You are on page 1of 8

‫الفرع الثاني‪ :‬جريمة عدم دفع معين النفقة وجراية الطالق‬

‫المشرع التونسي إلى تجريم إهمال العيال منذ سنة ‪ 1926‬منذ سنة ‪ 1926‬بمقتضى األمر‬
‫ّ‬ ‫عمد‬
‫المؤرخ في ‪ 22‬ماي ‪ 1926‬المنقّح بأمر ‪ 13‬سبتمبر ‪ 1928‬الذي بقي ساري المفعول إلى حين‬
‫ّ‬ ‫العلي‬
‫ّ‬
‫مكرر إلى مجلة األحوال الشخصية‪.‬‬
‫صدور قانون ‪ 18‬فيفري ‪ 1981‬الّذي أضاف الفصل ‪ّ 53‬‬
‫أن "ك ّل من حكم عليه بالنفقة أو بجراية الطالق فقضى عمدا‬
‫(مكرر) م أ ش على ّ‬
‫ينص الفصل ‪ّ 53‬‬ ‫ّ‬
‫مدة تتراوح بين ثالثة أشهر وعام وبخطية من مائة‬‫شهرا دون دفع ما حكم عليه بأدائه يعاقب بالسجن ّ‬
‫دينار (‪100‬د) إلى ألف دينار (‪1000‬د)‪.‬‬
‫واألداء يوقف التتبعات أو المحاكمة أو تنفيذ العقاب"‪.‬‬

‫األول‪ :‬أساس التجريم‬


‫المبحث ّ‬

‫أن المش ّرع التّونس ي تخلّى‪ ،‬من ذ س ّنه للمجل ة الجنائي ة س نة‬
‫تج در اإلش ارة بداي ة إلى ّ‬
‫التمش ي الذي‬
‫ّ‬ ‫الديون المدنية‪ .‬وهو نفس‬ ‫‪ ،1913‬عن آلية التنفيذ على ال ّذات لضمان تنفيذ ّ‬
‫‪1‬‬
‫معين النفقة أو جراية الطّالق‪ ،‬وهي‬
‫فإن تجريم عدم دفع ّ‬ ‫سلكته القوانين العصرية ‪ .‬وبذلك ّ‬
‫يعد استثناء ذو بال لهذا المبدأ العام‪.‬‬
‫ديون مدنية‪ّ ،‬‬

‫الدين المدني إلى‬


‫يرجع االهتمام التّشريعي الفائق باستنباط طرق تنفيذ غير عادية لهذا ّ‬
‫المعيشية‪ ،‬أو حسب تعبير "آالن‬
‫ّ‬ ‫النفقة وجراية المطلّقة الذي يكمن في صبغته‬
‫أساس حق ّ‬
‫س اياغ"‪ ،‬في كتاب ه "الحاج ة س بب منش ئ للح ق"‪ 2‬في مفه وم "الح ق‪ -‬الحاج ة" ‪ 3‬أو بعب ارة‬
‫النقص أو االفتقار إلى األشياء المعيشية التي‬
‫أخرى "الحق في تلبية الحاجة"‪ .‬وتفيد الحاجة ّ‬
‫ب دونها يص بح وج ود اإلنس ان في خط ر‪ .‬ويقاب ل الحاج ة‪ ،‬به ذا المع نى‪ ،‬عدي د األلف اظ ذات‬
‫المعاني المتقاربة لغة‪ :4‬الخصاصة‪ ،‬الفاقة‪ ،‬الفقر‪ ،‬االحتياج‪...‬‬

