You are on page 1of 157

‫املستشار‬

‫‪2009 - 2008‬‬
‫محمد أمني املهدي‬
‫رئيس مجلس الدولة املصري سابق ًا‬
‫معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية‬

‫والقاضي السابق باحملكمة اجلنائية الدولية بالهاي‬


‫وزارة العدل‬

‫‪IE‬‬
‫‪STUD S‬‬

‫‪KUWAIT IN‬‬
‫‪L‬‬

‫‪ST‬‬
‫‪I‬‬
‫‪GA‬‬

‫‪TU‬‬
‫‪TE‬‬ ‫‪E‬‬
‫‪FOR‬‬ ‫‪&L‬‬
‫‪JUDICILA‬‬

‫‪............................................................................................................................................................‬‬

‫�‪ UO% l‬‬
‫«*�‪Íd�UA�« bLŠ ‰ULł Ø—UA²‬‬

‫‪UÝ‬‬
‫� «‬

‫—«‬ ‫‪bNF‬‬
‫‪  W‬‬

‫�‪bNF*« d¹b‬‬ ‫�‪? O½u bK� X¹uJ�« ? I‬‬


‫‪½U? I�« Ë W? ? ?O? zU? ? ?C‬‬
‫‪·UM¾²Ý_« WLJ×� qO�Ë‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية‬

‫منهـج‬
‫القـاضـي اإلداري‬
‫محـاض ــرات ألقــيت علـى قضــاة الــدوائــر اإلداريــة‬
‫مبع ـهــد الك ـ ــويت لـل ـ ــدراسـ ــات القض ــائـ ـي ــة والق ــان ــونـ ـيــة‬

‫ دور القاضي اإلداري في النظم السياسية املعاصرة‪.‬‬

‫ دور القاضي اإلداري في رقابة اإلنحراف التشريعي في تنظيم احلقوق واحلريات‪.‬‬

‫ تأمالت في أحكام املرسوم بالقانون رقم ‪ 20‬لسنة ‪ 1981‬بإنشاء دائرة باحملكمة الكلية‬

‫لنظر املنازعات اإلدارية‪.‬‬

‫قسم الدراسات والبحوث والترجمة‬

‫‪2009 - 2008‬‬
‫‪1‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫‪2‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ال������ف������ه������رس‬
‫الصفحة‬ ‫امل ــوضـ ــوع‬

‫‪5‬‬ ‫‪ -‬تقدمي‪ :‬املستشار مدير املعهد جمال حمد الشامري ‪.............................................‬‬


‫‪7‬‬ ‫مقدمة املستشار محمد أمني املهدي ‪..........................................................‬‬

‫احملاضرة األولى‪:‬‬
‫‪9‬‬ ‫دور القاضي اإلداري في النظم السياسية املعاصرة‪.................. .‬‬

‫احملاضرة الثانية‪:‬‬
‫دور القاضي اإلداري في رقابة االنحراف التشريعي في‬
‫‪41‬‬ ‫تنظيم احلقوق واحلريات العامة‪..................................................... .‬‬

‫احملاضرة الثالثة‪:‬‬
‫تأمالت في أحكام املرسوم بالقانون رقم ‪ 20‬لسنة ‪ 1981‬بإنشاء‬
‫‪77‬‬ ‫دائرة باحملكمة الكلية لنظر املنازعات اإلدارية‪........................................................... .‬‬

‫امل ـ ـ ــالحـ ـ ـ ــق‪:‬‬

‫امللحـق رقم (‪ :)1‬املرسوم بالقانون رقم ‪ 20‬لسنة ‪ 1981‬بإنشاء دائرة باحملكمة‬


‫‪107‬‬ ‫الكلية لنظر املنازعات اإلدارية‪.......................................................... .‬‬

‫‪114‬‬ ‫امللحق رقم (‪ :)2‬حكم احملكمة اإلدارية العليا بجلسة ‪..................... .1987/1/31‬‬

‫‪119‬‬ ‫امللحق رقم (‪ :)3‬حكم احملكمة اإلدارية العليا بجلسة ‪..................... .1989/3/25‬‬

‫‪125‬‬ ‫امللحق رقم (‪ :)4‬حكم احملكمة اإلدارية العليا بجلسة ‪.................. .1990/11/26‬‬

‫‪131‬‬ ‫امللحق رقم (‪ :)5‬حكم احملكمة اإلدارية العليا بجلسة ‪..................... .1989/2/11‬‬

‫‪142‬‬ ‫امللحق رقم (‪ :)6‬حكم احملكمة اإلدارية العليا بجلسة ‪..................... .1986/1/28‬‬

‫‪3‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫‪4‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ت����ق����دمي‬
‫يبذل معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية في إطار رسالته جهود ًا‬
‫كبيرة لنقل اخلبرات والتواصل بني شيوخ القضاة وشبابه اهتمام ًا بتنمية‬
‫خبرات الشباب وأن يتاح لهم النقاش وطرح املشاكل الفنية والنظرية التي‬
‫تصادفهم في أداء رسالتهم املقدسة بلوغ ًا لغاية العدل عن متكن واقتدار من‬
‫أجل ذلك استضاف املعهد في غضون ديسمبر ‪ 2007‬شيخ ًا من شيوخ القضاء‬
‫اإلداري بجمهورية مصر العربية اسنت في أعماله الكثير من القواعد التي‬
‫أرسى بها مبادئ هامة في املشروعية واحلقوق واحلريات ذلكم هو املستشار‬
‫محمد أمني املهدي رئيس مجلس الدولة املصري األسبق والقاضي السابق‬
‫باحملكمة اجلنائية ال��دول��ي��ة ب�لاه��اي فألقى على ق��ض��اة ال��دوائ��ر اإلداري���ة‬
‫محاضرات ثالث تدور حول دور القاضي اإلداري في النظم السياسية املعاصرة‬
‫ودوره في رقابة االنحراف التشريعي في تنظيم احلقوق واحلريات وأخير ًا‬
‫تأمالت في أحكام املرسوم بالقانون رقم ‪ 20‬لسنة ‪ 1981‬بإنشاء دائرة باحملكمة‬
‫الكلية لنظر املنازعات اإلدارية‪.‬‬
‫وقد أهدى السيد املستشار املعهد حق طبع ونشر هذه احملاضرات وتوزيعها‬
‫على رجال القضاء فارتأى املعهد أن يضم هذا اإلص��دار بني دفتيه كتوثيق‬
‫ملا تضمنته هذه احملاضرات من معلومات قيمة نأمل أن يثرى بها العمل في‬
‫الدوائر اإلدارية‪.‬‬
‫وللفقيه الكبير املستشار محمد أمني املهدي كل الشكر والتقدير‪.‬‬
‫والله من وراء القصد‬

‫مدير معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية‬


‫المستشار‪ /‬جمال حمد الشامري‬
‫وكيل محكمة االستئناف‬

‫‪5‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫‪6‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ُم َ��ق ِّ��دم��ة‬


‫تحتاج كل أمة إلى ُثلة من رجال يصدقون ما يعاهدون أنفسهم وأوطانهم عليه‪ .‬وليس األدعى‬
‫قاض يؤدي قبل توليه مهمة ومحنة القضاء قسم ًا‪،‬‬ ‫عمال من ٍ‬‫ً‬ ‫بالصدق ً‬
‫قوال وباإلخالص‬
‫ُيشهد عليه رب العزة‪ ،‬بأن يحكم بين الناس بالعدل‪ .‬ومؤدى هذ القسم والزمه وجوب أن‬
‫يؤدي القاضي أمانة ما أؤتمن عليه بحذافيرها‪ .‬وإذا كانت هذه األمانة ثقيلة ال يقدر عليها إال‬
‫ثقال على ثقل بالنسبة لقاضي المنازعة اإلدارية الذي يناط به السهر‬ ‫أولو العزم‪ ،‬فإنها تزداد ً‬
‫على حماية المشروعية واحترام جادة القانون وضمان االنحناء أمام سيادته‪ .‬وكل ذلك مما‬
‫يتجاوز‪ ،‬في األعم األغلب‪ ،‬نطاق غير المنازعات اإلدارية التي تتصل أساس ًا بآحاد الناس‪.‬‬
‫فالمنازعة اإلدارية تتعلق‪ ،‬بحسب التكييف‪ ،‬وتتداعى بآثارها‪ ،‬بحسب طبائع األشياء‪ ،‬بكيفية‬
‫ذود عن الحقوق والحريات‬ ‫تسيير شئون الحكم واإلدارة وما يتصل بذلك بحكم اللزوم من ٍ‬
‫المقررة‪ ،‬وكل ذلك من صميم ما يتطلبه استقرار المجتمع وما يلزم لتحقيق أمنه وأمان أفراده‪.‬‬
‫وفي المقدمة لمفاهيم حقوق اإلنسان التي استقرت في الوجدان الجمعي المعاصر‪ ،‬ضرورة‬
‫االلتزام باألصول العامة لإلدارة الرشيدة باعتبارها حق ًا من الحقوق األساسية لإلنسان‪ .‬فإذا‬
‫كان ذلك فلع ّله من المالئم‪ ،‬بل قد يكون من الواجب‪ ،‬أن يعيد قاضي المنازعة اإلدارية الذي‬
‫هو قاضي المشروعية وحامي حماها‪ ،‬أن يعيد النظر في األساسي الذي يستند إليه في قضائه‬
‫اإلنشائي بحيث يكون هاديه في قضائه ومصدر المرجعية في أحكامه‪ ،‬األصول العامة لمفهوم‬
‫اإلدارة الرشيدة بدي ً‬
‫ال عن‪ ،‬أو باألقل جنب ًا إلى جنب‪ ،‬مع فكرة المرفق العام التي تلقيناها‪ ،‬إرث ًا‬
‫غالي ًا عزيز ًا‪ ،‬عن آبائنا األولين المؤسسين لفقه القانون اإلداري ولقضائه اإلنشائي‪.‬‬
‫إلي دعوة كريمة‬ ‫ومن هنا‪ ،‬ولما كان معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية قد وجه ّ‬
‫إللقاء مجموعة من المحاضرات‪ ،‬في لقاء يضم القضاة القائمين على شئون الفصل في‬
‫رأيت أن أتبادل في هذا اللقاء عرض‬ ‫المنازعات اإلداري��ة خالل شهر ديسمبر ‪ ،2007‬فقد ُ‬
‫الفكرة المحورية التي تقدم بيانها وتتصل بالمرجعية الالزمة لمفاهيم اإلدارة الرشيدة كمصدر‬
‫وإطار ُيستقى منه ويصدر عنه ويلتزم به قاضي المنازعة اإلدارية‪.‬‬
‫ولما كنت قد ْأطلعت بعض الزمالء األعزاء على مسودات هذه المحاضرات‪ ،‬فقد أشاروا‬
‫علي بالعمل على طبعها في كتيب واحد يجمع شتاتها ويمكن من يريد أن يطلع عليها من‬ ‫ّ‬

‫‪7‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ونزوال على رأي هذه‬‫ً‬ ‫التعرف على الفكرة األساسية التي صدرت عنها تلك المحاضرات‬
‫الصحبة الكريمة التي ال أملك أن أرد لها طلب ًا‪ ،‬أو أخالف لها نصح ًا‪ ،‬فقد توكلت على الله‬
‫والتزمت بالنصح الغالي‪ ،‬فكان هذا الكتيب الذي أدعو أن يكون فيه بعض النفع حتى ينالني‬
‫عنه الجزاء الذي وعد الله به عباده المخلصين‪.‬‬
‫ومما يكون له مجال ذكر‪ ،‬وبمناسبة ما أكدته من ضرورة بل وحتمية التزام القاضي بالصدق‬
‫أولي مترتب على مفاد صيغة القسم الذي يؤديه قبل‬ ‫واألمانة باعتبار أن كل ذلك مفترض ّ‬
‫أداء مهمته‪ ،‬فإنه يطيب لي أن أشير إلى أن المحكمة الدستورية العليا اتفقت في رؤية سبق‬
‫للمحكمة اإلدارية العليا أن استخلصتها من مفاد عبارات قسم يلزم أن يؤديه عضو مجلس‬
‫الشعب‪ ،‬التزاما بحكم الدستور‪ ،‬قبل أن يقوم بمهام عضويته بالمجلس فقد كان للمحكمة‬
‫اإلدارية العليا بمجلس الدولة قضاء مفاده أن القسم الذي يؤديه عضو مجلس الشعب يلزمه بأن‬
‫يكون متمتع ًا بالجنسية المصرية وحدها دون أن تشاركها جنسية أخرى وإن ُأجيز له اكتسابها‪،‬‬
‫فجاء تفسير المحكمة الدستودية العليا بما مفاده أن عبارة القسم تتطلب‪ ،‬ايضا صدقا وحق ًا‬
‫أن يكون عضو مجلس الشعب قد أدى الخدمة العسكرية اإللزامية أو ُأعفي منها قانون ًا‪ .‬فإن‬
‫كان قد نكص عن واجب مقدس مصدره الدستور والقانون‪ ،‬استحال انصياعه لحكم المادة‬
‫(‪ )90‬من الدستور التي توجب على عضو مجلس الشعب أن يقسم يمينا باحترام الدستور‪،‬‬
‫وبهذا المنطق جرى قرار المحكمة الدستورية العليا في التفسير الصادر في ‪ 17‬من أغسطس‬
‫سنة ‪( 2003‬طلب التفسير رقم ‪ 1‬لسنة ‪ 24‬القضائية)‪ .‬وكل ذلك يؤكد أن القسم‪ ،‬الذي يؤديه‬
‫القاضي أو ذلك الذي يؤديه عضو مجلس الشعب قبل تولي كل منهما مهام واليته‪ ،‬ليس‬
‫عز جالله عليه‪،‬‬ ‫طقس ًا شكلي ًا وإنما هو تعبير صادق عن عهد يتعهد به من يؤديه‪ ،‬يشهد الله ّ‬
‫نزوال على حقيقة مضمونه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كامال لمفاده على من أداه‬ ‫ويعني التزام ًا أمين ًا وانصياع ًا‬
‫أدعو الله أن يجعلني ممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه‪.‬‬
‫وعلى الله قصد السبيل‪.‬‬

‫أمين المهدي‬
‫القاهرة في‬
‫المحرم ‪1429‬هـ‪ -‬يناير ‪2008‬م‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫دور القـاضــي اإلداري‬


‫فــي الـنـظــم السيــاسـيـة املعـــاصــرة‬

‫‪9‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫‪10‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫شغلت نظرية المرفق العام مكان ًا محوري ًا في صياغة أحكام القانون اإلداري‬
‫طوال القرن الماضي رغم ما ُوجه إليها من انتقادات أهمها تلك التي تستند‬
‫إلى عدم وحدة النظام القانوني الذي تخضع لها المرافق العامة سواء كان مرد‬
‫ذلك إلى اختالف طبيعة المرافق العامة اإلدارية منها وتلك الصناعية والتجارية‪،‬‬
‫أو كان مرد ذلك إلى األخذ ببعض أساليب القانون الخاص في إدارة المرفق‬
‫العام‪.‬‬
‫على إنه وأيا م ًا كان األمر‪ ،‬فقد ظلت نظرية المرفق العام‪ ،‬نتاج فقه وفكر‬
‫مدرسة بوردو بزعامه العميد «ديجي» تمثل حجر الزاوية في بنيان القانون‬
‫اإلداري‪ ،‬كما ظلت عالقة في ذه��ن الفقه ومهيمنة على وج��دان القاضي‬
‫اإلداري‪.‬‬
‫ولعل مرد ذلك إلى أن هذه النظرية كانت تقوم على فكرة اساسية تقوم في‬
‫جوهرها على ضرورة تحقيق مفهوم التضامن بين أفراد المجتمع عن طريق‬
‫تلبية االحتياجات العامة‪ .‬وكان ازدهار فكرة المرفق العام متزامن ًا مع انتشار‬
‫المفاهيم االشتراكية والتعاليم النابعة من ضمير إنساني مرهف‪ ،‬التي انعكس‬
‫دورها على طبيعة الدور الذي تقوم به الدولة‪ ،‬التي كانت توصف بأنها الدولة‬
‫الراعية «‪.»I´Etat providence‬‬
‫إال أنه ولما كانت التشريعات المقارنة التي توالى صدورها خالل العقود‬
‫األخيرة من القرن الماضي تكشف عن تغير في مفهوم الدولة ودوره��ا في‬
‫مختلف أوجه النشاط المجتمعي‪ ،‬السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬نتيجة‬
‫انسحاب الدولة عن القيام بالكثير من أوجه النشاط التي كانت تعتبر تقليدي ًا من‬
‫الوظائف األساسية والطبيعية للدولة‪ ،‬فإذا كان ذلك وكان إنشاء المرفق العام‬
‫رهن ًا بإرادة السلطة العامة التي نادر ًا ما تفصح صراحة عن اعتبار نشاط معين‬

‫‪11‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫مرفق ًا عام ًا‪ ،‬فإن القرائن التي يستدل بها على وجود المرفق العام والتي كانت‬
‫تتحصل أساس ًا في دخول النشاط في صميم وظيفة الدولة‪ ،‬أصبحت محل‬
‫إعادة نظر بحسبان أن كثير ًا مما كان يدخل‪ ،‬تقليدي ًا‪ ،‬في صميم وظيفة الدولة‪،‬‬
‫أصبح بمقتضى تشريعات يتوالى صدورها من األنشطة التي تنحسر عنها سلطة‬
‫الدولة‪ ،‬ولعل أهم ما يترتب على ما سبق من أثر يتمثل في ازدياد الصعوبات‬
‫التي أصبحت تحيط بنظرية المرفق العام في ذاتها‪ ،‬مما من شأنه خلخلة المكانة‬
‫التي تشغلها هذه النظرية تقليدي ًا‪ ،‬في بنيان القانون اإلداري‪.‬‬
‫فإذا كان ذلك‪ ،‬فقد يكون من المالئم عدم االقتصار على وصف الواقع‬
‫المعاصر‪ ،‬بأن نمضي قدما للتحري عما إذا كانت قد قامت فكرة محورية أخرى‪،‬‬
‫سواء بذاتها‪ ،‬أو جنب ًا إلى جنب مع ما تبقى من مكانة تتمتع بها نظرية المرفق‬
‫العام‪ ،‬كأساس تستند إليه أحكام القانون اإلداري‪ ،‬وتصلح بالتالي كمصدر‬
‫يستمد منه القاضي اإلداري‪ ،‬في استخالص سائغ واقع ًا وقانون ًا‪ ،‬ما يتالءم من‬
‫صحيح الحكم على واقعات مايعرض عليه من منازعات‪.‬‬
‫(‪ )1‬تستلزم ممارسة القاضي اإلداري كامل اختصاصاته على صحيح وجهه‪،‬‬
‫دوام استحضاره المبادئ العامة التي تعتبر بمثابة الركائز األساسية التي يقوم‬
‫عليها تنظيم المجتمع سياسي ًا وإداري ًا واقتصادي ًا‪ ،‬والتي تكشف بهذه المثابة‬
‫عن المفهوم الخاص لدور الدولة من واقع تنظيم أوجه أنشطتها ووسائل‬
‫تداخلها في حركة المجتمع‪ ،‬وكذلك عن مركز الفرد من منظور الحقوق‬
‫والحريات التي يتمتع بها في إط��ار التنظيم السياسي واإلداري للدولة‬
‫والضمانات المؤثرة قانون ًا لحماية تلك الحقوق والحريات‪ ،‬وما يعين‬
‫القاضي اإلداري في ذلك هو التشريعات التي تعتبر قانون ًا من التشريعات‬
‫الرئيسية أو تلك التي يقر في الذهن الجمعي اعتبارها كذلك‪ ،‬وهي تلك‬
‫ومثل وقيم عامة تسود في المجتمع‬ ‫التشريعات التي تكشف عن مفاهيم كلية ُ‬
‫وتمثل في الحقيقة والواقع التعبير الصادق عن فلسفة الحكم واإلدارة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ويأتي الدستور على القمة من تلك التشريعات‪ ،‬سواء فيما يرد في صلبه أو‬
‫ما تضمنته الوثائق المتصلة به‪ ،‬ومنها مقدمته‪ ،‬أيا ما يكون الرأي في مدى قوة‬
‫اإللزام التي تتمع بها بذاتها‪ ،‬أو بمقتضى نص خاص يحيل إليها‪ ،‬أو ما يرد في‬
‫الوثائق الملحقة به أو التشريعات المكملة له‪.‬وثمة تشريعات أخرى ‪-‬بخالف‬
‫ومثل‬
‫ماسبق‪ -‬مما يتصف بهذه السمة‪ ،‬أي في كونها كاشفة عن مفاهيم كلية ُ‬
‫عامة وقيم سائدة في المجتمع‪ ،‬وهي تلك التشريعات والتي وإن كانت تنظم‬
‫ممالة قيم تتجاوز أحكامها‪ ،‬فرادى أو مجتمعة‪ ،‬قيم‬‫شأن ًا معين ًا‪ ،‬إال أنها تكون ّ‬
‫تختزل فيها السمات الرئيسية أو« الصفات الوراثية» للتنظيم المجتمعي‪.‬‬
‫(‪ )2‬ولزوم اضطالع القاضي اإلداري بذلك أساسه أن للقاضي اإلداري‬
‫نصيب ًا في الكشف عن األحكام القانونية التي يتشكل منها نسيج القانون‬
‫اإلداري‪ ،‬وال يعد مسلك القاضي اإلداري هذا خروج ًا وتجاوز ًا لنطاق‬
‫اختصاصه القضائي‪ ،‬ذلك أنه من المستقر عليه‪ ،‬ومن المعلوم عن القانون‬
‫اإلداري بالضرورة‪ ،‬أن أحكام هذا النوع من القانون ليست بحكم الواقع‬
‫مقننة‪ ،‬كما أن من تلك األحكام المقننة ما يتطلب تطبيقه على صحيح‬
‫وجهه استحضار أحكام أخرى تكمل ما نقص منها‪ ،‬وكل ذلك من شأنه‬
‫أن يتيح للقاضي اإلداري أن ينزل صحيح الحكم على ما يعرض عليه‬
‫من منازعات قوامها وقائع غير متناهية‪ ،‬وقضاء القاضي اإلداري في هذه‬
‫األحوال‪ ،‬إنما يجد أساسه وسند شرعيته فيما يستقرأه من قواعد عامة‬
‫استخالص ًا من أحكام التشريعات وابتغا ًء لوجه الصالح العام األمر الذي‬
‫‪,‬‬
‫تتمثل فيه بحق الشرعية األولى «‪ »L Egitimite‬أو األساسية للبنيان‬
‫القانوني الذي ينظم حركة المجتمع في زمن معين‪.‬‬
‫(‪ )3‬وطريق القاضي اإلداري‪ ,‬في كل ما تقدم‪ ،‬هو ال��ص��راط الوسط بين‬
‫مذهبين‪،‬مذهب أهل القانون الخاص‪ ،‬فقهاؤه وقضاته‪ ،‬الذين ينحازون‪ ،‬في‬
‫العادة‪ ،‬إلى اقتناع بأن القانون المدني هو وحده الذي يتمتع بصفة«القانون‬
‫الحق» بحسبان أن القاضي المدني إنمايتعين أن ينحصر دوره في دقيق تفسير‬
‫‪13‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫وتطبيق حكم القانون مع احترام مبدأ حرية اإلرادة طالما لم تخالف حكم ًا‬
‫ملزم ًا‪ .‬ومذهب أهل علم االجتماع الذين يقومون بدراسة وتحليل الظواهر‬
‫االجتماعية‪ ،‬ومن ذلك تحديد مفهوم دور الدولة ومركز الفرد في زمن معين‪،‬‬
‫غير مقتصرين في دراستهم وتحليلهم على مفاد أحكام التشريعات‪ ،‬وإن كانت‬
‫دراسة هذه التشريعات واستخالص النتائج استقراء منها مما يدخل في زمرة‬
‫المؤشرات التي يعولون عليها في دراسة الظاهرة االجتماعية‪.‬‬
‫وإيضاح ًا لما سبق ‪ ،‬فقد استقرأ القضاء اإلداري المصري مث ً‬
‫ال منذ إنشائه في‬
‫منتصف القرن الماضي‪ ،‬من أحكام الدساتير المتعاقبة والتشريعات األساسية‬
‫الدور االيجابي المحدد للدولة في حركة المجتمع وفا ًء لالحتياجات العامة من‬
‫ناحية‪ ،‬ومركز الفرد من منظور الحقوق والحريات العامة من ناحيه أخرى‪ .‬فكان‬
‫استقراء الدور االيجابى للدولة في حركة المجتمع أساس ًا أقيمت علية نظرية‬
‫المرفق العام مع ما تقرر على مقتضاها من أحكام‪ ,‬كان البعض منها مما تناولته‬
‫األحكام بالنص‪ ،‬في حين كان الكثير منها نتاج صياغة القاضي اإلداري‪.‬‬
‫وعلى سبيل المثال فقد جرى قضاء مجلس الدولة المصري‪ ،‬على غرار‬
‫القضاء اإلداري الفرنسي‪ ،‬بأنه حتى في حالة عدم وجود نص بإلزام اإلدارة بإنشاء‬
‫مرفق عام‪ ،‬فإنه متى تقرر ذلك‪ ،‬فان المرفق العام يخضع لمبادئ عامة‪ ،‬مستمدة‬
‫من روح التشريعات‪ ،‬تتحصل في ضرورة سيره بانتظام واطراد ودوام إجراء‬
‫مواءمة إدارته مع االحتياجات العامة‪ ،‬وضرورة توافر المساواة أمام المرفق‪,‬‬
‫كما أضيف إلى ما سبق مبدأ آخر هو مبدأ الحياد«‪ »neutralité‬ومفاده عدم‬
‫االكتفاء بتحقيق مبدأ المساواة أمام المرفق‪ ،‬بل يتعين أن يراعى المرفق في سيره‬
‫عدم االنحياز إلى أي تيار فكري أو سياسي من شأنه أن يخرج المرفق عن دوره‬
‫الحيادي الواجب‪ .‬ففي فرنسا‪ ،‬واستنادا إلى هذا المبدأ‪ ،‬فقد صدر المنشور‬
‫اإلداري المؤرخ ‪ 12‬من ديسمبر ‪ 1989‬الذي يمنع القائمين على التدريس من‬
‫إرت��داء زي أو حمل إشارة تكشف عن اتجاه فلسفي أو ديني أو سياسي مما‬

‫‪14‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫من شأنه المساس بحرية التالميذ في االعتقاد ومن ثم التأثير على دور األسرة‬
‫التربوي‪.‬‬
‫ومما له مجال ذكر في هذا المقام أن محكمة القضاء اإلداري المصري قضت‬
‫بأن ارتداء المدرسات الحجاب ال ينبئ في ذاته عن اتجاه ديني أو سياسي معين‪،‬‬
‫ال عن الجانب الشرعي في شأنه‪ ،‬مما يتفق والعادات‬ ‫وإن تغطية الرأس فض ً‬
‫المستقرة في مصر وال يكشف عن اتجاه ديني أوسياسي معين‪ ،‬وبالتالي انتهت‬
‫المحكمة إلى وقف تنفيذ القرار الوزاري الصادر بمنع المدرسات المحجبات‬
‫من التدريس وتكليفهن بمهام إداري��ة وحسب‪،‬كما كان استخالص القاضي‬
‫اإلداري حقيق التكييف القانوني لمفهوم الحق العام أو الحرية العامة من مفاد‬
‫األحكام المقررة لها أساس ًا لقضاء محصلته أن الصفة العامة التي تلحق بفئة‬
‫معينة من الحقوق والحريات ترتب آثار ًا قانونية من شأنها إلزام الدولة بصونها‬
‫وضمانها‪ ،‬وبالتالي فال يكون تنظيم هذا الحق أو تلك الحرية إال بتشريع يضمن‬
‫عدم المساس بأصل هذا الحق أو تلك الحرية‪ ،‬وعلى ذلك فقد جرى القضاء‬
‫اإلداري في مصر على أنه ولئن كانت المادة (‪ )15‬من دستور سنة ‪ 1923‬التي‬
‫تقرر حرية الصحافة كحرية من الحريات العامة‪ ،‬تجيز على سبيل االستثناء‬
‫والعتبارات الحفاظ على النظام االجتماعي إنذار الصحف أو وقفها أو إلغاؤها‬
‫بالطريق اإلداري‪ ،‬إال أن استناد اإلدارة إلى هذه الرخصة إنما يكون منوط ًا بصدور‬
‫تشريع يحدد شروط وأوضاع إعمالها‪ ،‬وعلى ذلك فإنه وإلى أن يصدر التشريع‬
‫المنظم لذلك‪ ،‬فال يجوز لإلدارة قانونا أن تستند إلى الحكم الوارد بالدستور‬
‫أساس ًا تقيم عليه القرار بالمصادرة اإلدارية حتى وإن أبدت اإلدارة أن القرار قام‬
‫على دواعي وقاية النظام االجتماعي‪.‬‬
‫كما قضت محكمة القضاء اإلداري في حكم حديث بأنه ال يصح دستوري ًا إن‬
‫يفوض القانون الصادر بتنظيم حق أو حرية عامة منصوص عليها في الدستور؛‬
‫وكانت في واقع المنازعة المطروحة حرية السفر والتنقل‪ ،‬السلطة اإلدارية في‬

‫‪15‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫وضع ضوابط تنظيم هذا الحق أو تلك الحرية‪ ،‬بل يتعين أن يتناول القانون‬
‫تنظيم هذه الضوابط والقيود التي يتعين أن يمارس الحق أو الحرية العامة في‬
‫إطارها‪ .‬فخالصة القول إن النهج الذي يتعين ان ينتهجه القاضي اإلداري من‬
‫شأنه أن يحدد اإلطار العام لحدود اجتهاده‪ ،‬كما يبن له معالم سبيل التحري‬
‫عن حقيق القاعدة القانونية التي تحكم الواقعه تمهيد ًا لصحيح تطبيقها‪ ،‬وكل‬
‫ذلك مما يعصم القاضي اإلداري من أن تصدر أحكامه عن هوى أو من منطلق‬
‫اعتبارات شخصية أو نتيجة رؤية خاصة‪ .‬وبالترتيب على ذلك يصبح النظر إلى‬
‫أحكام القضاء اإلداري باعتبارها نبع ًا يمكن أن تستقي منه ‪ -‬إلى جانب أحكام‬
‫التشريعات ‪ -‬المعالم الرئيسية لتنظيم المجتمع بما في ذلك تحديد دور الدولة‬
‫والمركز القانوني الذي يتمتع به األفراد‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن السمة الرئيسية للنظم المقارنة حتى‬
‫أخريات عقود القرن الماضي‪ ،‬كانت تتحصل في تكريس مفهوم الدولة الراعية‬
‫"‪ "Etat Providence‬مع ما يفرزه هذا المفهوم من ازدهار فكرة المرفق‬
‫العام كدعامة أساسية لبنيان القانون اإلداري‪ ،‬بعد انزواء مفهوم السلطة العامة‬
‫كأساس وحيد للقانون اإلداري‪ ،‬باعتبار ان هذا القانون يقوم في أساسه‪ ،‬وفى‬
‫المقام األول‪ ،‬على إخضاع اإلدارة لحكم القانون‪ ،‬وليس لتكريس امتيازات‬
‫لإلدارة في مواجهة األفراد‪.‬‬
‫(‪ )4‬إال ان��ه‪ ,‬واعتبار ًا من أخريات سنوات القرن الماضي‪ ،‬فقد تعددت‬
‫التشريعات والوثائق الوطنية والدولية التي تكشف عن فكرجديد تصدر‬
‫عنه‪ ،‬ليس هو باليقين الفكر الذي كان سائد ًا حتى هذا الوقت وذلك من‬
‫ناحيتين؛ أوالهما ويتصل بدور الدولة وبما يتاح لها من وسائل التدخل في‬
‫حركة المجتمع‪ ،‬وثانيهما ويتعلق بحقوق األفراد سواء من حيث مصادر‬
‫الحقوق ووسيلة حمايتها‪ ،‬أو من حيث التكييف الذي أسبغ على البعض‬
‫منها بحيث صارت مما يعتبر حقوقا لالنسان له التمتع بها باعتباره لصيقة‬
‫بشخصه وبآدميته مما يجعلها عصية على المساس بها تقييد ًا أو انتقاص ًا‪،‬‬

‫‪16‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫بل قد يصل األمر إلى حد تقرير جزاء جنائي وطني أو دولي يتعرض له من‬
‫قام بانتهاك الحق أو التطاول عليه أي ًا ما تكون صفته الرسمية‪ ،‬وعلى سبيل‬
‫المثال فالجزاء الجنائي مقرر بالنسبة لمرتكبي جرائم اإلبادة الجماعية‬
‫«‪ »Genocide‬بقتضى أحكام اتفاقية سنة ‪1948‬وبالنسبة للجرائم‬
‫ضد اإلنسانية بمقتضى أحكام اتفاقية روما لسنة ‪ ،1998‬التي تضمنت‬
‫إنشاء المحكمة الجنائية الدولية وتنظيم اختصاصها‪ ،‬والتي دخلت حيز‬
‫التنفيذ اعتبار ًا من أول يوليو ‪ .2002‬أما عن الحقوق التي ال يجوز بحال‬
‫المساس بها أو االنتقاص منها فمثالها ما ورد بالفقرة الثانية من المادة‬
‫‪ 4‬من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة ‪1966‬؛ ذلك أنه‬
‫ولئن كانت الفقرة األول��ى من المادة المشار إليها تنص على إمكانية‬
‫الخروج‪ ،‬في حالة الطوارئ العامة التي تهدد حياة األمة‪ ،‬على الحقوق‬
‫التي يتضمنها العهد‪ ،‬إال ان الفقرة الثانية تنص على وعدم جواز الخروج‬
‫مطلق ًا على بعض الحقوق هي الحق في الحياة‪ ،‬عدم الخضوع للتعذيب‬
‫أو العقوبة القاسية أو الالإنسانية أو المهينة‪ ،‬ومبدأ جريمة وال عقوبة إال‬
‫بنص‪ ،‬والحق في االعتراف بالشخصية القانونية‪ ،‬والحق في حرية التفكير‬
‫ال عن ذلك‬ ‫واالعتقاد والدين‪ ،‬وعدم الخضوع للرق أو االستعباد‪ .‬وفض ً‬
‫فقد نصت المادة (‪ )1/2‬من اتفاقية محاربة التعذيب وغيره من المعاملة‬
‫والعقوبات القاسية والال إنسانية أو المهينه (اتفاقية سنة ‪ )1984‬على أن‬
‫أية ظروف استثنائية‪ ،‬أي ًا ما تكون وسواء كان مردها إلى قيام حالة حرب‬
‫أو تهديد بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أية طوارئ عامة‪ ،‬ال‬
‫يمكن التعلل بها لتبرير التعذيب‪.‬‬
‫ومما له مجال ذكر في هذا المقام أن هيئة مفوضي الدولة بمجلس الدولة‬
‫المصري‪ ،‬قامت سنة ‪1999‬بالطعن لصالح القانون والمشروعية على حكم‬
‫محكمة القضاء اإلداري الصادر برفض الدعوى بطلب إلغاء قرار إداري بتوقيع‬
‫عقوبة الجلد على مسجون بمقولة ارتكابه مخالفة لتعليمات السجن ونظمه‪،‬‬
‫‪17‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫األمر الذي كانت تجيزه الئحة السجون في ذلك الوقت‪ ،‬وقد استندت هيئة‬
‫مفوضي الدولة في طعنها على أن عقوبة الجلد هي عقوبة مهينة وال إنسانية‬
‫تتعارض مع النواهي المقررة دولي ًا عن ارتكاب مثل هذه األفعال‪ .‬وقد كان ذلك‬
‫سبب ًا حدا بالمشرع المصري إلى التدخل بإلغاء النص الذي كان يجيز توقيع‬
‫عقوبة الجلد على بعض المخالفات التي يرتكبها المسجونون‪ .‬ومما يتعين‬
‫اإلشارة إليه في شأن الحقوق والحريات‪ ،‬ما كان لقضاء المحكمة الدستورية‬
‫العليا في مصر من أنه «ال يجوز للدولة القانونية أن تنزل بالحماية التي توفرها‬
‫لحقوق مواطنيها وحرياتهم عن الحدود الدنيا لمتطلباتها المقبولة بوجه عام‬
‫في الدول الديمقراطية‪ ،‬وال أن تفرض على تمتعهم بها أو مباشرتهم لها قيودا‬
‫تكون في جوهرها أو مداها منافية لتلك التي درج العمل في النظم الديموقراطية‬
‫على تطبيقها‪ ،‬وأال تخل تشريعاتها بالحقوق التي يعتبر التسليم بها في الدول‬
‫الديموقراطية مفترض ًا أولي ًا لقيام الدولة القانونية وضمانة أساسية لصون حقوق‬
‫اإلنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة»‪.‬‬
‫ويكشف هذا القضاء أن المحكمة الدستورية العليا ارتقت ببعض الحقوق‬
‫والحريات‪ ،‬وهي التي عبرت عنها المحكمة بأنها من تلك التي يعتبر التسليم بها‬
‫مفترض ًا أولي ًا لقيام الدولة القانونية‪ ،‬من منظور النظم الديموقراطية‪ ،‬إلى مصاف‬
‫القواعد الدستورية التى تتشكل منها المشروعية األساسية التي يقوم عليها البنيان‬
‫القانوني برمته في الدول القانونية‪ ،‬أي تلك التي تخضع لحكم القانون‪ .‬ومفاد‬
‫هذا القضاء هو وجود شرعية دستورية ُتستقى مما درج عليه العمل في النظم‬
‫الديموقراطيه من تقرير وحماية طائفة من الحقوق والحريات هي التي يتوافر لها‬
‫شرطان‪ :‬أن تكون من تلك التي يعتبر التسليم بها مفترض ًا أولي ًا لقيام الدولة القانونية‪،‬‬
‫وأن تكون اساسية لصون حقوق اإلنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة‪.‬‬
‫وعلى هدي المنطق القانوني الذي يكشف عنه هذا القضاء يمكن القول بأن‬
‫ثمة شرعية دستورية وطنية تستمد مصادرها مما جرى عليه العمل في النظم‬

‫‪18‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫الديموقراطية المقارنة‪ ،‬كما وأن منطق المحكمة الدستورية العليا مفاده أن‬
‫هذه الشرعية الدستورية تتأثر بما عساه يطرأ من تطور في النظم الديموقراطية‬
‫التي يشير إليها حكم المحكمة الدستورية العليا دون تحديد لنظام بعينه أو‬
‫تنظيم سياسي على وجه الخصوص‪ .‬ولعل هذه المرجعية كمصدر من مصادر‬
‫المشروعية الدستورية هي مكون أساسي يندرج في منطوق الفكرة المحورية‬
‫التي يهدف هذا البحث إلى بيانها‪.‬‬
‫أما عما طرأ على مفهوم دور الدولة فيتمثل في ظاهرة تكاد أن تكون عامة‪،‬‬
‫في النظم السياسية معاصرة‪ ،‬إذ تعددت التشريعات المقارنة التي تحد من تدخل‬
‫الدولة في مختلف مجاالت الخدمات العامة‪،‬مما كانت تقوم علية مرافق عامة‪،‬‬
‫سواء كانت مرافق عامة إدارية أو مرافق عامة صناعية وتجارية‪ .‬بل امتد انحسار‬
‫دور الدولة إلى التخلي عن بعض ما كان من صميم اختصاصات السلطة العامة‪،‬‬
‫على نحو ما سنبينه الحق ًا‪.‬‬
‫فكان أن تعددت التشريعات واإلجراءات التي تستهدف تطبيق ما درج على‬
‫تسميته بسياسة الخصخصة «‪ »Privatisation‬وذلك بتصفية ما هو مملوك‬
‫للدولة من وحدات اقتصادية صناعية أو تجارية أومؤسسات بنكية وذلك عن‬
‫طريق بيعها أو التصرف في أنصبة الدولة في رؤوس أموال تلك الوحدات إلى‬
‫األفراد والشركات سواء منها الوطنية أو األجنبية‪.‬‬
‫وتؤكد المؤشرات على أن هذه السياسات إنما هي تطبيق‪ ،‬يتفاوت في‬
‫سوق له تفاهم واشنطن (أي البنك الدولي‬ ‫المدى من دولة إلى أخرى‪ ،‬لمفهوم ّ‬
‫وصندوق النقد الدولي وكالهما مقره بواشنطن حيث يوجد المقر الرسمي‬
‫لحكومة الواليات المتحدة األمريكية(‪ ،)1‬بحسبان أن تحقيق التنمية الشاملة في‬
‫مختلف البالد إنما يتطلب إتباع سياسة ذات شقين؛ شق اقتصادي مؤداه امتناع‬
‫(‪( )1‬ترجع تسمية تفاهم واشنطن) ‪the Washington Consensus‬إلى األستاذ ‪ Sornarjah‬في المحاضرة التي ألقاها بمركز التجارة والقانون بكندا‬
‫سنة ‪ 2002‬بعنوان «‪»the clash of globalisation and the international law on foreign investment‬‬

‫‪19‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫الدولة الوطنية عن التدخل في األسواق مع ضرورة ترك الحرية كاملة لألفراد‬


‫لممارسة األنشطة الصناعية والتجارية في إطار من تنافس حقيقي من شأنه‪،‬‬
‫في الفرض‪ ،‬أن يعود بالفائدة على الجميع‪ ،‬وشق سياسي وإداري مفاده األخذ‬
‫بالنظام الديموقراطي في إدارة الدولة مع ضمان حقوق وحريات األفراد‪ .‬وكل‬
‫ذلك مما يندرج تحت مفهوم سياسة العولمة «‪ ،»Mondialisation‬التي‬
‫هي‪ ،‬بحسبانها سياسة تستهدف باألساس إخضاع كافة أقاليم الدول ألحكامها‬
‫ومتطلباتها‪ ،‬فإنها تفترض توحيد القواعد المطبقة في مجالها الحيوي حتى‬
‫يمكن أن تحقق هذه السياسة األه��داف المرجوة منها‪ .‬وتوحيد القواعد‪ ،‬أو‬
‫باألقل تحقيق أكبر قدر من التناسق بينها‪ ،‬يعتبر تمهيد ًا وإعداد ًا للنطاق المكاني‬
‫إلعمال أحكامها‪ ،‬وهو ما يعبر عنه في المصطلح السياسي بتمهيد ميدان اللعبة‬
‫"‪."level playing ground‬‬
‫فإذا كان قد سبق بيان أن العولمة فكرة تقوم في أساسها‪ ،‬على محورين‪:‬محور‬
‫اقتصادي يتمثل في ضرورة كفالة حرية السوق وحرية التنافس إطالق ًا لطاقات‬
‫األف��راد التي يفترض أنها األق��در على تحقيق التنمية الحقيقية (‪ .)2‬ومحور‬
‫سياسي وإداري يتمثل في ضرورة األخذ بالديموقراطية سبي ً‬
‫ال لتنظيم العالقات‬
‫المجتمعية‪ ،‬على أن يكون مفهوما أن استعمال مصطلح الديموقراطية ال يقتصر‬
‫على وصف تنظيم أسلوب تداول السلطة وتقرير الحكم لألغلبية‪ ،‬ولكن يتسع‬
‫هذا المصطلح‪ ،‬على نحو ما درج عليه العمل‪ ،‬بحيث يشمل وصف النظم التي‬
‫تحترم حقوق اإلنسان وحرياته وان لم يكن منتميا لألغلبية الحاكمة‪.‬‬
‫والربط بين هذين المحورين االقتصادي من ناحية والسياسي واإلداري من‬
‫ناحية أخرى كشفت عنه العديد من المواثيق واألعالنات الدولية‪ .‬من ذلك‬
‫(‪)2‬وقد اصدر المشرع المصري القانون رقم ‪67‬لسنة ‪2006‬بإصدار قانون حماية المستهلك‪ .‬ونص هذا القانون األخير على حرية ممارسة‬
‫النشاط االقتصادي باعتبار أن هذه الحرية مكفولة للجميع‪ ،‬وبالتالي حظر إبرام أي اتفاق أو ممارسة أي نشاط يكون من شأنه اإلخالل‬
‫بحقوق «المستهلك األساسية» ومنها على ما ورد بالمادة (‪ )2‬من القانون «الحق في الحصول على المعرفة المتعلقة بحماية حقوقه ومصالحه‬
‫المشروعة» ‪ ،‬وايضا«الحق في المشاركة في المؤسسات والمجالس واللجان المتصل عملها بحماية المستهلك»‪ .‬وهذا الحق األخير يكشف‬
‫بجالء عن اسلوب جديد في تنظيم السوق بحيث يشارك أصحاب الشأن وهم المستهلكون في المؤسسات والمجالس واللجان المتصل‬
‫عملها بحمايتهم‪ .‬وهذا األسلوب يعتبر مغايرا ألسلوب اإلدارة الحكومية التقليدي بحيث ّ‬
‫أحل المشاركة محل سلطة التوجيه من أعلى‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫على سبيل المثال‪ ،‬إعالن برنامج عمل فيينا الصادر عن المؤتمر الدولي لحقوق‬
‫اإلنسان المعقود في فيينا خالل الفترة من ‪ 14‬إلى ‪ 25‬من يونيو سنة ‪1993‬‬
‫حيث تضمن اإلعالن تحت البند(‪ )8‬أن «الديموقراطية والتنمية واحترام حقوق‬
‫اإلنسان والحريات األساسية أمور مترابطة يعزز بعضها بعض ًا»‪.‬‬
‫كما تضمن إعالن األمم المتحدة بشأن األلفية الجديدة تحت البند (‪)5‬‬
‫التعبير عن إيمان الدول األعضاء «أننا نعتقد أن التحدي األساسي الذي نواجهه‬
‫اليوم هو ضمان جعل العولمة قوة ايجابية لصالح جميع شعوب العالم»‪ ،‬كما‬
‫ورد تحت خامس ًا بعنوان «حقوق اإلنسان والديموقراطية والحكم الرشيد(‪)3‬‬

