Professional Documents
Culture Documents
- منهج القاضي الإداري
- منهج القاضي الإداري
2009 - 2008
محمد أمني املهدي
رئيس مجلس الدولة املصري سابق ًا
معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية
IE
STUD S
KUWAIT IN
L
ST
I
GA
TU
TE E
FOR &L
JUDICILA
............................................................................................................................................................
� UO% l
«*�Íd�UA�« bLŠ ‰ULł Ø—UA²
UÝ
� «
—« bNF
W
منهـج
القـاضـي اإلداري
محـاض ــرات ألقــيت علـى قضــاة الــدوائــر اإلداريــة
مبع ـهــد الك ـ ــويت لـل ـ ــدراسـ ــات القض ــائـ ـي ــة والق ــان ــونـ ـيــة
تأمالت في أحكام املرسوم بالقانون رقم 20لسنة 1981بإنشاء دائرة باحملكمة الكلية
2009 - 2008
1
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
2
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
ال������ف������ه������رس
الصفحة امل ــوضـ ــوع
احملاضرة األولى:
9 دور القاضي اإلداري في النظم السياسية املعاصرة.................. .
احملاضرة الثانية:
دور القاضي اإلداري في رقابة االنحراف التشريعي في
41 تنظيم احلقوق واحلريات العامة..................................................... .
احملاضرة الثالثة:
تأمالت في أحكام املرسوم بالقانون رقم 20لسنة 1981بإنشاء
77 دائرة باحملكمة الكلية لنظر املنازعات اإلدارية........................................................... .
114 امللحق رقم ( :)2حكم احملكمة اإلدارية العليا بجلسة ..................... .1987/1/31
119 امللحق رقم ( :)3حكم احملكمة اإلدارية العليا بجلسة ..................... .1989/3/25
125 امللحق رقم ( :)4حكم احملكمة اإلدارية العليا بجلسة .................. .1990/11/26
131 امللحق رقم ( :)5حكم احملكمة اإلدارية العليا بجلسة ..................... .1989/2/11
142 امللحق رقم ( :)6حكم احملكمة اإلدارية العليا بجلسة ..................... .1986/1/28
3
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
4
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
ت����ق����دمي
يبذل معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية في إطار رسالته جهود ًا
كبيرة لنقل اخلبرات والتواصل بني شيوخ القضاة وشبابه اهتمام ًا بتنمية
خبرات الشباب وأن يتاح لهم النقاش وطرح املشاكل الفنية والنظرية التي
تصادفهم في أداء رسالتهم املقدسة بلوغ ًا لغاية العدل عن متكن واقتدار من
أجل ذلك استضاف املعهد في غضون ديسمبر 2007شيخ ًا من شيوخ القضاء
اإلداري بجمهورية مصر العربية اسنت في أعماله الكثير من القواعد التي
أرسى بها مبادئ هامة في املشروعية واحلقوق واحلريات ذلكم هو املستشار
محمد أمني املهدي رئيس مجلس الدولة املصري األسبق والقاضي السابق
باحملكمة اجلنائية ال��دول��ي��ة ب�لاه��اي فألقى على ق��ض��اة ال��دوائ��ر اإلداري���ة
محاضرات ثالث تدور حول دور القاضي اإلداري في النظم السياسية املعاصرة
ودوره في رقابة االنحراف التشريعي في تنظيم احلقوق واحلريات وأخير ًا
تأمالت في أحكام املرسوم بالقانون رقم 20لسنة 1981بإنشاء دائرة باحملكمة
الكلية لنظر املنازعات اإلدارية.
وقد أهدى السيد املستشار املعهد حق طبع ونشر هذه احملاضرات وتوزيعها
على رجال القضاء فارتأى املعهد أن يضم هذا اإلص��دار بني دفتيه كتوثيق
ملا تضمنته هذه احملاضرات من معلومات قيمة نأمل أن يثرى بها العمل في
الدوائر اإلدارية.
وللفقيه الكبير املستشار محمد أمني املهدي كل الشكر والتقدير.
والله من وراء القصد
5
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
6
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
7
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
ونزوال على رأي هذهً التعرف على الفكرة األساسية التي صدرت عنها تلك المحاضرات
الصحبة الكريمة التي ال أملك أن أرد لها طلب ًا ،أو أخالف لها نصح ًا ،فقد توكلت على الله
والتزمت بالنصح الغالي ،فكان هذا الكتيب الذي أدعو أن يكون فيه بعض النفع حتى ينالني
عنه الجزاء الذي وعد الله به عباده المخلصين.
ومما يكون له مجال ذكر ،وبمناسبة ما أكدته من ضرورة بل وحتمية التزام القاضي بالصدق
أولي مترتب على مفاد صيغة القسم الذي يؤديه قبل واألمانة باعتبار أن كل ذلك مفترض ّ
أداء مهمته ،فإنه يطيب لي أن أشير إلى أن المحكمة الدستورية العليا اتفقت في رؤية سبق
للمحكمة اإلدارية العليا أن استخلصتها من مفاد عبارات قسم يلزم أن يؤديه عضو مجلس
الشعب ،التزاما بحكم الدستور ،قبل أن يقوم بمهام عضويته بالمجلس فقد كان للمحكمة
اإلدارية العليا بمجلس الدولة قضاء مفاده أن القسم الذي يؤديه عضو مجلس الشعب يلزمه بأن
يكون متمتع ًا بالجنسية المصرية وحدها دون أن تشاركها جنسية أخرى وإن ُأجيز له اكتسابها،
فجاء تفسير المحكمة الدستودية العليا بما مفاده أن عبارة القسم تتطلب ،ايضا صدقا وحق ًا
أن يكون عضو مجلس الشعب قد أدى الخدمة العسكرية اإللزامية أو ُأعفي منها قانون ًا .فإن
كان قد نكص عن واجب مقدس مصدره الدستور والقانون ،استحال انصياعه لحكم المادة
( )90من الدستور التي توجب على عضو مجلس الشعب أن يقسم يمينا باحترام الدستور،
وبهذا المنطق جرى قرار المحكمة الدستورية العليا في التفسير الصادر في 17من أغسطس
سنة ( 2003طلب التفسير رقم 1لسنة 24القضائية) .وكل ذلك يؤكد أن القسم ،الذي يؤديه
القاضي أو ذلك الذي يؤديه عضو مجلس الشعب قبل تولي كل منهما مهام واليته ،ليس
عز جالله عليه، طقس ًا شكلي ًا وإنما هو تعبير صادق عن عهد يتعهد به من يؤديه ،يشهد الله ّ
نزوال على حقيقة مضمونه. ً ً
كامال لمفاده على من أداه ويعني التزام ًا أمين ًا وانصياع ًا
أدعو الله أن يجعلني ممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه.
وعلى الله قصد السبيل.
أمين المهدي
القاهرة في
المحرم 1429هـ -يناير 2008م.
8
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
9
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
10
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
شغلت نظرية المرفق العام مكان ًا محوري ًا في صياغة أحكام القانون اإلداري
طوال القرن الماضي رغم ما ُوجه إليها من انتقادات أهمها تلك التي تستند
إلى عدم وحدة النظام القانوني الذي تخضع لها المرافق العامة سواء كان مرد
ذلك إلى اختالف طبيعة المرافق العامة اإلدارية منها وتلك الصناعية والتجارية،
أو كان مرد ذلك إلى األخذ ببعض أساليب القانون الخاص في إدارة المرفق
العام.
على إنه وأيا م ًا كان األمر ،فقد ظلت نظرية المرفق العام ،نتاج فقه وفكر
مدرسة بوردو بزعامه العميد «ديجي» تمثل حجر الزاوية في بنيان القانون
اإلداري ،كما ظلت عالقة في ذه��ن الفقه ومهيمنة على وج��دان القاضي
اإلداري.
ولعل مرد ذلك إلى أن هذه النظرية كانت تقوم على فكرة اساسية تقوم في
جوهرها على ضرورة تحقيق مفهوم التضامن بين أفراد المجتمع عن طريق
تلبية االحتياجات العامة .وكان ازدهار فكرة المرفق العام متزامن ًا مع انتشار
المفاهيم االشتراكية والتعاليم النابعة من ضمير إنساني مرهف ،التي انعكس
دورها على طبيعة الدور الذي تقوم به الدولة ،التي كانت توصف بأنها الدولة
الراعية «.»I´Etat providence
إال أنه ولما كانت التشريعات المقارنة التي توالى صدورها خالل العقود
األخيرة من القرن الماضي تكشف عن تغير في مفهوم الدولة ودوره��ا في
مختلف أوجه النشاط المجتمعي ،السياسية واالقتصادية واالجتماعية ،نتيجة
انسحاب الدولة عن القيام بالكثير من أوجه النشاط التي كانت تعتبر تقليدي ًا من
الوظائف األساسية والطبيعية للدولة ،فإذا كان ذلك وكان إنشاء المرفق العام
رهن ًا بإرادة السلطة العامة التي نادر ًا ما تفصح صراحة عن اعتبار نشاط معين
11
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
مرفق ًا عام ًا ،فإن القرائن التي يستدل بها على وجود المرفق العام والتي كانت
تتحصل أساس ًا في دخول النشاط في صميم وظيفة الدولة ،أصبحت محل
إعادة نظر بحسبان أن كثير ًا مما كان يدخل ،تقليدي ًا ،في صميم وظيفة الدولة،
أصبح بمقتضى تشريعات يتوالى صدورها من األنشطة التي تنحسر عنها سلطة
الدولة ،ولعل أهم ما يترتب على ما سبق من أثر يتمثل في ازدياد الصعوبات
التي أصبحت تحيط بنظرية المرفق العام في ذاتها ،مما من شأنه خلخلة المكانة
التي تشغلها هذه النظرية تقليدي ًا ،في بنيان القانون اإلداري.
فإذا كان ذلك ،فقد يكون من المالئم عدم االقتصار على وصف الواقع
المعاصر ،بأن نمضي قدما للتحري عما إذا كانت قد قامت فكرة محورية أخرى،
سواء بذاتها ،أو جنب ًا إلى جنب مع ما تبقى من مكانة تتمتع بها نظرية المرفق
العام ،كأساس تستند إليه أحكام القانون اإلداري ،وتصلح بالتالي كمصدر
يستمد منه القاضي اإلداري ،في استخالص سائغ واقع ًا وقانون ًا ،ما يتالءم من
صحيح الحكم على واقعات مايعرض عليه من منازعات.
( )1تستلزم ممارسة القاضي اإلداري كامل اختصاصاته على صحيح وجهه،
دوام استحضاره المبادئ العامة التي تعتبر بمثابة الركائز األساسية التي يقوم
عليها تنظيم المجتمع سياسي ًا وإداري ًا واقتصادي ًا ،والتي تكشف بهذه المثابة
عن المفهوم الخاص لدور الدولة من واقع تنظيم أوجه أنشطتها ووسائل
تداخلها في حركة المجتمع ،وكذلك عن مركز الفرد من منظور الحقوق
والحريات التي يتمتع بها في إط��ار التنظيم السياسي واإلداري للدولة
والضمانات المؤثرة قانون ًا لحماية تلك الحقوق والحريات ،وما يعين
القاضي اإلداري في ذلك هو التشريعات التي تعتبر قانون ًا من التشريعات
الرئيسية أو تلك التي يقر في الذهن الجمعي اعتبارها كذلك ،وهي تلك
ومثل وقيم عامة تسود في المجتمع التشريعات التي تكشف عن مفاهيم كلية ُ
وتمثل في الحقيقة والواقع التعبير الصادق عن فلسفة الحكم واإلدارة.
12
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
ويأتي الدستور على القمة من تلك التشريعات ،سواء فيما يرد في صلبه أو
ما تضمنته الوثائق المتصلة به ،ومنها مقدمته ،أيا ما يكون الرأي في مدى قوة
اإللزام التي تتمع بها بذاتها ،أو بمقتضى نص خاص يحيل إليها ،أو ما يرد في
الوثائق الملحقة به أو التشريعات المكملة له.وثمة تشريعات أخرى -بخالف
ومثل
ماسبق -مما يتصف بهذه السمة ،أي في كونها كاشفة عن مفاهيم كلية ُ
عامة وقيم سائدة في المجتمع ،وهي تلك التشريعات والتي وإن كانت تنظم
ممالة قيم تتجاوز أحكامها ،فرادى أو مجتمعة ،قيمشأن ًا معين ًا ،إال أنها تكون ّ
تختزل فيها السمات الرئيسية أو« الصفات الوراثية» للتنظيم المجتمعي.
( )2ولزوم اضطالع القاضي اإلداري بذلك أساسه أن للقاضي اإلداري
نصيب ًا في الكشف عن األحكام القانونية التي يتشكل منها نسيج القانون
اإلداري ،وال يعد مسلك القاضي اإلداري هذا خروج ًا وتجاوز ًا لنطاق
اختصاصه القضائي ،ذلك أنه من المستقر عليه ،ومن المعلوم عن القانون
اإلداري بالضرورة ،أن أحكام هذا النوع من القانون ليست بحكم الواقع
مقننة ،كما أن من تلك األحكام المقننة ما يتطلب تطبيقه على صحيح
وجهه استحضار أحكام أخرى تكمل ما نقص منها ،وكل ذلك من شأنه
أن يتيح للقاضي اإلداري أن ينزل صحيح الحكم على ما يعرض عليه
من منازعات قوامها وقائع غير متناهية ،وقضاء القاضي اإلداري في هذه
األحوال ،إنما يجد أساسه وسند شرعيته فيما يستقرأه من قواعد عامة
استخالص ًا من أحكام التشريعات وابتغا ًء لوجه الصالح العام األمر الذي
,
تتمثل فيه بحق الشرعية األولى « »L Egitimiteأو األساسية للبنيان
القانوني الذي ينظم حركة المجتمع في زمن معين.
( )3وطريق القاضي اإلداري ,في كل ما تقدم ،هو ال��ص��راط الوسط بين
مذهبين،مذهب أهل القانون الخاص ،فقهاؤه وقضاته ،الذين ينحازون ،في
العادة ،إلى اقتناع بأن القانون المدني هو وحده الذي يتمتع بصفة«القانون
الحق» بحسبان أن القاضي المدني إنمايتعين أن ينحصر دوره في دقيق تفسير
13
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
وتطبيق حكم القانون مع احترام مبدأ حرية اإلرادة طالما لم تخالف حكم ًا
ملزم ًا .ومذهب أهل علم االجتماع الذين يقومون بدراسة وتحليل الظواهر
االجتماعية ،ومن ذلك تحديد مفهوم دور الدولة ومركز الفرد في زمن معين،
غير مقتصرين في دراستهم وتحليلهم على مفاد أحكام التشريعات ،وإن كانت
دراسة هذه التشريعات واستخالص النتائج استقراء منها مما يدخل في زمرة
المؤشرات التي يعولون عليها في دراسة الظاهرة االجتماعية.
وإيضاح ًا لما سبق ،فقد استقرأ القضاء اإلداري المصري مث ً
ال منذ إنشائه في
منتصف القرن الماضي ،من أحكام الدساتير المتعاقبة والتشريعات األساسية
الدور االيجابي المحدد للدولة في حركة المجتمع وفا ًء لالحتياجات العامة من
ناحية ،ومركز الفرد من منظور الحقوق والحريات العامة من ناحيه أخرى .فكان
استقراء الدور االيجابى للدولة في حركة المجتمع أساس ًا أقيمت علية نظرية
المرفق العام مع ما تقرر على مقتضاها من أحكام ,كان البعض منها مما تناولته
األحكام بالنص ،في حين كان الكثير منها نتاج صياغة القاضي اإلداري.
وعلى سبيل المثال فقد جرى قضاء مجلس الدولة المصري ،على غرار
القضاء اإلداري الفرنسي ،بأنه حتى في حالة عدم وجود نص بإلزام اإلدارة بإنشاء
مرفق عام ،فإنه متى تقرر ذلك ،فان المرفق العام يخضع لمبادئ عامة ،مستمدة
من روح التشريعات ،تتحصل في ضرورة سيره بانتظام واطراد ودوام إجراء
مواءمة إدارته مع االحتياجات العامة ،وضرورة توافر المساواة أمام المرفق,
كما أضيف إلى ما سبق مبدأ آخر هو مبدأ الحياد« »neutralitéومفاده عدم
االكتفاء بتحقيق مبدأ المساواة أمام المرفق ،بل يتعين أن يراعى المرفق في سيره
عدم االنحياز إلى أي تيار فكري أو سياسي من شأنه أن يخرج المرفق عن دوره
الحيادي الواجب .ففي فرنسا ،واستنادا إلى هذا المبدأ ،فقد صدر المنشور
اإلداري المؤرخ 12من ديسمبر 1989الذي يمنع القائمين على التدريس من
إرت��داء زي أو حمل إشارة تكشف عن اتجاه فلسفي أو ديني أو سياسي مما
14
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
من شأنه المساس بحرية التالميذ في االعتقاد ومن ثم التأثير على دور األسرة
التربوي.
ومما له مجال ذكر في هذا المقام أن محكمة القضاء اإلداري المصري قضت
بأن ارتداء المدرسات الحجاب ال ينبئ في ذاته عن اتجاه ديني أو سياسي معين،
ال عن الجانب الشرعي في شأنه ،مما يتفق والعادات وإن تغطية الرأس فض ً
المستقرة في مصر وال يكشف عن اتجاه ديني أوسياسي معين ،وبالتالي انتهت
المحكمة إلى وقف تنفيذ القرار الوزاري الصادر بمنع المدرسات المحجبات
من التدريس وتكليفهن بمهام إداري��ة وحسب،كما كان استخالص القاضي
اإلداري حقيق التكييف القانوني لمفهوم الحق العام أو الحرية العامة من مفاد
األحكام المقررة لها أساس ًا لقضاء محصلته أن الصفة العامة التي تلحق بفئة
معينة من الحقوق والحريات ترتب آثار ًا قانونية من شأنها إلزام الدولة بصونها
وضمانها ،وبالتالي فال يكون تنظيم هذا الحق أو تلك الحرية إال بتشريع يضمن
عدم المساس بأصل هذا الحق أو تلك الحرية ،وعلى ذلك فقد جرى القضاء
اإلداري في مصر على أنه ولئن كانت المادة ( )15من دستور سنة 1923التي
تقرر حرية الصحافة كحرية من الحريات العامة ،تجيز على سبيل االستثناء
والعتبارات الحفاظ على النظام االجتماعي إنذار الصحف أو وقفها أو إلغاؤها
بالطريق اإلداري ،إال أن استناد اإلدارة إلى هذه الرخصة إنما يكون منوط ًا بصدور
تشريع يحدد شروط وأوضاع إعمالها ،وعلى ذلك فإنه وإلى أن يصدر التشريع
المنظم لذلك ،فال يجوز لإلدارة قانونا أن تستند إلى الحكم الوارد بالدستور
أساس ًا تقيم عليه القرار بالمصادرة اإلدارية حتى وإن أبدت اإلدارة أن القرار قام
على دواعي وقاية النظام االجتماعي.
كما قضت محكمة القضاء اإلداري في حكم حديث بأنه ال يصح دستوري ًا إن
يفوض القانون الصادر بتنظيم حق أو حرية عامة منصوص عليها في الدستور؛
وكانت في واقع المنازعة المطروحة حرية السفر والتنقل ،السلطة اإلدارية في
15
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
وضع ضوابط تنظيم هذا الحق أو تلك الحرية ،بل يتعين أن يتناول القانون
تنظيم هذه الضوابط والقيود التي يتعين أن يمارس الحق أو الحرية العامة في
إطارها .فخالصة القول إن النهج الذي يتعين ان ينتهجه القاضي اإلداري من
شأنه أن يحدد اإلطار العام لحدود اجتهاده ،كما يبن له معالم سبيل التحري
عن حقيق القاعدة القانونية التي تحكم الواقعه تمهيد ًا لصحيح تطبيقها ،وكل
ذلك مما يعصم القاضي اإلداري من أن تصدر أحكامه عن هوى أو من منطلق
اعتبارات شخصية أو نتيجة رؤية خاصة .وبالترتيب على ذلك يصبح النظر إلى
أحكام القضاء اإلداري باعتبارها نبع ًا يمكن أن تستقي منه -إلى جانب أحكام
التشريعات -المعالم الرئيسية لتنظيم المجتمع بما في ذلك تحديد دور الدولة
والمركز القانوني الذي يتمتع به األفراد.
ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن السمة الرئيسية للنظم المقارنة حتى
أخريات عقود القرن الماضي ،كانت تتحصل في تكريس مفهوم الدولة الراعية
" "Etat Providenceمع ما يفرزه هذا المفهوم من ازدهار فكرة المرفق
العام كدعامة أساسية لبنيان القانون اإلداري ،بعد انزواء مفهوم السلطة العامة
كأساس وحيد للقانون اإلداري ،باعتبار ان هذا القانون يقوم في أساسه ،وفى
المقام األول ،على إخضاع اإلدارة لحكم القانون ،وليس لتكريس امتيازات
لإلدارة في مواجهة األفراد.
( )4إال ان��ه ,واعتبار ًا من أخريات سنوات القرن الماضي ،فقد تعددت
التشريعات والوثائق الوطنية والدولية التي تكشف عن فكرجديد تصدر
عنه ،ليس هو باليقين الفكر الذي كان سائد ًا حتى هذا الوقت وذلك من
ناحيتين؛ أوالهما ويتصل بدور الدولة وبما يتاح لها من وسائل التدخل في
حركة المجتمع ،وثانيهما ويتعلق بحقوق األفراد سواء من حيث مصادر
الحقوق ووسيلة حمايتها ،أو من حيث التكييف الذي أسبغ على البعض
منها بحيث صارت مما يعتبر حقوقا لالنسان له التمتع بها باعتباره لصيقة
بشخصه وبآدميته مما يجعلها عصية على المساس بها تقييد ًا أو انتقاص ًا،
16
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
بل قد يصل األمر إلى حد تقرير جزاء جنائي وطني أو دولي يتعرض له من
قام بانتهاك الحق أو التطاول عليه أي ًا ما تكون صفته الرسمية ،وعلى سبيل
المثال فالجزاء الجنائي مقرر بالنسبة لمرتكبي جرائم اإلبادة الجماعية
« »Genocideبقتضى أحكام اتفاقية سنة 1948وبالنسبة للجرائم
ضد اإلنسانية بمقتضى أحكام اتفاقية روما لسنة ،1998التي تضمنت
إنشاء المحكمة الجنائية الدولية وتنظيم اختصاصها ،والتي دخلت حيز
التنفيذ اعتبار ًا من أول يوليو .2002أما عن الحقوق التي ال يجوز بحال
المساس بها أو االنتقاص منها فمثالها ما ورد بالفقرة الثانية من المادة
4من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966؛ ذلك أنه
ولئن كانت الفقرة األول��ى من المادة المشار إليها تنص على إمكانية
الخروج ،في حالة الطوارئ العامة التي تهدد حياة األمة ،على الحقوق
التي يتضمنها العهد ،إال ان الفقرة الثانية تنص على وعدم جواز الخروج
مطلق ًا على بعض الحقوق هي الحق في الحياة ،عدم الخضوع للتعذيب
أو العقوبة القاسية أو الالإنسانية أو المهينة ،ومبدأ جريمة وال عقوبة إال
بنص ،والحق في االعتراف بالشخصية القانونية ،والحق في حرية التفكير
ال عن ذلك واالعتقاد والدين ،وعدم الخضوع للرق أو االستعباد .وفض ً
فقد نصت المادة ( )1/2من اتفاقية محاربة التعذيب وغيره من المعاملة
والعقوبات القاسية والال إنسانية أو المهينه (اتفاقية سنة )1984على أن
أية ظروف استثنائية ،أي ًا ما تكون وسواء كان مردها إلى قيام حالة حرب
أو تهديد بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أية طوارئ عامة ،ال
يمكن التعلل بها لتبرير التعذيب.
ومما له مجال ذكر في هذا المقام أن هيئة مفوضي الدولة بمجلس الدولة
المصري ،قامت سنة 1999بالطعن لصالح القانون والمشروعية على حكم
محكمة القضاء اإلداري الصادر برفض الدعوى بطلب إلغاء قرار إداري بتوقيع
عقوبة الجلد على مسجون بمقولة ارتكابه مخالفة لتعليمات السجن ونظمه،
17
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
األمر الذي كانت تجيزه الئحة السجون في ذلك الوقت ،وقد استندت هيئة
مفوضي الدولة في طعنها على أن عقوبة الجلد هي عقوبة مهينة وال إنسانية
تتعارض مع النواهي المقررة دولي ًا عن ارتكاب مثل هذه األفعال .وقد كان ذلك
سبب ًا حدا بالمشرع المصري إلى التدخل بإلغاء النص الذي كان يجيز توقيع
عقوبة الجلد على بعض المخالفات التي يرتكبها المسجونون .ومما يتعين
اإلشارة إليه في شأن الحقوق والحريات ،ما كان لقضاء المحكمة الدستورية
العليا في مصر من أنه «ال يجوز للدولة القانونية أن تنزل بالحماية التي توفرها
لحقوق مواطنيها وحرياتهم عن الحدود الدنيا لمتطلباتها المقبولة بوجه عام
في الدول الديمقراطية ،وال أن تفرض على تمتعهم بها أو مباشرتهم لها قيودا
تكون في جوهرها أو مداها منافية لتلك التي درج العمل في النظم الديموقراطية
على تطبيقها ،وأال تخل تشريعاتها بالحقوق التي يعتبر التسليم بها في الدول
الديموقراطية مفترض ًا أولي ًا لقيام الدولة القانونية وضمانة أساسية لصون حقوق
اإلنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة».
ويكشف هذا القضاء أن المحكمة الدستورية العليا ارتقت ببعض الحقوق
والحريات ،وهي التي عبرت عنها المحكمة بأنها من تلك التي يعتبر التسليم بها
مفترض ًا أولي ًا لقيام الدولة القانونية ،من منظور النظم الديموقراطية ،إلى مصاف
القواعد الدستورية التى تتشكل منها المشروعية األساسية التي يقوم عليها البنيان
القانوني برمته في الدول القانونية ،أي تلك التي تخضع لحكم القانون .ومفاد
هذا القضاء هو وجود شرعية دستورية ُتستقى مما درج عليه العمل في النظم
الديموقراطيه من تقرير وحماية طائفة من الحقوق والحريات هي التي يتوافر لها
شرطان :أن تكون من تلك التي يعتبر التسليم بها مفترض ًا أولي ًا لقيام الدولة القانونية،
وأن تكون اساسية لصون حقوق اإلنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة.
وعلى هدي المنطق القانوني الذي يكشف عنه هذا القضاء يمكن القول بأن
ثمة شرعية دستورية وطنية تستمد مصادرها مما جرى عليه العمل في النظم
18
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
الديموقراطية المقارنة ،كما وأن منطق المحكمة الدستورية العليا مفاده أن
هذه الشرعية الدستورية تتأثر بما عساه يطرأ من تطور في النظم الديموقراطية
التي يشير إليها حكم المحكمة الدستورية العليا دون تحديد لنظام بعينه أو
تنظيم سياسي على وجه الخصوص .ولعل هذه المرجعية كمصدر من مصادر
المشروعية الدستورية هي مكون أساسي يندرج في منطوق الفكرة المحورية
التي يهدف هذا البحث إلى بيانها.
أما عما طرأ على مفهوم دور الدولة فيتمثل في ظاهرة تكاد أن تكون عامة،
في النظم السياسية معاصرة ،إذ تعددت التشريعات المقارنة التي تحد من تدخل
الدولة في مختلف مجاالت الخدمات العامة،مما كانت تقوم علية مرافق عامة،
سواء كانت مرافق عامة إدارية أو مرافق عامة صناعية وتجارية .بل امتد انحسار
دور الدولة إلى التخلي عن بعض ما كان من صميم اختصاصات السلطة العامة،
على نحو ما سنبينه الحق ًا.
فكان أن تعددت التشريعات واإلجراءات التي تستهدف تطبيق ما درج على
تسميته بسياسة الخصخصة « »Privatisationوذلك بتصفية ما هو مملوك
للدولة من وحدات اقتصادية صناعية أو تجارية أومؤسسات بنكية وذلك عن
طريق بيعها أو التصرف في أنصبة الدولة في رؤوس أموال تلك الوحدات إلى
األفراد والشركات سواء منها الوطنية أو األجنبية.
