You are on page 1of 1

‫قارن بين المشكلة العلمية والمشكلة الفلسفية‬

‫طرح المشكلة‬
‫إن أساس أي بحث إنساني نجده دائما ينطلق من مشكلة ومادامت قضايا البحث تتعدد فانه بالضرورة تتعدد المشكالت وتتنوع‪ ،‬ومن أكثر المشكالت حضورا عند‬
‫اإلنسان المشكلة العلمية والمشكلة الفلسفية‪ .‬إال أن االلتباس الحاصل بين هذين المفهومين لدى الكثير من الباحثين يدفعنا إلى معرفة طبيعية العالقة بينهما ‪ :‬فماهو‬
‫الفرق الموجود بين المشكلة العلمية والمشكلة الفلسفية ؟ وماهي طبيعة العالقة بينهما ؟‬

‫محاولة حل المشكلة ‪:‬‬


‫أوجه االختالف‪:‬‬
‫تختلف المشكلة العلمية عن المشكلة الفلسفية من حيث الموضوع والمنهج ودقة النتائج‪.‬‬
‫فمن حيث الموضوع‪ :‬نجد أن المشكلة العلمية مجالها االهتمام بالطبيعة والواقع الحسي المباشر من ظواهر طبيعية مختلفة أي أن العالم يدرس الظواهر المادية‬
‫الطبيعية من زوايا متفرقة كظواهر جزئية مثال‪ :‬علم الفلك يبحث في األجرام السماوية وعلم الفيزياء يدرس الضوء والحركة وعلم الكيمياء يبحث في الجزئيات‬
‫والتفاعالت بين مختلف المواد‪ .‬أما المشكلة الفلسفية فمجالها االهتمام بإثارة القضايا الميتافيزيقية أي ما وراء الطبيعة فالفيلسوف يدرس القضايا الميتافيزيقية‬
‫والروحية مثل‪ :‬قضايا الحرية‪ ،‬األخالق ‪ ،‬العدل والمصير‪ .‬فالمشكلة الفلسفية تعبر عن روح عصرها كما أنها حقيقية شمولية‪ .‬يقول الفيلسوف اليوناني أرسطو‪":‬‬
‫الفلسفة هي العلم النظري بالمبادئ واألسباب األولى"‪.‬‬
‫كما أن المشكلة العلمية تتميز عن المشكلة الفلسفية من حيث المنهج فمادمت المشكلة تنطلق من التناول الجزئي للظواهر بغرض دراستها وفهمها بأنها تستخدم المنهج‬
‫االستقرائي التجريبي القائم على المالحظة والفرضية والتجربة‪ .‬يقول العالم الفيزيولوجي الفرنسي كلود برنارد‪" :‬إن التجريب هو الوسيلة الوحيدة التي تملكها‬
‫لنتطلع على طبيعة األشياء الخارجة عنا"‪ ،‬أما المشكلة الفلسفية التي تقوم على النظرية للكون والحياة واإلنسان بأنها تعتمد على المنهج االستثنائي القائم على التأمل‬
‫العقلي الذي يقوم على الحجج والبراهين المنطقية وفق خطوات ثالث وهي ضبط التصور‪ ،‬ضبط المشكلة ثم ضبط الموقف‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى نجد المشكلة العلمية تختلف عن المشكلة الفلسفية من حيث النتائج‪ .‬فالمشكلة العلمية نتائجها دقيقة أي أن هناك اتفاق حول نتائجها وما تصل إليه‬
‫من حلول ولو كانت نسبية وذلك العتمادها على اللغة الرمزية‪ .‬أما المشكلة الفلسفية فال تصل إلى نتائج نهائية اليمكن الوصول فيها إلى حل دقيق متفق عليه بل أراء‬
‫متناقضة ‪ .‬فمشكلة الحرية مثال مازالت مطروحة إلى يومنا هذا بين من يثبتها ومن ينفيها وكل جواب فيها يتحول الى مشكلة وسؤال جديد‪ .‬وهذا ما عبر عنه‬
‫الفيلسوف األلماني المعاصر "كارل ياسبرس" بقوله‪" :‬إن األسئلة في الفلسفة أهم من األجوبة ‪،‬الن الجواب سرعان ما يتحول إلى سؤال جديد"‪.‬‬
‫أوجه التشابه‪ :‬لكن رغم كل هده االختالفات التي توحي ظاهريا باالنفصال التام بينهما‪ ،‬إال أن هذا ال يعني انه ال توجد بينهما نقاط تشابه فكل من المشكلة العلمية‬