‫‪ 1‬الزالت دولة العربية السعودية تعمل بما يسمّى "الحبس التنفيذي" ويعني أنّ الم دين‪ ،‬إذا امتن ع الم دين عن تنفي ذ التزام ه‬
‫تجاه دائنه‪ ،‬يمكن حبسه بطلب من الدائن بهدف جبره على تنفيذ التزامه عن طريق القضاء‪ .‬فيقوم القضاء بحبسه لف ترة من‬
‫الزمن‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Alain Sayag, Essai sur le besoin créateur de droit, préface de Jean Carbonnier, L.G.D.J., Paris,‬‬
‫‪1969.‬‬
‫إن الترجمة الحرفية لعبارة «‪ » Le droit-besoin ‬بـ "الحق– الحاجة" قد تفقدها الكثير من قوتّها في التعبير‪ .‬ولربّما كانت عب‪11‬ارة‬‫‪ّ 3‬‬
‫"الحق في تلبية الحاجة" أبلغ في التعبير عن المعنى الذي قصده صاحبها السيّد آالن ساياغ‪ ،‬في كتابه المذكور‪.‬‬
‫‪ 4‬بخصوص االستعماالت‪ 1‬القانونيّة لهذه األلفاظ ومعانيها المختلفة‪ ،‬أنظر‪ :‬ح اتم الروات بي‪ ،‬مفهوم اإلعسار‪ ،‬في‪" :‬بح‪11‬وث في التأمين‪11‬ات‬
‫العينيّة والشخصيّة"‪ ،‬مؤلّف جماعي‪ ،‬المطبعة العصريّة‪ ،‬تونس ‪ ،1999‬ص‪ 285 .‬وما يليها‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫النفق ة وجراي ة الطّالق يتمثّ ل في‬
‫إن س بب تج ريم ع دم دف ع ّ‬‫وعلى ه ذا األس اس‪ ،‬ف ّ‬
‫‪5‬‬
‫ض مان االحتياج ''ات األساس ية ألف راد األس رة والمتمثّل ة في "الطع ام والمس كن والكس وة"‬
‫المشرع صنفا عصريا من الحاجة هو "التّعليم"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫(الحاجيات الفيزيولوجية) الّتي أضاف لها‬
‫وقد أ ّك دت محكمة التعقيب‪ ،‬في عديد المناسبات‪ ،‬على الصبغة المعاشية للنفقة من ذلك ما‬
‫ورد بقراره ا الج زائي الم ؤرخ ‪ 4‬جويلي ة ‪" :1989‬إن المس ؤول بالنفق ة بمقتض ى حكم من‬
‫المحكمة من واجبه أداء النفقة الواجبة عليه لفائدة المستحقين من غيـر تراخ باعتبار األمر‬
‫يكتسي صبغة معاشية وإ الّ أصبح عرضة التتبعات الجزائية"‪.‬‬

‫على من تجب النفقة؟‬

‫أن أسباب النفقة هي الزوجية والقرابة وااللتزام‪ .‬كما اقتضى الفصل‬


‫ينص الفصل ‪ 37‬م أ ش على ّ‬‫ّ‬
‫أن "المستحق للنفقة بالقرابة صنفان‪- :‬األبوان واألصول من جهة‬ ‫‪ 43‬من مجلة األحوال الشخصية ّ‬
‫األم في حدود الطبقة األولى‪ - .‬األوالد وإ ن سفلوا"‪.‬‬
‫األب وإ ن علوا‪ ،‬ومن جهة ّ‬
‫أما في خصوص نفقة األبوين وغيرهما من األصول فقد أضاف الفصل ‪ 44‬م أ ش ّأن ه "يجب على‬ ‫ّ‬
‫األوالد الموسرين‪ ،‬ذكورا أو إناثا‪ ،‬اإلنفاق على من كان فقيرا من األبوين ومن أصول األب وإ ن علوا‪،‬‬
‫إن كال من األب واألم الفق يرين يس تحق إنف اق‬
‫األم في ح دود الطبق ة األولى"‪ .‬وبالتّ الي ف ّ‬
‫ومن أص ول ّ‬
‫أوالده ميسوري الحال إذا كان فقيرا‪ ،‬سواء كان األبناء ذكورا أو إناثا من الموسرين‪ .‬عالوة على ذلك‪،‬‬
‫األم في حدود الطبقة األولى‪ ،‬إنفاق أحفادهم‬
‫حد‪ ،‬والجدود من جهة ّ‬
‫يستحق الجدود من جهة األب بدون ّ‬
‫عليهم إذا كانوا فقراء وكان األحفاد موسرين‪.‬‬
‫بالنفقة‪ .‬بل ّأننا نجد‬
‫فإن اليسر هو معيار اختيار المدين ّ‬ ‫النفقة هو الحاجة‪ّ ،‬‬‫أن معيار استحقاق ّ‬ ‫فكما ّ‬
‫وزعت النفق ة‬
‫نص على ّأن ه "إذا تع ّدد األوالد (األبن اء) ّ‬
‫الفص ل ‪ 45‬م أ ش يؤ ّك د على ه ذه المس ألة حين ّ‬
‫على اليسار ال على الرؤوس وال على‪ ‬اإلرث"‪.‬‬

