You are on page 1of 32

‫‪www.facebook.

com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪1‬‬

‫املتخيل ّ‬
‫الديني‪ :‬املناهج والغايات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بسام الجمل‪:‬‬

‫(الجزء ألاول)‬

‫أجرى الحوار‪ :‬نادر ّ‬


‫الحمامي‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحمامي‪ّ :‬‬


‫د‪ .‬نادر ّ‬
‫الفكرية مع ألاساتذة والباحثين واملفكرين‪ ،‬ونسعد اليوم بأن ندعو‬ ‫نجدد حواراتنا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إلانسانية‬ ‫وإلاسالمية‪ ،‬ألاستاذ بكلية آلاداب والعلوم‬ ‫العربية‬ ‫الجامعيين الباحثين في الحضارة‬ ‫أحد أبرز‬
‫ّ‬ ‫بجامعة صفاقس ّ‬
‫بسام الجمل‪ ،‬وهو أحد ألاساتذة الذين تفخر بهم الجامعة التونسية استنادا إلى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مجمل ألاعمال التي ّ‬
‫قدمها خالل ّ‬
‫السنوات املاضية‪ ،‬والتي ل يتسع املجال لعرضها كلها‪ ،‬ولكن نؤكد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫منهجية تفيد من ّ‬
‫أهم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫معرفية مخصوصة تقارب التراث إلاسالمي مقاربات‬ ‫ّأنها مثلت إضافة في حقول‬
‫والاجتماعية الحديثة واملعاصرة؛ سواء ما كان في مجال ّ‬
‫الدراسات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إلانسانية‬ ‫ما وصلت إليه العلوم‬

‫نرحب به‬ ‫مزية‪ ،‬وكذلك في مجال الفكر ّ‬


‫الديني‪ ،‬لذلك ّ‬ ‫الر ّ‬ ‫ّ‬
‫املتخيل وألانثروبولوجيا ّ‬ ‫ّ‬
‫القرآنية أو في مجال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خاصا ونشكره جزيل الشكر على قبوله أن يكون ضيفنا اليوم في هذا الحوار‪ ،‬مرحبا بك أستاذ‬ ‫ترحيبا‬
‫ّ‬
‫بسام الجمل بيننا في هذا الحوار‪.‬‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫د‪ّ .‬‬


‫بسام الجمل ‪ :‬شكرا جزيال أستاذ نادر‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪2‬‬

‫د‪ .‬نادر ّ‬
‫الحمامي‪ :‬ليس أفضل من تقديم ألاساتذة من خالل أعمالهم‪ ،‬لذلك ننطلق مع ألاستاذ بسام‬
‫ّ‬
‫التونسية‪ ،‬وهو بحثه حول‬ ‫قدمه في اختصاصه ّ‬
‫الجمل من العمل ألاساس ي الذي ّ‬
‫الدقيق في الجامعة‬
‫ّ‬ ‫قدمه لنيل شهادة ّ‬ ‫ّ‬
‫النزول علما من علوم القرآن'' الذي ّ‬
‫الدكتوراه‪ ،‬والذي يمكن القول إنه‬ ‫''أسباب‬
‫القرآنية‪ ،‬ومن بين ما ّ‬
‫قدمه أيضا كتابه حول ''إلاسالم‬ ‫ّ‬ ‫يفتح مجال رحبا أمام باحثين آخرين في العلوم‬
‫ّ‬
‫أن هناك ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تعددا في املجال‬ ‫ومتعددا"‪ ،‬وقد ّبين فيه‬ ‫السني'' الذي صدر ضمن "سلسلة إلاسالم واحدا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫واهتم به كثيرا في‬ ‫املرجعيات التي تخترقه‪ّ .‬أما املجال الذي نشط في إطاره‬ ‫السني من خالل البحث في‬
‫بكلية آلاداب بصفاقس‪ ،‬التي كان قد ّ‬
‫أسسها ألاستاذ‬ ‫تخيل" ّ‬
‫السنوات ألاخيرة‪ ،‬فهو "وحدة البحث في امل ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫فرج بالرمضان‪ ،‬ليواصل ألاستاذ ّ‬
‫بسام الجمل العمل على منواله‪ ،‬وهو يترأس اليوم هذه الوحدة‬
‫الد ّ‬‫وألايام ّ‬ ‫ّ‬
‫والندوات ّ‬ ‫ّ‬
‫والناشطة بصورة ّ‬ ‫ّ‬
‫البحثية ّ‬
‫راسية‪ .‬وقد صدر له‬ ‫دورية في قراءات الكتب‬ ‫املهمة‬
‫الرمز ّ‬
‫الديني‪ :‬بحث في املعنى‬ ‫الرمز إلى ّ‬
‫مهم بعنوان‪" :‬من ّ‬ ‫ضمن هذا ّ‬
‫السياق البحثي العام‪ ،‬بحث نظر ّي ّ‬

‫ّ‬
‫تطبيقية‪ ،‬انطلقت من هذا الكتاب‪ ،‬بعنوان‪'' :‬ليلة القدر في‬ ‫والوظائف واملقاربات"‪ ،‬تلته دراسة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتخيل إلاسالمي''‪ ،‬قبل أن ينشر بحثا آخر ّ‬
‫واملتخيل‪:‬‬ ‫مهما وجديرا باملتابعة بعنوان‪'' :‬جدل التاريخ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫البحثية عموما هي ما‬ ‫املتخيل‪ .‬هذه املجالت‬ ‫تطبيقيا للبحث في‬ ‫سيرة فاطمة'' الذي يمثل نموذجا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سنهتم بها في حوارنا اليوم‪ ،‬ولكن بما ّأنني قد عرفت ألاستاذ ّ‬
‫ّ‬
‫بسام منذ وقت طويل وتعلمت منه‪ ،‬فإنني‬
‫الحضارية‪ ،‬لذلك ّ‬
‫أود‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أعرف ّأنه انطلق في إطار ّ‬
‫بحثي آخر أقرب إلى مجال النقد ألادبي منه إلى البحوث‬
‫ّ‬
‫إلاسالمية؟‬ ‫ّ‬
‫العربية‬ ‫أن أسأله؛ ما الذي أتى بك من البحث في حماسة أبي ّتمام إلى البحث في الحضارة‬

‫د‪ّ .‬‬
‫بسام الجمل ‪ :‬لقد اشتغلت حول أبي تمام في إطار شهادة الكفاءة في البحث‪ ،‬ثم انتقلت إلى مجال‬
‫السبب وراء ذلك درس من دروس ّ‬
‫التبريز التي تابعتها بكلية آلاداب بمنوبة؛‬ ‫ّ‬
‫الدراسات الحضا ّرية‪ ،‬وكان ّ‬
‫ّ‬
‫الشرفي‪ ،‬الذي كشف لي ّ‬ ‫ً‬
‫عدة مجاالت وآفاق واسعة للبحث‪ ،‬رأيت‬ ‫وهو تحديدا درس ألاستاذ عبد املجيد‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪3‬‬

‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬


‫شدا‪ ،‬وقد جعلني ذلك أفكر كثيرا في الانتقال‪ ،‬واقتنعت بعد ذلك‬ ‫فيها مهجتي ووجدت نفس ي مشدودا إليها‬
‫واملنهجية‪ ،‬وأذكر ّأنني في درس من دروس ّ‬
‫التبريز‪ ،‬وقد كان ذلك في منتصف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفكرية‬ ‫بجدواه وقيمته‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يخص كتاب "أسباب النزول" للواحدي‬ ‫التسعينيات من القرن املاض ي‪ ،‬اخترت الاشتغال على عرض‬
‫اهتم الواحدي بأسباب نزولها‪ّ ،‬‬
‫وقدمت ذلك‬ ‫النيسابوري (‪893‬هـ ‪863 -‬هـ)‪ ،‬وقد بحثت في آلايات التي ّ‬
‫ّ ّ‬
‫الثانية أختار الاشتغال في مستوى أطروحة ّ‬
‫الدكتوراه‬ ‫العرض ونسيت ألامر‪ ،‬ألجد نفس ي في بداية ألالفية‬
‫ّ‬
‫حول هذا املوضوع‪ ،‬وكان هذا ما حملني على أن أغير اتجاهي املعرفي‪.‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫د‪ .‬نادر ّ‬


‫الحمامي‪ :‬هل كان ّ‬
‫مجرد تغيير اتجاه معرفي أم أنه كان عن وعي مسبق؟ فتلك الحدود‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفاصلة بين الشعر والنقد ألادبي من جهة‪ ،‬والتفسير وأسباب النزول من جهة أخرى‪ ،‬قد تكون واهية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الذ ّ‬
‫هنية ذاتها‪،‬‬ ‫أحيانا‪ ،‬إذا ما نظرنا إلى التقاطعات بين املصنفات القديمة على اعتبار ّأنها نتاج البنى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتخيل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كالسيكيا إلى مجال ألادب والشعر‬ ‫والرمزي الذي ينتمي‬ ‫وهو ما سيؤثر لحقا في التقاطع بين‬

‫الدين‪.‬‬ ‫ضمن على ّأنه ّ‬


‫جد ّي وصلب مثل ّ‬ ‫لينتقل إلى مجال ما ُي ّ‬

‫ً‬ ‫ّ‬
‫متولدة من ّ‬ ‫ّ‬ ‫د‪ّ .‬‬
‫ذهنية واحدة تقريبا‪ ،‬وهي في إطار‬ ‫املعرفية‬ ‫بسام الجمل ‪ :‬نعم‪ ،‬فهذه الاختصاصات‬
‫بالضرورة‪ ،‬فالفصل بين العلوم إجر ّ‬
‫ائي‪ ،‬وهو من باب‬ ‫منسجم العناصر‪ ،‬ولذلك ّ‬
‫فالتقاطع موجود وقائم ّ‬

‫خصص فحسب‪ ،‬ولكن في العمق املعرفي هناك منوال واحد يقع الاشتغال عليه‪ .‬هذا ما ّ‬
‫يسر لي الانتقال‬ ‫ّ‬
‫الت ّ‬

‫ّ‬ ‫ً‬
‫أيضا‪ ،‬وهو ّأن ّ‬ ‫في البحث إلى ّ‬
‫الدراسات الحضارية‪ّ ،‬‬
‫الحضارية‬ ‫الدراسات‬ ‫ولعل ذلك يعود إلى سبب آخر‬
‫ّ ّ‬
‫فكر املحسوب ّ‬
‫والدقيق‪ ،‬مع ضوابط واسعة‪ ،‬وقد أردت الاشتغال‬ ‫تنفتح على مجال رحب من إلابداع والت‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التراث ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫واملؤسسات الثقافية والاجتماعية وألابنية‬ ‫والتاريخ‬ ‫بالتفكر في قضايا‬ ‫في مجال يسمح لي أكثر‬
‫الدرس الحضاري في الجامعة ّ‬
‫التو ّ‬ ‫ً ّ‬
‫بقوة في ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نسية‪ ،‬فانجذبت إليه رغم‬ ‫املعرفية‪ ،‬وقد وجدت ذلك كله حاضرا‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪4‬‬

‫ألاستاذية بمجال ّ‬
‫النقد ألادبي‪ ،‬وأنا ال أزال أحتفظ في مكتبتي‪ ،‬إلى آلان‪ ،‬بعدد كبير‬ ‫ّ‬ ‫شغفي الكبير في مرحلة‬
‫ّ‬ ‫أهتم بها في مجال ّ‬
‫من الكتب التي كنت ّ‬
‫النقد ألادبي ونقد الشعر‪ ،‬مثل كتابات تودوروف ‪(Tzvetan‬‬
‫)‪Todorov) (1939-2017‬وغيره‪ ،‬ولكن وجدت نفس ي أثري معرفتي ّ‬
‫وأوسع فيها باالنتقال إلى مجال‬
‫ً ّ ّ‬ ‫الحضارية‪ ،‬وقد أفادني ذلك كثي ًرا‪ ،‬ففي املعرفة ال ش يء يضيع‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نظن أنه‬ ‫وربما نقرأ اليوم شيئا‬ ‫الدراسات‬
‫جد ًا ّ‬
‫وأن ك ّل ما‬ ‫مهم ًا ّ‬
‫وألايام ّأنه كان ّ‬
‫نتبين مع مرور الوقت ّ‬ ‫ليس ذا قيمة أو ّأنه غير مفيد أو غير ّ‬
‫مهم‪ ،‬ولكن ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫يوما ما على ّ‬
‫السطح من خالل ما نكتب وما نفكر فيه‪.‬‬ ‫نقرأ يظهر ويطفو‬

‫الحمامي‪ّ :‬‬
‫أود أن أبني على اسم علم ظهرفي كالمك آلان و أقصد تودوروف‪ ،‬الذي ترجم أعمال‬ ‫د‪ .‬نادر ّ‬
‫البنيوية التي كانت ركيزة من ركائز ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفرنسية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الشكالنيين ّ‬
‫الدرس‬ ‫ومهد بذلك لنشأة‬ ‫الروس إلى اللغة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املتخيل ّ‬
‫ّ‬ ‫ألانثروبولوجي‪ ،‬وباستقرائي لبحوثك حول‬
‫املعرفية‪ ،‬في‬ ‫الديني‪ ،‬أرى أن من بين هواجسك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يركز على ّ‬ ‫ّ‬
‫العامة‬ ‫آلاليات أو ألاسس‬ ‫مقالتك كما في كتبك‪ ،‬أنك تحاول دائما الوصول إلى قسم تأليفي‬

‫الرمزي في مقاربتك لنصوص‬ ‫ّ‬


‫املتخيل‪ ،‬ومن هنا كان ألاثر ألانثروبولوجي ّ‬ ‫التي تقف وراء بناء ذلك‬
‫ّ‬
‫علميا تنأى عن مقاربات أخرى تعتبر ّأنها قاصرة مثل املقاربة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫محصنة‬ ‫التراث‪ ،‬و أنت تراها مقاربة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اريخانية أو غيرها من املقاربات‪ ،‬لذلك أملس هذه القيمة‬‫الوضعانية أو الت‬ ‫مجيدية أو‬ ‫إلايمانية أو الت‬
‫ّ‬
‫املؤسسات‬ ‫الكبرى التي تعطيها إلى ألانثروبولوجيا وبالخصوص ألانثروبولوجيا ّ‬
‫الرمزية التي تقف وراء‬
‫ّ‬
‫واملصنفات‪.‬‬

‫للد اسة ّ‬
‫التطبيقية‬ ‫ّ‬ ‫د‪ّ .‬‬
‫بسام الجمل ‪ :‬لقد كان ذلك هاجس ي في أغلب ما كتبت‪ ،‬وحين أختار ّ‬
‫عينات ر‬
‫ً‬
‫أحاول دائما أن أنفذ من خاللها إلى وجود أبنية أو نسق ما‪ ،‬وأن أختبر تلك ألابنية من خالل نماذج‬
‫ً‬
‫مثال‪ ،‬انطلقت منها باعتبارها ّ‬ ‫ّ‬
‫عينة ألختبر من خاللها العالقة‬ ‫تطبيقية‪ ،‬فعندما اشتغلت على سيرة فاطمة‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪5‬‬

