Professional Documents
Culture Documents
الرياض
١٤٣٧هـ ــ ٢٠١٥م
( ،)2015جامعة نايف العربية للعلوم األمنية ـ الرياض ـ
اململكة العربية السعودية .ص.ب 6830الرياض11452 :
هاتف ( 2463444ـ 1ـ )966فاكس ( 2464713ـ 1ـ )966
الربيد اإللكرتوينSrc@nauss.edu.sa :
Copyright© (2015) Naif Arab University
)for Security Sciences (NAUSS
ISBN 4 - 65 - 8116- 603- 978
P.O.Box: 6830 Riyadh 11452 Tel. (+966 12) 2463444 KSA
Fax (+ 966 12) 2464713 E-mail Src@nauss.edu.sa
3
ُ
عقول يظـن القـارئ أهنا وليدٌ جديـدٌ أنتجتـه احلضارة الغربيـة ،أو ابتدعتـه
فالسـفتها ومنظرهيـا ،فمضمـون االسـتدامة وجوهرهـا ،وحتـى لفظهـا،
قـد جـاء يف كثير مـن اآليـات القرآنيـة ،واألحاديـث النبويـة ،والقواعـد
الفقهيـة ،وأقـوال السـلف الصالح ،وممارسـات خلفـاء الدولة اإلسلامية
كثيرا مـن مرشوعاهتا ومؤسسـاهتا ً عبر عصورهـا املتعاقبـة ،كما أن هنـاك
التـي ال تـزال قائمـة ،تشـهد بما حققتـه مـن منجـزات لصالـح البشر،
ومجاعـات ،ولصالـح احليوانـات ،وبقيـة املخلوقـات والكائنـات. ٍ أفـرا ًدا
عـزز الثقة لـدى املؤمنين برضورة ومـن شـأن التعريـف هبـذا املنظـور :أن ُي ّ
االلتـزام باحترام النعم واخلريات التـي وهبها اهلل لعبـاده ،ورضورة احرتام
حقـوق اآلخريـن القادمين هلـا ،سـواء بعمارة األرض ومـا عليهـا ،أو
باحلـرص على إنامئهـا وإثرائها ،أو برتشـيد إنفاقهـم واسـتهالكهم هلا .وقد
نُوقـش يف هـذا الفصـل مفهـوم التنميـة املسـتدامة وخصائصها مـن منظور
إسلامي ،كما أنه تـم تنـاول مبـادئ املنظـور اإلسلامي للتنمية املسـتدامة
ومتطلباهتـا ،التـي حددهتا منظمة اليونيسـكو ،ثم مناقشـة القواعـد الفقهية
ٍ
إرشـادات التـي اسـتنبطها العلماء املسـلمون مـن القـرآن والسـنة ،ومتثـل
َ
وضوابـط للسـلوكات البرشيـة املسـتدامة يف تعاملهـا مع البيئـة ومكوناهتا،
واملحافظـة عليهـا لألجيـال القادمـة ،كما تـم إجياز مظاهـر عناية اإلسلام
حتـض بالبيئـة وعنارصهـا ،مـن خلال إيـراد اآليـات واألحاديـث التـي ّ
اإلنسـان على العناية بالبيئـة ،وعقوبة من خيالـف ذلك ،ثم مناقشـة املنظور
اإلسلامي للتنميـة االقتصاديـة املسـتدامة ،وبيـان اهتامم اإلسلام باجلانب
االقتصـادي يف حياة اإلنسـان ،وخصائـص االقتصاد اإلسلامي وما يميزه
عـن االقتصـاد الغـريب يف حتريـم الربـا وغيره مـن املحرمـات ،وكذلـك
املنظـور اإلسلامي للتنميـة االجتامعيـة املسـتدامة ،وتأكيد تعاليـم الرشيعة
4
اإلسلامية عىل تنشـئة الفرد واملجتمـع وإصالحهام ،من النواحي :النفسـية
والعقليـة واالجتامعية واجلسـمية ،التي تسـاعد عىل تنمية الفـرد واملجتمع،
واحلفـاظ عليهما ،واسـتدامتهام .ويف خامتـة الفصـل تـم توضيح أهـم مزايا
النمـوذج اإلسلامي مقارنـة بالنمـوذج الغـريب للتنمية املسـتدامة مـع بيان
الفـروق بينهام.
أمـا الفصـل الثالـث ،فريكّـز على الركـن األول لالسـتدامة ،وذلـك
باسـتعراض ماهيـة التنميـة االجتامعيـة والبرشيـة وأمهيتهـا؛ َ
كون اإلنسـان
هـو هدفهـا ووسـيلتها ،وهـو الكائن احلـي الذي يبعـث احليـاة يف األركان
األخـرى؛ ملـا وهبه اهلل من القـدرات الفكريـة واملهارات ،وجعله املسـؤول
عـن إدارة النظـام املحيط بـه؛ حفا ًظا على ديمومتـه .واحلديث عـن التنمية
االجتامعيـة والبرشيـة املسـتدامة يعكـس قصـة التطـور ،وعمـق النظرة إىل
الفكـر اإلنسـاين املعـارص ،املتأثـر بالتنميـة املسـتدامة؛ حيـث تـم تنـاول:
مفهـوم التنمية االجتامعيـة ،وأبعادها ،ومؤرشاهتا ،وماهيـة التنمية البرشية،
ومراحـل تطورهـا ،ومسـتلزمات حتقيقها وانعكاسـاهتا ،كام تنـاول الفصل
أهـم مـؤرشات قيـاس التنميـة املسـتدامة على املسـتوى الـدويل ،واختُتـم
بتوضيـح عالقـة التنميـة االجتامعيـة والبرشيـة بالفكر املسـتدام.
فيوضـح كيـف أن عمليـة التحـول املطلوبة نحو أمـا الفصـل الرابـعّ ،
االسـتدامة حتتـاج إىل طاقة خترجهـا من التنظير للتطبيق عرب عمليـة التنمية
التغيريات بشـكل أسـهل وأرسع
ُ االقتصاديـة املسـتدامة ،التـي َتـدُ ث فيها
دور البعـد ُ
الفصـل َ ويف خمتلـف املجـاالت والقطاعـات .كما ُيبرز هـذا
التكنولوجـي للتنميـة املسـتدامة ،الـذي هیتـم بالتحـول إىل تكنولوجیـات
أنظـف وأكفـأ ،تنقـل املجتمـع إىل عصر صیانـة املـوارد ،انطال ًقا مـن مبدأ
ضمان عـدم اإلرضار بقـدرة األجيـال القادمـة على تلبيـة حاجاهتـم؛ بما
5
يتطلب عدم اسـتنزاف املـوارد الطبيعية لتلبية احتياجـات األجيال املعارصة
مـن الطاقة .وعالقـة التنمية املسـتدامة بمصـادر الطاقة املختلفـة واملتجددة
قويـة جـدًّ ا ،فال يمكـن احلديث عـن تنمية مسـتدامة مـن دون احلديث عن
ٍ
طاقـة نظيفـة ومتعـددة ،وال يمكن حتقيـق النموذج االعتماد على مصـادر لِ
َ
املسـتدام للتنميـة مـن دون التحـول يف منظومـة الطاقة إىل مصـادر متجددة
ً
وصـول إىل احلديـث عن طاقة ومتنوعـة؛ حيـث إن العالقـة بينهما حتمية،
القـرن احلـادي والعرشين.
قصـور النمـو االقتصـاديْ ،
وعج ُـز التنميـة االقتصادية ُ وبعدمـا ثبـت
والبرشيـة عـن حتقيـق تطـور املجتمـع اإلنسـاين وتقدمـه ورفاهيتـه ،ومـع
ظهور اآلثار السـلبية التـي هتدد احلياة ُبر ّمتهـا؛ نتيجة تلك النماذج التنموية
التقليديـة؛ تداعـت اجلهـود حـول العـامل لتدْ ُخـل البرشيـة ألفيتهـا الثالثـة
وقرهنـا احلـادي والعرشيـن حتت عنـوان التنميـة املسـتدامة .ويـأيت الفصل
اخلامـس ليتنـاول التنميـة البيئيـة املسـتدامة ،وحمورها األسـايس ،ومنطلقها
الفكـري والفلسـفي ،وقاعدهتـا العلمية ،وميداهنـا التطبيقي ،فيقـدّ م تعري ًفا
وعلم ،ويسـتعرض وضـح أثرها املعريف فلسـفة ً واصطالحا ،و ُي ّ
ً للبيئـة لغـة
عنـارص البيئـة ،ومكوناهتـا ،ومواردهـا ،باإلضافـة إىل تقديـم مقارنـة بين
التنميـة البيئيـة املسـتدامة والتقليديـة ،ويسـتعرض األخطـار ،واملهددات،
أيضـا :خصائص اإلدارة املسـتدامة والقضايـا البيئيـة املسـتحدثة ،ويتنـاول ً
للبيئـة ،ومـا تتضمنـه مـن إستراتيجيات وسياسـات ،ومـا حققتـه يف ِ
جمال
ِ
ألفضـل املامرسـات البيئية. ِ
التطبيـق
أمـا الفصل السـادس ،فقد تنـاول األدبيـات الداعية إىل بلـورة التنمية
اإلداريـة املسـتدامة ومنطلقاهتـا التـي ال تـزال يف مرحلـة التنظير ،وأن مـا
ظهـر مـن مؤسسـات ،ومنظمات ،وقيـادات ،ومرشوعـات ،وموازنـات
6
مسـتدامة؛ ال يـزال يف املراحـل األوىل ،وأن جمـاالت الريـادة إلثـراء هـذا
الفكـر وهـذه التطبيقـات مفتوحـة أمـام روادها ،ويتحمـل أسـاتذة العلوم
اإلداريـة وطلبتهـا جـز ًءا من هذه املسـؤولية بحكـم ختصصهـم ومواكبتهم
ملـا يسـتجدُّ لدى الـدول املتقدمـة مـن املامرسـات الناجحة ،وهـذا ال يعفي
املنظمات احلكوميـة والشركات اخلاصـة مـن املضي يف طريـق االسـتدامة
ُطهـر نفسـها مما
اإلداريـة والتنظيميـة؛ فتخطـو نحـو احلكامنيـة وقيمهـا ،وت ّ
علـق هبـا مـن أوجـه الفسـاد والقصـور والتخلـف ،التـي مل يعـد بإمـكان
حتملهـا قبـل أن يفقـد بعضهـم صوابـه؛ فيقع مـا ال ُتمـد عقباه.
مجهورهـا ّ
وبعـد أن تـم تنـاول البيئة ،ومـا تتعرض له مـن خماطر ومهـددات بعد
ظهـور اآلثار الكبيرة للتنميـة بجميع جوانبها ،ومـا أحدثته من آثار سـلبية
وتلـوث للبيئـة يف كوكبنـا؛ يـأيت الفصـل السـابع ليتنـاول :مفهـوم التلوث
الـذي أحدثتـه التنميـة التقليديـة ،ومصـادر ذلـك التلـوث ،وأسـبابه،
وأنواعـه ،وآثـاره ،ثـم يوضـح اجلهـات املعنيـة بـإدارة التلوث واحلـدّ منه؛
حيـث يتناول :اجلهـود احلكوميـة والعلميـة ،وجهود الشركات واملصانع،
واجلهـود الزراعيـة ،وجهـود األفـراد ،وجهـود املنظمات البيئيـة يف هـذا
املجـال .ثـم نختتـم الفصل بأمهيـة التعـاون بني الـدول عن طريـق البحث
العلمـي لتطبيقـات املـوارد املتاحـة ،وتوجيه االهتمام إىل املشـكالت البيئية
املعارصة ،ورضورة دراسـة املشـكالت النامجة عن التلـوث ،وما حيدث من
آثـار سـيئة عىل األنظمـة البيئيـة ،وخلق الوعـي البيئي املجتمعـي ،والرتكيز
على الرتبيـة البيئية ،ودراسـة املشـكالت البيئيـة وحتليلها من خلال منظور
شـامل ومتكامل.
وحيـث إن النفايـات تعـدُّ مـن مسـببات تلـوث البيئـة وتدهورهـا،
أيضـا حتد ًيـا يواجـه املنظمات ،ومشـكلة تعـوق حتقيـق التنميـة
كما تعـدُّ ً
7
املسـتدامة؛ فقـد تناولنـا يف الفصل الثامن مـن هذا الكتاب ماهيـة النفايات،
وأسـباب انتشـارها ،وآثارهـا اإلجيابيـة والسـلبية ،كام قـدّ م الفصـل موازنة
بين الطرائق التقليديـة واملسـتدامة إلدارة النفايات ،متطر ًقا إىل اسـتعراض
أفضـل املامرسـات اخلضراء يف إدارة النفايـات يف مدينتـي فانكوفـر بكندا،
واسـتوكهومل بالسـويد ،إضافـة إىل ذكـر أهـم االتفاقيـات ،والسياسـات،
واملؤسسـات الدوليـة يف هـذا املجـال ،مثـل منظمـة اليونيـب ،واتفاقيـة
بـازل ،واتفاقيـة باماكـو .واختُتـم الفصـل باسـتعراض أبـرز التحديـات،
واملشـكالت ،والعقبـات التـي تواجه اإلدارة املسـتدامة للنفايـات ،وتقديم
أهـم املقرتحـات التـي تدعـم التحـول نحوها.
ويركز الفصل التاسـع على أمهية مؤرشات التنمية املسـتدامة ،ودورها
يف قيـاس حتقيق مسـتويات أهدافهـا ،باإلضافة إىل التعرف على الفروق بني
مـؤرشات التنميـة التقليدية ،ومـؤرشات التنميـة املسـتدامة ،واملراحل التي
مـرت هبـا عمليـة صناعـة املـؤرشات التنمويـة ،ثم أوضحنـا املنهجيـة التي
اعتمدهتـا املنظمات الدوليـة ذات العالقة يف إرسـائها للمـؤرشات واملعايري
التنمويـة املسـتدامة ،وحجـم اجلهـود الدوليـة يف هـذا اجلانب ،وتسلسـلها
الزمنـي .ثـم اسـتعرضنا األهـداف اإلنامئيـة لأللفيـة الثالثة ،ومـدى حتققها
على أرض الواقع ،وحجـم تأثريها على املخطط احلكومي .كام اسـتعرضنا
جتربـة منطقتنـا العربية فيما يتعلق بتصميم املـؤرشات واملعايير اخلاصة هبا،
مـع اإلشـارة إىل جتربـة اململكة العربية السـعودية يف هـذا املجال.
أمـا الفصـل العـارش ،فقـد اسـتعرض جتربـة اململكـة العربيـة
السـعودية وسـعيها نحـو حتقيـق التنميـة الشـاملة واملسـتدامة ،ونوقشـت
أهـم اإلستراتيجيات ،واخلطـط ،واملبـادرات التـي قامـت هبا املؤسسـات
العامـة ،والقطـاع اخلـاص ،واملجتمع املـدين ،يف خمتلف املجـاالت اإلنامئية
8
وقطاعاهتـا املتعـددة ومحايـة البيئة .ثـم عرضـت املرشوعـات التنموية التي
شـملت البنيـة األساسـية ملختلـف القطاعات اخلدميـة واإلنتاجيـة ،والبنية
املؤسسـية للتنميـة املسـتدامة ،متمثلة يف الـوزارات ،واهليئـات ،واملجالس،
والـوكاالت ،واملـدن التنمويـة املسـتدامة.
عرضـا يوضـح ً وقـد اختُتـم الكتـاب بفصلـه احلـادي عشر ،الـذي ّ
تعرضـت لـه االسـتدامة مـن انتقـادات؛ حيـث كان بعضهـا ألغلـب مـا ّ
أيديولوج ًّيـا ،وبعضهـا اآلخـر أكاديم ًّيـا ،واألخير منهـا عمل ًّيـا وتطبيق ًّيـا،
وكأهنـم مجي ًعـا ُيشـكّكون يف منطلقاهتـا ،أو يف نوايـا داعميهـا ،أو يف قدرات
املجتمعـات واملنظامت واألفراد عىل اسـتيعاهبا أو ترمجتهـا؛ لتحقيق أهدافها
املثاليـة الراميـة إىل سـعادة األجيـال وحتسين أحواهلـم ،دون اإلرضار بما
حتتويـه األرض مـن خيرات ،أو يضمـه اهلـواء مـن غـازات ،أو يكمـن يف
البحـار وامليـاه مـن طاقـات ،كما َعرضت يف هـذا الفصـل أهـم التحديات
فكـرا ،واحلريصني والعقبـات التـي تعترض االسـتدامة لـدى املؤمنني هبـا ً
على حتويلهـا إىل إستراتيجيات ،وبرامـج ،وممارسـات ،أو لـدى الذيـن
مناصا
تُفـرض عليهم عبر االتفاقيـات واملعاهـدات الدوليـة ،وال جيـدون ً
مـن حماولـة تطبيقهـا ،وهـذه العقبـات متعـددة ومتنوعـة؛ منهـا :حمدوديـة
املـوارد املاليـة ،نقـص الكفايـات ،ضغـط املطالـب واالحتياجات ،شـيوع
العـادات وامليول االسـتهالكية لدى األفـراد واجلامعـات ،ناهيك عن عجز
احلكومـات ،وفسـاد املنظامت ،وضعـف تطبيـق الترشيعـات ،وغياب دور
املـدارس واجلامعـات وبقية اهليئـات واملؤسسـات الدينيـة واإلعالمية إزاء
االسـتدامة ،وثقافتهـا ،وتطبيقاهتـا؛ ولكـن ذلـك ال يعنـي االستسلام وال
إن توافرت فقطـار االسـتدامة سـيميض ،والراكبون فيـه سـينجون ْ اهلـوان؛ ِ
لدهيـم اإلرادة ،واإلدارة ،وتقـوى اهلل.
9
منظـورا جديـدً ا تتداخل
ً وأخيرا ،فـإن التنميـة املسـتدامة تعـدُّ اليـوم
ً
خمتلـف التخصصـات والعلـوم ،وميدانًـا حظـي ُ وتتشـابك وتتكامـل فيـه
كثيرا مـن
ً باهتمام العلماء واملفكريـن واملنظمات حـول العـامل ،وشـهد
اإلسـهامات الفكريـة والعلميـة ،النظريـة والتطبيقيـة؛ حيـث كان هلـؤالء
ً
حقلا املفكريـن إسـهاماهتم العلميـة يف إثـراء التنميـة املسـتدامة بوصفهـا
علم ًّيـا بـدأ يتشـكل ،وأصبـح لـه منظـور ونظريـات والشيء األهـم هـو:
التواصـل والرتابـط العلمـي املسـتمر بين املهتمين باالسـتدامة ،ليس عىل
أيضـا .واألملاملسـتوى الشـخيص فحسـب ،ولكـن عىل املسـتوى املعـريف ً
والرجـاء يف اهلل بـأن يسـهم هذا الكتـاب يف نشر ثقافة االسـتدامة بني طلبة
اجلامعـات ولـدى قـادة املنظامت الذيـن يملكون زمـام األمـور و ُيصدرون
السياسـات ويتخـذون القـرارات فيجعلون التنمية املسـتدامة واق ًعا تعيشـه
املجتمعـات احلـارضة وأجياهلـا القادمـة ..واهلل مـن وراء القصـد.
10
الفصل األول
املدخل إىل دراسة التنمية املستدامة
ودور اجلامعات إزاءها
13
والتنميـة االجتامعية والبرشيـة ،ومعها التنمية السياسـية واإلدارية والتقنية،
متضي جن ًبـا إىل جنب؛ مـن أجل حتقيـق العدالـة واإلنصاف واملسـاواة ،فال
يسـعد جيـل ويشـقى آخـر ،وال تغنـى قارة بشـعوهبا على حسـاب قارات
أخـرى ،وهذا مـا سـعينا إىل توضيحه هنا ،لنختـم الفصل بـدور اجلامعات
نحـو حتقيـق بردايـم التنميـة املسـتدامة ودور أسـاتذهتا وخرجييهـا يف ترمجة
أهدافهـا ومبادئهـا على أرض أوطاهنـم ويف منظامهتـم.
14
الشكل رقم ( )1املعرفة املستدامة
السياسة
اهلندسة
االقتصاد
الزراعة
االجتامع
الكيمياء
القانون
البيئة احلقول املعرفية
للتنمية املستدامة اإلدارة
التكنولوجيا
النفس
الطب
املستقبل
احليوان
علوم أخرى
علوم أخرى
إعداد الباحث.
15
ومعلـوم أن هنـاك جهـو ًدا دوليـة مكثفـة أسسـت هلـذه اللجنـة وهلذا
التقريـر ،ترجـع إىل مطلـع السـتينيات مـن القـرن العرشيـن ،حين شـعر
املهتمـون بمخاطـر البيئـة وتلوثهـا بـأن األمـر مل يعد شـأنًا حمل ًّيـا ،وحتركت
ليحـذرا مـن اسـتمرار التدهـور ّ «اليونيسـكو» الدوليـة ونـادي رومـا،
واسـتنزاف الثـروات الطبيعيـة ،ويف الوقـت نفسـه تـردت أحـوال سـكان
النصـف اجلنـويب مـن الكـرة األرضيـة.
بعضا مـن هذه اجلهـود الدوليـة التي أسـهمت يف بلورة
ونوجـز أدنـاه ً
هـذا املنهج املسـتدام للتنمية:
ـ انعقاد مؤمتر استوكهومل بالسويد عام ،1972الذي عني باإلنسان والبيئة
البرشية ،وقد نشأ إثره برنامج األمم املتحدة للبيئة .UNDP
ـ صدور التقرير الدويل املشهور ،وعنوانه «حدود النمو» ،بمشاركة العاملة
Donella Meadowsوزوجها ،ونخبة من العلامء يف اختصاصات خمتلفة
عام 1972م.
ـ مؤمتر ريو دي جانريو يف الربازيل عام 1992م ،الذي ُسمي قمة األرض.
ـ املؤمتر العاملي للسكان والتنمية االجتامعية بالقاهرة عام 1994م ،وأعقبه
مؤمتر املرأة يف بكني عام 1995م ،ثم القمة االجتامعية يف كوبنهاجن عام
1995م ..وهكذا توالت مؤمترات املرأة والسكان لتُعقد سنو ًّيا.
ـ قمة كيوتو يف اليابان عام 1997م ،الداعية إىل تقليص انبعاث النفايات
وخفضها ،وقد سبقتها قمة مونرتيـال عام 1987م حول نضوب األوزون،
واتفاقية بازل حول النفايات اخلطرة عام 1989م.
ـ قمة جوهانسربغ للتنمية املستدامة يف جنوب إفريقيا عام 2002م.
وأخريا قمة ريو دي جانريو لعام 2012م بالربازيل (ريو )20+التيً ـ
اهتمت بالعدالة واحلوكمة والقانون لتحقيق االستدامة.
16
هـذه املؤمتـرات ومـا ختللها مـن جهود وأنشـطة ،أسـهمت فيهـا مجيع
منظمات املجلـس االقتصـادي واالجتامعـي ECOSOCالدوليـة ،ومنهـا
على سـبيل املثـال ال احلصر :منظمـة العمـل الدوليـة ،ومنظمـة الصحـة
العامليـة ،واملنظمـة العامليـة لألرصـاد اجلويـة ،ومفوضيـة األمـم املتحـدة
السـامية حلقـوق اإلنسـان ،ومفوضيـة األمـم املتحـدة لشـؤون الالجئين،
وصنـدوق األمـم املتحـدة للسـكان ،ومعهـد األمـم املتحـدة للتدريـب
والبحـث وغريهـا كثري؛ وقـد أدت إىل بلـورة منهج التنمية املسـتدامة ليحل
حمـل التنميـة التقليديـة ،التـي نُعتـت أحيانًـا بالتنميـة املسـتنامة ،وأحيانًـا
بالتنميـة العرجـاء أو الالمتوازنـة .واألصـح تسـميتها التنميـة الظاملة؛ ألهنا
مل تنصـف البشر ،ومل حتافظ عىل األرض وال الشـجر ،ولـو بقيت عىل حاهلا
فلـن تبقـي ولـن تذر.
لذلـك تـأيت التنميـة املسـتدامة كما قـال كـويف عنـان« :لتكـون فرصة
فريـدة تتيـح من الناحيـة االقتصاديـة إقامة األسـواق وفتح أبـواب العمل،
ومـن الناحيـة االجتامعيـة دمـج املهمشين يف تيـار املجتمـع ،ومـن الناحية
السياسـية منح كل إنسـان ـ ً
رجل كان أم امرأة ـ صوتًـا وقدرة عىل االختيار
لتحديد مسـار مسـتقبله».
17
اإلعلان عـام 2000م ،وقد ُأرفقت هبـذه األهداف املؤرشات التي سـتُتبع
لقيـاس التقـدم الذي سـتحققه هذه الـدول جمتمعـة ومنفـردة ،وكانت هذه
الوثيقـة مـن أهـم قـرارات اجلمعيـة العامـة لألمـم املتحـدة يف ختـام القرن
العرشيـن ،سـبتمرب 2000م.
وقـد تضمنـت الوثيقة ثامنيـة أهـداف أساسـية ،وترتبط هبـا 21غاية،
مـؤرشا للقيـاس ،واألهـداف هي:
ً و60
1ـ القضاء عىل الفقر املدقع واجلوع.
2ـ تعميم التعليم االبتدائي جلميع مستحقيه.
3ـ تعزيز املساواة بني اجلنسني ،ومتكني املرأة.
4ـ تقليل وفيات األطفال.
5ـ حتسني الصحة النفسية.
6ـ مكافحة اإليدز ،واملالريا ،واألمراض األخرى.
7ـ كفالة االستدامة البيئية.
8ـ إقامة رشاكة عاملية من أجل التنمية.
وقـد أصدرهـا األمين العام لألمـم املتحـدة ـ وكان وقتها كـويف عنان
ـ بقولـه« :إن لدينـا مـن الوقـت مـا يتيـح لنـا بلوغ هـذه األهـداف يف العامل
أمجـع ،ويف معظـم البلـدان ،بـل ويف كل بلد منهـا عىل حـدة ،ولكن رشيطة
أن نقلـع عـن العمـل باألسـاليب التقليديـة السـائدة واملعتـادة ،إن النجاح
ً
عملا دؤو ًبـا مفـر ًدا ،ويتحتم علينـا أن نبدأ مـن اآلن». يسـتلزم
ومل تقـف هيئـة األمم املتحـدة عند هـذا اإلعالن ،بل تابعـت خطوات
تنفيـذه عبر السـنوات املتعاقبـة ،وأصـدرت تقاريرهـا حـول التقـدم الذي
18
تـم إحـرازه ،واخللـل والعجـز والقصـور الـذي رافـق التنفيذ هنـا وهناك،
وشـخصت التحديـات املاثلـة أمـام كل هـدف منهـا ،وأجـرت املقارنـاتّ
بين القـارات ودول الشمال ودول اجلنـوب ،مقدمـة كل نتائـج التقويـم،
والقيـاس ،واملتابعـة للمؤمتـرات والنـدوات وللمنظمات احلكوميـة،
وملنظمات األعمال ،وملنظمات املجتمـع املـدين الدوليـة منهـا والوطنيـة؛
لتحفـز على مواصلـة املسيرة نحـو االسـتدامة التـي ال بديـل هلا.
19
11ـ اعتماد التوعية ،والتعليـم ،واحلوار ،واإلقناع ،مع التحفيز واملسـاءلة؛
إلحداث التغيري.
12ـ االقتداء بالنامذج والتطبيقات الناجحة عرب املقارنات املرجعية.
13ـ تفعيل التنافسية ،واخلصخصة ،والرشاكة بني القطاعات.
14ـ التكامل بني األجهزة واملؤسسات املدنية ،والتنموية ،واألمنية.
15ـ االعتماد عىل الـذات ،وتعزيز اإلرادة ،وقيم الـوالء واالنتامء ،والتحمل،
والتضحية.
16ـ امليض بآليات وطرائق االقتصاد األخرض.
17ـ إصدار الترشيعات ،واألنظمة ،واللوائح املنظمة للتنمية املستدامة.
18ـ إجراء املسوحات الدورية واستطالعات الرأي العام.
19ـ توزيع االستبانات لقياس االجتاهات للمستفيدين وأصحاب املصالح.
20ـ احلسابات اخلتامية للموازنات واإلسرتاتيجيات.
21ـ الرجوع إىل قواعد البيانات الوطنية والدولية.
22ـ إصدار األدلة اإلرشادية والبوسرتات التعريفية والتوعوية.
23ـ تقديم املنح ،واحلوافز ،واملساعدات.
24ـ االستعانة بمراكز البحوث والدراسات واالستشارات.
25ـ ختصيص القنوات اإلعالمية والصحافة اليومية للتوعية والتعريف.
وقـد يتـم االنتقاء من بني هـذه الوسـائل واآلليـات وف ًقا ملالءمتهـا ،وتب ًعا
الجتهـادات القطاعـات ولرؤيـة القيادات .وقد يتـم األخذ هبـا جمتمعة ،ولكن
بدرجـات خمتلفـة ،ووف ًقـا للمسـتويات اهليكليـة التـي تتيـح للمجالـس العليـا
وللوزارات حريات أوسـع من تلك املتاحة للمسـتويات التنفيذية والتشـغيلية.
20
.4أبعاد التنمية املستدامة وأركاهنا
إن مـا يم ّيـز فكـر التنميـة املسـتدامة عـن الفكـر التنمـوي التقليـدي،
هـو نظرهتـا الكليـة النظميـة التـي تؤمـن بتكامل األجـزاء يف إطـار موحد،
يكـون حاصلـه وجمموعـه أكبر بكثير مـن جممـوع أجزائـه وجيعـل منهـا
يتعذر أن يكسـب جـزء منه عىل حسـاب اآلخر ،وإن نظا ًمـا ديناميك ًّيـا ح ًّيـا َّ
أي زيـادة أو إضافـة تتحقـق لقطـاع مـا مـن قطاعـات التنميـة املتعـددة قد
تكـون خسـارة أو كلفة على األخـرى ،إن حدث ذلـك خارج هـذه الرؤية
التكامليـة ،أو بعيـدً ا عـن التـوازن والعدالة.
أمـا التنميـة املسـتنامة أو الظاملـة ،فهـي التـي وصفهـا خبير االقتصاد
العاملـي جوزيـف سـتيغليتس ( ،)Joseph Stiglitzاحلاصـل على جائـزة
نوبـل عـام 2001م ،حين قـال:
«إن أصحـاب البنـوك الذيـن يضعـون اقتصادنـا يف مهـب الريـح،
وأصحـاب رشكات الطاقـة الذيـن يضعـون كوكبنـا يف مهـب األزمـات
حتم
واملخاطـر ،قـد جينـون مبالـغ طائلـة ،لكـن اخلسـائر يف النهايـة سـتقع ً
علينـا نحـن أفـراد املجتمـع ،وشـأهنم شـأن املقامريـن واملجازفين ،كام أن
القوانين التـي ترشعهـا الـدول الرأسمالية تُصـاغ لصالح هـذه الرشكات؛
لتخفـض سـقف التعويضـات التـي تدفعهـا عـن الكـوارث البيئيـة التـي
تتسـبب فيهـا» ،ثـم يقـول« :لـو كان بإمكاننـا االنتقـال إىل كواكـب أخرى
بكلفـة زهيـدة يف حـال وقـوع العواقـب التـي يتوقعهـا علماء االسـتدامة
لقلنـا نعـم للمجازفـة ،ولكـن هل مـن كواكب أخرى مسـتعدة السـتقبالنا
وأجيالنـا القادمـة؟» (.)Stiglitz, J.2001
21
هبـذه السـطور ،وصـف جوزيـف سـتيغليتس مواصفـات التنميـة
املسـتدامة ،وعبر الصفحـات القليلـة التاليـة ،سـنعرض أركان التنميـة
املسـتدامة وأبعادهـا املتداخلـة واملرتابطـة ،التـي ال انفصـام وال تعـارض
بينهـا إذا مـا ُأريـد هلـا جمتمعـة أن تـدوم وتتجـدد:
22
االقتصاديـة؛ وبالتـايل رفضهما فكـرة مالثـوس التشـاؤمية ،واحلركـة
األمريكيـة للمحافظين مـن السياسـيني (سـعيدي وحوريـة2010 ،م).
ً
طويلا إثـر الدراسـات التـي أجراهـا غير أن هـذا التفـاؤل مل يسـتمر
نـادي روما ،واسـتُخدمت فيها أجهزة احلاسـوب اآليل وأسـاليب النمذجة
اجلديـدة يف حتليـل النظـم ،الستكشـاف مسـتقبل التنميـة بربـط املتغيرات
اخلمسـة الرئيسـة م ًعا ،وهي :السـكان ،الغـذاء ،التصنيع ،املـوارد الناضبة،
التلـوث البيئـي .وتوصلـت إىل نتائـج مفرطـة يف التشـاؤم ،ومـن بينهـا أن
هنـاك 11معدنًـا مـن الثـروات الطبيعيـة التـي تتعـرض للنضـوب ،مـن
أبرزهـا :البترول ،الغـاز الطبيعي ،النحـاس ،الذهب ،الرصـاص ،الفضة،
الزنـك ،والقصديـر ..وإذا مـا اسـتمرت اجتاهـات النمـو احلاليـة للسـكان
والغـذاء والتصنيـع على مـا هـي عليه مـن دون أي تغيير أو تدخل فسـيتم
الوصـول إىل أقصى حـدود النمـو خلال مئـة عـام على األكثـر .ولتلايف
هـذه النتيجـة الكارثيـة واخلطـرة دعـا نـادي رومـا إىل حتقيـق التـوازن بني
املتغيرات االقتصاديـة والبيئيـة بأرسع وقـت ،وأن تضـع دول العامل جمتمعة
حـدو ًدا وضوابـط ملعـدالت نموهاً ،
بـدل من تنافسـها وانبهارهـا بام حتققه
تطبي ًقـا لفكرهـا االقتصادي غري املسـتدام ،وبراجمها التنمويـة التقليدية التي
تتسـبب يف اسـتنزاف املـوارد والثـروات ،وتزيـد مـن األرضار واخلسـائر،
واهلـدر والتلـوث الـذي يعقبها.
ومـع أن عـدم النمـو يف هـذه احلالـة يكـون أفضـل مـن النمـو األكرب
رضرا ،فإنـه ال يمكن اعتامده كإستراتيجية لتلايف النضوبُك ْلفـة واألكثـر ً
والرتاجـع (األنرتوبيـا العامليـة) ،كما أنـه ليس ًّ
حل ملشـكالت هـذا اجليل،
ناهيـك عـن كونه ليـس ًّ
حلا لألجيـال القادمة.
23
لذلـك كانت االسـتدامة االقتصادية هي املنظـور (الربدايم) واملرشوع
اجلديد للسلام واألمن العامليني ،وهـي البديل لأليديولوجيات الرأسمالية
واالشتراكية ،ومـن خالهلـا يمكـن أن تكـون هنـاك معـدالت مقبولـة
للتنميـة ،ويف الوقـت نفسـه احلفـاظ على البيئـة وثرواهتـا ،وضمان حقوق
األجيـال القادمة.
ولتحقيـق هـذه الطموحـات جمتمعـة ،البـد مـن البحـث عـن طرائق
ومناهـج بديلـة ،وأن ُيبـذل جهد عاملي مشترك ،وإبداع واكتشـاف مصادر
جديـدة ومتجـددة للطاقـة التقليدية ،وأجهـزة وتقنيات ومصانع ووسـائط
نقـل نظيفـة وصديقـة للبيئـة ،وأسـاليب لتحويـل املخرجـات الزائـدة،
والفضلات ،والنفايـات إىل عوائـد ومدخلات مـرة أخـرى .واألهـم من
ذلـك كلـه أن تُسـهم حركة االسـتدامة هذه يف توعيـة األفـراد واملجتمعات
وإكسـاهبم األخالقيـات والسـلوكات األكثـر إنصا ًفـا ،واألشـد احرتا ًمـا
للبيئـة املحيطـة هبـم وللبشر اآلخريـن مـن حوهلم.
وقـد أدت هـذه التوجهـات إىل ظهـور حركـة الدعـوة لالقتصـاد
األيكولوجـي ،أو االقتصـاد األخضر ،ومـن أبـرز مبادئهـا:
ـ حتقيـق التـوازن بين التكاليـف البيئية والتكاليـف االقتصاديـة عند إعداد
الربامج واملرشوعـات وتقويمها.
ـ مراعـاة معـدالت االسـتهالك والنضـوب التـي تتعـرض هلـا املـوارد
الطبيعيـة ،والبحـث عـن طاقـات بديلـة ومتجـددة.
ـ تفعيـل العالقـة بني املخرجـات وتغذيتها الراجعـة للمدخالت من خالل
إعادة التدوير وإعادة االسـتخدام.
24
ـ اسـتبدال رأس املـال االصطناعـي بـرأس املـال الطبيعي ،ليبقـى لألجيال
القادمـة مـوروث يسـاوي ما ورثـه اجليل احلـايل يف قيمتـه وأمهيته.
ـ حتقيـق احلـد األمثـل مـن التداخل بين أبعاد التنميـة املسـتدامة من خالل
التكيـف الديناميكي بين البدائل واملتغيرات املختلفة.
ً
قبـول لرتمجة هذه املبـادئ واملنطلقات أمـا البديـل أو السـبيل األكثر
التـي تطرحهـا االسـتدامة ،فهـو االقتصـاد األخضر Green Economy
الكفيـل بتحسين أحـوال البشر ،وتقليـل هـدر املـوارد ،وزيـادة كفايـة
اسـتثامرها ،واحلفـاظ على البيئـة وتنوعهـا البيولوجـي ،وقـد صـدرت
االتفاقيـة العامليـة للبيئـة واالقتصـاد األخضر GGNDعـام 2008م
لرتسـم الطريـق هلـذا التحول الذي يكفـل حتقيق التـوازن بني أبعـاد التنمية
املسـتدامة الثالثـة ،وسـيتم التعريـف بـه يف الفصـل الرابـع الـذي ُخصص
للتنميـة االقتصاديـة املسـتدامة.
25
البيئـة ومنارصهتـا ،وحتسـينها ،وإعـادة تنظيـم عالقة البشر بأبعـاد الطبيعة
وعنارصهـا؛ حفا ًظـا على حقـوق األجيـال القادمـة.
وممـا شـجع على تفعيلهـا :تزايـد االضطرابـات املناخية املتعـددة التي
شـهدهتا العقـود األخيرة من القـرن املـايض ،ومنهـا :االحتبـاس احلراري
العاملـي ،واألعاصير ،والرباكين ،والـزالزل ،ثـم اجلفـاف والتصحـر،
وتراجـع طبقـة األوزون ،وانقـراض بعـض الكائنـات احليوانيـة والنباتية،
وتدهـور الرتبـة وتراجـع إنتاجيتهـا ،ثـم تصاعـد معـدالت التلـوث بـكل
أشـكاله وأنواعـه ،وتزايـد النفايـات وأخطارها .وهـذه جمتمعـ ًة باتت هتدد
أمـن اإلنسـان ،سـواء يف شـدهتا أو مـدى انتشـارها؛ ممـا جعل االهتمام هبا
حيظـى بأولويـة بالغة لـدى املنظمات الدوليـة ،واإلقليميـة ،والوطنية؛ ألن
معاجلتهـا أو احلـد مـن آثارها مل يعد ممكنًـا من دون تعاون الـدول واملنظامت
العامليـة املتخصصـة جمتمعة.
وقـد أعطـى الفيلسـوف النروجيـي أرين نايـس ( )Arne Naessهلـذه
احلركـة دفعـة قويـة بنظريتـه حـول اإليكولوجيـا املعمقـة Deep Ecology
التـي طـرح مـن خالهلـا اآلراء الذكيـة والتسـاؤالت اجلوهرية حـول البيئة
بوجـه عـام ،وحـول األرض بوجـه خـاص وعالقـة اإلنسـان هبـا ،فأصدر
املجلـة الدوريـة «األخلاق البيئيـة» التـي تبرش هبـذا الفكـر البيئـي وتدعو
إليـه ،ومـن أهـم املبـادئ التي دعـت إليهـا هـذه احلركة:
ـ أن كل البشر واملخلوقـات التي تعيش على األرض ،هي بمثابة خيوط ال
تتجـزأ من نسـيج احلياة ،وأن اإلنسـان ليس هـو العنرص الفريـد واملتفوق
واملتسـ ِّيد يف هذا الكون.
ـ أن التحقيـق الـذايت الـذي يسـعى البشر إىل احتـكاره ألنفسـهم ،إنما هو
26
ً
وبـدل مـن ذلـك أو إضافـ ًة لـه ينبغـي أن رضب مـن األنانيـة والتسـلط،
حيققـوا الـذات اإليكولوجيـة التـي تضـم اإلنسـان ،وبيئتـه احليوانيـة
والنباتيـة ،وبقيـة املكونـات التـي تضمـن وجـوده واسـتدامته.
ـ أن اإلنسـان الـذي يعيش ببسـاطة يف بيئة وديعة ،وآمنة ،ونظيفة ،يسـتطيع
حتقيـق ذاتـه أفضـل مـن إنسـان غني يعيـش وسـط بيئـة ملوثـة ،ومهددة
باالنقـراض ألحيائها ،والنضـوب لثرواهتا.
ومـن البيئيين مـن يبالـغ يف دعوتـه إىل تعظيـم مكانـة الطبيعـة والبيئة
عىل اإلنسـان ،ونذكـر منهـم جيمـس لوفلـوك ( )James Lovelockالذي
جسما ح ًّيـا وديناميك ًّيـا ،ولـه خصائـص التكيـف ،وأن ً يعتبر األرض
الطبيعـة ُخلقـت لتحافـظ على نقائهـا وحياهتـا ،وليـس هدفهـا األسـايس
تلبيـة احتياجـات البشر .وعلى اإلنسـان أن يكـون منص ًفـا وعقالن ًّيـا إزاء
املخلوقـات والكائنـات غير احليـة إن أراد إدامـة حياتـه وحتقيـق ذاتـه.
وسـيتناول الفصـل اخلامـس أبعـاد التنمية البيئية املسـتدامة باملزيـد من هذه
النظريـات والتطبيقـات.
27
وسـوء اسـتغالهلا لصالح األكثر غنًـى يف املجتمعات املتقدمـة ،وألصحاب
الشركات العمالقـة؛ فكانـت عوائدهـا احلقيقيـة أدنى بكثري من خسـائرها
املاديـة والبرشيـة لسـكان القـارات ولنظامها احليـوي واملكاين.
وللتدليـل على ذلـك الفشـل املصاحـب للتنميـة غير املسـتدامة ،فإن
أدبيـات علماء االجتماع ومنظـري االسـتدامة والتقارير الدوليـة أصبحت
تسـتذكر وتُذكِّـر بأعـداد املحرومين مـن امليـاه الصاحلـة للشرب ،ومـن
الغـذاء الـذي يسـد الرمـق ،ومـن املسـاكن الالئقـة للعيـش ،ومعانـاة
العاطلين عـن العمـل ،واملهاجريـن واملغرتبين بح ًثـا عنـه ،والراقديـن يف
السـجون واملستشـفيات ،إمـا بسـبب احلـروب والنزاعـات ،وإمـا بسـبب
الكـوارث والفيضانـات ،إضافـة إىل تزايـد أعـداد املصابين باألمـراض
والوفيـات مـن األطفـال والنسـاء والشـيوخ ،وتـدين معـدالت أعامرهـم.
وتقـارن هـذه التقارير دخول املهمشين واألقليـات بدول اجلنـوب بام عليه
احلـال يف املجتمعـات األحسـن ً
حـال ،واألكثـر تقد ًما يف دول الشمال؛ من
أجـل تشـخيص الفجوة الشاسـعة بين الواقعني؛ لتنطلـق منه إىل مـا ينبغي
أن حتققـه التنميـة االجتامعيـة املسـتدامة (تقريـر التنميـة البرشيـة 2011م
.)WWW.Undp.otg
28
ا لشكل رقم ( )2أبعاد التنمية االجتامعية العاملية املستدامة
العدالة واإلنصاف
إعداد الباحث.
خاصا
ليـس غري ًبـا أن يـويل الربنامـج اإلنامئـي لألمم املتحـدة اهتام ًمـا ًّ
ً
مدخلا أساسـ ًّيا للتنميـة االجتامعيـة بالتنميـة البرشيـة املسـتدامة بوصفهـا
والبيئيـة؛ لكـون اإلنسـان هـو اهلـدف والوسـيلة .وإذا كان توفير الغـذاء
والـدواء واللبـاس واملـأوى واألمـن مـن أولوياهتـا يف الـدول املتخلفـة
والفقيرة ،فـإن غريهـا مـن الـدول سـتعمل على تطويـر التعليـم ،وتنميـة
املهـارات ،ورفـع الكفاية ،وتوسـيع فـرص املشـاركة .وقد تتجـاوز الدول
املتقدمـة هـذه االحتياجـات بح ًثـا عن إطالـة معـدل العمر ،وزيـادة فرص
السـفر والسـياحة ،ومتكين الرجـال والنسـاء مـن تقلـد الوظائـف العليـا؛
لتحقيـق الـذات ،وتوسـيع اخليـارات ،ونيـل أعلى الشـهادات العلميـة
والفنية.
29
وهكـذا تتنـوع جمـاالت التنميـة االجتامعيـة وتتـدرج مؤرشاهتـا
باسـتئصال اجلـوع املفـرط والفقـر املدقـع لـدى السـكان ،بنسـب سـنوية
حمـددة ،والقضـاء على التفـاوت بين اجلنسين يف التعليـم ،واملشـاركة
السياسـية ،وخفـض معـدالت الوفيات بين األطفال والنسـاء والشـيوخ،
واحلـد مـن معـدالت اإلصابـة بأمـراض نقـص املناعـة (اإليـدز) واملالريا
وشـلل األطفـال ،وغريهـا ،والعمـل على توفير امليـاه الصاحلـة للشرب،
واملسـاكن الصحيـة يف األحيـاء الشـعبية واملكتظـة ،ويف العشـوائيات.
وقـد أسـهم العـامل االجتامعـي واالقتصادي الباكسـتاين حمبـوب احلق
(1998-1934م) خلال مدة عمله يف البنـك الدويل (1982-1972م)،
خاصا ملديـر برنامج األمـم املتحـدة اإلنامئـي ،وقيادته
مستشـارا ًّ
ً ثـم عملـه
لفريـق يضـم أمارتيـا سـن وآخرين يف بنـاء مـؤرش التنمية البرشيـة ()HDI
حمـول االهتمام مـن املـؤرشات ً للربنامـج اإلنامئـي الـدويل (،)UNDP
االقتصاديـة ،وحسـابات الدخـل القومـي والناتـج املحلي ،إىل مـؤرشات
اجتامعيـة وإنسـانية للواقـع الـذي تعيشـه جمتمعـات العـامل الثالـث التـي
تناوهلـا يف كتابـه« :سـتار الفقـر ..خيـارات أمـام العـامل الثالث».
ونذكـر هنـا مقـوالت أمارتيـا سـن ،وحمبـوب احلـق ،وبان كـي مون؛
حيـث جـاء ذكرهـا يف التقريـر العرشيـن للتنميـة البرشيـة العامليـة لسـنة
2010م ،وهـي:
ـ إن الثـروة احلقيقيـة ليسـت قوالـب الذهب أو آبـار النفـط ،ولكنها البرش
املكافحـون؛ فهم مفتـاح النجاح.
ـ إن البشر هـم املقيـاس احلقيقـي لثـروة الـدول ،وليـس الناتـج القومـي
اإلمجـايل ،أو االسـتثامر األجنبـي املبـارش ،أو املسـاعدات الرأسمالية
للتنميـة ،بـل إهنـم البشر فقـط.
30
ـ إن التنميـة االقتصاديـة أمر مهم ورضوري ،لكـن األهم هو إتاحة الفرص
العادلـة لألفراد لكـي يعيش كل منهم حياة طويلـة ،وصحية ،ومنتجة.
ـ ولكـي يكـون اإلنسـان يف خدمـة االقتصـاد ،فـإن االقتصـاد ينبغـي أن
يكـون يف خدمـة اإلنسـان (.)Secint 50.un.org
31
وهكـذا احلال مع وجوب توافر مسـتلزمات التنمية اإلدارية املسـتدامة،
التـي متكّـن األجهـزة احلكومية واملؤسسـات العامة والشركات اخلاصة من
تعبئـة طاقاهتـا ،وإمكاناهتـا وقياداهتـا لرتمجـة ما ينبغـي أن يكـون يف الربامج
واملرشوعـات؛ ليكون واق ًعا يتعلمه املواطنون ،وتتحسـس ثامره احلكومات،
ومـن دون ذلـك لـن تكـون هلـا فرص كبيرة مـن االسـتقرار واالسـتمرار.
وقد كشـفت جتارب السـنوات العشر األخرية التي شـهدهتا بعـض أقطارنا
العربيـة كيـف كان الفسـاد اإلداري الذي يعشـعش يف الـوزارات واملنظامت
احلكوميـة املدنيـة واألمنيـة من األسـباب الرئيسـة لغضبة اجلامهير وهلبتها،
التـي أطاحـت بكل مـا تم إنجـازه وبنـاؤه عرب عقـود مضـت .فاحلكومات
التـي حتولـت مؤسسـاهتا إىل تشـغيل النـاس لتوفري لقمـة العيش ،مل تسـتطِع
توفير هـذه الفرصـة للكثرييـن؛ فأصبحـت تعـاين ضغـوط البطالـة املقنعـة
والبطالـة الرصحيـة ،ومل يعـد باإلمـكان مواصلـة هنجهـا هـذا وهـي تسـبح
يف فسـادها؛ لذلـك طرحـت هيئـة األمم املتحـدة مفهـوم احلكامنيـة ودعت
احلكومـات واإلدارات البريوقراطيـة إىل اعتامدهـا مـن أجل االسـتدامة.
5 .4التنمية التقنية واملعلوماتية املستدامة
ويف أجـواء التخلـف والرتاجـع والتدهـور التـي صاحبـت إفـرازات
التنميـة التقليديـة غير املسـتدامة يف خمتلـف نواحـي احليـاة وقطاعاهتـا ،لـن
يكـون الطريـق أمـام هنـج غير املسـتدامة مع َّبدً ا مـا مل يتـم التحـول اجلذري
والتدخـل املنهجـي والعلمـي إلحـداث التغيري اهلادف واملنشـود الـذي ينقذ
أبنـاء هذا اجليـل من نكباهتم وأزماهتـم ورصاعاهتم ،ويف الوقت نفسـه يعطي
ملطالـب واحتياجـات األجيال القادمة القدر نفسـه من االهتامم .فالشـعارات
الكبيرة حتتـاج إىل أصحـاب اإلرادات الذيـن يؤمنـون هبا .ومن املؤسـف أن
32
احلماس الـذي كان يوظفـه هـوالء فيام سـبق عبر االنقالبـات والثـورات مل
لـب أي قـدر مـن الطموحـات والشـعارات عىل مـدار العقود السـابقة. ُي ِّ
ولذلـك تتبنـى التنميـة املسـتدامة التفكير والتخطيط اإلستراتيجيني
منهجـا يف حتديـد الرؤيـة والرسـالة ودراسـة البيئـة اخلارجيـة ومـا فيها من
ً
فـرص وحتديـات ،وتشـخيص بيئتهـا الداخليـة ومـا فيهـا مـن نقـاط قـوة
علما ومعرفة،
وضعـف ،وحتقيـق هاتين املهمتني يسـتلزم مـن القائمني هبام ً
ً
مسـتقبل .ومهاراهتم وإحاطـة بام سـبق ،وما اسـتجد ،وما ُيتوقـع أن حيدث
الفنيـة ومعرفتهـم الضمنيـة والرصحيـة ال تكفي مـا مل تتكون لدهيـم قواعد
البيانـات ،وملفـات من املعلومـات ،يتم توظيفهـا عرب الربامـج والتقنيات،
ليكـون حتسـبهم واسـتعدادهم ملـا يمكـن أن يشـهده املسـتقبل أقـرب إىل
العلـم واليقين منـه إىل الشـك والظن.
إن تقنيـات اإلدارة واحلكومـات اإللكرتونيـة وحسـابات النانـو
أصبحـت اليـوم وسـتكون غـدً ا هـي السـبيل الـذي ينبغـي على التنميـة
املسـتدامة احلقة أن تسـعى إليه إن أرادت ملرشوعها املسـتدام أن يرى النور.
وقـد حـرص برنامـج األمم املتحـدة عىل تقديـم اخلدمـات املعلوماتية
والرباجميـة عبر البوابـة اإللكرتونيـة للمعلومـات والوثائـق واالتفاقـات،
املسماة إينفورميـا ،InforMEAودوائرهـا املعلوماتيـة املتخصصـة يف
خمتلـف املجـاالت وتقـدم الربامـج التدريبية وتعقـد الورش الفنيـة إلعداد
الكـوادر املتخصصـة فيهـا وتدعـو إىل احلـد مـن معـدالت األميـة املعرفية
واإللكرتونيـة وتوسـيع دائـرة التواصل االجتامعـي وتقديـم اخلدمات عرب
املؤسسـات االفرتاضيـة.
33
.5دور اجلامعات يف جعل التنمية املستدامة واق ًعا
ال شـك يف أن ملؤسسـات التعليـم العـايل املتمثلـة يف اجلامعـات،
والكليـات ،ومراكز البحوث واالستشـارات ،ومعاهـد التأهيل والتدريب،
مهم ال غنى عنه يف تنشـئة
دورا ًّ
وجمالسـها القياديـة واألكاديميـة والتنفيذية؛ ً
األبنـاء الدارسين ومتكين األسـاتذة واخلرجيين مـن التصـدي ملشـكالت
التنميـة التقليديـة وقضاياهـا التـي ثبـت عجزها وعـدم قدرهتـا عىل ضامن
االسـتدامة ملـا يقـرب مـن عرشة مليـارات مـن البرش سيعيشـون على هذا
الكوكـب بعـد عـام 2050م إن شـاء اهلل هلـذا الكوكب أن يشـهده.
فدورهـا هنـا يكـون توعو ًّيـا وتثقيف ًّيا بام رافـق النمـو والتنميـة االقتصادية
للعقـود املاضيـة مـن آثـار سـلبية ،وخماطـر برشيـة وبيئيـة .وهـذه مهمة ليسـت
سـهلة وال يسيرة؛ لكوهنـا تسـتلزم إقنـاع السـلطات واملؤسسـات بضرورة
االعتراف بأخطائهـا ،واالعتذار عـن ختبطها وارجتاهلـا .كام تتطلـب إفهام عامة
النـاس ،وخاصـة غري املتعلمني منهم ،برتك األثر السـلبي لسـلوكاهتم التعسـفية
يف حـق البيئة ،ومواردها ،وثرواهتـا املادية واحلية ،والسـتغالهلم املفرط لألرض
ومـا عليهـا ،وللبحـار وما فيهـا ،وللهواء ومـا حيتويه .وهـي نعم حباهـا اهلل من
حكرا على أبناء جيل واحـد منهم ،أو
يتعاقـب مـن األجيـال ،وينبغـي أال تكون ً
تكـون هن ًبـا ألبناء قـارة عىل حسـاب سـكان القـارات األخرى.
والـدور األهـم للجامعـات هـو أن تتحـول هـي ذاهتـا مـن طابعهـا
التقليـدي الـذي ُأنشـئت عليـه قبـل عقـود مضـت ،لتقتصر مهمتهـا على
التعليـم والتدريـس ،وإيصـال املعرفـة والعلـوم النظرية ونقلها ،ثـم العلوم
التطبيقيـة للدارسين فيهـا ،فتمنحهـم الشـهادات التـي تؤهلهـم لشـغل
الوظائـف ،وتلبيـة احتياجـات املؤسسـات العامـة واخلاصـة التـي كانـت
34
هـي ذاهتـا تعيش مراحل نشـأهتا األوىل ،وبسـاطة مهامها وأنشـطتها ،وبطء
حركتهـا وحمدوديـة كفايتهـا.
وإن جامعـات العصر تعيـش أجـواء رسيعـة التغير ،وحتيطهـا ظروف يف
غايـة التعقيد ،وتنتظرهـا حتديات وأزمات تسـتلزم البحث عن فلسـفة جديدة،
ومناهـج وأسـاليب بديلة غري التـي ألفتها أو استسـهلت احلفـاظ عليها.
ويمكـن القـول مـن دون مبالغـة :إن االسـتدامة هـي الربدايـم ،واخليـار
اإلستراتيجي األحـدث املتـاح للقيـادات اجلامعيـة إلنقاذهـا مـن واقعهـا،
ولتمكينهـا مـن أداء دورهـا الوطنـي والتنمـوي ،الـذي يبرئ ذمتها وهـي تنفق
املليـارات مـن موازناهتا ،وتشـغل اآلالف من مواطنيها ،وتسـتقبل مئات اآلالف
مـن األبناء والبنـات الذين ُت ّرجهم ،ثـم ال جتني املجتمعات ثامرهـا ،وال يتلمس
بعضا مـن نتائجهـا أو إرثها.
املواطنـون عوائدهـا ،وال تُـورث األجيـال القادمـة ً
وفكرا
ً هنجا لقيـادات اجلامعـات ،وفلسـفة
وحين تصبـح االسـتدامة ً
أثـرا يمكـن تلمسـه يف نوعيـة احليـاة
ألسـاتذهتا وطلبتهـا ،فإهنـا سـتحدث ً
البيئيـة ،سـواء لألحيـاء مـن البشر ،أو لبقيـة األحيـاء مـن املخلوقـات،
وسـيصبح االسـتثامر ،يف التعليـم بوجـه عـام ،ويف التعليـم العـايل بوجـه
خـاص ،جمز ًيـا بأبعـاده البيئيـة ،واالقتصاديـة ،واالجتامعيـة .ولكـي يصبح
ً
فاعلا ،نقـدم التوصيـات التاليـة بين أيدي هـذا الطمـوح واق ًعـا وبرناجمًـا
عاجل ال ً
آجل: ً املسـؤولني يف جامعاتنا العربيـة ،آملني أن حتظى باهتاممهـم
1ـ أن تُدخـل اجلامعات االسـتدامة ضمـن رسـالتها ،ورؤيتها ،ومؤرشات
قياس أدائهـا وتقويم خمرجاهتـا وعوائدها.
2ـ أن تكون اجلامعات ذاهتا مسـتدامة ،سـواء يف مبانيها وإنارهتا ،ووسـائل
نقلهـا ،حريصـة عىل توظيف الطاقـة البديلة ونظافـة البيئة يف حرمها.
35
3ـ أن تكـون براجمها ،ومناهجها ،وبعض كلياهتا وأقسـامها مكرسـة خلدمة
االسـتدامة بأبعادهـا االقتصاديـة ،واالجتامعيـة ،والبيئية؛ مـن أجل أن
جتعـل من األمـن والتنمية أكثر إنسـانية ،وأطول اسـتدامة.
4ـ أن يكـون أسـاتذهتا ،وموظفوهـا ،وطلبتهـا أصدقـاء ،ودعـاة ،ورعـاة
لسـلوكات االسـتدامة ،وعيونًـا سـاهرة ملراقبـة أداء احلكومـات
واملؤسسـات؛ حفا ًظـا على مبادئهـا.
5ـ االسـتفادة مـن املشروع اإلستراتيجي ملنظمـة األمـم املتحـدة للرتبيـة
والثقافـة والعلـوم (اليونيسـكو) ،الـذي أعدتـه للسـنوات العشر
األخيرة ( ،)2015-2005ومـن الدليـل اإلرشـادي لتطبيقـه.
6ـ االطلاع واحلـرص عىل املسـامهة يف مبـادرة الرشاكة العامليـة يف التعليم
يضـم أكثر من ألـف جامعة ّ العـايل ،مـن أجـل التنمية املسـتدامة ،الذي
لدمـج التنمية املسـتدامة يف اجلامعـات ،وتبني برامج التعليم املسـتدام.
7ـ ويمكـن باالسـتدامة أن تصبـح اجلامعـات خـط الدفـاع األول للتنميـة
ولألمـن املسـتدام ،وتصبـح يف مصـاف اجلامعـات الرصينـة ،ويكـون
شـباهبا وخرجيوهـا هـم العمـود الفقـري ،والقـوة الفاعلـة إلحـداث
املسـتقبل الواعـد هلـم وملـن خيلفهم.
وسـ ُيكتب ملثـل هـذه اجلامعـات التفـوق يف املسـتقبل ،وسـتغيب
جامعـات حكومية كثيرة عن السـاحة ،إن ظلت تدور يف حلقاهتـا املفرغة،
ومل تكتشـف الطاقـات الكامنـة والعقول املتوقـدة لدى أسـاتذهتا وطلبتها.
وهاهـي اجلامعـات اخلاصة تنتظـر الفرصة لتحـل حملها ،وهذا ما ال ننشـده
وال نتمناه ،فعسـى أن تكون مناشـدتنا هذه شـمعة مسـتدامة تيضء الدرب
لقيـادات جامعاتنـا العربيـة وألبنائهـا وبناهتا الدارسين واخلرجيين فيها.
36
املراجــع:
إيفانـز ،روبـرت (2011م) .شـحن مسـتقبلنا بالطاقـة ..مدخـل إىل الطاقة
املسـتدامة ،ترمجـة :فيصـل حـردان .الريـاض :مدينـة امللـك عبـد
العزيـز للعلـوم والتقنية.
بـاري هجـز ،وإيفـان بلربانـد (2008م) .اكتشـاف املسـتقبل العاملـي
وصياغتـه.ترمجـة:هنـدتركـيالسـديري،الريـاض:مكتبـةالعبيـكان.
برنامـج األمـم املتحدة اإلنامئي ،التقرير السـنوي لعام 2011م ،االسـتدامة
واإلنصاف.
تقارير التنمية البرشية للربنامج اإلنامئي لألمم املتحدة2013 ،م.
دومينيـك دوكورسـيل (2011م) .العوملة املتنوعة من أجـل مقاربة متعددة
الثقافـات يف اإلدارة ،ترمجـة :حممد خير البقاعي .الريـاض :جامعة
امللك سـعود.
سـعيدي ،حييـى؛ وشـنبي ،حوريـة (2010م) .نظريـات التنمية املسـتدامة
جامعـة املسـبلة يف 2012/11/12م.Google. Com.sa .
37
حمبـوب احلق (1977م) .سـتار الفقر :خيـارات أمام العـامل الثالث ،ترمجة:
أمحـد فـؤاد بليغ ،القاهـرة :اهليئة املرصية العامـة للكتاب.
معلا ،وائـل (2012م) .التعليـم العـايل وعقـد التعليـم مـن أجـل التنمية
املسـتدامة ،جريـدة الوطـن السـعودية يف 2012/4/8م.
منظمـة األمـم املتحـدة للرتبية والثقافـة والعلـوم (اليونيسـكو) التفكري من
أجـل التنميـة املسـتدامة للعقـد 2014-2005مUnesco.org. .
.eh
Filho,w.l (2009) Sustainability at universities: opportunities,
challenges and Trends.
Filho,w.l.(ed) (2012) sustainable Development at universities:
New Horizons.
38
الفصل الثاين
التنمية املستدامة من منظور إسالمي
املقدمة
ٍ
منظور يتنـاول الفصـل الثـاين مـن هـذا الكتـاب «التنميـة املسـتدامة مـن
إسلامي» ،وذلـك من خلال اسـتقراء اآليات القرآنيـة ،واألحاديـث النبوية،
واآلثـار الرشعيـة املتضمنـة األبعاد البيئيـة ،واالقتصاديـة ،واالجتامعيـة ،التي
تعـدُّ مـن أهم املحاور الرئيسـة ملصطلـح التنمية املسـتدامة يف الوقـت املعارص،
ً
طويلا يف تركيزها ونتيجـة لآلثـار السـلبية للتنميـة التقليديـة التـي اسـتمرت
على اجلانـب االقتصـادي مـن دون مراعـاة للبعديـن اإلنسـاين والبيئـي ،مـا
حـدا باألمـم املتحـدة إىل أن تسـتصحب البعدين اإلنسـاين والبيئـي يف براجمها
التنمويـة لتفـي بحاجـات األجيال احلارضة مـن دون اإلرضار بقـدرة األجيال
القادمـة على تلبيـة حاجاهتـا ،وهو مـا يسـمى «التنمية املسـتدامة».
متأخـرا ،يعدُّ اعرتا ًفا ضمن ًّيا باملفهوم اإلسلامي
ً إن هـذا املفهـوم ،الذي جاء
للتنمية املسـتدامة التي أكدهتا الرشيعة اإلسلامية بمبادئها وأحكامها.
إن موقـف اإلسلام من البيئـة موقف إجيايب يقـوم عىل البنـاء والعامرة
يها﴾ ِ ـأك ُْم ِمـ َن ْالَ ْر ِ
ـو َأن َْش َ
اسـ َت ْع َم َرك ُْم ف َ
ض َو ْ ﴿...ه َ
ُ من جهة ،قــال تعـاىل:
(هـود )61:كام يقوم عىل احلامية ومنــع الفسـاد من جهة أخـرى قال تعاىل:
ض َب ْعـدَ إِ ْص َل ِح َها﴾(األعـراف ،)56 :ممـا يدلل عىل ﴿و َل ُت ْف ِسـدُ وا ِف ْالَ ْر ِ
َ
صالحيــة هـذا الديـن احلنيف لـكل زمـان ومكان؛ لذلك سـيتناول هــذا
منظور إسلامي من خلال الرتكيز ٍ الفصـل مفهـوم التنميـة املسـتدامة مـن
عىل املحـاور التالية:
ـ مفهوم التنمية املستدامة من منظور إسالمي.
41
ـ البعد البيئي ودوره يف التنمية املستدامة من منظور إسالمي.
ـ البعد االقتصادي ودوره يف التنمية املستدامة من منظور إسالمي.
ـ البعد االجتامعي ودوره يف التنمية املستدامة من منظور إسالمي.
ـ أهم الفروقات بني التنمية املستدامة من املنظورين الغريب واإلسالمي.
42
باحلث على التنمية ،بـل جعلها مرتبطـة باجلانب ِّ يكتـف الديـن اإلسلامي
ض ِمـ ْن َب ْع ِد ِه ْم ُـم َخ َل ِئ َ
ف ِف ْالَ ْر ِ األخــروي ،كام قال تعـاىلُ ﴿ :ث َّم َج َع ْلنَاك ْ
ـون﴾ (يونس .)14 :إهنا تنمية أخالقيـة ،روحية ،تعبدية، لِنَنْ ُظ َـر َك ْي َ
ف َت ْع َم ُل َ
هتـدف إىل تنميـة اإلنسـان وتكوينـه ،بوصفـه نـواة األسـاس ملجتمـع يركّز
على الرقي احلضـاري واملادي من منطلق االسـتخالف والعمارة (دراجي،
يتبين أن مفهـوم التنميـة املسـتدامة يف اإلسلام أكثـر 2012م) .ومـن هنـا ّ
شـمول ،بـل إنـه أكثـر إلزا ًمـا مـن املفهـوم الذي تـم تبنيـه يف أجنـدة القرن ً
احلـادي والعرشيـن ،املنبثقـة عن قمـة «ريو».
إن النظرة اإلسلامية الشـاملة للتنمية املسـتدامة تُوجب أال تتـم هذه التنمية
بمعـزل عـن الضوابـط الدينيـة واألخالقيـة؛ ألن هـذه الضوابط هـي التي حتول
دون أي جتـاوزات تُفقـد التنميـة املسـتدامة مبررات اسـتمرارها .وقـد حدثنـا
بحظ من التقـدم املـادي ،ولكنها مل حتفظ القـرآن الكريـم عن أمم سـابقة أخـذت ٍّ
النعمـة بالشـكر ،ومل تواكـب قوهتـا املاديـة طاعـة هلل وإقامـة منهجـه يف األرض؛
ُغـن عنهـا قوهتـا ورخاؤهـا املـادي مـن اهلل شـي ًئا، ممـا كان سـب ًبا يف هالكهـا ،ومل ت ِ
ـم ِف ْالَ ْر ِ ٍ ِ ِ ِ
ض َما َـم َأ ْه َل ْكنَا م ْن َق ْبل ِه ْم مـ ْن َق ْرن َم َّكن َُّاه ْ
يقـول اهلل تعـاىلَ ﴿ :أ َل ْ َي َر ْوا ك ْ
ـار َ ْت ِري ِمـ ْن َ ْتتِ ِه ْم َل نُمكِّـن َلكُـم و َأرسـ ْلنَا السَّماء َع َلي ِه ِ
ـم مـدْ َر ًارا َو َج َع ْلنَا ْالَ ْنَ َ َ َ ْ ْ ْ َ ْ ْ َ ْ َ
آخ ِري َن﴾ (األنعـام .)6 :فالذين ِ ِ ِ
ـم َق ْرنًـا َـم َو َأن َْش ْـأنَا مـ ْن َب ْعده ْ ُوبِ ْـم بِ ُذن ِ
َف َأ ْه َل ْكن َُاه ْ
عصـوا اهلل ومل يسيروا عىل هنجـه ،ومل يراعوا البعـد الروحي يف التنميـة؛ أهلكهم
اهلل رغـم مـا كانـوا يتمتعون بـه مـن التنمية (شـبع2010 ،م).
وهكـذا ،فـإن مهمـة التنمية املسـتدامة يف املنظـور اإلسلامي تتم ّثل يف
ً
ومسـتقبل ،سـواء أكانت ماديـة أم روحية، توفير متطلبـات البرشيـة حال ًّيا
حـق اإلنسـان يف كل عصر ومصر يف أن يكون لـه نصيب من بما يف ذلـك ّ
43
التنميـة اخلُلقيـة ،والثقافية ،واالجتامعيـة .وهذا ُبعد مهم ختتلـف فيه التنمية
املسـتدامة يف املنظـور اإلسلامي عـن التنمية املسـتدامة يف النظـم واألفكار
األخـرى؛ ألنـه يعتمـد على مبـدأ التـوازن واالعتـدال يف حتقيـق متطلبات
اجلنـس البشري بشـكل يتفـق مع طبيعـة اخللقـة اإلهلية هلـذا الكائن.
وقـد متيـزت التنميـة املسـتدامة يف اإلسلام بمفهـوم خـاص لـه مميزاتـه،
أبرزهـا :املنطلـق اإليماين واإلرادة احلضاريـة؛ ولذلك نُعتـت التنمية املسـتدامة
مـن وجهـة نظـر إسلامية بأهنـا «عمليـة متعـددة األبعـاد ،تعمـل على التوازن
بين أبعـاد التنميـة االقتصاديـة واالجتامعيـة من جهـة ،والبعـد البيئـي من جهة
أخـرى» ،وهتـدف إىل االسـتغالل األمثـل للمـوارد واألنشـطة البرشيـة القائمة
عليهـا مـن منظـور إسلامي ،يؤكـد أن اإلنسـان مسـتخلف يف األرض ،ويلتزم
يف تنميتهـا بأحـكام القرآن والسـنة؛ اسـتجابة حلاجات احلـارض دون إهدار حق
ً
وصـول إىل االرتفـاع باجلوانـب الكميـة والنوعيـة للبرش. األجيـال الالحقـة،
والقـول بأن املجتمع املسـلم جمتمـع ترتاجع فيه القيم النفعيـة والدنيوية
لصالـح القيـم األخرويـة ال يعنـي أن هذا املجتمـع يزهد يف الكفـاءة وجيحد
فرق بين الغايات والوسـائل النمـو ،غايـة مـا يف األمـر أن املجتمع املسـلم ُي ّ
بوضـوح؛ فهـو جمتمـع يسـتهلك ليعيـش ،ال يعيـش ليسـتهلك ،لكـن
االسـتهالك الوظيفـي بذاتـه يصبـح فريضـة وتكلي ًفـا رشع ًّيـا متواف ًقـا مـع
ُـم ِف ْالَ ْر ِ
ض ُم ْسـ َت َق ٌّر ﴿...و َلك ْ
َ مقاصـد الترشيـع يف حفظ الوجود اإلنسـاين
ين﴾ (البقـرة.)36 : َـاع إِ َ ٰل ِح ٍ
َو َمت ٌ
ويف ظـل اهلويـة اإلسلامية ،فـإن اإلنسـان هـو غايـة التنميـة قبـل أن
يكـون وسـيلتها ،وال معنى ألي نمو يتجاهل البعدين اإلنسـاين واالجتامعي
(اجلريـوي2012 ،م).
44
ومـن خصائـص التنميـة املسـتدامة مـن املنظور اإلسلامي (كما يرى
دراجـي2012 ،م):
1 .1الشمولية
إن املنظـور اإلسلامي ال يعـرف الفصـل بين مـا هـو مـادي ومـا هـو
روحـي؛ إذ ال يمكـن معاجلة قضايا التنميـة بعيدً ا عن التوجهـات العقائدية،
فلا ُيعقـل أن حتـدث تنميـة تضمن حريـة التعبير ،وال تضمن لقمـة العيش
للفقـراء (النظام الرأسمايل) ،وال تنمية تضمن اخلبز للفقـراء واملعوزين ،وال
تضمـن حرية التفكير واملبـادرة (النظام االشتراكي)؛ بل إن مبدأ الشـمول
يضمـن حتقيـق احلاجـات الرضوريـة املاديـة مـن مـأكل وملبـس ومسـكن
وصحـة وترفيـه ،والعمـل ،وحريـة التعبير ،وكذا ممارسـة الشـعائر الدينية؛
وبالتـايل فـإن منطلقـات التنمية ترتبـط ارتبا ًطا وثي ًقـا باملنطلقـات العقائدية.
2 .1التوازن
إن التنمية مــن املنظور اإلسالمــي حت ّقق التوازن بني اجلوانــب املادية
االقتصادية واجلوانــب الروحية العقائدية واألخالقية من جهــة ،والتوازن
يف املتطلبــات بني القطاعــات االقتصادية نفسها مــن جهــة أخــرى ،فال
ننمـي املـدن على
ننمـي قطا ًعـا على حسـاب قطـاع آخــر ،أو ِّ يمكـن أن ِّ
حســاب القــرى واألريــاف؛ إذ يغــطي االسـتثامر األنشطة الرضوريــة
للمجتمــع كافــة ،كما ال يمكـن أن نقدّ م الكامليــات أو التحسينــات عىل
الرضوريـات أو احلاجيـات.
3 .1العدالة
ترتكـز التنميـة عىل مبدأ حتقـق العدالة ،واحلريـة ،واملسـاواة ،والتكافل
االجتامعـي .فهي تضمـن حدّ الكفاية لكل فرد من املجتمع حسـب حاجاته،
45
إال يف الظـروف االسـتثنائية ،كام حترص على حتقيق العدالـة يف التوزيع ،وفق
آليـات تضمـن حقوق الفقير والغني عىل حدٍّ سـواء ،من خالل آليـة الزكاة،
واخلـراج ،والعشر ،واجلزيـة؛ مما يعنـي أنه ال يوجـد يف املجتمع جائـع ،وإن
ُوجد فيتـم التكفل به بشـكل مالئم.
4 .1الكفاية
على عكـس النظريات االقتصاديـة لألنظمـة االقتصاديـة الوضعية ،التي
تنطلـق مـن أن املشـكلة االقتصاديـة تتم ّثـل يف نـدرة املـوارد املحـدودة ،وعدم
كفايتهـا لتلبية حاجات اإلنسـان غري املتناهيـة؛ للوصول إىل كيفية ترشـيد هذه
املـوارد لتلبيـة تلـك احلاجـات ،فـإن االقتصـاد اإلسلامي يـرى أنـه ال يوجد
ـم َسالش ْ ـخ َر َلك ُُم َّ ﴿و َس َّ تناقـض بني املـوارد وكفاية احلاجـات ،كام قال تعاىلَ :
ـخ َر َلك ُُم ال َّل ْي َـل َوالن ََّه َار﴿َ ﴾33وآتَاك ُْم ِم ْن ك ُِّل َما َس َـأ ْلت ُُمو ُه َوا ْل َق َم َـر َد ِائ َب ْ ِ
يَ و َس َّ
ـار﴾ (إبراهيم،3٣ : ـان َل َظ ُلو ٌم َك َّف ٌ وهـا إِ َّن ْ ِ
الن َْس َ ـت اهلل َل ُ ْت ُص َ َوإِ ْن َت ُعـدُّ وا نِ ْع َم َ
)3٤وتكمن املشـكلة يف انحراف سـلوك اإلنسـان نفسـه يف ترصفاته ،وانعدام
إرادتـه احلضاريـة ،وفسـاد نظامـه ،سـواء مـن حيـث ضعـف اإلنتاج أو سـوء
التوزيـع؛ لـذا جـاءت رضورة تنمية اإلنتـاج مع عدالـة التوزيع.
5 .1اإلنسانية
تسـعى التنميـة مـن املنظـور اإلسلامي إىل رفاهيـة املجتمع ،وإسـعاد
اإلنسـان ،وحتريـره مـن االسـتغالل ،وتكريمـه ،فاإلنسـان مل ُيلـق ليكون
مهـه األكل والشرب والربح ...إلـخ ،مثلام تتضمنـه أيديولوجيات األنظمة
االقتصاديـة األخـرى؛ إنما ُخلـق لتأديـة رسـالة ربانيـة يقـوم هبـا يف هـذا
بحـق خليفـة اهلل يف أرضه.
ٍّ الكـون ،ويكـون
46
كما يؤسـس اإلسلام نظرتـه للتنميـة املسـتدامة مـن خلال املبـادئ
واملنطلقـات العامـة التاليـة (منظمـة اإليسيسـكو2014 ،م):
وحدة الكون
كثيرا مـن آيـات القـرآن الكريم تشير إىل وحدة الكـون ،الذي هو ً إن
ُصنـع خالق واحـد ،أي أن عنـارصه متداخلة ومتشـابكة .واإلنسـان الذي
هـو مـن خلـق اهلل ،ال يمكن أن ُيسـتثنى من هـذه الوحدة .فعندما يشير اهلل
سـبحانه وتعـاىل إىل اخللـق ،فإنه يشير إليه مـن خالل السـموات واألرض
ومـا بينهما ،ويعنـي هـذا أن اخللق عبـارة عـن وحـدة متكاملة ومتناسـقة،
تعمل حسـب نسـق متوازن ،يقول سـبحانه وتعاىل﴿ :مـا َخ َل ْقنَا السَّماو ِ
ات َ َ َ
ـمى( ﴾...األحقاف .)3 :وعندما َو ْالَ ْر َض َو َمـا َب ْين َُه َما إِلَّ بِ ْ
الَ ِّق َو َأ َج ٍل ُم َس ًّ
تـم اختيار مبـدأ «وحدة الكـون» ،بوصفـه أول مبـدأ للتنمية املسـتدامة من
منظـور إسلامي ،كان هـذا يعنـي أن اإلنسـان عندمـا يريـد أن يتعامـل مع
جزأها عىل البيئـة ،فـإن عليه أن يعدّ هـا وحدة مرتابطـة األجزاء .وحتـى إن ّ
مسـتوى التفكير ليتعـرف عليهـا ،فعملـه داخلها ينبغـي أن يكـون متطاب ًقا
مـع الشـمولية ،ومبن ًّيا على احرتامها.
امليزان
ُيقصـد بامليزان ذلك الوضع الوسـط الذي يسـود بين مكونات الكون،
والـذي بفضلـه تعمـل هـذه املكونـات وتتفاعـل ،وتقـوم بينهـا عالقـات
متوازنـة .وامليزان هو تفـادي اإلرساف ،واإلفراط ،والتجـاوز يف التعامل مع
البيئـة؛ حيـث إنـه ال سـبيل للحيـاة إذا مل يكـن هناك تـوازن يف نظـام الرتابط
البيئـي .وإذا تغـاىض اإلنسـان عـن وحـدة الكـون ،وجتـاوز الفطـرة ،وختلى
عـن أمانة االسـتخالف؛ فإنه ُّ
خيـل بامليزان الـذي جعله اهلل ضامنًا السـتمرار
47
احليـاة يف هـذا الكـون .وامليزان هنا ينبغـي أال يدركه الناس فقـط بمعنى وزن
األشـياء املاديـة .فـكل نشـاط أو فعل يقـوم بـه اإلنسـان للتعامل مـع البيئة،
ينبغـي أن يكـون موزونًـا؛ ليتالءم مـع هذه البيئـة ،يقول اهلل سـبحانه وتعاىل:
ان﴾ (الشـورى.)17 : ـق َوا ْلِ َيز َ َاب بِ ْ
الَ ِّ ِ ﴿اهلل ا َّل ِ
ـذي َأن َ
ْـز َل ا ْلكت َ
املقدار
ش ٍء َخ َل ْقنَـا ُه بِ َقـدَ ٍر﴾ (القمـر: ِ
يقـول اهلل سـبحانه وتعـاىل﴿ :إنَّـا ك َُّل َ ْ
،)49أي أن اهلل عـز وجـل عندمـا خلـق مكونـات الكـون ،فإنـه راعـى يف
خلقهـا الكـم والكيـف؛ ضامنًـا للتـوازن والتناسـق ،ويعنـي هـذا أن هـذه
املكونـات تتواجـد يف البيئـة حسـب كميـات متفاوتـة ،وأشـكال خمتلفـة.
تنوع اخللق
ُّ
وكلما تنوعـت أشـكال احليـاة؛ كانـت للنظـم البيئيـة قـدرة عالية عىل
جـراء تدخل اإلنسـان؛ مقاومـة التغيرات التـي حتـدث هبـا طبيع ًّيا أو مـن َّ
تنـوع اخللق وسـيلة للحفـاظ عىل وضع هـذه النظـم البيئية ويعنـي هـذا أن ُّ
الفطـري ،أي على توازهنـا الطبيعـي .وهنـا ال بـد مـن اإلشـارة إىل أن مبدأ
املقـدار ال يمكـن فصله عـن مبدأ تنـوع اخللق؛ إذ ال تـوازن بيئ ًّيا مـن دونه،
تنـوع اخللـق؛ ازدادت فـرص حتقيـق تـوازن بيئي مسـتمر .وقـد و ّفر فكلما ّ
اهلل سـبحانه وتعـاىل هـذه الفـرص يف الكـون ظاهـرة وباطنـة ،يقـول اهلل
اج ُك َّل َهـا ِمَّـا ُتنْبِ ُ
ـت ْالَ ْر ُض ـق ْالَ ْز َو َ
ان ا َّل ِ
ـذي َخ َل َ ﴿سـ ْب َح َ
سـبحانه وتعـاىلُ :
ـون﴾ (يس.)36 : ـه ْم َو ِمَّـا َل َي ْع َل ُم َ
َو ِمـ ْن َأ ْن ُف ِس ِ
عامرة األرض
نفسـه سـيدً ا على األرض؛ عليـه تذكـر أن ُ
اإلنسـان َ عين ً
بـدل مـن أن ُي ِّ
فضله
اهلل اسـتخلفه عليهـا ليقـوم بعامرهتـا وصيانتهـا ،والدليـل عىل ذلك أنـه ّ
48
وزوده بالعقـل والـذكاء والفطنـة ،ليقـوم هبـذه على كثير مـن املخلوقـاتّ ،
سـخر مـا أويت مـن العلـم ألداء مهمة املهمـة أحسـن قيـام .عليـه كذلـك أن ُي ِّ
االسـتخالف ،ولضامن اسـتمرار حـق االنتفاع من خيرات األرض له ولغريه
مـن األجيـال اآلتيـة ،غير أن هـذا االسـتمرار ُيتّـم عليـه أن يعمـر األرض
ـم َج َع ْلنَاك ْ
ُـم ويرعاهـا كما أمـره اهلل بذلـك ،يقـول اهلل سـبحانه وتعـاىلُ ﴿ :ث َّ
ـون﴾ (يونـس.)14 : ـم لِنَنْ ُظ َـر َك ْي َ
ـف َت ْع َم ُل َ ِ ِ ـف ِف ْالَر ِ ِ
ض مـ ْن َب ْعده ْ ْ َخ َل ِئ َ
التسبيح
وذلـك أن اهلل سـبحانه وتعـاىل أنـاط بمخلوقاتـه مهام معينـة .وعندما
يكـون الكائـن منهمـكًا يف أداء هذه املهـام ،فإنه يف الوقت نفسـه ينفع نفسـه
وينفـع الكائنـات األخـرى .وعندمـا يـؤدي الكائـن مهامـه ،فإنـه خيضـع
﴿و َما َخ َل ْقنَا الس َ
َّما َء خلالقـه الذي أناط بـه املهام ،يقول اهلل سـبحانه وتعـاىلَ :
ين﴾ (األنبيـاء .)16 :وعىل اإلنسـان أن يعي هذه َو ْالَ ْر َض َو َمـا َب ْين َُه َما َل ِعبِ َ
ينضـم إىل املسـبحني هلل؛ وذلـك ألداء مهمـة االسـتخالف ّ احلقيقـة ،وأن
أحسـن أداء .إن التسـبيح هـو اخلضـوع هلل ،واخلضوع هلل ال يمكـن أن يكون
خضو ًعـا إال إذا أدى إىل تطبيـق مـا أمـره اهلل به .وتطبيق أوامـر اهلل يقتيض أال
يفصل اإلنسـان نفسـه عـن البيئـة ،وأال يطغى ويسـتبدّ يف تعاملـه معها ،قال
ض( ﴾...اجلمعة ،)1 :وقال ات َو َمـا ِف ْالَ ْر ِ تعاىل﴿ :يسـبح هلل ما ِف السَّماو ِ
َ َ ُ َ ِّ ُ َ
يح ُه ْم﴾...ون ت َْسـبِ َ ش ٍء إِلَّ ُي َسـ ِّب ُح بِ َح ْم ِد ِه َو َٰل ِكـ ْن َل َت ْف َق ُه َ تعـاىلِ ِ :
﴿وإ ْن مـ ْن َ ْ َ
(اإلرساء.)44 :
يكتـف اإلسلام يف نظرته لبيئة اإلنسـان واسـتدامتها هبـذه املبادئ ِ ومل
حـذر مـن بعـض السـلوكات والترصفات، واملنطلقـات العامـة فقـط ،بـل َّ
ملموسـا وتطبيقـات يقـع فيها اإلنسـان حتت تأثري
ً منهجـا واقع ًّيـا
ً بوصفهـا
شـهواته املختلفـة؛ لـذا مل ُيغفـل الديـن هـذه اجلوانـب املهمـة واإلجرائيـة
49
والتطبيقيـة لتحقيـق االسـتدامة ،التـي تتم ّثـل يف مقاومـة خطريـن مهمين
(احلصين2012 ،م) مهـا:
1ـ إهدار املوارد :وهو ما ُيشكّل عائ ًقا أمام نموها أو محايتها
يطلـق القـرآن على إهـدار املـوارد لفظـة «إرساف» ،ومـا يرادفهـا من
األلفـاظ ،وقـد وردت لفظـة اإلرساف ومـا اشـتق منهـا يف جمـال التحذيـر
﴿...و َل
َ منـه يف ثالثـة وعرشيـن موض ًعـا مـن القـرآن ،مثـل قولـه تعـاىل:
﴿وا َّل ِذي َن ني﴾ (األنعـام ،)141 :وقوله تعـاىلَ : سفِ َ ـب ا ُْل ْ ِ ِ
ُس ُفـوا إِنَّـ ُه َل ُي ُّ تِْ
ـك َق َوا ًمـا﴾ (الفرقـان.)67 : ين َٰذلِ َ تروا َوك َ
َان َب ْ َ س ُفـوا َو َل ْ َي ْق ُ ُإِ َذا َأ ْن َف ُقـوا َل ُي ْ ِ
ْ
أمـا التحذيـر يف القـرآن مـن اإلرساف وذمـه بما يـرادف لفظـة اإلرساف،
﴿و َل َ ْت َع ْل َيـدَ َك َم ْغ ُلو َلـ ًة إِ َ ٰل
فلا تـكاد مواضعه ُتصى ،مثل قولـه تعـاىلَ :
ِ ُعن ُِق َ
ـورا﴾ (اإلرساء.)29 : ـك َو َل َت ْب ُسـ ْط َها ك َُّل ا ْل َب ْسـط َف َت ْق ُعـدَ َم ُلو ًمـا َم ْ ُس ً
2ـ تدمري املوارد بعد أن تُتاح هلا فرصة الوجود والنمو
ويسـميه القـرآن الكريـم اإلفسـاد ،وقـد ورد ذ ّم الفسـاد والتحذير منه
يف مخسين موض ًعـا مـن القـرآن ،مثـل قولـه تعـاىلَ ﴿ :ظ َه َـر ا ْل َف َسـا ُد ِف ا ْل َ ِّ
ب
ُلَّم
َّـاس﴾ (الـروم ،)41 :وقوله تعـاىل...﴿ :ك َ ـر بِ َما ك ََسـ َب ْت َأ ْي ِدي الن ِ َوا ْل َب ْح ِ
ِ َارا لِ ْل َح ْـر ِ
ب َأ ْط َف َأ َها اهللَُ ۚ و َي ْسـ َع ْو َن ِف ْالَ ْر ِ
ب ض َف َسـا ًدا ۚ واهللُ َل ُي ُّ َأ ْو َقـدُ وا ن ً
ـدي َن﴾ (املائدة.)64 : ا ُْل ْف ِس ِ
50
يترصف
ـ قاعـدة «الضرر ُيـزال» :وتعنـي أن لكل فـرد كامل احلريـة يف أن ّ
فيما يملكـه إذا انعـدم الضرر ،فـإذا حـدث الضرر للغير ،فلـويل األمر
احلـق يف التدخـل ،واختـاذ كل مـا مـن شـأنه أن حيـول دون وقـوع الرضر
ّ
الذي قـد يلحـق بمكونـات البيئة.
ـ قاعـدة «درء املفاسـد مقـدّ م عىل جلـب املصالح» :فإذا كان اسـتغالل موارد
البيئـة لتحقيـق منفعـة ذاتية ومؤقتة سـوف يتسـ ّبب يف اإلرضار هبـذه املوارد
وإفسـادها ،ويتسـ ّبب يف اسـتنزافها ،فال يسـمح بذلك؛ إذن فإن منع الرضر
والفسـاد جيـب أن ُيقدّ م على أي منفعة ناجتـة عن اسـتغالل البيئة.
ـ قاعـدة «الرضر ُيـزال بقدر اإلمكان» (ال سـيام الضرر الفاحش) :ولوالة
رضرا يف البيئـة بإزالـة األرضار الناجتة
األمـر احلـق يف إجبـار مـن حيـدث ً
عـن أعامهلم.
ـ قاعـدة «الضرر ال ُيزال بضرر مثله» :فإذا تسـاوى الرضر الذي يلحـق بالبيئة
بالضرر الـذي ينتـج منه حرمـان صاحب حق امللكيـة ملرشو ٍع ما من اسـتعامل
حقـه؛ فإنـه ال جيـوز إلزالـة الرضر الـذي يلحق بالبيئـة حرمـان صاحب احلق
مـن اسـتعامل حقـه .وإذا كان هنـاك مصـدر لتلويث اهلـواء يف منطقـة معينة ـ
مثلا ـ فلا ُيزال املصنع ل ُينشـأ مكانـه حمرقة للنفايـات ً
مثل. مصنـع ً
ـ قاعـدة «الضرر األشـد ُيزال باألخـف» :حينام تتعارض املصالـح املتعلقة
وتتفـرع منهـا قاعدتان
ّ بالبيئـة مـع مصالـح الفـرد ،تُط ّبق هـذه القاعـدة،
و«يتار
«حتمـل الضرر اخلـاص لدفـع الضرر العـام»ُ ، أخريـان ،ومهـاّ :
أهـون الرشيـن أو أخـف الرضرين».
ـ قاعـدة «املوازنـة بين املصالـح» :وتعنـي هـذه القاعـدة أن املصالـح إذا
تعـددت وتعارضـت؛ فإنـه ُيعمل بالرتجيـح بينهـا ،وتغليب األهـم منها
على مـا دوهنا.
51
حـق ويل األمر وقـف بعض ـ قاعـدة «مـا جـاز بعـذر بطـل بزوالـه» :مـن ّ
األعمال إذا كان رضرهـا على بيئـة اإلنسـان أكثر مـن نفعهـا ،وإذا كانت
اجلامعـة حتتـاج إىل األعمال التـي يرتتـب عليهـا رضر ،فإن حاجتهـا تنزل
منزلـة الضرورة يف إباحـة املحظور ،على أن ُيدفع الرضر بقـدر اإلمكان،
وأن تُقـدّ ر الضرورة بقدرهـا ،وبمجـرد زوال احلاجـة إىل تلـك األعامل،
فعلى ويل األمـر وقفهـا؛ ألن مـا جاز بعـذر بطـل بزواله.
ـ قاعـدة «مـا يـؤدي إىل حرام فهو حـرام» :يقع حتـت طائلة احلـرام هنا كل
يضر النـاس والبيئة.
ّ ما
ـ قاعـدة «مـا ال يتـم الواجـب إال به فهو واجـب» :فإذا كان مـن مقتضيات
احلـدّ من التلـوث يف بلد ما ،رضورة اسـتصدار مرسـوم ،أو وضع معايري
ُتـدّ د مواصفـات التلـوث؛ فإن ذلـك يعدُّ واج ًبـا؛ ألن الواجـب األصيل
هو محايـة البيئة.
52
1 .2مظاهر عناية اإلسالم باإلنسان بوصفه أهم عنرص يف البيئة
اعتنـى اإلسلام باإلنسـان عنايـة فائقـة وأسـبغ عليـه النعـم الظاهـرة
والباطنـة التـي حتدّ ثـت هبـا اآليـات القرآنيـة الكريمـة ،ودعـت إليهـا
األحاديـث النبويـة الرشيفـة؛ ومـن صـور عناية اإلسلام باإلنسـان ما ييل:
ـ رفـع منزلتـه وتكريمـه على كثير ممـن خلـق ،قـال تعـاىلَ ﴿:و َل َقـدْ ك ََّر ْمنَا
ِ ـر ور َز ْقنَاه ِ َبنِـي آ َد َم َو َ َ
ـم مـ َن ال َّط ِّي َبـات َو َف َّض ْلن ُ
َاه ْم ُ ْ بر َوا ْل َب ْح ِ َ َ ـم ِف ا ْل َ ِّ
َاه ْح ْلن ُ
يلا﴾ (اإلرساء .)70 : ير ِم َّ ْن َخ َل ْقنَـا َت ْف ِض ً
لى كَثِ ٍ
َع َ ٰ
ـ تسـخري ما يف الكون ألجله :فقد سـخر اهلل تعاىل لإلنسـان ما يف السموات
ومـا يف األرض لينتفـع ويتمتـع بـه ،وتقـوم بـه مصاحله ،ويسـتعني به عىل
ـخر َلكُـم ما ِف السَّماو ِ
ات َو َما َ َ ْ َ عبـادة اهلل ..قـال تعـاىلَ ﴿:أ َل ْ ت ََر ْوا َأ َّن اهللَ َس َّ َ
اه َـر ًة َو َباطِنَ ًة﴾ (لقامن.)20 : ض و َأسـب َغ َع َليكُـم نِعمه َظ ِ
ْ ْ ََُ ِف ْالَ ْر ِ َ ْ َ
ـك لِ ْلم َل ِئك ِ ﴿وإِ ْذ َق َ
َـة ـال َر ُّب َ َ ـ اسـتخالف اإلنسـان يف األرض ،قـال تعـاىلَ :
ـف ُك ض َخ ِلي َفـ ًةَ قا ُلـوا َأ َ ْتع ُـل فِيها من ي ْف ِسـدُ فِيها ويس ِ اع ٌـل ِف ْالَ ْر ِ إِنِّ ج ِ
َ ََْ َ َ ْ ُ َ َ
ِ
ون﴾ الدِّ َمـا َء َون َْح ُن ن َُسـ ِّب ُح بِ َح ْمـد َك َو ُن َقدِّ ُس َل َكَ ق َال إِنِّ َأ ْع َل ُ
ـم َما َل َت ْع َل ُم َ
(البقـرة .)30 :وهـذه اخلالفة يف األرض يرتتب عليها مسـئولية جسـيمة،
قال رسول اهلل ﷺ« :إن الدنيـا حلوة خضـرة ،وإن اهلل مستخلفكـم فيهـا،
فناظــر مــاذا تعملــون» .وقــال تعالــىَ ﴿ :ف ُك ُلوا ِمَّا َر َز َقك ُُم اهللُ َح َل ًل
ُـم إِ َّيا ُه َت ْع ُبـدُ َ ِ
ون﴾ (النحل.)114 : َط ِّي ًبـا َو ْاشـك ُُروا ن ْع َم َت اهلل إِ ْن ُكنْت ْ
ـ حفـظ حقوقـه :جـاءت الرشيعة اإلسلامية بحفـظ حقوق اإلنسـان كافة
فمـن حقـه أن يعيـش حيـا ًة آمنـ ًة مطمئنـ ًة ،وهلـذا َح َّـرم اهلل االعتـداء عىل
ِ
ـس ا َّلتـي َح َّـر َم اهللُ إِلَّ بِ ْ َ
ال ِّق﴾ ﴿...و َل َت ْق ُت ُلـوا النَّ ْف َ
َ النفـس ،قـال تعـاىل:
(األنعـام ،)151 :كام حرم اإلسلام عىل اإلنسـان أن يقتل نفسـه بنفسـه،
َان بِك ُْم َر ِح ًيم﴾ (النسـاء)29 : ﴿و َل َت ْق ُت ُلوا َأ ْن ُف َسـك ُْم إِ َّن اهللَ ك َ
قـال تعـاىلَ :
53
وأكـدت الرشيعة اإلسلامية حفـظ الضرورات اخلمس ،وهـي :الدين،
والنفـس ،والعقل ،والعـرض ،واملال.
