع الديين.
-التقصري يف الرتبية اإلسالمية الصحيحة.
-التأثر بأحوال وعادات وتقاليد غري املسلمني.
-التأثر بدعاة الزيغ واالحنالل ،حيث مسح هؤالء للخاطب أن خيتلي مبخطوبته ،وأذنوا له يف
اخلروج هبا إىل األسواق واملالهي واحلدائق والشواطئ وحنوها من األماكن العامة ،ولرمبا وافق
أهل الفتاة على سفر اخلاطب هبا دون حسيب وال رقيب بدعوى تعرف بعضهما على بعض
عن قرب.
وهذه التصرفات ال يقرها اإلسالم بل مينعها وحيرمها وحيذر منها؛ ألنه يريد أن جيعل املخطوبة
يف سياج حصني ،ودرة مصونة يف بيت أهلها ،حىت عقد النكاح وليست ألعوبة يعبث هبا كل
عابث ،ويستمتع هبا كل مستهرت حبجة أهنا خطيبته حىت يذهب حياؤها ،ويُقضى على
عفافها يف حالة ضعف اخلاطبني.
ب -الظهور أمام الخاطب بلباس غير محتشم:
من املخالفات اليت تقع يف النظرة الشرعية ،وهي ظهور املخطوبة أمام اخلاطب بلباس غري
حمتشم ،كاللباس العاري ،والقصري وغري ذلك ،فاخلاطب رجل أجنيب عن املخطوبة.
ج -خطبة الرجل على خطبة أخيه:
من املخالفات اليت قد تقع يف اخلطبة هو ِخطبة الرجل المرأة خمطوبة وإجابة أهل املخطوبة
له ،ومن الشروط الواجب مراعاهتا يف اخلطبة أال تكون املرأة خمطوبة من الغري ،فإذا كنت
( )1متفق عليه ،صحيح البخاري برقم [ ،]5233وصحيح مسلم برقم [.]1341
- 55 -
كذلك فال حيل خلاطب آخر أن خيطب على خطبة األول إذا أجيب باملوافقة من املخطوبة
نفسها أو ممن ميلك حق املوافقه( ،)1ويدل على هذا التحرمي قول النيب « : ال خيطب
أحدكم على خطبة أخيه ،حىت ينكح أو يرتك»( ،)2وقد بني الفقهاء أن هذا النهي إمنا يتوجه
إذا كان قد حصل الرضا والقبول باخلاطب األول ،أما إذا كانت املخطوبة أو أولياؤها قد
عربوا عن رفضهم لألول واعتذارهم له فيجوز حينها خطبة الثاين.
واحلكمة من هذا النهي هو حرص اإلسالم على عدم إشاعة روح التباغض والنزاع واخلالف
بني أفراد اجملتمع؛ ألن خطبة املخطوبة تؤدي إىل إفساد قلب األول وإيغار صدره فيتحول
الزواج إىل سبب لتفسخ اجملتمع وتباغضه بدال من أن يكون سببا يف بنائه وتعاونه وترامحه(.)3
منع رؤية الخاطب لمخطوبته: د-
من املخالفات اليت تقع يف اخلطوبة عدم رؤية اخلاطب ملخطوبته عند بعض األسر حيث مينع
الويل ذلك باسم العادات والتقاليد ،وينبغي للويل أن ميكن اخلاطب من النظر إىل خمطوبته(،)4
واألدلة على ذلك كثرية ،منها ما رواه جابر قال :مسعت النيب يقول« :إذا خطب
أحدكم املرأة ،فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إىل نكاحها فليفعل»( ،)5وعن املغرية بن
شعبة أنه خطب امرأة فقال « :انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما»(.)6
واحلكمة من ذلك واضحة وجلية يف احلديث حيث قال « :أحرى أن يؤدم بينكما» أي:
تدوم املودة بينكما.
والسبب أيضا يف إباحة النظر إىل املخطوبة أن يكون الزوج على علم تام مبواصفات زوجته،
وأن يكون أبعد من الندم الذي قد يالزمه طول حياته(.)7
- 56 -
فتعرف كل من اخلاطب واملخطوبة على بعضهما أمر ال بد منه قبل عقد النكاح لكي
يطمئن الطرفان ،ويقدمان على إجرائه ومها على يقني من دوامه وبقائه على أساس سليم
ودعائم قوية ،وقواعد ثابتة ،فإن مفاجأة كل من الزوجني لصاحبه يوم الزواج تعريض للحياة
الزوجية لالحنالل(.)1
ه – إخفاء عيوب اخلاطب أو املخطوبة عند االستشارة :
من املخالفات اليت يقع فيها بعض الناس أنه عندما يستشار أحدهم يف خاطب أو خمطوبة
يكتم ما فيهما من صفات حممودة أو مذمومة والواجب أن يذكر ما فيهما من حماسن أو
مساوئ ،وال يكون ذلك من الغيبة بل من النصيحة املرغب فيها شرعا(.)2
-شروط إباحة النظر إلى المخطوبة:
وضع العلماء هلذا النظر مجلة من الشروط حىت ال يكون وسيلة للفساد والفتنة وهي:
-1أن تكون املرأة ممن ترجى موافقتها.
-2أن يكون النظر بوجود حمرم املرأة كأبيها أو أخيها ،فال ينفرد اخلاطب باملخطوبة سواء
أكان ذلك يف السيارة أم يف البيت أم يف غريمها من األماكن؛ لكوهنا أجنبية عنه ،ووجه
- 57 -
اعتبار املخطوبة أجنبية عن اخلاطب أن ما بينهما ال يعدو كونه جمرد وعد بالزواج مستقبال،
فتبقى أجنبية عنه حىت يتم عقد الزواج.
-3أال يقصد من النظر الشهوة والتلذذ.
-4أن يقتصر على القدر الذي جيوز النظر إليه.
-5أن يكون عازما على اخلطبة مقدما عليها بال عبث.
ويرى مجهور العلماء جواز النظر إليها بدون إذهنا أو علمها واستدلوا بفعل جابر حيث
قال :خطبت امرأة فكنت أختبأ هلا حىت رأيت منها ما دعاين إىل نكاحها.
وألن النظر بغري إذهنا جيعل اخلاطب يراها بدون تصنع ،بعيدة عن الزينة اليت قد خترجها
أحيانا عن خلقتها احلقيقية ،وباإلمكان حتقق النظر إليها على هذا الوجه بإذن وليها وموافقته
وهو أسلم وأبعد عن الريبة.
وإن مل يتيسر للخاطب النظر إىل خمطوبته لسبب ما ،فله أن يرسل امرأة ثقة كأمه أو أخته
تتأملها مث تصفها له.
المرأة التي يحل خطبتها(:)1
إن اخلاطب ال جيوز له أن خيطب إال من حتل له من النساء ،فالالِت حيرم نكاحهن عليه ،ال
جيوز له أن يتقدم خلطبتهن ،واحملرمات من النساء نوعان:
( )1انظر :الوجيز يف فقه السنة والكتاب العزيز لعبد العظيم بن بدوي حممد ص ، 292فقته األسترة ألمحتد ريتان ص
، 162اإلسالم وبناء اجملتمع ص .172
- 58 -
-النوع األول :المحرمات حرمة مؤبدة وهن :الالِت يرجع حترميهن إىل سبب ال يقبل
الزوال ،فيحرم على الرجل الزواج بواحدة منهن بأي حال وعلى مدى الدهر.
-النوع الثاني :المحرمات حرمة مؤقتة َّ :
وهن من ال حيل الزواج بواحدة منهن ملن حرمت
عليه ما دام سبب احلرمة قائما ،فإن زال سبب احلرمة جاز التزوج هبن(.)1
أما المحرمات حرمة مؤبدة فهن ثالثة أصناف:
حمرمات بالنسب. -1
حمرمات باملصاهرة. -2
حمرمات بالرضاع. -3
- 59 -
أوالً :المحرمات بالنسب:
م
م وبن ُات ُك ْ
مه ُات ُك ْم ُأ َّ
ت عليْ ُك ْ
{ح ِرم ْوهن سبع ،وقد نص اهلل تعاىل عليهن بقولهُ :
ت}( )1وهن على ات الأُ ْخ ِ ات ا ْلأ ِخ وبن ُ
م وبن ُات ُك ْ
م وخال ُ
م ُات ُك ْ
م وع َّ
وأخو ُات ُك ْ
التفصيل كاآلِت:
-1األمهات سواء من جهة األم أو األب وإن علون.
-2البنات وهي ابنة الصلب وبناهتا وبنات البنني وإن نزلت درجتهن.
-3األخوات سواء شقيقات أم ألب أم ألم.
-4العمات من أخوات األب وأخوات األجداد وإن علوا من جهة األب أو األم.
-5اخلاالت من أخوات األم وأخوات اجلدات وإن علون من جهة األب أو األم.
-6بنات األخ أو بنات أوالده الذكور واإلناث وإن نزلن.
-7بنات األخت وبنات أوالدها الذكور واإلناث ،وإن نزلن.
ثانياً :المحرمات بالمصاهرة وهن أربع:
-1أمهات النساء ،فمن عقد على امرأة حرم عليه مجيع أمهاهتا من النسب والرضاع وإن
ات نِسائِ ُك ْم}(.)2 مه ُ علون لقوله تعاىل{ :وأ َّ
-2الربائب وهن بنات النساء فكل بنت للزوجة من نسب أو رضاع حترم على الرجل إن
دخل بأمها ،وبنت بنتها مبنزلة بنتها وإن نزلت ،وإن فارق أمها قبل أن يدخل هبا حلت له
م اللاَّتِي دخ ْل ُت ْ
م م ِم ْن نِسائِ ُك ُم اللاَّتِي ِفي ُح ُجو ِر ُك ْ ابنتها ،لقوله تعاىل{ :وربائِ ُب ُك ُ
ونوا دخ ْل ُت ْم ِب ِه َّن فلا ُجناح عليْ ُك ْم }(.)3 م ت ُك ُ
ِب ِه َّن فإِ ْن ل ْ
-3حالئل األبناء ،وهن زوجات أبنائه ،وأبناء أبنائه ،وإن سفلوا ،سواء كان ابنه من
صلا ِب ُك ْم} ،وهؤالء حيرمن م ا َّل ِذين ِم ْن أ ْ ل أبْنائِ ُك ُنسب أو رضاع لقوله تعاىل{ :وحلائِ ُ
مبجرد عقد األبناء عليهن لعموم اآلية.
- 60 -
-4زوجات األب القريب والبعيد ،من قبل األب أو األم ،من نسب أو رضاع؛ لقوله
آباؤ ُك ْم ِمن النِسا ِء ا ْلأ ما ق ْد سلف}( ،)1وهؤالء
ُ تعاىل{ :ولا ت ْن ِك ُحوا ما نكح
حيرمن على االبن مبجرد عقد أبيه عليهن ،والعلة يف التحرمي أن زوجة األب مقامها مقام األم
تكرميا وتعظيما.
ثالثاً :المحرمات بالرضاع:
-الرضاع احملرم هو :مص طفل دون احلولني لبنا ثاب عن محل أو شربه أو حنوه( ).