‫سن استحقاق‬
‫مشرع ‪ّ 1956‬‬ ‫حدد ّ‬‫واألمهات على أبنائهم وبناتهم‪ ،‬فلقد ّ‬
‫ّ‬ ‫أم ا فيما يتعلّ ق بإنفاق اآلباء‬
‫ّ‬
‫التكس ب‪ .‬وبمقتض ى نفس الق انون ع دد ‪74‬‬
‫ّ‬ ‫بالنس بة لل ّذكر‪ ،‬بس ّن السادس ة عش رة واقت داره على‬
‫النفق ة‪ّ ،‬‬
‫ؤرخ في ‪ 12‬جويلي ة ‪ 1993‬ال ذي أدخ ل تنقيح ات جوهري ة على العدي د من فص ول مجل ة األح وال‬ ‫الم ّ‬
‫الرش د أو‬
‫النفقة بدون تمي يز بين الجنسين "ح تى بلوغ س ّن ّ‬
‫المشرع في س ن اس تحقاق ّ‬
‫ّ‬ ‫ال ّشخصية‪ ،6‬رفّ ع‬
‫الفصل ‪ 50‬م أ ش‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ 6‬بمقتضى القانون عدد ‪ 74‬لسنة ‪ 1993‬المذكور‪ ،‬ت ّم تنقيح الفصول ‪ 2‬و‪ 6‬و‪23‬و ‪ 43‬و‪ 44‬و ‪ 53‬و‪ 67 1،60‬و‪ 153‬من مجل‪11‬ة األح‪11‬وال‬
‫الشخصيّة‪ ،‬كما أضيف لها الفصل ‪ 32‬مكرر‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫توس ع‬
‫بع ده إلى نهاي ة مراح ل تعلّمهم‪ ،‬على أن ال يتج اوزوا الخامس ة والعش رين من العم ر"‪ .‬وهك ذا‪ّ ،‬‬
‫‪7‬‬
‫تطور االقتصاد العالمي الذي أضحى‬
‫محتوى الحاجة وأصبحت مزاولة التعليم العالي ضرورة يفرضها ّ‬
‫مبنيا على المعرفة وال ّذكاء‪.‬‬
‫ّ‬

‫نص في نفس‬ ‫للنفقة حيث ّ‬


‫ميزها عن ال ّذكر بشأن استحقاقها ّ‬ ‫المشرع التونسي ّ‬
‫ّ‬ ‫فإن‬
‫بالنسبة للبنت‪ّ ،‬‬
‫أما ّ‬‫ّ‬
‫النفق ة إلى حين يت وفّر له ا الكس ب أو تجب نفقته ا على‬
‫الفص ل ‪ 46‬م إ ش على ّأنه ا تواص ل اس تحقاق ّ‬
‫تبن اه المش ّرع‬
‫زوجه ا‪ .‬ولع ّل ه ذا التمي يز يث ير بعض االس تغراب أم ام خي ار المس اواة القانوني ة ال ذي ّ‬
‫‪8‬‬
‫بالنق اش الفقهي ال ذي دار غ داة تنقيح الفص ل ‪ 31‬م أ ش‬
‫التّونس ي وواق ع التّعليم ‪ .‬وي ذكر ه ذا التّس اؤل ّ‬
‫المؤرخ في ‪ 18‬جانفي ‪ 1981‬حول‬
‫ّ‬ ‫مكرر لها بموجب القانون عدد ‪ 7‬لسنة ‪1981‬‬ ‫وإ ضافة الفصل ‪ّ 53‬‬
‫العمرية‪.9‬‬
‫ّ‬ ‫األساس القانوني الستحقاق المطلّقة للجراية‬

‫أن أساس هذا التمييز اإليجابي لصالح المرأة المطلّقة‬


‫مرة أخرى‪ ،‬على ّ‬
‫لكن‪ ،‬لربما جاز التأكيد‪ّ ،‬‬
‫فإن نسبة اإلناث في سوق العمل المأجور‬
‫تطور نسبة تعليم الفتيات‪ّ ،‬‬
‫يكمن في "الحاجة"‪ .‬إذ بالرغم من ّ‬
‫‪10‬‬
‫أن هذه النسبة ترتفع في القطاع العمومي لتصل إلى‬
‫الربع بنيف (ولو ّ‬
‫ال زالت في حدود ما يزيد على ّ‬
‫النس اء اللّ واتي ينتمين إلى ص نف‬
‫أن نس بة ّ‬
‫العمومي ة)‪ .‬ه ذا عالوة على ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ 35‬بالمائ ة من أع وان الوظيف ة‬
‫الخاص على وجه الخصوص‪ ،‬مازالت ضعيفة في غالب األحيان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اإلطارات العليا‪ ،‬في القطاع‬

