You are on page 1of 424

‫دراسات حول التنمية املستدامة‬

‫أ‪.‬د‪ .‬عامر خضري الكبييس وآخرون‬

‫الرياض‬
‫‪١٤٣٧‬هـ ــ ‪٢٠١٥‬م‬
‫(‪ ،)2015‬جامعة نايف العربية للعلوم األمنية ـ الرياض ـ‬
‫اململكة العربية السعودية‪ .‬ص‪.‬ب ‪ 6830‬الرياض‪11452 :‬‬
‫هاتف ‪( 2463444‬ـ ‪ 1‬ـ ‪ )966‬فاكس ‪( 2464713‬ـ ‪ 1‬ـ ‪)966‬‬
‫الربيد اإللكرتوين‪Src@nauss.edu.sa :‬‬
‫‪Copyright© (2015) Naif Arab University‬‬
‫)‪for Security Sciences (NAUSS‬‬
‫‪ISBN 4 - 65 - 8116- 603- 978‬‬
‫‪P.O.Box: 6830 Riyadh 11452 Tel. (+966 12) 2463444 KSA‬‬
‫‪Fax (+ 966 12) 2464713 E-mail Src@nauss.edu.sa‬‬

‫(‪1437‬هـ) جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‬ ‫ح‬


‫فهرسة مكتبة امللك فهد الوطنية أثناء النشر‬

‫الكبييس‪ ،‬عامر خضري‬


‫دراسات حول التنمية املستدامة‪ ،‬عامر خضري الكبييس‪ ،‬الريـاض ‪1437‬هـ‬
‫ ‪ ٤٢٤‬ص ‪ 24  17 ،‬سم‬
‫ردمك‪ ٤ :‬ـ ‪ ٦٥‬ـ ‪ 8116‬ـ ‪ 603‬ـ ‪978‬‬
‫أ ـ العنوان‬ ‫‪ 1‬ـ التنمية املستدامة‬
‫‪1437/١١١٩‬‬ ‫ديوي ‪٣٣٨٫٩‬‬

‫رقم االيداع‪1437/١١١٩ :‬‬

‫ردمك‪ ٤ :‬ـ ‪ ٦٥‬ـ ‪ 8116‬ـ ‪ 603‬ـ ‪978‬‬

‫اإلخراج الفني والطباعة‪ :‬مطابع جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‬


‫الرياض ــ هاتف‪ 2463444 :‬تحويلة‪ 1631 / 1630 :‬ــ فاكس‪2460045 :‬‬
‫حقوق الطبع حمفوظة لـ‬
‫جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية‬

‫كافة األفــكار الــواردة يف هــذا الكتاب تعــر عن رأي‬


‫صاحبهــا‪ ،‬وال تعرب بالــرورة عن وجهة نظــر اجلامعة‬
‫املحتويــــات‬
‫تقديـم ‪٣ .............................................................................................................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬املدخل إىل دراسة التنمية املستدامة ودور اجلامعات إزاءها‬
‫أ‪.‬د‪ .‬عامر خضري الكبييس‪١١ .............................................................................................‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬التنمية املستدامة من منظور إسالمي‬
‫دهام بن هجرس اجلبيل‪٣٩.............................................................................................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التنمية االجتامعية والبرشية املستدامة‬
‫نعيم بن عطا اهلل اجلهنــي‪٧٧ ..........................................................................................‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬التنمية االقتصادية املستدامة‬
‫خالد بن عبدالعزيز الشمالن‪١٠٧....................................................................................‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬التنمية البيئية املستدامة‬
‫بدربنعجاج القاسمي ‪١٤٥..............................................................................................‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬نحو تنمية إدارية مستدامة‬
‫أ‪.‬د‪ .‬عامر خضري الكبيــي‪١٨٩ ..................................................................................‬‬
‫الفصل السابع‪ :‬اإلدارة املستدامة للتلوث البيئي‬
‫اجلوهرة بنت سليامن الفوزان‪٢٢١ ...................................................................................‬‬
‫الفصل الثامن‪ :‬اإلدارة املستدامة للنفايات‬
‫اجلازي بنت حممد آل رشيد‪٢٦٩........................................................................................‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬مؤرشات ومعايري قياس التنمية املستدامة وتطبيقاهتا‬
‫حممد بن عبداهلل السليامن‪٣٠٧ ............................................................................................‬‬
‫الفصل العارش‪ :‬التنمية املستدامة يف اململكة العربية السعودية‬
‫شايع بن خالد القحطاين ‪٣٤٥ ...........................................................................................‬‬
‫الفصل احلادي عرش‪ :‬التنمية املستدامة‪..‬االنتقادات والتحديات والرد عليها‬
‫أ‪.‬د‪ .‬عامر خضري الكبييس‪٣٨٩..........................................................................................‬‬
‫تقديــم‬
‫هـذا الكتـاب حيمـل باكـورة اإلنتـاج العلمـي ملجموعة مـن الباحثني‬
‫دت بتدريسـهم مقـرر «قضايـا حـول إدارة التنميـة‬ ‫الشـباب الذيـن ِ‬
‫سـع ُ‬
‫املسـتدامة»‪ ،‬ضمـن برنامـج الدكتـوراة يف العلـوم اإلداريـة بجامعـة نايـف‬
‫العربيـة للعلـوم األمنيـة‪ ،‬التـي كانـت سـ ّباقة يف إدخـال فكر االسـتدامة يف‬
‫براجمهـا العلميـة‪ ،‬وأنشـطتها‪ ،‬وحلقاهتـا النقاشـية‪ ،‬بعـد أن أصبحـت هـي‬
‫الربدايـم ‪( Paradigm‬النمـوذج) البديل للربامـج التنمويـة التقليدية‪ ،‬التي‬
‫جمـازا «التنمية املسـتنامة»؛ بعد الفشـل الذريع الـذي ُمنيت به‬
‫ُيطلـق عليهـا ً‬
‫عبر العقـود املتعاقبة‪.‬‬
‫يتعـرف مـن خالله القـارئ عىل نشـأة‬ ‫يبـدأ الكتـاب بفصـل تعريفـي ّ‬
‫االسـتدامة‪ ،‬وماهيتهـا‪ ،‬ونبـذة خمتصرة حـول اجلهـود الدوليـة التـي تبنتها‬
‫ً‬
‫متكاملا لتحقيـق التـوازن بين أركاهنـا‬ ‫فكـر ًة ورعتهـا مرشو ًعـا هنضو ًّيـا‬
‫الرئيسـة الثالثـة‪ :‬التنميـة االقتصاديـة واالجتامعيـة ثـم البيئيـة‪ ،‬إضافـة إىل‬
‫األبعـاد املسـاندة هلـا‪ ،‬وهـي‪ :‬التنميـة السياسـية واإلداريـة والتقنيـة‪ .‬وكان‬
‫البـد مـن اإلشـارة يف الفصـل األول من الكتـاب إىل الـدور الفاعـل الذي‬
‫ينبغـي أن تُقدمـه اجلامعـات ومؤسسـات التعليم العـايل إزاء نشر وتعميق‬
‫فلسـفة االسـتدامة‪ ،‬وفكرهـا‪ ،‬وثقافتهـا‪ ،‬ودورها األهم يف رفـد مرشوعاهتا‬
‫وبراجمهـا بالطاقـات البرشية املؤهلـة واملدربة إلدارة مؤسسـاهتا‪ ،‬أو إلجراء‬
‫البحـوث والدراسـات التشـخيصية واملسـتقبلية لقضاياهـا وحتدياهتا‪ ،‬وهو‬
‫عاجلا وليـس ً‬
‫آجل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫دور ال يـزال ضعي ًفـا‪ ،‬وقـد آن األوان لتفعيلـه‬
‫ويف الفصـل الثـاين ـ وقبل املضي يف تفاصيل االسـتدامة وموضوعاهتا‬
‫ـ كان البـد مـن وقفـة عنـد املنظـور اإلسلامي لـ«االسـتدامة»؛ لكـي ال‬

‫‪3‬‬
‫ُ‬
‫عقول‬ ‫يظـن القـارئ أهنا وليدٌ جديـدٌ أنتجتـه احلضارة الغربيـة‪ ،‬أو ابتدعتـه‬
‫فالسـفتها ومنظرهيـا‪ ،‬فمضمـون االسـتدامة وجوهرهـا‪ ،‬وحتـى لفظهـا‪،‬‬
‫قـد جـاء يف كثير مـن اآليـات القرآنيـة‪ ،‬واألحاديـث النبويـة‪ ،‬والقواعـد‬
‫الفقهيـة‪ ،‬وأقـوال السـلف الصالح‪ ،‬وممارسـات خلفـاء الدولة اإلسلامية‬
‫كثيرا مـن مرشوعاهتا ومؤسسـاهتا‬ ‫ً‬ ‫عبر عصورهـا املتعاقبـة‪ ،‬كما أن هنـاك‬
‫التـي ال تـزال قائمـة‪ ،‬تشـهد بما حققتـه مـن منجـزات لصالـح البشر‪،‬‬
‫ومجاعـات‪ ،‬ولصالـح احليوانـات‪ ،‬وبقيـة املخلوقـات والكائنـات‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أفـرا ًدا‬
‫عـزز الثقة لـدى املؤمنين برضورة‬ ‫ومـن شـأن التعريـف هبـذا املنظـور‪ :‬أن ُي ّ‬
‫االلتـزام باحترام النعم واخلريات التـي وهبها اهلل لعبـاده‪ ،‬ورضورة احرتام‬
‫حقـوق اآلخريـن القادمين هلـا‪ ،‬سـواء بعمارة األرض ومـا عليهـا‪ ،‬أو‬
‫باحلـرص على إنامئهـا وإثرائها‪ ،‬أو برتشـيد إنفاقهـم واسـتهالكهم هلا‪ .‬وقد‬
‫نُوقـش يف هـذا الفصـل مفهـوم التنميـة املسـتدامة وخصائصها مـن منظور‬
‫إسلامي‪ ،‬كما أنه تـم تنـاول مبـادئ املنظـور اإلسلامي للتنمية املسـتدامة‬
‫ومتطلباهتـا‪ ،‬التـي حددهتا منظمة اليونيسـكو‪ ،‬ثم مناقشـة القواعـد الفقهية‬
‫ٍ‬
‫إرشـادات‬ ‫التـي اسـتنبطها العلماء املسـلمون مـن القـرآن والسـنة‪ ،‬ومتثـل‬
‫َ‬
‫وضوابـط للسـلوكات البرشيـة املسـتدامة يف تعاملهـا مع البيئـة ومكوناهتا‪،‬‬
‫واملحافظـة عليهـا لألجيـال القادمـة‪ ،‬كما تـم إجياز مظاهـر عناية اإلسلام‬
‫حتـض‬ ‫بالبيئـة وعنارصهـا‪ ،‬مـن خلال إيـراد اآليـات واألحاديـث التـي ّ‬
‫اإلنسـان على العناية بالبيئـة‪ ،‬وعقوبة من خيالـف ذلك‪ ،‬ثم مناقشـة املنظور‬
‫اإلسلامي للتنميـة االقتصاديـة املسـتدامة‪ ،‬وبيـان اهتامم اإلسلام باجلانب‬
‫االقتصـادي يف حياة اإلنسـان‪ ،‬وخصائـص االقتصاد اإلسلامي وما يميزه‬
‫عـن االقتصـاد الغـريب يف حتريـم الربـا وغيره مـن املحرمـات‪ ،‬وكذلـك‬
‫املنظـور اإلسلامي للتنميـة االجتامعيـة املسـتدامة‪ ،‬وتأكيد تعاليـم الرشيعة‬

‫‪4‬‬
‫اإلسلامية عىل تنشـئة الفرد واملجتمـع وإصالحهام‪ ،‬من النواحي‪ :‬النفسـية‬
‫والعقليـة واالجتامعية واجلسـمية‪ ،‬التي تسـاعد عىل تنمية الفـرد واملجتمع‪،‬‬
‫واحلفـاظ عليهما‪ ،‬واسـتدامتهام‪ .‬ويف خامتـة الفصـل تـم توضيح أهـم مزايا‬
‫النمـوذج اإلسلامي مقارنـة بالنمـوذج الغـريب للتنمية املسـتدامة مـع بيان‬
‫الفـروق بينهام‪.‬‬
‫أمـا الفصـل الثالـث‪ ،‬فريكّـز على الركـن األول لالسـتدامة‪ ،‬وذلـك‬
‫باسـتعراض ماهيـة التنميـة االجتامعيـة والبرشيـة وأمهيتهـا؛ َ‬
‫كون اإلنسـان‬
‫هـو هدفهـا ووسـيلتها‪ ،‬وهـو الكائن احلـي الذي يبعـث احليـاة يف األركان‬
‫األخـرى؛ ملـا وهبه اهلل من القـدرات الفكريـة واملهارات‪ ،‬وجعله املسـؤول‬
‫عـن إدارة النظـام املحيط بـه؛ حفا ًظا على ديمومتـه‪ .‬واحلديث عـن التنمية‬
‫االجتامعيـة والبرشيـة املسـتدامة يعكـس قصـة التطـور‪ ،‬وعمـق النظرة إىل‬
‫الفكـر اإلنسـاين املعـارص‪ ،‬املتأثـر بالتنميـة املسـتدامة؛ حيـث تـم تنـاول‪:‬‬
‫مفهـوم التنمية االجتامعيـة‪ ،‬وأبعادها‪ ،‬ومؤرشاهتا‪ ،‬وماهيـة التنمية البرشية‪،‬‬
‫ومراحـل تطورهـا‪ ،‬ومسـتلزمات حتقيقها وانعكاسـاهتا‪ ،‬كام تنـاول الفصل‬
‫أهـم مـؤرشات قيـاس التنميـة املسـتدامة على املسـتوى الـدويل‪ ،‬واختُتـم‬
‫بتوضيـح عالقـة التنميـة االجتامعيـة والبرشيـة بالفكر املسـتدام‪.‬‬
‫فيوضـح كيـف أن عمليـة التحـول املطلوبة نحو‬ ‫أمـا الفصـل الرابـع‪ّ ،‬‬
‫االسـتدامة حتتـاج إىل طاقة خترجهـا من التنظير للتطبيق عرب عمليـة التنمية‬
‫التغيريات بشـكل أسـهل وأرسع‬
‫ُ‬ ‫االقتصاديـة املسـتدامة‪ ،‬التـي َتـدُ ث فيها‬
‫دور البعـد‬ ‫ُ‬
‫الفصـل َ‬ ‫ويف خمتلـف املجـاالت والقطاعـات‪ .‬كما ُيبرز هـذا‬
‫التكنولوجـي للتنميـة املسـتدامة‪ ،‬الـذي هیتـم بالتحـول إىل تكنولوجیـات‬
‫أنظـف وأكفـأ‪ ،‬تنقـل املجتمـع إىل عصر صیانـة املـوارد‪ ،‬انطال ًقا مـن مبدأ‬
‫ضمان عـدم اإلرضار بقـدرة األجيـال القادمـة على تلبيـة حاجاهتـم؛ بما‬

‫‪5‬‬
‫يتطلب عدم اسـتنزاف املـوارد الطبيعية لتلبية احتياجـات األجيال املعارصة‬
‫مـن الطاقة‪ .‬وعالقـة التنمية املسـتدامة بمصـادر الطاقة املختلفـة واملتجددة‬
‫قويـة جـدًّ ا‪ ،‬فال يمكـن احلديث عـن تنمية مسـتدامة مـن دون احلديث عن‬
‫ٍ‬
‫طاقـة نظيفـة ومتعـددة‪ ،‬وال يمكن حتقيـق النموذج‬ ‫االعتماد على مصـادر لِ‬
‫َ‬
‫املسـتدام للتنميـة مـن دون التحـول يف منظومـة الطاقة إىل مصـادر متجددة‬
‫ً‬
‫وصـول إىل احلديـث عن طاقة‬ ‫ومتنوعـة؛ حيـث إن العالقـة بينهما حتمية‪،‬‬
‫القـرن احلـادي والعرشين‪.‬‬
‫قصـور النمـو االقتصـادي‪ْ ،‬‬
‫وعج ُـز التنميـة االقتصادية‬ ‫ُ‬ ‫وبعدمـا ثبـت‬
‫والبرشيـة عـن حتقيـق تطـور املجتمـع اإلنسـاين وتقدمـه ورفاهيتـه‪ ،‬ومـع‬
‫ظهور اآلثار السـلبية التـي هتدد احلياة ُبر ّمتهـا؛ نتيجة تلك النماذج التنموية‬
‫التقليديـة؛ تداعـت اجلهـود حـول العـامل لتدْ ُخـل البرشيـة ألفيتهـا الثالثـة‬
‫وقرهنـا احلـادي والعرشيـن حتت عنـوان التنميـة املسـتدامة‪ .‬ويـأيت الفصل‬
‫اخلامـس ليتنـاول التنميـة البيئيـة املسـتدامة‪ ،‬وحمورها األسـايس‪ ،‬ومنطلقها‬
‫الفكـري والفلسـفي‪ ،‬وقاعدهتـا العلمية‪ ،‬وميداهنـا التطبيقي‪ ،‬فيقـدّ م تعري ًفا‬
‫وعلم‪ ،‬ويسـتعرض‬ ‫وضـح أثرها املعريف فلسـفة ً‬ ‫واصطالحا‪ ،‬و ُي ّ‬
‫ً‬ ‫للبيئـة لغـة‬
‫عنـارص البيئـة‪ ،‬ومكوناهتـا‪ ،‬ومواردهـا‪ ،‬باإلضافـة إىل تقديـم مقارنـة بين‬
‫التنميـة البيئيـة املسـتدامة والتقليديـة‪ ،‬ويسـتعرض األخطـار‪ ،‬واملهددات‪،‬‬
‫أيضـا‪ :‬خصائص اإلدارة املسـتدامة‬ ‫والقضايـا البيئيـة املسـتحدثة‪ ،‬ويتنـاول ً‬
‫للبيئـة‪ ،‬ومـا تتضمنـه مـن إستراتيجيات وسياسـات‪ ،‬ومـا حققتـه يف ِ‬
‫جمال‬
‫ِ‬
‫ألفضـل املامرسـات البيئية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫التطبيـق‬
‫أمـا الفصل السـادس‪ ،‬فقد تنـاول األدبيـات الداعية إىل بلـورة التنمية‬
‫اإلداريـة املسـتدامة ومنطلقاهتـا التـي ال تـزال يف مرحلـة التنظير‪ ،‬وأن مـا‬
‫ظهـر مـن مؤسسـات‪ ،‬ومنظمات‪ ،‬وقيـادات‪ ،‬ومرشوعـات‪ ،‬وموازنـات‬

‫‪6‬‬
‫مسـتدامة؛ ال يـزال يف املراحـل األوىل‪ ،‬وأن جمـاالت الريـادة إلثـراء هـذا‬
‫الفكـر وهـذه التطبيقـات مفتوحـة أمـام روادها‪ ،‬ويتحمـل أسـاتذة العلوم‬
‫اإلداريـة وطلبتهـا جـز ًءا من هذه املسـؤولية بحكـم ختصصهـم ومواكبتهم‬
‫ملـا يسـتجدُّ لدى الـدول املتقدمـة مـن املامرسـات الناجحة‪ ،‬وهـذا ال يعفي‬
‫املنظمات احلكوميـة والشركات اخلاصـة مـن املضي يف طريـق االسـتدامة‬
‫ُطهـر نفسـها مما‬
‫اإلداريـة والتنظيميـة؛ فتخطـو نحـو احلكامنيـة وقيمهـا‪ ،‬وت ّ‬
‫علـق هبـا مـن أوجـه الفسـاد والقصـور والتخلـف‪ ،‬التـي مل يعـد بإمـكان‬
‫حتملهـا قبـل أن يفقـد بعضهـم صوابـه؛ فيقع مـا ال ُتمـد عقباه‪.‬‬
‫مجهورهـا ّ‬
‫وبعـد أن تـم تنـاول البيئة‪ ،‬ومـا تتعرض له مـن خماطر ومهـددات بعد‬
‫ظهـور اآلثار الكبيرة للتنميـة بجميع جوانبها‪ ،‬ومـا أحدثته من آثار سـلبية‬
‫وتلـوث للبيئـة يف كوكبنـا؛ يـأيت الفصـل السـابع ليتنـاول‪ :‬مفهـوم التلوث‬
‫الـذي أحدثتـه التنميـة التقليديـة‪ ،‬ومصـادر ذلـك التلـوث‪ ،‬وأسـبابه‪،‬‬
‫وأنواعـه‪ ،‬وآثـاره‪ ،‬ثـم يوضـح اجلهـات املعنيـة بـإدارة التلوث واحلـدّ منه؛‬
‫حيـث يتناول‪ :‬اجلهـود احلكوميـة والعلميـة‪ ،‬وجهود الشركات واملصانع‪،‬‬
‫واجلهـود الزراعيـة‪ ،‬وجهـود األفـراد‪ ،‬وجهـود املنظمات البيئيـة يف هـذا‬
‫املجـال‪ .‬ثـم نختتـم الفصل بأمهيـة التعـاون بني الـدول عن طريـق البحث‬
‫العلمـي لتطبيقـات املـوارد املتاحـة‪ ،‬وتوجيه االهتمام إىل املشـكالت البيئية‬
‫املعارصة‪ ،‬ورضورة دراسـة املشـكالت النامجة عن التلـوث‪ ،‬وما حيدث من‬
‫آثـار سـيئة عىل األنظمـة البيئيـة‪ ،‬وخلق الوعـي البيئي املجتمعـي‪ ،‬والرتكيز‬
‫على الرتبيـة البيئية‪ ،‬ودراسـة املشـكالت البيئيـة وحتليلها من خلال منظور‬
‫شـامل ومتكامل‪.‬‬
‫وحيـث إن النفايـات تعـدُّ مـن مسـببات تلـوث البيئـة وتدهورهـا‪،‬‬
‫أيضـا حتد ًيـا يواجـه املنظمات‪ ،‬ومشـكلة تعـوق حتقيـق التنميـة‬
‫كما تعـدُّ ً‬

‫‪7‬‬
‫املسـتدامة؛ فقـد تناولنـا يف الفصل الثامن مـن هذا الكتاب ماهيـة النفايات‪،‬‬
‫وأسـباب انتشـارها‪ ،‬وآثارهـا اإلجيابيـة والسـلبية‪ ،‬كام قـدّ م الفصـل موازنة‬
‫بين الطرائق التقليديـة واملسـتدامة إلدارة النفايات‪ ،‬متطر ًقا إىل اسـتعراض‬
‫أفضـل املامرسـات اخلضراء يف إدارة النفايـات يف مدينتـي فانكوفـر بكندا‪،‬‬
‫واسـتوكهومل بالسـويد‪ ،‬إضافـة إىل ذكـر أهـم االتفاقيـات‪ ،‬والسياسـات‪،‬‬
‫واملؤسسـات الدوليـة يف هـذا املجـال‪ ،‬مثـل منظمـة اليونيـب‪ ،‬واتفاقيـة‬
‫بـازل‪ ،‬واتفاقيـة باماكـو‪ .‬واختُتـم الفصـل باسـتعراض أبـرز التحديـات‪،‬‬
‫واملشـكالت‪ ،‬والعقبـات التـي تواجه اإلدارة املسـتدامة للنفايـات‪ ،‬وتقديم‬
‫أهـم املقرتحـات التـي تدعـم التحـول نحوها‪.‬‬
‫ويركز الفصل التاسـع على أمهية مؤرشات التنمية املسـتدامة‪ ،‬ودورها‬
‫يف قيـاس حتقيق مسـتويات أهدافهـا‪ ،‬باإلضافة إىل التعرف على الفروق بني‬
‫مـؤرشات التنميـة التقليدية‪ ،‬ومـؤرشات التنميـة املسـتدامة‪ ،‬واملراحل التي‬
‫مـرت هبـا عمليـة صناعـة املـؤرشات التنمويـة‪ ،‬ثم أوضحنـا املنهجيـة التي‬
‫اعتمدهتـا املنظمات الدوليـة ذات العالقة يف إرسـائها للمـؤرشات واملعايري‬
‫التنمويـة املسـتدامة‪ ،‬وحجـم اجلهـود الدوليـة يف هـذا اجلانب‪ ،‬وتسلسـلها‬
‫الزمنـي‪ .‬ثـم اسـتعرضنا األهـداف اإلنامئيـة لأللفيـة الثالثة‪ ،‬ومـدى حتققها‬
‫على أرض الواقع‪ ،‬وحجـم تأثريها على املخطط احلكومي‪ .‬كام اسـتعرضنا‬
‫جتربـة منطقتنـا العربية فيما يتعلق بتصميم املـؤرشات واملعايير اخلاصة هبا‪،‬‬
‫مـع اإلشـارة إىل جتربـة اململكة العربية السـعودية يف هـذا املجال‪.‬‬
‫أمـا الفصـل العـارش‪ ،‬فقـد اسـتعرض جتربـة اململكـة العربيـة‬
‫السـعودية وسـعيها نحـو حتقيـق التنميـة الشـاملة واملسـتدامة‪ ،‬ونوقشـت‬
‫أهـم اإلستراتيجيات‪ ،‬واخلطـط‪ ،‬واملبـادرات التـي قامـت هبا املؤسسـات‬
‫العامـة‪ ،‬والقطـاع اخلـاص‪ ،‬واملجتمع املـدين‪ ،‬يف خمتلف املجـاالت اإلنامئية‬

‫‪8‬‬
‫وقطاعاهتـا املتعـددة ومحايـة البيئة‪ .‬ثـم عرضـت املرشوعـات التنموية التي‬
‫شـملت البنيـة األساسـية ملختلـف القطاعات اخلدميـة واإلنتاجيـة‪ ،‬والبنية‬
‫املؤسسـية للتنميـة املسـتدامة‪ ،‬متمثلة يف الـوزارات‪ ،‬واهليئـات‪ ،‬واملجالس‪،‬‬
‫والـوكاالت‪ ،‬واملـدن التنمويـة املسـتدامة‪.‬‬
‫عرضـا‬ ‫يوضـح ً‬ ‫وقـد اختُتـم الكتـاب بفصلـه احلـادي عشر‪ ،‬الـذي ّ‬
‫تعرضـت لـه االسـتدامة مـن انتقـادات؛ حيـث كان بعضهـا‬ ‫ألغلـب مـا ّ‬
‫أيديولوج ًّيـا‪ ،‬وبعضهـا اآلخـر أكاديم ًّيـا‪ ،‬واألخير منهـا عمل ًّيـا وتطبيق ًّيـا‪،‬‬
‫وكأهنـم مجي ًعـا ُيشـكّكون يف منطلقاهتـا‪ ،‬أو يف نوايـا داعميهـا‪ ،‬أو يف قدرات‬
‫املجتمعـات واملنظامت واألفراد عىل اسـتيعاهبا أو ترمجتهـا؛ لتحقيق أهدافها‬
‫املثاليـة الراميـة إىل سـعادة األجيـال وحتسين أحواهلـم‪ ،‬دون اإلرضار بما‬
‫حتتويـه األرض مـن خيرات‪ ،‬أو يضمـه اهلـواء مـن غـازات‪ ،‬أو يكمـن يف‬
‫البحـار وامليـاه مـن طاقـات‪ ،‬كما َعرضت يف هـذا الفصـل أهـم التحديات‬
‫فكـرا‪ ،‬واحلريصني‬ ‫والعقبـات التـي تعترض االسـتدامة لـدى املؤمنني هبـا ً‬
‫على حتويلهـا إىل إستراتيجيات‪ ،‬وبرامـج‪ ،‬وممارسـات‪ ،‬أو لـدى الذيـن‬
‫مناصا‬
‫تُفـرض عليهم عبر االتفاقيـات واملعاهـدات الدوليـة‪ ،‬وال جيـدون ً‬
‫مـن حماولـة تطبيقهـا‪ ،‬وهـذه العقبـات متعـددة ومتنوعـة؛ منهـا‪ :‬حمدوديـة‬
‫املـوارد املاليـة‪ ،‬نقـص الكفايـات‪ ،‬ضغـط املطالـب واالحتياجات‪ ،‬شـيوع‬
‫العـادات وامليول االسـتهالكية لدى األفـراد واجلامعـات‪ ،‬ناهيك عن عجز‬
‫احلكومـات‪ ،‬وفسـاد املنظامت‪ ،‬وضعـف تطبيـق الترشيعـات‪ ،‬وغياب دور‬
‫املـدارس واجلامعـات وبقية اهليئـات واملؤسسـات الدينيـة واإلعالمية إزاء‬
‫االسـتدامة‪ ،‬وثقافتهـا‪ ،‬وتطبيقاهتـا؛ ولكـن ذلـك ال يعنـي االستسلام وال‬
‫إن توافرت‬ ‫فقطـار االسـتدامة سـيميض‪ ،‬والراكبون فيـه سـينجون ْ‬ ‫اهلـوان؛ ِ‬
‫لدهيـم اإلرادة‪ ،‬واإلدارة‪ ،‬وتقـوى اهلل‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫منظـورا جديـدً ا تتداخل‬
‫ً‬ ‫وأخيرا‪ ،‬فـإن التنميـة املسـتدامة تعـدُّ اليـوم‬
‫ً‬
‫خمتلـف التخصصـات والعلـوم‪ ،‬وميدانًـا حظـي‬ ‫ُ‬ ‫وتتشـابك وتتكامـل فيـه‬
‫كثيرا مـن‬
‫ً‬ ‫باهتمام العلماء واملفكريـن واملنظمات حـول العـامل‪ ،‬وشـهد‬
‫اإلسـهامات الفكريـة والعلميـة‪ ،‬النظريـة والتطبيقيـة؛ حيـث كان هلـؤالء‬
‫ً‬
‫حقلا‬ ‫املفكريـن إسـهاماهتم العلميـة يف إثـراء التنميـة املسـتدامة بوصفهـا‬
‫علم ًّيـا بـدأ يتشـكل‪ ،‬وأصبـح لـه منظـور ونظريـات والشيء األهـم هـو‪:‬‬
‫التواصـل والرتابـط العلمـي املسـتمر بين املهتمين باالسـتدامة‪ ،‬ليس عىل‬
‫أيضـا‪ .‬واألمل‬‫املسـتوى الشـخيص فحسـب‪ ،‬ولكـن عىل املسـتوى املعـريف ً‬
‫والرجـاء يف اهلل بـأن يسـهم هذا الكتـاب يف نشر ثقافة االسـتدامة بني طلبة‬
‫اجلامعـات ولـدى قـادة املنظامت الذيـن يملكون زمـام األمـور و ُيصدرون‬
‫السياسـات ويتخـذون القـرارات فيجعلون التنمية املسـتدامة واق ًعا تعيشـه‬
‫املجتمعـات احلـارضة وأجياهلـا القادمـة‪ ..‬واهلل مـن وراء القصـد‪.‬‬

‫أ‪.‬د‪ .‬عامر خضري الكبييس‬ ‫ ‬

‫‪10‬‬
‫الفصل األول‬
‫املدخل إىل دراسة التنمية املستدامة‬
‫ودور اجلامعات إزاءها‬

‫أ‪.‬د‪ .‬عامر خضري الكبييس‬


‫املدخل إىل دراسة التنمية املستدامة‬
‫ودور اجلامعات إزاءها‬
‫املقدمة‬
‫يركـز هذا الفصل على التعريف بالتنمية املسـتدامة‪ ،‬ونشـأهتا‪ ،‬وبعض‬
‫اجلهـود الدوليـة التـي ُبذلـت خلال النصـف األخري مـن القـرن العرشين‬
‫ً‬
‫وبديلا‬ ‫هنجـا فكر ًّيـا عامل ًّيـا‬
‫لبلـورة منطلقاهتـا ومبادئهـا‪ ،‬إىل أن أصبحـت ً‬
‫تكشـفت آثارهـا السـلبية‪ ،‬وخماطرهـا‬ ‫للمناهـج التنمويـة التقليديـة التـي َّ‬
‫اجلسـيمة املتجـاوزة لكل مـا ادعته مـن مكاسـب وإنجازات كانـت الدول‬
‫املتقدمـة تفاخـر بتحقيقها‪.‬‬
‫وسـنوجز أهدافها الرئيسـة كما أقرهتا اجلمعيـة العامة لألمـم املتحدة‪،‬‬
‫ووافقـت عليهـا مجيـع دول العـامل‪ ،‬وأسـمتها أهـداف األلفيـة الثالثـة‪،‬‬
‫ونبين أهـم األسـاليب واآلليـات املتاحـة لبلوغهـا‪ ،‬وف ًقـا لألدلـة التنفيذية‬
‫ّ‬
‫واإلرشـادية التي طرحتها اإلدارات واألقسـام املتخصصة بمتابعة تنفيذها‪.‬‬
‫والتنميـة املسـتدامة التـي أصبحـت اليـوم بمثابـة خارطـة طريـق‬
‫لالنطلاق بالشـعوب والـدول يف مسيرة موحـدة‪ ،‬وبخطـى مدروسـة‬
‫وحمـددة‪ ،‬بسـقوف زمنيـة‪ ،‬ومراحـل تعاقبيـة؛ متيزت عـن النماذج التنموية‬
‫التـي سـبقتها بحيادهـا وجتردها مـن األيديولوجيـات التي فرضت نفسـها‬
‫وقسـمت العـامل إىل معسـكرات رأسمالية واشتراكية متنافسـة‬ ‫لعقـود‪َّ ،‬‬
‫ومتصارعة‪ ،‬كام أهنا اتسـمت بتوازهنا وتكامل إستراتيجياهتا‪ ،‬فال يسـتحوذ‬
‫قطـاع على آخـر‪ ،‬وال ينمو االقتصـاد وترتاجع أوضـاع الفقـراء‪ ،‬أو تنضب‬
‫ثـروات الطبيعـة‪ ،‬أو تتلـوث البيئـة‪ .‬فالتنمية االقتصاديـة‪ ،‬والتنميـة البيئية‪،‬‬

‫‪13‬‬
‫والتنميـة االجتامعية والبرشيـة‪ ،‬ومعها التنمية السياسـية واإلدارية والتقنية‪،‬‬
‫متضي جن ًبـا إىل جنب؛ مـن أجل حتقيـق العدالـة واإلنصاف واملسـاواة‪ ،‬فال‬
‫يسـعد جيـل ويشـقى آخـر‪ ،‬وال تغنـى قارة بشـعوهبا على حسـاب قارات‬
‫أخـرى‪ ،‬وهذا مـا سـعينا إىل توضيحه هنا‪ ،‬لنختـم الفصل بـدور اجلامعات‬
‫نحـو حتقيـق بردايـم التنميـة املسـتدامة ودور أسـاتذهتا وخرجييهـا يف ترمجة‬
‫أهدافهـا ومبادئهـا على أرض أوطاهنـم ويف منظامهتـم‪.‬‬

‫‪ .1‬ما التنمية املستدامة؟‬


‫تعـددت تعريفـات التنميـة املسـتدامة عبر تطورهـا خلال العقـود‬
‫اخلمسـة األخرية مـن القرن العرشين‪ ،‬وعلى الرغم من تبايـن املصطلحات‬
‫كثيرا يف جوهرها وحمتواها‪.‬‬
‫ً‬ ‫والكلمات التي وردت حوهلـا‪ ،‬فإهنا ال ختتلف‬
‫وتعريفنـا هلـا هنا يركِّـز عىل طابعهـا األكاديمـي؛ فهي حقل معـريف يتصف‬
‫بالتداخـل والتكامـل والرتاكـم ملـا طرحتـه حقـول املعرفـة االقتصاديـة‬
‫واالجتامعيـة واإلنسـانية؛ إضافـة إىل حقـول املعرفـة التطبيقيـة ذات الصلة‬
‫بالبيئـة ومكوناهتـا املختلفة‪.‬‬
‫ًّ‬
‫مسـتقل عن بقيـة احلقول‪،‬‬ ‫وإن التنميـة املسـتدامة ليسـت ً‬
‫حقل علم ًّيا‬
‫وإنما هـي حصيلـة تفاعلهـا وتوظيفهـا يف القضايـا ذات العالقـة بأبعادها؛‬
‫ولذلـك نُعرفهـا بأهنـا بردايـم جديـد جلمـع املعرفـة مـن خمتلـف حقوهلـا‬
‫وتوظيفهـا؛ لتحقيـق التنميـة املتواصلـة واملتوازنة‪ ،‬والشـكل التـايل يعكس‬
‫وجهـة نظرنـا هذه‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫الشكل رقم (‪ )1‬املعرفة املستدامة‬

‫العلوم التطبيقية‬ ‫العلوم اإلنسانية‬

‫السياسة‬
‫اهلندسة‬
‫االقتصاد‬
‫الزراعة‬
‫االجتامع‬
‫الكيمياء‬
‫القانون‬
‫البيئة‬ ‫احلقول املعرفية‬
‫للتنمية املستدامة‬ ‫اإلدارة‬
‫التكنولوجيا‬
‫النفس‬
‫الطب‬
‫املستقبل‬
‫احليوان‬
‫علوم أخرى‬
‫علوم أخرى‬
‫إعداد الباحث‪.‬‬

‫غير أن املعرفـة العلميـة واألكاديميـة األشـد صلـة واألكثـر اهتام ًمـا‬


‫بالتنميـة املسـتدامة اليـوم‪ ،‬هـي التـي قدمهـا علماء كل مـن االقتصـاد‬
‫واالجتماع واإليكولوجيـا؛ وتب ًعـا لذلـك أصبحـت التنميـة االقتصاديـة‪،‬‬
‫والتنميـة االجتامعيـة‪ ،‬والتنميـة البيئيـة هي مثلـث التنمية املسـتدامة‪ ،‬وتظل‬
‫حقـول املعرفـة األخـرى تعمـل مـن خلال هـذه املنافـذ الثالثـة‪.‬‬
‫أمـا التعريـف الـذي شـاع وانتشر عامل ًّيـا‪ ،‬فهـو الـذي طرحتـه جلنـة‬
‫برونتالنـد‪ ،‬رئيسـة وزراء النرويج‪ ،‬يف تقريرها املقـدم إىل هيئة األمم املتحدة‬
‫عـام ‪1987‬م‪ ،‬حيـث قالت‪« :‬إن التنمية املسـتدامة نمط جديـد للتنمية التي‬
‫تفـي باحتياجات احلـارض دون املجازفة بقـدرة األجيال القادمـة عىل الوفاء‬
‫باحتياجاهتـا»‪ ،‬وكان التقرير بعنوان «مسـتقبلنا املشترك»‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫ومعلـوم أن هنـاك جهـو ًدا دوليـة مكثفـة أسسـت هلـذه اللجنـة وهلذا‬
‫التقريـر‪ ،‬ترجـع إىل مطلـع السـتينيات مـن القـرن العرشيـن‪ ،‬حين شـعر‬
‫املهتمـون بمخاطـر البيئـة وتلوثهـا بـأن األمـر مل يعد شـأنًا حمل ًّيـا‪ ،‬وحتركت‬
‫ليحـذرا مـن اسـتمرار التدهـور‬ ‫ّ‬ ‫«اليونيسـكو» الدوليـة ونـادي رومـا‪،‬‬
‫واسـتنزاف الثـروات الطبيعيـة‪ ،‬ويف الوقـت نفسـه تـردت أحـوال سـكان‬
‫النصـف اجلنـويب مـن الكـرة األرضيـة‪.‬‬
‫بعضا مـن هذه اجلهـود الدوليـة التي أسـهمت يف بلورة‬
‫ونوجـز أدنـاه ً‬
‫هـذا املنهج املسـتدام للتنمية‪:‬‬
‫ـ انعقاد مؤمتر استوكهومل بالسويد عام ‪ ،1972‬الذي عني باإلنسان والبيئة‬
‫البرشية‪ ،‬وقد نشأ إثره برنامج األمم املتحدة للبيئة ‪.UNDP‬‬
‫ـ صدور التقرير الدويل املشهور‪ ،‬وعنوانه «حدود النمو»‪ ،‬بمشاركة العاملة‬
‫‪ Donella Meadows‬وزوجها‪ ،‬ونخبة من العلامء يف اختصاصات خمتلفة‬
‫عام ‪1972‬م‪.‬‬
‫ـ مؤمتر ريو دي جانريو يف الربازيل عام ‪1992‬م‪ ،‬الذي ُسمي قمة األرض‪.‬‬
‫ـ املؤمتر العاملي للسكان والتنمية االجتامعية بالقاهرة عام ‪1994‬م‪ ،‬وأعقبه‬
‫مؤمتر املرأة يف بكني عام ‪1995‬م‪ ،‬ثم القمة االجتامعية يف كوبنهاجن عام‬
‫‪1995‬م‪ ..‬وهكذا توالت مؤمترات املرأة والسكان لتُعقد سنو ًّيا‪.‬‬
‫ـ قمة كيوتو يف اليابان عام ‪1997‬م‪ ،‬الداعية إىل تقليص انبعاث النفايات‬
‫وخفضها‪ ،‬وقد سبقتها قمة مونرتيـال عام ‪1987‬م حول نضوب األوزون‪،‬‬
‫واتفاقية بازل حول النفايات اخلطرة عام ‪1989‬م‪.‬‬
‫ـ قمة جوهانسربغ للتنمية املستدامة يف جنوب إفريقيا عام ‪2002‬م‪.‬‬
‫وأخريا قمة ريو دي جانريو لعام ‪2012‬م بالربازيل (ريو‪ )20+‬التي‬‫ً‬ ‫ـ‬
‫اهتمت بالعدالة واحلوكمة والقانون لتحقيق االستدامة‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫هـذه املؤمتـرات ومـا ختللها مـن جهود وأنشـطة‪ ،‬أسـهمت فيهـا مجيع‬
‫منظمات املجلـس االقتصـادي واالجتامعـي ‪ ECOSOC‬الدوليـة‪ ،‬ومنهـا‬
‫على سـبيل املثـال ال احلصر‪ :‬منظمـة العمـل الدوليـة‪ ،‬ومنظمـة الصحـة‬
‫العامليـة‪ ،‬واملنظمـة العامليـة لألرصـاد اجلويـة‪ ،‬ومفوضيـة األمـم املتحـدة‬
‫السـامية حلقـوق اإلنسـان‪ ،‬ومفوضيـة األمـم املتحـدة لشـؤون الالجئين‪،‬‬
‫وصنـدوق األمـم املتحـدة للسـكان‪ ،‬ومعهـد األمـم املتحـدة للتدريـب‬
‫والبحـث وغريهـا كثري؛ وقـد أدت إىل بلـورة منهج التنمية املسـتدامة ليحل‬
‫حمـل التنميـة التقليديـة‪ ،‬التـي نُعتـت أحيانًـا بالتنميـة املسـتنامة‪ ،‬وأحيانًـا‬
‫بالتنميـة العرجـاء أو الالمتوازنـة‪ .‬واألصـح تسـميتها التنميـة الظاملة؛ ألهنا‬
‫مل تنصـف البشر‪ ،‬ومل حتافظ عىل األرض وال الشـجر‪ ،‬ولـو بقيت عىل حاهلا‬
‫فلـن تبقـي ولـن تذر‪.‬‬
‫لذلـك تـأيت التنميـة املسـتدامة كما قـال كـويف عنـان‪« :‬لتكـون فرصة‬
‫فريـدة تتيـح من الناحيـة االقتصاديـة إقامة األسـواق وفتح أبـواب العمل‪،‬‬
‫ومـن الناحيـة االجتامعيـة دمـج املهمشين يف تيـار املجتمـع‪ ،‬ومـن الناحية‬
‫السياسـية منح كل إنسـان ـ ً‬
‫رجل كان أم امرأة ـ صوتًـا وقدرة عىل االختيار‬
‫لتحديد مسـار مسـتقبله»‪.‬‬

‫‪ .2‬أهداف التنمية املستدامة‬


‫لقـد ُحـددت للتنميـة املسـتدامة أهـداف واضحـة املعـامل ُأطلـق‬
‫اصطالحـا األهـداف اإلنامئيـة لأللفيـة الثالثـة ‪(Millennium‬‬
‫ً‬ ‫عليهـا‬
‫)‪ ،Development Goals MDGs‬اتفقـت عليهـا الـدول األعضـاء يف‬
‫منظمـة األمـم املتحـدة‪ ،‬وكان احلضـور يمثـل ‪ 192‬دولـة‪ ،‬و‪ 23‬منظمـة‬
‫دوليـة‪ ،‬وتعهـدت بتحقيقهـا بحلـول عـام ‪ ،2015‬وكان التوقيـع على هذا‬

‫‪17‬‬
‫اإلعلان عـام ‪2000‬م‪ ،‬وقد ُأرفقت هبـذه األهداف املؤرشات التي سـتُتبع‬
‫لقيـاس التقـدم الذي سـتحققه هذه الـدول جمتمعـة ومنفـردة‪ ،‬وكانت هذه‬
‫الوثيقـة مـن أهـم قـرارات اجلمعيـة العامـة لألمـم املتحـدة يف ختـام القرن‬
‫العرشيـن‪ ،‬سـبتمرب ‪2000‬م‪.‬‬
‫وقـد تضمنـت الوثيقة ثامنيـة أهـداف أساسـية‪ ،‬وترتبط هبـا ‪ 21‬غاية‪،‬‬
‫مـؤرشا للقيـاس‪ ،‬واألهـداف هي‪:‬‬
‫ً‬ ‫و‪60‬‬
‫‪ 1‬ـ القضاء عىل الفقر املدقع واجلوع‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تعميم التعليم االبتدائي جلميع مستحقيه‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ تعزيز املساواة بني اجلنسني‪ ،‬ومتكني املرأة‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ تقليل وفيات األطفال‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ حتسني الصحة النفسية‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ مكافحة اإليدز‪ ،‬واملالريا‪ ،‬واألمراض األخرى‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ كفالة االستدامة البيئية‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ إقامة رشاكة عاملية من أجل التنمية‪.‬‬
‫وقـد أصدرهـا األمين العام لألمـم املتحـدة ـ وكان وقتها كـويف عنان‬
‫ـ بقولـه‪« :‬إن لدينـا مـن الوقـت مـا يتيـح لنـا بلوغ هـذه األهـداف يف العامل‬
‫أمجـع‪ ،‬ويف معظـم البلـدان‪ ،‬بـل ويف كل بلد منهـا عىل حـدة‪ ،‬ولكن رشيطة‬
‫أن نقلـع عـن العمـل باألسـاليب التقليديـة السـائدة واملعتـادة‪ ،‬إن النجاح‬
‫ً‬
‫عملا دؤو ًبـا مفـر ًدا‪ ،‬ويتحتم علينـا أن نبدأ مـن اآلن»‪.‬‬ ‫يسـتلزم‬
‫ومل تقـف هيئـة األمم املتحـدة عند هـذا اإلعالن‪ ،‬بل تابعـت خطوات‬
‫تنفيـذه عبر السـنوات املتعاقبـة‪ ،‬وأصـدرت تقاريرهـا حـول التقـدم الذي‬

‫‪18‬‬
‫تـم إحـرازه‪ ،‬واخللـل والعجـز والقصـور الـذي رافـق التنفيذ هنـا وهناك‪،‬‬
‫وشـخصت التحديـات املاثلـة أمـام كل هـدف منهـا‪ ،‬وأجـرت املقارنـات‬‫ّ‬
‫بين القـارات ودول الشمال ودول اجلنـوب‪ ،‬مقدمـة كل نتائـج التقويـم‪،‬‬
‫والقيـاس‪ ،‬واملتابعـة للمؤمتـرات والنـدوات وللمنظمات احلكوميـة‪،‬‬
‫وملنظمات األعمال‪ ،‬وملنظمات املجتمـع املـدين الدوليـة منهـا والوطنيـة؛‬
‫لتحفـز على مواصلـة املسيرة نحـو االسـتدامة التـي ال بديـل هلا‪.‬‬

‫‪ .3‬الوسائل واملداخل املتاحة لتحقيق التنمية املستدامة‬


‫وقـد أبقتهـا املنظمـة الدولية مفتوحـة خليـارات الدول لكـي تعتمد ما‬
‫يناسـبها مـن بني الوسـائل التاليـة وف ًقا لظروفهـا والتزاماهتـا املرحلية‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ إعداد التقارير القطرية عن حتقق األهداف اإلنامئية لأللفية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ اعتامد التفكري اإلسرتاتيجي‪ ،‬وإجراء الدراسات املستقبلة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ اعتامد اخلطط اإلسرتاتيجية بعيدة ومتوسطة املدى‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ توظيف التقنيات والربجميات يف إدارة املرشوعات وتنفيذها‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ تطبيق معايري ومؤرشات اجلودة ومواصفاهتا النوعية‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ غرس القيم‪ ،‬وإشاعة ثقافة االستدامة والرتشيد‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ املشاركة والرشاكة اجلامهريية واملؤسسية يف التخطيط واملتابعة‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ اعتامد املوازنات املالية العامة املربجمة وف ًقا للربامج واملرشوعات‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ اكتشاف بدائل‪ ،‬وأساليب‪ ،‬وأنامط جديدة ملا هو مألوف اآلن‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ بناء املؤسسات واملنظامت املستدامة بقيادات متمكِّنة وشابة‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ 11‬ـ اعتماد التوعية‪ ،‬والتعليـم‪ ،‬واحلوار‪ ،‬واإلقناع‪ ،‬مع التحفيز واملسـاءلة؛‬
‫إلحداث التغيري‪.‬‬
‫‪ 12‬ـ االقتداء بالنامذج والتطبيقات الناجحة عرب املقارنات املرجعية‪.‬‬
‫‪ 13‬ـ تفعيل التنافسية‪ ،‬واخلصخصة‪ ،‬والرشاكة بني القطاعات‪.‬‬
‫‪ 14‬ـ التكامل بني األجهزة واملؤسسات املدنية‪ ،‬والتنموية‪ ،‬واألمنية‪.‬‬
‫‪ 15‬ـ االعتماد عىل الـذات‪ ،‬وتعزيز اإلرادة‪ ،‬وقيم الـوالء واالنتامء‪ ،‬والتحمل‪،‬‬
‫والتضحية‪.‬‬
‫‪ 16‬ـ امليض بآليات وطرائق االقتصاد األخرض‪.‬‬
‫‪ 17‬ـ إصدار الترشيعات‪ ،‬واألنظمة‪ ،‬واللوائح املنظمة للتنمية املستدامة‪.‬‬
‫‪ 18‬ـ إجراء املسوحات الدورية واستطالعات الرأي العام‪.‬‬
‫‪ 19‬ـ توزيع االستبانات لقياس االجتاهات للمستفيدين وأصحاب املصالح‪.‬‬
‫‪ 20‬ـ احلسابات اخلتامية للموازنات واإلسرتاتيجيات‪.‬‬
‫‪ 21‬ـ الرجوع إىل قواعد البيانات الوطنية والدولية‪.‬‬
‫‪ 22‬ـ إصدار األدلة اإلرشادية والبوسرتات التعريفية والتوعوية‪.‬‬
‫‪ 23‬ـ تقديم املنح‪ ،‬واحلوافز‪ ،‬واملساعدات‪.‬‬
‫‪ 24‬ـ االستعانة بمراكز البحوث والدراسات واالستشارات‪.‬‬
‫‪ 25‬ـ ختصيص القنوات اإلعالمية والصحافة اليومية للتوعية والتعريف‪.‬‬
‫وقـد يتـم االنتقاء من بني هـذه الوسـائل واآلليـات وف ًقا ملالءمتهـا‪ ،‬وتب ًعا‬
‫الجتهـادات القطاعـات ولرؤيـة القيادات‪ .‬وقد يتـم األخذ هبـا جمتمعة‪ ،‬ولكن‬
‫بدرجـات خمتلفـة‪ ،‬ووف ًقـا للمسـتويات اهليكليـة التـي تتيـح للمجالـس العليـا‬
‫وللوزارات حريات أوسـع من تلك املتاحة للمسـتويات التنفيذية والتشـغيلية‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ .4‬أبعاد التنمية املستدامة وأركاهنا‬
‫إن مـا يم ّيـز فكـر التنميـة املسـتدامة عـن الفكـر التنمـوي التقليـدي‪،‬‬
‫هـو نظرهتـا الكليـة النظميـة التـي تؤمـن بتكامل األجـزاء يف إطـار موحد‪،‬‬
‫يكـون حاصلـه وجمموعـه أكبر بكثير مـن جممـوع أجزائـه وجيعـل منهـا‬
‫يتعذر أن يكسـب جـزء منه عىل حسـاب اآلخر‪ ،‬وإن‬ ‫نظا ًمـا ديناميك ًّيـا ح ًّيـا َّ‬
‫أي زيـادة أو إضافـة تتحقـق لقطـاع مـا مـن قطاعـات التنميـة املتعـددة قد‬
‫تكـون خسـارة أو كلفة على األخـرى‪ ،‬إن حدث ذلـك خارج هـذه الرؤية‬
‫التكامليـة‪ ،‬أو بعيـدً ا عـن التـوازن والعدالة‪.‬‬
‫أمـا التنميـة املسـتنامة أو الظاملـة‪ ،‬فهـي التـي وصفهـا خبير االقتصاد‬
‫العاملـي جوزيـف سـتيغليتس (‪ ،)Joseph Stiglitz‬احلاصـل على جائـزة‬
‫نوبـل عـام ‪2001‬م‪ ،‬حين قـال‪:‬‬
‫«إن أصحـاب البنـوك الذيـن يضعـون اقتصادنـا يف مهـب الريـح‪،‬‬
‫وأصحـاب رشكات الطاقـة الذيـن يضعـون كوكبنـا يف مهـب األزمـات‬
‫حتم‬
‫واملخاطـر‪ ،‬قـد جينـون مبالـغ طائلـة‪ ،‬لكـن اخلسـائر يف النهايـة سـتقع ً‬
‫علينـا نحـن أفـراد املجتمـع‪ ،‬وشـأهنم شـأن املقامريـن واملجازفين‪ ،‬كام أن‬
‫القوانين التـي ترشعهـا الـدول الرأسمالية تُصـاغ لصالح هـذه الرشكات؛‬
‫لتخفـض سـقف التعويضـات التـي تدفعهـا عـن الكـوارث البيئيـة التـي‬
‫تتسـبب فيهـا»‪ ،‬ثـم يقـول‪« :‬لـو كان بإمكاننـا االنتقـال إىل كواكـب أخرى‬
‫بكلفـة زهيـدة يف حـال وقـوع العواقـب التـي يتوقعهـا علماء االسـتدامة‬
‫لقلنـا نعـم للمجازفـة‪ ،‬ولكـن هل مـن كواكب أخرى مسـتعدة السـتقبالنا‬
‫وأجيالنـا القادمـة؟» (‪.)Stiglitz, J.2001‬‬

‫‪21‬‬
‫هبـذه السـطور‪ ،‬وصـف جوزيـف سـتيغليتس مواصفـات التنميـة‬
‫املسـتدامة‪ ،‬وعبر الصفحـات القليلـة التاليـة‪ ،‬سـنعرض أركان التنميـة‬
‫املسـتدامة وأبعادهـا املتداخلـة واملرتابطـة‪ ،‬التـي ال انفصـام وال تعـارض‬
‫بينهـا إذا مـا ُأريـد هلـا جمتمعـة أن تـدوم وتتجـدد‪:‬‬

‫‪ 1 .4‬التنمية االقتصادية املستدامة‬

‫لقـد سـبقت الدعـوة إىل االقتصاد املسـتدام يف ظهورهـا‪ ،‬الدعوات إىل‬


‫التنميـة االجتامعيـة والتنميـة البيئيـة املسـتدامة‪ ،‬وهناك من ُيرجـع جذورها‬
‫إىل نظريـة توماس مالثـوس (‪ )Thomas Malthus‬يف عـام ‪1798‬م‪ ،‬الذي‬
‫هـدّ د بخطـر تصاعد معـدالت النمـو السـكاين‪ ،‬وتراجـع املـوارد الطبيعية‬
‫وقدرهتـا عـن تلبية احلـد األدنـى من متطلبـات العيـش البشري‪ ،‬فظهرت‬
‫منـذ ذلـك الوقـت اإلرهاصـات املهـددة ملسـتقبل البيئـة واإلنسـان م ًعـا‪.‬‬
‫ونتيجـة لذلـك ظهـرت احلـركات املحافظـة يف بدايـات القـرن العرشيـن‪،‬‬
‫التـي دعـت إىل التدخـل احلكومـي للإرشاف على املـوارد االقتصاديـة‪،‬‬
‫واحلـد مـن التنافـس واالحتـكار بني الشركات الرأسمالية‪.‬‬
‫كما تزايـد االهتامم بإجـراء البحـوث والدراسـات حول نـدرة املوارد‬
‫الطبيعيـة‪ ،‬ومعـدالت النمـو االقتصـادي وعالقتهما بمسـتقبل العيـش‬
‫البشري‪ ،‬وكان منهـا دراسـة برانت وموريـس‪ ،‬عـام ‪1963‬م‪ ،‬اللذين مجعا‬
‫السالسـل الزمنيـة لألسـعار‪ ،‬وتكاليف بعض املـوارد الطبيعيـة الداخلة يف‬
‫سـلعها‪ ،‬فوجـدا أن تكاليـف اإلنتاج وأسـعار املنتجات يف قطاعـي الزراعة‬
‫واملعـادن قـد انخفضـت أو ظلـت ثابتـة على مـدار عـدة عقـود (‪-1870‬‬
‫‪1957‬م)؛ فاسـتنتجا أن التقـدم التكنولوجـي كفيـل برفع كفاية اسـتخدام‬
‫املـوارد الطبيعيـة وخفـض تكاليفهـا؛ ممـا يزيـد مـن حجـم االحتياطـات‬

‫‪22‬‬
‫االقتصاديـة؛ وبالتـايل رفضهما فكـرة مالثـوس التشـاؤمية‪ ،‬واحلركـة‬
‫األمريكيـة للمحافظين مـن السياسـيني (سـعيدي وحوريـة‪2010 ،‬م)‪.‬‬
‫ً‬
‫طويلا إثـر الدراسـات التـي أجراهـا‬ ‫غير أن هـذا التفـاؤل مل يسـتمر‬
‫نـادي روما‪ ،‬واسـتُخدمت فيها أجهزة احلاسـوب اآليل وأسـاليب النمذجة‬
‫اجلديـدة يف حتليـل النظـم‪ ،‬الستكشـاف مسـتقبل التنميـة بربـط املتغيرات‬
‫اخلمسـة الرئيسـة م ًعا‪ ،‬وهي‪ :‬السـكان‪ ،‬الغـذاء‪ ،‬التصنيع‪ ،‬املـوارد الناضبة‪،‬‬
‫التلـوث البيئـي‪ .‬وتوصلـت إىل نتائـج مفرطـة يف التشـاؤم‪ ،‬ومـن بينهـا أن‬
‫هنـاك ‪ 11‬معدنًـا مـن الثـروات الطبيعيـة التـي تتعـرض للنضـوب‪ ،‬مـن‬
‫أبرزهـا‪ :‬البترول‪ ،‬الغـاز الطبيعي‪ ،‬النحـاس‪ ،‬الذهب‪ ،‬الرصـاص‪ ،‬الفضة‪،‬‬
‫الزنـك‪ ،‬والقصديـر‪ ..‬وإذا مـا اسـتمرت اجتاهـات النمـو احلاليـة للسـكان‬
‫والغـذاء والتصنيـع على مـا هـي عليه مـن دون أي تغيير أو تدخل فسـيتم‬
‫الوصـول إىل أقصى حـدود النمـو خلال مئـة عـام على األكثـر‪ .‬ولتلايف‬
‫هـذه النتيجـة الكارثيـة واخلطـرة دعـا نـادي رومـا إىل حتقيـق التـوازن بني‬
‫املتغيرات االقتصاديـة والبيئيـة بأرسع وقـت‪ ،‬وأن تضـع دول العامل جمتمعة‬
‫حـدو ًدا وضوابـط ملعـدالت نموها‪ً ،‬‬
‫بـدل من تنافسـها وانبهارهـا بام حتققه‬
‫تطبي ًقـا لفكرهـا االقتصادي غري املسـتدام‪ ،‬وبراجمها التنمويـة التقليدية التي‬
‫تتسـبب يف اسـتنزاف املـوارد والثـروات‪ ،‬وتزيـد مـن األرضار واخلسـائر‪،‬‬
‫واهلـدر والتلـوث الـذي يعقبها‪.‬‬
‫ومـع أن عـدم النمـو يف هـذه احلالـة يكـون أفضـل مـن النمـو األكرب‬
‫رضرا‪ ،‬فإنـه ال يمكن اعتامده كإستراتيجية لتلايف النضوب‬‫ُك ْلفـة واألكثـر ً‬
‫والرتاجـع (األنرتوبيـا العامليـة)‪ ،‬كما أنـه ليس ًّ‬
‫حل ملشـكالت هـذا اجليل‪،‬‬
‫ناهيـك عـن كونه ليـس ًّ‬
‫حلا لألجيـال القادمة‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫لذلـك كانت االسـتدامة االقتصادية هي املنظـور (الربدايم) واملرشوع‬
‫اجلديد للسلام واألمن العامليني‪ ،‬وهـي البديل لأليديولوجيات الرأسمالية‬
‫واالشتراكية‪ ،‬ومـن خالهلـا يمكـن أن تكـون هنـاك معـدالت مقبولـة‬
‫للتنميـة‪ ،‬ويف الوقـت نفسـه احلفـاظ على البيئـة وثرواهتـا‪ ،‬وضمان حقوق‬
‫األجيـال القادمة‪.‬‬
‫ولتحقيـق هـذه الطموحـات جمتمعـة‪ ،‬البـد مـن البحـث عـن طرائق‬
‫ومناهـج بديلـة‪ ،‬وأن ُيبـذل جهد عاملي مشترك‪ ،‬وإبداع واكتشـاف مصادر‬
‫جديـدة ومتجـددة للطاقـة التقليدية‪ ،‬وأجهـزة وتقنيات ومصانع ووسـائط‬
‫نقـل نظيفـة وصديقـة للبيئـة‪ ،‬وأسـاليب لتحويـل املخرجـات الزائـدة‪،‬‬
‫والفضلات‪ ،‬والنفايـات إىل عوائـد ومدخلات مـرة أخـرى‪ .‬واألهـم من‬
‫ذلـك كلـه أن تُسـهم حركة االسـتدامة هذه يف توعيـة األفـراد واملجتمعات‬
‫وإكسـاهبم األخالقيـات والسـلوكات األكثـر إنصا ًفـا‪ ،‬واألشـد احرتا ًمـا‬
‫للبيئـة املحيطـة هبـم وللبشر اآلخريـن مـن حوهلم‪.‬‬
‫وقـد أدت هـذه التوجهـات إىل ظهـور حركـة الدعـوة لالقتصـاد‬
‫األيكولوجـي‪ ،‬أو االقتصـاد األخضر‪ ،‬ومـن أبـرز مبادئهـا‪:‬‬
‫ـ حتقيـق التـوازن بين التكاليـف البيئية والتكاليـف االقتصاديـة عند إعداد‬
‫الربامج واملرشوعـات وتقويمها‪.‬‬
‫ـ مراعـاة معـدالت االسـتهالك والنضـوب التـي تتعـرض هلـا املـوارد‬
‫الطبيعيـة‪ ،‬والبحـث عـن طاقـات بديلـة ومتجـددة‪.‬‬
‫ـ تفعيـل العالقـة بني املخرجـات وتغذيتها الراجعـة للمدخالت من خالل‬
‫إعادة التدوير وإعادة االسـتخدام‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ـ اسـتبدال رأس املـال االصطناعـي بـرأس املـال الطبيعي‪ ،‬ليبقـى لألجيال‬
‫القادمـة مـوروث يسـاوي ما ورثـه اجليل احلـايل يف قيمتـه وأمهيته‪.‬‬
‫ـ حتقيـق احلـد األمثـل مـن التداخل بين أبعاد التنميـة املسـتدامة من خالل‬
‫التكيـف الديناميكي بين البدائل واملتغيرات املختلفة‪.‬‬
‫ً‬
‫قبـول لرتمجة هذه املبـادئ واملنطلقات‬ ‫أمـا البديـل أو السـبيل األكثر‬
‫التـي تطرحهـا االسـتدامة‪ ،‬فهـو االقتصـاد األخضر ‪Green Economy‬‬
‫الكفيـل بتحسين أحـوال البشر‪ ،‬وتقليـل هـدر املـوارد‪ ،‬وزيـادة كفايـة‬
‫اسـتثامرها‪ ،‬واحلفـاظ على البيئـة وتنوعهـا البيولوجـي‪ ،‬وقـد صـدرت‬
‫االتفاقيـة العامليـة للبيئـة واالقتصـاد األخضر ‪ GGND‬عـام ‪2008‬م‬
‫لرتسـم الطريـق هلـذا التحول الذي يكفـل حتقيق التـوازن بني أبعـاد التنمية‬
‫املسـتدامة الثالثـة‪ ،‬وسـيتم التعريـف بـه يف الفصـل الرابـع الـذي ُخصص‬
‫للتنميـة االقتصاديـة املسـتدامة‪.‬‬

‫‪ 2 .4‬التنمية البيئية املستدامة‬


‫يدعـو أنصارهـا إىل توجيـه كل السياسـات واخلطـط والربامـج‬
‫حلاميـة مـا حييـط باإلنسـان مـن مـاء‪ ،‬وهـواء‪ ،‬ويابسـة‪ ،‬وفضـاء خارجـي‪،‬‬
‫ولـكل مـا حتتويـه هـذه األوسـاط من مجـاد‪ ،‬ونبـات‪ ،‬وحيـوان‪ ،‬وأشـكال‬
‫خمتلفـة مـن طاقـات‪ ،‬وثـروات ظاهـرة أو كامنـة؛ حفا ًظـا عىل اسـتدامتها‪،‬‬
‫وتنوعهـا‪ ،‬وتوازهنـا‪ .‬وهـذا كلـه جيعـل عـامل البيئـة ترابط ًّيـا‪ ،‬وتداخل ًّيـا‬
‫‪ Interdispilinary‬وأكاديم ًّيـا‪ ،‬ليوظـف املعرفـة الفيزيائيـة‪ ،‬والبيولوجيـة‪،‬‬
‫واإليكولوجيـة‪ ،‬وعلـوم األرض‪ ،‬والفضـاء‪ ،‬واجلغرافيـا‪ ،‬واهلندسـة‬
‫البرشيـة‪ ،‬واالقتصـاد؛ مـن أجل فهم البيئـة‪ ،‬وإجياد احللول ملشـكالهتا‪ .‬وقد‬
‫ظهـرت البيئويـة ‪ Environtalism‬كحركة فكرية وأخالقيـة تدعو إىل محاية‬

‫‪25‬‬
‫البيئـة ومنارصهتـا‪ ،‬وحتسـينها‪ ،‬وإعـادة تنظيـم عالقة البشر بأبعـاد الطبيعة‬
‫وعنارصهـا؛ حفا ًظـا على حقـوق األجيـال القادمـة‪.‬‬
‫وممـا شـجع على تفعيلهـا‪ :‬تزايـد االضطرابـات املناخية املتعـددة التي‬
‫شـهدهتا العقـود األخيرة من القـرن املـايض‪ ،‬ومنهـا‪ :‬االحتبـاس احلراري‬
‫العاملـي‪ ،‬واألعاصير‪ ،‬والرباكين‪ ،‬والـزالزل‪ ،‬ثـم اجلفـاف والتصحـر‪،‬‬
‫وتراجـع طبقـة األوزون‪ ،‬وانقـراض بعـض الكائنـات احليوانيـة والنباتية‪،‬‬
‫وتدهـور الرتبـة وتراجـع إنتاجيتهـا‪ ،‬ثـم تصاعـد معـدالت التلـوث بـكل‬
‫أشـكاله وأنواعـه‪ ،‬وتزايـد النفايـات وأخطارها‪ .‬وهـذه جمتمعـ ًة باتت هتدد‬
‫أمـن اإلنسـان‪ ،‬سـواء يف شـدهتا أو مـدى انتشـارها؛ ممـا جعل االهتمام هبا‬
‫حيظـى بأولويـة بالغة لـدى املنظمات الدوليـة‪ ،‬واإلقليميـة‪ ،‬والوطنية؛ ألن‬
‫معاجلتهـا أو احلـد مـن آثارها مل يعد ممكنًـا من دون تعاون الـدول واملنظامت‬
‫العامليـة املتخصصـة جمتمعة‪.‬‬
‫وقـد أعطـى الفيلسـوف النروجيـي أرين نايـس (‪ )Arne Naess‬هلـذه‬
‫احلركـة دفعـة قويـة بنظريتـه حـول اإليكولوجيـا املعمقـة ‪Deep Ecology‬‬
‫التـي طـرح مـن خالهلـا اآلراء الذكيـة والتسـاؤالت اجلوهرية حـول البيئة‬
‫بوجـه عـام‪ ،‬وحـول األرض بوجـه خـاص وعالقـة اإلنسـان هبـا‪ ،‬فأصدر‬
‫املجلـة الدوريـة «األخلاق البيئيـة» التـي تبرش هبـذا الفكـر البيئـي وتدعو‬
‫إليـه‪ ،‬ومـن أهـم املبـادئ التي دعـت إليهـا هـذه احلركة‪:‬‬
‫ـ أن كل البشر واملخلوقـات التي تعيش على األرض‪ ،‬هي بمثابة خيوط ال‬
‫تتجـزأ من نسـيج احلياة‪ ،‬وأن اإلنسـان ليس هـو العنرص الفريـد واملتفوق‬
‫واملتسـ ِّيد يف هذا الكون‪.‬‬
‫ـ أن التحقيـق الـذايت الـذي يسـعى البشر إىل احتـكاره ألنفسـهم‪ ،‬إنما هو‬

‫‪26‬‬
‫ً‬
‫وبـدل مـن ذلـك أو إضافـ ًة لـه ينبغـي أن‬ ‫رضب مـن األنانيـة والتسـلط‪،‬‬
‫حيققـوا الـذات اإليكولوجيـة التـي تضـم اإلنسـان‪ ،‬وبيئتـه احليوانيـة‬
‫والنباتيـة‪ ،‬وبقيـة املكونـات التـي تضمـن وجـوده واسـتدامته‪.‬‬
‫ـ أن اإلنسـان الـذي يعيش ببسـاطة يف بيئة وديعة‪ ،‬وآمنة‪ ،‬ونظيفة‪ ،‬يسـتطيع‬
‫حتقيـق ذاتـه أفضـل مـن إنسـان غني يعيـش وسـط بيئـة ملوثـة‪ ،‬ومهددة‬
‫باالنقـراض ألحيائها‪ ،‬والنضـوب لثرواهتا‪.‬‬
‫ومـن البيئيين مـن يبالـغ يف دعوتـه إىل تعظيـم مكانـة الطبيعـة والبيئة‬
‫عىل اإلنسـان‪ ،‬ونذكـر منهـم جيمـس لوفلـوك (‪ )James Lovelock‬الذي‬
‫جسما ح ًّيـا وديناميك ًّيـا‪ ،‬ولـه خصائـص التكيـف‪ ،‬وأن‬ ‫ً‬ ‫يعتبر األرض‬
‫الطبيعـة ُخلقـت لتحافـظ على نقائهـا وحياهتـا‪ ،‬وليـس هدفهـا األسـايس‬
‫تلبيـة احتياجـات البشر‪ .‬وعلى اإلنسـان أن يكـون منص ًفـا وعقالن ًّيـا إزاء‬
‫املخلوقـات والكائنـات غير احليـة إن أراد إدامـة حياتـه وحتقيـق ذاتـه‪.‬‬
‫وسـيتناول الفصـل اخلامـس أبعـاد التنمية البيئية املسـتدامة باملزيـد من هذه‬
‫النظريـات والتطبيقـات‪.‬‬

‫‪ 3 .4‬التنمية االجتامعية املستدامة‬


‫وتنطلـق هـذه مـن شـعارها القائـل‪ :‬إن البشر هـم الثـروة احلقيقيـة‬
‫لألمـم‪ ،‬وينبغـي توفير البيئـة اإلنسـانية املالئمـة حليـاة أطـول‪ ،‬وصحـة‬
‫أفضـل‪ ،‬وعطـاء أغـزر‪ ،‬مع اسـتعداد للصبر والتضحيـة‪ ،‬واحترام حلقوق‬
‫الكائنـات األخـرى‪ ،‬ومراعـاة حلقـوق األجيـال القادمـة‪.‬‬
‫وقـد انطلـق دعـاة االسـتدامة البرشيـة واالجتامعيـة مـن تشـكيكهم‬
‫ونقدهـم ملنجـزات التنميـة االقتصاديـة التقليديـة غير املسـتدامة‪ ،‬وعـدم‬
‫توزيعهـا ثامرها بعدالة عىل املسـتحقني‪ ،‬مع قسـوهتا عىل الثـروات الطبيعية‪،‬‬

‫‪27‬‬
‫وسـوء اسـتغالهلا لصالح األكثر غنًـى يف املجتمعات املتقدمـة‪ ،‬وألصحاب‬
‫الشركات العمالقـة؛ فكانـت عوائدهـا احلقيقيـة أدنى بكثري من خسـائرها‬
‫املاديـة والبرشيـة لسـكان القـارات ولنظامها احليـوي واملكاين‪.‬‬
‫وللتدليـل على ذلـك الفشـل املصاحـب للتنميـة غير املسـتدامة‪ ،‬فإن‬
‫أدبيـات علماء االجتماع ومنظـري االسـتدامة والتقارير الدوليـة أصبحت‬
‫تسـتذكر وتُذكِّـر بأعـداد املحرومين مـن امليـاه الصاحلـة للشرب‪ ،‬ومـن‬
‫الغـذاء الـذي يسـد الرمـق‪ ،‬ومـن املسـاكن الالئقـة للعيـش‪ ،‬ومعانـاة‬
‫العاطلين عـن العمـل‪ ،‬واملهاجريـن واملغرتبين بح ًثـا عنـه‪ ،‬والراقديـن يف‬
‫السـجون واملستشـفيات‪ ،‬إمـا بسـبب احلـروب والنزاعـات‪ ،‬وإمـا بسـبب‬
‫الكـوارث والفيضانـات‪ ،‬إضافـة إىل تزايـد أعـداد املصابين باألمـراض‬
‫والوفيـات مـن األطفـال والنسـاء والشـيوخ‪ ،‬وتـدين معـدالت أعامرهـم‪.‬‬
‫وتقـارن هـذه التقارير دخول املهمشين واألقليـات بدول اجلنـوب بام عليه‬
‫احلـال يف املجتمعـات األحسـن ً‬
‫حـال‪ ،‬واألكثـر تقد ًما يف دول الشمال؛ من‬
‫أجـل تشـخيص الفجوة الشاسـعة بين الواقعني؛ لتنطلـق منه إىل مـا ينبغي‬
‫أن حتققـه التنميـة االجتامعيـة املسـتدامة (تقريـر التنميـة البرشيـة ‪2011‬م‬
‫‪.)WWW.Undp.otg‬‬

‫‪28‬‬
‫ا لشكل رقم (‪ )2‬أبعاد التنمية االجتامعية العاملية املستدامة‬
‫العدالة واإلنصاف‬

‫بني أبناء األجيال املتعاقبة‬ ‫بني أبناء اجليل احلايل‬


‫االستدامة‬
‫االجتامعية‬
‫العاملية‬
‫بني الذكور واإلناث‬
‫بني أبناء الدول واملجتمعات‬

‫بني دول الشامل واجلنوب‬

‫إعداد الباحث‪.‬‬

‫خاصا‬
‫ليـس غري ًبـا أن يـويل الربنامـج اإلنامئـي لألمم املتحـدة اهتام ًمـا ًّ‬
‫ً‬
‫مدخلا أساسـ ًّيا للتنميـة االجتامعيـة‬ ‫بالتنميـة البرشيـة املسـتدامة بوصفهـا‬
‫والبيئيـة؛ لكـون اإلنسـان هـو اهلـدف والوسـيلة‪ .‬وإذا كان توفير الغـذاء‬
‫والـدواء واللبـاس واملـأوى واألمـن مـن أولوياهتـا يف الـدول املتخلفـة‬
‫والفقيرة‪ ،‬فـإن غريهـا مـن الـدول سـتعمل على تطويـر التعليـم‪ ،‬وتنميـة‬
‫املهـارات‪ ،‬ورفـع الكفاية‪ ،‬وتوسـيع فـرص املشـاركة‪ .‬وقد تتجـاوز الدول‬
‫املتقدمـة هـذه االحتياجـات بح ًثـا عن إطالـة معـدل العمر‪ ،‬وزيـادة فرص‬
‫السـفر والسـياحة‪ ،‬ومتكين الرجـال والنسـاء مـن تقلـد الوظائـف العليـا؛‬
‫لتحقيـق الـذات‪ ،‬وتوسـيع اخليـارات‪ ،‬ونيـل أعلى الشـهادات العلميـة‬
‫والفنية‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫وهكـذا تتنـوع جمـاالت التنميـة االجتامعيـة وتتـدرج مؤرشاهتـا‬
‫باسـتئصال اجلـوع املفـرط والفقـر املدقـع لـدى السـكان‪ ،‬بنسـب سـنوية‬
‫حمـددة‪ ،‬والقضـاء على التفـاوت بين اجلنسين يف التعليـم‪ ،‬واملشـاركة‬
‫السياسـية‪ ،‬وخفـض معـدالت الوفيات بين األطفال والنسـاء والشـيوخ‪،‬‬
‫واحلـد مـن معـدالت اإلصابـة بأمـراض نقـص املناعـة (اإليـدز) واملالريا‬
‫وشـلل األطفـال‪ ،‬وغريهـا‪ ،‬والعمـل على توفير امليـاه الصاحلـة للشرب‪،‬‬
‫واملسـاكن الصحيـة يف األحيـاء الشـعبية واملكتظـة‪ ،‬ويف العشـوائيات‪.‬‬
‫وقـد أسـهم العـامل االجتامعـي واالقتصادي الباكسـتاين حمبـوب احلق‬
‫(‪1998-1934‬م) خلال مدة عمله يف البنـك الدويل (‪1982-1972‬م)‪،‬‬
‫خاصا ملديـر برنامج األمـم املتحـدة اإلنامئـي‪ ،‬وقيادته‬
‫مستشـارا ًّ‬
‫ً‬ ‫ثـم عملـه‬
‫لفريـق يضـم أمارتيـا سـن وآخرين يف بنـاء مـؤرش التنمية البرشيـة (‪)HDI‬‬
‫حمـول االهتمام مـن املـؤرشات‬ ‫ً‬ ‫للربنامـج اإلنامئـي الـدويل (‪،)UNDP‬‬
‫االقتصاديـة‪ ،‬وحسـابات الدخـل القومـي والناتـج املحلي‪ ،‬إىل مـؤرشات‬
‫اجتامعيـة وإنسـانية للواقـع الـذي تعيشـه جمتمعـات العـامل الثالـث التـي‬
‫تناوهلـا يف كتابـه‪« :‬سـتار الفقـر‪ ..‬خيـارات أمـام العـامل الثالث»‪.‬‬
‫ونذكـر هنـا مقـوالت أمارتيـا سـن‪ ،‬وحمبـوب احلـق‪ ،‬وبان كـي مون؛‬
‫حيـث جـاء ذكرهـا يف التقريـر العرشيـن للتنميـة البرشيـة العامليـة لسـنة‬
‫‪2010‬م‪ ،‬وهـي‪:‬‬
‫ـ إن الثـروة احلقيقيـة ليسـت قوالـب الذهب أو آبـار النفـط‪ ،‬ولكنها البرش‬
‫املكافحـون؛ فهم مفتـاح النجاح‪.‬‬
‫ـ إن البشر هـم املقيـاس احلقيقـي لثـروة الـدول‪ ،‬وليـس الناتـج القومـي‬
‫اإلمجـايل‪ ،‬أو االسـتثامر األجنبـي املبـارش‪ ،‬أو املسـاعدات الرأسمالية‬
‫للتنميـة‪ ،‬بـل إهنـم البشر فقـط‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫ـ إن التنميـة االقتصاديـة أمر مهم ورضوري‪ ،‬لكـن األهم هو إتاحة الفرص‬
‫العادلـة لألفراد لكـي يعيش كل منهم حياة طويلـة‪ ،‬وصحية‪ ،‬ومنتجة‪.‬‬
‫ـ ولكـي يكـون اإلنسـان يف خدمـة االقتصـاد‪ ،‬فـإن االقتصـاد ينبغـي أن‬
‫يكـون يف خدمـة اإلنسـان (‪.)Secint 50.un.org‬‬

‫‪ 4 .4‬التنمية السياسية واإلدارية املستدامة‬


‫إن الرتكيـز على األركان الرئيسـة الثالثـة للتنميـة املسـتدامة ال يعنـي‬
‫إمهـال بقيـة املتغيرات‪ ،‬أو جتاهـل األبعـاد املهمـة األخـرى للتنميـة‪ ،‬ويف‬
‫مقدمتهـا األبعـاد السياسـية‪ ،‬واإلداريـة‪ ،‬والتقنيـة التـي تعيـش يف فضائها‪،‬‬
‫وتؤثـر وتتأثـر هبـا‪ ،‬ولذلـك مل يكـن بوسـعنا إمهـال دورهـا الـذي سـيؤثر‬
‫ويتأثـر بـأركان التنميـة املسـتدامة الثالثة التي سـبقت اإلشـارة إليها بحكم‬
‫التخصـص العلمـي للمشـاركني يف إعـداد هـذا الكتـاب‪.‬‬
‫فاالسـتدامة التـي تعـد اليـوم بمثابـة خارطـة طريـق للنهـوض‬
‫باملجتمعـات‪ ،‬وإحـداث النقلـة النوعيـة يف حيـاة البرشيـة وبقيـة الكائنات‬
‫احليـة‪ ،‬وغريهـا مـن عنارص النظـام الكـوين‪ ،‬ال يمكن أن تكـون رشعية‪ ،‬أو‬
‫تصبـح نافذة مـا مل يشـارك يف إعدادهـا‪ ،‬ونقاشـها وإقرارها ممثلو الشـعب‪،‬‬
‫سـواء أكانـوا أعضـاء يف السـلطة الترشيعيـة‪ ،‬أم قـوى فاعلـة يف األحـزاب‬
‫واملنظمات املدنيـة‪.‬‬
‫ومـن شـأن النظـم الديمقراطيـة وبرامـج التنميـة السياسـية أن جتعـل‬
‫هـذه الوثيقـة معربة عن طموحـات اجلهات املسـتفيدة وأصحـاب املصالح‬
‫املتعارضـة‪ ،‬حين يكون التعبري عـن إرادهتـم واحتياجاهتم وعـن حججهم‬
‫متاحـا‪ ،‬ويكـون احلـوار لوجهـات النظـر املختلفـة وبالطـرق والوسـائل‬ ‫ً‬
‫السـلمية ممكنًا‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫وهكـذا احلال مع وجوب توافر مسـتلزمات التنمية اإلدارية املسـتدامة‪،‬‬
‫التـي متكّـن األجهـزة احلكومية واملؤسسـات العامة والشركات اخلاصة من‬
‫تعبئـة طاقاهتـا‪ ،‬وإمكاناهتـا وقياداهتـا لرتمجـة ما ينبغـي أن يكـون يف الربامج‬
‫واملرشوعـات؛ ليكون واق ًعا يتعلمه املواطنون‪ ،‬وتتحسـس ثامره احلكومات‪،‬‬
‫ومـن دون ذلـك لـن تكـون هلـا فرص كبيرة مـن االسـتقرار واالسـتمرار‪.‬‬
‫وقد كشـفت جتارب السـنوات العشر األخرية التي شـهدهتا بعـض أقطارنا‬
‫العربيـة كيـف كان الفسـاد اإلداري الذي يعشـعش يف الـوزارات واملنظامت‬
‫احلكوميـة املدنيـة واألمنيـة من األسـباب الرئيسـة لغضبة اجلامهير وهلبتها‪،‬‬
‫التـي أطاحـت بكل مـا تم إنجـازه وبنـاؤه عرب عقـود مضـت‪ .‬فاحلكومات‬
‫التـي حتولـت مؤسسـاهتا إىل تشـغيل النـاس لتوفري لقمـة العيش‪ ،‬مل تسـتطِع‬
‫توفير هـذه الفرصـة للكثرييـن؛ فأصبحـت تعـاين ضغـوط البطالـة املقنعـة‬
‫والبطالـة الرصحيـة‪ ،‬ومل يعـد باإلمـكان مواصلـة هنجهـا هـذا وهـي تسـبح‬
‫يف فسـادها؛ لذلـك طرحـت هيئـة األمم املتحـدة مفهـوم احلكامنيـة ودعت‬
‫احلكومـات واإلدارات البريوقراطيـة إىل اعتامدهـا مـن أجل االسـتدامة‪.‬‬
‫‪ 5 .4‬التنمية التقنية واملعلوماتية املستدامة‬
‫ويف أجـواء التخلـف والرتاجـع والتدهـور التـي صاحبـت إفـرازات‬
‫التنميـة التقليديـة غير املسـتدامة يف خمتلـف نواحـي احليـاة وقطاعاهتـا‪ ،‬لـن‬
‫يكـون الطريـق أمـام هنـج غير املسـتدامة مع َّبدً ا مـا مل يتـم التحـول اجلذري‬
‫والتدخـل املنهجـي والعلمـي إلحـداث التغيري اهلادف واملنشـود الـذي ينقذ‬
‫أبنـاء هذا اجليـل من نكباهتم وأزماهتـم ورصاعاهتم‪ ،‬ويف الوقت نفسـه يعطي‬
‫ملطالـب واحتياجـات األجيال القادمة القدر نفسـه من االهتامم‪ .‬فالشـعارات‬
‫الكبيرة حتتـاج إىل أصحـاب اإلرادات الذيـن يؤمنـون هبا‪ .‬ومن املؤسـف أن‬

‫‪32‬‬
‫احلماس الـذي كان يوظفـه هـوالء فيام سـبق عبر االنقالبـات والثـورات مل‬
‫لـب أي قـدر مـن الطموحـات والشـعارات عىل مـدار العقود السـابقة‪.‬‬ ‫ُي ِّ‬
‫ولذلـك تتبنـى التنميـة املسـتدامة التفكير والتخطيط اإلستراتيجيني‬
‫منهجـا يف حتديـد الرؤيـة والرسـالة ودراسـة البيئـة اخلارجيـة ومـا فيها من‬
‫ً‬
‫فـرص وحتديـات‪ ،‬وتشـخيص بيئتهـا الداخليـة ومـا فيهـا مـن نقـاط قـوة‬
‫علما ومعرفة‪،‬‬
‫وضعـف‪ ،‬وحتقيـق هاتين املهمتني يسـتلزم مـن القائمني هبام ً‬
‫ً‬
‫مسـتقبل‪ .‬ومهاراهتم‬ ‫وإحاطـة بام سـبق‪ ،‬وما اسـتجد‪ ،‬وما ُيتوقـع أن حيدث‬
‫الفنيـة ومعرفتهـم الضمنيـة والرصحيـة ال تكفي مـا مل تتكون لدهيـم قواعد‬
‫البيانـات‪ ،‬وملفـات من املعلومـات‪ ،‬يتم توظيفهـا عرب الربامـج والتقنيات‪،‬‬
‫ليكـون حتسـبهم واسـتعدادهم ملـا يمكـن أن يشـهده املسـتقبل أقـرب إىل‬
‫العلـم واليقين منـه إىل الشـك والظن‪.‬‬
‫إن تقنيـات اإلدارة واحلكومـات اإللكرتونيـة وحسـابات النانـو‬
‫أصبحـت اليـوم وسـتكون غـدً ا هـي السـبيل الـذي ينبغـي على التنميـة‬
‫املسـتدامة احلقة أن تسـعى إليه إن أرادت ملرشوعها املسـتدام أن يرى النور‪.‬‬
‫وقـد حـرص برنامـج األمم املتحـدة عىل تقديـم اخلدمـات املعلوماتية‬
‫والرباجميـة عبر البوابـة اإللكرتونيـة للمعلومـات والوثائـق واالتفاقـات‪،‬‬
‫املسماة إينفورميـا ‪ ،InforMEA‬ودوائرهـا املعلوماتيـة املتخصصـة يف‬
‫خمتلـف املجـاالت وتقـدم الربامـج التدريبية وتعقـد الورش الفنيـة إلعداد‬
‫الكـوادر املتخصصـة فيهـا وتدعـو إىل احلـد مـن معـدالت األميـة املعرفية‬
‫واإللكرتونيـة وتوسـيع دائـرة التواصل االجتامعـي وتقديـم اخلدمات عرب‬
‫املؤسسـات االفرتاضيـة‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫‪ .5‬دور اجلامعات يف جعل التنمية املستدامة واق ًعا‬
‫ال شـك يف أن ملؤسسـات التعليـم العـايل املتمثلـة يف اجلامعـات‪،‬‬
‫والكليـات‪ ،‬ومراكز البحوث واالستشـارات‪ ،‬ومعاهـد التأهيل والتدريب‪،‬‬
‫مهم ال غنى عنه يف تنشـئة‬
‫دورا ًّ‬
‫وجمالسـها القياديـة واألكاديميـة والتنفيذية؛ ً‬
‫األبنـاء الدارسين ومتكين األسـاتذة واخلرجيين مـن التصـدي ملشـكالت‬
‫التنميـة التقليديـة وقضاياهـا التـي ثبـت عجزها وعـدم قدرهتـا عىل ضامن‬
‫االسـتدامة ملـا يقـرب مـن عرشة مليـارات مـن البرش سيعيشـون على هذا‬
‫الكوكـب بعـد عـام ‪2050‬م إن شـاء اهلل هلـذا الكوكب أن يشـهده‪.‬‬
‫فدورهـا هنـا يكـون توعو ًّيـا وتثقيف ًّيا بام رافـق النمـو والتنميـة االقتصادية‬
‫للعقـود املاضيـة مـن آثـار سـلبية‪ ،‬وخماطـر برشيـة وبيئيـة‪ .‬وهـذه مهمة ليسـت‬
‫سـهلة وال يسيرة؛ لكوهنـا تسـتلزم إقنـاع السـلطات واملؤسسـات بضرورة‬
‫االعتراف بأخطائهـا‪ ،‬واالعتذار عـن ختبطها وارجتاهلـا‪ .‬كام تتطلـب إفهام عامة‬
‫النـاس‪ ،‬وخاصـة غري املتعلمني منهم‪ ،‬برتك األثر السـلبي لسـلوكاهتم التعسـفية‬
‫يف حـق البيئة‪ ،‬ومواردها‪ ،‬وثرواهتـا املادية واحلية‪ ،‬والسـتغالهلم املفرط لألرض‬
‫ومـا عليهـا‪ ،‬وللبحـار وما فيهـا‪ ،‬وللهواء ومـا حيتويه‪ .‬وهـي نعم حباهـا اهلل من‬
‫حكرا على أبناء جيل واحـد منهم‪ ،‬أو‬
‫يتعاقـب مـن األجيـال‪ ،‬وينبغـي أال تكون ً‬
‫تكـون هن ًبـا ألبناء قـارة عىل حسـاب سـكان القـارات األخرى‪.‬‬
‫والـدور األهـم للجامعـات هـو أن تتحـول هـي ذاهتـا مـن طابعهـا‬
‫التقليـدي الـذي ُأنشـئت عليـه قبـل عقـود مضـت‪ ،‬لتقتصر مهمتهـا على‬
‫التعليـم والتدريـس‪ ،‬وإيصـال املعرفـة والعلـوم النظرية ونقلها‪ ،‬ثـم العلوم‬
‫التطبيقيـة للدارسين فيهـا‪ ،‬فتمنحهـم الشـهادات التـي تؤهلهـم لشـغل‬
‫الوظائـف‪ ،‬وتلبيـة احتياجـات املؤسسـات العامـة واخلاصـة التـي كانـت‬

‫‪34‬‬
‫هـي ذاهتـا تعيش مراحل نشـأهتا األوىل‪ ،‬وبسـاطة مهامها وأنشـطتها‪ ،‬وبطء‬
‫حركتهـا وحمدوديـة كفايتهـا‪.‬‬
‫وإن جامعـات العصر تعيـش أجـواء رسيعـة التغير‪ ،‬وحتيطهـا ظروف يف‬
‫غايـة التعقيد‪ ،‬وتنتظرهـا حتديات وأزمات تسـتلزم البحث عن فلسـفة جديدة‪،‬‬
‫ومناهـج وأسـاليب بديلة غري التـي ألفتها أو استسـهلت احلفـاظ عليها‪.‬‬
‫ويمكـن القـول مـن دون مبالغـة‪ :‬إن االسـتدامة هـي الربدايـم‪ ،‬واخليـار‬
‫اإلستراتيجي األحـدث املتـاح للقيـادات اجلامعيـة إلنقاذهـا مـن واقعهـا‪،‬‬
‫ولتمكينهـا مـن أداء دورهـا الوطنـي والتنمـوي‪ ،‬الـذي يبرئ ذمتها وهـي تنفق‬
‫املليـارات مـن موازناهتا‪ ،‬وتشـغل اآلالف من مواطنيها‪ ،‬وتسـتقبل مئات اآلالف‬
‫مـن األبناء والبنـات الذين ُت ّرجهم‪ ،‬ثـم ال جتني املجتمعات ثامرهـا‪ ،‬وال يتلمس‬
‫بعضا مـن نتائجهـا أو إرثها‪.‬‬
‫املواطنـون عوائدهـا‪ ،‬وال تُـورث األجيـال القادمـة ً‬
‫وفكرا‬
‫ً‬ ‫هنجا لقيـادات اجلامعـات‪ ،‬وفلسـفة‬
‫وحين تصبـح االسـتدامة ً‬
‫أثـرا يمكـن تلمسـه يف نوعيـة احليـاة‬
‫ألسـاتذهتا وطلبتهـا‪ ،‬فإهنـا سـتحدث ً‬
‫البيئيـة‪ ،‬سـواء لألحيـاء مـن البشر‪ ،‬أو لبقيـة األحيـاء مـن املخلوقـات‪،‬‬
‫وسـيصبح االسـتثامر‪ ،‬يف التعليـم بوجـه عـام‪ ،‬ويف التعليـم العـايل بوجـه‬
‫خـاص‪ ،‬جمز ًيـا بأبعـاده البيئيـة‪ ،‬واالقتصاديـة‪ ،‬واالجتامعيـة‪ .‬ولكـي يصبح‬
‫ً‬
‫فاعلا‪ ،‬نقـدم التوصيـات التاليـة بين أيدي‬ ‫هـذا الطمـوح واق ًعـا وبرناجمًـا‬
‫عاجل ال ً‬
‫آجل‪:‬‬ ‫ً‬ ‫املسـؤولني يف جامعاتنا العربيـة‪ ،‬آملني أن حتظى باهتاممهـم‬
‫‪ 1‬ـ أن تُدخـل اجلامعات االسـتدامة ضمـن رسـالتها‪ ،‬ورؤيتها‪ ،‬ومؤرشات‬
‫قياس أدائهـا وتقويم خمرجاهتـا وعوائدها‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أن تكون اجلامعات ذاهتا مسـتدامة‪ ،‬سـواء يف مبانيها وإنارهتا‪ ،‬ووسـائل‬
‫نقلهـا‪ ،‬حريصـة عىل توظيف الطاقـة البديلة ونظافـة البيئة يف حرمها‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫‪ 3‬ـ أن تكـون براجمها‪ ،‬ومناهجها‪ ،‬وبعض كلياهتا وأقسـامها مكرسـة خلدمة‬
‫االسـتدامة بأبعادهـا االقتصاديـة‪ ،‬واالجتامعيـة‪ ،‬والبيئية؛ مـن أجل أن‬
‫جتعـل من األمـن والتنمية أكثر إنسـانية‪ ،‬وأطول اسـتدامة‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أن يكـون أسـاتذهتا‪ ،‬وموظفوهـا‪ ،‬وطلبتهـا أصدقـاء‪ ،‬ودعـاة‪ ،‬ورعـاة‬
‫لسـلوكات االسـتدامة‪ ،‬وعيونًـا سـاهرة ملراقبـة أداء احلكومـات‬
‫واملؤسسـات؛ حفا ًظـا على مبادئهـا‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ االسـتفادة مـن املشروع اإلستراتيجي ملنظمـة األمـم املتحـدة للرتبيـة‬
‫والثقافـة والعلـوم (اليونيسـكو)‪ ،‬الـذي أعدتـه للسـنوات العشر‬
‫األخيرة (‪ ،)2015-2005‬ومـن الدليـل اإلرشـادي لتطبيقـه‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ االطلاع واحلـرص عىل املسـامهة يف مبـادرة الرشاكة العامليـة يف التعليم‬
‫يضـم أكثر من ألـف جامعة‬ ‫ّ‬ ‫العـايل‪ ،‬مـن أجـل التنمية املسـتدامة‪ ،‬الذي‬
‫لدمـج التنمية املسـتدامة يف اجلامعـات‪ ،‬وتبني برامج التعليم املسـتدام‪.‬‬
‫‪7‬ـ ويمكـن باالسـتدامة أن تصبـح اجلامعـات خـط الدفـاع األول للتنميـة‬
‫ولألمـن املسـتدام‪ ،‬وتصبـح يف مصـاف اجلامعـات الرصينـة‪ ،‬ويكـون‬
‫شـباهبا وخرجيوهـا هـم العمـود الفقـري‪ ،‬والقـوة الفاعلـة إلحـداث‬
‫املسـتقبل الواعـد هلـم وملـن خيلفهم‪.‬‬
‫وسـ ُيكتب ملثـل هـذه اجلامعـات التفـوق يف املسـتقبل‪ ،‬وسـتغيب‬
‫جامعـات حكومية كثيرة عن السـاحة‪ ،‬إن ظلت تدور يف حلقاهتـا املفرغة‪،‬‬
‫ومل تكتشـف الطاقـات الكامنـة والعقول املتوقـدة لدى أسـاتذهتا وطلبتها‪.‬‬
‫وهاهـي اجلامعـات اخلاصة تنتظـر الفرصة لتحـل حملها‪ ،‬وهذا ما ال ننشـده‬
‫وال نتمناه‪ ،‬فعسـى أن تكون مناشـدتنا هذه شـمعة مسـتدامة تيضء الدرب‬
‫لقيـادات جامعاتنـا العربيـة وألبنائهـا وبناهتا الدارسين واخلرجيين فيها‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫املراجــع‪:‬‬
‫إيفانـز‪ ،‬روبـرت (‪2011‬م)‪ .‬شـحن مسـتقبلنا بالطاقـة‪ ..‬مدخـل إىل الطاقة‬
‫املسـتدامة‪ ،‬ترمجـة‪ :‬فيصـل حـردان‪ .‬الريـاض‪ :‬مدينـة امللـك عبـد‬
‫العزيـز للعلـوم والتقنية‪.‬‬
‫بـاري هجـز‪ ،‬وإيفـان بلربانـد (‪2008‬م)‪ .‬اكتشـاف املسـتقبل العاملـي‬
‫وصياغتـه‪.‬ترمجـة‪:‬هنـدتركـيالسـديري‪،‬الريـاض‪:‬مكتبـةالعبيـكان‪.‬‬
‫برنامـج األمـم املتحدة اإلنامئي‪ ،‬التقرير السـنوي لعام ‪2011‬م‪ ،‬االسـتدامة‬
‫واإلنصاف‪.‬‬
‫تقارير التنمية البرشية للربنامج اإلنامئي لألمم املتحدة‪2013 ،‬م‪.‬‬
‫دومينيـك دوكورسـيل (‪2011‬م)‪ .‬العوملة املتنوعة من أجـل مقاربة متعددة‬
‫الثقافـات يف اإلدارة‪ ،‬ترمجـة‪ :‬حممد خير البقاعي‪ .‬الريـاض‪ :‬جامعة‬
‫امللك سـعود‪.‬‬
‫سـعيدي‪ ،‬حييـى؛ وشـنبي‪ ،‬حوريـة (‪2010‬م)‪ .‬نظريـات التنمية املسـتدامة‬
‫جامعـة املسـبلة يف ‪2012/11/12‬م‪.Google. Com.sa .‬‬

‫عبـد اخلالـق‪ ،‬عبير(‪2014‬م)‪ .‬التنميـة البرشيـة وأثرهـا عىل حتقيـق التنمية‬


‫املسـتدامة‪ .‬اإلسـكندرية‪ :‬الـدار اجلامعية‪.‬‬
‫العلاق‪ ،‬مهـدي حسـن (‪2007‬م)‪ .‬دور املـؤرشات اإلحصائيـة يف تقويـم وضـع‬
‫األهـداف اإلنامئيـة لأللفيـة‪ ،‬املؤمتـر اإلحصائـي العـريب األول‪ ،‬عمان‪.‬‬
‫فيلهـو‪ ،‬ليـل (‪2010‬م)‪ .‬التنمية املسـتدامة التطبيقية‪ :‬الطريـق لألمام لتقرير‬
‫االسـتدامة يف البنك املايل‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫حمبـوب احلق (‪1977‬م)‪ .‬سـتار الفقر‪ :‬خيـارات أمام العـامل الثالث‪ ،‬ترمجة‪:‬‬
‫أمحـد فـؤاد بليغ‪ ،‬القاهـرة‪ :‬اهليئة املرصية العامـة للكتاب‪.‬‬
‫معلا‪ ،‬وائـل (‪2012‬م)‪ .‬التعليـم العـايل وعقـد التعليـم مـن أجـل التنمية‬
‫املسـتدامة‪ ،‬جريـدة الوطـن السـعودية يف ‪2012/4/8‬م‪.‬‬
‫منظمـة األمـم املتحـدة للرتبية والثقافـة والعلـوم (اليونيسـكو) التفكري من‬
‫أجـل التنميـة املسـتدامة للعقـد ‪2014-2005‬م‪Unesco.org. .‬‬
‫‪.eh‬‬
‫‪Filho,w.l (2009) Sustainability at universities: opportunities,‬‬
‫‪challenges and Trends.‬‬
‫‪Filho,w.l.(ed) (2012) sustainable Development at universities:‬‬
‫‪New Horizons.‬‬

‫‪38‬‬
‫الفصل الثاين‬
‫التنمية املستدامة من منظور إسالمي‬

‫دهام بن هجرس اجلبيل‬


‫التنمية املستدامة من منظور إسالمي‬

‫املقدمة‬
‫ٍ‬
‫منظور‬ ‫يتنـاول الفصـل الثـاين مـن هـذا الكتـاب «التنميـة املسـتدامة مـن‬
‫إسلامي»‪ ،‬وذلـك من خلال اسـتقراء اآليات القرآنيـة‪ ،‬واألحاديـث النبوية‪،‬‬
‫واآلثـار الرشعيـة املتضمنـة األبعاد البيئيـة‪ ،‬واالقتصاديـة‪ ،‬واالجتامعيـة‪ ،‬التي‬
‫تعـدُّ مـن أهم املحاور الرئيسـة ملصطلـح التنمية املسـتدامة يف الوقـت املعارص‪،‬‬
‫ً‬
‫طويلا يف تركيزها‬ ‫ونتيجـة لآلثـار السـلبية للتنميـة التقليديـة التـي اسـتمرت‬
‫على اجلانـب االقتصـادي مـن دون مراعـاة للبعديـن اإلنسـاين والبيئـي‪ ،‬مـا‬
‫حـدا باألمـم املتحـدة إىل أن تسـتصحب البعدين اإلنسـاين والبيئـي يف براجمها‬
‫التنمويـة لتفـي بحاجـات األجيال احلارضة مـن دون اإلرضار بقـدرة األجيال‬
‫القادمـة على تلبيـة حاجاهتـا‪ ،‬وهو مـا يسـمى «التنمية املسـتدامة»‪.‬‬
‫متأخـرا‪ ،‬يعدُّ اعرتا ًفا ضمن ًّيا باملفهوم اإلسلامي‬
‫ً‬ ‫إن هـذا املفهـوم‪ ،‬الذي جاء‬
‫للتنمية املسـتدامة التي أكدهتا الرشيعة اإلسلامية بمبادئها وأحكامها‪.‬‬
‫إن موقـف اإلسلام من البيئـة موقف إجيايب يقـوم عىل البنـاء والعامرة‬
‫يها﴾‬ ‫ِ‬ ‫ـأك ُْم ِمـ َن ْالَ ْر ِ‬
‫ـو َأن َْش َ‬
‫اسـ َت ْع َم َرك ُْم ف َ‬
‫ض َو ْ‬ ‫﴿‪...‬ه َ‬
‫ُ‬ ‫من جهة‪ ،‬قــال تعـاىل‪:‬‬
‫(هـود‪ )61:‬كام يقوم عىل احلامية ومنــع الفسـاد من جهة أخـرى قال تعاىل‪:‬‬
‫ض َب ْعـدَ إِ ْص َل ِح َها﴾(األعـراف‪ ،)56 :‬ممـا يدلل عىل‬ ‫﴿و َل ُت ْف ِسـدُ وا ِف ْالَ ْر ِ‬
‫َ‬
‫صالحيــة هـذا الديـن احلنيف لـكل زمـان ومكان؛ لذلك سـيتناول هــذا‬
‫منظور إسلامي من خلال الرتكيز‬ ‫ٍ‬ ‫الفصـل مفهـوم التنميـة املسـتدامة مـن‬
‫عىل املحـاور التالية‪:‬‬
‫ـ مفهوم التنمية املستدامة من منظور إسالمي‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫ـ البعد البيئي ودوره يف التنمية املستدامة من منظور إسالمي‪.‬‬
‫ـ البعد االقتصادي ودوره يف التنمية املستدامة من منظور إسالمي‪.‬‬
‫ـ البعد االجتامعي ودوره يف التنمية املستدامة من منظور إسالمي‪.‬‬
‫ـ أهم الفروقات بني التنمية املستدامة من املنظورين الغريب واإلسالمي‪.‬‬

‫‪ .1‬مفهوم التنمية املستدامة من منظور إسالمي‬


‫اسـتحوذ مفهـوم التنمية املسـتدامة خلال العقود األربعـة املاضية عىل‬
‫اهتمام الرأي العـام‪ ،‬ف ُعقدت له املؤمترات واالتفاقيـات الدولية؛ حتى أصبح‬
‫مطل ًبـا أساسـ ًّيا لتحقيـق العدالة بني األجيـال احلارضة والقادمـة يف املحافظة‬
‫على املـوارد الطبيعيـة‪ ،‬وعنوانًـا لكثير مـن السياسـات واإلستراتيجيات‬
‫يف القطاعين العـام واخلـاص‪ .‬ومـع حداثـة هـذا املصطلـح‪ ،‬فـإن مفهومـه‬
‫ليـس بجديد على اإلسلام واملسـلمني‪ ،‬فقد حفـل القـرآن الكريم والسـنة‬
‫النبويـة املطهـرة بكثري مـن النصـوص التي ُت ّثـل الركائـز األساسـية للتنمية‬
‫املسـتدامة‪ ،‬وتضـع الضوابـط التـي حتكم عالقـة اإلنسـان بالبيئـة؛ من أجل‬
‫ضمان اسـتمرارها صاحلـة للحيـاة إىل أن يأيت أمـر اهلل (حييـاوي‪2014 ،‬م)‪.‬‬
‫وإن مل يـرد هـذا اللفـظ يف القـرآن الكريـم هبـذه الرتكيبـة‪ ،‬إال أنـه ورد‬
‫بمعـان أخرى‪ ،‬مثل االسـتعامر‪ ،‬واالسـتخالف‪ ،‬والتسـخري؛ حيـث ينطلق‬ ‫ٍ‬
‫التصـور اإلسلامي للتنميـة مـن أن اهلل سـبحانه وتعـاىل خلـق الكـون‬
‫﴿ه َو‬
‫واسـتخلف اإلنسـان يف األرض ليقـوم بمهمـة اإلعامر وفق رشيعتـه‪ُ ،‬‬
‫اسـ َت ْع َم َرك ُْم فِ َيهـا‪( ﴾...‬هـود ‪ .)61:‬أي‪ :‬خلق لكم‬ ‫َأن َْش َـأك ُْم ِمـ َن ْالَ ْر ِ‬
‫ض َو ْ‬
‫األرض لتقومـوا بعامرهتـا وإعامرهـا‪ ،‬وتزرعوهـا‪ ،‬وتسـتخرجوا معادهنـا؛‬
‫ومـن هنـا فإن هـذا التصور شـمويل يربـط بني الكـون واإلنسـان‪ ،‬بحيث مل‬

‫‪42‬‬
‫باحلث على التنمية‪ ،‬بـل جعلها مرتبطـة باجلانب‬ ‫ِّ‬ ‫يكتـف الديـن اإلسلامي‬
‫ض ِمـ ْن َب ْع ِد ِه ْم‬ ‫ُـم َخ َل ِئ َ‬
‫ف ِف ْالَ ْر ِ‬ ‫األخــروي‪ ،‬كام قال تعـاىل‪ُ ﴿ :‬ث َّم َج َع ْلنَاك ْ‬
‫ـون﴾ (يونس‪ .)14 :‬إهنا تنمية أخالقيـة‪ ،‬روحية‪ ،‬تعبدية‪،‬‬ ‫لِنَنْ ُظ َـر َك ْي َ‬
‫ف َت ْع َم ُل َ‬
‫هتـدف إىل تنميـة اإلنسـان وتكوينـه‪ ،‬بوصفـه نـواة األسـاس ملجتمـع يركّز‬
‫على الرقي احلضـاري واملادي من منطلق االسـتخالف والعمارة (دراجي‪،‬‬
‫يتبين أن مفهـوم التنميـة املسـتدامة يف اإلسلام أكثـر‬ ‫‪2012‬م)‪ .‬ومـن هنـا ّ‬
‫شـمول‪ ،‬بـل إنـه أكثـر إلزا ًمـا مـن املفهـوم الذي تـم تبنيـه يف أجنـدة القرن‬ ‫ً‬
‫احلـادي والعرشيـن‪ ،‬املنبثقـة عن قمـة «ريو»‪.‬‬
‫إن النظرة اإلسلامية الشـاملة للتنمية املسـتدامة تُوجب أال تتـم هذه التنمية‬
‫بمعـزل عـن الضوابـط الدينيـة واألخالقيـة؛ ألن هـذه الضوابط هـي التي حتول‬
‫دون أي جتـاوزات تُفقـد التنميـة املسـتدامة مبررات اسـتمرارها‪ .‬وقـد حدثنـا‬
‫بحظ من التقـدم املـادي‪ ،‬ولكنها مل حتفظ‬ ‫القـرآن الكريـم عن أمم سـابقة أخـذت ٍّ‬
‫النعمـة بالشـكر‪ ،‬ومل تواكـب قوهتـا املاديـة طاعـة هلل وإقامـة منهجـه يف األرض؛‬
‫ُغـن عنهـا قوهتـا ورخاؤهـا املـادي مـن اهلل شـي ًئا‪،‬‬ ‫ممـا كان سـب ًبا يف هالكهـا‪ ،‬ومل ت ِ‬
‫ـم ِف ْالَ ْر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ض َما‬ ‫َـم َأ ْه َل ْكنَا م ْن َق ْبل ِه ْم مـ ْن َق ْرن َم َّكن َُّاه ْ‬
‫يقـول اهلل تعـاىل‪َ ﴿ :‬أ َل ْ َي َر ْوا ك ْ‬
‫ـار َ ْت ِري ِمـ ْن َ ْتتِ ِه ْم‬ ‫َل نُمكِّـن َلكُـم و َأرسـ ْلنَا السَّماء َع َلي ِه ِ‬
‫ـم مـدْ َر ًارا َو َج َع ْلنَا ْالَ ْنَ َ‬ ‫َ َ ْ ْ‬ ‫ْ َ ْ ْ َ ْ َ‬
‫آخ ِري َن﴾ (األنعـام‪ .)6 :‬فالذين‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـم َق ْرنًـا َ‬‫ـم َو َأن َْش ْـأنَا مـ ْن َب ْعده ْ‬ ‫ُوبِ ْ‬‫ـم بِ ُذن ِ‬
‫َف َأ ْه َل ْكن َُاه ْ‬
‫عصـوا اهلل ومل يسيروا عىل هنجـه‪ ،‬ومل يراعوا البعـد الروحي يف التنميـة؛ أهلكهم‬
‫اهلل رغـم مـا كانـوا يتمتعون بـه مـن التنمية (شـبع‪2010 ،‬م)‪.‬‬
‫وهكـذا‪ ،‬فـإن مهمـة التنمية املسـتدامة يف املنظـور اإلسلامي تتم ّثل يف‬
‫ً‬
‫ومسـتقبل‪ ،‬سـواء أكانت ماديـة أم روحية‪،‬‬ ‫توفير متطلبـات البرشيـة حال ًّيا‬
‫حـق اإلنسـان يف كل عصر ومصر يف أن يكون لـه نصيب من‬ ‫بما يف ذلـك ّ‬

‫‪43‬‬
‫التنميـة اخلُلقيـة‪ ،‬والثقافية‪ ،‬واالجتامعيـة‪ .‬وهذا ُبعد مهم ختتلـف فيه التنمية‬
‫املسـتدامة يف املنظـور اإلسلامي عـن التنمية املسـتدامة يف النظـم واألفكار‬
‫األخـرى؛ ألنـه يعتمـد على مبـدأ التـوازن واالعتـدال يف حتقيـق متطلبات‬
‫اجلنـس البشري بشـكل يتفـق مع طبيعـة اخللقـة اإلهلية هلـذا الكائن‪.‬‬
‫وقـد متيـزت التنميـة املسـتدامة يف اإلسلام بمفهـوم خـاص لـه مميزاتـه‪،‬‬
‫أبرزهـا‪ :‬املنطلـق اإليماين واإلرادة احلضاريـة؛ ولذلك نُعتـت التنمية املسـتدامة‬
‫مـن وجهـة نظـر إسلامية بأهنـا «عمليـة متعـددة األبعـاد‪ ،‬تعمـل على التوازن‬
‫بين أبعـاد التنميـة االقتصاديـة واالجتامعيـة من جهـة‪ ،‬والبعـد البيئـي من جهة‬
‫أخـرى»‪ ،‬وهتـدف إىل االسـتغالل األمثـل للمـوارد واألنشـطة البرشيـة القائمة‬
‫عليهـا مـن منظـور إسلامي‪ ،‬يؤكـد أن اإلنسـان مسـتخلف يف األرض‪ ،‬ويلتزم‬
‫يف تنميتهـا بأحـكام القرآن والسـنة؛ اسـتجابة حلاجات احلـارض دون إهدار حق‬
‫ً‬
‫وصـول إىل االرتفـاع باجلوانـب الكميـة والنوعيـة للبرش‪.‬‬ ‫األجيـال الالحقـة‪،‬‬
‫والقـول بأن املجتمع املسـلم جمتمـع ترتاجع فيه القيم النفعيـة والدنيوية‬
‫لصالـح القيـم األخرويـة ال يعنـي أن هذا املجتمـع يزهد يف الكفـاءة وجيحد‬
‫فرق بين الغايات والوسـائل‬ ‫النمـو‪ ،‬غايـة مـا يف األمـر أن املجتمع املسـلم ُي ّ‬
‫بوضـوح؛ فهـو جمتمـع يسـتهلك ليعيـش‪ ،‬ال يعيـش ليسـتهلك‪ ،‬لكـن‬
‫االسـتهالك الوظيفـي بذاتـه يصبـح فريضـة وتكلي ًفـا رشع ًّيـا متواف ًقـا مـع‬
‫ُـم ِف ْالَ ْر ِ‬
‫ض ُم ْسـ َت َق ٌّر‬ ‫﴿‪...‬و َلك ْ‬
‫َ‬ ‫مقاصـد الترشيـع يف حفظ الوجود اإلنسـاين‬
‫ين﴾ (البقـرة‪.)36 :‬‬ ‫َـاع إِ َ ٰل ِح ٍ‬
‫َو َمت ٌ‬
‫ويف ظـل اهلويـة اإلسلامية‪ ،‬فـإن اإلنسـان هـو غايـة التنميـة قبـل أن‬
‫يكـون وسـيلتها‪ ،‬وال معنى ألي نمو يتجاهل البعدين اإلنسـاين واالجتامعي‬
‫(اجلريـوي‪2012 ،‬م)‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫ومـن خصائـص التنميـة املسـتدامة مـن املنظور اإلسلامي (كما يرى‬
‫دراجـي‪2012 ،‬م)‪:‬‬
‫‪ 1 .1‬الشمولية‬
‫إن املنظـور اإلسلامي ال يعـرف الفصـل بين مـا هـو مـادي ومـا هـو‬
‫روحـي؛ إذ ال يمكـن معاجلة قضايا التنميـة بعيدً ا عن التوجهـات العقائدية‪،‬‬
‫فلا ُيعقـل أن حتـدث تنميـة تضمن حريـة التعبير‪ ،‬وال تضمن لقمـة العيش‬
‫للفقـراء (النظام الرأسمايل)‪ ،‬وال تنمية تضمن اخلبز للفقـراء واملعوزين‪ ،‬وال‬
‫تضمـن حرية التفكير واملبـادرة (النظام االشتراكي)؛ بل إن مبدأ الشـمول‬
‫يضمـن حتقيـق احلاجـات الرضوريـة املاديـة مـن مـأكل وملبـس ومسـكن‬
‫وصحـة وترفيـه‪ ،‬والعمـل‪ ،‬وحريـة التعبير‪ ،‬وكذا ممارسـة الشـعائر الدينية؛‬
‫وبالتـايل فـإن منطلقـات التنمية ترتبـط ارتبا ًطا وثي ًقـا باملنطلقـات العقائدية‪.‬‬
‫‪ 2 .1‬التوازن‬
‫إن التنمية مــن املنظور اإلسالمــي حت ّقق التوازن بني اجلوانــب املادية‬
‫االقتصادية واجلوانــب الروحية العقائدية واألخالقية من جهــة‪ ،‬والتوازن‬
‫يف املتطلبــات بني القطاعــات االقتصادية نفسها مــن جهــة أخــرى‪ ،‬فال‬
‫ننمـي املـدن على‬
‫ننمـي قطا ًعـا على حسـاب قطـاع آخــر‪ ،‬أو ِّ‬ ‫يمكـن أن ِّ‬
‫حســاب القــرى واألريــاف؛ إذ يغــطي االسـتثامر األنشطة الرضوريــة‬
‫للمجتمــع كافــة‪ ،‬كما ال يمكـن أن نقدّ م الكامليــات أو التحسينــات عىل‬
‫الرضوريـات أو احلاجيـات‪.‬‬
‫‪ 3 .1‬العدالة‬
‫ترتكـز التنميـة عىل مبدأ حتقـق العدالة‪ ،‬واحلريـة‪ ،‬واملسـاواة‪ ،‬والتكافل‬
‫االجتامعـي‪ .‬فهي تضمـن حدّ الكفاية لكل فرد من املجتمع حسـب حاجاته‪،‬‬

‫‪45‬‬
‫إال يف الظـروف االسـتثنائية‪ ،‬كام حترص على حتقيق العدالـة يف التوزيع‪ ،‬وفق‬
‫آليـات تضمـن حقوق الفقير والغني عىل حدٍّ سـواء‪ ،‬من خالل آليـة الزكاة‪،‬‬
‫واخلـراج‪ ،‬والعشر‪ ،‬واجلزيـة؛ مما يعنـي أنه ال يوجـد يف املجتمع جائـع‪ ،‬وإن‬
‫ُوجد فيتـم التكفل به بشـكل مالئم‪.‬‬
‫‪ 4 .1‬الكفاية‬
‫على عكـس النظريات االقتصاديـة لألنظمـة االقتصاديـة الوضعية‪ ،‬التي‬
‫تنطلـق مـن أن املشـكلة االقتصاديـة تتم ّثـل يف نـدرة املـوارد املحـدودة‪ ،‬وعدم‬
‫كفايتهـا لتلبية حاجات اإلنسـان غري املتناهيـة؛ للوصول إىل كيفية ترشـيد هذه‬
‫املـوارد لتلبيـة تلـك احلاجـات‪ ،‬فـإن االقتصـاد اإلسلامي يـرى أنـه ال يوجد‬
‫ـم َس‬‫الش ْ‬ ‫ـخ َر َلك ُُم َّ‬ ‫﴿و َس َّ‬ ‫تناقـض بني املـوارد وكفاية احلاجـات‪ ،‬كام قال تعاىل‪َ :‬‬
‫ـخ َر َلك ُُم ال َّل ْي َـل َوالن ََّه َار﴿‪َ ﴾33‬وآتَاك ُْم ِم ْن ك ُِّل َما َس َـأ ْلت ُُمو ُه‪ ‬‬ ‫َوا ْل َق َم َـر َد ِائ َب ْ ِ‬
‫ي‪َ  ‬و َس َّ‬
‫ـار﴾ (إبراهيم‪،3٣ :‬‬ ‫ـان َل َظ ُلو ٌم َك َّف ٌ‬ ‫وهـا‪  ‬إِ َّن ْ ِ‬
‫الن َْس َ‬ ‫ـت اهلل َل ُ ْت ُص َ‬ ‫َوإِ ْن َت ُعـدُّ وا نِ ْع َم َ‬
‫‪ )3٤‬وتكمن املشـكلة يف انحراف سـلوك اإلنسـان نفسـه يف ترصفاته‪ ،‬وانعدام‬
‫إرادتـه احلضاريـة‪ ،‬وفسـاد نظامـه‪ ،‬سـواء مـن حيـث ضعـف اإلنتاج أو سـوء‬
‫التوزيـع؛ لـذا جـاءت رضورة تنمية اإلنتـاج مع عدالـة التوزيع‪.‬‬
‫‪ 5 .1‬اإلنسانية‬
‫تسـعى التنميـة مـن املنظـور اإلسلامي إىل رفاهيـة املجتمع‪ ،‬وإسـعاد‬
‫اإلنسـان‪ ،‬وحتريـره مـن االسـتغالل‪ ،‬وتكريمـه‪ ،‬فاإلنسـان مل ُيلـق ليكون‬
‫مهـه األكل والشرب والربح‪ ...‬إلـخ‪ ،‬مثلام تتضمنـه أيديولوجيات األنظمة‬
‫االقتصاديـة األخـرى؛ إنما ُخلـق لتأديـة رسـالة ربانيـة يقـوم هبـا يف هـذا‬
‫بحـق خليفـة اهلل يف أرضه‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫الكـون‪ ،‬ويكـون‬

‫‪46‬‬
‫كما يؤسـس اإلسلام نظرتـه للتنميـة املسـتدامة مـن خلال املبـادئ‬
‫واملنطلقـات العامـة التاليـة (منظمـة اإليسيسـكو‪2014 ،‬م)‪:‬‬
‫وحدة الكون‬
‫كثيرا مـن آيـات القـرآن الكريم تشير إىل وحدة الكـون‪ ،‬الذي هو‬ ‫ً‬ ‫إن‬
‫ُصنـع خالق واحـد‪ ،‬أي أن عنـارصه متداخلة ومتشـابكة‪ .‬واإلنسـان الذي‬
‫هـو مـن خلـق اهلل‪ ،‬ال يمكن أن ُيسـتثنى من هـذه الوحدة‪ .‬فعندما يشير اهلل‬
‫سـبحانه وتعـاىل إىل اخللـق‪ ،‬فإنه يشير إليه مـن خالل السـموات واألرض‬
‫ومـا بينهما‪ ،‬ويعنـي هـذا أن اخللق عبـارة عـن وحـدة متكاملة ومتناسـقة‪،‬‬
‫تعمل حسـب نسـق متوازن‪ ،‬يقول سـبحانه وتعاىل‪﴿ :‬مـا َخ َل ْقنَا السَّماو ِ‬
‫ات‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ـمى‪( ﴾...‬األحقاف‪ .)3 :‬وعندما‬ ‫َو ْالَ ْر َض َو َمـا َب ْين َُه َما إِلَّ بِ ْ‬
‫الَ ِّق َو َأ َج ٍل ُم َس ًّ‬
‫تـم اختيار مبـدأ «وحدة الكـون»‪ ،‬بوصفـه أول مبـدأ للتنمية املسـتدامة من‬
‫منظـور إسلامي‪ ،‬كان هـذا يعنـي أن اإلنسـان عندمـا يريـد أن يتعامـل مع‬
‫جزأها عىل‬ ‫البيئـة‪ ،‬فـإن عليه أن يعدّ هـا وحدة مرتابطـة األجزاء‪ .‬وحتـى إن ّ‬
‫مسـتوى التفكير ليتعـرف عليهـا‪ ،‬فعملـه داخلها ينبغـي أن يكـون متطاب ًقا‬
‫مـع الشـمولية‪ ،‬ومبن ًّيا على احرتامها‪.‬‬
‫امليزان‬
‫ُيقصـد بامليزان ذلك الوضع الوسـط الذي يسـود بين مكونات الكون‪،‬‬
‫والـذي بفضلـه تعمـل هـذه املكونـات وتتفاعـل‪ ،‬وتقـوم بينهـا عالقـات‬
‫متوازنـة‪ .‬وامليزان هو تفـادي اإلرساف‪ ،‬واإلفراط‪ ،‬والتجـاوز يف التعامل مع‬
‫البيئـة؛ حيـث إنـه ال سـبيل للحيـاة إذا مل يكـن هناك تـوازن يف نظـام الرتابط‬
‫البيئـي‪ .‬وإذا تغـاىض اإلنسـان عـن وحـدة الكـون‪ ،‬وجتـاوز الفطـرة‪ ،‬وختلى‬
‫عـن أمانة االسـتخالف؛ فإنه ُّ‬
‫خيـل بامليزان الـذي جعله اهلل ضامنًا السـتمرار‬

‫‪47‬‬
‫احليـاة يف هـذا الكـون‪ .‬وامليزان هنا ينبغـي أال يدركه الناس فقـط بمعنى وزن‬
‫األشـياء املاديـة‪ .‬فـكل نشـاط أو فعل يقـوم بـه اإلنسـان للتعامل مـع البيئة‪،‬‬
‫ينبغـي أن يكـون موزونًـا؛ ليتالءم مـع هذه البيئـة‪ ،‬يقول اهلل سـبحانه وتعاىل‪:‬‬
‫ان﴾ (الشـورى‪.)17 :‬‬ ‫ـق َوا ْلِ َيز َ‬ ‫َاب بِ ْ‬
‫الَ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫﴿اهلل ا َّل ِ‬
‫ـذي َأن َ‬
‫ْـز َل ا ْلكت َ‬
‫املقدار‬
‫ش ٍء َخ َل ْقنَـا ُه بِ َقـدَ ٍر﴾ (القمـر‪:‬‬ ‫ِ‬
‫يقـول اهلل سـبحانه وتعـاىل‪﴿ :‬إنَّـا ك َُّل َ ْ‬
‫‪ ،)49‬أي أن اهلل عـز وجـل عندمـا خلـق مكونـات الكـون‪ ،‬فإنـه راعـى يف‬
‫خلقهـا الكـم والكيـف؛ ضامنًـا للتـوازن والتناسـق‪ ،‬ويعنـي هـذا أن هـذه‬
‫املكونـات تتواجـد يف البيئـة حسـب كميـات متفاوتـة‪ ،‬وأشـكال خمتلفـة‪.‬‬
‫تنوع اخللق‬
‫ُّ‬
‫وكلما تنوعـت أشـكال احليـاة؛ كانـت للنظـم البيئيـة قـدرة عالية عىل‬
‫جـراء تدخل اإلنسـان؛‬ ‫مقاومـة التغيرات التـي حتـدث هبـا طبيع ًّيا أو مـن َّ‬
‫تنـوع اخللق وسـيلة للحفـاظ عىل وضع هـذه النظـم البيئية‬ ‫ويعنـي هـذا أن ُّ‬
‫الفطـري‪ ،‬أي على توازهنـا الطبيعـي‪ .‬وهنـا ال بـد مـن اإلشـارة إىل أن مبدأ‬
‫املقـدار ال يمكـن فصله عـن مبدأ تنـوع اخللق؛ إذ ال تـوازن بيئ ًّيا مـن دونه‪،‬‬
‫تنـوع اخللـق؛ ازدادت فـرص حتقيـق تـوازن بيئي مسـتمر‪ .‬وقـد و ّفر‬ ‫فكلما ّ‬
‫اهلل سـبحانه وتعـاىل هـذه الفـرص يف الكـون ظاهـرة وباطنـة‪ ،‬يقـول اهلل‬
‫اج ُك َّل َهـا ِمَّـا ُتنْبِ ُ‬
‫ـت ْالَ ْر ُض‬ ‫ـق ْالَ ْز َو َ‬
‫ان ا َّل ِ‬
‫ـذي َخ َل َ‬ ‫﴿سـ ْب َح َ‬
‫سـبحانه وتعـاىل‪ُ :‬‬
‫ـون﴾ (يس‪.)36 :‬‬ ‫ـه ْم َو ِمَّـا َل َي ْع َل ُم َ‬
‫َو ِمـ ْن َأ ْن ُف ِس ِ‬

‫عامرة األرض‬
‫نفسـه سـيدً ا على األرض؛ عليـه تذكـر أن‬ ‫ُ‬
‫اإلنسـان َ‬ ‫عين‬ ‫ً‬
‫بـدل مـن أن ُي ِّ‬
‫فضله‬
‫اهلل اسـتخلفه عليهـا ليقـوم بعامرهتـا وصيانتهـا‪ ،‬والدليـل عىل ذلك أنـه ّ‬

‫‪48‬‬
‫وزوده بالعقـل والـذكاء والفطنـة‪ ،‬ليقـوم هبـذه‬ ‫على كثير مـن املخلوقـات‪ّ ،‬‬
‫سـخر مـا أويت مـن العلـم ألداء مهمة‬ ‫املهمـة أحسـن قيـام‪ .‬عليـه كذلـك أن ُي ِّ‬
‫االسـتخالف‪ ،‬ولضامن اسـتمرار حـق االنتفاع من خيرات األرض له ولغريه‬
‫مـن األجيـال اآلتيـة‪ ،‬غير أن هـذا االسـتمرار ُيتّـم عليـه أن يعمـر األرض‬
‫ـم َج َع ْلنَاك ْ‬
‫ُـم‬ ‫ويرعاهـا كما أمـره اهلل بذلـك‪ ،‬يقـول اهلل سـبحانه وتعـاىل‪ُ ﴿ :‬ث َّ‬
‫ـون﴾ (يونـس‪.)14 :‬‬ ‫ـم لِنَنْ ُظ َـر َك ْي َ‬
‫ـف َت ْع َم ُل َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ـف ِف ْالَر ِ ِ‬
‫ض مـ ْن َب ْعده ْ‬ ‫ْ‬ ‫َخ َل ِئ َ‬
‫التسبيح‬
‫وذلـك أن اهلل سـبحانه وتعـاىل أنـاط بمخلوقاتـه مهام معينـة‪ .‬وعندما‬
‫يكـون الكائـن منهمـكًا يف أداء هذه املهـام‪ ،‬فإنه يف الوقت نفسـه ينفع نفسـه‬
‫وينفـع الكائنـات األخـرى‪ .‬وعندمـا يـؤدي الكائـن مهامـه‪ ،‬فإنـه خيضـع‬
‫﴿و َما َخ َل ْقنَا الس َ‬
‫َّما َء‬ ‫خلالقـه الذي أناط بـه املهام‪ ،‬يقول اهلل سـبحانه وتعـاىل‪َ :‬‬
‫ين﴾ (األنبيـاء‪ .)16 :‬وعىل اإلنسـان أن يعي هذه‬ ‫َو ْالَ ْر َض َو َمـا َب ْين َُه َما َل ِعبِ َ‬
‫ينضـم إىل املسـبحني هلل؛ وذلـك ألداء مهمـة االسـتخالف‬ ‫ّ‬ ‫احلقيقـة‪ ،‬وأن‬
‫أحسـن أداء‪ .‬إن التسـبيح هـو اخلضـوع هلل‪ ،‬واخلضوع هلل ال يمكـن أن يكون‬
‫خضو ًعـا إال إذا أدى إىل تطبيـق مـا أمـره اهلل به‪ .‬وتطبيق أوامـر اهلل يقتيض أال‬
‫يفصل اإلنسـان نفسـه عـن البيئـة‪ ،‬وأال يطغى ويسـتبدّ يف تعاملـه معها‪ ،‬قال‬
‫ض‪( ﴾...‬اجلمعة‪ ،)1 :‬وقال‬ ‫ات َو َمـا ِف ْالَ ْر ِ‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬يسـبح هلل ما ِف السَّماو ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ َ ِّ ُ َ‬
‫يح ُه ْم‪﴾...‬‬‫ون ت َْسـبِ َ‬ ‫ش ٍء إِلَّ ُي َسـ ِّب ُح بِ َح ْم ِد ِه َو َٰل ِكـ ْن َل َت ْف َق ُه َ‬ ‫تعـاىل‪ِ ِ :‬‬
‫﴿وإ ْن مـ ْن َ ْ‬ ‫َ‬
‫(اإلرساء‪.)44 :‬‬
‫يكتـف اإلسلام يف نظرته لبيئة اإلنسـان واسـتدامتها هبـذه املبادئ‬ ‫ِ‬ ‫ومل‬
‫حـذر مـن بعـض السـلوكات والترصفات‪،‬‬ ‫واملنطلقـات العامـة فقـط‪ ،‬بـل َّ‬
‫ملموسـا وتطبيقـات يقـع فيها اإلنسـان حتت تأثري‬
‫ً‬ ‫منهجـا واقع ًّيـا‬
‫ً‬ ‫بوصفهـا‬
‫شـهواته املختلفـة؛ لـذا مل ُيغفـل الديـن هـذه اجلوانـب املهمـة واإلجرائيـة‬