ـ تأكيـد طهـارة اإلنسـان :اهتم اإلسلام اهتام ًما بال ًغـا بأمر الطهـارة ،ملا هلا
مـن أثر عظيم على صحة األفراد واملجتمعات وسلامة األبدان ونضارهتا
واعتبر الطهـور نصـف اإليمان ..قـال الرسـول ﷺ« :الطهـور شـطر
اإليمان» .أخرجـه مسـلم برقـم ،223فهـي عنـوان املؤمنني ،وسـمة من
يب التَّوابِ َ ِ ِ
ـب ا ُْل َت َط ِّه ِري َن﴾ين َو ُي ُّ سمات املسـلمني ،قال تعـاىل﴿ :إِ َّن اهللَ ُ ُّ َّ
(البقـرة ،)222 :وجعـل الطهارة رش ًطـا لصحة الصالة .قـال اهلل تعاىل:
ُـم َو َأ ْي ِد َيك ُْم
وهك ْ
﴿يـا َأ ـا ا َّل ِذين آمنُـوا إِ َذا ُقمتُـم إِ َل الص َ ِ ِ
َّلة َفا ْغسـ ُلوا ُو ُج َ ْ ْ َ َ َ يُّ َ
ينَ وإِ ْن ُكنْت ُْم ُجنُ ًباُـم إِ َل ا ْل َك ْع َب ْ ِ ِ ِ
إِ َل ا َْل َراف ِ
ـحوا بِ ُر ُءوسـك ُْم َو َأ ْر ُج َلك ْ
ـق َوا ْم َس ُ
َفا َّط َّه ُـروا﴾ (املائـدة .)6 :كما اهتم اإلسلام بطهـارة امللبس ،قـال تعاىل:
ـك َف َط ِّه ْـر﴾ (املدثـر )4 :وطهـارة املـكان ،قال رسـول اهلل ﷺ يف ﴿وثِ َيا َب َ
َ
ـجال من مـاء» (أخرجـه البخاري بـول األعـرايب« :أهريقـوا على بوله َس ْ
برقـم .)6128 ،220
ـ عنايـة اإلسلام بصحـة اإلنسـان :اعتنـى اإلسلام عنايـة كبيرة بصحـة
اإلنسـان ،وسـن له الترشيعـات والقواعـد التي حتقـق له حيـاة خالية من
األمـراض والعـدوى بـإذن اهلل ،فجعـل مبـدأ الوقايـة قبـل العلاج أو ما
ـد». ـذو ِم فِرار َك ِمن األَس ِ املج ُ ِ ِ
َ َ َ َ يسـمى الطـب الوقائـي لقوله ﷺ« :ف َّـر م َن ْ
أخرجه ابن أيب َشـ ْي َبة ( ،)132/8كام أمر الرسـول ﷺ بالتـداوي بالقرآن
الكريـم؛ لقولـه ﷺ لعثمان بـن العـاص« :ضـع يـدك على الـذي يؤملك
وقـل :باسـم اهلل ثال ًثـا ،وقـل سـب ًعا :أعـوذ بعـزة اهلل وقدرتـه مـن رش ما
أجـد وأحـاذر» (أخرجـه مسـلم برقـم .)2203وجيـوز كذلـك التداوي
بغير القـرآن مـن الوسـائل املرشوعة؛ لقـول الرسـول ﷺ« :تـداووا فإن
54
اهلل تعـاىل مل يضـع دا ًء إال وضـع لـه دوا ًء ،إال داء واحـد :اهلـرم» .أخرجه
أمحد برقـم .17986
ـ االهتامم بجامل اإلنسـان وحسـن مظهره :فقد أباح اإلسلام للمسـلم الظهور
باملظهـر احلسـن اجلميل يف ملبسـه وهندامه أمـام اآلخرين وخلق اهلل سـبحانه
الزينـة وكل مـا حتصـل بـه املتعـة مـن لبـاس مباح ،قـال تعـاىلَ ﴿ :يـا َبنِـي آ َد َم
يشـا﴾ (األعـراف ،)26 :كام أمر ـوآتِك ُْم َو ِر ً
اسـا ُي َو ِاري َس ْ
َقـدْ َأن َْز ْلنَـا َع َليك ِ
ُـم ل َب ً
ْ ْ
ِ ِ
بأخـذ الزينة عنـد أداء الصالة قال تعـاىلَ ﴿ :يا َبنـي آ َد َم ُخ ُذوا ِزينَ َتك ْ
ُـم عنْدَ ك ُِّل
ين﴾ (األعراف.)31 : سفِ َ ـب ا ُْل ْ ِ ِ
ُس ُفوا إِ َّن ُه َل ُي ُّ
اش ُبـوا َو َل ت ْ ِ ٍِ
َم ْسـجد َو ُك ُلـوا َو ْ َ
2 .2مظاهر عناية اإلسالم بالثروة احليوانية
مهم من املـوارد الغذائيـة ومنافع متنوعة، متثـل الثروة احليوانية مـور ًدا ًّ
ـع َو ِمن َْهـا ت َْأ ُك ُل َ
ـون﴾ ِ ُـم فِ َيهـا ِد ْ
ف ٌء َو َمنَاف ُ تعاىل﴿ :و ْالَ ْن َعـا َم َخ َل َق َهـاَ لك ْ
َ قـال
(النحـل )5 :وقـد أكَّـدت الرشيعـة اإلسلامية املحافظـة عليهـا بأسـاليب
شـتى من الرتغيـب والرتهيب ،ومن صور عناية اإلسلام باحليـوان ماييل:
املحافظة عليه من اهلالك
ِ
عليـه الع َط ُش ٍ
بطريق اشـتدَّ رجل يمشي حلديـث الرسـول ﷺ« :بينما ٌ
ـث ُ
يأكل ال َّث َـرى م َن يله ُ
فإذا كلب َ
ٌ خـرج
َ ثم فنـزل فيها ِ
فشر َب َّ بئـرا َ
فوجـدَ ً
مثـل ا َّلذي َ
كان العطش ُ ِ هذا الكلب مـ َن
َ الر ُج ُـل :لقد َ
بلـغ ـشَ ،
فقـال َّ الع َط ِ
فشـكر اهلل ل ُه فسقى الكلب فنـزل البئر فملأ خ َّفه ثم أمسـكه ِ
بفيـه َ بلـغ ِب.
َ
َ َ َ ُ ُ َ
كل فقـال« :يف ِّ
أجرا؟! َ وإن لنـا يف البهائ ِم ً َ
رسـول اهللَّ .. فغفـر لـ ُه» .قالوا :يا
َ
ٍ ٍ ِ
أجر» (البخـاري .)6009 :كما ورد يف العنايـة به ما ييل: ذات كبِـد رطبـة ٌ
55
اإلحسان إليه حتى حال ذبحه
لقـول رسـول اهلل ﷺ« :إن اهلل كتـب اإلحسـان على كل يشء ،فـإذا
قتلتـم فأحسـنوا القتلـة ،وإذا ذبحتـم فأحسـنوا الذبحـةَ ،و ْل ُي ِحـدَّ أحدكـم
وليرح ذبيحتـه» (مسـلم.)1955 : شـفرته ُ ِ
حرمة دم احليوان
فـدم احليـوان مصـون إال مـا أحـل اهلل ذبحـه ألكلـه ،أو قتلـه ألذيته،
فإنـه مـن اإلتلاف املحظـور واملنكر رش ًعـا :قتـل احليوانات التـي ال تؤذي
لغير غـرض أو مصلحة مقصـودة ،فقـد ُروي عن رسـول اهلل ﷺ أنه قال:
عصفـورا عب ًثا عـج (صـاح) إىل اهلل يـوم القيامة ،يقـول :يا رب،
ً «مـن قتـل
إن فالنًـا قتلنـي عب ًثـا ،ومل يقتلنـي ملنفعة»( .أمحـد.)18976 :
ال جيوز تعذيب احليوان
غرضا» (مسـلم:
لقـول رسـول اهلل ﷺ« :ال تتخـذوا شـي ًئا فيه الـروح ً
.)1957
حيرم حبس احليوان والتضييق عليه
ففـي الصحيحين أن امـرأة دخلـت النـار يف هـرة حبسـتها ،ال هـي
أطعمتهـا وال هـي تركتهـا تـأكل مـن خشـاش األرض .وقد ذهـب مجهور
الفقهـاء إىل وجـوب اإلنفـاق على البهائـم اململوكـة ،وذلـك بـأن يعلفهـا
ِ
تكتـف باملرعى وجـب عليه إضافة مـا يكفيها من مالكهـا ويسـقيها ،وإن مل
العلـف واملـاء ،كما ذهب مجهـور الفقهـاء إىل أن مـداواة البهائـم وعالجها
مـن األمـور املطلوبـة رش ًعا؛ ألن ذلـك يعد من بـاب الرمحة باحليـوان ومن
حفـظ املال.
56
عدم إرهاقه يف العمل
لقول رسـول اهلل ﷺ لصاحب اجلمل الذي اشـتكى إىل الرسـول ﷺ:
«أمـا تتقـي اهلل يف هـذه البهيمـة التـي ملككهـا اهلل؟! إنـه اشـتكى إ َّيل أنـك
جتيعـه وتدئبـه ـ أي تتعبه» (أمحـد.)189/3 :
استخدامه فيام ُخلق له
ً
رجلا كان يسـوق بقـر ًة قـد محـل عليهـا ،فالتفتـت ويف الصحيـح أن
إليـه البقـرة فقالـت :إين مل ُأخلـق هلـذا ،ولكني إنما خلقت للحـرث .فقال
النـاس :سـبحان اهلل ،أبقـرة تك ّلـم؟ فقـال رسـول اهلل ﷺ« :وإين أومـن به
وأبوبكـر وعمـر» (مسـلم.)2388 :
احرتام مشاعر احليوان
إن اإلسلام راعـى حـق األمومـة عنـد احليـوان ،فعـن ابن مسـعود ـ
ريض اهلل عنـه ـ قـال :كنّـا مـع رسـول اهلل ﷺ يف سـفر ،فانطلـق حلاجتـه،
فرأينـا محـر ًة معهـا فرخـان ،فأخذنـا فرخيهـا ،فجـاءت احلمـرة فجعلـت
تعـرش ،فجـاء النبـي ﷺ فقـال« :مـن فجـع هـذه بولدهـا؟ ردوا ولدهـا ّ
إليهـا» (أبـوداود()5268 :حمـروس2011 ،م).
3. 2مظاهر عناية اإلسالم بالثروة النباتية
تقـوم النباتات بخدمة اإلنسـان واملخلوقات األخـرى ،وتؤدي دورها
يف عمارة هـذا العـامل ،وهلـذا وردت األحاديـث يف السـنة النبويـة حا َّثة عىل
الـزرع والغـرس ،ورتبـت األجر على كل أنـواع االنتفاع احلاصلـة من هذا
الـزرع ،ومن صـور عناية اإلسلام بالثـروة النباتيـة ما ييل:
57
احلفاظ عىل النبات بكل أنواعه
مـن خلال العمـل على اسـتصالح األرض؛ لقولـه ﷺ« :مـن أحيـا
أرضـا ميتـ ًة فهـي لـه» (الرتمـذي.)1379 :
ً
تكثيره بالغـرس :قـال ﷺ« :مـا من مسـلم يغـرس غرسـا إال كان ما
أكل منـه لـه صدقـة ،ومـا رسق منـه له صدقـة ،وما أكل السـبع منـه فهو له
صدقـة ،ومـا أكلت الطير فهو له صدقـة ،وال يرزؤه ـ أي ينقصـه ـ أحد إال
كان لـه صدقة»( .مسـلم.)1552 :
عدم االعتداء عليه
ال جيـوز إتالفـه وإهالكـه وال قطعـه إال لضرورة أو حاجـة أو منفعـة
ض لِ ُي ْف ِسـدَ
﴿وإِ َذا ت ََولَّ ٰ َسـ َع ٰى ِف ْالَ ْر ِ
مـن دون إرساف أو تبذيـر .قال تعاىلَ :
ِ فِ َيهـا َو ُ ْي ِل َ
ـب ا ْل َف َسـا َد﴾ (البقرة.)205 : ث َوالن َّْس َـلَ واهللُ َل ُي ُّ ـك ْ َ
ال ْر َ
وقـد كان مـن وصايـا اخلليفة أيب بكـر الصديق ـ ريض اهلل عنـه ـ النهي
عـن تقطيع الشـجر وتغريق النخيـل وحتريقها.
58
ـ املحافظـة عليـه من النجاسـات ،عن أيب هريـرة ريض اهلل عنه أن النبيﷺ
قـال« :ال يبو َلـن أحدُ كـم يف ِ
املـاء الدائم ،الـذي ال جيري ،ثم يغتسـل فيه» َّ
(البخاري.)239 :
ٌ
رجـل يميش، ـ ترتيـب األجـر عىل سـقيا املـاء ،قـال رسـول اهلل ﷺ« :بينا
ٍ
بكلب بئرا فشرب منها ،ثم خـرج فإذا هـو ُ
العطـش ،فنـزل ً فاشـتد عليـه
ِ
العطـش ،فقـال :لقـد بلغ هـذا مثل الـذي بلغ يلهـث ،يـأكل الثـرى مـن
الكلـب ،فشـكر اهللُ
َ يب ،فملأ ُخ َّفـه ثـم أمسـكه بفيـه ،ثـم رقـي فسـقى
أجـرا؟! قـال:
لـه فغفـر لـه» .قالـوا :يـا رسـول اهلل ،وإن لنا يف البهائـم ً
رطبة أجـر» (البخـاري.)2363 : ٍ «يف كل ٍ
كبد ِّ
وممـا سـبق ،يتبني حرص اإلسلام على توجيـه اإلنسـان يف تعامله مع
امليـاه يف املحافظـة عليهـا وعـدم تلويثهـا واإلرساف يف اسـتخدامها ،وهبذا
فقـد سـبق املؤمتـرات واالتفاقيـات الدوليـة للمحافظة على املياه.
59
وعـن األجـر العظيـم يف نظافـة األماكـن العامـة ،قـال رسـول اهلل
أعمال ُأمتـي ،حسـنُها وسـي ُئها ،فوجـدْ ُت يف ِ
حماس ِ ﷺُ « :ع ِر َض ْ
ـن َ ِّ َ ُ َّ ـت َ َّ
علي
ِ
أعاملـا النُّخامـ َة ِ
مسـاوئ ووجـدْ ُت يف األذى عن ال َّط ِ
ِ ِ
ريق َ أعاملا إماطـة
املسـج ِد ال تُد َفـ ُن» (ابـن حبـان.)1641 :
ِ ُ
تكـون يف
وعـن النهـي عـن التعدي على املرافـق العامـة ،قـال النبـي ﷺَ « :من
ني» (البخـاري.)2453 : ن األرضُ ط ِّو َقه ِمـن سـب ِع َأ َر ِض َ
ِ شبر ِ م
ٍ ـم ِقيدَ
ظ َل َ
وهـذه األحاديـث الرشيفـة التـي مجعـت بين الرتغيـب والرتهيـب،
دليـل على حـرص اإلسلام على املحافظة على األماكـن العامة مهما تغري
الزمـان واملكان.
6 .2مظاهر عناية اإلسالم بتوفري اهلدوء والسكينة
لقد سـبق اإلسلام مجيع احلضـارات يف توجيه اإلنسـان حلسـن اخللق
والـذوق العام واحرتام مشـاعر اآلخرين يف املحافظة عىل اهلدوء والسـكينة
العامـة ،يتضح ذلك مـن خالل األدلـة التالية:
ـ حـرص النبـي ﷺ على توجيـه أصحابـه إىل السـكينة يف مجيـع أحواهلـم،
ف ُأسـام َة ِ
أمرهم بالسـكينة و َأ ْر َد َ رسـول اهللِ ﷺ مـن عرفـ َة ُ فعندمـا أفـاض
ِ ِ ٍ
فإن ِ َّ
البر ليس والوقارَّ ، ..عليكم بالسـكينة الناس
بـ َن زيـد وقـال« :يـا ُّأيـا ُ
رأيت ناق ًة رافعـ ًة يدَ ها عادي ًة حتـى ْ
بلغت مج ًعا»، واخليـل ،فام ُِ ِ
اإلبل ِ
بإجيـاف
الناس
يقـول« :يا أهيـا ُ ُ عبـاس مـن مجـ ٍع إىل ِمنى وهو
ٍ َ
الفضـل بـ َن ثـم َأ ْر َد َ
ف
ِ ِ
ِ
واخليـل ،فما ِ
اإلبـل بإجيـاف البر ليـس فـإن ِ َّ
..عليكم بالسـكينة والوقارَّ ِ،
بلغـت ِمنى» (مسـند أمحـد.)4/140 : ْ رأيـت ناقـ ًة رافعـ ًة يدَ ها عاديـ ًة حتى
ُ
ـ هنـى اإلسلام عـن كل مـا مـن شـأنه إحـداث الضجيـج والضوضـاء
والصخـب ،وأمـر بعـدم رفـع األصـوات فـوق القـدر املعتاد؛ ملـا يرتتب
60
ٍ
مبـارش أو ٍ
وتلويث وإخلال براحتهـم، ٍ ٍ
إيـذاء لآلخريـن، على ذلك مـن
مبـارش لصفـو حياهتـم .وقـد جـاء األمـر بذلـك يف قولـه تعـاىل﴿ : ٍ غير
ات َل َص ْو ُت ـض ِم ْن َص ْوتِ َ
ـك إِ َّن َأ ْنكَـر ْالَصـو ِ َوا ْق ِصـدْ ِف َم ْش ِـي َك َوا ْغ ُض ْ
ْ َ َ
ير﴾ (لقمان.)19 : ال ِم ِ
َْ
ـ النهـي عـن رفـع األصـوات ولـو كانـت عبـادة ،حلديـث أيب موسـى
ٍ
سـفر ،فكنـا إذا علونـا ك ََّبنـا، األشـعري أنـه قـالُ :كنَّـا مـع النبـي ﷺ يف
أصم وال غائ ًبـا ،تدعون «اربعوا على أنفسـكم ،فإنكم ال تدعـون َّ فقـالْ :
بصيرا قري ًبـا» (البخـاري.)7386 :ً سـمي ًعا
7 .2مظاهر عناية اإلسالم باحلفاظ عىل البيئة الطبيعية
يتمثـل اهتمام اإلسلام يف املحافظـة على البيئـة الطبيعيـة مـن خلال
األدلـة الرشعيـة التـي توجـه النـاس إىل كيفيـة التعامـل معهـا ،ومـن صور
ذ لك :
ـ سـبق اإلسلام يف طرح مفهـوم املحميـات الطبيعية؛ لقول الرسـول ﷺ:
حرتيها، أحرم املدينـة ،حرام ما بين ّ وإن ّ حـرم مكـةّ ، إن إبراهيـم ّ «اللهـم ّ
ّ
ومحاهـا ك ّلـه ،ال خيتلى خالهـا (ال يقطـع نباهتـا) ،وال ين ّفـر صيدهـا ،وال
تلتقـط لقطتهـا إال ملـن أشـار هبـا ،وال تقطـع منهـا شـجرة ،إال أن يعلف
رجـل بعريه ،وال حيمل فيها السلاح لقتـال( »...أخرجه أمحد يف املسـند،
.)119/1
ـ حرمـة صيـد احليوانـات الربية عىل املحـرم؛ لقوله تعـاىلَ ﴿ :يا َأيُّ َـا ا َّل ِذي َن
ُـم ُم َت َع ِّمدً ا َف َج َـزا ٌء ِم ْث ُل ِ
الص ْيـدَ َو َأ ْنت ُْم ُح ُر ٌمَ و َمـ ْن َق َت َل ُه منْك ْ
آ َمنُـوا َل َت ْق ُت ُلـوا َّ
تعاىل...﴿ :و ُح ِّـر َم َع َل ْيك ْ
ُـم َ َـل ِمـ َن النَّ َعـ ِم﴾ (املائـدة .)95 :وقـال َمـا َقت َ
ِ ِ ِ
ون﴾ (املائدة.)96 : شر َ ُـم ُح ُر ًماَ وا َّت ُقـوا اهللَ ا َّلذي إ َل ْيـه ُ ْت َ ُ َص ْيـدُ ا ْل َ ِّ
بر َما ُد ْمت ْ
61
ويف هـذه األدلـة توجيهـات تربويـة للمسـلم للمحافظـة على البيئـة
الطبيعيـة مراعـا ًة للمصلحـة العامـة.
62
ون ﴿َ ﴾٢٧٥ي ْم َح ُق ـم فِ َيها َخالِـدُ َ اب الن َِّارُ ه ْ ـك َأ ْص َح ُ اهللَِ و َمـ ْن َعـا َد َف ُأو َٰل ِئ َ
ار َأثِيـ ٍم ﴿ ﴾٢٧٦إِ َّن ا َّل ِذي َن ـب ك َُّل َك َّف ٍ ِ
الصدَ َقاتَ واهللُ َل ُي ُّ
ِ
الر َبـا َو ُي ْـر ِب َّ اهللُ ِّ
ـم ِعنْدَ ـات َو َأ َقا ُمـوا الص َ ال ِ ِ ِ
الـزكَا َة َل ُ ْم َأ ْج ُر ُه ْ َّلا َة َوآت َُوا َّ الص َ آ َمنُـوا َو َعم ُلـوا َّ
ُـون ﴿َ ﴾٢٧٧يا َأيُّ َا ا َّل ِذيـ َن آ َمنُوا ا َّت ُقوا ي َزن َ ف َع َل ْي ِه ْم َو َل ُه ْم َ ْ ـو ٌ ـم َو َل َخ ْ َربِّ ِ ْ
ني ﴿َ ﴾٢٧٨فـإِ ْن َل ْ َت ْف َع ُلوا َف ْأ َذنُوا ُـم ُم ْؤ ِمنِ َ الر َبا إِ ْن ُكنْت ْ
ـي مـ َن ِّ
اهللَ و َذروا مـا ب ِق ِ
َ ُ َ َ َ
ُـم َل َت ْظ ِل ُم َ ِ ِ ِ بِحـر ٍ ِ
ون َو َل وس َأ ْم َوالك ْ ُـم ُر ُء ُ ب مـ َن اهللِ َو َر ُسـولهَ وإِ ْن ُت ْبت ُْم َف َلك ْ َ ْ
سرةَ و َأ ْن ت ََصدَّ ُقوا َخ ْ ٌي ٍ ِ ِ ٍ ـون ﴿َ ﴾٢٧٩وإِ ْن ك َ ُت ْظ َل ُم َ
سرة َفنَظ َـر ٌة إ َ ٰل َم ْي َ َ َان ُذو ُع ْ َ
ون﴾ (البقـرة ٢٧٥ :ـ .)٢٨٠ ُـم َت ْع َل ُم َ ُـم إِ ْن ُكنْت ْ
َلك ْ
ويعـود سـبب حتريـم القـرآن الكريـم للربـا بجميـع أنواعـه إىل اآلثار
االقتصاديـة التـي يرتكهـا؛ حيـث إنه يـؤدي إىل:
ـ انتشـار الطبقيـة بسـبب متركـز رؤوس األمـوال بيد فئـة قليلة مـن الناس،
وحرمـان الفئـة األخرى.
ـ ُيسـهم الربـا يف انتشـار البطالـة ،فأصحـاب األمـوال يفضلـون عـدم
اخلـوض يف االسـتثامر احلقيقـي الـذي يتم ّيز بعنصر املخاطـرة؛ مما ينقص
مـن الطلـب على العمـل؛ فتنتشر البطالـة.
ـ حمق األموال ،كام ذكرت اآلية الكريمة سالفة الذكر.
ـ حـرب اهلل ،وهـذا مـا حيصـل فعل ًّيـا للنظـام النقـدي الرأسمايل القائم عىل
الربـا مـن أزمـات اقتصاديـة ومالية ،مل جيـدوا هلا ًّ
حلا إىل يومنـا هذا.
ب ـ حتريم االكتناز
تعاىل...﴿:وا َّل ِذيـ َن َيكْنِ ُز َ
ون َ حـرم اإلسلام االكتناز مـن خلال قولـه ّ
ِ
اب َأليـ ٍم﴾ ـم بِ َع َ
ـذ ٍ ونَـا ِف َسـبِ ِ ِ ِ
يل اهللِ َف َبشِّ ْ ُه ْ ـب َوا ْلف َّضـ َة َو َل ُينْف ُق َ َّ
الذ َه َ
(التوبـة .)34:وقـد جاء حتريـم االكتنـاز يف االقتصاد اإلسلامي؛ ملا له من
63
أرضار على الوظائف احلقيقيـة للنقود؛ حيث إن الركـود االقتصادي الناتج
عـن االكتنـاز يـؤدي إىل تغيير القيمـة احلقيقيـة للنقـود؛ ممـا ّ
خيـل بوظيفتها
بوصفهـا أداة للمدفوعـات اآلجلة ،كما أن االكتناز يـؤدي إىل زيادة الطلب
على النقود ،بسـبب قلـة عرضها وترسهبـا خـارج عملية اإلنتـاج احلقيقي؛
األمـر الـذي يـؤدي إىل اإلخالل بوظيفتهـا باعتبارهـا وسـي ًطا للتبادل.
سـهل على السـلطة النقدية معرفـة كميات وعليـه ،فتحريـم االكتناز ُي ّ
سـهل عمليـة تقديـر اإلضافـات الالزمـة؛
املتداولـة يف السـوق ،و ُي ّ
َ النقـود
للمحافظـة على اسـتقرار مسـتوى األسـعار ،ومـن َث َّ
ـم احلفـاظ على قيمة
ا لعملة .
ج ـ نظام املشاركة بوصفه ً
بديل لنظام الفائدة
يقـوم النشـاط االقتصـادي يف اإلسلام على املشـاركة بين رأس املال
يتحمـل كل مـن صاحـب املـال واملن ّظـم نتيجـة النشـاط
ّ والعمـل ،بحيـث
ّ
يتحملان خماطـر ربحـا أو خسـارة؛ ممـا يعنـي أهنما
القائـم ،فقـد تكـون ً
االسـتثامر (طبايبيـة ،كشـيتي2013 ،م).
د ـ إسهامات الزكاة يف التنمية املستدامة
لفريضـة الـزكاة تأثري كبري على حتقيق التنميـة االقتصاديـة ،وذلك من
خالل النقـاط التالية:
ـ القضـاء على البطالـة وتوفري فـرص العمل :فمـن بني وظائـف الزكاة يف
املجتمـع املسـلم :متكين الفقري مـن إغناء نفسـه بنفسـه ،بحيـث يكون له
مصـدر دخل ثابـت يغنيـه عن طلب املسـاعدة.
ـ حتفيـز االسـتثامر :إن إعطـاء الفـرد حقـه مـن الـزكاة سـيجعله يقـوم
64
باسـتهالكها عـن طريـق الشراء؛ ممـا ُيسـهم يف حتريـك عجلـة االقتصاد
الوطنـي ،فبمجـرد قيـام هـذا الفـرد بالشراء ،فإنـه سـيزيد الطلـب على
السـلع املطلوبـة ،األمـر الـذي يـؤدي إىل زيـادة اإلنتـاج.
ـ حتفيـز االسـتهالك :إن زيـادة حجم مـوارد الزكاة وتطورهـا ُيدثان حركة
توازنيـة إجيابيـة بني العرض الـكيل والطلب الكيل؛ حيث إنـه كلام تطورت
العوائـد واملداخيـل مـن الـزكاة ،تنامت القـدرة الرشائيـة ،وأدت إىل زيادة
الطلب الكيل الذي ُيسـهم يف تنشـيط العـرض الكيل للسـلع واخلدمات.
ـ ضبـط التضخـم :خت ّفـف الـزكاة مـن التضخـم يف حالـة زيـادة الطلـب
على العـرض؛ حيـث تكون النقـود املتاحـة داخـل املجتمع أكبر من قيم
السـلع واخلدمـات املعروضـة (الصديـق2012 ،م).
هـ ـ إسهامات الوقف يف التنمية املستدامة
ابتـدأ الوقـف بإرشـاد النبـي ﷺ عمر بن اخلطـاب عندما استشـاره يف
الصدقـة بـأرض ذكـر أهنـا أثمن مـا يملك ،فأشـار عليـه بأن حيبـس أصلها
ويتصـدق بغ َّلتهـا ،ومـن ذلـك الوقـت ظـل املسـلمون يتسـابقون يف وقف
األصـول لتلبي حاجـات األجيال يف جمـاالت وابتكارات متعـددة .ويتمثل
دور الوقـف يف اجلانـب االقتصـادي من خلال النواحـي التالية:
• السـلوك االدخـاري :عالقـة الوقـف باالدخار واضحة مـن جهة إطالقه
على معنى احلبـس ،ومنع العين املوقوفة عن أنشـطة التبادل يف السـوق.
ويف هـذا السـياق ُيقصـد باالدخـار حفـظ األمـوال املوقوفـة ،وختزينها،
وحجزها عـن عمليـات التداول.
• توزيـع الغلـة :يعمـل الوقـف على إعـادة توزيع الدخـل بين الطبقات؛
ممـا يـؤدي إىل عدم حبسـها ٍ
بأيد حمـدودة ،فعندمـا يويص الواقـف بتوزيع
65
غلـة موقوفاتـه على جهـة مـن اجلهـات ،فـإن هـذا يكـون بمثابـة عملية
إلعـادة توزيـع املـال على اجلهـات املسـتفيدة ،وعـدم اسـتئثار املالك به.
• البنيـة التحتيـة لالقتصـاد :يسـاعد الوقـف على حتسين البنيـة التحتيـة
لالقتصـاد ،مثـل إنشـاء الطـرق ،وبنـاء اجلسـور ،وحفر اآلبار .وحتسين
مثل هـذه البنية التحتيـة وتطويرها يسـاعدان عىل هتيئة الظروف املناسـبة
لزيـادة حجـم االسـتثامر املحلي واخلارجي .ويـؤدي االسـتثامر إىل زيادة
اإلنتـاج ،وبالتـايل زيـادة الصـادرات؛ ممـا قـد يعمـل على حتسين امليزان
التجـاري للدولـة ،كما أن تدفق أموال أجنبية هبدف االسـتثامر ُيسـهم يف
حتسين ميـزان املدفوعات.
• توفير القـروض وتسـهيلها :قـد ُيسـهم الوقـف يف توفير القـروض
للزراعـة ،والتمويـل باملضاربة لبعـض النشـاطات التجاريـة والزراعية؛
مما ُيسـاعد عىل توسـيع قاعدة النشـاط االقتصـادي وتشـجيع القطاعات
االقتصاديـة املختلفـة ،وهـذا بـدوره يدفـع عجلـة النمو االقتصـادي إىل
األمـام ،ويعمـل على اسـتحداث فـرص عمـل جديـدة؛ ممـا ُيقلـل مـن
معـدالت البطالة.
• متويـل املـدارس والكليات :إن متويـل املدارس والكليـات ومراكز العلم
مـن أمـوال الوقـف يعـدّ بمثابـة اسـتثامر يف رأس املـال البشري ،ال تقل
أمهيتـه عن االسـتثامر يف رأس املـال املادي.
• التأمين :يعمـل الوقـف عىل تأمني جزء مـن رأس املـال اإلنتاجي ،فوقف
ً
شـكل مـن أشـكال رأس املال املـادي الالزم املـدارس ودور العلـم يعدُّ
إلنتـاج خمرجات العمليـة التعليمية.
• التخفيـف على احلكومـات :تعمـل املشـاركة بالوقـف مـن ِقبـل أثريـاء
األمـة على تقليل األعبـاء امللقاة على عاتـق احلكومات ،وجتعـل األفراد
66
أكثـر اسـتعدا ًدا للمشـاركة الفعالـة يف تبنـي مهـوم املجتمـع ،والتخفيف
مـن االتكالية الشـائعة لـدى الناس باالعتماد عىل جهـود احلكومة فقط.
وكل ذلـك يـؤدي إىل ختفيـف العـبء املل َقـى على عاتـق احلكومـات؛
وبالتـايل إىل ختفيـف العجـز يف املوازنـة العامـة ،والتقليـل مـن املديونيـة
الداخليـة واخلارجيـة لتلـك الدول.
• اسـتحداث مصـادر دخـل :يعمـل الوقـف على إجيـاد مصـادر دخـل
للفقـراء ،واملسـاكني ،والعاجزيـن عـن العمـل ،واألرامـل ،واأليتـام،
وغريهـم ..ممـا يغطـي حاجاهتـم األساسـية ،ويـؤدي هـذا إىل حتسين
مسـتوى املعيشـة هلـذه الفئـات مـن املجتمع؛ ممـا قد يزيـد مـن إنتاجيتهم
االقتصاديـة.
• تقديـم اإلعانـات :يعـدُّ كثير مـن أعمال اخلير التـي تـؤدي إىل تقديـم
إعانـات مبـارشة أو غير مبـارشة للفقـراء ،كالـزكاة والصدقـات ً
مثلا؛
بمثابـة عمليـة إلعـادة توزيـع الدخـل ،أو عملية إلعـادة توزيـع الثروة،
بين فئـات املجتمـع ،وهـذا بـدوره يعمـل على ختفيـف الفجـوة بين
ادخـارا إىل
ً الطبقـات ،وحتويـل جـزء مـن األمـوال مـن الفئـات األكثـر
الفئـات األكثـر اسـتهالكًا ،وهـذا يف حـدّ ذاته يدعـم النمـو االقتصادي
مـن خلال مضاعفـة االسـتهالك.
• زيـادة حجـم الناتـج املحليُ :يسـهم الوقـف يف حتويـل جزء مـن الدخل
مـن الفئـات القـادرة إىل الفئـات املحتاجـة ،كما أن ذلك يـؤدي إىل زيادة
حجـم الطلـب الكيل عىل خمتلـف أنواع السـلع واخلدمـات يف االقتصاد،
وهـذا بـدوره يسـاعد على زيـادة حجـم الناتج املحلي اإلمجـايل للدولة؛
كـون االسـتهالك يم ّثـل مكونًا مـن املكونـات الرئيسـة للدخـل القومي
(اجلريـوي2012 ،م).
67
و ـ نظام اخلراج
واجهـت املسـلمني يف وقـت مبكـر قضيـة التصرف يف األرض ،وهل
ُـوزع ملكيات خاصة بني املسـلمني ..وانقسـم
تبقـى على امللك العـام ،أم ت ّ
املسـلمون حزبين :عمـر بن اخلطـاب ومن معه يـرون احلـل األول ،وبالل
ومـن تبعـه يـرون احلـل الثـاين ،واحتـدم اجلـدال ،وكانـت حجـة الفريـق
األول أن بقـاء األرض يف امللـك العـام يضمـن مواجهـة حاجـات األجيال
املتعاقبـة على مـر العصور.
68
يتعلـم النـوع اإلنسـاين أفضـل أخالقـه؛ إذ فيهـا ينشـأ الفـرد وفيهـا تنطبـع
سـلوكاته ،وقـد حـث اإلسلام على تنميـة الـود واحلـب الغريـزي بين
ـق ـه َأ ْن َخ َل َ الرجـل واملـرأة يف حياهتما الزوجيـة ،فقـال تعـاىل﴿ :و ِمـن آياتِ ِ
َ ْ َ
ح ًة إِ َّن ِ ِ َلك ِ
ـو َّد ًة َو َر ْ َ اجـا لت َْسـ ُكنُوا إِ َل ْي َها َو َج َع َـل َب ْينَك ْ
ُـم َم َ ُـم مـ ْن َأ ْن ُفسـك ُْم َأ ْز َو ً
ْ
ِ ٍ ِ
ِف َٰذل َ
ون ﴾( الـروم .)21 :وأرسـى لتحقيـق ذلك َّـر َ ـك َل َيـات ل َق ْ
ـو ٍم َي َت َفك ُ
مبـادئ وضامنـات كثيرة ،منهـا:
ـ حسـن اختيـار الزوجـة والزوج :ذلـك أن األرسة هـي اخلليـة التي ينشـأ
فيهـا األبنـاء؛ لذا لزم أن تكـون هذه اخلليـة صاحلة من أساسـها ،فقد قال
رسـول اهلل ﷺ« :تُنكح املـرأة ألربع :ملاهلا ،وحلسـبها ،وجلامهلـا ،ولدينها،
فاظفـر بذات الديـن تربت يـداك» (رواه أبو داود والنسـائي).
وأمـا فيام خيتص باختيـار املرأة لزوجها فقـد قال رسـول اهلل ﷺ« :إذا أتاكم
مـن ترضـون دينـه وخلقـه فأنكحـوه ،إال تفعلـوا تكـن فتنـة يف األرض
وفسـاد عريـض» (رواه الرتمذي).
ـ حفـظ احلقـوق بين الزوجني :قـال تعاىل﴿ :و َلـن ِم ْث ُـل ا َّل ِ
ـذي َع َل ْي ِهـ َّن َ ُ َّ
ـال َع َلي ِهـن درجـ ٌة واهللُ َع ِز ٌ ِ ِ ِ
يم﴾( البقـرة.)228 : يـز َحك ٌ بِا َْل ْع ُـروف َول ِّلر َج ِ ْ َّ َ َ َ َ
ـ حسـن التعامـل بين الزوجني :حـث اإلسلام على املعاملـة احلسـنة
بين الزوجين ،وثبـت ذلـك بنصـوص الكتـاب والسـنة ،فقـد قـال اهلل
ِ ِ
ـى َأ ْن َتك َْر ُهوا وهـ َّن بِا َْل ْع ُـروف َفـإِ ْن ك َِر ْهت ُُم ُ
وهـ َّن َف َع َس ٰ اش ُ
تعاىل...﴿ :و َع ُ
َ
يرا كَثِ ًريا﴾( النسـاء.)19 : ِ ِ
ي َع َـل اهللُ فيـه َخ ْ ً
َشـ ْي ًئا َو َ ْ
ـ اإلنفـاق على األرسة :ذلـك أن املـال قـوام احليـاة املاديـة ،واملـرأة داخلة
يف واليـة زوجهـا ،فهو مسـئول عنهـا بالنفقـة ،قـال اهلل تعاىل﴿ :لِ ُين ِْف ْق ُذو
ـه ِر ْز ُقـ ُه َف ْل ُين ِْف ْق ِمَّـا آتَـا ُه اهللَُ ل ُي َك ِّل ُ
ف اهللُ ـدر َع َلي ِ
ِ ِِ ٍ ِ
َسـ َعة مـ ْن َسـ َعتهَ و َم ْن ُق َ ْ
سا﴾( الطالق.)7 : سر ُي ْ ً َن ْف ًسـا إِلَّ َمـا آت َ
َاهـاَ سـ َي ْج َع ُل اهللُ َب ْعـدَ ُع ْ ٍ
69
ـ وجـوب النفقـة على الزوجـة :إن اإلسلام أوجـب النفقـة للزوجـة عىل
الـزوج حتـى لو كانـت مطلقة ،فـإن النفقـة والسـكن واجبة عليـه طوال
مـدة العـدة ،كام أنه يدفع هلـا ثمن إرضاعهـا البنه منها حـال طالقها ،قال
ِ ِ ُوه َّن ِمـ ْن َح ْي ُ ِ
ُـم َو َل ت َُض ُّار ُ
وه َّن ـث َسـ َكنْت ُْم مـ ْن ُو ْجدك ْ اهلل تعاىلَ ﴿ :أ ْسـكن ُ
ح ٍ ِ ول ِ
لِت َُض ِّي ُقـوا َع َل ْي ِهـنََّ وإِ ْن كُـ َّن ُأ َ
ـل َف َأنْف ُقـوا َع َل ْي ِهـ َّن َحت ٰ
َّـى َي َض ْعـ َن ت َْ
وف ح َلهـنََّ فـإِ ْن َأر َضعن َلكُـم َفآتُوهـن ُأجورهنَّ و ْأ َتِـروا بينَكُـم بِمعر ٍ
ُ َّ ُ َ ُ َ ُ َ ْ ْ َ ْ ُ ْ ْ ْ َ َْ ُ
تر ِض ُع َلـ ُه ُأ ْخ َـر ٰى﴾ (الطالق.)6 : ُـم َف َس ُ ْ
است ْ ِ
َوإ ْن َت َع َ ْ
ـ االعتنـاء بـاألوالد رعايـة وتربية :لقـد أكـد اإلسلام حـق األوالد
الصغـار يف الرعايـة والرتبيـة ،وجعـل ذلـك أهـم واجبـات األبويـن،
يكتـف بالدافـع الفطـري لقيـام األبويـن بواجبهما، ِ أي أن اإلسلام مل
بـل عزز ذلـك بقواعـد حمـددة تضمن للأوالد النشـوء يف صـورة ُمثىل
تكفـل هلـم حقوقهـم كاملـة ،فمنـذ الـوالدة نـص القـرآن الكريـم عىل
ات ُي ْر ِض ْعـ َن َأ ْو َل َد ُهـ َّن تعاىل﴿ :وا ْل َوالِـدَ ُ
َ اسـتكامل الرضاعـة ،قـال اهلل
ِ َام َل ِ ِحو َل ِ ِ
الر َضا َع َة﴾( البقـرة ،)233 :كما ـم َّ ينَ لـ ْن َأ َرا َد َأ ْن ُيت َّ ين ك َْ ْ ْ
ِ
جعـل الرتبيـة ح ًّقـا للولـد على وليـه ..قـال اهلل تعاىلَ ﴿ :يـا َأيُّ َـا ا َّلذي َن
ـار ُة َع َل ْي َهـا آمنُـوا ُقـوا َأ ْن ُفسـكُم و َأه ِليكُـم نَـارا و ُقودهـا النَّـاس و ِْ
ال َج َ ُ َ ْ ً َ َُ َ ْ َ ْ َ
ِ ِ ِ
ون﴾ ون َمـا ُي ْؤ َم ُر َ ـون اهللَ َما َأ َم َر ُه ْ
ـم َو َي ْف َع ُل َ َم َلئكَـ ٌة غ َل ٌظ شـدَ ا ٌد َل َي ْع ُص َ
(التحريـم.)6 :
3 .4عناية اإلسالم باملجتمع
يضـم املجتمـع جمموعـة مـن األفـراد واألرس ،وجتتمـع فيـه املصالـح
ّ
املشتركة التـي ال يمكـن أن يسـتقل هبـا األفـراد واألرس ،وإنما يتعـاون
اجلميـع لتحقيقهـا وتوفريهـا .وبالتخصـص والتنـوع حيصـل االكتفـاء
70
الـذايت للمجتمـع ،وتتوثـق الروابـط بين أفـراده ،وأرسه ،وجمموعاتـه..
وهكـذا يصبـح وحـدة متكاملـة كاجلسـد الواحـد ،مـن خالل تطبيـق عدد
مـن املبـادئ ،وهـذا مـا تسـعى التنميـة املسـتدامة إىل حتقيقـه ،وفيما يلي
اسـتعراضها:
ـ حتقيـق العـدل واملسـاواة :إن مـن أعظـم أركان صلاح املجتمـع ،إقامـة
العـدل بين أفـراده ومجاعاتـه ،وحتقيـق املسـاواة بينهـم؛ حيـث إن إقامـة
العـدل ال تقتصر على األحـكام القضائيـة ،بل تشـمل توزيع املكاسـب،
وتوليـة املناصـب ،ووضـع الرجـل املناسـب يف املـكان املناسـب؛ إذ إن
حتقيـق العـدل واملسـاواة يف تثبيـت األمـن واالسـتقرار والقضـاء على
اجلريمـة؛ يـؤدي إىل حصـول الرضـا والثقـة من جهـة ،واحلزم مـن جهة
أخرى.
حض اإلسلام على الرتابط ،والتكافل ،والتعاون ـ التكافل وحماربة الفقرَّ :
بين األفـراد واجلامعـات فيما يتصـل بالرتاحـم ،والتآخـي ،واملواسـاة.
وقـد حرص اإلسلام على حماربـة الفقـر ،وهنا يظهـر الـدور االجتامعي
لفريضـة الـزكاة ،والكفـارات ،ونظـام الوقـف ،واخلـراج ،يف حتقيق مبدأ
التكافـل ،والوصـول بـه إىل أرقـى مسـتوى مـن الغنـى واالكتفـاء داخل
املجتمـع ،الـذي يفيض إىل االسـتقرار املطلـوب واألمـن االجتامعي ،وقد
قـال اإلمـام علي ريض اهلل عنـه« :إن اهلل فـرض على األغنيـاء يف أمواهلم
بقـدر مـا يكفـي فقراءهم ،فـإن جاعـوا ،أو عـروا ،أو أجهـدوا ،حق عىل
اهلل ـ تعـاىل ـ أن حياسـبهم يـوم القيامـة ويعذهبم»(.ابن حـزم،)6/158 :
(بوسـاق1423 ،هـ.)127 ،
71
.5اخلالصة
تبين لنـا ،من خلال هـذا البحـث ،أن التنمية املسـتدامة مـن املنظور ّ
اإلسلامي منهـج ربـاين ،متكامـل ،شـمويل ،جيعـل اإلنسـان أمينًـا على
البيئـة ،حمسـنًا إليهـا ،رفي ًقـا هبا وبعنارصهـا ،يأخـذ منها بقـدر حاجته ،من
دون إرساف ،وبلا إفـراط وال تفريـط ،وأن اإلنسـان خليفـة اهلل يف أرضه،
وهـو مؤمتَـن عىل مـا اسـتخلفه اهلل عليـه بالعمارة ،واإلصلاح ،والرعاية،
والصيانـة .وهـذه العمارة ،واخلالفـة واألمانـة ليسـت بالشيء اليسير
ات واهلين؛ لـذا قال احلق تبـارك وتعاىل﴿ :إِنَّـا َعر ْضنَـا ْالَما َن َة َع َل السَّماو ِ
َ َ َ َ
ـان إِ َّن ُه ي ِم ْلن ََهـا َو َأ ْشـ َف ْق َن من َْهـا َو َ َ
ح َل َهـا ْ ِ
الن َْس ُ ِ ال َب ِ
ـال َف َأ َب ْ َ
ين َأ ْن َ ْ ض َو ِْ
َو ْالَ ْر ِ
ـول﴾ (األحـزاب.)٧٢ : َان َظ ُلو ًمـا َج ُه ً
ك َ
كما أن حتقيـق التنميـة املسـتدامة يف املجتمعـات اإلسلامية يتط ّلـب
إحـداث تغييرات جوهريـة يف األنظمـة االقتصاديـة واالجتامعيـة وفـق ما
ورد يف الكتـاب والسـنة؛ لكـي يكفـل للجميع حقـه يف العيـش ،والكرامة،
واحلريـة ،والعدالـة ،والنظافـة ،ويضمـن حقـوق األجيـال القادمـة.
ويسـتعرض اجلـدول رقـم ( )1أهـم الفـروق بين الفكريـن اإلسلامي
والغـريب يف التنميـة املسـتدامة:
72
اجلدول رقم ()1
الفروق بني الفكرين اإلسالمي والغريب يف التنمية املستدامة
املنظور اإلسالمي املنظور الوضعي عنرص املقارنة
الدراسات ،والبحوث ،واالجتامعات
الكتاب والسنة املصدر
الدولية
من بزوغ فجر اإلسالم منذ أربعة عقود البداية
وقائي ملعرفة اهلل بمصالح
عالج اآلثار السلبية املصاحبة للتقدم
املخلوقات يف احلارض اهلدف
الصناعي والتكنولوجي
واملستقبل
هيتم باجلانبني األخالقي
يقترص عىل األبعاد (البيئية ـ
والعقائدي ،إضافة إىل الشمولية
االقتصادية ـ االجتامعية)
املحاور الرئيسة للتنمية
هيتم بجميع الدول هيتم بالدول املتقدمة ورؤوس
األمهية
واملخلوقات األموال
يركّز عىل اجلانبني الزمني
يركّز عىل اجلانب الزمني املفهوم
واملكاين
توفق بني مصلحة الفرد منها ما يراعي مصلحة الفرد ،ومنها
املصلحة
واجلامعة ما يراعي مصلحة اجلامعة
من إعداد الباحث.
73
املراجـــع:
البخـاري ،أبـو عبد اهلل :حممد بن إسماعيل (1419هــ 1999م) .صحيح
البخــاري ،ط ،2الرياض :دار السلام للنرش والتوزيع.
بوسـاق ،حممد بـن املـدين2002( .م) .اجتاهات السياسـة اجلنائية املعارصة
والرشيعـة اإلسلامية ،الريـاض :مركـز الدراسـات والبحـوث،
جامعـة نايـف العربيـة للعلـوم األمنية.
الرتمـذي ،أبو عيسـى :حممد بـن عيسـى (د .ت) .اجلامع الصحيح ُ
«ســنن
الرتمـذي» .حتقيـق :أمحد حممد شـاكر وآخرون .بيروت :دار إحياء
التراث العريب.
ُ
اجلريـوي ،عبدالرمحـن بـن عبدالعزيـز (2012م) .أثـر الوقـف يف التنميـة
املسـتدامة ،بحث مقـدَّ م مللتقى مقومـات حتقيق التنمية املسـتدامة يف
االقتصـاد اإلسلامي املنعقـد بجامعة قاملـة ،اجلزائر.
احلصين ،صالـح بـن عبدالرمحـن (2012م) .االسـتدامة البيئيـةhttp:// .
.rowaq.org/?p=345
دراجـي ،السـعيد (2012م) .التنميـة املسـتدامة مـن منظـور االقتصـاد
اإلسلامي ،امللتقـى العلمـي الـدويل حـول سـلوك املؤسسـة
االقتصاديـةيفظـلرهانـاتالتنميـةاملسـتدامةوالعدالـةاالجتامعيـة.
السجسـتاين ،سـليامن بـن األشـعث أبـو داود (د .ت)ُ .سنــن أيب داود.
حتقيـق :حممـد حميـي الديـن عبـد احلميـد ،بيروت :دار الفكـر.
شـبع ،حممـد جـواد (2010م) .التنمية يف القـرآن الكريم ،جملـة كلية الرتبية
للبنات ،الكوفة.
74
الصديـق ،ابـن الشـيخ بوبكـر2012( .م) .الـزكاة كأداة للمسـامهة يف
حتقيـق التنمية املسـتدامة ..عـرض جتارب بعض الدول اإلسلامية.
امللتقـى الـدويل حول مقومات حتقيـق التنمية املسـتدامة يف االقتصاد
اإلسلامي ،جامعـة قاملـة ،اجلزائر.
http://www.islam الصعـدي ،عادل .املرجـع اإللكرتوين :اإلسلام اليـوم
today.net/toislam/toislam.cfm?toislam=114&sub=3.
طبايبيـة ،سـليمة؛ وكشـيتي ،حسين (2013م) .دور السياسـات النقديـة
اإلسلامية يف حتقيـق تنميـة مسـتدامة ،بحـث مقـدم للمشـاركة يف
املؤمتـر الـدويل التاسـع لالقتصـاد والتمويـل اإلسلامي ،أنقـرة.
حمـروس ،خالـد .جملـة الوعـي اإلسلامي ،رقـم العـدد ،555سـبتمرب
2011م ،وزارة األوقـاف والشـؤون اإلسلامية بالكويـت.
منظمـة اإليسيسـكو (2014م) .التنميـة املسـتدامة مـن منظـور القيـم
اإلسلامية وخصوصيـات العـامل اإلسلامي على الرابـطwww. :
Isesco.orgma/pup/Arabic.
النسـائي ،أبـو عبـد الرمحن :أمحد بـن شـعيب (1406هـ 1986م)ُ .ســنن
النــسائي (ا ُملجــتبى) .حتقيـق :عبد الفتـاح أبو غـدة .ط .2حلب:
مكتـب املطبوعات اإلسلامية.
النيسـابوري ،أبـو احلسين :مسـلم بـن احلجـاج (1419هــ 1998م).
صحيـح مســلم ،الريـاض :دار السلام للنشر والتوزيـع.
حييـاوي ،نعمـة؛ عاقلي فضيلـة (2014م) .التنميـة املسـتدامة واملسـؤولية
االجتامعيـة مـن املنظـور اإلسلامي .كليـة العلـوم االقتصاديـة
والتجاريـة وعلـم التسـيري .جامعـة احلـاج خلضر باتنـه ،اجلزائـر.
75
الفصل الثالث
التنمية االجتامعية والبرشية املستدامة
املقدمة
إن احلديث عن تنمية االنسـان بشـكل مسـتدام جيعلنا نقـف ً
قليل أمام
كثير مـن املعطيـات واملراحـل التـي مـرت هبـا التنميـة يف حد ذاهتـا حيث
نظـرت هلـذا اإلنسـان عىل أنـه أداة النمـو وأحد عنـارص اإلنتـاج يف بدايات
القـرن العرشيـن ليصبح مـع هناية القـرن هو هـدف التنميـة وغايتها وليس
أداهتـا فقط.
وقضيـة التنميـة اليـوم مـن أهـم القضايـا التـي تـم تناوهلـا يف شـتى
حقـول املعرفـة ،وهـذه النقلـة النوعيـة يف النظـرة لإلنسـان وتنميتـه مل ِ
تأت
بين عشـية وضحاها ،بـل نتيجـة تطور الفكـر التنمـوي الـذي أصبح هيتم
بشـؤون اإلنسـان احلياتيـة وإدامتهـا.
ولذلـك اسـتمر هـذا الفكـر يف التطـور واالنطلاق وفـق معطيـات
عنصرا مـن نظـام كـوين كبير يؤثـر ويتأثـر به. ً وحتديـات جديـدة ليكـون
وأصبـح الفكـر التنمـوي شـمول ًّيا يف نظرتـه وبعيـدً ا يف أهدافـه وغاياتـه.
يعكـس احلديـث عـن التنميـة االجتامعيـة والبرشيـة املسـتدامة بوصفـه
موضو ًعـا حيو ًّيـا ورضور ًّيا قصـة التطور وعمـق النظرة للفكر اإلنسـاين املعارص
واملتأثـر بالتنميـة املسـتدامة ،وسـنتناول يف هـذا الفصـل املوضوعـات التاليـة:
ـ مفهوم التنمية االجتامعية املستدامة وأبعادها ومؤرشاهتا.
ـ التنمية البرشية املستدامة ومراحل تطورها.
ـ متطلبات حتقيق التنمية البرشية املستدامة وانعكاساهتا.
79
ـ مؤرشات قياس التنمية البرشية املستدامة عىل املستوى الدويل.
ـ التنمية االجتامعية والبرشية وعالقتها بالفكر املستدام.
ـ اخلالصة.
80
االجتامعيـة يف الفصـول اخلاصة بالفقـر وأنامط اإلنتاج واالسـتهالك واملرأة
واألطفـال والشـباب والسـكان األصليين ،وكذلـك املجتمعـات املحلية.
وعلى الرغـم من التـزام معظـم دول العـامل باتفاقـات ومعاهـدات تتضمن
مبـادئ العدالـة واملسـاواة االجتامعيـة ،فـإن غالبيـة هـذه الـدول مل حتقـق
نجاحـا يف مواجهـة سـوء توزيـع املـوارد ومكافحـة الفقـر يف جمتمعاهتـا، ً
وتظـل املسـاواة االجتامعيـة من أكثـر قضايـا التنميـة صعوبـة يف التحقق.
وتغطـي املـؤرشات التـي تقيـس املسـاواة االجتامعيـة مسـائل الفقـر،
وتفـاوت الدخـول ،والبطالـة ،واملسـاواة بني اجلنسين ،وهي متثل املسـائل
ذات األولويـة بالنسـبة للـدول وللمجتمـع الـدويل ،وتشـكل املـؤرشات
اختبـارا واف ًيـا ومسـتعملة على نطـاق واسـع ومرتبطـة ً مقاييـس خمتبرة
بأهـداف ومقاصد مقـررة ،واهلدف املتمثل يف خفض نسـبة الذين يعيشـون
يف فقـر مدقـع يف الـدول النامية بمقـدار النصـف بحلول عـام 2015م ،تم
قبولـه يف مؤمتـر القمـة العاملـي للتنميـة االجتامعية ،وقـد دعا املؤمتـر الرابع
للمـرأة اىل القضـاء على املامرسـات التمييزيـة يف جمـال العاملـة .أمـا اهلدف
املتمثـل يف حتقيـق العدالـة الكاملـة لتمكين الرجال والنسـاء مـن احلصول
على وسـائل مأمونـة ومسـتدامة الكتسـاب الـرزق ،فقـد اعتمـد يف مؤمتـر
القمـة العاملـي للتنمية االجتامعية ،بينما توجد لدى كثري مـن الدول أهداف
وطنيـة أكثر حتديـدً ا فيما يرتبـط بالبطالة.
الصحة العامة
ترتبـط التنميـة املسـتدامة ارتبا ًطـا وثي ًقـا بالصحـة؛ فاإلمـداد بامليـاه
املأمونـة والصرف الصحي ،والتغذية السـليمة املأمونة والظروف املعيشـية
اخلاليـة مـن التلـوث ،ومكافحـة األمـراض ،وتوفير اخلدمـات الصحية..
مجيعهـا عوامـل تُسـهم يف كفالـة الصحة للسـكان.
81
على العكـس من ذلـك ،فـإن الفقـر ونقـص املعلومـات واالفتقار إىل
التعليـم والكـوارث الطبيعيـة واالنتشـار الرسيـع لالسـتيطان احلضري..
مجيعهـا مـن العوامـل التي يمكـن أن تـؤدي إىل تفاقم املشـكالت الصحية.
إن بين التنميـة االجتامعيـة املسـتدامة ومسـتوى الرعايـة الصحيـة
عالقـة طرديـة متداخلة ال تنفصـل؛ فبينام الصحـة من أهـم القطاعات التي
تسـتهدفها التنميـة فإهنـا من جانب آخـر من أهـم ركائز التنميـة ودعائمها،
وهنـاك حقيقـة ملموسـة هـي أن مـن هـم أوفـر ح ًّظـا يف الصحـة والتعليم
يتمتعـون بالقـدرة على انتقـاء خيـارات أفضـل إلغنـاء حياهتم.
ومـن هنـا ،فـإن السـعي إىل توفير الرعايـة الصحيـة وتوسـيع مظلتها
لتسـتوعب املجتمـع برشائحـه املختلفـة ،يعد مـن املقاييس الفارقـة يف تقدُّ م
املجتمعـات .وال يمكـن للتنميـة أن تتحقـق أو تسـتديم حين تكون نسـبة
كبيرة من السـكان مصابـة باعتالل يف الصحـة وال تتوافر هلـا بالقدر الكايف
مرافـق الرعايـة الصحية .ويف حين أن النمو االقتصـادي والتنمية يمكن أن
يسـهام يف حتسين الصحـة وحتسين مرافـق الرعايـة الصحية يف أشـد الدول
فقـرا ،فـإن هناك مـا يربر احلاجـة إىل إجراء مزيـد من التحسـينات يف بعض ً
الـدول مرتفعـة ومتوسـطة الدخـل ،ونظافـة البيئـة عنصر مهـم لصحـة
املواطنين ورفاهيتهـم ،كما أن النمـو االقتصـادي غير املسـتدام يمكـن أن
يتسـبب يف تدهـور البيئـة الـذي إذا اقترن بعدم سلامة االسـتهالك يمكن
تأثيرا سـلب ًّيا عىل صحة اإلنسـان.
ً أن يؤثـر
ويركـز جـدول أعمال القـرن احلـادي والعرشيـن يف حتقيـق صحـة
اإلنسـان وتعزيزهـا على املجـاالت التاليـة:
خصوصا يف األرياف.
ً ـ تلبية احتياجات الرعاية الصحية األولية،
82
ـ مكافحة األمراض السارية.
ـ تلبية االحتياجات الصحية للمناطق احلرضية.
ـ احلد من املخاطر الصحية النامجة عن التلوث البيئي واألخطار البيئية.
وتتمثـل املـؤرشات الرئيسـة للصحـة يف :حالـة التغذيـة ،والوفيـات،
واملرافـق الصحيـة ،وميـاه الشرب ،والرعايـة الصحيـة.
التعليم
ُيعـد التعليـم مطل ًبـا أساسـ ًّيا لتحقيـق التنميـة االجتامعيـة املسـتدامة،
وهـو داخـل يف جمـاالت جـدول أعمال القـرن احلـادي والعرشيـن ،كام أن
مبـارشا بين مسـتوى التعليـم يف دولـة مـا ومـدى تقدمهـا ً هنـاك ارتبا ًطـا
االقتصـادي واالجتامعـي؛ حيـث إنـه عنصر مهـم يف تلبيـة االحتياجـات
البرشيـة الرئيسـة ،وحتقيـق العدالـة وبنـاء القـدرات ،وإتاحـة الوصول إىل
املعلومـات وتعزيـز العلـوم.
ويتمحـور موضوع التعليـم يف جدول أعامل القرن احلـادي والعرشين
حول ثالث مسـائل ،هي:
ـ إعادة توجيه التعليم نحو التنمية املستدامة.
ـ زيادة الوعي العام.
ـ تشجيع التدريب.
وتشـمل األهـداف األساسـية يف معاجلـة التعليم مـا يلي :العمل بجد
على توفير التعليـم األسـايس للجميـع ،واحلد مـن األميـة لـدى البالغني،
ودمـج مفاهيـم التنميـة املسـتدامة يف مجيـع برامـج التعليـم حتقي ًقـا لتعليـ ٍم
متقاطـع التخصصـات ،وتعزيـز الوعـي العـام عىل نطـاق واسـع ،وتدعيم
التدريـب املهنـي والعميل.
83
ولقـد دلـت جتربـة اإلنسـان التارخييـة ،وتـدل دو ًمـا على أن املـوارد
البرشيـة حين تنمـو وتزدهر ،يف وسـعها أن تتغلب على نقص املـوارد املادية
األخـرى الالزمـة لعمليـة اإلنتاج بفضل العلـم والتقنية بوجـه خاص .وعىل
سـبيل املثـال :ال تـكاد تنفـد طاقـة حتـى ُيل االبتـكار البشري حملهـا طاقة
جديـدة .والواضح أن أفضل اسـتثامر هو االسـتثامر يف العقـل البرشي .ومن
هنـا نظـر بعـض الباحثني إىل اهلـوة بين البلـدان املتقدمـة والبلـدان املتخلفة
على أهنـا هـوة يف تنظيم العقـل البشري وتوظيفـه التوظيـف األمثل.
اإلسكان
يعتبر املأوى الالئق من الركائز الرئيسـة للتنمية االجتامعية املسـتدامة؛
كبيرا يف جعـل املناطـق السـكانية
ً فتوافـر املـأوى املناسـب يسـهم إسـها ًما
خصوصـا يف
ً وإنتاجـا وصحـة .واألحـوال املعيشـية،
ً أكثـر أمنًـا وعدالـة
املـدن ،تتأثر بزيـادة الكثافة السـكانية ،ونقـص التخطيط واملـوارد البرشية،
وتتفاقـم هـذه احلالـة بفعـل النزوح مـن األريـاف اىل املدن عىل نحو يسـهم
يف انتشـار األحيـاء الفقيرة واملناطق غير النظامية.
ويشـكِّل احلـق يف املسـكن الالئـق جـز ًءا من اإلعلان العاملـي حلقوق
اإلنسـان ،والعهـد الـدويل اخلـاص باحلقـوق االقتصاديـة واالجتامعيـة
والثقافيـة ،واالتفاقيـة الدولية للقضاء عىل أشـكال التمييـز العنرصي كافة،
أيضـا أحـد موضوعـات الرتكيـز الرئيسـة لإلستراتيجية العامليةوقـد كان ً
لتوفير املـأوى حتـى عـام 2000م ،والفصـل املتعلـق باملناطـق السـكانية
البرشيـة مـن جـدول أعمال القـرن احلـادي والعرشين.
وتسـتعمل جمموعـة املـؤرشات األساسـية التـي وضعتها جلنـة التنمية
املسـتدامة هبـدف تقييـم األحـوال السـكانية كمقيـاس املسـاحة األرضيـة
84
املحرز فيما يتعلق
للشـخص الواحـد ،وهـو مقياس رئيـس لتقييـم التقـدم َ
بنوعيـة احليـاة .والبيانـات الالزمة لدعم هـذا املؤرش عىل الصعيـد ال ُقطري
تعتبر مهمـة وينبغـي توفريها.
األمن االجتامعي
مـؤرشا للتنميـة االجتامعيـة املسـتدامة،
ً يعتبر األمـن االجتامعـي
ويعنـي محايـة الناس مـن اجلرائـم وحتقيـق العدالـة والديمقراطية والسـلم
األهلي ..وهـي مجيعهـا تعتمـد على وجـود نظـام متطـور وعـادل لألمـن
بمفهومـه الشـامل .ومتـارس اإلدارة األمنية محايـة املواطنني من آثـار القلق
االجتامعـي ،واحلد من اإلسـاءة إىل األفراد ،والتعدي عىل حقوق اإلنسـان.
ويمثـل األمـن بعـدً ا جديـدً ا ملـؤرشات التنميـة املسـتدامة .ومـن املسـائل
املرتكـزة لألمـن ،التـي اهتـم هبا جـدول أعمال القـرن احلـادي والعرشين:
العنـف واجلرائـم ضـد األطفال والنسـاء ،وجرائـم املخـدرات ،وغريها مما
يقـع ضمـن بنـود األمن االجتامعـي ،ويمثـل مؤرش عـدد اجلرائم املسـجلة
لـكل 10.000نسـمة املـؤرش األكثـر شـيو ًعا يف االسـتعامل.
السكان
مهم بشـأن التنمية االجتامعية املسـتدامة
يمثل موضوع السـكان مرج ًعا ًّ
بالنسـبة لصنـاع القـرار عنـد نظرهـم إىل عالقـة الرتابـط بين البشر والبيئة
واملـوارد والتنميـة .و هنـاك عالقـة عكسـية واضحـة بين النمـو السـكاين
والتنميـة املسـتدامة .فكلما ارتفع معدل النمو السـكاين يف بلد مـا ،أو منطقة
جغرافيـة معينـة ،ارتفعت نسـبة اسـتهالك املـوارد الطبيعية ،وتقلـص النمو
االقتصـادي املسـتدام ،ممـا يفاقم املشـكالت البيئية ،وهو مـا يقلل من فرص
حتقيـق التنميـة املسـتدامة بوجه عـام والتنميـة االجتامعية بشـكل خاص.
85
وتتمثـل املـؤرشات اخلاصـة بموضـوع التغري السـكاين بمـؤرش معدل
النمـو السـكاين ومؤرش سـكان املناطق النظاميـة وغري النظاميـة ،الذي يعد
مهم مـن منظور السياسـات (اهليتـي2011 ،م). مقياسـا ًّ
ً
.2التنمية البرشية املستدامة ومراحل تطورها
ارتبطـت تنميـة اإلنسـان بتوسـيع القـدرات البرشيـة ألقصى حـد
وتوظيفهـا يف مجيـع املياديـن بوجـود نمـو اقتصـادي مصاحـب هلـا .ومنـذ
الثـورة الصناعية تطور الفكـر االقتصادي وتطورت نظرتـه للتنمية البرشية،
ويف القـرن املايض بـرزت أمهية العنرص البشري يف الفكر التنمـوي .ونوجز
أدنـاه التطـور التارخيـي ملفهـوم التنميـة البرشيـة خلال القـرن العرشين.
اجلدول رقم()2
اهتاممات التنمية البرشية وف ًقا ملراحل تطورها
النظرة إىل التنمية البرشية املرحلة الزمنية م
ما قبل احلرب العاملية اقتصادية الطابع تركز عىل العمل واإلنتاج وتعترب
1
عنرصا من عنارص اإلنتاج
ً اإلنسان األوىل
بداية أخذ االعتبار للبعد اإلنساين يف عمليات بني احلربني العامليتني
2
التنمية وما بعدمها
العنرص اإلنساين أساس لتحقيق التنمية يف اجلوانب التالية:
ـ االستخدام األفضل للقوى العاملة
ـ حتسني نوعية القوى العاملة بواسطة التدريب يف الستينيات من
3
والتعليم املهني القرن املنرصم
ـ حتفيز الدعم الشعبي جلهود التنمية من خالل إرشاك
مجيع فئات املجتمع
86
الفكر التنموي يركز عىل قضيتني ،األوىل :العدالة
وتوزيع الدخل وظاهرة الفقر ،والثانية :توفري
االحتياجات األساسية ألفراد املجتمع وفق مبادرة
منظمة العمل الدولية وطرح منهج احلاجات يف السبعينيات 4
األساسية ،وهو :أنه عىل احلكومات تقديم
اخلدمات األساسية كالصحة والتعليم والبنية
التحتية ،وتم الدعم من البنك الدويل
صار النمو االقتصادي هيتم بام يسمى «التكيف
يف بداية الثامنينيات اهليكيل» من خالل اخلصخصة ،دون مراعاة للفئات 5
االجتامعية ،فرتاجع املسار اإلجيايب اإلنساين
ظهرت إخفاقات برامج التكيف اهليكيل
(اخلصخصة) املطبقة من قبل صندوق النقد الدويل
وإمهاهلا اجلانب اإلنساين يف التنمية ،ويف عام
مع هناية الثامنينيات 6
1988م اهتمت األمم املتحدة ـ ممثلة يف برناجمها
اإلنامئي ـ بإصدار تقارير دورية حول واقع التنمية
البرشية يف أنحاء العامل
صدر أول تقرير للتنمية البرشية ،وهو عبارة عن
دراسة مستقلة قام هبا عامل االقتصاد الباكستاين
حمبوب احلق بعنوان «مؤرش التنمية اإلنسانية»،
وكانت الدراسة بدعم من برنامج األمم املتحدة
يف عام 1990م 7
لتعمم الفكرة بعد ذلك عىل مكاتب اإلنامئي َّ
الربنامج حول العامل؛ حيث نرشت أربع دول يف عام
1992م تقارير للتنمية البرشية ،ثم يف عام 1994م
ثامين دول وبحلول عام 2000م 138دولة
اجلدول من إعداد الباحث.
ووف ًقـا لربنامـج األمـم املتحدة اإلنامئي لعـام 1990م ،عرفـت التنمية
87
البرشيـة بأهنـا :عمليـة توسـيع خيـارات البشر وهـذه اخليـارات يمكن أن
تكـون مطلقـة ويمكـن أن تتغري بمـرور الوقت ،لكـن اخليارات األساسـية
الثالثـة على مجيـع مسـتويات التنميـة البرشية هـي :أن يعيش األفـراد حياة
مديـدة وصحيـة وأن يكتسـبوا معرفـة و حيصلـوا على املـوارد الالزمـة
ملسـتوى معيشـة الئق .وهـذا املفهوم يشير إىل رفـع كفاية العنصر البرشي
باسـتخدام كثير من الوسـائل التـي تتضمـن التعليـم والتدريـب والرعاية
الصحيـة ،وذلك هبدف إكسـابه املعارف واملهـارات والقـدرات التي جتعله
قـادرا على أداء الـدور املنـوط بـه يف التنميـة االقتصاديـة واالجتامعيـة يف
ً
املجتمـع .وبذلك يعتمد مفهـوم التنمية البرشية عىل ُبعدين أساسين ،أوهلام
يتمثـل يف كـون التنميـة البرشيـة هتتـم بمسـتوى النمـو اإلنسـاين يف خمتلف
مراحـل احليـاة ،من حيث نمـو قدرات اإلنسـان وطاقاتـه البدنيـة والعقلية
والنفسـية واالجتامعيـة واملهاريـة والروحيـة وغريهـا ،وثانيهما يتمثـل يف
كـون التنمية البرشيـة عملية تتصل باسـتثامر املوارد واملدخالت واألنشـطة
االقتصاديـة التـي تولـد الثـروة واإلنتـاج اللازم لتنميـة تلـك القـدرات
البرشيـة ،وأصبحـت التنميـة البرشية أحـد عنـارص التنمية املسـتدامة.
ويتضـح مـن املفهـوم السـابق للتنميـة أهنـا ال تقتصر عىل جمـرد زيادة
خيـارا واحدً ا حيرص األفـراد عىل توافره وإن
ً الدخـل؛ فالدخـل ال ُيعترب إال
كان الدخـل ربما يكـون نسـب ًّيا أكثـر أمهيـة من اخليـارات األخـرى .وهذه
التنميـة تشـتمل على جمموعـة من اخليـارات من أمههـا ما يلي (عبداخلالق،
2014م ،ص:)23
أ ـ مسـتوى معيشي الئـق يمكـن حتقيقـه من خلال زيادة متوسـط نصيب
الفرد مـن الدخل.
ب ـ مستوى تعليمي الئق.
88
ج ـ مستوى الئق من الرعاية الصحية والتغذية.
د ـ توافـر فـرص العمـل الكريمـة التـي تتضمـن حتقيق مسـتوى مالئم من
الدخل.
هـ ـ العيش يف بيئة نظيفة خالية من التلوث.
و ـ إتاحـة الفرصـة لألفـراد كافـة للمشـاركة يف القـرارات التـي يتخذهـا
املجتمـع.
ز ـ متتُّع األفراد باحلرية السياسية واالجتامعية.
أيضا عبر الزمن،
وهـذه اخليـارات ال هنائيـة وغير حمـدودة ،ومتغيرة ً
إال أن هنـاك خيـارات أساسـية وجوهريـة ال غنـى عنها وال تتغير ،وتتمثل
هـذه اخليـارات يف ثالثة عنارص أساسـية ،هـي :الدخل ،التعليـم ،الصحة.
89
البعد االجتامعي
ينمـي التعليـم قـدرات الفـرد الذهنيـة والفكريـة ويكسـبه األنماط ّ
والقيـم السـلوكية املتوازنـة ،ممـا جيعلـه أكثـر قـدرة على فهـم املشـكالت
االجتامعيـة وترسـيخ الروابـط األرسيـة وشـعور اإلنسـان بذاتـه .وتسـهم
الرعايـة الصحيـة يف رفـع كفايـة الفـرد العمليـة واإلنتاجية وزيـادة فرصته
يف احلصـول على دخـل أعلى ومسـتوى معيشي الئـق.
البعد العلمي
يوفـر التعليم الكـوادر العلمية القادرة عىل البحـث واالبتكار واالخرتاع
والتطويـر ،بام ُيسـهم يف إحـداث النقلـة احلضاريـة املختلفة وإحـداث التقدم
التقني يف شـتى جماالت احلياة والتحسين املسـتمر يف وسـائل املعيشة.
البعد الثقايف
ينعكـس تزايـد نسـبة املثقفني من القـوة البرشية يف دولة ما على التنمية
االقتصاديـة للمجتمـع وزيـادة معرفة الفرد ومتسـكه بام يتمتع بـه جمتمعه من
تـراث ثقـايف ولغـة وأدب ،وازديـاد درجة الوعـي االجتامعـي واالقتصادي
لتحمل الـدور املنوط بـه يف حتقيق التنمية املسـتدامة.
ُّ لديـه بام يؤهلـه
البعد األمني
حـارضا يف مجيـع جوانـب التنميـة بمفهومهـا الشـامل وليس
ً يعـد األمـن
الضيـق؛ إذ إن األمـن اإلنسـاين أسـاس الوصـول إىل مسـتويات عاليـة مـن
التنميـة ،ويتفاعـل ويـزداد بوجودهـا ،وبالتـايل العمـل على توثيـق الصلـة بني
أول ،وذلـكاألمـن والتنميـة بالتحـول مـن أمـن الدولـة اىل األمـن اإلنسـاين ً
يتحقـق من خالل حترر اإلنسـان وحتقق حاجاته األساسـية وربـط األمن البيئي
90
وأيضا توسـيع املشـاركة يف
باألمـن اإلنسـاين لدفع الضرر والتلوث والتهديدً ،
القـرارات احلكوميـة يسـهم يف حتقيـق األمـن اإلنسـاين والتنمية املسـتدامة.
ومـن أهـم مصطلحاهتـا :االحتياجـات اإلنسـانية ،الـذي ظهـر عـام
1977م خلال مؤمتـر العاملة يف إطـار ختفيض الفقر بين العاملني واحلفاظ
على اهلويـة والكرامـة والغـذاء والصحـة واألمـن ،واعتُبرت فيما بعدُ من
أهـم رشوط التنميـة االجتامعيـة املسـتدامة التـي حـددت االحتياجـات
األساسـية لدول العامل الثالـث وهـي (:)Manfred& Etaly, 1991, p18
1ـ اجلوهريـة :التـي تعني اإلعاشـة الضامنـة للبقاء ،والغـذاء الذي حيافظ
على القوام.
2ـ احلاميـة :وتعنـي احلاميـة الوقايـة والرعايـة للحفـاظ على اجلسـد وذمة
الفـرد وجتنيبـه اخلطـر والقتل.
3ـ العاطفـة أو امليـل اإلجيـايب :ويعني إظهـار االهتامم يف التعلـق الوجداين
مع النـاس واملنظامت.
4ـ الفهـم :ويعنـي التعـرف والتعمـق وسبر أغـوار العاملين ملعرفـة مـا
يمكـن أن ُيظهـروه ومـا يمكـن أن ُيفـوه.
5ـ املشـاركة :وتعنـي إرشاكهـم يف إبـداء الـرأي واملعـارف والعلـوم
ومقاسـمتهم يف الفـرص واملزايـا.
6ـ اإلبـداع واالبتـكار :ويعنـي البحـث عـن اجلديـد والتميز ،سـواء أكان
فـر ًدا أم منظمة.
7ـ الراحـة :وتعنـي الراحـة اجلسـدية والذهنيـة والنفسـية والتهويـن على
البشر والتمتـع باألوقات.
8ـ اهلوية :وتعني االعرتاف بخصوصية الذات.
91
9ـ احلريـة :وتعنـي التحرر من اخلـوف يف القول أو العمـل والتمتع بكامل
احلقـوق التي تضمن له االسـتقاللية.
92
ـ سـاعد الربنامـج يف اسـتثامر أكثـر مـن 4.7باليين دوالر أمريكي خالل
الوقـت املـايض يف مرشوعـات أوصلت الطاقـة املسـتدامة إىل 10ماليني
شـخص فقري يف مجيـع أنحـاء العامل.
ـ يقـوم برنامـج األمم املتحـدة بقيادة التوجـه الفكري يف سياسـات التنمية
املسـتدامة؛ حيـث أصـدر الربنامج يف عـام 2011م ً
دليل بعنـوان« :حتفيز
مفصل يبين اخلطوات برنامـج أنشـطة مكافحـة تغري املنـاخ» ،وهو دليـل َّ
الالزمـة لتمكين احلكومـات من اجتـذاب االسـتثامرات يف جمـال الطاقة
النظيفـة عبر حتديـد وتنفيـذ مزيـج مـن السياسـات العامـة والتمويـل
احلكومـي والقـدرة عىل اجتـذاب التمويـل اخلاص.
ـ وأشـار التقريـر إىل أنه يف بدايـة عام 2011م ،عرض األمين العام لألمم
املتحـدة خطـة متتـد مخس سـنوات من أجـل «بناء املسـتقبل الـذي نريد»،
وثمـة عـدد مـنوهـو مسـتقبل أكثـر أمنًـا وأمانًـا واسـتدامة وإنصا ًفـاَّ .
املقتضيـات احلاسـمة تقع يف صميـم هذه اخلطة ،هـي :التنمية املسـتدامة،
ومنـع وقـوع النزاعـات والتخفيـف مـن حدهتـا ،ومنـع اإلسـاءة حلقوق
اإلنسـان ،وتقليـص تأثري الكـوارث الطبيعيـة إىل احلد األدنـى ،وبناء عامل
أكثـر أمنًـا ودعـم البلدان التي متـر بمراحـل انتقالية ،والعمـل عىل إرشاك
مواهب الشـباب والنسـاء.
ـ كان 150بلـدً ا خلال الفترة بني 2010و2011م تعمـل مع برنامج األمم
اسـتثامرا يبلـغ 2.5بليـون
ً املتحـدة اإلنامئـي يف تنفيـذ 323مرشو ًعـا متثـل
دوالر أمريكـي ضمـن أولويات البيئـة والتنمية املسـتدامة لتلـك البلدان.
ـ كان تقريـر «نحـو هنـج معـزز للطاقـة ملصلحـة الفقـراء» ،الـذي أصـدره
برنامـج األمـم املتحـدة اإلنامئي لعـام 2011م قد دعـا إىل إعـداد برنامج
للحصـول على الطاقـة بالتزامن مـع مبـادرات إنامئية أخرى ،بما يف ذلك
93
التمويـل ،والبنيـة التحتيـة للمواصلات ،واالتصـاالت ،واملـدارس،
واملرافـق الصحيـة ..واسـتنتج التقريـر أن توفير أشـكال مـن الطاقـة
املتجـددة للنـاس يمكـن أن يسـاعد على انتشـاهلم مـن الفقر.
ـ أشـار التقرير إىل الصناديق االسـتثامرية املواضيعية لربنامج األمم املتحدة
اإلنامئـي ،التي كان هدفهـا الرسعة واملرونة والفاعليـة يف تقديم اخلدمات
للمسـتفيدين وحريـة االختيـار للامنحني ..وأهـم هذه الصناديـق :املعني
بالفقـر ،واملعنـي باحلكـم الديمقراطـي ،واملهتـم بتحقيـق األهـداف
اإلنامئيـة األلفية ومنـع األزمات.
وإلعطـاء صـورة واضحة عن مسيرة التنميـة البرشيـة املسـتدامة ،كان البد من
الوقـوف عىل ما تضمنته التقارير السـنوية الدولية ودورها يف تأصيل فكرة االسـتدامة.
واجلـدول أدنـاه تـم إعـداده بجهـد الباحـث مـن أجـل إبـراز أهـم ما
حققتـه التنميـة البرشيـة على املسـتوىني الـدويل واإلقليمـي.
اجلدول رقم ()3
منجزات التنمية البرشية املستدامة عىل املستوىني اإلقليمي والدويل
عالقته موضوعه م تاريخ
بمفهوم صدور
االستدامة التقرير
94
جهود لتحقيق 1991 2م ركز التقرير عىل كيفية متويل التنمية البرشية ودعا إىل
التنمية خفض اإلنفاق العسكري واحلد من انخفاض كفاية
وتعميق القطاع العام واملرشوعات الومهية وهروب رؤوس
فكرها األموال للخارج ،كام حث عىل استئصال الفساد
املستدام. اإلداري وإعادة هيكلة امليزانية الوطنية بحيث تعطي
جوانب التنمية البرشية األمهية الالزمة ،وخلص التقرير
إىل أن السبب الرئيس يف تدهور التنمية البرشية يف
الدول النامية هو غياب االلتزام السيايس بقضايا التنمية
وليس ندرة املوارد.
ركز التقرير عىل األبعاد الدولية للتنمية البرشية جهود لتحقيق 1992 3م
التنمية ورضورة فتح األسواق العاملية أمام منتجات دول
العامل .وأشار إىل أن النظام احلايل لعمل األسواق حيقق وتعميق
فكرها مصالح الدول الغنية دون النامية.
املستدام.
تضمن التقرير تعريف التنمية البرشية بأهنا تنمية جهود لتحقيق
َّ 1993 4م
اإلنسان من أجل اإلنسان وبواسطة اإلنسان من خالل التنمية
العودة إىل توفري التعليم والتدريب واخلدمات الصحية وتعميق
فكرها والرتكيز عىل النمو االقتصادي والتوزيع العادل
املستدام. واملشاركة الشعبية عىل األصعدة كافة .وتطرق إىل
مفهوم األمن البرشي (أمن البرش وليس األرض فقط).
1994 5م متحور التقرير حول األمن اإلنساين :أمن البرش يف جهود لتحقيق
التنمية حياهتم وعملهم ودخلهم وصحتهم وبيئتهم .وحث
التقرير عىل التحول من األمن املرتكز عىل التسلح إىل وتعميق
فكرها األمن املرتكز عىل التنمية البرشية.
املستدام.
95
1995 6م أخذ التقرير توصيات املؤمتر العاملي الرابع للمرأة جهود لتحقيق
وركز عىل التباين بني أدوار اجلنسني يف العملية التنموية التنمية
كثريا مما جيب القيام به لتحقيق املساواة .وتعميق
وأكد أن هناك ً
وأضاف مؤرشين مها :التاميز يف اإلنجازات املحققة بني فكرها
اجلنسني ،وإمكانية املشاركة الفعالة للرجل واملرأة يف املستدام.
االقتصاد والسياسة.
1996 7م َت َقدَّ م التقرير خطوة يف التحليل اهلادف إىل ربط النمو جهود لتحقيق
التنمية االقتصادي بالتنمية البرشية؛ حيث أكد أن النمو بمثابة
وتعميق وسيلة للوصول إىل التنمية البرشية .وأوضح التقرير
فكرها تناقضا بني التنمية
طبيعة العالقة وقوهتا بينهام وأن هناك ً
البرشية ونصيب الفرد؛ فرتتيب الدول حسب دليل التنمية املستدام.
ال يامثل ترتيبها حسب الدخل ،وأكد التقرير أن املؤرشات
تربز أخطاء الرضا عن النفس؛ فالتحدي أوسع وأعمق
ويتطلب اهتام ًما بعدة تدابري ذكرها التقرير.
جهود لتحقيق 1997 8م تم الرتكيز عىل التنمية من أجل القضاء عىل الفقر
التنمية واعتباره حرمانًا من خيارات وفرص العيش واحلياة
وتعميق املقبولة وأن له جوانب كثرية يصعب قياسها أو مل ُت َق ْس
فكرها بعد وجيب تركيز اجلهود للقضاء عليه بتعزيز موارد
املستدام. الفقراء وتعزيز األسواق املنارصة هلم ،والرقم القيايس
للفقر العاملي رصف االهتامم عن قضايا أخرى.
جهود لتحقيق 1998 9م تم الرتكيز عىل االستهالك وأمهيته وأن أنامطه الشائعة
التنمية ختدم التنمية البرشية غدً ا ،وأنه وسيلة رضورية وله
وتعميق أثر يف حتسني املعيشة ويسهم يف التنمية عندما يوسع
فكرها القدرات ويثري حياة البرش دون أن يؤثر عىل رفاه
املستدام. اآلخرين أو عندما يكون منص ًفا جتاه األجيال القادمة.
96
1999 10م تناول الوجه اإلنساين للعوملة «انكامش املكان والزمان جهود لتحقيق
واختفاء احلدود» وسيطرة األسواق عىل التحول العاملي التنمية
تقاسم ً
عادل وتعميق ً الواسع دون أن جيري تقاسم فرص العوملة
بني الشعوب واألفراد ،وأن ما تقدمه العوملة من فرص فكرها
للتقدم البرشي يف املجاالت كافة له خماطر عىل األمن املستدام.
اإلنساين ،وهذه املخاطر ستصيب األفراد يف الدول
الغنية والفقرية .وأهم هذه التهديدات :عدم االستقرار
املايل ،غياب األمان الوظيفي ،عدم استقرار الدخل،
غياب األمان الصحي والثقايف والشخيص والبيئي
والسيايس واملجتمعي.
جهود لتحقيق 2000 11م
التنمية حقوق اإلنسان باعتباره جز ًءا من عملية التنمية.
وتعميق
فكرها
املستدام.
2001 12م تناول التقرير دور تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت جهود لتحقيق
التنمية يف التنمية االقتصادية واالجتامعية وأمهية استثامرها يف
وتعميق دفع عجلة التقدم.
فكرها
املستدام.
2002 13م ركز التقرير عىل تعميق مفهوم الديمقراطية باعتباره جهود لتحقيق
التنمية النظام األقدر عىل منع نشوب الرصاعات واالستدامة
وتعميق والرفاه من خالل توسيع خيارات املجتمع حول
الطريقة التي ُيدار هبا البلد ،وما تظهره الديمقراطية من فكرها
املستدام. مميزات يف املساءلة واملشاركة يف التنمية.
97
2003 14م حدد التقرير أهداف التنمية لأللفية وغاياهتا بالنقاط التالية :جهود لتحقيق
ـ استئصال الفقر واجلوع «إنقاص نسبة من يقل دخلهم التنمية
وتعميق عن دوالر واحد يف اليوم إىل النصف».
فكرها ـ حتقيق التعليم االبتدائي الشامل.
املستدام. ـ احلض عىل املساواة بني اجلنسني ومتكني النساء.
ـ ختفيض نسبة وفيات األطفال دون سن اخلامسة
بمقدار الثلثني.
ـ ختفيض معدل وفيات النساء إبان احلمل والوضع
بنسبة ثالثة أرباع.
ـ مكافحة فريوس اإليدز واملالريا واألمراض األخرى.
ضامن االستدامة البيئية.
ـ تطوير رشاكة عاملية شاملة للتنمية.
2004 15م أكد التقرير رضورة السامح للناس بأن يعيشوا نوع جهود لتحقيق
التنمية احلياة التي يريدوهنا ومتكني مجيع فئات الناس ،خاصة
وتعميق الفقراء واألقليات العرقية واملهاجرين ،من املشاركة
فكرها بفاعلية يف احلياة السياسية والعامة يف بلداهنم.
املستدام.
جهود لتحقيق 2005 16م ناقش التقرير ـ مع استمرار مشكلة الفقر واجلوع يف
التنمية الدول النامية (يعيش أكثر من مليار إنسان بأقل من
وتعميق دوالر واحد للفرد يوم ًّيا) بسبب عدم التزام الدول
فكرها املتقدمة بتقديم مساعداهتا للدول النامية ـ التعاون
املستدام. الدويل إلنجاز أهداف التنمية وتفعيل دور املنظامت
الدولية واإلقليمية والدول املانحة يف تقديم املعونات
وأمهية حترير التجارة العاملية.
98
2006 17م تناول التقرير أهم التحديات التي تواجه التنمية ،وهي :جهود لتحقيق
التنمية الطاقة والفقر أزمة املياه.
وتعميق
فكرها
املستدام.
استشعار /2007 18تناول التقرير القضايا البيئية ومحل عنوان« :حماربة
اخلطر وتبني تغري املناخ ..التضامن البرشي يف عامل منقسم»، 2008
وشمل تفاصيل حجم التهديدات التي تشكلها ظاهرة التنمية
االحتباس احلراري .وأكد التقرير أن العامل يتجه اآلن املستدامة
خيارا
ً فقرا
نحو نقطة فاصلة يمكن أن تلقي بالدول األكثر ً
فقرا يف هاوية سحيقة ،سيعاين نتيجة مصري ًّيا. ومواطنيها األكثر ً
هلا مئات املاليني من البرش سوء التغذية وندرة املياه
والتهديدات البيئية واخلسائر اهلائلة يف األرواح.
استشعار 2009 19م تناول التقرير قضية اهلجرة داخل البالد وبني البالد
اخلطر وتبني وبعضها البعض وأسباهبا ونتائجها ومنافعها ،وكيف
التنمية يمكن لسياسات أفضل موجهة نحو التنقل أن تعزز
املستدامة التنمية البرشية.
خيارا ً
مصري ًّيا.
استشعار 2010 20م صادف عام 2010مرور 20سنة عىل إصدار أول
اخلطر وتبني تقرير ،وفيه تم تأكيد مجيع املؤرشات السابقة وأن التنمية
التنمية البرشية هي األساس وعنوان التقرير «الثروة احلقيقية
املستدامة لألمم» .وأشار إىل مقاييس التنمية وإضافة مقياس عدم
خيارا
ً املساواة والفوارق بني اجلنسني ،وقياس الفقر بدليل
مصري ًّيا. الفقر متعدد األبعاد.
99
استشعار 2011 21م االستدامة واإلنصاف :وتتمثل يف مستقبل أفضل
اخلطر للجميع ،ومحاية حق األجيال اليوم يف حياة صحية
والئقة ،وضامن حق أجيال املستقبل ،وذلك هو التحدي وتبني التمية
للقرن احلادي والعرشين ،وقدم التقرير مدى االرتباط املستدامة
خياراً بني االستدامة ومبدأ اإلنصاف ،أي مبدأ العدالة
مصري ًّيا. االجتامعية ،وإتاحة املزيد من الفرص حلياة أفضل
للجميع ،كام تضمن دعوة لإلصالح من أجل حتقيق
اإلنصاف باعتباره مسؤولية مشرتكة جتاه الفئات املحرومة
يف خمتلف أنحاء العامل ،سواء أكانت تعيش بيننا اليوم ،أم
تعيش يف املستقبل ،حتى ال يكون احلارض عدو املستقبل.
2012 22م ناقش التقرير بعنوان :املستقبل املستدام الذي نريد .وركز استشعار
التقرير عىل موضوع احلد من الفقر وحتقيق األهداف اخلطر وتبني
التنمية اإلنامئية لأللفية .وتطرق إىل احلكم الديمقراطي ومنع
األزمات واالنتعاش منها ،ثم البيئة والتنمية املستدامة ،املستدامة
خيارا مصري ًّيا.
ً وتناول صناديق وبرامج األمم املتحدة اإلنامئية.
استشعار 2013 23م ناقش التقرير قضية بعنوان :هنضة اجلنوب واعتربها
اخلطر وتبني ظاهرة ال سابق هلا من حيث الرسعة والنطاق؛ فقد
التنمية كانت نتيجة لتوسيع إمكانات األفراد وحتقيق مطرد
املستدامة يف التنمية البرشية يف بلدان هي األكرب من حيث عدد
خيارا
ً السكان ويقدرون باملاليني ،وهلذا التقدم تأثري مبارش
مصري ًّيا. عىل توليد الثروات وتقدم اإلنسان يف مجيع بلدان العامل
ويظهر التقرير أربعني بلدً ا من البلدان النامية أحرزت
تقد ًما يفوق التوقعات يف العقود املاضية يف خمتلف أبعاد
التنمية ويتناول التقرير أسباب هنضة اجلنوب وحيدد
السياسات املنبثقة من هذا الواقع .وأشار التقرير إىل
حمركات التحول يف التنمية وهي:
100
الدولة اإلنامئية الفاعلة :وهي التي تتوىل مسؤولية وضع
السياسات للقطاعني العام واخلاص ،مستندة إىل رؤية
ثاقبة وقيادة قوية ومعايري مشرتكة وقوانني تبني الثقة.
اخرتاق األسواق العاملية :أدت األسواق العاملية ً
دورا
مهمًّ يف حفز التقدم؛ حيث اعتمدت البلدان حديثة
العهد يف التصنيع إسرتاتيجية تقيض باسترياد ما للعامل
خربة به وتصدر ما حيتاج إليه.
ناقش التقرير قضية االبتكار يف السياسات االجتامعية؛
حيث إن األدوات األساسية للسياسة االجتامعية قد
ال تنجح يف متكني املجموعات املحرومة فينتفض
الفقراء للتعبري عن مهومهم بينام ال تضمن احلكومة
وصول اخلدمات إىل كل فرد ،وجيب أن تكون السياسة
االجتامعية شاملة وفق خطط تعتمد عىل قطاعات
الدولة كافة.
اجلدول من إعداد الباحث.
ومن خالل استعراض االجتاهات الواردة يف التقارير آنفة الذكر نلحظ ما ييل:
1ـ أن التنميـة البرشيـة املسـتدامة مل يتبلـور منظورهـا إال بعد تطـور الفكر
التنمـوي وتطبيقـات التنميـة املختلفة وقضاياهـا املتشـعبة واملتداخلة،
االقتصاديـة واالجتامعيـة والبيئيـة ،وهـي مـا زالت تتطـور إىل اليوم.
2ـ أن التنميـة املسـتدامة تعـد تطـورا فكريا للتنميـة التقليديـة التي مل ِ
تؤت ًّ ً
أكلهـا بعـدُ عىل الرغـم من اجلهـود املختلفـة لتصبـح املسـتدامة حمركة
هلـا وعاملة مـن أجلها.
3ـ جعلـت املخاطـر البيئيـة املحدقة بالعـامل التنمي َة املسـتدام َة تأخذ املبادرة
وتصبـح خيـار املصير املشترك ،على الرغـم مـن أن حقيبـة التنميـة
البرشيـة وقضاياهـا البسـيطة واملجمـع عليهـا مليئـة وتزداد سـو ًءا.
