Professional Documents
Culture Documents
يكاد يتفق الفقه على أن العمل البنكي هو النشاط األصلي للبنك ،وأن الخدمة البنكية هي مجرد نشاط
تجاري 2تبعي للعمل البنكي يمكن أن يقوم به أي وكيل عادي ال يحترف عمليات البنوك .
نشير ــ أوالــ إلى أن مؤسسة االئتمان ملزمة باالحتفاظ 2بسيولة معينة ،وهو ما يعتبر 2من ضمن األحكام
المتعلقة بالقواعد االحترازية التي يتعين عليها التقيد بها ،والمنصوص عليها في المادة 76من القانون
البنكي الحالي ،والتي جاء فيها :
" يجب على مؤسسات االئتمان للمحافظة على سيولتها 2ومالءتها وتوازن وضعيتها 2المالية أن تتقيد في
صورة فردية أو مجمعة أو هما معا أو مجمعة فرعيا عند االقتضاء بالقواعد االحترازية المحددة بمناشير
يصدرها 2والي بنك المغرب بعد استطالع رأي لجنة مؤسسات االئتمان والمتمثلة في الحفاظ على نسب
معينة ﴿ ، ﴾2وال سيما :
ــ بين جميع أو بعض عناصر األصول وااللتزامات 2بالتوقيع المتلقاة وجميع أو بعض عناصر الخصوم2
وااللتزامات 2بالتوقيع المقدمة ؛ ــ بين األموال الذاتية وجميع أو بعض المخاطر 2المتعرض لها ؛ ـــ بين
األموال الذاتية وجميع أو بعض أصناف الديون التي لها والديون التي عليها وااللتزامات بالتوقيع 2بعمالت
أجنبية ؛ ـــ بين األموال الذاتية ومجموع 2المخاطر التي تتعرض لها بالنسبة إلى مستفيد واحد أو مجموعة
من المستفيدين تجمع بينهم روابط 2قانونية أو مالية تجعل منهم مجموعة ذات مصالح مشتركة " .
ولإلشارة ،فالموارد التي تشكل السيولة التي يتعين على مؤسسة االئتمان االحتفاظ بها:
× جزء منها يظل احتياطيا نقديا حاضرا
× وجزء آخر تستثمره البنوك في بعض األصول
× وجزء ثالث تستثمره في األوراق 2المالية ،واالستثمار في القروض ،واالشتراك 2في تأسيس
الشركات التجارية ...وغير ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
﴿ ﴾1ــ أنظر بتفصيل في هذا الموضوع :علي جمال الدين عوض ،عمليات البنوك من الوجهة القانونية ،دار النهضة
العربية القاهرة 1988ص 595وما بعدها ؛ رضا عبيد ،القانون التجاري ،طبعة 1984ص 726وما بعدها ؛ حسن
حسني ،عقود الخدمات المصرفية ،طبعة 1986؛ عبد الرحمان بل الباشا ،الخدمات البنكية 2من الوجهة القانونية ،رسالة
لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص ،نوقشت بكلية الحقوق جامعة الحسن الثاني سنة .1999
﴿ ﴾2ــ والمقصود بهذه النسب تلك المتعلقة بالمعامالت المشار إليها سابقا ،وهي :معامل السيولة ،معامل المالءة ،
ومعامل توزيع المخاطر
1
استنادا إلى كل ذلك حاول البعض تعريف العمل البنكي ،فعرفه الباحث عبد الرحمان بلباشا في رسالته
الجامعية " الخدمات البنكية من الوجهة القانونية " ﴿ ﴾3بأنه :
هو أحد األنشطة التي يمارسها البنك ويدخل في باب إدارة األصول ،حيث يضطلع فيها بدور الدائن ،
وتتعلق بإيجاد مجاالت الستثمار موارده المالية قصد جني األرباح ،آخذا بعين االعتبار المحافظة على
قدر من السيولة ال ينقص عن الحد األدنى الذي حدده القانون لمعامل السيولة .
أما األستاذ حسن حسني ،فقد عرف العمل البنكي في مؤلفه " عقود الخدمات المصرفية " ﴿ ﴾4بقوله أنه :
هو أحد األنشطة التي يقوم بها البنك التجاري بقصد تحقيق الربح ،ويتعرض عند ممارسته له لمخاطر
التجارة ،أي أن البنك عند أدائه لهذا العمل يتعرض لخسارة جزء من أمواله.