2
- 61 -
ويشترط في التحريم بالرضاع ما يلي:
أن يكون الرضاع يف احلولني فال يؤثر الرضاع بعد السنتني لقوله تعاىل{ :وا ْلوا ِلد ُ
ات -1
الرضاعة} ( ،)1مع م َّامليْ ِن ِلم ْن أراد أ ْن ُيتِ َّ
ه َّن ح ْوليْ ِن ك ِ ض ْعن أ ْولاد ُ ُي ْر ِ
ني} ( ،)2وحلديث أم سلمة ك قالت :قال رسول اهلل : صالُهُ ِيف أع أام ْ ِ ِ
قوله تعاىل { :أوف أ
(ال حيرم من الرضاعة إال ما فتق األمعاء يف الثدي ،وكان قبل الفطام) (.)3
أن يكون َخس رضعات ولو متفرقات يف أرجح أقوال العلماء . -2
أن يكون اللنب ثاب عن محل . -3
أن يكون لنب امرأة (.)4 -4
- 62 -
النوع الثاني :المحرمات حرمة مؤقتة وهن األصناف التالية:
المحرمات بسبب الجمع ،وهو ضربان: (أ)
األول :جمع حرم ألجل القرابة بين المرأتين ،وهو ثابت في ثالث:
-1اجلمع بني األختني؛ لقوله تعاىل{ :وأ ْن ت ْجم ُعوا ب ْين الأُ ْختيْ ِن}( ،)1وسواء كانتا
من أبوين ،أو من أحدمها ،من نسب أو رضاع.
-2اجلمع بني املرأة وعمتها.
-3اجلمع بني املرأة وخالتها ،والدليل يف هذين ما روى أبو هريرة قال :قال رسول
اهلل « :ال جيمع بني املرأة وعمتها ،وال بني املرأة وخالتها»(.)2
وقد نبه على احلكمة يف حترمي ذلك بقوله يف حديث آخر« :إنكن إذا فعلنت ذلك قطعنت
أرحامكن»( ،)3فهو يفضي إىل قطيعة الرحم ملا بني الزوجات من التغاير والتنافر ،والضابط
لهذا النوع :أنه حيرم اجلمع بني كل امرأتني حبيث لو كانت إحدامها ذكرا حرمت عليه
األخرى.
- 63 -
(ب) زوجة الغير ،ومعتدة الغير:
ات ِمن النِسا ِء إِ َّلا ما ملك ْ
ت أيْم ُان ُك ْم}( ،)1واملراد لقول اهلل تعاىل{ :وا ْل ُ
م ْحصن ُ
باحملصنات هنا :املتزوجات ،وقد عطفهن على احملرمات من النساء يف اآلية اليت قبلها.
(ج) المطلقة البائنة بينونة كبرى:
فإهنا ال حتل ملطلقها حىت تنكح زوجا غريه؛ لقوله تعاىل{ :فإِ ْن ط َّلقها فلا ت ِح ُّ
ل ل ُه ِم ْن
ب ْع ُد ح َّتى ت ْن ِكح ز ْوجا غ ْير ُه}( ،)2والعلة يف ذلك تعظيم أمر النكاح ،وإكرام املرأة ،اليت
كانت يف اجلاهلية تطلق مرات عديدة دون حد ،وتراجع مرات عديدة دون حد.
المحرمات الختالف الدين: (د)
س ُكوا ِب ِعص ِم الكوا ِف ِر}(،)3 م ِ ال حيل ملسلم نكاح كافرة غري كتابية ،لقوله تعاىل {ولا ُت ْ
ات ح َّتى ُي ْؤ ِم َّن }( ،)4وال حيل ملسلمة أن ينكحها مشْ ِرك ِوقوله تعاىل{ :ولا ت ْن ِك ُحوا ال ُ
مشْ ِر ِكين ح َّتى كافر ،كتابيا كان أو غري كتايب لقوله تعاىل{ :ولا ُت ْن ِك ُحوا ال ُ
()5
وه َّن إِلى وه َّن ُم ْؤ ِمنات فلا ت ْر ِج ُع ُ م ُ ُي ْؤ ِم ُنوا} ،وقوله سبحانه{ :فإِ ْن ع ِل ْ
م ُت ُ
ال ُكفَّا ِر لا ُه َّن ِحل ل ُه ْم ولا ُه ْم ي ِح ُّلون ل ُه َّن }(.)6
(ه) المحرمة بسبب اإلحرام:
نكح احملرم وال ي ِ
نكح ال حيل نكاح حمرم وال حمرمة يف أرجح قويل أهل العلم؛ لقوله « : ال ي ِ
ُ أ
وال خيطب»(.)7
- 64 -
الزانية: (و)
فإنه حيرم نكاحها حىت تتوب؛ لقوله تعاىل{ :لا ي ْن ِك ُح إِ َّلا زانِية أ ْو ُمشْ ِركة}()1؛ وألهنا إذا
كانت مقيمة على الزنا مل يأمن أن تلحق به ولدا من غريه ،وتفسد فراشه ،فحرم نكاحها
كاملعتدة.
وللتحريم على التأبيد أو التوقيت غايات وحكم كثيرة أهما:
-حرص اإلسالم على إجناب الذرية السليمة من األمراض الوراثية ،حيث أثبت العلم
احلديث أن الزواج بالقريبات قد يؤدي يف العديد من احلاالت إىل إجناب النسل احلامل
لألمراض الوراثية.
-إن تزوج القريبات كاألمهات والعمات واخلاالت يتناىف مع أصل التعظيم والتكرمي
الذي جيب أن يتعامل فيه معهن ،ملا حيصل بني الزوجني من عالقات ،أو يقع بينهما من
خالفات تأباها طبيعة العالقة مع األم واألخت والعمة واخلالة القائمة على أساس
التعظيم والتكرمي ولسمو(.)2
معايير االختيار بين الزوجين في اإلسالم:
- 65 -
حث اإلسالم من يرغب يف النكاح من اجلنسني على حسن االختيار ،وبذل اجلهد يف
اختيار الطرف اآلخر املناسب.
وقد جعل كثري من العلماء واملربني حسن اختيار الزوج لزوجته من حقوق األوالد على أبيهم
– وهو كذلك يف حق الزوجة -؛ ألن نتائج هذا االختيار ،ستظهر على األوالد بال ريب ،إذ
إن حال الزوج أو الزوجة من حيث الدين واألخالق والسلوك سينعكس على أبنائهم ،وال
ينتبه ملثل هذا األمر إال املوفقون الذين منحهم اهلل بعد النظر ،والتنبه للعواقب.
أوالً :معايير اختيار الزوجة
اختيار الزوجة هو اخلطوة األوىل يف طريق تكوين وبناء األسرة املسلمة ،وهو أمر يف غاية
األمهية ،وذلك؛ ألن الزوجة هي مهوى فؤاد الزوج ،ورمز شرفه ،ووعاء ولده؛ ولذا ينبغي أن
يكون اختيارها وفق معايري وأسس ثابتة ،حتقق مقاصد الزواج ومراميه ،ومنها:
-1أن تكون ذات دين وخلق :يقول النيب « :تنكح املرأة ألربع ملاهلا ،وحلسبها،
وجلماهلا ،ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك»( ،)1فالدين واالنسجام يف الفكر واملعتقد
هو العنصر األساسي يف االختيار ،وهو وصف تتضاءل أمام أمهيته كل املقاييس اليت وضعها
الناس واملقصود من هذا احلديث كما يقول اإلمام النووي" :أن النيب أخرب مبا يفعله الناس
يف العادة؛ فإهنم يقصدون هذه اخلصال األربع ،وآخرها عندهم ذات الدين فاظفر أنت أيها
املسرتشد بذات الدين ال أنه أمر بذلك"(.)2
ويزيد األمر تأكيدا وتوضيحا بقول النيب « :الدنيا متاع وخري متاعها املرأة الصاحلة»(،)3
ويقول « :ما استفاد املؤمن بعد تقوى اهلل خريا له من زوجة صاحلة إن أمرها أطاعته ،وإن
نظر إليها سرته ،وإن أقسم عليها أبرته ،وإن غاب عنها نصحته يف نفسها وماله»( ،)4ويقول
ب ِبما ح ِفظ حات قانِتات حا ِفظات ِل ْلغ ْي ِ
ُ اهلل سبحانه يف املرأة الصاحلة{ :فال َّ
صا ِل
ال َّل ُه}(.)5
( )1متفق عليه ،صحيح البخاري ،حديث رقم [ ،]5090وصحيح مسلم ،حديث رقم [.]3708
( )2شرح النووي على مسلم .51/10
( )3أخرجه مسلم يف صحيحه ،حديث رقم [.]3716
( )4أخرجه ابن ماجه يف سننه ،حديث رقم [.]1857
( )5سورة النساء ،اآلية (.)34
- 66 -
-2أن تكون ولوداً :فإجناب األوالد أمل كل زوجني ،فبهم تقر العني وتسعد النفس،
وهبم يكون لإلنسان وارث أصيل وخلف مأمول ،وهذا هو رجاء عباد اهلل الصاحلني ومبتغاهم
واجنا و ُذ ِر يَّاتِنا ُق َّرة أ ْع ُين يقول تعاىل{ :وا َّل ِذين ي ُقو ُلون ربَّنا ه ْ
ب لنا ِم ْن أ ْز ِ
اجع ْلنا ِل ْل ُم َّت ِقين إِماما}(.)1
و ْ
ويتم معرفة ذلك بسابقتها مع غريه إن كانت ثيبا ،وعن طريق متابعة أسرة املخطوبة أي
بالنظر إىل أصوهلا وأخواهتا إن كانت بكرا ،وبإجراء التحاليل الطبية بعد االتفاق للخاطب
واملخطوبة كما أن الصحة والشباب من أمارات معرفة صالحية الفتاة لإلجناب غالبا(.)2
-3أن تكون ودوداً :أي حانية على زوجها مطيعة له ،بعيدة عن أسباب سخطه
وغضبه ،وقد فسر النيب بعض آثار هذا الود بقوله« :خري النساء من إذا نظرت إليها
سرتك وإذا أمرهتا أطاعتك ،وإذا أقسمت عليها أبرتك ،وإذا غبت عنها حفظتك يف نفسها
ومالك»(.)4()3
-4يستحب الزواج بالبكر :ليتمكن احلب ،ويتم األنس ،وتدوم األلفة؛ فالطبع جمبول
على األنس بأول حمبوب؛ وهلذا قال النيب جلابر حني أخربه بالزواج من ثيب« :فهال
تزوجت بكرا تضاحكك وتضاحكها ،وتالعبك وتالعبها»(.)5
- 67 -
وقبول الزوج ،فال يرضون بتزويج إال من له دين وتقوى ،فمثل هذا الزوج خيشى اهلل يف
زوجته ،ويراقبه يف معاملتها ،ويؤدي الذي فرضه اهلل عز وجل هلا ،مما يروى يف هذا الشأن أن
ت إِ أَّ ِ ِِ
يل فأ أم ْن أ أُزِّو ُج أها؟ قأ أال: رجال قال للحسن بن علي ب :إِ َّن عْندي ابْتنأة ِيل أوقأ ْد ُخطبأ ْ
ض أها أملْ يأظْلِ ْم أها»(.)1
أحبَّت أها أ ْكأرأم أها أوإِ ْن أأبغأ أ ِ
اف اللَّهأ فأإ ْن أ أ
« أزِّو ْج أها أم ْن أخيأ ُ
حسن الخلق :فدماثة األخالق ومساحتها ،ولطف املعشر ،أمر مطلوب بني الزوجني -2
لتدوم العشرة ،ويطيب العيش ،واملال واجلمال والنسب ليست كافية إلقامة حياة زوجية حتفها
املودة والرمحة ،وال ميكن حبال أن تكون هذه الصفات بديال عن الدين وحسن اخللق.