‫االقتصادية للمرأة سواء كانت بنتا أو زوجة أو‬


‫ّ‬ ‫للوضعية‬
‫ّ‬ ‫يعكس التّشريع التّونسي الواقع الغالب‬
‫الن اس بنفس‬
‫مطلّق ة ويأخ ذ بعين االعتب ار معي ار الحاج ة ألن في المس اواة الحس ابية‪ ،‬أي معامل ة ك ل ّ‬
‫الطريق ة رغم اختالف أوض اعهم وع دم توازنه ا‪ ،‬ترس يخ النع دام المس اواة‪ .‬له ذا الس ّبب‪ ،11‬ولكن أيض ا‬
‫المشرع على األب اإلنفاق على ابنته إلى حين انتفاء حاجتها أو‬
‫ّ‬ ‫بالنظر إلى العادات االجتماعية‪ ،‬أوجب‬
‫ّ‬

‫‪ 7‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 1240‬مؤرخ في ‪ 13‬أفريل ‪" :2006‬حق االبن في النفقة ال يسقط بمجرد بلوغ االبن سن العشرين طالما كان م زاوال‬
‫تعليمه وهو ما يؤخذ من منطوق الفصل ‪ 46‬من م‪.‬أ‪.‬ش وقد اعتمدت المحكمة هذا المبدأ لما ركزت على عدم ثبوت انقطاع االبن مجدي عن التعليل‬
‫بصفة كلية ضرورة أن ملف القضية يؤكد مزاولة االبن للتعليم"‪.‬‬
‫بالمائة من العدد اإلجمالي للطلبة‪.‬‬ ‫تبلغ نسبة الفتيات في التّعليم العالي‪ ،‬حسب اإلحصائيّات الرّسميّة للسّنة الجامعيّة‬ ‫‪8‬‬

‫‪9‬‬

‫أن نس‪11‬بة كب‪11‬يرة من النّس‪11‬اء يعملن بالقط‪11‬اع الفالحي ب‪11‬دون أن يق‪11‬ع اعتب‪11‬ارهن أج‪11‬يرات ألنهن‪ ،‬في كث‪11‬ير من‬
‫‪ 10‬لكن تج‪11‬در اإلش‪11‬ارة إلى ّ‬
‫األحيان‪ ،‬يعملن في المستغلة العائليّة وال يتقاضين أجرا على ذلك‪.‬‬
‫‪ 11‬ال يجب أيضا أن نهمل العامل الثقافي والديني في تبرير إنفاق الرجل على ابنته أو زوجته ولو أنّه يمكننا القول أن معيار الحاج‪11‬ة ه‪11‬و‬
‫المح ّدد للح ّل الديني واألخالقي‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫إلى حين زواجه ا بحيث ينتق ل واجب تلبي ة ه ذه الحاج ة على كاه ل ش خص آخر‪ .12‬كم ا يب دو معي ار‬
‫سنه‪.13‬‬
‫النفقة للمعوق العاجز عن الكسب مهما كانت ّ‬
‫الحاجة واضحا في إقرار حق ّ‬

‫يستمر عليهم "بقطع النظر‬


‫ّ‬ ‫فإن اإلنفاق عليهم‬
‫أما اإلنفاق على األبناء المعوقين العاجزين عن الكسب ّ‬
‫ّ‬
‫سنهم"‪.‬‬
‫عن ّ‬
‫أن‬
‫خصصت مجلة األحوال الشخصية الفصل ‪ 49‬لـ"أحكام من يلتزم بنفقة الغير" الذي يقتضي ّ‬ ‫كما ّ‬
‫المدة غير محدودة‬
‫لمدة محدودة لزمه ما التزمه‪ .‬وإ ذا كانت ّ‬
‫"من التزم بنفقة الغير كبيرا كان أو صغيرا ّ‬
‫وح ّددها‪ ،‬ف القول قول ه في ذل ك"‪ .‬مع نى ذل ك أن من تعه د باإلنف اق على ش خص ال يلزم ه اإلنف اق علي ه‬
‫بم وجب الق انون‪ ،‬فإن ه يص بح مج برا على ذل ك إلى أن تنتهي الم دة المتف ق عليه ا‪ .‬أم ا إذا لم‬
‫تكن المدة محددة سلفا وحددها الملتزم باإلنفاق الحقا فالقول قوله في ذلك‪.‬‬
‫جراية الطّالق‪:‬‬
‫ج اء ب الفقرة األخ يرة من الفص ل ‪ 31‬م أ ش ّأن ه "يقض ى لمن تض ّرر من ال زوجين بتع ويض عن‬
‫الض رر الم ادي والمعن وي الن اجم عن الطالق في الح التين المبين تين ب الفقرتين الثاني ة والثالث ة أعاله‪.‬‬
‫يعوض له ا عن الضرر المادي بجراي ة تدفع له ا بعد انقض اء العدة مش اهرة وبالحلول‬ ‫وبالنس بة للمرأة‪ّ  ‬‬
‫تخي ر‬
‫على ق در م ا أعادت ه من العيش في ظ ّل‪ ‬الحي اة‪ ‬الزوجي ة بم ا في ذل ك المس كن‪ ...‬ك ّل ذل ك م ا لم ّ‬
‫التعويض لها عن الضرر المادي في شكل رأس مال يسند لها دفعة واحدة"‪.‬‬