‫واملتخيل ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واملركبة بين ّ‬ ‫الجدلية ّ‬
‫ّ‬
‫الديني؛ أي كيف تقوم تلك العالقة‪ ،‬وما هي أسسها‬ ‫التاريخ‬ ‫املعقدة‬
‫املتخيل إلى ّ‬
‫التاريخ أم ّأنها تسير في‬ ‫ّ‬ ‫ومبرراتها‪ ،‬وهل هي تنطلق من ّ‬
‫التاريخ إلى املت ّ‬
‫خيل‪ ،‬أم من‬ ‫ّ‬
‫وخلفياتها ّ‬

‫القضية استفدت كثي ًرا ّ‬


‫مما كتبه جاك لوغوف )‪(Jacques Le Goff‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫معا‪ .‬وفي سبيل ّ‬
‫تفهم هذه‬
‫ّ‬
‫الاتجاهين‬
‫ّ‬
‫ألاوروبي)‪ (l'imaginaire médiéval‬؛ وقد حاولت في كتابي‬ ‫ّ‬
‫املتخيل في العصر الوسيط‬ ‫)‪(1924-2014‬حول‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتخيل إلاسالمي‪،‬‬ ‫التقنيات وآلاليات التي وظفت في إنتاج‬ ‫املتخيل إلاسالمي'' أن أخلص إلى‬ ‫''ليلة القدر في‬
‫والتعديل ّ‬
‫والتنسيب وملزيد‬ ‫نهائية مغلقة‪ ،‬فهي تبقى متاحة لإلضافة ّ‬ ‫ومع ذلك فأنا ال ّ‬
‫أقدم فيها قائمة ّ‬
‫تجويد ّ‬
‫النظر فيها‪ ،‬وقد كان ذلك دأبي في مقاالت أخرى‪...‬‬

‫املتخيل ّ‬
‫الديني'' الذي كان ضمن ألاعمال املهداة إلى ألاستاذ‬ ‫ّ‬ ‫د‪ .‬نادر ّ‬
‫الحمامي‪ :‬أذكر ههنا مقالك ''في‬
‫عامة‪ ،‬و ّأنه من ّ‬ ‫ّ‬
‫املتخيل بصورة ّ‬ ‫ّ‬
‫تطبيقيا حول‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أهم‬ ‫عبد املجيد الشرفي‪ ،‬وأعتقد أنه كان زبدة ما درست‬
‫للمتخيل ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ألنه ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الديني‪ ،‬و أنت تراجع نفسك بنفسك‬ ‫يبين الوظائف الكبيرة‬ ‫ما كتبت في النقد النظري‪،‬‬
‫ّ‬
‫وكيفية إنتاج املعنى من خاللها‪.‬‬ ‫من خالل البحث في تلك الوظائف‬

‫تطبيقية‪ ،‬وقد ّ‬
‫يظن‬ ‫ّ‬ ‫د‪ّ .‬‬
‫بسام الجمل ‪ :‬صحيح‪ ،‬وما كان لي أن أكتب ذلك املقال لو لم ّ‬
‫أمر ببحوث‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫النظري يأتي في البداية‪ ،‬ثم تأتي ألاعمال ّ‬
‫البعض ّأن البناء ّ‬
‫التطبيقية بعده‪ ،‬إال أنني أؤكد عكس ذلك‬
‫ً‬ ‫نظريا؛ فما كان لي أن ّ‬
‫نؤصل لها ّ‬
‫املعرفية وبعد ذلك نحاول أن ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫تماما‪ ،‬فنحن نختبر ّ‬
‫أقدم تعريفا‬ ‫املادة‬
‫ً‬
‫مثال ّ‬ ‫وعينات ّ‬
‫تطبيقية ّ‬
‫ّ‬ ‫للمتخيل ّ‬
‫ّ‬
‫رمزية اليد اليمنى‬ ‫متنوعة‪ ،‬أذكر من بينها‬ ‫الديني لو لم أشتغل على نماذج‬
‫ّ‬
‫حركية‬ ‫املتخيل إلاسالمي أو ليلة القدر أو فاطمة‪ ،‬وقد كتبت مقاالت عن املسيح ّ‬
‫الدجال‪ ،‬وأخرى في‬ ‫ّ‬ ‫في‬
‫ّ‬ ‫املتخيل ّ‬
‫ّ‬ ‫ً ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العقائد ّ‬
‫الديني‪ ،‬وقد رتبته على‬ ‫نظريا حول‬ ‫الدينية‪ .‬وقد أسلمني ذلك كله إلى أن أفكر وأكتب مقاال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫للمتخيل ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تعريفية‬ ‫الديني‪ ،‬وإنما نجد إشارات‬ ‫أساسية‪ ،‬وما الحظته أننا ال نجد تعريفا جامعا مانعا‬ ‫أقسام‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪6‬‬

‫ً‬
‫عموما‪ ،‬من قبيل ما كتبه جيلبار دوران )‪ (Gilbert Durand) (1921-2012‬من أن " ّ‬ ‫ّ‬
‫املتخيل هو‬ ‫للمتخيل‬
‫الرأسمال ّ‬
‫الرمزي لإلنسان العارف")‪ ، (Homo sapiens‬وما قاله كاستورياديس )‪(Cornelius Castoriadis‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫)‪ (1922-1997‬من ّأن " ّ‬
‫املتخيل هو القدرة على أن ترى في الش يء ما ليس هو" كما نجد إشارات لدى‬
‫املتخيل ّ‬
‫الديني في تاريخ ألاديان‪ .‬وقد أردت أن أستنبط‬ ‫ّ‬ ‫ميرسيا إيلياد )‪ (Mircea Eliade) (1907-1986‬عن‬
‫الدينية ّ‬ ‫التوحيدية وغير ّ‬
‫التوحيدية وعلى الفلسفات ّ‬ ‫ً‬
‫تعريفا ينطبق على مختلف ألاديان ّ‬
‫الت ّأم ّلية‪ ،‬ولهذا‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫تخيل ّ‬
‫الديني هو مجمل املنتجات ّ‬ ‫قلت إن امل ّ‬
‫يميائية اللغوية وغير اللغوية التي يصطنعها إلانسان‬ ‫الس‬
‫ّ‬
‫وألاخرويات‪،‬‬ ‫الديني للكالم عن العالم املتعالي واملحايث من أجل إلاجابة عن أسئلة البدايات ّ‬
‫والدنيويات‬ ‫ّ‬

‫ألاول كان أن يصلح هذا ّ‬


‫التعريف‪ ،‬إن‬ ‫ألن هاجس ي ّ‬ ‫حذ ًرا في هذه ّ‬
‫الصياغة ّ‬
‫بعضها أو جميعها‪ .‬وقد كنت ِ‬
‫ّ‬
‫املتطورة‬ ‫صلح‪ ،‬كي ينطبق على أوسع العائالت ّ‬
‫الدينية التي نعرفها‪ ،‬سواء منها ألاديان ّ‬
‫امليتة أو ألاديان‬
‫ً‬
‫حريصا على أن ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫أيضا ّ‬ ‫الراقية املوجودة اليوم‪ ،‬وهذا جعلني ّ‬
‫ّ‬
‫أنوع‬ ‫املتخيل‪ ،‬وكنت دائما‬ ‫أهم خصائص‬ ‫أحدد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فقدمت إحاالت على ّ‬ ‫ّ‬
‫وأال أكتفي باملجال إلاسالمي‪ّ ،‬‬
‫والهندوسية‬ ‫والبوذية‬ ‫املسيحية‬ ‫الديانات‬ ‫ألامثلة‬
‫أنسب ألامور وأختبر الخصائص‪ّ ،‬‬
‫ألن هناك بين ألاديان قاع واحد أو مشترك ّ‬
‫ديني‪ ،‬وهي‬ ‫وغيرها‪ ،‬حتى ّ‬

‫ثم عن ّ‬
‫أهم الوظائف التي‬ ‫الفكرة التي ّأكد عليها هانس كونج )‪ (Hans Küng) (1928‬كثي ًرا‪ .‬وقد بحثت من ّ‬
‫أهم ما ّ‬ ‫ّ‬
‫املولدة له‪ ،‬وأعتقد ّأن هذا ّ‬ ‫املتخيل ّ‬
‫ّ‬
‫حققته في هذا املقال‪.‬‬ ‫الديني وألاصول‬ ‫ينهض بها هذا‬

‫للمتخيل ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫د‪ .‬نادر ّ‬
‫الديني مثل "مقولة‬ ‫الحمامي‪ :‬ما أعجبني في هذا املقال هو تلك ألاصول املولدة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التلطيف"‪ ،‬وقد وجدت فيه إضافة ّ‬
‫فعلية إلى البعد التعريفي الذي كان غائبا في‬ ‫الكسل" و"مقولة‬
‫وللمتخيل ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الدراسات حول‬
‫السياس ي‪ ،‬ولكن لم نكن نجد‬ ‫للمتخيل ألادبي‬ ‫املتخيل‪ ،‬فقد كنا نجد تعريفا‬
‫للمتخيل ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التعريف ّ‬
‫الديني الذي ينطلق من نواة صلبة‪ .‬وقد أجريت الكثير من املقارنات‬ ‫الدقيق‬ ‫هذا‬
‫ّ‬
‫املتخيل إلاسالمي‪ ،‬و اندراجه‬ ‫ّ‬
‫بكونية‬ ‫في بحثك مع أديان أخرى انطالقا من املجال إلاسالمي‪ّ ،‬‬
‫مما يوحي‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪7‬‬

‫املتخيل الجمعي (الالشعور الجمعي) الذي ّ‬


‫تحدث عنه كارل غوستاف يونغ )‪)1875-1961‬‬ ‫ّ‬ ‫ضمن‬
‫ّ‬
‫املتخيل إلاسالمي؟‬ ‫ّ‬
‫خصوصية‬ ‫)‪ (Carl Gustav Jung‬كثيرا‪ .‬أل ينفي هذا البعد الكوني‬

‫السحر‪ ،‬ويرى ّأن عقائده باطلة‬ ‫كل دين يعتبر ّأن ّ‬


‫الدين الذي سبقه ينتمي إلى مجال ّ‬ ‫د‪ّ .‬‬
‫بسام الجمل ‪ّ :‬‬
‫ً‬
‫فالخصوصية تبقى قائمة دائما بين ألاديان‪ .‬ونجد ّأن ماكس فيبير يقول‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وأنها ّ‬
‫مجرد بدع وهرطقات‪ ،‬لذلك‬

‫كل دين جديد‬ ‫الدين املُهيكل ّ‬


‫والدولة"؛ أي أ ّن ّ‬ ‫ّ‬
‫إال بغياب شرطين هما ّ‬ ‫كل دين جديد ال ُيكتب له ّ‬
‫النجاح‬ ‫"إن ّ‬
‫ّ‬
‫فإنه ُ‬ ‫مؤسسة وتغيب فيه ّ‬
‫إذا نجم في مجال جغرافي تغيب فيه الكنيسة‪ ،‬باعتبارها ّ‬
‫ينجح‪ ،‬وإلاسالم‬ ‫الدولة‪،‬‬
‫في العقود ألاولى من القرن ّ‬
‫السابع امليالدي نجم في إطار هذين الغيابين؛ أي غياب دولة في ّ‬
‫ظل نظام قبلي‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الخصوصية‪،‬‬ ‫متعدد املظاهر‪ ،‬وغياب دين مهيكل أو "ممأسس"‪ .‬ومع أنني حاولت دائما أن أتجاوز مسألة‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتخيل‪ ،‬وقد طرح‬ ‫فإن ذلك ال يعني أنني ال أعترف بها‪ ،‬فهي تبقى قائمة‪ ،‬ولكن ألاديان جميعا تشترك في‬
‫ّ‬
‫كاستورياديس هذه املسألة في كتاب )‪ (L’institution imaginaire de la société‬ورغم أنه ماركس ي فقد‬
‫التحتية لم تعد هي التي تبني ّ‬
‫الاقتصادية وألابنية ّ‬ ‫محرك ّ‬
‫التاريخ‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫التاريخ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وأن ألابنية‬ ‫ّ‬
‫املتخيل هو ّ‬ ‫أكد ّأن‬
‫قدية‪ ،‬كما ّأنه تساءل حول ّ‬
‫سر وجود إلاله‬ ‫فهم واملتابعة ّ‬
‫الن ّ‬ ‫التفكر ّ‬
‫والت ّ‬ ‫جدا‪ ،‬ويدعو إلى ّ‬
‫مهم ّ‬
‫وهذا قول ّ‬
‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫ّ ّ‬
‫ديني‪ ،‬وأنه لم يعد حيوانا رامزا أو كائنا‬ ‫املتعالي وإيمان إلانسان به‪ ،‬وخلص إلى اعتبار ّأن إلانسان كائن‬
‫ويحب الاعتقاد مهما كان نوعه ّ‬
‫دينيا أو غير ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ً‬
‫ما كما في ّ‬
‫الن ّ‬
‫ديني‪،‬‬ ‫ألارسطية‪ ،‬وإنما هو كائن يعتقد‬ ‫ظرية‬ ‫متكل‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫وأن وراء ّ‬
‫كل دين بناء اجتماعي كامل‪ .‬ولذلك فأنا دائما ما أقول هذا وأؤكد عليه في أغلب ما أكتب‪،‬‬
‫ّ‬
‫إلاسالمية أو غير‬ ‫ّ‬
‫الكالسيكية‬ ‫الديني وليس العكس‪ ،‬بخالف ما ّتدعيه ّ‬
‫النظرية‬ ‫فاالجتماعي هو ما يحتضن ّ‬

‫ّ‬
‫وأنه هو الذي ّ‬ ‫إلاسالمية من زعم ّ‬
‫بأن ّ‬ ‫ّ‬
‫يوجهه‪ ،‬وهذا غير صحيح‪،‬‬ ‫الديني هو الذي يحتضن الاجتماعي‪،‬‬
‫إلاسالمية كما ظهر لدى املاوردي ومن لحقه ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫لنتبين عكس ذلك؛‬ ‫فيكفي أن ننظر مثال في مفهوم الخالفة‬
‫أي ّأن الاجتماعي هو الذي احتضن ّ‬
‫الديني‪ .‬لذلك‪ ،‬علينا اليوم أن نقلب تلك املعادلة القديمة من أجل أن‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪8‬‬

‫ّ‬
‫التصرف في‬ ‫ّ‬
‫وسيولوجيون "مجال‬ ‫يسميه ّ‬
‫الس‬ ‫مما ّ‬ ‫مهامهم‪ ،‬وحتى ّ‬
‫نحد ّ‬ ‫صالحيات رجال ّ‬
‫الدين ومن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نحد من‬
‫ّ‬
‫املقدس‪".‬‬

‫ّ‬
‫يونانية‪ ،‬وكتابه املهم في هذه‬ ‫الحمامي ‪ :‬لقد ّ‬
‫تحدثت عن كاستورياديس الفرنس ي من أصول‬ ‫د‪ .‬نادر ّ‬
‫ّ‬
‫املسألة‪ ،‬ولعلنا نجد لديه الهاجس املعرفي ذاته الذي نجده لدى رودولف أوتو )‪(Rudolf Otto‬‬
‫وربما نجد ذلك أيضا في ما ّ‬
‫توصل‬ ‫)‪ (1869-1937‬حول فكرة ّ‬
‫املقدس‪ ،‬مع اختالف إلاجابات بينهما‪ّ ،‬‬

‫أن هذه البحوث ّكلها حول ّ‬


‫املقدس وحول‬ ‫ى ّ‬ ‫ّ‬ ‫إليه ّ‬
‫الروماني الشهير في تاريخ ألاديان ميرسيا إيلياد‪ .‬أل تر‬