المال :ال مانع من رغبة الفتاة يف أن يكون الزوج ذو مال يغنيه بالقدر الذي تنال به -3
الزوجة يف كنفه ما تريد من أساسيات احلياة ،وقد جاء يف احلديث« :نعم املال الصاحل للمرء
الصاحل» ( ،)2فهذا مطلب مقبول؛ ولذلك حدود معينة ينبغي أال يتجاوزها ،واهلل حيثنا على
عدم االعتماد على جمرد النظرة املادية يف أمر الزواج ،حيث قال سبحانه{ :إِ ْن ي ُك ُ
ونوا
م ال َّل ُه ِم ْن ف ْ
ض ِل ِه}( ،)3قال أبو بكر الصديق " : أطيعوا اهلل فيما أمركم ُفقراء ُي ْغنِ ِه ُ
به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغىن "(.)4
-4الحسب :التكافؤ يف احلسب من أسباب التجانس بني الزوج وزوجته فال بأس من
تطلع الفتاة إىل أن يكون الزوج ذا حسب ،ونقصد باحلسب :الصفات احلميدة اليت
يتصف هبا األصول أو مفاخر اآلباء ،كالعلم والشجاعة واجلود والتقوى(.)5
( )1كتاب النفقة على العيال البن أيب الدنيا 273 /1أثر رقم [.]125
( )2أخرجه البخاري يف األدب املفرد ،حديث رقم [.]299
( )3سورة النور ،اآلية (.)32
( )4أورده ابن كثري يف تفسري سورة النور آية (.)32
( )5انظر :املرأة واألسرة يف القرآن والسنة ،ص ،126الفقه اإلسالمي وأدلته للزحيلي .6751/9
- 68 -
اخلالصة
• ِ
الخطبة لغة :بكسر اخلاء مصدر خطأب فالن فالنة ِخطبا ِ
وخطبة :إذا طلبها للزواج. أ
الخطبة اصطالحاً :طلب الرجل وإظهار رغبته يف الزواج من امرأة معينة خالية من •
املوانع الشرعية.
ثبتت مشروعية اخلطبة من الكتاب والسنة واإلمجاع والعرف. •
ليس للخطبة مدة حمددة يف الشرع ،وإن كان يستحسن أال تطول لئال ختالطها •
خالفات وحمظورات شرعية.
تتحقق باخلطبة األمور التالية :التعرف على رغبة اخلاطب يف نكاح املرأة ،وذلك •
عندما يطلبها من وليها ،وضوح الرؤية للخاطب يف املوافقة على تزوجيه من عدم
ذلك ،أن املدة اليت بني اخلطبة وبني العقد متثل مرحلة تروي وتبصر للطرفني ليطمئن
كل واحد منهما ،إن نظر اخلاطب إىل خمطوبته بالشروط الشرعية ،ال يأِت غالبا إال
بعد اخلطبة ،ومن خالله يتعرف على أوصاف خمطوبته اخللقية واخللقية.
من املخالفات الشرعية يف اخلطبة ،اخللوة مع املخطوبة واخلروج معها ،الظهور أمام •
اخلطاب بلباس غري حمتشم ،وخطبة الرجل على خطبة أخيه ،ومنع رؤية اخلاطب
ملخطوبته.
أباح اإلسالم للخاطب النظر إىل املخطوبة بشروط؛ هي :كأن تكون املرأة ممن ترجى •
موافقتها ،ويكون النظر بوجود حمرم ،وأال يقصد بالنظر الشهوة والتلذذ ،وأن يقتصر
على القدر الذي جيوز منها ،ويكون اخلاطب عازما على اخلطبة بال عبث.
تنقسم احملرمات من النساء إىل حمرمات حرمة مؤبدة ،و حمرمة مؤقتة. •
تنقسم احملرمات من النساء حرمة مؤبدة إىل :حمرمات بالنسب ،وحمرمات باملصاهرة، •
وحمرمات بالرضاع.
تنقسم احملرمات من النساء حرمة مؤقتة إىل :حمرمات بسبب اجلمع ،زوجة الغري •
ومعتدة الغري ،واملطلقة بينونة كربى ،واحملرمة بسبب اإلحرام ،والزانية.
هناك معايري الختيار الزوجني يف اإلسالم. •
- 69 -
-1عرف اخلطبة يف اللغة واالصطالح ،وحكمها الشرعي.
التقويم
-2وضح مقاصد اخلطبة يف اإلسالم.
-3ناقش املخالفات الشرعية يف اخلطبة ،وأسباهبا.
-4أباح الشرع للخاطب النظر إىل خمطوبته ،ناقش ذلك موضحا شروط النظر.
-5تكلم عن احملرمات من النساء.
-6قارن بني معايري اختيار الزوج ،ومعايري اختيار الزوجة يف اإلسالم.
- 70 -
الموضوع الثالث
النكاح (ومقاصده وأحكامه)
الوجوب
التحرمي الكراهة
النكاح مندوب إليه يف اجلملة للنصوص الواردة يف الرتغيب فيه ،قال الوزير ابن هبرية :اتفقوا
على أن النكاح من العقود الشرعية املسنونة بأصل الشرع(.)1
( ) 1انظر :لسان العرب مادة :نكح ،معجم مقاييس اللغة البن فارس مادة :نكح ،املصباح املنري للفيومي مادة :نكح
( )2انظر :الفقه امليسر يف ضوء الكتاب والسنة ص .291
- 71 -
لكن عند التفصيل ،خيتلف حكم باختالف حال الشخص؛ لذلك تعرتيه األحكام التكليفية
اخلمسة ،وهي على النحو التايل:
الوجوب :وذلك يف حالة كون الرجل قادرا على املهر والنفقة ،وتاقت نفسه إىل -1
الزواج ،وخشي على نفسه الوقوع يف احملظور؛ فالزواج جيب على مثل هذا يف قول عامة
الفقهاء؛ ألنه حينئذ يلزمه صون نفسه عن احلرام ،فإن تاقت إليه نفسه وعجز عن اإلنفاق
م ال َّل ُه ست ْع ِف ِ َّ
ف ال ِذين لا ي ِج ُدون نِكاحا ح َّتى ُي ْغنِي ُه ُ فإنه يسعه قوله تعاىل{ :و ْلي ْ
ض ِل ِه}( ،)2وعليه أن يكثر من الصيام حلديث« :يا معشر الشباب ،من استطاع ِم ْن ف ْ
منكم الباءة فليتزوج ،ومن مل يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»(.)3
االستحباب :و ذلك يف حالة كون الرجل قادرا على املهر والنفقة ،ويأمن على نفسه -2
الوقوع يف احملظور فالزواج هنا مستحب؛ ليحقق معىن من املعاين اليت شرع من أجلها ،مثل
اإلحصان ،وطلب الولد ،وحنو ذلك.
الكراهة :وذلك يف حالة كون الرجل يف خلقته أو طبعه الغالب ما خيل حبقوق -3
الزوجة إخالال ال يصل إىل حد اإلضرار هبا.
التحريم :وذلك يف حالة كون الرجل يعلم أنه خيل حبق الزوجة ،سواء من الناحية -4
املعنوية أو املادية ،كمن به علة مرضية ال يقدر معها املعاشرة الزوجية ،وكذلك من ال يستطيع
حبال النفقة على الزوجة وحنو ذلك.
اإلباحة :إذا مل توجد هناك دوافع ،وال موانع ،أو كانت متساوية ،ومن العلماء من -5
قال يف هذه احلالة يكون مستحبا ،حلديث« :يا معشر الشباب»(.)4
وهذا األحكام تطّرد بالنسبة للرجل واملرأة على حد سواء.
- 72 -
ثالثاً :الترغيب في النكاح(:)1
لقد رغبت نصوص كثرية من القرآن الكرمي والسنة النبوية يف النكاح ومن ذلك ما يلي:
فأما الكتاب فمنه:
َّ
النسا ِء م ْثنى و ُثلاث و ُرباع م ِمن ِ
ان ِك ُحوا ما طاب ل ُك ْ قوله تعاىل{ :ف ْ -1
م ذ ِلك أ ْدنى أ َّلا
ت أيْم ُان ُك ْ م أ َّلا ت ْع ِد ُلوا فو ِ
احدة أ ْو ما ملك ْ فإِ ْن ِخ ْف ُت ْ
ت ُعو ُلوا}(.)2
م
م و إِمائِ ُك ْ
صا ِل ِحين ِم ْن ِعبا ِد ُك ْ قوله تعاىل{ :وأ ْن ِك ُحوا ْاألأيامى ِم ْن ُك ْ
م وال َّ -2
م ال َّل ُه ِم ْن ف ْ
ض ِل ِه}(.)3 ونوا ُفقراء ُي ْغنِ ِه ُ
إِ ْن ي ُك ُ
-3قوله تعايل - :يف مقام االمتنان به على عبادة{ -و ِم ْن آياتِ ِه أ ْن خلق ل ُك ْ
م ِم ْن
م مو َّدة ور ْحمة إِ َّن ِفي ذ ِلك س ُك ُنوا إِليْها وجعل ب ْين ُك ْ
م أ ْزواجا ِلت ْ
س ُك ْ
أ ْن ُف ِ
لآيات ِلق ْوم يتفكَّ ُرون}(.)4
السنَّة فمنها:
وأما من ُّ
َّ
-1حديث عبد اهلل بن مسعود قال :قال رسول اهلل « :يا معشر الشَّباب من
()5
أغض للبصر وأحصن للفرج ،ومن مل يستطع فعليه فليتزوج؛ فإنَّه ّ
َّ استطاع منكم الباءة
بالصوم فإنَّه له وجاء»(.)7( )6
َّ
النيب
النيب يسألون عن عبادة ِّ -2حديث أنس قال :جاء ثالثة رهط إىل بيوت أزواج ِّ
كأهنم تقالَّوها فقالوا :وأين حنن من ِّ
النيب ،قد غفر اهلل له ما تقدَّم من ُخِربوا َّ
فلما أ ْ
تأخر .قال أحدهمَّ :أما أنا فأصلِّي الليل أبدا .وقال آخر :أنا أصوم الدهر وال ذنبه وما َّ
أفطر ،وقال آخر :أنا أعتزل النساء فال أتزوج أبدا ،فجاء رسول اهلل فقال« :أنتم الذين
- 73 -
لكين أصوم وأفطر ،وأصلِّي وأرقد، قلتم كذا وكذا؟ أما واهلل إين ألخشاكم هلل وأتقاكم لهِّ ،
مين»(.)1
ِّساء ،فمن رغب عن سنَّيت فليس ِّأتزوج الن أ
و َّ
أن رسول اهلل قال« :الدُّنيا متاع ،وخري متاع الدُّنيا -4حديث عبد اهلل بن عمرو َّ
املرأة الصاحلة»(.)2
فإين مكاثرتزوجوا الودود الولود ِّأن رسول اهلل قالَّ « : -5حديث معقل بن يسار َّ
بكم األمم»(.)3
رابعاً :أركان النكاح
الركن في اللغة :ركن الشيء :جانبه األقوى(.)4 -
الركن في االصطالح :ركن الشيء ما ال وجود لذلك الشيء إال به ،كالقيام والركوع -
وأركان النكاح : ؛
()5
والسجود للصالة
زوجان
إجياب
قبول
-األول :الزوجان :وجيب أن يكونا خاليني من املوانع اليت متنع صحة النكاح بأن ال تكون
املرأة من اللواِت حيرمن على الرجل بنسب أو رضاع أو مصاهرة ،أو عدة أو غري ذلك.