‫‪49‬‬
‫والتطبيقيـة لتحقيـق االسـتدامة‪ ،‬التـي تتم ّثـل يف مقاومـة خطريـن مهمين‬
‫(احلصين‪2012 ،‬م) مهـا‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ إهدار املوارد‪ :‬وهو ما ُيشكّل عائ ًقا أمام نموها أو محايتها‬
‫يطلـق القـرآن على إهـدار املـوارد لفظـة «إرساف»‪ ،‬ومـا يرادفهـا من‬
‫األلفـاظ‪ ،‬وقـد وردت لفظـة اإلرساف ومـا اشـتق منهـا يف جمـال التحذيـر‬
‫﴿‪...‬و َل‬
‫َ‬ ‫منـه يف ثالثـة وعرشيـن موض ًعـا مـن القـرآن‪ ،‬مثـل قولـه تعـاىل‪:‬‬
‫﴿وا َّل ِذي َن‬ ‫ني﴾ (األنعـام‪ ،)141 :‬وقوله تعـاىل‪َ :‬‬ ‫سفِ َ‬ ‫ـب ا ُْل ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُس ُفـوا‪  ‬إِنَّـ ُه َل ُي ُّ‬ ‫تِْ‬
‫ـك َق َوا ًمـا﴾ (الفرقـان‪.)67 :‬‬ ‫ين َٰذلِ َ‬ ‫تروا َوك َ‬
‫َان َب ْ َ‬ ‫س ُفـوا َو َل ْ َي ْق ُ ُ‬‫إِ َذا َأ ْن َف ُقـوا َل ُي ْ ِ‬
‫ْ‬
‫أمـا التحذيـر يف القـرآن مـن اإلرساف وذمـه بما يـرادف لفظـة اإلرساف‪،‬‬
‫﴿و َل َ ْت َع ْل َيـدَ َك َم ْغ ُلو َلـ ًة إِ َ ٰل‬
‫فلا تـكاد مواضعه ُتصى‪ ،‬مثل قولـه تعـاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ُعن ُِق َ‬
‫ـورا﴾ (اإلرساء‪.)29 :‬‬ ‫ـك َو َل َت ْب ُسـ ْط َها ك َُّل ا ْل َب ْسـط َف َت ْق ُعـدَ َم ُلو ًمـا َم ْ ُس ً‬
‫‪ 2‬ـ تدمري املوارد بعد أن تُتاح هلا فرصة الوجود والنمو‬
‫ويسـميه القـرآن الكريـم اإلفسـاد‪ ،‬وقـد ورد ذ ّم الفسـاد والتحذير منه‬
‫يف مخسين موض ًعـا مـن القـرآن‪ ،‬مثـل قولـه تعـاىل‪َ ﴿ :‬ظ َه َـر ا ْل َف َسـا ُد ِف ا ْل َ ِّ‬
‫ب‬
‫ُلَّم‬
‫َّـاس﴾ (الـروم‪ ،)41 :‬وقوله تعـاىل‪...﴿ :‬ك َ‬ ‫ـر بِ َما ك ََسـ َب ْت َأ ْي ِدي الن ِ‬ ‫َوا ْل َب ْح ِ‬
‫ِ‬ ‫َارا لِ ْل َح ْـر ِ‬
‫ب َأ ْط َف َأ َها اهللُ‪َ ۚ ‬و َي ْسـ َع ْو َن ِف ْالَ ْر ِ‬
‫ب‬ ‫ض َف َسـا ًدا‪ ۚ ‬واهللُ َل ُي ُّ‬ ‫َأ ْو َقـدُ وا ن ً‬
‫ـدي َن﴾ (املائدة‪.)64 :‬‬ ‫ا ُْل ْف ِس ِ‬

‫ومـن خلال املبـادئ العامـة السـابقة‪ ،‬والتوجيهـات الربانية‪ ،‬وسيرة‬


‫املصطفـى ﷺ‪ ،‬قـام العلماء املسـلمون ً‬
‫أيضـا باسـتنباط قواعـد فقهيـة تُعدُّ‬
‫مفخـرة للمسـلمني؛ لكوهنا سـبقت الترشيعـات البيئية املعـارصة وتفوقت‬
‫وأصلـت إىل طرائـق التعامـل يف قضايـا البيئـة ومشـكالهتا كافـة‪،‬‬
‫عليهـا‪َّ ،‬‬
‫ومـن هـذه القواعـد (حييـاوي وعاقلي‪2014 ،‬م)‪:‬‬

‫‪50‬‬
‫يترصف‬
‫ـ قاعـدة «الضرر ُيـزال»‪ :‬وتعنـي أن لكل فـرد كامل احلريـة يف أن ّ‬
‫فيما يملكـه إذا انعـدم الضرر‪ ،‬فـإذا حـدث الضرر للغير‪ ،‬فلـويل األمر‬
‫احلـق يف التدخـل‪ ،‬واختـاذ كل مـا مـن شـأنه أن حيـول دون وقـوع الرضر‬
‫ّ‬
‫الذي قـد يلحـق بمكونـات البيئة‪.‬‬
‫ـ قاعـدة «درء املفاسـد مقـدّ م عىل جلـب املصالح»‪ :‬فإذا كان اسـتغالل موارد‬
‫البيئـة لتحقيـق منفعـة ذاتية ومؤقتة سـوف يتسـ ّبب يف اإلرضار هبـذه املوارد‬
‫وإفسـادها‪ ،‬ويتسـ ّبب يف اسـتنزافها‪ ،‬فال يسـمح بذلك؛ إذن فإن منع الرضر‬
‫والفسـاد جيـب أن ُيقدّ م على أي منفعة ناجتـة عن اسـتغالل البيئة‪.‬‬
‫ـ قاعـدة «الرضر ُيـزال بقدر اإلمكان» (ال سـيام الضرر الفاحش)‪ :‬ولوالة‬
‫رضرا يف البيئـة بإزالـة األرضار الناجتة‬
‫األمـر احلـق يف إجبـار مـن حيـدث ً‬
‫عـن أعامهلم‪.‬‬
‫ـ قاعـدة «الضرر ال ُيزال بضرر مثله»‪ :‬فإذا تسـاوى الرضر الذي يلحـق بالبيئة‬
‫بالضرر الـذي ينتـج منه حرمـان صاحب حق امللكيـة ملرشو ٍع ما من اسـتعامل‬
‫حقـه؛ فإنـه ال جيـوز إلزالـة الرضر الـذي يلحق بالبيئـة حرمـان صاحب احلق‬
‫مـن اسـتعامل حقـه‪ .‬وإذا كان هنـاك مصـدر لتلويث اهلـواء يف منطقـة معينة ـ‬
‫مثلا ـ فلا ُيزال املصنع ل ُينشـأ مكانـه حمرقة للنفايـات ً‬
‫مثل‪.‬‬ ‫مصنـع ً‬
‫ـ قاعـدة «الضرر األشـد ُيزال باألخـف»‪ :‬حينام تتعارض املصالـح املتعلقة‬
‫وتتفـرع منهـا قاعدتان‬
‫ّ‬ ‫بالبيئـة مـع مصالـح الفـرد‪ ،‬تُط ّبق هـذه القاعـدة‪،‬‬
‫و«يتار‬
‫«حتمـل الضرر اخلـاص لدفـع الضرر العـام»‪ُ ،‬‬ ‫أخريـان‪ ،‬ومهـا‪ّ :‬‬
‫أهـون الرشيـن أو أخـف الرضرين»‪.‬‬
‫ـ قاعـدة «املوازنـة بين املصالـح»‪ :‬وتعنـي هـذه القاعـدة أن املصالـح إذا‬
‫تعـددت وتعارضـت؛ فإنـه ُيعمل بالرتجيـح بينهـا‪ ،‬وتغليب األهـم منها‬
‫على مـا دوهنا‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫حـق ويل األمر وقـف بعض‬ ‫ـ قاعـدة «مـا جـاز بعـذر بطـل بزوالـه»‪ :‬مـن ّ‬
‫األعمال إذا كان رضرهـا على بيئـة اإلنسـان أكثر مـن نفعهـا‪ ،‬وإذا كانت‬
‫اجلامعـة حتتـاج إىل األعمال التـي يرتتـب عليهـا رضر‪ ،‬فإن حاجتهـا تنزل‬
‫منزلـة الضرورة يف إباحـة املحظور‪ ،‬على أن ُيدفع الرضر بقـدر اإلمكان‪،‬‬
‫وأن تُقـدّ ر الضرورة بقدرهـا‪ ،‬وبمجـرد زوال احلاجـة إىل تلـك األعامل‪،‬‬
‫فعلى ويل األمـر وقفهـا؛ ألن مـا جاز بعـذر بطـل بزواله‪.‬‬
‫ـ قاعـدة «مـا يـؤدي إىل حرام فهو حـرام»‪ :‬يقع حتـت طائلة احلـرام هنا كل‬
‫يضر النـاس والبيئة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ما‬
‫ـ قاعـدة «مـا ال يتـم الواجـب إال به فهو واجـب»‪ :‬فإذا كان مـن مقتضيات‬
‫احلـدّ من التلـوث يف بلد ما‪ ،‬رضورة اسـتصدار مرسـوم‪ ،‬أو وضع معايري‬
‫ُتـدّ د مواصفـات التلـوث؛ فإن ذلـك يعدُّ واج ًبـا؛ ألن الواجـب األصيل‬
‫هو محايـة البيئة‪.‬‬

‫‪ .2‬البعد البيئي ودوره يف التنمية املستدامة من منظور إسالمي‬


‫لقـد رشع اهلل يف كتابـه الكريـم ضوابـط رشعيـة حلامية‪ ‬البيئة‪ ‬واملحافظـة‬
‫ض َب ْعـدَ إِ ْص َل ِح َهـا﴾‬
‫﴿و َل ُت ْف ِسـدُ وا ِف ْالَ ْر ِ‬ ‫عليهـا‪ ،‬وإنامئهـا‪ ،‬فقـال تعـاىل‪َ :‬‬
‫ض م ْف ِس ِ‬
‫ـدي َن﴾ (البقرة‪:‬‬ ‫﴿‪...‬و َل َت ْع َث ْوا ِف ْالَ ْر ِ ُ‬
‫َ‬ ‫(األعـراف‪ )56 :‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫‪ .)60‬وهـذا يؤكـد أن اإلسلام قـد سـبق األنظمـة احلديثـة‪ ،‬واالتفاقيـات‬
‫الدوليـة يف محاية‪ ‬البيئة‪ ‬واملحافظـة عليهـا‪ ،‬فـكل يشء يف األرض مـوزون‪،‬‬
‫أخـل اإلنسـان بعنصر مـن عنارص‪ ‬البيئة‪ ‬أ ّثـر على العنـارص األخـرى‪،‬‬ ‫فـإذا َّ‬
‫اس َو َأ ْن َب ْتنَـا فِ َيهـا ِمـ ْن ك ُِّل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿و ْالَ ْر َض َمدَ ْدن َ‬
‫َاهـا َو َأ ْل َق ْينَـا ف َيهـا َر َو َ‬ ‫قـال تعـاىل‪َ :‬‬
‫ون﴾ (احلجـر‪ ،)19 :‬ويمكـن إجيـاز مظاهر عناية اإلسلام بالبيئة‬ ‫َش ٍء مـو ُز ٍ‬
‫ْ َ ْ‬
‫وعنارصهـا مـن خلال مـا ييل‪:‬‬

‫‪52‬‬
‫‪ 1 .2‬مظاهر عناية اإلسالم باإلنسان بوصفه أهم عنرص يف البيئة‬
‫اعتنـى اإلسلام باإلنسـان عنايـة فائقـة وأسـبغ عليـه النعـم الظاهـرة‬
‫والباطنـة التـي حتدّ ثـت هبـا اآليـات القرآنيـة الكريمـة‪ ،‬ودعـت إليهـا‬
‫األحاديـث النبويـة الرشيفـة؛ ومـن صـور عناية اإلسلام باإلنسـان ما ييل‪:‬‬
‫ـ رفـع منزلتـه وتكريمـه على كثير ممـن خلـق‪ ،‬قـال تعـاىل‪َ ﴿:‬و َل َقـدْ ك ََّر ْمنَا‬
‫ِ‬ ‫ـر ور َز ْقنَاه ِ‬ ‫َبنِـي آ َد َم َو َ َ‬
‫ـم مـ َن ال َّط ِّي َبـات َو َف َّض ْلن ُ‬
‫َاه ْم‬ ‫ُ ْ‬ ‫بر َوا ْل َب ْح ِ َ َ‬ ‫ـم ِف ا ْل َ ِّ‬
‫َاه ْ‬‫ح ْلن ُ‬
‫يلا﴾ (اإلرساء‪  .)70 :‬‬ ‫ير ِم َّ ْن َخ َل ْقنَـا َت ْف ِض ً‬
‫لى كَثِ ٍ‬
‫َع َ ٰ‬
‫ـ تسـخري ما يف الكون ألجله‪ :‬فقد سـخر اهلل تعاىل لإلنسـان ما يف السموات‬
‫ومـا يف األرض لينتفـع ويتمتـع بـه‪ ،‬وتقـوم بـه مصاحله‪ ،‬ويسـتعني به عىل‬
‫ـخر َلكُـم ما ِف السَّماو ِ‬
‫ات َو َما‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫عبـادة اهلل‪ ..‬قـال تعـاىل‪َ ﴿:‬أ َل ْ ت ََر ْوا َأ َّن اهللَ َس َّ َ‬
‫اه َـر ًة َو َباطِنَ ًة﴾ (لقامن‪.)20 :‬‬ ‫ض و َأسـب َغ َع َليكُـم نِعمه َظ ِ‬
‫ْ ْ ََُ‬ ‫ِف ْالَ ْر ِ َ ْ َ‬
‫ـك لِ ْلم َل ِئك ِ‬ ‫﴿وإِ ْذ َق َ‬
‫َـة‬ ‫ـال َر ُّب َ َ‬ ‫ـ اسـتخالف اإلنسـان يف األرض‪ ،‬قـال تعـاىل‪َ :‬‬
‫ـف ُك‬ ‫ض َخ ِلي َفـ ًة‪َ  ‬قا ُلـوا َأ َ ْتع ُـل فِيها من ي ْف ِسـدُ فِيها ويس ِ‬ ‫اع ٌـل ِف ْالَ ْر ِ‬ ‫إِنِّ ج ِ‬
‫َ ََْ‬ ‫َ َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ون﴾‬ ‫الدِّ َمـا َء َون َْح ُن ن َُسـ ِّب ُح بِ َح ْمـد َك َو ُن َقدِّ ُس َل َك‪َ  ‬ق َال إِنِّ َأ ْع َل ُ‬
‫ـم َما َل َت ْع َل ُم َ‬
‫(البقـرة‪ .)30 :‬وهـذه اخلالفة يف األرض يرتتب عليها مسـئولية جسـيمة‪،‬‬
‫قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إن الدنيـا حلوة خضـرة‪ ،‬وإن اهلل مستخلفكـم فيهـا‪،‬‬
‫فناظــر مــاذا تعملــون»‪ .‬وقــال تعالــى‪َ ﴿ :‬ف ُك ُلوا ِمَّا َر َز َقك ُُم اهللُ َح َل ًل‬
‫ُـم إِ َّيا ُه َت ْع ُبـدُ َ‬ ‫ِ‬
‫ون﴾ (النحل‪.)114 :‬‬ ‫َط ِّي ًبـا َو ْاشـك ُُروا ن ْع َم َت اهلل إِ ْن ُكنْت ْ‬
‫ـ حفـظ حقوقـه‪ :‬جـاءت الرشيعة اإلسلامية بحفـظ حقوق اإلنسـان كافة‬
‫فمـن حقـه أن يعيـش حيـا ًة آمنـ ًة مطمئنـ ًة‪ ،‬وهلـذا َح َّـرم اهلل االعتـداء عىل‬
‫ِ‬
‫ـس ا َّلتـي َح َّـر َم اهللُ إِلَّ بِ ْ َ‬
‫ال ِّق﴾‬ ‫﴿‪...‬و َل َت ْق ُت ُلـوا النَّ ْف َ‬
‫َ‬ ‫النفـس‪ ،‬قـال تعـاىل‪:‬‬
‫(األنعـام‪ ،)151 :‬كام حرم اإلسلام عىل اإلنسـان أن يقتل نفسـه بنفسـه‪،‬‬
‫َان بِك ُْم َر ِح ًيم﴾ (النسـاء‪)29 :‬‬ ‫﴿و َل َت ْق ُت ُلوا َأ ْن ُف َسـك ُْم‪  ‬إِ َّن اهللَ ك َ‬
‫قـال تعـاىل‪َ :‬‬

‫‪53‬‬
‫وأكـدت الرشيعة اإلسلامية حفـظ الضرورات اخلمس‪ ،‬وهـي‪ :‬الدين‪،‬‬
‫والنفـس‪ ،‬والعقل‪ ،‬والعـرض‪ ،‬واملال‪.‬‬
‫ـ تأكيـد طهـارة اإلنسـان‪ :‬اهتم اإلسلام اهتام ًما بال ًغـا بأمر الطهـارة‪ ،‬ملا هلا‬
‫مـن أثر عظيم على صحة األفراد واملجتمعات وسلامة األبدان ونضارهتا‬
‫واعتبر الطهـور نصـف اإليمان‪ ..‬قـال الرسـول ﷺ‪« :‬الطهـور شـطر‬
‫اإليمان»‪ .‬أخرجـه مسـلم برقـم ‪ ،223‬فهـي عنـوان املؤمنني‪ ،‬وسـمة من‬
‫يب التَّوابِ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـب ا ُْل َت َط ِّه ِري َن﴾‬‫ين َو ُي ُّ‬ ‫سمات املسـلمني‪ ،‬قال تعـاىل‪﴿ :‬إِ َّن اهللَ ُ ُّ َّ‬
‫(البقـرة‪ ،)222 :‬وجعـل الطهارة رش ًطـا لصحة الصالة‪ .‬قـال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫ُـم َو َأ ْي ِد َيك ُْم‬
‫وهك ْ‬
‫﴿يـا َأ ـا ا َّل ِذين آمنُـوا إِ َذا ُقمتُـم إِ َل الص َ ِ ِ‬
‫َّلة َفا ْغسـ ُلوا ُو ُج َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ يُّ َ‬
‫ين‪َ  ‬وإِ ْن ُكنْت ُْم ُجنُ ًبا‬‫ُـم إِ َل ا ْل َك ْع َب ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إِ َل ا َْل َراف ِ‬
‫ـحوا بِ ُر ُءوسـك ُْم َو َأ ْر ُج َلك ْ‬
‫ـق َوا ْم َس ُ‬
‫َفا َّط َّه ُـروا﴾ (املائـدة‪ .)6 :‬كما اهتم اإلسلام بطهـارة امللبس‪ ،‬قـال تعاىل‪:‬‬
‫ـك َف َط ِّه ْـر﴾ (املدثـر‪ )4 :‬وطهـارة املـكان‪ ،‬قال رسـول اهلل ﷺ يف‬ ‫﴿وثِ َيا َب َ‬
‫َ‬
‫ـجال من مـاء» (أخرجـه البخاري‬ ‫بـول األعـرايب‪« :‬أهريقـوا على بوله َس ْ‬
‫برقـم ‪.)6128 ،220‬‬
‫ـ عنايـة اإلسلام بصحـة اإلنسـان‪ :‬اعتنـى اإلسلام عنايـة كبيرة بصحـة‬
‫اإلنسـان‪ ،‬وسـن له الترشيعـات والقواعـد التي حتقـق له حيـاة خالية من‬
‫األمـراض والعـدوى بـإذن اهلل‪ ،‬فجعـل مبـدأ الوقايـة قبـل العلاج أو ما‬
‫ـد»‪.‬‬ ‫ـذو ِم فِرار َك ِمن األَس ِ‬ ‫املج ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫يسـمى الطـب الوقائـي لقوله ﷺ‪« :‬ف َّـر م َن ْ‬
‫أخرجه ابن أيب َشـ ْي َبة (‪ ،)132/8‬كام أمر الرسـول ﷺ بالتـداوي بالقرآن‬
‫الكريـم؛ لقولـه ﷺ لعثمان بـن العـاص‪« :‬ضـع يـدك على الـذي يؤملك‬
‫وقـل‪ :‬باسـم اهلل ثال ًثـا‪ ،‬وقـل سـب ًعا‪ :‬أعـوذ بعـزة اهلل وقدرتـه مـن رش ما‬
‫أجـد وأحـاذر» (أخرجـه مسـلم برقـم ‪ .)2203‬وجيـوز كذلـك التداوي‬
‫بغير القـرآن مـن الوسـائل املرشوعة؛ لقـول الرسـول ﷺ‪« :‬تـداووا فإن‬

‫‪54‬‬
‫اهلل تعـاىل مل يضـع دا ًء إال وضـع لـه دوا ًء‪ ،‬إال داء واحـد‪ :‬اهلـرم»‪ .‬أخرجه‬
‫أمحد برقـم ‪.17986‬‬
‫ـ االهتامم بجامل اإلنسـان وحسـن مظهره‪ :‬فقد أباح اإلسلام للمسـلم الظهور‬
‫باملظهـر احلسـن اجلميل يف ملبسـه وهندامه أمـام اآلخرين وخلق اهلل سـبحانه‬
‫الزينـة وكل مـا حتصـل بـه املتعـة مـن لبـاس مباح‪ ،‬قـال تعـاىل‪َ ﴿ :‬يـا َبنِـي آ َد َم‬
‫يشـا﴾ (األعـراف‪ ،)26 :‬كام أمر‬ ‫ـوآتِك ُْم َو ِر ً‬
‫اسـا ُي َو ِاري َس ْ‬
‫َقـدْ َأن َْز ْلنَـا َع َليك ِ‬
‫ُـم ل َب ً‬
‫ْ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بأخـذ الزينة عنـد أداء الصالة قال تعـاىل‪َ ﴿ :‬يا َبنـي آ َد َم ُخ ُذوا ِزينَ َتك ْ‬
‫ُـم عنْدَ ك ُِّل‬
‫ين﴾ (األعراف‪.)31 :‬‬ ‫سفِ َ‬ ‫ـب ا ُْل ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُس ُفوا‪  ‬إِ َّن ُه َل ُي ُّ‬
‫اش ُبـوا َو َل ت ْ ِ‬ ‫ٍِ‬
‫َم ْسـجد َو ُك ُلـوا َو ْ َ‬
‫‪ 2 .2‬مظاهر عناية اإلسالم بالثروة احليوانية‬
‫مهم من املـوارد الغذائيـة ومنافع متنوعة‪،‬‬ ‫متثـل الثروة احليوانية مـور ًدا ًّ‬
‫ـع َو ِمن َْهـا ت َْأ ُك ُل َ‬
‫ـون﴾‬ ‫ِ‬ ‫ُـم فِ َيهـا ِد ْ‬
‫ف ٌء َو َمنَاف ُ‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬و ْالَ ْن َعـا َم َخ َل َق َهـا‪َ  ‬لك ْ‬
‫َ‬ ‫قـال‬
‫(النحـل‪ )5 :‬وقـد أكَّـدت الرشيعـة اإلسلامية املحافظـة عليهـا بأسـاليب‬
‫شـتى من الرتغيـب والرتهيب‪ ،‬ومن صور عناية اإلسلام باحليـوان ماييل‪:‬‬
‫املحافظة عليه من اهلالك‬
‫ِ‬
‫عليـه الع َط ُش‬ ‫ٍ‬
‫بطريق اشـتدَّ‬ ‫رجل يمشي‬ ‫حلديـث الرسـول ﷺ‪« :‬بينما ٌ‬
‫ـث ُ‬
‫يأكل ال َّث َـرى م َن‬ ‫‪ ‬يله ُ‬
‫فإذا‪ ‬كلب َ‬
‫ٌ‬ ‫خـرج‬
‫َ‬ ‫ثم‬ ‫فنـزل فيها ِ‬
‫فشر َب َّ‬ ‫بئـرا َ‬
‫فوجـدَ ً‬
‫مثـل ا َّلذي َ‬
‫كان‬ ‫العطش ُ‬ ‫ِ‬ ‫هذا‪ ‬الكلب‪ ‬مـ َن‬
‫َ‬ ‫الر ُج ُـل‪ :‬لقد َ‬
‫بلـغ‬ ‫ـش‪َ ،‬‬
‫فقـال َّ‬ ‫الع َط ِ‬
‫‪ ‬فشـكر اهلل ل ُه‬ ‫فسقى‪ ‬الكلب‬ ‫فنـزل البئر فملأ خ َّفه ثم أمسـكه ِ‬
‫بفيـه‬ ‫َ‬ ‫بلـغ ِب‪.‬‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كل‬ ‫فقـال‪« :‬يف ِّ‬
‫أجرا؟! َ‬ ‫وإن لنـا يف البهائ ِم ً‬ ‫َ‬
‫رسـول اهلل‪َّ ..‬‬ ‫فغفـر لـ ُه»‪ .‬قالوا‪ :‬يا‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أجر» (البخـاري‪ .)6009 :‬كما ورد يف العنايـة به ما ييل‪:‬‬ ‫ذات كبِـد رطبـة ٌ‬

‫‪55‬‬
‫اإلحسان إليه حتى حال ذبحه‬
‫لقـول رسـول اهلل‪  ‬ﷺ‪« :‬إن اهلل كتـب اإلحسـان على كل يشء‪ ،‬فـإذا‬
‫قتلتـم فأحسـنوا القتلـة‪ ،‬وإذا ذبحتـم فأحسـنوا الذبحـة‪َ ،‬و ْل ُي ِحـدَّ أحدكـم‬
‫وليرح ذبيحتـه» (مسـلم‪.)1955 :‬‬ ‫شـفرته ُ ِ‬

‫حرمة دم احليوان‬
‫فـدم احليـوان مصـون إال مـا أحـل اهلل ذبحـه ألكلـه‪ ،‬أو قتلـه ألذيته‪،‬‬
‫فإنـه مـن اإلتلاف املحظـور واملنكر رش ًعـا‪ :‬قتـل احليوانات التـي ال تؤذي‬
‫لغير غـرض أو مصلحة مقصـودة‪ ،‬فقـد ُروي عن رسـول اهلل‪  ‬ﷺ أنه قال‪:‬‬
‫عصفـورا عب ًثا عـج (صـاح) إىل اهلل يـوم القيامة‪ ،‬يقـول‪ :‬يا رب‪،‬‬
‫ً‬ ‫«مـن قتـل‬
‫إن فالنًـا قتلنـي عب ًثـا‪ ،‬ومل يقتلنـي ملنفعة»‪( .‬أمحـد‪.)18976 :‬‬
‫ال جيوز تعذيب احليوان‬
‫غرضا» (مسـلم‪:‬‬
‫لقـول رسـول اهلل ﷺ‪« :‬ال تتخـذوا شـي ًئا فيه الـروح ً‬
‫‪.)1957‬‬
‫حيرم حبس احليوان والتضييق عليه‬
‫ففـي الصحيحين أن امـرأة دخلـت النـار يف هـرة حبسـتها‪ ،‬ال هـي‬
‫أطعمتهـا وال هـي تركتهـا تـأكل مـن خشـاش األرض‪ .‬وقد ذهـب مجهور‬
‫الفقهـاء إىل وجـوب اإلنفـاق على البهائـم اململوكـة‪ ،‬وذلـك بـأن يعلفهـا‬
‫ِ‬
‫تكتـف باملرعى وجـب عليه إضافة مـا يكفيها من‬ ‫مالكهـا ويسـقيها‪ ،‬وإن مل‬
‫العلـف واملـاء‪ ،‬كما ذهب مجهـور الفقهـاء إىل أن مـداواة البهائـم وعالجها‬
‫مـن األمـور املطلوبـة رش ًعا؛ ألن ذلـك يعد من بـاب الرمحة باحليـوان ومن‬
‫حفـظ املال‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫عدم إرهاقه يف العمل‬
‫لقول رسـول اهلل ﷺ لصاحب اجلمل الذي اشـتكى إىل الرسـول ﷺ‪:‬‬
‫«أمـا تتقـي اهلل يف هـذه البهيمـة التـي ملككهـا اهلل؟! إنـه اشـتكى إ َّيل أنـك‬
‫جتيعـه وتدئبـه ـ أي تتعبه» (أمحـد‪.)189/3 :‬‬
‫استخدامه فيام ُخلق له‬
‫ً‬
‫رجلا كان يسـوق بقـر ًة قـد محـل عليهـا‪ ،‬فالتفتـت‬ ‫ويف الصحيـح أن‬
‫إليـه البقـرة فقالـت‪ :‬إين مل ُأخلـق هلـذا‪ ،‬ولكني إنما خلقت للحـرث‪ .‬فقال‬
‫النـاس‪ :‬سـبحان اهلل‪ ،‬أبقـرة تك ّلـم؟ فقـال رسـول اهلل‪  ‬ﷺ‪« :‬وإين أومـن به‬
‫وأبوبكـر وعمـر» (مسـلم‪.)2388 :‬‬
‫احرتام مشاعر احليوان‬
‫إن اإلسلام راعـى حـق األمومـة عنـد احليـوان‪ ،‬فعـن ابن مسـعود‪  ‬ـ‬
‫ريض اهلل عنـه ـ‪ ‬قـال‪ :‬كنّـا مـع رسـول اهلل‪  ‬ﷺ يف سـفر‪ ،‬فانطلـق حلاجتـه‪،‬‬
‫فرأينـا محـر ًة معهـا فرخـان‪ ،‬فأخذنـا فرخيهـا‪ ،‬فجـاءت احلمـرة فجعلـت‬
‫تعـرش‪ ،‬فجـاء النبـي‪  ‬ﷺ فقـال‪« :‬مـن فجـع هـذه بولدهـا؟ ردوا ولدهـا‬ ‫ّ‬
‫إليهـا» (أبـوداود‪()5268 :‬حمـروس‪2011 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 3. 2‬مظاهر عناية اإلسالم بالثروة النباتية‬
‫تقـوم النباتات بخدمة اإلنسـان واملخلوقات األخـرى‪ ،‬وتؤدي دورها‬
‫يف عمارة هـذا العـامل‪ ،‬وهلـذا وردت األحاديـث يف السـنة النبويـة حا َّثة عىل‬
‫الـزرع والغـرس‪ ،‬ورتبـت األجر على كل أنـواع االنتفاع احلاصلـة من هذا‬
‫الـزرع‪ ،‬ومن صـور عناية اإلسلام بالثـروة النباتيـة ما ييل‪:‬‬

‫‪57‬‬
‫احلفاظ عىل النبات بكل أنواعه‬
‫مـن خلال العمـل على اسـتصالح األرض؛ لقولـه ﷺ‪« :‬مـن أحيـا‬
‫أرضـا ميتـ ًة فهـي لـه» (الرتمـذي‪.)1379 :‬‬
‫ً‬
‫تكثيره بالغـرس‪ :‬قـال ﷺ‪« :‬مـا من مسـلم يغـرس غرسـا إال كان ما‬
‫أكل منـه لـه صدقـة‪ ،‬ومـا رسق منـه له صدقـة‪ ،‬وما أكل السـبع منـه فهو له‬
‫صدقـة‪ ،‬ومـا أكلت الطير فهو له صدقـة‪ ،‬وال يرزؤه ـ أي ينقصـه ـ أحد إال‬
‫كان لـه صدقة»‪( .‬مسـلم‪.)1552 :‬‬
‫عدم االعتداء عليه‬
‫ال جيـوز إتالفـه وإهالكـه وال قطعـه إال لضرورة أو حاجـة أو منفعـة‬
‫ض لِ ُي ْف ِسـدَ‬
‫﴿وإِ َذا ت ََولَّ ٰ َسـ َع ٰى ِف ْالَ ْر ِ‬
‫مـن دون إرساف أو تبذيـر‪ .‬قال تعاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫فِ َيهـا َو ُ ْي ِل َ‬
‫ـب ا ْل َف َسـا َد﴾ (البقرة‪.)205 :‬‬ ‫ث َوالن َّْس َـل‪َ  ‬واهللُ َل ُي ُّ‬ ‫ـك ْ َ‬
‫ال ْر َ‬
‫وقـد كان مـن وصايـا اخلليفة أيب بكـر الصديق ـ ريض اهلل عنـه ـ النهي‬
‫عـن تقطيع الشـجر وتغريق النخيـل وحتريقها‪.‬‬

‫‪ 4 .2‬مظاهر عناية اإلسالم بالثروة املائية‬


‫لقـد اهتمـت الرشيعـة اإلسلامية بامليـاه وبنـت على ذلـك أحكا ًمـا وترشيعات‬
‫﴿و َج َع ْلنَا ِمـ َن ا َْل ِاء ك َُّل‬
‫يلتـزم هبـا املسـلم يف تعامله مع هـذه النعمة التي قـال اهلل عنهـا‪َ :‬‬
‫ش ٍء َحـيٍّ‪َ  ‬أ َف َلا ُي ْؤ ِمنُـو َن﴾ (األنبياء‪ ،)30 :‬ومــن صــور عناية اإلسلام باملـاء ما ييل‪:‬‬ ‫َ ْ‬
‫َّما ِء‬ ‫ِ‬
‫﴿و ُين َِّز ُل َع َل ْيك ُْم م َن الس َ‬
‫ـ جعلـه رش ًطا مـن رشوط الصالة‪ ،‬قال تعـاىل‪َ :‬‬
‫ـه﴾ (األنفال‪.)11 :‬‬ ‫ماء لِي َطهركُم بِ ِ‬
‫َ ً ُ ِّ َ ْ‬
‫جار»‬ ‫ـ عـدم اإلرساف يف املـاء‪ ،‬لقولـه ﷺ‪« :‬ال تسرف و لو كنت على هنر ٍ‬
‫(ابـن ماجة‪.)425 :‬‬

‫‪58‬‬
‫ـ املحافظـة عليـه من النجاسـات‪ ،‬عن أيب هريـرة ريض اهلل عنه أن النبيﷺ‬
‫قـال‪« :‬ال يبو َلـن أحدُ كـم يف ِ‬
‫املـاء الدائم‪ ،‬الـذي ال جيري‪ ،‬ثم يغتسـل فيه»‬ ‫َّ‬
‫(البخاري‪.)239 :‬‬
‫ٌ‬
‫رجـل يميش‪،‬‬ ‫ـ ترتيـب األجـر عىل سـقيا املـاء‪  ،‬قـال رسـول اهلل ﷺ‪« :‬بينا‬
‫ٍ‬
‫بكلب‬ ‫بئرا فشرب منها‪ ،‬ثم خـرج فإذا هـو‬ ‫ُ‬
‫العطـش‪ ،‬فنـزل ً‬ ‫فاشـتد عليـه‬
‫ِ‬
‫العطـش‪ ،‬فقـال‪ :‬لقـد بلغ هـذا مثل الـذي بلغ‬ ‫يلهـث‪ ،‬يـأكل الثـرى مـن‬
‫الكلـب‪ ،‬فشـكر اهللُ‬
‫َ‬ ‫يب‪ ،‬فملأ ُخ َّفـه ثـم أمسـكه بفيـه‪ ،‬ثـم رقـي فسـقى‬
‫أجـرا؟! قـال‪:‬‬
‫لـه فغفـر لـه»‪ .‬قالـوا‪ :‬يـا رسـول اهلل‪ ،‬وإن لنا‪ ‬يف‪ ‬البهائـم ً‬
‫‪ ‬رطبة‪ ‬أجـر» (البخـاري‪.)2363 :‬‬ ‫ٍ‬ ‫«يف‪ ‬كل ٍ‬
‫‪ ‬كبد‬ ‫ِّ‬
‫وممـا سـبق‪ ،‬يتبني حرص اإلسلام على توجيـه اإلنسـان يف تعامله مع‬
‫امليـاه يف املحافظـة عليهـا وعـدم تلويثهـا واإلرساف يف اسـتخدامها‪ ،‬وهبذا‬
‫فقـد سـبق املؤمتـرات واالتفاقيـات الدوليـة للمحافظة على املياه‪.‬‬

‫‪ 5 .2‬مظاهر عناية اإلسالم باألرايض واملرافق العامة‬


‫ووجـه اإلنسـان إىل حسـن‬‫َّ‬ ‫لقـد اهتـم اإلسلام باملرافـق العامـة‬
‫اسـتخدامها واملحافظـة عليهـا؛ ملـا يف ذلـك من التعـاون عىل اخلير املؤدي‬
‫إىل اسـتمرارها يف النفـع العـام جلميـع النـاس‪ ،‬ومـن صـور عناية اإلسلام‬
‫باملحافظـة عليهـا مـا ييل‪:‬‬
‫جعـل املحافظـة عىل املرافق العامـة من مراتب اإليامن‪ ،‬فعـن أيب هريرة‬
‫بضع وسـبعون ـ أو‬‫(ريض اهلل عنـه) أنـه قـال‪ :‬قال رسـول اهلل ﷺ‪« :‬اإليامن ٌ‬
‫بضـع وسـتون ـ ُشـعب ًة‪ ،‬أفض ُلهـا قـول ال إلـه إال اهلل‪ ،‬وأدناها إماطـ ُة األذى‬
‫ٌ‬
‫عـن الطريـق‪ ،‬واحليا ُء ُشـعب ٌة من اإليامن» (مسـلم‪.)153 :‬‬

‫‪59‬‬
‫وعـن األجـر العظيـم يف نظافـة األماكـن العامـة‪ ،‬قـال رسـول اهلل‬
‫أعمال ُأمتـي‪ ،‬حسـنُها وسـي ُئها‪ ،‬فوجـدْ ُت يف ِ‬
‫حماس ِ‬ ‫ﷺ‪ُ « :‬ع ِر َض ْ‬
‫ـن‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ـت َ َّ‬
‫علي‬
‫ِ‬
‫أعاملـا النُّخامـ َة‬ ‫ِ‬
‫مسـاوئ‬ ‫‪ ‬ووجـدْ ُت يف‬ ‫األذى‪ ‬عن‪ ‬ال َّط ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ريق َ‬ ‫أعاملا‪ ‬إماطـة‬
‫املسـج ِد ال تُد َفـ ُن» (ابـن حبـان‪.)1641 :‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫تكـون يف‬
‫وعـن النهـي عـن التعدي على املرافـق العامـة‪ ،‬قـال النبـي ﷺ‪َ « :‬من‬
‫ني» (البخـاري‪.)2453 :‬‬ ‫ن‪ ‬األرض‪ُ  ‬ط ِّو َقه ِمـن سـب ِع َأ َر ِض َ‬
‫ِ‬ ‫‪ ‬شبر ِ‪ ‬م‬
‫ٍ‬ ‫ـم ِقيدَ‬
‫ظ َل َ‬
‫وهـذه األحاديـث الرشيفـة التـي مجعـت بين الرتغيـب والرتهيـب‪،‬‬
‫دليـل على حـرص اإلسلام على املحافظة على األماكـن العامة مهما تغري‬
‫الزمـان واملكان‪.‬‬
‫‪ 6 .2‬مظاهر عناية اإلسالم بتوفري اهلدوء والسكينة‬
‫لقد سـبق اإلسلام مجيع احلضـارات يف توجيه اإلنسـان حلسـن اخللق‬
‫والـذوق العام واحرتام مشـاعر اآلخرين يف املحافظة عىل اهلدوء والسـكينة‬
‫العامـة‪ ،‬يتضح ذلك مـن خالل األدلـة التالية‪:‬‬
‫ـ حـرص النبـي ﷺ على توجيـه أصحابـه إىل السـكينة يف مجيـع أحواهلـم‪،‬‬
‫ف ُأسـام َة‬ ‫ِ‬
‫أمرهم‪ ‬بالسـكينة‪ ‬و َأ ْر َد َ‬ ‫رسـول اهللِ ﷺ مـن عرفـ َة‬ ‫ُ‬ ‫فعندمـا أفـاض‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫فإن ِ َّ‬
‫البر ليس‬ ‫‪ ‬والوقار‪َّ ،‬‬ ‫‪ ..‬عليكم‪ ‬بالسـكينة‬ ‫الناس‬
‫بـ َن زيـد وقـال‪« :‬يـا ُّأيـا ُ‬
‫رأيت ناق ًة رافعـ ًة يدَ ها عادي ًة حتـى ْ‬
‫بلغت مج ًعا»‪،‬‬ ‫واخليـل‪ ،‬فام ُ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلبل‬ ‫ِ‬
‫بإجيـاف‬
‫الناس‬
‫يقـول‪« :‬يا أهيـا ُ‬ ‫ُ‬ ‫عبـاس مـن مجـ ٍع إىل ِمنى وهو‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫الفضـل بـ َن‬ ‫ثـم َأ ْر َد َ‬
‫ف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫واخليـل‪ ،‬فما‬ ‫ِ‬
‫اإلبـل‬ ‫بإجيـاف‬ ‫البر ليـس‬ ‫فـإن ِ َّ‬
‫‪ ..‬عليكم‪ ‬بالسـكينة‪ ‬والوقار‪َّ ِ،‬‬
‫بلغـت ِمنى» (مسـند أمحـد‪.)4/140 :‬‬ ‫ْ‬ ‫رأيـت ناقـ ًة رافعـ ًة يدَ ها عاديـ ًة حتى‬
‫ُ‬
‫ـ هنـى اإلسلام عـن كل مـا مـن شـأنه إحـداث الضجيـج والضوضـاء‬
‫والصخـب‪ ،‬وأمـر بعـدم رفـع األصـوات فـوق القـدر املعتاد؛ ملـا يرتتب‬

‫‪60‬‬
‫ٍ‬
‫مبـارش أو‬ ‫ٍ‬
‫وتلويث‬ ‫وإخلال براحتهـم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫إيـذاء لآلخريـن‪،‬‬ ‫على ذلك مـن‬
‫مبـارش لصفـو حياهتـم‪ .‬وقـد جـاء األمـر بذلـك يف قولـه تعـاىل‪﴿ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫غير‬
‫ات َل َص ْو ُت‬ ‫ـض ِم ْن َص ْوتِ َ‬
‫ـك‪  ‬إِ َّن َأ ْنكَـر ْالَصـو ِ‬ ‫َوا ْق ِصـدْ ِف َم ْش ِـي َك َوا ْغ ُض ْ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ير﴾ (لقمان‪.)19 :‬‬ ‫ال ِم ِ‬
‫َْ‬
‫ـ النهـي عـن رفـع األصـوات ولـو كانـت عبـادة‪ ،‬حلديـث أيب موسـى‬
‫ٍ‬
‫سـفر‪ ،‬فكنـا إذا علونـا ك ََّبنـا‪،‬‬ ‫األشـعري أنـه قـال‪ُ :‬كنَّـا مـع النبـي ﷺ يف‬
‫أصم وال غائ ًبـا‪ ،‬تدعون‬ ‫«اربعوا على أنفسـكم‪ ،‬فإنكم ال تدعـون َّ‬ ‫فقـال‪ْ :‬‬
‫بصيرا قري ًبـا» (البخـاري‪.)7386 :‬‬‫ً‬ ‫سـمي ًعا‬
‫‪ 7 .2‬مظاهر عناية اإلسالم باحلفاظ عىل البيئة الطبيعية‬
‫يتمثـل اهتمام اإلسلام يف املحافظـة على البيئـة الطبيعيـة مـن خلال‬
‫األدلـة الرشعيـة التـي توجـه النـاس إىل كيفيـة التعامـل معهـا‪ ،‬ومـن صور‬
‫ذ لك ‪:‬‬
‫ـ سـبق اإلسلام يف طرح مفهـوم املحميـات الطبيعية؛ لقول الرسـول ﷺ‪:‬‬
‫حرتيها‪،‬‬ ‫أحرم املدينـة‪ ،‬حرام ما بين ّ‬ ‫وإن ّ‬ ‫حـرم مكـة‪ّ ،‬‬ ‫إن إبراهيـم ّ‬ ‫«اللهـم ّ‬
‫ّ‬
‫ومحاهـا ك ّلـه‪ ،‬ال خيتلى خالهـا (ال يقطـع نباهتـا)‪ ،‬وال ين ّفـر صيدهـا‪ ،‬وال‬
‫تلتقـط لقطتهـا إال ملـن أشـار هبـا‪ ،‬وال تقطـع منهـا شـجرة‪ ،‬إال أن يعلف‬
‫رجـل بعريه‪ ،‬وال حيمل فيها السلاح لقتـال‪( »...‬أخرجه أمحد يف املسـند‪،‬‬
‫‪.)119/1‬‬
‫ـ حرمـة صيـد احليوانـات الربية عىل املحـرم؛ لقوله تعـاىل‪َ ﴿ :‬يا َأيُّ َـا ا َّل ِذي َن‬
‫ُـم ُم َت َع ِّمدً ا َف َج َـزا ٌء ِم ْث ُل‬ ‫ِ‬
‫الص ْيـدَ َو َأ ْنت ُْم ُح ُر ٌم‪َ  ‬و َمـ ْن َق َت َل ُه منْك ْ‬
‫آ َمنُـوا َل َت ْق ُت ُلـوا َّ‬
‫تعاىل‪...﴿ :‬و ُح ِّـر َم َع َل ْيك ْ‬
‫ُـم‬ ‫َ‬ ‫َـل ِمـ َن النَّ َعـ ِم﴾ (املائـدة‪ .)95 :‬وقـال‬ ‫َمـا َقت َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ون﴾ (املائدة‪.)96 :‬‬ ‫شر َ‬ ‫ُـم ُح ُر ًما‪َ  ‬وا َّت ُقـوا اهللَ ا َّلذي إ َل ْيـه ُ ْت َ ُ‬ ‫َص ْيـدُ ا ْل َ ِّ‬
‫بر َما ُد ْمت ْ‬

‫‪61‬‬
‫ويف هـذه األدلـة توجيهـات تربويـة للمسـلم للمحافظـة على البيئـة‬
‫الطبيعيـة مراعـا ًة للمصلحـة العامـة‪.‬‬

‫‪ .3‬البعد االقتصادي ودوره يف التنمية املستدامة من منظور إسالمي‬


‫لقـد اهتـم اإلسلام باجلانـب االقتصـادي يف حيـاة اإلنسـان اهتام ًمـا‬
‫كبيرا؛ ذلـك أن اإلنسـان ال يسـتطيع أن يعيـش مـن دون تلبيـة احتياجاتـه‬ ‫ً‬
‫مـن طعام‪ ،‬ورشاب‪ ،‬وكسـاء‪ ،‬وسـكن‪ ،‬وكل ذلك يتط ّلب االهتمام بالتنمية‬
‫االقتصاديـة إلشـباع ما ُفطر اإلنسـان عليه؛ لـذا فقد ورد يف القـرآن الكريم‬
‫وتبي ما ُفطـر عليه‬
‫آيـات كثيرة متت ُّن على اإلنسـان بنعمتي املـال واألمـن‪ّ ،‬‬
‫مـن حب املـال والشـهوات يف حـدود املبـاح‪ ،‬كام يف سـورة قريـش‪ ،‬عندما‬
‫يسر هلـم نظـام اإليلاف التجـاري؛‬ ‫امتـن اهلل ـ تعـاىل ـ على قريـش بـأن ّ‬
‫ويسر هلم سـبل األمـن لتجارهتـم؛ ما سـ ّبب‬ ‫ملـا لـه مـن أمهيـة اقتصاديـة‪ّ ،‬‬
‫إشـباع حاجتهـم املادية (شـبع‪ .)2010 ،‬كام يقوم االقتصاد اإلسلامي عىل‬
‫يتعصب للفرد عىل حسـاب اجلامعـة‪ ،‬وال للجامعة عىل‬ ‫أسـاس معتـدل‪ ،‬فال ّ‬
‫حسـاب الفـرد‪ .‬فهو حيـاول أن يو ّفق بين مصلحة الفـرد ومصلحة اجلامعة‪،‬‬
‫ولـه خصائـص مهمة يمكـن إجيازهـا يف النقـاط التالية‪:‬‬
‫أ ـ حتريم الربا‬
‫ورد حتريـم الربـا يف القـرآن الكريـم والسـنة النبويـة الرشيفـة؛ ففـي‬
‫القـرآن الكريـم ورد حتريـم ربـا الديـن‪ ،‬ويف السـنة ورد حتريـم ربـا البيوع‪،‬‬
‫وبذلـك وإن اختلـف نـوع الربـا فهـو حمـرم باإلمجـاع‪ ،‬ودليل حتريمـه قوله‬
‫َخ َّب ُطـ ُه‬ ‫ـذي َيت َ‬ ‫ـون إِلَّ كَما ي ُقـوم ا َّل ِ‬ ‫الر َبـا َل َي ُقو ُم َ‬ ‫تعـاىل‪﴿ :‬ا َّل ِذيـ َن َي ْأ ُك ُل َ‬
‫َ َ ُ‬ ‫ـون ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الشـي َط ُ ِ‬
‫الر َبا‪َ  ‬و َأ َح َّـل اهللُ ا ْل َب ْي َع‬ ‫ـم َقا ُلوا إِ َ‬
‫نَّما ا ْل َب ْي ُع م ْث ُـل ِّ‬ ‫ان مـ َن ا َْلـسِّ‪َٰ  ‬ذل َك بِ َأنَّ ُ ْ‬ ‫َّ ْ‬
‫ف َو َأ ْم ُـر ُه إِ َل‬ ‫ـى َف َل ُه َما َسـ َل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر َبا‪َ  ‬ف َمـ ْن َجـا َء ُه َم ْوع َظـ ٌة مـ ْن َر ِّبـه َفا ْنت ََه ٰ‬ ‫َو َح َّـر َم ِّ‬

‫‪62‬‬
‫ون ﴿‪َ ﴾٢٧٥‬ي ْم َح ُق‬ ‫ـم فِ َيها َخالِـدُ َ‬ ‫اب الن َِّار‪ُ  ‬ه ْ‬ ‫ـك َأ ْص َح ُ‬ ‫اهللِ‪َ  ‬و َمـ ْن َعـا َد َف ُأو َٰل ِئ َ‬
‫ار َأثِيـ ٍم ﴿‪ ﴾٢٧٦‬إِ َّن ا َّل ِذي َن‬ ‫ـب ك َُّل َك َّف ٍ‬ ‫ِ‬
‫الصدَ َقات‪َ  ‬واهللُ َل ُي ُّ‬
‫ِ‬
‫الر َبـا َو ُي ْـر ِب َّ‬ ‫اهللُ ِّ‬
‫ـم ِعنْدَ‬ ‫ـات َو َأ َقا ُمـوا الص َ‬ ‫ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الـزكَا َة َل ُ ْم َأ ْج ُر ُه ْ‬ ‫َّلا َة َوآت َُوا َّ‬ ‫الص َ‬ ‫آ َمنُـوا َو َعم ُلـوا َّ‬
‫ُـون ﴿‪َ ﴾٢٧٧‬يا َأيُّ َا ا َّل ِذيـ َن آ َمنُوا ا َّت ُقوا‬ ‫ي َزن َ‬ ‫ف َع َل ْي ِه ْم َو َل ُه ْم َ ْ‬ ‫ـو ٌ‬ ‫ـم َو َل َخ ْ‬ ‫َربِّ ِ ْ‬
‫ني ﴿‪َ ﴾٢٧٨‬فـإِ ْن َل ْ َت ْف َع ُلوا َف ْأ َذنُوا‬ ‫ُـم ُم ْؤ ِمنِ َ‬ ‫الر َبا إِ ْن ُكنْت ْ‬
‫ـي مـ َن ِّ‬
‫اهللَ و َذروا مـا ب ِق ِ‬
‫َ ُ َ َ َ‬
‫ُـم َل َت ْظ ِل ُم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بِحـر ٍ ِ‬
‫ون َو َل‬ ‫وس َأ ْم َوالك ْ‬ ‫ُـم ُر ُء ُ‬ ‫ب مـ َن اهللِ َو َر ُسـوله‪َ  ‬وإِ ْن ُت ْبت ُْم َف َلك ْ‬ ‫َ ْ‬
‫سرة‪َ  ‬و َأ ْن ت ََصدَّ ُقوا َخ ْ ٌي‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ـون ﴿‪َ ﴾٢٧٩‬وإِ ْن ك َ‬ ‫ُت ْظ َل ُم َ‬
‫سرة َفنَظ َـر ٌة إ َ ٰل َم ْي َ َ‬ ‫َان ُذو ُع ْ َ‬
‫ون﴾ (البقـرة‪ ٢٧٥ :‬ـ ‪.)٢٨٠‬‬ ‫ُـم َت ْع َل ُم َ‬ ‫ُـم‪  ‬إِ ْن ُكنْت ْ‬
‫َلك ْ‬
‫ويعـود سـبب حتريـم القـرآن الكريـم للربـا بجميـع أنواعـه إىل اآلثار‬
‫االقتصاديـة التـي يرتكهـا؛ حيـث إنه يـؤدي إىل‪:‬‬
‫ـ انتشـار الطبقيـة بسـبب متركـز رؤوس األمـوال بيد فئـة قليلة مـن الناس‪،‬‬
‫وحرمـان الفئـة األخرى‪.‬‬
‫ـ ُيسـهم الربـا يف انتشـار البطالـة‪ ،‬فأصحـاب األمـوال يفضلـون عـدم‬
‫اخلـوض يف االسـتثامر احلقيقـي الـذي يتم ّيز بعنصر املخاطـرة؛ مما ينقص‬
‫مـن الطلـب على العمـل؛ فتنتشر البطالـة‪.‬‬
‫ـ حمق األموال‪ ،‬كام ذكرت اآلية الكريمة سالفة الذكر‪.‬‬
‫ـ حـرب اهلل‪ ،‬وهـذا مـا حيصـل فعل ًّيـا للنظـام النقـدي الرأسمايل القائم عىل‬
‫الربـا مـن أزمـات اقتصاديـة ومالية‪ ،‬مل جيـدوا هلا ًّ‬
‫حلا إىل يومنـا هذا‪.‬‬
‫ب ـ حتريم االكتناز‬
‫تعاىل‪...﴿:‬وا َّل ِذيـ َن َيكْنِ ُز َ‬
‫ون‬ ‫َ‬ ‫حـرم اإلسلام االكتناز مـن خلال قولـه‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫اب َأليـ ٍم﴾‬ ‫ـم بِ َع َ‬
‫ـذ ٍ‬ ‫ونَـا ِف َسـبِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يل اهللِ َف َبشِّ ْ ُه ْ‬ ‫ـب َوا ْلف َّضـ َة َو َل ُينْف ُق َ‬ ‫َّ‬
‫الذ َه َ‬
‫(التوبـة‪ .)34:‬وقـد جاء حتريـم االكتنـاز يف االقتصاد اإلسلامي؛ ملا له من‬

‫‪63‬‬
‫أرضار على الوظائف احلقيقيـة للنقود؛ حيث إن الركـود االقتصادي الناتج‬
‫عـن االكتنـاز يـؤدي إىل تغيير القيمـة احلقيقيـة للنقـود؛ ممـا ّ‬
‫خيـل بوظيفتها‬
‫بوصفهـا أداة للمدفوعـات اآلجلة‪ ،‬كما أن االكتناز يـؤدي إىل زيادة الطلب‬
‫على النقود‪ ،‬بسـبب قلـة عرضها وترسهبـا خـارج عملية اإلنتـاج احلقيقي؛‬
‫األمـر الـذي يـؤدي إىل اإلخالل بوظيفتهـا باعتبارهـا وسـي ًطا للتبادل‪.‬‬
‫سـهل على السـلطة النقدية معرفـة كميات‬ ‫وعليـه‪ ،‬فتحريـم االكتناز ُي ّ‬
‫سـهل عمليـة تقديـر اإلضافـات الالزمـة؛‬
‫املتداولـة يف السـوق‪ ،‬و ُي ّ‬
‫َ‬ ‫النقـود‬
‫للمحافظـة على اسـتقرار مسـتوى األسـعار‪ ،‬ومـن َث َّ‬
‫ـم احلفـاظ على قيمة‬
‫ا لعملة ‪.‬‬
‫ج ـ نظام املشاركة بوصفه ً‬
‫بديل لنظام الفائدة‬
‫يقـوم النشـاط االقتصـادي يف اإلسلام على املشـاركة بين رأس املال‬
‫يتحمـل كل مـن صاحـب املـال واملن ّظـم نتيجـة النشـاط‬
‫ّ‬ ‫والعمـل‪ ،‬بحيـث‬
‫ّ‬
‫يتحملان خماطـر‬ ‫ربحـا أو خسـارة؛ ممـا يعنـي أهنما‬
‫القائـم‪ ،‬فقـد تكـون ً‬
‫االسـتثامر (طبايبيـة‪ ،‬كشـيتي‪2013 ،‬م)‪.‬‬
‫د ـ إسهامات الزكاة يف التنمية املستدامة‬
‫لفريضـة الـزكاة تأثري كبري على حتقيق التنميـة االقتصاديـة‪ ،‬وذلك من‬
‫خالل النقـاط التالية‪:‬‬
‫ـ القضـاء على البطالـة وتوفري فـرص العمل‪ :‬فمـن بني وظائـف الزكاة يف‬
‫املجتمـع املسـلم‪ :‬متكين الفقري مـن إغناء نفسـه بنفسـه‪ ،‬بحيـث يكون له‬
‫مصـدر دخل ثابـت يغنيـه عن طلب املسـاعدة‪.‬‬
‫ـ حتفيـز االسـتثامر‪ :‬إن إعطـاء الفـرد حقـه مـن الـزكاة سـيجعله يقـوم‬

‫‪64‬‬
‫باسـتهالكها عـن طريـق الشراء؛ ممـا ُيسـهم يف حتريـك عجلـة االقتصاد‬
‫الوطنـي‪ ،‬فبمجـرد قيـام هـذا الفـرد بالشراء‪ ،‬فإنـه سـيزيد الطلـب على‬
‫السـلع املطلوبـة‪ ،‬األمـر الـذي يـؤدي إىل زيـادة اإلنتـاج‪.‬‬
‫ـ حتفيـز االسـتهالك‪ :‬إن زيـادة حجم مـوارد الزكاة وتطورهـا ُيدثان حركة‬
‫توازنيـة إجيابيـة بني العرض الـكيل والطلب الكيل؛ حيث إنـه كلام تطورت‬
‫العوائـد واملداخيـل مـن الـزكاة‪ ،‬تنامت القـدرة الرشائيـة‪ ،‬وأدت إىل زيادة‬
‫الطلب الكيل الذي ُيسـهم يف تنشـيط العـرض الكيل للسـلع واخلدمات‪.‬‬
‫ـ ضبـط التضخـم‪ :‬خت ّفـف الـزكاة مـن التضخـم يف حالـة زيـادة الطلـب‬
‫على العـرض؛ حيـث تكون النقـود املتاحـة داخـل املجتمع أكبر من قيم‬
‫السـلع واخلدمـات املعروضـة (الصديـق‪2012 ،‬م)‪.‬‬
‫هـ ـ إسهامات الوقف يف التنمية املستدامة‬
‫ابتـدأ الوقـف بإرشـاد النبـي ﷺ عمر بن اخلطـاب عندما استشـاره يف‬
‫الصدقـة بـأرض ذكـر أهنـا أثمن مـا يملك‪ ،‬فأشـار عليـه بأن حيبـس أصلها‬
‫ويتصـدق بغ َّلتهـا‪ ،‬ومـن ذلـك الوقـت ظـل املسـلمون يتسـابقون يف وقف‬
‫األصـول لتلبي حاجـات األجيال يف جمـاالت وابتكارات متعـددة‪ .‬ويتمثل‬
‫دور الوقـف يف اجلانـب االقتصـادي من خلال النواحـي التالية‪:‬‬
‫• السـلوك االدخـاري‪ :‬عالقـة الوقـف باالدخار واضحة مـن جهة إطالقه‬
‫على معنى احلبـس‪ ،‬ومنع العين املوقوفة عن أنشـطة التبادل يف السـوق‪.‬‬
‫ويف هـذا السـياق ُيقصـد باالدخـار حفـظ األمـوال املوقوفـة‪ ،‬وختزينها‪،‬‬
‫وحجزها عـن عمليـات التداول‪.‬‬
‫• توزيـع الغلـة‪ :‬يعمـل الوقـف على إعـادة توزيع الدخـل بين الطبقات؛‬
‫ممـا يـؤدي إىل عدم حبسـها ٍ‬
‫بأيد حمـدودة‪ ،‬فعندمـا يويص الواقـف بتوزيع‬

‫‪65‬‬
‫غلـة موقوفاتـه على جهـة مـن اجلهـات‪ ،‬فـإن هـذا يكـون بمثابـة عملية‬
‫إلعـادة توزيـع املـال على اجلهـات املسـتفيدة‪ ،‬وعـدم اسـتئثار املالك به‪.‬‬
‫• البنيـة التحتيـة لالقتصـاد‪ :‬يسـاعد الوقـف على حتسين البنيـة التحتيـة‬
‫لالقتصـاد‪ ،‬مثـل إنشـاء الطـرق‪ ،‬وبنـاء اجلسـور‪ ،‬وحفر اآلبار‪ .‬وحتسين‬
‫مثل هـذه البنية التحتيـة وتطويرها يسـاعدان عىل هتيئة الظروف املناسـبة‬
‫لزيـادة حجـم االسـتثامر املحلي واخلارجي‪ .‬ويـؤدي االسـتثامر إىل زيادة‬
‫اإلنتـاج‪ ،‬وبالتـايل زيـادة الصـادرات؛ ممـا قـد يعمـل على حتسين امليزان‬
‫التجـاري للدولـة‪ ،‬كما أن تدفق أموال أجنبية هبدف االسـتثامر ُيسـهم يف‬
‫حتسين ميـزان املدفوعات‪.‬‬
‫• توفير القـروض وتسـهيلها‪ :‬قـد ُيسـهم الوقـف يف توفير القـروض‬
‫للزراعـة‪ ،‬والتمويـل باملضاربة لبعـض النشـاطات التجاريـة والزراعية؛‬
‫مما ُيسـاعد عىل توسـيع قاعدة النشـاط االقتصـادي وتشـجيع القطاعات‬
‫االقتصاديـة املختلفـة‪ ،‬وهـذا بـدوره يدفـع عجلـة النمو االقتصـادي إىل‬
‫األمـام‪ ،‬ويعمـل على اسـتحداث فـرص عمـل جديـدة؛ ممـا ُيقلـل مـن‬
‫معـدالت البطالة‪.‬‬
‫• متويـل املـدارس والكليات‪ :‬إن متويـل املدارس والكليـات ومراكز العلم‬
‫مـن أمـوال الوقـف يعـدّ بمثابـة اسـتثامر يف رأس املـال البشري‪ ،‬ال تقل‬
‫أمهيتـه عن االسـتثامر يف رأس املـال املادي‪.‬‬
‫• التأمين‪ :‬يعمـل الوقـف عىل تأمني جزء مـن رأس املـال اإلنتاجي‪ ،‬فوقف‬
‫ً‬
‫شـكل مـن أشـكال رأس املال املـادي الالزم‬ ‫املـدارس ودور العلـم يعدُّ‬
‫إلنتـاج خمرجات العمليـة التعليمية‪.‬‬
‫• التخفيـف على احلكومـات‪ :‬تعمـل املشـاركة بالوقـف مـن ِقبـل أثريـاء‬
‫األمـة على تقليل األعبـاء امللقاة على عاتـق احلكومات‪ ،‬وجتعـل األفراد‬

‫‪66‬‬
‫أكثـر اسـتعدا ًدا للمشـاركة الفعالـة يف تبنـي مهـوم املجتمـع‪ ،‬والتخفيف‬
‫مـن االتكالية الشـائعة لـدى الناس باالعتماد عىل جهـود احلكومة فقط‪.‬‬
‫وكل ذلـك يـؤدي إىل ختفيـف العـبء املل َقـى على عاتـق احلكومـات؛‬
‫وبالتـايل إىل ختفيـف العجـز يف املوازنـة العامـة‪ ،‬والتقليـل مـن املديونيـة‬
‫الداخليـة واخلارجيـة لتلـك الدول‪.‬‬
‫• اسـتحداث مصـادر دخـل‪ :‬يعمـل الوقـف على إجيـاد مصـادر دخـل‬
‫للفقـراء‪ ،‬واملسـاكني‪ ،‬والعاجزيـن عـن العمـل‪ ،‬واألرامـل‪ ،‬واأليتـام‪،‬‬
‫وغريهـم‪ ..‬ممـا يغطـي حاجاهتـم األساسـية‪ ،‬ويـؤدي هـذا إىل حتسين‬
‫مسـتوى املعيشـة هلـذه الفئـات مـن املجتمع؛ ممـا قد يزيـد مـن إنتاجيتهم‬
‫االقتصاديـة‪.‬‬
‫• تقديـم اإلعانـات‪ :‬يعـدُّ كثير مـن أعمال اخلير التـي تـؤدي إىل تقديـم‬
‫إعانـات مبـارشة أو غير مبـارشة للفقـراء‪ ،‬كالـزكاة والصدقـات ً‬
‫مثلا؛‬
‫بمثابـة عمليـة إلعـادة توزيـع الدخـل‪ ،‬أو عملية إلعـادة توزيـع الثروة‪،‬‬
‫بين فئـات املجتمـع‪ ،‬وهـذا بـدوره يعمـل على ختفيـف الفجـوة بين‬
‫ادخـارا إىل‬
‫ً‬ ‫الطبقـات‪ ،‬وحتويـل جـزء مـن األمـوال مـن الفئـات األكثـر‬
‫الفئـات األكثـر اسـتهالكًا‪ ،‬وهـذا يف حـدّ ذاته يدعـم النمـو االقتصادي‬
‫مـن خلال مضاعفـة االسـتهالك‪.‬‬
‫• زيـادة حجـم الناتـج املحلي‪ُ :‬يسـهم الوقـف يف حتويـل جزء مـن الدخل‬
‫مـن الفئـات القـادرة إىل الفئـات املحتاجـة‪ ،‬كما أن ذلك يـؤدي إىل زيادة‬
‫حجـم الطلـب الكيل عىل خمتلـف أنواع السـلع واخلدمـات يف االقتصاد‪،‬‬
‫وهـذا بـدوره يسـاعد على زيـادة حجـم الناتج املحلي اإلمجـايل للدولة؛‬
‫كـون االسـتهالك يم ّثـل مكونًا مـن املكونـات الرئيسـة للدخـل القومي‬
‫(اجلريـوي‪2012 ،‬م)‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫و ـ نظام اخلراج‬
‫واجهـت املسـلمني يف وقـت مبكـر قضيـة التصرف يف األرض‪ ،‬وهل‬
‫ُـوزع ملكيات خاصة بني املسـلمني‪ ..‬وانقسـم‬
‫تبقـى على امللك العـام‪ ،‬أم ت ّ‬
‫املسـلمون حزبين‪ :‬عمـر بن اخلطـاب ومن معه يـرون احلـل األول‪ ،‬وبالل‬
‫ومـن تبعـه يـرون احلـل الثـاين‪ ،‬واحتـدم اجلـدال‪ ،‬وكانـت حجـة الفريـق‬
‫األول أن بقـاء األرض يف امللـك العـام يضمـن مواجهـة حاجـات األجيال‬
‫املتعاقبـة على مـر العصور‪.‬‬

‫‪ .4‬البعـد االجتامعـي ودوره يف حتقيـق التنميـة املسـتدامة من‬


‫منظور إسلامي‬
‫هدفت الرشيعة اإلسلامية إىل تنشـئة الفرد واملجتمع وإصالحهام‪ ،‬من‬
‫النواحـي‪ :‬النفسـية‪ ،‬العقليـة‪ ،‬االجتامعيـة‪ ،‬اجلسـمية التي تسـاعد عىل تنمية‬
‫الفـرد واملجتمـع‪ ،‬واحلفاظ عليهام‪ ،‬واسـتدامتهام‪ ،‬وفيام ييل اسـتعراضها‪:‬‬
‫‪ 1 .4‬عناية اإلسالم بالفرد ‪ ‬‬
‫إن مجيـع األفعـال الضـارة والصاحلـة مصدرها األفـراد‪ ،‬كما أن الفرد‬
‫هـو املحـور واملنطلق للأرسة واملجتمع؛ لذلـك نجد اإلسلام جعله مركز‬
‫االهتمام‪ ،‬بدايـة مـن اختيار الزوجـة الصاحلـة‪ ،‬إىل تعليمه وتأديبـه وإعداده‬
‫بوصفـه فـر ًدا صاحلًـا‪ ،‬وهذا مـا تدعو إليـه التنمية املسـتدامة‪.‬‬
‫‪ 2 .4‬عناية اإلسالم باألرسة‬
‫تعتبر األرسة أهـم خليـة يتكـون منهـا جسـم املجتمـع البشري‪ ،‬إذا‬
‫صلحـت صلـح املجتمـع كلـه‪ ،‬وإذا فسـدت فسـد املجتمـع كلـه‪ ،‬يف كنفها‬

‫‪68‬‬
‫يتعلـم النـوع اإلنسـاين أفضـل أخالقـه؛ إذ فيهـا ينشـأ الفـرد وفيهـا تنطبـع‬
‫سـلوكاته‪ ،‬وقـد حـث اإلسلام على تنميـة الـود واحلـب الغريـزي بين‬
‫ـق‬ ‫ـه َأ ْن َخ َل َ‬ ‫الرجـل واملـرأة يف حياهتما الزوجيـة‪ ،‬فقـال تعـاىل‪﴿ :‬و ِمـن آياتِ ِ‬
‫َ ْ َ‬
‫ح ًة‪  ‬إِ َّن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َلك ِ‬
‫ـو َّد ًة َو َر ْ َ‬ ‫اجـا لت َْسـ ُكنُوا إِ َل ْي َها َو َج َع َـل َب ْينَك ْ‬
‫ُـم َم َ‬ ‫ُـم مـ ْن َأ ْن ُفسـك ُْم َأ ْز َو ً‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ِف َٰذل َ‬
‫ون ﴾‪( ‬الـروم‪ .)21 :‬وأرسـى لتحقيـق ذلك‬ ‫َّـر َ‬ ‫ـك َل َيـات ل َق ْ‬
‫ـو ٍم َي َت َفك ُ‬
‫مبـادئ وضامنـات كثيرة‪ ،‬منهـا‪:‬‬
‫ـ حسـن اختيـار الزوجـة والزوج‪ :‬ذلـك أن األرسة هـي اخلليـة التي ينشـأ‬
‫فيهـا األبنـاء؛ لذا لزم أن تكـون هذه اخلليـة صاحلة من أساسـها‪ ،‬فقد قال‬
‫رسـول اهلل ﷺ‪« :‬تُنكح املـرأة ألربع‪ :‬ملاهلا‪ ،‬وحلسـبها‪ ،‬وجلامهلـا‪ ،‬ولدينها‪،‬‬
‫فاظفـر بذات الديـن تربت يـداك» (رواه أبو داود والنسـائي)‪.‬‬
‫وأمـا فيام خيتص باختيـار املرأة لزوجها فقـد قال رسـول اهلل ﷺ‪« :‬إذا أتاكم‬
‫مـن ترضـون دينـه وخلقـه فأنكحـوه‪ ،‬إال تفعلـوا تكـن فتنـة يف األرض‬
‫وفسـاد عريـض» (رواه الرتمذي)‪.‬‬
‫ـ حفـظ احلقـوق بين الزوجني‪ :‬قـال تعاىل‪﴿ :‬و َلـن ِم ْث ُـل ا َّل ِ‬
‫ـذي َع َل ْي ِهـ َّن‬ ‫َ ُ َّ‬
‫ـال َع َلي ِهـن درجـ ٌة واهللُ َع ِز ٌ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يم﴾‪( ‬البقـرة‪.)228 :‬‬ ‫يـز َحك ٌ‬ ‫بِا َْل ْع ُـروف َول ِّلر َج ِ ْ َّ َ َ َ َ‬
‫ـ حسـن التعامـل بين الزوجني‪ :‬حـث اإلسلام على املعاملـة احلسـنة‬
‫بين الزوجين‪ ،‬وثبـت ذلـك بنصـوص الكتـاب والسـنة‪ ،‬فقـد قـال اهلل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـى َأ ْن َتك َْر ُهوا‬ ‫وهـ َّن بِا َْل ْع ُـروف َفـإِ ْن ك َِر ْهت ُُم ُ‬
‫وهـ َّن َف َع َس ٰ‬ ‫اش ُ‬
‫تعاىل‪...﴿ :‬و َع ُ‬
‫َ‬
‫يرا كَثِ ًريا﴾‪( ‬النسـاء‪.)19 :‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ي َع َـل اهللُ فيـه َخ ْ ً‬
‫َشـ ْي ًئا َو َ ْ‬
‫ـ اإلنفـاق على األرسة‪ :‬ذلـك أن املـال قـوام احليـاة املاديـة‪ ،‬واملـرأة داخلة‬
‫يف واليـة زوجهـا‪ ،‬فهو مسـئول عنهـا بالنفقـة‪ ،‬قـال اهلل تعاىل‪﴿ :‬لِ ُين ِْف ْق ُذو‬
‫ـه ِر ْز ُقـ ُه َف ْل ُين ِْف ْق ِمَّـا آتَـا ُه اهللُ‪َ  ‬ل ُي َك ِّل ُ‬
‫ف اهللُ‬ ‫ـدر َع َلي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫َسـ َعة مـ ْن َسـ َعته‪َ  ‬و َم ْن ُق َ ْ‬
‫سا﴾‪( ‬الطالق‪.)7 :‬‬ ‫سر ُي ْ ً‬ ‫َن ْف ًسـا إِلَّ َمـا آت َ‬
‫َاهـا‪َ  ‬سـ َي ْج َع ُل اهللُ َب ْعـدَ ُع ْ ٍ‬

‫‪69‬‬
‫ـ وجـوب النفقـة على الزوجـة‪ :‬إن اإلسلام أوجـب النفقـة للزوجـة عىل‬
‫الـزوج حتـى لو كانـت مطلقة‪ ،‬فـإن النفقـة والسـكن واجبة عليـه طوال‬
‫مـدة العـدة‪ ،‬كام أنه يدفع هلـا ثمن إرضاعهـا البنه منها حـال طالقها‪ ،‬قال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُوه َّن ِمـ ْن َح ْي ُ‬ ‫ِ‬
‫ُـم َو َل ت َُض ُّار ُ‬
‫وه َّن‬ ‫ـث َسـ َكنْت ُْم مـ ْن ُو ْجدك ْ‬ ‫اهلل تعاىل‪َ ﴿ :‬أ ْسـكن ُ‬
‫ح ٍ ِ‬ ‫ول ِ‬
‫لِت َُض ِّي ُقـوا َع َل ْي ِهـنَّ‪َ  ‬وإِ ْن كُـ َّن ُأ َ‬
‫ـل َف َأنْف ُقـوا َع َل ْي ِهـ َّن َحت ٰ‬
‫َّـى َي َض ْعـ َن‬ ‫ت َْ‬
‫وف‪ ‬‬ ‫ح َلهـنَّ‪َ  ‬فـإِ ْن َأر َضعن َلكُـم َفآتُوهـن ُأجورهنَّ‪  ‬و ْأ َتِـروا بينَكُـم بِمعر ٍ‬
‫ُ َّ ُ َ ُ َ ُ َ ْ ْ َ ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫َْ ُ‬
‫تر ِض ُع َلـ ُه ُأ ْخ َـر ٰى﴾ (الطالق‪.)6 :‬‬ ‫ُـم َف َس ُ ْ‬
‫است ْ‬ ‫ِ‬
‫َوإ ْن َت َع َ ْ‬
‫ـ االعتنـاء بـاألوالد رعايـة وتربية‪ :‬لقـد أكـد اإلسلام حـق األوالد‬
‫الصغـار يف الرعايـة والرتبيـة‪ ،‬وجعـل ذلـك أهـم واجبـات األبويـن‪،‬‬
‫يكتـف بالدافـع الفطـري لقيـام األبويـن بواجبهما‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أي أن اإلسلام مل‬
‫بـل عزز ذلـك بقواعـد حمـددة تضمن للأوالد النشـوء يف صـورة ُمثىل‬
‫تكفـل هلـم حقوقهـم كاملـة‪ ،‬فمنـذ الـوالدة نـص القـرآن الكريـم عىل‬
‫ات ُي ْر ِض ْعـ َن َأ ْو َل َد ُهـ َّن‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬وا ْل َوالِـدَ ُ‬
‫َ‬ ‫اسـتكامل الرضاعـة‪ ،‬قـال اهلل‬
‫ِ‬ ‫َام َل ِ ِ‬‫حو َل ِ ِ‬
‫الر َضا َع َة﴾‪( ‬البقـرة‪ ،)233 :‬كما‬ ‫ـم َّ‬ ‫ين‪َ  ‬لـ ْن َأ َرا َد َأ ْن ُيت َّ‬ ‫ين ك ْ‬‫َ ْ ْ‬
‫ِ‬
‫جعـل الرتبيـة ح ًّقـا للولـد على وليـه‪ ..‬قـال اهلل تعاىل‪َ ﴿ :‬يـا َأيُّ َـا ا َّلذي َن‬
‫ـار ُة َع َل ْي َهـا‬ ‫آمنُـوا ُقـوا َأ ْن ُفسـكُم و َأه ِليكُـم نَـارا و ُقودهـا النَّـاس و ِْ‬
‫ال َج َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ ً َ َُ‬ ‫َ ْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون﴾‬ ‫ون َمـا ُي ْؤ َم ُر َ‬ ‫ـون اهللَ َما َأ َم َر ُه ْ‬
‫ـم َو َي ْف َع ُل َ‬ ‫َم َلئكَـ ٌة غ َل ٌظ شـدَ ا ٌد َل َي ْع ُص َ‬
‫(التحريـم‪.)6 :‬‬
‫‪ 3 .4‬عناية اإلسالم باملجتمع‬
‫يضـم املجتمـع جمموعـة مـن األفـراد واألرس‪ ،‬وجتتمـع فيـه املصالـح‬
‫ّ‬
‫املشتركة التـي ال يمكـن أن يسـتقل هبـا األفـراد واألرس‪ ،‬وإنما يتعـاون‬
‫اجلميـع لتحقيقهـا وتوفريهـا‪ .‬وبالتخصـص والتنـوع حيصـل االكتفـاء‬

‫‪70‬‬
‫الـذايت للمجتمـع‪ ،‬وتتوثـق الروابـط بين أفـراده‪ ،‬وأرسه‪ ،‬وجمموعاتـه‪..‬‬
‫وهكـذا يصبـح وحـدة متكاملـة كاجلسـد الواحـد‪ ،‬مـن خالل تطبيـق عدد‬
‫مـن املبـادئ‪ ،‬وهـذا مـا تسـعى التنميـة املسـتدامة إىل حتقيقـه‪ ،‬وفيما يلي‬
‫اسـتعراضها‪:‬‬
‫ـ حتقيـق العـدل واملسـاواة‪ :‬إن مـن أعظـم أركان صلاح املجتمـع‪ ،‬إقامـة‬
‫العـدل بين أفـراده ومجاعاتـه‪ ،‬وحتقيـق املسـاواة بينهـم؛ حيـث إن إقامـة‬
‫العـدل ال تقتصر على األحـكام القضائيـة‪ ،‬بل تشـمل توزيع املكاسـب‪،‬‬
‫وتوليـة املناصـب‪ ،‬ووضـع الرجـل املناسـب يف املـكان املناسـب؛ إذ إن‬
‫حتقيـق العـدل واملسـاواة يف تثبيـت األمـن واالسـتقرار والقضـاء على‬
‫اجلريمـة؛ يـؤدي إىل حصـول الرضـا والثقـة من جهـة‪ ،‬واحلزم مـن جهة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫حض اإلسلام على الرتابط‪ ،‬والتكافل‪ ،‬والتعاون‬ ‫ـ التكافل وحماربة الفقر‪َّ :‬‬
‫بين األفـراد واجلامعـات فيما يتصـل بالرتاحـم‪ ،‬والتآخـي‪ ،‬واملواسـاة‪.‬‬
‫وقـد حرص اإلسلام على حماربـة الفقـر‪ ،‬وهنا يظهـر الـدور االجتامعي‬
‫لفريضـة الـزكاة‪ ،‬والكفـارات‪ ،‬ونظـام الوقـف‪ ،‬واخلـراج‪ ،‬يف حتقيق مبدأ‬
‫التكافـل‪ ،‬والوصـول بـه إىل أرقـى مسـتوى مـن الغنـى واالكتفـاء داخل‬
‫املجتمـع‪ ،‬الـذي يفيض إىل االسـتقرار املطلـوب واألمـن االجتامعي‪ ،‬وقد‬
‫قـال اإلمـام علي ريض اهلل عنـه‪« :‬إن اهلل فـرض على األغنيـاء يف أمواهلم‬
‫بقـدر مـا يكفـي فقراءهم‪ ،‬فـإن جاعـوا‪ ،‬أو عـروا‪ ،‬أو أجهـدوا‪ ،‬حق عىل‬
‫اهلل ـ تعـاىل ـ أن حياسـبهم يـوم القيامـة ويعذهبم»‪(.‬ابن حـزم‪،)6/158 :‬‬
‫(بوسـاق‪1423 ،‬هـ‪.)127 ،‬‬

‫‪71‬‬
‫‪ .5‬اخلالصة‬
‫تبين لنـا‪ ،‬من خلال هـذا البحـث‪ ،‬أن التنمية املسـتدامة مـن املنظور‬ ‫ّ‬
‫اإلسلامي منهـج ربـاين‪ ،‬متكامـل‪ ،‬شـمويل‪ ،‬جيعـل اإلنسـان أمينًـا على‬
‫البيئـة‪ ،‬حمسـنًا إليهـا‪ ،‬رفي ًقـا هبا وبعنارصهـا‪ ،‬يأخـذ منها بقـدر حاجته‪ ،‬من‬
‫دون إرساف‪ ،‬وبلا إفـراط وال تفريـط‪ ،‬وأن اإلنسـان خليفـة اهلل يف أرضه‪،‬‬
‫وهـو مؤمتَـن عىل مـا اسـتخلفه اهلل عليـه بالعمارة‪ ،‬واإلصلاح‪ ،‬والرعاية‪،‬‬
‫والصيانـة‪ .‬وهـذه العمارة‪ ،‬واخلالفـة واألمانـة ليسـت بالشيء اليسير‬
‫ات‬ ‫واهلين؛ لـذا قال احلق تبـارك وتعاىل‪﴿ :‬إِنَّـا َعر ْضنَـا ْالَما َن َة َع َل السَّماو ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ـان‪  ‬إِ َّن ُه‬ ‫ي ِم ْلن ََهـا َو َأ ْشـ َف ْق َن من َْهـا َو َ َ‬
‫ح َل َهـا ْ ِ‬
‫الن َْس ُ‬ ‫ِ‬ ‫ال َب ِ‬
‫ـال َف َأ َب ْ َ‬
‫ين َأ ْن َ ْ‬ ‫ض َو ِْ‬
‫َو ْالَ ْر ِ‬
‫ـول﴾ (األحـزاب‪.)٧٢ :‬‬ ‫َان َظ ُلو ًمـا َج ُه ً‬
‫ك َ‬
‫كما أن حتقيـق التنميـة املسـتدامة يف املجتمعـات اإلسلامية يتط ّلـب‬
‫إحـداث تغييرات جوهريـة يف األنظمـة االقتصاديـة واالجتامعيـة وفـق ما‬
‫ورد يف الكتـاب والسـنة؛ لكـي يكفـل للجميع حقـه يف العيـش‪ ،‬والكرامة‪،‬‬
‫واحلريـة‪ ،‬والعدالـة‪ ،‬والنظافـة‪ ،‬ويضمـن حقـوق األجيـال القادمـة‪.‬‬
‫ويسـتعرض اجلـدول رقـم (‪ )1‬أهـم الفـروق بين الفكريـن اإلسلامي‬
‫والغـريب يف التنميـة املسـتدامة‪:‬‬

‫‪72‬‬
‫اجلدول رقم (‪)1‬‬
‫الفروق بني الفكرين اإلسالمي والغريب يف التنمية املستدامة‬
‫املنظور اإلسالمي‬ ‫املنظور الوضعي‬ ‫عنرص املقارنة‬
‫الدراسات‪ ،‬والبحوث‪ ،‬واالجتامعات‬
‫الكتاب والسنة‬ ‫املصدر‬
‫الدولية‬
‫من بزوغ فجر اإلسالم‬ ‫منذ أربعة عقود‬ ‫البداية‬
‫وقائي ملعرفة اهلل بمصالح‬
‫عالج اآلثار السلبية املصاحبة للتقدم‬
‫املخلوقات يف احلارض‬ ‫اهلدف‬
‫الصناعي والتكنولوجي‬
‫واملستقبل‬
‫هيتم باجلانبني األخالقي‬
‫يقترص عىل األبعاد (البيئية ـ‬
‫والعقائدي‪ ،‬إضافة إىل‬ ‫الشمولية‬
‫االقتصادية ـ االجتامعية)‬
‫املحاور الرئيسة للتنمية‬
‫هيتم بجميع الدول‬ ‫هيتم بالدول املتقدمة ورؤوس‬
‫األمهية‬
‫واملخلوقات‬ ‫األموال‬
‫يركّز عىل اجلانبني الزمني‬
‫يركّز عىل اجلانب الزمني‬ ‫املفهوم‬
‫واملكاين‬
‫توفق بني مصلحة الفرد‬ ‫منها ما يراعي مصلحة الفرد‪ ،‬ومنها‬
‫املصلحة‬
‫واجلامعة‬ ‫ما يراعي مصلحة اجلامعة‬
‫من إعداد الباحث‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪73‬‬
‫املراجـــع‪:‬‬
‫البخـاري‪ ،‬أبـو عبد اهلل‪ :‬حممد بن إسماعيل (‪1419‬هــ ‪1999‬م)‪ .‬صحيح‬
‫البخــاري‪ ،‬ط ‪ ،2‬الرياض‪ :‬دار السلام للنرش والتوزيع‪.‬‬
‫بوسـاق‪ ،‬حممد بـن املـدين‪2002( .‬م)‪ .‬اجتاهات السياسـة اجلنائية املعارصة‬
‫والرشيعـة اإلسلامية‪ ،‬الريـاض‪ :‬مركـز الدراسـات والبحـوث‪،‬‬
‫جامعـة نايـف العربيـة للعلـوم األمنية‪.‬‬
‫الرتمـذي‪ ،‬أبو عيسـى‪ :‬حممد بـن عيسـى (د‪ .‬ت)‪ .‬اجلامع الصحيح ُ‬
‫«ســنن‬
‫الرتمـذي»‪ .‬حتقيـق‪ :‬أمحد حممد شـاكر وآخرون‪ .‬بيروت‪ :‬دار إحياء‬
‫التراث العريب‪.‬‬
‫ُ‬
‫اجلريـوي‪ ،‬عبدالرمحـن بـن عبدالعزيـز (‪2012‬م)‪ .‬أثـر الوقـف يف التنميـة‬
‫املسـتدامة‪ ،‬بحث مقـدَّ م مللتقى مقومـات حتقيق التنمية املسـتدامة يف‬
‫االقتصـاد اإلسلامي املنعقـد بجامعة قاملـة‪ ،‬اجلزائر‪.‬‬
‫احلصين‪ ،‬صالـح بـن عبدالرمحـن (‪2012‬م)‪ .‬االسـتدامة البيئيـة‪http:// .‬‬
‫‪.rowaq.org/?p=345‬‬
‫دراجـي‪ ،‬السـعيد (‪2012‬م)‪ .‬التنميـة املسـتدامة مـن منظـور االقتصـاد‬
‫اإلسلامي‪ ،‬امللتقـى العلمـي الـدويل حـول سـلوك املؤسسـة‬
‫االقتصاديـةيفظـلرهانـاتالتنميـةاملسـتدامةوالعدالـةاالجتامعيـة‪.‬‬
‫السجسـتاين‪ ،‬سـليامن بـن األشـعث أبـو داود (د‪ .‬ت)‪ُ .‬سنــن أيب داود‪.‬‬
‫حتقيـق‪ :‬حممـد حميـي الديـن عبـد احلميـد‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الفكـر‪.‬‬
‫شـبع‪ ،‬حممـد جـواد (‪2010‬م)‪ .‬التنمية يف القـرآن الكريم‪ ،‬جملـة كلية الرتبية‬
‫للبنات‪ ،‬الكوفة‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫الصديـق‪ ،‬ابـن الشـيخ بوبكـر‪2012( .‬م)‪ .‬الـزكاة كأداة للمسـامهة يف‬
‫حتقيـق التنمية املسـتدامة‪ ..‬عـرض جتارب بعض الدول اإلسلامية‪.‬‬
‫امللتقـى الـدويل حول مقومات حتقيـق التنمية املسـتدامة يف االقتصاد‬
‫اإلسلامي‪ ،‬جامعـة قاملـة‪ ،‬اجلزائر‪.‬‬
‫‪http://www.islam‬‬ ‫الصعـدي‪ ،‬عادل‪ .‬املرجـع اإللكرتوين‪ :‬اإلسلام اليـوم‬
‫‪today.net/toislam/toislam.cfm?toislam=114&sub=3.‬‬
‫طبايبيـة‪ ،‬سـليمة؛ وكشـيتي‪ ،‬حسين (‪2013‬م)‪ .‬دور السياسـات النقديـة‬
‫اإلسلامية يف حتقيـق تنميـة مسـتدامة‪ ،‬بحـث مقـدم للمشـاركة يف‬
‫املؤمتـر الـدويل التاسـع لالقتصـاد والتمويـل اإلسلامي‪ ،‬أنقـرة‪.‬‬
‫حمـروس‪ ،‬خالـد‪ .‬جملـة الوعـي اإلسلامي‪ ،‬رقـم العـدد ‪ ،555‬سـبتمرب‬
‫‪2011‬م‪ ،‬وزارة األوقـاف والشـؤون اإلسلامية بالكويـت‪.‬‬
‫منظمـة اإليسيسـكو (‪2014‬م)‪ .‬التنميـة املسـتدامة مـن منظـور القيـم‬
‫اإلسلامية وخصوصيـات العـامل اإلسلامي على الرابـط‪www. :‬‬
‫‪Isesco.orgma/pup/Arabic.‬‬
‫النسـائي‪ ،‬أبـو عبـد الرمحن‪ :‬أمحد بـن شـعيب (‪1406‬هـ ‪1986‬م)‪ُ .‬ســنن‬
‫النــسائي (ا ُملجــتبى)‪ .‬حتقيـق‪ :‬عبد الفتـاح أبو غـدة‪ .‬ط ‪ .2‬حلب‪:‬‬
‫مكتـب املطبوعات اإلسلامية‪.‬‬
‫النيسـابوري‪ ،‬أبـو احلسين‪ :‬مسـلم بـن احلجـاج (‪1419‬هــ ‪1998‬م)‪.‬‬
‫صحيـح مســلم‪ ،‬الريـاض‪ :‬دار السلام للنشر والتوزيـع‪.‬‬
‫حييـاوي‪ ،‬نعمـة؛ عاقلي فضيلـة (‪2014‬م)‪ .‬التنميـة املسـتدامة واملسـؤولية‬
‫االجتامعيـة مـن املنظـور اإلسلامي‪ .‬كليـة العلـوم االقتصاديـة‬
‫والتجاريـة وعلـم التسـيري‪ .‬جامعـة احلـاج خلضر باتنـه‪ ،‬اجلزائـر‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫التنمية االجتامعية والبرشية املستدامة‬

‫نعيم بن عطا اهلل اجلهني‬


‫التنمية االجتامعية والبرشية املستدامة‬

‫املقدمة‬
‫إن احلديث عن تنمية االنسـان بشـكل مسـتدام جيعلنا نقـف ً‬
‫قليل أمام‬
‫كثير مـن املعطيـات واملراحـل التـي مـرت هبـا التنميـة يف حد ذاهتـا حيث‬
‫نظـرت هلـذا اإلنسـان عىل أنـه أداة النمـو وأحد عنـارص اإلنتـاج يف بدايات‬
‫القـرن العرشيـن ليصبح مـع هناية القـرن هو هـدف التنميـة وغايتها وليس‬
‫أداهتـا فقط‪.‬‬
‫وقضيـة التنميـة اليـوم مـن أهـم القضايـا التـي تـم تناوهلـا يف شـتى‬
‫حقـول املعرفـة‪ ،‬وهـذه النقلـة النوعيـة يف النظـرة لإلنسـان وتنميتـه مل ِ‬
‫تأت‬
‫بين عشـية وضحاها‪ ،‬بـل نتيجـة تطور الفكـر التنمـوي الـذي أصبح هيتم‬
‫بشـؤون اإلنسـان احلياتيـة وإدامتهـا‪.‬‬
‫ولذلـك اسـتمر هـذا الفكـر يف التطـور واالنطلاق وفـق معطيـات‬
‫عنصرا مـن نظـام كـوين كبير يؤثـر ويتأثـر به‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وحتديـات جديـدة ليكـون‬
‫وأصبـح الفكـر التنمـوي شـمول ًّيا يف نظرتـه وبعيـدً ا يف أهدافـه وغاياتـه‪.‬‬
‫يعكـس احلديـث عـن التنميـة االجتامعيـة والبرشيـة املسـتدامة بوصفـه‬
‫موضو ًعـا حيو ًّيـا ورضور ًّيا قصـة التطور وعمـق النظرة للفكر اإلنسـاين املعارص‬
‫واملتأثـر بالتنميـة املسـتدامة‪ ،‬وسـنتناول يف هـذا الفصـل املوضوعـات التاليـة‪:‬‬
‫ـ مفهوم التنمية االجتامعية املستدامة وأبعادها ومؤرشاهتا‪.‬‬
‫ـ التنمية البرشية املستدامة ومراحل تطورها‪.‬‬
‫ـ متطلبات حتقيق التنمية البرشية املستدامة وانعكاساهتا‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫ـ مؤرشات قياس التنمية البرشية املستدامة عىل املستوى الدويل‪.‬‬
‫ـ التنمية االجتامعية والبرشية وعالقتها بالفكر املستدام‪.‬‬
‫ـ اخلالصة‪.‬‬

‫‪ .1‬مفهوم التنمية االجتامعية املستدامة وأبعادها ومؤرشاهتا‬


‫عندمـا نتكلـم عن مفهـوم التنميـة االجتامعية املسـتدامة‪ ،‬فإننـا نتناول‬
‫مجيـع العمليـات واألنشـطة املوجهة‪ ،‬ليس لإلنسـان فقط بـل للمجتمعات‬
‫واألحيـاء‪ ،‬دون إخلال بحقـوق األجيـال القادمـة أو بالبيئـة والنظـام‬
‫الكـوين‪ .‬والتنميـة االجتامعية املسـتدامة نسـق أو عنرص من عنـارص التنمية‬
‫املسـتدامة بشـكل عـام‪ ،‬ومـن أهـم متغرياهتـا‪ :‬حقـوق اإلنسـان وحقـوق‬
‫العاملين واحلكم الرشـيد واملشـاركة الديمقراطية‪ .‬ومن أبعادها‪ :‬املسـاواة‬
‫والعـدل والتنـوع والسـلم االجتامعـي وأنماط العيـش والديمقراطيـة‪ .‬أما‬
‫أهـم مـؤرشات التنميـة االجتامعيـة بمفهومهـا املسـتدام‪ ،‬فهي‪:‬‬
‫املساواة االجتامعية‬
‫وهـي إحـدى القيم األساسـية التـي ترتكـز عليهـا التنمية املسـتدامة؛‬
‫حيـث ُيعترف بقضيـة البشر ونوعيـة حياهتـم بوصفهـا إحـدى القضايـا‬
‫الرئيسـة‪ .‬وتشـمل املسـاواة مـدى اإلنصـاف والشـمول اللذيـن تُـوزع هبام‬
‫وتنـح الفـرص وتُتخـذ القـرارات‪ ،‬وهـي تتضمـن توفير فـرص‬ ‫املـوارد ُ‬
‫متامثلـة للعاملـة واخلدمـات االجتامعية‪ ،‬بام فيهـا خدمات التعليـم والصحة‬
‫والقضـاء‪ ،‬ويمكـن هلـذا املفهـوم أن يكـون متطاب ًقـا داخـل املنظمات‬
‫واملجتمعـات والـدول التـي تعمـل فيهـا‪.‬‬
‫وقـد عالج جـدول أعامل القـرن احلـادي والعرشين موضوع املسـاواة‬

‫‪80‬‬
‫االجتامعيـة يف الفصـول اخلاصة بالفقـر وأنامط اإلنتاج واالسـتهالك واملرأة‬
‫واألطفـال والشـباب والسـكان األصليين‪ ،‬وكذلـك املجتمعـات املحلية‪.‬‬
‫وعلى الرغـم من التـزام معظـم دول العـامل باتفاقـات ومعاهـدات تتضمن‬
‫مبـادئ العدالـة واملسـاواة االجتامعيـة‪ ،‬فـإن غالبيـة هـذه الـدول مل حتقـق‬
‫نجاحـا يف مواجهـة سـوء توزيـع املـوارد ومكافحـة الفقـر يف جمتمعاهتـا‪،‬‬ ‫ً‬
‫وتظـل املسـاواة االجتامعيـة من أكثـر قضايـا التنميـة صعوبـة يف التحقق‪.‬‬
‫وتغطـي املـؤرشات التـي تقيـس املسـاواة االجتامعيـة مسـائل الفقـر‪،‬‬
‫وتفـاوت الدخـول‪ ،‬والبطالـة‪ ،‬واملسـاواة بني اجلنسين‪ ،‬وهي متثل املسـائل‬
‫ذات األولويـة بالنسـبة للـدول وللمجتمـع الـدويل‪ ،‬وتشـكل املـؤرشات‬
‫اختبـارا واف ًيـا ومسـتعملة على نطـاق واسـع ومرتبطـة‬ ‫ً‬ ‫مقاييـس خمتبرة‬
‫بأهـداف ومقاصد مقـررة‪ ،‬واهلدف املتمثل يف خفض نسـبة الذين يعيشـون‬
‫يف فقـر مدقـع يف الـدول النامية بمقـدار النصـف بحلول عـام ‪2015‬م‪ ،‬تم‬
‫قبولـه يف مؤمتـر القمـة العاملـي للتنميـة االجتامعية‪ ،‬وقـد دعا املؤمتـر الرابع‬
‫للمـرأة اىل القضـاء على املامرسـات التمييزيـة يف جمـال العاملـة‪ .‬أمـا اهلدف‬
‫املتمثـل يف حتقيـق العدالـة الكاملـة لتمكين الرجال والنسـاء مـن احلصول‬
‫على وسـائل مأمونـة ومسـتدامة الكتسـاب الـرزق‪ ،‬فقـد اعتمـد يف مؤمتـر‬
‫القمـة العاملـي للتنمية االجتامعية‪ ،‬بينما توجد لدى كثري مـن الدول أهداف‬
‫وطنيـة أكثر حتديـدً ا فيما يرتبـط بالبطالة‪.‬‬
‫الصحة العامة‬
‫ترتبـط التنميـة املسـتدامة ارتبا ًطـا وثي ًقـا بالصحـة؛ فاإلمـداد بامليـاه‬
‫املأمونـة والصرف الصحي‪ ،‬والتغذية السـليمة املأمونة والظروف املعيشـية‬
‫اخلاليـة مـن التلـوث‪ ،‬ومكافحـة األمـراض‪ ،‬وتوفير اخلدمـات الصحية‪..‬‬
‫مجيعهـا عوامـل تُسـهم يف كفالـة الصحة للسـكان‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫على العكـس من ذلـك‪ ،‬فـإن الفقـر ونقـص املعلومـات واالفتقار إىل‬
‫التعليـم والكـوارث الطبيعيـة واالنتشـار الرسيـع لالسـتيطان احلضري‪..‬‬
‫مجيعهـا مـن العوامـل التي يمكـن أن تـؤدي إىل تفاقم املشـكالت الصحية‪.‬‬
‫إن بين التنميـة االجتامعيـة املسـتدامة ومسـتوى الرعايـة الصحيـة‬
‫عالقـة طرديـة متداخلة ال تنفصـل؛ فبينام الصحـة من أهـم القطاعات التي‬
‫تسـتهدفها التنميـة فإهنـا من جانب آخـر من أهـم ركائز التنميـة ودعائمها‪،‬‬
‫وهنـاك حقيقـة ملموسـة هـي أن مـن هـم أوفـر ح ًّظـا يف الصحـة والتعليم‬
‫يتمتعـون بالقـدرة على انتقـاء خيـارات أفضـل إلغنـاء حياهتم‪.‬‬
‫ومـن هنـا‪ ،‬فـإن السـعي إىل توفير الرعايـة الصحيـة وتوسـيع مظلتها‬
‫لتسـتوعب املجتمـع برشائحـه املختلفـة‪ ،‬يعد مـن املقاييس الفارقـة يف تقدُّ م‬
‫املجتمعـات‪ .‬وال يمكـن للتنميـة أن تتحقـق أو تسـتديم حين تكون نسـبة‬
‫كبيرة من السـكان مصابـة باعتالل يف الصحـة وال تتوافر هلـا بالقدر الكايف‬
‫مرافـق الرعايـة الصحية‪ .‬ويف حين أن النمو االقتصـادي والتنمية يمكن أن‬
‫يسـهام يف حتسين الصحـة وحتسين مرافـق الرعايـة الصحية يف أشـد الدول‬
‫فقـرا‪ ،‬فـإن هناك مـا يربر احلاجـة إىل إجراء مزيـد من التحسـينات يف بعض‬ ‫ً‬
‫الـدول مرتفعـة ومتوسـطة الدخـل‪ ،‬ونظافـة البيئـة عنصر مهـم لصحـة‬
‫املواطنين ورفاهيتهـم‪ ،‬كما أن النمـو االقتصـادي غير املسـتدام يمكـن أن‬
‫يتسـبب يف تدهـور البيئـة الـذي إذا اقترن بعدم سلامة االسـتهالك يمكن‬
‫تأثيرا سـلب ًّيا عىل صحة اإلنسـان‪.‬‬
‫ً‬ ‫أن يؤثـر‬
‫ويركـز جـدول أعمال القـرن احلـادي والعرشيـن يف حتقيـق صحـة‬
‫اإلنسـان وتعزيزهـا على املجـاالت التاليـة‪:‬‬
‫خصوصا يف األرياف‪.‬‬
‫ً‬ ‫ـ تلبية احتياجات الرعاية الصحية األولية‪،‬‬

‫‪82‬‬
‫ـ مكافحة األمراض السارية‪.‬‬
‫ـ تلبية االحتياجات الصحية للمناطق احلرضية‪.‬‬
‫ـ احلد من املخاطر الصحية النامجة عن التلوث البيئي واألخطار البيئية‪.‬‬
‫وتتمثـل املـؤرشات الرئيسـة للصحـة يف‪ :‬حالـة التغذيـة‪ ،‬والوفيـات‪،‬‬
‫واملرافـق الصحيـة‪ ،‬وميـاه الشرب‪ ،‬والرعايـة الصحيـة‪.‬‬
‫التعليم‬
‫ُيعـد التعليـم مطل ًبـا أساسـ ًّيا لتحقيـق التنميـة االجتامعيـة املسـتدامة‪،‬‬
‫وهـو داخـل يف جمـاالت جـدول أعمال القـرن احلـادي والعرشيـن‪ ،‬كام أن‬
‫مبـارشا بين مسـتوى التعليـم يف دولـة مـا ومـدى تقدمهـا‬ ‫ً‬ ‫هنـاك ارتبا ًطـا‬
‫االقتصـادي واالجتامعـي؛ حيـث إنـه عنصر مهـم يف تلبيـة االحتياجـات‬
‫البرشيـة الرئيسـة‪ ،‬وحتقيـق العدالـة وبنـاء القـدرات‪ ،‬وإتاحـة الوصول إىل‬
‫املعلومـات وتعزيـز العلـوم‪.‬‬
‫ويتمحـور موضوع التعليـم يف جدول أعامل القرن احلـادي والعرشين‬
‫حول ثالث مسـائل‪ ،‬هي‪:‬‬
‫ـ إعادة توجيه التعليم نحو التنمية املستدامة‪.‬‬
‫ـ زيادة الوعي العام‪.‬‬
‫ـ تشجيع التدريب‪.‬‬
‫وتشـمل األهـداف األساسـية يف معاجلـة التعليم مـا يلي‪ :‬العمل بجد‬
‫على توفير التعليـم األسـايس للجميـع‪ ،‬واحلد مـن األميـة لـدى البالغني‪،‬‬
‫ودمـج مفاهيـم التنميـة املسـتدامة يف مجيـع برامـج التعليـم حتقي ًقـا لتعليـ ٍم‬
‫متقاطـع التخصصـات‪ ،‬وتعزيـز الوعـي العـام عىل نطـاق واسـع‪ ،‬وتدعيم‬
‫التدريـب املهنـي والعميل‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫ولقـد دلـت جتربـة اإلنسـان التارخييـة‪ ،‬وتـدل دو ًمـا على أن املـوارد‬
‫البرشيـة حين تنمـو وتزدهر‪ ،‬يف وسـعها أن تتغلب على نقص املـوارد املادية‬
‫األخـرى الالزمـة لعمليـة اإلنتاج بفضل العلـم والتقنية بوجـه خاص‪ .‬وعىل‬
‫سـبيل املثـال‪ :‬ال تـكاد تنفـد طاقـة حتـى ُيل االبتـكار البشري حملهـا طاقة‬
‫جديـدة‪ .‬والواضح أن أفضل اسـتثامر هو االسـتثامر يف العقـل البرشي‪ .‬ومن‬
‫هنـا نظـر بعـض الباحثني إىل اهلـوة بين البلـدان املتقدمـة والبلـدان املتخلفة‬
‫على أهنـا هـوة يف تنظيم العقـل البشري وتوظيفـه التوظيـف األمثل‪.‬‬
‫اإلسكان‬
‫يعتبر املأوى الالئق من الركائز الرئيسـة للتنمية االجتامعية املسـتدامة؛‬
‫كبيرا يف جعـل املناطـق السـكانية‬
‫ً‬ ‫فتوافـر املـأوى املناسـب يسـهم إسـها ًما‬
‫خصوصـا يف‬
‫ً‬ ‫وإنتاجـا وصحـة‪ .‬واألحـوال املعيشـية‪،‬‬
‫ً‬ ‫أكثـر أمنًـا وعدالـة‬
‫املـدن‪ ،‬تتأثر بزيـادة الكثافة السـكانية‪ ،‬ونقـص التخطيط واملـوارد البرشية‪،‬‬
‫وتتفاقـم هـذه احلالـة بفعـل النزوح مـن األريـاف اىل املدن عىل نحو يسـهم‬
‫يف انتشـار األحيـاء الفقيرة واملناطق غير النظامية‪.‬‬
‫ويشـكِّل احلـق يف املسـكن الالئـق جـز ًءا من اإلعلان العاملـي حلقوق‬
‫اإلنسـان‪ ،‬والعهـد الـدويل اخلـاص باحلقـوق االقتصاديـة واالجتامعيـة‬
‫والثقافيـة‪ ،‬واالتفاقيـة الدولية للقضاء عىل أشـكال التمييـز العنرصي كافة‪،‬‬
‫أيضـا أحـد موضوعـات الرتكيـز الرئيسـة لإلستراتيجية العاملية‬‫وقـد كان ً‬
‫لتوفير املـأوى حتـى عـام ‪2000‬م‪ ،‬والفصـل املتعلـق باملناطـق السـكانية‬
‫البرشيـة مـن جـدول أعمال القـرن احلـادي والعرشين‪.‬‬
‫وتسـتعمل جمموعـة املـؤرشات األساسـية التـي وضعتها جلنـة التنمية‬
‫املسـتدامة هبـدف تقييـم األحـوال السـكانية كمقيـاس املسـاحة األرضيـة‬

‫‪84‬‬
‫املحرز فيما يتعلق‬
‫للشـخص الواحـد‪ ،‬وهـو مقياس رئيـس لتقييـم التقـدم َ‬
‫بنوعيـة احليـاة‪ .‬والبيانـات الالزمة لدعم هـذا املؤرش عىل الصعيـد ال ُقطري‬
‫تعتبر مهمـة وينبغـي توفريها‪.‬‬
‫األمن االجتامعي‬
‫مـؤرشا للتنميـة االجتامعيـة املسـتدامة‪،‬‬
‫ً‬ ‫يعتبر األمـن االجتامعـي‬
‫ويعنـي محايـة الناس مـن اجلرائـم وحتقيـق العدالـة والديمقراطية والسـلم‬
‫األهلي‪ ..‬وهـي مجيعهـا تعتمـد على وجـود نظـام متطـور وعـادل لألمـن‬
‫بمفهومـه الشـامل‪ .‬ومتـارس اإلدارة األمنية محايـة املواطنني من آثـار القلق‬
‫االجتامعـي‪ ،‬واحلد من اإلسـاءة إىل األفراد‪ ،‬والتعدي عىل حقوق اإلنسـان‪.‬‬
‫ويمثـل األمـن بعـدً ا جديـدً ا ملـؤرشات التنميـة املسـتدامة‪ .‬ومـن املسـائل‬
‫املرتكـزة لألمـن‪ ،‬التـي اهتـم هبا جـدول أعمال القـرن احلـادي والعرشين‪:‬‬
‫العنـف واجلرائـم ضـد األطفال والنسـاء‪ ،‬وجرائـم املخـدرات‪ ،‬وغريها مما‬
‫يقـع ضمـن بنـود األمن االجتامعـي‪ ،‬ويمثـل مؤرش عـدد اجلرائم املسـجلة‬
‫لـكل ‪ 10.000‬نسـمة املـؤرش األكثـر شـيو ًعا يف االسـتعامل‪.‬‬
‫السكان‬
‫مهم بشـأن التنمية االجتامعية املسـتدامة‬
‫يمثل موضوع السـكان مرج ًعا ًّ‬
‫بالنسـبة لصنـاع القـرار عنـد نظرهـم إىل عالقـة الرتابـط بين البشر والبيئة‬
‫واملـوارد والتنميـة‪ .‬و هنـاك عالقـة عكسـية واضحـة بين النمـو السـكاين‬
‫والتنميـة املسـتدامة‪ .‬فكلما ارتفع معدل النمو السـكاين يف بلد مـا‪ ،‬أو منطقة‬
‫جغرافيـة معينـة‪ ،‬ارتفعت نسـبة اسـتهالك املـوارد الطبيعية‪ ،‬وتقلـص النمو‬
‫االقتصـادي املسـتدام‪ ،‬ممـا يفاقم املشـكالت البيئية‪ ،‬وهو مـا يقلل من فرص‬
‫حتقيـق التنميـة املسـتدامة بوجه عـام والتنميـة االجتامعية بشـكل خاص‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫وتتمثـل املـؤرشات اخلاصـة بموضـوع التغري السـكاين بمـؤرش معدل‬
‫النمـو السـكاين ومؤرش سـكان املناطق النظاميـة وغري النظاميـة‪ ،‬الذي يعد‬
‫مهم مـن منظور السياسـات (اهليتـي‪2011 ،‬م)‪.‬‬ ‫مقياسـا ًّ‬
‫ً‬
‫‪ .2‬التنمية البرشية املستدامة ومراحل تطورها‬
‫ارتبطـت تنميـة اإلنسـان بتوسـيع القـدرات البرشيـة ألقصى حـد‬
‫وتوظيفهـا يف مجيـع املياديـن بوجـود نمـو اقتصـادي مصاحـب هلـا‪ .‬ومنـذ‬
‫الثـورة الصناعية تطور الفكـر االقتصادي وتطورت نظرتـه للتنمية البرشية‪،‬‬
‫ويف القـرن املايض بـرزت أمهية العنرص البشري يف الفكر التنمـوي‪ .‬ونوجز‬
‫أدنـاه التطـور التارخيـي ملفهـوم التنميـة البرشيـة خلال القـرن العرشين‪.‬‬
‫اجلدول رقم(‪)2‬‬
‫اهتاممات التنمية البرشية وف ًقا ملراحل تطورها‬
‫النظرة إىل التنمية البرشية‬ ‫املرحلة الزمنية‬ ‫م‬
‫ما قبل احلرب العاملية اقتصادية الطابع تركز عىل العمل واإلنتاج وتعترب‬
‫‪1‬‬
‫عنرصا من عنارص اإلنتاج‬
‫ً‬ ‫اإلنسان‬ ‫األوىل‬
‫بداية أخذ االعتبار للبعد اإلنساين يف عمليات‬ ‫بني احلربني العامليتني‬
‫‪2‬‬
‫التنمية‬ ‫وما بعدمها‬
‫العنرص اإلنساين أساس لتحقيق التنمية يف اجلوانب التالية‪:‬‬
‫ـ االستخدام األفضل للقوى العاملة‬
‫ـ حتسني نوعية القوى العاملة بواسطة التدريب‬ ‫يف الستينيات من‬
‫‪3‬‬
‫والتعليم املهني‬ ‫القرن املنرصم‬
‫ـ حتفيز الدعم الشعبي جلهود التنمية من خالل إرشاك‬
‫مجيع فئات املجتمع‬

‫‪86‬‬
‫الفكر التنموي يركز عىل قضيتني‪ ،‬األوىل‪ :‬العدالة‬
‫وتوزيع الدخل وظاهرة الفقر‪ ،‬والثانية‪ :‬توفري‬
‫االحتياجات األساسية ألفراد املجتمع وفق مبادرة‬
‫منظمة العمل الدولية وطرح منهج احلاجات‬ ‫يف السبعينيات‬ ‫‪4‬‬
‫األساسية‪ ،‬وهو‪ :‬أنه عىل احلكومات تقديم‬
‫اخلدمات األساسية كالصحة والتعليم والبنية‬
‫التحتية‪ ،‬وتم الدعم من البنك الدويل‬
‫صار النمو االقتصادي هيتم بام يسمى «التكيف‬
‫يف بداية الثامنينيات اهليكيل» من خالل اخلصخصة‪ ،‬دون مراعاة للفئات‬ ‫‪5‬‬
‫االجتامعية‪ ،‬فرتاجع املسار اإلجيايب اإلنساين‬
‫ظهرت إخفاقات برامج التكيف اهليكيل‬
‫(اخلصخصة) املطبقة من قبل صندوق النقد الدويل‬
‫وإمهاهلا اجلانب اإلنساين يف التنمية‪ ،‬ويف عام‬
‫مع هناية الثامنينيات‬ ‫‪6‬‬
‫‪1988‬م اهتمت األمم املتحدة ـ ممثلة يف برناجمها‬
‫اإلنامئي ـ بإصدار تقارير دورية حول واقع التنمية‬
‫البرشية يف أنحاء العامل‬
‫صدر أول تقرير للتنمية البرشية‪ ،‬وهو عبارة عن‬
‫دراسة مستقلة قام هبا عامل االقتصاد الباكستاين‬
‫حمبوب احلق بعنوان «مؤرش التنمية اإلنسانية»‪،‬‬
‫وكانت الدراسة بدعم من برنامج األمم املتحدة‬
‫يف عام ‪1990‬م‬ ‫‪7‬‬
‫لتعمم الفكرة بعد ذلك عىل مكاتب‬ ‫اإلنامئي َّ‬
‫الربنامج حول العامل؛ حيث نرشت أربع دول يف عام‬
‫‪1992‬م تقارير للتنمية البرشية‪ ،‬ثم يف عام ‪1994‬م‬
‫ثامين دول وبحلول عام ‪2000‬م ‪ 138‬دولة‬
‫اجلدول من إعداد الباحث‪.‬‬
‫ووف ًقـا لربنامـج األمـم املتحدة اإلنامئي لعـام ‪1990‬م‪ ،‬عرفـت التنمية‬

‫‪87‬‬
‫البرشيـة بأهنـا‪ :‬عمليـة توسـيع خيـارات البشر وهـذه اخليـارات يمكن أن‬
‫تكـون مطلقـة ويمكـن أن تتغري بمـرور الوقت‪ ،‬لكـن اخليارات األساسـية‬
‫الثالثـة على مجيـع مسـتويات التنميـة البرشية هـي‪ :‬أن يعيش األفـراد حياة‬
‫مديـدة وصحيـة وأن يكتسـبوا معرفـة و حيصلـوا على املـوارد الالزمـة‬
‫ملسـتوى معيشـة الئق‪ .‬وهـذا املفهوم يشير إىل رفـع كفاية العنصر البرشي‬
‫باسـتخدام كثير من الوسـائل التـي تتضمـن التعليـم والتدريـب والرعاية‬
‫الصحيـة‪ ،‬وذلك هبدف إكسـابه املعارف واملهـارات والقـدرات التي جتعله‬
‫قـادرا على أداء الـدور املنـوط بـه يف التنميـة االقتصاديـة واالجتامعيـة يف‬
‫ً‬
‫املجتمـع‪ .‬وبذلك يعتمد مفهـوم التنمية البرشية عىل ُبعدين أساسين‪ ،‬أوهلام‬
‫يتمثـل يف كـون التنميـة البرشيـة هتتـم بمسـتوى النمـو اإلنسـاين يف خمتلف‬
‫مراحـل احليـاة‪ ،‬من حيث نمـو قدرات اإلنسـان وطاقاتـه البدنيـة والعقلية‬
‫والنفسـية واالجتامعيـة واملهاريـة والروحيـة وغريهـا‪ ،‬وثانيهما يتمثـل يف‬
‫كـون التنمية البرشيـة عملية تتصل باسـتثامر املوارد واملدخالت واألنشـطة‬
‫االقتصاديـة التـي تولـد الثـروة واإلنتـاج اللازم لتنميـة تلـك القـدرات‬
‫البرشيـة‪ ،‬وأصبحـت التنميـة البرشية أحـد عنـارص التنمية املسـتدامة‪.‬‬
‫ويتضـح مـن املفهـوم السـابق للتنميـة أهنـا ال تقتصر عىل جمـرد زيادة‬
‫خيـارا واحدً ا حيرص األفـراد عىل توافره وإن‬
‫ً‬ ‫الدخـل؛ فالدخـل ال ُيعترب إال‬
‫كان الدخـل ربما يكـون نسـب ًّيا أكثـر أمهيـة من اخليـارات األخـرى‪ .‬وهذه‬
‫التنميـة تشـتمل على جمموعـة من اخليـارات من أمههـا ما يلي (عبداخلالق‪،‬‬
‫‪2014‬م‪ ،‬ص‪:)23‬‬
‫أ ـ مسـتوى معيشي الئـق يمكـن حتقيقـه من خلال زيادة متوسـط نصيب‬
‫الفرد مـن الدخل‪.‬‬
‫ب ـ مستوى تعليمي الئق‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫ج ـ مستوى الئق من الرعاية الصحية والتغذية‪.‬‬
‫د ـ توافـر فـرص العمـل الكريمـة التـي تتضمـن حتقيق مسـتوى مالئم من‬
‫الدخل‪.‬‬
‫هـ ـ العيش يف بيئة نظيفة خالية من التلوث‪.‬‬
‫و ـ إتاحـة الفرصـة لألفـراد كافـة للمشـاركة يف القـرارات التـي يتخذهـا‬
‫املجتمـع‪.‬‬
‫ز ـ متتُّع األفراد باحلرية السياسية واالجتامعية‪.‬‬
‫أيضا عبر الزمن‪،‬‬
‫وهـذه اخليـارات ال هنائيـة وغير حمـدودة‪ ،‬ومتغيرة ً‬
‫إال أن هنـاك خيـارات أساسـية وجوهريـة ال غنـى عنها وال تتغير‪ ،‬وتتمثل‬
‫هـذه اخليـارات يف ثالثة عنارص أساسـية‪ ،‬هـي‪ :‬الدخل‪ ،‬التعليـم‪ ،‬الصحة‪.‬‬

‫‪ .3‬متطلبات حتقيق التنمية البرشية املستدامة وانعكاساهتا‬


‫التنميـة البرشيـة مـن منظـور االسـتدامة متعدد األبعـاد ينبغـي ربطها‬
‫بأبعـاد التنمية الشـاملة وبعدهـا االقتصادي واالجتامعـي والعلمي والثقايف‬
‫واألمنـي‪ .‬وسـوف نتنـاول هذه األبعـاد بيشء مـن اإلجياز‪:‬‬
‫البعد االقتصادي‬
‫يتـم تنفيـذ برامـج التنميـة االقتصاديـة مـن خلال املـوارد البرشيـة‬
‫املؤهلـة واملدربـة بما حيقـق التقـدم للدولـة ويوفـر احتياجات سـكاهنا من‬
‫املؤهـل تعليم ًّيا وتدريب ًّيـا وصح ًّيا‬
‫السـلع واخلدمـات‪ ،‬إضافـة إىل أن الفـرد َّ‬
‫منتجـا حيقق قيمـة مضافة‬ ‫لديـه الفرصـة الكبرى للعمـل باعتبـاره مواطنًـا ً‬
‫أكبر‪ ،‬ممـا يسـهم بفاعليـة يف دفـع النشـاط االقتصادي‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫البعد االجتامعي‬
‫ينمـي التعليـم قـدرات الفـرد الذهنيـة والفكريـة ويكسـبه األنماط‬ ‫ّ‬
‫والقيـم السـلوكية املتوازنـة‪ ،‬ممـا جيعلـه أكثـر قـدرة على فهـم املشـكالت‬
‫االجتامعيـة وترسـيخ الروابـط األرسيـة وشـعور اإلنسـان بذاتـه‪ .‬وتسـهم‬
‫الرعايـة الصحيـة يف رفـع كفايـة الفـرد العمليـة واإلنتاجية وزيـادة فرصته‬
‫يف احلصـول على دخـل أعلى ومسـتوى معيشي الئـق‪.‬‬
‫البعد العلمي‬
‫يوفـر التعليم الكـوادر العلمية القادرة عىل البحـث واالبتكار واالخرتاع‬
‫والتطويـر‪ ،‬بام ُيسـهم يف إحـداث النقلـة احلضاريـة املختلفة وإحـداث التقدم‬
‫التقني يف شـتى جماالت احلياة والتحسين املسـتمر يف وسـائل املعيشة‪.‬‬
‫البعد الثقايف‬
‫ينعكـس تزايـد نسـبة املثقفني من القـوة البرشية يف دولة ما على التنمية‬
‫االقتصاديـة للمجتمـع وزيـادة معرفة الفرد ومتسـكه بام يتمتع بـه جمتمعه من‬
‫تـراث ثقـايف ولغـة وأدب‪ ،‬وازديـاد درجة الوعـي االجتامعـي واالقتصادي‬
‫لتحمل الـدور املنوط بـه يف حتقيق التنمية املسـتدامة‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫لديـه بام يؤهلـه‬

‫البعد األمني‬
‫حـارضا يف مجيـع جوانـب التنميـة بمفهومهـا الشـامل وليس‬
‫ً‬ ‫يعـد األمـن‬
‫الضيـق؛ إذ إن األمـن اإلنسـاين أسـاس الوصـول إىل مسـتويات عاليـة مـن‬
‫التنميـة‪ ،‬ويتفاعـل ويـزداد بوجودهـا‪ ،‬وبالتـايل العمـل على توثيـق الصلـة بني‬
‫أول‪ ،‬وذلـك‬‫األمـن والتنميـة بالتحـول مـن أمـن الدولـة اىل األمـن اإلنسـاين ً‬
‫يتحقـق من خالل حترر اإلنسـان وحتقق حاجاته األساسـية وربـط األمن البيئي‬

‫‪90‬‬
‫وأيضا توسـيع املشـاركة يف‬
‫باألمـن اإلنسـاين لدفع الضرر والتلوث والتهديد‪ً ،‬‬
‫القـرارات احلكوميـة يسـهم يف حتقيـق األمـن اإلنسـاين والتنمية املسـتدامة‪.‬‬
‫ومـن أهـم مصطلحاهتـا‪ :‬االحتياجـات اإلنسـانية‪ ،‬الـذي ظهـر عـام‬
‫‪1977‬م خلال مؤمتـر العاملة يف إطـار ختفيض الفقر بين العاملني واحلفاظ‬
‫على اهلويـة والكرامـة والغـذاء والصحـة واألمـن‪ ،‬واعتُبرت فيما بعدُ من‬
‫أهـم رشوط التنميـة االجتامعيـة املسـتدامة التـي حـددت االحتياجـات‬
‫األساسـية لدول العامل الثالـث وهـي (‪:)Manfred& Etaly, 1991, p18‬‬
‫‪ 1‬ـ اجلوهريـة‪ :‬التـي تعني اإلعاشـة الضامنـة للبقاء‪ ،‬والغـذاء الذي حيافظ‬
‫على القوام‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ احلاميـة‪ :‬وتعنـي احلاميـة الوقايـة والرعايـة للحفـاظ على اجلسـد وذمة‬
‫الفـرد وجتنيبـه اخلطـر والقتل‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ العاطفـة أو امليـل اإلجيـايب‪ :‬ويعني إظهـار االهتامم يف التعلـق الوجداين‬
‫مع النـاس واملنظامت‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ الفهـم‪ :‬ويعنـي التعـرف والتعمـق وسبر أغـوار العاملين ملعرفـة مـا‬
‫يمكـن أن ُيظهـروه ومـا يمكـن أن ُيفـوه‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ املشـاركة‪ :‬وتعنـي إرشاكهـم يف إبـداء الـرأي واملعـارف والعلـوم‬
‫ومقاسـمتهم يف الفـرص واملزايـا‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ اإلبـداع واالبتـكار‪ :‬ويعنـي البحـث عـن اجلديـد والتميز‪ ،‬سـواء أكان‬
‫فـر ًدا أم منظمة‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ الراحـة‪ :‬وتعنـي الراحـة اجلسـدية والذهنيـة والنفسـية والتهويـن على‬
‫البشر والتمتـع باألوقات‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ اهلوية‪ :‬وتعني االعرتاف بخصوصية الذات‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫‪ 9‬ـ احلريـة‪ :‬وتعنـي التحرر من اخلـوف يف القول أو العمـل والتمتع بكامل‬
‫احلقـوق التي تضمن له االسـتقاللية‪.‬‬

‫‪ .4‬مؤرشات قياس التنمية البرشية املستدامة عىل املستوى الدويل‬


‫ال يتضـح احلديـث عـن التنميـة البرشيـة ال يتضـح بعنـارصه كلهـا مـن‬
‫تكـون التنميـة‬
‫دون تنـاول مؤرشاتـه التـي حتـدد لنـا الصـورة األساسـية التـي ِّ‬
‫البرشيـة وحتـدد أبعادهـا‪ .‬وقـد تم تقسـيم مـؤرشات التنميـة املسـتدامة اىل أربع‬
‫جمموعـات‪ ،‬هـي‪ :‬املـؤرشات االجتامعية‪ ،‬البيئيـة‪ ،‬االقتصادية‪ ،‬املؤسسـية‪ ..‬وهو‬
‫مـؤرش ابتكرتـه هيئة األمم املتحدة يشير إىل مسـتوى رفاهية الشـعوب يف العامل‪.‬‬
‫تقريرا سـنو ًّيا منذ عـام ‪1990‬م يوضح ما يقـوم به برنامـج التطوير‬
‫وتصـدر لـه ً‬
‫لألمـم املتحـدة (‪ )UNDP‬بغرض تنمية الدول وحتسين أوضـاع املواطنني فيها‪.‬‬
‫وقـد ابتكـر هـذا املـؤرش عـامل االقتصـاد الباكسـتاين حمبـوب احلـق‪،‬‬
‫وسـاعده يف ذلـك عامل االقتصـاد اهلنـدي أماريتا صن‪ ،‬احلاصـل عىل جائزة‬
‫نوبـل يف االقتصـاد‪ ،‬والعـامل الربيطـاين ماغاند ديسـاي‪.‬‬
‫ونوجـز هنـا أهـم مـا جـاء يف تقريـر التنميـة البرشيـة املسـتدامة لعـام‬
‫مثـال على مـا يـرد يف التقاريـر الدوليـة مـن مـؤرشات‪:‬‬ ‫‪2012‬م ً‬
‫ـ يؤكـد التقريـر مبـادئ االسـتدامة بقولـه‪ :‬إن النمـو املطلوب ينبغـي أن يكون‬
‫وإقليم‪.‬‬
‫ً‬ ‫منص ًفـا وحيترم حدود قـدرة الكوكـب ويعمل الربنامـج يف ‪ 170‬بلـدً ا‬
‫ـ أجنـدة هـذا التقريـر وأركانـه األربعـة هـي‪ :‬الرتكيـز على احلـد مـن الفقر‪،‬‬
‫احلكـم الديمقراطـي‪ ،‬منع األزمـات‪ ،‬االنتعـاش والبيئـة والتنمية املسـتدامة‪.‬‬
‫ـ يشير التقرير اىل أن ‪ 1.4‬بليون شـخص يعيشـون دون كهرباء و‪ 3‬باليني‬
‫شخص يسـتخدمون احلطب والفحم إىل اآلن‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫ـ سـاعد الربنامـج يف اسـتثامر أكثـر مـن ‪ 4.7‬باليين دوالر أمريكي خالل‬
‫الوقـت املـايض يف مرشوعـات أوصلت الطاقـة املسـتدامة إىل ‪ 10‬ماليني‬
‫شـخص فقري يف مجيـع أنحـاء العامل‪.‬‬
‫ـ يقـوم برنامـج األمم املتحـدة بقيادة التوجـه الفكري يف سياسـات التنمية‬
‫املسـتدامة؛ حيـث أصـدر الربنامج يف عـام ‪2011‬م ً‬
‫دليل بعنـوان‪« :‬حتفيز‬
‫مفصل يبين اخلطوات‬ ‫برنامـج أنشـطة مكافحـة تغري املنـاخ»‪ ،‬وهو دليـل َّ‬
‫الالزمـة لتمكين احلكومـات من اجتـذاب االسـتثامرات يف جمـال الطاقة‬
‫النظيفـة عبر حتديـد وتنفيـذ مزيـج مـن السياسـات العامـة والتمويـل‬
‫احلكومـي والقـدرة عىل اجتـذاب التمويـل اخلاص‪.‬‬
‫ـ وأشـار التقريـر إىل أنه يف بدايـة عام ‪2011‬م‪ ،‬عرض األمين العام لألمم‬
‫املتحـدة خطـة متتـد مخس سـنوات من أجـل «بناء املسـتقبل الـذي نريد»‪،‬‬
‫وثمـة عـدد مـن‬‫وهـو مسـتقبل أكثـر أمنًـا وأمانًـا واسـتدامة وإنصا ًفـا‪َّ .‬‬
‫املقتضيـات احلاسـمة تقع يف صميـم هذه اخلطة‪ ،‬هـي‪ :‬التنمية املسـتدامة‪،‬‬
‫ومنـع وقـوع النزاعـات والتخفيـف مـن حدهتـا‪ ،‬ومنـع اإلسـاءة حلقوق‬
‫اإلنسـان‪ ،‬وتقليـص تأثري الكـوارث الطبيعيـة إىل احلد األدنـى‪ ،‬وبناء عامل‬
‫أكثـر أمنًـا ودعـم البلدان التي متـر بمراحـل انتقالية‪ ،‬والعمـل عىل إرشاك‬
‫مواهب الشـباب والنسـاء‪.‬‬
‫ـ كان ‪ 150‬بلـدً ا خلال الفترة بني ‪ 2010‬و‪2011‬م تعمـل مع برنامج األمم‬
‫اسـتثامرا يبلـغ ‪ 2.5‬بليـون‬
‫ً‬ ‫املتحـدة اإلنامئـي يف تنفيـذ ‪ 323‬مرشو ًعـا متثـل‬
‫دوالر أمريكـي ضمـن أولويات البيئـة والتنمية املسـتدامة لتلـك البلدان‪.‬‬
‫ـ كان تقريـر «نحـو هنـج معـزز للطاقـة ملصلحـة الفقـراء»‪ ،‬الـذي أصـدره‬
‫برنامـج األمـم املتحـدة اإلنامئي لعـام ‪2011‬م قد دعـا إىل إعـداد برنامج‬
‫للحصـول على الطاقـة بالتزامن مـع مبـادرات إنامئية أخرى‪ ،‬بما يف ذلك‬

‫‪93‬‬
‫التمويـل‪ ،‬والبنيـة التحتيـة للمواصلات‪ ،‬واالتصـاالت‪ ،‬واملـدارس‪،‬‬
‫واملرافـق الصحيـة‪ ..‬واسـتنتج التقريـر أن توفير أشـكال مـن الطاقـة‬
‫املتجـددة للنـاس يمكـن أن يسـاعد على انتشـاهلم مـن الفقر‪.‬‬
‫ـ أشـار التقرير إىل الصناديق االسـتثامرية املواضيعية لربنامج األمم املتحدة‬
‫اإلنامئـي‪ ،‬التي كان هدفهـا الرسعة واملرونة والفاعليـة يف تقديم اخلدمات‬
‫للمسـتفيدين وحريـة االختيـار للامنحني‪ ..‬وأهـم هذه الصناديـق‪ :‬املعني‬
‫بالفقـر‪ ،‬واملعنـي باحلكـم الديمقراطـي‪ ،‬واملهتـم بتحقيـق األهـداف‬
‫اإلنامئيـة األلفية ومنـع األزمات‪.‬‬
‫وإلعطـاء صـورة واضحة عن مسيرة التنميـة البرشيـة املسـتدامة‪ ،‬كان البد من‬
‫الوقـوف عىل ما تضمنته التقارير السـنوية الدولية ودورها يف تأصيل فكرة االسـتدامة‪.‬‬
‫واجلـدول أدنـاه تـم إعـداده بجهـد الباحـث مـن أجـل إبـراز أهـم ما‬
‫حققتـه التنميـة البرشيـة على املسـتوىني الـدويل واإلقليمـي‪.‬‬
‫اجلدول رقم (‪)3‬‬
‫منجزات التنمية البرشية املستدامة عىل املستوىني اإلقليمي والدويل‬
‫عالقته‬ ‫موضوعه‬ ‫م تاريخ‬
‫بمفهوم‬ ‫صدور‬
‫االستدامة‬ ‫التقرير‬

‫عرف التقرير التنمية البرشية باعتبارها تعنى بتكوين جهود لتحقيق‬


‫‪1990 1‬م َّ‬
‫التنمية‬ ‫القدرات البرشية واالنتفاع هبا‪ ،‬باإلضافة إىل طرح‬
‫مؤرشات عملية مركبة لقياس التنمية البرشية‪ ،‬وأكد أنه وتعميق‬
‫فكرها‬ ‫ال توجد عالقة تلقائية بني النمو االقتصادي والتقدم‬
‫البرشي؛ إذ إن التوزيع العادل هو األساس يف حتسني املستدام‪.‬‬
‫دليل التنمية البرشية‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫جهود لتحقيق‬ ‫‪1991 2‬م ركز التقرير عىل كيفية متويل التنمية البرشية ودعا إىل‬
‫التنمية‬ ‫خفض اإلنفاق العسكري واحلد من انخفاض كفاية‬
‫وتعميق‬ ‫القطاع العام واملرشوعات الومهية وهروب رؤوس‬
‫فكرها‬ ‫األموال للخارج‪ ،‬كام حث عىل استئصال الفساد‬
‫املستدام‪.‬‬ ‫اإلداري وإعادة هيكلة امليزانية الوطنية بحيث تعطي‬
‫جوانب التنمية البرشية األمهية الالزمة‪ ،‬وخلص التقرير‬
‫إىل أن السبب الرئيس يف تدهور التنمية البرشية يف‬
‫الدول النامية هو غياب االلتزام السيايس بقضايا التنمية‬
‫وليس ندرة املوارد‪.‬‬
‫ركز التقرير عىل األبعاد الدولية للتنمية البرشية جهود لتحقيق‬ ‫‪1992 3‬م‬
‫التنمية‬ ‫ورضورة فتح األسواق العاملية أمام منتجات دول‬
‫العامل‪ .‬وأشار إىل أن النظام احلايل لعمل األسواق حيقق وتعميق‬
‫فكرها‬ ‫مصالح الدول الغنية دون النامية‪.‬‬
‫املستدام‪.‬‬
‫تضمن التقرير تعريف التنمية البرشية بأهنا تنمية جهود لتحقيق‬
‫َّ‬ ‫‪1993 4‬م‬
‫اإلنسان من أجل اإلنسان وبواسطة اإلنسان من خالل التنمية‬
‫العودة إىل توفري التعليم والتدريب واخلدمات الصحية وتعميق‬
‫فكرها‬ ‫والرتكيز عىل النمو االقتصادي والتوزيع العادل‬
‫املستدام‪.‬‬ ‫واملشاركة الشعبية عىل األصعدة كافة‪ .‬وتطرق إىل‬
‫مفهوم األمن البرشي (أمن البرش وليس األرض فقط)‪.‬‬