‫البنيوية‪ ،‬ولم تستطع تجاوزها بالبحث في هذا املشترك بين ألاديان الذي ّربما‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الديني بقيت تدور في فلك‬
‫ّ‬
‫الفردية؟‬ ‫قد ينفي ّ‬
‫الصبغة‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫د‪ّ .‬‬


‫فجل ما كتبه ميرسيا إيلياد كان في‬ ‫بسام الجمل ‪ :‬ينبغي أن نضع هذه املؤلفات في إطارها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫البنيوية بامتياز‪ ،‬استنادا إلى ما‬ ‫والستينيات من القرن املاض ي‪ ،‬وتلك الفترة كانت تمثل عصر‬ ‫الخمسينيات‬

‫البنيوية مع ديسوسير )‪(Ferdinand de Saussure) (1857-1913‬‬ ‫ّ‬ ‫السرديات‬‫ترسخ من خالل ّ‬ ‫ّ‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫البنيوية مع ليفي شتراوس )‪ . (Levi Strauss) (1829-1902‬فكلهم فكروا بهذه الطريقة‬ ‫وألانثروبولوجيا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫البنيوية ّأدت وظيفتها في‬
‫ّ‬ ‫ثنائية الطبيعة والثقافة بشكل من ألاشكال‪ .‬وأنا أعتبر ّأن‬ ‫ّ‬
‫البنيوية التي تقوم على ّ‬

‫تاريخ املعرفة وتاريخ ألافكار‪ ،‬وقد ظهرت بعدها مناهج أخرى‪ ،‬مثل ألانثروبولوجيا ّ‬
‫الرمزية في ما كتبه غيلنر‬

‫)‪ ،(Ernest Gellner) (1925-1995‬على سبيل املثال‪ ،‬في كتابه ''مجتمع مسلم''‪ ،‬وما كتبه كليفورد غيرتز‬
‫ّ‬
‫الثقافات'' في بداية ّ‬
‫السبعينيات من القرن املاض ي‪ّ .‬‬
‫ولعل‬ ‫)‪ (Clifford Geertz) (1926-2006‬في ''تأويل‬
‫مزية تكمن في ّأنها ال تستنطق ّ‬
‫النصوص‪ ،‬بل تعتبرها صامتة‪ ،‬لذلك قام هؤالء‬ ‫الر ّ‬
‫قيمة ألانثروبولوجيا ّ‬

‫عدة سنوات في املغرب وأندونيسيا‪ ،‬وكان ّيتصل بأهل‬


‫ميدانية‪ ،‬وقد أقام غيرتز‪ ،‬على سبيل املثال‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫بأعمال‬
‫إلايمان وبأصحاب العقائد وباألولياء وبمن يزورون مقامات ّ‬
‫الصالحين في املغرب‪.‬‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪9‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن ّ‬‫ّ‬ ‫الحمامي ‪ :‬وقد أقام هؤلء ّ‬


‫د‪ .‬نادر ّ‬
‫والتدين هو من إنتاج املجتمع‪ ،‬وهذا ما ركز‬ ‫الدين‬ ‫الدليل على‬

‫عالم الاجتماع وإلاثنولوجي )‪ (Ethnologue‬يوسف شلحت‪(Joseph Chelhod) (1919-‬‬ ‫عليه أيضا ِ‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للظاهرة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الدينية''‪ ،‬فما ينبغي التفكير فيه‬ ‫الاجتماعية‬ ‫بالعربية حول ''املقاربات‬ ‫)‪1994‬في كتابه الوحيد‬
‫أساسا هو أن املجتمع هو الذي يصنع أشكال ّ‬
‫تدينه‪.‬‬

‫بسام الجمل ‪ :‬ولهذا‪ ،‬فغيرتز نفسه يقول ّإن علماء ألانثروبولوجيا ّ‬


‫الرمزية يرون إلاسالم من تحت‬ ‫د‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫تتكلم‪ ،‬فإذا أردت أن تفهم ّ‬ ‫ألن ّ‬
‫النصوص ّ‬
‫وليس من فوق؛ أي ّأنهم ال يرونه من خالل ّ‬
‫الديانات‬ ‫النصوص ال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واملركب وفي ّاتصالها بأحوال العمران وفي ّ‬
‫بنفسيات البشر‪ ،‬فينبغي أن تعايش‬ ‫تلبسها‬ ‫في مجالها الحي‬
‫ّ‬
‫املتدينون باالحتفاالت‬ ‫هؤالء؛ أي أن تمارس تلك ّ‬
‫التجربة عن قرب وبشكل مباشر‪ ،‬حتى تفهم ملاذا يقوم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أسبابا ّ‬
‫معينة تكمن وراء ذلك‪ ،‬وهؤالء قد ال يجيبونك حين تسألهم عنها‬ ‫شك في ّأن هناك‬
‫مثال‪ ،‬فال ّ‬ ‫ّ‬
‫الدينية‬
‫التقليد ّ‬
‫الديني ّ‬ ‫ّ‬
‫وإنما هم يمارسون تلك الاحتفاالت من باب ّ‬ ‫ّ‬
‫الراسخ والعادات التي درجت‬ ‫ألنهم ال يعرفونها‪،‬‬
‫ّ‬
‫على اتباعها املجموعة التي يعيشون ضمنها‪ .‬ولكن علماء ألانثروبولوجيا يقومون بقراءة تلك الاحتفاالت‬

‫الديني‪.‬‬ ‫الجمعية‪ ،‬ويستنتجون ّأن دورها ألاساس ي هو تبديد قلق إلانسان ّ‬


‫الديني وغير ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الدينية‬

‫أساسيين‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫د‪ .‬نادر ّ‬
‫كأنهما أصل هذه ألاديان‪،‬‬ ‫وجوديين‬ ‫الحمامي‪ :‬القلق في دراساتك يرتبط بأمرين‬
‫ّ‬
‫الحقيقيان‪.‬‬ ‫هما سؤال املصير وسؤال البدايات‪ ،‬وهما سؤالا ّ‬
‫الدين‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬


‫املتخيل سيبقى قائما‪ ،‬باعتباره أساسا لألديان مادام هناك زمان وما‬ ‫بسام الجمل ‪ :‬نعم‪ ،‬وأنا أرى أ ّن‬
‫د‪ّ .‬‬

‫ألن أسئلة إلانسان الكبرى هي هذه‪ّ ،‬‬


‫وألن إلانسان في بحث متواصل عن املعنى‬ ‫دامت هناك حقيقة املوت‪ّ ،‬‬

‫يفسره من ظواهر‪ ،‬لذلك فوجه الاختالف بين ألاديان والعلم ّأن العلم قد يجد من‬
‫وراء ما ال يستطيع أن ّ‬
‫الظواهر ما ال يستطيع إلاجابة عنها‪ ،‬ولكن ألاديان في املقابل ّ‬
‫تقدم إجابة ْ‬
‫مطمئنة حول جميع تلك‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪11‬‬

‫ّ‬
‫توفر له املعنى‪ ،‬وهذا ما يطلبه‪ّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ألن رغبته‬ ‫الظواهر‪ ،‬وإلانسان يرتاح لذلك تماما‪ ،‬ويقتنع ّأن تلك إلاجابات‬
‫منظم‪ ،‬وأن يقف على املعنى من ورائه‪ ،‬وإذا ّ‬ ‫ّ‬
‫تحقق له ذلك فهو يكفيه‪.‬‬ ‫من الوجود هي أن يعيش في عالم‬

‫الرمز ّ‬
‫الديني بحثا في املعنى‬ ‫الرمز إلى ّ‬ ‫د‪ .‬نادر ّ‬
‫الحمامي‪ :‬لذلك أنت تضع عناوين من قبيل "من ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الوضعانية‪ ،‬طاملا أنه ينتج املعنى‪ ،‬وهو جدير‬ ‫املتخيل لم يعد زائفا كما في الفلسفة‬ ‫والوظائف"‪ ،‬فهذا‬
‫باملتخيل ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كافة‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الديني‪،‬‬ ‫ولعل ذلك ما دفعك إلى الاهتمام‬ ‫بالدراسة‪ ،‬ألن على أساسه تتشكل املجتمعات‬
‫ّ‬
‫ولكنك اهتممت أيضا بمجال علوم القرآن‪ ،‬من خالل أطروحتك لنيل شهادة ّ‬
‫الدكتوراه التي نظرت‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫املتخيل هو الفصل ألاخير من هذه ألاطروحة‬ ‫أقدر أن ما قادك فعال إلى‬ ‫فيها في علم أسباب النزول‪ ،‬و‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتخيل من ناحية وأحد العلوم التي تعتبر‬ ‫املتخيل بأسباب النزول‪ ،‬فكأنك مزجت بين‬ ‫الخاص بعالقة‬
‫كون لديك ّ‬
‫مما ّ‬ ‫ّ‬
‫مهمين؛ ّأولهما‬
‫أسين ّ‬ ‫التاريخية لدراسة تاريخ القرآن من ناحية أخرى‪ّ ،‬‬ ‫من املستندات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتخيل لديك بمسألة علوم القرآن لم يكن من باب‬ ‫املتخيل‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن ربط‬ ‫علوم القرآن‪ ،‬وثانيهما‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الت ّ‬
‫والعلمية‪ ،‬ولذلك سننطلق في الجزء الثاني من حوارنا‬ ‫ألاكاديمية‬ ‫عسف‪ ،‬و إنما هو من باب املعرفة‬
‫ّ‬
‫بالنظر في هذه العالقة التي انطلقت منها‪ ،‬ليكون ذلك بابا شارعا للحديث عن اهتمامك بعلوم القرآن‬
‫ّ‬
‫إلاسالمية قديما وحديثا‪.‬‬ ‫في إلابستمولوجيا‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪11‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بسام الجمل‪ :‬مداخل للنظرفي علوم القرآن‬

‫ّ‬
‫(الجزء الثاني)‬

‫الحمامي‪ّ :‬‬
‫نجدد شكرنا لألستاذ بسام الجمل على قبوله أن يكون ضيفنا اليوم للحوار معه‬ ‫د‪ .‬نادر ّ‬

‫تحدثنا في الجزء ّ‬ ‫ّ‬


‫وكنا قد ّ‬ ‫أهم ما جاء في ّ‬
‫حول ّ‬
‫ألاول من حوارنا عن‬ ‫الدراسات التي كتبها ونشرها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ألانثروبولوجية لنصوص التراث‪ ،‬وقادنا ذلك إلى الحديث عن علم‬ ‫املتخيل واملقاربة‬ ‫جوانب من‬
‫واملتخيل ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الديني‪ ،‬وهو ما يصلح أن يكون مدخال للحديث عن مقاربة مسألة علوم‬ ‫أسباب النزول‬
‫ّ‬
‫أن ألاستاذ بسام الجمل قد تجاوز فيه الكثير ّ‬
‫مما‬ ‫القرآن من خالل هذا العلم ألاساس ي الذي نعتقد‬
‫السابقة بما في ذلك ّ‬
‫الدراسة ّ‬
‫املهمة التي أنجزها أندرو ريبين ‪(Andrew‬‬ ‫توصلت إليه ّ‬
‫الدراسات ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتخصص في أسباب النزول‪ ،‬وذلك من خالل أطروحته ''أسباب النزول''‬‫)‪Rippin) (1950-2016‬‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫التي ّ‬
‫خصص الجزء ّ‬
‫إحصائية من خالل كتب علوم القرآن‬ ‫املدونة التراثية بطريقة‬ ‫ألاول منها للبحث في‬
‫ّ‬
‫النزول" ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للسيوطي‬ ‫العامة‪ ،‬مثل كتاب "إلاتقان في علوم القرآن" وكتاب "لباب النقول في أسباب‬
‫ّ‬ ‫(‪948‬هـ‪899-‬هـ) و"البرهان في علوم القرآن" ّ‬
‫للزركش ي (‪547‬هـ‪584-‬هـ)‪ ،‬و"أسباب النزول" للواحدي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التفسير ّ‬‫ّ‬
‫الضخمة‪ ،‬مثل تفسير الطبري (‪224‬هـ‪093-‬هـ) "جامع البيان"‪ ،‬وتفسير الطبرس ي الشيعي‬ ‫وكتب‬
‫(‪494‬هـ‪749-‬هـ) "مجمع البيان"‪ ،‬و"مفاتيح الغيب" ّ‬
‫للرازي (‪744‬هـ‪434-‬هـ)‪ ،‬التي أخرج منها أسباب‬
‫ّ‬
‫النزول نوعا من ّ‬ ‫ّ‬ ‫نزول كثيرة‪ .‬هذه ّ‬
‫الصناعة ما‬ ‫إلاحصائية انتهت إلى اعتبار أخبار أسباب‬ ‫الدراسات‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪12‬‬

‫املتخيل‪ .‬فكيف اعتبرت‪ ،‬أستاذ ّ‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بسام‪ ،‬هذه املسألة صناعة وهل‬ ‫مكن لحقا من الانفتاح على دراسة‬
‫هي اختالق بإطالق أم يمكن الاعتماد في قسم منها على جوانب يمكن اعتبارها و ّ‬
‫اقعية؟‬

‫ّ‬
‫النزول‪ّ ،‬‬
‫ألن ّ‬ ‫بسام الجمل ‪ :‬ما َ‬
‫د‪ّ .‬‬
‫الصناعة ال‬ ‫قلته صحيح‪ ،‬ولكن ينبغي تنسيب ألامر في أخبار أسباب‬
‫ّ‬
‫شك في ّأن هناك أخبارا مصنوعة‪ ،‬وما كان لي أن أخوض في هذا املبحث‬
‫كافة ألاخبار‪ ،‬ولكن ال ّ‬ ‫تنطبق على‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً ً‬
‫لو لم أالحظ أمرا الفتا لالنتباه‪ ،‬وهو ّأن عدد أخبار النزول يختلف من مصدر إلى آخر‪ ،‬وأحيانا في مصادر‬
‫ً‬ ‫السؤال عن سبب هذا الاختالف‪ ،‬هل يعني ّأن ّ‬‫التاريخ‪ ،‬لذلك طرحت ّ‬‫يتزامن أصحابها في ّ‬
‫الرازي مثال ذكر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫تاريخيا هو ألاقدر على معرفة هذه ألاسباب‪.‬‬ ‫تفسيرا لم يكن يعرفه الطبري واملفروض أن يكون الطبري‬
‫ّ‬
‫خطة أو مسار ّ‬
‫معين يمكن استنطاقه أو‬ ‫وعدد أسباب النزول يزيد وينقص حسب العصور‪ ،‬فليس هناك‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫السؤال ّ‬
‫علي هذا ّ‬ ‫تتبعه‪ ،‬ههنا كان قد ّ‬
‫ألح ّ‬ ‫ّ‬
‫التالي‪ :‬أال يمكن أن تكون العديد من أخبار أسباب النزول إنتاجا‬
‫املحمدي وانتهاء عصر ّ‬
‫الدعوة؟ وهو ما جعلني ّ‬
‫أنكب على دراسة‬ ‫ّ‬ ‫بعديا؛ أي ّأنها ظهرت بعد انتهاء الوحي‬
‫ّ‬

