You are on page 1of 2

‫(‪)1‬‬

‫حترير قول ابن تيمية يف اجملاز‬


‫النظر في تقسيم الكالم إلى حقيقة ومجاز باعتبارين‪:‬‬
‫‪ /1‬باعتبار كونه مصطلحاً مجرداً‪.‬‬
‫‪ /2‬باعتبار كونه مصطلحاً بمعنى محدد‪.‬‬
‫وقد نقل بعض المعاصرين وبعض المتقدمين أيضاً عن ابن تيمية أنه ينكر تقسيم الكالم إلى‬
‫حقيقة ومجاز‪.‬‬
‫وهذا النقل غير صحيح؛ فإن ابن تيمية ال ينكر أصل التقسيم _أي تقسيم الكالم إلى حقيقة‬
‫ومجاز_ وإنما ينكر معنى محدد‪ ,‬فالناظر لكالم ابن تيمية يجد أنه استخدم هذا المصطلح كثيراً في‬
‫كالمه‪ ,‬وأيضاً أعلن إنكار المجاز في كثير من كالمه‪ ,‬فاضطرب الناس في تحرير مذهبه‪:‬‬
‫‪ /1‬فمنهم من ذهب إلى أن ابن تيمية ينكر المجاز وينكر أصل التقسيم‪.‬‬
‫‪ /2‬ومنهم من ذهب إلى أن ابن تيمية كان ينكر المجاز في أول عمره ثم تراجع عنه‪.‬‬
‫‪ /3‬ومنهم من ذهب إلى أن ابن تيمية مضطرب في هذه المسألة وغير محرر لهذا القول‪.‬‬
‫والحق أن ابن تيمية يفرق بين المقامات؛ فابن تيمية ال ينكر تعدد المعاني التي يدل عليها‬
‫اللفظ وال ينكر أن داللة اللفظ على بعض المعاني تكون أظهر من البعض اآلخر‪ ,‬وال ينكر أيضاً أن‬
‫داللة اللفظ على بعض المعاني قد تكون هي المتبادرة على معنى دون المعنى اآلخر‪.‬‬
‫وإنما ينكر شيئاً واحداً محدداً وهو‪ :‬تقسيم الكالم إلى حقيقة ومجاز بالمعنى الذي يقرره جمهور‬
‫المتكلمين‪.‬‬
‫والمعنى الذي يقرره جمهور المتكلمين حاصله‪ :‬أن الحقيقة هي اللفظ المستعمل في ما وضع‬
‫له أوالً‪ ,‬والمجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له أوالً لقرينة تدل على ذلك‪.‬‬
‫وهذا التقرير يقتضي عدة أمور‪:‬‬
‫‪ /1‬أن هناك معنى أصلي للفظ‪ ,‬ومعنى ثانوي للفظ‪.‬‬
‫‪ /2‬أن داللة اللفظ على المعنى األصلي تكون بغير قرينة –وهو الحقيقة‪ , -‬وداللة المجاز‬
‫بقرينة‪.‬‬
‫وإنكار ابن تيمية لهذا األمر _تقسيم الكالم إلى حقيقة ومجاز_ يقوم على ثالثة أصول أساسية‪:‬‬
‫أ‪ /‬استحالة اإلثبات‪ :‬ومعناه‪ :‬أن مقتضى تقرير المتكلمين أن هناك معنى حدد أوالً للفظ ثم انتقل‬
‫عنه إلى معنى آخر لقرينة‪ ,‬وهذا يقتضي وجود المواضعة‪ ,‬وهي‪ :‬أن هناك أناساً اتفقوا على تحديد هذا‬
‫المعنى باعتباره المعنى األصلي للكالم‪ ,‬فكيف يثبتون هذه المواضعة ؟!‬
‫ب‪ /‬مناقضة حقيقة الكالم‪ :‬فمقتضى تقسيم جمهور المتكلمين أن بعض األلفاظ قد تدل على‬
‫المعاني بغير قرينة _وهو الحقيقة_ ‪.‬‬