لم تعد الخدمة البنكية مجرد وسيلة الجتذاب الزبناء والمحافظة عليهم ،بل أضحت هدفا في حد ذاتها ال
يمكن تجاهله في خضم المنافسة الشديدة ،حيث صارت استراتيجية تلجأ إليها البنوك لتنمية مواردها
المالية ،هذه الموارد التي يعد مصدرها 2الرئيسي هو ودائع العمالء التي يعتمد عليها البنك في مزاولة
مختلف أعماله .لذلك نجد بأن البنوك تتسابق لجلب هذه الودائع عن طريق المنافسة السعرية والمنافسة
غير السعرية :فالمنافسة السعرية تقوم على دفع معدالت فائدة أعلى للمودعين ﴿ ، ﴾5أما المنافسة غير
السعرية فتقوم على تقديم خدمات جيدة بأسعار 2تنافسية ،فاألجر 2الذي يحصله البنك عن الخدمة يكون أقل
من تكلفتها الحقيقية ،وذلك بغرض جلب الزبناء والمحافظة عليهم ﴿. ﴾6
وقد 2عرف الباحث عبد الرحمان بلباشا الخدمة البنكية كما يلي (: )7
" الخدمة البنكية هي أحد األنشطة التي يمارسها البنك والتي تدخل في باب إدارة الخصوم ،أي تنمية
الموارد المالية للبنك ،وعلى الخصوص تنمية الودائع والتي يضطلع فيها بدور المدين ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2
والخدمات البنكية في نظره نوعان أو صنفان :
× خدمات بنكية تقليدية ،وتشمل خدمة خزينة الزبون ( كخدمة الوفاء عن الزبون ،وخدمة تحصيل
حقوق الزبون ) ؛ وخدمة كراء الخزائن الحديدية .
× وخدمات بنكية حديثة ،وتشمل 2خدمة القيم المنقولة ،وخدمة تقديم معلومات للزبون .
أما األستاذ حسن حسني ،فقد عرف الخدمة البنكية كالتالي (:)8
" الخدمة المصرفية هي أحد األنشطة التي يقوم بها البنك بقصد مساعدة عمالئه في نشاطهم المالي ،
واجتذاب عمالء جدد ،وزيادة موارده المالية ,وال يتعرض عند أدائها لمخاطر التجارة " .
والخدمات البنكية ــ في نظر األستاذ حسن حسني ــ تحقق للبنك المزايا التالية :
× تعتبر وسيلة للدعاية واإلعالن عن البنك مما يؤدي حسن أداء البنك لها إلى اجتذاب زبناء جدد ؛
× تؤدي 2إلى زيادة موارد 2البنك المالية ،حيث يتقاضى عنها عمولة .
أ ــ خدمة التحصيل ،مثال ذلك :تحصيل حقوق ثابتة في سندات أو أوراق تجارية.
ب ــ استثمار أموال العميل ،نظرا لما للبنك من خبرة ودراية في مجال االستثمار .
ج ــ البيع والشراء للعميل ،كأن يكلف العميل البنك ببيع ممتلكات له أو شراء سلع له ،لما للبنك من
خبرات ومعرفة بكثير من التجار ،ولسرعة اتصاله بجميع أنحاء العالم ،بحيث إن له مراسلين عديدين في
كل مكان .والصورة الغالبة للبيع هي أن يقوم البنك ببيع أسهم يمتلكها العميل وتوجد 2بمحفظة أوراقه
المالية المودعة بالبنك ﴿ إيداع السندات ﴾ ؛ أو بيع بضائع للعميل توجد بمخازن البيع .والصورة الغالبة
للشراء هي أن يقوم البنك بشراء أسهم لصالح العميل .
د ــ الوفاء عن العميل ،الوفاء بشيكات أو كمبياالت ...
و ــ إيجار الخزائن الحديدية ،حيث يضع فيها العميل المستأجر 2أشياءه الثمينة أو أوراق 2مهمة .
ل ــ خدمة تقديم معلومات للزبون في ممارسته لنشاطه المالي أو غيره ...إلخ .
وللعلم ،فإن هذه الخدمة األخيرة اتسعت اليوم وتطورت بفضل شبكة األنترنيت ،بحيث صار في إمكان
زبون البنك الحصول 2على مختلف المعلومات التي يطلبها بمجرد ولوجه إلى موقع وكالته البنكية :كتلك
التي تهم رصيد 2حسابه ؛ أو طلب خدمات عن بعد ( كطلب دفتر شيكات ،أو كشف حساب ،أو تسديد
فواتير )..وغير ذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3
معايير التفرقة بين العمل البنكي والخدمة البنكية
التساؤل المطروح 2هنا هو :ماهو المعيار الذي على أساسه نعرف العمل البنكي من الخدمة البنكية ؟
1ــ اعتمد رأي أول( )9في التفرقة بينهما على النظر إلى مضمون النشاط البنكي :فإذا كانت الصفة
الغالبة فيه هي المال كنا بصدد عمل بنكي ،كالقروض والحسابات البنكية واالئتمانات ...؛ وإذا كان
العمل هو الصفة الغالبة كنا بصدد خدمة بنكية ،كحفظ الودائع وتحصيل الحقوق ...
إن العمليات التي يقوم بها البنك متنوعة جدا :فمنها عمليات يعد المال محورها الرئيسي 2كالحساب البنكي
وإيداع النقود والقروض ...؛ وعمليات يكتفي فيها البنك بمجرد منح توقيعه ،وهي االعتمادات بالتوقيع، 2
ومع ذلك فهذه األخيرة ال تعد خدمات بنكية بل تدخل ضمن األعمال البنكية .