‫ّ‬
‫املختصة بعلم أسباب النزول‬ ‫النبوي وفي الكتب‬ ‫مضانها في كتب ّ‬
‫التفسير وفي مجاميع الحديث ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألاخبار في‬
‫بوية‪ ،‬وأن أدرس هذه الخطابات دراسة ّ‬
‫لغوية وأقارنها بمدلول آلايات‪ ،‬وأن أقارن بين‬ ‫السيرة ّ‬
‫الن ّ‬ ‫وفي كتب ّ‬

‫السياقات املختلفة للخبر الواحد‪ ،‬وقد أسلمني ذلك ّكله إلى وجود ّ‬
‫عدة أخبار من أسباب‬ ‫ّ‬
‫النصوص وبين ّ‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرواة ملقاصد ّ‬ ‫ّ‬


‫النزول موضوعة‪ ،‬وقد وضعها ّ‬
‫ومعرفية‪ ،‬ألن‬ ‫وفرقية‬ ‫جدالية‬ ‫وسياسية‪،‬‬ ‫اجتماعية‬ ‫شتى‪،‬‬
‫ّ‬
‫يوفره ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جد ًا‪ ،‬وهو ّأن هذه ّ‬
‫مهما ّ‬
‫هناك أمرا ّ‬
‫النص ألاصلي؛ أي تاريخ‬ ‫املادة املتعلقة بأسباب النزول توفر ما ال‬
‫ّ‬
‫استقر عليه ألامر في القرآن وفي املصحف‪.‬‬ ‫الوحي الذي ال يمكن أن نقرأه بترتيب ّ‬
‫السور وآلايات مثلما‬
‫ّ‬
‫تكلم أهل ّ‬ ‫حتى مع طلبتي‪ ،‬وأقول لهم ّإنه ّكلما سكت ّ‬
‫النص ّ‬ ‫أكرر القاعدة ّ‬
‫ولذلك‪ ،‬فقد كنت ّ‬
‫التفسير‬ ‫الديني‬
‫النص‪ّ ،‬‬
‫ألن ّ‬ ‫ّ‬
‫ولعلهم كانوا يريدون سكوت ّ‬
‫السكوت يتيح لهم إمكانات واسعة لقول‬ ‫وأهل القصص وألاخبار‪،‬‬
‫تتبعتها ووقفت على وظائفها ّ‬
‫وأهم دالالتها‪.‬‬ ‫يصرح به ّ‬
‫النص‪ ،‬ولذلك فهذه ّ‬
‫الصناعة لها قرائن‪ ،‬وقد ّ‬ ‫ما لم ّ‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪13‬‬

‫د‪ .‬نادر ّ‬
‫الحمامي‪ :‬هذا الفهم هو ما جعلك تضيف فصال في نهاية أطروحتك أسميته "علوم القرآن في‬
‫أي أفق لتحديثها؟"‪ ،‬وقد ّ‬
‫حددت ضمنه ثالثة مو اقف قمت بتسليط النقد‬ ‫ّ‬
‫إلابستيمية املعاصرة‪ّ :‬‬

‫ّ‬
‫استقر عليه‬ ‫عليها؛ املوقف ّ‬
‫ألاول أسميته "موقف الاستمرار والاجترار"‪ ،‬وهو موقف يقوم على ترديد ما‬
‫ومثلت عليه بما كتبه صبحي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النظر والعمل في ّ‬
‫الصالح "مباحث في علوم‬ ‫السياق املعرفي القديم‪،‬‬
‫ّ‬
‫النزول إهمال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تاما وقد نقدت ذلك‬ ‫القرآن"‪ .‬أما املوقف الثاني‪ ،‬فهو الذي أهمل النظر في علم أسباب‬
‫تاريخية ّ‬
‫نقدية للقرآن''‪ ،‬ومن‬ ‫ّ‬ ‫لدى غوستاف فايل )‪ (WEIL Gustav) (1808-1889‬في كتابه '' ّ‬
‫مقدمة‬

‫بعده لدى نولدكه )‪ (Theodor Nöldeke) (1836-1930‬في أطروحته حول "تاريخ القرآن"‪ّ ،‬أما‬
‫ّ‬
‫الثالث الذي ّ‬
‫توسعت في تناوله‪ ،‬فكان املوقف الذي دعا إلى تجاوز املوقفين ّ‬
‫السابقين؛‬ ‫املوقف‬
‫ّ‬
‫التمجيدي والوضعي)‪ ، (positiviste‬وقد اهتممت فيه بنصر حامد أبو زيد (‪ )2393-9840‬من خالل‬

‫كتابه "مفهوم النص"‪ ،‬وعلي أومليل (‪ )9843‬في كتابه "شرعية الاختالف"‪ ،‬ودمحم عابد الجابري (‪-9807‬‬

‫‪ )2393‬في كتابيه "مدخل إلى فهم القرآن الكريم" و"فهم القرآن الحكيم‪ :‬التفسير الواضح حسب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ترتيب النزول"‪ .‬فهل أن نصر حامد أبو زيد‪ ،‬مثال‪ ،‬في اعتماده أسباب النزول لبيان أن آية ما نزلت في‬

‫السبب وخصوص‬ ‫تحدث عن عموم ّ‬ ‫سياق مخصوص‪ّ ،‬أنه ل يمكن اعتمادها لغير ذلك‪ ،‬حينما ّ‬
‫و‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اللفظ‪ ،‬نوعا من الخروج عن هذه ّ‬
‫املتخيل‪ ،‬أو هو نوع من التنسيب والاعتدال‬ ‫الصناعة وعن تداخل‬
‫ّ‬ ‫في ّ‬
‫الرفض والقبول‪ ،‬أم إنه منهج علمي صارم وصحيح يمكن الاعتماد عليه في هذا ألامر؟‬

‫ّ‬ ‫ّ ًّ ّ‬
‫ألنه ّ‬
‫عول على منهج تحليل الخطاب‪ ،‬وركز‬ ‫بسام الجمل ‪ّ :‬إن ما قاله نصر حامد أبو زيد مهم جدا‪،‬‬
‫د‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫على هذا الجانب‪ ،‬ولكن نحن نعرف أن هناك مسلمة في علوم القرآن قديما‪ ،‬وهي أن العبرة بعموم اللفظ‬
‫السبب؛ فاآلية قد تنزل في سبب مخصوص‪ ،‬ولكن ذلك ّ‬
‫السبب يمكن تجاوزه لتنطبق آلاية‬ ‫ال بخصوص ّ‬
‫ّ‬
‫على الحاالت التي تضارعه‪ ،‬وفي هذا الاتجاه سار القدماء‪ .‬لقد أراد نصر حامد أبو زيد أن يدرس أخبار‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪14‬‬

‫ً‬ ‫ّ‬
‫الل ّ‬
‫غوية أساسا‪ ،‬لذلك كان مدخله تحليل الخطاب‪ ،‬وقد صدر كتابه في بداية‬ ‫أسباب النزول في بنيتها‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التسعينيات وكان ّ‬
‫التوجه مرتبط بما كان معروفا في الاستشراق الكالسيكي‬ ‫مهما جدا في سياقه‪ .‬وهذا‬

‫ألاملاني الذي درس علوم القرآن )‪ (Qur'anic Studies‬من منظور آخر مغاير هو املنظور الفيلولوجي‪ ،‬مع‬
‫ّ‬
‫يتمثل في محاولة فهم ّ‬
‫النص‬ ‫نولدكه ومع ريجيس بالشير )‪ (Régis Blachère) (1900-1973‬من بعده‪ ،‬وهو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫التوجه ّ‬
‫همش تلك‬ ‫النظر إلى العلوم الثواني الحافة به‪ ،‬ولذلك قلت ّإن هذا‬
‫بالنص وحده دون ّ‬
‫باالكتفاء ّ‬

‫العلوم‪.‬‬

‫الحمامي‪ :‬ولكن ذلك بقي ّ‬


‫نظريا؟‬ ‫د‪ .‬نادر ّ‬

‫طبق ذلك‪ ،‬ولكنه واجه صعوبات وقد ّ‬


‫أقر بها‪ ،‬وحتى‬ ‫د‪ّ .‬‬
‫بسام الجمل ‪ :‬نعم‪ ،‬لقد حاول نولدكه أن ي ّ‬

‫تالميذه الذين أعادوا صياغة تاريخ القرآن‪ ،‬مثل أوتو برتزل )‪ (Otto Pretzl) (1893-1941‬وردولف أوتو‬

‫وغيرهما‪ ،‬وقد حاولوا جميعا أن يتداركوا ما فات أستاذهم الذي عمل على تقسيم الوحي إلى أربع فترات؛‬
‫ّ‬
‫املكي ّ‬ ‫مدنية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫مكية‪ ،‬وفترة ّ‬
‫ألاول‬ ‫وقسم سور املصحف إلى أربع مجموعات كبرى‪ ،‬وهي‪ :‬الوحي‬ ‫ثالث منها‬
‫ً‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫والوحي املكي الثاني والوحي املكي الثالث‪ ،‬وبحث في السمات املشتركة‪ ،‬وبين أن غرض التوحيد مثال يغلب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫على املرحلة املكية ألاولى في حين يغلب على املرحلة املكية الثانية الكالم عن الثواب والعقاب والجزاء‪ ،‬بينما‬
‫ّ‬
‫املدنية‪ ...‬ولو ّنتأمل في ما قام به نولدكه‪ ،‬فسوف نالحظ أنه ال‬
‫ّ‬ ‫تغلب ألاحكام التشريعية على املرحلة‬
‫يختلف كثي ًرا ّ‬
‫عما ذكره ابن ّ‬
‫النديم (ت ‪838‬هـ) في "الفهرست"‪ ،‬أو ما ذكره املسعودي (‪338‬هـ‪886-‬هـ) في‬
‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تاريخيا من خالل مصحف إلامام علي‪ .‬فهذا‬ ‫"مروج الذهب" عندما تكلم عن ترتيب سور املصحف ترتيبا‬
‫ّ‬
‫التراث ولكن الاستشراق الكالسيكي ّادعى ذلك في إطار محاولة د اسة ّ‬
‫النص القرآني‬ ‫ر‬ ‫موجود في كتب‬
‫ّ‬ ‫النص ذاته دون سواه‪ .‬ولكن هذا الاكتفاء ّ‬ ‫ً‬
‫اعتمادا على ّ‬
‫العملية ما جعل‬ ‫بالنص واجه صعوبة في املمارسة‬
‫النص بكتب ّ‬ ‫ً‬
‫غالبا ما يذهبون لالستعانة على ّ‬ ‫ّ‬
‫السيرة وكتب الحديث وغيرها‪.‬‬ ‫الدارسين‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪15‬‬

‫ّ‬
‫القرآنية‪ ،‬وهو ما سنأتي إليه لحقا‪.‬‬ ‫د‪ .‬نادر ّ‬
‫الحمامي‪ :‬نعم‪ ،‬هذا هو مكمن الاختالف في دراسة العلوم‬
‫ّ ّ‬ ‫ولكن هدف الاستشراق‪ ،‬إضافة إلى ّ‬
‫نقدية للتراث مثل أبو زيد والجابري‪ ،‬من وراء‬ ‫الداعين إلى مراجعة‬
‫ّ‬
‫يتلخص في أمرين هما؛ تجديد الفكر ّ‬ ‫ّ‬
‫الديني ّأول‪ ،‬والبحث في مقاصد القرآن‬ ‫دراسة أسباب النزول‪،‬‬
‫ملقاومة العنف‪ ،‬ثانيا‪ ،‬وهي أهداف نبيلة ولكن ألامر يختلف ّ‬
‫علميا‪ّ .‬‬
‫ولعل الخطأ الذي وقعت فيه هذه‬
‫مهم وهو وحدة ّ‬ ‫ّ‬
‫إلابستيمية القديمة في جانب ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السورة‪ ،‬وقد بحث‬ ‫الدراسات كلها هو أنها بقيت في إطار‬
‫ّ‬
‫أصحابها عن ترتيب تاريخي للقرآن‪ ،‬واعتمدوه على هذا ألاساس‪ ،‬ولم يتخلصوا جميعهم من هذه‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املعضلة‪ ،‬ونحن نعلم أن هناك تداخال بين املكي واملدني‪ ،‬وأن الترتيب املوجود في املصحف ليس هو‬
‫حل لتجاوز مسألة وحدة ّ‬ ‫ّ‬
‫التاريخي‪ ،‬فهل من ّ‬ ‫ّ‬
‫السورة؟‬ ‫الترتيب‬

‫بسام الجمل ‪ :‬في الحقيقة‪ ،‬هناك إشكال كان قد طرحه دمحم أركون منذ عقود‪ ،‬وهو يقول ّإن ّ‬
‫النص‬ ‫د‪ّ .‬‬

‫ّ‬
‫استقر عليها يجعلنا أمام أمر مستحيل‪ ،‬وهو أن نعرف تاريخ الوحي‪،‬‬ ‫الذي وصل إلينا اليوم‪ ،‬وبالهيئة التي‬
‫إذن فقد ضاع هذا ألامر إلى ألابد‪ ،‬وليس باإلمكان استرجاعه‪ّ ،‬‬
‫ولكن الباحث ال يجب أن يقف عند هذا‬

‫الحد وهذا شرط أساس ي‪ .‬لقد أشرت منذ حين إلى ما يريد أن يصل إليه نصر حامد أبو زيد أو الجابري في‬
‫ّ‬
‫أال يضع الباحث نتائج بشكل مسبق‪ّ ،‬‬
‫ثم بعد ذلك يضع‬ ‫ما كتبا‪ ،‬ولكن أعتقد أن البحث الحقيقي هو‬
‫ّ‬
‫خطة كي يصل إلى تلك ّ‬
‫النتائج‪ ،‬فالباحث الحق في تقديري هو الذي يطرح ّ‬
‫السؤال ويخوض مغامرة البحث‬
‫ً‬
‫دون أن يعرف بشكل مسبق ما هي النتائج املفترضة التي سيصل إليها‪ ،‬لذلك فعلى الباحث أن ينطلق دائما‬
‫فرضيات بحث‪ ،‬ويطرحها للمناقشة ّ‬
‫والسؤال‪ ،‬وربما يصل من ّ‬
‫ثم إلى استنتاجات ونتائج لم يكن قد‬ ‫ّ‬ ‫من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الثالثة‪ ،‬ويقول‬ ‫توقعها في البداية‪ ،‬ولذلك عندما يخرج الجابري على الناس بكتابه في تفسير القرآن بأجزائه‬
‫ّ‬
‫ّإن آليات املصحف كلها أسباب نزول‪ ،‬فهذا غير صحيح‪ ،‬وقد ّبينت في أطروحتي ّأن تسع أعشار آيات‬
‫ّ‬ ‫للنص‪ّ .‬‬
‫وحتى لدى ّ‬ ‫الساحقة ّ‬
‫ألاغلبية ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السيوطي‪ ،‬نجد أنه‬ ‫املصحف ليس لها أسباب نزول‪ ،‬وذلك يمثل‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪16‬‬

‫ولكن البحث يثبت ّأن‬


‫يذكر ّأن نصف عدد آيات املصحف لها أسباب نزول‪ ،‬وهو الوحيد الذي ذكر ذلك‪ّ ،‬‬

‫عدد آلايات التي لها أسباب نزول معروفة ّ‬


‫أقل بكثير وال يتجاوز العشرة باملئة آخذا باالعتبار ما ورد لدى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املفسرين جميعهم‪ ،‬وال أدرى إن كان الجابري قد اطلع على هذا الكتاب الذي صدر سنة ‪ 3002‬وقد نشر‬
‫ً‬
‫تقريبا‪ .‬ولهذا أرى ّأنه ال يمكن اليوم أن نضع ّ‬
‫للناس تفاسير قر ّ‬
‫آنية ال‬ ‫كتابه في تفسير القرآن سنة ‪3009‬‬