101
أما أهم ميزات هذه التقارير (كام يشري فرجاين2004 ،م) فهي:
1ـ أهنـا تتنـاول التنميـة بوصفهـا قضيـة شـاملة ذات أبعـاد اقتصاديـة
واجتامعيـة وسياسـية وثقافيـة وبيئيـة.
2ـ أهنا تؤكد أن البرش هم هدف التنمية وليسوا أدوات هلا.
3ـ أهنا تتابع تقدم التنمية يف الشامل واجلنوب عىل حد سواء.
4ـ أهنا تشجع عىل العمل املشرتك.
5ـ أهنا تقدم بيانات تسهم يف جعل دراسة القضايا علمية وعقلية.
6ـ أهنـا ليسـت مفروضـة وال يوجـد نمـوذج واحد مطبـق يف مجيع احلـاالت ،مما
يشـجع عىل إصـدار التقاريـر إلجراء املقارنات واكتشـاف أحسـن املامرسـات.
102
والتنمية املسـتدامة بأبعادها الثالثة :البيئيـة واالقتصادية واالجتامعية،
بدأت تشـكل املسـتقبل بعدما استشـعر اإلنسـان املخاطر البيئية التي بدأت
هتدد كوكب األرض.
ولذلـك نجـد أن الفكـر التنمـوي املسـتدام أصبـح رفي ًقـا للتنميـة
احلديثـة ،بل أصبح أي نشـاط تنمـوي خاض ًعا لرقابة هذا الفكر ،السـيام أن
هـذا املنظور بدأت تتشـكل معامله ونظرياتـه؛ فالتنمية االجتامعيـة والبرشية
يف جوانبهـا املتعـددة ومشـكالهتا البد أن تعـاد صياغتها مـن جديد لتصبح
مسـتدامة وتقـوم بالـدور املنـوط هبـا ،ومن ذلـك القيـام بام ييل:
1ـ مراجعـة تصميـم الربامـج التنمويـة بام حيقق اسـتدامة التنميـة ومراعاة
تطبيـق الضوابـط إذا كان ذلـك ممكنًـا ،أمـا الربامـج القديمـة فيضـاف
إليهـا وحتسـن بام حيقـق أبعـاد االسـتدامة احلقيقية.
هنجـا وطريقة 2ـ ربـط التعليـم وبراجمـه وبيئتـه وأهدافـه باالسـتدامة ليصبح ً
وبيئـة وأسـلوب تعليم ،لينشـأ اجليـل يف بيئة مسـتدامة؛ فاإلنسـان ابـن بيئته.
3ـ االهتمام بالصحـة وكيـف تتحقـق بشـكل مسـتدام عـن طريـق توفري
البيئـة الصحيـة والغـذاء الصحـي؛ فالوقاية خير من العلاج .والفكر
املسـتدام يعترب مرك ًبا سـحر ًّيا يوضع على الرتاب فيجعلـه ذه ًبا ،وليس
يف ذلـك مبالغـة ،لكـن هـذا الفكر القـادم إذا تشـبعته العقـول من أهل
االختصـاص وغريهـم تصبـح تطبيقاتـه وأفـكاره ال حرص هلا.
4ـ مراقبة النمو السـكاين واملسـاكن وفق مبادئ هندسية وبيئية واقتصادية؛
أفـكارا ال ختطـر على بـال لتحـل مشـكالت اليـوم
ً فالتطويـر يسـتلزم
والغـد وتسـلم البيئـة لألجيـال القادمة نظيفـة مصونة.
5ـ حتقيـق األمـن البشري بمفهومـه املسـتدام مـن أجـل إحالل السـكينة
103
والسلام والوئـام واألمـان واالطمئنـان يف بيئـات وقيـم واعتقـادات
وقناعـات حتقـق ذلـك ،يرتبـط من خالهلـا اإلنسـان بالكـون وباخلالق
وبمـن حولـه بطاقـات إجيابيـة نافعـة لـه وحمققة لسـعادته.
حكـرا على أحـد مـن متعلمين ً 6ـ ومعلـوم أن الفكـر املسـتدام ليـس
ونخبويين ،بـل هـو حـق لـكل إنسـان حيمـل مهـوم بيئتـه وجمتمعـه،
وهـي نظـرة ثاقبـة للمسـتقبل ملـن يشـعر أن هـذه األرض بـدأت تفقد
مواردهـا ،ونتـاج هـذا الفكـر كـم هائـل مـن املعـارف والتطبيقات ال
يمكـن حصره وجتمعـه الثقافـة اإلنسـانية ..وعندهـا سـتصبح التنمية
االجتامعيـة والبرشيـة املسـتدامة ممتـدة بام حيقق سـعادة اإلنسـان وأمنه
أيضا
واسـتقراره وسلامته عىل هذا الكوكـب ،بل يتعداهـا إىل عالقاته ً
باألنظمـة الكونيـة األخـرى وبما يضمـن حقـوق اجلميـع مـن أجيال
قادمـة وأنظمـة كونيـة يتأثـر هبـا اإلنسـان واملجتمعـات ويؤثـرون فيها.
.6اخلالصة
إن التطـور يف مفهـوم التنميـة االجتامعيـة والبرشيـة أكسـبها أبعـا ًدا
ومـؤرشات جديـدة أضافـت هلـا مقاييـس متعـددة ،وأصبحـت التنميـة
االجتامعيـة والبرشيـة املسـتدامة مرك ًبـا جديـدً ا البـد لتحقيقـه أن حيـوي
جمموعـة مـن العنـارص تتعلـق بأمـن اإلنسـان وصحتـه وحريتـه وجمتمعـه
ومـا يوفـره مـن عدالـة وإنصـاف وحريـة ومشـاركة ومتكني وكل مـا حيقق
سـعادته ويضمـن لـه العيـش الرغيـد والسـعادة الدائمـة.
وسـيظل املـورد البشري هـو العنصر الفاعل يف الكـون ،فيكـون منه
الفاعلـون واملخططـون واملمولـون واملفكـرون ،ومـن تعـاون كل هـؤالء
يكـون األداء األمثـل للتنميـة املسـتدامة .فاملفكـرون ين ِّظـرون ويبتكـرون
104
ويتعاملـون هبـدف التطويـر .والبشر املخططـون هـم الذيـن يتلقفـون
وحيولوهنـا اىل خطـط وبرامج أداء ومـؤرشات للرقابة األفـكار والنظريـات ِّ
على األداء ،والبشر العاملـون ينفـذون هـذه اخلطـط ،واملمولـون يكفلون
كل مـن :التنظير والتخطيـط والتنفيـذ. تدفقـات ماليـة تفـي باحتياجـات ِّ
وعندهـا تكـون النتائـج اجليـدة بالتوافـق والتكامل بين هـذه املجموعات
البرشيـة ويرتفـع األداء إىل حـدود أعلى ودرجـات أجـود كلما كانت هذه
املجموعات يف أحسـن حاالهتـا صح ًّيا واقتصاد ًّيا وعلم ًّيـا وهذا هو األهم.
أمـا العلـم وحـده مع أمعـاء خاوية فال ينتـج ،ومع صحة معتلـة فال يعطي،
ومـع أحـوال معيشـية سـيئة فيتقهقـر ويتعثـر ،ومـن هنـا كانت النظـرة إىل
تنميـة برشيـة مسـتدامة حاجـة ملحـة ال تقبل التأخير وال التسـويف ،فهل
نحـن مسـتعدون هلـا وعازمـون على حتقيقها؟
105
املراجــــع:
عبـاس ،صلاح (2010م) .التنميـة املسـتدامة يف الوطـن العريب .مؤسسـة
شـباب اجلامعة .اإلسـكندرية.
عبداخلالـق ،عبير (2014م) .التنميـة البرشيـة وأثرهـا على حتقيـق التنمية
املسـتدامة .الـدار اجلامعية .اإلسـكندرية.
العبيـدي ،عبداجلبـار حممـود (2012م) .خرافـة التنمية البرشية املسـتدامة
(دراسـات يف إشـكالية الفكـر االقتصـادي) .دار احلامـد للنشر
والتوزيـع .عمان.
الغامـدي ،عبدالعزيز بـن صقـر (2006م) .تنمية املوارد البرشيـة ومتطلبات
التنميـة املسـتدامة لألمن العريب .جامعـة نايف العربيـة للعلوم األمنية
أنموذجـا .بريوت .امللتقـى العريب الثالث للرتبيـة والتعليم.
ً
106
الفصل الرابع
املقدمـة
تنطلـق التنميـة املسـتدامة من مبـدأ ضامن عـدم اإلرضار بقـدرة األجيال
القادمـة على تلبيـة حاجاهتـا ،ويتط ّلـب هـذا عـدم اسـتنزاف املـوارد الطبيعية
عندمـا تُلبـي األجيـال املعـارصة حاجاهتـا مـن الطاقـة ،أي أن واجـب هـذا
اجليـل اعتماد التنمية املسـتدامة التـي تتحقق من خلال التفاعل بين االقتصاد
واملجتمـع والبيئـة بشـكل ُي ّقـق العدالـة االجتامعيـة ،وحيافـظ على البيئة من
التلـوث ،وعلى املـوارد الطبيعيـة مـن االسـتنزاف .وترتبـط التنمية املسـتدامة
ارتبا ًطـا وثي ًقـا بمصـادر الطاقة التي نسـتعملها ،فلا يمكن احلديـث عن تنمية
مسـتدامة مـن دون احلديث عن االعتامد على مصادر للطاقـة ،نظيفة ومتعددة،
وال يمكـن حتقيـق النمـوذج املسـتدام للتنمية دون التحـول يف منظومـة الطاقة
ً
وصـول إىل احلديث إىل مصـادر متجـددة ومتنوعـة؛ فالعالقـة حتميـة بينهما،
عـن طاقة القـرن احلـادي والعرشيـن؛ حيث سـيتم تنـاول املفاهيم األساسـية
للتنميـة االقتصاديـة املسـتدامة ،وخصائـص الثقافـة االقتصاديـة التقليديـة،
وأمهيـة التحول نحو النموذج املسـتدام للطاقـة ،والبعد االقتصـادي يف التنمية
املسـتدامة ،ودور الطاقـات املتجـددة يف حتقيقها.
109
و ُيسـهم النمـو االقتصـادي يف توسـيع اخليـارات أمـام األفـراد،
واحلكومـات ،واملنظمات املجتمعيـة املختلفة؛ ممـا يزيد من إمكانـات زيادة
هوامـش احلريـة أمـام اإلبـداع واالبتـكار لألفـراد ،ويسـاعد احلكومـات
على القيـام بـأدوار مهمـة ،مثـل الرعايـة االجتامعيـة ،والتعليـم ،والصحة
بشـكل أفضـل (نصر2004 ،م) .إن توسـيع نطاقـات احلريات اإلنسـانية
(كما يـرى أمارتيا سـن2000 ،م) يتـم بإزالة مجيـع مهددات احلريـة ،مثل:
الفقـر ،والبطالـة ،ورفـض حريـة املشـاركة بسـوق العمل ،وشـح الفرص
االقتصاديـة ،وغيـاب الشـفافية ،وتقييـد التبـادل واملعاملات التجاريـة،
ً
بـدل مـن النظريات ضيقـة األفق يف نمـو الناتـج القومي ،أو زيـادة الدخل
الشـخيص ،أو التصنيـع ،أو التقـدم التقنـي.
الكـم الـذي حيصـل عليـه الفـرد منّ ويركـز النمـو االقتصـادي على
السـلع واخلدمـات يف املتوسـط ،وال هيتـم هبيـكل توزيـع الدخـل احلقيقي
بين األفـراد؛ فقد تكـون الزيادة يف متوسـط الدخـول احلقيقية مـن دون أن
تسـتفيد رشحيـة عريضـة مـن األفـراد ،كما أن النمو ال هيتـم بنوعية السـلع
واخلدمـات التـي حيصـل األفـراد عليهـا ،وال نوعيـة التغيير يف اإلنتـاج،
بحيـث تتامثـل زيـادة اإلنتـاج السـينامئي ً
مثلا مـع الزيـادة يف إنتـاج املـواد
األساسـية ،كاخلبـز واحلليـب ،بالقيمـة نفسـها ،على الرغـم مـن اختلاف
أمهيتهـا لـدى األفـراد .كما هيمـل النمـو االقتصـادي السـلع واخلدمـات
ُعرض يف السـوق ،كما أنه ال يعكـس التغريات التـي تُنتَـج وتسـته َلك وال ت َ
السـلبية املصاحبـة للنمـو االقتصـادي املـادي ،كارتفاع معـدالت اجلريمة،
وتفاقـم اآلفـات االجتامعيـة ،ومشـكلة التلـوث البيئـي؛ لذلك فـإن النمو
مفهـوم غير شـامل لـكل التغيرات املتعلقـة برفاهيـة الفـرد؛ وعلى هـذا
األسـاس؛ فـإن النمـو مفهـوم كمـي يركّـز على كميـة التغير دون االهتامم
بنوعيـة التغير وكيفيتـه (علام2011 ،م).
110
وال بـد للتغري الـذي يصاحب جهود التنمية أن يشـمل مجيـع النواحي
االجتامعيـة ،والسياسـية ،والبيئيـة ،واإلدارية ،واالقتصادية ،على اعتبار أن
اإلنسـان حمـور جهـود التنميـة ،وال تسـتقيم حياته بزيـادة دخلـه فقط ،وال
بـد أن ينعكـس ذلـك عىل بقيـة النواحـي الصحيـة ،واالجتامعيـة ،والبيئية؛
لذلـك يمكـن التعاطـي مـع نظريـات التنميـة والنظـر إليهـا مـن خلال
النظريـات السياسـية ،أو النظريـات االجتامعية ،أو النظريـات االقتصادية،
وهـي مـا هيمنـا يف هـذا الفصـل ،أو غريها مـن نظريـات التنميـة األخرى.
وتركّـز النظريـات االقتصاديـة على زيـادة الدخل القومـي ،وتفرتض
أن الظـروف السياسـية واالجتامعيـة ثابتـة ،وأن التغيير االقتصـادي كفيل
بـأن ُيـدث التغيير باجلوانـب األخـرى .وختتلـف النظـرة إىل التنميـة
االقتصاديـة بين املـدارس االقتصادية؛ فالرأسماليون يـرون أن زيادة رأس
املـال تـأيت نتيجـة جهـود األفـراد؛ لـذا فقـد كان لزا ًمـا على الدولـة توفير
احلريـة االقتصاديـة لألفـراد ،وأال تتدخل يف نشـاطاهتم .والتنميـة وفق هذا
املنظـور تتنـاول زيـادة الثـروة القوميـة ،التـي هـي حصيلـة زيـادة ثـروات
يـر آدم سـميث ـ زعيـم هذه النظـرة ـ أي واجـب للدولة؛ ألن األفـراد .ومل َ
ذلـك يتعـارض مع مذهب احلريـة الفردية ،حتـى تطورت تلـك النظرة فيام
بعـد مـع أفكار كينـز وألفـرد مارشـال ،وتأكيدمهـا رضورة تدخـل الدولة؛
لتحقيـق األهـداف االقتصاديـة العامـة (القريـويت1988 ،م).
ويـرى كارل ماركـس ـ من ّظـر الفكـر املاركسي الـذي تقـوم عليـه
األفـكار االشتراكية ـ أمهية اضطلاع الدولة بدور قيادي ناشـط يف الشـؤون
االقتصاديـة ،وأمهيـة التخطيط املركزي ،وسـيطرة الدولة عىل وسـائل اإلنتاج
مـن دون االعتامد عىل قوى السـوق لتحقيـق التنمية ،لكن ذلـك جعله ينتهك
النزعـة الفطريـة البرشيـة ،واحلرية االقتصاديـة واالجتامعية؛ ممـا أدى إىل مزيد
111
مـن تـدين مسـتوى األداء ،وهـدر املـوارد اإلنتاجية وعـدم اسـتغالهلا بصورة
تتسـم بالكفايـة والفاعليـة .وال يعنـي اهنـزام النظـام االشتراكي بالضرورة
انتصـار األسـلوب الرأسمايل يف التنميـة ،فما زالت الرأسمالية تعـاين جمموعة
مـن األمـراض التـي مل تع َالـج منهـا ،مثـل :التوزيـع غير العـادل للدخـل
والثـروة ،والفقـر ،وغيـاب العدالـة االجتامعيـة ،وعـدم اسـتقرار األسـواق
املاليـة ،والتلـوث ،وغريهـا مـن األمـراض التـي مل تنتشر فقـط يف الـدول
الناميـة ،بـل امتـدت حتـى تشـمل املجتمعـات املتقدمـة (أمحـد2004 ،م).
يتبين أن الثقافة االقتصاديـة التقليدية التي سـادت يف دول
ومما سـبقّ ،
العـامل ،بشـقيه النامي والصناعـي ،مت ّيزت بمجموعـة من القيـم والقناعات
التـي أسـهمت بشـكل مبـارش وغير مبـارش يف زيـادة حـدة املشـكالت
االقتصاديـة واالجتامعيـة والبيئيـة يف هـذه الـدول ،ومـن هـذه القيـم على
سـبيل املثـال ال احلصر (أبوزنـط وغنيـم2004 ،م ،ص :)12 ،11
أ ـ االعتقـاد بـأن املـوارد موجـودة بشـكل غري حمـدود يف الطبيعـة :ويقول
أصحـاب هـذا االعتقـاد إنه يمكن اسـتغالل املـوارد يف إنتـاج البضائع
والسـلع املختلفـة ،وقـد تعامل أصحـاب هـذا االعتقاد مع قسـم كبري
شـجع عىل
ومهـم مـن املـوارد على أنـه ليـس لـه قيمـة؛ األمـر الـذي ّ
اسـتغالل هـذه املـوارد وإهدارهـا أكثـر وأكثر.
ب ـ االعتقـاد أنـه ليـس هنـاك حـدود للنمـو االقتصـادي :ومعـروف أن
اقتصـاد السـوق احلرة ال يأخـذ ذلك بعين االعتبار ،ويؤمـن أصحاب
هـذا االعتقـاد بـأن النمو يمكـن أن يسـتمر إىل مـا ال هناية.
ج ـ االعتقـاد أن النظـام االقتصـادي مغلـق ومتكامل وقائم بذاته :تناسـى
أصحـاب هذا االعتقـاد أن العوائـد االقتصاديـة املختلفة تعـدّ حصيلة
أيضا التكلفـة االجتامعية
اسـتغالل املـوارد الطبيعية .ويتجاهل هـؤالء ً
112
والبيئيـة التـي تنجـم عـن النشـاطات االقتصاديـة املختلفـة لإلنسـان؛
ألهنـا ال تظهـر يف قوائـم املوازنـات العامـة للشركات والـدول ،ولـو
كثيرا مـن هـذه الرشكات
ً ُأخـذت هـذه التكلفـة يف احلسـبان ّ
لتبين أن
رابحا.
خـارسا ،على الرغـم من أنـه يظهـر يف قوائـم املوازنـات ً
ً سـيخرج
د ـ االعتقـاد بـأن العمليـة الصناعيـة عمليـة خطيـة تبـدأ يف النقطـة «س»،
وتنتهـي يف النقطـة «ص» ،وهـذا النـوع مـن التفكير ال يأخـذ بعين
االعتبـار املضاعفـات الدائرية للعمليـة الصناعية؛ لذلـك فإننا نندهش
عندمـا تنجـم عـن نشـاطاتنا الصناعيـة نتائـج وآثـار بيئيـة واجتامعيـة
خطيرة ،فالشيء الـذي تنتجـه الشركات بعشرات املاليين مـن
الـدوالرات سـيكلفنا الح ًقـا مئات املاليين من الـدوالرات للتخلص
مـن آثـاره البيئيـة ومعاجلـة آثـاره االجتامعيـة.
هــ ـ االعتقـاد بـأن األكثـر هـو األفضـل ،ويبـدو هـذا يف سـلوك كثير من
الشركات والـدول على حد سـواء؛ فتحقيـق معدالت نمـو اقتصادي
أو أربـاح عاليـة يعنـي يف نظـر الكثرييـن أن األوضـاع على مـا يـرام،
صحيحـا؛ بدليـل مـا يشـهده العـامل اليـوم من
ً وهـذا يف الغالـب ليـس
مشـكالت بيئيـة نجمـت بفعل هـذه القناعـات؛ وألن الكـم ال يعكس
بالضرورة الكيـف والنوعيـة ،فكثري من الـدول ُتقق سـنو ًّيا معدالت
نمـو اقتصـادي مرتفعـة ،لكـن مـا زالـت هـذه الـدول على الرغم من
ذلـك تعـاين مشـكالت اقتصاديـة واجتامعيـة وبيئيـة خطيرة ،مثـل
الفـوارق االقتصاديـة واالجتامعيـة ،املكانيـة واإلقليميـة ،داخـل هـذه
الـدول ،والعجـز يف امليـزان التجـاري ،والفقـر ،والبطالـة ...إلـخ.
وحيـث إن القضيـة الكبرى يف عمليـة التنميـة تتم ّثـل يف نقطـة البدء،
ومـن ثـم فإن األولويـات كبرية وكثيرة وكلهـا مهمة ،فاجلانـب االجتامعي
113
مـن حيـث رفاهية األفـراد ،والتشـغيل ،وعدالـة التوزيع ،ال يقـل أمهية عن
النهـوض باإلنتاجيـة ،والنمـو االقتصـادي ،وتنويـع االقتصـاد الوطنـي،
ورضورة محايـة البيئـة ،واحلفـاظ على املـوارد الطبيعية وضامن اسـتدامتها،
كما ال يقـل أمهيـة عـن اجلانـب السـيايس ،وطريقـة التمثيـل واملشـاركة
املجتمعيـة ،ومناخ احلريات ،وترسـيخ العمل املؤسسـايت (نرص2004 ،م).
وعلى الرغـم مـن التأكيـد أن التنميـة عمليـة متكاملـة ،فـإن التنميـة
االقتصاديـة ال تـزال حتتـل مسـاحة مـن االهتمام أوسـع ممـا حتتلـه بقيـة
جوانـب التنميـة ،وربما كان مبعث ذلـك أن التنميـة االقتصاديـة تقوم عىل
معايير ماديـة ،وأهنـا ذات مـردود ملمـوس ،غري أنه جتـدر اإلشـارة إىل أن
التنميـة االقتصاديـة بمفهومهـا اجلديد ليسـت جمـرد حتقيق معـدالت عالية
مـن النمـو لإلنتـاج القومـي احلقيقي ،ولكنها تتسـع ألكثر مـن ذلك بحيث
تشـمل حتقيـق االرتقـاء والتقـدم جلميـع أفـراد املجتمـع يف مجيـع نواحـي
احليـاة املاديـة وغير املاديـة ،وهـذا كلـه يتطلـب إجـراء تغييرات جوهرية
يف أسـاليب اإلنتـاج وعالقات اإلنتـاج ،ويف البنيـان االجتامعـي ،والثقايف،
والسـيايس للمجتمـع (عبدالرمحـن1982 ،م).
فدائم مـا ُيوضع هـدف النمـو االقتصادي على رأس أهداف ولذلـك ً
السياسـات احلكوميـة؛ ذلـك أنه يمثـل اخلالصة املاديـة امللموسـة للجهود
االقتصاديـة وغير االقتصاديـة املبذولـة يف املجتمـع ،ومع ذلـك فهو رشط
كاف لتحسين املسـتوى املعيشي لألفـراد ،ويتم ّثـل رضوري ،لكنـه غير ٍ
اجلانـب اآلخـر مـن املعادلـة يف توزيـع النمـو املحقـق بعدالـة بين األفـراد
(نصر2004 ،م).
وكما أن عمليـة التنميـة متكاملـة مـن النواحـي :االقتصاديـة والسياسـية
واالجتامعيـة والبيئيـة؛ فـإن عمليـة التحـول املطلوبة حتتـاج إىل حامـل خيرجها
114
مـن الدائـرة املفرغـة ،وهـذا احلامـل هـو االقتصـاد الـذي حتـدث التغييرات
فيـه بشـكل أسـهل وأرسع مـن بقيـة اجلوانـب؛ حيـث إهنـا تدفـع باجتـاه تغيري
السـلوكات واألخالقيـات نحـو ثقافة العمـل ،واحرتام الوقت ،واالسـتثامر يف
اإلبـداع ،مع عدم إمهـال اجلوانب األخـرى االجتامعية ،والثقافية ،والسياسـية،
والبيئيـة ،فهـي بحاجـة إىل حامـل اقتصـادي قوي يتمكّـن من متويلهـا .وحيتاج
االسـتثامر يف الرعايـة االجتامعيـة ويف رأس املال البرشي إىل بنيـة اقتصادية قوية
للنهـوض بـه بوصفـه مرحلـة أوىل ،ويتط ّلـب هـذا إرادة سياسـية مـن جهـة،
وتوجيهـا للعمـل املؤسسـايت خلدمـة النمو من جهـة أخرى (نصر2004 ،م). ً
115
واالجتامعيـة ،والـذي ُيـراد منـه حتسين مسـتوى الرفاهيـة لإلنسـان مـن
خلال زيـادة نصيبـه يف السـلع واخلدمـات الرضورية؛ غير أن هـذا ّ
يتعذر
حتقيقـه يف ّ
ظـل حمدوديـة املـوارد املتاحة ،مـا مل تتحقق العنارص الرئيسـة هلذا
البعـد ،املمثلـة فيما يلي (الغامـدي2007 ،م):
-توافـر عنـارص اإلنتـاج الرئيسـة ،ويف مقدمتهـا :االسـتقرار ،والتنظيـم،
واملعرفـة ،ورأس املـال.
-رفـع مسـتوى الكفايـة والفاعليـة لألفـراد واملنظمات املعن ّيـة بتنفيـذ
السياسـات والربامـج التنمويـة.
النمـو يف خمتلـف جمـاالت اإلنتـاج؛ لزيـادة معـدل
ّ -زيـادة معـدالت
الدخـل الفـردي ،وتنشـيط العالقـة ،والتغذيـة الراجعـة بين املدخلات
واملخرجـات.
-االهتمام بالثـروات واملـوارد املكتشـفة واملخزونة مـن الطاقـة بأنواعها،
وبمختلـف مصادرهـا الناضبـة والقابلـة للتجدد.
تعبريا
ثـم ،فقـد أصبـح حتقيـق معـدل النمـو االقتصـادي املسـتدام ً ومـن ّ
عـن العمليـة التنمويـة بكاملهـا ،وهـو دليل آخر على عدم جـدوى الفصل بني
السياسـة واالقتصـاد من جهـة ،وبينهام وبين العالقات االجتامعيـة واخللفيات
الثقافيـة للمجتمعـات من جهة أخرى .واهلـدف احلقيقي لرفـع معدالت النمو
االقتصـادي هـو اإلنسـان؛ ألنـه املصدر الرئيـس هلذا النمـو عىل املـدى البعيد؛
لـذا ينبغـي التفريـق بين النمـو االقتصـادي بوصفـه ً
فعلا تلقائ ًّيـا ،والتنميـة
االقتصاديـة بوصفهـا ً
فعلا إراد ًّيـا .إن التنميـة االقتصادية املسـتدامة تعدُّ نتيجة
سياسـات ومؤسسـات وتغيرات هيكلية وعلمية؛ وبالتايل ليسـت جمـرد عملية
تلقائيـة كما كان سـائدً ا يف األدبيات الكالسـيكية (نصر2004 ،م).
116
ومـع النمـو غير املحسـوب لتزايـد أعـداد السـكان الـذي يتضاعـف،
والـذي ال ُيقا َبـل بتزايد يف األرايض املسـتغ َّلة إلنتاج املـوارد الغذائية ،وظهور
قضايـا البيئة ،مثل :تدهور طبقـة األوزون ،واالحتباس احلـراري ،واألزمات
الغذائيـة ،واملجاعـات ،وتقريـر نـادي روما عـام 1972م «حـدود النمو» أن
النمـو االقتصـادي املسـتمر سـيتوقف يف أحـد األيـام بسـبب نضـوب املوارد
الطبيعيـة ،مثـل الطاقـة األحفوريـة ،وتزايـد االنبعاثـات الكربونيـة منها ،وما
زامـن ذلـك يف مؤمتـر األرض باسـتوكهومل وإنشـاء برنامـج األمـم املتحـدة
للبيئـة ،وأنشـطة جلنـة برونتالنـد التـي بحثـت العوائـق الرئيسـة التـي تقـف
يف وجـه النمـو االقتصـادي ،والتـي هتـدد البيئـة عندما نشرت تقريرهـا عام
1987م حتت عنوان« :مسـتقبلنا املشترك»؛ لذلك فإن االسـتدامة االقتصادية
هـي «الربدايـم» واملشروع اجلديـد للسلام واألمـن العامليين ،وهـي البديل
لأليديولوجيات الرأسمالية واالشتراكية ،ومن خالهلا يمكـن أن تكون هناك
معـدالت مقبولـة للتنميـة ،ويف الوقـت نفسـه احلفـاظ على البيئـة وثرواهتـا،
وضمان حقـوق األجيـال القادمة .ولتحقيق هـذه الطموحـات جمتمعة ،فالبد
مـن البحـث عـن طرائـق ومناهـج بديلـة ،وأن ُيبـذل جهـد عاملـي مشترك،
وإبـداع واكتشـاف مصـادر جديـدة ومتجـددة للطاقـة التقليديـة ،وأجهـزة،
وتقنيـات ،ومصانـع ،ووسـائط نقل نظيفـة وصديقـة للبيئة ،وأسـاليب ُت ّول
املخرجـات الزائدة والفضلات والنفايات إىل عوائـد ومدخالت مرة أخرى،
واألهـم مـن ذلـك كلـه أن تُسـهم حركة االسـتدامة هـذه يف توعيـة أنامط من
البشر واملجتمعـات وااللتـزام بأخالقيـات وسـلوكات أكثـر إنصا ًفا ،وأشـد
احرتا ًمـا للبيئـة املحيطـة هبم.
أما السـبيل لرتمجة هـذه املبـادئ واملنطلقات التي تطرحها االسـتدامة،
فهـو االقتصـاد األخضر ( ،)Green Economyالكفيـل بتحسين أحوال
117
البشر ،وتقليل هـدر املوارد ،وزيـادة كفاية اسـتثامرها ،واحلفاظ على البيئة
وتنوعهـا البيولوجـي ،وقـد صـدرت االتفاقيـة البيئيـة العامليـة اجلديـدة
( )GGNDعـام 2009م لرتسـم الطريق هلـذا التحول ،الـذي يكفل حتقيق
التـوازن بين أبعاد التنميـة املسـتدامة الثالثة.
أدخلـت األمم املتحـدة هذا املصطلـح يف ظل العامل اجلديـد ،وفيه ينبغي
أن تُرا َعـى املعايير البيئيـة عنـد اإلنتـاج؛ للدخـول إىل األسـواق العاملية ،مثل
املصانـع؛ حيـث ينبغـي أن يكـون فيهـا أجهـزة حتـدّ مـن التلـوث ،وكذلـك
ينبغـي أن تكون السـيارات واملنتجـات الزراعية مـن دون كيامويـات ...إلخ،
وقـد اسـتدعى هـذا إنشـاء مؤسسـة دولية متنـح املؤسسـات التـي تُط ِّبق ذلك
شـهادة املواصفـات ( ISO 1400اخلاصـة بالبيئـة) ،كما متتنـع البنـوك عـن
إقـراض املؤسسـات التـي مل تتقيد بمعايير البيئة املحـددة من األمـم املتحدة.
ونجـد ممـا سـبق ،أن االهتمام العاملـي بالبيئـة وحتقيـق اسـتدامتها
نابـع مـن االهتمام بمصـادر الطاقـة النظيفـة املسـتدامة باختلاف أنواعهـا
(الريـاح ،وتركيـز أشـعة الشـمس ،والطاقـة احليويـة ،واحلـرارة األرضية،
خيـارا إستراتيج ًّيا لتوفير املتطلبـات
ً والقـدرة املائيـة ...إلـخ) بوصفهـا
املسـتقبلة للتنميـة من الطاقـة ،خاصة مع وجـود كثري من التحديـات ،التي
مـن أمههـا :نضـوب مصـادر الطاقـة التقليدية (الفحـم والبترول والغاز)،
واملخاطـر النامجـة عـن اسـتغالل الطاقـة النوويـة ،باإلضافـة إىل االرتفـاع
املتزايـد يف معـدالت التلـوث واالحتبـاس احلـراري.
ويمكن مما سبق ،تلخيص أهم مبادئ االقتصاد املستدام ،فيام ييل:
ـ حتقيـق التـوازن بين التكاليـف البيئيـة والتكاليـف االقتصاديـة عنـد
إعـداد الربامـج واملرشوعـات وتقويمهـا؛ فالبيئـة قـد تعود عىل اإلنسـان
118
بأرضارهـا ،مثـل :الريـاح ،والـزالزل ،والرباكين ،وامليـاه ،والتغيرات
املناخيـة؛ ومـن ثـم فينبغـي تقليـل أثـر هـذه املخاطـر قـدر املسـتطاع،
بمعنـى :أن يتـم تقليل أرضار الطبيعة عىل نفسـها أو رضر اإلنسـان عليها
(االقتصـاد البيئـي).
ـ عـدم نقـل املـوارد مـن مكاهنا وبيئتهـا إىل أماكـن أخرى ،مثلما كان يفعل
املستعمرون.
تتعـرض هلـا املـوارد
ّ ـ مراعـاة معـدالت النضـوب واالسـتهالك التـي
الطبيعيـة ،وأن تُوضـع املـؤرشات احلرجـة للنضـوب ملقارنتهـا بمثيالهتا،
والبحـث عـن طاقـات بديلـة ومتجـددة.
ـ تفعيـل العالقـة بني املخرجـات وتغذيتها الراجعـة للمدخالت من خالل
إعادة التدوير واالسـتخدام.
ٍ
مورد ـ مراعـاة عمر الربامـج التنموية وسـقفها وزمنها؛ فترسيع اسـتخدام
مـا لـه كلفة بيئيـة عىل األجيـال القادمة وعلى الدول األخـرى حال ًّيا.
ـ اسـتبدال رأس املـال االصطناعـي بـرأس املـال الطبيعـي؛ ليبقـى مورو ًثا
لألجيـال القادمـة يسـاوي مـا ورثه اجليـل احلـايل يف قيمتـه وأمهيته.
ـ حتقيـق احلـد األمثـل مـن التداخل بين أبعاد التنميـة املسـتدامة من خالل
التكيـف الديناميكي بين البدائل.
119
تواجهـه بسـبب االسـتهالك املتنامـي حمل ًّيـا وعامل ًّيـا بصـورة تفـوق معـدل
النمـو االقتصـادي؛ لـذا ارتبطت التنميـة املسـتدامة ارتبا ًطا وثي ًقـا بمصادر
الطاقـة التـي تسـتعملها ،فلا يمكن احلديـث عن تنميـة مسـتدامة من دون
احلديـث عـن االعتماد على مصـادر نظيفـة ومتعـددة للطاقـة ،فالعالقـة
وتقديـرا ألمهيـة الطاقة من أجـل التنميـة املسـتدامةُ ،عنِ َي ْت
ً حتميـة بينهما.
هبـا اجلمعيـة العامـة لألمـم املتحـدة ،بموجـب قرارهـا 65/151لسـنة
2012م ،بوصفهـا السـنة الدوليـة للطاقـة املسـتدامة للجميـع؛ حيث متثل
السـنة الدوليـة للطاقـة املسـتدامة للجميـع فرصـة ثمينـة لزيـادة الوعـي
بأمهيـة احلصـول املسـتدام واملتزايـد على الطاقـة ،والوعـي بكفايـة الطاقة،
الصعد املحليـة ،والوطنيـة ،واإلقليميـة ،والدولية؛ والطاقـة املتجـددة على ُّ
أثـرا عمي ًقا على اإلنتاجية ،والصحـة ،والتعليم، حيـث إن خلدمـات الطاقة ً
وتغير املنـاخ ،واألمـن الغذائي واملائـي ،وخدمـات االتصـاالت؛ ولذلك
يعـوق عـد ُم إمكانيـة الوصول إىل مصـادر طاقة نظيفـة ،ومعقولـة التكلفة،
وموثـوق هبـا التنميـ َة البرشيـة ،واالجتامعيـة ،واالقتصادية ،كام أنه ُيشـكِّل
عقبـة أمـام حتقيق األهـداف اإلنامئيـة لأللفيـة.
ُعـرف الطاقـة بأهنـا« :القـدرة على القيـام بعمـل مـا» .فأ ًّيـا مـا كان وت ّ
العمـل ،فكر ًّيـا أو عضل ًّيـا ،فإنـه يتط َّلـب إلنجـازه كميـة مالئمـة مـن الطاقة
(طالبـي وسـاحل2008 ،م) .وتتضـح أمهيـة عنصر الطاقة لسـببني ،األول:
كونـه مسـتمدً ا من املـوارد الطبيعيـة ،واآلخر :ألن ناتـج اسـتعامل الطاقة يعدُّ
أخطـر املخرجـات ،وهـو الـذي يؤثـر على البيئـة؛ وبالتـايل يكـون لـه عالقة
اجللي أن الطاقة
ِّ رئيسـة بمتطلبـات حتقيـق التنميـة البرشيـة؛ حيث أصبـح من
تعـدُّ مـن العوامل املؤثـرة عىل التنميـة املسـتدامة .إن موضوع الطاقـة يعدُّ من
املوضوعـات الرئيسـة عامل ًّيـا؛ للعالقـة املرتابطة بينه وبين التنميـة االجتامعية
120
واالقتصاديـة .وحيتـل قطـاع الطاقـة وتقنياتـه مكانـة بـارزة بوصفـه املحـرك
الرئيـس لتطـور البلاد وهنضتهـا االقتصاديـة ،كما أن هـذا القطـاع يواجـه
حتديـات كبرية بسـبب االسـتهالك املتنامي للكهربـاء .وتُعدّ تكلفـة الطاقة من
املكونـات املهمـة يف املنافسـة الصناعية وأشـكال النفايات احليوانيـة والنباتية،
(موسشـيت2000 ،م) ،وقـد أدى إدخـال البعـد البیئي يف جمـال االقتصاد إىل
تغییر مفهـوم التنمیـة االقتصاديـة مـن اسـتغالل املـوارد االقتصاديـة النادرة
إلشـباع احلاجات اإلنسـانية املتعددة واملتجـددة ،إىل مفهوم التنمیة املسـتدامة
التـي حتافظ عىل املـوارد االقتصادیة لألجيـال القادمة؛ إذ إن اهلدف األسـايس
ٍ
متسـاو مـن تبني سـبل التنمیـة املسـتدامة هو القـدرة عىل التوصـل إىل توزیع
ومنطقـي ملسـتوى مـن الرفاهیـة االقتصادیـة یمكـن اسـتمراره دون نقص أو
إجحـاف بكثير من األجیـال املتعاقبـة (الكـواز2014 ،م).
وعندمـا ُيـدرس اسـتهالك الطاقـة يف أي قطـاع اقتصـادي ،فـإن
االسـتهالك النهائـي يمكـن دو ًمـا أن يـر ّد إىل واحـد أو أكثـر مـن مصـادر
الطاقـة األوليـة الثالثـة :الوقـود األحفـوري ،والطاقـة املتجـددة ،والطاقة
النوويـة ،كما يلي (إيفانـز2011 ،م):
1ـ الوقـود األحفـوري التقليـدي (النفط اخلام ،والغـاز الطبيعي ،والفحم
وت ّثل %79.6مـن الطلب العاملي. احلجـري)ُ ،
2ـ الطاقـة املتجـددة (الطاقة الشمسـية ،وطاقة الريـاح ،والطاقة احليوية)،
وتعـدُّ الطاقة األوليـة فيها جمانيـة ،ومتثل %6.8من الطلـب العاملي.
3ـ الطاقـة النوويـة (ذات ناتـج كربـوين منخفـض) ،ومت ّثـل %13.1مـن
الطلـب العاملي.
لذلـك ،فمن املهم القيام برتشـيد اسـتخدام الوقود األحفـوري ،ومراعاة
«كفايـة الطاقة» باالسـتخدام األمثـل للطاقة بأعىل مسـتوى من تقليـل الفاقد،
121
واسـتخدام مـا يلزم منها فقـط لتحقيق هدف بعينـه .وكام يوضح «السـويدان،
2008م» ،فمسـألة حتسين كفايـة الطاقـة الكهربائية وترشـيد اسـتهالكها تعدُّ
اخليـار األهـم يف الوقـت احلـارض؛ إذ ُينظـر إليـه بوصفه ً
بديلا عن إنتـاج هذه
الطاقـة ،وهـو يف معظـم احلـاالت ـ إن مل يكـن يف مجيعهـا ـ أقـل تكلفـة على
االقتصـاد مـن إقامة حمطـات جديدة إلنتـاج الطاقـة الكهربائية.
122
1ـ ارتفـاع حـرارة منـاخ الكـرة األرضيـة :معظـم املشـكالت الناجتـة عـن
االسـتخدام املتزايـد ملصـادر الطاقـة التقليديـة مشـكالت بيئيـة ،وأمههـا:
ارتفـاع درجـة حـرارة املحيـط الذي نعيـش فيه .ويعتقـد معظـم العلامء أن
درجـة احلرارة ترتفـع بمعدل 0.3درجـة مئوية يف كل عقـد؛ نتيجة لزيادة
تركيـز بعـض الغـازات يف اجلـو ،مثـل غاز ثـاين أكسـيد الكربـون (.)Co2
احلمض ّيـة :مـن املخاطـر اجلانبيـة حلـرق الوقود :تسـاقط األمطار 2ـ األمطـار ِ
احلمضيـة؛ نتيجـة لوجود بعض املـواد النيرتوجينية يف الوقـود ،مثل الفحم
تتكـون جزئ ًّيـا بواسـطة أكسـدة النيرتوجين يف اهلـواء؛
ّ واخلشـب ،أو أهنـا
حيـث يتحـرر أكسـيد النيرتوجين بكميـات كبيرة مـن مكائن شـاحنات
النقـل والسـيارات ومـن حمطـات الطاقـة الكهربائيـة ،فتتحـد مـع املـاء يف
اجلـو مكونـة حامـض الكربيتيـك وحامـض النيرتيـك؛ فيسـبب تسـاقط
األمطـار احلمضيـة على منطقـة مـا؛ األمـر الـذي يسـ ّبب تل ًفـا للنباتـات،
وتعطيلا لنمـو الغابـات ،وتفتيتًـا لبعـض أجـزاء األبنيـة ،وصـد ًأ للمعادن.
ً
3ـ تلـوث البحـار بواسـطة النفـط :إن حمطـات توليـد الطاقـة الكهربائية،
ومصـايف النفـط ،واملصانـع الكبيرة؛ يمكنهـا أن تكـون أكثـر امللوثات
املنظـورة ،بسـبب روائحهـا املميـزة .وليسـت كل امللوثـات الضـارة
بالبيئـة سـببها حـرق الوقـود ،لكـن هنـاك مسـببات أخرى ،مثـل نقل
الوقـود عبر البحار.
4ـ اإلشـعاع واملخلفـات النووية :كان من املتو ّقع أن تكـون الطاقة النووية
أحـد املصـادر الرئيسـة يف إنتـاج الطاقـة الكهربائيـة ،ولكن هـذا مل يتم
بسـبب املعارضة الواسـعة التـي تواجه إقامـة هذه املحطـات يف خمتلف
أنحـاء العـامل؛ حيـث إنـه بعـد حادثـة ترشنوبـل يف االحتـاد السـوفيايت
السـابق عـام 1986م ،أصبحـت إقامـة مثـل هـذه املحطات حمـدودة،
123
كثيرا من املشـكالت املتعلقـة بمحطـات الطاقـة النووية ً كما أن هنـاك
مـن ناحيـة املواد املسـتخدمة يف االنشـطار النـووي تكون ذات إشـعاع
ٍ
عـال جـدًّ ا ،وقسـم منها يبقـى مشـ ًّعا إشـعا ًعا نوو ًّيا لعشرات اآلالف
مـن السـنني .كما أن طرائـق التخلـص مـن النفايـات النوويـة غير
مضمونـة ،وباإلضافـة إىل ذلـك ،فـإن تفكيـك املحطـات التـي انتهت
أيضا.
تسرب إشـعاع نـووي ً أعامرهـا االفرتاضيـة ُيسـ ّبب ّ
فوائد استخدام الطاقة املتجددة
دعـت احلاجـة إىل اسـتخدام طاقـات متجـددة تتم ّيـز بأهنـا أبديـة
وصديقـة للبيئة ،عىل خلاف الطاقات التقليدية (القابلـة للنضوب)؛ حيث
إن خملفاهتـا تتسـ ّبب يف تلويـث البيئـة ،كام هـي احلال عند احتراق البرتول؛
حيـث ينتـج عـن اسـتخدام الطاقـة املتجـددة كثير مـن الفوائـد ،أبرزها ما
يلي (وزارة الطاقـة اإلمـارات العربية املتحـدة ،د.ت ،ص:)2
ـ تُسـهم الطاقـة املتجددة يف خفض غـازات االحتباس احلـراري ومواجهة
التغير املناخي.
ّ
ـ نظافـة هـذه املصـادر على عكـس الطاقـات األحفوريـة التـي تزايـدت
التأكيـدات حـول تسـببها يف كثير مـن املشـكالت البيئيـة.
التنوع االقتصـادي وتوفري
ـ يمكـن لصناعـة الطاقة املتجـددة أن تُسـهم يف ّ
الوظائف.
124
كثير مـن املوارد الطبيعيـة غري متجددة مـن جهة أخرى؛ مما حيتم اسـتغالهلا
وفـق قواعـد حتافـظ على البقـاء ،وال تـؤدي إىل االختلال أو كبـح النمو،
وهـذا مـا يسـعى إليـه العامل مـن خلال تطويـر اسـتخدام الطاقـة املتجددة
لتحقيـق التنميـة املسـتدامة ،وف ًقا لألبعـاد التالية (حـدة2012 ،م ،ص :)3
أ ـ الطاقة املتجددة واألبعاد البيئية للتنمية املستدامة
تعـرض جـدول أعمال القـرن احلـادي والعرشيـن إىل العالقات لقـد ّ
بين الطاقة واألبعـاد البيئيـة للتنمية املسـتدامة ،خاصة تلـك املتعلقة بحامية
الغلاف اجلـوي مـن التلـوث الناجـم عـن اسـتخدام الطاقـة يف خمتلـف
النشـاطات االقتصاديـة ،واالجتامعيـة ،ويف قطاعـي الصناعـة والنقـل عىل
وجـه اخلصـوص؛ حيـث دعـت األجنـدة الــ 21إىل جتسـيد جمموعـة مـن
األهـداف املرتبطـة بحاميـة الغلاف اجلـوي ،واحلدّ مـن التأثريات السـلبية
لقطـاع الطاقـة ،مـع مراعـاة العدالـة يف توزيـع مصـادر الطاقـة وظـروف
الـدول التـي يعتمـد دخلهـا القومـي عىل مصـادر الطاقـة األوليـة ،أو تلك
التـي يصعب عليها تغيير نظم الطاقـة القائمة هبا ،وذلك بتطوير سياسـات
الطاقـة املسـتدامة وبراجمها مـن خالل العمل على تطوير مزيـج من مصادر
الطاقـة املتوافـرة األقـل تلوي ًثـا؛ للحـدّ مـن التأثيرات البيئيـة غير املرغوبة
لقطـاع الطاقـة ،مثـل انبعـاث غـازات االحتباس احلـراري ،ودعـم برامج
البحـوث الالزمـة؛ للرفـع مـن كفايـة نظـم اسـتخدام الطاقـة وأسـاليبها،
إضافـة إىل حتقيـق التكامـل بين سياسـات قطـاع الطاقـة والقطاعـات
االقتصاديـة األخـرى ،خاصـة قطاعـي النقـل والصناعة.
125
ب ـ الطاقـة املتجـددة واألبعـاد االقتصاديـة واالجتامعيـة للتنميـة
املسـتدامة
الطاقة املتجددة والتنمية البرشية
تتضـح العالقـة بين التنميـة البرشيـة والطاقـة مـن خلال االرتبـاط
القـوي بني متوسـط اسـتهالك الفـرد مـن الطاقة ومـؤرش التنميـة البرشية،
خاصـة يف الـدول الناميـة ،كما يـؤدي اسـتهالك الفرد مـن مصـادر الطاقة
مهما يف حتسين مـؤرشات التنمية البرشية عـن طريق تأثريهادورا ًّ
التجاريـة ً
يف حتسين خدمـات التعليـم والصحـة؛ وبالتـايل حتسين مسـتوى املعيشـة،
مصـدرا ال يمكن
ً وتعطـي الكهربـاء صـورة واضحـة حول ذلـك؛ إذ مت ِّثـل
اسـتبدال مصـدر آخـر للطاقة بـه يف اسـتخدامات كثيرة كاإلنـارة والتربيد
والتكييـف ،وغريها.
تغيري أنامط اإلنتاج واالستهالك غري املستدام
تتنـوع هبـا أنماط
يعتبر قطـاع الطاقـة واحـدً ا مـن القطاعـات التـي ّ
اإلنتـاج واالسـتهالك ،والتـي تتم ّيـز يف معظمهـا بمعـدالت هـدر مرتفعة.
ويف ِّ
ظـل الزيـادة املطـردة يف االسـتهالك نتيجـة للنمو السـكاين؛ فـإن األمر
يتط َّلـب تشـجيع كفاية اسـتخدام وقابلية اسـتمرار مـوارد الطاقة من خالل
وضـع سياسـات تسـعري مالئمـة؛ مـن شـأهنا إتاحـة حوافـز زيـادة كفايـة
االسـتهالك ،واملسـاعدة على تطبيـق اإلصالحـات القانونيـة والتنظيميـة
التـي تؤكد رضورة االسـتغالل املسـتدام للمـوارد الطبيعيـة ،وتنمية موارد
الطاقـة املتجـددة ،إضافـة إىل تسـهيل احلصـول على التجهيـزات املتسـمة
بالكفايـة يف اسـتهالك الطاقة ،والعمل على تطوير آليـات التمويل املالئمة.
ونقصـد بمصـادر الطاقـة املتجـددة تلـك املصـادر التـي ال تنضـب يف
126
الطبيعـة املشـتقة ـ جوهر ًّيا ـ من الطاقة اإلشـعاعية للشـمس ،مثل :حمطات
الطاقـة الشمسـية ،وطاقـة الريـاح ،والطاقـة الكهرومائيـة ،والنفايـات
املتجـددة القابلـة لالحتراق ،والوقـود احليوي ،مثـل اإليثانول املشـتق من
حماصيـل احلبـوب ،كما أن هنـاك مـن ُيلحق هبـا الطاقـة النوويـة؛ إذ إنه من
املتوقـع أن تبقـى متوافـرة خلال زمـن طويـل ،وجيتمـع يف تلـك املصـادر
كلهـا أن اسـتخدامها لـن ُيسـهم يف ازديـاد الرتكيـز لغـازات الكربـون ،كام
ُيعـاب عليهـا كفايـة الطاقـة القليلة.
ومن أكثر أشكال الطاقة املتجددة شيو ًعا:
الطاقة الشمسية
تعـدُّ الشـمس أكبر مصـدر للطاقـة يف هـذا الكـون ،ومت ّثـل َمعينًـا
متجـد ًدا للطاقـة النظيفـة الصديقـة للبيئـة ،وتنقسـم إىل نوعين :شمسـية
حراريـة ،وشمسـية كهربائيـة؛ حيـث ُيم ّثـل النـوع األول اسـتخدام أشـعة
مصـدرا للحـرارة ،التـي تسـتخدم بدورهـا يف تسـخني امليـاهً الشـمس
وأغـراض أخـرى .أمـا النوع الثـاين فيتم فيه حتويل أشـعة الشـمس مبارشة
تيـارا
إىل كهربـاء مـن خلال مـواد تسـمى أشـباه املوصلات ،التـي تُولـد ً
كهرب ًّيـا عنـد تسـاقط أشـعة الشـمس عليهـا (طالبـي وسـاحل2008 ،م).
وتوجـد أنـواع كثرية مـن أشـباه املوصلات لعمل اخلاليـا الشمسـية ،مثل
مـادة السـيلكون ،وقـد ُصنعـت أوىل هـذه اخلاليـا بكفايـة عـام 1953م،
واسـتُخدمت يف إمـداد املركبـات الفضائيـة بالطاقـة .وينتج السـيلكون من
الرمـال (أكسـيد السـيلكون) ،وتكـون الطاقـة الشمسـية التـي تعتمـد عىل
اخلاليـا الكهروضوئيـة مناسـبة للمناطـق املنعزلـة البعيـدة عـن شـبكات
النقـل (موسشـيت2000 ،م).
127
طاقة الرياح
وهـي الطاقة املسـتمدة من حركة اهلـواء ،وهي من أرسع أنـواع الطاقات
نموا يف العامل ،وقد اسـتُخدمت يف السـابق عىل شـكل طواحني اهلـواء؛ لتأمني ًّ
القـدرة على طحن احلبـوب ،وسـحب املـاء مـن األرض املنخفضـة ،وحال ًّيا
ح َّلـت حملهـا التوربينـات الرياحيـة التـي تصـل طاقتهـا إىل 4.5ميغـاوات،
ودول ًّيـا تنتـج الدنمارك %20مـن إمجايل طاقتهـا الكهربائيـة من طاقـة الرياح
(إيفانـز2011 ،م) .وهـي مناسـبة لتزويـد املجتمعـات الصغيرة بالطاقـة
الالزمـة لإلضاءة والـري ،وهناك خطة جديـدة لبناء حمطات الطاقـة املتجددة
يف اململكـة؛ حيـث ُأعلـن عـن خطط لبنـاء 9غيغاوات مـن طاقـة الرياح عىل
طـول سـاحيل البحـر األمحـر واخلليج العـريب ،بإرشاف مـن ِقبل مدينـة امللك
عبـد اهلل للطاقـة الذريـة واملتجـددة .وقـد رصـدت احلكومـة ميزانيـة قدرهـا
109مليـارات دوالر ملرشوعـات مسـتقبلة يف جمـال الطاقـة املتجـددة عمو ًما
(موقـع مدينة امللـك عبدالعزيـز اإللكرتوين).
الطاقة احليوية
تُشـكِّل هـذه الطاقـة ما نسـبته %14مـن احتياجـات الطاقـة يف العامل،
وقـد اسـتُخدمت سـاب ًقا مـن ِقبـل اإلنسـان عندمـا كان حيـرق اخلشـب
السـتخدام احلـرارة يف الطبـخ أو التدفئـة ،وهـي طاقـة متجـددة ناجتـة عن
اسـتخدام مصـادر الكتلـة احليويـة .وتتم ّثـل الكتلـة احليويـة يف كل املـواد
العضويـة القابلـة للحـرق أو التخمـر ،مثـل املخلفـات الزراعيـة ،سـواء
النباتيـة منهـا أو احليوانيـة ،واملخلفـات الصناعيـة والبلديـة ،كالبالسـتيك
وأوراق الكرتـون وبقايـا األطعمـة .وتُسـهم هـذه الطاقـة يف املحافظـة عىل
املـوارد الطبيعيـة ،واحلدّ مـن تلوث البيئـة؛ وذلك بتخفيض كميـة النفايات
128
باسـتعامل خمتلـف آليـات املعاجلـة ،ولكـن من مشـكالهتا انبعـاث الكربون
عنـد اسـتخدامها ،كما أن إنتـاج اإليثانول يتط ّلـب ما بين %29و %57من
الطاقـة األحفورية.
وهنـاك طريقتـان رئيسـتان ملعاجلـة املخلفات احليويـة وحتويلهـا إىل طاقة،
مها :
1ـ التحويـل احلـراري :حيـث يتـم إحـراق الكتلـة احليويـة لتتحـول إىل
منتجـات غازيـة وسـائلة وصلبة مـع إنتاج كمية مـن الطاقـة احلرارية.
ويتـم بعدهـا اسـتعامل املـواد املنتجـة بوصفهـا وقـو ًدا حيو ًّيـا إلنتـاج
الطاقـة .وتُصنَّـف عمليـات التحويـل احلـراري إىل ثلاث طـرق،
حسـب نوعيـة املنتـج املرغـوب فيـه :احلـرق بوجـود كميـة كافيـة من
األكسـجني ،واحلـرق بوجـود كمية قليلـة من األكسـجني ،واحلرق من
دون أكسـجني.
- 2التحويـل احليوي/البيولوجـي :حيـث يتم تفكيـك املكونات العضوية
للنفايـات عـن طريـق عمليـة التخمـر بواسـطة كائنـات حيـة دقيقـة.
وتنقسـم هذه العمليـة إىل نوعني :اهلضـم اهلوائي (التسـميد) ،واهلضم
الالهوائـي إلنتـاج الغاز احليـوي أو امليثانـول (إيفانـز2011 ،م).
ومـع ازدياد عـدد السـكان وتقدم النشـاط الصناعـي والتقنـي؛ تزداد
نسـبة توليـد النفايـات للفـرد الواحـد ،وتعـدُّ عمليـة التخلـص مـن هـذه
النفايـات مـن أبـرز التحديـات التـي تواجـه املـدن الكبرى يف العـامل؛ لـذا
يتـم الرتكيـز على حتويـل املخلفـات احليويـة إىل طاقـة ،والتقليل مـن خطر
النفايـات على البيئـة .ويمكـن استرداد كميـات من الطاقـة ،يبلـغ معدهلا
540كيلـووات مـن الطاقـة الكهربائيـة ،و 1200كيلـووات مـن الطاقـة
احلراريـة ،وتعـدُّ الطاقـة احليويـة ،املتمثلـة يف بعـض أشـكال املخلفـات
129
احليوانية والنباتية ،من أشـكال الطاقة شـائعة االسـتخدام يف الـدول النامية
أكثـر مـن املتقدمـة (موسشـيت2000 ،م).
الطاقة الكهرومائية
تعـدُّ الطاقـة الكهرومائيـة االسـتخدام األكبر للطاقـة املتجـددة حتى
اليـوم؛ حيـث ال تنتـج عنهـا انبعاثـات كربون ،وتعتمـد عىل تدفـق كميات
كبيرة مـن املـاء عبر توربينـات هيدروليكيـة تصـل إىل 700ميغـاوات،
وتُشـكِّل %18مـن إنتـاج الكهرباء عامل ًّيـا ،وقد تلحق هبا طاقـة املحيطات/
طاقـة املد واجلـزر ،ولكـن يعتمد تطويرهـا على اجلغرافيا املحليـة يف بلدان
مثلا كنـدا تنتـج 3/2مـن الكهربـاء مـن الطاقـة التضاريـس اجلبليـةً ،
الكهرومائيـة (إيفانـز2011 ،م).
الطاقة اجليوحرارية
تعـدُّ احلرارة اجلوفية طاقات حرارية دفينـة يف أعامق األرض وموجودة
بشـكل خمـزون مـن امليـاه السـاخنة ،أو البخـار ،أو الصخور احلـارة؛ حيث
يتـم حتديـد درجـات احلـرارة السـائدة عمي ًقـا يف قشرة األرض بوصفهـا
ً
حمتملا للطاقة من أجـل التدفئة وتوليـد الكهرباء باملناطق النشـطة مصـدرا
ً
جيولوج ًّيـا ،كما يمكـن اسـتعامهلا يف اسـتخدامات زراعيـة أو صناعيـة،
وجتفيـف املحاصيـل يف صناعـة الـورق والنسـيج ،وتسـتخدم الطاقـة
اجليوحراريـة يف أمريـكا والصين وأيسـلندا (طالبـي وسـاحل2008 ،م).
الطاقة النووية
تتميـز الطاقة النوويـة بعدم انبعاث الكربـون ،وترتكّز يف إنتـاج الكهرباء،
ً
مفاعلا نوو ًّيـا قيـد االسـتخدام يف العـامل ،تنتـج طاقـة تراكميـة ويوجـد 435
مقدارهـا 369غيغـاوات ،وهنـاك 30دولة اختارت السـعي خلـف هذا النوع
130
مـن الطاقـة ،مثـل فرنسـا التـي تنتـج %78مـن الكهربـاء باسـتخدامها يف عام
2009م ،ويف عـام 2001م شـكلت الطاقـة النوويـة %17مـن إنتـاج الكهرباء
عامل ًّيـا؛ حيـث يتـم اسـتخدام اليورانيـوم وقـو ًدا طبيع ًّيـا للمحطـات النوويـة،
وتقـدّ ر مـدة توافـره بأكثـر مـن 1000عـام؛ ممـا يعطـي انطبا ًعا باالسـتدامة يف
النهايـة؛ لكـن تبقى مشـكلة أمـان املحطات النوويـة ـ مثل كارثـة ترشنوبل عام
حائل أمام التوسـع يف اسـتخدامها ،باإلضافة إىل1986م ـ والنفايـات النوويـة ً
تكلفة إنشـاء املحطـات النوويـة املرتفعة (مـون2014 ،م).
وبعـد اسـتعراض أنـواع الطاقة املتجـددة ،يبقـى أن نشير إىل مزاياها؛
حيـث إهنـا متوافـرة يف معظـم دول العـامل ،ومصدرهـا حملي ،وحتافـظ عىل
الصحـة العامة ،ونظيفة وال تلـوث البيئة ،كام أهنا اقتصادية يف االسـتخدام،
وذات عائـد اقتصادي كبير؛ حيث توفر التكاليـف ،وال تصاحبها ضوضاء
فرصـا اقتصاديـة ً
جمـال جتار ًّيـا واعـدً ا ،وتو ِّفـر ً وسـهلة االسـتعامل ،وتعـدُّ
كبيرة ،كام أهنـا تدعـم التوجه نحـو التنمية املسـتدامة.
أمـا التحديـات التـي تواجههـا ،فإنـه يصعـب توفريها عنـد الطلب يف
الوقـت الراهـن ،وتتط ّلـب اسـتامرات أولية ضخمـة ،كام أن استرداد رأس
ً
طويل. املال يسـتغرق وقتًـا
131
خصوصـا يف ظـل تزايـد أعـداد البشر ،وهنـا
ً التأثيرات البيئيـة السـلبية،
البـد أن يتغري مسـار تلك التقنيـات إىل تسـخريها لصيانة املـوارد الطبيعية،
واملحافظـة على البيئـة بشـكل يتيـح لإلنسـان احلصـول على احتياجاتـه
احلاليـة؛ مراع ًيـا يف الوقـت نفسـه احتياجـات األجيـال القادمة.
وأدت الثـورة املعرفية واملعلوماتية إىل إحداث تغیری جذري يف نمط حیاة
املجتمعـات ،وهـي بمثابة حتـوالت أعطت الصـدارة للمعرفـة واملعلوماتیة؛
فأخـذت تؤثـر يف املجـاالت املتعددة االجتامعیـة ،واالقتصادیة ،والسیاسـیة،
والثقافیـة؛ حیث تتفاعـل تلك املجتمعات مـع املعرفة واملعلوماتیة بأسـلوب
مسـتمر ،ومتطـور ،وفعال؛ ممـا یؤدي إىل الوصـول إىل نتائـج إجیابیة يف طریق
حتقیق التنمیة املسـتدامة (الكـواز2014 ،م).
ومت ّثـل العلـوم والتقنيـة املحـرك الرئيـس للتقـدم االقتصـادي
واالجتامعـي؛ حيـث تسـاعد املعـارف العلميـة والتقنيـة على حتسين
القـدرات ،ورفـع مسـتويات املعيشـة ،وختفيف درجـة الفقـر يف دول العامل
النامـي ،والبـد أن تتـم ضمـن األطر واحلـدود التـي يضعها علـم البيئة من
خلال توجيه دفة البحـث العلمي ،وتعزيز الربامج واألنشـطة العلمية التي
تأخـذ باالعتبـار ربـط العلـوم باحتياجـات املجتمـع وأولوياتـه ،واالهتامم
بالتقنيـات اخلضراء وتوطينهـا؛ مـن أجـل حتسين األحـوال االجتامعيـة
واالقتصاديـة لألفـراد ،دون اإلرضار باملـوارد الطبيعيـة واألنظمـة البيئيـة
التـي حتفـظ اسـتمرار احليـاة على األرض (النصر1418 ،هــ).
وتُسـهم العلـوم والتقنيـة يف فهـم أفضـل لآلليـات التـي يتـم فيهـا
التلـوث ،ويف تصميـم العمليـات واختيـار الصناعات غري امللوثـة ،وتطوير
التقنيـات التـي تسـاعد على محايـة اسـتهالك املـوارد الطبيعية وترشـيدها،
والعمـل مـن أجـل السـيطرة على مصـادر التلـوث ومشـكالته ،والقيـام
132
بالبحـوث الالزمـة لتعديـل املـواد أو العمليـات لتصبـح أقـل تلوي ًثـا .إن
مثل ،خاصـة تطوير تقنيـات مصارف االسـتثامر يف بحـوث التغري املناخـي ً
جديـدة لثاين أكسـيد الكربـون ،يعدُّ مـن الصناعات ذات املزايـا االقتصادية
التنافسـية ،كام تُسـهم العلـوم والتقنية يف معاجلـة النفايات ،وقيـام صناعات
تقـوم على تدويرهـا واالسـتفادة منهـا؛ حيـث إهنا تعـدُّ إحـدى الصناعات
ً
مسـتقبل (الرشـيد1423 ،هـ). الواعـدة يف العـامل
ويـرى البعـض أن تقنيـة املعلومـات هـي األسـاس اجلديـد الـذي
سـتعتمد عليـه املجتمعـات املعـارصة ،وثمـة مزايـا كثيرة مـن وجهـة
النظـر البيئيـة ،فتحسين اجلـودة البيئيـة يعتمـد باطـراد على تطويـر تقنيات
املعلومـات ونرشهـا ،مثل عمليـات الضبط وإخـراج النفايات ،كما أن فهم
كبريا املشـكالت العامليـة ،مثـل التغري املناخـي وآثاره الدفينـة ،يتط ّلب ً
قـدرا ً
مـن املعلومـات اخلاصة التـي ال يمكن تلبيتها مـن دون حتقيق تقـدم يف تقنية
املعلومـات (موسشـيت2000 ،م).
لذلـك يضيف بعضهـم البعد التكنولوجـي إىل األبعاد الثالثة األساسـیة
للتنميـة املسـتدامة (االقتصاديـة ،واالجتامعيـة ،والبيئيـة) ،وأن هـذا البعد هو
الـذي هیتـم بالتحـول إىل تكنولوجیـات أنظـف وأكفأ تنقـل املجتمع إىل عرص
صیانـة املـوارد (غنیـم ،وأبو زنـط2008 ،م) ،كام أهنا تعمل على تطور املعرفة
لتحسین قدرة الفـرد املتعلم عىل اكتسـاب املعرفة واسـتخدامها؛ مما یؤدي إىل
زیـادة قدراتـه على مواجهة حاجاتـه؛ وبالتايل حتقیق مسـتویات معیشـة أعىل.
والبحـث واالبتـكار یعملان على مضاعفـة ما یمكـن من فـرص وإنجازات
على املسـتوىني الفردي واملجتمعـي .والتعلیم وإن كان يف حد ذاتـه یعدُّ هد ًفا،
فإنـه یلـزم حتقیقـه ملـا یرتتـب علیـه مـن فوائـد عامـة وخاصـة ،كما أنـه یعـدُّ
كذلك وسـیلة لتحقیـق النمـو والتنمیة االقتصادیـة ،واالجتامعیـة ،والثقافیة،
مـن خالل دفـع اإلنتـاج واإلنتاجیة (الكـواز2014 ،م).
133
ويعـدّ قطـاع الطاقـة املحـرك الرئیـس لتطـور اإلنسـانیة وهنضتهـا
االقتصادیـة واالجتامعیـة؛ لـذا فقـد اهتمـت مراكـز البحـوث العلمیـة يف
اجلامعـات واملؤسسـات املتخصصـة يف كثیر مـن دول العـامل بإجـراء املزیـد
مـن الدراسـات لتلبیـة احتیاجـات املجتمـع من االسـتهالك املتنامـي للطاقة،
وإجيـاد بدائـل مـن خلال التكنولوجیـات املسـتحدَ ثة التـي تسـاعد على
حتسـن يف االقتصـاد مـن خلال مواجهـة التحدیـات املسـتقبلة ،وتـؤدي إىل ّ
الطاقـة املتجـددة التي تكون خالیـة من التلـوث ،وتوفر للمجتمـع احتیاجاته
مـن الطاقـة والوظائـف؛ إذ إن هنـاك جهـو ًدا مبذولـة يف نشر مصـادر الطاقة
املتجـددة مـن خلال اسـتخدام الطاقـة الشمسـیة ،وطاقـة الریـاح ،والطاقـة
اهلیدروجینیـة .وتتمثـل أهـم أهـداف تطویـر الطاقـة املتجـددة يف التوفیق بنی
التنمیـة االقتصادیـة واالجتامعیـة ،واملحافظة على البیئة ،وبنـاء طاقة متجددة
متنوعـة متثـل فیهـا الطاقـة البدیلـة مكانـة مهمـة ،لتسـهم يف حتقیـق التنمیـة
املسـتدامة ،وتلبیـة الطلـب املتصاعـد على الطاقـة (الكـواز2014 ،م).
ويشير «صديقـي1433 ،هــ» إىل أنـه مـع الثامنينيـات ظهـر مـا
ُيعـرف بالنظريـة اجلديـدة للنمـو االقتصـادي ،التـي أوضحـت أن %60
مـن الفـوارق االقتصاديـة بين الـدول املتقدمـة والـدول الناميـة ناجتـة من
أيضا
االسـتثامر يف العلـوم األساسـية والتقنيـة .ومـن نتائـج هـذه النظريـة ً
أن االقتصـاد العاملـي سـيجني عائـدات اقتصاديـة عاليـة وطويلـة املـدى
إن اسـتثمر يف األبحـاث العلميـة والتطويريـة ،أكثـر ممـا سيكسـبه نتيجـة
االسـتثامر يف جمـاالت كسـوق األسـهم والعقار ،بـل عىل العكس ،سـيدفع
العـامل ثمنًـا غال ًيا إن أمهـل االقتصاد املبني على العلوم والتقنية؛ فاالسـتثامر
مهـد ّ
حلل كثري يف العلـوم األساسـية ،املبنـي عىل رؤيـة ونظرة شـموليتنيُ ،ي ّ
مـن األمـور التي تعـوق التنميـة .فأبحـاث اخلاليـا اجلذعية تفتـح األبواب
134
متهـد إلنتـاج
لعلاج أمـراض مثـل الزهايمـر والشـلل ،وأبحـاث النانـو ّ
خاليـا شمسـية فائقة الفاعليـة ،وكذلك فإن أبحـاث الطاقة املتجـددة تفتح
املجـال أمـام إقامـة اقتصـاد مسـتدام (صديقـي1433 ،هـ).
إن الرتكیـز عىل اسـتخدام تكنولوجیـا املعلومات واالتصاالت سـوف
یعـزز اجتـاه دعـم أهـداف تطویـر بیئـة مسـتدامة .ویتطلـب حتقیـق أهـداف
التنمیـة املسـتدامة إجیاد تغيرات سیاسـیة ،واقتصادیـة ،وبیئیة ،ومؤسسـیة،
وتضـم يف خطـة شـاملة للتنمیـة ،وتضمن حتقیـق توظیـف املـوارد الطبیعیة
ورأس املـال البشري بطریقـة اقتصادیـة؛ لتحقیـق نمو اقتصـادي هیدف إىل
االرتفـاع بنوعیـة احلیاة ،مـع احلفاظ على نوعیة البیئـة ومصادرهـا الطبیعیة
لألجيـال احلالیـة والقادمة (الكـواز2014 ،م).
وتقـوم األطـراف بتشـجيع التعـاون لتطويـر التقانـة ،وتطبيقهـا ،ونرشها،
ونقلهـا ،واإلجـراءات والعمليـات التـي تتحكـم باإلصـدارات البرشيـة مـن
الغـازات الدفيئـة غير املتحكم هبـا يف اتفاقيـة مونرتيـال ،أو حتدّ منهـا ،أو متنعها
(الفقـرة الثالثة من املادة الرابعة يف االتفاقيـة اإلطارية لتغري املناخ .)UNFCCC
وترتكـز أمهيـة التقانـة يف تطويـر طرائـق جديـدة ألعمال قديمـة ،أو
قيما مضافة عاليـة من خاللطرائـق جديـدة ألعمال جديدة .وحت ّقـق التقانة ً
اعتامدهـا على اإلنتـاج املعريف ،وتتجـاوز مشـكلة حمدودية املـوارد باعتامدها
على رأس املـال البشري .وتُسـهم التقانـة يف رفـع إنتاجيـة العامـل بشـكل
كبير ،إضافـة إىل دورهـا يف التخفيـف مـن التلـوث البيئـي واحلفـاظ على
املـوارد .وهـي عملية معقـدة ،وبحاجـة إىل تدخل الدولة ،خاصـة يف الدول
الناميـة؛ ألهنـا بحاجـة إىل اسـتثامرات ضخمة يف البشر ،خاصـة يف املراحل
األوىل (نصر2001 ،م).
135
ومـن أهم العوامل التـي أدت إىل االهتامم باسـتخدام التقنيـة (ديفيس،
2004م):
ٍ
كسر للحواجـز التقليديـة بين 1ـ العوملـة االقتصاديـة ومـا رافقهـا مـن
األسـواق ،وتعميم لبعض أنامط السـلوك االسـتهالكي عىل املجتمعات
كافـة ،وذلـك على تبايـن الثقافـات السـائدة يف هـذه املجتمعـات،
وتفـاوت مسـتويات املعيشـة فيهـا .ويـرى الباحـث فرانسـيس
كارنكـروس Francis Cairncrossأن أكبر عاملين يف نمو االقتصاد
العاملـي مهـا :الثـورة املعلوماتيـة والعوملـة ،ويف رأيه فـإن العامل األول
يو ّلـد الثـاين ،وينتـج اهنيـار احلـدود أمـام التجـارة اخلارجيـة والدوليـة.
2ـ االسـتخدام املك ّثـف للمعلومـة يف العمليـات اإلنتاجيـة ،وقـد مت َّثـل
تطـورا ،وأسـاليب
ً أساسـا باالعتماد املتزايـد على تقانـات أكثر
ذلـك ً
عمل أشـد تعقيـدً ا ،مع ما يسـتدعيه ذلك مـن رضورة اللجـوء بصورة
متزايـدة إىل مهـارات متخصصـة وخبرات متنوعـة مـن أجل تشـغيل
تلـك التقانـات وإدارة هـذه األسـاليب.
3ـ التطـور الكبير يف بيئـة األعمال احلاليـة ،ومـا أدى إليـه مـن تغيرات
مهمـة يف بنيـة األنشـطة االقتصاديـة وأسـاليب ممارسـتها.
4ـ التغير التكنولوجـي الرسيـع وانخفـاض تكاليـف النقـل واالتصـاالت
جعلا مـن األوفـر اقتصاد ًّيـا إجـراء تكامـل بين العمليـات املتباعـدة
جغراف ًّيـا،ونقـلاملنتجـاتواملكونـاتعبرأرجـاءالعـاملبح ًثـاعـنالكفاية.
5ـ املنافسـة املتزايـدة التـي أجبرت الوحـدات االقتصاديـة عىل اكتشـاف
طرائـق جديـدة لزيـادة كفايتهـا ،بام يف ذلك اسـتخدام أسـواق جديدة،
وتغيير أماكـن أنشـطة إنتاجية معينـة لتقليـل التكاليف.
136
ويعمـل التطـور الكبير يف جمـال التكنولوجيـا ،الـذي يرتكـز بشـكل
كبير على احلاسـوب واالتصـاالت ،على توسـيع انتشـار املعلومـات
واسـتخداماهتا ،واالنتقال بتكنولوجيا املعلومـات إىل التكنولوجيا الرقمية؛
مما سـيضاعف مـن حجم التـداوالت وخـزن املعلومات ،وبتكلفـة تقارب
الصفـر ،ويف الوقـت نفسـه ،فإن انتشـار االتصاالت يزيد مـن رسعة تداول
املعلومـات (ديفيـس2004 ،م).
مهم
دورا ًّ
ومـن هـذا يتضـح أن لتكنولوجيا املعلومـات واالتصـاالت ً
يف تعزيـز التنميـة البرشيـة ،واالقتصاديـة ،واالجتامعيـة ،والثقافيـة؛ وذلك
ملـا هلـذه األخرية مـن خصائـص متميـزة وأكثر كفايـة من وسـائل االتصال
التقليديـة .وتكنولوجيـا املعلومات واالتصاالت واسـعة االنتشـار تتخطى
بذلـك احلـدود اجلغرافيـة والسياسـية للـدول ،لتصـل إىل أي نقطـة مـن
العـامل عجـزت أن تصـل إليهـا وسـائل االتصـال القديمـة ،كما أهنـا متتـاز
بكثـرة املعلومـات والربامـج التثقيفيـة والتعليميـة وتنوعهـا لـكل خمتلـف
رشائـح البشر ،وهـي متاحة يف أي مـكان وزمـان ،وبتكلفـة منخفضة .إهنا
مهما للمعلومـات ،سـواء لألفـراد أو الوحـدات االقتصادية مصـدرا ًّ
ً تعـدُّ
مهم يف تنمية العنرصدورا ًّ
بمختلـف أنواعها أو للحكومات ،كام أهنا تـؤدي ً
البشري مـن خلال الربامج التـي تعرض مـن خالهلـا ،كربامـج التدريب
والتعليـم وغريهـا .وهلذا يكـون من الضروري االهتامم هبـذه التكنولوجيا
وتطويـر اسـتخدامها بشـكل ف ّعـال ،مـع تعليـم األفـراد وتدريبهـم على
اسـتعامهلا ،وتوعيتهـم بأمهيتهـا يف التنمية والتطور (ديفيـس2004 ،م) .وملا
كانـت التقنيـة مفتـاح التنمية املسـتدامة ،فسنسـتعرض يف هـذا اجلزء بعض
اخلصائـص واملجـاالت اخلاصة بأشـكال التقنيـة الدائمة ،كام سنسـتعرض
مـدى احلاجة إىل إحداث أشـكال التقنيـة اجلديدة يف جمـاالت توليد الطاقة،
137
واإلنتـاج الصناعـي ،والزراعـة ،والنقل؛ ألن هذه النشـاطات هي السـبب
األسـايس وراء التدهـور البيئي (موسشـيت2000 ،م).
لقـد كان اسـتخدام التقنيـة هـو الوسـيلة األساسـية لزيـادة إنتاجيـة
اإلنسـان ،ومـا ترتب على ذلك من ارتفـاع مسـتوى املعيشـة .والتقنية التي
حلل مشـكالت املايض، ترتكـز عىل التنمية املسـتدامة تعدُّ املفتاح األسـايس ّ
ومنـع املشـكالت التي سـتظهر يف املسـتقبل؛ حيث تسـتخدم طاقـة أقل ،أو
أنوا ًعـا بديلـة مـن الوقـود إلنتـاج الطاقة ،وإخـراج القليـل مـن النفايات،
وتقليـل التلـوث البيئـي من خلال التقـدم التقنـي الكبير .إن أي تقدم قد
حلـل املشـكالت ،مثل مصـادر الطاقةيتجسـد يف شـكل منهج جديـد متا ًما ّ ّ
املتجـددة التي تلغـي احلاجة إىل الوقود األحفوري (موسشـيت2000 ،م).
وأشـكال تقنيـة التنميـة املسـتدامة هـي تلك األنـواع التـي تعتمد عىل
التقنيـة الوقائيـة والنظيفـة ،وينبغـي أن تتوافـر جتار ًّيا بشـكل تنافيس مقبول
اجتامع ًّيا (موسشـيت2000 ،م).
وتعـدُّ تقنيـة الطاقة أهم جمـاالت الطاقة التي ينبغي تنفيذها عىل أسـس
دائمـة؛ إذ إن توليـد الطاقة واسـتخدامها مها املسـؤوالن عن أكرب نسـبة من
نسـب التلوث بكل أشـكاله؛ وهلذا السـبب يسـتحيل تنفيذ تنمية مسـتدامة
مـن دون وجـود تقنيـة جديـدة للطاقـة؛ ألن الطلـب على الطاقـة إلنتـاج
السـلع واخلدمـات يف الصناعـة والنقـل ومن أجـل تلبية احلاجـات اليومية
يتزايـد باطـراد ،ولـو ُوجـدت تقنيـة للطاقـة رخيصـة وغري ملوثـة ،ألمكن
اسـتخدام جمموعة مـن أشـكال التقنيـات اجلديدة األقـل تلوي ًثا ،واملناسـبة
اقتصاد ًّيـا يف جمـاالت الصناعة والزراعـة والنقل (موسشـيت2000 ،م).
وقـد اقرتنـت التطـورات االقتصاديـة التـي شـملت دول العـامل
138
الصناعـي ،منـذ منتصـف القـرن املـايض على وجـه التحديـد ،بقيـام تلك
الـدول بوضـع سياسـات ،وإستراتيجيات ،وخطـط علمية وتقنيـة فاعلة،
ترمـي إىل تسـخري املـوارد واإلمكانـات العلميـة والتقنيـة وتوجيههـا نحـو
األهـداف واألولويـات الوطنيـة؛ وهـو األمـر الـذي مكَّنهـا واقع ًّيـا مـن
مواجهـة التحديـات التـي اعرتضتهـا بخطـى ثابتـة وواثقـة ،والوصول هبا
نحـو ناصيـة التقدم االقتصـادي والصناعي الذي تعيشـه اليـوم ،ومن تلك
التحديـات (الرشـيد1423 ،هـ):
ـ التحول من االقتصاد الوطني املنغلق إىل االقتصاد العاملي املفتوح.
ـ التحول من اهتاممات املدى القصري إىل اهتاممات املدى البعيد.
ـ التحول من التقنيات املحدودة والبسيطة إىل التقنيات العالية واملتقدمة.
ً
متمثل يف ـ التحـول مـن املجتمـع الصناعـي إىل جمتمـع مـا بعـد الصناعـة،
جمتمـع املعـارف واملعلومـات ،الـذي قـاد بـدوره إىل تغريات أساسـية يف
طبيعـة النمـو ومصادره؛ حيـث إن «املعـارف» أصبحت مصادر أساسـية
جديـدة للنمـو االقتصادي ،جن ًبـا إىل جنب مـع املصادر التقليديـة للنمو،
كـرأس املـال والعاملة.
التحـول مـن مفاهيم نظريـات التنميـة االقتصادية التقليديـة ،التي تعتمد
ّ ـ
على التـدرج واملرحليـة ،إىل مفاهيـم اقتصـاد املعرفـة واملعلومـات دفعـة
واحـدة ،دون املـرور التدرجيـي على مرحلـة الصناعـة التقليديـة ،كام هو
شـاهد يف جتـارب الـدول الصناعيـة اجلديدة يف آسـيا.
ُم َ
ـ التحـول ً
أيضـا إىل املفاهيـم اجلديـدة للنمـو االقتصـادي ،التي تسـتند إىل
أن اسـترياد التقنيـة واسـتخدامها بذاهتـا ال حيققـان قيمـة مضافـة عاليـة؛
ومـن ثـم معـدالت نمـو منشـودة لالقتصـاد ،بـل إن التجديـد واالبتكار
139
املسـتمرين يف هـذه التقنيـة يعـدان العامـل األهـم واحلاسـم يف حتقيـق
معـدالت نمـو عاليـة ورسيعـة.
اخلالصــة
حاولنـا التوضيـح يف هـذا الفصـل كيـف أن االسـتدامة االقتصاديـة
هـي املشروع اجليـد للسلام واألمـن العامليين ،والبديـل لأليديولوجيات
الرأسمالية واالشتراكية؛ حيـث يتـم مـن خالهلـا حتقيـق معـدالت مقبولة
للتنميـة ،مع احلفـاظ عىل البيئة وثرواهتـا ،وضامن حقوق األجيـال القادمة،
وذلـك بمعاجلـة املشـكالت االقتصاديـة واالجتامعيـة والبيئيـة ،النامجة عن
القيـم والقناعـات للثقافـة االقتصاديـة التقليديـة .وال يتأتى ذلـك من دون
التحـول يف منظومـة الطاقة من مصـادر الطاقـة التقليدية ،مثـل النفط اخلام
والفحـم احلجـري والغـاز الطبيعـي ،إىل مصـادر متجـددة ومتنوعـة لطاقة
خصوصا
ً نظيفـة مثـل :الطاقـة الشمسـية وطاقة الريـاح والطاقـة احليويـة،
يف ظـل املشـكالت الناجتـة عـن اسـتخدام مصـادر الطاقـة التقليديـة مثـل
ارتفـاع حـرارة األرض واألمطـار احلمضيـة وتلـوث البحـار وغريهـا..
ولتحقيـق هـذه الطموحـات جمتمعة ،البـد من األخـذ بعني االعتبـار أمهية
دور العلـوم والتقنيـة يف التحـول إىل تقنيـات أنظـف وتسـخريها يف صيانـة
املـوارد الطبيعيـة واملحافظـة على البيئة بشـكل يتيح لإلنسـان احلصول عىل
احتياجاتـه احلاليـة ،مراع ًيـا يف الوقـت نفسـه احتياجات األجيـال القادمة.
140
املراجــــع:
أمحد ،أوصـاف (2004م) .التنميـة االقتصادية من منظور إسلامي ..عود
على بدء .جملـة جامعة امللـك عبدالعزيـز لالقتصاد اإلسلامي ،مج
،17ع ،1ص .83-53جدة.
إيفانـز ،روبـرت (2011م) .شـحن مسـتقبلنا بالطاقـة ..مدخـل إىل الطاقة
املسـتدامة ،ترمجـة :د .فيصـل حـردان ،مدينـة امللـك عبدالعزيـز
للعلـوم والتقنيـة ،الريـاض.
تـوادور ،ميشـيل (2006م) .التنمية االقتصادية ،ترمجة :أ.د .حممود حسـن
حسـني ،الرياض :دار املريخ للنشر ،الرياض.
حـدة ،فروحـات (2012م) .الطاقـات املتجـددة كمدخل لتحقيـق التنمية
املسـتدامة يف اجلزائر ..دراسـة لواقع مرشوع تطبيق الطاقة الشمسـية
يف اجلنـوب الكبري باجلزائـر ..جملة الباحـث ،ع ،11جامعة قاصدي
مرباح ،ورقلـة ،اجلزائر.
ديفيس ،سـتان (2004م) .بنـاء االقتصاد املبني عىل املعرفـة ..التحديات والفرص.
مركز اإلمارات للدراسـات والبحوث اإلسرتاتيجية ،أبوظبي.
الرشـيد ،عبـداهلل (1423هـ) .السياسـة الوطنيـة للعلوم والتقنيـة ودورها يف
نمو االقتصاد السـعودي ..ورقـة عمل مقدمة لندوة الرؤية املسـتقبلية
لالقتصاد السـعودي ،وزارة االقتصـاد والتخطيط ،الرياض.
أبوزنـط ،ماجـدة؛ وعثمان ،حممـد غنيـم (2004م) .التنميـة املسـتديمة..
إطـار فكـري ،دراسـة يف فلسـفة املفهـوم واملحتـوى ،جملـة املنـارة
بجامعـة آل البيـت ،األردن ،املفـرق.
141
صديقـي ،زكـي (1433هــ) .عالقـة أبحـاث العلـوم األساسـية بالتنميـة
املسـتدامة .ورقة عمـل مقدمة للمؤمتر السـعودي اخلامـس للعلوم،
جامعـة أم القـرى ،مكة.
طالبـي ،حممد؛ وسـاحل ،حممـد (2008م) .أمهية الطاقة املتجـددة يف محاية
البيئـة ألجـل التنمية املسـتدامة .جملة الباحـث ،ع ،6جامعة قاصدي
مرباح ،ورقلـة ،اجلزائر.
العبـادي ،نايـف بـن حممد (2010م) .ترشـيد الطاقـة باململكـة ،ورقة عمل
مقدمـة لورشـة اإلطـار االسرتشـادي العـريب ،املتطلبـات العامـة
واإلجـراءات الالزمـة .القاهـرة ،مصر.
عبدالرمحـن ،أسـامة (1982م) .البريوقراطيـة النفطيـة ومعضلـة التنميـة،
سلسـلة عـامل املعرفـة ،الكويت.
علام ،عثمان (2011م) .التنمية بني املنظـور الغريب واملنظور اإلسلامي .جملة
معـارف ،العلوم القانونيـة واالقتصادية ،جامعة بويـرة ،ع ،10اجلزائر.
الغامـدي ،عبـداهلل بـن مجعان (2007م) .الــتنمية املســتدامة بين احلق يف
اسـتغالل املـوارد الطبيعيـة واملسـؤولية عـن محايـة البيئـة ،جامعـة
امللـك سـعود ،الرياض.
القريـويت ،حممد قاسـم (1988م) .واقع نظريـات التنمية الغربيـة وإمكانية
تطبيقهـا يف الـدول النامية .جملة جامعـة امللك عبدالعزيـز لالقتصاد
واإلدارة .ص ،97-75جدة.
الكـواز ،سـعد (2014م) .املعرفـة واملعلوماتيـة ..الطريـق نحـو التنميـة
املسـتدامة ،جملـة كليـة بغـداد للعلـوم االقتصاديـة ،العـدد اخلـاص
باملؤمتـر العلمـي املشترك ،بغـداد.
142
حممـود ،عبداحلكيـم (2012م) .املصـادر التقليديـة للطاقـة وأرضارهـا،
منظمـة املجتمـع العلمـي العـريب ،استرجعت بتاريـخ
1435/7/29هــ مـن موقـع.http://www.arsco.org :
موسشـيت ،ف .دوجلاس (2000م) .مبـادئ التنميـة املسـتدامة ،ترمجة:
هباء شـاهني ،الـدار الدوليـة لالسـتثامرات الثقافيـة ،القاهرة.
نصر ،ربيـع (2004م) .رؤيـة للنمو االقتصادي املسـتدام يف سـوريا ،هيئة
ختطيط الدولة ،دمشـق.
النصر ،عبـداهلل (1418هـ) .دور التقنيـة يف التنمية املسـتدامة ،جملة العلوم
والتقنيـة ،ع ،41ص ،58-56الرياض.
وزارة الطاقـة (د.ت) ،اسـتخدام الطاقة املتجـددة يف دول اخلليج ،أبوظبي،
استرجعت بتاريـخ 1435/7/29هـ من موقع:
http://weather1.pme.gov.sa/applied-studies/dirasa5.pd
Another drop in nuclear generation. 2010, http://www.world-
nuclear-news.org.
االتفاقيات:
-اتفاقيـة األمـم املتحـدة اإلطاريـة بشـأن تغيير املنـاخ1992 ،م ،األمـم
املتحـدة ،استرجعت بتاريـخ 1435/7/19هــ ،مـن موقـع:
Httpll//unfecc.int/resource/docs/convkp/convarabic.pdf.
143
الفصل اخلامس
147
4ـ ما عنارصها ومكوناهتا؟
5ـ ما التنمية البيئية املستدامة؟
6ـ ما الفروق بني التنمية التقليدية والتنمية املستدامة؟
7ـ ما األخطار واملهددات والقضايا البيئية املستحدثة؟
8ـ ما خصائص اإلدارة املستدامة للبيئة ،اإلسرتاتيجيات والسياسات؟
9ـ ما أفضل املامرسات البيئية؟
10ـ اخلالصة.
واصطالحا؟
ً .1ما البيئة ..لغة
أصبحـت كلمـة البيئة كثيرة التـداول ومتعـددة االسـتخدامات .وال
نبالـغ إن قلنـا :إن القرن احلادي والعرشين بدأ مشـواره بصحبـة كلمة البيئة
التـي أثرت يف الفكر والفلسـفة والعلـوم والنظرة إىل التنميـة ،وللتعرف إىل
معناهـا اللغـوي ومفهومها وأثرها سـنورد النقـاط التالية:
معنى البيئة يف اللغة
البيئـة يف اللغـة العربيـة مشـتقة من «البـوء» أي املرجع ،وهـو يدل عىل
إصلاح املـكان وهتيئتـه للمبيـت أو النـزول واإلقامـة فيـه ،ويعنـي النزول
ً
ومنزل؛ حيـث يقول اهلل تعاىل: مسـتقرا
ًّ واحللـول يف املكان ليتخذه اإلنسـان
ـو ُءوا الدَّ َار َو ْ ِ ِ
يما َن﴾ (احلرش( .)9 :أبو غـدة2009 ،م).ال َ ﴿وا َّلذيـ َن َت َب َّ
َ
ويف اللغـة اإلنجليزيـة كلمـة environmentمشـتقة مـن virorالتـي
تعنـي يـدور ،أمـا in/vironفتعنـي :يطـوق أو حييـط ،أي أهنـا جمموعـة
الظـروف أو املثيرات اخلارجيـة التـي تؤثر يف حيـاة الكائنات احليـة بام فيها
اإلنسـان .وجيـدر بالذكـر أن العلامء املسـلمني اسـتخدموا كلمـة «بيئة» منذ
148
القـرن الثالـث اهلجـري لإلشـارة إىل الوسـط الطبيعـي (اجلغـرايف واملـكاين
واألحيائـي) ،الـذي يعيـش فيـه الكائن احلـي ،وكذلـك إىل املنـاخ االجتامعي
(السـيايس واألخالقـي والفكـري) املحيـط باإلنسـان ..وبالتـايل فـإن البيئـة
تشير إىل أولئـك البشر الذيـن يسـكنون أو يقيمـون فيهـا ومجيـع املخلوقـات
واملوجـودات التـي حتـل مـع اإلنسـان وتسـتوطن مواضـع عيشـه ،مثـل
احليوانـات والنباتـات واألشـجار (معلـوف2010 ،م).
معنى البيئة يف االصطالح
من أهم التعريفات التي طرحتها املراجع العلمية ملصطلح البيئة ما ييل:
1ـ البيئـة :وتنقسـم عنـد علماء العلـوم احليويـة والطبيعيـة إىل بيئـة حيويـة
،Biologyوهـي كل ما يتعلق بحياة اإلنسـان نفسـه ،مـن تكاثر ووراثة
وعالقتـه بالكائنـات احليـة األخـرى كاحليوانـات والنباتـات ،وبيئـة
طبيعيـة ،Natureوهـي التـي تشـمل املـاء والتراب واألرض واجلـو،
وبيئـة الظروف والعوامـل اخلارجيـة ،Environmentوهـي التي تؤثر
يف الكائنـات احليـة (بام فيها االنسـان) واجلامدات ،سـواء أكانت ظواهر
كالطقـس واملناخ والريـاح واألمطـار واجلاذبية أم عالقـات متبادلة بني
كل العنـارص واملكونـات (عبد الوهـاب1994 ،م).
2ـ املحيـط :Surroundingوهوالـذي يوجـد فيـه اإلنسـان ،إضافـة إىل
عوامـل وعنارص تؤثـر يف تكوينه وأسـلوب حياته ،وهـي اإلطار الذي
يمارس فيـه اإلنسـان حياته وأنشـطته املختلفـة يف األرض التـي يعيش
عليهـا واهلـواء الـذي يتنفسـه واملـاء الـذي يرتـوي منـه واملوجـودات
املحيطـة بـه مـن كائنات حيـة (حيوانـات ونباتـات) أو مجاد ،كما تعني
أيضـا املـكان الـذي تتوافـر فيـه العوامل املناسـبة ملعيشـة كائـن حي أو
ً
جمموعـة مـن الكائنـات احليـة (أبو غـدة2009 ،م).
149
يمكـن القـول ممـا سـبق :إن البيئـة تعنـي ذلـك املحيـط الـذي يعيـش
الكائـن احلي وسـطه ،وألن اإلنسـان جـزء من هـذا الوجود وهـذا الكون
فـإن بيئة اإلنسـان هي الكـون بكل عنـارصه ومكوناته؛ حيـث يعيش حياته
ومؤثـرا يف املحيـط؛ لذلـك فـإن البيئـة هلـا جوانـب مادية ملموسـة
ً متأثـرا
ً
وجوانـب معنويـة غري ملموسـة.
وعلم وفلسفة؟
.2ما البيئة ..معرفة ً
كلمـة Ecologyتعنـي علـم البيئة الـذي أقامـه العامل األملاين إرنسـت
هيغـل Ernest Haeckelعـام 1866م بعـد أن دمـج كلمتين يونانيتين:
Oikesتعنـي السـكن و Logosتعنـي العلـم ،وهـو يـرى أنه علـم يدرس
عالقـة الكائنـات احلية بالوسـط الـذي تعيش فيـه وكذلك يـدرس غذاءها
أيضـا
وطـرق معيشـتها وتواجدهـا كمجتمعـات وجتمعـات ،ويـدرس ً
العوامـل غير احليـة مثـل خصائـص املنـاخ (حـرارة ،رطوبة ،إشـعاعات،
غـازات ،ميـاه ،هـواء) ،باإلضافـة إىل اخلصائـص الفيزيائيـة والكيميائيـة
للأرض واملـاء واهلـواء (زملـاط2009 ،م).