-الثاني :اإليجاب :وهو اللفظ الصادر من الويل ،أو من يقوم مقامه (وكيال) بلفظ إنكاح
أو تزويج ،كأن يقول الويل :زوجتك ابنيت على مهر قدره كذا.
- 74 -
-الثالث :القبول :وهو اللفظ الصادر من الزوج أو من يقوم مقامه ،كأن يقول :قبلت هذا
الزواج(.)1
خامساً :األلفاظ التي ينعقد بها الزواج:
ينعقد النكاح بقول الويل للزوج :زوجتك ،وأنكحتك ابنيت ،وينعقد بكل لفظ يدل عليه.
سادساً :شروط النكاح:
الزواج من أغلظ املواثيق وأكرمها عند اهلل؛ ألنه عقد متعلق بذات اإلنسان ونسبه؛ وهلذا
العقد شروط كسائر العقود الصحيحة ،لكنه يسمو عليها باختصاص وصفه بامليثاق الغليظ
ْ
م إِلى ب ْعض كما ورد يف قوله تعاىل{ :وكيْف تأ ُخ ُذون ُه وق ْد أ ْفضى ب ْع ُ
ض ُك ْ
وأخ ْذن ِم ْن ُك ْم ِميثاقا غ ِليظا }(.)2
واهلدف من هذه الشروط هو محاية األسرة اليت سيتم إنشاؤها من االختالف والتصدع
والتفرق والتفكك ،وهتيئة املناخ املالئم لتحقيق األهداف املرجوة من النكاح ،ومن مث كان هلذا
العقد شروط أربعة:
( )1انظر :الفقه امليسر يف ضوء الكتاب والسنة ص ،296األسرة يف اإلسالم ص ،59مغين احملتاج ،39/3واملغين
.482-481/9
( )2سورة النساء ،اآلية (.)21
- 75 -
الثاني :رضا كل من الزوجين باآلخر:
فال يصح إن أكره أحدمها عليه ،وال سيما املرأة ،فإن رضاها أساس يف عقد الزواج ،سواء
أكانت بكرا أم ثيبا لقوله « :ال تنكح األمي حىت تستأمر وال تنكح البكر حىت تستأذن،
قيل :وكيف إذهنا؟ قال :أن تسكت»( ،)1وهبذا ندرك أن رضا املرأة ال بد منه عند الزواج،
سواء سبق هلا الزواج أو كانت بكرا.
أما اليت سبق هلا الزواج فال بد أن تصرح برضاها ،إذ ال مينعها احلياء من أن تصرح ،خبالف
البكر اليت يغلب عليها احلياء عادة ،فيكتفى منها بالسكوت أو أية قرينة يفهم منها رضاها.
الثالث :الشهادة على عقد النكاح:
فهي شرط الزم يف عقد النكاح ال يعترب صحيحا بدوهنا؛ حلديث جابر مرفوعا« :ال
نكاح إال بويل وشاهدي عدل»(.)2
الحكمة من وجوب اإلشهاد:
-1نظرا ملكانة عقد النكاح ،وعظم هذا العقد وما يرتتب عليه من املصاحل والفوائد كان
لزاما من اشرتاط الشهادة يف عقد النكاح ،ومن مصاحل النكاح كما هو معروف :اإلرث،
والنسب ،واملصاهرة ،واحملرمية وما أشبه ذلك.
-2يف اإلشهاد على عقد النكاح منعا للتجاحد بني املتعاقدين ،وبعدا لسوء الظن
بينهما ،وحفاظا على حق الولد بينهما.
-3يف الشهادة على النكاح تفريق بني احلالل واحلرام ،فاحلالل يبني باإلخبار ،واإلعالم
والظهور ،واحلرام شأنه اخلفاء والتسرت وعدم الظهور(.)3
( )1متفق عليه ،صحيح البخاري ،حديث رقم [ ،]513وصحيح مسلم برقم [.]1419
( )2أخرجه الطرباين يف الستنن الكتربى بترقم [ ،]299وصتححه األلبتاين يف اجلتامع الصتغري ،1254/2وانظتر :املغتين
،347/9وحاشية الروض املربع ،276/6اإلسالم وبناء اجملتمع ،ص.155
( )3انظر :مقدمات النكاح حملمد السديس ،ص.295-294
- 76 -
الرابع :موافقة الولي:
وهو أن يعقد للمرأة وليها كأبيها وأخيها ،فلو زوجت املرأة نفسها ،أو زوجت غريها كابنتها
أو أختها ،أو وكلت غري وليها يف تزوجيها ولو بإذن وليها مل يصح النكاح يف احلاالت
الثالث؛ وذلك ملا يأِت:
-1أن اهلل تعاىل خاطب األولياء بالنكاح فقال{ :وأ ْن ِك ُحوا ْاألأيامى ِم ْن ُك ْم}(.)1
-2حديث أيب موسى األشعري أن النيب قال« :ال نكاح إال بويل»( ،)2وهو
لنفي احلقيقة الشرعية ،أي :ال نكاح موجود يف الشرع إال بويل بدليل ما ورد عن عائشة ك
قالت :قال رسول اهلل « :أميا امرأة نكحت بغري وليها فنكاحها باطل ،فنكاحها باطل،
فنكاحها باطل»(.3
الحكمة من اشتراط الولي:
-1أن الويل أكثر خربة منها بالرجال ،الختالطه بالناس ،ومعرفته بأحواهلم إضافة إىل أن
املرأة سريعة التأثر فرمبا ختطئ يف اختيار األصلح هلا.
-2أن زوج املرأة سيصبح عضوا يف أسرهتا ،ومن غري الالئق أن ينضم إىل األسرة عضو
يكون رب األسرة غري راض عنه.
-3إشعار الزوج بتضامن األسرة مع ابنتهم ومساعدهتم هلا ،مما يوفر محاية للمرأة حيث
حيسب الزوج حساب أوليائها ،وال يتصور إمكانية إحلاق الضرر هبا.
-4أن فيه إكراما للمرأة وإبعادا هلا عن خدش حيائها عندما تتوىل تزويج نفسها(.)4
- 77 -
سادساً :الشروط في النكاح:
المراد بها :ما يشرتطه أحد الزوجني أو كالمها يف صلب العقد ،أو يتفقان عليه قبل العقد
مما يصلح بذله واالنتفاع به ،وهي غري شروط النكاح وتنقسم إىل قسمني:
اشرتاط الرجل على امرأته شروط نفع معينة ،يشرتطها الشروط الصحيحة
يف عقد الزواج تقسيط أحد الزوجني فتكون ملزمة
املهر ،إكمال دراستها ،أو لآلخر إذا رضي هبا ومل
الشروط في النكاح
أن تستمر يف وظيفتها . تكن خمالفة للشرع.
نكاح الشغار
- 78 -
القسم األول :الشروط الصحيحة وهي نوعان:
-النوع األول :شروط يتضمنها العقد وإن لم تذكر في صلبه:
وذلك مثل اشرتاط انتقال املرأة إىل بيت زوجها ومتكينه من االستمتاع معها ،وكاشرتاط النفقة
والسكىن على الزوج ،فهذه من مضمون العقد ودال عليها شرعا كما دل عليها عرفا
وعادة(.)1
-النوع الثاني :شروط نفع معينة ،يشترطها أحد الزوجين فتكون ملزمة لآلخر إذا رضي
بها ولم تكن مخالفة للشرع.
وذلك مثل اشرتاط الرجل على امرأته يف عقد الزواج تقسيط املهر ،وكاشرتاط املرأة عليه زيادة
يف املهر ،أو إكمال دراستها ،أو أن تستمر يف وظيفتها فعلى الزوج أن يفي مبا اشرتطت
عليه ،وهلا حق املطالبة به أو الفسخ إن مل يف مبا وعدها به وقد أمر اهلل تعاىل بالوفاء
بالعهود فقال { :وأ ْو ُفوا ِبع ْه ِد ال َّل ِه إِذا عاه ْد ُت ْم }( ،)2ويف احلديث« :إن أحق الشروط
أن توفوا به ما استحللتم به الفروج»(.)3
القسم الثاني :شروط فاسدة ،وهي نوعان:
-النوع األول :شروط فاسدة بنفسها مع بقاء العقد صحيحا:
كأن يشرتط الزوج أال مهر هلا ،أو ال نفقة هلا ،فيفسد الشرط ويصح العقد؛ ألن ذلك
الشرط يعود إىل معىن زائد يف العقد ال يلزم ذكره وال يضر اجلهل به.
-النوع الثاني :شروط فاسدة مفسدة للعقد:
مثل أن يشرتط تزوجها مدة معينة وهو نكاح املتعة ،أو يتزوجها ليحللها لزوجها األول ،وهو
نكاح التحليل ،أو يشرتط الويل على الزوج أن يزوجه أخته ،وهو نكاح الشغار ،فهذه ثالثة
أنواع من األنكحة الفاسدة ،وفيما يلي بياهنا:
- 79 -
األول :نكاح المتعة:
-املتعة لغة :بضم امليم وكسرها :مشتقة من املتاع ،وهو ما يستمتع به(.)1
-املتعة اصطالحا :أن ينكح الرجل املرأة بشيء من املال مدة معينة ينتهي النكاح بانتهائها
من غري طالق(.)2
حكمه:
باطل باتفاق علماء املسلمني ،وقد دل على حترمي نكاح املتعة الكتاب والسنة واإلمجاع.
م أ ْو
واج ِه ْ
م حا ِف ُظون * ْاألأ على أ ْز ِ
وج ِه ْ
م ِل ُف ُر ِ -الكتاب :قوله تعاىل { :وا َّل ِذين ُ
ه ْ
مان ُه ْم }( ،)3واملتمتع هبا ليست زوجة ،وال يف حكم الزوجة يف نظر الشارع، ت أي ْ ُما ملك ْ
وال فيما تعارف عليه الناس.
-السنة :قول النيب « :يا أيها الناس إين كنت قد أذنت لكم يف االستمتاع من النساء،
وإن اهلل قد حرم ذلك إىل يوم القيامة»(.)4
-اإلجماع :فإن األمة بأسرها قد أمجعت على حترمي املتعة إال من ال يلتفت إليه(.)5
الحكمة من تحريم نكاح المتعة:
-1أن املقصود األمسى للزواج هو السكن وتكوين األسرة ،وال يأِت هذا كله إال بدوام
العشرة ،وشعور الزوجة باالستقرار ،وبأن حياهتا الزوجية مستدامة.
-2أنه لو فتح باب الزواج املؤقت ،ألقبل الناس إليه ابتغاء قضاء احلاجة اجلنسية لقلة
كلفته ،وسهولة مؤونته ،ولضاع بذلك اهلدف األمسى الذي من أجله أودع اهلل فينا غريزة
اجلنس وهو بقاء النوع اإلنساين وعمران الكون.
-3أنه يضر باألوالد كذلك ،حيث ال جيدون بيتا يستقرون فيه .