وتؤكد المؤشرات على أن هذه السياسات إنما هي تطبيق ،يتفاوت في
سوق له تفاهم واشنطن (أي البنك الدولي المدى من دولة إلى أخرى ،لمفهوم ّ
وصندوق النقد الدولي وكالهما مقره بواشنطن حيث يوجد المقر الرسمي
لحكومة الواليات المتحدة األمريكية( ،)1بحسبان أن تحقيق التنمية الشاملة في
مختلف البالد إنما يتطلب إتباع سياسة ذات شقين؛ شق اقتصادي مؤداه امتناع
(( )1ترجع تسمية تفاهم واشنطن) the Washington Consensusإلى األستاذ Sornarjahفي المحاضرة التي ألقاها بمركز التجارة والقانون بكندا
سنة 2002بعنوان «»the clash of globalisation and the international law on foreign investment
19
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
20
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
على سبيل المثال ،إعالن برنامج عمل فيينا الصادر عن المؤتمر الدولي لحقوق
اإلنسان المعقود في فيينا خالل الفترة من 14إلى 25من يونيو سنة 1993
حيث تضمن اإلعالن تحت البند( )8أن «الديموقراطية والتنمية واحترام حقوق
اإلنسان والحريات األساسية أمور مترابطة يعزز بعضها بعض ًا».
كما تضمن إعالن األمم المتحدة بشأن األلفية الجديدة تحت البند ()5
التعبير عن إيمان الدول األعضاء «أننا نعتقد أن التحدي األساسي الذي نواجهه
اليوم هو ضمان جعل العولمة قوة ايجابية لصالح جميع شعوب العالم» ،كما
ورد تحت خامس ًا بعنوان «حقوق اإلنسان والديموقراطية والحكم الرشيد()3
ال بما يسمح ضرورة العمل بصورة جماعية لجعل العمليات السياسية أكثر شمو ً
بمشاركة جميع المواطنين فيها بصورة حقيقة في مجتمعاتنا كافة ،وأيض ًا كفالة
حرية وسائط اإلعالم كي تؤدي دورها األساسي وضمان حق الجمهور في
الحصول على المعلومات».
وأنه ولئن كان ماتقدم ،فانه ليس مفاده أن سياسة العولمة ،سواء على مستوى
الفكر والنظرية أو على مستوى التطبيق العملي ال تلقى معارضة أو ُتقابل
بتحفظ ،سواء صدر ذلك عن دولة أو كان مسلك ًا لمنظمة غير حكومية ،تأسيس ًا
على تقدير بأن سياسة العولمة إنما هي ترسيخ لهيمنة تتضمن بحكم الضرورة
مساس ًا بأوضاع شعوب بعض البالد وباألخص تلك التي تنتمي إلى طائفة البالد
اآلخذة في النمو .وأي ًا ما يكون األمر فيصح القول بأن السمة الغالبة ،في معظم
النظم المعاصرة ،خاصة بعد انهياراالتحاد السوفيتي والتحوالت التي طرأت
على الموازين الدولية نتيجة التطورات التى حدثت بدول أوروبا الشرقية هي
األخذ بفكرة العولمة وتطبيق مقتضاها ،سواء كان ذلك عن اقتناع واختيار ،أو
كان ذلك مشوب ًا بنوع أو آخر من اإلكراه أو درجة أو أخرى من االضطرار ،وأنه
لمن العلم العام أن من المنظمات الدولية ،وفي المقدمة منها البنك الدولي
( )3ويالحظ أن الترجمة التي درج استعمالها لمصطلح « »Good governanceتعوزها في تقديرنا الدقة ،واألدق أن تكون الترجمة هي
«األدارة الرشيدة» على ما سنوضحه في المتن الحقا.
21
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
وصندوق النقد الدولي ،ما درجت على إصدار تقارير بشأن تصنيفات بعض
الدول ،تشتمل على ماتراه تلك المنظمات عن مدى االلتزام بتطبيق مقتضيات
سياسة العولمة على تنظيم األوض��اع المالية واالقتصادية وم��ا عليه حال
التنظيم اإلداري من االلتزام بقواعد الشفافية أو ما قد يشوب األداء اإلداري
من انحرافات مالية أو إدارية .ولما كانت التقارير المشار إليها تعتبر ،ويقصد
بها أن تعتبر ،بمثابة الصكوك الدولية التي تيسر تعامل الدولة التي حسنت
التقارير في حقها مع المؤسسات المالية والنقدية الدولية ،مع تهيئة مناخ جذب
تعسر هذا التعامل بحيث يتم ،إن تم
االستثمارات ورؤوس األموال األجنبية أو ّ
البين .وكل ذلك مما
أصال ،بشروط قد تصل إلى درجة اإلجحاف واالستغالل ّ
يمثل وجه اإلكراه أو االضطرارالذي تواجهه بعض البالد.
على أنه ،ولما كانت العولمة تصدر ،في مفهومها االقتصادي على أساس
مفاده ضرورة االحتكام إلى قوانين السوق وقواعد المنافسة الحرة ،فان ذلك
يتنافى ،بالضرورة ،مع تدخل الدولة في النشاط االقتصادي عن طريق التنظيم
الفوقي « ،»Reglementationبحيث يتعين أال يكون للدولة في هذا المجال
إال أن تسهر على توافرالشروط الالزمة لتحقيق الشفافية والمنافسة الحرة.
فإذا لزم تدخل الدولة بتنظيـم السـوق توفير ًا لحرية المنافسة وضمان ًا لحقوق
المستهلكين ،فإن أسلوب التنظيم يتعين أن يكون مختلف ًا عن ذلك الذي يصدر
عن سلطة عامة ترفض القواعد التي يتعين إعمالها والخضوع لمقتضاها ،وإنما
يتم ذلك عن طريق ما يمكن تسميته بالتنسيق « »Regulationبعد تشاور مع
أصحاب الشأن باعتبارهم أصحاب المصلحة األولى واألدرى واألقدر على
اقتراح الحلول المناسبة لما يطرأ من مشكالت الواقع ،كما أن العولمة إذا
كانت ،في محورها الفكري أو االيديولوجي ،تقوم على أساس تكريس حقوق
الفرد وحرياته بحسبان أن إفساح أكبر قدر من الحقوق والحريات من شأنه أن
يدفع األفراد إلى العمل واإلنتاج والتنافس الذي بدوره يؤدي إلى تحقيق أكبر
فائدة وأكثر عائد على الجميع ،فإن ذلك كله مما يقتضي ،حسب منطق سياسة
22
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
العولمة ورؤية دعاتها ،تطبيق كامل متطلبات سياسة العولمة بشقيها االقتصادي
والفكري ،وال يكون ذلك إال عن طريق األخذ بمفهوم اإلدارة الرشيدة «Good
.»governance
وقد تبدت تباشير مفهوم اإلدارة الرشيدة،باعتباره حق ًا من حقوق اإلنسان
اعتبار ًا من سبعينيات القرن الماضي ،حيث اعتبر هذا الحق ضمن الحقوق التي
تنتمي إلى الجيل الثالث من حقوق اإلنسان( ،)4جنبا إلى جنب مع الحق في
التنمية والحق في العيش في البيئة الصالحة .ولعل ان من أوضح الوثائق الدولية
التي أش��ارت إلى الرابطة بين مفهوم الدولة وحقوق اإلنسان في إطار نظام
العولمة هو التقرير الذي أعده السكرتير العام لألمم المتحدة سنة 1999الذي
جاء به» أن السيادة الوطنية في مفهومها األساسي يتعين أن تكون مح ً
ال إلعادة
تعريف جذري ،ليس فقط نتيجة تأثير قوى العولمة وسياسات التعاون الدولي،
وانما ألن الدول ينظر إليها حالي ًا باعتبارها مؤسسات في خدمة شعوبها وليس
العكس .وفي المقابل ،فإن سيادة الفرد تزداد رسوخ ًا نتيجة اإليمان المتجدد
بحقوق اإلنسان .ومن هنا كان من الضروري في القرن الحادي والعشرين،
صياغة مفهوم جديد للمصالح الوطنية ،يكون أكثر إدراك � ًا وأدق وصف ًا من
المفهوم التقليدي ،بحيث يعكس المفهوم الجديد الدواعى التي تدفع الدول
إلى توحيد جهودها لتحقيق األهداف والغايات المشتركة(.»)5
()4على اعتبار أن الجيل األول من حقوق اإلنسان يتمثل في الحقوق التي تضمنها اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان لسنة
1948وان الجيل الثاني من تلك الحقوق هو الذي مرده إلى أحكام العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية وللحقوق
االجتماعية واالقتصادية لسنة .1966
ومع مراعاة ان اصطالح «اإلدارة الرشيدة »استخدمه البنك الدولي في توجيهاته بديال عن مصطلح «اإلصالحات
المؤسسية» و"إصالحات الدولة" باعتبار أن مصطلح اإلدارة الرشيدة يبدو اقل مساسا بالكبرياء الوطني .يراجع في ذلك
مؤلفJean Christophe Graz:la gouvernence de la mondialisation.Paris 2004, p.40
(ph. Defarges. la mondialisation, Paris 2005.p108 )5
23
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
( )5والقاضي اإلداري ُمطالب اليوم بأال يبقى أسير نظريات مهما كان من
تأصلها في الفكر القانوني وما قد تكون قامت به من دور في صياغة
منظومة أحكام القانون اإلداري ،متى أصبحت تلك النظريات غير معبرة
عن الواقع المعاصر الذي شهد ويشهد تغيرات جذرية تتوالى في اتجاه
تحقيق متطلبات سياسات العولمة في مختلف مناحيها؛ سواء فيما يتصل
بدور الدولة أو فيما يتعلق بمفهوم حقوق اإلنسان .فالالفت في غالبية
النظم السياسية المعاصرة انسحاب الدولة عن القيام بممارسة أنشطة من
تلك التي كانت تعتبر مظهرمن مظاهر السطلة العامة ومبرر ًا ألصل قيامها
وأساس ًا لشرعيتها .ونعني بذلك على سبيل المثال إقامة العدل وتوفير
األمن واحتكار استعمال القوة المسلحة.
فعن إقامة العدل ،ثمة ظاهرة انتشرت في النظم المقارنة مفادها التوسع في
االلتجاء إلى التحكيم وسيلة لفض المنازعات أمام مختلف جهات التحكيم
الوطنية واإلقليمة أو الدولية .وقد امتدت هذه الظاهرة لتشمل منازعات العقود
اإلداري���ة وه��ي تلك العقود التي تخضع،حسب مفاد قضاء إداري مستقر،
لألحكام الخاصة التي تنظم العقود اإلدارية ،التي هي في التعريف التقليدي لها
تلك العقود التي يبرمها الشخص المعنوي العام ،أو تكون قد أبرمت لحساب
اإلدارة ولمصلحتها بغرض تنظيم مرفق عام أو تسييره باستخدام وسائل القانون
العام.
ويمكن رد األحكام الخاصة التي تنظم العقود اإلدارية إلى فكرة محورية
هى مراعاة الصالح العام واعتبارات ضمان سير المرفق العام ،وهذه الفكرة
المحورية هى التي كانت أساس ًا رتب عليه القضاء اإلداري ما يتناسب من أحكام
من شأنها تحقيق الغاية من االلتجاء إلى أسلوب التعاقد وسيلة لتحقيق أهداف
المرفق العام.ولعل ماحدث في الواقع المصري ما يصلح أن يكون تعبير ًا عن
هذه الظاهرة .فقد كان القضاء اإلداري في مصر يذهب إلى عدم جواز التحكيم
في منازعات العقود اإلدارية بالنظر إلى الطبيعة القانونية للعقد اإلداري .فكان
24
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
وبالتالي فال يترتب بطالن شرط التحكيم في حالة عدم استيفاؤه الموافقة( .مثال
على ذلك :القرار في الدعوى التحكيمية رقم 464لسنة 2006الصادر في 2
من يوليو 2006أمام مركز القاهرة اإلقليمي للتحكيم التجاري الدولي).
والرأي أن إجازة التحكيم في منازعات العقود اإلدارية ،وبالتالي انحسار
القواعد الموضوعية التي تنظم العقود اإلدارية عن تلك المنازعات التي تفلت
من اختصاص قاضيها الطبيعي ،قد يترتب عليها اإلخالل بسير المرفق العام أو
المساس بانتظام أدائه ،مما يتداعى باألثر على مفهوم المرفق العام ذاته بحكم
الضرورة ،بحسبان أن سير المرفق العام بانتظام واطراد هو متطلب أساسي ال
يصح أن ينفك عن المرفق العام .ويضاف إلى ما سبق أن الكثير من هيئات
التحكيم خاصة الدولية منها ،ما يتحلل في أحيان كثيرة من تطبيق أحكام
التشريعات الوطنية رغم وجود النص بتطبيق التشريعات الوطنية ،سبيال إلى
تطبيق األعراف التجارية الدولية lex Mercatoriaباعتبار أن تلك األعراف
هي التي تحقق أفضل الحلول للمنازعات التجارية.
وقريب من ذلك ما تضمنته المذكرة اإليضاحية لمشروع قانون التحكيم
التجاري الدولي الذي كان قد تقدم به وزير العدل المصري إلى مجلس الوزراء
من أن المستثمر «يطمئنه أن يجد عند قيام النزاع للفصل فيه قضاء يسير على
القواعد واألصول التى استقرت في المعامالت التجارية الدولية .ولما كان
التحكيم هو األسلوب السائد في هذه المعامالت التجارية الدولية فقد أولته
الحكومة اهتمام ًا خاص ًا».مما يكشف عن رؤية المشرع المصري في الربط بين
هيئة التحكيم المنوط بها الفصل في المنازعة وبين القواعد الواجبة التطبيق.
ومما له مجال ذكر في هذا الصدد ،ما أخذ به القرار الصادر من هيئة التحكيم
المكونة في إطار المركز الدولي لفض منازعات االستثمار التابع للبنك الدولي
« »ICSIDفي القضية التي أقيمت ضد الحكومة المصرية وتتعلق بمشروع
استغالل هضبة األهرام (القرار الصادر في مايو سنة 1992في القضية المقيدة
بالمركز الدولى تحت رقم ،)ARB/84/3من أنه يجوز لهيئة التحكيم المشكلة
26
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
في إطار المركز الدولي للتحكيم أن تطبق أحكام القانون الدولي حتى وإن كان
أطراف المنازعة قد اتفقوا على خضوع التعاقد لحكم القانون الوطني وذلك
في حالتين ،أولهما حالة تعارض القانون الوطني مع أحكام القانون الدولي،
وثانيهما حالة عدم وجود نص ،في القانون الوطني ،يحكم المنازعة .ومفاد
كل ذلك في منطق قرار هيئة التحكيم المشار إليه (وقد صدر بأغلبية األصوات
مع رأي مخالف قال به كاتب هذه السطور( )6ترتيب مدارج التشريعات بحيث
يعتبر التشريع الوطني في مرتبة أدنى من مرتبة أحكام القانون الدولي.وفي
ضوء ماتقدم جميعه ،يكون مشروع ًا تساؤل بعض الفقه عن مدى مالءمة تصدي
هيئات تحكيم مشكلة من أفراد قد يكونوا بعيدين عن الواقع القائم وعن التعامل
ال دون إحساسهم بنبض التشريع مع نصوص القانون الوطني ،مما قد يقف حائ ً
الوطني ،األمر الذي يؤدي بهم إلى االستناد أساس ًا ،في فصلهم في منازعات
العقود اإلدارية على المبادئ التجارية العامة ( ،)7دون القواعد الواجبة التطبيق
أساس ًا المستمدة من أحكام القانون اإلداري.
( )6وإذا كان ما سبق هو حال السلطة القضائية التي تتعرض لتآكل في
اختصاصها بقدر ما ي��زداد االلتجاء إلى التحكيم بعيد ًا عن المحاكم
الوطنية ،فان ثمة مظاهر معاصرة تكشف عن تأكيد انحسار دور الدولة
بالنسبة ألنشطة كانت تعتبر تقليدي ًا مظهر ًا للسلطة العامة وإن لم تعتبر
من خصائص تلك السلطة .ويتصل ذلك بما هو حادث في مجاالت
األمن الداخلي والخارجي .بيان ذلك أن التشريعات المعاصرة تجيز
إنشاء شركات خاصة تتولى حراسة األف��راد والممتلكات ،كما تؤمن
نقل النقود والمعادن الثمينة .ومن المعروف أن تحقيق األمن وضمان
إسقراره كان هو أحد أهم مظاهر السلطة العامة بل هو أحد أهم مبررات
( )6وقد أيد فريق من الفقه الرأي المعارض الذي قلنا به يراجع على سبيل المثال:
)G. Delaume, The Pyramids Stand. The Pharaohs can rest in peace. ICSID Review 288 (1993
(M. Sornajah , «The clash of globalizations and the international law of foreignt «investment»)7
.Ottawa,2002
27
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
وجودها .فإذا أضيف إلى ما سبق ظاهرة الشركات التي تكونت حديث ًا،
في الواليات المتحدة ،بغرض القيام بعمليات عسكرية قتالية ،وأشهرها
شركة« »Blackwaterالتي تملك قواعد تديب عسكري داخل الواليات
المتحدة األمريكية ،وتملك مختلف المعدات الحربية من مروحيات
إلى سيارات حربية مدرعة إلى غير ذلك من معدات وأدوات قتال .وقد
مارست هذه الشركات وعلى األخص شركة «بالك ووتر» مهمات قتالية
ال،على إقليم دولة العراق ،إذ عهد إليها مثال مما أصبح معروف ًا ومتداو ً
عمليات تعقب عناصر المقاومة في بعض المدن منها مدينة الفلوجة
حيث ارتكب تابعوها انتهاكات جسيمة لقواعد القانون الدولي اإلنساني
مما كان سبب ًا فى إثارة الكثير من التساؤالت القانونية حول مدى مسئولية
قيادة القوات األمريكية عما يرتكبه تابعو هذه الشركات ،وأيضا حول
مدى خضوع هذه الشركات وتابعيها لاللتزامات والواجبات المنصوص
عليها في القانون الدولي اإلنساني ،وأيض ًا مدى تمتع هؤالء األفراد
بالمزايا والحصانات المقررة بتلك األحكام في حالة الوقوع في األسر
مثال ،أو تعرضهم لإلصابة أثناء العمليات العسكرية التي يشتركون فيها
أو حال تعرضهم لهجوم عسكري .ولعله وقبل كل ذلك ،فإن وجود
هذه الشركات في ذاته سواء داخل إقليم دولة المنشأ مع ما يتطلبه ذلك
من حيازة أنواع من األسلحة والمعدات والتدريب عليها ،أو خارج هذا
اإلقليم حال تكليفها بمهام تقتضي بالضرورة التعامل مع سلطات أجنبية
وشعوب ليست بالضرورة مما يمكن وصفها بالصديقة ،مما يشكل
مظهر ًا شديد الداللة على ماطرأ من تغير لمفهوم دور الدولة في اتجاه
تقلص مجاالت ممارسة أنشطتها وانسحابها من ميادين كانت تعتبر ،قو ً
ال
واحد ًا ،من أبرز مظاهر السلطة العامة وعنوان ًا لها .وكل ذلك مما يدفع إلى
ضرورة إعادة النظر في مفهوم نظرية سادت ردح ًا من الزمان وتغلغلت في
أحكام القانون اإلداري ،كماسيطرت على فكر ومشاعر المعنيين بأمور
28
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
القانون اإلداري من قضاء وفقه ،ونعني بذلك نظرية المرفق العام الذي
كان يستدل على قيامه ،مع غيره من القرائن على دخول النشاط في صميم
وظيفة الدولة .فما كان يعتبر ،تقليدي ًا ،من صميم وظائف الدولة لم يعد
بالضرورة كذلك في الواقع المعاصر .وال يقتصر األمر على ما سبق بيانه
من أمثلة بل يتعدى ذلك إلى أنشطة مثل التأمين االجتماعي والصحي،
والتعليم بمختلف مراحلة.وفي خضم كل ذلك تزداد الصعوبات التي
تأخذ بتالبيب نظرية المرفق العام ،بعد أن تداخلت المجاالت التي تتسع
لدور الدولة فيها ،مع األنشطة التي أصبحت متاحة لالفراد ،ليس فقط في
المجاالت االقتصادية واالجتماعية ،بل تجاوز ذلك إلى القيام بأنشطة مما
كانت تعتبر مظهر ًا من مظاهر السلطة العامة أو مرافق عامة تحتكر الدولة
إنشاءها وتسييرها على النحو الذي يحقق المصلحة العامة ،وحيث كان
يتمثل في هذه المرافق العامة مفهوم التضامن االجتماعي في ظل مفهوم
الدولة الراعية «.»l ‘Etat Providence
وإذا كان القضاء اإلداري قد تبنى في ظل سيادة مفهوم الدولة الراعية ،نظرية
المرفق العام ونسج منها ولها أحكام ًا تستهدف تأكيد مفهوم الدولة الراعية،
منها ضرورة سير المرفق العام بانتظام واطراد مع ما يترتب على ذلك من نتائج،
وضرورة دوام تحقق الموائمة بين األحكام التي تنظم المرفق العام مع الظروف
واألوضاع التي تطرأ في الواقع ،وضرورة تحقق المساواة أمام المرفق ،وأيضا
ضرورة تحقق حياد المرفق العام باعتباره يقدم خدمة للكافة مستهدف ًا تحقيق
الصالح العام ،ونتيجة لكل ذلك فقد كان نشاط المرفق العام يحقق ،في إطار
ما كان يحكمه من قواعد ،حد ًا أدنى من الحقوق لألفراد .من ذلك مثال ما
يجري عليه العمل في مصر من اعتبار التعليم مرفق ًا عام ًا استناد ًا لما تضمنه نص
المادة ()18من الدستور سنة 1971من أن «التعليم حق تكفله الدولة» كما أن
الدولة«تشرف على التعليم كله».
29
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
وعلى ذلك فقد قضت محكمة القضاء اإلداري في مصر سنة 2000بأن
القرارت التي تصدر من الجامعات الخاصة تعتبر قرارات إدارية تخضع لرقابة
المشروعية التي يجريها القاضي اإلداري .إال أن مثل هذا االتجاه القضائي
يجب أن يوزن في إطار ازدياد ظاهرة إنشاء الجامعات الخاصة ،بل امتد ذلك
إلى إنشاء المدارس الخاصة األجنبية منها والوطنية بمختلف مراحل التعليم
حيث اختلفت المناهج والمواد المقررة وطرق التدريس.
ومن شأن ذلك في الواقع ،وإن لم يكن في القانون ،تعامل هذه المؤسسات
بما ال يتفق دائما مع القواعد التي تحكم سير المرفق العام.ويصدق ذلك على
وجه الخصوص بشأن التزام المرفق العام لمبدأ الحيدة « »Neutraliteوهذا
المبدأ وإن كان يتداخل مع مبدأ المساواة أمام المرفق إال أنه يختلف عنه ،إذ
يقصد بالحيدة عدم انحياز المرفق العام في سيره وفيما يقدم من خدمة إلى تيار
أو آخر في المجتمع و محاباة طائفة على حساب أخرى .وتوضيحا لذلك في
إيجاز يقتضيه المقام أن نشير إلى مثالين أحدهما تنظيمي واآلخر قضائي.
فعن المثال التنظيمي ،فقد صدر في فرنسا المنشور التنظيمي بتاريخ 12من
ديسمبر 1989وينص على ضرورة امتناع القائمين على العملية التعليمية حال
ممارستهم لمهام وظائفهم ،عن ارتداء أو إظهار أي عالمة مميزة توحي أو تشير
إلى انتماء فلسفي أو ديني أو سياسي من شأنه أن يؤثر على حرية اعتقاد األطفال
ويتطاول على الدور التثقيفي المعترف به لألسرة .وقد استند هذا المنشور إلى
مبدأ الحياد والتحفظ الذي يتعين أن يتسم به أداء مرفق التعليم (.)8
30
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
ومن الجدير اإلش��ارة ،في هذا المقام ،إلى أن مجلس الدولة الفرنسي
ك��ان ق��د درج ف��ي قضاء مستقر اع��ت��ب��ار ًا م��ن أول��ى س��ن��وات ال��ق��رن العشرين
(الحكم الصادر من مجلس الدولة في 1912/5/10في قضية األب بوتير
،)Abbe’Bouteyreإلىأن الحرية المتاحة للقائمين على التدريس تختلف
باختالف مستوى التعليم العالي أو الثانوي وأنه بالنسبة للمرحلة الثانوية فإن
الصفة الكنسية في المدرس تتنافى مع واجب الحياد الواجب توافره في مرفق
التعليم الثانوي.
أما عن المثال القضائي فنشير في هذا الصدد إلى حكم محكمة القضاء
اإلداري في مصر الصادر سنة ،2000الذي قضى بإلغاء قرار وزاري كان
ينص على حرمان المدرسات المحجبات من االضطالع بالتدريس بنقلهن إلى
وظائف إدارية .وقد قام الحكم على أساس أن غطاء الرأس ،بالذات في ريف
مصر وصعيدها ،يعتبر زيا تقليدي ًا ال ترضى عنه النساء بديال حياء واحتشاما،
وبالتالي فليس من شأن ارتدائه ،أيا ما يكون من حقيق نية من ترتديه ،أي مظهر
من مظاهر التعبير عن تيار فكري أو ديني معين.
مفاد ما تقدم ،أن المرفق العام في النظر والتطبيق القضائي ،كان يحقق في
حد ذاته أمرين ،أولهما التعبير عن مفهوم تضامن اجتماعي ،وثانيهما ضمان
حقوق المتعاملين والمتلقين لخدمة المرفق .فإذا انحسر نشاط الدولة على
الوجه السابق اإلش��ارة إليه ،وكان ذلك نتيجة تغير جوهري في مفهوم دور
الدولة ،وليس مظهر ًا من مظاهر استبدال وسيلة إدارة المرفق العام بوسيلة
أخرى ،فيكون التغير الذي نال من دور الدولة نتاج التشريعات المقارنة التي
اشرنا إليها ،هو تغير يمس المضمون وليس محض تغير في الشكل أو في وسيلة
إدارة هذا المرفق أو ذاك .ويكون التغيرالذي طرأ في مفهوم دور الدولة مما
يتداعى بآثاره على المكانة التي كانت تشغلها نظرية المرفق العام كمبدأ يقوم
عليه بنيان القانون اإلداري سواء بفعل صريح نص التشريع ،أو حسب مفاد
31
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
مضمون أحكامه.
على ذلك ولما كانت نظرية المرفق العام قد جرت عليها عوامل التآكل سواء
بعمل التشريع أو بفعل الواقع المعاصرين باإلضافة إلى ما سبق أن وجهت به
النظرية من انتقادات فقهية ،فيتعين على القاضي اإلداري أن يبادر بمحاولة
الكشف عن القيمة الكلية األساسية التي يكون استخالصها من مجموع أحكام
التشريعات وروحها ،بحيث تكون معين ًا الستمداد األحكام التشريعية والقضائية
التي يتكون منها كيان القانون اإلداري.
( )7وليس في محاولة التعرف على ما هية هذه القيمة الكلية ،ما يشكل ترف ًا
فكريا أو ينطوي على سفسطائية جدلية .ذلك أن طبيعة القانون اإلداري
ذاتها تفرض حتم ًا وتتطلب دوم ًا قيمة كلية تكون أساس ًا تبنى عليه األحكام
التفصيلية ،كما تمثل حدود ًا تمنع الشطط في االجتهاد.