مـن جهـة أخـرى ،يـرى املقـدادي يف كتابـه املوسـوم بـ«أساسـيات
علـم البيئـة احلديث» ،املنشـور عـام 2006م ،أن علـم البيئة أو علـم التبيؤ
Ecologyهـو الدراسـة العلميـة لتـوزع وتلاؤم الكائنات احلية مـع بيئاهتا
املحيطـة ،وكيـف تتأثـر هـذه الكائنـات بالعالقـات املتبا َدلـة بين األحيـاء
كافـة وبيئاهتـا املحيطـة ،سـواء أكانت عالقـات فيزيائية ال حيويـة كالطقس
واجليولوجيـا (طبيعـة األرض) أم عالقـات حيويـة للكائنـات احليـة يف
موطنهـا البيئي (مقرهـا البيئـي) .habitatويطرح املقدادي تقسـيامت لعلم
البيئـة كالتـايل (املقـدادي2006 ،م ،ص:)7
150
1ـ علـم البيئـة الفرديـة :Autecologyالـذي هيتم بدراسـة نـوع واحد أو
التداخلات احليويـة يف جمموعـة مرتابطـة مـن األنـواع يف بيئـة حمددة،
ويعتمـد على التجربـة يف الدراسـة ،سـواء املخربيـة أو امليدانيـة ،جلمع
املعلومـات البيئية.
2ـ علـم البيئـة اجلامعيـة :Synecologyوهـو نـوع من االجتـاه اجلامعي يف
الدراسـة ،وفيـه تـدرس العوامـل احليـة (مجيع أنـواع الكائنـات احلية)
والعوامـل غير احليـة يف منطقـة بيئيـة حمددة .ويقسـم هـذا العلم إىل:
ـ علم البيئة الربية .Terrestrial Ecology
ـ علم البيئة املائية .Aquatic Ecology
ـ علم البيئة البحرية .Marine Ecology
كثيرا مـن الفـروع املتعلقـة بـه،
ً كما أن دائـرة علـم البيئـة تشـمل
ومنهـا :إدارة احليـاة الربيـة ،Wildlife Managementوعلـم الغابـات
،Forestryوعلـم بيئـة املتحجـرات ،Pale ecologyوعلـم املحيطـات
،Oceanographyوعلـم اجلغرافيـا احلياتيـة ،Biogeographyوعلـم
تلـوث البيئـة ،Pollution Ecologyوعلـم التقانات البيئيـة Ecological
،Technologyوعلـم البيئـة الفسـيولوجي Physiological Ecology
وغريهـا مـن احلقـول املعرفيـة.
وهكـذا يتضـح مـدى صعوبة فصـل علم البيئـة عن غريه مـن العلوم؛
فهـو مرتبـط بكل فـروع علـوم األحيـاء والفسـيولوجيا واحليـوان والنبات
والكيميـاء احليويـة والوراثـة والتطور ،وكذلـك علم السـلوك والبيولوجيا
أيضـا بعلـم اإلحصـاء (توزيـع اجلزيئيـة والتقانـات احليويـة ،ويرتبـط ً
البيانـات) وهـو يسـتخدم احلاسـوب يف حتليـل النتائـج وإعطـاء أفضـل
الوسـائل لعرضهـا وتوضيحهـا ،ولـه ارتبـاط بعلـوم الكيميـاء والفيزيـاء
151
واجليولوجيـا واهلندسـة والصيدلـة والطـب والزراعـة بشـتى فروعها؛ أي
أنـه متداخـل ومتشـابك مـع العلـوم .interdisciplinary
وإلدراك مـا يبحثـه علم البيئـة ،ينبغي التعرف عىل الطيـف البيولوجي
،Biological Spectrumوهـو أوىل خطـوات علـم احليـاة الـذي يتألـف
مـن حلقـات ملكونـات تُرسـم يف وضـع أفقـي بحيـث ال تأخـذ فيـه حلقة
أمهيـة أكثر مـن حلقـة أخرى.
الشكل رقم ( )3الطيف البيولوجي
يتبين مـن الشـكل أن الصـف األعىل يمثـل جمال عمـل العـامل البيئي.
أمـا األسـفل فيمثـل جمـال فروع علـم احليـاة األخرى.
وجيـدر بالذكـر أن علـم البيئة طرح قاعدة أساسـية تقول :إنـه ال يمكن
لعضـو معين أن يمارس وظيفـة معينـة إال إذا كان ضمـن جهـاز يضمـن له
البقـاء واالسـتمرارية ،كما أن اجلامعـة السـكانية احلياتيـة هلـا فرصـة بالبقاء
أفضـل ضمن املجتمـع البيئي ،واملجتمع بدوره يكون ضمـن النظام البيئي..
152
وهكـذا حتـى يصـل املطـاف إىل الكـرة احليـة التـي حتـوي كل جمموعـات
األنظمـة البيئيـة .ولـوال وجـود الكـرة احليـة لتداعـت تلـك احللقـات وملـا
ُوجـد الطيـف البيولوجي واحليـاة بأكملهـا (املقـدادي2006 ،م ،ص.)8
البيئة يف جمال الفلسفة
أوضـح الغامدي يف دراسـته املوسـومة بــ «التنمية املسـتدامة بني احلق
يف اسـتغالل املـوارد الطبيعيـة واملسـؤولية عـن محايـة البيئة» ،املنشـورة عام
2007م ،تأثير قضايـا البيئـة على الفكـر والفلسـفة؛ حيـث أدى الشـعور
بتدهـور بيئـة األرض إىل ظهـور السياسـة اإليكولوجيـة ،Ecopolitics
وهـي حقـل معـريف يـدرس األنسـاق السياسـية مـن منظـور بيئـي ويدعو
إىل أمهيـة اإلملـام بعلـم الطبيعـة بنفـس أمهيـة اإلملـام بالعلـوم االجتامعيـة
والثقافيـة والسياسـية عنـد دراسـة األنسـاق اإليكولوجيـة وقدراهتـا ،كما
أسـهم شـيوع فكـرة التنميـة املسـتدامة يف منتصـف الثامنينيـات مـن القرن
العرشيـن يف جتـاوز إخفـاق النظريـة السـلوكية يف جمـال التنميـة.
كل من االهتمام بتدهور البيئـة وظهور مفاهيم ويضيـف الغامـدي أن ًّ
التنميـة املسـتدامة أدى إىل جـدل فلسـفي ،فبرز فريقـان ،األول يـرى أن
النمـوذج التنمـوي يتمركـز حـول اإلنسـان ،بحيـث يتـم تقليـص االعتامد
على املـوارد املاديـة ،Dematerializationومـن خلال اإلبـداع وتطويـر
التكنولوجيـا يتـم رفـع كفايـة التصنيـع وتعالـج األزمـة اإليكولوجيـة يف
عمليـة التحديـث اإليكولوجـي ،Ecological Modernizationأمـا
الفريـق الثـاين فيرى أن النمـوذج التنمـوي يتمركـز حـول البيئـة؛ ألنـه
بتحقيـق العدالـة البيئيـة تتحقـق العدالة االجتامعيـة واملسـاواة ،األمر الذي
شـجع عىل ظهـور احلركة اخلضراء املنـارصة للبيئة واملذهـب اإليكولوجي
والفلسـفة اإليكولوجيـة النسـوية.
153
وهكـذا حيتـدم اجلـدل بين أنصـار العوملـة النيوليرباليـة التـي تنـادي
بالتحديـث اإليكولوجـي وأنصـار اإليكولوجيـة العميقـة التـي حتـذر مـن
الرأسمالية اخلضراء ومنتجاهتـا الذكيـة .وصـارت قضايـا البيئـة وعالقتها
منظـورا فكر ًّيـا وفلسـف ًّيا جديـدً ا .New Paradim
ً بالتنميـة
.3ما القواعد النظرية للبيئة؟
أفضـت دراسـة البيئـة إىل اكتسـاب معـارف تسـاعد على فهم وتفسير
الظواهر البيئية كام أسـهمت يف اكتشـاف العوامل والعالقـات املتأثرة واملؤثرة
يف البيئـة ،وعـززت مـن قـدرة اإلنسـان على تطويـر األسـاليب والطـرق يف
التعامـل مع املؤثـرات والتحكـم بالنتائج والسـيطرة عىل الظواهـر واحلد من
ربا
كثريا من املبـادئ والقواعـد النظرية ،معت ً
السـلبيات ،فقـد طرح علم البيئـة ً
األرض كوكـب احليـاة املرتبط مصري ًّيا بالشـمس ،حيث جاذبيتهـا التي تثبت
رئيسـا للطاقة،
مصدرا ًً األرض يف دوراهنـا حـول نفسـها وأشـعتها باعتبارهـا
وأن موقـع األرض ومكوناهتـا هييئـان الظـروف املالئمة للحيـاة بكل صورها
وأشـكاهلا ،ومـن أكثـر املبـادئ والقواعـد النظرية شـيو ًعا يف علـم البيئة نجد
اآليت (املقـدادي2006 ،م ،ص :)54 -24
1 . 3مبدأ نايس للمساواة يف املجال احليويNaess's doctrine :
of biosphere egalitarianism
يقـول الفيلسـوف النروجيـي آرين نايـس :Arne Naessإن لـكل
الكائنـات احليـة احلـق نفسـه يف احليـاة واالزدهار ،وطـرح املبدأ األسـايس
لإليكولوجيـة العميقـة يف ثماين نقـاط (الغامـدي2007 ،م ،ص )20هي:
1ـ أن سلامة واسـتمرار احليـاة البرشيـة وغير البرشيـة على األرض يمثلان
قيمـة بحـد ذاهتـا مسـتقلة عن نفـع العـامل غير البشري لالسـتهالك البرشي.
154
2ـ أن ثـراء وتنـوع أشـكال احلياة يسـهامن يف حتقيـق هذه القيـم ،وهلام قيمة
أيضا.
يف حد ذاهتما ً
3ـ ال حيـق للبشر إنقاص هذا التنـوع إال من خالل تلبيـة احلاجات احليوية
األساسية.
4ـ يتوافـق اسـتمرار احلياة البرشيـة وثقافاهتا ،وكذلك احليـاة غري البرشية،
مـع عدد أصغر من السـكان على األرض.
5ـ أن االسـتغالل البشري احلـايل للطبيعـة مفـرط جـدًّ ا ويـزداد الوضـع
سو ًء ا.
6ـ ينبغـي أن تتغير تلـك السياسـات؛ ألهنـا تؤثـر يف البنـى األساسـية
االقتصاديـة والتقنيـة واأليديولوجيـة.
يثمن
7ـ البـد أن يكـون التغيير األيديولوجـي الرئيـس مـن النـوع الـذي ِّ
نوعيـة احليـاة أكثـر مـن مشـايعته لنمـط العيـش االسـتهالكي احلـايل
املتزايـد باطراد.
8ـ على أولئـك املؤيديـن للنقاط السـابقة االلتـزام املبـارش بمحاولة إنجاز
التغييرات الالزمة.
2 .3الدورات احليوية األرضية الكيميائية Biogeochemical Cycles
يتبـع النظـام البيئـي دورات حيويـة بموجبهـا تأخـذ الكائنـات
احليـة موادهـا الغذائيـة مـن البيئـة؛ لتعيـش وتنمـو ثـم تعيدهـا للبيئـة
بعـد موهتـا وحتللهـا .وتتكـون الـدورات احليويـة األرضيـة الكيميائيـة
Biogeochemical Cyclesمـن مسـتودعات Reservoirsتقـوم بحجـز
العنـارص فيهـا ملـدة طويلـة مـن الزمـن ،وخزانـات Poolsحتجـز العنارص
ملـدة قصيرة من الزمـن .وتسـمى املـدة الزمنية مـدة املكـوث Residence
155
ً
فمثلا املحيطـات تعتبر مسـتودعات للماء ،بينما الغيـوم تعتبر Time؛
خزانـات .ومـن أهـم تلـك الـدورات اآليت:
املاء
ً
سـائل يف البحـار أو جليـدً ا يف القطبني، بخـارا يف اهلـواء أو
ً قـد يكـون
وتوصـف دورتـه باملعادلة :تبخر +نتـح = تكاثف ،يتبخر فتتشـكل الغيوم
وينـزل عىل هيئـة أمطار.
الكربون
يعتبر عنصر احليـاة واللبنـة األساسـية يف بنـاء املركبـات العضويـة
للخاليـا احليـة ،وتبـدأ دورته بعمليـة التمثيـل الضوئـي Photosynthesis
يف النباتـات؛ حيـث تأخـذ من اجلـو غاز ثـاين أكسـيد الكربون ومن أشـعة
الشـمس الضـوء ومن الرتبـة ماء لتصنـع الكربوهيـدرات .وهـو يذوب يف
ميـاه البحـار وقـد يعـود إىل اجلـو ،كام أنه خيـرج مـع غـازات الرباكني ومن
االحتراق ومن عملية التنفس (شـهيق وزفير) ومن حتلل املـواد العضوية،
ويتحـول إىل مـواد خمتزنـة كالفحـم والبرتول يف جـوف األرض.
النيرتوجني
يشـكل %78مـن الغلاف اجلـوي ،وهـو عنصر أسـايس يف تركيـب
األمحـاض األمينيـة والربوتينـات واملـادة الوراثيـة (Deoxyribonucleic
)Acid-DNAيتـم احلصـول عليـه بواسـطة البرق أو النشـاطات الربكانية أو
مـن بكترييـا الرتبـة كنيرتات ،تسـتفيد منـه الكائنـات احليـة وتطلقـه للجو مرة
أخـرى مـن خلال فضالهتـا.
الفسفور
يوجـد يف كثير من صخـور القشرة األرضيـة وأغشـية اخلاليـا ،وهو
156
أحـد مكونـات العظـام واألسـنان واألسـمدة والفضلات ،وبتحللهـا يتم
إيصالـه للرتبـة ،ومـن ثـم إىل النباتات.
الكربيت
يدخـل يف تركيـب املـواد العضويـة وتبـدأ دورتـه بخروجـه من بعض
أنـواع الصخـور ،ويمكن أن يصـل إىل الغالف اجلوي من غـازات الرباكني
وحتلـل املركبـات العضويـة وحـرق الوقـود األحفـوري ،وهـو يسـهم يف
تكوين املطـر احلمضي .Acid Rain
3 .3النظام البيئي Ecosystem
يسـمى أكبر نظـام بيولوجـي على وجـه األرض «الكـرة احليـة»
Biosphereالتـي حتتـوي على مجيـع العوامـل احلية وغير احليـة املوجودة
يف اليابسـة واهلـواء واملـاء وتتفاعل مـع بعضهـا يف بيئتها يف نظـام بالغ الدقة
والتـوازن ،حتـى تصـل إىل حالة االسـتقرار ،وأي خلل يف النظـام البيئي قد
ينتـج عنـه هتديـم وختريـب للنظام.
ويمثـل املوطن البيئـي Habitatوحدة النظام البيئي؛ حيـث يمثل امللجأ أو
املسـكن للكائـن احلي ليشـمل مجيـع معامل البيئـة (فيزيائيـة وكيميائيـة وحيوية)،
بينما تعترب املواطـن الدقيقـة ،Microhabitatsأصغر الوحـدات البيئية املأهولة؛
حيـث حيـدد كل مـن املنـاخ الدقيـق Microclimateواحليـز الوظيفـي Niche
املتغيرات الدقيقـة ووظيفـة الكائن احلـي ضمن النظـام البيئي.
4 .3الكائنات احلية والدورات الغذائية
للنظـم البيئيـة الطبيعيـة عالقات ،فـكل نظام حيتـوي عىل ثالثـة أنواع
مـن الكائنـات احليـة مرتبطـة غذائ ًّيـا مـع بعضهـا البعـض :كائنـات تصنع
157
املـواد وتسـمى املنتجـات ،Producersوأخـرى تلتهـم الغـذاء وتسـمى
ِ
سـتهلكات ،Consumersوثالثـة تعيـش متطفلـة حتلـل املـواد أو تفرتس ا ُمل
الكائنـات األخـرى وتسـمى املفـككات ا ُملحللات Decomposersأو
آكالت الفتـات.
5 .3السلسلة الغذائية Food Chain
مـن أهـم العالقـات بين املكونـات احليـة للنظـم البيئيـة الطبيعيـة:
اعتماد بعضهـا على بعـض يف التغذيـة ،بحيـث يتغـذى الكائـن احلـي عىل
ثـان وبالوقت نفسـه يمكـن أن يتغذى عليـه (يأكلـه) كائن حي كائـن حـي ٍ
ثالـث .وهكـذا دواليـك فيسـمى كل مسـار «كائنـات تتغذى على بعضها»
مـن هذه املسـارات السلسـلة الغذائيـة .Food Chainويف الواقع تتشـابك
أو تتداخـل السالسـل الغذائيـة بعضهـا ببعض مشـكِّلة ما يسـمى الشـبكة
الغذائيـة ،Food Webأي أن العالقـات الغذائيـة يف النظـم البيئية حمكومة
بعالقة السالسـل الغذائية التي تبـدأ باملنتجات فاملسـتهلكات فاملحلالت..
وتسـمى هذه املسـتويات املتعاقبـة مسـتويات التغذيـة .Tropic levels
6 .3التعاقب البيئي Ecological succession
االنتقـال املنظـم مـن جمتمعـات حيويـة معينـة Biotic يعنـي
communityاىل جمتمعـات حيويـة أخـرى ،أي أن حيـل جمتمـع حيوي حمل
آخـر تدرجي ًّيـا مع الزمن ،وهـذا الثاين حيل حملـه جمتمع ثالـث ،وحتى يمكن
أن حيـل جمتمـع رابـع حمـل الثالـث .وال يسـتمر التعاقـب يف األنـواع إىل ما
ال هنايـة؛ إذ ينتهـي املطـاف بحالـة مـن االسـتقرار؛ حيـث يتم االتـزان بني
مجيـع األنـواع والبيئـة الطبيعيـة وتُدعى هـذه املرحلـة النهائية نظـام الذروة
البيئيـة ،Climax ecosystemوتسـمى التجمعـات احليويـة املسـتقرة (أو
158
الناضجـة) جمتمعـات الـذروة ،Climax communitiesويمتـاز نظـام
الـذروة باآليت:
ـ ذو مقاومة عالية للتأثريات السلبية.
ـ ذو تنويع حيوي ٍ
عال .High Species Diversity
ـ غني باملواد الغذائية والعضوية.
ـ يظهر درجة عالية من االنتظام.
7 .3العوامل الالحية factors Abiotics
هـي عوامـل فيزيائيـة وكيميائيـة متداخلـة تؤثر على مقـدرة الكائنات
احليـة عىل العيش وحتدد إمكانيـة وجود األنواع يف املناطق ومدى اسـتطاعة
الكائنـات احليـة البقـاء ،ومـن أمههـا :احلـرارة Temperatureوالضـوء
Lightواملـاء Waterو الرتبـة Soilواملغذيات األوليـة (األمالح املعدنية)
Biogenic saltsوالريـاح Windsوالغـازات اجلويـة Atmospheric
( gasesكاألكسـجني وثـاين أكسـيد الكربون) والنـار Fireواملنـاخ الدقيق
.Microclimate
8 . 3الكواشف البيئية Ecological indicators
تسـتخدم بعـض أنـواع الكائنـات احلية كواشـف تـدل على طبيعة أو
ظـروف البيئـة املحيطـة هبـا ،ويكـون ذلـك بدليـل وجودهـا أو غياهبـا أو
شـكلها أو وفرهتـا ،وذلـك كما هـو موضـح باجلـدول التايل:
159
اجلدول رقم ( )4أنواع الكواشف واستدالالهتا
املكشوف النوع الكاشف
توافر عنرص السيلينيوم أسرتاغالس Astragalus
الصنوبر Pinusوالعرعر Juniperusتوافر عنرص اليورانيوم نباتات
الربعم األمحر Cercis canadensisتوافر مادة الدولوميت
تلوث املاء بالرباز البكترييا القولونية E.coli البكترييا
تلوث املياه الطحلب األخرض Chlorela
الطحالب
تلوث خطري الطحلب األخرض املزرق Anabaena
ملوحة الرتبة وانتشار
السحايل وتقرحات احليوانات احليوانات
األمراض
املصدر :إعداد الباحث بترصف من كتاب املقدادي2006 ،م.
160
كبيرا للكائـن احلي قـد يصـل إىل املوت.
ً التحمـل األمثـل مسـببة إجهـا ًدا
وتسـمى مثـل هـذه احلـاالت «التأثير املتدائـب» ،Synergistic Effects
وخير مثـال عليهـا جمموعـة امللوثات التـي تؤثر على الكائن احلـي فتجعله
عرضـة للمـرض أو اهللاك.
10 . 3مستويات التحمل Tolerance levels
إن لـكل كائـن مدى حتمل خيصـه ،كام أن بعـض األنـواع تتمتع بمدى
أوسـع أو أضيـق من غريها ،وبحسـب القانـون الذي وضعه عـامل الكيمياء
العضويـة األملـاين جوسـوس ليبيغ يف عـام 1840م ،يوجد لـكل كائن حي
متطلبـات حمـددة البد مـن توافر احلـد األدنى منهـا عىل األقل حتى يسـتمر
نمـوه وتكاثـره ،ويتلخـص قانـون ليبيغ للحـد األدنـى Liebig´s law of
Minimumيف املبـادئ التالية:
-أن لـكل كائن حي مـدى حتمل للظروف البيئية املتعـددة ،كدرجة احلرارة
والرطوبـة والضـوء ...إلخ .وقد يكون هـذا املدى ضي ًقـا Stenoecious
أو واس ًعا .Eurioecious
-قـد يكـون أحـد الكائنـات احليـة واسـع التحمل لعوامـل معينـة وضيق
التحمـل لعوامـل أخرى.
-الكائنـات احليـة التـي هلـا مـدى حتمـل واسـع ملجمـل الظـروف البيئيـة
املحيطـة تكـون واسـعة االنتشـار.
-ال تعيـش الكائنـات احلية يف الوضـع الطبيعي يف الظـروف املثالية من جمال
التحمـل؛ وذلك ألن تأثيرات العوامل البيئية تتداخـل مع بعضها.
-مرحلـة التكاثـر يف الكائـن احلـي هـي املرحلـة احلرجـة التـي حتتـاج لظـروف بيئيـة
قريبـة مـن احلـد املثـايل (البـذور واألجنـة والطالئـع النباتيـة والريقـات تتكاثـر يف
أوقـات معينـة من السـنة؛ وذلـك لعدم اسـتمرار الظـروف املثاليـة عىل مدار السـنة).
161
خصوصـا إذا
ً ـ يتبايـن مـدى التحمـل والظـروف املثلى للنـوع الواحـد،
تواجـد هـذا النوع يف مـدى جغرايف واسـع بسـبب ظهور تراكيـب جينية
عـن طريـق االنتخـاب الطبيعـي والتكيف.
11 . 3االتزان الطبيعي للجامعات
ينطبـق عىل حتمـل الكائن احلي ما ينطبق عىل اجلامعـات Communities
يف رد فعلهـا املختلـف جتـاه العوامـل البيئيـة ومعـدل اسـتجابتها للظـروف؛
فهنـاك بعـض اجلامعـات التـي تسـتجيب برسعـة للظـروف اإلجيابيـة كتوافر
الغـذاء مثلاً ،وتتأثـر بشـدة بالظـروف البيئيـة السـلبية كاجلفـاف ،مثـل
النباتـات احلوليـة واحلشرات والفئران .وهنـاك مجاعات تكون أقل اسـتجابة
للتغيرات؛ بحيـث ال تتأثـر معـدالت الـوالدة أو الوفيـات أو اهلجرة بشـكل
حـاد ،مثـل األشـجار الكبيرة واحليوانـات الثدييـة الكبرية.
أمـا النظـم البيئيـة فتمتلك قـدرة ذاتية على البقـاء Persistenceحتت
ضغـط التغيرات املحيطـة من خالل ممارسـة النظـام البيئـي دوره بطريقتني
لتحقيـق العـودة إىل االتـزان الطبيعي مها:
املرونة البيئية Ecological resilience
وهـي القـدرة على امتصـاص التغيير ،ومـن ثـم البقـاء ،ومـن ثـم
العـودة إىل الوضـع الطبيعي عند حتسـن الظـروف ،أي أن تأرجح اجلامعات
السـكانية حتـت تأثير تغيري معين ال يعني أن النظـام البيئي قـد انتكس ،بل
يعنـي أنـه أمـام فرصـة السترداد عافيتـه إذا كان األفـراد فيه لدهيـم القدرة
على التكيـف واملرونة.
املقاومة البيئية Ecological resistance
وهـي القـدرة عىل مقاومـة التغيري بأقـل رضر ممكن بواسـطة مكونات
162
النظـام البيئـي نفسـه؛ حيـث يمتـاز بقـدرة حيويـة عاليـة وطاقـة خمزنـة
ً
فمثلا نظام الغابـات يقاوم درجات احلـرارة املرتفعة تسـاعدان على البقاء؛
واملنخفضـة وكذلـك اجلفـاف وانتشـار احلرشات املوسـمية؛ حيـث يتمكن
بواسـطة الطاقـة املخزنة يف أنسـجته مـن استرداد عافيته.
12 . 3القوانني اإليكولوجية Ecological Rules
هناك ثالثة قوانني رئيسـة تشـكل قانـون اإليكولوجية ،هـي :االعتامد
املتبـادل ،قانـون ثبـات النظـم البيئيـة ،قانـون حمدودية مـوارد البيئـة كام هو
موضح باجلـدول التايل:
اجلدول رقم ( )5القوانني اإليكولوجية
العالقات القانون
تعتمد األحياء كلها عىل بعضها يف عالقة توصف باآلكل واملأكول،
قانون االعتامد مكونة سالسل غذائية متداخلة قصرية عىل اليابسة وطويلة يف املاء فتأخذ
صورة الشبكة الغذائية كظاهرة طبيعية حتفظ توازن الكائنات احلية. املتبادل
قانون حمدودية
املوارد املتاحة لإلنسان حمدودة ولن تبقى إىل ما ال هناية.
موارد البيئة
املصدر :من إعداد الباحث بترصف من كتاب املقدادي2006 ،م.
163
.4ما عنارصها ومكوناهتا؟
يتـم تقسـيم البيئـة حسـب اهتمام الدارسين والباحثني مـن أجل فهم
العالقـات بين العنـارص ومـدى تأثريهـا وتأثرهـا بالعوامـل واملتغيرات
وطبيعـة التفاعـل بين املكونـات ودور اإلنسـان يف إجيادهـا وصناعتهـا،
وذلـك كما هـو موضـح باجلـدول التايل:
اجلدول رقم ( )6أنواع البيئة وتقسيامهتا
معيار
املرجع أنواع البيئة
التقسيم
1ـ البيئة الطبيعية :ليس لإلنسان دور يف إجيادها،
أبو غدة، وهي بيئة مادية (كائنات غريحية) وبيئة بيولوجية
دور اإلنسان
2009م (الكائنات احلية ،ومنها اإلنسان).
2ـ بيئة مشيدة (حضارة اإلنسان).
164
1ـ منظومة املحيط احليوي :ليس لإلنسان دور يف
إجيادها ،وتتكون من الغالف اجلوي والغالف املقدادي،
2006م املائي وسطح األرض (اليابسة).
2ـ منظومة املحيط االجتامعي :تشمل النظم
املحيط
االجتامعية والسياسية والثقافية واإلدارية التي
البيئي
يضعها اإلنسان لتنظيم حياته.
3ـ املنظومة التكنولوجية :تشمل كل ما أنشأه
اإلنسان وصنعه وأقامه يف حيز املحيط احليوي،
مثل املدن والشوارع واملصانع وغريها.
بيئة زراعية وصناعية وصحية واجتامعية وثقافية زملاط2009 ،م
وسياسية ،أي أهنا ترتبط بالنشاطات البرشية. النشاط
165
كل عنصر يتفاعـل مـع نفسـه ومع املحيـط؛ ومـع العنارص األخـرى ،ومن
جهـة أخرى تتفاعـل العنارص جمتمعـة مع املحيط؛ لـذا فإن تعقيـدات البيئة
جتعـل مـن أمهية دراسـتها وفهمهـا وتفسيرها والتنبؤ هبـا والسـيطرة عليها
على رأس األولويـات لضمان سلامة الوجـود واسـتمرار احليـاة والبقـاء
(أبو غـدة2009 ،م).
ومن أهم مكونات البيئة:
أ ـ الغالف احليوي Biosphere
يمثـل النظـام البيئي وحـدة طبيعية تنتـج من تفاعل مكونـات حية مع
أيضـا «بيئة احليـاة» ،وهو نظام كبير احلجم كثري
أخـرى غري حية .ويسـمى ً
التعقيـد ومتنـوع املكونـات ومتقن التنظيـم وحمكم العالقـات؛ حيث جتري
عنـارصه يف دورات وسالسـل حمبوكـة احللقـات ،كل حلقة تتوقـف برباعة
مه ِّيئـة اجلـو حللقـة شـقيقة ،واحلصيلـة وحـدة متكاملـة حيرص اجلـزء فيها
على الـكل .واجلدول التـايل يوضح أقسـام ومكونات الغلاف احليوي.
اجلدول رقم ( )7مكونات أقسام الغالف احليوي
أقسام الغالف
املكونات
احليوي
166
يتكون من ثالثة حميطات:
1ـ املحيـط املائـي :Hydrosphereيشـكل حـوايل 70
.%ويعتبر املـاء هـو الوسـط الـذي جتـري فيـه العمليـات
احليويـة ،ولـه ثلاث حـاالت :صلبـة وغازيـة وسـائلة،
جتعلـه منطقـة بيئيـة صاحلـة للحيـاة.
2ـ حميـط الغلاف اجلـوي :Atmosphereيتكـون جـو
األرض Boisphereمـن أربـع طبقـات رئيسـة هـي املكونات غري احلية
بالرتتي�ب ـ من أس�فل اىل أعىل :طبقة الرتوبوس�ف ري �Tro للبيئة
،posphereطبقـة السرتاتوسـفري ،Stratosphere
والثالثـة طبقـة امليزوسـفري ،Mezosphereأمـا الرابعـة
فهـي طبقـة الثرموسـفري Thermosphereوتسـمى
أيضـا الطبقـة األيونيـة .Ionosphere ً
3ـ املحيـط اليابس :Lithosphereيشـمل األجـزاء الصلبة من
الكـرة األرضيـة ،ومنه الصخـور التي حتتوي على املعادن.
املصدر :من إعداد الباحث بترصف من كتاب املقدادي2006 ،م.
167
وتشـمل الكائنات احلية كاألسماك واألشـجار والرتبـة واملياه.
3ـ مـوارد البيئـة غير املتجـددة :Non-Renewable Resourcesوهـي
املـوارد الطبيعيـة التـي ال تتجدد خالل حياة اإلنسـان ،والتي يسـتغرق
جتددهـا ماليني السـنني وهي غري متجـددة املصدر ،كالفحـم والبرتول
واخلامـات املعدنيـة ،وهذه املـوارد البيئيـة تتعرض للنفـاد والنضوب.
وهنـاك نـوع آخـر مـن املصـادر الطبيعية غير قابـل لالسـتنفاد كطاقة
الشـمس واألمـواج والرياح.
168
وعليـه ،فـإن التنميـة عندمـا تراعـي البعـد البيئـي تـؤدي إىل الكفايـة
البيئيـة التـي تعطـي نتائـج ،من أمههـا :إضافـة قيمة وجـودة للحيـاة ورفع
مسـتوى جودة السـلع واخلدمات وتعزيـز نظافة العمليـات وجعل التوزيع
واالسـتهالك قابلين لالسـتمرار والتطـور (عبـد الرمحـن2011 ،م ،ص
.)37
وعندمـا تؤخـذ البيئـة يف االعتبـار مـن أجـل حتقيـق التنمية املسـتدامة
التـي هتـدف إىل حتقيـق الرفاهيـة والتقدم واالزدهـار للمجتمـع واالقتصاد
تظهـر األبعـاد التـي طرحهـا كل مـن ديليـك وهوكرتـز Dyllick and
Hockertsيف كتاهبما «مـا وراء األعمال املتعاونة مع االسـتدامة» ،املنشـور
عـام 2002م ( )Gilbert & Schipper, 2010كل مـن التـايل:
ـ قابليـة التطبيـق :Viableوهـي التـي تراعـي قـدرة املـوارد الطبيعيـة عىل
تلبيـة االحتياجـات دون الضرر هبـا ،وعـدم اسـتنزافها أو تدمريهـا
وتلويثهـا.
ـ التوافـق واإلمكانيـة :Bearableومهـا اللـذان يراعيـان حـق األجيـال
القادمـة يف قدرهتـا على تلبيـة حاجاهتـا عندمـا يقـوم اجليـل احلـايل بتلبية
حاجاتـه.
ـ العدالـة واإلنصـاف :Equityومهـا يعنيـان عدالـة توزيع الثـروة وحتقيق
ٍ
متسـاو. تطـور وتقـدم املجتمعات واألفراد بشـكل
ـ االسـتدامة :Sustainableوتعنـي حتقيـق الرفاهية حليـاة اجليل احلايل ،مع
ضمان قـدرة األجيـال القادمة على حتقيق رفاهيـة حياهتا من خلال عدم
اإلرضار بالبيئـة ومقدراهتا.
169
الشكل رقم ( )4أبعاد التنمية املستدامة
كما تربز أمهيـة التوازن البيئي الـذي طرحه االقتصـادي البيئي هريمان
دايل حين قال :إن أي كسـب يف قطاعـات «االقتصاد ،املجتمـع ،البيئة» هو
خسـارة يف قطاعـات أخـرى وإن معاجلة مشـكالت البيئة تعتمـد عىل ثالثة
أشـكال من التوازنات (الغامـدي2007 ،م ،ص )11هي:
1ـ توازن بني مناطق الشامل واجلنوب ،ومن جهة أخرى املاء واليابسة.
2ـ توازن بني الكائنات احلية.
3ـ توازن بني األجيال.
تتضح مما سـبق الركائز الرئيسـة للبيئـة ،متمثلة يف النظـم اإليكولوجية
والتنـوع البيولوجـي والقـدرة على التكيـف والطاقـة االسـتيعابية للموارد
الطبيعيـة (عبد الرمحـن2011 ،م ،ص.)25
ويوضـح اجلـدول التـايل أهـم املـؤرشات املسـتخدَ مة لقيـاس التنميـة
املسـتدامة التـي تأخـذ البيئـة باالعتبـار (اهليتـي2011 ،م ،ص.)83-73
170
اجلدول رقم ( )8مؤرشات ومقاييس البعد البيئي للتنمية املستدامة
القياس املؤرش
171
يتكامـل معـه االقتصـاد واملجتمـع لتكـون التنميـة مسـتدامة وهـي حمصلة
للتفاعـل بين العنـارص الثالثـة (االقتصـاد واملجتمـع والبيئـة) ،ويوضـح
اجلـدول التـايل أهـم الفـروق بين التنميـة التقليدية واملسـتدامة.
اجلدول رقم ( )9مقارنة بني التنمية املستدامة والتقليدية
172
حمدودة وال تعوض ثروة جمانية ال حدود هلا املوارد الطبيعية
توفري (تكرار االستخدام) هدر (استخدام مرة واحدة) املياه
سببه الطبيعة سببه اإلنسان التلوث
البيئة
إعادة تدوير (نموذج )4R،s رمي أو حرق وطمر النفايات
رئة الكرة األرضية مصدر لألخشاب الغابات
علم وفن واجتهاد (أفضل
علم وفن مفهوم اإلدارة
املامرسات)
فوضامية Chaord
ديمقراطية استباقية بريوقراطية املنظامت
اإلدارة
وانفتاحية
تكنوقراط بريوقراط املوظفون
حتسني الكفاية ورفع مستوى
زيادة اإلنتاج التكنولوجيا
اجلودة
إيرادات (رضائب ورسوم) نفقات امليزانيات
إعداد الباحث.
173
والتحديـات التـي تواجـه البيئـة؛ حيـث شـخصها الباحثـون والدارسـون
واملهتمـون بقضايـا البيئـة على النحو التـايل (زملـاط2009 ،م):
التلوث
يعنـي إحـداث تغيير يف البيئـة يـؤدي إيل ظهـور بعـض املـوارد التـي
ال تتلاءم مـع املـكان الـذي يعيـش فيه الكائـن احلـي وتـؤدي إىل اختالله،
وللملوثـات أنـواع خمتلفـة (تلـوث اهلـواء ،تلوث امليـاه ،التلوث السـمعي
أي الضوضـاء ،التلـوث البصري ،تلـوث الرتبـة ،تلـوث بالنفايـات).
التصحر وتآكل الرتبة
ُّ
يفقـد اليـوم ثلـث األرايض الزراعيـة طبقتهـا العليا برسعـة ،مما جيعل
الرتبـة تفقـد خصوبتهـا وإنتاجيتهـا على املـدى الطويـل ،كما أن %50من
صحارى وأن املسـاحة
َ املراعـي على الكـرة األرضية قد زالـت وحتولت إىل
التـي تغطيهـا الغابـات تراجعـت إىل النصـف..كل ذلـك جيعـل اهلاجـس
عامل ًّيـا ويدعـو لتضافـر اجلهود.
ارتفاع درجة حرارة األرض
نتيجـة للزيـادة اهلائلـة يف اسـتهالك الطاقـة وحـرق الوقـود ،تزايـد
انبعـاث غـازات الكربون ،ممـا أدى إىل ارتفـاع درجة حـرارة األرض الذي
يرتتـب عليـه اآليت:
أ ـ عواصـف وأعاصير متكـررة وشـديدة القـوة تضرب أنحـاء كثيرة من
أرضارا فادحة.
ً العـامل يف خمتلـف القـارات ملحقـة
ب ـ ذوبـان أجـزاء كبيرة مـن اجلليـد سـيؤدي إىل ارتفاع مسـتوى سـطح
البحـر وإغـراق اجلـزر املنخفضـة واملدن السـاحلية.
174
ج ـ ازديـاد حـدوث الفيضانـات وموجات من اجلفاف وتصحر مسـاحات
كبيرة من األرايض.
د ـ انتشـار األمـراض املعدية يف العـامل وتدمري كثري من األنـواع احلية واحلد
من التنـوع احليوي.
هـ ـ حدوث كوارث زراعية وفقدان بعض املحاصيل.
استنزاف املوارد الطبيعية
أدى اسـتنزاف امليـاه اجلوفيـة واالسـتغالل املتزايـد مليـاه األهنـار إىل
تقويـض العالقـة بين املحيـط واليابـس مـن جهـة ،وعـدم تلبيـة حاجات
الكائنـات احليـة مـن جهـة أخـرى ،وألن الغابـات تعتبر رئـة العـامل فـإن
ظاهـريت قطـع األشـجار واحلرائـق جعلتـا الغابـات يف خطر ،حتـى أصبح
ذلـك قضيـة ذات اهتمام عاملي .ومن جانـب آخر ،فقد تسـبب االعتامد عىل
الوقـود األحفـوري يف زيـادة نسـبة التلـوث وأسـهم يف ظاهـرة االحتباس
احلراري.
انقراض بعض الكائنات احلية
ترتَّـب عىل انقراض أو نقص الكائنات احلية فقـدان التنوع البيولوجي
وخلل يف سلسـلة الغذاء حتى بات النظـام اإليكولوجي برمته مهد ًدا.
ضعف االهتامم بالقيم واحلوافز البيئية
إمهـال اجلانبين القيمـي واألخالقـي هيـدد اإلنسـان املعـارص ويلحق
الضرر باألجيـال القادمـة ومقدرهتـا على تلبيـة حاجاهتـا ومتتعهـا بمنـاخ
صحـي وآمن.
175
األخالق البيئية
وحرصـا على حفظهـا من ً انطال ًقـا مـن أمهيـة البيئـة ورضورة سلامتها،
التلـف والتلـوث ومن فرط االسـتهالك من جهـة ،ومن جهة أخرى املسـؤولية
املرتتبـة على هذا اجليـل لتوريـث األجيـال القادمـة بيئة سـليمة تلبـي حاجاهتا
وحتقـق هلـا الرفاهيـة ،فقـد تداعـت اجلهـود على املسـتويات كافـة لغـرس
أخالقيـات حتترم البيئـة وتعمـل على ضبـط السـلوكات حلاميـة البيئـة مـن
الترصفـات السـيئة والضـارة ،ومـن تلك اجلهـود عىل سـبيل املثال نجـد التايل:
1ـ املؤمتـرات والنـدوات واملنشـورات واملبـادرات التي تتبناهـا هيئة األمم
املتحـدة واملنظمات الدولية ومنها اليونيسـكو.
2ـ القوانين والترشيعات والتنظيمات واالتفاقات التي تضعها املؤسسـات
واملنظامت واحلكومات.
3ـ الكتـب واملؤلفـات واملقـاالت التي ينرشها املفكـرون واملتخصصون يف
وسـائل اإلعالم املختلفة.
4ـ الربامج التوعوية واملقررات يف املناهج التعليمية واألنشطة التطوعية.
5ـ الدراسـات والبحـوث واجلهـود العلميـة التـي يقـوم هبـا الدارسـون
والباحثـون يف جمـال البيئـة.
6ـ التطبيقـات واملبـادرات واألفـكار واالخرتاعـات التـي تطلقها منظامت
األعامل.
كبريا يف غـرس القيم
دورا ً
وعلى الرغـم من تلـك اجلهود فـإن للرتبيـة ً
يعول عليـه لضبط يف نفـوس النـشء ،وتبقـى األرسة هـي األسـاس الـذي َّ
سـلوكات األفـراد مـن أجـل بنـاء جمتمـع مسـؤول يصـون بيئته التـي تلبي
احتياجاتـه وحيمـي مقدراهتـا وحيافظ عىل سلامتها.
176
. 8ما خصائص اإلدارة املستدامة للبيئة..اإلسرتاتيجيات والسياسات؟
مـع ظهـور مفهـوم التنميـة املسـتدامة يف ثامنينيـات القـرن العرشيـن،
بـرزت أمهيـة أخـذ اجلانـب البيئـي يف االعتبـار؛ إذ إن حتقيـق النمـو
االقتصـادي والتنميـة البرشيـة يتطلبـان املالءمـة مع قـدرات البيئـة ،األمر
الـذي أدى إىل ظهـور اجتـاه إداري عرف بـإدارة البيئـة ،وهو يـرى أن إدارة
البيئـة ليسـت هد ًفـا بحد ذاهتـا ،إنما اهلـدف إدارة التفاعل بين املجتمعات
البرشيـة واقتصادهـا والتحكـم يف تأثريها على البيئة ،ونتعـرف فيام ييل عىل
مفهـوم إدارة البيئـة وفلسـفتها وخصائصهـا.
1 . 8فلسفة إدارة البيئة
يتضـح مـن خلال األدبيـات التـي يطرحهـا الدارسـون والباحثـون
أن إدارة البيئـة تنطلـق مـن النظـرة إىل قـدرة البيئـة على التحمـل للوفـاء
باحتياجـات البشر واسـتمرار تلبيتهـا ملتطلبـات األجيـال احلاليـة وأجيال
املسـتقبل ،األمـر الـذي يوجـه الفكـر اإلداري إىل اآليت:
1ـ إدارة مجيـع مكونـات البيئـة الطبيعيـة احليويـة ،مـع إجيـاد شـبكة مـن
العالقـات بين مجيـع أنـواع الكائنـات احليـة وبيئتهـا.
2ـ النظـر إىل املحافظـة عىل البيئة باعتبارها أسـلو ًبا يـؤدي إىل املحافظة عىل
املصالـح البرشيـة ،ووسـيلة لضمان قـدرة األجيـال القادمة على تلبية
احتياجاهتا.
ً
وعمل إنسان ًّيا عقالن ًّيا. 3ـ إدارة البيئة هلا طبيعة علمية وتقنية جتعلها مهنة
4ـ تدعـم إدارة البيئـة النشـاط االقتصـادي مـن خلال احلفاظ على املواد
اخلـام واملـوارد الطبيعية وترشـيد االسـتهالك.
177
2 . 8مفهوم اإلدارة البيئية Environmental Management
يقصـد بـه اجلهود املنظمـة التي تقوم هبـا املنظامت لالقتراب من حتقيق
األغـراض البيئيـة بوصفهـا جـز ًءا أساسـ ًّيا مـن سياسـاهتا ،وأهنـا هتدف إىل
إجـراء تعديلات يف نظـم املنظامت تؤدي إىل حتسين أدائها وخفـض آثارها
البيئيـة أو منعهـا متا ًمـا ،ويوضـح الشـكل التايل العالقـة بين اإلدارة والبيئة
(خمول وغانـم2009 ،م ،ص .)35
الشكل رقم ( )5العالقة بني اإلدارة والبيئة
اإلدارة البيئة
املواءمة
اهليكل التنظيمي والتخطيط اهلواء واملاء والرتبة
حتقيق األغراض
املامرسات واملسؤوليات املوارد الطبيعية والطاقة
البيئية
السياسات واإلجراءات الكائنات احلية واإلنسان
كما نشر موقع األكاديميـة العربية الربيطانيـة للتعليم العـايل رأي أحد
املحافظين البيئيين ،وهـو ألـدو ليوبولـد Aldo Leopoldالـذي يقـول
إن احلفـاظ على البيئـة يمثـل حالـة من االنسـجام بين اإلنسـان واألرض
(البيئـة) ،وإن اإلدارة البيئيـة تعتبر أدا ًة عملية لتحقيق هذا االنسـجام؛ فهي
كل مـن الكائنـات احلية وغري احليـة ومجيع عنـارص الطبيعة. تتضمـن إدارة ٍّ
3 . 8خصائص إدارة البيئة
فكـرا إدار ًّيا ،ومـن جهة أخرى
تتميـز إدارة البيئـة مـن جهـة باعتبارها ً
باعتبارهـا ممارسـة وهلـا مهام وواجبـات متيزها؛ حيـث طرح ألـدو ليوبولد
املهـام والواجبـات التـي تقـوم هبـا اإلدارة البيئية وهي عىل شـقني ،مها:
(www.abahe.co.uk/environmental-management.html).
178
1ـ املحافظـة على البيئـة :ويتم ذلـك من خالل وجـود مركز إنتـاج نظيف
واحلـد مـن الفاقـد ،ومـن جهة أخـرى وجـود تكامل بني املؤسسـات؛
حيـث إن مـا ختلفـه املؤسسـات املنتجـة تسـتخدمه مؤسسـات أخـرى
كمـواد أوليـة (مدخالت).
2ـ رصـد القصـور ومعاجلتـه :من خالل معرفـة الواقع البيئـي والتحديات
وحتديـد مصـادر التلـوث ،يتـم اختـاذ اإلجـراءات ووضع السياسـات
ورسـم اإلستراتيجيات التـي تكفل محايـة البيئة ومنـع األرضار.
4 . 8اإلسرتاتيجيات
تتحـدد رؤيـة إدارة البيئـة يف تبنـي مبـدأ االسـتدامة ،وألجـل حتقيـق
ذلـك تضـع اخلطـط التـي تعمـل على تطويـر أفضـل املامرسـات الصديقة
للبيئـة واالسـتفادة الكاملـة مـن خمرجـات الصناعـة وتنميـة القـدرات
البرشية بواسـطة التدريب املسـتمر وتشـجيع النـاس عىل العمـل التطوعي
وإقناعهـم بضرورة حتسين األداء البيئي وخفـض التلوث ،وكذلـك إقناع
املنظمات باجلـدوى االقتصاديـة ،خاصة يف خفـض تكاليف معاجلـة اآلثار
السـلبية للبيئـة ،باإلضافة إىل سـن الترشيعات ووضع املعايير واملواصفات
التـي تراعـي البيئـة .ومـن أهـم األهـداف اإلستراتيجية التـي حتقـق رؤية
إدارة البيئـة مـا يلي (خمـول وغانـم2009 ،م ،ص :)48 ،47
ـ االستخدام املستدام للموارد املائية.
ـ االستخدام املستدام ملوارد األرايض.
ـ حتسني اخلدمات والبنية التحتية.
ـ التنمية املستدامة للموارد الطبيعية والرتاثية.
وكمثـال إلستراتيجيات إدارة البيئة ،نجد إستراتيجيات خطة التنمية
179
التاسـعة يف اململكـة العربية السـعودية ( 2014 – 2010م) وهي كالتايل:
1ـ اإلستراتيجية وخطـة العمـل الوطنيـة للغابـات :هتدفـان إىل املحافظـة
على الغطـاء النبايت وتعزيـزه؛ لضامن توفير فوائده البيئيـة واالقتصادية
واالجتامعيـة بصـورة مسـتدامة؛ النتفـاع كل األحيـاء يف احلـارض
واملسـتقبل.
2ـ اإلستراتيجية الوطنيـة للتنـوع األحيائـي :هتـدف إىل املحافظـة على
التنـوع األحيائـي وجعلـه حمـور التخطيـط الوطنـي وتطبيـق اتفاقيـة
التنـوع األحيائـي وبروتوكـول قرطاجنـة املتعلـق بالسلامة األحيائيـة.
3ـ اإلستراتيجية الوطنيـة للصحـة والبيئـة :تغطـي القضايـا ذات العالقـة
بالصحـة والبيئـة ،ومنهـا :جـودة اهلـواء وصالحيـة ميـاه الشرب
وسلامة الغـذاء ومكافحة التلـوث اإلشـعاعي والضوضائي ،وكذلك
إعـادة اسـتخدام ميـاه الرصف الصحـي وقضايـا اإلسـكان والتحرض
واملناطـق السـاحلية والنفايـات الصلبـة واخلطـرة واالسـتخدام اآلمن
للكيمياويـات ،باإلضافـة إىل تنمية املوارد الطبيعيـة املتجددة واملحافظة
عليها .
4ـ اخلطـة الوطنيـة ملكافحـة تلـوث البيئـة البحريـة :تسـعى إىل تطبيـق
اإلجـراءات اخلاصـة بمكافحـة التلـوث واحلـد منـه ،وكذلك تنسـيق
جهـود اجلهـات املعنيـة يف حالـة وجـود حـوادث.
5 . 8السياسات واإلجراءات
تتفاعـل إدارة املنظمـة مـع البيئـة مـن خلال السياسـات التـي تتبناها
يف توظيـف القـوى العاملـة (اهليـكل التنظيمـي واملسـؤوليات) وتوجيـه
املـوارد املاليـة (امليزانيـات واملرشوعـات والربامـج) واسـتهالك املـواد
180
األوليـة واملـوارد الطبيعيـة (الرتشـيد والتدوير) وطـرق اإلنتاج وأسـاليب
العمـل والتكنولوجيـا والطاقـة املسـتخدمة (تبنـي املامرسـات األفضـل
،)best Practiceوكذلـك يف نوعيـة وجـودة السـلع واخلدمـات ومالءمة
املخرجـات لالعتبارات البيئية (منتجـات صديقة للبيئة .)Green Products
هتـدف تلـك السياسـات إىل احليلولـة دون التسـبب يف أي رضر
للبيئـة؛ حيـث ت َُت َجـم إىل سلسـلة مـن اإلجـراءات والتدابير التـي تراعي
تنميـة وتطويـر البيئـة ومتنـع األخطـار التـي متـس القوانين اإليكولوجيـة
وتـردع مـن تسـول له نفسـه االعتداء على البيئـة ،ونـورد يف النقـاط التالية
أهـم السياسـات واإلجـراءات التـي تتبناهـا إدارة البيئـة (مركـز اإلمارات
للدراسـات والبحـوث اإلستراتيجية2001 ،م ،ص :)64
ـ بنـاء القـدرات املؤهلـة واملتخصصة يف البيئة ،وإنشـاء مراكـز البحث العلمي
وتزويدهـا باملعـدات واألدوات الالزمـة لقيـاس تلـوث البيئـة ومراقبة تأثري
واجتاهـات امللوثـات ،وتوفير إنذار مبكـر عن أي تدهـور خطري.
ـ سن الترشيعات والقوانني اخلاصة بحامية البيئة التي تردع املعتدين.
ـ رفـع مسـتوى الوعي البيئي والسـلوك التطوعـي من خالل إدخـال البعد
البيئـي ضمن مناهج التعليم واسـتخدام وسـائل اإلعلام املختلفة.
ـ التوسع يف استخدام مصادر الطاقة النظيفة واملتجددة.
ـ رفـع مسـتوى األداء البيئـي احلكومـي واملجتمعـي؛ لتحقيـق املعايير
واملقاييـس املتفـق عليهـا يف املعاهـدات واالتفاقـات البيئيـة العامليـة.
متغيرا أساسـ ًّيا يف خيـارات املجتمـع وعند
ً ـ إدراج البعـد البيئـي باعتبـاره
ختطيـط املرشوعـات وتنفيذهـا وتقييمها.
ـ اسـتخدام نظـم اإلدارة البيئيـة Environmental Management
181
) ،Systems (EMSوهـي عبـارة عـن جمموعة من النظم تسـمى ،EMS
تشـمل األدوات التاليـة (خمـول وغانـم2009 ،م ،ص :)36
1ـ الترشيعـات :قوانين وسياسـات ولوائـح تنظـم عمليـات اإلنتـاج
والصناعـة والزراعـة وغريها مـن املرشوعات ،وهي ملزمـة للجميع
وتعـرض املخالفين لعقوبـات وغرامات تصل إىل سـحب تراخيص ِّ
النشـاطات وإغفـال املصانع.
2ـ جمموعـات الضغـط :وهـي اهليئـات واملؤسسـات واجلمعيـات التـي
هتتـم بحاميـة البيئة وتقـوم بالتوعية وتقديـم الدعم الفنـي واملايل لكل
من يلتـزم بالترشيعـات البيئية.
3ـ معايري اجلودة والتنافسـية :وهي معايري واشتراطات تراعي البيئة وتلتزم
هبا املنظامت ،ومنها شـهادة املواصفات القياسـية البيئية .ISO14000
4ـ التمويـل :توفير تكاليـف اإلنتـاج مـن خلال االعتماد على الطاقـة
النظيفـة وااللتـزام بخفـض ومنـع التلـوث.
6 . 8القرارات
إلدارة البيئـة منطلقـان :أخالقـي ال يسـمح بإفسـاد البيئـة وتدمريهـا،
واقتصـادي يعتبر البيئـة رأسمال طبيع ًيـا ينبغـي املحافظـة عليـه وتنميتـه
(خمـول وغانـم2009 ،م ،ص .)40وتلـك املنطلقـات تسـاعد على وضع
مبـادئ ُيعتمـد عليهـا يف اختاذ القـرارات.
182
1ـ اسـتهالك املـوارد باعتـدال وكفايـة ومراعـاة أفضـل األسـعار هلـا،
واالسـتخدام األكثـر كفاية هلا ،واألطر الزمنية السـتبدال املـوارد البديلة
باملـوارد غير املتجـددة ،واالسـتخدامات البديلـة املحتملـة للمـوارد.
2ـ عـدم اسـتهالك املـوارد املتجددة بوتيرة أرسع من قدرهتا على التجدد،
أو بطريقـة يمكـن أن تـؤذي البشر أو النظـم الداعمـة للحيـاة على
األرض ،خاصـة تلـك التـي ليسـت هلـا بدائل.
3ـ التوسـع يف جمـال االعتماد على الطاقـة النظيفـة املتجـددة ،كالطاقـة
الشمسـية والطاقـة املائيـة وطاقـة الريـاح.
4ـ اسـتخدام الفضلات التقليديـة موارد قـدر اإلمكان ،مـع التخلص منها
عنـد الضرورة وبطريقـة ال ترض بالبشر ونظم دعم احليـاة عىل األرض.
5ـ النضـال مـن أجـل التخلـص مـن املبيـدات السـامة واملخصبـات
الكيميائيـة ،خاصـة تلـك التـي تعتبر ضـارة بالبيئـة.
6ـ اسـتخالص منتجات النسـق البيئي ،كام يف الزراعـة والصيد واالحتطاب،
من دون اإلرضار بـرأس املال الطبيعي.
كل مـن النسـقني اإلنسـاين والطبيعـي من 7ـ تشـجيع املرونـة والكفايـة يف ٍّ
خلال تفضيل البسـتنة املتجـددة واملتنوعـة واملعقدة عىل تلك املتسـمة
بالتجانس والبسـاطة.
8ـ تفضيـل الفالحـة التعدديـة (زراعـة األرض بمحاصيـل متعـددة)
polycultureعلى الفالحـة األحادية (االكتفاء بزراعـة حمصول واحد)
فضل عـن تفضيل زراعة monocultureلإلبقـاء على خصوبـة الرتبـةً ،
النباتـات طويلـة العمر عىل السـنوية منها يف أنسـاق اإلنتـاج البيولوجي
قـدر اإلمكان.
183
9ـ إعـادة تأهيـل البيئـات املتدهـورة قـدر املسـتطاع مـن خلال وسـائل
التحكـمأوبخلـقظـروفمالئمـةلعمليـاتإعـادةاإلصلاحالطبيعـي.
10ـ تشجيع ودعم عمليات إعادة تدوير النفايات.
امللـوث ،مـن خلال سـن ترشيعـات عقابيـة على
11ـ تبنِّـي مبـدأ تغريـم ِّ
املسـتويات املحليـة والقوميـة والدوليـة.
وجيـدر بالذكـر أن تطبيـق أفضـل املامرسـات حيظـى باهتمام منظمات دوليـة
ومتابعـة مـن برنامـج األمـم املتحـدة للبيئـة ،كما أن تعميمهـا يعتبر أحـد أهداف
األلفيـة الثالثـة حيث وقعـت عليها 192دولـة و 23منظمة يف مؤمتـر «ريو .»20+
.10اخلالصة
قـدم الفصـل تعري ًفـا للبيئـة مـن جوانـب كثيرة؛ حيـث تنـاول املعنى
اللغـوي واملفهـوم العلمـي ملصطلـح البيئـة Environmentوكذلـك
اسـتعرض علـم البيئـة وعالقته بالعلـوم األخـرى واملعارف التـي أضافتها
جهـود العلماء وإسـهاماهتم يف فهـم وتفسير العوامـل والعالقـات املؤثرة
واملتأثـرة ،سـع ًيا إىل التنبـؤ والتحكـم والسـيطرة على البيئة؛ حيـث حددوا
أنـواع البيئـة وعنارصها ومكوناهتـا وأهـم أبعادها ومؤرشاهتـا وطرحوا يف
كثيرا مـن املصطلحـات والنظريات. ً هـذا املضمار
كما تنـاول الفصـل أمهيـة البيئـة يف جمـال الفكـر والفلسـفة وأثرهـا يف
وبين أثـر البعـد البيئـي يف جمـال
ظهـور االجتاهـات والتيـارات الفكريـةّ ،
التنميـة وقـدم مقارنـة بين التنميـة التقليديـة التـي تقـوم على االقتصـاد
عنرصا أساسـ ًّيا
ً واملجتمـع والتنميـة املسـتدامة التـي تأخـذ البيئـة باعتبارها
لتحقيـق االسـتدامة.
184
تطـرق هذا الفصـل ،باإلضافـة إىل ذلـك ،إىل قضايا البيئـة واملهددات
والتحديـات ،وكذلـك إىل أمهيـة األخلاق البيئيـة التـي تعـزز قيمـة البيئـة
يف نفـوس األفـراد واملجتمعـات حيـث ال تنميـة حقيقية إال بضامن سلامة
البيئـة؛ فـإن تدهـورت البيئـة سـتنتهي حيـاة اإلنسـان عىل هـذا الكوكب.
وحتـدث الفصـل يف النهايـة عـن اإلدارة البيئيـة باعتبارهـا ً
جمـال إدار ًّيـا له
فلسـفته وخصائصه من مهام وواجبات وإستراتيجيات وسياسـات وإجراءات
ونظـم وقـرارات يتميـز هبا ،كام تنـاول أفضـل املامرسـات والتطبيقات.
وال يفوتنـا التنويـه باجلهـود الدوليـة التـي تسـعى إىل محايـة البيئـة
وسلامتها؛ فعلى سـبيل املثـال ال احلصر يف عـام 1972م ُأبرمـت اتفاقيـة
باريـس حلاميـة التراث والثقافـة ،وكذلـك صـدر اإلعلان العاملـي للبيئـة
ووقعـت اتفاقيـة مـن اسـتوكهومل و ُأنشـئ برنامـج األمـم املتحـدة للبيئـة ُ
أوسـلو ملنـع التلـوث البحـري ،كما وضعـت عـام 1982م اتفاقيـة فيينـا
حلاميـة األوزون موضـع التنفيـذ ،أمـا على الصعيـد اإلقليمـي ـ عىل سـبيل
املثـال ـ فقـد وقعـت إفريقيـا اتفاقية عـام 1968م حلفـظ املـوارد الطبيعية،
كما وقعـت أوربا اتفاقيـة عـام 1979م حلامية األحيـاء ،باإلضافـة إىل ذلك
ظهـرت االتفاقيـات الثنائيـة حلامية البيئـة ،مثل ما حصل بني املجر والنمسـا
عـام 1956م ،وكنـدا وأمريكا عـام 1972م ،وعىل مسـتوى الوطن العريب
قامـت منظمات مـن أجـل البيئـة ،مثل جملـس البيئـة التابـع جلامعـة الدول
العربيـة واملنظمـة العربيـة األوربيـة للبيئـة وجلنـة التعـاون البيئـي ملجلـس
التعـاون اخلليجـي ،بـل إن كل ُقطـر عـريب أنشـأ منظمات خاصـة لشـؤون
البيئـة ،وظهـرت مجعيـات بيئية بواسـطة املجتمع املـدين العـريب ،كام برزت
املبـادرات اخلضراء واجلوائـز التشـجيعية يف الـدول العربيـة وظهـرت
التجـارب والتطبيقـات الناجحـة التـي حتتـاج إىل رعايـة وتعميـم.
185
املراجــــع:
زملـاط ،حيـاة (2009م) .البيئـة ..مفهومها ومكوناهتا واملشـاكل التي تعاين
منها ،املركز املغريب للدراسـات اإلستراتيجية ،الرباط.
العايـب ،عبـد الرمحـن (2001م) .التحكـم يف األداء الشـامل للمؤسسـة
االقتصاديـة يف اجلزائـر يف ظـل حتديـات التنميـة املسـتدامة ،جامعة
فرحـات عبـاس ،سـطيف ،اجلزائر.
الغامـدي ،عبـد اهلل (2007م) .التنمية املسـتدامة بني احلق يف اسـتغالل املوارد
الطبيعيـة واملسـؤولية عن محاية البيئـة ،جامعة امللك سـعود ،الرياض.
أبـو غـدة ،عبـد السـتار (2009م) .البيئـة واملحافظـة عليهـا مـن منظـور
إسلامي ،الدورة التاسـعة عشرة ملجمـع الفقه اإلسلامي الدويل،
الشارقة.
الكبيسي ،عامـر (2006م) .التنظيـم اإلداري احلكومـي بين التقليـد
واملعـارصة :التصميـم التنظيمـي ،سلسـلة الرضـا للمعلومـات،
دمشـق.
حممد ،عبـد الوهاب (1994م) .املسـؤولية عـن األرضار الناجتة عن تلوث
البيئة ،جامعـة القاهرة ،مرص.
خمـول ،مطانيـوس؛ غانم ،عدنـان (2009م) .نظـم اإلدارة البيئيـة ودورها
يف التنميـة املسـتدامة ،جملـة جامعـة دمشـق للعلـوم االقتصاديـة
والقانونيـة ،جملـد ،25العـدد الثـاين.
مركـز اإلمـارات للدراسـات والبحـوث اإلستراتيجية (2001م) .هكـذا
يصنـع املسـتقبل ،أبـو ظبي.
186
معلـوف ،حبيـب (2010م) .إىل الـوراء ..يف نقد اجتاهـات التقدم ،الفارايب
للنشر ،بريوت.
املقـدادي ،كاظـم (2006م) .أساسـيات علـم البيئـة احلديـث ،األكاديمية
العربيـة املفتوحـة يف الدنامرك.
موقع األكاديمية العربية الربيطانية للتعليم العايل:
www.abahe.co.uk/environmental-management.html.
187
الفصل السادس
نحو تنمية إدارية مستدامة
املقدمـة
ال شـك يف أن العـامل اليـوم يعيـش مرحلـة انتقاليـة يتشـكل خالهلـا
بنـاء فكـري عوملـي وضمري إنسـاين كوين هيـدف بنـاء جمتمعـات ومنظامت
جديـدة لتنقـذ البرشية من عامل حداثـي تنافيس ظهرت إشـكالياته وإفرازاته
وتعاظمـت حتدياتـه وأزماتـه وباتـت إمكانية اسـتدامته مسـتحيلة لو بقيت
سـلوكات سـكانه عىل ما هـي عليه أو ظلت أسـاليب اإلنتاج واالسـتهالك
وأنماط اإلدارة ملنظامتـه العامـة واخلاصـة ،سـادرة يف سياسـاهتا وبراجمهـا
املسـتنزفة للمـوارد الطبيعيـة واملتجاهلة حلقـوق الضعفاء والفقـراء ناهيك
عـن جتاهلها حقـوق األجيـال القادمة.
ومـن املنطقـي أن تكـون التنميـة الشـاملة واملسـتدامة هي اخليـار للنظام
اجلديـد الـذي يعيد التـوازن بني عنارص البيئـة الطبيعية املتمثلـة يف املاء واهلواء
واألرض مـع عنـارص النظـام االقتصـادي وثرواتـه الصناعيـة والزراعيـة
واحليوانيـة مـن أجـل حتقيـق التكامـل بين قطاعاتـه وثرواتـه الصناعيـة
والزراعيـة واحليوانيـة ومـن أجـل حتقيـق األمـن الغذائـي واملائي واإلنسـاين
والصحي لسـكان املعمـورة وكأهنم مواطنـون يف قرية كونية وأهنم سـيورثون
حرصـا منهم عىل سـداد احتياجاهتم األساسـية عىل ً هـذا الكوكـب ألبنائهم،
غـرار مـا متتعـوا به هـم مـن متطلبـات العيـش ونوعيـة احلياة.
ويف ظـل هذا التحول ،ال بد من إعـادة النظر يف منهجيات ونظريات الفكر
اإلداري لتتـواءم املنظمات واملؤسسـات العامـة واخلاصـة والشركات متعددة
اجلنسـيات عبر سياسـتها وإستراتيجيتها مـع معطيـات التنميـة االقتصاديـة
191
والتنميـة البيئيـة والتنمية البرشية وكأهنا جسـد حـي تتفاعل أجهزتـه وأعضاؤه
حلفـظ احليـاة ،ليـس للكائنات احليـة التي تعيش على هذا الكوكـب ،بل إلدامة
البقـاء والنماء لـكل مكونـات النظـام الكـوين املحيط باألحيـاء واألشـياء عىل
اختلاف تنوعها احليـوي واجليولوجـي والبيولوجـي واملادي.
وقبـل التعـرف على أبعـاد التنميـة اإلداريـة املسـتدامة وخصائصهـا
وطموحـا دول ًّيا ،تسـعى
ً ومنطلقاهتـا وآلياهتـا التـي ال تـزال مرشو ًعـا أكاديم ًّيـا
املنظمات الدوليـة إىل جعلـه واق ًعـا البـد مـن وقفـة توضـح مسيرة اإلصلاح
اإلداري التـي شـهدهتا معظـم الـدول النامية قبـل أن يتم التحـول نحو مصطلح
التنميـة اإلداريـة التقليديـة ومنهـا إىل التنمية اإلدارية املسـتدامة .فعلى الرغم مما
حققتـه برامـج وجهود جمالـس وجلـان اإلصلاح اإلداري التي ال يـزال بعضها
ناشـ ًطا حتـى يومنـا هـذا ،فـإن سـلبياهتا بدأت تتكشـف مثلما تكشـفت عيوب
النمـو والتنميـة االقتصاديـة التـي مل تكن مسـتدامة هـي األخرى لعقـود طويلة.
192
األنظـار تتجه نحو بلورة فكر إداري موحد يناسـب خمتلـف الدول أو يقلل
مـن أوجـه التباين واالختلاف بح ًثا عن نظريـات إدارية عاملية متوسـطة او
إقليميـة هلـذه املجتمعـات .وقـد كان هذا الطمـوح وقتها أن تصبـح اإلدارة
ً
حقلا عامل ًّيـا عىل غـرار حقول املعرفـة اإلنسـانية والطبيعية. العامـة
ويف ظـل هذه احلركـة اإلصالحية ُأنشـئت املـدارس الوطنيـة ومعاهد
اإلدارة العامـة؛ لتدريسـها وللتدريـب على بعـض املهـن واالختصاصات
املحاسـبية واملكتبيـة والرقابيـة ،كما تشـكلت املجالـس واهليئـات التـي
كُلفـت بإعـادة النظـر يف اهليـاكل واإلجـراءات واملوازنات ووضـع النامذج
واختصـار الوقت واجلهـد الذين تسـتغرقهام معاملات املواطنين اليومية.
وقـد ُسـميت هذه اجلهـود حركـة «التنظيـم واألسـاليب »O and Mوظل
عملهـا نشـ ًطا يف بعـض أقطارنـا العربيـة ومنهـا :مصر والعـراق ولبنـان
والسـعودية وقطـر واليمـن واجلزائـر وتونس والسـودان.
وقـد تعـززت جهـود اإلصلاح اإلداري عىل مسـتوى الوطـن العريب
بنشـأة املنظمـة العربية للعلوم اإلداريـة عام 1969م ضمـن اجلامعة العربية
وصـار هلـا دور فاعـل يف نشر املعرفـة اإلداريـة وتبـادل اخلبرات وعقـد
الـدورات التدريبيـة يف خمتلـف االختصاصـات اإلداريـة والتنظيمية ،وهي
ال تـزال تواصـل جهودهـا اإلصالحيـة والتطويريـة حتت مسـمى «املنظمة
العربيـة للتنميـة اإلداريـة» .وعلى الرغـم مـن كل النتائـج اإلجيابيـة التـي
حققتهـا حركـة اإلصلاح والتنميـة اإلداريـة فـإن فاعليتهـا ودورهـا بـدآ
بالرتاجـع مـع تزايـد االهتمام الـدويل بواقـع التنميـة يف دول العـامل الثالث
واتسـاع الفجـوة بينهـا وبين التقـدم الذي تشـهده الـدول املتقدمـة ،كام أن
تعاظـم املوارد املالية واكتشـاف البترول ومصادر الثـروة الطبيعية يف بعض
هـذه الـدول حتَّما عليهـا التوسـع يف أجهزهتا ومؤسسـاهتا لتنهـض بربامج
193
التنميـة االقتصاديـة التـي وضحـت هـي األخـرى إفرازاهتـا السـلبية لعدم
مراعاهتـا حتقيـق العدالـة يف توزيـع الدخـل القومـي على خمتلـف املناطـق
اجلغرافيـة أو بين الرشائـح املجتمعيـة ،خاصـة األقل ح ًّظـا واألشـد ً
فقرا.
ومـع بلـوغ العوملـة والرتويـج للخصخصـة ،بـدأت األفـكار الداعية
إىل إعـادة النظـر بمهـام احلكومـات ورضورة تبنـي مفاهيـم إدارة األعمال
يف تسـيري شـؤوهنا فظهـر مصطلـح إدارة األعمال احلكوميـة ،فـكان انعقاد
املؤمتـر الـدويل لألمم املتحـدة يف اسـتوكهومل بالسـويد عـام 1972م بمثابة
الشرارة التـي وجهـت األنظـار لقضايـا البيئـة ومـا يقـع عليها مـن حيف
وظلـم بسـبب قصـور السياسـات والربامـج االقتصاديـة واإلداريـة التي مل
تتحقـق أهدافهـا مـع تعسـف احلكومـات يف اسـتنزافها للبيئـة وتلويثها.
وتوالـت جهـود املؤمتـرات واللجـان الدوليـة إلثـارة هذه املشـكالت
الكبيرة ودراسـتها ،ويف مقدمتهـا اللجنـة التـي ترأسـتها بروتالند ،رئيسـة
وزراء النرويـج ،التـي أصـدرت تقريرهـا املوسـوم بـ«مسـتقبلنا املشترك»
لتنبـه دول العـامل إىل املصير الـذي ينتظرهـا إذا مـا اسـتمر احلـال على مـا
هـو عليـه مـن ختبـط وعشـوائية يف التعامـل مع البشر ومـع البيئـة وإمهال
حقـوق األجيـال القادمـة التـي لـن جتـد ما يسـد رمقهـا من اخليرات ولن
تـرث األرض وال اهلـواء وال املـاء الصالـح لعيشـها واسـتمرار حياهتا عىل
ظهـر هـذا الكوكب مع اتسـاع سـكانه ونضوب مـوارده وتلـوث بيئته ولن
يكـون باإلمـكان إجيـاد كوكـب آخر بديـل أو رديـف للقادمين اجلدد حني
يتضاعـف عددهـم يف غضون عقـود باتت معلومـة من الزمـن .وقد خلص
لـوران فابيـوس اخلطـر بمقولته« :لو ُقـدِّ ر هلـذا الكوكب الكـوين أن يتكلم
لكانـت رسـالته للعـامل :النجـدة ،النجدة».
والـذي ضاعـف مـن مشـكالت حركـة اإلصلاح اإلداري والتنميـة
194
اإلداريـة غير املسـتدامة عـدم مواءمـة وسـائلها وأسـاليبها وإجراءاهتـا
التنفيذيـة مـع األهـداف والغايـات املتجددة التي جـاءت هبا األلفيـة الثالثة
لغيـاب الرؤيـة املشتركة واملشـاركة الفاعلـة بين املسـتويات التـي ختطـط
وتصمـم املرشوعـات والربامـج وتلـك التـي تنفذها ،فحصل بسـبب ذلك
التضـاد والتبايـن بين الوحـدات وأحيانًـا بين الـوزارات واهليئات.
وممـا أضعـف مبـادئ ومنطلقـات التنميـة اإلداريـة غير املسـتدامة:
تقـا ُدم كثير مـن املبـادئ والفرضيـات التـي تراكمـت وترسـخت عبر
املامرسـات والسـلوكات ،مما أفقدها فاعليتها ومالءمتهـا للظروف املتجددة
بعضـا منهـا أصبـح
واألهـداف النوعيـة التكامليـة بعيـدة املـدى ،بـل إن ً
أقـرب إىل األمثـال الشـعبية منـه إىل املبـادئ العلميـة؛ فالكفايـة والرتشـيد
يف النفقـات ،اللـذان كانـا يعـدان مـن أهـم مـؤرشات النجـاح يف الظروف
التـي تشـح فيهـا املـوارد املاديـة ،أصبحا عائقين أمـام املنظمات الطموحة
املتنافسـة واملنطلقـة لصناعـة مسـتقبلها.
والـذي يضاعـف مـن رضورة االهتمام بالتنميـة اإلداريـة املسـتدامة
وتوظيفهـا يف عجلـة التنميـة الشـاملة هو صـدور الوثيقة الدوليـة ألهداف
األلفيـة الثالثـة التـي تعاملـت مـع دول العـامل مـن خلال رؤيتهـا ألقطاره
وملشـكالته وكأهنـا ظواهـر وقضايا مشتركة وف ًقا ملعطيـات النظـام العاملي
اجلديـد وحـددت األهـداف الثامنيـة الرئيسـة التـي ينبغـي على مجيـع هذه
الـدول أن ختطـط وتعمـل على حتقيقهـا .وقـد جـاءت مقـررات واتفاقات
املؤمتـر الـدويل لقمـة األرض املنعقـدة يف ريـو دي جانيرو بالربازيل لرتيس
األبعـاد الرئيسـة للتنمية املسـتدامة ولتضـع الدليل االسرتشـادي لألجهزة
احلكوميـة والقطـاع اخلـاص واملنظمات املدنية وف ًقـا ملصطلـح احلكامنية أو
احلكـم املرشـد؛ ليحـل حمـل مصطلـح احلكومـات التقليديـة التـي وضـح
195
عجزهـا وقصورها وفسـادها يف إقامة جمتمعات قادرة على تلبية احتياجات
مواطنيهـا ،ناهيـك عـن عجزهـا عن ضمان مسـتقبل أجياهلـا القادمة.
ويف ضـوء جممـل اجلهـود الدوليـة ،اسـتمد مفهـوم التنميـة اإلداريـة
املسـتدامة مكانتـه ودوره ليس من أجل إقامة منظامت رشـيدة ومؤسسـات
حكوميـة قابضـة وضابطة وإنما من أجـل رفد التنمية الشـاملة واملسـتدامة
بفكـر إداري وتنظيمـي معـارص يمكّـن مؤسسـات التنميـة االقتصاديـة
والتنميـة االجتامعيـة والتنميـة البيئيـة مـن أن تعمـل م ًعـا يف ظل سياسـات
عامـة وإستراتيجيات تنمويـة تكامليـة ونظميـة ولتكـون خمرجاهتـا بمثابة
التغذيـة الراجعـة ملدخالهتا ولتتقاسـم أدوارها وتتضافـر جهودها وتتعاون
أجهزهتـا يف حتقيـق أهـداف األلفية الثالثة التـي تتوىل املنظمات الدولية ،ويف
مقدمتهـا هيئـة التنميـة املسـتدامة ملتابعة ما حتققـه دول العامل باجتـاه بلوغها.
196
1 .2التكامل والتوازن يف حتقيق األهداف التنموية الشاملة
يتـم ذلـك بإزالـة احلـدود الومهيـة واالفرتاضيـة التـي تفصـل بين
السـلطات الثلاث يف الدولـة ،مثلما تفصـل بني أهـداف وأنشـطة اهليئات
واملؤسسـات املجتمعيـة بذريعـة ضمان اسـتقالليتها وحتديـد مسـؤوليتها،
لكنهـا على أرض الواقع أصبحـت معوقـة أداء بعضها البعـض أو متواطئة
يف قصورهـا وأحيانًـا متعاونـة يف اقتسـام غنائمها التي حيصدهـا البعض من
املتورطين يف شـبكات الفسـاد داخـل أروقتها.
ولكـي ال يظـل هذا الواقـع اهليكيل التقليـدي وما يرافقه من ممارسـات
وسـلوكيات بانت آثارها السـلبية وظهر عجزها وقصورها؛ فإن االسـتدامة
بمعناهـا وجوهرهـا تسـتخدم التوفيـق والتنسـيق والتـوازن بين األهـداف
النوعيـة واجلغرافيـة للتنميـة وتعـزز العمـل التضامنـي والتعـاوين بني مجيع
القطاعـات والـوزارات واملؤسسـات التابعة هلا وكأهنا أعضاء يف جسـد حي
واحد إذا اشـتكى منـه عضو تداعت لـه بقية األعضـاء .وإذا كانت نصوص
الدسـاتري ومواد القوانين تؤكد ،يف صياغتها ،تقسـيم األعمال والفصل بني
السـلطات والصالحيـات ،فإن ذلـك ال خيفـي وال ينفي احلقيقـة القائلة بأن
هناك أهدا ًفا مشتركة وأنشـطة متداخلـة وجلانًا وجمالـس متخصصة وغرف
عمليـات جتمع ممثلي اجلهـات ذات العالقـة بالقضايا واملشـكالت حللها أو
بوضـع اإلستراتيجيات للنهـوض بمسـتقبلها .وهـذا مـا حتققه السياسـات
العامـة التي تتـوىل املجالس القوميـة والوطنيـة العليا ،بالتعـاون مع اجلهات
الدوليـة واإلقليمية التي تشـاركها االهتامم واملسـؤولية.
وقـد أطلـق Elkingtoعلى التوجـه التكاملي مصطلـح «ثالثيـة
األهـداف» لتصبح أهـداف املنظامت مرتبطـة بأهداف املجتمعـات Triple
197
Bottomوالبيئـات اخلارجيـة التـي تعمل فيهـا ،إضافة اىل تطويـر كفايات
العاملين فيهـا ليكـون التفـوق والتميـز وقـوة العقـل واإلبـداع والتجديد
هـي الربدايـم لتحقيـق هـذه األهـداف الثالثيـة :التنظيميـة واملجتمعيـة
والبيئيـة؛ لضمان املسـتقبل املسـتدام لألجيـال القادمـة .وهبـذا جتتمـع
األهـداف االجتامعيـة واألهـداف االقتصاديـة والبيئية عند وضـع الربامج
واملرشوعـات والتـوازن بين األهـداف التشـغيلية املبـارشة وقريبـة األمـد
مـع األهـداف اإلستراتيجية وبعيدة املـدى وتكـون مرتبطـة ومتواصلة يف
نتائجهـا (.)Atkinson, etal, 2007
198
2 . 2إعـداد القيـادات اإلداريـة املسـتدامة ومتكينهـا مـن حتقيـق
التـوازن والعدالـة واإلنصاف يف توزيـع العوائد واملخرجات
التنمويـة وتوفير االحتياجـات األساسـية لزبائنهـا
ومعلـوم أن حتقيـق التكامـل والرتابـط واإلنصـاف والعدالـة يف إيصال
خمرجـات وعوائـد التنمية املسـتدامة ال يتـم بمواصلـة االرجتال والعشـوائية
التـي تعتمدهـا اإلدارات البريوقراطيـة وأسـاليبها العالجيـة بإطفـاء احلرائق
حين تشـتعل ومعاجلة األمـراض حني تنتشر والفيضانات حين تغرق املدن
واملظـامل حين يصرخ النـاس يف املياديـن وعبر القنـوات الفضائيـة .فالنهج
االنفعـايل Reactiveيف إدارة املؤسسـات والقطاعـات لـن يزيـد األمـر إال
تعقيـدً ا وصعوبـة ،وقـد آن األوان للتحـول إىل الفكـر القيـادي االسـتباقي
proactiveالـذي يامرسـه قادة إستراتيجيون يؤمنون بمنطلقات االسـتدامة
ولدهيـم املؤهلات األكاديميـة واملهارات اإلبداعيـة لرعاية مكونـات النظام
الكـوين ويف مقدمتهـا البيئـة وثرواهتـا الطبيعيـة واحليويـة التـي تعرضـت
للنضـوب وسـوء االسـتغالل من أبنـاء هـذا اجليـل (.)Ulrich, etal, 2009
ويـأيت يف مقدمـة املهـارات القياديـة ملنظمات االسـتدامة قدرهتـم عىل
اكتشـاف واسـترشاف البيئة اخلارجيـة التي يعملـون فيها ومـا تنطوي عليه
مـن فـرص واعـدة وحتديـات وخماطـر حمتملـة ،ومن ثـم املبـادرة والتحرك
إلدخال املسـتجدات والسياسـات والسـيناريوهات جلعل منظامهتم تتكيف
مـع الظـروف األكثر توق ًعـا والتحسـب هلا قبـل وقوعها.
وقـد طرحـت نماذج كثيرة لتطويـر القيـادات املسـتدامة ومتكينها من
حتقيـق األهـداف التنمويـة بعدالة ومشـاركة وإنصاف ،ومن بينهـا :نموذج
سـكوت جنسـون الـذي يترأس جمموعـة Fair Ridgeإذ حيـدد مخـس
مراحـل أساسـية لنضـج اإلدارات والقيـادات Maturity Modelوهـي:
199
1ـ مرحلة الوعي :Awarenessويتم خالهلا تعميق اإلدراك.recognize
2ـ مرحلـة املبـادرة :Intiateليظهـر القائـد وكأنـه متشـكك أوغير متأكد
وأنـه يعمـل يف ظل عـدم اليقني فهـو متردد ومنتظـر .laggard
3ـ مرحلـة الفهـم واالسـتيعاب :understandingوتتـم بعـد إجابته عن
التسـاؤالت الغامضـة ويلـم بالنواقـص وحييـط بالثغـرات ،وعندهـا
يتحـول إىل التجريـب واالنغماس وخيـوض يف امليدان الـذي يعمل فيه
pilotوكأنـه عضـو يف فريـق .follower
4ـ مرحلـة القبـول واالقتنـاع :Acceptanceوتكتمـل خالهلـا العـدة
منجـزا
ً وهتيئـة املسـتلزمات للتحـول والتطويـر فيظهـر هنـا باعتبـاره
.performer
5ـ مرحلـة االلتـزام والتعهـد :commitmentوفيها يربز الـدور القيادي
واإلبداعـي الـذي يرتجـم اإلدراك والفهـم واملبـادرات والتجارب إىل
واقـع يتم بلوغـه والتحـول transformنحو االسـتدامة.
وتوضـح املراحـل اخلمـس أعلاه أن التحول مـن القيـادات التقليدية
والبريوقراطيـة إىل نمـط القيـادات املسـتدامة ال يتـم بطفرة أو نقلـة أو قرار
وإنما يسـتلزم خطـة تطويريـة وتدري ًبـا أكاديم ًّيـا وتطبيق ًّيـا ليكـون قـادة
أهلا لتحمـل أعبائها وحتقيـق أهدافهـا (Fair Ridge املنظمات املسـتدامة ً
Group www.triplepundit.com).
ومعلـوم أن لنظريـات القيـادة صلة وعالقة مبـارشة بالظـروف البيئية
التـي متـارس يف أجوائهـا ومـن غير املناسـب أن يتـم تبنـي نظريـة بعينهـا
لتعمـم على مجيـع املنظامت .فنظريـة األوامـر التي يتبناهـا القائـد التقليدي
َّ
كانـت متوائمـة مع اهليـاكل اهلرميـة ومع التسلسـل يف توزيـع الصالحيات
200
وف ًقـا للمسـؤوليات .وجـاءت نظريـة القيـادة التعامليـة منسـجمة مـع
منطلقـات وتطبيقات املنظمات املهنيـة واالحرتافية وظهرت نظريـة القيادة
التحويليـة اسـتجابة للتحـوالت العرصيـة التي شـهدهتا املنظمات املعرفية
والتنافسـية التـي تبنـت االسـتباق proactiveيف التعامـل مـع األزمـات
ً
بديلا ألسـلوب االنفعـال Reactiveأو ما يسـمى قيـادة إطفاء والظواهـر
احلرائـق .ثم جـاءت نظرية القيـادة النظمية حني أصبحـت املنظامت تتعامل
مـع بيئتهـا اخلارجيـة وتسـعى إىل التكيف مـع مسـتجداهتا والتأثير والتأثر
بمسيرة جمتمعاهتا.
وليـس غري ًبـا ،يف ضوء هـذا الربط بين النظريـات القيادية وسـياقاهتا
املجتمعيـة ،أن تبرز احلاجـة لنظريـات القيـادة املسـتدامة للربـط بين أبعاد
التنميـة االقتصاديـة والتنميـة االجتامعيـة مـع املتغيرات البيئيـة ورضورة
احلفـاظ على املـوارد والثـروات الطبيعيـة ،مراعـاة الحتياجـات األجيـال
القادمـة .وبذلـك تصبـح اهتاممـات ونشـاطات القيـادات اإلدارية أوسـع
وأعقـد ممـا كانـت عليـه ،وبالتـايل فـإن خصائـص ومهـارات القيـادات
عما هـي عليـه القيـادات التنفيذيـة احلالية.
املسـتقبلة سـتكون خمتلفـة َّ
أمـا هارد كريـف فقد أوضـح يف نموذجه أهـم املامرسـات والوظائف
التكامليـة التي تسـتلزمها التنمية اإلدارية املسـتدامة من القيادات املسـتقبلة
،Relational Modelكما يلي (معهد القيادة املسـتدامة2009 ،م):
1ـ حتمل املسؤولية .Take responsibility
2ـ النظر إىل التداخالت الكلية .Holistic Interconnection
3ـ عقد احلوارات البنَّاءة .Constructive conversation
4ـ إثارة القلق َّ
اخللق .Creative tension
201
5ـ تسهيل انبثاق العوائد .Emerging outcomes
6ـ فهم ديناميكيات التغري االجتامعي .Social change Dynamics
7ـ التجريب والتعلم والتعديل .Experiment and Adjust
8ـ توسيع الشعور بالوعي .Conscious Awareness
كما أوضـح برنامـج التنميـة املسـتدامة التابـع لألمـم املتحـدة ISSP
األطـراف التـي تتعامـل معهـا القيـادات اإلداريـة املسـتدامة.
وبذلـك يكـون دورهـم الرئيـس هـو توسـيع جمـاالت ونطـاق التأثري
Spheres of Influenceبالدوائـر املحيطـة هبـم ،فيحرصـون على تقليـل
األذى والضرر الذيـن تلحقهما هبـم السياسـات والقـرارات وأن يبذلـوا
جهودهـم ويوظفـوا إمكاناهتـم ومهاراهتـم يف مضاعفـة عوائدهم وحتسين
أحواهلـم وزيـادة فـرص تنميتهم.
وملتابعـة اجلهود الدولية بشـأن تنمية القيادات املسـتدامة واملعاملة؛ يمكن
الرجـوع إىل منشـورات وبرامـج منظمـة القـادة احلكوميين Government
leader Orgعبر موقعهـا اإللكتروين الـذي يضـم أكثـر مـن مخسين برناجمًا
وورشـة تدريبيـة قدمـت للآالف من ممثلي الدول عبر القـارات اخلمس.
3 . 2أولوية احلاجات األساسية للرشائح األقل ح ًّظا
202
جـاءت جهـود املنظمات الدوليـة املعنيـة بحقـوق اإلنسـان وقضايـا اهلوية
والكرامـة والثقافـة واحلريـة لتضـاف إىل السـلع واخلدمـات فتتسـبب يف
حرمـان هـذه الرشائـح مـن مقومـات احليـاة األساسـية وتدفعـه لكثري من
السـلوكات املعاديـة ملجتمعاهتـا وحلكوماهتا.
وقـد أثـار هـذا التوجـه نحـو توفير هـذه االحتياجـات األساسـية عبر
جـدل بني أصحـاب األيديولوجيـات واألحزاب ً الربامـج التنمويـة املختلفة
السياسـية املحافظين منهـم والليرباليين؛ ففريـق خيشـى مـن املخاطـر
والتضحيـات التـي تنجم عـن إنفاق املدخـرات وعوائد االسـتثامرات لصالح
ً
مقابلا لذلـك اجلهـد والعطـاء، العاجزيـن والعاطلين الذيـن ال يقدمـون
وآخـرون يـرون يف هـذه الربامـج التنمويـة رش ًطـا ورضورة للسياسـات
الرشـيدة وملعاجلـة الظلم الذي أحلقته برامـج التنمية االقتصادية الالمسـتدامة
خلال العقـود السـابقة واحلاليـة .وبذلك تصبـح تلبية هـذه االحتياجات من
املسـؤوليات الرئيسـة للحكومات واملنظمات العامة وقياداهتا املسـتدامة ،غري
كم ونو ًعـا يظل هو اآلخر ًّ
حملا لالجتهاد أن حتديـد ماهيـة هذه االحتياجـات ًّ
لتبايـن الـدول واملجتمعـات يف ظروفهـا وإمكاناهتـا وفلسـفاهتا.
نموذجـا ملـا ينبغـي أن حتققه
ً وقـد وضـع ماكـس نيـف Neefوزملاؤه
التنميـة املسـتدامة مـن خلال إدارهتـا للربامـج واملرشوعـات وصياغتهـا
للسياسـات واإلستراتيجيات مـن ثمار ملموسـة وخمرجـات وعوائـد يمكن
قياسـها ،وهـي تسـعى إىل تلبية تسـعة من االحتياجـات األساسـية التي باتت
رضوريـة لإلنسـان يف هـذا العصر وللحد مـن معاناته وحتسين جـودة احلياة
التـي يتطلع هلـا أبناء هذا اجليل وحيرصـون عىل أن يورثوها لألجيـال القادمة.
وألن املجتمعـات تتبايـن يف إمكاناهتـا وظروفهـا ونظـم حكمهـا ،فإن
النمـوذج يدعـو إىل أن تـويل هـذه الـدول جهودهـا وتوجـه سـعيها فلا
203
تضعـف أو تقلـل ممـا حيصـل عليـه مواطنوهـا اليـوم مـن فـرص أو مزايـا
وخيـارات ،فتحافـظ عليهـا باعتبارهـا مكتسـبات حتققت فلا ترتاجع عن
حدهـا األدنـى بذريعـة أي ظـروف اسـتثنائية وال تؤذهيـا ،Don’t Harm
وهـذه هـي اإلستراتيجية الدنيا.
أمـا اإلستراتيجية الثانيـة فهـي التكميليـة واملفضلـة ،التـي ينبغي عىل
الـدول الناهضة والسـاعية إىل التنمية املسـتدامة أن جتاهد مـن أجل تفعيلها
ـميت إستراتيجية .Make it Better وس ِّ
ومضاعفة مسـاحتها ُ
وفيما ييل احلاجات التسـع الرضوريـة لتحقيق االسـتدامة حلياة األفراد
واملجتمعـات ،التي ينبغي على املنظامت جمتمعة أن تسـعى إىل حتقيقها:
1ـ العيـش والبقـاء مـن أجـل الوجـود :ويتـم ذلـك مـن خلال الصحـة
البدنيـة والعقليـة والنفسـية بتوفير الغـذاء واملـأوى واملـأكل وامللبـس
والعمـل واالنتماء.
2ـ احلاميـة والرعايـة :ويسـتلزم ذلـك توفير االسـتقالل الـذايت والضامن
االجتامعـي والصحـي واألمنـي والبيئـة النظيفة.
3ـ املـودة واالنتماء واحلـب :بإقامة العالقـات العائليـة واملجتمعية وتبادل
االحترام والتعبير عـن املشـاعر وتوفير الفـرص للمتعـة ولألوقـات
ا حلميمة .
4ـ الفهـم والتفاهـم واإلدراك :تعميق القدرات الفكرية واحلدسـية وتنمية
مهـارات التفكير والتحليـل والتأمـل عبر فـرص مواصلـة التعليـم
املسـتمر واملنظمات املعرفية.
5ـ املشـاركة وحتمل املسـؤوليات :بتقبـل االنضامم لفرق العمـل والتعاون
الطوعـي وإقامـة اجلمعيات واملنظامت والنقابـات واألحزاب.
204
6ـ الرفاهيـة واملتعـة :بتوظيـف أوقـات الفـراغ وممارسـة اهلوايـات وإقامة
احلفلات واالسترخاء واالسـتمتاع بالرياضـة واملناظـر الطبيعيـة مـع
اآلخرين.
7ـ اإلبـداع واالكتشـاف والتجديـد :بتنشـيط اخليال واحلث على االبتكار
وتطويـر أسـاليب العيـش والعمـل والبحـث عـن البدائـل والتفكير
خـارج الصناديق.
8ـ اهلويـة وحتقيق الـذات :معرفة نقاط قوهتا وضعفها والسـعي إىل إبرازها
وتنميتها والتعبير عن معتقداهتا وقيمها وحتكيـم معايريها وخياراهتا.
9ـ احلريـة والتحـرر :فلا خـوف مـن هتديـد ووعيـد وال خطـر حمتمـل أو
متوقـع وال موانـع وقيـود حتـول دون التعبير عـن الـرأي أو التنقـل
أو التملـك ،وبذلـك يتحقـق االنفتـاح والتفاعـل وإطلاق القـدرات
(.)Neef, eta, 2010
وحين تفلـح منظمات التنميـة املسـتدامةٌّ ،
كل مـن طرفهـا ووف ًقـا
الختصاصاهتـا ومسـؤولياهتا يف حتقيـق هـذه احلاجـات األساسـية لألفـراد
واملجتمعـات دون اسـتثناء أو إقصـاء أو هتميـش فـإن التنميـة عندها سـتكون
يف أفضـل مراحلهـا وإن البرش سـينطلقون يف براجمهم التنمويـة ،مراعني بذلك
حقـوق اآلخريـن مـن أبناء جيلهـم ومن أبنـاء األجيـال القادمـة ،ناهيك عن
حرصهـم على مواردهـم الطبيعيـة والبيئيـة لتكـون حياهتـم أسـعد وبيئتهـم
أنظـف ،ولسـان حاهلـم يقـول« :كلكـم را ٍع وكلكـم مسـؤول عـن رعيتـه».
4 . 2إرساء الثقافة التنظيمية املساندة
ولتحقيـق التنميـة املسـتدامة بـكل أبعادهـا ،ومنهـا التنميـة اإلدارية،
ينبغـي العمـل على إجيـاد منظمات قـادرة على إرسـاء القيـم واالجتاهـات
205
والسـلوكات اجلديـدة؛ لتحـل حمـل املامرسـات التقليديـة والعـادات
البريوقراطيـة التـي ورثتهـا املجتمعـات مـن تراثهـا ومـن ظـروف عيشـها
السـابقة وظلـت جتـد هلـا نفـو ًذا على الرغـم مـن كل املسـتجدات وتغير
طبيعـة التحديـات واملشـكالت التـي تواجـه منظمات العصر.