2ــ هناك من يقول بأن معيار التفرقة هو استحقاق الفائدة أو العمولة كأجر للبنك ،فالبنك يتقاضى
فائدة عن أدائه العمل البنكي ،بينما يتقاضى عمولة عن أدائه الخدمة البنكية .
هناك أعمال بنكية تعد كذلك ومع ذلك ال يتقاضى عنها البنك أية فائدة ،مثل عمليات شراء وبيع العملة
﴿ الصرف .﴾change
3ــ ويذهب رأي ثالث إلى القول بأن البنك أثناء قيامه بالعمل البنكي يخضع إلشراف وهيمنة البنك
المركزي ،أي أن البنك المركزي ﴿ 2بنك المغرب لدينا ﴾ يوجه و يراقب األعمال البنكية ،بينما ال يخضع
البنك لهذه الهيمنة عند أدائه الخدمة البنكية .
هذا أيضا معيار مردود ،ألن البنك يخضع لهذه الرقابة والهيمنة حتى عند أدائه الخدمة البنكية ،هذه
الرقابة تتجلى في أنه ال يستطيع تقاضي عموالت على خدمات لم ترد في تعريفة أسعار الخدمات البنكية ؛
وثانيا 2أن البنك المركزي هو الذي يحدد الحد األقصى والحد األدنى للعمولة ،بحيث ال يستطيع 2البنك
الخروج عنها .
4ــ والمعيار الرابع ــ قال به األستاذ حسن حسني ــ هو معيار المخاطرة ( ،)10بحيث يرى بأن البنك
يتعرض في قيامه باألعمال البنكية لمخاطر التجارة ،بحيث يتعرض لخسارة مثال إذا منح أحد عمالئه
قرضا 2كبيرا ولكنه لم يستطع 2تحصيله إلفالس العميل او إعساره ،أو يوظف البنك أمواله بكفاءة عالية
ولكن العائد من التوظيف 2يكون أقل من تكلفة تجميع هذه األموال ؛ بينما ال يتعرض البنك عند أدائه
للخدمات البنكية لمخاطر التجارة ألنه يتقاضى عمولة مسبقة قبل أداء الخدمة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )9ــ رضا عبيد ،ص 726ــ . 727
( )10ــ حسن حسني ،ص 50ـ . 51
4
نقد المعيار :
على الرغم من أهمية هذا المعيار ،إال أنه يؤخذ عليه ربطه بين عدم تعرض البنك للمخاطر في أدائه
الخدمة البنكية وتقاضيه عمولة مسبقة ،وهو قول مردود :فالبنك قد يكون عرضة للخسارة حتى في
الخدمة البنكية ،ألن العمولة التي يحصل عليها مسبقا تكون أقل من تكلفة الخدمة بسبب المنافسة الشديدة .
وبالنسبة للعمل البنكي ،نأخذ القرض كنموذج ،فالبنك 2ال يكون فيه دائما عرضة للخسارة ،فهناك 2قروض
غير مضمونة ،ويمنحها 2البنك لزبنائه الذين يثق فيهم 2؛ وهناك قروض مضمونة بتأمينات شخصية أو
عينية يحصن بها البنك نفسه عند حدوث الخطر .
5ــ وهناك معيار آخر( ﴿)11نميل إليه﴾ يستند إلى دور البنك في العملية :هل هو دور الدائن أم دور
المدين ؛
بعبارة أخرى :االستراتيجية المتبعة من البنك في ممارسة نشاطه :
× إذا كانت تدخل ضمن إدارة األصول التي يضطلع فيها البنك بدور الدائن ،كنا بصدد عمل بنكي ،
مثال ذلك منح القروض ،فتح االعتماد ،واالعتماد المستندي ...
× وإذا كانت االستراتيجية المتبعة تدخل في باب إدارة الخصوم 2التي يضطلع 2فيها البنك بدور المدين ،كنا
بصدد خدمة بنكية مثل خدمة الوفاء عن الزبون ،و خدمة التحصيل للزبون ،و خدمة إيجار الخزائن
الحديدية ،و خدمة القيم المنقولة ،و خدمة إعطاء معلومات ...إلخ .
ــ وفي رأيي ،أن العمل البنكي أو الخدمة البنكية ال يتحددان بمعيار واحد من المعايير المذكورة ،وإنما
بمجموع 2تلك المعايير ،فنقول مثال بأن العمل البنكي هو نشاط موضوعه المال ،يتعرض فيه البنك
لمخاطر 2التجارة ،يتقاضى فيه فائدة ،ويضطلع 2فيه بدور الدائن ...وهكذا .
انتهــى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )11ــ عبد الرحمان بل الباشا ــ الرسالة المذكورة سابقا ــ ص . 25
5