‫ال بما يسمح‬ ‫ضرورة العمل بصورة جماعية لجعل العمليات السياسية أكثر شمو ً‬
‫بمشاركة جميع المواطنين فيها بصورة حقيقة في مجتمعاتنا كافة‪ ،‬وأيض ًا كفالة‬
‫حرية وسائط اإلعالم كي تؤدي دورها األساسي وضمان حق الجمهور في‬
‫الحصول على المعلومات»‪.‬‬
‫وأنه ولئن كان ماتقدم‪ ،‬فانه ليس مفاده أن سياسة العولمة‪ ،‬سواء على مستوى‬
‫الفكر والنظرية أو على مستوى التطبيق العملي ال تلقى معارضة أو ُتقابل‬
‫بتحفظ‪ ،‬سواء صدر ذلك عن دولة أو كان مسلك ًا لمنظمة غير حكومية‪ ،‬تأسيس ًا‬
‫على تقدير بأن سياسة العولمة إنما هي ترسيخ لهيمنة تتضمن بحكم الضرورة‬
‫مساس ًا بأوضاع شعوب بعض البالد وباألخص تلك التي تنتمي إلى طائفة البالد‬
‫اآلخذة في النمو‪ .‬وأي ًا ما يكون األمر فيصح القول بأن السمة الغالبة‪ ،‬في معظم‬
‫النظم المعاصرة‪ ،‬خاصة بعد انهياراالتحاد السوفيتي والتحوالت التي طرأت‬
‫على الموازين الدولية نتيجة التطورات التى حدثت بدول أوروبا الشرقية هي‬
‫األخذ بفكرة العولمة وتطبيق مقتضاها‪ ،‬سواء كان ذلك عن اقتناع واختيار‪ ،‬أو‬
‫كان ذلك مشوب ًا بنوع أو آخر من اإلكراه أو درجة أو أخرى من االضطرار‪ ،‬وأنه‬
‫لمن العلم العام أن من المنظمات الدولية‪ ،‬وفي المقدمة منها البنك الدولي‬
‫(‪ )3‬ويالحظ أن الترجمة التي درج استعمالها لمصطلح «‪ »Good governance‬تعوزها في تقديرنا الدقة‪ ،‬واألدق أن تكون الترجمة هي‬
‫«األدارة الرشيدة» على ما سنوضحه في المتن الحقا‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫وصندوق النقد الدولي‪ ،‬ما درجت على إصدار تقارير بشأن تصنيفات بعض‬
‫الدول‪ ،‬تشتمل على ماتراه تلك المنظمات عن مدى االلتزام بتطبيق مقتضيات‬
‫سياسة العولمة على تنظيم األوض��اع المالية واالقتصادية وم��ا عليه حال‬
‫التنظيم اإلداري من االلتزام بقواعد الشفافية أو ما قد يشوب األداء اإلداري‬
‫من انحرافات مالية أو إدارية‪ .‬ولما كانت التقارير المشار إليها تعتبر‪ ،‬ويقصد‬
‫بها أن تعتبر‪ ،‬بمثابة الصكوك الدولية التي تيسر تعامل الدولة التي حسنت‬
‫التقارير في حقها مع المؤسسات المالية والنقدية الدولية‪ ،‬مع تهيئة مناخ جذب‬
‫تعسر هذا التعامل بحيث يتم‪ ،‬إن تم‬
‫االستثمارات ورؤوس األموال األجنبية أو ّ‬
‫البين‪ .‬وكل ذلك مما‬
‫أصال‪ ،‬بشروط قد تصل إلى درجة اإلجحاف واالستغالل ّ‬
‫يمثل وجه اإلكراه أو االضطرارالذي تواجهه بعض البالد‪.‬‬
‫على أنه‪ ،‬ولما كانت العولمة تصدر‪ ،‬في مفهومها االقتصادي على أساس‬
‫مفاده ضرورة االحتكام إلى قوانين السوق وقواعد المنافسة الحرة‪ ،‬فان ذلك‬
‫يتنافى‪ ،‬بالضرورة ‪،‬مع تدخل الدولة في النشاط االقتصادي عن طريق التنظيم‬
‫الفوقي «‪ ،»Reglementation‬بحيث يتعين أال يكون للدولة في هذا المجال‬
‫إال أن تسهر على توافرالشروط الالزمة لتحقيق الشفافية والمنافسة الحرة‪.‬‬
‫فإذا لزم تدخل الدولة بتنظيـم السـوق توفير ًا لحرية المنافسة وضمان ًا لحقوق‬
‫المستهلكين‪ ،‬فإن أسلوب التنظيم يتعين أن يكون مختلف ًا عن ذلك الذي يصدر‬
‫عن سلطة عامة ترفض القواعد التي يتعين إعمالها والخضوع لمقتضاها‪ ،‬وإنما‬
‫يتم ذلك عن طريق ما يمكن تسميته بالتنسيق «‪ »Regulation‬بعد تشاور مع‬
‫أصحاب الشأن باعتبارهم أصحاب المصلحة األولى واألدرى واألقدر على‬
‫اقتراح الحلول المناسبة لما يطرأ من مشكالت الواقع‪ ،‬كما أن العولمة إذا‬
‫كانت‪ ،‬في محورها الفكري أو االيديولوجي‪ ،‬تقوم على أساس تكريس حقوق‬
‫الفرد وحرياته بحسبان أن إفساح أكبر قدر من الحقوق والحريات من شأنه أن‬
‫يدفع األفراد إلى العمل واإلنتاج والتنافس الذي بدوره يؤدي إلى تحقيق أكبر‬
‫فائدة وأكثر عائد على الجميع ‪ ،‬فإن ذلك كله مما يقتضي‪ ،‬حسب منطق سياسة‬
‫‪22‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫العولمة ورؤية دعاتها‪ ،‬تطبيق كامل متطلبات سياسة العولمة بشقيها االقتصادي‬
‫والفكري‪ ،‬وال يكون ذلك إال عن طريق األخذ بمفهوم اإلدارة الرشيدة «‪Good‬‬
‫‪.»governance‬‬
‫وقد تبدت تباشير مفهوم اإلدارة الرشيدة‪،‬باعتباره حق ًا من حقوق اإلنسان‬
‫اعتبار ًا من سبعينيات القرن الماضي‪ ،‬حيث اعتبر هذا الحق ضمن الحقوق التي‬
‫تنتمي إلى الجيل الثالث من حقوق اإلنسان(‪ ،)4‬جنبا إلى جنب مع الحق في‬
‫التنمية والحق في العيش في البيئة الصالحة‪ .‬ولعل ان من أوضح الوثائق الدولية‬
‫التي أش��ارت إلى الرابطة بين مفهوم الدولة وحقوق اإلنسان في إطار نظام‬
‫العولمة هو التقرير الذي أعده السكرتير العام لألمم المتحدة سنة ‪ 1999‬الذي‬
‫جاء به» أن السيادة الوطنية في مفهومها األساسي يتعين أن تكون مح ً‬
‫ال إلعادة‬
‫تعريف جذري‪ ،‬ليس فقط نتيجة تأثير قوى العولمة وسياسات التعاون الدولي‪،‬‬
‫وانما ألن الدول ينظر إليها حالي ًا باعتبارها مؤسسات في خدمة شعوبها وليس‬
‫العكس‪ .‬وفي المقابل‪ ،‬فإن سيادة الفرد تزداد رسوخ ًا نتيجة اإليمان المتجدد‬
‫بحقوق اإلنسان‪ .‬ومن هنا كان من الضروري في القرن الحادي والعشرين‪،‬‬
‫صياغة مفهوم جديد للمصالح الوطنية‪ ،‬يكون أكثر إدراك � ًا وأدق وصف ًا من‬
‫المفهوم التقليدي‪ ،‬بحيث يعكس المفهوم الجديد الدواعى التي تدفع الدول‬
‫إلى توحيد جهودها لتحقيق األهداف والغايات المشتركة(‪.»)5‬‬

‫(‪)4‬على اعتبار أن الجيل األول من حقوق اإلنسان يتمثل في الحقوق التي تضمنها اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان لسنة‬
‫‪ 1948‬وان الجيل الثاني من تلك الحقوق هو الذي مرده إلى أحكام العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية وللحقوق‬
‫االجتماعية واالقتصادية لسنة ‪.1966‬‬
‫ومع مراعاة ان اصطالح «اإلدارة الرشيدة »استخدمه البنك الدولي في توجيهاته بديال عن مصطلح «اإلصالحات‬
‫المؤسسية» و"إصالحات الدولة" باعتبار أن مصطلح اإلدارة الرشيدة يبدو اقل مساسا بالكبرياء الوطني‪ .‬يراجع في ذلك‬
‫مؤلف‪Jean Christophe Graz:la gouvernence de la mondialisation.Paris 2004, p.40‬‬
‫(‪ph. Defarges. la mondialisation, Paris 2005.p108 )5‬‬

‫‪23‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫(‪ )5‬والقاضي اإلداري ُمطالب اليوم بأال يبقى أسير نظريات مهما كان من‬
‫تأصلها في الفكر القانوني وما قد تكون قامت به من دور في صياغة‬
‫منظومة أحكام القانون اإلداري‪ ،‬متى أصبحت تلك النظريات غير معبرة‬
‫عن الواقع المعاصر الذي شهد ويشهد تغيرات جذرية تتوالى في اتجاه‬
‫تحقيق متطلبات سياسات العولمة في مختلف مناحيها؛ سواء فيما يتصل‬
‫بدور الدولة أو فيما يتعلق بمفهوم حقوق اإلنسان‪ .‬فالالفت في غالبية‬
‫النظم السياسية المعاصرة انسحاب الدولة عن القيام بممارسة أنشطة من‬
‫تلك التي كانت تعتبر مظهرمن مظاهر السطلة العامة ومبرر ًا ألصل قيامها‬
‫وأساس ًا لشرعيتها‪ .‬ونعني بذلك على سبيل المثال إقامة العدل وتوفير‬
‫األمن واحتكار استعمال القوة المسلحة‪.‬‬
‫فعن إقامة العدل‪ ،‬ثمة ظاهرة انتشرت في النظم المقارنة مفادها التوسع في‬
‫االلتجاء إلى التحكيم وسيلة لفض المنازعات أمام مختلف جهات التحكيم‬
‫الوطنية واإلقليمة أو الدولية‪ .‬وقد امتدت هذه الظاهرة لتشمل منازعات العقود‬
‫اإلداري���ة وه��ي تلك العقود التي تخضع‪،‬حسب مفاد قضاء إداري مستقر‪،‬‬
‫لألحكام الخاصة التي تنظم العقود اإلدارية‪ ،‬التي هي في التعريف التقليدي لها‬
‫تلك العقود التي يبرمها الشخص المعنوي العام‪ ،‬أو تكون قد أبرمت لحساب‬
‫اإلدارة ولمصلحتها بغرض تنظيم مرفق عام أو تسييره باستخدام وسائل القانون‬
‫العام‪.‬‬
‫ويمكن رد األحكام الخاصة التي تنظم العقود اإلدارية إلى فكرة محورية‬
‫هى مراعاة الصالح العام واعتبارات ضمان سير المرفق العام‪ ،‬وهذه الفكرة‬
‫المحورية هى التي كانت أساس ًا رتب عليه القضاء اإلداري ما يتناسب من أحكام‬
‫من شأنها تحقيق الغاية من االلتجاء إلى أسلوب التعاقد وسيلة لتحقيق أهداف‬
‫المرفق العام‪.‬ولعل ماحدث في الواقع المصري ما يصلح أن يكون تعبير ًا عن‬
‫هذه الظاهرة‪ .‬فقد كان القضاء اإلداري في مصر يذهب إلى عدم جواز التحكيم‬
‫في منازعات العقود اإلدارية بالنظر إلى الطبيعة القانونية للعقد اإلداري‪ .‬فكان‬
‫‪24‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫أن أص��در المشرع القانون رقم ‪ 27‬لسنة ‪ 1994‬باصدار القانون في شأن‬


‫التحكيم في المواد المدنية والتجارية الذي تضمن في المادة (‪ )1‬منه النص‬
‫على سريان أحكامه على «كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام‬
‫أو القانون الخاص أي ًا كانت طبيعة العالقة القانونية التي يدور حولها النزاع»‪.‬‬
‫وإذا لم َير القضاء اإلداري أن هذا الحكم من شأنه أن يفيد إجازة التحكيم في‬
‫منازعات العقود اإلدارية‪ ،‬فقد أصدر المشرع القانون رقم ‪ 9‬لسنة ‪ 1997‬الذي‬
‫تضمن النص على أنه «بالنسبة إلى منازعات العقود اإلداري��ة يكون االتفاق‬
‫على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة إلى‬
‫األشخاص االعتبارية العامة‪ .‬وال يجوز التفويض في ذلك»‪.‬‬
‫ولعل ما ورد بالمذكرة اإليضاحية لهذا القانون األخير مما يكشف بوضوح عن‬
‫موقف المشرع من التقدير المبدئي لالعتبارات التي يتعين مراعاتها بالنظر إلى‬
‫الطبيعة القانونية الخاصة للعقد اإلداري‪ ،‬فقد أورد المشرع بالمذكرة اإليضاحية‬
‫أنه «إذا كان االلتجاء الى التحكيم اتفاق ًا لتسوية منازعات هذه العقود( ويعني‬
‫بها العقوداإلدارية) مما ُيندب إليه فيها وتتمسك به تلك األطراف في حاالت‬
‫عديدة كسب ًا لمزايا هذا األسلوب في التسوية وخاصة لحل قضايا ومنازعات‬
‫التجارة واالستثمار على الصعيدين الوطني والدولي» ‪ .‬فإذا كانت المذكرة‬
‫اإليضاحية تعتبر أن االلتجاء إلى التحكيم« مما ُيندب اليه»‪ ،‬وكان المندوب‬
‫لغة يعني المستحب أو المستحسن ‪ ،‬فكأن المشرع المصري ال يكتفي بإجازة‬
‫التحكيم في منازعات العقود اإلدارية بل هو يصرح بأن اختيار هذه الوسيلة‬
‫مما ُيندب إليه‪ ،‬وليس ببعيد‪ ،‬والحال هذه أن يتداعى هذا الفهم بآثار تتعدى‬
‫محض اختيار وسيلة الفصل في المنازعة إلى تعيين القواعد الموضوعية التي‬
‫تحكم المنازعة والتي يغلب بالتالي أال تكون هي تلك القواعد المستمدة من‬
‫أحكام القضاء اإلداري التي تنظم العقود اإلدارية‪ .‬ومما تجدر اإلشارة إليه في‬
‫هذا الصدد أن تطلب موافقة الوزير‪ ،‬على نحو ما يتضمنه نص القانون‪ ،‬تفسره‬
‫هيئات التحكيم‪ ،‬على أنه أجراء يقع استيفاؤه على عاتق الجهة اإلدارية وحدها‪،‬‬
‫‪25‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫وبالتالي فال يترتب بطالن شرط التحكيم في حالة عدم استيفاؤه الموافقة‪( .‬مثال‬
‫على ذلك‪ :‬القرار في الدعوى التحكيمية رقم ‪ 464‬لسنة ‪ 2006‬الصادر في ‪2‬‬
‫من يوليو ‪ 2006‬أمام مركز القاهرة اإلقليمي للتحكيم التجاري الدولي)‪.‬‬
‫والرأي أن إجازة التحكيم في منازعات العقود اإلدارية‪ ،‬وبالتالي انحسار‬
‫القواعد الموضوعية التي تنظم العقود اإلدارية عن تلك المنازعات التي تفلت‬
‫من اختصاص قاضيها الطبيعي‪ ،‬قد يترتب عليها اإلخالل بسير المرفق العام أو‬
‫المساس بانتظام أدائه‪ ،‬مما يتداعى باألثر على مفهوم المرفق العام ذاته بحكم‬
‫الضرورة‪ ،‬بحسبان أن سير المرفق العام بانتظام واطراد هو متطلب أساسي ال‬
‫يصح أن ينفك عن المرفق العام‪ .‬ويضاف إلى ما سبق أن الكثير من هيئات‬
‫التحكيم خاصة الدولية منها‪ ،‬ما يتحلل في أحيان كثيرة من تطبيق أحكام‬
‫التشريعات الوطنية رغم وجود النص بتطبيق التشريعات الوطنية‪ ،‬سبيال إلى‬
‫تطبيق األعراف التجارية الدولية ‪ lex Mercatoria‬باعتبار أن تلك األعراف‬
‫هي التي تحقق أفضل الحلول للمنازعات التجارية‪.‬‬
‫وقريب من ذلك ما تضمنته المذكرة اإليضاحية لمشروع قانون التحكيم‬
‫التجاري الدولي الذي كان قد تقدم به وزير العدل المصري إلى مجلس الوزراء‬
‫من أن المستثمر «يطمئنه أن يجد عند قيام النزاع للفصل فيه قضاء يسير على‬
‫القواعد واألصول التى استقرت في المعامالت التجارية الدولية‪ .‬ولما كان‬
‫التحكيم هو األسلوب السائد في هذه المعامالت التجارية الدولية فقد أولته‬
‫الحكومة اهتمام ًا خاص ًا»‪.‬مما يكشف عن رؤية المشرع المصري في الربط بين‬
‫هيئة التحكيم المنوط بها الفصل في المنازعة وبين القواعد الواجبة التطبيق‪.‬‬
‫ومما له مجال ذكر في هذا الصدد‪ ،‬ما أخذ به القرار الصادر من هيئة التحكيم‬
‫المكونة في إطار المركز الدولي لفض منازعات االستثمار التابع للبنك الدولي‬
‫«‪ »ICSID‬في القضية التي أقيمت ضد الحكومة المصرية وتتعلق بمشروع‬
‫استغالل هضبة األهرام (القرار الصادر في مايو سنة ‪ 1992‬في القضية المقيدة‬
‫بالمركز الدولى تحت رقم ‪ ،)ARB/84/3‬من أنه يجوز لهيئة التحكيم المشكلة‬

‫‪26‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫في إطار المركز الدولي للتحكيم أن تطبق أحكام القانون الدولي حتى وإن كان‬
‫أطراف المنازعة قد اتفقوا على خضوع التعاقد لحكم القانون الوطني وذلك‬
‫في حالتين‪ ،‬أولهما حالة تعارض القانون الوطني مع أحكام القانون الدولي‪،‬‬
‫وثانيهما حالة عدم وجود نص‪ ،‬في القانون الوطني‪ ،‬يحكم المنازعة‪ .‬ومفاد‬
‫كل ذلك في منطق قرار هيئة التحكيم المشار إليه (وقد صدر بأغلبية األصوات‬
‫مع رأي مخالف قال به كاتب هذه السطور(‪ )6‬ترتيب مدارج التشريعات بحيث‬
‫يعتبر التشريع الوطني في مرتبة أدنى من مرتبة أحكام القانون الدولي‪.‬وفي‬
‫ضوء ماتقدم جميعه‪ ،‬يكون مشروع ًا تساؤل بعض الفقه عن مدى مالءمة تصدي‬
‫هيئات تحكيم مشكلة من أفراد قد يكونوا بعيدين عن الواقع القائم وعن التعامل‬
‫ال دون إحساسهم بنبض التشريع‬ ‫مع نصوص القانون الوطني ‪،‬مما قد يقف حائ ً‬
‫الوطني‪ ،‬األمر الذي يؤدي بهم إلى االستناد أساس ًا‪ ،‬في فصلهم في منازعات‬
‫العقود اإلدارية على المبادئ التجارية العامة (‪ ،)7‬دون القواعد الواجبة التطبيق‬
‫أساس ًا المستمدة من أحكام القانون اإلداري‪.‬‬
‫(‪ )6‬وإذا كان ما سبق هو حال السلطة القضائية التي تتعرض لتآكل في‬
‫اختصاصها بقدر ما ي��زداد االلتجاء إلى التحكيم بعيد ًا عن المحاكم‬
‫الوطنية‪ ،‬فان ثمة مظاهر معاصرة تكشف عن تأكيد انحسار دور الدولة‬
‫بالنسبة ألنشطة كانت تعتبر تقليدي ًا مظهر ًا للسلطة العامة وإن لم تعتبر‬
‫من خصائص تلك السلطة‪ .‬ويتصل ذلك بما هو حادث في مجاالت‬
‫األمن الداخلي والخارجي‪ .‬بيان ذلك أن التشريعات المعاصرة تجيز‬
‫إنشاء شركات خاصة تتولى حراسة األف��راد والممتلكات‪ ،‬كما تؤمن‬
‫نقل النقود والمعادن الثمينة‪ .‬ومن المعروف أن تحقيق األمن وضمان‬
‫إسقراره كان هو أحد أهم مظاهر السلطة العامة بل هو أحد أهم مبررات‬
‫(‪ )6‬وقد أيد فريق من الفقه الرأي المعارض الذي قلنا به يراجع على سبيل المثال‪:‬‬
‫)‪G. Delaume, The Pyramids Stand. The Pharaohs can rest in peace. ICSID Review 288 (1993‬‬
‫(‪M. Sornajah , «The clash of globalizations and the international law of foreignt «investment»)7‬‬
‫‪.Ottawa,2002‬‬

‫‪27‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫وجودها‪ .‬فإذا أضيف إلى ما سبق ظاهرة الشركات التي تكونت حديث ًا‪،‬‬
‫في الواليات المتحدة‪ ،‬بغرض القيام بعمليات عسكرية قتالية‪ ،‬وأشهرها‬
‫شركة«‪ »Blackwater‬التي تملك قواعد تديب عسكري داخل الواليات‬
‫المتحدة األمريكية‪ ،‬وتملك مختلف المعدات الحربية من مروحيات‬
‫إلى سيارات حربية مدرعة إلى غير ذلك من معدات وأدوات قتال‪ .‬وقد‬
‫مارست هذه الشركات وعلى األخص شركة «بالك ووتر» مهمات قتالية‬
‫ال‪،‬‬‫على إقليم دولة العراق‪ ،‬إذ عهد إليها مثال مما أصبح معروف ًا ومتداو ً‬
‫عمليات تعقب عناصر المقاومة في بعض المدن منها مدينة الفلوجة‬
‫حيث ارتكب تابعوها انتهاكات جسيمة لقواعد القانون الدولي اإلنساني‬
‫مما كان سبب ًا فى إثارة الكثير من التساؤالت القانونية حول مدى مسئولية‬
‫قيادة القوات األمريكية عما يرتكبه تابعو هذه الشركات‪ ،‬وأيضا حول‬
‫مدى خضوع هذه الشركات وتابعيها لاللتزامات والواجبات المنصوص‬
‫عليها في القانون الدولي اإلنساني‪ ،‬وأيض ًا مدى تمتع هؤالء األفراد‬
‫بالمزايا والحصانات المقررة بتلك األحكام في حالة الوقوع في األسر‬
‫مثال‪ ،‬أو تعرضهم لإلصابة أثناء العمليات العسكرية التي يشتركون فيها‬
‫أو حال تعرضهم لهجوم عسكري‪ .‬ولعله وقبل كل ذلك‪ ،‬فإن وجود‬
‫هذه الشركات في ذاته سواء داخل إقليم دولة المنشأ مع ما يتطلبه ذلك‬
‫من حيازة أنواع من األسلحة والمعدات والتدريب عليها‪ ،‬أو خارج هذا‬
‫اإلقليم حال تكليفها بمهام تقتضي بالضرورة التعامل مع سلطات أجنبية‬
‫وشعوب ليست بالضرورة مما يمكن وصفها بالصديقة‪ ،‬مما يشكل‬
‫مظهر ًا شديد الداللة على ماطرأ من تغير لمفهوم دور الدولة في اتجاه‬
‫تقلص مجاالت ممارسة أنشطتها وانسحابها من ميادين كانت تعتبر‪ ،‬قو ً‬
‫ال‬
‫واحد ًا‪ ،‬من أبرز مظاهر السلطة العامة وعنوان ًا لها‪ .‬وكل ذلك مما يدفع إلى‬
‫ضرورة إعادة النظر في مفهوم نظرية سادت ردح ًا من الزمان وتغلغلت في‬
‫أحكام القانون اإلداري‪ ،‬كماسيطرت على فكر ومشاعر المعنيين بأمور‬

‫‪28‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫القانون اإلداري من قضاء وفقه‪ ،‬ونعني بذلك نظرية المرفق العام الذي‬
‫كان يستدل على قيامه‪ ،‬مع غيره من القرائن على دخول النشاط في صميم‬
‫وظيفة الدولة‪ .‬فما كان يعتبر‪ ،‬تقليدي ًا‪ ،‬من صميم وظائف الدولة لم يعد‬
‫بالضرورة كذلك في الواقع المعاصر‪ .‬وال يقتصر األمر على ما سبق بيانه‬
‫من أمثلة بل يتعدى ذلك إلى أنشطة مثل التأمين االجتماعي والصحي‪،‬‬
‫والتعليم بمختلف مراحلة‪.‬وفي خضم كل ذلك تزداد الصعوبات التي‬
‫تأخذ بتالبيب نظرية المرفق العام ‪ ،‬بعد أن تداخلت المجاالت التي تتسع‬
‫لدور الدولة فيها‪ ،‬مع األنشطة التي أصبحت متاحة لالفراد‪ ،‬ليس فقط في‬
‫المجاالت االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬بل تجاوز ذلك إلى القيام بأنشطة مما‬
‫كانت تعتبر مظهر ًا من مظاهر السلطة العامة أو مرافق عامة تحتكر الدولة‬
‫إنشاءها وتسييرها على النحو الذي يحقق المصلحة العامة‪ ،‬وحيث كان‬
‫يتمثل في هذه المرافق العامة مفهوم التضامن االجتماعي في ظل مفهوم‬
‫الدولة الراعية «‪.»l ‘Etat Providence‬‬
‫وإذا كان القضاء اإلداري قد تبنى في ظل سيادة مفهوم الدولة الراعية‪ ،‬نظرية‬
‫المرفق العام ونسج منها ولها أحكام ًا تستهدف تأكيد مفهوم الدولة الراعية‪،‬‬
‫منها ضرورة سير المرفق العام بانتظام واطراد مع ما يترتب على ذلك من نتائج‪،‬‬
‫وضرورة دوام تحقق الموائمة بين األحكام التي تنظم المرفق العام مع الظروف‬
‫واألوضاع التي تطرأ في الواقع‪ ،‬وضرورة تحقق المساواة أمام المرفق‪ ،‬وأيضا‬
‫ضرورة تحقق حياد المرفق العام باعتباره يقدم خدمة للكافة مستهدف ًا تحقيق‬
‫الصالح العام‪ ،‬ونتيجة لكل ذلك فقد كان نشاط المرفق العام يحقق‪ ،‬في إطار‬
‫ما كان يحكمه من قواعد‪ ،‬حد ًا أدنى من الحقوق لألفراد‪ .‬من ذلك مثال ما‬
‫يجري عليه العمل في مصر من اعتبار التعليم مرفق ًا عام ًا استناد ًا لما تضمنه نص‬
‫المادة (‪)18‬من الدستور سنة ‪ 1971‬من أن «التعليم حق تكفله الدولة» كما أن‬
‫الدولة«تشرف على التعليم كله»‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫وعلى ذلك فقد قضت محكمة القضاء اإلداري في مصر سنة ‪ 2000‬بأن‬
‫القرارت التي تصدر من الجامعات الخاصة تعتبر قرارات إدارية تخضع لرقابة‬
‫المشروعية التي يجريها القاضي اإلداري‪ .‬إال أن مثل هذا االتجاه القضائي‬
‫يجب أن يوزن في إطار ازدياد ظاهرة إنشاء الجامعات الخاصة‪ ،‬بل امتد ذلك‬
‫إلى إنشاء المدارس الخاصة األجنبية منها والوطنية بمختلف مراحل التعليم‬
‫حيث اختلفت المناهج والمواد المقررة وطرق التدريس‪.‬‬
‫ومن شأن ذلك في الواقع‪ ،‬وإن لم يكن في القانون‪ ،‬تعامل هذه المؤسسات‬
‫بما ال يتفق دائما مع القواعد التي تحكم سير المرفق العام‪.‬ويصدق ذلك على‬
‫وجه الخصوص بشأن التزام المرفق العام لمبدأ الحيدة « ‪ »Neutralite‬وهذا‬
‫المبدأ وإن كان يتداخل مع مبدأ المساواة أمام المرفق إال أنه يختلف عنه‪ ،‬إذ‬
‫يقصد بالحيدة عدم انحياز المرفق العام في سيره وفيما يقدم من خدمة إلى تيار‬
‫أو آخر في المجتمع و محاباة طائفة على حساب أخرى‪ .‬وتوضيحا لذلك في‬
‫إيجاز يقتضيه المقام أن نشير إلى مثالين أحدهما تنظيمي واآلخر قضائي‪.‬‬
‫فعن المثال التنظيمي ‪ ،‬فقد صدر في فرنسا المنشور التنظيمي بتاريخ ‪ 12‬من‬
‫ديسمبر ‪1989‬وينص على ضرورة امتناع القائمين على العملية التعليمية حال‬
‫ممارستهم لمهام وظائفهم‪ ،‬عن ارتداء أو إظهار أي عالمة مميزة توحي أو تشير‬
‫إلى انتماء فلسفي أو ديني أو سياسي من شأنه أن يؤثر على حرية اعتقاد األطفال‬
‫ويتطاول على الدور التثقيفي المعترف به لألسرة‪ .‬وقد استند هذا المنشور إلى‬
‫مبدأ الحياد والتحفظ الذي يتعين أن يتسم به أداء مرفق التعليم (‪.)8‬‬

‫(‪joel Carbajo, Droit des services publics, 1997, p.57 )8‬‬

‫‪30‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ومن الجدير اإلش��ارة‪ ،‬في هذا المقام‪ ،‬إلى أن مجلس الدولة الفرنسي‬
‫ك��ان ق��د درج ف��ي قضاء مستقر اع��ت��ب��ار ًا م��ن أول��ى س��ن��وات ال��ق��رن العشرين‬
‫(الحكم الصادر من مجلس الدولة في ‪ 1912/5/10‬في قضية األب بوتير‬
‫‪،)Abbe’Bouteyre‬إلىأن الحرية المتاحة للقائمين على التدريس تختلف‬
‫باختالف مستوى التعليم العالي أو الثانوي وأنه بالنسبة للمرحلة الثانوية فإن‬
‫الصفة الكنسية في المدرس تتنافى مع واجب الحياد الواجب توافره في مرفق‬
‫التعليم الثانوي‪.‬‬
‫أما عن المثال القضائي فنشير في هذا الصدد إلى حكم محكمة القضاء‬
‫اإلداري في مصر الصادر سنة ‪ ،2000‬الذي قضى بإلغاء قرار وزاري كان‬
‫ينص على حرمان المدرسات المحجبات من االضطالع بالتدريس بنقلهن إلى‬
‫وظائف إدارية‪ .‬وقد قام الحكم على أساس أن غطاء الرأس‪ ،‬بالذات في ريف‬
‫مصر وصعيدها‪ ،‬يعتبر زيا تقليدي ًا ال ترضى عنه النساء بديال حياء واحتشاما‪،‬‬
‫وبالتالي فليس من شأن ارتدائه‪ ،‬أيا ما يكون من حقيق نية من ترتديه‪ ،‬أي مظهر‬
‫من مظاهر التعبير عن تيار فكري أو ديني معين‪.‬‬
‫مفاد ما تقدم‪ ،‬أن المرفق العام في النظر والتطبيق القضائي‪ ،‬كان يحقق في‬
‫حد ذاته أمرين‪ ،‬أولهما التعبير عن مفهوم تضامن اجتماعي‪ ،‬وثانيهما ضمان‬
‫حقوق المتعاملين والمتلقين لخدمة المرفق‪ .‬فإذا انحسر نشاط الدولة على‬
‫الوجه السابق اإلش��ارة إليه‪ ،‬وكان ذلك نتيجة تغير جوهري في مفهوم دور‬
‫الدولة‪ ،‬وليس مظهر ًا من مظاهر استبدال وسيلة إدارة المرفق العام بوسيلة‬
‫أخرى‪ ،‬فيكون التغير الذي نال من دور الدولة نتاج التشريعات المقارنة التي‬
‫اشرنا إليها‪ ،‬هو تغير يمس المضمون وليس محض تغير في الشكل أو في وسيلة‬
‫إدارة هذا المرفق أو ذاك‪ .‬ويكون التغيرالذي طرأ في مفهوم دور الدولة مما‬
‫يتداعى بآثاره على المكانة التي كانت تشغلها نظرية المرفق العام كمبدأ يقوم‬
‫عليه بنيان القانون اإلداري سواء بفعل صريح نص التشريع ‪ ،‬أو حسب مفاد‬

‫‪31‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫مضمون أحكامه‪.‬‬
‫على ذلك ولما كانت نظرية المرفق العام قد جرت عليها عوامل التآكل سواء‬
‫بعمل التشريع أو بفعل الواقع المعاصرين باإلضافة إلى ما سبق أن وجهت به‬
‫النظرية من انتقادات فقهية‪ ،‬فيتعين على القاضي اإلداري أن يبادر بمحاولة‬
‫الكشف عن القيمة الكلية األساسية التي يكون استخالصها من مجموع أحكام‬
‫التشريعات وروحها‪ ،‬بحيث تكون معين ًا الستمداد األحكام التشريعية والقضائية‬
‫التي يتكون منها كيان القانون اإلداري‪.‬‬
‫(‪ )7‬وليس في محاولة التعرف على ما هية هذه القيمة الكلية‪ ،‬ما يشكل ترف ًا‬
‫فكريا أو ينطوي على سفسطائية جدلية‪ .‬ذلك أن طبيعة القانون اإلداري‬
‫ذاتها تفرض حتم ًا وتتطلب دوم ًا قيمة كلية تكون أساس ًا تبنى عليه األحكام‬
‫التفصيلية‪ ،‬كما تمثل حدود ًا تمنع الشطط في االجتهاد‪.‬‬
‫وفي استخالص قانوني سائغ من مفاد النظم السياسية‪ ،‬ومن استعراض‬
‫ألحكام التشريعات المعاصرة‪ ،‬يمكن القول بأن القيمة التي تعتبر القاعدة‬
‫األولى وتتمثل فيها المرجعية األساسية ألحكام القانون اإلداري يتعين أن تقوم‬
‫على مفهوم ضمان توفير وحماية حقوق اإلنسان على الصعيدين السياسي‬
‫واإلداري على خلفية من الحق في اإلدارة الرشيدة‪ .‬ووجه االستخالص السائغ‬
‫في ذلك يتحصل في التطور الذي طرأ على النظم السياسية المعاصرة ليتجاوز‬
‫مفهوم الدولة الراعية «‪ »l’Etat Providence‬إلى مفهوم الحكم أو اإلدارة‬
‫الرشيدة «‪ »Good governance‬الذي يعتبر حجر الزاوية في حزمة حقوق‬
‫اإلنسان التي تجاوزت في إقرارها وضمانها وحمايتها إطار الدولة الوطنية إلى‬

‫(‪ )9‬مع مالحظة أن الواقع المعاصر مؤداه يتجاوز مفهوم الحقوق والحريات العامة إلى مجال تأكيد الحقوق والحريات‬
‫األساسية لإلنسان‪ ،‬بحسبان أن الصفة العامة تلحق بالحق أو الحرية بفعل المشرع الوطني‪ ،‬أما الحق أو الحرية األساسية فهي‬
‫تتقرر لإلنسان بصفته كذلك‪ ،‬وبالتالي يكون مفهوم الحقوق والحريات العامة مرحلة من مراحل تطور حقوق اإلنسان تجاوزها‬
‫الواقع المعاصر‪.‬‬
‫‪Jean Morange,Les Libertes publics, Paris 2007.p.40.41‬‬

‫‪32‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫رحاب المجتمع الدولي (‪.)9‬‬


‫ولعل هذا االستخالص يمأل فراغ ًا تشريعي ًا وواقعي ًا يترتب على تقلص‬
‫مفهوم المرفق العام نتيجة انحسار دور الدولة في المجتمع‪ .‬فإذا كان المرفق‬
‫العام هو الذي كان يقوم بدور واسطة العقد بين الدولة والفرد‪ ،‬وبمقتضاه كانت‬
‫تتحقق صور من التضامن االجتماعي كما كانت تتقرر حماية لبعض من الحقوق‬
‫والحريات العامة التي كانت تمثل عصب العالقة بين الدولة والفرد‪ ،‬فانه بتآكل‬
‫مفهوم المرفق العام تضمر األداة التي كانت همزه الوصل وكانت تتجسد فيها‬
‫معاني هدا التضامن االجتماعي‪ ،‬وتبرز العالقة مباشرة بين اإلدارة والفرد‪،‬وهي‬
‫عالقة أصبحت تقوم على فكرة جوهرية تؤكد أن الفرد هو الطرف األساسي في‬
‫العالقة‪ ،‬وأن كفالة حقوقه هي الغاية من كل تنظيم سياسي أو إداري‪.‬‬
‫(‪ -)8‬فإذا أردنا أن نتعرف على سند القول بأن الحق في اإلدارة الرشيدة‬
‫هوحق من حقوق اإلنسان‪ ،‬فإن ذلك يتحصل من استعراض لمضمون‬
‫بعض الوثائق الدولية التي صدرت عن الجماعة الدولية‪ ،‬ولم ُيعرف أن‬
‫أحد ًا أبدى بشأنها تحفظ ًا‪ ،‬كما أن من مقتضيات إعمال سياسة العولمة‬
‫ض��رورة ت��واف��راإلدارة الرشيدة كمتطلب أساسي على نحو ما سبقت‬
‫اإلشارة إليه‪.‬‬
‫وبشأن ما ورد بالوثائق الدولية‪ ،‬فقد تضمن إعالن فيينا لسنة ‪ ،)10(1993‬على‬
‫سبيل المثال‪ ،‬استعراضا ألهم المبادئ التي تحكم حقوق اإلنسان ومفادها‬
‫تماسك الحقوق في منظومة واحدة وتضمن على سبيل المثال ما يأتي ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن الديموقراطية والتنمية واحترام حقوق اإلنسان والحريات األساسية‬
‫أمور مترابطة يعزز بعضها بعض ًا‪ ،‬وتقوم الديموقراطية على إرادة الشعب‬

‫(‪ )10‬إعالن وبرامج عمل فيينا صدر عن المؤتمر الدولي لحقوق اإلنسان المعقود في فيينا خالل الفترة من ‪ 25-14‬من‬
‫يونيو‪.1995‬‬

‫‪33‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫المعبر عنها بحرية في تقرير نظمه السياسية واالقتصادية واالجتماعية‬


‫والثقافية ومشاركتة الكاملة في جميع جوانب حياته» (البند ‪ 8‬من أو ً‬
‫ال)‪.‬‬
‫‪ -2‬يعيد المؤتمر العالمي لحقوق االنسان تأكيد الحق في التنمية كما هو‬
‫مبين في إعالن الحق في التنمية بوصفه حق ًا عالمي ًا وغير قابل للتصرف‬
‫وج��زء ًا ال يتجزأ من حقوق اإلنسان األساسية‪ ،‬وأن إح��راز تقدم دائم‬
‫نحو إعمال الحق في التنمية يتطلب سياسات إنمائية فعالة على الصعيد‬
‫ال)‪ .‬كما تضمن إعالن األمم المتحدة بشأن‬ ‫الوطني»‪( .‬البند ‪10‬من أو ً‬
‫األلفية الجديدة تحت البند ثالث ًا بعنوان التنمية والقضاءعلى الفقر أن «‬
‫النجاح في تحقيق هذه األهداف يعتمد‪ ،‬في المحصلة‪ ،‬على توافر الحكم‬
‫الرشيد في كل بلد‪ .‬ويتوقف أيض ًا على وجود حكم سليم على الصعيد‬
‫الدولي وعلى الشفافية في النظم المالية والنقدية والتجارية» ‪،‬كما تضمن‬
‫ذات اإلعالن تحت البند خامس ًا بعنوان (حقوق اإلنسان والديموقراطية‬
‫والحكم الرشيد)انه تدعيم ًا للديموقراطية وتدعيم ًا لسيادة القانون‬
‫واحترام ًا لحقوق اإلنسان قرر رؤساء الدول والحكومات(الصادر عنهم‬
‫هذا االعالن العالمي) ضمن ما تقرر «السعي من أجل حماية الحقوق‬
‫المدنية والسياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية «وتعزيز قدرات‬
‫جميع بلداننا على تطبيق المبادئ والممارسات الديموقراطية واحترام‬
‫حقوق اإلنسان»‪« ،‬والعمل بصورة جماعية لجعل العمليات السياسية‬
‫أكثر شموال‪ ،‬مما يسمح بمشاركة جميع المواطنين فيها بصورة حقيقية‬
‫في مجتمعاتنا كافة»‪ .‬وأيضا «كفالة حرية وسائط اإلع�لام كي تؤدي‬
‫دورها األساسي وضمان حق الجمهور في الحصول على المعلومات»‪.‬‬
‫ال عن ذلك فقد تضمن هذا اإلعالن ما مفاده أن التحدي األساسي‬ ‫وفض ً‬
‫الذي يواجهه العالم اليوم هو ضمان جعل العولمة قوة ايجابية ذلك أنها‬
‫«في حين أنها توفر فرص ًا عظيمة‪ ،‬فإن تقاسم فوائدها يجري حالي ًا على‬
‫نحو يتسم إلى حد بعيد بعدم التكافؤ و توزع تكاليفها بشكل غير متساو»‬
‫وعلى ذلك‪ ،‬ومن منطلق الترابط بين مختلف حقوق اإلنسان‪ ،‬ومنها‬

‫‪34‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫الحق في التنمية وفي اإلدارة الرشيدة‪ ،‬ولما كان االتجاه المعاصر السائد‬
‫هو اعتبار حقوق اإلنسان‪ ،‬بما فيها الحق في اإلدارة الرشيدة‪ ،‬القيمة التي‬
‫تعمل األنظمة الوطنية‪ ،‬أو يتعين عليها أن تعمل‪ ،‬على توفيرها وضمانها‪،‬‬
‫فإنه يبدو من تحصيل الحاصل الوصول إلى نتيجة مفادها أن تأكيد هذه‬
‫الحقوق وحمايتها يمثل حجر الزاوية للنظام القانوني في الدولة المعاصرة‬
‫ويشمل ذلك فيما يشمل القانون اإلداري‪.‬‬
‫(‪ )9‬وتقرير الحق في اإلدارة الرشيدة « ‪ »Good governance‬كحق من‬
‫حقوق اإلنسان يمثل تطور ًا نوعي ًا في مجال هذه الحقوق إذا هو يتعلق في‬
‫المقام األول بدور الدولة أو السلطة العامة ووسائل تدخلها‪ .‬فلم يعد األمر‬
‫مقتصر ًا على التزام الدولة بكفالة حقوق اإلنسان وحمايتها استعما ً‬
‫ال لما‬
‫يتقرر لها من امتيازات السلطة العامة في التشريع واإلدارة‪ ،‬بل أصبح األمر‬
‫متعدي ًا ذلك إلى تنظيم وسائل اإلدارة ذاتها وطرق هذه اإلدارة بما من شأنه‬
‫أن تتقرر حقوق لألفراد في اإلدارة إلى جانب الحقوق المقررة لهم في‬
‫مواجهة السلطة العامة‪ ،‬فبمقتضى مفهوم اإلدارة الرشيدة يشترك األفراد‬
‫في اإلدارة‪ ،‬وتتقلص إلى اقصى حد ممكن امتيازات السلطة العامة‪ ،‬بينما‬
‫تزداد إلى أقصى قدر المجاالت المتاحة لألفراد‪ ،‬ولعل مفهوم االدارة‬
‫ال لإلشكالية األساسية‪ ،‬التي تقابل التنظيمات السياسية‬ ‫الرشيدة يقدم ح ً‬
‫واإلدارية عموم ًا و تتمثل في كيفية التوفيق بين تطلع األفراد للحماية مع‬
‫الرغبة في توفير حمايتهم من الدولة‪ .‬وما يقدمه مفهوم اإلدارة الرشيدة‬
‫من حل لهذه اإلشكالية يتحصل‪ ،‬في إطاره العام في تقييد نطاق وتحديد‬
‫أسلوب تدخل الدولة أو السلطة العامة‪ ،‬بأن يتقلص دور ما هو عام إلى‬
‫أقصى حد في مقابل زيادة المساحة المتروكة للخاص‪ ،‬فضال عن إحالل‬
‫أسلوب التفاهم والتفاوض والمشاركة بين اإلدارة واألفراد محل أسلوب‬
‫الفرض واإللزام‪.‬‬
‫وعلى ذلك ولئن كان اإلطار العام لإلدارة الرشيدة متعارف ًا عليه‪ ،‬إال أن العديد‬
‫من القواعد التي يتطلبها إعمال هذا المفهوم ما يحتاج إلى بيان وتفصيل سواء‬
‫عن طريق تدخل المشرع‪ ،‬أو كان قدرا على القاضي اإلداري أن ينهض‪ ،‬وهو‬

‫‪35‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫في معرض قيامه باختصاصه ‪ ،‬ببيان هذه القواعد وإعمال مفادها‪.‬‬


‫(‪ )10‬ومن استعراض أحكام القضاء اإلداري التي صدرت حديث ًا يمكن‬
‫التعرف على مالمح رئيسية تحدد معالم الطريق الذي ينتهجه القاضي‬
‫اإلداري في ظل المتغيرات المعاصرة فثمة أحكام انطوت على تحرر من‬
‫تراث تقليدي‪ ،‬وتعبر عن هذا االتجاه األحكام التي صدرت عن مجلس‬
‫الدولة الفرنسي حديث ًا (الحكم الصادر في ‪ 2004/5/11‬في قضية‬
‫‪ ،Assoc Al‬والحكم الصادر في ‪ 2005/2/25‬في قضية ‪France‬‬
‫‪ ،)Telecom‬وتقرر بأنه يجوز للقاضي اإلداري أن ينظم آثار حكم‬
‫اإللغاء من حيث الزمان بمراعاة اعتبارات الصالح العام ‪ ،‬وذلك بعد‬
‫أن كان الفقه والقضاء على استقرار بأن حكم اإللغاء يترتب عليه اعتبار‬
‫القرار الملغي كأن لم يكن اعتبار ًا من تاريخ صدوره‪.‬‬
‫ومن منطلق خصوصية دعوى اإللغاء ورقابة المشروعية‪ ،‬فقد قضت المحكمة‬
‫اإلدارية العليا بمجلس الدولة المصري بأنه يجوز لإلدارة أن تطعن في الحكم‬
‫الصادر من محكمة القضاء اإلداري القاضي برفض طلب اإللغاء‪ .‬وقد أقامت‬
‫المحكمة اإلدارية العليا قضاءها على أساس توافر ركن المصلحة في الطعن‬
‫على حكم محكمة القضاء اإلداري باعتبار أن دع��وى اإللغاء هي خصومة‬
‫عينية تستهدف القرار اإلداري في ذاتة وأن الجهات اإلداري��ة ليست الخصم‬
‫الحقيقي في دعوى اإللغاء‪ ،‬وأنه يتعين عليها دائم ًا أن تحرص على تحري‬
‫الشرعية وتدافع عنها‪ .‬وفي ذات السياق فقد أجازت المحكمة اإلدارية العليا‬
‫طعن من لم يكن حاضر ًا أمام محكمة أول درجة‪ ،‬رغم عدم قبول طعن الخارج‬
‫عن الخصومة كقاعدة عامة‪ ،‬متى كان موضوع الدعوى أمام تلك المحكمة‬
‫هو القرار الصادر بقبول أوراق الترشيح لعضوية المجلس النيابي‪ ،‬فقد انتهت‬
‫المحكمة اإلدارية العليا إلى أن القرار اإلداري موضوع الدعوى في هذه الحالة‬
‫ال ينفصل عن الشخص الذي صدر القرار في شأنه‪ ،‬وعلى ذلك ولما كان القرار‬

‫‪36‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫يتعلق بممارسة حق الترشيح للمجلس النيابي وهو من الحقوق األساسية للفرد‬


‫فإن صاحب الشأن يكون حاضر ًا دائم ًا في الخصومة أمام محكمة أول درجة‬
‫وإن غاب عن إجراءات الدعوى‪.‬‬
‫وتأكيد ًا على أهمية الحقوق السياسية وضرورة كفالتها‪ ،‬فقد قضت المحكمة‬
‫اإلدارية العليا بأن التعويض عن قرار االعتقال يجب أن يشتمل صراحة على‬
‫التعويض عن الضرر األدبي المتعلق بالحرمان من ممارسة الحقوق السياسية‪،‬‬
‫باإلضافة إلى األضرار المعنوية األخرى المترتبة على حرمان المعتقل‪ ،‬خالل‬
‫فترة اعتقاله‪ ،‬من ممارسة الحقوق األولى‪.‬‬
‫كما أن لمجلس الدولة المصري قضاء حديثا‪ ،‬قام على منهجية غير مسبوقة‪،‬‬
‫مفاده جواز استخالص حكم موضوعي من مقتضى إجراء شكلي‪ .‬وقد صدر‬
‫هذا القضاء بمناسبة استخالص المحكمة اإلداري��ة العليا ض��رورة تمتع من‬
‫ينتخب أو ُيعين عضو ًا بمجلس الشعب بالجنسية المصرية وحدها‪ ،‬فال يجوز‬
‫لمن يجمع بين الجنسية المصرية وجنسية أخرى‪ ،‬وتم التصريح له بالحصول‬
‫عليها مع االحتفاظ بالجنسية المصرية أن يكون عضو ًا بمجلس الشعب‪ ،‬على‬
‫أساس أن مقتضى عبارة اليمين الذي يتعين على عضو مجلس الشعب أن يؤديه‬
‫قبل أن يباشر عمله‪ ،‬عدم جواز أن يحمل عضو المجلس أي جنسية أخرى إلى‬
‫جانب الجنسية المصرية‪.‬‬
‫وثمة تيار قضائي يكشف عن رؤية صحيحة لمفهوم دور الدولة و ودور‬
‫المجتمع المدني في حماية الحقوق والحريات‪ .‬فقد قضت محكمة القضاء‬
‫اإلداري بإلغاء القرار الصادر بتعديل شعار هيئة الشرطة بحيث يجري بأن‬
‫« الشعب والشرطة في خدمة الوطن» بد ً‬
‫ال من الشعار القائم وينص على أن‬
‫«الشرطة في خدمة الشعب» وقد أقامت المحكمة قضاءها تأسيس ًا على أن‬
‫ال على صحيح‬ ‫الدولة بكامل أجهزتها ومنها هيئة الشرطة في خدمة الشعب‪ ،‬نزو ً‬
‫فهم نص الفقرة الثانية من المادة ‪184‬المشار إليها في ضوء حكم المادة (‪)3‬‬

‫‪37‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫من الدستور التي تنص على أن « السيادة للشعب وحده وهو مصدر السلطات‪،‬‬
‫ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها و يصون الوحدة الوطنية على النحو‬
‫المبين في الدستور»‪ .‬وعلى ذلك فال يكون صحيحا القول بأن الشعب في‬
‫خدمة أحد‪ ،‬ألنه هو وحده السيد‪ ،‬وما الدولة بكافة أجهزتها‪ ،‬وما ينبغي أن‬
‫تكون‪ ،‬إال كيانا اعتباري أساس وجوده خدمة الشعب والسهر على مصالحه‬
‫والوفاء باحتياجاته‪ ،‬وبذلك يتحقق صدق ًا وحق ًا معنى السيادة المقرر للشعب‬
‫باعتباره مصدر ًا للسلطات»‪.‬‬
‫وق��د قضت المحكمة أي��ض� ًا‪ ،‬في حكم حديث لها ب��أن‪« ،‬طبيعة النظام‬
‫الديمقراطي و جوهره مبدأ السيادة للشعب وحده باعتباره مصدر السلطات‬
‫وحرية الرأي من الحريات األساسية التي تحتمها طبيعة النظام الديموقراطي‪،‬‬
‫كما يندرج منها ويأخذا حكمها حق المواطنين في المشاركة السياسية سواء عن‬
‫طريق تكوين األحزاب السياسية أو جمعيات تكون وسيلة لإلفصاح السلمي‬
‫عن آرائها ومعتقداتها في كافة النواحي السياسية واالقتصادية واالجتماعية على‬
‫وجه يتحقق به التطور االجتماعي والسياسي في البالد‪ ،‬كما أن الديموقراطية هى‬
‫حق للكافة يؤتي ثماره برفع القيود عن ممارسته طالما كانت هذه الممارسة في‬
‫إطار التعبير السلمي عن الرأي»‪ ،‬وبأن «منظمات المجتمع المدني والمنظمات‬
‫القائمة على أم��ور تتصل بحقوق األنسان تخضع في عملها لرقابة السلطة‬
‫التنفيذية‪ ،‬وتهدف إلى إحياء الفكر الديموقراطي بين طبقات الشعب وفئاته‪،‬‬
‫وال يكون ذلك إال بتمكينها من أداء دورها في حدود التراخيص الممنوحة‬
‫لها ووفق نظمها األساسية التي أقرتها الجهات اإلدارية المختصة»‪ .‬قد أنتهت‬
‫محكمة القضاء اإلداري بناء على ذاك إلى وقف تنفيذ القرار الصادر بمنع‬
‫الجمعيات المصرية لحقوق اإلنسان وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني‬
‫من متابعة سير العملية االنتخابية لرئاسة الجمهورية من داخل لجان التصويت‪.‬‬
‫(الحكم الصادر في ‪.)2005/9/3‬‬