‫طالق‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أركان جريمة عدم دفع النفقة وجراية ال ّ‬

‫أن جريم ة ع دم دف ع معين النفق ة وجراي ة الطالق‬‫ف ّ‬ ‫بالتمعن في الفص ل ‪( 53‬مك ّرر) م أ ش نستش ّ‬‫ّ‬
‫مادي ا يتمثّ ل في س لوك س لبي (الفق رة األولى) وركنا معنويا (الفقرة الثاني ة) يستنتج‬
‫تتطلّب لقيامه ا ركن ا ّ‬
‫من عبارة "عمدا" بما يجعلها جريمة قصدية‪.‬‬

‫طالق‬
‫معين ال ّنفقة وجراية ال ّ‬
‫الفقرة األولى‪ :‬الركن المادي لجريمة عدم دفع ّ‬

‫مكرر م أ ش " ك ّل من حكم عليه بالنفقة أو بجراية الطالق فقضى ‪ ...‬شهرا دون دفع‬
‫الفصل ‪ّ 53‬‬
‫ما حكم عليه بأدائه"‪.‬‬

‫‪ 12‬كما أخذ المشرّع التّونسي بعين االعتبار تط ّور نسبة العمل المأجور للمرأة فجعل الزوجة ملزمة بالمساهمة في اإلنف‪11‬اق على األس‪11‬رة‬
‫إن كان لها مال (الفصل ‪ 23‬م أ ش)‪.‬‬
‫المبحث األخيرة من الفصل ‪ 47‬م أ ش‪.‬‬ ‫‪13‬‬

‫‪4‬‬
‫ض''رورة ص''دور حكم م''دني يقض''ي على المش''تكى ب''ه ب''أن ي''دفع ل''ه مبلغ''ا مالي''ا‬ ‫أ‪-‬‬
‫معينا‪.‬‬
‫المقصود بالحكم‬ ‫‪)1‬‬
‫الناحية طبقا للفصل ‪ 39‬م م م ت‪ ،‬أو بموجب قرار فوري صادر‬ ‫‪ -‬يصدر الحكم بالنفقة عن قاضي ّ‬
‫يتم‬
‫أن المب الغ المس تحقّة ّ‬
‫عن قاض ي األس رة أثن اء جلس ة ص لحية في الطّالق‪ .‬ويك ون ب أثر رجعي أي ّ‬
‫بالنسبة للجراية العمري ة‬
‫لكن األمر يختلف ّ‬ ‫الدعوى ال من تاريخ صدور الحكم‪ّ .‬‬ ‫احتسابها من تاريخ رفع ّ‬
‫إذ ال ال تص بح مس تحقّة من ت اريخ القي ام بقض ية الطالق‪ ،‬ألن العالق ة الزوجي ة قائم ة في ذل ك الت اريخ‪.‬‬
‫كما ال يمكن اعتماد تاريخ الحكم بها في حكم الطالق‪ ،‬ألن المفارقة ال تستحق الجراية إال بعد انقضاء‬
‫فترة العدة وال يمكن الجمع بين النفقة والجراية‪.‬‬
‫‪ -‬بموجب الفصل ‪ 33‬من القانون عدد ‪ 58‬لسنة ‪ 2017‬أضحى من الممكن لقاضي األسرة أن يصدر‬
‫تتضمن تقديرا لنفقة الزوجة ضحية العنف واألطفال وعند‬
‫ّ‬ ‫المعنفة واألبناء‬
‫ّ‬ ‫الزوجة‬
‫قرارات حماية لفائدة ّ‬
‫االقتضاء مساهمة كل من الزوجين فيها ما لم يسبق تعهد المحكمة المختصة بالنظر في النفقة أو صدور‬
‫حكم فيها‪".‬‬
‫العدة ‪ +‬جراية الطّالق)‪.‬‬
‫مدة ّ‬ ‫الزوجة طيلة ّ‬
‫‪ -‬صلب حكم الطّالق (نفقة األبناء ‪ +‬نفقة ّ‬
‫في ك ّل الحاالت‪ ،‬ينفذ الحكم أو القرار "بقطع النظر عن االستئناف"‪.‬‬