‫‪1994 5‬م متحور التقرير حول األمن اإلنساين‪ :‬أمن البرش يف جهود لتحقيق‬
‫التنمية‬ ‫حياهتم وعملهم ودخلهم وصحتهم وبيئتهم‪ .‬وحث‬
‫التقرير عىل التحول من األمن املرتكز عىل التسلح إىل وتعميق‬
‫فكرها‬ ‫األمن املرتكز عىل التنمية البرشية‪.‬‬
‫املستدام‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫‪1995 6‬م أخذ التقرير توصيات املؤمتر العاملي الرابع للمرأة جهود لتحقيق‬
‫وركز عىل التباين بني أدوار اجلنسني يف العملية التنموية التنمية‬
‫كثريا مما جيب القيام به لتحقيق املساواة‪ .‬وتعميق‬
‫وأكد أن هناك ً‬
‫وأضاف مؤرشين مها‪ :‬التاميز يف اإلنجازات املحققة بني فكرها‬
‫اجلنسني‪ ،‬وإمكانية املشاركة الفعالة للرجل واملرأة يف املستدام‪.‬‬
‫االقتصاد والسياسة‪.‬‬
‫‪1996 7‬م َت َقدَّ م التقرير خطوة يف التحليل اهلادف إىل ربط النمو جهود لتحقيق‬
‫التنمية‬ ‫االقتصادي بالتنمية البرشية؛ حيث أكد أن النمو بمثابة‬
‫وتعميق‬ ‫وسيلة للوصول إىل التنمية البرشية‪ .‬وأوضح التقرير‬
‫فكرها‬ ‫تناقضا بني التنمية‬
‫طبيعة العالقة وقوهتا بينهام وأن هناك ً‬
‫البرشية ونصيب الفرد؛ فرتتيب الدول حسب دليل التنمية املستدام‪.‬‬
‫ال يامثل ترتيبها حسب الدخل‪ ،‬وأكد التقرير أن املؤرشات‬
‫تربز أخطاء الرضا عن النفس؛ فالتحدي أوسع وأعمق‬
‫ويتطلب اهتام ًما بعدة تدابري ذكرها التقرير‪.‬‬
‫جهود لتحقيق‬ ‫‪1997 8‬م تم الرتكيز عىل التنمية من أجل القضاء عىل الفقر‬
‫التنمية‬ ‫واعتباره حرمانًا من خيارات وفرص العيش واحلياة‬
‫وتعميق‬ ‫املقبولة وأن له جوانب كثرية يصعب قياسها أو مل ُت َق ْس‬
‫فكرها‬ ‫بعد وجيب تركيز اجلهود للقضاء عليه بتعزيز موارد‬
‫املستدام‪.‬‬ ‫الفقراء وتعزيز األسواق املنارصة هلم‪ ،‬والرقم القيايس‬
‫للفقر العاملي رصف االهتامم عن قضايا أخرى‪.‬‬
‫جهود لتحقيق‬ ‫‪1998 9‬م تم الرتكيز عىل االستهالك وأمهيته وأن أنامطه الشائعة‬
‫التنمية‬ ‫ختدم التنمية البرشية غدً ا‪ ،‬وأنه وسيلة رضورية وله‬
‫وتعميق‬ ‫أثر يف حتسني املعيشة ويسهم يف التنمية عندما يوسع‬
‫فكرها‬ ‫القدرات ويثري حياة البرش دون أن يؤثر عىل رفاه‬
‫املستدام‪.‬‬ ‫اآلخرين أو عندما يكون منص ًفا جتاه األجيال القادمة‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫‪1999 10‬م تناول الوجه اإلنساين للعوملة «انكامش املكان والزمان جهود لتحقيق‬
‫واختفاء احلدود» وسيطرة األسواق عىل التحول العاملي التنمية‬
‫تقاسم ً‬
‫عادل وتعميق‬ ‫ً‬ ‫الواسع دون أن جيري تقاسم فرص العوملة‬
‫بني الشعوب واألفراد‪ ،‬وأن ما تقدمه العوملة من فرص فكرها‬
‫للتقدم البرشي يف املجاالت كافة له خماطر عىل األمن املستدام‪.‬‬
‫اإلنساين‪ ،‬وهذه املخاطر ستصيب األفراد يف الدول‬
‫الغنية والفقرية‪ .‬وأهم هذه التهديدات‪ :‬عدم االستقرار‬
‫املايل‪ ،‬غياب األمان الوظيفي‪ ،‬عدم استقرار الدخل‪،‬‬
‫غياب األمان الصحي والثقايف والشخيص والبيئي‬
‫والسيايس واملجتمعي‪.‬‬
‫جهود لتحقيق‬ ‫‪2000 11‬م‬
‫التنمية‬ ‫حقوق اإلنسان باعتباره جز ًءا من عملية التنمية‪.‬‬
‫وتعميق‬
‫فكرها‬
‫املستدام‪.‬‬
‫‪2001 12‬م تناول التقرير دور تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت جهود لتحقيق‬
‫التنمية‬ ‫يف التنمية االقتصادية واالجتامعية وأمهية استثامرها يف‬
‫وتعميق‬ ‫دفع عجلة التقدم‪.‬‬
‫فكرها‬
‫املستدام‪.‬‬
‫‪2002 13‬م ركز التقرير عىل تعميق مفهوم الديمقراطية باعتباره جهود لتحقيق‬
‫التنمية‬ ‫النظام األقدر عىل منع نشوب الرصاعات واالستدامة‬
‫وتعميق‬ ‫والرفاه من خالل توسيع خيارات املجتمع حول‬
‫الطريقة التي ُيدار هبا البلد‪ ،‬وما تظهره الديمقراطية من فكرها‬
‫املستدام‪.‬‬ ‫مميزات يف املساءلة واملشاركة يف التنمية‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫‪2003 14‬م حدد التقرير أهداف التنمية لأللفية وغاياهتا بالنقاط التالية‪ :‬جهود لتحقيق‬
‫ـ استئصال الفقر واجلوع «إنقاص نسبة من يقل دخلهم التنمية‬
‫وتعميق‬ ‫عن دوالر واحد يف اليوم إىل النصف»‪.‬‬
‫فكرها‬ ‫ـ حتقيق التعليم االبتدائي الشامل‪.‬‬
‫املستدام‪.‬‬ ‫ـ احلض عىل املساواة بني اجلنسني ومتكني النساء‪.‬‬
‫ـ ختفيض نسبة وفيات األطفال دون سن اخلامسة‬
‫بمقدار الثلثني‪.‬‬
‫ـ ختفيض معدل وفيات النساء إبان احلمل والوضع‬
‫بنسبة ثالثة أرباع‪.‬‬
‫ـ مكافحة فريوس اإليدز واملالريا واألمراض األخرى‪.‬‬
‫ضامن االستدامة البيئية‪.‬‬
‫ـ تطوير رشاكة عاملية شاملة للتنمية‪.‬‬
‫‪2004 15‬م أكد التقرير رضورة السامح للناس بأن يعيشوا نوع جهود لتحقيق‬
‫التنمية‬ ‫احلياة التي يريدوهنا ومتكني مجيع فئات الناس‪ ،‬خاصة‬
‫وتعميق‬ ‫الفقراء واألقليات العرقية واملهاجرين‪ ،‬من املشاركة‬
‫فكرها‬ ‫بفاعلية يف احلياة السياسية والعامة يف بلداهنم‪.‬‬
‫املستدام‪.‬‬
‫جهود لتحقيق‬ ‫‪2005 16‬م ناقش التقرير ـ مع استمرار مشكلة الفقر واجلوع يف‬
‫التنمية‬ ‫الدول النامية (يعيش أكثر من مليار إنسان بأقل من‬
‫وتعميق‬ ‫دوالر واحد للفرد يوم ًّيا) بسبب عدم التزام الدول‬
‫فكرها‬ ‫املتقدمة بتقديم مساعداهتا للدول النامية ـ التعاون‬
‫املستدام‪.‬‬ ‫الدويل إلنجاز أهداف التنمية وتفعيل دور املنظامت‬
‫الدولية واإلقليمية والدول املانحة يف تقديم املعونات‬
‫وأمهية حترير التجارة العاملية‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫‪2006 17‬م تناول التقرير أهم التحديات التي تواجه التنمية‪ ،‬وهي‪ :‬جهود لتحقيق‬
‫التنمية‬ ‫الطاقة والفقر أزمة املياه‪.‬‬
‫وتعميق‬
‫فكرها‬
‫املستدام‪.‬‬
‫استشعار‬ ‫‪ /2007 18‬تناول التقرير القضايا البيئية ومحل عنوان‪« :‬حماربة‬
‫اخلطر وتبني‬ ‫تغري املناخ‪ ..‬التضامن البرشي يف عامل منقسم»‪،‬‬ ‫‪2008‬‬
‫وشمل تفاصيل حجم التهديدات التي تشكلها ظاهرة التنمية‬
‫االحتباس احلراري‪ .‬وأكد التقرير أن العامل يتجه اآلن املستدامة‬
‫خيارا‬
‫ً‬ ‫فقرا‬
‫نحو نقطة فاصلة يمكن أن تلقي بالدول األكثر ً‬
‫فقرا يف هاوية سحيقة‪ ،‬سيعاين نتيجة مصري ًّيا‪.‬‬ ‫ومواطنيها األكثر ً‬
‫هلا مئات املاليني من البرش سوء التغذية وندرة املياه‬
‫والتهديدات البيئية واخلسائر اهلائلة يف األرواح‪.‬‬

‫استشعار‬ ‫‪2009 19‬م تناول التقرير قضية اهلجرة داخل البالد وبني البالد‬
‫اخلطر وتبني‬ ‫وبعضها البعض وأسباهبا ونتائجها ومنافعها‪ ،‬وكيف‬
‫التنمية‬ ‫يمكن لسياسات أفضل موجهة نحو التنقل أن تعزز‬
‫املستدامة‬ ‫التنمية البرشية‪.‬‬
‫خيارا‬ ‫ً‬
‫مصري ًّيا‪.‬‬
‫استشعار‬ ‫‪2010 20‬م صادف عام ‪ 2010‬مرور ‪ 20‬سنة عىل إصدار أول‬
‫اخلطر وتبني‬ ‫تقرير‪ ،‬وفيه تم تأكيد مجيع املؤرشات السابقة وأن التنمية‬
‫التنمية‬ ‫البرشية هي األساس وعنوان التقرير «الثروة احلقيقية‬
‫املستدامة‬ ‫لألمم»‪ .‬وأشار إىل مقاييس التنمية وإضافة مقياس عدم‬
‫خيارا‬
‫ً‬ ‫املساواة والفوارق بني اجلنسني‪ ،‬وقياس الفقر بدليل‬
‫مصري ًّيا‪.‬‬ ‫الفقر متعدد األبعاد‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫استشعار‬ ‫‪2011 21‬م االستدامة واإلنصاف‪ :‬وتتمثل يف مستقبل أفضل‬
‫اخلطر‬ ‫للجميع‪ ،‬ومحاية حق األجيال اليوم يف حياة صحية‬
‫والئقة‪ ،‬وضامن حق أجيال املستقبل‪ ،‬وذلك هو التحدي وتبني التمية‬
‫للقرن احلادي والعرشين‪ ،‬وقدم التقرير مدى االرتباط املستدامة‬
‫خيارا‬‫ً‬ ‫بني االستدامة ومبدأ اإلنصاف‪ ،‬أي مبدأ العدالة‬
‫مصري ًّيا‪.‬‬ ‫االجتامعية‪ ،‬وإتاحة املزيد من الفرص حلياة أفضل‬
‫للجميع‪ ،‬كام تضمن دعوة لإلصالح من أجل حتقيق‬
‫اإلنصاف باعتباره مسؤولية مشرتكة جتاه الفئات املحرومة‬
‫يف خمتلف أنحاء العامل‪ ،‬سواء أكانت تعيش بيننا اليوم‪ ،‬أم‬
‫تعيش يف املستقبل‪ ،‬حتى ال يكون احلارض عدو املستقبل‪.‬‬
‫‪2012 22‬م ناقش التقرير بعنوان‪ :‬املستقبل املستدام الذي نريد‪ .‬وركز استشعار‬
‫التقرير عىل موضوع احلد من الفقر وحتقيق األهداف اخلطر وتبني‬
‫التنمية‬ ‫اإلنامئية لأللفية‪ .‬وتطرق إىل احلكم الديمقراطي ومنع‬
‫األزمات واالنتعاش منها‪ ،‬ثم البيئة والتنمية املستدامة‪ ،‬املستدامة‬
‫خيارا مصري ًّيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وتناول صناديق وبرامج األمم املتحدة اإلنامئية‪.‬‬
‫استشعار‬ ‫‪2013 23‬م ناقش التقرير قضية بعنوان‪ :‬هنضة اجلنوب واعتربها‬
‫اخلطر وتبني‬ ‫ظاهرة ال سابق هلا من حيث الرسعة والنطاق؛ فقد‬
‫التنمية‬ ‫كانت نتيجة لتوسيع إمكانات األفراد وحتقيق مطرد‬
‫املستدامة‬ ‫يف التنمية البرشية يف بلدان هي األكرب من حيث عدد‬
‫خيارا‬
‫ً‬ ‫السكان ويقدرون باملاليني‪ ،‬وهلذا التقدم تأثري مبارش‬
‫مصري ًّيا‪.‬‬ ‫عىل توليد الثروات وتقدم اإلنسان يف مجيع بلدان العامل‬
‫ويظهر التقرير أربعني بلدً ا من البلدان النامية أحرزت‬
‫تقد ًما يفوق التوقعات يف العقود املاضية يف خمتلف أبعاد‬
‫التنمية ويتناول التقرير أسباب هنضة اجلنوب وحيدد‬
‫السياسات املنبثقة من هذا الواقع‪ .‬وأشار التقرير إىل‬
‫حمركات التحول يف التنمية وهي‪:‬‬

‫‪100‬‬
‫الدولة اإلنامئية الفاعلة‪ :‬وهي التي تتوىل مسؤولية وضع‬
‫السياسات للقطاعني العام واخلاص‪ ،‬مستندة إىل رؤية‬
‫ثاقبة وقيادة قوية ومعايري مشرتكة وقوانني تبني الثقة‪.‬‬
‫اخرتاق األسواق العاملية‪ :‬أدت األسواق العاملية ً‬
‫دورا‬
‫مهمًّ يف حفز التقدم؛ حيث اعتمدت البلدان حديثة‬
‫العهد يف التصنيع إسرتاتيجية تقيض باسترياد ما للعامل‬
‫خربة به وتصدر ما حيتاج إليه‪.‬‬
‫ناقش التقرير قضية االبتكار يف السياسات االجتامعية؛‬
‫حيث إن األدوات األساسية للسياسة االجتامعية قد‬
‫ال تنجح يف متكني املجموعات املحرومة فينتفض‬
‫الفقراء للتعبري عن مهومهم بينام ال تضمن احلكومة‬
‫وصول اخلدمات إىل كل فرد‪ ،‬وجيب أن تكون السياسة‬
‫االجتامعية شاملة وفق خطط تعتمد عىل قطاعات‬
‫الدولة كافة‪.‬‬
‫اجلدول من إعداد الباحث‪.‬‬
‫ومن خالل استعراض االجتاهات الواردة يف التقارير آنفة الذكر نلحظ ما ييل‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أن التنميـة البرشيـة املسـتدامة مل يتبلـور منظورهـا إال بعد تطـور الفكر‬
‫التنمـوي وتطبيقـات التنميـة املختلفة وقضاياهـا املتشـعبة واملتداخلة‪،‬‬
‫االقتصاديـة واالجتامعيـة والبيئيـة‪ ،‬وهـي مـا زالت تتطـور إىل اليوم‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أن التنميـة املسـتدامة تعـد تطـورا فكريا للتنميـة التقليديـة التي مل ِ‬
‫تؤت‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬
‫أكلهـا بعـدُ عىل الرغـم من اجلهـود املختلفـة لتصبـح املسـتدامة حمركة‬
‫هلـا وعاملة مـن أجلها‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ جعلـت املخاطـر البيئيـة املحدقة بالعـامل التنمي َة املسـتدام َة تأخذ املبادرة‬
‫وتصبـح خيـار املصير املشترك‪ ،‬على الرغـم مـن أن حقيبـة التنميـة‬
‫البرشيـة وقضاياهـا البسـيطة واملجمـع عليهـا مليئـة وتزداد سـو ًءا‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫أما أهم ميزات هذه التقارير (كام يشري فرجاين‪2004 ،‬م) فهي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أهنـا تتنـاول التنميـة بوصفهـا قضيـة شـاملة ذات أبعـاد اقتصاديـة‬
‫واجتامعيـة وسياسـية وثقافيـة وبيئيـة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أهنا تؤكد أن البرش هم هدف التنمية وليسوا أدوات هلا‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أهنا تتابع تقدم التنمية يف الشامل واجلنوب عىل حد سواء‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أهنا تشجع عىل العمل املشرتك‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ أهنا تقدم بيانات تسهم يف جعل دراسة القضايا علمية وعقلية‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ أهنـا ليسـت مفروضـة وال يوجـد نمـوذج واحد مطبـق يف مجيع احلـاالت‪ ،‬مما‬
‫يشـجع عىل إصـدار التقاريـر إلجراء املقارنات واكتشـاف أحسـن املامرسـات‪.‬‬

‫‪ .5‬التنمية االجتامعية والبرشية وعالقتها بالفكر املستدام‬


‫إن املتأمـل يف التنميـة االجتامعيـة والبرشيـة وتطورهـا ومـا ُبـذل فيهـا‬
‫حتـى اآلن ومـا حققته مـن نجاحـات وإخفاقات‪ ،‬سـواء عىل مسـتوى حتقيق‬
‫أهدافهـا أو على مسـتوى عالقتهـا بالفكـر املسـتدام‪ ،‬واسـتنا ًدا إىل تقاريـر‬
‫التنميـة البرشيـة وبراجمهـا‪ ،‬جيـد أن التنميـة التقليديـة إن صح التعبير مل حتقق‬
‫مآرهبـا‪ ،‬وأن فكـر التنميـة املسـتدامة حييطهـا بظالله‪ ،‬مـرة يضيف إليهـا ومرة‬
‫يعيـد أبجدياهتـا مـن جديد‪.‬‬
‫ويـرى املهتمـون بالتنمية بشـكل عـام أن احلاجـة ملحة لتحقيـق تنمية‬
‫بدل مـن االنتظار‪ ..‬فاجلـوع واجلهل واملرض‬ ‫عاجلـة وبطرق غير تقليدية‪ً ،‬‬
‫ال ترحـم‪ ،‬وهـذا مـا دفع بعـض املنظريـن إىل القـول‪ :‬إن التنميـة خرافة‪ ،‬فام‬
‫بالك بالتنمية املسـتدامة؟!‬
‫واملطلـع على تقاريـر التنميـة جيـد أهنـا تشير إىل أن التنميـة البرشيـة‬
‫خطـوة ضمـن خطـوات كبيرة إىل األمـام وأن هناك عوائـق كثيرة أمامها‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫والتنمية املسـتدامة بأبعادها الثالثة‪ :‬البيئيـة واالقتصادية واالجتامعية‪،‬‬
‫بدأت تشـكل املسـتقبل بعدما استشـعر اإلنسـان املخاطر البيئية التي بدأت‬
‫هتدد كوكب األرض‪.‬‬
‫ولذلـك نجـد أن الفكـر التنمـوي املسـتدام أصبـح رفي ًقـا للتنميـة‬
‫احلديثـة‪ ،‬بل أصبح أي نشـاط تنمـوي خاض ًعا لرقابة هذا الفكر‪ ،‬السـيام أن‬
‫هـذا املنظور بدأت تتشـكل معامله ونظرياتـه؛ فالتنمية االجتامعيـة والبرشية‬
‫يف جوانبهـا املتعـددة ومشـكالهتا البد أن تعـاد صياغتها مـن جديد لتصبح‬
‫مسـتدامة وتقـوم بالـدور املنـوط هبـا‪ ،‬ومن ذلـك القيـام بام ييل‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ مراجعـة تصميـم الربامـج التنمويـة بام حيقق اسـتدامة التنميـة ومراعاة‬
‫تطبيـق الضوابـط إذا كان ذلـك ممكنًـا‪ ،‬أمـا الربامـج القديمـة فيضـاف‬
‫إليهـا وحتسـن بام حيقـق أبعـاد االسـتدامة احلقيقية‪.‬‬
‫هنجـا وطريقة‬‫‪ 2‬ـ ربـط التعليـم وبراجمـه وبيئتـه وأهدافـه باالسـتدامة ليصبح ً‬
‫وبيئـة وأسـلوب تعليم‪ ،‬لينشـأ اجليـل يف بيئة مسـتدامة؛ فاإلنسـان ابـن بيئته‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ االهتمام بالصحـة وكيـف تتحقـق بشـكل مسـتدام عـن طريـق توفري‬
‫البيئـة الصحيـة والغـذاء الصحـي؛ فالوقاية خير من العلاج‪ .‬والفكر‬
‫املسـتدام يعترب مرك ًبا سـحر ًّيا يوضع على الرتاب فيجعلـه ذه ًبا‪ ،‬وليس‬
‫يف ذلـك مبالغـة‪ ،‬لكـن هـذا الفكر القـادم إذا تشـبعته العقـول من أهل‬
‫االختصـاص وغريهـم تصبـح تطبيقاتـه وأفـكاره ال حرص هلا‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ مراقبة النمو السـكاين واملسـاكن وفق مبادئ هندسية وبيئية واقتصادية؛‬
‫أفـكارا ال ختطـر على بـال لتحـل مشـكالت اليـوم‬
‫ً‬ ‫فالتطويـر يسـتلزم‬
‫والغـد وتسـلم البيئـة لألجيـال القادمة نظيفـة مصونة‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ حتقيـق األمـن البشري بمفهومـه املسـتدام مـن أجـل إحالل السـكينة‬

‫‪103‬‬
‫والسلام والوئـام واألمـان واالطمئنـان يف بيئـات وقيـم واعتقـادات‬
‫وقناعـات حتقـق ذلـك‪ ،‬يرتبـط من خالهلـا اإلنسـان بالكـون وباخلالق‬
‫وبمـن حولـه بطاقـات إجيابيـة نافعـة لـه وحمققة لسـعادته‪.‬‬
‫حكـرا على أحـد مـن متعلمين‬ ‫ً‬ ‫‪6‬ـ ومعلـوم أن الفكـر املسـتدام ليـس‬
‫ونخبويين‪ ،‬بـل هـو حـق لـكل إنسـان حيمـل مهـوم بيئتـه وجمتمعـه‪،‬‬
‫وهـي نظـرة ثاقبـة للمسـتقبل ملـن يشـعر أن هـذه األرض بـدأت تفقد‬
‫مواردهـا‪ ،‬ونتـاج هـذا الفكـر كـم هائـل مـن املعـارف والتطبيقات ال‬
‫يمكـن حصره وجتمعـه الثقافـة اإلنسـانية‪ ..‬وعندهـا سـتصبح التنمية‬
‫االجتامعيـة والبرشيـة املسـتدامة ممتـدة بام حيقق سـعادة اإلنسـان وأمنه‬
‫أيضا‬
‫واسـتقراره وسلامته عىل هذا الكوكـب‪ ،‬بل يتعداهـا إىل عالقاته ً‬
‫باألنظمـة الكونيـة األخـرى وبما يضمـن حقـوق اجلميـع مـن أجيال‬
‫قادمـة وأنظمـة كونيـة يتأثـر هبـا اإلنسـان واملجتمعـات ويؤثـرون فيها‪.‬‬

‫‪ .6‬اخلالصة‬
‫إن التطـور يف مفهـوم التنميـة االجتامعيـة والبرشيـة أكسـبها أبعـا ًدا‬
‫ومـؤرشات جديـدة أضافـت هلـا مقاييـس متعـددة‪ ،‬وأصبحـت التنميـة‬
‫االجتامعيـة والبرشيـة املسـتدامة مرك ًبـا جديـدً ا البـد لتحقيقـه أن حيـوي‬
‫جمموعـة مـن العنـارص تتعلـق بأمـن اإلنسـان وصحتـه وحريتـه وجمتمعـه‬
‫ومـا يوفـره مـن عدالـة وإنصـاف وحريـة ومشـاركة ومتكني وكل مـا حيقق‬
‫سـعادته ويضمـن لـه العيـش الرغيـد والسـعادة الدائمـة‪.‬‬
‫وسـيظل املـورد البشري هـو العنصر الفاعل يف الكـون‪ ،‬فيكـون منه‬
‫الفاعلـون واملخططـون واملمولـون واملفكـرون‪ ،‬ومـن تعـاون كل هـؤالء‬
‫يكـون األداء األمثـل للتنميـة املسـتدامة‪ .‬فاملفكـرون ين ِّظـرون ويبتكـرون‬

‫‪104‬‬
‫ويتعاملـون هبـدف التطويـر‪ .‬والبشر املخططـون هـم الذيـن يتلقفـون‬
‫وحيولوهنـا اىل خطـط وبرامج أداء ومـؤرشات للرقابة‬ ‫األفـكار والنظريـات ِّ‬
‫على األداء‪ ،‬والبشر العاملـون ينفـذون هـذه اخلطـط‪ ،‬واملمولـون يكفلون‬
‫كل مـن‪ :‬التنظير والتخطيـط والتنفيـذ‪.‬‬ ‫تدفقـات ماليـة تفـي باحتياجـات ِّ‬
‫وعندهـا تكـون النتائـج اجليـدة بالتوافـق والتكامل بين هـذه املجموعات‬
‫البرشيـة ويرتفـع األداء إىل حـدود أعلى ودرجـات أجـود كلما كانت هذه‬
‫املجموعات يف أحسـن حاالهتـا صح ًّيا واقتصاد ًّيا وعلم ًّيـا وهذا هو األهم‪.‬‬
‫أمـا العلـم وحـده مع أمعـاء خاوية فال ينتـج‪ ،‬ومع صحة معتلـة فال يعطي‪،‬‬
‫ومـع أحـوال معيشـية سـيئة فيتقهقـر ويتعثـر‪ ،‬ومـن هنـا كانت النظـرة إىل‬
‫تنميـة برشيـة مسـتدامة حاجـة ملحـة ال تقبل التأخير وال التسـويف‪ ،‬فهل‬
‫نحـن مسـتعدون هلـا وعازمـون على حتقيقها؟‬

‫‪105‬‬
‫املراجــــع‪:‬‬
‫عبـاس‪ ،‬صلاح (‪2010‬م)‪ .‬التنميـة املسـتدامة يف الوطـن العريب‪ .‬مؤسسـة‬
‫شـباب اجلامعة‪ .‬اإلسـكندرية‪.‬‬
‫عبداخلالـق‪ ،‬عبير (‪2014‬م)‪ .‬التنميـة البرشيـة وأثرهـا على حتقيـق التنمية‬
‫املسـتدامة‪ .‬الـدار اجلامعية‪ .‬اإلسـكندرية‪.‬‬
‫العبيـدي‪ ،‬عبداجلبـار حممـود (‪2012‬م)‪ .‬خرافـة التنمية البرشية املسـتدامة‬
‫(دراسـات يف إشـكالية الفكـر االقتصـادي)‪ .‬دار احلامـد للنشر‬
‫والتوزيـع‪ .‬عمان‪.‬‬
‫الغامـدي‪ ،‬عبدالعزيز بـن صقـر (‪2006‬م)‪ .‬تنمية املوارد البرشيـة ومتطلبات‬
‫التنميـة املسـتدامة لألمن العريب‪ .‬جامعـة نايف العربيـة للعلوم األمنية‬
‫أنموذجـا‪ .‬بريوت‪ .‬امللتقـى العريب الثالث للرتبيـة والتعليم‪.‬‬
‫ً‬

‫فرجـاين‪ ،‬نـادر (‪2004‬م)‪ .‬احتماالت النهضـة يف الوطن العـريب بني تقرير‬


‫التنميـة اإلنسـانية ومشروع الشرق األوسـط الكبير‪ .‬ط‪ .1‬مركـز‬
‫اإلمـارات للدراسـات والبحوث‪.‬‬
‫جمموعـة تقاريـر التنميـة الصـادرة مـن الربنامـج اإلنامئـي لألمـم املتحـدة‬
‫(‪٢013-1990‬م)‪.‬‬
‫اهليتـي‪ ،‬نوزاد عبدالرمحـن (‪2011‬م)‪ .‬التنميـة املسـتدامة يف اململكة العربية‬
‫السـعودية‪ .‬مؤسسـة الياممة الصحفيـة‪ .‬كتاب الريـاض‪ .‬الرياض‪.‬‬
‫‪Manfred A. Max-Neef with Antonio Elizalde, Martin Hopenhayn.‬‬
‫‪(1991). Human scale development: conception, application‬‬
‫‪and further reflections.New York: Apex.Chpt. 2. Development‬‬
‫‪and Human Needs, p. 18.‬‬

‫‪106‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫التنمية االقتصادية املستدامة‬

‫خالد بن عبدالعزيز الشمالن‬


‫التنمية االقتصادية املستدامة‬

‫املقدمـة‬
‫تنطلـق التنميـة املسـتدامة من مبـدأ ضامن عـدم اإلرضار بقـدرة األجيال‬
‫القادمـة على تلبيـة حاجاهتـا‪ ،‬ويتط ّلـب هـذا عـدم اسـتنزاف املـوارد الطبيعية‬
‫عندمـا تُلبـي األجيـال املعـارصة حاجاهتـا مـن الطاقـة‪ ،‬أي أن واجـب هـذا‬
‫اجليـل اعتماد التنمية املسـتدامة التـي تتحقق من خلال التفاعل بين االقتصاد‬
‫واملجتمـع والبيئـة بشـكل ُي ّقـق العدالـة االجتامعيـة‪ ،‬وحيافـظ على البيئة من‬
‫التلـوث‪ ،‬وعلى املـوارد الطبيعيـة مـن االسـتنزاف‪ .‬وترتبـط التنمية املسـتدامة‬
‫ارتبا ًطـا وثي ًقـا بمصـادر الطاقة التي نسـتعملها‪ ،‬فلا يمكن احلديـث عن تنمية‬
‫مسـتدامة مـن دون احلديث عن االعتامد على مصادر للطاقـة‪ ،‬نظيفة ومتعددة‪،‬‬
‫وال يمكـن حتقيـق النمـوذج املسـتدام للتنمية دون التحـول يف منظومـة الطاقة‬
‫ً‬
‫وصـول إىل احلديث‬ ‫إىل مصـادر متجـددة ومتنوعـة؛ فالعالقـة حتميـة بينهما‪،‬‬
‫عـن طاقة القـرن احلـادي والعرشيـن؛ حيث سـيتم تنـاول املفاهيم األساسـية‬
‫للتنميـة االقتصاديـة املسـتدامة‪ ،‬وخصائـص الثقافـة االقتصاديـة التقليديـة‪،‬‬
‫وأمهيـة التحول نحو النموذج املسـتدام للطاقـة‪ ،‬والبعد االقتصـادي يف التنمية‬
‫املسـتدامة‪ ،‬ودور الطاقـات املتجـددة يف حتقيقها‪.‬‬

‫‪ .1‬التنمية االقتصادية والنمو االقتصادي‬


‫تعـدُّ دراسـة التنميـة االقتصاديـة من الدراسـات التـي اهتم هبـا علامء‬
‫االقتصـاد منـذ بداية القـرن العرشين‪ ،‬خاصـة يف الدول الناميـة‪ .‬و ُيقصد هبا‬
‫حتريـك االقتصـاد القومي وتنشـيطه مـن خالل زيـادة القـدرة االقتصادية‪،‬‬
‫مـع رضورة اسـتخدام املوارد كافة لغايات تشـجيع االسـتثامر‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫و ُيسـهم النمـو االقتصـادي يف توسـيع اخليـارات أمـام األفـراد‪،‬‬
‫واحلكومـات‪ ،‬واملنظمات املجتمعيـة املختلفة؛ ممـا يزيد من إمكانـات زيادة‬
‫هوامـش احلريـة أمـام اإلبـداع واالبتـكار لألفـراد‪ ،‬ويسـاعد احلكومـات‬
‫على القيـام بـأدوار مهمـة‪ ،‬مثـل الرعايـة االجتامعيـة‪ ،‬والتعليـم‪ ،‬والصحة‬
‫بشـكل أفضـل (نصر‪2004 ،‬م)‪ .‬إن توسـيع نطاقـات احلريات اإلنسـانية‬
‫(كما يـرى أمارتيا سـن‪2000 ،‬م) يتـم بإزالة مجيـع مهددات احلريـة‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫الفقـر‪ ،‬والبطالـة‪ ،‬ورفـض حريـة املشـاركة بسـوق العمل‪ ،‬وشـح الفرص‬
‫االقتصاديـة‪ ،‬وغيـاب الشـفافية‪ ،‬وتقييـد التبـادل واملعاملات التجاريـة‪،‬‬
‫ً‬
‫بـدل مـن النظريات ضيقـة األفق يف نمـو الناتـج القومي‪ ،‬أو زيـادة الدخل‬
‫الشـخيص‪ ،‬أو التصنيـع‪ ،‬أو التقـدم التقنـي‪.‬‬
‫الكـم الـذي حيصـل عليـه الفـرد من‬‫ّ‬ ‫ويركـز النمـو االقتصـادي على‬
‫السـلع واخلدمـات يف املتوسـط‪ ،‬وال هيتـم هبيـكل توزيـع الدخـل احلقيقي‬
‫بين األفـراد؛ فقد تكـون الزيادة يف متوسـط الدخـول احلقيقية مـن دون أن‬
‫تسـتفيد رشحيـة عريضـة مـن األفـراد‪ ،‬كما أن النمو ال هيتـم بنوعية السـلع‬
‫واخلدمـات التـي حيصـل األفـراد عليهـا‪ ،‬وال نوعيـة التغيير يف اإلنتـاج‪،‬‬
‫بحيـث تتامثـل زيـادة اإلنتـاج السـينامئي ً‬
‫مثلا مـع الزيـادة يف إنتـاج املـواد‬
‫األساسـية‪ ،‬كاخلبـز واحلليـب‪ ،‬بالقيمـة نفسـها‪ ،‬على الرغـم مـن اختلاف‬
‫أمهيتهـا لـدى األفـراد‪ .‬كما هيمـل النمـو االقتصـادي السـلع واخلدمـات‬
‫ُعرض يف السـوق‪ ،‬كما أنه ال يعكـس التغريات‬ ‫التـي تُنتَـج وتسـته َلك وال ت َ‬
‫السـلبية املصاحبـة للنمـو االقتصـادي املـادي‪ ،‬كارتفاع معـدالت اجلريمة‪،‬‬
‫وتفاقـم اآلفـات االجتامعيـة‪ ،‬ومشـكلة التلـوث البيئـي؛ لذلك فـإن النمو‬
‫مفهـوم غير شـامل لـكل التغيرات املتعلقـة برفاهيـة الفـرد؛ وعلى هـذا‬
‫األسـاس؛ فـإن النمـو مفهـوم كمـي يركّـز على كميـة التغير دون االهتامم‬
‫بنوعيـة التغير وكيفيتـه (علام‪2011 ،‬م)‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫وال بـد للتغري الـذي يصاحب جهود التنمية أن يشـمل مجيـع النواحي‬
‫االجتامعيـة‪ ،‬والسياسـية‪ ،‬والبيئيـة‪ ،‬واإلدارية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬على اعتبار أن‬
‫اإلنسـان حمـور جهـود التنميـة‪ ،‬وال تسـتقيم حياته بزيـادة دخلـه فقط‪ ،‬وال‬
‫بـد أن ينعكـس ذلـك عىل بقيـة النواحـي الصحيـة‪ ،‬واالجتامعيـة‪ ،‬والبيئية؛‬
‫لذلـك يمكـن التعاطـي مـع نظريـات التنميـة والنظـر إليهـا مـن خلال‬
‫النظريـات السياسـية‪ ،‬أو النظريـات االجتامعية‪ ،‬أو النظريـات االقتصادية‪،‬‬
‫وهـي مـا هيمنـا يف هـذا الفصـل‪ ،‬أو غريها مـن نظريـات التنميـة األخرى‪.‬‬
‫وتركّـز النظريـات االقتصاديـة على زيـادة الدخل القومـي‪ ،‬وتفرتض‬
‫أن الظـروف السياسـية واالجتامعيـة ثابتـة‪ ،‬وأن التغيير االقتصـادي كفيل‬
‫بـأن ُيـدث التغيير باجلوانـب األخـرى‪ .‬وختتلـف النظـرة إىل التنميـة‬
‫االقتصاديـة بين املـدارس االقتصادية؛ فالرأسماليون يـرون أن زيادة رأس‬
‫املـال تـأيت نتيجـة جهـود األفـراد؛ لـذا فقـد كان لزا ًمـا على الدولـة توفير‬
‫احلريـة االقتصاديـة لألفـراد‪ ،‬وأال تتدخل يف نشـاطاهتم‪ .‬والتنميـة وفق هذا‬
‫املنظـور تتنـاول زيـادة الثـروة القوميـة‪ ،‬التـي هـي حصيلـة زيـادة ثـروات‬
‫يـر آدم سـميث ـ زعيـم هذه النظـرة ـ أي واجـب للدولة؛ ألن‬ ‫األفـراد‪ .‬ومل َ‬
‫ذلـك يتعـارض مع مذهب احلريـة الفردية‪ ،‬حتـى تطورت تلـك النظرة فيام‬
‫بعـد مـع أفكار كينـز وألفـرد مارشـال‪ ،‬وتأكيدمهـا رضورة تدخـل الدولة؛‬
‫لتحقيـق األهـداف االقتصاديـة العامـة (القريـويت‪1988 ،‬م)‪.‬‬
‫ويـرى كارل ماركـس ـ من ّظـر الفكـر املاركسي الـذي تقـوم عليـه‬
‫األفـكار االشتراكية ـ أمهية اضطلاع الدولة بدور قيادي ناشـط يف الشـؤون‬
‫االقتصاديـة‪ ،‬وأمهيـة التخطيط املركزي‪ ،‬وسـيطرة الدولة عىل وسـائل اإلنتاج‬
‫مـن دون االعتامد عىل قوى السـوق لتحقيـق التنمية‪ ،‬لكن ذلـك جعله ينتهك‬
‫النزعـة الفطريـة البرشيـة‪ ،‬واحلرية االقتصاديـة واالجتامعية؛ ممـا أدى إىل مزيد‬

‫‪111‬‬
‫مـن تـدين مسـتوى األداء‪ ،‬وهـدر املـوارد اإلنتاجية وعـدم اسـتغالهلا بصورة‬
‫تتسـم بالكفايـة والفاعليـة‪ .‬وال يعنـي اهنـزام النظـام االشتراكي بالضرورة‬
‫انتصـار األسـلوب الرأسمايل يف التنميـة‪ ،‬فما زالت الرأسمالية تعـاين جمموعة‬
‫مـن األمـراض التـي مل تع َالـج منهـا‪ ،‬مثـل‪ :‬التوزيـع غير العـادل للدخـل‬
‫والثـروة‪ ،‬والفقـر‪ ،‬وغيـاب العدالـة االجتامعيـة‪ ،‬وعـدم اسـتقرار األسـواق‬
‫املاليـة‪ ،‬والتلـوث‪ ،‬وغريهـا مـن األمـراض التـي مل تنتشر فقـط يف الـدول‬
‫الناميـة‪ ،‬بـل امتـدت حتـى تشـمل املجتمعـات املتقدمـة (أمحـد‪2004 ،‬م)‪.‬‬
‫يتبين أن الثقافة االقتصاديـة التقليدية التي سـادت يف دول‬
‫ومما سـبق‪ّ ،‬‬
‫العـامل‪ ،‬بشـقيه النامي والصناعـي‪ ،‬مت ّيزت بمجموعـة من القيـم والقناعات‬
‫التـي أسـهمت بشـكل مبـارش وغير مبـارش يف زيـادة حـدة املشـكالت‬
‫االقتصاديـة واالجتامعيـة والبيئيـة يف هـذه الـدول‪ ،‬ومـن هـذه القيـم على‬
‫سـبيل املثـال ال احلصر (أبوزنـط وغنيـم‪2004 ،‬م‪ ،‬ص ‪:)12 ،11‬‬
‫أ ـ االعتقـاد بـأن املـوارد موجـودة بشـكل غري حمـدود يف الطبيعـة‪ :‬ويقول‬
‫أصحـاب هـذا االعتقـاد إنه يمكن اسـتغالل املـوارد يف إنتـاج البضائع‬
‫والسـلع املختلفـة‪ ،‬وقـد تعامل أصحـاب هـذا االعتقاد مع قسـم كبري‬
‫شـجع عىل‬
‫ومهـم مـن املـوارد على أنـه ليـس لـه قيمـة؛ األمـر الـذي ّ‬
‫اسـتغالل هـذه املـوارد وإهدارهـا أكثـر وأكثر‪.‬‬
‫ب ـ االعتقـاد أنـه ليـس هنـاك حـدود للنمـو االقتصـادي‪ :‬ومعـروف أن‬
‫اقتصـاد السـوق احلرة ال يأخـذ ذلك بعين االعتبار‪ ،‬ويؤمـن أصحاب‬
‫هـذا االعتقـاد بـأن النمو يمكـن أن يسـتمر إىل مـا ال هناية‪.‬‬
‫ج ـ االعتقـاد أن النظـام االقتصـادي مغلـق ومتكامل وقائم بذاته‪ :‬تناسـى‬
‫أصحـاب هذا االعتقـاد أن العوائـد االقتصاديـة املختلفة تعـدّ حصيلة‬
‫أيضا التكلفـة االجتامعية‬
‫اسـتغالل املـوارد الطبيعية‪ .‬ويتجاهل هـؤالء ً‬

‫‪112‬‬
‫والبيئيـة التـي تنجـم عـن النشـاطات االقتصاديـة املختلفـة لإلنسـان؛‬
‫ألهنـا ال تظهـر يف قوائـم املوازنـات العامـة للشركات والـدول‪ ،‬ولـو‬
‫كثيرا مـن هـذه الرشكات‬
‫ً‬ ‫ُأخـذت هـذه التكلفـة يف احلسـبان ّ‬
‫لتبين أن‬
‫رابحا‪.‬‬
‫خـارسا‪ ،‬على الرغـم من أنـه يظهـر يف قوائـم املوازنـات ً‬
‫ً‬ ‫سـيخرج‬
‫د ـ االعتقـاد بـأن العمليـة الصناعيـة عمليـة خطيـة تبـدأ يف النقطـة «س»‪،‬‬
‫وتنتهـي يف النقطـة «ص»‪ ،‬وهـذا النـوع مـن التفكير ال يأخـذ بعين‬
‫االعتبـار املضاعفـات الدائرية للعمليـة الصناعية؛ لذلـك فإننا نندهش‬
‫عندمـا تنجـم عـن نشـاطاتنا الصناعيـة نتائـج وآثـار بيئيـة واجتامعيـة‬
‫خطيرة‪ ،‬فالشيء الـذي تنتجـه الشركات بعشرات املاليين مـن‬
‫الـدوالرات سـيكلفنا الح ًقـا مئات املاليين من الـدوالرات للتخلص‬
‫مـن آثـاره البيئيـة ومعاجلـة آثـاره االجتامعيـة‪.‬‬
‫هــ ـ االعتقـاد بـأن األكثـر هـو األفضـل‪ ،‬ويبـدو هـذا يف سـلوك كثير من‬
‫الشركات والـدول على حد سـواء؛ فتحقيـق معدالت نمـو اقتصادي‬
‫أو أربـاح عاليـة يعنـي يف نظـر الكثرييـن أن األوضـاع على مـا يـرام‪،‬‬
‫صحيحـا؛ بدليـل مـا يشـهده العـامل اليـوم من‬
‫ً‬ ‫وهـذا يف الغالـب ليـس‬
‫مشـكالت بيئيـة نجمـت بفعل هـذه القناعـات؛ وألن الكـم ال يعكس‬
‫بالضرورة الكيـف والنوعيـة‪ ،‬فكثري من الـدول ُتقق سـنو ًّيا معدالت‬
‫نمـو اقتصـادي مرتفعـة‪ ،‬لكـن مـا زالـت هـذه الـدول على الرغم من‬
‫ذلـك تعـاين مشـكالت اقتصاديـة واجتامعيـة وبيئيـة خطيرة‪ ،‬مثـل‬
‫الفـوارق االقتصاديـة واالجتامعيـة‪ ،‬املكانيـة واإلقليميـة‪ ،‬داخـل هـذه‬
‫الـدول‪ ،‬والعجـز يف امليـزان التجـاري‪ ،‬والفقـر‪ ،‬والبطالـة‪ ...‬إلـخ‪.‬‬
‫وحيـث إن القضيـة الكبرى يف عمليـة التنميـة تتم ّثـل يف نقطـة البدء‪،‬‬
‫ومـن ثـم فإن األولويـات كبرية وكثيرة وكلهـا مهمة‪ ،‬فاجلانـب االجتامعي‬

‫‪113‬‬
‫مـن حيـث رفاهية األفـراد‪ ،‬والتشـغيل‪ ،‬وعدالـة التوزيع‪ ،‬ال يقـل أمهية عن‬
‫النهـوض باإلنتاجيـة‪ ،‬والنمـو االقتصـادي‪ ،‬وتنويـع االقتصـاد الوطنـي‪،‬‬
‫ورضورة محايـة البيئـة‪ ،‬واحلفـاظ على املـوارد الطبيعية وضامن اسـتدامتها‪،‬‬
‫كما ال يقـل أمهيـة عـن اجلانـب السـيايس‪ ،‬وطريقـة التمثيـل واملشـاركة‬
‫املجتمعيـة‪ ،‬ومناخ احلريات‪ ،‬وترسـيخ العمل املؤسسـايت (نرص‪2004 ،‬م)‪.‬‬
‫وعلى الرغـم مـن التأكيـد أن التنميـة عمليـة متكاملـة‪ ،‬فـإن التنميـة‬
‫االقتصاديـة ال تـزال حتتـل مسـاحة مـن االهتمام أوسـع ممـا حتتلـه بقيـة‬
‫جوانـب التنميـة‪ ،‬وربما كان مبعث ذلـك أن التنميـة االقتصاديـة تقوم عىل‬
‫معايير ماديـة‪ ،‬وأهنـا ذات مـردود ملمـوس‪ ،‬غري أنه جتـدر اإلشـارة إىل أن‬
‫التنميـة االقتصاديـة بمفهومهـا اجلديد ليسـت جمـرد حتقيق معـدالت عالية‬
‫مـن النمـو لإلنتـاج القومـي احلقيقي‪ ،‬ولكنها تتسـع ألكثر مـن ذلك بحيث‬
‫تشـمل حتقيـق االرتقـاء والتقـدم جلميـع أفـراد املجتمـع يف مجيـع نواحـي‬
‫احليـاة املاديـة وغير املاديـة‪ ،‬وهـذا كلـه يتطلـب إجـراء تغييرات جوهرية‬
‫يف أسـاليب اإلنتـاج وعالقات اإلنتـاج‪ ،‬ويف البنيـان االجتامعـي‪ ،‬والثقايف‪،‬‬
‫والسـيايس للمجتمـع (عبدالرمحـن‪1982 ،‬م)‪.‬‬
‫فدائم مـا ُيوضع هـدف النمـو االقتصادي على رأس أهداف‬ ‫ولذلـك ً‬
‫السياسـات احلكوميـة؛ ذلـك أنه يمثـل اخلالصة املاديـة امللموسـة للجهود‬
‫االقتصاديـة وغير االقتصاديـة املبذولـة يف املجتمـع‪ ،‬ومع ذلـك فهو رشط‬
‫كاف لتحسين املسـتوى املعيشي لألفـراد‪ ،‬ويتم ّثـل‬ ‫رضوري‪ ،‬لكنـه غير ٍ‬
‫اجلانـب اآلخـر مـن املعادلـة يف توزيـع النمـو املحقـق بعدالـة بين األفـراد‬
‫(نصر‪2004 ،‬م)‪.‬‬
‫وكما أن عمليـة التنميـة متكاملـة مـن النواحـي‪ :‬االقتصاديـة والسياسـية‬
‫واالجتامعيـة والبيئيـة؛ فـإن عمليـة التحـول املطلوبة حتتـاج إىل حامـل خيرجها‬

‫‪114‬‬
‫مـن الدائـرة املفرغـة‪ ،‬وهـذا احلامـل هـو االقتصـاد الـذي حتـدث التغييرات‬
‫فيـه بشـكل أسـهل وأرسع مـن بقيـة اجلوانـب؛ حيـث إهنـا تدفـع باجتـاه تغيري‬
‫السـلوكات واألخالقيـات نحـو ثقافة العمـل‪ ،‬واحرتام الوقت‪ ،‬واالسـتثامر يف‬
‫اإلبـداع‪ ،‬مع عدم إمهـال اجلوانب األخـرى االجتامعية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬والسياسـية‪،‬‬
‫والبيئيـة‪ ،‬فهـي بحاجـة إىل حامـل اقتصـادي قوي يتمكّـن من متويلهـا‪ .‬وحيتاج‬
‫االسـتثامر يف الرعايـة االجتامعيـة ويف رأس املال البرشي إىل بنيـة اقتصادية قوية‬
‫للنهـوض بـه بوصفـه مرحلـة أوىل‪ ،‬ويتط ّلـب هـذا إرادة سياسـية مـن جهـة‪،‬‬
‫وتوجيهـا للعمـل املؤسسـايت خلدمـة النمو من جهـة أخرى (نصر‪2004 ،‬م)‪.‬‬ ‫ً‬

‫‪ .2‬التنمية االقتصادية املستدامة‬


‫تنطلـق التنميـة املسـتدامة مـن مبـدأ ضمان عـدم اإلرضار بقـدرة األجيـال‬
‫القادمـة على تلبية حاجاهتا؛ ممـا ُيتِّم عىل األجيـال املعارصة عـدم اإلرضار بالبيئة‬
‫عندمـا تلبـي حاجاهتـا‪ ،‬أي أن واجـب هـذا اجليـل اعتماد التنميـة املسـتدامة التي‬
‫تتحقـق من خلال التفاعل بني االقتصاد والبيئة بشـكل حي ّقـق العدالة االجتامعية‪،‬‬
‫وحيافـظ على البيئـة من التلـوث‪ ،‬وعلى املـوارد الطبيعية من االسـتنزاف‪.‬‬
‫ويعـدُّ النمـو االقتصـادي املسـتدام أحـد أهـم دوافـع التحـول‬
‫االقتصـادي؛ ألنـه يعكـس اسـتطاعة املجتمـع زيـادة قدراتـه اإلنتاجيـة‬
‫ويتضمن رشط االسـتدامة اقتصـا ًدا متنو ًعا‬
‫ّ‬ ‫واسـتثامرها بالطريقـة األمثـل‪.‬‬
‫قـادرا على امتصـاص الصدمـات‪ ،‬ويعتمـد ديناميك ًّيا على التقانـة وتراكم‬ ‫ً‬
‫رأس املـال البشري‪ ،‬يف حين أنـه تنافسـ ًّيا يسـتطيع كسـب املزايـا النسـبية‬
‫مقارنـة باآلخـر‪ ،‬متمت ًعـا باالسـتقرار االقتصـادي (نصر‪2004 ،‬م)‪.‬‬
‫وبذلـك يتم ّثـل حمـور اهتمام التنميـة االقتصاديـة املسـتدامة يف‬
‫ً‬
‫فضلا عـن اإلدارة الكفـؤة للمـوارد الطبيعيـة‬ ‫تطويـر البنـى االقتصاديـة‪،‬‬

‫‪115‬‬
‫واالجتامعيـة‪ ،‬والـذي ُيـراد منـه حتسين مسـتوى الرفاهيـة لإلنسـان مـن‬
‫خلال زيـادة نصيبـه يف السـلع واخلدمـات الرضورية؛ غير أن هـذا ّ‬
‫يتعذر‬
‫حتقيقـه يف ّ‬
‫ظـل حمدوديـة املـوارد املتاحة‪ ،‬مـا مل تتحقق العنارص الرئيسـة هلذا‬
‫البعـد‪ ،‬املمثلـة فيما يلي (الغامـدي‪2007 ،‬م)‪:‬‬
‫‪ -‬توافـر عنـارص اإلنتـاج الرئيسـة‪ ،‬ويف مقدمتهـا‪ :‬االسـتقرار‪ ،‬والتنظيـم‪،‬‬
‫واملعرفـة‪ ،‬ورأس املـال‪.‬‬
‫‪ -‬رفـع مسـتوى الكفايـة والفاعليـة لألفـراد واملنظمات املعن ّيـة بتنفيـذ‬
‫السياسـات والربامـج التنمويـة‪.‬‬
‫النمـو يف خمتلـف جمـاالت اإلنتـاج؛ لزيـادة معـدل‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬زيـادة معـدالت‬
‫الدخـل الفـردي‪ ،‬وتنشـيط العالقـة‪ ،‬والتغذيـة الراجعـة بين املدخلات‬
‫واملخرجـات‪.‬‬
‫‪ -‬االهتمام بالثـروات واملـوارد املكتشـفة واملخزونة مـن الطاقـة بأنواعها‪،‬‬
‫وبمختلـف مصادرهـا الناضبـة والقابلـة للتجدد‪.‬‬
‫تعبريا‬
‫ثـم‪ ،‬فقـد أصبـح حتقيـق معـدل النمـو االقتصـادي املسـتدام ً‬ ‫ومـن ّ‬
‫عـن العمليـة التنمويـة بكاملهـا‪ ،‬وهـو دليل آخر على عدم جـدوى الفصل بني‬
‫السياسـة واالقتصـاد من جهـة‪ ،‬وبينهام وبين العالقات االجتامعيـة واخللفيات‬
‫الثقافيـة للمجتمعـات من جهة أخرى‪ .‬واهلـدف احلقيقي لرفـع معدالت النمو‬
‫االقتصـادي هـو اإلنسـان؛ ألنـه املصدر الرئيـس هلذا النمـو عىل املـدى البعيد؛‬
‫لـذا ينبغـي التفريـق بين النمـو االقتصـادي بوصفـه ً‬
‫فعلا تلقائ ًّيـا‪ ،‬والتنميـة‬
‫االقتصاديـة بوصفهـا ً‬
‫فعلا إراد ًّيـا‪ .‬إن التنميـة االقتصادية املسـتدامة تعدُّ نتيجة‬
‫سياسـات ومؤسسـات وتغيرات هيكلية وعلمية؛ وبالتايل ليسـت جمـرد عملية‬
‫تلقائيـة كما كان سـائدً ا يف األدبيات الكالسـيكية (نصر‪2004 ،‬م)‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫ومـع النمـو غير املحسـوب لتزايـد أعـداد السـكان الـذي يتضاعـف‪،‬‬
‫والـذي ال ُيقا َبـل بتزايد يف األرايض املسـتغ َّلة إلنتاج املـوارد الغذائية‪ ،‬وظهور‬
‫قضايـا البيئة‪ ،‬مثل‪ :‬تدهور طبقـة األوزون‪ ،‬واالحتباس احلـراري‪ ،‬واألزمات‬
‫الغذائيـة‪ ،‬واملجاعـات‪ ،‬وتقريـر نـادي روما عـام ‪1972‬م «حـدود النمو» أن‬
‫النمـو االقتصـادي املسـتمر سـيتوقف يف أحـد األيـام بسـبب نضـوب املوارد‬
‫الطبيعيـة‪ ،‬مثـل الطاقـة األحفوريـة‪ ،‬وتزايـد االنبعاثـات الكربونيـة منها‪ ،‬وما‬
‫زامـن ذلـك يف مؤمتـر األرض باسـتوكهومل وإنشـاء برنامـج األمـم املتحـدة‬
‫للبيئـة‪ ،‬وأنشـطة جلنـة برونتالنـد التـي بحثـت العوائـق الرئيسـة التـي تقـف‬
‫يف وجـه النمـو االقتصـادي‪ ،‬والتـي هتـدد البيئـة عندما نشرت تقريرهـا عام‬
‫‪1987‬م حتت عنوان‪« :‬مسـتقبلنا املشترك»؛ لذلك فإن االسـتدامة االقتصادية‬
‫هـي «الربدايـم» واملشروع اجلديـد للسلام واألمـن العامليين‪ ،‬وهـي البديل‬
‫لأليديولوجيات الرأسمالية واالشتراكية‪ ،‬ومن خالهلا يمكـن أن تكون هناك‬
‫معـدالت مقبولـة للتنميـة‪ ،‬ويف الوقـت نفسـه احلفـاظ على البيئـة وثرواهتـا‪،‬‬
‫وضمان حقـوق األجيـال القادمة‪ .‬ولتحقيق هـذه الطموحـات جمتمعة‪ ،‬فالبد‬
‫مـن البحـث عـن طرائـق ومناهـج بديلـة‪ ،‬وأن ُيبـذل جهـد عاملـي مشترك‪،‬‬
‫وإبـداع واكتشـاف مصـادر جديـدة ومتجـددة للطاقـة التقليديـة‪ ،‬وأجهـزة‪،‬‬
‫وتقنيـات‪ ،‬ومصانـع‪ ،‬ووسـائط نقل نظيفـة وصديقـة للبيئة‪ ،‬وأسـاليب ُت ّول‬
‫املخرجـات الزائدة والفضلات والنفايات إىل عوائـد ومدخالت مرة أخرى‪،‬‬
‫واألهـم مـن ذلـك كلـه أن تُسـهم حركة االسـتدامة هـذه يف توعيـة أنامط من‬
‫البشر واملجتمعـات وااللتـزام بأخالقيـات وسـلوكات أكثـر إنصا ًفا‪ ،‬وأشـد‬
‫احرتا ًمـا للبيئـة املحيطـة هبم‪.‬‬
‫أما السـبيل لرتمجة هـذه املبـادئ واملنطلقات التي تطرحها االسـتدامة‪،‬‬
‫فهـو االقتصـاد األخضر (‪ ،)Green Economy‬الكفيـل بتحسين أحوال‬

‫‪117‬‬
‫البشر‪ ،‬وتقليل هـدر املوارد‪ ،‬وزيـادة كفاية اسـتثامرها‪ ،‬واحلفاظ على البيئة‬
‫وتنوعهـا البيولوجـي‪ ،‬وقـد صـدرت االتفاقيـة البيئيـة العامليـة اجلديـدة‬
‫(‪ )GGND‬عـام ‪2009‬م لرتسـم الطريق هلـذا التحول‪ ،‬الـذي يكفل حتقيق‬
‫التـوازن بين أبعاد التنميـة املسـتدامة الثالثة‪.‬‬
‫أدخلـت األمم املتحـدة هذا املصطلـح يف ظل العامل اجلديـد‪ ،‬وفيه ينبغي‬
‫أن تُرا َعـى املعايير البيئيـة عنـد اإلنتـاج؛ للدخـول إىل األسـواق العاملية‪ ،‬مثل‬
‫املصانـع؛ حيـث ينبغـي أن يكـون فيهـا أجهـزة حتـدّ مـن التلـوث‪ ،‬وكذلـك‬
‫ينبغـي أن تكون السـيارات واملنتجـات الزراعية مـن دون كيامويـات‪ ...‬إلخ‪،‬‬
‫وقـد اسـتدعى هـذا إنشـاء مؤسسـة دولية متنـح املؤسسـات التـي تُط ِّبق ذلك‬
‫شـهادة املواصفـات ‪( ISO 1400‬اخلاصـة بالبيئـة)‪ ،‬كما متتنـع البنـوك عـن‬
‫إقـراض املؤسسـات التـي مل تتقيد بمعايير البيئة املحـددة من األمـم املتحدة‪.‬‬
‫ونجـد ممـا سـبق‪ ،‬أن االهتمام العاملـي بالبيئـة وحتقيـق اسـتدامتها‬
‫نابـع مـن االهتمام بمصـادر الطاقـة النظيفـة املسـتدامة باختلاف أنواعهـا‬
‫(الريـاح‪ ،‬وتركيـز أشـعة الشـمس‪ ،‬والطاقـة احليويـة‪ ،‬واحلـرارة األرضية‪،‬‬
‫خيـارا إستراتيج ًّيا لتوفير املتطلبـات‬
‫ً‬ ‫والقـدرة املائيـة‪ ...‬إلـخ) بوصفهـا‬
‫املسـتقبلة للتنميـة من الطاقـة‪ ،‬خاصة مع وجـود كثري من التحديـات‪ ،‬التي‬
‫مـن أمههـا‪ :‬نضـوب مصـادر الطاقـة التقليدية (الفحـم والبترول والغاز)‪،‬‬
‫واملخاطـر النامجـة عـن اسـتغالل الطاقـة النوويـة‪ ،‬باإلضافـة إىل االرتفـاع‬
‫املتزايـد يف معـدالت التلـوث واالحتبـاس احلـراري‪.‬‬
‫ويمكن مما سبق‪ ،‬تلخيص أهم مبادئ االقتصاد املستدام‪ ،‬فيام ييل‪:‬‬
‫ـ حتقيـق التـوازن بين التكاليـف البيئيـة والتكاليـف االقتصاديـة عنـد‬
‫إعـداد الربامـج واملرشوعـات وتقويمهـا؛ فالبيئـة قـد تعود عىل اإلنسـان‬

‫‪118‬‬
‫بأرضارهـا‪ ،‬مثـل‪ :‬الريـاح‪ ،‬والـزالزل‪ ،‬والرباكين‪ ،‬وامليـاه‪ ،‬والتغيرات‬
‫املناخيـة؛ ومـن ثـم فينبغـي تقليـل أثـر هـذه املخاطـر قـدر املسـتطاع‪،‬‬
‫بمعنـى‪ :‬أن يتـم تقليل أرضار الطبيعة عىل نفسـها أو رضر اإلنسـان عليها‬
‫(االقتصـاد البيئـي)‪.‬‬
‫ـ عـدم نقـل املـوارد مـن مكاهنا وبيئتهـا إىل أماكـن أخرى‪ ،‬مثلما كان يفعل‬
‫املستعمرون‪.‬‬
‫تتعـرض هلـا املـوارد‬
‫ّ‬ ‫ـ مراعـاة معـدالت النضـوب واالسـتهالك التـي‬
‫الطبيعيـة‪ ،‬وأن تُوضـع املـؤرشات احلرجـة للنضـوب ملقارنتهـا بمثيالهتا‪،‬‬
‫والبحـث عـن طاقـات بديلـة ومتجـددة‪.‬‬
‫ـ تفعيـل العالقـة بني املخرجـات وتغذيتها الراجعـة للمدخالت من خالل‬
‫إعادة التدوير واالسـتخدام‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مورد‬ ‫ـ مراعـاة عمر الربامـج التنموية وسـقفها وزمنها؛ فترسيع اسـتخدام‬
‫مـا لـه كلفة بيئيـة عىل األجيـال القادمة وعلى الدول األخـرى حال ًّيا‪.‬‬
‫ـ اسـتبدال رأس املـال االصطناعـي بـرأس املـال الطبيعـي؛ ليبقـى مورو ًثا‬
‫لألجيـال القادمـة يسـاوي مـا ورثه اجليـل احلـايل يف قيمتـه وأمهيته‪.‬‬
‫ـ حتقيـق احلـد األمثـل مـن التداخل بين أبعاد التنميـة املسـتدامة من خالل‬
‫التكيـف الديناميكي بين البدائل‪.‬‬

‫‪ .3‬الطاقـة التقليدية واملتجددة ودورهـا يف التنمية االقتصادية‬


‫املستدامة‬
‫ّ‬
‫حيتـل قطاع الطاقـة مكانة بـارزة يف دول العامل بوصفه املحـرك الرئيس‬
‫لتطـور البلـدان وهنضتهـا االقتصاديـة؛ على الرغـم مـن التحديـات التـي‬

‫‪119‬‬
‫تواجهـه بسـبب االسـتهالك املتنامـي حمل ًّيـا وعامل ًّيـا بصـورة تفـوق معـدل‬
‫النمـو االقتصـادي؛ لـذا ارتبطت التنميـة املسـتدامة ارتبا ًطا وثي ًقـا بمصادر‬
‫الطاقـة التـي تسـتعملها‪ ،‬فلا يمكن احلديـث عن تنميـة مسـتدامة من دون‬
‫احلديـث عـن االعتماد على مصـادر نظيفـة ومتعـددة للطاقـة‪ ،‬فالعالقـة‬
‫وتقديـرا ألمهيـة الطاقة من أجـل التنميـة املسـتدامة‪ُ ،‬عنِ َي ْت‬
‫ً‬ ‫حتميـة بينهما‪.‬‬
‫هبـا اجلمعيـة العامـة لألمـم املتحـدة‪ ،‬بموجـب قرارهـا ‪ 65/151‬لسـنة‬
‫‪2012‬م‪ ،‬بوصفهـا السـنة الدوليـة للطاقـة املسـتدامة للجميـع؛ حيث متثل‬
‫السـنة الدوليـة للطاقـة املسـتدامة للجميـع فرصـة ثمينـة لزيـادة الوعـي‬
‫بأمهيـة احلصـول املسـتدام واملتزايـد على الطاقـة‪ ،‬والوعـي بكفايـة الطاقة‪،‬‬
‫الصعد املحليـة‪ ،‬والوطنيـة‪ ،‬واإلقليميـة‪ ،‬والدولية؛‬ ‫والطاقـة املتجـددة على ُّ‬
‫أثـرا عمي ًقا على اإلنتاجية‪ ،‬والصحـة‪ ،‬والتعليم‪،‬‬ ‫حيـث إن خلدمـات الطاقة ً‬
‫وتغير املنـاخ‪ ،‬واألمـن الغذائي واملائـي‪ ،‬وخدمـات االتصـاالت؛ ولذلك‬
‫يعـوق عـد ُم إمكانيـة الوصول إىل مصـادر طاقة نظيفـة‪ ،‬ومعقولـة التكلفة‪،‬‬
‫وموثـوق هبـا التنميـ َة البرشيـة‪ ،‬واالجتامعيـة‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬كام أنه ُيشـكِّل‬
‫عقبـة أمـام حتقيق‪ ‬األهـداف اإلنامئيـة لأللفيـة‪.‬‬
‫ُعـرف الطاقـة بأهنـا‪« :‬القـدرة على القيـام بعمـل مـا»‪ .‬فأ ًّيـا مـا كان‬ ‫وت ّ‬
‫العمـل‪ ،‬فكر ًّيـا أو عضل ًّيـا‪ ،‬فإنـه يتط َّلـب إلنجـازه كميـة مالئمـة مـن الطاقة‬
‫(طالبـي وسـاحل‪2008 ،‬م)‪ .‬وتتضـح أمهيـة عنصر الطاقة لسـببني‪ ،‬األول‪:‬‬
‫كونـه مسـتمدً ا من املـوارد الطبيعيـة‪ ،‬واآلخر‪ :‬ألن ناتـج اسـتعامل الطاقة يعدُّ‬
‫أخطـر املخرجـات‪ ،‬وهـو الـذي يؤثـر على البيئـة؛ وبالتـايل يكـون لـه عالقة‬
‫اجللي أن الطاقة‬
‫ِّ‬ ‫رئيسـة بمتطلبـات حتقيـق التنميـة البرشيـة؛ حيث أصبـح من‬
‫تعـدُّ مـن العوامل املؤثـرة عىل التنميـة املسـتدامة‪ .‬إن موضوع الطاقـة يعدُّ من‬
‫املوضوعـات الرئيسـة عامل ًّيـا؛ للعالقـة املرتابطة بينه وبين التنميـة االجتامعية‬

‫‪120‬‬
‫واالقتصاديـة‪ .‬وحيتـل قطـاع الطاقـة وتقنياتـه مكانـة بـارزة بوصفـه املحـرك‬
‫الرئيـس لتطـور البلاد وهنضتهـا االقتصاديـة‪ ،‬كما أن هـذا القطـاع يواجـه‬
‫حتديـات كبرية بسـبب االسـتهالك املتنامي للكهربـاء‪ .‬وتُعدّ تكلفـة الطاقة من‬
‫املكونـات املهمـة يف املنافسـة الصناعية وأشـكال النفايات احليوانيـة والنباتية‪،‬‬
‫(موسشـيت‪2000 ،‬م)‪ ،‬وقـد أدى إدخـال البعـد البیئي يف جمـال االقتصاد إىل‬
‫تغییر مفهـوم التنمیـة االقتصاديـة مـن اسـتغالل املـوارد االقتصاديـة النادرة‬
‫إلشـباع احلاجات اإلنسـانية املتعددة واملتجـددة‪ ،‬إىل مفهوم التنمیة املسـتدامة‬
‫التـي حتافظ عىل املـوارد االقتصادیة لألجيـال القادمة؛ إذ إن اهلدف األسـايس‬
‫ٍ‬
‫متسـاو‬ ‫مـن تبني سـبل التنمیـة املسـتدامة هو القـدرة عىل التوصـل إىل توزیع‬
‫ومنطقـي ملسـتوى مـن الرفاهیـة االقتصادیـة یمكـن اسـتمراره دون نقص أو‬
‫إجحـاف بكثير من األجیـال املتعاقبـة (الكـواز‪2014 ،‬م)‪.‬‬
‫وعندمـا ُيـدرس اسـتهالك الطاقـة يف أي قطـاع اقتصـادي‪ ،‬فـإن‬
‫االسـتهالك النهائـي يمكـن دو ًمـا أن يـر ّد إىل واحـد أو أكثـر مـن مصـادر‬
‫الطاقـة األوليـة الثالثـة‪ :‬الوقـود األحفـوري‪ ،‬والطاقـة املتجـددة‪ ،‬والطاقة‬
‫النوويـة‪ ،‬كما يلي (إيفانـز‪2011 ،‬م)‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الوقـود األحفـوري التقليـدي (النفط اخلام‪ ،‬والغـاز الطبيعي‪ ،‬والفحم‬
‫وت ّثل ‪ %79.6‬مـن الطلب العاملي‪.‬‬ ‫احلجـري)‪ُ ،‬‬
‫‪ 2‬ـ الطاقـة املتجـددة (الطاقة الشمسـية‪ ،‬وطاقة الريـاح‪ ،‬والطاقة احليوية)‪،‬‬
‫وتعـدُّ الطاقة األوليـة فيها جمانيـة‪ ،‬ومتثل ‪ %6.8‬من الطلـب العاملي‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الطاقـة النوويـة (ذات ناتـج كربـوين منخفـض)‪ ،‬ومت ّثـل ‪ %13.1‬مـن‬
‫الطلـب العاملي‪.‬‬
‫لذلـك‪ ،‬فمن املهم القيام برتشـيد اسـتخدام الوقود األحفـوري‪ ،‬ومراعاة‬
‫«كفايـة الطاقة» باالسـتخدام األمثـل للطاقة بأعىل مسـتوى من تقليـل الفاقد‪،‬‬

‫‪121‬‬
‫واسـتخدام مـا يلزم منها فقـط لتحقيق هدف بعينـه‪ .‬وكام يوضح «السـويدان‪،‬‬
‫‪2008‬م»‪ ،‬فمسـألة حتسين كفايـة الطاقـة الكهربائية وترشـيد اسـتهالكها تعدُّ‬
‫اخليـار األهـم يف الوقـت احلـارض؛ إذ ُينظـر إليـه بوصفه ً‬
‫بديلا عن إنتـاج هذه‬
‫الطاقـة‪ ،‬وهـو يف معظـم احلـاالت ـ إن مل يكـن يف مجيعهـا ـ أقـل تكلفـة على‬
‫االقتصـاد مـن إقامة حمطـات جديدة إلنتـاج الطاقـة الكهربائية‪.‬‬

‫وعىل سـبيل املثـال‪ ،‬يمكن اسـتخدام املصابيـح ذات اسـتخدام الطاقة‬


‫املنخفـض لكميـة الضـوء نفسـها باملقارنـة بالنوعيـات االعتياديـة‪ ،‬وعلى‬
‫الرغـم مـن ارتفـاع تكلفتهـا فإهنـا ذات مـردود اقتصـادي عنـد األخـذ يف‬
‫االعتبـار تكلفـة الطاقـة املوفـرة عبر أوقـات التشـغيل الطويلـة‪ .‬وىف جمال‬
‫التكييـف فـإن اسـتخدام العـزل احلـراري للمبـاين ُيق ّلـل كميـة الطاقـة‬
‫املسـتخدمة‪ .‬كذلـك فإن اسـتخدام أسـاليب إدارة األمحال للمبـاين اإلدارية‬
‫والتجاريـة والصناعيـة يـؤدي إىل خفـض اسـتهالك الطاقـة‪.‬‬
‫ويمثـل قطـاع النقل ‪ %25‬مـن الطلب العاملي على الطاقـة‪ ،‬ويعدُّ أكثر‬
‫القطاعـات اسـتهالكًا للطاقة األحفورية؛ بسـبب سـهولة ختزيـن البنزين أو‬
‫الديـزل يف املركبـات‪ .‬وباإلمجـال‪ ،‬فـإن تأمني مصـدر غري ملوث ومسـتدام‬
‫للطاقـة ليلبـي حاجاتنا املنزليـة والتجارية والصناعية هو حتـدٍّ معقد وطويل‬
‫حـل املشـكالت‪ ،‬وهنـاك حلول‬ ‫األمـد‪ ،‬لكـن اإلنسـان بطبيعتـه قـادر عىل ّ‬
‫تلـوح يف األفـق يمكـن بواسـطتها جعل مصادر طاقة املسـتقبل مسـتدامة‪.‬‬
‫املشكالت الناجتة عن استخدامات مصادر الطاقة التقليدية‬
‫هنـاك كثري مـن املشـكالت اخلطرة التـي ظهـرت نتيجة اسـتخدامات‬
‫مصـادر الطاقـة التقليديـة التي انعكسـت سـل ًبا على البيئة‪ ،‬ومـن أبرزها ما‬
‫ييل (حممـود‪2012 ،‬م)‪:‬‬

‫‪122‬‬
‫‪ 1‬ـ ارتفـاع حـرارة منـاخ الكـرة األرضيـة‪ :‬معظـم املشـكالت الناجتـة عـن‬
‫االسـتخدام املتزايـد ملصـادر الطاقـة التقليديـة مشـكالت بيئيـة‪ ،‬وأمههـا‪:‬‬
‫ارتفـاع درجـة حـرارة املحيـط الذي نعيـش فيه‪ .‬ويعتقـد معظـم العلامء أن‬
‫درجـة احلرارة ترتفـع بمعدل ‪ 0.3‬درجـة مئوية يف كل عقـد؛ نتيجة لزيادة‬
‫تركيـز بعـض الغـازات يف اجلـو‪ ،‬مثـل غاز ثـاين أكسـيد الكربـون (‪.)Co2‬‬
‫احلمض ّيـة‪ :‬مـن املخاطـر اجلانبيـة حلـرق الوقود‪ :‬تسـاقط األمطار‬ ‫‪ 2‬ـ األمطـار ِ‬
‫احلمضيـة؛ نتيجـة لوجود بعض املـواد النيرتوجينية يف الوقـود‪ ،‬مثل الفحم‬
‫تتكـون جزئ ًّيـا بواسـطة أكسـدة النيرتوجين يف اهلـواء؛‬
‫ّ‬ ‫واخلشـب‪ ،‬أو أهنـا‬
‫حيـث يتحـرر أكسـيد النيرتوجين بكميـات كبيرة مـن مكائن شـاحنات‬
‫النقـل والسـيارات ومـن حمطـات الطاقـة الكهربائيـة‪ ،‬فتتحـد مـع املـاء يف‬
‫اجلـو مكونـة حامـض الكربيتيـك وحامـض النيرتيـك؛ فيسـبب تسـاقط‬
‫األمطـار احلمضيـة على منطقـة مـا؛ األمـر الـذي يسـ ّبب تل ًفـا للنباتـات‪،‬‬
‫وتعطيلا لنمـو الغابـات‪ ،‬وتفتيتًـا لبعـض أجـزاء األبنيـة‪ ،‬وصـد ًأ للمعادن‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ 3‬ـ تلـوث البحـار بواسـطة النفـط‪ :‬إن حمطـات توليـد الطاقـة الكهربائية‪،‬‬
‫ومصـايف النفـط‪ ،‬واملصانـع الكبيرة؛ يمكنهـا أن تكـون أكثـر امللوثات‬
‫املنظـورة‪ ،‬بسـبب روائحهـا املميـزة‪ .‬وليسـت كل امللوثـات الضـارة‬
‫بالبيئـة سـببها حـرق الوقـود‪ ،‬لكـن هنـاك مسـببات أخرى‪ ،‬مثـل نقل‬
‫الوقـود عبر البحار‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ اإلشـعاع واملخلفـات النووية‪ :‬كان من املتو ّقع أن تكـون الطاقة النووية‬
‫أحـد املصـادر الرئيسـة يف إنتـاج الطاقـة الكهربائيـة‪ ،‬ولكن هـذا مل يتم‬
‫بسـبب املعارضة الواسـعة التـي تواجه إقامـة هذه املحطـات يف خمتلف‬
‫أنحـاء العـامل؛ حيـث إنـه بعـد حادثـة ترشنوبـل يف االحتـاد السـوفيايت‬
‫السـابق عـام ‪1986‬م‪ ،‬أصبحـت إقامـة مثـل هـذه املحطات حمـدودة‪،‬‬

‫‪123‬‬
‫كثيرا من املشـكالت املتعلقـة بمحطـات الطاقـة النووية‬ ‫ً‬ ‫كما أن هنـاك‬
‫مـن ناحيـة املواد املسـتخدمة يف االنشـطار النـووي تكون ذات إشـعاع‬
‫ٍ‬
‫عـال جـدًّ ا‪ ،‬وقسـم منها يبقـى مشـ ًّعا إشـعا ًعا نوو ًّيا لعشرات اآلالف‬
‫مـن السـنني‪ .‬كما أن طرائـق التخلـص مـن النفايـات النوويـة غير‬
‫مضمونـة‪ ،‬وباإلضافـة إىل ذلـك‪ ،‬فـإن تفكيـك املحطـات التـي انتهت‬
‫أيضا‪.‬‬
‫تسرب إشـعاع نـووي ً‬ ‫أعامرهـا االفرتاضيـة ُيسـ ّبب ّ‬
‫فوائد استخدام الطاقة املتجددة‬
‫دعـت احلاجـة إىل اسـتخدام طاقـات متجـددة تتم ّيـز بأهنـا أبديـة‬
‫وصديقـة للبيئة‪ ،‬عىل خلاف الطاقات التقليدية (القابلـة للنضوب)؛ حيث‬
‫إن خملفاهتـا تتسـ ّبب يف تلويـث البيئـة‪ ،‬كام هـي احلال عند احتراق البرتول؛‬
‫حيـث ينتـج عـن اسـتخدام الطاقـة املتجـددة كثير مـن الفوائـد‪ ،‬أبرزها ما‬
‫يلي (وزارة الطاقـة اإلمـارات العربية املتحـدة‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪:)2‬‬
‫ـ تُسـهم الطاقـة املتجددة يف خفض غـازات االحتباس احلـراري ومواجهة‬
‫التغير املناخي‪.‬‬
‫ّ‬
‫ـ نظافـة هـذه املصـادر على عكـس الطاقـات األحفوريـة التـي تزايـدت‬
‫التأكيـدات حـول تسـببها يف كثير مـن املشـكالت البيئيـة‪.‬‬
‫التنوع االقتصـادي وتوفري‬
‫ـ يمكـن لصناعـة الطاقة املتجـددة أن تُسـهم يف ّ‬
‫الوظائف‪.‬‬

‫‪ .4‬دور الطاقات املتجددة يف حتقيق التنمية املستدامة‬


‫متغريا أساسـ ًّيا مـن متغريات التنمية املسـتدامة؛‬
‫ً‬ ‫أصبحـت البيئـة اليوم‬
‫نظـرا ملا حيدثه التلوث من انعكاسـات سـلبية على املناخ من جهـة‪ ،‬ولكون‬ ‫ً‬

‫‪124‬‬
‫كثير مـن املوارد الطبيعيـة غري متجددة مـن جهة أخرى؛ مما حيتم اسـتغالهلا‬
‫وفـق قواعـد حتافـظ على البقـاء‪ ،‬وال تـؤدي إىل االختلال أو كبـح النمو‪،‬‬
‫وهـذا مـا يسـعى إليـه العامل مـن خلال تطويـر اسـتخدام الطاقـة املتجددة‬
‫لتحقيـق التنميـة املسـتدامة‪ ،‬وف ًقا لألبعـاد التالية (حـدة‪2012 ،‬م‪ ،‬ص ‪:)3‬‬
‫أ ـ الطاقة املتجددة واألبعاد البيئية للتنمية املستدامة‬
‫تعـرض جـدول أعمال القـرن احلـادي والعرشيـن إىل العالقات‬ ‫لقـد ّ‬
‫بين الطاقة واألبعـاد البيئيـة للتنمية املسـتدامة‪ ،‬خاصة تلـك املتعلقة بحامية‬
‫الغلاف اجلـوي مـن التلـوث الناجـم عـن اسـتخدام الطاقـة يف خمتلـف‬
‫النشـاطات االقتصاديـة‪ ،‬واالجتامعيـة‪ ،‬ويف قطاعـي الصناعـة والنقـل عىل‬
‫وجـه اخلصـوص؛ حيـث دعـت األجنـدة الــ ‪ 21‬إىل جتسـيد جمموعـة مـن‬
‫األهـداف املرتبطـة بحاميـة الغلاف اجلـوي‪ ،‬واحلدّ مـن التأثريات السـلبية‬
‫لقطـاع الطاقـة‪ ،‬مـع مراعـاة العدالـة يف توزيـع مصـادر الطاقـة وظـروف‬
‫الـدول التـي يعتمـد دخلهـا القومـي عىل مصـادر الطاقـة األوليـة‪ ،‬أو تلك‬
‫التـي يصعب عليها تغيير نظم الطاقـة القائمة هبا‪ ،‬وذلك بتطوير سياسـات‬
‫الطاقـة املسـتدامة وبراجمها مـن خالل العمل على تطوير مزيـج من مصادر‬
‫الطاقـة املتوافـرة األقـل تلوي ًثـا؛ للحـدّ مـن التأثيرات البيئيـة غير املرغوبة‬
‫لقطـاع الطاقـة‪ ،‬مثـل انبعـاث غـازات االحتباس احلـراري‪ ،‬ودعـم برامج‬
‫البحـوث الالزمـة؛ للرفـع مـن كفايـة نظـم اسـتخدام الطاقـة وأسـاليبها‪،‬‬
‫إضافـة إىل حتقيـق التكامـل بين سياسـات قطـاع الطاقـة والقطاعـات‬
‫االقتصاديـة األخـرى‪ ،‬خاصـة قطاعـي النقـل والصناعة‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫ب ـ الطاقـة املتجـددة واألبعـاد االقتصاديـة واالجتامعيـة للتنميـة‬
‫املسـتدامة‬
‫الطاقة املتجددة والتنمية البرشية‬
‫تتضـح العالقـة بين التنميـة البرشيـة والطاقـة مـن خلال االرتبـاط‬
‫القـوي بني متوسـط اسـتهالك الفـرد مـن الطاقة ومـؤرش التنميـة البرشية‪،‬‬
‫خاصـة يف الـدول الناميـة‪ ،‬كما يـؤدي اسـتهالك الفرد مـن مصـادر الطاقة‬
‫مهما يف حتسين مـؤرشات التنمية البرشية عـن طريق تأثريها‬‫دورا ًّ‬
‫التجاريـة ً‬
‫يف حتسين خدمـات التعليـم والصحـة؛ وبالتـايل حتسين مسـتوى املعيشـة‪،‬‬
‫مصـدرا ال يمكن‬
‫ً‬ ‫وتعطـي الكهربـاء صـورة واضحـة حول ذلـك؛ إذ مت ِّثـل‬
‫اسـتبدال مصـدر آخـر للطاقة بـه يف اسـتخدامات كثيرة كاإلنـارة والتربيد‬
‫والتكييـف‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫تغيري أنامط اإلنتاج واالستهالك غري املستدام‬
‫تتنـوع هبـا أنماط‬
‫يعتبر قطـاع الطاقـة واحـدً ا مـن القطاعـات التـي ّ‬
‫اإلنتـاج واالسـتهالك‪ ،‬والتـي تتم ّيـز يف معظمهـا بمعـدالت هـدر مرتفعة‪.‬‬
‫ويف ِّ‬
‫ظـل الزيـادة املطـردة يف االسـتهالك نتيجـة للنمو السـكاين؛ فـإن األمر‬
‫يتط َّلـب تشـجيع كفاية اسـتخدام وقابلية اسـتمرار مـوارد الطاقة من خالل‬
‫وضـع سياسـات تسـعري مالئمـة؛ مـن شـأهنا إتاحـة حوافـز زيـادة كفايـة‬
‫االسـتهالك‪ ،‬واملسـاعدة على تطبيـق اإلصالحـات القانونيـة والتنظيميـة‬
‫التـي تؤكد رضورة االسـتغالل املسـتدام للمـوارد الطبيعيـة‪ ،‬وتنمية موارد‬
‫الطاقـة املتجـددة‪ ،‬إضافـة إىل تسـهيل احلصـول على التجهيـزات املتسـمة‬
‫بالكفايـة يف اسـتهالك الطاقة‪ ،‬والعمل على تطوير آليـات التمويل املالئمة‪.‬‬
‫ونقصـد بمصـادر الطاقـة املتجـددة تلـك املصـادر التـي ال تنضـب يف‬

‫‪126‬‬
‫الطبيعـة املشـتقة ـ جوهر ًّيا ـ من الطاقة اإلشـعاعية للشـمس‪ ،‬مثل‪ :‬حمطات‬
‫الطاقـة الشمسـية‪ ،‬وطاقـة الريـاح‪ ،‬والطاقـة الكهرومائيـة‪ ،‬والنفايـات‬
‫املتجـددة القابلـة لالحتراق‪ ،‬والوقـود احليوي‪ ،‬مثـل اإليثانول املشـتق من‬
‫حماصيـل احلبـوب‪ ،‬كما أن هنـاك مـن ُيلحق هبـا الطاقـة النوويـة؛ إذ إنه من‬
‫املتوقـع أن تبقـى متوافـرة خلال زمـن طويـل‪ ،‬وجيتمـع يف تلـك املصـادر‬
‫كلهـا أن اسـتخدامها لـن ُيسـهم يف ازديـاد الرتكيـز لغـازات الكربـون‪ ،‬كام‬
‫ُيعـاب عليهـا كفايـة الطاقـة القليلة‪.‬‬
‫ومن أكثر أشكال الطاقة املتجددة شيو ًعا‪:‬‬
‫الطاقة الشمسية‬
‫تعـدُّ الشـمس أكبر مصـدر للطاقـة يف هـذا الكـون‪ ،‬ومت ّثـل َمعينًـا‬
‫متجـد ًدا للطاقـة النظيفـة الصديقـة للبيئـة‪ ،‬وتنقسـم إىل نوعين‪ :‬شمسـية‬
‫حراريـة‪ ،‬وشمسـية كهربائيـة؛ حيـث ُيم ّثـل النـوع األول اسـتخدام أشـعة‬
‫مصـدرا للحـرارة‪ ،‬التـي تسـتخدم بدورهـا يف تسـخني امليـاه‬‫ً‬ ‫الشـمس‬
‫وأغـراض أخـرى‪ .‬أمـا النوع الثـاين فيتم فيه حتويل أشـعة الشـمس مبارشة‬
‫تيـارا‬
‫إىل كهربـاء مـن خلال مـواد تسـمى أشـباه املوصلات‪ ،‬التـي تُولـد ً‬
‫كهرب ًّيـا عنـد تسـاقط أشـعة الشـمس عليهـا (طالبـي وسـاحل‪2008 ،‬م)‪.‬‬
‫وتوجـد أنـواع كثرية مـن أشـباه املوصلات لعمل اخلاليـا الشمسـية‪ ،‬مثل‬
‫مـادة السـيلكون‪ ،‬وقـد ُصنعـت أوىل هـذه اخلاليـا بكفايـة عـام ‪1953‬م‪،‬‬
‫واسـتُخدمت يف إمـداد املركبـات الفضائيـة بالطاقـة‪ .‬وينتج السـيلكون من‬
‫الرمـال (أكسـيد السـيلكون)‪ ،‬وتكـون الطاقـة الشمسـية التـي تعتمـد عىل‬
‫اخلاليـا الكهروضوئيـة مناسـبة للمناطـق املنعزلـة البعيـدة عـن شـبكات‬
‫النقـل (موسشـيت‪2000 ،‬م)‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫طاقة الرياح‬
‫وهـي الطاقة املسـتمدة من حركة اهلـواء‪ ،‬وهي من أرسع أنـواع الطاقات‬
‫نموا يف العامل‪ ،‬وقد اسـتُخدمت يف السـابق عىل شـكل طواحني اهلـواء؛ لتأمني‬ ‫ًّ‬
‫القـدرة على طحن احلبـوب‪ ،‬وسـحب املـاء مـن األرض املنخفضـة‪ ،‬وحال ًّيا‬
‫ح َّلـت حملهـا التوربينـات الرياحيـة التـي تصـل طاقتهـا إىل ‪ 4.5‬ميغـاوات‪،‬‬
‫ودول ًّيـا تنتـج الدنمارك ‪ %20‬مـن إمجايل طاقتهـا الكهربائيـة من طاقـة الرياح‬
‫(إيفانـز‪2011 ،‬م)‪ .‬وهـي مناسـبة لتزويـد املجتمعـات الصغيرة بالطاقـة‬
‫الالزمـة لإلضاءة والـري‪ ،‬وهناك خطة جديـدة لبناء حمطات الطاقـة املتجددة‬
‫يف اململكـة؛ حيـث ُأعلـن عـن خطط لبنـاء ‪ 9‬غيغاوات مـن طاقـة الرياح عىل‬
‫طـول سـاحيل البحـر األمحـر واخلليج العـريب‪ ،‬بإرشاف مـن ِقبل مدينـة امللك‬
‫عبـد اهلل للطاقـة الذريـة واملتجـددة‪ .‬وقـد رصـدت احلكومـة ميزانيـة قدرهـا‬
‫‪ 109‬مليـارات دوالر ملرشوعـات مسـتقبلة يف جمـال الطاقـة املتجـددة عمو ًما‬
‫(موقـع مدينة امللـك عبدالعزيـز اإللكرتوين)‪.‬‬
‫الطاقة احليوية‬
‫تُشـكِّل هـذه الطاقـة ما نسـبته ‪ %14‬مـن احتياجـات الطاقـة يف العامل‪،‬‬
‫وقـد اسـتُخدمت سـاب ًقا مـن ِقبـل اإلنسـان عندمـا كان حيـرق اخلشـب‬
‫السـتخدام احلـرارة يف الطبـخ أو التدفئـة‪ ،‬وهـي طاقـة متجـددة ناجتـة عن‬
‫اسـتخدام مصـادر الكتلـة احليويـة‪ .‬وتتم ّثـل الكتلـة احليويـة يف كل املـواد‬
‫العضويـة القابلـة للحـرق أو التخمـر‪ ،‬مثـل املخلفـات الزراعيـة‪ ،‬سـواء‬
‫النباتيـة منهـا أو احليوانيـة‪ ،‬واملخلفـات الصناعيـة والبلديـة‪ ،‬كالبالسـتيك‬
‫وأوراق الكرتـون وبقايـا األطعمـة‪ .‬وتُسـهم هـذه الطاقـة يف املحافظـة عىل‬
‫املـوارد الطبيعيـة‪ ،‬واحلدّ مـن تلوث البيئـة؛ وذلك بتخفيض كميـة النفايات‬

‫‪128‬‬
‫باسـتعامل خمتلـف آليـات املعاجلـة‪ ،‬ولكـن من مشـكالهتا انبعـاث الكربون‬
‫عنـد اسـتخدامها‪ ،‬كما أن إنتـاج اإليثانول يتط ّلـب ما بين ‪ %29‬و‪ %57‬من‬
‫الطاقـة األحفورية‪.‬‬
‫وهنـاك طريقتـان رئيسـتان ملعاجلـة املخلفات احليويـة وحتويلهـا إىل طاقة‪،‬‬
‫مها ‪:‬‬
‫‪1‬ـ التحويـل احلـراري‪ :‬حيـث يتـم إحـراق الكتلـة احليويـة لتتحـول إىل‬
‫منتجـات غازيـة وسـائلة وصلبة مـع إنتاج كمية مـن الطاقـة احلرارية‪.‬‬
‫ويتـم بعدهـا اسـتعامل املـواد املنتجـة بوصفهـا وقـو ًدا حيو ًّيـا إلنتـاج‬
‫الطاقـة‪ .‬وتُصنَّـف عمليـات التحويـل احلـراري إىل ثلاث طـرق‪،‬‬
‫حسـب نوعيـة املنتـج املرغـوب فيـه‪ :‬احلـرق بوجـود كميـة كافيـة من‬
‫األكسـجني‪ ،‬واحلـرق بوجـود كمية قليلـة من األكسـجني‪ ،‬واحلرق من‬
‫دون أكسـجني‪.‬‬
‫‪ - 2‬التحويـل احليوي‪/‬البيولوجـي‪ :‬حيـث يتم تفكيـك املكونات العضوية‬
‫للنفايـات عـن طريـق عمليـة التخمـر بواسـطة كائنـات حيـة دقيقـة‪.‬‬
‫وتنقسـم هذه العمليـة إىل نوعني‪ :‬اهلضـم اهلوائي (التسـميد)‪ ،‬واهلضم‬
‫الالهوائـي إلنتـاج الغاز احليـوي أو امليثانـول (إيفانـز‪2011 ،‬م)‪.‬‬
‫ومـع ازدياد عـدد السـكان وتقدم النشـاط الصناعـي والتقنـي؛ تزداد‬
‫نسـبة توليـد النفايـات للفـرد الواحـد‪ ،‬وتعـدُّ عمليـة التخلـص مـن هـذه‬
‫النفايـات مـن أبـرز التحديـات التـي تواجـه املـدن الكبرى يف العـامل؛ لـذا‬
‫يتـم الرتكيـز على حتويـل املخلفـات احليويـة إىل طاقـة‪ ،‬والتقليل مـن خطر‬
‫النفايـات على البيئـة‪ .‬ويمكـن استرداد كميـات من الطاقـة‪ ،‬يبلـغ معدهلا‬
‫‪ 540‬كيلـووات مـن الطاقـة الكهربائيـة‪ ،‬و‪ 1200‬كيلـووات مـن الطاقـة‬
‫احلراريـة‪ ،‬وتعـدُّ الطاقـة احليويـة‪ ،‬املتمثلـة يف بعـض أشـكال املخلفـات‬

‫‪129‬‬
‫احليوانية والنباتية‪ ،‬من أشـكال الطاقة شـائعة االسـتخدام يف الـدول النامية‬
‫أكثـر مـن املتقدمـة (موسشـيت‪2000 ،‬م)‪.‬‬
‫الطاقة الكهرومائية‬
‫تعـدُّ الطاقـة الكهرومائيـة االسـتخدام األكبر للطاقـة املتجـددة حتى‬
‫اليـوم؛ حيـث ال تنتـج عنهـا انبعاثـات كربون‪ ،‬وتعتمـد عىل تدفـق كميات‬
‫كبيرة مـن املـاء عبر توربينـات هيدروليكيـة تصـل إىل ‪ 700‬ميغـاوات‪،‬‬
‫وتُشـكِّل ‪ %18‬مـن إنتـاج الكهرباء عامل ًّيـا‪ ،‬وقد تلحق هبا طاقـة املحيطات‪/‬‬
‫طاقـة املد واجلـزر‪ ،‬ولكـن يعتمد تطويرهـا على اجلغرافيا املحليـة يف بلدان‬
‫مثلا كنـدا تنتـج ‪ 3/2‬مـن الكهربـاء مـن الطاقـة‬ ‫التضاريـس اجلبليـة‪ً ،‬‬
‫الكهرومائيـة (إيفانـز‪2011 ،‬م)‪.‬‬
‫الطاقة اجليوحرارية‬
‫تعـدُّ احلرارة اجلوفية طاقات حرارية دفينـة يف أعامق األرض وموجودة‬
‫بشـكل خمـزون مـن امليـاه السـاخنة‪ ،‬أو البخـار‪ ،‬أو الصخور احلـارة؛ حيث‬
‫يتـم حتديـد درجـات احلـرارة السـائدة عمي ًقـا يف قشرة األرض بوصفهـا‬
‫ً‬
‫حمتملا للطاقة من أجـل التدفئة وتوليـد الكهرباء باملناطق النشـطة‬ ‫مصـدرا‬
‫ً‬
‫جيولوج ًّيـا‪ ،‬كما يمكـن اسـتعامهلا يف اسـتخدامات زراعيـة أو صناعيـة‪،‬‬
‫وجتفيـف املحاصيـل يف صناعـة الـورق والنسـيج‪ ،‬وتسـتخدم الطاقـة‬
‫اجليوحراريـة يف أمريـكا والصين وأيسـلندا (طالبـي وسـاحل‪2008 ،‬م)‪.‬‬
‫الطاقة النووية‬
‫تتميـز الطاقة النوويـة بعدم انبعاث الكربـون‪ ،‬وترتكّز يف إنتـاج الكهرباء‪،‬‬
‫ً‬
‫مفاعلا نوو ًّيـا قيـد االسـتخدام يف العـامل‪ ،‬تنتـج طاقـة تراكميـة‬ ‫ويوجـد ‪435‬‬
‫مقدارهـا ‪ 369‬غيغـاوات‪ ،‬وهنـاك ‪ 30‬دولة اختارت السـعي خلـف هذا النوع‬

‫‪130‬‬
‫مـن الطاقـة‪ ،‬مثـل فرنسـا التـي تنتـج ‪ %78‬مـن الكهربـاء باسـتخدامها يف عام‬
‫‪2009‬م‪ ،‬ويف عـام ‪2001‬م شـكلت الطاقـة النوويـة ‪ %17‬مـن إنتـاج الكهرباء‬
‫عامل ًّيـا؛ حيـث يتـم اسـتخدام اليورانيـوم وقـو ًدا طبيع ًّيـا للمحطـات النوويـة‪،‬‬
‫وتقـدّ ر مـدة توافـره بأكثـر مـن ‪ 1000‬عـام؛ ممـا يعطـي انطبا ًعا باالسـتدامة يف‬
‫النهايـة؛ لكـن تبقى مشـكلة أمـان املحطات النوويـة ـ مثل كارثـة ترشنوبل عام‬
‫حائل أمام التوسـع يف اسـتخدامها‪ ،‬باإلضافة إىل‬‫‪1986‬م ـ والنفايـات النوويـة ً‬
‫تكلفة إنشـاء املحطـات النوويـة املرتفعة (مـون‪2014 ،‬م)‪.‬‬
‫وبعـد اسـتعراض أنـواع الطاقة املتجـددة‪ ،‬يبقـى أن نشير إىل مزاياها؛‬
‫حيـث إهنـا متوافـرة يف معظـم دول العـامل‪ ،‬ومصدرهـا حملي‪ ،‬وحتافـظ عىل‬
‫الصحـة العامة‪ ،‬ونظيفة وال تلـوث البيئة‪ ،‬كام أهنا اقتصادية يف االسـتخدام‪،‬‬
‫وذات عائـد اقتصادي كبير؛ حيث توفر التكاليـف‪ ،‬وال تصاحبها ضوضاء‬
‫فرصـا اقتصاديـة‬ ‫ً‬
‫جمـال جتار ًّيـا واعـدً ا‪ ،‬وتو ِّفـر ً‬ ‫وسـهلة االسـتعامل‪ ،‬وتعـدُّ‬
‫كبيرة‪ ،‬كام أهنـا تدعـم التوجه نحـو التنمية املسـتدامة‪.‬‬
‫أمـا التحديـات التـي تواجههـا‪ ،‬فإنـه يصعـب توفريها عنـد الطلب يف‬
‫الوقـت الراهـن‪ ،‬وتتط ّلـب اسـتامرات أولية ضخمـة‪ ،‬كام أن استرداد رأس‬
‫ً‬
‫طويل‪.‬‬ ‫املال يسـتغرق وقتًـا‬

‫‪ .5‬دور العلوم والتقنية يف التنمية املستدامة‬


‫خلـق اهلل سـبحانه وتعـاىل البيئة الصاحلة ملعيشـة اإلنسـان وجعل فيها‬
‫كل يشء بقـدر‪ ،‬وجعـل بين عنارصهـا املختلفـة ومواردها الطبيعيـة توازنًا‬
‫يضمـن االسـتمرار إىل أجل مسـمى‪ .‬وقـد أسـهمت االكتشـافات العلمية‬
‫والتقنيـة يف تنامـي القـدرة على اسـتغالل تلـك املـوارد؛ حتـى وصلت إىل‬
‫كثيرا مـن‬
‫ً‬ ‫نطـاق مل يسـبق لـه مثيـل‪ ،‬كما أفـرزت تلـك التطـورات التقنيـة‬

‫‪131‬‬
‫خصوصـا يف ظـل تزايـد أعـداد البشر‪ ،‬وهنـا‬
‫ً‬ ‫التأثيرات البيئيـة السـلبية‪،‬‬
‫البـد أن يتغري مسـار تلك التقنيـات إىل تسـخريها لصيانة املـوارد الطبيعية‪،‬‬
‫واملحافظـة على البيئـة بشـكل يتيـح لإلنسـان احلصـول على احتياجاتـه‬
‫احلاليـة؛ مراع ًيـا يف الوقـت نفسـه احتياجـات األجيـال القادمة‪.‬‬
‫وأدت الثـورة املعرفية واملعلوماتية إىل إحداث تغیری جذري يف نمط حیاة‬
‫املجتمعـات‪ ،‬وهـي بمثابة حتـوالت أعطت الصـدارة للمعرفـة واملعلوماتیة؛‬
‫فأخـذت تؤثـر يف املجـاالت املتعددة االجتامعیـة‪ ،‬واالقتصادیة‪ ،‬والسیاسـیة‪،‬‬
‫والثقافیـة؛ حیث تتفاعـل تلك املجتمعات مـع املعرفة واملعلوماتیة بأسـلوب‬
‫مسـتمر‪ ،‬ومتطـور‪ ،‬وفعال؛ ممـا یؤدي إىل الوصـول إىل نتائـج إجیابیة يف طریق‬
‫حتقیق التنمیة املسـتدامة (الكـواز‪2014 ،‬م)‪.‬‬
‫ومت ّثـل العلـوم والتقنيـة املحـرك الرئيـس للتقـدم االقتصـادي‬
‫واالجتامعـي؛ حيـث تسـاعد املعـارف العلميـة والتقنيـة على حتسين‬
‫القـدرات‪ ،‬ورفـع مسـتويات املعيشـة‪ ،‬وختفيف درجـة الفقـر يف دول العامل‬
‫النامـي‪ ،‬والبـد أن تتـم ضمـن األطر واحلـدود التـي يضعها علـم البيئة من‬
‫خلال توجيه دفة البحـث العلمي‪ ،‬وتعزيز الربامج واألنشـطة العلمية التي‬
‫تأخـذ باالعتبـار ربـط العلـوم باحتياجـات املجتمـع وأولوياتـه‪ ،‬واالهتامم‬
‫بالتقنيـات اخلضراء وتوطينهـا؛ مـن أجـل حتسين األحـوال االجتامعيـة‬
‫واالقتصاديـة لألفـراد‪ ،‬دون اإلرضار باملـوارد الطبيعيـة واألنظمـة البيئيـة‬
‫التـي حتفـظ اسـتمرار احليـاة على األرض (النصر‪1418 ،‬هــ)‪.‬‬
‫وتُسـهم العلـوم والتقنيـة يف فهـم أفضـل لآلليـات التـي يتـم فيهـا‬
‫التلـوث‪ ،‬ويف تصميـم العمليـات واختيـار الصناعات غري امللوثـة‪ ،‬وتطوير‬
‫التقنيـات التـي تسـاعد على محايـة اسـتهالك املـوارد الطبيعية وترشـيدها‪،‬‬
‫والعمـل مـن أجـل السـيطرة على مصـادر التلـوث ومشـكالته‪ ،‬والقيـام‬

‫‪132‬‬
‫بالبحـوث الالزمـة لتعديـل املـواد أو العمليـات لتصبـح أقـل تلوي ًثـا‪ .‬إن‬
‫مثل‪ ،‬خاصـة تطوير تقنيـات مصارف‬ ‫االسـتثامر يف بحـوث التغري املناخـي ً‬
‫جديـدة لثاين أكسـيد الكربـون‪ ،‬يعدُّ مـن الصناعات ذات املزايـا االقتصادية‬
‫التنافسـية‪ ،‬كام تُسـهم العلـوم والتقنية يف معاجلـة النفايات‪ ،‬وقيـام صناعات‬
‫تقـوم على تدويرهـا واالسـتفادة منهـا؛ حيـث إهنا تعـدُّ إحـدى الصناعات‬
‫ً‬
‫مسـتقبل (الرشـيد‪1423 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫الواعـدة يف العـامل‬
‫ويـرى البعـض أن تقنيـة املعلومـات هـي األسـاس اجلديـد الـذي‬
‫سـتعتمد عليـه املجتمعـات املعـارصة‪ ،‬وثمـة مزايـا كثيرة مـن وجهـة‬
‫النظـر البيئيـة‪ ،‬فتحسين اجلـودة البيئيـة يعتمـد باطـراد على تطويـر تقنيات‬
‫املعلومـات ونرشهـا‪ ،‬مثل عمليـات الضبط وإخـراج النفايات‪ ،‬كما أن فهم‬
‫كبريا‬ ‫املشـكالت العامليـة‪ ،‬مثـل التغري املناخـي وآثاره الدفينـة‪ ،‬يتط ّلب ً‬
‫قـدرا ً‬
‫مـن املعلومـات اخلاصة التـي ال يمكن تلبيتها مـن دون حتقيق تقـدم يف تقنية‬
‫املعلومـات (موسشـيت‪2000 ،‬م)‪.‬‬
‫لذلـك يضيف بعضهـم البعد التكنولوجـي إىل األبعاد الثالثة األساسـیة‬
‫للتنميـة املسـتدامة (االقتصاديـة‪ ،‬واالجتامعيـة‪ ،‬والبيئيـة)‪ ،‬وأن هـذا البعد هو‬
‫الـذي هیتـم بالتحـول إىل تكنولوجیـات أنظـف وأكفأ تنقـل املجتمع إىل عرص‬
‫صیانـة املـوارد (غنیـم‪ ،‬وأبو زنـط‪2008 ،‬م)‪ ،‬كام أهنا تعمل على تطور املعرفة‬
‫لتحسین قدرة الفـرد املتعلم عىل اكتسـاب املعرفة واسـتخدامها؛ مما یؤدي إىل‬
‫زیـادة قدراتـه على مواجهة حاجاتـه؛ وبالتايل حتقیق مسـتویات معیشـة أعىل‪.‬‬
‫والبحـث واالبتـكار یعملان على مضاعفـة ما یمكـن من فـرص وإنجازات‬
‫على املسـتوىني الفردي واملجتمعـي‪ .‬والتعلیم وإن كان يف حد ذاتـه یعدُّ هد ًفا‪،‬‬
‫فإنـه یلـزم حتقیقـه ملـا یرتتـب علیـه مـن فوائـد عامـة وخاصـة‪ ،‬كما أنـه یعـدُّ‬
‫كذلك وسـیلة لتحقیـق النمـو والتنمیة االقتصادیـة‪ ،‬واالجتامعیـة‪ ،‬والثقافیة‪،‬‬
‫مـن خالل دفـع اإلنتـاج واإلنتاجیة (الكـواز‪2014 ،‬م)‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫ويعـدّ قطـاع الطاقـة املحـرك الرئیـس لتطـور اإلنسـانیة وهنضتهـا‬
‫االقتصادیـة واالجتامعیـة؛ لـذا فقـد اهتمـت مراكـز البحـوث العلمیـة يف‬
‫اجلامعـات واملؤسسـات املتخصصـة يف كثیر مـن دول العـامل بإجـراء املزیـد‬
‫مـن الدراسـات لتلبیـة احتیاجـات املجتمـع من االسـتهالك املتنامـي للطاقة‪،‬‬
‫وإجيـاد بدائـل مـن خلال التكنولوجیـات املسـتحدَ ثة التـي تسـاعد على‬
‫حتسـن يف االقتصـاد مـن خلال‬ ‫مواجهـة التحدیـات املسـتقبلة‪ ،‬وتـؤدي إىل ّ‬
‫الطاقـة املتجـددة التي تكون خالیـة من التلـوث‪ ،‬وتوفر للمجتمـع احتیاجاته‬
‫مـن الطاقـة والوظائـف؛ إذ إن هنـاك جهـو ًدا مبذولـة يف نشر مصـادر الطاقة‬
‫املتجـددة مـن خلال اسـتخدام الطاقـة الشمسـیة‪ ،‬وطاقـة الریـاح‪ ،‬والطاقـة‬
‫اهلیدروجینیـة‪ .‬وتتمثـل أهـم أهـداف تطویـر الطاقـة املتجـددة يف التوفیق بنی‬
‫التنمیـة االقتصادیـة واالجتامعیـة‪ ،‬واملحافظة على البیئة‪ ،‬وبنـاء طاقة متجددة‬
‫متنوعـة متثـل فیهـا الطاقـة البدیلـة مكانـة مهمـة‪ ،‬لتسـهم يف حتقیـق التنمیـة‬
‫املسـتدامة‪ ،‬وتلبیـة الطلـب املتصاعـد على الطاقـة (الكـواز‪2014 ،‬م)‪.‬‬
‫ويشير «صديقـي‪1433 ،‬هــ» إىل أنـه مـع الثامنينيـات ظهـر مـا‬
‫ُيعـرف بالنظريـة اجلديـدة للنمـو االقتصـادي‪ ،‬التـي أوضحـت أن ‪%60‬‬
‫مـن الفـوارق االقتصاديـة بين الـدول املتقدمـة والـدول الناميـة ناجتـة من‬
‫أيضا‬
‫االسـتثامر يف العلـوم األساسـية والتقنيـة‪ .‬ومـن نتائـج هـذه النظريـة ً‬
‫أن االقتصـاد العاملـي سـيجني عائـدات اقتصاديـة عاليـة وطويلـة املـدى‬
‫إن اسـتثمر يف األبحـاث العلميـة والتطويريـة‪ ،‬أكثـر ممـا سيكسـبه نتيجـة‬
‫االسـتثامر يف جمـاالت كسـوق األسـهم والعقار‪ ،‬بـل عىل العكس‪ ،‬سـيدفع‬
‫العـامل ثمنًـا غال ًيا إن أمهـل االقتصاد املبني على العلوم والتقنية؛ فاالسـتثامر‬
‫مهـد ّ‬
‫حلل كثري‬ ‫يف العلـوم األساسـية‪ ،‬املبنـي عىل رؤيـة ونظرة شـموليتني‪ُ ،‬ي ّ‬
‫مـن األمـور التي تعـوق التنميـة‪ .‬فأبحـاث اخلاليـا اجلذعية تفتـح األبواب‬

‫‪134‬‬
‫متهـد إلنتـاج‬
‫لعلاج أمـراض مثـل الزهايمـر والشـلل‪ ،‬وأبحـاث النانـو ّ‬
‫خاليـا شمسـية فائقة الفاعليـة‪ ،‬وكذلك فإن أبحـاث الطاقة املتجـددة تفتح‬
‫املجـال أمـام إقامـة اقتصـاد مسـتدام (صديقـي‪1433 ،‬هـ)‪.‬‬
‫إن الرتكیـز عىل اسـتخدام تكنولوجیـا املعلومات واالتصاالت سـوف‬
‫یعـزز اجتـاه دعـم أهـداف تطویـر بیئـة مسـتدامة‪ .‬ویتطلـب حتقیـق أهـداف‬
‫التنمیـة املسـتدامة إجیاد تغيرات سیاسـیة‪ ،‬واقتصادیـة‪ ،‬وبیئیة‪ ،‬ومؤسسـیة‪،‬‬
‫وتضـم يف خطـة شـاملة للتنمیـة‪ ،‬وتضمن حتقیـق توظیـف املـوارد الطبیعیة‬
‫ورأس املـال البشري بطریقـة اقتصادیـة؛ لتحقیـق نمو اقتصـادي هیدف إىل‬
‫االرتفـاع بنوعیـة احلیاة‪ ،‬مـع احلفاظ على نوعیة البیئـة ومصادرهـا الطبیعیة‬
‫لألجيـال احلالیـة والقادمة (الكـواز‪2014 ،‬م)‪.‬‬
‫وتقـوم األطـراف بتشـجيع التعـاون لتطويـر التقانـة‪ ،‬وتطبيقهـا‪ ،‬ونرشها‪،‬‬
‫ونقلهـا‪ ،‬واإلجـراءات والعمليـات التـي تتحكـم باإلصـدارات البرشيـة مـن‬
‫الغـازات الدفيئـة غير املتحكم هبـا يف اتفاقيـة مونرتيـال‪ ،‬أو حتدّ منهـا‪ ،‬أو متنعها‬
‫(الفقـرة الثالثة من املادة الرابعة يف االتفاقيـة اإلطارية لتغري املناخ ‪.)UNFCCC‬‬
‫وترتكـز أمهيـة التقانـة يف تطويـر طرائـق جديـدة ألعمال قديمـة‪ ،‬أو‬
‫قيما مضافة عاليـة من خالل‬‫طرائـق جديـدة ألعمال جديدة‪ .‬وحت ّقـق التقانة ً‬
‫اعتامدهـا على اإلنتـاج املعريف‪ ،‬وتتجـاوز مشـكلة حمدودية املـوارد باعتامدها‬
‫على رأس املـال البشري‪ .‬وتُسـهم التقانـة يف رفـع إنتاجيـة العامـل بشـكل‬
‫كبير‪ ،‬إضافـة إىل دورهـا يف التخفيـف مـن التلـوث البيئـي واحلفـاظ على‬
‫املـوارد‪ .‬وهـي عملية معقـدة‪ ،‬وبحاجـة إىل تدخل الدولة‪ ،‬خاصـة يف الدول‬
‫الناميـة؛ ألهنـا بحاجـة إىل اسـتثامرات ضخمة يف البشر‪ ،‬خاصـة يف املراحل‬
‫األوىل (نصر‪2001 ،‬م)‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫ومـن أهم العوامل التـي أدت إىل االهتامم باسـتخدام التقنيـة (ديفيس‪،‬‬
‫‪2004‬م)‪:‬‬
‫ٍ‬
‫كسر للحواجـز التقليديـة بين‬ ‫‪1‬ـ العوملـة االقتصاديـة ومـا رافقهـا مـن‬
‫األسـواق‪ ،‬وتعميم لبعض أنامط السـلوك االسـتهالكي عىل املجتمعات‬
‫كافـة‪ ،‬وذلـك على تبايـن الثقافـات السـائدة يف هـذه املجتمعـات‪،‬‬
‫وتفـاوت مسـتويات املعيشـة فيهـا‪ .‬ويـرى الباحـث فرانسـيس‬
‫كارنكـروس ‪ Francis Cairncross‬أن أكبر عاملين يف نمو االقتصاد‬
‫العاملـي مهـا‪ :‬الثـورة املعلوماتيـة والعوملـة‪ ،‬ويف رأيه فـإن العامل األول‬
‫يو ّلـد الثـاين‪ ،‬وينتـج اهنيـار احلـدود أمـام التجـارة اخلارجيـة والدوليـة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ االسـتخدام املك ّثـف للمعلومـة يف العمليـات اإلنتاجيـة‪ ،‬وقـد مت َّثـل‬
‫تطـورا‪ ،‬وأسـاليب‬
‫ً‬ ‫أساسـا باالعتماد املتزايـد على تقانـات أكثر‬
‫ذلـك ً‬
‫عمل أشـد تعقيـدً ا‪ ،‬مع ما يسـتدعيه ذلك مـن رضورة اللجـوء بصورة‬
‫متزايـدة إىل مهـارات متخصصـة وخبرات متنوعـة مـن أجل تشـغيل‬
‫تلـك التقانـات وإدارة هـذه األسـاليب‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ التطـور الكبير يف بيئـة األعمال احلاليـة‪ ،‬ومـا أدى إليـه مـن تغيرات‬
‫مهمـة يف بنيـة األنشـطة االقتصاديـة وأسـاليب ممارسـتها‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ التغير التكنولوجـي الرسيـع وانخفـاض تكاليـف النقـل واالتصـاالت‬
‫جعلا مـن األوفـر اقتصاد ًّيـا إجـراء تكامـل بين العمليـات املتباعـدة‬
‫جغراف ًّيـا‪،‬ونقـلاملنتجـاتواملكونـاتعبرأرجـاءالعـاملبح ًثـاعـنالكفاية‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ املنافسـة املتزايـدة التـي أجبرت الوحـدات االقتصاديـة عىل اكتشـاف‬
‫طرائـق جديـدة لزيـادة كفايتهـا‪ ،‬بام يف ذلك اسـتخدام أسـواق جديدة‪،‬‬
‫وتغيير أماكـن أنشـطة إنتاجية معينـة لتقليـل التكاليف‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫ويعمـل التطـور الكبير يف جمـال التكنولوجيـا‪ ،‬الـذي يرتكـز بشـكل‬
‫كبير على احلاسـوب واالتصـاالت‪ ،‬على توسـيع انتشـار املعلومـات‬
‫واسـتخداماهتا‪ ،‬واالنتقال بتكنولوجيا املعلومـات إىل التكنولوجيا الرقمية؛‬
‫مما سـيضاعف مـن حجم التـداوالت وخـزن املعلومات‪ ،‬وبتكلفـة تقارب‬
‫الصفـر‪ ،‬ويف الوقـت نفسـه‪ ،‬فإن انتشـار االتصاالت يزيد مـن رسعة تداول‬
‫املعلومـات (ديفيـس‪2004 ،‬م)‪.‬‬
‫مهم‬
‫دورا ًّ‬
‫ومـن هـذا يتضـح أن لتكنولوجيا املعلومـات واالتصـاالت ً‬
‫يف تعزيـز التنميـة البرشيـة‪ ،‬واالقتصاديـة‪ ،‬واالجتامعيـة‪ ،‬والثقافيـة؛ وذلك‬
‫ملـا هلـذه األخرية مـن خصائـص متميـزة وأكثر كفايـة من وسـائل االتصال‬
‫التقليديـة‪ .‬وتكنولوجيـا املعلومات واالتصاالت واسـعة االنتشـار تتخطى‬
‫بذلـك احلـدود اجلغرافيـة والسياسـية للـدول‪ ،‬لتصـل إىل أي نقطـة مـن‬
‫العـامل عجـزت أن تصـل إليهـا وسـائل االتصـال القديمـة‪ ،‬كما أهنـا متتـاز‬
‫بكثـرة املعلومـات والربامـج التثقيفيـة والتعليميـة وتنوعهـا لـكل خمتلـف‬
‫رشائـح البشر‪ ،‬وهـي متاحة يف أي مـكان وزمـان‪ ،‬وبتكلفـة منخفضة‪ .‬إهنا‬
‫مهما للمعلومـات‪ ،‬سـواء لألفـراد أو الوحـدات االقتصادية‬ ‫مصـدرا ًّ‬
‫ً‬ ‫تعـدُّ‬
‫مهم يف تنمية العنرص‬‫دورا ًّ‬
‫بمختلـف أنواعها أو للحكومات‪ ،‬كام أهنا تـؤدي ً‬
‫البشري مـن خلال الربامج التـي تعرض مـن خالهلـا‪ ،‬كربامـج التدريب‬
‫والتعليـم وغريهـا‪ .‬وهلذا يكـون من الضروري االهتامم هبـذه التكنولوجيا‬
‫وتطويـر اسـتخدامها بشـكل ف ّعـال‪ ،‬مـع تعليـم األفـراد وتدريبهـم على‬
‫اسـتعامهلا‪ ،‬وتوعيتهـم بأمهيتهـا يف التنمية والتطور (ديفيـس‪2004 ،‬م)‪ .‬وملا‬
‫كانـت التقنيـة مفتـاح التنمية املسـتدامة‪ ،‬فسنسـتعرض يف هـذا اجلزء بعض‬
‫اخلصائـص واملجـاالت اخلاصة بأشـكال التقنيـة الدائمة‪ ،‬كام سنسـتعرض‬
‫مـدى احلاجة إىل إحداث أشـكال التقنيـة اجلديدة يف جمـاالت توليد الطاقة‪،‬‬

‫‪137‬‬
‫واإلنتـاج الصناعـي‪ ،‬والزراعـة‪ ،‬والنقل؛ ألن هذه النشـاطات هي السـبب‬
‫األسـايس وراء التدهـور البيئي (موسشـيت‪2000 ،‬م)‪.‬‬
‫لقـد كان اسـتخدام التقنيـة هـو الوسـيلة األساسـية لزيـادة إنتاجيـة‬
‫اإلنسـان‪ ،‬ومـا ترتب على ذلك من ارتفـاع مسـتوى املعيشـة‪ .‬والتقنية التي‬
‫حلل مشـكالت املايض‪،‬‬ ‫ترتكـز عىل التنمية املسـتدامة تعدُّ املفتاح األسـايس ّ‬
‫ومنـع املشـكالت التي سـتظهر يف املسـتقبل؛ حيث تسـتخدم طاقـة أقل‪ ،‬أو‬
‫أنوا ًعـا بديلـة مـن الوقـود إلنتـاج الطاقة‪ ،‬وإخـراج القليـل مـن النفايات‪،‬‬
‫وتقليـل التلـوث البيئـي من خلال التقـدم التقنـي الكبير‪ .‬إن أي تقدم قد‬
‫حلـل املشـكالت‪ ،‬مثل مصـادر الطاقة‬‫يتجسـد يف شـكل منهج جديـد متا ًما ّ‬ ‫ّ‬
‫املتجـددة التي تلغـي احلاجة إىل الوقود األحفوري (موسشـيت‪2000 ،‬م)‪.‬‬
‫وأشـكال تقنيـة التنميـة املسـتدامة هـي تلك األنـواع التـي تعتمد عىل‬
‫التقنيـة الوقائيـة والنظيفـة‪ ،‬وينبغـي أن تتوافـر جتار ًّيا بشـكل تنافيس مقبول‬
‫اجتامع ًّيا (موسشـيت‪2000 ،‬م)‪.‬‬
‫وتعـدُّ تقنيـة الطاقة أهم جمـاالت الطاقة التي ينبغي تنفيذها عىل أسـس‬
‫دائمـة؛ إذ إن توليـد الطاقة واسـتخدامها مها املسـؤوالن عن أكرب نسـبة من‬
‫نسـب التلوث بكل أشـكاله؛ وهلذا السـبب يسـتحيل تنفيذ تنمية مسـتدامة‬
‫مـن دون وجـود تقنيـة جديـدة للطاقـة؛ ألن الطلـب على الطاقـة إلنتـاج‬
‫السـلع واخلدمـات يف الصناعـة والنقـل ومن أجـل تلبية احلاجـات اليومية‬
‫يتزايـد باطـراد‪ ،‬ولـو ُوجـدت تقنيـة للطاقـة رخيصـة وغري ملوثـة‪ ،‬ألمكن‬
‫اسـتخدام جمموعة مـن أشـكال التقنيـات اجلديدة األقـل تلوي ًثا‪ ،‬واملناسـبة‬
‫اقتصاد ًّيـا يف جمـاالت الصناعة والزراعـة والنقل (موسشـيت‪2000 ،‬م)‪.‬‬
‫وقـد اقرتنـت التطـورات االقتصاديـة التـي شـملت دول العـامل‬

‫‪138‬‬
‫الصناعـي‪ ،‬منـذ منتصـف القـرن املـايض على وجـه التحديـد‪ ،‬بقيـام تلك‬
‫الـدول بوضـع سياسـات‪ ،‬وإستراتيجيات‪ ،‬وخطـط علمية وتقنيـة فاعلة‪،‬‬
‫ترمـي إىل تسـخري املـوارد واإلمكانـات العلميـة والتقنيـة وتوجيههـا نحـو‬
‫األهـداف واألولويـات الوطنيـة؛ وهـو األمـر الـذي مكَّنهـا واقع ًّيـا مـن‬
‫مواجهـة التحديـات التـي اعرتضتهـا بخطـى ثابتـة وواثقـة‪ ،‬والوصول هبا‬
‫نحـو ناصيـة التقدم االقتصـادي والصناعي الذي تعيشـه اليـوم‪ ،‬ومن تلك‬
‫التحديـات (الرشـيد‪1423 ،‬هـ)‪:‬‬
‫ـ التحول من االقتصاد الوطني املنغلق إىل االقتصاد العاملي املفتوح‪.‬‬
‫ـ التحول من اهتاممات املدى القصري إىل اهتاممات املدى البعيد‪.‬‬
‫ـ التحول من التقنيات املحدودة والبسيطة إىل التقنيات العالية واملتقدمة‪.‬‬
‫ً‬
‫متمثل يف‬ ‫ـ التحـول مـن املجتمـع الصناعـي إىل جمتمـع مـا بعـد الصناعـة‪،‬‬
‫جمتمـع املعـارف واملعلومـات‪ ،‬الـذي قـاد بـدوره إىل تغريات أساسـية يف‬
‫طبيعـة النمـو ومصادره؛ حيـث إن «املعـارف» أصبحت مصادر أساسـية‬
‫جديـدة للنمـو االقتصادي‪ ،‬جن ًبـا إىل جنب مـع املصادر التقليديـة للنمو‪،‬‬
‫كـرأس املـال والعاملة‪.‬‬
‫التحـول مـن مفاهيم نظريـات التنميـة االقتصادية التقليديـة‪ ،‬التي تعتمد‬
‫ّ‬ ‫ـ‬
‫على التـدرج واملرحليـة‪ ،‬إىل مفاهيـم اقتصـاد املعرفـة واملعلومـات دفعـة‬
‫واحـدة‪ ،‬دون املـرور التدرجيـي على مرحلـة الصناعـة التقليديـة‪ ،‬كام هو‬
‫شـاهد يف جتـارب الـدول الصناعيـة اجلديدة يف آسـيا‪.‬‬
‫ُم َ‬
‫ـ التحـول ً‬
‫أيضـا إىل املفاهيـم اجلديـدة للنمـو االقتصـادي‪ ،‬التي تسـتند إىل‬
‫أن اسـترياد التقنيـة واسـتخدامها بذاهتـا ال حيققـان قيمـة مضافـة عاليـة؛‬
‫ومـن ثـم معـدالت نمـو منشـودة لالقتصـاد‪ ،‬بـل إن التجديـد واالبتكار‬

‫‪139‬‬
‫املسـتمرين يف هـذه التقنيـة يعـدان العامـل األهـم واحلاسـم يف حتقيـق‬
‫معـدالت نمـو عاليـة ورسيعـة‪.‬‬

‫اخلالصــة‬
‫حاولنـا التوضيـح يف هـذا الفصـل كيـف أن االسـتدامة االقتصاديـة‬
‫هـي املشروع اجليـد للسلام واألمـن العامليين‪ ،‬والبديـل لأليديولوجيات‬
‫الرأسمالية واالشتراكية؛ حيـث يتـم مـن خالهلـا حتقيـق معـدالت مقبولة‬
‫للتنميـة‪ ،‬مع احلفـاظ عىل البيئة وثرواهتـا‪ ،‬وضامن حقوق األجيـال القادمة‪،‬‬
‫وذلـك بمعاجلـة املشـكالت االقتصاديـة واالجتامعيـة والبيئيـة‪ ،‬النامجة عن‬
‫القيـم والقناعـات للثقافـة االقتصاديـة التقليديـة‪ .‬وال يتأتى ذلـك من دون‬
‫التحـول يف منظومـة الطاقة من مصـادر الطاقـة التقليدية‪ ،‬مثـل النفط اخلام‬
‫والفحـم احلجـري والغـاز الطبيعـي‪ ،‬إىل مصـادر متجـددة ومتنوعـة لطاقة‬
‫خصوصا‬
‫ً‬ ‫نظيفـة مثـل‪ :‬الطاقـة الشمسـية وطاقة الريـاح والطاقـة احليويـة‪،‬‬
‫يف ظـل املشـكالت الناجتـة عـن اسـتخدام مصـادر الطاقـة التقليديـة مثـل‬
‫ارتفـاع حـرارة األرض واألمطـار احلمضيـة وتلـوث البحـار وغريهـا‪..‬‬
‫ولتحقيـق هـذه الطموحـات جمتمعة‪ ،‬البـد من األخـذ بعني االعتبـار أمهية‬
‫دور العلـوم والتقنيـة يف التحـول إىل تقنيـات أنظـف وتسـخريها يف صيانـة‬
‫املـوارد الطبيعيـة واملحافظـة على البيئة بشـكل يتيح لإلنسـان احلصول عىل‬
‫احتياجاتـه احلاليـة‪ ،‬مراع ًيـا يف الوقـت نفسـه احتياجات األجيـال القادمة‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫املراجــــع‪:‬‬
‫أمحد‪ ،‬أوصـاف (‪2004‬م)‪ .‬التنميـة االقتصادية من منظور إسلامي‪ ..‬عود‬
‫على بدء‪ .‬جملـة جامعة امللـك عبدالعزيـز لالقتصاد اإلسلامي‪ ،‬مج‬
‫‪ ،17‬ع ‪ ،1‬ص ‪ .83-53‬جدة‪.‬‬
‫إيفانـز‪ ،‬روبـرت (‪2011‬م)‪ .‬شـحن مسـتقبلنا بالطاقـة‪ ..‬مدخـل إىل الطاقة‬
‫املسـتدامة‪ ،‬ترمجـة‪ :‬د‪ .‬فيصـل حـردان‪ ،‬مدينـة امللـك عبدالعزيـز‬
‫للعلـوم والتقنيـة‪ ،‬الريـاض‪.‬‬
‫تـوادور‪ ،‬ميشـيل (‪2006‬م)‪ .‬التنمية االقتصادية‪ ،‬ترمجة‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬حممود حسـن‬
‫حسـني‪ ،‬الرياض‪ :‬دار املريخ للنشر‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫حـدة‪ ،‬فروحـات (‪2012‬م)‪ .‬الطاقـات املتجـددة كمدخل لتحقيـق التنمية‬
‫املسـتدامة يف اجلزائر‪ ..‬دراسـة لواقع مرشوع تطبيق الطاقة الشمسـية‬
‫يف اجلنـوب الكبري باجلزائـر‪ ..‬جملة الباحـث‪ ،‬ع‪ ،11‬جامعة قاصدي‬
‫مرباح‪ ،‬ورقلـة‪ ،‬اجلزائر‪.‬‬
‫ديفيس‪ ،‬سـتان (‪2004‬م)‪ .‬بنـاء االقتصاد املبني عىل املعرفـة‪ ..‬التحديات والفرص‪.‬‬
‫مركز اإلمارات للدراسـات والبحوث اإلسرتاتيجية‪ ،‬أبوظبي‪.‬‬
‫الرشـيد‪ ،‬عبـداهلل (‪1423‬هـ)‪ .‬السياسـة الوطنيـة للعلوم والتقنيـة ودورها يف‬
‫نمو االقتصاد السـعودي‪ ..‬ورقـة عمل مقدمة لندوة الرؤية املسـتقبلية‬
‫لالقتصاد السـعودي‪ ،‬وزارة االقتصـاد والتخطيط‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫أبوزنـط‪ ،‬ماجـدة؛ وعثمان‪ ،‬حممـد غنيـم (‪2004‬م)‪ .‬التنميـة املسـتديمة‪..‬‬
‫إطـار فكـري‪ ،‬دراسـة يف فلسـفة املفهـوم واملحتـوى‪ ،‬جملـة املنـارة‬
‫بجامعـة آل البيـت‪ ،‬األردن‪ ،‬املفـرق‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫صديقـي‪ ،‬زكـي (‪1433‬هــ)‪ .‬عالقـة أبحـاث العلـوم األساسـية بالتنميـة‬
‫املسـتدامة‪ .‬ورقة عمـل مقدمة للمؤمتر السـعودي اخلامـس للعلوم‪،‬‬
‫جامعـة أم القـرى‪ ،‬مكة‪.‬‬
‫طالبـي‪ ،‬حممد؛ وسـاحل‪ ،‬حممـد (‪2008‬م)‪ .‬أمهية الطاقة املتجـددة يف محاية‬
‫البيئـة ألجـل التنمية املسـتدامة‪ .‬جملة الباحـث‪ ،‬ع‪ ،6‬جامعة قاصدي‬
‫مرباح‪ ،‬ورقلـة‪ ،‬اجلزائر‪.‬‬
‫العبـادي‪ ،‬نايـف بـن حممد (‪2010‬م)‪ .‬ترشـيد الطاقـة باململكـة‪ ،‬ورقة عمل‬
‫مقدمـة لورشـة اإلطـار االسرتشـادي العـريب‪ ،‬املتطلبـات العامـة‬
‫واإلجـراءات الالزمـة‪ .‬القاهـرة‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫عبدالرمحـن‪ ،‬أسـامة (‪1982‬م)‪ .‬البريوقراطيـة النفطيـة ومعضلـة التنميـة‪،‬‬
‫سلسـلة عـامل املعرفـة‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫علام‪ ،‬عثمان (‪2011‬م)‪ .‬التنمية بني املنظـور الغريب واملنظور اإلسلامي‪ .‬جملة‬
‫معـارف‪ ،‬العلوم القانونيـة واالقتصادية‪ ،‬جامعة بويـرة‪ ،‬ع‪ ،10‬اجلزائر‪.‬‬
‫الغامـدي‪ ،‬عبـداهلل بـن مجعان (‪2007‬م)‪ .‬الــتنمية املســتدامة بين احلق يف‬
‫اسـتغالل املـوارد الطبيعيـة واملسـؤولية عـن محايـة البيئـة‪ ،‬جامعـة‬
‫امللـك سـعود‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫القريـويت‪ ،‬حممد قاسـم (‪1988‬م)‪ .‬واقع نظريـات التنمية الغربيـة وإمكانية‬
‫تطبيقهـا يف الـدول النامية‪ .‬جملة جامعـة امللك عبدالعزيـز لالقتصاد‬
‫واإلدارة‪ .‬ص ‪ ،97-75‬جدة‪.‬‬
‫الكـواز‪ ،‬سـعد (‪2014‬م)‪ .‬املعرفـة واملعلوماتيـة‪ ..‬الطريـق نحـو التنميـة‬
‫املسـتدامة‪ ،‬جملـة كليـة بغـداد للعلـوم االقتصاديـة‪ ،‬العـدد اخلـاص‬
‫باملؤمتـر العلمـي املشترك‪ ،‬بغـداد‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫حممـود‪ ،‬عبداحلكيـم (‪2012‬م)‪ .‬املصـادر التقليديـة للطاقـة وأرضارهـا‪،‬‬
‫منظمـة املجتمـع العلمـي العـريب‪ ،‬استرجعت بتاريـخ‬
‫‪1435/7/29‬هــ مـن موقـع‪.http://www.arsco.org :‬‬
‫موسشـيت‪ ،‬ف‪ .‬دوجلاس (‪2000‬م)‪ .‬مبـادئ التنميـة املسـتدامة‪ ،‬ترمجة‪:‬‬
‫هباء شـاهني‪ ،‬الـدار الدوليـة لالسـتثامرات الثقافيـة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫نصر‪ ،‬ربيـع (‪2004‬م)‪ .‬رؤيـة للنمو االقتصادي املسـتدام يف سـوريا‪ ،‬هيئة‬
‫ختطيط الدولة‪ ،‬دمشـق‪.‬‬
‫النصر‪ ،‬عبـداهلل (‪1418‬هـ)‪ .‬دور التقنيـة يف التنمية املسـتدامة‪ ،‬جملة العلوم‬
‫والتقنيـة‪ ،‬ع ‪ ،41‬ص ‪ ،58-56‬الرياض‪.‬‬
‫وزارة الطاقـة (د‪.‬ت)‪ ،‬اسـتخدام الطاقة املتجـددة يف دول اخلليج‪ ،‬أبوظبي‪،‬‬
‫استرجعت بتاريـخ ‪1435/7/29‬هـ من موقع‪:‬‬
‫‪http://weather1.pme.gov.sa/applied-studies/dirasa5.pd‬‬
‫‪Another drop in nuclear generation. 2010, http://www.world-‬‬
‫‪nuclear-news.org.‬‬