‫‪38‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫وال يفوتنا ‪ ،‬في هذا المقام التنويه إلى أحكام القضاء اإلداري التي تسلط الرقابة‬
‫على ما كان يعتبر تقليدي ًا مما يدخل في نطاق ترخص الجهة اإلداري‪ .‬ومن ذلك‬
‫على سبيل المثال الحكم الصادر من محكمة القضاء اإلداري المصري بجلسة‬
‫‪ 2006/9/20‬في الدعوى المقامة ضد وزير الخارجية بإلزام وزارة الخارجية‬
‫ببيان الطرق والسبل التي اتخذتها في شأن اإلفراج عن نجل المدعي المعتقل‬
‫بجوانتانامو بكوبا‪ .‬وقد انتهى الحكم إلى إلغاء القرار المطعون فيه تأسيس ًا على‬
‫أن الدستور المصري يلزم الحكومة بمقتضى المادة (‪ )156‬بحماية حقوق‬
‫المواطنين ومنها حقهم في الحياة والتمتع بحرياتهم الشخصية وعدم االعتداء‬
‫عليها ليس في الداخل فقط و إنما كذلك في الخارج وذلك من خالل وزارة‬
‫الخارجية وأجهزتها وسفاراتها بحيث ال يقتصر دورها وحسب على تمثيل‬
‫الدولة لدى غيرها‪ ،‬وإنما يشمل دوره��ا رعاية وحماية مصالح المصريين‬
‫المتواجدين بالخارج أيا كان سبب تواجدهم والحفاظ على حقوقهم والسهر‬
‫على راحتهم والتحقق من تمتعهم بحقوقهم القانونية مع جميع الجهات على‬
‫مستوى العالم من اجل كفالة احترام حقوقهم التي أقرتها المواثيق الدولية وعلى‬
‫األخص االتفاقية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية‪ .‬وإذ تبين للمحكمة أن‬
‫نجل المدعي قد اعتقلته السلطات األمريكية خالل عام ‪ 2001‬أثناء تواجده‬
‫خارج البالد وقامت بترحيلة إلى معسكر جوانتانامو بكوبا‪ ،‬ولم تقم وزارة‬
‫الخارجية المصرية‪،‬حسبما أفادت‪ ،‬إال باالتصال بوزارة الخارجية األمريكية‬
‫من خالل السفارة المصرية بواشنطن حيث كانت إجابة الجانب األمريكي‬
‫بأن الموضوع قيد البحث‪ ،‬فإن استمرار وزارة الخارجية المصرية في الوقوف‬
‫موقف ًا سلبي ًا من هذا األمر وعدم استجالئها‪ ،‬رغم اقتناع المحكمة بإمكان ذلك‪،‬‬
‫الموقف القانوني لنجل المدعي يمثل مخالفة لواجبات تلتزم بأدائها ولم يفت‬
‫المحكمة أن تنوه إلى إدراكها لألوضاع الراهنة للمجتمع الدولي‪ ،‬إال أن ذلك‬
‫ليس بحائل‪ ،‬كما يقول الحكم‪ ،‬دون أن تنهض وزارة الخارجية‪ ،‬للسعي ما‬
‫أمكنها السعي‪ ،‬لضمان حقوق المصريين‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫سباق ًا بتقرير أحكام‬


‫ومما له مجال ذكر في هذا المقام‪ ،‬أن المشرع الفرنسي كان ّ‬
‫من شأنها تأكيد مفهوم الحق في اإلدارة الرشيدة‪ ،‬ومن ذلك مثال ما تقرر بالقانون‬
‫ال بالقانون الصادر في ‪ )1986/1/17‬الذي‬ ‫الصادر في ‪( 1979/7/11‬مكم ً‬
‫تضمن تقريرقاعدة عامة مفادها اعتبار تسبيب القرارات اإلدارية قاعدة عامة يتعين‬
‫االلتزام بها‪ ،‬مما مؤداه اعتبار التسبيب شرط شكلي لصحة القرار‪ .‬والمالحظ‬
‫أن مجلس الدولة الفرنسي يتشدد في التحقق من كفاية التسبيب كشرط شكلي‬
‫بحيث يتطلب أن يكون التسبيب مناسب ًا وكافي ًا ليحمل القرار من حيث الواقع‬
‫والقانون (حكم ‪ Belasti‬في ‪.)1981/7/24‬‬
‫ال عن ذل��ك‪ ،‬وتأسيس ًا على أن اعتبارات الشفافية تعتبر عنصرا من‬ ‫وفض ً‬
‫عناصر الحق في اإلدارة الرشيدة‪ ،‬فقد قرر المشرع الفرنسي بالقانون الصادر‬
‫في ‪(1978/7/17‬ال��م��ك��م��ل بالقانون ‪ ،1979/7/11‬والمعدل بقانون‬
‫‪ )2000/4/12‬تنظيم الحق في اإلطالع على الوثائق اإلدارية‪ .‬ومفاد أحكام‬
‫القوانين المشار إليها تقرير وكفالة حق األفراد في االطالع على الوثائق اإلدارية‪.‬‬
‫ويقوم التنظيم التشريعي على أنه فيما عدا ما تم استثناؤه من القاعدة العامة‬
‫بوجوب إتاحة االطالع‪ ،‬فإن السلطات اإلدارية تلزم باطالع األفراد على ما يتوافر‬
‫لديها من وثائق متى طلبوا ذلك شريطة أال تتجاور الطلبات الحدود المعقولة‪.‬‬
‫وتنص التشريعات‪ ،‬ضمان ًا لتفعيل هذا الحق وحمايته‪ ،‬على تشكيل لجنة تختص‬
‫بمراقبة احترام الحق في االطال ٍع‪ .‬ويكون االلتجاء إليها وإصدار قرارها شرط ًا‬
‫لقبول الدعوى أمام القاضي اإلداري‪ ،‬حال حجب هذا الحق عن األفراد ‪.‬‬
‫(‪ )11‬نخلص مما تقدم جميعه إلى نتيجة محصلتها أن القاضي اإلداري‬
‫مطالب اليوم‪ ،‬بأكثر من أي وقت مضى‪ ،‬أال يقف أسير نظريات أو حبيس‬
‫سوابق قضائية تجاوزها الواقع المعاصر‪ ،‬هذا التكليف يتطلب منه معايشة‬
‫الواقع مع استيعاب واع لمفاد أحكام المواثيق الدولية والتشريعات‬
‫الوطنية‪ .‬وبذلك وحده يحقق القاضي اإلداري كامل اختصاصه على‬
‫صحيح وجهه‪ ،‬األمر الذي به وحده يتحقق بصدق سبب وجود قضاء‬
‫إداري‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫دور القاضي اإلداري في رقابة االنحراف التشريعي‬


‫في تنظيم احلقوق واحلريات العامة‬

‫‪41‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫الفكرة المحورية‪:‬‬
‫يسبغ على القاضي اإلداري وصف بأنه قاضي المشروعية وقاضي الحقوق‬
‫والحريات العامة‪.‬‬
‫ولهذا الوصف‪ ،‬الذي هو مصدر فخر وعزة لكل من ينتمي لهذا الفرع من‬
‫القضاء‪ ،‬له أسبابه ودواعيه‪.‬‬
‫ويمكن القول في إيجاز بأن هذه األسباب والدواعي تتحصل في اعتبارين‪:‬‬
‫السباق‪ ،‬في مسيرة‬
‫إعتبار تاريخي يرجع إلي أن القاضي اإلداري كان هو َّ‬
‫القضاء المصري الحديث‪ ،‬إلى تقرير اختصاص القاضي في رقابة دستورية‬
‫القوانين‪،‬حيث أصدرت محكمة القضاء اإلداري في ‪ 8‬من فبراير سنة ‪،1948‬‬
‫أي خالل أقل من عامين على إنشاء مجلس الدولة المصري‪ ،‬حكم ًا يؤكد على‬
‫حق قاضي المنازعة بل واجبه في إنزال صحيح رقابة المشروعية على واقع‬
‫المنازعة وأول��ى مقتضيات المشروعية وج��وب احترام التشريعات األدنى‬
‫للتشريعات األعلى مرتبة‪ ،‬ولما كان الدستور هو على القمة في مدارج النصوص‬
‫القانونية فيتعين على القانون أال يعارض احكامه‪ ،‬فإذا تحقق التعارض تعين‬
‫على القاضي الفصل في أي النصوص هو واجب التطبيق‪ .‬وال يعدو أن يكون‬
‫التعارض صعوبة قانونية مما يتولد من المنازعة فتشملها سلطة المحكمة في‬
‫التقدير وفي الفصل ألن قاضي األصل هو قاضي الفرع‪.‬‬
‫وك��ان القضاء المصري حتى ص��دور هذا الحكم التاريخي من محكمة‬
‫القضاء اإلداري يحجم عن إنزال الرقابة الدستورية على التشريعات‪ ،‬بل إن‬
‫الحكم الصادر من محكمة الجنايات في ديسمبر سنة ‪ ،1948‬أي بعد صدور‬
‫حكم محكمة القضاء اإلداري المشار إليه‪ ،‬توقف عند حد التحقق من الشروط‬
‫اإلجرائية في التشريع المطلوب تطبيقه على المنازعة المعروضة عليه(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬وهو احلكم الصادر ممن محكمة اجلنايات (املختلطة)‪ ،‬حيث أثير أمام احملكمة الدفع بعدم دستورية تعديل أدخل على قانون‬
‫العقوبات مبقتضى مرسوم بقانون صدر في ‪ 14‬من أغسطس سنة ‪ 1946‬ولم يعقب صدوره دعوة البرملان إلى إنعقاد غير عادي‪،‬‬
‫حيث ردت احملكمة على الدفع بأن املرسوم بقانون مت نشره باجلريدة الرسمية وصار تقدميه إلى البرملان في دورته العادية األولى‬
‫ولم يظهر بعد ذلك إقرار له أو رفض‪ .‬وقد أكدت احملكمة أن كل ما متلكه في صدد بحث الدفع بعدم الدستورية هو التحقق مما‬
‫إذا كانت الشروط الشكلية لوجود القانون في ذاته قد توفر وجودها أم ال‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫أما االعتبار الثاني فيتحصل في أن المساس بالحقوق والحريات العامة إنما‬


‫يستند في العمل إلى ق��رارات إداري��ة تصدرها الجهات اإلداري��ة أو إجراءات‬
‫تتخذها في صورة لوائح عامة أو قرارات فردية‪.‬‬
‫والطعن على هذه القرارات يختص بنظره القضاء اإلداري‪ ،‬ومن هنا كانت‬
‫تسمية القاضي اإلداري بأنه قاضي الحقوق والحريات العامة‪.‬‬
‫فإذا كان القاضى اإلداري سباق ًا إلى إعمال رقابة المشروعية في كامل صورها‬
‫أي بما فيها رقابة دستورية التشريعات‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن أنه هو الملجأ والمالذ في شأن‬
‫حماية الحقوق والحريات العامة‪ ،‬فإن ذلك يكشف عن أهمية الدور الذي يقوم‬
‫به سواء من حيث تقرير مبدأ المشروعية أو ضمان احترام هذه المشروعية(‪.)1‬‬
‫وال يغير من أهمية دور القاضي اإلداري فى مجال الرقابة الدستورية‪،‬‬
‫ما أخذ به المشرع الدستوري في مصر والكويت من إنشاء محكمة دستورية‬
‫عليا«تتولى دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح»‬
‫(م‪ 175‬من الدستور المصري) والمادة (‪ )173‬من الدستور الكويتي التي تنص‬
‫على أن‪« :‬يعين القانون الجهة القضائية التي تختص بالفصل في المنازعات‬
‫المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح»‪ ،‬حيث صدر تنفيذ ًا لذلك القانون رقم‬
‫‪ 14‬لسنة ‪ 1973‬بإنشاء المحكمة الدستورية حيث نصت المادة األولى منه‬
‫على اختصاص المحكمة الدستورية «بتفسير النصوص الدستورية وبالفصل‬
‫في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين والمراسم بقوانين واللوائح» فليس‬
‫من شأن اسباغ االختصاص برقابة دستورية التشريعات للمحكمة الدستورية ما‬
‫يقلل من أهمية دور القاضي اإلداري في شأن مجال الرقابة الدستورية‪ .‬أساس‬
‫ذلك أن قاضي المنازعة هو الذي يحيل الدفع بعدم الدستورية أو يأذن للخصم‬
‫بإقامة الدعوى أمام المحكمة الدستورية‪ .‬فقاضي المنازعة هو الذي بيده أن‬
‫(‪ )1‬واملتطلب االساسي لضمان حتقيق املشروعية وسيادة القانون هو وجود جهة قضاء ذات استقالل قانوني وفعلي‪ ،‬مشكلة من‬
‫رجال يتمتعون بالكفاءة املهنية وهم على استقاللهم في أداء اختصاصهم يحافظون‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫يوصل النزاع الدستوري إلى المحكمة الدستورية أو يحجب عنها ذلك‪ .‬فإليه‬
‫يرد في البدء النزاع حول الدستورية‪ ،‬وهوالذي ُينزل رؤيته على جدية المنازعة‪،‬‬
‫ثم هو الذي يحيل أو يأذن بإقامة الدعوى أو يرفض الدفع وال يأذن بإقامة الدعوى‬
‫الدستورية‪ .‬فمحرك الدعوى الدستورية واقع ًا وقانون ًا هو قاضي المنازعة (‪.)1‬‬
‫ونزعم‪ ،‬دون مبالغة‪ ،‬أن القرار الصادر باالحالة إلى المحكمة الدستورية إذ‬
‫ال بحكم القانون‪ ،‬أن يتضمن بيان النص التشريعي المطعون بعدم‬ ‫يتعين‪ ،‬إعما ً‬
‫دستوريته والنص الدستوري المدعى بمخالفته وأوجه المخالفة‪( ،‬المادة ‪ 30‬من‬
‫قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا المصرية الصادر بالقانون رقم ‪48‬لسنة‬
‫‪ )1979‬فهو يعرض وجهة نظر وتقدير قاضي المنازعة القريب من الواقع‬
‫والمعايش لظروف المنازعة مما جرى العمل على أن يكون محل تقدير واعتبار‬
‫عند تصدى المحكمة الدستورية للفصل في الشأن الدستوري‪ .‬وفي المقابل‬
‫فإن القاضى اإلداري ال شك أنه ينهل من مفاد أحكام القاضي الدستوري مما‬
‫ال مطلوب ًا‪ ،‬خاصة في مجال حماية الحقوق والحريات‬ ‫يحقق‪ ،‬في العمل تكام ً‬
‫العامة(‪.)2‬‬
‫فإذا كان ذلك ولما كان القاضي اإلداري يقوم بدور هام في رقابة دستورية‬
‫التشريع على نحو ما سبق اإللماح إليه‪ ،‬فإنه يكون من المالئم التعرض بالبيان‬
‫لنطاق الرقابة التي يمارسها القاضي اإلداري وهو بعد قاضي المشروعية وقاضي‬
‫الحقوق والحريات العامة‪ ،‬بصدد التنظيم التشريعي لهذه الحقوق والحريات‬
‫العامة المنصوص عليها بالدستور وعلى وجه الخصوص عما إ ّذا كان نطاق هذه‬

‫(‪ )1‬ويصدق ذلك بحق في ظل اآللية القانونية املقررة بقانون احملكمة الدستورية العليا املصرية‪ ،‬أما في النظام الكويتي فإن املادة‬
‫الرابعة من القانون رقم ‪ 14‬لسنة ‪ 1973‬بإنشاء احملكمة الدستورية‪ ،‬جتيز لذوي الشأن الطعن في احلكم الصادر بعدم جدية الدفع‬
‫أمام جلنة فحص الطعون باحملكمة الدستورية‪.‬‬
‫(‪ )2‬ومما جتدر اإلشارة إليه‪ ،‬أن محكمة النقض املصرية قد أعملت رقابتها على دستورية القانون (مبناسبة تطبيق قانون الكسب‬
‫غير املشروع) وانتهت إلى عدم تطبيق حكم القانون لتعارضه مع الدستور أي أنها اعملت رقابة االمتناع في ظل العمل بأحكام‬
‫قانون احملكمة الدستورية العليا(حكم محكمة النقض جلسة ‪،2004/4/28‬في الطعن رقم ‪ 30342‬لسنة ‪ 70‬القضائية)‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫الرقابة يتسع ليشمل الرقابة على االنحراف التشريعي بمناسبة تنظيم هذه الحقوق‬
‫والحريات العامة‪.‬‬
‫وكل ذلك مما نتناوله في ثالثة مباحث‪ :‬مبحث أول نعرض فيه للتناول‬
‫الفقهي ويليه مبحث يبين أهم مالمح القضاء الدستوري في هذا الشأن‪ ،‬ثم أخير ًا‬
‫نستعرض بنظرة نقدية ألهم ما تضمنته التشريعات وأحكام المحكمة الدستورية‬
‫في الموضوع الذي نحن بصدده‪.‬‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬التناول الفقهي لموضوع مراقبة االنحراف التشريعي(‪.)1‬‬
‫أ‪ -‬نطاق االنحراف بالتشريع ‪:‬‬
‫من األصول العامة المقررة أن للمشرع‪ ،‬في حدود الدستور‪ ،‬سلطة التشريع‪ .‬فما‬
‫لم يقيد الدستور المشرع بقيود محددة فإن سلطتة في التشريع هي سلطة تقديرية‪.‬‬
‫ونطاق السلطة التقديرية يكاد يستغرق النشاط التشريعي‪ ،‬حيث أن السلطة‬
‫المحددة في الدستور تنصرف إلى حاالت قليلة من أمثلتها الحق في المساواة‬
‫أمام القانون وعدم جواز إبعاد أي مواطن عن البالد أو منعه من العودة إليها‬
‫وعدم جواز تسليم الالجئين السياسيين‪ ،‬وعدم جواز مزاولة رئيس الجمهورية‬
‫أو الوزير‪ ،‬أثناء مدة الرئاسة أو تولي المنصب ال��وزاري‪ ،‬مهنة حرة أو عم ً‬
‫ال‬
‫تجاري ًا ًأو مالي ًا أو صناعي ًا أو أن يشتري أو يستأجر شيئ ًا من أموال الدولة أو أن‬
‫يؤجرها أو يبيعها شيئ ًا من أمواله أو يقايضها عليه‪ ،‬فإذا خالف المشرع هذه‬
‫الحدود كان التشريع باط ً‬
‫ال لمخالفته الدستور‪.‬‬
‫أما ممارسة باقي أنشطة التشريع فهى المجال الرحب ألعمال سلطة التقدير‬
‫للسلطة التشريعية‪ ،‬والرقابة على سلطة التقدير ال يحدها‪ ،‬على ما هو معروف‬
‫إال عيب االنحراف بالسلطة‪.‬‬
‫(‪ )1‬الريادة الفقهية في هذا الشأن هي ألستاذ األجيال الدكتور السنهوري باشا رئيس مجلس الدولة األسبق في مقاله املنشور مبجلة‬
‫مجلس الدولة بعنوان» مخالفة التشريع للدستور واألنحراف في استعمال السلطة التشريعية»‪ .‬ومن أحدث ما كتب في هذا املوضوع‬
‫رسالة الدكتور عبدالعظيم شرف بعنوان» املعاجلة القضائية والسياسية لالنحراف التشريعي ‪ -‬دراسة مقارنة»طبعة سنة ‪ .2002‬وأيض ًا‬
‫رسالة الدكتور حمدان فهمي بعنوان «حجية أحكام القضاء الدستوري وآثارها» جامعة األسكندرية‪ ،‬سنة ‪.2007‬‬

‫‪46‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫وعلى ذلك فمنطقة االنحراف في التشريع أوسع بكثير من منطقة مخالفة‬


‫التشريع للقانون‪.‬‬
‫ومن هنا تبرز األهمية القانونية والعملية للقول بإمكان المراقبة القضائية‬
‫النحراف المشرع في استعمال سلطته التشريعية‪.‬‬
‫ومما له مجال ذكر في هذا الخصوص‪ ،‬أن القاضي اإلداري مؤهل بأكثر من‬
‫غيره الستيعاب استخدام آليات الرقابة القضائية على االنحراف بالسلطة فقد‬
‫تمرس القاضي اإلداري على إعمال هذه الرقابة على القرارات التي تصدرها‬
‫الجهات اإلدارية ومن ثم فليس هو بالبعيد عن هذا المجال وال عن الحدود‬
‫التي يتعين على القاضي أن يلتزمها حتى ال يحل نفسه محل السلطة المختصة‬
‫باإلجراء‪.‬‬
‫ويمكن القول بأن االنحراف بالسلطة التشريعية يمثل المرحلة الثالثة في‬
‫تطور الرقابة القضائية على ركن النية‪ ،‬بعد نظرية التعسف في استعمال الحق‬
‫التى يعرفها القانون المدني ونظرية االنحراف في استعمال السلطة اإلدارية التي‬
‫يأخذ بها القانون اإلداري‪.‬‬
‫ب ‪ -‬معيار االنحراف في استعمال السلطة التشريعية‪:‬‬
‫يدق التعرف على معيار لالنحراف في استعمال السلطة التشريعية‪ ،‬ذلك أنه‬
‫إذا صح القول بأن االنحراف في استعمال السلطة اإلدارية يقوم على معيار ذي‬
‫شقين‪ :‬شق ذاتى يتعلق باألغراض والنوايا التي اضمرتها السلطة مصدرة القرار‪،‬‬
‫وشق موضوعي يتعلق باستهداف الصالح العام‪ ،‬فإن األخذ بهذا المعيار وتطبيقه‬
‫على االنحراف التشريعي تحوطه مآخذ كثيرة أهمها أنه من غير الممكن‪ ،‬وفي‬
‫كل األحوال من غير المستساغ‪ ،‬أن تنسب غايات شخصية إلى الهيئة التشريعية‪،‬‬
‫فالمفروض فرض ًا أن هذه الهيئة إنما تستعمل سلطتها إلستهداف تحقيق‬
‫المصلحة العامة‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫وحتى في الفروض الواقعية التي ال يخفى عن األبصار استهدافها نفع بعض‬


‫األفراد أو الهيئات أو إيقاع الضرر بهم‪ ،‬فأن التشريع يحرص دائم ًا على إعالن‬
‫التمسك باعتبارات المصلحة العامة سند ًا لصدوره (‪.)1‬‬
‫وفي جميع األحوال فإنه يصعب االقتناع أو محاولة االقناع بمعيار لالنحراف‬
‫التشريعي ينطوي ولو في شق منه على عنصر ذات��ي‪ .‬ف��إذا كان التعسف في‬
‫استعمال الحق يقوم على معيار ذاتي محض هو نية الشخص االضرار بالغير‬
‫كما هو أمر مألوف في استعمال الحقوق الخاصة‪ ،‬وإذا كان االنحراف بالسلطة‬
‫اإلداري��ة يقوم على معيار ذو شقين‪ :‬ذاتي وموضوعي ألن رجل اإلدارة وهو‬
‫يمارس سلطته العامة أقل انقياد ًا للدوافع الذاتية من الفرد وهو يباشر حقوقه‬
‫الخاصة‪ ،‬فإنه ال مجال ألي معيار يقوم عليه االنحراف التشريعي‪ ،‬غير المعيار‬
‫الموضوعي الذي ال تأتيه الذاتية من أمامه وال من خلفه‪.‬‬
‫يبرر ذلك أمران‪ :‬األمر األول هو افتراض استهداف جهة التشريع المصلحة‬
‫العامة‪ ،‬وهى بعد جهة مشكلة من عدد من األعضاء يمثلون الشعب وقد يصعب‬
‫افتراض تواطؤهم على استهداف مصلحة غيرالمصلحة العامة واألمر الثاني أن‬
‫مجال االنحراف التشريعي هو مجال بالغ الدقة فال يحتمل قيامه على غير معيار‬
‫ثابت مستقر‪ ،‬ال مجال للخطأ في فهم معناه وال محل لالختالف في تفسيره‬
‫وإال انعكس ذلك بأثره على صفة ثبات التشريع وسمة استقراره‪ .‬وكل ذلك من‬
‫أولى متطلبات حقيق مفهوم سيادة القانون وما يتعين أن تشيعه من طمأنينة ينعم‬
‫بها‪ ،‬أو يفترض أن ينعم بها‪ ،‬كل من يستظل بظالل هذه السيادة‪.‬‬

‫(‪ )1‬وكثير ًا ما تستخدم اعتبارات املالءمة غطا ًء ملشروعية التشريع‪ .‬ولعل هنا شاهد على واقع يتعلق مبشروع قانون بدت‬
‫إرهاصاته مبد سن اإلحالة إلى املعاش للقضاة ألكثر من ستني سنة‪ ،‬وكان ذلك خالل النصف الثاني من ثمانينات القرن املاضي‪.‬‬
‫فقد صرح املستشار رئيس مجلس الدولة ورئيس احملكمة اإلدارية العليا املستشار الدكتور أحمد يسري (وكنت عضو ًا بالدائرة‬
‫األولى للمحكمة اإلدارية العليا في ذلك الوقت) أنه مع تأييده لرفع سن املعاش‪ ،‬فإنه ال ميكنه أن يستمر في اخلدمة‪ ،‬بعد سن‬
‫الستني‪ ،‬فيما لو صدر القانون حيث إن إستفادته احملققة بهذه امليزة تتعارض مع األمانة املهنية لوظيفته القضائية على قمة هيئة‬
‫القضاء اإلداري‪ .‬واملشاهد أن املشروع لم يقدر له الصدور في ذلك الوقت‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫وفي سبيل التعرف على المعيار الموضوعي الذي يصلح معيار ًا للكشف عن‬
‫االنحراف في استعمال السلطة التشريعية فإنه مما يسهل تحسس معالم طريق‬
‫الموضوعية إجراء التفرقة بين فروض خمسة بيانها كما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬فرض يرجع فيه إلى طبيعة التشريع ذاتها باعتبارها معيار ًا موضوعي ًا‪.‬‬
‫بيان ذلك أن السمة االساسية في التشريع هي في كونه قاعدة عامة مجردة‪،‬‬
‫فإذا صدر التشريع مستهدف ًا تطبيقه على حالة فردية واحدة ففي هذه الحالة‬
‫يكون المشرع قد انحرف في استعمال السلطة التشريعية‪ .‬ومعيار االنحراف هنا‬
‫هو موضوعي محض إذ ال حاجة إلى الكشف عن النوايا المستترة التي اقترنت‬
‫بهذا التشريع‪ ،‬إذ هو في حقيقته قرار إداري يتعارض مع طبيعة التشريع وان‬
‫استتر بمسوحه‪ .‬والمثل الذي يضرب لهذا الفرض هو صدور تشريع بإلغاء هيئة‬
‫قضائية للتخلص من أعضائها ثم إعادة تشكيلها بعد مدة وجيزة بتشريع آخر‪.‬‬
‫ال في مصر في أغسطس سنة ‪ ،1969‬حيث صدرت‬ ‫وقد حدث ذلك فع ً‬
‫قرارت بقانون بحل كافة الهيئات القضائية ثم أعيد تشكيل تلك الهيئات وأرفقت‬
‫بالقرار بقانون بإعادة التشكيل قائمة تضمنت أسماء من رئى إبقاؤهم بهذه الهيئة‬
‫أو تلك‪ ،‬أما من لم يرد اسمه في إحدى تلك القوائم فاعتبر معزو ً‬
‫ال عن الهيئة‬
‫القضائية التي كان ينتمي إليها(‪.)1‬‬
‫فالتشريعات الصادرة بحل الهيئات القضائية في هذه الحالة؛ صدرت فاقدة‬
‫للشروط الموضوعية للتشريع من عمومية وتجريد‪ ،‬حيث استهدفت عزل قضاء‬
‫بذواتهم من الهيئات القضائية التي كانوا ينتمون إليها‪ .‬كما يضرب الفقه مث ً‬
‫ال يتحقق‬
‫به هذا الفرض ويتحصل في صدور تشريع عام مجرد في مناسبة قضية معينة منظورة‬
‫امام المحاكم ويكون التشريع مما ال ينطبق إال على هذه القضية بالذات‪.‬‬

‫(‪ )1‬عرفت هذه الواقعة مبذبحة القضاء‪ .‬وقدصدرت‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬في أوائل السبعينيات من القرن املاضي قرارت بإعادة من مت‬
‫عزلهم من القضاة إلى الهيئات القضائية التي عزلوا منها‪ ،‬ويؤكد العميد ‪ Duguit‬أنه إذا اقتصر تطبيق التشريع على حالة فردية‬
‫أو على شخص بالذات فإنه يفقد صفة العموم وهى الصفة الالزمة التي يجب أال تنفك عن التشريع‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫‪ -2‬الفرض الثاني‪ :‬مجاوزة التشريع للفرض المخصص الذي رسم له‪:‬‬


‫ويتحقق هذا الفرض في الحاالت القليلة التي يتحدد فيها هدف مخصص‬
‫لتشريع معين‪ ،‬ويضرب الفقه لذلك مثلين‪ :‬صون األم��ن والنظام العام في‬
‫تشريعات األحكام العرفية ووقاية النظام االجتماعي في تشريعات الصحافة‬
‫واالجتماعات العامة (‪.)1‬‬
‫ففي شأن األحكام العرفية وإذ كان التشريع المنظم لها ينص على أن الغايات‬
‫المخصصة لألحكام العرفية هي صون األمن والنظام العام‪ ،‬وحاجات الحرب‪،‬‬
‫والتموين‪ ،‬فإنه إن جاز للمشرع أن يستعمل سلطة التقدير في تحديد دائرة‬
‫األمن والنظام وحاجات الحرب والتموين‪ ،‬فإنه إن أضاف إلى االختصاصات‬
‫المخولة للسلطة القائمة على إجراء األحكام العرفية اختصاصات أخرى ال‬
‫تدخل في هذه الغايات المخصصة تحت ستار أنها تدخل فيها كأن أجاز للسلطة‬
‫العرفية القبض على متهمين في جرائم يقول أنها تتصل باألغراض المحددة‬
‫وهى ال تتصل أو أجاز تقييد الحريات بدعوى أن هذا التقييد قصد به تحقيق هذه‬
‫الغايات وكان التقييد بعيد المدى إلى حد يجاوز الحاجة كان التشريع متخطي ًا‬
‫الغاية المخصصة ومن ثم مشوب ًا باالنحراف في استعمال السلطة التشريعية‪.‬‬
‫وكذلك الحال في شأن تشريعات الصحافة واالجتماعات العامة إذ المقصود‬
‫بالنصوص الدستورية التي تنظم شئون الصحافة واالجتماعات العامة (المادتان‬
‫‪15‬و‪20‬من الدستور المصري لسنة ‪ )1923‬أن تستهدف ما قد يتضمن التشريع‬
‫من قيود وقاية للنظام االجتماعي‪ ،‬فإذا خرج التشريع عن هذه الدائرة حتى لو‬
‫كان يستهدف غرض ًا آخر ًا مما يدخل في دائرة حفظ االمن والنظام العام‪ ،‬فيكون‬
‫التشريع مشوب ًا باالنحراف‪ .‬ويكفي التثبت في هذا الحالة من أنه ولئن كانت‬
‫القيود التي تضمنتها التشريع قد نسيت إلى وقاية النظام االجتماعي إلى أنها‬
‫(‪ )1‬واستناد الفقه إلى هذين املثلني كان أساسه املادتني (‪ )155‬و(‪ )15‬من الدستور املصري الصادر سنة ‪.1923‬‬

‫‪50‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫تجاوز من ناحية مجردة محضة هذه الدائرة المحددة‪.‬‬


‫‪ -3‬ال��ف��رض ال��ث��ال��ث‪ :‬كفالة ال��ح��ري��ات وال��ح��ق��وق العامة ف��ي حدودها‬
‫الموضوعية‪:‬‬
‫فإذا كان هناك حقوق وحريات دستورية عامة مطلقة ال تقبل التقييد كحظر‬
‫ال لمخالفة الدستور‪ ،‬إال أن‬ ‫إبعاد المصري فإن صدر تشريع يقيدها كان باط ً‬
‫الغالبية من الحقوق والحريات العامة ينص الدستور على أن يكون تنظيمها‬
‫بقانون‪ ،‬مما مؤداه أن يكون للمشرع سلطة التقديرية يقوم بهذا التنظيم‪.‬‬
‫وإذ توافرت سلطة التقدير في مجال هذا خطره وهذه أهميته‪ ،‬وجد معها‬
‫الحد الذي تقف عنده وهو حد االنحراف‪ ،‬بالتنظيم عن الغرض الذي قصد‬
‫إليه الدستور وهو كفالة هذه الحقوق والحريات في حدودها الموضوعية فإذا‬
‫نقضها المشرع أو انتقص منها‪ ،‬تحت ستار التنظيم‪ ،‬كان تشريعه منطوي ًا على‬
‫انحراف ال مخالف ًا لنصوص الدستور‪ .‬أساس ذلك أن كل حق عام أوحرية‬
‫عامة وكل الدستور إلى المشرع تنظيمها بقانون‪ ،‬يعني بحكم اللزوم الدستوري‬
‫ضرورة التزام المشروع الغاية المخصصة له دستوري ًا‪ ،‬وهذه الغاية هي تنظيم‬
‫الحق على وجه ال ينقض معه الحق وال ينتقص‪.‬‬
‫ويؤكد الفقه على أن هذا المعيار هو معيار موضوعي؛ إذ ليس الرقيب على‬
‫الدستورية بحاجة إلى الكشف عن األغراض والنوايا المستترة التي اقترنت‬
‫بالتشريع وقت صدوره‪ ،‬بل يكفى تبين أن الحق العام أو الحرية العامة الذي‬
‫نظمه أو نظمها المشرع قد أصبح أو أصبحت‪ ،‬بعد التنظيم‪ ،‬منتقص ًا منها‪ ،‬األمر‬
‫الذي يخرج عن الغاية التي قصد إليها الدستور‪ .‬ومن األمثلة التي يضربها‬
‫الفقه على ذلك الحق في االجتماعات العامة فلو صدر تشريع ينقض حرية‬
‫االجتماعات العامة أو ينتقص منها انتقاص ًا خطير ًا كان التشريع باط ً‬
‫ال النطوائه‬
‫على انحراف باستعمال السلطة‪ .‬وقد كان لمحكمة القضاء اإلداري قضاء بأنه إذ‬
‫تبين لها أن قانون االجتماعات هو من التشريعات التي أقرها البرلمان باعتباره‬

‫‪51‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫قانون ًا مقيد ًا للحريات فيبقى القانون على أصله باعتباره كذلك‪ ،‬أي قيد ًا على‬
‫الحرية‪ ،‬مما يتعين معه تفسيره تفسير ًا ضيق ًا فال يجوز تطبيقه إال عند الضرورة‬
‫القصوى واليجوز أن تتذرع به اإلدارة لمنع االجتماعات إال إذا اجتمعت لديها‬
‫أسباب بالغة الخطورة تبرر هذا المنع‪.‬‬
‫(الحكم الصادر بجلسة ‪ 7‬من نوفمبر سنة ‪.)1951‬‬
‫ومما له مجال ذكر في هذا المقام اإلشارة إلى ما تضمنه التعديل الدستوري‪،‬‬
‫لسنة ‪ ،2007‬الذي تم على أحكام الدستور المصري لسنة‪ ،1971‬فمن ضمن ما‬
‫تم تعديل نص المادة (‪ )179‬التي تضمنت‪ ،‬بعد تعديلها‪ ،‬حماية األمن والنظام‬
‫العام في مواجهة اخطار اإلره��اب‪ ،‬فأجازت للمشرع تنظيم أحكام خاصة‬
‫بإجراءات االستدالل والتحقيق التي تقتضيها ضرورة مواجهة هذه األخطار‬
‫بما في ذلك عدم التقيد بإجراءات منصوص عليها بالمواد(‪ )1/41‬و(‪ )44‬و‬
‫(‪ )2/45‬وهى المواد التي وردت تحت الباب الثالث بعنوان الحريات والحقوق‬
‫والواجبات العامة وتتعلق تلك المواد أساس ًا بتكييف الحرية الشخصية بأنها حق‬
‫طبيعي وبحرمة المساكن التي ال يجوز انتهاكها إال بأمر قضائي وبحرمة وسرية‬
‫المراسالت البريدية والمحادثات التليفونية‪ .‬ومع التوسعة التي تضمنها النص‬
‫الدستوري والتي قيل في تبريرها الخطورة التي تتمثل في الظاهرة اإلرهابية‬
‫المعاصرة‪ ،‬إال أنه يبقى أن أي تشريع يتصدى بتنظيم إجراءات مكافحة اإلرهاب‬
‫استناد ًا لحكم المادة (‪ )179‬من الدستور المشار إليها يتعين حتم ًا ولزام ًا أن‬
‫يكون الغرض األوحد منها هو حقيقة مكافحة اإلرهاب‪ ،‬فإن انحرف المشرع‬
‫عن هذه الغاية فيما يضعه من تنظيم يتعرض ألحكام المواد المشار إليها على‬
‫ال لالنحراف في استعمال‬ ‫وجه التخصيص بنص المادة ‪179‬؛ كان عمله باط ً‬
‫سلطة التشريع‪.‬‬
‫أما إذا خالف التشريع م��واد ًا أخ��رى من الدستور غير تلك التي ُأجيز له‬
‫الخروج على أحكامها بنص المادة ‪ ،179‬فيكون عمله مشوب ًا بمخالفة الدستور‬

‫‪52‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ال متضمن ًا النحراف بالسلطة التشريعية‪.‬‬

‫‪ -4‬الفرض الرابع‪ :‬احترام الحقوق المكتسبة وعدم المساس بها في غير‬


‫ضرورة أو من غير تعويض عادل‪.‬‬
‫ف��األص��ل ف��ي التشريعات أال تسري بأثر رجعي حتى ال تمس حقوق ًا‬
‫مكتسبة‪.‬‬
‫واحترام الحقوق المكتسبة قاعدة تمتد إلى أعماق القانون الطبيعي والمبادئ‬
‫األولية للعدالة والفطرة السوية‪ .‬وإذا كان الدستور يتيح‪ ،‬في غير مجال‬
‫العقوبات‪ ،‬للمشرع أن يقرر‪ ،‬إذا رأى ذلك‪ ،‬أث��ر ًا رجعي ًا للتشريع‪ ،‬إال‬
‫أن اإلسراف في تقرير األثر الرجعي ُيعد انحراف ًا في استعمال السلطة‬
‫التشريعية‪ .‬ويعطي الفقه أمثلة على االنحراف في هذه األح��وال‪ ،‬ومن‬
‫ذلك أن يصدر تشريع متضمن ًا عقوبة مقنعة تسري بأثر رجعي أو أن يصدر‬
‫المشرع تشريع ًا بوصفه بأنه تفسير لتشريع سابق وما هو بالتشريع المفسر‬
‫وإنما هو في حقيقته تشريع معدل يتضمن إعماله بأثر يرتد إلى تاريخ‬
‫التشريع األول‪.‬‬

‫‪ -5‬الفرض الخامس ‪ :‬مخالفة التشريع لمبادئ الدستور العليا والروح التي‬


‫تهيمن على نصوصه ‪:‬‬
‫وقد تحفظ السنهوري باشا على هذا الفرض ‪ ،‬مبين ًا أنه مجال اجتهاد حيث‬
‫يكاد المعيار الموضوعي بشأنه أن يتاخم المعيار الذاتي‪.‬‬
‫ويمكن‪ ،‬توخي ًا ألكبر قدر من الموضوعية‪ ،‬استعراض أحكام الدستور في‬
‫جملتها الستخالص مبادئ عامة عليا تهيمن عليه وتجمع شتات أحكامه بحيث‬
‫تصبح النصوص جميعها منظومة واحدة وجدت لتطبق في تناغم وتكامل‪ .‬وقد‬
‫ارتأى السنهوري باشا من استعراضه ألحكام الدستوري المصري لسنة ‪1923‬‬
‫أنه يقوم على المبادئ العليا اآلتية‪:‬‬

‫‪53‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫المبدأ األول‪ :‬مبدأ استقالل السلطة القضائية وهو مستخلص من نص تجرى‬


‫عبارته بأن «القضاة مستقلون ال سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون»‬
‫والمبدأ الثاني‪ :‬هو مبدأ الحصانة البرلمانية ويستمد من النص الذي يقضي‬
‫بعدم جواز مساءلة أعضاء السلطة التشريعية عما يبدونه من أفكار وآراء‪.‬‬
‫والمبدأ الثالث‪ :‬هو مبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بأن حدد‬
‫الدستور لكل منها نطاق ًا ال تتجاوزه‪.‬‬
‫والمبدأ الرابع‪ :‬هو وجوب تقييد السلطة القائمة على إجراء األحكام العرفية‬
‫وأن يكون التقييد مقرر ًا في تشريع سابق‪.‬‬

‫جـ‪ -‬أهمية التمييز بين مخالفة التشريع للدستور واالنحراف في استعمال‬


‫السلطة التشريعية‪:‬‬
‫يوضح الفقه بأن التمييز بين الحالتين واجب تقتضيه الدقة العلمية‪ ،‬وتتطلبه‬
‫االعتبارات العملية‪ .‬فمن الناحية العلمية‪ ،‬فإن من شأن إجراء هذه التفرقة تجلية‬
‫الكثير من الغموض الذي يكتنف التصدي لدستورية القوانين وهو بعد أمر بالغ‬
‫الحساسية يتطلب أن يكون تقديره بمعيار دقيق يجرى على كل عيب من عيوب‬
‫المخالفات الدستورية وزنه دستوري ًا بما يتفق وحقيقة المخالفة‪.‬‬
‫وأم��ا من الناحية العملية‪ ،‬فإنه يترتب على التمييز بين مخالفة الدستور‬
‫واالنحراف في استعمال السلطة التشريعية إفساح المجال لفكرة االنحراف‬
‫لتستقر في ضمير القاضي بحيث يتأكد استقاللها وذاتيتها ابتناء على معايير‬
‫موضوعية تحكم تقديرها في إطارها الصحيح ال��ذي يتباعد بها عن مجال‬
‫التقدير الذاتي‪ .‬وفي العمل‪ ،‬فمن الطبيعي أن يتهيب المرء من االستمرار في‬
‫تقدير أمر الشبهة الدستورية إذا لم يوجد النص الصريح الذي يفيد ذلك ‪ .‬إال أنه‬
‫ومع تأصل فكرة االنحراف التشريعي الذي ال يتطلب االخالل بنص معين في‬

‫‪54‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫الدستور بل يكفي أن يتعارض التشريع من مبادئ الدستور العليا فإن ولوج أمر‬
‫البحث في الدستورية يكون أكثر يسر ًا وأيسر ارتياد ًا‪.‬‬
‫ومن المعروف أن الفكرة تتبلور وتتأكد إذا استقلت بذاتية خاصة وكيان‬
‫مستقل‪ .‬على أنه ومع ذلك فإن االنحراف فى استعمال السلطة التشريعية يبقى‬
‫دائم ًا طريق طعن احتياطي ال يلجأ إليه إال حيث ينغلق مجال بحث مخالفة‬
‫الدستور ‪.‬‬
‫د‪ -‬اثبات االنحراف في استعمال السلطة التشريعية‪:‬‬
‫وإذا كان اثبات االنحراف أمر ًا بالغ الدقة فإنه يلزم أن يثبت ذلك بطريق الدليل‬
‫الداخلي«‪ »preuve interséque‬دون غيره من قرائن األحوال الخارجية‪،‬‬
‫فذلك أدنى إلى تحقيق استقرار التشريع وعدم زعزعة الثقة به‪ ،‬وهي بعد أحد‬
‫األسس الالزمة الستقرارالمجتمع ككل‪.‬‬
‫وأسباب التشريع كما يكون تلمسها بتمحيص نصوصه نص ًا نص ًا‪ ،‬يكون أيض ًا‬
‫الكشف عنها من ديباجته أو بما يرد بالمذكرة االيضاحية أو األعمال التحضيرية‬
‫له وما قد تفصح عنه المناقشات التي دارت بمناسبة بحثه بالهيئة التشريعية‪..‬‬

‫‪55‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ث��ان�ي� ًا‪ :‬المالمح الرئيسية للرقابة الدستورية على االن �ح��راف التشريعي‬
‫بمناسبة تنظيم الحقوق والحريات العامة‪.‬‬
‫‪ -1‬األصل العام في شأن رقابة الدستورية يتحصل في تأكيد عدم وجود‬
‫سلطة مطلقة في مفهوم الرقابة القضائية على دستورية القوانين‪ ،‬ذلك‬
‫أنه حتى ولو لم يقيد الدستور المشرع بضوابط معينة ألزمه بالخضوع لها‬
‫فيما يصدره من نصوص قانونية‪ ،‬فإن على المشرع ‪ -‬في مجال تنظيمه‬
‫للحقوق ‪ -‬أن يختار أقل القيود عليها وأكثرها مالءمة لتحقيق األغراض‬
‫التي يبتغيها‪.‬‬
‫كما أن ثمة أغ��راض نهائية ومقاصد كلية تهيمن على نصوص الدستور‪،‬‬
‫فتصل بين نصوصه وتربط بينها‪ ،‬بحيث يتعين أن تفسر النصوص على‬
‫ضوئها وأن يتقيد المشرع بمفادها‪ .‬وتعبر المحكمة الدستورية العليا‬
‫المصرية عن ذلك بقولها أن نصوص الدستور متآلفة فيما بينها تتجانس‬
‫في معانيها وتتضافر في توجهاتها‪ ،‬فال محل لقول بإلغاء بعضها البعض‬
‫بقدر تصادمها‪.‬‬
‫أساس ذلك أن إنفاذ الوثيقة الدستورية وفرض أحكامها على المخاطبين‬
‫بها يفترض العمل بها في مجموعها وشرط ذلك والزمه النظر إلى النص‬
‫الدستوري باعتبار أن له مضمون ًا ذاتي ًا ال ينعزل به عن غيره من النصوص‬
‫أو ينافيها أو يسقطها بل يقوم إلى جوارها مقيد ًا باألغراض النهائية‬
‫والمقاصد الكلية التي تجمعه‪( .‬الحكم الصادر بجلسة ‪ 5‬من فبراير سنة‬
‫‪.)1994‬‬
‫ومفاد ما تقدم أن ثمة أغراض نهائية ومقاصد كلية يتعين أن تفسر النصوص‬
‫الدستورية في ضوئها‪ ،‬وعلى المشرع أن يتقيد بها وعلى الجهة القضائية في‬
‫المقابل أن تبذل الجهد كل الجهد من أجل كشفها وبيانها حتى تقيس عليها‬

‫‪56‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫وتزن بها التشريعات التي تصدر عن جهة التشريع فتصم ما يصدر بالمخالفة لها‬
‫باالنحراف التشريعي‪.‬‬
‫‪ -2‬ومن غير المقبول مث ً‬
‫ال وال بالمستساغ منطقي ًا وال الجائز دستوري ًا‪ ،‬أن‬
‫تكون السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في موضوع تنظيم الحقوق مغفلة‬
‫الضوابط‪ ،‬متحررة من كل قيد‪.‬‬
‫ومؤدي ذلك والزمه أن تكون قواعد الدستور والمبائ العامة الكلية التي‬
‫يتغياها حدود ًا وحواجز الستعمال السلطة التشريعية اختصاصها بشأن‬
‫تنظيم الحقوق أو الحريات العامة‪ .‬وإنه ولئن كان من المفترض‪ ،‬في‬
‫األصل العام‪ ،‬أن تتفق األغراض التي يتبناها المشرع ومقاصد الدستور‬
‫فإنه يتعين دائم ًا وأبد ًا أن تكون النصوص التشريعية وسائل منطقية لتحقيق‬
‫أغراض الدستور فإن انفصم اتصالها بها وقعت باطلة النحراف المشرع‬
‫بها عن الغايات المقررة دستور ًا‪ ،‬ويحق عليها بالتالي جزاء المخالفة‬
‫الدستورية‪.‬‬