ومثلما تتطلـب التنميـة االقتصاديـة املسـتدامة التغيير يف أنماط اإلنتاج
واالسـتهالك والتوزيـع واحلـد مـن ضغـوط وآليـات السـوق يف التنافـس
واالحتـكار واالسـتغالل ،فـإن مـن متطلبـات التنميـة اإلدارية املسـتدامة أن
حتـل ثقافـة احلكامنيـة واإلدارة الرشـيدة بقيمهـا ومبادئهـا ومبادراهتـا حمـل
السـلوكات التـي كانـت وال تـزال ترسـخ االنتماءات القبليـة والـوالءات
العائليـة .ويتـم ذلك عبر األمثـال الشـعبية والقصص التـي يتوارثهـا األبناء
عـن آبائهـم واألحفـاد عـن أجدادهـم لتبقـى النخـوة والفزعة ونصرة األخ
وابـن العـم وابـن املحلـة واملدينة معايير ملن يتـم اختيارهـم لقيـادة املنظامت
وإدارة املؤسسـات املتحكمـة يف شـؤون النـاس وتلبيـة احتياجاهتـم وحـل
معضالهتـم .فكيـف يمكـن ملـن يصلـون إىل مواقعهـم عبر االنتماءات
والعالقـات والعـادات أن حيققـوا الفاعليـة والكفايـة واالسـتدامة أو يقيموا
العـدل يف منظامهتـم ويشـيعوه يف جمتمعاهتـم؟ (.)Bryan, 2005
أمـا القيم اجلديـدة التي دعت إليهـا أدبيات التنمية املسـتدامة وأهداف
األلفيـة الثالثة وتسـعى برامـج األمم املتحدة للتنميـة UNDPإىل حتقيقها يف
جمال احلكم الرشـيد فهي (قاسـم2012 ،م؛ الكبييس2011 ،م):
العدالة التنظيمية Organizational Justice *
وتشـمل عدالـة التوزيع وعدالـة التعامـل والتفاعل وعدالـة الفرص،
لتحـل حمـل ممارسـات التعصـب والظلم وعـدم املسـاواة وعـدم اإلنصاف
206
والتحيـز وحتكم األهـواء واملصالح ،سـواء يف وضع السياسـات أو يف اختاذ
القرارات وتسـيري شـؤون املنظامت.
الثقة التنظيمية Trust Organizational *
وتسـتلزم النزاهـة يف القـول والفعـل والصـدق يف تنفيـذ الوعـود
والعقـود وتطابـق النوايـا مـع النتائـج والسـلوكات ،لتحـل حمـل الكـذب
والتصنـع والتحايـل والنفـاق ومتثيـل األدوار واملواقـف التي من شـأهنا أن
تشـيع اخلـوف والشـك واحلـذر واالنغالق على الذات ً
بـدل مـن االنفتاح
على اآلخرين.
* الشفافية Transparency
207
مـن عوائدهـا؛ لذلك سـعت الـدول احلريصة عىل حتقيـق التنمية املسـتدامة
إىل صياغـة القوانين وأقامت املؤسسـات السياسـية والترشيعيـة والقضائية
كثريا مـن آليات متابعة املسـاءلة عبر اخلطوط السـاخنة واملحاكم
وطبقـت ً
الرسيعـة والرقابـة السـابقة والالحقة ،الرسـمية منهـا واجلامهريية.
الرشاكة Partner Ship *
وهـي غير املشـاركة التـي يتفضل هبـا بعـض املديرين عىل مـن حوهلم
فيسـألوهنم عـن أمـر مـا أو تقديـم معلومة يف حقـل ختصصهم ،لكـن الرأي
وكثيرا ما يـردد هـؤالء املديـرون قوهلم:
ً األخير يظـل متروكًا لتقديرهـم،
«نشـاورهم ونخالفهـم» .أمـا الرشاكـة فتعنـي مـا هـو أهـم وأوسـع؛ ألهنا
تنطلق من إيامن الرشكاء بمسـؤوليتهم اجلامعيـة والتضامنية يف إدارة املنظامت
التـي يعملـون فيها ،وحيـررون أنفسـهم من العزلة السـلبية والالمبـاالة إزاء
القضايـا الكبيرة واملهمة ،فتظل الفجـوة بينهم وبني املسـتويات والوحدات
املختلفـة واسـعة ،وهـم بذلـك يتنصلـون مـن مسـؤولية مـا يتم اختـاذه من
قـرارات انفراديـة قـد تكـون ضـارة وخطيرة .وعلى القياديين أنفسـهم
أن ُيشـعروا أتباعهـم بأمهيـة دورهـم ويشـجعوهم على اإلدالء بما يسـاور
نفوسـهم أو طموحهـم مـن مطالـب ومقرتحـات وبأهنـا سـتجد اجلديـة
واالحترام ..وعندهـا يصبـح اجلميـع يف مركـب واحـد وهدفهم هـو بلوغ
شـاطئ األمـان وخدمـة جمتمعاهتـم وأجياهلـم احلاليـة والقادمة.
وهبـذه القيـم اجلديـدة تتحـول املنظمات إىل فكـر االسـتدامة وتصبح
سياسـاهتا وبراجمهـا واق ًعـا وليـس جمـرد شـعارات وأحلام وأمـاين بعيـدة
املنـال ،وبذلـك تصبـح األخالقيات والقيـم اجلديـدة سـلوكات للمواطنة
التنظيميـة يعيشـها العاملـون يف منظامهتـم وحيرصـون على غرسـها لـدى
املتعاملين معهـم .ويصبـح اجلميـع عىل درجـة عالية مـن االنتماء والوالء
208
واإلخلاص ملجتمعاهتـم ،ممـا يزيـد مـن اسـتعدادهم للتضحيـة واإليثـار
ونكـران الـذات والتطـوع والعمـل خـارج حـدود املنظمـة والتزاماهتـا
الرسـمية .وبمثـل هـذه األخالقيات والسـلوكات تصبـح التنميـة اإلدارية
املسـتدامة هـي الـذراع التنفيذيـة للتنميـة املسـتدامة بـكل القطاعـات ويف
كل املؤسسـات والشركات ،وتصبـح املنظمات ذاهتا مراكز إلشـاعة احلب
والثقـة والتحـرر والعدل واملسـاواة والنصيحة واإليثارً ،
بـدل من الكراهية
واحلقـد وتعميـق العـداوة والفرقـة وإثـارة النعرات.
5 . 2االلتزام بمعايري الكفاية والفاعلية والعدل 3Es
لقـد ظلـت املنظمات البريوقراطيـة التقليديـة والرشكات واملؤسسـات
االقتصاديـة ،على اختلاف قطاعاهتا ،تقترص يف احتسـاب تكاليفهـا ملا تنتجه
أو تقدمـه مـن خدمات عىل األعبـاء املاليـة الداخلية وما تعتمـده يف موازناهتا
على أبـواب الصرف واإلنفـاق وف ًقـا للبنـود واملـواد املخصصـة للرواتـب
واألجـور واملشتريات مـن املـواد األوليـة ومـا يصرف مـن رشاء املعـدات
واألثـاث أو يدفـع عـن تكاليـف املـاء والكهربـاء مـن رسـوم أو لإليفادات
ولإلجيـارات وغريها.
أمـا التكاليـف اخلارجيـة والبيئيـة التـي ترافـق أنشـطتها املتمثلـة يف
التلـوث الـذي تفـرزه مصانعهـا أو النفايـات التـي تلقيهـا أو النضـوب ملـا
تسـتهلكه مـن املـوارد الطبيعيـة املختلفـة ،فترتكهـا للمجتمعـات لتتحملها
وكأهنـا بريئـة ممـا اقرتفته مـن ذنـوب وأرضار وخسـائر فادحـة ترتتب عىل
أدائها.
ولكـي ال يظـل هـذا النزيف الـذي تدفعـه الشـعوب واملجتمعات من
دمـاء املواطنين وصحتهـم وأعامرهـم ومسـتحقات أجياهلـا القادمـة ،فقد
209
بـدأت أنظـار املعنيني بالتنمية املسـتدامة تتجـه نحو حتويل بعـض التكاليف
اخلارجيـة والبيئيـة لتكون ضمـن التكاليف الداخلية للشركات واملنظامت،
حتقي ًقـا للعدالـة التي هـي ركن أسـاس للتنمية املسـتدامة ،وعندهـا ال تظل
أربـاح هـذه الشركات واملنظمات تصـب يف جيـوب ومصـارف أصحاهبا
فتتفاقـم مسـتويات الدخول بني رشائـح املجتمع ،األغنياء منهـم والفقراء،
وتصبـح التنميـة االقتصاديـة غير مواكبـة للتنميـة االجتامعيـة ،بـل معادية
ومعاكسـة هلا.
وعليـه ،فـإن احتسـاب التكاليـف اإلمجاليـة ملـا تنتجـه الشركات
واملؤسسـات بـات يسـتلزم اليـوم حتقيـق التـوازن ومراعـاة التداخـل بين
تكاليـف مـا يتم اسـتهالكه مـن املـوارد الطبيعية ومـا يتم حتقيقه من حتسـن
يف مسـتويات العيش للسـكان ومـا يضمن بقـاء البيئة الطبيعيـة نظيفة ونقية
السـتقبال القادمين اجلـدد مـن البرش.
وتسـتلزم ترمجـة هـذا املطلـب بنـاء وتطويـر إدارات تتسـم بالكفايـة
وتكـون فاعلـة ومسـتدامة وقـادرة على تبنـي حسـابات وأدوات ماليـة
واقتصاديـة وكلفويـة ت َُت َجـم عبر معايير ومـؤرشات كمية عند احتسـاب
أرباحهـا وخسـائرها وإعداد حسـاباهتا اخلتاميـة ،أو وضـع موازناهتا بعيدة
وقصيرة املـدى .وبموجبه تصبـح املنظمات املسـتدامة ملتزمـة بمنطلقات
اإلدارة الرشـيدة التي ُتترص بـ ،3Esوهـي :الكفاية Efficiencyوالفاعلية
Effectivnessوالعدالـة .Equity
وينبغـي لتحقيـق هـذه املعايير اعتماد منهجيـة جديـدة للرضائـب
والرسـوم؛ لتكـون مـن مصـادر متويـل املوازنـات العامـة ،فلا تقترص عىل
مداخيـل املوظفين ورضائـب امللكيـة ،بـل تتجاوزهـا إىل رضائـب تُفرض
على النقـل اخلـاص بالسـلع التجاريـة واسـتخدام الطـرق الرسيعـة وعىل
210
األنشـطة املضرة بالبيئـة أو املسـببة للتلـوث واملسـتنزفة للمـوارد الطبيعيـة
املعدنيـة واحليوانيـة والنباتيـة.
وقـد بـدأت بعـض الـدول تفـرض الرضائـب على الوقـود الـذي
تسـتهلكه الطائـرات والقطـارات والسـيارات بعـد أن اكتشـفت أن الذيـن
يدفعـون التكاليف البيئية ليسـوا هم املسـببني هلـا ،وهي الشركات الدولية
الناقلـة والـدول املسـتوردة والشركات الباحثـة عـن مضاعفـة األربـاح.
يفضـل أن يكـون تدرجي ًّيا وعرب
غير أن فـرض هـذه الرضائـب التصاعديـة َّ
مراحـل زمنيـة طويلـة لكـي ال تُقـاوم وتتسـبب يف أزمـات ومشـكالت
اقتصاديـة .كما يفترض أن ترجع عوائد هـذه الرضائـب إىل الرشائح األقل
إرضارا للبيئـة .وقـد بـدأت الدول
ً اسـتهالكًا للوقـود أو للطـرق أو لألقـل
االسـكندنافية بإنشـاء معاهـد بحثيـة ومراكـز ماليـة وحماسـبية الحتسـاب
الرضائـب البيئيـة املسـتدامة ،للحـد مـن أربـاح الشركات الكبرى ذات
املراكـز والفـروع متعـددة اجلنسـيات .ومـن شـأن الرضائب عىل اسـتهالك
وانتشـارا.
ً الوقـود التقليـدي أن جتعـل مصادر الطاقـة املتجددة أكثـر ً
قبول
ويف ضـوء مـا تقـدم ،فـإن التنميـة اإلداريـة املسـتدامة تتطلـب تبنـي
فكـر إداري جديـد يف التعامـل مـع املوازنـات العامـة بشـقيها :اإليـرادات
والنفقـات ،واخلـروج مـن األسـاليب التقليديـة القائمـة على االقتصـاد
الريعـي وحيـد الدخـل واملعتمـد على اسـتنزاف املـوارد الطبيعيـة وعلى
حسـابات التكلفـة التـي تقتصر على التكاليـف الداخليـة فقط .وال شـك
أن مواصلـة هذه األسـاليب واسـتمرارها وااللتزام هبا من ِق َبل املؤسسـات
واملنظمات العامـة واخلاصـة لـن تـؤدي إىل االسـتدامة ولـن حتقـق التنمية
الشـاملة التـي تضمـن حقوق خمتلـف الرشائـح ألبناء هـذا اجليـل ،ناهيك
عـن هضمها حقـوق األجيـال القادمة .وستشـهد النظم اإلدارية املسـتدامة
211
تطـورا يف إداراهتـا للمدخلات وللمخرجات واحتسـاهبا للعوائـد النهائيةً
ومـدى حتقيقهـا للعدالـة واإلنصاف ،سـواء بني أبنـاء الرشائح أو بين أبناء
املناطـق احلرضيـة والريفيـة (.)bartle, etal, 2006
212
7 . 2االهتامم بإدارة املعرفة والتعلم التنظيمي
احلقيقـة التـي تظـل ماثلـة أمـام املعنيين باالسـتدامة وفكرهـا ونامذجها
هـي رضورة االعتراف بـأن اجلهل والقصـور املعريف سـيظالن موجودين من
حولنـا وأن دائرهتام تتسـع على الرغم من تعاظـم حجم املعلومـات واملعارف
اإلنسـانية والطبيعيـة املكتشـفة حـول خمتلـف مياديـن احليـاة ومشـكالهتا
وقطاعاهتـا .وربما يكون إدراك هـذه احلقيقـة االفرتاضية هو السـبب الرئيس
ً
تفـاؤل وهم يتصـدون لألزمات الـذي جيعـل العلماء واملفكريـن أقل النـاس
ً
مسـتقبل. والكـوارث والظواهـر املجتمعيـة أو يسـترشفون ما سـيقع فيها
عول عليهـا يف صناعة املسـتقبل ينبغي أن إن املنظمات املسـتدامة التي سـ ُي َّ
تسـعى جاهدة ،من خالل سياسـتها وإستراتيجيتها ،إىل حتقيـق التنمية البرشية
املؤهلـة إلدارة برامـج الدولـة ومرشوعاهتـا االقتصاديـة دون هـدر يف املـوارد
الطبيعيـة أو تلويـث للبيئـة وللنظـام اإليكولوجـي بـكل عنـارصه ،وتسـعى
إىل حتقيـق التـوازن والعدالـة واإلنصـاف بين مـا تأخـذه مـن البيئـة وتعطيـه
للبشر وبأقـل التضحيـات واآلثـار السـلبية التـي تلحـق بمصالـح األجيـال
القادمـة .ومعلـوم أن احلفـاظ على النظـام البيئـي احليـوي واملـادي سـيضع
على عاتـق منظمات املسـتقبل أعبـاء ومهـام جديـدة وخلـق إدارات وأقسـام
ختطيطيـة وتنفيذيـة متخصصـة للتعامـل مـع املـواد اخلـام والنفايـات واملـواد
العرضيـة والفضلات التـي تفرزهـا عمليـات اإلنتـاج والتجميـع والتسـويق
واخلـزن ومـا يرافقهـا مـن عمليـات التفكيـك والتجزئـة والتحليـل والصهـر
وإعـادة االسـتخدام والتدويـر لكثير مـن املكونـات والعنـارص التـي مل تكـن
ذات نفـع وقيمـة فيام مضى .ولكل من هـذه العمليـات طبيعتهـا وخصائصها
وفسـيولوجيتها وأخطارهـا التي تتوجب اسـتقطاب املهنيين واالختصاصيني
واحلرفيين؛ فهـم رأس املـال البشري األهـم يف هـذه املنظمات .وهـذا هو ما
213
أشـار إليـه ألفـن توفلـر يف كتابـه «حتـول السـلطة» Power shiftحين قـال:
إن أهـم مصـدر لإلنتاجيـة ملنظمات القـرن احلـادي والعرشين هـو رأس املال
املعـريف وقدرتـه على التعامـل مـع املـوارد الطبيعيـة واحلفـاظ على البيئـة من
أجـل التنميـة البرشيـة االجتامعيـة العادلـة (العيسـاوي وآخـرون2012 ،م).
ومثلام تُعنى املنظامت باسـتدامة البيئة والتنمية ،عليها أن هتتم باسـتدامة
ذاهتـا باعتبارهـا كائنـات حيـة Living Systemوأهنـا قادرة على صناعة
حياهتـا وجتديـد وتوليـد مـا تفقده مـن مقوماهتـا وإعـادة اكتشـاف طاقتها،
وأن عقـول وإبداعـات رجاهلـا ونسـائها هـي املنطلـق لتحقيـق أهدافهـا
وتنفيـذ أنشـطتها وليس اهليـاكل أو وصف وظائفها .وبذلـك يصبح مفهوم
دورة احليـاة ،سـواء أكان عىل مسـتوى األفـراد أم املنظمات أم املجتمعات،
يف مقدمـة املوضوعـات الرئيسـة التي تعنى هبا منظامت املسـتقبل املسـتدامة
مثلما هتتـم بـدورة احليـاة لألشـياء واملـواد وحركـة األرض واهلـواء واملـاء
وتأثيرات ذلـك وتداخلهـا مع النظـام احليـوي والبيئي.
. 3اخلالصة واالستنتاج
من كل ما تقدم ،يمكن التوصل إىل ما ييل:
أول :أن الفكـر اإلداري املسـتدام ال يدعـو إىل اعتماد صيغـة نموذجيـة ً
للمنظمات العامـة أو للرشكات اخلاصـة قابلة للتعميـم ،عىل الرغم
مـن اإلمجاع العاملـي عىل رضورة تبنـي األهداف التنموية املسـتدامة
والتـزام مجيـع الـدول باملضي قد ًما نحـو حتقيقهـا ،فـإدارة املنظامت
واحلكومـات سـيظل ُبعدهـا الفنـي واإلبداعـي والواقعـي هـو
الغالـب مهما تقدم ال ُبعـد العلمـي واألكاديمـي للمعرفـة اإلدارية،
كما أن املامرسـات والسـلوكات اإلدارية تظـل يف كثري مـن جوانبها
214
حمليـة الطابـع ،بينما تظـل النظريـات والنماذج الفكريـة إرشـادية
ومقنعـة للبعـض ،وسيسـتغرق البعض اآلخـر وقتًا أطـول لالقتناع
هبـا ووضعهـا موضـع التطبيـق .وسـيظل هـذا االختلاف ،بين ما
هـو كائـن يف دنيـا املنظامت ومـا ينبغـي أن يكـون فيها ،شـاهدً ا عىل
التنـوع احلضـاري ،أو على التباين بين النظم واحلكومـات ،أو عىل
الفـروق بين مـدركات البشر والنخـب القيادية.
ثان ًيـا :أن األهـداف والتطلعـات التي تتبناهـا التنمية املسـتدامة ال يمكن حتققها
بالتمنـي أو الرتجـي ،وال باالتـكال واالنتظـار لعامـل الزمـن ،وال
باالعتماد على مسـاعدة اآلخريـن ومعوناهتـم .وسـيكون للتخطيـط
اإلستراتيجي دوره الرئيـس لرسـم معـامل الطريـق ،وسـيظل للتأمـل
والتحسـب وللحدس واالسـتبصار مكانًا لوضع السـيناريوهات ما دام
احلديـث عن املسـتقبل ليس يقينًـا وخاض ًعا لالحتماالت ولإلدراكات
البرشيـة عند وقـوع األزمـات واملسـتجدات .ولذلك يقـال :إن التنمية
املسـتدامة سـتظل مسـتعصية على اإلدارة بمعناهـا التقليـدي ،لكنهـا
ُوجـه وتُقـاد بأسـاليب مبتكـرة وغير مبارشة.قابلـة ألن ت َّ
Sustainable Development can not be managed but it can be led.
ثال ًثـا :أن املعضلة األساسـية التي سـتظل تواجـه املنظامت املسـتدامة تتمثل
يف اآلليـات واملناهـج التقليديـة العاجـزة عـن احتسـاب السـلبيات
واألرضار واإلفـرازات اجلانبيـة وغير املقصـودة املرافقـة لرباجمهـا
ً
وصول إىل محايـة الثامر والعوائد ومرشوعاهتـا التنمويـة التي تنفذها
كثيرا ما تعلـم طالهبا
ً املتحققـة مـن أدائهـا؛ فاجلامعـات واملدارس
كثريا ما
احلفـظ الصم يف اكتسـاب املعلومـات واملعارف ،واملصانـع ً
تسـهم يف تلويـث البيئـة بنفاياهتـا وغازاهتـا التـي تسـبب األمراض
215
واألوبئـة .وهكـذا السـجون وأجهـزة األمـن التـي ختيـف النـاس
وترهبهـم أو تعودهـم على العنف واملقاومـة .بينام تظل مؤسسـات
ومنظمات أخـرى تتأخـر عوائدها واآلثـار اإلجيابيـة ملخرجاهتا عن
الظهـور أو يصعـب قياسـها قبـل مضي كثير مـن السـنوات ،وربام
لـن حيصـد ثامرهـا إال أبنـاء األجيـال القادمـة؛ لذلك يدعـو أنصار
الفكـر املسـتدام إىل تبنـي منهجيـات متعـددة األبعـاد مـا دامـت
القضايـا التنموية أصبحـت بالغة التعقيـد ومتداخلة االختصاصات
ومضامينها وسـياقاهتا تسـتلزم توظيف الربامج احلاسـوبية والنامذج
الفكريـة التي قلما تتوافـر يف األقطـار النامية.
راب ًعـا :ولكـي ال يكـون التعقيد املشـار إليـه آن ًفـا عائ ًقا بوجـه التحول نحو
التنميـة املسـتدامة وأهدافهـا ،البد من القـول بأن ملنظمات املجتمع
املـدين والرشائح املجتمعية والعاملني يف عمـوم املنظامت واملتعاملني
معهـا دورهـم األبرز يف تبنـي قيم وأخالقيـات االسـتدامة وجعلها
سـلوكًا وممارسـة تظهـر يف تبادهلـم االحترام ،سـواء للبشر أو
لألشـياء من حوهلم .فشـعورهم باملسـؤولية االجتامعية وممارسـتهم
لسـلوكات املواطنـة التنظيميـة واملجتمعيـة مهـا املنطلـق يف التحول
نحـو حتقيق العدالـة االجتامعية واحلـد من الفـوارق والظلم والغبن
الذي يتسـبب به البرش لألرض التي يعيشـون عليهـا وللهواء وللامء
اللذيـن ينبغـي توفريمهـا لألبنـاء واألحفـاد .فاالسـتدامة تظل عند
قيما وأخال ًقـا قبل أن تصبح نماذج ونظريـات وترشيعات، البعـض ً
وهـذا سـيجعل إمكانيـة تطبيقها يف الـدول النامية بمعـدالت تفوق
مـا حيققـه األغنيـاء وأرباب املصانـع وأصحـاب رؤوس األموال يف
الـدول املتقدمـة ،الذين اعتـادوا عىل االسـتغالل والطمع واجلشـع
مع أبنـاء الشـعوب األخرى.
216
املراجـــع:
املراجع العربية:
دانشي ،إكـرام يوسـف (2012م) .دور العلـوم يف البيئـة والتنميـة ..ورقة
مقدمـة للمؤمتـر السـعودي اخلامـس للعلـوم ،عقـد يف جامعـة أم
القـرى ،يف الفترة مـن 24إىل 1433/5/26هــ.
سـن ،أمارتيـا (2010م) .فكـرة العدالـة ،ترمجـة :مـازن جنـديل ،الـدار
العربيـة للعلـوم ،بيروت ،مؤسسـة حممـد بـن راشـد ،ديب.
العيسـاوي ،حممد ،وآخرون (2012م) .اإلدارة اإلستراتيجية املسـتدامة..
مدخـل إلدارة املنظمات يف األلفيـة الثالثـة ،مؤسسـة الـوراق للنرش
والتوزيع.
قاسـم ،خالـد مصطفـى (2010م) .إدارة البيئـة والتنمية املسـتدامة يف ظل
العوملـة املعارصة ،الـدار اجلامعية ،اإلسـكندرية.
الكبيسي ،عامـر (2011م) .اإلدارة العامـة اجلديـدة ..مقوماهتـا وقيمهـا
وقواهـا ،مؤسسـة الياممـة ،الريـاض.
ــــــــــــــــ (2012م) .القيـادات اإلداريـة حتـت املجهـر ،مؤسسـة
الياممـة ،الريـاض.
ــــــــــــــــ (2014م) .اجلديـد يف تطويـر املنظمات ،مؤسسـة الياممـة،
الريـاض.
ماسـكولس ،مايـكل وفيكـي مالوتيري (2006م) .الدليـل اإلرشـادي
ألسـاليب الرتبيـة البيئيـة والتعليـم مـن أجـل التنميـة املسـتدامة،
ترمجـة :الشـبكة العربيـة للبيئـة والتنميـة (رائـد) ،القاهـرة.
خمـول ،مطانيوس؛ وعدنان ،غانـم (2009م) .نظـم اإلدارة البيئية ودورها
217
، جملـة دمشـق للعلـوم االقتصاديـة والقانونية،يف التنميـة املسـتدامة
.51 ـ33 ص،2 م،2ع
إمكانـات القيـادة التكامليـة ضمـن.)م2009( سشـوال،مكغريغـور
www.maberorglissue. العربمناهجيـة
دور الرشاكـة بين القطاعني.)م2011( املنظمـة العربيـة للتنميـة اإلداريـة
، بحـوث وأوراق عمل،العـام واخلـاص يف حتقيق التنمية املسـتدامة
.القاهرة
دليـل اسرتشـادي مـن أجـل التنميـة.)م2008( منظمـة اليونيسـكو
. القاهـرة،املسـتدامة
اخلصخصة وحتديات التنمية املسـتدامة يف.)م2010( أمحد السـيد،النجـار
. بريوت، املنظمـة العربية ملكافحة الفسـاد،األقطـار العربية
:املراجع األجنبية
Atkinson, Giles. etal (2007) Hand Book of sustainable
Development. Edward Elgar. pub.
Bartle, J. and deniz leuenberger, (2006) «the idea of sustainable
development in public administration» public works
management and policy. vol. 10. No.3. P.191-193.
Blakburn, W.R.(2007) the sustainability Hand Book. London:
Earthscan.
Capra Fritjof (2004) the Hidden connections: a science for
sustainable living. Amazon com.
Hardgraves, a. and Dean Fink, (2004) The seven principles
of sustainable leadership Educational leadership
vol.61no.
Hock, Dee (1997) The Birth of chaordic century: out of
218
control and in to order paradigm shift international.
Neef. M, etal (2010) Nine human Basic Needs. www.max.
neef.ct.
Norton, Bryan, (2005) Ethics and sustainable development an
adaptive approach to environment of choice. National
science foundation.
Norton, Bryan, (2005) sustainability: a philosophy of adaptive
ecosystem management. The university of Chicago
press.
ulrich and N. Smallwood, (2009) leadership sustainability.
Amazon com.
219
الفصل السابع
223
سـوف نتعـرف يف هـذا الفصـل على مفهـوم التلـوث ،ومصـادره،
وأنواعـه ،وأسـاليب وعمليـات إدارته ،ثم نقـف عند عالقـة إدارة التلوث
بالتنميـة املسـتدامة.
224
ثيابـه بالطين أي لطخهـا ،ولـوث املـاء «أي كـدره» (ابـن منظـور1999 ،ص
.)530ويف اللغـة اإلنجليزية :جاء يف معجـم « »Longmanاإلنجليزي تعريف
التلـوث ( )pollutionبأنـه «كل إجـراء يغير مـن اهلـواء واملـاء والرتبـة ويؤثـر
على صالحيتهـا لالسـتخدام اآلدمـي» (.)Longman Dictionary, 2000
أمـا مفهـوم التلـوث االصطالحي ،فلـم يتفق علماء البيئـة واملناخ عىل
تعريـف دقيـق وحمدد لـه .وأ ًّيا مـا كان التعريف فإن املفهـوم العلمي للتلوث
البيئـي مرتبـط بالدرجـة األوىل بالنظـام اإليكولوجـي حيـث إن كفايـة هذا
النظـام تقـل بدرجة كبيرة وتصاب بشـلل تام عنـد حدوث تغير يف احلركة
التوافقيـة بين العنـارص املختلفة؛ فالتغري الكمـي أو النوعي الـذي يطرأ عىل
تركيـب عنـارص هـذا النظام يـؤدي إىل خلـل يف هـذا النظام ،ومـن هنا نجد
أن التلـوث البيئـي يعمـل عىل إضافة عنرص غير موجود يف النظـام البيئي أو
أنـه يزيـد أو يقلـل من وجود أحـد عنارصه بشـكل يؤدي إىل عدم اسـتطاعة
النظـام البيئـي قبـول هذا األمـر الذي يـؤدي إىل إحـداث خلل فيه.
ويشير هـذا املصطلـح إىل مجيـع الطـرق التـي يتسـبب هبـا النشـاط
البشري يف إحلـاق الضرر بالبيئـة الطبيعيـة .ويشـهد معظـم النـاس تلوث
البيئـة يف صـورة مكـب مكشـوف للنفايـات أو يف صـورة دخـان أسـود
ينبعـث مـن أحـد املصانـع أو يف شـكل ورائحـة وطعـم امليـاه ،وغريها من
العالمـات البـارزة.
و ُيعـرف تلـوث البيئـة بأنـه «وجـود مـادة أو مـواد يف أي مكـون مـن
مكونـات النظـام البيئـي بحيـث جتعله غير صالـح لالسـتعامل ،أو حتد من
اسـتعامله أو أداء وظيفتـه» (الفاعـوري2003 ،م ،ص .)7
وتُعرف الرئاسـة العامـة لألرصاد ومحايـة البيئة باململكة العربية السـعودية
225
التلـوث البيئـي بأنـه «وجـود مـادة أو أكثـر مـن املـواد أو العوامـل بكميـات أو
صفـات أو ملـدة زمنيـة تـؤدي بطريقـة مبـارشة أو غير مبـارشة إىل اإلرضار
بالصحـة العامـة أو باألحيـاء أو املـوارد الطبيعيـة أو املمتلـكات ،أو تؤثـر سـل ًبا
على نوعيـة احلياة ورفاهية اإلنسـان» (الرئاسـة العامـة لألرصاد ومحايـة البيئة).
أمـا مؤمتـر اسـتوكهومل عـام 1972م ،فقـد َع َّـرف التلـوث البيئـي بأنه
«أي خلـل يف أنظمـة املـاء أو اهلـواء أو الرتبـة أو الغـذاء يؤثر بشـكل مبارش
على الكائنـات احليـة ويلحـق الضرر باملمتلـكات االقتصاديـة» .كما قدم
البنـك الـدويل عـام 1993م تعري ًفـا للتلـوث بأنـه «كل مـا يـؤدي ،نتيجـة
التقنيـة املسـتخدمة ،إىل إضافـة مـادة غريبـة إىل اهلـواء أو املـاء أو الغلاف
األريض بشـكل كمـي يؤثـر على نوعيـة املـوارد وفقداهنـا خواصهـا وعدم
مالءمـة اسـتخدامها» (موقـع مدونـة الوعـي البيئـي) .وعليه فـإن التلوث
يعنـي ظهـور أشـياء غير مرغـوب فيهـا يف مـكان معين وقـد تكـون هـذه
األشـياء مرغو ًبـا فيها إذا ُوجـدت يف أماكن أخرى مثل املبيدات واألسـمدة
املسـتخدمة؛ فهـي مرغـوب فيهـا حلامية النبـات ولكنهـا غري مرغـوب فيها
لتأثريهـا الضـار على صحـة اإلنسـان واحليـوان يف مواقـع معينة.
226
هـم قـادة العـامل يف تلـوث اهلـواء واملـاء والرتبـة واالنبعـاث .ففـي إحدى
الدراسـات املتعلقـة بدراسـة توقعات النمـو االقتصادي ،تشير األرقام إىل
أن النمو االقتصادي سـيزيد حـوايل %87يف الفرتة ما بني 1995و2020م،
أي :حالـة توقعـات النمـو االقتصادي املنخفـض ،بينام سـيزيد انبعاث غاز
ثـاين أكسـيد الكربـون يف الفرتة نفسـها بنسـبة %89من عمليات اسـتهالك
الطاقـة بأشـكاهلا كافة (عبيـد2000 ،م ،ص .)176
وتشـمل مصـادر التلـوث الرئيسـة :حمطـات الطاقـة النوويـة ،مصانع
الكيامويـات ،حمطات توليد الطاقة بالفحم ،مصـايف النفط ،البرتوكيامويات،
النفايـات النوويـة ،املـزارع الكبيرة للدواجن ،منتجـات األلبـان ،األبقار،
اخلنازيـر ،الدواجـن ،املصانع البالسـتيكية ،مصانع إنتاج املعـادن ..وغريها
من الصناعـات الثقيلة.
أمـا الصناعـات الكيميائيـة ،فقـد ظهـرت آثارهـا بوضـوح يف النصـف
الثـاين مـن القرن العرشيـن نتيجة التقـدم الصناعي اهلائل؛ حيـث وصلت آثار
التلـوث الكيميائـي إىل الغـذاء ،عن طريق اسـتخدام املـواد احلافظـة واأللوان
واألصبغـة ومكسـبات الطعـم والرائحة يف صناعـة األغذية ،وقـد ثبت ،بام ال
يـدع ً
جمـال للشـك ،دور هذه املـواد يف إحـداث األورام الرسطانيـة اخلبيثة.
احلروب
تعتبر احلروب من األسـباب األكثر خطـورة عىل البيئة وأحد أسـباب
التلـوث؛ لتنـوع األسـلحة وأرضارهـا املبـارشة وغير املبـارشة على حيـاة
اإلنسـان واملخلوقـات األخـرى؛ حيـث إن هذه احلـروب تسـتخدم أنوا ًعا
كثيرة مـن األسـلحة ومنهـا األسـلحة التقليديـة والكيميائيـة والبيولوجية
واإلشـعاعية والنوويـة التـي حتتوي على اليورانيـوم املنضب الـذي يعترب
227
مـن العنـارص الثقيلـة والسـامة جـدًّ ا؛ حيـث إن تأثير املـواد اإلشـعاعية
أمراضـا خمتلفـة تبقـى آثارهـا
ً والكيميائيـة يف جسـم الكائـن احلـي يسـبب
مـدة طويلـة وتسـبب إتلاف اخلاليـا واإلصابـة باألمـراض الفتاكـة مثـل
الرسطـان ،إضافـة إىل مـا حتدثـه احلروب مـن تدمري شـامل للبنيـة التحتية
والكائنـات احليـة يف البر والبحر.
املواصالت واالنبعاث الذي يصدر منها
تعـد العـوادم الناجتة مـن وسـائل النقل ،مثـل الطائرات والسـيارات،
كبيرا للتلـوث ،ممـا يتطلـب السـيطرة على انبعاثهـا؛ ألهنـا أحـد
ً مصـدرا
ً
األسـباب الرئيسـة للتلـوث يف الوقـت احلـارض؛ فرتكيـز تلـك امللوثـات
وزيـادة نسـبتها يف أجـواء املناطق السـكنية يسـببان األرضار الصحية للبرش
والبيئـة (شـحاتة2002 ،م ،ص .)104
التلوث بالبرتول
يـأيت معظـم تلـوث البيئـة املائيـة مـن البترول بسـبب اصطـدام السـفن أو
جنوحهـا أو تفريغهـا لبعـض محولتهـا بالبحار أو عمليـات تنظيف خزانات السـفن
بالبحـار ،أو أبـراج حفـر آبار البرتول عىل الشـواطئ أو حتت سـطح املـاء ،ويقدر ما
يتدفـق مـن البترول من الناقلات ،حـوايل %1مما حتملـه ،أي حوايل عشرة ماليني
طـن سـنو ًّيا ،وهذا مـؤرش خطير (عامـر1999 ،م ،ص.)231 ،230
وقـد انتشر تسرب النفط مـن ناقالتـه يف ميـاه البحـار يف السـنوات
األخيرة وزادت نسـبة التسرب منهـا ،وهلا آثار خطـرة؛ إذ تـؤدي حوادث
تسرب النفـط إىل البحـار إىل نقـص كبير يف كميـة ونوعيـة املـواد الغذائية
التـي تنتجهـا ،ممـا يؤثـر على الثـروة البحريـة ،كما أن وصـول الترسيبـات
النفطيـة إىل الشـواطئ يضر بالسـياحة.
228
ويشـكل تسرب النفط مشـكلة متزايـدة الصعوبات ،وعـادة ما تكون
إجـراءات مجـع املعلومـات عن البقـع النفطية فاشـلة يف حتديد مدى اتسـاع
تسرب البقـع الزيتية أو تتبـع آثارها (نعيـم2011 ،م).
التخلص من خملفات األنشطة (النفايات) باحلرق
حيـذر خبراء خمتصـون يف جمـال معاجلـة النفايـات مـن خطـورة اتبـاع
طـرق حرق النفايات يف سـبيل التخلص من آثارها السـلبية على البيئة ،عىل
اعتبـار أن هـذه الطـرق هـي احلل األسـوأ للتخلـص مـن النفايـات بطريقة
احلـرق ،مـا يعطـي نتائـج عكسـية؛ حيـث تصبـح اآلثـار النامجـة عـن هذه
النفايـات املحروقـة أكثر فتـكًا باإلنسـان والبيئة مـن الروائـح وامليكروبات
كثريا مـن الغازات
التـي قـد تنجم عنهـا قبل احلرق؛ ذلـك ألن األوىل تفـرز ً
السـامة والدقائـق العالقـة املضرة ،ومـن أكثـر املـواد سـمية انطلاق دقائق
«الدايكوسين» القاتـل؛ حيـث تتسـبب خملفـات احلـرق يف انتشـار أمراض
الرسطـان والتشـوهات اخللقيـة واألمـراض اجللديـة .ويمكـن جتنب خطر
هـذه املـادة مـن خالل إجيـاد حمـارق متطـورة يف عملهـا والسـيطرة عىل هذه
املتغيرات ووضع آلية لفرز وعـزل املواد املصنوعة من البـويل فينيل كلورايد
واملـواد املشـاهبة وعـدم حـرق أكيـاس مجـع النفايـات ووضع ضوابـط ملنع
حـرق املخلفـات الصلبـة بشـكل عشـوائي ،إضافة إىل إعـداد برامـج توعية
عـن طريق وسـائل اإلعالم لغـرض توضيح خماطـر حرق النفايـات الصلبة
التـي ال ختضع للفـرز والعـزل (إبراهيـم2012 ،م ،ص .)25
قطع األشجار وحرق الغطاء النبايت الطبيعي
أكـدت منظمـة األغذيـة والزراعـة التابعـة لألمـم املتحـدة (الفـاو) ،يف
احلـادي والعرشيـن مـن مـارس 2014م بروما ،أن مسـاحة الغابـات تواصل
229
تراجعهـا ،خاصة الغابات االسـتوائية بأمريكا اجلنوبية وإفريقيا ،مشيرة إىل أن
حتسين املعلومـات حول مـوارد الغابات العاملية عامل حاسـم لوقـف اإلزالة
غير الرشعية وتدهـور الغابـات (وكالة أنبـاء الرشق األوسـط2014 ،م).
رش املبيدات احلرشية ومبيدات األعشاب (التلوث باملبيدات الكيميائية)
تُسـتعمل املبيـدات الكيميائيـة ملنـع أو تقليـل األرضار الناجتـة عـن
اإلصابـات باحلشرات والفطريـات ونباتـات األدغـال (األعشـاب)
والقـوارض والطيـور واخلنازيـر واألرانـب وغريهـا؛ إال أهنا ُتـدث تلو ًثا
تعرضـا
ً للماء واهلـواء والرتبـة؛ حيـث تعتبر الرتبـة أكثـر مناطـق البيئـة
للتلـوث باملبيـدات املسـتعملة يف مكافحـة اآلفـات الزراعيـة املختلفـة.
فوجـود الكائنات يف الرتبة قـد يكون مفيدً ا يف الزراعـة ،كتحليل املواد
العضويـة ،وقـد تكون متطفلـة عىل غريها مـن الكائنات املضرة بالنباتات،
ومـن هـذه املركبـات :الزرنيخيـة والزئبقيـة ،التـي تتجمـع بالرتبـة؛ حيث
تؤثـر على البكترييا والفطريـات املوجـودة بالرتبة؛ لذلك ُينصح باسـتعامل
مبيـدات رسيعـة التحلل حتـى يكـون رضرها أقل مـا يمكن.
ـمي طويـل املـدى يقضي الس ِّ
كما أن اسـتخدام املبيـدات ذات األثـر ُّ
على أرساب الطيـور واحليوانـات التـي تدخل املنطقـة بعد انتهـاء املكافحة
خاصـة إذا كانـت املـادة املسـتعملة ال تتحلـل برسعـة وذات تأثير طويـل
األمـد (قنديـل2011 ،م).
خملفات املنتجات الصناعية
وهـي الفضلات الناجتة عن املواد اخلـام املتبقية بعد التصنيـع ،إضافة إىل
املنتجـات الصناعيـة غري السـليمة ،وكذلك مغلفـات هذه املنتجـات ،وغالبية
هـذه النفايـات الصناعية هـي نفايات كتليـة (ذات حجم كبير) ،وكذلك هي
230
غال ًبـا مركبـة مـن مـواد غير عضويـة؛ هلـذا فهـي غير قابلـة للتحلـل أو عىل
األقـل بطيئـة يف التحلـل ،ومـن هنـا فهـي ترتاكم يف مواقـع التخلـص ،كام أن
حتويلهـا إىل سماد يـؤدي إىل تلوث الرتبـة بمختلف أنـواع املعادن.
دفن النفايات املرتبطة باملدن (مكبات النفايات)
مصدرا لكثري مـن املـواد الكيميائية
ً تعـد املدافـن أو مكبـات النفايـات
التـي تدخل يف الرتبة والبيئة ،وإذا مل تُدَ ْر بشـكل جيـد فإهنا تؤدي إىل ترسب
الفضلات السـائلة إىل جـوف األرض ،كما تـؤدي إىل نتيجة سـلبية أخرى
هـي انبعاث الغـاز الذي يتكـون معظمه من امليثـان وثاين أكسـيد الكربون،
وهـذا الغـاز يـؤدي إىل انبعـاث الرائحـة وقتـل الغطـاء النبايت ،وهـذا الغاز
الـديفء هـو أحـد الغـازات التـي تتسـبب يف تسـخني طبقة الغلاف اجلوي
وكان أحد أسـباب ثقب طبقـة األوزون.
يتضمـن التصميـم العصري لدفـن النفايـات احتـواء هـذه املـواد
القابلـة لالرتشـاح عـن طريـق مد طبقـات من الطين أو بطانات مـن املواد
البالسـتيكية ،وتُضغـط النفايـات لزيـادة الكثافـة واسـتقرارها وتغ َّطى ملنع
اجتـذاب احلشرات والفئران واجلـرذان ،وتكـون مزودة بنظم السـتخراج
الغـاز .ويتـم ضـخ الغاز مـن هـذه املدافـن باسـتخدام أنابيب ،و ُيسـتخدم
هـذا الغـاز لتوليـد الكهربـاء .وتُعـرف هـذه العمليـات بالـردم التقنـي
للنفايـات (الدغيري2012 ،م).
الكوارث الطبيعية
الكـوارث هـي الدمـار الـذي حيـدث للممتلـكات واألرواح ،وهـي
تنتـج عـن ظواهر طبيعية ،وحتـدث دون أن يكون لإلنسـان دخل بحدوثها،
مثل الـزالزل والرباكين واألعاصير والرياح.
231
وتـأيت معظـم هذه الكـوارث بسـبب تغري األحـوال املناخيـة ،وارتفاع
درجـة حـرارة الكـرة األرضيـة التـي وصفهـا البعـض بأهنـا تعـادل القنبلة
النوويـة .ولكـن املالحـظ ،يف ضـوء تكـرار هـذه الكـوارث الطبيعيـة ،أن
تأثـرا بآثار
فقـرا ،هـي أكثـر املناطق ً
البلـدان واألقاليـم الفقيرة ،أو األشـد ً
هـذه الكـوارث ،مثـل مـا حـدث يف بومبـاي باهلند.
تعـرف املنظمـة الدوليـة للحاميـة املدنيـة الكارثـة بأهنـا «حـوادث غري
متو َّقعـة نامجـة عن قـوى الطبيعة ،أو بسـبب فعل اإلنسـان ،ويرتتـب عليها
خسـائر يف األرواح وتدمير يف املمتلـكات ،وتكـون ذات تأثير شـديد عىل
االقتصـاد الوطنـي واحليـاة االجتامعيـة وتفـوق إمكانـات مواجهتهـا قدرة
املـوارد الوطنيـة وتتطلب مسـاعدة دوليـة» (ويكيبيديـا2014 ،م).
كثيرا مـن التلـوث عنـد تدمير املنشـآت واختالط
ً تسـبب الكـوارث
ميـاه املجاري بماء الرشب وتدمير املـزارع واملوايش والترسب اإلشـعاعي
وتكـون البرك التي تتجمـع هبا احلشرات ،وغريها وانعكاسـات ذلك عىل
ُّ
البيئـة وتلوثها.
االرتفاع يف مستويات ثاين أكسيد الكربون يف الغالف اجلوي
ثـاين ُأكسـيد الكربـون هـو مركـب كيميائي وأحـد مكونـات الغالف
اجلـوي ،يتكـون مـن ذرة كربـون مرتبطة بـذريت أكسـجني .يرمز لـه بالرمز
أيضا يف
.CO2يكـون عىل شـكل غـاز يف احلالة الطبيعيـة ،ولكنه ُيسـتخدم ً
حالتـه الصلبـة و ُيعرف عادة باسـم الثلـج اجلاف.
وطب ًقـا للنتائـج ،فإن تأثري التغير املناخي ،الناجم عن زيادة مسـتويات
غـاز ثـاين أكسـيد الكربون ،مل يعـد يقترص على الطبقات الدنيـا من الغالف
الغـازي وإنما امتـدت آثـاره إىل أبعـد مـن ذلـك ،ويعـد مـن أهـم مصـادر
232
التلـوث البيئـي يف املـدن الصناعيـة الكبرى ويتسـبب يف خفـض صالحية
اهلـواء املحيط بالسـكان السـتدامة احلياة وسلامتها.
الضوضاء
تنتـج الطائـرات والسـيارات حـوايل ٪90مـن كل الضوضـاء غير
املرغـوب فيهـا يف مجيع أنحـاء العامل .و تسـبب الضوضاء اإلزعاج لإلنسـان
وتؤثـر على أعصابـه إذا اسـتمرت مـدة طويلة وعىل وتيرة واحـدة .فالقلق
والتوتـر العصبـي وحـدَّ ة املـزاج منتجـات إضافيـة للعصر التكنولوجـي،
كما تسـبب مشـاعر خمتلفـة مـن عـدم الرضـا كالضيـق واخلـوف واجلـزع.
إزعاجـا عندما تكـون غري
ً كما تعتبر كل ضوضـاء فـوق 90ديسـيبل أكثـر
متو َّقعـة (الرشنوبـى1989 ،م ،ص .)222والضوضاء دون الـ 60ديسـيبل
تؤثـر يف قشرة املخ وتقلـل النشـاط ،ويؤدي هـذا إىل اسـتثارة القلـق وعدم
االرتيـاح الداخلي والتوتـر واالرتبـاك وعدم االنسـجام والتوافـق الصحي
اهنيـارا
ً (العـودات1997 ،م ،ص .)10والتعـرض للضوضـاء قـد يسـبب
عصب ًّيـا للشـخص ،مما يرسع مـن اإلصابـة باألزمـات االنفعاليـة( .رفعت،
1994م ،ص .)62ويؤثـر التعـرض املسـتمر للضوضـاء على القـدرة على
الرتكيـز ويسـبب قلـة الكفايـة يف األداء والبـطء يف ردود الفعـل عند اخلطر،
ممـا يـؤدي إىل زيـادة التعـرض خلطر احلـوادث.
نقصـا يف مسـتوى األداء يف املهـام الصعبـة التـي
وتسـبب الضوضـاء ً
عـال وال يكـون هلـا تأثير واضـح على املهـام األسـهل،ٍ حتتـاج إىل تركيـز
كما أن األصـوات الغريبـة وغير املألوفة حتـدث ضوضـاء عاليـة تقلل من
مسـتوى األداء ،عكـس الضوضـاء املنخفضة؛ فالضوضاء املتقطعة تتسـبب
يف حـدوث التوتـر والقلـق وتشـتُّت االنتبـاه ،ممـا يقلـل األداء؛ فانخفـاض
مسـتوى األداء يتوقـف على إدراك الفـرد للضوضـاء وعجزه عـن ضبطها
(جرامـون1977 ،م ،ص .)279
233
جماري الرصف الصحي
هـي جـزء مـن شـبكة توزيـع امليـاه ،وهـذه الشـبكة تُعنـى بترصيـف
املخلفـات السـائلة مـن املبـاين واملصانـع إىل حمطـة املعاجلـة أو أماكـن
الترصيـف ،وتسـبب تلو ًثـا بيئ ًيـا ،وهذا النـوع مـن التلوث ذو آثـار خطرية
جـدًّ ا على خمتلـف عنـارص البيئـة.
. 3أنواع التلوث
يمكن تقسيم التلوث إىل عدة أنواع ،وذلك حسب اآليت:
234
وجـود كائنـات حيـة مرئيـة أو غير مرئيـة ،نباتيـة أو حيوانيـة كالبكترييـا
والفطريـات وغريهـا يف الوسـط البيئي كاملـاء أو اهلواء أو الرتبـة ،فاختالط
الكائنـات املسـببة لألمـراض بالطعـام الـذي يأكلـه اإلنسـان أو املـاء الذي
يرشبـه أو اهلـواء الذي يستنشـقه يؤدي إىل حـدوث التلـوث البيولوجي ،مما
يـؤدي إىل اإلصابـة باألمراض.
وحيـدث التلـوث البيولوجـي عنـد التخلـص مـن ميـاه املجـاري
والصرف الصحـي ـ قبـل معاجلتهـا كيميائ ًّيـا ـ بإلقائهـا يف مـوارد امليـاه
العذبـة ،أو بسـبب انتشـار القاممة املنزلية يف الشـوارع دون مراعـاة للقواعد
الصحيـة يف مجعهـا ونقلهـا والتخلـص منها بطريقـة علمية ،أو بسـبب ترك
احليوانـات النافقـة يف العـراء أو إلقائهـا يف مـوارد املياه ،وكذلـك عند عدم
اتبـاع الطـرق الصحيـة يف حفظ األطعمـة وتصنيعها ،مما يعرضهـا للتلوث.
التلوث الصناعي
ينتـج التلـوث الصناعـي مـن فعـل اإلنسـان وأنشـطته الصناعيـة
واخلدميـة والرتفيهيـة وغريهـا ،ومـن اسـتخداماته املتزايـدة ملظاهـر التقنية
احلديثـة ومبتكراهتـا املختلفـة .وغني عن البيـان أن األنشـطة الصناعية هي
املسـؤولة متا ًما عن بروز مشـكلة التلـوث يف عرصنا احلـارض ،وبلوغها هذه
الدرجـة اخلطيرة التـي هتـدد حيـاة اإلنسـان وبقـاءه عىل سـطح األرض.
ومـن أهم مصـادر التلوث الصناعـي :املخلفات الصناعيـة والتجارية
ومـا تنفثـه عـوادم السـيارات ومداخـن املصانـع وكذلـك الغـازات التـي
تلـوث اهلـواء وتصـدر مـن املصانـع وإحـراق الوقـود يف وسـائط النقـل،
مـن طائـرات وقطـارات وسـيارات وغريهـا ،ومثلهـا النفايـات الصلبة أو
السـائلة التـي تنتجهـا الصناعـات واالسـتخدامات البرشيـة .ولعـل مـن
235
أهـم امللوثـات املروعـة التي تؤثر على األرض كلهـا ما ُيعـرف باالحتباس
احلـراري واملطـر احلمضي وتـآكل طبقـة األوزون والتصحـر واسـتنزاف
املـوارد الطبيعيـة وتلـوث امليـاه (العرينـي2008 ،م ،ص.)140
وتعتمد شدة التلوث الصناعي عىل عدة عوامل منها:
-املنطقة التي تنبعث منها أو تُرصف فيها امللوثات الصناعية.
-الفرتة الزمنية للتلوث.
-درجة تركيز املواد امللوثة.
-اخلصائص الفيزيائية والكيميائية واحليوية للمواد امللوثة.
-القابلية للتحلل واالستيعاب يف الوسط البيئي الذي تُوضع فيه.
-درجة السمية بالنسبة لإلنسان والكائنات احلية األخرى.
وتقسم امللوثات الصناعية إىل ثالثة أنواع:َّ
1ـ ملوثـات صلبـة ،وهي تلـك امللوثـات النامجة عن كثري مـن الصناعات
كاألتربـة النامجة عن صناعة األسـمنت.
2ـ ملوثـات سـائلة ،كمحاليـل املـواد الكيميائيـة التـي تقذف هبـا املصانع
يف املجـاري املائية.
3ـ ملوثـات غازيـة ،كالغـازات واألدخنـة الضـارة املتصاعدة مـن مداخن
املصانـع ومصايف تكريـر النفط.
2 . 3التلوث البيئي حسب آثاره وخماطره ،ويشمل:
ً
أول :تلوث اهلواء
هـو وجـود أي مواد صلبـة أو سـائلة أو غازيـة باهلواء بكميـات تؤدي
إىل أرضار فسـيولوجية واقتصاديـة وحيويـة باإلنسـان واحليـوان والنباتـات
واآلالت واملعـدات ،أو تؤثـر يف طبيعة األشـياء وتقدَّ ر خسـارة العامل سـنو ًّيا
236
بحـوايل 5000مليون دوالر؛ بسـبب تأثير اهلواء عىل املحاصيـل والنباتات
الزراعيـة ،وذلك الختالط اهلـواء بمواد معينة ،مثل وقـود العادم والدخان.
يضر تلـوث اهلواء بصحـة النباتـات واحليوانـات ،وخيرب املباين واملنشـآت
األخـرى .وتقـدر منظمـة الصحـة العامليـة أن مـا يقـرب مـن مخس سـكان
العـامل يتعرضون ملسـتويات خطرة مـن ملوثات اهلواء (جرعتلي2011 ،م).
مل يسـلم اهلـواء مـن التلوث عبر التاريخ ،وذلـك بدخول مـواد غريبة
عليـه كالغـازات واألتربـة والكائنـات احليـة الدقيقـة املسـببة لألمـراض
واألبخـرة والغـازات التـي كانـت تتصاعـد مـن فوهـات الرباكين ،أو
تنتـج مـن احتراق الغابـات ،وزادت حـدة التلـوث مـع التصنيـع والثورة
الصناعيـة يف العـامل ،وازدياد عدد وسـائل املواصالت وتطورهـا ،واالعتامد
عىل البترول وقـو ًدا للسـيارات.
ومعلـوم أن الغلاف اجلـوي يتكـون ،يف وضعـه الطبيعـي ،مـن
النيرتوجين واألكسـجني وكميـات صغيرة مـن ثـاين أكسـيد الكربـون
والغـازات األخـرى واهلبائيـات (جسـيامت دقيقـة مـن املـواد السـائلة أو
الصلبـة) .ويعمـل عـدد مـن العمليـات الطبيعيـة على حفـظ التـوازن بني
ً
فمثلا :تسـتهلك النباتات ثاين أكسـيد الكربون مكونـات الغلاف اجلوي،
وتطلـق األكسـجني ،وتقـوم احليوانـات بدورهـا باسـتهالك األكسـجني
وإنتـاج ثـاين أكسـيد الكربون من خلال دورة التنفـس .وتنبعـث الغازات
جـراء حرائق الغابـات والرباكني؛ حيث واهلبائيـات إىل الغلاف اجلوي من َّ
جترفهـا أو تبعثرهـا األمطـار والريـاح.
ويمكننا تصنيف ملوثات اهلواء إىل صنفني اثنني:
ـ مصادر طبيعية :أي ال يكون لإلنسان دخل فيها ،مثل األتربة.
237
ـ مصـادر صناعيـة :أي أهنـا مـن صنـع اإلنسـان ،وهـو املتسـبب األول فيها.
فاخرتاعـه لوسـائل التكنولوجيـا ـ التـي ظ ّن أهنـا تزيد من سـهولة حياته
ضـارة على البيئة.
ّ ـ قـد تـرك خم ّلفات
وحيـدث التلـوث اهلوائـي عندمـا تطلـق املصانـع واملركبـات كميـات
كبيرة مـن الغـازات واهلبائيـات يف اهلواء ،بشـكل يؤثر عىل تـوازن الغالف
اجلـوي .وعنـد احلديث عـن تلوث اهلـواء ينبغـي التفريق بين نوعني ،مها:
أ ـ تلوث اهلواء اخلارجي.
ب ـ تلوث اهلواء الداخيل.
أ ـ تلوث اهلواء اخلارجي
حيـدث معظم هـذا التلـوث نتيجـة احتراق الوقود املسـتخدم يف تشـغيل
املركبـات وتدفئـة املبـاين ،كما يصـدر بعض التلـوث عـن العمليـات الصناعية
ملـوث ً
فمثلاُ :يسـتخدم مركّـب فـوق كلوريـد اإليثيلين ـ وهـو ِّ والتجاريـة،
خطـر ـ يف كثير مـن معامـل التنظيـف اجلـاف ،إلزالـة األوسـاخ مـن على
املالبـس .وقـد يـؤدي حرق النفايـات إىل انطلاق الدخـان والفلـزات الثقيلة.
كما أن احتراق الوقـود واملنتجـات البرتوليـة األخـرى ،وتفاعلها مع
أشـعة الشـمس يف الغلاف اجلوي ،ينتج عنهما مواد كيميائية ضارة تشـكل
الضبـاب الدخـاين .وقد يـؤدي وجـود األوزون يف الطبقـات املنخفضة من
الغلاف اجلـوي إىل الوفـاة ،كام يمكـن أن يدمر احليـاة النباتية.
إن املركبـات املسـتخدمة يف الثالجـات واملكيفـات وصناعـة عـوازل
الرغـوة البالسـتيكية (الكلوروفلوروكربونـات) مصـدر للتلـوث اهلوائـي.
ويشـكل األوزون ،وهـو امللوث الضار املوجـود يف الضبـاب الدخاين ،طبقة
واقيـة يف الغلاف اجلوي العلـوي؛ حيث حتمي سـطح األرض مـن أكثر من
238
%95من إشعاعات الشـمس فوق البنفسجية .وألن الكلوروفلوروكربونات
تقلل طبقة األوزون ،مما يؤدي إىل زيادة يف نسـبة اإلشـعاعات فوق البنفسجية
التـي تصل إىل األرض .وهذه األشـعة من املسـببات الرئيسـة لرسطان اجللد
وهلـا أرضار كبرية على الغطاء النبـايت يف األرض.
ولغـازات البيت املحمي ـ ويسـمى التدفئة العاملية ـ أثـر يف ارتفاع حرارة
األرض .ويسـبب هـذه الظاهـرة غاز ثاين أكسـيد الكربون وامليثـان والغازات
اجلوية األخرى ،التي تسـمح ألشـعة الشـمس بالوصول إىل األرض ،ولكنها
حتـول دون خـروج احلـرارة مـن الغلاف اجلـوي .ويـؤدي البيـت املحمـي ـ
أو التدفئـة العامليـة ـ إىل حـدوث مشـكالت كثيرة إذا كان قو ًّيـا ،فيتسـبب يف
انصهـار املثالـج وأغطيـة اجلليـد القطبيـة ،ممـا يـؤدي إىل الفيضانـات ،وقـد
يـؤدي إىل ازديـاد اجلفاف وحـدوث العواصـف املدارية الشـديدة.
ب ـ تلوث اهلواء الداخيل
حيـدث هـذا التلـوث بسـبب احتبـاس امللوثـات داخـل املبـاين التـي
تعـاين أنظمـة هتويتهـا سـوء التصميـم .وأنواعـه الرئيسـة هـي :دخـان
السـجائر ،والغـازات املنبعثـة من املواقد واألفـران ،والكيميائيـات املنزلية،
وجسـيامت األليـاف ،واألبخـرة اخلطـرة املنبعثـة مـن مـواد البنـاء ،مثـل
العـوازل والبويـات واألصماغ وغريهـا.
وتتسـبب الكميـات الكبيرة مـن هـذه املواد داخـل بعـض املكاتب يف
حـدوث الصـداع وهتيج العيون ومشـكالت صحيـة أخـرى للعاملني فيها
(اخلطيـب ،ب ت ،ص ،)76 -67وتسـمى مثـل هذه املشـكالت الصحية
أحيانًـا «متالزمة املبـاين املريضة».
239
ثان ًيا :التلوث املائي
هـو اختلاط املاء بميـاه املجـاري أو الكيميائيـات السـامة أو الفلزات
أو الزيـوت أو أي مـواد أخـرى .ويف مقـدور هـذا التلوث أن يؤثـر يف املياه
السـطحية ،مثـل األهنـار والبحيرات واملحيطـات ،كما يمكـن أن يؤثـر
أيضـا يف امليـاه التـي يف باطـن األرض ،املعروفـة بامليـاه اجلوفيـة .وبإمكانـه ً
أن يسـبب األذى ألنـواع كثيرة مـن النباتـات واحليوانـات .ووف ًقـا ملنظمة
الصحـة العامليـة ،يمـوت مـا يقـرب مـن مخسـة ماليين شـخص سـنو ًّيا،
بسـبب جترعهـم مـا ًء ملو ًثا.
والتلـوث املائـي يشـمل البحـار؛ حيـث إن التلـوث البحـري لـه عدة
أنـواع ،أمههـا :التلـوث احليـوي ،التلـوث الكيميائـي ،التلـوث احلـراري،
التلـوث اإلشـعاعي ،التلـوث اهلوائـي ،التلوث الزيتـي أو النفطـي (أمحد،
2002م ،ص .)114 -108
ثال ًثا :التلوث الغذائي
هناك ثالثة أنواع من التلوث الغذائي ،هي:
أ ـ التلوث الغذائي امليكرويب أو اجلرثومي
وحيـدث هذا النـوع من التلـوث الغذائي عـن طريق األحيـاء الدقيقة،
التـي عـادة مـا توجـد يف البيئـة املحيطـة باملـادة الغذائيـة كالرتبـة واهلـواء
واملـاء ،إضافة إىل اإلنسـان واحليـوان .وحتدث اإلصابة باملـرض عن طريق
تنـاول غـذاء حيتوي على أعداد كبيرة من امليكروبـات .وعندمـا تصل هذه
امليكروبـات إىل األمعـاء الدقيقـة لإلنسـان؛ فإهنـا تتكاثـر وتنتـج سـمو ًما،
وبالتـايل تظهـر أعـراض املرض.
240
ب ـ التلوث الغذائي الكيميائي
حيـدث هـذا النـوع مـن التلـوث الغذائـي عنـد وصـول أي مـادة
كيميائيـة خطرة أو سـامة إىل املـادة الغذائيـة ،مما جيعلها ضـارة وغري صاحلة
لالسـتهالك البشري .وقد يـؤدي اسـتهالكها إىل اإلصابة بتسـمم غذائي،
ويـأيت التلـوث نتيجـة لتعـرض الغـذاء للمـواد الكيميائيـة مثـل املبيـدات
رش املحصول احلرشيـة التـي تسـتخدم ملكافحة اآلفـات الزراعيـة .وعنـد ّ
الزراعـي بكميـة كبيرة منهـا يتعـرض للتلوث ،إضافـة إىل ذلـك يمكن أن
يتعـرض الغـذاء ـ من اخلضر والفواكـه ـ إىل التلوث الكيميائـي عن طريق
األسـمدة الكيميائية.
ج ـ التلوث الغذائي اإلشعاعي
حيـدث التلـوث الغذائـي باإلشـعاع بسـبب التعـرض للمواد املشـعة؛
الذري عىل النباتـات والرتبة الزراعيـة ،أو نتيجة
وذلك عند تسـاقط الغبـار ّ
لتلـوث اهلـواء واملـاء بمخلفـات التجـارب أو النشـاطات النوويـة ،وقـد
حيـدث التلـوث الغذائـي مـن الكائنـات احليـة مثـل البكترييـا والفطريات
وغريهـا ،أو نتيجـة تفاعـل الغذاء مـع األواين املسـتعملة يف الطبـخ ،إضافة
إىل املـواد احلافظـة (الفاعـوري2011 ،م ،ص .)59
راب ًعا :التلوث احلراري (املياه الدافئة)
تقلـل درجـات احلـرارة املرتفعـة مـن مسـتوى األكسـجني الذائب يف
املـاء ،والسـبب الشـائع هلـذا التلـوث هو اسـتخدام امليـاه كمبرد ملحطات
الطاقـة والصناعـات حيـث يقـل دعـم األكسـجني ،وذلـك بنا ًء على فرق
درجـة احلـرارة ،مما يؤثر متا ًمـا عىل الرتكيـب البيئي ،فقد تتعـرض الكائنات
للمـوت املفاجـئ بام يطلـق عليـه «الصدمـة احلرارية».
241
خامسا :تلوث الرتبة
ً
يعتبر تلـوث الرتبـة مشـكلة خطيرة يمكـن أن تـؤدي إىل اإلرضار
بجميـع املخلوقـات بما فيهـا اإلنسـان ،كما أن التصحـر مـن اآلثـار البيئية
الناجتـة بسـبب االسـتخدام اجلائـر للمـوارد والتلـوث .و ُيعـرف التصحـر
بأنـه التدهـور الـكيل أو اجلزئـي لعنـارص األنظمة البيئيـة ،الـذي ينجم عنه
تـدين القـدرة اإلنتاجيـة ألراضيهـا وحتويلهـا إىل مناطـق شـبيهة باملناطـق
الصحراويـة بسـبب االسـتغالل املك َّثـف ملواردها من ِق َبل اإلنسـان وسـوء
أسـاليب اإلدارة التـي يطبقهـا .ولعـل مـن أهم مظاهـر التصحـر :انجراف
الرتبـة وزحـف الرمـال وتدهـور الغطـاء النبـايت ،وكذلـك التملـح الـذي
حيـدث للرتبـة (العرينـي2008 ،م ،ص.)14٥ ،14٤
سادسا :تلوث املخلفات الصلبة
ً
النفايـات الصلبـة هي عبـارة عـن بواقي املنتجات املسـتعملة بواسـطة
اإلنسـان أو مـن خلال إنتاج املـواد املختلفـة ،ويقصـد باملواد الصلبـة عامة
تلـك املـواد املقاومـة للتحلـل أو التـي تتحلـل ببـطء شـديد ،مثـل :أجـزاء
هيـاكل السـيارات وإطاراهتـا املسـتعملة وأجـزاء بعـض األجهـزة الكهربية
التالفـة مثـل الثالجـات والبوتاجـازات والدفايـات وبعـض أدوات املطبخ
وعلـب املرشوبـات والسـوائل والزيـوت املتنوعـة مـن صفيـح وأملونيـوم
وزجـاج وبالسـتيك وخملفـات عمليـات اهلـدم والبنـاء مـن قطـع خشـبية
وأجـزاء معدنيـة وكتـل خرسـانية وعمليـات حفـر الطـرق وأتربـة الشـارع
وخملفـات املتاجر واملصانـع (ندوة التلـوث البيئي للقاممة وكيفية االسـتفادة
منهـا ،2000 ،ص .)36
242
ساب ًعا :التلوث اإلشعاعي
ملـوث غري منظـور يمكنـه تلويث أي جـزء من البيئـة .وقداإلشـعاع ِّ
يكـون اإلشـعاع مـن مصـادر طبيعية مثـل املعادن وأشـعة الشـمس ،أو من
إنتـاج البشر ،ولـه خماطـر كبيرة على احليـاة بـاألرض ،ومتثـل املخلفـات
املشـعة الناجتـة عن احلروب واملفاعلات النووية ومصانع األسـلحة مصدر
رضر كبير وخطير ُيدث كـوارث وخسـائر باهظـة ،كما أن املحافظة عىل
املخلفـات املشـعة والتخزيـن اآلمن هلا أمر عـايل التكاليف وليـس بالعملية
السـهلة ،إضافـة إىل أن خملفاهتـا تبقـى نشـطة يف إشـعاعها آلالف السـنني
(عامـر1999 ،م ،ص .)291 -275
ثامنًا :التلوث بالفلزات الثقيلة
وتشـمل الزئبـق والرصاص وغريمهـا ،حني تطلـق عمليـات التعدين
وحـرق املخلفات الصلبـة والعمليات الصناعية واملركبـات الفلزات الثقيلة
إىل البيئـة .يمتـد أثـر الفلـزات الثقيلـة ملـدد طويلـة ،وبإمكاهنا االنتشـار يف
البيئـة وقد تتجمـع هذه الفلـزات يف عظام وأنسـجة احليوانـات .ويف البرش
قـد تـؤدي هـذه الفلـزات إىل تدمير األعضـاء الداخليـة والعظـام واجلهاز
العصبـي ،ويمكـن لكثير منها أن يـؤدي إىل اإلصابـة بالرسطان.
تاس ًعا :التلوث بالضجيج (التلوث الضوضائي)
وينتـج عـن الطائـرات واملركبـات ومعـدات اإلنشـاءات واملعـدات
الصناعيـة ،وال يسـبب الضجيج تلوث اهلـواء أو املاء أو اليابسـة ،لكنه قادر
على تنغيـص احليـاة وإضعاف السـمع لـدى البشر واحليوانـات األخرى.
243
عارشا :التلوث اإللكرتوين
ً
خطـرا عىل صحةً ليـس غري ًبـا أن يصبح التقـدم التقني والثـورة العلمية
وتدميرا لبيئتـه .فالعلـم هو الـذي أوجد أسـلحة الدمار الشـامل،
ً اإلنسـان
وهـو املسـؤول عـن القنابـل الذكيـة وكل أدوات ووسـائل فنـاء الكـون.
فاإلنسـان اليـوم يتعرض إىل سـيل مـن املوجـات الكهرومغناطيسـية املنبعثة
من األجهـزة اإللكرتونيـة والكهربائية ،كاحلاسـوب والتلفزيـون واإلنرتنت
وحمطـات تقويـة شـبكات اهلواتف النقالة املنتشرة يف املناطق السـكنية ،وهذا
هـو مـا ُيعـرف بـ«التلـوث اإللكتروين» ،وهـو أحـدث أنـواع أو جمـاالت
التلـوث ،وينتـج عـن املجـاالت التـي تنتـج حـول األجهـزة اإللكرتونيـة،
ابتـدا ًء من اجلـرس الكهريب واملذيـاع والتلفزيون ،وانتهاء باألقمار الصناعية؛
حيث حيفـل الفضاء حولنـا بموجات الراديـو واملوجات الكهرومغناطيسـية
وغريهـا ،وهـذه املجـاالت تؤثر عىل اخلاليـا العصبيـة للمخ البشري ،وربام
مصدرا لبعض حـاالت عدم االتـزان وحاالت الصـداع املزمن الذي ً كانـت
تفشـل الوسـائل الطبيـة اإلكلينيكيـة يف تشـخيصه ،والتغييرات التـي حتدث
يف املنـاخ ،خاصـة بعـد انتشـار آالف األقمار الصناعيـة حـول األرض .كما
نموا يف العـامل ،ونتيجة
أصبحـت صناعـة اإللكرتونيات من أكثـر الصناعات ًّ
هلـذا النمـو الـذي يتزامـن مع مزيـد مـن املنتجات املسـتهلكة التـي أصبحت
غير مرغـوب هبـا ،مثـل األدوات املنزليـة الضخمـة كالثالجـات ومكيفات
اهلـواء واهلواتف النقالة املنتهيـة صالحيتها واحلاسـب اآليل بجميع مكوناته.
وتعـد نفايـات هـذه األدوات مـن أكثر املخاطـر املهـددة للحياة.
وال تكمـن مشـكلة النفايـات اإللكرتونيـة يف كميتهـا فقـط ،بـل يف
نوعيتهـا ومكوناهتـا السـامة؛ حيـث حتتـوي على أكثـر مـن 1000مـادة
خمتلفـة ،كثير منهـا ذو مكونات سـامة ،وعـدم التعامل معها بالطـرق الفنية
أرضارا كبيرة على البشر والبيئـة.
ً املالئمـة يسـبب
244
إن املخلفـات اإللكرتونيـة ومـا تسـببه مـن أرضار على البيئة واإلنسـان
جيعلنـا نتسـاءل :أيـن تذهـب أجهـزة احلاسـب اآليل القديمـة؟ وهـل هنـاك
إحصـاءات هبـذا اخلصوص؟ وما اجلهـة أو اجلهـات التي تقـوم بتفكيك هذه
األجهـزة إن ُوجـدت؟ وهـل هنـاك رقابـة من أي نـوع؟ (املعمـري ،ب ت).
حادي عرش :التلوث البرصي
التلـوث البصري هـو كل مـا يوجـد مـن أعمال مـن صنـع اإلنسـان
تـؤذي الناظـر لدى مشـاهدهتا وتكـون غري طبيعيـة ومتنافرة مع مـا حوهلا؛
حيـث حيـس اإلنسـان عند النظـر إليهـا بعـدم االرتيـاح النفسي .ويمكننا
وصفـه بأنـه اختفـاء الصـورة اجلامليـة ملـا حييط بنـا ،مثل:
ـ انتشـار القاممـة أو وجـود صناديقها بأشـكاهلا ،ما يبعث على عدم الراحة
النفسية.
ـ سـوء التخطيـط العمـراين لبعض األبنية ،سـواء مـن حيـث الفراغات أو
من شـكل بنائها.
ـ اختالف دهان واجهات املباين.
ثاين عرش :التلوث الضوئي (أو ما يسمى السطوع)
خطرا
يعـد التلـوث الضوئي أقـل أنواع التلـوث شـهرةً ،لكنه األكثـر ً
على كوكـب األرض لوجـوده يف كل بقعـة مـن أرجـاء املعمـورة ولتأثيره
على كل أشـكال احليـاة دون أن يشـعر أحـد بذلـك ،و ُيقصد بـه االنزعاج
املرتتـب عىل اإلضـاءة غري الطبيعيـة ً
ليل وآثار اإلنـارة االصطناعيـة الليلية
على اإلنسـان والكائنـات احلية األخـرى واألنظمـة البيئية.
245
3 . 3التلوث حسب النطاق اجلغرايف
ويقسـم بنـاء على
َّ و ُيقصـد بـه املسـاحة التـي يمتـد إليهـا التلـوث،
االمتـداد اجلغـرايف إىل مـا يلي:
أ ـ التلوث املحيل
ويقصـد بـه التلـوث الـذي ال تتعـدى آثـاره احليـز اإلقليمـي ملـكان
مصـدره ،وينحصر تأثيره يف منطقـة معينـة أو إقليـم معني أو مـكان حمدد،
دون أن متتـد آثـاره خـارج هـذا اإلطـار .وقـد يكـون مصـدر هـذا التلوث
فعـل اإلنسـان ،كالتلـوث الصـادر عـن املصانـع واملناجـم التـي يقيمهـا
اإلنسـان ،وقـد يكـون بسـبب فعـل الطبيعـة عندما تثـور الرباكين ،وهتب
عنصرا من عنـارص البيئـة املحلية بالضرر ،دون أن
ً العواصـف ،وتصيـب
يمتـد هـذا األثـر إىل بيئـة جمـاورة تتبـع دولـة أو قـارة أخرى.
ب ـ التلوث بعيد املدى
عرفـت منظمـة التعـاون والتنميـة االقتصاديـة هـذا التلـوث بأنه «أي َّ
تلـوث عمـدي ،يكون مصـدره ،أو أصلـه العضـوي ،خاض ًعـا أو موجو ًدا
كل ًّيـا أو جزئ ًّيـا ،يف منطقـة ختضـع لالختصاص الوطنـي لدولـة ،وتكون له
آثـاره ،يف منطقـة خاضعـة لالختصـاص الوطنـي لدولة أخـرى» ،ويقرتب
هـذا التعريـف مـن التعريف الـذي قالت بـه اتفاقيـة جنيف لعـام 1979م
عرفـت التلـوث بأنـه «الـذي يكـون بشـأن التلـوث بعيـد املـدى؛ حيـث َّ
مصـدره الطبيعـي موجـو ًدا كل ًّيـا أو جزئ ًّيـا ،يف منطقة ختضـع لالختصاص
الوطنـي لدولـة ،والـذي حتـدث آثـاره الضـارة يف منطقـة ختضـع لدولـة
أخـرى ،وعلى مسـافة يكـون معها مـن غري املمكـن عمو ًمـا التمييـز بني ما
تسـهم بـه املصـادر الفرديـة أو جمموعـة مصـادر االنبعاث».
246
وهكـذا يمكـن أن نؤكـد أن أهـم مـا يميـز التلـوث بعيـد املـدى :أنـه
ينتقـل مـن الدولـة التـي حيـدث يف إقليمهـا إىل دولـة أخـرى ،دون إمكانية
حجبـه أو منعـه مـن العبـور إىل هـذه الدولـة املتأثـرة .ولـه صـور ،منهـا:
الصـورة األوىل :التلـوث عبر احلـدود ،ذو االجتـاه الواحـد ،وهـو التلـوث
الـذي يكـون مصـدره يف دولـة ،وتظهـر آثـاره يف دولـة أخـرى أو أكثر.
الصـورة الثانية :التلـوث عرب احلدود ،ذو االجتاهين ،أو التباديل ،وهو التلوث
الـذي يكون مصدره يف دولة ،وتظهر آثـاره يف دولة أخرى ،وتوجد يف
هـذه الدولة مصادر للتلـوث تظهر آثارها يف الدولـة األوىل .والتلوث
عبر احلدود يمكـن أن حيدث بخصوص البيئـة املائية والبيئـة اهلوائية،
وهـو يثير إشـكاالت كثيرة ،سـواء على مسـتوى القانـون املحيل أو
الـدويل .وملـا كانـت البيئـة اإلنسـانية واحـدة ،وااللتـزام بحاميتهـا ال
يتجـزأ ،فقـد حرصـت االتفاقـات الدوليـة على وضـع نظـام قانـوين
ملكافحـة هـذا النـوع مـن التلـوث ،بام يوجـب االلتـزام بالتعـاون بني
مثل هـي مـن املـوارد الطبيعية الـدول ،على اعتبـار أن البيئـة اجلويـة ً
حملا للملكيـة اخلاصة من املشتركة ،ومـن ثـم ال يصلـح ألن تكـون ًّ
جانـب أحـد ،سـواء أكان دولـ ًة أم فـر ًدا ،وأنـه جيـب على كل دولـة
مراعـاة واحترام املقاييـس أو املسـتويات املقبولـة املطبقـة دول ًّيـا،
واملتعلقـة بحاميـة اهلـواء ،وال خيـل هـذا بالتدابير األخـرى لتحسين
النوعيـة البيئيـة (الكنـدري ،1992 ،ص.)91
247
4 . 3التلوث حسب مستوياته
أ ـ التلوث املقبول
ال تـكاد ختلـو منطقـة ما مـن مناطـق الكرة األرضيـة من هـذه الدرجة
نظرا لسـهولة
مـن التلـوث؛ حيـث ال توجد بيئـة خالية متا ًمـا من التلـوث؛ ً
انتقـال التلـوث بأنواعـه املختلفـة مـن مـكان إىل آخـر ،سـواء أكان ذلـك
بواسـطة العوامـل املناخيـة أو البرشيـة .والتلـوث املقبـول هـو درجـة مـن
درجـات التلـوث التـي ال يتأثر هبا تـوازن النظـام اإليكولوجـي وال يكون
مصحو ًبـا بـأي أخطـار أو مشـكالت بيئية رئيسـة.
ب -التلوث اخلطر
يعـاين كثير مـن الـدول الصناعيـة التلـوث اخلطـر ،الناتـج بالدرجـة
األوىل مـن النشـاط الصناعـي وزيـادة النشـاط التعدينـي واالعتامد بشـكل
رئيـس على الفحـم والبترول مصدريـن للطاقة.
ج -التلوث املدمر
يمثـل التلـوث املدمـر املرحلـة التـي ينهـار فيهـا النظـام اإليكولوجي
ويصبـح غير قـادر على االسـتمرار بالعطاء.
248
ويمكن عرض أهم تلك اآلثار فيام ييل:
أمراضـا كثيرة،
ً 1ـ التأثير على صحـة اإلنسـان :حيـث يسـبب التلـوث
أمههـا :أمـراض اجلهـاز التنفيس ،أمـراض القلـب واألوعيـة الدموية،
التهـاب احللـق ،أمل يف الصدر ،االحتقـان ،االلتهابـات اجللدية والطفح
اجللـدي ،فقـدان السـمع ،ارتفـاع ضغـط الـدم ،اإلجهـاد واضطراب
النـوم ،القصـور يف النمـو لـدى األطفـال ،األعـراض العصبيـة،
املشـكالت العصبيـة ،الرسطـان ،العيـوب اخللقيـة.
أرضارا كبرية عىل البيئة.
ً 2ـ التأثري عىل النظم اإليكولوجية ،مما يسبب
3ـ التكاليـف االقتصاديـة (آثـار ماديـة) :حيـث يـؤدي تلـوث البيئـة بأقسـامه
(تلـوث هـواء ،تلـوث مـاء ،تلـوث تربـة) ،إىل إصابـة اإلنسـان واحليـوان
والنبـات بـأرضار مبـارشة وغير مبـارشة ،ممـا يـؤدي إىل انتشـار األمـراض
املسـتعصية التـي تتسـم بالتكاليـف العاليـة للعلاج ،بما يزيـد مـن تكلفـة
العلاج للفرد واملجتمـع (اهليتـي2010 ،م ،ص ،)126ويؤثر حدوث صدأ
وتـآكل املعـدات واملبـاين على عمرهـا املفترض ،ويف ذلـك خسـارة كبيرة.
تسـمم للموايش
ً 4ـ تسـبب أملاح الرصاص التي خترج مـع غازات العادم
واألغنـام واخليـول ،وكذلـك فـإن ثـاين أكسـيد الكربيـت رشيـك يف
هالك املاشـية.
– 5ال تسـتطيع احلشرات الطائرة العيـش يف هواء املدن امللـوث ،مما يؤدي
إىل انقـرض أنواع كثرية مـن الكائنات.
6ـ التأثير على املنـاخ :حيـث تـؤدي اإلشـعاعات الذريـة واالنفجار النـووي إىل
تغيرات كبيرة يف الـدورة الطبيعيـة للحياة عىل سـطح األرض ،كما أن وجود
بعـض الغـازات الناجتة من عـوادم املصانع يؤدي إىل تكسير يف طبقة األوزون
249
﴿و َج َع ْلنَا الس َ
َّما َء التـي حتيط بـاألرض ،والتي قـال عنها اهلل سـبحانه وتعـاىلَ :
ِ
اتـا ُم ْع ِر ُض َ
ـون﴾ (األنبياء.)32 : َسـ ْق ًفا َم ْ ُفو ًظاَ و ُه ْ
ـم َع ْن آ َي َ
7ـ يسـمح انخفـاض سـمك طبقـة األوزون ،أو تآكلهـا ،للغـازات الكونيـة
واجلسـيامت الغريبـة أن تدخـل جـو األرض ،وأن ُتـدث فيـه تغيرات
كبيرة ،كما أن وجـود الضبـاب والدخـان والتراب يف اهلـواء يـؤدي إىل
اختـزال كمية اإلشـعاع الضوئي التي تصل إىل سـطح األرض ،واألشـعة
الضوئيـة التـي ال تصل إىل السـطح ُتتص ويعاد إشـعاعها مـرة أخرى إىل
الغلاف اجلـوي كطاقـة حراريـة ،فـإذا أضفنـا إىل ذلـك الطاقـة احلرارية
التـي تتسرب إىل اهلـواء نتيجـة الحتراق الوقـود ،مـن نفـط وفحـم
وأخشـاب وغير ذلـك ،فسـوف نجـد أننـا نزيـد تدرجي ًّيا مـن حـرارة اجلو.
8ـ ارتفـاع درجـة حـرارة األرض ،الـذي يـؤدي إىل انصهـار جبـال اجلليد
املوجـودة يف القطبين وإغـراق األرض باملياه ،وربام كان ذلك ما تشير
﴿وإِ َذا ا ْلبِ َح ُ
ـار ُف ِّج َـر ْت﴾؛ حيث إليـه اآليـة الثالثـة يف سـورة االنفطـار َ
ذكـر املفسرون أن تفجير البحار يعنـي اختلاط مائها بعضـه ببعض،
وهـذا يمكـن أن حيـدث لو انصهـرت جبـال اجلليد يف القطبني الشمايل
واجلنويب.
9ـ تلـوث األهنـار وامليـاه املخصصـة للشرب والبيئـة البحريـة وقـد أشـار
«النـارص» (2010م ،ص )28إىل أن األرضار التـي تلحـق بالبيئـة
البحريـة ترتتـب عليهـا مسـؤولية مدنيـة أو جزائيـة ،حسـب األفعـال
املسـببة للتلـوث حسـب اتفاقيـة األمـم املتحـدة لقانـون البحـار عـام
1882م .وهلـذه اآلثـار اجلسـيمة واخلطيرة للتلـوث تظهر أمهيـة وجود
اإلدارة الكفـؤة والفاعلـة واملسـتدامة للتلـوث بـكل أنواعـه ومصـادره
ومسـتوياته.
250
.5نحو إدارة مستدامة للبيئة والتلوث
ترتكـز جهـود التنميـة املسـتدامة يف جانبيهـا املـادي والبشري ،يف
مواجهـة الفاقـد وتعظيم االسـتفادة باملـوارد ومحايتها وتأهيلها لالسـتمرار
عبر األجيـال ،وهـذا ال يمكن التوصل إليـه إال من خالل اإلدارة السـليمة
للبيئـة ،التـي تعـد إدارة التلـوث أحـد جوانبها.
عـرف William R.Mangumاإلدارة البيئيـة بأهنـا «اإلجـراءات و ُي ِّ
ووسـائل الرقابـة املحليـة أو اإلقليميـة أو العاملية املوضوعية مـن أجل محاية
أيضا االسـتخدام العقلاين للموارد الطبيعيـة املتاحةالبيئـة ،وهـي تتضمن ً
واالسـتفادة الدائمة مـن هذه املـوارد» (العمـران2001 ،م ،ص .)27
كما يعرفها Thomasبأهنا «هيكل املؤسسـة ومسـؤولياهتا وسياسـاهتا
وممارسـاهتا وإجراءاهتـا وعملياهتـا ومواردهـا املسـتخدمة يف محايـة البيئـة
وإدارة األمـور البيئيـة ،وحيـدد نظـام اإلدارة البيئيـة فلسـفة املؤسسـة جتـاه
قضايـا البيئة ووضع أهـداف للربامج البيئيـة وتطوير برامج للأداء البيئي»
(عبدالصمـد بطاينـة2005 ،م ،ص.)134
كما عرفـت منظمـة « »ISOاإلدارة البيئيـة بأهنـا «جـزء مـن النظـام
اإلداري الشـامل الـذي يتضمـن اهليـكل التنظيمـي ونشـاطات التخطيـط
واملسـؤوليات واملامرسـات واإلجـراءات والعمليـات واملـوارد املتعلقـة
بتطويـر السياسـة البيئيـة وتطبيقها ومراجعتهـا واحلفاظ عليهـا» (العزاوي،
2007م ،ص .)122
ونسـتنتج مـن التعريفـات السـابقة أن مصطلح إدارة التلوث يشير إىل
اسـتخدام الوسـائل القانونيـة اإلداريـة واالقتصاديـة والتعليميـة والعلـوم
والتكنولوجيـا وغريهـا مـن الوسـائل واألسـاليب واألدوات هبـدف إدارة
التلـوث للحـد مـن آثاره على البيئـة واإلنسـان والكائنـات احلية.
251
وتتطلب اإلدارة الفعالة للتلوث ما ييل:
1ـ دراسـة مسـببات هـذا التلـوث؛ للقضـاء أو السـيطرة عىل مصـادره من
خلال الدراسـات املعمليـة وامليدانية.
2ـ إعـادة تصنيـع النفايـات (التدويـر) ،وهـي عمليـة هتـدف إىل استرداد
املـواد وإعـادة اسـتخدامها ً
بـدل مـن التخلـص منهـا ،والتدويـر أنواع
ولـه فوائـد كثيرة ،أمهها:
ـ تقليل التكاليف.
-محاية البيئة من التلوث.
-احلصول عىل السامد العضوي.
-ترشيد استخدام األسمدة الكياموية.
-إجياد فرص عمل جديدة (اجلوارنة2010 ،م ،ص .)176 -172
3ـ معاجلة مياه املجاري ومياه الرصف الصحي بالوسائل املناسبة واآلمنة.
4ـ سـن القوانني التي تسـاعد يف تنقيـة البيئة واملحافظة عليهـا والتخلص من
التلـوث ،بما يسـاعد عىل تنظيم وسـائل التخلـص من املخلفـات الصلبة
واخلطـرة ،عىل غـرار وثيقة الكتـاب األخرض اخلاصـة بتعويض األرضار
البيئيـة املرتكـزة عىل مبدأين أساسين :األول :مبدأ املسـؤولية املوضوعية
التـي تقـع عىل عاتق املسـتغل امللـوث للبيئة ،والثـاين :إمكانيـة التعويض
يف حالـة عجـز قواعـد املسـؤولية املدنيـة عـن توفير احلاميـة التعويضيـة
للمضرور ،وذلـك عنـد تعـذر حتديـد املسـؤول أو إعسـاره ،وذلك عن
طريـق اآلليـات اجلامعية للتعويـض (حـواس2012 ،م ،ص.)315
5ـ حظـر امللـوث :ينبغـي العمـل على حظـر امللوثـات ،كما حـدث حين
حظـرت بعـض الـدول اسـتخدام املبيـد احلشري اخلطـر «دي دي يت».
252
6ـ فرض الغرامات عىل الرشكات املسببة للتلوث.
7ـ فرض الرضائب عىل املنتجات امللوثة.
8ـ التعـاون اإلقليمـي والـدويل؛ حيث يصعـب التحكم يف كثير من أنواع
التلـوث ،ويرجـع ذلـك إىل أن ملكيـة املـوارد العامليـة ،أي املحيطـات
والغلاف اجلوي ،ليسـت فردية ،وال ختـص ُأ َّمة بعينها .والبد لسـكان
العـامل ،واحلالـة هـذه ،مـن أن تتضافـر جهودهـم مـن أجـل مكافحـة
التلـوث .ويف عـام 2001م ،و ّقعـت 127دولـة على اتفاقيـة حظـر
اسـتخدام 12مـن امللوثـات العضويـة املداومـة .وتنتقـل هـذه املـواد
الكيميائيـة ومـن بينهـا مـادة «دي دي يت» باهلـواء واملـاء عبر الـدول
مهـددة اإلنسـان واحليـوان على حـد سـواء .وحثـت االتفاقيـة العلامء
والشركات الصناعيـة واحلكوميـة على التقليـل مـن وجـود امللوثات
العضويـة املداومـة يف البيئـة.
9ـ توسـيع اجلهـود العلميـة ودفـع العلماء إىل البحـث عـن احللول ملسـألة
التلـوث؛ فبعـض األبحـاث حتاول إجيـاد طـرق للتخلص مـن التلوث
أو تقنينـه؛ وبعضهـا اآلخر هيـدف إىل منعـه .ويعمل كثري مـن الباحثني
الصناعيين عىل إجيـاد املزيد من الطـرق االقتصادية السـتخدام الوقود
واملواد اخلـام األخرى.
وتفهم املؤسسات واملصانع للحد من التلوث.
10ـ تعميق وعي ُّ
11ـ احلـد مـن مناطـق التخلـص مـن النفايـات ،فقـد كان حتديـد أماكـن
ً
وسـهل ممـا أرض بالبيئة، رخيصـا
ً التخلـص مـن املخلفـات يف املـايض
حيـث اسـتغلت املناطـق القريبـة من املـدن مكبـات للنفايـات ،مما زاد
مـن حـدة التلـوث؛ لـذا ينبغـي تشـديد اإلجـراءات يف هـذا املجال.
12ـ إعانـة املنظمات لتطوير وسـائلها وخطـوط إنتاجها التي حتـد أو تقلل
253
مـن التلـوث ،وال بـد مـن طـرح احلوافـز واإلعانـات املالئمـة التـي
تسـاعد على تطويـر الوسـائل واألسـاليب التـي تقلل مـن التلوث.
13ـ تفعيـل دور املنظمات البيئيـة وجعلـه أكثـر عم ًقا يف مكافحـة التلوث
املرشعين وانتخـاب القادة السياسـينيعـن طريـق حماولـة التأثري على ِّ
الذيـن يولـون اهتام ًمـا بالبيئـة ،وتدبير األمـوال؛ لتطويـر األسـاليب
والوسـائل إلدارة ومنـع التلـوث ،وتقديـم اإلعانـات والدعـم يف هذا
املجـال ،مثـل :مجاعة السلام األخضر وأصدقـاء األرض واألحزاب
السياسـية وغريها.
يالحظ
14ـ احلـد مـن اإلرساف يف العـامل ،خاصـة العـامل الصناعي؛ حيـث َ
أن الفـرد الـذي يعيـش يف الـدول الصناعيـة يسـتهلك حـوايل عشرة
أضعـاف ما يسـتهلكه الفـرد يف الـدول النامية مـن الوقـود والكهرباء،
وينتـج مـا يتراوح بين ضعفين وثالثة أضعـاف مـا ينتجه الشـخص
يف الـدول الناميـة مـن املخلفـات البلديـة؛ هلـذا ينبغي حتمل املسـؤولية
وتضافـر جهـود األفـراد يف كل أنحـاء العامل.
15ـ تقويـة جهـود األفـراد يف جمـال حماربـة التلـوث (املشـاركة الشـعبية)،
حيـث تتطلـب تقويـة جهـود األفـراد يف جمـال حماربـة التلـوث تفعيـل
وسـائل توعيـة أفـراد املجتمع بكل الوسـائل؛ ألن خلـق الوعي يف هذا
املجال سـيكون لـه تأثري ضاغـط وبدرجة كبيرة عىل منتجـي التلوث،
فـإذا امتنـع املسـتهلكون عـن رشاء املنتجـات امللوثـة فلسـوف يتوقف
املصنِّعـون عن إنتاجها ،كام أن الدراسـات أثبتت أن املشـاركة الشـعبية
يف التخطيـط واختـاذ القـرار واإلدارة مسـألة ال يمكـن االسـتغناء عنها
لتحقيـق تكامـل األهـداف ،كما أهنـا تبنـي وتوثـق جسـور الثقـة بين
النـاس ومتخـذي القـرار وتعطـي الضمان لرسعـة وكفايـة التنفيـذ
254
والوصـول إىل اهلـدف (احلنـاوي2004 ،م ،ص .)٣٣ ،٣٢
16ـ إنشـاء قاعـدة بيانـات مركزية بشـأن املعلومات واملـؤرشات والربامج
البيئيـة ملواجهة املسـتجدات والتحديـات املحدقة.
17ـ إدارة النفايات اخلطرة لطرق علمية وتقنية متقدمة.
18ـ االسـتفادة من قصـص النجاح اخلاصة بالتحكـم يف التلوث الصناعي
وقصص النجاح للإدارة البيئية.
19ـ تنظيـم ورصـد التلـوث البيئـي ،وهـذا يتطلـب وضـع األنظمـة
والتنظيمات التـي تسـاعد على رصـد التلـوث وتت ُّبعـه وحتديـد جهاته
بدقـة ،ووضـع بوابـة إلكرتونيـة لإلنتـاج األنظـف.
20ـ رصـد اسـتخدامات املواد اخلام والطاقة واملرافـق ،وكذلك معامالت
التشـغيل والتحكـم يف العمليـات ،واملخلفـات و االنبعـاث ،وعادة ما
يتـم ذلـك على أسـاس برنامـج ألخـذ العينـات وتسـجيل املعلومات
وتتبـع االجتاهات مـع الزمن.
21ـ وضـع نظـام إلدارة التلـوث على املسـتوى الوطنـي واإلقليمـي
والعاملـي؛ بحيـث يقـوم هـذا النظـام على إجـراءات وقائيـة وأخـرى
عالجيـة هتتـم بتفعيـل ومتابعـة اآلليـات آنفـة الذكـر.