وفي استخالص قانوني سائغ من مفاد النظم السياسية ،ومن استعراض
ألحكام التشريعات المعاصرة ،يمكن القول بأن القيمة التي تعتبر القاعدة
األولى وتتمثل فيها المرجعية األساسية ألحكام القانون اإلداري يتعين أن تقوم
على مفهوم ضمان توفير وحماية حقوق اإلنسان على الصعيدين السياسي
واإلداري على خلفية من الحق في اإلدارة الرشيدة .ووجه االستخالص السائغ
في ذلك يتحصل في التطور الذي طرأ على النظم السياسية المعاصرة ليتجاوز
مفهوم الدولة الراعية « »l’Etat Providenceإلى مفهوم الحكم أو اإلدارة
الرشيدة « »Good governanceالذي يعتبر حجر الزاوية في حزمة حقوق
اإلنسان التي تجاوزت في إقرارها وضمانها وحمايتها إطار الدولة الوطنية إلى
( )9مع مالحظة أن الواقع المعاصر مؤداه يتجاوز مفهوم الحقوق والحريات العامة إلى مجال تأكيد الحقوق والحريات
األساسية لإلنسان ،بحسبان أن الصفة العامة تلحق بالحق أو الحرية بفعل المشرع الوطني ،أما الحق أو الحرية األساسية فهي
تتقرر لإلنسان بصفته كذلك ،وبالتالي يكون مفهوم الحقوق والحريات العامة مرحلة من مراحل تطور حقوق اإلنسان تجاوزها
الواقع المعاصر.
Jean Morange,Les Libertes publics, Paris 2007.p.40.41
32
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
( )10إعالن وبرامج عمل فيينا صدر عن المؤتمر الدولي لحقوق اإلنسان المعقود في فيينا خالل الفترة من 25-14من
يونيو.1995
33
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
34
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
الحق في التنمية وفي اإلدارة الرشيدة ،ولما كان االتجاه المعاصر السائد
هو اعتبار حقوق اإلنسان ،بما فيها الحق في اإلدارة الرشيدة ،القيمة التي
تعمل األنظمة الوطنية ،أو يتعين عليها أن تعمل ،على توفيرها وضمانها،
فإنه يبدو من تحصيل الحاصل الوصول إلى نتيجة مفادها أن تأكيد هذه
الحقوق وحمايتها يمثل حجر الزاوية للنظام القانوني في الدولة المعاصرة
ويشمل ذلك فيما يشمل القانون اإلداري.
( )9وتقرير الحق في اإلدارة الرشيدة « »Good governanceكحق من
حقوق اإلنسان يمثل تطور ًا نوعي ًا في مجال هذه الحقوق إذا هو يتعلق في
المقام األول بدور الدولة أو السلطة العامة ووسائل تدخلها .فلم يعد األمر
مقتصر ًا على التزام الدولة بكفالة حقوق اإلنسان وحمايتها استعما ً
ال لما
يتقرر لها من امتيازات السلطة العامة في التشريع واإلدارة ،بل أصبح األمر
متعدي ًا ذلك إلى تنظيم وسائل اإلدارة ذاتها وطرق هذه اإلدارة بما من شأنه
أن تتقرر حقوق لألفراد في اإلدارة إلى جانب الحقوق المقررة لهم في
مواجهة السلطة العامة ،فبمقتضى مفهوم اإلدارة الرشيدة يشترك األفراد
في اإلدارة ،وتتقلص إلى اقصى حد ممكن امتيازات السلطة العامة ،بينما
تزداد إلى أقصى قدر المجاالت المتاحة لألفراد ،ولعل مفهوم االدارة
ال لإلشكالية األساسية ،التي تقابل التنظيمات السياسية الرشيدة يقدم ح ً
واإلدارية عموم ًا و تتمثل في كيفية التوفيق بين تطلع األفراد للحماية مع
الرغبة في توفير حمايتهم من الدولة .وما يقدمه مفهوم اإلدارة الرشيدة
من حل لهذه اإلشكالية يتحصل ،في إطاره العام في تقييد نطاق وتحديد
أسلوب تدخل الدولة أو السلطة العامة ،بأن يتقلص دور ما هو عام إلى
أقصى حد في مقابل زيادة المساحة المتروكة للخاص ،فضال عن إحالل
أسلوب التفاهم والتفاوض والمشاركة بين اإلدارة واألفراد محل أسلوب
الفرض واإللزام.
وعلى ذلك ولئن كان اإلطار العام لإلدارة الرشيدة متعارف ًا عليه ،إال أن العديد
من القواعد التي يتطلبها إعمال هذا المفهوم ما يحتاج إلى بيان وتفصيل سواء
عن طريق تدخل المشرع ،أو كان قدرا على القاضي اإلداري أن ينهض ،وهو
35
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
36
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
37
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
من الدستور التي تنص على أن « السيادة للشعب وحده وهو مصدر السلطات،
ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها و يصون الوحدة الوطنية على النحو
المبين في الدستور» .وعلى ذلك فال يكون صحيحا القول بأن الشعب في
خدمة أحد ،ألنه هو وحده السيد ،وما الدولة بكافة أجهزتها ،وما ينبغي أن
تكون ،إال كيانا اعتباري أساس وجوده خدمة الشعب والسهر على مصالحه
والوفاء باحتياجاته ،وبذلك يتحقق صدق ًا وحق ًا معنى السيادة المقرر للشعب
باعتباره مصدر ًا للسلطات».
وق��د قضت المحكمة أي��ض� ًا ،في حكم حديث لها ب��أن« ،طبيعة النظام
الديمقراطي و جوهره مبدأ السيادة للشعب وحده باعتباره مصدر السلطات
وحرية الرأي من الحريات األساسية التي تحتمها طبيعة النظام الديموقراطي،
كما يندرج منها ويأخذا حكمها حق المواطنين في المشاركة السياسية سواء عن
طريق تكوين األحزاب السياسية أو جمعيات تكون وسيلة لإلفصاح السلمي
عن آرائها ومعتقداتها في كافة النواحي السياسية واالقتصادية واالجتماعية على
وجه يتحقق به التطور االجتماعي والسياسي في البالد ،كما أن الديموقراطية هى
حق للكافة يؤتي ثماره برفع القيود عن ممارسته طالما كانت هذه الممارسة في
إطار التعبير السلمي عن الرأي» ،وبأن «منظمات المجتمع المدني والمنظمات
القائمة على أم��ور تتصل بحقوق األنسان تخضع في عملها لرقابة السلطة
التنفيذية ،وتهدف إلى إحياء الفكر الديموقراطي بين طبقات الشعب وفئاته،
وال يكون ذلك إال بتمكينها من أداء دورها في حدود التراخيص الممنوحة
لها ووفق نظمها األساسية التي أقرتها الجهات اإلدارية المختصة» .قد أنتهت
محكمة القضاء اإلداري بناء على ذاك إلى وقف تنفيذ القرار الصادر بمنع
الجمعيات المصرية لحقوق اإلنسان وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني
من متابعة سير العملية االنتخابية لرئاسة الجمهورية من داخل لجان التصويت.
(الحكم الصادر في .)2005/9/3
38
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
وال يفوتنا ،في هذا المقام التنويه إلى أحكام القضاء اإلداري التي تسلط الرقابة
على ما كان يعتبر تقليدي ًا مما يدخل في نطاق ترخص الجهة اإلداري .ومن ذلك
على سبيل المثال الحكم الصادر من محكمة القضاء اإلداري المصري بجلسة
2006/9/20في الدعوى المقامة ضد وزير الخارجية بإلزام وزارة الخارجية
ببيان الطرق والسبل التي اتخذتها في شأن اإلفراج عن نجل المدعي المعتقل
بجوانتانامو بكوبا .وقد انتهى الحكم إلى إلغاء القرار المطعون فيه تأسيس ًا على
أن الدستور المصري يلزم الحكومة بمقتضى المادة ( )156بحماية حقوق
المواطنين ومنها حقهم في الحياة والتمتع بحرياتهم الشخصية وعدم االعتداء
عليها ليس في الداخل فقط و إنما كذلك في الخارج وذلك من خالل وزارة
الخارجية وأجهزتها وسفاراتها بحيث ال يقتصر دورها وحسب على تمثيل
الدولة لدى غيرها ،وإنما يشمل دوره��ا رعاية وحماية مصالح المصريين
المتواجدين بالخارج أيا كان سبب تواجدهم والحفاظ على حقوقهم والسهر
على راحتهم والتحقق من تمتعهم بحقوقهم القانونية مع جميع الجهات على
مستوى العالم من اجل كفالة احترام حقوقهم التي أقرتها المواثيق الدولية وعلى
األخص االتفاقية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية .وإذ تبين للمحكمة أن
نجل المدعي قد اعتقلته السلطات األمريكية خالل عام 2001أثناء تواجده
خارج البالد وقامت بترحيلة إلى معسكر جوانتانامو بكوبا ،ولم تقم وزارة
الخارجية المصرية،حسبما أفادت ،إال باالتصال بوزارة الخارجية األمريكية
من خالل السفارة المصرية بواشنطن حيث كانت إجابة الجانب األمريكي
بأن الموضوع قيد البحث ،فإن استمرار وزارة الخارجية المصرية في الوقوف
موقف ًا سلبي ًا من هذا األمر وعدم استجالئها ،رغم اقتناع المحكمة بإمكان ذلك،
الموقف القانوني لنجل المدعي يمثل مخالفة لواجبات تلتزم بأدائها ولم يفت
المحكمة أن تنوه إلى إدراكها لألوضاع الراهنة للمجتمع الدولي ،إال أن ذلك
ليس بحائل ،كما يقول الحكم ،دون أن تنهض وزارة الخارجية ،للسعي ما
أمكنها السعي ،لضمان حقوق المصريين.
39
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
41
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
الفكرة المحورية:
يسبغ على القاضي اإلداري وصف بأنه قاضي المشروعية وقاضي الحقوق
والحريات العامة.
ولهذا الوصف ،الذي هو مصدر فخر وعزة لكل من ينتمي لهذا الفرع من
القضاء ،له أسبابه ودواعيه.
ويمكن القول في إيجاز بأن هذه األسباب والدواعي تتحصل في اعتبارين:
السباق ،في مسيرة
إعتبار تاريخي يرجع إلي أن القاضي اإلداري كان هو َّ
القضاء المصري الحديث ،إلى تقرير اختصاص القاضي في رقابة دستورية
القوانين،حيث أصدرت محكمة القضاء اإلداري في 8من فبراير سنة ،1948
أي خالل أقل من عامين على إنشاء مجلس الدولة المصري ،حكم ًا يؤكد على
حق قاضي المنازعة بل واجبه في إنزال صحيح رقابة المشروعية على واقع
المنازعة وأول��ى مقتضيات المشروعية وج��وب احترام التشريعات األدنى
للتشريعات األعلى مرتبة ،ولما كان الدستور هو على القمة في مدارج النصوص
القانونية فيتعين على القانون أال يعارض احكامه ،فإذا تحقق التعارض تعين
على القاضي الفصل في أي النصوص هو واجب التطبيق .وال يعدو أن يكون
التعارض صعوبة قانونية مما يتولد من المنازعة فتشملها سلطة المحكمة في
التقدير وفي الفصل ألن قاضي األصل هو قاضي الفرع.
وك��ان القضاء المصري حتى ص��دور هذا الحكم التاريخي من محكمة
القضاء اإلداري يحجم عن إنزال الرقابة الدستورية على التشريعات ،بل إن
الحكم الصادر من محكمة الجنايات في ديسمبر سنة ،1948أي بعد صدور
حكم محكمة القضاء اإلداري المشار إليه ،توقف عند حد التحقق من الشروط
اإلجرائية في التشريع المطلوب تطبيقه على المنازعة المعروضة عليه(.)1
( )1وهو احلكم الصادر ممن محكمة اجلنايات (املختلطة) ،حيث أثير أمام احملكمة الدفع بعدم دستورية تعديل أدخل على قانون
العقوبات مبقتضى مرسوم بقانون صدر في 14من أغسطس سنة 1946ولم يعقب صدوره دعوة البرملان إلى إنعقاد غير عادي،
حيث ردت احملكمة على الدفع بأن املرسوم بقانون مت نشره باجلريدة الرسمية وصار تقدميه إلى البرملان في دورته العادية األولى
ولم يظهر بعد ذلك إقرار له أو رفض .وقد أكدت احملكمة أن كل ما متلكه في صدد بحث الدفع بعدم الدستورية هو التحقق مما
إذا كانت الشروط الشكلية لوجود القانون في ذاته قد توفر وجودها أم ال.
43
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
44
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
يوصل النزاع الدستوري إلى المحكمة الدستورية أو يحجب عنها ذلك .فإليه
يرد في البدء النزاع حول الدستورية ،وهوالذي ُينزل رؤيته على جدية المنازعة،
ثم هو الذي يحيل أو يأذن بإقامة الدعوى أو يرفض الدفع وال يأذن بإقامة الدعوى
الدستورية .فمحرك الدعوى الدستورية واقع ًا وقانون ًا هو قاضي المنازعة (.)1
ونزعم ،دون مبالغة ،أن القرار الصادر باالحالة إلى المحكمة الدستورية إذ
ال بحكم القانون ،أن يتضمن بيان النص التشريعي المطعون بعدم يتعين ،إعما ً
دستوريته والنص الدستوري المدعى بمخالفته وأوجه المخالفة( ،المادة 30من
قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا المصرية الصادر بالقانون رقم 48لسنة
)1979فهو يعرض وجهة نظر وتقدير قاضي المنازعة القريب من الواقع
والمعايش لظروف المنازعة مما جرى العمل على أن يكون محل تقدير واعتبار
عند تصدى المحكمة الدستورية للفصل في الشأن الدستوري .وفي المقابل
فإن القاضى اإلداري ال شك أنه ينهل من مفاد أحكام القاضي الدستوري مما
ال مطلوب ًا ،خاصة في مجال حماية الحقوق والحريات يحقق ،في العمل تكام ً
العامة(.)2
فإذا كان ذلك ولما كان القاضي اإلداري يقوم بدور هام في رقابة دستورية
التشريع على نحو ما سبق اإللماح إليه ،فإنه يكون من المالئم التعرض بالبيان
لنطاق الرقابة التي يمارسها القاضي اإلداري وهو بعد قاضي المشروعية وقاضي
الحقوق والحريات العامة ،بصدد التنظيم التشريعي لهذه الحقوق والحريات
العامة المنصوص عليها بالدستور وعلى وجه الخصوص عما إ ّذا كان نطاق هذه
( )1ويصدق ذلك بحق في ظل اآللية القانونية املقررة بقانون احملكمة الدستورية العليا املصرية ،أما في النظام الكويتي فإن املادة
الرابعة من القانون رقم 14لسنة 1973بإنشاء احملكمة الدستورية ،جتيز لذوي الشأن الطعن في احلكم الصادر بعدم جدية الدفع
أمام جلنة فحص الطعون باحملكمة الدستورية.
( )2ومما جتدر اإلشارة إليه ،أن محكمة النقض املصرية قد أعملت رقابتها على دستورية القانون (مبناسبة تطبيق قانون الكسب
غير املشروع) وانتهت إلى عدم تطبيق حكم القانون لتعارضه مع الدستور أي أنها اعملت رقابة االمتناع في ظل العمل بأحكام
قانون احملكمة الدستورية العليا(حكم محكمة النقض جلسة ،2004/4/28في الطعن رقم 30342لسنة 70القضائية).
45
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
الرقابة يتسع ليشمل الرقابة على االنحراف التشريعي بمناسبة تنظيم هذه الحقوق
والحريات العامة.
وكل ذلك مما نتناوله في ثالثة مباحث :مبحث أول نعرض فيه للتناول
الفقهي ويليه مبحث يبين أهم مالمح القضاء الدستوري في هذا الشأن ،ثم أخير ًا
نستعرض بنظرة نقدية ألهم ما تضمنته التشريعات وأحكام المحكمة الدستورية
في الموضوع الذي نحن بصدده.
ً
أوال :التناول الفقهي لموضوع مراقبة االنحراف التشريعي(.)1
أ -نطاق االنحراف بالتشريع :
من األصول العامة المقررة أن للمشرع ،في حدود الدستور ،سلطة التشريع .فما
لم يقيد الدستور المشرع بقيود محددة فإن سلطتة في التشريع هي سلطة تقديرية.
ونطاق السلطة التقديرية يكاد يستغرق النشاط التشريعي ،حيث أن السلطة
المحددة في الدستور تنصرف إلى حاالت قليلة من أمثلتها الحق في المساواة
أمام القانون وعدم جواز إبعاد أي مواطن عن البالد أو منعه من العودة إليها
وعدم جواز تسليم الالجئين السياسيين ،وعدم جواز مزاولة رئيس الجمهورية
أو الوزير ،أثناء مدة الرئاسة أو تولي المنصب ال��وزاري ،مهنة حرة أو عم ً
ال
تجاري ًا ًأو مالي ًا أو صناعي ًا أو أن يشتري أو يستأجر شيئ ًا من أموال الدولة أو أن
يؤجرها أو يبيعها شيئ ًا من أمواله أو يقايضها عليه ،فإذا خالف المشرع هذه
الحدود كان التشريع باط ً
ال لمخالفته الدستور.
أما ممارسة باقي أنشطة التشريع فهى المجال الرحب ألعمال سلطة التقدير
للسلطة التشريعية ،والرقابة على سلطة التقدير ال يحدها ،على ما هو معروف
إال عيب االنحراف بالسلطة.
( )1الريادة الفقهية في هذا الشأن هي ألستاذ األجيال الدكتور السنهوري باشا رئيس مجلس الدولة األسبق في مقاله املنشور مبجلة
مجلس الدولة بعنوان» مخالفة التشريع للدستور واألنحراف في استعمال السلطة التشريعية» .ومن أحدث ما كتب في هذا املوضوع
رسالة الدكتور عبدالعظيم شرف بعنوان» املعاجلة القضائية والسياسية لالنحراف التشريعي -دراسة مقارنة»طبعة سنة .2002وأيض ًا
رسالة الدكتور حمدان فهمي بعنوان «حجية أحكام القضاء الدستوري وآثارها» جامعة األسكندرية ،سنة .2007
46
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
47
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
( )1وكثير ًا ما تستخدم اعتبارات املالءمة غطا ًء ملشروعية التشريع .ولعل هنا شاهد على واقع يتعلق مبشروع قانون بدت
إرهاصاته مبد سن اإلحالة إلى املعاش للقضاة ألكثر من ستني سنة ،وكان ذلك خالل النصف الثاني من ثمانينات القرن املاضي.
فقد صرح املستشار رئيس مجلس الدولة ورئيس احملكمة اإلدارية العليا املستشار الدكتور أحمد يسري (وكنت عضو ًا بالدائرة
األولى للمحكمة اإلدارية العليا في ذلك الوقت) أنه مع تأييده لرفع سن املعاش ،فإنه ال ميكنه أن يستمر في اخلدمة ،بعد سن
الستني ،فيما لو صدر القانون حيث إن إستفادته احملققة بهذه امليزة تتعارض مع األمانة املهنية لوظيفته القضائية على قمة هيئة
القضاء اإلداري .واملشاهد أن املشروع لم يقدر له الصدور في ذلك الوقت.
48
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
وفي سبيل التعرف على المعيار الموضوعي الذي يصلح معيار ًا للكشف عن
االنحراف في استعمال السلطة التشريعية فإنه مما يسهل تحسس معالم طريق
الموضوعية إجراء التفرقة بين فروض خمسة بيانها كما يلي:
-1فرض يرجع فيه إلى طبيعة التشريع ذاتها باعتبارها معيار ًا موضوعي ًا.
بيان ذلك أن السمة االساسية في التشريع هي في كونه قاعدة عامة مجردة،
فإذا صدر التشريع مستهدف ًا تطبيقه على حالة فردية واحدة ففي هذه الحالة
يكون المشرع قد انحرف في استعمال السلطة التشريعية .ومعيار االنحراف هنا
هو موضوعي محض إذ ال حاجة إلى الكشف عن النوايا المستترة التي اقترنت
بهذا التشريع ،إذ هو في حقيقته قرار إداري يتعارض مع طبيعة التشريع وان
استتر بمسوحه .والمثل الذي يضرب لهذا الفرض هو صدور تشريع بإلغاء هيئة
قضائية للتخلص من أعضائها ثم إعادة تشكيلها بعد مدة وجيزة بتشريع آخر.
ال في مصر في أغسطس سنة ،1969حيث صدرت وقد حدث ذلك فع ً
قرارت بقانون بحل كافة الهيئات القضائية ثم أعيد تشكيل تلك الهيئات وأرفقت
بالقرار بقانون بإعادة التشكيل قائمة تضمنت أسماء من رئى إبقاؤهم بهذه الهيئة
أو تلك ،أما من لم يرد اسمه في إحدى تلك القوائم فاعتبر معزو ً
ال عن الهيئة
القضائية التي كان ينتمي إليها(.)1
فالتشريعات الصادرة بحل الهيئات القضائية في هذه الحالة؛ صدرت فاقدة
للشروط الموضوعية للتشريع من عمومية وتجريد ،حيث استهدفت عزل قضاء
بذواتهم من الهيئات القضائية التي كانوا ينتمون إليها .كما يضرب الفقه مث ً
ال يتحقق
به هذا الفرض ويتحصل في صدور تشريع عام مجرد في مناسبة قضية معينة منظورة
امام المحاكم ويكون التشريع مما ال ينطبق إال على هذه القضية بالذات.
( )1عرفت هذه الواقعة مبذبحة القضاء .وقدصدرت ،بعد ذلك ،في أوائل السبعينيات من القرن املاضي قرارت بإعادة من مت
عزلهم من القضاة إلى الهيئات القضائية التي عزلوا منها ،ويؤكد العميد Duguitأنه إذا اقتصر تطبيق التشريع على حالة فردية
أو على شخص بالذات فإنه يفقد صفة العموم وهى الصفة الالزمة التي يجب أال تنفك عن التشريع.
49
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
50
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
51
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
قانون ًا مقيد ًا للحريات فيبقى القانون على أصله باعتباره كذلك ،أي قيد ًا على
الحرية ،مما يتعين معه تفسيره تفسير ًا ضيق ًا فال يجوز تطبيقه إال عند الضرورة
القصوى واليجوز أن تتذرع به اإلدارة لمنع االجتماعات إال إذا اجتمعت لديها
أسباب بالغة الخطورة تبرر هذا المنع.
(الحكم الصادر بجلسة 7من نوفمبر سنة .)1951
ومما له مجال ذكر في هذا المقام اإلشارة إلى ما تضمنه التعديل الدستوري،
لسنة ،2007الذي تم على أحكام الدستور المصري لسنة ،1971فمن ضمن ما
تم تعديل نص المادة ( )179التي تضمنت ،بعد تعديلها ،حماية األمن والنظام
العام في مواجهة اخطار اإلره��اب ،فأجازت للمشرع تنظيم أحكام خاصة
بإجراءات االستدالل والتحقيق التي تقتضيها ضرورة مواجهة هذه األخطار
بما في ذلك عدم التقيد بإجراءات منصوص عليها بالمواد( )1/41و( )44و
( )2/45وهى المواد التي وردت تحت الباب الثالث بعنوان الحريات والحقوق
والواجبات العامة وتتعلق تلك المواد أساس ًا بتكييف الحرية الشخصية بأنها حق
طبيعي وبحرمة المساكن التي ال يجوز انتهاكها إال بأمر قضائي وبحرمة وسرية
المراسالت البريدية والمحادثات التليفونية .ومع التوسعة التي تضمنها النص
الدستوري والتي قيل في تبريرها الخطورة التي تتمثل في الظاهرة اإلرهابية
المعاصرة ،إال أنه يبقى أن أي تشريع يتصدى بتنظيم إجراءات مكافحة اإلرهاب
استناد ًا لحكم المادة ( )179من الدستور المشار إليها يتعين حتم ًا ولزام ًا أن
يكون الغرض األوحد منها هو حقيقة مكافحة اإلرهاب ،فإن انحرف المشرع
عن هذه الغاية فيما يضعه من تنظيم يتعرض ألحكام المواد المشار إليها على
ال لالنحراف في استعمال وجه التخصيص بنص المادة 179؛ كان عمله باط ً
سلطة التشريع.
أما إذا خالف التشريع م��واد ًا أخ��رى من الدستور غير تلك التي ُأجيز له
الخروج على أحكامها بنص المادة ،179فيكون عمله مشوب ًا بمخالفة الدستور
52
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
53
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
54
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
الدستور بل يكفي أن يتعارض التشريع من مبادئ الدستور العليا فإن ولوج أمر
البحث في الدستورية يكون أكثر يسر ًا وأيسر ارتياد ًا.
ومن المعروف أن الفكرة تتبلور وتتأكد إذا استقلت بذاتية خاصة وكيان
مستقل .على أنه ومع ذلك فإن االنحراف فى استعمال السلطة التشريعية يبقى
دائم ًا طريق طعن احتياطي ال يلجأ إليه إال حيث ينغلق مجال بحث مخالفة
الدستور .
د -اثبات االنحراف في استعمال السلطة التشريعية:
وإذا كان اثبات االنحراف أمر ًا بالغ الدقة فإنه يلزم أن يثبت ذلك بطريق الدليل
الداخلي« »preuve interséqueدون غيره من قرائن األحوال الخارجية،
فذلك أدنى إلى تحقيق استقرار التشريع وعدم زعزعة الثقة به ،وهي بعد أحد
األسس الالزمة الستقرارالمجتمع ككل.
وأسباب التشريع كما يكون تلمسها بتمحيص نصوصه نص ًا نص ًا ،يكون أيض ًا
الكشف عنها من ديباجته أو بما يرد بالمذكرة االيضاحية أو األعمال التحضيرية
له وما قد تفصح عنه المناقشات التي دارت بمناسبة بحثه بالهيئة التشريعية..
55
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
ث��ان�ي� ًا :المالمح الرئيسية للرقابة الدستورية على االن �ح��راف التشريعي
بمناسبة تنظيم الحقوق والحريات العامة.
-1األصل العام في شأن رقابة الدستورية يتحصل في تأكيد عدم وجود
سلطة مطلقة في مفهوم الرقابة القضائية على دستورية القوانين ،ذلك
أنه حتى ولو لم يقيد الدستور المشرع بضوابط معينة ألزمه بالخضوع لها
فيما يصدره من نصوص قانونية ،فإن على المشرع -في مجال تنظيمه
للحقوق -أن يختار أقل القيود عليها وأكثرها مالءمة لتحقيق األغراض
التي يبتغيها.
كما أن ثمة أغ��راض نهائية ومقاصد كلية تهيمن على نصوص الدستور،
فتصل بين نصوصه وتربط بينها ،بحيث يتعين أن تفسر النصوص على
ضوئها وأن يتقيد المشرع بمفادها .وتعبر المحكمة الدستورية العليا
المصرية عن ذلك بقولها أن نصوص الدستور متآلفة فيما بينها تتجانس
في معانيها وتتضافر في توجهاتها ،فال محل لقول بإلغاء بعضها البعض
بقدر تصادمها.
أساس ذلك أن إنفاذ الوثيقة الدستورية وفرض أحكامها على المخاطبين
بها يفترض العمل بها في مجموعها وشرط ذلك والزمه النظر إلى النص
الدستوري باعتبار أن له مضمون ًا ذاتي ًا ال ينعزل به عن غيره من النصوص
أو ينافيها أو يسقطها بل يقوم إلى جوارها مقيد ًا باألغراض النهائية
والمقاصد الكلية التي تجمعه( .الحكم الصادر بجلسة 5من فبراير سنة
.)1994
ومفاد ما تقدم أن ثمة أغراض نهائية ومقاصد كلية يتعين أن تفسر النصوص
الدستورية في ضوئها ،وعلى المشرع أن يتقيد بها وعلى الجهة القضائية في
المقابل أن تبذل الجهد كل الجهد من أجل كشفها وبيانها حتى تقيس عليها
56
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
وتزن بها التشريعات التي تصدر عن جهة التشريع فتصم ما يصدر بالمخالفة لها
باالنحراف التشريعي.
-2ومن غير المقبول مث ً
ال وال بالمستساغ منطقي ًا وال الجائز دستوري ًا ،أن
تكون السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في موضوع تنظيم الحقوق مغفلة
الضوابط ،متحررة من كل قيد.