‫‪ -3‬ومما يتعين ايضاحه‪ ،‬في هذا الصدد‪ ،‬وج��وب التمييز بين المقاصد‬
‫التشريعية التي تخالف الدستور وتلك المقاصد التي ال تناقضه فثمة‬
‫أغراض تشريعية ال تناقض الدستور وهي تلك التي يقتضيها الصالح‬
‫العام في شأن الموضوع محل التنظيم‪.‬‬
‫وعلى عكس ذلك فثمة مقاصد قد يهدف إليها المشرع بالمخالفة ألغراض‬
‫الدستور أو غاياته النهائية‪ ،‬وهذه المقاصد تكون محظورة اليجوز أن يستهدفها‬
‫التشريع وإال كان مشوب ًا بإساءة استعمال السلطة أو االنحراف بها‪.‬‬
‫وعلى ذلك فإذا تدخل المشرع لحماية الدول من الناقدين لها وكأنها فوق‬
‫القانون (مثال ذلك المادة (‪/82‬د) من قانون العقوبات التي تفرض عقوبة‬
‫‪57‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫جنائية على من يذيعون أخبار ًا كاذبة تمس هيبة الدولة واعتبارها)‪ ،‬شاب عمله‬
‫االنحراف ذلك أن حماية الدولة عل هذا النحو امتهان للقانون وهو كذلك‬
‫غرض غير مشروع ال يجوز أن يظلها ليضفي حصانة على أعمالها(‪.)1‬‬
‫وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا هذا المذهب فيما أكدته من انه «من‬
‫غير المحتمل أن يكون انتفاء االوضاع المتصلة بالعمل العام تبصير ًا بنواحي‬
‫التقصير فيه مؤدي ًا إلى اإلضرار بأية مصلحة مشروعة‪ ،‬وأن من غير الجائز أن‬
‫يكون القانون أداة تعوق حرية التعبير من مظاهر االخالل بأمانة الوظيفة العامة‬
‫أو مواطن الخلل في أداء واجباتها وأن النظر في أعمال القائمين بالعمل العام‪،‬‬
‫وتقويم اعوجاجهم يعتبر واجب ًا قومي ًا كلما نكل هؤالء عن طبيعة واجباتهم‬
‫إهما ً‬
‫ال أو انحراف ًا»(‪.)2‬‬
‫واستطرد الحكم ببيان أن ما «يميز الوثيقة الدستورية ويحدد مالمحها الرئيسية‬
‫هو أن الحكومة خاضعة لمواطنيها وال يفرضها إال الناخبون»‪.‬‬
‫‪ -4‬وكما يتقيد التقدير في عمل السلطة التشريعية بنوع األغ��راض التي‬
‫يتوخاها فإن هذا التقدير يتقيد كذلك بحقيقة أن المشرع حين يوازن ويفاضل‬
‫ال لسلطتة في التقدير‪ ،‬فإن عليه أن يختار بين البدائل أنسبها‬ ‫بين البدائل إعما ً‬
‫ال في مجال‬‫«لتحقيق أغراضه وأقلها تقييد ًا للحرية وأ كفلها ألكثر المصالح ثق ً‬
‫ضمانها»(‪.)3‬‬
‫كل ذلك بإفتراض مشروعية البدائل جميع ًا واتصالها بالحقوق محل التنظيم‬
‫إذ اليجوز تنظيم الحقوق لغير مصلحة واضحة لها اعتبارها ‪.)4( .‬‬

‫(‪ )1‬املستشار‪ /‬عوض املر (الرئيس األسبق للمحكمة الدستورية العليا مبصر) الرقابة القضائية على دستورية القوانني في‬
‫مالمحها الرئيسية ‪ -‬القاهرة ‪ -‬ط‪ - 2003 :‬ص ‪.1383‬‬
‫(‪)2‬القضية رقم ‪ 42‬لسنة ‪ 16‬القضائية دستورية الصادرة فيها احلكم بجلسة ‪ 20‬من مايو سنة ‪.1995‬‬
‫(‪ )3‬قضاء مستقر‪ ،‬منه على سبيل املثال احلكم الصادر بجلسة ‪ 15‬من يونيه سنة ‪ 1996‬وذلك الصادر بجلسة ‪ 4‬من يناير سنة‬
‫‪.1997‬‬
‫(‪ )4‬القضية رقم ‪ 5‬لسنة ‪ 8‬القضائية دستورية الصادر فيها احلكم بجلسة ‪ 6‬من يناير سنة ‪.1996‬‬

‫‪58‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫‪ -5‬ومن األمثلة على المصلحة الواضحة التي يكون من شأن مراعاتها تبرئة‬
‫التشريع من االنحراف‪ ،‬حماية المصالح الوطنية باعتبار ذلك ممايستظل‬
‫بوافر حماية النظام العام‪ .‬وبذلك قضت المحكمة الدستورية العليا‬
‫بجلسة ‪15‬من أبريل سنة ‪2007‬في الدعوى الدستورية التي تتحصل فيما‬
‫أثير من شبهة عدم دستورية حكم المادة (‪ )87‬من قانون التجارة التي‬
‫توجب إعمال أحكام القانون المصري دائم ًا على منازعات عقود نقل‬
‫التكنولوجيا حتى وإن اتفق الطرفان على التحكم بشأنها‪.‬‬
‫وقد انتهت المحكمة الدستورية إلى دستورية الحكم على أساس أن فكرة‬
‫النظام العام هي « أن خطوط دفاع النظام القانوني عن نفسه أو الجماعة عن ذاتها‬
‫من جموح اإلرادة الفردية» وأنه لما كان قانون التجارة قد راعى‪« ،‬كما دلت‬
‫عليه مذكرته اإليضاحية» حماية المصالح الوطنية دون المساس بالمصالح‬
‫المشروعة للطرف مورد التكنولوجيا‪« ،‬بحيث يؤمن للطرف المستورد‪ -‬وهو‬
‫مصري غالب ًا‪ -‬أسباب ًا حقيقة للتكنولوجيا تضمن لها أن تكون أداة لتطوير‬
‫االقتصاد الوطني» فإن مسلك المشرع يكون «مما يدخل في إطار السلطة‬
‫التقديرية للمشرع في موضوع تنظيم الحقوق‪ ،‬وذلك في ضوء المفاضلة التي‬
‫يجريها بين البدائل المختلفة»‪.‬‬
‫‪ -6‬ف��إذا ك��ان صحيح ًا أن األغ���راض النهائية للدستور قيد على سلطة‬
‫التقديرالمتاحة للمشرع‪ ،‬وأن األغ��راض المخالفة للدستور التي قد‬
‫يستهدفها المشرع في قاعدة قانونية أقرها تبطلها ولو طالها غرض‬
‫مشروع في بعض جوانبها الستحالة التحقق من مبلغ األثر الذي كان‬
‫للغرض الباطل فى تكوين القاعدة القانونية‪ ،‬إال أنه يكون على جهة‬
‫الرقابة القضائية دائما أن تزن مهمتها في الرقابة الدستورية بقدر الضرورة‬
‫فال تبطل بالتالي قانون ًا إلساءة استعمال السلطة إال إذا توافر االقتناع لديها‬
‫بأن القانون اختلط بغرض غير مشروع وأنه كان لهذا الغرض دور إيجابي‬
‫في تكوين نصوص القانون‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫وقد كانت هذه القاعدة أساس ًا لقضاء دستوري مفاده أن التحقق من استيفاء‬
‫النصوص القانونية ألوضاعها الشكلية سابق بالضرورة على الخوض في عيوبها‬
‫الموضوعية تأسيس ًا على أن المقومات الشكلية للنصوص القانونية من مقوماتها‬
‫األصلية فال يكتمل وجودها إال باكتمالها على وجه الصحة‪ ،‬مما يترتب عليه‬
‫أن تصدى المحكمة الدستورية في العوار الموضوعي يفترض اكتمال وجود‬
‫النصوص وفق االوضاع الشكلية التي يتطلبها الدستور(‪.)1‬‬
‫وإذا كانت الرقابة القضائية على نصوص التشريع التي تستهدف تحري‬
‫صحيح وجه اتفاق مقاصد التشريع مع األغ��راض التي كفلها الدستور‪ ،‬فإن‬
‫مقاصد التشريع هي التي يتعين أن تستجليها الجهة القضائية بحيث تنحصر‬
‫مهمتها في فحص ما إذا كان المشرع قد صاغ القاعدة القانونية على ضوء غرض‬
‫غير مشروع أثر في تكوينها‪ ،‬ويكون ذلك بإجراء المقابلة بين أغراض التشريع‬
‫وأغراض الدستور توص ً‬
‫ال للكشف عن مجال التعارض أو تمام التوافق بينها‪.‬‬
‫‪ -7‬وقد حددت المحكمة الدستورية العليا سمات االنحراف بالسلطة‬
‫التشريعية‪ ،‬فأوضحت أن عيب االنحراف عيب قصدي ال ُيفترض‪،‬‬
‫ويتعين أن يكون الدليل عليه واشي ًا بتنكب السلطة التشريعية االغراض‬
‫المقصودة من تأسيسها‪ ،‬وواضح ًا جلي ًا في استتارها بالتالي وراء سلطتها‬
‫في مجال تنظيم الحقوق لتصرفها إلى غير وجهتها‪ ،‬فال يكون عملها إال‬
‫انحراف ًا عنها (‪.)2‬‬
‫واألصل أن يكون المشرع حريص ًا على صون حقوق المواطنين وحرياتهم‬
‫المقررة دستوري ًا وأال ينال منها متخفي ًا وراء ستار من واليته المنصوص عليها‬
‫بالدستور‪ .‬فال يجوز أن تتخذ السلطة التشريعية من اختصاصها في تنظيم‬
‫الحقوق ستار ًا الخفاء نواياها في الخروج بهذا التنظيم عن طبيعة األغراض‬

‫(‪ )1‬احملكمة الدستورية العليا ‪ -‬القضية رقم ‪ 39‬لسنة ‪ 9‬القضائية الصادر فيها احلكم بجلسة ‪ 7‬من نوفمبر سنة ‪.1992‬‬
‫(‪)2‬القضية رقم ‪2‬لسنة ‪ 18‬الصادر فيها احلكم بجلسة ‪ 7‬من مارس سنة ‪.1998‬‬

‫‪60‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫التي كان يجب أن يتوخاها‪.‬‬


‫وبذلك يكون الكشف عن األغراض التي تتوخاها القواعد القانونية الزم ًا‬
‫للفصل في مدى اتفاق هذه القواعد واألغراض التي كفلها الدستور ‪ ،‬ومن ثم‬
‫يصح القول بأن سوء استعمال السلطة التشريعية لوظائفها‪ ،‬يعتبر في ذات الوقت‬
‫عيب ًا غائي ًا وقصدي ًا‪ .‬فاعتباره عيب ًا غائي ًا أساسه أنه ينطوي على مجاوزة السلطة‬
‫التشريعية قصد ًا ألغراض يتضمنها الدستور‪ ،‬مما يجعله بحكم الضرورة عيب ًا‬
‫مقصود ًا يرتبط باألغراض التي توختها سلطة التشريع‪.‬‬
‫خالصة األمر على ما تؤكده المحكمة الدستورية في مصر هو بأن األصل‬
‫في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية يفاضل المشرع‬
‫من خاللها بين بدائل متعددة مرجح ًا من بينها مايراه أكفل لتحقيق المصالح‬
‫المشروعة التي قصد إلى حمايتها وأن كل تنظيم للحقوق ال يجوز أن يصل‬
‫في منتهاه إلى إهدار الحقوق التي تناولها وال أن يرهق محتواها بقيود ال تكفل‬
‫فاعليتها(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬القضية رقم ‪ 38‬لسنة ‪ 16‬الصادر فيها احلكم بحلسة ‪ 16‬نوفمبر سنة ‪.1996‬‬

‫‪61‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ثالث ًا‪ :‬نظرة نقدية على الواقع التشريعي والقضاء الدستوري المصري‪:‬‬

‫‪ -1‬وفي نظرتنا النقدية للواقع التشريعي ونقتصر وحسب على استعراض‬


‫التدخل التشريعي في اختصاص المحكمة الدستورية العليا والذي‬
‫استهدف اختصاصها سواء المقرر دستوري ًا أو الذي تضمنه قانون إنشاء‬
‫المحكمة الصادر بالقانون رقم ‪ 48‬لسنة ‪.1979‬‬
‫ويتحصل التدخل التشريعي الذي نعنية فيما أدخل على قانون المحكمة من‬
‫تعديل بالقانون رقم ‪ 168‬لسنة ‪ ،1998‬ثم بالتعديل الذي تضمنته المادة ‪76‬‬
‫من الدستور بعد تعديلها بمقتضى االستفتاء الذي ُأعلنت نتيجته بتاريخ ‪ 26‬من‬
‫مايو سنة ‪.2005‬‬
‫أ‪ -‬فأما عن التعديل التشريعي الصادر بالقانون رقم ‪ 168‬لسنة ‪ 1998‬الذي‬
‫استهدف بالتعديل نص المادة (‪ )49‬من قانون المحكمة الدستورية العليا‬
‫فهو يتعلق بتحديد آثار الحكم بعدم دستورية النصوص الضريبية‪ .‬فقد‬
‫أدخل تعديل على نص المادة (‪ )49‬المشار إليها بحيث يجري النص‬
‫بما يأتى «ويترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو الئحة‬
‫عدم جواز تطبيقة من اليوم التالي لنشر الحكم ما لم يحدد الحكم لذلك‬
‫تاريخ ًا آخر‪ ،‬على أن الحكم بعدم دستورية نص ضريبي ال يكون له في‬
‫جميع األحوال إال أثر مباشر ‪ ،‬وذلك دون إخالل باستفادة المدعي من‬
‫الحكم الصادر بعدم دستورية هذا النص»‪.‬‬
‫فإذا كان المشرع بهذا التعديل يفيد‪ ،‬بمفهوم المخالفة على األقل‪ ،‬جريان‬
‫آثار األحكام الصادرة عن القضاء الدستوري بعدم دستورية نصوص تشريعية‬
‫غير ضريبية بأثر رجعي فإنه وبالنسبة لما تضمن من تنظيم ألثر األحكام بالنسبة‬
‫للنصوص الضريبية فقد انطوى عدوان ًا صارخ ًا على حقوق دستورية مقررة كما‬
‫انطوى على انحراف بواح بالسلطة التشريعية(‪.)1‬‬

‫‪62‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫بيان ذلك أن المادة (‪ )119‬من الدستور تنص على أن «إنشاء الضرائب العامة‬
‫وتعديلها أو الغائها ال يكون إال بقانون‪ ،‬وال يعفى أحد من أدائها إال في األحوال‬
‫المبينة في القانون واليجوز تكليف أحد أداء غير ذلك من الضرائب أو الرسوم‬
‫إال في حدود القانون»‪.‬‬
‫فإذا كان ذلك صريح نص الدستور‪ ،‬فإن ثبوت عدم دستورية نص تشريع‬
‫ضريبي مع عدم استفادة من ُطبق عليهم النص المعيب من الممولين غير‬
‫المدعي من شأنه أن يلتزم هؤالء بأداء مبالغ تمت تسميتها بأنها من الضريبة‬
‫وهي ليست كذلك فهي من وصف الضريبة براء على ما كشف الحكم الصادر‬
‫من المحكمة الدستورية‪.‬‬
‫وال يمكن التعلل بأي علة كانت‪ ،‬تبرير ًا لهذا النص‪ .‬فجباية مبالغ في غير‬
‫نطاق الضريبة المشروعة هو اعتداء صارخ على المبادئ األولية التي يقوم عليها‬
‫الدستور ويتعارض مع أهم غاية من غاياته وهو اشاعة الطمأنينة بين المواطنين‬
‫وتعميق شعورهم بأنهم يستظلون أو ً‬
‫ال بالدستور وثاني ًا بالتشريع‪ ،‬فال يمكن‬
‫أن يكون هذا األخير مصدر الخاف بهم وإضرار محض بمصالحهم ‪.‬وال شك‬
‫أن الغاية التي قيلت تبرير ًا لتمرير هذا التعديل وتتحصل في أن الدولة تكون‬
‫قد اعتمدت على ما تم تحصيله من الضريبة‪ ،‬فهو قول داحض‪ ،‬فمن المسلم‬
‫في مفهوم العدالة ومن المبادئ األساسية للقانون أن أداء غير المستحق ليس‬
‫بواجب‪ ،‬وال يمكن أن تكون مبادرة المواطن بأداء ما ُيطلب منه أداؤه من ضريبة‬
‫بمقتضى قانون‪ ،‬ظن المواطن أنه قانون قد استوى صحيح ًا حسب األصل‬
‫المفترض في القوانين جميع ًا‪ ،‬ال يمكن أن تكون مبادرة المواطن بهذا األلتزام‬
‫ال بينه وبين استرداد ما دفع على أنه ضريبة وهو ليس كذلك‪ .‬ومن‬ ‫عقاب ًا له وحائ ً‬

‫(‪ )1‬وكان مشروع القانون قد عرض على اجلمعية العمومية العضاء احملكمة الدستورية العليا لنظره وإقراره في جلسة عاجلة‪،‬‬
‫انعقدت بعد إحالة رئيس احملكمة إلى املعاش‪ ،‬وقبل تعيني الرئيس اجلديد‪ ،‬ولم يعرف أن أحد ًا من األعضاء اعترض على‬
‫املشروع‪ ،‬ولم يتسن االطالع على محضر هذا األجتماع ملعرفة مامت فيه‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫العلم العام أن كثير ًا من النصوص الضريبية يكون مصحوب ًا بالجزاء الجنائي‪،‬‬


‫فيضاف عنصر االكراه إلى إرادة األداء مما يستحيل معه القول بصدق أن التشريع‬
‫قد استهدف غاية تعلو على الغايات التي حرص على تأكيدها الدستور والتي‬
‫قرر أن المواطنين يتمتعون بها والتي تمثل مبادئ كلية تعلو حتى على نصوص‬
‫الدستور‪ .‬فعدم أداء شيئ على أنه ضريبة إال بالطريق الشرعي هو أحد األسباب‬
‫الرئيسية لنشأة النظم البرلمانية‪ ،‬في األصل‪ ،‬جميع ًا‪ ،‬وال يمكن أن تعد الغاية‬
‫التي استهدفها التعديل أو استتر وراءها من الغايات األساسية والقيم الكلية التي‬
‫يقوم عليها الدستور والتي تتحصل في مبدأ المساواة أمام القانون‪ ،‬وبالتالي أمام‬
‫األعباء المالية والضريبية (‪.)1‬‬
‫ومفاد ماسبق أننا نرى أن هذا التعديل الذي ُأدخل على قانون المحكمة‬
‫ال واحد ًا على انحراف تشريعي نهيب بالمحكمة‬ ‫الدستورية العليا ينطوي قو ً‬
‫الدستورية أن تنهض بتدارك آثاره‪.‬‬
‫ب‪ -‬وأما عن التعديل الثاني الذي أدخل على نظام المحكمة الدستورية‬
‫فقد تضمنه التعديل الدستوري لنص المادة (‪ )76‬من الدستور‪ .‬بيان ذلك‬
‫أنه بمناسبة تعديل الدستور المصري سنة ‪ 2005‬بحيث يكون اختيار رئيس‬
‫الجمهورية باالنتخاب بدي ً‬
‫ال عن طريق االستفتاء الذي كان مقرر ًا من قبل‪،‬‬
‫فقد تضمن التعديل أن «يعرض رئيس الجمهورية مشروع القانون المنظم‬
‫لالنتخابات الرئاسية على المحكمة الدستورية العليا بعد إقراره من مجلس‬
‫الشعب وقبل إصداره لتقرير مدى مطابقته الدستور»‪ .‬وبذلك يكون التعديل‬
‫الدستوري الذي أدخل على المادة (‪ )76‬قد أسبغ للمحكمة الدستورية العليا‬
‫اختصاص ًا جديد ًا برقابة سابقة على مشروع قانون بعينه هو مشروع القانون‬
‫المنظم لالنتخابات الرئاسية‪ ،‬باالضافة إلى أصل اختصاص المحكمة المقرر‬

‫(‪ )1‬وقد كان التعديل محل نقد رقيق من الدكتور حمدان فهمي في رسالته املشار إليها‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫بالمادة (‪ )175‬من الدستور‪ ،‬والتي تسبغ على المحكمة« الرقابة القضائية على‬
‫دستورية القوانين واللوائح» بمعنى أن الرقابة التي كانت مقررة هي رقابة قضائية‬
‫تتطلب أن تمارس‪ ،‬بحكم المنطق وطبائع األشياء‪ ،‬بعد صدور التشريع وعن‬
‫طريق المخاصمة القضائية بالطريق الذي رسمه قانون إنشاء المحكمة (‪.)1‬‬
‫وإنه ولئن كان وجه المالءمة ظاهر ًا في ضرورة التحقق ما أمكن التحقق من‬
‫دستورية التشريع المنظم لالنتخابات الرئاسية‪ ،‬فإن هذه الغاية تتالقى مع غاية‬
‫أخرى تتعادل معها‪ ،‬باألقل‪ ،‬في األهمية وفي استهدافها صالح توفير االستقرار‬
‫للنظام القانوني بكامله‪ ،‬ونعني بهذا االستفتاء على تعديل الدستور‪ ،‬فال شك‬
‫أن المكانة التي يحظى‪،‬أو يتعين أن يحظى بها الدستور‪ ،‬تتطلب أن تدور‬
‫التشريعات جميع ًا في فلك احترام هذه المكانة وتوفير كل سبيل يهدف إلى‬
‫ضمان احترام الدستور االحترام األوفى‪ ،‬ويتطلب ذلك أول ما يتطلب أن يكون‬
‫أي تعديل ألحكامه مما يتعين أن تراعى بشأنه كل دواعي الحرص في اتباع‬
‫ال وضمان تعبيرها عن اإلرادة من وراء‬‫جادة السبيل بشأن إجراءات التعديل شك ً‬
‫إصدارها وهي إرادة الشعب‪ ،‬فبذلك وحده يتحقق مبدأ سيادة الشعب الذي‬
‫هو غاية أساسية ومبدأ كلي يقوم عليه البنيان القانوني بكامله بما فيه الدستور‬
‫بداهة باعتبار الدستور الوثيقة التي تحوي المبادئ التي تحكم حركة المجتمع‬
‫وتضمن الحقوق والحريات العامة وتنظم السلطات بما فيها ومن ضمنها رئيس‬
‫الجمهورية‪.‬‬
‫ومع ذلك كله‪ ،‬وعلى وضوح األمر بشأنه‪ ،‬فقد ذهب قضاء من المحكمة‬
‫الدستورية العليا بأن االستفتاء الذي يجري بشأن التعديل الدستوري‪ ،‬ال يشترط‬
‫في إجرائه أن تتبع اإلجراءات المنصوص عليها بالمادة (‪ )24‬المعدلة من القانون‬

‫(‪ )1‬وبالفعل فقد نظرت احملكمة الطعن في بعض مواد القانون رقم ‪ 174‬لسنة ‪ 2005‬بتنظيم االنتخابات الرئاسية وإن انتهت‬
‫إلى رفض الدعوى‪ ،‬تأسيس ًا على أن احملكمة سبق لها ممارسة الرقابة السابقة على مشروع القانون فتكون احملكمة قد راعت‬
‫ممارسة اختصاصها القضائي املقرر باملادة (‪ )175‬من الدستور من حيث الشكل‪ ،‬وإن حجبت عن نفسها هذه الرقابة فع ً‬
‫ال‪.‬‬
‫(احلكم الصادر بجلسة ‪ 15‬من يناير سنة ‪ 2006‬في القضية رقم ‪ 188‬لسنة ‪ 27‬القضائية)‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫رقم ‪ 73‬لسنة ‪ 1956‬بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية والتي تتطلب أن يعين‬


‫رؤساء اللجان العامة المشرفة على إبداء الرأي وكذلك رؤساء اللجان الفرعية‬
‫من أعضاء الهيئات القضائية تأسيس ًا على أن اشترط ذلك إنما يقتصر بحكم‬
‫صريح نص المادة (‪ )24‬المعدلة المشار إليها على أحوال االنتخاب واالستفتاء‬
‫المنصوص عليها في المادتين (‪ )127‬و (‪)136‬من الدستور والتي ليس منها‬
‫االستفتاء على تعديل الدستور ذاته‪ .‬فكان النص يتطلب هذا اإلجراء‪ ،‬الذي هو‬
‫ضمانة لصحة العملية االنتخابية أو االستفتاء‪ ،‬فيما هو أقل شأن ًا وخطر ًا ويهدر‬
‫هذه الضمانة فيما هو عماد كل النظام القانوني وهو الدستور وتعديله‪ .‬وبهذا‬
‫المنطق قضت المحكمة الدستورية في الحكم الصادر بجلسة األول من أكتوبر‬
‫سنة ‪ 2007‬استناد ًا إلى أن الدستور في المادة (‪ )62‬نص على حق المواطن في‬
‫االنتخاب والترشيح وإبداء الرأي في االستفتاء وفق ًا ألحكام القانون‪ ،‬وبالتالي‬
‫يكون قد ترك مجال التقدير للمشرع يجري بشأنه المفاضلة بين مختلف البدائل‬
‫فيكون «وال تثريب عليه (أي المشرع العادي) إن استعمل رخصته في التنظيم‬
‫وفاصل بين البدائل المختلفة ولم يشأ أن يلتزم بما نصت علية المادة ‪ 88‬من‬
‫الدستور من وجوب أن يتم االستفتاء على التعديالت الدستورية تحت إشراف‬
‫أعضاء من هيئات قضائية باعتبار أن هذا االشراف واحد من ضمانات متعددة‬
‫يمكن اللجوء إليها لكفالة سالمة عملية االستفتاء وتجنبها احتماالت التالعب‬
‫بنتائجها تدعيم ًا للديمقراطية التي يهدف إليها ومنها االشراف القضائي النسبي‬
‫وانشاء لجنة عليا مستقلة‪ ،‬ورقابة جمعيات حقوق اإلنسان ومنظمات المجتمع‬
‫المدني»‪( ...‬الحكم الصادر في القضية رقم ‪ 76‬لسنة ‪ 29‬القضائية دستورية)‪.‬‬
‫ولعل المقام يكفيه استعراض األسباب التي قام عليها حكم المحكمة‬
‫الدستورية العليا‪ ،‬ونقتصر بالتالي على االشارة إلى حكم آخر سبق أن أصدرته‬
‫ذات المحكمة في القضية رقم ‪ 11‬لسنة ‪ 13‬القضائية بجلسة ‪ 8‬من يوليو سنة‬
‫‪ 2000‬وم��ؤداه أن التفسير الصحيح ألحكام المادة (‪ )88‬من الدستور التي‬

‫‪66‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫كانت تنص‪ ،‬قبل تعديلها باالستفتاء الذي تم في ‪ 26‬من مارس ‪ 2007‬بأن‬


‫«يحدد القانون الشروط الواجب توافرها في أعضاء مجلس الشعب ويبين‬
‫أحكام االنتخاب واالستفتاء على أن يتم االقتراع تحت إشراف اعضاء من‬
‫هيئة قضائية»‪ ،‬هو أن يرأس اللجان الرئيسية واللجان الفرعية جميع ًا أعضاء من‬
‫هيئات قضائية ضمان ًا لحقوق التعبير عن اإلرادة الشعبية وبأن هذا هو المنهج‬
‫الصحيح لمفاد تقدير سيادة الشعب‪ .‬فإذا كان ذلك استهداف ًا لذات الغاية وهي‬
‫تحقيق سيادة الشعب‪ ،‬في االستفتاء الذي يتقرر به أساس كل النظام القانوني‪،‬‬
‫فإن اختيار المشرع بدائل تتعارض مع صريح نص المادة (‪ )88‬التي كان‬
‫ال بها وقت االستفتاء على تعديل الدستور فيه شبهة انحراف بالسلطة‬ ‫معمو ً‬
‫التشريعية مما قد يكون من األجدر على المحكمة الدستورية العليا أن تنهض‬
‫بكشفه خاصة وأن المحكمة قد تعرضت في حكمها لما قد يفهم أنه تقليل من‬
‫أهمية التعديل الدستوري إذ قالت المحكمة« أنه وإن كان يبدو ألول وهلة أن‬
‫لالستفتاء على التعديالت الدستورية أهمية خاصة قد تفوق أهمية االنتخابات‬
‫التشريعية‪...‬إال أنه ال خالف في أن لكل من العمليتين طبيعة خاصة»‪ ،‬كما‬
‫تعرضت المحكمة ببيان أن حكم المادة (‪ )88‬من الدستور وردت في النص‬
‫الخاص بالسلطة التشريعية «مجلس الشعب» ولم تشر من قريب أو بعيد إلى‬
‫االستفتاء على التعديالت الدستورية حيث ورد النص فيها على أن «يحدد القانون‬
‫الشروط الواجب توافرها في أعضاء مجلس الشعب ويبين أحكام االنتخابات‬
‫واالستفتاء على أن يتم االقتراع تحت إشراف أعضاء من هيئة قضائية» وقالت‬
‫المحكمة أن النص يكون قد تضمن حكم ًا خاص ًا بشأن مجلس الشعب «يخرج‬
‫من ذلك بحكم خاص يتعين االلتزام به في انتخابات ذلك المجلس‪ ،‬احتفا ًء منه‬
‫بعملية االقتراع فيها بحسبانها جوهر حق االنتخاب»‪ .‬واعتبر الحكم هذا النص‬
‫نص ًا استثنائي ًا اليجوز التوسع فيه أو القياس عليه‪ .‬ولعل أنه يكفي تعقيب ًا على‬
‫كل ذلك أن المخالفة التشريعية ال تتمثل فقط في المخالفة الصريحة للنص‪،‬‬
‫وإنما‪ ،‬وعلى هدى أحكام المحكمة الدستورية ذاتها‪ ،‬ينال التشريع العوار إذا‬
‫‪67‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫تنكب الغايات العلى التي يستهدفها الدستور ويقوم عليها‪ .‬فإذا كان حرص‬
‫المحكمة الدستورية على سالمة مشروع القانون بشأن االنتخابات الرئاسية‬
‫مبرر ًا وقائم ًا على غايات مشروعة‪ ،‬فإن هذه الغايات أيض ًا يتعين أن تهيمن على‬
‫أحكام الدستور وتستظلها إذا ُأريد تعديلها‪ .‬فرئيس الجمهورية سلطة مؤسسة‬
‫المؤسس لكل السلطات والمهيمن عليها بغاياته‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والدستور هو المصدر‬

‫‪ -2‬استعراض ألهم مالمح القضاء الدستوري‪:‬‬


‫أ‪ -‬تطلب التشريع أن يكون المرشح لعضوية مجلس الشعب أو إحدى‬
‫المجالس الشعبية المحلية قد أدى الخدمة العسكرية أو أعفى من أدائها‬
‫قانون ًا‪ ،‬بحيث يمتنع على من تهرب من أداء الخدمة الترشيح‪ ،‬ال يمثل‬
‫ال لمبدأ المساواة بل قام على أساس أن «من‬‫انتهاكات لحق عام وال إخال ً‬
‫تحمل ضريبة الدم مقدم ًا روحه فداء للوطن لهو األقدر واألصلح على‬
‫تحمل مهام العضوية وما تفرضه عليه من أعباء ذات الصلة بالشأن العام‪،‬‬
‫ومن ثم فقد توافر لهذا الشرط الموضوعية التي تبرره دستوري ًا الرتباطه‬
‫بأهدافه المتمثلة في أن تتولى مهام الشأن العام أفضل عناصر المجتمع‬
‫التي لم تتردد في أن تلبي نداء الوطن وأداء ما فرضه عليها من واجب‬
‫مقدس»‪.‬‬
‫(الحكم الصادر بجلسة ‪13‬من مايو سنة ‪ 2007‬في القضية رقم ‪ 174‬لسنة‬
‫‪ 27‬القضائية دستورية)‪.‬‬
‫ب ‪ -‬دخول المحضر مسكن المدين المحجوز عليه استناد ًا لحكم المادة‬
‫(‪ )353‬من قانون المرافعات الذي ال يستلزم الحصول على إذن قضائي‬
‫سابق بذلك ليس فيه مخالفة لحكم المادة (‪ )44‬من الدستور التي تقرر‬
‫حرمة المسكن وعدم جواز دخوله إال بإذن قضائي مسبب‪ .‬أساس ذلك‬
‫أنه إن كان دخول مسكن المتهم بجريمة جنائية وتفتيشه بحث ًا عن أدلة‬

‫‪68‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫الجريمة ال يمكن أن ُيترك لتقدير رجال الضبط القضائي لما لهذا األمر‬
‫من أهمية قصوى متعلقة بالحرية الشخصية وحرمة المسكن مما يستلزم‬
‫أن يتم أي شئ من ذلك بإذن القاضى‪ ،‬فإن األمر يختلف كلية في حالة‬
‫دخول مسكن المحجوز عليه لتوقيع الحجز على المنقوالت إذ ال يتم‬
‫الحجز إال تحت إشراف قاضي التنفيذ وبعد استنفاذ كافة اإلجراءات‬
‫النصوص عليها بقانون المرافعات التي تصدر عن أصل عام يقرره بأن‬
‫يجرى التنفيذ تحت إشراف قاضي التنفيذ وعلى ذلك‪ ،‬وإن لم تشترط‬
‫المادة (‪ )353‬من قانون المرافعات حصول المحضر على إذن من‬
‫القاضي بدخول المسكن‪ ،‬فإنها ال تكون قد خالفت حكم الدستور‪ ،‬وإنما‬
‫ال بين مصلحة المدين المحجوز عليه‪ ،‬وبين‬ ‫تكون قد تضمنت «توازن ًا عاد ً‬
‫مصلحة الدائن الحاجز»‪ .‬وبذلك تكون المحكمة الدستورية قد فصلت‬
‫في أمر صحة تقدير المشرع للمصالح التي يدور حولها النص المطعون‬
‫في دستوريته‪.‬‬
‫(الحكم الصادر بجلسة ‪ 13‬من مايو ‪ 2007‬في القضية رقم ‪140‬لسنة ‪27‬‬
‫القضائية)‪.‬‬
‫ج ‪ -‬ولعل الحكم الصادر بعدم دستورية نص ورد بقرار وزير الشباب رقم‬
‫‪ 836‬لسنة ‪ 2000‬باعتماد النظام األساسي لألندية فيما تضمنه من اشتراط‬
‫الحصول على مؤهل عال للترشيح لعضوية مجلس مجلس إدارة النادي‬
‫الرياضي الذي يزيد عدد أعضائه على ألفي عضو (صدر الحكم بجلسة‬
‫‪ 10‬من يونيه سنة ‪ 2007‬في القضية (‪ 85‬لسنة ‪ 28‬القضائية دستورية)‬
‫جدير ًا بالتأمل‪ .‬فقد قام الحكم على أساس أن قيام المجتمع على مزيج من‬
‫المواطنة والتضامن االجتماعي يعني أن الجماعة في إيمانها باالنتماء إلى‬
‫وطن واحد واندماجها في بنيان واحد وتداخل مصالحها واتصال أفرادها‬
‫بعض ًا ببعض حتى يكونو ًا كالبنيان المرصوص يشد بعضه إزر بعض؛ ولئن‬
‫نص الدستور على حظر التمييز في أحوال معينة هي المنصوص عليها في‬
‫‪69‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫متن هذا النص؛ إال أن هذا الحظر ال يدل البته على الحصر‪«...‬وأنه» لما‬
‫كان ما تقدم؛ وكان توكيد السيادة للشعب هو جوهر الديمقراطية؛ وأن‬
‫الحق في االنتخاب والترشيح من الحقوق العامة التي كفلها الدستور‬
‫وضمن ممارستها وجعلها واجب ًا وطني ًا يتعين القيام به؛ وأن هذين الحقين‬
‫متكامالن ال ينفصالن‪ ،‬ومن غير المفهوم أن يطلق المشرع حق االقتراع‬
‫للمواطنين المؤهلين لمباشرة حقوقهم؛ وأن يتخذ موقف ًا معاكس ًا تمام ًا‬
‫من ترشيحهم لعضوية مجالس إدارة األندية»‪.‬‬
‫ثم انتهى الحكم إلى القول بأنه متى «كان النص الطعين باشتراطه في المرشح‬
‫لعضوية مجلس إدارة النادي الذي يضم في عضويته ألفي عضو‪ ،‬دون النادي‬
‫الذي يضم أقل من هذا النصاب قد فرق بين أعضاء أندية قد تكون متجاورة‬
‫ال عن الوطن الكبير ذلك أن‬ ‫وهو ما يقوض حيوية الهيئة التي ينتمون إليها فض ً‬
‫المستبعدين سوف تمأل حلوقهم مرارة االزدراء‪ ،‬وربما يحسون بالدونية رغم‬
‫طاقات هائلة يستطيعون تقديمها لجمعهم هذا الصغير بما ينعكس على المجتمع‬
‫في مجموعة بالحق والخير والجمال؛ األمر الذي يكون معه النص الطعين قد‬
‫خالف نصوص المواد ‪1‬و‪3‬و ‪40‬و‪ 7‬من الدستور»‪.‬‬
‫ودون الخوض في تعليق على حيثيات الحكم وما تضمنه من إشارات‬
‫إلى أمور احتمالية ومشاعر شخصية وتقديرات ذاتية لمفاهيم «الحق والخير‬
‫والجمال» على ما ورد به‪ ،‬فإنه انتهى إلى عدم دستورية اشتراط الحصول على‬
‫عال للترشيح لعضوية مجلس إدارة النادي الرياضي الذي يزيد عدد‬ ‫مؤهل ٍ‬
‫أعضائة على الفي عضو‪ ،‬تأسيس ًا على أن هذا النص يتضمن تفرقة وتفضي ً‬
‫ال‬
‫واستبعاد ًا ينال» بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو‬
‫القانون» وبالتالي يكون قد شاب النص التشريعي االنحراف بالسلطة مما يشوبه‬
‫بالعوار‪.‬‬
‫د‪ -‬كما قضت المحكمة الدستورية برفض الطعن على نص المادة (‪)152‬‬

‫‪70‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫من قانون الزراعة رقم ‪ 53‬لسنة ‪ 1966‬التي تحظر إقامة أي مباني على‬
‫األراضي الزراعية‪ .‬وقررت المحكمة أن النص المطعون فيه ال ينتقص‬
‫من الحماية الدستورية لحق الملكية وال يجاوز نطاق الوظيفة االجتماعية‬
‫المقررة لها‪ ،‬كما أن مبادئ الشريعة اإلسالمية تظاهر النص باعتبار أن‬
‫لولي األم��ر أن يتدخل لتنظيم حق الملكية إذا أس��اء الناس استخدام‬
‫أموالهم لكي يوجهه الوجهة الرشيدة تحقيق ًا لمصلحة الجماعة‪ ،‬وكل‬
‫ذلك مصالح مشروعة يستهدفها النص المطعون عليه بما تضمنه من‬
‫قيود على البناء على األراضي الزرعية‪ .‬وقد أعاد الحكم التأكيد على أن‬
‫سلطة المشرع في تنظيم الحقوق هي سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور‬
‫بضوابط معينة‪ ،‬وجوهر السلطة التقديرية يتمثل في المفاضلة التي يجريها‬
‫المشرع بين البدائل المختلفة الختيار أكثرها مالءمة للوفاء بمتطلباتها في‬
‫خصوص الموضوع الذي ينظمه‪.‬‬
‫(الحكم الصادر بجلسة ‪ 4‬من مايو سنة ‪ 1991‬في القضية رقم ‪ 23‬لسنة ‪9‬‬
‫القضائية)‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬كما أوضحت المحكمة الدستورية‪ ،‬بمناسبة تصديها لبيان عدم دستورية‬
‫النص الذي يقضي بمسئولية رئيس تحرير الصحيفة عن الجرائم التي‬
‫ال أصلي ًا بالتطبيق لحكم المادة‬‫ترتكب بواسطة الصحيفة باعتباره فاع ً‬
‫(‪ )195‬من قانون العقوبات التي كان نصها يجري بأنه «مع عدم اإلخالل‬
‫بالمسؤلية الجنائية لمؤلف الكتابة أو واضع الرسم أو غير ذلك من طرق‬
‫التمثيل‪ ،‬يعاقب رئيس تحيرير الجريدة‪ ..‬بصفته فاع ً‬
‫ال أصلي ًا للجرائم التي‬
‫ترتكب بواسطة صحيفته‪ .‬ومع ذلك يعفي من المسئولية الجنائية‪:‬‬
‫‪ -1‬إذا أثبت أن النشر حصل دون علمه ‪..‬‬
‫‪ -2‬أو إذا أرشد أثناء التحقيق عن مرتكب الجريمة‪« ..‬أن» األصل في النصوص‬
‫العقابية أن تصاغ في حدود ضيقة تعريف ًا باألفعال التي جرمها المشرع‪ ،‬وتحديد ًا‬
‫‪71‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫لماهيتها‪ ،‬لضمان أال يكون التجهيل بها موطئ ًا لإلخالل بحقوق كفلها الدستور‬
‫للمواطنين‪ ،‬كتلك التي تتعلق بحرية عرض اآلراء وضمان تدفقها من مصادرها‬
‫المختلفة»‪.‬‬
‫وقد أقامت المحكمة قضاءها بعدم دستورية النص لقيامه على افتراض‬
‫مسئولية رئيس التحرير جنائي ًا بنا ًء على صفته هذه باعتباره فاع ً‬
‫ال أصلي ًا لجريمة‬
‫عمدية‪ ،‬على أسانيد كثيرة أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬أن تجريم أفعال تتصل بالمهام التي تقوم الصحافة عليها إنما يثير من وجهة‬
‫نظر مبدئية الشبهة حول دستوريتها ويستنهض والية المحكمة في إجراء‬
‫رقابتها القضائية عليها(‪.)1‬‬
‫‪ -‬أن حق الفرد في الحرية ينبغي أن يوازن بحق الجماعة في الدفاع عن‬
‫مصالحها الحيوية‪ ،‬مما يلزم معه أن تتقيد النظم العقابية بأغراضها النهائية وبأن‬
‫تكفل لكل متهم حد ًا أدنى من الحقوق التي ال يجوز النزول عنها فال يكون‬
‫الفصل في االتهام الجنائي إال إنصاف ًا وبما يحول دون إساءة استخدام العقوبة‬
‫تشويها ألهدافها ‪.‬‬
‫‪-‬أن الصحافة بأدائها وأخبارها وتحليالتها‪ ،‬إنما تقود رأي ًا عام ًا ناضج ًا‪،‬‬
‫ال يبلوره إسهامها في تكوينه وتوجيهه‪ ،‬وال يتصور في جريدة تتعدد‬ ‫وفاع ً‬
‫صفحاتها وتتزاحم مقاالتها وتتعدد مقاصدها أن يكون رئيس التحرير‬
‫محيط ًا بها جميع ًا نافذ ًا إلى محتوياتهم ممحص ًا بعين ثاقبة كل جزئياتها‪،‬‬
‫وال أن يزن كل عبارة تضمنتها بافتراض سوء نية من كتبها‪ ،‬وال أن يقيسها‬
‫وفق ضوابط قانونية قد يدق األمر بشأنها فال تتحد تطبيقاتها‪-.‬‬
‫‪ -‬أن رئيس التحرير وقد أذن بالنشر ال يكون قد أتى عمال مكون ًا لجريمة‬
‫(‪ )1‬وكأن احملكمة الدستورية تقرر‪ ،‬بحق‪ ،‬بأن األصل هو احلرية التي بدون توافرها فقدت الصحافة أساس وجودها مما يتداعى‬
‫ذلك بأثره على احلق في املعرفة وفي التعبير وهو ما عبر عنه ذات احلكم بأن «الصحافة تكفل للمواطن دور ًا فاع ً‬
‫ال‪ ،‬وعلى‬
‫األخص من خالل الفرص التي تتيحها معبر ًا بوساطتها عن تلك االراء التي يؤمن بها ويتحقق بها تكامل شخصيته فال يكون‬
‫سلبي ًا منكفئ ًا وراء جدران مغلقة‪ ،‬أو مطارد ًا بالفزع من بأس السلطة عدوانيتها‪ ،‬بل واثق ًا من قدرته على مواجهتها‪ ،‬فال تكون‬
‫عالقتها به انحرف ًا‪ ،‬بل اعتدا ً‬
‫ال‪ ،‬وإال ارتد بطشها عليها‪ ،‬وكان مؤذن ًا بأفولها»‪( .‬احلكم الصادر بجلسة األول من فبراير سنة ‪1997‬‬
‫في القضية رقم ‪ 59‬لسنة ‪ 18‬القضائية)‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ال مع غيره‪ .‬ذلك أنه ولئن جاز القول بأنه العالنية التتم‬ ‫يكون به فاع ً‬
‫إال بنشر المقال المدعى بأنه تضمن سب َا وقذف ًا‪ ،‬إال أنه يبقى أن مسئولية‬
‫رئيس التحرير جنائي ًا عن تحقق هذه النتيجة شرطها اتجاه إرادته إلحداثها‬
‫ومدخلها علم ًا يقيني ًا بأبعاد هذا المقال‪.‬‬
‫ومن الواضح أن المحكمة الدستورية العليا ارتكزت في قضائها على‬
‫أساسين؛ أولهما األص��ل ال��ذي تفيده حرية الصحافة وأث��ر ذلك قيد ًا على‬
‫المشرع في استعمال سلطته التقديرية في تنظيم الصحافة بتحديد نقطة التوازن‬
‫بين حقوق الفرد وحق الجماعة‪ ،‬وثانيهما وهو تأكيد ضمانات أساسية يتعين‬
‫أن يقوم عليها النظام العقابي وهو أن األصل في اإلنسان البراءة التي تتنافى مع‬
‫المساءلة الجنائية االفتراضية عن جريمة عمدية‪.‬‬
‫و‪ -‬كما قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية نص المادة (‪ )48‬من‬
‫قانون العقوبات التي كانت تجرم االتفاق الجنائي ‪ ،‬فكان أن أوضحت‬
‫المحكمة ما يلى‪:‬‬
‫‪ -‬أن الرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية على النصوص‬
‫العقابية تضبطها مقاييس صارمة تتفق وطبيعة هذه النصوص في اتصالها‬
‫المباشر بالحرية الشخصية التي أعلى الدستور قدرها»مما يفرض على‬
‫المشرع الجنائي أن ينتهج الوسائل القانونية السليمة سواء في جوانبها‬
‫الموضوعية أو اإلجرائية لضمان أال تكون العقوبة عاصفة بالحرية وأن‬
‫تكون العقوبة التي يفرضها في شأن الجريمة تبلور مفهوم ًا للعدالة يتحدد‬
‫في ضوء األغراض االجتماعية التي تستهدفها»‪.‬‬
‫‪ -‬وأنه «ال يسوغ للمشرع أن يجعل من نصوصه العقابية شباك ًا أو شراك ًا يلقيها‬
‫ليتصيد باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها»‪.‬‬
‫مبرر ًا إال إذا كان واجب ًا لمواجهة ضرورة‬ ‫‪ -‬وأن «الجزاء الجنائي اليعد ّ‬

‫‪73‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫اجتماعية لها وزنها ومتناسب ًا مع الفعل المؤثم فإن جاوز ذلك كان مفرط ًا‬
‫في القسوة مجافي ًا للعدالة ومنفص ً‬
‫ال عن أهدافه المشروعة»‪.‬‬
‫وبالتطبيق على ما سبق من أسباب‪ ،‬وإذ تبين للمحكمة الدستورية أن االتفاق‬
‫الجنائي المنصوص عليه بالمادة (‪ )48‬من قانون العقوبات يشمل االتفاق على‬
‫ارتكاب جنايات أو جنح‪ ،‬وكان االتفاق الجنائي المقصود بالنص يستهدف‬
‫مرحلة سابقة على الشروع في ارتكاب شيء من ذلك‪ ،‬بل وكان الشروع في‬
‫ارتكاب جنحة غير مؤثم إال بنص خاص‪ ،‬فيكون نص المادة (‪ )48‬الذي يجرم‬
‫مجرد االتفاق (السابق على الشروع) ويعاقب عليه بالعقوبة المقررة للجناية‬
‫أو الجنحة محل االتفاق (في حين أن العقوبة على الشروع في األولى هي‬
‫أقل درجة)‪ ،‬فإن المشرع يكون قد انتهج منهج ًا يتنافى مع سياسة العقاب على‬
‫الشروع وبالتالي يتناقض مع األسس الدستورية للتجريم‪.‬‬
‫(الحكم الصادر بجلسة ‪ 2‬من يونيه سنة ‪ 2001‬في القضية رقم ‪ 114‬لسنة‬
‫‪ 21‬القضائية)‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫مالحظات ختامية‬
‫‪ -1‬إنه يبين مما سبق أن األخذ بمبدأ الرقابة المركزية على دستورية القوانين‬
‫‪ ،‬واللوائح عن طريق إنشاء محكمة دستورية ال يقلل من األهمية التي‬
‫تحتلها رؤية قاضي المنازعة األصلية‪ ،‬وعلى األخص القاضي اإلداري‬
‫لوزن الشبهات الدستورية‪ ،‬ذلك أن هذا القاضي هو الذي يكشف في‬
‫البدء‪ ،‬ثم يحرك بعد ذلك الرقابة الدستورية على الشبهات الكامنة في‬
‫النصوص التشريعية‪.‬‬
‫‪ -2‬أن القاضي اإلداري اليقتصر دوره على إحالة الشبهة الدستورية إلى‬
‫المحكمة الدستورية وإنما يعمل مفاد الشبهة الدستورية‪ ،‬على واقع‬
‫المنازعة المعروضة عليه مع القرار باالحالة‪ .‬بيان ذلك أن قضاء مجلس‬
‫الدولة المصري يجرى بأن مجرد قيام شبهة عدم دستورية نص تشريعي‬
‫يتعلق بحق أو حرية عامة من شأنه أن يتوفر به دائم ًا ركن االستعجال‬
‫ال�لازم قيامه للقضاء بوقف تنفيذ القرارالمطعون فيه‪ .‬وإنه ولئن كان‬
‫القاضي اإلداري حريص ًا بأن يبين في هذه الحاالت اختالف كل من‬
‫مجال الرقابة الدستورية ومجال وقف تنفيذ القرار‪ ،‬إال أن التأصيل‬
‫الفقهي للقضاء اإلداري في هذا الشأن ال يفوته إداك أن تمحيص الركنين‬
‫الالزمين للقضاء بوقف التنفيذ وهما ركن الجدية وركن االستعجال‬
‫ووزنهما في ضوء الشبهة الدستورية التي تحيط بالنص التشريعي الذي‬
‫يستند إلى القرار المطعون فيه‪ ،‬لهو تغليب لوجه وزن مشروعية النص‬
‫التشريعي في ضوء أحكام الدستور مما هو نوع من أنواع رقابة االمتنان‬
‫عن تطبيق المخالف للدستور احترام ًا لمبدأ المشروعية وسيادة القانون‬
‫التي تقتضي احترام التدرج في القواعد القانونية‪.‬‬
‫ولعل أن مما له مجال ذكر‪،‬أن محكمة النقض المصرية (الدائرة الجنائية)‪،‬‬