‫اإلعالم بالحكم‬ ‫‪)2‬‬


‫حس بما ج رى علي ه العم ل القض ائي‪ ،‬ال يكفي ص دور الحكم‪ ،‬ب ل يجب ك ذلك حص''ول اإلعالم الق''انوني‬
‫للمدين بذلك بغاية دعوته إلى اإلذعان له وتنفيذه‪.‬‬
‫(قرار تعقيبي جزائي ‪ 23‬ماي ‪ 1990‬مؤكدة على أن "الجريمة إهمال العيال هي من صنف الجرائم‬
‫القصدية‪ .‬ولذلك فإن تواجدها يبقى رهين ثبوت حالة العمـد واإلصرار على عدم اإلنفاق تنكيـال بمستحق‬
‫النفقـة المحك وم به ا وإ معانـا في اإلض رار ب ه وإ لحاح ا في ض غط الحاج ة علي ه‪ ،‬ك ل ذل ك بع د أن ق ام‬
‫المحك وم ل ه ب إعالم المحك وم علي ه‪ .‬وإ ذا م ا ظه ر أن المس تفيد من حكم النفق ة لم يس ع للقيـام ب واجب‬
‫اإلعالم‪ ،‬ف إن المحك وم عليـه يك ون في ح ّل من األداء‪ .‬وطالم ا ك ان األم ر ك ذلك‪ ،‬يص بح ركن العم د‬
‫منعدما بما يترتب عليه حتما فقدان جريمة اإلهمال ألهم مقوماتها القانونية")‪.‬‬
‫يعتبر تاريخ اإلعالم بالحكم المنطلق القانوني إلجراء التتبعات ضد المدين‪ ،‬إذ جاء في الفصل ‪53‬‬
‫مكرر "إذا أعلم بالحكم ومضى شهر على ذلك"‪.‬‬

‫(التلدد)‬
‫ّ‬ ‫الدفع طيلة شهر‬
‫ب‪-‬االمتناع عن ّ‬

‫‪5‬‬
‫يتعلّق األمر بفعل سلبي (ترك ما يجب القيام به) يتمثّل في عدم دفع النفقة وجراية الطالق‪ .‬وإلثبات‬
‫حقيق ة التل دد وض ع المش رع نقط ة انطالق (اإلعالم ب الحكم) وآج اال قانوني ة (ش هر‪ .)14‬وبالتّ الي‪ ،‬ح تى‬
‫مدة‬
‫تتب ع المحكوم ضده بالنفقة أو بجراية طالق من أجل عدم الدفع‪ ،‬ال بد أن يبقى ّ‬
‫يمكن ّ‬
‫من ال زمن ممتنع ا عن دف ع م ا حكم علي ه بأدائ ه حس ب عب ارة الفص ل ‪ 53‬مك رر م أ ش‪.‬‬
‫ويجدر التّذكير ّأنه قبل تنقيح ‪ 18‬جانفي ‪ 1981‬الذي أضيف بمقتضاه الفصل ‪ 53‬مكرر‪،‬‬
‫محددة بثالثة أشهر‬
‫التلدد ّ‬
‫مدة ّ‬‫كانت ّ‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الركن المعنوي في جريمة عدم دفع معين النفقة وجراية الطالق‬

‫النفقة أو جراية الطّالق لقيام أركان جنحة‬


‫طبقا للفصل ‪ 53‬مكرر م أ ش‪ ،‬ال يكفي عدم دفع مال ّ‬
‫أن يمتن ع الم دين عن الوف اء "عم دا"‪ .‬فهي إذن جنح ة قص دية‪ .‬لم يط رأ‬
‫إهم ال عي ال‪ ،‬ب ل يجب‪ ،‬أيض ا‪ّ ،‬‬
‫على الركن القص دي له ذه الجريم ة أي تغي ير من ذ أمر ‪ .1926‬ف رغم تع ّدد التنقيح ات‪ ،‬فك انت الجريم ة‬
‫وال زالت قص دية‪ .‬فق د أ ّك دت محكم ة التعقيب على ذل ك‪ .‬في عدي د الق رارات (ج اء في ق رار تعقي بي‬