ومؤدي ذلك والزمه أن تكون قواعد الدستور والمبائ العامة الكلية التي
يتغياها حدود ًا وحواجز الستعمال السلطة التشريعية اختصاصها بشأن
تنظيم الحقوق أو الحريات العامة .وإنه ولئن كان من المفترض ،في
األصل العام ،أن تتفق األغراض التي يتبناها المشرع ومقاصد الدستور
فإنه يتعين دائم ًا وأبد ًا أن تكون النصوص التشريعية وسائل منطقية لتحقيق
أغراض الدستور فإن انفصم اتصالها بها وقعت باطلة النحراف المشرع
بها عن الغايات المقررة دستور ًا ،ويحق عليها بالتالي جزاء المخالفة
الدستورية.
-3ومما يتعين ايضاحه ،في هذا الصدد ،وج��وب التمييز بين المقاصد
التشريعية التي تخالف الدستور وتلك المقاصد التي ال تناقضه فثمة
أغراض تشريعية ال تناقض الدستور وهي تلك التي يقتضيها الصالح
العام في شأن الموضوع محل التنظيم.
وعلى عكس ذلك فثمة مقاصد قد يهدف إليها المشرع بالمخالفة ألغراض
الدستور أو غاياته النهائية ،وهذه المقاصد تكون محظورة اليجوز أن يستهدفها
التشريع وإال كان مشوب ًا بإساءة استعمال السلطة أو االنحراف بها.
وعلى ذلك فإذا تدخل المشرع لحماية الدول من الناقدين لها وكأنها فوق
القانون (مثال ذلك المادة (/82د) من قانون العقوبات التي تفرض عقوبة
57
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
جنائية على من يذيعون أخبار ًا كاذبة تمس هيبة الدولة واعتبارها) ،شاب عمله
االنحراف ذلك أن حماية الدولة عل هذا النحو امتهان للقانون وهو كذلك
غرض غير مشروع ال يجوز أن يظلها ليضفي حصانة على أعمالها(.)1
وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا هذا المذهب فيما أكدته من انه «من
غير المحتمل أن يكون انتفاء االوضاع المتصلة بالعمل العام تبصير ًا بنواحي
التقصير فيه مؤدي ًا إلى اإلضرار بأية مصلحة مشروعة ،وأن من غير الجائز أن
يكون القانون أداة تعوق حرية التعبير من مظاهر االخالل بأمانة الوظيفة العامة
أو مواطن الخلل في أداء واجباتها وأن النظر في أعمال القائمين بالعمل العام،
وتقويم اعوجاجهم يعتبر واجب ًا قومي ًا كلما نكل هؤالء عن طبيعة واجباتهم
إهما ً
ال أو انحراف ًا»(.)2
واستطرد الحكم ببيان أن ما «يميز الوثيقة الدستورية ويحدد مالمحها الرئيسية
هو أن الحكومة خاضعة لمواطنيها وال يفرضها إال الناخبون».
-4وكما يتقيد التقدير في عمل السلطة التشريعية بنوع األغ��راض التي
يتوخاها فإن هذا التقدير يتقيد كذلك بحقيقة أن المشرع حين يوازن ويفاضل
ال لسلطتة في التقدير ،فإن عليه أن يختار بين البدائل أنسبها بين البدائل إعما ً
ال في مجال«لتحقيق أغراضه وأقلها تقييد ًا للحرية وأ كفلها ألكثر المصالح ثق ً
ضمانها»(.)3
كل ذلك بإفتراض مشروعية البدائل جميع ًا واتصالها بالحقوق محل التنظيم
إذ اليجوز تنظيم الحقوق لغير مصلحة واضحة لها اعتبارها .)4( .
( )1املستشار /عوض املر (الرئيس األسبق للمحكمة الدستورية العليا مبصر) الرقابة القضائية على دستورية القوانني في
مالمحها الرئيسية -القاهرة -ط - 2003 :ص .1383
()2القضية رقم 42لسنة 16القضائية دستورية الصادرة فيها احلكم بجلسة 20من مايو سنة .1995
( )3قضاء مستقر ،منه على سبيل املثال احلكم الصادر بجلسة 15من يونيه سنة 1996وذلك الصادر بجلسة 4من يناير سنة
.1997
( )4القضية رقم 5لسنة 8القضائية دستورية الصادر فيها احلكم بجلسة 6من يناير سنة .1996
58
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
-5ومن األمثلة على المصلحة الواضحة التي يكون من شأن مراعاتها تبرئة
التشريع من االنحراف ،حماية المصالح الوطنية باعتبار ذلك ممايستظل
بوافر حماية النظام العام .وبذلك قضت المحكمة الدستورية العليا
بجلسة 15من أبريل سنة 2007في الدعوى الدستورية التي تتحصل فيما
أثير من شبهة عدم دستورية حكم المادة ( )87من قانون التجارة التي
توجب إعمال أحكام القانون المصري دائم ًا على منازعات عقود نقل
التكنولوجيا حتى وإن اتفق الطرفان على التحكم بشأنها.
وقد انتهت المحكمة الدستورية إلى دستورية الحكم على أساس أن فكرة
النظام العام هي « أن خطوط دفاع النظام القانوني عن نفسه أو الجماعة عن ذاتها
من جموح اإلرادة الفردية» وأنه لما كان قانون التجارة قد راعى« ،كما دلت
عليه مذكرته اإليضاحية» حماية المصالح الوطنية دون المساس بالمصالح
المشروعة للطرف مورد التكنولوجيا« ،بحيث يؤمن للطرف المستورد -وهو
مصري غالب ًا -أسباب ًا حقيقة للتكنولوجيا تضمن لها أن تكون أداة لتطوير
االقتصاد الوطني» فإن مسلك المشرع يكون «مما يدخل في إطار السلطة
التقديرية للمشرع في موضوع تنظيم الحقوق ،وذلك في ضوء المفاضلة التي
يجريها بين البدائل المختلفة».
-6ف��إذا ك��ان صحيح ًا أن األغ���راض النهائية للدستور قيد على سلطة
التقديرالمتاحة للمشرع ،وأن األغ��راض المخالفة للدستور التي قد
يستهدفها المشرع في قاعدة قانونية أقرها تبطلها ولو طالها غرض
مشروع في بعض جوانبها الستحالة التحقق من مبلغ األثر الذي كان
للغرض الباطل فى تكوين القاعدة القانونية ،إال أنه يكون على جهة
الرقابة القضائية دائما أن تزن مهمتها في الرقابة الدستورية بقدر الضرورة
فال تبطل بالتالي قانون ًا إلساءة استعمال السلطة إال إذا توافر االقتناع لديها
بأن القانون اختلط بغرض غير مشروع وأنه كان لهذا الغرض دور إيجابي
في تكوين نصوص القانون.
59
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
وقد كانت هذه القاعدة أساس ًا لقضاء دستوري مفاده أن التحقق من استيفاء
النصوص القانونية ألوضاعها الشكلية سابق بالضرورة على الخوض في عيوبها
الموضوعية تأسيس ًا على أن المقومات الشكلية للنصوص القانونية من مقوماتها
األصلية فال يكتمل وجودها إال باكتمالها على وجه الصحة ،مما يترتب عليه
أن تصدى المحكمة الدستورية في العوار الموضوعي يفترض اكتمال وجود
النصوص وفق االوضاع الشكلية التي يتطلبها الدستور(.)1
وإذا كانت الرقابة القضائية على نصوص التشريع التي تستهدف تحري
صحيح وجه اتفاق مقاصد التشريع مع األغ��راض التي كفلها الدستور ،فإن
مقاصد التشريع هي التي يتعين أن تستجليها الجهة القضائية بحيث تنحصر
مهمتها في فحص ما إذا كان المشرع قد صاغ القاعدة القانونية على ضوء غرض
غير مشروع أثر في تكوينها ،ويكون ذلك بإجراء المقابلة بين أغراض التشريع
وأغراض الدستور توص ً
ال للكشف عن مجال التعارض أو تمام التوافق بينها.
-7وقد حددت المحكمة الدستورية العليا سمات االنحراف بالسلطة
التشريعية ،فأوضحت أن عيب االنحراف عيب قصدي ال ُيفترض،
ويتعين أن يكون الدليل عليه واشي ًا بتنكب السلطة التشريعية االغراض
المقصودة من تأسيسها ،وواضح ًا جلي ًا في استتارها بالتالي وراء سلطتها
في مجال تنظيم الحقوق لتصرفها إلى غير وجهتها ،فال يكون عملها إال
انحراف ًا عنها (.)2
واألصل أن يكون المشرع حريص ًا على صون حقوق المواطنين وحرياتهم
المقررة دستوري ًا وأال ينال منها متخفي ًا وراء ستار من واليته المنصوص عليها
بالدستور .فال يجوز أن تتخذ السلطة التشريعية من اختصاصها في تنظيم
الحقوق ستار ًا الخفاء نواياها في الخروج بهذا التنظيم عن طبيعة األغراض
( )1احملكمة الدستورية العليا -القضية رقم 39لسنة 9القضائية الصادر فيها احلكم بجلسة 7من نوفمبر سنة .1992
()2القضية رقم 2لسنة 18الصادر فيها احلكم بجلسة 7من مارس سنة .1998
60
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
( )1القضية رقم 38لسنة 16الصادر فيها احلكم بحلسة 16نوفمبر سنة .1996
61
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
ثالث ًا :نظرة نقدية على الواقع التشريعي والقضاء الدستوري المصري:
62
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
بيان ذلك أن المادة ( )119من الدستور تنص على أن «إنشاء الضرائب العامة
وتعديلها أو الغائها ال يكون إال بقانون ،وال يعفى أحد من أدائها إال في األحوال
المبينة في القانون واليجوز تكليف أحد أداء غير ذلك من الضرائب أو الرسوم
إال في حدود القانون».
فإذا كان ذلك صريح نص الدستور ،فإن ثبوت عدم دستورية نص تشريع
ضريبي مع عدم استفادة من ُطبق عليهم النص المعيب من الممولين غير
المدعي من شأنه أن يلتزم هؤالء بأداء مبالغ تمت تسميتها بأنها من الضريبة
وهي ليست كذلك فهي من وصف الضريبة براء على ما كشف الحكم الصادر
من المحكمة الدستورية.
وال يمكن التعلل بأي علة كانت ،تبرير ًا لهذا النص .فجباية مبالغ في غير
نطاق الضريبة المشروعة هو اعتداء صارخ على المبادئ األولية التي يقوم عليها
الدستور ويتعارض مع أهم غاية من غاياته وهو اشاعة الطمأنينة بين المواطنين
وتعميق شعورهم بأنهم يستظلون أو ً
ال بالدستور وثاني ًا بالتشريع ،فال يمكن
أن يكون هذا األخير مصدر الخاف بهم وإضرار محض بمصالحهم .وال شك
أن الغاية التي قيلت تبرير ًا لتمرير هذا التعديل وتتحصل في أن الدولة تكون
قد اعتمدت على ما تم تحصيله من الضريبة ،فهو قول داحض ،فمن المسلم
في مفهوم العدالة ومن المبادئ األساسية للقانون أن أداء غير المستحق ليس
بواجب ،وال يمكن أن تكون مبادرة المواطن بأداء ما ُيطلب منه أداؤه من ضريبة
بمقتضى قانون ،ظن المواطن أنه قانون قد استوى صحيح ًا حسب األصل
المفترض في القوانين جميع ًا ،ال يمكن أن تكون مبادرة المواطن بهذا األلتزام
ال بينه وبين استرداد ما دفع على أنه ضريبة وهو ليس كذلك .ومن عقاب ًا له وحائ ً
( )1وكان مشروع القانون قد عرض على اجلمعية العمومية العضاء احملكمة الدستورية العليا لنظره وإقراره في جلسة عاجلة،
انعقدت بعد إحالة رئيس احملكمة إلى املعاش ،وقبل تعيني الرئيس اجلديد ،ولم يعرف أن أحد ًا من األعضاء اعترض على
املشروع ،ولم يتسن االطالع على محضر هذا األجتماع ملعرفة مامت فيه.
63
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
( )1وقد كان التعديل محل نقد رقيق من الدكتور حمدان فهمي في رسالته املشار إليها.
64
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
بالمادة ( )175من الدستور ،والتي تسبغ على المحكمة« الرقابة القضائية على
دستورية القوانين واللوائح» بمعنى أن الرقابة التي كانت مقررة هي رقابة قضائية
تتطلب أن تمارس ،بحكم المنطق وطبائع األشياء ،بعد صدور التشريع وعن
طريق المخاصمة القضائية بالطريق الذي رسمه قانون إنشاء المحكمة (.)1
وإنه ولئن كان وجه المالءمة ظاهر ًا في ضرورة التحقق ما أمكن التحقق من
دستورية التشريع المنظم لالنتخابات الرئاسية ،فإن هذه الغاية تتالقى مع غاية
أخرى تتعادل معها ،باألقل ،في األهمية وفي استهدافها صالح توفير االستقرار
للنظام القانوني بكامله ،ونعني بهذا االستفتاء على تعديل الدستور ،فال شك
أن المكانة التي يحظى،أو يتعين أن يحظى بها الدستور ،تتطلب أن تدور
التشريعات جميع ًا في فلك احترام هذه المكانة وتوفير كل سبيل يهدف إلى
ضمان احترام الدستور االحترام األوفى ،ويتطلب ذلك أول ما يتطلب أن يكون
أي تعديل ألحكامه مما يتعين أن تراعى بشأنه كل دواعي الحرص في اتباع
ال وضمان تعبيرها عن اإلرادة من وراءجادة السبيل بشأن إجراءات التعديل شك ً
إصدارها وهي إرادة الشعب ،فبذلك وحده يتحقق مبدأ سيادة الشعب الذي
هو غاية أساسية ومبدأ كلي يقوم عليه البنيان القانوني بكامله بما فيه الدستور
بداهة باعتبار الدستور الوثيقة التي تحوي المبادئ التي تحكم حركة المجتمع
وتضمن الحقوق والحريات العامة وتنظم السلطات بما فيها ومن ضمنها رئيس
الجمهورية.
ومع ذلك كله ،وعلى وضوح األمر بشأنه ،فقد ذهب قضاء من المحكمة
الدستورية العليا بأن االستفتاء الذي يجري بشأن التعديل الدستوري ،ال يشترط
في إجرائه أن تتبع اإلجراءات المنصوص عليها بالمادة ( )24المعدلة من القانون
( )1وبالفعل فقد نظرت احملكمة الطعن في بعض مواد القانون رقم 174لسنة 2005بتنظيم االنتخابات الرئاسية وإن انتهت
إلى رفض الدعوى ،تأسيس ًا على أن احملكمة سبق لها ممارسة الرقابة السابقة على مشروع القانون فتكون احملكمة قد راعت
ممارسة اختصاصها القضائي املقرر باملادة ( )175من الدستور من حيث الشكل ،وإن حجبت عن نفسها هذه الرقابة فع ً
ال.
(احلكم الصادر بجلسة 15من يناير سنة 2006في القضية رقم 188لسنة 27القضائية).
65
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
66
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
تنكب الغايات العلى التي يستهدفها الدستور ويقوم عليها .فإذا كان حرص
المحكمة الدستورية على سالمة مشروع القانون بشأن االنتخابات الرئاسية
مبرر ًا وقائم ًا على غايات مشروعة ،فإن هذه الغايات أيض ًا يتعين أن تهيمن على
أحكام الدستور وتستظلها إذا ُأريد تعديلها .فرئيس الجمهورية سلطة مؤسسة
المؤسس لكل السلطات والمهيمن عليها بغاياته.
ّ والدستور هو المصدر
68
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
الجريمة ال يمكن أن ُيترك لتقدير رجال الضبط القضائي لما لهذا األمر
من أهمية قصوى متعلقة بالحرية الشخصية وحرمة المسكن مما يستلزم
أن يتم أي شئ من ذلك بإذن القاضى ،فإن األمر يختلف كلية في حالة
دخول مسكن المحجوز عليه لتوقيع الحجز على المنقوالت إذ ال يتم
الحجز إال تحت إشراف قاضي التنفيذ وبعد استنفاذ كافة اإلجراءات
النصوص عليها بقانون المرافعات التي تصدر عن أصل عام يقرره بأن
يجرى التنفيذ تحت إشراف قاضي التنفيذ وعلى ذلك ،وإن لم تشترط
المادة ( )353من قانون المرافعات حصول المحضر على إذن من
القاضي بدخول المسكن ،فإنها ال تكون قد خالفت حكم الدستور ،وإنما
ال بين مصلحة المدين المحجوز عليه ،وبين تكون قد تضمنت «توازن ًا عاد ً
مصلحة الدائن الحاجز» .وبذلك تكون المحكمة الدستورية قد فصلت
في أمر صحة تقدير المشرع للمصالح التي يدور حولها النص المطعون
في دستوريته.
(الحكم الصادر بجلسة 13من مايو 2007في القضية رقم 140لسنة 27
القضائية).
ج -ولعل الحكم الصادر بعدم دستورية نص ورد بقرار وزير الشباب رقم
836لسنة 2000باعتماد النظام األساسي لألندية فيما تضمنه من اشتراط
الحصول على مؤهل عال للترشيح لعضوية مجلس مجلس إدارة النادي
الرياضي الذي يزيد عدد أعضائه على ألفي عضو (صدر الحكم بجلسة
10من يونيه سنة 2007في القضية ( 85لسنة 28القضائية دستورية)
جدير ًا بالتأمل .فقد قام الحكم على أساس أن قيام المجتمع على مزيج من
المواطنة والتضامن االجتماعي يعني أن الجماعة في إيمانها باالنتماء إلى
وطن واحد واندماجها في بنيان واحد وتداخل مصالحها واتصال أفرادها
بعض ًا ببعض حتى يكونو ًا كالبنيان المرصوص يشد بعضه إزر بعض؛ ولئن
نص الدستور على حظر التمييز في أحوال معينة هي المنصوص عليها في
69
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
متن هذا النص؛ إال أن هذا الحظر ال يدل البته على الحصر«...وأنه» لما
كان ما تقدم؛ وكان توكيد السيادة للشعب هو جوهر الديمقراطية؛ وأن
الحق في االنتخاب والترشيح من الحقوق العامة التي كفلها الدستور
وضمن ممارستها وجعلها واجب ًا وطني ًا يتعين القيام به؛ وأن هذين الحقين
متكامالن ال ينفصالن ،ومن غير المفهوم أن يطلق المشرع حق االقتراع
للمواطنين المؤهلين لمباشرة حقوقهم؛ وأن يتخذ موقف ًا معاكس ًا تمام ًا
من ترشيحهم لعضوية مجالس إدارة األندية».
ثم انتهى الحكم إلى القول بأنه متى «كان النص الطعين باشتراطه في المرشح
لعضوية مجلس إدارة النادي الذي يضم في عضويته ألفي عضو ،دون النادي
الذي يضم أقل من هذا النصاب قد فرق بين أعضاء أندية قد تكون متجاورة
ال عن الوطن الكبير ذلك أن وهو ما يقوض حيوية الهيئة التي ينتمون إليها فض ً
المستبعدين سوف تمأل حلوقهم مرارة االزدراء ،وربما يحسون بالدونية رغم
طاقات هائلة يستطيعون تقديمها لجمعهم هذا الصغير بما ينعكس على المجتمع
في مجموعة بالحق والخير والجمال؛ األمر الذي يكون معه النص الطعين قد
خالف نصوص المواد 1و3و 40و 7من الدستور».
ودون الخوض في تعليق على حيثيات الحكم وما تضمنه من إشارات
إلى أمور احتمالية ومشاعر شخصية وتقديرات ذاتية لمفاهيم «الحق والخير
والجمال» على ما ورد به ،فإنه انتهى إلى عدم دستورية اشتراط الحصول على
عال للترشيح لعضوية مجلس إدارة النادي الرياضي الذي يزيد عدد مؤهل ٍ
أعضائة على الفي عضو ،تأسيس ًا على أن هذا النص يتضمن تفرقة وتفضي ً
ال
واستبعاد ًا ينال» بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو
القانون» وبالتالي يكون قد شاب النص التشريعي االنحراف بالسلطة مما يشوبه
بالعوار.
د -كما قضت المحكمة الدستورية برفض الطعن على نص المادة ()152
70
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
من قانون الزراعة رقم 53لسنة 1966التي تحظر إقامة أي مباني على
األراضي الزراعية .وقررت المحكمة أن النص المطعون فيه ال ينتقص
من الحماية الدستورية لحق الملكية وال يجاوز نطاق الوظيفة االجتماعية
المقررة لها ،كما أن مبادئ الشريعة اإلسالمية تظاهر النص باعتبار أن
لولي األم��ر أن يتدخل لتنظيم حق الملكية إذا أس��اء الناس استخدام
أموالهم لكي يوجهه الوجهة الرشيدة تحقيق ًا لمصلحة الجماعة ،وكل
ذلك مصالح مشروعة يستهدفها النص المطعون عليه بما تضمنه من
قيود على البناء على األراضي الزرعية .وقد أعاد الحكم التأكيد على أن
سلطة المشرع في تنظيم الحقوق هي سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور
بضوابط معينة ،وجوهر السلطة التقديرية يتمثل في المفاضلة التي يجريها
المشرع بين البدائل المختلفة الختيار أكثرها مالءمة للوفاء بمتطلباتها في
خصوص الموضوع الذي ينظمه.
(الحكم الصادر بجلسة 4من مايو سنة 1991في القضية رقم 23لسنة 9
القضائية).
هـ -كما أوضحت المحكمة الدستورية ،بمناسبة تصديها لبيان عدم دستورية
النص الذي يقضي بمسئولية رئيس تحرير الصحيفة عن الجرائم التي
ال أصلي ًا بالتطبيق لحكم المادةترتكب بواسطة الصحيفة باعتباره فاع ً
( )195من قانون العقوبات التي كان نصها يجري بأنه «مع عدم اإلخالل
بالمسؤلية الجنائية لمؤلف الكتابة أو واضع الرسم أو غير ذلك من طرق
التمثيل ،يعاقب رئيس تحيرير الجريدة ..بصفته فاع ً
ال أصلي ًا للجرائم التي
ترتكب بواسطة صحيفته .ومع ذلك يعفي من المسئولية الجنائية:
-1إذا أثبت أن النشر حصل دون علمه ..
-2أو إذا أرشد أثناء التحقيق عن مرتكب الجريمة« ..أن» األصل في النصوص
العقابية أن تصاغ في حدود ضيقة تعريف ًا باألفعال التي جرمها المشرع ،وتحديد ًا
71
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
لماهيتها ،لضمان أال يكون التجهيل بها موطئ ًا لإلخالل بحقوق كفلها الدستور
للمواطنين ،كتلك التي تتعلق بحرية عرض اآلراء وضمان تدفقها من مصادرها
المختلفة».
وقد أقامت المحكمة قضاءها بعدم دستورية النص لقيامه على افتراض
مسئولية رئيس التحرير جنائي ًا بنا ًء على صفته هذه باعتباره فاع ً
ال أصلي ًا لجريمة
عمدية ،على أسانيد كثيرة أهمها:
-أن تجريم أفعال تتصل بالمهام التي تقوم الصحافة عليها إنما يثير من وجهة
نظر مبدئية الشبهة حول دستوريتها ويستنهض والية المحكمة في إجراء
رقابتها القضائية عليها(.)1
-أن حق الفرد في الحرية ينبغي أن يوازن بحق الجماعة في الدفاع عن
مصالحها الحيوية ،مما يلزم معه أن تتقيد النظم العقابية بأغراضها النهائية وبأن
تكفل لكل متهم حد ًا أدنى من الحقوق التي ال يجوز النزول عنها فال يكون
الفصل في االتهام الجنائي إال إنصاف ًا وبما يحول دون إساءة استخدام العقوبة
تشويها ألهدافها .
-أن الصحافة بأدائها وأخبارها وتحليالتها ،إنما تقود رأي ًا عام ًا ناضج ًا،
ال يبلوره إسهامها في تكوينه وتوجيهه ،وال يتصور في جريدة تتعدد وفاع ً
صفحاتها وتتزاحم مقاالتها وتتعدد مقاصدها أن يكون رئيس التحرير
محيط ًا بها جميع ًا نافذ ًا إلى محتوياتهم ممحص ًا بعين ثاقبة كل جزئياتها،
وال أن يزن كل عبارة تضمنتها بافتراض سوء نية من كتبها ،وال أن يقيسها
وفق ضوابط قانونية قد يدق األمر بشأنها فال تتحد تطبيقاتها-.
-أن رئيس التحرير وقد أذن بالنشر ال يكون قد أتى عمال مكون ًا لجريمة
( )1وكأن احملكمة الدستورية تقرر ،بحق ،بأن األصل هو احلرية التي بدون توافرها فقدت الصحافة أساس وجودها مما يتداعى
ذلك بأثره على احلق في املعرفة وفي التعبير وهو ما عبر عنه ذات احلكم بأن «الصحافة تكفل للمواطن دور ًا فاع ً
ال ،وعلى
األخص من خالل الفرص التي تتيحها معبر ًا بوساطتها عن تلك االراء التي يؤمن بها ويتحقق بها تكامل شخصيته فال يكون
سلبي ًا منكفئ ًا وراء جدران مغلقة ،أو مطارد ًا بالفزع من بأس السلطة عدوانيتها ،بل واثق ًا من قدرته على مواجهتها ،فال تكون
عالقتها به انحرف ًا ،بل اعتدا ً
ال ،وإال ارتد بطشها عليها ،وكان مؤذن ًا بأفولها»( .احلكم الصادر بجلسة األول من فبراير سنة 1997
في القضية رقم 59لسنة 18القضائية).
72
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
ال مع غيره .ذلك أنه ولئن جاز القول بأنه العالنية التتم يكون به فاع ً
إال بنشر المقال المدعى بأنه تضمن سب َا وقذف ًا ،إال أنه يبقى أن مسئولية
رئيس التحرير جنائي ًا عن تحقق هذه النتيجة شرطها اتجاه إرادته إلحداثها
ومدخلها علم ًا يقيني ًا بأبعاد هذا المقال.
ومن الواضح أن المحكمة الدستورية العليا ارتكزت في قضائها على
أساسين؛ أولهما األص��ل ال��ذي تفيده حرية الصحافة وأث��ر ذلك قيد ًا على
المشرع في استعمال سلطته التقديرية في تنظيم الصحافة بتحديد نقطة التوازن
بين حقوق الفرد وحق الجماعة ،وثانيهما وهو تأكيد ضمانات أساسية يتعين
أن يقوم عليها النظام العقابي وهو أن األصل في اإلنسان البراءة التي تتنافى مع
المساءلة الجنائية االفتراضية عن جريمة عمدية.
و -كما قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية نص المادة ( )48من
قانون العقوبات التي كانت تجرم االتفاق الجنائي ،فكان أن أوضحت
المحكمة ما يلى:
-أن الرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية على النصوص
العقابية تضبطها مقاييس صارمة تتفق وطبيعة هذه النصوص في اتصالها
المباشر بالحرية الشخصية التي أعلى الدستور قدرها»مما يفرض على
المشرع الجنائي أن ينتهج الوسائل القانونية السليمة سواء في جوانبها
الموضوعية أو اإلجرائية لضمان أال تكون العقوبة عاصفة بالحرية وأن
تكون العقوبة التي يفرضها في شأن الجريمة تبلور مفهوم ًا للعدالة يتحدد
في ضوء األغراض االجتماعية التي تستهدفها».
-وأنه «ال يسوغ للمشرع أن يجعل من نصوصه العقابية شباك ًا أو شراك ًا يلقيها
ليتصيد باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها».
مبرر ًا إال إذا كان واجب ًا لمواجهة ضرورة -وأن «الجزاء الجنائي اليعد ّ
73
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
اجتماعية لها وزنها ومتناسب ًا مع الفعل المؤثم فإن جاوز ذلك كان مفرط ًا
في القسوة مجافي ًا للعدالة ومنفص ً
ال عن أهدافه المشروعة».
وبالتطبيق على ما سبق من أسباب ،وإذ تبين للمحكمة الدستورية أن االتفاق
الجنائي المنصوص عليه بالمادة ( )48من قانون العقوبات يشمل االتفاق على
ارتكاب جنايات أو جنح ،وكان االتفاق الجنائي المقصود بالنص يستهدف
مرحلة سابقة على الشروع في ارتكاب شيء من ذلك ،بل وكان الشروع في
ارتكاب جنحة غير مؤثم إال بنص خاص ،فيكون نص المادة ( )48الذي يجرم
مجرد االتفاق (السابق على الشروع) ويعاقب عليه بالعقوبة المقررة للجناية
أو الجنحة محل االتفاق (في حين أن العقوبة على الشروع في األولى هي
أقل درجة) ،فإن المشرع يكون قد انتهج منهج ًا يتنافى مع سياسة العقاب على
الشروع وبالتالي يتناقض مع األسس الدستورية للتجريم.