255
1 . 6اجلهود احلكومية
تعمـل احلكومـات املحليـة يف خمتلـف أرجاء العـامل على التخلص من
التلـوث ،وقـد سـنت كثري مـن احلكومـات قوانين كثيرة تسـاعد يف محاية
البيئـة واحلد مـن التلـوث ،مثل:
ـ احلد من استخدام املركبات اخلصوصية وتشجيع النقل اجلامعي.
ـ سن القوانني اخلاصة بعملية إعادة التدوير والتصنيع.
ـ سـن الترشيعـات اخلاصـة بعمليـات التخلـص مـن امللوثـات واملـواد
اخلطـرة.
ـ حظر بعض أنواع امللوثات ،مثل حظر املبيد احلرشي اخلطر «دي دي يت».
ـ فرض الغرامات وإيقاع العقوبات عىل الرشكات املسببة للتلوث.
ـ تشـجيع الشركات على االسـتثامر يف أجهـزة مكافحـة التلـوث وتطوير
وسـائل تشـغيل قليلـة التلوث.
ـ فـرض الرضائـب على املنتجـات امللوثـة ،مثـل القوارير غري املسترجعة،
كما يف الدول اإلسـكندنافية.
ـ إلـزام الشركات باإلفصاح عن عـدد امللوثات التي تلقي هبـا إىل البيئة ،مما
يدفعهـا إىل البحـث عن طرق للحـد من امللوثـات وللحيلولـة دون خلق
انطباع سـيئ عنها ،مما يسـبب انصراف اجلمهور عـن رشاء منتجاهتا.
ـ االهتمام بنشر الوعـي البيئي عن طريـق إدخال محاية البيئـة ضمن برامج
التعليـم يف املدارس واجلامعات واسـتخدام أجهزة اإلعالم العرصية.
ـ منـح احلوافـز البيئيـة ،مثـل تقديم القـروض امليرسة ،للتحـول إىل تقنيات
البيئـة النظيفـة ،وتقديم املسـاعدة التقنيـة املؤدية إىل محايـة البيئة.
256
ـ إنشـاء مراكـز للبحـث العلمـي وتزويدهـا باألجهـزة واألدوات املعـدة
لقيـاس التلـوث البيئي ،ومراقبة تأثير ملوثات البيئـة واجتاهاهتا ،وإصدار
التقاريـر البيئية بشـكل دوري.
ـ التوسـع يف اسـتخدام مصـادر الطاقـة النظيفـة واملتجـددة ،مثـل :الطاقـة
الشمسـية والطاقـة الكهربائيـة ،يف مجيـع نواحـي احليـاة.
ـ مراعـاة الشروط البيئيـة والتخطيـط العلمـي املسـتدام عنـد إقامـة أي
مشروع صناعـي أو سـكني.
ـ التعـاون مع املنظمات واجلهات الدولية ذات العالقـة القرتاح مواصفات
دوليـة للحد من ظاهـرة التلوث بجميع أشـكاهلا وأبعادها.
ـ إجـراء مراجعـة وتفتيـش دوري على مجيـع املنظمات ،سـواء أكانـت
صناعيـة أم خدميـة ،حكوميـة أم خاصـة؛ وذلـك للتأكـد مـن تطبيقهـا
للشروط واألنظمـة البيئيـة املعتمـدة.
ـ إنشاء املحميات الطبيعية والتوسع فيها واملحافظة عليها وصيانتها.
2 . 6اجلهود العلمية
يسـعى العلماء واملهندسـون إىل البحث عـن احللول التقنيـة للتخلص
مـن التلـوث ،ويعمـل كثير مـن الباحثين الصناعيين على إجيـاد املزيـد
مـن الطـرق االقتصاديـة السـتخدام الوقـود واملواد اخلـام األخـرى ،ومن
اإلنجـازات واجلهـود يف هـذا املجال مـا يلي (:)www.Wikipedia.org
ـ تطويـر أسـاليب اسـتخدام حـرارة املخلفـات الناجتة عن حمطـات القدرة
وحمـارق النفايات يف تدفئـة البيوت.
ـ تطويـر املحـركات احلديثـة لتحـرق الوقـود بطريقـة أنظف وأكثـر فاعلية
مـن املركبـات القديمة.
257
ـ تطويـر سـيارات تسـتخدم وقـو ًدا نظيـف االشـتعال مثل امليثانـول ،وهو
مـادة كحوليـة ،والغـاز الطبيعي.
املسـتخرج مـن بعـض
َ ـ تطويـر نـوع مـن الكحوليـات وهـو اإليثانـول
النباتـات وجعلـه وقـو ًدا للسـيارات.
ـ تطوير سيارات تعمل بغاز اهليدروجني ،وهو غاز ال خيلف تلو ًثا للبيئة.
ـ توليـد الطاقـة الكهربائيـة بتكلفـة أقل مـن املـوارد املتجددة ،مثـل الرياح
والشمس.
ـ طـرح التخصصات العلمية يف شـؤون البيئة والتنمية املسـتدامة يف املعاهد
واجلامعات.
ـ تطوير إعادة التدوير للنفايات بأنواعها بطرق ذات جدوى اقتصادية.
3. 6جهود الرشكات واملصانع
تقـوم الشركات واملصانـع ،خاصـة يف الـدول املتقدمـة؛ باحلـد مـن
التلـوث البيئـي ،ليس لتحسين صورهتـا الذهنية لـدى اجلمهـور والعمالء
أيضا.
فقـط بـل ولتوفير املـال ً
ومن اإلسهامات للرشكات واملصانع يف هذا املجال ما ييل:
ـ حتسني طرق اإلنتاج للتقليل من النفايات.
ـ تقليل التغليف واستخدام مواد تغليف يمكن إعادة تدويرها.
ـ ختصص كثري من الرشكات يف أنواع خمتلفة من وسائل إدارة التلوث.
ـ تدير بعض الرشكات برامج إعادة التدوير وحفظ الطاقة.
ـ تقديـم التقاريـر البيئيـة الدورية عن نشـاطات الرشكة واملصنـع بكل أمانة
إىل اجلهـات واملنظامت ذات العالقة.
258
ـ اإلسهام املادي والعلمي والفني يف أنشطة احلفاظ عىل البيئة.
ـ تبني مفاهيم إدارة البيئة واإلدارة املستدامة يف الفلسفة اإلدارية للمنشأة.
ـ تعزيـز الثقافـة التنظيميـة لـدى املوظفين والعمال ،التـي تركز على أمهية
وخطـورة البعـد البيئي يف األنشـطة والقـرارات.
ـ الرتكيـز على تصميـم منتجـات تراعـي فكـرة إعـادة التدويـر ـ كنوع من
السياسـات ـ واسـتخدام مـواد قابلـة للتدوير كلما كان ذلـك ممكنًا.
ـ اسـتخدام املـواد األوليـة وإعـادة تدويرهـا يف أنشـطة املنظمة كلما أمكن
ذلك.
ـ وضع ميزانية خاصة للتطوير البيئي ،وتشكيل «فريق محاية البيئة».
4 . 6اجلهود الزراعية
تسـاعد اجلهـود الزراعيـة يف احلـد مـن التلـوث باسـتخدام كثير مـن
الطـرق واألسـاليب ،مثـل:
ـ الرتكيز عىل زراعة األغذية التي تتطلب القليل من األسمدة واملبيدات.
ـ اسـتخدام أسـلوب الـدورات الزراعيـة لتقليـل احلاجـة إىل األسـمدة
الكيميائيـة؛ فاملناوبـة بين الـذرة والقمـح واملحاصيل األخـرى والبقول
وفـول الصويـا تسـاعد يف تعويض النيرتوجين املفقود مـن الرتبة ،كذلك
تسـاعد يف مكافحـة اآلفـات واألمـراض الزراعيـة.
ـ استخدام خليط التسميد واألسمدة األخرى التي ال ترض الرتبة.
ـ احلـد مـن اسـتخدام املبيدات الضـارة باسـتخدام البكترييـا أو احلرشات
األخـرى التي تفترس هـذه اآلفات.
ـ العمل عىل تطوير نباتات تقاوم اآلفات الزراعية.
259
ـ تصميـم أنظمـة الصرف اجليد للأرايض الزراعية ومعاجلـة مياه الرصف
ثم إعادة اسـتخدامها.
ـ احلـد مـن اسـتخدام املضـادات احليويـة واهلرمونـات يف تغذية وتسـمني
احليوانـات والطيور.
ـ اللجـوء إىل السماد العضـوي الطبيعـي يف تسـميد واسـتصالح األرايض
الزراعية.
5 .6جهود املنظامت البيئية
260
ـ تشـجيع عمـل األحـزاب السياسـية املهتمـة بالبيئة ،مثل :أحـزاب اخلرض يف
كثير من الـدول الصناعية؛ ملا هلذه األحـزاب من تأثري متنا ٍم عىل السياسـات
احلكوميـة جتـاه البيئـة .ومـن الـدول التـي توجـد فيها مثـل هـذه األحزاب:
أستراليا والنمسـا وأملانيا وفنلندا وفرنسـا ونيوزيلندا وإسـبانيا والسـويد.
6 .6جهود األفراد
ويمكن إبراز أمهها فيام ييل:
ـ العمل عىل حفظ الطاقة وترشيد استخدامها.
ـ التقليل من قيادة السيارات اخلاصة ،واستخدام وسائل النقل العام.
ـ توفير الطاقـة بالتقليل مـن اسـتخدام األجهـزة وإطفائها يف حالـة انعدام
احلاجـة إليها.
ـ اسـتخدام العـزل اجليـد يف املنازل واإلنشـاءات خلفض اسـتهالك الوقود
والكهرباء.
خطرا عىل البيئة.
ـ احلرص عىل رشاء املنتجات التي ال تشكل ً
ـ تقليـل اسـتخدام املنظفـات السـامة والتخلـص الصحيـح مـن هـذه
املنتجـات.
ـ رشاء األغذيـة التـي يسـتخدم زارعوهـا وصانعوهـا األسـاليب البيئيـة
كبيرا هلـذا التوجـه.
ً دعما
السـليمة ،ممـا يشـكل ً
ـ إعـادة اسـتخدام املنتجـات (التدويـر) ،مثـل اسـتخدام القواريـر وإعـادة
تعبئتهـا واسـتخدامها مـرة أخـرى ،وكذلـك احلـرص على تعلـم أفضل
األسـاليب والطـرق لكـي تصبـح أنشـطتهم أكثـر صداقـة وحمافظـة عىل
البيئـة (موسـوعة البيئـة2011 ،م).
261
. 7اخلالصة
تشير أدبيـات إدارة التلـوث إىل رضورة اسـتخدام الوسـائل القانونية
واإلداريـة واالقتصاديـة والعلـوم والتكنولوجيـا والتوعيـة وغريهـا مـن
الوسـائل ملكافحـة التلوث ،وكذلـك اإلدارة العملية والعلميـة للتلوث ،بام
تتضمنـه مـن التخطيـط للوقايـة والرقابة والتفتيـش عىل انبعـاث امللوثات،
وكذلـك الرتكيـز عىل مصـادر امللوثات والتقييـم والتنبـؤ يف التطوير يف هذا
املجـال وتطويـر طـرق مكافحـة التلـوث ،واملحافظة على التـوازن البيئي؛
لضمان اجلودة البيئيـة ،وأن تعتمد الوقاية واالسـتباق ملصـادر التلوث ومن
ثـم التخطيط للمعاجلـة ومكافحـة اآلثار.
ولـن تـأيت هذه اإلستراتيجية إال مـن خالل التعـاون بني الـدول ،عن
طريق االسـتغالل العلمـي للموارد املتاحة ،وتوجيه االهتامم إىل املشـكالت
البيئيـة املعـارصة ،ورضورة دراسـة املشـكالت النامجـة عـن التلـوث ومـا
حيـدث من آثار سـيئة على األنظمة البيئيـة ،وخلـق الوعي البيئـي والرتكيز
على الرتبيـة البيئيـة ودراسـة املشـكالت البيئيـة وحتليلها من خلال منظور
شـامل وجامـع لفـروع املعرفة يتيـح تفهمها عىل نحو سـليم ،بما يؤدي إىل
تكويـن جيـل وا ٍع مهتـم بالبيئـة وباملشـكالت املرتبطـة هبـا ولديـه املعارف
والقـدرات العقليـة ،والشـعور بااللتـزام ،بام يتيح لـه أن يمارس ـ فرد ًّيا أو
مجاع ًّيـا ـ حل املشـكالت القائمة.
وتسـهم الرتبيـة البيئيـة املرتكـزة على وعـي بيئـي يف غـرس القيـم
اإليامنيـة والسـلوكات اإلجيابيـة للتعامـل مـع البيئـة واحلـد مـن التلـوث،
باإلضافـة إىل أمهيـة ودور الترشيعـات واألنظمـة يف هـذا املجـال ،كما أن
إلدارة التلـوث بمنهجيـة االسـتدامة أمهيـة بالغة؛ لكوهنا حتقق االسـتخدام
262
األفضـل للمـوارد ،بام حيافظ عىل املـوارد الطبيعيـة من ماء وطاقـة ونباتات
وأحيـاء طبيعيـة وغريها ،ولدرء أي خطر من مشـكالت التلـوث والتدهور
البيئـي ،مـع الرتكيز عىل مبدأ الوقاية السـابقة والتحسـب لآلثـار واألرضار
قبـل وقوعهـا مـن أجـل أن تبقـى البيئـة صاحلـة السـتدامة البشر وبقيـة
الكائنـات احليـة التـي تعيـش وتعتـاش عليها.
263
املراجــــع :
إبراهيـم ،ثابـت عبد املنعـم (2012م) .اآلثـار البيئية ملشـكلة التخلص من
النفايـات باحلرق ،جملة أسـيوط للدراسـات البيئية ،العدد السـادس
والثالثون ،أسـيوط.
أمحـد ،عصـام حممد عبـد املاجـد (2002م) .التلـوث ..املخاطـر واحللول،
املنظمـة العربيـة للثقافـة والرتبية والعلـوم ،تونس.
جرامـون ،روبـرت الفـون (1977م) .التلـوث وقضايـا السـاعة ،ترمجة:
ناديـة القبـاين وجـورج عزيـز ،النـارش :رشكـة ترادكسـيم ،جنيف.
جرعتلي ،جمـد (2011م) .تلـوث اهلـواء وأرضاره على صحـة اإلنسـان
استرجعت بتاريخ 1435 /8/17هـ ،من موقع دراسـات والبيئةُ ،
خضراءhttp://green-studies.com:
اجلوارنـة ،شـادي خليفـة حممـد (2010م) .اقتصاديـات البيئة مـن منظور
إسلامي ،ط ،1عماد الديـن للنشر والتوزيـع ،عامن.
احلنـاوي ،عصـام (2004م) .قضايـا البيئـة يف مئة سـؤال وجـواب ..البيئة
والتنميـة ،بريوت.
حـواس ،عطـا سـعد حممـد (2012م) .األسـاس القانوين للمسـؤولية عن
أرضار التلـوث ،دار اجلامعـة اجلديدة ،اإلسـكندرية.
اخلطيـب ،هشـام إبراهيـم (ب ت) .اإلسلام والبيئـة ،دار قنديـل للنشر
والتوزيـع ،عمان.
الدغيري ،حممـد بـن إبراهيـم (2012م) .النفايـات الصلبـة ..تعريفهـا
استرجعت بتاريخ 1435 /7/12هـ، ُ وأنواعهـا وطرق عالجها،
مـن موقـعhttp://saudigs.org. :
264
رفعـت ،حممـد (1994م) .مشـكلة التلـوث البيئـي الناتـج عـن تسـيري
املركبـات بمدينة القاهـرة وكيفية معاجلتها ،ماجسـتري (غ.م) ،معهد
الدراسـات والبحـوث البيئيـة ،جامعـة عين شـمس ،القاهرة.
شـحاتة ،أمحد حسـن (2002م) .التلوث البيئي ،ط ،1مكتبـة الدار العربية
للكتاب ،مرص.
الرشنوبـى ،حممد عبد الرمحن (1989م) .اإلنسـان والبيئـة ،مكتبة األنجلو
املرصية ،ط ،3القاهرة.
العمـري ،حممـد حسـن (2001م) .نقلـة اإلدارة البيئية ،اإليـزو ،14000
دار الرضا ،دمشـق.
عامـر ،حممـد أمين؛ سـليامن ،مصطفـى حممـود (1999م) .تلـوث البيئـة
مشـكلة العصر ..دراسـة علميـة حـول مشـكلة التلـوث ومحايـة
صحـة البيئـة ،ط ،1دار الكتـاب احلديـث ،القاهـرة.
عبدالصمـد ،نجوى؛ بطاينـة ،حممد (2005م) .اإلدارة البيئية للمؤسسـات
الصناعيـة ،جامعة درفلـة ،اجلزائر.
عبيـد ،هـاين (2000م) .اإلنسـان والبيئـة ..منظومـات الطاقـة والبيئـة
والسـكان ،ط ،1دار الشروق للنشر والتوزيـع ،عمان ،األردن.
العرينـي ،يوسـف بن عبـد هلل (2008م) .رعايـة البيئة من التلـوث ..رؤية
اقتصادية إسلامية ،دار طويـق ،الرياض.
العـزاوي ،حممـد؛ النصـار ،عبـداهلل (2007م) .إدارة البيئـة ..نظـم
ومتطلبـات ،دار املسيرة ،عمان.
العـودات ،حممـد عبـده وآخـرون (1997م) .التلـوث ومحايـة البيئة ،ط،3
جامعـة امللـك سـعود ،الرياض.
265
الفاعـوري ،وائل إبراهيـم (2011م) .مشـكالت البيئـة ..قضايا وحلول،
ط ،1مركـز الكتـاب األكاديمي ،عامن.
قنديـل ،نبيـل (2011م) .التلـوث البيئـى باملبيـدات الكيامويـة الزراعيـة،
استرجعت بتاريـخ 1435/7/25هــ ،مـن موقـع: ُ
http://environment.3arabiyate.net.
الكنـدري ،عبـداهلل رمضـان (1992م) .التلـوث اهلوائـي واألبعـاد البيئية
واالقتصاديـة ،جملـة العـريب ،ع ،405الكويـت.
(2011م) .اإلدارة البيئيـة ،استرجعت بتاريـخ لطيفـة ،بـرين
1435/7/26هــ ،مـن موقـع:
http://kenanaonline.com/users/S-LATIFA/posts/207075.
استجعت بتاريخ 1435/7/10هـ ،من موقع:
معجم املعاينُ ،
http://www.almaany.com/home.
املعمـري ،هـواري (ب ت) .التلـوث اإللكتروين خطـر هيدد حيـاة البرش،
استرجعت بتاريـخ 1435/7/15هــ ،من موقع: ُ
http://www.mom.gov.ye/index.php.
ابـن منظـور ،مجـال الديـن (1999م) .لسـان العـرب ،اجلـزء األول ،دار
إحيـاء التراث ،بيروت.
استرجعت بتاريـخ
ُ موسـوعة البيئـة (2011م) .التلـوث البيئـي،
1435/7/15هــ ،مـن موقـع موسـوعة البيئـة:
http://www.bee2ah.com.
النـارص ،أمحد خالـد (2010م) .املسـؤولية املدنية عـن أرضار تلوث البيئة
البحريـة ،ط ،1دار الثقافة للنشر والتوزيع ،عامن.
266
نـدوة التلـوث البيئـي للقاممـة وكيفيـة االسـتفادة منهـا (2000م) .مركـز
الدراسـات والبحـوث البيئيـة ،جامعـة أسـيوط ،مصر.
نعيـم ،لبنـى (2011م) .االستشـعار عـن ُبعـد يرصـد التلـوث النفطـي
استرجعت بتاريـخ 1435/6/25هــ ،مـن موقـع: بالبحـارُ ،
http://kenanaonline.com/users/lobnamohamed.
267
الفصل الثامن
اإلدارة املستدامة للنفايات
املقدمـة
أدى ازديـاد عدد السـكان وارتفاع مسـتوى املعيشـة والتقـدم الصناعي
والزراعـي وعـدم اتبـاع الطـرق املالئمـة يف مجـع ونقـل ومعاجلـة النفايـات
الصلبـة إىل ازديـاد كمية النفايات بشـكل هائل ،وبالتايل تلـوث عنارص البيئة
مـن أرض ومـاء وهواء ،واسـتنزاف املصـادر الطبيعيـة يف مناطـق كثرية من
العـامل .وقـد أصبحـت اليـوم إدارة النفايات الصلبـة يف مجيـع دول العامل من
األمـور احليويـة للمحافظة عىل الصحة والسلامة العامـة ،ورضورة ملحة؛
لضمان حـق األجيال القادمـة وتلبية احتياجاهتا من خالل ترشـيد اسـتغالل
املـوارد ومراعـاة سلامة البيئـة بحيث ال ختـل بقـدرة األجيـال القادمة عىل
حصوهلـا على الفرص نفسـها التـي حتصل عليهـا األجيـال احلالية.
وهيدف هذا الفصل إىل متكني القارئ من التعرف عىل املحاور التالية:
ـ ماهية وأنواع النفايات.
ـ أسـباب انتشـار النفايات وآثارها اإلجيابية والسـلبية على البيئة واملجتمع
واالقتصاد.
ـ إدارة النفايات ..العمليات والسياسات واإلجراءات واملؤسسات.
ـ التحديات واملشكالت التي تواجه إدارة النفايات.
ـ أهم االتفاقات الدولية ذات العالقة بالتلوث.
ـ أفضل املامرسات اخلرضاء إلدارة النفايات.
ـ اخلالصة.
271
.1ماهية النفايات
توجـد تعريفات كثيرة للنفايـات يف اللغة واالصطلاح ويف القاموس
ومـن الناحيتين القانونيـة والصحيـة؛ حيـث ُعرفـت مـن الناحيـة اللغوية
بأهنـا « ُن َفايـ ُة ال َّطعـا ِم» :ب ِقيتُـه الر ِدي َئـ ُة ،و« ُن َفايـ ُة الس ِ
ـجائ ِر»َ :ر َما ُد َهـاُ ،
و«ه َو َّ َ َ َ َّ ُ َّ َ َ
اذ ِل ْم.
ـات ا ْل َقـو ِم»ِ :مـن َأر ِ
ْ َ ْ ُن َفا َي ُ
عرف خبراء البنك الـدويل النفاية
أمـا من الناحيـة االصطالحية فقـد َّ
بأهنـا «اليشء الـذي أصبح ليس له قيمة يف االسـتعامل ،أمـا إذا أمكن تدوير
هـذا الشيء بحيث يمكن اسـتعامله أو استرجاع بعض مكوناتـه ،ففي هذه
عـرف قاموس وبستر مرييـام النفايـات بأهنا احلالـة ال يعتبر نفايـة» ،كما َّ
«أي خملفـات مـواد أو مواد زائدة على احلاجة».
وقـد عرفهـا قانـون محاية البيئة السـعودي يف املـادة ،83البنـد الثالث،
بأهنـا «كل مـا ختلفـه عمليـة إنتـاج أو حتويـل أو اسـتعامل وهي كل مـادة أو
منتـج أو بصفـة أعـم كل يشء منقـول هيمل أو ختلى عنه صاحبـه» ،وقانون
االحتـاد األوريب اعتربهـا «مـواد أو أشـياء ،يتـم التخلـص منهـا ،أو يعتـزم
التخلـص منهـا ،أو مطلـوب التخلـص منهـا ،بنـاء على أحـكام القوانين
الوطنيـة» .وجـاء تعريـف منظمـة الصحـة العامليـة للنفايـات بأهنـا «بعض
األشـياء التـي أصبح صاحبهـا ال يريدها يف مـكان ما ووقت مـا وأصبحت
ليسـت هلـا أمهيـة أو قيمة».
وعرفـت وزارة الشـؤون البلدية والقرويـة باململكة العربية السـعودية
النفايـات بأهنـا «املواد امللقـاة واملهملة التي ال يمكن االسـتفادة منها بصورة
مبـارشة أو غير مبـارشة ،وتشـمل املواد التـي يمكن إعـادة تدويرهـا» .كام
عرفتهـا اجلمعيـة الربملانيـة لالحتـاد مـن أجـل املتوسـط بأهنا «كل مـا يتبقى
272
مـن أي نشـاط وال يكـون لـه أي اسـتخدام أويل أو ثانوي عنـد املصدر ،مع
أنـه قـد تكـون لـه قيمة إن ُوجـد يف موقـع آخر حيثما تكون ظـروف أفضل
متوافرة السـتخدامه بشـكل أفضل» (السـعيدي2011 ،م ،ص .)5
.2أنواع النفايات
ال يوجـد تصنيـف مثـايل للنفايـات ،فقد تعـددت التصنيفات حسـب
تعـدد العوامـل ،ومنها اآليت:
1 . 2تصنيف النفايات من حيث اخلطورة
هنـاك نوعـان مـن النفايـات ،مهـا :احلميدة (اخلضراء) ،وهـي جمموعة
املـواد التـي ال يصاحـب وجودهـا مشـكالت بيئيـة خطيرة ،ويسـهل يف
الوقـت ذاتـه التخلـص منهـا بطريقـة آمنـة بيئ ًّيـا ،وهـي تشـمل النفايـات
املنزليـة ونفايـات املصانـع غير اخلطـرة (احلجـاز2004 ،م ،ص ،)21أمـا
النـوع اآلخـر فهـو النفايـات اخلطـرة وقـد عرفـت وزارة الشـؤون البلديـة
والقرويـة النفايـات اخلطـرة بأهنـا« :النفايـات التـي هلــا خصائـص جتعلهـا
خطـرا هيدد صحة اإلنسـان والبيئـة ،وتتميز هذه النفايـات بالصفات ً تشـكل
التالية :السـمية ،شـدة التفاعـل ،قابلية االشـتعال واالنفجار ،قابليـة التآكل،
عرفـت وكالـة محايـة البيئـة األمريكيـة ()EPA العـدوى ،اإلشـعاع» .وقـد َّ
النفايـات اخلطـرة بأهنـا عبارة عـن «نفايـة أو خليط مـن عدة نفايات تشـكل
خطـرا على صحـة اإلنسـان أو الكائنـات احلية األخرى ،سـواء على املدىني ً
القريـب أو البعيـد ،أو كوهنا غري قابلـة للتحلل وتدوم يف الطبيعـة ،أو أهنا قد
آثـارا تراكمية ضـارة» ،وعرفتها احلكومـة الربيطانية بأهنـا «عبارة عن
تسـبب ً
مـواد سـامة أو ضارة بالصحـة العامة ،أو أهنا مـواد ملوثة تـؤدي إىل إحداث
273
خطـرا عىل صحة اإلنسـان والكائنـات احلية نتيجةً أرضار بالبيئـة ،مما يشـكل
تلـوث عنارص البيئة بتلـك املواد ،خاصة مصـادر املياه السـطحية واجلوفية».
أمـا قانـون املحافظة واسـتعادة املـوارد فقد اعتربهـا «فئة حمددة مـن النفايات
الصلبـة مدرجـة ضمـن لوائـح حتـدد سمات اخلطـورة ،منهـا مـا هـو قابـل
لالشـتعال ،أو التـآكل ،أو له رد فعل ،أو سـام» (.)www.epa.gov/wastes
274
ونظـرا لعـدم احتـواء هـذه النفايات عىل مـواد خطرة على البيئة
ً املنشـآت»؛
يمكـن اسـتخدامها يف عمليـات الـردم املختلفـة ،وأشـغال الطـرق العامـة،
وتسـويــة املنحـدرات عىل جوانب الطـرق ،والنفايات الطبيـة هي النفايات
التـي تنتـج من عمليـات التشـخيص والعلاج واألبحـاث يف املستشـفيات
واملراكـز الصحيـة والعيادات واملختبرات ومراكز البحـث العلمي واملرافق
البيطريـة ،باإلضافـة إىل أماكـن تصنيـع وختزيـن األدويـة واملـواد احليويـة،
وأخيرا هنـاك النفايات النامجة عـن معاجلة مياه الرصف الصحـي (احلمأة)،ً
عرفـت وزارة الشـئون البلدية والقرويـة احلمأة بأهنا «نفايـات صلبة أو
وقـد َّ
شـبه صلبـة أو سـائلة أو مرتسـبة يف قـاع اخلزانـات أو احلاويـات ،أو كالتي
تنتـج عـن عمليـات معاجلـة مياه الصرف الصحـي املنـزيل أو التجـاري أو
الصناعـي ،أو ميـاه الشرب ،أو مـن أجهزة التحكـم يف تلـوث اهلواء».
ـ النفايات الطبية Medical Waste
تتكـون مـن جزأيـن ،األول يشـبه النفايـات املنزليـة ويشـمل الـورق
والكرتـون والزجـاج وخملفات املـواد الغذائيـة وغريها من املـواد اخلاملة،
أمـا الثـاين فيعترب مـن النفايات اخلطيرة الحتوائـه عىل مواد سـامة وضارة
ومعديـة ،وبعضها مسـبب للرسطان ،وهـي تنتج من عمليات التشـخيص
والعلاج واألبحـاث يف املستشـفيات واملراكـز الصحيـة والعيـادات
واملختبرات واملرافـق البيطريـة (عبدالوهـاب2010 ،م ،ص .)283وقـد
دعـت منظمـة الصحـة العامليـة إىل التعامـل مـع النفايـات الطبيـة بشـكل
خـاص حفا ًظـا على البيئـة (.)Rushbrook, et. al, 2000
ـ نفايات الرصف الصحي Waste Sewage
بحسـب تعريـف وزارة البلديـة والشـؤون القرويـة السـعودية،
275
1427هــ ،ص ،)23فهـي نفايات نامجة عن معاجلة ميـاه الرصف الصحي؛
حيـث تتشـكل احلمـأة باعتبارهـا نفايـات صلبة أو شـبه صلبة أو سـائلة أو
مرتسـبة يف قـاع اخلزانـات واحلاويـات.
3 . 2تصنيف النفايات حسب احلالة الفيزيائية
تصنَّـف النفايـات حسـب احلالـة الفيزيائيـة (وزارة الشـؤون البلديـة
والقرويـة1427 ،هــ ،ص22ـ )24بأهنـا «املـواد الصلبـة أو شـبه الصلبـة
التـي خت َّلـف عن األنشـطة البلدية أو الصناعيـة أو الزراعية أو املستشـفيات أو
خملفـات اهلـدم والبناء ،ويتـم التخلص منها عنـد مصدرهـا باعتبارها خملفات
ليسـت ذات قيمـة ،وإن كان مـن املمكـن أن تكـون هلـا قيمـة يف موقـع آخـر
أو ظـروف أخـرى بما يوفـر األوضـاع املواتيـة لعمليـات إعـادة االسـتخدام
أو التدويـر» ،ومنهـا :نفايـات الطمـي واحلمأة ،وهـي «نفايات صلبة أو شـبه
صلبـة أو سـائلة أو مرتسـبة يف قـاع اخلزانـات أو احلاويـات ،أو كالتـي تنتـج
عـن عمليات معاجلـة مياه الرصف الصحـي املنزيل أو التجـاري أو الصناعي،
أو ميـاه الشرب ،أو مـن أجهـزة التحكـم يف تلوث اهلـواء» ،وهنـاك النفايات
السـائلة وهـي «املواد ذات الطبيعة السـائلة وشـبه السـائلة الناجتة عن أنشـطة
املسـاكن أو املجمعـات السـكنية أو املحلات التجاريـة أو املؤسسـات العامة
واخلاصـة أو املطاعـم أو املصانـع والورش واملعامل ،بام فيهـا خملفات الرصف
الزراعـي والصناعـي» ،ومنهـا ً
مثلا :القطـران والزيـوت املسـتعملة ،وهناك
النفايـات الغازيـة أو االنبعـاث الغـازي ،وهـي «مـواد قـد توجد عىل شـكل
أبخـرة أو غـازات أو أتربـة أو تكـون متطايـرة» ،وتنتـج من اآليت:
أ ـ مصـادر ثابتـة ،كاملصانـع والكسـارات واملحاجـر وأعامل اهلـدم والبناء
وحمـارق ومـرادم النفايات.
276
ب ـ مصادر عوادم وسائل النقل املختلفة.
ج ـ مصـادر طبيعيـة ،كالغبـار والشـوائب الدقيقـة النامجـة عـن الريـاح
والعواصـفأواالنبعاثـاتالنامجـةعـنترسبالغـازالطبيعـيأوالرباكني.
د ـ مصـادر أخرى ،كالغازات الصادرة عـن األجهزة واملعدات الكهربائية،
املبيـدات ،األسـمدة العضويـة والكيميائيـة ،التدخين ،أجهـزة التربيد
وتكييف اهلـواء ومرذات األيروسـوالت وغريها.
277
نفهـم عالقـة النفايات بـكل من املجتمـع واالقتصـاد والبيئـة ،وذلك حتى
يتسـنى تفعيـل دور النفايـات لدعـم التنمية بدالً مـن أن تكون عب ًئـا وعائ ًقا
هلـا؛ لذا سـنتناول العالقـات كالتايل:
أ ـ أثر النفايات عىل املجتمع
يسـتمد املجتمـع احتياجاتـه مـن املـواد الطبيعيـة واملـوارد األوليـة،
فتنتـج عنهـا خمرجـات قـد تعـود مدخلات مـن جديـد ليوظفهـا املجتمـع
لتحقيـق رغباتـه وتلبيـة احتياجاتـه ،أمـا إذا كانـت تلـك املخرجـات عبارة
عـن نفايـات سـامة وضـارة فإهنـا تنعكـس سـل ًبا على املجتمـع مـن خالل
انتشـار األمـراض واألوبئة ،أي أن نفايـات املجتمع هي خمرجاتـه التي تعود
باعتبارهـا مدخلات له.
ب ـ أثر النفايات عىل البيئة
كما هـو معـروف فـإن البيئـة متـد املجتمـع بمدخالتـه مـن املـوارد
الطبيعيـة واملـواد األوليـة التـي توفرها له ،بحيـث يتم توظيفهـا وتنتج عنها
خمرجـات تعـد مدخلات للبيئـة ،فـإن كانـت املخرجـات نفايـات سـامة؛
فإهنـا تـؤدي إىل تلـوث البيئـة؛ حيـث تسـتمد منهـا مدخلات ملوثـة تؤثر
سـل ًبا على التـوازن البيئي.
ج ـ أثر النفايات عىل االقتصاد
يتكـون االقتصاد من كثير من املجاالت التـي تؤثر وتتأثـر بالنفايات،
وفيما يلي يمكـن اسـتعراض ُبعـدَ ي النفايـات :البعـد السـلبي والبعـد
اإلجيـايب ،وهـو التحـول نحـو االقتصـاد األخرض:
278
1 .3أثر النفايات عىل الزراعة
تؤثر النفايات عىل الزراعة بشـكل سـلبي أو إجيايب من خالل انعكاسـها
على الرتبة واملياه ،وفيام ييل توضيح ذلـك (:)www.vercon.sci.eg
مصدرا
ً ـ اسـتخراج املعـادن من املناجم ومـا ينتج عنها من خملفـات تصبح
للتلوث يف األرايض املحيطة.
ـ خملفـات الصرف الصحـي والصناعـي؛ حيـث إن مجيـع أنـواع احلمـأة
حتتـوي على تركيـزات عالية مـن العنـارص السـامة ،إال أن احلمـأة الناجتة
عـن الرصف الصناعـي حتتوي عىل ملوثـات غري عضويـة برتكيزات أعىل
بكثير من احلمـأة الناجتة عـن الرصف الصحـي ،ومن أهم العنـارص التي
تسـبب مشـكالت يف اإلنتـاج الزراعـي :إضافة احلمـأة إىل الرتبة.
ـ التخلـص من املخلفات السـامة وخملفات املنازل واملصانع واملستشـفيات
يمكـن أن يؤدي إىل تلـوث الرتبة بالعنارص الصغـرى والثقيلة؛ فالتخلص
منهـا ـ سـواء بإلقائهـا أو دفنها يف الرتبـة ـ يؤدي إىل تلوث الرتبـة وانتقاهلا
إىل املياه اجلوفية.
ـ ينتـج عـن احرتاق الوقود (فحـم -برتول) عدد كبري مـن العنارص الثقيلة
والصغـرى التي ترتسـب على األرايض املحيطـة ،كام أن احتراق البرتول
الـذي حيتـوي على إضافات مـن الرصاص يعتبر من أهم مصـادر تلوث
الرتبة.
ـ تعـد انبعاثـات حمطـات القـوى الكهربائيـة واملراكـز الصناعيـة الضخمة
التـي تنتشر يف كثري مـن الدول والتـي حترق كميـات ضخمة مـن الوقود
وتدفـع إىل اهلـواء يوم ًّيا بكميات هائلة من ثاين أكسـيد الكربون وأكاسـيد
النيرتوجين السـبب الرئيـس يف تكـون األمطـار احلمضية التـي تؤدي إىل
تلف الكائنـات احلية.
279
وممـا سـبق ،نجـد أن النفايـات الضـارة والسـامة التـي ختتلـط بالرتبة
الزراعيـة تـؤدي إىل تلـوث امليـاه والرتبـة؛ حيـث تُفقدها خصوبتهـا عندما
تتسـبب قتـل البكترييـا املسـؤولة عـن حتليـل املـواد العضوية املوجـودة هبا
وتثبيـت عنصر النيرتوجين هبـا ،ممـا يقضي على مصـادر الغـذاء وخيـل
بالتـوازن الغذائي.
وعنـد التحـول نحـو االقتصـاد األخضر ،تصبـح النفايـات اخلرضاء
بديلا يمكـن حتويله إىل كومبوسـت (سماد عضـوي) ،وهي عندمـا ختتلط ً
بالرتبـة الزراعية تـؤدي تزيـد خصوبتها ويقل اسـتخدام السماد الصناعي،
وفيما ييل اسـتعراض ألنـواع السماد العضـوي (:)www.istac.com.tr
ـ كومبوسـت الدواجن النافقة :Dead poultry Compostيمكن استخدام
الدواجـن النافقـة وحتويلها إىل أسـمدة عضوية ذات قيمـة اقتصادية باتباع
نظـم التخمير اهلوائي للدواجـن النافقـة املخلوطـة باملخلفـات النباتية أو
األسـمدة العضوية ،مع إضافة بعض األسـمدة املعدنية كمنشـطات لعملية
التخمير ،التـي تتـم حتت ظـروف بيئية حمكمة إلنتاج سماد عضـوي ٍ
خال
مـن امليكروبات املرضيـة والطفيليات.
ـ تكنولوجيـا البيوجـاز :Biogas Technologyالتخمر الالهوائى لروث
ٍ
خـال من املاشـية إلنتـاج مصـدر نظيف ومتجـدد للطاقة وسماد عضوي
ناقلات األمراض وبذور احلشـائش وحتقيـق بيئة نظيفة صحيـة للحيوان
وتأمين التـداول الصحـي للمخلفـات احليوانيـة ،وإنقـاذ البيومـاس من
احلرق املبـارش وزيادة مدخلات إنتاج الكومبوسـت.
ـ األعلاف غري التقليديـة :Non Traditional Foodالتحويل البيولوجي
للمركبـات السـيليلوزية بتنميـة بعض الفطريـات عىل املخلفـات الزراعية
مثـل قـش األرز واألحطـاب لتحسين قيمتهـا الغذائيـة ورفـع معامـل
280
هضمهـا وزيـادة حمتواهـا الربوتيني ،وبالتايل سـد جزء كبري مـن النقص يف
املـوارد العلفيـة اخلشـنة التـي تدخـل يف صناعـة األعالف بنسـب ترتاوح
بين 30و %50يف األعلاف املتكاملـة للحيوانات.
ـ السـيالج :Silageالتحويـل البيولوجي لبعض املخلفـات النباتية اخلرضاء
(عيـدان الـذرة الشـامية ،عـروش الفـول األخضر ،جريد النخـل) إلنتاج
السـيالج باعتبـاره عل ًفـا أخضر يف مواسـم اجلفـاف باسـتخدام التخمـر
حتـت الظـروف غير اهلوائيـة يف وجـود رطوبة مناسـبة ومحوضـة مالئمة.
2 . 3أثر النفايات عىل الطاقة
تسـتهلك النفايـات بمختلـف أنواعهـا طاقـة لتجميعهـا ونقلهـا
وتفكيكهـا والتخلـص منهـا ،ممـا يعنـي اسـتنزاف املـوارد الطبيعيـة وهـدر
الطاقـة ،التـي تعتمـد عىل الوقـود األحفـوري الناضـب ،إضافـة إىل تلوث
البيئـة باالنبعاثـات الغازيـة أو ترسـب مـواد النفايـات السـامة والضـارة.
ويمكـن توليـد الطاقـة احليويـة (املتجـددة) مـن خلال كثير مـن
املنتجـات الثانويـة الناجتـة عـن عمليـات زراعيـة متنوعـة ،مثـل :نفايـات
اخلشـب والقـش والسماد وقصـب السـكر؛ حيـث تـم اسـتخدام الـذرة
وفـول الصويـا يف الواليـات املتحـدة ،واللفـت يف أوربـا ،وقصب السـكر
يف الربازيـل ،وزيـت النخيـل يف جنـوب رشق آسـيا ،كام أن إحـدى مميزات
منتجا مـن نفايات عملياتوقـود الكتلـة احليوية أنه غال ًبا ما يكـون بقايا أو ً
أخـرى ،وذلـك يعنـي نظر ًّيا أنـه ال يوجـد تنافس بني إنتـاج الغـذاء وإنتاج
الوقـود ،وقـد ينبعـث مـن النفايات كثير من الغـازات ،ومن ضمنهـا :غاز
منتظما واالسـتفادة منـه يف تدويـر الطاقـة
ً « ،»LFGالـذي يمكـن ختزينـه
واحلصـول على الغـاز الطبيعـي بعـد املعاجلـة ،ويـؤدي ذلـك إىل ختفيـض
غـازات االنحباس احلـراري.
281
3 . 3أثر النفايات عىل التكنولوجيا
إن تزايـد االسـتهالك وإنتاج النفايـات بمختلف أنواعهـا حيتاجان إىل
آليـة تدخـل ملعاجلتهـا ،وذلك خيضـع إىل دراسـات وأبحاث علميـة وإدارة
تطويـر ،إال أن ذلـك يتطلـب تكاليف باهظـة ،مما يؤدي إىل حتمـل ميزانيات
الـدول تكاليـف اقتصاديـة إضافيـة؛ حيـث إنـه مـن املفترض أن ختصص
الـدول تلـك املوارد لدعـم أهداف أخرى ،مثـل القضاء على الفقر واجلهل
واألمراض.
وسيسـاعد التحـول نحو االقتصـاد األخرض ،عـن طريـق التكنولوجيا
املتقدمـة ،يف تبنـي آليـات وتطبيقـات التنميـة املسـتدامة مثل أجهـزة معاجلة
النفايـات ،ويسـاعد السـعي إىل التطـور واالبتـكار يف جمـال التكنولوجيـا يف
تقليـص مشـكالت النفايات واسـتحداث صناعات وآليـات تصنيع صديقة
للبيئة .
4 .3أثر النفايات عىل الصناعة
إن نضـوب املـوارد الطبيعيـة واملواد األوليـة نتيجة اسـتهالكها املتزايد
يف الصناعـات املختلفـة وصناعـة الكامليـات على وجـه اخلصـوص ،التـي
يمكـن االسـتغناء عنهـا ،يـؤدي إىل تراكـم النفايـات نتيجـة السـباق على
الصناعـات والتخلص العشـوائي منها وعـدم االهتامم بتبني طـرق املعاجلة
املسـتدامة كالتدويـر إلعـادة االسـتفادة منها.
ويمكـن إعـادة تدويـر النفايـات الصناعيـة واسـتخدامها مـن جديـد
باعتبارهـا مواد أوليـة تدخل يف التصنيع ،وبذلك يمكن احلد من اسـتنزاف
املـوارد الطبيعيـة واملـواد األوليـة واملحافظة على البيئة مـن التلوث.
282
. 4إدارة النفايات ..العمليات واملؤسسات واإلجراءات
283
حتتـل األولوية يف أي خطـة إلدارة النفايات ،كما تعترب الوقاية األوىل؛ فهـي ّ
عامل أساسـ ًّيا لنجاح أي إستراتيجية حكومية بشـأهنا. من إنتاج النفايات ً
وإذا نجحنـا يف تقليـل كميـة النفايات املو ّلـدة منذ البدايـة ويف ختفيض مدى
خطورهتـا عبر تقليص كميـة املواد اخلطـرة املوجـودة يف املنتجـات ،عندئذ
ً
اتصـال وثي ًقا يكـون التخ ّلـص منها أبسـط .والوقاية مـن النفايـات متّصلة
بأسـاليب حتسين التصنيع والتأثري عىل املسـتهلكني لكي يطالبـوا بمنتجات
خضراء غري مؤذيـة للبيئـة وال حتمل تغلي ًفـا كثي ًفا.
إعادة تدوير النفايات
أدت التطـورات الصناعيـة والتقـدم احلضـاري إىل زيـادة وتراكـم
النفايـات املتولـدة يوم ًيـا وتنوعهـا وأصبحـت احلاجـة ملحـة إىل رضورة
اتبـاع األسـاليب العلميـة يف إدارة هـذه النفايـات ،سـواء يف طريقـة مجعهـا
أو حفظهـا أو يف النقـل والتخلـص منهـا بطرق سـليمة ،وأمام هـذا الرتاكم
اهلائـل مـن الفضلات بـدأ التفكير مل ًّيـا يف كيفيـة التخلـص منهـا بطـرق
علميـة وهنائيـة مـن دون املسـاس باملـوارد الطبيعيـة ،فلجـأت الـدول إىل
تطويـر طـرق التعامـل معها ،وقد تـم اسـتعراضها بالشرح والتفصيل ،كام
هـو موضـح يف اجلـدول التايل:
284
اجلدول رقم ( )10تطور طرق التعامل مع النفايات
مراحل التعامل
الطريقة املستدامة الطريقة احلديثة الطريقة التقليدية
مع النفايات
ومـن الطـرق التقليديـة التـي مـا زالـت تُسـتخدم يف كثير مـن الدول
للتخلـص مـن النفايـات نذكـر اآليت:
حرق النفايات (الرتميد)
انتشـارا عىل مسـتوى العـامل ،وتتم
ً تعـد هـذه الطريقة مـن أكثر الطرق
بواسـطة حمـارق ذات تقنيـة عاليـة أو بمجرد احلـرق املفتوح يف السـاحات،
و ُيقصـد بالرتميـد :عمليـة إحراق ُتـرى للتخلص من املواد غير املرغوب
فيهـا .والرتميـد واإلحـراق ،مها عمليتـان كيميائيتـان متبادلتـان؛ حيث يتم
اسـتخدام كال املصطلحني لإلشـارة إىل عملية األكسـدة احلرارية (طاحون،
2007م ،ص.)242
285
ـ إلقاء املخلفات يف البحار
ختلصا حقيق ًّيـا منها؛
ال ُيعـد إلقـاء املخلفـات يف البحـار أو املحيطـات ً
فبعـض هـذه املخلفـات قـد يطفـو فـوق سـطح املـاء ،وقـد تدفعـه الرياح
واألمـواج ليصـل إىل السـواحل فتتلـوث شـواطئها وقاعهـا ممـا يزيـد مـن
درجـة التلـوث .وقد يـؤدي كل ذلـك إىل اإلخلال بالنظام البيئـي املتوازن
كثيرا مـن األرضار للكائنـات احليـة التـي تعيـش يف هـذه املياه.
ً ويسـبب
ـ املقالب العمومية
فتلـوث املياه
يتـم إلقـاء املخلفـات يف املقالـب العموميـة دون إحكامِّ ،
اجلوفيـة والرتبـة ،وكذلـك اهلـواء املحيـط باملنطقـة ،علاوة على تكاثـر
احلشرات والقـوارض (علي2009 ،م ،ص .)15
وقـد ظهـر كثري من الطـرق احلديثـة التي تسـاعد عىل التخلـص اآلمن
مـن النفايـات ،وحتقق الفائـدة للبيئة واملجتمـع ،أمهها:
ـ الدفن الصحي اآلمن للنفايات
ُيعـد الـردم من أشـهر الطـرق املتَّبعـة للتخلص مـن النفايـات ،حني
تتميـز مواقـع الـردم الصحـي بمواصفات هندسـية خاصة؛ حيـث تعتمد
على رص النفايـات السـتيعاب أكبر كميـة ولتقليـل النفاذيـة وتغطيـة
النفايـات بطبقـة طينيـة عازلة وغير نافـذة؛ بحيث تضمن عـدم اإلرضار
بالبيئـة عـن طريـق تسرب السـوائل الناجتـة مـن حتلـل النفايـات للميـاه
اجلوفيـة (الدغيري2010 ،م ،ص .)7
ـ التحليل احلراري
هـو تفاعـل أكسـدة مـواد عضويـة يف احلـرارة العاليـة؛ فالتحليـل
286
احلـراري هـو «عمليـة تفاعـل املـواد املحتوية عىل نسـبة عالية مـن الفحم»،
ويمكـن أن نسـميها عمليـة حتويـل النفايـات إىل غـاز.
ـ التحلل العضوي (عملية الكمر)
وهـو حتويـل النفايـات العضويـة إىل أسـمدة عضويـة متثـل مادة حمسـنة
خلـواص الرتبـة الزراعيـة عـن طريـق التخمـر العضـوي أو التحلـل احليوي
وإعـادة املـواد إىل أدوارهـا الطبيعيـة؛ حيـث حتـول إىل حمطـات الكمـر
،Composting Plantsفيتـم فيهـا مجـع هـذه النفايـات على شـكل أكـوام
جتـري ﻬﺗويتهـا لتفكيـك املـواد العضوية املشـكلة هلـذه النفايـات وحتويلها إىل
سماد عضـوي كمخصب للأرايض الزراعية (أصفـري2004 ،م ،ص .)47
ـ اسرتجاع الطاقة
يتـم استرجاع الطاقـة املختزنة يف النفايـات العضوية ،وذلك عىل شـكل
نظرا الحرتاقـه شـبه الكامل وعدمغـاز حيـوي ،أو وقود سـائل نظيـف بيئ ًّيـا ً
إطالقـه غازات ضـارة بالبيئـة ،مثل :غـاز النيرتوجني وثاين أكسـيد الكربون،
كما هـو احلـال عنـد احتراق الوقـود األحفـوري الشـائع (النفـط والفحم)،
وقـد طـورت حدي ًثا طـرق إلنتـاج الطاقة تعتمـد عىل مبـدأ التغويـز بالبالزما
،Plasma Gasificationيتـم فيهـا حتطيـم (تفكيـك) مكونـات النفايـات
ٍ
خـال عمل ًّيـا مـن األكسـجني ،وحتت حـرارة عالية جـدًّ ا ال العضويـة يف جـو
تقـل عـن 40٠٠درجة مئوية ،مـا يؤدي إىل إنتـاج غاز الوقود؛ حيث ُيسـتفاد
منـه يف إنتـاج الطاقـة الكهربائية النظيفـة (أصفـري2004 ،م ،ص .)48
2 .4الطريقة املستدامة (إعادة تدوير النفايات)
بـدأت فكـرة إعـادة تدوير النفايـات يف أثنـاء احلربين العامليتني األوىل
287
والثانيـة؛ حيـث كانـت الـدول تعـاين النقـص الشـديد يف بعـض املـواد
األساسـية مثـل املطـاط ،ممـا دفعهـا إىل جتميـع تلـك املـواد مـن املخلفـات
إلعـادة اسـتخدامها .وبعـد سـنوات أصبحـت عمليـة إعـادة التدويـر من
أهـم األسـاليب املتبعـة يف إدارة النفايـات؛ وذلـك للفوائـد البيئيـة الكثرية
هلـذه الطريقة.
وظلـت إعـادة التدويـر املبارش لسـنوات كثيرة تتم عن طريـق منتجي
مـواد املخلفـات (اخلـردة) ،وهو الشـكل األسـاس إلعادة التدويـر ،ولكن
مـع بدايـة التسـعينيات بـدأ الرتكيـز عىل إعـادة التدويـر غري املبـارش ،وهذا
يعنـي تصنيـع مـواد النفايـات؛ لتقديـم منتجـات أخـرى تعتمد على نفس
املـادة اخلام ،مثـل :إعـادة تدوير الـورق والكرتـون والبالسـتيك واملعدن،
وباألخـص األلومنيـوم وغيره مـن املـواد التـي تتـم إعـادة تدويرهـا
وتصنيعهـا ،إال أن مـا ُيعـاب على تلك املنتجـات أهنا أقل جـودة من املنتج
األسـاس املسـتخدم ألول مـرة ،كما أن تكلفـة إعـادة تصنيعهـا عاليـة ،ممـا
إهـدارا للطاقـة ،واجلدول
ً جيعلهـا عمليـة غير مربحـة اقتصاد ًّيـا بـل تعـد
التـايل يوضـح املقارنـة بين إدارة النفايـات التقليديـة واإلدارة املسـتدامة
للنفايات:
288
اجلدول رقم ( )11يوضح املقارنة بني إدارة النفايات التقليدية
واإلدارة املستدامة للنفايات
اإلدارة املستدامة للنفايات إدارة النفايات عنارص املقارنة
التقليدية
املجتمع واالقتصاد والبيئة املجتمع واالقتصاد الرتكيز
مدخالت لصناعات أخرى هدر خمرجات فقط املورد
طاقة متجددة الوقود األحفوري الطاقة
إعادة تدوير نموذج VR,s التخلص أو احلرق الطريقة
أو الطمر
طريقة سهلة وبسيطة طريقة صعبة ومعقدة ومكلفة ،ولكن آثارها الطبيعة
إجيابية جدًّ ا وممكنة ،ولكن
آثارها سلبية جدًّ ا
فوضامية Chaord بريوقراطية املؤسسات
تكنوقراط بريوقراط املوظفون
تطوير أحدث التكنولوجيا يف إدارة النفايات نقل املخلفات التكنولوجيا
إيرادات (رسوم عىل مجع ونقل النفايات) نفقات امليزانيات
رشاكة بني احلكومة والقطاع اخلاص احلكومة املسؤولية
واملجتمع املدين
املصدر :من إعداد الباحثة.
289
2ـ تقليـل كميـة النفايـات املطلـوب التخلص منها بشـكل هنائـي ،مما يوفر
مسـاحات كبيرة من األرايض الالزمـة لدفن النفايـات وتقليل الضغط
عليها ،مـع تقليل كميـة النفايات املنتَجة يف املسـتقبل.
3ـ احلـث على تطبيـق فكرة فـرز النفايـات من املصـدر إلعـادة تدويرها،
ممـا يقلل مـن انبعاثـات الغازات مـن مكبـات النفايات.
4ـ التوعيـة بـاإلدارة املتكاملـة للنفايـات ،وحـث املجتمـع املـدين على
املشـاركة يف محايـة ونظافـة البيئـة.
5ـ تغيير سـلوك املجتمـع املـدين االسـتهالكي من خلال تعميـم وتطبيق
فكـرة فـرز النفايـات وتقليلها مـن املصدر.
وإلمتـام عمليـة إعادة التدويـر ،يلزم إنشـاء حمطة السترجاع النفايات
القابلـة للتدويـر ،حيـث يتم فـرز وتصنيـف وتدوير تلـك النفايـات (ورق
وكرتـون ،بالسـتيك ،معادن ،زجاج ،خشـب) ليسـهل تسـويقها بعد ذلك
كمـواد جاهـزة إلعـادة التصنيـع أو جيـري مجـع هـذه النفايـات مفـروزة
بشـكل أويل عنـد مصادرهـا ،متهيدً ا إلعـادة تدويرها وف ًقا ألنواعهـا التالية:
أ ـ إعادة تدوير النفايات (الورقية والبالستيكية والزجاجية واملعدنية
واإللكرتونية)
تتعـدد املكاسـب البيئيـة النامجـة عـن إعـادة تصنيـع الـورق املجمـع من
القاممـة ،ومنهـا :توفير الطاقـة الكهربائيـة الالزمـة للتصنيـع ،والنقـص يف
اسـتهالك الغابات بنسـبة %25وما يسـتتبع ذلك من دور فعال هلذه األشـجار
يف امتصـاص ثـاين أكسـيد الكربـون مـن اجلـو ،وبالتـايل خفض درجـة حرارة
الكـرة األرضيـة ،كما يتـم جتميـع كل األنـواع وتشـكيلها بعـد ذلـك لصناعة
290
منتـج هنائـي ذي خـواص ميكانيكيـة وكيميائيـة تصلـح لالسـتخدامات
املختلفـة ،مثـل :إنتـاج األكـواب ومشـابك الغسـيل وأكيـاس القاممـة.
ويقصـد بالنفايـات اإللكرتونيـة كل املعدات اإللكرتونيـة والكهربائية
مثـل :البطاريـات وأجهـزة التلفزيـون والراديـو واحلاسـب واألجهـزة
خطرا على البيئـة واإلنسـان إذا ترسبت؛
املنزليـة وغريهـا؛ حيـث إهنا تعـد ً
ألهنـا حتتـوي عىل أكثر مـن ألف نوع مـن العنـارص الكيميائية السـامة مثل:
الرصـاص ،الزئبـق ،الكاديـوم؛ حيـث يتـم تدويرهـا من خالل اسـتخراج
املـواد السـامة مـن تلـك األجهـزة وتفكيكهـا وتصنيفهـا ثـم تتـم إعـادة
اسـتخدامها كمـواد خـام مـرة أخـرى (شـقري2014 ،م ،ص .)67
ب ـ إعادة تدوير النفايات العضوية
متثـل املخلفـات العضويـة املنزليـة (بقايـا الطعـام) حـوايل %50مـن
خملفـات القاممـة ،وخيتلـف التعامـل مـع املخلفـات العضويـة يف املـدن عنه
كبريا من املـواد العضوية غـذا ًء للطيور
قـدرا ً
يف الريـف؛ فالريف يسـتخدم ً
واحليوانـات ،وهـي أفضـل الطـرق السـتخدام املخلفـات العضويـة ،لكن
املخلفـات املنزليـة باملدن متثل مشـكلة ذات أبعاد صحيـة واجتامعية؛ حيث
خمصبة للأرض ،وهو مـا يطلق عليه يتـم جتميعهـا وتدويرهـا وإنتاج مـادة ِّ
السماد العضوي أو السماد الطبيعـي (األرنـاؤوط1993 ،م ،ص .)346
ج ـ إعادة تدوير النفايات الطبية
هـي النفايـات التـي تنتـج عـن النشـاطات الطبيـة واألدويـة واملنتجات
الصيدالنيـة واإلبـر ،نتيجـة ملـا حتتويـه مـن اجلراثيـم والفريوسـات املختلفـة
املسـببة لألمـراض املختلفـة ،وهنـاك كثري مـن الطـرق ملعاجلتهـا أو التخلص
منهـا مثل حرق املكونـات القابلة للحـرق وحتويلها إىل رماد يسـهل التخلص
291
منـه أو اسـتخدام أنظمـة تعقيـم باملايكروويـف لتعقيـم األدوات واألجهـزة
الطبيـة أو املعاجلـة بتعقيـم املـواد الكيامويـة (اخلطيـب2010 ،م ،ص .)6
3 .4معاجلة نفايات املواد النووية
تعـد الطاقـة النووية من املوارد التي تُسـتخدم إلنتـاج الطاقة املتجددة،
إال أن اإلشـكالية الكبرى تكمـن يف كيفيـة التخلص من املخلفـات النووية
الناجتـة عـن املفاعلات النوويـة .وعـادة مـا توضـع مـادة اليورانيـوم
املسـتهلك يف أحـواض مائيـة كبيرة ملـدة عرشات السـنني لغـرض ختفيض
إشـعاعها النـووي أو جتهيزهـا وتغليفهـا اسـتعدا ًدا لدفنهـا يف الطبقـات
اجليولوجيـة العميقـة (عىل عمـق 800إىل 1000مرت) حتـت األرض بعيدً ا
عـن السـكان أو معاجلـة اليورانيـوم املسـتهلك كيميائ ًّيا لفصـل البلوتونيوم
239عـن النفايـات املشـعة ،بعد ذلـك يمكـن اسـتغالل البلوتونيوم 239
يف إعـادة اسـتخدامه يف املفاعـل؛ لتوليد الطاقـة الكهربائية (اهليئـة االحتادية
للرقابـة النوويـة2010 ،م).
292
اجلدول رقم ( )12يوضح متطلبات إدارة النفايات يف مرحلة ما قبل توليد
النفايات
التقييم التقييم الوطني/ احتياجات إدارة
التقييم العاملي
املحيل اإلقليمي النفايات
املبادرات التي رصد اجلهود يتطرق للمبادرات األمور التي تتعلق
بالسياسات واللوائح العاملية التي ترعاها ترعاها األمم املتحدة املحلية
التنظيمية مثل :منع منظمة اليونيب مثل :من خالل منظامت
اليونيب واليونيد حكومة اليابان توليد النفايات ،والتقليل
والتعاون والتنمية وإعادة االستخدام وإعادة
التدوير ،واإلنتاج األنظف
املبادرات التي ترعاها رصد اجلهود رصد املبادرات األمور التي تتعلق
املحلية أمانة اتفاقية بازل واجلهود العاملية بالتقنية
واملراكز اإلقليمية مثل :املهارات املتاحة
التفاقية بازل ومنظمة حمل ًّيا ،واملوارد،
التعاون والتنمية واملعهد والظروف املناخية،
اآلسيوي للتكنولوجيا والثقافة
األمور املالية التي تتعلق رصد املبادرات املبادرات التي ترعاها رصد اجلهود
املحلية بجمع األموال الالزمة واجلهود العاملية ،مثل مصارف التنمية
ملنع توليد النفايات مبادرة الرشاكة بشأن اإلقليمية ومرصف مثل :اهلند
اهلواتف النقالة يف إطار التنمية اآلسيوي وبنغالديش
ومرشوعات قطرية والربازيل اتفاقية بازل
األمور االجتامعية التي رصد املبادرات التي رصد املبادرات التي رصد اجلهود
تتعلق بزيادة الوعي عىل ترعاها األمم املتحدة ترعاها األمم املتحدة املحلية
مجيع املستويات وبني مجيع من خالل منظمتي من خالل منظمتي
اليونيب واليونيد اجلهات التي تولد النفايات اليونيب واليونيد
293
األمور املؤسسية التي رصد املبادرات التي رصد املبادرات التي رصد اجلهود
تتعلق بتعزيز السياسات ترعاها األمم املتحدة ترعاها األمم املتحدة املحلية
واجلوانب التقنية واملالية من خالل البنك الدويل من خالل منظمتي
اليونيب واليونيد ومنظمتي اليونيب واالجتامعية
واليونيد
املصدر :برنامج األمم املتحدة للبيئة2008 ،م ،ص12ـ ،19بترصف الباحثة.
التقييم الوطني/
التقييم املحيل التقييم العاملي احتياجات إدارة النفايات
اإلقليمي
294
رصد املبادرات رصد املبادرات األمور املالية التي تتعلق رصد املبادرات
واجلهود الوطنية واجلهود املحلية بجمع األموال الالزمة ملنع واجلهود العاملية مثل:
واإلقليمية مثل :بنغالديش إنشاء البنك الدويل توليد النفايات
والربازيل خطوط ائتامن قطرية
واهلند وكينيا لتوفري املوارد املالية
األمور االجتامعية التي رصد املبادرات التي رصد املبادرات املبادرات التي
تتعلق بزيادة الوعي عىل ترعاها األمم املتحدة واجلهود الوطنية ترعاها األمم
املتحدة من واإلقليمية مجيع املستويات وبني مجيع من خالل أمانة
خالل منظمة اجلهات التي تولد النفايات اتفاقية بازل ومنظمة
اليونيب ومركز اليونيب
التنمية اإلقليمية
رصد املبادرات رصد املبادرات رصد املبادرات األمور املؤسسية التي
تتعلق بتعزيز السياسات واجلهود العاملية مثل :واجلهود الوطنية واجلهود املحلية
واإلقليمية لبناء لتنمية املوارد البنك الدويل واجلوانب التقنية واملالية
البرشية وتنمية املوارد واالجتامعية
البرشية
املصدر :برنامج األمم املتحدة للبيئة2008 ،م ،ص ،19-12بترصف الباحثة.
295
3ـ إنشـاء منظمـة خاصـة بنظم فـرز النفايات مـع معايري مرجعية مشتركة
إلعـادة التدوير والتحويل إىل سماد الكمبوسـت واسترداد الطاقة.
4ـ تعزيـز االبتـكار التكنولوجـي خلفض االنبعاثات من مك ّبـات النفايات
ومياه الرصف.
5ـ تشـجيع االسـتثامرات يف التكنولوجيـا والتطويـر وأنشـطة البحـوث
إلدارة النفايـات غير املؤذيـة للبيئـة.
6ـ تكثيف تبادل املامرسات اجليدة يف املجتمع كأداة لتقوية املجتمع املدين.
7ـ تعزيـز الوعـي بعـادات تع ّلـم االسـتهالك اجلديـدة ومحلات التواصل
بغيـةإرشاكالـرأيالعـامبشـكلأفضـلوتعبئتـهملصلحـةإدارةالنفايات.
296
البحريـة الدوليـة (اإليمـو) ،ومنظمـة األمـم املتحـدة للمسـتوطنات
البرشيـة (املوئـل) ،ومركـز األمـم املتحـدة للتنميـة اإلقليميـة (مركـز
التنميـة اإلقليميـة) ،ومنظمـة األمـم املتحـدة للتنميـة الصناعيـة
(اليونيـد) ،وإىل حـد أقـل فـإن اللجـان االقتصاديـة واالجتامعيـة يف
املناطـق املختلفـة ومنظمـة التعـاون والتنميـة هـي طرف فاعـل رئيس
مـن بين املنظمات الدوليـة األخـرى.
نشـأت نتيجـة لفشـل اتفاقيـة بـازل حلظـر جتـارة النفايـات اخلطـرة إىل
كثيرا من الدول املتقدمة واملصـدرة للنفايات
نموا؛ حيث إن ً البلـدان األقـل ًّ
297
السـامة إىل أفريقيـا مل تلتـزم باالتفاقيـة ،ممـا عزز نشـأة اتفاقية باماكـو يف عام
1998م للـدول األفريقيـة حلاميـة أراضيها مـن النفايات اخلطـرة؛ حيث تم
حظـر مجيع الـواردات من النفايـات اخلطـرة (.)www.un.org/or
298
الصلبـة البلديـة كل ًّيـا ،وقـد تبنـت هاتـان املدينتـان هذيـن التوجهين تب ًعـا
حلاجاهتما اخلاصـة وأهدافهما (الرشبينـي وآخـرون2012 ،م ،ص .)211
أ ـ فانكوفر ..مستقبل أخرض 2020م
أن اقتصـاد املسـتقبل منخفـض الكربـون فرصـة تعتبر فانكوفـر ّ
كبرى ،وهـي خت ّطط لبنـاء وتعزيز السـوق املالئمـة للمنتجـات واخلدمات
والوظائـف اخلضراء؛ حيـث تنتـج فانكوفـر مـا يزيـد على 1.5طـن من
النفايـات لكل فرد سـنو ًّيا %55 ،منهـا يتم تدويره أو حتويله إىل كومبوسـت
( ،)Compostingأي :إىل سـباخ أو سماد بلـدى صناعـي.
للتحول إىل أكثـر مدينة
ّ أصـدرت فانكوفـر يف عـام 2009م خطة عمـل
خضراء يف العـامل بحلول عـام 2020م .وتنـوي املدينة ،ضمن خ ّطـة األحياء
ّ
األقـل األشـدّ خضرة ،أن تتمكّـن ،يف عـام 2015م ،مـن حتويـل % 70على
مـن النفايـات الصلبـة عـن املطامـر ،مـع هـدف أبعـد مـدى هـو التوصل إىل
إرسـال صفـر نفايـات ( )Wastes Zeroإىل املطامـر ،ولقـد قـررت مدينـة
فانكوفـر إعطـاء األولويـة األوىل لتخفيـض النفايـات عـن طريـق القوانين
املحليـة والتثقيف (بتغيير الذهنيات) وتوسـيع برامج مسـؤولية املنتج طويلة
األجـل ،وكذلـك بفـرض رضيبة عىل األكيـاس البالسـتيكية وأوعيـة الطعام
أو األكـواب أو األواين املصنوعـة مـن رغوة البوليسترين.
أمـا األولويـة الثانيـة فكانـت تطبيـق برامـج ختمير (كومبوسـت) على
تضم السـكان كافة ومجيع الرشكات وسـائر املؤسسـات نطـاق املدينة بأكملها ّ
كاملـدارس واملستشـفيات ،ويـأيت يف الدرجـة الثالثـة على سـ ّلم األولويـات
تعزيـز برنامـج التدويـر يف الشركات واملبـاين السـكنية متعـددة الشـقق .من
خلال تبنّـي قانـون بلدي شـامل للتدويـر وصنـع الكومبوسـت يفرض عىل
299
مجيـع سـكان املنـازل املنفردة وسـكان املبـاين متعددة الشـقق والشركات فرز
نفاياهتـم يف أوعيـة خمصصـة للتدويـر وختمير الكومبوسـت والقاممة.
ب ـ استوكهومل ..العاصمة األوربية اخلرضاء
ملدينـة اسـتوكهومل تاريـخ طويـل يفـوق مئـة سـنة مـن عـادات حـرق
النفايـات وخبرة إدارة حتويـل النفايـات إىل طاقـة .يف عـام 2007م ،بلـغ
جممـل إنتـاج النفايـات يف اسـتوكهومل 597كيلوجرا ًمـا للفـرد سـنو ًّيا .ويف
املدينـة نظـام فريـد إلدارة النفايـات ،وهـي تط ّبق أسـاليب مبتكـرة مثل نقل
النفايـات الصلبـة حتت األرض بالتحكّـم الفراغي؛ حيث يتـم حتويل نفاياهتا
بالكامـل ،على النحـو التـايل (الرشبينـي ،وآخـرون2012 ،م ،ص :)219
1ـ تدوير ()% 25
يتـم تدويـر % 25مـن النفايات التي خيلفها سـكان اسـتوكهومل؛ حيث
يقـوم املقاولـون بالتعـاون مـع املنتجني جلمـع النفايـات بعزل مـواد التعبئة
ويتـم جتميـع النفايات الضخمة مـن املنازل
ّ والتغليـف مـن أجـل تدويرها.
واملبـاين مبارشة أو تُسـ َّلم إىل مراكـز التدوير.
2ـ اسرتداد ()% 73.5
تبلـغ نسـبة ما ُيستر ّد مـن النفايـات % 73.5؛ وذلـك إلنتـاج التدفئة
املنطقيـة (اسـتعادة الطاقـة باحلَ ْـرق) .وحيصـل أكثـر مـن % 70من سـكان
اسـتوكهومل اليـوم على التدفئـة املنطقيـة التـي ُينتـج جـزء منهـا مـن الطاقة
املسـتعا َدة مـن النفايـات املنزليـة ،كام تُسـتخدم النفايـات املنزلية السـتعادة
الطاقـة يف معمـل هوغدالـن يف جنـوب اسـتوكهومل؛ حيـث تُنتِـج عمليـة
فتضـم اخل َبث
ّ االحتراق احلـرارة والكهربـاء م ًعـا ،أمـا املنتجـات املتخ ّلفة
الـذي ُيعـاد تدويـره ،والرمـاد الـذي ُيرمـى يف املطمر.
300
3ـ معاجلة بيولوجية ()% 1.5
جتـري معاجلـة % 1.5مـن النفايـات بيولوج ًّيـا .وحتظـر القوانين
ويتـم يف اسـتوكهومل
ّ السـويدية إرسـال النفايـات العضويـة إىل املطامـر،
املجمعـة بشـكل منفصـل إلنتاج الغـاز احليويّ تدويـر كل نفايـات الطعـام
وتشـجع املدينـة فـرز النفايـات العضويـة مـن املصـدر ،فتو ّفر
ّ واألسـمدة،
للمنـازل صناديـق خاصـة ملخ ّلفـات الطعام من أجـل املعاجلـة البيولوجية،
أكياسـا قابلـة للتح ّلـل مصنوعـة مـن دقيـق الذرة.
ً تـوزع
وكذلـك ّ
.11اخلالصة
ركـز هـذا الفصل عىل اسـتعراض ماهيـة النفايـات وأنواعهـا وآثارها
اإلجيابيـة والسـلبية على املجتمـع واالقتصاد والبيئـة ،ثم انتقـل إىل توضيح
ورشح العمليـات والسياسـات واإلجـراءات واملؤسسـات املسـتخدمة يف
إدارة النفايـات ،كما تنـاول التحديـات واملشـكالت التـي تواجههـا .ومن
جانـب آخـر ،تم اسـتعراض أفضـل املامرسـات اخلضراء إلدارة النفايات،
وأهـم االتفاقـات الدوليـة ذات العالقـة بالتلـوث .ومـن شـأن تنـاول هذا
املوضـوع أن يثـري املعرفـة املتاحـة حـول أسـاليب إدارة النفايـات احلديثة
ودعـوة املنظمات املعنية هبـا للتحول من أسـاليبها التقليديـة التي أوضحت
خماطرهـا وأرضارهـا ،سـواء للمـوارد الطبيعيـة أو البيئـة التي نعيـش فيها.
ومـن شـأن فكر االسـتدامة أن حيـول دون اسـتمرارها.
301
املراجـــــع:
املراجع العربية:
أرنـاؤوط ،حممـد السـيد (1993م) .اإلنسـان وتلوث البيئة ،الـدار املرصية
اللبنانيـة ،القاهرة.
أصفـري ،أمحـد فيصـل ( 2004م) .املنافـع البيئيـة واالقتصاديـة لتدويـر
النفايـاتالبلديـةالصلبـةيفاملـدنالعربيـة،ورقـةعلميـةغيرمنشـورة.
برنامـج األمم املتحـدة للبيئة (2008م) .قضايا السياسـات العامـة ..البيئة
والتنميـة وإدارة النفايـات ،الـدورة االسـتثنائية العـارشة ملجلـس
إدارة املنتـدى البيئـي الـوزاري العاملـي ،موناكو.
اجلمعيـة الربملانيـة لالحتـاد مـن أجـل املتوسـط (2010م) .مشروع تقرير
«لن ُقـم هبـا» .جلنـة الطاقـة والبيئـة واملياه.
احلجـار ،صلاح حممـود (2004م) .أسـس وآليـات التنميـة املسـتدامة..
البدائـل واالبتـكارات واحللـول ،دار الفكـر العـريب ،القاهـرة.
اخلطيـب ،عصـام أمحـد (2010م) .إدارة النفايات الطبيـة يف الضفة الغربية
وقطـاع غزة مـن فلسـطني ..معوقـات وحلـول ،معهد الدراسـات
البيئيـة واملائيـة ،جامعـة بري زيت ،فلسـطني.
الدغيري ،حممـد بـن إبراهيـم (2010م) .النفايـات الصلبـة ..تعريفهـا
وأنواعهـا وطـرق عالجهـا ،ورقـة علميـة غير منشـورة ،اجلمعيـة
اجلغرافيـة السـعودية ،جامعـة امللـك سـعود ،القصيـم.
الرشبينـي ،رامـي وآخـرون (2012م) .إدارة النفايات ،منشـورات املنتدى
العريب للتنميـة والبيئة.
302
شـقري ،عبداحلميـد (2014م) .النفايـات اإللكرتونيـة وخماطرهـا على
الصحـة والبيئـة ،جملـة الكويـت ،ع.365
طاحـون ،زكريـا (2007م) .إدارة البيئـة نحـو اإلنتـاج األنظـف ،اهليئـة
املرصيـة العامـة للكتـاب ،القاهـرة.
عبـد الوهـاب ،أمحـد (1997م) .أسـس تدويـر النفايـات ،الـدار العربيـة
للنشر والتوزيـع ،القاهـرة.
ـــــــــــــــــ (1997م) .تكنولوجيـا تدويـر النفايـات ،الـدار العربيـة
للنشر والتوزيـع ،القاهـرة.
ـــــــــــــــــ (1997م) .قضايـا النفايـات يف الوطـن العـريب ،الـدار
العربيـة للنشر والتوزيـع ،القاهـرة.
علي ،شـيامء راتـب (2009م) .التلوث البيئـي باملخلفات الصلبـة «القاممة
منجم الذهـب» ،كليـة احلقوق ،جامعة أسـيوط.
نبيهـة ،سـعيدي (2011م) .تسـيري النفايـات احلرضيـة يف اجلزائـر بين
الواقـع والفاعليـة املطلوبة ..دراسـة حالة اجلزائـر العاصمة ،جامعة
بومـرداس ،كليـة العلـوم االقتصاديـة والتجاريـة وعلـوم التسـيري،
مجهوريـة اجلزائر الشـعبية.
اهليئـة االحتاديـة للرقابـة النوويـة (2010م) .الئحـة التصرف يف النفايات
املشـعة متهيـدً ا للتخلـص منهـا ،أبوظبي.
وزارة الدفــاع والطيــران ،الرئاسـة العامـة لألرصـاد ومحايـة البيئـة،
قواعـد وإجـراءات التحكـم يف النفايـات اخلطـرة ،وثيقـة رقم 01
1423/هــ ،اململكـة العربيـة السـعودية.
303
:املراجع األجنبية
Mbongwe,B, Mmerek, BT, Magashula, A, (2008).Healthcare
waste management: current practices in selected
healthcare facilities, Botswana.waste management.
Rushbrook,Ph.,Chandra,C.,Gayton,S.,(2000).Starting
healthcare waste management in medical institution,
practical approach.World Health Organization (WHO)
Healthcare Practical Information Series. NO.1.
:املواقع اإللكرتونية
م2014/3/18 استرجعت بتاريخ
ُ .االحتاد العريب للتنمية املسـتدامة والبيئة
http://www.ausde.org . :من موقع
استرجعت بتاريـخ
ُ .اإلدارة املركزيـة املرصيـة لإلرشـاد الزراعـي
:م مـن موقـع2014/3/19
http://www.caae-eg.com/new/index.php.
م مـن2014/3/20 استرجعت بتاريـخ ُ .إنتـاج الطاقـة مـن النفايـات
:موقـع
http://www.istac.com.tr.
:م من موقع2014/3/20 استجعت بتاريخ ُ .أنواع النفايات املنزلية
http://www.anifayat.sitew.com/_.B.htm#_B.
استرجعت بتاريـخ
ُ .أمهيـة تدويـر املخلفـات الزراعيـة للزراعـة والبيئـة
:م مـن موقـع2014/3/20
http://webcache.googleusercontent.com/s.
304
استرجعت
الرتبـة الزراعية يف مصر ،معهد بحوث األرايض واملياه والبيئةُ .
بتاريـخ 2014/3/20م من موقع:
http://www.vercon.sci.eg/indexUItm.
استجعت بتاريخ 2014/3/23م من موقع: جائزة أبطال األرضُ .
ttp://en.wikipedia.org/wiki/Champions_of_the_Earth.
استرجعت بتاريـخ ُ احلكومـة الربيطانيـة ..النفايـات اخلطـرة.
2014/3/20م مـن موقـع.http://ar.wikipedia.org/wiki :
استجعت بتاريخ 2014/3/20م من موقع: شبكة نقطة العلميةُ .
http://nok6a.net.
علي ،عبريعبدالوهـاب ،مقدمـة يف األبحـاث العلميـة واملواضيـع اخلاصة
استرجعت بتاريـخ 2014/3/18م مـن موقـع: بأمـراض النبـاتُ .
http://webcache.googleusercontent.com.
الفريق املختص بالبيئة احلرضية يف قطاع شـؤون اإلنسان والبيئة (2013م).
الدليـل اإلرشـادي إلدارة النفايـات البلديـة الصلبـة يف دول جملس
استرجعت بتاريـخ 2014/12/10م مـن ُ التعـاون اخلليجـي.
موقـعwww.gcc-sg.org. :
قانـون املحافظـة واسـتعادة املـوارد RCRA Resource Conservation
استرجعت بتاريـخ 2014/3/20م مـن ُ .and Recovery Act
موقـعhttp://www.epa.gov/wastes/hazard. :
املشـعل ،سـليامن (2011م) .النفايـات البيئية بني املخاطـر الصحية وإعادة
استرجعت بتاريـخ 2014/3/18م من موقع: التدويرُ .
http://www.greenline.com.kw
استجعت بتاريخ 2014/3/20م
ملتقى منسـويب وزارة الصحة السعوديةُ .
305
من موقعhttp://www.e-moh.com/vb/t85958. :
النظـام املوحـد إلدارة نفايـات الرعايـة الصحيـة بـدول جملـس التعـاون
استرجعت بتاريـخ 2014/12/10م مـن اخلليجـي (2002م)ُ .
موقـعwww.ksalawfirm.com/saudilaws/law%20. :
النفايـات ..أنواعهـا ،خماطرهـا ،وطـرق التخلـص منهـا (2012م).
استرجعت بتاريـخ 2014/3/20م مـن موقـع: ُ
http://tofoula-mourahaka.blogspot.com/p/blog page_1391.html.
وزارة الشـؤون البلديـة والقرويـة وتدويـر النفايـات ..دليـل التقييـم
استرجعت بتاريـخالبيئـي للمشـاريع البلديـة (1427هــ) ،طُ .1
2014/3/18م مـن موقـع:
archive.basel.int/legalmatters/natleg/.../saudiarabia01.doc.
استرجعت بتاريـخ
ُ وكالـة محايـة البيئـة األمريكيـة ،النفايـات اخلطـرة.
2014/3/20م مـن موقـع:
http://en.wikipedia.org/wiki/Hazardous_Wastes.
استجعت بتاريخ 2014/3/20مويكيبيديا ،املوسـوعة احلرة .وقود حيويُ .
من موقعhttp://ar.wikipedia.org/wiki. :
306
الفصل التاسع
مؤرشات ومعايري قياس التنمية املستدامة
وتطبيقاهتا
املقدمـة
اسـتكامل للموضوعـات التي ُطرحـت يف الفصول السـابقة ،كان البد ً
لنـا من تسـليط الضـوء على مرحلـة تطبيـق األفـكار والنظريـات التنموية
اجلديـدة على أرض الواقـع .وهـذا التطبيـق لـن يكـون لـه أسـاس قـوي
وحمكـم مـا مل تسـبقه مـؤرشات ومعايير تضبط اجتاهاتـه وتشير إىل مكامن
النقـص أو اخللـل يف اخلطـط التنفيذيـة .وكما يقـال يف جمـال اإلدارة «مـا ال
يمكـن قياسـه ال يمكـن إدارته» .وهلذا عملـت املنظامت املحليـة واإلقليمية
والدوليـة على وضع وصناعـة املؤرشات واملعايير التنموية مـن أجل إدارة
تنمويـة مسـتدامة قـادرة عىل معاجلـة املعضلات التنموية.
وسـنحاول يف هـذا الفصـل ،التعـرف على معنـى املعايير واملـؤرشات
اإلنامئيـة وأمهيتهـا ودورهـا يف حتقيـق أهـداف التنميـة املسـتدامة والتعـرف
إىل الفـروق بين مـؤرشات التنميـة التقليديـة ومـؤرشات التنمية املسـتدامة،
واملراحـل التـي مـرت هبـا عمليـة صناعة مـؤرشات التنميـة املسـتدامة حتى
وصلـت إىل مـا هـي عليـه يف وقتنـا احلـايل ،ثـم نعـرج على املنهجيـة التـي
اعتمدهتـا املنظمات الدوليـة ذات العالقـة يف إرسـائها للمـؤرشات واملعايري
التنمويـة املسـتدامة ونقف عنـد اجلهود الدوليـة وف ًقا لتسلسـلها الزمني ،ثم
نـورد األهـداف اإلنامئيـة لأللفية؛ لنسـتطلع مـدى حتققها على أرض الواقع
وحجـم تأثريهـا على املخطـط احلكومـي وفوائدهـا على املسـتوى املحلي
ُعرف بتجربـة منطقتنا العربية فيما يتعلق بتصميمواإلقليمـي والعاملـي .كما ن ِّ
املـؤرشات واملعايير اخلاصة هبـا للتنمية املسـتدامة وجهـود اجلامعـة العربية
309
وتنسـيقها مـع منظمات األمم املتحـدة؛ لنختـم هـذا الفصل باالطلاع عىل
جتربـة اململكـة العربية السـعودية ومـدى نجاحها يف الوصـول إىل األهداف
املرسـومة بحسـب املعايير واملـؤرشات اإلنامئيـة املعتمدة.
310
عم سـبقها مـن مؤرشات وتتميـز مـؤرشات التنمية املسـتدامة احلديثة َّ
التنميـة التقليديـة بأن األخيرة كانت تكتفـي بقياس جانب واحـد فقط من
جوانـب التنميـة ،أال وهو اجلانـب االقتصـادي وما حتقق فيه مـن تطورات
بشـكل مسـتقل عن غريه مـن اجلوانب التنمويـة األخرى .ومما ال شـك فيه
أن هـذا اإلجـراء سـوف يعطينا فكـرة وصورة قـارصة عن الصـورة الكلية
املنشـودة للتنمية كالتـي حتققها املـؤرشات احلديثة للتنمية املسـتدامة؛ حيث
راعـت األبعـاد األساسـية للتنمية ،سـواء أكانـت اقتصاديـة أم اجتامعية أم
بيئيـة مـن دون فصـل بعضهـا عـن بعـض من أجـل الوقـوف على أبعادها
وتأثرياهتـا وعمق التداخلات والتأثريات فيما بينها.
311
مـدى الدمـار الـذي أحلقـه اإلنسـان بكوكـب األرض وبالتـايل بمسـتقبله
ومسـتقبل األجيـال القادمـة يف سـعيه املحمـوم وغير العقالين السـتنزاف
خيرات الطبيعـة ومواردهـا.
يسـتلزم االنتقـال إىل مرحلـة التطبيـق والتنفيـذ وضـع جمموعـة مـن
املقاييـس واملـؤرشات التـي ختربنـا أيـن نحـن اآلن تنمو ًّيـا وبيئ ًّيـا وإىل أين
نريـد أن نصـل بمجتمعاتنـا وبيئاتنـا لكـي يسـهل على أصحـاب العالقـة
ومـن بيدهـم مسـؤولية التخطيط وضـع خمططاهتم اإلستراتيجية الشـاملة
للوصـول إىل التنميـة احلقيقـة وهي التنمية املسـتدامة .ومن أجل التأسـيس
هلـذه املرحلـة ُعقد مؤمتـر األرض بمشـاركة 156دولة وكثري مـن املنظامت
غير احلكوميـة من مجيـع أرجـاء األرض وكان من ثمرات هـذا املؤمتر بداية
ظهـور املـؤرشات واملقاييـس العامليـة ملا بـات ي ُعـرف بالتنمية املسـتدامة.
ويـأيت وضع واسـتخدام مـؤرشات التنميـة املسـتدامة ر ًّدا عىل هاجس
كبير ،هـو احلـرص على أن تكـون القـرارات املتعلقـة بالتنميـة املسـتدامة
مرتكـزة على معلومات صحيحـة ،وناجعـة ،ومالئمة ،ومتاحـة يف اللحظة
املناسـبة .أمـا املـؤرشات املعتـادة مثـل الناتـج املحلي اإلمجـايل وقيـاس
اإليـرادات املختلفـة للمـوارد أو تأثريات التلـوث فال تعكـس ـ إذا ُأخذت
منفـردة ـ مفهـوم االسـتدامة .إن حقيقـة التنميـة املسـتدامة تتجلى وتتضح
يف التفاعلات بين خمتلـف أبعـاد البيئـة ،والسـكان ،واملجتمـع ،والتنميـة
م ًعـا؛ لذلـك يصبـح وضع مـؤرشات للتنميـة املسـتدامة رضور ًّيـا ،وعليها
يمكـن بنـاء قاعـدة ذات فائـدة إلدارة مجيـع جوانـب التنمية املسـتدامة .إن
هـذه البلـورة تسـهم يف حتويـل املعلومـات املتاحـة إىل صيـغ أكثـر قابليـة
لالسـتخدام هبـدف اختـاذ القـرار وإقنـاع مجاعـات املسـتفيدين ،بالتقييامت
العلميـة واالجتامعيـة واالقتصاديـة وبمعلومـات قابلـة لالسـتخدام يف
312
التخطيـط واختـاذ القـرارات (تقريـر األمـم املتحـدة :اللجنـة االقتصاديـة
إلفريقيـا2001 ،م).
ولقـد مـرت هذه املـؤرشات واملقاييـس التـي أصدرهتا األمـم املتحدة
بكثير مـن املحطات وعمليـات التطويـر والتنقيح حتى وصلـت إىل ما هي
عليـه اليـوم ،ولعل أبـرز هذه املحطـات هي:
تقريرا ُسـمي مـؤرش التنمية البرشية
ـ أصـدرت األمم املتحـدة يف عام 1991م ً
يف دول العـامل ،مـن إعـداد عـامل االقتصـاد الباكسـتاين حمبـوب احلـق ،ويقيـم
هـذا املـؤرش جمهـودات التنميـة البرشيـة يف كل دولـة مـن دول العـامل وعرف
هـذا املقيـاس بدليـل التنميـة البرشيـة (Human Development Index
(HDIويتكـون هـذ الدليـل مـن ثالثـة عنارص رئيسـة هـي :مـدة البقاء عىل
قيـد احليـاة واملسـتوى التعليمـي ومسـتوى املعيشـة .وقـد تم تلخيـص هذه
األبعـاد اإلنسـانية الواسـعة ـ ألغراض القيـاس ـ بأدلة ثالثة هـي :دليل توقع
معبرا عنـه بمعـدل مشترك يعكس احليـاة وقـت الـوالدة ،ودليـل التعليـمً ِّ ،
معـدل تعلم البالغين ومعدل االلتحـاق بمراحل التعليم األسـايس والثانوي
برا عنـه بنصيـب الفـرد مـنوالتعليـم العـايل ،ودليـل املسـتوى املعيشي ،مع ً
ً
(حمـول إىل الـدوالر باسـتخدام القـوة الرشائية). الناتـج املحلي اإلمجـايل
ـ ُعقـد عـام 1992م مؤمتـر األمـم املتحـدة املعنـي بالبيئـة والتنميـة (مؤمتـر
قمـة األرض) يف ريـو دي جانيرو ،الربازيـل؛ لريبـط التنميـة االقتصاديـة
واالجتامعيـة بحاميـة البيئـة ويعتمـد جـدول أعامل القـرن احلـادي والعرشين
ومبادئ ريو .ويف العام نفسـه ،أنشـأت اجلمعية العامة جلنة التنمية املسـتدامة؛
لضمان املتابعـة الف ّعالـة لنتائـج مؤمتـر األمـم املتحـدة املعنـي بالبيئـة والتنمية.
ـ وعقـد يف عـام 1994م املؤمتـر العاملـي املعنـي بالتنميـة املسـتدامة للدول
اجلزريـة الصغيرة الناميـة (بريدجتـاون ،بربـادوس) ،واعتمـد برنامـج
313
نـص على إجـراءات وتدابير حمـدّ دة ألغـراض عمـل بربـادوس الـذي ّ
التنميـة املسـتدامة للـدول اجلزريـة الصغيرة الناميـة.
ـ وصـدر يف عـام 1995م دليـل التنميـة االجتامعـي Gender-related
Development Index.GDIواسـتخدم يف حسـابه املتغيرات نفسـها
التـي اسـتُخدمت يف حسـاب دليـل التنميـة البرشيـة ولكـن باختالفـات
بسـيطة يف توقـع احليـاة وقـت الـوالدة واملسـتوى التعليمـي والدخـل
لتعكـس التباينـات بما حققـه الرجـل واملـرأة يف العنـارص الرئيسـة التـي
يتكـون منهـا دليـل التنميـة البرشيـة.
ـ ثـم صـدر يف عـام 1995م مقيـاس متكين النـوع االجتامعـي Gender
،Empowerment Measure.GEMالـذي يعكـس مـدى املسـاواة بني
اجلنسين يف اجلوانب االقتصادية واملشـاركة السياسـية واختـاذ القرارات.
وقـد ُبنـي الدليـل باسـتخدام متغريات اسـتُنبطت بشـكل واضـح لقياس
القوة النسـبية التـي حققها كل من الرجل واملـرأة يف املجاالت االقتصادية
والسياسـية .ويأخـذ املقيـاس باالعتبـار نسـبة النسـاء يف الربملان ،ونسـبة
النسـاء يف املواقـع الوظيفيـة اإلداريـة ،ونصيبهـن النسـبي يف املهـن
املتخصصـة والفنيـة ،باإلضافـة إىل دخلهـن مقارنـة بدخـل الرجال.
ـ عقـدت اجلمعيـة العامـة االسـتثنائية عـام 1997م «مؤمتـر قمـة األرض
»5 +يف نيويـورك ،لتعتمـد برنامـج مواصلـة تنفيـذ جـدول أعمال القرن
احلـادي والعرشيـن بام يشـمل برنامج عمل جلنـة التنمية املسـتدامة للفرتة
مـن 1998م إىل 2002م.
ـ كما تم اسـتحداث دليل الفقر البشري (Human Poverty Index (HPI
يف عـام 1997م .كمقيـاس تلخيصي للحرمـان هبدف الوصـول إىل دليل
314
عـام للتعـرف على الفقـر يف منطقـة مـا .ويركـز الدليـل على احلرمان يف
ثالثـة جوانـب حياتيـة تـم حتديدهـا يف دليـل التنميـة البرشية ،هـي :مدة
احليـاة والتعلـم واملسـتوى املعيشي .ويعكـس الوجـه األول للحرمـان
فرصـة البقـاء على قيد احليـاة من خلال الوفاة يف عمـر مبكر نسـب ًّيا ،بينام
يعكـس الوجـه الثـاين احلرمان مـن املعرفة من خلال االسـتبعاد من عامل
التعلـم واالتصـال والتواصـل ،يف حني يركـز الوجه الثالث مـن احلرمان
على انعـدام مسـتوى معييش مقبـول من خلال التخصيـص االقتصادي
الكيل.
ـ ثـم ُق ِّسـم دليل الفقر البشري يف عام 1998م إىل دليلني ،مهـا :دليل الفقر
البشري األول HPI-1الـذي يسـتخدم لقيـاس مـدى انتشـار ظاهـرة
الفقـر يف الـدول الناميـة ،ودليـل الفقـر الثـاين HPI-2الـذي ُيسـتخدم
لقيـاس الفقـر يف الـدول املتقدمة .وال شـك أن هذه املقاييـس ـ بعضها ال
يـزال ً
جمـال للتطوير والتحسين ـ قد وفـرت إمكانات أكثر عم ًقا لدراسـة
أوضـاع التنميـة البرشيـة مـن خلال توسـيع األبعـاد املتعلقـة باخليارات
والقـدرات البرشيـة مـن جهـة ،واألبعـاد املتعـددة للحرمان والتـي منها
الفقر.
ـ ومـع انعقـاد مؤمتـر القمـة العاملـي للتنميـة املسـتدامة يف جوهانسبرغ،
جنـوب إفريقيـا ،عـام 2002م ،جـرى تقييـم للعقبـات التـي تعترض
سـبيل التقـدم وللنتائـج املحـرزة منـذ انعقـاد مؤمتـر قمـة األرض عـام
1992م ،واعت ُِمـدت خطـة تنفيـذ جوهانسبرغ ،التـي تنـص على اتبـاع
هنـج حمـدد الرؤية يسـعى بخطـوات ملموسـة إىل حتقيق أهـداف وغايات
قابلـة للقيـاس الكمـي ومرتبطـة بجـداول زمنيـة.
إطـارا عامل ًّيـا
ً وأخيرا ظهـرت مـؤرشات األلفيـة الثالثـة التـي أصبحـت
ً ـ
315
لقيـاس التقـدم يف املجـاالت املختلفـة؛ حيـث غطـت هـذه املـؤرشات
عـد ًدا مـن اجلوانـب التـي هلا مسـاس باملسـتوى املعيشي للسـكان .وقد
تضمـن إعلان أهـداف األلفية حتديد إطـار زمني للوصـول إىل األهداف
املرسـومة ،وذلـك بحلـول عـام 2015م .وعليـه فـإن االختلاف بين
دليـل التنمية البرشيـة ومؤرشات أهـداف األلفية هو اختلاف جوهري،
سـواء مـن حيث املـؤرشات املسـتخدمة يف اإلطاريـن أو يف البعـد الزمني
أو يف األهـداف الرئيسـة (صالـح2007 ،م ،ص .)458
316
السـنني يف جمـاالت التنميـة املسـتدامة ومـا إذا كانـت تسير يف الطريـق
الصحيـح أم أهنـا مـا زالـت متباطئـة أو مرتاجعـة.