‫باملنهجية القديمة‪ ،‬وأن نعتبر ّأن‬


‫ّ‬ ‫تأخذ في الاعتبار هذه املعطيات‪ ،‬فال يمكن أن نستمر في تفسير القرآن‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫مقدمة ّ‬
‫مقدمة من ّ‬ ‫النزول ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إبيستيمية العصر‬ ‫التفسير‪ ،‬فقد كان هذا ألامر مقبوال في‬ ‫مرويات أخبار أسباب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫منهجية ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫مقبوال اليوم‪ّ ،‬‬ ‫الوسيط إلاسالمي‪ّ ،‬‬
‫التفسير التي خطها الطبري واستقرت معاملها‬ ‫ألن‬ ‫ولكنه لم يعد‬
‫ّ‬ ‫ن ّ‬
‫الثالث الهجري هي التي فرضت نفسها على كل ّ‬
‫التفاسير الالحقة‪ ،‬ولكن اليوم يمكن أن‬ ‫بداية من القر‬
‫ً‬ ‫نضع ّ‬
‫التفاسير القر ّ‬
‫آنية حسب ألاغراض؛ أي أن نأخذ آلايات التي موضوعها ألاحكام مثال‪ ،‬ونجمعها في‬

‫حزمة واحدة‪ ،‬ويمكن أن نفعل ألامر نفسه بالنسبة إلى آلايات التي فيها تراتيل أو تسابيح‪ ،‬أو أن نجمع‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫املتعلقة ّ‬
‫بالسيرة إلى بعضها مثال‪.‬‬ ‫آلايات‬

‫ّ‬ ‫طيبة‪ ،‬ولكن نحن ننظر إلى املسائل من ّ‬ ‫ن ّ‬


‫النوايا ّ‬ ‫د‪ .‬نادر ّ‬
‫العلمية‪ ،‬وأذكر‬ ‫الزاوية‬ ‫الحمامي‪ :‬أحيانا تكو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هنا مثال كثير الورود عند بعض من يتبنون فكر الحداثة وجدل التنزيل وعالقة املجتمع القرآني‬
‫بمجتمع ّ‬
‫الدعوة وعالقة البشري باإللهي إلى غير ذلك‪ ...‬املثال البارز على ذلك هو ما ّ‬
‫يسمى مو افقات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن ألاحكام ّ‬
‫متغيرة‪ ،‬وأن فيها ما هو بشري‪،‬‬ ‫عمر أو اجتهاداته‪ ،‬وقد اعتمدها نصر حامد أبو زيد لبيان‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ولكنه لم ينتبه إلى أن هذه املو افقات أو الاجتهادات التي نجدها في كتب التفسير وفي كتب علوم القرآن‬
‫قد تكون محض صناعة‪ّ ،‬‬
‫وأنها قد تدخل في باب فضائل عمر‪ ،‬ولذلك ففي أحيان كثيرة قد ل تكون‬
‫علمية في ّ‬
‫الطيبة ّ‬ ‫ّ‬
‫النوايا ّ‬
‫النهاية‪ ،‬وهذا مشكل حقيقي‪.‬‬ ‫هذه‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪17‬‬

‫بسام الجمل ‪ :‬صحيح‪ّ ،‬‬


‫وحتى موافقات عمر فهي مكتوبة في الكتب التي تحتفي بفضائل عمر‬ ‫د‪ّ .‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بابا في آلايات التي وافقت ُ‬
‫الجمل‬ ‫ومناقبه‪ ،‬فعندما نفتح كتابا من كتب الحديث أو غيرها سنجد ّأن هناك‬
‫السني''‪ّ ،‬‬
‫ولعل هذا قد‬ ‫التي قالها عمر‪ ،‬والتي وافق فيها كالمه الوحي‪ ،‬وقد ّبي ُ‬
‫نت هذا في كتابي حول ''إلاسالم ّ‬
‫ً‬ ‫صدقية الوحي‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫والسؤال ههنا هو كيف يذكر القدامى أمرا يمكن أن يطعن في الوحي أو‬ ‫يكون مطعنا في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بالذ ّ‬ ‫الرسول في ّ‬ ‫ّ‬
‫يبين ّ‬
‫سلبية ّ‬
‫هنية القديمة التي تراكم ألاخبار وترويها على عالتها‬ ‫تقبل الوحي؟ هذا مرتبط‬
‫ً‬ ‫الر ّ‬ ‫املؤسسة ّ‬
‫الدينية ّ‬ ‫ً‬
‫وأحيانا هناك أخبار تنفلت من رقابة ّ‬ ‫وال ّ‬
‫سمية‪ .‬البد أن نستحضر أيضا‪،‬‬ ‫تتحرى فيها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بعديا‪ّ ،‬‬ ‫ً‬
‫يتم الخوض فيه ُويركب عليه الكثير من ألاخبار‬
‫يستقر ّ‬
‫ّ‬ ‫فالنص عندما‬ ‫دائما إنتاجا ّ‬ ‫ّأن هناك‬
‫واعتقادية‪ ...‬هذا وارد وممكن‪ ،‬وهو أمر منتظر ّ‬
‫ألن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ونفسية‬ ‫ّ‬
‫جتماعية‬ ‫ّ‬
‫ودينية وا‬ ‫ّ‬
‫سياسية‬ ‫لغايات ّ‬
‫شتى؛‬
‫ّ‬ ‫يفسر ّ‬ ‫ّ‬
‫ومركبة‪ ،‬ومن ّ‬ ‫ّ‬
‫ملؤثرات متداخلة ّ‬ ‫الناس يمارسون ّ‬
‫ّ‬
‫النص هو متأثر‬ ‫ومعقدة‬ ‫النص‪ ،‬وهم خاضعون‬
‫ّ‬
‫وبالضوابط التي ا ّ‬ ‫ّ‬
‫الذهنية وبإكراهات الواقع ّ‬ ‫بانتمائه املذهبي وبانتظارات ّ‬
‫ستقر‬ ‫التاريخي‬ ‫قرائه وبآفاقهم‬
‫ًّ‬ ‫ّ‬
‫الذاتي‪ .‬هذه أمور ّ‬ ‫عليها ذلك ّ‬
‫جدا تتسرب إلى‬ ‫مهمة‬ ‫النص وبأحوال العمران واملعيش‪ ،‬وحتى بمزاجه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التشابه الذي تبدو عليه ّ‬ ‫ّ‬
‫التفسير‪ ،‬وال ّ‬
‫التفاسير القديمة‪ ،‬فهي في الظاهر كذلك‪ ،‬ولكن عندما‬ ‫يغرنا ذلك‬
‫ّ ً ّ‬
‫فإننا نفطن إلى الكثير ّ‬
‫مما ّ‬ ‫ّ‬ ‫نمعن فيها ّ‬
‫تسرب إليها‪.‬‬ ‫ونتفحصها جيدا‪،‬‬ ‫النظر‬

‫ّ‬
‫إبيستيمية‬ ‫د‪ .‬نادر ّ‬
‫الحمامي‪ :‬أل يمكننا مقاربة علوم القرآن بمعزل عن القرآن نفسه‪ ،‬نحو تأسيس‬
‫ّ‬
‫معاصرة جديدة ملقاربة علوم القرآن‪ ،‬هذه العلوم التي تشكلت في كتب منفردة وكتب جامعة؟ بمعنى‬
‫ّ‬
‫التاريخ أو ّ‬ ‫أن نتعامل معها‪ّ ،‬‬
‫مجرد ألاخبار‪ ،‬وأن ندرسها باعتبارها حكايات مرتبطة‬ ‫كأنها من باب‬
‫ّ ّ‬
‫التفسير يبحث دائما ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عما يريده‬ ‫بانتظارات أصحابها وبناهم الذهنية أكثر من ارتباطها بالنص‪ .‬وألن‬
‫ّ‬
‫النص الذي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫يفسره‪ ،‬وهكذا يمكن القول اعتمادا‬ ‫مفسرالنص‪ ،‬فاملصنف يخرج من املجتمع وليس من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫على ّ‬
‫نظريات التلقي والانتظارأن علوم القرآن قائمة بمعزل عن القرآن‪.‬‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪18‬‬

‫بسام الجمل ‪ :‬هذا يقتض ي استحضار البيئة التي أفرزت هذه العلوم‪ ،‬ذلك ّأن ّ‬
‫النواة ألاولى ألخبار‬ ‫د‪ّ .‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫النزول كانت ّ‬
‫وإلاخباريين بين صالتي املغرب والعشاء في‬ ‫القصاص‬ ‫شفوية تذاع في مجالس‬ ‫مرويات‬ ‫أسباب‬
‫ّ‬ ‫يقص على ّ‬‫ّ‬ ‫التابعين وما بعد ّ‬
‫عصر ّ‬
‫الناس أخبار أسباب النزول في‬ ‫التابعين‪ ،‬حيث كان ينتصب شخص‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إنشائي‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫يستغل في ذلك سينوغرافيا املكان والفضاء والظلمة‪ ،‬ليروي لهم‬ ‫وربما كان‬ ‫ّ‬ ‫سردي‬ ‫شكل قصص ّي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ما لذ من قصص العجيب والغريب‪ .‬لقد كانت هذه نواة التشكل ألاولى ألخبار أسباب النزول‪ ،‬وهذا ما‬
‫ّ‬
‫النزول في كتب ّ‬ ‫السيرة ّ‬
‫الن ّ‬ ‫أدبيات ّ‬ ‫ّ‬
‫تؤكده ّ‬
‫السيرة‪،‬‬ ‫بوية‪ ،‬ولهذا نفهم سبب وجود جزء كبير من أخبار أسباب‬
‫ً‬ ‫ولهذا ّ‬
‫السبب نجدها أيضا في كتب الحديث على اختالفها‪.‬‬

‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن ّ‬‫ّ‬ ‫د‪ .‬نادر ّ‬


‫السيرة كانت هي نواة التفسير أم أن التفسير هو الذي شكل ما وصلنا من‬ ‫الحمامي‪ :‬هل‬
‫ّ‬
‫السيربداية من ابن إسحاق؟‬

‫حير املسلمين‬ ‫السيرة ّ‬


‫النبوية انطلقت من محاولة إلاجابة عن سؤال ّ‬ ‫د‪ّ .‬‬
‫بسام الجمل ‪ :‬إن بدايات ّ‬

‫النبي‪ ،‬وقد طرح يوسف هوروفيتس ‪(Josef‬‬ ‫السؤال ّ‬


‫متصل بمغازي ّ‬ ‫وخاصة جيل ّ‬
‫التابعين‪ ،‬هذا ّ‬ ‫ّ‬ ‫القدامى‪،‬‬
‫)‪ Horovitz) (1874-1931‬هذه املسألة في كتابه "املغازي ألاولى ومؤلفوها"‪ ،‬وقال ّإن ّ‬
‫السؤال الذي طرحه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫املسلمون القدامى هو ملاذا انهزم املسلمون في أحد؟ وملاذا لم يتدخل هللا لنصرة املسلمين مثلما تدخل‬
‫السيرة ّ‬
‫النبوية‪ ،‬كما يقول دمحم حميد هللا‬ ‫السيرة‪ ،‬وتاريخ كتابة ّ‬
‫لنصرتهم في معركة بدر؟ ههنا بدأ الخوض في ّ‬

‫(‪ ،)3003-8903‬قد بدأ من املغازي ّأو ًال‪ّ ،‬‬


‫ثم بعد ذلك وقع الانتباه إلى سيرة ّ‬
‫النبي؛ ميالده وطفولته وشبابه‬
‫ّ‬ ‫الرسالة‪ .‬لقد ّ‬ ‫وزواجه بخديجة واشتغاله ّ‬
‫بالتجارة وعالقته بالوحي وباملفارق وتبليغ ّ‬
‫تم الاهتمام بذلك كله‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تقريبا مع جيل ّ‬
‫التابعين‪ّ ،‬‬
‫ألن الذين كانوا شهودا على الوحي من جيل‬ ‫بعد الخوض املغازي‪ ،‬بصفة متزامنة‬
‫حيثيات ّ‬ ‫ّ‬
‫الثاني؛ أي ّ‬
‫التابعين‪ ،‬يعرف ّ‬
‫التنزيل‪ ،‬لذلك كانت‬ ‫الصحابة كانوا قد ماتوا واندثروا‪ .‬ولم يكن الجيل‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪19‬‬

‫ّ‬
‫املباحث التي خاضوا فيها تعنى باألسباب؛ من قبيل التساؤل عن سبب نزول آية ما في شخص ما وفي سياق‬
‫يقدم إجابات عن ذلك ّكله‪ّ ،‬‬
‫فالنص‬
‫ً‬
‫خطابا ال ّ‬ ‫ومكاني بعينه؛ ذلك ّأن القرآن باعتباره‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫محدد وفي إطار ّ‬
‫زماني‬
‫مادة من خارج ّ‬
‫النص‪ ،‬وما هداهم إلى ذلك هو‬ ‫النهاية‪ .‬ولهذا التمس ّ‬
‫التابعون ّ‬ ‫ّ‬
‫الديني ليس كتاب تاريخ في ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ّأنهم تعاملوا مع آلايات تعامال مخصوصا نتج عنه‪ ،‬شيئا فشيئا‪ ،‬تراكم في ألاخبار التي راجت في إطار‬
‫الس ّ‬
‫ومتحول في بنيته ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الشفوي ّأنه ّ‬
‫ردية وفي مضمونه‬ ‫متغير‬ ‫املجالس بشكل شفوي‪ ،‬ومن طبيعة الخبر‬
‫ّ ّ‬
‫إال حين ّ‬
‫يتم تدوينه‪ .‬وتذهب أكثر ألاقوال إلى أن‬ ‫وحجمه ومداه وعدد رواته وفي صيغه‪ ،‬وهو ال يستقر‬
‫املتضمن ألخبار أسباب ال ّنزول في حدود سنة (‪ 370‬هـ)‪ .‬وقد ّ‬
‫توص ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لت‪ ،‬من خالل‬ ‫الطبري أملى تفسيره‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املدون في كتاب "جامع البيان"‪ ،‬إلى ّأن الطبري كان قد أملى تفسيره على تالميذه‬
‫الشفوي ّ‬ ‫دراستي للخطاب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫من مصادر مكتوبة‪ ،‬ولكن هناك جانب شفوي موجود‪ ،‬وما فعله الطبري هو أنه ّثبت ألاخبار التي كانت‬
‫ّ‬ ‫ًّ‬
‫شفويا‪ ،‬ولعله في تفسير آية من آلايات يجد نفسه أمام مئة خبر شفو ّي‪ ،‬فيقتصر على ذكر عشرة‬ ‫رائجة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫منها على سبيل املثال‪ُ ،‬ويهمل ّ‬
‫البقية ليكون مآلها النسيان والاندثار‪ .‬ولهذا‪ ،‬فالذاكرة ال تحفظ إال املكتوب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بالجزئيات‪ّ ،‬‬
‫العلمية الحديثة تؤكد ّأن الذاكرة تنس ى‪ ،‬بعد مض ّي أربعين سنة‬
‫ّ‬ ‫وحتى ّ‬
‫الدراسات‬ ‫ّ‬ ‫وال تهتم‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫الجزئيات وتلغيها وتخرجها من دائرة اهتمامها‪.‬‬ ‫تقريبا‪ ،‬الكثير من‬
‫ّ ّ‬
‫التفسيرهو الذي خدم ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحمامي‪ :‬هل ّ‬
‫د‪ .‬نادر ّ‬
‫السيرة؟‬ ‫السيرة هي التي خدمت التفسيرأم أن‬

