You are on page 1of 3

‫بيداغوجيا المشروع و المشروع البيداغوجي‬

‫عند تفكيك مصطلح بيداغوجيا المشروع سيصبح من الضروري ربط كل ما هو تربوي و متعلق بطرق التدريس‬
‫( بيداغوجيا ) بكلمة طالما تم تداولها في عالم االقتصاد و األعمال وهي ( مشروع )‪ .‬العالقة ليست بتلك الغرابة‬
‫إذا ما أقررنا أن األكاديميين و الباحثين و المنظرين في مجال التربية و التعليم يريدون استدعاء مبادئ التخطيط‬
‫و الجودة و الدقة و المردودية القابلة للقياس التي يتميز بها المشروع االقتصادي إلسقاطها أو جعلها تتناسب‬
‫و خصوصية المؤسسة التعليمية فيما قد يمكن تسميته بالتعلم القائم على المشاريع ‪Project Based‬‬
‫‪ Learning .‬فهذا المفهوم بات يشق طريقه شيئا فشيئا ضمن استراتيجيات إصالح التعليم التي تتبناها‬
‫حكومات الدول العربية و إن اختلفت الطرق و الميزانيات أو حتى المسميات بين المشروع التعليمي و‬
‫المشروع التربوي و بين مشروع المؤسسة و مشروع الفصل و مشروع القسم…‬
‫المشروع البيداغوجي إذن يتخذ طابعا إجرائيا خاصا من خالل أسلوب جديد في التدريس يهدف إلى تنمية‬
‫المهارات و الكفايات المختلفة موازاة مع البيداغوجيات األخرى حيث يركز على طرق تعلم قد يغفل عنها التعليم‬
‫التقليدي أو ال يعطيها تلك األهمية المرجوة كالتعلم الذاتي و التعلم التعاوني…‬
‫فماهي إذن خصائص بيداغوجيا المشروع ومميزاتها ؟ و ماهي الخطوات الضرورية إلنجاز المشروع‬
‫البيداغوجي و أنواعه؟‬
‫‪1-‬تعريف المشروع البيداغوجي‪:‬‬
‫يعرف موقع ‪wikipedia‬المشروع على أنه مسعى مؤقت و فريد من نوعه لتصنيع منتج أو تقديم خدمة أو الوصول إلى نتيجة‪ ،‬حيث يكون للمشروع نقطة‬
‫بداية محددة ونقطة نهاية يصل إليها المشروع إما عند تحقيق أهداف المشروع أو عند إيقاف المشروع أو الوصول لقناعة أن أهدافه ال يمكن أن تتحقق أو أن‬
‫الغاية من هذا المشروع لم تعد موجودة‪.‬‬
‫هذا التعريف لوحده‪ ،‬كفيل بتبرير األساس األول الذي يعتمد في تطوير مايمكن أن نسميه في مرحلة أولى طريقة‬
‫التدريس القائمة على المشروع التي تحيل إلى مفهوم أشمل وهو بيداغوجيا المشروع‪.‬‬
‫تستمد بيداغوجيا المشروع أسسها األخرى أيضا من المقاربة التربوية لجون ديوي ‪John Dewey‬و المتمثلة‬
‫في جعل المدرسة بمثابة مقاولة للتربية والتعليم‪ ،‬حيث تقدم وضعيات تعلم ذات معنى للتالميذ‪ ،‬في صيغة‬
‫مشروعات تدور حول مشكلة اجتماعية واضحة‪ ،‬فتجعل المتعلمين أمام تحد حقيقي للبحث فيها وحلها حسب‬
‫قدرات كل منهم‪ ،‬وبتوجي ه وإشراف من المدرس ‪،‬و ضمن إطار تعاقدي‪ ،‬وذلك اعتمادا على ممارسة أنشطة ذاتية‬
‫متعددة و متنوعة‪.‬‬
‫وتنطلق هذه الطريقة من مبدأ تجاوز الحدود الفاصلة بين المواد الدراسية‪ ،‬حيث تتداخل هذه المواد لكي تشكل‬
‫مجموعة من األنشطة الهادفة‪ ،‬وبهذا تصبح المعلومات والمعارف مجرد وسيلة ال غاية في ذاتها‪ .‬ويصير‬
‫المشروع وضعية حقيقية و واقعية و مناسبة لدمج كل القدرات و الكفايات و المهارات التي اكتسبها المتعلم في‬
‫جميع المواد الدراسية‪ ،‬وذلك من أجل استثمارها في تجاوز كل العقبات التي تعترض تنفيذ المشروع أو أحد‬
‫مراحله‪ ،‬مما يجعل المتعلم يكتسب المعارف من خالل البحث والتعلم الذاتي و العمل في مجموعات ‪ ،‬عالوة على‬