‫االتفاقيات‪:‬‬
‫‪ -‬اتفاقيـة األمـم املتحـدة اإلطاريـة بشـأن تغيير املنـاخ‪1992 ،‬م‪ ،‬األمـم‬
‫املتحـدة‪ ،‬استرجعت بتاريـخ ‪1435/7/19‬هــ‪ ،‬مـن موقـع‪:‬‬
‫‪Httpll//unfecc.int/resource/docs/convkp/convarabic.pdf.‬‬

‫‪ -‬االتفاقيـة البيئيـة العامليـة اجلديـدة (‪ ،)GGND‬برنامـج األمـم املتحـدة‬


‫استرجعت بتاريـخ ‪1435/7/19‬هــ مـن موقـع‪:‬‬ ‫للبيئـة ‪ُ ،UNEP‬‬
‫‪www.unep.orgLpdfLA-globle-Green-New-Deal-Policy-Brief.pdf.‬‬

‫‪143‬‬
‫الفصل اخلامس‬

‫التنمية البيئية املستدامة‬

‫بدر بن عجاج القاسمي‬


‫التنمية البيئية املستدامة‬
‫املقدمــة‬
‫ً‬
‫متفاعلا مـع كل مـا هـو موجـود‬ ‫يعيـش اإلنسـان يف هـذه األرض‬
‫فيهـا‪ ،‬فيبنـي أرستـه وجمتمعه وحضارتـه وتتـواىل أجياله لتتـوارث احلياة يف‬
‫أحضـان هـذه الطبيعـة ‪ ،Nature‬التي سـخرها اهلل بكل ما فيهـا من عنارص‬
‫وظواهـر وقوانين وسـنن ونواميـس‪ ،‬فيأخذ منهـا البرش ما يكفـي لغذائهم‬
‫ودوائهم ولباسـهم وبناء مسـاكنهم وسـد احتياجاهتم‪ .‬ويكتشـف اإلنسـان‬
‫أرسارهـا ويطـور علومـه ومعارفـه عنهـا‪ ،‬وكلام توسـعت دائـرة تفاعله مع‬
‫الطبيعـة يتعرف بعمق وشـمولية على حميطـه ‪.Surrounding‬‬
‫عنصرا مـن عنـارص حميطـه؛ فهـو يؤثـر ويتأثـر ويأخذ‬
‫ً‬ ‫ُيعـد اإلنسـان‬
‫ويعطـي ويتبـادل العالقة بشـكل مبارش وغير مبارش ويتفاعل مـع العنارص‬
‫األخـرى واملوجـودات واألشـياء‪ ،‬سـواء أكانـت كائنـات حيـة أم مجـا ًدا‪،‬‬
‫فتلـك هـي بيئتـه ‪ Environment‬التـي توفـر لـه أسـباب حياتـه‪ .‬ولكـي‬
‫يسـتمر على هـذا الكوكـب البـد لـه مـن التعامـل معهـا بطريقـة عقالنية؛‬
‫حيـث ال حيـاة مـن دون بيئـة سـليمة معافـاة قـادرة على تلبيـة حاجـة هذا‬
‫اجليـل واألجيـال القادمة‪.‬‬
‫ونظـرا ألمهيـة البيئـة لإلنسـان ولبقية الكائنـات ودورها يف إسـعادهم‬
‫ً‬
‫أحيانًـا وإشـقائهم أحيانًـا أخرى‪ ،‬هيدف هـذا الفصل إىل متكين القارئ من‬
‫اإلجابـة عن التسـاؤالت التالية‪:‬‬
‫واصطالحا؟‬
‫ً‬ ‫‪1‬ـ ما البيئة‪ ،‬لغة‬
‫وعلم وفلسفة؟‬
‫‪ 2‬ـ ما البيئة‪ ،‬معرفة ً‬
‫‪ 3‬ـ ما القواعد النظرية للبيئة؟‬

‫‪147‬‬
‫‪ 4‬ـ ما عنارصها ومكوناهتا؟‬
‫‪ 5‬ـ ما التنمية البيئية املستدامة؟‬
‫‪ 6‬ـ ما الفروق بني التنمية التقليدية والتنمية املستدامة؟‬
‫‪ 7‬ـ ما األخطار واملهددات والقضايا البيئية املستحدثة؟‬
‫‪ 8‬ـ ما خصائص اإلدارة املستدامة للبيئة‪ ،‬اإلسرتاتيجيات والسياسات؟‬
‫‪ 9‬ـ ما أفضل املامرسات البيئية؟‬
‫‪ 10‬ـ اخلالصة‪.‬‬

‫واصطالحا؟‬
‫ً‬ ‫‪ .1‬ما البيئة‪ ..‬لغة‬
‫أصبحـت كلمـة البيئة كثيرة التـداول ومتعـددة االسـتخدامات‪ .‬وال‬
‫نبالـغ إن قلنـا‪ :‬إن القرن احلادي والعرشين بدأ مشـواره بصحبـة كلمة البيئة‬
‫التـي أثرت يف الفكر والفلسـفة والعلـوم والنظرة إىل التنميـة‪ ،‬وللتعرف إىل‬
‫معناهـا اللغـوي ومفهومها وأثرها سـنورد النقـاط التالية‪:‬‬
‫معنى البيئة يف اللغة‬
‫البيئـة يف اللغـة العربيـة مشـتقة من «البـوء» أي املرجع‪ ،‬وهـو يدل عىل‬
‫إصلاح املـكان وهتيئتـه للمبيـت أو النـزول واإلقامـة فيـه‪ ،‬ويعنـي النزول‬
‫ً‬
‫ومنزل؛ حيـث يقول اهلل تعاىل‪:‬‬ ‫مسـتقرا‬
‫ًّ‬ ‫واحللـول يف املكان ليتخذه اإلنسـان‬
‫ـو ُءوا الدَّ َار َو ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫يما َن﴾ (احلرش‪( .)9 :‬أبو غـدة‪2009 ،‬م)‪.‬‬‫ال َ‬ ‫﴿وا َّلذيـ َن َت َب َّ‬
‫َ‬
‫ويف اللغـة اإلنجليزيـة كلمـة ‪ environment‬مشـتقة مـن ‪ viror‬التـي‬
‫تعنـي يـدور‪ ،‬أمـا ‪ in/viron‬فتعنـي‪ :‬يطـوق أو حييـط‪ ،‬أي أهنـا جمموعـة‬
‫الظـروف أو املثيرات اخلارجيـة التـي تؤثر يف حيـاة الكائنات احليـة بام فيها‬
‫اإلنسـان‪ .‬وجيـدر بالذكـر أن العلامء املسـلمني اسـتخدموا كلمـة «بيئة» منذ‬

‫‪148‬‬
‫القـرن الثالـث اهلجـري لإلشـارة إىل الوسـط الطبيعـي (اجلغـرايف واملـكاين‬
‫واألحيائـي)‪ ،‬الـذي يعيـش فيـه الكائن احلـي‪ ،‬وكذلـك إىل املنـاخ االجتامعي‬
‫(السـيايس واألخالقـي والفكـري) املحيـط باإلنسـان‪ ..‬وبالتـايل فـإن البيئـة‬
‫تشير إىل أولئـك البشر الذيـن يسـكنون أو يقيمـون فيهـا ومجيـع املخلوقـات‬
‫واملوجـودات التـي حتـل مـع اإلنسـان وتسـتوطن مواضـع عيشـه‪ ،‬مثـل‬
‫احليوانـات والنباتـات واألشـجار (معلـوف‪2010 ،‬م)‪.‬‬
‫معنى البيئة يف االصطالح‬
‫من أهم التعريفات التي طرحتها املراجع العلمية ملصطلح البيئة ما ييل‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ البيئـة‪ :‬وتنقسـم عنـد علماء العلـوم احليويـة والطبيعيـة إىل بيئـة حيويـة‬
‫‪ ،Biology‬وهـي كل ما يتعلق بحياة اإلنسـان نفسـه‪ ،‬مـن تكاثر ووراثة‬
‫وعالقتـه بالكائنـات احليـة األخـرى كاحليوانـات والنباتـات‪ ،‬وبيئـة‬
‫طبيعيـة ‪ ،Nature‬وهـي التـي تشـمل املـاء والتراب واألرض واجلـو‪،‬‬
‫وبيئـة الظروف والعوامـل اخلارجيـة ‪ ،Environment‬وهـي التي تؤثر‬
‫يف الكائنـات احليـة (بام فيها االنسـان) واجلامدات‪ ،‬سـواء أكانت ظواهر‬
‫كالطقـس واملناخ والريـاح واألمطـار واجلاذبية أم عالقـات متبادلة بني‬
‫كل العنـارص واملكونـات (عبد الوهـاب‪1994 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ املحيـط ‪ :Surrounding‬وهوالـذي يوجـد فيـه اإلنسـان‪ ،‬إضافـة إىل‬
‫عوامـل وعنارص تؤثـر يف تكوينه وأسـلوب حياته‪ ،‬وهـي اإلطار الذي‬
‫يمارس فيـه اإلنسـان حياته وأنشـطته املختلفـة يف األرض التـي يعيش‬
‫عليهـا واهلـواء الـذي يتنفسـه واملـاء الـذي يرتـوي منـه واملوجـودات‬
‫املحيطـة بـه مـن كائنات حيـة (حيوانـات ونباتـات) أو مجاد‪ ،‬كما تعني‬
‫أيضـا املـكان الـذي تتوافـر فيـه العوامل املناسـبة ملعيشـة كائـن حي أو‬
‫ً‬
‫جمموعـة مـن الكائنـات احليـة (أبو غـدة‪2009 ،‬م)‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫يمكـن القـول ممـا سـبق‪ :‬إن البيئـة تعنـي ذلـك املحيـط الـذي يعيـش‬
‫الكائـن احلي وسـطه‪ ،‬وألن اإلنسـان جـزء من هـذا الوجود وهـذا الكون‬
‫فـإن بيئة اإلنسـان هي الكـون بكل عنـارصه ومكوناته؛ حيـث يعيش حياته‬
‫ومؤثـرا يف املحيـط؛ لذلـك فـإن البيئـة هلـا جوانـب مادية ملموسـة‬
‫ً‬ ‫متأثـرا‬
‫ً‬
‫وجوانـب معنويـة غري ملموسـة‪.‬‬

‫وعلم وفلسفة؟‬
‫‪ .2‬ما البيئة‪ ..‬معرفة ً‬
‫كلمـة ‪ Ecology‬تعنـي علـم البيئة الـذي أقامـه العامل األملاين إرنسـت‬
‫هيغـل ‪ Ernest Haeckel‬عـام ‪1866‬م بعـد أن دمـج كلمتين يونانيتين‪:‬‬
‫‪ Oikes‬تعنـي السـكن و‪ Logos‬تعنـي العلـم‪ ،‬وهـو يـرى أنه علـم يدرس‬
‫عالقـة الكائنـات احلية بالوسـط الـذي تعيش فيـه وكذلك يـدرس غذاءها‬
‫أيضـا‬
‫وطـرق معيشـتها وتواجدهـا كمجتمعـات وجتمعـات‪ ،‬ويـدرس ً‬
‫العوامـل غير احليـة مثـل خصائـص املنـاخ (حـرارة‪ ،‬رطوبة‪ ،‬إشـعاعات‪،‬‬
‫غـازات‪ ،‬ميـاه‪ ،‬هـواء)‪ ،‬باإلضافـة إىل اخلصائـص الفيزيائيـة والكيميائيـة‬
‫للأرض واملـاء واهلـواء (زملـاط‪2009 ،‬م)‪.‬‬
‫مـن جهـة أخـرى‪ ،‬يـرى املقـدادي يف كتابـه املوسـوم بـ«أساسـيات‬
‫علـم البيئـة احلديث»‪ ،‬املنشـور عـام ‪2006‬م‪ ،‬أن علـم البيئة أو علـم التبيؤ‬
‫‪ Ecology‬هـو الدراسـة العلميـة لتـوزع وتلاؤم الكائنات احلية مـع بيئاهتا‬
‫املحيطـة‪ ،‬وكيـف تتأثـر هـذه الكائنـات بالعالقـات املتبا َدلـة بين األحيـاء‬
‫كافـة وبيئاهتـا املحيطـة‪ ،‬سـواء أكانت عالقـات فيزيائية ال حيويـة كالطقس‬
‫واجليولوجيـا (طبيعـة األرض) أم عالقـات حيويـة للكائنـات احليـة يف‬
‫موطنهـا البيئي (مقرهـا البيئـي) ‪ .habitat‬ويطرح املقدادي تقسـيامت لعلم‬
‫البيئـة كالتـايل (املقـدادي‪2006 ،‬م‪ ،‬ص‪:)7‬‬

‫‪150‬‬
‫‪ 1‬ـ علـم البيئـة الفرديـة ‪ :Autecology‬الـذي هيتم بدراسـة نـوع واحد أو‬
‫التداخلات احليويـة يف جمموعـة مرتابطـة مـن األنـواع يف بيئـة حمددة‪،‬‬
‫ويعتمـد على التجربـة يف الدراسـة‪ ،‬سـواء املخربيـة أو امليدانيـة‪ ،‬جلمع‬
‫املعلومـات البيئية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ علـم البيئـة اجلامعيـة ‪ :Synecology‬وهـو نـوع من االجتـاه اجلامعي يف‬
‫الدراسـة‪ ،‬وفيـه تـدرس العوامـل احليـة (مجيع أنـواع الكائنـات احلية)‬
‫والعوامـل غير احليـة يف منطقـة بيئيـة حمددة‪ .‬ويقسـم هـذا العلم إىل‪:‬‬
‫ـ علم البيئة الربية ‪.Terrestrial Ecology‬‬
‫ـ علم البيئة املائية ‪.Aquatic Ecology‬‬
‫ـ علم البيئة البحرية ‪.Marine Ecology‬‬
‫كثيرا مـن الفـروع املتعلقـة بـه‪،‬‬
‫ً‬ ‫كما أن دائـرة علـم البيئـة تشـمل‬
‫ومنهـا‪ :‬إدارة احليـاة الربيـة ‪ ،Wildlife Management‬وعلـم الغابـات‬
‫‪ ،Forestry‬وعلـم بيئـة املتحجـرات ‪ ،Pale ecology‬وعلـم املحيطـات‬
‫‪ ،Oceanography‬وعلـم اجلغرافيـا احلياتيـة ‪ ،Biogeography‬وعلـم‬
‫تلـوث البيئـة ‪ ،Pollution Ecology‬وعلـم التقانات البيئيـة ‪Ecological‬‬
‫‪ ،Technology‬وعلـم البيئـة الفسـيولوجي ‪Physiological Ecology‬‬
‫وغريهـا مـن احلقـول املعرفيـة‪.‬‬
‫وهكـذا يتضـح مـدى صعوبة فصـل علم البيئـة عن غريه مـن العلوم؛‬
‫فهـو مرتبـط بكل فـروع علـوم األحيـاء والفسـيولوجيا واحليـوان والنبات‬
‫والكيميـاء احليويـة والوراثـة والتطور‪ ،‬وكذلـك علم السـلوك والبيولوجيا‬
‫أيضـا بعلـم اإلحصـاء (توزيـع‬ ‫اجلزيئيـة والتقانـات احليويـة‪ ،‬ويرتبـط ً‬
‫البيانـات) وهـو يسـتخدم احلاسـوب يف حتليـل النتائـج وإعطـاء أفضـل‬
‫الوسـائل لعرضهـا وتوضيحهـا‪ ،‬ولـه ارتبـاط بعلـوم الكيميـاء والفيزيـاء‬

‫‪151‬‬
‫واجليولوجيـا واهلندسـة والصيدلـة والطـب والزراعـة بشـتى فروعها؛ أي‬
‫أنـه متداخـل ومتشـابك مـع العلـوم ‪.interdisciplinary‬‬
‫وإلدراك مـا يبحثـه علم البيئـة‪ ،‬ينبغي التعرف عىل الطيـف البيولوجي‬
‫‪ ،Biological Spectrum‬وهـو أوىل خطـوات علـم احليـاة الـذي يتألـف‬
‫مـن حلقـات ملكونـات تُرسـم يف وضـع أفقـي بحيـث ال تأخـذ فيـه حلقة‬
‫أمهيـة أكثر مـن حلقـة أخرى‪.‬‬
‫الشكل رقم (‪ )3‬الطيف البيولوجي‬

‫أجهزة‪ -- -‬أعضاء ‪ ---‬أنسجة–‪ --‬خاليا –‪ُ --‬عضيات‪ ---‬جزيئات‬


‫‪Organells -- Cells --Tissues -- Organs - Systems Molecules -‬‬
‫‪/‬‬
‫كائنات حية ‪Organisms --‬‬
‫‪/‬‬
‫مجاعات ‪ ---‬جمتمعات حيوية ‪ ---‬أنظمة بيئية ‪ ---‬الكرة احلية‬
‫‪Ecosphere - Ecosystems - Communities - Populations‬‬

‫املصدر‪ :‬املقدادي‪2006 ،‬م‪ ،‬ص‪.8‬‬

‫يتبين مـن الشـكل أن الصـف األعىل يمثـل جمال عمـل العـامل البيئي‪.‬‬
‫أمـا األسـفل فيمثـل جمـال فروع علـم احليـاة األخرى‪.‬‬
‫وجيـدر بالذكـر أن علـم البيئة طرح قاعدة أساسـية تقول‪ :‬إنـه ال يمكن‬
‫لعضـو معين أن يمارس وظيفـة معينـة إال إذا كان ضمـن جهـاز يضمـن له‬
‫البقـاء واالسـتمرارية‪ ،‬كما أن اجلامعـة السـكانية احلياتيـة هلـا فرصـة بالبقاء‬
‫أفضـل ضمن املجتمـع البيئي‪ ،‬واملجتمع بدوره يكون ضمـن النظام البيئي‪..‬‬

‫‪152‬‬
‫وهكـذا حتـى يصـل املطـاف إىل الكـرة احليـة التـي حتـوي كل جمموعـات‬
‫األنظمـة البيئيـة‪ .‬ولـوال وجـود الكـرة احليـة لتداعـت تلـك احللقـات وملـا‬
‫ُوجـد الطيـف البيولوجي واحليـاة بأكملهـا (املقـدادي‪2006 ،‬م‪ ،‬ص‪.)8‬‬
‫البيئة يف جمال الفلسفة‬
‫أوضـح الغامدي يف دراسـته املوسـومة بــ «التنمية املسـتدامة بني احلق‬
‫يف اسـتغالل املـوارد الطبيعيـة واملسـؤولية عـن محايـة البيئة»‪ ،‬املنشـورة عام‬
‫‪2007‬م‪ ،‬تأثير قضايـا البيئـة على الفكـر والفلسـفة؛ حيـث أدى الشـعور‬
‫بتدهـور بيئـة األرض إىل ظهـور السياسـة اإليكولوجيـة ‪،Ecopolitics‬‬
‫وهـي حقـل معـريف يـدرس األنسـاق السياسـية مـن منظـور بيئـي ويدعو‬
‫إىل أمهيـة اإلملـام بعلـم الطبيعـة بنفـس أمهيـة اإلملـام بالعلـوم االجتامعيـة‬
‫والثقافيـة والسياسـية عنـد دراسـة األنسـاق اإليكولوجيـة وقدراهتـا‪ ،‬كما‬
‫أسـهم شـيوع فكـرة التنميـة املسـتدامة يف منتصـف الثامنينيـات مـن القرن‬
‫العرشيـن يف جتـاوز إخفـاق النظريـة السـلوكية يف جمـال التنميـة‪.‬‬
‫كل من االهتمام بتدهور البيئـة وظهور مفاهيم‬ ‫ويضيـف الغامـدي أن ًّ‬
‫التنميـة املسـتدامة أدى إىل جـدل فلسـفي‪ ،‬فبرز فريقـان‪ ،‬األول يـرى أن‬
‫النمـوذج التنمـوي يتمركـز حـول اإلنسـان‪ ،‬بحيـث يتـم تقليـص االعتامد‬
‫على املـوارد املاديـة ‪ ،Dematerialization‬ومـن خلال اإلبـداع وتطويـر‬
‫التكنولوجيـا يتـم رفـع كفايـة التصنيـع وتعالـج األزمـة اإليكولوجيـة يف‬
‫عمليـة التحديـث اإليكولوجـي ‪ ،Ecological Modernization‬أمـا‬
‫الفريـق الثـاين فيرى أن النمـوذج التنمـوي يتمركـز حـول البيئـة؛ ألنـه‬
‫بتحقيـق العدالـة البيئيـة تتحقـق العدالة االجتامعيـة واملسـاواة‪ ،‬األمر الذي‬
‫شـجع عىل ظهـور احلركة اخلضراء املنـارصة للبيئة واملذهـب اإليكولوجي‬
‫والفلسـفة اإليكولوجيـة النسـوية‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫وهكـذا حيتـدم اجلـدل بين أنصـار العوملـة النيوليرباليـة التـي تنـادي‬
‫بالتحديـث اإليكولوجـي وأنصـار اإليكولوجيـة العميقـة التـي حتـذر مـن‬
‫الرأسمالية اخلضراء ومنتجاهتـا الذكيـة‪ .‬وصـارت قضايـا البيئـة وعالقتها‬
‫منظـورا فكر ًّيـا وفلسـف ًّيا جديـدً ا ‪.New Paradim‬‬
‫ً‬ ‫بالتنميـة‬
‫‪ .3‬ما القواعد النظرية للبيئة؟‬
‫أفضـت دراسـة البيئـة إىل اكتسـاب معـارف تسـاعد على فهم وتفسير‬
‫الظواهر البيئية كام أسـهمت يف اكتشـاف العوامل والعالقـات املتأثرة واملؤثرة‬
‫يف البيئـة‪ ،‬وعـززت مـن قـدرة اإلنسـان على تطويـر األسـاليب والطـرق يف‬
‫التعامـل مع املؤثـرات والتحكـم بالنتائج والسـيطرة عىل الظواهـر واحلد من‬
‫ربا‬
‫كثريا من املبـادئ والقواعـد النظرية‪ ،‬معت ً‬
‫السـلبيات‪ ،‬فقـد طرح علم البيئـة ً‬
‫األرض كوكـب احليـاة املرتبط مصري ًّيا بالشـمس‪ ،‬حيث جاذبيتهـا التي تثبت‬
‫رئيسـا للطاقة‪،‬‬
‫مصدرا ً‬‫ً‬ ‫األرض يف دوراهنـا حـول نفسـها وأشـعتها باعتبارهـا‬
‫وأن موقـع األرض ومكوناهتـا هييئـان الظـروف املالئمة للحيـاة بكل صورها‬
‫وأشـكاهلا‪ ،‬ومـن أكثـر املبـادئ والقواعـد النظرية شـيو ًعا يف علـم البيئة نجد‬
‫اآليت (املقـدادي‪2006 ،‬م‪ ،‬ص ‪:)54 -24‬‬
‫‪ 1 . 3‬مبدأ نايس للمساواة يف املجال احليوي‪Naess's doctrine :‬‬
‫‪of biosphere egalitarianism‬‬
‫يقـول الفيلسـوف النروجيـي آرين نايـس ‪ :Arne Naess‬إن لـكل‬
‫الكائنـات احليـة احلـق نفسـه يف احليـاة واالزدهار‪ ،‬وطـرح املبدأ األسـايس‬
‫لإليكولوجيـة العميقـة يف ثماين نقـاط (الغامـدي‪2007 ،‬م‪ ،‬ص‪ )20‬هي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أن سلامة واسـتمرار احليـاة البرشيـة وغير البرشيـة على األرض يمثلان‬
‫قيمـة بحـد ذاهتـا مسـتقلة عن نفـع العـامل غير البشري لالسـتهالك البرشي‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫‪ 2‬ـ أن ثـراء وتنـوع أشـكال احلياة يسـهامن يف حتقيـق هذه القيـم‪ ،‬وهلام قيمة‬
‫أيضا‪.‬‬
‫يف حد ذاهتما ً‬
‫‪ 3‬ـ ال حيـق للبشر إنقاص هذا التنـوع إال من خالل تلبيـة احلاجات احليوية‬
‫األساسية‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ يتوافـق اسـتمرار احلياة البرشيـة وثقافاهتا‪ ،‬وكذلك احليـاة غري البرشية‪،‬‬
‫مـع عدد أصغر من السـكان على األرض‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ أن االسـتغالل البشري احلـايل للطبيعـة مفـرط جـدًّ ا ويـزداد الوضـع‬
‫سو ًء ا‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ ينبغـي أن تتغير تلـك السياسـات؛ ألهنـا تؤثـر يف البنـى األساسـية‬
‫االقتصاديـة والتقنيـة واأليديولوجيـة‪.‬‬
‫يثمن‬
‫‪ 7‬ـ البـد أن يكـون التغيير األيديولوجـي الرئيـس مـن النـوع الـذي ِّ‬
‫نوعيـة احليـاة أكثـر مـن مشـايعته لنمـط العيـش االسـتهالكي احلـايل‬
‫املتزايـد باطراد‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ على أولئـك املؤيديـن للنقاط السـابقة االلتـزام املبـارش بمحاولة إنجاز‬
‫التغييرات الالزمة‪.‬‬
‫‪ 2 .3‬الدورات احليوية األرضية الكيميائية ‪Biogeochemical Cycles‬‬
‫يتبـع النظـام البيئـي دورات حيويـة بموجبهـا تأخـذ الكائنـات‬
‫احليـة موادهـا الغذائيـة مـن البيئـة؛ لتعيـش وتنمـو ثـم تعيدهـا للبيئـة‬
‫بعـد موهتـا وحتللهـا‪ .‬وتتكـون الـدورات احليويـة األرضيـة الكيميائيـة‬
‫‪ Biogeochemical Cycles‬مـن مسـتودعات ‪ Reservoirs‬تقـوم بحجـز‬
‫العنـارص فيهـا ملـدة طويلـة مـن الزمـن‪ ،‬وخزانـات ‪ Pools‬حتجـز العنارص‬
‫ملـدة قصيرة من الزمـن‪ .‬وتسـمى املـدة الزمنية مـدة املكـوث ‪Residence‬‬

‫‪155‬‬
‫ً‬
‫فمثلا املحيطـات تعتبر مسـتودعات للماء‪ ،‬بينما الغيـوم تعتبر‬ ‫‪Time‬؛‬
‫خزانـات‪ .‬ومـن أهـم تلـك الـدورات اآليت‪:‬‬
‫املاء‬
‫ً‬
‫سـائل يف البحـار أو جليـدً ا يف القطبني‪،‬‬ ‫بخـارا يف اهلـواء أو‬
‫ً‬ ‫قـد يكـون‬
‫وتوصـف دورتـه باملعادلة‪ :‬تبخر ‪ +‬نتـح = تكاثف‪ ،‬يتبخر فتتشـكل الغيوم‬
‫وينـزل عىل هيئـة أمطار‪.‬‬
‫الكربون‬
‫يعتبر عنصر احليـاة واللبنـة األساسـية يف بنـاء املركبـات العضويـة‬
‫للخاليـا احليـة‪ ،‬وتبـدأ دورته بعمليـة التمثيـل الضوئـي ‪Photosynthesis‬‬
‫يف النباتـات؛ حيـث تأخـذ من اجلـو غاز ثـاين أكسـيد الكربون ومن أشـعة‬
‫الشـمس الضـوء ومن الرتبـة ماء لتصنـع الكربوهيـدرات‪ .‬وهـو يذوب يف‬
‫ميـاه البحـار وقـد يعـود إىل اجلـو‪ ،‬كام أنه خيـرج مـع غـازات الرباكني ومن‬
‫االحتراق ومن عملية التنفس (شـهيق وزفير) ومن حتلل املـواد العضوية‪،‬‬
‫ويتحـول إىل مـواد خمتزنـة كالفحـم والبرتول يف جـوف األرض‪.‬‬
‫النيرتوجني‬
‫يشـكل ‪ %78‬مـن الغلاف اجلـوي‪ ،‬وهـو عنصر أسـايس يف تركيـب‬
‫األمحـاض األمينيـة والربوتينـات واملـادة الوراثيـة (‪Deoxyribonucleic‬‬
‫‪ )Acid-DNA‬يتـم احلصـول عليـه بواسـطة البرق أو النشـاطات الربكانية أو‬
‫مـن بكترييـا الرتبـة كنيرتات‪ ،‬تسـتفيد منـه الكائنـات احليـة وتطلقـه للجو مرة‬
‫أخـرى مـن خلال فضالهتـا‪.‬‬
‫الفسفور‬
‫يوجـد يف كثير من صخـور القشرة األرضيـة وأغشـية اخلاليـا‪ ،‬وهو‬

‫‪156‬‬
‫أحـد مكونـات العظـام واألسـنان واألسـمدة والفضلات‪ ،‬وبتحللهـا يتم‬
‫إيصالـه للرتبـة‪ ،‬ومـن ثـم إىل النباتات‪.‬‬
‫الكربيت‬
‫يدخـل يف تركيـب املـواد العضويـة وتبـدأ دورتـه بخروجـه من بعض‬
‫أنـواع الصخـور‪ ،‬ويمكن أن يصـل إىل الغالف اجلوي من غـازات الرباكني‬
‫وحتلـل املركبـات العضويـة وحـرق الوقـود األحفـوري‪ ،‬وهـو يسـهم يف‬
‫تكوين املطـر احلمضي ‪.Acid Rain‬‬
‫‪ 3 .3‬النظام البيئي ‪Ecosystem‬‬
‫يسـمى أكبر نظـام بيولوجـي على وجـه األرض «الكـرة احليـة»‬
‫‪ Biosphere‬التـي حتتـوي على مجيـع العوامـل احلية وغير احليـة املوجودة‬
‫يف اليابسـة واهلـواء واملـاء وتتفاعل مـع بعضهـا يف بيئتها يف نظـام بالغ الدقة‬
‫والتـوازن‪ ،‬حتـى تصـل إىل حالة االسـتقرار‪ ،‬وأي خلل يف النظـام البيئي قد‬
‫ينتـج عنـه هتديـم وختريـب للنظام‪.‬‬
‫ويمثـل املوطن البيئـي ‪ Habitat‬وحدة النظام البيئي؛ حيـث يمثل امللجأ أو‬
‫املسـكن للكائـن احلي ليشـمل مجيـع معامل البيئـة (فيزيائيـة وكيميائيـة وحيوية)‪،‬‬
‫بينما تعترب املواطـن الدقيقـة ‪ ،Microhabitats‬أصغر الوحـدات البيئية املأهولة؛‬
‫حيـث حيـدد كل مـن املنـاخ الدقيـق ‪ Microclimate‬واحليـز الوظيفـي ‪Niche‬‬
‫املتغيرات الدقيقـة ووظيفـة الكائن احلـي ضمن النظـام البيئي‪.‬‬
‫‪ 4 .3‬الكائنات احلية والدورات الغذائية‬
‫للنظـم البيئيـة الطبيعيـة عالقات‪ ،‬فـكل نظام حيتـوي عىل ثالثـة أنواع‬
‫مـن الكائنـات احليـة مرتبطـة غذائ ًّيـا مـع بعضهـا البعـض‪ :‬كائنـات تصنع‬

‫‪157‬‬
‫املـواد وتسـمى املنتجـات ‪ ،Producers‬وأخـرى تلتهـم الغـذاء وتسـمى‬
‫ِ‬
‫سـتهلكات ‪ ،Consumers‬وثالثـة تعيـش متطفلـة حتلـل املـواد أو تفرتس‬ ‫ا ُمل‬
‫الكائنـات األخـرى وتسـمى املفـككات ا ُملحللات ‪ Decomposers‬أو‬
‫آكالت الفتـات‪.‬‬
‫‪ 5 .3‬السلسلة الغذائية ‪Food Chain‬‬
‫مـن أهـم العالقـات بين املكونـات احليـة للنظـم البيئيـة الطبيعيـة‪:‬‬
‫اعتماد بعضهـا على بعـض يف التغذيـة‪ ،‬بحيـث يتغـذى الكائـن احلـي عىل‬
‫ثـان وبالوقت نفسـه يمكـن أن يتغذى عليـه (يأكلـه) كائن حي‬ ‫كائـن حـي ٍ‬
‫ثالـث‪ .‬وهكـذا دواليـك فيسـمى كل مسـار «كائنـات تتغذى على بعضها»‬
‫مـن هذه املسـارات السلسـلة الغذائيـة ‪ .Food Chain‬ويف الواقع تتشـابك‬
‫أو تتداخـل السالسـل الغذائيـة بعضهـا ببعض مشـكِّلة ما يسـمى الشـبكة‬
‫الغذائيـة ‪ ،Food Web‬أي أن العالقـات الغذائيـة يف النظـم البيئية حمكومة‬
‫بعالقة السالسـل الغذائية التي تبـدأ باملنتجات فاملسـتهلكات فاملحلالت‪..‬‬
‫وتسـمى هذه املسـتويات املتعاقبـة مسـتويات التغذيـة ‪.Tropic levels‬‬
‫‪ 6 .3‬التعاقب البيئي ‪Ecological succession‬‬
‫االنتقـال املنظـم مـن جمتمعـات حيويـة معينـة ‪Biotic‬‬ ‫يعنـي‬
‫‪ community‬اىل جمتمعـات حيويـة أخـرى‪ ،‬أي أن حيـل جمتمـع حيوي حمل‬
‫آخـر تدرجي ًّيـا مع الزمن‪ ،‬وهـذا الثاين حيل حملـه جمتمع ثالـث‪ ،‬وحتى يمكن‬
‫أن حيـل جمتمـع رابـع حمـل الثالـث‪ .‬وال يسـتمر التعاقـب يف األنـواع إىل ما‬
‫ال هنايـة؛ إذ ينتهـي املطـاف بحالـة مـن االسـتقرار؛ حيـث يتم االتـزان بني‬
‫مجيـع األنـواع والبيئـة الطبيعيـة وتُدعى هـذه املرحلـة النهائية نظـام الذروة‬
‫البيئيـة ‪ ،Climax ecosystem‬وتسـمى التجمعـات احليويـة املسـتقرة (أو‬

‫‪158‬‬
‫الناضجـة) جمتمعـات الـذروة ‪ ،Climax communities‬ويمتـاز نظـام‬
‫الـذروة باآليت‪:‬‬
‫ـ ذو مقاومة عالية للتأثريات السلبية‪.‬‬
‫ـ ذو تنويع حيوي ٍ‬
‫عال ‪.High Species Diversity‬‬
‫ـ غني باملواد الغذائية والعضوية‪.‬‬
‫ـ يظهر درجة عالية من االنتظام‪.‬‬
‫‪ 7 .3‬العوامل الالحية ‪factors Abiotics‬‬
‫هـي عوامـل فيزيائيـة وكيميائيـة متداخلـة تؤثر على مقـدرة الكائنات‬
‫احليـة عىل العيش وحتدد إمكانيـة وجود األنواع يف املناطق ومدى اسـتطاعة‬
‫الكائنـات احليـة البقـاء‪ ،‬ومـن أمههـا‪ :‬احلـرارة ‪ Temperature‬والضـوء‬
‫‪ Light‬واملـاء ‪ Water‬و الرتبـة ‪ Soil‬واملغذيات األوليـة (األمالح املعدنية)‬
‫‪ Biogenic salts‬والريـاح ‪ Winds‬والغـازات اجلويـة ‪Atmospheric‬‬
‫‪( gases‬كاألكسـجني وثـاين أكسـيد الكربون) والنـار ‪ Fire‬واملنـاخ الدقيق‬
‫‪.Microclimate‬‬
‫‪ 8 . 3‬الكواشف البيئية ‪Ecological indicators‬‬
‫تسـتخدم بعـض أنـواع الكائنـات احلية كواشـف تـدل على طبيعة أو‬
‫ظـروف البيئـة املحيطـة هبـا‪ ،‬ويكـون ذلـك بدليـل وجودهـا أو غياهبـا أو‬
‫شـكلها أو وفرهتـا‪ ،‬وذلـك كما هـو موضـح باجلـدول التايل‪:‬‬

‫‪159‬‬
‫اجلدول رقم (‪ )4‬أنواع الكواشف واستدالالهتا‬
‫املكشوف‬ ‫النوع‬ ‫الكاشف‬
‫توافر عنرص السيلينيوم‬ ‫أسرتاغالس ‪Astragalus‬‬
‫الصنوبر ‪ Pinus‬والعرعر ‪ Juniperus‬توافر عنرص اليورانيوم‬ ‫نباتات‬
‫الربعم األمحر ‪ Cercis canadensis‬توافر مادة الدولوميت‬
‫تلوث املاء بالرباز‬ ‫البكترييا القولونية ‪E.coli‬‬ ‫البكترييا‬
‫تلوث املياه‬ ‫الطحلب األخرض ‪Chlorela‬‬
‫الطحالب‬
‫تلوث خطري‬ ‫الطحلب األخرض املزرق ‪Anabaena‬‬
‫ملوحة الرتبة وانتشار‬
‫السحايل وتقرحات احليوانات‬ ‫احليوانات‬
‫األمراض‬
‫املصدر‪ :‬إعداد الباحث بترصف من كتاب املقدادي‪2006 ،‬م‪.‬‬

‫‪ 9 . 3‬العوامل املحددة ‪Limiting factors‬‬


‫مـن املفاهيـم األساسـية يف علـم البيئـة‪ ،‬ويعنـي أن لـكل نـوع مـن‬
‫الكائنـات احليـة ظرو ًفـا طبيعيـة (عوامـل غير حيـة) يعيـش فيهـا قـد ال‬
‫تشـبه ظروف األنـواع األخرى؛ ً‬
‫فمثل‪ :‬الفيـل والنخيل يعيشـان يف البيئات‬
‫الدافئـة نسـب ًّيا والنباتـات اخلضراء ال تعيـش دون ضياء‪ ،‬ونباتـات الظل ال‬
‫تفضل أشـعة الشـمس املبـارشة‪ .‬وقد دلـت التجارب عىل وجود ما يسـمى‬
‫الظـرف أو العامـل األمثـل ‪ ،Optimum‬وهـو مقـدار العامـل الـذي يؤمن‬
‫احليـاة املثلى لذلـك الكائـن‪ ،‬أي أن العامـل املحـدد يعنـي ذلـك العامـل‬
‫الفيزيائـي أو الكيميائـي أو احليـوي الـذي يـؤدي اىل إعاقـة كبيرة يف نمـو‬
‫نمـوا طبيع ًّيـا حتـى مـع توافـر مجيـع املتغيرات األخـرى الالزمـة‬
‫الكائـن ًّ‬
‫لعيـش ذلـك الكائـن‪ .‬ويمكـن أن تتعـدد العوامـل الواقعـة خـارج مـدى‬

‫‪160‬‬
‫كبيرا للكائـن احلي قـد يصـل إىل املوت‪.‬‬
‫ً‬ ‫التحمـل األمثـل مسـببة إجهـا ًدا‬
‫وتسـمى مثـل هـذه احلـاالت «التأثير املتدائـب» ‪،Synergistic Effects‬‬
‫وخير مثـال عليهـا جمموعـة امللوثات التـي تؤثر على الكائن احلـي فتجعله‬
‫عرضـة للمـرض أو اهللاك‪.‬‬
‫‪ 10 . 3‬مستويات التحمل ‪Tolerance levels‬‬
‫إن لـكل كائـن مدى حتمل خيصـه‪ ،‬كام أن بعـض األنـواع تتمتع بمدى‬
‫أوسـع أو أضيـق من غريها‪ ،‬وبحسـب القانـون الذي وضعه عـامل الكيمياء‬
‫العضويـة األملـاين جوسـوس ليبيغ يف عـام ‪1840‬م‪ ،‬يوجد لـكل كائن حي‬
‫متطلبـات حمـددة البد مـن توافر احلـد األدنى منهـا عىل األقل حتى يسـتمر‬
‫نمـوه وتكاثـره‪ ،‬ويتلخـص قانـون ليبيغ للحـد األدنـى ‪Liebig´s law of‬‬
‫‪ Minimum‬يف املبـادئ التالية‪:‬‬
‫‪ -‬أن لـكل كائن حي مـدى حتمل للظروف البيئية املتعـددة‪ ،‬كدرجة احلرارة‬
‫والرطوبـة والضـوء‪ ...‬إلخ‪ .‬وقد يكون هـذا املدى ضي ًقـا ‪Stenoecious‬‬
‫أو واس ًعا ‪.Eurioecious‬‬
‫‪ -‬قـد يكـون أحـد الكائنـات احليـة واسـع التحمل لعوامـل معينـة وضيق‬
‫التحمـل لعوامـل أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬الكائنـات احليـة التـي هلـا مـدى حتمـل واسـع ملجمـل الظـروف البيئيـة‬
‫املحيطـة تكـون واسـعة االنتشـار‪.‬‬
‫‪ -‬ال تعيـش الكائنـات احلية يف الوضـع الطبيعي يف الظـروف املثالية من جمال‬
‫التحمـل؛ وذلك ألن تأثيرات العوامل البيئية تتداخـل مع بعضها‪.‬‬
‫‪ -‬مرحلـة التكاثـر يف الكائـن احلـي هـي املرحلـة احلرجـة التـي حتتـاج لظـروف بيئيـة‬
‫قريبـة مـن احلـد املثـايل (البـذور واألجنـة والطالئـع النباتيـة والريقـات تتكاثـر يف‬
‫أوقـات معينـة من السـنة؛ وذلـك لعدم اسـتمرار الظـروف املثاليـة عىل مدار السـنة)‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫خصوصـا إذا‬
‫ً‬ ‫ـ يتبايـن مـدى التحمـل والظـروف املثلى للنـوع الواحـد‪،‬‬
‫تواجـد هـذا النوع يف مـدى جغرايف واسـع بسـبب ظهور تراكيـب جينية‬
‫عـن طريـق االنتخـاب الطبيعـي والتكيف‪.‬‬
‫‪ 11 . 3‬االتزان الطبيعي للجامعات‬
‫ينطبـق عىل حتمـل الكائن احلي ما ينطبق عىل اجلامعـات ‪Communities‬‬
‫يف رد فعلهـا املختلـف جتـاه العوامـل البيئيـة ومعـدل اسـتجابتها للظـروف؛‬
‫فهنـاك بعـض اجلامعـات التـي تسـتجيب برسعـة للظـروف اإلجيابيـة كتوافر‬
‫الغـذاء مثلاً‪ ،‬وتتأثـر بشـدة بالظـروف البيئيـة السـلبية كاجلفـاف‪ ،‬مثـل‬
‫النباتـات احلوليـة واحلشرات والفئران‪ .‬وهنـاك مجاعات تكون أقل اسـتجابة‬
‫للتغيرات؛ بحيـث ال تتأثـر معـدالت الـوالدة أو الوفيـات أو اهلجرة بشـكل‬
‫حـاد‪ ،‬مثـل األشـجار الكبيرة واحليوانـات الثدييـة الكبرية‪.‬‬
‫أمـا النظـم البيئيـة فتمتلك قـدرة ذاتية على البقـاء ‪ Persistence‬حتت‬
‫ضغـط التغيرات املحيطـة من خالل ممارسـة النظـام البيئـي دوره بطريقتني‬
‫لتحقيـق العـودة إىل االتـزان الطبيعي مها‪:‬‬
‫املرونة البيئية ‪Ecological resilience‬‬
‫وهـي القـدرة على امتصـاص التغيير‪ ،‬ومـن ثـم البقـاء‪ ،‬ومـن ثـم‬
‫العـودة إىل الوضـع الطبيعي عند حتسـن الظـروف‪ ،‬أي أن تأرجح اجلامعات‬
‫السـكانية حتـت تأثير تغيري معين ال يعني أن النظـام البيئي قـد انتكس‪ ،‬بل‬
‫يعنـي أنـه أمـام فرصـة السترداد عافيتـه إذا كان األفـراد فيه لدهيـم القدرة‬
‫على التكيـف واملرونة‪.‬‬
‫املقاومة البيئية ‪Ecological resistance‬‬

‫وهـي القـدرة عىل مقاومـة التغيري بأقـل رضر ممكن بواسـطة مكونات‬

‫‪162‬‬
‫النظـام البيئـي نفسـه؛ حيـث يمتـاز بقـدرة حيويـة عاليـة وطاقـة خمزنـة‬
‫ً‬
‫فمثلا نظام الغابـات يقاوم درجات احلـرارة املرتفعة‬ ‫تسـاعدان على البقاء؛‬
‫واملنخفضـة وكذلـك اجلفـاف وانتشـار احلرشات املوسـمية؛ حيـث يتمكن‬
‫بواسـطة الطاقـة املخزنة يف أنسـجته مـن استرداد عافيته‪.‬‬
‫‪ 12 . 3‬القوانني اإليكولوجية ‪Ecological Rules‬‬
‫هناك ثالثة قوانني رئيسـة تشـكل قانـون اإليكولوجية‪ ،‬هـي‪ :‬االعتامد‬
‫املتبـادل‪ ،‬قانـون ثبـات النظـم البيئيـة‪ ،‬قانـون حمدودية مـوارد البيئـة كام هو‬
‫موضح باجلـدول التايل‪:‬‬
‫اجلدول رقم (‪ )5‬القوانني اإليكولوجية‬

‫العالقات‬ ‫القانون‬
‫تعتمد األحياء كلها عىل بعضها يف عالقة توصف باآلكل واملأكول‪،‬‬
‫قانون االعتامد مكونة سالسل غذائية متداخلة قصرية عىل اليابسة وطويلة يف املاء فتأخذ‬
‫صورة الشبكة الغذائية كظاهرة طبيعية حتفظ توازن الكائنات احلية‪.‬‬ ‫املتبادل‬

‫املحيط احليوي نظام كبري احلجم ومعقد ومتنوع وحمكم العالقات‪،‬‬


‫يتميز باالستمرار والتوازن ويتألف من جمموعة نظم بيئية صغرية‬
‫تتكون من مكونات حية وغري حية تتفاعل فيام بينها ً‬
‫أخذا وعطا ًء‬ ‫قانون ثبات‬
‫مشكِّلة حالة من التوازن الديناميكي املرن‪ ،‬مثل‪ :‬النظم البيئية يف‬ ‫النظم البيئية‬
‫الصحراء واملنطقة العشبية (السافانا) واملنطقة القطبية والغابات‬
‫واألرض املزروعة واملناطق املائية‪.‬‬

‫قانون حمدودية‬
‫املوارد املتاحة لإلنسان حمدودة ولن تبقى إىل ما ال هناية‪.‬‬
‫موارد البيئة‬
‫املصدر‪ :‬من إعداد الباحث بترصف من كتاب املقدادي‪2006 ،‬م‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫‪ .4‬ما عنارصها ومكوناهتا؟‬
‫يتـم تقسـيم البيئـة حسـب اهتمام الدارسين والباحثني مـن أجل فهم‬
‫العالقـات بين العنـارص ومـدى تأثريهـا وتأثرهـا بالعوامـل واملتغيرات‬
‫وطبيعـة التفاعـل بين املكونـات ودور اإلنسـان يف إجيادهـا وصناعتهـا‪،‬‬
‫وذلـك كما هـو موضـح باجلـدول التايل‪:‬‬
‫اجلدول رقم (‪ )6‬أنواع البيئة وتقسيامهتا‬

‫معيار‬
‫املرجع‬ ‫أنواع البيئة‬
‫التقسيم‬
‫‪ 1‬ـ البيئة الطبيعية‪ :‬ليس لإلنسان دور يف إجيادها‪،‬‬
‫أبو غدة‪،‬‬ ‫وهي بيئة مادية (كائنات غريحية) وبيئة بيولوجية‬
‫دور اإلنسان‬
‫‪2009‬م‬ ‫(الكائنات احلية‪ ،‬ومنها اإلنسان)‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ بيئة مشيدة (حضارة اإلنسان)‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ البيئة اخلارجية‪ :‬العوامل التي تكون خارج املنظمة‬


‫الكبييس‪،‬‬ ‫وال تستطيع املنظمة التحكم فيها وقد تكون‬
‫‪2006‬م‬ ‫عوامل عامة تؤثر عىل مجيع املنظامت فتسمى‬
‫بيئة عامة (الظروف السياسية واالقتصادية‬
‫واحلروب)‪ ،‬وهناك عوامل خاصة تؤثر عىل نوع‬
‫معني من املنظامت فتسمى بيئة خاصة (تكنولوجيا‬ ‫النظرة‬
‫الصناعة والتنافس)‪.‬‬ ‫التنظيمية‬
‫‪ 2‬ـ البيئة الداخلية‪ :‬تشمل العوامل الداخلية للمنظمة‬
‫التي يمكن للمنظمة التحكم فيها والتي تشكل‬
‫املناخ التنظيمي (األفراد واجلامعات والتقنيات‬
‫والترشيعات واللوائح)‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫‪ 1‬ـ منظومة املحيط احليوي‪ :‬ليس لإلنسان دور يف‬
‫إجيادها‪ ،‬وتتكون من الغالف اجلوي والغالف املقدادي‪،‬‬
‫‪2006‬م‬ ‫املائي وسطح األرض (اليابسة)‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ منظومة املحيط االجتامعي‪ :‬تشمل النظم‬
‫املحيط‬
‫االجتامعية والسياسية والثقافية واإلدارية التي‬
‫البيئي‬
‫يضعها اإلنسان لتنظيم حياته‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ املنظومة التكنولوجية‪ :‬تشمل كل ما أنشأه‬
‫اإلنسان وصنعه وأقامه يف حيز املحيط احليوي‪،‬‬
‫مثل املدن والشوارع واملصانع وغريها‪.‬‬
‫بيئة زراعية وصناعية وصحية واجتامعية وثقافية زملاط‪2009 ،‬م‬
‫وسياسية‪ ،‬أي أهنا ترتبط بالنشاطات البرشية‪.‬‬ ‫النشاط‬

‫املصدر‪ :‬من إعداد الباحث حسب املراجع املذكورة باجلدول‪.‬‬


‫وللبيئة ثامنية عنارص أساسية هي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ املكان‪ :‬ويعترب أول وأهم عنرص‪ ،‬وهو أصل كلمة البيئة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الزمان‪ :‬وهو حركة املكان التي يتولد منها املناخ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ املاء‪ :‬من رضورات احلياة‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ اهلواء‪ :‬يمأل املكان ويتأثر ويؤثر به‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ املعادن ومصادر الطاقة‪ :‬ال يستغني عنها اإلنسان يف حياته‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ النبات‪ :‬مصدر الرزق األول لإلنسان وأحد أهم مكونات الغذاء‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ احليوان‪ :‬رفيق اإلنسان يف هذه األرض ومنه يأكل ويلبس وبه حيرث‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ اإلنسـان‪ :‬أحـد عنـارص بيئـة بنـي نوعـه‪ ،‬حيـث العالقـات التـي تبني‬
‫جمتمـع البرشية وتسير شـؤوهنا‪.‬‬
‫وعلينـا أن نتأمـل حجـم العالقـات التـي حتـدث يف البيئـة؛ فمن جهة‬

‫‪165‬‬
‫كل عنصر يتفاعـل مـع نفسـه ومع املحيـط؛ ومـع العنارص األخـرى‪ ،‬ومن‬
‫جهـة أخرى تتفاعـل العنارص جمتمعـة مع املحيط؛ لـذا فإن تعقيـدات البيئة‬
‫جتعـل مـن أمهية دراسـتها وفهمهـا وتفسيرها والتنبؤ هبـا والسـيطرة عليها‬
‫على رأس األولويـات لضمان سلامة الوجـود واسـتمرار احليـاة والبقـاء‬
‫(أبو غـدة‪2009 ،‬م)‪.‬‬
‫ومن أهم مكونات البيئة‪:‬‬
‫أ ـ الغالف احليوي ‪Biosphere‬‬
‫يمثـل النظـام البيئي وحـدة طبيعية تنتـج من تفاعل مكونـات حية مع‬
‫أيضـا «بيئة احليـاة»‪ ،‬وهو نظام كبير احلجم كثري‬
‫أخـرى غري حية‪ .‬ويسـمى ً‬
‫التعقيـد ومتنـوع املكونـات ومتقن التنظيـم وحمكم العالقـات؛ حيث جتري‬
‫عنـارصه يف دورات وسالسـل حمبوكـة احللقـات‪ ،‬كل حلقة تتوقـف برباعة‬
‫مه ِّيئـة اجلـو حللقـة شـقيقة‪ ،‬واحلصيلـة وحـدة متكاملـة حيرص اجلـزء فيها‬
‫على الـكل‪ .‬واجلدول التـايل يوضح أقسـام ومكونات الغلاف احليوي‪.‬‬
‫اجلدول رقم (‪ )7‬مكونات أقسام الغالف احليوي‬

‫أقسام الغالف‬
‫املكونات‬
‫احليوي‬

‫الكائنات احلية بكل أشكاهلا وأحجامها وأنواعها وطرق‬


‫املكونات احلية للبيئة معيشتها ومظاهر حياهتا (اإلحساس واحلركة واالغتذاء والنمو‬
‫والتنفس وطرح الفضالت والتكاثر)‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫يتكون من ثالثة حميطات‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ املحيـط املائـي ‪ :Hydrosphere‬يشـكل حـوايل ‪70‬‬
‫‪ .%‬ويعتبر املـاء هـو الوسـط الـذي جتـري فيـه العمليـات‬
‫احليويـة‪ ،‬ولـه ثلاث حـاالت‪ :‬صلبـة وغازيـة وسـائلة‪،‬‬
‫جتعلـه منطقـة بيئيـة صاحلـة للحيـاة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ حميـط الغلاف اجلـوي ‪ :Atmosphere‬يتكـون جـو‬
‫األرض ‪ Boisphere‬مـن أربـع طبقـات رئيسـة هـي‬ ‫املكونات غري احلية‬
‫بالرتتي�ب ـ من أس�فل اىل أعىل‪ :‬طبقة الرتوبوس�ف ري �‪Tro‬‬ ‫للبيئة‬
‫‪ ،posphere‬طبقـة السرتاتوسـفري ‪،Stratosphere‬‬
‫والثالثـة طبقـة امليزوسـفري ‪ ،Mezosphere‬أمـا الرابعـة‬
‫فهـي طبقـة الثرموسـفري ‪ Thermosphere‬وتسـمى‬
‫أيضـا الطبقـة األيونيـة ‪.Ionosphere‬‬ ‫ً‬
‫‪ 3‬ـ املحيـط اليابس ‪ :Lithosphere‬يشـمل األجـزاء الصلبة من‬
‫الكـرة األرضيـة‪ ،‬ومنه الصخـور التي حتتوي على املعادن‪.‬‬
‫املصدر‪ :‬من إعداد الباحث بترصف من كتاب املقدادي‪2006 ،‬م‪.‬‬

‫ب ـ موارد البيئة الطبيعية ‪Environmental Resources‬‬


‫هـي املـوارد ذات الفائدة لإلنسـان‪ ،‬ويمكن اسـتخالصها مـن الطبيعة‬
‫والتعامـل معهـا بوصفهـا سـلعة مهمـة يف التجـارة‪ ،‬وتشـمل املعـادن‬
‫والصخـور والفلزات ومصـادر الطاقة والرتبـة واملياه السـطحية واجلوفية‪.‬‬
‫وتصنـف املـوارد‪ ،‬حسـب اسـتمرار توافرهـا‪ ،‬إىل ثالثـة أنـواع هي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ مـوارد البيئـة الدائمـة ‪ :Permanent Resources‬وتشـمل مكونـات‬
‫املحيـط احليـوي ذات الكميـة الثابتـة كاهلـواء واملـاء والطاقة الشمسـية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ مـوارد البيئة املتجـددة ‪ :Renewable Resources‬وهي املوارد الطبيعية‬
‫التـي متتلـك خاصيـة التجديـد ذات ًّيا ويمكـن إثراؤهـا وإعـادة إنتاجها‪،‬‬

‫‪167‬‬
‫وتشـمل الكائنات احلية كاألسماك واألشـجار والرتبـة واملياه‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ مـوارد البيئـة غير املتجـددة ‪ :Non-Renewable Resources‬وهـي‬
‫املـوارد الطبيعيـة التـي ال تتجدد خالل حياة اإلنسـان‪ ،‬والتي يسـتغرق‬
‫جتددهـا ماليني السـنني وهي غري متجـددة املصدر‪ ،‬كالفحـم والبرتول‬
‫واخلامـات املعدنيـة‪ ،‬وهذه املـوارد البيئيـة تتعرض للنفـاد والنضوب‪.‬‬
‫وهنـاك نـوع آخـر مـن املصـادر الطبيعية غير قابـل لالسـتنفاد كطاقة‬
‫الشـمس واألمـواج والرياح‪.‬‬

‫‪ .5‬ما التنمية البيئية املستدامة؟‬


‫ينصـب على‬
‫ُّ‬ ‫إن البعـد البيئـي يف جمـال التنميـة جيعـل تركيـز البيئيين‬
‫مفهـوم احلـدود البيئية‪ ،‬التـي تعني أن لكل نظـام بيئي طبيعي حـدو ًدا معينة‬
‫ال يمكـن جتاوزها من االسـتهالك واالسـتنزاف وأن أي جتـاوز هلذه احلدود‬
‫الطبيعيـة يعني تدهـور النظام البيئي بلا رجعة‪ .‬وبالتايل فإن االسـتدامة من‬
‫دائما وضع احلدود أمام االسـتهالك والنمو السـكاين‪،‬‬ ‫املنظـور البيئـي تعني ً‬
‫وكذلـك مكافحة التلوث واسـتبعاد أنامط اإلنتاج السـيئة ووقف اسـتنزاف‬
‫امليـاه ومنـع قطـع الغابـات وجـرف الرتبـة‪ ،‬أي أن االسـتدامة البيئيـة تعني‬
‫أسـلوب تنمية حيقـق التايل‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ محايـة املـوارد الطبيعيـة (املـاء واهلـواء واألرض والتنـوع البيولوجـي)‬
‫الرضوريـة لضمان محايـة البشر مـن خلال اعتماد طـرق ال تقـود إىل‬
‫تدهورهـا (سـواء التلوث أو تراكم ثاين أكسـيد الكربـون أو الرضر بطبقة‬
‫األوزون أو تدمير املسـاكن الطبيعيـة التـي حتتضـن التنـوع البيولوجـي)‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ حماربـة التلـوث والتقليـل من اسـتهالك الطاقـة واملحافظة على املوارد‬
‫غير املتجددة‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫وعليـه‪ ،‬فـإن التنميـة عندمـا تراعـي البعـد البيئـي تـؤدي إىل الكفايـة‬
‫البيئيـة التـي تعطـي نتائـج‪ ،‬من أمههـا‪ :‬إضافـة قيمة وجـودة للحيـاة ورفع‬
‫مسـتوى جودة السـلع واخلدمات وتعزيـز نظافة العمليـات وجعل التوزيع‬
‫واالسـتهالك قابلين لالسـتمرار والتطـور (عبـد الرمحـن‪2011 ،‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.)37‬‬
‫وعندمـا تؤخـذ البيئـة يف االعتبـار مـن أجـل حتقيـق التنمية املسـتدامة‬
‫التـي هتـدف إىل حتقيـق الرفاهيـة والتقدم واالزدهـار للمجتمـع واالقتصاد‬
‫تظهـر األبعـاد التـي طرحهـا كل مـن ديليـك وهوكرتـز ‪Dyllick and‬‬
‫‪ Hockerts‬يف كتاهبما «مـا وراء األعمال املتعاونة مع االسـتدامة»‪ ،‬املنشـور‬
‫عـام ‪2002‬م (‪ )Gilbert & Schipper, 2010‬كل مـن التـايل‪:‬‬
‫ـ قابليـة التطبيـق ‪ :Viable‬وهـي التـي تراعـي قـدرة املـوارد الطبيعيـة عىل‬
‫تلبيـة االحتياجـات دون الضرر هبـا‪ ،‬وعـدم اسـتنزافها أو تدمريهـا‬
‫وتلويثهـا‪.‬‬
‫ـ التوافـق واإلمكانيـة ‪ :Bearable‬ومهـا اللـذان يراعيـان حـق األجيـال‬
‫القادمـة يف قدرهتـا على تلبيـة حاجاهتـا عندمـا يقـوم اجليـل احلـايل بتلبية‬
‫حاجاتـه‪.‬‬
‫ـ العدالـة واإلنصـاف ‪ :Equity‬ومهـا يعنيـان عدالـة توزيع الثـروة وحتقيق‬
‫ٍ‬
‫متسـاو‪.‬‬ ‫تطـور وتقـدم املجتمعات واألفراد بشـكل‬
‫ـ االسـتدامة ‪ :Sustainable‬وتعنـي حتقيـق الرفاهية حليـاة اجليل احلايل‪ ،‬مع‬
‫ضمان قـدرة األجيـال القادمة على حتقيق رفاهيـة حياهتا من خلال عدم‬
‫اإلرضار بالبيئـة ومقدراهتا‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫الشكل رقم (‪ )4‬أبعاد التنمية املستدامة‬

‫املصدر‪2010 ،Gilbert & Schipper :‬م‪.‬‬

‫كما تربز أمهيـة التوازن البيئي الـذي طرحه االقتصـادي البيئي هريمان‬
‫دايل حين قال‪ :‬إن أي كسـب يف قطاعـات «االقتصاد‪ ،‬املجتمـع‪ ،‬البيئة» هو‬
‫خسـارة يف قطاعـات أخـرى وإن معاجلة مشـكالت البيئة تعتمـد عىل ثالثة‬
‫أشـكال من التوازنات (الغامـدي‪2007 ،‬م‪ ،‬ص‪ )11‬هي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ توازن بني مناطق الشامل واجلنوب‪ ،‬ومن جهة أخرى املاء واليابسة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ توازن بني الكائنات احلية‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ توازن بني األجيال‪.‬‬
‫تتضح مما سـبق الركائز الرئيسـة للبيئـة‪ ،‬متمثلة يف النظـم اإليكولوجية‬
‫والتنـوع البيولوجـي والقـدرة على التكيـف والطاقـة االسـتيعابية للموارد‬
‫الطبيعيـة (عبد الرمحـن‪2011 ،‬م‪ ،‬ص‪.)25‬‬
‫ويوضـح اجلـدول التـايل أهـم املـؤرشات املسـتخدَ مة لقيـاس التنميـة‬
‫املسـتدامة التـي تأخـذ البيئـة باالعتبـار (اهليتـي‪2011 ،‬م‪ ،‬ص‪.)83-73‬‬

‫‪170‬‬
‫اجلدول رقم (‪ )8‬مؤرشات ومقاييس البعد البيئي للتنمية املستدامة‬
‫القياس‬ ‫املؤرش‬

‫ختص الغالف اجلوي وتتعلق بقضايا تغري املناخ وطبقة‬


‫مؤرشات الغالف اجلوي‬
‫األوزون ونوعية اهلواء‬
‫ختص األرايض وتتعلق بقضايا الزراعة والغابات‬
‫مؤرشات األرايض‬
‫والتصحر واالنتشار احلرضي‬
‫ختص الغالف املائي وتتعلق بقضايا املحيطات والبحار‬ ‫مؤرشات املحيطات‬
‫والسواحل ومصائد األسامك‬ ‫والبحار والسواحل‬
‫ختص املياه ونوعيتها‪ ،‬وتدل هذه املؤرشات عىل مستوى‬
‫مؤرشات املياه العذبة‬
‫اخلطر عند حدوث عجز يف تلبية االحتياج من املياه‬
‫ختص التنوع احليوي وتتعلق بقضايا النظم اإليكولوجية‬
‫وأنواع األحياء‪ ،‬ومن أهم قياساهتا‪ :‬مقدار املساحة‬ ‫مؤرشات التنوع احليوي‬
‫املحمية وعدد الكائنات احلية املهددة باالنقراض‬
‫املصدر‪ :‬من إعداد الباحث بترصف من املصدر أعاله‪.‬‬

‫‪ .6‬ما الفروق بني التنمية التقليدية والتنمية املستدامة؟‬


‫اعتبرت التنميـة التقليدية منذ بدايـة القرن املنرصم النمـو االقتصادي‬
‫دليلا على تقـدم املجتمعـات واألمـم‪ ،‬وأخـذت يف منتصـف القـرن البعد‬ ‫ً‬
‫البشري باالعتبـار؛ لتظهـر على شـكل تنميـة اقتصاديـة وبرشيـة‪ ،‬لكنهـا‬
‫أدت إىل زيـادة الفجـوة بين الفقـراء واألثريـاء‪ ،‬وبـرز الظلـم االجتامعـي‬
‫وعـدم عدالـة توزيـع الثروة ومـن جانب آخر‪ ،‬تضررت البيئـة وتدهورت‬
‫وصـارت املعاجلـة إمـا مسـتحيلة وإمـا باهظـة التكاليـف‪ ،‬ويف هنايـة القرن‬
‫عنصرا جوهر ًّيا‪،‬‬
‫ً‬ ‫العرشيـن أخـذت البيئة ُبعـدً ا رئيسـ ًّيا للتنميـة وأصبحت‬

‫‪171‬‬
‫يتكامـل معـه االقتصـاد واملجتمـع لتكـون التنميـة مسـتدامة وهـي حمصلة‬
‫للتفاعـل بين العنـارص الثالثـة (االقتصـاد واملجتمـع والبيئـة)‪ ،‬ويوضـح‬
‫اجلـدول التـايل أهـم الفـروق بين التنميـة التقليدية واملسـتدامة‪.‬‬
‫اجلدول رقم (‪ )9‬مقارنة بني التنمية املستدامة والتقليدية‬

‫تنمية مستدامة‬ ‫تنمية تقليدية‬ ‫أبعاد املقارنة‬

‫إيكولوجية جوهرها البيئة‬ ‫نفعية تركز عىل اإلنسان‬ ‫الفلسفة‬

‫االقتصاد واملجتمع والبيئة‬ ‫االقتصاد واملجتمع‬ ‫العنارص‬

‫خمرجات وعوائد & ‪Out put‬‬


‫األثر ‪Impact‬‬ ‫املؤرشات‬
‫‪Out come‬‬

‫خمرجات الصناعة‬ ‫موارد طبيعية‬ ‫املواد األولية‬


‫مصادرها طبيعية متجددة‬ ‫مصادرها الوقود األحفوري‬ ‫الطاقة‬
‫وسيلة‬ ‫هدف‬ ‫الثروة‬
‫بيئية‬ ‫مالية‬ ‫التكاليف‬ ‫االقتصاد‬
‫الزراعة وتربية‬
‫أمن غذائي‬ ‫ثروة‬
‫احليوانات‬
‫منتجون ومسؤولون‬ ‫مستهلكون وغري مسؤولني‬ ‫الفرد واألرسة‬
‫عدالة ومساواة‬ ‫طبقي‬ ‫الشعب‬
‫حوكمة (قطاع عام وخاص‬ ‫املجتمع‬
‫مسيطرة‬ ‫احلكومة‬
‫وأهيل)‬

‫‪172‬‬
‫حمدودة وال تعوض‬ ‫ثروة جمانية ال حدود هلا‬ ‫املوارد الطبيعية‬
‫توفري (تكرار االستخدام)‬ ‫هدر (استخدام مرة واحدة)‬ ‫املياه‬
‫سببه الطبيعة‬ ‫سببه اإلنسان‬ ‫التلوث‬
‫البيئة‬
‫إعادة تدوير (نموذج ‪)4R،s‬‬ ‫رمي أو حرق وطمر‬ ‫النفايات‬
‫رئة الكرة األرضية‬ ‫مصدر لألخشاب‬ ‫الغابات‬
‫علم وفن واجتهاد (أفضل‬
‫علم وفن‬ ‫مفهوم اإلدارة‬
‫املامرسات)‬
‫فوضامية ‪Chaord‬‬
‫ديمقراطية استباقية‬ ‫بريوقراطية‬ ‫املنظامت‬
‫اإلدارة‬
‫وانفتاحية‬
‫تكنوقراط‬ ‫بريوقراط‬ ‫املوظفون‬
‫حتسني الكفاية ورفع مستوى‬
‫زيادة اإلنتاج‬ ‫التكنولوجيا‬
‫اجلودة‬
‫إيرادات (رضائب ورسوم)‬ ‫نفقات‬ ‫امليزانيات‬
‫إعداد الباحث‪.‬‬

‫‪ . 7‬ما األخطار واملهددات والقضايا البيئية املستحدثة؟‬


‫أصبحـت قضايا البيئـة ذات أولوية عنـد الباحثني والدارسين وصناع‬
‫القـرار على املسـتويات املحليـة والعامليـة كافـة وحظيـت باهتمام النخـب‬
‫حـول العـامل‪ ،‬وقـد صدعـت أصـوات تنـادي باألخلاق البيئيـة‪ ،‬معتبرة‬
‫العالقـة مـع البيئـة أخالقيـة مثلما هـي اقتصاديـة بسـبب حجـم املهددات‬
‫والتحديـات التـي يواجههـا عامل اليـوم وظهور املامرسـات األفضـل ‪Best‬‬
‫‪ Practices‬التـي أسـهمت يف احلـد مـن اسـتنزاف املـوارد كما أسـهمت يف‬
‫مكافحـة التلـوث‪ .‬ونسـتعرض يف هـذا اإلطـار أهـم القضايـا واملهـددات‬

‫‪173‬‬
‫والتحديـات التـي تواجـه البيئـة؛ حيـث شـخصها الباحثـون والدارسـون‬
‫واملهتمـون بقضايـا البيئـة على النحو التـايل (زملـاط‪2009 ،‬م)‪:‬‬
‫التلوث‬
‫يعنـي إحـداث تغيير يف البيئـة يـؤدي إيل ظهـور بعـض املـوارد التـي‬
‫ال تتلاءم مـع املـكان الـذي يعيـش فيه الكائـن احلـي وتـؤدي إىل اختالله‪،‬‬
‫وللملوثـات أنـواع خمتلفـة (تلـوث اهلـواء‪ ،‬تلوث امليـاه‪ ،‬التلوث السـمعي‬
‫أي الضوضـاء‪ ،‬التلـوث البصري‪ ،‬تلـوث الرتبـة‪ ،‬تلـوث بالنفايـات)‪.‬‬
‫التصحر وتآكل الرتبة‬
‫ُّ‬
‫يفقـد اليـوم ثلـث األرايض الزراعيـة طبقتهـا العليا برسعـة‪ ،‬مما جيعل‬
‫الرتبـة تفقـد خصوبتهـا وإنتاجيتهـا على املـدى الطويـل‪ ،‬كما أن ‪ %50‬من‬
‫صحارى وأن املسـاحة‬
‫َ‬ ‫املراعـي على الكـرة األرضية قد زالـت وحتولت إىل‬
‫التـي تغطيهـا الغابـات تراجعـت إىل النصـف‪..‬كل ذلـك جيعـل اهلاجـس‬
‫عامل ًّيـا ويدعـو لتضافـر اجلهود‪.‬‬
‫ارتفاع درجة حرارة األرض‬
‫نتيجـة للزيـادة اهلائلـة يف اسـتهالك الطاقـة وحـرق الوقـود‪ ،‬تزايـد‬
‫انبعـاث غـازات الكربون‪ ،‬ممـا أدى إىل ارتفـاع درجة حـرارة األرض الذي‬
‫يرتتـب عليـه اآليت‪:‬‬
‫أ ـ عواصـف وأعاصير متكـررة وشـديدة القـوة تضرب أنحـاء كثيرة من‬
‫أرضارا فادحة‪.‬‬
‫ً‬ ‫العـامل يف خمتلـف القـارات ملحقـة‬
‫ب ـ ذوبـان أجـزاء كبيرة مـن اجلليـد سـيؤدي إىل ارتفاع مسـتوى سـطح‬
‫البحـر وإغـراق اجلـزر املنخفضـة واملدن السـاحلية‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫ج ـ ازديـاد حـدوث الفيضانـات وموجات من اجلفاف وتصحر مسـاحات‬
‫كبيرة من األرايض‪.‬‬
‫د ـ انتشـار األمـراض املعدية يف العـامل وتدمري كثري من األنـواع احلية واحلد‬
‫من التنـوع احليوي‪.‬‬
‫هـ ـ حدوث كوارث زراعية وفقدان بعض املحاصيل‪.‬‬
‫استنزاف املوارد الطبيعية‬
‫أدى اسـتنزاف امليـاه اجلوفيـة واالسـتغالل املتزايـد مليـاه األهنـار إىل‬
‫تقويـض العالقـة بين املحيـط واليابـس مـن جهـة‪ ،‬وعـدم تلبيـة حاجات‬
‫الكائنـات احليـة مـن جهـة أخـرى‪ ،‬وألن الغابـات تعتبر رئـة العـامل فـإن‬
‫ظاهـريت قطـع األشـجار واحلرائـق جعلتـا الغابـات يف خطر‪ ،‬حتـى أصبح‬
‫ذلـك قضيـة ذات اهتمام عاملي‪ .‬ومن جانـب آخر‪ ،‬فقد تسـبب االعتامد عىل‬
‫الوقـود األحفـوري يف زيـادة نسـبة التلـوث وأسـهم يف ظاهـرة االحتباس‬
‫احلراري‪.‬‬
‫انقراض بعض الكائنات احلية‬
‫ترتَّـب عىل انقراض أو نقص الكائنات احلية فقـدان التنوع البيولوجي‬
‫وخلل يف سلسـلة الغذاء حتى بات النظـام اإليكولوجي برمته مهد ًدا‪.‬‬
‫ضعف االهتامم بالقيم واحلوافز البيئية‬
‫إمهـال اجلانبين القيمـي واألخالقـي هيـدد اإلنسـان املعـارص ويلحق‬
‫الضرر باألجيـال القادمـة ومقدرهتـا على تلبيـة حاجاهتـا ومتتعهـا بمنـاخ‬
‫صحـي وآمن‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫األخالق البيئية‬
‫وحرصـا على حفظهـا من‬ ‫ً‬ ‫انطال ًقـا مـن أمهيـة البيئـة ورضورة سلامتها‪،‬‬
‫التلـف والتلـوث ومن فرط االسـتهالك من جهـة‪ ،‬ومن جهة أخرى املسـؤولية‬
‫املرتتبـة على هذا اجليـل لتوريـث األجيـال القادمـة بيئة سـليمة تلبـي حاجاهتا‬
‫وحتقـق هلـا الرفاهيـة‪ ،‬فقـد تداعـت اجلهـود على املسـتويات كافـة لغـرس‬
‫أخالقيـات حتترم البيئـة وتعمـل على ضبـط السـلوكات حلاميـة البيئـة مـن‬
‫الترصفـات السـيئة والضـارة‪ ،‬ومـن تلك اجلهـود عىل سـبيل املثال نجـد التايل‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ املؤمتـرات والنـدوات واملنشـورات واملبـادرات التي تتبناهـا هيئة األمم‬
‫املتحـدة واملنظمات الدولية ومنها اليونيسـكو‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ القوانين والترشيعات والتنظيمات واالتفاقات التي تضعها املؤسسـات‬
‫واملنظامت واحلكومات‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الكتـب واملؤلفـات واملقـاالت التي ينرشها املفكـرون واملتخصصون يف‬
‫وسـائل اإلعالم املختلفة‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ الربامج التوعوية واملقررات يف املناهج التعليمية واألنشطة التطوعية‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ الدراسـات والبحـوث واجلهـود العلميـة التـي يقـوم هبـا الدارسـون‬
‫والباحثـون يف جمـال البيئـة‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ التطبيقـات واملبـادرات واألفـكار واالخرتاعـات التـي تطلقها منظامت‬
‫األعامل‪.‬‬
‫كبريا يف غـرس القيم‬
‫دورا ً‬
‫وعلى الرغـم من تلـك اجلهود فـإن للرتبيـة ً‬
‫يعول عليـه لضبط‬ ‫يف نفـوس النـشء‪ ،‬وتبقـى األرسة هـي األسـاس الـذي َّ‬
‫سـلوكات األفـراد مـن أجـل بنـاء جمتمـع مسـؤول يصـون بيئته التـي تلبي‬
‫احتياجاتـه وحيمـي مقدراهتـا وحيافظ عىل سلامتها‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫‪ . 8‬ما خصائص اإلدارة املستدامة للبيئة‪..‬اإلسرتاتيجيات والسياسات؟‬
‫مـع ظهـور مفهـوم التنميـة املسـتدامة يف ثامنينيـات القـرن العرشيـن‪،‬‬
‫بـرزت أمهيـة أخـذ اجلانـب البيئـي يف االعتبـار؛ إذ إن حتقيـق النمـو‬
‫االقتصـادي والتنميـة البرشيـة يتطلبـان املالءمـة مع قـدرات البيئـة‪ ،‬األمر‬
‫الـذي أدى إىل ظهـور اجتـاه إداري عرف بـإدارة البيئـة‪ ،‬وهو يـرى أن إدارة‬
‫البيئـة ليسـت هد ًفـا بحد ذاهتـا‪ ،‬إنما اهلـدف إدارة التفاعل بين املجتمعات‬
‫البرشيـة واقتصادهـا والتحكـم يف تأثريها على البيئة‪ ،‬ونتعـرف فيام ييل عىل‬
‫مفهـوم إدارة البيئـة وفلسـفتها وخصائصهـا‪.‬‬
‫‪ 1 . 8‬فلسفة إدارة البيئة‬
‫يتضـح مـن خلال األدبيـات التـي يطرحهـا الدارسـون والباحثـون‬
‫أن إدارة البيئـة تنطلـق مـن النظـرة إىل قـدرة البيئـة على التحمـل للوفـاء‬
‫باحتياجـات البشر واسـتمرار تلبيتهـا ملتطلبـات األجيـال احلاليـة وأجيال‬
‫املسـتقبل‪ ،‬األمـر الـذي يوجـه الفكـر اإلداري إىل اآليت‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ إدارة مجيـع مكونـات البيئـة الطبيعيـة احليويـة‪ ،‬مـع إجيـاد شـبكة مـن‬
‫العالقـات بين مجيـع أنـواع الكائنـات احليـة وبيئتهـا‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ النظـر إىل املحافظـة عىل البيئة باعتبارها أسـلو ًبا يـؤدي إىل املحافظة عىل‬
‫املصالـح البرشيـة‪ ،‬ووسـيلة لضمان قـدرة األجيـال القادمة على تلبية‬
‫احتياجاهتا‪.‬‬
‫ً‬
‫وعمل إنسان ًّيا عقالن ًّيا‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ إدارة البيئة هلا طبيعة علمية وتقنية جتعلها مهنة‬
‫‪ 4‬ـ تدعـم إدارة البيئـة النشـاط االقتصـادي مـن خلال احلفاظ على املواد‬
‫اخلـام واملـوارد الطبيعية وترشـيد االسـتهالك‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫‪ 2 . 8‬مفهوم اإلدارة البيئية ‪Environmental Management‬‬
‫يقصـد بـه اجلهود املنظمـة التي تقوم هبـا املنظامت لالقتراب من حتقيق‬
‫األغـراض البيئيـة بوصفهـا جـز ًءا أساسـ ًّيا مـن سياسـاهتا‪ ،‬وأهنـا هتدف إىل‬
‫إجـراء تعديلات يف نظـم املنظامت تؤدي إىل حتسين أدائها وخفـض آثارها‬
‫البيئيـة أو منعهـا متا ًمـا‪ ،‬ويوضـح الشـكل التايل العالقـة بين اإلدارة والبيئة‬
‫(خمول وغانـم‪2009 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)35‬‬
‫الشكل رقم (‪ )5‬العالقة بني اإلدارة والبيئة‬
‫اإلدارة‬ ‫البيئة‬
‫املواءمة‬
‫اهليكل التنظيمي والتخطيط‬ ‫اهلواء واملاء والرتبة‬
‫حتقيق األغراض‬
‫املامرسات واملسؤوليات‬ ‫املوارد الطبيعية والطاقة‬
‫البيئية‬
‫السياسات واإلجراءات‬ ‫الكائنات احلية واإلنسان‬

‫املصدر‪ :‬خمول وغانم‪2009 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،35‬بترصف‪.‬‬

‫كما نشر موقع األكاديميـة العربية الربيطانيـة للتعليم العـايل رأي أحد‬
‫املحافظين البيئيين‪ ،‬وهـو ألـدو ليوبولـد ‪ Aldo Leopold‬الـذي يقـول‬
‫إن احلفـاظ على البيئـة يمثـل حالـة من االنسـجام بين اإلنسـان واألرض‬
‫(البيئـة)‪ ،‬وإن اإلدارة البيئيـة تعتبر أدا ًة عملية لتحقيق هذا االنسـجام؛ فهي‬
‫كل مـن الكائنـات احلية وغري احليـة ومجيع عنـارص الطبيعة‪.‬‬ ‫تتضمـن إدارة ٍّ‬
‫‪ 3 . 8‬خصائص إدارة البيئة‬
‫فكـرا إدار ًّيا‪ ،‬ومـن جهة أخرى‬
‫تتميـز إدارة البيئـة مـن جهـة باعتبارها ً‬
‫باعتبارهـا ممارسـة وهلـا مهام وواجبـات متيزها؛ حيـث طرح ألـدو ليوبولد‬
‫املهـام والواجبـات التـي تقـوم هبـا اإلدارة البيئية وهي عىل شـقني‪ ،‬مها‪:‬‬
‫‪(www.abahe.co.uk/environmental-management.html).‬‬

‫‪178‬‬
‫‪ 1‬ـ املحافظـة على البيئـة‪ :‬ويتم ذلـك من خالل وجـود مركز إنتـاج نظيف‬
‫واحلـد مـن الفاقـد‪ ،‬ومـن جهة أخـرى وجـود تكامل بني املؤسسـات؛‬
‫حيـث إن مـا ختلفـه املؤسسـات املنتجـة تسـتخدمه مؤسسـات أخـرى‬
‫كمـواد أوليـة (مدخالت)‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ رصـد القصـور ومعاجلتـه‪ :‬من خالل معرفـة الواقع البيئـي والتحديات‬
‫وحتديـد مصـادر التلـوث‪ ،‬يتـم اختـاذ اإلجـراءات ووضع السياسـات‬
‫ورسـم اإلستراتيجيات التـي تكفل محايـة البيئة ومنـع األرضار‪.‬‬
‫‪ 4 . 8‬اإلسرتاتيجيات‬
‫تتحـدد رؤيـة إدارة البيئـة يف تبنـي مبـدأ االسـتدامة‪ ،‬وألجـل حتقيـق‬
‫ذلـك تضـع اخلطـط التـي تعمـل على تطويـر أفضـل املامرسـات الصديقة‬
‫للبيئـة واالسـتفادة الكاملـة مـن خمرجـات الصناعـة وتنميـة القـدرات‬
‫البرشية بواسـطة التدريب املسـتمر وتشـجيع النـاس عىل العمـل التطوعي‬
‫وإقناعهـم بضرورة حتسين األداء البيئي وخفـض التلوث‪ ،‬وكذلـك إقناع‬
‫املنظمات باجلـدوى االقتصاديـة‪ ،‬خاصة يف خفـض تكاليف معاجلـة اآلثار‬
‫السـلبية للبيئـة‪ ،‬باإلضافة إىل سـن الترشيعات ووضع املعايير واملواصفات‬
‫التـي تراعـي البيئـة‪ .‬ومـن أهـم األهـداف اإلستراتيجية التـي حتقـق رؤية‬
‫إدارة البيئـة مـا يلي (خمـول وغانـم‪2009 ،‬م‪ ،‬ص ‪:)48 ،47‬‬
‫ـ االستخدام املستدام للموارد املائية‪.‬‬
‫ـ االستخدام املستدام ملوارد األرايض‪.‬‬
‫ـ حتسني اخلدمات والبنية التحتية‪.‬‬
‫ـ التنمية املستدامة للموارد الطبيعية والرتاثية‪.‬‬
‫وكمثـال إلستراتيجيات إدارة البيئة‪ ،‬نجد إستراتيجيات خطة التنمية‬

‫‪179‬‬
‫التاسـعة يف اململكـة العربية السـعودية (‪ 2014 – 2010‬م) وهي كالتايل‪:‬‬
‫‪1‬ـ اإلستراتيجية وخطـة العمـل الوطنيـة للغابـات‪ :‬هتدفـان إىل املحافظـة‬
‫على الغطـاء النبايت وتعزيـزه؛ لضامن توفير فوائده البيئيـة واالقتصادية‬
‫واالجتامعيـة بصـورة مسـتدامة؛ النتفـاع كل األحيـاء يف احلـارض‬
‫واملسـتقبل‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ اإلستراتيجية الوطنيـة للتنـوع األحيائـي‪ :‬هتـدف إىل املحافظـة على‬
‫التنـوع األحيائـي وجعلـه حمـور التخطيـط الوطنـي وتطبيـق اتفاقيـة‬
‫التنـوع األحيائـي وبروتوكـول قرطاجنـة املتعلـق بالسلامة األحيائيـة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ اإلستراتيجية الوطنيـة للصحـة والبيئـة‪ :‬تغطـي القضايـا ذات العالقـة‬
‫بالصحـة والبيئـة‪ ،‬ومنهـا‪ :‬جـودة اهلـواء وصالحيـة ميـاه الشرب‬
‫وسلامة الغـذاء ومكافحة التلـوث اإلشـعاعي والضوضائي‪ ،‬وكذلك‬
‫إعـادة اسـتخدام ميـاه الرصف الصحـي وقضايـا اإلسـكان والتحرض‬
‫واملناطـق السـاحلية والنفايـات الصلبـة واخلطـرة واالسـتخدام اآلمن‬
‫للكيمياويـات‪ ،‬باإلضافـة إىل تنمية املوارد الطبيعيـة املتجددة واملحافظة‬
‫عليها ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ اخلطـة الوطنيـة ملكافحـة تلـوث البيئـة البحريـة‪ :‬تسـعى إىل تطبيـق‬
‫اإلجـراءات اخلاصـة بمكافحـة التلـوث واحلـد منـه‪ ،‬وكذلك تنسـيق‬
‫جهـود اجلهـات املعنيـة يف حالـة وجـود حـوادث‪.‬‬
‫‪ 5 . 8‬السياسات واإلجراءات‬
‫تتفاعـل إدارة املنظمـة مـع البيئـة مـن خلال السياسـات التـي تتبناها‬
‫يف توظيـف القـوى العاملـة (اهليـكل التنظيمـي واملسـؤوليات) وتوجيـه‬
‫املـوارد املاليـة (امليزانيـات واملرشوعـات والربامـج) واسـتهالك املـواد‬

‫‪180‬‬
‫األوليـة واملـوارد الطبيعيـة (الرتشـيد والتدوير) وطـرق اإلنتاج وأسـاليب‬
‫العمـل والتكنولوجيـا والطاقـة املسـتخدمة (تبنـي املامرسـات األفضـل‬
‫‪ ،)best Practice‬وكذلـك يف نوعيـة وجـودة السـلع واخلدمـات ومالءمة‬
‫املخرجـات لالعتبارات البيئية (منتجـات صديقة للبيئة ‪.)Green Products‬‬
‫هتـدف تلـك السياسـات إىل احليلولـة دون التسـبب يف أي رضر‬
‫للبيئـة؛ حيـث ت َُت َجـم إىل سلسـلة مـن اإلجـراءات والتدابير التـي تراعي‬
‫تنميـة وتطويـر البيئـة ومتنـع األخطـار التـي متـس القوانين اإليكولوجيـة‬
‫وتـردع مـن تسـول له نفسـه االعتداء على البيئـة‪ ،‬ونـورد يف النقـاط التالية‬
‫أهـم السياسـات واإلجـراءات التـي تتبناهـا إدارة البيئـة (مركـز اإلمارات‬
‫للدراسـات والبحـوث اإلستراتيجية‪2001 ،‬م‪ ،‬ص ‪:)64‬‬
‫ـ بنـاء القـدرات املؤهلـة واملتخصصة يف البيئة‪ ،‬وإنشـاء مراكـز البحث العلمي‬
‫وتزويدهـا باملعـدات واألدوات الالزمـة لقيـاس تلـوث البيئـة ومراقبة تأثري‬
‫واجتاهـات امللوثـات‪ ،‬وتوفير إنذار مبكـر عن أي تدهـور خطري‪.‬‬
‫ـ سن الترشيعات والقوانني اخلاصة بحامية البيئة التي تردع املعتدين‪.‬‬
‫ـ رفـع مسـتوى الوعي البيئي والسـلوك التطوعـي من خالل إدخـال البعد‬
‫البيئـي ضمن مناهج التعليم واسـتخدام وسـائل اإلعلام املختلفة‪.‬‬
‫ـ التوسع يف استخدام مصادر الطاقة النظيفة واملتجددة‪.‬‬
‫ـ رفـع مسـتوى األداء البيئـي احلكومـي واملجتمعـي؛ لتحقيـق املعايير‬
‫واملقاييـس املتفـق عليهـا يف املعاهـدات واالتفاقـات البيئيـة العامليـة‪.‬‬
‫متغيرا أساسـ ًّيا يف خيـارات املجتمـع وعند‬
‫ً‬ ‫ـ إدراج البعـد البيئـي باعتبـاره‬
‫ختطيـط املرشوعـات وتنفيذهـا وتقييمها‪.‬‬
‫ـ اسـتخدام نظـم اإلدارة البيئيـة ‪Environmental Management‬‬

‫‪181‬‬
‫)‪ ،Systems (EMS‬وهـي عبـارة عـن جمموعة من النظم تسـمى ‪،EMS‬‬
‫تشـمل األدوات التاليـة (خمـول وغانـم‪2009 ،‬م‪ ،‬ص ‪:)36‬‬
‫‪ 1‬ـ الترشيعـات‪ :‬قوانين وسياسـات ولوائـح تنظـم عمليـات اإلنتـاج‬
‫والصناعـة والزراعـة وغريها مـن املرشوعات‪ ،‬وهي ملزمـة للجميع‬
‫وتعـرض املخالفين لعقوبـات وغرامات تصل إىل سـحب تراخيص‬ ‫ِّ‬
‫النشـاطات وإغفـال املصانع‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ جمموعـات الضغـط‪ :‬وهـي اهليئـات واملؤسسـات واجلمعيـات التـي‬
‫هتتـم بحاميـة البيئة وتقـوم بالتوعية وتقديـم الدعم الفنـي واملايل لكل‬
‫من يلتـزم بالترشيعـات البيئية‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ معايري اجلودة والتنافسـية‪ :‬وهي معايري واشتراطات تراعي البيئة وتلتزم‬
‫هبا املنظامت‪ ،‬ومنها شـهادة املواصفات القياسـية البيئية ‪.ISO14000‬‬
‫‪ 4‬ـ التمويـل‪ :‬توفير تكاليـف اإلنتـاج مـن خلال االعتماد على الطاقـة‬
‫النظيفـة وااللتـزام بخفـض ومنـع التلـوث‪.‬‬
‫‪ 6 . 8‬القرارات‬
‫إلدارة البيئـة منطلقـان‪ :‬أخالقـي ال يسـمح بإفسـاد البيئـة وتدمريهـا‪،‬‬
‫واقتصـادي يعتبر البيئـة رأسمال طبيع ًيـا ينبغـي املحافظـة عليـه وتنميتـه‬
‫(خمـول وغانـم‪2009 ،‬م‪ ،‬ص ‪ .)40‬وتلـك املنطلقـات تسـاعد على وضع‬
‫مبـادئ ُيعتمـد عليهـا يف اختاذ القـرارات‪.‬‬

‫‪ . 9‬ما أفضل املامرسات البيئية؟‬


‫شـهد العـامل ظهـور أفضـل املامرسـات البيئيـة ‪ ،Best Practice‬وهي‬
‫التـي تراعـي االعتبـارات البيئيـة وتتبنـى املحـددات التاليـة (الغامـدي‪،‬‬
‫‪2007‬م‪ ،‬ص‪:)32‬‬

‫‪182‬‬
‫‪ 1‬ـ اسـتهالك املـوارد باعتـدال وكفايـة ومراعـاة أفضـل األسـعار هلـا‪،‬‬
‫واالسـتخدام األكثـر كفاية هلا‪ ،‬واألطر الزمنية السـتبدال املـوارد البديلة‬
‫باملـوارد غير املتجـددة‪ ،‬واالسـتخدامات البديلـة املحتملـة للمـوارد‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ عـدم اسـتهالك املـوارد املتجددة بوتيرة أرسع من قدرهتا على التجدد‪،‬‬
‫أو بطريقـة يمكـن أن تـؤذي البشر أو النظـم الداعمـة للحيـاة على‬
‫األرض‪ ،‬خاصـة تلـك التـي ليسـت هلـا بدائل‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ التوسـع يف جمـال االعتماد على الطاقـة النظيفـة املتجـددة‪ ،‬كالطاقـة‬
‫الشمسـية والطاقـة املائيـة وطاقـة الريـاح‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ اسـتخدام الفضلات التقليديـة موارد قـدر اإلمكان‪ ،‬مـع التخلص منها‬
‫عنـد الضرورة وبطريقـة ال ترض بالبشر ونظم دعم احليـاة عىل األرض‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ النضـال مـن أجـل التخلـص مـن املبيـدات السـامة واملخصبـات‬
‫الكيميائيـة‪ ،‬خاصـة تلـك التـي تعتبر ضـارة بالبيئـة‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ اسـتخالص منتجات النسـق البيئي‪ ،‬كام يف الزراعـة والصيد واالحتطاب‪،‬‬
‫من دون اإلرضار بـرأس املال الطبيعي‪.‬‬
‫كل مـن النسـقني اإلنسـاين والطبيعـي من‬ ‫‪ 7‬ـ تشـجيع املرونـة والكفايـة يف ٍّ‬
‫خلال تفضيل البسـتنة املتجـددة واملتنوعـة واملعقدة عىل تلك املتسـمة‬
‫بالتجانس والبسـاطة‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ تفضيـل الفالحـة التعدديـة (زراعـة األرض بمحاصيـل متعـددة)‬
‫‪ polyculture‬على الفالحـة األحادية (االكتفاء بزراعـة حمصول واحد)‬
‫فضل عـن تفضيل زراعة‬‫‪ monoculture‬لإلبقـاء على خصوبـة الرتبـة‪ً ،‬‬
‫النباتـات طويلـة العمر عىل السـنوية منها يف أنسـاق اإلنتـاج البيولوجي‬
‫قـدر اإلمكان‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫‪ 9‬ـ إعـادة تأهيـل البيئـات املتدهـورة قـدر املسـتطاع مـن خلال وسـائل‬
‫التحكـمأوبخلـقظـروفمالئمـةلعمليـاتإعـادةاإلصلاحالطبيعـي‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ تشجيع ودعم عمليات إعادة تدوير النفايات‪.‬‬
‫امللـوث‪ ،‬مـن خلال سـن ترشيعـات عقابيـة على‬
‫‪ 11‬ـ تبنِّـي مبـدأ تغريـم ِّ‬
‫املسـتويات املحليـة والقوميـة والدوليـة‪.‬‬
‫وجيـدر بالذكـر أن تطبيـق أفضـل املامرسـات حيظـى باهتمام منظمات دوليـة‬
‫ومتابعـة مـن برنامـج األمـم املتحـدة للبيئـة‪ ،‬كما أن تعميمهـا يعتبر أحـد أهداف‬
‫األلفيـة الثالثـة حيث وقعـت عليها ‪ 192‬دولـة و‪ 23‬منظمة يف مؤمتـر «ريو ‪.»20+‬‬

‫‪ .10‬اخلالصة‬
‫قـدم الفصـل تعري ًفـا للبيئـة مـن جوانـب كثيرة؛ حيـث تنـاول املعنى‬
‫اللغـوي واملفهـوم العلمـي ملصطلـح البيئـة ‪ Environment‬وكذلـك‬
‫اسـتعرض علـم البيئـة وعالقته بالعلـوم األخـرى واملعارف التـي أضافتها‬
‫جهـود العلماء وإسـهاماهتم يف فهـم وتفسير العوامـل والعالقـات املؤثرة‬
‫واملتأثـرة‪ ،‬سـع ًيا إىل التنبـؤ والتحكـم والسـيطرة على البيئة؛ حيـث حددوا‬
‫أنـواع البيئـة وعنارصها ومكوناهتـا وأهـم أبعادها ومؤرشاهتـا وطرحوا يف‬
‫كثيرا مـن املصطلحـات والنظريات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هـذا املضمار‬
‫كما تنـاول الفصـل أمهيـة البيئـة يف جمـال الفكـر والفلسـفة وأثرهـا يف‬
‫وبين أثـر البعـد البيئـي يف جمـال‬
‫ظهـور االجتاهـات والتيـارات الفكريـة‪ّ ،‬‬
‫التنميـة وقـدم مقارنـة بين التنميـة التقليديـة التـي تقـوم على االقتصـاد‬
‫عنرصا أساسـ ًّيا‬
‫ً‬ ‫واملجتمـع والتنميـة املسـتدامة التـي تأخـذ البيئـة باعتبارها‬
‫لتحقيـق االسـتدامة‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫تطـرق هذا الفصـل‪ ،‬باإلضافـة إىل ذلـك‪ ،‬إىل قضايا البيئـة واملهددات‬
‫والتحديـات‪ ،‬وكذلـك إىل أمهيـة األخلاق البيئيـة التـي تعـزز قيمـة البيئـة‬
‫يف نفـوس األفـراد واملجتمعـات حيـث ال تنميـة حقيقية إال بضامن سلامة‬
‫البيئـة؛ فـإن تدهـورت البيئـة سـتنتهي حيـاة اإلنسـان عىل هـذا الكوكب‪.‬‬
‫وحتـدث الفصـل يف النهايـة عـن اإلدارة البيئيـة باعتبارهـا ً‬
‫جمـال إدار ًّيـا له‬
‫فلسـفته وخصائصه من مهام وواجبات وإستراتيجيات وسياسـات وإجراءات‬
‫ونظـم وقـرارات يتميـز هبا‪ ،‬كام تنـاول أفضـل املامرسـات والتطبيقات‪.‬‬
‫وال يفوتنـا التنويـه باجلهـود الدوليـة التـي تسـعى إىل محايـة البيئـة‬
‫وسلامتها؛ فعلى سـبيل املثـال ال احلصر يف عـام ‪1972‬م ُأبرمـت اتفاقيـة‬
‫باريـس حلاميـة التراث والثقافـة‪ ،‬وكذلـك صـدر اإلعلان العاملـي للبيئـة‬
‫ووقعـت اتفاقيـة‬ ‫مـن اسـتوكهومل و ُأنشـئ برنامـج األمـم املتحـدة للبيئـة ُ‬
‫أوسـلو ملنـع التلـوث البحـري‪ ،‬كما وضعـت عـام ‪1982‬م اتفاقيـة فيينـا‬
‫حلاميـة األوزون موضـع التنفيـذ‪ ،‬أمـا على الصعيـد اإلقليمـي ـ عىل سـبيل‬
‫املثـال ـ فقـد وقعـت إفريقيـا اتفاقية عـام ‪1968‬م حلفـظ املـوارد الطبيعية‪،‬‬
‫كما وقعـت أوربا اتفاقيـة عـام ‪1979‬م حلامية األحيـاء‪ ،‬باإلضافـة إىل ذلك‬
‫ظهـرت االتفاقيـات الثنائيـة حلامية البيئـة‪ ،‬مثل ما حصل بني املجر والنمسـا‬
‫عـام ‪1956‬م‪ ،‬وكنـدا وأمريكا عـام ‪1972‬م‪ ،‬وعىل مسـتوى الوطن العريب‬
‫قامـت منظمات مـن أجـل البيئـة‪ ،‬مثل جملـس البيئـة التابـع جلامعـة الدول‬
‫العربيـة واملنظمـة العربيـة األوربيـة للبيئـة وجلنـة التعـاون البيئـي ملجلـس‬
‫التعـاون اخلليجـي‪ ،‬بـل إن كل ُقطـر عـريب أنشـأ منظمات خاصـة لشـؤون‬
‫البيئـة‪ ،‬وظهـرت مجعيـات بيئية بواسـطة املجتمع املـدين العـريب‪ ،‬كام برزت‬
‫املبـادرات اخلضراء واجلوائـز التشـجيعية يف الـدول العربيـة وظهـرت‬
‫التجـارب والتطبيقـات الناجحـة التـي حتتـاج إىل رعايـة وتعميـم‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫املراجــــع‪:‬‬
‫زملـاط‪ ،‬حيـاة (‪2009‬م)‪ .‬البيئـة‪ ..‬مفهومها ومكوناهتا واملشـاكل التي تعاين‬
‫منها‪ ،‬املركز املغريب للدراسـات اإلستراتيجية‪ ،‬الرباط‪.‬‬
‫العايـب‪ ،‬عبـد الرمحـن (‪2001‬م)‪ .‬التحكـم يف األداء الشـامل للمؤسسـة‬
‫االقتصاديـة يف اجلزائـر يف ظـل حتديـات التنميـة املسـتدامة‪ ،‬جامعة‬
‫فرحـات عبـاس‪ ،‬سـطيف‪ ،‬اجلزائر‪.‬‬
‫الغامـدي‪ ،‬عبـد اهلل (‪2007‬م)‪ .‬التنمية املسـتدامة بني احلق يف اسـتغالل املوارد‬
‫الطبيعيـة واملسـؤولية عن محاية البيئـة‪ ،‬جامعة امللك سـعود‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫أبـو غـدة‪ ،‬عبـد السـتار (‪2009‬م)‪ .‬البيئـة واملحافظـة عليهـا مـن منظـور‬
‫إسلامي‪ ،‬الدورة التاسـعة عشرة ملجمـع الفقه اإلسلامي الدويل‪،‬‬
‫الشارقة‪.‬‬
‫الكبيسي‪ ،‬عامـر (‪2006‬م)‪ .‬التنظيـم اإلداري احلكومـي بين التقليـد‬
‫واملعـارصة‪ :‬التصميـم التنظيمـي‪ ،‬سلسـلة الرضـا للمعلومـات‪،‬‬
‫دمشـق‪.‬‬
‫حممد‪ ،‬عبـد الوهاب (‪1994‬م)‪ .‬املسـؤولية عـن األرضار الناجتة عن تلوث‬
‫البيئة‪ ،‬جامعـة القاهرة‪ ،‬مرص‪.‬‬
‫خمـول‪ ،‬مطانيـوس؛ غانم‪ ،‬عدنـان (‪2009‬م)‪ .‬نظـم اإلدارة البيئيـة ودورها‬
‫يف التنميـة املسـتدامة‪ ،‬جملـة جامعـة دمشـق للعلـوم االقتصاديـة‬
‫والقانونيـة‪ ،‬جملـد ‪ ،25‬العـدد الثـاين‪.‬‬
‫مركـز اإلمـارات للدراسـات والبحـوث اإلستراتيجية (‪2001‬م)‪ .‬هكـذا‬
‫يصنـع املسـتقبل‪ ،‬أبـو ظبي‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫معلـوف‪ ،‬حبيـب (‪2010‬م)‪ .‬إىل الـوراء‪ ..‬يف نقد اجتاهـات التقدم‪ ،‬الفارايب‬
‫للنشر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫املقـدادي‪ ،‬كاظـم (‪2006‬م)‪ .‬أساسـيات علـم البيئـة احلديـث‪ ،‬األكاديمية‬
‫العربيـة املفتوحـة يف الدنامرك‪.‬‬
‫موقع األكاديمية العربية الربيطانية للتعليم العايل‪:‬‬
‫‪www.abahe.co.uk/environmental-management.html.‬‬

‫موقـع احلكومـة السـعودية‪ ،‬خطـة التنميـة التاسـعة للمملكـة العربيـة‬


‫السـعودية (‪ 2010‬ـ ‪2014‬م)‪.‬‬
‫‪www.saudi.gov.sa/wps/portal/yesserRoot/plansAndInitiatives/‬‬
‫‪nationalPlans.‬‬

‫اهليتـي‪ ،‬نـوزاد (‪2011‬م)‪ .‬التنمية املسـتدامة يف اململكة العربية السـعودية‪..‬‬


‫دراسـة حتليلة‪ ،‬مؤسسـة الياممة الصحفيـة‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪Silvius A J Gilbert, Ron Schipper (2010)  A Maturity Model‬‬
‫‪for Integrating Sustainability in Projects and Project‬‬
‫‪Management In: 24th World Congress of the International‬‬
‫‪Project Management Association (IPMA) Istanbul, Turkey.‬‬

‫‪187‬‬
‫الفصل السادس‬
‫نحو تنمية إدارية مستدامة‬

‫أ‪.‬د‪ .‬عامر خضري الكبييس‬


‫نحو تنمية إدارية مستدامة‬

‫املقدمـة‬
‫ال شـك يف أن العـامل اليـوم يعيـش مرحلـة انتقاليـة يتشـكل خالهلـا‬
‫بنـاء فكـري عوملـي وضمري إنسـاين كوين هيـدف بنـاء جمتمعـات ومنظامت‬
‫جديـدة لتنقـذ البرشية من عامل حداثـي تنافيس ظهرت إشـكالياته وإفرازاته‬
‫وتعاظمـت حتدياتـه وأزماتـه وباتـت إمكانية اسـتدامته مسـتحيلة لو بقيت‬
‫سـلوكات سـكانه عىل ما هـي عليه أو ظلت أسـاليب اإلنتاج واالسـتهالك‬
‫وأنماط اإلدارة ملنظامتـه العامـة واخلاصـة‪ ،‬سـادرة يف سياسـاهتا وبراجمهـا‬
‫املسـتنزفة للمـوارد الطبيعيـة واملتجاهلة حلقـوق الضعفاء والفقـراء ناهيك‬
‫عـن جتاهلها حقـوق األجيـال القادمة‪.‬‬
‫ومـن املنطقـي أن تكـون التنميـة الشـاملة واملسـتدامة هي اخليـار للنظام‬
‫اجلديـد الـذي يعيد التـوازن بني عنارص البيئـة الطبيعية املتمثلـة يف املاء واهلواء‬
‫واألرض مـع عنـارص النظـام االقتصـادي وثرواتـه الصناعيـة والزراعيـة‬
‫واحليوانيـة مـن أجـل حتقيـق التكامـل بين قطاعاتـه وثرواتـه الصناعيـة‬
‫والزراعيـة واحليوانيـة ومـن أجـل حتقيـق األمـن الغذائـي واملائي واإلنسـاين‬
‫والصحي لسـكان املعمـورة وكأهنم مواطنـون يف قرية كونية وأهنم سـيورثون‬
‫حرصـا منهم عىل سـداد احتياجاهتم األساسـية عىل‬ ‫ً‬ ‫هـذا الكوكـب ألبنائهم‪،‬‬
‫غـرار مـا متتعـوا به هـم مـن متطلبـات العيـش ونوعيـة احلياة‪.‬‬
‫ويف ظـل هذا التحول‪ ،‬ال بد من إعـادة النظر يف منهجيات ونظريات الفكر‬
‫اإلداري لتتـواءم املنظمات واملؤسسـات العامـة واخلاصـة والشركات متعددة‬
‫اجلنسـيات عبر سياسـتها وإستراتيجيتها مـع معطيـات التنميـة االقتصاديـة‬

‫‪191‬‬
‫والتنميـة البيئيـة والتنمية البرشية وكأهنا جسـد حـي تتفاعل أجهزتـه وأعضاؤه‬
‫حلفـظ احليـاة‪ ،‬ليـس للكائنات احليـة التي تعيش على هذا الكوكـب‪ ،‬بل إلدامة‬
‫البقـاء والنماء لـكل مكونـات النظـام الكـوين املحيط باألحيـاء واألشـياء عىل‬
‫اختلاف تنوعها احليـوي واجليولوجـي والبيولوجـي واملادي‪.‬‬
‫وقبـل التعـرف على أبعـاد التنميـة اإلداريـة املسـتدامة وخصائصهـا‬
‫وطموحـا دول ًّيا‪ ،‬تسـعى‬
‫ً‬ ‫ومنطلقاهتـا وآلياهتـا التـي ال تـزال مرشو ًعـا أكاديم ًّيـا‬
‫املنظمات الدوليـة إىل جعلـه واق ًعـا البـد مـن وقفـة توضـح مسيرة اإلصلاح‬
‫اإلداري التـي شـهدهتا معظـم الـدول النامية قبـل أن يتم التحـول نحو مصطلح‬
‫التنميـة اإلداريـة التقليديـة ومنهـا إىل التنمية اإلدارية املسـتدامة‪ .‬فعلى الرغم مما‬
‫حققتـه برامـج وجهود جمالـس وجلـان اإلصلاح اإلداري التي ال يـزال بعضها‬
‫ناشـ ًطا حتـى يومنـا هـذا‪ ،‬فـإن سـلبياهتا بدأت تتكشـف مثلما تكشـفت عيوب‬
‫النمـو والتنميـة االقتصاديـة التـي مل تكن مسـتدامة هـي األخرى لعقـود طويلة‪.‬‬

‫‪ .1‬ملاذا فقدت التنمية اإلدارية غري املستدامة فاعليتها؟‬


‫لقـد بدأت جهـود اإلصلاح اإلداري ‪ Administrative Reform‬يف‬
‫معظـم دول العـامل الثالـث‪ ،‬ومنهـا أقطارنـا العربيـة‪ ،‬منذ اخلمسـينيات من‬
‫القـرن العرشيـن؛ حيث بـدأت األمم املتحدة عبر برامج املسـاعدات الفنية‬
‫ترسـل خرباءهـا ومستشـارهيا إلصلاح حـال األجهـزة اإلداريـة ومعاجلة‬
‫املشـكالت التـي كانـت تعـوق احلكومـات واملنظمات عـن تنفيـذ براجمهـا‬
‫وحتسين حـال جمتمعاهتا وأصبحـت عقبة أمـام برامـج التنميـة االقتصادية‬
‫واتمـت وقتهـا باهلدر والفسـاد والتخلـف اإلداري‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫كما تزايـد االهتمام بجهـود اإلصلاح اإلداري حين ظهـرت حركـة‬
‫اإلدارة العامـة املقارنـة خلال عقـد السـتينيات وبداية السـبعينات وبدأت‬

‫‪192‬‬
‫األنظـار تتجه نحو بلورة فكر إداري موحد يناسـب خمتلـف الدول أو يقلل‬
‫مـن أوجـه التباين واالختلاف بح ًثا عن نظريـات إدارية عاملية متوسـطة او‬
‫إقليميـة هلـذه املجتمعـات‪ .‬وقـد كان هذا الطمـوح وقتها أن تصبـح اإلدارة‬
‫ً‬
‫حقلا عامل ًّيـا عىل غـرار حقول املعرفـة اإلنسـانية والطبيعية‪.‬‬ ‫العامـة‬
‫ويف ظـل هذه احلركـة اإلصالحية ُأنشـئت املـدارس الوطنيـة ومعاهد‬
‫اإلدارة العامـة؛ لتدريسـها وللتدريـب على بعـض املهـن واالختصاصات‬
‫املحاسـبية واملكتبيـة والرقابيـة‪ ،‬كما تشـكلت املجالـس واهليئـات التـي‬
‫كُلفـت بإعـادة النظـر يف اهليـاكل واإلجـراءات واملوازنات ووضـع النامذج‬
‫واختصـار الوقت واجلهـد الذين تسـتغرقهام معاملات املواطنين اليومية‪.‬‬
‫وقـد ُسـميت هذه اجلهـود حركـة «التنظيـم واألسـاليب ‪ »O and M‬وظل‬
‫عملهـا نشـ ًطا يف بعـض أقطارنـا العربيـة ومنهـا‪ :‬مصر والعـراق ولبنـان‬
‫والسـعودية وقطـر واليمـن واجلزائـر وتونس والسـودان‪.‬‬
‫وقـد تعـززت جهـود اإلصلاح اإلداري عىل مسـتوى الوطـن العريب‬
‫بنشـأة املنظمـة العربية للعلوم اإلداريـة عام ‪1969‬م ضمـن اجلامعة العربية‬
‫وصـار هلـا دور فاعـل يف نشر املعرفـة اإلداريـة وتبـادل اخلبرات وعقـد‬
‫الـدورات التدريبيـة يف خمتلـف االختصاصـات اإلداريـة والتنظيمية‪ ،‬وهي‬
‫ال تـزال تواصـل جهودهـا اإلصالحيـة والتطويريـة حتت مسـمى «املنظمة‬
‫العربيـة للتنميـة اإلداريـة»‪ .‬وعلى الرغـم مـن كل النتائـج اإلجيابيـة التـي‬
‫حققتهـا حركـة اإلصلاح والتنميـة اإلداريـة فـإن فاعليتهـا ودورهـا بـدآ‬
‫بالرتاجـع مـع تزايـد االهتمام الـدويل بواقـع التنميـة يف دول العـامل الثالث‬
‫واتسـاع الفجـوة بينهـا وبين التقـدم الذي تشـهده الـدول املتقدمـة‪ ،‬كام أن‬
‫تعاظـم املوارد املالية واكتشـاف البترول ومصادر الثـروة الطبيعية يف بعض‬
‫هـذه الـدول حتَّما عليهـا التوسـع يف أجهزهتا ومؤسسـاهتا لتنهـض بربامج‬

‫‪193‬‬
‫التنميـة االقتصاديـة التـي وضحـت هـي األخـرى إفرازاهتـا السـلبية لعدم‬
‫مراعاهتـا حتقيـق العدالـة يف توزيـع الدخـل القومـي على خمتلـف املناطـق‬
‫اجلغرافيـة أو بين الرشائـح املجتمعيـة‪ ،‬خاصـة األقل ح ًّظـا واألشـد ً‬
‫فقرا‪.‬‬
‫ومـع بلـوغ العوملـة والرتويـج للخصخصـة‪ ،‬بـدأت األفـكار الداعية‬
‫إىل إعـادة النظـر بمهـام احلكومـات ورضورة تبنـي مفاهيـم إدارة األعمال‬
‫يف تسـيري شـؤوهنا فظهـر مصطلـح إدارة األعمال احلكوميـة‪ ،‬فـكان انعقاد‬
‫املؤمتـر الـدويل لألمم املتحـدة يف اسـتوكهومل بالسـويد عـام ‪1972‬م بمثابة‬
‫الشرارة التـي وجهـت األنظـار لقضايـا البيئـة ومـا يقـع عليها مـن حيف‬
‫وظلـم بسـبب قصـور السياسـات والربامـج االقتصاديـة واإلداريـة التي مل‬
‫تتحقـق أهدافهـا مـع تعسـف احلكومـات يف اسـتنزافها للبيئـة وتلويثها‪.‬‬
‫وتوالـت جهـود املؤمتـرات واللجـان الدوليـة إلثـارة هذه املشـكالت‬
‫الكبيرة ودراسـتها‪ ،‬ويف مقدمتهـا اللجنـة التـي ترأسـتها بروتالند‪ ،‬رئيسـة‬
‫وزراء النرويـج‪ ،‬التـي أصـدرت تقريرهـا املوسـوم بـ«مسـتقبلنا املشترك»‬
‫لتنبـه دول العـامل إىل املصير الـذي ينتظرهـا إذا مـا اسـتمر احلـال على مـا‬
‫هـو عليـه مـن ختبـط وعشـوائية يف التعامـل مع البشر ومـع البيئـة وإمهال‬
‫حقـوق األجيـال القادمـة التـي لـن جتـد ما يسـد رمقهـا من اخليرات ولن‬
‫تـرث األرض وال اهلـواء وال املـاء الصالـح لعيشـها واسـتمرار حياهتا عىل‬
‫ظهـر هـذا الكوكب مع اتسـاع سـكانه ونضوب مـوارده وتلـوث بيئته ولن‬
‫يكـون باإلمـكان إجيـاد كوكـب آخر بديـل أو رديـف للقادمين اجلدد حني‬
‫يتضاعـف عددهـم يف غضون عقـود باتت معلومـة من الزمـن‪ .‬وقد خلص‬
‫لـوران فابيـوس اخلطـر بمقولته‪« :‬لو ُقـدِّ ر هلـذا الكوكب الكـوين أن يتكلم‬
‫لكانـت رسـالته للعـامل‪ :‬النجـدة‪ ،‬النجدة»‪.‬‬
‫والـذي ضاعـف مـن مشـكالت حركـة اإلصلاح اإلداري والتنميـة‬

‫‪194‬‬
‫اإلداريـة غير املسـتدامة عـدم مواءمـة وسـائلها وأسـاليبها وإجراءاهتـا‬
‫التنفيذيـة مـع األهـداف والغايـات املتجددة التي جـاءت هبا األلفيـة الثالثة‬
‫لغيـاب الرؤيـة املشتركة واملشـاركة الفاعلـة بين املسـتويات التـي ختطـط‬
‫وتصمـم املرشوعـات والربامـج وتلـك التـي تنفذها‪ ،‬فحصل بسـبب ذلك‬
‫التضـاد والتبايـن بين الوحـدات وأحيانًـا بين الـوزارات واهليئات‪.‬‬
‫وممـا أضعـف مبـادئ ومنطلقـات التنميـة اإلداريـة غير املسـتدامة‪:‬‬
‫تقـا ُدم كثير مـن املبـادئ والفرضيـات التـي تراكمـت وترسـخت عبر‬
‫املامرسـات والسـلوكات‪ ،‬مما أفقدها فاعليتها ومالءمتهـا للظروف املتجددة‬
‫بعضـا منهـا أصبـح‬
‫واألهـداف النوعيـة التكامليـة بعيـدة املـدى‪ ،‬بـل إن ً‬
‫أقـرب إىل األمثـال الشـعبية منـه إىل املبـادئ العلميـة؛ فالكفايـة والرتشـيد‬
‫يف النفقـات‪ ،‬اللـذان كانـا يعـدان مـن أهـم مـؤرشات النجـاح يف الظروف‬
‫التـي تشـح فيهـا املـوارد املاديـة‪ ،‬أصبحا عائقين أمـام املنظمات الطموحة‬
‫املتنافسـة واملنطلقـة لصناعـة مسـتقبلها‪.‬‬
‫والـذي يضاعـف مـن رضورة االهتمام بالتنميـة اإلداريـة املسـتدامة‬
‫وتوظيفهـا يف عجلـة التنميـة الشـاملة هو صـدور الوثيقة الدوليـة ألهداف‬
‫األلفيـة الثالثـة التـي تعاملـت مـع دول العـامل مـن خلال رؤيتهـا ألقطاره‬
‫وملشـكالته وكأهنـا ظواهـر وقضايا مشتركة وف ًقا ملعطيـات النظـام العاملي‬
‫اجلديـد وحـددت األهـداف الثامنيـة الرئيسـة التـي ينبغـي على مجيـع هذه‬
‫الـدول أن ختطـط وتعمـل على حتقيقهـا‪ .‬وقـد جـاءت مقـررات واتفاقات‬
‫املؤمتـر الـدويل لقمـة األرض املنعقـدة يف ريـو دي جانيرو بالربازيل لرتيس‬
‫األبعـاد الرئيسـة للتنمية املسـتدامة ولتضـع الدليل االسرتشـادي لألجهزة‬
‫احلكوميـة والقطـاع اخلـاص واملنظمات املدنية وف ًقـا ملصطلـح احلكامنية أو‬
‫احلكـم املرشـد؛ ليحـل حمـل مصطلـح احلكومـات التقليديـة التـي وضـح‬

‫‪195‬‬
‫عجزهـا وقصورها وفسـادها يف إقامة جمتمعات قادرة على تلبية احتياجات‬
‫مواطنيهـا‪ ،‬ناهيـك عـن عجزهـا عن ضمان مسـتقبل أجياهلـا القادمة‪.‬‬
‫ويف ضـوء جممـل اجلهـود الدوليـة‪ ،‬اسـتمد مفهـوم التنميـة اإلداريـة‬
‫املسـتدامة مكانتـه ودوره ليس من أجل إقامة منظامت رشـيدة ومؤسسـات‬
‫حكوميـة قابضـة وضابطة وإنما من أجـل رفد التنمية الشـاملة واملسـتدامة‬
‫بفكـر إداري وتنظيمـي معـارص يمكّـن مؤسسـات التنميـة االقتصاديـة‬
‫والتنميـة االجتامعيـة والتنميـة البيئيـة مـن أن تعمـل م ًعـا يف ظل سياسـات‬
‫عامـة وإستراتيجيات تنمويـة تكامليـة ونظميـة ولتكـون خمرجاهتـا بمثابة‬
‫التغذيـة الراجعـة ملدخالهتا ولتتقاسـم أدوارها وتتضافـر جهودها وتتعاون‬
‫أجهزهتـا يف حتقيـق أهـداف األلفية الثالثة التـي تتوىل املنظمات الدولية‪ ،‬ويف‬
‫مقدمتهـا هيئـة التنميـة املسـتدامة ملتابعة ما حتققـه دول العامل باجتـاه بلوغها‪.‬‬

‫‪ .2‬ما منطلقات الفكر اإلداري املستدام؟‬


‫ومنهجـا علم ًّيـا يسـتلزم‬
‫ً‬ ‫فكـرا تنمو ًّيـا‬
‫إن االسـتدامة اليـوم أصبحـت ً‬
‫التحـرك الرسيـع الفاعـل ل ُيرتجـم إىل سياسـات عامـة تنطلـق منهـا‬
‫إستراتيجيات وخطـط يتـوىل تنفيذهـا منظمات حكوميـة مسـتدامة مدنية‬
‫وأمنيـة ورشكات ومؤسسـات خاصـة وطنيـة وعمالقـة‪ ،‬إضافـة إىل جهود‬
‫املنظمات املدنيـة الطوعيـة واجلمعيـات اخلريية التـي ينخرط فيهـا كثري من‬
‫الشـباب والشـابات الذيـن باتـوا يدركون اخلطر الـذي ينتظرهـم وأجياهلم‬
‫القادمـة إذا بقيـت األوضـاع على مـا هـي عليـه وظـل اهلـدر والضيـاع‬
‫واالسـتنزاف والفسـاد مـن خصائـص املنظمات التقليديـة البريوقراطيـة‪.‬‬
‫أمـا مسـتلزمات ومنطلقـات هـذا التحـول نحـو االسـتدامة اإلداريـة‬
‫فيمكـن إبـراز أمههـا فيما ييل‪:‬‬

‫‪196‬‬
‫‪ 1 .2‬التكامل والتوازن يف حتقيق األهداف التنموية الشاملة‬
‫يتـم ذلـك بإزالـة احلـدود الومهيـة واالفرتاضيـة التـي تفصـل بين‬
‫السـلطات الثلاث يف الدولـة‪ ،‬مثلما تفصـل بني أهـداف وأنشـطة اهليئات‬
‫واملؤسسـات املجتمعيـة بذريعـة ضمان اسـتقالليتها وحتديـد مسـؤوليتها‪،‬‬
‫لكنهـا على أرض الواقع أصبحـت معوقـة أداء بعضها البعـض أو متواطئة‬
‫يف قصورهـا وأحيانًـا متعاونـة يف اقتسـام غنائمها التي حيصدهـا البعض من‬
‫املتورطين يف شـبكات الفسـاد داخـل أروقتها‪.‬‬
‫ولكـي ال يظـل هذا الواقـع اهليكيل التقليـدي وما يرافقه من ممارسـات‬
‫وسـلوكيات بانت آثارها السـلبية وظهر عجزها وقصورها؛ فإن االسـتدامة‬
‫بمعناهـا وجوهرهـا تسـتخدم التوفيـق والتنسـيق والتـوازن بين األهـداف‬
‫النوعيـة واجلغرافيـة للتنميـة وتعـزز العمـل التضامنـي والتعـاوين بني مجيع‬
‫القطاعـات والـوزارات واملؤسسـات التابعة هلا وكأهنا أعضاء يف جسـد حي‬
‫واحد إذا اشـتكى منـه عضو تداعت لـه بقية األعضـاء‪ .‬وإذا كانت نصوص‬
‫الدسـاتري ومواد القوانين تؤكد‪ ،‬يف صياغتها‪ ،‬تقسـيم األعمال والفصل بني‬
‫السـلطات والصالحيـات‪ ،‬فإن ذلـك ال خيفـي وال ينفي احلقيقـة القائلة بأن‬
‫هناك أهدا ًفا مشتركة وأنشـطة متداخلـة وجلانًا وجمالـس متخصصة وغرف‬
‫عمليـات جتمع ممثلي اجلهـات ذات العالقـة بالقضايا واملشـكالت حللها أو‬
‫بوضـع اإلستراتيجيات للنهـوض بمسـتقبلها‪ .‬وهـذا مـا حتققه السياسـات‬
‫العامـة التي تتـوىل املجالس القوميـة والوطنيـة العليا‪ ،‬بالتعـاون مع اجلهات‬
‫الدوليـة واإلقليمية التي تشـاركها االهتامم واملسـؤولية‪.‬‬
‫وقـد أطلـق ‪ Elkingto‬على التوجـه التكاملي مصطلـح «ثالثيـة‬
‫األهـداف» لتصبح أهـداف املنظامت مرتبطـة بأهداف املجتمعـات ‪Triple‬‬

‫‪197‬‬
‫‪ Bottom‬والبيئـات اخلارجيـة التـي تعمل فيهـا‪ ،‬إضافة اىل تطويـر كفايات‬
‫العاملين فيهـا ليكـون التفـوق والتميـز وقـوة العقـل واإلبـداع والتجديد‬
‫هـي الربدايـم لتحقيـق هـذه األهـداف الثالثيـة‪ :‬التنظيميـة واملجتمعيـة‬
‫والبيئيـة؛ لضمان املسـتقبل املسـتدام لألجيـال القادمـة‪ .‬وهبـذا جتتمـع‬
‫األهـداف االجتامعيـة واألهـداف االقتصاديـة والبيئية عند وضـع الربامج‬
‫واملرشوعـات والتـوازن بين األهـداف التشـغيلية املبـارشة وقريبـة األمـد‬
‫مـع األهـداف اإلستراتيجية وبعيدة املـدى وتكـون مرتبطـة ومتواصلة يف‬
‫نتائجهـا (‪.)Atkinson, etal, 2007‬‬

‫وقـد يظـن البعـض أن حتقيق هـذا التـوازن والتعـاون بني املؤسسـات‬


‫ً‬
‫مسـتحيل‪ ،‬لتبايـن نظمهـا ومواقعها‬ ‫واملنظمات الوطنيـة والعاملية سـيكون‬
‫وأهدافهـا النوعيـة من جهة وللطبيعة التنافسـية بين احلكومات والرشكات‬
‫التـي تبحـث يف الغالـب عـن تعظيـم منافعهـا وأرباحهـا‪ .‬لكـن دي هـوك‬
‫‪ Hock‬قـد أوضـح عبر بردايـم «التعافسـية» كيـف أن أكثـر مـن عرشيـن‬
‫ألـف بنـك ومؤسسـة ماليـة موزعـة بين ‪ 220‬دولة قـد حققـت ذلك عرب‬
‫نظـام الفيـزا كارد؛ فهـي تتعـاون يف خدمة بعضهـا البعض يف الوقت نفسـه‬
‫الـذي تتنافس فيـه يف خدمـة الزبائن وتوسـيع فرصها يف األسـواق العاملية‪،‬‬
‫ومـن التعـاون التنافيس ظهـر مصطلـح «التعافسـية» (‪.)Hock, 1997‬‬

‫وخالصـة لتجربتـه الناجحـة هـذه‪ ،‬يطـرح هـوك مصطلـح «املنظامت‬


‫الـكاوردك» ‪ chaordi orgs‬لتكـون النمـوذج املسـتقبيل لتحقيـق التنميـة‬
‫املسـتدامة؛ لقدرهتـا على حتقيـق التـوازن الـذايت بين الفـوىض والنظـام‬
‫(الكبيسي‪2014 ،‬م)‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫‪ 2 . 2‬إعـداد القيـادات اإلداريـة املسـتدامة ومتكينهـا مـن حتقيـق‬
‫التـوازن والعدالـة واإلنصاف يف توزيـع العوائد واملخرجات‬
‫التنمويـة وتوفير االحتياجـات األساسـية لزبائنهـا‬
‫ومعلـوم أن حتقيـق التكامـل والرتابـط واإلنصـاف والعدالـة يف إيصال‬
‫خمرجـات وعوائـد التنمية املسـتدامة ال يتـم بمواصلـة االرجتال والعشـوائية‬
‫التـي تعتمدهـا اإلدارات البريوقراطيـة وأسـاليبها العالجيـة بإطفـاء احلرائق‬
‫حين تشـتعل ومعاجلة األمـراض حني تنتشر والفيضانات حين تغرق املدن‬
‫واملظـامل حين يصرخ النـاس يف املياديـن وعبر القنـوات الفضائيـة‪ .‬فالنهج‬
‫االنفعـايل ‪ Reactive‬يف إدارة املؤسسـات والقطاعـات لـن يزيـد األمـر إال‬
‫تعقيـدً ا وصعوبـة‪ ،‬وقـد آن األوان للتحـول إىل الفكـر القيـادي االسـتباقي‬
‫‪ proactive‬الـذي يامرسـه قادة إستراتيجيون يؤمنون بمنطلقات االسـتدامة‬
‫ولدهيـم املؤهلات األكاديميـة واملهارات اإلبداعيـة لرعاية مكونـات النظام‬
‫الكـوين ويف مقدمتهـا البيئـة وثرواهتـا الطبيعيـة واحليويـة التـي تعرضـت‬
‫للنضـوب وسـوء االسـتغالل من أبنـاء هـذا اجليـل (‪.)Ulrich, etal, 2009‬‬
‫ويـأيت يف مقدمـة املهـارات القياديـة ملنظمات االسـتدامة قدرهتـم عىل‬
‫اكتشـاف واسـترشاف البيئة اخلارجيـة التي يعملـون فيها ومـا تنطوي عليه‬
‫مـن فـرص واعـدة وحتديـات وخماطـر حمتملـة‪ ،‬ومن ثـم املبـادرة والتحرك‬
‫إلدخال املسـتجدات والسياسـات والسـيناريوهات جلعل منظامهتم تتكيف‬
‫مـع الظـروف األكثر توق ًعـا والتحسـب هلا قبـل وقوعها‪.‬‬
‫وقـد طرحـت نماذج كثيرة لتطويـر القيـادات املسـتدامة ومتكينها من‬
‫حتقيـق األهـداف التنمويـة بعدالة ومشـاركة وإنصاف‪ ،‬ومن بينهـا‪ :‬نموذج‬
‫سـكوت جنسـون الـذي يترأس جمموعـة ‪ Fair Ridge‬إذ حيـدد مخـس‬
‫مراحـل أساسـية لنضـج اإلدارات والقيـادات ‪ Maturity Model‬وهـي‪:‬‬

‫‪199‬‬
‫‪ 1‬ـ مرحلة الوعي ‪:Awareness‬ويتم خالهلا تعميق اإلدراك‪.recognize‬‬
‫‪ 2‬ـ مرحلـة املبـادرة ‪ :Intiate‬ليظهـر القائـد وكأنـه متشـكك أوغير متأكد‬
‫وأنـه يعمـل يف ظل عـدم اليقني فهـو متردد ومنتظـر ‪.laggard‬‬
‫‪ 3‬ـ مرحلـة الفهـم واالسـتيعاب ‪ :understanding‬وتتـم بعـد إجابته عن‬
‫التسـاؤالت الغامضـة ويلـم بالنواقـص وحييـط بالثغـرات‪ ،‬وعندهـا‬
‫يتحـول إىل التجريـب واالنغماس وخيـوض يف امليدان الـذي يعمل فيه‬
‫‪ pilot‬وكأنـه عضـو يف فريـق ‪.follower‬‬
‫‪ 4‬ـ مرحلـة القبـول واالقتنـاع ‪ :Acceptance‬وتكتمـل خالهلـا العـدة‬
‫منجـزا‬
‫ً‬ ‫وهتيئـة املسـتلزمات للتحـول والتطويـر فيظهـر هنـا باعتبـاره‬
‫‪.performer‬‬
‫‪ 5‬ـ مرحلـة االلتـزام والتعهـد ‪ :commitment‬وفيها يربز الـدور القيادي‬
‫واإلبداعـي الـذي يرتجـم اإلدراك والفهـم واملبـادرات والتجارب إىل‬
‫واقـع يتم بلوغـه والتحـول ‪ transform‬نحو االسـتدامة‪.‬‬
‫وتوضـح املراحـل اخلمـس أعلاه أن التحول مـن القيـادات التقليدية‬
‫والبريوقراطيـة إىل نمـط القيـادات املسـتدامة ال يتـم بطفرة أو نقلـة أو قرار‬
‫وإنما يسـتلزم خطـة تطويريـة وتدري ًبـا أكاديم ًّيـا وتطبيق ًّيـا ليكـون قـادة‬
‫أهلا لتحمـل أعبائها وحتقيـق أهدافهـا ‪(Fair Ridge‬‬ ‫املنظمات املسـتدامة ً‬
‫‪Group www.triplepundit.com).‬‬
‫ومعلـوم أن لنظريـات القيـادة صلة وعالقة مبـارشة بالظـروف البيئية‬
‫التـي متـارس يف أجوائهـا ومـن غير املناسـب أن يتـم تبنـي نظريـة بعينهـا‬
‫لتعمـم على مجيـع املنظامت‪ .‬فنظريـة األوامـر التي يتبناهـا القائـد التقليدي‬
‫َّ‬
‫كانـت متوائمـة مع اهليـاكل اهلرميـة ومع التسلسـل يف توزيـع الصالحيات‬