‫والمشكلة الفلسفية نابع من مصدر واحد وهو اإلنسان ‪ .‬فما هو الكائن الوحيد المتميز بالعقل فيطرح تارة مشكلة علمية وتارة أخرى مشكلة فلسفية‪.‬‬
‫كما أن لهما نفس الدافع وهو استدعاء المعرفة وتقضي الحقائق والبحث المستمر والجه د العقلي المتواصل سعيا لكشف اللبس والغموض‪ .‬فكل من العالم والفيلسوف‬
‫يتصفان بالدقة والعمق في تحليل هذه المشكالت‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك نجد أن المشكلة العقلية والمشكلة الفلسفية تعبر عن استفهام يحمل موضوعا يطرحه اإلنسان‪ .‬ويعبر عن قلقه الفكري‪ .‬ويثير فيه التوتر واالنفعال‬
‫واالضطراب النفسي فيصاب العالم والفيلسوف بالدهشة أو اإلحراج‪ .‬فيجتهدان في البحث عن حلول لمشكالتهم‪.‬‬
‫يقول الفيلسوف اليوناني"أرسطو"‪" :‬هدف الفالسفة األول من تعاطي الفلسفة هو التخلص من الجهل"‪ .‬ويقصد بذلك أن الفيلسوف لم ينفق ساعات حياته في البحث‬
‫عن الحقيقة‪.‬إال قصد تخلصه من جهله‪ .‬وحتى العلماء في بحثهم عن الحقيقة وحلول لمشكالتهم فان مرادهم هو القضاء على ذلك الجهل الذي يعكر صفو حياتهم‪.‬‬
‫‪-‬وتبعا لذلك نجد أن المشكلة العلمية والمشكلة الفلسفية تساعدان اإلنسان على مضاعفة رصيده المعرفي باستمرار‪ .‬بمعنى إننا نضيف دوما معارف وحقائق جديدة‬
‫فلسفية كانت أم علمية إلى مكتسباتنا القبلية فقد يقوم الفيلسوف بنقد المذاهب واآلراء السائدة ويحاول كشف عن نقائضها لتقديم األفضل مثل فعل سقراط قديما وحتى‬
‫ديكارت عندما مارس الشك المنهجي القائم على نقد ماهو موجود ثم بناء المعرفة على أسس عقلية واضحة كما يتخذ العالم من الشك نقطة انطالقه لبناء معارف‬
‫جديدة‪.‬‬
‫أوجه التداخل (العالقة بينهما)‪.‬‬
‫‪ -‬إن التشابه الموجود بين المشكلة العلمية والمشكلة الفلسفية يستلزم وجود عالقة قائمة بينهما‪.‬‬
‫وهذه العالقة هي عالقة تكامل وتداخل وضيفي فالكثير من المشكالت الفلسفية قد تحولت إلى مشكالت علمية عبر العصور‪ .‬يقول الفيلسوف األلماني "انجلز"‪:‬‬
‫"إن العلم نشأ في أحضان الفلسفة"‪ .‬ولهذا فالمشكالت العلمية تنطوي على أبعاد فلسفية ومن ناحية أخرى نجد أن المشكالت الفلسفية تعتمد على نتائج العلم‬
‫لتبرير قضياها‪ .‬وهذا عبر عنه الفيلسوف الفرنسي "كارل ياسبرس"‪" :‬بقوله ومع ذلك فان نشوء فلسفة ما يبقى مرتبطا بالعلوم‪ .‬انه يفترض كل التقدم العلمي‬
‫المعاصر"‪ .‬وبهذا فالفلسفة تتأخر مالم تتخذ المنهج العلمي سندا لها‪.‬وهي بدورها تدفع العلم التفكير في مبادئ ومناهجه وفرضياته‪.‬وهذا كله يثبت التأثير المتبادل‬
‫بين المشكالت الفلسفية والمشكالت العلمية‪.‬والدليل على ذلك هو ظهور فلسفة تسمى فلسفة العلوم‪.‬االبستومولوجيا‬
‫حل المشكلة‬
‫وفي األخير نستنتج انه رغم االختالفات بين المشكلة العلمية والمشكلة الفلسفية إال أنهما يتواصالن بال انقطاع وتبقى العالقة بينهما عالقة تكاملية ذلك الن الواقع‬
‫اإلنساني توازن بين ماهو مادي وماهو معنوي ولهذا فالفلسفة تتخذ من العلم سندا لها والعلم يتخ ذ من الفلسفة وتساؤالتها دافعا للتفكير‬
‫في مبادئه ومناهجه وهذا ما نلمسه في قول الفيلسوف األلماني "األلماني هيجل" ‪" :‬تظهر الفلسفة في المساء بعد ان يكون العلم قد ظهر في الفجر وقضى زمن‬
‫يوم طويل" ‪.‬‬

You might also like