‫‪75‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫في ظل حكم الدستور الذي يقرر بأن تتولى المحكمة الدستورية العليا وحدها‬
‫الرقابة على دستورية القوانين واللوائح‪ ،‬قد أصلت حقها في االمتناع عن‬
‫تطبيق نص تشريعي يتعارض مع نص دستوري هو ال��ذي يتعين تطبيقه في‬
‫واقع المنازعة‪ .‬وقد جاء بالحكم المشار إليه أنه إذ ُأدين الطاعن استناد ًا إلى‬
‫نص ورد بالقانون رقم ‪ 62‬لسنة ‪ 1975‬بشأن الكسب غير المشروع‪ ،‬فإن هذا‬
‫النص يخالف الدستور إذ «أهدر أصل البراءة المنصوص عليها في المادة ‪67‬‬
‫من الدستور مما يعيبه ويستوجب نقضه»‪.‬‬
‫(الحكم الصادر بجلسة ‪28‬من إبريل سنة ‪ 2004‬في القضية رقم ‪30342‬‬
‫لسنة ‪ 70‬القضائية)‪.‬‬
‫وقد جاء بالحكم أن التشريع يتدرج درجات تجعل الدستور الدرجة العليا‬
‫فيها‪ ،‬وهذا التدرج في القوة ينبغي أن يسلم منطق ًا إلى خضوع التشريع األدنى‬
‫للتشريع األعلى‪.‬‬
‫كما أوضحت المحكمة أنه وإذ كانت الرقابة الشكلية على التشريع حق ًا‬
‫مقرر ًا‪ ،‬فإن الرقابة الموضوعية التي تكون للمحاكم‪ ،‬في ظل نص المادة (‪)175‬‬
‫من الدستور بشأن إنشاء محكمة دستورية‪ ،‬تبقى قائمة في نطاق التأكد من شرعية‬
‫أو قانونية التشريع األدنى بالتثبت من عدم مخالفته التشريع األعلى فإن ثبتت‬
‫المخالفة اقتصر دوره على مجرد االمتناع عن تطبيق التشريع األدنى المخالف‬
‫للتشريع األعلى دون أن يملك إلغاءه أو القضاء بعدم دستورية‪ ،‬وحجية الحكم‬
‫في هذه الحالة نسبية مقصورة على أطراف النزاع دون غيرهم‪.‬‬
‫وإذ لم يصدر من محكمة النقض المصرية ما يفيد عدو ً‬
‫ال عن هذا القضاء‪،‬‬
‫فقد يثير هذا التفسير القضائي الصادر من قمة محاكم القضاء المدني تساؤالت‬
‫عديدة حول مدى إمكان التوفيق بين اتباع مفاد هذا القضاء مع حكم المادة‬
‫(‪ )175‬من الدستور التي تنشئ محكمة دستورية تتولى الرقابة على دستورية‬
‫القوانين واللوائح‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫تأمالت في أحكام القانون رقم ‪ 20‬لسنة ‪1981‬‬


‫القاضي بإنشاء دائرة باحملكمة الكلية لنظر املنازعات اإلدارية‬

‫‪77‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫‪78‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫أفصح المشرع الدستوري الكويتي‪ ،‬في مجال تنظيمه للسلطة القضائية‪ ،‬عن‬
‫مراده أن ينشأ بالكويت قضاء إداري‪.‬‬
‫وقد تضمنت المادتان ‪169‬و‪ 171‬من الدستور التعبير عن هذه اإلرادة كما‬
‫تضمنتا البدائل التنظيمية التى رآها المشرع الدستوري محققة لمقصده‪ ،‬مع ترك‬
‫الترخيص باالختيار بينها للمشرع العادي‪.‬‬
‫وتتحصل هذه البدائل في اآلتي‪ :‬فإما أن ُيعهد باختصاص القضاء اإلداري‬
‫لغرفة أو محكمة خاصة‪ ،‬يبين القانون كيفية ممارستها لهذا االختصاص شام ً‬
‫ال‬
‫والية اإللغاء‪ ،‬وإما أن ُيعهد إلى مجلس دولة‪ُ ،‬ينشأ بقانون‪ ،‬القيام بوظائف القضاء‬
‫ال عن االفتاء والصياغة المنصوص عليهما بالمادة (‪.)170‬‬ ‫اإلداري‪ ،‬فض ً‬
‫وقد كان أن ارتأى المشرع في تنظيمه القضاء اإلداري‪ ،‬الذي وضع الدستور‬
‫أساسه‪ ،‬أن يعهد بممارسة القضاء اإلداري لدائرة ُتشكل بالمحكمة الكلية‪،‬‬
‫وبذلك صدر القانون رقم ‪ 20‬لسنة ‪ 1981‬الذي ُعدل بالقانون رقم ‪ 61‬لسنة‬
‫‪.)1(1982‬‬
‫ومصطلح «القضاء اإلداري» الذي استخدمه المشرع الدستوري غني بما‬
‫معان لم تكن خافية عن إدراك المشروع عندصياغة القانون رقم ‪20‬‬ ‫ٍ‬ ‫يحمل من‬
‫لسنة ‪ ،1981‬آية ذلك انه ورد بالمذكرة اإليضاحية للقانون أنه «يعهد بالقضاء‬
‫اإلداري إلى دائرة تخصص لهذا الغرض في المحكمة الكلية على أن ُيراعى‬
‫في تكوينها أن تكون ُمشكلة من ثالثة قضاة نظر ًا لما يتميز به قضاء اإللغاء من‬
‫مقومات أهمها انه ليس قضاء تطبيقي ًا وإنما هو قضاء يبتدع الحلول المناسبة‬
‫(‪ )1‬والبادي للباحث اخلارجي أن املشرع قد يكون اتخذ سبيل احلذر في اختياره هذا الطريق سبيال ملمارسة القضاء اإلداري‬
‫مراعاة للتدرج في األخذ بهذا النوع من القضاء‪ .‬وقد يؤكد صحة هذا النظر ما أورده القانون رقم ‪20‬لسنة ‪ 1981‬في املادة‬
‫(‪ )12‬منه من حتديد لنصاب االستئناف مبا يقل عن النصاب املقرر في خصوص املنازعات املدنية‪ ،‬وذلك تيسير ًا لولوج طريق‬
‫االستئناف مما من شأنه اإلسراع في إرساء مبادئ القضاء اإلداري على نحو ما ميكن ان تكشف عنه السوابق القضائية الصادرة‬
‫من محكمة االستئناف‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫للمنازعات التى تنشأ بين اإلدارة واألفراد وهي تختلف بطبيعتها عن منازعات‬
‫القانون الخاص»‪.‬‬
‫وهذه الخصوصية التى يتميز بها القضاء اإلداري ويتفرد‪ ،‬هي أساس قيامه‬
‫وداعي استمراره‪ ..‬وبالتالي يلزم أن تكون هذه الطبيعة الخاصة ماثلة حاضرة‬
‫في ذهن القاضي اإلداري عند ممارسة اختصاصه‪ .‬فإذا كان القاضى اإلداري‪،‬‬
‫في دولة الكويت‪ ،‬يمارس اختصاصه استناد ًا إلى أحكام القانون رقم ‪ 20‬لسنة‬
‫‪ 1981‬فإن استحضاره المبدأ األصولي الحاكم لممارسة القضاء اإلداري‪ ،‬وهو‬
‫انه قضاء إنشائي في المقام األول يستهدف حماية المشروعية‪ ،‬يتعين أن يهيمن‬
‫على قضائه بما يتطلب وزن القواعد التى يطبقها واإلجراءات التى يسير عليها‬
‫بميزان التواؤم مع طبيعة قضاء المشروعية‪.‬‬
‫فإذا كانت الفقرة األولى من المادة (‪ )15‬من القانون رقم ‪ 20‬لسنة ‪1981‬‬
‫تجرى بأنه فيما عدا ما نص عليه القانون تسرى القواعد واالجراءات المنصوص‬
‫عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية‪ ،‬فإن التفسير الصحيح لهذا النص‬
‫يتطلب ضبط مفاد ظاهر عبارته بقيدين هامين؛ أولهما قيد مفاده االستبعاد‬
‫وثانيهما قيد مفاده االستجالب‪ .‬بيان ذلك أن القضاء اإلداري‪ ،‬وقوامه قضاء‬
‫المشروعية‪ ،‬نظر ًا لما له من خصوصية تهيمن على المنازعة‪ ،‬قد يتطلب استبعاد‬
‫قواعد وإجراءات تتنافر مع طبيعة المنازعة فال يكون ثمة وجه لتطبيق شيء من‬
‫تلك القواعد أو األجراءات وإن جرى النص عليها في شأن المنازعات المدنية‬
‫والتجارية عموم ًا‪ ،‬وإال كان في ذلك إهدار ألصل شرعه القضاء اإلداري‪ .‬كما‬
‫ان طبيعة المنازعة المشروعية قد تتطلب قاعدة او إجراء ال يستفاد من قاعدة أو‬
‫إجراء منصوص عليه بعموم التشريع الذي يحكم المنارعات المدنية والتجارية‪،‬‬
‫وإنما تتطلبه وتستجلبه الطبيعة الخاصة لقضاء المشروعية‪.‬‬
‫وكمثال‪ ،‬بقصد اإليضاح‪ ،‬فقد حكمت المحكمة اإلداري��ة العليا في مصر‬
‫بأنه يجوز للجهة األدارية أن تطعن في حكم صادر من محكمة القضاء األداري‬

‫‪80‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫برفض طلب األلغاء رغم وجود نص في قانون المرافعات يقضي بأن االستئناف‬
‫ال إال من المحكوم عليه‪ .‬فقد استظهرت المحكمة اإلدارية العليا‬‫ال يكون مقبو ً‬
‫فيما استظهرته‪ ،‬سند ًا لقضائها‪ ،‬أن الخصومة في دعوى اإللغاء توجه للقرار‬
‫االداري‪ ،‬وبالتالي ال تعتبر االدارة ‪ ،‬في تلك المنازعة وإن كانت مدع عليها في‬
‫واقع إجراءاتها‪ ،‬ومن ثم يكون جائز ًا ومقبوال الطعن المقدم منها في الحكم‬
‫الصادر برفض طلب اإللغاء‪ ،‬حيث أن للجهة اإلدارية دائم ًا مصلحة في ضمان‬
‫احترام مبدأ المشروعية وسيادة القانون(‪.)1‬‬
‫ويتأكد هذا النظر بمراعاة أن رفض طلب إلغاء القرار عنوان على صحته‪،‬‬
‫فاليكون لإلدارة سحبه‪ ،‬كما أن إصدارها قرار ًا مضاد ًا ( ‪)acte contraire‬‬
‫بإلغائه ليس من شأنه أن يرتد بأثره إلى تاريخ صدور القراراالول‪ ،‬كما قد يكون‬
‫سبب ًا لطلب التعويض عن األضرار التي يمكن أن تترتب على القرار الجديد‪.‬‬
‫جملة القول‪ ،‬أن الطبيعة الخاصة للقضاء اإلداري هي التي تمثل المرجعية‬
‫القانونية في التعرف على القاعدة أو اإلجراء واجب التطبيق‪ ،‬وإلى هذه الطبيعة‬
‫يتعين أن يرد تفسير أحكام القانون رقم ‪ 20‬لسنة ‪ 1981‬بما في ذلك‪ ،‬بل وعلى‬
‫وجه الخصوص‪،‬حكم الفقرة األولى من المادة (‪ )15‬منه التي تكاد تتطابق في‬
‫عبارتها مع نص المادة (‪ )3‬من القانون رقم ‪47‬لسنة ‪1972‬بإصدار قانون‪،‬مجلس‬
‫الدولة المصري والتي تجرى عبارتها بأن«تطبق االجراءات المنصوص عليها‬
‫في هذا القانون‪ ،‬وتطبق أحكام قانون المرافعات فيما لم يرد فيه نص وذلك إلى‬
‫أن يصدر قانون باإلجراءات الخاصة بالقسم القضائي»‪.‬‬
‫وتتبدى أهمية استعراض الطبيعة الخاصة للقضاء اإلداري وما يترتب عليها‬
‫من آثار قانونية‪ ،‬على وجه الخصوص في ضوء اختيار المشرع ‪ ،‬بدولة الكويت‪،‬‬
‫إناطة اختصاص القضاء اإلداري لدائرة تشكل بالمحكمة الكلية‪ ،‬فهذه الصلة‬

‫(‪)1‬مرفق صورة من احلكم الصادر بجلسة ‪31‬من يناير سنة ‪ 1987‬في الطعن رقم ‪1822‬لسنة ‪ 30‬القضائية‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫التنظيمية ليس من شأنها وال ينبغي لها أن تتعدى االطار التنظيمي؛ فالقضاءان‬
‫العادي واإلداري‪ ،‬وإن جمعتهما محكمة واحدة‪ ،‬اليبغيان‪ ،‬وان كان كالهما‬
‫عذب ًا فرات ًا‪،‬الختالف طبيعة كل منهما عن اآلخر على نحو ما يستفاد من أحكام‬
‫الدستور وما أوضحه المشرع في أحكام القانون رقم ‪ 20‬لسنة ‪ 1981‬المشار‬
‫إليه‪.‬‬
‫تمهيد يتغشاه اعتذار واجب‪:‬‬
‫ولئن كان صحيح ًا أن أهل المدينة هم أدرى الناس بشئونها‪ ،‬فإنه قد يكون‬
‫على ذات القدر من الصحة إحساس وإقتناع محبي المدينة وروادها المخلصين‬
‫بأن لهم نصيب ًا مشروع ًا في طلب معرفة أحوال المدينة وارتياد شعابها المعرفية‬
‫والقانونية‪ ،‬حتىيزدادوا ألفة على ألفة وحب ًا على حب‪ .‬وقد يتجاوز األمر ذلك‪،‬‬
‫وهو يعد تجاوز أظنه مشروع ًا‪ ،‬إلى إبداء الرأي فيما هو من شئون المدينة‪ ،‬طمع ًا‬
‫في إقامة حوار‪ ،‬الريب في أنه يزيد المحاور معرفة‪ ،‬وقد ُيلقىضوء ًا يزداد به‬
‫موضوع البحث وضوح ًا‪.‬‬
‫فإذا كان ذلك هو ما يعتمل في النفس‪،‬فلعله أن يكون مدعاة لتقبل ما تتضمنه‬
‫هذه المداخلة من إلماحات إلى تفسير بعض نصوص القانون رقم ‪20‬لسنة‬
‫‪ 1981‬في ضوء أحكام الدستور الكويتي وهي بعد إلماحات تحمل تساؤالت‪،‬‬
‫بغرض االستزادة من تجربة القضاء اإلداري بدولة الكويت‪ ،‬بأكثر مما تنطوي‬
‫على إيضاحات‪ ،‬أهل المدينة هم األدرى بها واألصدق تعبير ًا عنها‪.‬‬
‫ولعل نقطة البدء تتمثل في تساؤل مشروع حول أثر الصلة التنظيمية التي‬
‫تندرج في إطار ها دائرة القضاء اإلداري في كنف المحكمة الكلية‪ ،‬على مفهوم‬
‫وفصل‬
‫القضاء االداري‪ ،‬ذلك المفهوم الذي وضع أساس المشرع الدستوري‪ّ ،‬‬
‫أحكام تنظيمه المشرع بالقانون رقم ‪ 20‬لسنة ‪.1981‬‬
‫وإذ كانت للمنازعة اإلداري��ة طبيعة خاصة تهيمن على إجراءاتها وقواعد‬
‫الفصل فيها فيبقى بيان مدى أثر اختيار المشرع ألسلوب دون آخر‪ ،‬من أساليب‬
‫‪82‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫تنظيم القضاء اإلداري على نحو ما بينه الدستور على القواعد الموضوعية‬
‫واإلجرائية التي تنظم المنازعة اإلدارية‪.‬‬
‫فإذا جرى القول بالطبيعة الخاصة للمنازعة اإلدارية‪ ،‬فإنه قد يكون مالئم ًا‬
‫التعرض في إلماحة يقتضيها المقام‪ ،‬لبيان ما هي الطبيعة الخاصة التي تستدعي‪،‬‬
‫أحكام ًا يستقل بها القضاء اإلداري‪ ،‬ثم التعرض اليضاح أهم اآلثار القانونية‬
‫المترتبة على هذه الطبيعة وعلى األخص في مجال االثبات‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬المرجعية الدستورية للقضاء اإلداري والنتائج المترتبة على هذه‬
‫المرجعية‪.‬‬
‫قد يلزم‪ ،‬قبل ولوج بيان هذه المرجعية‪ ،‬التعرض في إلماحة سريعة إلى‬
‫إعتبارت أساسية يقوم عليها دستور دولة الكويت‪ ،‬بالنظر إلى ما نراه من تأثير‬
‫لهذه االعتبارات العامة على تحديد طبيعة المرجعية الدستورية للقضاء اإلداري‬
‫بدولة الكويت‪.‬‬
‫وأول هذه االعتبارات الالفتة‪ ،‬ما أكدته المذكرة التفسيرية للدستور من سيادة‬
‫روح األسرة التي تربط بين أهل الكويت حكام ًا ومحكومين‪ ،‬وهي طبيعة لم ينل‬
‫منها‪ ،‬حسبما ورد بالمذكرة التفسيرية المشار إليها‪ ،‬ما خلفته القرون المتعاقبة في‬
‫معظم الدول االخرى من أوضاع ومراسم شكلية باعدت بين حاكم ومحكوم‪.‬‬
‫وثاني هذه االعتبارات التأكيد على رقابة ال��رأي العام ألعمال السلطة‬
‫التنفيذية‪ ،‬وهي الرقابة التي يوفرها الحكم الديموقراطي‪ ،‬بما يجعلها العماد‬
‫األساسي لشعبية الحكم عن طريق كفالة مختلف الحقوق والحريات األساسية‬
‫ومنها حرية الرأي والصحافة وتقديم العرائض إلى السلطات العامة‪ ،‬والتي‬
‫بدونها‪ ،‬كما عبرت المذكرة التفسيرية‪« ،‬تنطوي النفوس على تذمر ال وسيلة‬
‫دستورية لمعالجته»‪ .‬وف��ي ض��وء ذل��ك تتأكد أهميةما تضمنه الدستور من‬
‫وسائل حماية هذه الحقوق والحريات العامة على نحو ما قرره من أساس قيام‬
‫قضاء إداري‪ ،‬يفصل في الخصومات اإلدارية‪ ،‬تارك ًا تنظيم أحكام هذا القضاء‬
‫التفصيلية للمشرع الذي يتعين أن يراعي دائم ًا في تنظيمه األساس الدستوري‬
‫لهذا القضاء‪ ،‬كما يتعين على القاضي اإلداري ذاته أن يستوعب حقيقة متطباته‪،‬‬
‫فبذلك وحده يتحقق مراد المشرع الدستوري على صحيح وجهه‪.‬‬
‫وثالث هذه االعتبارات أن الدستور خص القضاء اإلداري‪ ،‬في إطار تنظيمه‬
‫للسلطة القضائية بنص خاص يفيض داللة على استقالل هذا النوع من القضاء‬
‫بذاتية موضوعية تتمثل في اختصاصه‪ ،‬ضمن ما يختص به‪ ،‬بوالية اإللغاء‪.‬فمن‬

‫‪84‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫العلم العام أن المحاكم العادية ليس لها أن تلغي أو توقف تنفيذ ما يصدر عن‬
‫ال لمفهوم الفصل بين السلطات وهو ما‬ ‫السلطة التنفيذية من ق��رارات‪ ،‬إعما ً‬
‫حرص دستور دولة الكويت على التصريح به في المادة (‪ )50‬بد ً‬
‫ال من تقريره‬
‫داللة من واقع األحكام الخاصة بالسلطات العامة‪.‬‬
‫فإذا كان ذلك‪ ،‬وكان الدستور قد تضمن البدائل التنظيمية لممارسة القضاء‬
‫اإلداري على نحو ما أورده في المادتين ‪169‬و‪ ،171‬فإن التفسير الذي تكاد‬
‫النصوص أن تنطق به هو أن إقامة هذا النوع من القضاء ليس خيار ًا متروك ًا‬
‫للمشرع العادي‪ ،‬إن شاء أخذ به وإن شاء أعرض عنه‪ ،‬وإنما هو فرض يتعين‬
‫على المشرع أن يلتزم بإعماله‪.‬‬
‫ويترتب على ذلك وجوب أن يراعي في تنظيم هذا النوع من القضاء أن ُيبنى‬
‫على أصل العموم‪ ،‬بمعنى أن يكون أصل االختصاص عام ًا‪ ،‬فيما عدا ما يمكن‬
‫أن يخرج منه على سبيل االستثناء الذي يتعين أن يلتزم دائم ًا حدود ًا ال تتجاوز‬
‫أصل شرعة هذا النوع من أنواع القضاء‪.‬‬
‫كما يترتب على نصوص الدستور نتيجة‪ ،‬تبدو وثيقة الصلة بمفهوم تلك‬
‫النصوص‪ ،‬مفادها أال يكون أو يجب أال يكون‪ ،‬إلختيار المشرع العادي للوسيلة‬
‫التنظيمية لممارسة القضاء اإلداري‪ ،‬من آثار قانونية على القواعد الموضوعية‬
‫أو اإلجرائية التى يتعين أن ينزل عليها القضاء اإلداري فترتبط به في قيامه وفي‬
‫ممارسته الختصاصه‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى فال نرى أن المشرع الدستوري‪ ،‬اعطى المشرع العادي ترخص ًا‬
‫في تحديد القواعد الموضوعية أو اإلجرائية التي تحكم سير القضاء اإلداري في‬
‫ممارسة وظيفته‪ ،‬وانما الترخص ينحصر وحسب فيما تركه المشرع الدستوري‪،‬‬
‫للمشرع العادي من اختيار التنظيم الذي يراه‪ ،‬بمراعاة مختلف الظروف‪ ،‬لتحقيق‬
‫مراد المشرع الدستوري أال وهو إقامة صرح قضاء إداري شام ً‬
‫ال والية اإللغاء‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ومفاد ذلك ضرورة توافر الشروط واألوضاع التي بها وحدها تتحقق ممارسة‬
‫هذا النوع من القضاء على كامل وجهها‪.‬‬
‫فإذا كان المشرع الدستوري‪ ،‬يتيح للمشرع العادي أن ينيط إختصاص القضاء‬
‫اإلداري لغرفة‪ ،‬أو لمحكمة خاصة‪ ،‬أو لمجلس دولة‪ ،‬فإن تعدد هذه الخيارات‬
‫ال يعني ترخص ًا في اختيار القواعد الموضوعية أو اإلجرائية الالزمة إلقامة‬
‫هذا النوع من القضاء وممارسة اختصاصه‪ ،‬وانما هو محض استعراض لبدائل‬
‫تنظيمية توفر للمشرع العادي مكنة اختيار ما هو مناسب في وقت معين‪،‬مع‬
‫إمكان إعادة النظر بالترجيح بين غير ما اختاره المشرع العادي إذا اقتضت ذلك‬
‫ظروف الحال‪.‬‬
‫وعلى ذلك‪ ،‬فإنه يتعين فهم االختصاص المقرر بالقانون رقم ‪ 20‬لسنة ‪1981‬‬
‫للدائرة اإلدارية على أنه اختصاص يتعلق بتنظيم نوع من القضاء يستقل بأحكامه‬
‫الموضوعية واإلجرائية‪ ،‬وإن لم يكتمل له االستقالل التنظيمي‪ ،‬مما يترتب عليه‬
‫وجوب اعتبار هذا االختصاص متعلق ًا بالنظام العام‪ ،‬مما يتعين معه إعمال اآلثار‬
‫القانونية المترتبة على ذلك في إطار عمل الدوائر اإلدارية بالمحكمة الكلية‪.‬‬
‫فإذا كانت المادة (‪ )1‬من القانون رقم ‪ 20‬لسنة ‪ 1981‬تنص على اختصاص‬
‫الدائرة اإلدارية التى تنشأ بالمحكمة الكلية بالمسائل التي بينتها‪ ،‬وحدها دون‬
‫غيرها‪ ،‬فإن مقتضى ذلك والزمه اعتبار تحديد االختصاص على هذا النحو مما‬
‫يتعلق بالنظام العام‪.‬‬
‫ومما له مجال ذكر في هذا الخصوص‪،‬أن البادي من عبارات المادة(‪)1‬من‬
‫القانون رقم ‪ 20‬لسنة ‪ 1981‬أن المشرع يقيم نوعين من االختصاص المحجوز‬
‫للدائرة األدارية‪.‬‬
‫النوع األول اختصاص محدد بنص القانون ويتصل بمنازعات الموظفين‬
‫العموميين أو طالبي التعيين‪ ،‬على نحو ما ورد بالفقرات من أو ً‬
‫ال حتى رابع ًا من‬
‫المادة(‪ ،)1‬والنوع الثاني اختصاص عام يتعلق بالمنازعات التي يقيمها األفراد‬
‫‪86‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫أو الهيئات ضد القرارت اإلداري��ة النهائية فيما عدا منازعات بعينها حددتها‬
‫الفقرة خامس ًا على وجه الحصر‪.‬‬
‫ومفاد ظاهر النص عدم جواز التوسع في التفسير بإضافة إختصاص في مجال‬
‫ال حتى رابع ًا‪ ،‬وعلى العكس من‬ ‫الوظيفة العامة لم ينص عليه في الفقرات من أو ً‬
‫ذلك فإن االستثناء من االختصاص العام المقرر بالفقرة خامس ًا‪ .‬مما يتعين أال‬
‫يتوسع في تفسيره لتعارض ذلك مع عموم االختصاص المقرر بصدر الفقرة‬
‫خامس ًا‪ .‬وعلى ذلك فإنه وإن كان صحيح ًا أن القرارت الصادرة بندب الموظفين‬
‫أو نقلهم‪ ،‬متى لم يكن ذلك في حقيقته منطوي ًا على جزاء تأديبي مقنع‪ ،‬مما‬
‫يخرج عن اختصاص الدائرة االداري��ة‪ ،‬فإنه وفي المقابل فإن إلغاء ترخيص‬
‫إصدار الصحيفة يكون مما تختص به الدائرة االدارية‪.‬‬
‫أساس ذلك انه ولئن كان عجز الفقرة خامس ًا من المادة (‪)1‬من القانون رقم‬
‫‪ 20‬لسنة ‪ 1981‬ينص على «استثناء القرارات الصادرة في مسائل الجنسية وإقامة‬
‫وإبعاد غير الكويتيين وتراخيص إصدار الصحف والمجالت ودور العبادة»من‬
‫االختصاص العام المقرر للدائرة اإلدارية‪ ،‬فإن هذا االستثناء يتعين ان يجرى‬
‫تفسيره تفسير ًا ضيق ًا بال أي توسع فيه‪ ،‬فال يمتد عدم االختصاص ليشمل إلغاء‬
‫الترخيص‪.‬‬
‫يؤيد هذا النظر ويدعمه ما ورد بالمادة(‪ )37‬من الدستور من تقرير ألصل‬
‫دستوري يقضي بحرية الصحافة‪ ،‬فجريان االصل الدستوري على حرية الصحافة‬
‫يتداعى بحجيته على نص القانون المنظم لوسيلة الدفاع عن هذا الحق وهو‬
‫االنتصاف إلى القاضي الطبيعي للمنازعة االدارية الذي هو القاضي االداري‪.‬‬
‫فإذا كان ذلك‪ ،‬فإن هذه االستثناءات الواردة على اختصاص الدائرة االدارية‬
‫تستدعي شيئ ًا من التعليق‪ ،‬فإذا كانت القرارت الصادرة في شأن مسائل الجنسية‬
‫قد تكون لها ‪ ،‬العتبارات تاريخية التخفى‪ ،‬أهمية بالغة لتعلقها بتحديد من هم‬
‫الكويتيون الذين يكونون ركن ًا من أركان دولة الكويت‪ ،‬فكان أن نظم المرسوم‬
‫‪87‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫االميري رقم(‪ )15‬لسنة ‪1959‬بقانون الجنسية الكويتية طريق إثبات الجنسية‬


‫الكويتية بأن بين في المادة(‪ )21‬منه يلزم من تحقيق تجريه لجان ترفع نتيجته‬
‫إلى لجنة عليا على نحو ما يصدر بتنظيمه مرسوم‪ ،‬إال أن األمر‪ ،‬من قبل ومن‬
‫بعد‪ ،‬يبقى رهين ما تطمئن إليه اللجان المشار اليها‪ .‬وإنه ولئن كانت المذكرة‬
‫اإليضاحية لقانون الجنسية تقرر أن أعضاء هذه اللجان المفروض أنهم مختارون‬
‫من كبار أعيان الكويتيين الذين تحققت جنسيتهم «إال أن القانون خال من آلية‬
‫تضمن تحقق ذلك‪ .‬وقد يقترح في هذا الشأن أن يكون تنظيم هذه اللجان بحيث‬
‫تضم عناصر قضائية تستطيع أن تصبغ على عمل اللجنة صبغة قانونية تحقق‬
‫دواعي االطمئنان لدى الدولة وفى وجدان طالب الجنسية (‪.)1‬‬
‫على أنه وأيا ما يكون األمر في شأن األسباب التي يمكن أن تقدم تبرير ًا‬
‫لحجب مسائل الجنسية عن اختصاص الدائرة اإلداري��ة والتي قد يلحق بها‬
‫ال‬‫قرارت إبعاد غير الكويتيين باعتبار أن هذه القرارات األخيرة مما يتصل اتصا ً‬
‫وثيق ًا باعتبارات األمن القومي والتي تحيطها اعتبارات قد ال يكون من المالءم‬
‫لسالمة الدولة اإلفصاح عنها‪ ،‬فإن غير ذلك من القرارات المستثناة من اختصاص‬
‫الدائرة اإلدارية قد ال يقوم في الواقع والقانون سند يصلح أساس ًا صحيح ًا يكفي‬
‫لحمل هذا االستثناء على محمل الصحة الدستورية‪.‬‬
‫وهنا يتعين التفرقة الواضحة بين جواز تنظيم حق إصدار الصحف والمجالت‬
‫وتنظيم الحق في إنشاء دور العبادة وبين حجب االختصاص القضائي عن‬
‫المنازعات التى يمكن أن تنشأ وتكون متصلة بهذه األمور‪.‬‬
‫فإذا كانت حرية الصحافة مكفولة للشروط واألوض��اع التي بينها القانون‬
‫(المادة ‪37‬من الدستور)‪ ،‬كما أن على الدولة أن تحمي حرية القيام بشعائر‬
‫األديان طبق ًا للعادات المرعية في إطار النظام العام ومما ال يتنافى مع اآلداب‬
‫(‪)1‬وقد يكون ذلك ما أخذ به املرسوم الذي يحدد تنظيم اللجان واإلجراءات التي تسير عليها واملشار إليه في املادة(‪ )21‬من‬
‫قانون اجلنسية‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫(المادة ‪ 35‬من الدستور) فإن هذه الحريات والحقوق العامة بنص الدستور‬
‫تتطلب‪ ،‬بحق تنظيم وسلية انتصاف قضائي لضمان احترامها‪ .‬وقد ال يكون‬
‫في حجب المنازعات المتعلقة بممارسة هذه الحقوق‪ ،‬والحريات العامة عن‬
‫اختصاص القاضي الطبيعي مما يستقيم مع روح النصوص الدستورية‪ .‬ولعله‬
‫من المعلوم أن حرية التعبير بالنشر والقول ترتبط بحرية الصحافة فيلزم تنظيم‬
‫ممارسة هذه الحقوق بحكم اللزوم الدستوري‪ .‬في إطار يحافظ على الحق وال‬
‫يصادره أو يتغول على مضمونه‪ .‬وبمثل ذلك فإن حرية إقامة الشعائر الدينية وإن‬
‫كان يلزم‪ ،‬بالضرورة والقانون‪ ،‬أن تكون في إطار من احترام النظام العام واآلداب‬
‫إال أنه يلزم‪ ،‬بالتوازي مع ذلك أن يكون لصاحب الشأن طلب االنتصاف إلى‬
‫جهة قضاء تقوم حارسة على ضمان هذا الحق الدستوري‪.‬‬
‫وال نرى فيما ورد بالمذكرة التفسيرية للدستور‪ ،‬تعليقا على حكم المادة(‪،)35‬‬
‫من أن «ممارسة شعائرها (والمقصود شعائر االديان األخرى غير اإلسالم)‬
‫كلهاأو بعضها إنما يكون األمر في شأنهامتروك ًا لتقدير السلطة العامة في البالد‬
‫دون أن تتخذ لحريتها سند ًا من المادة(‪)35‬المذكورة»‪ ،‬أساس ًا يقوم عليه حجب‬
‫المنازعات التي يمكن أن تثور في هذا الشأن عن قاضي المشروعية الذي هو‬
‫بعينه قاضي الحقوق والحريات العامة‪.‬‬
‫فكون األمر متروك ًا لتقدير السلطة العامة ال يعني أن تكون ق��رارات هذه‬
‫السلطات بمنأى عن رقابة القضاء‪ .‬فإذا كانت لإلدارة العامة سلطة التقدير فإن‬
‫حد هذه السلطة قانون ًا يكون بعدم االنحراف في استعمال السلطة‪ ،‬ويكون‬
‫القضاء هو المؤتمن على ضمان الحرية العامة وبما يحقق أال تنحرف السلطة‬
‫العامة في استعمال سلطتها‪ ،‬فإن فعلت فتكون قد تجاوزت سلطة التقدير‬
‫المقررة لها وتردت في هاوية االنحراف بالسلطة الذي يضم قرارها فيحق عليه‬
‫الجزاء المقرر قانون ًا لمثل هذه المخالفة‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ثاني ًا‪ :‬إلماحة إلى الطبيعة الخاصة للمنازعة اإلدارية وقواعد االثبات التي‬
‫تتالءم مع هذه الطبيعة‬

‫أ‪ -‬الطبيعة الخاصة للمنازعة اإلدارية‬


‫‪ -1‬الغالب األعم في الدعاوى اإلدارية أنها من قبيل الدعاوي الموضوعية‬
‫”‪”actions objectives‬وهي التي ُيعرض فيها على القاضي مركز‬
‫قانوني تنظيمي‪ ،‬بينما على العكس فجل الدعاوى التي ينظرها القضاء‬
‫العادي من الدعاوي الذاتية ”‪.”actions objectives‬‬
‫وقد ترتب على ذلك أن البوتقة التي نشأت فيها وأينعت اإلجراءات اإلدارية‬
‫هي تلك المالئمة لخصوصية الدعاوي الموضوعية‪ ،‬فتشكلت تلك‬
‫اإلجراءات بالشكل الذي يناسب هذا النوع من الدعاوي‪.‬‬
‫‪ -2‬الفرد هو المدعي عادة في الدعوى اإلداري��ة‪ ،‬أساس ذلك أن اإلدارة‬
‫تتمتع بمكنة التنفيذ المباشر‪ ،‬كما أن لها أن تصدر قرارات‪ ،‬بإرادة منفردة‪،‬‬
‫تنشئ بمقتضاها مراكز قانونية للفرد أو تعدل أو تلغى هذه المراكز‪.‬‬
‫ومن هذه المراكز ما قد يتعلق بالحقوق والحريات العامة مع ما يمكن أن‬
‫يترتب على كل ذلك من آثار‪.‬‬
‫والقرارات اإلدارية التي تصدرها اإلدارة هي قرارات نافذة ال تحتاج إلى‬
‫رضاء الفرد المخاطب بها‪.‬‬
‫فإذا أضيف إلى ذلك جميعه أن اإلدارة‪ ،‬تحتفظ بكامل االوراق والمستندات‬
‫التي تستند عليها في تصرفها‪ ،‬فإن الفرد المدعي يكون في الغالب األعم في‬
‫مركز بالغ الدقة‪ ،‬بل مفرط الضعف‪.‬‬
‫وتكون وسيلة الدعوى اإلدارية هي المالذ والسند‪ ،‬شريطة وجود نوعية من‬
‫القضاة هم رجال القضاء اإلداري الذين يقع عليهم واجب تقويم ما اختل من‬
‫ميزان المساواة بين أطراف الدعوى‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫‪ -3‬الطبيعة الخاصة للمنازعة اإلدارية تتطلب استعداد ًا خاص ًا في قاضيها‪،‬‬


‫الذي يتعين أن يكون قادر ًا على إدراك كنه هذه الطبيعة الخاصة وأه ً‬
‫ال ألن‬
‫ينزل عليها الحكم الذي يتفق وصحيح تكييفها‪ .‬ومن قبيل ذلك ما حكمت‬
‫به المحكمة اإلدارية العليا في مصر‪ ،‬بما مفاده أن الطعن أمامها خالل‬
‫الميعاد يحرك بالضرورة‪ ،‬وبحكم القانون‪ ،‬الطعن في أي حكم مرتبط به‬
‫ارتباط ًا وثيق ًا ولو لم يطعن فيه خالل الميعاد حتى تسلط المحكمة رقابتها‬
‫على الحكمين مع ًا لبيان وجه الحق فيهما وتوحيد كلمة القانون بينهما‪،‬‬
‫وعلى ذلك فليس ثمة وجه للتحدي أمام المحكمة اإلدارية العليا بحجية‬
‫حكم أول درجة الذي لم ُيطعن فيه في الميعاد حتى ال يكون في ذلك ما‬
‫يغل يد المحكمة االدارية العليا في التعقيب على الحكم المطعون فيه‬
‫أمامها‪ ،‬حتى ال يعلو الحكم الذي لم يطعن فيه وهو صادر من محكمة‬
‫أدنى على حكم المحكمة اإلدارية العليا وهي خاتمة المطاف في نظام‬
‫التدرج القضائي بمجلس الدولة المصري(‪.)1‬‬
‫خالصة القول أن الطبيعة العينية أو الموضوعية للمنازعة االداري��ة‪ ،‬وهي‬
‫بعد تتعلق في المقام االول بالمشروعية وضمان الحقوق والحريات‪ ،‬مع ما‬
‫هو عليه مركز الفرد المدعي فيها من وهن‪ ،‬كل ذلك مما من شأنه أن يستنهض‬
‫في قاضي المنازعة موقف ًا إيجابي ًا هو‪ ،‬من قبل ومن بعد‪ ،‬ذود عن المشروعية‬
‫ودفاع عن مفهوم الحقوق والحريات العامة‪ .‬فالمنازعة االدارية مهما كان من‬
‫أمر خصوصيتها بمعنى تعلقها بشخص المدعي فيها بأن كان تصرف اإلدارة‬
‫ماس ًا بمصلحة معتبرة له‪ ،‬إال انها في الحقيقة القانونية ما هي إال تطبيق من‬
‫تطبيقات احترام الشرعية وسيادة القانون‪.‬‬
‫والدور اإليجابي لقاضي المنازعة اإلدارية يبدأ من سلطته في إنزال صحيح‬
‫حكم التكييف القانوني على طلبات المدعي بما يتفق مع حقيقة ما يهدف إليه‬
‫(‪)1‬احلكم الصادر من احملكمة اإلدارية العليا بجلسة ‪25‬من مارس سنة ‪ 1989‬في الطعن رقم ‪ 397‬لسنة ‪ 33‬القضائية‪(.‬مرفق‬
‫رقم ‪ 2‬لهذه املداخلة)‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫بدعواه‪ ،‬في إطار ما يتفق وطبيعة القضاء اإلداري‪ .‬وقد قضت المحكمة اإلدارية‬
‫العليا في مصر بجلسة ‪25‬من مايو سنة ‪ 1991‬في الطعن رقم ‪ 2343‬لسنة ‪32‬‬
‫القضائية بأنه ولئن كان «للخصوم تحديد طلباتهم بالعبارات التى يصوغونها‬
‫وفق ًا لما يرونه محقق ًا لمصلحتهم ويختارون لهذه الطلبات السند القانوني‬
‫الذي يرونه في قبول القضاء لهم موضوعي ًا بهذه الطلبات‪ ،‬إال أن تحديد هذه‬
‫الطلبات وتكييف حقيقة طبيعتها القانونية أمر يرجع إلى المحكمة وال تكون‬
‫مقيدة في ذلك بما أورده الخصوم من عبارات وألفاظ» كما وأن «المحكمة‬
‫في مجال المنازعات اإلدارية والقضاء اإلداري هي األمينة على المشروعية‬
‫وسيادة القانون‪ ،‬والمفروض في القاضي اإلداري ليس فقط العلم بالقاعدة‬
‫القانونية الواجبة التطبيق على الوقائع التي يستبينها‪ ،‬بل المفروض أيض ًا أن‬
‫يبادر إلى تطبيق صحيح أحكام القانون حسبما يحكمه مبدأ المشروعية ولو كان‬
‫المدعي لم يحددها تحديد ًا دقيق ًا أو إذا استند إلى قاعدة سواها ال تنطبق في‬
‫شأن دعواه»‪.‬‬
‫ومما يؤكد هذا المعنى‪ ،‬ويكشف عن الدور اإليجابي الخالق الذي يتعين‬
‫أن يقوم به قاضي المشروعية‪ ،‬الذي هو القاضي اإلداري ما قضت به المحكمة‬
‫اإلداري��ة العليا في مصر من قبول طعن شخص لم يكن مختص ًا في الدعوى‬
‫امام محكمة القضاء االداري‪ ،‬في ضوء قضاء لدائرة توحيد المبادئ بالمحكمة‬
‫اإلداري��ة العليا يجري بعدم جواز طعن الخارج عن الخصومة أمام محكمة‬
‫القضاء اإلداري‪.‬‬
‫ولعل حكم المحكمة اإلدارية العليا يستأهل عرض ًا لوقائعه ولمحصلة األسانيد‬
‫التي قام عليها‪ .‬أما عن الوقائع فتتحصل في أن مرشح ًا لالنتخابات التشريعية‪،‬‬
‫فلنقل أنه المرشح(أ)‪ ،‬أقرت لجنة مراجعة أوراق الترشيح قبول أوراقه‪ ،‬فكان أن‬
‫طعن أحد المتنافسين في هذا القرار موجه ًا الخصومة إلى وزارة الداخلية التي‬
‫تتبعها اللجنة‪ ،‬ولم يختصم المرشح (أ) الصادر القرار لمصلحته‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫وكان أن قضت محكمة القضاء اإلداري بإلغاء قرار اللجنة‪ ،‬بقبول أوراق‬
‫ترشيح المرشح (أ) فما كان من هذا األخير إال أن طعن في هذا الحكم امام‬
‫المحكمة اإلدارية العليا‪.‬‬
‫وأمام هذه المحكمة ُأثير أمر المبدأ الذي سبق وأن تقرر من دائرة توحيد‬
‫المبادئ بعدم جواز طعن الخارج عن الخصومة‪ .‬إال أن المحكمة اإلدارية‬
‫العليا‪ ،‬قضت مع ذلك بقبول الطعن وأقامت قضاءها على أساس أنه لما‪ :‬كان‬
‫أمر ترشيح المرشح(أ)هو جوهر المنازعة أمام محكمة القضاء اإلداري‪ ،‬وما‬
‫كان القرار اإلداري محل الطعن إال انعكاس ًا لواقع قائم بالمرشح (أ) فإن هذا‬
‫المرشح يكون في حقيقة االمر حاضر ًا بالمنازعة أمام محكمة القضاء اإلداري‬
‫وإن غاب عن إجراءتها‪ ،‬مما يكون معه الطعن المقدم منه في حكم محكمة‬
‫القضاء اإلداري مقبو ً‬
‫ال وال يكون ثمة تعارض بين هذا القضاء وبين المبدأ الذي‬
‫قررته دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة اإلدارية العليا بشأن طعن الخارج عن‬
‫الخصومة(‪.)1‬‬
‫‪ -4‬وإنه ولئن كانت المادة(‪ )2‬من القانون رقم ‪ 20‬لسنة ‪ 1981‬تستلزم‬
‫توافرالمصلحة في رافع الدعوى حتى تكون دعواه مقبولة‪ ،‬إال أنه من المسلم‬
‫في تطبيقات القضاء اإلداري النظر إلى هذا الشرط نظرة ُيسر‪ ،‬توسع من مفهوم‬
‫المصلحة حتى تقارب أن تكون دعاوي الحسبة وإن لم تكن كذلك(‪.)2‬‬
‫وشرط المصلحة يضيق تقديره ويتسع بمراعاة مدى قرب أو بعد حقيقة‬
‫المنازعة من أمور تتعلق بصميم مبدأ المشروعية وسيادة القانون‪ ،‬أو كانت ماسة‬
‫بحق أو حرية عامة‪ .‬وعلى ذلك فقد قضت محكمة القضاء اإلداري بأن المواطن‬
‫المصري له مصلحة في رفع الدعوى بطلب إلغاء قرار وزير الثقافة (ويتبعه‬
‫(‪ )1‬احلكم مرفق رقم (‪ )3‬وقد صدر من احملكمة اإلدارية العليا بجلسة ‪ 26‬من نوفمبر سنة ‪1990‬في الطعن رقم ‪ 163‬لسنة‬
‫‪ 37‬القضائية‪.‬‬
‫(‪ )2‬احلكم الصادر من احملكمة االداري��ة العليا في مصر بجلسة ‪11‬من فبراير سنة ‪1989‬ف��ي الطعن رقم ‪ 1665‬لسنة ‪28‬‬
‫القضائي(مرفق رقم(‪.)4‬‬

‫‪93‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫المجلس األعلى لآلثار) بوضع ُه َّريم من الذهب على قمة هرم خوفو وكان‬
‫ذلك بمناسبة اإلعداد الحتفالية بمناسبة انتهاء األلفية الثانية‪ ،‬وأقامت المحكمة‬
‫قضاءها على أساس أن المواطن المصري له دائم ًا مصلحة في الحفاظ على‬
‫اآلثار وصونها وعدم المساس بها‪ ،‬باعتبارها تدخل في مفهوم التراث الوطني‬
‫قبل أن يكون جزء من التراث العالمي في إطار اتفاقية اليونسكو بشأن حماية‬
‫التراث اإلنساني‪.‬‬
‫‪ - 5‬كما وأن طبيعة المنازعة اإلدارية تلقى بأثرها وتتداعى بظالها على تفسير‬
‫حكم المادتين(‪ )4‬و(‪ )6‬من القانون رقم ‪20‬لسنة ‪ .1981‬بيان ذلك أنه‬
‫إذ كان االصل أن القرار اإلداري يكون نافذ ًا ما لم ُيلغ أو يوقف تنفيذه‪،‬‬
‫وكانت المادة (‪ )6‬تتطلب‪ ،‬كشرط شكلي‪ ،‬أن تتضمن عريضة الدعوى‬
‫طلب وقف التنفيذ إال أنه يتعين أن يكون واضح ًا‪:‬‬
‫أ‪ -‬أنه إذا استجدت دواعي االستعجال بعد إقامة الدعوى بإيداع عريضتها‬
‫فإنه يكون من العسف القضاء بعدم قبول طلب وقف التنفيذ متى ُقدم‬
‫حال توفر ركن االستعجال المبرر له‪.‬‬
‫وركن االستعجال يتمثل في النتائج التي يتعذر تداركها‪ ،‬فمتى توفر شئ من‬
‫ذلك تعين قبول طلب وقف تنفيذ القرار‪.‬‬
‫والقول بغير ذلك يمثل تمسك ًا بأهداب حرفية النص مما يتنافى مع طبيعة‬
‫القضاء اإلداري ذاتها‪ ،‬التي تتميز بالواقعية كما انها تتنافى مع القاعدة األصولية‬
‫التي تقضي بأن تدور العلة مع المعلول؛ فإذا كانت علة القضاء بوقف التنفيذ هي‬
‫تحقق النتائج التي يتعذر تداركها‪ ،‬فإنه متى تحقق شيء من ذلك جاز للمدعي‬
‫تقدم الطلب بذلك ويكون للدائرة أن تقضي به متى توافرت له سائر شرائط‬
‫قبوله‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ومن ناحية أخ��رى‪ ،‬فإنه قد ُيقال بأنه مما يتنافى مع أصول القضاء‬
‫المستعجل بوقف التنفيذ الذي يلزم أن يراعى عدم الفصل فى موضوع‬
‫‪94‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫المنازعة وإنما يقتصر على تحسس ظاهرها حسبما تنطق به األوراق‪،‬‬