‫‪200‬‬
‫وف ًقـا للمسـؤوليات‪ .‬وجـاءت نظريـة القيـادة التعامليـة منسـجمة مـع‬
‫منطلقـات وتطبيقات املنظمات املهنيـة واالحرتافية وظهرت نظريـة القيادة‬
‫التحويليـة اسـتجابة للتحـوالت العرصيـة التي شـهدهتا املنظمات املعرفية‬
‫والتنافسـية التـي تبنـت االسـتباق ‪ proactive‬يف التعامـل مـع األزمـات‬
‫ً‬
‫بديلا ألسـلوب االنفعـال ‪ Reactive‬أو ما يسـمى قيـادة إطفاء‬ ‫والظواهـر‬
‫احلرائـق‪ .‬ثم جـاءت نظرية القيـادة النظمية حني أصبحـت املنظامت تتعامل‬
‫مـع بيئتهـا اخلارجيـة وتسـعى إىل التكيف مـع مسـتجداهتا والتأثير والتأثر‬
‫بمسيرة جمتمعاهتا‪.‬‬
‫وليـس غري ًبـا‪ ،‬يف ضوء هـذا الربط بين النظريـات القيادية وسـياقاهتا‬
‫املجتمعيـة‪ ،‬أن تبرز احلاجـة لنظريـات القيـادة املسـتدامة للربـط بين أبعاد‬
‫التنميـة االقتصاديـة والتنميـة االجتامعيـة مـع املتغيرات البيئيـة ورضورة‬
‫احلفـاظ على املـوارد والثـروات الطبيعيـة‪ ،‬مراعـاة الحتياجـات األجيـال‬
‫القادمـة‪ .‬وبذلـك تصبـح اهتاممـات ونشـاطات القيـادات اإلدارية أوسـع‬
‫وأعقـد ممـا كانـت عليـه‪ ،‬وبالتـايل فـإن خصائـص ومهـارات القيـادات‬
‫عما هـي عليـه القيـادات التنفيذيـة احلالية‪.‬‬
‫املسـتقبلة سـتكون خمتلفـة َّ‬
‫أمـا هارد كريـف فقد أوضـح يف نموذجه أهـم املامرسـات والوظائف‬
‫التكامليـة التي تسـتلزمها التنمية اإلدارية املسـتدامة من القيادات املسـتقبلة‬
‫‪ ،Relational Model‬كما يلي (معهد القيادة املسـتدامة‪2009 ،‬م)‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ حتمل املسؤولية ‪.Take responsibility‬‬
‫‪ 2‬ـ النظر إىل التداخالت الكلية ‪.Holistic Interconnection‬‬
‫‪ 3‬ـ عقد احلوارات البنَّاءة ‪.Constructive conversation‬‬
‫‪ 4‬ـ إثارة القلق َّ‬
‫اخللق ‪.Creative tension‬‬

‫‪201‬‬
‫‪ 5‬ـ تسهيل انبثاق العوائد ‪.Emerging outcomes‬‬
‫‪ 6‬ـ فهم ديناميكيات التغري االجتامعي ‪.Social change Dynamics‬‬
‫‪ 7‬ـ التجريب والتعلم والتعديل ‪.Experiment and Adjust‬‬
‫‪ 8‬ـ توسيع الشعور بالوعي ‪.Conscious Awareness‬‬
‫كما أوضـح برنامـج التنميـة املسـتدامة التابـع لألمـم املتحـدة ‪ISSP‬‬
‫األطـراف التـي تتعامـل معهـا القيـادات اإلداريـة املسـتدامة‪.‬‬
‫وبذلـك يكـون دورهـم الرئيـس هـو توسـيع جمـاالت ونطـاق التأثري‬
‫‪ Spheres of Influence‬بالدوائـر املحيطـة هبـم‪ ،‬فيحرصـون على تقليـل‬
‫األذى والضرر الذيـن تلحقهما هبـم السياسـات والقـرارات وأن يبذلـوا‬
‫جهودهـم ويوظفـوا إمكاناهتـم ومهاراهتـم يف مضاعفـة عوائدهم وحتسين‬
‫أحواهلـم وزيـادة فـرص تنميتهم‪.‬‬
‫وملتابعـة اجلهود الدولية بشـأن تنمية القيادات املسـتدامة واملعاملة؛ يمكن‬
‫الرجـوع إىل منشـورات وبرامـج منظمـة القـادة احلكوميين ‪Government‬‬
‫‪ leader Org‬عبر موقعهـا اإللكتروين الـذي يضـم أكثـر مـن مخسين برناجمًا‬
‫وورشـة تدريبيـة قدمـت للآالف من ممثلي الدول عبر القـارات اخلمس‪.‬‬
‫‪ 3 . 2‬أولوية احلاجات األساسية للرشائح األقل ح ًّظا‬

‫ظهـر مصطلـح ‪ Basic Needs‬خلال عقد السـبعينيات وبسـعي من‬


‫منظمـة العمـل الدوليـة‪ ،‬وهـي تعمـل للحـد مـن معـدالت الفقـر وإعداد‬
‫العاطلين عـن العمـل ومـا تعانيه هـذه الرشائح من مشـكالت أساسـية يف‬
‫معيشـتها‪ ،‬يف مقدمتهـا قضايـا الغـذاء والصحـة والتعليـم والسـكن وكيف‬
‫أسـهمت سياسـات السـوق ومنطلقـات االقتصـاد احلـر يف مضاعفتها‪ ،‬ثم‬

‫‪202‬‬
‫جـاءت جهـود املنظمات الدوليـة املعنيـة بحقـوق اإلنسـان وقضايـا اهلوية‬
‫والكرامـة والثقافـة واحلريـة لتضـاف إىل السـلع واخلدمـات فتتسـبب يف‬
‫حرمـان هـذه الرشائـح مـن مقومـات احليـاة األساسـية وتدفعـه لكثري من‬
‫السـلوكات املعاديـة ملجتمعاهتـا وحلكوماهتا‪.‬‬
‫وقـد أثـار هـذا التوجـه نحـو توفير هـذه االحتياجـات األساسـية عبر‬
‫جـدل بني أصحـاب األيديولوجيـات واألحزاب‬ ‫ً‬ ‫الربامـج التنمويـة املختلفة‬
‫السياسـية املحافظين منهـم والليرباليين؛ ففريـق خيشـى مـن املخاطـر‬
‫والتضحيـات التـي تنجم عـن إنفاق املدخـرات وعوائد االسـتثامرات لصالح‬
‫ً‬
‫مقابلا لذلـك اجلهـد والعطـاء‪،‬‬ ‫العاجزيـن والعاطلين الذيـن ال يقدمـون‬
‫وآخـرون يـرون يف هـذه الربامـج التنمويـة رش ًطـا ورضورة للسياسـات‬
‫الرشـيدة وملعاجلـة الظلم الذي أحلقته برامـج التنمية االقتصادية الالمسـتدامة‬
‫خلال العقـود السـابقة واحلاليـة‪ .‬وبذلك تصبـح تلبية هـذه االحتياجات من‬
‫املسـؤوليات الرئيسـة للحكومات واملنظمات العامة وقياداهتا املسـتدامة‪ ،‬غري‬
‫كم ونو ًعـا يظل هو اآلخر ًّ‬
‫حملا لالجتهاد‬ ‫أن حتديـد ماهيـة هذه االحتياجـات ًّ‬
‫لتبايـن الـدول واملجتمعـات يف ظروفهـا وإمكاناهتـا وفلسـفاهتا‪.‬‬
‫نموذجـا ملـا ينبغـي أن حتققه‬
‫ً‬ ‫وقـد وضـع ماكـس نيـف ‪ Neef‬وزملاؤه‬
‫التنميـة املسـتدامة مـن خلال إدارهتـا للربامـج واملرشوعـات وصياغتهـا‬
‫للسياسـات واإلستراتيجيات مـن ثمار ملموسـة وخمرجـات وعوائـد يمكن‬
‫قياسـها‪ ،‬وهـي تسـعى إىل تلبية تسـعة من االحتياجـات األساسـية التي باتت‬
‫رضوريـة لإلنسـان يف هـذا العصر وللحد مـن معاناته وحتسين جـودة احلياة‬
‫التـي يتطلع هلـا أبناء هذا اجليل وحيرصـون عىل أن يورثوها لألجيـال القادمة‪.‬‬
‫وألن املجتمعـات تتبايـن يف إمكاناهتـا وظروفهـا ونظـم حكمهـا‪ ،‬فإن‬
‫النمـوذج يدعـو إىل أن تـويل هـذه الـدول جهودهـا وتوجـه سـعيها فلا‬

‫‪203‬‬
‫تضعـف أو تقلـل ممـا حيصـل عليـه مواطنوهـا اليـوم مـن فـرص أو مزايـا‬
‫وخيـارات‪ ،‬فتحافـظ عليهـا باعتبارهـا مكتسـبات حتققت فلا ترتاجع عن‬
‫حدهـا األدنـى بذريعـة أي ظـروف اسـتثنائية وال تؤذهيـا ‪،Don’t Harm‬‬
‫وهـذه هـي اإلستراتيجية الدنيا‪.‬‬
‫أمـا اإلستراتيجية الثانيـة فهـي التكميليـة واملفضلـة‪ ،‬التـي ينبغي عىل‬
‫الـدول الناهضة والسـاعية إىل التنمية املسـتدامة أن جتاهد مـن أجل تفعيلها‬
‫ـميت إستراتيجية ‪.Make it Better‬‬ ‫وس ِّ‬
‫ومضاعفة مسـاحتها ُ‬
‫وفيما ييل احلاجات التسـع الرضوريـة لتحقيق االسـتدامة حلياة األفراد‬
‫واملجتمعـات‪ ،‬التي ينبغي على املنظامت جمتمعة أن تسـعى إىل حتقيقها‪:‬‬
‫‪1‬ـ العيـش والبقـاء مـن أجـل الوجـود‪ :‬ويتـم ذلـك مـن خلال الصحـة‬
‫البدنيـة والعقليـة والنفسـية بتوفير الغـذاء واملـأوى واملـأكل وامللبـس‬
‫والعمـل واالنتماء‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ احلاميـة والرعايـة‪ :‬ويسـتلزم ذلـك توفير االسـتقالل الـذايت والضامن‬
‫االجتامعـي والصحـي واألمنـي والبيئـة النظيفة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ املـودة واالنتماء واحلـب‪ :‬بإقامة العالقـات العائليـة واملجتمعية وتبادل‬
‫االحترام والتعبير عـن املشـاعر وتوفير الفـرص للمتعـة ولألوقـات‬
‫ا حلميمة ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ الفهـم والتفاهـم واإلدراك‪ :‬تعميق القدرات الفكرية واحلدسـية وتنمية‬
‫مهـارات التفكير والتحليـل والتأمـل عبر فـرص مواصلـة التعليـم‬
‫املسـتمر واملنظمات املعرفية‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ املشـاركة وحتمل املسـؤوليات‪ :‬بتقبـل االنضامم لفرق العمـل والتعاون‬
‫الطوعـي وإقامـة اجلمعيات واملنظامت والنقابـات واألحزاب‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫‪ 6‬ـ الرفاهيـة واملتعـة‪ :‬بتوظيـف أوقـات الفـراغ وممارسـة اهلوايـات وإقامة‬
‫احلفلات واالسترخاء واالسـتمتاع بالرياضـة واملناظـر الطبيعيـة مـع‬
‫اآلخرين‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ اإلبـداع واالكتشـاف والتجديـد‪ :‬بتنشـيط اخليال واحلث على االبتكار‬
‫وتطويـر أسـاليب العيـش والعمـل والبحـث عـن البدائـل والتفكير‬
‫خـارج الصناديق‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ اهلويـة وحتقيق الـذات‪ :‬معرفة نقاط قوهتا وضعفها والسـعي إىل إبرازها‬
‫وتنميتها والتعبير عن معتقداهتا وقيمها وحتكيـم معايريها وخياراهتا‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ احلريـة والتحـرر‪ :‬فلا خـوف مـن هتديـد ووعيـد وال خطـر حمتمـل أو‬
‫متوقـع وال موانـع وقيـود حتـول دون التعبير عـن الـرأي أو التنقـل‬
‫أو التملـك‪ ،‬وبذلـك يتحقـق االنفتـاح والتفاعـل وإطلاق القـدرات‬
‫(‪.)Neef, eta, 2010‬‬
‫وحين تفلـح منظمات التنميـة املسـتدامة‪ٌّ ،‬‬
‫كل مـن طرفهـا ووف ًقـا‬
‫الختصاصاهتـا ومسـؤولياهتا يف حتقيـق هـذه احلاجـات األساسـية لألفـراد‬
‫واملجتمعـات دون اسـتثناء أو إقصـاء أو هتميـش فـإن التنميـة عندها سـتكون‬
‫يف أفضـل مراحلهـا وإن البرش سـينطلقون يف براجمهم التنمويـة‪ ،‬مراعني بذلك‬
‫حقـوق اآلخريـن مـن أبناء جيلهـم ومن أبنـاء األجيـال القادمـة‪ ،‬ناهيك عن‬
‫حرصهـم على مواردهـم الطبيعيـة والبيئيـة لتكـون حياهتـم أسـعد وبيئتهـم‬
‫أنظـف‪ ،‬ولسـان حاهلـم يقـول‪« :‬كلكـم را ٍع وكلكـم مسـؤول عـن رعيتـه»‪.‬‬
‫‪ 4 . 2‬إرساء الثقافة التنظيمية املساندة‬
‫ولتحقيـق التنميـة املسـتدامة بـكل أبعادهـا‪ ،‬ومنهـا التنميـة اإلدارية‪،‬‬
‫ينبغـي العمـل على إجيـاد منظمات قـادرة على إرسـاء القيـم واالجتاهـات‬

‫‪205‬‬
‫والسـلوكات اجلديـدة؛ لتحـل حمـل املامرسـات التقليديـة والعـادات‬
‫البريوقراطيـة التـي ورثتهـا املجتمعـات مـن تراثهـا ومـن ظـروف عيشـها‬
‫السـابقة وظلـت جتـد هلـا نفـو ًذا على الرغـم مـن كل املسـتجدات وتغير‬
‫طبيعـة التحديـات واملشـكالت التـي تواجـه منظمات العصر‪.‬‬
‫ومثلما تتطلـب التنميـة االقتصاديـة املسـتدامة التغيير يف أنماط اإلنتاج‬
‫واالسـتهالك والتوزيـع واحلـد مـن ضغـوط وآليـات السـوق يف التنافـس‬
‫واالحتـكار واالسـتغالل‪ ،‬فـإن مـن متطلبـات التنميـة اإلدارية املسـتدامة أن‬
‫حتـل ثقافـة احلكامنيـة واإلدارة الرشـيدة بقيمهـا ومبادئهـا ومبادراهتـا حمـل‬
‫السـلوكات التـي كانـت وال تـزال ترسـخ االنتماءات القبليـة والـوالءات‬
‫العائليـة‪ .‬ويتـم ذلك عبر األمثـال الشـعبية والقصص التـي يتوارثهـا األبناء‬
‫عـن آبائهـم واألحفـاد عـن أجدادهـم لتبقـى النخـوة والفزعة ونصرة األخ‬
‫وابـن العـم وابـن املحلـة واملدينة معايير ملن يتـم اختيارهـم لقيـادة املنظامت‬
‫وإدارة املؤسسـات املتحكمـة يف شـؤون النـاس وتلبيـة احتياجاهتـم وحـل‬
‫معضالهتـم‪ .‬فكيـف يمكـن ملـن يصلـون إىل مواقعهـم عبر االنتماءات‬
‫والعالقـات والعـادات أن حيققـوا الفاعليـة والكفايـة واالسـتدامة أو يقيموا‬
‫العـدل يف منظامهتـم ويشـيعوه يف جمتمعاهتـم؟ (‪.)Bryan, 2005‬‬

‫أمـا القيم اجلديـدة التي دعت إليهـا أدبيات التنمية املسـتدامة وأهداف‬
‫األلفيـة الثالثة وتسـعى برامـج األمم املتحدة للتنميـة ‪ UNDP‬إىل حتقيقها يف‬
‫جمال احلكم الرشـيد فهي (قاسـم‪2012 ،‬م؛ الكبييس‪2011 ،‬م)‪:‬‬
‫العدالة التنظيمية ‪Organizational Justice‬‬ ‫*‬
‫وتشـمل عدالـة التوزيع وعدالـة التعامـل والتفاعل وعدالـة الفرص‪،‬‬
‫لتحـل حمـل ممارسـات التعصـب والظلم وعـدم املسـاواة وعـدم اإلنصاف‬

‫‪206‬‬
‫والتحيـز وحتكم األهـواء واملصالح‪ ،‬سـواء يف وضع السياسـات أو يف اختاذ‬
‫القرارات وتسـيري شـؤون املنظامت‪.‬‬
‫الثقة التنظيمية ‪Trust Organizational‬‬ ‫*‬
‫وتسـتلزم النزاهـة يف القـول والفعـل والصـدق يف تنفيـذ الوعـود‬
‫والعقـود وتطابـق النوايـا مـع النتائـج والسـلوكات‪ ،‬لتحـل حمـل الكـذب‬
‫والتصنـع والتحايـل والنفـاق ومتثيـل األدوار واملواقـف التي من شـأهنا أن‬
‫تشـيع اخلـوف والشـك واحلـذر واالنغالق على الذات ً‬
‫بـدل مـن االنفتاح‬
‫على اآلخرين‪.‬‬
‫* الشفافية ‪Transparency‬‬

‫وتعنـي املكاشـفة واملصارحـة واالنفتـاح والوضوح والعلنية وكشـف‬


‫البيانـات واملعلومـات وتقديمهـا ملـن يطلبهـا والـرد على التسـاؤالت‬
‫واالنتقـادات‪ .‬وبذلـك تكـف املنظمات عـن ادعـاء الرسيـة والتمسـك‬
‫باخلصوصيـة أو املصلحـة العامـة‪.‬‬
‫* املساءلة ‪Accountability‬‬
‫وبموجبهـا‪ ،‬يوضـع كل مـن يك َّلـف بمسـؤولية يف أي منظمـة عامـة‬
‫أو خاصـة وتعطـى لـه الصالحيـة التـي متكِّنـه مـن أداء واجباتـه‪ ،‬حتـت‬
‫مسـاءلة ومراقبـة ومتابعـة شـخص آخـر أو جهـة حمـددة ذات اختصـاص‬
‫إداري أو قانـوين أو سـيايس‪ .‬واملسـاءلة توجب عىل الرؤسـاء واملرؤوسين‬
‫احترام نصـوص القوانني واإلقـرار بحق السـلطات الترشيعيـة والقضائية‬
‫واإلداريـة لكـي ال يقعـوا يف االنحرافات ويف السـلوكات التـي تضعهم يف‬
‫دائرة الفسـاد أو االسـتبداد أو كليهما م ًعا‪ .‬فحني غابت املسـاءلة يف كثري من‬
‫األقطـار هربـت التنميـة وضاعت ثامرهـا و ُأفرغـت املرشوعـات والربامج‬

‫‪207‬‬
‫مـن عوائدهـا؛ لذلك سـعت الـدول احلريصة عىل حتقيـق التنمية املسـتدامة‬
‫إىل صياغـة القوانين وأقامت املؤسسـات السياسـية والترشيعيـة والقضائية‬
‫كثريا مـن آليات متابعة املسـاءلة عبر اخلطوط السـاخنة واملحاكم‬
‫وطبقـت ً‬
‫الرسيعـة والرقابـة السـابقة والالحقة‪ ،‬الرسـمية منهـا واجلامهريية‪.‬‬
‫الرشاكة ‪Partner Ship‬‬ ‫*‬
‫وهـي غير املشـاركة التـي يتفضل هبـا بعـض املديرين عىل مـن حوهلم‬
‫فيسـألوهنم عـن أمـر مـا أو تقديـم معلومة يف حقـل ختصصهم‪ ،‬لكـن الرأي‬
‫وكثيرا ما يـردد هـؤالء املديـرون قوهلم‪:‬‬
‫ً‬ ‫األخير يظـل متروكًا لتقديرهـم‪،‬‬
‫«نشـاورهم ونخالفهـم»‪ .‬أمـا الرشاكـة فتعنـي مـا هـو أهـم وأوسـع؛ ألهنا‬
‫تنطلق من إيامن الرشكاء بمسـؤوليتهم اجلامعيـة والتضامنية يف إدارة املنظامت‬
‫التـي يعملـون فيها‪ ،‬وحيـررون أنفسـهم من العزلة السـلبية والالمبـاالة إزاء‬
‫القضايـا الكبيرة واملهمة‪ ،‬فتظل الفجـوة بينهم وبني املسـتويات والوحدات‬
‫املختلفـة واسـعة‪ ،‬وهـم بذلـك يتنصلـون مـن مسـؤولية مـا يتم اختـاذه من‬
‫قـرارات انفراديـة قـد تكـون ضـارة وخطيرة‪ .‬وعلى القياديين أنفسـهم‬
‫أن ُيشـعروا أتباعهـم بأمهيـة دورهـم ويشـجعوهم على اإلدالء بما يسـاور‬
‫نفوسـهم أو طموحهـم مـن مطالـب ومقرتحـات وبأهنـا سـتجد اجلديـة‬
‫واالحترام‪ ..‬وعندهـا يصبـح اجلميـع يف مركـب واحـد وهدفهم هـو بلوغ‬
‫شـاطئ األمـان وخدمـة جمتمعاهتـم وأجياهلـم احلاليـة والقادمة‪.‬‬
‫وهبـذه القيـم اجلديـدة تتحـول املنظمات إىل فكـر االسـتدامة وتصبح‬
‫سياسـاهتا وبراجمهـا واق ًعـا وليـس جمـرد شـعارات وأحلام وأمـاين بعيـدة‬
‫املنـال‪ ،‬وبذلـك تصبـح األخالقيات والقيـم اجلديـدة سـلوكات للمواطنة‬
‫التنظيميـة يعيشـها العاملـون يف منظامهتـم وحيرصـون على غرسـها لـدى‬
‫املتعاملين معهـم‪ .‬ويصبـح اجلميـع عىل درجـة عالية مـن االنتماء والوالء‬

‫‪208‬‬
‫واإلخلاص ملجتمعاهتـم‪ ،‬ممـا يزيـد مـن اسـتعدادهم للتضحيـة واإليثـار‬
‫ونكـران الـذات والتطـوع والعمـل خـارج حـدود املنظمـة والتزاماهتـا‬
‫الرسـمية‪ .‬وبمثـل هـذه األخالقيات والسـلوكات تصبـح التنميـة اإلدارية‬
‫املسـتدامة هـي الـذراع التنفيذيـة للتنميـة املسـتدامة بـكل القطاعـات ويف‬
‫كل املؤسسـات والشركات‪ ،‬وتصبـح املنظمات ذاهتا مراكز إلشـاعة احلب‬
‫والثقـة والتحـرر والعدل واملسـاواة والنصيحة واإليثار‪ً ،‬‬
‫بـدل من الكراهية‬
‫واحلقـد وتعميـق العـداوة والفرقـة وإثـارة النعرات‪.‬‬
‫‪ 5 . 2‬االلتزام بمعايري الكفاية والفاعلية والعدل ‪3Es‬‬
‫لقـد ظلـت املنظمات البريوقراطيـة التقليديـة والرشكات واملؤسسـات‬
‫االقتصاديـة‪ ،‬على اختلاف قطاعاهتا‪ ،‬تقترص يف احتسـاب تكاليفهـا ملا تنتجه‬
‫أو تقدمـه مـن خدمات عىل األعبـاء املاليـة الداخلية وما تعتمـده يف موازناهتا‬
‫على أبـواب الصرف واإلنفـاق وف ًقـا للبنـود واملـواد املخصصـة للرواتـب‬
‫واألجـور واملشتريات مـن املـواد األوليـة ومـا يصرف مـن رشاء املعـدات‬
‫واألثـاث أو يدفـع عـن تكاليـف املـاء والكهربـاء مـن رسـوم أو لإليفادات‬
‫ولإلجيـارات وغريها‪.‬‬
‫أمـا التكاليـف اخلارجيـة والبيئيـة التـي ترافـق أنشـطتها املتمثلـة يف‬
‫التلـوث الـذي تفـرزه مصانعهـا أو النفايـات التـي تلقيهـا أو النضـوب ملـا‬
‫تسـتهلكه مـن املـوارد الطبيعيـة املختلفـة‪ ،‬فترتكهـا للمجتمعـات لتتحملها‬
‫وكأهنـا بريئـة ممـا اقرتفته مـن ذنـوب وأرضار وخسـائر فادحـة ترتتب عىل‬
‫أدائها‪.‬‬
‫ولكـي ال يظـل هـذا النزيف الـذي تدفعـه الشـعوب واملجتمعات من‬
‫دمـاء املواطنين وصحتهـم وأعامرهـم ومسـتحقات أجياهلـا القادمـة‪ ،‬فقد‬

‫‪209‬‬
‫بـدأت أنظـار املعنيني بالتنمية املسـتدامة تتجـه نحو حتويل بعـض التكاليف‬
‫اخلارجيـة والبيئيـة لتكون ضمـن التكاليف الداخلية للشركات واملنظامت‪،‬‬
‫حتقي ًقـا للعدالـة التي هـي ركن أسـاس للتنمية املسـتدامة‪ ،‬وعندهـا ال تظل‬
‫أربـاح هـذه الشركات واملنظمات تصـب يف جيـوب ومصـارف أصحاهبا‬
‫فتتفاقـم مسـتويات الدخول بني رشائـح املجتمع‪ ،‬األغنياء منهـم والفقراء‪،‬‬
‫وتصبـح التنميـة االقتصاديـة غير مواكبـة للتنميـة االجتامعيـة‪ ،‬بـل معادية‬
‫ومعاكسـة هلا‪.‬‬
‫وعليـه‪ ،‬فـإن احتسـاب التكاليـف اإلمجاليـة ملـا تنتجـه الشركات‬
‫واملؤسسـات بـات يسـتلزم اليـوم حتقيـق التـوازن ومراعـاة التداخـل بين‬
‫تكاليـف مـا يتم اسـتهالكه مـن املـوارد الطبيعية ومـا يتم حتقيقه من حتسـن‬
‫يف مسـتويات العيش للسـكان ومـا يضمن بقـاء البيئة الطبيعيـة نظيفة ونقية‬
‫السـتقبال القادمين اجلـدد مـن البرش‪.‬‬
‫وتسـتلزم ترمجـة هـذا املطلـب بنـاء وتطويـر إدارات تتسـم بالكفايـة‬
‫وتكـون فاعلـة ومسـتدامة وقـادرة على تبنـي حسـابات وأدوات ماليـة‬
‫واقتصاديـة وكلفويـة ت َُت َجـم عبر معايير ومـؤرشات كمية عند احتسـاب‬
‫أرباحهـا وخسـائرها وإعداد حسـاباهتا اخلتاميـة‪ ،‬أو وضـع موازناهتا بعيدة‬
‫وقصيرة املـدى‪ .‬وبموجبه تصبـح املنظمات املسـتدامة ملتزمـة بمنطلقات‬
‫اإلدارة الرشـيدة التي ُتترص بـ ‪ ،3Es‬وهـي‪ :‬الكفاية ‪ Efficiency‬والفاعلية‬
‫‪ Effectivness‬والعدالـة ‪.Equity‬‬
‫وينبغـي لتحقيـق هـذه املعايير اعتماد منهجيـة جديـدة للرضائـب‬
‫والرسـوم؛ لتكـون مـن مصـادر متويـل املوازنـات العامـة‪ ،‬فلا تقترص عىل‬
‫مداخيـل املوظفين ورضائـب امللكيـة‪ ،‬بـل تتجاوزهـا إىل رضائـب تُفرض‬
‫على النقـل اخلـاص بالسـلع التجاريـة واسـتخدام الطـرق الرسيعـة وعىل‬

‫‪210‬‬
‫األنشـطة املضرة بالبيئـة أو املسـببة للتلـوث واملسـتنزفة للمـوارد الطبيعيـة‬
‫املعدنيـة واحليوانيـة والنباتيـة‪.‬‬
‫وقـد بـدأت بعـض الـدول تفـرض الرضائـب على الوقـود الـذي‬
‫تسـتهلكه الطائـرات والقطـارات والسـيارات بعـد أن اكتشـفت أن الذيـن‬
‫يدفعـون التكاليف البيئية ليسـوا هم املسـببني هلـا‪ ،‬وهي الشركات الدولية‬
‫الناقلـة والـدول املسـتوردة والشركات الباحثـة عـن مضاعفـة األربـاح‪.‬‬
‫يفضـل أن يكـون تدرجي ًّيا وعرب‬
‫غير أن فـرض هـذه الرضائـب التصاعديـة َّ‬
‫مراحـل زمنيـة طويلـة لكـي ال تُقـاوم وتتسـبب يف أزمـات ومشـكالت‬
‫اقتصاديـة‪ .‬كما يفترض أن ترجع عوائد هـذه الرضائـب إىل الرشائح األقل‬
‫إرضارا للبيئـة‪ .‬وقـد بـدأت الدول‬
‫ً‬ ‫اسـتهالكًا للوقـود أو للطـرق أو لألقـل‬
‫االسـكندنافية بإنشـاء معاهـد بحثيـة ومراكـز ماليـة وحماسـبية الحتسـاب‬
‫الرضائـب البيئيـة املسـتدامة‪ ،‬للحـد مـن أربـاح الشركات الكبرى ذات‬
‫املراكـز والفـروع متعـددة اجلنسـيات‪ .‬ومـن شـأن الرضائب عىل اسـتهالك‬
‫وانتشـارا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الوقـود التقليـدي أن جتعـل مصادر الطاقـة املتجددة أكثـر ً‬
‫قبول‬
‫ويف ضـوء مـا تقـدم‪ ،‬فـإن التنميـة اإلداريـة املسـتدامة تتطلـب تبنـي‬
‫فكـر إداري جديـد يف التعامـل مـع املوازنـات العامـة بشـقيها‪ :‬اإليـرادات‬
‫والنفقـات‪ ،‬واخلـروج مـن األسـاليب التقليديـة القائمـة على االقتصـاد‬
‫الريعـي وحيـد الدخـل واملعتمـد على اسـتنزاف املـوارد الطبيعيـة وعلى‬
‫حسـابات التكلفـة التـي تقتصر على التكاليـف الداخليـة فقط‪ .‬وال شـك‬
‫أن مواصلـة هذه األسـاليب واسـتمرارها وااللتزام هبا من ِق َبل املؤسسـات‬
‫واملنظمات العامـة واخلاصـة لـن تـؤدي إىل االسـتدامة ولـن حتقـق التنمية‬
‫الشـاملة التـي تضمـن حقوق خمتلـف الرشائـح ألبناء هـذا اجليـل‪ ،‬ناهيك‬
‫عـن هضمها حقـوق األجيـال القادمة‪ .‬وستشـهد النظم اإلدارية املسـتدامة‬

‫‪211‬‬
‫تطـورا يف إداراهتـا للمدخلات وللمخرجات واحتسـاهبا للعوائـد النهائية‬‫ً‬
‫ومـدى حتقيقهـا للعدالـة واإلنصاف‪ ،‬سـواء بني أبنـاء الرشائح أو بين أبناء‬
‫املناطـق احلرضيـة والريفيـة (‪.)bartle, etal, 2006‬‬

‫‪ 6 . 2‬اعتامد التفكري والتخطيط اإلسرتاتيجي‬


‫وممـا يسـتوجبه الفكر اإلداري املعـارص ليكون مسـتدا ًما‪ :‬وضع خارطة‬
‫طريـق لتحويـل املنظمات البريوقراطيـة ومـا ورثتـه مـن إرث تقادمـت‬
‫ممارسـاته ونظمـه وإجراءاته وتكشـفت عيـوب هياكلهـا وموازناهتا ووضح‬
‫عجـز كوادرها‪ ،‬لتحـدث النهضة الشـاملة والتغريات اجلوهرية يف فلسـفتها‬
‫ورؤيتهـا ورسـالتها‪ ،‬وتبنيهـا ملنطلقـات التفكير والتخطيـط اإلستراتيجي‬
‫االسـتباقي لتواكـب حتـول احلكومـات إىل حكامنيـات‪ .‬وتعتمـد شـبكات‬
‫االتصـال والتواصـل والتقنيـات والربجميـات لتوصيـل خدماهتـا عبر‬
‫اإلنرتنـت واإلنرتانـت‪ .‬ومـن بني اخلصائـص التي يسـتلزمها قيـام املنظامت‬
‫املسـتدامة اعتماد النماذج الفكريـة واإلبداعيـة املعرفيـة لفهـم الظواهـر‬
‫واملشـكالت وحتليل أعراضها وأسـباهبا وآثارهـا املتداخلة بني أبعـاد التنمية‬
‫وف ًقـا ملنظـور االسـتدامة التكاملي‪ ،‬وذلـك بتجـاوز املنهج األحـادي وتبني‬
‫مناهـج التعدديـة و«عبر املناهجيـة»‪ .‬وبذلـك تُربـط املنظمات بعـامل احليـاة‬
‫األرحـب وبمتغريات البيئة األوسـع وختـرج عن مفهومي البيئتين الداخلية‬
‫واخلارجيـة اللذيـن كانـا معتمديـن يف الفكـر التقليـدي‪ .‬وهـذا يتطلب فتح‬
‫األبـواب أمام أسـاتذة اإلدارة وطلبتها ومستشـارهيا لالنفتاح على التداخل‬
‫املعـريف واالطلاع عىل أحسـن التجارب الرائـدة ألحدث القفـزات النوعية‬
‫الكفيلـة بـردم الفجـوة التـي تفصـل الـدول واملجتمعـات النامية عـن دول‬
‫العـامل املتقـدم (مكغريغـور‪2009 ،‬م)‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫‪ 7 . 2‬االهتامم بإدارة املعرفة والتعلم التنظيمي‬
‫احلقيقـة التـي تظـل ماثلـة أمـام املعنيين باالسـتدامة وفكرهـا ونامذجها‬
‫هـي رضورة االعتراف بـأن اجلهل والقصـور املعريف سـيظالن موجودين من‬
‫حولنـا وأن دائرهتام تتسـع على الرغم من تعاظـم حجم املعلومـات واملعارف‬
‫اإلنسـانية والطبيعيـة املكتشـفة حـول خمتلـف مياديـن احليـاة ومشـكالهتا‬
‫وقطاعاهتـا‪ .‬وربما يكون إدراك هـذه احلقيقـة االفرتاضية هو السـبب الرئيس‬
‫ً‬
‫تفـاؤل وهم يتصـدون لألزمات‬ ‫الـذي جيعـل العلماء واملفكريـن أقل النـاس‬
‫ً‬
‫مسـتقبل‪.‬‬ ‫والكـوارث والظواهـر املجتمعيـة أو يسـترشفون ما سـيقع فيها‬
‫عول عليهـا يف صناعة املسـتقبل ينبغي أن‬ ‫إن املنظمات املسـتدامة التي سـ ُي َّ‬
‫تسـعى جاهدة‪ ،‬من خالل سياسـتها وإستراتيجيتها‪ ،‬إىل حتقيـق التنمية البرشية‬
‫املؤهلـة إلدارة برامـج الدولـة ومرشوعاهتـا االقتصاديـة دون هـدر يف املـوارد‬
‫الطبيعيـة أو تلويـث للبيئـة وللنظـام اإليكولوجـي بـكل عنـارصه‪ ،‬وتسـعى‬
‫إىل حتقيـق التـوازن والعدالـة واإلنصـاف بين مـا تأخـذه مـن البيئـة وتعطيـه‬
‫للبشر وبأقـل التضحيـات واآلثـار السـلبية التـي تلحـق بمصالـح األجيـال‬
‫القادمـة‪ .‬ومعلـوم أن احلفـاظ على النظـام البيئـي احليـوي واملـادي سـيضع‬
‫على عاتـق منظمات املسـتقبل أعبـاء ومهـام جديـدة وخلـق إدارات وأقسـام‬
‫ختطيطيـة وتنفيذيـة متخصصـة للتعامـل مـع املـواد اخلـام والنفايـات واملـواد‬
‫العرضيـة والفضلات التـي تفرزهـا عمليـات اإلنتـاج والتجميـع والتسـويق‬
‫واخلـزن ومـا يرافقهـا مـن عمليـات التفكيـك والتجزئـة والتحليـل والصهـر‬
‫وإعـادة االسـتخدام والتدويـر لكثير مـن املكونـات والعنـارص التـي مل تكـن‬
‫ذات نفـع وقيمـة فيام مضى‪ .‬ولكل من هـذه العمليـات طبيعتهـا وخصائصها‬
‫وفسـيولوجيتها وأخطارهـا التي تتوجب اسـتقطاب املهنيين واالختصاصيني‬
‫واحلرفيين؛ فهـم رأس املـال البشري األهـم يف هـذه املنظمات‪ .‬وهـذا هو ما‬

‫‪213‬‬
‫أشـار إليـه ألفـن توفلـر يف كتابـه «حتـول السـلطة» ‪ Power shift‬حين قـال‪:‬‬
‫إن أهـم مصـدر لإلنتاجيـة ملنظمات القـرن احلـادي والعرشين هـو رأس املال‬
‫املعـريف وقدرتـه على التعامـل مـع املـوارد الطبيعيـة واحلفـاظ على البيئـة من‬
‫أجـل التنميـة البرشيـة االجتامعيـة العادلـة (العيسـاوي وآخـرون‪2012 ،‬م)‪.‬‬
‫ومثلام تُعنى املنظامت باسـتدامة البيئة والتنمية‪ ،‬عليها أن هتتم باسـتدامة‬
‫ذاهتـا باعتبارهـا كائنـات حيـة ‪ Living System‬وأهنـا قادرة على صناعة‬
‫حياهتـا وجتديـد وتوليـد مـا تفقده مـن مقوماهتـا وإعـادة اكتشـاف طاقتها‪،‬‬
‫وأن عقـول وإبداعـات رجاهلـا ونسـائها هـي املنطلـق لتحقيـق أهدافهـا‬
‫وتنفيـذ أنشـطتها وليس اهليـاكل أو وصف وظائفها‪ .‬وبذلـك يصبح مفهوم‬
‫دورة احليـاة‪ ،‬سـواء أكان عىل مسـتوى األفـراد أم املنظمات أم املجتمعات‪،‬‬
‫يف مقدمـة املوضوعـات الرئيسـة التي تعنى هبا منظامت املسـتقبل املسـتدامة‬
‫مثلما هتتـم بـدورة احليـاة لألشـياء واملـواد وحركـة األرض واهلـواء واملـاء‬
‫وتأثيرات ذلـك وتداخلهـا مع النظـام احليـوي والبيئي‪.‬‬

‫‪ . 3‬اخلالصة واالستنتاج‬
‫من كل ما تقدم‪ ،‬يمكن التوصل إىل ما ييل‪:‬‬
‫أول‪ :‬أن الفكـر اإلداري املسـتدام ال يدعـو إىل اعتماد صيغـة نموذجيـة‬ ‫ً‬
‫للمنظمات العامـة أو للرشكات اخلاصـة قابلة للتعميـم‪ ،‬عىل الرغم‬
‫مـن اإلمجاع العاملـي عىل رضورة تبنـي األهداف التنموية املسـتدامة‬
‫والتـزام مجيـع الـدول باملضي قد ًما نحـو حتقيقهـا‪ ،‬فـإدارة املنظامت‬
‫واحلكومـات سـيظل ُبعدهـا الفنـي واإلبداعـي والواقعـي هـو‬
‫الغالـب مهما تقدم ال ُبعـد العلمـي واألكاديمـي للمعرفـة اإلدارية‪،‬‬
‫كما أن املامرسـات والسـلوكات اإلدارية تظـل يف كثري مـن جوانبها‬

‫‪214‬‬
‫حمليـة الطابـع‪ ،‬بينما تظـل النظريـات والنماذج الفكريـة إرشـادية‬
‫ومقنعـة للبعـض‪ ،‬وسيسـتغرق البعض اآلخـر وقتًا أطـول لالقتناع‬
‫هبـا ووضعهـا موضـع التطبيـق‪ .‬وسـيظل هـذا االختلاف‪ ،‬بين ما‬
‫هـو كائـن يف دنيـا املنظامت ومـا ينبغـي أن يكـون فيها‪ ،‬شـاهدً ا عىل‬
‫التنـوع احلضـاري‪ ،‬أو على التباين بين النظم واحلكومـات‪ ،‬أو عىل‬
‫الفـروق بين مـدركات البشر والنخـب القيادية‪.‬‬
‫ثان ًيـا‪ :‬أن األهـداف والتطلعـات التي تتبناهـا التنمية املسـتدامة ال يمكن حتققها‬
‫بالتمنـي أو الرتجـي‪ ،‬وال باالتـكال واالنتظـار لعامـل الزمـن‪ ،‬وال‬
‫باالعتماد على مسـاعدة اآلخريـن ومعوناهتـم‪ .‬وسـيكون للتخطيـط‬
‫اإلستراتيجي دوره الرئيـس لرسـم معـامل الطريـق‪ ،‬وسـيظل للتأمـل‬
‫والتحسـب وللحدس واالسـتبصار مكانًا لوضع السـيناريوهات ما دام‬
‫احلديـث عن املسـتقبل ليس يقينًـا وخاض ًعا لالحتماالت ولإلدراكات‬
‫البرشيـة عند وقـوع األزمـات واملسـتجدات‪ .‬ولذلك يقـال‪ :‬إن التنمية‬
‫املسـتدامة سـتظل مسـتعصية على اإلدارة بمعناهـا التقليـدي‪ ،‬لكنهـا‬
‫ُوجـه وتُقـاد بأسـاليب مبتكـرة وغير مبارشة‪.‬‬‫قابلـة ألن ت َّ‬
‫‪Sustainable Development can not be managed but it can be led.‬‬
‫ثال ًثـا‪ :‬أن املعضلة األساسـية التي سـتظل تواجـه املنظامت املسـتدامة تتمثل‬
‫يف اآلليـات واملناهـج التقليديـة العاجـزة عـن احتسـاب السـلبيات‬
‫واألرضار واإلفـرازات اجلانبيـة وغير املقصـودة املرافقـة لرباجمهـا‬
‫ً‬
‫وصول إىل محايـة الثامر والعوائد‬ ‫ومرشوعاهتـا التنمويـة التي تنفذها‬
‫كثيرا ما تعلـم طالهبا‬
‫ً‬ ‫املتحققـة مـن أدائهـا؛ فاجلامعـات واملدارس‬
‫كثريا ما‬
‫احلفـظ الصم يف اكتسـاب املعلومـات واملعارف‪ ،‬واملصانـع ً‬
‫تسـهم يف تلويـث البيئـة بنفاياهتـا وغازاهتـا التـي تسـبب األمراض‬

‫‪215‬‬
‫واألوبئـة‪ .‬وهكـذا السـجون وأجهـزة األمـن التـي ختيـف النـاس‬
‫وترهبهـم أو تعودهـم على العنف واملقاومـة‪ .‬بينام تظل مؤسسـات‬
‫ومنظمات أخـرى تتأخـر عوائدها واآلثـار اإلجيابيـة ملخرجاهتا عن‬
‫الظهـور أو يصعـب قياسـها قبـل مضي كثير مـن السـنوات‪ ،‬وربام‬
‫لـن حيصـد ثامرهـا إال أبنـاء األجيـال القادمـة؛ لذلك يدعـو أنصار‬
‫الفكـر املسـتدام إىل تبنـي منهجيـات متعـددة األبعـاد مـا دامـت‬
‫القضايـا التنموية أصبحـت بالغة التعقيـد ومتداخلة االختصاصات‬
‫ومضامينها وسـياقاهتا تسـتلزم توظيف الربامج احلاسـوبية والنامذج‬
‫الفكريـة التي قلما تتوافـر يف األقطـار النامية‪.‬‬
‫راب ًعـا‪ :‬ولكـي ال يكـون التعقيد املشـار إليـه آن ًفـا عائ ًقا بوجـه التحول نحو‬
‫التنميـة املسـتدامة وأهدافهـا‪ ،‬البد من القـول بأن ملنظمات املجتمع‬
‫املـدين والرشائح املجتمعية والعاملني يف عمـوم املنظامت واملتعاملني‬
‫معهـا دورهـم األبرز يف تبنـي قيم وأخالقيـات االسـتدامة وجعلها‬
‫سـلوكًا وممارسـة تظهـر يف تبادهلـم االحترام‪ ،‬سـواء للبشر أو‬
‫لألشـياء من حوهلم‪ .‬فشـعورهم باملسـؤولية االجتامعية وممارسـتهم‬
‫لسـلوكات املواطنـة التنظيميـة واملجتمعيـة مهـا املنطلـق يف التحول‬
‫نحـو حتقيق العدالـة االجتامعية واحلـد من الفـوارق والظلم والغبن‬
‫الذي يتسـبب به البرش لألرض التي يعيشـون عليهـا وللهواء وللامء‬
‫اللذيـن ينبغـي توفريمهـا لألبنـاء واألحفـاد‪ .‬فاالسـتدامة تظل عند‬
‫قيما وأخال ًقـا قبل أن تصبح نماذج ونظريـات وترشيعات‪،‬‬ ‫البعـض ً‬
‫وهـذا سـيجعل إمكانيـة تطبيقها يف الـدول النامية بمعـدالت تفوق‬
‫مـا حيققـه األغنيـاء وأرباب املصانـع وأصحـاب رؤوس األموال يف‬
‫الـدول املتقدمـة‪ ،‬الذين اعتـادوا عىل االسـتغالل والطمع واجلشـع‬
‫مع أبنـاء الشـعوب األخرى‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫املراجـــع‪:‬‬
‫املراجع العربية‪:‬‬
‫دانشي‪ ،‬إكـرام يوسـف (‪2012‬م)‪ .‬دور العلـوم يف البيئـة والتنميـة‪ ..‬ورقة‬
‫مقدمـة للمؤمتـر السـعودي اخلامـس للعلـوم‪ ،‬عقـد يف جامعـة أم‬
‫القـرى‪ ،‬يف الفترة مـن ‪ 24‬إىل ‪1433/5/26‬هــ‪.‬‬
‫سـن‪ ،‬أمارتيـا (‪2010‬م)‪ .‬فكـرة العدالـة‪ ،‬ترمجـة‪ :‬مـازن جنـديل‪ ،‬الـدار‬
‫العربيـة للعلـوم‪ ،‬بيروت‪ ،‬مؤسسـة حممـد بـن راشـد‪ ،‬ديب‪.‬‬
‫العيسـاوي‪ ،‬حممد‪ ،‬وآخرون (‪2012‬م)‪ .‬اإلدارة اإلستراتيجية املسـتدامة‪..‬‬
‫مدخـل إلدارة املنظمات يف األلفيـة الثالثـة‪ ،‬مؤسسـة الـوراق للنرش‬
‫والتوزيع‪.‬‬
‫قاسـم‪ ،‬خالـد مصطفـى (‪2010‬م)‪ .‬إدارة البيئـة والتنمية املسـتدامة يف ظل‬
‫العوملـة املعارصة‪ ،‬الـدار اجلامعية‪ ،‬اإلسـكندرية‪.‬‬
‫الكبيسي‪ ،‬عامـر (‪2011‬م)‪ .‬اإلدارة العامـة اجلديـدة‪ ..‬مقوماهتـا وقيمهـا‬
‫وقواهـا‪ ،‬مؤسسـة الياممـة‪ ،‬الريـاض‪.‬‬
‫ــــــــــــــــ (‪2012‬م)‪ .‬القيـادات اإلداريـة حتـت املجهـر‪ ،‬مؤسسـة‬
‫الياممـة‪ ،‬الريـاض‪.‬‬
‫ــــــــــــــــ (‪2014‬م)‪ .‬اجلديـد يف تطويـر املنظمات‪ ،‬مؤسسـة الياممـة‪،‬‬
‫الريـاض‪.‬‬
‫ماسـكولس‪ ،‬مايـكل وفيكـي مالوتيري (‪2006‬م)‪ .‬الدليـل اإلرشـادي‬
‫ألسـاليب الرتبيـة البيئيـة والتعليـم مـن أجـل التنميـة املسـتدامة‪،‬‬
‫ترمجـة‪ :‬الشـبكة العربيـة للبيئـة والتنميـة (رائـد)‪ ،‬القاهـرة‪.‬‬
‫خمـول‪ ،‬مطانيوس؛ وعدنان‪ ،‬غانـم (‪2009‬م)‪ .‬نظـم اإلدارة البيئية ودورها‬

‫‪217‬‬
،‫ جملـة دمشـق للعلـوم االقتصاديـة والقانونية‬،‫يف التنميـة املسـتدامة‬
.51 ‫ ـ‬33 ‫ ص‬،2‫ م‬،2‫ع‬
‫ إمكانـات القيـادة التكامليـة ضمـن‬.)‫م‬2009( ‫ سشـوال‬،‫مكغريغـور‬
www.maberorglissue. ‫العربمناهجيـة‬
‫ دور الرشاكـة بين القطاعني‬.)‫م‬2011( ‫املنظمـة العربيـة للتنميـة اإلداريـة‬
،‫ بحـوث وأوراق عمل‬،‫العـام واخلـاص يف حتقيق التنمية املسـتدامة‬
.‫القاهرة‬
‫ دليـل اسرتشـادي مـن أجـل التنميـة‬.)‫م‬2008( ‫منظمـة اليونيسـكو‬
.‫ القاهـرة‬،‫املسـتدامة‬
‫ اخلصخصة وحتديات التنمية املسـتدامة يف‬.)‫م‬2010( ‫ أمحد السـيد‬،‫النجـار‬
.‫ بريوت‬،‫ املنظمـة العربية ملكافحة الفسـاد‬،‫األقطـار العربية‬
:‫املراجع األجنبية‬
Atkinson, Giles. etal (2007) Hand Book of sustainable
Development. Edward Elgar. pub.
Bartle, J. and deniz leuenberger, (2006) «the idea of sustainable
development in public administration» public works
management and policy. vol. 10. No.3. P.191-193.
Blakburn, W.R.(2007) the sustainability Hand Book. London:
Earthscan.
Capra Fritjof (2004) the Hidden connections: a science for
sustainable living. Amazon com.
Hardgraves, a. and Dean Fink, (2004) The seven principles
of sustainable leadership Educational leadership
vol.61no.
Hock, Dee (1997) The Birth of chaordic century: out of

218
control and in to order paradigm shift international.
Neef. M, etal (2010) Nine human Basic Needs. www.max.
neef.ct.
Norton, Bryan, (2005) Ethics and sustainable development an
adaptive approach to environment of choice. National
science foundation.
Norton, Bryan, (2005) sustainability: a philosophy of adaptive
ecosystem management. The university of Chicago
press.
ulrich and N. Smallwood, (2009) leadership sustainability.
Amazon com.

219
‫الفصل السابع‬

‫اإلدارة املستدامة للتلوث البيئي‬

‫اجلوهرة بنت سليامن الفوزان‬


‫اإلدارة املستدامة للتلوث البيئي‬
‫املقدمـة‬
‫أخـذت املشـكالت البيئية صفـة العاملية‪ ،‬خاصـة التلـوث البيئي؛ ألن‬
‫امللوثـات على اختلاف أشـكاهلا وأنواعهـا ال تعترف باحلـدود اجلغرافية‪،‬‬
‫بـل تنتقـل من مـكان إىل آخـر ومن قـارة إىل أخـرى؛ حيث تنتقـل امللوثات‬
‫مـن الدولـة الصناعيـة أو املنتجـة للتلـوث إىل الـدول األخـرى؛ إذ تسـهم‬
‫الريـاح والسـحب واملوجـات املائيـة يف نقل هـذه امللوثات‪.‬‬
‫ومـا مـن شـك يف أن التلـوث يمثـل اليـوم عدوانًا على األحيـاء كافة‬
‫بمختلـف أنواعهـا وأحجامها وأطوارهـا‪ .‬والتلوث قد يكـون غري منظور‪،‬‬
‫ومـن غير رائحـة أو طعـم‪ ،‬وبعـض أنـواع التلـوث قـد ال تتسـبب حقيقة‬
‫يف تلـوث اليابسـة واهلـواء واملاء‪ ،‬ولكنهـا كفيلـة بإضعاف متعـة احلياة عند‬
‫النـاس والكائنـات احليـة األخـرى‪ .‬فالضجيـج املنبعـث من حركـة املرور‬
‫ً‬
‫شـكل من أشـكال التلوث‪.‬‬ ‫واآلالت‪ً ،‬‬
‫مثلا‪ ،‬يمكـن اعتبـاره‬
‫خطـرا حقيق ًّيـا هيـدد اجلنـس البشري‬ ‫ً‬ ‫وتعـد مشـكلة تلـوث البيئـة‬
‫بالـزوال‪ ،‬بـل هيـدد حيـاة كل الكائنـات احليـة على هـذا الكوكـب‪ ،‬ولقـد‬
‫برزت هذه املشـكلة بشـكل أسـاس نتيجـة للتقـدم التكنولوجـي والصناعي‬
‫واحلضـاري‪ ،‬وأصبـح التلـوث ظاهـرة يشـعر هبـا اجلميـع وال تقتصر على‬
‫مناطـق معينـة يف العامل الفسـيح؛ فالغلاف اجلوي متصـل والبحـار مفتوحة‬
‫لتنقـل منها املـواد امللوثة من مـكان إىل آخر‪ .‬وأدى التقـدم الصناعي والتطور‬
‫التقنـي إىل اسـتنزاف شـديد ملـوارد البيئـة‪ ،‬خاصة تلـك املوارد غير املتجددة‬
‫كالفحـم والبترول‪ ،‬باإلضافـة إىل بعـض اخلامـات املعدنيـة وامليـاه اجلوفيـة‬
‫العميقـة التـي تكونت عبر آالف السـنني‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫سـوف نتعـرف يف هـذا الفصـل على مفهـوم التلـوث‪ ،‬ومصـادره‪،‬‬
‫وأنواعـه‪ ،‬وأسـاليب وعمليـات إدارته‪ ،‬ثم نقـف عند عالقـة إدارة التلوث‬
‫بالتنميـة املسـتدامة‪.‬‬

‫‪ .1‬مفهوم البيئة والتلوث‬


‫البيئـة ـ كما ُع ِّرفـت يف فصـل سـابق ـ هـي الوسـط املحيـط باإلنسـان‬
‫الـذي يشـمل اجلوانـب املاديـة وغير املاديـة كافـة‪ ،‬البرشيـة منهـا وغير‬
‫البرشيـة؛ فالبيئـة تعنـي كل مـا هـو خارج عـن اإلنسـان وعن كيانـه‪ ،‬وكل‬
‫مـا حييـط بـه مـن موجـودات‪ .‬والبيئة يف أبسـط تعريـف هلا هي ذلـك احليز‬
‫الـذي يمارس فيـه البشر خمتلف أنشـطة حياهتـم‪ ،‬وتشـمل يف هـذا اإلطار‬
‫الكائنـات احليـة كافـة مـن حيـوان ونبـات‪ ،‬التـي يتعايـش معهـا اإلنسـان‬
‫فيـأكل النبـات واحليـوان ويسـتفيد مـن كل منهما‪ ..‬وهكـذا تسـتمر عالقة‬
‫اإلنسـان بالبيئـة املحيطـة بـه مـن نبـات وحيوان ومـوارد وثـروات‪.‬‬
‫أمـا التلـوث فتشير املعاجـم اللغويـة إىل أنـه يعنـي خلـط الشيء بام هو‬
‫خـارج عنه‪ ،‬فيقـال‪ :‬لوث الشيء باليشء‪ :‬خلطه بـه‪ ،‬وجاء يف معجـم املعاين‪:‬‬
‫ب بِ َ‬
‫الو َس ِخ‪َ :‬ت َل ُّط ُخ ُه‪.‬‬ ‫ث ال َّث ْو ِ‬
‫ث‪َ .‬ت َل ُّو ُ‬ ‫تلوثات مصدر َت َل َّو َ‬ ‫اجلمع‪ّ :‬‬
‫َت َلو ُ ِ‬
‫األوساخِ ‪.‬‬ ‫ث املاء‪َ :‬ت َكدُّ ُر ُه بِ ْ‬ ‫ُّ‬
‫واألز ِ‬
‫بال‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫األوساخِ‬ ‫تالؤها بِ ْ‬ ‫ث البِي َئ ِة‪ :‬ا ْم ُ‬ ‫َت َل ُّو ُ‬
‫تلوث األفكار‪ :‬فساد القيم واملبادئ األخالق َّية‪.‬‬
‫ُّ‬
‫‪)www.almaohy.com(.‬‬
‫كما جاء يف لسـان العـرب البن منظور يف مـادة «لـوث»‪ :‬أن كل «ما خلطته‬
‫ومرسـته فقـد لثتـه ولوثتـه‪ ،‬كما تلـوث الطين بالتبـن و اجلـص بالرمـل ولوث‬

‫‪224‬‬
‫ثيابـه بالطين أي لطخهـا‪ ،‬ولـوث املـاء «أي كـدره» (ابـن منظـور‪1999 ،‬ص‬
‫‪ .)530‬ويف اللغـة اإلنجليزية‪ :‬جاء يف معجـم «‪ »Longman‬اإلنجليزي تعريف‬
‫التلـوث (‪ )pollution‬بأنـه «كل إجـراء يغير مـن اهلـواء واملـاء والرتبـة ويؤثـر‬
‫على صالحيتهـا لالسـتخدام اآلدمـي» (‪.)Longman Dictionary, 2000‬‬

‫أمـا مفهـوم التلـوث االصطالحي‪ ،‬فلـم يتفق علماء البيئـة واملناخ عىل‬
‫تعريـف دقيـق وحمدد لـه‪ .‬وأ ًّيا مـا كان التعريف فإن املفهـوم العلمي للتلوث‬
‫البيئـي مرتبـط بالدرجـة األوىل بالنظـام اإليكولوجـي حيـث إن كفايـة هذا‬
‫النظـام تقـل بدرجة كبيرة وتصاب بشـلل تام عنـد حدوث تغير يف احلركة‬
‫التوافقيـة بين العنـارص املختلفة؛ فالتغري الكمـي أو النوعي الـذي يطرأ عىل‬
‫تركيـب عنـارص هـذا النظام يـؤدي إىل خلـل يف هـذا النظام‪ ،‬ومـن هنا نجد‬
‫أن التلـوث البيئـي يعمـل عىل إضافة عنرص غير موجود يف النظـام البيئي أو‬
‫أنـه يزيـد أو يقلـل من وجود أحـد عنارصه بشـكل يؤدي إىل عدم اسـتطاعة‬
‫النظـام البيئـي قبـول هذا األمـر الذي يـؤدي إىل إحـداث خلل فيه‪.‬‬
‫ويشير هـذا املصطلـح إىل مجيـع الطـرق التـي يتسـبب هبـا النشـاط‬
‫البشري يف إحلـاق الضرر بالبيئـة الطبيعيـة‪ .‬ويشـهد معظـم النـاس تلوث‬
‫البيئـة يف صـورة مكـب مكشـوف للنفايـات أو يف صـورة دخـان أسـود‬
‫ينبعـث مـن أحـد املصانـع أو يف شـكل ورائحـة وطعـم امليـاه‪ ،‬وغريها من‬
‫العالمـات البـارزة‪.‬‬
‫و ُيعـرف تلـوث البيئـة بأنـه «وجـود مـادة أو مـواد يف أي مكـون مـن‬
‫مكونـات النظـام البيئـي بحيـث جتعله غير صالـح لالسـتعامل‪ ،‬أو حتد من‬
‫اسـتعامله أو أداء وظيفتـه» (الفاعـوري‪2003 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)7‬‬
‫وتُعرف الرئاسـة العامـة لألرصاد ومحايـة البيئة باململكة العربية السـعودية‬

‫‪225‬‬
‫التلـوث البيئـي بأنـه «وجـود مـادة أو أكثـر مـن املـواد أو العوامـل بكميـات أو‬
‫صفـات أو ملـدة زمنيـة تـؤدي بطريقـة مبـارشة أو غير مبـارشة إىل اإلرضار‬
‫بالصحـة العامـة أو باألحيـاء أو املـوارد الطبيعيـة أو املمتلـكات‪ ،‬أو تؤثـر سـل ًبا‬
‫على نوعيـة احلياة ورفاهية اإلنسـان» (الرئاسـة العامـة لألرصاد ومحايـة البيئة)‪.‬‬
‫أمـا مؤمتـر اسـتوكهومل عـام ‪1972‬م‪ ،‬فقـد َع َّـرف التلـوث البيئـي بأنه‬
‫«أي خلـل يف أنظمـة املـاء أو اهلـواء أو الرتبـة أو الغـذاء يؤثر بشـكل مبارش‬
‫على الكائنـات احليـة ويلحـق الضرر باملمتلـكات االقتصاديـة»‪ .‬كما قدم‬
‫البنـك الـدويل عـام ‪1993‬م تعري ًفـا للتلـوث بأنـه «كل مـا يـؤدي‪ ،‬نتيجـة‬
‫التقنيـة املسـتخدمة‪ ،‬إىل إضافـة مـادة غريبـة إىل اهلـواء أو املـاء أو الغلاف‬
‫األريض بشـكل كمـي يؤثـر على نوعيـة املـوارد وفقداهنـا خواصهـا وعدم‬
‫مالءمـة اسـتخدامها» (موقـع مدونـة الوعـي البيئـي)‪ .‬وعليه فـإن التلوث‬
‫يعنـي ظهـور أشـياء غير مرغـوب فيهـا يف مـكان معين وقـد تكـون هـذه‬
‫األشـياء مرغو ًبـا فيها إذا ُوجـدت يف أماكن أخرى مثل املبيدات واألسـمدة‬
‫املسـتخدمة؛ فهـي مرغـوب فيهـا حلامية النبـات ولكنهـا غري مرغـوب فيها‬
‫لتأثريهـا الضـار على صحـة اإلنسـان واحليـوان يف مواقـع معينة‪.‬‬

‫‪ .2‬مصادر وأسباب التلوث‬


‫يـأيت التلـوث مـن املصـادر الطبيعيـة ومن صنع اإلنسـان‪ ،‬وقـد يكون‬
‫التلـوث الـذي هـو من صنـع اإلنسـان أكثـر فتـكًا على الصعيديـن املحيل‬
‫والعاملـي‪ .‬وسـوف نسـتعرض باختصـار أهـم تلك املصـادر أو األسـباب‪:‬‬
‫التطور الصناعي‬
‫تعتبر الـدول الصناعيـة أكرب مصـدر للتلـوث‪ ،‬ومن بني هـذه الدول‪:‬‬
‫الصين‪ ،‬الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬روسـيا‪ ،‬املكسـيك‪ ،‬اليابـان‪ ..‬هؤالء‬

‫‪226‬‬
‫هـم قـادة العـامل يف تلـوث اهلـواء واملـاء والرتبـة واالنبعـاث‪ .‬ففـي إحدى‬
‫الدراسـات املتعلقـة بدراسـة توقعات النمـو االقتصادي‪ ،‬تشير األرقام إىل‬
‫أن النمو االقتصادي سـيزيد حـوايل ‪ %87‬يف الفرتة ما بني ‪1995‬و‪2020‬م‪،‬‬
‫أي‪ :‬حالـة توقعـات النمـو االقتصادي املنخفـض‪ ،‬بينام سـيزيد انبعاث غاز‬
‫ثـاين أكسـيد الكربـون يف الفرتة نفسـها بنسـبة ‪ %89‬من عمليات اسـتهالك‬
‫الطاقـة بأشـكاهلا كافة (عبيـد‪2000 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)176‬‬
‫وتشـمل مصـادر التلـوث الرئيسـة‪ :‬حمطـات الطاقـة النوويـة‪ ،‬مصانع‬
‫الكيامويـات‪ ،‬حمطات توليد الطاقة بالفحم‪ ،‬مصـايف النفط‪ ،‬البرتوكيامويات‪،‬‬
‫النفايـات النوويـة‪ ،‬املـزارع الكبيرة للدواجن‪ ،‬منتجـات األلبـان‪ ،‬األبقار‪،‬‬
‫اخلنازيـر‪ ،‬الدواجـن‪ ،‬املصانع البالسـتيكية‪ ،‬مصانع إنتاج املعـادن‪ ..‬وغريها‬
‫من الصناعـات الثقيلة‪.‬‬
‫أمـا الصناعـات الكيميائيـة‪ ،‬فقـد ظهـرت آثارهـا بوضـوح يف النصـف‬
‫الثـاين مـن القرن العرشيـن نتيجة التقـدم الصناعي اهلائل؛ حيـث وصلت آثار‬
‫التلـوث الكيميائـي إىل الغـذاء‪ ،‬عن طريق اسـتخدام املـواد احلافظـة واأللوان‬
‫واألصبغـة ومكسـبات الطعـم والرائحة يف صناعـة األغذية‪ ،‬وقـد ثبت‪ ،‬بام ال‬
‫يـدع ً‬
‫جمـال للشـك‪ ،‬دور هذه املـواد يف إحـداث األورام الرسطانيـة اخلبيثة‪.‬‬
‫احلروب‬
‫تعتبر احلروب من األسـباب األكثر خطـورة عىل البيئة وأحد أسـباب‬
‫التلـوث؛ لتنـوع األسـلحة وأرضارهـا املبـارشة وغير املبـارشة على حيـاة‬
‫اإلنسـان واملخلوقـات األخـرى؛ حيـث إن هذه احلـروب تسـتخدم أنوا ًعا‬
‫كثيرة مـن األسـلحة ومنهـا األسـلحة التقليديـة والكيميائيـة والبيولوجية‬
‫واإلشـعاعية والنوويـة التـي حتتوي على اليورانيـوم املنضب الـذي يعترب‬

‫‪227‬‬
‫مـن العنـارص الثقيلـة والسـامة جـدًّ ا؛ حيـث إن تأثير املـواد اإلشـعاعية‬
‫أمراضـا خمتلفـة تبقـى آثارهـا‬
‫ً‬ ‫والكيميائيـة يف جسـم الكائـن احلـي يسـبب‬
‫مـدة طويلـة وتسـبب إتلاف اخلاليـا واإلصابـة باألمـراض الفتاكـة مثـل‬
‫الرسطـان‪ ،‬إضافـة إىل مـا حتدثـه احلروب مـن تدمري شـامل للبنيـة التحتية‬
‫والكائنـات احليـة يف البر والبحر‪.‬‬
‫املواصالت واالنبعاث الذي يصدر منها‬
‫تعـد العـوادم الناجتة مـن وسـائل النقل‪ ،‬مثـل الطائرات والسـيارات‪،‬‬
‫كبيرا للتلـوث‪ ،‬ممـا يتطلـب السـيطرة على انبعاثهـا؛ ألهنـا أحـد‬
‫ً‬ ‫مصـدرا‬
‫ً‬
‫األسـباب الرئيسـة للتلـوث يف الوقـت احلـارض؛ فرتكيـز تلـك امللوثـات‬
‫وزيـادة نسـبتها يف أجـواء املناطق السـكنية يسـببان األرضار الصحية للبرش‬
‫والبيئـة (شـحاتة‪2002 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)104‬‬
‫التلوث بالبرتول‬
‫يـأيت معظـم تلـوث البيئـة املائيـة مـن البترول بسـبب اصطـدام السـفن أو‬
‫جنوحهـا أو تفريغهـا لبعـض محولتهـا بالبحار أو عمليـات تنظيف خزانات السـفن‬
‫بالبحـار‪ ،‬أو أبـراج حفـر آبار البرتول عىل الشـواطئ أو حتت سـطح املـاء‪ ،‬ويقدر ما‬
‫يتدفـق مـن البترول من الناقلات‪ ،‬حـوايل ‪ %1‬مما حتملـه‪ ،‬أي حوايل عشرة ماليني‬
‫طـن سـنو ًّيا‪ ،‬وهذا مـؤرش خطير (عامـر‪1999 ،‬م‪ ،‬ص‪.)231 ،230‬‬
‫وقـد انتشر تسرب النفط مـن ناقالتـه يف ميـاه البحـار يف السـنوات‬
‫األخيرة وزادت نسـبة التسرب منهـا‪ ،‬وهلا آثار خطـرة؛ إذ تـؤدي حوادث‬
‫تسرب النفـط إىل البحـار إىل نقـص كبير يف كميـة ونوعيـة املـواد الغذائية‬
‫التـي تنتجهـا‪ ،‬ممـا يؤثـر على الثـروة البحريـة‪ ،‬كما أن وصـول الترسيبـات‬
‫النفطيـة إىل الشـواطئ يضر بالسـياحة‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫ويشـكل تسرب النفط مشـكلة متزايـدة الصعوبات‪ ،‬وعـادة ما تكون‬
‫إجـراءات مجـع املعلومـات عن البقـع النفطية فاشـلة يف حتديد مدى اتسـاع‬
‫تسرب البقـع الزيتية أو تتبـع آثارها (نعيـم‪2011 ،‬م)‪.‬‬
‫التخلص من خملفات األنشطة (النفايات) باحلرق‬
‫حيـذر خبراء خمتصـون يف جمـال معاجلـة النفايـات مـن خطـورة اتبـاع‬
‫طـرق حرق النفايات يف سـبيل التخلص من آثارها السـلبية على البيئة‪ ،‬عىل‬
‫اعتبـار أن هـذه الطـرق هـي احلل األسـوأ للتخلـص مـن النفايـات بطريقة‬
‫احلـرق‪ ،‬مـا يعطـي نتائـج عكسـية؛ حيـث تصبـح اآلثـار النامجـة عـن هذه‬
‫النفايـات املحروقـة أكثر فتـكًا باإلنسـان والبيئة مـن الروائـح وامليكروبات‬
‫كثريا مـن الغازات‬
‫التـي قـد تنجم عنهـا قبل احلرق؛ ذلـك ألن األوىل تفـرز ً‬
‫السـامة والدقائـق العالقـة املضرة‪ ،‬ومـن أكثـر املـواد سـمية انطلاق دقائق‬
‫«الدايكوسين» القاتـل؛ حيـث تتسـبب خملفـات احلـرق يف انتشـار أمراض‬
‫الرسطـان والتشـوهات اخللقيـة واألمـراض اجللديـة‪ .‬ويمكـن جتنب خطر‬
‫هـذه املـادة مـن خالل إجيـاد حمـارق متطـورة يف عملهـا والسـيطرة عىل هذه‬
‫املتغيرات ووضع آلية لفرز وعـزل املواد املصنوعة من البـويل فينيل كلورايد‬
‫واملـواد املشـاهبة وعـدم حـرق أكيـاس مجـع النفايـات ووضع ضوابـط ملنع‬
‫حـرق املخلفـات الصلبـة بشـكل عشـوائي‪ ،‬إضافة إىل إعـداد برامـج توعية‬
‫عـن طريق وسـائل اإلعالم لغـرض توضيح خماطـر حرق النفايـات الصلبة‬
‫التـي ال ختضع للفـرز والعـزل (إبراهيـم‪2012 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)25‬‬
‫قطع األشجار وحرق الغطاء النبايت الطبيعي‬
‫أكـدت منظمـة األغذيـة والزراعـة التابعـة لألمـم املتحـدة (الفـاو)‪ ،‬يف‬
‫احلـادي والعرشيـن مـن مـارس ‪2014‬م بروما‪ ،‬أن مسـاحة الغابـات تواصل‬

‫‪229‬‬
‫تراجعهـا‪ ،‬خاصة الغابات االسـتوائية بأمريكا اجلنوبية وإفريقيا‪ ،‬مشيرة إىل أن‬
‫حتسين املعلومـات حول مـوارد الغابات العاملية عامل حاسـم لوقـف اإلزالة‬
‫غير الرشعية وتدهـور الغابـات (وكالة أنبـاء الرشق األوسـط‪2014 ،‬م)‪.‬‬
‫رش املبيدات احلرشية ومبيدات األعشاب (التلوث باملبيدات الكيميائية)‏‬
‫تُسـتعمل املبيـدات الكيميائيـة ملنـع أو تقليـل األرضار الناجتـة عـن‬
‫اإلصابـات باحلشرات والفطريـات ونباتـات األدغـال (األعشـاب)‬
‫والقـوارض والطيـور واخلنازيـر واألرانـب وغريهـا؛ إال أهنا ُتـدث تلو ًثا‬
‫تعرضـا‬
‫ً‬ ‫للماء واهلـواء والرتبـة؛ حيـث تعتبر الرتبـة أكثـر مناطـق البيئـة‬
‫للتلـوث باملبيـدات املسـتعملة يف مكافحـة اآلفـات الزراعيـة املختلفـة‪.‬‬
‫فوجـود الكائنات يف الرتبة قـد يكون مفيدً ا يف الزراعـة‪ ،‬كتحليل املواد‬
‫العضويـة‪ ،‬وقـد تكون متطفلـة عىل غريها مـن الكائنات املضرة بالنباتات‪،‬‬
‫ومـن هـذه املركبـات‪ :‬الزرنيخيـة والزئبقيـة‪ ،‬التـي تتجمـع بالرتبـة؛ حيث‬
‫تؤثـر على البكترييا والفطريـات املوجـودة بالرتبة؛ لذلك ُينصح باسـتعامل‬
‫مبيـدات رسيعـة التحلل حتـى يكـون رضرها أقل مـا يمكن‪.‬‏‬
‫ـمي طويـل املـدى يقضي‬ ‫الس ِّ‬
‫كما أن اسـتخدام املبيـدات ذات األثـر ُّ‬
‫على أرساب الطيـور واحليوانـات التـي تدخل املنطقـة بعد انتهـاء املكافحة‬
‫خاصـة إذا كانـت املـادة املسـتعملة ال تتحلـل برسعـة وذات تأثير طويـل‬
‫األمـد (قنديـل‪2011 ،‬م)‪.‬‬
‫خملفات املنتجات الصناعية‬
‫وهـي الفضلات الناجتة عن املواد اخلـام املتبقية بعد التصنيـع‪ ،‬إضافة إىل‬
‫املنتجـات الصناعيـة غري السـليمة‪ ،‬وكذلك مغلفـات هذه املنتجـات‪ ،‬وغالبية‬
‫هـذه النفايـات الصناعية هـي نفايات كتليـة (ذات حجم كبير)‪ ،‬وكذلك هي‬

‫‪230‬‬
‫غال ًبـا مركبـة مـن مـواد غير عضويـة؛ هلـذا فهـي غير قابلـة للتحلـل أو عىل‬
‫األقـل بطيئـة يف التحلـل‪ ،‬ومـن هنـا فهـي ترتاكم يف مواقـع التخلـص‪ ،‬كام أن‬
‫حتويلهـا إىل سماد يـؤدي إىل تلوث الرتبـة بمختلف أنـواع املعادن‪.‬‬
‫دفن النفايات املرتبطة باملدن (مكبات النفايات)‬
‫مصدرا لكثري مـن املـواد الكيميائية‬
‫ً‬ ‫تعـد املدافـن أو مكبـات النفايـات‬
‫التـي تدخل يف الرتبة والبيئة‪ ،‬وإذا مل تُدَ ْر بشـكل جيـد فإهنا تؤدي إىل ترسب‬
‫الفضلات السـائلة إىل جـوف األرض‪ ،‬كما تـؤدي إىل نتيجة سـلبية أخرى‬
‫هـي انبعاث الغـاز الذي يتكـون معظمه من امليثـان وثاين أكسـيد الكربون‪،‬‬
‫وهـذا الغـاز يـؤدي إىل انبعـاث الرائحـة وقتـل الغطـاء النبايت‪ ،‬وهـذا الغاز‬
‫الـديفء هـو أحـد الغـازات التـي تتسـبب يف تسـخني طبقة الغلاف اجلوي‬
‫وكان أحد أسـباب ثقب طبقـة األوزون‪.‬‬
‫يتضمـن التصميـم العصري لدفـن النفايـات احتـواء هـذه املـواد‬
‫القابلـة لالرتشـاح عـن طريـق مد طبقـات من الطين أو بطانات مـن املواد‬
‫البالسـتيكية‪ ،‬وتُضغـط النفايـات لزيـادة الكثافـة واسـتقرارها وتغ َّطى ملنع‬
‫اجتـذاب احلشرات والفئران واجلـرذان‪ ،‬وتكـون مزودة بنظم السـتخراج‬
‫الغـاز‪ .‬ويتـم ضـخ الغاز مـن هـذه املدافـن باسـتخدام أنابيب‪ ،‬و ُيسـتخدم‬
‫هـذا الغـاز لتوليـد الكهربـاء‪ .‬وتُعـرف هـذه العمليـات بالـردم التقنـي‬
‫للنفايـات (الدغيري‪2012 ،‬م)‪.‬‬
‫الكوارث الطبيعية‬
‫الكـوارث هـي الدمـار الـذي حيـدث للممتلـكات واألرواح‪ ،‬وهـي‬
‫تنتـج عـن ظواهر طبيعية‪ ،‬وحتـدث دون أن يكون لإلنسـان دخل بحدوثها‪،‬‬
‫مثل الـزالزل والرباكين واألعاصير والرياح‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫وتـأيت معظـم هذه الكـوارث بسـبب تغري األحـوال املناخيـة‪ ،‬وارتفاع‬
‫درجـة حـرارة الكـرة األرضيـة التـي وصفهـا البعـض بأهنـا تعـادل القنبلة‬
‫النوويـة‪ .‬ولكـن املالحـظ‪ ،‬يف ضـوء تكـرار هـذه الكـوارث الطبيعيـة‪ ،‬أن‬
‫تأثـرا بآثار‬
‫فقـرا‪ ،‬هـي أكثـر املناطق ً‬
‫البلـدان واألقاليـم الفقيرة‪ ،‬أو األشـد ً‬
‫هـذه الكـوارث‪ ،‬مثـل مـا حـدث يف بومبـاي باهلند‪.‬‬
‫تعـرف املنظمـة الدوليـة للحاميـة املدنيـة الكارثـة بأهنـا «حـوادث غري‬
‫متو َّقعـة نامجـة عن قـوى الطبيعة‪ ،‬أو بسـبب فعل اإلنسـان‪ ،‬ويرتتـب عليها‬
‫خسـائر يف األرواح وتدمير يف املمتلـكات‪ ،‬وتكـون ذات تأثير شـديد عىل‬
‫االقتصـاد الوطنـي واحليـاة االجتامعيـة وتفـوق إمكانـات مواجهتهـا قدرة‬
‫املـوارد الوطنيـة وتتطلب مسـاعدة دوليـة» (ويكيبيديـا‪2014 ،‬م)‪.‬‬
‫كثيرا مـن التلـوث عنـد تدمير املنشـآت واختالط‬
‫ً‬ ‫تسـبب الكـوارث‬
‫ميـاه املجاري بماء الرشب وتدمير املـزارع واملوايش والترسب اإلشـعاعي‬
‫وتكـون البرك التي تتجمـع هبا احلشرات‪ ،‬وغريها وانعكاسـات ذلك عىل‬
‫ُّ‬
‫البيئـة وتلوثها‪.‬‬
‫االرتفاع يف مستويات ثاين أكسيد الكربون يف الغالف اجلوي‬
‫ثـاين ُأكسـيد الكربـون هـو مركـب كيميائي وأحـد مكونـات الغالف‬
‫اجلـوي‪ ،‬يتكـون مـن ذرة كربـون مرتبطة بـذريت أكسـجني‪ .‬يرمز لـه بالرمز‬
‫أيضا يف‬
‫‪ .CO2‬يكـون عىل شـكل غـاز يف احلالة الطبيعيـة‪ ،‬ولكنه ُيسـتخدم ً‬
‫حالتـه الصلبـة و ُيعرف عادة باسـم الثلـج اجلاف‪.‬‬
‫وطب ًقـا للنتائـج‪ ،‬فإن تأثري التغير املناخي‪ ،‬الناجم عن زيادة مسـتويات‬
‫غـاز ثـاين أكسـيد الكربون‪ ،‬مل يعـد يقترص على الطبقات الدنيـا من الغالف‬
‫الغـازي وإنما امتـدت آثـاره إىل أبعـد مـن ذلـك‪ ،‬ويعـد مـن أهـم مصـادر‬

‫‪232‬‬
‫التلـوث البيئـي يف املـدن الصناعيـة الكبرى ويتسـبب يف خفـض صالحية‬
‫اهلـواء املحيط بالسـكان السـتدامة احلياة وسلامتها‪.‬‬
‫الضوضاء‬
‫تنتـج الطائـرات والسـيارات حـوايل ‪ ٪90‬مـن كل الضوضـاء غير‬
‫املرغـوب فيهـا يف مجيع أنحـاء العامل‪ .‬و تسـبب الضوضاء اإلزعاج لإلنسـان‬
‫وتؤثـر على أعصابـه إذا اسـتمرت مـدة طويلة وعىل وتيرة واحـدة‪ .‬فالقلق‬
‫والتوتـر العصبـي وحـدَّ ة املـزاج منتجـات إضافيـة للعصر التكنولوجـي‪،‬‬
‫كما تسـبب مشـاعر خمتلفـة مـن عـدم الرضـا كالضيـق واخلـوف واجلـزع‪.‬‬
‫إزعاجـا عندما تكـون غري‬
‫ً‬ ‫كما تعتبر كل ضوضـاء فـوق ‪ 90‬ديسـيبل أكثـر‬
‫متو َّقعـة (الرشنوبـى‪1989 ،‬م‪ ،‬ص ‪ .)222‬والضوضاء دون الـ‪ 60‬ديسـيبل‬
‫تؤثـر يف قشرة املخ وتقلـل النشـاط‪ ،‬ويؤدي هـذا إىل اسـتثارة القلـق وعدم‬
‫االرتيـاح الداخلي والتوتـر واالرتبـاك وعدم االنسـجام والتوافـق الصحي‬
‫اهنيـارا‬
‫ً‬ ‫(العـودات‪1997 ،‬م‪ ،‬ص ‪ .)10‬والتعـرض للضوضـاء قـد يسـبب‬
‫عصب ًّيـا للشـخص‪ ،‬مما يرسع مـن اإلصابـة باألزمـات االنفعاليـة‪( .‬رفعت‪،‬‬
‫‪1994‬م‪ ،‬ص‪ .)62‬ويؤثـر التعـرض املسـتمر للضوضـاء على القـدرة على‬
‫الرتكيـز ويسـبب قلـة الكفايـة يف األداء والبـطء يف ردود الفعـل عند اخلطر‪،‬‬
‫ممـا يـؤدي إىل زيـادة التعـرض خلطر احلـوادث‪.‬‬
‫نقصـا يف مسـتوى األداء يف املهـام الصعبـة التـي‬
‫وتسـبب الضوضـاء ً‬
‫عـال وال يكـون هلـا تأثير واضـح على املهـام األسـهل‪،‬‬‫ٍ‬ ‫حتتـاج إىل تركيـز‬
‫كما أن األصـوات الغريبـة وغير املألوفة حتـدث ضوضـاء عاليـة تقلل من‬
‫مسـتوى األداء‪ ،‬عكـس الضوضـاء املنخفضة؛ فالضوضاء املتقطعة تتسـبب‬
‫يف حـدوث التوتـر والقلـق وتشـتُّت االنتبـاه‪ ،‬ممـا يقلـل األداء؛ فانخفـاض‬
‫مسـتوى األداء يتوقـف على إدراك الفـرد للضوضـاء وعجزه عـن ضبطها‬
‫(جرامـون‪1977 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)279‬‬
‫‪233‬‬
‫جماري الرصف الصحي‬
‫هـي جـزء مـن شـبكة توزيـع امليـاه‪ ،‬وهـذه الشـبكة تُعنـى بترصيـف‬
‫املخلفـات السـائلة مـن املبـاين واملصانـع إىل حمطـة املعاجلـة أو أماكـن‬
‫الترصيـف‪ ،‬وتسـبب تلو ًثـا بيئ ًيـا‪ ،‬وهذا النـوع مـن التلوث ذو آثـار خطرية‬
‫جـدًّ ا على خمتلـف عنـارص البيئـة‪.‬‬

‫‪ . 3‬أنواع التلوث‬
‫يمكن تقسيم التلوث إىل عدة أنواع‪ ،‬وذلك حسب اآليت‪:‬‬

‫يقسم إىل األنواع التالية‬


‫‪ 1 .3‬التلوث حسب مصادره َّ‬
‫التلوث الطبيعي‬
‫وتكـون مصـادره ذات منشـأ طبيعـي‪ ،‬وال دخل لإلنسـان فيها؛ لذلك‬
‫يصعـب مراقبـة هـذا التلـوث أو التنبـؤ بـه والسـيطرة عليه‪ ،‬وهـذا التلوث‬
‫موجـود منـذ القـدم‪ ،‬كالـذي ينتج عـن الرباكين أو األتربـة والغبـار الذي‬
‫تثيره العواصـف والريـاح وغريهـا‪ ،‬وتقـدر كميـة الرمـاد البركاين الـذي‬
‫ينطلـق مـن بعـض الرباكين بـآالف األطنـان مثـل بـركان «كراكتـو» أو‬
‫بركان «الشيسـون» يف املكسـيك‪ ،‬الـذي انطلق عـام ‪1982‬م؛ فهذا مصدره‬
‫الطبيعـة وحيـدث مـن وقـت آلخـر كالرباكين‪ ،‬والصواعـق‪ ،‬والعواصـف‬
‫التـي قـد حتمل معهـا كميـات هائلة من الرمـال واألتربـة‪ُ ،‬‬
‫وتـدث تل ًفا أو‬
‫وأرضارا يف أماكـن متعـددة‪.‬‬
‫ً‬ ‫كـوارث‬
‫التلوث البيولوجي‬
‫وهـو مـن أقـدم صـور التلـوث التـي عرفهـا اإلنسـان‪ ،‬وينشـأ نتيجـة‬

‫‪234‬‬
‫وجـود كائنـات حيـة مرئيـة أو غير مرئيـة‪ ،‬نباتيـة أو حيوانيـة كالبكترييـا‬
‫والفطريـات وغريهـا يف الوسـط البيئي كاملـاء أو اهلواء أو الرتبـة‪ ،‬فاختالط‬
‫الكائنـات املسـببة لألمـراض بالطعـام الـذي يأكلـه اإلنسـان أو املـاء الذي‬
‫يرشبـه أو اهلـواء الذي يستنشـقه يؤدي إىل حـدوث التلـوث البيولوجي‪ ،‬مما‬
‫يـؤدي إىل اإلصابـة باألمراض‪.‬‬
‫وحيـدث التلـوث البيولوجـي عنـد التخلـص مـن ميـاه املجـاري‬
‫والصرف الصحـي ـ قبـل معاجلتهـا كيميائ ًّيـا ـ بإلقائهـا يف مـوارد امليـاه‬
‫العذبـة‪ ،‬أو بسـبب انتشـار القاممة املنزلية يف الشـوارع دون مراعـاة للقواعد‬
‫الصحيـة يف مجعهـا ونقلهـا والتخلـص منها بطريقـة علمية‪ ،‬أو بسـبب ترك‬
‫احليوانـات النافقـة يف العـراء أو إلقائهـا يف مـوارد املياه‪ ،‬وكذلـك عند عدم‬
‫اتبـاع الطـرق الصحيـة يف حفظ األطعمـة وتصنيعها‪ ،‬مما يعرضهـا للتلوث‪.‬‬
‫التلوث الصناعي‬
‫ينتـج التلـوث الصناعـي مـن فعـل اإلنسـان وأنشـطته الصناعيـة‬
‫واخلدميـة والرتفيهيـة وغريهـا‪ ،‬ومـن اسـتخداماته املتزايـدة ملظاهـر التقنية‬
‫احلديثـة ومبتكراهتـا املختلفـة‪ .‬وغني عن البيـان أن األنشـطة الصناعية هي‬
‫املسـؤولة متا ًما عن بروز مشـكلة التلـوث يف عرصنا احلـارض‪ ،‬وبلوغها هذه‬
‫الدرجـة اخلطيرة التـي هتـدد حيـاة اإلنسـان وبقـاءه عىل سـطح األرض‪.‬‬
‫ومـن أهم مصـادر التلوث الصناعـي‪ :‬املخلفات الصناعيـة والتجارية‬
‫ومـا تنفثـه عـوادم السـيارات ومداخـن املصانـع وكذلـك الغـازات التـي‬
‫تلـوث اهلـواء وتصـدر مـن املصانـع وإحـراق الوقـود يف وسـائط النقـل‪،‬‬
‫مـن طائـرات وقطـارات وسـيارات وغريهـا‪ ،‬ومثلهـا النفايـات الصلبة أو‬
‫السـائلة التـي تنتجهـا الصناعـات واالسـتخدامات البرشيـة‪ .‬ولعـل مـن‬

‫‪235‬‬
‫أهـم امللوثـات املروعـة التي تؤثر على األرض كلهـا ما ُيعـرف باالحتباس‬
‫احلـراري واملطـر احلمضي وتـآكل طبقـة األوزون والتصحـر واسـتنزاف‬
‫املـوارد الطبيعيـة وتلـوث امليـاه (العرينـي‪2008 ،‬م‪ ،‬ص‪.)140‬‬
‫وتعتمد شدة التلوث الصناعي عىل عدة عوامل منها‪:‬‬
‫‪ -‬املنطقة التي تنبعث منها أو تُرصف فيها امللوثات الصناعية‪.‬‬
‫‪ -‬الفرتة الزمنية للتلوث‪.‬‬
‫‪ -‬درجة تركيز املواد امللوثة‪.‬‬
‫‪ -‬اخلصائص الفيزيائية والكيميائية واحليوية للمواد امللوثة‪.‬‬
‫‪ -‬القابلية للتحلل واالستيعاب يف الوسط البيئي الذي تُوضع فيه‪.‬‬
‫‪ -‬درجة السمية بالنسبة لإلنسان والكائنات احلية األخرى‪.‬‬
‫وتقسم امللوثات الصناعية إىل ثالثة أنواع‪:‬‬‫َّ‬
‫‪ 1‬ـ ملوثـات صلبـة‪ ،‬وهي تلـك امللوثـات النامجة عن كثري مـن الصناعات‬
‫كاألتربـة النامجة عن صناعة األسـمنت‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ملوثـات سـائلة‪ ،‬كمحاليـل املـواد الكيميائيـة التـي تقذف هبـا املصانع‬
‫يف املجـاري املائية‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ملوثـات غازيـة‪ ،‬كالغـازات واألدخنـة الضـارة املتصاعدة مـن مداخن‬
‫املصانـع ومصايف تكريـر النفط‪.‬‬
‫‪ 2 . 3‬التلوث البيئي حسب آثاره وخماطره‪ ،‬ويشمل‪:‬‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬تلوث اهلواء‬
‫هـو وجـود أي مواد صلبـة أو سـائلة أو غازيـة باهلواء بكميـات تؤدي‬
‫إىل أرضار فسـيولوجية واقتصاديـة وحيويـة باإلنسـان واحليـوان والنباتـات‬
‫واآلالت واملعـدات‪ ،‬أو تؤثـر يف طبيعة األشـياء وتقدَّ ر خسـارة العامل سـنو ًّيا‬

‫‪236‬‬
‫بحـوايل ‪ 5000‬مليون دوالر؛ بسـبب تأثير اهلواء عىل املحاصيـل والنباتات‬
‫الزراعيـة‪ ،‬وذلك الختالط اهلـواء بمواد معينة‪ ،‬مثل وقـود العادم والدخان‪.‬‬
‫يضر تلـوث اهلواء بصحـة النباتـات واحليوانـات‪ ،‬وخيرب املباين واملنشـآت‬
‫األخـرى‪ .‬وتقـدر منظمـة الصحـة العامليـة أن مـا يقـرب مـن مخس سـكان‬
‫العـامل يتعرضون ملسـتويات خطرة مـن ملوثات اهلواء (جرعتلي‪2011 ،‬م)‪.‬‬
‫مل يسـلم اهلـواء مـن التلوث عبر التاريخ‪ ،‬وذلـك بدخول مـواد غريبة‬
‫عليـه كالغـازات واألتربـة والكائنـات احليـة الدقيقـة املسـببة لألمـراض‬
‫واألبخـرة والغـازات التـي كانـت تتصاعـد مـن فوهـات الرباكين‪ ،‬أو‬
‫تنتـج مـن احتراق الغابـات‪ ،‬وزادت حـدة التلـوث مـع التصنيـع والثورة‬
‫الصناعيـة يف العـامل‪ ،‬وازدياد عدد وسـائل املواصالت وتطورهـا‪ ،‬واالعتامد‬
‫عىل البترول وقـو ًدا للسـيارات‪.‬‬
‫ومعلـوم أن الغلاف اجلـوي يتكـون‪ ،‬يف وضعـه الطبيعـي‪ ،‬مـن‬
‫النيرتوجين واألكسـجني وكميـات صغيرة مـن ثـاين أكسـيد الكربـون‬
‫والغـازات األخـرى واهلبائيـات (جسـيامت دقيقـة مـن املـواد السـائلة أو‬
‫الصلبـة)‪ .‬ويعمـل عـدد مـن العمليـات الطبيعيـة على حفـظ التـوازن بني‬
‫ً‬
‫فمثلا‪ :‬تسـتهلك النباتات ثاين أكسـيد الكربون‬ ‫مكونـات الغلاف اجلوي‪،‬‬
‫وتطلـق األكسـجني‪ ،‬وتقـوم احليوانـات بدورهـا باسـتهالك األكسـجني‬
‫وإنتـاج ثـاين أكسـيد الكربون من خلال دورة التنفـس‪ .‬وتنبعـث الغازات‬
‫جـراء حرائق الغابـات والرباكني؛ حيث‬ ‫واهلبائيـات إىل الغلاف اجلوي من َّ‬
‫جترفهـا أو تبعثرهـا األمطـار والريـاح‪.‬‬
‫ويمكننا تصنيف ملوثات اهلواء إىل صنفني اثنني‪:‬‬
‫ـ مصادر طبيعية‪ :‬أي ال يكون لإلنسان دخل فيها‪ ،‬مثل األتربة‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫ـ مصـادر صناعيـة‪ :‬أي أهنـا مـن صنـع اإلنسـان‪ ،‬وهـو املتسـبب األول فيها‪.‬‬
‫فاخرتاعـه لوسـائل التكنولوجيـا ـ التـي ظ ّن أهنـا تزيد من سـهولة حياته‬
‫ضـارة على البيئة‪​.‬‬
‫ّ‬ ‫ـ قـد تـرك خم ّلفات‬
‫وحيـدث التلـوث اهلوائـي عندمـا تطلـق املصانـع واملركبـات كميـات‬
‫كبيرة مـن الغـازات واهلبائيـات يف اهلواء‪ ،‬بشـكل يؤثر عىل تـوازن الغالف‬
‫اجلـوي‪ .‬وعنـد احلديث عـن تلوث اهلـواء ينبغـي التفريق بين نوعني‪ ،‬مها‪:‬‬
‫أ ـ تلوث اهلواء اخلارجي‪.‬‬
‫ب ـ تلوث اهلواء الداخيل‪.‬‬
‫أ ـ تلوث اهلواء اخلارجي‬
‫حيـدث معظم هـذا التلـوث نتيجـة احتراق الوقود املسـتخدم يف تشـغيل‬
‫املركبـات وتدفئـة املبـاين‪ ،‬كما يصـدر بعض التلـوث عـن العمليـات الصناعية‬
‫ملـوث‬ ‫ً‬
‫فمثلا‪ُ :‬يسـتخدم مركّـب فـوق كلوريـد اإليثيلين ـ وهـو ِّ‬ ‫والتجاريـة‪،‬‬
‫خطـر ـ يف كثير مـن معامـل التنظيـف اجلـاف‪ ،‬إلزالـة األوسـاخ مـن على‬
‫املالبـس‪ .‬وقـد يـؤدي حرق النفايـات إىل انطلاق الدخـان والفلـزات الثقيلة‪.‬‬
‫كما أن احتراق الوقـود واملنتجـات البرتوليـة األخـرى‪ ،‬وتفاعلها مع‬
‫أشـعة الشـمس يف الغلاف اجلوي‪ ،‬ينتج عنهما مواد كيميائية ضارة تشـكل‬
‫الضبـاب الدخـاين‪ .‬وقد يـؤدي وجـود األوزون يف الطبقـات املنخفضة من‬
‫الغلاف اجلـوي إىل الوفـاة‪ ،‬كام يمكـن أن يدمر احليـاة النباتية‪.‬‬
‫إن املركبـات املسـتخدمة يف الثالجـات واملكيفـات وصناعـة عـوازل‬
‫الرغـوة البالسـتيكية (الكلوروفلوروكربونـات) مصـدر للتلـوث اهلوائـي‪.‬‬
‫ويشـكل األوزون‪ ،‬وهـو امللوث الضار املوجـود يف الضبـاب الدخاين‪ ،‬طبقة‬
‫واقيـة يف الغلاف اجلوي العلـوي؛ حيث حتمي سـطح األرض مـن أكثر من‬

‫‪238‬‬
‫‪ %95‬من إشعاعات الشـمس فوق البنفسجية‪ .‬وألن الكلوروفلوروكربونات‬
‫تقلل طبقة األوزون‪ ،‬مما يؤدي إىل زيادة يف نسـبة اإلشـعاعات فوق البنفسجية‬
‫التـي تصل إىل األرض‪ .‬وهذه األشـعة من املسـببات الرئيسـة لرسطان اجللد‬
‫وهلـا أرضار كبرية على الغطاء النبـايت يف األرض‪.‬‬
‫ولغـازات البيت املحمي ـ ويسـمى التدفئة العاملية ـ أثـر يف ارتفاع حرارة‬
‫األرض‪ .‬ويسـبب هـذه الظاهـرة غاز ثاين أكسـيد الكربون وامليثـان والغازات‬
‫اجلوية األخرى‪ ،‬التي تسـمح ألشـعة الشـمس بالوصول إىل األرض‪ ،‬ولكنها‬
‫حتـول دون خـروج احلـرارة مـن الغلاف اجلـوي‪ .‬ويـؤدي البيـت املحمـي ـ‬
‫أو التدفئـة العامليـة ـ إىل حـدوث مشـكالت كثيرة إذا كان قو ًّيـا‪ ،‬فيتسـبب يف‬
‫انصهـار املثالـج وأغطيـة اجلليـد القطبيـة‪ ،‬ممـا يـؤدي إىل الفيضانـات‪ ،‬وقـد‬
‫يـؤدي إىل ازديـاد اجلفاف وحـدوث العواصـف املدارية الشـديدة‪.‬‬
‫ب ـ تلوث اهلواء الداخيل‬
‫حيـدث هـذا التلـوث بسـبب احتبـاس امللوثـات داخـل املبـاين التـي‬
‫تعـاين أنظمـة هتويتهـا سـوء التصميـم‪ .‬وأنواعـه الرئيسـة هـي‪ :‬دخـان‬
‫السـجائر‪ ،‬والغـازات املنبعثـة من املواقد واألفـران‪ ،‬والكيميائيـات املنزلية‪،‬‬
‫وجسـيامت األليـاف‪ ،‬واألبخـرة اخلطـرة املنبعثـة مـن مـواد البنـاء‪ ،‬مثـل‬
‫العـوازل والبويـات واألصماغ وغريهـا‪.‬‬
‫وتتسـبب الكميـات الكبيرة مـن هـذه املواد داخـل بعـض املكاتب يف‬
‫حـدوث الصـداع وهتيج العيون ومشـكالت صحيـة أخـرى للعاملني فيها‬
‫(اخلطيـب‪ ،‬ب ت‪ ،‬ص ‪ ،)76 -67‬وتسـمى مثـل هذه املشـكالت الصحية‬
‫أحيانًـا «متالزمة املبـاين املريضة»‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬التلوث املائي‬
‫هـو اختلاط املاء بميـاه املجـاري أو الكيميائيـات السـامة أو الفلزات‬
‫أو الزيـوت أو أي مـواد أخـرى‪ .‬ويف مقـدور هـذا التلوث أن يؤثـر يف املياه‬
‫السـطحية‪ ،‬مثـل األهنـار والبحيرات واملحيطـات‪ ،‬كما يمكـن أن يؤثـر‬
‫أيضـا‬ ‫يف امليـاه التـي يف باطـن األرض‪ ،‬املعروفـة بامليـاه اجلوفيـة‪ .‬وبإمكانـه ً‬
‫أن يسـبب األذى ألنـواع كثيرة مـن النباتـات واحليوانـات‪ .‬ووف ًقـا ملنظمة‬
‫الصحـة العامليـة‪ ،‬يمـوت مـا يقـرب مـن مخسـة ماليين شـخص سـنو ًّيا‪،‬‬
‫بسـبب جترعهـم مـا ًء ملو ًثا‪.‬‬
‫والتلـوث املائـي يشـمل البحـار؛ حيـث إن التلـوث البحـري لـه عدة‬
‫أنـواع‪ ،‬أمههـا‪ :‬التلـوث احليـوي‪ ،‬التلـوث الكيميائـي‪ ،‬التلـوث احلـراري‪،‬‬
‫التلـوث اإلشـعاعي‪ ،‬التلـوث اهلوائـي‪ ،‬التلوث الزيتـي أو النفطـي (أمحد‪،‬‬
‫‪2002‬م‪ ،‬ص ‪.)114 -108‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬التلوث الغذائي‬
‫هناك ثالثة أنواع من التلوث الغذائي‪ ،‬هي‪:‬‬
‫أ ـ التلوث الغذائي امليكرويب أو اجلرثومي‬
‫وحيـدث هذا النـوع من التلـوث الغذائي عـن طريق األحيـاء الدقيقة‪،‬‬
‫التـي عـادة مـا توجـد يف البيئـة املحيطـة باملـادة الغذائيـة كالرتبـة واهلـواء‬
‫واملـاء‪ ،‬إضافة إىل اإلنسـان واحليـوان‪ .‬وحتدث اإلصابة باملـرض عن طريق‬
‫تنـاول غـذاء حيتوي على أعداد كبيرة من امليكروبـات‪ .‬وعندمـا تصل هذه‬
‫امليكروبـات إىل األمعـاء الدقيقـة لإلنسـان؛ فإهنـا تتكاثـر وتنتـج سـمو ًما‪،‬‬
‫وبالتـايل تظهـر أعـراض املرض‪.‬‬

‫‪240‬‬
‫ب ـ التلوث الغذائي الكيميائي‬
‫حيـدث هـذا النـوع مـن التلـوث الغذائـي عنـد وصـول أي مـادة‬
‫كيميائيـة خطرة أو سـامة إىل املـادة الغذائيـة‪ ،‬مما جيعلها ضـارة وغري صاحلة‬
‫لالسـتهالك البشري‪ .‬وقد يـؤدي اسـتهالكها إىل اإلصابة بتسـمم غذائي‪،‬‬
‫ويـأيت التلـوث نتيجـة لتعـرض الغـذاء للمـواد الكيميائيـة مثـل املبيـدات‬
‫رش املحصول‬ ‫احلرشيـة التـي تسـتخدم ملكافحة اآلفـات الزراعيـة‪ .‬وعنـد ّ‬
‫الزراعـي بكميـة كبيرة منهـا يتعـرض للتلوث‪ ،‬إضافـة إىل ذلـك يمكن أن‬
‫يتعـرض الغـذاء ـ من اخلضر والفواكـه ـ إىل التلوث الكيميائـي عن طريق‬
‫األسـمدة الكيميائية‪.‬‬
‫ج ـ التلوث الغذائي اإلشعاعي‬
‫حيـدث التلـوث الغذائـي باإلشـعاع بسـبب التعـرض للمواد املشـعة؛‬
‫الذري عىل النباتـات والرتبة الزراعيـة‪ ،‬أو نتيجة‬
‫وذلك عند تسـاقط الغبـار ّ‬
‫لتلـوث اهلـواء واملـاء بمخلفـات التجـارب أو النشـاطات النوويـة‪ ،‬وقـد‬
‫حيـدث التلـوث الغذائـي مـن الكائنـات احليـة مثـل البكترييـا والفطريات‬
‫وغريهـا‪ ،‬أو نتيجـة تفاعـل الغذاء مـع األواين املسـتعملة يف الطبـخ‪ ،‬إضافة‬
‫إىل املـواد احلافظـة (الفاعـوري‪2011 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)59‬‬
‫راب ًعا‪ :‬التلوث احلراري (املياه الدافئة)‬
‫تقلـل درجـات احلـرارة املرتفعـة مـن مسـتوى األكسـجني الذائب يف‬
‫املـاء‪ ،‬والسـبب الشـائع هلـذا التلـوث هو اسـتخدام امليـاه كمبرد ملحطات‬
‫الطاقـة والصناعـات حيـث يقـل دعـم األكسـجني‪ ،‬وذلـك بنا ًء على فرق‬
‫درجـة احلـرارة‪ ،‬مما يؤثر متا ًمـا عىل الرتكيـب البيئي‪ ،‬فقد تتعـرض الكائنات‬
‫للمـوت املفاجـئ بام يطلـق عليـه «الصدمـة احلرارية»‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫خامسا‪ :‬تلوث الرتبة‬
‫ً‬
‫يعتبر تلـوث الرتبـة مشـكلة خطيرة يمكـن أن تـؤدي إىل اإلرضار‬
‫بجميـع املخلوقـات بما فيهـا اإلنسـان‪ ،‬كما أن التصحـر مـن اآلثـار البيئية‬
‫الناجتـة بسـبب االسـتخدام اجلائـر للمـوارد والتلـوث‪ .‬و ُيعـرف التصحـر‬
‫بأنـه التدهـور الـكيل أو اجلزئـي لعنـارص األنظمة البيئيـة‪ ،‬الـذي ينجم عنه‬
‫تـدين القـدرة اإلنتاجيـة ألراضيهـا وحتويلهـا إىل مناطـق شـبيهة باملناطـق‬
‫الصحراويـة بسـبب االسـتغالل املك َّثـف ملواردها من ِق َبل اإلنسـان وسـوء‬
‫أسـاليب اإلدارة التـي يطبقهـا‪ .‬ولعـل مـن أهم مظاهـر التصحـر‪ :‬انجراف‬
‫الرتبـة وزحـف الرمـال وتدهـور الغطـاء النبـايت‪ ،‬وكذلـك التملـح الـذي‬
‫حيـدث للرتبـة (العرينـي‪2008 ،‬م‪ ،‬ص‪.)14٥ ،14٤‬‬
‫سادسا‪ :‬تلوث املخلفات الصلبة‬
‫ً‬
‫النفايـات الصلبـة هي عبـارة عـن بواقي املنتجات املسـتعملة بواسـطة‬
‫اإلنسـان أو مـن خلال إنتاج املـواد املختلفـة‪ ،‬ويقصـد باملواد الصلبـة عامة‬
‫تلـك املـواد املقاومـة للتحلـل أو التـي تتحلـل ببـطء شـديد‪ ،‬مثـل‪ :‬أجـزاء‬
‫هيـاكل السـيارات وإطاراهتـا املسـتعملة وأجـزاء بعـض األجهـزة الكهربية‬
‫التالفـة مثـل الثالجـات والبوتاجـازات والدفايـات وبعـض أدوات املطبخ‬
‫وعلـب املرشوبـات والسـوائل والزيـوت املتنوعـة مـن صفيـح وأملونيـوم‬
‫وزجـاج وبالسـتيك وخملفـات عمليـات اهلـدم والبنـاء مـن قطـع خشـبية‬
‫وأجـزاء معدنيـة وكتـل خرسـانية وعمليـات حفـر الطـرق وأتربـة الشـارع‬
‫وخملفـات املتاجر واملصانـع (ندوة التلـوث البيئي للقاممة وكيفية االسـتفادة‬
‫منهـا‪ ،2000 ،‬ص ‪.)36‬‬

‫‪242‬‬
‫ساب ًعا‪ :‬التلوث اإلشعاعي‬
‫ملـوث غري منظـور يمكنـه تلويث أي جـزء من البيئـة‪ .‬وقد‬‫اإلشـعاع ِّ‬
‫يكـون اإلشـعاع مـن مصـادر طبيعية مثـل املعادن وأشـعة الشـمس‪ ،‬أو من‬
‫إنتـاج البشر‪ ،‬ولـه خماطـر كبيرة على احليـاة بـاألرض‪ ،‬ومتثـل املخلفـات‬
‫املشـعة الناجتـة عن احلروب واملفاعلات النووية ومصانع األسـلحة مصدر‬
‫رضر كبير وخطير ُيدث كـوارث وخسـائر باهظـة‪ ،‬كما أن املحافظة عىل‬
‫املخلفـات املشـعة والتخزيـن اآلمن هلا أمر عـايل التكاليف وليـس بالعملية‬
‫السـهلة‪ ،‬إضافـة إىل أن خملفاهتـا تبقـى نشـطة يف إشـعاعها آلالف السـنني‬
‫(عامـر‪1999 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)291 -275‬‬
‫ثامنًا‪ :‬التلوث بالفلزات الثقيلة‬
‫وتشـمل الزئبـق والرصاص وغريمهـا‪ ،‬حني تطلـق عمليـات التعدين‬
‫وحـرق املخلفات الصلبـة والعمليات الصناعية واملركبـات الفلزات الثقيلة‬
‫إىل البيئـة‪ .‬يمتـد أثـر الفلـزات الثقيلـة ملـدد طويلـة‪ ،‬وبإمكاهنا االنتشـار يف‬
‫البيئـة وقد تتجمـع هذه الفلـزات يف عظام وأنسـجة احليوانـات‪ .‬ويف البرش‬
‫قـد تـؤدي هـذه الفلـزات إىل تدمير األعضـاء الداخليـة والعظـام واجلهاز‬
‫العصبـي‪ ،‬ويمكـن لكثير منها أن يـؤدي إىل اإلصابـة بالرسطان‪.‬‬
‫تاس ًعا‪ :‬التلوث بالضجيج (التلوث الضوضائي)‬
‫وينتـج عـن الطائـرات واملركبـات ومعـدات اإلنشـاءات واملعـدات‬
‫الصناعيـة‪ ،‬وال يسـبب الضجيج تلوث اهلـواء أو املاء أو اليابسـة‪ ،‬لكنه قادر‬
‫على تنغيـص احليـاة وإضعاف السـمع لـدى البشر واحليوانـات األخرى‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫عارشا‪ :‬التلوث اإللكرتوين‬
‫ً‬
‫خطـرا عىل صحة‬‫ً‬ ‫ليـس غري ًبـا أن يصبح التقـدم التقني والثـورة العلمية‬
‫وتدميرا لبيئتـه‪ .‬فالعلـم هو الـذي أوجد أسـلحة الدمار الشـامل‪،‬‬
‫ً‬ ‫اإلنسـان‬
‫وهـو املسـؤول عـن القنابـل الذكيـة وكل أدوات ووسـائل فنـاء الكـون‪.‬‬
‫فاإلنسـان اليـوم يتعرض إىل سـيل مـن املوجـات الكهرومغناطيسـية املنبعثة‬
‫من األجهـزة اإللكرتونيـة والكهربائية‪ ،‬كاحلاسـوب والتلفزيـون واإلنرتنت‬
‫وحمطـات تقويـة شـبكات اهلواتف النقالة املنتشرة يف املناطق السـكنية‪ ،‬وهذا‬
‫هـو مـا ُيعـرف بـ«التلـوث اإللكتروين»‪ ،‬وهـو أحـدث أنـواع أو جمـاالت‬
‫التلـوث‪ ،‬وينتـج عـن املجـاالت التـي تنتـج حـول األجهـزة اإللكرتونيـة‪،‬‬
‫ابتـدا ًء من اجلـرس الكهريب واملذيـاع والتلفزيون‪ ،‬وانتهاء باألقمار الصناعية؛‬
‫حيث حيفـل الفضاء حولنـا بموجات الراديـو واملوجات الكهرومغناطيسـية‬
‫وغريهـا‪ ،‬وهـذه املجـاالت تؤثر عىل اخلاليـا العصبيـة للمخ البشري‪ ،‬وربام‬
‫مصدرا لبعض حـاالت عدم االتـزان وحاالت الصـداع املزمن الذي‬ ‫ً‬ ‫كانـت‬
‫تفشـل الوسـائل الطبيـة اإلكلينيكيـة يف تشـخيصه‪ ،‬والتغييرات التـي حتدث‬
‫يف املنـاخ‪ ،‬خاصـة بعـد انتشـار آالف األقمار الصناعيـة حـول األرض‪ .‬كما‬
‫نموا يف العـامل‪ ،‬ونتيجة‬
‫أصبحـت صناعـة اإللكرتونيات من أكثـر الصناعات ًّ‬
‫هلـذا النمـو الـذي يتزامـن مع مزيـد مـن املنتجات املسـتهلكة التـي أصبحت‬
‫غير مرغـوب هبـا‪ ،‬مثـل األدوات املنزليـة الضخمـة كالثالجـات ومكيفات‬
‫اهلـواء واهلواتف النقالة املنتهيـة صالحيتها واحلاسـب اآليل بجميع مكوناته‪.‬‬
‫وتعـد نفايـات هـذه األدوات مـن أكثر املخاطـر املهـددة للحياة‪.‬‬
‫وال تكمـن مشـكلة النفايـات اإللكرتونيـة يف كميتهـا فقـط‪ ،‬بـل يف‬
‫نوعيتهـا ومكوناهتـا السـامة؛ حيـث حتتـوي على أكثـر مـن ‪ 1000‬مـادة‬
‫خمتلفـة‪ ،‬كثير منهـا ذو مكونات سـامة‪ ،‬وعـدم التعامل معها بالطـرق الفنية‬
‫أرضارا كبيرة على البشر والبيئـة‪.‬‬
‫ً‬ ‫املالئمـة يسـبب‬

‫‪244‬‬
‫إن املخلفـات اإللكرتونيـة ومـا تسـببه مـن أرضار على البيئة واإلنسـان‬
‫جيعلنـا نتسـاءل‪ :‬أيـن تذهـب أجهـزة احلاسـب اآليل القديمـة؟ وهـل هنـاك‬
‫إحصـاءات هبـذا اخلصوص؟ وما اجلهـة أو اجلهـات التي تقـوم بتفكيك هذه‬
‫األجهـزة إن ُوجـدت؟ وهـل هنـاك رقابـة من أي نـوع؟ (املعمـري‪ ،‬ب ت)‪.‬‬
‫حادي عرش‪ :‬التلوث البرصي‬
‫التلـوث البصري هـو كل مـا يوجـد مـن أعمال مـن صنـع اإلنسـان‬
‫تـؤذي الناظـر لدى مشـاهدهتا وتكـون غري طبيعيـة ومتنافرة مع مـا حوهلا؛‬
‫حيـث حيـس اإلنسـان عند النظـر إليهـا بعـدم االرتيـاح النفسي‪ .‬ويمكننا‬
‫وصفـه بأنـه اختفـاء الصـورة اجلامليـة ملـا حييط بنـا‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫ـ انتشـار القاممـة أو وجـود صناديقها بأشـكاهلا‪ ،‬ما يبعث على عدم الراحة‬
‫النفسية‪.‬‬
‫ـ سـوء التخطيـط العمـراين لبعض األبنية‪ ،‬سـواء مـن حيـث الفراغات أو‬
‫من شـكل بنائها‪.‬‬
‫ـ اختالف دهان واجهات املباين‪.‬‬
‫ثاين عرش‪ :‬التلوث الضوئي (أو ما يسمى السطوع)‬
‫خطرا‬
‫يعـد التلـوث الضوئي أقـل أنواع التلـوث شـهرةً‪ ،‬لكنه األكثـر ً‬
‫على كوكـب األرض لوجـوده يف كل بقعـة مـن أرجـاء املعمـورة ولتأثيره‬
‫على كل أشـكال احليـاة دون أن يشـعر أحـد بذلـك‪ ،‬و ُيقصد بـه االنزعاج‬
‫املرتتـب عىل اإلضـاءة غري الطبيعيـة ً‬
‫ليل وآثار اإلنـارة االصطناعيـة الليلية‬
‫على اإلنسـان والكائنـات احلية األخـرى واألنظمـة البيئية‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫‪ 3 . 3‬التلوث حسب النطاق اجلغرايف‬
‫ويقسـم بنـاء على‬
‫َّ‬ ‫و ُيقصـد بـه املسـاحة التـي يمتـد إليهـا التلـوث‪،‬‬
‫االمتـداد اجلغـرايف إىل مـا يلي‪:‬‬
‫أ ـ التلوث املحيل‬
‫ويقصـد بـه التلـوث الـذي ال تتعـدى آثـاره احليـز اإلقليمـي ملـكان‬
‫مصـدره‪ ،‬وينحصر تأثيره يف منطقـة معينـة أو إقليـم معني أو مـكان حمدد‪،‬‬
‫دون أن متتـد آثـاره خـارج هـذا اإلطـار‪ .‬وقـد يكـون مصـدر هـذا التلوث‬
‫فعـل اإلنسـان‪ ،‬كالتلـوث الصـادر عـن املصانـع واملناجـم التـي يقيمهـا‬
‫اإلنسـان‪ ،‬وقـد يكـون بسـبب فعـل الطبيعـة عندما تثـور الرباكين‪ ،‬وهتب‬
‫عنصرا من عنـارص البيئـة املحلية بالضرر‪ ،‬دون أن‬
‫ً‬ ‫العواصـف‪ ،‬وتصيـب‬
‫يمتـد هـذا األثـر إىل بيئـة جمـاورة تتبـع دولـة أو قـارة أخرى‪.‬‬
‫ب ـ التلوث بعيد املدى‬
‫عرفـت منظمـة التعـاون والتنميـة االقتصاديـة هـذا التلـوث بأنه «أي‬ ‫َّ‬
‫تلـوث عمـدي‪ ،‬يكون مصـدره‪ ،‬أو أصلـه العضـوي‪ ،‬خاض ًعـا أو موجو ًدا‬
‫كل ًّيـا أو جزئ ًّيـا‪ ،‬يف منطقـة ختضـع لالختصاص الوطنـي لدولـة‪ ،‬وتكون له‬
‫آثـاره‪ ،‬يف منطقـة خاضعـة لالختصـاص الوطنـي لدولة أخـرى»‪ ،‬ويقرتب‬
‫هـذا التعريـف مـن التعريف الـذي قالت بـه اتفاقيـة جنيف لعـام ‪1979‬م‬
‫عرفـت التلـوث بأنـه «الـذي يكـون‬ ‫بشـأن التلـوث بعيـد املـدى؛ حيـث َّ‬
‫مصـدره الطبيعـي موجـو ًدا كل ًّيـا أو جزئ ًّيـا‪ ،‬يف منطقة ختضـع لالختصاص‬
‫الوطنـي لدولـة‪ ،‬والـذي حتـدث آثـاره الضـارة يف منطقـة ختضـع لدولـة‬
‫أخـرى‪ ،‬وعلى مسـافة يكـون معها مـن غري املمكـن عمو ًمـا التمييـز بني ما‬
‫تسـهم بـه املصـادر الفرديـة أو جمموعـة مصـادر االنبعاث»‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫وهكـذا يمكـن أن نؤكـد أن أهـم مـا يميـز التلـوث بعيـد املـدى‪ :‬أنـه‬
‫ينتقـل مـن الدولـة التـي حيـدث يف إقليمهـا إىل دولـة أخـرى‪ ،‬دون إمكانية‬
‫حجبـه أو منعـه مـن العبـور إىل هـذه الدولـة املتأثـرة‪ .‬ولـه صـور‪ ،‬منهـا‪:‬‬
‫الصـورة األوىل‪ :‬التلـوث عبر احلـدود‪ ،‬ذو االجتـاه الواحـد‪ ،‬وهـو التلـوث‬
‫الـذي يكـون مصـدره يف دولـة‪ ،‬وتظهـر آثـاره يف دولـة أخـرى أو أكثر‪.‬‬
‫الصـورة الثانية‪ :‬التلـوث عرب احلدود‪ ،‬ذو االجتاهين‪ ،‬أو التباديل‪ ،‬وهو التلوث‬
‫الـذي يكون مصدره يف دولة‪ ،‬وتظهر آثـاره يف دولة أخرى‪ ،‬وتوجد يف‬
‫هـذه الدولة مصادر للتلـوث تظهر آثارها يف الدولـة األوىل‪ .‬والتلوث‬
‫عبر احلدود يمكـن أن حيدث بخصوص البيئـة املائية والبيئـة اهلوائية‪،‬‬
‫وهـو يثير إشـكاالت كثيرة‪ ،‬سـواء على مسـتوى القانـون املحيل أو‬
‫الـدويل‪ .‬وملـا كانـت البيئـة اإلنسـانية واحـدة‪ ،‬وااللتـزام بحاميتهـا ال‬
‫يتجـزأ‪ ،‬فقـد حرصـت االتفاقـات الدوليـة على وضـع نظـام قانـوين‬
‫ملكافحـة هـذا النـوع مـن التلـوث‪ ،‬بام يوجـب االلتـزام بالتعـاون بني‬
‫مثل هـي مـن املـوارد الطبيعية‬ ‫الـدول‪ ،‬على اعتبـار أن البيئـة اجلويـة ً‬
‫حملا للملكيـة اخلاصة من‬ ‫املشتركة‪ ،‬ومـن ثـم ال يصلـح ألن تكـون ًّ‬
‫جانـب أحـد‪ ،‬سـواء أكان دولـ ًة أم فـر ًدا‪ ،‬وأنـه جيـب على كل دولـة‬
‫مراعـاة واحترام املقاييـس أو املسـتويات املقبولـة املطبقـة دول ًّيـا‪،‬‬
‫واملتعلقـة بحاميـة اهلـواء‪ ،‬وال خيـل هـذا بالتدابير األخـرى لتحسين‬
‫النوعيـة البيئيـة (الكنـدري‪ ،1992 ،‬ص‪.)91‬‬

‫‪247‬‬
‫‪ 4 . 3‬التلوث حسب مستوياته‬

‫أ ـ التلوث املقبول‬
‫ال تـكاد ختلـو منطقـة ما مـن مناطـق الكرة األرضيـة من هـذه الدرجة‬
‫نظرا لسـهولة‬
‫مـن التلـوث؛ حيـث ال توجد بيئـة خالية متا ًمـا من التلـوث؛ ً‬
‫انتقـال التلـوث بأنواعـه املختلفـة مـن مـكان إىل آخـر‪ ،‬سـواء أكان ذلـك‬
‫بواسـطة العوامـل املناخيـة أو البرشيـة‪ .‬والتلـوث املقبـول هـو درجـة مـن‬
‫درجـات التلـوث التـي ال يتأثر هبا تـوازن النظـام اإليكولوجـي وال يكون‬
‫مصحو ًبـا بـأي أخطـار أو مشـكالت بيئية رئيسـة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التلوث اخلطر‬
‫يعـاين كثير مـن الـدول الصناعيـة التلـوث اخلطـر‪ ،‬الناتـج بالدرجـة‬
‫األوىل مـن النشـاط الصناعـي وزيـادة النشـاط التعدينـي واالعتامد بشـكل‬
‫رئيـس على الفحـم والبترول مصدريـن للطاقة‪.‬‬
‫ج ‪ -‬التلوث املدمر‬
‫يمثـل التلـوث املدمـر املرحلـة التـي ينهـار فيهـا النظـام اإليكولوجي‬
‫ويصبـح غير قـادر على االسـتمرار بالعطاء‪.‬‬

‫‪ . 4‬آثار التلوث البيئي‬


‫تعتبر آثـار التلـوث كارثيـة على البرشيـة‪ ،‬وشـواهدها كثيرة‪ ،‬منهـا‬
‫حـادث إسـقاط القنبلتين الذريتين على نجازاكـي وهريوشـيام يف احلرب‬
‫العامليـة الثانيـة‪ ،‬الترسب يف املفاعلات الذريـة بوالية بنسـلفانيا بالواليات‬
‫املتحـدة األمريكيـة‪ .‬وال تـزال آثـار التلـوث قائمـة إىل اآلن‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫ويمكن عرض أهم تلك اآلثار فيام ييل‪:‬‬
‫أمراضـا كثيرة‪،‬‬
‫ً‬ ‫‪ 1‬ـ التأثير على صحـة اإلنسـان‪ :‬حيـث يسـبب التلـوث‬
‫أمههـا‪ :‬أمـراض اجلهـاز التنفيس‪ ،‬أمـراض القلـب واألوعيـة الدموية‪،‬‬
‫التهـاب احللـق‪ ،‬أمل يف الصدر‪ ،‬االحتقـان‪ ،‬االلتهابـات اجللدية والطفح‬
‫اجللـدي‪ ،‬فقـدان السـمع‪ ،‬ارتفـاع ضغـط الـدم‪ ،‬اإلجهـاد واضطراب‬
‫النـوم‪ ،‬القصـور يف النمـو لـدى األطفـال‪ ،‬األعـراض العصبيـة‪،‬‬
‫املشـكالت العصبيـة‪ ،‬الرسطـان‪ ،‬العيـوب اخللقيـة‪.‬‬
‫أرضارا كبرية عىل البيئة‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ 2‬ـ التأثري عىل النظم اإليكولوجية‪ ،‬مما يسبب‬
‫‪ 3‬ـ التكاليـف االقتصاديـة (آثـار ماديـة)‪ :‬حيـث يـؤدي تلـوث البيئـة بأقسـامه‬
‫(تلـوث هـواء‪ ،‬تلـوث مـاء‪ ،‬تلـوث تربـة)‪ ،‬إىل إصابـة اإلنسـان واحليـوان‬
‫والنبـات بـأرضار مبـارشة وغير مبـارشة‪ ،‬ممـا يـؤدي إىل انتشـار األمـراض‬
‫املسـتعصية التـي تتسـم بالتكاليـف العاليـة للعلاج‪ ،‬بما يزيـد مـن تكلفـة‬
‫العلاج للفرد واملجتمـع (اهليتـي‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،)126‬ويؤثر حدوث صدأ‬
‫وتـآكل املعـدات واملبـاين على عمرهـا املفترض‪ ،‬ويف ذلـك خسـارة كبيرة‪.‬‬
‫تسـمم للموايش‬
‫ً‬ ‫‪4‬ـ تسـبب أملاح الرصاص التي خترج مـع غازات العادم‬
‫واألغنـام واخليـول‪ ،‬وكذلـك فـإن ثـاين أكسـيد الكربيـت رشيـك يف‬
‫هالك املاشـية‪.‬‬
‫‪ – 5‬ال تسـتطيع احلشرات الطائرة العيـش يف هواء املدن امللـوث‪ ،‬مما يؤدي‬
‫إىل انقـرض أنواع كثرية مـن الكائنات‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ التأثير على املنـاخ‪ :‬حيـث تـؤدي اإلشـعاعات الذريـة واالنفجار النـووي إىل‬
‫تغيرات كبيرة يف الـدورة الطبيعيـة للحياة عىل سـطح األرض‪ ،‬كما أن وجود‬
‫بعـض الغـازات الناجتة من عـوادم املصانع يؤدي إىل تكسير يف طبقة األوزون‬

‫‪249‬‬
‫﴿و َج َع ْلنَا الس َ‬
‫َّما َء‬ ‫التـي حتيط بـاألرض‪ ،‬والتي قـال عنها اهلل سـبحانه وتعـاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫اتـا ُم ْع ِر ُض َ‬
‫ـون﴾ (األنبياء‪.)32 :‬‬ ‫َسـ ْق ًفا َم ْ ُفو ًظا‪َ  ‬و ُه ْ‬
‫ـم َع ْن آ َي َ‬
‫‪ 7‬ـ يسـمح انخفـاض سـمك طبقـة األوزون‪ ،‬أو تآكلهـا‪ ،‬للغـازات الكونيـة‬
‫واجلسـيامت الغريبـة أن تدخـل جـو األرض‪ ،‬وأن ُتـدث فيـه تغيرات‬
‫كبيرة‪ ،‬كما أن وجـود الضبـاب والدخـان والتراب يف اهلـواء يـؤدي إىل‬
‫اختـزال كمية اإلشـعاع الضوئي التي تصل إىل سـطح األرض‪ ،‬واألشـعة‬
‫الضوئيـة التـي ال تصل إىل السـطح ُتتص ويعاد إشـعاعها مـرة أخرى إىل‬
‫الغلاف اجلـوي كطاقـة حراريـة‪ ،‬فـإذا أضفنـا إىل ذلـك الطاقـة احلرارية‬
‫التـي تتسرب إىل اهلـواء نتيجـة الحتراق الوقـود‪ ،‬مـن نفـط وفحـم‬
‫وأخشـاب وغير ذلـك‪ ،‬فسـوف نجـد أننـا نزيـد تدرجي ًّيا مـن حـرارة اجلو‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ ارتفـاع درجـة حـرارة األرض‪ ،‬الـذي يـؤدي إىل انصهـار جبـال اجلليد‬
‫املوجـودة يف القطبين وإغـراق األرض باملياه‪ ،‬وربام كان ذلك ما تشير‬
‫﴿وإِ َذا ا ْلبِ َح ُ‬
‫ـار ُف ِّج َـر ْت﴾؛ حيث‬ ‫إليـه اآليـة الثالثـة يف سـورة االنفطـار َ‬
‫ذكـر املفسرون أن تفجير البحار يعنـي اختلاط مائها بعضـه ببعض‪،‬‬
‫وهـذا يمكـن أن حيـدث لو انصهـرت جبـال اجلليد يف القطبني الشمايل‬
‫واجلنويب‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ تلـوث األهنـار وامليـاه املخصصـة للشرب والبيئـة البحريـة وقـد أشـار‬
‫«النـارص» (‪2010‬م‪ ،‬ص ‪ )28‬إىل أن األرضار التـي تلحـق بالبيئـة‬
‫البحريـة ترتتـب عليهـا مسـؤولية مدنيـة أو جزائيـة‪ ،‬حسـب األفعـال‬
‫املسـببة للتلـوث حسـب اتفاقيـة األمـم املتحـدة لقانـون البحـار عـام‬
‫‪1882‬م‪ .‬وهلـذه اآلثـار اجلسـيمة واخلطيرة للتلـوث تظهر أمهيـة وجود‬
‫اإلدارة الكفـؤة والفاعلـة واملسـتدامة للتلـوث بـكل أنواعـه ومصـادره‬
‫ومسـتوياته‪.‬‬

‫‪250‬‬
‫‪ .5‬نحو إدارة مستدامة للبيئة والتلوث‬
‫ترتكـز جهـود التنميـة املسـتدامة يف جانبيهـا املـادي والبشري‪ ،‬يف‬
‫مواجهـة الفاقـد وتعظيم االسـتفادة باملـوارد ومحايتها وتأهيلها لالسـتمرار‬
‫عبر األجيـال‪ ،‬وهـذا ال يمكن التوصل إليـه إال من خالل اإلدارة السـليمة‬
‫للبيئـة‪ ،‬التـي تعـد إدارة التلـوث أحـد جوانبها‪.‬‬
‫عـرف ‪ William R.Mangum‬اإلدارة البيئيـة بأهنـا «اإلجـراءات‬ ‫و ُي ِّ‬
‫ووسـائل الرقابـة املحليـة أو اإلقليميـة أو العاملية املوضوعية مـن أجل محاية‬
‫أيضا االسـتخدام العقلاين للموارد الطبيعيـة املتاحة‬‫البيئـة‪ ،‬وهـي تتضمن ً‬
‫واالسـتفادة الدائمة مـن هذه املـوارد» (العمـران‪2001 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)27‬‬
‫كما يعرفها ‪ Thomas‬بأهنا «هيكل املؤسسـة ومسـؤولياهتا وسياسـاهتا‬
‫وممارسـاهتا وإجراءاهتـا وعملياهتـا ومواردهـا املسـتخدمة يف محايـة البيئـة‬
‫وإدارة األمـور البيئيـة‪ ،‬وحيـدد نظـام اإلدارة البيئيـة فلسـفة املؤسسـة جتـاه‬
‫قضايـا البيئة ووضع أهـداف للربامج البيئيـة وتطوير برامج للأداء البيئي»‬
‫(عبدالصمـد بطاينـة‪2005 ،‬م‪ ،‬ص‪.)134‬‬
‫كما عرفـت منظمـة «‪ »ISO‬اإلدارة البيئيـة بأهنـا «جـزء مـن النظـام‬
‫اإلداري الشـامل الـذي يتضمـن اهليـكل التنظيمـي ونشـاطات التخطيـط‬
‫واملسـؤوليات واملامرسـات واإلجـراءات والعمليـات واملـوارد املتعلقـة‬
‫بتطويـر السياسـة البيئيـة وتطبيقها ومراجعتهـا واحلفاظ عليهـا» (العزاوي‪،‬‬
‫‪2007‬م‪ ،‬ص ‪.)122‬‬
‫ونسـتنتج مـن التعريفـات السـابقة أن مصطلح إدارة التلوث يشير إىل‬
‫اسـتخدام الوسـائل القانونيـة اإلداريـة واالقتصاديـة والتعليميـة والعلـوم‬
‫والتكنولوجيـا وغريهـا مـن الوسـائل واألسـاليب واألدوات هبـدف إدارة‬
‫التلـوث للحـد مـن آثاره على البيئـة واإلنسـان والكائنـات احلية‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫وتتطلب اإلدارة الفعالة للتلوث ما ييل‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ دراسـة مسـببات هـذا التلـوث؛ للقضـاء أو السـيطرة عىل مصـادره من‬
‫خلال الدراسـات املعمليـة وامليدانية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إعـادة تصنيـع النفايـات (التدويـر)‪ ،‬وهـي عمليـة هتـدف إىل استرداد‬
‫املـواد وإعـادة اسـتخدامها ً‬
‫بـدل مـن التخلـص منهـا‪ ،‬والتدويـر أنواع‬
‫ولـه فوائـد كثيرة‪ ،‬أمهها‪:‬‬
‫ـ تقليل التكاليف‪.‬‬
‫‪ -‬محاية البيئة من التلوث‪.‬‬
‫‪ -‬احلصول عىل السامد العضوي‪.‬‬
‫‪ -‬ترشيد استخدام األسمدة الكياموية‪.‬‬
‫‪ -‬إجياد فرص عمل جديدة (اجلوارنة‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)176 -172‬‬
‫‪ 3‬ـ معاجلة مياه املجاري ومياه الرصف الصحي بالوسائل املناسبة واآلمنة‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ سـن القوانني التي تسـاعد يف تنقيـة البيئة واملحافظة عليهـا والتخلص من‬
‫التلـوث‪ ،‬بما يسـاعد عىل تنظيم وسـائل التخلـص من املخلفـات الصلبة‬
‫واخلطـرة‪ ،‬عىل غـرار وثيقة الكتـاب األخرض اخلاصـة بتعويض األرضار‬
‫البيئيـة املرتكـزة عىل مبدأين أساسين‪ :‬األول‪ :‬مبدأ املسـؤولية املوضوعية‬
‫التـي تقـع عىل عاتق املسـتغل امللـوث للبيئة‪ ،‬والثـاين‪ :‬إمكانيـة التعويض‬
‫يف حالـة عجـز قواعـد املسـؤولية املدنيـة عـن توفير احلاميـة التعويضيـة‬
‫للمضرور‪ ،‬وذلـك عنـد تعـذر حتديـد املسـؤول أو إعسـاره‪ ،‬وذلك عن‬
‫طريـق اآلليـات اجلامعية للتعويـض (حـواس‪2012 ،‬م‪ ،‬ص‪.)315‬‬
‫‪ 5‬ـ حظـر امللـوث‪ :‬ينبغـي العمـل على حظـر امللوثـات‪ ،‬كما حـدث حين‬
‫حظـرت بعـض الـدول اسـتخدام املبيـد احلشري اخلطـر «دي دي يت»‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫‪ 6‬ـ فرض الغرامات عىل الرشكات املسببة للتلوث‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ فرض الرضائب عىل املنتجات امللوثة‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ التعـاون اإلقليمـي والـدويل؛ حيث يصعـب التحكم يف كثير من أنواع‬
‫التلـوث‪ ،‬ويرجـع ذلـك إىل أن ملكيـة املـوارد العامليـة‪ ،‬أي املحيطـات‬
‫والغلاف اجلوي‪ ،‬ليسـت فردية‪ ،‬وال ختـص ُأ َّمة بعينها‪ .‬والبد لسـكان‬
‫العـامل‪ ،‬واحلالـة هـذه‪ ،‬مـن أن تتضافـر جهودهـم مـن أجـل مكافحـة‬
‫التلـوث‪ .‬ويف عـام ‪2001‬م‪ ،‬و ّقعـت ‪ 127‬دولـة على اتفاقيـة حظـر‬
‫اسـتخدام ‪12‬مـن امللوثـات العضويـة املداومـة‪ .‬وتنتقـل هـذه املـواد‬
‫الكيميائيـة ومـن بينهـا مـادة «دي دي يت» باهلـواء واملـاء عبر الـدول‬
‫مهـددة اإلنسـان واحليـوان على حـد سـواء‪ .‬وحثـت االتفاقيـة العلامء‬
‫والشركات الصناعيـة واحلكوميـة على التقليـل مـن وجـود امللوثات‬
‫العضويـة املداومـة يف البيئـة‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ توسـيع اجلهـود العلميـة ودفـع العلماء إىل البحـث عـن احللول ملسـألة‬
‫التلـوث؛ فبعـض األبحـاث حتاول إجيـاد طـرق للتخلص مـن التلوث‬
‫أو تقنينـه؛ وبعضهـا اآلخر هيـدف إىل منعـه‪ .‬ويعمل كثري مـن الباحثني‬
‫الصناعيين عىل إجيـاد املزيد من الطـرق االقتصادية السـتخدام الوقود‬
‫واملواد اخلـام األخرى‪.‬‬
‫وتفهم املؤسسات واملصانع للحد من التلوث‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ تعميق وعي ُّ‬
‫‪ 11‬ـ احلـد مـن مناطـق التخلـص مـن النفايـات‪ ،‬فقـد كان حتديـد أماكـن‬
‫ً‬
‫وسـهل ممـا أرض بالبيئة‪،‬‬ ‫رخيصـا‬
‫ً‬ ‫التخلـص مـن املخلفـات يف املـايض‬
‫حيـث اسـتغلت املناطـق القريبـة من املـدن مكبـات للنفايـات‪ ،‬مما زاد‬
‫مـن حـدة التلـوث؛ لـذا ينبغـي تشـديد اإلجـراءات يف هـذا املجال‪.‬‬
‫‪ 12‬ـ إعانـة املنظمات لتطوير وسـائلها وخطـوط إنتاجها التي حتـد أو تقلل‬