(الحكم الصادر بجلسة 2من يونيه سنة 2001في القضية رقم 114لسنة
21القضائية).
74
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
مالحظات ختامية
-1إنه يبين مما سبق أن األخذ بمبدأ الرقابة المركزية على دستورية القوانين
،واللوائح عن طريق إنشاء محكمة دستورية ال يقلل من األهمية التي
تحتلها رؤية قاضي المنازعة األصلية ،وعلى األخص القاضي اإلداري
لوزن الشبهات الدستورية ،ذلك أن هذا القاضي هو الذي يكشف في
البدء ،ثم يحرك بعد ذلك الرقابة الدستورية على الشبهات الكامنة في
النصوص التشريعية.
-2أن القاضي اإلداري اليقتصر دوره على إحالة الشبهة الدستورية إلى
المحكمة الدستورية وإنما يعمل مفاد الشبهة الدستورية ،على واقع
المنازعة المعروضة عليه مع القرار باالحالة .بيان ذلك أن قضاء مجلس
الدولة المصري يجرى بأن مجرد قيام شبهة عدم دستورية نص تشريعي
يتعلق بحق أو حرية عامة من شأنه أن يتوفر به دائم ًا ركن االستعجال
ال�لازم قيامه للقضاء بوقف تنفيذ القرارالمطعون فيه .وإنه ولئن كان
القاضي اإلداري حريص ًا بأن يبين في هذه الحاالت اختالف كل من
مجال الرقابة الدستورية ومجال وقف تنفيذ القرار ،إال أن التأصيل
الفقهي للقضاء اإلداري في هذا الشأن ال يفوته إداك أن تمحيص الركنين
الالزمين للقضاء بوقف التنفيذ وهما ركن الجدية وركن االستعجال
ووزنهما في ضوء الشبهة الدستورية التي تحيط بالنص التشريعي الذي
يستند إلى القرار المطعون فيه ،لهو تغليب لوجه وزن مشروعية النص
التشريعي في ضوء أحكام الدستور مما هو نوع من أنواع رقابة االمتنان
عن تطبيق المخالف للدستور احترام ًا لمبدأ المشروعية وسيادة القانون
التي تقتضي احترام التدرج في القواعد القانونية.
ولعل أن مما له مجال ذكر،أن محكمة النقض المصرية (الدائرة الجنائية)،
75
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
في ظل حكم الدستور الذي يقرر بأن تتولى المحكمة الدستورية العليا وحدها
الرقابة على دستورية القوانين واللوائح ،قد أصلت حقها في االمتناع عن
تطبيق نص تشريعي يتعارض مع نص دستوري هو ال��ذي يتعين تطبيقه في
واقع المنازعة .وقد جاء بالحكم المشار إليه أنه إذ ُأدين الطاعن استناد ًا إلى
نص ورد بالقانون رقم 62لسنة 1975بشأن الكسب غير المشروع ،فإن هذا
النص يخالف الدستور إذ «أهدر أصل البراءة المنصوص عليها في المادة 67
من الدستور مما يعيبه ويستوجب نقضه».
(الحكم الصادر بجلسة 28من إبريل سنة 2004في القضية رقم 30342
لسنة 70القضائية).
وقد جاء بالحكم أن التشريع يتدرج درجات تجعل الدستور الدرجة العليا
فيها ،وهذا التدرج في القوة ينبغي أن يسلم منطق ًا إلى خضوع التشريع األدنى
للتشريع األعلى.
كما أوضحت المحكمة أنه وإذ كانت الرقابة الشكلية على التشريع حق ًا
مقرر ًا ،فإن الرقابة الموضوعية التي تكون للمحاكم ،في ظل نص المادة ()175
من الدستور بشأن إنشاء محكمة دستورية ،تبقى قائمة في نطاق التأكد من شرعية
أو قانونية التشريع األدنى بالتثبت من عدم مخالفته التشريع األعلى فإن ثبتت
المخالفة اقتصر دوره على مجرد االمتناع عن تطبيق التشريع األدنى المخالف
للتشريع األعلى دون أن يملك إلغاءه أو القضاء بعدم دستورية ،وحجية الحكم
في هذه الحالة نسبية مقصورة على أطراف النزاع دون غيرهم.
وإذ لم يصدر من محكمة النقض المصرية ما يفيد عدو ً
ال عن هذا القضاء،
فقد يثير هذا التفسير القضائي الصادر من قمة محاكم القضاء المدني تساؤالت
عديدة حول مدى إمكان التوفيق بين اتباع مفاد هذا القضاء مع حكم المادة
( )175من الدستور التي تنشئ محكمة دستورية تتولى الرقابة على دستورية
القوانين واللوائح.
76
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
77
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
78
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
أفصح المشرع الدستوري الكويتي ،في مجال تنظيمه للسلطة القضائية ،عن
مراده أن ينشأ بالكويت قضاء إداري.
وقد تضمنت المادتان 169و 171من الدستور التعبير عن هذه اإلرادة كما
تضمنتا البدائل التنظيمية التى رآها المشرع الدستوري محققة لمقصده ،مع ترك
الترخيص باالختيار بينها للمشرع العادي.
وتتحصل هذه البدائل في اآلتي :فإما أن ُيعهد باختصاص القضاء اإلداري
لغرفة أو محكمة خاصة ،يبين القانون كيفية ممارستها لهذا االختصاص شام ً
ال
والية اإللغاء ،وإما أن ُيعهد إلى مجلس دولةُ ،ينشأ بقانون ،القيام بوظائف القضاء
ال عن االفتاء والصياغة المنصوص عليهما بالمادة (.)170 اإلداري ،فض ً
وقد كان أن ارتأى المشرع في تنظيمه القضاء اإلداري ،الذي وضع الدستور
أساسه ،أن يعهد بممارسة القضاء اإلداري لدائرة ُتشكل بالمحكمة الكلية،
وبذلك صدر القانون رقم 20لسنة 1981الذي ُعدل بالقانون رقم 61لسنة
.)1(1982
ومصطلح «القضاء اإلداري» الذي استخدمه المشرع الدستوري غني بما
معان لم تكن خافية عن إدراك المشروع عندصياغة القانون رقم 20 ٍ يحمل من
لسنة ،1981آية ذلك انه ورد بالمذكرة اإليضاحية للقانون أنه «يعهد بالقضاء
اإلداري إلى دائرة تخصص لهذا الغرض في المحكمة الكلية على أن ُيراعى
في تكوينها أن تكون ُمشكلة من ثالثة قضاة نظر ًا لما يتميز به قضاء اإللغاء من
مقومات أهمها انه ليس قضاء تطبيقي ًا وإنما هو قضاء يبتدع الحلول المناسبة
( )1والبادي للباحث اخلارجي أن املشرع قد يكون اتخذ سبيل احلذر في اختياره هذا الطريق سبيال ملمارسة القضاء اإلداري
مراعاة للتدرج في األخذ بهذا النوع من القضاء .وقد يؤكد صحة هذا النظر ما أورده القانون رقم 20لسنة 1981في املادة
( )12منه من حتديد لنصاب االستئناف مبا يقل عن النصاب املقرر في خصوص املنازعات املدنية ،وذلك تيسير ًا لولوج طريق
االستئناف مما من شأنه اإلسراع في إرساء مبادئ القضاء اإلداري على نحو ما ميكن ان تكشف عنه السوابق القضائية الصادرة
من محكمة االستئناف.
79
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
للمنازعات التى تنشأ بين اإلدارة واألفراد وهي تختلف بطبيعتها عن منازعات
القانون الخاص».
وهذه الخصوصية التى يتميز بها القضاء اإلداري ويتفرد ،هي أساس قيامه
وداعي استمراره ..وبالتالي يلزم أن تكون هذه الطبيعة الخاصة ماثلة حاضرة
في ذهن القاضي اإلداري عند ممارسة اختصاصه .فإذا كان القاضى اإلداري،
في دولة الكويت ،يمارس اختصاصه استناد ًا إلى أحكام القانون رقم 20لسنة
1981فإن استحضاره المبدأ األصولي الحاكم لممارسة القضاء اإلداري ،وهو
انه قضاء إنشائي في المقام األول يستهدف حماية المشروعية ،يتعين أن يهيمن
على قضائه بما يتطلب وزن القواعد التى يطبقها واإلجراءات التى يسير عليها
بميزان التواؤم مع طبيعة قضاء المشروعية.
فإذا كانت الفقرة األولى من المادة ( )15من القانون رقم 20لسنة 1981
تجرى بأنه فيما عدا ما نص عليه القانون تسرى القواعد واالجراءات المنصوص
عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية ،فإن التفسير الصحيح لهذا النص
يتطلب ضبط مفاد ظاهر عبارته بقيدين هامين؛ أولهما قيد مفاده االستبعاد
وثانيهما قيد مفاده االستجالب .بيان ذلك أن القضاء اإلداري ،وقوامه قضاء
المشروعية ،نظر ًا لما له من خصوصية تهيمن على المنازعة ،قد يتطلب استبعاد
قواعد وإجراءات تتنافر مع طبيعة المنازعة فال يكون ثمة وجه لتطبيق شيء من
تلك القواعد أو األجراءات وإن جرى النص عليها في شأن المنازعات المدنية
والتجارية عموم ًا ،وإال كان في ذلك إهدار ألصل شرعه القضاء اإلداري .كما
ان طبيعة المنازعة المشروعية قد تتطلب قاعدة او إجراء ال يستفاد من قاعدة أو
إجراء منصوص عليه بعموم التشريع الذي يحكم المنارعات المدنية والتجارية،
وإنما تتطلبه وتستجلبه الطبيعة الخاصة لقضاء المشروعية.
وكمثال ،بقصد اإليضاح ،فقد حكمت المحكمة اإلداري��ة العليا في مصر
بأنه يجوز للجهة األدارية أن تطعن في حكم صادر من محكمة القضاء األداري
80
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
برفض طلب األلغاء رغم وجود نص في قانون المرافعات يقضي بأن االستئناف
ال إال من المحكوم عليه .فقد استظهرت المحكمة اإلدارية العلياال يكون مقبو ً
فيما استظهرته ،سند ًا لقضائها ،أن الخصومة في دعوى اإللغاء توجه للقرار
االداري ،وبالتالي ال تعتبر االدارة ،في تلك المنازعة وإن كانت مدع عليها في
واقع إجراءاتها ،ومن ثم يكون جائز ًا ومقبوال الطعن المقدم منها في الحكم
الصادر برفض طلب اإللغاء ،حيث أن للجهة اإلدارية دائم ًا مصلحة في ضمان
احترام مبدأ المشروعية وسيادة القانون(.)1
ويتأكد هذا النظر بمراعاة أن رفض طلب إلغاء القرار عنوان على صحته،
فاليكون لإلدارة سحبه ،كما أن إصدارها قرار ًا مضاد ًا ( )acte contraire
بإلغائه ليس من شأنه أن يرتد بأثره إلى تاريخ صدور القراراالول ،كما قد يكون
سبب ًا لطلب التعويض عن األضرار التي يمكن أن تترتب على القرار الجديد.
جملة القول ،أن الطبيعة الخاصة للقضاء اإلداري هي التي تمثل المرجعية
القانونية في التعرف على القاعدة أو اإلجراء واجب التطبيق ،وإلى هذه الطبيعة
يتعين أن يرد تفسير أحكام القانون رقم 20لسنة 1981بما في ذلك ،بل وعلى
وجه الخصوص،حكم الفقرة األولى من المادة ( )15منه التي تكاد تتطابق في
عبارتها مع نص المادة ( )3من القانون رقم 47لسنة 1972بإصدار قانون،مجلس
الدولة المصري والتي تجرى عبارتها بأن«تطبق االجراءات المنصوص عليها
في هذا القانون ،وتطبق أحكام قانون المرافعات فيما لم يرد فيه نص وذلك إلى
أن يصدر قانون باإلجراءات الخاصة بالقسم القضائي».
وتتبدى أهمية استعراض الطبيعة الخاصة للقضاء اإلداري وما يترتب عليها
من آثار قانونية ،على وجه الخصوص في ضوء اختيار المشرع ،بدولة الكويت،
إناطة اختصاص القضاء اإلداري لدائرة تشكل بالمحكمة الكلية ،فهذه الصلة
()1مرفق صورة من احلكم الصادر بجلسة 31من يناير سنة 1987في الطعن رقم 1822لسنة 30القضائية.
81
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
التنظيمية ليس من شأنها وال ينبغي لها أن تتعدى االطار التنظيمي؛ فالقضاءان
العادي واإلداري ،وإن جمعتهما محكمة واحدة ،اليبغيان ،وان كان كالهما
عذب ًا فرات ًا،الختالف طبيعة كل منهما عن اآلخر على نحو ما يستفاد من أحكام
الدستور وما أوضحه المشرع في أحكام القانون رقم 20لسنة 1981المشار
إليه.
تمهيد يتغشاه اعتذار واجب:
ولئن كان صحيح ًا أن أهل المدينة هم أدرى الناس بشئونها ،فإنه قد يكون
على ذات القدر من الصحة إحساس وإقتناع محبي المدينة وروادها المخلصين
بأن لهم نصيب ًا مشروع ًا في طلب معرفة أحوال المدينة وارتياد شعابها المعرفية
والقانونية ،حتىيزدادوا ألفة على ألفة وحب ًا على حب .وقد يتجاوز األمر ذلك،
وهو يعد تجاوز أظنه مشروع ًا ،إلى إبداء الرأي فيما هو من شئون المدينة ،طمع ًا
في إقامة حوار ،الريب في أنه يزيد المحاور معرفة ،وقد ُيلقىضوء ًا يزداد به
موضوع البحث وضوح ًا.
فإذا كان ذلك هو ما يعتمل في النفس،فلعله أن يكون مدعاة لتقبل ما تتضمنه
هذه المداخلة من إلماحات إلى تفسير بعض نصوص القانون رقم 20لسنة
1981في ضوء أحكام الدستور الكويتي وهي بعد إلماحات تحمل تساؤالت،
بغرض االستزادة من تجربة القضاء اإلداري بدولة الكويت ،بأكثر مما تنطوي
على إيضاحات ،أهل المدينة هم األدرى بها واألصدق تعبير ًا عنها.
ولعل نقطة البدء تتمثل في تساؤل مشروع حول أثر الصلة التنظيمية التي
تندرج في إطار ها دائرة القضاء اإلداري في كنف المحكمة الكلية ،على مفهوم
وفصل
القضاء االداري ،ذلك المفهوم الذي وضع أساس المشرع الدستوريّ ،
أحكام تنظيمه المشرع بالقانون رقم 20لسنة .1981
وإذ كانت للمنازعة اإلداري��ة طبيعة خاصة تهيمن على إجراءاتها وقواعد
الفصل فيها فيبقى بيان مدى أثر اختيار المشرع ألسلوب دون آخر ،من أساليب
82
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
تنظيم القضاء اإلداري على نحو ما بينه الدستور على القواعد الموضوعية
واإلجرائية التي تنظم المنازعة اإلدارية.
فإذا جرى القول بالطبيعة الخاصة للمنازعة اإلدارية ،فإنه قد يكون مالئم ًا
التعرض في إلماحة يقتضيها المقام ،لبيان ما هي الطبيعة الخاصة التي تستدعي،
أحكام ًا يستقل بها القضاء اإلداري ،ثم التعرض اليضاح أهم اآلثار القانونية
المترتبة على هذه الطبيعة وعلى األخص في مجال االثبات.
83
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
ً
أوال :المرجعية الدستورية للقضاء اإلداري والنتائج المترتبة على هذه
المرجعية.
قد يلزم ،قبل ولوج بيان هذه المرجعية ،التعرض في إلماحة سريعة إلى
إعتبارت أساسية يقوم عليها دستور دولة الكويت ،بالنظر إلى ما نراه من تأثير
لهذه االعتبارات العامة على تحديد طبيعة المرجعية الدستورية للقضاء اإلداري
بدولة الكويت.
وأول هذه االعتبارات الالفتة ،ما أكدته المذكرة التفسيرية للدستور من سيادة
روح األسرة التي تربط بين أهل الكويت حكام ًا ومحكومين ،وهي طبيعة لم ينل
منها ،حسبما ورد بالمذكرة التفسيرية المشار إليها ،ما خلفته القرون المتعاقبة في
معظم الدول االخرى من أوضاع ومراسم شكلية باعدت بين حاكم ومحكوم.
وثاني هذه االعتبارات التأكيد على رقابة ال��رأي العام ألعمال السلطة
التنفيذية ،وهي الرقابة التي يوفرها الحكم الديموقراطي ،بما يجعلها العماد
األساسي لشعبية الحكم عن طريق كفالة مختلف الحقوق والحريات األساسية
ومنها حرية الرأي والصحافة وتقديم العرائض إلى السلطات العامة ،والتي
بدونها ،كما عبرت المذكرة التفسيرية« ،تنطوي النفوس على تذمر ال وسيلة
دستورية لمعالجته» .وف��ي ض��وء ذل��ك تتأكد أهميةما تضمنه الدستور من
وسائل حماية هذه الحقوق والحريات العامة على نحو ما قرره من أساس قيام
قضاء إداري ،يفصل في الخصومات اإلدارية ،تارك ًا تنظيم أحكام هذا القضاء
التفصيلية للمشرع الذي يتعين أن يراعي دائم ًا في تنظيمه األساس الدستوري
لهذا القضاء ،كما يتعين على القاضي اإلداري ذاته أن يستوعب حقيقة متطباته،
فبذلك وحده يتحقق مراد المشرع الدستوري على صحيح وجهه.
وثالث هذه االعتبارات أن الدستور خص القضاء اإلداري ،في إطار تنظيمه
للسلطة القضائية بنص خاص يفيض داللة على استقالل هذا النوع من القضاء
بذاتية موضوعية تتمثل في اختصاصه ،ضمن ما يختص به ،بوالية اإللغاء.فمن
84
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
العلم العام أن المحاكم العادية ليس لها أن تلغي أو توقف تنفيذ ما يصدر عن
ال لمفهوم الفصل بين السلطات وهو ما السلطة التنفيذية من ق��رارات ،إعما ً
حرص دستور دولة الكويت على التصريح به في المادة ( )50بد ً
ال من تقريره
داللة من واقع األحكام الخاصة بالسلطات العامة.
فإذا كان ذلك ،وكان الدستور قد تضمن البدائل التنظيمية لممارسة القضاء
اإلداري على نحو ما أورده في المادتين 169و ،171فإن التفسير الذي تكاد
النصوص أن تنطق به هو أن إقامة هذا النوع من القضاء ليس خيار ًا متروك ًا
للمشرع العادي ،إن شاء أخذ به وإن شاء أعرض عنه ،وإنما هو فرض يتعين
على المشرع أن يلتزم بإعماله.
ويترتب على ذلك وجوب أن يراعي في تنظيم هذا النوع من القضاء أن ُيبنى
على أصل العموم ،بمعنى أن يكون أصل االختصاص عام ًا ،فيما عدا ما يمكن
أن يخرج منه على سبيل االستثناء الذي يتعين أن يلتزم دائم ًا حدود ًا ال تتجاوز
أصل شرعة هذا النوع من أنواع القضاء.
كما يترتب على نصوص الدستور نتيجة ،تبدو وثيقة الصلة بمفهوم تلك
النصوص ،مفادها أال يكون أو يجب أال يكون ،إلختيار المشرع العادي للوسيلة
التنظيمية لممارسة القضاء اإلداري ،من آثار قانونية على القواعد الموضوعية
أو اإلجرائية التى يتعين أن ينزل عليها القضاء اإلداري فترتبط به في قيامه وفي
ممارسته الختصاصه.
وبعبارة أخرى فال نرى أن المشرع الدستوري ،اعطى المشرع العادي ترخص ًا
في تحديد القواعد الموضوعية أو اإلجرائية التي تحكم سير القضاء اإلداري في
ممارسة وظيفته ،وانما الترخص ينحصر وحسب فيما تركه المشرع الدستوري،
للمشرع العادي من اختيار التنظيم الذي يراه ،بمراعاة مختلف الظروف ،لتحقيق
مراد المشرع الدستوري أال وهو إقامة صرح قضاء إداري شام ً
ال والية اإللغاء.
85
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
ومفاد ذلك ضرورة توافر الشروط واألوضاع التي بها وحدها تتحقق ممارسة
هذا النوع من القضاء على كامل وجهها.
فإذا كان المشرع الدستوري ،يتيح للمشرع العادي أن ينيط إختصاص القضاء
اإلداري لغرفة ،أو لمحكمة خاصة ،أو لمجلس دولة ،فإن تعدد هذه الخيارات
ال يعني ترخص ًا في اختيار القواعد الموضوعية أو اإلجرائية الالزمة إلقامة
هذا النوع من القضاء وممارسة اختصاصه ،وانما هو محض استعراض لبدائل
تنظيمية توفر للمشرع العادي مكنة اختيار ما هو مناسب في وقت معين،مع
إمكان إعادة النظر بالترجيح بين غير ما اختاره المشرع العادي إذا اقتضت ذلك
ظروف الحال.
وعلى ذلك ،فإنه يتعين فهم االختصاص المقرر بالقانون رقم 20لسنة 1981
للدائرة اإلدارية على أنه اختصاص يتعلق بتنظيم نوع من القضاء يستقل بأحكامه
الموضوعية واإلجرائية ،وإن لم يكتمل له االستقالل التنظيمي ،مما يترتب عليه
وجوب اعتبار هذا االختصاص متعلق ًا بالنظام العام ،مما يتعين معه إعمال اآلثار
القانونية المترتبة على ذلك في إطار عمل الدوائر اإلدارية بالمحكمة الكلية.
فإذا كانت المادة ( )1من القانون رقم 20لسنة 1981تنص على اختصاص
الدائرة اإلدارية التى تنشأ بالمحكمة الكلية بالمسائل التي بينتها ،وحدها دون
غيرها ،فإن مقتضى ذلك والزمه اعتبار تحديد االختصاص على هذا النحو مما
يتعلق بالنظام العام.
ومما له مجال ذكر في هذا الخصوص،أن البادي من عبارات المادة()1من
القانون رقم 20لسنة 1981أن المشرع يقيم نوعين من االختصاص المحجوز
للدائرة األدارية.
النوع األول اختصاص محدد بنص القانون ويتصل بمنازعات الموظفين
العموميين أو طالبي التعيين ،على نحو ما ورد بالفقرات من أو ً
ال حتى رابع ًا من
المادة( ،)1والنوع الثاني اختصاص عام يتعلق بالمنازعات التي يقيمها األفراد
86
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
أو الهيئات ضد القرارت اإلداري��ة النهائية فيما عدا منازعات بعينها حددتها
الفقرة خامس ًا على وجه الحصر.
ومفاد ظاهر النص عدم جواز التوسع في التفسير بإضافة إختصاص في مجال
ال حتى رابع ًا ،وعلى العكس من الوظيفة العامة لم ينص عليه في الفقرات من أو ً
ذلك فإن االستثناء من االختصاص العام المقرر بالفقرة خامس ًا .مما يتعين أال
يتوسع في تفسيره لتعارض ذلك مع عموم االختصاص المقرر بصدر الفقرة
خامس ًا .وعلى ذلك فإنه وإن كان صحيح ًا أن القرارت الصادرة بندب الموظفين
أو نقلهم ،متى لم يكن ذلك في حقيقته منطوي ًا على جزاء تأديبي مقنع ،مما
يخرج عن اختصاص الدائرة االداري��ة ،فإنه وفي المقابل فإن إلغاء ترخيص
إصدار الصحيفة يكون مما تختص به الدائرة االدارية.
أساس ذلك انه ولئن كان عجز الفقرة خامس ًا من المادة ()1من القانون رقم
20لسنة 1981ينص على «استثناء القرارات الصادرة في مسائل الجنسية وإقامة
وإبعاد غير الكويتيين وتراخيص إصدار الصحف والمجالت ودور العبادة»من
االختصاص العام المقرر للدائرة اإلدارية ،فإن هذا االستثناء يتعين ان يجرى
تفسيره تفسير ًا ضيق ًا بال أي توسع فيه ،فال يمتد عدم االختصاص ليشمل إلغاء
الترخيص.
يؤيد هذا النظر ويدعمه ما ورد بالمادة( )37من الدستور من تقرير ألصل
دستوري يقضي بحرية الصحافة ،فجريان االصل الدستوري على حرية الصحافة
يتداعى بحجيته على نص القانون المنظم لوسيلة الدفاع عن هذا الحق وهو
االنتصاف إلى القاضي الطبيعي للمنازعة االدارية الذي هو القاضي االداري.
فإذا كان ذلك ،فإن هذه االستثناءات الواردة على اختصاص الدائرة االدارية
تستدعي شيئ ًا من التعليق ،فإذا كانت القرارت الصادرة في شأن مسائل الجنسية
قد تكون لها ،العتبارات تاريخية التخفى ،أهمية بالغة لتعلقها بتحديد من هم
الكويتيون الذين يكونون ركن ًا من أركان دولة الكويت ،فكان أن نظم المرسوم
87
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
88
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
(المادة 35من الدستور) فإن هذه الحريات والحقوق العامة بنص الدستور
تتطلب ،بحق تنظيم وسلية انتصاف قضائي لضمان احترامها .وقد ال يكون
في حجب المنازعات المتعلقة بممارسة هذه الحقوق ،والحريات العامة عن
اختصاص القاضي الطبيعي مما يستقيم مع روح النصوص الدستورية .ولعله
من المعلوم أن حرية التعبير بالنشر والقول ترتبط بحرية الصحافة فيلزم تنظيم
ممارسة هذه الحقوق بحكم اللزوم الدستوري .في إطار يحافظ على الحق وال
يصادره أو يتغول على مضمونه .وبمثل ذلك فإن حرية إقامة الشعائر الدينية وإن
كان يلزم ،بالضرورة والقانون ،أن تكون في إطار من احترام النظام العام واآلداب
إال أنه يلزم ،بالتوازي مع ذلك أن يكون لصاحب الشأن طلب االنتصاف إلى
جهة قضاء تقوم حارسة على ضمان هذا الحق الدستوري.
وال نرى فيما ورد بالمذكرة التفسيرية للدستور ،تعليقا على حكم المادة(،)35
من أن «ممارسة شعائرها (والمقصود شعائر االديان األخرى غير اإلسالم)
كلهاأو بعضها إنما يكون األمر في شأنهامتروك ًا لتقدير السلطة العامة في البالد
دون أن تتخذ لحريتها سند ًا من المادة()35المذكورة» ،أساس ًا يقوم عليه حجب
المنازعات التي يمكن أن تثور في هذا الشأن عن قاضي المشروعية الذي هو
بعينه قاضي الحقوق والحريات العامة.
فكون األمر متروك ًا لتقدير السلطة العامة ال يعني أن تكون ق��رارات هذه
السلطات بمنأى عن رقابة القضاء .فإذا كانت لإلدارة العامة سلطة التقدير فإن
حد هذه السلطة قانون ًا يكون بعدم االنحراف في استعمال السلطة ،ويكون
القضاء هو المؤتمن على ضمان الحرية العامة وبما يحقق أال تنحرف السلطة
العامة في استعمال سلطتها ،فإن فعلت فتكون قد تجاوزت سلطة التقدير
المقررة لها وتردت في هاوية االنحراف بالسلطة الذي يضم قرارها فيحق عليه
الجزاء المقرر قانون ًا لمثل هذه المخالفة.