‫جزائي بتاريخ ‪ 21‬جوان ‪ 1989‬أن "جريمة إهمال العيال من الجرائم القصدية التي ال تتوفر أركانها‬
‫إالّ بت وفر ال ركن القص دي وه و س وء الني ة والتعم د في ع دم الخالص والبق اء ش هرا ك امال بع د اإلعالم‬
‫بحكم النفقة دون دفع ما يجب دفعه")‪.15‬‬

‫من يثبت العمد وكيف؟‬

‫يتحم ل الم دعي عبء إثبات ه‪ .‬في المقاب ل ي رى‬


‫ي رى البعض عنص ر العم د غ ير مف ترض‪ ،‬وبالتّ الي ّ‬
‫معين النفقة أو جراية الطّالق‬
‫النية مفترض في المدين الذي يمسك عن خالص ّ‬ ‫أن سوء ّ‬
‫البعض اآلخر ّ‬
‫إن‬
‫ب الرغم من إعالم ه ب الحكم وم رور األج ل المح ّدد ص لب الفص ل ‪ 53‬مك رر من م أ ش‪ .‬وعلي ه‪ ،‬ف ّ‬

‫‪ 14‬عرّ ف المشرّ ع التونسي صلب الفصل ‪ 141‬من م إع الشهر عند تحديده لمقدار األجل‪" ،‬فإذا قدّر األجل باألس ابيع أو األش هر أو الس نين اعت بر‬
‫األسبوع سبعة أيام كاملة والشهر ثالثين يوما كاملة والسنة ثالثمائة وخمسة وستين يوما كاملة"‬
‫‪ 15‬انظر أيضا‪ :‬جزائي عدد ‪ 5412‬مؤرخ فى ‪" 09/11/2000‬من اركان جريمة اهمال عيال الركن المعنوي المتمثل في تعمد الزوج‬
‫االمساك عن بذل النفقة المحكوم بها والتى تنتهي بانتهاء الموجب وطالما تصادق الطرفان على استئناف الحياة الزوجية فان مفعول هذا الحكم‬
‫انتهى بموجب تصالحهما والرجوع على مساكنة بعضهم"‪.‬‬

‫ضده بفرنسا فانه ليس لهذه‬


‫تعقيبي جزائي عدد ‪ 83206‬مؤرخ فى ‪" 12/02/1998‬طالما ثبت أن المتهم يدفع نفقة زوجته بموجب حكم صادر ّ‬
‫مر تين وانتفى بالتالي ركن سوء النية الشرط لقيام جريمة اهمال عيال‪".‬‬
‫بمعينات النفقة ّ‬
‫األخيرة التمتع ّ‬

‫تعقيبي جزائي عدد ‪ 6955‬مؤرخ فى ‪" 28/04/1971‬جريمة اهمال العيال جريمة قصدية إذا اختل ركن القصد منها تنتف الجريمة"‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫أن امتناعه عن األداء لم يكن بقصد التنكيل بالمحكوم له بالنفقة أو‬
‫يتحم ل عبء إثبات ّ‬
‫المتّهم هو الّ ذي ّ‬
‫بجراية الطالق‪ ،‬وإ نما ألسباب مشروعة منعته من ذلك‪.16‬‬

‫الرأي األخير االتّجاه الغالب في فقه القضاء التّونسي طبقا للفصل ‪ 39‬م أ ش وبالتّ الي‬
‫ويعد هذا ّ‬
‫ّ‬
‫ضده إثبات اإلعسار في جانبه‪.‬‬
‫على المحكوم ّ‬

‫غموض مفهوم' اإلعسار‪.17‬‬

‫ط ل عن العمل طورا آخر؟ ألم‬


‫هل يمكن اعتبار العامل اليومي معسرا وهو الذي يعمل طورا ويتع ّ‬
‫النفق ة أو جراي ة الطالق‪18‬؟ لع ّل مث ل ه ذه‬
‫يأخ ذ القاض ي وض عيته تل ك بعين االعتب ار حين تق ديره لمبل غ ّ‬
‫الص عوبات في تحدي د مفه وم اإلعس ار هي الّ تي ح دت بمحكم ة التّعقيب إلى الق ول ب أن ش هادة الفق ر‬
‫فإنها ال تعني بالضرورة انتفاء عنصر القصد في‬
‫المسلمة من العمدة وإ ن كانت تفيد العجز عن اإلنفاق ّ‬
‫ألنه كان بإمكان المدين البحث والحصول على عمل‪.19‬‬
‫جريمة إهمال عيال ّ‬