-4إكرام املرأة من أن تتخذ للذة واملتعة من قبل العديد من األشخاص على التوايل(.)6
- 80 -
الثاني :نكاح التحليل:
-وهو أن يتزوج املطلّقة ثالثا بعد انقضاء عدَّهتا ،أو يدخل هبا ،مثّ يطلقها؛ ليُحلّها للزوج
األول (.)1
-حكمه:
-حرام()2؛ وذلك حلديث عبد اهلل بن مسعود « :لعن رسول اهلل املحلِّل واحمللَّل
ُ
له»( ،)3فدل ذلك على حترمي نكاح التحليل؛ ألنه ال يكون اللعن إال على فعل احملرم ؛ وألن
األصل يف مشروعية الزواج الدوام واالستقرار واالستمرار ،واحمللل ال يقصد شيئا من ذلك ،
ومن مقاصد الشريعة يف الزواج الثاين التعرف على احلياة الزوجية اجلديدة ،فتوازن املرأة بني
الزوجني ،فتعرف الفرق بني العشرتني ،فيكون ذلك درسا جديدا حلياة زوجية جديدة ،وبناء
أسرة جديدة ،وترابط أسري واجتماعي مع أسرة جديدة ،فمىت تغريت الرتبية ،رمبا يكون هلذا
التغري األثر الطيب على احلرث ،فيكون العطاء من الزوجني أكثر .وإن حصل طالق من
الزوج الثاين ،فإهنا إن رجعت إىل الزوج األول ،رجعت بعد دراسة مقارنة بني الزوجني،
وحماسبة للنفس ،فبعد ذلك تزول اخلالفات غالبا ،وتقوى الروابط ،فيكون احلكم لسلطان
العقل املبين على سلطان الشرع بعيدا عن سلطان اهلوى(.)4
الثالث :نكاح الشغار:
-الشغار لغة :اخللو من العِوض ،يقال :مكان شاغر ،أي خال ،واجلهة شاغرة أي :خالية،
ومسي بالشغار خللوه من املهر(.)5
اصطالحا :وهو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته أو غريمها ممن له الوالية عليها ،على
ً -الشغار
أن يزوجه اآلخر ابنته أو أخته أو غريمها ممن له الوالية عليها ،ويتم النكاح مبوجب هذا
الشرط (.)1
( )1انظر :املوسوعة الفقهية امليسرة يف فقه الكتاب والسنة املطهرة حلسني العوايشة . 51/5
( )2املصدر السابق .49/10
( )3أخرجتته الرتمتتذي يف ستتننه بتترقم [ ،]1120وقتتال :حستتن صتتحيح ،وصتتححه األلبتتاين يف صتتحيح اجلتتامع الصتتغري
وزيادته برقم [.]5101
( )4انظر :مغين احملتاج ،182/3وكشاف القناع ، 94/5الزواج بنية الطالق لصاحل املنصور ص .41
( )5انظر :الصحاح ،700/2ولسان العرب .417/4
- 81 -
-حكمه:
اتفق أهل العلم على أن نكاح الشغار منهي عنه ،فهو باطل ،جيب التفريق فيه ،سواء كان
مصرحا فيه بنفي املهر ،أو مسكوتا عنه؛ وذلك حلديث جابر بن عبداهلل ب« :هنى رسول
()2
اهلل عن الشغار»
والنهي يقتضي الفساد ،فيكون العقد فاسدا()3؛ ملا فيه من ظلم للمرأتني وإجحاف حبقهما،
فمثل هذا الزواج يقصد منه الويل – غالبا – حتقيق مصلحته وجلب منفعته ،فيغض كل
منهما الطرف عن مساوئ اآلخر(.)4
اخلالصة
النكاح لغة :الضم والتداخل ويراد به عقد الزواج ،يقال :نكح فال ٌن امرأة نكاحا إذا •
تزوجها ،ويراد به أيضا الوطء.
النكاح اصطالحا :عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ إنكاح أو تزويج . •
ثبتت مشروعية اخلطبة من الكتاب والسنة واإلمجاع والعرف. •
رغبت نصوص كثرية من القرآن الكرمي والسنة النبوية يف النكاح. •
أركان النكاح :الزوجان ،والقبول ،و اإلجياب. •
شروط النكاح :تعيني الزوجني ،ورضا كل من الزوجني باآلخر ،والشهادة على عقد •
النكاح ،و موافقة الويل.
تنقسم الشروط يف النكاح إىل شروط صحيحة ،وشروط فاسدة. •
.
املتعة لغة :بضم امليم وكسرها :مشتقة من املتاع ،وهو ما يستمتع به •
- 82 -
املتعة اصطالحا :أن ينكح الرجل املرأة بشيء من املال مدة معينة ينتهي النكاح •
.
بانتهائها من غري طالق
حكم نكاح املتعة :باطل باتفاق علماء املسلمني ،وقد دل على حترمي نكاح املتعة •
الكتاب والسنة واإلمجاع.
نكاح التحليل :هو أن يطلق الرجل امرأته ثالثا ،فيتزوجها رجل على شريطة أن •
.
يطلقها بعد وطئها ،لتحل لزوجها األول
حكم نكاح التحليل :حرام. •
الشغار لغة :اخللو من العِوض ،يقال :مكان شاغر ،أي خال ،واجلهة شاغرة أي: •
.
خالية ،ومسي بالشغار خللوه من املهر
• الشغار اصطالحا :وهو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته أو غريمها ممن له الوالية عليها،
على أن يزوجه اآلخر ابنته أو أخته أو غريمها ممن له الوالية عليها ،ويتم النكاح
مبوجب هذا الشرط.
• حكم نكاح الشغار :اتفق أهل العلم على أن نكاح الشغار منهي عنه.
- 83 -
الموضوع الرابع
المخالفات الشرعية في الزواج
يعد الزواج ضرورة من ضرورات احلياة ،إذ به حتصل مصاحل الدين والدنيا ،وبه حيصل االرتباط
بني الناس ،وبسببه حتصل املودة والرتاحم ،ويسكن الزوج إىل زوجته والزوجة إىل زوجها،
والزواج أدعى إىل غض البصر وإحصان الفرج إال أن هذا العقد قد تقع فيه بعض املخالفات
الشرعية اليت ال بد أن نوضحها ونقف عليها ونبني رأي الشرع فيها ،ومن ذلك:
-غالء المهور ،واإلسراف في حفالت الزفاف:
من املخالفات واملعوقات يف الزواج رفع املهور وجعلها حمال للمفاخرة واملتاجرة ،ال لشيء إال
مللء اجملالس بالتحدث عن ضخامة هذا املهر دون تفكري يف عواقب ذلك ،وال يعلمون أهنم
قد سنوا يف اإلسالم سنة سيئة ،وأن ضخامة املهر مما يسبب كراهة الزوج لزوجته وتربمه منها
عند أدىن سبب ،وأن سهولة املهر مما يسبب الوفاق واحملبة بني الزوجني ومما يوجد الربكة يف
الزواج( ،)1قال عمر بن اخلطاب « : أأأال أال تُتغالُوا بِصد ِق الن ِ
ِّساء ،فأِإنت أَّها لأ ْو أكانأ ْ
ت أمك ُْرأمة أ ُُ أ
( )1انظر :الزواج وفوائده وآثاره النافعة لعبد اهلل اجلار اهلل ،ص.36
- 84 -
ول اللَّ ِه ْ امأرأأة ِم ْن ِ ِ ِ ِيف ُّ
أص أد أق أر ُس ُ
َّيب ،أما أ ْ الدنْتيأا ،أ ْأو تأت ْق أوى عْن أد اللَّه لأ أكا أن أ ْأوأال ُك ْم هبأا النِ ُّ
ت ْامأرأةٌ ِم ْن بأتنأاتِِه أ ْكثأتأر ِم ْن ثِْن أ ْيت أع ْشأرةأ أُوقِيَّة»(.)1 نِسائِِه ،وأال أ ِ
ُصدقأ ْ
أ أ ْ
وترجع املغاالة يف املهور إىل مجلة من األسباب اخلاطئة:
اخلوف على ابنتهم ،واحلرص على تأمني
مستقبلها ،وحتقيق استقرارها
( )1أخرجه أبو داود يف سننه ،حديث رقم [ ،]2106قال األلباين :حسن صحيح.
- 85 -
-5العادات والتقاليد واألعراف االجتماعية اخلاطئة؛ كاالغرتار باملظاهر ،واحلرص على
التفاخر ،وجماراة اآلخرين ،واملباهاة الزائفة.
-6رغبة الزوج يف الظهور مبظهر الغين القادر(أمام الناس ،وأمام أهل الزوجة).
ومن املخالفات أيضا اإلسراف والتبذير يف إقامة الوالئم وتكاليف الزيارات بني أسرة الزوجني
وكل هذه األمور تثقل كاهل الزوج وليست هي يف صاحل الزوجة.
مفاسد المغاالة في المهور:
قلة الزواج بسبب العجز عن كلفته.
جشع الويل
( )1انظر :الزواج وفوائده وآثاره النافعة لعبد اهلل اجلار اهلل ،ص.43
- 86 -
وليها والبكر تستأذن يف نفسها وإذهنا صماهتا»( ،)1وإذا كان التشريع اإلسالمي قد جعل
للمرأة احلق يف فسخ نكاحها باخللع إذا أصبحت كارهة لزوجها ،وتكدرت حياهتا الزوجية،
فمن باب أوىل أال جيعل ألحد أن جيربها على الزواج وهي كارهة ابتداء(.)2
-عضل الولي:
من املخالفات اليت تقع للمرأة يف الزواج هو عضلها ومنعها من الزواج.
-العضل لغةً :يأِت مبعىن املنع واحلبس عن الشيء ،يقال :عضل املرأة عن الزوج مبعىن :منعها
وحبسها(.)3
-العضل اصطالحاً :منع املرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد منهما
يف صاحبه(.)4
حكم العضل:
و ّأما حكم العضل فال خالف يف حترميه؛ ألنَّه نوع من الظلم الذي يتناىف ومشروعية الوالية يف
النِّكاح؛ إذ هي والية نظر وإحسان ،ال والية قهر وإذالل واستبداد ،ومن األدلّة على حترمي
العضل ما يلي:
َّ
وه َّن أ ْن
ض ُل ُ
م النِساء فبل ْغن أجل ُه َّن فلا ت ْع ُ -1قوله تعاىل{ :و إِذا طل ْق ُت ُ
وف}(.)5
م ِبا ْلم ْع ُر ِي ْن ِك ْحن أ ْزواج ُه َّن إِذا تراض ْوا بيْن ُه ْ
وه َّن} لألولياء كما اختاره أكثر املفسرين وإليه
ض ُل ُ فاخلطاب هنا يف قوله تعاىل{ :فلا ت ْع ُ
ذهب مجهور الفقهاء(.)6
يف هذه اآلية ،زوجت ومما يؤكد هذا ما رواه البخاري عن معقل بن يسار قأال« :نزلت ّ
أختا يل من رجل فطلقها ،فلما انقضت عدهتا جاء خيطبها ،فقلت :واهلل لن تعود إليك أبدا
فأنزل اهلل هذه اآلية فقال معقل :اآلن أفعل يا رسول اهلل ،فزوجها إياه»(.)1
- 87 -
()2
حيث هنى النيب عن الضرر ،وال شك أن -2حديث« :ال ضرر وال ضرار»
العضل ضرر على املرأة.