89
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
ثاني ًا :إلماحة إلى الطبيعة الخاصة للمنازعة اإلدارية وقواعد االثبات التي
تتالءم مع هذه الطبيعة
90
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
91
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
بدعواه ،في إطار ما يتفق وطبيعة القضاء اإلداري .وقد قضت المحكمة اإلدارية
العليا في مصر بجلسة 25من مايو سنة 1991في الطعن رقم 2343لسنة 32
القضائية بأنه ولئن كان «للخصوم تحديد طلباتهم بالعبارات التى يصوغونها
وفق ًا لما يرونه محقق ًا لمصلحتهم ويختارون لهذه الطلبات السند القانوني
الذي يرونه في قبول القضاء لهم موضوعي ًا بهذه الطلبات ،إال أن تحديد هذه
الطلبات وتكييف حقيقة طبيعتها القانونية أمر يرجع إلى المحكمة وال تكون
مقيدة في ذلك بما أورده الخصوم من عبارات وألفاظ» كما وأن «المحكمة
في مجال المنازعات اإلدارية والقضاء اإلداري هي األمينة على المشروعية
وسيادة القانون ،والمفروض في القاضي اإلداري ليس فقط العلم بالقاعدة
القانونية الواجبة التطبيق على الوقائع التي يستبينها ،بل المفروض أيض ًا أن
يبادر إلى تطبيق صحيح أحكام القانون حسبما يحكمه مبدأ المشروعية ولو كان
المدعي لم يحددها تحديد ًا دقيق ًا أو إذا استند إلى قاعدة سواها ال تنطبق في
شأن دعواه».
ومما يؤكد هذا المعنى ،ويكشف عن الدور اإليجابي الخالق الذي يتعين
أن يقوم به قاضي المشروعية ،الذي هو القاضي اإلداري ما قضت به المحكمة
اإلداري��ة العليا في مصر من قبول طعن شخص لم يكن مختص ًا في الدعوى
امام محكمة القضاء االداري ،في ضوء قضاء لدائرة توحيد المبادئ بالمحكمة
اإلداري��ة العليا يجري بعدم جواز طعن الخارج عن الخصومة أمام محكمة
القضاء اإلداري.
ولعل حكم المحكمة اإلدارية العليا يستأهل عرض ًا لوقائعه ولمحصلة األسانيد
التي قام عليها .أما عن الوقائع فتتحصل في أن مرشح ًا لالنتخابات التشريعية،
فلنقل أنه المرشح(أ) ،أقرت لجنة مراجعة أوراق الترشيح قبول أوراقه ،فكان أن
طعن أحد المتنافسين في هذا القرار موجه ًا الخصومة إلى وزارة الداخلية التي
تتبعها اللجنة ،ولم يختصم المرشح (أ) الصادر القرار لمصلحته.
92
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
وكان أن قضت محكمة القضاء اإلداري بإلغاء قرار اللجنة ،بقبول أوراق
ترشيح المرشح (أ) فما كان من هذا األخير إال أن طعن في هذا الحكم امام
المحكمة اإلدارية العليا.
وأمام هذه المحكمة ُأثير أمر المبدأ الذي سبق وأن تقرر من دائرة توحيد
المبادئ بعدم جواز طعن الخارج عن الخصومة .إال أن المحكمة اإلدارية
العليا ،قضت مع ذلك بقبول الطعن وأقامت قضاءها على أساس أنه لما :كان
أمر ترشيح المرشح(أ)هو جوهر المنازعة أمام محكمة القضاء اإلداري ،وما
كان القرار اإلداري محل الطعن إال انعكاس ًا لواقع قائم بالمرشح (أ) فإن هذا
المرشح يكون في حقيقة االمر حاضر ًا بالمنازعة أمام محكمة القضاء اإلداري
وإن غاب عن إجراءتها ،مما يكون معه الطعن المقدم منه في حكم محكمة
القضاء اإلداري مقبو ً
ال وال يكون ثمة تعارض بين هذا القضاء وبين المبدأ الذي
قررته دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة اإلدارية العليا بشأن طعن الخارج عن
الخصومة(.)1
-4وإنه ولئن كانت المادة( )2من القانون رقم 20لسنة 1981تستلزم
توافرالمصلحة في رافع الدعوى حتى تكون دعواه مقبولة ،إال أنه من المسلم
في تطبيقات القضاء اإلداري النظر إلى هذا الشرط نظرة ُيسر ،توسع من مفهوم
المصلحة حتى تقارب أن تكون دعاوي الحسبة وإن لم تكن كذلك(.)2
وشرط المصلحة يضيق تقديره ويتسع بمراعاة مدى قرب أو بعد حقيقة
المنازعة من أمور تتعلق بصميم مبدأ المشروعية وسيادة القانون ،أو كانت ماسة
بحق أو حرية عامة .وعلى ذلك فقد قضت محكمة القضاء اإلداري بأن المواطن
المصري له مصلحة في رفع الدعوى بطلب إلغاء قرار وزير الثقافة (ويتبعه
( )1احلكم مرفق رقم ( )3وقد صدر من احملكمة اإلدارية العليا بجلسة 26من نوفمبر سنة 1990في الطعن رقم 163لسنة
37القضائية.
( )2احلكم الصادر من احملكمة االداري��ة العليا في مصر بجلسة 11من فبراير سنة 1989ف��ي الطعن رقم 1665لسنة 28
القضائي(مرفق رقم(.)4
93
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
المجلس األعلى لآلثار) بوضع ُه َّريم من الذهب على قمة هرم خوفو وكان
ذلك بمناسبة اإلعداد الحتفالية بمناسبة انتهاء األلفية الثانية ،وأقامت المحكمة
قضاءها على أساس أن المواطن المصري له دائم ًا مصلحة في الحفاظ على
اآلثار وصونها وعدم المساس بها ،باعتبارها تدخل في مفهوم التراث الوطني
قبل أن يكون جزء من التراث العالمي في إطار اتفاقية اليونسكو بشأن حماية
التراث اإلنساني.
- 5كما وأن طبيعة المنازعة اإلدارية تلقى بأثرها وتتداعى بظالها على تفسير
حكم المادتين( )4و( )6من القانون رقم 20لسنة .1981بيان ذلك أنه
إذ كان االصل أن القرار اإلداري يكون نافذ ًا ما لم ُيلغ أو يوقف تنفيذه،
وكانت المادة ( )6تتطلب ،كشرط شكلي ،أن تتضمن عريضة الدعوى
طلب وقف التنفيذ إال أنه يتعين أن يكون واضح ًا:
أ -أنه إذا استجدت دواعي االستعجال بعد إقامة الدعوى بإيداع عريضتها
فإنه يكون من العسف القضاء بعدم قبول طلب وقف التنفيذ متى ُقدم
حال توفر ركن االستعجال المبرر له.
وركن االستعجال يتمثل في النتائج التي يتعذر تداركها ،فمتى توفر شئ من
ذلك تعين قبول طلب وقف تنفيذ القرار.
والقول بغير ذلك يمثل تمسك ًا بأهداب حرفية النص مما يتنافى مع طبيعة
القضاء اإلداري ذاتها ،التي تتميز بالواقعية كما انها تتنافى مع القاعدة األصولية
التي تقضي بأن تدور العلة مع المعلول؛ فإذا كانت علة القضاء بوقف التنفيذ هي
تحقق النتائج التي يتعذر تداركها ،فإنه متى تحقق شيء من ذلك جاز للمدعي
تقدم الطلب بذلك ويكون للدائرة أن تقضي به متى توافرت له سائر شرائط
قبوله.
ب -ومن ناحية أخ��رى ،فإنه قد ُيقال بأنه مما يتنافى مع أصول القضاء
المستعجل بوقف التنفيذ الذي يلزم أن يراعى عدم الفصل فى موضوع
94
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
بإقامتها المصروفات.
(الحكم الصادر بجلسة 31من يناير سنة 1981في الطعن رقم 539لسنة
22القضائية).
وفي المقابل ،فقد استقر القضاء اإلداري في مصر ،على أنه ولئن كان األصل
أن فوات ميعاد الستين يوما على تقديم التظلم دون أن ُتجيب عنه السلطات
المختصة هو بمثابة قرار ضمني برفض التظلم إال أنه متى سلكت اإلدارة مسلك ًا
إيجابي ًا في بحث التظلم فإن هذا المسلك؛ يعتبر مانع ًا لسريان قرينة الرفض
الضمني.
(الحكم الصادر بجلسة 8من فبراير لسنة 1992في الطعن رقم 817لسنة
28القضائية).
وأساس هذا القضاء ،رغم صراحة النص على جريان ميعاد رفع الدعوى من
تاريخ الرفض الصريح أو الضمني على نحو ما تجرى به عبارة المادة ( )7من
القانون رقم 20لسنة ،1981رفع العنت عن كاهل صاحب الشأن الذي له حق
مشروع فى تقدير ،أنه طالما أن الجهة اإلدارية تبحث تظلمه بحث ًا جدي ًا فليس
عليه من حرج إن تريث حتى يتبين على وجه اليقين موقف الجهة اإلدارية .
وهذا النحو في تفسير النصوص،يكشف عن موقف مستتر للقضاء اإلداري
في عدم الوقوف عند النص الجامد في حالة سكون ،وإنما يتحرى وجه تطبيق
النص في الحركة على ما يطرأ من وقائع غير متناهية .وبهذا التفسير القضائي
يؤكد القاضى اإلداري الدور اإليجابي الذي يقوم به استنباط أصدق قاعدة
تنطبق على واقع الحال بما يخدم في المقام األول مبدأ المشروعية ،ويسهم في
تحقيق األمان واالطمئنان للمواطن مما ينعكس بأثره على المجتمع ككل.
-7يؤكد الطبيعة الخاصة للدعوى اإلدارية ،ما ورد بالمواد( ،)9و( )10و
( )11من القانون رقم ( )20لسنة ،1981ذلك أن محصلة هذه المواد،
96
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
ال عن مفاد تقرير رسم ثابت على دعوى اإللغاء الذي يكشف عن فض ً
تقدير المشرع بأن مبدأ المشروعية هو واحد أي ًا ما تكون النتيجة النهائية
التى تعود على رافع الدعوى ،فاالعتبار االول هو لتحقيق المشروعية
الذي تتساوى أمامه مختلف دعاوى اإللغاء فال ُينظر إلى المصلحة التي
يحققها صاحب الشأن من وراء الحكم باإللغاء ،نقول أن محصلة المواد
من ( )9إلى ( )11من القانون رقم 20لسنة 1981هي أن احتضان القضاء
االداري للدعوى اإلدارية يبدأ صراحة من إيداع عريضتها ،بحيث تتعهد
الكتاب ذاتها هي الكتاب بالمحكمة مهمة اإلعالن ،كما أن إدارة ُ إداراة ُ
التي تقوم بذات المهمة عند إيداع عريضة االستئناف.
وهذا اإلجراء وإن كان إجرا ًء إداري ًا إال انه يتعين تقدير أهميته منظور ًا إليه
في إطار الدعوى اإلداري��ة ككل .فكأن القضاء االداري ،عن طريق األجهزة
المعاونة له ،هو الذي يتولى شئون الدعوى ،من بدايتها وأثناء سيرها وحتى
الفصل فيها.
ومما له مجال ذكر أن بعض ًا من اإلجراءات التي يعرفها القانون المدني رأى
القضاء اإلداري في مصر أنها تتنافر مع طبيعة الدعوى اإلدارية ،ومن ذلك مث ً
ال
األثر الذي يرتبه قانون المرفعات المدنية على تخلف المدعي من الحضور
بأول جلسة وهوشطب الدعوى ،فقد حكمت المحكمة اإلدارية العليا بأن نظام
الشطب ال يعرفه القضاء اإلداري كجزاء لتخلف المدعي عن متابعة دعواه.
(الحكم الصادر بجلسة 28من يناير سنة 1986في الطعن رقم 941لسنة
29القضائية) ( .)1فكأن القاضي اإلداري ضنين على مبدأ المشروعية ،حريص
تراخ يمكن أن
على إعالء كلمة القانون وسيادته حتى وان صح القول بإهمال أو ٍ
ينُسب إلى المدعي.
97
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
98
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
( )1وردت اإلشارة إلى هذا الرأي الفقهي في مؤلف الفقيه العالمة املرحوم املستشار الدكتور مصطفى كمال وصفى بعنوان
«أصول إجراءات القضاء اإلداري» ،طبعة سنة ،1961ص .319والفقية الراحل له في نفسى معزة خاصة فقد تعهدني بالرعاية
والتعليم ،وإني أدين له بالكثير في أمور الدين والدنيا .رحمه الله رحمة واسعة ونفعنا الله بغزير علمه النافع الذي لم ينقطع .ومما
له مجال ذكر ،أن شيخ القضاة املصريني بدولة الكويت ،الذي رأس الدائرة األستئنافية لسنوات وهو املستشار حسن حسنني ،له
تعبير تفرد به ،وهو أن ذاكرة اإلدارة تتمثل في األرشيف الذي حتتفظ به ،وبالتالي فال يكون الرجوع إال إليه ودون إمكان اللجوء
إلى طريق اإلثبات بشهادة الشهود.
99
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
إال أننا نرى أن طرق اإلثبات الجائز االلتجاء إليها ،هي وحسب تلك التي
تتفق مع طبيعة الدعوى اإلدارية .األمر الذي يكون معه استبعاد شهادة الشهود
إذ تتنافى وسيلة اإلثبات هذه مع طبيعة الدعوى اإلداري��ة ،كما أنه ال يقبل أن
توجه إلى الموظف العام اليمين الحاسمة مث ً
ال.
فكل ذلك مما تأباه طبيعة المنازعة اإلدارية .ويجري العمل بأن يكون النص
في تشريعات المرافعات ،أو بتشريعات األثبات على عدم جواز شهادة الموظفين
أو المكلفين بخدمة عامة على ما يكون قد وصل إلى علمهم أثناء قيامهم بعملهم
من معلومات لم ُتنشر بالطريق القانوني ولم تأذن السلطة المختصة في إذاعتها.
ومع ذلك فقد ينص المشرع على إجازة قبول شهادة الموظف العام في حاالت
استثنائية مثل حريق أتى على السجالت ،فتكون هذه الشهادة احدى ُطرق
االثبات ،وإنما يكون ،تقدير هذا الدليل متروك ًا للجهة اإلدارية وليس للقضاء
اإلداري الذي عليه أن يستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لديه من دالئل
في خصوص صحة أو عدم صحة قيام الواقعة المراد التدليل عليها بالشهادة
المذكورة(.)2
( )2حكم محكمة القضاء اإلداري في مصر بجلسة 24من نوفمبر سنة 1955حيث ورد به انه «متى كان الثابت أن الشهادة
املقدمة من املدعي للتدليل على حصوله على املؤهل لم تؤيد مبا هو ثابت في سجالت املدرسة بل حررها سكرتيرها من ذاكرته
لسابق معرفته الشخصية للمدعي فمن حق الوزارة أال تأخذ بها .كما أنه الميكن أعتباره حاصال على شهادة القبول للمدارس
الثانوية بشهادة زميلني له ،إذ أن املوظف ال يعتبر حاصال على شهادة ما لم يقدم الدليل القاطع البعيد عن الشك في ذلك».
100
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
ومن المتعين أن يكون القاضي اإلداري مدرك ًا أن الجهة اإلدارية إنما ينوب
عنها من يقيمه القانون نائب ًا قانوني ًا ،كما أن إعداد الدفاع إنما يقوم به أفراد من
الجهة اإلدارية ذاتها الذين قد ال يعنون باألمر العناية الواجبة.
وكل ذلك اعتبارات نرى انها مما يتعين أن يراعيها القاضي اإلداري ،فال
تراخ في تقديم األوراق أو المستندات
يبادر بإعمال القرينة لدى كل تقصير أو ِ
المطلوبة.
ومن األمور التي كثير ًا ما تطرأ على القاضي اإلداري تعلل الجهة اإلدارية
بضياع األوراق أو فقدها أو اتالفها بمرور عدد من السنين.
وفي هذه األحوال يكون على القاضي المتمرس الفطن أن يعمل ما يراه من
قرينة تتفق ورؤيته لحقيق األمر .فالقاضي اإلداري هو عقل رقابة المشروعية
وعليه الكشف عن الحقيقة والمبادرة بالذود عن ِحمى المشروعية برد كل
تجاوز عليها.
-3وإذا كان استعراض كافة أمور االثبات مما يتجاوز نطاق هذه المداخلة التي
تنحصر فى كونها تأمالت في أحكام القانون رقم 20لسنة 1981بإنشاء
دائرة بالمحكمة الكلية لنظر المنازعات اإلدارية ،فقد يكون مالئما ً ،في
هذا اإلطار ،اإلشارة دون إطالة في استعراض كافة مناحي مسائل االثبات،
ويكفي القول بأن الطبيعة الخاصة للمنازعة اإلدارية تبسط أثارها على
أمور االثبات بحيث يكون األخذ بهذا الطريق أو ذاك من طرق االثبات
منوط ًا باتفاقه مع طبيعة الدعوى اإلدارية.
101
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
102
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
حيث يتجاور مستشارو القضاء العادي مع مستشاري القضــاء اإلداري ،من شأنه
أن ُيغني عن التفكير في ولوج سبيل إنشاء مجلس دولة يضطلع ،باالضافة إلى
اختصاص القضاء اإلداري ،باختصاص االفتاء والصياغة المنصوص عليهما
بالمادة 170من الدستور.
وكل ذلك أظنه قد ُطرح أو هو مطروح لدراسة القائمين على شئون القضاء
بدولة الكويت الذين هم أدرى العقول بما يلزم األخذ به ومتى يؤخذ به تحقيق ًا
لوجه الصالح العام ،منظور ًا إليه من كافة جوانبه.
103
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
104
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
املـــــــــال حــــــــق
105
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
106
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
تنشأ بالمحكمة الكلية دائرة إدارية تشكل من ثالثة قضاة وتشتمل على غرفة
أو أكثر حسب الحاجة ،وتختص دون غيرها بالمسائل اآلتية ،وتكون لها فيها
والية قضاة اإللغاء والتعويض:
أوال :المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت والعالوات
المستحقة للموظفين المدنيين أو لورثتهم.
ثانيا :الطلبات التي يقدمها ذوو الشأن بإلغاء القرارت اإلداري��ة الصادرة
بالتعيين في الوظائف العامة المدنية.
ثالثا :الطلبات التي يقدمها الموظفون المدنيون بإلغاء القرارات اإلدارية
الصادرة بالترقية.
رابعا :الطلبات التي يقدمها الموظفون المدنيون بإلغاء القرارات الصادرة
بإنهاء خدماتهم أو بتوقيع جزاءات تأديبية عليهم.
خامسا :الطلبات التي يقدمها األفراد أو الهيئات بإلغاء القرارات اإلدارية
النهائية عدا القرارات الصادرة في شأن مسائل الجنسية وإقامة وإبعاد غير
الكويتيين وتراخيص إصدار الصحف والمجالت ودور العبادة.
منشور في جريدة الكويت اليوم ،اجلريدة الرسمية حلكومة الكويتي ،العدد ،1344السنة السابعة والعشرون ،ص ،5وعدل
بالقانون رقم 61لسنة 1982املنشور في جريدة الكويت اليوم العدد 1449السنة التاسع والعشرون ص.1
استبدلت بالقانون رقم 61لسنة 1982املشار إليه.
107
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
استبدلت بالقانون رقم 61لسنة 1982املنشور في جريدة الكويت اليوم العدد 1449السنة التاسعة والعشرون ص.1
استبدل به املرسوم بقانون رقم 23لسنة .1990
108
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
المادة رقم5
تكون للدائرة اإلدارية وحدها والية الحكم بإلغاء القرارات اإلدارية المشار
إليها في البنود :ثانيا وثالثا ورابعا وخامسا في المادة األولى ،كما تكون لها
وحدها والي��ة الحكم في طلبات التعويض عن اإلض��رار الناشئة عن تلك
القرارات ،سواء رفعت إليها بطريقة أصلية أو تبعية.
المادة 7
ميعاد رفع دعوى اإللغاء ستون يوما من تاريخ نشر القرار اإلداري المطعون
فيه في الجريدة الرسمية أو في النشرات التي تصدرها المصالح الحكومية أو
إعالن صاحب الشأن به ،أو ثبوت علمه به علما يقينيا.
وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى الجهة اإلدارية التي أصدرت القرار
إلى الجهات الرئاسية لها ،ويجب أن يبت في التظلم خالل ستين يوما من تاريخ
استبدلت بالقانون رقم 61لسنة 1982املنشور في جريدة الكويت اليوم العدد 1449السنة التاسعة والعشرون ص.1
109
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
تقديمه ،وإذا صدر القرار بالرفض وجب أن يكون مسببا ،ويعتبر فوات ستين
يوما على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات المختصة بمثابة رفضه،
ويحسب ميعاد رفع الدعوى من تاريخ الرفض الصريح أو الضمني حسب
األحوال.
المادة رقم 8
ال تقبل طلبات اإللغاء المنصوص عليها في البنود ثانيا وثالثا ورابعا من
المادة األولى عدا القرارات الصادرة من مجالس تأديبية قبل التظلم منها إلى
الجهة التي أصدرتها أو الجهات الرئاسية وانتظار المواعيد المقررة للبت في
التظلم.
ويصدر مرسوم ببيان إجراءات تقديم التظلم والبت فيه.
المادة رقم 9
يكون رفع الدعوى بصحيفة تودع إدارة كتاب المحكمة الكلية ويجب أن
تشتمل هذه الصحيفة على بيان موضوع المنازعة وأسبابها وطلبات مقدم
الصحيفة وذلك باإلضافة إلى البيانات العامة التي يجب اشتمال أوراق الدعاوى
عليها.
وتقدم مع الصحيفة المستندات المؤيدة لها.
ويجب أن يقدم إلى إدارة الكتاب باإلضافة إلى أصل الصحيفة عدد كاف من
الصور.
المادة رقم 10
عند إيداع الصحيفة تسلم إدارة الكتاب إلى المودع إيصاال يثبت فيه تاريخ
استبدلت بالقانون رقم 61لسنة 1982املنشور في جريدة الكويت اليوم العدد 1449السنة التاسعة والعشرون ص.1
110
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
اإلي��داع وساعته ويجب على إدارة الكتاب خالل الثالثة أيام التالية إعالن
الخصوم بصحيفة الطعن على أن يكون إعالن الجهات الحكومية والمؤسسات
العامة بمقر إدارة الفتوى والتشريع .ويكون لكل من الخصوم الحق في الرد
على ما جاء فيها بمذكرة تودع إدارة كتاب المحكمة مع المستندات الالزمة
خالل ثالثين يوما من تاريخ إعالنه بالطعن.
وبمجرد انتهاء هذه المهلة تقوم إدارة كتاب المحكمة بتحديد جلسة لنظر
الدعوى خالل شهرين على األكثر وبإبالغ جميع إطراف النزاع بتاريخ تلك
الجلسة قبل موعد عقدها بأسبوع على األقل وذلك بموجب خطابات موصى
عليها بعلم الوصول.
ويجوز تقديم مستندات أو مذكرات جديدة أثناء المرافعة إذا صرحت
المحكمة بذلك وفي خالل المواعيد التي تتولى المحكمة تحديدها.
المادة رقم 11
يفرض رسم ثابت على طلبات اإللغاء ووقف التنفيذ قدره عشرة دنانير لكل
طلب ويتعدد الرسم بتعدد القرارات والطلبات.
أما الدعاوى األخرى فتقدر الرسوم المستحقة عليها حسب القواعد المقررة
لسائر الدعاوى.
المادة رقم 12
تكون األحكام الصادرة من الدائرة اإلدارية بالمحكمة الكلية قابلة لالستئناف
إذا كان النزاع غير مقدر القيمة أو كانت قيمته تتجاوز ألف دينار ،وفيما عدا ذلك
يكون الحكم نهائيا.
المادة رقم 13
ترتب بمحكمة االستئناف العليا غرفة خاصة أو أكثر للنظر فيما يستأنف من
111
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
استبدلت بالقانون رقم 61لسنة 1982املنشور في جريدة الكويت اليوم العدد 1449السنة التاسعة والعشرون ص.1
112
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
113
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
114
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
115
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
116
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
ومن حيث إن مبنى الطعن المقام من الهيئة الطاعنة يقوم على مخالفة الحكم
المطعون فيه للقانون لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن صفة التقاضي
في قضاء اإللغاء تندمج في المصلحة فيكفي لقبول طلب اإللغاء توافر شرط
المصلحة الشخصية المباشرة في هذا اإللغاء مهما كانت صفة رافع الدعوى
وأن هذه المصلحة تتحقق متى كان المدعي في مركز قانوني خاص مباشر
بالنسبة للقرار المطعون فيه ما دام قائم ًا ومادام هذا المركز وثيق الصلة بالقرار
بأن تربط عالقة مباشرة تختلف بحسب نوعه أو موضوعه وأنه ال يجوز بين
قيام الخصومة متى توافرت أركان وجودها قانون ًا ومنها طرفا النزاع وبين أوجه
إثبات الوكالة عن الخصوم فيها ويتصل بذلك ما هو مستفاد من أحكام قانون
مجلس الدولة وقانون المرافعات بشأن تلك الوكالة من أنها أحكام تنظيمية في
إجراءات التقاضي وأن صفة المدعي كأحد العاملين بالشركة المدعي عليها ثابتة
ثبوت ًا يقين ًا كما أن مصلحة في إلغاء قرار مجازاته المطعون فيه ثابته بدورها وعليه
فإنه يكون صاحب صفة ومصلحة شخصية مباشرة كافية لقبول دعواه خالف ًا لما
ذهب إليه الحكم المطعون فيه ،وال يغير من ذلك عدم حضور المدعي أمام
المحكمة ألنه قضاء ال يعرف نظام شطب الدعوى جزاء تخلف المدعي عن
متابعة دعواه ،كما أن عدم مثول المحامي الذي وقع العريضة وعدم تقديمه سند
وكالته وليس للقول بانقضاء الصفة في المحامي الذي وقع عريضة الدعوى إذ
أن الصفة شرط لقبول الدعوى تتعلق بالطاعن رافع الدعوى والتنصرف إلى
محاميه الذي يظل توقيعه على عريضة الدعوى وثبوت أنه محام مقبول أمام
المحكمة المقام أمامها الطعن من المسائل المتعلقة بصحة أو بطالن عريضة
الدعوى وإذ لم ينكر الحكم على المحامي توقيعه كما لم ينكر عليه أمام
المحكمة فإنه قد قضى بعدم قبول الدعوى إلقامتها من غير ذي صفة يكون قد
خالف القانون ألن الصفة هي شرط في المدعي ذاته وهي ثابته في حقه.
ومن حيث إن الخصومة القضائية إنما هي حالة قانونية تنشأ عن مباشرة
117
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
الدعوى باإلدعاء لدى القضاء أي بااللتجاء إليه بوسيلة الدعوى ،وقد حدد
القانون إجراءات التقدم بهذا االدعاء الذي ينبني عليه انعقاد الخصومة وهي
التي تقوم على اتصال الدعوى بالمحكمة المرفوعة أمامها الدعوى وتكليف
المدعي عليه بالمثول أمامها لكونها عالقة بين طرفيها من جهة وعالقة بين هذين
الطرفين وبين القضاء من جهة أخرى فإذا لم تكن ثمة دعوة من أحد الخصمين
للخصم اآلخر إلى التالقي أمام القضاء أو لم يكن ألحدهما أو كليهما وجود فال
تنشأ الخصومة القضائية وال تنعقد .ويلزم لصحة الدعوى أن تكون موجهة من
صاحب الشأن ذاته أو من صاحب الصفة في تمثيله النائب عنه قانون ًا أو اتفاق ًا.
ومن المقرر أنه ال يجوز للمحكمة أن تتعدى لعالقة ذوي الشأن بوكالئهم إال
إذا أنكر صاحب الشأن وكالة وكليه .كما أنه من المقرر أيض ًا أن قضاء مجلس
الدولة ال يعرف نظام شطب الدعوى جزاء التخلف المدعي عن متابعة دعواه.