‫د‪ّ .‬‬
‫بسام الجمل ‪ :‬لقد كانت ّ‬
‫السيرة من مواد تفسير القرآن‪ ،‬فهي أسبق من حيث تاريخ العلوم‪ ،‬ولذلك‬
‫ّ‬ ‫تنظم بطريقة ّ‬ ‫ّ‬ ‫التفسير في ّ‬
‫مرويات ّ‬ ‫نجد مواد ّ‬
‫معينة وفق متطلبات الخطاب‪ ،‬فأخبار أسباب‬ ‫السيرة‪،‬‬
‫يتم توظيفها من أجل ّ‬ ‫ّ‬
‫ومقدمات ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النزول ّ‬
‫التأويل‪ ،‬وما يأتي في‬ ‫والناسخ واملنسوخ واللغة‪ ...‬كلها مداخل‬
‫املرحلة ألاخيرة هو ّ‬
‫التفسير أو الوصول إلى املعنى املمكن الذي ُيعتقد ّأن هللا أراده من قوله وتنزيله‪ ،‬فهي‬

‫علوم آلة وأدوات فحسب‪.‬‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪21‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحمامي‪ :‬هذه العلوم آلالة قد ّ‬


‫د‪ .‬نادر ّ‬
‫الجزئية‪ ،‬ذلك أن‬ ‫تم توظيفها في كتب علوم القرآن بمباحثها‬
‫ا‬
‫ومستقال منذ إنجيلها ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫القرآنية‪ ،‬التي أصبحت مبحثا ّ‬ ‫ّ‬
‫ألاول "تاريخ القرآن"‬ ‫وخاصا‬ ‫مهما‬ ‫الدراسات‬
‫ّ‬
‫لتيودور نولدكه في القرن التاسع عشر (‪ ،)9943‬لم تستطع أن تتجاوزها‪ .‬فقد بدأ الكتاب في قسمه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يتخلص بذلك من ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السيرة والتفسير‬ ‫ألاول بإطاللة حول سيرة النبي ومصادر معرفته ومصدر الوحي‪ ،‬ولم‬
‫ّ‬ ‫الزمن‪ ،‬لتستقيم ّ‬
‫تقلص شيئا فشيئا مع مرور ّ‬ ‫ّ‬
‫القرآنية‬ ‫الدراسات‬ ‫وكتب الحديث‪ .‬ولكن هذا الارتباط‬
‫ّ‬
‫ألادبية‬ ‫)‪(Qur'anic Studies‬باعتبار ّأنها تدرس املصحف أساسا وتعتبره ّ‬
‫نصا كما في املقاربات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والفيلولوجية‪ ،‬وتبحث فيه في إطار العصور القديمة‪ .‬ونظرا إلى أن هذا يمثل قسما من اهتماماتك‬
‫عرض إلى بعض مالمح هذه ّ‬ ‫ل ّ‬
‫الت ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الدراسات‬ ‫الفيلولوجية‪ ،‬فسنحاو‬ ‫ألانثروبولوجية أو‬ ‫البحثية سواء‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫القرآنية واهتماماتها و اتجاهاتها في القسم الثالث من حوارنا معك‪ ،‬ولك جزيل الشكر‪.‬‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪21‬‬

‫ّ‬
‫القرآنية‬ ‫بسام الجمل‪ :‬مقا بات في ّ‬
‫الدراسات‬ ‫ّ‬
‫ر‬

‫(الجزء الثّالث)‬

‫نجدد شكرنا لك أستاذ بسام الجمل على قبولك أن تكون ضيفنا اليوم من أجل‬‫الحمامي‪ّ :‬‬
‫د‪ .‬نادر ّ‬
‫ّ‬
‫الثاني منه إلى مسألة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الدراسات‬ ‫طرح ألافكار للنقاش في هذا الحوار‪ ،‬الذي كنا قد وصلنا في الجزء‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫القرآنية التي شكلت مدار اهتمامك في جملة من املقالت وألاعمال واملحاضرات‪ ،‬وهي مسألة فرضت‬
‫ّ‬
‫بحثيا مستقال‪ ،‬رغم ّأنها ليست‬
‫عامة‪ ،‬لتصبح مجال ّ‬ ‫نفسها اليوم في ّ‬
‫الدراسات إلا ّ‬
‫سالمية بصفة ّ‬
‫ّ‬
‫جديدة‪ ،‬فقد انطلقت من إطار صراع جدالي أخذ بعده العلمي في منتصف القرن التاسع عشر مع‬
‫ّ‬
‫كافة ّ‬
‫الدراسات التي لحقته باختالف‬ ‫نولدكه‪ ،‬صاحب كتاب "تاريخ القرآن" الذي كان له وقع كبير على‬
‫ّ‬
‫والل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن دراسة املصحف‪ ،‬باعتباره ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫غوية في‬ ‫الفيلولوجية‬ ‫نصا‪ ،‬لم تتخلص من الوطأة‬ ‫توجهاتها؛ ذلك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يسمى في ّ‬ ‫ّ‬
‫خاصة في ما ّ‬ ‫الت ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ألاملانية "ما‬ ‫القرآنية‬ ‫الدراسات‬ ‫اريخية‪،‬‬ ‫البحث‪ ،‬كما لم تشذ عن النواحي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النص القرآني"‪ .‬أل ترى معي أستاذ ّ‬
‫القرآنية لم تتخلص من تلك املباحث‬ ‫الدراسات‬ ‫بسام‬ ‫قبل‬
‫توجهاتها‪ ،‬رغم ّ‬ ‫ّ‬
‫والتاريخية على اختالف ّ‬ ‫ّ‬
‫تطورها منذ ذلك الوقت إلى اليوم؟‬ ‫الفيلولوجية‬

‫بسام الجمل ‪ :‬ينبغي أن نضع هذه املسألة في إطارها املعرفي‪ ،‬وأن ّ‬


‫نميز بين طورين كبيرين في‬ ‫د‪ّ .‬‬

‫الاستشراق‪ ،‬هما الاستشراق الكالسيكي مع نولدكه باألساس وبالشير‪ّ ،‬‬


‫ثم الاستشراق الجديد الذي أنتج‬
‫ّ‬
‫خاصة في سبعينيات القرن املاض ي مع ونزبرو )‪(John Wansbrough) (1928- 2002‬‬ ‫دراسات ّ‬
‫مهمة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫العربية‬ ‫أساسا‪ ،‬ولكن إلاشكال في املجال الثقافي العربي ّأن كتاب نولدكه الذي كتب في ‪ 8360‬لم يترجم إلى‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪22‬‬

‫محيرة ّ‬ ‫ّ‬
‫تخلف كبرى‪ ،‬وهو ظاهرة ّ‬ ‫ّ‬
‫إال بعد أكثر من قرن (‪ 888‬سنة)‪ ،‬وهذا ّ‬
‫جدا وتعكس‬ ‫يعبر عن فجوة‬
‫ّ ّ‬
‫أخر املعرفي للعرب واملسلمين‪ .‬وقد كتب في ّ‬
‫الدراسات القر ّ‬
‫آنية‪ ،‬إضافة إلى ونزبرو‪ ،‬باتريشيا كرون‬ ‫حجم الت‬

‫)‪ (Patricia Crone) (1945-2015‬ومايكل كوك )‪ ، (Michael Cook) (1940‬رغم ّأن هناك مآخذ كثيرة على‬
‫متخصصة منذ بداية ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫أيضا مقاالت ّ‬
‫السبعينات‪ ،‬مثل‬ ‫مهمة صدرت في مجالت‬ ‫هذين ألاخيرين‪ ،‬ولكن هناك‬
‫ً‬
‫ما كتبه جيمس بيالمي )‪ (James A. Bellamy) (1925-2015‬وهو غير معروف كثيرا‪ ،‬وهناك تحقيقات‬
‫الدراسات القر ّ‬
‫آنية في الاستشراق الجديد هي التي‬ ‫جد ًا كتبها هذا ّ‬
‫الرجل‪ .‬وأعتقد ّأن ّ‬ ‫مهمة ّ‬ ‫ّ‬
‫فيلولوجية ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألنها لم تعد تدرس ّ‬
‫النص ّ‬ ‫التوقف عندها‪ّ ،‬‬‫تستحق ّ‬
‫الديني في كليته‪ ،‬وإنما تأخذ بعض آلايات وألالفاظ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتهتم باملعجم‪ .‬ولكن هذا املرور من نولدكه إلى ونزبرو لم يحدث هكذا فجأة‪ ،‬بل تخللته محطات أخرى‬
‫ّ‬
‫كانت بمثابة الجسر الواصل بين هذين الطورين‪ ،‬مثل ما كتبه ألفونس منجانا )‪(Alphonse Mingana‬‬
‫)‪ (1878-1937) (Syriac Influence on the Style of the Kur'an‬سنة ‪ ،8937‬وقد درس ألاصل ّ‬
‫السرياني‬
‫لأللفاظ القر ّ‬
‫آنية‪ ،‬وما كتبه آرثر جيفري ‪(Arthur Jeffery) (1892-1959) (The Foreign Vocabulary of‬‬
‫ّ‬
‫املتخصصين‪،‬‬ ‫الدارسين‬ ‫جد ًا ّ‬
‫ولكنها لم تلق عناية من ّ‬ ‫مهمة ّ‬
‫)‪ the Qur’ân‬سنة ‪ .8983‬وهي كتابات ّ‬
‫مؤخ ًرا‪ّ ،‬‬
‫حتى أن كتاب آرثر جيفري لم تقع ترجمته إلى‬
‫ّ ّ‬ ‫وأهملت ّ‬
‫لعدة عقود‪ ،‬ولم يقع الالتفات إليها إال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الترجمة‪ ،‬فهو يأخذ الكلمة ّ‬ ‫ّ‬ ‫اليوم‪ّ ،‬‬
‫ويتتبعها في مختلف اللغات؛‬ ‫وربما ذلك يعود إلى أنه من الكتب صعبة‬
‫ً‬ ‫والعبرية‪ ،‬وهذا ما يجعل ترجمته صعبة ّ‬
‫ّ‬ ‫والحبشية ّ‬
‫والسريانية وآلار ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جدا‪ ،‬ويطرح شرطا‬ ‫امية‬ ‫ألاثيوبية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أساسيا في ّ‬
‫الدراسات القر ّ‬ ‫ّ‬
‫ألاجنبية‪ ،‬والحال أننا‬ ‫آنية املعاصرة‪ ،‬وهو أن يكون الباحث متمكنا من اللغات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫صصين في ّ‬
‫السريانية وآلار ّ‬ ‫اليوم في املجال العربي املعاصر نفتقد إلى باحثين متخ ّ‬
‫السامية‬ ‫امية وفي اللغات‬
‫ّ ً‬ ‫للمتخصص في ّ‬
‫الدراسات القر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫آنية أن يخوض في هذا املجال ما لم يكن مطلعا على هذه‬ ‫عموما‪ ،‬وال يمكن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اللغات ومتمكنا منها‪.‬‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪23‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫د‪ .‬نادر ّ‬


‫تخصصه من اهتماماته اللغوية‪ ،‬فقد كان باحثا في اللغات‬ ‫الحمامي‪ :‬لذلك انطلق نولدكه في‬
‫الس ّ‬
‫امية‪.‬‬ ‫ّ‬

‫الدراسات‬‫املتخصص في ّ‬
‫ّ‬ ‫ضرورية‪ ،‬ينبغي أن يكتسبها ّ‬
‫الدارس أو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫معرفية‬ ‫د‪ّ .‬‬
‫بسام الجمل ‪ :‬هناك شروط‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫اطالع ّ‬‫ّ‬ ‫القر ّ‬
‫علمي واسع ومعرفة باللغات‪ ،‬وعليه أن يكون عارفا بها كتابة ومتقنا لها‬ ‫آنية‪ ،‬وهو أن يكون له‬
‫ّ‬
‫يتكلمها‪ .‬ومع ذلك يبقى املشكل الحقيقي في ّ‬
‫الدراسات القر ّ‬
‫آنية هو غياب جسور‬ ‫قراءة‪ ،‬حتى وإن لم يكن‬
‫ّ‬
‫الصديق (‪ )8988‬وما تكتبه جاكلين ّ‬
‫شابي‬ ‫ّ‬
‫للتواصل املعرفي بين مختلف الباحثين‪ ،‬فما يكتبه يوسف‬

‫)‪(Jacqueline Chabbi) (1943‬وما يكتبه فرد دونر )‪ (Fred Donner) (1945‬ينعدم فيه التواصل املعرفي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الالحق من ّ‬
‫الصديق على سبيل املثال‪ ،‬يخوض في املعجم‬ ‫السابق‪ ،‬فيوسف‬ ‫بين هؤالء‪ ،‬وال نجد استفادة‬
‫ً‬
‫وأساسا‪ ،‬في املعجم اليوناني‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫لكنه ال يستحضر ما قاله آرثر جيفري في هذا املجال‪.‬‬ ‫الدخيل‪،‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫د‪ .‬نادر ّ‬


‫الفيلولوجية حول البحث في أصول بعض الكلمات‬ ‫الحمامي‪ :‬إذا كانت هناك هذه النزاعات‬
‫ّ‬ ‫السريانية أو آلار ّ‬
‫اليونانية أو ّ‬
‫ّ‬
‫امية أو غيرها‪ ،‬فهل هي من منطلق أن تلك الكلمات تمتلك أصول فعلية‬ ‫في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫في تلك اللغات‪ ،‬أم إن ألامر ل يعدو أن يكون سوى دفاعا مسبقا عن نوع من الاشتراك الحضاري أو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حتى ّ‬ ‫ّ‬
‫الصراع والجدل بين الثقافات؟ وهل عدم وجود جسور بين الباحثين في هذا املجال‬ ‫التثاقف أو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يعود إلى أن كل باحث يشتغل في جزيرة معزولة عن آلاخر؟ أم أنه محكوم بدافع عدم الاتفاق لعتبار‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن ألاصل في لغة بعينها من هذه اللغات وليس في لغة غيرها؟‬

‫لغوية يقوم بينها تقاطع ّ‬ ‫ً‬


‫دائما على وجود عائالت ّ‬ ‫ّ‬ ‫د‪ّ .‬‬
‫مرده إلى‬ ‫بسام الجمل ‪ :‬يؤكد البحث الفيلولولجي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التأثر ّ‬
‫كالعبرية‬ ‫العربية في لغات أخرى‬ ‫والتأثير املتبادلين فيما بينها‪ ،‬وهناك سلسلة نسب لكل كلمة في اللغة‬

‫فرضيات ّأن القرآن‬


‫ّ‬ ‫امية‪ّ .‬‬
‫والدراسات القر ّ‬
‫آنية‪ ،‬في اشتغالها على املصحف‪ ،‬تنطلق من‬ ‫ريانية أو آلار ّ‬
‫الس ّ‬ ‫أو ّ‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪24‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬


‫مثال‪ ،‬أو ّأن الكلمة القر ّ‬ ‫ألاصلي له نسخ سري ّ‬
‫ّ‬
‫آنية ال يمكن أن تفهم إال بالعودة إلى معناها في اللغة‬ ‫انية آرامية‬
‫الحقيقية تكمن ّأنها تشترط وجود أدوات ّ‬
‫مادية من مصاحف قديمة‬ ‫ّ‬ ‫الصعوبة‬ ‫اليونانية أو غيرها‪ّ .‬‬
‫ولكن ّ‬ ‫ّ‬

‫ورقوق يمكن أن تشتغل عليها‪ ،‬مثل مصاحف صنعاء أو مجموعة منجانا في جامعة بيرمنغهام في إنجلترا‪،‬‬
‫علميا باعتماد الكربون عدد ‪ ،88‬الذي ّ‬
‫يقدم تاريخ ّ‬
‫الرق‬ ‫جد ًا ويقع ّ‬
‫التعامل معها ّ‬ ‫وهي مصاحف قديمة ّ‬
‫ً‬ ‫يقدم تاريخ الخط‪ ،‬وهذا مشكل‪ ،‬أضف إلى ّأنه يحمل هامش خطأ ّ‬ ‫ّ‬
‫ولكنه ال ّ‬
‫يقدر بتسعين سنة تقريبا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ولكن هذه ّ‬
‫فرضية بحث‬ ‫جدا‪ ،‬وتؤكد دائما على وجود‬ ‫العلمية للمخطوطات القديمة تبقى مهمة‬ ‫التحاليل‬
‫تقول ّإن هذا ّ‬
‫النص القرآني له أصل ّ‬
‫معين‪.‬‬

‫ّ‬ ‫الحمامي‪ّ :‬ربما هذا ما قاد ّ‬


‫د‪ .‬نادر ّ‬
‫الدراسـ ـ ـ ـات القرآنيـ ـ ـ ـة مؤخرا إلى الحديث عن "قرآن الحجر "‬
‫ّ‬ ‫)‪ (le coran de prière‬للبحث عن ّ‬
‫املادي الذي ل يتوفرفي معظم ألاحوال‪.‬‬

‫آنية موجودة في املنقوشات أو ّ‬


‫النقوش في الجزيرة العربية‪ ،‬كتلك‬ ‫د‪ّ .‬‬
‫بسام الجمل ‪ :‬نعم‪ ،‬فالعبارة القر ّ‬
‫ولكن إلاشكال في ّ‬
‫الدراسات القر ّ‬
‫آنية اليوم هو‬ ‫الرقوق واملصاحف القديمة‪ّ .‬‬
‫التي وجدت في اليمن‪ ،‬كما في ّ‬

‫ّ‬
‫فرضيات عمل‪،‬‬ ‫ّ‬
‫العلمية‪ ،‬فهي تبقى‬ ‫تشق أعمال الباحثين لم تحظ بإجماع ّ‬
‫النخبة‬ ‫ّأن هذه الاختالفات التي ّ‬

‫لذلك اختلف ّ‬
‫الدارسون في تقييم ما قام به لكسنبرغ )‪ (Christoph Luxenberg‬على سبيل املثال‪ ،‬فانتصر‬
‫له البعض وانتقده البعض آلاخر‪ّ ،‬‬
‫ولعل ألامر نفسه كان قد وقع مع ونزبرو‪ ،‬ولو بشكل آخر‪ ،‬ورغم ما‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫طاله من انتقاد فإننا نشهد اليوم وقوفا على قيمة ما كتبه حين بحث في القصص القرآني وأعاد ترتيب‬
‫ً‬
‫النبي شعيب‪ .‬ونالحظ اليوم ّأن هناك عودة‬
‫قصة ّ‬
‫نسقا في القرآن حول ّ‬ ‫آلايات من سور مختلفة واستخرج‬
‫ً‬
‫وشديدا من قبل ّ‬ ‫ً ً‬ ‫إلى تلك الكتب بغرض الاستفادة منها بعد أن ُ‬
‫الدارسين‪.‬‬ ‫استهجنت ولقيت نقدا كبيرا‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪25‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫ألاملانية ممثلة في أنغليكا نويفرت ‪(Angelika‬‬ ‫وخاصة من ِقبل املدرسة‬ ‫الحمامي‪:‬‬ ‫د‪ .‬نادر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ألادبية‪ ،‬على وحدة سور القرآن وأن‬ ‫)‪ Neuwirth) (1943‬وتالمذتها الذين يؤكدون‪ ،‬في نوع من املقاربة‬
‫مقدمة وجوهرا وخاتمة‪ .‬وبالعودة إلى مسألة الفيلولوجيا فقد كنت ّ‬
‫قدمت محاضرة ّ‬
‫مهمة حول‬ ‫فيها ّ‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ما أسميته التنازع بين القراءة والفيلولوجيا‪ ،‬فماذا تقصد بهذا التنازع؟‬

‫ً‬ ‫بسام الجمل ‪ :‬هذا ّ‬


‫د‪ّ .‬‬
‫التنازع‪ ،‬وهو الذي أسميته أيضا في عنوان فرعي ضمن املداخلة بـ"قلق في‬
‫آنية أم نأخذ ّ‬
‫بالتحاليل‬ ‫التفسير"‪ ،‬يضعنا أما تساؤل؛ هل نأخذ اليوم بالقراءات الجديدة للعبارة القر ّ‬
‫عدة كلمات في املصحف ّ‬
‫قدم في شأنها دارسو القرآن أو‬ ‫الفيلولوجية أم نجمع بين ألامرين؛ فهناك ّ‬
‫ّ‬

‫املستشرقون الجدد قراءات أخرى موجودة في مصاحف قديمة‪ ،‬كان قد ذكرها آرثر جيفري‪ّ ،‬‬
‫ولكنها غير‬
‫السبع والعشر وألاربعة عشر) من ذلك آلاية التي ّ‬
‫تتحدث عن‬ ‫الرسمية املعترف بها ( ّ‬
‫معتمدة في القراءات ّ‬
‫شك في ّأن هناك خطأ ما‪ ،‬فلماذا ال نستعمل عبارة " َح َطب ّ‬
‫جهنم"‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫جهنم"‪ ،‬فهو يقول ال ّ‬‫صب ّ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫"ح ِ‬
‫َ ْ ً‬ ‫َ‬
‫أيضا آلاية التي ورد فيها "ت ْس َم ُع ل ُه ْم ِركزا"‪ ،‬يقول عندما نستحضر صورة املصحف قبل إلاعجام؛ أي قبل‬

‫خاصة ّأن آيات أخرى في سور أخرى‬ ‫ابية‪ ،‬فيمكن أن ُتقرأ " َت ْس َم ُع َل ُه ْم ِذ ْك ًرا" ّ‬ ‫وضع ّ‬
‫النقاط والحركات إلاعر ّ‬
‫والذكر‪ .‬إلى غير ذلك من ألامثلة التي تدعونا إلى إعادة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التركيب وهذا ّ‬
‫التالزم بين ّ‬
‫النظر‬ ‫السمع ِ‬ ‫تستعمل هذا‬

‫في عدد من ألالفاظ القرآنية‪.‬‬

‫ّ‬ ‫د‪ .‬نادر ّ‬


‫الحمامي‪ :‬هل يعني ذلك استغالل التفسير لتصحيح رسم املصحف‪ ،‬ولتصحيح الفيلولوجيا‬

‫في نهاية ألامر؟‬

‫ّ‬
‫الاتجاه‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بسام الجمل ‪ :‬صحيح‪ ،‬وحتى ّ‬
‫د‪ّ .‬‬
‫ألن هناك كلمات أو‬ ‫تصب في هذا‬ ‫الفيلولوجية‬ ‫التحاليل‬
‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫عبارات أو ملفوظات قر ّ‬
‫جدا‪ ،‬ويحصرها‬ ‫املفسرون في الوصول إلى معناها اختالفات كبيرة‬ ‫آنية اختلف‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪26‬‬

‫ّ‬
‫بمجرد تأويل تلك‬ ‫نحل هذا إلاشكال؟ ال أعتقد ّأنه ُي ّ‬
‫حل‬ ‫لكسنبرغ في حدود ‪ 800‬كلمة‪ .‬إذن كيف يمكن أن ّ‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫مما يولد الوقوف على‬ ‫العربية وحدها‪ ،‬فهذا ال يكفي‪ ،‬بل إنه يولد الاختالف أكثر‬ ‫ألالفاظ في إطار اللغة‬
‫الت ّلفظ فيها‪ .‬لذلك‪ ،‬ينبغي العودة ّ‬
‫والنظر في أصول‬ ‫ومتفق عليه حسب سياق آلاية ومقام ّ‬
‫معنى دقيق ّ‬
‫ّ‬
‫الكلمة ومعانيها في لغات أخرى تنتمي إلى العائلة اللغوية نفسها‪ ،‬وإخضاعها إلى املقارنة‪ ،‬على غرار ما قام به‬

‫مانفرد كروب )‪ (Manfred Kropp) (1947‬الذي نظر في املعجم الحبش ي في القرآن وعاد إلى نسخ الكتاب‬
‫ّ‬
‫الصديق من‬ ‫ّ‬
‫ألاثيوبية القديمة ليقارنه بها‪ ،‬وعلى غرار ما قام به يوسف‬ ‫ّ‬
‫بالحبشية أو‬ ‫ّ‬
‫املحررة‬ ‫ّ‬
‫املقدس‬
‫ّ‬
‫اليونانية‪ ،‬وذلك في مجمل ما كتب وفي ترجماته ملقاطع من‬ ‫تحليل املفردات القرآنية بالعودة إلى أصولها‬
‫حليل ّ‬
‫السرياني آلارامي يقول‬ ‫القرآن وفي كتابه ''ألم نقرأ القرآن بعد''‪ .‬وقد نجد في مستوى آلاية نفسها ّ‬
‫الت َ‬
‫ً‬ ‫شيئا ّ‬
‫والتحليل الفيلولوجي يقول شيئا آخر‪ ،‬وقد قارنت بين ما قاله يوسف الصديق وما قاله لكسنبرغ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ّ‬
‫اليونانية كما تنطق‬ ‫الصديق يقول‪ ،‬على سبيل املثال‪ّ ،‬إن كلمة "الكوثر" تعني الطهر في‬
‫ّ‬ ‫فوجدت ّأن يوسف‬
‫العربية )‪ّ ، (catharsis‬‬
‫وأن ما ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اللهجة ّ‬
‫يدل على اعتبارها دخيلة‬ ‫العامية بطريقة مشابهة لنطقها باللغة‬ ‫في‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً ًّ‬ ‫ّ‬
‫ثالثيا صحيحا على وزن "فوعل" فال نقول "ك ْوتب" أو "خ ْورج" وكانت تلك‬ ‫ّ‬
‫العربية فعال‬ ‫هو أننا ال نجد في‬
‫َّ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اك الك ْوث َر'' أي أعطيناك‬ ‫حجته اللغوية‪ ،‬ونجد في آلاية نفسها وفي الكلمة نفسها لكسنبرغ يقرأ '' ِإنا أعطين‬
‫ْ‬ ‫امية‪ ،‬كما يقرأ كلمة "انحر" في " َف َ‬
‫ص ِ ّل ِل َرِّب َك َوان َح ْر"‬
‫ّ‬
‫الثبات" وهذا معنى آلاية في ّ‬
‫السريانية وآلار ّ‬ ‫"فضيلة‬

‫(انجر) في استحضار لصورة املصحف قبل إلاعجام‪ ،‬وهذا ضروري فالقراءة الفيلولوجية دائما تقوم على‬
‫مبدأ استحضار صورة الخط الحجازي القديم قبل وضع ّ‬
‫النقاط والحركات إلاعرابية‪.‬‬

‫املنهجية املعتمدة على املعنى الذي قد ُي َّ‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫د‪ .‬نادر ّ‬
‫ؤدى من الكلمة بعد‬ ‫ِ‬ ‫الحمامي‪ :‬أل ترى معي أن هذه‬
‫الر ابع وتأسيس نظام القراءات ّ‬
‫السبع‪،‬‬ ‫قوننة )‪ (canonisation‬املصحف مع ابن مجاهد في القرن ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫محدودة‪ّ ،‬‬
‫ألنها أهملت ما ّ‬
‫يسمى القراءات الشاذة؟ فلو أننا جمعنا تلك القراءات الشاذة‪ ،‬وهو ما حدث‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪27‬‬

‫مؤسسة مؤمنون بال حدود‪ ،‬لوجدنا ّأنها ّربما تكون‬


‫مؤخرا في كتاب "املصحف وقراءاته" الذي أصدرته ّ‬
‫ّ‬ ‫هي ألاصل‪ ،‬ولكن نظام القراءات ّ‬
‫السبع هو الذي وضعها في دائرة الشاذ‪.‬‬

‫ّ‬
‫مدعو إلى استحضار هذه القراءات التي ّ‬
‫سميت بالقراءات‬ ‫بسام الجمل ‪ :‬صحيح‪ّ ،‬‬
‫والدارس اليوم‬ ‫د‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫الشاذة‪ ،‬وليس عليه أن يفاضل بين القراءات‪ ،‬فيقول ّإن هذه القراءة صحيحة وألاخرى غير صحيحة‪،‬‬
‫للدرس‪ ،‬وينبغي أن ُنخضعها للمقارنة واملقايسة بغض ّ‬ ‫ّ‬
‫فكلها قراءات قابلة ّ‬
‫النظر عن تصنيف القدامى لها‬
‫ّ‬
‫على ّأنها شاذة‪ .‬لذلك ينبغي استحضار ما كتبه ابن جني (ت ‪ 893‬هـ) في ''املحتسب في القراءات'' وإخضاعه‬
‫ّ‬
‫للدرس ومقارنته بغيره‪ ،‬إلى جانب استحضار القراءات املوجودة في املصاحف القديمة التي وصلتنا نتف‬
‫مهمة ّ‬
‫جدا‪ ،‬وينبغي‬ ‫ّ‬
‫الحوليات؛ فاملقارنة أو املقايسة ّ‬ ‫منها أو عنها في كتب ّ‬
‫التاريخ إلاسالمي العام وكتب‬
‫بغض النظر عن مجال ّ‬
‫التعبد‪.‬‬ ‫الاهتمام بها في مجال ّ‬
‫الدرس ّ‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫د‪ .‬نادر ّ‬


‫الحمامي‪ :‬أليس وضع النص القرآني في إطار عام آخذ بالقراءات الشاذة وثنائية التأثر‬
‫ّ‬
‫القرآنية‬ ‫نظرية كاملة قائمة في ال ّدراسات‬
‫والتأثير في إطار اللغات ألاخرى‪ ،‬قادر على أن يخلخل مرتكزات ّ‬

‫تقارب املصحف على ّأنه ّ‬


‫نص'' )‪ (The Quʼran as Text‬القرآن ّ‬
‫نصا''‪ ،‬وهي في كثير من ألاحيان عاجزة‬
‫عن الوصول إلى نتائج ّ‬
‫مهمة؟‬