‫أنه يصير قادرا على االندماج في المحيط االجتماعي واالقتصادي المحيط به‪.‬‬
‫‪2-‬مزايا التدريس وفق بيداغوجيا المشروع‪:‬‬
‫تتعدد طرق التدريس و تتنوع من أسلوب المحاضرة والمناقشة إلى أسلوب حل المشكالت والتعلم الذاتي‬
‫و التعاوني و أسلوب اللعب‪ ،‬لكن أحدث هذه األساليب والتي تتبنى بيداغوجيا المشروع تسعى إلى االعتماد على‬
‫الجانب التطبيقي أكثر من الجانب النظري إضافة إلى كونها‪:‬‬
‫–تجعل الحياة المدرسية جزءا من الحياة االجتماعية‪.‬‬
‫–تساعد في جعل التعلم عمليا ً عبر مشاريع ملموسة‪.‬‬
‫–تمكن من ربط المواد الدراسية بعضها ببعض‪.‬‬
‫–تنمي روح التعاون واإلخاء بين المتعلمين‪.‬‬
‫– تقوم على التشاور والتعاقد بين أفراد الفريق لبلوغ نتيجة يمكن تحقيقها في مدة زمنية محددة‪.‬‬
‫–تبث روح التعاون و التكامل و العمل الجماعي لدى التالميذ في إنجاز المهام‪.‬‬
‫–تحترم نسق التعلم عند أفراد المجموعة وفق مبدأ الفارقية و الذكاءات المتعددة‪.‬‬
‫–تساعد المتعلمين على االبتكار و اإلبداع و حسن التصرف في حل المشكالت‪.‬‬
‫–تغرس في الطالب روح المبادرة و القيادة و تحمل المسؤولية‪.‬‬
‫–تعود المتعلم على بناء تعلمه بنفسه‪.‬‬
‫– تدفعه إلى االعتماد على نفسه في التعلم والبحث عن المعلومة واستثمارها و توظيفها في وضعيات جديدة‪.‬‬
‫–تجعل التلميذ يساهم في اختيار ( الموضوع‪ ،‬المحتوى‪ ،‬منهج العمل‪ ،‬المنتج المنتظر …)‬
‫–تجعل المتعلم محور عملية التعلم والفاعل األساسي فيها‪.‬‬
‫‪3-‬أنواع المشاريع البيداغوجية‪:‬‬
‫أ‪ -‬من حيث طريقة التنفيذ‪:‬‬
‫المشاريع الفردية ‪:‬‬
‫و فيها يتولى كل طالب إنجاز المهام لوحده‪ ،‬وهي على نوعين‪:‬‬
‫مشروع موحد في الفصل لكن كل طالب يقوم بالعمل منفردا‪ ،‬مثل إنجاز خريطة جغرافية مثال أو غرس نبتة‬
‫معينة…‬
‫أو مشاريع مختلفة يقوم كل طالب بتنفيذ واحد منها‪.‬‬
‫المشاريع الجماعية ‪:‬‬
‫يقوم جميع الطالب بالتعاون فيما بينهم لتنفيذ مشروع واحد‪ ،‬حيث ينقسمون إلى مجموعات تتكامل فيما بينها‪ ،‬كل‬
‫واحدة منها تتولى جزءا معينا أو مرحلة ما من المشروع‪.‬‬
‫ب‪ -‬من حيث الهدف‪:‬‬
‫*مشاريع بنائية ‪ :‬تشمل المشاريع التي ترمي إلى إنتاج شيء معين‪ ،‬كتصنيع أجزاء مختلفة و تجميعها للحصول‬
‫على نموذج أو جهاز…‬
‫*مشاريع تطويرية تحسينية ‪:‬تتضمن إجراء دراسات و أبحاث من أجل تطوير شيء معين أو تحسين مردوده‪.‬‬
‫*مشاريع استقصائية ‪:‬وتهدف إلى تنمية مهارات البحث و جمع المعلومات ميدانيا أو عبر اإلنترنت ( الويب‬
‫كويست أو الرحالت المعرفية) ‪ ،‬واتخاذ القرارات ‪ ،‬وتنمية المهارات المعقدة باستخدام المنهجية العلمية في‬
‫التفكير‪ .‬وكل ذلك من أجل الوصول إلى استنتاج علمي مثال أو إثبات فرضية أو نفيها…‬
‫*مشاريع مختبرية ‪ :‬تتضمن إجراء تجارب في المختبر أو في الميدان للتوصل إلى حقيقة معينة‪.‬‬
‫*مشاريع تحليلية ‪:‬وتتضمن تجميع و تحليل معلومات إحصائية مبنية على خرجات و استطالعات ميدانية‬
‫الستنباط النتائج منها في األخير‪.‬‬
‫‪4-‬خطوات المشروع البيداغوجي‪:‬‬
‫يتم تحديد خطة عمل المشروع البيداغوجي في ثالثة مراحل أساسية و هي‪:‬‬