‫أن يقوم القضاء بوقف التنفيذ على أساس استظهار توافر عيب إساءة‬
‫استعمال السلطة وهو العيب المنصوص عليه بالبند(د) من المادة(‪،)4‬‬
‫باعتبار أن استظهار هذا العيب يتطلب غوص ًا في األوراق كشف ًا عن نية‬
‫ُمصدر القرار‪ .‬إال أن هذا القول ال يصمد للتدقيق‪ ،‬وقد قضت المحكمة‬
‫اإلدارية العليا في مصر بأنه متى كان عيب إساءة استعمال السلطة واضح ًا‬
‫جلي ًا تنطق به األوراق فال تثريب إن قام الحكم بوقف التنفيذ إستناد ًا إليه‪،‬‬
‫ال للتحقق من توافر ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ وهو الركن‬ ‫توص ً‬
‫الذي يتعين أن يتوافر مع ركن االستعجال سند ًا للقضاء بوقف التنفيذ‪.‬‬
‫‪ -6‬أما بشأن التظلم الوجوبي المنصوص عليه في المادة (‪ )8‬من القانون‬
‫رقم ‪ 20‬لسنة ‪ 1981‬فإنه يتعين تفسير النص على نحو يحقق الغاية من‬
‫إيراده دون أن يجعل منه إجراء شكلي ًا محض ًا‪.‬‬
‫بيان ذلك أنه ولئن كان النص يجرى بعدم قبول الطلبات المنصوص عليها‬
‫بالبنود ثاني ًا وثالث ًا ورابع ًا من المادة (‪()1‬عدا تلك الصادرة من مجالس‬
‫تأديبية) قبل التظلم منها وانتظار المواعيد المقررة للبت في التظلم‪ ،‬إال أنه‬
‫يتعين دائم ًا مراعاة أن التظلم الوجوبي ليس مقصود ًا لذاته كإجراء وإنما‬
‫القصد منه تمكين اإلدارة من مراجعة موقفها‪ ،‬وهي المفروض فيها أن‬
‫تكون حريصة على احترام جادة التشريعات‪ ،‬فال تفاجأ بدعاوي مبتدأة‬
‫دون أن تتمكن من مراجعة ما سبق أن اتخذته من قرار‪ .‬وعلى ذلك فإذا‬
‫بادر صاحب الشأن بإقامة الدعوى‪ ،‬ثم تظلم من القرار في الميعاد وبالتالي‬
‫ُأتيح لإلدارة أن تراجع موقفها بالبت في التظلم‪ ،‬فإنه ال يكون ثمة وجه‬
‫للقضاء بعدم قبول الدعوى في حالة ما إذا ُرفض التظلم‪ ،‬حيث تكون‬
‫الغاية من اإلجراء قد تحققت‪ .‬فالسمة التي تسيطر على القضاء اإلداري‬
‫هى الواقعية وليست الشكلية‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬فإن استجابت اإلدارة للتظلم‬
‫فتصبح الدعوى غير ذات موضوع ويتعين إل��زام رافعها‪ ،‬الذي تعجل‬
‫‪95‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫بإقامتها المصروفات‪.‬‬
‫(الحكم الصادر بجلسة ‪ 31‬من يناير سنة ‪1981‬في الطعن رقم ‪ 539‬لسنة‬
‫‪ 22‬القضائية)‪.‬‬
‫وفي المقابل‪ ،‬فقد استقر القضاء اإلداري في مصر‪ ،‬على أنه ولئن كان األصل‬
‫أن فوات ميعاد الستين يوما على تقديم التظلم دون أن ُتجيب عنه السلطات‬
‫المختصة هو بمثابة قرار ضمني برفض التظلم إال أنه متى سلكت اإلدارة مسلك ًا‬
‫إيجابي ًا في بحث التظلم فإن هذا المسلك؛ يعتبر مانع ًا لسريان قرينة الرفض‬
‫الضمني‪.‬‬
‫(الحكم الصادر بجلسة ‪ 8‬من فبراير لسنة ‪ 1992‬في الطعن رقم ‪ 817‬لسنة‬
‫‪ 28‬القضائية)‪.‬‬
‫وأساس هذا القضاء‪ ،‬رغم صراحة النص على جريان ميعاد رفع الدعوى من‬
‫تاريخ الرفض الصريح أو الضمني على نحو ما تجرى به عبارة المادة (‪ )7‬من‬
‫القانون رقم ‪20‬لسنة ‪ ،1981‬رفع العنت عن كاهل صاحب الشأن الذي له حق‬
‫مشروع فى تقدير‪ ،‬أنه طالما أن الجهة اإلدارية تبحث تظلمه بحث ًا جدي ًا فليس‬
‫عليه من حرج إن تريث حتى يتبين على وجه اليقين موقف الجهة اإلدارية ‪.‬‬
‫وهذا النحو في تفسير النصوص‪،‬يكشف عن موقف مستتر للقضاء اإلداري‬
‫في عدم الوقوف عند النص الجامد في حالة سكون‪ ،‬وإنما يتحرى وجه تطبيق‬
‫النص في الحركة على ما يطرأ من وقائع غير متناهية‪ .‬وبهذا التفسير القضائي‬
‫يؤكد القاضى اإلداري الدور اإليجابي الذي يقوم به استنباط أصدق قاعدة‬
‫تنطبق على واقع الحال بما يخدم في المقام األول مبدأ المشروعية ‪ ،‬ويسهم في‬
‫تحقيق األمان واالطمئنان للمواطن مما ينعكس بأثره على المجتمع ككل‪.‬‬
‫‪ -7‬يؤكد الطبيعة الخاصة للدعوى اإلدارية‪ ،‬ما ورد بالمواد(‪ ،)9‬و(‪ )10‬و‬
‫(‪ )11‬من القانون رقم (‪ )20‬لسنة ‪ ،1981‬ذلك أن محصلة هذه المواد‪،‬‬

‫‪96‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ال عن مفاد تقرير رسم ثابت على دعوى اإللغاء الذي يكشف عن‬ ‫فض ً‬
‫تقدير المشرع بأن مبدأ المشروعية هو واحد أي ًا ما تكون النتيجة النهائية‬
‫التى تعود على رافع الدعوى‪ ،‬فاالعتبار االول هو لتحقيق المشروعية‬
‫الذي تتساوى أمامه مختلف دعاوى اإللغاء فال ُينظر إلى المصلحة التي‬
‫يحققها صاحب الشأن من وراء الحكم باإللغاء‪ ،‬نقول أن محصلة المواد‬
‫من (‪ )9‬إلى (‪ )11‬من القانون رقم ‪20‬لسنة ‪ 1981‬هي أن احتضان القضاء‬
‫االداري للدعوى اإلدارية يبدأ صراحة من إيداع عريضتها‪ ،‬بحيث تتعهد‬
‫الكتاب ذاتها هي‬ ‫الكتاب بالمحكمة مهمة اإلعالن‪ ،‬كما أن إدارة ُ‬ ‫إداراة ُ‬
‫التي تقوم بذات المهمة عند إيداع عريضة االستئناف‪.‬‬
‫وهذا اإلجراء وإن كان إجرا ًء إداري ًا إال انه يتعين تقدير أهميته منظور ًا إليه‬
‫في إطار الدعوى اإلداري��ة ككل‪ .‬فكأن القضاء االداري‪ ،‬عن طريق األجهزة‬
‫المعاونة له‪ ،‬هو الذي يتولى شئون الدعوى‪ ،‬من بدايتها وأثناء سيرها وحتى‬
‫الفصل فيها‪.‬‬
‫ومما له مجال ذكر أن بعض ًا من اإلجراءات التي يعرفها القانون المدني رأى‬
‫القضاء اإلداري في مصر أنها تتنافر مع طبيعة الدعوى اإلدارية‪ ،‬ومن ذلك مث ً‬
‫ال‬
‫األثر الذي يرتبه قانون المرفعات المدنية على تخلف المدعي من الحضور‬
‫بأول جلسة وهوشطب الدعوى‪ ،‬فقد حكمت المحكمة اإلدارية العليا بأن نظام‬
‫الشطب ال يعرفه القضاء اإلداري كجزاء لتخلف المدعي عن متابعة دعواه‪.‬‬
‫(الحكم الصادر بجلسة ‪ 28‬من يناير سنة ‪ 1986‬في الطعن رقم ‪ 941‬لسنة‬
‫‪29‬القضائية) (‪ .)1‬فكأن القاضي اإلداري ضنين على مبدأ المشروعية‪ ،‬حريص‬
‫تراخ يمكن أن‬
‫على إعالء كلمة القانون وسيادته حتى وان صح القول بإهمال أو ٍ‬
‫ينُسب إلى المدعي‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ب ‪ -‬قواعد االثبات التي تتالءم مع الطبيعة الخاصة للدعوى اإلدارية‬

‫من استعراض أحكام القانون رقم ‪ 20‬لسنة ‪ 1981‬يبين أنه لم يتضمن‬


‫أحكام ًا خاصة بقواعد االثبات التي يتبعها القضاء اإلداري‪ .‬وال يفيد ظاهر نص‬
‫الفقرة األولى من المادة(‪)15‬من القانون إال أنه يكون الرجوع فيما لم يرد بشأنه‬
‫نص خاص في القانون إلى القواعد واالجراءات المنصوص عليها في قانون‬
‫المرافعات المدنية والتجارية‪ .‬على أن هذا الظاهر ال يقوى على التمحيص بل‬
‫ويتهاوى بالتدقيق فى ضوء النزول على أحكام الطبيعة الخاصة للمنازعة اإلدارية‪.‬‬
‫فحقيقة مفهوم القضاء اإلداري أنه يقوم على مراعاة الطبيعة الخاصة للمنازعة‬
‫اإلدارية فحولها ورعاية لها تدور أحكامه‪ ،‬فيؤخذ من األحكام والقواعد العامة‬
‫التي تجد لها مجال تطبيق بالنسبة لعموم المنازعات المدنية والتجارية ما يتفق‬
‫مع طبيعة المنازعة اإلدارية‪ ،‬وفي المقابل يجري اتباع قواعد وإجراءات تتطلبها‬
‫المنازعة اإلداري��ة ذاتها متى كان حقيقة التعبير عن المراد بالقضاء اإلداري‬
‫بحسبانه قضاء مشروعية يتطلب اتباع تلك القواعد واإلجراءات‪.‬‬

‫(‪)1‬يرجع احلكم مرفق رقم (‪)5‬‬

‫‪98‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫‪ -1‬يختلف عبء االثبات في رحاب القضاء اإلداري عنه في المنازعات‬


‫المدنية والتجارية‪.‬‬
‫فإنه وبالرغم أن النظم القانونية المعاصرة تأخذ في الجملة بمفهوم مرن لدور‬
‫القاضي في سير الخصومة وفي نقل عبء االثبات بين طرفي المنازعة‪ ،‬إال أن‬
‫دور القاضي اإلداري يتميز عن دور القاضي في عموم المنازعات الخاصة‪.‬‬
‫فالقاضي اإلداري هو الذي يقوم بتحقيق الدعوى وتمحيص أدلة الثبوت فيها‬
‫وذلك عن طريق ما يطلب من اإلدارة تقديمه من بيانات أو أوراق يستشعر أنها‬
‫مجدية فى الدعوى إلظهار وجه الحق‪ ،‬وإما عن طريق توزيع عبء اإلثبات بين‬
‫طرفي المنازعة‪ ،‬بحيث يلزم كل طرف بعبء إثبات ما توفره له إمكانياته‪ .‬ومن‬
‫المتعارف عليه لدى القائمين بالقضاء اإلداري‪ ،‬االكتفاء‪ ،‬في الغالب األعم‪ ،‬بأن‬
‫يقوم الفرد أي المدعي‪ ،‬باإلرشاد عن األدلة اإلدارية التي قد تكون في حوزة‬
‫اإلدارة حتى يهب قاضي المشروعية بإلزام الجهة اإلدارية بتقديم ما قد يكون‬
‫تحت يدها من أوراق وبيانات تفيد صاحب الشأن في إثبات ما يدعيه‪ .‬ويمكن‬
‫القول‪ ،‬دون تجاوز‪ ،‬بأن القاضي اإلداري يكتفى بتقديم المدعي ما يمكن وصفه‬
‫ال إلثبات اإلدعاء‪ ،‬فإذا تحقق ذلك تبنى القاضي اإلداري‬ ‫بأنه يفيد ظن ًا معقو ً‬
‫شئون الدعوى بحيث يهيمن على سيرها بإلزام اإلدارة بتقديم ما قد يكون تحت‬
‫يدها من أدلة أو بيانات تفيد في إثبات اإلدعاء‪.‬‬
‫ومما يستحق االهتمام الخاص طريق إثبات عيب إساءة استعمال السلطة‪،‬‬
‫حيث إنه ينصب على مقاصد رجل اإلدارة ونواياه‪ ،‬األمر الذي إرتأى معه بعض‬
‫الفقه أنه يجوز إثبات هذا العيب بكافة طرق اإلثبات(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬وردت اإلشارة إلى هذا الرأي الفقهي في مؤلف الفقيه العالمة املرحوم املستشار الدكتور مصطفى كمال وصفى بعنوان‬
‫«أصول إجراءات القضاء اإلداري»‪ ،‬طبعة سنة ‪ ،1961‬ص ‪ .319‬والفقية الراحل له في نفسى معزة خاصة فقد تعهدني بالرعاية‬
‫والتعليم‪ ،‬وإني أدين له بالكثير في أمور الدين والدنيا‪ .‬رحمه الله رحمة واسعة ونفعنا الله بغزير علمه النافع الذي لم ينقطع‪ .‬ومما‬
‫له مجال ذكر‪ ،‬أن شيخ القضاة املصريني بدولة الكويت‪ ،‬الذي رأس الدائرة األستئنافية لسنوات وهو املستشار حسن حسنني‪ ،‬له‬
‫تعبير تفرد به‪ ،‬وهو أن ذاكرة اإلدارة تتمثل في األرشيف الذي حتتفظ به‪ ،‬وبالتالي فال يكون الرجوع إال إليه ودون إمكان اللجوء‬
‫إلى طريق اإلثبات بشهادة الشهود‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫إال أننا نرى أن طرق اإلثبات الجائز االلتجاء إليها‪ ،‬هي وحسب تلك التي‬
‫تتفق مع طبيعة الدعوى اإلدارية‪ .‬األمر الذي يكون معه استبعاد شهادة الشهود‬
‫إذ تتنافى وسيلة اإلثبات هذه مع طبيعة الدعوى اإلداري��ة‪ ،‬كما أنه ال يقبل أن‬
‫توجه إلى الموظف العام اليمين الحاسمة مث ً‬
‫ال‪.‬‬
‫فكل ذلك مما تأباه طبيعة المنازعة اإلدارية‪ .‬ويجري العمل بأن يكون النص‬
‫في تشريعات المرافعات‪ ،‬أو بتشريعات األثبات على عدم جواز شهادة الموظفين‬
‫أو المكلفين بخدمة عامة على ما يكون قد وصل إلى علمهم أثناء قيامهم بعملهم‬
‫من معلومات لم ُتنشر بالطريق القانوني ولم تأذن السلطة المختصة في إذاعتها‪.‬‬
‫ومع ذلك فقد ينص المشرع على إجازة قبول شهادة الموظف العام في حاالت‬
‫استثنائية مثل حريق أتى على السجالت‪ ،‬فتكون هذه الشهادة احدى ُطرق‬
‫االثبات‪ ،‬وإنما يكون‪ ،‬تقدير هذا الدليل متروك ًا للجهة اإلدارية وليس للقضاء‬
‫اإلداري الذي عليه أن يستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لديه من دالئل‬
‫في خصوص صحة أو عدم صحة قيام الواقعة المراد التدليل عليها بالشهادة‬
‫المذكورة(‪.)2‬‬

‫‪ -2‬والقضاء اإلداري‪ ،‬تقدير ًا منه لمركز المدعي من حيث صعوبة تحصله‬


‫على أدلة إثبات إدعائه‪ ،‬قد يرتب آثار ًا على عدم تقدم اإلدارة ما قد يكون‬
‫تحت يدها من مستندات واوراق تكون ذات تأثير في الدعوى‪ .‬وقد يصل‬
‫اقتناع القاضي إلى حد تقدير أن النكول في حد ذاته يعتبر بمثابة القرينة‬
‫على صحة اإلدعاء وذلك إذا لم يقتنع القاضي بما تتعلل به الجهة اإلدارية‬
‫لعدم تقديم ما يطلب منها تقديمه من مستندات أو بيانات‪ ،‬بأن تأكد من أن‬
‫هذا النكول إنما يخفي دليل إثبات طلبات المدعي‪.‬‬

‫(‪ )2‬حكم محكمة القضاء اإلداري في مصر بجلسة ‪ 24‬من نوفمبر سنة ‪1955‬حيث ورد به انه «متى كان الثابت أن الشهادة‬
‫املقدمة من املدعي للتدليل على حصوله على املؤهل لم تؤيد مبا هو ثابت في سجالت املدرسة بل حررها سكرتيرها من ذاكرته‬
‫لسابق معرفته الشخصية للمدعي فمن حق الوزارة أال تأخذ بها‪ .‬كما أنه الميكن أعتباره حاصال على شهادة القبول للمدارس‬
‫الثانوية بشهادة زميلني له‪ ،‬إذ أن املوظف ال يعتبر حاصال على شهادة ما لم يقدم الدليل القاطع البعيد عن الشك في ذلك»‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ومن المتعين أن يكون القاضي اإلداري مدرك ًا أن الجهة اإلدارية إنما ينوب‬
‫عنها من يقيمه القانون نائب ًا قانوني ًا‪ ،‬كما أن إعداد الدفاع إنما يقوم به أفراد من‬
‫الجهة اإلدارية ذاتها الذين قد ال يعنون باألمر العناية الواجبة‪.‬‬
‫وكل ذلك اعتبارات نرى انها مما يتعين أن يراعيها القاضي اإلداري‪ ،‬فال‬
‫تراخ في تقديم األوراق أو المستندات‬
‫يبادر بإعمال القرينة لدى كل تقصير أو ِ‬
‫المطلوبة‪.‬‬
‫ومن األمور التي كثير ًا ما تطرأ على القاضي اإلداري تعلل الجهة اإلدارية‬
‫بضياع األوراق أو فقدها أو اتالفها بمرور عدد من السنين‪.‬‬
‫وفي هذه األحوال يكون على القاضي المتمرس الفطن أن يعمل ما يراه من‬
‫قرينة تتفق ورؤيته لحقيق األمر ‪ .‬فالقاضي اإلداري هو عقل رقابة المشروعية‬
‫وعليه الكشف عن الحقيقة والمبادرة بالذود عن ِحمى المشروعية برد كل‬
‫تجاوز عليها‪.‬‬
‫‪ -3‬وإذا كان استعراض كافة أمور االثبات مما يتجاوز نطاق هذه المداخلة التي‬
‫تنحصر فى كونها تأمالت في أحكام القانون رقم ‪20‬لسنة ‪1981‬بإنشاء‬
‫دائرة بالمحكمة الكلية لنظر المنازعات اإلدارية‪ ،‬فقد يكون مالئما ً‪ ،‬في‬
‫هذا اإلطار‪ ،‬اإلشارة دون إطالة في استعراض كافة مناحي مسائل االثبات‪،‬‬
‫ويكفي القول بأن الطبيعة الخاصة للمنازعة اإلدارية تبسط أثارها على‬
‫أمور االثبات بحيث يكون األخذ بهذا الطريق أو ذاك من طرق االثبات‬
‫منوط ًا باتفاقه مع طبيعة الدعوى اإلدارية‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫خ ــاتـ ـ ـمـ ـ ـ ــة‬


‫إذا كان القاضي اإلداري هو قاضي المشروعية‪ ،‬فإن وظيفته تتعدى محض‬
‫القضاء فيما ُيعرض عليه من منازعات‪ .‬ذلك أن قضاءه يتعدى األثر بحيث‬
‫ينعكس بإشاعة االطمئنان بين األفراد‪ ،‬اطمئنان مرده ضمان حماية حقوقهم‬
‫وحرياتهم العامة والتأكيد على سيادة القانون‪ .‬وهذا االطمئنان الشك ينعكس‬
‫بأثره على المجتمع بأسره مما يسهم في استقرار أموره بإزالة الكثير من أسباب‬
‫التوتر والقلق التي قد تنال من هذا االستقرار‪.‬‬
‫وبالترتيب على ذلك‪ ،‬فإن التأكيد على اختصاص القضاء اإلداري‪ ،‬وضمان‬
‫أدائه لكامل اختصاصه من األمور التي يتعين أن تكون لها األولوية التي تجعل‬
‫منها أمر ًا مطروح ًا دائم ًا على سلطتي التشريع والتنفيذ‪ ،‬بحيث يكون توفير كل‬
‫ما ُيحقق ضمان أداء كامل هذا االختصاص‪.‬‬
‫ولعله من المالئم‪ ،‬في هذا المقام‪ ،‬اإللماح إلى ما نرى أن الدستور الكويتي‬
‫عناه بإيراده المواد ‪169‬و‪170‬و‪ 171‬منه‪ .‬فالمادة (‪ )171‬التي ُتجيز أن ُينشأ‪،‬‬
‫بقانون مجلس دولة يقوم إلى جانب اختصاصه بالقضاء اإلداري‪ ،‬بالصياغة‬
‫واالف��ت��اء المنصوص عليها بالمادتين ‪169‬و‪ 170‬من الدستور‪ ،‬يتضمن‬
‫تفويض ًا من المشرع الدستوري للمشرع العادي بأن يعدل من أحكام المادتين‬
‫‪169‬و‪ 170‬دون حاجة لاللتجاء إلى تدخل المشرع الدستوري للمشرع بإجراء‬
‫هذا التعديل‪ .‬ولعل المشرع الدستوري أراد بذلك أن ُييسر طريق هذا اإلنشاء‬
‫لمجلس الدولة‪ ،‬إذا ما رأى ومتى رأى المشرع العادي األخذ بهذا األسلوب‬
‫طريق ًا لممارسة اختصاص القضاء اإلداري إلى جانب االضطالع بمهام صياغة‬
‫مشروعات القوانين واللوائح وإبداء الرأي فيما تطلبه أجهزة الحكومة‪.‬‬
‫وقد يكون التساؤل المشروع هو عما إذا كان القضاء اإلداري الذي تمارسه‬
‫الدوائر اإلدارية ومن بعدها الدائر االستئنافية‪ ،‬ومن بعد ذلك جميعه دائرة التمييز‬

‫‪102‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫حيث يتجاور مستشارو القضاء العادي مع مستشاري القضــاء اإلداري‪ ،‬من شأنه‬
‫أن ُيغني عن التفكير في ولوج سبيل إنشاء مجلس دولة يضطلع‪ ،‬باالضافة إلى‬
‫اختصاص القضاء اإلداري‪ ،‬باختصاص االفتاء والصياغة المنصوص عليهما‬
‫بالمادة ‪170‬من الدستور‪.‬‬
‫وكل ذلك أظنه قد ُطرح أو هو مطروح لدراسة القائمين على شئون القضاء‬
‫بدولة الكويت الذين هم أدرى العقول بما يلزم األخذ به ومتى يؤخذ به تحقيق ًا‬
‫لوجه الصالح العام‪ ،‬منظور ًا إليه من كافة جوانبه‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫‪104‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫املـــــــــال حــــــــق‬

‫‪105‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫‪106‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ملحق رقم (‪)1‬‬


‫دولة الكويت‬
‫مرسوم بالقانون رقم‪ 20‬لسنة ‪1981‬‬
‫بشأن إنشاء دائرة بالمحكمة الكلية لنظر المنازعات اإلدارية‬

‫المادة رقم (‪)1‬‬

‫تنشأ بالمحكمة الكلية دائرة إدارية تشكل من ثالثة قضاة وتشتمل على غرفة‬
‫أو أكثر حسب الحاجة‪ ،‬وتختص دون غيرها بالمسائل اآلتية‪ ،‬وتكون لها فيها‬
‫والية قضاة اإللغاء والتعويض‪:‬‬
‫أوال‪ :‬المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت والعالوات‬
‫المستحقة للموظفين المدنيين أو لورثتهم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الطلبات التي يقدمها ذوو الشأن بإلغاء القرارت اإلداري��ة الصادرة‬
‫بالتعيين في الوظائف العامة المدنية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الطلبات التي يقدمها الموظفون المدنيون بإلغاء القرارات اإلدارية‬
‫الصادرة بالترقية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬الطلبات التي يقدمها الموظفون المدنيون بإلغاء القرارات الصادرة‬
‫بإنهاء خدماتهم أو بتوقيع جزاءات تأديبية عليهم‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬الطلبات التي يقدمها األفراد أو الهيئات بإلغاء القرارات اإلدارية‬
‫النهائية عدا القرارات الصادرة في شأن مسائل الجنسية وإقامة وإبعاد غير‬
‫الكويتيين وتراخيص إصدار الصحف والمجالت ودور العبادة‪.‬‬

‫ منشور في جريدة الكويت اليوم‪ ،‬اجلريدة الرسمية حلكومة الكويتي‪ ،‬العدد ‪ ،1344‬السنة السابعة والعشرون‪ ،‬ص‪ ،5‬وعدل‬
‫بالقانون رقم ‪ 61‬لسنة ‪ 1982‬املنشور في جريدة الكويت اليوم العدد ‪ 1449‬السنة التاسع والعشرون ص‪.1‬‬
‫ استبدلت بالقانون رقم ‪ 61‬لسنة ‪ 1982‬املشار إليه‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫المادة رقم ‪2‬‬


‫تختص الدائرة اإلداري��ة وحدها بنظر المنازعات التي تنشأ بين الجهات‬
‫اإلدارية والمتعاقد اآلخر في عقود االلتزام واألشغال العامة والتوريد أو أي‬
‫عقد إداري آخر وتكون لها فيها والية القضاء الكامل‪.‬‬

‫المادة رقم ‪3‬‬


‫مع عدم اإلخالل بنص المادة الثانية من قانون تنظيم القضاء رقم ‪ 19‬لسنة‬
‫‪ ،1959‬ال تقبل الطلبات المقدمة من أشخاص ليس لهم فيها مصلحة‬
‫شخصية مباشرة‪.‬‬

‫المادة رقم ‪4‬‬


‫يشترط لقبول الطلبات المبينة بالبنود ثانيا وثالثا ورابعا وخامسا من المادة‬
‫األولى أن يكون الطعن مبنيا على احد األسباب اآلتية‪:‬‬
‫‪ -‬عدم االختصاص‪.‬‬
‫‪ -‬وجود عيب في الشكل‪.‬‬
‫‪ -‬مخالفة القوانين واللوائح أو الخطأ في تأويلها أو تطبيقها‪.‬‬
‫‪ -‬إساءة استعمال السلطة‪.‬‬
‫يعتبر في حكم القرارات اإلدارية رفض السلطات اإلدارية أو امتناعها عن‬
‫اتخاذ قرار كان من الواجب اتخاذه وفقا للقوانين واللوائح‪.‬‬

‫ استبدلت بالقانون رقم ‪ 61‬لسنة ‪ 1982‬املنشور في جريدة الكويت اليوم العدد ‪ 1449‬السنة التاسعة والعشرون ص‪.1‬‬
‫ استبدل به املرسوم بقانون رقم ‪ 23‬لسنة ‪.1990‬‬

‫‪108‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫المادة رقم‪5‬‬
‫تكون للدائرة اإلدارية وحدها والية الحكم بإلغاء القرارات اإلدارية المشار‬
‫إليها في البنود‪ :‬ثانيا وثالثا ورابعا وخامسا في المادة األولى‪ ،‬كما تكون لها‬
‫وحدها والي��ة الحكم في طلبات التعويض عن اإلض��رار الناشئة عن تلك‬
‫القرارات‪ ،‬سواء رفعت إليها بطريقة أصلية أو تبعية‪.‬‬

‫المادة رقم ‪6‬‬


‫ال يترتب على طلب إلغاء القرار وقف تنفيذه‪ ،‬على انه يجوز للدائرة اإلدرية‬
‫متى طلب في صحيفة الدعوى‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن تأمر بوقف تنفيذ القرار إذا رأت أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها‬
‫وكان من القرارات المنصوص عليها في البند خامسا من المادة األولى‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن تأمر باستمرار صرف المرتب كله أو بعضه لحين الفصل في طلب‬
‫إلغاء إنهاء الخدمة إذا رأت في ظروف الدعوى ما يبرر ذلك‪.‬‬

‫المادة ‪7‬‬
‫ميعاد رفع دعوى اإللغاء ستون يوما من تاريخ نشر القرار اإلداري المطعون‬
‫فيه في الجريدة الرسمية أو في النشرات التي تصدرها المصالح الحكومية أو‬
‫إعالن صاحب الشأن به‪ ،‬أو ثبوت علمه به علما يقينيا‪.‬‬
‫وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى الجهة اإلدارية التي أصدرت القرار‬
‫إلى الجهات الرئاسية لها‪ ،‬ويجب أن يبت في التظلم خالل ستين يوما من تاريخ‬

‫ استبدلت بالقانون رقم ‪ 61‬لسنة ‪ 1982‬املنشور في جريدة الكويت اليوم العدد ‪ 1449‬السنة التاسعة والعشرون ص‪.1‬‬

‫‪109‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫تقديمه‪ ،‬وإذا صدر القرار بالرفض وجب أن يكون مسببا‪ ،‬ويعتبر فوات ستين‬
‫يوما على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات المختصة بمثابة رفضه‪،‬‬
‫ويحسب ميعاد رفع الدعوى من تاريخ الرفض الصريح أو الضمني حسب‬
‫األحوال‪.‬‬
‫المادة رقم ‪8‬‬
‫ال تقبل طلبات اإللغاء المنصوص عليها في البنود ثانيا وثالثا ورابعا من‬
‫المادة األولى عدا القرارات الصادرة من مجالس تأديبية قبل التظلم منها إلى‬
‫الجهة التي أصدرتها أو الجهات الرئاسية وانتظار المواعيد المقررة للبت في‬
‫التظلم‪.‬‬
‫ويصدر مرسوم ببيان إجراءات تقديم التظلم والبت فيه‪.‬‬
‫المادة رقم ‪9‬‬
‫يكون رفع الدعوى بصحيفة تودع إدارة كتاب المحكمة الكلية ويجب أن‬
‫تشتمل هذه الصحيفة على بيان موضوع المنازعة وأسبابها وطلبات مقدم‬
‫الصحيفة وذلك باإلضافة إلى البيانات العامة التي يجب اشتمال أوراق الدعاوى‬
‫عليها‪.‬‬
‫وتقدم مع الصحيفة المستندات المؤيدة لها‪.‬‬
‫ويجب أن يقدم إلى إدارة الكتاب باإلضافة إلى أصل الصحيفة عدد كاف من‬
‫الصور‪.‬‬
‫المادة رقم ‪10‬‬
‫عند إيداع الصحيفة تسلم إدارة الكتاب إلى المودع إيصاال يثبت فيه تاريخ‬

‫ استبدلت بالقانون رقم ‪ 61‬لسنة ‪ 1982‬املنشور في جريدة الكويت اليوم العدد ‪ 1449‬السنة التاسعة والعشرون ص‪.1‬‬

‫‪110‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫اإلي��داع وساعته ويجب على إدارة الكتاب خالل الثالثة أيام التالية إعالن‬
‫الخصوم بصحيفة الطعن على أن يكون إعالن الجهات الحكومية والمؤسسات‬
‫العامة بمقر إدارة الفتوى والتشريع‪ .‬ويكون لكل من الخصوم الحق في الرد‬
‫على ما جاء فيها بمذكرة تودع إدارة كتاب المحكمة مع المستندات الالزمة‬
‫خالل ثالثين يوما من تاريخ إعالنه بالطعن‪.‬‬
‫وبمجرد انتهاء هذه المهلة تقوم إدارة كتاب المحكمة بتحديد جلسة لنظر‬
‫الدعوى خالل شهرين على األكثر وبإبالغ جميع إطراف النزاع بتاريخ تلك‬
‫الجلسة قبل موعد عقدها بأسبوع على األقل وذلك بموجب خطابات موصى‬
‫عليها بعلم الوصول‪.‬‬
‫ويجوز تقديم مستندات أو مذكرات جديدة أثناء المرافعة إذا صرحت‬
‫المحكمة بذلك وفي خالل المواعيد التي تتولى المحكمة تحديدها‪.‬‬
‫المادة رقم ‪11‬‬
‫يفرض رسم ثابت على طلبات اإللغاء ووقف التنفيذ قدره عشرة دنانير لكل‬
‫طلب ويتعدد الرسم بتعدد القرارات والطلبات‪.‬‬
‫أما الدعاوى األخرى فتقدر الرسوم المستحقة عليها حسب القواعد المقررة‬
‫لسائر الدعاوى‪.‬‬
‫المادة رقم ‪12‬‬
‫تكون األحكام الصادرة من الدائرة اإلدارية بالمحكمة الكلية قابلة لالستئناف‬
‫إذا كان النزاع غير مقدر القيمة أو كانت قيمته تتجاوز ألف دينار‪ ،‬وفيما عدا ذلك‬
‫يكون الحكم نهائيا‪.‬‬
‫المادة رقم ‪13‬‬
‫ترتب بمحكمة االستئناف العليا غرفة خاصة أو أكثر للنظر فيما يستأنف من‬

‫‪111‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫األحكام الصادرة من الدائرة اإلدارية بالمحكمة الكلية‪.‬‬


‫المادة رقم ‪14‬‬
‫ميعاد استئناف األحكام الصادرة في المسائل السابقة ثالثون يوما من تاريخ‬
‫صدور الحكم‪ .‬ويرفع االستئناف بصحيفة تودع إدارة كتاب محكمة االستئناف‬
‫العليا ويجب أن تشتمل على بيان الحكم المستأنف وتاريخ صدوره وأسباب‬
‫استئنافه وطلبات المستأنف‪.‬‬
‫ويجب أن تكون صحيفة االستئناف موقعة من أحد المحامين أو من أحد‬
‫أعضاء إدارة الفتوى والتشريع إذا كان االستئناف مرفوعا من الحكومة أو إحدى‬
‫المؤسسات العامة وإال كان باطال‪.‬‬
‫وتسلم إدارة الكتاب المستأنف إيصاال يثبت به تاريخ اإليداع‪ ،‬ويجب على‬
‫إدارة الكتاب خالل الثالثة أيام التالية إعالن الخصوم بصحيفة االستئناف على‬
‫أن يكون إعالن الجهات الحكومية والمؤسسات العامة بمقر إدارة الفتوى‬
‫والتشريع‪ .‬ويكون لكل من الخصوم الحق في الرد على ما جاء فيها بمذكرة‬
‫تودع إدارة كتاب المحكمة خالل ثالثين يوما من تاريخ إعالنه باالستئناف‪.‬‬
‫وبمجرد انتهاء هذه المهلة تقوم إدارة الكتاب بتحديد جلسة لنظر االستئناف‬
‫خالل شهرين على األكثر وبإبالغ جميع األط��راف بتاريخ تلك الجلسة قبل‬
‫موعدها بأسبوع على األقل وذلك بموجب كتاب موصى عليه بعلم الوصول‪.‬‬
‫المادة رقم ‪15‬‬
‫فيما عدا ما نص عليه في هذا القانون يسري على الدعاوى المنصوص عليها‬
‫فيه واألحكام الصادرة فيها وطرق الطعن في هذه األحكام القواعد واإلجراءات‬
‫المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية‪.‬‬

‫ استبدلت بالقانون رقم ‪ 61‬لسنة ‪ 1982‬املنشور في جريدة الكويت اليوم العدد ‪ 1449‬السنة التاسعة والعشرون ص‪.1‬‬

‫‪112‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫وتكون لألحكام الصادرة باإللغاء حجية عينية في مواجهة الكافة‪ ،‬وتكون‬


‫صورتها التنفيذية مشمولة بالصيغة اآلتية‪:‬‬
‫على الوزراء ورؤساء المصالح المختصين تنفيذ هذا الحكم وإجراء مقتضاه‪.‬‬
‫أما األحكام األخرى فتذيل صورتها بالصيغة التنفيذية المقررة لسائر األحكام‪.‬‬
‫المادة رقم ‪16‬‬
‫يلغى كل نص يتعارض مع أحكام هذا القانون‪.‬‬
‫المادة رقم ‪17‬‬
‫على رئيس مجلس الوزراء والوزراء ‪ -‬كل فيما يخصه ‪ -‬تنفيذ هذا القانون‬
‫وينشر في الجريدة الرسمية‪ ،‬ويعمل به من أول أكتوبر سنة ‪.1981‬‬
‫أمير الكويت‬
‫جابر األحمد‬
‫رئيس مجلس الوزراء‬
‫سعد العبدالله الصباح‬

‫وزير العدل بالنيابة‬


‫يوسف جاسم الحجي‪.‬‬

‫صدر بقصر السيف في‪:‬‬


‫‪ 12‬ربيع الثاني ‪1401‬هـ‪ ،‬الموافق‪ 17 :‬فبراير ‪1981‬‬

‫‪113‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ملحق رقم (‪)2‬‬


‫حكم المحكمة اإلدارية العليا‬
‫في الطعن رقم ‪ 941‬لسنة ‪ 29‬القضائية‪ ،‬جلسة ‪ 28‬من يناير سنة ‪1986‬‬
‫برئاسة المستشار‪ /‬عبد الفتاح بسيوني‪ .‬نائب رئيس مجلس الدولة‪.‬‬
‫وعضوية السادة المستشارين‪ :‬عبد اللطيف أحمد عطية أبو الخير وشفيق‬
‫محمد سليم مصطفى وف��اروق علي عبد القادر وكمال زكي عبد الرحمن‬
‫اللمعي‪ .‬نواب رئيس المجلس‪.‬‬
‫(أ) دعوى‪ -‬خصومة قضائية‪ -‬تعريف الخصومة القضائية‪ -‬الصفة‪.‬‬
‫الخصومة القضائية هي حالة قانونية تنشأ عن مباشرة الدعوى باإلدعاء لدى‬
‫القضاء‪ -‬حدد القانون إج��راءات التقدم بهذا اإلدعاء الذي ينبني عليه انعقاد‬
‫الخصومة‪ ،‬تنعقد الخصومة باتصال الدعوى بالمحكمة المرفوعة أمامها‬
‫وتكليف المدعي عليه بالمثول أمامها‪ -‬أساس ذلك‪ :‬أن الخصومة القضائية هي‬
‫عالقة بين طرفيها من جهة وبينهما وبين القضاء من جهة أخرى‪ -‬إذا لم تكن‬
‫ثمة دعوة من أحد الطرفين لآلخر إلى التالقي أمام القضاء أو لم يكن ألحد‬
‫الخصمين أو كليهما وجود فال تنشأ الخصومة القضائية وال تنعقد‪ -‬يشترط‬
‫لصحة الدعوى أن تكون موجهة من صاحب الشأن ذاته أو من صاحب الصفة‬
‫في تمثيله أو النائب عنه قانون ًا أو اتفاق ًا‪ -‬ال يجوز للمحكمة أن تتصدى لعالقة‬
‫ذوي الشأن بوكالتهم إال إذا أنكر صاحب الشأن وكالة وكيله‪ -‬تطبيق‪.‬‬
‫(ب) دعوى‪ -‬شطب الدعوى‪.‬‬
‫قضاء مجلس الدولة ال يعرف نظام شطب الدعوى جزاء التخلف المدعي‬
‫عن متابعة دعواه‪ -‬أساس ذلك إن نظام شطب الدعوى ال يتفق وطبيعة التقاضي‬

‫‪114‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫أمام مجلس الدولة‪ -‬تطبيق‪.‬‬


‫إجراءات الطعن‬
‫في يوم السبت الموافق ‪ 26‬من فبراير سنة ‪ 1983‬أودعت هيئة مفوضي‬
‫الدولة قلم كتاب المحكمة اإلدارية العليا تقرير طعن قيد برقم ‪ 941‬لسنة ‪29‬‬
‫قضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية ل��وزارة الصحة واإلسكان‬
‫بجلسة ‪ 1982/12/29‬في الدعوى رقم ‪ 24‬لسنة ‪16‬ق المقامة من زكريا‬
‫شحاته ضد شركة مصر الجديدة لإلسكان والتعمير بصفته والذي تقضي بعدم‬
‫قبول الدعوى شك ً‬
‫ال إلقامتها من غير ذي صفة‪ .‬وطلبت الهيئة الطاعنة لألسباب‬
‫ال وفي الموضوع بإلغاء‬ ‫التي تضمنها تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شك ً‬
‫الحكم المطعون فيه والحكم بقبول الدعوى وإعادتها إلى محكمة أول درجة‬
‫للفصل في موضوعها‪.‬‬
‫وقدم مفوض الدولة لدى المحكمة اإلدارية العليا تقرير ًا برأيه في الطعن‬
‫انتهى فيه لألسباب التي ارتاها إلى تأييد طلبات الهيئة الطاعنة‪ .‬وأعلن تقرير‬
‫الطعن في ‪ .1983/3/29‬وقد نظر الطعن أمام دائ��رة فحص الطعون التي‬
‫ق��ررت بجلسة ‪ 21‬من م��ارس ‪ .1984‬إحالة الطعن إلى المحكمة اإلداري��ة‬
‫العليا «الدائرة الثالثة» لنظر بجلسة ‪ 17‬من أبريل سنة ‪ .1984‬وفيها نظر الطعن‬
‫وتداول بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها وبجلسة ‪ 31‬من ديسمبر سنة‬
‫‪ 1985‬قررت المحكمة إرجاء إصدار الحكم لجلسة اليوم وفيها صدر الحكم‬
‫وأودعت مسودته المشتملة على أسباب عند النطق به‪.‬‬
‫المحكمة‬
‫بعد اإلطالع على األوراق وسماع اإليضاحات والمداولة‬
‫من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية‬

‫‪115‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل في أن السيد‪ /‬زكريا شحاته حامد‬


‫أقام الدعوى رقم ‪ 24‬لسنة ‪ 16‬قضائية أمام المحكمة التأديبية لوزارة الصحة‬
‫واإلسكان ضد شركة مصر الجديدة لإلسكان والتعمير وذلك بصحيفة أودعت‬
‫قلم كتاب تلك المحكمة بتاريخ ‪ 1982/5/2‬وطلب في ختامها الحكم بقبول‬
‫ال وفي الموضوع ببطالن القرار رقم ‪ 400‬لسنة ‪ 1982‬وإلغائه‬ ‫الدعوى شك ً‬
‫وما ترتب عليه من آثار مع إلزام الشركة المدعي عليها بالمصروفات شارح ًا‬
‫لدعواه بأنه يعمل بالشركة المدعي عليها بوظيفة رئيس فنين تعمير بالدرجة‬
‫الثانية وقد صدر القرار رقم ‪ 400‬لسنة ‪ 1982‬بمجازاته بخصم ثالثة أيام من‬
‫راتبه بمقولة أنه خرج على مقتضى الواجب الوظيفي وسلك مسلك ًا ال يتفق‬
‫واالحترام الواجب في أعماله وظيفته بأن وجه بعض االتهامات الجزافية‬
‫إلدارته وتأشر على القرار إلخطاره به في ‪ 1982/4/4‬ونص المدعى على‬
‫هذا القرار مخالفته للقانون لعدم إجراء تحقيق كتابي وشفهي وفق ًا للمادة ‪81‬‬
‫من قانون العاملين بالقطاع رقم ‪ 48‬لسنة ‪ 1978‬وبتاريخ قضت المحكمة‬
‫التأديبية لوزارة الصحة واإلسكان بعدم قبول الدعوى شك ً‬
‫ال إلقامتها من غير ذي‬
‫صفة وأسست قضاءها على أن المدعي لم يمثل أمام المحكمة لمتابعة دعواه‬
‫كما أن المحامي الذي وقع عريضة الدعوى لم يحضر ولم يقدم سند وكالته‬
‫بالرغم من تأجيل نظر الدعوى عدة مرات وتكرار إعالن المدعي للحضور هو‬
‫أو محاميه مع تقدم سند الوكالة األمر الذي تنتفي معه الصفة في المحامي الذي‬
‫ال ألنه يشترط‬‫وقع عريضة الدعوى وتكون الدعوى تبع ًا لذلك غير مقبولة شك ً‬
‫لقبول الدعاوى أن ترفع من صاحب الحق أو ترفع باسمه من وكيل مفوض عنه‬
‫في رفعها فإذا كان موقع العريضة ال يملك الحق المطلوب في الدعوى وال هو‬
‫موكل من صاحب الحق فإن الدعوى تكون مرفوعة من غير صفة مستندة في‬
‫ذلك إلى حكم محكمة القضاء اإلداري في الدعوى رقم ‪ 525‬لسنة ‪2‬ق صادر‬
‫بجلسة ‪.1949/4/26‬‬

‫‪116‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ومن حيث إن مبنى الطعن المقام من الهيئة الطاعنة يقوم على مخالفة الحكم‬
‫المطعون فيه للقانون لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن صفة التقاضي‬
‫في قضاء اإللغاء تندمج في المصلحة فيكفي لقبول طلب اإللغاء توافر شرط‬
‫المصلحة الشخصية المباشرة في هذا اإللغاء مهما كانت صفة رافع الدعوى‬
‫وأن هذه المصلحة تتحقق متى كان المدعي في مركز قانوني خاص مباشر‬
‫بالنسبة للقرار المطعون فيه ما دام قائم ًا ومادام هذا المركز وثيق الصلة بالقرار‬
‫بأن تربط عالقة مباشرة تختلف بحسب نوعه أو موضوعه وأنه ال يجوز بين‬
‫قيام الخصومة متى توافرت أركان وجودها قانون ًا ومنها طرفا النزاع وبين أوجه‬
‫إثبات الوكالة عن الخصوم فيها ويتصل بذلك ما هو مستفاد من أحكام قانون‬
‫مجلس الدولة وقانون المرافعات بشأن تلك الوكالة من أنها أحكام تنظيمية في‬
‫إجراءات التقاضي وأن صفة المدعي كأحد العاملين بالشركة المدعي عليها ثابتة‬
‫ثبوت ًا يقين ًا كما أن مصلحة في إلغاء قرار مجازاته المطعون فيه ثابته بدورها وعليه‬
‫فإنه يكون صاحب صفة ومصلحة شخصية مباشرة كافية لقبول دعواه خالف ًا لما‬
‫ذهب إليه الحكم المطعون فيه‪ ،‬وال يغير من ذلك عدم حضور المدعي أمام‬
‫المحكمة ألنه قضاء ال يعرف نظام شطب الدعوى جزاء تخلف المدعي عن‬
‫متابعة دعواه‪ ،‬كما أن عدم مثول المحامي الذي وقع العريضة وعدم تقديمه سند‬
‫وكالته وليس للقول بانقضاء الصفة في المحامي الذي وقع عريضة الدعوى إذ‬
‫أن الصفة شرط لقبول الدعوى تتعلق بالطاعن رافع الدعوى والتنصرف إلى‬
‫محاميه الذي يظل توقيعه على عريضة الدعوى وثبوت أنه محام مقبول أمام‬
‫المحكمة المقام أمامها الطعن من المسائل المتعلقة بصحة أو بطالن عريضة‬
‫الدعوى وإذ لم ينكر الحكم على المحامي توقيعه كما لم ينكر عليه أمام‬
‫المحكمة فإنه قد قضى بعدم قبول الدعوى إلقامتها من غير ذي صفة يكون قد‬
‫خالف القانون ألن الصفة هي شرط في المدعي ذاته وهي ثابته في حقه‪.‬‬
‫ومن حيث إن الخصومة القضائية إنما هي حالة قانونية تنشأ عن مباشرة‬