وإذا كان األمر كذلك وكانت األوراق خلت مما يفيد إنكار المدعي تكليف
األستاذ /عبد الفتاح بالل المحامي بتحرير عريضة الدعوى وقيدها بجدول
المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الصحة واإلسكان فإن الجزاء يعتبر صادر ًا
ال ،وإذ ذهب الحكم من المدعي نفسه وتنعقد به الخصومة انعقاد ًا صحيحا مقبو ً
المطعون فيه غير هذا المذهب مفترض ًا دون سند عدم وكالة المحامي للمدعي
لتخلفه عن إجراء غير الزم وهو تقديم سند وكالته فإنه يكون قد خالف القانون
متعينا لذلك الحكم بإلغائه وال ينال مما تقدم عدم مثول المدعي أو محاميه أمام
المحكمة حيث ال يحول ذلك في النظام القضائي لمجلس الدولة دون الفصل
في الدعوى وهو النظام الذي تتأبي طبيعته ونظام شطب الدعوى المعمول به
أمام القضاء العادي كجزاء لعدم حضور الخصوم.
فلهذه األسباب
ال وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعونحكمت المحكمة بقبول الطعن شك ً
فيه وبقبول الدعوى شك ً
ال وبإعادتها إلى المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة
الصحة واإلسكان للفصل في موضوعها.
118
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
119
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
إجراءات الطعن:
في يوم االثنين الموافق 7من مايو سنة 1984أودعت إدارة قضايا الحكومة
(هيئة قضايا الدولة) نيابة عن السيدين /محافظ اإلسكندرية ورئيس حي شرق
اإلسكندرية قلم كتاب هذه المحكمة تقارير بالطعن قيدت بالجدول تحت أرقام
1822و 1824و 1825و 1827لسنة 30القضائية في األحكام الصادرة من
محكمة القضاء اإلداري باإلسكندرية 8من مارس سنة 1984في الدعاوى
أرقام 231و 232و 234و 235و 236لسنة 34القضائية على التوالي التي
قضت في كل من الدعاوى بقبولها شك ً
ال ويرفضها موضوع ًا مع إلزام المدعى
بالمصروفات.
وطلب الطاعنان ،لألسباب المبينة بتقارير الطعون قبول الطعن شك ً
ال وفي
الموضوع بإلغاء األحكام المطعون فيها وبإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام
جمعية النصر الجديدة لبناء المساكن بالمصروفات.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة في كل من الطعون المشار إليها تقرير ًا بالرأي
القانوني مسبب ًا ارتأت فيه عدم قبول الطعن وإلزام الطاعنين بالمصروفات.
وبعد إعالن الطعون تحدد لنظر الطعنين رقمي 1822لسنة 30القضائية
و 1827لسنة 30القضائية أما دائرة فحص الطعون جلسة 19من مايو سنة
1986فقررت حجزهما للحكم بجلسة 16من يونيو سنة 1986وبها قررت
إحالة الطعنين للمحكمة اإلدارية العليا (دائرة منازعات األفراد والهيئات لنظر
الطعون رقم 1824لسنة 30القضائية أمام دائرة فحص الطعون جلسة 7من
أبريل سنة 1986وت��داول نظره بالجلسات على النحو المبين بالمحاضر،
وبجلسة 5من يناير سنة 1987قررت إحالته إلى المحكمة اإلداري��ة العليا
(دائرة منازعات األفراد والهيئات والعقود اإلداري��ة والتعويضات) وحددت
لنظره جلسة 17من يناير ،1987وبهذه الجلسة نظرت المحكمة الطعون على
120
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
121
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
حين يؤكد الطاعنان انعدام هذا القرار مما تتحقق معه المصلحة المتغيرة قانون ًا
لقبول الطعون المقدمة منهما ،ويتعين الحكم بقولها خاصة وأن مدار الطعن
أمام المحكمة اإلدارية العليا على ما جرى عليه قضاؤها هو أمر مشروعية القرار
المطعون فيه الذي يجوز عرضه عليها من أي من ذوي الشأن.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل في أن المدعين بالدعاوى أرقام
231و 232و 234و 235و 236لسنة 34القضائية كانوا قد أقاموا الدعاوى
المذكورة أمام محكمة القضاء اإلداري باإلسكندرية بطلب الحكم بوقف تنفيذ
وإلغاء القرار الصادر من المجلس التنفيذي للمحافظة بجلسة 79/11/20
بتعديل جزء من شارع ابن سعد بجعله بعرض 30متر ًا بد ً
ال من 45متر ًا في
القطعة األول��ى من الجهة الشرقية عند التقائه بطريق الجيش (الكورنيش)
مؤسسين الدعاوى على أن القرار المطعون فيه يخالف حكم المادة ( )13من
القانون رقم 106لسنة 1976في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء -وبجلسة
ال وبرفضها 8من مارس سنة 1984حكمت المحكمة بقبول الدعاوى شك ً
موضوع ًا وأسست قضاءها على أن المجلس التنفيذي لمحافظة اإلسكندرية كان
قد أصر قرار ًا بجلسته المنعقدة بتاريخ 1979/11/20بالموافقة على تعديل
جزء من خط تنظيم طريق ابن سعد عن تقابله مع طريق الجيش بعرض 30
ال من 45متر ًا وأن محافظ اإلسكندرية أصدر قرار ًا في 1979/12/27 متر ًا بد ً
باعتماد ما قرره المجلس التنفيذي ،وإذ كان المحافظ هو الجهة المختصة قانونا
بإصدار القرار باعتماد خطوط التنظيم فال يكون ثمة أساس للنعي على القرار
المطعون فيه.
ومن حيث إن مبنى الطعون أن األحكام المطعون فيها قد خالفت القانون
وأخطأت في تطبيقه وتأويله ذلك أن االختصاص المنظم بالقانون رقم 106
لسنة 1976العتماد خطوط التنظيم منوط بقرار يصدر من المحافظ بعد موافقة
المجلس الشعبي المحلي.
122
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
ومن حيث إنه وإن كان المدعون طالبوا الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء الصادر
من المجلس التنفيذي لمحافظة اإلسكندرية بتاريخ 1979/11/20إال أنه إذ
كان الثابت أن محافظ اإلسكندرية قد أصدر قرار ًا في 1976/12/27بتعديل
خطوط التنظيم استناد ًا إلى ما قرره المجلس التنفيذي جلسة ،1979/11/20
فإن طعن المدعين يكون منصرف ًا في حقيقة التكييف القانوني الصحيح للقرار
الصادر من المحافظ باعتبار أن القرار الصادر من المجلس التنفيذي ليس هو
القرار اإلداري النهائي الذي يجوز المطعون عليه بطلب إلغائه ،وأنهم إنما
يهدفون إلى إلغاء القرار الصادر بتعديل خطوط التنظيم لشارع ابن سعد.
ومن حيث إن المادة ( )13من القانون رقم 106لسنة 1976تنص على أن
«يصدر باعتماد خطوط التنظيم للشوارع قرار من المحافظ به موافقة المجلس
المحلي المختص» وتنص المادة الثامنة من مواد إصدار قانون نظام الحكم
المحلي على أن يستبدل بعبارتي «المجلس المحلي» و«المجالس المحلية»
فإن االختصاص بتعديل خطوط التنظيم يكون م��رده لقرار يصدر في هذا
الشأن من المحافظ بعد موافقة المجلس المحلي لمحافظة اإلسكندرية .فإذا
كان ذلك وكانت األوراق خلوا مما يفيد موافقة المجلس الشعبي المحلي
لمحافظة اإلسكندرية على تعديل خطوط التنظيم المعتمدة فإن القرار الصادر
من المحافظ بتاريخ 1979/12/27يكون قد تخلف في شأنه ركن جوهري
ال قيام له بدونه وهو موافقة المجلس الشعبي المحلي لمحافظة اإلسكندرية
فإنه يكون معيب ًا بعيب جسيم ينحدر به إلى درجة االنعدام .وإذا ذهبت األحكام
المطعون فيها غير هذا المذهب فيتعين إلغاؤها والحكم بإلغاء القرار الصادر
من محافظ اإلسكندرية بتاريخ 1979/12/27بتعديل خطوط التنظيم بشارع
ابن سعد مع إلزام الجهة اإلدارية بالمصروفات.
123
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
فلهذه األسباب
ال ،وفي الموضوع بإلغاء األحكامحكمت المحكمة بقبول الطعون شك ً
المطعون فيها وبقبول الدعاوى شك ً
ال وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من
محافظ اإلسكندرية بتاريخ 1979/12/27بتعديل خطوط تنظيم شارع ابن
سعد وألزمت الجهة اإلدارية بالمصروفات.
124
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
125
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
إجراءات الطعن
في يوم الخميس 1982/8/19أودع األستاذ............../المستشار
بهيئة قضايا الدولة قلم كتاب هذه المحكمة تقرير الطعن رقم 1665لسنة 28ق
نيابة عن المدعى عليهم المذكورين ضد .......في الحكم الصادر من محكمة
القضاء اإلداري (هيئة العقود اإلدارية والتعويضات) بجلسة 1982/7/4في
الدعوى رقم 1138لسنة 34ق والقاضي بانقضاء عقد اإليجار موضوع الدعوى
وبإلزام محافظة الفيوم بصفته بإخالء قطعة األرض المؤجرة بمقتضاه وتسليمها
للمدعي وإلزام الجهة اإلدارية بالمصروفات ،وطلب الطاعن لألسباب المبينة
ال وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شك ً
الدعوى مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات عن درجتي التقاضي وأعلن الطعن
ال وفيقانون ًا ،وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقرير ًا مسبب ًا فيه قبول الطعن شك ً
الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم اختصاص محكمة القضاء
اإلداري والئي ًا بنظر الدعوى وإل��زام المطعون ضده بالمصروفات ،وعرض
الطعن على دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة بجلسةج 1987/12/21
وتداولته بالجلسات كالثابت بالمحاضر حتى قررت بجلسة 1988/12/5
إحالة الطعن إلى المحكمة اإلدارية العليا (دائرة منازعات األفراد والهيئات
والتعويضات) لنظره بجلسة 1988/12/24فنظرته المحكمة في هذه
الجلسة ثم نظرته مع الطعن رقم 1599لسنة 31ق بين ذات الطرفين وبعد أن
سمعت ما رأت لزومه من إيضاحات كالثابت بالمحاضر قررت بجلسة 7يناير
سنة 1989إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة
على أسبابه عند النطق به.
126
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
المحكمة
بعد االطالع على األوراق وسماع اإليضاحات وبعد المداولة
وحيث إن الطعن أقيم خالل الستين يوم ًا التالية ليوم صدور الحكم المطعون
فيه واستوفى أوضاعه القانونية األخرى فيكون مقبو ً
ال شك ً
ال.
ومن حيث إن وقائع المنازعة تتحصل -حسبما ذكر في األوراق -في أنه
بتاريخ 1979/11/14أقام المدعي .........../دعواه برقم 1669لسنة
1979مدني أمام محكمة الفيوم االبتدائية بطلب الحكم بانتهاء عقد االيجار
المبرم بينه وبين مديرية التربية والتعليم بالفيوم بتاريخ 1976/5/1مع إخالء
األرض محل العقد وتسليمها له خالية بما عليها ،وأوضح المدعي أنه أجر
مساحة 252متر ًا مربع ًا بناحية الحادقة بندر الفيوم لمديرية التربية والتعليم
بأجرة شهرية قدرها 160قرش ًا ونص العقد على أن اإليجار لمدة شهر ،كما
نصت المادة الخامسة من ذات العقد على أنه إذا رغب المؤجر في إخالء العين
المؤجرة فعليه أن يعلن المديرية بذلك قبل نهاية العقد بثالثة أشهر على األقل
وال تلتزم المديرية مع ذلك باإلخالء إال إذا وجدت المديرية عين ًا أخرى بشرط
أن مدة اإلمهال ال تتجاوز ستة أشهر من تاريخ نهاية مدة اإليجار وإذا لم يكن
المؤجر المديرية بطلب اإلخالء قبل نهاية هذه المدة بثالثة شهور فتعتبر أنها
تجددت عن مدة أخرى بهذه الشروط نفسها وقام المدعي بإنذار المديرية في
1979/5/3بإنهاء العقد اعتبار من سبتمبر سنة 1979وإخالء قطعة األرض
وتسليمها له بحسبان أنها ال تخضع لقانون إيجار األماكن ولو كانت مسورة
وردت جهة اإلدارة بأن األرض مسورة وتستعمل كفناء لمدرسة إعدادية وتخضع
للقانون رقم 49لسنة 1977بإيجار األماكن وبجلسة 1980/2/7حكمت
المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى النتفاء واليتها وبإحالتها بحالتها
لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري وذلك استناد ًا إلى أن عقد اإليجار تضمن
127
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
في البندين التاسع والحادي عشر شروط ًا غير مألوفة في القانون الخاص كما
أن مفهوم المخالفة بالنسبة لما تضمنه البند السابع أن باقي بنود العقد يحكمها
القانون العام عدا البند السابع فهو خاضع ألحكام القانون الخاص وهو القانون
المدني وقيدت الدعوى لدى محكمة القضاء اإلداري برقم 1138لسنة 34ق
وقضت بجلسة 1982/7/4بإنقضاء عقد اإليجار موضوع الدعوى وبإلزام
محافظ الفيوم بصفته بإخالء األرض المؤجرة وتسليمها للمدعي ،وأقامت
قضاءها على أن االختصاص معقود لها وفق ًا لحكم اإلحالة تطبيق ًا للمادة 110
من قانون المرافعات وأنه ال يسري على األرض الفضاء أحكام القانون رقم 49
لسنة 1977في شأن تأجير وبيع األماكن وتنظيم العالقة بين المالك والمستأجر
وال ينطبق بشأنها االمتداد الحكمي لعقود اإليجار كحماية للمستأجر من
اإلخ�لاء بسبب انتهاء مدة العقد وإنما تخضع لقواعد اإليجار ال��واردة في
القانون المدني وبمقتضاها يحق للمؤجر إنهاء عقد اإليجار بانتهاء مدته ويلتزم
المستأجر بإخالء العين وتسليمها للمالك بانتهاء المدة طالما روعيت مواعيد
التنبيه باإلخالء وأن تسوير األرض اليقضي عنها أنها أرض الفضاء وال يحولها
إلى عقار بمبنى وهذا يؤكده المرسوم بقانون رقم 15١لسن 1947بتسوير
األراضي الفضاء وإن الثابت أن المدعي عنه نبه على جهة اإلدارة في الموعد
القانوني بإنهاء العين المستأجرة وتسليمها إليه.
ومن حيث إن الطعن الماثل يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف
الصواب وخالف القانون ،وذلك ألن عقد اإليجار محل الخالف يتعلق بأرض
مسورة مما يخرجها من تعريف األرض الفضاء باإلضافة إلى أن طرفي العقد
يعلمان مقدم ًا أن الغرض من التأجير هو استغالل األرض محل النزاع فناء
ال للمدرسة ولم يعد أرض فضاء للمدرسة وبالتالي أصبح هذا الفناء مكم ً
ويخضع لقواعد االمتداد المنصوص عليها في قانون اإليجارات.
ومن حيث إن المادة 12من قانون مجلس الدولة رقم 47لسنة 1972
128
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
تنص على أنه ال تقبل الطلبات المقدمة من أشخاص ليست لهم فيها مصلحة
شخصية وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن شرط المصلحة في الدعوى
يتعين توافره ابتداء كما يتعين استمرار قيامه حتى صدور حكم نهائي وأن لفظ
«الطلبات» كما تشمل الدعاوي تشمل أيض ًا الطعون المقامة عن األحكام باعتبار
إن الطعن هو استمرار إلجراءات الخصومة بين األطراف ذوي الشأن وأن الطعن
أمام المحكمة اإلدارية العليا يعيد طرح النزاع برمته شك ً
ال وموضوع ًا أمام تلك
المحكمة لتنزل فيه صحيح حكم القانون وبما للقاضي اإلداري من هيمنة
إيجابية كاملة على إجراءات الخصومة اإلدارية فإنه يملك توجيهها وتقصي
شروط قبولها واستمرارها دون أن يترك ذلك إلرادة الخصوم في الدعوى ومن
بين ذلك فعليه التحقيق في توافر شرط المصلحة وصفة الخصوم واألسباب
التي بني عليها الطلبات ومدى جدوى االستمرار في الخصومة في ضوء تغير
المراكز القانونية حتى ال يشغل القضاء اإلداري بخصومات ال جدوى من
وارئها.
ومن حيث إن الطعن المائل يتعلق بالمطالبة بحق لجهة اإلدارة في شغل
العين المستأجرة مصدره العقد المبرم بين مديرية التربية والتعليم بمحافظة
الفيوم «كمستأجرة» وبين « ...........كمؤجر» اعتبار ًا من 1976/5/1وأن
هذا العقد حكمت محكمة القضاء اإلداري بجلسة 1982/7/4بانقضائه
وإلزام محافظة الفيوم بإخالء قطعة األرض المؤجرة بمقتضاه وتسليمها للمدعي
«المؤجر» وأن الثابت من األوراق أن جهة اإلدارة تقاعست عن تنفيذ هذا الحكم
ال حتى تحرر محضر ًا بالتنفيذ والتسليم بتاريخ 1984/3/7مما يفيد إخالءفع ً
العين قانون ًا إال أنها استمرت شاغلة لها استناد ًا إلى صدور قرار من رئيس
مجلس الوزراء بناء على طلب محافظ الفيوم برقم 223بتاريخ 1984/3/3
باالستيالء بطريق اإليجار لمدة ثالث سنوات على قطعة األرض سالفة الذكر
والمستغلة كفناء لمدرسة الثورة اإلعدادية بحي الحادقة بمدينة الفيوم ومن ثم
129
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
فإن جهة اإلدارة المختصة «محافظة الفيوم» تكون قد سعت بإرادة منفردة وبما
لها من اختصاصات في تسيير مرفق التعليم إلى تغيير السبب القانوني كمصدر
لحقها من شغل تلك األرض اعتبار ًا من 1984/3/3وذلك باستمداد حقها
من القانون رقم 521لسنة 1955بشأن االستيالء على العقارات الالزمة لوزارة
التربية والتعليم وإحالل نظام قانوني آخر محل النظام التعاقدي الذي انتهى أثره
اعتبار ًا من تاريخ العمل بالقرار المذكور وباعتبار أن النظام األول يقوم على
االتفاق والتراضي بين طرفي العالقة اإليجارية في حين أن النظام الثاني هو
داخل في القانون العام وما يخوله لإلدارة من اختصاصات ومكنات في تسيير
المرافق العامة وتعلو فيه المصلحة العامة على المصالح الخاصة باألفراد ومن
ثم تكون المصلحة القانونية لجهة اإلدارة في شغل العين والمستمدة من العقد
قد انتهت أثناء نظر العين الماثل مما يتعين معه الحكم بانتهاء الخصومة فيه
مع إلزام محافظ الفيوم بالمصروفات عن درجتي التقاضي عم ً
ال بالمادة 184
مرافعات.
فلهذه األسباب
حكمت المحكمة بانتهاء الخصومة في الطعن ،وبإلزام محافظ الفيوم
بالمصروفات عن درجتي التقاضي.
130
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
131
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
إجراءات الطعن
في يوم االثنين الموافق 29من ديسمبر 1986أودعت هيئة قضايا الدولة
نيابة عن السيد وزير األوقاف والسيد محافظ كفر الشيخ بصفتها ،قلم كتاب
المحكمة اإلدارية العليا ،تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 397لسنة 33
القضائية ،ضد السيد .... /في الحكم الصادر من محكمة القضاء اإلداري (دائرة
منازعات األفراد والهيئات) بجلسة 25من نوفمبر سنة 1976في الدعوى رقم
2678لسنة 37القضائية المقامة من المطعون ضده على الطاعنين بصفتها،
والقاضي بقبول الدعوى شكال وفي الموضوع بإلغاء قرار السيد وزير األوقاف
رقم 133لسنة 1981وما يترتب على ذلك من آثار وبإلزام الجهة اإلدارية
بالمصروفات ،وطلب الطاعنان لألسباب المبينة في تقرير الطعن الحكم أو ً
ال
بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطون فيه ،وثاني ًا بقبول الطعن شك ً
ال
وفي الموضوع بإلغاء هذا الحكم وبرفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده
بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
وأعلن تقرير الطعن على النحو الثابت ب��األوراق ،وقدمت هيئة مفوضي
الدولة تقرير ًامسبب ًا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن
ال وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع إلزام شك ً
المطعون ضده بالمصروفات.
وعينت جلسة 15فبراير سنة 1988لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون
بهذه المحكمة ،وجرى تداوله بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر حتى
قررت الدائرة بجلسة 2من مايو سنة 1988إحالته إلى المحكمة اإلدارية العليا
(دائرة منازعات األفراد والهيئات والتعويضات) وحددت لنظره جلسة 28
من مايو سنة 1988وتم تداوله بالجلسات أمام المحكمة على الوجه المبين
بالمحاضر حيث قررت المحكمة الجلسة 10من ديسمبر سنة 1988ضم
132
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
المحكمة
بعد االطالع على األوراق وسماع اإليضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن رفع خالل الميعاد القانوني مستوفي ًا أوضاعه فمن ثم
يكون مقبو ً
ال شك ً
ال.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل حسبما يبين من األوراق في أن
السيد وزير األوقاف أصدر القرار رقم 103لسنة 1979الذي أشار في ديباجته
إلى الئحة صناديق النذور وإلى القرار الوزاري رقم 26لسنة 1972بتحديد
الوظائف الالزمة ألداء الخدمة في المساجد واألضرحة التي بها صناديق نذور
ونص في المادة األولى منه على أن يلحق السيد ........... /وهو المطعون
ضده بالمسجد الدسوقي على أن يحمل مفتاح المقصورة ويمنح حصة من
حصيلة صندوق النذور بهذا المسجد كما أصدر القرار رقم 6لسنة 1980الذي
أشار في ديباجته الى الئحة صناديق النذور ،ونص في المادة األولى منه على أن
ال لمفتاح المقصورة بالمسجد الدسوقي مع المطعون يضم السيد ...... /حام ً
133
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
ضده ،ونص في المادة الثانية منه على أن يشترك االثنان في الحصة الممنوحة
للمطعون ضده بالتساوي بينهما في كل فتحة بما يعادل حصة الكاتب بحيث
ال يزيد ما يحصل عليه على خمسين جنيها في الفتحة ،كما أصدر القرار رقم
133لسنة 1981في 30أغسطس سنة 1981الذي نص في المادة األولى منه
على سحب القرارين رقمي 103لسنة 1979و 6لسنة 1980المشار إليهما
لمخالفتهما أحكام الئحة صناديق النذور ،ونص في المادة الثانية منه على
استرداد ما صرف للمطعون ضده ولزميله من حصيلة نذور المسجد الدسوقي
وبتاريخ 5من أكتوبر سنة 1981رفع زميل المطعون ضده الدعوى رقم 4
لسنة 10القضائية أمام المحكمة اإلدارية بطنطا ضد السادة محافظ كفر الشيخ
ووزير األوقاف ومدير أوقاف كفر الشيخ بصفاتهم ثم اختصم السيد رئيس هيئة
ال بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الرقر رقم االوقاف بصفته ،وطلب الحكم أو ً
133لسنة 1981وثاني ًا بإلغاء هذا القرر وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام
الجهة اإلدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة ،واستند إلى أن القرار رقم
6لسنة 1980صدر صحيحا ومضت عليه المدة التي جعلته حصينا .وقضت
المحكمة اإلدارية بطنطا في جلسة 10من فبراير سنة 1983بعدم اختصاصها
بنظر الدعوى وبإحاللتها إلى محكمة القضاء اإلداري بالقاهرة ،ألن المدعى
فرد من آحاد الناس وليس من العاملين بالمسجد الدسوقي ويطعن على قرار من
السيد وزير األوقاف وقيدته الدعوى بجدول محكمة القضاء اإلداري بالقاهرة
تحت رقم 2689لسنة 37القضائية وقدم السيد مفوض الدولة تقرير ًا مسبب ًا
ال ويرفضها موضوع ًا وبإلزام المدعي في الدعوى ارتأى فيه الحكم بقبولها شك ً
بالمصروفات .وقضت محكمة القضاء اإلداري «دائرة التسويات أ» في جلسة
11من نوفمبر سنة 1985بقبول الدعوى شكال وبرفضها موضوعا وبإلزام
المدعي بالمصروفات وبنت قضاءها على أن الفصل في الشق الموضوعي من
الدعوى يغني عن التعرض للشق المستعجل فيها ،وقد قضت الئحة صناديق
134
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
النذور بتوزيع نسبة من إيرادات صندوق النذور بالمسجد على العاملين به في
حدود الوظائف المقررة له والتي يصدر بتحديدها قرار وزاري وصدر تنفيذ
قرار السيد وزير األوقاف رقم 26لسنة 1972متضمنا تحديد وظائف المسجد
الدسوقي وليس من بينها وظيفة حامل مفتاح المقصورة ،وبذا فإن القرار رقم
61لسنة 1980يضم المدعي حامال لمفتاح المقصورة بالمسجد الدسوقي
اليكون غير وارد على محل ويكون ترتيب أثره غير ممكن قانون ًا مما يجعله قاب ً
للسحب دون تقيد بميعاد معين على نحو ما صدر به صحيح ًا القرار المطعون
فيه .ولم يطعن في هذا الحكم أمام المحكمة اإلدارية العليا .كما أنه بتاريخ 5
من ديسمبر 1981رفع المطعون ضده الدعوى رقم 259لسنة 10القضائية
أمام المحكمة اإلداري��ة بطنطا ضد السيد وزير األوقاف والسيد محافظ كفر
الشيخ بصفتيهما ،وطلب الحكم بإلغاء القرار رقم 133لسنة 1981الصادر
بسحب القرر رقم 103لسنة 1979مع إلزام الجهة اإلداري��ة بالمصروفات
ومقابل أتعاب المحاماة واستند إلى أن القرار المسحوب صدر من مختص
طبقا لالئحة صناديق النذور وتحصن بمرور المدة القانونية وأنشأ له حقا مكتسب ًا
وال يجوز تحصيل ما صرف إليه لقاء عمل أداء كحامل مفتاح المقصورة وقدم
السيد مفوض الدولة تقريرا مسببا في الدعوى ارتأى فيه الحكم بقبولها وفي
الموضع بإلغاء
القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وبإلزام الجهة اإلدارية
المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة .وقضت المحكمة اإلداري��ة بطنطا في
جلسة 10من فبراير سنة 1983بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وبإحالتها إلى
محكمة القضاء اإلداري (دائرة منازعات األفراد) ألن المدعي فرد من أحاد
الناس ويطعن على قرار من السبد وزير األوقاف وليس من العاملين بالمسجد
الدسوقي .وقيدت الدعوى بجدول محكمة القضاء اإلداري بالقاهر تحت
رقم 2678لسنة 37القضائية وقضت هذه المحكمة (دائرة منازعات األفراد
135
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
136
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
القانوني حتى ال نغل يدها عن إعمال واليتها في التعقيبب بحرية على الحكيم
المطعون فيه أمامها وحتى ال يعلو الحكم الذي لم يطعن فيه وهو صادر من
محكمة أدنى على حكم المحكمة اإلدارية العليا وهي خاتمة المطاف في نظام
التدرج القضائي بمجلس الدولة لمجرد أن الحكم األول لم يطعن فية ،إذ ال
يتصور اختالف الحكم القانوني في مسألة قانونية واحدة بحكمين قضائيين
طعن في أحدهما ولم يطعن في اآلخر خالل الميعاد القانوني في مسألة مدى
مشروعية قرار معين وينبغي أن يعلو حكم المحكمة اإلدارية العليا حتى ولو
لم يطعن فيه أمامها في هذه المسألة األساسية التي يرد القول الفصل فيها إلى
المحكمة األعلى درجة بين محاكم القسم القضائي بمجلس الدولة.