‫‪253‬‬
‫مـن التلـوث‪ ،‬وال بـد مـن طـرح احلوافـز واإلعانـات املالئمـة التـي‬
‫تسـاعد على تطويـر الوسـائل واألسـاليب التـي تقلل مـن التلوث‪.‬‬
‫‪ 13‬ـ تفعيـل دور املنظمات البيئيـة وجعلـه أكثـر عم ًقا يف مكافحـة التلوث‬
‫املرشعين وانتخـاب القادة السياسـيني‬‫عـن طريـق حماولـة التأثري على ِّ‬
‫الذيـن يولـون اهتام ًمـا بالبيئـة‪ ،‬وتدبير األمـوال؛ لتطويـر األسـاليب‬
‫والوسـائل إلدارة ومنـع التلـوث‪ ،‬وتقديـم اإلعانـات والدعـم يف هذا‬
‫املجـال‪ ،‬مثـل‪ :‬مجاعة السلام األخضر وأصدقـاء األرض واألحزاب‬
‫السياسـية وغريها‪.‬‬
‫يالحظ‬
‫‪14‬ـ احلـد مـن اإلرساف يف العـامل‪ ،‬خاصـة العـامل الصناعي؛ حيـث َ‬
‫أن الفـرد الـذي يعيـش يف الـدول الصناعيـة يسـتهلك حـوايل عشرة‬
‫أضعـاف ما يسـتهلكه الفـرد يف الـدول النامية مـن الوقـود والكهرباء‪،‬‬
‫وينتـج مـا يتراوح بين ضعفين وثالثة أضعـاف مـا ينتجه الشـخص‬
‫يف الـدول الناميـة مـن املخلفـات البلديـة؛ هلـذا ينبغي حتمل املسـؤولية‬
‫وتضافـر جهـود األفـراد يف كل أنحـاء العامل‪.‬‬
‫‪15‬ـ تقويـة جهـود األفـراد يف جمـال حماربـة التلـوث (املشـاركة الشـعبية)‪،‬‬
‫حيـث تتطلـب تقويـة جهـود األفـراد يف جمـال حماربـة التلـوث تفعيـل‬
‫وسـائل توعيـة أفـراد املجتمع بكل الوسـائل؛ ألن خلـق الوعي يف هذا‬
‫املجال سـيكون لـه تأثري ضاغـط وبدرجة كبيرة عىل منتجـي التلوث‪،‬‬
‫فـإذا امتنـع املسـتهلكون عـن رشاء املنتجـات امللوثـة فلسـوف يتوقف‬
‫املصنِّعـون عن إنتاجها‪ ،‬كام أن الدراسـات أثبتت أن املشـاركة الشـعبية‬
‫يف التخطيـط واختـاذ القـرار واإلدارة مسـألة ال يمكـن االسـتغناء عنها‬
‫لتحقيـق تكامـل األهـداف‪ ،‬كما أهنـا تبنـي وتوثـق جسـور الثقـة بين‬
‫النـاس ومتخـذي القـرار وتعطـي الضمان لرسعـة وكفايـة التنفيـذ‬

‫‪254‬‬
‫والوصـول إىل اهلـدف (احلنـاوي‪2004 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)٣٣ ،٣٢‬‬
‫‪ 16‬ـ إنشـاء قاعـدة بيانـات مركزية بشـأن املعلومات واملـؤرشات والربامج‬
‫البيئيـة ملواجهة املسـتجدات والتحديـات املحدقة‪.‬‬
‫‪ 17‬ـ إدارة النفايات اخلطرة لطرق علمية وتقنية متقدمة‪.‬‬
‫‪ 18‬ـ االسـتفادة من قصـص النجاح اخلاصة بالتحكـم يف التلوث الصناعي‬
‫وقصص النجاح للإدارة البيئية‪.‬‬
‫‪ 19‬ـ تنظيـم ورصـد التلـوث البيئـي‪ ،‬وهـذا يتطلـب وضـع األنظمـة‬
‫والتنظيمات التـي تسـاعد على رصـد التلـوث وتت ُّبعـه وحتديـد جهاته‬
‫بدقـة‪ ،‬ووضـع بوابـة إلكرتونيـة لإلنتـاج األنظـف‪.‬‬
‫‪ 20‬ـ رصـد اسـتخدامات املواد اخلام والطاقة واملرافـق‪ ،‬وكذلك معامالت‬
‫التشـغيل والتحكـم يف العمليـات‪ ،‬واملخلفـات و االنبعـاث‪ ،‬وعادة ما‬
‫يتـم ذلـك على أسـاس برنامـج ألخـذ العينـات وتسـجيل املعلومات‬
‫وتتبـع االجتاهات مـع الزمن‪.‬‬
‫‪ 21‬ـ وضـع نظـام إلدارة التلـوث على املسـتوى الوطنـي واإلقليمـي‬
‫والعاملـي؛ بحيـث يقـوم هـذا النظـام على إجـراءات وقائيـة وأخـرى‬
‫عالجيـة هتتـم بتفعيـل ومتابعـة اآلليـات آنفـة الذكـر‪.‬‬

‫‪ .6‬اجلهات املعنية بإدارة التلوث واحلد منه‬


‫يعتمـد النجـاح يف إدارة ومكافحـة التلـوث على تكامـل جهـود‬
‫احلكومـات والعلماء واملؤسسـات واملصانـع والزراعـة واملنظمات البيئيـة‬
‫واألفـراد‪ ،‬لتحقيـق النجاح املطلوب‪ ،‬ويمكن اسـتعراض أهـم هذه اجلهود‬
‫فيما ييل‪:‬‬

‫‪255‬‬
‫‪ 1 . 6‬اجلهود احلكومية‬
‫تعمـل احلكومـات املحليـة يف خمتلـف أرجاء العـامل على التخلص من‬
‫التلـوث‪ ،‬وقـد سـنت كثري مـن احلكومـات قوانين كثيرة تسـاعد يف محاية‬
‫البيئـة واحلد مـن التلـوث‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫ـ احلد من استخدام املركبات اخلصوصية وتشجيع النقل اجلامعي‪.‬‬
‫ـ سن القوانني اخلاصة بعملية إعادة التدوير والتصنيع‪.‬‬
‫ـ سـن الترشيعـات اخلاصـة بعمليـات التخلـص مـن امللوثـات واملـواد‬
‫اخلطـرة‪.‬‬
‫ـ حظر بعض أنواع امللوثات‪ ،‬مثل حظر املبيد احلرشي اخلطر «دي دي يت»‪.‬‬
‫ـ فرض الغرامات وإيقاع العقوبات عىل الرشكات املسببة للتلوث‪.‬‬
‫ـ تشـجيع الشركات على االسـتثامر يف أجهـزة مكافحـة التلـوث وتطوير‬
‫وسـائل تشـغيل قليلـة التلوث‪.‬‬
‫ـ فـرض الرضائـب على املنتجـات امللوثـة‪ ،‬مثـل القوارير غري املسترجعة‪،‬‬
‫كما يف الدول اإلسـكندنافية‪.‬‬
‫ـ إلـزام الشركات باإلفصاح عن عـدد امللوثات التي تلقي هبـا إىل البيئة‪ ،‬مما‬
‫يدفعهـا إىل البحـث عن طرق للحـد من امللوثـات وللحيلولـة دون خلق‬
‫انطباع سـيئ عنها‪ ،‬مما يسـبب انصراف اجلمهور عـن رشاء منتجاهتا‪.‬‬
‫ـ االهتمام بنشر الوعـي البيئي عن طريـق إدخال محاية البيئـة ضمن برامج‬
‫التعليـم يف املدارس واجلامعات واسـتخدام أجهزة اإلعالم العرصية‪.‬‬
‫ـ منـح احلوافـز البيئيـة‪ ،‬مثـل تقديم القـروض امليرسة‪ ،‬للتحـول إىل تقنيات‬
‫البيئـة النظيفـة‪ ،‬وتقديم املسـاعدة التقنيـة املؤدية إىل محايـة البيئة‪.‬‬

‫‪256‬‬
‫ـ إنشـاء مراكـز للبحـث العلمـي وتزويدهـا باألجهـزة واألدوات املعـدة‬
‫لقيـاس التلـوث البيئي‪ ،‬ومراقبة تأثير ملوثات البيئـة واجتاهاهتا‪ ،‬وإصدار‬
‫التقاريـر البيئية بشـكل دوري‪.‬‬
‫ـ التوسـع يف اسـتخدام مصـادر الطاقـة النظيفـة واملتجـددة‪ ،‬مثـل‪ :‬الطاقـة‬
‫الشمسـية والطاقـة الكهربائيـة‪ ،‬يف مجيـع نواحـي احليـاة‪.‬‬
‫ـ مراعـاة الشروط البيئيـة والتخطيـط العلمـي املسـتدام عنـد إقامـة أي‬
‫مشروع صناعـي أو سـكني‪.‬‬
‫ـ التعـاون مع املنظمات واجلهات الدولية ذات العالقـة القرتاح مواصفات‬
‫دوليـة للحد من ظاهـرة التلوث بجميع أشـكاهلا وأبعادها‪.‬‬
‫ـ إجـراء مراجعـة وتفتيـش دوري على مجيـع املنظمات‪ ،‬سـواء أكانـت‬
‫صناعيـة أم خدميـة‪ ،‬حكوميـة أم خاصـة؛ وذلـك للتأكـد مـن تطبيقهـا‬
‫للشروط واألنظمـة البيئيـة املعتمـدة‪.‬‬
‫ـ إنشاء املحميات الطبيعية والتوسع فيها واملحافظة عليها وصيانتها‪.‬‬
‫‪ 2 . 6‬اجلهود العلمية‬
‫يسـعى العلماء واملهندسـون إىل البحث عـن احللول التقنيـة للتخلص‬
‫مـن التلـوث‪ ،‬ويعمـل كثير مـن الباحثين الصناعيين على إجيـاد املزيـد‬
‫مـن الطـرق االقتصاديـة السـتخدام الوقـود واملواد اخلـام األخـرى‪ ،‬ومن‬
‫اإلنجـازات واجلهـود يف هـذا املجال مـا يلي (‪:)www.Wikipedia.org‬‬
‫ـ تطويـر أسـاليب اسـتخدام حـرارة املخلفـات الناجتة عن حمطـات القدرة‬
‫وحمـارق النفايات يف تدفئـة البيوت‪.‬‬
‫ـ تطويـر املحـركات احلديثـة لتحـرق الوقـود بطريقـة أنظف وأكثـر فاعلية‬
‫مـن املركبـات القديمة‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫ـ تطويـر سـيارات تسـتخدم وقـو ًدا نظيـف االشـتعال مثل امليثانـول‪ ،‬وهو‬
‫مـادة كحوليـة‪ ،‬والغـاز الطبيعي‪.‬‬
‫املسـتخرج مـن بعـض‬
‫َ‬ ‫ـ تطويـر نـوع مـن الكحوليـات وهـو اإليثانـول‬
‫النباتـات وجعلـه وقـو ًدا للسـيارات‪.‬‬
‫ـ تطوير سيارات تعمل بغاز اهليدروجني‪ ،‬وهو غاز ال خيلف تلو ًثا للبيئة‪.‬‬
‫ـ توليـد الطاقـة الكهربائيـة بتكلفـة أقل مـن املـوارد املتجددة‪ ،‬مثـل الرياح‬
‫والشمس‪.‬‬
‫ـ طـرح التخصصات العلمية يف شـؤون البيئة والتنمية املسـتدامة يف املعاهد‬
‫واجلامعات‪.‬‬
‫ـ تطوير إعادة التدوير للنفايات بأنواعها بطرق ذات جدوى اقتصادية‪.‬‬
‫‪ 3. 6‬جهود الرشكات واملصانع‬
‫تقـوم الشركات واملصانـع‪ ،‬خاصـة يف الـدول املتقدمـة؛ باحلـد مـن‬
‫التلـوث البيئـي‪ ،‬ليس لتحسين صورهتـا الذهنية لـدى اجلمهـور والعمالء‬
‫أيضا‪.‬‬
‫فقـط بـل ولتوفير املـال ً‬
‫ومن اإلسهامات للرشكات واملصانع يف هذا املجال ما ييل‪:‬‬
‫ـ حتسني طرق اإلنتاج للتقليل من النفايات‪.‬‬
‫ـ تقليل التغليف واستخدام مواد تغليف يمكن إعادة تدويرها‪.‬‬
‫ـ ختصص كثري من الرشكات يف أنواع خمتلفة من وسائل إدارة التلوث‪.‬‬
‫ـ تدير بعض الرشكات برامج إعادة التدوير وحفظ الطاقة‪.‬‬
‫ـ تقديـم التقاريـر البيئيـة الدورية عن نشـاطات الرشكة واملصنـع بكل أمانة‬
‫إىل اجلهـات واملنظامت ذات العالقة‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫ـ اإلسهام املادي والعلمي والفني يف أنشطة احلفاظ عىل البيئة‪.‬‬
‫ـ تبني مفاهيم إدارة البيئة واإلدارة املستدامة يف الفلسفة اإلدارية للمنشأة‪.‬‬
‫ـ تعزيـز الثقافـة التنظيميـة لـدى املوظفين والعمال‪ ،‬التـي تركز على أمهية‬
‫وخطـورة البعـد البيئي يف األنشـطة والقـرارات‪.‬‬
‫ـ الرتكيـز على تصميـم منتجـات تراعـي فكـرة إعـادة التدويـر ـ كنوع من‬
‫السياسـات ـ واسـتخدام مـواد قابلـة للتدوير كلما كان ذلـك ممكنًا‪.‬‬
‫ـ اسـتخدام املـواد األوليـة وإعـادة تدويرهـا يف أنشـطة املنظمة كلما أمكن‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ـ وضع ميزانية خاصة للتطوير البيئي‪ ،‬وتشكيل «فريق محاية البيئة»‪.‬‬
‫‪ 4 . 6‬اجلهود الزراعية‬
‫تسـاعد اجلهـود الزراعيـة يف احلـد مـن التلـوث باسـتخدام كثير مـن‬
‫الطـرق واألسـاليب‪ ،‬مثـل‪:‬‬
‫ـ الرتكيز عىل زراعة األغذية التي تتطلب القليل من األسمدة واملبيدات‪.‬‬
‫ـ اسـتخدام أسـلوب الـدورات الزراعيـة لتقليـل احلاجـة إىل األسـمدة‬
‫الكيميائيـة؛ فاملناوبـة بين الـذرة والقمـح واملحاصيل األخـرى والبقول‬
‫وفـول الصويـا تسـاعد يف تعويض النيرتوجين املفقود مـن الرتبة‪ ،‬كذلك‬
‫تسـاعد يف مكافحـة اآلفـات واألمـراض الزراعيـة‪.‬‬
‫ـ استخدام خليط التسميد واألسمدة األخرى التي ال ترض الرتبة‪.‬‬
‫ـ احلـد مـن اسـتخدام املبيدات الضـارة باسـتخدام البكترييـا أو احلرشات‬
‫األخـرى التي تفترس هـذه اآلفات‪.‬‬
‫ـ العمل عىل تطوير نباتات تقاوم اآلفات الزراعية‪.‬‬

‫‪259‬‬
‫ـ تصميـم أنظمـة الصرف اجليد للأرايض الزراعية ومعاجلـة مياه الرصف‬
‫ثم إعادة اسـتخدامها‪.‬‬
‫ـ احلـد مـن اسـتخدام املضـادات احليويـة واهلرمونـات يف تغذية وتسـمني‬
‫احليوانـات والطيور‪.‬‬
‫ـ اللجـوء إىل السماد العضـوي الطبيعـي يف تسـميد واسـتصالح األرايض‬
‫الزراعية‪.‬‬
‫‪ 5 .6‬جهود املنظامت البيئية‬

‫تسـهم املنظمات البيئيـة يف مكافحـة التلـوث‪ ،‬وذلـك بأسـاليب‬


‫ومبـادرات كثيرة‪ ،‬مثـل‪:‬‬
‫املرشعين بانتخـاب القـادة السياسـيني الذيـن‬
‫ـ العمـل على التأثير على ِّ‬
‫هيتمـون بالبيئـة‪.‬‬
‫ـ تقـوم بعـض اجلامعـات بجمـع األمـوال لشراء األرايض ومحايتهـا مـن‬
‫االسـتغالل‪.‬‬
‫ـ عمـل الدراسـات املسـتقلة عـن تأثيرات التلوث على البيئـة ونرشها يف‬
‫وسـائل اإلعالم‪.‬‬
‫ـ تقديم املشورة العلمية والنظرية والتطبيقية يف جمال العلوم البيئية‪.‬‬
‫ـ تطويـر نظـم خاصـة إلدارة ومنـع التلـوث‪ ،‬تسـتخدم مـا توصلـت إليـه من‬
‫نتائـج إلقنـاع احلكومـات والصناعـات بالعمل عىل منـع التلـوث أو احلد منه‪.‬‬
‫ـ نشر املجلات والكتب واملـواد التوعوية األخرى إلقنـاع وتوعية الناس‬
‫بضرورة منـع التلوث‪ ،‬وتقف مجاعة السلام األخضر وأصدقاء األرض‬
‫يف طليعة هؤالء الناشـطني‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫ـ تشـجيع عمـل األحـزاب السياسـية املهتمـة بالبيئة‪ ،‬مثل‪ :‬أحـزاب اخلرض يف‬
‫كثير من الـدول الصناعية؛ ملا هلذه األحـزاب من تأثري متنا ٍم عىل السياسـات‬
‫احلكوميـة جتـاه البيئـة‪ .‬ومـن الـدول التـي توجـد فيها مثـل هـذه األحزاب‪:‬‬
‫أستراليا والنمسـا وأملانيا وفنلندا وفرنسـا ونيوزيلندا وإسـبانيا والسـويد‪.‬‬
‫‪ 6 .6‬جهود األفراد‬
‫ويمكن إبراز أمهها فيام ييل‪:‬‬
‫ـ العمل عىل حفظ الطاقة وترشيد استخدامها‪.‬‬
‫ـ التقليل من قيادة السيارات اخلاصة‪ ،‬واستخدام وسائل النقل العام‪.‬‬
‫ـ توفير الطاقـة بالتقليل مـن اسـتخدام األجهـزة وإطفائها يف حالـة انعدام‬
‫احلاجـة إليها‪.‬‬
‫ـ اسـتخدام العـزل اجليـد يف املنازل واإلنشـاءات خلفض اسـتهالك الوقود‬
‫والكهرباء‪.‬‬
‫خطرا عىل البيئة‪.‬‬
‫ـ احلرص عىل رشاء املنتجات التي ال تشكل ً‬
‫ـ تقليـل اسـتخدام املنظفـات السـامة والتخلـص الصحيـح مـن هـذه‬
‫املنتجـات‪.‬‬
‫ـ رشاء األغذيـة التـي يسـتخدم زارعوهـا وصانعوهـا األسـاليب البيئيـة‬
‫كبيرا هلـذا التوجـه‪.‬‬
‫ً‬ ‫دعما‬
‫السـليمة‪ ،‬ممـا يشـكل ً‬
‫ـ إعـادة اسـتخدام املنتجـات (التدويـر)‪ ،‬مثـل اسـتخدام القواريـر وإعـادة‬
‫تعبئتهـا واسـتخدامها مـرة أخـرى‪ ،‬وكذلـك احلـرص على تعلـم أفضل‬
‫األسـاليب والطـرق لكـي تصبـح أنشـطتهم أكثـر صداقـة وحمافظـة عىل‬
‫البيئـة (موسـوعة البيئـة‪2011 ،‬م)‪.‬‬

‫‪261‬‬
‫‪ . 7‬اخلالصة‬
‫تشير أدبيـات إدارة التلـوث إىل رضورة اسـتخدام الوسـائل القانونية‬
‫واإلداريـة واالقتصاديـة والعلـوم والتكنولوجيـا والتوعيـة وغريهـا مـن‬
‫الوسـائل ملكافحـة التلوث‪ ،‬وكذلـك اإلدارة العملية والعلميـة للتلوث‪ ،‬بام‬
‫تتضمنـه مـن التخطيـط للوقايـة والرقابة والتفتيـش عىل انبعـاث امللوثات‪،‬‬
‫وكذلـك الرتكيـز عىل مصـادر امللوثات والتقييـم والتنبـؤ يف التطوير يف هذا‬
‫املجـال وتطويـر طـرق مكافحـة التلـوث‪ ،‬واملحافظة على التـوازن البيئي؛‬
‫لضمان اجلودة البيئيـة‪ ،‬وأن تعتمد الوقاية واالسـتباق ملصـادر التلوث ومن‬
‫ثـم التخطيط للمعاجلـة ومكافحـة اآلثار‪.‬‬
‫ولـن تـأيت هذه اإلستراتيجية إال مـن خالل التعـاون بني الـدول‪ ،‬عن‬
‫طريق االسـتغالل العلمـي للموارد املتاحة‪ ،‬وتوجيه االهتامم إىل املشـكالت‬
‫البيئيـة املعـارصة‪ ،‬ورضورة دراسـة املشـكالت النامجـة عـن التلـوث ومـا‬
‫حيـدث من آثار سـيئة على األنظمة البيئيـة‪ ،‬وخلـق الوعي البيئـي والرتكيز‬
‫على الرتبيـة البيئيـة ودراسـة املشـكالت البيئيـة وحتليلها من خلال منظور‬
‫شـامل وجامـع لفـروع املعرفة يتيـح تفهمها عىل نحو سـليم‪ ،‬بما يؤدي إىل‬
‫تكويـن جيـل وا ٍع مهتـم بالبيئـة وباملشـكالت املرتبطـة هبـا ولديـه املعارف‬
‫والقـدرات العقليـة‪ ،‬والشـعور بااللتـزام‪ ،‬بام يتيح لـه أن يمارس ـ فرد ًّيا أو‬
‫مجاع ًّيـا ـ حل املشـكالت القائمة‪.‬‬
‫وتسـهم الرتبيـة البيئيـة املرتكـزة على وعـي بيئـي يف غـرس القيـم‬
‫اإليامنيـة والسـلوكات اإلجيابيـة للتعامـل مـع البيئـة واحلـد مـن التلـوث‪،‬‬
‫باإلضافـة إىل أمهيـة ودور الترشيعـات واألنظمـة يف هـذا املجـال‪ ،‬كما أن‬
‫إلدارة التلـوث بمنهجيـة االسـتدامة أمهيـة بالغة؛ لكوهنا حتقق االسـتخدام‬

‫‪262‬‬
‫األفضـل للمـوارد‪ ،‬بام حيافظ عىل املـوارد الطبيعيـة من ماء وطاقـة ونباتات‬
‫وأحيـاء طبيعيـة وغريها‪ ،‬ولدرء أي خطر من مشـكالت التلـوث والتدهور‬
‫البيئـي‪ ،‬مـع الرتكيز عىل مبدأ الوقاية السـابقة والتحسـب لآلثـار واألرضار‬
‫قبـل وقوعهـا مـن أجـل أن تبقـى البيئـة صاحلـة السـتدامة البشر وبقيـة‬
‫الكائنـات احليـة التـي تعيـش وتعتـاش عليها‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫املراجــــع ‪:‬‬
‫إبراهيـم‪ ،‬ثابـت عبد املنعـم (‪2012‬م)‪ .‬اآلثـار البيئية ملشـكلة التخلص من‬
‫النفايـات باحلرق‪ ،‬جملة أسـيوط للدراسـات البيئية‪ ،‬العدد السـادس‬
‫والثالثون‪ ،‬أسـيوط‪.‬‬
‫أمحـد‪ ،‬عصـام حممد عبـد املاجـد (‪2002‬م)‪ .‬التلـوث‪ ..‬املخاطـر واحللول‪،‬‬
‫املنظمـة العربيـة للثقافـة والرتبية والعلـوم‪ ،‬تونس‪.‬‬
‫جرامـون‪ ،‬روبـرت الفـون (‪1977‬م)‪ .‬التلـوث وقضايـا السـاعة‪ ،‬ترمجة‪:‬‬
‫ناديـة القبـاين وجـورج عزيـز‪ ،‬النـارش‪ :‬رشكـة ترادكسـيم‪ ،‬جنيف‪.‬‬
‫جرعتلي‪ ،‬جمـد (‪2011‬م)‪ .‬تلـوث اهلـواء وأرضاره على صحـة اإلنسـان‬
‫استرجعت بتاريخ ‪1435 /8/17‬هـ‪ ،‬من موقع دراسـات‬ ‫والبيئة‪ُ ،‬‬
‫خضراء‪http://green-studies.com:‬‬
‫اجلوارنـة‪ ،‬شـادي خليفـة حممـد (‪2010‬م)‪ .‬اقتصاديـات البيئة مـن منظور‬
‫إسلامي‪ ،‬ط‪ ،1‬عماد الديـن للنشر والتوزيـع‪ ،‬عامن‪.‬‬
‫احلنـاوي‪ ،‬عصـام (‪2004‬م)‪ .‬قضايـا البيئـة يف مئة سـؤال وجـواب‪ ..‬البيئة‬
‫والتنميـة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫حـواس‪ ،‬عطـا سـعد حممـد (‪2012‬م)‪ .‬األسـاس القانوين للمسـؤولية عن‬
‫أرضار التلـوث‪ ،‬دار اجلامعـة اجلديدة‪ ،‬اإلسـكندرية‪.‬‬
‫اخلطيـب‪ ،‬هشـام إبراهيـم (ب ت)‪ .‬اإلسلام والبيئـة‪ ،‬دار قنديـل للنشر‬
‫والتوزيـع‪ ،‬عمان‪.‬‬
‫الدغيري‪ ،‬حممـد بـن إبراهيـم (‪2012‬م)‪ .‬النفايـات الصلبـة‪ ..‬تعريفهـا‬
‫استرجعت بتاريخ ‪1435 /7/12‬هـ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وأنواعهـا وطرق عالجها‪،‬‬
‫مـن موقـع‪http://saudigs.org. :‬‬

‫‪264‬‬
‫رفعـت‪ ،‬حممـد (‪1994‬م)‪ .‬مشـكلة التلـوث البيئـي الناتـج عـن تسـيري‬
‫املركبـات بمدينة القاهـرة وكيفية معاجلتها‪ ،‬ماجسـتري (غ‪.‬م)‪ ،‬معهد‬
‫الدراسـات والبحـوث البيئيـة‪ ،‬جامعـة عين شـمس‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫شـحاتة‪ ،‬أمحد حسـن (‪2002‬م)‪ .‬التلوث البيئي‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبـة الدار العربية‬
‫للكتاب‪ ،‬مرص‪.‬‬
‫الرشنوبـى‪ ،‬حممد عبد الرمحن (‪1989‬م)‪ .‬اإلنسـان والبيئـة‪ ،‬مكتبة األنجلو‬
‫املرصية‪ ،‬ط‪ ،3‬القاهرة‪.‬‬
‫العمـري‪ ،‬حممـد حسـن (‪2001‬م)‪ .‬نقلـة اإلدارة البيئية‪ ،‬اإليـزو ‪،14000‬‬
‫دار الرضا‪ ،‬دمشـق‪.‬‬
‫عامـر‪ ،‬حممـد أمين؛ سـليامن‪ ،‬مصطفـى حممـود (‪1999‬م)‪ .‬تلـوث البيئـة‬
‫مشـكلة العصر‪ ..‬دراسـة علميـة حـول مشـكلة التلـوث ومحايـة‬
‫صحـة البيئـة‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتـاب احلديـث‪ ،‬القاهـرة‪.‬‬
‫عبدالصمـد‪ ،‬نجوى؛ بطاينـة‪ ،‬حممد (‪2005‬م)‪ .‬اإلدارة البيئية للمؤسسـات‬
‫الصناعيـة‪ ،‬جامعة درفلـة‪ ،‬اجلزائر‪.‬‬
‫عبيـد‪ ،‬هـاين (‪2000‬م)‪ .‬اإلنسـان والبيئـة‪ ..‬منظومـات الطاقـة والبيئـة‬
‫والسـكان‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الشروق للنشر والتوزيـع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫العرينـي‪ ،‬يوسـف بن عبـد هلل (‪2008‬م)‪ .‬رعايـة البيئة من التلـوث‪ ..‬رؤية‬
‫اقتصادية إسلامية‪ ،‬دار طويـق‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫العـزاوي‪ ،‬حممـد؛ النصـار‪ ،‬عبـداهلل (‪2007‬م)‪ .‬إدارة البيئـة‪ ..‬نظـم‬
‫ومتطلبـات‪ ،‬دار املسيرة‪ ،‬عمان‪.‬‬
‫العـودات‪ ،‬حممـد عبـده وآخـرون (‪1997‬م)‪ .‬التلـوث ومحايـة البيئة‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫جامعـة امللـك سـعود‪ ،‬الرياض‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫الفاعـوري‪ ،‬وائل إبراهيـم (‪2011‬م)‪ .‬مشـكالت البيئـة‪ ..‬قضايا وحلول‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬مركـز الكتـاب األكاديمي‪ ،‬عامن‪.‬‬
‫قنديـل‪ ،‬نبيـل (‪2011‬م)‪ .‬التلـوث البيئـى باملبيـدات الكيامويـة الزراعيـة‪،‬‬
‫استرجعت بتاريـخ ‪1435/7/25‬هــ‪ ،‬مـن موقـع‪:‬‬ ‫ُ‬
‫‪http://environment.3arabiyate.net.‬‬
‫الكنـدري‪ ،‬عبـداهلل رمضـان (‪1992‬م)‪ .‬التلـوث اهلوائـي واألبعـاد البيئية‬
‫واالقتصاديـة‪ ،‬جملـة العـريب‪ ،‬ع ‪ ،405‬الكويـت‪.‬‬
‫(‪2011‬م)‪ .‬اإلدارة البيئيـة‪ ،‬استرجعت بتاريـخ‬ ‫لطيفـة‪ ،‬بـرين‬
‫‪1435/7/26‬هــ‪ ،‬مـن موقـع‪:‬‬
‫‪http://kenanaonline.com/users/S-LATIFA/posts/207075.‬‬
‫استجعت بتاريخ ‪1435/7/10‬هـ‪ ،‬من موقع‪:‬‬
‫معجم املعاين‪ُ ،‬‬
‫‪http://www.almaany.com/home.‬‬
‫املعمـري‪ ،‬هـواري (ب ت)‪ .‬التلـوث اإللكتروين خطـر هيدد حيـاة البرش‪،‬‬
‫استرجعت بتاريـخ ‪1435/7/15‬هــ‪ ،‬من موقع‪:‬‬ ‫ُ‬
‫‪http://www.mom.gov.ye/index.php.‬‬
‫ابـن منظـور‪ ،‬مجـال الديـن (‪1999‬م)‪ .‬لسـان العـرب‪ ،‬اجلـزء األول‪ ،‬دار‬
‫إحيـاء التراث‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫استرجعت بتاريـخ‬
‫ُ‬ ‫موسـوعة البيئـة (‪2011‬م)‪ .‬التلـوث البيئـي‪،‬‬
‫‪1435/7/15‬هــ‪ ،‬مـن موقـع موسـوعة البيئـة‪:‬‬
‫‪http://www.bee2ah.com.‬‬
‫النـارص‪ ،‬أمحد خالـد (‪2010‬م)‪ .‬املسـؤولية املدنية عـن أرضار تلوث البيئة‬
‫البحريـة‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عامن‪.‬‬

‫‪266‬‬
‫نـدوة التلـوث البيئـي للقاممـة وكيفيـة االسـتفادة منهـا (‪2000‬م)‪ .‬مركـز‬
‫الدراسـات والبحـوث البيئيـة‪ ،‬جامعـة أسـيوط‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫نعيـم‪ ،‬لبنـى (‪2011‬م)‪ .‬االستشـعار عـن ُبعـد يرصـد التلـوث النفطـي‬
‫استرجعت بتاريـخ ‪1435/6/25‬هــ‪ ،‬مـن موقـع‪:‬‬ ‫بالبحـار‪ُ ،‬‬
‫‪http://kenanaonline.com/users/lobnamohamed.‬‬

‫اهليتـي‪ ،‬نـوزاد عبدالرمحـن وآخـرون (‪2010‬م)‪ ،‬مقدمـة يف اقتصاديـات‬


‫البيئـة‪ ،‬ط‪ ،1‬دار املناهـج للنشر والتوزيـع‪ ،‬عمان‪.‬‬
‫وكالـة أنبـاء الشرق األوسـط (أ ش أ) (‪2014‬م)‪ .‬الفاو حتـذر من تراجع‬
‫مسـاحة الغابـات بنحـو‪ 5.3‬مليـون هكتـار سـنو ًّيا‪ ،‬اجلمعـة ‪21‬‬
‫استرجعت بتاريـخ ‪1435/7/25‬هــ‪ ،‬مـن‬ ‫ُ‬ ‫مـارس ‪2014‬م‪،‬‬
‫‪http://www1.youm7.com/News.‬‬ ‫موقـع‪:‬‬
‫استجعت بتاريخ ‪1435/7/25‬هـ‬
‫ويكيبيديا (‪2014‬م)‪ .‬كارثة طبيعية‪ُ ،‬‬
‫من موقع‪:‬‬
‫‪http://ar.wikipedia.org/wiki.‬‬

‫‪267‬‬
‫الفصل الثامن‬
‫اإلدارة املستدامة للنفايات‬

‫اجلازي بنت حممد آل رشيد‬


‫اإلدارة املستدامة للنفايات‬

‫املقدمـة‬
‫أدى ازديـاد عدد السـكان وارتفاع مسـتوى املعيشـة والتقـدم الصناعي‬
‫والزراعـي وعـدم اتبـاع الطـرق املالئمـة يف مجـع ونقـل ومعاجلـة النفايـات‬
‫الصلبـة إىل ازديـاد كمية النفايات بشـكل هائل‪ ،‬وبالتايل تلـوث عنارص البيئة‬
‫مـن أرض ومـاء وهواء‪ ،‬واسـتنزاف املصـادر الطبيعيـة يف مناطـق كثرية من‬
‫العـامل‪ .‬وقـد أصبحـت اليـوم إدارة النفايات الصلبـة يف مجيـع دول العامل من‬
‫األمـور احليويـة للمحافظة عىل الصحة والسلامة العامـة‪ ،‬ورضورة ملحة؛‬
‫لضمان حـق األجيال القادمـة وتلبية احتياجاهتا من خالل ترشـيد اسـتغالل‬
‫املـوارد ومراعـاة سلامة البيئـة بحيث ال ختـل بقـدرة األجيـال القادمة عىل‬
‫حصوهلـا على الفرص نفسـها التـي حتصل عليهـا األجيـال احلالية‪.‬‬
‫وهيدف هذا الفصل إىل متكني القارئ من التعرف عىل املحاور التالية‪:‬‬
‫ـ ماهية وأنواع النفايات‪.‬‬
‫ـ أسـباب انتشـار النفايات وآثارها اإلجيابية والسـلبية على البيئة واملجتمع‬
‫واالقتصاد‪.‬‬
‫ـ إدارة النفايات‪ ..‬العمليات والسياسات واإلجراءات واملؤسسات‪.‬‬
‫ـ التحديات واملشكالت التي تواجه إدارة النفايات‪.‬‬
‫ـ أهم االتفاقات الدولية ذات العالقة بالتلوث‪.‬‬
‫ـ أفضل املامرسات اخلرضاء إلدارة النفايات‪.‬‬
‫ـ اخلالصة‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫‪ .1‬ماهية النفايات‬
‫توجـد تعريفات كثيرة للنفايـات يف اللغة واالصطلاح ويف القاموس‬
‫ومـن الناحيتين القانونيـة والصحيـة؛ حيـث ُعرفـت مـن الناحيـة اللغوية‬
‫بأهنـا « ُن َفايـ ُة ال َّطعـا ِم»‪ :‬ب ِقيتُـه الر ِدي َئـ ُة‪ ،‬و« ُن َفايـ ُة الس ِ‬
‫ـجائ ِر»‪َ :‬ر َما ُد َهـا‪ُ ،‬‬
‫و«ه َو‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اذ ِل ْم‪.‬‬
‫ـات ا ْل َقـو ِم»‪ِ :‬مـن َأر ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُن َفا َي ُ‬
‫عرف خبراء البنك الـدويل النفاية‬
‫أمـا من الناحيـة االصطالحية فقـد َّ‬
‫بأهنـا «اليشء الـذي أصبح ليس له قيمة يف االسـتعامل‪ ،‬أمـا إذا أمكن تدوير‬
‫هـذا الشيء بحيث يمكن اسـتعامله أو استرجاع بعض مكوناتـه‪ ،‬ففي هذه‬
‫عـرف قاموس وبستر مرييـام النفايـات بأهنا‬ ‫احلالـة ال يعتبر نفايـة»‪ ،‬كما َّ‬
‫«أي خملفـات مـواد أو مواد زائدة على احلاجة»‪.‬‬
‫وقـد عرفهـا قانـون محاية البيئة السـعودي يف املـادة ‪ ،83‬البنـد الثالث‪،‬‬
‫بأهنـا «كل مـا ختلفـه عمليـة إنتـاج أو حتويـل أو اسـتعامل وهي كل مـادة أو‬
‫منتـج أو بصفـة أعـم كل يشء منقـول هيمل أو ختلى عنه صاحبـه»‪ ،‬وقانون‬
‫االحتـاد األوريب اعتربهـا «مـواد أو أشـياء‪ ،‬يتـم التخلـص منهـا‪ ،‬أو يعتـزم‬
‫التخلـص منهـا‪ ،‬أو مطلـوب التخلـص منهـا‪ ،‬بنـاء على أحـكام القوانين‬
‫الوطنيـة»‪ .‬وجـاء تعريـف منظمـة الصحـة العامليـة للنفايـات بأهنـا «بعض‬
‫األشـياء التـي أصبح صاحبهـا ال يريدها يف مـكان ما ووقت مـا وأصبحت‬
‫ليسـت هلـا أمهيـة أو قيمة»‪.‬‬
‫وعرفـت وزارة الشـؤون البلدية والقرويـة باململكة العربية السـعودية‬
‫النفايـات بأهنـا «املواد امللقـاة واملهملة التي ال يمكن االسـتفادة منها بصورة‬
‫مبـارشة أو غير مبـارشة‪ ،‬وتشـمل املواد التـي يمكن إعـادة تدويرهـا»‪ .‬كام‬
‫عرفتهـا اجلمعيـة الربملانيـة لالحتـاد مـن أجـل املتوسـط بأهنا «كل مـا يتبقى‬

‫‪272‬‬
‫مـن أي نشـاط وال يكـون لـه أي اسـتخدام أويل أو ثانوي عنـد املصدر‪ ،‬مع‬
‫أنـه قـد تكـون لـه قيمة إن ُوجـد يف موقـع آخر حيثما تكون ظـروف أفضل‬
‫متوافرة السـتخدامه بشـكل أفضل» (السـعيدي‪2011 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)5‬‬

‫‪ .2‬أنواع النفايات‬
‫ال يوجـد تصنيـف مثـايل للنفايـات‪ ،‬فقد تعـددت التصنيفات حسـب‬
‫تعـدد العوامـل‪ ،‬ومنها اآليت‪:‬‬
‫‪ 1 . 2‬تصنيف النفايات من حيث اخلطورة‬
‫هنـاك نوعـان مـن النفايـات‪ ،‬مهـا‪ :‬احلميدة (اخلضراء)‪ ،‬وهـي جمموعة‬
‫املـواد التـي ال يصاحـب وجودهـا مشـكالت بيئيـة خطيرة‪ ،‬ويسـهل يف‬
‫الوقـت ذاتـه التخلـص منهـا بطريقـة آمنـة بيئ ًّيـا‪ ،‬وهـي تشـمل النفايـات‬
‫املنزليـة ونفايـات املصانـع غير اخلطـرة (احلجـاز‪2004 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،)21‬أمـا‬
‫النـوع اآلخـر فهـو النفايـات اخلطـرة وقـد عرفـت وزارة الشـؤون البلديـة‬
‫والقرويـة النفايـات اخلطـرة بأهنـا‪« :‬النفايـات التـي هلــا خصائـص جتعلهـا‬
‫خطـرا هيدد صحة اإلنسـان والبيئـة‪ ،‬وتتميز هذه النفايـات بالصفات‬ ‫ً‬ ‫تشـكل‬
‫التالية‪ :‬السـمية‪ ،‬شـدة التفاعـل‪ ،‬قابلية االشـتعال واالنفجار‪ ،‬قابليـة التآكل‪،‬‬
‫عرفـت وكالـة محايـة البيئـة األمريكيـة (‪)EPA‬‬ ‫العـدوى‪ ،‬اإلشـعاع»‪ .‬وقـد َّ‬
‫النفايـات اخلطـرة بأهنـا عبارة عـن «نفايـة أو خليط مـن عدة نفايات تشـكل‬
‫خطـرا على صحـة اإلنسـان أو الكائنـات احلية األخرى‪ ،‬سـواء على املدىني‬ ‫ً‬
‫القريـب أو البعيـد‪ ،‬أو كوهنا غري قابلـة للتحلل وتدوم يف الطبيعـة‪ ،‬أو أهنا قد‬
‫آثـارا تراكمية ضـارة»‪ ،‬وعرفتها احلكومـة الربيطانية بأهنـا «عبارة عن‬
‫تسـبب ً‬
‫مـواد سـامة أو ضارة بالصحـة العامة‪ ،‬أو أهنا مـواد ملوثة تـؤدي إىل إحداث‬

‫‪273‬‬
‫خطـرا عىل صحة اإلنسـان والكائنـات احلية نتيجة‬‫ً‬ ‫أرضار بالبيئـة‪ ،‬مما يشـكل‬
‫تلـوث عنارص البيئة بتلـك املواد‪ ،‬خاصة مصـادر املياه السـطحية واجلوفية»‪.‬‬
‫أمـا قانـون املحافظة واسـتعادة املـوارد فقد اعتربهـا «فئة حمددة مـن النفايات‬
‫الصلبـة مدرجـة ضمـن لوائـح حتـدد سمات اخلطـورة‪ ،‬منهـا مـا هـو قابـل‬
‫لالشـتعال‪ ،‬أو التـآكل‪ ،‬أو له رد فعل‪ ،‬أو سـام» (‪.)www.epa.gov/wastes‬‬

‫‪ 2 . 2‬تصنيف النفايات حسب املنشأ‬


‫وتنقسـم النفايـات حسـب منشـئها إىل عـدد مـن التصنيفـات‪ ،‬هـي‬
‫(عبدالوهـاب‪1997 ،‬م‪ ،‬ص‪:)38 ،37‬‬
‫ـ النفايات املنزلية ‪Demostic Wastes‬‬
‫و ُيقصـد بالنفايـات املنزليـة «املخلفات الناجتة عن أنشـطة السـكان يف‬
‫املنـازل واملطاعـم والفنـادق وغريهـا»‪ .‬وتتكون مـن مواد معروفـة ومنها‬
‫ً‬
‫مثلا خملفـات املطابخ‪.‬‬
‫ـ النفايات الصناعية ‪Industrial Wastes‬‬
‫حيـث تتعـدد األنشـطة الصناعيـة يف الـدول‪ ،‬ممـا ينتـج عنـه نفايـات‬
‫ختتلـف نوعيتهـا وكميتهـا باختلاف نوعيـة الصناعـة وطريقـة التصنيـع‪.‬‬
‫ـ النفايات الزراعية ‪Agricultural Waste‬‬
‫وهـي املخلفـات الناجتـة عـن األنشـطة الزراعيـة كافـة‪ ،‬النباتيـة منهـا‬
‫واحليوانيـة‪ ،‬ومـن أهـم هـذه النفايـات‪ :‬خملفـات احلصـاد؛ حيـث ختتلـف‬
‫كمية النفايات حسـب نوعيـة الزراعة والطريقة املتبعـة يف اإلنتاج الزراعي‪.‬‬
‫نفايات اإلنشاء والبناء ‪Demolition Construction Waste‬‬ ‫ـ‬
‫وهـي عبـارة عـن «خملفـات خاملـة تنتـج عـن عمليـات هـدم وبنـاء‬

‫‪274‬‬
‫ونظـرا لعـدم احتـواء هـذه النفايات عىل مـواد خطرة على البيئة‬
‫ً‬ ‫املنشـآت»؛‬
‫يمكـن اسـتخدامها يف عمليـات الـردم املختلفـة‪ ،‬وأشـغال الطـرق العامـة‪،‬‬
‫وتسـويــة املنحـدرات عىل جوانب الطـرق‪ ،‬والنفايات الطبيـة هي النفايات‬
‫التـي تنتـج من عمليـات التشـخيص والعلاج واألبحـاث يف املستشـفيات‬
‫واملراكـز الصحيـة والعيادات واملختبرات ومراكز البحـث العلمي واملرافق‬
‫البيطريـة‪ ،‬باإلضافـة إىل أماكـن تصنيـع وختزيـن األدويـة واملـواد احليويـة‪،‬‬
‫وأخيرا هنـاك النفايات النامجة عـن معاجلة مياه الرصف الصحـي (احلمأة)‪،‬‬‫ً‬
‫عرفـت وزارة الشـئون البلدية والقرويـة احلمأة بأهنا «نفايـات صلبة أو‬
‫وقـد َّ‬
‫شـبه صلبـة أو سـائلة أو مرتسـبة يف قـاع اخلزانـات أو احلاويـات‪ ،‬أو كالتي‬
‫تنتـج عـن عمليـات معاجلـة مياه الصرف الصحـي املنـزيل أو التجـاري أو‬
‫الصناعـي‪ ،‬أو ميـاه الشرب‪ ،‬أو مـن أجهزة التحكـم يف تلـوث اهلواء»‪.‬‬
‫ـ النفايات الطبية ‪Medical Waste‬‬
‫تتكـون مـن جزأيـن‪ ،‬األول يشـبه النفايـات املنزليـة ويشـمل الـورق‬
‫والكرتـون والزجـاج وخملفات املـواد الغذائيـة وغريها من املـواد اخلاملة‪،‬‬
‫أمـا الثـاين فيعترب مـن النفايات اخلطيرة الحتوائـه عىل مواد سـامة وضارة‬
‫ومعديـة‪ ،‬وبعضها مسـبب للرسطان‪ ،‬وهـي تنتج من عمليات التشـخيص‬
‫والعلاج واألبحـاث يف املستشـفيات واملراكـز الصحيـة والعيـادات‬
‫واملختبرات واملرافـق البيطريـة (عبدالوهـاب‪2010 ،‬م‪ ،‬ص‪ .)283‬وقـد‬
‫دعـت منظمـة الصحـة العامليـة إىل التعامـل مـع النفايـات الطبيـة بشـكل‬
‫خـاص حفا ًظـا على البيئـة (‪.)Rushbrook, et. al, 2000‬‬
‫ـ نفايات الرصف الصحي ‪Waste Sewage‬‬
‫بحسـب تعريـف وزارة البلديـة والشـؤون القرويـة السـعودية‪،‬‬

‫‪275‬‬
‫‪1427‬هــ‪ ،‬ص‪ ،)23‬فهـي نفايات نامجة عن معاجلة ميـاه الرصف الصحي؛‬
‫حيـث تتشـكل احلمـأة باعتبارهـا نفايـات صلبة أو شـبه صلبة أو سـائلة أو‬
‫مرتسـبة يف قـاع اخلزانـات واحلاويـات‪.‬‬
‫‪ 3 . 2‬تصنيف النفايات حسب احلالة الفيزيائية‬
‫تصنَّـف النفايـات حسـب احلالـة الفيزيائيـة (وزارة الشـؤون البلديـة‬
‫والقرويـة‪1427 ،‬هــ‪ ،‬ص‪22‬ـ ‪ )24‬بأهنـا «املـواد الصلبـة أو شـبه الصلبـة‬
‫التـي خت َّلـف عن األنشـطة البلدية أو الصناعيـة أو الزراعية أو املستشـفيات أو‬
‫خملفـات اهلـدم والبناء‪ ،‬ويتـم التخلص منها عنـد مصدرهـا باعتبارها خملفات‬
‫ليسـت ذات قيمـة‪ ،‬وإن كان مـن املمكـن أن تكـون هلـا قيمـة يف موقـع آخـر‬
‫أو ظـروف أخـرى بما يوفـر األوضـاع املواتيـة لعمليـات إعـادة االسـتخدام‬
‫أو التدويـر»‪ ،‬ومنهـا‪ :‬نفايـات الطمـي واحلمأة‪ ،‬وهـي «نفايات صلبة أو شـبه‬
‫صلبـة أو سـائلة أو مرتسـبة يف قـاع اخلزانـات أو احلاويـات‪ ،‬أو كالتـي تنتـج‬
‫عـن عمليات معاجلـة مياه الرصف الصحـي املنزيل أو التجـاري أو الصناعي‪،‬‬
‫أو ميـاه الشرب‪ ،‬أو مـن أجهـزة التحكـم يف تلوث اهلـواء»‪ ،‬وهنـاك النفايات‬
‫السـائلة وهـي «املواد ذات الطبيعة السـائلة وشـبه السـائلة الناجتة عن أنشـطة‬
‫املسـاكن أو املجمعـات السـكنية أو املحلات التجاريـة أو املؤسسـات العامة‬
‫واخلاصـة أو املطاعـم أو املصانـع والورش واملعامل‪ ،‬بام فيهـا خملفات الرصف‬
‫الزراعـي والصناعـي»‪ ،‬ومنهـا ً‬
‫مثلا‪ :‬القطـران والزيـوت املسـتعملة‪ ،‬وهناك‬
‫النفايـات الغازيـة أو االنبعـاث الغـازي‪ ،‬وهـي «مـواد قـد توجد عىل شـكل‬
‫أبخـرة أو غـازات أو أتربـة أو تكـون متطايـرة»‪ ،‬وتنتـج من اآليت‪:‬‬
‫أ ـ مصـادر ثابتـة‪ ،‬كاملصانـع والكسـارات واملحاجـر وأعامل اهلـدم والبناء‬
‫وحمـارق ومـرادم النفايات‪.‬‬

‫‪276‬‬
‫ب ـ مصادر عوادم وسائل النقل املختلفة‪.‬‬
‫ج ـ مصـادر طبيعيـة‪ ،‬كالغبـار والشـوائب الدقيقـة النامجـة عـن الريـاح‬
‫والعواصـفأواالنبعاثـاتالنامجـةعـنترسبالغـازالطبيعـيأوالرباكني‪.‬‬
‫د ـ مصـادر أخرى‪ ،‬كالغازات الصادرة عـن األجهزة واملعدات الكهربائية‪،‬‬
‫املبيـدات‪ ،‬األسـمدة العضويـة والكيميائيـة‪ ،‬التدخين‪ ،‬أجهـزة التربيد‬
‫وتكييف اهلـواء ومرذات األيروسـوالت وغريها‪.‬‬

‫‪ . 3‬أسـباب انتشـار النفايات وآثارها السلبية واإلجيابية‬


‫عىل البيئـة واملجتمع واالقتصاد‬
‫من األسباب التي تؤدي إىل انتشار النفايات (‪:)mourahaka.blogspot.com‬‬
‫ـ رسعـة التقـدم الصناعـي والزراعـي وارتفـاع كميـة املخلفـات الناجتـة‬
‫عنهما‪ ،‬وعـدم التمكـن مـن التخلـص منهـا بالرسعـة نفسـها‪.‬‬
‫ـ اعتماد طـرق غير سـليمة يف التخلص مـن النفايـات مثل‪ :‬احلـرق‪ ،‬رمي‬
‫النفايـات يف البحـار واألهنار‪ ،‬رمـي النفايـات يف املكبات‪.‬‬
‫ـ انعــدام حتــرك ف َّعال للحــدّ من هــذه املشكلة؛ فالتحركــات قائمة عىل‬
‫نشاطــات واجتهــادات فرديــة عىل مسـتويات ضئيلة ومناطق حمددة‪.‬‬
‫ـ غيـاب القوانين الصارمـة التـي متنـع رمـي النفايـات وتعاقـب املخالفني‬
‫بدفـع الغرامـات أو احلبس‪.‬‬
‫ـ عـدم إمكانية اسـتيعاب الكـم اهلائل مـن النفايات يف مكـب واحد نتيجة‬
‫ازدياد عدد السـكان‪.‬‬
‫وحتـى تتـم معرفـة أثـر النفايات‪ ،‬سـواء احلميـدة أو اخلطـرة‪ ،‬البد أن‬

‫‪277‬‬
‫نفهـم عالقـة النفايات بـكل من املجتمـع واالقتصـاد والبيئـة‪ ،‬وذلك حتى‬
‫يتسـنى تفعيـل دور النفايـات لدعـم التنمية بدالً مـن أن تكون عب ًئـا وعائ ًقا‬
‫هلـا؛ لذا سـنتناول العالقـات كالتايل‪:‬‬
‫أ ـ أثر النفايات عىل املجتمع‬
‫يسـتمد املجتمـع احتياجاتـه مـن املـواد الطبيعيـة واملـوارد األوليـة‪،‬‬
‫فتنتـج عنهـا خمرجـات قـد تعـود مدخلات مـن جديـد ليوظفهـا املجتمـع‬
‫لتحقيـق رغباتـه وتلبيـة احتياجاتـه‪ ،‬أمـا إذا كانـت تلـك املخرجـات عبارة‬
‫عـن نفايـات سـامة وضـارة فإهنـا تنعكـس سـل ًبا على املجتمـع مـن خالل‬
‫انتشـار األمـراض واألوبئة‪ ،‬أي أن نفايـات املجتمع هي خمرجاتـه التي تعود‬
‫باعتبارهـا مدخلات له‪.‬‬
‫ب ـ أثر النفايات عىل البيئة‬
‫كما هـو معـروف فـإن البيئـة متـد املجتمـع بمدخالتـه مـن املـوارد‬
‫الطبيعيـة واملـواد األوليـة التـي توفرها له‪ ،‬بحيـث يتم توظيفهـا وتنتج عنها‬
‫خمرجـات تعـد مدخلات للبيئـة‪ ،‬فـإن كانـت املخرجـات نفايـات سـامة؛‬
‫فإهنـا تـؤدي إىل تلـوث البيئـة؛ حيـث تسـتمد منهـا مدخلات ملوثـة تؤثر‬
‫سـل ًبا على التـوازن البيئي‪.‬‬
‫ج ـ أثر النفايات عىل االقتصاد‬
‫يتكـون االقتصاد من كثير من املجاالت التـي تؤثر وتتأثـر بالنفايات‪،‬‬
‫وفيما يلي يمكـن اسـتعراض ُبعـدَ ي النفايـات‪ :‬البعـد السـلبي والبعـد‬
‫اإلجيـايب‪ ،‬وهـو التحـول نحـو االقتصـاد األخرض‪:‬‬

‫‪278‬‬
‫‪ 1 .3‬أثر النفايات عىل الزراعة‬
‫تؤثر النفايات عىل الزراعة بشـكل سـلبي أو إجيايب من خالل انعكاسـها‬
‫على الرتبة واملياه‪ ،‬وفيام ييل توضيح ذلـك (‪:)www.vercon.sci.eg‬‬
‫مصدرا‬
‫ً‬ ‫ـ اسـتخراج املعـادن من املناجم ومـا ينتج عنها من خملفـات تصبح‬
‫للتلوث يف األرايض املحيطة‪.‬‬
‫ـ خملفـات الصرف الصحـي والصناعـي؛ حيـث إن مجيـع أنـواع احلمـأة‬
‫حتتـوي على تركيـزات عالية مـن العنـارص السـامة‪ ،‬إال أن احلمـأة الناجتة‬
‫عـن الرصف الصناعـي حتتوي عىل ملوثـات غري عضويـة برتكيزات أعىل‬
‫بكثير من احلمـأة الناجتة عـن الرصف الصحـي‪ ،‬ومن أهم العنـارص التي‬
‫تسـبب مشـكالت يف اإلنتـاج الزراعـي‪ :‬إضافة احلمـأة إىل الرتبة‪.‬‬
‫ـ التخلـص من املخلفات السـامة وخملفات املنازل واملصانع واملستشـفيات‬
‫يمكـن أن يؤدي إىل تلـوث الرتبة بالعنارص الصغـرى والثقيلة؛ فالتخلص‬
‫منهـا ـ سـواء بإلقائهـا أو دفنها يف الرتبـة ـ يؤدي إىل تلوث الرتبـة وانتقاهلا‬
‫إىل املياه اجلوفية‪.‬‬
‫ـ ينتـج عـن احرتاق الوقود (فحـم ‪ -‬برتول) عدد كبري مـن العنارص الثقيلة‬
‫والصغـرى التي ترتسـب على األرايض املحيطـة‪ ،‬كام أن احتراق البرتول‬
‫الـذي حيتـوي على إضافات مـن الرصاص يعتبر من أهم مصـادر تلوث‬
‫الرتبة‪.‬‬
‫ـ تعـد انبعاثـات حمطـات القـوى الكهربائيـة واملراكـز الصناعيـة الضخمة‬
‫التـي تنتشر يف كثري مـن الدول والتـي حترق كميـات ضخمة مـن الوقود‬
‫وتدفـع إىل اهلـواء يوم ًّيا بكميات هائلة من ثاين أكسـيد الكربون وأكاسـيد‬
‫النيرتوجين السـبب الرئيـس يف تكـون األمطـار احلمضية التـي تؤدي إىل‬
‫تلف الكائنـات احلية‪.‬‬

‫‪279‬‬
‫وممـا سـبق‪ ،‬نجـد أن النفايـات الضـارة والسـامة التـي ختتلـط بالرتبة‬
‫الزراعيـة تـؤدي إىل تلـوث امليـاه والرتبـة؛ حيـث تُفقدها خصوبتهـا عندما‬
‫تتسـبب قتـل البكترييـا املسـؤولة عـن حتليـل املـواد العضوية املوجـودة هبا‬
‫وتثبيـت عنصر النيرتوجين هبـا‪ ،‬ممـا يقضي على مصـادر الغـذاء وخيـل‬
‫بالتـوازن الغذائي‪.‬‬
‫وعنـد التحـول نحـو االقتصـاد األخضر‪ ،‬تصبـح النفايـات اخلرضاء‬
‫بديلا يمكـن حتويله إىل كومبوسـت (سماد عضـوي)‪ ،‬وهي عندمـا ختتلط‬ ‫ً‬
‫بالرتبـة الزراعية تـؤدي تزيـد خصوبتها ويقل اسـتخدام السماد الصناعي‪،‬‬
‫وفيما ييل اسـتعراض ألنـواع السماد العضـوي (‪:)www.istac.com.tr‬‬
‫ـ كومبوسـت الدواجن النافقة ‪ :Dead poultry Compost‬يمكن استخدام‬
‫الدواجـن النافقـة وحتويلها إىل أسـمدة عضوية ذات قيمـة اقتصادية باتباع‬
‫نظـم التخمير اهلوائي للدواجـن النافقـة املخلوطـة باملخلفـات النباتية أو‬
‫األسـمدة العضوية‪ ،‬مع إضافة بعض األسـمدة املعدنية كمنشـطات لعملية‬
‫التخمير‪ ،‬التـي تتـم حتت ظـروف بيئية حمكمة إلنتاج سماد عضـوي ٍ‬
‫خال‬
‫مـن امليكروبات املرضيـة والطفيليات‪.‬‬
‫ـ تكنولوجيـا البيوجـاز ‪ :Biogas Technology‬التخمر الالهوائى لروث‬
‫ٍ‬
‫خـال من‬ ‫املاشـية إلنتـاج مصـدر نظيف ومتجـدد للطاقة وسماد عضوي‬
‫ناقلات األمراض وبذور احلشـائش وحتقيـق بيئة نظيفة صحيـة للحيوان‬
‫وتأمين التـداول الصحـي للمخلفـات احليوانيـة‪ ،‬وإنقـاذ البيومـاس من‬
‫احلرق املبـارش وزيادة مدخلات إنتاج الكومبوسـت‪.‬‬
‫ـ األعلاف غري التقليديـة ‪ :Non Traditional Food‬التحويل البيولوجي‬
‫للمركبـات السـيليلوزية بتنميـة بعض الفطريـات عىل املخلفـات الزراعية‬
‫مثـل قـش األرز واألحطـاب لتحسين قيمتهـا الغذائيـة ورفـع معامـل‬

‫‪280‬‬
‫هضمهـا وزيـادة حمتواهـا الربوتيني‪ ،‬وبالتايل سـد جزء كبري مـن النقص يف‬
‫املـوارد العلفيـة اخلشـنة التـي تدخـل يف صناعـة األعالف بنسـب ترتاوح‬
‫بين ‪ 30‬و‪ %50‬يف األعلاف املتكاملـة للحيوانات‪.‬‬
‫ـ السـيالج ‪ :Silage‬التحويـل البيولوجي لبعض املخلفـات النباتية اخلرضاء‬
‫(عيـدان الـذرة الشـامية‪ ،‬عـروش الفـول األخضر‪ ،‬جريد النخـل) إلنتاج‬
‫السـيالج باعتبـاره عل ًفـا أخضر يف مواسـم اجلفـاف باسـتخدام التخمـر‬
‫حتـت الظـروف غير اهلوائيـة يف وجـود رطوبة مناسـبة ومحوضـة مالئمة‪.‬‬
‫‪ 2 . 3‬أثر النفايات عىل الطاقة‬
‫تسـتهلك النفايـات بمختلـف أنواعهـا طاقـة لتجميعهـا ونقلهـا‬
‫وتفكيكهـا والتخلـص منهـا‪ ،‬ممـا يعنـي اسـتنزاف املـوارد الطبيعيـة وهـدر‬
‫الطاقـة‪ ،‬التـي تعتمـد عىل الوقـود األحفـوري الناضـب‪ ،‬إضافـة إىل تلوث‬
‫البيئـة باالنبعاثـات الغازيـة أو ترسـب مـواد النفايـات السـامة والضـارة‪.‬‬
‫ ويمكـن توليـد الطاقـة احليويـة (املتجـددة) مـن خلال كثير مـن‬
‫املنتجـات الثانويـة الناجتـة عـن عمليـات زراعيـة متنوعـة‪ ،‬مثـل‪ :‬نفايـات‬
‫اخلشـب والقـش والسماد وقصـب السـكر؛ حيـث تـم اسـتخدام الـذرة‬
‫وفـول الصويـا يف الواليـات املتحـدة‪ ،‬واللفـت يف أوربـا‪ ،‬وقصب السـكر‬
‫يف الربازيـل‪ ،‬وزيـت النخيـل يف جنـوب رشق آسـيا‪ ،‬كام أن إحـدى مميزات‬
‫منتجا مـن نفايات عمليات‬‫وقـود الكتلـة احليوية أنه غال ًبا ما يكـون بقايا أو ً‬
‫أخـرى‪ ،‬وذلـك يعنـي نظر ًّيا أنـه ال يوجـد تنافس بني إنتـاج الغـذاء وإنتاج‬
‫الوقـود‪ ،‬وقـد ينبعـث مـن النفايات كثير من الغـازات‪ ،‬ومن ضمنهـا‪ :‬غاز‬
‫منتظما واالسـتفادة منـه يف تدويـر الطاقـة‬
‫ً‬ ‫«‪ ،»LFG‬الـذي يمكـن ختزينـه‬
‫واحلصـول على الغـاز الطبيعـي بعـد املعاجلـة‪ ،‬ويـؤدي ذلـك إىل ختفيـض‬
‫غـازات االنحباس احلـراري‪.‬‬

‫‪281‬‬
‫‪ 3 . 3‬أثر النفايات عىل التكنولوجيا‬
‫إن تزايـد االسـتهالك وإنتاج النفايـات بمختلف أنواعهـا حيتاجان إىل‬
‫آليـة تدخـل ملعاجلتهـا‪ ،‬وذلك خيضـع إىل دراسـات وأبحاث علميـة وإدارة‬
‫تطويـر‪ ،‬إال أن ذلـك يتطلـب تكاليف باهظـة‪ ،‬مما يؤدي إىل حتمـل ميزانيات‬
‫الـدول تكاليـف اقتصاديـة إضافيـة؛ حيـث إنـه مـن املفترض أن ختصص‬
‫الـدول تلـك املوارد لدعـم أهداف أخرى‪ ،‬مثـل القضاء على الفقر واجلهل‬
‫واألمراض‪.‬‬
‫وسيسـاعد التحـول نحو االقتصـاد األخرض‪ ،‬عـن طريـق التكنولوجيا‬
‫املتقدمـة‪ ،‬يف تبنـي آليـات وتطبيقـات التنميـة املسـتدامة مثل أجهـزة معاجلة‬
‫النفايـات‪ ،‬ويسـاعد السـعي إىل التطـور واالبتـكار يف جمـال التكنولوجيـا يف‬
‫تقليـص مشـكالت النفايات واسـتحداث صناعات وآليـات تصنيع صديقة‬
‫للبيئة ‪.‬‬
‫‪ 4 .3‬أثر النفايات عىل الصناعة‬
‫إن نضـوب املـوارد الطبيعيـة واملواد األوليـة نتيجة اسـتهالكها املتزايد‬
‫يف الصناعـات املختلفـة وصناعـة الكامليـات على وجـه اخلصـوص‪ ،‬التـي‬
‫يمكـن االسـتغناء عنهـا‪ ،‬يـؤدي إىل تراكـم النفايـات نتيجـة السـباق على‬
‫الصناعـات والتخلص العشـوائي منها وعـدم االهتامم بتبني طـرق املعاجلة‬
‫املسـتدامة كالتدويـر إلعـادة االسـتفادة منها‪.‬‬
‫ويمكـن إعـادة تدويـر النفايـات الصناعيـة واسـتخدامها مـن جديـد‬
‫باعتبارهـا مواد أوليـة تدخل يف التصنيع‪ ،‬وبذلك يمكن احلد من اسـتنزاف‬
‫املـوارد الطبيعيـة واملـواد األوليـة واملحافظة على البيئة مـن التلوث‪.‬‬

‫‪282‬‬
‫‪ . 4‬إدارة النفايات‪ ..‬العمليات واملؤسسات واإلجراءات‬

‫حدثـت تطـورات اقتصاديـة واجتامعيـة خلال السـنوات املاضيـة‪،‬‬


‫وتسـببت يف ظهـور أنامط معيشـية جديدة أسـهمت بشـكل مبـارش يف زيادة‬
‫متطلبـات اإلنسـان وتنويعهـا‪ ،‬هـذا األمـر أدى إىل زيـادة كميـة النفايـات‬
‫املتولـدة يوم ًّيـا وتنوعهـا‪ ،‬وأصبحـت احلاجـة ملحـة إىل رضورة اتبـاع‬
‫األسـاليب العلميـة يف إدارة هـذه النفايات‪ ،‬سـواء أكان يف طريقـة مجعها أم‬
‫حفظهـا أم يف النقـل والتخلـص منهـا بطـرق سـليمة (الرشبينـي وآخرون‪،‬‬
‫‪2012‬م‪ ،‬ص‪.)20‬‬
‫‪ 1. 4‬عمليات إدارة النفايات التقليدية واحلديثة‬
‫عرفـت اململكـة املتحـدة عمليـات إدارة النفايـات بأهنـا «املنتجـات‬ ‫َّ‬
‫واألنظمـة واخلدمـات اهلادفـة إىل تقليـل النفايـات إىل احلد األدنـى ومجعها‬
‫ومعاجلتهـا وفصلهـا واسـتخالص موادهـا وتدويرهـا والتخلـص منهـا»‪.‬‬
‫وعـرف جملس التعاون لـدول اخلليج العربيـة إدارة النفايـات بأهنا‪« :‬عملية‬ ‫َّ‬
‫متكاملـة للتعامـل مـع النفايـات مـن مجـع ونقـل وختلـص‪ ،‬هتدف بشـكل‬
‫عـام إىل االقتراب من احلالـة املثالية التي حتقـق محاية الصحـة العامة‪ ،‬ودرء‬
‫تلـوث البيئـة املحيطـة بعنارصهـا كافـة‪ ،‬واملحافظة على املـوارد الطبيعية»‪.‬‬
‫وأمـام هـذه األنـواع الكثيرة مـن النفايـات بـدأ التفكير مل ًّيـا ومنـذ عقود‬
‫يف كيفيـة إدارة النفايـات‪ ،‬فلجـأت الـدول إىل أسـاليب شـتى‪ ،‬منهـا التـي‬
‫ِ‬
‫تعـط نتائج إجيابيـة‪ .‬وفيام يلي أهم هذه األسـاليب‪:‬‬ ‫نجحـت ومنهـا التـي مل‬
‫الوقاية من إنتاج النفايات‬
‫تبـدأ اإلدارة اجليـدة للنفايـات بالوقايـة مـن توليدهـا منـذ املراحـل‬

‫‪283‬‬
‫حتتـل األولوية يف أي خطـة إلدارة النفايات‪ ،‬كما تعترب الوقاية‬ ‫األوىل؛ فهـي ّ‬
‫عامل أساسـ ًّيا لنجاح أي إستراتيجية حكومية بشـأهنا‪.‬‬ ‫من إنتاج النفايات ً‬
‫وإذا نجحنـا يف تقليـل كميـة النفايات املو ّلـدة منذ البدايـة ويف ختفيض مدى‬
‫خطورهتـا عبر تقليص كميـة املواد اخلطـرة املوجـودة يف املنتجـات‪ ،‬عندئذ‬
‫ً‬
‫اتصـال وثي ًقا‬ ‫يكـون التخ ّلـص منها أبسـط‪ .‬والوقاية مـن النفايـات متّصلة‬
‫بأسـاليب حتسين التصنيع والتأثري عىل املسـتهلكني لكي يطالبـوا بمنتجات‬
‫خضراء غري مؤذيـة للبيئـة وال حتمل تغلي ًفـا كثي ًفا‪.‬‬
‫إعادة تدوير النفايات‬
‫أدت التطـورات الصناعيـة والتقـدم احلضـاري إىل زيـادة وتراكـم‬
‫النفايـات املتولـدة يوم ًيـا وتنوعهـا وأصبحـت احلاجـة ملحـة إىل رضورة‬
‫اتبـاع األسـاليب العلميـة يف إدارة هـذه النفايـات‪ ،‬سـواء يف طريقـة مجعهـا‬
‫أو حفظهـا أو يف النقـل والتخلـص منهـا بطرق سـليمة‪ ،‬وأمام هـذا الرتاكم‬
‫اهلائـل مـن الفضلات بـدأ التفكير مل ًّيـا يف كيفيـة التخلـص منهـا بطـرق‬
‫علميـة وهنائيـة مـن دون املسـاس باملـوارد الطبيعيـة‪ ،‬فلجـأت الـدول إىل‬
‫تطويـر طـرق التعامـل معها‪ ،‬وقد تـم اسـتعراضها بالشرح والتفصيل‪ ،‬كام‬
‫هـو موضـح يف اجلـدول التايل‪:‬‬

‫‪284‬‬
‫اجلدول رقم (‪ )10‬تطور طرق التعامل مع النفايات‬

‫مراحل التعامل‬
‫الطريقة املستدامة‬ ‫الطريقة احلديثة‬ ‫الطريقة التقليدية‬
‫مع النفايات‬

‫ظهرت نتيجة إمهال البيئة‬ ‫ظهرت نتيجة التزايد ظهرت نتيجة‬


‫لتطور العلوم وسوء استخدام واستغالل‬ ‫يف االستهالك‬
‫وتصنيع املنتجات‪ ،‬وتقدم التكنولوجيا مواردها فانطلقت آلية‬
‫وهي تعترب طريقة فأصبحت معاجلة تدوير النفايات من الفكر‬
‫أسباب‬
‫سهلة وبسيطة وممكنة النفايات تنطلق من املستدام حتى تصبح النفايات‬
‫ظهورها‬
‫ولكن آثارها سلبية الفكر االقتصادي‪ .‬آمنه عىل البيئة واالقتصاد‬
‫واملجتمع وهي تعترب طريقة‬ ‫جدًّ ا‪.‬‬
‫صعبة ومعقدة ومكلفة‪.‬‬
‫رعاية القضايا‬
‫رعاية القضايا البيئية‪.‬‬ ‫رعاية املجتمع‬ ‫تركز عىل‬
‫االقتصادية‪.‬‬
‫املصدر‪ :‬إعداد الباحثة‪.‬‬

‫ومـن الطـرق التقليديـة التـي مـا زالـت تُسـتخدم يف كثير مـن الدول‬
‫للتخلـص مـن النفايـات نذكـر اآليت‪:‬‬
‫حرق النفايات (الرتميد)‬
‫انتشـارا عىل مسـتوى العـامل‪ ،‬وتتم‬
‫ً‬ ‫تعـد هـذه الطريقة مـن أكثر الطرق‬
‫بواسـطة حمـارق ذات تقنيـة عاليـة أو بمجرد احلـرق املفتوح يف السـاحات‪،‬‬
‫و ُيقصـد بالرتميـد‪ :‬عمليـة إحراق ُتـرى للتخلص من املواد غير املرغوب‬
‫فيهـا‪ .‬والرتميـد واإلحـراق‪ ،‬مها عمليتـان كيميائيتـان متبادلتـان؛ حيث يتم‬
‫اسـتخدام كال املصطلحني لإلشـارة إىل عملية األكسـدة احلرارية (طاحون‪،‬‬
‫‪2007‬م‪ ،‬ص‪.)242‬‬

‫‪285‬‬
‫ـ إلقاء املخلفات يف البحار‬
‫ختلصا حقيق ًّيـا منها؛‬
‫ال ُيعـد إلقـاء املخلفـات يف البحـار أو املحيطـات ً‬
‫فبعـض هـذه املخلفـات قـد يطفـو فـوق سـطح املـاء‪ ،‬وقـد تدفعـه الرياح‬
‫واألمـواج ليصـل إىل السـواحل فتتلـوث شـواطئها وقاعهـا ممـا يزيـد مـن‬
‫درجـة التلـوث‪ .‬وقد يـؤدي كل ذلـك إىل اإلخلال بالنظام البيئـي املتوازن‬
‫كثيرا مـن األرضار للكائنـات احليـة التـي تعيـش يف هـذه املياه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ويسـبب‬
‫ـ املقالب العمومية‬
‫فتلـوث املياه‬
‫يتـم إلقـاء املخلفـات يف املقالـب العموميـة دون إحكام‪ِّ ،‬‬
‫اجلوفيـة والرتبـة‪ ،‬وكذلـك اهلـواء املحيـط باملنطقـة‪ ،‬علاوة على تكاثـر‬
‫احلشرات والقـوارض (علي‪2009 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)15‬‬
‫وقـد ظهـر كثري من الطـرق احلديثـة التي تسـاعد عىل التخلـص اآلمن‬
‫مـن النفايـات‪ ،‬وحتقق الفائـدة للبيئة واملجتمـع‪ ،‬أمهها‪:‬‬
‫ـ الدفن الصحي اآلمن للنفايات‬
‫ُيعـد الـردم من أشـهر الطـرق املتَّبعـة للتخلص مـن النفايـات‪ ،‬حني‬
‫تتميـز مواقـع الـردم الصحـي بمواصفات هندسـية خاصة؛ حيـث تعتمد‬
‫على رص النفايـات السـتيعاب أكبر كميـة ولتقليـل النفاذيـة وتغطيـة‬
‫النفايـات بطبقـة طينيـة عازلة وغير نافـذة؛ بحيث تضمن عـدم اإلرضار‬
‫بالبيئـة عـن طريـق تسرب السـوائل الناجتـة مـن حتلـل النفايـات للميـاه‬
‫اجلوفيـة (الدغيري‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)7‬‬
‫ـ التحليل احلراري‬
‫هـو تفاعـل أكسـدة مـواد عضويـة يف احلـرارة العاليـة؛ فالتحليـل‬

‫‪286‬‬
‫احلـراري هـو «عمليـة تفاعـل املـواد املحتوية عىل نسـبة عالية مـن الفحم»‪،‬‬
‫ويمكـن أن نسـميها عمليـة حتويـل النفايـات إىل غـاز‪.‬‬
‫ـ التحلل العضوي (عملية الكمر)‬
‫وهـو حتويـل النفايـات العضويـة إىل أسـمدة عضويـة متثـل مادة حمسـنة‬
‫خلـواص الرتبـة الزراعيـة عـن طريـق التخمـر العضـوي أو التحلـل احليوي‬
‫وإعـادة املـواد إىل أدوارهـا الطبيعيـة؛ حيـث حتـول إىل حمطـات الكمـر‬
‫‪ ،Composting Plants‬فيتـم فيهـا مجـع هـذه النفايـات على شـكل أكـوام‬
‫جتـري ﻬﺗويتهـا لتفكيـك املـواد العضوية املشـكلة هلـذه النفايـات وحتويلها إىل‬
‫سماد عضـوي كمخصب للأرايض الزراعية (أصفـري‪2004 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)47‬‬
‫ـ اسرتجاع الطاقة‬
‫يتـم استرجاع الطاقـة املختزنة يف النفايـات العضوية‪ ،‬وذلك عىل شـكل‬
‫نظرا الحرتاقـه شـبه الكامل وعدم‬‫غـاز حيـوي‪ ،‬أو وقود سـائل نظيـف بيئ ًّيـا ً‬
‫إطالقـه غازات ضـارة بالبيئـة‪ ،‬مثل‪ :‬غـاز النيرتوجني وثاين أكسـيد الكربون‪،‬‬
‫كما هـو احلـال عنـد احتراق الوقـود األحفـوري الشـائع (النفـط والفحم)‪،‬‬
‫وقـد طـورت حدي ًثا طـرق إلنتـاج الطاقة تعتمـد عىل مبـدأ التغويـز بالبالزما‬
‫‪ ،Plasma Gasification‬يتـم فيهـا حتطيـم (تفكيـك) مكونـات النفايـات‬
‫ٍ‬
‫خـال عمل ًّيـا مـن األكسـجني‪ ،‬وحتت حـرارة عالية جـدًّ ا ال‬ ‫العضويـة يف جـو‬
‫تقـل عـن ‪ 40٠٠‬درجة مئوية‪ ،‬مـا يؤدي إىل إنتـاج غاز الوقود؛ حيث ُيسـتفاد‬
‫منـه يف إنتـاج الطاقـة الكهربائية النظيفـة (أصفـري‪2004 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)48‬‬
‫‪ 2 .4‬الطريقة املستدامة (إعادة تدوير النفايات)‬
‫بـدأت فكـرة إعـادة تدوير النفايـات يف أثنـاء احلربين العامليتني األوىل‬

‫‪287‬‬
‫والثانيـة؛ حيـث كانـت الـدول تعـاين النقـص الشـديد يف بعـض املـواد‬
‫األساسـية مثـل املطـاط‪ ،‬ممـا دفعهـا إىل جتميـع تلـك املـواد مـن املخلفـات‬
‫إلعـادة اسـتخدامها‪ .‬وبعـد سـنوات أصبحـت عمليـة إعـادة التدويـر من‬
‫أهـم األسـاليب املتبعـة يف إدارة النفايـات؛ وذلـك للفوائـد البيئيـة الكثرية‬
‫هلـذه الطريقة‪.‬‬
‫وظلـت إعـادة التدويـر املبارش لسـنوات كثيرة تتم عن طريـق منتجي‬
‫مـواد املخلفـات (اخلـردة)‪ ،‬وهو الشـكل األسـاس إلعادة التدويـر‪ ،‬ولكن‬
‫مـع بدايـة التسـعينيات بـدأ الرتكيـز عىل إعـادة التدويـر غري املبـارش‪ ،‬وهذا‬
‫يعنـي تصنيـع مـواد النفايـات؛ لتقديـم منتجـات أخـرى تعتمد على نفس‬
‫املـادة اخلام‪ ،‬مثـل‪ :‬إعـادة تدوير الـورق والكرتـون والبالسـتيك واملعدن‪،‬‬
‫وباألخـص األلومنيـوم وغيره مـن املـواد التـي تتـم إعـادة تدويرهـا‬
‫وتصنيعهـا‪ ،‬إال أن مـا ُيعـاب على تلك املنتجـات أهنا أقل جـودة من املنتج‬
‫األسـاس املسـتخدم ألول مـرة‪ ،‬كما أن تكلفـة إعـادة تصنيعهـا عاليـة‪ ،‬ممـا‬
‫إهـدارا للطاقـة‪ ،‬واجلدول‬
‫ً‬ ‫جيعلهـا عمليـة غير مربحـة اقتصاد ًّيـا بـل تعـد‬
‫التـايل يوضـح املقارنـة بين إدارة النفايـات التقليديـة واإلدارة املسـتدامة‬
‫للنفايات‪:‬‬

‫‪288‬‬
‫اجلدول رقم (‪ )11‬يوضح املقارنة بني إدارة النفايات التقليدية‬
‫واإلدارة املستدامة للنفايات‬
‫اإلدارة املستدامة للنفايات‬ ‫إدارة النفايات‬ ‫عنارص املقارنة‬
‫التقليدية‬
‫املجتمع واالقتصاد والبيئة‬ ‫املجتمع واالقتصاد‬ ‫الرتكيز‬
‫مدخالت لصناعات أخرى‬ ‫هدر خمرجات فقط‬ ‫املورد‬
‫طاقة متجددة‬ ‫الوقود األحفوري‬ ‫الطاقة‬
‫إعادة تدوير نموذج ‪VR,s‬‬ ‫التخلص أو احلرق‬ ‫الطريقة‬
‫أو الطمر‬
‫طريقة سهلة وبسيطة طريقة صعبة ومعقدة ومكلفة‪ ،‬ولكن آثارها‬ ‫الطبيعة‬
‫إجيابية جدًّ ا‬ ‫وممكنة‪ ،‬ولكن‬
‫آثارها سلبية جدًّ ا‬
‫فوضامية ‪Chaord‬‬ ‫بريوقراطية‬ ‫املؤسسات‬
‫تكنوقراط‬ ‫بريوقراط‬ ‫املوظفون‬
‫تطوير أحدث التكنولوجيا يف إدارة النفايات‬ ‫نقل املخلفات‬ ‫التكنولوجيا‬
‫إيرادات (رسوم عىل مجع ونقل النفايات)‬ ‫نفقات‬ ‫امليزانيات‬
‫رشاكة بني احلكومة والقطاع اخلاص‬ ‫احلكومة‬ ‫املسؤولية‬
‫واملجتمع املدين‬
‫املصدر‪ :‬من إعداد الباحثة‪.‬‬

‫وهنـاك كثري مـن املزايـا والفوائـد املتحققة من إعـادة تدويـر النفايات‬


‫الصلبـة‪ ،‬مـن أبرزها ما يلي (سـعيدي‪2011 ،‬م‪ ،‬ص ‪:)80‬‬
‫‪ 1‬ـ تقليـل اسـتهالك املـواد اخلـام يف تصنيـع املنتجـات واملحافظـة عليهـا‪،‬‬
‫وهـو مـن املبـادئ األساسـية التـي تقـوم عليهـا التنمية املسـتدامة‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫‪ 2‬ـ تقليـل كميـة النفايـات املطلـوب التخلص منها بشـكل هنائـي‪ ،‬مما يوفر‬
‫مسـاحات كبيرة من األرايض الالزمـة لدفن النفايـات وتقليل الضغط‬
‫عليها‪ ،‬مـع تقليل كميـة النفايات املنتَجة يف املسـتقبل‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ احلـث على تطبيـق فكرة فـرز النفايـات من املصـدر إلعـادة تدويرها‪،‬‬
‫ممـا يقلل مـن انبعاثـات الغازات مـن مكبـات النفايات‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ التوعيـة بـاإلدارة املتكاملـة للنفايـات‪ ،‬وحـث املجتمـع املـدين على‬
‫املشـاركة يف محايـة ونظافـة البيئـة‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ تغيير سـلوك املجتمـع املـدين االسـتهالكي من خلال تعميـم وتطبيق‬
‫فكـرة فـرز النفايـات وتقليلها مـن املصدر‪.‬‬
‫وإلمتـام عمليـة إعادة التدويـر‪ ،‬يلزم إنشـاء حمطة السترجاع النفايات‬
‫القابلـة للتدويـر‪ ،‬حيـث يتم فـرز وتصنيـف وتدوير تلـك النفايـات (ورق‬
‫وكرتـون‪ ،‬بالسـتيك‪ ،‬معادن‪ ،‬زجاج‪ ،‬خشـب) ليسـهل تسـويقها بعد ذلك‬
‫كمـواد جاهـزة إلعـادة التصنيـع أو جيـري مجـع هـذه النفايـات مفـروزة‬
‫بشـكل أويل عنـد مصادرهـا‪ ،‬متهيدً ا إلعـادة تدويرها وف ًقا ألنواعهـا التالية‪:‬‬
‫أ ـ إعادة تدوير النفايات (الورقية والبالستيكية والزجاجية واملعدنية‬
‫واإللكرتونية)‬
‫تتعـدد املكاسـب البيئيـة النامجـة عـن إعـادة تصنيـع الـورق املجمـع من‬
‫القاممـة‪ ،‬ومنهـا‪ :‬توفير الطاقـة الكهربائيـة الالزمـة للتصنيـع‪ ،‬والنقـص يف‬
‫اسـتهالك الغابات بنسـبة ‪ %25‬وما يسـتتبع ذلك من دور فعال هلذه األشـجار‬
‫يف امتصـاص ثـاين أكسـيد الكربـون مـن اجلـو‪ ،‬وبالتـايل خفض درجـة حرارة‬
‫الكـرة األرضيـة‪ ،‬كما يتـم جتميـع كل األنـواع وتشـكيلها بعـد ذلـك لصناعة‬

‫‪290‬‬
‫منتـج هنائـي ذي خـواص ميكانيكيـة وكيميائيـة تصلـح لالسـتخدامات‬
‫املختلفـة‪ ،‬مثـل‪ :‬إنتـاج األكـواب ومشـابك الغسـيل وأكيـاس القاممـة‪.‬‬
‫ويقصـد بالنفايـات اإللكرتونيـة كل املعدات اإللكرتونيـة والكهربائية‬
‫مثـل‪ :‬البطاريـات وأجهـزة التلفزيـون والراديـو واحلاسـب واألجهـزة‬
‫خطرا على البيئـة واإلنسـان إذا ترسبت؛‬
‫املنزليـة وغريهـا؛ حيـث إهنا تعـد ً‬
‫ألهنـا حتتـوي عىل أكثر مـن ألف نوع مـن العنـارص الكيميائية السـامة مثل‪:‬‬
‫الرصـاص‪ ،‬الزئبـق‪ ،‬الكاديـوم؛ حيـث يتـم تدويرهـا من خالل اسـتخراج‬
‫املـواد السـامة مـن تلـك األجهـزة وتفكيكهـا وتصنيفهـا ثـم تتـم إعـادة‬
‫اسـتخدامها كمـواد خـام مـرة أخـرى (شـقري‪2014 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)67‬‬
‫ب ـ إعادة تدوير النفايات العضوية‬
‫متثـل املخلفـات العضويـة املنزليـة (بقايـا الطعـام) حـوايل ‪ %50‬مـن‬
‫خملفـات القاممـة‪ ،‬وخيتلـف التعامـل مـع املخلفـات العضويـة يف املـدن عنه‬
‫كبريا من املـواد العضوية غـذا ًء للطيور‬
‫قـدرا ً‬
‫يف الريـف؛ فالريف يسـتخدم ً‬
‫واحليوانـات‪ ،‬وهـي أفضـل الطـرق السـتخدام املخلفـات العضويـة‪ ،‬لكن‬
‫املخلفـات املنزليـة باملدن متثل مشـكلة ذات أبعاد صحيـة واجتامعية؛ حيث‬
‫خمصبة للأرض‪ ،‬وهو مـا يطلق عليه‬ ‫يتـم جتميعهـا وتدويرهـا وإنتاج مـادة ِّ‬
‫السماد العضوي أو السماد الطبيعـي (األرنـاؤوط‪1993 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)346‬‬
‫ج ـ إعادة تدوير النفايات الطبية‬
‫هـي النفايـات التـي تنتـج عـن النشـاطات الطبيـة واألدويـة واملنتجات‬
‫الصيدالنيـة واإلبـر‪ ،‬نتيجـة ملـا حتتويـه مـن اجلراثيـم والفريوسـات املختلفـة‬
‫املسـببة لألمـراض املختلفـة‪ ،‬وهنـاك كثري مـن الطـرق ملعاجلتهـا أو التخلص‬
‫منهـا مثل حرق املكونـات القابلة للحـرق وحتويلها إىل رماد يسـهل التخلص‬

‫‪291‬‬
‫منـه أو اسـتخدام أنظمـة تعقيـم باملايكروويـف لتعقيـم األدوات واألجهـزة‬
‫الطبيـة أو املعاجلـة بتعقيـم املـواد الكيامويـة (اخلطيـب‪2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)6‬‬
‫‪ 3 .4‬معاجلة نفايات املواد النووية‬
‫تعـد الطاقـة النووية من املوارد التي تُسـتخدم إلنتـاج الطاقة املتجددة‪،‬‬
‫إال أن اإلشـكالية الكبرى تكمـن يف كيفيـة التخلص من املخلفـات النووية‬
‫الناجتـة عـن املفاعلات النوويـة‪ .‬وعـادة مـا توضـع مـادة اليورانيـوم‬
‫املسـتهلك يف أحـواض مائيـة كبيرة ملـدة عرشات السـنني لغـرض ختفيض‬
‫إشـعاعها النـووي أو جتهيزهـا وتغليفهـا اسـتعدا ًدا لدفنهـا يف الطبقـات‬
‫اجليولوجيـة العميقـة (عىل عمـق ‪ 800‬إىل ‪ 1000‬مرت) حتـت األرض بعيدً ا‬
‫عـن السـكان أو معاجلـة اليورانيـوم املسـتهلك كيميائ ًّيا لفصـل البلوتونيوم‬
‫‪ 239‬عـن النفايـات املشـعة‪ ،‬بعد ذلـك يمكـن اسـتغالل البلوتونيوم ‪239‬‬
‫يف إعـادة اسـتخدامه يف املفاعـل؛ لتوليد الطاقـة الكهربائية (اهليئـة االحتادية‬
‫للرقابـة النوويـة‪2010 ،‬م)‪.‬‬

‫‪ .5‬متطلبات إدارة النفايات‬


‫تقريرا سـنو ًّيا‬
‫ً‬ ‫يصـدر برنامج األمـم املتحدة للبيئـة (اليونيب ‪)UNEP‬‬
‫يتطـرق فيـه إىل معاجلـة قضايـا النفايـات على املسـتوى العاملـي واإلقليمي‬
‫والوطنـي واملحلي؛ بحيث يتـم قياس احتياجـات إدارة النفايـات ملرحلة ما‬
‫قبـل وبعد توليـد النفايات وف ًقـا للمسـتويات التالية (مرتفع جـدًّ ا‪ ،‬مرتفع‪،‬‬
‫متوسـط جـدًّ ا‪ ،‬متوسـط‪ ،‬منخفـض‪ ،‬منخفض جـدًّ ا)‪ ،‬كام يوضـح اجلدول‬
‫التايل‪:‬‬

‫‪292‬‬
‫اجلدول رقم (‪ )12‬يوضح متطلبات إدارة النفايات يف مرحلة ما قبل توليد‬
‫النفايات‬
‫التقييم‬ ‫التقييم الوطني‪/‬‬ ‫احتياجات إدارة‬
‫التقييم العاملي‬
‫املحيل‬ ‫اإلقليمي‬ ‫النفايات‬
‫املبادرات التي رصد اجلهود‬ ‫يتطرق للمبادرات‬ ‫األمور التي تتعلق‬
‫بالسياسات واللوائح العاملية التي ترعاها ترعاها األمم املتحدة املحلية‬
‫التنظيمية مثل‪ :‬منع منظمة اليونيب مثل‪ :‬من خالل منظامت‬
‫اليونيب واليونيد‬ ‫حكومة اليابان‬ ‫توليد النفايات‪ ،‬والتقليل‬
‫والتعاون والتنمية‬ ‫وإعادة االستخدام وإعادة‬
‫التدوير‪ ،‬واإلنتاج األنظف‬
‫املبادرات التي ترعاها رصد اجلهود‬ ‫رصد املبادرات‬ ‫األمور التي تتعلق‬
‫املحلية‬ ‫أمانة اتفاقية بازل‬ ‫واجلهود العاملية‬ ‫بالتقنية‬
‫واملراكز اإلقليمية‬ ‫مثل‪ :‬املهارات املتاحة‬
‫التفاقية بازل ومنظمة‬ ‫حمل ًّيا‪ ،‬واملوارد‪،‬‬
‫التعاون والتنمية واملعهد‬ ‫والظروف املناخية‪،‬‬
‫اآلسيوي للتكنولوجيا‬ ‫والثقافة‬
‫األمور املالية التي تتعلق رصد املبادرات املبادرات التي ترعاها رصد اجلهود‬
‫املحلية‬ ‫بجمع األموال الالزمة واجلهود العاملية‪ ،‬مثل مصارف التنمية‬
‫ملنع توليد النفايات مبادرة الرشاكة بشأن اإلقليمية ومرصف مثل‪ :‬اهلند‬
‫اهلواتف النقالة يف إطار التنمية اآلسيوي وبنغالديش‬
‫ومرشوعات قطرية والربازيل‬ ‫اتفاقية بازل‬
‫األمور االجتامعية التي رصد املبادرات التي رصد املبادرات التي رصد اجلهود‬
‫تتعلق بزيادة الوعي عىل ترعاها األمم املتحدة ترعاها األمم املتحدة املحلية‬
‫مجيع املستويات وبني مجيع من خالل منظمتي من خالل منظمتي‬
‫اليونيب واليونيد‬ ‫اجلهات التي تولد النفايات اليونيب واليونيد‬

‫‪293‬‬
‫األمور املؤسسية التي رصد املبادرات التي رصد املبادرات التي رصد اجلهود‬
‫تتعلق بتعزيز السياسات ترعاها األمم املتحدة ترعاها األمم املتحدة املحلية‬
‫واجلوانب التقنية واملالية من خالل البنك الدويل من خالل منظمتي‬
‫اليونيب واليونيد‬ ‫ومنظمتي اليونيب‬ ‫واالجتامعية‬
‫واليونيد‬
‫املصدر‪ :‬برنامج األمم املتحدة للبيئة‪2008 ،‬م‪ ،‬ص‪12‬ـ ‪ ،19‬بترصف الباحثة‪.‬‬

‫كما يوضـح اجلـدول رقـم ‪ 13‬متطلبـات إدارة النفايـات يف مرحلة ما‬


‫بعـد توليـد النفايات‪:‬‬

‫التقييم الوطني‪/‬‬
‫التقييم املحيل‬ ‫التقييم العاملي‬ ‫احتياجات إدارة النفايات‬
‫اإلقليمي‬

‫رصد املبادرات‬ ‫رصد املبادرات‬ ‫رصد املبادرات‬ ‫األمور التي تتعلق‬


‫واجلهود‬ ‫واجلهود العاملية واجلهود الوطنية‬ ‫بالسياسات واللوائح‬
‫املحلية مثل‪:‬‬ ‫التنظيمية‪ ،‬مثل‪ :‬منع توليد مثل‪ :‬عملية مراكش مثل‪ :‬مبادرة املدينة‬
‫حتويل النفايات‬ ‫النفايات‪ ،‬والتقليل وإعادة وحكومة اليابان اإليكولوجية يف‬
‫العضوية‬ ‫اليابان ومبادرات‬ ‫االستخدام وإعادة التدوير‪،‬‬
‫إىل سامد يف‬ ‫إعادة التدوير يف‬ ‫واإلنتاج األنظف‬
‫بنغالديش‬ ‫االحتاد األوريب‬
‫األمور التي تتعلق بالتقنية رصد املبادرات التي املبادرات التي املبادرات التي‬
‫مثل‪ :‬املهارات املتاحة ترعاها األمم املتحدة ترعاها األمم ترعاها األمم‬
‫حمل ًّيا‪ ،‬واملوارد‪ ،‬والظروف من خالل البنك املتحدة من خالل املتحدة من‬
‫البنك الدويل خالل الربنامج‬ ‫الدويل واليونيب‬ ‫املناخية‪ ،‬والثقافة‬
‫اإلنامئي‬ ‫ومصارف التنمية‬ ‫واليونيد‬
‫اإلقليمية ومنظمة واليونيب‬
‫التعاون والتنمية‬

‫‪294‬‬
‫رصد املبادرات رصد املبادرات‬ ‫األمور املالية التي تتعلق رصد املبادرات‬
‫واجلهود الوطنية واجلهود املحلية‬ ‫بجمع األموال الالزمة ملنع واجلهود العاملية مثل‪:‬‬
‫واإلقليمية مثل‪ :‬بنغالديش‬ ‫إنشاء البنك الدويل‬ ‫توليد النفايات‬
‫والربازيل‬ ‫خطوط ائتامن قطرية‬
‫واهلند وكينيا‬ ‫لتوفري املوارد املالية‬
‫األمور االجتامعية التي رصد املبادرات التي رصد املبادرات املبادرات التي‬
‫تتعلق بزيادة الوعي عىل ترعاها األمم املتحدة واجلهود الوطنية ترعاها األمم‬
‫املتحدة من‬ ‫واإلقليمية‬ ‫مجيع املستويات وبني مجيع من خالل أمانة‬
‫خالل منظمة‬ ‫اجلهات التي تولد النفايات اتفاقية بازل ومنظمة‬
‫اليونيب ومركز‬ ‫اليونيب‬
‫التنمية اإلقليمية‬
‫رصد املبادرات رصد املبادرات‬ ‫رصد املبادرات‬ ‫األمور املؤسسية التي‬
‫تتعلق بتعزيز السياسات واجلهود العاملية مثل‪ :‬واجلهود الوطنية واجلهود املحلية‬
‫واإلقليمية لبناء لتنمية املوارد‬ ‫البنك الدويل‬ ‫واجلوانب التقنية واملالية‬
‫البرشية‬ ‫وتنمية املوارد‬ ‫واالجتامعية‬
‫البرشية‬
‫املصدر‪ :‬برنامج األمم املتحدة للبيئة‪2008 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،19-12‬بترصف الباحثة‪.‬‬

‫‪ .6‬السياسات واإلجراءات املتبعة إلدارة النفايات‬


‫هنـاك كثري مـن السياسـات واإلجراءات التـي تتطلبهـا إدارة النفايات‬
‫(اجلمعيـة الربملانيـة لالحتاد مـن أجل املتوسـط‪2010،‬م‪ ،‬ص ‪:)6 ،5‬‬
‫‪ 1‬ـ تعزيـز وتوفري سياسـة األطر الترشيعية البيئية املالئمـة وتنفيذ االتفاقات‬
‫الدوليـة التي تنظمها‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تطويـر القـدرات املؤسسـاتية الوطنيـة وتطوير بنية حتتيـة لنظام متكامل‬
‫يف جمـال إدارة النفايات‪.‬‬

‫‪295‬‬
‫‪ 3‬ـ إنشـاء منظمـة خاصـة بنظم فـرز النفايات مـع معايري مرجعية مشتركة‬
‫إلعـادة التدوير والتحويل إىل سماد الكمبوسـت واسترداد الطاقة‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ تعزيـز االبتـكار التكنولوجـي خلفض االنبعاثات من مك ّبـات النفايات‬
‫ومياه الرصف‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ تشـجيع االسـتثامرات يف التكنولوجيـا والتطويـر وأنشـطة البحـوث‬
‫إلدارة النفايـات غير املؤذيـة للبيئـة‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ تكثيف تبادل املامرسات اجليدة يف املجتمع كأداة لتقوية املجتمع املدين‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ تعزيـز الوعـي بعـادات تع ّلـم االسـتهالك اجلديـدة ومحلات التواصل‬
‫بغيـةإرشاكالـرأيالعـامبشـكلأفضـلوتعبئتـهملصلحـةإدارةالنفايات‪.‬‬

‫‪ . 7‬املؤسسات الدولية التي تعنى بإدارة النفايات‬


‫هنـاك عـدد مـن اجلهـات املسـؤولة عـن إدارة النفايـات‪ ،‬سـواء أكان‬
‫ذلـك على الصعيد العاملـي أم اإلقليمـي أم الوطني أم املحلي‪ ،‬وهي كالتايل‬
‫(برنامـج األمـم املتحـدة للبيئـة‪2008 ،‬م‪ ،‬ص ‪:)10‬‬
‫‪ 1‬ـ منظمـة اليونيب‪ :‬وهي من اجلهات املختصة الرئيسـة يف اإلدارة الدولية‬
‫للنفايـات على مجيـع األصعـدة؛ حيـث إن هناك عـد ًدا مـن االتفاقات‬
‫التـي تديرهـا مثـل‪ :‬اتفاقية بـازل‪ ،‬واتفاقية اسـتوكهومل بشـأن امللوثات‬
‫العضويـة الثابتـة‪ ،‬واتفاقيـة فيينـا حلاميـة طبقـة األوزون‪ ،‬وبروتوكـول‬
‫مونرتيـال بشـأن املـواد املسـتنفدة لطبقـة األوزون‪ ،‬كما تـؤدي برامـج‬
‫مثـل‪ :‬برنامـج العمـل العاملي حلاميـة البيئـة البحرية من األنشـطة الربية‬
‫وبرنامـج البحـار اإلقليمية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ برنامـج األمـم املتحـدة اإلنامئـي‪ ،‬ومنظمـة الصحـة العامليـة‪ ،‬واملنظمة‬

‫‪296‬‬
‫البحريـة الدوليـة (اإليمـو)‪ ،‬ومنظمـة األمـم املتحـدة للمسـتوطنات‬
‫البرشيـة (املوئـل)‪ ،‬ومركـز األمـم املتحـدة للتنميـة اإلقليميـة (مركـز‬
‫التنميـة اإلقليميـة)‪ ،‬ومنظمـة األمـم املتحـدة للتنميـة الصناعيـة‬
‫(اليونيـد)‪ ،‬وإىل حـد أقـل فـإن اللجـان االقتصاديـة واالجتامعيـة يف‬
‫املناطـق املختلفـة ومنظمـة التعـاون والتنميـة هـي طرف فاعـل رئيس‬
‫مـن بين املنظمات الدوليـة األخـرى‪.‬‬

‫‪ . 8‬االتفاقات الدولية ذات العالقة بالنفايات‬


‫هنـاك كثير مـن االتفاقـات الدوليـة املتعلقـة بالنفايـات‪ ،‬وفيما يلي‬
‫اسـتعراضها‪:‬‬
‫ـ اتفاقية بازل ‪Basel Convention‬‬

‫اعتمـدت اتفاقيـة بـازل بشـأن التحكـم يف نقـل النفايـات اخلطـرة‬


‫والتخلـص منهـا وذلـك عبر احلـدود مـن جانـب ‪ 116‬حكومـة واجلامعة‬
‫األوربيـة يف عـام ‪1989‬م‪ ،‬يف أعقـاب حادثة عـام ‪1988‬م؛ حيث قامت ‪5‬‬
‫سـفن مـن إيطاليـا بإفـراغ ‪ 8000‬برميـل من النفايـات اخلطرة عىل شـاطئ‬
‫نيجرييـا‪ ،‬كما حـدث يف عـام ‪1989‬م إغـراق إحـدى السـفن األمريكيـة‬
‫محولتهـا مـن رمـاد حمرقـة على شـاطئ يف هايتـي‪ ،‬ومـن أبـرز أهدافهـا‪:‬‬
‫خفـض توليـد النفايات اخلطـرة إىل احلد األدنى وتشـديد الرقابـة عىل نقلها‬
‫والتخلـص مـن النفايـات اخلطـرة املسـموح بنقلهـا عبر احلدود‪.‬‬
‫ـ اتفاقية باماكو ‪Bamako Convention‬‬

‫نشـأت نتيجـة لفشـل اتفاقيـة بـازل حلظـر جتـارة النفايـات اخلطـرة إىل‬
‫كثيرا من الدول املتقدمة واملصـدرة للنفايات‬
‫نموا؛ حيث إن ً‬ ‫البلـدان األقـل ًّ‬

‫‪297‬‬
‫السـامة إىل أفريقيـا مل تلتـزم باالتفاقيـة‪ ،‬ممـا عزز نشـأة اتفاقية باماكـو يف عام‬
‫‪1998‬م للـدول األفريقيـة حلاميـة أراضيها مـن النفايات اخلطـرة؛ حيث تم‬
‫حظـر مجيع الـواردات من النفايـات اخلطـرة (‪.)www.un.org/or‬‬

‫‪ .9‬التحديات واملشكالت التي تواجه إدارة النفايات‬


‫تواجـه إدارة النفايـات عد ًدا من التحديـات التالية (اجلمعيـة الربملانية‬
‫لالحتـاد من أجـل املتوسـط‪2010،‬م‪ ،‬ص ‪ ،)5‬وهي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ نقـص يف املسـوحات واإلحصـاءات‪ ،‬وبالتايل يف البيانـات واملعلومات‬
‫عـن النفايات‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ نقص يف إنفاذ الترشيعات البيئية‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ عدم مالءمة البنية التحتية التقنية واخلطط واإلسرتاتيجيات‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ موارد مالية حمدودة‪.‬‬
‫ٍّ‬
‫متدن من الوعي‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ مستوى‬
‫‪ 6‬ـ نقص يف البنية املؤسساتية‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ مشاركة حمدودة للمنظامت غري احلكومية‪.‬‬

‫‪ .10‬أفضل املامرسات اخلرضاء إلدارة النفايات‬


‫نشـأت أفضـل املامرسـات اخلضراء يف الـدول الصناعيـة‪ ،‬ومـن هـذا‬
‫املنطلـق فلقـد اخرتنـا مدينتين إللقـاء الضـوء على أفضـل املامرسـات مـن‬
‫زوايـا كثيرة؛ حيث تـم اختيـار مدينـة فانكوفر يف كنـدا إلعطاء نمـوذج عن‬
‫أفضـل املامرسـات خلفـض النفايـات وإعـادة اسـتخدامها وتدويرهـا‪ .‬أمـا‬
‫مدينة اسـتوكهومل يف السـويد فقد اختيرت لنجاحها يف حتقيـق حتويل نفاياهتا‬

‫‪298‬‬
‫الصلبـة البلديـة كل ًّيـا‪ ،‬وقـد تبنـت هاتـان املدينتـان هذيـن التوجهين تب ًعـا‬
‫حلاجاهتما اخلاصـة وأهدافهما (الرشبينـي وآخـرون‪2012 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)211‬‬
‫أ ـ فانكوفر‪ ..‬مستقبل أخرض ‪2020‬م‬
‫أن اقتصـاد املسـتقبل منخفـض الكربـون فرصـة‬ ‫تعتبر فانكوفـر ّ‬
‫كبرى‪ ،‬وهـي خت ّطط لبنـاء وتعزيز السـوق املالئمـة للمنتجـات واخلدمات‬
‫والوظائـف اخلضراء؛ حيـث تنتـج فانكوفـر مـا يزيـد على ‪ 1.5‬طـن من‬
‫النفايـات لكل فرد سـنو ًّيا‪ %55 ،‬منهـا يتم تدويره أو حتويله إىل كومبوسـت‬
‫(‪ ،)Composting‬أي‪ :‬إىل سـباخ أو سماد بلـدى صناعـي‪.‬‬
‫للتحول إىل أكثـر مدينة‬
‫ّ‬ ‫أصـدرت فانكوفـر يف عـام ‪2009‬م خطة عمـل‬
‫خضراء يف العـامل بحلول عـام ‪2020‬م‪ .‬وتنـوي املدينة‪ ،‬ضمن خ ّطـة األحياء‬
‫ّ‬
‫األقـل‬ ‫األشـدّ خضرة‪ ،‬أن تتمكّـن‪ ،‬يف عـام ‪2015‬م‪ ،‬مـن حتويـل ‪ % 70‬على‬
‫مـن النفايـات الصلبـة عـن املطامـر‪ ،‬مـع هـدف أبعـد مـدى هـو التوصل إىل‬
‫إرسـال صفـر نفايـات (‪ )Wastes Zero‬إىل املطامـر‪ ،‬ولقـد قـررت مدينـة‬
‫فانكوفـر إعطـاء األولويـة األوىل لتخفيـض النفايـات عـن طريـق القوانين‬
‫املحليـة والتثقيف (بتغيير الذهنيات) وتوسـيع برامج مسـؤولية املنتج طويلة‬
‫األجـل‪ ،‬وكذلـك بفـرض رضيبة عىل األكيـاس البالسـتيكية وأوعيـة الطعام‬
‫أو األكـواب أو األواين املصنوعـة مـن رغوة البوليسترين‪.‬‬
‫أمـا األولويـة الثانيـة فكانـت تطبيـق برامـج ختمير (كومبوسـت) على‬
‫تضم السـكان كافة ومجيع الرشكات وسـائر املؤسسـات‬ ‫نطـاق املدينة بأكملها ّ‬
‫كاملـدارس واملستشـفيات‪ ،‬ويـأيت يف الدرجـة الثالثـة على سـ ّلم األولويـات‬
‫تعزيـز برنامـج التدويـر يف الشركات واملبـاين السـكنية متعـددة الشـقق‪ .‬من‬
‫خلال تبنّـي قانـون بلدي شـامل للتدويـر وصنـع الكومبوسـت يفرض عىل‬

‫‪299‬‬
‫مجيـع سـكان املنـازل املنفردة وسـكان املبـاين متعددة الشـقق والشركات فرز‬
‫نفاياهتـم يف أوعيـة خمصصـة للتدويـر وختمير الكومبوسـت والقاممة‪.‬‬
‫ب ـ استوكهومل‪ ..‬العاصمة األوربية اخلرضاء‬
‫ملدينـة اسـتوكهومل تاريـخ طويـل يفـوق مئـة سـنة مـن عـادات حـرق‬
‫النفايـات وخبرة إدارة حتويـل النفايـات إىل طاقـة‪ .‬يف عـام ‪2007‬م‪ ،‬بلـغ‬
‫جممـل إنتـاج النفايـات يف اسـتوكهومل ‪ 597‬كيلوجرا ًمـا للفـرد سـنو ًّيا‪ .‬ويف‬
‫املدينـة نظـام فريـد إلدارة النفايـات‪ ،‬وهـي تط ّبق أسـاليب مبتكـرة مثل نقل‬
‫النفايـات الصلبـة حتت األرض بالتحكّـم الفراغي؛ حيث يتـم حتويل نفاياهتا‬
‫بالكامـل‪ ،‬على النحـو التـايل (الرشبينـي‪ ،‬وآخـرون‪2012 ،‬م‪ ،‬ص ‪:)219‬‬
‫‪ 1‬ـ تدوير (‪)% 25‬‬
‫يتـم تدويـر ‪ % 25‬مـن النفايات التي خيلفها سـكان اسـتوكهومل؛ حيث‬
‫يقـوم املقاولـون بالتعـاون مـع املنتجني جلمـع النفايـات بعزل مـواد التعبئة‬
‫ويتـم جتميـع النفايات الضخمة مـن املنازل‬
‫ّ‬ ‫والتغليـف مـن أجـل تدويرها‪.‬‬
‫واملبـاين مبارشة أو تُسـ َّلم إىل مراكـز التدوير‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ اسرتداد (‪)% 73.5‬‬
‫تبلـغ نسـبة ما ُيستر ّد مـن النفايـات ‪% 73.5‬؛ وذلـك إلنتـاج التدفئة‬
‫املنطقيـة (اسـتعادة الطاقـة باحلَ ْـرق)‪ .‬وحيصـل أكثـر مـن ‪ % 70‬من سـكان‬
‫اسـتوكهومل اليـوم على التدفئـة املنطقيـة التـي ُينتـج جـزء منهـا مـن الطاقة‬
‫املسـتعا َدة مـن النفايـات املنزليـة‪ ،‬كام تُسـتخدم النفايـات املنزلية السـتعادة‬
‫الطاقـة يف معمـل هوغدالـن يف جنـوب اسـتوكهومل؛ حيـث تُنتِـج عمليـة‬
‫فتضـم اخل َبث‬
‫ّ‬ ‫االحتراق احلـرارة والكهربـاء م ًعـا‪ ،‬أمـا املنتجـات املتخ ّلفة‬
‫الـذي ُيعـاد تدويـره‪ ،‬والرمـاد الـذي ُيرمـى يف املطمر‪.‬‬

‫‪300‬‬
‫‪ 3‬ـ معاجلة بيولوجية (‪)% 1.5‬‬
‫جتـري معاجلـة ‪ % 1.5‬مـن النفايـات بيولوج ًّيـا‪ .‬وحتظـر القوانين‬
‫ويتـم يف اسـتوكهومل‬
‫ّ‬ ‫السـويدية إرسـال النفايـات العضويـة إىل املطامـر‪،‬‬
‫املجمعـة بشـكل منفصـل إلنتاج الغـاز احليوي‬‫ّ‬ ‫تدويـر كل نفايـات الطعـام‬
‫وتشـجع املدينـة فـرز النفايـات العضويـة مـن املصـدر‪ ،‬فتو ّفر‬
‫ّ‬ ‫واألسـمدة‪،‬‬
‫للمنـازل صناديـق خاصـة ملخ ّلفـات الطعام من أجـل املعاجلـة البيولوجية‪،‬‬
‫أكياسـا قابلـة للتح ّلـل مصنوعـة مـن دقيـق الذرة‪.‬‬
‫ً‬ ‫تـوزع‬
‫وكذلـك ّ‬

‫‪ .11‬اخلالصة‬
‫ركـز هـذا الفصل عىل اسـتعراض ماهيـة النفايـات وأنواعهـا وآثارها‬
‫اإلجيابيـة والسـلبية على املجتمـع واالقتصاد والبيئـة‪ ،‬ثم انتقـل إىل توضيح‬
‫ورشح العمليـات والسياسـات واإلجـراءات واملؤسسـات املسـتخدمة يف‬
‫إدارة النفايـات‪ ،‬كما تنـاول التحديـات واملشـكالت التـي تواجههـا‪ .‬ومن‬
‫جانـب آخـر‪ ،‬تم اسـتعراض أفضـل املامرسـات اخلضراء إلدارة النفايات‪،‬‬
‫وأهـم االتفاقـات الدوليـة ذات العالقـة بالتلـوث‪ .‬ومـن شـأن تنـاول هذا‬
‫املوضـوع أن يثـري املعرفـة املتاحـة حـول أسـاليب إدارة النفايـات احلديثة‬
‫ودعـوة املنظمات املعنية هبـا للتحول من أسـاليبها التقليديـة التي أوضحت‬
‫خماطرهـا وأرضارهـا‪ ،‬سـواء للمـوارد الطبيعيـة أو البيئـة التي نعيـش فيها‪.‬‬
‫ومـن شـأن فكر االسـتدامة أن حيـول دون اسـتمرارها‪.‬‬

‫‪301‬‬
‫املراجـــــع‪:‬‬
‫املراجع العربية‪:‬‬
‫أرنـاؤوط‪ ،‬حممـد السـيد (‪1993‬م)‪ .‬اإلنسـان وتلوث البيئة‪ ،‬الـدار املرصية‬
‫اللبنانيـة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫أصفـري‪ ،‬أمحـد فيصـل (‪ 2004‬م)‪ .‬املنافـع البيئيـة واالقتصاديـة لتدويـر‬
‫النفايـاتالبلديـةالصلبـةيفاملـدنالعربيـة‪،‬ورقـةعلميـةغيرمنشـورة‪.‬‬
‫برنامـج األمم املتحـدة للبيئة (‪2008‬م)‪ .‬قضايا السياسـات العامـة‪ ..‬البيئة‬
‫والتنميـة وإدارة النفايـات‪ ،‬الـدورة االسـتثنائية العـارشة ملجلـس‬
‫إدارة املنتـدى البيئـي الـوزاري العاملـي‪ ،‬موناكو‪.‬‬
‫اجلمعيـة الربملانيـة لالحتـاد مـن أجـل املتوسـط (‪2010‬م)‪ .‬مشروع تقرير‬
‫«لن ُقـم هبـا»‪ .‬جلنـة الطاقـة والبيئـة واملياه‪.‬‬
‫احلجـار‪ ،‬صلاح حممـود (‪2004‬م)‪ .‬أسـس وآليـات التنميـة املسـتدامة‪..‬‬
‫البدائـل واالبتـكارات واحللـول‪ ،‬دار الفكـر العـريب‪ ،‬القاهـرة‪.‬‬
‫اخلطيـب‪ ،‬عصـام أمحـد (‪2010‬م)‪ .‬إدارة النفايات الطبيـة يف الضفة الغربية‬
‫وقطـاع غزة مـن فلسـطني‪ ..‬معوقـات وحلـول‪ ،‬معهد الدراسـات‬
‫البيئيـة واملائيـة‪ ،‬جامعـة بري زيت‪ ،‬فلسـطني‪.‬‬
‫الدغيري‪ ،‬حممـد بـن إبراهيـم (‪2010‬م)‪ .‬النفايـات الصلبـة‪ ..‬تعريفهـا‬
‫وأنواعهـا وطـرق عالجهـا‪ ،‬ورقـة علميـة غير منشـورة‪ ،‬اجلمعيـة‬
‫اجلغرافيـة السـعودية‪ ،‬جامعـة امللـك سـعود‪ ،‬القصيـم‪.‬‬
‫الرشبينـي‪ ،‬رامـي وآخـرون (‪2012‬م)‪ .‬إدارة النفايات‪ ،‬منشـورات املنتدى‬
‫العريب للتنميـة والبيئة‪.‬‬

‫‪302‬‬
‫شـقري‪ ،‬عبداحلميـد (‪2014‬م)‪ .‬النفايـات اإللكرتونيـة وخماطرهـا على‬
‫الصحـة والبيئـة‪ ،‬جملـة الكويـت‪ ،‬ع‪.365‬‬
‫طاحـون‪ ،‬زكريـا (‪2007‬م)‪ .‬إدارة البيئـة نحـو اإلنتـاج األنظـف‪ ،‬اهليئـة‬
‫املرصيـة العامـة للكتـاب‪ ،‬القاهـرة‪.‬‬
‫عبـد الوهـاب‪ ،‬أمحـد (‪1997‬م)‪ .‬أسـس تدويـر النفايـات‪ ،‬الـدار العربيـة‬
‫للنشر والتوزيـع‪ ،‬القاهـرة‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــ (‪1997‬م)‪ .‬تكنولوجيـا تدويـر النفايـات‪ ،‬الـدار العربيـة‬
‫للنشر والتوزيـع‪ ،‬القاهـرة‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــ (‪1997‬م)‪ .‬قضايـا النفايـات يف الوطـن العـريب‪ ،‬الـدار‬
‫العربيـة للنشر والتوزيـع‪ ،‬القاهـرة‪.‬‬
‫علي‪ ،‬شـيامء راتـب (‪2009‬م)‪ .‬التلوث البيئـي باملخلفات الصلبـة «القاممة‬
‫منجم الذهـب»‪ ،‬كليـة احلقوق‪ ،‬جامعة أسـيوط‪.‬‬
‫نبيهـة‪ ،‬سـعيدي (‪2011‬م)‪ .‬تسـيري النفايـات احلرضيـة يف اجلزائـر بين‬
‫الواقـع والفاعليـة املطلوبة‪ ..‬دراسـة حالة اجلزائـر العاصمة‪ ،‬جامعة‬
‫بومـرداس‪ ،‬كليـة العلـوم االقتصاديـة والتجاريـة وعلـوم التسـيري‪،‬‬
‫مجهوريـة اجلزائر الشـعبية‪.‬‬
‫اهليئـة االحتاديـة للرقابـة النوويـة (‪2010‬م)‪ .‬الئحـة التصرف يف النفايات‬
‫املشـعة متهيـدً ا للتخلـص منهـا‪ ،‬أبوظبي‪.‬‬
‫وزارة الدفــاع والطيــران‪ ،‬الرئاسـة العامـة لألرصـاد ومحايـة البيئـة‪،‬‬
‫قواعـد وإجـراءات التحكـم يف النفايـات اخلطـرة‪ ،‬وثيقـة رقم ‪01‬‬
‫‪1423/‬هــ‪ ،‬اململكـة العربيـة السـعودية‪.‬‬

‫‪303‬‬
:‫املراجع األجنبية‬
Mbongwe,B, Mmerek, BT, Magashula, A, (2008).Healthcare
waste management: current practices in selected
healthcare facilities, Botswana.waste management.
Rushbrook,Ph.,Chandra,C.,Gayton,S.,(2000).Starting
healthcare waste management in medical institution,
practical approach.World Health Organization (WHO)
Healthcare Practical Information Series. NO.1.

:‫املواقع اإللكرتونية‬
‫م‬2014/3/18 ‫استرجعت بتاريخ‬
ُ .‫االحتاد العريب للتنمية املسـتدامة والبيئة‬
http://www.ausde.org . :‫من موقع‬

‫استرجعت بتاريـخ‬
ُ .‫اإلدارة املركزيـة املرصيـة لإلرشـاد الزراعـي‬
:‫م مـن موقـع‬2014/3/19
http://www.caae-eg.com/new/index.php.
‫م مـن‬2014/3/20 ‫استرجعت بتاريـخ‬ ُ .‫إنتـاج الطاقـة مـن النفايـات‬
:‫موقـع‬
http://www.istac.com.tr.
:‫م من موقع‬2014/3/20 ‫استجعت بتاريخ‬ ُ .‫أنواع النفايات املنزلية‬
http://www.anifayat.sitew.com/_.B.htm#_B.
‫استرجعت بتاريـخ‬
ُ .‫أمهيـة تدويـر املخلفـات الزراعيـة للزراعـة والبيئـة‬
:‫م مـن موقـع‬2014/3/20
http://webcache.googleusercontent.com/s.