‫‪117‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫الدعوى باإلدعاء لدى القضاء أي بااللتجاء إليه بوسيلة الدعوى‪ ،‬وقد حدد‬
‫القانون إجراءات التقدم بهذا االدعاء الذي ينبني عليه انعقاد الخصومة وهي‬
‫التي تقوم على اتصال الدعوى بالمحكمة المرفوعة أمامها الدعوى وتكليف‬
‫المدعي عليه بالمثول أمامها لكونها عالقة بين طرفيها من جهة وعالقة بين هذين‬
‫الطرفين وبين القضاء من جهة أخرى فإذا لم تكن ثمة دعوة من أحد الخصمين‬
‫للخصم اآلخر إلى التالقي أمام القضاء أو لم يكن ألحدهما أو كليهما وجود فال‬
‫تنشأ الخصومة القضائية وال تنعقد‪ .‬ويلزم لصحة الدعوى أن تكون موجهة من‬
‫صاحب الشأن ذاته أو من صاحب الصفة في تمثيله النائب عنه قانون ًا أو اتفاق ًا‪.‬‬
‫ومن المقرر أنه ال يجوز للمحكمة أن تتعدى لعالقة ذوي الشأن بوكالئهم إال‬
‫إذا أنكر صاحب الشأن وكالة وكليه‪ .‬كما أنه من المقرر أيض ًا أن قضاء مجلس‬
‫الدولة ال يعرف نظام شطب الدعوى جزاء التخلف المدعي عن متابعة دعواه‪.‬‬
‫وإذا كان األمر كذلك وكانت األوراق خلت مما يفيد إنكار المدعي تكليف‬
‫األستاذ‪ /‬عبد الفتاح بالل المحامي بتحرير عريضة الدعوى وقيدها بجدول‬
‫المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الصحة واإلسكان فإن الجزاء يعتبر صادر ًا‬
‫ال‪ ،‬وإذ ذهب الحكم‬ ‫من المدعي نفسه وتنعقد به الخصومة انعقاد ًا صحيحا مقبو ً‬
‫المطعون فيه غير هذا المذهب مفترض ًا دون سند عدم وكالة المحامي للمدعي‬
‫لتخلفه عن إجراء غير الزم وهو تقديم سند وكالته فإنه يكون قد خالف القانون‬
‫متعينا لذلك الحكم بإلغائه وال ينال مما تقدم عدم مثول المدعي أو محاميه أمام‬
‫المحكمة حيث ال يحول ذلك في النظام القضائي لمجلس الدولة دون الفصل‬
‫في الدعوى وهو النظام الذي تتأبي طبيعته ونظام شطب الدعوى المعمول به‬
‫أمام القضاء العادي كجزاء لعدم حضور الخصوم‪.‬‬
‫فلهذه األسباب‬
‫ال وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون‬‫حكمت المحكمة بقبول الطعن شك ً‬
‫فيه وبقبول الدعوى شك ً‬
‫ال وبإعادتها إلى المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة‬
‫الصحة واإلسكان للفصل في موضوعها‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ملحق رقم (‪)3‬‬


‫حكم المحكمة اإلدارية العليا‬
‫في الطعون الرقمية ‪ 1827 ،1826 ،1825 ،1824 ،1822‬لسنة ‪30‬‬
‫القضائية‪ ،‬بجلسة ‪ 31‬من يناير سنة ‪1987‬‬
‫برئاسة السيد المستشار الدكتور‪ /‬أحمد يسري عبده‪ .‬رئيس مجلس الدولة‪.‬‬
‫وعضوية السادة المستشارين‪ :‬محمد المهدي مليجي ومحمد أمين العباسي‬
‫المهدي وفاروق عبدالرحيم غنيم والسيد السيد عمر‪ .‬نواب رئيس المجلس‪.‬‬
‫(أ) المحكمة اإلدارية العليا ‪ -‬الطعن على األحكام أمامها ‪ -‬شرط المصلحة‬
‫في الطعن‪:‬‬
‫األصل هو عدم جواز الطعن في األحكام إال من المحكوم عليه باعتباره‬
‫صاحب المصلحة في الطعن ‪ -‬يكفي لقبول الطعن في قضاء اإللغاء أن تتحقق‬
‫المصلحة المعتبرة قانون ًا في الطاعن لذوي الشأن ولرئيس هيئة مفوضي الدولة‬
‫الطعن في األحكام الصادرة من محكمة القضاء اإلداري ‪ -‬توافر شرط المصلحة‬
‫لمن اختصم أمام محكمة القضاء اإلداري ولو لم يبد دفاع ًا في موضوع الدعوى‬
‫‪ -‬أساس ذلك‪ - :‬أن مدار الطعن أمام المحكمة اإلدارية العليا هو أمر مشروعية‬
‫القرار المطعون فيه الذي يجوز عرضه عليها من أي ذوي الشأن ‪ -‬تطبيق‪.‬‬
‫(ب) تنظيم المباني ‪ -‬تعديل خط التنظيم ‪ -‬الجهة المختصة به‪.‬‬
‫يكون تعديل خطوط التنظيم بقرار من المحافظ بعد موافقة المجلس الشعبي‬
‫المحلي للمحافظة ‪ -‬صدور القرار من المحافظ مباشرة بغير موافقة المجلس‬
‫الشعبي المحلي للمحافظة يجعله معيب ًا بعيب جسيم ينحدر به إلى درجة‬
‫االنعدام ‪ -‬أساس ذلك‪ :‬تخلف ركن جوهري ال يقوم القرار بدونه وهو موافقة‬
‫المجلس الشعبي المحلي للمحافظة ‪ -‬تطبيق‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫إجراءات الطعن‪:‬‬
‫في يوم االثنين الموافق ‪ 7‬من مايو سنة ‪ 1984‬أودعت إدارة قضايا الحكومة‬
‫(هيئة قضايا الدولة) نيابة عن السيدين‪ /‬محافظ اإلسكندرية ورئيس حي شرق‬
‫اإلسكندرية قلم كتاب هذه المحكمة تقارير بالطعن قيدت بالجدول تحت أرقام‬
‫‪ 1822‬و‪ 1824‬و‪ 1825‬و‪ 1827‬لسنة ‪ 30‬القضائية في األحكام الصادرة من‬
‫محكمة القضاء اإلداري باإلسكندرية ‪ 8‬من مارس سنة ‪ 1984‬في الدعاوى‬
‫أرقام ‪ 231‬و‪ 232‬و‪ 234‬و‪ 235‬و‪ 236‬لسنة ‪ 34‬القضائية على التوالي التي‬
‫قضت في كل من الدعاوى بقبولها شك ً‬
‫ال ويرفضها موضوع ًا مع إلزام المدعى‬
‫بالمصروفات‪.‬‬
‫وطلب الطاعنان‪ ،‬لألسباب المبينة بتقارير الطعون قبول الطعن شك ً‬
‫ال وفي‬
‫الموضوع بإلغاء األحكام المطعون فيها وبإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام‬
‫جمعية النصر الجديدة لبناء المساكن بالمصروفات‪.‬‬
‫وقدمت هيئة مفوضي الدولة في كل من الطعون المشار إليها تقرير ًا بالرأي‬
‫القانوني مسبب ًا ارتأت فيه عدم قبول الطعن وإلزام الطاعنين بالمصروفات‪.‬‬
‫وبعد إعالن الطعون تحدد لنظر الطعنين رقمي ‪ 1822‬لسنة ‪ 30‬القضائية‬
‫و‪ 1827‬لسنة ‪ 30‬القضائية أما دائرة فحص الطعون جلسة ‪ 19‬من مايو سنة‬
‫‪ 1986‬فقررت حجزهما للحكم بجلسة ‪ 16‬من يونيو سنة ‪ 1986‬وبها قررت‬
‫إحالة الطعنين للمحكمة اإلدارية العليا (دائرة منازعات األفراد والهيئات لنظر‬
‫الطعون رقم ‪ 1824‬لسنة ‪ 30‬القضائية أمام دائرة فحص الطعون جلسة ‪ 7‬من‬
‫أبريل سنة ‪ 1986‬وت��داول نظره بالجلسات على النحو المبين بالمحاضر‪،‬‬
‫وبجلسة ‪ 5‬من يناير سنة ‪ 1987‬قررت إحالته إلى المحكمة اإلداري��ة العليا‬
‫(دائرة منازعات األفراد والهيئات والعقود اإلداري��ة والتعويضات) وحددت‬
‫لنظره جلسة ‪ 17‬من يناير ‪ ،1987‬وبهذه الجلسة نظرت المحكمة الطعون على‬

‫‪120‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫النحو المبين تفصي ً‬


‫ال بالمحاضر‪ .‬ثم قررت بذات الجلسة ضم الطعون أرقام‬
‫‪ 1824‬و‪ 1825‬و‪ 1826‬لسنة ‪ 30‬القضائية إلى الطعنين رقم ‪ 1823‬و‪1827‬‬
‫لسنة ‪ 30‬القضائية الذين سبق أن قررت ضمهمها بجلسة ‪ 28‬من يونيو سنة‬
‫‪ 1986‬ليصدر فيهما جميع ًا حكم واحد وقررت إصدار الحكم بجلسة ‪ 31‬من‬
‫يناير سنة ‪ 1987‬وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على‬
‫أسبابه عند النطلق به‪.‬‬
‫المحكمة‬
‫بعد االطالع على األوراق وسماع اإليضاحات وبعد المداولة قانون ًا‪.‬‬
‫من حيث إن الطعون أقيمت في المواعيد المنصوص عليها بقانون مجلس‬
‫الدولة واستوفت إجراءاتها المقررة‪.‬‬
‫ومن حيث إنه ولذن كان األصل أنه ال يجوز الطعن في األحكام إال من‬
‫المحكوم عليه على ماهو منصوص عليه بالمادة ‪ 211‬من قانون المرافعات‬
‫بحسبان أن المحكوم عليه هو صاحب المصلحة في الطعن‪ ،‬إال أنه يكفي لقبول‬
‫الطعن في قضاء اإللغاء أن تتحقق المصلحة المقررة قانون ًا في الطاعن‪ ،‬وقد‬
‫نصت المادة ‪ 23‬من قانون مجلس الدولة على أن يكون لذوي الشأن ولرئيس‬
‫هيئة مفوضي الدولة الطعن في األحكام الصادرة من محكمة القضاء اإلداري‪،‬‬
‫فإذا كانت الطعون الماثلة مقامة من الطاعنين بصفتهما ممثلين للجهة اإلدارية‬
‫وكانا قد اختصما بهذه الصفة أمام محكمة القضاء اإلداري باإلسكندرية‪ ،‬إال‬
‫أنهما لم يبديا دفاع ًا في شأن موضوع تلك الدعاوى‪ ،‬وقد تأكد بتقارير الطعون‬
‫أن القرار المطعون فيه هو قرار تنظيمي عام مشوب بعيب ينحدر به إلى درجة‬
‫االنعدام‪ ،‬فعلى ذلك ال يصح القول بعدم قبول الطعون النتفاء المصلحة‪ ،‬ذلك‬
‫أن قيام األحكام المطعون فيها بما تثبت لها من حجية في مواجهة الخصوم‬
‫في الدعوى ومنهم الطاعنان مفادها صحة القرار المطعون فيه ومشروعيته في‬

‫‪121‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫حين يؤكد الطاعنان انعدام هذا القرار مما تتحقق معه المصلحة المتغيرة قانون ًا‬
‫لقبول الطعون المقدمة منهما‪ ،‬ويتعين الحكم بقولها خاصة وأن مدار الطعن‬
‫أمام المحكمة اإلدارية العليا على ما جرى عليه قضاؤها هو أمر مشروعية القرار‬
‫المطعون فيه الذي يجوز عرضه عليها من أي من ذوي الشأن‪.‬‬
‫ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل في أن المدعين بالدعاوى أرقام‬
‫‪ 231‬و‪ 232‬و‪ 234‬و‪ 235‬و‪ 236‬لسنة ‪ 34‬القضائية كانوا قد أقاموا الدعاوى‬
‫المذكورة أمام محكمة القضاء اإلداري باإلسكندرية بطلب الحكم بوقف تنفيذ‬
‫وإلغاء القرار الصادر من المجلس التنفيذي للمحافظة بجلسة ‪79/11/20‬‬
‫بتعديل جزء من شارع ابن سعد بجعله بعرض ‪ 30‬متر ًا بد ً‬
‫ال من ‪ 45‬متر ًا في‬
‫القطعة األول��ى من الجهة الشرقية عند التقائه بطريق الجيش (الكورنيش)‬
‫مؤسسين الدعاوى على أن القرار المطعون فيه يخالف حكم المادة (‪ )13‬من‬
‫القانون رقم ‪ 106‬لسنة ‪ 1976‬في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء ‪ -‬وبجلسة‬
‫ال وبرفضها‬ ‫‪ 8‬من مارس سنة ‪ 1984‬حكمت المحكمة بقبول الدعاوى شك ً‬
‫موضوع ًا وأسست قضاءها على أن المجلس التنفيذي لمحافظة اإلسكندرية كان‬
‫قد أصر قرار ًا بجلسته المنعقدة بتاريخ ‪ 1979/11/20‬بالموافقة على تعديل‬
‫جزء من خط تنظيم طريق ابن سعد عن تقابله مع طريق الجيش بعرض ‪30‬‬
‫ال من ‪ 45‬متر ًا وأن محافظ اإلسكندرية أصدر قرار ًا في ‪1979/12/27‬‬ ‫متر ًا بد ً‬
‫باعتماد ما قرره المجلس التنفيذي‪ ،‬وإذ كان المحافظ هو الجهة المختصة قانونا‬
‫بإصدار القرار باعتماد خطوط التنظيم فال يكون ثمة أساس للنعي على القرار‬
‫المطعون فيه‪.‬‬
‫ومن حيث إن مبنى الطعون أن األحكام المطعون فيها قد خالفت القانون‬
‫وأخطأت في تطبيقه وتأويله ذلك أن االختصاص المنظم بالقانون رقم ‪106‬‬
‫لسنة ‪ 1976‬العتماد خطوط التنظيم منوط بقرار يصدر من المحافظ بعد موافقة‬
‫المجلس الشعبي المحلي‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ومن حيث إنه وإن كان المدعون طالبوا الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء الصادر‬
‫من المجلس التنفيذي لمحافظة اإلسكندرية بتاريخ ‪ 1979/11/20‬إال أنه إذ‬
‫كان الثابت أن محافظ اإلسكندرية قد أصدر قرار ًا في ‪ 1976/12/27‬بتعديل‬
‫خطوط التنظيم استناد ًا إلى ما قرره المجلس التنفيذي جلسة ‪،1979/11/20‬‬
‫فإن طعن المدعين يكون منصرف ًا في حقيقة التكييف القانوني الصحيح للقرار‬
‫الصادر من المحافظ باعتبار أن القرار الصادر من المجلس التنفيذي ليس هو‬
‫القرار اإلداري النهائي الذي يجوز المطعون عليه بطلب إلغائه‪ ،‬وأنهم إنما‬
‫يهدفون إلى إلغاء القرار الصادر بتعديل خطوط التنظيم لشارع ابن سعد‪.‬‬
‫ومن حيث إن المادة (‪ )13‬من القانون رقم ‪ 106‬لسنة ‪ 1976‬تنص على أن‬
‫«يصدر باعتماد خطوط التنظيم للشوارع قرار من المحافظ به موافقة المجلس‬
‫المحلي المختص» وتنص المادة الثامنة من مواد إصدار قانون نظام الحكم‬
‫المحلي على أن يستبدل بعبارتي «المجلس المحلي» و«المجالس المحلية»‬
‫فإن االختصاص بتعديل خطوط التنظيم يكون م��رده لقرار يصدر في هذا‬
‫الشأن من المحافظ بعد موافقة المجلس المحلي لمحافظة اإلسكندرية‪ .‬فإذا‬
‫كان ذلك وكانت األوراق خلوا مما يفيد موافقة المجلس الشعبي المحلي‬
‫لمحافظة اإلسكندرية على تعديل خطوط التنظيم المعتمدة فإن القرار الصادر‬
‫من المحافظ بتاريخ ‪ 1979/12/27‬يكون قد تخلف في شأنه ركن جوهري‬
‫ال قيام له بدونه وهو موافقة المجلس الشعبي المحلي لمحافظة اإلسكندرية‬
‫فإنه يكون معيب ًا بعيب جسيم ينحدر به إلى درجة االنعدام‪ .‬وإذا ذهبت األحكام‬
‫المطعون فيها غير هذا المذهب فيتعين إلغاؤها والحكم بإلغاء القرار الصادر‬
‫من محافظ اإلسكندرية بتاريخ ‪ 1979/12/27‬بتعديل خطوط التنظيم بشارع‬
‫ابن سعد مع إلزام الجهة اإلدارية بالمصروفات‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫فلهذه األسباب‬
‫ال‪ ،‬وفي الموضوع بإلغاء األحكام‬‫حكمت المحكمة بقبول الطعون شك ً‬
‫المطعون فيها وبقبول الدعاوى شك ً‬
‫ال وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من‬
‫محافظ اإلسكندرية بتاريخ ‪ 1979/12/27‬بتعديل خطوط تنظيم شارع ابن‬
‫سعد وألزمت الجهة اإلدارية بالمصروفات‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ملحق رقم (‪)4‬‬


‫حكم المحكمة اإلدارية العليا‬
‫في الطعن رقم ‪ 1665‬لسنة ‪ 28‬القضائية‪ ،‬بجلسة ‪ 11‬من فبراير سنة ‪1989‬‬
‫برئاسة السيد المستشار‪ /‬محمد أنور محفوظ‪ .‬رئيس مجلس الدولة‬
‫وعضوية السادة المستشارين‪ :‬عبد الفتاح السيد بسيوني ومحمد أمين‬
‫المهدي وسعد الله محمد حنتيرة‪ .‬نواب رئيس المجلس‪.‬‬
‫دعوى اإللغاء ‪ -‬شرط المصلحة‬
‫وضع المشرع قاعدة تقضي بأنه ال تقبل الطلبات المقدمة من أشخاص ليست‬
‫لهم فيها مصلحة شخصية ‪ -‬يتعين توافر شرط المصلحة ابتداء واستمراره حتى‬
‫صدور حكم نهائي‪ -‬لفظ الطلبات‪ ،‬الوارد بنص المادة (‪ )12‬من قانون مجلس‬
‫الدولة يشمل الدعاوى كما يشمل الطعون المقدمة عن األحكام باعتبار أن‬
‫الطعن هو استمرار إلج��راءات الخصومة بين األطراف ذوي الشأن‪ -‬أساس‬
‫ذلك‪ :‬أن الطعن أماما المحكمة اإلدارية العليا يعيد طرح النزاع برمته‪ -‬شك ً‬
‫ال‬
‫وموضوع ًا أم��ام تلك المحكمة لتنزل فيه صحيح حكم القانون‪ -‬للقاضي‬
‫اإلداري هيمنة كاملة على إج��راءات الخصومة اإلداري��ة فهو يملك توجيهها‬
‫وتقصي شروط قبولها واستمرارها دون أن يترك ذلك إلرادة الخصوم في‬
‫الدعوى‪ -‬على القاضي أن يتحقق من توافر شرط المصلحة وصفة الخصوم‬
‫واألسباب التي بنى عليها الطلبات ومدى جدوى االستمرار في الخصومة في‬
‫ضوء تغير المراكز القانونية ألطرافها حتى ال يشغل القضاء اإلداري بخصومات‬
‫ال جدوى من ورائها‪ -‬تطبيق(‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬سير ًا على ذلك املبدأ قضت احملكمة اإلدارية العليا في الطعن رقم ‪ 1599‬لسنة ‪ 31‬القضائية باجللسة املشار إليها‪ ،‬فإن على‬
‫القاضي اإلداري التحقق من توافر شروط الطلبات واخلصومة فيها سواء فيما يتعلق باخلصوم وصفاتهم أو احملل وأركانه أو‬
‫السبب القانوني كمصدر للحق والدعوى واملواعيد التي يجب مراعاتها وتدير النتائج التي ميكن حتقيقها عند إصرار األطراف‬
‫على املضي في اخلصومة باعتبار أن اخلصومة اإلدارية ليست ملك ًا خالص ًا لألطراف‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫إجراءات الطعن‬
‫في يوم الخميس ‪ 1982/8/19‬أودع األستاذ‪............../‬المستشار‬
‫بهيئة قضايا الدولة قلم كتاب هذه المحكمة تقرير الطعن رقم ‪ 1665‬لسنة ‪28‬ق‬
‫نيابة عن المدعى عليهم المذكورين ضد‪ .......‬في الحكم الصادر من محكمة‬
‫القضاء اإلداري (هيئة العقود اإلدارية والتعويضات) بجلسة ‪ 1982/7/4‬في‬
‫الدعوى رقم ‪ 1138‬لسنة ‪34‬ق والقاضي بانقضاء عقد اإليجار موضوع الدعوى‬
‫وبإلزام محافظة الفيوم بصفته بإخالء قطعة األرض المؤجرة بمقتضاه وتسليمها‬
‫للمدعي وإلزام الجهة اإلدارية بالمصروفات‪ ،‬وطلب الطاعن لألسباب المبينة‬
‫ال وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض‬ ‫بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شك ً‬
‫الدعوى مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات عن درجتي التقاضي وأعلن الطعن‬
‫ال وفي‬‫قانون ًا‪ ،‬وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقرير ًا مسبب ًا فيه قبول الطعن شك ً‬
‫الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم اختصاص محكمة القضاء‬
‫اإلداري والئي ًا بنظر الدعوى وإل��زام المطعون ضده بالمصروفات‪ ،‬وعرض‬
‫الطعن على دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة بجلسةج ‪1987/12/21‬‬
‫وتداولته بالجلسات كالثابت بالمحاضر حتى قررت بجلسة ‪1988/12/5‬‬
‫إحالة الطعن إلى المحكمة اإلدارية العليا (دائرة منازعات األفراد والهيئات‬
‫والتعويضات) لنظره بجلسة ‪ 1988/12/24‬فنظرته المحكمة في هذه‬
‫الجلسة ثم نظرته مع الطعن رقم ‪ 1599‬لسنة ‪ 31‬ق بين ذات الطرفين وبعد أن‬
‫سمعت ما رأت لزومه من إيضاحات كالثابت بالمحاضر قررت بجلسة ‪ 7‬يناير‬
‫سنة ‪ 1989‬إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة‬
‫على أسبابه عند النطق به‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫المحكمة‬
‫بعد االطالع على األوراق وسماع اإليضاحات وبعد المداولة‬
‫وحيث إن الطعن أقيم خالل الستين يوم ًا التالية ليوم صدور الحكم المطعون‬
‫فيه واستوفى أوضاعه القانونية األخرى فيكون مقبو ً‬
‫ال شك ً‬
‫ال‪.‬‬
‫ومن حيث إن وقائع المنازعة تتحصل‪ -‬حسبما ذكر في األوراق‪ -‬في أنه‬
‫بتاريخ ‪ 1979/11/14‬أقام المدعي‪ .........../‬دعواه برقم ‪ 1669‬لسنة‬
‫‪ 1979‬مدني أمام محكمة الفيوم االبتدائية بطلب الحكم بانتهاء عقد االيجار‬
‫المبرم بينه وبين مديرية التربية والتعليم بالفيوم بتاريخ ‪ 1976/5/1‬مع إخالء‬
‫األرض محل العقد وتسليمها له خالية بما عليها‪ ،‬وأوضح المدعي أنه أجر‬
‫مساحة ‪ 252‬متر ًا مربع ًا بناحية الحادقة بندر الفيوم لمديرية التربية والتعليم‬
‫بأجرة شهرية قدرها ‪ 160‬قرش ًا ونص العقد على أن اإليجار لمدة شهر‪ ،‬كما‬
‫نصت المادة الخامسة من ذات العقد على أنه إذا رغب المؤجر في إخالء العين‬
‫المؤجرة فعليه أن يعلن المديرية بذلك قبل نهاية العقد بثالثة أشهر على األقل‬
‫وال تلتزم المديرية مع ذلك باإلخالء إال إذا وجدت المديرية عين ًا أخرى بشرط‬
‫أن مدة اإلمهال ال تتجاوز ستة أشهر من تاريخ نهاية مدة اإليجار وإذا لم يكن‬
‫المؤجر المديرية بطلب اإلخالء قبل نهاية هذه المدة بثالثة شهور فتعتبر أنها‬
‫تجددت عن مدة أخرى بهذه الشروط نفسها وقام المدعي بإنذار المديرية في‬
‫‪ 1979/5/3‬بإنهاء العقد اعتبار من سبتمبر سنة ‪ 1979‬وإخالء قطعة األرض‬
‫وتسليمها له بحسبان أنها ال تخضع لقانون إيجار األماكن ولو كانت مسورة‬
‫وردت جهة اإلدارة بأن األرض مسورة وتستعمل كفناء لمدرسة إعدادية وتخضع‬
‫للقانون رقم ‪ 49‬لسنة ‪ 1977‬بإيجار األماكن وبجلسة ‪ 1980/2/7‬حكمت‬
‫المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى النتفاء واليتها وبإحالتها بحالتها‬
‫لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري وذلك استناد ًا إلى أن عقد اإليجار تضمن‬

‫‪127‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫في البندين التاسع والحادي عشر شروط ًا غير مألوفة في القانون الخاص كما‬
‫أن مفهوم المخالفة بالنسبة لما تضمنه البند السابع أن باقي بنود العقد يحكمها‬
‫القانون العام عدا البند السابع فهو خاضع ألحكام القانون الخاص وهو القانون‬
‫المدني وقيدت الدعوى لدى محكمة القضاء اإلداري برقم ‪ 1138‬لسنة ‪ 34‬ق‬
‫وقضت بجلسة ‪ 1982/7/4‬بإنقضاء عقد اإليجار موضوع الدعوى وبإلزام‬
‫محافظ الفيوم بصفته بإخالء األرض المؤجرة وتسليمها للمدعي‪ ،‬وأقامت‬
‫قضاءها على أن االختصاص معقود لها وفق ًا لحكم اإلحالة تطبيق ًا للمادة ‪110‬‬
‫من قانون المرافعات وأنه ال يسري على األرض الفضاء أحكام القانون رقم ‪49‬‬
‫لسنة ‪ 1977‬في شأن تأجير وبيع األماكن وتنظيم العالقة بين المالك والمستأجر‬
‫وال ينطبق بشأنها االمتداد الحكمي لعقود اإليجار كحماية للمستأجر من‬
‫اإلخ�لاء بسبب انتهاء مدة العقد وإنما تخضع لقواعد اإليجار ال��واردة في‬
‫القانون المدني وبمقتضاها يحق للمؤجر إنهاء عقد اإليجار بانتهاء مدته ويلتزم‬
‫المستأجر بإخالء العين وتسليمها للمالك بانتهاء المدة طالما روعيت مواعيد‬
‫التنبيه باإلخالء وأن تسوير األرض اليقضي عنها أنها أرض الفضاء وال يحولها‬
‫إلى عقار بمبنى وهذا يؤكده المرسوم بقانون رقم ‪ 15١‬لسن ‪ 1947‬بتسوير‬
‫األراضي الفضاء وإن الثابت أن المدعي عنه نبه على جهة اإلدارة في الموعد‬
‫القانوني بإنهاء العين المستأجرة وتسليمها إليه‪.‬‬
‫ومن حيث إن الطعن الماثل يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف‬
‫الصواب وخالف القانون‪ ،‬وذلك ألن عقد اإليجار محل الخالف يتعلق بأرض‬
‫مسورة مما يخرجها من تعريف األرض الفضاء باإلضافة إلى أن طرفي العقد‬
‫يعلمان مقدم ًا أن الغرض من التأجير هو استغالل األرض محل النزاع فناء‬
‫ال للمدرسة ولم يعد أرض فضاء‬ ‫للمدرسة وبالتالي أصبح هذا الفناء مكم ً‬
‫ويخضع لقواعد االمتداد المنصوص عليها في قانون اإليجارات‪.‬‬
‫ومن حيث إن المادة ‪ 12‬من قانون مجلس الدولة رقم ‪ 47‬لسنة ‪1972‬‬

‫‪128‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫تنص على أنه ال تقبل الطلبات المقدمة من أشخاص ليست لهم فيها مصلحة‬
‫شخصية وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن شرط المصلحة في الدعوى‬
‫يتعين توافره ابتداء كما يتعين استمرار قيامه حتى صدور حكم نهائي وأن لفظ‬
‫«الطلبات» كما تشمل الدعاوي تشمل أيض ًا الطعون المقامة عن األحكام باعتبار‬
‫إن الطعن هو استمرار إلجراءات الخصومة بين األطراف ذوي الشأن وأن الطعن‬
‫أمام المحكمة اإلدارية العليا يعيد طرح النزاع برمته شك ً‬
‫ال وموضوع ًا أمام تلك‬
‫المحكمة لتنزل فيه صحيح حكم القانون وبما للقاضي اإلداري من هيمنة‬
‫إيجابية كاملة على إجراءات الخصومة اإلدارية فإنه يملك توجيهها وتقصي‬
‫شروط قبولها واستمرارها دون أن يترك ذلك إلرادة الخصوم في الدعوى ومن‬
‫بين ذلك فعليه التحقيق في توافر شرط المصلحة وصفة الخصوم واألسباب‬
‫التي بني عليها الطلبات ومدى جدوى االستمرار في الخصومة في ضوء تغير‬
‫المراكز القانونية حتى ال يشغل القضاء اإلداري بخصومات ال جدوى من‬
‫وارئها‪.‬‬
‫ومن حيث إن الطعن المائل يتعلق بالمطالبة بحق لجهة اإلدارة في شغل‬
‫العين المستأجرة مصدره العقد المبرم بين مديرية التربية والتعليم بمحافظة‬
‫الفيوم «كمستأجرة» وبين ‪« ...........‬كمؤجر» اعتبار ًا من ‪ 1976/5/1‬وأن‬
‫هذا العقد حكمت محكمة القضاء اإلداري بجلسة ‪ 1982/7/4‬بانقضائه‬
‫وإلزام محافظة الفيوم بإخالء قطعة األرض المؤجرة بمقتضاه وتسليمها للمدعي‬
‫«المؤجر» وأن الثابت من األوراق أن جهة اإلدارة تقاعست عن تنفيذ هذا الحكم‬
‫ال حتى تحرر محضر ًا بالتنفيذ والتسليم بتاريخ ‪ 1984/3/7‬مما يفيد إخالء‬‫فع ً‬
‫العين قانون ًا إال أنها استمرت شاغلة لها استناد ًا إلى صدور قرار من رئيس‬
‫مجلس الوزراء بناء على طلب محافظ الفيوم برقم ‪ 223‬بتاريخ ‪1984/3/3‬‬
‫باالستيالء بطريق اإليجار لمدة ثالث سنوات على قطعة األرض سالفة الذكر‬
‫والمستغلة كفناء لمدرسة الثورة اإلعدادية بحي الحادقة بمدينة الفيوم ومن ثم‬

‫‪129‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫فإن جهة اإلدارة المختصة «محافظة الفيوم» تكون قد سعت بإرادة منفردة وبما‬
‫لها من اختصاصات في تسيير مرفق التعليم إلى تغيير السبب القانوني كمصدر‬
‫لحقها من شغل تلك األرض اعتبار ًا من ‪ 1984/3/3‬وذلك باستمداد حقها‬
‫من القانون رقم ‪ 521‬لسنة ‪ 1955‬بشأن االستيالء على العقارات الالزمة لوزارة‬
‫التربية والتعليم وإحالل نظام قانوني آخر محل النظام التعاقدي الذي انتهى أثره‬
‫اعتبار ًا من تاريخ العمل بالقرار المذكور وباعتبار أن النظام األول يقوم على‬
‫االتفاق والتراضي بين طرفي العالقة اإليجارية في حين أن النظام الثاني هو‬
‫داخل في القانون العام وما يخوله لإلدارة من اختصاصات ومكنات في تسيير‬
‫المرافق العامة وتعلو فيه المصلحة العامة على المصالح الخاصة باألفراد ومن‬
‫ثم تكون المصلحة القانونية لجهة اإلدارة في شغل العين والمستمدة من العقد‬
‫قد انتهت أثناء نظر العين الماثل مما يتعين معه الحكم بانتهاء الخصومة فيه‬
‫مع إلزام محافظ الفيوم بالمصروفات عن درجتي التقاضي عم ً‬
‫ال بالمادة ‪184‬‬
‫مرافعات‪.‬‬

‫فلهذه األسباب‬
‫حكمت المحكمة بانتهاء الخصومة في الطعن‪ ،‬وبإلزام محافظ الفيوم‬
‫بالمصروفات عن درجتي التقاضي‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ملحق رقم (‪)5‬‬


‫حكم المحكمة اإلدارية العليا‬
‫في الطعن رقم ‪ 397‬لسنة ‪ 33‬القضائية‪ ،‬بجلسة ‪ 25‬من مارس سنة ‪1989‬‬
‫برئاسة السيد األستاذ المستشار‪ /‬محمد أنور محفوظ‪ .‬رئيس مجلس الدولة‬
‫وعضوية السادة المستشارين‪ /‬محمد المهدي مليحي وصالح عبدالفتاح‬
‫وسعدالله محمد حنتيره والسيد عبدالوهاب أحمد‪ .‬نواب رئيس المجلس‪.‬‬
‫دعوى ‪ -‬المحكمة اإلدارية العليا ‪ -‬حدود سلطة المحكمة بالنسبة لألحكام‬
‫المرتبطة‪.‬‬
‫الطعن في الحكم أمام المحكمة اإلدارية العليا خالل الميعاد المقرر يحرك‬
‫بالضرورة الطعن في أي حكم مرتبط به ارتباط ًا وثيق ًا ولو لم يطعن فيه خالل‬
‫هذا الميعاد حتى تسلط المحكمة رقابتها على الحكمين معا لبيان وجه الحق‬
‫فيهما وتوحيد كلمة القانون بينهما ووضعا لألمور في نصابها وتحقيقها للعدالة‬
‫ون��زوال على سيادة القانون العام ‪ -‬ال وجه للتحدي أمام المحكمة بحجية‬
‫الحكم النهائي الذي لم يطعن فيه خالل الميعاد القانوني حتى ال تغل يدها عن‬
‫إعمال واليتها في التعقيب بحرية على الحكم المطعون فيه أمامها وحتى ال علو‬
‫الحكم الذي لم يطعن فيه وهو صادر من محكمة أدنى على حكم المحكمة‬
‫اإلدارية العليا وهي خاتمة المطاف في نظام التدرج القضائي بمجلس الدولة‬
‫لمجرد أن الحكم األول لم يطعن فيه إذ ال يتصور اختالف الحكم القانوني في‬
‫مسألة قانونية واحدة بحكمين قضائيين طعن في أحدهما ولم يطعن في اآلخر‬
‫خالل الميعاد القانوني ‪ -‬تطبيق‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫إجراءات الطعن‬
‫في يوم االثنين الموافق ‪ 29‬من ديسمبر ‪ 1986‬أودعت هيئة قضايا الدولة‬
‫نيابة عن السيد وزير األوقاف والسيد محافظ كفر الشيخ بصفتها‪ ،‬قلم كتاب‬
‫المحكمة اإلدارية العليا‪ ،‬تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم ‪ 397‬لسنة ‪33‬‬
‫القضائية‪ ،‬ضد السيد‪ .... /‬في الحكم الصادر من محكمة القضاء اإلداري (دائرة‬
‫منازعات األفراد والهيئات) بجلسة ‪ 25‬من نوفمبر سنة ‪ 1976‬في الدعوى رقم‬
‫‪ 2678‬لسنة ‪ 37‬القضائية المقامة من المطعون ضده على الطاعنين بصفتها‪،‬‬
‫والقاضي بقبول الدعوى شكال وفي الموضوع بإلغاء قرار السيد وزير األوقاف‬
‫رقم ‪ 133‬لسنة ‪ 1981‬وما يترتب على ذلك من آثار وبإلزام الجهة اإلدارية‬
‫بالمصروفات‪ ،‬وطلب الطاعنان لألسباب المبينة في تقرير الطعن الحكم أو ً‬
‫ال‬
‫بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطون فيه‪ ،‬وثاني ًا بقبول الطعن شك ً‬
‫ال‬
‫وفي الموضوع بإلغاء هذا الحكم وبرفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده‬
‫بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي‪.‬‬
‫وأعلن تقرير الطعن على النحو الثابت ب��األوراق‪ ،‬وقدمت هيئة مفوضي‬
‫الدولة تقرير ًامسبب ًا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن‬
‫ال وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع إلزام‬ ‫شك ً‬
‫المطعون ضده بالمصروفات‪.‬‬
‫وعينت جلسة ‪ 15‬فبراير سنة ‪ 1988‬لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون‬
‫بهذه المحكمة‪ ،‬وجرى تداوله بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر حتى‬
‫قررت الدائرة بجلسة ‪ 2‬من مايو سنة ‪ 1988‬إحالته إلى المحكمة اإلدارية العليا‬
‫(دائرة منازعات األفراد والهيئات والتعويضات) وحددت لنظره جلسة ‪28‬‬
‫من مايو سنة ‪ 1988‬وتم تداوله بالجلسات أمام المحكمة على الوجه المبين‬
‫بالمحاضر حيث قررت المحكمة الجلسة ‪ 10‬من ديسمبر سنة ‪ 1988‬ضم‬

‫‪132‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫الدعوى رقم ‪ 2689‬لسنة ‪ 37‬القضائية المقامة من السيد‪ ........... /‬ضد‬


‫السادة محافظ كفر الشيخ ووزير األوقاف ومدير أوقاف كفر الشيخ ورئيس‬
‫هيئة األوق��اف بصفاتهم والصادر فيها حكم محكمة القضاء اإلداري (دائرة‬
‫ال وبرفضها موضوعا‬ ‫التسويات أ) في جلسة ‪ 11‬من نوفمبر ‪ 1985‬بقبولها شك ً‬
‫وبإلزام المدعي بالمصروفات‪ ،‬كما كلفت المحكمة في ذات الجلسة قلم‬
‫الكتاب بإعالن طرفي الدعوى المضمومة بقرار الضم وبتقرير الطعن‪ ،‬وحضر‬
‫الطرفان جلسة ‪ 4‬من فبراير سنة ‪ 1989‬واستمعت المحكمة إلى ما رأت لزومه‬
‫من إيضاحات وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته‬
‫المشتملة على أسبابه عند النطق به‪.‬‬

‫المحكمة‬
‫بعد االطالع على األوراق وسماع اإليضاحات وبعد المداولة‪.‬‬
‫ومن حيث إن الطعن رفع خالل الميعاد القانوني مستوفي ًا أوضاعه فمن ثم‬
‫يكون مقبو ً‬
‫ال شك ً‬
‫ال‪.‬‬
‫ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل حسبما يبين من األوراق في أن‬
‫السيد وزير األوقاف أصدر القرار رقم ‪ 103‬لسنة ‪ 1979‬الذي أشار في ديباجته‬
‫إلى الئحة صناديق النذور وإلى القرار الوزاري رقم ‪ 26‬لسنة ‪ 1972‬بتحديد‬
‫الوظائف الالزمة ألداء الخدمة في المساجد واألضرحة التي بها صناديق نذور‬
‫ونص في المادة األولى منه على أن يلحق السيد‪ ........... /‬وهو المطعون‬
‫ضده بالمسجد الدسوقي على أن يحمل مفتاح المقصورة ويمنح حصة من‬
‫حصيلة صندوق النذور بهذا المسجد كما أصدر القرار رقم ‪ 6‬لسنة ‪ 1980‬الذي‬
‫أشار في ديباجته الى الئحة صناديق النذور‪ ،‬ونص في المادة األولى منه على أن‬
‫ال لمفتاح المقصورة بالمسجد الدسوقي مع المطعون‬ ‫يضم السيد‪ ...... /‬حام ً‬

‫‪133‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ضده‪ ،‬ونص في المادة الثانية منه على أن يشترك االثنان في الحصة الممنوحة‬
‫للمطعون ضده بالتساوي بينهما في كل فتحة بما يعادل حصة الكاتب بحيث‬
‫ال يزيد ما يحصل عليه على خمسين جنيها في الفتحة‪ ،‬كما أصدر القرار رقم‬
‫‪ 133‬لسنة ‪ 1981‬في ‪ 30‬أغسطس سنة ‪ 1981‬الذي نص في المادة األولى منه‬
‫على سحب القرارين رقمي ‪ 103‬لسنة ‪ 1979‬و‪ 6‬لسنة ‪ 1980‬المشار إليهما‬
‫لمخالفتهما أحكام الئحة صناديق النذور‪ ،‬ونص في المادة الثانية منه على‬
‫استرداد ما صرف للمطعون ضده ولزميله من حصيلة نذور المسجد الدسوقي‬
‫وبتاريخ ‪ 5‬من أكتوبر سنة ‪ 1981‬رفع زميل المطعون ضده الدعوى رقم ‪4‬‬
‫لسنة ‪ 10‬القضائية أمام المحكمة اإلدارية بطنطا ضد السادة محافظ كفر الشيخ‬
‫ووزير األوقاف ومدير أوقاف كفر الشيخ بصفاتهم ثم اختصم السيد رئيس هيئة‬
‫ال بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الرقر رقم‬ ‫االوقاف بصفته‪ ،‬وطلب الحكم أو ً‬
‫‪ 133‬لسنة ‪ 1981‬وثاني ًا بإلغاء هذا القرر وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام‬
‫الجهة اإلدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة‪ ،‬واستند إلى أن القرار رقم‬
‫‪ 6‬لسنة ‪ 1980‬صدر صحيحا ومضت عليه المدة التي جعلته حصينا‪ .‬وقضت‬
‫المحكمة اإلدارية بطنطا في جلسة ‪ 10‬من فبراير سنة ‪ 1983‬بعدم اختصاصها‬
‫بنظر الدعوى وبإحاللتها إلى محكمة القضاء اإلداري بالقاهرة‪ ،‬ألن المدعى‬
‫فرد من آحاد الناس وليس من العاملين بالمسجد الدسوقي ويطعن على قرار من‬
‫السيد وزير األوقاف وقيدته الدعوى بجدول محكمة القضاء اإلداري بالقاهرة‬
‫تحت رقم ‪ 2689‬لسنة ‪ 37‬القضائية وقدم السيد مفوض الدولة تقرير ًا مسبب ًا‬
‫ال ويرفضها موضوع ًا وبإلزام المدعي‬ ‫في الدعوى ارتأى فيه الحكم بقبولها شك ً‬
‫بالمصروفات‪ .‬وقضت محكمة القضاء اإلداري «دائرة التسويات أ» في جلسة‬
‫‪ 11‬من نوفمبر سنة ‪ 1985‬بقبول الدعوى شكال وبرفضها موضوعا وبإلزام‬
‫المدعي بالمصروفات وبنت قضاءها على أن الفصل في الشق الموضوعي من‬
‫الدعوى يغني عن التعرض للشق المستعجل فيها‪ ،‬وقد قضت الئحة صناديق‬

‫‪134‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫النذور بتوزيع نسبة من إيرادات صندوق النذور بالمسجد على العاملين به في‬
‫حدود الوظائف المقررة له والتي يصدر بتحديدها قرار وزاري وصدر تنفيذ‬
‫قرار السيد وزير األوقاف رقم ‪ 26‬لسنة ‪ 1972‬متضمنا تحديد وظائف المسجد‬
‫الدسوقي وليس من بينها وظيفة حامل مفتاح المقصورة‪ ،‬وبذا فإن القرار رقم‬
‫‪ 61‬لسنة ‪ 1980‬يضم المدعي حامال لمفتاح المقصورة بالمسجد الدسوقي‬
‫ال‬‫يكون غير وارد على محل ويكون ترتيب أثره غير ممكن قانون ًا مما يجعله قاب ً‬
‫للسحب دون تقيد بميعاد معين على نحو ما صدر به صحيح ًا القرار المطعون‬
‫فيه‪ .‬ولم يطعن في هذا الحكم أمام المحكمة اإلدارية العليا‪ .‬كما أنه بتاريخ ‪5‬‬
‫من ديسمبر ‪ 1981‬رفع المطعون ضده الدعوى رقم ‪ 259‬لسنة ‪ 10‬القضائية‬
‫أمام المحكمة اإلداري��ة بطنطا ضد السيد وزير األوقاف والسيد محافظ كفر‬
‫الشيخ بصفتيهما‪ ،‬وطلب الحكم بإلغاء القرار رقم ‪ 133‬لسنة ‪ 1981‬الصادر‬
‫بسحب القرر رقم ‪ 103‬لسنة ‪ 1979‬مع إلزام الجهة اإلداري��ة بالمصروفات‬
‫ومقابل أتعاب المحاماة واستند إلى أن القرار المسحوب صدر من مختص‬
‫طبقا لالئحة صناديق النذور وتحصن بمرور المدة القانونية وأنشأ له حقا مكتسب ًا‬
‫وال يجوز تحصيل ما صرف إليه لقاء عمل أداء كحامل مفتاح المقصورة وقدم‬
‫السيد مفوض الدولة تقريرا مسببا في الدعوى ارتأى فيه الحكم بقبولها وفي‬
‫الموضع بإلغاء‬
‫القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وبإلزام الجهة اإلدارية‬
‫المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة‪ .‬وقضت المحكمة اإلداري��ة بطنطا في‬
‫جلسة ‪10‬من فبراير سنة ‪1983‬بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وبإحالتها إلى‬
‫محكمة القضاء اإلداري (دائرة منازعات األفراد) ألن المدعي فرد من أحاد‬
‫الناس ويطعن على قرار من السبد وزير األوقاف وليس من العاملين بالمسجد‬
‫الدسوقي‪ .‬وقيدت الدعوى بجدول محكمة القضاء اإلداري بالقاهر تحت‬
‫رقم ‪2678‬لسنة ‪ 37‬القضائية وقضت هذه المحكمة (دائرة منازعات األفراد‬

‫‪135‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫والهيئات) في جلسة ‪25‬من نوفمبر سنة ‪ 1986‬بقبول الدعوى شكال وفي‬


‫الموضوع بإلغاء القرار رقم ‪ 13٣‬لسنة ‪ 1981‬وما يرتب على ذلك من آثار‬
‫وبإلزام الجهة اإلداري��ة بالمصروفات وبنت قضاءها في الموضوع على أن‬
‫الئحة صناديق النذور أج��ازت في المادتين ‪ 17.4‬للسيد وزي��ر األوق��اف‬
‫إصدار قرار بتحديد الوظائف التي يستحق شاغلوها حصة في صناديق النذور‬
‫فأصدر القرار رقم ‪ 26‬لسنة ‪ 1972‬بتحديد هذه الوظائف ثم أصدر القرار رقم‬
‫‪ 10٣‬لسنة ‪ 1979‬بإلحاق المطعون ضده في وظيفة حامل مفتاح المقصورة‬
‫بالمسجد الدسوقي وبمنحه حصة من صندوق النذور بهذا المسجد‪ ،‬كما أصدر‬
‫القرار رقم ‪ 6‬لسنة ‪1980‬بضم السيد‪ ... /‬إلى المطعون ضده في حمل مفتاح‬
‫المقصورة وباشتراكه معه في حصته وبذا يكون القرار رقم ‪ 103‬لسنة ‪1979‬‬
‫قد أضاف وظيفة حامل مفتاح المقصورة إلى جملة الوظائف المبينة في القرار‬
‫رقم ‪ 26‬لسنة ‪ 1972‬ويكون بالتالي قرار ًا صحيح ًا مما يجعل القرار رقم ‪13٣‬‬
‫لسنة‪ 19٨1‬بسحبه غير قائم على سند سليم‪.‬‬
‫ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق‬
‫القانون ألن القرار رقم ‪ 103‬لسنة ‪ 1979‬لم ينشئ وظيفة إذ يلزم إلنشائها اقتراح‬
‫من اإلدارة العامة للدعوة واعتماد درجة مالية لها حتى يصدر قرار باإللحاق بها‬
‫خاصة وأنه لم يصدر قرار بتحديد وظائف جديدة منذ صدور القرار رقم ‪36‬‬
‫لسنة ‪ 1972‬وبذلك يكون القرار رقم ‪ 103‬لسنة ‪ 1791‬قرار ًا معدوم ًا‪.‬‬
‫ومن حيث إن الطعن في الحكم أمام المحكمة اإلدارية العليا خالل الميعاد‬
‫المقرر‪ ،‬يحرك بالضرورة الطعن في أي حكم مرتبط به ارتباط ًا وثيق ًا ولو لم‬
‫يطعن فيه خالل هذا الميعاد‪ ،‬حتى تسلط المحكمة اإلدارية العليا رقابتها على‬
‫الحكمين مع ًا لبيان وجه الحق فيهما وتوحيد كلمة القانون بينهما‪ ،‬ووضعا‬
‫لألمور في نصابها وتحقيقا للعدالة في أصولها ونزوال على سيادة القانون العام‬
‫وال جه للتحدي أمامها بحجية الحكم النهائي الذي لم يطعن فيه خالل الميعاد‬