‫أ‪ -‬مرحلة التصور العام (طبيعة المشروع و أهدافه)‪:‬‬


‫مرحلة مهمة جدا‪ ،‬تقتضي ممارسة العصف الذهني و الخروج بتمثالت واضحة حول المشروع المراد إنجازه‬
‫من حيث‪:‬‬
‫*الموضوع ‪:‬تتم صياغة الموضوع بشكل واضح ودقيق‪.‬‬
‫*الدوافع ‪ :‬طرح سؤال ‪ :‬ما هي األسباب الكامنة وراء اختيار المشروع (الحاجيات الفردية و الجماعية)؟‬
‫*األهداف و الفرضيات ‪:‬وضع مجموعة من الفرضيات أو تنبؤ النتائج المنتظر الحصول عليها‪.‬‬
‫ب‪ -‬مرحلة اإلعداد (الجانب العملي ‪ :‬اللوجستي والتنظيمي)‪:‬‬
‫يتم في هذه المرحلة تجهيز أدوات العمل و تبني األساليب التنظيمية الكفيلة ببلوغ األهداف المنشودة وذلك عبر‬
‫تحديد‪:‬‬
‫* الموارد و األدوات‪ :‬تحديد الموارد المادية والبشرية والتقنية و األدوات التي سيستعان بها لتنفيذ المشروع‪.‬‬
‫*الرزنامة و الجدولة ‪ :‬وضع جدول زمني توضيحي و تفصيلي للمدة الزمنية التي سيستغرقها إنجاز المشروع‬
‫أو كل مرحلة منه‪.‬‬
‫* األدوار و المهام ‪ :‬يتم خاللها تحديد وتوزيع المهام على الطالب أو المجموعات ترعى فيها المهارات‬
‫والكفايات و الذكاءات‪.‬‬
‫* االلتزامات و التعاقدات ‪ :‬انتزاع التعهدات من الطالب أو المجموعات في إطار التعاقد البيداغوجي‪.‬‬
‫* المتدخلون أو الشركاء ‪ :‬يتم تحديد طبيعة الشركاء أو المتدخلين في المشروع من خارج المؤسسة و أدوارهم‪.‬‬
‫ج‪ -‬مرحلة اإلنجاز (تنفيذ المشروع)‪:‬‬
‫تتم مباشرة عملية تنفيذ المشروع باستخدام األدوات المناسبة‪ ،‬مع احترام المدة الزمنية المحددة سلفا‪ ،‬و في إطار‬
‫المهام المنوطة بكل فرد أو جماعة‪ ،‬مع مراعاة األهداف المسطرة‪ ،‬و االستعانة بإرشادات المعلم في كل مرحلة‬
‫من مراحل تنفيذ المشروع عند مواجهة عراقيل‪ ،‬قد تكون متعلقة بعوامل خارجية ( إكراهات مادية‪،‬‬
‫لوجيستيكية…) أو داخلية (خالفات بين الطالب‪ ،‬مشاكل نفسية‪ ،‬صعوبات التعلم)…‬
‫د‪ -‬مرحلة التقييم‪:‬‬
‫قد تكون مرحلية للوقوف على ما تم إنجازه‪ ،‬و تصحيح المسار و تجاوز بعض العراقيل المحتملة أثناء مرحلة‬
‫التنفيذ ‪ ،‬أو نهائية للتأكد من مدى تحقق األهداف المرسومة‪ .‬فبدون إجراء تقييم شامل للمشروع البيداغوجي ال‬
‫يمكن قياس مدى نجاحه و الوقوف عند مكامن القوة و الضعف لالستفادة منها في المشاريع القادمة‪.‬‬
‫مرحلة التقييم مناسبة كذلك لتشجيع المتعلمين على القيام بالنقد الذاتي بعد كل مهمة‪.‬‬

‫‪5-‬دور المعلم في المشاريع البيداغوجية‪:‬‬


‫من أهداف التدريس وفق بيداغوجيا المشروع‪ ،‬تدريب المتعلم على التعلم الذاتي من خالل مختلف األنشطة التي‬
‫يشتمل عليها المشروع البيداغوجي فهو محور العملية التعليمية التعلمية بامتياز‪ ،‬لذلك يصبح دور المدرس موجها‬
‫و مرشدا و محفزا فقط من خالل‪:‬‬

‫– إدارة عملية العصف الذهني لتوجيه الطالب نحو خلق تصور عام حول طبيعة المشاريع التي سيتم إنجازها و‬
‫الهدف منها‪.‬‬
‫–توجيه الطالب عند اختيار المشاريع‪.‬‬
‫–تشكيل مجموعات الطالب إذا اقتضى األمر ذلك بشكل متجانس يراعي الفروقات الفردية‪.‬‬
‫–تزويد الطالب باألدوات و الوسائل المناسبة (كتب‪ ،‬مواقع الكترونية‪ ،‬برامج الحاسوب و تطبيقات األجهزة‬
‫الذكية…)‪.‬‬
‫–توفير بطائق تقنية و تقييمية للطالب‪.‬‬
‫–تزويد الطالب بالتغذية الراجعة المستمرة و الفعالة‪.‬‬
‫–إذكاء روح التعاون بين األفراد و فض النزاعات‪.‬‬
‫–الدعم المعنوي للمتعلمين عند مواجهتهم لصعوبات في مرحلة التنفيذ‪.‬‬
‫–مساعدة الطالب على اختيار طريقة ممنهجة لتنظيم العمل‪.‬‬
‫– تشجيع المتعلمين على احترام القواعد العامة المتعلقة باالستطالعات الميدانية‪.‬‬

You might also like