فإذا تحقق العضل من الولي دون سبب مقبول ،انتقلت الوالية إلى السلطان لما يأتي:
-1قول النيب « :فإن اشتجروا فالسلطان ويل من ال ويل له»(.)3
-2ألن الويل قد امتنع ظلما من حق توجه عليه ،فيقوم السلطان أو نائبه مقامه إلزالة
الظلم ،كما لو كان عليه دين وامتنع عن قضائه(.)4
أسباب العضل:
أسباب العضل
طمع الولي
إن الناظر إىل أسباب العضل جيد أهنا كثرية متشعبة ،تتنوع حبسب الزمان ،واملكان ،واألحوال
ومن ذلك:
-1العادات والتقاليد الخاطئة:
يعد متسك بعض العائالت حبصر الزواج على عائلة معينة أو قبيلة من األسباب اليت تؤدي
إىل عضل املرأة من الزواج ،وقد يربر بعضهم ذلك بأن مثل هذا األمر فيه مصاحل ملا فيه من
تقارب بني الزوجني يف العادات والتقاليد ،مما يقلل اختالف وجهات النظر بينهما ،وإذا ما
اختلفا كان الصلح سهال وميسورا.
- 88 -
إن تزوج الفتاة من األسر القريبة منها أمر ال مانع منه لتحصيل تلك املنافع ،أما املرفوض
شرعا فهو أن متنع املرأة من الزواج إال من أبناء عمومتها أو قبيلتها مع كراهة الفتاة لذلك،
وقد يكون األقارب ال يرغبون يف تلك الفتاة فيبقيها وليها رهن االنتظار إىل أن يتقدم أحدهم
وقد ال حيدث ذلك ،يف الوقت الذي يتقدم فيه العديد من اخلطاب هلا من غريهم ،فيؤدي
ذلك بالفتاة إىل العنوسة ،وقلة الفرص يف الزوج املناسب؛ وألجل ذلك وجب على الويل أن
تكون غايته حتقق مصاحل موليته الدينية ،والدنيوية( ،)1قال « :إذا جاءكم من ترضون دينه
وخلقه فزوجوه ،إال تفعلوا تكن فتنة يف األرض وفساد عريض»(.)2
-2طمع الولي:
إن طمع الويل يف مال موليته يعد سببا من األسباب اليت تدعوه لعضل موليته وذلك من أجل
استغالل ماهلا ،وضمان عدم انتقال ذلك املال آلخر ،كأن تكون املرأة موظفة ،أو ثرية ،أو
أن يتقاضى الويل ماال ألجل حضانته هلا ،وبالتايل مينع الويل هذه املرأة من الزواج بسبب
الطمع مبا لديها من مال(.)3
- 89 -
-2إحداث جفوة وفجوة بني األختني ،فمآل هذا التصرف أن ال تظفر الكربى بزوج،
وحترم الصغرى من الكفؤ الذي ارتضته لنفسها.
والواجب على الويل يف مثل هذه احلال أن ينظر لألمور نظرة صحيحة متوازنة ،ال يلحق ضررا
بالصغرى وال بالكربى ،فليزوج الصغرى ،وليحط الكربى برعايته ،وجبو من الدفء واحلنان،
ويليب حاجاهتا املادية ،كي تشعر أهنا موضع قبول وتقدير ،ويبين لديها القناعة والقبول الواعي
بزواج أختها قبلها ،وحيرص على أخذ رأيها يف أمر زواج أختها ،بل ويفتح هلا اجملال للمشاركة
يف جتهيزها وشراء لوازم زواجها ،واألكثر أمهية مما سبق أن يسعى إىل تزوجيها وخيتار هلا الرجل
الصاحل ،وخيطبه هلا(.)1
اخلالصة
من املخالفات الشرعية يف الزواج :غال املهور يف حفالت الزفاف ،وإجبار البالغة •
على الزواج ،وعضل الويل ،والتزام التزويج وفق الرتتيب العمري.
العضل لغة :يأِت مبعىن املنع واحلبس عن الشيء ،يقال :عضل املرأة عن الزوج مبعىن: •
منعها وحبسها..
العضل اصطالحا :منع املرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد •
منهما يف صاحبه.
حكم العضل :ال خالف يف حترميه. •
( )1انظر :املرأة واألسرة يف القرآن والسنة للدكتورة نوال العيد والدكتورة شريفة احلازمي ،ص.161
- 90 -
• أسباب العضل :العادات والتقاليد اخلاطئة ،وطمع الويل.
-1ناقش املخالفات الشرعية يف الزواج ،وأسباهبا.
التقويم
-2عرف العضل لغة ،واصطالحا ،وحكمه شرعا ،وأسبابه.
- 91 -
الموضوع الخامس
الحقوق الزوجية
- 92 -
المهر :املهر ويسمى الصداق ،نوع من اهلدية املالية الواجبة للزوجة مبقتضى عقد -1
النكاح ،واملهر وإن مل يكن من أركان عقد الزواج ،وال من شروط صحته إال أن اإلسالم
شرعه ،إشعارا ملكانة املرأة ،وتطييبا لنفسها ،وإعانة هلا ملواكبة فطرهتا ،ورغبتها يف التزين
والتجمل لزوجها ،وتوسعة عليها لقضاء وشراء مستلزمات الزوجية.
ويف ذلك إبطال ملا كان يفعله أهل اجلاهلية من ظلمها ،وأخذ مهرها ،فرفع اإلسالم عنها
هذا اإلصر ،وفرض هلا املهر ،وجعله حقا هلا على الرجل ،ولو عقد عليها بدون مهر فلها
مهر املثل ،واملهر حق هلا ،وليس ألحد أن يأخذ شيئا منه إال برضاها واختيارها ،قال
يء ِم ْن ُه ن ْفسا
م ع ْن ش ْ سبحانه{ :و ُآتوا النِساء ص ُدقاتِ ِه َّن نِ ْحلة فإِ ْن ِ
طبْن ل ُك ْ
وه هنِيئا م ِر يئا}(.)1
ف ُك ُل ُ
ومل حتدد الشريعة حدا لقلته ،وال لكثرته ،بل تركته حبسب ظروف الناس وعاداهتم ،وحثت
على تيسريه ،وعدم املغاالة فيه ،والنصوص جاءت كلها تشري إىل أن املهر ميكن أن يكون
أي شيء له قيمة ولو خامتا من حديد ،أو تعليما لكتاب اهلل عز وجل ،وما شابه ذلك إذا
تراضى عليه الزوجان.
-مقدار المهر :املهر إما أن يكون متفقا عليه بني الطرفني ،ومذكورا يف العقد ،فيسمى عند
الفقهاء بت (املهر املسمى) ،أو غري متفق عليه فيجب فيه ما يسمى بت (مهر املثل)(.)2
إذا مسي املهر يف العقد ،وقدم الزوج املهر ،مث فسخ العقد ،أو وقع الطالق قبل الدخول أو
اخللوة الصحيحة فللزوجة نصف املهر.
م
ض ُت ْ
وه َّن وق ْد فر ْ
س ُوه َّن ِم ْن قبْ ِل أ ْن تم ُّ
م ُوالدليل قوله عز وجل{ :و إِ ْن ط َّل ْق ُت ُ
م ا ْلأ أ ْن ي ْع ُفون أ ْو ي ْع ُفوا ا َّل ِذي ِبي ِد ِه ُع ْقد ُة
ض ُت ْ
ف ما فر ْ
ص ُ
ل ُه َّن ف ِر يضة فنِ ْ
كاح}(.)3
النِ ِ
فهذا نص صريح بأنه وجب هلا نصف املهر إال أن تعفو املرأة عن حقها؛ فيسقط عن الرجل
نصف املهر أو يعفو هو عن حقه فيكون املهر كامال للمرأة.
- 93 -
النفقة :من واجبات الزوج حنو زوجته أن ينفق عليها ولو كانت موسرة ،فقد وضع -2
اإلسالم على عاتق الرجل مسئولية اإلنفاق على زوجته وأوالده يف املقام األول ،فكما كفل
اإلسالم للمرأة املهر بداية عرسها؛ فإنه كفل هلا يف أثناء احلياة الزوجية النفقة عليها.
فالنفقة املالية ،وما يتصل هبا من سكىن ،ولباس ،وغذاء ،وعالج ،وسفر ،وحنوه مما تستلزمه
نفقة مثيالت الزوجة يف اجملتمع ،محّله اإلسالم الزوج ،وكلفه به؛ باعتباره الطرف الذي يتوىل
شؤون الكسب والسعي والعمل خارج البيت ،يف حني صان اإلسالم املرأة عن احلاجة إىل
النفقة ،ومن مث االضطرار إىل بعض األعمال ،اليت فيها التبذل يف األسواق ،ومزامحة الرجال،
وأوكل الشارع احلكيم إليها رعاية شئون بيتها الداخلية ،وتدبري أموره ،وتنظيمه ،وإعداده
مكانا هادئا هانئا مستقرا جلميع أفراد األسرة.
وقد أمرت الشريعة هبذا احلق فأوصت به ،وأكدت عليه كما يف قوله تعاىل{ :وعلى
()1
ق ُذو وف} ،وقوله سبحانهِ { :ل ُي ْن ِف ْ سو ُت ُه َّن ِبا ْلم ْع ُر ِ
الم ْو ُلو ِد ل ُه ِر ْز ُق ُه َّن و ِك ْ
ف ال َّل ُه
اه ال َّل ُه لا ُيك ِل ُ
ما آت ُ
ق ِم َّ
سعة ِم ْن سعتِ ِه وم ْن ُق ِدر عل ْي ِه ِر ْز ُق ُه ف ْل ُي ْن ِف ْ
ن ْفسا إِ َّلا ما آتاها}(.)2
ومن السنة النبوية ما جاء عن معاوية القشريي قال :قلت :يا رسول اهلل ما حق زوجة أحدنا
عليه قال« :أن تطعمها إذا طعمت ،وتكسوها إذا اكتسيت – او اكتسبت – وال تضرب
الوجه ،وال تقبح ،وال هتجر إال يف البيت»( ،)3وكذلك قوله يف حجة الوداع« :وهلن
عليكم رزقهن وكسوهتن باملعروف»( ،)4وورد التحذير من اإلخالل بالنفقة يف قوله « :
()6( )5
كفى باملرء إمثا أن يضيع من يقوت» .
- 94 -
وقد وعد اهلل الزوج على هذه النفقة أجرا كبريا ،ترغيبا للرجل يف احملافظة عليها وعدم
اإلخالل هبا ،ففي احلديث« :إنك لن تنفق نفقة تبتغي هبا وجه اهلل إال أجرت عليها حىت ما
جتعل يف فم امرأتك»(.)1
متى تجب نفقة الزوجية؟
جيب على الزوج النفقة من حني الدخول بالزوجة يف مسكن الزوجية ،وليس مبجرد العقد فإنه
إذا عقد عليها ،ومل يدخل هبا ال زالت النفقة على أبيها أو وليها.
أسباب سقوط وجوب النفقة:
تسقط نفقة الزوجة بأسباب منها:
-1إذا امتنعت الزوجة عن متكني زوجها من حقه الشرعي يف معاشرهتا ،أو حبست عنه
حبيث ال ميكن للزوج أن يستمتع معها ،فالنفقة وإن كانت واجبة فإن االستمتاع حق للزوج
إذا فقد ومل يتمكن منه سقطت النفقة.
-2إذا نشزت الزوجة على زوجها باالمتناع عن طاعته ،وهجران فراشه والنشوز يف اللغة:
مأخوذ النشز ،وهو املكان املرتفع من األرض فكأن املرأة ارتفعت عن زوجها وصارت عصية.