‫آنية اليوم‪ ،‬وأذكر ّأن ندوات ّ‬


‫مهمة‬ ‫بسام الجمل ‪ :‬هذا املشغل من أوكد اهتمامات ّ‬
‫الدراسات القر ّ‬ ‫د‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫نصا‪ ،‬في محيطه ّ‬
‫خاصة‪ ،‬درست القرآن‪ ،‬باعتباره ّ‬
‫ّ‬
‫التاريخي‪ .‬ولكن هناك اتجاه آخر في‬ ‫عقدت في أملانيا‬
‫ّ‬
‫نحلل الخطاب ّ‬ ‫الد اسة يقول بوجوب أن نكتفي ّ‬
‫ّ‬
‫الديني كما وصلنا وال‬ ‫بالنص وأن نتعامل معه كما هو وأن‬ ‫ر‬
‫نحفر أو ننبش في ماض ي الكلمة ألن ذلك سيفض ي بنا إلى متاهات واختالفات كبرى‪ ،‬وذلك ما ّ‬
‫توصلت إليه‬
‫ّ‬
‫آن ماري بوازيفلو )‪ (Anne-Sylvie Boisliveau‬في أطروحتها ‪ (Le Coran par lui-même).‬وهناك اتجاه ثان‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪28‬‬

‫ّ‬
‫يقول‪ ،‬بعكس ذلك‪ ،‬علينا أن ننبش في تاريخ الكلمة وفي نسبها وفي تسلسلها وفي وجودها في اللغات ألاخرى‪،‬‬
‫ّ‬
‫إمكانيات أخرى للفهم‪ ،‬ولذلك فا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لتحري الفيلولوجي ليس البحث عن فائض في‬ ‫ألن ذلك من شأنه أن يوفر‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫املعنى‪ ،‬بل هو استعادة معنى ما ّربما يكون قد ضاع أو تنوس ي‪ ،‬وتلك إمكانات تبقى متاحة دائما‪.‬‬

‫ّ‬
‫النص كما هو باعتباره ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫د‪ .‬نادر ّ‬
‫نهائي‬ ‫الحمامي‪ :‬أل تعتقد أن املنهج الذي يدعو إلى التعامل مع‬
‫والعقائدية ّ‬
‫والدينية‪ ،‬يلتقي مع مقولة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ألايديولوجية‬ ‫الصراعات‬ ‫ّ‬
‫الدللة‪ ،‬من منطلق الكف عن ّ‬

‫السور ووحدة ّ‬
‫السياق ذاته من ناحية ترتيب ّ‬ ‫ّ‬
‫التوقيف" القديمة في ّ‬
‫السورة‪ ،‬ألامر الذي يناقض‬ ‫"‬
‫ّ‬
‫كأنه يناقض نفسه في ّ‬ ‫ّ‬ ‫املبادئ الكبرى ّ‬
‫النهاية؟‬ ‫القرآنية ذاتها‪ ،‬ما يجعل هذا املنهج‬ ‫للدراسات‬

‫ّ‬
‫التدخل البشري‬ ‫ألن مقولة " ّ‬
‫بسام الجمل ‪ :‬نعم‪ّ ،‬‬
‫د‪ّ .‬‬
‫التوقيف" تقابل مقولة "العمل"‪ ،‬فهي تلغي إمكانية‬
‫وتسيجه وتمنع الخوض فيه‪ّ ،‬‬ ‫ً‬
‫تماما‪ّ ،‬‬
‫فالتوقيف هو أن يقال ّإن هذا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النص‬ ‫وبالتالي فهي تغلق‬ ‫في ّ‬
‫النص‬
‫الرأي موجود وراسخ ّ‬ ‫ّ‬
‫الشكل‪ ،‬وهذا ّ‬ ‫بالتوقيف من هللا على هذا ّ‬ ‫ّ‬
‫الترتيب حصل ّ‬
‫بقوة‬ ‫النحو أو على ذاك‬
‫ً‬
‫شروطا أو ما ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومستمر في ّ‬
‫التاريخ‪ّ .‬‬ ‫ّ‬
‫قبليات‬ ‫التحري الفيلولوجي ال يأخذ بهذه املسلمة ألنه ال يضع‬ ‫ولكن‬
‫فرضيات بحث‪ ،‬قد نختلف في شأنها وفي تقييمها‪ ،‬وهي تبقى قابلة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للتنسيب‬ ‫للبحث‪ ،‬وإنما هو ينطلق من‬
‫ّ‬
‫العلمية اليوم لم تقطع في هذا ألامر‪ ،‬فهو مجال‬ ‫املتكرر‪ .‬لذلك‪ ،‬ف ّ‬
‫النخبة‬ ‫ّ‬ ‫فهم‬ ‫املستمرة ّ‬
‫وللت ّ‬ ‫ّ‬ ‫وللمراجعة‬
‫كون ّ‬
‫والتطور واملراجعة النقدية املتواصلة‪.‬‬ ‫حي بصدد ّ‬
‫الت ّ‬ ‫بحثي ّ‬
‫ّ‬

‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫د‪ .‬نادر ّ‬


‫الحمامي‪ :‬رغم أن البحوث كثيرة في هذا املجال‪ ،‬إل أن املسارل يزال طويال‪.‬‬

‫ً‬ ‫بسام الجمل ‪ :‬ولهذا يشتغل بعض ّ‬


‫د‪ّ .‬‬
‫الدارسين‪ ،‬أحيانا‪ ،‬على كلمة واحدة من آية‪ ،‬كما فعل ستيفان‬
‫ً‬
‫فيلد )‪ (Stefan Wild) (1937‬؛ وقد وقع الاشتغال‪ ،‬مثال‪ ،‬على كلمتي "جبت" و"طاغوت" بكثرة‪ ،‬وظهرت‬
‫حولهما دراسات كثيرة‪ ،‬منها ما هو غير معروف‪ ،‬مثل دراسة هبة عطاء هللا ّ‬
‫املهمة حول ''أصل كلمتي جبت‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪29‬‬

‫وطاغوت في القرآن''‪ ،‬والتي صدرت منذ سنة ‪ ،8970‬ولكن ال أحد يحيل عليها‪ ،‬رغم ّأنها منشورة منذ ذلك‬
‫ّ‬
‫الصديق وغبريال صوما )‪‎ (Gabriel Sawma‬في الكلمتين‪،‬‬ ‫الوقت؛ فقد بحث ّ‬
‫كل من لكسنبرغ ويوسف‬
‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫اطلعت عليها ووجدت ّأنها ّ‬
‫معرفيا يمكن‬ ‫تقدم تأويال‬ ‫ولكن ال أحد من هؤالء عاد إلى دراسة عطاء هللا‪ ،‬وقد‬
‫التحريات ّ‬ ‫ً‬
‫املنهجية ّ‬
‫السائدة في‬ ‫ّ‬ ‫يمولوجية ّأنها تقلب‬
‫ّ‬ ‫الت‬ ‫ّ‬ ‫أن نستفيد منه‪ ،‬وأن نناقشه أيضا‪ .‬وألاصل في‬

‫املفسر‪ ،‬عندما تعترضه كلمة وال يفهم معناها‪ّ ،‬إما أن يقول ّإن‬
‫الكالسيكية؛ ففي القديم كان ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الدراسات‬
‫ّ‬
‫املعرفي في ذاته‪ ،‬ويحاول‬ ‫ّ‬
‫وإنما هو قصور في القارئ‪ ،‬فيقرأ ّ‬
‫النقص‬ ‫الغموض في هذه الكلمة ليس من هللا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أن يقترب من مراد هللا حتى يفهم ذلك املعنى‪ّ ،‬‬
‫وإما أن يفتح املعاجم اللغوية ويعود إلى "لسان العرب"‬
‫ً‬
‫تدل على كذا وابن منظور يقول فيها كذا‪ ،‬والحال ّأن هذا املنهج مقلوب رأسا على‬
‫ويقول هذه الكلمة ّ‬
‫ّ‬
‫الديني وابن منظور نفسه يستشهد باآليات‪ ،‬فيقول ّإن‬ ‫متأخر عن نزول ّ‬
‫النص ّ‬ ‫عقب‪ّ ،‬‬
‫ألن "لسان العرب"‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫تدل على هذا املعنى ّ‬
‫وأن القرآن يستعملها في هذا ّ‬ ‫كلمة ما ّ‬
‫منهجية مغلوطة تماما وينبغي‬ ‫السياق‪ ،‬وتلك‬
‫ّ ًّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫منهجية‬ ‫جدا ويغري بالبحث فيه‪ ،‬ولكن فيه صعوبات كبيرة‬ ‫التخلي عنها‪ّ .‬إن هذا الحقل املعرفي مهم‬
‫الرقوق ّ‬ ‫ّ‬
‫والنقوش وغيرها‪.‬‬ ‫املادية ّ‬
‫الض ّ‬
‫رورية التي يستند إليها البحث مثل ّ‬ ‫توفر املحامل ّ‬ ‫ومعرفية‪ ،‬فال ّبد من‬
‫ّ‬

‫ّ‬
‫وتفحصها‪ ،‬ذلك أن‬ ‫وحتى من ذهبوا إلى صنعاء‪ ،‬فقد واجهوا صعوبات في العثور على ّ‬
‫الرقوق القديمة‬
‫غيرت بوين )‪ (Gerd-Rüdiger Puin) (1940‬قد أخذ معه املجموعة التي ّ‬
‫تم اكتشافها منذ سنة ‪ 8973‬في‬
‫ّ ً‬ ‫أمد بعض ّ‬
‫الجامع الكبير بصنعاء‪ ،‬وذهب بها إلى أملانيا واحتفظ بها‪ ،‬وقد ّ‬
‫الدارسين بنسخة منها مؤخرا‪،‬‬
‫ّ‬
‫املتخصصون في‬ ‫خاصة الجماعة التي اشتغلت على "املصحف وقراءاته"‪ ،‬تلك ّ‬
‫الصعوبات ّ‬
‫يتعرض إليها‬ ‫ّ‬
‫املادي ومعالجة ّ‬
‫النقوش والجمل‬
‫ّ‬
‫التراث ّ‬ ‫التنقيب في‬ ‫العربية أيض ًا‪ ،‬فليس من ّ‬
‫السهل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحفريات في الجزيرة‬
‫املنحوتة على ّ‬
‫الصخور‪.‬‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪31‬‬

‫ّ‬ ‫د‪ .‬نادر ّ‬


‫الحمامي‪ :‬ل يمكن أن أختم هذا الحوار دون طرح سؤال آخر؛ أذكر أن دمحم أركون قد تساءل‪،‬‬
‫ّ‬
‫متخيل في القرآن‪ ،‬وهذا يخرج‬ ‫في مقال له يعود إلى أواخر ّ‬
‫السبعينيات‪ ،‬حول مدى إمكان القول بوجود‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والفيلولوجية‪ ،‬لينفتح على تساؤل آخر حول مدى إمكان مقاربة النص‬ ‫بنا عن املقاربة التاريخية‬
‫ّ‬
‫ورمزية‪ .‬فهل ترى أن هذه املقاربة ممكنة في إطار‬ ‫ّ‬
‫أنثروبوبجية‬ ‫القرآني‪ ،‬باعتباره ّ‬
‫نصا‪ ،‬مقاربة‬
‫ّ‬
‫القرآنية؟‬ ‫ّ‬
‫الدراسات‬

‫ألن ّ‬
‫النص القرآني إفراز بيئته ووسطه‪ .‬ويمكن‬ ‫آنية تجمع بين ألامرين‪ّ ،‬‬ ‫بسام الجمل ‪ّ :‬‬
‫الدراسات القر ّ‬ ‫د‪ّ .‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بالنص من خالل ذلك ّ‬


‫أن نقرأ املعطيات التي أحاطت ّ‬
‫املعرفية التي تبقى‬ ‫النص نفسه‪ ،‬رغم الثغرات‬
‫بالنصوص ألاخرى التي ّ‬
‫حفت به‬ ‫النص من خالل مقارنته ّ‬
‫موجودة وقائمة في كل بحث‪ ،‬كما يمكن أن نقرأ ّ‬

‫النص في محيطه ّ‬ ‫ً‬


‫دائما أن ندرس ّ‬ ‫ّ‬
‫النسيان أو ّ‬
‫التاريخي وفي‬ ‫تم استبعادها‪ .‬وفي إلامكان‬ ‫أو زامنته‪ ،‬وإن طواها‬
‫ّ ً‬ ‫الصعوبات‪ .‬لذلك فعلى ّ‬
‫املعرفية‪ ،‬رغم ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الدارس أن يخوض في تلك املباحث متسلحا‬ ‫إيبيستيميته‬ ‫زمنيته وفي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قبليات إي ّ‬ ‫ّ‬
‫وأال ينطلق من ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أيديولوجية‪ ،‬وإنما عليه أن يخوض‬ ‫مانية أو‬ ‫معرفية دقيقة وصارمة‪،‬‬ ‫بعدة‬

‫أي مدى يمكن أن توصله وإلى ّأية محطة سيؤول به‬


‫مغامرة البحث دون أن يعرف‪ ،‬بشكل مسبق‪ ،‬إلى ّ‬
‫ً‬
‫دائما ّ‬ ‫يتم ّ‬
‫الت ّ‬ ‫مسار الخوض في هذه املسائل‪ّ ،‬‬
‫والنتائج التي ّ‬
‫نسبية وقابلة‬ ‫وصل إليها في هذه املباحث تبقى‬
‫أشدد في هذه املناسبة على أن تكون جسور ّ‬
‫التواصل متاحة بين‬ ‫للمتابعة ّ‬
‫والتجاوز واملراجعة‪ .‬وأنا ّ‬

‫ّ‬
‫متخصصة في‬ ‫الباحثين في هذا امليدان‪ ،‬وهذا ال يكون إال ّعبر ّ‬
‫مؤسسات ومخابر بحث وهياكل بحث‬

‫ألن البحث العلمي‬ ‫آنية في املجال العربي وفي خارجه‪ ،‬وأن تقوم أسباب ّ‬
‫التعاون بين الجميع‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫الدراسات القر ّ‬

‫ليست له ّ‬
‫هوية‪.‬‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬
‫‪www.facebook.com/tanweerlibrary‬‬

‫________________________________________________‬ ‫مكتبة التنوير‬ ‫______________________________________________‬ ‫‪31‬‬

‫بسام الجمل‪ّ ،‬‬


‫وأعبر له عن اعتزازي‬ ‫الحمامي‪ّ :‬‬
‫أود في نهاية هذا الحوار أن أشكر ألاستاذ ّ‬ ‫د‪ .‬نادر ّ‬
‫ّ‬ ‫بالعالقة التي تجمعنا‪ ،‬فهو صديق ّ‬
‫مقرب و أنا أفيد منه بشكل دائم‪ ،‬وقد كان ممن تأثرت بهم بصورة‬
‫جدا؛ وهي ّأنه متواضع ّ‬
‫علميا تواضعا‬ ‫شخصية في مسار البحث الجامعي‪ ،‬ولألستاذ بسام ميزة مهمة ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫كل البعد عن افتعال ّ‬
‫غير زائف‪ ،‬وبعيد ّ‬
‫الضوضاء‪ ،‬وهذه شهادة رأيت أن من واجبي أن أقولها أمام‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجميع‪ّ ،‬‬
‫أجدد لك شكري أستاذ ّ‬
‫بسام وأرجو أن نلقاك في فرص قادمة للتعامل وللبحث والنقاش‪.‬‬

‫ً‬ ‫د‪ّ .‬‬


‫بسام الجمل ‪:‬شكرا لكم‪.‬‬

‫‪https://attanweerlibrary.blogspot.com/https://attanweerlibrary.blogspot.com/‬‬

You might also like