304
‫استرجعت‬
‫الرتبـة الزراعية يف مصر‪ ،‬معهد بحوث األرايض واملياه والبيئة‪ُ .‬‬
‫بتاريـخ ‪2014/3/20‬م من موقع‪:‬‬
‫‪http://www.vercon.sci.eg/indexUItm.‬‬
‫استجعت بتاريخ ‪2014/3/23‬م من موقع‪:‬‬ ‫جائزة أبطال األرض‪ُ .‬‬
‫‪ttp://en.wikipedia.org/wiki/Champions_of_the_Earth.‬‬
‫استرجعت بتاريـخ‬ ‫ُ‬ ‫احلكومـة الربيطانيـة‪ ..‬النفايـات اخلطـرة‪.‬‬
‫‪2014/3/20‬م مـن موقـع‪.http://ar.wikipedia.org/wiki :‬‬
‫استجعت بتاريخ ‪2014/3/20‬م من موقع‪:‬‬ ‫شبكة نقطة العلمية‪ُ .‬‬
‫‪http://nok6a.net.‬‬
‫علي‪ ،‬عبريعبدالوهـاب‪ ،‬مقدمـة يف األبحـاث العلميـة واملواضيـع اخلاصة‬
‫استرجعت بتاريـخ ‪2014/3/18‬م مـن موقـع‪:‬‬ ‫بأمـراض النبـات‪ُ .‬‬
‫‪http://webcache.googleusercontent.com.‬‬
‫الفريق املختص بالبيئة احلرضية يف قطاع شـؤون اإلنسان والبيئة (‪2013‬م)‪.‬‬
‫الدليـل اإلرشـادي إلدارة النفايـات البلديـة الصلبـة يف دول جملس‬
‫استرجعت بتاريـخ ‪2014/12/10‬م مـن‬ ‫ُ‬ ‫التعـاون اخلليجـي‪.‬‬
‫موقـع‪www.gcc-sg.org. :‬‬
‫قانـون املحافظـة واسـتعادة املـوارد ‪RCRA Resource Conservation‬‬
‫استرجعت بتاريـخ ‪2014/3/20‬م مـن‬ ‫‪ُ .and Recovery Act‬‬
‫موقـع‪http://www.epa.gov/wastes/hazard. :‬‬
‫املشـعل‪ ،‬سـليامن (‪2011‬م)‪ .‬النفايـات البيئية بني املخاطـر الصحية وإعادة‬
‫استرجعت بتاريـخ ‪2014/3/18‬م من موقع‪:‬‬ ‫التدوير‪ُ .‬‬
‫‪http://www.greenline.com.kw‬‬
‫استجعت بتاريخ ‪2014/3/20‬م‬
‫ملتقى منسـويب وزارة الصحة السعودية‪ُ .‬‬

‫‪305‬‬
‫من موقع‪http://www.e-moh.com/vb/t85958. :‬‬
‫النظـام املوحـد إلدارة نفايـات الرعايـة الصحيـة بـدول جملـس التعـاون‬
‫استرجعت بتاريـخ ‪2014/12/10‬م مـن‬ ‫اخلليجـي (‪2002‬م)‪ُ .‬‬
‫موقـع‪www.ksalawfirm.com/saudilaws/law%20. :‬‬
‫النفايـات‪ ..‬أنواعهـا‪ ،‬خماطرهـا‪ ،‬وطـرق التخلـص منهـا (‪2012‬م)‪.‬‬
‫استرجعت بتاريـخ ‪2014/3/20‬م مـن موقـع‪:‬‬ ‫ُ‬
‫‪http://tofoula-mourahaka.blogspot.com/p/blog page_1391.html.‬‬
‫وزارة الشـؤون البلديـة والقرويـة وتدويـر النفايـات‪ ..‬دليـل التقييـم‬
‫استرجعت بتاريـخ‬‫البيئـي للمشـاريع البلديـة (‪1427‬هــ)‪ ،‬ط‪ُ .1‬‬
‫‪2014/3/18‬م مـن موقـع‪:‬‬
‫‏‪archive.basel.int/legalmatters/natleg/.../saudiarabia01.doc.‬‬
‫استرجعت بتاريـخ‬
‫ُ‬ ‫وكالـة محايـة البيئـة األمريكيـة‪ ،‬النفايـات اخلطـرة‪.‬‬
‫‪2014/3/20‬م مـن موقـع‪:‬‬
‫‪http://en.wikipedia.org/wiki/Hazardous_Wastes.‬‬
‫استجعت بتاريخ ‪2014/3/20‬م‬‫ويكيبيديا‪ ،‬املوسـوعة احلرة‪ .‬وقود حيوي‪ُ .‬‬
‫من موقع‪http://ar.wikipedia.org/wiki. :‬‬

‫‪306‬‬
‫الفصل التاسع‬
‫مؤرشات ومعايري قياس التنمية املستدامة‬
‫وتطبيقاهتا‬

‫حممد بن عبداهلل السليامن‬


‫مؤرشات ومعايري قياس التنمية املستدامة وتطبيقاهتا‬

‫املقدمـة‬
‫اسـتكامل للموضوعـات التي ُطرحـت يف الفصول السـابقة‪ ،‬كان البد‬ ‫ً‬
‫لنـا من تسـليط الضـوء على مرحلـة تطبيـق األفـكار والنظريـات التنموية‬
‫اجلديـدة على أرض الواقـع‪ .‬وهـذا التطبيـق لـن يكـون لـه أسـاس قـوي‬
‫وحمكـم مـا مل تسـبقه مـؤرشات ومعايير تضبط اجتاهاتـه وتشير إىل مكامن‬
‫النقـص أو اخللـل يف اخلطـط التنفيذيـة‪ .‬وكما يقـال يف جمـال اإلدارة «مـا ال‬
‫يمكـن قياسـه ال يمكـن إدارته»‪ .‬وهلذا عملـت املنظامت املحليـة واإلقليمية‬
‫والدوليـة على وضع وصناعـة املؤرشات واملعايير التنموية مـن أجل إدارة‬
‫تنمويـة مسـتدامة قـادرة عىل معاجلـة املعضلات التنموية‪.‬‬
‫وسـنحاول يف هـذا الفصـل‪ ،‬التعـرف على معنـى املعايير واملـؤرشات‬
‫اإلنامئيـة وأمهيتهـا ودورهـا يف حتقيـق أهـداف التنميـة املسـتدامة والتعـرف‬
‫إىل الفـروق بين مـؤرشات التنميـة التقليديـة ومـؤرشات التنمية املسـتدامة‪،‬‬
‫واملراحـل التـي مـرت هبـا عمليـة صناعة مـؤرشات التنميـة املسـتدامة حتى‬
‫وصلـت إىل مـا هـي عليـه يف وقتنـا احلـايل‪ ،‬ثـم نعـرج على املنهجيـة التـي‬
‫اعتمدهتـا املنظمات الدوليـة ذات العالقـة يف إرسـائها للمـؤرشات واملعايري‬
‫التنمويـة املسـتدامة ونقف عنـد اجلهود الدوليـة وف ًقا لتسلسـلها الزمني‪ ،‬ثم‬
‫نـورد األهـداف اإلنامئيـة لأللفية؛ لنسـتطلع مـدى حتققها على أرض الواقع‬
‫وحجـم تأثريهـا على املخطـط احلكومـي وفوائدهـا على املسـتوى املحلي‬
‫ُعرف بتجربـة منطقتنا العربية فيما يتعلق بتصميم‬‫واإلقليمـي والعاملـي‪ .‬كما ن ِّ‬
‫املـؤرشات واملعايير اخلاصة هبـا للتنمية املسـتدامة وجهـود اجلامعـة العربية‬

‫‪309‬‬
‫وتنسـيقها مـع منظمات األمم املتحـدة؛ لنختـم هـذا الفصل باالطلاع عىل‬
‫جتربـة اململكـة العربية السـعودية ومـدى نجاحها يف الوصـول إىل األهداف‬
‫املرسـومة بحسـب املعايير واملـؤرشات اإلنامئيـة املعتمدة‪.‬‬

‫‪ .1‬املعايري واملؤرشات‪ ..‬ماهيتها وأمهيتها‬


‫تنبـع أمهيـة وجود املـؤرشات مـن احلاجـة ألدوات يمكن من خالهلـا قياس‬
‫مـدى حتقـق األهـداف التـي تـم رسـمها وتبنيهـا‪ ،‬لكـي يتأكـد القائمـون على‬
‫التخطيـط أهنم يسيرون يف الطريق الصحيح الذي رسـموه يف البداية‪ .‬واملؤرشات‬
‫تعـرف بأهنـا‪« :‬أدوات تصـف بصـورة كمية موجـزة وض ًعـا أو حالة معينـة» (أبو‬
‫زنـط وغنيـم‪2014 ،‬م)‪ ،‬وتكمـن أمهيـة املـؤرشات يف أهنـا حتقـق ما ييل‪:‬‬
‫ـ تساعد يف عمليات التخطيط واختاذ القرارات‪.‬‬
‫ـ تعد أداة فاعلة للرقابة عىل أداء األجهزة احلكومية واملنظامت املجتمعية‪.‬‬
‫ـ تسـاعد يف إجـراء املقارنـة ملعرفـة الـدول األغنـى واألكثر تقد ًمـا والدول‬
‫األفقـر واألقـل تقد ًما‪.‬‬
‫ـ تقـارن هبـا األوضاع داخل حـدود الدولة الواحدة وبين املناطق اجلغرافية‬
‫املحلية‪.‬‬
‫ـ تقييم اجلهود املبذولة لتحقيق األهداف املرسومة‪.‬‬
‫ـ حتديـد مدى االلتـزام باإلطار الزمنـي املخصص لتحقيـق األهداف وهل‬
‫تسير اخلطط بشـكل رسيع أم بطيء على أرض الواقع‪.‬‬
‫ـ االستفادة من جتارب اآلخرين فيام حققوه أو عجزوا عن حتقيقه‪.‬‬
‫ـ حتديد املعوقات التي حتول دون الوصول إىل األهداف املنشودة‪.‬‬

‫‪310‬‬
‫عم سـبقها مـن مؤرشات‬ ‫وتتميـز مـؤرشات التنمية املسـتدامة احلديثة َّ‬
‫التنميـة التقليديـة بأن األخيرة كانت تكتفـي بقياس جانب واحـد فقط من‬
‫جوانـب التنميـة‪ ،‬أال وهو اجلانـب االقتصـادي وما حتقق فيه مـن تطورات‬
‫بشـكل مسـتقل عن غريه مـن اجلوانب التنمويـة األخرى‪ .‬ومما ال شـك فيه‬
‫أن هـذا اإلجـراء سـوف يعطينا فكـرة وصورة قـارصة عن الصـورة الكلية‬
‫املنشـودة للتنمية كالتـي حتققها املـؤرشات احلديثة للتنمية املسـتدامة؛ حيث‬
‫راعـت األبعـاد األساسـية للتنمية‪ ،‬سـواء أكانـت اقتصاديـة أم اجتامعية أم‬
‫بيئيـة مـن دون فصـل بعضهـا عـن بعـض من أجـل الوقـوف على أبعادها‬
‫وتأثرياهتـا وعمق التداخلات والتأثريات فيما بينها‪.‬‬

‫‪ .2‬تطور مؤرشات التنمية املستدامة‬


‫شـاع اسـتخدام مصطلـح التنميـة املسـتدامة يف تقريـر جلنـة األمـم‬
‫املتحـدة للبيئـة والتنميـة ‪UN Commission for Environment and‬‬
‫‪ Development‬التـي ترأسـتها السـيدة جـرو هـارمل برونتالنـد ‪Gro‬‬
‫‪ ،Harlem Brundtland‬رئيسـة وزراء النرويـج السـابقة‪ ،‬وذلـك يف‬
‫وعـرف هـذا‬
‫َّ‬ ‫تقريرهـا «مسـتقبلنا املشترك» ‪،Our Common Future‬‬
‫التقريـر التنميـة املسـتدامة بأهنـا «توفير احتياجـات األجيـال الراهنـة مـن‬
‫دون حرمـان األجيـال القادمـة مـن حقهـا يف احلصـول على احتياجاهتـا»‪.‬‬
‫ويعتبر مؤمتـر األمـم املتحـدة‪ ،‬الـذي ُعقـد يف ريـو دي جانيرو عـام‬
‫‪1992‬م‪ ،‬املسـمى «مؤمتـر األرض» مفترق طـرق يف تاريـخ احلضـارة‬
‫اإلنسـانية وبدايـة التأسـيس الفعلي للعمـل اجلـاد لتحويل مئـات بل آالف‬
‫األفـكار والنظريـات واملخـاوف التـي ُطرحـت‪ ،‬لعقود مضت‪ ،‬حمـذرة من‬

‫‪311‬‬
‫مـدى الدمـار الـذي أحلقـه اإلنسـان بكوكـب األرض وبالتـايل بمسـتقبله‬
‫ومسـتقبل األجيـال القادمـة يف سـعيه املحمـوم وغير العقالين السـتنزاف‬
‫خيرات الطبيعـة ومواردهـا‪.‬‬
‫يسـتلزم االنتقـال إىل مرحلـة التطبيـق والتنفيـذ وضـع جمموعـة مـن‬
‫املقاييـس واملـؤرشات التـي ختربنـا أيـن نحـن اآلن تنمو ًّيـا وبيئ ًّيـا وإىل أين‬
‫نريـد أن نصـل بمجتمعاتنـا وبيئاتنـا لكـي يسـهل على أصحـاب العالقـة‬
‫ومـن بيدهـم مسـؤولية التخطيط وضـع خمططاهتم اإلستراتيجية الشـاملة‬
‫للوصـول إىل التنميـة احلقيقـة وهي التنمية املسـتدامة‪ .‬ومن أجل التأسـيس‬
‫هلـذه املرحلـة ُعقد مؤمتـر األرض بمشـاركة ‪ 156‬دولة وكثري مـن املنظامت‬
‫غير احلكوميـة من مجيـع أرجـاء األرض وكان من ثمرات هـذا املؤمتر بداية‬
‫ظهـور املـؤرشات واملقاييـس العامليـة ملا بـات ي ُعـرف بالتنمية املسـتدامة‪.‬‬
‫ويـأيت وضع واسـتخدام مـؤرشات التنميـة املسـتدامة ر ًّدا عىل هاجس‬
‫كبير‪ ،‬هـو احلـرص على أن تكـون القـرارات املتعلقـة بالتنميـة املسـتدامة‬
‫مرتكـزة على معلومات صحيحـة‪ ،‬وناجعـة‪ ،‬ومالئمة‪ ،‬ومتاحـة يف اللحظة‬
‫املناسـبة‪ .‬أمـا املـؤرشات املعتـادة مثـل الناتـج املحلي اإلمجـايل وقيـاس‬
‫اإليـرادات املختلفـة للمـوارد أو تأثريات التلـوث فال تعكـس ـ إذا ُأخذت‬
‫منفـردة ـ مفهـوم االسـتدامة‪ .‬إن حقيقـة التنميـة املسـتدامة تتجلى وتتضح‬
‫يف التفاعلات بين خمتلـف أبعـاد البيئـة‪ ،‬والسـكان‪ ،‬واملجتمـع‪ ،‬والتنميـة‬
‫م ًعـا؛ لذلـك يصبـح وضع مـؤرشات للتنميـة املسـتدامة رضور ًّيـا‪ ،‬وعليها‬
‫يمكـن بنـاء قاعـدة ذات فائـدة إلدارة مجيـع جوانـب التنمية املسـتدامة‪ .‬إن‬
‫هـذه البلـورة تسـهم يف حتويـل املعلومـات املتاحـة إىل صيـغ أكثـر قابليـة‬
‫لالسـتخدام هبـدف اختـاذ القـرار وإقنـاع مجاعـات املسـتفيدين‪ ،‬بالتقييامت‬
‫العلميـة واالجتامعيـة واالقتصاديـة وبمعلومـات قابلـة لالسـتخدام يف‬

‫‪312‬‬
‫التخطيـط واختـاذ القـرارات (تقريـر األمـم املتحـدة‪ :‬اللجنـة االقتصاديـة‬
‫إلفريقيـا‪2001 ،‬م)‪.‬‬
‫ولقـد مـرت هذه املـؤرشات واملقاييـس التـي أصدرهتا األمـم املتحدة‬
‫بكثير مـن املحطات وعمليـات التطويـر والتنقيح حتى وصلـت إىل ما هي‬
‫عليـه اليـوم‪ ،‬ولعل أبـرز هذه املحطـات هي‪:‬‬
‫تقريرا ُسـمي مـؤرش التنمية البرشية‬
‫ـ أصـدرت األمم املتحـدة يف عام ‪1991‬م ً‬
‫يف دول العـامل‪ ،‬مـن إعـداد عـامل االقتصـاد الباكسـتاين حمبـوب احلـق‪ ،‬ويقيـم‬
‫هـذا املـؤرش جمهـودات التنميـة البرشيـة يف كل دولـة مـن دول العـامل وعرف‬
‫هـذا املقيـاس بدليـل التنميـة البرشيـة (‪Human Development Index‬‬
‫‪ (HDI‬ويتكـون هـذ الدليـل مـن ثالثـة عنارص رئيسـة هـي‪ :‬مـدة البقاء عىل‬
‫قيـد احليـاة واملسـتوى التعليمـي ومسـتوى املعيشـة‪ .‬وقـد تم تلخيـص هذه‬
‫األبعـاد اإلنسـانية الواسـعة ـ ألغراض القيـاس ـ بأدلة ثالثة هـي‪ :‬دليل توقع‬
‫معبرا عنـه بمعـدل مشترك يعكس‬ ‫احليـاة وقـت الـوالدة‪ ،‬ودليـل التعليـم‪ً ِّ ،‬‬
‫معـدل تعلم البالغين ومعدل االلتحـاق بمراحل التعليم األسـايس والثانوي‬
‫برا عنـه بنصيـب الفـرد مـن‬‫والتعليـم العـايل‪ ،‬ودليـل املسـتوى املعيشي‪ ،‬مع ً‬
‫ً‬
‫(حمـول إىل الـدوالر باسـتخدام القـوة الرشائية)‪.‬‬ ‫الناتـج املحلي اإلمجـايل‬
‫ـ ُعقـد عـام ‪1992‬م مؤمتـر األمـم املتحـدة املعنـي بالبيئـة والتنميـة (مؤمتـر‬
‫قمـة األرض) يف ريـو دي جانيرو‪ ،‬الربازيـل؛ لريبـط التنميـة االقتصاديـة‬
‫واالجتامعيـة بحاميـة البيئـة ويعتمـد جـدول أعامل القـرن احلـادي والعرشين‬
‫ومبادئ ريو‪ .‬ويف العام نفسـه‪ ،‬أنشـأت اجلمعية العامة جلنة التنمية املسـتدامة؛‬
‫لضمان املتابعـة الف ّعالـة لنتائـج مؤمتـر األمـم املتحـدة املعنـي بالبيئـة والتنمية‪.‬‬
‫ـ وعقـد يف عـام ‪1994‬م املؤمتـر العاملـي املعنـي بالتنميـة املسـتدامة للدول‬
‫اجلزريـة الصغيرة الناميـة (بريدجتـاون‪ ،‬بربـادوس)‪ ،‬واعتمـد برنامـج‬

‫‪313‬‬
‫نـص على إجـراءات وتدابير حمـدّ دة ألغـراض‬ ‫عمـل بربـادوس الـذي ّ‬
‫التنميـة املسـتدامة للـدول اجلزريـة الصغيرة الناميـة‪.‬‬
‫ـ وصـدر يف عـام ‪1995‬م دليـل التنميـة االجتامعـي ‪Gender-related‬‬
‫‪ Development Index.GDI‬واسـتخدم يف حسـابه املتغيرات نفسـها‬
‫التـي اسـتُخدمت يف حسـاب دليـل التنميـة البرشيـة ولكـن باختالفـات‬
‫بسـيطة يف توقـع احليـاة وقـت الـوالدة واملسـتوى التعليمـي والدخـل‬
‫لتعكـس التباينـات بما حققـه الرجـل واملـرأة يف العنـارص الرئيسـة التـي‬
‫يتكـون منهـا دليـل التنميـة البرشيـة‪.‬‬
‫ـ ثـم صـدر يف عـام ‪1995‬م مقيـاس متكين النـوع االجتامعـي ‪Gender‬‬
‫‪ ،Empowerment Measure.GEM‬الـذي يعكـس مـدى املسـاواة بني‬
‫اجلنسين يف اجلوانب االقتصادية واملشـاركة السياسـية واختـاذ القرارات‪.‬‬
‫وقـد ُبنـي الدليـل باسـتخدام متغريات اسـتُنبطت بشـكل واضـح لقياس‬
‫القوة النسـبية التـي حققها كل من الرجل واملـرأة يف املجاالت االقتصادية‬
‫والسياسـية‪ .‬ويأخـذ املقيـاس باالعتبـار نسـبة النسـاء يف الربملان‪ ،‬ونسـبة‬
‫النسـاء يف املواقـع الوظيفيـة اإلداريـة‪ ،‬ونصيبهـن النسـبي يف املهـن‬
‫املتخصصـة والفنيـة‪ ،‬باإلضافـة إىل دخلهـن مقارنـة بدخـل الرجال‪.‬‬
‫ـ عقـدت اجلمعيـة العامـة االسـتثنائية عـام ‪1997‬م «مؤمتـر قمـة األرض‬
‫‪ »5 +‬يف نيويـورك‪ ،‬لتعتمـد برنامـج مواصلـة تنفيـذ جـدول أعمال القرن‬
‫احلـادي والعرشيـن بام يشـمل برنامج عمل جلنـة التنمية املسـتدامة للفرتة‬
‫مـن ‪1998‬م إىل ‪2002‬م‪.‬‬
‫ـ كما تم اسـتحداث دليل الفقر البشري (‪Human Poverty Index (HPI‬‬
‫يف عـام ‪1997‬م‪ .‬كمقيـاس تلخيصي للحرمـان هبدف الوصـول إىل دليل‬

‫‪314‬‬
‫عـام للتعـرف على الفقـر يف منطقـة مـا‪ .‬ويركـز الدليـل على احلرمان يف‬
‫ثالثـة جوانـب حياتيـة تـم حتديدهـا يف دليـل التنميـة البرشية‪ ،‬هـي‪ :‬مدة‬
‫احليـاة والتعلـم واملسـتوى املعيشي‪ .‬ويعكـس الوجـه األول للحرمـان‬
‫فرصـة البقـاء على قيد احليـاة من خلال الوفاة يف عمـر مبكر نسـب ًّيا‪ ،‬بينام‬
‫يعكـس الوجـه الثـاين احلرمان مـن املعرفة من خلال االسـتبعاد من عامل‬
‫التعلـم واالتصـال والتواصـل‪ ،‬يف حني يركـز الوجه الثالث مـن احلرمان‬
‫على انعـدام مسـتوى معييش مقبـول من خلال التخصيـص االقتصادي‬
‫الكيل‪.‬‬
‫ـ ثـم ُق ِّسـم دليل الفقر البشري يف عام ‪1998‬م إىل دليلني‪ ،‬مهـا‪ :‬دليل الفقر‬
‫البشري األول ‪ HPI-1‬الـذي يسـتخدم لقيـاس مـدى انتشـار ظاهـرة‬
‫الفقـر يف الـدول الناميـة‪ ،‬ودليـل الفقـر الثـاين ‪ HPI-2‬الـذي ُيسـتخدم‬
‫لقيـاس الفقـر يف الـدول املتقدمة‪ .‬وال شـك أن هذه املقاييـس ـ بعضها ال‬
‫يـزال ً‬
‫جمـال للتطوير والتحسين ـ قد وفـرت إمكانات أكثر عم ًقا لدراسـة‬
‫أوضـاع التنميـة البرشيـة مـن خلال توسـيع األبعـاد املتعلقـة باخليارات‬
‫والقـدرات البرشيـة مـن جهـة‪ ،‬واألبعـاد املتعـددة للحرمان والتـي منها‬
‫الفقر‪.‬‬
‫ـ ومـع انعقـاد مؤمتـر القمـة العاملـي للتنميـة املسـتدامة يف جوهانسبرغ‪،‬‬
‫جنـوب إفريقيـا‪ ،‬عـام ‪2002‬م‪ ،‬جـرى تقييـم للعقبـات التـي تعترض‬
‫سـبيل التقـدم وللنتائـج املحـرزة منـذ انعقـاد مؤمتـر قمـة األرض عـام‬
‫‪1992‬م‪ ،‬واعت ُِمـدت خطـة تنفيـذ جوهانسبرغ‪ ،‬التـي تنـص على اتبـاع‬
‫هنـج حمـدد الرؤية يسـعى بخطـوات ملموسـة إىل حتقيق أهـداف وغايات‬
‫قابلـة للقيـاس الكمـي ومرتبطـة بجـداول زمنيـة‪.‬‬
‫إطـارا عامل ًّيـا‬
‫ً‬ ‫وأخيرا ظهـرت مـؤرشات األلفيـة الثالثـة التـي أصبحـت‬
‫ً‬ ‫ـ‬

‫‪315‬‬
‫لقيـاس التقـدم يف املجـاالت املختلفـة؛ حيـث غطـت هـذه املـؤرشات‬
‫عـد ًدا مـن اجلوانـب التـي هلا مسـاس باملسـتوى املعيشي للسـكان‪ .‬وقد‬
‫تضمـن إعلان أهـداف األلفية حتديد إطـار زمني للوصـول إىل األهداف‬
‫املرسـومة‪ ،‬وذلـك بحلـول عـام ‪2015‬م‪ .‬وعليـه فـإن االختلاف بين‬
‫دليـل التنمية البرشيـة ومؤرشات أهـداف األلفية هو اختلاف جوهري‪،‬‬
‫سـواء مـن حيث املـؤرشات املسـتخدمة يف اإلطاريـن أو يف البعـد الزمني‬
‫أو يف األهـداف الرئيسـة (صالـح‪2007 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)458‬‬

‫‪ . 3‬مؤرشات التنمية املستدامة‪ ..‬الدليل واملنهجية‬


‫أصـدرت األمـم املتحـدة عبر إدارة الشـؤون االقتصاديـة واالجتامعية‬
‫دليلهـا اخلـاص بمؤرشات التنمية املسـتدامة‪ ،‬وذلك يف أكتوبـر عام ‪2007‬م‪،‬‬
‫وجـاء هـذا الدليـل لتغطية حزمة واسـعة مـن معايير التنمية املسـتدامة التي‬
‫ينشـدها العـامل اليوم‪ ،‬ويف هذا الدليل قسـمت مؤرشات التنمية املسـتدامة إىل‬
‫أربعـة أبعاد رئيسـة بناء على تعريف التنمية املسـتدامة نفسـه‪ ،‬هي‪ :‬مؤرشات‬
‫اقتصاديـة‪ ،‬ومـؤرشات اجتامعية‪ ،‬ومـؤرشات بيئية‪ ،‬ومؤرشات مؤسسـية‪.‬‬
‫وقـد حـاول واضعـو هـذا الدليـل اخلـروج بمـؤرشات تغطـي معظم‬
‫القضايـا البيئيـة واالقتصاديـة واالجتامعيـة التي تعاجلهـا التنمية املسـتدامة‬
‫فصلا مـن وثيقـة األجنـدة احلاديـة والعرشيـن‬ ‫ً‬ ‫التـي تضمنتهـا األربعـون‬
‫التـي أقـرت يف عـام ‪1992‬م والتـي متثـل ـ كما أسـلفنا ـ خارطـة طريـق‬
‫للحكومـات والـوكاالت الدوليـة واإلقليميـة واملحلية ومنظمات املجتمع‬
‫املـدين جتـاه التنميـة املسـتدامة يف كل العـامل‪ ،‬ومـن خالهلـا تسـتطيع الدول‬
‫أن تقيـس مـدى نجاحهـا يف حتقيـق التنميـة املسـتدامة‪ ،‬وأن تقيـم وضعهـا‬
‫التنمـوي مقارنـة بباقـي دول العـامل وأن تـدرك أيضـ ًا مـدى تقدمهـا عبر‬

‫‪316‬‬
‫السـنني يف جمـاالت التنميـة املسـتدامة ومـا إذا كانـت تسير يف الطريـق‬
‫الصحيـح أم أهنـا مـا زالـت متباطئـة أو مرتاجعـة‪.‬‬
‫ً‬
‫شـامل ملجـاالت‬ ‫وقـد حـاول القائمـون على هـذا الدليـل أن خيـرج‬
‫التنميـة املسـتدامة؛ حيـث تنـاول العنـارص التاليـة‪:‬‬
‫‪ 1 . 3‬الفقر‬
‫تسـتهدف األمـم املتحـدة تضييـق الفجـوة بين األغنيـاء والفقـراء‪ ،‬هذه‬
‫كثيرا على امتـداد التاريخ؛ حيـث كان‬
‫الفجـوة التـي عانـت البرشيـة تبعاهتـا ً‬
‫حلـم اإلنسـان وال يـزال صناعة عامل مثـايل تتحقق فيه املسـاواة بين بني البرش‬
‫مجي ًعـا بعدالـة ومـن دون متييز‪ .‬ولذلـك ُوضعت جمموعة من املـؤرشات اهلادفة‬
‫لقيـاس معضلـة الفقـر التـي تعانيها معظـم دول العامل هبـدف تضييـق الفجوة‬
‫بين األغنيـاء والفقـراء‪ ،‬وذلك عـن طريق قيـاس وحتديـد التايل‪:‬‬
‫ـ نسبة السكان الذين يعيشون حتت خط الفقر‪.‬‬
‫ـ نسبة السكان الذين يعيشون عىل أقل من دوالر واحد يف اليوم‪.‬‬
‫ـ العدالة واملساواة يف الدخل كنسبة حصة الفرد من الدخل القومي‪.‬‬
‫ـ نسـبة السـكان الذيـن يسـتخدمون مرافـق الصرف الصحـي؛ إذ يذكـر‬
‫مديـر برنامـج املياه والرصف الصحـي يف منظمة األمم املتحـدة والطفولة‬
‫(اليونيسـيف)‪ ،‬سـانجاي وجييسـيكريا‪ ،‬أن ملياريـن ومخسـمئة مليـون‬
‫شـخص ال حيصلـون على «خدمـات الصرف الصحـي املحسـنة»‪.‬‬
‫ـ نسبة الذين حيصلون عىل مياه نظيفة‪.‬‬
‫ـ نسـبة املواطنين الذيـن حيصلـون على الطاقة‪ ،‬وأنـواع الطاقة املسـتخدمة‬
‫لالسـتخدامات املنزلية‪.‬‬
‫ـ ظروف احلياة ونسبة سكان األحياء الفقرية يف الدولة‪.‬‬

‫‪317‬‬
‫‪ 2 .3‬احلوكمة‬

‫ال شـك يف أن العدالـة هـدف سـعت إليـه مجيـع احلضارات اإلنسـانية‬


‫على مـر التاريـخ وزادت احلاجـة إليـه اليـوم بزيـادة انتشـار مظاهـر الظلم‬
‫والتعسـف والفسـاد الناجتـة عـن زيـادة تدافـع البشر والدول بشـكل أناين‬
‫لتحقيـق مصاحلهـم اآلنيـة الضيقـة‪ ،‬ويضـع الدليل عـدة مـؤرشات يف هذا‬
‫اجلانـب‪ ،‬أبرزها‪:‬‬
‫ـ نسبة انتشار الفساد املتمثل يف الرشوة‪.‬‬
‫ـ معدل جرائم القتل املسجلة لكل ‪ 100‬ألف من السكان‪.‬‬
‫‪ 3 . 3‬الصحة‬
‫مـن املعلـوم أنه ال تنميـة حقيقية من دون متتع اإلنسـان بصحة سـليمة‬
‫خاليـة قدر اإلمـكان مـن املهـددات الصناعيـة والطبيعية‪ ،‬ويقـاس الوضع‬
‫الصحـي يف الدولـة بمعايري كثيرة منها‪:‬‬
‫ـ معدل وفيات األطفال دون اخلامسة ومتوسط العمر املتوقع عند الوالدة‪.‬‬
‫ً‬
‫أطفال كانوا أم بالغني‪.‬‬ ‫ـ نوعية الرعاية الصحية التي حيصل عليها املواطنون‪،‬‬
‫ـ نسبة األطفال الذين حيصلون عىل التحصينات الوقائية من األمراض املعدية‪.‬‬
‫ـ احلالة الغذائية لألطفال‪.‬‬
‫ـ معدل انتشار أساليب منع احلمل بني السيدات‪.‬‬
‫ـ احلالـة املرضيـة العامـة ملجموعـة مـن األمـراض الرئيسـة مثـل‪ :‬اإليـدز‬
‫واملالريـا والسـل‪.‬‬
‫ـ معدل انتشار تعاطي التبغ‪.‬‬
‫ـ معدل االنتحار‪.‬‬

‫‪318‬‬
‫‪ 4 . 3‬التعليم‬
‫التعليـم حجـر األسـاس ألي تنميـة حقيقيـة‪ ،‬وهـو سـبب رئيـس‬
‫لتقـدم األمـم وأهـم أسـلحة البرش لتحقيـق النجـاح يف حياهتـم‪ .‬وإيامنًا من‬
‫األمـم املتحـدة بأمهيـة التعليم فقـد تعـددت املبـادرات والقمـم واألجهزة‬
‫والفاعليـات اخلاصـة بالتعليـم والتدريـب التي ترعاهـا املنظمـة الدولية يف‬
‫نموا‪،‬‬
‫خمتلـف دول العـامل‪ ،‬مـع الرتكيـز على الـدول النامية والـدول األقـل ًّ‬
‫ويقـاس التعليـم بمـؤرشات كثيرة‪ ،‬أبرزها‪:‬‬
‫ـ مسـتوى التعليـم عبر نسـبة القبـول اإلمجاليـة إىل الصـف األخير مـن‬
‫التعليـم االبتدائـي‪ ،‬صـايف معدل االلتحـاق بالتعليـم االبتدائي‪ ،‬مسـتوى‬
‫التحـاق الكبـار بالتعليـم الثانـوي‪ ،‬توافـر فـرص التعليـم مـدى احليـاة‪.‬‬
‫ـ معدل قدرة الكبار عىل القراءة والكتابة‪.‬‬
‫‪ 5 .3‬الرتكيبة السكانية‬
‫إن معرفـة نوعيـة السـكان وتركيبتهم ومعـدالت نموهـم وتوزيعاهتم‬
‫بين احلرض والريف مطلـب رئيس ألي ختطيـط تنموي تسـعى إليه الدول؛‬
‫ولذلـك حرصـت املنظمة الدولية على إدراج هذا البعد املهـم يف مؤرشاهتا‪،‬‬
‫وتشـمل املؤرشات‪:‬‬
‫ـ الرتكيبـة السـكانية‪ ،‬أي‪ :‬عـدد السـكان ومعدل نموهم ومعـدل اخلصوبة‬
‫ونسـب اإلعالة‪.‬‬
‫ـ نسب أعداد السياح إىل السكان املحليني‪.‬‬
‫‪ 6 . 3‬األخطار الطبيعية‬
‫مـع تزايـد الظواهـر الطبيعية اخلطـرة‪ ،‬التـي كان لإلنسـان ـ بطريقة أو‬
‫بأخـرى ـ دور يف تشـكيلها وزيادة معدالهتا نتيجـة تدخله الضار يف املنظومة‬

‫‪319‬‬
‫البيئيـة ويف إخاللـه بالتـوازن احليـوي لكوكـب األرض‪ ،‬كان لزا ًمـا عليـه‬
‫اليـوم أن يتعامـل بعقالنيـة وبفكـر ومنهـج علمي مـع مسـبباهتا وأرضارها‬
‫وسـبل احتوائهـا وحيـاول التقليـل من آثارهـا عليه وعلى البيئـة املحيطة به‬
‫ً‬
‫ومسـتقبل‪ ،‬ولذلك شـمل هذا البعـد املـؤرشات التالية‪:‬‬ ‫حـارضا‬
‫ً‬
‫ـ قياس نسبة السكان الذين يتعرضون للمخاطر الطبيعية‪.‬‬
‫ـ مـدى اسـتعداد األجهـزة املعنيـة ملواجهـة الكـوارث الطبيعيـة والتعامـل‬
‫معها ‪.‬‬
‫ـ اخلسـائر املسـجلة نتيجـة التعـرض لألخطـار البيئيـة‪ ،‬سـواء أكانـت هذه‬
‫اخلسـائر برشيـة أم مادية‪.‬‬
‫‪ 7 .3‬الغالف اجلوي‬
‫لقـد أفسـد اإلنسـان هـواءه الـذي يتنفسـه‪ ،‬يف سـعيه املحمـوم لزيـادة‬
‫دخلـه االقتصـادي‪ ،‬ما تسـبب فيام يعانيـه اليوم مـن تغريات مناخيـة من هواء‬
‫ملـوث مليء بالسـموم وتدمري هائـل لطبقـة األوزون التي حتميه من األشـعة‬
‫الكونيـة الضـارة‪ ..‬ومـن أجـل حماولـة السـيطرة على هـذه األخطـار املدمرة‬
‫حـاول القائمـون على هـذا الدليـل وضـع مـؤرشات تركز عىل مـا ييل‪:‬‬
‫ـ قيـاس ظاهـرة التغير املناخي عبر قياس نسـبة انبعاثات غاز ثاين أكسـيد‬
‫الكربون‪.‬‬
‫ـ قياس استنزاف طبقة األوزون‪.‬‬
‫ـ نسبة االنبعاثات الضارة بجودة اهلواء‪.‬‬
‫ـ مدى تركز ملوثات اهلواء يف احلوارض‪.‬‬

‫‪320‬‬
‫‪ 8 .3‬األرض‬
‫األرض هـي مصـدر اخلير والنماء واحليـاة ومصـدر النعـم العظيمـة‬
‫التـي يتمتـع هبا اإلنسـان منذ خلقـه اهلل عليها‪ ،‬وهـي حتتاج اليـوم إىل اهتامم‬
‫بالـغ يف حماولـة إنقاذهـا مـن حجـم الدمـار اهلائـل الـذي أحلقـه بمكوناهتا‬
‫وتركيبتهـا‪ ،‬ويف هـذا الدليـل مـؤرشات تركـز وتعنـى بالتايل‪:‬‬
‫ـ مدى صالحية األرايض واستخداماهتا‪.‬‬
‫ـ حجم تعرضها لظاهرة التصحر‪.‬‬
‫ـ الشؤون الزراعية واستخدامات األسمدة واملبيدات احلرشية‪.‬‬
‫ـ قياس التوجه للزراعة العضوية‪.‬‬
‫ـ مساحة الغابات ونوعيتها ومحايتها وإدارهتا‪.‬‬
‫‪ 9 .3‬البحار واملحيطات والشواطئ‬
‫يتكـون ثلثـا حجـم األرض مـن املحيطـات والبحـار‪ ،‬باإلضافـة إىل أن‬
‫ثلـث سـكان العـامل يعيشـون يف مناطق سـاحلية‪ ،‬فالبـد إذن من حجـم اهتامم‬
‫يـوازي هـذه األمهية؛ لذلـك هتدف املـؤرشات يف هذا اجلانـب إىل الرتكيز عىل‪:‬‬
‫ـ قياسات املناطق الساحلية وعدد من يسكنها نسبة إىل إمجايل السكان‪.‬‬
‫ـ الثروة السمكية املتوافرة‪.‬‬
‫ـ مـدى سلامة البيئـة البحرية ومكوناهتـا يف املياه السـاحلية واملحافظة عىل‬
‫تنوعها وثرائها‪.‬‬
‫‪ 10 . 3‬املياه العذبة‬
‫ومـع تعـذر وجـود حيـاة مـن دون ميـاه‪ ،‬فهـي عصبهـا‪ ،‬إال أهنـا أكثر‬
‫تعرضـا للتلـوث‪ .‬وقد أشـار أحـدث تقارير «اليونيسـيف»‬ ‫ً‬ ‫عنـارص احليـاة‬

‫‪321‬‬
‫إىل أن ‪ %11‬مـن سـكان العـامل‪ ،‬أي نحـو ‪ 783‬مليون شـخص‪ ،‬ال حيصلون‬
‫على امليـاه النظيفـة‪ ،‬ويتم قيـاس عنرص امليـاه العذبـة وتوافرها عبر ما ييل‪:‬‬
‫ـ كميـة امليـاه املسـتخدمة ونسـبتها املئوية من إمجـايل الثروة املائيـة املتوافرة‪،‬‬
‫وكثافة اسـتخدام املياه حسـب النشـاط االقتصادي‪.‬‬
‫ـ جـودة امليـاه وخلوهـا مـن امللوثـات العضوية‪ ،‬ومـدى التقـدم يف معاجلة‬
‫ميـاه الصرف الصحـي التي تقـوم هبـا الدولة‪.‬‬

‫‪ 11 .3‬التنوع األحيائي‬
‫فاحلفـاظ على التنـوع األحيائـي لكوكـب األرض واجـب أخالقـي عىل‬
‫اإلنسـان الـذي ـ بحسـب تقريـر األمـم املتحـدة املسـمى «نظـرة على التنـوع‬
‫البيولوجـي العاملـي» ـ تسـبب يف نتائـج مدمـرة؛ حيـث يقـول التقريـر‪« :‬نحـن‬
‫مسـؤولون حال ًّيـا عـن سـادس أكبر حـاالت االنقـراض يف تاريـخ الكـرة‬
‫األرضيـة‪ ،‬واألكبر منـذ انقـراض الديناصـورات قبـل ‪ 65‬مليـون عـام»‪.‬‬
‫واحلفـاظ على التنـوع األحيائـي هـو يف احلقيقـة حتـدٍّ هيـدد وجـود اإلنسـان‬
‫أساسـا؛ حيث ال يمكن اسـتمرار احلياة مـن دون اكتامل الـدورة الطبيعية‪ ،‬وأي‬
‫ً‬
‫خلـل سـوف يـؤدي إىل توقفهـا‪ ،‬وبالتايل توقـف احليـاة برمتها‪ .‬مـن أجل ذلك‬
‫حـرص القائمـون على الدليـل أن يشـمل مـؤرشات تعنـى وتركز عىل مـا ييل‪:‬‬
‫ـ النظام البيئي ومدى االهتامم بإنشاء وإدارة املحميات الطبيعية‪.‬‬
‫ـ املحافظة عىل التنوع البيولوجي ومحاية األنواع املهددة باالنقراض‪.‬‬

‫‪ 12 . 3‬التنمية االقتصادية‬
‫وهـي أقـدم أنـواع التنميـة املعروفـة وعمودهـا احلقيقي‪ ،‬ولكـن ُينظر‬
‫إليهـا اليـوم بنظـرة جديـدة وخمتلفة يف هـذا الدليل؛ فزيـادة الدخـل والنمو‬

‫‪322‬‬
‫أثبـت التاريـخ أهنـا مـن املعايير القـارصة يف حتقيـق التنميـة احلقيقيـة التي‬
‫ينشـدها اإلنسـان؛ لـذا يتم الرتكيـز يف هـذا اجلانب عىل كثري مـن املؤرشات‬
‫املتنوعـة مثل‪:‬‬
‫ـ نسبة إسهام الفرد يف الناتج املحيل اإلمجايل‪.‬‬
‫ـ قياس التوجه لالدخار‪.‬‬
‫ـ حصة االستثامر من الناتج اإلمجايل‪.‬‬
‫ـ معدالت التضخم املسجلة سنو ًّيا‪.‬‬
‫ـ نسبة الدين العام إىل إمجايل الدخل القومي‪.‬‬
‫ـ نسـبة القـوى العاملـة إىل إمجـايل السـكان ومـا يتبعها من مـؤرشات مهمة‬
‫مثـل نسـب اإلعالة ونسـب اإلنتاجيـة وعاملة املـرأة واضطهـاد العاملة‪.‬‬
‫ـ قيـاس التطـور يف تقنيـة املعلومـات واالتصـاالت عبر حتديـد عـدد‬
‫مسـتخدمي شـبكة اإلنرتنـت واهلاتـف اجلـوال‪.‬‬
‫ـ قيـاس نسـبة اإلنفـاق على البحـث العلمـي يف الدولة من إمجـايل اإلنفاق‬
‫العام‪.‬‬
‫ـ مسامهة القطاع السياحي يف الناتج املحيل اإلمجايل‪.‬‬

‫‪13 . 3‬املشاركة يف االقتصاد العاملي‬


‫لقـد أصبـح العـامل ـ كام يقـال ـ قرية كونية‪ ،‬يتأثر بشـكل رسيـع ببعضه‬
‫البعـض‪ ،‬خاصـة يف املجـال االقتصـادي‪ ..‬هـذه التأثيرات هلـا دور كبير‬
‫يف حتقيـق التنميـة املسـتدامة جلميـع املجتمعـات‪ ،‬وهـذا مـا يتم قياسـه عرب‬
‫معياريـن رئيسين‪ ،‬مها‪:‬‬
‫ـ التجـارة عبر الـواردات والصادرات‪ ،‬ونسـبة العجز يف احلسـاب اجلاري‬

‫‪323‬‬
‫للدولـة وصـايف تدفقات االسـتثامر األجنبي الـوارد للدولة‪.‬‬
‫ـ التمويـل اخلارجـي الـذي حتصل عليه الدولـة ونسـبته إىل الدخل القومي‬
‫وأيضا قياس نسـبة التحويلات إىل إمجايل الدخـل القومي‪.‬‬
‫اإلمجـايل‪ً ،‬‬
‫‪14 .3‬أنامط االستهالك واإلنتاج‬
‫عما نعانيـه اليـوم مـن‬
‫هـذه األنماط يمكـن اعتبارهـا املسـؤول األول َّ‬
‫اختلاالت تنمويـة وبيئيـة مدمـرة‪ ،‬ويركز الدليـل يف هذا اجلانب على ما ييل‪:‬‬
‫ـ قياس استخدامات الطاقة السنوي‪ ،‬وحصة الطاقة املستدامة منها‪.‬‬
‫ـ استهالك اخلامات‪.‬‬
‫ـ توليد النفايات ومعاجلتها وإدارهتا‪.‬‬
‫ـ نوعية وسـائل النقـل املتوافرة للركاب والبضائع ومدى كفاية اسـتهالكها‬
‫للوقود‪.‬‬
‫وال شـك يف أن إعداد هـذه التقارير يتطلب جهـو ًدا كبرية من املنظامت‬
‫احلكوميـة كافـة‪ ،‬التي جيـب أن تعمل بشـكل متناغم ومتناسـق مـع بعضها‬
‫البعـض يف توفير البيانـات اخلـام التـي مـن خالهلـا تتـم صياغـة التقريـر‪،‬‬
‫وبالتـايل مسـاعدة األجهزة املحليـة واملنظامت الدولية يف رسـم السياسـات‬
‫واخلطـط التنمويـة املختلفة‪.‬‬

‫‪ .4‬تقريـر التنميـة البرشية لسـنة ‪2013‬م حـول «هنضة‬


‫والتقـدم البرشي يف عـامل متنوع»‬
‫ّ‬ ‫اجلنـوب‬
‫يعـد تقريـر التنميـة البرشيـة أحـد أشـهر التقاريـر التـي تصدرهـا‬
‫منظمـة األمـم املتحدة بشـكل سـنوي‪ ،‬ويصدر عبر برنامج األمـم املتحدة‬

‫‪324‬‬
‫اإلنامئـي (‪ )UNDP‬الذي تأسـس سـنة ‪1966‬م‪ ،‬وهذا الربنامـج يعمل عىل‬
‫مسـاعدة الـدول يف إجيـاد وتبـادل احللول اخلاصـة هبا يف املجـاالت األربعة‬
‫الرئيسـة التـي ُيعنـى هبـا الربنامـج‪ ،‬وهـي‪ :‬احلكـم الديمقراطـي‪ ،‬مكافحة‬
‫الفقـر‪ ،‬اإلنعـاش ومنع األزمـات‪ ،‬البيئة والطاقـة‪ .‬وال يغفـل التقرير قضايا‬
‫تنمويـة أخـرى ذات أولويـة مثل‪ :‬مكافحة فيروس نقص املناعة املكتسـب‬
‫(اإليـدز)‪ ،‬املسـاواة بني اجلنسين‪ ،‬محاية حقوق اإلنسـان‪ ،‬حتقيـق األهداف‬
‫اإلنامئيـة لأللفيـة الثالثة‪.‬‬
‫ويتضمـن تقريـر التنميـة البرشيـة (لسـنة ‪2013‬م) الذي شـمل ‪187‬‬
‫وإقليما‪ ،‬مخسـة فصول رئيسـة هي‪:‬‬‫ً‬ ‫بلـدً ا‬
‫‪ ١‬ـ حالة التنمية البرشية‪.‬‬
‫‪ ٢‬ـ اجلنوب يف قلب العامل‪.‬‬
‫‪ ٣‬ـ قيادة التحوالت التنموية‪.‬‬
‫‪ ٤‬ـ املحافظة عىل الزخم‪.‬‬
‫‪ ٥‬ـ احلكم والرشاكة يف عرص جديد‪.‬‬
‫كما أشـار تقريـر التنميـة البرشيـة احلـايل (لسـنة ‪2013‬م) إىل أن مجيـع‬
‫البلـدان حققـت‪ ،‬يف العقـد املايض‪ ،‬إنجـازات متسـارعة يف التعليـم والصحة‬
‫والدخـل‪ ،‬حسـب مقاييس دليـل التنميـة البرشية‪ ،‬كام سـجلت البلـدان ذات‬
‫التنميـة البرشيـة املتدنيـة تقدّ ًمـا رسي ًعـا‪ ،‬أسـهم يف حتقيـق تقـارب يف أرقـام‬
‫الدليـل بين خمتلـف بلـدان العـامل‪ ،‬مـع ّ‬
‫أن التقـدم كان متفاوتًا ضمـن مناطق‬
‫الدليـل وفيما بينها‪.‬‬
‫وحسـب التوقعات التي يتضمنهـا هذا التقرير‪ ،‬سـتتمكن ثالث دول‪،‬‬
‫هـي الربازيـل والصين واهلنـد‪ ،‬بحلـول عـام ‪2020‬م مـن جتـاوز جممـوع‬

‫‪325‬‬
‫إنتـاج أملانيـا وإيطاليا وفرنسـا وكنـدا واململكـة املتحدة والواليـات املتحدة‬
‫األمريكيـة‪ .‬وينبـه التقريـر إىل أن النمـو االقتصـادي وحـده ال حيقـق تقدّ ًما‬
‫تلقائ ًّيـا يف التنميـة البرشيـة؛ فالسياسـات التنمويـة احلقيقيـة التـي ينبغي أن‬
‫تُنتهـج تقـوم على حماربـة الفقـر واالسـتثامر يف إمكانـات األفـراد‪ ،‬بالرتكيز‬
‫على الرفـع مـن مسـتويات التعليـم والتغذيـة والصحـة والدخل‪ ،‬بشـكل‬
‫متسـاو وعـادل بين مجيـع األفـراد؛ لـذا يقترح أربعة جمـاالت لالسـتمرار‬ ‫ٍ‬
‫بزخـم التقـدم اإلنامئـي‪ ،‬هـي‪ :‬املسـاواة بين اجلنسين‪ ،‬وإعلاء صـوت‬
‫الشـباب واملواطنين عمو ًمـا ومتكينهم مـن املشـاركة‪ ،‬ومواجهـة الضغوط‬
‫التغيرات الديموغرافية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫البيئيـة‪ ،‬ومعاجلـة‬
‫وجيـدر بالذكـر‪ ،‬أن برنامـج األمـم املتحـدة يف تقريره السـنوي يصنف‬
‫الدول بحسـب مـؤرش يرتاوح بني صفر و‪ ،1‬وينقسـم إىل ثالثة مسـتويات‪:‬‬
‫ـ مستوى ٍ‬
‫عال من التنمية البرشية‪ 0.84 :‬فأكثر‪.‬‬
‫ـ مستوى متوسط من التنمية البرشية‪ :‬بني ‪ 0.5‬و‪.0.77‬‬
‫ـ مستوى ضعيف من التنمية البرشية‪ :‬أقل من ‪.0.5‬‬
‫وعلى هـذا التصنيـف‪ ،‬تـم تقسـيم دول العـامل يف تقرير األمـم املتحدة‬
‫اإلنامئـي لعـام ‪2013‬م على النحـو التايل‪:‬‬
‫ـ ‪ 47‬دولة يف املستوى العايل جدًّ ا عىل مقاييس التنمية البرشية‪.‬‬
‫ـ ‪ 47‬دولة يف املستوى العايل عىل مقاييس التنمية البرشية‪.‬‬
‫ـ ‪ 47‬دولة يف املستوى املتوسط عىل مقاييس التنمية البرشية‪.‬‬
‫ـ ‪ 44‬دولة ضعيفة النمو عىل مقاييس التنمية البرشية‪.‬‬

‫‪326‬‬
‫‪ .5‬مـؤرشات ومعايير األهـداف اإلنامئيـة لأللفيـة‬
‫املسـتهدفة واملتحققـة‬
‫عملـت منظمـة األمم املتحـدة وأجهزهتا مع حكومـات دول العامل من‬
‫أجـل حتقيق التنمية املسـتدامة لكل البشر يف خمتلف أنحاء العـامل ومن أجل‬
‫هـذا اهلـدف‪ ،‬فقـد حشـدت جهودهـا وطاقاهتـا العتماد مـا أصبـح ُيعرف‬
‫بـ«األهـداف اإلنامئيـة لأللفيـة»‪ .‬ومتثـل األهـداف اإلنامئيـة لأللفيـة أنجح‬
‫مسـعى عاملـي يف التاريـخ ُّاتذ ملكافحـة الفقر‪ .‬لقـد ُأحرز تقـدّ م مهم وكبري‬
‫يف حتقيـق كثير مـن الغايـات‪ ،‬ومنهـا‪ :‬خفض عـدد الذيـن يعيشـون يف فقر‬
‫مدقع‪ ،‬ونسـبة األشـخاص الذين ال يمكنهم الوصول بصورة مسـتدامة إىل‬
‫حمسـنة‪ ،‬إىل النصف‪ .‬وشـهدت نسـبة سـكان األحيـاء الفقرية يف‬ ‫مياه رشب ّ‬
‫كبريا‪ .‬وحت ّققت مكاسـب كبيرة يف مكافحة املالريا‬‫انخفاضا ً‬
‫ً‬ ‫املـدن الكبيرة‬
‫والسـل‪ .‬وكانـت هنـاك حتسـينات ملموسـة يف مجيـع املجـاالت الصحيـة‪،‬‬
‫فضل عـن التعليـم االبتدائي‪.‬‬‫ً‬
‫وإيضاحـا للمنجـز مـن هـذه األهـداف؛ فـإن املنظمـة الدوليـة تصدر‬
‫ً‬
‫تقريـرا يبين املراحـل التـي تـم الوصـول إليهـا وحجـم اإلنجـاز‬
‫ً‬ ‫سـنو ًّيا‬
‫املتحقـق‪ ،‬ومما جـاء يف تقرير «األهـداف اإلنامئية لأللفيـة‪2013 ،‬م» ما ييل‪:‬‬
‫اهلدف األول «ختفيض معدالت اجلوع والفقر»‬
‫انخفضـت معدالت الفقـر إىل النصف‪ ،‬وكان عدد األشـخاص الذين‬
‫عاشـوا يف ظـروف مـن الفقـر املدقـع‪ ،‬يف عـام ‪2010‬م‪ ،‬يقل بحـوايل ‪700‬‬
‫مليـون شـخص عما كان عليـه يف عـام ‪1990‬م‪ .‬إال أن األزمـة االقتصادية‬
‫وسـعت الفجـوة العاملية يف الوظائـف بمقدار ‪ 67‬مليون شـخص‪.‬‬ ‫واملاليـة ّ‬

‫‪327‬‬
‫و‪ %60‬مـن هـؤالء يف العـامل النامـي ال يزالـون يكسـبون أقـل مـن أربعـة‬
‫دوالرات يف اليـوم وال يـزال هنـاك شـخص واحد من كل ثامنية أشـخاص‬
‫يبيـت ليلـه جائ ًعا على الرغم من التقـدّ م الكبري الذي ُأحـرز يف هذا الصدد‪.‬‬
‫وعلى الصعيـد العاملـي‪ ،‬هناك طفل واحـد تقري ًبا مـن كل سـتة أطفال دون‬
‫سـن اخلامسـة يعاين نقص الوزن‪ ،‬وطفـل واحد من كل أربعـة أطفال يعاين‬
‫التقـزم‪ .‬كما تشير التقديـرات إىل أن مـا يقدّ ر بنحـو ‪ ٪7‬من األطفـال دون‬
‫سـن اخلامسـة يف مجيـع أنحاء العـامل يعانـون اآلن زيادة الـوزن‪ ،‬وهو جانب‬
‫آخـر مـن جوانب سـوء التغذيـة ويعيش ربـع هـؤالء األطفـال يف إفريقيا ـ‬
‫جنـوب الصحـراء الكبرى‪ .‬أما األهـداف املرسـومة يف هـذا اجلانب فهي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ختفيض نسـبة السـكان الذين ّ‬
‫يقـل دخلهم اليومي عـن دوالر واحد إىل‬
‫النصـف يف الفرتة ما بين ‪1990‬م و‪2015‬م‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ توفير العاملـة الكاملـة واملنتجـة والعمـل الالئـق للجميـع‪ ،‬بمـن فيهم‬
‫النسـاء والشباب‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ختفيـض نسـبة السـكان الذيـن يعانـون اجلـوع إىل النصـف يف الفرتة ما‬
‫بين ‪1990‬م و‪2015‬م‪.‬‬
‫وال يـزال هـذا اهلـدف يبدو بعيـد املنـال يف الوقت احلايل؛ حيث تشير‬
‫كثيرا من اجلهـود التي ينبغـي أن تُبذل‬
‫ً‬ ‫أكثـر التقاريـر التنمويـة إىل أن هناك‬
‫لتحقيق هـذا اهلدف‪.‬‬
‫اهلدف الثاين «تعميم التعليم االبتدائي»‬
‫كان هنـاك ‪ 57‬مليـون طفـل يف سـن االلتحـاق بالتعليـم االبتدائـي‬
‫خـارج املـدارس يف عـام ‪2011‬م بعـد أن كان هـذا العـدد قـد بلـغ ‪102‬‬

‫‪328‬‬
‫مليـون طفـل يف عـام ‪2000‬م‪ ،‬ويعيـش أكثر مـن نصف هـؤالء األطفال ـ‬
‫غير امللتحقين باملـدارس ـ يف إفريقيـا جنـوب الصحـراء الكبرى‪.‬‬
‫وعلى الصعيـد العاملـي‪ ،‬يفتقـر ‪ 123‬مليـون شـاب ـ ممـن تتراوح‬
‫أعامرهـم بين ‪ 15‬و‪ 24‬عا ًمـا ـ إىل مهـارات القـراءة والكتابـة األساسـية؛‬
‫وتشـكّل الفتيـات ‪ %61‬مـن هـؤالء‪.‬‬
‫أمـا املسـتهدف يف هـذا املجال فقـد كان إجيـاد كفالة متكِّـن األطفال يف‬
‫كل مـكان‪ ،‬سـواء الذكـور أو اإلنـاث‪ ،‬من إمتام مرحلـة التعليـم االبتدائي‪،‬‬
‫بحلول عـام ‪2015‬م‪.‬‬
‫اهلدف الثالث «تعزيز املساواة بني اجلنسني ومتكني املرأة»‬
‫املسـاواة بين اجلنسين هـي أقـرب مـا تكـون إىل التحقيـق يف التعليـم‬
‫االبتدائـي؛ ومـع ذلـك مل حي ّقق هذا اهلـدف‪ ،‬يف مجيع مراحل التعليم‪ ،‬سـوى‬
‫بلديـن اثنين مـن ‪ 130‬بلـدً ا‪ .‬على الصعيـد العاملـي تشـغل النسـاء ‪ 40‬إىل‬
‫‪ 100‬فرصـة عمـل لقـاء أجـر يف القطاعـات غير الزراعيـة‪ .‬ويف ‪ 31‬ينايـر‬
‫‪2013‬م‪ ،‬كان متوسـط نسـبة النسـاء األعضـاء يف الربملانـات يف مجيع أنحاء‬
‫العـامل يزيـد ً‬
‫قليل على ‪.٪20‬‬
‫أمـا املسـتهدَ ف يف هـذا املجال فقـد كان إزالة التفاوت بني اجلنسين يف‬
‫اعتبـارا من عـام ‪2005‬م ويف مجيـع املراحل‬
‫ً‬ ‫التعليـم االبتدائـي والثانـوي‪،‬‬
‫يف عام ‪2015‬م‪.‬‬
‫اهلدف الرابع «تقليل وفيات األطفال»‬
‫انخفـض معـدّ ل وفيات األطفـال منذ عـام ‪1990‬م بنسـبة ‪ ،%41‬أي‬
‫أن عـدد األطفـال الذيـن يموتـون ّ‬
‫يقـل بمقـدار ‪ 14.000‬طفـل كل يوم‪.‬‬

‫‪329‬‬
‫ومـع ذلـك‪ ،‬ففـي عام ‪ 2011‬تـويف ‪ 6.9‬ماليني طفل دون سـن اخلامسـة‪،‬‬
‫معظمهـم نتيجـة أمـراض يمكـن الوقايـة منهـا‪ .‬ويف إفريقيـا ـ جنـوب‬
‫الصحـراء الكبرى ـ يمـوت طفـل واحـد مـن كل ‪ 9‬أطفـال قبـل أن يبلـغ‬
‫سـ ّن اخلامسـة‪ ،‬أي بام يزيـد ‪ 16‬مرة على املتوسـط مقارنة باملناطـق متقدّ مة‬
‫النمـو؛ بفضـل اللقاحـات املضـا ّدة للحصبة‪ ،‬وتـم جتنّب وقـوع ‪ 10‬ماليني‬
‫حالـة وفـاة منذ عـام ‪2000‬م‪.‬‬
‫أما املسـتهدف يف هذا املجـال فقد كان ختفيض معـدّ ل وفيات األطفال‬
‫دون سـن اخلامسـة إىل ال ُثلثني يف الفرتة من ‪١٩٩٠‬م إىل ‪2015‬م‪.‬‬
‫اهلدف اخلامس «حتسني الصحة النفاسية»‬
‫يف رشق وجنـوب آسـيا وشمال أفريقيـا‪ ،‬انخفـض معـدّ ل الوفيـات‬
‫النفاسـية بحـوايل الثلثين‪ .‬ويف املناطـق الناميـة ال حيصـل سـوى نصـف‬
‫النسـاء احلوامـل عىل احلـد األدنى املوىص بـه من زيـارات املتابعـة؛ لتقديم‬
‫الرعايـة يف الفترة السـابقة للوالدة‪ ،‬وهـو أربع زيارات‪ .‬وهنـاك نحو ‪140‬‬
‫مليـون امـرأة يف مجيـع أنحـاء العامل ُيعلـ ّن عن رغبتهـن يف تأجيـل احلمل أو‬
‫تفاديـه‪ ،‬وإن كـ ّن ال يسـتخدمن وسـائل منـع احلمـل‪ .‬ومـا يقـرب من ‪50‬‬
‫مليـون امـرأة يف مجيـع أنحـاء العـامل مازلـن يلـدن وحدهـن بغيـاب رعايـة‬
‫ماهرة‪.‬‬
‫أمـا املسـتهدف يف هـذا املجـال فقـد كان ختفيـض معـدّ ل الوفيـات‬
‫النفاسـية بمقـدار ثالثـة أربـاع‪ ،‬يف الفترة بين ‪١٩٩٠‬م و‪2015‬م‪ ،‬وتعميم‬
‫إتاحـة خدمـات الصحـة اإلنجابيـة بحلـول عـام ‪٢٠١٥‬م‪.‬‬

‫‪330‬‬
‫اهلدف السادس «مكافحة فريوس نقص املناعة البرشية (اإليدز)‬
‫واملالريا وغريمها من األمراض»‬
‫يف عـام ‪2011‬م‪ ،‬قـل عـدد األطفـال دون سـن الــ‪ 15‬الذيـن أصيبوا‬
‫عما كان عليه يف‬
‫بفيروس نقـص املناعة املكتسـبة بمقـدار ‪ 230‬ألـف طفل َّ‬
‫عالجا‬
‫ً‬ ‫عـام ‪ ،2001‬يف هناية عام ‪2011‬م كان ثامنية ماليني شـخص يتل ّقون‬
‫تم‬
‫مـن فيروس نقـص املناعة املكتسـبة‪ .‬يف العقـد الذي بـدأ بعـام ‪َّ ،2000‬‬
‫تفـادي وقـوع ‪ 1.1‬مليـون وفاة من املالريـا‪ .‬أن َقذ عالج اإلصابات بالسـل‬
‫حيـاة نحـو ‪ 20‬مليون شـخص بني عامـي ‪1995‬م و‪2011‬م‪.‬‬
‫أما املستهدف يف هذا املجال فهو ما ييل‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ وقـف انتشـار فيروس نقـص املناعـة البرشيـة (اإليـدز) بحلـول عـام‬
‫اعتبـارا مـن ذلـك التاريـخ‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪2015‬م وبـدء انحسـاره‬
‫‪ 2‬ـ تعميـم إتاحـة العلاج مـن فيروس نقـص املناعـة املكتسـبة (اإليـدز)‬
‫بحلـول عـام ‪2010‬م جلميـع مـن حيتاجونـه‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ وقـف انتشـار املالريـا وغريهـا مـن األمـراض الرئيسـة بحلـول هـذا‬
‫اعتبـارا مـن ذلـك التاريـخ‪.‬‬
‫ً‬ ‫العـام ‪2015‬م وبـدء انحسـارها‬
‫اهلدف السابع «كفالة االستدامة البيئية»‬
‫زادت انبعاثـات غـازات الدفيئـة منـذ عـام ‪1990‬م‪ ،‬بنسـبة تزيد عىل‬
‫‪ ،%43‬وقـد تـم اسـتنفاد مـا يقرب مـن ثلـث األرصـدة السـمكية البحرية‬
‫ٍ‬
‫بشـكل مفـرط وهناك كثير من األجنـاس املهـدّ دة باالنقراض على الرغم‬
‫مـن حـدوث زيـادة يف املناطـق املحميـة‪ ،‬وبلـغ عـدد الذيـن تيسرت هلـم‬
‫حمسـنة مـا يربو عىل‬
‫إمكانـات الوصـول إىل مصـادر ميـاه ومرافـق صحيـة ّ‬
‫‪ 2.1‬بليـون و‪ 1.9‬بليـون شـخص عىل التـوايل‪ ،‬منذ عام ‪1990‬م‪ .‬وتشير‬

‫‪331‬‬
‫التقديـرات إىل أن ‪ 863‬مليـون شـخص يعيشـون يف أحيـاء فقيرة يف العامل‬
‫النامي‪.‬‬
‫أما املستهدف يف هذا املجال فهو ما ييل‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ إدمـاج مبـادئ التنميـة املسـتدامة يف السياسـات والربامـج القطريـة‬
‫وانحسـار فقـدان املـوارد البيئيـة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ احلـدّ بقـدر ملمـوس من معـدّ ل فقدان التنـوع البيولوجـي بحلول عام‬
‫‪2010‬م‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ختفيـض نسـبة األشـخاص الذيـن ال يمكنهـم احلصـول باسـتمرار‬
‫على ميـاه الشرب املأمونة وخدمـات الصرف الصحي األساسـية إىل‬
‫النصـف بحلـول عـام ‪2015‬م‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ حتقيـق حتسين كبير بحلـول عـام ‪2020‬م ملعيشـة ما ال يقـل عن ‪100‬‬
‫مليـون من سـكان األحيـاء الفقرية‪.‬‬
‫اهلدف الثامن «إقامة رشاكة عاملية من أجل التنمية املستدامة»‬
‫بلغت املسـاعدة اإلنامئية الرسـمية ‪ 126‬بليـون دوالر يف عام ‪2012‬م‪،‬‬
‫نمـوا تدخل البلـدان متقدّ مة النمو‬
‫كما أن ‪ %83‬مـن صادرات أقـل البلدان ًّ‬
‫تسـتهلك خدمـة ديـون البلـدان الناميـة إال‬‫ِ‬ ‫مـن دون رسـوم مجركيـة‪ ،‬وال‬
‫‪ %3‬مـن عائداهتـا من الصـادرات يف العـامل النامـي‪ ،‬بينام ‪ %31‬من السـكان‬
‫يسـتخدمون اإلنرتنـت‪ ،‬مقابـل ‪ % 77‬يف العامل متقـدّ م النمو‪.‬‬
‫أما املستهدف يف هذا املجال فهو ما ييل‪:‬‬
‫نموا والبلـدان النامية غري‬
‫‪ 1‬ـ معاجلـة االحتياجـات اخلاصـة ألقل البلـدان ًّ‬
‫السـاحلية والدول اجلزرية الصغيرة النامية‪.‬‬

‫‪332‬‬
‫‪ 2‬ـ املضي يف إقامـة نظـام جتـاري ومايل يتَّسـم باالنفتـاح والتق ّيـد بالقواعد‬
‫والقابليـة للتنبـؤ به وعـدم التمييز‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ املعاجلة الشاملة ملشكالت ديون البلدان النامية‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ التعـاون مـع القطـاع اخلـاص إلتاحـة فوائـد التكنولوجيـا اجلديـدة‪،‬‬
‫وبخاصـة تكنولوجيـا املعلومـات واالتصـاالت‪.‬‬

‫‪ .6‬مؤرشات التنمية املستدامة وتطبيقاهتا يف املنطقة العربية‬


‫ترجـع بدايـة اهتامم الـدول العربية بمفاهيـم التنمية املسـتدامة وأمهية‬
‫تبنيهـا يف خططهـا الوطنيـة واالسـتفادة مـن الدراسـات واالتفاقـات‬
‫الدوليـة يف هـذا اجلانـب إىل عـام ‪1999‬م؛ وحيـث ُعقـد املؤمتـر العـريب‬
‫األول بجامعـة الـدول العربيـة حـول املـؤرشات البيئية ودورهـا يف صنع‬
‫القـرار‪ ،‬وشـارك فيـه عدد كبري مـن ممثيل الـدول العربية وخبراء املنظامت‬
‫العربيـة واإلقليميـة والدوليـة ذات العالقـة‪ ،‬وتـم خاللـه وضـع قائمـة‬
‫باملـؤرشات البيئيـة األساسـية املختـارة‪ ،‬التـي شـملت كذلـك عـد ًدا من‬
‫املـؤرشات االجتامعيـة واالقتصاديـة (‪.)Arab sttes UNDDP.org‬‬

‫أمـا االعتماد الرسـمي فـكان يف القمـة العربية بتونـس ملبـادرة التنمية‬


‫املسـتدامة يف املنطقـة العربيـة التي أجازهتـا القمـة العاملية للتنمية املسـتدامة‬
‫يف جوهانسبرج ‪2002‬م والتـي كان هلـا مفعـول كبير يف الدفـع قد ًما نحو‬
‫تبنـي املـؤرشات التنمويـة العامليـة بصيغـة حمليـة تناسـب أوضـاع البلـدان‬
‫العربيـة وقدراهتـا التنمويـة؛ حيـث ُطلب من الـدول العربية موافـاة األمانة‬
‫العامـة باملبـادرات الوطنيـة املعنيـة بتعزيـز القـدرات يف جمـال املعلومـات‬
‫البيئيـة‪ ،‬سـواء القائـم منها أو املسـتجدات بغـرض تشـجيعها والرتويج هلا‬
‫والعمـل على التنسـيق والتكامـل بينهـا واالسـتفادة مـن اخلربة املكتسـبة‪،‬‬

‫‪333‬‬
‫هـذا باإلضافـة إىل عقـد جمموعة عمـل لتقويم خمرجـات ما سـبق أن تم من‬
‫أنشـطة حول مـؤرشات البيئـة والتنمية املسـتدامة وحتديد حزمـة املؤرشات‬
‫ذات األولويـة للقطاعـات املختلفـة (املكتـب العـريب للشـباب والبيئة)‪.‬‬
‫كبريا أمـام صناع‬
‫وال شـك أن اعتماد املـؤرشات العامليـة يمثـل حتد ًيـا ً‬
‫القـرار يف مجيـع دول العـامل العـريب‪ ،‬ولوصـف حالـة هـذه الـدول جـاء يف‬
‫صـدر تقريـر التنميـة اإلنسـانية العربيـة الصادر عـن برنامج األمـم املتحدة‬
‫اإلنامئـي اإليضاح التـايل‪ :‬تواجـه املنطقة العربيـة‪ ،‬وراء األحـداث اليومية‪،‬‬
‫رئيسـا حتتـاج فيـه إىل تقييـم مسـتقل؛ حيـث إن التشـخيص‬ ‫مفترق طـرق ً‬
‫الدقيـق ألي مشـكلة هو جـزء مهم من حلهـا‪ ..‬ومن هنا فإن غنـى التحليل‬
‫املوضوعـي وغير املتحيـز الذي حيتويـه تقرير التنميـة اإلنسـانية العربية هو‬
‫جـزء من إسـهامنا للشـعوب العربية وصانعي السياسـة العـرب يف البحث‬
‫عن مسـتقبل أكثـر إرشا ًقا‪.‬‬
‫ملموسـا يف كثري‬
‫ً‬ ‫تطورا‬
‫ً‬ ‫وعلى الرغـم من إحراز معظـم الدول العربيـة‬
‫مـن نواحـي التنميـة اإلنسـانية‪ ،‬ومتكنهـا مـن ختفيـض معـدل الفقـر وعدم‬
‫املسـاواة بشـكل كبير يف القـرن العرشيـن‪ ،‬وقدرهتـا على حتقيق ذلـك مرة‬
‫أخـرى يف القـرن احلـادي والعرشين‪ ،‬فإهنـا مل تتطور بالرسعـة التي تطورت‬
‫هبـا مناطـق أخـرى‪ ،‬ويعـود ذلـك بشـكل رئيـس الفتقـار املؤسسـات‬
‫احلكوميـة للشـفافية واملسـاءلة‪ .‬كذلـك نجـد أن مشـاركة املـرأة يف العمـل‬
‫واحليـاة السياسـية واملهنيـة أقـل ممـا هي عليـه يف بلـدان العـامل األخرى‪.‬‬
‫ونتيجـة جلهود الـدول العربية وسـعيها للنهـوض بمجتمعاهتـا وإيامنًا‬
‫مـن مسـؤوليها بأمهيـة السـعي اجلـاد نحو حتقيـق تنمية مسـتدامة واسـتنا ًدا‬
‫إىل قـرار جملـس الـوزراء العـرب املعنـي بالبيئـة وإنشـاء مـؤرشات التنمية‬

‫‪334‬‬
‫املسـتدامة يف الـدول العربيـة عـام ‪2004‬م‪ ،‬اجتمـع اخلبراء العـرب يف‬
‫القاهـرة عـام ‪2005‬م لوضع حزمـة مؤرشات البيئـة والتنمية املسـتدامة يف‬
‫مقـر األمانـة العامـة جلامعـة الـدول العربية‪.‬‬
‫وثمـر ًة للتعاون والتنسـيق بني اجلامعـة العربية ومنظمـة األمم املتحدة‬
‫فقـد ظهرت وثيقة أممية يف سـبتمرب عـام ‪2013‬م بعنوان «مـؤرشات التنمية‬
‫املسـتدامة يف املنطقـة العربية وربطهـا بأهداف التنمية املسـتدامة العاملية»‪.‬‬
‫وباسـتعراض أبـرز مـا جـاء يف هـذه الوثيقة‪ ،‬نجـد أنه يف عـام ‪2012‬م‬
‫تـم وضـع املبـادئ التوجيهيـة واملنهجيـات ملـؤرشات التنميـة املسـتدامة‬
‫للمنطقـة العربيـة‪ ،‬مؤلفـة مـن ‪ 3‬فئـات أساسـية (املـؤرشات االجتامعيـة‪،‬‬
‫املـؤرشات البيئيـة‪ ،‬املـؤرشات االقتصاديـة)‪ .‬واختتمـت الوثيقـة باملالحظة‬
‫التاليـة‪« :‬تـم اإلمجـاع على صعوبـة جتميع ونشر هـذا العدد مـن املؤرشات‬
‫سـنو ًّيا‪ ،‬فتم االتفاق والتشـاور خلال االجتامع الثـاين لفريـق العمل العريب‬
‫مـؤرشا ليتم‬
‫ً‬ ‫املعنـي بالبيئـة والتنميـة املسـتدامة يف نوفمبر ‪2012‬م على ‪44‬‬
‫إرسـاهلا سـنو ًّيا إىل جامعـة الـدول العربية»‪.‬‬
‫وقـد علـق برنامـج األمـم املتحـدة اإلنامئـي يف الـدول العربيـة على‬
‫اجلهـود العربيـة التنمويـة بالنقـاط التاليـة‪:‬‬
‫ـ إن البلـدان العربيـة تسير عىل املسـار الصحيح فيام يتعلق بتخفيض نسـبة‬
‫من يعيشـون عىل أقل مـن ‪ 1.25‬دوالر يف اليـوم إىل النصف‪.‬‬
‫ـ فيما يتعلـق بتحقيـق هـدف التعليـم االبتدائـي الشـامل‪ ،‬شـهدت املنطقة‬
‫العربيـة حتسـنًا يف صـايف معـدالت االلتحـاق باملـدارس ومعـدالت حمـو‬
‫أميـة الفتيـان والفتيـات والشـباب الذيـن تتراوح أعامرهم بين ‪15‬و‪24‬‬
‫سـنة واملسـاواة بين اجلنسين يف التعليـم االبتدائي‪.‬‬

‫‪335‬‬
‫ـ تظـل مشـاركة املـرأة االقتصاديـة والسياسـية حمـدودة جـدًّ ا يف املنطقـة‬
‫العربيـة‪.‬‬
‫ـ انخفـض معـدل وفيـات األطفال دون سـن اخلامسـة بمقـدار النصف يف‬
‫املنطقـة العربيـة خالل الفترة مـن ‪1990‬م إىل ‪2008‬م‪.‬‬
‫ـ توجـد تباينـات كبيرة يف ختفيـض معـدالت وفيـات األمهات بين بلدان‬
‫املنطقـة؛ حيـث تتراوح بين مسـتويات دون ‪ 10‬وفيات لـكل ‪ 100‬ألف‬
‫مولـود حـي يف بعـض البلـدان اخلليجيـة ونحـو ‪ 1600‬وفاة لـكل ‪100‬‬
‫ألـف مولـود حـي يف الصومال‪.‬‬
‫ـ ال تسـهم املنطقـة العربيـة ككل إال بما يقـل عـن ‪ ٪5‬مـن انبعاثـات ثـاين‬
‫أكسـيد الكربـون على مسـتوى العـامل‪ ،‬لكن آثـار تغير املناخ على املنطقة‬
‫موضـع قلق كبري بالنسـبة لواضعي السياسـات الذين يدركـون أن املنطقة‬
‫العربية سـتتأثر سـل ًبا بتغير املناخ‪.‬‬
‫نسـتطيع ممـا تقدم تلمـس اجلهود التـي تبذهلا الـدول العربيـة يف حتقيق‬
‫التنميـة املسـتدامة لشـعوهبا وللعـامل أمجـع‪ ،‬وذلـك بالتنسـيق مـع املنظامت‬
‫الدوليـة املتخصصـة‪ .‬ولإلحاطـة بشيء مـن هـذه اجلهـود سـوف نتنـاول‬
‫جتربـة اململكـة العربيـة السـعودية يف هـذا املجـال يف الصفحـات التاليـة‪.‬‬

‫‪ . 7‬تطبيقـات مـؤرشات التنميـة املسـتدامة يف اململكـة‬


‫العربيـة السـعودية‬
‫أولـت اململكـة‪ ،‬كغريهـا من الـدول العربية‪ ،‬قضايـا التنمية املسـتدامة‬
‫عنايـة كبيرة وأدخلـت مفاهيمهـا وأبعادهـا ومؤرشاهتا يف صميـم خططها‬
‫اإلستراتيجية؛ حيـث أوكلـت هـذه املهمـة إىل وزارة االقتصـاد والتخطيط‬

‫‪336‬‬
‫التـي قامـت بإعـداد التقاريـر السـنوية بالتعـاون الوثيـق مـع األجهـزة‬
‫أيضـا مـع الربنامـج اإلنامئي لألمـم املتحدة‪.‬‬
‫احلكوميـة املعنيـة‪ ،‬وبالتعـاون ً‬
‫ويرصـد هـذا التقريـر التقـدم الـذي أحرزتـه اململكـة العربية السـعودية يف‬
‫حتقيـق األهـداف التنمويـة لأللفيـة على أربعة مسـتويات‪:‬‬
‫املسـتوى األول‪ :‬التطـور يف البيئـة املعلوماتية‪ ،‬وما يمكنه مـن ترسيع حتقيق‬
‫األهـداف التنمويـة لأللفيـة‪ ،‬مـن خلال التوسـع الكبير يف قواعد‬
‫املعلومات‪.‬‬
‫املسـتوى الثـاين‪ :‬التكامل التنموي بين األهداف التنمويـة لأللفية والتنمية‬
‫املسـتدامة‪ ،‬ويتحقـق ذلـك مـن خلال خطـط التنميـة عمو ًمـا‪،‬‬
‫واخلطتين الثامنـة والتاسـعة على وجـه اخلصـوص‪.‬‬
‫املسـتوى الثالـث‪ :‬اجلهـد الـدؤوب نحـو حتقيـق ـ بـل جتـاوز ـ األهـداف‬
‫املعتمـدة قبـل حلـول املوعـد الزمنـي املحـدد لتحقيقهـا مـن قبـل‬
‫األمـم املتحـدة‪.‬‬
‫دعم‬
‫املسـتوى الرابـع‪ :‬التطور يف املسـاعدات اإلنامئيـة التي تقدمهـا اململكة ً‬
‫لتحقيـق األهداف التنمويـة لأللفية يف الـدول النامية‪.‬‬
‫وتشـكل خطـط التنمية للمملكـة حجر الزاويـة هلذه املسـاعي؛ حيث‬
‫إهنـا تعنـى بالعمـل على ترسـيخ هـذه املسـتويات األربعـة‪ ،‬ليـس فقـط‬
‫مـن خلال بلـورة الرؤيـة اإلستراتيجية وحشـد املـوارد البرشيـة واملاليـة‬
‫أيضا مـن خالل‬ ‫وتوجيههـا نحـو حتقيـق األهـداف التنمويـة لأللفيـة‪ ،‬بـل ً‬
‫حتقيـق التوافـق والرشاكـة بني اجلهديـن الوطنـي والعاملي يف خدمـة التنمية‬
‫الدوليـة والسلام العاملي‪.‬‬
‫ويتبين من متابعـة تنفيذ األهـداف التنموية لأللفيـة أن اململكة العربية‬

‫‪337‬‬
‫السـعودية قـد جتـاوزت السـقوف املعتمـدة إلنجـاز كثير مـن األهـداف‬
‫املحـددة‪ ،‬كما أهنا على طريق حتقيق عـدد آخر منهـا قبل املواعيـد املقرتحة‪،‬‬
‫بحلـول هـذا العـام ‪2015‬م حسـبام توضـح مـؤرشات النمـو احلاليـة‪،‬‬
‫وذلـك بحسـب تقريـر التنميـة عـام ‪2013‬م الصـادر مـن وزارة االقتصاد‬
‫والتخطيط السـعودية‪.‬‬
‫وجيـدر بالذكـر يف هذا السـياق أن اململكة قـد حققت نتائـج جيدة فيام‬
‫يتعلـق باألهداف املحـددة التالية‪:‬‬
‫ـ القضاء عىل الفقر املدقع‪.‬‬
‫ـ ضامن حصول مجيع األطفال من البنني والبنات عىل التعليم االبتدائي‪.‬‬
‫ـ إزالـة الفـوارق بني اجلنسين يف مجيع مراحـل التعليم االبتدائي واملتوسـط‬
‫والثانـوي واجلامعي‪.‬‬
‫ـ ختفيض وفيات األطفال دون اخلامسة من العمر‪.‬‬
‫ـ تعميم إتاحة خدمات الصحة اإلنجابية‪.‬‬
‫ـ ختفيض معدل وفيات األمهات يف أثناء الوالدة‪.‬‬
‫ـ ختفيض معدالت انتشار فريوس نقص املناعة البرشية املكتسب‪.‬‬
‫ـ تعميـم إتاحـة العلاج مـن فيروس نقـص املناعـة البرشيـة املكتسـب‬
‫(جلميـع مـن حيتاجونـه)‪.‬‬
‫ـ ختفيض معدالت انتشار املالريا واألمراض الرئيسة األخرى‪.‬‬
‫ـ ختفيض عدد األشـخاص الذين ال تتوافر هلم سـبل االسـتفادة املسـتديمة‬
‫من ميـاه الرشب اآلمنـة وخدمات الرصف الصحي األساسـية‪.‬‬
‫ـ حتسني حياة القاطنني يف األحياء السكنية العشوائية‪.‬‬

‫‪338‬‬
‫أمـا مـا يتعلـق باملحافظـة على البيئـة الطبيعيـة ومحايتهـا والعمـل‬
‫على اسـتدامتها‪ ،‬فقـد أنشـأت اململكـة إدارة خاصـة باسـم «إدارة التنميـة‬
‫املسـتدامة» تابعـة للرئاسـة العامـة لألرصـاد ومحايـة البيئـة‪ ،‬وأوكلـت هلذه‬
‫اإلدارة عمـل الدراسـات واألبحاث ورفـع التوصيات لألجهـزة احلكومية‬
‫املختلفـة فيما خيص شـؤون التنميـة املسـتدامة للبيئـة‪ ،‬وقد جـاء يف أهداف‬
‫إنشـائها مـا ييل‪:‬‬
‫ـ حتقيـق التنميـة املسـتدامة على أسـاس املواءمـة بين النشـاطات التنموية‬
‫ومحايـة البيئـة وتعزيزهـا وضامن اسـتمرارها‪.‬‬
‫ـ حتقيـق االنسـجام بني توافـر املوارد الطبيعيـة املتجددة وغير املتجددة من‬
‫جهـة‪ ،‬ومتطلبات التنمية املسـتدامة مـن جهة أخرى‪.‬‬
‫ـ حتقيـق دمـج أركان التنميـة املسـتدامة الثالثـة‪ :‬االقتصاديـة واالجتامعيـة‬
‫والبيئيـة‪ ،‬بشـكل فعال‪.‬‬
‫ـ حتقيـق غـرس مفاهيـم التنميـة املسـتدامة وثقافتهـا لـدى املجتمـع‬
‫واملؤسسـات العامـة واخلاصـة وصانعـي القـرار‪.‬‬
‫ـ حتقيـق التكامـل والتنسـيق بين اجلهـات العامـة واملعنيـة يف جمـال التنمية‬
‫املسـتدامة وإعـداد السياسـات واخلطـط املتعلقـة بالتنمية املسـتدامة‪.‬‬
‫ـ حتقيـق التكامل اإلقليمي والتنسـيق الدويل مع الـدول واملنظامت ذات العالقة‬
‫يف جمال التنمية املسـتدامة‪ ،‬ومتابعة التطـورات العاملية يف هذا املجال‪.‬‬
‫ويف سـبيل املحافظة عىل البيئة‪ ،‬قامت الرئاسـة بوضـع واعتامد جمموعة‬
‫مـن املعايير البيئيـة التـي ينبغـي االلتـزام هبـا مـن ِق َبـل األجهـزة احلكومية‬
‫ومـن ِق َبـل منظامت القطـاع اخلاص‪ ،‬كما وضعـت ً‬
‫أيضا الئحـة بالعقوبات‬
‫التـي تنتظـر املخالفني هلـذه املعايري‪.‬‬

‫‪339‬‬
‫‪ . 8‬اخلالصة‬
‫نجـد مما تقـدم أن الـدول واملنظمات أدركـت حقيقـة التنميـة وأهنا ال‬
‫تقتصر فقط على اجلانب االقتصـادي الذي جلـب الرتكيز عليـه يف العقود‬
‫كثيرا مـن الويالت التـي تعـاين تبعاهتا البرشيـة اليوم والتـي يؤكد‬
‫ً‬ ‫املاضيـة‬
‫ً‬
‫اشـكال وأبعا ًدا‬ ‫العلماء أهنـا يف ازديـاد وأن تأثرياهتـا تتطور وتتمـدد وتأخذ‬
‫جديـدة هتـدد اجلنـس البشري نفسـه بالفنـاء‪ ،‬مـا دفـع املنظمات الدوليـة‬
‫للتحـرك عىل أعىل املسـتويات إلجيـاد احللول وتبنـي املبـادرات وإدارة هذه‬
‫املخاطـر املتصاعدة‪.‬‬
‫لقـد كان استشـعار منظمة األمـم املتحدة بأمهية وضـع قواعد واضحة‬
‫جلميـع دول العـامل فيما ينبغـي هلـا انتهاجـه يف سـبيل املحافظة على التنمية‬
‫املسـتدامة واسـتمرارها وتطورهـا‪ ،‬هو الدافـع وراء إنشـاء جهازها اخلاص‬
‫بالتنميـة املسـتدامة‪ ،‬الـذي عمـل مـع غيره مـن أجهـزة األمـم املتحـدة يف‬
‫اجـراء الدراسـات وإصـدار التقاريـر وابتـكار القياسـات التـي تسـاعد‬
‫الـدول واحلكومـات يف حتقيـق أهدافها التنموية بشـكل يضمن االسـتدامة‬
‫فيهـا‪ ،‬وقـد عملـت املنظمـة الدولية عبر «شـعبة التنميـة املسـتدامة»‪ ،‬التي‬
‫بـدأت برناجمهـا لوضـع مـؤرشات التنميـة املسـتدامة منذ عـام ‪1994‬م‪.‬‬
‫ولعـل مـن نافلـة القـول‪ :‬إن ختطيـط وإدارة هـذه اجلهـود الدوليـة ال‬
‫يمكـن أن يسـتقيام وأن يؤتيـا ثامرمهـا إن مل يكونـا مبنيين على مـؤرشات‬
‫ومقاييـس يتـم حتديدهـا مـن قبـل اخلبراء واملختصين وأن يتـم تبنيهـا من‬
‫املنظمات الدوليـة ذات العالقـة‪.‬‬
‫ومـن خلال هـذا الفصـل تعرفنـا على التطـور التارخيي الـذي مرت‬

‫‪340‬‬
‫بـه صناعـة مـؤرشات التنميـة املسـتدامة حتـى وصلـت إىل مـا هـي عليـه‬
‫اليـوم مـن عنايـة بأبعـاد ومكونات متعـددة حتـاول أن تكـون أكثـر واقعية‬
‫وتعبيرا عـن األهـداف التـي تسـعى إليهـا الـدول واملجتمعـات يف سـبيل‬
‫ً‬
‫حتقيـق الغايـات الكبرى لإلنسـانية من رفاهيـة وسـعادة ورخـاء‪ ،‬وطب ًعا ـ‬
‫كأي جهـد بشري ـ يعرتهيا بعض أوجـه القصور أو عـدم املالءمة أو بعض‬
‫الصعوبـات يف التطبيـق‪ ،‬لكـن عجلـة التطويـر والتحديث والتنقيـح كفيلة‬
‫بإصلاح وتقويـم أي قصور‪.‬‬
‫كل هـذه اجلهـود هـي من أجل اخلـروج بنظـرة تكاملية وهنج مشترك‬
‫يمكـن مـن خاللـه حتقيـق التنميـة املسـتدامة املنشـودة التـي حتقـق سـعادة‬
‫اإلنسـان ورفاهيتـه وتضمـن حـق األجيـال القادمـة يف احلصول على حياة‬
‫كريمـة وبيئـة نظيفـة خالية مـن السـموم واآلفات‪.‬‬

‫‪341‬‬
‫املراجـــــع‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الكتب‪:‬‬
‫أبـو زنـط‪ ،‬ماجدة؛ وعثمان‪ ،‬غنيم (‪2014‬م)‪ .‬التنمية املسـتدامة‪ ..‬فلسـفتها‬
‫وأسـاليب ختطيطهـا وأدوات قياسـها‪ ،‬دار صفـاء للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫عامن‪.‬‬
‫الشـمري‪ ،‬حامد مالح (‪1435‬هــ)‪ .‬إدارة التنمية‪ ..‬رؤية نحو تنمية شـاملة‬
‫ومتوازنة‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫صالـح‪ ،‬كمال (‪2007‬م)‪ .‬نحـو تطويـر مـؤرشات للتنميـة البرشيـة خاصة‬
‫بالـدول العربيـة‪ ،‬املؤمتـر اإلحصائـي العـريب األول‪ ،‬عامن‪.‬‬
‫عبـاس‪ ،‬صلاح (‪2010‬م)‪ .‬التنميـة املسـتدامة يف العـامل العـريب‪ ،‬مؤسسـة‬
‫شـباب اجلامعـة‪ ،‬اإلسـكندرية‪.‬‬
‫عبداخلالـق‪ ،‬عبير (‪2014‬م)‪ .‬التنميـة البرشيـة وأثرهـا على حتقيـق التنمية‬
‫املسـتدامة‪ ،‬الـدار اجلامعية‪ ،‬اإلسـكندرية‪.‬‬
‫قاسـم‪ ،‬خالـد مصطفـى (‪2012‬م)‪ .‬إدارة البيئـة والتنمية املسـتدامة يف ظل‬
‫العوملـة‪ ،‬الـدار اجلامعية‪ ،‬اإلسـكندرية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ املقاالت‪:‬‬
‫كيـف يمكـن قيـاس التنميـة املسـتدامة؟ للكاتب أمحد السـيد كـردي‪ ،‬موقع‬
‫كنانـة أون الين‪:‬‬
‫‪http://kenanaonline.com/users/ahmedkordy/posts/159112 .‬‬

‫‪342‬‬
‫‪ 3‬ـ التقارير ومواقع اإلنرتنت‪:‬‬
‫برنامـج األمـم املتحـدة اإلنامئـي يف الـدول العربيـة‪http://arabstates. :‬‬
‫‪undp.org/content/rbas/ar/home.html.‬‬

‫تقريـر التنميـة العربيـة‪ :‬نحـو منهج هيـكيل لإلصلاح االقتصـادي‪ ،‬املعهد‬


‫العـريب للتخطيط الكويـت‪2013 ،‬م‪:‬‬
‫‪http://www.arab-api.org/ar/publicationlists.‬‬
‫‪aspx?publication_cat_id=7#prettyPhoto[iframe]/0/.‬‬

‫تقريـر األهـداف اإلنامئيـة لأللفيـة‪2013 ،‬م (األمـم املتحـدة)‪http:// :‬‬


‫‪www.un.org/millenniumgoals/pdf/report-2013/mdg-‬‬
‫‪report-2013-english.pdf.‬‬

‫تقرير األهـداف التنموية لأللفيـة (‪2013‬م)‪ ،‬وزارة االقتصـاد والتخطيط‪،‬‬


‫اململكـة العربية السـعودية‪http://www.mep.gov.sa/themes/ :‬‬
‫‪GoldenCarpet/index.jsp#1398532173333.‬‬

‫الرئاسة العامة لألرصاد ومحاية البيئة بالسعودية‪.http://www.pme.gov.sa :‬‬

‫مـؤرشات التنميـة املسـتدامة يف املنطقـة العربيـة وربطهـا بأهـداف التنميـة‬


‫املسـتدامة العامليـة‪ ،‬األمم املتحـدة‪ ،‬اللجنة االقتصاديـة واالجتامعية‬
‫لغريب آسـيا (اإلسـكوا)‪http://unstats.un.org/unsd/energy/ :‬‬
‫‪meetings/2013ees/2013s5sdi.pdf.‬‬

‫املكتب العريب للشباب والبيئة‪http://kenanaonline.com/aoye :‬‬

‫‪http://www.un.org/esa/sustdev/natlinfo/indicators/guidelines.pdf.‬‬
‫‪Human Development: The Rise of the South: Report 2013‬‬

‫‪343‬‬
Human Progress in a Diverse World: http://hdr.undp.
org/en/2013-report.
Indicators of Sustainable Development: Guidelines and
Methodologies October 2007,Third Edition.

344
‫الفصل العارش‬
‫التنمية املستدامة يف اململكة العربية السعودية‬

‫شايع بن خالد القحطاين‬


‫التنمية املستدامة يف اململكة العربية السعودية‬

‫املقدمـة‬
‫حققـت اململكـة العربيـة السـعودية خلال العقـد املـايض تطـورات‬
‫ملحوظـة يف كثير مـن اجلوانب التنمويـة االقتصاديـة واالجتامعيـة والبيئية‬
‫واملؤسسـية‪ ،‬التـي أدت إىل رفـع املسـتوى املعيشي وحتسين نوعيـة احليـاة‬
‫ورفـع املسـتوى التعليمـي للمواطنين‪ ،‬وانعكـس كل ذلـك على االرتقـاء‬
‫بمسـتوى التنميـة البرشيـة املسـتدامة على الصعيـد العاملـي‪ ،‬فهـي تصنَّـف‬
‫اآلن ضمـن الـدول التـي تتمتـع بمسـتوى تنميـة برشيـة مرتفع‪.‬‬
‫وقـد اكتسـب موضـوع التنمية املسـتدامة شـهرة واسـعة على الصعيد‬
‫العاملـي منـذ ظهـور املفهـوم ألول مـرة عـام ‪1987‬م‪ ،‬وتتجلى أمهيـة هـذا‬
‫املوضـوع مـن خالل املؤمتـرات العاملية املعنيـة بالتنمية املسـتدامة‪ ،‬التي كان‬
‫أوهلـا مؤمتـر األمـم املتحـدة للبيئـة والتنميـة (قمـة األرض) الـذي عقد يف‬
‫ريـو دي جانيرو يف عـام ‪1992‬م وآخرهـا القمـة العاملية للتنمية املسـتدامة‬
‫التـي عقـدت يف جوهانسبرغ بجنـوب إفريقيـا يف صيـف عـام ‪2002‬م‪،‬‬
‫والتـي خرجـت بخطـة جوهانسبرغ للتنفيـذ التـي دعـت إىل العمـل على‬
‫املسـتويات كافـة مـن أجل حتقيـق التنميـة املسـتدامة يف إطـار مـن التعاون‬
‫الـدويل واإلقليمـي‪ ،‬مـع التنبيـه إىل أن التخفيـف مـن حـدة الفقـر وتغيير‬
‫أنماط اإلنتـاج والسـلوك غير املسـتدامة ومحايـة املـوارد الطبيعيـة هـي‬
‫خطـوات رئيسـة ومشتركة هتـدف حتقيـق التنمية املسـتدامة‪.‬‬
‫وأخـذت دول العـامل هتتـم بتحقيـق التنميـة املسـتدامة‪ ،‬حيـث بـدأت‬
‫بوضـع الترشيعـات والقوانين املنظمة هلا وبناء املؤسسـات وإنشـاء اللجان‬

‫‪347‬‬
‫الوطنيـة املنظمـة هلـا التـي تُعنـى بتحقيـق التطبيقـات الصحيحـة للنهـج‬
‫املسـتدام يف حتقيـق التنميـة‪ ،‬علاوة على وضـع اإلستراتيجيات اخلاصـة‬
‫بالتنميـة املسـتدامة‪ ،‬التـي أكدهتـا أجندة القرن احلـادي والعرشيـن (اهليتي‪،‬‬
‫‪2011‬م)‪.‬‬
‫ونتنـاول يف هـذا الفصـل اجلهـود التـي قامـت هبـا اململكـة العربيـة‬
‫السـعودية مـن أجـل حتقيـق التنميـة املسـتدامة بـد ًءا بأهم اإلستراتيجيات‬
‫واخلطـط واملبـادرات التـي قامـت هبـا املؤسسـات العامة والقطـاع اخلاص‬
‫مـرورا‬
‫ً‬ ‫واملجتمـع املـدين يف جمـال حتقيـق التنميـة املسـتدامة ومحايـة البيئـة‪،‬‬
‫باملرشوعـات التنمويـة التـي شـملت البنية األساسـية وخمتلـف القطاعات‬
‫اخلدميـة واإلنتاجيـة‪ ،‬انتهـا ًء بالبنيـة املؤسسـية للتنميـة املسـتدامة‪.‬‬
‫‪ .1‬اإلسرتاتيجيات واخلطط املعنية بالتنمية املستدامة‬
‫قامـت اململكة العربية السـعودية منـذ بداية عمليـات التخطيط للتنمية‬
‫بوضـع كثري مـن اإلستراتيجيات واخلطـط ذات العالقة بتطبيقـات التنمية‬
‫املسـتدامة يف جوانبهـا االقتصاديـة واالجتامعيـة والبيئيـة واملؤسسـية‪ ،‬وفيام‬
‫توضيحا ألهم هـذه اإلستراتيجيات واخلطط‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يلي‬
‫‪ 1 .1‬اإلسرتاتيجية بعيدة املدى لالقتصاد الوطني ‪2025‬م‬
‫تنطلـق اإلستراتيجية طويلـة املـدى مـن رؤية مسـتقبلة متثـل مقاصد‬
‫وتطلعـات املجتمـع السـعودي قيـادة وشـع ًبا‪ .‬وقـد متـت بلـورة الرؤيـة‬
‫املسـتقبلة بعـد دراسـات مسـتفيضة وورش عمـل متخصصـة وفاعليـات‬
‫أخـرى انطلقـت بنـاء على التوجيـه السـامي لـوزارة االقتصـاد والتخطيط‬
‫بإعـداد إستراتيجية طويلـة املـدى لالقتصـاد السـعودي‪ .‬وقـد تناولـت‬
‫الدراسـات التـي أسـهم يف إعدادهـا معظـم اجلهـات احلكوميـة وهيئـات‬

‫‪348‬‬
‫القطـاع اخلـاص واخلبراء الوطنيـون والدوليـون‪ ،‬مجيـع حمـاور االقتصـاد‬
‫الوطنـي‪ .‬ويمكـن إجيـاز الرؤيـة املسـتقبلة لالقتصـاد السـعودي فيما يلي‪:‬‬
‫«سـيكون االقتصـاد السـعودي‪ ،‬إن شـاء اهلل‪ ،‬بحلـول عـام ‪2024‬م‬
‫موفرا‬
‫ما على قواعـد مسـتدامة‪ً ،‬‬ ‫ومزدهـرا‪ ،‬قائ ً‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ومنتعشـا‬ ‫متطـورا‬
‫ً‬ ‫اقتصـا ًدا‬
‫متسما بنظام‬
‫ً‬ ‫فـرص عمـل جمزيـة جلميـع املواطنين القادرين على العمـل‪،‬‬
‫تعليـم وتدريـب عـايل اجلـودة والكفايـة‪ ،‬وعنايـة صحيـة متميـزة متاحـة‬
‫للجميـع‪ ،‬إضافـة إىل مجيـع اخلدمـات األخـرى الالزمـة لتوفير الرفاهيـة‬
‫جلميـع املواطنني‪ ،‬ومحايـة القيم االجتامعيـة والدينية واحلفـاظ عىل الرتاث»‬
‫(موقـع البوابـة اإللكرتونيـة للمملكـة العربيـة السـعودية)‪.‬‬
‫وتـأيت اإلستراتيجية بعيدة املـدى لالقتصاد السـعودي يف وقت تواجه‬
‫كثيرا مـن التحديـات التـي ينبغـي التصـدي هلـا ومعاجلتهـا‪،‬‬
‫ً‬ ‫فيـه اململكـة‬
‫ومـن أهـم هـذه التحديات‪:‬‬
‫ـ رفع مستوى املعيشة و حتسني نوعية احلياة‪.‬‬
‫ـ حتقيق التنمية املستدامة‪.‬‬
‫ـ تعزيز القدرة التنافسية‪.‬‬
‫ـ التكامل اإلقليمي والعريب‪.‬‬
‫ومتثـل خطـة التنميـة الثامنـة (‪2009 – 2005‬م) أوىل مراحـل‬
‫اإلستراتيجية بعيـدة املـدى لالقتصـاد السـعودي‪ ،‬التي ُأعـدت لكي تؤطر‬
‫خط ًطـا مخسـية قادمـة حتـى عـام ‪2024‬م‪ ،‬متثـل أربـع مراحـل مرتابطـة‬
‫ومتكاملـة‪ ،‬تؤسـس كل منهـا للمرحلـة التـي تليهـا نحـو حتقيـق رؤيـة‬
‫اقتصاديـة واجتامعيـة شـاملة وحمـددة بنهايـة املـدة الزمنيـة لإلستراتيجية‪.‬‬

‫‪349‬‬
‫وتشـكل خطـة التنميـة التاسـعة (‪ 2010‬ـ ‪2014‬م) احللقة الثانيـة يف إطار‬
‫اإلستراتيجية الراهنـة بعيـدة املـدى لالقتصـاد السـعودي التي يمتـد أفقها‬
‫الزمنـي إىل عشرة أعـوام مقبلـة‪.‬‬
‫وتعـد اخلطة التاسـعة مـن كربيات اخلطط مـن حيث التخصيصـات املالية‬
‫التـي وصلـت إىل ‪104‬تريليونـات ريـال‪ ،‬وهـي بذلـك تزيـد بنسـبة ‪ %67‬عىل‬
‫اإلنفـاق التنمـوي خالل خطـة التنميـة الثامنـة (‪2009 – 2005‬م)‪ .‬واسـتأثر‬
‫قطـاع تنميـة املـوارد البرشيـة بالنصيـب األكبر بنحـو ‪ %50.6‬مـن إمجـايل‬
‫املخصصـات املعتمـدة‪ ،‬بينما جـاء قطـاع التنميـة االجتامعيـة والصحـة باملرتبة‬
‫الثانيـة‪ ،‬وحظـي بنحو ‪ %19‬مـن إمجـايل التخصيصات‪ ،‬ثـم قطاع تنميـة املوارد‬
‫االقتصاديـة بنحـو ‪ ،%15.7‬ثـم قطـاع النقل واالتصـاالت بنحـو ‪ ،%7.7‬ثم‬
‫قطـاع اخلدمـات البلديـة واإلسـكان بنحـو ‪( %7‬اهليتـي‪2011 ،‬م‪ ،‬ص ‪.)109‬‬
‫إن أهـم ما يميز خطـة التنمية التاسـعة (‪2014–2010‬م) هو االهتامم‬
‫بمعاجلـة موضوعـات تلقـى اهتام ًمـا عامل ًّيـا واسـ ًعا؛ لكوهنـا وثيقـة الصلـة‬
‫برتسـيخ واسـتدامة التنميـة االقتصاديـة واالجتامعيـة التي تتمثـل يف قضايا‬
‫الثقافـة لتعزيـز القـدرة التنافسـية‪ ،‬وحتـول االقتصاد إىل اقتصـاد معريف‪.‬‬
‫‪ 2 .1‬اإلسرتاتيجية الوطنية البيئية‬
‫ اسـتجابة لتوصيـات قمـة األرض التـي ُعقـدت يف ريـو دي‬
‫جانيرو بالربازيـل عـام ‪1992‬م لدعـم االعتبـارات والسياسـات البيئيـة‬
‫يف مجيـع مراحـل التنميـة‪ ،‬وكذلـك متطلبـات جـدول أعامل القـرن احلادي‬
‫والعرشيـن‪ ،‬قامـت اململكة العربية السـعودية بإعداد اإلستراتيجية الوطنية‬
‫البيئيـة؛ حيـث تـم يف هذا املجـال إعداد اإلطـار العام لإلستراتيجية‪ ،‬الذي‬
‫يتكـون مـن سـبع مراحـل‪ ،‬هي‪:‬‬

‫‪350‬‬
‫املرحلة األوىل‬
‫دراسـة الوضـع الراهـن للبيئـة والوضـع املؤسسي للإدارة البيئيـة‪،‬‬
‫ويشـمل ذلـك حصر املـوارد املتجـددة ودراسـة عنـارص البيئـة الراهنـة‪.‬‬
‫املرحلة الثانية‬
‫دراسـة وحتليـل القطاعات واألنشـطة التي تسـتخدم املـوارد املتجددة‬
‫أو تؤثـر خمرجاهتـا عىل البيئـة وعنارصها‪.‬‬
‫املرحلة الثالثة‬
‫ دراسـة اسـترشافية للمتطلبـات املسـتقبلة مـن املـوارد املتجـددة‬
‫وكميـات امللوثـات البيئيـة‪.‬‬
‫املرحلة الرابعة‬
‫ حتديد أولويات القضايا البيئية وترتيبها باستخدام معايري حمددة‪.‬‬
‫املرحلة اخلامسة‬
‫ وضـع أهـداف للتعامـل مـع هـذه األولويـات للتقليـل مـن آثارها‬
‫السـلبية على البيئـة‪ ،‬بما حيقـق مبـدأ التنميـة املسـتدامة‪.‬‬
‫املرحلة السادسة‬
‫وضع السياسات واإلجراءات لكل قطاع بيئي‪.‬‬
‫املرحلة السابعة‬
‫وضـع خطـة تنفيذيـة لإلستراتيجية‪ ،‬تشـمل الربامـج واملرشوعـات‪،‬‬
‫مـع األخـذ بعين االعتبـار البعـد االقتصـادي والبيئـي هلـذه الربامج‪.‬‬
‫ـ تم حتديد القطاعات البيئية واجلهات احلكومية املعنية هبذه القطاعات‪.‬‬

‫‪351‬‬
‫ـ تـم االنتهـاء مـن دراسـة وحتليل الوضـع الراهـن للبيئة والوضع املؤسسي‬
‫للإدارة البيئيـة‪ ،‬التـي تعد خطـوات جيدة وأساسـية إلعداد اإلستراتيجية‪.‬‬
‫ـ تم حتديد أولويات العمل البيئي عىل املستوى الوطني‪.‬‬
‫‪ 3 .1‬اإلسرتاتيجية الوطنية للمحافظة عىل التنوع األحيائي‬
‫هتـدف اإلستراتيجية الوطنيـة للمحافظـة على التنـوع األحيائـي يف‬
‫اململكـة العربيـة السـعودية‪ ،‬التـي تـم إعدادهـا مـن ِق َبـل اهليئـة الوطنيـة‬
‫حلاميـة احليـاة الفطريـة وإنامئهـا عـام ‪2005‬م إىل تضمين مبـادئ املحافظة‬
‫واالسـتخدام املسـتدام للتنـوع األحيائـي يف عمليـة التخطيـط الوطني عن‬
‫طريـق مجـع املعلومـات ذات العالقـة وتنظيمها واقتراح تطبيقاهتـا العملية‬
‫(اهليئـة الوطنيـة حلاميـة احليـاة الفطريـة وإنامئهـا)‪.‬‬
‫وتعتمـد اإلستراتيجية على الرؤيـة اإلسلامية املوجهـة لعملية صون‬
‫احليـاة على كوكـب األرض وتوضـح املبـادئ األساسـية للمحافظـة على‬
‫التنـوع األحيائـي‪ ،‬كما حتدد املؤسسـات الوطنيـة املعنية بـإدارة هـذا التنوع‪،‬‬
‫وتؤكـد هـذه اإلستراتيجية أن اململكـة العربيـة السـعودية ختطـط ألن تقوم‬
‫بالتزامهـا جتـاه املحافظة على التنوع األحيائـي داخل اإلطـار العاملي‪ ،‬وذلك‬
‫بانضاممهـا إىل اتفاقيـة التنوع األحيائي وقيامها بإعداد اإلستراتيجية الوطنية‬
‫للمحافظـة على التنـوع األحيائي وف ًقا ملا جـاء يف املادة «‪-6‬أ» مـن االتفاقية‪.‬‬
‫وتضم اإلسرتاتيجية الوطنية مخسة فصول هي‪:‬‬
‫الفصل األول‬
‫يوضـح غـرض اإلستراتيجية وأهدافها الراميـة إىل تشـجيع املحافظة‬
‫حمورا‬
‫على التنـوع األحيائـي واسـتخدامه بشـكل مسـتدام‪ ،‬وذلك بجعلـه ً‬

‫‪352‬‬
‫للتخطيـط للتنميـة الوطنيـة‪ .‬ويتسـع جمـال اإلستراتيجية ليشـمل املحافظة‬
‫على النظـم البيئيـة والطبيعيـة وإعـادة تأهيلهـا‪ ،‬واالسـتخدام املسـتدام‬
‫ملواردها والتقاسـم العـادل لثرواهتـا والرصد الدوري املنظـم هلا‪ .‬ويتضمن‬
‫أيضـا مقدمة عـن اتفاقيـة التنـوع األحيائي‪.‬‬
‫هـذا الفصـل ً‬
‫الفصل الثاين‬
‫يسـتعرض الرؤيـة اإلسلامية واملبـادئ األساسـية التـي تسـتوجب‬
‫املحافظـة على التنـوع األحيائـي وتؤكد حقيقـة أن اهلل قـد أمرنـا باملحافظة‬
‫على البيئـة الطبيعيـة‪ ،‬وأن محايـة البيئـة الطبيعية من إفسـاد اإلنسـان حتافظ‬
‫على رفاهيـة البشر وغريهـم مـن املخلوقات‪.‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫يسـتعرض واقـع التنـوع األحيائـي على اليابسـة بما يضمه مـن أنواع‬
‫نباتيـة وحيوانيـة تشـمل الثدييـات والطيـور والزواحـف والربمائيـات‬
‫أيضـا واقع التنـوع األحيائـي املائي يف‬
‫واحلشرات‪ .‬كما يغطي هـذا الفصل ً‬
‫امليـاه العذبـة والبحـار املاحلة‪ ،‬ويناقـش أهم مصـادر التهديد لـكل جمموعة‬
‫مـن هـذه املخلوقات‪.‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫حيتـوي على سـبعة عشر هد ًفـا إستراتيج ًّيا للمحافظـة على التنـوع‬
‫األحيائـي واسـتخدامه بشـكل مسـتدام‪ ،‬ويشـمل ذلـك احلامية داخـل املوقع‬
‫وداخـل املناطـق املحميـة وخارجهـا‪ ،‬واحلاميـة خـارج املوقـع مـن خلال‬
‫املحافظـة على الغابات واملراعـي الصحراوية واملـوارد البحرية احليـة والتنوع‬
‫األحيائـي الزراعـي وإنشـاء احلدائـق النباتيـة واحليوانيـة وبنـوك الوحـدات‬
‫الوراثيـة واملتنزهـات الوطنيـة وتطويرهـا‪ ،‬وتنظيـم احلصـول على املـوارد‬

‫‪353‬‬
‫اجلينيـة (الوراثيـة)‪ ،‬ووضـع مقاييس السلامة األحيائية الوطنية‪ ،‬واسـتصدار‬
‫األنظمـة البيئيـة ودعـم البحـث العلمـي‪ ،‬وتشـجيع التعليـم البيئـي‪ ،‬وحتقيق‬
‫التنميـة االجتامعيـة واالقتصادية‪ ،‬وتعزيـز اإلدارة اجلامعيـة والتعاون من أجل‬
‫املحافظـة على التنـوع األحيائـي‪ ،‬وتوليد دخـل من املـوارد الفطريـة وتطوير‬
‫السـياحة البيئيـة والسـياحة املعتمـدة على الطبيعة‪.‬‬
‫الفصل اخلامس‬
‫يتنـاول آليـة تطبيـق اإلستراتيجية ومتابعتهـا‪ ،‬ويؤكد حقيقـة أن مجيع‬
‫اهليئـات احلكوميـة واخلاصـة واملؤسسـات العلميـة واألهـايل وأصحـاب‬
‫املصلحـة البـد أن يتعاونـوا فيام بينهـم لتنفيـذ اإلستراتيجية‪ .‬وتتضمن آلية‬
‫التطبيق اإلستراتيجية قائمة تنظيميـة ووص ًفا ملكوناهتـا (اهليتي‪2011 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 4 .1‬اإلسرتاتيجية الوطنية ملكافحة التصحر‬
‫أصبحـت مكافحـة التصحـر يف اململكـة تشـكل جـز ًءا ال يتجـزأ‬
‫مـن إستراتيجية الدولـة وخططهـا اخلمسـية املتعلقـة بالتنميـة املسـتدامة‬
‫ملختلـف القطاعـات االجتامعيـة واالقتصاديـة‪ ،‬ومـن هـذا املنطلـق تـم‬
‫وضـع اإلستراتيجية الوطنيـة ملكافحـة التصحـر‪ ،‬التـي اعتمدهـا جملـس‬
‫الـوزراء املوقـر والتـي تضمنـت ثامنية أهـداف رئيسـة‪ ،‬منهـا‪ :‬املحافظة عىل‬
‫املـوارد الطبيعيـة املتجـددة باختـاذ التدابير الوقائيـة والعالجيـة وإدارهتـا‬
‫إدارة مسـتدامة واالسـتعداد ملواجهـة اجلفـاف والتخفيـف من آثـاره واحلد‬
‫مـن تأثير عوامـل التعريـة ووقـف زحف الرمـال املتحركـة وتنميـة القوى‬
‫البرشيـة الوطنيـة وزيـادة كفايتهـا ومهاراهتـا العلميـة والفنية ورفـع الوعي‬
‫البيئـي وإنشـاء بنـك لألصـول الوراثيـة النباتيـة وإعـداد اإلستراتيجيات‬
‫الوطنيـة للغابـات ومكافحـة التصحـر‪.‬‬

‫‪354‬‬
‫‪ 5 .1‬إسرتاتيجية التخصيص (املجلس االقتصادي األعىل)‬
‫تـم إعـداد إستراتيجية التخصيـص يف اململكـة العربية السـعودية من‬
‫ِق َبـل املجلـس االقتصادي األعلى‪ ،‬وقد متت املوافقة عىل هذه اإلستراتيجية‬
‫مـن ِق َبـل جملـس الـوزراء املوقـر بموجـب القـرار رقـم «‪ »23/1‬بتاريـخ‬
‫‪1423/3/23‬هـ‪.‬‬
‫ وجاءت إسرتاتيجية التخصيص بأربعة أبواب هي‪:‬‬
‫الباب األول‪ :‬أهداف وسياسات التخصيص‬
‫اشـتمل على توضيـح أسـس إعـداد اإلستراتيجية‪ ،‬وتعريـف‬
‫التخصيـص‪ ،‬وكذلـك أهـداف وسياسـات التخصيـص‪ ،‬علاوة على‬
‫الرتتيبـات اإلداريـة والتنفيذيـة إلستراتيجية التخصيـص‪.‬‬
‫الباب الثاين‪ :‬أساليب التخصيص وضوابطه ‬
‫اشـتمل عىل بيـان أسـاليب التخصيـص والضوابط التي يتـم بموجبها‬
‫ختصيـص املؤسسـات واملرشوعـات العامـة‪ ،‬علاوة على بيـان اخلطـوات‬
‫األساسـية لعمليـة ختصيـص نموذجيـة ملشروع أو مؤسسـة عامة‪.‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬القضايا األساسية التي تنبغي معاجلتها خالل عمليات‬
‫التخصيص‬
‫تضمـن البـاب توضيح اإلطـار التنظيمـي للقطاعات‪ ،‬وأسـعار تقديم‬ ‫َّ‬
‫اخلدمـات‪ ،‬وجتهيـز وإعـادة هيكلة القطاعـات واملنشـآت العامة التـي يراد‬
‫ختصيصهـا‪ ،‬والشركاء اإلستراتيجيني‪ ،‬وإجيـاد املنـاخ املناسـب لنجـاح‬
‫برنامـج التخصيص‪.‬‬

‫‪355‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬معايري حتديد األولويات واستمرار تنفيذ برنامج التخصيص‬
‫اشـتمل هـذا البـاب عىل معايير حتديد األولويـات يف اختيار املنشـآت‬
‫املرشـحة للتخصيـص‪ ،‬واسـتمرار تنفيذ برنامـج التخصيص‪.‬‬
‫‪ 6 .1‬اإلسرتاتيجية الوطنية ملعاجلة الفقر(وزارة الشؤون االجتامعية)‬
‫يف إطـار اجلهـود اهلادفـة إىل اسـتئصال الفقـر‪ ،‬قامـت اململكـة يف عـام‬
‫‪2006‬م بإعـداد إستراتيجية وطنية شـاملة ملعاجلته‪ .‬وهتدف اإلستراتيجية‬
‫توفير قاعـدة بيانـات مبنيـة على مسـوحات متخصصـة‪ ،‬تتيـح قيـاس‬
‫الفقـر بمؤرشاتـه املختلفـة وحتديـد خطـوط الفقر ونسـبة الفقـر والرشائح‬
‫االجتامعيـة واملناطـق اجلغرافيـة التـي يرتكـز فيهـا الفقـراء‪ ،‬كما توفـر‬
‫اإلستراتيجية معرفـة األسـباب والعوامـل التـي تـؤدي إىل الفقـر ؛ هبـدف‬
‫وضـع الربامـج والسياسـات املناسـبة ملعاجلة هـذه الظاهرة معاجلـة جذرية‬
‫ودائمة‪.‬‬
‫ وتتمثل مرتكزات اإلسرتاتيجية يف اآليت‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ إتاحـة الفرصـة للفقـراء لتكوين أصوهلم املادية والبرشيـة وتعزيزها من‬
‫خلال توفري فـرص العمـل واالئتامن والتعليـم والتدريـب واخلدمات‬
‫الصحية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تعزيـز مقـدرة الفئـات الفقيرة مـن املجتمع عىل املشـاركة يف األنشـطة‬
‫االقتصاديـة بصـورة فعالة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ حتسين املسـتوى املعيشي للفقـراء مـن خلال تعزيـز قدراهتـم على‬
‫مواجهـة املخاطـر‪ ،‬سـواء أكانـت صحيـة أم طبيعيـة أم اقتصاديـة‪.‬‬
‫وتندرج سياسات اإلسرتاتيجية ضمن املحاور اخلمسة التالية‪:‬‬

‫‪356‬‬
‫أ ـ املحور االقتصادي الكيل‪ :‬ويتضمن السياسات اخلاصة بترسيع النمو‬
‫االقتصادي وتوزيع ثامره بصورة متوازنة بني مناطق اململكة والرشائح‬
‫االجتامعية املختلفة‪.‬‬
‫ب ـ حمور التمكني االقتصادي للفقراء‪ :‬ويتضمن السياسات اخلاصة بتمليك‬
‫الفقراء أدوات اإلنتاج‪ ،‬ورفع قدراهتم اإلنتاجية وحتسني فرص العمل‪.‬‬
‫ج ـ حمور اخلدمات العامة‪ :‬وتندرج فيه السياسات اخلاصة بتحسني خدمات‬
‫الصحة والتعليم واخلدمات البلدية‪.‬‬
‫د ـ حمور شبكة احلامية االجتامعية‪ :‬ويتضمن السياسات اخلاصة بتفعيل‬
‫الضامن االجتامعي وتعزيز دور اجلمعيات اخلريية واملنظامت التطوعية‬
‫يف معاجلة الفقر‪.‬‬
‫هـ ـ حمور ممتلكات األرسة‪ :‬ويتضمن السياسات والربامج املوجهة ملعاجلة‬
‫مشكالت اإلسكان‪ ،‬وتوفري السكن املالئم للفئات املحتاجة من املواطنني‪.‬‬
‫‪ 7 .1‬اإلسرتاتيجية الوطنية للصناعة (وزارة التجارة والصناعة)‬
‫تقـدم اإلستراتيجية الوطنيـة للصناعـة‪ ،‬التـي أقرهـا جملـس الـوزراء‬
‫املوقـر بموجـب القرار رقـم ‪ 35‬بتاريـخ ‪1430/2/7‬هـ والتـي متتد حتى‬
‫عـام ‪1441‬هــ‪ ،‬رؤيـة وطنيـة للـدور املحـوري لقطـاع الصناعـة يف النمو‬
‫والتنميـة وترسـيخ واسـتدامة الثـروة يف اململكـة العربيـة السـعودية مـن‬
‫خلال تعظيـم عائـدات ثرواهتـا الطبيعيـة واسـتثامرها؛ لتوطين اخلبرات‬
‫رسما لوسـائل حتقيـق ذلـك الـدور‪ ،‬بما يف‬
‫ً‬ ‫ولتنويـع االقتصـاد‪ ،‬كما تقـدم‬
‫ذلـك آليـات اإلدارة الفعالـة والقوانين املحدثـة والتمويـل املطلـوب‪.‬‬
‫وقـد صيغـت هـذه اإلستراتيجية اسـتنا ًدا إىل حتليـل تفصيلي للحالـة‬
‫الراهنـة للصناعـة السـعودية‪ ،‬والتوجيهـات االقتصادية والتقنيـة يف العامل‪،‬‬

‫‪357‬‬
‫ومناقشـات مسـتفيضة حـول سمات االقتصـاد واملجتمـع السـعودي‪،‬‬
‫مـن خلال اجتامعـات كثيرة شـاركت فيهـا أطـراف العالقـة الصناعيـة‬
‫يف القطاعين العـام واخلـاص‪ ،‬كما متـت االسـتفادة مـن دراسـات كثيرة‬
‫للتجـارب العامليـة يف التنميـة الصناعيـة‪.‬‬
‫تتبنـى اإلستراتيجية حتقيـق الـدور املأمـول للصناعـة يف توجـه اململكـة‬
‫نحـو االقتصـاد املرتكـز على املعرفـة‪ ،‬مثـل املعرفـة يف حقـول الطاقـة‬
‫والبرتوكيامويـات‪ ،‬بام يف ذلـك تعزيز القدرات االبتكارية والتنافسـية والتنويع‬
‫الصناعـي‪ ،‬معتمـد ًة على الرشاكـة بين القطاعين العـام واخلـاص والتنميـة‬
‫املتوازنـة على مسـتوى مناطـق اململكة؛ ومسـتفيدة مـن امليزات النسـبية لكل‬
‫منهـا‪ .‬وتنطلـق هـذه اإلستراتيجية مـن الرسـالة احلضاريـة املنوطـة باململكة‬
‫على الصعيديـن اإلقليمـي والعاملـي‪ ،‬ومـن الطمـوح الوطني الـذي خططت‬
‫لـه كل مـن اإلستراتيجية بعيـدة املـدى لالقتصـاد الوطنـي ‪ 2025‬واخلطـط‬
‫اخلمسـية للتنمية‪ ،‬عالوة عىل كثري من الدراسـات واإلستراتيجيات القطاعية‬
‫للجهـات ذات العالقـة بالتنميـة الصناعيـة (اهليتـي‪2011 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 8 .1‬السياسـة الوطنيـة للعلـوم والتقنيـة (مدينـة امللـك عبدالعزيز‬
‫للعلـوم والتقنية)‬
‫ترسـم السياسـة الوطنيـة للعلـوم والتقنيـة التـي أقرها جملـس الوزراء‬
‫املوقـر يف يونيـو ‪2002‬م اخلطـوط العريضـة املحـددة للتوجهات املسـتقبلة‬
‫العامـة ملنظومـة العلـوم والتقنيـة واالبتـكار يف اململكـة العربيـة السـعودية‪،‬‬
‫أساسـا مرجع ًّيـا يضمـن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫متكاملا يكـون‬ ‫إطـارا إرشـاد ًيا‬
‫ً‬ ‫لتريس بذلـك‬
‫تواصـل جهـود تنميـة املنظومـة وتعزيـز أدائهـا نحـو الغايـات التـي تصبـو‬
‫إليهـا اململكـة على املـدى البعيد‪.‬‬

‫‪358‬‬
‫ويتكـون إطـار السياسـة مـن مبـادئ وأسـس تنطلـق منهـا يف رسـم‬
‫توجهاهتـا‪ ،‬ومـن غايـات وأهـداف عامـة وأسـس إستراتيجية تشـكل‬
‫األجـزاء الرئيسـة هلـا‪ ،‬وتنسـجم مـع توجهـات وأهـداف خطـط التنميـة‬
‫الوطنيـة واخلطـط والسياسـات القطاعيـة املختلفـة يف اململكـة‪.‬‬
‫وتتمثـل غايـات السياسـة الوطنيـة للعلـوم والتقنية يف حتقيـق التطور‬
‫العلمـي والتقنـي املوجـه إىل حتقيق اآليت‪:‬‬
‫وأرضا بام‬
‫ً‬ ‫ـ املحافظـة على األمـن الوطنـي الشـامل‪ ،‬عقيـدة ولغـة وثقافـة‬
‫فيها مـن ثـروات ومـوارد طبيعية‪.‬‬
‫ـ خدمة التنمية الشاملة املتوازنة املستدامة‪.‬‬
‫ـ رفع مستوى معيشة املواطن وضامن مستقبل أفضل لألجيال القادمة‪.‬‬
‫ـ اإلسـهام يف بنـاء حضـارة إنسـانية تشـع فيهـا القيـم اإلسلامية بمثلهـا‬
‫األخالقيـة الرفيعـة‪.‬‬
‫وتتمثل األهداف العامة للسياسة الوطنية للعلوم والتقنية فيام ييل‪:‬‬
‫ـ تبنـي منظـور شـمويل ملنظومـة العلـوم والتقنيـة واالبتـكار عىل املسـتوى‬
‫الوطنـي يكـون مرج ًعـا لتنميـة منظومـة العلـوم والتقنيـة واالبتـكار عىل‬
‫املسـتوى الوطنـي‪ ،‬كما يكـون مرج ًعا لتنميـة املنظومـة وتنسـيق وتكامل‬
‫مكوناهتـا وترشـيد عالقاهتـا وروابطهـا بالقطاعات املسـتفيدة‪.‬‬
‫ـ العنايـة بإعداد القـوى البرشية يف جماالت العلوم والتقنية‪ ،‬مع االسـتمرار‬
‫يف تنميتهـا كمًّ ونو ًعـا بام يتالءم ومتطلبـات املنظومة املختلفة‪.‬‬
‫ـ رعايـة البحـث العلمـي وتوفير املـوارد والسـبل الالزمـة لقيـام الباحث‬
‫بمهامـه على الوجـه األمثـل يف تلبيـة احتياجات األمـن الوطني الشـامل‬
‫والتنمية املسـتدامة‪.‬‬

‫‪359‬‬
‫ـ دعـم وتنميـة القـدرات التقنية الوطنيـة يف القطاعات املختلفـة عىل النحو‬
‫الـذي يمكِّنها من توطني وتطوير التقنية واملنافسـة بمنتجاهتا يف األسـواق‬
‫العامليـة‪ ،‬خاصـة املنتجات ذات القيمـة املضافة العالية‪.‬‬
‫ـ التطويـر املسـتمر لألنظمـة املعنيـة بالعلوم والتقنية وتنسـيقها على النحو‬
‫الـذي يدعـم املنظومـة ويعزز مـن تفاعـل مكوناهتا وحتسين أدائها‪.‬‬
‫ـ تعزيـز التعـاون العلمـي والتقنـي مـع العـامل اخلارجـي‪ ،‬وتطويـر سـبله‬
‫وصيغـه بما يواكـب االجتاهـات العامليـة املسـتجدة‪ ،‬ويلبـي احتياجـات‬
‫التقـدم العلمـي والتقنـي املنشـود يف اململكـة‪.‬‬
‫ـ تعزيـز األنشـطة املسـاندة للعلـوم والتقنيـة‪ ،‬كخدمـات املعلومـات‬
‫والتقييـس‪ ،‬بـراءات االختراع‪ ،‬واملكاتـب االستشـارية اهلندسـية‪،‬‬
‫واجلمعيـات العلميـة‪.‬‬
‫ـ االسـتثامر األمثـل للمعلومـات وتقنياهتـا بما يواكـب متطلبـات جمتمـع‬
‫املعلومـات واقتصـاد املعرفـة‪.‬‬
‫ـ تسـخري العلـوم والتقنيـة للمحافظـة على املـوارد الطبيعيـة ومحايـة البيئة‬
‫و تنميتها ‪.‬‬
‫ـ إجيـاد الوعـي لـدى أفـراد املجتمـع بأمهيـة العلـوم والتقنيـة‪ ،‬ودورمهـا‬
‫وجدوامهـا يف حتقيـق األمـن الوطنـي الشـامل والتنميـة املسـتدامة‪.‬‬
‫واشـتملت السياسـة على رؤية بعيـدة املدى سـيتم حتقيقهـا من خالل‬
‫أربع خطط مخسـية تتمثـل يف اآليت‪:‬‬
‫ـ اخلطـة اخلمسـية األوىل‪ :‬اسـتكامل البنيـة األساسـية للمنظومـة الوطنيـة‬
‫للعلـوم والتقنيـة واالبتـكار بحلـول عـام ‪2010‬م‪.‬‬
‫ـ اخلطـة اخلمسـية الثانية‪ :‬أن تكون اململكة يف طليعـة دول املنطقة يف العلوم‬

‫‪360‬‬
‫والتقنية واالبتـكار بحلول عام ‪2015‬م‪.‬‬
‫ـ اخلطـة اخلمسـية الثالثـة‪ :‬أن تكـون اململكـة يف طليعة الدول اآلسـيوية يف‬
‫العلـوم والتقنيـة بحلول عـام ‪2020‬م‪.‬‬
‫حتـو َل اململكـة إىل جمتمـع واقتصـاد‬
‫ـ اخلطـة اخلمسـية الرابعـة‪ :‬تسـتهدف ُّ‬
‫وج ْعلهـا يف مصاف الـدول الصناعيـة املتقدمة بحلول‬
‫قائـم عىل املعرفـة‪َ ،‬‬
‫عـام ‪2025‬م‪.‬‬
‫‪ 9 .1‬اخلطـة الوطنيـة لالتصـاالت وتكنولوجيـا املعلومـات (موقع‬
‫وزارة االتصـاالت وتقنيـة املعلومات)‬
‫ُأ ِعـدَّ ت هـذه اخلطة مـن ِق َبـل وزارة االتصـاالت وتقنيـة املعلومات يف‬
‫عام ‪1426‬هــ وتتكون مـن العنرصيـن التاليني‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ املنظور بعيد املدى لالتصاالت وتكنولوجيا املعلومات يف اململكة‬
‫يتألـف املنظـور مـن رؤيـة مسـتقبلة لقطـاع االتصـاالت وتقنيـة‬
‫املعلومـات‪ ،‬وأهـداف عامـة‪ .‬يف حين تعمـل اخلطـة اخلمسـية األوىل على‬
‫التقـدم نحـو املنظور بعيـد املـدى لالتصاالت وتقنيـة املعلومـات‪ .‬وهتدف‬
‫الرؤية املسـتقبلة لالتصاالت وتقنية املعلومات يف اململكة العربية السـعودية‬
‫«التحـول إىل جمتمـع معلومـايت‪ ،‬واقتصاد رقمـي‪ ،‬لزيادة اإلنتاجيـة‪ ،‬وتوفري‬
‫خدمـات االتصـاالت وتقنيـة املعلومـات لرشائـح املجتمـع كافـة‪ ،‬يف مجيع‬
‫أنحـاء البلاد‪ ،‬وبنـاء صناعـة قويـة يف هـذا القطـاع؛ لتصبـح أحـد املصادر‬
‫الرئيسـة للدخل»‪.‬‬
‫وقـد متـت بلـورة سـبعة أهـداف عامـة ختـدم هـذه الرؤيـة املسـتقبلة‪،‬‬
‫وهتـدف يف جمملهـا إىل تطويـر اخلدمـات العامة‪ ،‬ورفـع إنتاجيـة القطاعات‬

‫‪361‬‬
‫كافـة بما يـؤدي إىل زيـادة الناتـج املحلي اإلمجـايل‪ ،‬وزيـادة الرفاهيـة‬
‫يف املجتمـع‪ .‬وتركـز األهـداف على تنظيـم قطـاع االتصـاالت وتقنيـة‬
‫املعلومـات بشـكل عـادل‪ ،‬وحمفـز‪ ،‬وجـاذب لالسـتثامرات‪ ،‬ويدعـم البنية‬
‫التحتيـة‪ ،‬ودعـم صناعة االتصـاالت وتقنيـة املعلومات‪ ،‬وتشـجيع اإلبداع‬
‫والتطويـر؛ لتنويـع مصـادر الدخل‪ ،‬ودعم النمـو االقتصـادي والعمل عىل‬
‫اسـتدامته‪ ،‬وتوليـد فـرص عمـل جديـدة عاليـة‪ ،‬باإلضافـة إىل رفـع كفاية‬
‫التعليـم والتدريـب‪ ،‬إىل جانب إعداد الكـوادر الوطنية املؤهلة لإلسـهام يف‬
‫التنميـة االقتصاديـة واالجتامعيـة‪ .‬كما هتـدف تضييـق الفجـوة الرقمية من‬
‫خلال متكين رشائح املجتمـع كافة من الوصـول إىل خدمـات االتصاالت‬
‫وتقنيـة املعلومـات بسـهولة وبتكاليـف معقولـة‪ ،‬إضافـة إىل تعزيـز اهلويـة‬
‫الوطنيـة واالنتماء الوطنـي ودعـم انتشـار اللغـة العربيـة وتعزيـز رسـالة‬
‫اإلسلام احلضاريـة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ اخلطة اخلمسية األوىل لالتصاالت وتقنية املعلومات يف اململكة‬
‫تتضمـن اخلطـة اخلمسـية توجهـات مقرتحـة للوصـول إىل الرؤيـة‬
‫املسـتقبلة مـن خلال سـتة وعرشيـن هد ًفا حمـد ًدا‪ ،‬واثنتني وسـتني سياسـة‬
‫تنفيذيـة‪ ،‬وثامنيـة وتسـعني مرشو ًعـا‪ ،‬وقـد تـم البـدء يف تنفيـذ كثير منهـا‪.‬‬
‫ومتتـاز هـذه املرشوعـات بشـموليتها؛ إذ غطـت جوانـب اسـتخدامات‬
‫وتطبيقـات االتصاالت وتقنيـة املعلومات املتعددة كاحلكومـة اإللكرتونية‪،‬‬
‫والتجـارة اإللكرتونيـة‪ ،‬والعمـل عـن ُبعـد‪ ،‬والطـب االتصـايل‪ ،‬والتعليـم‬
‫اإللكتروين‪ ،‬ودعـم الثقافـة الوطنيـة العربية اإلسلامية الرقميـة‪ ،‬والعمل‬
‫على تنظيـم قطـاع االتصـاالت وتقنيـة املعلومات‪ ،‬مـن خلال الرتكيز عىل‬
‫البنيـة التحتية‪ ،‬واألنظمـة‪ ،‬واجلوانب األمنية لالتصـاالت وأمن املعلومات‬
‫واخلصوصيـة‪ ،‬كما غطـت هـذه املرشوعـات صناعـة االتصـاالت وتقنيـة‬

‫‪362‬‬
‫املعلومـات‪ ،‬والبحث واإلبـداع والتطوير‪ ،‬والتعاون الـدويل‪ ،‬ونقل التقنية‪،‬‬
‫وتوفير املعلومـات ومعاجلتهـا‪ ،‬وردم الفجـوة الرقميـة‪ .‬وقـد تضمنـت‬
‫املرشوعـات أهدا ًفـا شـاملة ملـؤرشات حمـددة (اهليتـي‪2011 ،‬م)‪.‬‬

‫‪ . 2‬املرشوعـات التنمويـة يف اململكة العربية السـعودية‬


‫(موقع املرشوعـات التنمويـة يف اململكة)‬
‫شـهدت اململكـة العربية السـعودية مرشوعـات تنمويـة عمالقة؛ فقد‬
‫وافـق جملـس الوزراء على خطة التنميـة التاسـعة للفرتة مـن ‪2010‬م حتى‬
‫‪2014‬م بميزانيـة إمجاليـة تبلـغ ‪ 1.4‬تريليون ريال بام تشـكله من اسـتمرار‬
‫للنهـج التنمـوي للمملكـة؛ حيـث حرصـت حكومـة خـادم احلرمين‬
‫الرشيفين‪ ،‬امللـك عبـداهلل بـن عبـد العزيـز آل سـعود ـ رمحـه اهلل ـ عىل نرش‬
‫التنميـة يف كل أرجـاء اململكـة‪ ،‬وجتسـد ذلـك يف إطلاق عـدد كبير مـن‬
‫املرشوعـات التـي شـملت البنيـة األساسـية وخمتلـف القطاعـات اخلدميـة‬
‫واإلنتاجيـة‪ ،‬ومـن هـذه املرشوعات‪:‬‬
‫‪1 .2‬مركز امللك عبداهلل املايل‬
‫أعلــن خــادم احلرمين الرشيفيــن امللــك عبـداهلل بـن عبد العزيــز آل‬
‫سـعود ـ رمحـه اهلل ـ عـن إنشـاء املركز يـوم الثالثـاء ‪1427/4/11‬هــ ليكون‬
‫املركـز األول مـن نوعـه يف منطقـة الشرق األوسـط مـن ناحيتـي احلجـم‬
‫والتنظيـم‪ ،‬ومـن حيـث املواصفـات التقنيـة والتجهيـز؛ ليضاهي أكبر املراكز‬
‫املاليـة العامليـة املامثلـة‪ .‬ويقـام املركز على مسـاحة ‪ 1.6‬مليون متر مربع‪ ،‬وتم‬
‫البـدء يف أعمال بنائـه أوائـل عـام ‪2007‬م‪ ،‬ويتـم إنجـازه على عـدة مراحـل‬
‫سـنوية يؤمـل بانتهائهـا أن تعـزز اململكــة ـ عاصمـة العـامل النفطيـة ـ مـن‬

‫‪363‬‬
‫موقعهـا عاصمـ ًة ماليـة للرشق األوسـط‪ ،‬ويوفـر املركز بيئة عمـل عىل أحدث‬
‫املقاييـس العاملية‪.‬‬
‫‪ 2 .2‬جممع تقنية املعلومات واالتصاالت‬
‫تقـوم املؤسسـة العامـة للتقاعـد بتنفيـذه يف مدينـة الرياض‪ ،‬ويشـتمل‬
‫على جمموعة مـن البنى التحتيـة املتطورة إلنشـاء جممعات تقنيـة وصناعات‬
‫حديثـة ذات أبعاد إستراتيجية؛ لتطوير قطاع التقنيـة واملعلومات يف اململكة‪،‬‬
‫وسـيخصص املجمـع لألعمال التقنية وأنشـطة التجميـع والتصنيـع لنامذج‬ ‫َّ‬
‫أوليـة عاليـة التقنيـة‪ ،‬وخدمـات مسـاندة فنيـة كمصانـع املـواد املسـتعملة‬
‫يف أنشـطة البحـث والتطويـر واخلدمـات التجاريـة كالفنـادق واملطاعـم‬
‫والبنـوك‪ .‬ويتوقـع أن يبلـغ جممـوع مسـاحات البنـاء يف هذا املشروع مليون‬
‫متر مربـع‪ ،‬وسـيتم إنشـاء املجمـع بأكملـه بتمويـل مـن املؤسسـة العامـة‬
‫للتقاعد‪ ،‬وسيشـمل مقـرات أعامل ومراكـز بحث وتطوير وإنتـاج لكربيات‬
‫رشكات االتصـاالت وتقنيـة املعلومـات املحليـة والعاملية‪ ،‬إضافـة إىل إتاحة‬
‫الفرصـة أمـام القطـاع اخلـاص واملحلي واألجنبـي لالسـتثامر يف املجمـع‬
‫واالسـتفادة مـن امليزات والتجهيـزات الكثرية التي سـيوفرها للمسـتثمرين‬
‫على املسـتوىات كافـة‪ :‬املحليـة واإلقليميـة والعاملية‪.‬‬
‫‪ 3 . 2‬حدائق امللك عبداهلل العاملية‬
‫تعـد واحـدة من أكبر ثلاث حدائق نباتيـة مغطـاة يف العـامل‪ ،‬ويتكون‬
‫املشروع‪ ،‬البالغـة مسـاحته مليـوين متر مربـع‪ ،‬مـن جمموعـة مـن احلدائق‬
‫العامليـة بتصاميـم فريـدة ذات صبغـة علميـة وثقافيـة وبيئيـة خاصـة‪،‬‬
‫وكذلـك حدائـق مائيـة وثلجيـة وصحراويـة وحدائـق أسماك وشلاالت‬
‫وحدائـق أطفـال وطيـور وفراشـات وزواحف وزهـور‪ ،‬وعنـارص خدمية‬