-3إذا سافرت الزوجة حلاجتها ال حلاجة زوجها؛ فإنه ال جيب عليه اإلنفاق عليها مدة
سفرها اخلاصة هبا ،وإن كانت نفقته عليها واحلال هذه من باب اإلكرام والتودد والرب
واملعاشرة باملعروف ،أما إذا سافرت حلاجته فالنفقة واجبة عليه.
( )1أخرجه البخاري يف صحيحه عن سعد بن أيب وقاص ،حديث رقم [.]56
- 95 -
قضت القواعد الشرعية بوجوب إنفاق الزوج على زوجته ،وأنه ال حيل له العدول عنه مهما
كان ،ولكن بعض األزواج ممن ال خالق هلم وال ضمري يردعهم ،تسيطر عليه أهواؤه ،وتسول
له نفسه األمارة بالسوء ،أن يقصر يف هذا الواجب الشرعي؛ لضعف دينه ،وقلة إميانه.
ولكن الشريعة الغراء مل ترتك ذلك بدون أن تضع حال جذريا؛ فإن الزوج إن امتنع عن
اإلنفاق على زوجته فإن األمر ال خيلو من أن يكون موسرا أو معسرا؛ فإن كان موسرا فإن
حاله ال خيلو من أحد أمرين:
-1أن يكون له مال ظاهر معروف ،فإن قدرت الزوجة على ماله أخذت منه قدر
كفايتها بغري إذنه؛ ألن النيب قال هلند ك زوجة أيب سفيان عندما شكت إليه ُشح
زوجها« :خذي ما يكفيك وولدك باملعروف»(.)1
وإذا مل تقدر الزوجة على األخذ منه ،فلها أن ترفع أمرها إىل القاضي ،وتطلب فرض النفقة،
فإن قام بالنفقة فهو املطلوب ،وإن أىب ُحبس فإن صرب على احلبس أخذ احلاكم النفقة من
ماله إن كان من جنس النفقة ،وإن كان من غري جنسها كالعروض والعقار ،فإن اجلمهور
يرون أن املال يباع لتدفع النفقة منه للزوجة على قدر كفايتها وألن النيب قال هلند:
«خذي ما يكفيك»( ،)2ومل يفرق بني مال ومال.
-2أن يكون الزوج معسرا ،واملعسر هو العاجز الذي ال يستطيع الوفاء لزوجته مبا أوجبه
اهلل هلا من نفقة شرعية بأي وجه من الوجوه ،وهنا ينبغي على الزوجة أن تصرب وحتتسب،
وتعني زوجها مبا تستطيع ،حىت يفرج اهلل عنه كربه ،ويوسع رزقه.
نفقة المطلقة:
على الزوج أن ينفق على زوجته إذا طلقها طالقا رجعيا؛ ألهنا ما زالت يف عصمته أما إذا
طلقها طالقا بائنا ،فال نفقة هلا وال سكىن؛ حلديث فاطمة بنت قيس ك عندما طلقها
زوجها البتة – يعين ثالثا – فقال هلا النيب « :ال نفقة وال سكىن»(.)3
- 96 -
وأما إذا كانت الزوجة حامال فإنه لو طلقها الطلقة األخرية فلها النفقة؛ ألجل اجلنني الذي
يف بطنها ،الذي هو ولده ،وهو مكلف باإلنفاق عليه ،وال ميكن فصل الولد عن األم؛ ألهنما
مل فأ ْن ِف ُقوا عليْ ِه َّن ح َّتى يض ْعن زال يف بطنها قال عز وجل{ :و إِ ْن ُك َّن ُأولا ِ
تح ْ
ح ْمل ُه َّن}( ،)1فإذا هلا سكىن ،وهلا نفقه طيلة محلها ،حىت ولو كان الطالق مبتوتا بالثالث.
الحقوق المعنوية:
إن من عوامل النجاح يف احلياة الزوجية التميز يف معرفة حاجيات الطرف اآلخر املادية
واملعنوية وهي حقوق كل طرف منهما على اآلخر(.)2
ومن الحقوق المعنوية للزوجة على زوجها:
أوالً :المعاشرة بالمعروف:
إنك لتعجب حني ترى بعض الرجال يرى أنه أعطى املرأة حقها حني أطعمها ،وكساها،
وأسكنها ،وهو مل يرع يوما نفسيتها ،ومل يتفهم أبدا حاجتها املعنوية ،ومتطلباهتا النفسية وهو
ال يقبل باستشارهتا يف أموره ،وال يتلطف معها يف أوامره ،بل قد يقرن أوامره بالتعايل أحيانا.
املرأة عاطفة تتدفق ،ومشاعر تتألق ،شبهها النيب بالقوارير يف الرقة واللطافة وضعف البنية
حني قال« :رويدك يا أجنشة سوقك بالقوارير»( )3وذلك لسرعة تأثرهن.
ولكي تسعد األسرة كلها وليتحول البيت إىل جنة وادعة ،راعى اإلسالم هذا اجلانب يف
املرأة فأشبعه ،فهي سكن الزوج ،وحمضن الولد ،وقد أمر اهلل عز وجل بالرفق هبا ،ومراعاة
مشاعرها ،ورهافة حسها ،وقد أكد اإلسالم على ذلك قوال وعمال من خالل هدي الكتاب
والسنة يف كيفية التعامل مع الزوجات ،وقد بينا سابقا صورا من املعاشرة احلسنة يف وسائل
حتقيق املودة.
ثانياً :الغيرة والحماية:
الغرية على الزوجة من عالمات حمبتها ،ودالئل رفعة مكانتها إذ الزوج يريد أن يكون وحيدا
يف احلظوة لديها ،واالستمتاع جبماهلا وخصاهلا ،ولكن ينبغي أن تكون الغرية باعتدال بعيدا
- 97 -
عن سوء الظن ،وتصيد األخطاء ،فليس املقصود هنا إحصاء العيوب ،وتقصي العثرات؛ ألن
ذلك ينغص احلياة الزوجية ،وإذا بلغ األمر إىل الشك والريبة واالهتام؛ فإن ذلك مرض خطري
رمبا أدى إىل تدمري احلياة الزوجية.
وقد جاء بيان الغرية احملمودة واملذمومة يف حديث النيب حيث قال« :فأما الغرية اليت حيب
اهلل عز وجل فالغرية يف الريبة ،وأما الغرية اليت يبغض اهلل عز وجل فالغرية يف غري ريبة»(.)1
ثالثاً :عدم اإلضرار واإليذاء:
ومن صور إيذاء الزوجة:
الهجر والغياب :فاإلضرار بالزوجة حيصل بغياب طويل للزوج عنها؛ أو هبجر طويل أ-
منه هلا يف الفراش؛ ألن ذلك فيه تضييع حلقها ،وتعريضها للفنت ،وقد سأل عمر ابنته
حفصة ك فقال :يا بنية .كم تصرب املرأة على زوجها؟ فقالت :سبحان اهلل مثلك يسأل مثلي
عن هذا؟ فقال :لوال أين أريد النظر للمسلمني ما سألتك .قالتَ :خسة أشهر .ستة أشهر
فوقت للناس يف مغازيهم ستة أشهر يسريون شهرا ،ويقيمون أربعة ويسريون شهرا راجعني(.)2
وقد جعل اهلل يف املعاشرة الزوجية أجرا كما يف احلديث« :ويف بضع أحدكم صدقة » قالوا:
يا رسول اهلل أيأِت أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال « :أرأيتم لو وضعها يف حرام
أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها يف احلالل كان له أجر» (.)3
ب -اإلضرار الجنسي :يدخل يف باب اإلضرار اجلنسي بالزوجة أن يعجل الزوج زوجته
بعد أن يقضي حاجته منها ،وقبل أن تقضي حاجتها منها ففي احلديث« :إذا جامع أحدكم
فليصدقها ،مث إذا قضى حاجته قبل أن تقضي حاجتها فال يتُ ْع ِجلها حىت تقضي
ُ أهله
حاجتها»(.)4
- 98 -
ومن اإليذاء هلا إتياهنا يف غري موضع احلرث أو يف أثناء حيضها ،وكل ذلك حمرم ،قال اهلل
المتط ِه ِر ين}( ،)1وهو أمر تنفر منه الفطرة
ب ُ تعاىل { :إِ َّن هللا ُي ِح ُّ
ب ال َّت َّوا ِبين و ُي ِح ُّ
السليمة ،ويأباه الطبع السوي ،فمواقعة املرأة أثناء احليض تسبب كثريا من األمراض للرجل
واملرأة على حد سواء ،وال غرو فإن اهلل ال حيرم على عباده إال ما كان خبيثا.
ولنتأمل يف عادة اليهود ومن قلدهم من العرب يف اجلاهلية أهنم ال يؤاكلون احلائض ،وال
يساكنوها ،فنهى اإلسالم عن ذلك كما حرم إتيان احلائض ومسح بالتمتع مبا دون الفرج
فكان دين اإلسالم دين الوسطية ،وخري األمور أوسطها فحفظ صحة املرأة اجلسمية والنفسية
حني منع من وطئها ،وكذا حني أباح مباشرهتا فيما دون الفرج.
ومن اإلضرار بالزوجة العزل عنها دون رضاها ،فاإلسالم وإن قد أباح العزل لكنه شرط إذن
الزوجة فعن عمر بن اخلطاب أن النيب « :هنى عن العزل عن احلرة إال بإذهنا » ()2؛
ألن هلا يف الولد حقا ،وعليها يف العزل ضرر ،فلم جيز إال بإذهنا؛ وألن يف العزل تفويتا لكمال
لذهتا ،وهلا حق يف اجلماع كالرجل فاشرتط إذهنا.
ومن هنا يظهر لنا حرص اإلسالم على حفظ حق املرأة ليس فيما حيمي حياهتا فحسب بل
وفيما تكتمل به سعادهتا ومتعتها.
إفشاء األسرار الزوجية :ومن اإلضرار بالزوجة إفشاء األسرار اخلاصة بينها وبني ج-
زوجها ،والواجب على الزوجني كليهما عدم فعل ذلك؛ رعاية ألمانة ،وحفظا للسر ،وتقديرا
للخصوصية ،فإن من حق كل زوج من الزوجني على اآلخر أال حيدث مبا حيصل بينهما.
ففي احلديث« :إن من أشر الناس عند اهلل منزلة يوم القيامة ،الرجل يفضي إىل امرأته،
وتفضي إليه مث ينشر سرها»(.)3
فلتهنأ املسلمات بشرع رب العاملني ،الذي ضمن هلن أسرار املعاشرة ،وحفظ كرامتهن،
وليفتخرن بذلك على غريهن من نساء الشرق والغرب.
- 99 -
حقوق الزوج
كما أن للزوجات حقوقا على أزواجهن ناقشناها سابقا فإن اإلسالم أوجب على الزوجات
أمورا هي حقوق لألزواج عليهن ،على املرأة املسلمة أن تأخذ هبا يف حياهتا مع زوجها لتستقر
حياهتا وتنعم حبياة طيبة ،مليئة باحلب والتقدير واالحرتام والعطاء ومن تلك احلقوق اليت جتب
للرجل على زوجته:
أوالً :القوامة والطاعة في المعروف:
ينشأ البشر عادة على شكل مجاعات ،وكل جتمع بشري حيتاج إىل رئيس يسوس أموره،
وينظم شئونه ،مهما بلغ ذلك اجملتمع من الرقي ،ومهما بلغ من الدميوقراطية والشورى ،وسواء
صغر ذلك اجملتمع أو كرب فإنه ينبغي أن حيمل راية القيادة فيه شخص واحد فقط؛ ألن تعدد
الرؤساء يؤدي إىل صراعات ونزاعات ،تنتهي ببقاء واحد فقط على رأس اهلرم.