‫يبرئ المتهم من‬


‫قرار تعقيبي جزائي بتاريخ ‪ 14‬مارس ‪" :1973‬إن عسر ال زوج يكون عذرا ّ‬
‫العقوبة‪ .‬وإ ذا اعتذر المتهم بذلك وأدلى بشهادة تفيد عسره‪ ،‬وجب على المحكمة اعتبار هذه الشهادة ما‬

‫ردها بأمور يشملها الملف"‪.‬‬


‫لم يقع ّ‬

‫كم ا أ ّك دت محكم ة التعقيب في ق رار تعقي بي ج زائي بت اريخ ‪ 15‬ج انفي ‪ 1986‬أن ه "ال يك ون‬
‫مرتكبا لجريمة إهمال العيال من عجز فعال عن أداء نفقة ولم يكن إمساكه عن ذلك عمدا"‪.‬‬

‫‪ +‬ق رار محكم ة التعقيب ج زائي بت اريخ ‪ 21‬ج انفي ‪": 1987‬عس ر المنف ق ينفي عن ه المس ؤولية‬
‫الجزائية"‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬خصوصية' اإلجراءات‬

‫‪ 16‬تبنى القانون الفرنسي هذا الحل‪ ،‬حيث نص الفصل ‪ 3-357‬من المجلة الجنائية الفرنسية على "أن عدم الدفع قرينة على القصد حتى يثبت‪ 1‬خالف‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪"Le défaut de payement sera présumé volontaire ، sauf preuve contraire. L'insolvabilité qui résulte de‬‬
‫‪l'inconduite habituelle, de la paresse ou de l'ivrognerie, ne sera en aucun cas un motif d'excuse valable pour le‬‬
‫‪débiteur".‬‬

‫بخصوص مفهوم اإلعسار‪ ،‬انظر ‪ :‬حاتم الرواتبي‪ ،‬المرجع المذكور‪ ،‬ص‪.279 .‬‬ ‫‪17‬‬

‫الن واب‪ ،‬اس تعرض وزي ر الش ؤون‬


‫النفق ة وجراي ة الطّالق أم ام مجلس ّ‬
‫أثن اء تق ديم مش روع الق انون المح دث لص ندوق ض مان ّ‬
‫‪18‬‬

‫أن ‪ 43‬بالمائة من األشخاص الذين تتعلق بهم جرائم إهمال العيال هم من صنف العمال اليوميين‪.‬‬
‫االجتماعية إحصائيات تفيد ّ‬
‫تعقيبي جزائي عدد ‪ 9382‬مؤرّخ في ‪ 14‬جانفي ‪ ،1973‬نشرية محكمة‪ 1‬التعقيب لسنة ‪ ،1973‬عدد ‪ ،1‬ص‪.203 .‬‬ ‫‪19‬‬

‫‪7‬‬
‫ضرورة التشكي‬ ‫‪-‬‬
‫في ظ ّل األمر العلي لسنة ‪ 1926‬لم يكن دفع المبلغ المطلوب بعد إحالة المدين من أجل جريمة‬ ‫‪-‬‬
‫‪20‬‬
‫تغي ر بمقتض ى ق انون ‪ 12‬جويلي ة ‪ 1993‬حيث‬
‫إهم ال العي ال يمح و الجريمة ‪ .‬لكن األم ر ّ‬
‫أضحى األداء يوقف التتبعات أو المحاكمة أو العقاب‪.‬‬
‫تعقي بي ج زائي ع دد ‪ 5412‬م ؤرخ في ‪ " :9/11/2000‬طالم ا تص ادق الطّرف ان على اس تئناف‬
‫الحي اة الزوجي ة ف إن مفع ول ه ذا الحكم ينتهي بم وجب تص الحهما والرج وع إلى مس اكنة‬
‫بعضهما"‪.‬‬

‫‪ 20‬القرار التعقيبي الجزائي مؤرخ في ‪ 31‬أوت ‪ 1973‬الذي أكدت فيه المحكمة أن "خالص المتهم في مبلغ النفقة المتخلّدة بذمته بعد إحالته‬
‫من أجل جريمة اإلهمال ال يمحو الجريمة"‪.‬‬

‫تعقيبي جزائي عدد ‪ 512‬مؤرخ فى ‪" : 29/01/1977‬جريمة اهمال العيال بعد انطالق الدعوى العامة ال تنمحى بخالص النفقة وال باإلسقاط من‬
‫قبل المحكوم لها بها وتفريعا على هذا فالحكم الذى جاء بالنقض وعدم سماع الدعوى لكون المحكوم عليه بالنفقة سددها يشكل خرقا سافرا للقانون‬
‫ويعرضه للنقض"‪.‬‬

‫‪8‬‬

You might also like