‫‪136‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫القانوني حتى ال نغل يدها عن إعمال واليتها في التعقيبب بحرية على الحكيم‬
‫المطعون فيه أمامها وحتى ال يعلو الحكم الذي لم يطعن فيه وهو صادر من‬
‫محكمة أدنى على حكم المحكمة اإلدارية العليا وهي خاتمة المطاف في نظام‬
‫التدرج القضائي بمجلس الدولة لمجرد أن الحكم األول لم يطعن فية‪ ،‬إذ ال‬
‫يتصور اختالف الحكم القانوني في مسألة قانونية واحدة بحكمين قضائيين‬
‫طعن في أحدهما ولم يطعن في اآلخر خالل الميعاد القانوني في مسألة مدى‬
‫مشروعية قرار معين وينبغي أن يعلو حكم المحكمة اإلدارية العليا حتى ولو‬
‫لم يطعن فيه أمامها في هذه المسألة األساسية التي يرد القول الفصل فيها إلى‬
‫المحكمة األعلى درجة بين محاكم القسم القضائي بمجلس الدولة‪.‬‬
‫ولما كان الثابت أن المحكمة اإلداري��ة العليا قد اتصلت بالمنازعة في‬
‫مشروعية القرار الصادر من السيد وزير األوقاف رقم ‪ 133‬لسنة ‪ 1981‬عن‬
‫طريق الطعن رقم ‪ 397‬لسنة ‪ 33‬القضائية الموجه إلى الحكم الصادر من محكمة‬
‫القضاء اإلداري (دائرة منازعات األفراد والهيئات) بجلسة ‪ 25‬من نوفمبر سنة‬
‫‪ 1986‬في الدعوى رقم ‪ 2678‬لسنة ‪ 37‬القضائية المقامة من المطعون ضده‪،‬‬
‫والقاضي بإلغاء القرار وما يترتب على ذلك من آثار‪ ،‬فإن هذا الطعن يثير أمامها‬
‫لزاما الحكم النهائي الصادر من محكمة القضاء اإلداري (دائرة التسويات أ)‬
‫في جلسة ‪ 11‬من نوفمبر سنة ‪ 1985‬بما يناقض الحكم المطعون فيه إذ قضي‬
‫برفض الدعوى رقم ‪ 2689‬لسنة ‪ 37‬القضائية المقامة بطلب إلغاء ذات القرار‬
‫من جانب السيد‪ ........ /‬شريك المطعون ضده بمقتضي القرار الصادر من‬
‫السيد وزير األوق��اف برقم ‪ 6‬لسنة ‪ 1980‬سواء في حمل مفتاح المقصورة‬
‫بالمسجد الدسوقي أو في الحصة له بموجب القرار الصادر من السيد وزير‬
‫األوقاف برقم ‪ 10٣‬لسنة ‪ 1979‬حيث سحب هذان القراران معا بالقرار الصادر‬
‫من السيد وزير األوقاف برقم ‪ 13٣‬لسنة ‪ 1981‬فال يصح أن يتغاير الحكمان‬
‫المشار إليهما في مسألة أساسية مشتركة في مدى مشروعية القرار رقم ‪13٣‬‬

‫‪137‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫لسنة ‪ 1981‬بسحب القرارين رقمي ‪ 10٣‬لسنة ‪1989‬و ‪ 6‬لسنة ‪ 19٨0‬مما ال‬


‫محل معه لالستمساك بحجية الحكم الصادر في الدعوى رقم ‪ 2689‬لسنة ‪37‬‬
‫القضائية برفض طلب إلغاء القرار رقم ‪ 13٣‬لسنة ‪ 1981‬بمقولة عدم الطعن‬
‫فيه وذلك عند نظر الطعن القائم في الحكم الصادر في الدعوى رقم ‪2678‬‬
‫لسنة ‪ 37‬القضائية بإلغاء ذات القرار طوعا لما للمحكمة اإلداري��ة العليا من‬
‫سلطة بسط رقابتها إلنزال كلمة القانون بصورة موحدة في مسألة واحدة فيزول‬
‫التضارب بينهما وتنحسم المنازعة فيهما بكلمتها العليا‪.‬‬
‫ومن حيث إن السيد وزير األوقاف أصدر في ‪ 5‬من أبريل سنة ‪ 1971‬القرار‬
‫الوزاري رقم ‪ 22‬لسنة ‪ 1971‬في شأن الالئحة التنفيذية لصناديق النذور التي‬
‫ترد للمساجد واألضرحة التابعة لوزارة األوقاف‪ ،‬وقضي هذا القرار في المادة‬
‫(‪ )1‬بأن تعتبر هذه النذور من التبرعات المشروط صرفها من المتبرعين في‬
‫شئون المساجد واألضرحة‪ ،‬وح��دد في المادة (‪ )2‬األغ��راض التي تصرف‬
‫فيها حصيلة النذور‪ ،‬ونص في المادة (‪ )4‬على توزيع إعانة ثابتة بنسبة ‪٪25‬‬
‫من إيرادات صندوق النذور بكل مسجد أو ضريح على العاملين به في حدود‬
‫الوظائف المقررة له والتي يصدر بتحديدها قرار وزاري‪ ،‬وبين في المادة (‪ )6‬ما‬
‫يراعى في اختيار العاملين بالمساجد واألضرحة التي بها صناديق للنذور وهي‬
‫بصفة عامة حسن السير والسمعة واالقدمية المطلقة وعدم سبق توقيع عقوبات‬
‫تأديبية ألمر يتعلق باألمانة والشرف أو في حدود معينة‪ ،‬وقرر في المادة (‪)16‬‬
‫استمرار خلفاء مقام السيد أحمد البدوي الحاليين وحامل مفتاح المقصورة في‬
‫الحصول على أنصبتهم من النذور بصفة شخصية لمدة حياتهم ونص في المادة‬
‫(‪ )17‬على أن تحدد اإلدارة العامة للدعوة الوظائف الالزمة نوع ًا وعدد ًا ألداء‬
‫الخدمة على الوجه األكمل في كل مسجد أو ضريح به صندوق للنذور وذلك‬
‫بمراعاة مساحة المسجد وعدد أبوابه ومدة فتحه وكثافة الجمهور المتردد عليه‬
‫وغيرها من األمور األخرى ويصدر بهذا التحديد قرار وزاري‪ ،‬كما اصدر القرار‬

‫‪138‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫الوزاري رقم ‪ 26‬لسنة ‪ 1972‬متضمن ًا تحديد الوظائف المقررة لكل مسجد أو‬
‫ضريح وحصة كل وظيفة على النحو اآلتي ‪:‬‬
‫‪ -1‬شيخ المسجد‪ ،‬اإلمام حصة ونصف‬
‫‪ - 2‬رئيس الخدم‪ ،‬الكاتب حصة واحدة‬
‫‪ - 3‬المؤذن مقيم الشعائر‪ ،‬والمخزنجي ‪ ،‬والفراش نصف حصة‬
‫‪ - 4‬قارئ السورة‪ ،‬البواب‪ ،‬خادم الدورة المال نصف حصة‪ ،‬ويؤخذ من‬
‫هذا إنه ولئن كانت الالئحة التنفيذية لصناديق النذور حددت في المادة (‪ )6‬ما‬
‫يراعى في اختيار العاملين بالمساجد واألضرحة التي بها صناديق للنذور بما قد‬
‫يوحي في الظاهر بأن هذا االختيار يتم فحسب من بين الشاغلين لوظائف عامة‬
‫حيث تتيسر األقدمية وتتأبى العقوبات التأديبية إال أنها في إشارتها إلى العاملين‬
‫ال جاءت عامة مطلقة بما ال يجوز معه وقف االختيار على الموظفين منهم‬ ‫أص ً‬
‫فحسب‪.‬‬
‫كما أن من الشروط التي أوردتها المادة (‪ )6‬ما يعم الجميع مثل حسن السيرة‬
‫والسمعة باإلضافة إلى أن الشروط التي أوردتها مما يخص الموظفين العاملين‬
‫تعني تطلبها عند االختيار من بينهم دون حصر االختيار فيهم‪ ،‬ومما يؤكد هذا‬
‫أن المادة (‪ )16‬التي قررت استمرار خلفاء مقام السيد أحمد البدوي وحامل‬
‫مفتاح المقصورة في الحصول على أنصبتهم وإن تضمنت حكم ًا وقتي ًا إال أنه‬
‫تعلق بهؤالء الخلفاء الذين يعتبرون موظفين عامين ومصداف ًا لذلك أيض ًا فإن‬
‫القرار الوزاري رقم ‪ 26‬لسنة ‪ 1971‬في تحديد الوظائف المقررة لكل مسجد‬
‫أو ضريح طبق ًا للمادة (‪ )4‬من الالئحة التنفيذية لصناديق النذور لم يقتصر على‬
‫ما يصلح منها كوظيفة عامة تكون لعالقة الشخص فيها باإلدارة صفة االستقرار‬
‫والدوام في خدمة مرفق عام تدبره بالطريق المباشرة وإنما شمل أيض ًا ما تعد‬
‫عالقة عارضة يكون الشخص فيها مجرد أجير في عقد عمل مثل وظيفة قارئ‬

‫‪139‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫السورة الذي ال تتعدي خدمته قراءة آية الذكر الحكيم قبل صالة الجمعة من كل‬
‫أسبوع يكون بعدها في حل من جميع التزامات الموظفين العامين وبالتالي فإنه‬
‫الذي يلزم لمثل هذه الوظيفة وجود درجة مالية شاغرة في ميزانية الجهة اإلدارية‬
‫من قبل إدراجها ضمن الوظائف المقررة للمسجد أو الضريح وذلك على‬
‫نقيض ما حواه الطعن من لزوم ذلك ابتداء وإذا كانت الالئحة التنفيذية لصناديق‬
‫النذر أناطت في المادة (‪ )4‬بوزير األوقاف سلطة تحديد الوظائف المقررة لكل‬
‫مسجد أو ضريح فإن هذه السلطة لم تستنفد بإصداره القرار الوزاري رقم ‪26‬‬
‫لسنة ‪ 1971‬بل تمضي ثابتة له على سند منها بما تخوله من حق تعديل هذا القرار‬
‫الوزاري ولو باإلضافة إليه سواء بصورة صريحة تعبر عن استحداث الوظيفة‬
‫المضافة أو بشكل ضمني يكشف عن إضافتها كما لو أصدر قرار ًا عهد فيه إلى‬
‫شخص بوظيفة جديدة مما يعني ابتداء إلحاقها بالتحديد السابق‪ ،‬ثم وضع هذا‬
‫الشخص فيها ألن العبرة بالمقاصد والمعاني ال باأللفاظ والمباني وال ريب‬
‫أن هذا ينطبق على القرار الصادر منه برقم ‪ 103‬لسنة ‪ 1979‬بإلحاق المطعون‬
‫ضده حامال لمفتاح المقصور بالمسجد الدسوقي لما ينطوي عليه هذا القرار‬
‫من إضافة هذه الوظيفة ثم إناطتها بالمطعون ضده‪ ،‬وهي الوظيفة التي شاركه‬
‫فيها زميله السيد‪ ...... /‬بمقتضى القرار الوزاري رقم ‪ 6‬لسنة ‪ 1980‬األمر‬
‫الذي يطهرهما من عيب مخالفة القانون على نحو ما ذهب إليه الحكم المطعون‬
‫فيه وعلى نقيض ما جنح إليه الحكم المضموم‪ ،‬ولئن نصت ذات الالئحة في‬
‫المادة (‪ )17‬على أن تحدد اإلدارة العامة للدعوة الوظائف الالزمة ألداء الخدمة‬
‫على الوجه األكمل في كل مسجد أو ضريح به صندوق للنذور وبه تبرر بهذا‬
‫التحديد قرار وزاري فإنها لم تجعل هذا التحديد الذي تقوم به اإلدارة العامة‬
‫للدعوة إجراء جوهري ًا الزم ًا بصحة القرار الصادر به من وزير األوقاف‪ ،‬وإنما‬
‫قصدت إلى جعله بحثا ميدانيا واقتراحا مبدئيا ال ينفذ إال بقرار وزاري يصدره‪،‬‬
‫وبذا فإنه ال يترتب على تخلفه أثر ما في صحة القرار الوزاري الصادر بتحديد‬

‫‪140‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫الوظائف أو باإلضافة إليها وذلك على نقيض ما قام عليه الطعن أيضا من لزوم‬
‫سبق اقتراح الوظيفة من لدن اإلدارة العامة للدعوة‪ .‬وبناء عليه فإنه الشبه في كل‬
‫من القرار الوزاري رقم ‪ 103‬لسنة ‪ 1979‬بشأن المطعون ضده والقرار الوزاري‬
‫رقم ‪ 6‬لسنة ‪ 1980‬بشأن زميله السيد‪ ،......./‬واألمر الذي يعصمهما من‬
‫السحب سواء خالل الميعاد القانوني بحجة عدم مشروعيتهما أو بعد انقضائه‬
‫بمقولة انعدامهما على نحو ما جنح إليه الحكم المضموم إلى الطعن وبالتالي‬
‫فإن القرار الوزاري رقم ‪ 133‬لسنة ‪ 1981‬الصادر بسحبهما يكون مشوب ًا بعيب‬
‫مخالفة القانون حري ًا باإللغاء‪ ،‬وإذ قضي بهذا الحكم المطعون فيه بصدوره في‬
‫الدعوى رقم ‪ 2678‬لسنة ‪ 37‬القضائية المقامة من الطعون ضده مما يوجب‬
‫القضاء برفض الطعن وبإلزام الجهة اإلدارية بمصروفاته إال أن الحكم المضموم‬
‫إلى الطعن نما إلى غير ذلك فيما تضمنه من رفض الدعوى رقم ‪ 2689‬لسنة ‪37‬‬
‫القضائية المقامة من السيد‪ ....../‬بطلب إلغاء القرار الوزاري رقم ‪ 133‬لسنة‬
‫‪ 1981‬مما يوجب القضاء بنقضه في هذا الشق والقضاء بإلغاء هذا القرار وما‬
‫يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة اإلدارية بمصروفات الدعوى‪...‬‬

‫فلهذه األسباب‬
‫حكمت المحكمة‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال بقبول الطعن شك ً‬
‫ال وبرفضه موضوع ًا وبإلزام اإلدارية بمصروفاته‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬بإلغاء الحكم الصادر من محكمة القضاء اإلداري (دائرة التسويات أ)‬
‫بجلسة ‪ 11‬من نوفمبر سنة ‪ 1985‬فيما تضمنه من رفض الدعوى رقم ‪2689‬‬
‫لسنة ‪ 37‬القضائية وبإلغاء القرار الوزاري رقم ‪ 133‬لسنة ‪ 1981‬وما يترتب‬
‫على ذلك من آثار‪ ،‬وبإلزام الجهة اإلدارية بمصروفات الدعوى‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ملحق رقم (‪)6‬‬


‫حكم المحكمةاإلدارية العليا‬
‫في الطعن رقم ‪ 136‬لسنة ‪ 37‬القضائية‪ ،‬بجلسة ‪ 26‬نوفمبر سنة ‪1990‬‬
‫برئاسة السيد المستشار‪ /‬محمد حامد الجمل‪ .‬رئيس مجلس الدولة‪.‬‬
‫وعضوية السادة المستشارين‪ /‬محمد أمين المهدي ومحمود عبد المنعم‬
‫موافي ومحمود صفوت عثمان و إسماعيل محمد عبد الحميد‪ .‬نواب رئيس‬
‫المجلس‪.‬‬
‫وبحضور السيد المستشار‪ /‬يحيى نجم‪ .‬مفوض الدولة‬
‫وبحضور السيد‪ /‬عبد المنعم حلمي‪ .‬سكرتير الجلسة‬
‫< في الحكم الصادر من محكمة القضاء اإلداري بأسيوط في الدعوى رقم‬
‫‪ 180‬لسنة ‪ 2‬القضائية بجلسة ‪ 18‬من نوفمبر سنة ‪. 1990‬‬

‫إجراءات الطعن‬
‫في يوم األربعاء الموافق ‪ 21‬من نوفمبر سنة ‪ 1990‬أودع األستاذ‪ /‬محمد‬
‫ضبع أبو قفة المحامي بصفته وكيال عن السيد‪/‬علي سنوسي إسماعيل‪ ،‬قلم‬
‫كتاب المحكمة اإلدارية العليا تقرير طعن‪ ،‬قيد بجدولها تحت رقم ‪ 163‬لسنة‬
‫‪ 37‬القضائية‪ ،‬في الحكم الصادر من محكمة القضاء اإلداري بأسيوط بجلسة‬
‫‪ 18‬من نوفمبر سنة ‪ 1990‬في الدعوى رقم ‪ 180‬لسنة ‪ 2‬القضائية القاضي بوقف‬
‫تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الجهة اإلدارية المصروفات واألمر بتنفيذ الحكم‬
‫بموجب مسودته وبغير إعالن وطلب الطاعن لألسباب المبينة تفصي ً‬
‫ال بتقرير‬
‫ال‪ :‬بقبول الطعن شك ً‬
‫ال‪ ،‬وثاني ًا ‪ :‬بإيقاف الحكم الصادر من‬ ‫الطعن‪ ،‬والحكم أو ً‬
‫محكمة القضاء اإلداري ‪ -‬دائرة أسيوط ‪ -‬بجلسة ‪ 18‬من نوفمبر سنة ‪ 1990‬في‬

‫‪142‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫الدعوى رقم ‪ 180‬لسنة ‪ 2‬القضائية في شقة المستعجل والقاضي بوقف تنفيذ‬


‫القرار الصادر من لجنة قبول الطعون واالعتراضات بمحافظة المنيا بإدراج اسم‬
‫علي سنوسي إسماعيل كمرشح لعضوية مجلس الشعب عن عام ‪ 1990‬عن‬
‫دائرة مركز المنيا «فئات» وذلك نظر ًا لتوافر شروط الجدية واالستعجال وحتى‬
‫ال عن توافر المشروعية ذلك أن االنتخابات محدد‬ ‫ال يتعذر تدارك األمر فض ً‬
‫إلجرائها يوم ‪ 29‬من نوفمبر سنة ‪1990‬وثالث ًا‪ :‬تنفيذ الحكم الصادر باإليقاف‬
‫بموجب مستودته وبغير إعالن لألسباب الواردة بالعريضة‪.‬‬
‫وقد أعلن الطعن للجهة اإلداري��ة‪ ،‬المطعون ضدها قانون ًا وقدمت هيئة‬
‫مفوضي الدولة تقرير ًا بالرأي القانوني مسبب ًا في الطعن فيه الحكم بعدم قبول‬
‫الطعن وإلزام الطاعن المصروفات‪.‬‬
‫وقد تحدد لنظر أمام دائ��رة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة ‪ 24‬من‬
‫نوفمبر سنة ‪ 1990‬وبها أقام السيد‪ /‬محمد محمود «المدعي بالدعوى رقم‬
‫‪ 180‬لسنة ‪ 2‬القضائية» بالتدخل في خصومة الطعن وقد نظرت الدائرة الطعن‬
‫على النحو الثابت بالمحاضر وقرر إحالة الطعن إلى المحكمة اإلدارية العليا‬
‫«دائرة منازعات األفراد والهيئات» وحددت لنظره جلسة ‪ 25‬من نوفمبر سنة‬
‫‪ ،1990‬وبها استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوم ًا لسماعه من إيضاحات على‬
‫ال بالمحاضر وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وبها صدر‬ ‫النحو الثابت تفصي ً‬
‫الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به‪.‬‬
‫المحكمة‬
‫بعد االطالع على األوراق وسماع اإليضاحات وبعد المداولة‪.‬‬
‫من حيث إن عناصر المنازعة تتحصل‪ ،‬حسبما يبين من األوراق في أنه بتاريخ‬
‫‪ 14‬من نوفمبر سنة ‪ 1990‬أقام السيد‪ /‬محمد محمود مصطفى الدعوى رقم‬
‫‪ 180‬القضائية أمام محكمة القضاء اإلداري بأسيوط ضد السيد وزير الداخلية‪،‬‬

‫‪143‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ال‪ :‬بإلغاء قرار لجنة الطعون بمحافظة المنيا واألمر برفض شطب‬ ‫طالب ًا الحكم أو ً‬
‫اسم السيد‪ /‬علي سنوسي إسماعيل من قائمة مرشحي مجلس الشعب مع إلزام‬
‫المطعون ضده المصروفات وثاني ًا‪ :‬وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار لجنة‬
‫قبول طلبات الترشيح لعضوية مجلس الشعب عن دائرة مركز المنيا باعتبار‬
‫السيد‪ /‬علي سنوسي إسماعيل مرشح ًا لعضوية مجلس الشعب عن دائرة مركز‬
‫المنيا مع إلزام المطعون ضده المصروفات‪ ،‬وأقام المدعي دعواه على سند من‬
‫القول بأن القرار الصادر بجلسة ‪ 10‬من نوفمبر سنة ‪ 1990‬من لجنة الطعون‬
‫برفض الطعن على قبول ترشيح السيد‪ /‬علي سنوسي إسماعيل لعضوية مجلس‬
‫ال‪ :‬الخطأ في تطبيق القانون وأساس ذلك‬ ‫الشعب وذلك لألسباب اآلتية‪ :‬أو ً‬
‫أن المادة السادسة من القانون رقم ‪ 37‬لسنة ‪ 1972‬في شأن مجلس الشعب‬
‫المعدلة بالقانون رقم ‪ 201‬لسنة ‪ 1990‬نصت على وجوب أن ترفق بطلب‬
‫الترشيح المستندات التي يحددها وزير الداخلية بقرار منه ومنها حسب التحديد‬
‫الذي صدر به قرار وزير الداخلية المؤرخ ‪ 14‬من أكتوبر سنة ‪ 19٩0‬شهادة‬
‫االنتخابات التي تدل على القيد بأحد جداول االنتخاب أو شهادة رسمية من‬
‫المأمور المختص بأن الترشيح مقيد بأحد هذه الجداول والثابت من أوراق‬
‫ترشيح السيد‪ /‬علي سنوسي إسماعيل المقدمة إلى لجنة فحص الطلبات إقراره‬
‫بأنه غير مقيد بجداول انتخاب دائرة المركز وثاني ًا‪ :‬الفساد في االستدالل ذلك‬
‫أن استناد لجنة تلقي الطلبات في قبول ترشيح السيد المذكور على واقعة سابقة‬
‫ال عن‬‫عضويته بالمجلس المحلي لمحافظة المنيا سنة ‪ 1975‬التنهض بدي ً‬
‫وجوب ثبوت قيد اسمه في كشف الناخبين وعلى ذلك وإذ أيدت لجنة الطعون‬
‫قرار لجنة تلقي الطلبات فإنها تكون بذلك قد سايرت هذه اللجنة األخيرة في‬
‫االستدالل الفاسد والمخالف للثابت باألوراق وانتهى المدعي إلى الطلبات‬
‫المشار إليها‪.‬‬
‫وقد نظرت محكمة القضاء اإلداري بأسيوط الدعوي بجلسة ‪ 17‬من نوفمبر‬

‫‪144‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫سنة ‪ 1990‬وبها حضر المدعى والجهة اإلدارية بمحامين وقررت المحكمة‬


‫إص��دار الحكم بجلسة ‪ 18‬من نوفمبر سنة ‪ 1990‬وبها أص��درت الحكم‬
‫المطعون فيه وأقامت قضاءها في مجال استظهار ركن الجدية على أن المستفاد‬
‫من أحكام التشريعات المنظمة للترشيح لعضوية مجلس الشعب أنه يشترط‬
‫لقبول أوراق الترشيح تقديم مستندات منها شهادة انتخاب تدل على أن المرشح‬
‫مقيد بأحد الجداول االنتخابية أو شهادة من المأمور المختص تفيد قيده‪ ،‬فإذا‬
‫كان ذلك وكان البادي من ظاهر األوراق والمستندات المقدمة ضمن حافظة‬
‫مستندات الجهة اإلدارية أن الطلب المقدم من السيد‪ /‬علي سنوسي إسماعيل‬
‫للترشيح قد خال من بيان رقم قيده في جدول االنتخابات بالجهة المقيد اسمه‬
‫فيها وهي تله مركز المنيا‪ ،‬كما وأن شيخ الناحية قد أفاد بأنه بالبحث بدفاتر قيد‬
‫الناخبين تبين عدم قيد اسمه وقد خلت األوراق من دليل يفيد قيده في جداول‬
‫االنتخابات في الناحية التي رشح نفسه بها أو في أية ناحية أخرى وكان ترشيحه‬
‫النتخابات المجلس المحلي عام ‪ 1975‬وفوزه بعضويته يقوم قرينة على قيده‬
‫بجدول االنتخاب إال أن هذه القرينة الضمنية تدخضها الشهادة المقدمة من‬
‫شيخ الناحية الموجود بعهدته دفاتر القيد فإنه بالترتيب على ذلك يكون إدراج‬
‫اسم السيد‪ /‬علي سنوسي إسماعيل عامر‪ ،‬كمرشح لعضوية مجلس الشعب‬
‫بحسب الظاهر‪ ،‬قد تم على خالف حكم القانون وانتهى الحكم المطعون فيه‬
‫إلى القضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت المحكمة الجهة اإلدارية‬
‫المصروفات وأمرت بتنفيذ الحكم بموجب مسودته وبغير إعالن‪.‬‬
‫ومن حيث إنه عن مدى جواز قبول الطعن الماثل شك ً‬
‫ال‪ ،‬فالثابت من األوراق‬
‫ال في الدعوى رقم ‪ 180‬لسنة‬‫أن الطاعن « السيد‪ /‬علي إسماعيل» لم يكن ممث ً‬
‫‪ 2‬القضائية التي صدر بشأنها الحكم المطعون فيه‪.‬‬
‫وإنه ولئن كان للدائرة المنصوص عليها في المادة « ‪ »54‬مكرر ًا من قانون‬
‫مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم ‪ 47‬لسنة ‪ 1972‬والمعدل بالقانون رقم‬

‫‪145‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫‪ 136‬لسنة ‪ 1984‬قضاء مفاده أن طعن الخارج عن الخصومة في الحكم‬


‫الصادر في المنازعات اإلدارية بكافة أنواعها ومنها دعوى اإللغاء وغيرها من‬
‫أنواع المنازعات اإلدارية وأيا كان الحكم الصادر سواء باإللغاء أو بغير لك في‬
‫دعوي اإللغاء وغيرها من أنواع المنازعات اإلدارية وكذلك المنازعات التأديبية‬
‫إلى محكمة الطعن يكون غير جائز قانون ًا سواء كان الطعن أمام المحكمة‬
‫اإلدارية العليا فيما يطعن فيه أمامها من أحكام أو أمام محكمة القضاء اإلداري‬
‫فما يطعن فيها أمامها في أحكام طبق ًا للقانون «الحكم الصادر بجلسة ‪ 12‬من‬
‫أبريل سنة ‪ 1987‬في الطعنين رقمي ‪ 3382‬و ‪ 3387‬لسنة ‪ 29‬القضائية» إال أن‬
‫هذا القضاء الذي يرسي اإلطار اإلجرائي العام الذي يحكم المنارعات اإلدارية‬
‫والتأديبية عموم ًا ليس فيه ما يقيد المحكمة اإلدارية العليا في الطعون الماثل‪.‬‬
‫فال جدال في أن هذه المحكمة بذاتها من قبل ومن بعد قاضي المشروعية األول‬
‫والحامية لحمى الحقوق الدستورية العامة للمواطنين واألمينة على االلتزام‬
‫بمبدأ الشرعية وسيادة القانون ولها أن تنزل حكم الدستور والقانون على ما‬
‫يعرض أمامها من طعون تتعلق أساس ًا بالمنع أو االنتقاص أو التقييد لحق من‬
‫الحقوق الدستورية للمواطنين والتي تلحق وتتصل بالمواطن فال يزايله أي من‬
‫هذه الحقوق إال على النحو الذي يحكم الدستور ‪ -‬أو القانون تنطيمه وبيانه‬
‫فالمنارعات المتعلقة بحق من الحقوق الدستورية العامة‪ ،‬وفي مقدمتها حق‬
‫االنتخاب والترشيح ومهما اصطبغت مثل هذه الطعون بحكم اللزوم بالصبغة‬
‫الخاصة بالمنازعات اإلدارية بحسبانها في ظاهرها منازعة تمثل الجهة اإلدارية‬
‫أحد أطرافها فإنها في حقيقتها متى قامت في أساسها واستقام كيانها على طلب‬
‫دفع عدوان في انتقاص أو تقييد أو حرمان مواطن مصري من حقوق عامة له‬
‫بالدستور تتمخض خصومة يكون هذا المواطن هو صاحب المصلحة والشأن‬
‫األول كإنسان مصري فيها فال تقوم المنازعة صحيحة وال تستوي في الواقع‬
‫ال فيها حاضر ًا بها وإن تخلف بعد صحيح‬ ‫والقانون إال متى كان مختصم ًا وماث ً‬

‫‪146‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫إعالنه بإجراءاتها وإال كان في تنحيته عنها سواء تم ذلك بفعل الخصوم أو‬
‫بإهمالهم ما يشكل عدوان ًا صارخ ًا على حقوقه الدستورية العامة دون إتاحة‬
‫الفرصة له لمباشرة حقه الدستوري في الدفاع عن هذه الحقوق وهذا العدوان‬
‫والذود عن المراكز القانونية والحقوق المقررة له كمواطن أو إنسان‪.‬‬
‫وحيث إنه في خصوصية المنازعة الماثلة فالثابت من األوراق أن السيد‪/‬‬
‫محمد محمود مصطفى « المتدخل في الطعن الماثل» قد أقام الدعوى رقم‬
‫‪ 280‬لسنة ‪ 2‬القضائية أمام محكمة القضاء اإلدراي بأسيوط كمدع طالب ًا وقف‬
‫تنفيذ وإلغاء القرار الصادر بقبول أوراق ترشيح السيد‪ /‬علي سنوسي إسماعيل‬
‫لعضوية مجلس الشعب ومن ثم فإن محل هذه الدعوى هو محق المواطن‬
‫المذكور في الترشيح لمجلس الشعب وهو الحق الذي قضت المادة «‪»62‬‬
‫من الدستور بشأنه أن «للمواطن حق االنتخاب والترشيح وإب��داء الرأي في‬
‫االستفتاء وفق ًا ألحكام القانون ومساهمته في الحياة العامة واجب وطني» وقد‬
‫اقتصر المدعي المذكور على اختصام وزير الداخلية وحده بتلك الدعوى رغم‬
‫أن األمر يتعلق أساس ًا ومباشرة بحق السيد‪ /‬علي السنوسي إسماعيل في مباشرة‬
‫حقه الدستوري في الترشيح لمجلس الشعب وهو حق لم تنازع فيه الجهة‬
‫اإلدارية بعد إذ قررت اللجان المشكلة بالتطبيق لألحكام التشريعية المنظمة‬
‫لعملية الترشيح قبول أوراق ترشيحه في الطعن الذي نظرته وكان مقدم ًا منه‬
‫للجنة المختص ومثل أمامها المتدخل في الطعن الماثل‪.‬‬
‫ومن حيث إنه نتيجة لقبول أوراق ترشيحه تكون الجهة اإلدارية عن طريق‬
‫الهيئات اإلدارية ذات االختصاص القضائي قد استنفدت االختصاص المقرر‬
‫لها في شأن قبول طلب الترشيح كما يكون السيد‪ /‬علي سنوسي إسماعيل‬
‫قد استقر له مركز قانوني ذاتي في مواجهة المتدخل في هذا الطعن في شأن‬
‫قبول ترشيحه فال يكون من ثم من السائغ المساس بهذا المركز القانوني الذاتي‬
‫المتعلق بمباشرة حق من الحقوق الدستورية العامة على نحو ما يقرره الدستور‪،‬‬

‫‪147‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫في خصومة يغيب عنها صاحب الصفة والمصلحة بينما محلها الطعن في قرار‬
‫لجنة الطعون الذي صدر في مواجهة المتدخل في الطعن الماثل‪ ،‬وحيث إن‬
‫المنازعة الماثلة بناء على ذلك تكون حقيقتها وبحسب طبيعتها وفي أصلها‬
‫منازعة في أحقية السيد‪ /‬علي سنوسي إسماعيل في المساهمة في الحياة‬
‫السياسية العامة عن طريق الترشيح لمجلس الشعب وأيض ًا في أحقيته في‬
‫مباشرة حقه الدستوري‪ ،‬في االنتخاب لهذا المجلس وكل ذلك حقوق عامة‬
‫ومراكز قانونية لصيقة الصلة بصفته إنسان ًا كمواطن مصري له بهذا الصفة ما‬
‫قرره الدستور من حقوق عامة وعليه ما فرضه من واجبات عامة وبالترتيب على‬
‫ما تقدم بأنه ال يعتبر خارج ًا عن الخصومة في الدعوى وإن غاب عن إجراءاتها‬
‫بفعل الخصوم أو إهمالهم بل إن حقوقه الدستورية العامة المتمثلة في حقه في‬
‫االنتخاب والترشيح كانت هي موضوع الدعوى كما أن الحكم الصادر فيها‬
‫قد أجهز على هذه الحقوق ومحاها قبل إجراء االنتخابات بأيام قليلة ومن‬
‫ثم فال ُيعقل بعد ذلك القول بأن طريق االنتصاف أمام المحكمة لتمكينه من‬
‫مباشرة هذه الحقوق السياسية العامة في الترشيح واالنتخاب كمواطن مصري‬
‫يكون مستغلق ًا عليه ومتمنع ًا عنه وأساس ذلك ما سبق بيانه أن المنازعة الماثلة‬
‫وإن اصطبغت بالسمة العامة للمنازعة اإلدارية إال أنها في حقيقتها وجوهرها‬
‫خالف بين شخصين حول مدى أحقية مواطن مصري في ممارسة حقوقه‬
‫الخلف أو الفصل فيه دون أن‬ ‫الدستورية العامة فال يجوز التداعي بشأن هذا ُ‬
‫يختصم ويحتل قانون ًا ذو الشأن صاحب الصفة والمصلحة األولى وإال كان في‬
‫ذلك مخالفة للنظام العام الدستوري وللنظام العام القضائي المصري‪ ،‬وغني‬
‫عن البيان أن الجهة اإلدارية في المنازعة الماثلة ليست هي صاحبة المصلحة‬
‫الخلف‪ ،‬بل إن ما صدر في شأن‬ ‫الوحيدة أو األولى في وجه الفصل في هذا ُ‬
‫تقرير أحقية السيد‪/‬علي سنوسي إسماعيل في الترشيح لعضوية مجلس الشعب‬
‫إنما صدر من لجان إدارية ذات اختصاص قضائي مشكلة تشكي ً‬
‫ال خاص ًا برئاسة‬

‫‪148‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫أحد المستشارين أعضاء الهيئات القضائية في منازعة بين شخصين محددين‬


‫بذاتيهما‪ ،‬ومن ثم فإن الطابع اإلداري للمنازعة يتوارى خلف طبيعة المنازعة‬
‫بين شخصين محددين بذاتيهما ومن ثم فإن الطابع اإلداري للمنازعة يتوارى‬
‫خلف طبيعة المنازعة بين الشخصين مراعاة للطبيعة المتميزة والهامة للحقوق‬
‫الدستورية العامة التي يقررها الدستور وينظمها القانون للمواطن «وهو في‬
‫واقعة المنازعة الماثلة الطاعن بالطعن الماثل» وبهذه المنازعة فإن النعي على‬
‫ال لحكم‬ ‫الحكم المطعون فيه يكون جائزا ومقبوال من صاحب الشأن إعما ً‬
‫المادة «‪ »44‬من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم ‪ 47‬لسنة ‪1972‬‬
‫والتي تجري عبارتها بأن «ميعاد رفع الطعن إلى المحكمة اإلدارية العليا ستون‬
‫يوم ًا من تاريخ صدور الحكم المطعون فيه ويقدم الطعن من ذوي الشأن بتقرير‬
‫يودع قلم كتاب المحكمة ‪ »...‬السيد‪ /‬علي سنوسي إسماعيل هو صاحب شأن‬
‫بل صاحب الشأن األول إن لم يكن األوحد في الطعن على الحكم المطعون‬
‫فيه‪.‬‬
‫ومن حيث إنه ال وجه للدفع بأن تقرير الطعن قد شابه البطالن لعدم تضمنه‬
‫طلب إلغاء الحكم المطعون فيه إلى جانب ما ورد به من صريح طلب وقف‬
‫تنفيذه ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن العبرة في الطلب هي‬
‫بحقيقته وليست بعباراته وألفاظه وأنه على المحكمة أن تنزل على الطلبات في‬
‫الدعوى أو الطعن صحيح تكييفها القانوني حسبما تستظهره من نية الخصوم‬
‫واتجاه إرادتهم الحقيقية بشأنها فاألصل أن العبرة بالمقاصد‪ .‬والمعاني وليس‬
‫باأللفاظ ولمباني فإذا كان ذلك وكان الطاعن قد صدر تقرير الطعن بعبارة‬
‫«يستند الدفاع إلى أسباب قانونية وواقعية تؤدي إلى انعدام الحكم المطعون‬
‫فيه وفساد أسبابه» فإن هذه العبارة تكشف بما ال شك وال مراء فيه عن انصرف‬
‫نية الطاعن ال إلى إلغاء الحكم المطعون فيه وحسب بل إلى تقرير انعدامه أص ً‬
‫ال‬
‫فإن كان ذلك وكان قد أورد الطاعن في طلباته أنه يطلب الحكم بوقف تنفيذ‬

‫‪149‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫الحكم المطعون فيه فإنه يكون قد كشف عن حقيقة قصده واتجاه نيته وإراداته‬
‫إلى طلب بوقف تنفيذ وإلغاء الحكم المطعون فيه جميع ًا‪.‬‬
‫ومن حيث إنه بناء على ذلك يكون الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية‬
‫مما يتعين معه الحكم بقبوله شك ً‬
‫ال‬
‫ومن حيث إن تدخل السيد‪ /‬محمد محمود مصطفى في الطعن الماثل قد تم‬
‫على نحو ما يقرره القانون فإنه يتعين الحكم بقبول تدخله‪.‬‬
‫ومن حيث إنه عن موضوع المنازعة وبالقدر الالزم للفصل في طلب وقف‬
‫تنفيذ القرار المطعون فيه وفي الحدود التي يصل فيها الحكم الطعين فالثابت من‬
‫األوراق أن السيد‪ /‬علي سنوسي إسماعيل عامر كان قد تقدم لرئيس لجنة تلقي‬
‫طلبات الترشيح لعضوية مجلس الشعب بمحافظة قنا طالب ًا إصدار القرار بقبول‬
‫أوراق ترشيحه وبتاريخ ‪ 31‬من أكتوبر سنة ‪ 1990‬قررت اللجنة الموافقة على‬
‫قبول ترشيحه تأسيس ًا على أنه ولما كان القيد المشترط للترشيح ال يستوجب‬
‫قيد ًا في أحد الجداول التي أعدت في تاريخ محدد وإنما أطلق ذلك بغير تحديد‬
‫وأنه لما كانت الجداول االنتخابية متصلة ال ينقطع القديم منها بالحديث من ثم‬
‫فإذا ثبت القيد بأي منها عد ذلك قيد ًا يعول عليه ويؤخذ به ولما كان ذلك وكان‬
‫طالب الترشيح سبق أن تقدم للمجلس الشعبي المحلي لمحافظة المنيا وشرط‬
‫التقديم لهذا الترشيح هو أيض ًا ثبوت القيد بالجداول االنتخابية ولم يقم في‬
‫حقه أي سبب من أسباب سقوط القيد ومن ثم فقد بات ثابت ًا أن طالب الترشيح‬
‫كان مقيد ًا بالجدول االنتخابي وال يقوم في حقه وال يقلل منه تلف الجداول‬
‫أو عدم الحفاظ عليها أو عدم صحة ضبطها وبتاريخ ‪ 5‬من نوفمبر سنة ‪1990‬‬
‫تقدم السيد‪ /‬محمد محمود مصطفى « المتدخل في الطعن الماثل» إلى لجنة‬
‫فحص المطعون االنتخابية لمرشحي مجلس الشعب عن محافظة المنيا طاعنا‬
‫في قرار قبول ترشيح السيد‪ /‬علي سنوسي إسماعيل كمرشح مستقل عن دائرة‬

‫‪150‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫مركز المنيا «فئات» تأسيس ًا على أن أوراق ترشيحه قبلت رغم عدم استكمالها‬
‫الشكل القانوني ودلل على ذلك بأن هذه األوراق خلت مما يفيد قيده بجدول‬
‫االنتخاب بالدائرة التي رشح بها أو في غيرها واستعاض عنها بشهادة صادرة‬
‫من السيد‪ /‬رئيس المجلس المحلي لمحافظة المنيا تفيد بالمجلس المشار إليه‬
‫خالل دورة سنة ‪ 1975‬مما يخالف حكم قانون مجلس الشعب وتعليماته وزارة‬
‫الداخلية الصادرة في شأن تنفيذه وبتاريخ ‪ 10‬من نوفمبر سنة ‪ 1990‬انعقدت‬
‫لجنة الطعون برئاسة المستشار‪ /‬أحمد رفعت وعضوية األستاذ‪ /‬األمير فياض‬
‫الرئيس بالمحكمة والعميد محمد عباس عن مديرية األمن وقد حضر الخصمان‬
‫«السيدان‪ /‬محمد محمود مصطفى‪ ،‬وعلي سنوسي إسماعيل» بتلك الجلسة‬
‫ال وفي الموضوع برفضه‬ ‫وبعد سماع أقوالهما قررت اللجنة قبول الطعن شك ً‬
‫وإدراج اسم علي سنوسي إسماعيل عامر كمرشح لعضوية مجلس الشعب عن‬
‫عام ‪ 1990‬بصفة «فئات» وفق ًا لطب الترشيح المقدم منه المؤرخ ‪ 31‬من أكتوبر‬
‫سنة ‪ 1990‬بدائرة مركز المنيا بمحافظة المنيا وقد أقامت تلك اللجنة قرارها‬
‫على نحو ما جاء بأسبابه على أنه طبق ًا للمادة «‪ »4‬من القانون رقم ‪ 73‬لسنة ‪،76‬‬
‫‪ 1972‬لسنة ‪ 1976‬و ‪ 41‬سنة ‪ 1979‬فإنه يجب أن يقيد في جداول االنتخاب‬
‫كل من له مباشرة الحقوق السياسة من الذكور واإلناث وإنه ولما كان الثابت‬
‫أن السيد‪ /‬علي سنوسي قد رشح في سنة ‪ 1975‬لعضوية المجلس الشعبي‬
‫لمحافظة المنيا وفاز بعضوية ذلك المجلس بما مفاده ضمن ًا قيده بجداول‬
‫االنتخاب ذلك ألن القيد شرط مفترض وسابق على الترشيح خاصة وأنه من‬
‫المقرر أن القيد يستمر في حق المقيد طالما لم يلحق به سبب من أسباب المنع‬
‫من مباشرة الحقوق السياسية أو وقفها قانون ًا على نحو ما ينظمه القانون المشار‬
‫إليه واستطردت اللجنة بيان أنها ال تعول على ما جاء بأقوال الطاعن بمذكرته‬
‫المرفقة باألوراق ألنها جاءت وسيلة بال دليل عليها كما ال تعول على أقوال‬
‫رجل اإلدارة شيخ ناحية تله مركز المنيا ألن المرشح ليس مهيمن ًا على كشوف‬

‫‪151‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫ال عن إهمال القائمين عليها‪ ،‬وكفاه إثبات قيد اسمه في تلك‬ ‫القيد وليس مسئو ً‬
‫الجداول االنتخابية وفق ًا لما سلف بيانه‪.‬‬
‫ومن حيث إنه باالطالع على القانون رقم ‪ 73‬لسنة ‪ 1956‬بتنظيم مباشر‬
‫الحقوق السياسية يبين أن المادة «‪ »1‬من القانون تفرض على كل مصري‬
‫ومصرية بلغ ثماني عشرة سنة أن يباشر بنفسه الحقوق السياسية على النحو‬
‫وبالشروط المبينة بالقانون وتنظم المادتان «‪ »3«،»2‬من القانون حاالت‬
‫الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية وحاالت وقف مباشرة تلك الحقوق بينما‬
‫تنص المادة «‪ »4‬على أنه «يجب أن يقيد في جداول االنتخاب كل من له مباشرة‬
‫الحقوق السياسية من الذكور واإلناث مع ذلك ال يقيد من اكتسب الجنسية‬
‫المصرية بطريقة التجنس إال إذا كانت قد مضت خمس سنوات على األقل على‬
‫اكتسابه إياها وتجري عبارة المادة «‪ »5‬بأن تنشأ جداول انتخاب يقيد فيها أسماء‬
‫األشخاص الذين تتوافر فيهم شروط الناخب في أول ديسمبر من كل سنة ولم‬
‫يلحق بهم أي مانع من موانع مباشرة الحقوق السياسية وتنص المادة «‪ »7‬على‬
‫أن «تقوم النيابة العامة بإبالغ وزارة الداخلية باألحكام النهائية التي يترتب عليها‬
‫الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية أو وقفها وفي حال فصل العاملين في‬
‫الدولة أو النظام العام ألسباب مخلة بالشرف تقوم الجهة التي كان يتبعها العامل‬
‫بهذا اإلبالغ ويجب أن يتم اإلبالغ في جميع الحاالت خالل خمسة عشر يوم ًا‬
‫من التاريخ الذي يصبح فيه الحكم أو القرار نهائي ًا وتنص المادة «‪ »15‬على أن‬
‫«لكل من أهمل قيد اسمه في جداول االنتخاب بغير حق أو حدث خطأ في‬
‫البيانات الخاصة بقيده أو توافرت فيه شروط الناخب أو زالت عنه الموانع بعد‬
‫تحرير الجداول أن يطلب قيد اسمه أو تصحيح البيانات الخاصة بالقيد ولكل‬
‫ناخب مقيد اسمه في جداول االنتخاب أن يطلب قيد اسم من أهمل بغير حق أو‬
‫حذف اسم من قيد من غير حق أو تصحيح البيانات الخاصة بالقيد»‪.‬‬
‫ومن حيث إن مفاد النصوص السابقة أن القيد في جداول االنتخاب يتم قانون ًا‬

‫‪152‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫بالنسبة لكل مصري ومصرية بلغ أو بلغت ثماني عشرة سنة ميالدية‪ ،‬وهذا القيد‬
‫هو سند ودليل لألهلية السياسية التي يقررها القانون وتتيح ممارسة المواطن‬
‫لحقوقه وواجباته السياسية العامة فبدون هذه األهلية السياسية يصبح منبت ًا عن‬
‫الحياة السياسية العامة بمنأى عن أداء دور فيها ومن ثم حرص القانون تنفيذ ًا‬
‫لحكم الدستور القاضي بأن السيادة للشعب وحده وهو بعد مجموع المواطنين‬
‫ذوي األهلية السياسية يمارسها ويحميها ويصون الوحدة الوطنية على الوجه‬
‫المبين بالدستور على أن يحكم تنظيم أمر القيد بجداول االنتخاب فجعل هذا‬
‫القيد واجب ًا بالنسبة لكل مصري ومصرية بلغ أو بلغت ثماني عشر سنة ميالدية‬
‫كما حدد على سبيل الحصر الحاالت التي يسقط فيها القيد أو يوقف وكلها‬
‫حاالت استثنائية ترد على أصل عام هو الحق في القيد وطالما تم القيد صحيح ًا‬
‫فقد ثبت قيامه وداللته على توافر األهلية السياسية للمواطن المصري مهما‬
‫استطالت مدته ما لم يقم سبب من األسباب المحددة على سبيل الحصر والتي‬
‫تجيز الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية أو وقفها‪.‬‬
‫وبالترتيب على ذلك فإنه وفي خصوصية المنازعة الماثلة وإذ كان البادي‬
‫من ظاهر األوراق أن الطاعن قد سبق أن انتخب بالمجلس المحلي لمحافظة‬
‫المنيا سنة ‪ 1975‬األمر الذي ال يجادل فيه الخصوم فإن هذا االنتخاب يكشف‬
‫بذاته عن سابقه قيده بجداول االنتخاب باعتبار ذلك شرط ًا الزم ًا لقبول ترشيحه‬
‫وانتخابه بالمجلس المحلي المشار إليه وبناء على ذلك وطالما لم يثبت توافر‬
‫سبب من أسباب الحرمان من الحقوق السياسية أو وقفها في حق الطاعن األمر‬
‫الذي ال يفترض ما لم يقم عليه دليل جدي وحاسم لوروده على خالف أصل‬
‫عام ولمساسه بحق من الحقوق الدستورية العامة للمصريين وإذا كان ذلك‬
‫ال أن ينال ما قد يكون خطأ أو إهمال قام في حق الجهة‬‫كذلك فإنه ال يكون مقبو ً‬
‫اإلدارية القائمة على حفظ كشوف القيد‪ ،‬بفرض توافر هذا الخطأ أو االهمال‬
‫من حق دستوري أساسي لمواطن مصري في االنتخاب وفي الترشيح لعضوية‬

‫‪153‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫مجلس الشعب بما مؤداه إهدار أحكام مباشرة حقوقه السياسية دونما سند من‬
‫الدستور أو القانون بما يترتب على ذلك من حرمانه من اإلسهام بدوره كناخب‬
‫أو مرشح في إقامة صرح الديمقراطية الذي ال يتأتي إقامته إال باإلسهام االيجابي‬
‫لمجموع المواطنين في الحياة السياسية العامة في ظل التعددية الحزبية التي نص‬
‫عليها صراحة الدستور وإذا كان الحكم المطعون فيه قد أخذ بغير هذا النظر فإنه‬
‫يكون قد جانب صحيح حكم القانون وتعين القضاء بإلغائه وبرفض طلب تنفيذ‬
‫القرار المطعون فيه لعدم قيامه بحسب الظاهر على أساس من صحيح الواقع‬
‫وحقيق القانون‪.‬‬
‫ومن حيث إن يخسر الدعوى يلزم مصروفاتها إعما ً‬
‫ال لحكم المادة «‪»184‬‬
‫من قانون المرافعات‪.‬‬

‫فلهذه األسباب‬
‫حكمت المحكمة‪:‬‬
‫ال وبقبول تدخل السيد‪ /‬محمد محمود مصطفى في‬ ‫بقبول الطعن شك ً‬
‫الطعن وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ‬
‫القرار المطعون فيه وألزمت المدعي المصروفات من الدرجتين وأمرت بتنفيذ‬
‫الحكم بمسودته وبدون إعالن‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫‪155‬‬
‫االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري‬

‫‪156‬‬

You might also like