ويف األسرة بوصفها أحد التجمعات البشرية جعلت القيادة بيد الرجل ،وكلّف حبملها يف قول
م على َّ اهلل عز وجلِ { :
ضل الل ُه ب ْعض ُه ْ
امون على النِسا ِء ِبما ف َّ ال ق َّو ُالرج ُ
ب ْعض و ِبما أ ْنف ُقوا ِم ْن أ ْموا ِل ِه ْم}(.)1
معنى القوامة:
-القوامة في اللغة :تأِت القوامة يف اللغة ملعاين عدة منها :احملافظة واإلصالح ،ومنه قوله عز
امون على النِسا ِء}(.)2 ال ق َّو ُ وجل { ِ
الرج ُ
جين :قيّم املرأة :زوجها؛ ألنه يقوم بأمرها ،وما حتتاج إليه ،وقام الرجل
قال أبو الفتح ابن ّ
على املرأة :صاهنا(.)3
-القوامة في االصطالح :واليةَّ ،
يفوض مبوجبها الزوج تدبري شئون زوجته ،والقيام مبا
يصلحها.
ويصور أعداء الدين واجلهلة به (القوامة) يف شريعة اإلسالم على أهنا تسلط الرجل على
املرأة ،وأهنا بعض خملفات عهد استعباد النساء ،ويرون أن تفرد الرجل بالسلطة مل يعد مقبوال
خصائص الرجل
-1مراعاة الطبيعة البشرية :إذن إن مهام القوامة تستلزم تغليب العقل على العاطفة،
والتأين يف االنفعال ،والدقة يف االستجابة ،وهذا موافق لطبائع الرجل دون املرأة ،اليت ِ
وهبت
من الصفات ما يناسب مهام األمومة ،من سرعة استجابة للمثريات ،وغلبة العاطفة ،فلو
جعلت القوامة هلا مع طبيعتها العاطفية وسرعة تأثرها ،لكان يف ذلك ضرر على األسرة.
فطرة المرأة السوية :حتتاج املرأة عادة إىل قوة تستند إليها ،وتشعر معها باألمان، -2
ومىت شعرت بتخلي زوجها عن القوامة فقدت سعادهتا وأمنها ،فاملرأة تستشعر احلاجة إىل
القوامة من الناحية الواقعية ،بل جتد قمة السعادة مع زوجها هبا ،ويف املقابل جيد الرجل
السعادة عندما يشعر باحتياج املرأة إليه ،وامتالكه قوى الرعاية واحلماية هلا.
خصائص الرجل :فالنفقة اليت أوجبها اهلل على الرجل ربطها باخلصائص اليت متيز -3
الرجل ،وبالنفقة اليت يتحملها وجوبا ،وهذان السببان منصوص عليهما يف قول اهلل عز وجل
( )1متفق عليه ،صحيح البخاري برقم [ ،]5082وصحيح مسلم برقم [.]2527
( )1أخرجه الرتمذي يف سننه برقم [ ،]1163وقال :هذا حديث حسن صحيح.
( )2أخرجه البخاري يف صحيحه برقم [.]5195
( )3سورة طه ،اآلية (.)124
اخلالصة
مقدمة
شرع اإلسالم الطالق ليكون خملصا لألسرة من البؤس الدائم والعذاب املستمر إذا مل تستقم
احلياة الزوجية بني الزوجني ،وحفت بالنزاعات واخلالفات املستمرة ،وهو مع ذلك وضع طرقا
وقائية لتفادي الطالق منها:
-1أقام اإلسالم األسرة على أسس ثابتة ودعائم قوية جتعل وقوع الطالق أمرا نادرا أو يف
أضيق احلدود ،ومن ذلك حسن االختيار ووضوح احلقوق والواجبات.
-2اعترب القرآن الكرمي جمرد كراهية الزوج لزوجته سببا غري كاف إليقاع الطالق ،ووجه
الزوج إىل أن زوجته اليت كرهها قد يكون فيها اخلري الكثري الذي ال يعلمه ،قال تعاىل:
هوا شيْئا و ي ْجعلوه َّن فعسى أ ْن تكْر ُ
م ُ ه ُت ُ
وف فإِ ْن ك ِر ْ
وه َّن ِبا ْلم ْع ُر ِ
عاش ُر ُ
{و ِ
()1
يه خيْرا كثِيرا} ،وهذا ما دعا إليه النيب بقوله« :ال يفرك مؤمن مؤمنة إن كره ال َّل ُه ِف ِ
منها خلقا رضي منها آخر»( ،)2ومعىن ال يفرك :أي ال يبغض.
-3أن اإلسالم وضع طرقا لعالج نشوز الزوجة وإعراضها عن طاعة زوجها بقوله تعاىل:
ضاج ِع
ِ وه َّن ِفي الم
اه ُج ُر ُ
وه َّن و ْ ه َّن ف ِع ُظ ُ
شوز ُ{ واللاَّتِي تخا ُفون ُن ُ
وه َّن فإِ ْن أط ْعن ُك ْم فلا تبْ ُغوا عل ْي ِه َّن س ِبيلا }( ،)3وأيضا هناك حلول
اض ِر ُب ُ
و ْ
كذلك لنشوز الزوج وذلك إما بوعظ الزوج وتذكريه باحلقوق وهدي النيب فإن مل
يستجب وسطت بينهما رجال حكيما من أهل اخلري واألمانة ينصحه فإن مل يستجب رفعت
شوزا أ ْو إِ ْعراضا فلات ِم ْن ب ْع ِلها ُن ُ أمره للقضاء قال تعاىل{ :و إِ ِن ْ
امرأة خاف ْ
ص ْل ُح خيْر }(.)5()4
ص ْلحا وال ُّ
ص ِلحا ب ْين ُهما ُ
ُجناح عليْ ِهما أ ْن ُي ْ
( )1أخرجه أبو داود يف سننه برقم [ ،]2283وقال األلباين يف تعليقه عليه :صحيح.
( )2متفق عليه ،صحيح البخاري برقم [ ،]5251وصحيح مسلم برقم [.]1471
( )1أخرجه ابن ماجه يف سننه برقم [ ،]2020وقال األلباين يف تعليقه عليه :صحيح.
( )2انظر :املغين .324/10
( )3سورة البقرة ،اآلية (.)228
أمسكتك
للزوج أن يراجع امرأته ما دام الطالق رجعيا وهي يف العدة ،وتكون الرجعة بعدة أمور منها:
-1باللفظ الصريح الدال عليها ،كأن يقول :راجعتك ،أو أرجعتك ،أو رددتك ،أو
أمسكتك وحنو ذلك.
-2بلفظ الكناية عند بعض الفقهاء ،ومن ألفاظها :أنت عندي كما كنت وأنت امرأِت.
-3بالفعل كأن يطأها أو يقبلها أو يلمسها بشهوة.
قال ابن قدامة" :ومجلته أن الرجعة ال تفتقر إىل ويل ،وصداق ،وال رضى املرأة وال علمها،
بإمجاع أهل العلم"(.)1
ويرى شيخ اإلسالم ابن تيمية أن الوطء حتصل به الرجعة مع النية وهو رأي اإلمام مالك،
قال شيخ اإلسالم :وهذا أعدل األقوال وأشبهها باألصول(.)2
مخالفات الطالق
احللف بالطالق
( )1أخرجه أبو داود يف سننه برقم [ ،]2226وابن ماجه برقم [ ،]2055وصححه األلباين يف صحيح أيب داود برقم
[.]1928
( )2انظر :مقال احلاالت اليت جيوز للمرأة طلب الطالق فيها ،خالد البليهد من موقع:
www.saaid.net/Doat/binbulihed/f/
( )3سورة الطالق ،اآلية (.)1
( )4سورة الطالق ،اآلية (.)1
( )1متفق عليه ،صحيح البخاري برقم [ ،]3836وصحيح مسلم برقم [.]1646
( )2األسرة يف اإلسالم ،ص.168
( )3انظر :الصحاح ،506/2ولسان العرب البن منظور 78/9مادة (عدد).
( )4انظر :الروض املربع مع حاشية ابن قاسم .46/7
( )5سورة الطالق ،اآلية (.)1
( )6أخرجه مسلم يف كتاب الطالق ،حديث رقم [.]3697
ختتلف أنواع العدة على حسب حال املرأة ونوع الفراق ،من طالق أو موت الزوج وحنو ذلك
وهي على أقسام ثالثة:
-أوالً :العدة باألشهر :والنساء املعتدات باألشهر صنفان:
(أ) املطلقة اليت ال حتيض ،سواء كانت يائسة كالكبرية يف السن ،أو كانت ال حتيض لصغرها،
م
يض ِم ْن نِسائِ ُك ْ
سن ِمن الم ِح ِ وعدهتن ثالثة أشهر؛ لصريح اآلية{ :وال َّلائِي يئِ ْ
ضن}(.)1
م ي ِح ْ َّ
ش ُهر واللائِي ل ْ م ف ِع َّد ُت ُه َّن ثلاث ُة أ ْ
ارتبْ ُت ْ
إِ ِن ْ
(ب) املتوىف عنها زوجها ،إذا مل تكن حامال ،وعدهتا أربعة أشهر وعشرة أيام لآلية:
ش ُهر
س ِه َّن أ ْربعة أ ْ
صن ِبأ ْن ُف ِ
م و يذ ُرون أ ْزواجا يتربَّ ْ َّ
{وال ِذين ُيتوف َّْون ِم ْن ُك ْ
وعشْرا}(.)2
اخلالصة
الموضوع السابع
الخلع
( )1انطر األحوال الشخصية أليب زهرة ص ، 301وانظر :الفقه امليسر للدكتور عبد اهلل املطلق وآخرين .78/5
( )2سورة البقرة ،اآلية (.)229
( )3سورة النساء ،اآلية (.)19
( )4انظر :الكايف يف فقه اإلمام أمحد البن قدامة .96/3
• اخللع لغة :من الفعل (خلع) وهو النزع والتجريد واإلزالة ،فخلع الرجل ثوبه ،أي
أزاله( ،)1منها حديث كعب بن مالك (( : إن من توبيت أن أخنلع من مايل
صدقة)) (. )2
• اخللع شرعا :عرف الفقهاء اخللع تعريفات كثرية منها :فراق الزوج لزوجته بعوض
بألفاظ خمصوصة(.)3
• تنقسم ألفاظ اخللع إىل قسمني :ألفاظ صرحية ،ألفاظ كناية.
-1عرف اخللع لغة وشرعا.
-2اشرح أحكام اخللع ،ومشروعته. التقويم
الزواج العريف املشكلة واحلل والزواج السري ونكاح املتعة والزواج العريف عند -1
املسيحية وزواج املسيار ،عبد رب النيب على اجلارحي.
الزواج العريف داخل اململكة العربية السعودية وخارجها دراسة فقهية واجتماعية -2
نقدية ،عبد امللك بن يوسف املطلق.
األحوال الشخصية ،حممد أبو زهرة. -3
أحكام الزواج ،البن تيمية. -4
الفهرس
الصفحة احملتويات
1 مقدمة املقرر
4 األهداف العامة للمقرر
5 وحدات املقرر
6 األهداف العامة للوحدة األوىل
7 اجملتمع( املفهوم املكونات األساسية)
9 تعريف اجملتمع املسلم
11 جمتمع ملتزم بالشرع