ً
شـامل ملجـاالت وقـد حـاول القائمـون على هـذا الدليـل أن خيـرج
التنميـة املسـتدامة؛ حيـث تنـاول العنـارص التاليـة:
1 . 3الفقر
تسـتهدف األمـم املتحـدة تضييـق الفجـوة بين األغنيـاء والفقـراء ،هذه
كثيرا على امتـداد التاريخ؛ حيـث كان
الفجـوة التـي عانـت البرشيـة تبعاهتـا ً
حلـم اإلنسـان وال يـزال صناعة عامل مثـايل تتحقق فيه املسـاواة بين بني البرش
مجي ًعـا بعدالـة ومـن دون متييز .ولذلـك ُوضعت جمموعة من املـؤرشات اهلادفة
لقيـاس معضلـة الفقـر التـي تعانيها معظـم دول العامل هبـدف تضييـق الفجوة
بين األغنيـاء والفقـراء ،وذلك عـن طريق قيـاس وحتديـد التايل:
ـ نسبة السكان الذين يعيشون حتت خط الفقر.
ـ نسبة السكان الذين يعيشون عىل أقل من دوالر واحد يف اليوم.
ـ العدالة واملساواة يف الدخل كنسبة حصة الفرد من الدخل القومي.
ـ نسـبة السـكان الذيـن يسـتخدمون مرافـق الصرف الصحـي؛ إذ يذكـر
مديـر برنامـج املياه والرصف الصحـي يف منظمة األمم املتحـدة والطفولة
(اليونيسـيف) ،سـانجاي وجييسـيكريا ،أن ملياريـن ومخسـمئة مليـون
شـخص ال حيصلـون على «خدمـات الصرف الصحـي املحسـنة».
ـ نسبة الذين حيصلون عىل مياه نظيفة.
ـ نسـبة املواطنين الذيـن حيصلـون على الطاقة ،وأنـواع الطاقة املسـتخدمة
لالسـتخدامات املنزلية.
ـ ظروف احلياة ونسبة سكان األحياء الفقرية يف الدولة.
317
2 .3احلوكمة
318
4 . 3التعليم
التعليـم حجـر األسـاس ألي تنميـة حقيقيـة ،وهـو سـبب رئيـس
لتقـدم األمـم وأهـم أسـلحة البرش لتحقيـق النجـاح يف حياهتـم .وإيامنًا من
األمـم املتحـدة بأمهيـة التعليم فقـد تعـددت املبـادرات والقمـم واألجهزة
والفاعليـات اخلاصـة بالتعليـم والتدريـب التي ترعاهـا املنظمـة الدولية يف
نموا،
خمتلـف دول العـامل ،مـع الرتكيـز على الـدول النامية والـدول األقـل ًّ
ويقـاس التعليـم بمـؤرشات كثيرة ،أبرزها:
ـ مسـتوى التعليـم عبر نسـبة القبـول اإلمجاليـة إىل الصـف األخير مـن
التعليـم االبتدائـي ،صـايف معدل االلتحـاق بالتعليـم االبتدائي ،مسـتوى
التحـاق الكبـار بالتعليـم الثانـوي ،توافـر فـرص التعليـم مـدى احليـاة.
ـ معدل قدرة الكبار عىل القراءة والكتابة.
5 .3الرتكيبة السكانية
إن معرفـة نوعيـة السـكان وتركيبتهم ومعـدالت نموهـم وتوزيعاهتم
بين احلرض والريف مطلـب رئيس ألي ختطيـط تنموي تسـعى إليه الدول؛
ولذلـك حرصـت املنظمة الدولية على إدراج هذا البعد املهـم يف مؤرشاهتا،
وتشـمل املؤرشات:
ـ الرتكيبـة السـكانية ،أي :عـدد السـكان ومعدل نموهم ومعـدل اخلصوبة
ونسـب اإلعالة.
ـ نسب أعداد السياح إىل السكان املحليني.
6 . 3األخطار الطبيعية
مـع تزايـد الظواهـر الطبيعية اخلطـرة ،التـي كان لإلنسـان ـ بطريقة أو
بأخـرى ـ دور يف تشـكيلها وزيادة معدالهتا نتيجـة تدخله الضار يف املنظومة
319
البيئيـة ويف إخاللـه بالتـوازن احليـوي لكوكـب األرض ،كان لزا ًمـا عليـه
اليـوم أن يتعامـل بعقالنيـة وبفكـر ومنهـج علمي مـع مسـبباهتا وأرضارها
وسـبل احتوائهـا وحيـاول التقليـل من آثارهـا عليه وعلى البيئـة املحيطة به
ً
ومسـتقبل ،ولذلك شـمل هذا البعـد املـؤرشات التالية: حـارضا
ً
ـ قياس نسبة السكان الذين يتعرضون للمخاطر الطبيعية.
ـ مـدى اسـتعداد األجهـزة املعنيـة ملواجهـة الكـوارث الطبيعيـة والتعامـل
معها .
ـ اخلسـائر املسـجلة نتيجـة التعـرض لألخطـار البيئيـة ،سـواء أكانـت هذه
اخلسـائر برشيـة أم مادية.
7 .3الغالف اجلوي
لقـد أفسـد اإلنسـان هـواءه الـذي يتنفسـه ،يف سـعيه املحمـوم لزيـادة
دخلـه االقتصـادي ،ما تسـبب فيام يعانيـه اليوم مـن تغريات مناخيـة من هواء
ملـوث مليء بالسـموم وتدمري هائـل لطبقـة األوزون التي حتميه من األشـعة
الكونيـة الضـارة ..ومـن أجـل حماولـة السـيطرة على هـذه األخطـار املدمرة
حـاول القائمـون على هـذا الدليـل وضـع مـؤرشات تركز عىل مـا ييل:
ـ قيـاس ظاهـرة التغير املناخي عبر قياس نسـبة انبعاثات غاز ثاين أكسـيد
الكربون.
ـ قياس استنزاف طبقة األوزون.
ـ نسبة االنبعاثات الضارة بجودة اهلواء.
ـ مدى تركز ملوثات اهلواء يف احلوارض.
320
8 .3األرض
األرض هـي مصـدر اخلير والنماء واحليـاة ومصـدر النعـم العظيمـة
التـي يتمتـع هبا اإلنسـان منذ خلقـه اهلل عليها ،وهـي حتتاج اليـوم إىل اهتامم
بالـغ يف حماولـة إنقاذهـا مـن حجـم الدمـار اهلائـل الـذي أحلقـه بمكوناهتا
وتركيبتهـا ،ويف هـذا الدليـل مـؤرشات تركـز وتعنـى بالتايل:
ـ مدى صالحية األرايض واستخداماهتا.
ـ حجم تعرضها لظاهرة التصحر.
ـ الشؤون الزراعية واستخدامات األسمدة واملبيدات احلرشية.
ـ قياس التوجه للزراعة العضوية.
ـ مساحة الغابات ونوعيتها ومحايتها وإدارهتا.
9 .3البحار واملحيطات والشواطئ
يتكـون ثلثـا حجـم األرض مـن املحيطـات والبحـار ،باإلضافـة إىل أن
ثلـث سـكان العـامل يعيشـون يف مناطق سـاحلية ،فالبـد إذن من حجـم اهتامم
يـوازي هـذه األمهية؛ لذلـك هتدف املـؤرشات يف هذا اجلانـب إىل الرتكيز عىل:
ـ قياسات املناطق الساحلية وعدد من يسكنها نسبة إىل إمجايل السكان.
ـ الثروة السمكية املتوافرة.
ـ مـدى سلامة البيئـة البحرية ومكوناهتـا يف املياه السـاحلية واملحافظة عىل
تنوعها وثرائها.
10 . 3املياه العذبة
ومـع تعـذر وجـود حيـاة مـن دون ميـاه ،فهـي عصبهـا ،إال أهنـا أكثر
تعرضـا للتلـوث .وقد أشـار أحـدث تقارير «اليونيسـيف» ً عنـارص احليـاة
321
إىل أن %11مـن سـكان العـامل ،أي نحـو 783مليون شـخص ،ال حيصلون
على امليـاه النظيفـة ،ويتم قيـاس عنرص امليـاه العذبـة وتوافرها عبر ما ييل:
ـ كميـة امليـاه املسـتخدمة ونسـبتها املئوية من إمجـايل الثروة املائيـة املتوافرة،
وكثافة اسـتخدام املياه حسـب النشـاط االقتصادي.
ـ جـودة امليـاه وخلوهـا مـن امللوثـات العضوية ،ومـدى التقـدم يف معاجلة
ميـاه الصرف الصحـي التي تقـوم هبـا الدولة.
11 .3التنوع األحيائي
فاحلفـاظ على التنـوع األحيائـي لكوكـب األرض واجـب أخالقـي عىل
اإلنسـان الـذي ـ بحسـب تقريـر األمـم املتحـدة املسـمى «نظـرة على التنـوع
البيولوجـي العاملـي» ـ تسـبب يف نتائـج مدمـرة؛ حيـث يقـول التقريـر« :نحـن
مسـؤولون حال ًّيـا عـن سـادس أكبر حـاالت االنقـراض يف تاريـخ الكـرة
األرضيـة ،واألكبر منـذ انقـراض الديناصـورات قبـل 65مليـون عـام».
واحلفـاظ على التنـوع األحيائـي هـو يف احلقيقـة حتـدٍّ هيـدد وجـود اإلنسـان
أساسـا؛ حيث ال يمكن اسـتمرار احلياة مـن دون اكتامل الـدورة الطبيعية ،وأي
ً
خلـل سـوف يـؤدي إىل توقفهـا ،وبالتايل توقـف احليـاة برمتها .مـن أجل ذلك
حـرص القائمـون على الدليـل أن يشـمل مـؤرشات تعنـى وتركز عىل مـا ييل:
ـ النظام البيئي ومدى االهتامم بإنشاء وإدارة املحميات الطبيعية.
ـ املحافظة عىل التنوع البيولوجي ومحاية األنواع املهددة باالنقراض.
12 . 3التنمية االقتصادية
وهـي أقـدم أنـواع التنميـة املعروفـة وعمودهـا احلقيقي ،ولكـن ُينظر
إليهـا اليـوم بنظـرة جديـدة وخمتلفة يف هـذا الدليل؛ فزيـادة الدخـل والنمو
322
أثبـت التاريـخ أهنـا مـن املعايير القـارصة يف حتقيـق التنميـة احلقيقيـة التي
ينشـدها اإلنسـان؛ لـذا يتم الرتكيـز يف هـذا اجلانب عىل كثري مـن املؤرشات
املتنوعـة مثل:
ـ نسبة إسهام الفرد يف الناتج املحيل اإلمجايل.
ـ قياس التوجه لالدخار.
ـ حصة االستثامر من الناتج اإلمجايل.
ـ معدالت التضخم املسجلة سنو ًّيا.
ـ نسبة الدين العام إىل إمجايل الدخل القومي.
ـ نسـبة القـوى العاملـة إىل إمجـايل السـكان ومـا يتبعها من مـؤرشات مهمة
مثـل نسـب اإلعالة ونسـب اإلنتاجيـة وعاملة املـرأة واضطهـاد العاملة.
ـ قيـاس التطـور يف تقنيـة املعلومـات واالتصـاالت عبر حتديـد عـدد
مسـتخدمي شـبكة اإلنرتنـت واهلاتـف اجلـوال.
ـ قيـاس نسـبة اإلنفـاق على البحـث العلمـي يف الدولة من إمجـايل اإلنفاق
العام.
ـ مسامهة القطاع السياحي يف الناتج املحيل اإلمجايل.
323
للدولـة وصـايف تدفقات االسـتثامر األجنبي الـوارد للدولة.
ـ التمويـل اخلارجـي الـذي حتصل عليه الدولـة ونسـبته إىل الدخل القومي
وأيضا قياس نسـبة التحويلات إىل إمجايل الدخـل القومي.
اإلمجـايلً ،
14 .3أنامط االستهالك واإلنتاج
عما نعانيـه اليـوم مـن
هـذه األنماط يمكـن اعتبارهـا املسـؤول األول َّ
اختلاالت تنمويـة وبيئيـة مدمـرة ،ويركز الدليـل يف هذا اجلانب على ما ييل:
ـ قياس استخدامات الطاقة السنوي ،وحصة الطاقة املستدامة منها.
ـ استهالك اخلامات.
ـ توليد النفايات ومعاجلتها وإدارهتا.
ـ نوعية وسـائل النقـل املتوافرة للركاب والبضائع ومدى كفاية اسـتهالكها
للوقود.
وال شـك يف أن إعداد هـذه التقارير يتطلب جهـو ًدا كبرية من املنظامت
احلكوميـة كافـة ،التي جيـب أن تعمل بشـكل متناغم ومتناسـق مـع بعضها
البعـض يف توفير البيانـات اخلـام التـي مـن خالهلـا تتـم صياغـة التقريـر،
وبالتـايل مسـاعدة األجهزة املحليـة واملنظامت الدولية يف رسـم السياسـات
واخلطـط التنمويـة املختلفة.
324
اإلنامئـي ( )UNDPالذي تأسـس سـنة 1966م ،وهذا الربنامـج يعمل عىل
مسـاعدة الـدول يف إجيـاد وتبـادل احللول اخلاصـة هبا يف املجـاالت األربعة
الرئيسـة التـي ُيعنـى هبـا الربنامـج ،وهـي :احلكـم الديمقراطـي ،مكافحة
الفقـر ،اإلنعـاش ومنع األزمـات ،البيئة والطاقـة .وال يغفـل التقرير قضايا
تنمويـة أخـرى ذات أولويـة مثل :مكافحة فيروس نقص املناعة املكتسـب
(اإليـدز) ،املسـاواة بني اجلنسين ،محاية حقوق اإلنسـان ،حتقيـق األهداف
اإلنامئيـة لأللفيـة الثالثة.
ويتضمـن تقريـر التنميـة البرشيـة (لسـنة 2013م) الذي شـمل 187
وإقليما ،مخسـة فصول رئيسـة هي:ً بلـدً ا
١ـ حالة التنمية البرشية.
٢ـ اجلنوب يف قلب العامل.
٣ـ قيادة التحوالت التنموية.
٤ـ املحافظة عىل الزخم.
٥ـ احلكم والرشاكة يف عرص جديد.
كما أشـار تقريـر التنميـة البرشيـة احلـايل (لسـنة 2013م) إىل أن مجيـع
البلـدان حققـت ،يف العقـد املايض ،إنجـازات متسـارعة يف التعليـم والصحة
والدخـل ،حسـب مقاييس دليـل التنميـة البرشية ،كام سـجلت البلـدان ذات
التنميـة البرشيـة املتدنيـة تقدّ ًمـا رسي ًعـا ،أسـهم يف حتقيـق تقـارب يف أرقـام
الدليـل بين خمتلـف بلـدان العـامل ،مـع ّ
أن التقـدم كان متفاوتًا ضمـن مناطق
الدليـل وفيما بينها.
وحسـب التوقعات التي يتضمنهـا هذا التقرير ،سـتتمكن ثالث دول،
هـي الربازيـل والصين واهلنـد ،بحلـول عـام 2020م مـن جتـاوز جممـوع
325
إنتـاج أملانيـا وإيطاليا وفرنسـا وكنـدا واململكـة املتحدة والواليـات املتحدة
األمريكيـة .وينبـه التقريـر إىل أن النمـو االقتصـادي وحـده ال حيقـق تقدّ ًما
تلقائ ًّيـا يف التنميـة البرشيـة؛ فالسياسـات التنمويـة احلقيقيـة التـي ينبغي أن
تُنتهـج تقـوم على حماربـة الفقـر واالسـتثامر يف إمكانـات األفـراد ،بالرتكيز
على الرفـع مـن مسـتويات التعليـم والتغذيـة والصحـة والدخل ،بشـكل
متسـاو وعـادل بين مجيـع األفـراد؛ لـذا يقترح أربعة جمـاالت لالسـتمرار ٍ
بزخـم التقـدم اإلنامئـي ،هـي :املسـاواة بين اجلنسين ،وإعلاء صـوت
الشـباب واملواطنين عمو ًمـا ومتكينهم مـن املشـاركة ،ومواجهـة الضغوط
التغيرات الديموغرافية.
ّ البيئيـة ،ومعاجلـة
وجيـدر بالذكـر ،أن برنامـج األمـم املتحـدة يف تقريره السـنوي يصنف
الدول بحسـب مـؤرش يرتاوح بني صفر و ،1وينقسـم إىل ثالثة مسـتويات:
ـ مستوى ٍ
عال من التنمية البرشية 0.84 :فأكثر.
ـ مستوى متوسط من التنمية البرشية :بني 0.5و.0.77
ـ مستوى ضعيف من التنمية البرشية :أقل من .0.5
وعلى هـذا التصنيـف ،تـم تقسـيم دول العـامل يف تقرير األمـم املتحدة
اإلنامئـي لعـام 2013م على النحـو التايل:
ـ 47دولة يف املستوى العايل جدًّ ا عىل مقاييس التنمية البرشية.
ـ 47دولة يف املستوى العايل عىل مقاييس التنمية البرشية.
ـ 47دولة يف املستوى املتوسط عىل مقاييس التنمية البرشية.
ـ 44دولة ضعيفة النمو عىل مقاييس التنمية البرشية.
326
.5مـؤرشات ومعايير األهـداف اإلنامئيـة لأللفيـة
املسـتهدفة واملتحققـة
عملـت منظمـة األمم املتحـدة وأجهزهتا مع حكومـات دول العامل من
أجـل حتقيق التنمية املسـتدامة لكل البشر يف خمتلف أنحاء العـامل ومن أجل
هـذا اهلـدف ،فقـد حشـدت جهودهـا وطاقاهتـا العتماد مـا أصبـح ُيعرف
بـ«األهـداف اإلنامئيـة لأللفيـة» .ومتثـل األهـداف اإلنامئيـة لأللفيـة أنجح
مسـعى عاملـي يف التاريـخ ُّاتذ ملكافحـة الفقر .لقـد ُأحرز تقـدّ م مهم وكبري
يف حتقيـق كثير مـن الغايـات ،ومنهـا :خفض عـدد الذيـن يعيشـون يف فقر
مدقع ،ونسـبة األشـخاص الذين ال يمكنهم الوصول بصورة مسـتدامة إىل
حمسـنة ،إىل النصف .وشـهدت نسـبة سـكان األحيـاء الفقرية يف مياه رشب ّ
كبريا .وحت ّققت مكاسـب كبيرة يف مكافحة املالرياانخفاضا ً
ً املـدن الكبيرة
والسـل .وكانـت هنـاك حتسـينات ملموسـة يف مجيـع املجـاالت الصحيـة،
فضل عـن التعليـم االبتدائي.ً
وإيضاحـا للمنجـز مـن هـذه األهـداف؛ فـإن املنظمـة الدوليـة تصدر
ً
تقريـرا يبين املراحـل التـي تـم الوصـول إليهـا وحجـم اإلنجـاز
ً سـنو ًّيا
املتحقـق ،ومما جـاء يف تقرير «األهـداف اإلنامئية لأللفيـة2013 ،م» ما ييل:
اهلدف األول «ختفيض معدالت اجلوع والفقر»
انخفضـت معدالت الفقـر إىل النصف ،وكان عدد األشـخاص الذين
عاشـوا يف ظـروف مـن الفقـر املدقـع ،يف عـام 2010م ،يقل بحـوايل 700
مليـون شـخص عما كان عليـه يف عـام 1990م .إال أن األزمـة االقتصادية
وسـعت الفجـوة العاملية يف الوظائـف بمقدار 67مليون شـخص. واملاليـة ّ
327
و %60مـن هـؤالء يف العـامل النامـي ال يزالـون يكسـبون أقـل مـن أربعـة
دوالرات يف اليـوم وال يـزال هنـاك شـخص واحد من كل ثامنية أشـخاص
يبيـت ليلـه جائ ًعا على الرغم من التقـدّ م الكبري الذي ُأحـرز يف هذا الصدد.
وعلى الصعيـد العاملـي ،هناك طفل واحـد تقري ًبا مـن كل سـتة أطفال دون
سـن اخلامسـة يعاين نقص الوزن ،وطفـل واحد من كل أربعـة أطفال يعاين
التقـزم .كما تشير التقديـرات إىل أن مـا يقدّ ر بنحـو ٪7من األطفـال دون
سـن اخلامسـة يف مجيـع أنحاء العـامل يعانـون اآلن زيادة الـوزن ،وهو جانب
آخـر مـن جوانب سـوء التغذيـة ويعيش ربـع هـؤالء األطفـال يف إفريقيا ـ
جنـوب الصحـراء الكبرى .أما األهـداف املرسـومة يف هـذا اجلانب فهي:
1ـ ختفيض نسـبة السـكان الذين ّ
يقـل دخلهم اليومي عـن دوالر واحد إىل
النصـف يف الفرتة ما بين 1990م و2015م.
2ـ توفير العاملـة الكاملـة واملنتجـة والعمـل الالئـق للجميـع ،بمـن فيهم
النسـاء والشباب.
3ـ ختفيـض نسـبة السـكان الذيـن يعانـون اجلـوع إىل النصـف يف الفرتة ما
بين 1990م و2015م.
وال يـزال هـذا اهلـدف يبدو بعيـد املنـال يف الوقت احلايل؛ حيث تشير
كثيرا من اجلهـود التي ينبغـي أن تُبذل
ً أكثـر التقاريـر التنمويـة إىل أن هناك
لتحقيق هـذا اهلدف.
اهلدف الثاين «تعميم التعليم االبتدائي»
كان هنـاك 57مليـون طفـل يف سـن االلتحـاق بالتعليـم االبتدائـي
خـارج املـدارس يف عـام 2011م بعـد أن كان هـذا العـدد قـد بلـغ 102
328
مليـون طفـل يف عـام 2000م ،ويعيـش أكثر مـن نصف هـؤالء األطفال ـ
غير امللتحقين باملـدارس ـ يف إفريقيـا جنـوب الصحـراء الكبرى.
وعلى الصعيـد العاملـي ،يفتقـر 123مليـون شـاب ـ ممـن تتراوح
أعامرهـم بين 15و 24عا ًمـا ـ إىل مهـارات القـراءة والكتابـة األساسـية؛
وتشـكّل الفتيـات %61مـن هـؤالء.
أمـا املسـتهدف يف هـذا املجال فقـد كان إجيـاد كفالة متكِّـن األطفال يف
كل مـكان ،سـواء الذكـور أو اإلنـاث ،من إمتام مرحلـة التعليـم االبتدائي،
بحلول عـام 2015م.
اهلدف الثالث «تعزيز املساواة بني اجلنسني ومتكني املرأة»
املسـاواة بين اجلنسين هـي أقـرب مـا تكـون إىل التحقيـق يف التعليـم
االبتدائـي؛ ومـع ذلـك مل حي ّقق هذا اهلـدف ،يف مجيع مراحل التعليم ،سـوى
بلديـن اثنين مـن 130بلـدً ا .على الصعيـد العاملـي تشـغل النسـاء 40إىل
100فرصـة عمـل لقـاء أجـر يف القطاعـات غير الزراعيـة .ويف 31ينايـر
2013م ،كان متوسـط نسـبة النسـاء األعضـاء يف الربملانـات يف مجيع أنحاء
العـامل يزيـد ً
قليل على .٪20
أمـا املسـتهدَ ف يف هـذا املجال فقـد كان إزالة التفاوت بني اجلنسين يف
اعتبـارا من عـام 2005م ويف مجيـع املراحل
ً التعليـم االبتدائـي والثانـوي،
يف عام 2015م.
اهلدف الرابع «تقليل وفيات األطفال»
انخفـض معـدّ ل وفيات األطفـال منذ عـام 1990م بنسـبة ،%41أي
أن عـدد األطفـال الذيـن يموتـون ّ
يقـل بمقـدار 14.000طفـل كل يوم.
329
ومـع ذلـك ،ففـي عام 2011تـويف 6.9ماليني طفل دون سـن اخلامسـة،
معظمهـم نتيجـة أمـراض يمكـن الوقايـة منهـا .ويف إفريقيـا ـ جنـوب
الصحـراء الكبرى ـ يمـوت طفـل واحـد مـن كل 9أطفـال قبـل أن يبلـغ
سـ ّن اخلامسـة ،أي بام يزيـد 16مرة على املتوسـط مقارنة باملناطـق متقدّ مة
النمـو؛ بفضـل اللقاحـات املضـا ّدة للحصبة ،وتـم جتنّب وقـوع 10ماليني
حالـة وفـاة منذ عـام 2000م.
أما املسـتهدف يف هذا املجـال فقد كان ختفيض معـدّ ل وفيات األطفال
دون سـن اخلامسـة إىل ال ُثلثني يف الفرتة من ١٩٩٠م إىل 2015م.
اهلدف اخلامس «حتسني الصحة النفاسية»
يف رشق وجنـوب آسـيا وشمال أفريقيـا ،انخفـض معـدّ ل الوفيـات
النفاسـية بحـوايل الثلثين .ويف املناطـق الناميـة ال حيصـل سـوى نصـف
النسـاء احلوامـل عىل احلـد األدنى املوىص بـه من زيـارات املتابعـة؛ لتقديم
الرعايـة يف الفترة السـابقة للوالدة ،وهـو أربع زيارات .وهنـاك نحو 140
مليـون امـرأة يف مجيـع أنحـاء العامل ُيعلـ ّن عن رغبتهـن يف تأجيـل احلمل أو
تفاديـه ،وإن كـ ّن ال يسـتخدمن وسـائل منـع احلمـل .ومـا يقـرب من 50
مليـون امـرأة يف مجيـع أنحـاء العـامل مازلـن يلـدن وحدهـن بغيـاب رعايـة
ماهرة.
أمـا املسـتهدف يف هـذا املجـال فقـد كان ختفيـض معـدّ ل الوفيـات
النفاسـية بمقـدار ثالثـة أربـاع ،يف الفترة بين ١٩٩٠م و2015م ،وتعميم
إتاحـة خدمـات الصحـة اإلنجابيـة بحلـول عـام ٢٠١٥م.
330
اهلدف السادس «مكافحة فريوس نقص املناعة البرشية (اإليدز)
واملالريا وغريمها من األمراض»
يف عـام 2011م ،قـل عـدد األطفـال دون سـن الــ 15الذيـن أصيبوا
عما كان عليه يف
بفيروس نقـص املناعة املكتسـبة بمقـدار 230ألـف طفل َّ
عالجا
ً عـام ،2001يف هناية عام 2011م كان ثامنية ماليني شـخص يتل ّقون
تم
مـن فيروس نقـص املناعة املكتسـبة .يف العقـد الذي بـدأ بعـام َّ ،2000
تفـادي وقـوع 1.1مليـون وفاة من املالريـا .أن َقذ عالج اإلصابات بالسـل
حيـاة نحـو 20مليون شـخص بني عامـي 1995م و2011م.
أما املستهدف يف هذا املجال فهو ما ييل:
1ـ وقـف انتشـار فيروس نقـص املناعـة البرشيـة (اإليـدز) بحلـول عـام
اعتبـارا مـن ذلـك التاريـخ.
ً 2015م وبـدء انحسـاره
2ـ تعميـم إتاحـة العلاج مـن فيروس نقـص املناعـة املكتسـبة (اإليـدز)
بحلـول عـام 2010م جلميـع مـن حيتاجونـه.
3ـ وقـف انتشـار املالريـا وغريهـا مـن األمـراض الرئيسـة بحلـول هـذا
اعتبـارا مـن ذلـك التاريـخ.
ً العـام 2015م وبـدء انحسـارها
اهلدف السابع «كفالة االستدامة البيئية»
زادت انبعاثـات غـازات الدفيئـة منـذ عـام 1990م ،بنسـبة تزيد عىل
،%43وقـد تـم اسـتنفاد مـا يقرب مـن ثلـث األرصـدة السـمكية البحرية
ٍ
بشـكل مفـرط وهناك كثير من األجنـاس املهـدّ دة باالنقراض على الرغم
مـن حـدوث زيـادة يف املناطـق املحميـة ،وبلـغ عـدد الذيـن تيسرت هلـم
حمسـنة مـا يربو عىل
إمكانـات الوصـول إىل مصـادر ميـاه ومرافـق صحيـة ّ
2.1بليـون و 1.9بليـون شـخص عىل التـوايل ،منذ عام 1990م .وتشير
331
التقديـرات إىل أن 863مليـون شـخص يعيشـون يف أحيـاء فقيرة يف العامل
النامي.
أما املستهدف يف هذا املجال فهو ما ييل:
1ـ إدمـاج مبـادئ التنميـة املسـتدامة يف السياسـات والربامـج القطريـة
وانحسـار فقـدان املـوارد البيئيـة.
2ـ احلـدّ بقـدر ملمـوس من معـدّ ل فقدان التنـوع البيولوجـي بحلول عام
2010م.
3ـ ختفيـض نسـبة األشـخاص الذيـن ال يمكنهـم احلصـول باسـتمرار
على ميـاه الشرب املأمونة وخدمـات الصرف الصحي األساسـية إىل
النصـف بحلـول عـام 2015م.
4ـ حتقيـق حتسين كبير بحلـول عـام 2020م ملعيشـة ما ال يقـل عن 100
مليـون من سـكان األحيـاء الفقرية.
اهلدف الثامن «إقامة رشاكة عاملية من أجل التنمية املستدامة»
بلغت املسـاعدة اإلنامئية الرسـمية 126بليـون دوالر يف عام 2012م،
نمـوا تدخل البلـدان متقدّ مة النمو
كما أن %83مـن صادرات أقـل البلدان ًّ
تسـتهلك خدمـة ديـون البلـدان الناميـة إالِ مـن دون رسـوم مجركيـة ،وال
%3مـن عائداهتـا من الصـادرات يف العـامل النامـي ،بينام %31من السـكان
يسـتخدمون اإلنرتنـت ،مقابـل % 77يف العامل متقـدّ م النمو.
أما املستهدف يف هذا املجال فهو ما ييل:
نموا والبلـدان النامية غري
1ـ معاجلـة االحتياجـات اخلاصـة ألقل البلـدان ًّ
السـاحلية والدول اجلزرية الصغيرة النامية.
332
2ـ املضي يف إقامـة نظـام جتـاري ومايل يتَّسـم باالنفتـاح والتق ّيـد بالقواعد
والقابليـة للتنبـؤ به وعـدم التمييز.
3ـ املعاجلة الشاملة ملشكالت ديون البلدان النامية.
4ـ التعـاون مـع القطـاع اخلـاص إلتاحـة فوائـد التكنولوجيـا اجلديـدة،
وبخاصـة تكنولوجيـا املعلومـات واالتصـاالت.
333
هـذا باإلضافـة إىل عقـد جمموعة عمـل لتقويم خمرجـات ما سـبق أن تم من
أنشـطة حول مـؤرشات البيئـة والتنمية املسـتدامة وحتديد حزمـة املؤرشات
ذات األولويـة للقطاعـات املختلفـة (املكتـب العـريب للشـباب والبيئة).
كبريا أمـام صناع
وال شـك أن اعتماد املـؤرشات العامليـة يمثـل حتد ًيـا ً
القـرار يف مجيـع دول العـامل العـريب ،ولوصـف حالـة هـذه الـدول جـاء يف
صـدر تقريـر التنميـة اإلنسـانية العربيـة الصادر عـن برنامج األمـم املتحدة
اإلنامئـي اإليضاح التـايل :تواجـه املنطقة العربيـة ،وراء األحـداث اليومية،
رئيسـا حتتـاج فيـه إىل تقييـم مسـتقل؛ حيـث إن التشـخيص مفترق طـرق ً
الدقيـق ألي مشـكلة هو جـزء مهم من حلهـا ..ومن هنا فإن غنـى التحليل
املوضوعـي وغير املتحيـز الذي حيتويـه تقرير التنميـة اإلنسـانية العربية هو
جـزء من إسـهامنا للشـعوب العربية وصانعي السياسـة العـرب يف البحث
عن مسـتقبل أكثـر إرشا ًقا.
ملموسـا يف كثري
ً تطورا
ً وعلى الرغـم من إحراز معظـم الدول العربيـة
مـن نواحـي التنميـة اإلنسـانية ،ومتكنهـا مـن ختفيـض معـدل الفقـر وعدم
املسـاواة بشـكل كبير يف القـرن العرشيـن ،وقدرهتـا على حتقيق ذلـك مرة
أخـرى يف القـرن احلـادي والعرشين ،فإهنـا مل تتطور بالرسعـة التي تطورت
هبـا مناطـق أخـرى ،ويعـود ذلـك بشـكل رئيـس الفتقـار املؤسسـات
احلكوميـة للشـفافية واملسـاءلة .كذلـك نجـد أن مشـاركة املـرأة يف العمـل
واحليـاة السياسـية واملهنيـة أقـل ممـا هي عليـه يف بلـدان العـامل األخرى.
ونتيجـة جلهود الـدول العربية وسـعيها للنهـوض بمجتمعاهتـا وإيامنًا
مـن مسـؤوليها بأمهيـة السـعي اجلـاد نحو حتقيـق تنمية مسـتدامة واسـتنا ًدا
إىل قـرار جملـس الـوزراء العـرب املعنـي بالبيئـة وإنشـاء مـؤرشات التنمية
334
املسـتدامة يف الـدول العربيـة عـام 2004م ،اجتمـع اخلبراء العـرب يف
القاهـرة عـام 2005م لوضع حزمـة مؤرشات البيئـة والتنمية املسـتدامة يف
مقـر األمانـة العامـة جلامعـة الـدول العربية.
وثمـر ًة للتعاون والتنسـيق بني اجلامعـة العربية ومنظمـة األمم املتحدة
فقـد ظهرت وثيقة أممية يف سـبتمرب عـام 2013م بعنوان «مـؤرشات التنمية
املسـتدامة يف املنطقـة العربية وربطهـا بأهداف التنمية املسـتدامة العاملية».
وباسـتعراض أبـرز مـا جـاء يف هـذه الوثيقة ،نجـد أنه يف عـام 2012م
تـم وضـع املبـادئ التوجيهيـة واملنهجيـات ملـؤرشات التنميـة املسـتدامة
للمنطقـة العربيـة ،مؤلفـة مـن 3فئـات أساسـية (املـؤرشات االجتامعيـة،
املـؤرشات البيئيـة ،املـؤرشات االقتصاديـة) .واختتمـت الوثيقـة باملالحظة
التاليـة« :تـم اإلمجـاع على صعوبـة جتميع ونشر هـذا العدد مـن املؤرشات
سـنو ًّيا ،فتم االتفاق والتشـاور خلال االجتامع الثـاين لفريـق العمل العريب
مـؤرشا ليتم
ً املعنـي بالبيئـة والتنميـة املسـتدامة يف نوفمبر 2012م على 44
إرسـاهلا سـنو ًّيا إىل جامعـة الـدول العربية».
وقـد علـق برنامـج األمـم املتحـدة اإلنامئـي يف الـدول العربيـة على
اجلهـود العربيـة التنمويـة بالنقـاط التاليـة:
ـ إن البلـدان العربيـة تسير عىل املسـار الصحيح فيام يتعلق بتخفيض نسـبة
من يعيشـون عىل أقل مـن 1.25دوالر يف اليـوم إىل النصف.
ـ فيما يتعلـق بتحقيـق هـدف التعليـم االبتدائـي الشـامل ،شـهدت املنطقة
العربيـة حتسـنًا يف صـايف معـدالت االلتحـاق باملـدارس ومعـدالت حمـو
أميـة الفتيـان والفتيـات والشـباب الذيـن تتراوح أعامرهم بين 15و24
سـنة واملسـاواة بين اجلنسين يف التعليـم االبتدائي.
335
ـ تظـل مشـاركة املـرأة االقتصاديـة والسياسـية حمـدودة جـدًّ ا يف املنطقـة
العربيـة.
ـ انخفـض معـدل وفيـات األطفال دون سـن اخلامسـة بمقـدار النصف يف
املنطقـة العربيـة خالل الفترة مـن 1990م إىل 2008م.
ـ توجـد تباينـات كبيرة يف ختفيـض معـدالت وفيـات األمهات بين بلدان
املنطقـة؛ حيـث تتراوح بين مسـتويات دون 10وفيات لـكل 100ألف
مولـود حـي يف بعـض البلـدان اخلليجيـة ونحـو 1600وفاة لـكل 100
ألـف مولـود حـي يف الصومال.
ـ ال تسـهم املنطقـة العربيـة ككل إال بما يقـل عـن ٪5مـن انبعاثـات ثـاين
أكسـيد الكربـون على مسـتوى العـامل ،لكن آثـار تغير املناخ على املنطقة
موضـع قلق كبري بالنسـبة لواضعي السياسـات الذين يدركـون أن املنطقة
العربية سـتتأثر سـل ًبا بتغير املناخ.
نسـتطيع ممـا تقدم تلمـس اجلهود التـي تبذهلا الـدول العربيـة يف حتقيق
التنميـة املسـتدامة لشـعوهبا وللعـامل أمجـع ،وذلـك بالتنسـيق مـع املنظامت
الدوليـة املتخصصـة .ولإلحاطـة بشيء مـن هـذه اجلهـود سـوف نتنـاول
جتربـة اململكـة العربيـة السـعودية يف هـذا املجـال يف الصفحـات التاليـة.
336
التـي قامـت بإعـداد التقاريـر السـنوية بالتعـاون الوثيـق مـع األجهـزة
أيضـا مـع الربنامـج اإلنامئي لألمـم املتحدة.
احلكوميـة املعنيـة ،وبالتعـاون ً
ويرصـد هـذا التقريـر التقـدم الـذي أحرزتـه اململكـة العربية السـعودية يف
حتقيـق األهـداف التنمويـة لأللفيـة على أربعة مسـتويات:
املسـتوى األول :التطـور يف البيئـة املعلوماتية ،وما يمكنه مـن ترسيع حتقيق
األهـداف التنمويـة لأللفيـة ،مـن خلال التوسـع الكبير يف قواعد
املعلومات.
املسـتوى الثـاين :التكامل التنموي بين األهداف التنمويـة لأللفية والتنمية
املسـتدامة ،ويتحقـق ذلـك مـن خلال خطـط التنميـة عمو ًمـا،
واخلطتين الثامنـة والتاسـعة على وجـه اخلصـوص.
املسـتوى الثالـث :اجلهـد الـدؤوب نحـو حتقيـق ـ بـل جتـاوز ـ األهـداف
املعتمـدة قبـل حلـول املوعـد الزمنـي املحـدد لتحقيقهـا مـن قبـل
األمـم املتحـدة.
دعم
املسـتوى الرابـع :التطور يف املسـاعدات اإلنامئيـة التي تقدمهـا اململكة ً
لتحقيـق األهداف التنمويـة لأللفية يف الـدول النامية.
وتشـكل خطـط التنمية للمملكـة حجر الزاويـة هلذه املسـاعي؛ حيث
إهنـا تعنـى بالعمـل على ترسـيخ هـذه املسـتويات األربعـة ،ليـس فقـط
مـن خلال بلـورة الرؤيـة اإلستراتيجية وحشـد املـوارد البرشيـة واملاليـة
أيضا مـن خالل وتوجيههـا نحـو حتقيـق األهـداف التنمويـة لأللفيـة ،بـل ً
حتقيـق التوافـق والرشاكـة بني اجلهديـن الوطنـي والعاملي يف خدمـة التنمية
الدوليـة والسلام العاملي.
ويتبين من متابعـة تنفيذ األهـداف التنموية لأللفيـة أن اململكة العربية
337
السـعودية قـد جتـاوزت السـقوف املعتمـدة إلنجـاز كثير مـن األهـداف
املحـددة ،كما أهنا على طريق حتقيق عـدد آخر منهـا قبل املواعيـد املقرتحة،
بحلـول هـذا العـام 2015م حسـبام توضـح مـؤرشات النمـو احلاليـة،
وذلـك بحسـب تقريـر التنميـة عـام 2013م الصـادر مـن وزارة االقتصاد
والتخطيط السـعودية.
وجيـدر بالذكـر يف هذا السـياق أن اململكة قـد حققت نتائـج جيدة فيام
يتعلـق باألهداف املحـددة التالية:
ـ القضاء عىل الفقر املدقع.
ـ ضامن حصول مجيع األطفال من البنني والبنات عىل التعليم االبتدائي.
ـ إزالـة الفـوارق بني اجلنسين يف مجيع مراحـل التعليم االبتدائي واملتوسـط
والثانـوي واجلامعي.
ـ ختفيض وفيات األطفال دون اخلامسة من العمر.
ـ تعميم إتاحة خدمات الصحة اإلنجابية.
ـ ختفيض معدل وفيات األمهات يف أثناء الوالدة.
ـ ختفيض معدالت انتشار فريوس نقص املناعة البرشية املكتسب.
ـ تعميـم إتاحـة العلاج مـن فيروس نقـص املناعـة البرشيـة املكتسـب
(جلميـع مـن حيتاجونـه).
ـ ختفيض معدالت انتشار املالريا واألمراض الرئيسة األخرى.
ـ ختفيض عدد األشـخاص الذين ال تتوافر هلم سـبل االسـتفادة املسـتديمة
من ميـاه الرشب اآلمنـة وخدمات الرصف الصحي األساسـية.
ـ حتسني حياة القاطنني يف األحياء السكنية العشوائية.
338
أمـا مـا يتعلـق باملحافظـة على البيئـة الطبيعيـة ومحايتهـا والعمـل
على اسـتدامتها ،فقـد أنشـأت اململكـة إدارة خاصـة باسـم «إدارة التنميـة
املسـتدامة» تابعـة للرئاسـة العامـة لألرصـاد ومحايـة البيئـة ،وأوكلـت هلذه
اإلدارة عمـل الدراسـات واألبحاث ورفـع التوصيات لألجهـزة احلكومية
املختلفـة فيما خيص شـؤون التنميـة املسـتدامة للبيئـة ،وقد جـاء يف أهداف
إنشـائها مـا ييل:
ـ حتقيـق التنميـة املسـتدامة على أسـاس املواءمـة بين النشـاطات التنموية
ومحايـة البيئـة وتعزيزهـا وضامن اسـتمرارها.
ـ حتقيـق االنسـجام بني توافـر املوارد الطبيعيـة املتجددة وغير املتجددة من
جهـة ،ومتطلبات التنمية املسـتدامة مـن جهة أخرى.
ـ حتقيـق دمـج أركان التنميـة املسـتدامة الثالثـة :االقتصاديـة واالجتامعيـة
والبيئيـة ،بشـكل فعال.
ـ حتقيـق غـرس مفاهيـم التنميـة املسـتدامة وثقافتهـا لـدى املجتمـع
واملؤسسـات العامـة واخلاصـة وصانعـي القـرار.
ـ حتقيـق التكامـل والتنسـيق بين اجلهـات العامـة واملعنيـة يف جمـال التنمية
املسـتدامة وإعـداد السياسـات واخلطـط املتعلقـة بالتنمية املسـتدامة.
ـ حتقيـق التكامل اإلقليمي والتنسـيق الدويل مع الـدول واملنظامت ذات العالقة
يف جمال التنمية املسـتدامة ،ومتابعة التطـورات العاملية يف هذا املجال.
ويف سـبيل املحافظة عىل البيئة ،قامت الرئاسـة بوضـع واعتامد جمموعة
مـن املعايير البيئيـة التـي ينبغـي االلتـزام هبـا مـن ِق َبـل األجهـزة احلكومية
ومـن ِق َبـل منظامت القطـاع اخلاص ،كما وضعـت ً
أيضا الئحـة بالعقوبات
التـي تنتظـر املخالفني هلـذه املعايري.
339
. 8اخلالصة
نجـد مما تقـدم أن الـدول واملنظمات أدركـت حقيقـة التنميـة وأهنا ال
تقتصر فقط على اجلانب االقتصـادي الذي جلـب الرتكيز عليـه يف العقود
كثيرا مـن الويالت التـي تعـاين تبعاهتا البرشيـة اليوم والتـي يؤكد
ً املاضيـة
ً
اشـكال وأبعا ًدا العلماء أهنـا يف ازديـاد وأن تأثرياهتـا تتطور وتتمـدد وتأخذ
جديـدة هتـدد اجلنـس البشري نفسـه بالفنـاء ،مـا دفـع املنظمات الدوليـة
للتحـرك عىل أعىل املسـتويات إلجيـاد احللول وتبنـي املبـادرات وإدارة هذه
املخاطـر املتصاعدة.
لقـد كان استشـعار منظمة األمـم املتحدة بأمهية وضـع قواعد واضحة
جلميـع دول العـامل فيما ينبغـي هلـا انتهاجـه يف سـبيل املحافظة على التنمية
املسـتدامة واسـتمرارها وتطورهـا ،هو الدافـع وراء إنشـاء جهازها اخلاص
بالتنميـة املسـتدامة ،الـذي عمـل مـع غيره مـن أجهـزة األمـم املتحـدة يف
اجـراء الدراسـات وإصـدار التقاريـر وابتـكار القياسـات التـي تسـاعد
الـدول واحلكومـات يف حتقيـق أهدافها التنموية بشـكل يضمن االسـتدامة
فيهـا ،وقـد عملـت املنظمـة الدولية عبر «شـعبة التنميـة املسـتدامة» ،التي
بـدأت برناجمهـا لوضـع مـؤرشات التنميـة املسـتدامة منذ عـام 1994م.
ولعـل مـن نافلـة القـول :إن ختطيـط وإدارة هـذه اجلهـود الدوليـة ال
يمكـن أن يسـتقيام وأن يؤتيـا ثامرمهـا إن مل يكونـا مبنيين على مـؤرشات
ومقاييـس يتـم حتديدهـا مـن قبـل اخلبراء واملختصين وأن يتـم تبنيهـا من
املنظمات الدوليـة ذات العالقـة.
ومـن خلال هـذا الفصـل تعرفنـا على التطـور التارخيي الـذي مرت
340
بـه صناعـة مـؤرشات التنميـة املسـتدامة حتـى وصلـت إىل مـا هـي عليـه
اليـوم مـن عنايـة بأبعـاد ومكونات متعـددة حتـاول أن تكـون أكثـر واقعية
وتعبيرا عـن األهـداف التـي تسـعى إليهـا الـدول واملجتمعـات يف سـبيل
ً
حتقيـق الغايـات الكبرى لإلنسـانية من رفاهيـة وسـعادة ورخـاء ،وطب ًعا ـ
كأي جهـد بشري ـ يعرتهيا بعض أوجـه القصور أو عـدم املالءمة أو بعض
الصعوبـات يف التطبيـق ،لكـن عجلـة التطويـر والتحديث والتنقيـح كفيلة
بإصلاح وتقويـم أي قصور.
كل هـذه اجلهـود هـي من أجل اخلـروج بنظـرة تكاملية وهنج مشترك
يمكـن مـن خاللـه حتقيـق التنميـة املسـتدامة املنشـودة التـي حتقـق سـعادة
اإلنسـان ورفاهيتـه وتضمـن حـق األجيـال القادمـة يف احلصول على حياة
كريمـة وبيئـة نظيفـة خالية مـن السـموم واآلفات.
341
املراجـــــع:
1ـ الكتب:
أبـو زنـط ،ماجدة؛ وعثمان ،غنيم (2014م) .التنمية املسـتدامة ..فلسـفتها
وأسـاليب ختطيطهـا وأدوات قياسـها ،دار صفـاء للنشر والتوزيع،
عامن.
الشـمري ،حامد مالح (1435هــ) .إدارة التنمية ..رؤية نحو تنمية شـاملة
ومتوازنة ،الرياض.
صالـح ،كمال (2007م) .نحـو تطويـر مـؤرشات للتنميـة البرشيـة خاصة
بالـدول العربيـة ،املؤمتـر اإلحصائـي العـريب األول ،عامن.
عبـاس ،صلاح (2010م) .التنميـة املسـتدامة يف العـامل العـريب ،مؤسسـة
شـباب اجلامعـة ،اإلسـكندرية.
عبداخلالـق ،عبير (2014م) .التنميـة البرشيـة وأثرهـا على حتقيـق التنمية
املسـتدامة ،الـدار اجلامعية ،اإلسـكندرية.
قاسـم ،خالـد مصطفـى (2012م) .إدارة البيئـة والتنمية املسـتدامة يف ظل
العوملـة ،الـدار اجلامعية ،اإلسـكندرية.
2ـ املقاالت:
كيـف يمكـن قيـاس التنميـة املسـتدامة؟ للكاتب أمحد السـيد كـردي ،موقع
كنانـة أون الين:
http://kenanaonline.com/users/ahmedkordy/posts/159112 .
342
3ـ التقارير ومواقع اإلنرتنت:
برنامـج األمـم املتحـدة اإلنامئـي يف الـدول العربيـةhttp://arabstates. :
undp.org/content/rbas/ar/home.html.
http://www.un.org/esa/sustdev/natlinfo/indicators/guidelines.pdf.
Human Development: The Rise of the South: Report 2013
343
Human Progress in a Diverse World: http://hdr.undp.
org/en/2013-report.
Indicators of Sustainable Development: Guidelines and
Methodologies October 2007,Third Edition.
344
الفصل العارش
التنمية املستدامة يف اململكة العربية السعودية
املقدمـة
حققـت اململكـة العربيـة السـعودية خلال العقـد املـايض تطـورات
ملحوظـة يف كثير مـن اجلوانب التنمويـة االقتصاديـة واالجتامعيـة والبيئية
واملؤسسـية ،التـي أدت إىل رفـع املسـتوى املعيشي وحتسين نوعيـة احليـاة
ورفـع املسـتوى التعليمـي للمواطنين ،وانعكـس كل ذلـك على االرتقـاء
بمسـتوى التنميـة البرشيـة املسـتدامة على الصعيـد العاملـي ،فهـي تصنَّـف
اآلن ضمـن الـدول التـي تتمتـع بمسـتوى تنميـة برشيـة مرتفع.
وقـد اكتسـب موضـوع التنمية املسـتدامة شـهرة واسـعة على الصعيد
العاملـي منـذ ظهـور املفهـوم ألول مـرة عـام 1987م ،وتتجلى أمهيـة هـذا
املوضـوع مـن خالل املؤمتـرات العاملية املعنيـة بالتنمية املسـتدامة ،التي كان
أوهلـا مؤمتـر األمـم املتحـدة للبيئـة والتنميـة (قمـة األرض) الـذي عقد يف
ريـو دي جانيرو يف عـام 1992م وآخرهـا القمـة العاملية للتنمية املسـتدامة
التـي عقـدت يف جوهانسبرغ بجنـوب إفريقيـا يف صيـف عـام 2002م،
والتـي خرجـت بخطـة جوهانسبرغ للتنفيـذ التـي دعـت إىل العمـل على
املسـتويات كافـة مـن أجل حتقيـق التنميـة املسـتدامة يف إطـار مـن التعاون
الـدويل واإلقليمـي ،مـع التنبيـه إىل أن التخفيـف مـن حـدة الفقـر وتغيير
أنماط اإلنتـاج والسـلوك غير املسـتدامة ومحايـة املـوارد الطبيعيـة هـي
خطـوات رئيسـة ومشتركة هتـدف حتقيـق التنمية املسـتدامة.
وأخـذت دول العـامل هتتـم بتحقيـق التنميـة املسـتدامة ،حيـث بـدأت
بوضـع الترشيعـات والقوانين املنظمة هلا وبناء املؤسسـات وإنشـاء اللجان
347
الوطنيـة املنظمـة هلـا التـي تُعنـى بتحقيـق التطبيقـات الصحيحـة للنهـج
املسـتدام يف حتقيـق التنميـة ،علاوة على وضـع اإلستراتيجيات اخلاصـة
بالتنميـة املسـتدامة ،التـي أكدهتـا أجندة القرن احلـادي والعرشيـن (اهليتي،
2011م).
ونتنـاول يف هـذا الفصـل اجلهـود التـي قامـت هبـا اململكـة العربيـة
السـعودية مـن أجـل حتقيـق التنميـة املسـتدامة بـد ًءا بأهم اإلستراتيجيات
واخلطـط واملبـادرات التـي قامـت هبـا املؤسسـات العامة والقطـاع اخلاص
مـرورا
ً واملجتمـع املـدين يف جمـال حتقيـق التنميـة املسـتدامة ومحايـة البيئـة،
باملرشوعـات التنمويـة التـي شـملت البنية األساسـية وخمتلـف القطاعات
اخلدميـة واإلنتاجيـة ،انتهـا ًء بالبنيـة املؤسسـية للتنميـة املسـتدامة.
.1اإلسرتاتيجيات واخلطط املعنية بالتنمية املستدامة
قامـت اململكة العربية السـعودية منـذ بداية عمليـات التخطيط للتنمية
بوضـع كثري مـن اإلستراتيجيات واخلطـط ذات العالقة بتطبيقـات التنمية
املسـتدامة يف جوانبهـا االقتصاديـة واالجتامعيـة والبيئيـة واملؤسسـية ،وفيام
توضيحا ألهم هـذه اإلستراتيجيات واخلطط. ً يلي
1 .1اإلسرتاتيجية بعيدة املدى لالقتصاد الوطني 2025م
تنطلـق اإلستراتيجية طويلـة املـدى مـن رؤية مسـتقبلة متثـل مقاصد
وتطلعـات املجتمـع السـعودي قيـادة وشـع ًبا .وقـد متـت بلـورة الرؤيـة
املسـتقبلة بعـد دراسـات مسـتفيضة وورش عمـل متخصصـة وفاعليـات
أخـرى انطلقـت بنـاء على التوجيـه السـامي لـوزارة االقتصـاد والتخطيط
بإعـداد إستراتيجية طويلـة املـدى لالقتصـاد السـعودي .وقـد تناولـت
الدراسـات التـي أسـهم يف إعدادهـا معظـم اجلهـات احلكوميـة وهيئـات
348
القطـاع اخلـاص واخلبراء الوطنيـون والدوليـون ،مجيـع حمـاور االقتصـاد
الوطنـي .ويمكـن إجيـاز الرؤيـة املسـتقبلة لالقتصـاد السـعودي فيما يلي:
«سـيكون االقتصـاد السـعودي ،إن شـاء اهلل ،بحلـول عـام 2024م
موفرا
ما على قواعـد مسـتدامةً ، ومزدهـرا ،قائ ً
ً ً
ومنتعشـا متطـورا
ً اقتصـا ًدا
متسما بنظام
ً فـرص عمـل جمزيـة جلميـع املواطنين القادرين على العمـل،
تعليـم وتدريـب عـايل اجلـودة والكفايـة ،وعنايـة صحيـة متميـزة متاحـة
للجميـع ،إضافـة إىل مجيـع اخلدمـات األخـرى الالزمـة لتوفير الرفاهيـة
جلميـع املواطنني ،ومحايـة القيم االجتامعيـة والدينية واحلفـاظ عىل الرتاث»
(موقـع البوابـة اإللكرتونيـة للمملكـة العربيـة السـعودية).
وتـأيت اإلستراتيجية بعيدة املـدى لالقتصاد السـعودي يف وقت تواجه
كثيرا مـن التحديـات التـي ينبغـي التصـدي هلـا ومعاجلتهـا،
ً فيـه اململكـة
ومـن أهـم هـذه التحديات:
ـ رفع مستوى املعيشة و حتسني نوعية احلياة.
ـ حتقيق التنمية املستدامة.
ـ تعزيز القدرة التنافسية.
ـ التكامل اإلقليمي والعريب.
ومتثـل خطـة التنميـة الثامنـة (2009 – 2005م) أوىل مراحـل
اإلستراتيجية بعيـدة املـدى لالقتصـاد السـعودي ،التي ُأعـدت لكي تؤطر
خط ًطـا مخسـية قادمـة حتـى عـام 2024م ،متثـل أربـع مراحـل مرتابطـة
ومتكاملـة ،تؤسـس كل منهـا للمرحلـة التـي تليهـا نحـو حتقيـق رؤيـة
اقتصاديـة واجتامعيـة شـاملة وحمـددة بنهايـة املـدة الزمنيـة لإلستراتيجية.
349
وتشـكل خطـة التنميـة التاسـعة ( 2010ـ 2014م) احللقة الثانيـة يف إطار
اإلستراتيجية الراهنـة بعيـدة املـدى لالقتصـاد السـعودي التي يمتـد أفقها
الزمنـي إىل عشرة أعـوام مقبلـة.
وتعـد اخلطة التاسـعة مـن كربيات اخلطط مـن حيث التخصيصـات املالية
التـي وصلـت إىل 104تريليونـات ريـال ،وهـي بذلـك تزيـد بنسـبة %67عىل
اإلنفـاق التنمـوي خالل خطـة التنميـة الثامنـة (2009 – 2005م) .واسـتأثر
قطـاع تنميـة املـوارد البرشيـة بالنصيـب األكبر بنحـو %50.6مـن إمجـايل
املخصصـات املعتمـدة ،بينما جـاء قطـاع التنميـة االجتامعيـة والصحـة باملرتبة
الثانيـة ،وحظـي بنحو %19مـن إمجـايل التخصيصات ،ثـم قطاع تنميـة املوارد
االقتصاديـة بنحـو ،%15.7ثـم قطـاع النقل واالتصـاالت بنحـو ،%7.7ثم
قطـاع اخلدمـات البلديـة واإلسـكان بنحـو ( %7اهليتـي2011 ،م ،ص .)109
إن أهـم ما يميز خطـة التنمية التاسـعة (2014–2010م) هو االهتامم
بمعاجلـة موضوعـات تلقـى اهتام ًمـا عامل ًّيـا واسـ ًعا؛ لكوهنـا وثيقـة الصلـة
برتسـيخ واسـتدامة التنميـة االقتصاديـة واالجتامعيـة التي تتمثـل يف قضايا
الثقافـة لتعزيـز القـدرة التنافسـية ،وحتـول االقتصاد إىل اقتصـاد معريف.
2 .1اإلسرتاتيجية الوطنية البيئية
اسـتجابة لتوصيـات قمـة األرض التـي ُعقـدت يف ريـو دي
جانيرو بالربازيـل عـام 1992م لدعـم االعتبـارات والسياسـات البيئيـة
يف مجيـع مراحـل التنميـة ،وكذلـك متطلبـات جـدول أعامل القـرن احلادي
والعرشيـن ،قامـت اململكة العربية السـعودية بإعداد اإلستراتيجية الوطنية
البيئيـة؛ حيـث تـم يف هذا املجـال إعداد اإلطـار العام لإلستراتيجية ،الذي
يتكـون مـن سـبع مراحـل ،هي:
350
املرحلة األوىل
دراسـة الوضـع الراهـن للبيئـة والوضـع املؤسسي للإدارة البيئيـة،
ويشـمل ذلـك حصر املـوارد املتجـددة ودراسـة عنـارص البيئـة الراهنـة.
املرحلة الثانية
دراسـة وحتليـل القطاعات واألنشـطة التي تسـتخدم املـوارد املتجددة
أو تؤثـر خمرجاهتـا عىل البيئـة وعنارصها.
املرحلة الثالثة
دراسـة اسـترشافية للمتطلبـات املسـتقبلة مـن املـوارد املتجـددة
وكميـات امللوثـات البيئيـة.
املرحلة الرابعة
حتديد أولويات القضايا البيئية وترتيبها باستخدام معايري حمددة.
املرحلة اخلامسة
وضـع أهـداف للتعامـل مـع هـذه األولويـات للتقليـل مـن آثارها
السـلبية على البيئـة ،بما حيقـق مبـدأ التنميـة املسـتدامة.
املرحلة السادسة
وضع السياسات واإلجراءات لكل قطاع بيئي.
املرحلة السابعة
وضـع خطـة تنفيذيـة لإلستراتيجية ،تشـمل الربامـج واملرشوعـات،
مـع األخـذ بعين االعتبـار البعـد االقتصـادي والبيئـي هلـذه الربامج.
ـ تم حتديد القطاعات البيئية واجلهات احلكومية املعنية هبذه القطاعات.
351
ـ تـم االنتهـاء مـن دراسـة وحتليل الوضـع الراهـن للبيئة والوضع املؤسسي
للإدارة البيئيـة ،التـي تعد خطـوات جيدة وأساسـية إلعداد اإلستراتيجية.
ـ تم حتديد أولويات العمل البيئي عىل املستوى الوطني.
3 .1اإلسرتاتيجية الوطنية للمحافظة عىل التنوع األحيائي
هتـدف اإلستراتيجية الوطنيـة للمحافظـة على التنـوع األحيائـي يف
اململكـة العربيـة السـعودية ،التـي تـم إعدادهـا مـن ِق َبـل اهليئـة الوطنيـة
حلاميـة احليـاة الفطريـة وإنامئهـا عـام 2005م إىل تضمين مبـادئ املحافظة
واالسـتخدام املسـتدام للتنـوع األحيائـي يف عمليـة التخطيـط الوطني عن
طريـق مجـع املعلومـات ذات العالقـة وتنظيمها واقتراح تطبيقاهتـا العملية
(اهليئـة الوطنيـة حلاميـة احليـاة الفطريـة وإنامئهـا).
وتعتمـد اإلستراتيجية على الرؤيـة اإلسلامية املوجهـة لعملية صون
احليـاة على كوكـب األرض وتوضـح املبـادئ األساسـية للمحافظـة على
التنـوع األحيائـي ،كما حتدد املؤسسـات الوطنيـة املعنية بـإدارة هـذا التنوع،
وتؤكـد هـذه اإلستراتيجية أن اململكـة العربيـة السـعودية ختطـط ألن تقوم
بالتزامهـا جتـاه املحافظة على التنوع األحيائـي داخل اإلطـار العاملي ،وذلك
بانضاممهـا إىل اتفاقيـة التنوع األحيائي وقيامها بإعداد اإلستراتيجية الوطنية
للمحافظـة على التنـوع األحيائي وف ًقا ملا جـاء يف املادة «-6أ» مـن االتفاقية.
وتضم اإلسرتاتيجية الوطنية مخسة فصول هي:
الفصل األول
يوضـح غـرض اإلستراتيجية وأهدافها الراميـة إىل تشـجيع املحافظة
حمورا
على التنـوع األحيائـي واسـتخدامه بشـكل مسـتدام ،وذلك بجعلـه ً
352
للتخطيـط للتنميـة الوطنيـة .ويتسـع جمـال اإلستراتيجية ليشـمل املحافظة
على النظـم البيئيـة والطبيعيـة وإعـادة تأهيلهـا ،واالسـتخدام املسـتدام
ملواردها والتقاسـم العـادل لثرواهتـا والرصد الدوري املنظـم هلا .ويتضمن
أيضـا مقدمة عـن اتفاقيـة التنـوع األحيائي.
هـذا الفصـل ً
الفصل الثاين
يسـتعرض الرؤيـة اإلسلامية واملبـادئ األساسـية التـي تسـتوجب
املحافظـة على التنـوع األحيائـي وتؤكد حقيقـة أن اهلل قـد أمرنـا باملحافظة
على البيئـة الطبيعيـة ،وأن محايـة البيئـة الطبيعية من إفسـاد اإلنسـان حتافظ
على رفاهيـة البشر وغريهـم مـن املخلوقات.
الفصل الثالث
يسـتعرض واقـع التنـوع األحيائـي على اليابسـة بما يضمه مـن أنواع
نباتيـة وحيوانيـة تشـمل الثدييـات والطيـور والزواحـف والربمائيـات
أيضـا واقع التنـوع األحيائـي املائي يف
واحلشرات .كما يغطي هـذا الفصل ً
امليـاه العذبـة والبحـار املاحلة ،ويناقـش أهم مصـادر التهديد لـكل جمموعة
مـن هـذه املخلوقات.
الفصل الرابع
حيتـوي على سـبعة عشر هد ًفـا إستراتيج ًّيا للمحافظـة على التنـوع
األحيائـي واسـتخدامه بشـكل مسـتدام ،ويشـمل ذلـك احلامية داخـل املوقع
وداخـل املناطـق املحميـة وخارجهـا ،واحلاميـة خـارج املوقـع مـن خلال
املحافظـة على الغابات واملراعـي الصحراوية واملـوارد البحرية احليـة والتنوع
األحيائـي الزراعـي وإنشـاء احلدائـق النباتيـة واحليوانيـة وبنـوك الوحـدات
الوراثيـة واملتنزهـات الوطنيـة وتطويرهـا ،وتنظيـم احلصـول على املـوارد
353
اجلينيـة (الوراثيـة) ،ووضـع مقاييس السلامة األحيائية الوطنية ،واسـتصدار
األنظمـة البيئيـة ودعـم البحـث العلمـي ،وتشـجيع التعليـم البيئـي ،وحتقيق
التنميـة االجتامعيـة واالقتصادية ،وتعزيـز اإلدارة اجلامعيـة والتعاون من أجل
املحافظـة على التنـوع األحيائـي ،وتوليد دخـل من املـوارد الفطريـة وتطوير
السـياحة البيئيـة والسـياحة املعتمـدة على الطبيعة.
الفصل اخلامس
يتنـاول آليـة تطبيـق اإلستراتيجية ومتابعتهـا ،ويؤكد حقيقـة أن مجيع
اهليئـات احلكوميـة واخلاصـة واملؤسسـات العلميـة واألهـايل وأصحـاب
املصلحـة البـد أن يتعاونـوا فيام بينهـم لتنفيـذ اإلستراتيجية .وتتضمن آلية
التطبيق اإلستراتيجية قائمة تنظيميـة ووص ًفا ملكوناهتـا (اهليتي2011 ،م).
4 .1اإلسرتاتيجية الوطنية ملكافحة التصحر
أصبحـت مكافحـة التصحـر يف اململكـة تشـكل جـز ًءا ال يتجـزأ
مـن إستراتيجية الدولـة وخططهـا اخلمسـية املتعلقـة بالتنميـة املسـتدامة
ملختلـف القطاعـات االجتامعيـة واالقتصاديـة ،ومـن هـذا املنطلـق تـم
وضـع اإلستراتيجية الوطنيـة ملكافحـة التصحـر ،التـي اعتمدهـا جملـس
الـوزراء املوقـر والتـي تضمنـت ثامنية أهـداف رئيسـة ،منهـا :املحافظة عىل
املـوارد الطبيعيـة املتجـددة باختـاذ التدابير الوقائيـة والعالجيـة وإدارهتـا
إدارة مسـتدامة واالسـتعداد ملواجهـة اجلفـاف والتخفيـف من آثـاره واحلد
مـن تأثير عوامـل التعريـة ووقـف زحف الرمـال املتحركـة وتنميـة القوى
البرشيـة الوطنيـة وزيـادة كفايتهـا ومهاراهتـا العلميـة والفنية ورفـع الوعي
البيئـي وإنشـاء بنـك لألصـول الوراثيـة النباتيـة وإعـداد اإلستراتيجيات
الوطنيـة للغابـات ومكافحـة التصحـر.
354
5 .1إسرتاتيجية التخصيص (املجلس االقتصادي األعىل)
تـم إعـداد إستراتيجية التخصيـص يف اململكـة العربية السـعودية من
ِق َبـل املجلـس االقتصادي األعلى ،وقد متت املوافقة عىل هذه اإلستراتيجية
مـن ِق َبـل جملـس الـوزراء املوقـر بموجـب القـرار رقـم « »23/1بتاريـخ
1423/3/23هـ.
وجاءت إسرتاتيجية التخصيص بأربعة أبواب هي:
الباب األول :أهداف وسياسات التخصيص
اشـتمل على توضيـح أسـس إعـداد اإلستراتيجية ،وتعريـف
التخصيـص ،وكذلـك أهـداف وسياسـات التخصيـص ،علاوة على
الرتتيبـات اإلداريـة والتنفيذيـة إلستراتيجية التخصيـص.
الباب الثاين :أساليب التخصيص وضوابطه
اشـتمل عىل بيـان أسـاليب التخصيـص والضوابط التي يتـم بموجبها
ختصيـص املؤسسـات واملرشوعـات العامـة ،علاوة على بيـان اخلطـوات
األساسـية لعمليـة ختصيـص نموذجيـة ملشروع أو مؤسسـة عامة.
الباب الثالث :القضايا األساسية التي تنبغي معاجلتها خالل عمليات
التخصيص
تضمـن البـاب توضيح اإلطـار التنظيمـي للقطاعات ،وأسـعار تقديم َّ
اخلدمـات ،وجتهيـز وإعـادة هيكلة القطاعـات واملنشـآت العامة التـي يراد
ختصيصهـا ،والشركاء اإلستراتيجيني ،وإجيـاد املنـاخ املناسـب لنجـاح
برنامـج التخصيص.
355
الباب الرابع :معايري حتديد األولويات واستمرار تنفيذ برنامج التخصيص
اشـتمل هـذا البـاب عىل معايير حتديد األولويـات يف اختيار املنشـآت
املرشـحة للتخصيـص ،واسـتمرار تنفيذ برنامـج التخصيص.
6 .1اإلسرتاتيجية الوطنية ملعاجلة الفقر(وزارة الشؤون االجتامعية)
يف إطـار اجلهـود اهلادفـة إىل اسـتئصال الفقـر ،قامـت اململكـة يف عـام
2006م بإعـداد إستراتيجية وطنية شـاملة ملعاجلته .وهتدف اإلستراتيجية
توفير قاعـدة بيانـات مبنيـة على مسـوحات متخصصـة ،تتيـح قيـاس
الفقـر بمؤرشاتـه املختلفـة وحتديـد خطـوط الفقر ونسـبة الفقـر والرشائح
االجتامعيـة واملناطـق اجلغرافيـة التـي يرتكـز فيهـا الفقـراء ،كما توفـر
اإلستراتيجية معرفـة األسـباب والعوامـل التـي تـؤدي إىل الفقـر ؛ هبـدف
وضـع الربامـج والسياسـات املناسـبة ملعاجلة هـذه الظاهرة معاجلـة جذرية
ودائمة.
وتتمثل مرتكزات اإلسرتاتيجية يف اآليت:
1ـ إتاحـة الفرصـة للفقـراء لتكوين أصوهلم املادية والبرشيـة وتعزيزها من
خلال توفري فـرص العمـل واالئتامن والتعليـم والتدريـب واخلدمات
الصحية.
2ـ تعزيـز مقـدرة الفئـات الفقيرة مـن املجتمع عىل املشـاركة يف األنشـطة
االقتصاديـة بصـورة فعالة.
3ـ حتسين املسـتوى املعيشي للفقـراء مـن خلال تعزيـز قدراهتـم على
مواجهـة املخاطـر ،سـواء أكانـت صحيـة أم طبيعيـة أم اقتصاديـة.
وتندرج سياسات اإلسرتاتيجية ضمن املحاور اخلمسة التالية:
356
أ ـ املحور االقتصادي الكيل :ويتضمن السياسات اخلاصة بترسيع النمو
االقتصادي وتوزيع ثامره بصورة متوازنة بني مناطق اململكة والرشائح
االجتامعية املختلفة.
ب ـ حمور التمكني االقتصادي للفقراء :ويتضمن السياسات اخلاصة بتمليك
الفقراء أدوات اإلنتاج ،ورفع قدراهتم اإلنتاجية وحتسني فرص العمل.
ج ـ حمور اخلدمات العامة :وتندرج فيه السياسات اخلاصة بتحسني خدمات
الصحة والتعليم واخلدمات البلدية.
د ـ حمور شبكة احلامية االجتامعية :ويتضمن السياسات اخلاصة بتفعيل
الضامن االجتامعي وتعزيز دور اجلمعيات اخلريية واملنظامت التطوعية
يف معاجلة الفقر.
هـ ـ حمور ممتلكات األرسة :ويتضمن السياسات والربامج املوجهة ملعاجلة
مشكالت اإلسكان ،وتوفري السكن املالئم للفئات املحتاجة من املواطنني.
7 .1اإلسرتاتيجية الوطنية للصناعة (وزارة التجارة والصناعة)
تقـدم اإلستراتيجية الوطنيـة للصناعـة ،التـي أقرهـا جملـس الـوزراء
املوقـر بموجـب القرار رقـم 35بتاريـخ 1430/2/7هـ والتـي متتد حتى
عـام 1441هــ ،رؤيـة وطنيـة للـدور املحـوري لقطـاع الصناعـة يف النمو
والتنميـة وترسـيخ واسـتدامة الثـروة يف اململكـة العربيـة السـعودية مـن
خلال تعظيـم عائـدات ثرواهتـا الطبيعيـة واسـتثامرها؛ لتوطين اخلبرات
رسما لوسـائل حتقيـق ذلـك الـدور ،بما يف
ً ولتنويـع االقتصـاد ،كما تقـدم
ذلـك آليـات اإلدارة الفعالـة والقوانين املحدثـة والتمويـل املطلـوب.
وقـد صيغـت هـذه اإلستراتيجية اسـتنا ًدا إىل حتليـل تفصيلي للحالـة
الراهنـة للصناعـة السـعودية ،والتوجيهـات االقتصادية والتقنيـة يف العامل،
357
ومناقشـات مسـتفيضة حـول سمات االقتصـاد واملجتمـع السـعودي،
مـن خلال اجتامعـات كثيرة شـاركت فيهـا أطـراف العالقـة الصناعيـة
يف القطاعين العـام واخلـاص ،كما متـت االسـتفادة مـن دراسـات كثيرة
للتجـارب العامليـة يف التنميـة الصناعيـة.
تتبنـى اإلستراتيجية حتقيـق الـدور املأمـول للصناعـة يف توجـه اململكـة
نحـو االقتصـاد املرتكـز على املعرفـة ،مثـل املعرفـة يف حقـول الطاقـة
والبرتوكيامويـات ،بام يف ذلـك تعزيز القدرات االبتكارية والتنافسـية والتنويع
الصناعـي ،معتمـد ًة على الرشاكـة بين القطاعين العـام واخلـاص والتنميـة
املتوازنـة على مسـتوى مناطـق اململكة؛ ومسـتفيدة مـن امليزات النسـبية لكل
منهـا .وتنطلـق هـذه اإلستراتيجية مـن الرسـالة احلضاريـة املنوطـة باململكة
على الصعيديـن اإلقليمـي والعاملـي ،ومـن الطمـوح الوطني الـذي خططت
لـه كل مـن اإلستراتيجية بعيـدة املـدى لالقتصـاد الوطنـي 2025واخلطـط
اخلمسـية للتنمية ،عالوة عىل كثري من الدراسـات واإلستراتيجيات القطاعية
للجهـات ذات العالقـة بالتنميـة الصناعيـة (اهليتـي2011 ،م).
8 .1السياسـة الوطنيـة للعلـوم والتقنيـة (مدينـة امللـك عبدالعزيز
للعلـوم والتقنية)
ترسـم السياسـة الوطنيـة للعلـوم والتقنيـة التـي أقرها جملـس الوزراء
املوقـر يف يونيـو 2002م اخلطـوط العريضـة املحـددة للتوجهات املسـتقبلة
العامـة ملنظومـة العلـوم والتقنيـة واالبتـكار يف اململكـة العربيـة السـعودية،
أساسـا مرجع ًّيـا يضمـن
ً ً
متكاملا يكـون إطـارا إرشـاد ًيا
ً لتريس بذلـك
تواصـل جهـود تنميـة املنظومـة وتعزيـز أدائهـا نحـو الغايـات التـي تصبـو
إليهـا اململكـة على املـدى البعيد.
358
ويتكـون إطـار السياسـة مـن مبـادئ وأسـس تنطلـق منهـا يف رسـم
توجهاهتـا ،ومـن غايـات وأهـداف عامـة وأسـس إستراتيجية تشـكل
األجـزاء الرئيسـة هلـا ،وتنسـجم مـع توجهـات وأهـداف خطـط التنميـة
الوطنيـة واخلطـط والسياسـات القطاعيـة املختلفـة يف اململكـة.
وتتمثـل غايـات السياسـة الوطنيـة للعلـوم والتقنية يف حتقيـق التطور
العلمـي والتقنـي املوجـه إىل حتقيق اآليت:
وأرضا بام
ً ـ املحافظـة على األمـن الوطنـي الشـامل ،عقيـدة ولغـة وثقافـة
فيها مـن ثـروات ومـوارد طبيعية.
ـ خدمة التنمية الشاملة املتوازنة املستدامة.
ـ رفع مستوى معيشة املواطن وضامن مستقبل أفضل لألجيال القادمة.
ـ اإلسـهام يف بنـاء حضـارة إنسـانية تشـع فيهـا القيـم اإلسلامية بمثلهـا
األخالقيـة الرفيعـة.
وتتمثل األهداف العامة للسياسة الوطنية للعلوم والتقنية فيام ييل:
ـ تبنـي منظـور شـمويل ملنظومـة العلـوم والتقنيـة واالبتـكار عىل املسـتوى
الوطنـي يكـون مرج ًعـا لتنميـة منظومـة العلـوم والتقنيـة واالبتـكار عىل
املسـتوى الوطنـي ،كما يكـون مرج ًعا لتنميـة املنظومـة وتنسـيق وتكامل
مكوناهتـا وترشـيد عالقاهتـا وروابطهـا بالقطاعات املسـتفيدة.
ـ العنايـة بإعداد القـوى البرشية يف جماالت العلوم والتقنية ،مع االسـتمرار
يف تنميتهـا كمًّ ونو ًعـا بام يتالءم ومتطلبـات املنظومة املختلفة.
ـ رعايـة البحـث العلمـي وتوفير املـوارد والسـبل الالزمـة لقيـام الباحث
بمهامـه على الوجـه األمثـل يف تلبيـة احتياجات األمـن الوطني الشـامل
والتنمية املسـتدامة.
359
ـ دعـم وتنميـة القـدرات التقنية الوطنيـة يف القطاعات املختلفـة عىل النحو
الـذي يمكِّنها من توطني وتطوير التقنية واملنافسـة بمنتجاهتا يف األسـواق
العامليـة ،خاصـة املنتجات ذات القيمـة املضافة العالية.
ـ التطويـر املسـتمر لألنظمـة املعنيـة بالعلوم والتقنية وتنسـيقها على النحو
الـذي يدعـم املنظومـة ويعزز مـن تفاعـل مكوناهتا وحتسين أدائها.
ـ تعزيـز التعـاون العلمـي والتقنـي مـع العـامل اخلارجـي ،وتطويـر سـبله
وصيغـه بما يواكـب االجتاهـات العامليـة املسـتجدة ،ويلبـي احتياجـات
التقـدم العلمـي والتقنـي املنشـود يف اململكـة.
ـ تعزيـز األنشـطة املسـاندة للعلـوم والتقنيـة ،كخدمـات املعلومـات
والتقييـس ،بـراءات االختراع ،واملكاتـب االستشـارية اهلندسـية،
واجلمعيـات العلميـة.
ـ االسـتثامر األمثـل للمعلومـات وتقنياهتـا بما يواكـب متطلبـات جمتمـع
املعلومـات واقتصـاد املعرفـة.
ـ تسـخري العلـوم والتقنيـة للمحافظـة على املـوارد الطبيعيـة ومحايـة البيئة
و تنميتها .
ـ إجيـاد الوعـي لـدى أفـراد املجتمـع بأمهيـة العلـوم والتقنيـة ،ودورمهـا
وجدوامهـا يف حتقيـق األمـن الوطنـي الشـامل والتنميـة املسـتدامة.
واشـتملت السياسـة على رؤية بعيـدة املدى سـيتم حتقيقهـا من خالل
أربع خطط مخسـية تتمثـل يف اآليت:
ـ اخلطـة اخلمسـية األوىل :اسـتكامل البنيـة األساسـية للمنظومـة الوطنيـة
للعلـوم والتقنيـة واالبتـكار بحلـول عـام 2010م.
ـ اخلطـة اخلمسـية الثانية :أن تكون اململكة يف طليعـة دول املنطقة يف العلوم
360
والتقنية واالبتـكار بحلول عام 2015م.
ـ اخلطـة اخلمسـية الثالثـة :أن تكـون اململكـة يف طليعة الدول اآلسـيوية يف
العلـوم والتقنيـة بحلول عـام 2020م.
حتـو َل اململكـة إىل جمتمـع واقتصـاد
ـ اخلطـة اخلمسـية الرابعـة :تسـتهدف ُّ
وج ْعلهـا يف مصاف الـدول الصناعيـة املتقدمة بحلول
قائـم عىل املعرفـةَ ،
عـام 2025م.
9 .1اخلطـة الوطنيـة لالتصـاالت وتكنولوجيـا املعلومـات (موقع
وزارة االتصـاالت وتقنيـة املعلومات)
ُأ ِعـدَّ ت هـذه اخلطة مـن ِق َبـل وزارة االتصـاالت وتقنيـة املعلومات يف
عام 1426هــ وتتكون مـن العنرصيـن التاليني:
1ـ املنظور بعيد املدى لالتصاالت وتكنولوجيا املعلومات يف اململكة
يتألـف املنظـور مـن رؤيـة مسـتقبلة لقطـاع االتصـاالت وتقنيـة
املعلومـات ،وأهـداف عامـة .يف حين تعمـل اخلطـة اخلمسـية األوىل على
التقـدم نحـو املنظور بعيـد املـدى لالتصاالت وتقنيـة املعلومـات .وهتدف
الرؤية املسـتقبلة لالتصاالت وتقنية املعلومات يف اململكة العربية السـعودية
«التحـول إىل جمتمـع معلومـايت ،واقتصاد رقمـي ،لزيادة اإلنتاجيـة ،وتوفري
خدمـات االتصـاالت وتقنيـة املعلومـات لرشائـح املجتمـع كافـة ،يف مجيع
أنحـاء البلاد ،وبنـاء صناعـة قويـة يف هـذا القطـاع؛ لتصبـح أحـد املصادر
الرئيسـة للدخل».
وقـد متـت بلـورة سـبعة أهـداف عامـة ختـدم هـذه الرؤيـة املسـتقبلة،
وهتـدف يف جمملهـا إىل تطويـر اخلدمـات العامة ،ورفـع إنتاجيـة القطاعات
361
كافـة بما يـؤدي إىل زيـادة الناتـج املحلي اإلمجـايل ،وزيـادة الرفاهيـة
يف املجتمـع .وتركـز األهـداف على تنظيـم قطـاع االتصـاالت وتقنيـة
املعلومـات بشـكل عـادل ،وحمفـز ،وجـاذب لالسـتثامرات ،ويدعـم البنية
التحتيـة ،ودعـم صناعة االتصـاالت وتقنيـة املعلومات ،وتشـجيع اإلبداع
والتطويـر؛ لتنويـع مصـادر الدخل ،ودعم النمـو االقتصـادي والعمل عىل
اسـتدامته ،وتوليـد فـرص عمـل جديـدة عاليـة ،باإلضافـة إىل رفـع كفاية
التعليـم والتدريـب ،إىل جانب إعداد الكـوادر الوطنية املؤهلة لإلسـهام يف
التنميـة االقتصاديـة واالجتامعيـة .كما هتـدف تضييـق الفجـوة الرقمية من
خلال متكين رشائح املجتمـع كافة من الوصـول إىل خدمـات االتصاالت
وتقنيـة املعلومـات بسـهولة وبتكاليـف معقولـة ،إضافـة إىل تعزيـز اهلويـة
الوطنيـة واالنتماء الوطنـي ودعـم انتشـار اللغـة العربيـة وتعزيـز رسـالة
اإلسلام احلضاريـة.
2ـ اخلطة اخلمسية األوىل لالتصاالت وتقنية املعلومات يف اململكة
تتضمـن اخلطـة اخلمسـية توجهـات مقرتحـة للوصـول إىل الرؤيـة
املسـتقبلة مـن خلال سـتة وعرشيـن هد ًفا حمـد ًدا ،واثنتني وسـتني سياسـة
تنفيذيـة ،وثامنيـة وتسـعني مرشو ًعـا ،وقـد تـم البـدء يف تنفيـذ كثير منهـا.
ومتتـاز هـذه املرشوعـات بشـموليتها؛ إذ غطـت جوانـب اسـتخدامات
وتطبيقـات االتصاالت وتقنيـة املعلومات املتعددة كاحلكومـة اإللكرتونية،
والتجـارة اإللكرتونيـة ،والعمـل عـن ُبعـد ،والطـب االتصـايل ،والتعليـم
اإللكتروين ،ودعـم الثقافـة الوطنيـة العربية اإلسلامية الرقميـة ،والعمل
على تنظيـم قطـاع االتصـاالت وتقنيـة املعلومات ،مـن خلال الرتكيز عىل
البنيـة التحتية ،واألنظمـة ،واجلوانب األمنية لالتصـاالت وأمن املعلومات
واخلصوصيـة ،كما غطـت هـذه املرشوعـات صناعـة االتصـاالت وتقنيـة
362
املعلومـات ،والبحث واإلبـداع والتطوير ،والتعاون الـدويل ،ونقل التقنية،
وتوفير املعلومـات ومعاجلتهـا ،وردم الفجـوة الرقميـة .وقـد تضمنـت
املرشوعـات أهدا ًفـا شـاملة ملـؤرشات حمـددة (اهليتـي2011 ،م).
363
موقعهـا عاصمـ ًة ماليـة للرشق األوسـط ،ويوفـر املركز بيئة عمـل عىل أحدث
املقاييـس العاملية.
2 .2جممع تقنية املعلومات واالتصاالت
تقـوم املؤسسـة العامـة للتقاعـد بتنفيـذه يف مدينـة الرياض ،ويشـتمل
على جمموعة مـن البنى التحتيـة املتطورة إلنشـاء جممعات تقنيـة وصناعات
حديثـة ذات أبعاد إستراتيجية؛ لتطوير قطاع التقنيـة واملعلومات يف اململكة،
وسـيخصص املجمـع لألعمال التقنية وأنشـطة التجميـع والتصنيـع لنامذج َّ
أوليـة عاليـة التقنيـة ،وخدمـات مسـاندة فنيـة كمصانـع املـواد املسـتعملة
يف أنشـطة البحـث والتطويـر واخلدمـات التجاريـة كالفنـادق واملطاعـم
والبنـوك .ويتوقـع أن يبلـغ جممـوع مسـاحات البنـاء يف هذا املشروع مليون
متر مربـع ،وسـيتم إنشـاء املجمـع بأكملـه بتمويـل مـن املؤسسـة العامـة
للتقاعد ،وسيشـمل مقـرات أعامل ومراكـز بحث وتطوير وإنتـاج لكربيات
رشكات االتصـاالت وتقنيـة املعلومـات املحليـة والعاملية ،إضافـة إىل إتاحة
الفرصـة أمـام القطـاع اخلـاص واملحلي واألجنبـي لالسـتثامر يف املجمـع
واالسـتفادة مـن امليزات والتجهيـزات الكثرية التي سـيوفرها للمسـتثمرين
على املسـتوىات كافـة :املحليـة واإلقليميـة والعاملية.
3 . 2حدائق امللك عبداهلل العاملية
تعـد واحـدة من أكبر ثلاث حدائق نباتيـة مغطـاة يف العـامل ،ويتكون
املشروع ،البالغـة مسـاحته مليـوين متر مربـع ،مـن جمموعـة مـن احلدائق
العامليـة بتصاميـم فريـدة ذات صبغـة علميـة وثقافيـة وبيئيـة خاصـة،
وكذلـك حدائـق مائيـة وثلجيـة وصحراويـة وحدائـق أسماك وشلاالت
وحدائـق أطفـال وطيـور وفراشـات وزواحف وزهـور ،وعنـارص خدمية
364
متكاملة كاألسـواق واملسـارح واجللسـات واملقاهي واملالعـب وغريها من
اخلدمـات .وتشـتمل احلدائق على :احلديقـة النباتية واملتحـف النبايت وبنك
البـذور وبنـك اجلينـات واحلدائـق العلميـة واحلديقـة الدوليـة واحلدائـق
املائيـة وممشـى الـوادي وأبـراج املشـاهدة وسـاحة االحتفـاالت وأماكـن
اجللـوس والتنـزه .وينتظـر أن يعزز هـذا املرشوع احلركة السـياحية بشـكل
كبير ،وأن يكـون واجهة للمرشوعات السـياحية يف الريـاض واململكة عىل
وجـه العمـوم .ويمثـل هـذا املشروع الضخـم نقلـة كبيرة جـدًّ ا يف مفهوم
كثريا من سـكان اململكة والدول السـياحة والرتفيـه يف اململكة ،وسـيجذب ً
املجاورة.
4 .2جامعة امللك عبداهلل للعلوم والتقنية
افتتحهـا خـادم احلرمين الرشيفين امللك عبـداهلل بـن عبدالعزيــز آل
سعــود ـ رمحـه اهلل ـ يـوم األربعـاء 23سـبتمرب 2009م؛ لتكـون جامعـة
عامليـة لألبحاث عىل مسـتوى الدراسـات العليـا؛ تكرس جهودهـا للعمل
على االنطلاق نحو عصر جديد مـن اإلنجاز العلمـي يف اململكـة ،وتعود
أيضـا بالنفـع على املنطقـة والعـامل .ويدعم اجلامعـة وقف يبلغ عـدة باليني ً
مـن الـدوالرات ،ويديرهـا جملـس أمنـاء مسـتقل دائـم ،وتعتمـد اجلـدارة
أساسـا لعملهـا وترحـب بالرجال والنسـاء من مجيـع أنحاء العامل .وتسـعى ً
اجلامعـة إىل تنفيـذ خطـة أبحاثهـا مـن خلال حمـاور أبحـاث إستراتيجية
تركـز على جمـاالت العلـوم والتقنيـة التـي هتـم اململكـة واملنطقـة والعـامل،
وهـي :املـوارد والطاقة والبيئـة ،والعلوم احليويـة واهلندسـة احليوية ،وعلم
وهندسـة املـواد ،والرياضيـات التطبيقيـة والعلـوم احلاسـوبية ،وأسسـت
اجلامعـة مراكـز بحـوث متعـددة التخصصات؛ لدعـم هذه املحـاور ،وهي
جمال دراسـ ًّيا .ويشـغل حرم اجلامعـة الرئيس متنـح درجـات علميـة يف ً 11
365
مسـاحة تبلـغ أكثر مـن 36مليون متر مربع يف ُثـول ،التي تقع عىل سـاحل
رتا شمال مدينـة جدة. البحـر األمحـر على بعـد نحـو 80كيلوم ً
5 .2مدينة امللك عبداهلل للطاقة الذرية واملتجددة
أصـدر خـادم احلرمني الرشيفني امللـك عبداهلل بن عبدالعزيز آل سـعود
أمـرا ملك ًّيا رقـم أ 35/بتاريخ 1431/5/3هـ بإنشـائها ،وهي ـ رمحـه اهلل ـ ً
هيئـة علمية متخصصـة تعنى بوضع وتنفيذ السياسـة الوطنيـة للطاقة الذرية
واملتجـددة ،وهـي ملحقـة إدار ًّيـا برئيس جملـس الـوزراء ،ومقرهـا الرئيس
مدينـة الريـاض .وهتـدف املدينـة ـ وف ًقـا لنظامهـا ـ إىل املسـامهة يف التنميـة
املسـتدامة يف اململكـة ،وذلـك باسـتخدام العلـوم والبحـوث والصناعـات
ذات الصلـة بالطاقـة الذرية واملتجـددة يف األغراض السـلمية وبام يؤدي إىل
رفع مسـتوى املعيشـة وحتسين نوعية احليـاة يف اململكة ،وتقـوم املدينة بدعم
ورعايـة نشـاطات البحـث والتطويـر العلمـي وتوطين التقنيـة يف جمـاالت
اختصاصاهتـا وحتديـد وتنسـيق نشـاطات مؤسسـات ومراكـز البحـوث
العلميـة يف اململكـة يف هـذا املجـال وتنظيم املؤمتـرات املحلية واملشـاركة يف
املؤمتـرات الدولية وحتديـد األولويات والسياسـات الوطنية يف جمـال الطاقة
الذريـة واملتجـددة ،مـن أجـل بناء قاعـدة علمية تقنيـة يف جمال توليـد الطاقة
وامليـاه املحلاة ويف املجـاالت الطبيـة والصناعيـة والزراعيـة والتعدينيـة،
والعمـل على تطويـر الكفايات العلميـة الوطنيـة يف جمـاالت اختصاصاهتا،
وتشـتمل هـذه املدينـة عىل متطلبـات البحـث العلمي كاملختربات ووسـائل
االتصـاالت ومصادر املعلومـات ومجيع املرافق الالزمـة للعاملني يف املدينة.
6 .2املدن االقتصادية
جيـري العمل على بناء عدد مـن املـدن االقتصادية اجلديـدة يف اململكة
366
العربيـة السـعودية .وهتـدف هذه املرشوعات إىل تنشـيط التنميـة اإلقليمية،
وهـي متثـل بـدء مرحلـة جديـدة لصناعـات وأعمال جتاريـة تضـم أكثـر
طموحـا يف اململكـة .وستسـهم هـذه املـدن يف
ً االسـتثامرات طويلـة املـدى
توسـيع االقتصـاد املتنامـي غري النفطـي يف اململكة ،ومن هـذه املرشوعات:
أ ـ مدينة امللك عبداهلل االقتصادية
تُعـد مـن أكبر املرشوعـات العمرانيـة التـي تشـهدها اململكـة ،وتـم
تصميمهـا بأحـدث التصاميـم العمرانيـة؛ لتكون واحدة من أهـم املدن عىل
مسـتوى العامل ،وسـوف حتتضـن املدينة ما يقـارب مليوين نسـمة موفرة هلم
مسـتوى معيشـ ًّيا راق ًيـا .وستسـتغرق مراحـل إكامل املدينـة 20سـنة ،بد ًءا
مـن عـام 2006م حتـى تاريخ اإلكمال املتو َّقـع يف عـام 2025م .ورشع يف
أعمال املرحلـة األوىل لتطويـر املدينـة التـي متتـد ملدة 5سـنوات ابتـدا ًء من
2006م وانتهـت يف 2011م .وتضـم املدينـة مينا ًء بحر ًّيـا ومنطقة صناعية
وحـي األعمال املركـزي ومنطقـة املنتجعـات واملرافـق واألحياء السـكنية
ومنطقـة املؤسسـات العلميـة والبحثية.
ب ـ مدينة جازان االقتصادية
بتوجيـه مـن خـادم احلرمين الرشيفني ـ رمحـه اهلل ـ قامت اهليئـة العامة
لالسـتثامر بـاإلرشاف على إنشـاءات مدينـة جـازان االقتصاديـة التـي تقع
رتا شماليف موقـع إستراتيجي بمحـاذاة البحـر األمحر عىل بعـد 60كيلوم ً
مدينـة جـازان ،ويتوقـع أن تسـتقطب املدينـة أكثـر مـن مئـة مليـون ريـال
سـعودي مـن االسـتثامرات اخلاصـة من كثير مـن القطاعات ،مما سيسـهم
يف توفير 500ألـف فرصـة عمل مبارشة وغير مبارشة .وتركـز املدينة عىل
الصناعـات الثقيلة ذات االسـتخدام الكثيـف للطاقة ،كام توفـر عند تكامل
367
مرافقهـا االحتياجـات الالزمـة كافة إلقامـة الصناعـات الثانويـة املختلفة،
خاصـة يف جمـال الصناعـات املسـاندة الزراعيـة منهـا والسـمكية .وتعتـزم
املدينـة إنشـاء مركـز إقليمـي لتوزيع خـام وحبيبـات احلديد ملنطقـة الرشق
األوسـط .وتتكـون املدينـة من عنـارص متكاملة مـع بعضها ،ومنهـا :امليناء
ومنطقـة الصناعات ومركـز اخلدمات اللوجيسـتية وحمطة الطاقـة والتحلية
والتربيـد واملنطقـة السـكنية وجزيـرة مركـز األعمال واملركـز احلضـاري
والكورنيـش وحـي الواجهة البحريـة ومنطقـة اخلدمات البحريـة واملنطقة
ا لتعليمية .
ج ـ مدينة األمري عبدالعزيز بن مساعد االقتصادية
افتتـح خـادم احلرمني الرشيفين امللك عبداهلل بـن عبدالعزيز ـ رمحه اهلل
ـ يف 13يونيـو عـام 2006م مدينة األمري عبد العزيز بن مسـاعد االقتصادية
يف منطقـة حائـل بشمال اململكـة ،تبلـغ مسـاحتها 156مليـون متر مربع،
وتقـدر تكلفـة املشروع بــ 30مليار ريال سـعودي ،وسـيوفر املشروع ما
يقارب 30ألف فرصة عمل للشـباب السـعوديني يف حائل ،مما سـيضاعف
رصحـا اقتصاد ًّيـا مهمًّ عنـد اكتامهلـا؛ حيث يعدّ
ً الناتـج املحلي .وهـي تعترب
مركزا
مكاهنـا املميـز موق ًعـا إستراتيج ًّيا مهماًّ ،ممـا سـيؤهل املدينـة لتكـون ً
إقليم ًّيـا متكامـل املنظومـة يف قطاع النقل واللوجيسـتيات ،وسـوف حتتوي
املدينـة عىل مطـار دويل وسـكة حديدية ومينـاء بري.