‫‪364‬‬
‫متكاملة كاألسـواق واملسـارح واجللسـات واملقاهي واملالعـب وغريها من‬
‫اخلدمـات‪ .‬وتشـتمل احلدائق على‪ :‬احلديقـة النباتية واملتحـف النبايت وبنك‬
‫البـذور وبنـك اجلينـات واحلدائـق العلميـة واحلديقـة الدوليـة واحلدائـق‬
‫املائيـة وممشـى الـوادي وأبـراج املشـاهدة وسـاحة االحتفـاالت وأماكـن‬
‫اجللـوس والتنـزه‪ .‬وينتظـر أن يعزز هـذا املرشوع احلركة السـياحية بشـكل‬
‫كبير‪ ،‬وأن يكـون واجهة للمرشوعات السـياحية يف الريـاض واململكة عىل‬
‫وجـه العمـوم‪ .‬ويمثـل هـذا املشروع الضخـم نقلـة كبيرة جـدًّ ا يف مفهوم‬
‫كثريا من سـكان اململكة والدول‬ ‫السـياحة والرتفيـه يف اململكة‪ ،‬وسـيجذب ً‬
‫املجاورة‪.‬‬
‫‪ 4 .2‬جامعة امللك عبداهلل للعلوم والتقنية‬
‫افتتحهـا خـادم احلرمين الرشيفين امللك عبـداهلل بـن عبدالعزيــز آل‬
‫سعــود ـ رمحـه اهلل ـ يـوم األربعـاء ‪ 23‬سـبتمرب ‪2009‬م؛ لتكـون جامعـة‬
‫عامليـة لألبحاث عىل مسـتوى الدراسـات العليـا؛ تكرس جهودهـا للعمل‬
‫على االنطلاق نحو عصر جديد مـن اإلنجاز العلمـي يف اململكـة‪ ،‬وتعود‬
‫أيضـا بالنفـع على املنطقـة والعـامل‪ .‬ويدعم اجلامعـة وقف يبلغ عـدة باليني‬ ‫ً‬
‫مـن الـدوالرات‪ ،‬ويديرهـا جملـس أمنـاء مسـتقل دائـم‪ ،‬وتعتمـد اجلـدارة‬
‫أساسـا لعملهـا وترحـب بالرجال والنسـاء من مجيـع أنحاء العامل‪ .‬وتسـعى‬ ‫ً‬
‫اجلامعـة إىل تنفيـذ خطـة أبحاثهـا مـن خلال حمـاور أبحـاث إستراتيجية‬
‫تركـز على جمـاالت العلـوم والتقنيـة التـي هتـم اململكـة واملنطقـة والعـامل‪،‬‬
‫وهـي‪ :‬املـوارد والطاقة والبيئـة‪ ،‬والعلوم احليويـة واهلندسـة احليوية‪ ،‬وعلم‬
‫وهندسـة املـواد‪ ،‬والرياضيـات التطبيقيـة والعلـوم احلاسـوبية‪ ،‬وأسسـت‬
‫اجلامعـة مراكـز بحـوث متعـددة التخصصات؛ لدعـم هذه املحـاور‪ ،‬وهي‬
‫جمال دراسـ ًّيا‪ .‬ويشـغل حرم اجلامعـة الرئيس‬ ‫متنـح درجـات علميـة يف ‪ً 11‬‬

‫‪365‬‬
‫مسـاحة تبلـغ أكثر مـن ‪ 36‬مليون متر مربع يف ُثـول‪ ،‬التي تقع عىل سـاحل‬
‫رتا شمال مدينـة جدة‪.‬‬ ‫البحـر األمحـر على بعـد نحـو ‪ 80‬كيلوم ً‬
‫‪ 5 .2‬مدينة امللك عبداهلل للطاقة الذرية واملتجددة‬
‫أصـدر خـادم احلرمني الرشيفني امللـك عبداهلل بن عبدالعزيز آل سـعود‬
‫أمـرا ملك ًّيا رقـم أ‪ 35/‬بتاريخ ‪1431/5/3‬هـ بإنشـائها‪ ،‬وهي‬ ‫ـ رمحـه اهلل ـ ً‬
‫هيئـة علمية متخصصـة تعنى بوضع وتنفيذ السياسـة الوطنيـة للطاقة الذرية‬
‫واملتجـددة‪ ،‬وهـي ملحقـة إدار ًّيـا برئيس جملـس الـوزراء‪ ،‬ومقرهـا الرئيس‬
‫مدينـة الريـاض‪ .‬وهتـدف املدينـة ـ وف ًقـا لنظامهـا ـ إىل املسـامهة يف التنميـة‬
‫املسـتدامة يف اململكـة‪ ،‬وذلـك باسـتخدام العلـوم والبحـوث والصناعـات‬
‫ذات الصلـة بالطاقـة الذرية واملتجـددة يف األغراض السـلمية وبام يؤدي إىل‬
‫رفع مسـتوى املعيشـة وحتسين نوعية احليـاة يف اململكة‪ ،‬وتقـوم املدينة بدعم‬
‫ورعايـة نشـاطات البحـث والتطويـر العلمـي وتوطين التقنيـة يف جمـاالت‬
‫اختصاصاهتـا وحتديـد وتنسـيق نشـاطات مؤسسـات ومراكـز البحـوث‬
‫العلميـة يف اململكـة يف هـذا املجـال وتنظيم املؤمتـرات املحلية واملشـاركة يف‬
‫املؤمتـرات الدولية وحتديـد األولويات والسياسـات الوطنية يف جمـال الطاقة‬
‫الذريـة واملتجـددة‪ ،‬مـن أجـل بناء قاعـدة علمية تقنيـة يف جمال توليـد الطاقة‬
‫وامليـاه املحلاة ويف املجـاالت الطبيـة والصناعيـة والزراعيـة والتعدينيـة‪،‬‬
‫والعمـل على تطويـر الكفايات العلميـة الوطنيـة يف جمـاالت اختصاصاهتا‪،‬‬
‫وتشـتمل هـذه املدينـة عىل متطلبـات البحـث العلمي كاملختربات ووسـائل‬
‫االتصـاالت ومصادر املعلومـات ومجيع املرافق الالزمـة للعاملني يف املدينة‪.‬‬
‫‪ 6 .2‬املدن االقتصادية‬
‫جيـري العمل على بناء عدد مـن املـدن االقتصادية اجلديـدة يف اململكة‬

‫‪366‬‬
‫العربيـة السـعودية‪ .‬وهتـدف هذه املرشوعات إىل تنشـيط التنميـة اإلقليمية‪،‬‬
‫وهـي متثـل بـدء مرحلـة جديـدة لصناعـات وأعمال جتاريـة تضـم أكثـر‬
‫طموحـا يف اململكـة‪ .‬وستسـهم هـذه املـدن يف‬
‫ً‬ ‫االسـتثامرات طويلـة املـدى‬
‫توسـيع االقتصـاد املتنامـي غري النفطـي يف اململكة‪ ،‬ومن هـذه املرشوعات‪:‬‬
‫أ ـ مدينة امللك عبداهلل االقتصادية‬
‫تُعـد مـن أكبر املرشوعـات العمرانيـة التـي تشـهدها اململكـة‪ ،‬وتـم‬
‫تصميمهـا بأحـدث التصاميـم العمرانيـة؛ لتكون واحدة من أهـم املدن عىل‬
‫مسـتوى العامل‪ ،‬وسـوف حتتضـن املدينة ما يقـارب مليوين نسـمة موفرة هلم‬
‫مسـتوى معيشـ ًّيا راق ًيـا‪ .‬وستسـتغرق مراحـل إكامل املدينـة ‪ 20‬سـنة‪ ،‬بد ًءا‬
‫مـن عـام ‪2006‬م حتـى تاريخ اإلكمال املتو َّقـع يف عـام ‪2025‬م‪ .‬ورشع يف‬
‫أعمال املرحلـة األوىل لتطويـر املدينـة التـي متتـد ملدة ‪ 5‬سـنوات ابتـدا ًء من‬
‫‪2006‬م وانتهـت يف ‪2011‬م‪ .‬وتضـم املدينـة مينا ًء بحر ًّيـا ومنطقة صناعية‬
‫وحـي األعمال املركـزي ومنطقـة املنتجعـات واملرافـق واألحياء السـكنية‬
‫ومنطقـة املؤسسـات العلميـة والبحثية‪.‬‬
‫ب ـ مدينة جازان االقتصادية‬
‫بتوجيـه مـن خـادم احلرمين الرشيفني ـ رمحـه اهلل ـ قامت اهليئـة العامة‬
‫لالسـتثامر بـاإلرشاف على إنشـاءات مدينـة جـازان االقتصاديـة التـي تقع‬
‫رتا شمال‬‫يف موقـع إستراتيجي بمحـاذاة البحـر األمحر عىل بعـد ‪ 60‬كيلوم ً‬
‫مدينـة جـازان‪ ،‬ويتوقـع أن تسـتقطب املدينـة أكثـر مـن مئـة مليـون ريـال‬
‫سـعودي مـن االسـتثامرات اخلاصـة من كثير مـن القطاعات‪ ،‬مما سيسـهم‬
‫يف توفير ‪ 500‬ألـف فرصـة عمل مبارشة وغير مبارشة‪ .‬وتركـز املدينة عىل‬
‫الصناعـات الثقيلة ذات االسـتخدام الكثيـف للطاقة‪ ،‬كام توفـر عند تكامل‬

‫‪367‬‬
‫مرافقهـا االحتياجـات الالزمـة كافة إلقامـة الصناعـات الثانويـة املختلفة‪،‬‬
‫خاصـة يف جمـال الصناعـات املسـاندة الزراعيـة منهـا والسـمكية‪ .‬وتعتـزم‬
‫املدينـة إنشـاء مركـز إقليمـي لتوزيع خـام وحبيبـات احلديد ملنطقـة الرشق‬
‫األوسـط‪ .‬وتتكـون املدينـة من عنـارص متكاملة مـع بعضها‪ ،‬ومنهـا‪ :‬امليناء‬
‫ومنطقـة الصناعات ومركـز اخلدمات اللوجيسـتية وحمطة الطاقـة والتحلية‬
‫والتربيـد واملنطقـة السـكنية وجزيـرة مركـز األعمال واملركـز احلضـاري‬
‫والكورنيـش وحـي الواجهة البحريـة ومنطقـة اخلدمات البحريـة واملنطقة‬
‫ا لتعليمية ‪.‬‬
‫ج ـ مدينة األمري عبدالعزيز بن مساعد االقتصادية‬
‫افتتـح خـادم احلرمني الرشيفين امللك عبداهلل بـن عبدالعزيز ـ رمحه اهلل‬
‫ـ يف‪ 13‬يونيـو عـام ‪2006‬م مدينة األمري عبد العزيز بن مسـاعد االقتصادية‬
‫يف منطقـة حائـل بشمال اململكـة‪ ،‬تبلـغ مسـاحتها ‪ 156‬مليـون متر مربع‪،‬‬
‫وتقـدر تكلفـة املشروع بــ ‪ 30‬مليار ريال سـعودي‪ ،‬وسـيوفر املشروع ما‬
‫يقارب ‪ 30‬ألف فرصة عمل للشـباب السـعوديني يف حائل‪ ،‬مما سـيضاعف‬
‫رصحـا اقتصاد ًّيـا مهمًّ عنـد اكتامهلـا؛ حيث يعدّ‬
‫ً‬ ‫الناتـج املحلي‪ .‬وهـي تعترب‬
‫مركزا‬
‫مكاهنـا املميـز موق ًعـا إستراتيج ًّيا مهماًّ ‪ ،‬ممـا سـيؤهل املدينـة لتكـون ً‬
‫إقليم ًّيـا متكامـل املنظومـة يف قطاع النقل واللوجيسـتيات‪ ،‬وسـوف حتتوي‬
‫املدينـة عىل مطـار دويل وسـكة حديدية ومينـاء بري‪.‬‬
‫د ـ مدينة املعرفة االقتصادية‬
‫بتوجيـه مـن خـادم احلرمين الرشيفني امللـك عبـد اهلل بن عبـد العزيز‬
‫آل سـعود ـ رمحـه اهلل ـ قامـت اهليئـة العامة لالسـتثامر بالتنسـيق مع جمموعة‬
‫مـن الشركات الوطنيـة الكبرى لتأسـيس كيـان اسـتثامري بغـرض تطوير‬

‫‪368‬‬
‫أرض مؤسسـة امللـك عبد اهلل بن عبـد العزيـز لوالديه لإلسـكان التنموي‪،‬‬
‫معلما حضار ًّيا خلدمة سـكان وزوار‬
‫ً‬ ‫الواقعـة رشق املدينـة املنـورة‪ ،‬لتكـون‬
‫ورصحـا وطن ًّيـا وعامل ًّيـا للتنميـة االقتصاديـة املبنيـة على‬
‫ً‬ ‫املدينـة املنـورة‬
‫الصناعـات املعرفيـة‪ .‬وهتدف املدينة إىل تأسـيس قاعدة للتنميـة االقتصادية‬
‫املبنيـة على الصناعـات املعرفيـة ودعم جمـال السـياحة والتسـويق يف املدينة‬
‫عبر متحف السيرة ومنطقة السـوق ومنشـآت سـياحية متكاملة بمسـتوى‬
‫عاملـي وتأسـيس منطقـة جتاريـة ذات بنيـة حتتيـة عرصيـة وختفيـف الضغط‬
‫على املنطقـة املركزيـة وتطويـر منطقـة سـكن مميـزة للراغبين يف العمـل‬
‫واالسـتثامر واإلقامـة بجـوار مسـجد الرسـول عليـه الصلاة والسلام‪.‬‬
‫ويتوقـع أن جتـذب املدينـة اسـتثامرات تقـدر بـ ‪ 30‬مليـار ريال‪ ،‬كام سـتوفر‬
‫‪ 20‬ألف فرصة عمل جديدة‪ .‬‬
‫هـ ـ مدينة امللك عبداهلل الرياضية‬
‫يقـع املشروع يف شمال رشق حمافظـة جـدة‪ ،‬وقد صـدر األمـر امللكي‬
‫بإنشـاء املدينـة يف عـام ‪2009‬م وتـم االنتهـاء منها عـام ‪2014‬م وتشـتمل‬
‫على مرافـق رياضيـة فريدة مـن نوعها تسـهم يف رفـع مسـتوى الرياضيني؛‬
‫لتكـون حم ّف ًـزا يف تطويـر مسـتوى الرياضـة والرياضيين يف اململكـة‪ ،‬وتُعدّ‬
‫كثيرا من املرشوعـات املصاحبة‬ ‫نقلـة نوعيـة للرياضـة السـعودية وتتضمن ً‬
‫مـن قاعـات ومالعـب تدريبيـة بتقنيـة حديثـة‪ .‬وقـد ُص ّمـم ملعـب املدينة‬
‫على مسـاحة ‪ 3‬ماليني متر مربع‪ ،‬بتصميـم مميز ومجايل يسـتوعب ‪ 60‬ألف‬
‫متفـرج‪ ،‬وسيسـتضيف بطـوالت وحمافـل رياضيـة حمليـة وإقليميـة ودولية‬
‫حسـب مواصفـات االحتاد الـدويل لكـرة القـدم (الفيفا)‪.‬‬
‫ويشـتمل امللعـب على كل من‪ :‬مرشوعـات جتاريـة وشاشـات داخلية‬

‫‪369‬‬
‫بتقنيـة ‪ HD‬واسـتوديوهات تلفزيونيـة مطلـة على امللعـب وفـروع ألكبر‬
‫املطاعـم العامليـة واملحليـة وملعـب أوملبـي مسـتقل خـاص أللعـاب القوى‬
‫وصـاالت رياضيـة مغلقـة تتسـع لــ‪ 10‬آالف متفـرج ومالعـب خارجيـة‬
‫تدريبيـة وقاعـات للحفلات الرياضيـة وللمؤمتـرات ومسـجد جامـع كبري‬
‫وأكاديميـات رياضيـة‪ ،‬إضافة إىل سـاحة مواقف للسـيارات بسـعة ‪ 8‬آالف‬
‫سيارة‪.‬‬
‫‪ 7 .2‬مرشوع مطار امللك عبدالعزيز الدويل اجلديد بجدة‬
‫تتمثـل رسـالة املشروع يف أن يصبـح مطـار امللك عبـد العزيـز الدويل‬
‫يعـزز النهضـة االقتصاديـة ملدينـة جـدة وللمملكـة‬
‫حمـورا عامل ًّيـا نموذج ًّيـا ّ‬
‫ً‬
‫العربيـة السـعودية ككل‪ ،‬وحيقـق طمـوح اهليئـة العامـة للطيران املـدين يف‬
‫وص ّمـم خمطـط املشروع كـي‬ ‫تعزيـز مكانـة مدينـة جـدة كمحـور عاملـي‪ُ .‬‬
‫يتـم تنفيـذه على ثلاث مراحـل تنتهـي يف عـام ‪2035‬م‪ ،‬بحيـث تصـل‬ ‫ّ‬
‫طاقتـه االسـتيعابية الكاملـة إىل مـا بين‪ 70‬و‪ 80‬مليـون مسـافر سـنو ًّيا‬
‫باسـتخدام املـدارج الثالثـة املوجـودة حال ًيـا‪ .‬ويتضمـن املشروع العنارص‬
‫جممـع صـاالت املسـافرين الـذي يقـام على أرض تبلـغ‬ ‫الرئيسـة التاليـة‪ّ :‬‬
‫مسـاحتها أكثـر مـن ‪ 670‬ألـف متر مربـع‪ ،‬وجتهيز صـاالت السـفر بـ ‪46‬‬
‫جسرا للوصـول للطائـرات‪ ،‬بام‬ ‫ً‬ ‫بوابـة لصعـود الطائـرات‪ ،‬تتصـل بــ ‪94‬‬
‫فيهـا الطائـرات العمالقـة ذات الطابقين مـن طـراز «إيربـاص ‪،»A380‬‬
‫وصـاالت لالنتظـار وفـق أرفع املسـتويات‪ ،‬وفنـدق تابع للمطـار‪ ،‬ومنطقة‬
‫لألسـواق التجاريـة احلديثـة‪ ،‬وأن يصل نظام نقـل الـركاب اآليل بني مركز‬
‫اسـتقبال الـركاب ومركز الرحلات الدولية‪ ،‬ومركز حديـث للمواصالت‬
‫يضـم أحدث وسـائل النقـل املتنوعة‪ ،‬بما فيها حمطـة قطار متكاملـة‪ ،‬ونظام‬
‫رتا‬
‫متطـور لتحميـل ومناولـة أمتعـة املسـافرين يمتـد ألكثـر مـن ‪ 60‬كيلوم ً‬

‫‪370‬‬
‫مـن سـيور النقـل املتحركـة‪ ،‬وأحـدث نظام تقنـي للتحكـم بحركـة املرور‬
‫اجلـوي‪ ،‬مـع بـرج املراقبـة املالحـي بتصميمـه الفنـي املميـز‪ ،‬والـذي يبلغ‬
‫ترا‪ ،‬ويعتبر أطول بـرج مالحة جويـة يف العامل‪ ،‬وشـبكات‬ ‫ارتفاعـه ‪136‬م ً‬
‫واسـعة مـن الطـرق واألنفـاق ومـدارج الطائـرات‪ ،‬ومرافـق ومنشـآت‬
‫متنوعـة للدعـم واملسـاندة‪ ،‬وحمطة خاصـة خلزانـات الوقود وشـبكة إمداد‬
‫الوقـود‪ ،‬ومشـتل مركـزي خـاص للعنايـة بالنباتـات خلدمة حدائـق املطار‬
‫الداخليـة ومـا حوله‪.‬‬
‫‪ 8 .2‬مرشوع امللك عبدالعزيز للنقل العام بمدينة الرياض‬
‫صـدرت موافقـة جملـس الـوزراء يف ‪ 2‬مجـادى اآلخـرة ‪1433‬هـ عىل‬
‫تنفيـذ مشروع النقـل العـام يف مدينـة الريـاض (القطـارات‪ ،‬احلافلات)‬
‫وخ ِّصصـت جلنـة عليـا للإرشاف على تنفيـذه ومنحت‬ ‫بكامـل مراحلـه‪ُ ،‬‬
‫حكومـة خـادم احلرمين الرشيفين امللك عبـداهلل بـن عبدالعزيز آل سـعود‬
‫ـ رمحـه اهلل ـ عقـو ًدا بقيمـة ‪ 22.5‬مليـار دوالر لثالثـة ائتالفـات تقودهـا‬
‫رشكات أجنبيـة مـن أكبر مصنعـي ومنفذي شـبكات القطـارات يف العامل؛‬
‫لتصميم وإنشـاء أول شـبكة مترو يف العاصمة الريـاض يف مرشوع عمالق‬
‫سيسـتغرق تنفيـذه مخـس سـنوات؛ ليعطـي الضـوء األخضر ألكبر نقلـة‬
‫فعليـة على األرض يف جمـال املواصلات؛ الداخليـة يف تاريـخ اململكـة‪.‬‬
‫هيـدف املشروع إىل تقليـص االزدحـام املـروري وحتسين النشـاط‬
‫االقتصـادي للعاصمـة‪ .‬ومـن املقـرر أن تبـدأ اخلدمـة التجارية للشـبكة عام‬
‫‪2018‬م‪ .‬وسيشـمل املشروع سـتة خطـوط للسـكك احلديدية متتد مسـافة‬
‫ترا وتتضمـن ‪ 87‬حمطـة‪ ،‬وتعمـل عليهـا قطـارات كهربائية من‬ ‫‪ 176‬كيلوم ً‬
‫دون سـائقني‪ ،‬وهـو أكبر مشروع لشـبكات النقـل العـام يف العـامل جيـري‬

‫‪371‬‬
‫تطويـره حال ًّيـا‪ .‬ووفـق اخلطـة الزمنيـة‪ ،‬فـإن املشروع سيسـتوعب ‪1.16‬‬
‫مليـون راكب يوم ًّيـا مع بداية التشـغيل‪ ،‬وترتفع طاقته االسـتيعابية إىل ‪3.6‬‬
‫ماليين راكـب يوم ًّيـا بعـد عرش سـنوات‪.‬‬

‫‪ .3‬التطورات الترشيعية‬
‫قامت اململكة العربية السـعودية بسـن كثير من القوانني والترشيعـات واللوائح‬
‫املنظمـة لألنظمـة املتعلقـة بتحقيـق االسـتدامة بأبعادهـا االقتصاديـة واالجتامعيـة‬
‫والبيئيـة واملؤسسـية كافـة‪ ،‬ومـن أهـم هـذه القوانين والترشيعـات ما ييل‪:‬‬
‫أ ـ النظـام العـام للبيئـة والئحتـه التنفيذيـة لسـنة ‪1422‬هـ‪ :‬هيـدف النظام‬
‫العـام للبيئـة والئحته التنفيذيـة إىل حتقيق التوازن بين احتياجات البيئة‬
‫ومتطلبـات التنمية؛ ذلـك أن محاية البيئة واحلفـاظ عليها‪ ،‬بل وتطويرها‬
‫ينبغـي أال يشـكِّل باملقابـل عائ ًقا ً‬
‫رئيسـا لربامـج التنميـة االقتصادية يف‬
‫اململكـة‪ ،‬فالتخطيـط البيئي ُيعـد جز ًءا ال يتجـزأ من التخطيط الشـامل‬
‫للتنميـة يف مجيـع املجـاالت الصناعيـة والزراعيـة والعمرانيـة وغريها؛‬
‫حيـث ألزمـت معظـم مـواد النظـام العـام للبيئـة والئحتـه التنفيذيـة‬
‫اجلهـات املسـؤولة عن التخطيـط والتنمية االقتصادية بمراعـاة التوازن‬
‫بين اعتبـارات البيئـة ورضورات التخطيـط والتنمية‪ ،‬فقـد نصت املادة‬
‫‪ 10‬مـن النظـام على أنـه «جيـب مراعـاة اجلوانـب البيئيـة يف عمليـة‬
‫التخطيـط على مسـتوى املرشوعـات والربامـج واخلطـط التنمويـة‬
‫للقطاعـات املختلفـة واخلطـة العامـة للتنميـة»‪ .‬ونصت املـادة «‪»1/4‬‬
‫مـن الالئحـة على أنـه «على كل جهـة عامـة اختـاذ اإلجـراءات التـي‬
‫تكفـل تطبيـق القواعـد الـواردة يف هـذا النظـام على مرشوعاهتـا التي‬
‫ختضـع إلرشافهـا» (النويصر‪2007 ،‬م)‪.‬‬

‫‪372‬‬
‫ب ـ األنظمـة والقواعـد والقـرارات التـي تـم بموجبهـا إنشـاء سـلطات‬
‫محايـة البيئة‪.‬‬
‫ج ـ األنظمة واملراسيم اخلاصة بحامية البيئة من التلوث‪.‬‬
‫د ـ األنظمة اخلاصة بحامية املوارد الطبيعية‪.‬‬
‫هــ ـ األنظمـة والقواعد اخلاصة بحاميـة البيئة الربية وإقامـة حمميات طبيعية‬
‫واحلفاظ عىل التراث الطبيعي‪.‬‬
‫و ـ مقاييس محاية البيئة والتحكم بالتلوث‪.‬‬
‫ز ـ األنظمـة والقواعـد ذات العالقـة باسـتخدام ومعاملـة الكيامويـات‬
‫اخلطـرة واملبيـدات احلرشيـة‪.‬‬
‫ح ـ األنظمـة اخلاصـة بحامية بيئة العمل والصحة املهنيـة (اهليتي‪2011 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.)96‬‬

‫‪ .4‬البنية املؤسسية‬
‫قامـت اململكة العربية السـعودية بإنشـاء كثري من التنظيامت املؤسسـية‬
‫(املؤسسـات واألجهـزة احلكوميـة) املعنيـة بتطبيقـات التنميـة املسـتدامة؛‬
‫هبـدف تدعيـم البنيـة املؤسسـية‪ ،‬ومـن أهم هـذه التنظيمات ما ييل‪:‬‬
‫أ ـ الرئاسة العامة لألرصاد ومحاية البيئة‬
‫أنشـئت رئاسـة األرصـاد ومحايـة البيئة يف عـام ‪1981‬م لتكـون اجلهة‬
‫الوطنيـة لألرصـاد والبيئة يف اململكـة‪ ،‬وتتبع وزارة الدفـاع والطريان‪ .‬وكان‬
‫اهلـدف األسـايس مـن إنشـائها يتمثـل يف حتسين صحـة وسلامة ورخـاء‬
‫املواطنين والنهـوض برفاههـم االقتصـادي واالجتامعـي العـام‪ .‬وبنا ًء عىل‬
‫قـرار اللجنـة العليـا لإلصلاح اإلداري رقـم ‪ 86‬لسـنة ‪1399‬هــ فقـد تم‬

‫‪373‬‬
‫إسـناد مهـام محايـة البيئـة مـن التلـوث إىل رئاسـة األرصـاد اجلويـة وتغيري‬
‫اسـمها إىل «رئاسـة األرصـاد ومحايـة البيئة»‪.‬‬
‫وقـد ُأوكل إىل الرئاسـة املهـام والصالحيـات التاليـة املتعلقـة بالبيئـة؛‬
‫إضافـة إىل املهـام اخلاصـة باألرصـاد اجلويـة‪:‬‬
‫ـ القيـام بعمليـات مسـح العنـارص البيئيـة وحتديـد مشـكالهتا مـع اقتراح‬
‫املقاييـس واملعايير البيئية‪.‬‬
‫ـ اقرتاح اللوائح واإلجراءات الوقائية ملعاجلة مشكالهتا البيئية‪.‬‬
‫ـ اقتراح اإلجـراءات العمليـة الالزمـة ملواجهـة احلـاالت الطارئـة املؤثرة‬
‫على البيئة‪.‬‬
‫ـ ختطيـط مسـتويات التلوث احلـايل والتغريات يف مسـتقبل األوضاع البيئية‬
‫وتوثيـق تلك املعلومات بشـكل يسـهل معه الرجـوع إليها‪.‬‬
‫ـ القيـام بمتابعـة التطـورات املسـتجدة يف حقـل نشـاطات محايـة البيئة عىل‬
‫املسـتويات اإلقليميـة والدولية‪.‬‬
‫ـ وضـع املقاييـس واملواصفـات الرضوريـة ملراقبـة التلـوث ومحايـة البيئـة‬
‫عىل شـكل حمـدد وثابت‪ ،‬وعىل أساسـها تقـوم اجلهات املختصـة بأخذها‬
‫يف االعتبـار ومراعاهتـا عنـد الرتخيـص بإنشـاء املرشوعـات الصناعيـة‬
‫والزراعيـة ذات التأثير البيئـي (موقـع الرئاسـة العامـة لألرصاد)‪.‬‬

‫ب ـ وكالة شؤون التنمية املستدامة‬


‫تأكيـدً ا اللتـزام اململكـة العربيـة السـعودية بخطـة تنفيـذ نتائـج مؤمتر‬
‫القمـة العاملـي للتنميـة املسـتدامة (جوهانسبرغ ‪2002‬م) ولتحقيـق مـا‬
‫تضمنتـه مـن أهـداف اقتصاديـة واجتامعيـة وبيئيـة حمـددة زمن ًّيـا‪ ،‬جـاءت‬

‫‪374‬‬
‫أمهيـة إنشـاء وكالـة مسـاعدة لشـؤون التنميـة املسـتدامة يف الرئاسـة العامة‬
‫لألرصـاد ومحايـة البيئـة التـي هتـدف حتقيـق اآليت‪:‬‬
‫ـ حتقيـق التنميـة املسـتدامة على أسـاس املواءمـة بين النشـاطات التنموية‬
‫ومحايـة البيئـة وتعزيزهـا وضامن اسـتمرارها‪.‬‬
‫ـ حتقيـق االنسـجام بني توافـر املوارد الطبيعيـة املتجددة وغير املتجددة من‬
‫جهـة ومتطلبات التنمية املسـتدامة مـن جهة أخرى‪.‬‬
‫ـ حتقيـق دمـج أركان التنميـة املسـتدامة الثالثـة‪ :‬االقتصاديـة واالجتامعيـة‬
‫والبيئيـة بشـكل فعال‪.‬‬
‫ـ حتقيـق غـرس مفاهيـم التنميـة املسـتدامة وثقافتهـا لـدى املجتمـع‬
‫واملؤسسـات العامـة واخلاصـة وصانعـي القـرار‪.‬‬
‫ـ حتقيـق التكامـل والتنسـيق بين اجلهـات العامـة واملعنيـة يف جمـال التنمية‬
‫املسـتدامة وإعـداد السياسـات واخلطـط املتعلقـة بالتنمية املسـتدامة‪.‬‬
‫ـ حتقيـق التكامـل اإلقليمـي والتنسـيق الـدويل مـع الدول واملنظمات ذات‬
‫العالقـة يف املجـال اإلقليمي والتنسـيق الدويل مع الـدول واملنظامت ذات‬
‫العالقـة يف جمـال التنميـة املسـتدامة ومتابعـة التطـورات العامليـة يف هـذا‬
‫املجال‪.‬‬
‫ويتألف اهليكل التنظيمي للوكالة من اآليت‪:‬‬
‫ـ اإلدارة العامة لربامج التنمية االقتصادية املستدامة‪.‬‬
‫ـ اإلدارة العامة لربامج التنمية االجتامعية املستدامة‪.‬‬
‫ـ اإلدارة العامة لتنمية ومحاية املوارد الطبيعية‪.‬‬
‫ـ اإلدارة العامـة للمنظمات والتعـاون الـدويل (الرئاسـة العامـة لألرصـاد‬
‫ومحايـة البيئة)‪.‬‬

‫‪375‬‬
‫ج ـ اهليئة الوطنية حلامية احلياة الفطرية وإنامئها‬
‫ُأنشـئت اهليئـة الوطنيـة حلامية احليـاة الفطريـة وإنامئها عـام ‪1406‬هـ‪،‬‬
‫بموجـب النظـام الصـادر باملرسـوم امللكـي رقـم «م‪ »22/‬بتاريـخ‬
‫‪1406/9/12‬هــ‪ ،‬وتسـعى اهليئـة؛ طب ًقـا ملـا جـاء يف نظامهـا األسـايس‪،‬‬
‫إىل املحافظـة على احليـاة الفطريـة يف البر والبحـر وعلى مواطنهـا الطبيعية‬
‫واسـتعادة نماء وازدهـار األنـواع واملواطـن املتدهـورة يف اململكـة‪ ،‬وذلـك‬
‫مـن خلال مـا ييل‪:‬‬
‫ـ استصدار الترشيعات اخلاصة باحلامية واقرتاح إقامة املناطق املحمية‪.‬‬
‫ـ تشـجيع وإجـراء البحـوث العلميـة يف خمتلـف حقـول علـوم األحيـاء‪،‬‬
‫خاصـة ما يتعلـق بالنباتـات واحليوانـات التي تعيـش يف البيئـات الطبيعية‪.‬‬
‫ـ إثـارة االهتمام بالقضايـا البيئيـة املتعلقـة باحليـاة الفطريـة وحماولـة إجيـاد‬
‫حلـول مناسـبة هلـا عـن طريـق عقـد اللقـاءات والنـدوات واملؤمتـرات‬
‫املحليـة ملناقشـتها مـن ِق َبـل املختصين يف هـذه املجـاالت‪.‬‬
‫ـ إجـراء مسـح شـامل للمعرفـة احلاليـة ونتائـج البحـوث املتعلقـة باحلياة‬
‫الفطريـة واملواطـن الطبيعيـة يف اململكـة العربيـة السـعودية‪ ،‬سـواء تلـك‬
‫املنشـورة يف خمتلـف مصـادر املعلومات املحليـة والعاملية أو غري املنشـورة‬
‫منها ‪.‬‬
‫ـ تطويـر وتنفيـذ خطـط ومرشوعـات هتـدف إىل املحافظـة على احليـاة‬
‫الفطريـة وإنامئهـا يف مواطنهـا الطبيعيـة عـن طريـق إقامـة مناطـق حمميـة‬
‫للحيـاة الفطريـة يف اململكـة واسـتصدار األنظمـة والتعليمات اخلاصـة‬
‫بتلـك املناطـق والعمـل على تطبيقهـا‪.‬‬
‫ـ التعـاون مـع خمتلـف الـوزارات واهليئـات الوطنيـة‪ ،‬حكوميـة وغير‬

‫‪376‬‬
‫حكوميـة‪ ،‬وكذلـك األفـراد واهليئـات العامليـة؛ لتحقيـق هـذه األهـداف‬
‫(اهليئـة الوطنيـة حلاميـة احليـاة الفطريـة)‪.‬‬
‫د ـ املجلس االقتصادي األعىل‬
‫يعتبر صـدور األمـر امللكـي بإنشـاء املجلـس االقتصـادي األعلى يف‬
‫‪1420/5/17‬هــ خطـوة مهمـة ملواجهـة املعوقـات النامجـة عـن تعـدد‬
‫األجهـزة ذات العالقـة بالشـؤون االقتصاديـة وضمان التنسـيق والتكامـل‬
‫بين أعامهلـا‪ ،‬بما حيقـق كفايـة ورسعـة اختـاذ القـرارات ويسـهم يف بلـورة‬
‫السياسـات االقتصاديـة وصياغـة البدائـل املالئمـة‪ ،‬باإلضافـة إىل متابعـة‬
‫التنفيـذ ودراسـة اإلطار العام خلطـة التنميـة ومرشوعاهتا وتقاريـر متابعتها‬
‫والسياسـة املاليـة وأسـس إعـداد مشروع املوازنـة وأولويـات اإلنفـاق‪،‬‬
‫وكذلـك السياسـة التجاريـة على الصعيديـن املحلي والـدويل‪ ،‬والقواعـد‬
‫املنظمـة لسـوق العمـل وأسـواق املـال‪ ،‬ومرشوعـات األنظمـة واللوائـح‬
‫املتعلقـة بالشـؤون والقضايا االقتصاديـة وقضايا محاية البيئـة‪ ،‬مع اإلرشاف‬
‫على برنامـج التخصيـص ومتابعة تنفيـذه‪ .‬وتتمثـل اختصاصـات املجلس‬
‫فيما ييل‪:‬‬
‫ـ بلورة السياسة االقتصادية وصياغة البدائل‪.‬‬
‫ـ التنسـيق بين اجلهـات احلكوميـة التـي تتصل أعامهلـا مبـارشة باالقتصاد‬
‫الوطنـي؛ لتحقيـق الرتابط والتكامـل بني أعامهلا‪ ،‬واختـاذ مجيع اإلجراءات‬
‫الالزمـة لذلك‪.‬‬
‫ـ متابعـة تنفيـذ السياسـة االقتصاديـة وما تقضي به قرارات جملـس الوزراء‬
‫يف الشـؤون والقضايـا االقتصاديـة‪ ،‬واختـاذ مجيـع اإلجـراءات الالزمـة‬
‫لذلـك‪ ،‬ورفـع تقريـر دوري بذلـك إىل جملس الـوزراء‪.‬‬

‫‪377‬‬
‫وعىل املجلس دراسة ما ييل‪:‬‬
‫ـ اإلطـار العـام خلطـة التنميـة‪ ،‬الـذي تعـده وزارة االقتصـاد والتخطيـط‪،‬‬
‫مشروع اخلطـة‪ ،‬تقاريـر متابعتهـا‪ ،‬التقريـر االقتصـادي‪.‬‬
‫ـ السياسـة املالية وأسـس إعداد مشروع امليزانية وأولويـات أوجه اإلنفاق‬
‫التـي تبلورهـا وزارة املالية وتعـد ميزانية الدولـة عىل ضوئها‪.‬‬
‫ـ مشروع ميزانيـة الدولـة وميزانيـات األجهـزة ذات الشـخصية املعنويـة‬
‫العامـة التـي تعدهـا وزارة املاليـة‪.‬‬
‫ـ السياسـات التجاريـة على الصعيديـن املحلي والـدويل‪ ،‬والقواعـد التـي‬
‫تنظـم سـوق العمـل وأسـواق املـال وحتمـي مصالـح املسـتهلك‪ ،‬وتلك‬
‫التـي هتيـئ املنـاخ املالئـم للمنافسـة واالسـتثامر‪ ،‬والسياسـات الصناعية‬
‫والزراعيـة التـي تعدهـا اجلهـات املعنية‪.‬‬
‫ـ مـا ترفعـه اللجـان واجلهـات احلكوميـة ملجلـس الـوزراء مـن تقاريـر‬
‫وغريهـا فيما يتعلـق بالشـؤون والقضايـا االقتصاديـة‪ ،‬بما يف ذلـك مـا‬
‫يتصل بمسـتويات األسـعار السـائدة‪ ،‬والرسـوم والرضائب والتعريفات‬
‫بأنواعهـا‪ ،‬وإيـرادات الدولة واسـتثامراهتا وإنفاقهـا ومرصوفاهتا‪ ،‬ووضع‬
‫الديـن العـام للدولـة‪ ،‬والقـروض واالمتيـازات‪ ،‬ومـا ترفعـه اللجنـة‬
‫الوزاريـة للتخصيـص‪ ،‬وجلنـة التـوازن االقتصـادي‪ ،‬واللجنـة الوزاريـة‬
‫املشـكلة باألمـر السـامي رقـم «‪ »8/154‬بتاريـخ ‪1404/1/27‬هــ‪،‬‬
‫وأعمال اللجـان املشتركة يف املجـال االقتصـادي‪ ،‬واحلسـاب اخلتامـي‬
‫للدولـة‪ ،‬واحلسـابات اخلتاميـة لألجهـزة ذات الشـخصية املعنويـة العامـة‪.‬‬
‫ـ مرشوعـات األنظمـة واللوائـح املتعلقـة بالشـؤون والقضايـا االقتصادية‬
‫ومرشوعـات االتفاقـات االقتصاديـة والتجاريـة‪ ،‬واألنظمـة التـي حتمي‬
‫البيئـة‪ ،‬وذلـك بالتعاون مـع اجلهـات املختصة‪.‬‬

‫‪378‬‬
‫ـ ما حيال إليه من جملس الوزراء أو املقام السامي الكريم‪.‬‬
‫ـ اختـاذ ما يلزم إلعداد الدراسـات والتقارير والبحـوث حول املوضوعات‬
‫ذات الصلـة باالقتصـاد‪ ،‬وذلك بتكليـف اجلهات احلكوميـة ذات العالقة‬
‫أو التعاقـد مـع بيوت اخلبرة أو االسـتعانة بمن يراه من اخلرباء‪ .‬ويسـتمع‬
‫املجلـس االقتصـادي األعلى ملـا يقدمه حمافـظ مؤسسـة النقد السـعودي‬
‫من معلومـات وتقارير وسياسـات نقدية‪.‬‬
‫ـ إعـداد تقريـر دوري عـن االقتصـاد الوطنـي بنـاء على مـا تعـده اجلهات‬
‫ا ملختصة ‪.‬‬
‫ـ ممارسـة االختصاصات التي تُسـند إليه نظا ًما (موقـع املجلس االقتصادي‬
‫األعىل)‪.‬‬
‫وقـد حقق املجلـس االقتصـادي األعىل منجـزات مهمة لتعزيـز املناخ‬
‫االسـتثامري‪ ،‬يف مقدمتهـا‪ :‬إقـرار نظام االسـتثامر األجنبي ومشروع تنظيم‬
‫اهليئـة العامـة لالسـتثامر وإنشـاء صنـدوق تنمية املـوارد البرشيـة ومرشوع‬
‫نظـام االتصـاالت‪ ،‬باإلضافـة إىل إقـرار معايير الشـفافية ونشر البيانـات‬
‫االقتصاديـة واملاليـة بشـكل دوري؛ واملوافقة عىل إستراتيجية التخصيص‪.‬‬
‫هـ ـ مدينة امللك عبدالعزيز للعلوم والتقنية‬
‫ُأنشـئت مدينـة امللـك عبدالعزيـز للعلـوم والتقنيـة بموجـب املرسـوم‬
‫امللكـي الكريـم رقـم «م‪ »60/‬بتاريـخ ‪1397/12/18‬هــ باعتبارها هيئة‬
‫علمية ذات شـخصية اعتبارية مسـتقلة ملحقة إدار ًّيا برئيـس جملس الوزراء‪،‬‬
‫وتتمحـور أهدافهـا حـول دعـم البحـوث العلميـة وتشـجيعها وتنفيذهـا‬
‫لألغراض التطبيقية وتنسـيق األنشـطة املتعددة ملؤسسـات ومراكز البحوث‬
‫العلميـة وحتديـد األولويات والسياسـات الوطنية يف جمال العلـوم والتقنية‪..‬‬
‫وهـو مـا يوفر للتنميـة الصناعية الوسـائل واآلليـات الالزمة للحـاق بركب‬

‫‪379‬‬
‫التقـدم التقنـي املطرد يف جمـال الصناعـة‪ ،‬ويتيح هلـا قاعدة تضمـن تواصلها‬
‫مـع متغيرات عرص الصناعـة احلديثـة‪ ،‬وإجيـاد احللـول التطبيقيـة والعلمية‬
‫للمشـكالت الصناعيـة وصياغـة املنـاخ املالئـم للتحديـث والتطويـر وف ًقـا‬
‫ملعـدالت العصر ومعايير الزمن‪.‬‬
‫وتتمثـل اختصاصـات مدينـة امللـك عبدالعزيـز للعلـوم والتقنيـة فيما‬
‫ييل ‪:‬‬
‫ـ اقتراح السياسـة الوطنيـة لتطويـر العلـوم والتقنية ووضع اإلستراتيجية‬
‫واخلطـة الالزمـة لتطويرها‪.‬‬
‫ـ تنفيذ برامج بحوث علمية تطبيقية خلدمة التنمية يف اململكة‪.‬‬
‫ـ مسـاعدة القطاع اخلـاص يف تطوير بحوث املنتجـات الزراعية والصناعية‬
‫التي تتم عـن طريقها‪.‬‬
‫ـ دعـم برامج البحوث املشتركة بين اململكة واملؤسسـات العلمية الدولية‬
‫ملواكبـة التطويـر العلمـي العاملـي‪ ،‬سـواء أكان عن طريـق املنـح أم القيام‬
‫بتنفيذ بحوث مشتركة‪.‬‬
‫ـ تقديـم منح دراسـية وتدريبيـة لتنمية الكفايـات الرضورية للقيـام بإعداد‬
‫وتنفيـذ برامـج البحـوث العلميـة وتقديـم منـح لألفـراد واملؤسسـات‬
‫العلميـة للقيـام بإجـراء بحـوث علميـة تطبيقية‪.‬‬
‫ـ التنسـيق مع األجهزة احلكومية واملؤسسـات العلميـة ومراكز البحوث يف‬
‫اململكـة يف جمـال البحـوث وتبادل املعلومـات واخلربات ومنـع االزدواج‬
‫يف جمهودهـا‪ .‬ولتحقيـق ذلـك تُشـكّل جلـان تنسـيق تتكون من خبراء يف‬
‫األجهـزة واملؤسسـات احلكوميـة التي يتصـل عملها بأعمال املدينة‪.‬‬
‫كثيرا مـن املنجـزات يف جمـاالت‬
‫ً‬ ‫وقـد حققـت املدينـة منـذ إنشـائها‬

‫‪380‬‬
‫البحـوث والدراسـات العليا وبـراءات االخرتاع وبحـوث الفضاء والفلك‬
‫كثيرا مـن بحـوث املـوارد الطبيعيـة والبيئيـة‬
‫ً‬ ‫واجليوفيزيـاء‪ ،‬كما أنجـزت‬
‫وبحـوث احلاميـة مـن أخطـار املـواد املشـعة‪ ،‬ووجهـت جان ًبا من أنشـطتها‬
‫لتنميـة القـوى العاملة وتطويرهـا‪ ،‬بالتعاون مـع وزارة االقتصاد والتخطيط‬
‫وبمشـاركة واسـعة مـن خمتلـف اجلهـات املعنيـة يف اململكة‪.‬‬
‫ومتتـد دراسـات واستشـارات وخدمـات املدينـة إىل معظم الـوزارات‬
‫يف اململكـة‪ ،‬ومنهـا‪ :‬وزارات التعليـم العـايل والتجارة والصناعـة والصحة‬
‫والزراعـة والداخليـة والدفـاع والطيران‪ ،‬بينما تتصـدر املؤسسـات‬
‫الكبرى التـي تتعامـل معهـا املدينـة رشكات أرامكـو السـعودية وسـابك‬
‫واالتصـاالت السـعودية والسـعودية للصناعـات الدوائية واملسـتحرضات‬
‫الطبيـة (سـبيامكو الدوائيـة) واإللكرتونيـات املتقدمة والسـعودية للكهرباء‬
‫ومعـادن واملراعي ونادك وسـعودي أوجيـه وجمموعات كابلات الرياض‬
‫(موقـع مدينـة امللـك عبدالعزيـز للعـوم والتقنية)‪.‬‬
‫و ـ مدينة امللك عبداهلل للطاقة الذرية واملتجددة‬
‫نشـئت مدينـة امللـك عبـداهلل للطاقـة الذريـة واملتجـددة يف شـهر‬‫ُأ ِ‬
‫مجـادى األوىل عـام ‪1431‬هــ (أبريل عـام ‪2010‬م)‪ ،‬وهي هتدف املسـامهة‬
‫يف التنميـة املسـتدامة يف اململكـة العربيـة السـعودية‪ ،‬وذلـك باسـتخدام‬
‫العلـوم والبحـوث والصناعـات ذات الصلـة بالطاقـة الذريـة واملتجددة يف‬
‫األغـراض السـلمية‪ ،‬بما يـؤدي إىل رفـع مسـتوى املعيشـة وحتسين نوعيـة‬
‫احليـاة يف اململكة‪ .‬وتقـوم املدينة بدعم ورعاية نشـاطات البحوث والتطوير‬
‫وتوطين التكنولوجيـا يف جمـاالت اختصاصاهتا وحتديد وتنسـيق نشـاطات‬
‫مؤسسـات ومراكـز البحـوث العلميـة يف اململكـة يف هـذا املجـال‪ ،‬وتنظيم‬

‫‪381‬‬
‫املؤمتـرات املحليـة واملشـاركة يف املؤمتـرات الدوليـة وحتديـد األولويـات‬
‫والسياسـات الوطنيـة يف جمـال الطاقـة الذريـة واملتجـددة بقصد بنـاء قاعدة‬
‫علميـة تقنيـة يف جمـال توليـد الطاقـة وامليـاه املحلاة ويف املجـاالت الطبيـة‬
‫والصناعيـة والزراعيـة والتعدينيـة والعمـل على تطويـر الكفايـات العلمية‬
‫الوطنيـة يف جمـاالت اختصاصاهتـا‪ .‬وتشـتمل هـذه املدينـة على متطلبـات‬
‫البحـث العلمـي‪ ،‬كاملختربات ووسـائل االتصـاالت ومصـادر املعلومات‪،‬‬
‫كما تشـتمل على مجيـع املرافـق الالزمـة للعاملين يف املدينـة‪ ،‬وهلا يف سـبيل‬
‫حتقيـق أغراضهـا ـ دون أن يكـون يف ذلـك حتديـد الختصاصاهتـا ـ القيام بام‬
‫ييل ‪:‬‬
‫ـ اقتراح السياسـة الوطنية للطاقة الذرية واملتجددة ووضع اخلطة واإلستراتيجية‬
‫الالزمتني لتنفيذها واقتراح األنظمة واللوائح ذات الصلة‪.‬‬
‫ـ تنفيـذ برامج بحوث علميـة تطبيقية يف جمال اختصاصاهتا‪ ،‬سـواء بمفردها‬
‫أو باالشتراك مع اآلخرين داخـل اململكة وخارجها‪.‬‬
‫ـ حتفيـز القطـاع اخلـاص لتطويـر بحـوث املنتجـات الطبيـة والزراعيـة‬
‫والصناعية والتعدينية وتوليد الطاقة واملياه املحالة وترشـيد اسـتخدامات‬
‫الطاقـة للمحافظـة على املـوارد الطبيعيـة وحتسين كفاية اسـتخدامها‪.‬‬
‫ـ تقديـم منح دراسـية وبرامج تدريبيـة؛ لتنمية الكفايـات الرضورية للقيام‬
‫بإعـداد وتنفيذ برامج البحـوث العلمية‪.‬‬
‫ـ إصـدار التنظيمات اخلاصـة بالوقايـة مـن أخطـار اإلشـعاعات الذريـة‬
‫بالنسـبة للعاملين املتخصصين واجلمهـور‪.‬‬
‫ـ متثيـل اململكـة أمـام الوكالـة الدوليـة للطاقة الذريـة واملؤسسـات الدولية‬
‫األخـرى ذات الصلة‪.‬‬

‫‪382‬‬
‫ـ تشـجيع البحـوث التـي جيرهيـا األفـراد واملؤسسـات واهليئـات املعنيـة يف‬
‫اجلامعـات ومراكـز البحـوث يف اململكـة التـي تقرهـا املدينة‪.‬‬
‫ـ إنشـاء املعاهـد الالزمـة لتدريـب اختصاصيني يف جماالت النشـاط الذري‬
‫والوقايـة الصحية‪.‬‬
‫ـ للمدينـة أن تنشـئ وتديـر مرشوعـات لتحقيـق أغراضهـا أو تقيـم مـع‬
‫اآلخريـن مرشوعـات مشتركة‪.‬‬
‫ـ التعـاون مـع املؤسسـات واملنظامت املامثلـة يف الدول األخـرى واملنظامت‬
‫الدوليـة ومراكـز البحـوث العامليـة (موقـع مدينـة امللـك عبـداهلل للطاقة‬
‫الذريـة واملتجددة)‪.‬‬
‫ز ـ وزارة االقتصاد والتخطيط‬
‫تُعنـى وزارة االقتصـاد والتخطيـط بوضع اخلطـط التنموية اخلمسـية‪،‬‬
‫كما تعمـل على التنسـيق بين اجلهـات احلكوميـة؛ لتحقيـق أولويـات‬
‫السياسـات املحـددة‪ ،‬وحتقي ًقـا هلـذه الغايـة فـإن الـوزارة تقـوم بما يلي‪:‬‬
‫ً‬
‫حتليلا القتصادها‬ ‫ـ إعـداد تقريـر اقتصـادي دوري عـن اململكـة يتضمـن‬
‫ويبين مـدى التقـدم يف هـذا املجـال ومـا ُيتو َّقع فيـه من تطـورات‪.‬‬
‫ـ إعداد خطط التنمية اخلمسية للمملكة‪.‬‬
‫ـ تقديـر إمجـايل املبالـغ الالزمـة لتنفيـذ خطـط التنميـة التـي يوافـق عليهـا‬
‫أساسـا لوضـع امليزانيـة العامة‬
‫جملـس الـوزراء‪ ،‬وتكـون هـذه التقديرات ً‬
‫للدولة‪.‬‬
‫ـ إجـراء الدراسـات االقتصاديـة الالزمـة يف املواضيـع التـي تتطلـب ذلك‬
‫وتقديـم التوصيـات التـي تنتهـي إليها‪.‬‬

‫‪383‬‬
‫ـ مجـع وحتليـل ونشر البيانـات واملعلومـات اإلحصائية بمختلـف جماالهتا‬
‫االجتامعيـة واالقتصاديـة والسـكانية‪ ،‬وإجـراء خمتلـف األبحـاث‬
‫اإلحصائيـة حسـب االقتضـاء‪.‬‬
‫ـ مساعدة اجلهات احلكومية األخرى يف املسائل املتعلقة بالتخطيط واإلحصاءات‪.‬‬
‫ـ تقديـم املشـورة الفنيـة فيما يكلفهـا بـه خـادم احلرمين الرشيفين واإلعـداد‬
‫واإلرشاف على تنفيـذ عمليـة التعـداد العـام للسـكان واملسـاكن يف اململكـة‪.‬‬
‫ـ مجـع البيانـات اإلحصائيـة التـي تـرد مـن األجهـزة احلكوميـة األخـرى‬
‫وتبويبهـا وحتليلهـا واالسـتفادة منهـا يف إعـداد النشرات اإلحصائيـة‪.‬‬
‫وقـد قامـت الـوزارة ـ منـذ انطلاق مسيرة التخطيـط يف اململكـة ـ‬
‫بوضـع ثماين خطـط تنمويـة كانـت آخرها خطـة التنميـة التاسـعة (‪2010‬‬
‫–‪2014‬م)التـي اشـتملت عىل فصل مسـتقل عن البيئة والتنمية املسـتدامة‪،‬‬
‫تـم فيـه تنـاول الوضـع الراهـن للبيئـة يف اململكـة‪ ،‬وبحـث أهـم القضايـا‬
‫والتحديـات البيئية‪ ،‬واسـتعرض األهـداف العامة والسياسـات واألهداف‬
‫املحـددة للعمـل البيئـي (اهليتـي‪2011 ،‬م‪ ،‬ص‪.)107‬‬
‫ح ـ وزارة الزراعة‬
‫تـم إنشـاء وزارة الزراعـة وامليـاه بموجـب املرسـوم امللكـي رقـم‬
‫«‪ »4851/21/5‬يف ‪1373/4/18‬هــ‪ ،‬ويف عـام ‪2003‬م صـدر األمـر‬
‫امللكـي بفصـل امليـاه عـن الزراعـة‪ ،‬وأخـذت وزارة الزراعـة على عاتقهـا‬
‫حتقيـق اآليت‪:‬‬
‫ـ وضع وتنفيذ اخلطط والربامج اهلادفة إىل التطوير الزراعي املتوازن‪.‬‬
‫ـ تقديـم اخلدمـات الفنيـة والقـروض بالطريقـة التـي تكفـل توفير مجيـع‬
‫الظـروف املالئمـة لالسـتثامر الزراعـي‪.‬‬

‫‪384‬‬
‫ـ وضـع السياسـات وتنفيـذ اإلجـراءات والتنظيمات اهلادفـة إىل املحافظة‬
‫عىل املـوارد الزراعية والسـمكية والطبيعية واسـتخدامها بكفاية اقتصادية‬
‫وفنيـة عالية‪.‬‬
‫ـ تدريب الكوادر الوطنية من املزارعني لرفع كفايتهم اإلنتاجية‪.‬‬
‫وقامـت وزارة الزراعـة بدعم املزارعين بمختلف الوسـائل والطرق‪،‬‬
‫وشـجعت مـريب احليوانـات وصيـادي األسماك‪ ،‬كما قامـت باسـتصالح‬
‫األرايض البـور وتوزيعهـا على املسـتثمرين‪ ،‬فتوسـعت الزراعـة وتعددت‬
‫املنتجـات الزراعيـة وتنوعـت وزادت وحتسـنت الثـروة احليوانيـة وإنتـاج‬
‫الدواجـن حتـى وصلـت إىل حـد االكتفـاء الـذايت‪ ،‬بـل تعدتـه إىل تصديـر‬
‫بعـض املنتجـات‪ .‬كما اهتمـت الـوزارة باملراعـي والغابـات وعملـت عىل‬
‫حتسـينها وزيـادة رقعتهـا؛ ألهنـا مـوارد طبيعيـة متجددة‪.‬‬

‫‪ .5‬اخلالصة‬
‫على الرغم مـن التقـدم املحرز يف كثير من جوانـب التنمية املسـتدامة‬
‫التـي حققتهـا اململكـة العربيـة السـعودية‪ ،‬فـإن هنـاك بعـض التحديـات‬
‫التـي تواجـه التنمية املسـتدامة بأبعادهـا املختلفة تسـتدعي اختـاذ إجراءات‬
‫وخطـوات عمليـة ملواجهـة هـذه التحديـات وحتقيـق النمـو االقتصـادي‬
‫املسـتدام ومحاية البيئة‪،‬والعدالـة االجتامعية والبناء املؤسسي املتني‪ .‬ويمكن‬
‫إجيـاز أهم هـذه التوصيـات واملقرتحـات يف اآليت‪:‬‬
‫ـ تكثيـف اجلهـود مـن أجل تعزيـز عمليـة التنويـع االقتصادي عـن طريق‬
‫تنميـة القطاعـات االقتصاديـة غير النفطيـة مـن خلال االسـتمرار يف‬
‫تشـجيع صناعـات وخدمـات بغـرض التصدير‪ ،‬مـع تطويـر الصادرات‬

‫‪385‬‬
‫غير النفطيـة بما يسـهم يف زيـادة إسـهامها يف الناتـج املحلي اإلمجـايل‬
‫ً‬
‫مسـتقبل‬ ‫وهيكل الصادرات؛ ألن تنافسـية االقتصاد السـعودي سـتعتمد‬
‫على هـذه القطاعـات بعـد انتهـاء املـوارد الكربونيـة الناضبة‪.‬‬
‫ـ توفير احلوافـز التـي تشـجع على انخـراط املواطنين يف العمـل بالقطاع‬
‫خصوصـا أن القطـاع العـام قـد وصـل إىل حـد التشـبع‪ ،‬وهذا‬
‫ً‬ ‫اخلـاص‪،‬‬
‫أيضـا مـن العاملـة املواطنـة أن تكتسـب املهـارات الفنيـة التـي‬
‫حيتـاج ً‬
‫حتتاجهـا سـوق العمـل يف القطـاع اخلـاص‪.‬‬
‫ـ العمـل على حتقيـق املواءمـة بين خمرجـات نظـام التعليـم والتدريب من‬
‫ناحيـة‪ ،‬ومتطلبـات التنميـة واحتياجـات سـوق العمـل مـن مهـارات‬
‫وختصصـات مـن ناحيـة أخرى‪ ،‬وهـذا يتطلـب النظـر يف مناهـج التعليم‬
‫خصوصـا يف‬
‫ً‬ ‫وبعـض التخصصـات النظريـة التـي قـل الطلـب عليهـا‪،‬‬
‫بعـض جمـاالت العلـوم االجتامعية واإلنسـانية‪ ،‬والرتكيز على ختصصات‬
‫العلـوم واهلندسـة التـي حيتاجهـا سـوق العمل‪.‬‬
‫ـ تعزيـز القـدرة التنافسـية لالقتصـاد السـعودي مـن خلال توفير قاعدة‬
‫قويـة ألنظمـة العلـوم والتكنولوجيـا تكـون متكاملـة بمقوماهتـا البرشية‬
‫واملاديـة واملؤسسـية‪ ،‬وهـذا يتطلـب رفـع التخصيصـات املاليـة لإلنفاق‬
‫على البحـث العلمـي والتطويـر كنسـبة مـن الناتـج املحلي اإلمجـايل‪،‬‬
‫وكذلـك زيـادة أعـداد املشـتغلني يف جمـاالت البحـث العلمـي والتطوير‬
‫مـن العلماء واملهندسين والتقنيين‪.‬‬
‫ـ اإلرساع يف وضـع إستراتيجية للمـوارد املائيـة تضمـن حسـن اسـتخدام‬
‫املـوارد املائيـة اجلوفيـة واالسـتفادة مـن املصـادر املائيـة األخـرى‪ ،‬وتبني‬
‫اإلدارة املتكاملـة للمـوارد املائيـة؛ لتشـمل تطويـر املصـادر املائيـة‪ ،‬وبناء‬
‫نظـم التوزيـع والتخزيـن واملعاجلـة هبـدف ختفيـض الفاقـد وتعظيـم‬

‫‪386‬‬
‫إعـادة االسـتخدام‪ ،‬وترشـيد االسـتهالك النهائـي مـن خالل سياسـات‬
‫وإجـراءات وقواعـد متكاملـة ومرتابطـة ختـدم هـذا اهلـدف‪.‬‬
‫ـ اسـتكامل وتطويـر القواعـد واألنظمـة التـي تـم وضعهـا حلاميـة البيئة يف‬
‫ضـوء التجـارب الدوليـة واإلقليمية واملحليـة‪ ،‬وآخر التطـورات يف جمال‬
‫العلـوم والتكنولوجيـا ذات العالقـة بالتأثير على البيئـة؛ وذلـك لضامن‬
‫االلتـزام الكامـل باملعايير البيئية‪.‬‬
‫ـ تطبيـق مجيـع الربامـج واخلطـط التـي جـاءت يف اإلستراتيجية الوطنيـة‬
‫ملكافحـة التصحـر؛ وذلـك للحـد مـن التدهـور املسـتمر يف األرايض‬
‫والعمـل على اختـاذ السـبل كافـة للحـد مـن إزالـة الغابـات‪.‬‬
‫ـ العمـل على وضـع قواعـد ونظـم للحوافـز‪ ،‬تسـهم يف خلق بيئة مناسـبة‬
‫لإلبـداع واالبتـكار مـن أجـل االرتقـاء بمخرجـات البحـث العلمـي‬
‫خصوصـا فيما يرتبـط بإنتاجية الباحثين وزيادة عـدد براءات‬
‫ً‬ ‫والتطويـر‪،‬‬
‫االختراع الصـادرة‪ ،‬وذلـك للوصول إىل مسـتويات تضاهـي ما وصلت‬
‫إليـه الـدول املتقدمـة صناع ًّيا‪.‬‬

‫‪387‬‬
‫املراجـــع‪:‬‬
‫موقع البوابة اإللكرتونية للمملكة العربية السعودية‪ .‬‬
‫‪http:///www.saudi.gov.sa.‬‬ ‫ ‬
‫موقع الرئاسة العامة لألرصاد ومحاية البيئة‪.‬‬
‫‪http://www.pme.gov.sa/wakaltalshoon.asp.‬‬
‫موقع املجلس االقتصادي األعىل‪.‬‬
‫‪http://www.sec.gov.sa.‬‬
‫موقع مدينة امللك عبدالعزيز للعلوم والتقنية‪.‬‬
‫‪http://www.kacst.edu.sa.‬‬
‫موقع اهليئة الوطنية حلامية احلياة الفطرية وإنامئها‪.‬‬
‫‪http://www.ncwcd.gov.sa.‬‬
‫موقع وزارة االقتصاد والتخطيط‪.‬‬
‫‪http://www.mep.gov.sa/index.‬‬
‫النويصر‪ ،‬خالـد (‪ 2007‬م)‪ .‬املسـؤولية القانونيـة عـن األرضار البيئيـة‪،‬‬
‫صحيفـة االقتصاديـة السـعودية‪ 31 ،‬مايـو‪.‬‬
‫اهليتـي‪ ،‬نوزاد عبدالرمحـن (‪2011‬م)‪ .‬التنميـة املسـتدامة يف اململكة العربية‬
‫السـعودية‪ ،‬مؤسسـة الياممة الصحفيـة‪ ،‬الرياض‪.‬‬

‫‪388‬‬
‫الفصل احلادي عرش‬
‫التنمية املستدامة‪ ..‬االنتقادات والتحديات‬
‫والرد عليها‬

‫أ‪.‬د ‪ .‬عامر خضري الكبييس‬


‫التنمية املستدامة‪ ..‬االنتقادات والتحديات والرد عليها‬

‫املقدمـة‬
‫على الرغم مـن رسعة انتشـار مصطلـح التنميـة املسـتدامة‪ ،‬وعقالنية‬
‫منطلقاتـه‪ ،‬واتسـاقها مـع مفاهيـم العدالـة والرمحـة والتضحية التـي تدعو‬
‫إليهـا العقائـد السماوية على اختالفها‪ ،‬ومـع كل الدعـم واملسـاندة اللذين‬
‫حظيـت هبام سياسـات التنمية املسـتدامة وبراجمهـا عىل املسـتويات الدولية‪،‬‬
‫واإلقليميـة‪ ،‬واملحليـة؛ إال أهنـا تعرضـت للنقـد والتشـكيك مـن ِقبل كثري‬
‫مـن اجلهـات السياسـية‪ ،‬والفكريـة‪ ،‬والتنمويـة‪ ،‬وإن كانـت أغلـب هـذه‬
‫االنتقـادات ذات طابـع تنظيري وأكاديمي‪.‬‬
‫و ُيضـاف إىل هـذه االنتقـادات كـم آخر مـن الصعوبـات‪ ،‬واملعوقات‪،‬‬
‫عم سـيواجه التنمية املسـتدامة عىل‬
‫والتحديـات التي يسـتحرضها البعـض َّ‬
‫مسـتوى التطبيـق يف الـدول املتقدمة والـدول النامية عىل وجـه اخلصوص‪،‬‬
‫أيضـا يتباينـون يف تشـخصيها وتصنيفهـا‪ ،‬ويف تعليـل أسـباهبا‬
‫وهـؤالء ً‬
‫وآثارها‪.‬‬
‫وقـد حاولـت يف هـذه الصفحـات أن أقـف عنـد أهـم االنتقـادات‬
‫والعقبـات والتحديـات؛ مسـتعينًا بما كُتـب ونُشر عنهـا يف الدراسـات‬
‫درسـتهم‬‫األجنبيـة والعربيـة‪ ،‬إضافـة إىل ما ُيسـاورين وبعـض طلبتي الذين ّ‬
‫مقـررا علم ًّيا حـول أبعـاد التنمية املسـتدامة وقضاياهـا التنمويـة واإلدارية‬
‫ً‬
‫يف برنامـج الدكتـوراة‪.‬‬
‫وكل مـا أمتنـاه هـو أال يكـون يف عرضها هنـا جمتمع ًة مدعاة للتشـكيك‬
‫بامهية التنمية املسـتدامة وأمهيتها‪ ،‬أو دعـوة للتخفيف أو التقليل من االهتامم‬

‫‪391‬‬
‫الـذي ينبغـي أن حتظى به مـن ِقبل األفـراد‪ ،‬واملنظامت‪ ،‬واحلكومـات؛ وإنام‬
‫املقصـود مـن هـذه الصفحـات هـو التعريـف بالشـكوك املثـارة حوهلـا‪،‬‬
‫فالشـك غال ًبـا مـا يكـون طري ًقا إىل اليقين‪ ،‬وهذا ما سـعت إليه الـدول منذ‬
‫وفكرا ترتمجه‬
‫ً‬ ‫وهنجـا لتطوير منظامهتـا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مدخلا لنهضـة جمتمعاهتا‪،‬‬ ‫أن تبنتهـا‬
‫القيـادات حفا ًظـا عىل مسـتقبل أجياهلا‪.‬‬

‫‪ .1‬أهم االنتقادات املوجهة إىل التنمية املستدامة‬


‫سـهل الوقـوف عنـد هـذه االنتقـادات أو عرضهـا وف ًقـا‬ ‫ً‬ ‫مل يكـن‬
‫لتصنيـف مقنـع‪ ،‬ينطلـق مـن خلفيـة املنتقديـن الفكريـة‪ ،‬أو وف ًقـا ملرجعيـة‬
‫ترتبـط بسـياقاهتا التطبيقيـة وجتارهبـا العمليـة‪ ،‬أو تب ًعـا ملعيـار جيمعهـا‪ ،‬ثـم‬
‫يرتبهـا وف ًقـا لقوهتـا أو ضعفهـا؛ لذلـك تم عرضها هبـذه العفويـة وللقارئ‬
‫الغـث والسـمني منهـا‪ ،‬أو بني‬‫ِّ‬ ‫احلريـة يف وضـع بصمتـه عليهـا‪ ،‬فيم ِّيـز بني‬
‫املتشـدد واملتشـائم لـدى أصحاهبا‪ ،‬مقارنـ ًة باملعتدلين أو املحايديـن منهم‪،‬‬
‫وفيما يلي عـرض موجز هلـذه االنتقـادات‪:‬‬
‫منهجا ومضمونًا‪،‬‬‫ً‬ ‫‪ 1‬ـ إن التنمية املسـتدامة شـعار (‪ )Slogan‬أكثر من كوهنا‬
‫تناقضـا جوهر ًّيا؛‬
‫ً‬ ‫فهـي كام يـرى أصحـاب هـذا النقد حتمـل يف رمحهـا‬
‫لكوهنـا تدعـو إىل زيادة معـدالت التنميـة االقتصادية من أجل حتسين‬
‫وتصر على احلفاظ عىل‬‫ُّ‬ ‫أحـوال البشر مـن أبناء هـذا اجليل مـن جهة‪،‬‬
‫املـوارد الطبيعيـة وعـدم تعرضهـا للنضـوب والتناقـص؛ حفا ًظـا على‬
‫حقوق األجيـال القادمة (تركماين‪2006 ،‬م)‪.‬‬
‫ومعادلـة كهـذه ال تبـدو سـهلة التحقق عىل أرض الواقع؛ إذ إن تقاسـم‬
‫يسـهل توزيعها بعدالة على أبناء اجليـل الواحد‪ ،‬ناهيك‬ ‫ثمار التنميـة ال ِّ‬
‫عـن صعوبـة توزيعها بني أبنـاء األجيـال القادمة الذيـن مل ُيولدوا بعد‪.‬‬

‫‪392‬‬
‫‪ 2‬ـ وهنـاك مـن يضيـف إىل هـذا النقـد املتعلق بإنصـاف األجيـال القادمة‬
‫مربرا علم ًّيا وال فلسـف ًّيا للمضي يف منطلقاهتا‬
‫القـول بـأن ذلك ال يعدو ً‬
‫وسياسـاهتا التـي تق ّيـد أبنـاء هـذا اجليـل‪ ،‬قائلين‪ :‬ملـاذا ال نـدع أبناءنا‬
‫يعيشـون حياهتـم‪ ،‬ويواجهـون مشـكالهتم ويتحسسـون احتياجاهتـم‬
‫مثلما فعـل آباؤهـم الذيـن ما فكـروا بام سيرثونه مـن أسلافهم‪ ،‬ومع‬
‫ذلـك اسـتطاعوا التكيـف مـع واقعهـم‪ ،‬واالنطلاق مـن معاناهتـم‪.‬‬
‫والناقـدون هنـا يـرون أن األبنـاء الذيـن يركنـون إىل مـا يرثونـه مـن‬
‫األجـداد واآلبـاء مـن ممتلكات وخيرات‪ ،‬غال ًبـا ما يكونـون اتكاليني‪،‬‬
‫أو أقـل اجتهـا ًدا وإبدا ًعـا‪ ،‬أو رشـدً ا‪ ،‬أو اعتما ًدا على الـذات مـن أبناء‬
‫الفقـراء واملعوزيـن‪ ،‬الذيـن مل يرثـوا مـا يتواكلون بـه ويعتمـدون عليه‬
‫مـن تعـب غريهم‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ويف نطـاق العدالـة واإلنصـاف بين األجيـال‪ ،‬يـرى آخـرون أن توزيع‬
‫املنافـع واملـوارد واخليرات بين األجيـال ال يقتضي حتقيـق العدالة يف‬
‫حتمـل هـذه األجيـال املتعاقبـة خماطـر وأعبـاء الكـوارث واألزمـات‬
‫واحلـروب التـي يتعرضـون إليهـا؛ ليكونـوا متسـاوين يف الضراء‬
‫حتمل جيـل بعينه‬
‫والسراء‪ ..‬وألن ذلـك لـن يكـون ممكنًـا؛ ملـا فيه مـن ّ‬
‫أكثـر مما حيتمل مـن املعاناة‪ ،‬ثم مـن التضحية واإليثـار لصالح القادمني‬
‫لكـي يولـدوا ومالعـق الذهـب يف أفواههـم؛ فاالسـتدامة ووراثـة‬
‫اإلرادة والكرامـة لـن تتحقـق ملـن ورثوا الرفاهيـة واجلدة والفـراغ‪ ،‬إن‬
‫مل تـؤ ِّد إىل املفسـدة والكسـل والرتاجـع‪ .‬وإذا كان أبناء اجليـل احلايل قد‬
‫ورثـوا التخلـف والفقـر واجلهـل ممن سـبقهم‪ ،‬فليـس من املعقـول أن‬
‫نطالبهـم باحلدّ من اسـتثامر مواردهـم‪ ،‬وترسيع عمليـة تنميتهم بذريعة‬
‫التضحيـة واإليثار‪.‬‬

‫‪393‬‬
‫‪ 4‬ـ إن التنميـة املسـتدامة سـتار تتخفـى وراءه الـدول األقـوى‪ ،‬لسـحب‬
‫بسـاط السـيادة مـن حتـت أقـدام الـدول األضعـف؛ فأصحـاب هـذا‬
‫النقـد يـرون أن عقـد مؤمتـرات القمـم العامليـة املتواليـة‪ ،‬والتوقيع عىل‬
‫االتفاقـات ملزمـة التطبيق‪ ،‬التي يتـم التوقيع عليهـا يف املحافل الدولية‬
‫بعضـا مـن سـلطاهتا‬ ‫كثيرا مـا يسـلب الـدول ً‬‫ً‬ ‫ومنظامهتـا املتخصصـة‪،‬‬
‫ظاهرا‬
‫ً‬ ‫تتعهـد بتنفيذها‪ ،‬و ُيـراد منها‬
‫ونفوذها‪ ،‬بسـبب االلتزامـات التي ّ‬
‫حتقيـق العدالـة واإلنصاف‪ ،‬واحترام حقوق اإلنسـان‪ ،‬أو منع املخاطر‬
‫واألرضار التـي تصيـب البيئـة الكونية‪ ،‬وغريها مـن الذرائع‪ ،‬لكن هذه‬
‫الـدول األقـوى واألغنـى يف العامل ال تـزال هـي امللوث األكبر للبيئة‪،‬‬
‫واملسـتنزف األخطـر لثـروات الـدول الناميـة؛ ومـع ذلـك مل تلتـزم بام‬
‫تفرضـه عليهـا االتفاقات والربوتوكـوالت الدولية‪ ،‬كتلـك الداعية إىل‬
‫خفـض معـدالت الغـازات بنسـبة ‪ %5‬سـنو ًّيا‪ ،‬وترفـض إلغـاء ديوهنا‬
‫وفوائدهـا املرتتبـة هلـا عىل الدول األفقـر يف العامل‪ .‬فأمريكا ـ عىل سـبيل‬
‫املثـال ـ املسـؤولة عـن بـث ثلـث الغـازات امللوثـة للبيئـة الكونيـة‪ ،‬قد‬
‫أصلا عـن توقيـع بروتوكـول كيوتـو (‪)Kyoto Protocol‬‬ ‫ً‬ ‫امتنعـت‬
‫عـام ‪1997‬م‪ ،‬وأن حكومـة جـورج بـوش االبـن قـد تراجعـت عـن‬
‫التسـهيالت السـابقة حلكومـة كلينتـون هبـذا الشـأن‪ ،‬ناهيـك عـن‬
‫حمدوديـة املسـاعدات التـي تُقدمهـا الـدول الغنيـة إىل الـدول األفقر يف‬
‫العـامل‪ ،‬التـي بلغـت ديوهنا مخسين ضع ًفا‪ ،‬حلجم املسـاعدات التـي قدّ متها‬
‫مجيـع الـدول املتقدمـة إىل البلـدان املتخلفـة‪ ،‬التـي باتـت تدفـع مـا يعادل‬
‫حذرت سـيلفي برونيل‬ ‫سـبعة دوالرات مقابـل كل دوالر اسـتدانته‪ .‬وقـد َّ‬
‫(‪ )Sylvie Brunel‬عـام ‪2004‬م مـن خطـر حتـول التنميـة املسـتدامة إىل‬
‫سـتار لأليديولوجيا التـي يطرحها النظـام العاملي اجلديد والقـوى املتخفية‬

‫‪394‬‬
‫وراءه داخـل غرفهـم املغلقـة فيتـم فرضهـا على احلكومـات‪ ،‬مـن دون‬
‫مراعـاة لـردود فعـل املجتمعات (جملـة تيـارات‪ ،‬ع ‪.)36‬‬
‫توجـه إىل التنميـة‬
‫‪ 5‬ـ ترجـع بعـض االنتقـادات الفكريـة والعلميـة التـي َّ‬
‫املسـتدامة إىل الطبيعـة املعقـدة التـي حتملهـا عنارصهـا الثالثـة ‪،3Es‬‬
‫املتمثلـة يف االقتصـاد والبيئـة والعدالـة ‪Economy, Environment‬‬
‫‪ .and Equity‬والتسـاؤالت التـي يطرحها املنظرون والفالسـفة حول‬
‫التداخلات واألولويـات التـي تتقـدّ م على غريهـا كقوهلم‪:‬‬
‫ـ لصالـح مـن تتحقـق االسـتدامة؟ وكيف تتحقـق؟ ومن املسـؤولون‬
‫عـن حتقيقها؟‬
‫ـ هـل احلكومـات عبر السياسـات واإلستراتيجيات‪ ،‬أم املجتمعـات‬
‫عبر التضحيـات وتغيري العـادات؟‬
‫ـ هـل سـيحتاج املسـتقبل وأجيالـه إىل املـال والفـرص املاديـة‪ ،‬أم أهنم‬
‫سـيحتاجون إىل الرفاهيـة واملتعـة واجلمال؟!‬
‫ فالتوسـعيون (‪ )Expansionist‬هلـم إجاباهتـم املختلفـة عـن اإليكولوجيني‪،‬‬
‫أيضـا‬
‫أصحـاب اإليكولوجيـة العميقـة (‪ ،)Deep Ecology‬وهـؤالء ً‬
‫خيتلفون عن الوسـطيني واملعتدلين‪ ،‬أو عن التدرجيين (‪.)incrementalist‬‬
‫(الغامـدي‪2007 ،‬م)‪.‬‬
‫وخيتـم هـؤالء نقدهـم بالقـول‪ :‬إن التحـول نحو االسـتدامة املنشـودة‬ ‫ ‬
‫ال يبـدو ممكنًـا مـن دون حـدوث تغيير جذري على مسـتوى النموذج‬
‫املعـريف السـائد‪ ،‬بعيـدً ا عـن مفاهيـم احلداثـة الغربيـة القائمـة على‬
‫االسـتعالء واالسـتغالل املتمركز حول اإلنسـان‪ ،‬وحاجاته‪ ،‬ودوافعه‪،‬‬
‫وطموحاتـه باجتـاه نمـوذج معـريف جديـد (‪ ،)Paradigm‬يتصـف‬
‫بالشـمول والتكامـل والنظـر إىل العـامل بوصفـه وحدة كونيـة مرتابطة‪،‬‬

‫‪395‬‬
‫وليـس جمـرد أقطـار متباعـدة ومتناثـرة ومتباينـة يف أنماط عيشـها‬
‫وأسـاليب إدارهتـا‪.‬‬
‫ومـن شـأن هـذا النمـوذج املعـريف البديـل أن يو ِّفـق بين املغالين يف‬ ‫ ‬
‫حـب اإليكولوجيـا وعنارصهـا‪ ،‬واملغالني يف حقوق البرش وتسـيدهم‪،‬‬
‫ـي‪ ،‬بـل الواقعيـة والوسـطية مـن أجل إزالـة هذا‬ ‫ِ‬
‫فلا تشـدد وال ت ََراخ َ‬
‫التعـارض الفكـري والعلمـي املرافـق للتنميـة املسـتدامة كما يطرحها‬
‫أنصارهـم اليـوم‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ وتظـل للسياسـيني واملتحزبني‪ ،‬وكذلك ألصحاب الشركات العمالقة‬
‫ومتعـددة اجلنسـيات انتقاداهتـم للتنميـة املسـتدامة؛ فرجـال األحزاب‬
‫الذيـن يصلـون إىل السـلطة عبر صناديـق االنتخـاب وف ًقـا لرباجمهـم‬
‫كثيرا باحتياجـات‬‫ً‬ ‫احلزبيـة‪ ،‬التـي َي ِعـدون هبـا ناخبيهـم‪ ،‬ال يأهبـون‬
‫األجيـال القادمـة‪ ،‬مثلما حيرصـون على سـدّ االحتياجـات األساسـية‬
‫للمصوتين هلـم يف صناديـق االنتخابـات‪ .‬وحين يصلون إىل السـلطة‬
‫ال يمكنهـم مطالبـة مجاهريهـم وأنصارهـم بالصبر واالنتظـار‪ ،‬أو‬
‫باإلنصـاف وتقاسـم الثـروات مـع األجيـال القادمـة‪ ،‬وبشـدِّ األحزمة‬
‫على البطـون‪ ،‬أو أن يقلصـوا مـن اسـتخدامهم لسـياراهتم اخلاصة‪ ،‬أو‬
‫توفير املـاء والكهربـاء؛ للحفـاظ على طبقـة األوزون مـن االتسـاع‪.‬‬
‫وكذلـك التجـار وأصحـاب رؤوس األمـوال الذين يودعـون أمواهلم‬
‫يف األسـهم‪ ،‬والبورصات‪ ،‬والسـندات؛ غري مسـتعدين لسماع مديري‬
‫الشركات وأعضـاء جمالـس اإلدارة بعـدم التفـاؤل إزاء أرباحهـم؛‬
‫ألهنـم سـيقلصون أنشـطتهم‪ ،‬أو يزيدون مـن تطبيقهم ملعايري السلامة‬
‫واالسـتدامة‪ ،‬أو تبنيهـم االقتصـاد األخرض؛ للحصول عىل الشـهادات‬
‫والعالمـات اخلضراء‪.‬‬

‫‪396‬‬
‫وهـذا يعنـي أن التنميـة املسـتدامة يف ظـل منطلقـات الفكـر املـادي‬ ‫ ‬
‫الغـريب لـن حتظى بقبـول وتأييد مجيع األطـراف‪ ،‬ذات املصالـح املتباينة‬
‫واملتناقضـة التـي تتصـارع عىل مواقـع اختـاذ القـرارات وإدارة الدولة‪.‬‬
‫وسـتكون مسـتحيلة إذا ما أريـد منها أن تلبـي االحتياجات األساسـية‬
‫جلميـع سـكان الكوكـب‪ ،‬ناهيـك عـن رفاهيتهم وتعايشـهم السـلمي‬
‫ظـل هـذا التفـاوت يف الثـروات‪ ،‬وعدم العدالـة يف توزيعهـا‪ :‬عامل ًّيا‪،‬‬ ‫يف ّ‬
‫وإقليم ًّيـا‪ ،‬وحمل ًّيـا (النجـار‪2010 ،‬م)‪.‬‬
‫وخالصـة القـول بعد هـذا العرض املوجـز ألهم االنتقـادات املوجهة‬
‫إىل التنميـة املسـتدامة‪ :‬إهنـا على الرغم مـن بسـاطتها ومعقوليتهـا بوصفها‬
‫ً‬
‫طويلا أو تكـون بعيـدة املنال يف‬ ‫فكـرة ومفهو ًمـا‪ ،‬سـيظل الطريـق أمامهـا‬
‫مصطلحـا واعدً ا‬
‫ً‬ ‫كثير مـن دول العـامل الثالـث عىل األقـل‪ .‬ولكنها سـتبقى‬
‫قابلا لالنتشـار والتوسـع والتطبيـق‪ ،‬مـن دون أن يرتبـط ذلـك‬ ‫وجتريد ًّيـا ً‬
‫بمـكان أو بزمـان‪ ،‬أو يتـم فرضها بالقرس واإللـزام (املنظمة العربيـة للتنمية‬
‫اإلداريـة‪2011 ،‬م)‪.‬‬

‫‪ .2‬أهـم التحديـات والصعوبات التي سـتواجه التنمية‬


‫املستدامة‬
‫ومثلما واجهـت التنمية املسـتدامة عد ًدا مـن االنتقادات‪ ،‬فإهنـا تواجه‬
‫كثريا من التحديـات والعقبات التـي تعرتض فكرها‪،‬‬ ‫اليوم وسـتواجه غـدً ا ً‬
‫أو تؤخـر تطبيقات سياسـاهتا وبراجمها‪.‬‬
‫وخيتلـف الذين شـاركوا يف تشـخيص هذه التحديـات والعقبات ً‬
‫أيضا‬
‫مثلما اختلـف ناقدوهـا‪ ،‬سـواء يف تشـددهم وتسـاهلهم‪ ،‬أو يف تشـاؤمهم‬

‫‪397‬‬
‫وتفاؤهلـم‪ ،‬أو يف انحيازهـم وحيائهـم؛ فهـم ـ مـن دون شـك ـ خيتلفون يف‬
‫علما بـأن العقبات التي‬
‫الفلسـفة واملعرفـة‪ ،‬أو يف األهـداف والطموحـات‪ً ،‬‬
‫س ُيشـار إليهـا يف هـذه الصفحات هـي يف الغالـب متعلقـة بالبيئـة الداخلية‬
‫واملجتمعيـة بينما تعـدُّ التحديـات أشـد صلـة بالبيئـة اخلارجيـة والدوليـة‪،‬‬
‫وفيما يلي أمهها‪:‬‬
‫‪ 1 .2‬التحدي املعريف واملعلومايت والتقني‬
‫التنميـة املسـتدامة ـ كما هـو معلـوم ـ ميـدان متعـدد التخصصـات‬
‫ّ‬
‫وتتعـذر اإلحاطـة‬ ‫واملجـاالت‪ ،‬وعلومهـا ومعارفهـا مرتابطـة ومتداخلـة‪،‬‬
‫الشـاملة هبا‪ ،‬كام يصعب جتاهلهـا عند التعامل مع موضوعاهتـا‪ ،‬وقضاياها‪،‬‬
‫وظواهرهـا‪ .‬فبيئة اإلنسـان ـ عىل سـبيل املثال ـ وهي أحد مكونـات التنمية‬
‫تضـم املجـال احليـوي املتم ِّثل يف املـاء‪ ،‬واهلـواء‪ ،‬واألرض ومن‬
‫ُّ‬ ‫املسـتدامة‪،‬‬
‫يضـم الثـروات‪ ،‬والطاقـات‪،‬‬‫ُّ‬ ‫عليهـا مـن األحيـاء‪ .‬واملجـال االقتصـادي‬
‫واملعـادن الكامنة يف باطـن األرض والبحار‪ .‬واملجـال االجتامعي املتمثل يف‬
‫الثقافـة‪ ،‬واحلضـارة‪ ،‬والقيم‪ ،‬والعقائـد‪ ،‬والعادات‪ ،‬والتقاليـد‪ ،‬واالنتامءات‬
‫املؤثرة يف السـلوكات‪.‬‬
‫ومـن املنطقـي أن يكـون هنـاك كـم هائـل مـن املعرفـة املرتاكمـة‪،‬‬
‫التـي تسـتوجب هـي ذاهتـا اإلدامـة واالسـتدامة (‪Sustainability of‬‬
‫‪ .)Knowledge‬وهـي مهمـة ال يقـوى كثير مـن احلكومـات واهليئـات‬
‫الترشيعيـة على مواكبتهـا والنهـوض هبـا‪ ،‬ليتـم توظيفهـا وترمجتهـا إىل‬
‫سياسـات وإستراتيجيات‪ ،‬ومـن ثـم حتويلهـا إىل أنظمـة وترشيعـات‪ ،‬أو‬
‫فكثيرا مـا تكتشـف‬
‫ً‬ ‫برامـج ومرشوعـات‪ .‬وإن فعلـت وأقدمـت عليهـا‪،‬‬
‫ترسعـت أو أخطـأت‪ ،‬وإن متهلت أو أبطـأت؛ فسـتجد أن الفجوة بني‬ ‫أهنـا َّ‬

‫‪398‬‬
‫طموحاهتـا ووعودهـا وبين منجزاهتـا أو خمرجاهتا قد اتسـعت‪ ،‬وعندها لن‬
‫حتمـل غضـب النـاس‪ ،‬الذيـن طـال انتظارهـم ونضب‬ ‫يكـون بمقدورهـا ّ‬
‫صربهـم‪.‬‬
‫‪ 2 .2‬تعـدد الـرؤى والنظريـات إزاء مكونـات التنميـة املسـتدامة‬
‫وانعكاسـاهتا على حتديـد األولويـات واملسـارات واآلليـات‬
‫ينظـر املاديـون والنفعيـون إىل البيئـة والطبيعـة على أهنـا مـواد خـام‬
‫وثـروات جمانيـة متاحـة للبشر‪ ،‬ومـا عليهـم إال أن ينتفعـوا منهـا بأقصى‬
‫احلـدود‪ ،‬وقد دعمتهم التفسيرات امليتافيزيقية والدينيـة القائلة بأن األرض‬
‫ومـا عليهـا ومـا بباطنهـا هبـة مـن اهلل خللقـه‪ ،‬باسـتثناء املنظور اإلسلامي‬
‫الـذي طـرح نظريـة العمـران واالسـتخالف‪ .‬وقـد شـاعت هذه الفلسـفة‬
‫لقـرون‪ ،‬وال تـزال حتظـى بدعـم البعـض مـن أتباعهـا الذيـن ينظـرون إىل‬
‫اإلنسـان على أنـه املتغير املسـتقل‪ ،‬القـادر على اسـتغالل واسـتثامر حميطه‬
‫وبيئتـه؛ بحكـم عقلـه‪ ،‬وإرادتـه‪ ،‬ومسـؤولياته التـي مكَّنـه اهلل مـن إدارهتا‪.‬‬
‫غير أن نظريـات أخـرى مغايرة يدعـو إليهـا اإليكولوجيـون ترى أن‬
‫اإلنسـان جـزء مـن الطبيعـة وتابـع هلـا وليـس اسـتثناء فيهـا‪ ،‬وإن كان هـو‬
‫املكـون الديناميكـي واحلي الذي لـه قابليـة اإلدراك والفهـم‪ ،‬لكن ذلك ال‬
‫ّ‬
‫يعفيـه من وجـوب االحرتام‪ ،‬والـوالء‪ ،‬واملحافظـة عليها‪ ،‬وعدم التعسـف‬
‫يف استغالهلا‪.‬‬
‫وقـد أضعفـت هـذه الرؤيـة مـا كان احلتميـون (‪)Determinists‬‬
‫يطرحونـه مـن كـون البيئة التـي سـبقت اإلنسـان يف وجودها‪ ،‬هـي األقدر‬
‫على التحكـم يف البشر وف ًقـا لعنارصهـا أو فقرهـا‪ ،‬وهـي التي حتـدّ د نمط‬
‫عيشـه‪ ،‬ومسـتويات تقدمـه أو ختلفـه‪ .‬ثـم ظهـرت النظريـات االحتامليـة‬

‫‪399‬‬
‫(‪ ،)Possibilism‬والـرؤى التوفيقيـة (‪ )Conciliation‬بين هـذه األفـكار‬
‫واملنطلقـات‪ .‬ويف مثـل هـذه األجـواء التـي تتالقـح فيهـا آراء املنظريـن‪،‬‬
‫وتتعـدد فيهـا الـرؤى؛ يظهـر االختالف بين النخـب الفاعلـة يف املجتمع‪،‬‬
‫وغال ًبـا مـا يشـتد ليصـل إىل مراحـل مـن اخلالف والصراع بين األحزاب‬
‫املتنافسـة؛ حيـث تتبايـن مرشوعاهتـم وبراجمهـم بين اليمين واليسـار‪ ،‬أو‬
‫بين املحافظين والليرباليين؛ وعندها تتناقـض اخلطط والربامـج لتعارض‬
‫املتعاقبين عىل السـلطة واحلكـم‪ ،‬وكأن ما يبنيه بعضهم سـيهدمه اآلخرون‪.‬‬
‫وإزاء هـذا التحـدي ال بدّ من إعـادة الصياغة لعالقة اإلنسـان بالبيئة‪ ،‬بعيدً ا‬
‫عـن اهليمنة والتضـاد بني مكونـات هذا النظـام الكوين املوحـد‪ ،‬وأن يقوى‬
‫احلـوار بني أصحـاب األيديولوجيـات لتكـون التنمية املسـتدامة هي حلقة‬
‫الوصل فيما بينهـم (زيمرمـان‪2006 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ 3 .2‬ويطرح آخرون حتد ًيا آخر للتنمية املستدامة بقوهلم‬
‫إن الطاقـة االسـتيعابية لألنظمـة الطبيعيـة مثلما هـي لألنظمـة احليـة‬
‫بلا حـدود‪ ،‬وحين تـؤدي السـلوكات والسياسـات النافـذة هنـا أو هناك‬
‫إىل جتـاوز هـذه احلـدود‪ ،‬فتتجـاوز احلـد األقصى لقـدرات هـذه النظـم‬
‫واملكونـات؛ فإهنـا بذلـك تتعـرض إىل االهنيـار أو الرتاجـع واالندثـار؛‬
‫وعندها سـتكون تكاليـف إعادة احلياة والصحـة إليها مسـتحيلة أو باهظة‪،‬‬
‫وخير مثال عىل ذلك ظاهـرة االحتباس احلراري‪ ،‬واتسـاع فجوة األوزون‬
‫املحيـط بـاألرض‪ .‬ومـع أن أخطارهـا وأرضارهـا سـتكون كونيـة وعاملية‪،‬‬
‫إال أن اجلـدل واالختلاف ال يـزاالن حمتدمين حـول تقاسـم املسـؤولية‬
‫وحتمـل األعبـاء النامجة عنهـا أو الكفيلـة بمواجهتها‪ ،‬وتب ًعا لذلك سـتكون‬
‫ُّ‬
‫التنميـة املسـتدامة العامليـة مسـتحيلة ما دامـت البيئة الكونية غري مسـتدامة‪،‬‬

‫‪400‬‬
‫وسـيكون احلديـث عـن مصطلح االسـتدامة جمرد فسـحة لكسـب الوقت‪،‬‬
‫أمـام التنميـة غري املسـتدامة لتميض يف طريقها سـائرة يف غيها‪ ،‬وهـذا ما رآه‬
‫بـوب سـاتكليف (‪ )Bob Sutcliffe‬عـام ‪2004‬م يف كتابـه «التنميـة بعـد‬
‫علـم البيئـة» (‪.)Development after Ecology‬‬
‫‪ 4 .2‬تواجه التنمية املستدامة حتد ًيا خارج ًّيا ودول ًّيا‬
‫تتحـول بعـض االتفاقـات التـي ُأريـد منهـا تفعيـل‬‫َّ‬ ‫وذلـك حين‬
‫السياسـات التنمويـة املسـتدامة إىل إعاقـة براجمهـا ومرشوعاهتـا يف الـدول‬
‫الناميـة‪ ،‬خاصـة النفطيـة منهـا؛ فقـد دعـت بعـض نصوصهـا إىل احلـد من‬
‫معـدالت اسـتخراج وتصديـر النفط وبعض املعـادن الطبيعيـة أو الترصف‬
‫بعوائدهـا؛ بذريعـة احلفاظ على البيئة أو عىل حقـوق األجيـال القادمة‪ ،‬كام‬
‫دعـت بعـض االتفاقـات إىل حتميل هـذه الدول نسـ ًبا من تكاليـف مواجهة‬
‫التلـوث البيئـي الناجـم عـن اسـتخدام منتجاهتـا‪ ،‬وباتـت الدعـوى إىل مـا‬
‫سـمى االقتصـاد األخضر ذريعـة للتدخـل يف أسـاليب إدارة املرشوعات‬ ‫ُي ّ‬
‫والربامـج التنمويـة‪ ،‬وكأنـه النمـوذج األمثـل واألصلـح للتطبيـق يف مجيـع‬
‫دول العـامل‪ ،‬دون مراعـاة لظروفهـا وخصوصياهتـا‪ .‬وأصبحـت مـؤرشات‬
‫تطبيقـه مـن الشروط التي تُرا َعـى عنـد تقديم املسـاعدات‪ ،‬أو فتـح حركة‬
‫االسـترياد والتصديـر أمـام منتجـات بعـض الشركات‪ ،‬وهـي رشوط‬
‫تعجيزيـة‪ ،‬تُق ّيـد حريـة الـدول أو ُتكّـن الشركات متعـددة اجلنسـيات من‬
‫السـيطرة على املـوارد البديلة‪.‬‬
‫‪ 5 .2‬معارضو فكر االستدامة هلم حجج وذرائع متعددة‬
‫وهـم يقدموهنـا إلعاقـة مسيرهتا‪ ،‬والتشـكيك يف سياسـاهتا وبراجمها‪،‬‬
‫وكأهنـم يـردون على أنصارهـا ومؤيدهيا مـن اجلامعـات اخلضراء وأنصار‬

‫‪401‬‬
‫البيئـة‪ ،‬الذيـن يتهموهنـم باليسـارية واالشتراكية‪ ،‬أو باملثاليـة واألخالقيـة‬
‫الزائـدة على حدودهـا؛ لكوهنـم يدعـون النـاس إىل التقشـف والتزهـد‬
‫إلدامـة األشـياء‪ ،‬أو يطالبـون بتدخل احلكومـات‪ ،‬للمنع والتقييـد‪ ،‬وللحد‬
‫مـن حركـة اإلنتـاج والتنافـس؛ وهـذه سـتؤدي إىل الرفـض واملقاومـة‪،‬‬
‫مبررا للخـوف والقلـق مـن‬ ‫ً‬ ‫وردود الفعـل املعاكسـة‪ ،‬كما أهنـم ال يـرون‬
‫نضـوب املـوارد والثـروات الطبيعيـة‪ ،‬مـا دامـت هنـاك عشرات السـنني‬
‫التـي متكِّن العلماء واملبدعني مـن البحث عـن التقنيات والبدائـل اجلديدة‪.‬‬
‫وحتـى التحـول إىل الطاقـات البديلـة‪ ،‬التي يدعـو إليها أنصار االسـتدامة؛‬
‫لـن تكـون نظيفـة بالكامـل‪ ،‬وإنام بنسـب أقـل من التلـوث‪ ،‬وهو مـا يمكن‬
‫حتقيقـه بالضوابـط أو الرتشـيد أو االسـتهالك املقيـد‪ .‬ويبالغ بعضهـم ً‬
‫قائل‬
‫باملضي يف هـذا االجتـاه الداعـي إىل اسـتخدام الدراجـات اهلوائية ً‬
‫بـدل من‬
‫وتطـرف بعضهـم فيدعـون إىل املشي حفـاة ً‬
‫بـدل من لبس‬ ‫َّ‬ ‫السـيارات‪ ،‬بـل‬
‫األحذيـة التـي يسـتهلك إنتاجهـا اجللـود‪ ،‬وتسـتنزف مصانعهـا الطاقات‪.‬‬
‫وبالتـايل فقـد يصـل أنصـار االسـتدامة إىل مسـاواة النـاس يف العيـش‬
‫بـدل مـن حتسين أجورهـم؛ فيزيـد إنفاقهم‪،‬‬‫البسـيط والدخـل املحـدود‪ً ،‬‬
‫وبذلـك حيافظـون على عقوهلـم وثرواهتـم الطبيعيـة؛ بدافـع اخلـوف على‬
‫مسـتقبل األجيـال القادمـة‪ .‬ومثلما يمارس أنصـار االسـتدامة أنشـطتهم‬
‫املعارضـة للفكـر الرأسمايل وسياسـات العوملـة وبراجمهـا‪ ،‬فـإن رافضيهـا‬
‫ينشـطون‪ ،‬ليـس يف نقدهـا وبيان سـلبياهتا‪ ،‬بل يف إفشـال خططهـا‪ ،‬وحماربة‬
‫بعـض منتجاهتـا اخلضراء‪ .‬وهـذا يعنـي أن البعـض‪ ،‬إن مل ن ُقـل الكثير‬
‫مـن املنتقديـن لالسـتدامة‪ ،‬سـيتحولون إىل معوقين ومعرقلين لرباجمهـا‬
‫ومرشوعاهتـا‪ ،‬وهـو حتـدٍّ فكـري وتطبيقـي يسـتوجب املواجهـة (دعبـس‪،‬‬
‫‪2006‬م)‪.‬‬

‫‪402‬‬
‫‪ 6 .2‬الدور السلبي للعادات والتقاليد االجتامعية املوروثة‬
‫حيـول هذا الـدور دون إنجاح برامج االسـتدامة وسياسـاهتا‪ ،‬أو التقيد‬
‫بقيمهـا ونظمهـا‪ .‬ويـزداد خطـر هـذا التحـدي االجتامعـي بتفاعلـه مـع‬
‫اجلهل‪ ،‬ونقـص املعرفة‪ ،‬وحمدودية دور املؤسسـات االجتامعيـة‪ ،‬والرتبوية‪،‬‬
‫واإلعالميـة‪ ،‬وسـكوهتا عـن أنماط اإلنتـاج‪ ،‬واالسـتهالك‪ ،‬واإلنفـاق غري‬
‫املتداولـة التـي تتعـارض‬
‫َ‬ ‫الرشـيد‪ ،‬متسـكًا باألمثـال الشـعبية‪ ،‬وباملقـوالت‬
‫مـع مبـادئ االسـتدامة‪ ،‬ومقوالهتـا‪ ،‬وقيمهـا‪ ،‬كقـول عامـة النـاس‪« :‬اخلري‬
‫واجـد»‪ ،‬أو دعوهتـم إىل إنفـاق مـا يف اجليـب يف انتظـار مـا يأيت بـه الغيب‪.‬‬
‫وتطبيقـات هـذه األمثـال واألقـوال ظاهـرة للعيـان يف اإلرساف‬
‫والتبذيـر يف امليـاه التـي تسـتهلكها املنـازل‪ ،‬واملصانـع‪ ،‬وبقيـة املؤسسـات‬
‫العامـة‪ ،‬ويف النفايـات والفضلات التـي تتجمـع مـن بقايـا الطعـام الـذي‬
‫ُت ّلفـه املطاعـم واملنـازل عنـد إقامـة الوالئـم واألعـراس‪ ،‬وهكـذا احلـال‬
‫يف التعامـل مـع أشـجار الغابـات‪ ،‬ومـع احليوانـات والطيـور واألسماك‬
‫وبقيـة األحيـاء التـي تتوافـر يف املحميـات الطبيعيـة‪ ..‬فالتبذيـر واإلرساف‬
‫واهلـدر واالسـتنزاف يـكاد يكـون السـمة الغالبة على سـلوكات الناس يف‬
‫جـل املجتمعـات الناميـة‪ ،‬ويف الـدول العربيـة منهـا عىل وجـه اخلصوص‪.‬‬
‫ومعلـوم أن احلفـاظ على اسـتدامة البيئة والتنميـة لن يتحقـق دون إحداث‬
‫التغيير اجلوهـري والشـامل الـذي يبـدأ بالنفـوس قبـل الطقـوس‪ ،‬ويف‬
‫طرائـق التفكير قبل فـرض القيود وإنـزال العقوبـات‪ .‬وقد يكـون يف إلقاء‬
‫الـدروس واملحـارضات ووضـع الربامـج اإلعالميـة والتوعويـة مـا يقلل‬
‫مـن آثارهـا‪ ،‬ولكن يظل للتنشـئة األرسيـة والتعليميـة واجلامعيـة دور مهم‬
‫وقارصا‪.‬‬
‫ً‬ ‫يف هـذا املجـال‪ ،‬ولكـن التعليم البيئـي واملسـتدام ال يزال ضعي ًفـا‬

‫‪403‬‬
‫‪ 7 .2‬تع ُّلق األمر بعاملنا العريب واإلسالمي‬
‫متـداو ًل بني‬
‫َ‬ ‫جـل مـا قيل عـن االنتقادات والتحديـات يكاد يكون‬ ‫إن ّ‬
‫قلـة من املختصين واملهتمين بالتنمية املسـتدامة‪ ،‬وأركاهنـا‪ ،‬وموضوعاهتا‪،‬‬
‫وإن كان بدرجـات أخـف ونطاق أضيق‪ .‬لكن النقد األشـد الـذي قد تنفرد‬
‫بـه منطقتنـا العربية يتع ّلـق بطبيعة العالقة بين الثوابت والقناعـات‪ ،‬التي ال‬
‫تـزال حيـة وقويـة لـدى بعـض املؤمنين بتميـز األمـة وثقافتهـا وحضارهتا‬
‫عـن بقيـة األمـم‪ ،‬وصعوبـة حتوهلـا أو مواءمـة بعـض سياسـاهتا وتطبيقاهتا‬
‫مـع ما تنـادي بـه االسـتدامة غربية الفكـر واملنبع‪.‬‬
‫ومعلـوم أن هنـاك فريقين مـن النُّخـب التـي تتصـدر قضايـا الشـأن‬
‫حتضرا بال قيـود وال نصـوص تعوق‬ ‫ً‬ ‫العـام يف دولنـا العربيـة‪ :‬فريـق يريـد‬
‫حركـة التفكير وحريـة التصرف‪ ،‬وفريـق يريـد التمسـك بما صلحـت به‬
‫جمتمعاتنـا يف سـالف عصورهـا‪ ،‬دون االسـتعارة والنقـل واالستنسـاخ من‬
‫اآلخريـن‪ ،‬حتـى لو كانـت جتارهبـم ومبادراهتـم مقبولة‪ ،‬وال تتعـارض مع‬
‫خيوفـون الناس‬ ‫صحيـح الديـن‪ ،‬وليـس غريبـ ًا أن يقـول أحدهـم أن الذين ِّ‬
‫مـن اجلـوع واملصائـب التي سـيأيت هبا املسـتقبل هـم أولئك الذيـن خترجوا‬
‫ُـم ا ْل َف ْق َـر‬ ‫﴿الشـي َط ُ ِ‬
‫ان َيعدُ ك ُ‬ ‫َّ ْ‬ ‫يف مـدارس الشـيطان‪ ،‬مستشـهدً ا بقولـه تعـاىل‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم﴾‬ ‫ـع َعل ٌ‬ ‫ُـم بِا ْل َف ْح َشـاء‪َ  ‬واهللُ َيعدُ ك ْ‬
‫ُـم َم ْغف َـر ًة منْـ ُه َو َف ْض ًل‪َ  ‬واهللُ َواس ٌ‬ ‫َو َي ْأ ُم ُرك ْ‬
‫(البقـرة‪.)٢٦٨ :‬‬
‫فاالسـتدامة عنـد بعضهـم ـ عىل قلتهـم ـ ُيؤخذ عليهـا جتاوزها إلرادة‬
‫اخلالـق‪ ،‬الـذي أوجـد هذا الكـون‪ ،‬وأن إدامته سـتظل رهن إرادته سـبحانه‬
‫وتعـاىل وبالتـايل فإهنـم يـرون أن أي جهـود اسـتباقية أو نظريات حتسـبية ملا‬
‫يمكـن أن يقـع يف هـذا الكـون‪ ،‬سـتظل أقـرب إىل التنجيم أو الظـن حمتمل‬

‫‪404‬‬
‫الوقـوع‪ .‬وقـد خلّـص أحد املعنيني هـذه اإلشـكالية بقوله‪« :‬إن مـن بيننا من‬
‫يريـد أن يقيـم دينًـا بلا حضـارة‪ ،‬وآخريـن يريـدون أن يبنـوا حضـارة بال‬
‫ديـن»‪ .‬وقـد آن األوان للفريقين أن يقرتبا مـن بعضهام البعـض‪ ،‬ويتحاورا‬
‫حـول أوجه اخلالف يف الـرؤى والتفسيرات‪ ،‬وحول الواقع واملشـكالت؛‬
‫لكـي ال يتحـول خالفهـم إىل اختلاف ورصاعـات ال تُبقـي وال تـذر‪،‬‬
‫وينبغـي أن يظـل خالفنـا مـع أنصـار االسـتدامة الغربيـة‪ ،‬الذيـن يقرصون‬
‫معارفهـم على مـا تولـده عقوهلـم ويرفضـون املعـارف التـي أوصـت هبـا‬
‫الكتب السماوية‪.‬‬

‫‪ .3‬الدفاع عن االستدامة والرد عىل االنتقادات‬


‫إن مـن يقـرأ االنتقـادات والتحديـات التي جـاءت يف الفصـل األخري‬
‫مـن هـذا الكتـاب‪ ،‬سيسـاوره الشـك حـول مسـتقبل التنميـة املسـتدامة‪،‬‬
‫مصطلحـا ومفهو ًمـا‪ ،‬ناهيـك عـن إمكانيـة‬ ‫ً‬ ‫وإمكانيـة إدامتهـا‪ ،‬بوصفهـا‬
‫ثـم إىل برامـج ومرشوعـات‬ ‫حتويلهـا إىل سياسـات وإستراتيجيات‪ ،‬ومـن َّ‬
‫يتحول‬
‫قابلـة للتطبيـق‪ .‬ولكي ال يتسرب هذا الشـك إىل نفوس القـراء‪ ،‬أو ّ‬
‫إىل قناعـات لـدى الدارسين أو املعنيين بالتنميـة املسـتدامة‪ ،‬كان البـد من‬
‫ُعمـق الوعـي واإليمان‬ ‫خامتـة قصيرة تُعيـد الثقـة‪ ،‬وتطمئـن النفـوس‪ ،‬وت ّ‬
‫مسـتقبل ً‬
‫قابلا للتنفيـذ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫حلما ً‬
‫قابلا للتطبيـق‪ ،‬وبرناجمًـا‬ ‫بإمكانيـة جعلهـا ً‬
‫وواق ًعـا عمل ًّيـا يعيشـه املواطنـون‪ ،‬ويتحسسـون عوائـده وثامره بعـد انتظار‬
‫حتملـوا خاللـه املعانـاة وقسـوة احلياة‪ ،‬وبعـد ظلمة عاشـوها يف ظل‬ ‫طويـل ّ‬
‫تنميـة عرجـاء‪ ،‬انتهـت ثامرهـا إىل جيـوب األغنيـاء؛ لتزيـد الفجـوة بينهـم‬
‫وبين الفقـراء‪ ،‬سـواء أكان األمـر عىل صعيـد الدولـة ال ُقطريـة الواحدة‪ ،‬أم‬
‫على مسـتوى دول العـامل‪ :‬شماله وجنوبه‪.‬‬

‫‪405‬‬
‫غير أن هذا الدفاع عن التنمية املسـتدامة ال يعني التسـليم بأهنا الرتياق‬
‫الشـايف‪ ،‬أو اجلرعـة السـحرية‪ ،‬للخـروج مـن الفقـر والتخلـف والبطالـة‬
‫واسـتنزاف املـوارد والثـروات الطبيعيـة التـي أصبحـت سـمة وظاهـرة يف‬
‫كثير مـن املجتمعـات النامية‪ ،‬كام أهنـا لن تكـون الوعد الصـادق‪ ،‬أو صامم‬
‫األمـان للقادمين اجلدد مـن األبنـاء واألحفـاد‪ ،‬فتحقيق هـذه الطموحات‬
‫يسـتلزم املزيـد مـن اجلهـود‪ ،‬سـواء على املسـتوى الـدويل ومـا يتـم إقراره‬
‫وتنفيـذه مـن اتفاقيـات‪ ،‬واملزيـد مـن اإليمان واالقتنـاع من جانـب الدول‬
‫فكـرا وتطبي ًقا‪.‬‬
‫واحلكومـات واملجتمعـات بفاعليـة التنميـة املسـتدامة ً‬
‫وقـد وددنـا يف هذا اإلطـار عرض أهـم اخلالصات التي من شـأهنا أن‬
‫ُعجـل يف رسعة التحول نحـو بردايم‬
‫ُعمـق اإليمان‪ ،‬وتُف ّعل اخلطـوات‪ ،‬وت ّ‬
‫ت ّ‬
‫التنميـة املسـتدامة عىل مسـتوى أقطارنا العربية واإلسلامية‪.‬‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬ال شـك أن شـعار القريـة الكونيـة الـذي يدعـو إىل إقامتـه النظـام‬
‫حلما‬
‫العاملـي اجلديـد عبر نمـوذج التنميـة املسـتدامة‪ ،‬قـد يكـون ً‬
‫طموحـا مثال ًّيـا سـبق أن دعـا إىل مـا يامثلـه أفالطـون يف مدينتـه‬
‫ً‬ ‫أو‬
‫الفاضلـة منذ قـرون‪ ،‬ثم جاء األنارجسـت يف القرن املـايض ليحيوه‬
‫من خلال الدولـة الفوضويـة املثالية‪ ،‬اخلاليـة من الطمع واجلشـع‪،‬‬
‫ومـن األنانية واحلسـد‪ ،‬ويكون سـكاهنا مسـتعدين إلدارة شـؤوهنم‬
‫بذاهتـم‪ ،‬دون أن يعتـدوا عىل حقوق اآلخريـن‪ ،‬أو يقدموا مصاحلهم‬
‫على حسـاب غريهم‪ .‬وجـاء يف قرآننا الكريم من اآليـات التي ُت ِّجد‬
‫وتُعلي مـن شـأن النـاس الذين ْيؤثـرون عىل أنفسـهم ولـو كان هبم‬
‫أفـكارا وصيحـات جمـردة‪ ،‬بل‬
‫ً‬ ‫خصاصـة‪ ،‬ودعـوات كهـذه مل تظـل‬

‫‪406‬‬
‫حتولـت يف أزمان وأماكن متباينة إىل ممارسـات وتطبيقات‪ ،‬وعاشـها‬
‫ّ‬
‫نفـر اسـتطاعوا أن جيعلـوا حياهتـم أكثـر أمنًـا وأحسـن ً‬
‫حـال مـن‬
‫غريهـم ممـن جاورهـم؛ وبالتايل فـإن احتماالت وإمكانـات جتريبها‬
‫وتطبيقهـا سـتكون متاحـة ألصحـاب اإلرادات إن أعـدوا هلـا العدة‪.‬‬
‫ثان ًيـا‪ :‬إن مـا قيـل مـن انتقـادات وحتديـات حـول التنميـة املسـتدامة‬
‫ينبغـي أال ُينسي الرافضين واملعارضين هلـا احلقيقـة القائلـة بـأن‬
‫مـا تسـتهلكه البرشيـة اليـوم من ثرواهتـا وخرياهتـا يف سـنة واحدة‬
‫يعـادل ـ كما يقـول (‪ Russell (1998‬ـ مـا يزيـد عىل ما اسـتهلكته‬
‫البرشيـة منذ ميلاد املسـيح‪ ،‬وحتى فجر الثـورة الصناعيـة‪ .‬وهناك‬
‫حقيقـة أخـرى قاهلا املشـاركون يف تقرير نـادي رومـا‪ ،‬مفادها‪ :‬أن ما‬
‫يتـم اسـتنزافه مـن الكـرة األرضيـة من مـوارد وف ًقـا للبصمـة البيئية‬
‫للجنـس البرشي‪ ،‬يتجاوز ‪ %125‬من املسـتويات القابلة لالسـتدامة‬
‫على املـدى الطويـل‪ ،‬وهـذه احلقائـق وغريهـا دعـت األمين العـام‬
‫لألمـم املتحـدة للقـول بأنه‪« :‬لـو كان لألرض لسـان ناطق لشـكت‬
‫إىل رهبـا ظلـم سـكاهنا‪ ،‬ولقالـت لـه‪ :‬النجـدة النجـدة»‪ .‬وهـذه‬
‫الرصخـات جمتمعة أصبحت تسـتوجب احلـذر واليقظـة املبكرة قبل‬
‫فـوات الفرصـة‪ ،‬فيقع مـا ال ُتمد عقبـاه‪ .‬والتنمية املسـتدامة من بني‬
‫هـذه املحـاوالت املنهجية واملداخـل العملية التي اسـتجابت جلرس‬
‫اإلنـذار وناقـوس اخلطـر الذي ُيـدّ د البيئـة والبرشيـة م ًعا‪.‬‬
‫ثال ًثـا‪ :‬على الرغم مـن كل ما ُيطـرح من حقائـق أو رؤى قد تبدو متشـائمة‬
‫مـن وجهـة نظـر أصدقـاء التنميـة املسـتدامة وأنصـار البيئـة‪ ،‬فإنـه‬

‫‪407‬‬
‫ينبغـي التذكري بـأن ما هو متاح مـن معارف‪ ،‬ومعلومـات‪ ،‬وتقنيات‬
‫تضمـه البحار‪ ،‬أو يسـبح‬
‫عما ختتزنـه األرض‪ ،‬أو ّ‬
‫ألبنـاء هـذا اجليل َّ‬
‫يف الفضـاء مـن عنـارص‪ ،‬ومكونات‪ ،‬وأشـياء حية وجامدة؛ سـيظل‬
‫عرضـة للتغيري والتعديل والتطوير‪ ،‬وقد يكـون معارف أولية يمكن‬
‫البنـاء عليها‪ ،‬الكتشـاف املزيد من احلقائق واالكتشـافات‪ ،‬وسـوف‬
‫تفاجئنـا العقـود املقبلة باملزيـد من اإلبداعـات واالخرتاعـات التي‬
‫ُسـهل على برامـج التنميـة املسـتدامة وسياسـاهتا املضي قد ًمـا؛‬
‫ست ّ‬
‫لتحقيـق املكاسـب‪ ،‬واإلسـهام يف صناعـة املسـتقبل الواعـد ألبنـاء‬
‫كثيرا مـن الطاقـات‬
‫ً‬ ‫هـذا اجليـل واألجيـال القادمـة‪ .‬كما أن هنـاك‬
‫والقـدرات اإلنسـانية الكامنـة يف عقـول البشر ونفوسـهم‪ ،‬ومـن‬
‫شـأن إطالقهـا وتوظيفها أن جيعـل املسـتحيل ممكنًا‪ ،‬والبعيـد قري ًبا‪،‬‬
‫إذا ُأتيحت لرشائح املؤهلني والنشـطني منهم‪ ،‬سـواء يف املؤسسـات‬
‫احلكوميـة أو اخلاصـة‪ ،‬أو يف منظمات املجتمـع املـدين والربامـج‬
‫التأهيليـة والتدريبيـة؛ لتمكينهـم وتوسـيع فرص املشـاركة يف إدارة‬
‫حكوماهتـم ومنظامهتـم‪ ،‬وإخراجهـم مـن الصناديـق البريوقراطيـة‬
‫املقفلـة التـي أبعدهتـم عـن املراكـز القياديـة واملهنيـة لصالـح األقل‬
‫وإخالصـا ووال ًء ألوطاهنم‪.‬‬
‫ً‬ ‫كفايـة‬
‫وأخيرا وليـس ً‬
‫آخـرا‪ ،‬فـإن حتديـات التنميـة املسـتدامة وعقباهتـا هي‬ ‫ً‬
‫فرز ما يتعلق منها باإلنسـان‪،‬‬
‫ذاهتـا بحاجـة إىل حتليل وتشـخيص وتعليل؛ ل ُي َ‬
‫ومـا يصـدر منـه مـن سـلوكات وقـرارات‪ ،‬أو يؤسسـه مـن تنظيمات‪ ،‬أو‬
‫مـا يقرتفـه مـن أخطـاء وجرائـم تسـتوجب فـرض العقوبـات‪ ،‬أو يمكـن‬

‫‪408‬‬
‫احلـد منهـا بالتوعيـة واإلقنـاع‪ ،‬وخماطبـة العقـول وتغيير القناعـات‪ .‬ومن‬
‫هـذه التحديـات مـا يتع ّلـق بالبيئـة التـي مـن حوله ومـا حتتويه مـن عنارص‬
‫ومكونـات‪ ،‬وقـد أصبح لـكل منها علـم أو حقل معريف ختصصي ال يمكن‬
‫لغير املتخصصين فيهـا أن يتصـدوا هلـا‪ ،‬أو يسـتحرضوا مـا يمكـن اختاذه‬
‫إزاءهـا مـن قـرارات‪ .‬ويظـل بعـض التحديـات مرتب ًطـا بنظريـات التنمية‬
‫باختلاف جماالهتـا وقطاعاهتـا‪ ،‬وبقـدرات املن ِّظريـن يف مجعهـا وترابطهـا‪،‬‬
‫وحتقيـق التـوازن والتكامـل بين مدخالهتـا وخمرجاهتـا‪ ،‬وقيـاس عوائدهـا‬
‫وآثارهـا‪ ،‬ومـا ينجـم عنهـا مـن نتائـج سـلبية غير مقصـودة؛ قـد يـؤدي‬
‫جتاهلهـا وعـدم معاجلتها إىل اختطـاف التنميـة املسـتدامة وانحرافها‪ .‬وأهم‬
‫مـا ينبغـي الرتكيز عليه يف هذا املجـال‪ :‬رضورة التوزيع العـادل لثامر التنمية‬
‫املسـتدامة‪ ،‬وإعطـاء األولويـة لتلبيـة احلاجـات األساسـية؛ لتمكين البرش‬
‫مـن التمتـع بحقوقهـم‪ ،‬وتوسـيع خياراهتم‪ ،‬وااللتـزام بواجباهتـم‪ ،‬وضامن‬
‫األمـن اإلنسـاين والسلام االجتامعـي على مسـتوى مدهنم وقراهـم‪ ،‬وبني‬
‫خمتلف أجناسـهم وجنسـياهتم‪.‬‬
‫وعلى قـدر تعلـق األمـر بتحديـات وعقبـات التنميـة املسـتدامة يف‬
‫أقطارنـا العربيـة‪ ،‬فقد خلصتهـا اجتامعـات وزراء التنمية والتخطيـط والبيئة‬
‫حين كانـوا يعـدون اخلطـاب العـريب املشترك ملؤمتـرات القمـة العامليـة‬
‫الدوريـة‪ ،‬فـكان يف مقدمتهـا غيـاب السلام واألمـن وعـدم االسـتقرار يف‬
‫املنطقـة‪ ،‬وقصـور اجلهـود الدولية يف معاجلة القضية الفلسـطينية‪ ،‬ومشـكلة‬
‫الفقـر والبطالـة ومعـدالت النمـو السـكاين وتراكـم الديـون والفوائد عىل‬
‫وشـح‬
‫ّ‬ ‫بعـض الـدول حمدودة املـوارد‪ ،‬إضافـة إىل الظروف املناخية القاسـية‬

‫‪409‬‬
‫األمطـار واجلفـاف والتصحر ونقـص امليـاه وتفاقم الضغوط على األنظمة‬
‫اإليكولوجيـة‪ ،‬مـا يسـبب التلـوث وتراكـم النفايـات‪ .‬يقابـل ذلك ضعف‬
‫املؤسسـات التعليميـة وعجـز املؤسسـات اإلعالميـة ومنظمات املجتمـع‬
‫املـدين عـن اإلسـهام يف تغيير عـادات وأنماط االسـتهالك واإلنفـاق‬
‫واإلنتـاج والقصـور يف قواعـد املعلومـات والبحـوث والدراسـات التـي‬
‫تشـخص املشـكالت وتبحـث عـن احللـول واملبـادرات‪ .‬لكـن السـنوات‬
‫تطورا نسـب ًّيا يف قضايـا االسـتدامة وتطبيقاهتا‬
‫ً‬ ‫اخلمـس األخرية قد شـهدت‬
‫(إالعلان العـريب عـن التنميـة املسـتدامة‪2002 ،‬م)‪.‬‬
‫وللمشـككني يف مرشوعيـة االسـتدامة‪ ،‬ظنًّـا منهـم بأهنـا تضعـف‬
‫اإليمان باهلل لـدى عامة النـاس ولكوهنم يدخلـون أنصارها بدائـرة التفكري‬
‫بعـامل الغيـب الـذي قـد يقودهـم إىل الشرك‪ ،‬نقـول‪ :‬إن دراسـة املسـتقبل‬
‫والتخطيـط والتحسـب له ليسـت من األمـور الغيبية‪ ،‬بل هـي من موجبات‬
‫ومسـؤوليات والة األمـر وأصحـاب احلـل والعقد ومن يسـتعينون هبم من‬
‫أهـل العلـم واالختصـاص‪ ،‬وإن املعرفـة املسـبقة ملـا حيتاجـه السـكان مـن‬
‫ً‬
‫ومسـتقبل يعد من‬ ‫حـارضا‬
‫ً‬ ‫الغـذاء واملـاء والـدواء‪ ،‬ومـا يسـتهلكونه منهـا‬
‫الضرورات اخلمس يف رشيعتنـا التي دعت إىل وجوب الرتشـيد يف اإلنفاق‬
‫واحلفـاظ على النعم واخليرات وعمارة األرض بحكم كوهنا رسـالة عاملية‬
‫وأهنـا جـاءت رمحـة للبرشية عبر أجياهلا وقاراهتا‪ .‬ويف سـورة يوسـف خري‬
‫دليـل على رشعيـة التفكري والتخطيط والتحسـب ملـا هو قادم مـن األجيال‬
‫واألزمـان‪ .‬وهـذا مـا تـم توضيحـه يف الفصـل الثـاين مـن الكتـاب الـذي‬
‫كـرس لعـرض املنظـور اإلسلامي لالسـتدامة ونأمـل َّأل يظل للتشـكيك‬ ‫َّ‬

‫‪410‬‬
‫ً‬
‫وبـدل من ذلـك أن تكون هـي الربدايم الذي تسرتشـد به‬ ‫برشعيتهـا جمـال‪،‬‬
‫أقطارنـا العربيـة واإلسلامية ملواجهـة أخطـار العوملـة ورشكاهتـا العمالقة‬
‫قبل فـوات األوان‪.‬‬

‫‪411‬‬
‫املراجــــع‪:‬‬
‫أديـب‪ ،‬عبدالسلام (‪2012‬م)‪ .‬مؤرشات االسـتهالك املفرط ملـوارد العامل‪.‬‬
‫‪www.shathrat.net.‬‬

‫اإلعلان العريب عـن التنميـة املسـتدامة‪ ،‬الذي قدمـه الوزراء العـرب لقمة‬
‫جوهانسربج‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫أورسـاتو‪ ،‬ريناتـو (‪2012‬م)‪ .‬إستراتيجيات االسـتدامة‪ ..‬متـى يكـون‬
‫التوجـه األخضر جمز ًيـا؟ مركـز اإلمـارات للدراسـات والبحـوث‬
‫اإلستراتيجية‪ ،‬أبوظبـي‪.‬‬
‫برونيـل‪ ،‬سـلفي (‪2004‬م)‪ .‬خطـر حتـول التنميـة املسـتدامة أيديولوج ًّيـا‪،‬‬
‫جملـة تيـارات‪ ،‬ع ‪.36‬‬
‫تركماين‪ ،‬عبـداهلل (‪2006‬م)‪ .‬التنميـة املسـتدامة واألمـن اإلنسـاين يف العامل‬
‫العـريب‪ ،‬ورقـة ُقدمت ملعهـد العالقـات الدوليـة بتونس‪.‬‬
‫جامعـة امللك عبدالعزيـز (‪1427‬هـ)‪ .‬التنمية املسـتدامة يف الوطن العريب‪..‬‬
‫بين الواقع واملأمـول‪ ،‬اإلصدار احلـادي عرش‪ ،‬جدة‪.‬‬
‫دعبـس‪ ،‬يسري (‪2006‬م)‪ .‬البيئـة والتنميـة املسـتدامة‪ ..‬قضايـا وحتديات‬
‫وحلـول‪ .‬البيطـاش سـنرت للنشر والتوزيع‪ ،‬اإلسـكندرية‪.‬‬
‫رويس‪ ،‬جـورج (‪2003‬م)‪ .‬هـل مسـتقبل األرض مهـدد بالفعـل؟ مركـز‬
‫زايـد للتنسـيق واملتابعـة‪ ،‬أبوظبي‪.‬‬
‫زيمرمـان‪ ،‬مايـكل (‪2006‬م)‪ .‬الفلسـفة البيئيـة‪ ،‬ترمجـة‪ :‬معين شـفيق‪،‬‬
‫سلسـلة عـامل املعرفـة‪ ،‬ع ‪ ،333‬الكويـت‪.‬‬

‫‪412‬‬
‫سـن‪ ،‬أمارتيـا (‪2004‬م)‪ .‬التنمية حرية‪ ..‬مؤسسـات حرة وإنسـان متحرر‬
‫مـن اجلهـل واملـرض والفقـر‪ ،‬ترمجة‪ :‬شـوقي جلال‪ ،‬عـامل املعرفة‪،‬‬
‫الكويت‪.‬‬
‫الغامـدي‪ ،‬عبـداهلل مجعـان (‪2009‬م)‪ .‬التنميـة املسـتدامة‪ ..‬بين احلـق يف‬
‫اسـتغالل املوارد الطبيعية واملسـؤولية عن محاية البيئـة‪ ،‬جملة االقتصاد‬
‫واإلدارة بجامعـة امللـك عبدالعزيـز‪ ،‬م ‪ ،23‬ع ‪ ،1‬ص ‪،226-177‬‬
‫جدة‪.‬‬
‫قاسـم‪ ،‬خالـد مصطفـى (‪2010‬م)‪ .‬إدارة البيئـة والتنمية املسـتدامة يف ظل‬
‫العوملـة املعارصة‪ ،‬الـدار اجلامعية‪ ،‬اإلسـكندرية‪.‬‬
‫املنظمـة العربيـة للتنميـة اإلداريـة (‪2011‬م)‪ .‬دور الرشاكـة بين القطاعني‬
‫العـام واخلـاص يف حتقيق التنمية املسـتدامة‪ .‬بحـوث وأوراق عمل‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫النجـار‪ ،‬أمحد السـيد (‪2010‬م)‪ .‬اخلصخصة وحتديات التنمية املسـتدامة يف‬
‫األقطـار العربية‪ ،‬املنظمـة العربية ملكافحة الفسـاد‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪Jeffrey, folks. (2013) American Thinker. Vol.8‬‬
‫‪Russell, p (1998) waking up in time. Novato, CA: origin‬‬
‫‪press.‬‬
‫‪Stclif, bob (2004) Development Afler Ecology. United‬‬
‫‪Nation Universty, website. http.unu.edu.‬‬

‫‪413‬‬
Chapter six records the research contribution of Prof. Dr. Amir Al-Kubaisi
under the caption Towards the Sustainable Development of Management. This
research points to the literature that reveals candidly the sustainable development of
management and its components. The author unfolds that the subject under hand is
still in theoretical phase.
Chapter seven records the research contribution of Al Johra Al-Fouzan. This
is entitled Sustainable Management of Environmental Pollution. This study
explains the concept of environmental pollution and the modernization of its
conventional development. Also, it shows the sources of such pollution. Further, it
sheds light on the aspects related to environmental pollution reasons, typology,
impacts; pertinent bodies on pollution management; and the measures controlling
such pollutions.
Chapter eight records the research presentation of Al-Jazi Al-Rashidi. It carries
the title Sustainable Management of Petroleum. This research unfolds that petrol
represents as one of the main causes of environmental factors. Also, it serves another
cause contributing to the degeneration of environmental viability. Further, it is
counted another causative determinant which, in a way, is a challenge to the integrity
of various organizations. In the final analysis, asserts the author, that petrol serves as
an important impediment towards the fulfillment of sustainable development.
Chapter nine incorporates another research work that contains indicators
of sustainable development. It bears a title Indicators and Criteria Standards
Assessing the Relative Achievement of Sustainable Development. This is authored
by Muhammed Suleman. This work tends to identify on variances between two kinds
of development indicators conventional and sustainable. Also, it demonstrates the
various stages within which passes the process of industrial development indicators.
Chapter ten presents an intellectual exercise written by Shaikh Al-Qahtani under
the caption Experience of the Kingdom of the Saudi Arabia Towards Sustainable
Development. This works presents the varied endeavours rendered by the Kingdom
of Saudi Arabia towards achieving comprehensive and sustainable developments.
Included in the presentation are multiple strides strategies; plans; initiatives
carried out by public and private institutions. Also included in the presentation are
contributions made by civil society in various realms. Environmental protection
stands paramount.
Chapter eleven records another research contribution pioneered by Prof. Dr.
Amir AL-Kuhaisi. It bears the title: Criticisms and Challenges Posed Against the
Achievement of Sustainable Development. This work reveals some of the criticisms
directed against the achievement of sustainable development. Such perspectives of
criticism are multi-dimensional ideological, academic; practical; and applied.
Abstract
The sustainable development is considered in the world today as a new network
which characterizes as integrative interlink of various disciplines and sciences. All
shades of opinions scholars, philosophers and world organizations assign
prime attention on the subject. Multiple contributions philosophical, academic,
theoretical and applied are presented.
The present book comprises eleven chapters. The book is, in fact, a compilation
of various research contributions rendered by the different researchers. A summary
detail is in order:
First chapter records a work An Introduction to the Sustainable
Development: Roles of the Universities. By Prof. Amir Al-Kubaisi. The study has
identified the origin of sustainable development. Also, it has given an overview of
international contributions on the idea and its integrative rise as a project. Further,
it has shown the balanced blend of tripartite development economic, social
and environmental. Moreover, the study has uncovered the effective roles that the
universities and higher educational institutions should play towards the progressive
dissemination of the philosophy associated with sustainable development.
Second chapter contains a research on Sustainable Development: Islamic
Standpoint. By Diham Al-Jabli.
This research tends to dispel a fallacy surrounding many readers. The latter
perceive that sustainable development is the product of the Western civilization alone
in bi-dimensional contexts essence and the phraseology. The author rejects this
notion. Contrarily, it is supported by Islamic Sharia as well. Many Quranic verses
provide vent to it.
Third chapter provides a contribution of Dr. Naim Al-Jahni entitled Human
and Social Sustainable Development. In his work, the author has highlighted the
first component sustainable. Then, he presented the nature of human and social
development. Also, he explained its relative importance. Finally, he stressed that
human-being, per se, represents target objective and medium to accomplish this
objective.
Fourth chapter contains the scholastic works of Dr. Khalid Al-Shalan. It
is captioned Sustainable Economic Development. This work explain that the
required process of transformation towards sustainable development necessitates a
force. This force produces a change from theory to application. This process will
eventually lead towards the materialization of sustainable economic development.
Chapter five includes the study entitled Sustainable Environmental
Development. It is authored by Badr Al-Qasmi. It deals with environment and dangers
imperiling its viable integrity. Also, it shows its negative impacts and environmental
pollution affecting the planet.
Studies on Sustainable Development

Prof. Amir Khudhair Al-Kubaisi and others

Riyadh

1437A.H - 2015A.D

You might also like