ولما كان الثابت أن المحكمة اإلداري��ة العليا قد اتصلت بالمنازعة في
مشروعية القرار الصادر من السيد وزير األوقاف رقم 133لسنة 1981عن
طريق الطعن رقم 397لسنة 33القضائية الموجه إلى الحكم الصادر من محكمة
القضاء اإلداري (دائرة منازعات األفراد والهيئات) بجلسة 25من نوفمبر سنة
1986في الدعوى رقم 2678لسنة 37القضائية المقامة من المطعون ضده،
والقاضي بإلغاء القرار وما يترتب على ذلك من آثار ،فإن هذا الطعن يثير أمامها
لزاما الحكم النهائي الصادر من محكمة القضاء اإلداري (دائرة التسويات أ)
في جلسة 11من نوفمبر سنة 1985بما يناقض الحكم المطعون فيه إذ قضي
برفض الدعوى رقم 2689لسنة 37القضائية المقامة بطلب إلغاء ذات القرار
من جانب السيد ........ /شريك المطعون ضده بمقتضي القرار الصادر من
السيد وزير األوق��اف برقم 6لسنة 1980سواء في حمل مفتاح المقصورة
بالمسجد الدسوقي أو في الحصة له بموجب القرار الصادر من السيد وزير
األوقاف برقم 10٣لسنة 1979حيث سحب هذان القراران معا بالقرار الصادر
من السيد وزير األوقاف برقم 13٣لسنة 1981فال يصح أن يتغاير الحكمان
المشار إليهما في مسألة أساسية مشتركة في مدى مشروعية القرار رقم 13٣
137
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
138
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
الوزاري رقم 26لسنة 1972متضمن ًا تحديد الوظائف المقررة لكل مسجد أو
ضريح وحصة كل وظيفة على النحو اآلتي :
-1شيخ المسجد ،اإلمام حصة ونصف
- 2رئيس الخدم ،الكاتب حصة واحدة
- 3المؤذن مقيم الشعائر ،والمخزنجي ،والفراش نصف حصة
- 4قارئ السورة ،البواب ،خادم الدورة المال نصف حصة ،ويؤخذ من
هذا إنه ولئن كانت الالئحة التنفيذية لصناديق النذور حددت في المادة ( )6ما
يراعى في اختيار العاملين بالمساجد واألضرحة التي بها صناديق للنذور بما قد
يوحي في الظاهر بأن هذا االختيار يتم فحسب من بين الشاغلين لوظائف عامة
حيث تتيسر األقدمية وتتأبى العقوبات التأديبية إال أنها في إشارتها إلى العاملين
ال جاءت عامة مطلقة بما ال يجوز معه وقف االختيار على الموظفين منهم أص ً
فحسب.
كما أن من الشروط التي أوردتها المادة ( )6ما يعم الجميع مثل حسن السيرة
والسمعة باإلضافة إلى أن الشروط التي أوردتها مما يخص الموظفين العاملين
تعني تطلبها عند االختيار من بينهم دون حصر االختيار فيهم ،ومما يؤكد هذا
أن المادة ( )16التي قررت استمرار خلفاء مقام السيد أحمد البدوي وحامل
مفتاح المقصورة في الحصول على أنصبتهم وإن تضمنت حكم ًا وقتي ًا إال أنه
تعلق بهؤالء الخلفاء الذين يعتبرون موظفين عامين ومصداف ًا لذلك أيض ًا فإن
القرار الوزاري رقم 26لسنة 1971في تحديد الوظائف المقررة لكل مسجد
أو ضريح طبق ًا للمادة ( )4من الالئحة التنفيذية لصناديق النذور لم يقتصر على
ما يصلح منها كوظيفة عامة تكون لعالقة الشخص فيها باإلدارة صفة االستقرار
والدوام في خدمة مرفق عام تدبره بالطريق المباشرة وإنما شمل أيض ًا ما تعد
عالقة عارضة يكون الشخص فيها مجرد أجير في عقد عمل مثل وظيفة قارئ
139
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
السورة الذي ال تتعدي خدمته قراءة آية الذكر الحكيم قبل صالة الجمعة من كل
أسبوع يكون بعدها في حل من جميع التزامات الموظفين العامين وبالتالي فإنه
الذي يلزم لمثل هذه الوظيفة وجود درجة مالية شاغرة في ميزانية الجهة اإلدارية
من قبل إدراجها ضمن الوظائف المقررة للمسجد أو الضريح وذلك على
نقيض ما حواه الطعن من لزوم ذلك ابتداء وإذا كانت الالئحة التنفيذية لصناديق
النذر أناطت في المادة ( )4بوزير األوقاف سلطة تحديد الوظائف المقررة لكل
مسجد أو ضريح فإن هذه السلطة لم تستنفد بإصداره القرار الوزاري رقم 26
لسنة 1971بل تمضي ثابتة له على سند منها بما تخوله من حق تعديل هذا القرار
الوزاري ولو باإلضافة إليه سواء بصورة صريحة تعبر عن استحداث الوظيفة
المضافة أو بشكل ضمني يكشف عن إضافتها كما لو أصدر قرار ًا عهد فيه إلى
شخص بوظيفة جديدة مما يعني ابتداء إلحاقها بالتحديد السابق ،ثم وضع هذا
الشخص فيها ألن العبرة بالمقاصد والمعاني ال باأللفاظ والمباني وال ريب
أن هذا ينطبق على القرار الصادر منه برقم 103لسنة 1979بإلحاق المطعون
ضده حامال لمفتاح المقصور بالمسجد الدسوقي لما ينطوي عليه هذا القرار
من إضافة هذه الوظيفة ثم إناطتها بالمطعون ضده ،وهي الوظيفة التي شاركه
فيها زميله السيد ...... /بمقتضى القرار الوزاري رقم 6لسنة 1980األمر
الذي يطهرهما من عيب مخالفة القانون على نحو ما ذهب إليه الحكم المطعون
فيه وعلى نقيض ما جنح إليه الحكم المضموم ،ولئن نصت ذات الالئحة في
المادة ( )17على أن تحدد اإلدارة العامة للدعوة الوظائف الالزمة ألداء الخدمة
على الوجه األكمل في كل مسجد أو ضريح به صندوق للنذور وبه تبرر بهذا
التحديد قرار وزاري فإنها لم تجعل هذا التحديد الذي تقوم به اإلدارة العامة
للدعوة إجراء جوهري ًا الزم ًا بصحة القرار الصادر به من وزير األوقاف ،وإنما
قصدت إلى جعله بحثا ميدانيا واقتراحا مبدئيا ال ينفذ إال بقرار وزاري يصدره،
وبذا فإنه ال يترتب على تخلفه أثر ما في صحة القرار الوزاري الصادر بتحديد
140
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
الوظائف أو باإلضافة إليها وذلك على نقيض ما قام عليه الطعن أيضا من لزوم
سبق اقتراح الوظيفة من لدن اإلدارة العامة للدعوة .وبناء عليه فإنه الشبه في كل
من القرار الوزاري رقم 103لسنة 1979بشأن المطعون ضده والقرار الوزاري
رقم 6لسنة 1980بشأن زميله السيد ،......./واألمر الذي يعصمهما من
السحب سواء خالل الميعاد القانوني بحجة عدم مشروعيتهما أو بعد انقضائه
بمقولة انعدامهما على نحو ما جنح إليه الحكم المضموم إلى الطعن وبالتالي
فإن القرار الوزاري رقم 133لسنة 1981الصادر بسحبهما يكون مشوب ًا بعيب
مخالفة القانون حري ًا باإللغاء ،وإذ قضي بهذا الحكم المطعون فيه بصدوره في
الدعوى رقم 2678لسنة 37القضائية المقامة من الطعون ضده مما يوجب
القضاء برفض الطعن وبإلزام الجهة اإلدارية بمصروفاته إال أن الحكم المضموم
إلى الطعن نما إلى غير ذلك فيما تضمنه من رفض الدعوى رقم 2689لسنة 37
القضائية المقامة من السيد ....../بطلب إلغاء القرار الوزاري رقم 133لسنة
1981مما يوجب القضاء بنقضه في هذا الشق والقضاء بإلغاء هذا القرار وما
يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة اإلدارية بمصروفات الدعوى...
فلهذه األسباب
حكمت المحكمة:
أو ً
ال بقبول الطعن شك ً
ال وبرفضه موضوع ًا وبإلزام اإلدارية بمصروفاته.
ثاني ًا :بإلغاء الحكم الصادر من محكمة القضاء اإلداري (دائرة التسويات أ)
بجلسة 11من نوفمبر سنة 1985فيما تضمنه من رفض الدعوى رقم 2689
لسنة 37القضائية وبإلغاء القرار الوزاري رقم 133لسنة 1981وما يترتب
على ذلك من آثار ،وبإلزام الجهة اإلدارية بمصروفات الدعوى.
141
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
إجراءات الطعن
في يوم األربعاء الموافق 21من نوفمبر سنة 1990أودع األستاذ /محمد
ضبع أبو قفة المحامي بصفته وكيال عن السيد/علي سنوسي إسماعيل ،قلم
كتاب المحكمة اإلدارية العليا تقرير طعن ،قيد بجدولها تحت رقم 163لسنة
37القضائية ،في الحكم الصادر من محكمة القضاء اإلداري بأسيوط بجلسة
18من نوفمبر سنة 1990في الدعوى رقم 180لسنة 2القضائية القاضي بوقف
تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الجهة اإلدارية المصروفات واألمر بتنفيذ الحكم
بموجب مسودته وبغير إعالن وطلب الطاعن لألسباب المبينة تفصي ً
ال بتقرير
ال :بقبول الطعن شك ً
ال ،وثاني ًا :بإيقاف الحكم الصادر من الطعن ،والحكم أو ً
محكمة القضاء اإلداري -دائرة أسيوط -بجلسة 18من نوفمبر سنة 1990في
142
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
143
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
ال :بإلغاء قرار لجنة الطعون بمحافظة المنيا واألمر برفض شطب طالب ًا الحكم أو ً
اسم السيد /علي سنوسي إسماعيل من قائمة مرشحي مجلس الشعب مع إلزام
المطعون ضده المصروفات وثاني ًا :وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار لجنة
قبول طلبات الترشيح لعضوية مجلس الشعب عن دائرة مركز المنيا باعتبار
السيد /علي سنوسي إسماعيل مرشح ًا لعضوية مجلس الشعب عن دائرة مركز
المنيا مع إلزام المطعون ضده المصروفات ،وأقام المدعي دعواه على سند من
القول بأن القرار الصادر بجلسة 10من نوفمبر سنة 1990من لجنة الطعون
برفض الطعن على قبول ترشيح السيد /علي سنوسي إسماعيل لعضوية مجلس
ال :الخطأ في تطبيق القانون وأساس ذلك الشعب وذلك لألسباب اآلتية :أو ً
أن المادة السادسة من القانون رقم 37لسنة 1972في شأن مجلس الشعب
المعدلة بالقانون رقم 201لسنة 1990نصت على وجوب أن ترفق بطلب
الترشيح المستندات التي يحددها وزير الداخلية بقرار منه ومنها حسب التحديد
الذي صدر به قرار وزير الداخلية المؤرخ 14من أكتوبر سنة 19٩0شهادة
االنتخابات التي تدل على القيد بأحد جداول االنتخاب أو شهادة رسمية من
المأمور المختص بأن الترشيح مقيد بأحد هذه الجداول والثابت من أوراق
ترشيح السيد /علي سنوسي إسماعيل المقدمة إلى لجنة فحص الطلبات إقراره
بأنه غير مقيد بجداول انتخاب دائرة المركز وثاني ًا :الفساد في االستدالل ذلك
أن استناد لجنة تلقي الطلبات في قبول ترشيح السيد المذكور على واقعة سابقة
ال عنعضويته بالمجلس المحلي لمحافظة المنيا سنة 1975التنهض بدي ً
وجوب ثبوت قيد اسمه في كشف الناخبين وعلى ذلك وإذ أيدت لجنة الطعون
قرار لجنة تلقي الطلبات فإنها تكون بذلك قد سايرت هذه اللجنة األخيرة في
االستدالل الفاسد والمخالف للثابت باألوراق وانتهى المدعي إلى الطلبات
المشار إليها.
وقد نظرت محكمة القضاء اإلداري بأسيوط الدعوي بجلسة 17من نوفمبر
144
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
145
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
146
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
إعالنه بإجراءاتها وإال كان في تنحيته عنها سواء تم ذلك بفعل الخصوم أو
بإهمالهم ما يشكل عدوان ًا صارخ ًا على حقوقه الدستورية العامة دون إتاحة
الفرصة له لمباشرة حقه الدستوري في الدفاع عن هذه الحقوق وهذا العدوان
والذود عن المراكز القانونية والحقوق المقررة له كمواطن أو إنسان.
وحيث إنه في خصوصية المنازعة الماثلة فالثابت من األوراق أن السيد/
محمد محمود مصطفى « المتدخل في الطعن الماثل» قد أقام الدعوى رقم
280لسنة 2القضائية أمام محكمة القضاء اإلدراي بأسيوط كمدع طالب ًا وقف
تنفيذ وإلغاء القرار الصادر بقبول أوراق ترشيح السيد /علي سنوسي إسماعيل
لعضوية مجلس الشعب ومن ثم فإن محل هذه الدعوى هو محق المواطن
المذكور في الترشيح لمجلس الشعب وهو الحق الذي قضت المادة «»62
من الدستور بشأنه أن «للمواطن حق االنتخاب والترشيح وإب��داء الرأي في
االستفتاء وفق ًا ألحكام القانون ومساهمته في الحياة العامة واجب وطني» وقد
اقتصر المدعي المذكور على اختصام وزير الداخلية وحده بتلك الدعوى رغم
أن األمر يتعلق أساس ًا ومباشرة بحق السيد /علي السنوسي إسماعيل في مباشرة
حقه الدستوري في الترشيح لمجلس الشعب وهو حق لم تنازع فيه الجهة
اإلدارية بعد إذ قررت اللجان المشكلة بالتطبيق لألحكام التشريعية المنظمة
لعملية الترشيح قبول أوراق ترشيحه في الطعن الذي نظرته وكان مقدم ًا منه
للجنة المختص ومثل أمامها المتدخل في الطعن الماثل.
ومن حيث إنه نتيجة لقبول أوراق ترشيحه تكون الجهة اإلدارية عن طريق
الهيئات اإلدارية ذات االختصاص القضائي قد استنفدت االختصاص المقرر
لها في شأن قبول طلب الترشيح كما يكون السيد /علي سنوسي إسماعيل
قد استقر له مركز قانوني ذاتي في مواجهة المتدخل في هذا الطعن في شأن
قبول ترشيحه فال يكون من ثم من السائغ المساس بهذا المركز القانوني الذاتي
المتعلق بمباشرة حق من الحقوق الدستورية العامة على نحو ما يقرره الدستور،
147
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
في خصومة يغيب عنها صاحب الصفة والمصلحة بينما محلها الطعن في قرار
لجنة الطعون الذي صدر في مواجهة المتدخل في الطعن الماثل ،وحيث إن
المنازعة الماثلة بناء على ذلك تكون حقيقتها وبحسب طبيعتها وفي أصلها
منازعة في أحقية السيد /علي سنوسي إسماعيل في المساهمة في الحياة
السياسية العامة عن طريق الترشيح لمجلس الشعب وأيض ًا في أحقيته في
مباشرة حقه الدستوري ،في االنتخاب لهذا المجلس وكل ذلك حقوق عامة
ومراكز قانونية لصيقة الصلة بصفته إنسان ًا كمواطن مصري له بهذا الصفة ما
قرره الدستور من حقوق عامة وعليه ما فرضه من واجبات عامة وبالترتيب على
ما تقدم بأنه ال يعتبر خارج ًا عن الخصومة في الدعوى وإن غاب عن إجراءاتها
بفعل الخصوم أو إهمالهم بل إن حقوقه الدستورية العامة المتمثلة في حقه في
االنتخاب والترشيح كانت هي موضوع الدعوى كما أن الحكم الصادر فيها
قد أجهز على هذه الحقوق ومحاها قبل إجراء االنتخابات بأيام قليلة ومن
ثم فال ُيعقل بعد ذلك القول بأن طريق االنتصاف أمام المحكمة لتمكينه من
مباشرة هذه الحقوق السياسية العامة في الترشيح واالنتخاب كمواطن مصري
يكون مستغلق ًا عليه ومتمنع ًا عنه وأساس ذلك ما سبق بيانه أن المنازعة الماثلة
وإن اصطبغت بالسمة العامة للمنازعة اإلدارية إال أنها في حقيقتها وجوهرها
خالف بين شخصين حول مدى أحقية مواطن مصري في ممارسة حقوقه
الخلف أو الفصل فيه دون أن الدستورية العامة فال يجوز التداعي بشأن هذا ُ
يختصم ويحتل قانون ًا ذو الشأن صاحب الصفة والمصلحة األولى وإال كان في
ذلك مخالفة للنظام العام الدستوري وللنظام العام القضائي المصري ،وغني
عن البيان أن الجهة اإلدارية في المنازعة الماثلة ليست هي صاحبة المصلحة
الخلف ،بل إن ما صدر في شأن الوحيدة أو األولى في وجه الفصل في هذا ُ
تقرير أحقية السيد/علي سنوسي إسماعيل في الترشيح لعضوية مجلس الشعب
إنما صدر من لجان إدارية ذات اختصاص قضائي مشكلة تشكي ً
ال خاص ًا برئاسة
148
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
149
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
الحكم المطعون فيه فإنه يكون قد كشف عن حقيقة قصده واتجاه نيته وإراداته
إلى طلب بوقف تنفيذ وإلغاء الحكم المطعون فيه جميع ًا.
ومن حيث إنه بناء على ذلك يكون الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية
مما يتعين معه الحكم بقبوله شك ً
ال
ومن حيث إن تدخل السيد /محمد محمود مصطفى في الطعن الماثل قد تم
على نحو ما يقرره القانون فإنه يتعين الحكم بقبول تدخله.
ومن حيث إنه عن موضوع المنازعة وبالقدر الالزم للفصل في طلب وقف
تنفيذ القرار المطعون فيه وفي الحدود التي يصل فيها الحكم الطعين فالثابت من
األوراق أن السيد /علي سنوسي إسماعيل عامر كان قد تقدم لرئيس لجنة تلقي
طلبات الترشيح لعضوية مجلس الشعب بمحافظة قنا طالب ًا إصدار القرار بقبول
أوراق ترشيحه وبتاريخ 31من أكتوبر سنة 1990قررت اللجنة الموافقة على
قبول ترشيحه تأسيس ًا على أنه ولما كان القيد المشترط للترشيح ال يستوجب
قيد ًا في أحد الجداول التي أعدت في تاريخ محدد وإنما أطلق ذلك بغير تحديد
وأنه لما كانت الجداول االنتخابية متصلة ال ينقطع القديم منها بالحديث من ثم
فإذا ثبت القيد بأي منها عد ذلك قيد ًا يعول عليه ويؤخذ به ولما كان ذلك وكان
طالب الترشيح سبق أن تقدم للمجلس الشعبي المحلي لمحافظة المنيا وشرط
التقديم لهذا الترشيح هو أيض ًا ثبوت القيد بالجداول االنتخابية ولم يقم في
حقه أي سبب من أسباب سقوط القيد ومن ثم فقد بات ثابت ًا أن طالب الترشيح
كان مقيد ًا بالجدول االنتخابي وال يقوم في حقه وال يقلل منه تلف الجداول
أو عدم الحفاظ عليها أو عدم صحة ضبطها وبتاريخ 5من نوفمبر سنة 1990
تقدم السيد /محمد محمود مصطفى « المتدخل في الطعن الماثل» إلى لجنة
فحص المطعون االنتخابية لمرشحي مجلس الشعب عن محافظة المنيا طاعنا
في قرار قبول ترشيح السيد /علي سنوسي إسماعيل كمرشح مستقل عن دائرة
150
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
مركز المنيا «فئات» تأسيس ًا على أن أوراق ترشيحه قبلت رغم عدم استكمالها
الشكل القانوني ودلل على ذلك بأن هذه األوراق خلت مما يفيد قيده بجدول
االنتخاب بالدائرة التي رشح بها أو في غيرها واستعاض عنها بشهادة صادرة
من السيد /رئيس المجلس المحلي لمحافظة المنيا تفيد بالمجلس المشار إليه
خالل دورة سنة 1975مما يخالف حكم قانون مجلس الشعب وتعليماته وزارة
الداخلية الصادرة في شأن تنفيذه وبتاريخ 10من نوفمبر سنة 1990انعقدت
لجنة الطعون برئاسة المستشار /أحمد رفعت وعضوية األستاذ /األمير فياض
الرئيس بالمحكمة والعميد محمد عباس عن مديرية األمن وقد حضر الخصمان
«السيدان /محمد محمود مصطفى ،وعلي سنوسي إسماعيل» بتلك الجلسة
ال وفي الموضوع برفضه وبعد سماع أقوالهما قررت اللجنة قبول الطعن شك ً
وإدراج اسم علي سنوسي إسماعيل عامر كمرشح لعضوية مجلس الشعب عن
عام 1990بصفة «فئات» وفق ًا لطب الترشيح المقدم منه المؤرخ 31من أكتوبر
سنة 1990بدائرة مركز المنيا بمحافظة المنيا وقد أقامت تلك اللجنة قرارها
على نحو ما جاء بأسبابه على أنه طبق ًا للمادة « »4من القانون رقم 73لسنة ،76
1972لسنة 1976و 41سنة 1979فإنه يجب أن يقيد في جداول االنتخاب
كل من له مباشرة الحقوق السياسة من الذكور واإلناث وإنه ولما كان الثابت
أن السيد /علي سنوسي قد رشح في سنة 1975لعضوية المجلس الشعبي
لمحافظة المنيا وفاز بعضوية ذلك المجلس بما مفاده ضمن ًا قيده بجداول
االنتخاب ذلك ألن القيد شرط مفترض وسابق على الترشيح خاصة وأنه من
المقرر أن القيد يستمر في حق المقيد طالما لم يلحق به سبب من أسباب المنع
من مباشرة الحقوق السياسية أو وقفها قانون ًا على نحو ما ينظمه القانون المشار
إليه واستطردت اللجنة بيان أنها ال تعول على ما جاء بأقوال الطاعن بمذكرته
المرفقة باألوراق ألنها جاءت وسيلة بال دليل عليها كما ال تعول على أقوال
رجل اإلدارة شيخ ناحية تله مركز المنيا ألن المرشح ليس مهيمن ًا على كشوف
151
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
ال عن إهمال القائمين عليها ،وكفاه إثبات قيد اسمه في تلك القيد وليس مسئو ً
الجداول االنتخابية وفق ًا لما سلف بيانه.
ومن حيث إنه باالطالع على القانون رقم 73لسنة 1956بتنظيم مباشر
الحقوق السياسية يبين أن المادة « »1من القانون تفرض على كل مصري
ومصرية بلغ ثماني عشرة سنة أن يباشر بنفسه الحقوق السياسية على النحو
وبالشروط المبينة بالقانون وتنظم المادتان « »3«،»2من القانون حاالت
الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية وحاالت وقف مباشرة تلك الحقوق بينما
تنص المادة « »4على أنه «يجب أن يقيد في جداول االنتخاب كل من له مباشرة
الحقوق السياسية من الذكور واإلناث مع ذلك ال يقيد من اكتسب الجنسية
المصرية بطريقة التجنس إال إذا كانت قد مضت خمس سنوات على األقل على
اكتسابه إياها وتجري عبارة المادة « »5بأن تنشأ جداول انتخاب يقيد فيها أسماء
األشخاص الذين تتوافر فيهم شروط الناخب في أول ديسمبر من كل سنة ولم
يلحق بهم أي مانع من موانع مباشرة الحقوق السياسية وتنص المادة « »7على
أن «تقوم النيابة العامة بإبالغ وزارة الداخلية باألحكام النهائية التي يترتب عليها
الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية أو وقفها وفي حال فصل العاملين في
الدولة أو النظام العام ألسباب مخلة بالشرف تقوم الجهة التي كان يتبعها العامل
بهذا اإلبالغ ويجب أن يتم اإلبالغ في جميع الحاالت خالل خمسة عشر يوم ًا
من التاريخ الذي يصبح فيه الحكم أو القرار نهائي ًا وتنص المادة « »15على أن
«لكل من أهمل قيد اسمه في جداول االنتخاب بغير حق أو حدث خطأ في
البيانات الخاصة بقيده أو توافرت فيه شروط الناخب أو زالت عنه الموانع بعد
تحرير الجداول أن يطلب قيد اسمه أو تصحيح البيانات الخاصة بالقيد ولكل
ناخب مقيد اسمه في جداول االنتخاب أن يطلب قيد اسم من أهمل بغير حق أو
حذف اسم من قيد من غير حق أو تصحيح البيانات الخاصة بالقيد».
ومن حيث إن مفاد النصوص السابقة أن القيد في جداول االنتخاب يتم قانون ًا
152
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
بالنسبة لكل مصري ومصرية بلغ أو بلغت ثماني عشرة سنة ميالدية ،وهذا القيد
هو سند ودليل لألهلية السياسية التي يقررها القانون وتتيح ممارسة المواطن
لحقوقه وواجباته السياسية العامة فبدون هذه األهلية السياسية يصبح منبت ًا عن
الحياة السياسية العامة بمنأى عن أداء دور فيها ومن ثم حرص القانون تنفيذ ًا
لحكم الدستور القاضي بأن السيادة للشعب وحده وهو بعد مجموع المواطنين
ذوي األهلية السياسية يمارسها ويحميها ويصون الوحدة الوطنية على الوجه
المبين بالدستور على أن يحكم تنظيم أمر القيد بجداول االنتخاب فجعل هذا
القيد واجب ًا بالنسبة لكل مصري ومصرية بلغ أو بلغت ثماني عشر سنة ميالدية
كما حدد على سبيل الحصر الحاالت التي يسقط فيها القيد أو يوقف وكلها
حاالت استثنائية ترد على أصل عام هو الحق في القيد وطالما تم القيد صحيح ًا
فقد ثبت قيامه وداللته على توافر األهلية السياسية للمواطن المصري مهما
استطالت مدته ما لم يقم سبب من األسباب المحددة على سبيل الحصر والتي
تجيز الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية أو وقفها.
وبالترتيب على ذلك فإنه وفي خصوصية المنازعة الماثلة وإذ كان البادي
من ظاهر األوراق أن الطاعن قد سبق أن انتخب بالمجلس المحلي لمحافظة
المنيا سنة 1975األمر الذي ال يجادل فيه الخصوم فإن هذا االنتخاب يكشف
بذاته عن سابقه قيده بجداول االنتخاب باعتبار ذلك شرط ًا الزم ًا لقبول ترشيحه
وانتخابه بالمجلس المحلي المشار إليه وبناء على ذلك وطالما لم يثبت توافر
سبب من أسباب الحرمان من الحقوق السياسية أو وقفها في حق الطاعن األمر
الذي ال يفترض ما لم يقم عليه دليل جدي وحاسم لوروده على خالف أصل
عام ولمساسه بحق من الحقوق الدستورية العامة للمصريين وإذا كان ذلك
ال أن ينال ما قد يكون خطأ أو إهمال قام في حق الجهةكذلك فإنه ال يكون مقبو ً
اإلدارية القائمة على حفظ كشوف القيد ،بفرض توافر هذا الخطأ أو االهمال
من حق دستوري أساسي لمواطن مصري في االنتخاب وفي الترشيح لعضوية
153
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
مجلس الشعب بما مؤداه إهدار أحكام مباشرة حقوقه السياسية دونما سند من
الدستور أو القانون بما يترتب على ذلك من حرمانه من اإلسهام بدوره كناخب
أو مرشح في إقامة صرح الديمقراطية الذي ال يتأتي إقامته إال باإلسهام االيجابي
لمجموع المواطنين في الحياة السياسية العامة في ظل التعددية الحزبية التي نص
عليها صراحة الدستور وإذا كان الحكم المطعون فيه قد أخذ بغير هذا النظر فإنه
يكون قد جانب صحيح حكم القانون وتعين القضاء بإلغائه وبرفض طلب تنفيذ
القرار المطعون فيه لعدم قيامه بحسب الظاهر على أساس من صحيح الواقع
وحقيق القانون.
ومن حيث إن يخسر الدعوى يلزم مصروفاتها إعما ً
ال لحكم المادة «»184
من قانون المرافعات.
فلهذه األسباب
حكمت المحكمة:
ال وبقبول تدخل السيد /محمد محمود مصطفى في بقبول الطعن شك ً
الطعن وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ
القرار المطعون فيه وألزمت المدعي المصروفات من الدرجتين وأمرت بتنفيذ
الحكم بمسودته وبدون إعالن.
154
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
155
االجتــاهــات احلــديـثـة فـي القضــاء اإلداري
156