د ـ مدينة املعرفة االقتصادية
بتوجيـه مـن خـادم احلرمين الرشيفني امللـك عبـد اهلل بن عبـد العزيز
آل سـعود ـ رمحـه اهلل ـ قامـت اهليئـة العامة لالسـتثامر بالتنسـيق مع جمموعة
مـن الشركات الوطنيـة الكبرى لتأسـيس كيـان اسـتثامري بغـرض تطوير
368
أرض مؤسسـة امللـك عبد اهلل بن عبـد العزيـز لوالديه لإلسـكان التنموي،
معلما حضار ًّيا خلدمة سـكان وزوار
ً الواقعـة رشق املدينـة املنـورة ،لتكـون
ورصحـا وطن ًّيـا وعامل ًّيـا للتنميـة االقتصاديـة املبنيـة على
ً املدينـة املنـورة
الصناعـات املعرفيـة .وهتدف املدينة إىل تأسـيس قاعدة للتنميـة االقتصادية
املبنيـة على الصناعـات املعرفيـة ودعم جمـال السـياحة والتسـويق يف املدينة
عبر متحف السيرة ومنطقة السـوق ومنشـآت سـياحية متكاملة بمسـتوى
عاملـي وتأسـيس منطقـة جتاريـة ذات بنيـة حتتيـة عرصيـة وختفيـف الضغط
على املنطقـة املركزيـة وتطويـر منطقـة سـكن مميـزة للراغبين يف العمـل
واالسـتثامر واإلقامـة بجـوار مسـجد الرسـول عليـه الصلاة والسلام.
ويتوقـع أن جتـذب املدينـة اسـتثامرات تقـدر بـ 30مليـار ريال ،كام سـتوفر
20ألف فرصة عمل جديدة .
هـ ـ مدينة امللك عبداهلل الرياضية
يقـع املشروع يف شمال رشق حمافظـة جـدة ،وقد صـدر األمـر امللكي
بإنشـاء املدينـة يف عـام 2009م وتـم االنتهـاء منها عـام 2014م وتشـتمل
على مرافـق رياضيـة فريدة مـن نوعها تسـهم يف رفـع مسـتوى الرياضيني؛
لتكـون حم ّف ًـزا يف تطويـر مسـتوى الرياضـة والرياضيين يف اململكـة ،وتُعدّ
كثيرا من املرشوعـات املصاحبة نقلـة نوعيـة للرياضـة السـعودية وتتضمن ً
مـن قاعـات ومالعـب تدريبيـة بتقنيـة حديثـة .وقـد ُص ّمـم ملعـب املدينة
على مسـاحة 3ماليني متر مربع ،بتصميـم مميز ومجايل يسـتوعب 60ألف
متفـرج ،وسيسـتضيف بطـوالت وحمافـل رياضيـة حمليـة وإقليميـة ودولية
حسـب مواصفـات االحتاد الـدويل لكـرة القـدم (الفيفا).
ويشـتمل امللعـب على كل من :مرشوعـات جتاريـة وشاشـات داخلية
369
بتقنيـة HDواسـتوديوهات تلفزيونيـة مطلـة على امللعـب وفـروع ألكبر
املطاعـم العامليـة واملحليـة وملعـب أوملبـي مسـتقل خـاص أللعـاب القوى
وصـاالت رياضيـة مغلقـة تتسـع لــ 10آالف متفـرج ومالعـب خارجيـة
تدريبيـة وقاعـات للحفلات الرياضيـة وللمؤمتـرات ومسـجد جامـع كبري
وأكاديميـات رياضيـة ،إضافة إىل سـاحة مواقف للسـيارات بسـعة 8آالف
سيارة.
7 .2مرشوع مطار امللك عبدالعزيز الدويل اجلديد بجدة
تتمثـل رسـالة املشروع يف أن يصبـح مطـار امللك عبـد العزيـز الدويل
يعـزز النهضـة االقتصاديـة ملدينـة جـدة وللمملكـة
حمـورا عامل ًّيـا نموذج ًّيـا ّ
ً
العربيـة السـعودية ككل ،وحيقـق طمـوح اهليئـة العامـة للطيران املـدين يف
وص ّمـم خمطـط املشروع كـي تعزيـز مكانـة مدينـة جـدة كمحـور عاملـيُ .
يتـم تنفيـذه على ثلاث مراحـل تنتهـي يف عـام 2035م ،بحيـث تصـل ّ
طاقتـه االسـتيعابية الكاملـة إىل مـا بين 70و 80مليـون مسـافر سـنو ًّيا
باسـتخدام املـدارج الثالثـة املوجـودة حال ًيـا .ويتضمـن املشروع العنارص
جممـع صـاالت املسـافرين الـذي يقـام على أرض تبلـغ الرئيسـة التاليـةّ :
مسـاحتها أكثـر مـن 670ألـف متر مربـع ،وجتهيز صـاالت السـفر بـ 46
جسرا للوصـول للطائـرات ،بام ً بوابـة لصعـود الطائـرات ،تتصـل بــ 94
فيهـا الطائـرات العمالقـة ذات الطابقين مـن طـراز «إيربـاص ،»A380
وصـاالت لالنتظـار وفـق أرفع املسـتويات ،وفنـدق تابع للمطـار ،ومنطقة
لألسـواق التجاريـة احلديثـة ،وأن يصل نظام نقـل الـركاب اآليل بني مركز
اسـتقبال الـركاب ومركز الرحلات الدولية ،ومركز حديـث للمواصالت
يضـم أحدث وسـائل النقـل املتنوعة ،بما فيها حمطـة قطار متكاملـة ،ونظام
رتا
متطـور لتحميـل ومناولـة أمتعـة املسـافرين يمتـد ألكثـر مـن 60كيلوم ً
370
مـن سـيور النقـل املتحركـة ،وأحـدث نظام تقنـي للتحكـم بحركـة املرور
اجلـوي ،مـع بـرج املراقبـة املالحـي بتصميمـه الفنـي املميـز ،والـذي يبلغ
ترا ،ويعتبر أطول بـرج مالحة جويـة يف العامل ،وشـبكات ارتفاعـه 136م ً
واسـعة مـن الطـرق واألنفـاق ومـدارج الطائـرات ،ومرافـق ومنشـآت
متنوعـة للدعـم واملسـاندة ،وحمطة خاصـة خلزانـات الوقود وشـبكة إمداد
الوقـود ،ومشـتل مركـزي خـاص للعنايـة بالنباتـات خلدمة حدائـق املطار
الداخليـة ومـا حوله.
8 .2مرشوع امللك عبدالعزيز للنقل العام بمدينة الرياض
صـدرت موافقـة جملـس الـوزراء يف 2مجـادى اآلخـرة 1433هـ عىل
تنفيـذ مشروع النقـل العـام يف مدينـة الريـاض (القطـارات ،احلافلات)
وخ ِّصصـت جلنـة عليـا للإرشاف على تنفيـذه ومنحت بكامـل مراحلـهُ ،
حكومـة خـادم احلرمين الرشيفين امللك عبـداهلل بـن عبدالعزيز آل سـعود
ـ رمحـه اهلل ـ عقـو ًدا بقيمـة 22.5مليـار دوالر لثالثـة ائتالفـات تقودهـا
رشكات أجنبيـة مـن أكبر مصنعـي ومنفذي شـبكات القطـارات يف العامل؛
لتصميم وإنشـاء أول شـبكة مترو يف العاصمة الريـاض يف مرشوع عمالق
سيسـتغرق تنفيـذه مخـس سـنوات؛ ليعطـي الضـوء األخضر ألكبر نقلـة
فعليـة على األرض يف جمـال املواصلات؛ الداخليـة يف تاريـخ اململكـة.
هيـدف املشروع إىل تقليـص االزدحـام املـروري وحتسين النشـاط
االقتصـادي للعاصمـة .ومـن املقـرر أن تبـدأ اخلدمـة التجارية للشـبكة عام
2018م .وسيشـمل املشروع سـتة خطـوط للسـكك احلديدية متتد مسـافة
ترا وتتضمـن 87حمطـة ،وتعمـل عليهـا قطـارات كهربائية من 176كيلوم ً
دون سـائقني ،وهـو أكبر مشروع لشـبكات النقـل العـام يف العـامل جيـري
371
تطويـره حال ًّيـا .ووفـق اخلطـة الزمنيـة ،فـإن املشروع سيسـتوعب 1.16
مليـون راكب يوم ًّيـا مع بداية التشـغيل ،وترتفع طاقته االسـتيعابية إىل 3.6
ماليين راكـب يوم ًّيـا بعـد عرش سـنوات.
.3التطورات الترشيعية
قامت اململكة العربية السـعودية بسـن كثير من القوانني والترشيعـات واللوائح
املنظمـة لألنظمـة املتعلقـة بتحقيـق االسـتدامة بأبعادهـا االقتصاديـة واالجتامعيـة
والبيئيـة واملؤسسـية كافـة ،ومـن أهـم هـذه القوانين والترشيعـات ما ييل:
أ ـ النظـام العـام للبيئـة والئحتـه التنفيذيـة لسـنة 1422هـ :هيـدف النظام
العـام للبيئـة والئحته التنفيذيـة إىل حتقيق التوازن بين احتياجات البيئة
ومتطلبـات التنمية؛ ذلـك أن محاية البيئة واحلفـاظ عليها ،بل وتطويرها
ينبغـي أال يشـكِّل باملقابـل عائ ًقا ً
رئيسـا لربامـج التنميـة االقتصادية يف
اململكـة ،فالتخطيـط البيئي ُيعـد جز ًءا ال يتجـزأ من التخطيط الشـامل
للتنميـة يف مجيـع املجـاالت الصناعيـة والزراعيـة والعمرانيـة وغريها؛
حيـث ألزمـت معظـم مـواد النظـام العـام للبيئـة والئحتـه التنفيذيـة
اجلهـات املسـؤولة عن التخطيـط والتنمية االقتصادية بمراعـاة التوازن
بين اعتبـارات البيئـة ورضورات التخطيـط والتنمية ،فقـد نصت املادة
10مـن النظـام على أنـه «جيـب مراعـاة اجلوانـب البيئيـة يف عمليـة
التخطيـط على مسـتوى املرشوعـات والربامـج واخلطـط التنمويـة
للقطاعـات املختلفـة واخلطـة العامـة للتنميـة» .ونصت املـادة «»1/4
مـن الالئحـة على أنـه «على كل جهـة عامـة اختـاذ اإلجـراءات التـي
تكفـل تطبيـق القواعـد الـواردة يف هـذا النظـام على مرشوعاهتـا التي
ختضـع إلرشافهـا» (النويصر2007 ،م).
372
ب ـ األنظمـة والقواعـد والقـرارات التـي تـم بموجبهـا إنشـاء سـلطات
محايـة البيئة.
ج ـ األنظمة واملراسيم اخلاصة بحامية البيئة من التلوث.
د ـ األنظمة اخلاصة بحامية املوارد الطبيعية.
هــ ـ األنظمـة والقواعد اخلاصة بحاميـة البيئة الربية وإقامـة حمميات طبيعية
واحلفاظ عىل التراث الطبيعي.
و ـ مقاييس محاية البيئة والتحكم بالتلوث.
ز ـ األنظمـة والقواعـد ذات العالقـة باسـتخدام ومعاملـة الكيامويـات
اخلطـرة واملبيـدات احلرشيـة.
ح ـ األنظمـة اخلاصـة بحامية بيئة العمل والصحة املهنيـة (اهليتي2011 ،م،
ص.)96
.4البنية املؤسسية
قامـت اململكة العربية السـعودية بإنشـاء كثري من التنظيامت املؤسسـية
(املؤسسـات واألجهـزة احلكوميـة) املعنيـة بتطبيقـات التنميـة املسـتدامة؛
هبـدف تدعيـم البنيـة املؤسسـية ،ومـن أهم هـذه التنظيمات ما ييل:
أ ـ الرئاسة العامة لألرصاد ومحاية البيئة
أنشـئت رئاسـة األرصـاد ومحايـة البيئة يف عـام 1981م لتكـون اجلهة
الوطنيـة لألرصـاد والبيئة يف اململكـة ،وتتبع وزارة الدفـاع والطريان .وكان
اهلـدف األسـايس مـن إنشـائها يتمثـل يف حتسين صحـة وسلامة ورخـاء
املواطنين والنهـوض برفاههـم االقتصـادي واالجتامعـي العـام .وبنا ًء عىل
قـرار اللجنـة العليـا لإلصلاح اإلداري رقـم 86لسـنة 1399هــ فقـد تم
373
إسـناد مهـام محايـة البيئـة مـن التلـوث إىل رئاسـة األرصـاد اجلويـة وتغيري
اسـمها إىل «رئاسـة األرصـاد ومحايـة البيئة».
وقـد ُأوكل إىل الرئاسـة املهـام والصالحيـات التاليـة املتعلقـة بالبيئـة؛
إضافـة إىل املهـام اخلاصـة باألرصـاد اجلويـة:
ـ القيـام بعمليـات مسـح العنـارص البيئيـة وحتديـد مشـكالهتا مـع اقتراح
املقاييـس واملعايير البيئية.
ـ اقرتاح اللوائح واإلجراءات الوقائية ملعاجلة مشكالهتا البيئية.
ـ اقتراح اإلجـراءات العمليـة الالزمـة ملواجهـة احلـاالت الطارئـة املؤثرة
على البيئة.
ـ ختطيـط مسـتويات التلوث احلـايل والتغريات يف مسـتقبل األوضاع البيئية
وتوثيـق تلك املعلومات بشـكل يسـهل معه الرجـوع إليها.
ـ القيـام بمتابعـة التطـورات املسـتجدة يف حقـل نشـاطات محايـة البيئة عىل
املسـتويات اإلقليميـة والدولية.
ـ وضـع املقاييـس واملواصفـات الرضوريـة ملراقبـة التلـوث ومحايـة البيئـة
عىل شـكل حمـدد وثابت ،وعىل أساسـها تقـوم اجلهات املختصـة بأخذها
يف االعتبـار ومراعاهتـا عنـد الرتخيـص بإنشـاء املرشوعـات الصناعيـة
والزراعيـة ذات التأثير البيئـي (موقـع الرئاسـة العامـة لألرصاد).
374
أمهيـة إنشـاء وكالـة مسـاعدة لشـؤون التنميـة املسـتدامة يف الرئاسـة العامة
لألرصـاد ومحايـة البيئـة التـي هتـدف حتقيـق اآليت:
ـ حتقيـق التنميـة املسـتدامة على أسـاس املواءمـة بين النشـاطات التنموية
ومحايـة البيئـة وتعزيزهـا وضامن اسـتمرارها.
ـ حتقيـق االنسـجام بني توافـر املوارد الطبيعيـة املتجددة وغير املتجددة من
جهـة ومتطلبات التنمية املسـتدامة مـن جهة أخرى.
ـ حتقيـق دمـج أركان التنميـة املسـتدامة الثالثـة :االقتصاديـة واالجتامعيـة
والبيئيـة بشـكل فعال.
ـ حتقيـق غـرس مفاهيـم التنميـة املسـتدامة وثقافتهـا لـدى املجتمـع
واملؤسسـات العامـة واخلاصـة وصانعـي القـرار.
ـ حتقيـق التكامـل والتنسـيق بين اجلهـات العامـة واملعنيـة يف جمـال التنمية
املسـتدامة وإعـداد السياسـات واخلطـط املتعلقـة بالتنمية املسـتدامة.
ـ حتقيـق التكامـل اإلقليمـي والتنسـيق الـدويل مـع الدول واملنظمات ذات
العالقـة يف املجـال اإلقليمي والتنسـيق الدويل مع الـدول واملنظامت ذات
العالقـة يف جمـال التنميـة املسـتدامة ومتابعـة التطـورات العامليـة يف هـذا
املجال.
ويتألف اهليكل التنظيمي للوكالة من اآليت:
ـ اإلدارة العامة لربامج التنمية االقتصادية املستدامة.
ـ اإلدارة العامة لربامج التنمية االجتامعية املستدامة.
ـ اإلدارة العامة لتنمية ومحاية املوارد الطبيعية.
ـ اإلدارة العامـة للمنظمات والتعـاون الـدويل (الرئاسـة العامـة لألرصـاد
ومحايـة البيئة).
375
ج ـ اهليئة الوطنية حلامية احلياة الفطرية وإنامئها
ُأنشـئت اهليئـة الوطنيـة حلامية احليـاة الفطريـة وإنامئها عـام 1406هـ،
بموجـب النظـام الصـادر باملرسـوم امللكـي رقـم «م »22/بتاريـخ
1406/9/12هــ ،وتسـعى اهليئـة؛ طب ًقـا ملـا جـاء يف نظامهـا األسـايس،
إىل املحافظـة على احليـاة الفطريـة يف البر والبحـر وعلى مواطنهـا الطبيعية
واسـتعادة نماء وازدهـار األنـواع واملواطـن املتدهـورة يف اململكـة ،وذلـك
مـن خلال مـا ييل:
ـ استصدار الترشيعات اخلاصة باحلامية واقرتاح إقامة املناطق املحمية.
ـ تشـجيع وإجـراء البحـوث العلميـة يف خمتلـف حقـول علـوم األحيـاء،
خاصـة ما يتعلـق بالنباتـات واحليوانـات التي تعيـش يف البيئـات الطبيعية.
ـ إثـارة االهتمام بالقضايـا البيئيـة املتعلقـة باحليـاة الفطريـة وحماولـة إجيـاد
حلـول مناسـبة هلـا عـن طريـق عقـد اللقـاءات والنـدوات واملؤمتـرات
املحليـة ملناقشـتها مـن ِق َبـل املختصين يف هـذه املجـاالت.
ـ إجـراء مسـح شـامل للمعرفـة احلاليـة ونتائـج البحـوث املتعلقـة باحلياة
الفطريـة واملواطـن الطبيعيـة يف اململكـة العربيـة السـعودية ،سـواء تلـك
املنشـورة يف خمتلـف مصـادر املعلومات املحليـة والعاملية أو غري املنشـورة
منها .
ـ تطويـر وتنفيـذ خطـط ومرشوعـات هتـدف إىل املحافظـة على احليـاة
الفطريـة وإنامئهـا يف مواطنهـا الطبيعيـة عـن طريـق إقامـة مناطـق حمميـة
للحيـاة الفطريـة يف اململكـة واسـتصدار األنظمـة والتعليمات اخلاصـة
بتلـك املناطـق والعمـل على تطبيقهـا.
ـ التعـاون مـع خمتلـف الـوزارات واهليئـات الوطنيـة ،حكوميـة وغير
376
حكوميـة ،وكذلـك األفـراد واهليئـات العامليـة؛ لتحقيـق هـذه األهـداف
(اهليئـة الوطنيـة حلاميـة احليـاة الفطريـة).
د ـ املجلس االقتصادي األعىل
يعتبر صـدور األمـر امللكـي بإنشـاء املجلـس االقتصـادي األعلى يف
1420/5/17هــ خطـوة مهمـة ملواجهـة املعوقـات النامجـة عـن تعـدد
األجهـزة ذات العالقـة بالشـؤون االقتصاديـة وضمان التنسـيق والتكامـل
بين أعامهلـا ،بما حيقـق كفايـة ورسعـة اختـاذ القـرارات ويسـهم يف بلـورة
السياسـات االقتصاديـة وصياغـة البدائـل املالئمـة ،باإلضافـة إىل متابعـة
التنفيـذ ودراسـة اإلطار العام خلطـة التنميـة ومرشوعاهتا وتقاريـر متابعتها
والسياسـة املاليـة وأسـس إعـداد مشروع املوازنـة وأولويـات اإلنفـاق،
وكذلـك السياسـة التجاريـة على الصعيديـن املحلي والـدويل ،والقواعـد
املنظمـة لسـوق العمـل وأسـواق املـال ،ومرشوعـات األنظمـة واللوائـح
املتعلقـة بالشـؤون والقضايا االقتصاديـة وقضايا محاية البيئـة ،مع اإلرشاف
على برنامـج التخصيـص ومتابعة تنفيـذه .وتتمثـل اختصاصـات املجلس
فيما ييل:
ـ بلورة السياسة االقتصادية وصياغة البدائل.
ـ التنسـيق بين اجلهـات احلكوميـة التـي تتصل أعامهلـا مبـارشة باالقتصاد
الوطنـي؛ لتحقيـق الرتابط والتكامـل بني أعامهلا ،واختـاذ مجيع اإلجراءات
الالزمـة لذلك.
ـ متابعـة تنفيـذ السياسـة االقتصاديـة وما تقضي به قرارات جملـس الوزراء
يف الشـؤون والقضايـا االقتصاديـة ،واختـاذ مجيـع اإلجـراءات الالزمـة
لذلـك ،ورفـع تقريـر دوري بذلـك إىل جملس الـوزراء.
377
وعىل املجلس دراسة ما ييل:
ـ اإلطـار العـام خلطـة التنميـة ،الـذي تعـده وزارة االقتصـاد والتخطيـط،
مشروع اخلطـة ،تقاريـر متابعتهـا ،التقريـر االقتصـادي.
ـ السياسـة املالية وأسـس إعداد مشروع امليزانية وأولويـات أوجه اإلنفاق
التـي تبلورهـا وزارة املالية وتعـد ميزانية الدولـة عىل ضوئها.
ـ مشروع ميزانيـة الدولـة وميزانيـات األجهـزة ذات الشـخصية املعنويـة
العامـة التـي تعدهـا وزارة املاليـة.
ـ السياسـات التجاريـة على الصعيديـن املحلي والـدويل ،والقواعـد التـي
تنظـم سـوق العمـل وأسـواق املـال وحتمـي مصالـح املسـتهلك ،وتلك
التـي هتيـئ املنـاخ املالئـم للمنافسـة واالسـتثامر ،والسياسـات الصناعية
والزراعيـة التـي تعدهـا اجلهـات املعنية.
ـ مـا ترفعـه اللجـان واجلهـات احلكوميـة ملجلـس الـوزراء مـن تقاريـر
وغريهـا فيما يتعلـق بالشـؤون والقضايـا االقتصاديـة ،بما يف ذلـك مـا
يتصل بمسـتويات األسـعار السـائدة ،والرسـوم والرضائب والتعريفات
بأنواعهـا ،وإيـرادات الدولة واسـتثامراهتا وإنفاقهـا ومرصوفاهتا ،ووضع
الديـن العـام للدولـة ،والقـروض واالمتيـازات ،ومـا ترفعـه اللجنـة
الوزاريـة للتخصيـص ،وجلنـة التـوازن االقتصـادي ،واللجنـة الوزاريـة
املشـكلة باألمـر السـامي رقـم « »8/154بتاريـخ 1404/1/27هــ،
وأعمال اللجـان املشتركة يف املجـال االقتصـادي ،واحلسـاب اخلتامـي
للدولـة ،واحلسـابات اخلتاميـة لألجهـزة ذات الشـخصية املعنويـة العامـة.
ـ مرشوعـات األنظمـة واللوائـح املتعلقـة بالشـؤون والقضايـا االقتصادية
ومرشوعـات االتفاقـات االقتصاديـة والتجاريـة ،واألنظمـة التـي حتمي
البيئـة ،وذلـك بالتعاون مـع اجلهـات املختصة.
378
ـ ما حيال إليه من جملس الوزراء أو املقام السامي الكريم.
ـ اختـاذ ما يلزم إلعداد الدراسـات والتقارير والبحـوث حول املوضوعات
ذات الصلـة باالقتصـاد ،وذلك بتكليـف اجلهات احلكوميـة ذات العالقة
أو التعاقـد مـع بيوت اخلبرة أو االسـتعانة بمن يراه من اخلرباء .ويسـتمع
املجلـس االقتصـادي األعلى ملـا يقدمه حمافـظ مؤسسـة النقد السـعودي
من معلومـات وتقارير وسياسـات نقدية.
ـ إعـداد تقريـر دوري عـن االقتصـاد الوطنـي بنـاء على مـا تعـده اجلهات
ا ملختصة .
ـ ممارسـة االختصاصات التي تُسـند إليه نظا ًما (موقـع املجلس االقتصادي
األعىل).
وقـد حقق املجلـس االقتصـادي األعىل منجـزات مهمة لتعزيـز املناخ
االسـتثامري ،يف مقدمتهـا :إقـرار نظام االسـتثامر األجنبي ومشروع تنظيم
اهليئـة العامـة لالسـتثامر وإنشـاء صنـدوق تنمية املـوارد البرشيـة ومرشوع
نظـام االتصـاالت ،باإلضافـة إىل إقـرار معايير الشـفافية ونشر البيانـات
االقتصاديـة واملاليـة بشـكل دوري؛ واملوافقة عىل إستراتيجية التخصيص.
هـ ـ مدينة امللك عبدالعزيز للعلوم والتقنية
ُأنشـئت مدينـة امللـك عبدالعزيـز للعلـوم والتقنيـة بموجـب املرسـوم
امللكـي الكريـم رقـم «م »60/بتاريـخ 1397/12/18هــ باعتبارها هيئة
علمية ذات شـخصية اعتبارية مسـتقلة ملحقة إدار ًّيا برئيـس جملس الوزراء،
وتتمحـور أهدافهـا حـول دعـم البحـوث العلميـة وتشـجيعها وتنفيذهـا
لألغراض التطبيقية وتنسـيق األنشـطة املتعددة ملؤسسـات ومراكز البحوث
العلميـة وحتديـد األولويات والسياسـات الوطنية يف جمال العلـوم والتقنية..
وهـو مـا يوفر للتنميـة الصناعية الوسـائل واآلليـات الالزمة للحـاق بركب
379
التقـدم التقنـي املطرد يف جمـال الصناعـة ،ويتيح هلـا قاعدة تضمـن تواصلها
مـع متغيرات عرص الصناعـة احلديثـة ،وإجيـاد احللـول التطبيقيـة والعلمية
للمشـكالت الصناعيـة وصياغـة املنـاخ املالئـم للتحديـث والتطويـر وف ًقـا
ملعـدالت العصر ومعايير الزمن.
وتتمثـل اختصاصـات مدينـة امللـك عبدالعزيـز للعلـوم والتقنيـة فيما
ييل :
ـ اقتراح السياسـة الوطنيـة لتطويـر العلـوم والتقنية ووضع اإلستراتيجية
واخلطـة الالزمـة لتطويرها.
ـ تنفيذ برامج بحوث علمية تطبيقية خلدمة التنمية يف اململكة.
ـ مسـاعدة القطاع اخلـاص يف تطوير بحوث املنتجـات الزراعية والصناعية
التي تتم عـن طريقها.
ـ دعـم برامج البحوث املشتركة بين اململكة واملؤسسـات العلمية الدولية
ملواكبـة التطويـر العلمـي العاملـي ،سـواء أكان عن طريـق املنـح أم القيام
بتنفيذ بحوث مشتركة.
ـ تقديـم منح دراسـية وتدريبيـة لتنمية الكفايـات الرضورية للقيـام بإعداد
وتنفيـذ برامـج البحـوث العلميـة وتقديـم منـح لألفـراد واملؤسسـات
العلميـة للقيـام بإجـراء بحـوث علميـة تطبيقية.
ـ التنسـيق مع األجهزة احلكومية واملؤسسـات العلميـة ومراكز البحوث يف
اململكـة يف جمـال البحـوث وتبادل املعلومـات واخلربات ومنـع االزدواج
يف جمهودهـا .ولتحقيـق ذلـك تُشـكّل جلـان تنسـيق تتكون من خبراء يف
األجهـزة واملؤسسـات احلكوميـة التي يتصـل عملها بأعمال املدينة.
كثيرا مـن املنجـزات يف جمـاالت
ً وقـد حققـت املدينـة منـذ إنشـائها
380
البحـوث والدراسـات العليا وبـراءات االخرتاع وبحـوث الفضاء والفلك
كثيرا مـن بحـوث املـوارد الطبيعيـة والبيئيـة
ً واجليوفيزيـاء ،كما أنجـزت
وبحـوث احلاميـة مـن أخطـار املـواد املشـعة ،ووجهـت جان ًبا من أنشـطتها
لتنميـة القـوى العاملة وتطويرهـا ،بالتعاون مـع وزارة االقتصاد والتخطيط
وبمشـاركة واسـعة مـن خمتلـف اجلهـات املعنيـة يف اململكة.
ومتتـد دراسـات واستشـارات وخدمـات املدينـة إىل معظم الـوزارات
يف اململكـة ،ومنهـا :وزارات التعليـم العـايل والتجارة والصناعـة والصحة
والزراعـة والداخليـة والدفـاع والطيران ،بينما تتصـدر املؤسسـات
الكبرى التـي تتعامـل معهـا املدينـة رشكات أرامكـو السـعودية وسـابك
واالتصـاالت السـعودية والسـعودية للصناعـات الدوائية واملسـتحرضات
الطبيـة (سـبيامكو الدوائيـة) واإللكرتونيـات املتقدمة والسـعودية للكهرباء
ومعـادن واملراعي ونادك وسـعودي أوجيـه وجمموعات كابلات الرياض
(موقـع مدينـة امللـك عبدالعزيـز للعـوم والتقنية).
و ـ مدينة امللك عبداهلل للطاقة الذرية واملتجددة
نشـئت مدينـة امللـك عبـداهلل للطاقـة الذريـة واملتجـددة يف شـهرُأ ِ
مجـادى األوىل عـام 1431هــ (أبريل عـام 2010م) ،وهي هتدف املسـامهة
يف التنميـة املسـتدامة يف اململكـة العربيـة السـعودية ،وذلـك باسـتخدام
العلـوم والبحـوث والصناعـات ذات الصلـة بالطاقـة الذريـة واملتجددة يف
األغـراض السـلمية ،بما يـؤدي إىل رفـع مسـتوى املعيشـة وحتسين نوعيـة
احليـاة يف اململكة .وتقـوم املدينة بدعم ورعاية نشـاطات البحوث والتطوير
وتوطين التكنولوجيـا يف جمـاالت اختصاصاهتا وحتديد وتنسـيق نشـاطات
مؤسسـات ومراكـز البحـوث العلميـة يف اململكـة يف هـذا املجـال ،وتنظيم
381
املؤمتـرات املحليـة واملشـاركة يف املؤمتـرات الدوليـة وحتديـد األولويـات
والسياسـات الوطنيـة يف جمـال الطاقـة الذريـة واملتجـددة بقصد بنـاء قاعدة
علميـة تقنيـة يف جمـال توليـد الطاقـة وامليـاه املحلاة ويف املجـاالت الطبيـة
والصناعيـة والزراعيـة والتعدينيـة والعمـل على تطويـر الكفايـات العلمية
الوطنيـة يف جمـاالت اختصاصاهتـا .وتشـتمل هـذه املدينـة على متطلبـات
البحـث العلمـي ،كاملختربات ووسـائل االتصـاالت ومصـادر املعلومات،
كما تشـتمل على مجيـع املرافـق الالزمـة للعاملين يف املدينـة ،وهلا يف سـبيل
حتقيـق أغراضهـا ـ دون أن يكـون يف ذلـك حتديـد الختصاصاهتـا ـ القيام بام
ييل :
ـ اقتراح السياسـة الوطنية للطاقة الذرية واملتجددة ووضع اخلطة واإلستراتيجية
الالزمتني لتنفيذها واقتراح األنظمة واللوائح ذات الصلة.
ـ تنفيـذ برامج بحوث علميـة تطبيقية يف جمال اختصاصاهتا ،سـواء بمفردها
أو باالشتراك مع اآلخرين داخـل اململكة وخارجها.
ـ حتفيـز القطـاع اخلـاص لتطويـر بحـوث املنتجـات الطبيـة والزراعيـة
والصناعية والتعدينية وتوليد الطاقة واملياه املحالة وترشـيد اسـتخدامات
الطاقـة للمحافظـة على املـوارد الطبيعيـة وحتسين كفاية اسـتخدامها.
ـ تقديـم منح دراسـية وبرامج تدريبيـة؛ لتنمية الكفايـات الرضورية للقيام
بإعـداد وتنفيذ برامج البحـوث العلمية.
ـ إصـدار التنظيمات اخلاصـة بالوقايـة مـن أخطـار اإلشـعاعات الذريـة
بالنسـبة للعاملين املتخصصين واجلمهـور.
ـ متثيـل اململكـة أمـام الوكالـة الدوليـة للطاقة الذريـة واملؤسسـات الدولية
األخـرى ذات الصلة.
382
ـ تشـجيع البحـوث التـي جيرهيـا األفـراد واملؤسسـات واهليئـات املعنيـة يف
اجلامعـات ومراكـز البحـوث يف اململكـة التـي تقرهـا املدينة.
ـ إنشـاء املعاهـد الالزمـة لتدريـب اختصاصيني يف جماالت النشـاط الذري
والوقايـة الصحية.
ـ للمدينـة أن تنشـئ وتديـر مرشوعـات لتحقيـق أغراضهـا أو تقيـم مـع
اآلخريـن مرشوعـات مشتركة.
ـ التعـاون مـع املؤسسـات واملنظامت املامثلـة يف الدول األخـرى واملنظامت
الدوليـة ومراكـز البحـوث العامليـة (موقـع مدينـة امللـك عبـداهلل للطاقة
الذريـة واملتجددة).
ز ـ وزارة االقتصاد والتخطيط
تُعنـى وزارة االقتصـاد والتخطيـط بوضع اخلطـط التنموية اخلمسـية،
كما تعمـل على التنسـيق بين اجلهـات احلكوميـة؛ لتحقيـق أولويـات
السياسـات املحـددة ،وحتقي ًقـا هلـذه الغايـة فـإن الـوزارة تقـوم بما يلي:
ً
حتليلا القتصادها ـ إعـداد تقريـر اقتصـادي دوري عـن اململكـة يتضمـن
ويبين مـدى التقـدم يف هـذا املجـال ومـا ُيتو َّقع فيـه من تطـورات.
ـ إعداد خطط التنمية اخلمسية للمملكة.
ـ تقديـر إمجـايل املبالـغ الالزمـة لتنفيـذ خطـط التنميـة التـي يوافـق عليهـا
أساسـا لوضـع امليزانيـة العامة
جملـس الـوزراء ،وتكـون هـذه التقديرات ً
للدولة.
ـ إجـراء الدراسـات االقتصاديـة الالزمـة يف املواضيـع التـي تتطلـب ذلك
وتقديـم التوصيـات التـي تنتهـي إليها.
383
ـ مجـع وحتليـل ونشر البيانـات واملعلومـات اإلحصائية بمختلـف جماالهتا
االجتامعيـة واالقتصاديـة والسـكانية ،وإجـراء خمتلـف األبحـاث
اإلحصائيـة حسـب االقتضـاء.
ـ مساعدة اجلهات احلكومية األخرى يف املسائل املتعلقة بالتخطيط واإلحصاءات.
ـ تقديـم املشـورة الفنيـة فيما يكلفهـا بـه خـادم احلرمين الرشيفين واإلعـداد
واإلرشاف على تنفيـذ عمليـة التعـداد العـام للسـكان واملسـاكن يف اململكـة.
ـ مجـع البيانـات اإلحصائيـة التـي تـرد مـن األجهـزة احلكوميـة األخـرى
وتبويبهـا وحتليلهـا واالسـتفادة منهـا يف إعـداد النشرات اإلحصائيـة.
وقـد قامـت الـوزارة ـ منـذ انطلاق مسيرة التخطيـط يف اململكـة ـ
بوضـع ثماين خطـط تنمويـة كانـت آخرها خطـة التنميـة التاسـعة (2010
–2014م)التـي اشـتملت عىل فصل مسـتقل عن البيئة والتنمية املسـتدامة،
تـم فيـه تنـاول الوضـع الراهـن للبيئـة يف اململكـة ،وبحـث أهـم القضايـا
والتحديـات البيئية ،واسـتعرض األهـداف العامة والسياسـات واألهداف
املحـددة للعمـل البيئـي (اهليتـي2011 ،م ،ص.)107
ح ـ وزارة الزراعة
تـم إنشـاء وزارة الزراعـة وامليـاه بموجـب املرسـوم امللكـي رقـم
« »4851/21/5يف 1373/4/18هــ ،ويف عـام 2003م صـدر األمـر
امللكـي بفصـل امليـاه عـن الزراعـة ،وأخـذت وزارة الزراعـة على عاتقهـا
حتقيـق اآليت:
ـ وضع وتنفيذ اخلطط والربامج اهلادفة إىل التطوير الزراعي املتوازن.
ـ تقديـم اخلدمـات الفنيـة والقـروض بالطريقـة التـي تكفـل توفير مجيـع
الظـروف املالئمـة لالسـتثامر الزراعـي.
384
ـ وضـع السياسـات وتنفيـذ اإلجـراءات والتنظيمات اهلادفـة إىل املحافظة
عىل املـوارد الزراعية والسـمكية والطبيعية واسـتخدامها بكفاية اقتصادية
وفنيـة عالية.
ـ تدريب الكوادر الوطنية من املزارعني لرفع كفايتهم اإلنتاجية.
وقامـت وزارة الزراعـة بدعم املزارعين بمختلف الوسـائل والطرق،
وشـجعت مـريب احليوانـات وصيـادي األسماك ،كما قامـت باسـتصالح
األرايض البـور وتوزيعهـا على املسـتثمرين ،فتوسـعت الزراعـة وتعددت
املنتجـات الزراعيـة وتنوعـت وزادت وحتسـنت الثـروة احليوانيـة وإنتـاج
الدواجـن حتـى وصلـت إىل حـد االكتفـاء الـذايت ،بـل تعدتـه إىل تصديـر
بعـض املنتجـات .كما اهتمـت الـوزارة باملراعـي والغابـات وعملـت عىل
حتسـينها وزيـادة رقعتهـا؛ ألهنـا مـوارد طبيعيـة متجددة.
.5اخلالصة
على الرغم مـن التقـدم املحرز يف كثير من جوانـب التنمية املسـتدامة
التـي حققتهـا اململكـة العربيـة السـعودية ،فـإن هنـاك بعـض التحديـات
التـي تواجـه التنمية املسـتدامة بأبعادهـا املختلفة تسـتدعي اختـاذ إجراءات
وخطـوات عمليـة ملواجهـة هـذه التحديـات وحتقيـق النمـو االقتصـادي
املسـتدام ومحاية البيئة،والعدالـة االجتامعية والبناء املؤسسي املتني .ويمكن
إجيـاز أهم هـذه التوصيـات واملقرتحـات يف اآليت:
ـ تكثيـف اجلهـود مـن أجل تعزيـز عمليـة التنويـع االقتصادي عـن طريق
تنميـة القطاعـات االقتصاديـة غير النفطيـة مـن خلال االسـتمرار يف
تشـجيع صناعـات وخدمـات بغـرض التصدير ،مـع تطويـر الصادرات
385
غير النفطيـة بما يسـهم يف زيـادة إسـهامها يف الناتـج املحلي اإلمجـايل
ً
مسـتقبل وهيكل الصادرات؛ ألن تنافسـية االقتصاد السـعودي سـتعتمد
على هـذه القطاعـات بعـد انتهـاء املـوارد الكربونيـة الناضبة.
ـ توفير احلوافـز التـي تشـجع على انخـراط املواطنين يف العمـل بالقطاع
خصوصـا أن القطـاع العـام قـد وصـل إىل حـد التشـبع ،وهذا
ً اخلـاص،
أيضـا مـن العاملـة املواطنـة أن تكتسـب املهـارات الفنيـة التـي
حيتـاج ً
حتتاجهـا سـوق العمـل يف القطـاع اخلـاص.
ـ العمـل على حتقيـق املواءمـة بين خمرجـات نظـام التعليـم والتدريب من
ناحيـة ،ومتطلبـات التنميـة واحتياجـات سـوق العمـل مـن مهـارات
وختصصـات مـن ناحيـة أخرى ،وهـذا يتطلـب النظـر يف مناهـج التعليم
خصوصـا يف
ً وبعـض التخصصـات النظريـة التـي قـل الطلـب عليهـا،
بعـض جمـاالت العلـوم االجتامعية واإلنسـانية ،والرتكيز على ختصصات
العلـوم واهلندسـة التـي حيتاجهـا سـوق العمل.
ـ تعزيـز القـدرة التنافسـية لالقتصـاد السـعودي مـن خلال توفير قاعدة
قويـة ألنظمـة العلـوم والتكنولوجيـا تكـون متكاملـة بمقوماهتـا البرشية
واملاديـة واملؤسسـية ،وهـذا يتطلـب رفـع التخصيصـات املاليـة لإلنفاق
على البحـث العلمـي والتطويـر كنسـبة مـن الناتـج املحلي اإلمجـايل،
وكذلـك زيـادة أعـداد املشـتغلني يف جمـاالت البحـث العلمـي والتطوير
مـن العلماء واملهندسين والتقنيين.
ـ اإلرساع يف وضـع إستراتيجية للمـوارد املائيـة تضمـن حسـن اسـتخدام
املـوارد املائيـة اجلوفيـة واالسـتفادة مـن املصـادر املائيـة األخـرى ،وتبني
اإلدارة املتكاملـة للمـوارد املائيـة؛ لتشـمل تطويـر املصـادر املائيـة ،وبناء
نظـم التوزيـع والتخزيـن واملعاجلـة هبـدف ختفيـض الفاقـد وتعظيـم
386
إعـادة االسـتخدام ،وترشـيد االسـتهالك النهائـي مـن خالل سياسـات
وإجـراءات وقواعـد متكاملـة ومرتابطـة ختـدم هـذا اهلـدف.
ـ اسـتكامل وتطويـر القواعـد واألنظمـة التـي تـم وضعهـا حلاميـة البيئة يف
ضـوء التجـارب الدوليـة واإلقليمية واملحليـة ،وآخر التطـورات يف جمال
العلـوم والتكنولوجيـا ذات العالقـة بالتأثير على البيئـة؛ وذلـك لضامن
االلتـزام الكامـل باملعايير البيئية.
ـ تطبيـق مجيـع الربامـج واخلطـط التـي جـاءت يف اإلستراتيجية الوطنيـة
ملكافحـة التصحـر؛ وذلـك للحـد مـن التدهـور املسـتمر يف األرايض
والعمـل على اختـاذ السـبل كافـة للحـد مـن إزالـة الغابـات.
ـ العمـل على وضـع قواعـد ونظـم للحوافـز ،تسـهم يف خلق بيئة مناسـبة
لإلبـداع واالبتـكار مـن أجـل االرتقـاء بمخرجـات البحـث العلمـي
خصوصـا فيما يرتبـط بإنتاجية الباحثين وزيادة عـدد براءات
ً والتطويـر،
االختراع الصـادرة ،وذلـك للوصول إىل مسـتويات تضاهـي ما وصلت
إليـه الـدول املتقدمـة صناع ًّيا.
387
املراجـــع:
موقع البوابة اإللكرتونية للمملكة العربية السعودية .
http:///www.saudi.gov.sa.
موقع الرئاسة العامة لألرصاد ومحاية البيئة.
http://www.pme.gov.sa/wakaltalshoon.asp.
موقع املجلس االقتصادي األعىل.
http://www.sec.gov.sa.
موقع مدينة امللك عبدالعزيز للعلوم والتقنية.
http://www.kacst.edu.sa.
موقع اهليئة الوطنية حلامية احلياة الفطرية وإنامئها.
http://www.ncwcd.gov.sa.
موقع وزارة االقتصاد والتخطيط.
http://www.mep.gov.sa/index.
النويصر ،خالـد ( 2007م) .املسـؤولية القانونيـة عـن األرضار البيئيـة،
صحيفـة االقتصاديـة السـعودية 31 ،مايـو.
اهليتـي ،نوزاد عبدالرمحـن (2011م) .التنميـة املسـتدامة يف اململكة العربية
السـعودية ،مؤسسـة الياممة الصحفيـة ،الرياض.
388
الفصل احلادي عرش
التنمية املستدامة ..االنتقادات والتحديات
والرد عليها
املقدمـة
على الرغم مـن رسعة انتشـار مصطلـح التنميـة املسـتدامة ،وعقالنية
منطلقاتـه ،واتسـاقها مـع مفاهيـم العدالـة والرمحـة والتضحية التـي تدعو
إليهـا العقائـد السماوية على اختالفها ،ومـع كل الدعـم واملسـاندة اللذين
حظيـت هبام سياسـات التنمية املسـتدامة وبراجمهـا عىل املسـتويات الدولية،
واإلقليميـة ،واملحليـة؛ إال أهنـا تعرضـت للنقـد والتشـكيك مـن ِقبل كثري
مـن اجلهـات السياسـية ،والفكريـة ،والتنمويـة ،وإن كانـت أغلـب هـذه
االنتقـادات ذات طابـع تنظيري وأكاديمي.
و ُيضـاف إىل هـذه االنتقـادات كـم آخر مـن الصعوبـات ،واملعوقات،
عم سـيواجه التنمية املسـتدامة عىل
والتحديـات التي يسـتحرضها البعـض َّ
مسـتوى التطبيـق يف الـدول املتقدمة والـدول النامية عىل وجـه اخلصوص،
أيضـا يتباينـون يف تشـخصيها وتصنيفهـا ،ويف تعليـل أسـباهبا
وهـؤالء ً
وآثارها.
وقـد حاولـت يف هـذه الصفحـات أن أقـف عنـد أهـم االنتقـادات
والعقبـات والتحديـات؛ مسـتعينًا بما كُتـب ونُشر عنهـا يف الدراسـات
درسـتهماألجنبيـة والعربيـة ،إضافـة إىل ما ُيسـاورين وبعـض طلبتي الذين ّ
مقـررا علم ًّيا حـول أبعـاد التنمية املسـتدامة وقضاياهـا التنمويـة واإلدارية
ً
يف برنامـج الدكتـوراة.
وكل مـا أمتنـاه هـو أال يكـون يف عرضها هنـا جمتمع ًة مدعاة للتشـكيك
بامهية التنمية املسـتدامة وأمهيتها ،أو دعـوة للتخفيف أو التقليل من االهتامم
391
الـذي ينبغـي أن حتظى به مـن ِقبل األفـراد ،واملنظامت ،واحلكومـات؛ وإنام
املقصـود مـن هـذه الصفحـات هـو التعريـف بالشـكوك املثـارة حوهلـا،
فالشـك غال ًبـا مـا يكـون طري ًقا إىل اليقين ،وهذا ما سـعت إليه الـدول منذ
وفكرا ترتمجه
ً وهنجـا لتطوير منظامهتـا،
ً ً
مدخلا لنهضـة جمتمعاهتا، أن تبنتهـا
القيـادات حفا ًظـا عىل مسـتقبل أجياهلا.
392
2ـ وهنـاك مـن يضيـف إىل هـذا النقـد املتعلق بإنصـاف األجيـال القادمة
مربرا علم ًّيا وال فلسـف ًّيا للمضي يف منطلقاهتا
القـول بـأن ذلك ال يعدو ً
وسياسـاهتا التـي تق ّيـد أبنـاء هـذا اجليـل ،قائلين :ملـاذا ال نـدع أبناءنا
يعيشـون حياهتـم ،ويواجهـون مشـكالهتم ويتحسسـون احتياجاهتـم
مثلما فعـل آباؤهـم الذيـن ما فكـروا بام سيرثونه مـن أسلافهم ،ومع
ذلـك اسـتطاعوا التكيـف مـع واقعهـم ،واالنطلاق مـن معاناهتـم.
والناقـدون هنـا يـرون أن األبنـاء الذيـن يركنـون إىل مـا يرثونـه مـن
األجـداد واآلبـاء مـن ممتلكات وخيرات ،غال ًبـا ما يكونـون اتكاليني،
أو أقـل اجتهـا ًدا وإبدا ًعـا ،أو رشـدً ا ،أو اعتما ًدا على الـذات مـن أبناء
الفقـراء واملعوزيـن ،الذيـن مل يرثـوا مـا يتواكلون بـه ويعتمـدون عليه
مـن تعـب غريهم.
3ـ ويف نطـاق العدالـة واإلنصـاف بين األجيـال ،يـرى آخـرون أن توزيع
املنافـع واملـوارد واخليرات بين األجيـال ال يقتضي حتقيـق العدالة يف
حتمـل هـذه األجيـال املتعاقبـة خماطـر وأعبـاء الكـوارث واألزمـات
واحلـروب التـي يتعرضـون إليهـا؛ ليكونـوا متسـاوين يف الضراء
حتمل جيـل بعينه
والسراء ..وألن ذلـك لـن يكـون ممكنًـا؛ ملـا فيه مـن ّ
أكثـر مما حيتمل مـن املعاناة ،ثم مـن التضحية واإليثـار لصالح القادمني
لكـي يولـدوا ومالعـق الذهـب يف أفواههـم؛ فاالسـتدامة ووراثـة
اإلرادة والكرامـة لـن تتحقـق ملـن ورثوا الرفاهيـة واجلدة والفـراغ ،إن
مل تـؤ ِّد إىل املفسـدة والكسـل والرتاجـع .وإذا كان أبناء اجليـل احلايل قد
ورثـوا التخلـف والفقـر واجلهـل ممن سـبقهم ،فليـس من املعقـول أن
نطالبهـم باحلدّ من اسـتثامر مواردهـم ،وترسيع عمليـة تنميتهم بذريعة
التضحيـة واإليثار.
393
4ـ إن التنميـة املسـتدامة سـتار تتخفـى وراءه الـدول األقـوى ،لسـحب
بسـاط السـيادة مـن حتـت أقـدام الـدول األضعـف؛ فأصحـاب هـذا
النقـد يـرون أن عقـد مؤمتـرات القمـم العامليـة املتواليـة ،والتوقيع عىل
االتفاقـات ملزمـة التطبيق ،التي يتـم التوقيع عليهـا يف املحافل الدولية
بعضـا مـن سـلطاهتا كثيرا مـا يسـلب الـدول ًً ومنظامهتـا املتخصصـة،
ظاهرا
ً تتعهـد بتنفيذها ،و ُيـراد منها
ونفوذها ،بسـبب االلتزامـات التي ّ
حتقيـق العدالـة واإلنصاف ،واحترام حقوق اإلنسـان ،أو منع املخاطر
واألرضار التـي تصيـب البيئـة الكونية ،وغريها مـن الذرائع ،لكن هذه
الـدول األقـوى واألغنـى يف العامل ال تـزال هـي امللوث األكبر للبيئة،
واملسـتنزف األخطـر لثـروات الـدول الناميـة؛ ومـع ذلـك مل تلتـزم بام
تفرضـه عليهـا االتفاقات والربوتوكـوالت الدولية ،كتلـك الداعية إىل
خفـض معـدالت الغـازات بنسـبة %5سـنو ًّيا ،وترفـض إلغـاء ديوهنا
وفوائدهـا املرتتبـة هلـا عىل الدول األفقـر يف العامل .فأمريكا ـ عىل سـبيل
املثـال ـ املسـؤولة عـن بـث ثلـث الغـازات امللوثـة للبيئـة الكونيـة ،قد
أصلا عـن توقيـع بروتوكـول كيوتـو ()Kyoto Protocol ً امتنعـت
عـام 1997م ،وأن حكومـة جـورج بـوش االبـن قـد تراجعـت عـن
التسـهيالت السـابقة حلكومـة كلينتـون هبـذا الشـأن ،ناهيـك عـن
حمدوديـة املسـاعدات التـي تُقدمهـا الـدول الغنيـة إىل الـدول األفقر يف
العـامل ،التـي بلغـت ديوهنا مخسين ضع ًفا ،حلجم املسـاعدات التـي قدّ متها
مجيـع الـدول املتقدمـة إىل البلـدان املتخلفـة ،التـي باتـت تدفـع مـا يعادل
حذرت سـيلفي برونيل سـبعة دوالرات مقابـل كل دوالر اسـتدانته .وقـد َّ
( )Sylvie Brunelعـام 2004م مـن خطـر حتـول التنميـة املسـتدامة إىل
سـتار لأليديولوجيا التـي يطرحها النظـام العاملي اجلديد والقـوى املتخفية
394
وراءه داخـل غرفهـم املغلقـة فيتـم فرضهـا على احلكومـات ،مـن دون
مراعـاة لـردود فعـل املجتمعات (جملـة تيـارات ،ع .)36
توجـه إىل التنميـة
5ـ ترجـع بعـض االنتقـادات الفكريـة والعلميـة التـي َّ
املسـتدامة إىل الطبيعـة املعقـدة التـي حتملهـا عنارصهـا الثالثـة ،3Es
املتمثلـة يف االقتصـاد والبيئـة والعدالـة Economy, Environment
.and Equityوالتسـاؤالت التـي يطرحها املنظرون والفالسـفة حول
التداخلات واألولويـات التـي تتقـدّ م على غريهـا كقوهلم:
ـ لصالـح مـن تتحقـق االسـتدامة؟ وكيف تتحقـق؟ ومن املسـؤولون
عـن حتقيقها؟
ـ هـل احلكومـات عبر السياسـات واإلستراتيجيات ،أم املجتمعـات
عبر التضحيـات وتغيري العـادات؟
ـ هـل سـيحتاج املسـتقبل وأجيالـه إىل املـال والفـرص املاديـة ،أم أهنم
سـيحتاجون إىل الرفاهيـة واملتعـة واجلمال؟!
فالتوسـعيون ( )Expansionistهلـم إجاباهتـم املختلفـة عـن اإليكولوجيني،
أيضـا
أصحـاب اإليكولوجيـة العميقـة ( ،)Deep Ecologyوهـؤالء ً
خيتلفون عن الوسـطيني واملعتدلين ،أو عن التدرجيين (.)incrementalist
(الغامـدي2007 ،م).
وخيتـم هـؤالء نقدهـم بالقـول :إن التحـول نحو االسـتدامة املنشـودة
ال يبـدو ممكنًـا مـن دون حـدوث تغيير جذري على مسـتوى النموذج
املعـريف السـائد ،بعيـدً ا عـن مفاهيـم احلداثـة الغربيـة القائمـة على
االسـتعالء واالسـتغالل املتمركز حول اإلنسـان ،وحاجاته ،ودوافعه،
وطموحاتـه باجتـاه نمـوذج معـريف جديـد ( ،)Paradigmيتصـف
بالشـمول والتكامـل والنظـر إىل العـامل بوصفـه وحدة كونيـة مرتابطة،
395
وليـس جمـرد أقطـار متباعـدة ومتناثـرة ومتباينـة يف أنماط عيشـها
وأسـاليب إدارهتـا.
ومـن شـأن هـذا النمـوذج املعـريف البديـل أن يو ِّفـق بين املغالين يف
حـب اإليكولوجيـا وعنارصهـا ،واملغالني يف حقوق البرش وتسـيدهم،
ـي ،بـل الواقعيـة والوسـطية مـن أجل إزالـة هذا ِ
فلا تشـدد وال ت ََراخ َ
التعـارض الفكـري والعلمـي املرافـق للتنميـة املسـتدامة كما يطرحها
أنصارهـم اليـوم.
6ـ وتظـل للسياسـيني واملتحزبني ،وكذلك ألصحاب الشركات العمالقة
ومتعـددة اجلنسـيات انتقاداهتـم للتنميـة املسـتدامة؛ فرجـال األحزاب
الذيـن يصلـون إىل السـلطة عبر صناديـق االنتخـاب وف ًقـا لرباجمهـم
كثيرا باحتياجـاتً احلزبيـة ،التـي َي ِعـدون هبـا ناخبيهـم ،ال يأهبـون
األجيـال القادمـة ،مثلما حيرصـون على سـدّ االحتياجـات األساسـية
للمصوتين هلـم يف صناديـق االنتخابـات .وحين يصلون إىل السـلطة
ال يمكنهـم مطالبـة مجاهريهـم وأنصارهـم بالصبر واالنتظـار ،أو
باإلنصـاف وتقاسـم الثـروات مـع األجيـال القادمـة ،وبشـدِّ األحزمة
على البطـون ،أو أن يقلصـوا مـن اسـتخدامهم لسـياراهتم اخلاصة ،أو
توفير املـاء والكهربـاء؛ للحفـاظ على طبقـة األوزون مـن االتسـاع.
وكذلـك التجـار وأصحـاب رؤوس األمـوال الذين يودعـون أمواهلم
يف األسـهم ،والبورصات ،والسـندات؛ غري مسـتعدين لسماع مديري
الشركات وأعضـاء جمالـس اإلدارة بعـدم التفـاؤل إزاء أرباحهـم؛
ألهنـم سـيقلصون أنشـطتهم ،أو يزيدون مـن تطبيقهم ملعايري السلامة
واالسـتدامة ،أو تبنيهـم االقتصـاد األخرض؛ للحصول عىل الشـهادات
والعالمـات اخلضراء.
396
وهـذا يعنـي أن التنميـة املسـتدامة يف ظـل منطلقـات الفكـر املـادي
الغـريب لـن حتظى بقبـول وتأييد مجيع األطـراف ،ذات املصالـح املتباينة
واملتناقضـة التـي تتصـارع عىل مواقـع اختـاذ القـرارات وإدارة الدولة.
وسـتكون مسـتحيلة إذا ما أريـد منها أن تلبـي االحتياجات األساسـية
جلميـع سـكان الكوكـب ،ناهيـك عـن رفاهيتهم وتعايشـهم السـلمي
ظـل هـذا التفـاوت يف الثـروات ،وعدم العدالـة يف توزيعهـا :عامل ًّيا، يف ّ
وإقليم ًّيـا ،وحمل ًّيـا (النجـار2010 ،م).
وخالصـة القـول بعد هـذا العرض املوجـز ألهم االنتقـادات املوجهة
إىل التنميـة املسـتدامة :إهنـا على الرغم مـن بسـاطتها ومعقوليتهـا بوصفها
ً
طويلا أو تكـون بعيـدة املنال يف فكـرة ومفهو ًمـا ،سـيظل الطريـق أمامهـا
مصطلحـا واعدً ا
ً كثير مـن دول العـامل الثالـث عىل األقـل .ولكنها سـتبقى
قابلا لالنتشـار والتوسـع والتطبيـق ،مـن دون أن يرتبـط ذلـك وجتريد ًّيـا ً
بمـكان أو بزمـان ،أو يتـم فرضها بالقرس واإللـزام (املنظمة العربيـة للتنمية
اإلداريـة2011 ،م).
397
وتفاؤهلـم ،أو يف انحيازهـم وحيائهـم؛ فهـم ـ مـن دون شـك ـ خيتلفون يف
علما بـأن العقبات التي
الفلسـفة واملعرفـة ،أو يف األهـداف والطموحـاتً ،
س ُيشـار إليهـا يف هـذه الصفحات هـي يف الغالـب متعلقـة بالبيئـة الداخلية
واملجتمعيـة بينما تعـدُّ التحديـات أشـد صلـة بالبيئـة اخلارجيـة والدوليـة،
وفيما يلي أمهها:
1 .2التحدي املعريف واملعلومايت والتقني
التنميـة املسـتدامة ـ كما هـو معلـوم ـ ميـدان متعـدد التخصصـات
ّ
وتتعـذر اإلحاطـة واملجـاالت ،وعلومهـا ومعارفهـا مرتابطـة ومتداخلـة،
الشـاملة هبا ،كام يصعب جتاهلهـا عند التعامل مع موضوعاهتـا ،وقضاياها،
وظواهرهـا .فبيئة اإلنسـان ـ عىل سـبيل املثال ـ وهي أحد مكونـات التنمية
تضـم املجـال احليـوي املتم ِّثل يف املـاء ،واهلـواء ،واألرض ومن
ُّ املسـتدامة،
يضـم الثـروات ،والطاقـات،ُّ عليهـا مـن األحيـاء .واملجـال االقتصـادي
واملعـادن الكامنة يف باطـن األرض والبحار .واملجـال االجتامعي املتمثل يف
الثقافـة ،واحلضـارة ،والقيم ،والعقائـد ،والعادات ،والتقاليـد ،واالنتامءات
املؤثرة يف السـلوكات.
ومـن املنطقـي أن يكـون هنـاك كـم هائـل مـن املعرفـة املرتاكمـة،
التـي تسـتوجب هـي ذاهتـا اإلدامـة واالسـتدامة (Sustainability of
.)Knowledgeوهـي مهمـة ال يقـوى كثير مـن احلكومـات واهليئـات
الترشيعيـة على مواكبتهـا والنهـوض هبـا ،ليتـم توظيفهـا وترمجتهـا إىل
سياسـات وإستراتيجيات ،ومـن ثـم حتويلهـا إىل أنظمـة وترشيعـات ،أو
فكثيرا مـا تكتشـف
ً برامـج ومرشوعـات .وإن فعلـت وأقدمـت عليهـا،
ترسعـت أو أخطـأت ،وإن متهلت أو أبطـأت؛ فسـتجد أن الفجوة بني أهنـا َّ
398
طموحاهتـا ووعودهـا وبين منجزاهتـا أو خمرجاهتا قد اتسـعت ،وعندها لن
حتمـل غضـب النـاس ،الذيـن طـال انتظارهـم ونضب يكـون بمقدورهـا ّ
صربهـم.
2 .2تعـدد الـرؤى والنظريـات إزاء مكونـات التنميـة املسـتدامة
وانعكاسـاهتا على حتديـد األولويـات واملسـارات واآلليـات
ينظـر املاديـون والنفعيـون إىل البيئـة والطبيعـة على أهنـا مـواد خـام
وثـروات جمانيـة متاحـة للبشر ،ومـا عليهـم إال أن ينتفعـوا منهـا بأقصى
احلـدود ،وقد دعمتهم التفسيرات امليتافيزيقية والدينيـة القائلة بأن األرض
ومـا عليهـا ومـا بباطنهـا هبـة مـن اهلل خللقـه ،باسـتثناء املنظور اإلسلامي
الـذي طـرح نظريـة العمـران واالسـتخالف .وقـد شـاعت هذه الفلسـفة
لقـرون ،وال تـزال حتظـى بدعـم البعـض مـن أتباعهـا الذيـن ينظـرون إىل
اإلنسـان على أنـه املتغير املسـتقل ،القـادر على اسـتغالل واسـتثامر حميطه
وبيئتـه؛ بحكـم عقلـه ،وإرادتـه ،ومسـؤولياته التـي مكَّنـه اهلل مـن إدارهتا.
غير أن نظريـات أخـرى مغايرة يدعـو إليهـا اإليكولوجيـون ترى أن
اإلنسـان جـزء مـن الطبيعـة وتابـع هلـا وليـس اسـتثناء فيهـا ،وإن كان هـو
املكـون الديناميكـي واحلي الذي لـه قابليـة اإلدراك والفهـم ،لكن ذلك ال
ّ
يعفيـه من وجـوب االحرتام ،والـوالء ،واملحافظـة عليها ،وعدم التعسـف
يف استغالهلا.
وقـد أضعفـت هـذه الرؤيـة مـا كان احلتميـون ()Determinists
يطرحونـه مـن كـون البيئة التـي سـبقت اإلنسـان يف وجودها ،هـي األقدر
على التحكـم يف البشر وف ًقـا لعنارصهـا أو فقرهـا ،وهـي التي حتـدّ د نمط
عيشـه ،ومسـتويات تقدمـه أو ختلفـه .ثـم ظهـرت النظريـات االحتامليـة
399
( ،)Possibilismوالـرؤى التوفيقيـة ( )Conciliationبين هـذه األفـكار
واملنطلقـات .ويف مثـل هـذه األجـواء التـي تتالقـح فيهـا آراء املنظريـن،
وتتعـدد فيهـا الـرؤى؛ يظهـر االختالف بين النخـب الفاعلـة يف املجتمع،
وغال ًبـا مـا يشـتد ليصـل إىل مراحـل مـن اخلالف والصراع بين األحزاب
املتنافسـة؛ حيـث تتبايـن مرشوعاهتـم وبراجمهـم بين اليمين واليسـار ،أو
بين املحافظين والليرباليين؛ وعندها تتناقـض اخلطط والربامـج لتعارض
املتعاقبين عىل السـلطة واحلكـم ،وكأن ما يبنيه بعضهم سـيهدمه اآلخرون.
وإزاء هـذا التحـدي ال بدّ من إعـادة الصياغة لعالقة اإلنسـان بالبيئة ،بعيدً ا
عـن اهليمنة والتضـاد بني مكونـات هذا النظـام الكوين املوحـد ،وأن يقوى
احلـوار بني أصحـاب األيديولوجيـات لتكـون التنمية املسـتدامة هي حلقة
الوصل فيما بينهـم (زيمرمـان2006 ،م).
3 .2ويطرح آخرون حتد ًيا آخر للتنمية املستدامة بقوهلم
إن الطاقـة االسـتيعابية لألنظمـة الطبيعيـة مثلما هـي لألنظمـة احليـة
بلا حـدود ،وحين تـؤدي السـلوكات والسياسـات النافـذة هنـا أو هناك
إىل جتـاوز هـذه احلـدود ،فتتجـاوز احلـد األقصى لقـدرات هـذه النظـم
واملكونـات؛ فإهنـا بذلـك تتعـرض إىل االهنيـار أو الرتاجـع واالندثـار؛
وعندها سـتكون تكاليـف إعادة احلياة والصحـة إليها مسـتحيلة أو باهظة،
وخير مثال عىل ذلك ظاهـرة االحتباس احلراري ،واتسـاع فجوة األوزون
املحيـط بـاألرض .ومـع أن أخطارهـا وأرضارهـا سـتكون كونيـة وعاملية،
إال أن اجلـدل واالختلاف ال يـزاالن حمتدمين حـول تقاسـم املسـؤولية
وحتمـل األعبـاء النامجة عنهـا أو الكفيلـة بمواجهتها ،وتب ًعا لذلك سـتكون
ُّ
التنميـة املسـتدامة العامليـة مسـتحيلة ما دامـت البيئة الكونية غري مسـتدامة،
400
وسـيكون احلديـث عـن مصطلح االسـتدامة جمرد فسـحة لكسـب الوقت،
أمـام التنميـة غري املسـتدامة لتميض يف طريقها سـائرة يف غيها ،وهـذا ما رآه
بـوب سـاتكليف ( )Bob Sutcliffeعـام 2004م يف كتابـه «التنميـة بعـد
علـم البيئـة» (.)Development after Ecology
4 .2تواجه التنمية املستدامة حتد ًيا خارج ًّيا ودول ًّيا
تتحـول بعـض االتفاقـات التـي ُأريـد منهـا تفعيـلَّ وذلـك حين
السياسـات التنمويـة املسـتدامة إىل إعاقـة براجمهـا ومرشوعاهتـا يف الـدول
الناميـة ،خاصـة النفطيـة منهـا؛ فقـد دعـت بعـض نصوصهـا إىل احلـد من
معـدالت اسـتخراج وتصديـر النفط وبعض املعـادن الطبيعيـة أو الترصف
بعوائدهـا؛ بذريعـة احلفاظ على البيئة أو عىل حقـوق األجيـال القادمة ،كام
دعـت بعـض االتفاقـات إىل حتميل هـذه الدول نسـ ًبا من تكاليـف مواجهة
التلـوث البيئـي الناجـم عـن اسـتخدام منتجاهتـا ،وباتـت الدعـوى إىل مـا
سـمى االقتصـاد األخضر ذريعـة للتدخـل يف أسـاليب إدارة املرشوعات ُي ّ
والربامـج التنمويـة ،وكأنـه النمـوذج األمثـل واألصلـح للتطبيـق يف مجيـع
دول العـامل ،دون مراعـاة لظروفهـا وخصوصياهتـا .وأصبحـت مـؤرشات
تطبيقـه مـن الشروط التي تُرا َعـى عنـد تقديم املسـاعدات ،أو فتـح حركة
االسـترياد والتصديـر أمـام منتجـات بعـض الشركات ،وهـي رشوط
تعجيزيـة ،تُق ّيـد حريـة الـدول أو ُتكّـن الشركات متعـددة اجلنسـيات من
السـيطرة على املـوارد البديلة.
5 .2معارضو فكر االستدامة هلم حجج وذرائع متعددة
وهـم يقدموهنـا إلعاقـة مسيرهتا ،والتشـكيك يف سياسـاهتا وبراجمها،
وكأهنـم يـردون على أنصارهـا ومؤيدهيا مـن اجلامعـات اخلضراء وأنصار
401
البيئـة ،الذيـن يتهموهنـم باليسـارية واالشتراكية ،أو باملثاليـة واألخالقيـة
الزائـدة على حدودهـا؛ لكوهنـم يدعـون النـاس إىل التقشـف والتزهـد
إلدامـة األشـياء ،أو يطالبـون بتدخل احلكومـات ،للمنع والتقييـد ،وللحد
مـن حركـة اإلنتـاج والتنافـس؛ وهـذه سـتؤدي إىل الرفـض واملقاومـة،
مبررا للخـوف والقلـق مـن ً وردود الفعـل املعاكسـة ،كما أهنـم ال يـرون
نضـوب املـوارد والثـروات الطبيعيـة ،مـا دامـت هنـاك عشرات السـنني
التـي متكِّن العلماء واملبدعني مـن البحث عـن التقنيات والبدائـل اجلديدة.
وحتـى التحـول إىل الطاقـات البديلـة ،التي يدعـو إليها أنصار االسـتدامة؛
لـن تكـون نظيفـة بالكامـل ،وإنام بنسـب أقـل من التلـوث ،وهو مـا يمكن
حتقيقـه بالضوابـط أو الرتشـيد أو االسـتهالك املقيـد .ويبالغ بعضهـم ً
قائل
باملضي يف هـذا االجتـاه الداعـي إىل اسـتخدام الدراجـات اهلوائية ً
بـدل من
وتطـرف بعضهـم فيدعـون إىل املشي حفـاة ً
بـدل من لبس َّ السـيارات ،بـل
األحذيـة التـي يسـتهلك إنتاجهـا اجللـود ،وتسـتنزف مصانعهـا الطاقات.
وبالتـايل فقـد يصـل أنصـار االسـتدامة إىل مسـاواة النـاس يف العيـش
بـدل مـن حتسين أجورهـم؛ فيزيـد إنفاقهم،البسـيط والدخـل املحـدودً ،
وبذلـك حيافظـون على عقوهلـم وثرواهتـم الطبيعيـة؛ بدافـع اخلـوف على
مسـتقبل األجيـال القادمـة .ومثلما يمارس أنصـار االسـتدامة أنشـطتهم
املعارضـة للفكـر الرأسمايل وسياسـات العوملـة وبراجمهـا ،فـإن رافضيهـا
ينشـطون ،ليـس يف نقدهـا وبيان سـلبياهتا ،بل يف إفشـال خططهـا ،وحماربة
بعـض منتجاهتـا اخلضراء .وهـذا يعنـي أن البعـض ،إن مل ن ُقـل الكثير
مـن املنتقديـن لالسـتدامة ،سـيتحولون إىل معوقين ومعرقلين لرباجمهـا
ومرشوعاهتـا ،وهـو حتـدٍّ فكـري وتطبيقـي يسـتوجب املواجهـة (دعبـس،
2006م).
402
6 .2الدور السلبي للعادات والتقاليد االجتامعية املوروثة
حيـول هذا الـدور دون إنجاح برامج االسـتدامة وسياسـاهتا ،أو التقيد
بقيمهـا ونظمهـا .ويـزداد خطـر هـذا التحـدي االجتامعـي بتفاعلـه مـع
اجلهل ،ونقـص املعرفة ،وحمدودية دور املؤسسـات االجتامعيـة ،والرتبوية،
واإلعالميـة ،وسـكوهتا عـن أنماط اإلنتـاج ،واالسـتهالك ،واإلنفـاق غري
املتداولـة التـي تتعـارض
َ الرشـيد ،متسـكًا باألمثـال الشـعبية ،وباملقـوالت
مـع مبـادئ االسـتدامة ،ومقوالهتـا ،وقيمهـا ،كقـول عامـة النـاس« :اخلري
واجـد» ،أو دعوهتـم إىل إنفـاق مـا يف اجليـب يف انتظـار مـا يأيت بـه الغيب.
وتطبيقـات هـذه األمثـال واألقـوال ظاهـرة للعيـان يف اإلرساف
والتبذيـر يف امليـاه التـي تسـتهلكها املنـازل ،واملصانـع ،وبقيـة املؤسسـات
العامـة ،ويف النفايـات والفضلات التـي تتجمـع مـن بقايـا الطعـام الـذي
ُت ّلفـه املطاعـم واملنـازل عنـد إقامـة الوالئـم واألعـراس ،وهكـذا احلـال
يف التعامـل مـع أشـجار الغابـات ،ومـع احليوانـات والطيـور واألسماك
وبقيـة األحيـاء التـي تتوافـر يف املحميـات الطبيعيـة ..فالتبذيـر واإلرساف
واهلـدر واالسـتنزاف يـكاد يكـون السـمة الغالبة على سـلوكات الناس يف
جـل املجتمعـات الناميـة ،ويف الـدول العربيـة منهـا عىل وجـه اخلصوص.
ومعلـوم أن احلفـاظ على اسـتدامة البيئة والتنميـة لن يتحقـق دون إحداث
التغيير اجلوهـري والشـامل الـذي يبـدأ بالنفـوس قبـل الطقـوس ،ويف
طرائـق التفكير قبل فـرض القيود وإنـزال العقوبـات .وقد يكـون يف إلقاء
الـدروس واملحـارضات ووضـع الربامـج اإلعالميـة والتوعويـة مـا يقلل
مـن آثارهـا ،ولكن يظل للتنشـئة األرسيـة والتعليميـة واجلامعيـة دور مهم
وقارصا.
ً يف هـذا املجـال ،ولكـن التعليم البيئـي واملسـتدام ال يزال ضعي ًفـا
403
7 .2تع ُّلق األمر بعاملنا العريب واإلسالمي
متـداو ًل بني
َ جـل مـا قيل عـن االنتقادات والتحديـات يكاد يكون إن ّ
قلـة من املختصين واملهتمين بالتنمية املسـتدامة ،وأركاهنـا ،وموضوعاهتا،
وإن كان بدرجـات أخـف ونطاق أضيق .لكن النقد األشـد الـذي قد تنفرد
بـه منطقتنـا العربية يتع ّلـق بطبيعة العالقة بين الثوابت والقناعـات ،التي ال
تـزال حيـة وقويـة لـدى بعـض املؤمنين بتميـز األمـة وثقافتهـا وحضارهتا
عـن بقيـة األمـم ،وصعوبـة حتوهلـا أو مواءمـة بعـض سياسـاهتا وتطبيقاهتا
مـع ما تنـادي بـه االسـتدامة غربية الفكـر واملنبع.
ومعلـوم أن هنـاك فريقين مـن النُّخـب التـي تتصـدر قضايـا الشـأن
حتضرا بال قيـود وال نصـوص تعوق ً العـام يف دولنـا العربيـة :فريـق يريـد
حركـة التفكير وحريـة التصرف ،وفريـق يريـد التمسـك بما صلحـت به
جمتمعاتنـا يف سـالف عصورهـا ،دون االسـتعارة والنقـل واالستنسـاخ من
اآلخريـن ،حتـى لو كانـت جتارهبـم ومبادراهتـم مقبولة ،وال تتعـارض مع
خيوفـون الناس صحيـح الديـن ،وليـس غريبـ ًا أن يقـول أحدهـم أن الذين ِّ
مـن اجلـوع واملصائـب التي سـيأيت هبا املسـتقبل هـم أولئك الذيـن خترجوا
ُـم ا ْل َف ْق َـر ﴿الشـي َط ُ ِ
ان َيعدُ ك ُ َّ ْ يف مـدارس الشـيطان ،مستشـهدً ا بقولـه تعـاىل:
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
يم﴾ ـع َعل ٌ ُـم بِا ْل َف ْح َشـاءَ واهللُ َيعدُ ك ْ
ُـم َم ْغف َـر ًة منْـ ُه َو َف ْض ًلَ واهللُ َواس ٌ َو َي ْأ ُم ُرك ْ
(البقـرة.)٢٦٨ :
فاالسـتدامة عنـد بعضهـم ـ عىل قلتهـم ـ ُيؤخذ عليهـا جتاوزها إلرادة
اخلالـق ،الـذي أوجـد هذا الكـون ،وأن إدامته سـتظل رهن إرادته سـبحانه
وتعـاىل وبالتـايل فإهنـم يـرون أن أي جهـود اسـتباقية أو نظريات حتسـبية ملا
يمكـن أن يقـع يف هـذا الكـون ،سـتظل أقـرب إىل التنجيم أو الظـن حمتمل
404
الوقـوع .وقـد خلّـص أحد املعنيني هـذه اإلشـكالية بقوله« :إن مـن بيننا من
يريـد أن يقيـم دينًـا بلا حضـارة ،وآخريـن يريـدون أن يبنـوا حضـارة بال
ديـن» .وقـد آن األوان للفريقين أن يقرتبا مـن بعضهام البعـض ،ويتحاورا
حـول أوجه اخلالف يف الـرؤى والتفسيرات ،وحول الواقع واملشـكالت؛
لكـي ال يتحـول خالفهـم إىل اختلاف ورصاعـات ال تُبقـي وال تـذر،
وينبغـي أن يظـل خالفنـا مـع أنصـار االسـتدامة الغربيـة ،الذيـن يقرصون
معارفهـم على مـا تولـده عقوهلـم ويرفضـون املعـارف التـي أوصـت هبـا
الكتب السماوية.
405
غير أن هذا الدفاع عن التنمية املسـتدامة ال يعني التسـليم بأهنا الرتياق
الشـايف ،أو اجلرعـة السـحرية ،للخـروج مـن الفقـر والتخلـف والبطالـة
واسـتنزاف املـوارد والثـروات الطبيعيـة التـي أصبحـت سـمة وظاهـرة يف
كثير مـن املجتمعـات النامية ،كام أهنـا لن تكـون الوعد الصـادق ،أو صامم
األمـان للقادمين اجلدد مـن األبنـاء واألحفـاد ،فتحقيق هـذه الطموحات
يسـتلزم املزيـد مـن اجلهـود ،سـواء على املسـتوى الـدويل ومـا يتـم إقراره
وتنفيـذه مـن اتفاقيـات ،واملزيـد مـن اإليمان واالقتنـاع من جانـب الدول
فكـرا وتطبي ًقا.
واحلكومـات واملجتمعـات بفاعليـة التنميـة املسـتدامة ً
وقـد وددنـا يف هذا اإلطـار عرض أهـم اخلالصات التي من شـأهنا أن
ُعجـل يف رسعة التحول نحـو بردايم
ُعمـق اإليمان ،وتُف ّعل اخلطـوات ،وت ّ
ت ّ
التنميـة املسـتدامة عىل مسـتوى أقطارنا العربية واإلسلامية.
ً
أول :ال شـك أن شـعار القريـة الكونيـة الـذي يدعـو إىل إقامتـه النظـام
حلما
العاملـي اجلديـد عبر نمـوذج التنميـة املسـتدامة ،قـد يكـون ً
طموحـا مثال ًّيـا سـبق أن دعـا إىل مـا يامثلـه أفالطـون يف مدينتـه
ً أو
الفاضلـة منذ قـرون ،ثم جاء األنارجسـت يف القرن املـايض ليحيوه
من خلال الدولـة الفوضويـة املثالية ،اخلاليـة من الطمع واجلشـع،
ومـن األنانية واحلسـد ،ويكون سـكاهنا مسـتعدين إلدارة شـؤوهنم
بذاهتـم ،دون أن يعتـدوا عىل حقوق اآلخريـن ،أو يقدموا مصاحلهم
على حسـاب غريهم .وجـاء يف قرآننا الكريم من اآليـات التي ُت ِّجد
وتُعلي مـن شـأن النـاس الذين ْيؤثـرون عىل أنفسـهم ولـو كان هبم
أفـكارا وصيحـات جمـردة ،بل
ً خصاصـة ،ودعـوات كهـذه مل تظـل
406
حتولـت يف أزمان وأماكن متباينة إىل ممارسـات وتطبيقات ،وعاشـها
ّ
نفـر اسـتطاعوا أن جيعلـوا حياهتـم أكثـر أمنًـا وأحسـن ً
حـال مـن
غريهـم ممـن جاورهـم؛ وبالتايل فـإن احتماالت وإمكانـات جتريبها
وتطبيقهـا سـتكون متاحـة ألصحـاب اإلرادات إن أعـدوا هلـا العدة.
ثان ًيـا :إن مـا قيـل مـن انتقـادات وحتديـات حـول التنميـة املسـتدامة
ينبغـي أال ُينسي الرافضين واملعارضين هلـا احلقيقـة القائلـة بـأن
مـا تسـتهلكه البرشيـة اليـوم من ثرواهتـا وخرياهتـا يف سـنة واحدة
يعـادل ـ كما يقـول ( Russell (1998ـ مـا يزيـد عىل ما اسـتهلكته
البرشيـة منذ ميلاد املسـيح ،وحتى فجر الثـورة الصناعيـة .وهناك
حقيقـة أخـرى قاهلا املشـاركون يف تقرير نـادي رومـا ،مفادها :أن ما
يتـم اسـتنزافه مـن الكـرة األرضيـة من مـوارد وف ًقـا للبصمـة البيئية
للجنـس البرشي ،يتجاوز %125من املسـتويات القابلة لالسـتدامة
على املـدى الطويـل ،وهـذه احلقائـق وغريهـا دعـت األمين العـام
لألمـم املتحـدة للقـول بأنه« :لـو كان لألرض لسـان ناطق لشـكت
إىل رهبـا ظلـم سـكاهنا ،ولقالـت لـه :النجـدة النجـدة» .وهـذه
الرصخـات جمتمعة أصبحت تسـتوجب احلـذر واليقظـة املبكرة قبل
فـوات الفرصـة ،فيقع مـا ال ُتمد عقبـاه .والتنمية املسـتدامة من بني
هـذه املحـاوالت املنهجية واملداخـل العملية التي اسـتجابت جلرس
اإلنـذار وناقـوس اخلطـر الذي ُيـدّ د البيئـة والبرشيـة م ًعا.
ثال ًثـا :على الرغم مـن كل ما ُيطـرح من حقائـق أو رؤى قد تبدو متشـائمة
مـن وجهـة نظـر أصدقـاء التنميـة املسـتدامة وأنصـار البيئـة ،فإنـه
407
ينبغـي التذكري بـأن ما هو متاح مـن معارف ،ومعلومـات ،وتقنيات
تضمـه البحار ،أو يسـبح
عما ختتزنـه األرض ،أو ّ
ألبنـاء هـذا اجليل َّ
يف الفضـاء مـن عنـارص ،ومكونات ،وأشـياء حية وجامدة؛ سـيظل
عرضـة للتغيري والتعديل والتطوير ،وقد يكـون معارف أولية يمكن
البنـاء عليها ،الكتشـاف املزيد من احلقائق واالكتشـافات ،وسـوف
تفاجئنـا العقـود املقبلة باملزيـد من اإلبداعـات واالخرتاعـات التي
ُسـهل على برامـج التنميـة املسـتدامة وسياسـاهتا املضي قد ًمـا؛
ست ّ
لتحقيـق املكاسـب ،واإلسـهام يف صناعـة املسـتقبل الواعـد ألبنـاء
كثيرا مـن الطاقـات
ً هـذا اجليـل واألجيـال القادمـة .كما أن هنـاك
والقـدرات اإلنسـانية الكامنـة يف عقـول البشر ونفوسـهم ،ومـن
شـأن إطالقهـا وتوظيفها أن جيعـل املسـتحيل ممكنًا ،والبعيـد قري ًبا،
إذا ُأتيحت لرشائح املؤهلني والنشـطني منهم ،سـواء يف املؤسسـات
احلكوميـة أو اخلاصـة ،أو يف منظمات املجتمـع املـدين والربامـج
التأهيليـة والتدريبيـة؛ لتمكينهـم وتوسـيع فرص املشـاركة يف إدارة
حكوماهتـم ومنظامهتـم ،وإخراجهـم مـن الصناديـق البريوقراطيـة
املقفلـة التـي أبعدهتـم عـن املراكـز القياديـة واملهنيـة لصالـح األقل
وإخالصـا ووال ًء ألوطاهنم.
ً كفايـة
وأخيرا وليـس ً
آخـرا ،فـإن حتديـات التنميـة املسـتدامة وعقباهتـا هي ً
فرز ما يتعلق منها باإلنسـان،
ذاهتـا بحاجـة إىل حتليل وتشـخيص وتعليل؛ ل ُي َ
ومـا يصـدر منـه مـن سـلوكات وقـرارات ،أو يؤسسـه مـن تنظيمات ،أو
مـا يقرتفـه مـن أخطـاء وجرائـم تسـتوجب فـرض العقوبـات ،أو يمكـن
408
احلـد منهـا بالتوعيـة واإلقنـاع ،وخماطبـة العقـول وتغيير القناعـات .ومن
هـذه التحديـات مـا يتع ّلـق بالبيئـة التـي مـن حوله ومـا حتتويه مـن عنارص
ومكونـات ،وقـد أصبح لـكل منها علـم أو حقل معريف ختصصي ال يمكن
لغير املتخصصين فيهـا أن يتصـدوا هلـا ،أو يسـتحرضوا مـا يمكـن اختاذه
إزاءهـا مـن قـرارات .ويظـل بعـض التحديـات مرتب ًطـا بنظريـات التنمية
باختلاف جماالهتـا وقطاعاهتـا ،وبقـدرات املن ِّظريـن يف مجعهـا وترابطهـا،
وحتقيـق التـوازن والتكامـل بين مدخالهتـا وخمرجاهتـا ،وقيـاس عوائدهـا
وآثارهـا ،ومـا ينجـم عنهـا مـن نتائـج سـلبية غير مقصـودة؛ قـد يـؤدي
جتاهلهـا وعـدم معاجلتها إىل اختطـاف التنميـة املسـتدامة وانحرافها .وأهم
مـا ينبغـي الرتكيز عليه يف هذا املجـال :رضورة التوزيع العـادل لثامر التنمية
املسـتدامة ،وإعطـاء األولويـة لتلبيـة احلاجـات األساسـية؛ لتمكين البرش
مـن التمتـع بحقوقهـم ،وتوسـيع خياراهتم ،وااللتـزام بواجباهتـم ،وضامن
األمـن اإلنسـاين والسلام االجتامعـي على مسـتوى مدهنم وقراهـم ،وبني
خمتلف أجناسـهم وجنسـياهتم.
وعلى قـدر تعلـق األمـر بتحديـات وعقبـات التنميـة املسـتدامة يف
أقطارنـا العربيـة ،فقد خلصتهـا اجتامعـات وزراء التنمية والتخطيـط والبيئة
حين كانـوا يعـدون اخلطـاب العـريب املشترك ملؤمتـرات القمـة العامليـة
الدوريـة ،فـكان يف مقدمتهـا غيـاب السلام واألمـن وعـدم االسـتقرار يف
املنطقـة ،وقصـور اجلهـود الدولية يف معاجلة القضية الفلسـطينية ،ومشـكلة
الفقـر والبطالـة ومعـدالت النمـو السـكاين وتراكـم الديـون والفوائد عىل
وشـح
ّ بعـض الـدول حمدودة املـوارد ،إضافـة إىل الظروف املناخية القاسـية
409
األمطـار واجلفـاف والتصحر ونقـص امليـاه وتفاقم الضغوط على األنظمة
اإليكولوجيـة ،مـا يسـبب التلـوث وتراكـم النفايـات .يقابـل ذلك ضعف
املؤسسـات التعليميـة وعجـز املؤسسـات اإلعالميـة ومنظمات املجتمـع
املـدين عـن اإلسـهام يف تغيير عـادات وأنماط االسـتهالك واإلنفـاق
واإلنتـاج والقصـور يف قواعـد املعلومـات والبحـوث والدراسـات التـي
تشـخص املشـكالت وتبحـث عـن احللـول واملبـادرات .لكـن السـنوات
تطورا نسـب ًّيا يف قضايـا االسـتدامة وتطبيقاهتا
ً اخلمـس األخرية قد شـهدت
(إالعلان العـريب عـن التنميـة املسـتدامة2002 ،م).
وللمشـككني يف مرشوعيـة االسـتدامة ،ظنًّـا منهـم بأهنـا تضعـف
اإليمان باهلل لـدى عامة النـاس ولكوهنم يدخلـون أنصارها بدائـرة التفكري
بعـامل الغيـب الـذي قـد يقودهـم إىل الشرك ،نقـول :إن دراسـة املسـتقبل
والتخطيـط والتحسـب له ليسـت من األمـور الغيبية ،بل هـي من موجبات
ومسـؤوليات والة األمـر وأصحـاب احلـل والعقد ومن يسـتعينون هبم من
أهـل العلـم واالختصـاص ،وإن املعرفـة املسـبقة ملـا حيتاجـه السـكان مـن
ً
ومسـتقبل يعد من حـارضا
ً الغـذاء واملـاء والـدواء ،ومـا يسـتهلكونه منهـا
الضرورات اخلمس يف رشيعتنـا التي دعت إىل وجوب الرتشـيد يف اإلنفاق
واحلفـاظ على النعم واخليرات وعمارة األرض بحكم كوهنا رسـالة عاملية
وأهنـا جـاءت رمحـة للبرشية عبر أجياهلا وقاراهتا .ويف سـورة يوسـف خري
دليـل على رشعيـة التفكري والتخطيط والتحسـب ملـا هو قادم مـن األجيال
واألزمـان .وهـذا مـا تـم توضيحـه يف الفصـل الثـاين مـن الكتـاب الـذي
كـرس لعـرض املنظـور اإلسلامي لالسـتدامة ونأمـل َّأل يظل للتشـكيك َّ
410
ً
وبـدل من ذلـك أن تكون هـي الربدايم الذي تسرتشـد به برشعيتهـا جمـال،
أقطارنـا العربيـة واإلسلامية ملواجهـة أخطـار العوملـة ورشكاهتـا العمالقة
قبل فـوات األوان.
411
املراجــــع:
أديـب ،عبدالسلام (2012م) .مؤرشات االسـتهالك املفرط ملـوارد العامل.
www.shathrat.net.
اإلعلان العريب عـن التنميـة املسـتدامة ،الذي قدمـه الوزراء العـرب لقمة
جوهانسربج2002 ،م.
أورسـاتو ،ريناتـو (2012م) .إستراتيجيات االسـتدامة ..متـى يكـون
التوجـه األخضر جمز ًيـا؟ مركـز اإلمـارات للدراسـات والبحـوث
اإلستراتيجية ،أبوظبـي.
برونيـل ،سـلفي (2004م) .خطـر حتـول التنميـة املسـتدامة أيديولوج ًّيـا،
جملـة تيـارات ،ع .36
تركماين ،عبـداهلل (2006م) .التنميـة املسـتدامة واألمـن اإلنسـاين يف العامل
العـريب ،ورقـة ُقدمت ملعهـد العالقـات الدوليـة بتونس.
جامعـة امللك عبدالعزيـز (1427هـ) .التنمية املسـتدامة يف الوطن العريب..
بين الواقع واملأمـول ،اإلصدار احلـادي عرش ،جدة.
دعبـس ،يسري (2006م) .البيئـة والتنميـة املسـتدامة ..قضايـا وحتديات
وحلـول .البيطـاش سـنرت للنشر والتوزيع ،اإلسـكندرية.
رويس ،جـورج (2003م) .هـل مسـتقبل األرض مهـدد بالفعـل؟ مركـز
زايـد للتنسـيق واملتابعـة ،أبوظبي.
زيمرمـان ،مايـكل (2006م) .الفلسـفة البيئيـة ،ترمجـة :معين شـفيق،
سلسـلة عـامل املعرفـة ،ع ،333الكويـت.
412
سـن ،أمارتيـا (2004م) .التنمية حرية ..مؤسسـات حرة وإنسـان متحرر
مـن اجلهـل واملـرض والفقـر ،ترمجة :شـوقي جلال ،عـامل املعرفة،
الكويت.
الغامـدي ،عبـداهلل مجعـان (2009م) .التنميـة املسـتدامة ..بين احلـق يف
اسـتغالل املوارد الطبيعية واملسـؤولية عن محاية البيئـة ،جملة االقتصاد
واإلدارة بجامعـة امللـك عبدالعزيـز ،م ،23ع ،1ص ،226-177
جدة.
قاسـم ،خالـد مصطفـى (2010م) .إدارة البيئـة والتنمية املسـتدامة يف ظل
العوملـة املعارصة ،الـدار اجلامعية ،اإلسـكندرية.
املنظمـة العربيـة للتنميـة اإلداريـة (2011م) .دور الرشاكـة بين القطاعني
العـام واخلـاص يف حتقيق التنمية املسـتدامة .بحـوث وأوراق عمل،
القاهرة.
النجـار ،أمحد السـيد (2010م) .اخلصخصة وحتديات التنمية املسـتدامة يف
األقطـار العربية ،املنظمـة العربية ملكافحة الفسـاد ،بريوت.
Jeffrey, folks. (2013) American Thinker. Vol.8
Russell, p (1998) waking up in time. Novato, CA: origin
press.
Stclif, bob (2004) Development Afler Ecology. United
Nation Universty, website. http.unu.edu.
413
Chapter six records the research contribution of Prof. Dr. Amir Al-Kubaisi
under the caption Towards the Sustainable Development of Management. This
research points to the literature that reveals candidly the sustainable development of
management and its components. The author unfolds that the subject under hand is
still in theoretical phase.
Chapter seven records the research contribution of Al Johra Al-Fouzan. This
is entitled Sustainable Management of Environmental Pollution. This study
explains the concept of environmental pollution and the modernization of its
conventional development. Also, it shows the sources of such pollution. Further, it
sheds light on the aspects related to environmental pollution reasons, typology,
impacts; pertinent bodies on pollution management; and the measures controlling
such pollutions.
Chapter eight records the research presentation of Al-Jazi Al-Rashidi. It carries
the title Sustainable Management of Petroleum. This research unfolds that petrol
represents as one of the main causes of environmental factors. Also, it serves another
cause contributing to the degeneration of environmental viability. Further, it is
counted another causative determinant which, in a way, is a challenge to the integrity
of various organizations. In the final analysis, asserts the author, that petrol serves as
an important impediment towards the fulfillment of sustainable development.
Chapter nine incorporates another research work that contains indicators
of sustainable development. It bears a title Indicators and Criteria Standards
Assessing the Relative Achievement of Sustainable Development. This is authored
by Muhammed Suleman. This work tends to identify on variances between two kinds
of development indicators conventional and sustainable. Also, it demonstrates the
various stages within which passes the process of industrial development indicators.
Chapter ten presents an intellectual exercise written by Shaikh Al-Qahtani under
the caption Experience of the Kingdom of the Saudi Arabia Towards Sustainable
Development. This works presents the varied endeavours rendered by the Kingdom
of Saudi Arabia towards achieving comprehensive and sustainable developments.
Included in the presentation are multiple strides strategies; plans; initiatives
carried out by public and private institutions. Also included in the presentation are
contributions made by civil society in various realms. Environmental protection
stands paramount.
Chapter eleven records another research contribution pioneered by Prof. Dr.
Amir AL-Kuhaisi. It bears the title: Criticisms and Challenges Posed Against the
Achievement of Sustainable Development. This work reveals some of the criticisms
directed against the achievement of sustainable development. Such perspectives of
criticism are multi-dimensional ideological, academic; practical; and applied.
Abstract
The sustainable development is considered in the world today as a new network
which characterizes as integrative interlink of various disciplines and sciences. All
shades of opinions scholars, philosophers and world organizations assign
prime attention on the subject. Multiple contributions philosophical, academic,
theoretical and applied are presented.
The present book comprises eleven chapters. The book is, in fact, a compilation
of various research contributions rendered by the different researchers. A summary
detail is in order:
First chapter records a work An Introduction to the Sustainable
Development: Roles of the Universities. By Prof. Amir Al-Kubaisi. The study has
identified the origin of sustainable development. Also, it has given an overview of
international contributions on the idea and its integrative rise as a project. Further,
it has shown the balanced blend of tripartite development economic, social
and environmental. Moreover, the study has uncovered the effective roles that the
universities and higher educational institutions should play towards the progressive
dissemination of the philosophy associated with sustainable development.
Second chapter contains a research on Sustainable Development: Islamic
Standpoint. By Diham Al-Jabli.
This research tends to dispel a fallacy surrounding many readers. The latter
perceive that sustainable development is the product of the Western civilization alone
in bi-dimensional contexts essence and the phraseology. The author rejects this
notion. Contrarily, it is supported by Islamic Sharia as well. Many Quranic verses
provide vent to it.
Third chapter provides a contribution of Dr. Naim Al-Jahni entitled Human
and Social Sustainable Development. In his work, the author has highlighted the
first component sustainable. Then, he presented the nature of human and social
development. Also, he explained its relative importance. Finally, he stressed that
human-being, per se, represents target objective and medium to accomplish this
objective.
Fourth chapter contains the scholastic works of Dr. Khalid Al-Shalan. It
is captioned Sustainable Economic Development. This work explain that the
required process of transformation towards sustainable development necessitates a
force. This force produces a change from theory to application. This process will
eventually lead towards the materialization of sustainable economic development.
Chapter five includes the study entitled Sustainable Environmental
Development. It is authored by Badr Al-Qasmi. It deals with environment and dangers
imperiling its viable integrity. Also, it shows its negative impacts and environmental
pollution affecting the planet.
Studies on Sustainable Development
Riyadh
1437A.H - 2015A.D