‫(‪ )1‬منقول من درس د‪ .‬سلطان العمريي عرب الرابط ‪ https://youtu.be/3bVjBfULy08‬بتصرف يسري ‪.‬‬
‫إعداد‪ :‬أمحد بن حممد الصائغ‪.‬‬
‫سواء كانت لفظية أو حالية‪.‬‬
‫وابن تيمية وغيره يذهبون إلى أنه ال يمكن للكالم أن يدل إال بقرينة ً‬
‫وبناء عليه‪ :‬فالمنطلق الذي ينطلق منه من يقسم الكالم إلى حقيقة ومجاز بالمعنى الذي سبق‬‫ً‬
‫ذكره منطلق غير صالح‪ ,‬ألنه ال ينسجم مع حقيقة الكالم‪ ,‬فالكالم ال يكون كالماً _مفيداً_ إال في‬
‫حالة التركب‪ ,‬والحقيقة والمجاز ال تتصور إال في حالة المعنى الذي هو حالة التركب‪.‬‬
‫ج‪ /‬عدم اطراد المقتضيات‪ :‬فالذين قسموا الكالم إلى حقيقة ومجاز بالمعنى الذي سبق ذكره‬
‫ذكروا مقتضيات للمجاز منها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن الكالم إذا كان مؤكداً بالمصدر ال يدخل فيه المجاز‪ ,‬ومع ذلك هم يدعون المجاز‬
‫في بعض الكالم المؤكد بالمصدر! كما في قوله تعالى‪{ :‬وكلم اهلل موسى تكليما}‪ ,‬فعلى‬
‫مقتضى ما يقرره المتكلون أن المجاز ينتفي هنا‪ ,‬ولكنهم يقررونه هنا!‬
‫‪ -2‬وهناك بعض االعتبارات األخرى التي ذكرها ابن تيمية مثل‪ :‬أنه يجوز نفيه وأن النافي له‬
‫ليس كاذباً‪ ,‬وهذا ال يصح فيما يتعلق بأسماء اهلل وصفاته‪.‬‬
‫وعدم اطراد المقتضيات يدل على أن هذا التقسيم ليس مستقيماً‪.‬‬
‫إذن‪ :‬هذه األصول هي التي اعتمد عليها ابن تيمية في إنكار المجاز الذي يقرره جمهور‬
‫المتكلمين‪ ,‬فمن أراد أن ينتقد قول ابن تيمية فعليه أن يراعي هذه األصول‪.‬‬
‫وبعض المعاصرين الذين أعلنوا اإلنكار لقول ابن تيمية وقعوا في عدد من اإلشكاالت منها‪:‬‬
‫‪ /1‬أنهم غفلوا عن هذه األصول التي انطلق منها ابن تيمية‪.‬‬
‫‪ /2‬ومنها‪ :‬أنهم ظنوا أن ابن تيمية في إنكاره للمجاز يقرر أن داللة اللفظ على المعاني ال تتعدد‪,‬‬
‫أو التتفاضل‪.‬‬
‫والحق‪ :‬أنه ال يقول‪ :‬إنها ال تتعدد‪ ,‬وال يقول‪ :‬إنها ال تتفاضل‪ ,‬وإنما يقرر ذلك كله وينكر شيئاً‬
‫محدداً كما سبق ذكره‪.‬‬
‫‪ /3‬ومنها‪ :‬أن بعضهم ذكر أن من األصول التي اعتمد عليها ابن تيمية في نقد الحقيقة والمجاز‬
‫أن هذا التقسيم غير موجود عند األئمة المتقدمين‪ ,‬ال عند الصحابة وال من جاء بعدهم‪ ,‬فجعل ذلك‬
‫أصالً البن تيمية‪.‬‬
‫والحق‪ :‬أن هذا البناء غير صحيح‪ ,‬فابن تيمية مع أنه ذكر أن هذا التقسيم فعالً ليس موجوداً‬
‫عند المتقدمين‪ ,‬وأيضاً ذكره في سياق اإلنكار على المتكلمين إال أنه لم يذكر أن هذا الكالم أصل له‪,‬‬
‫وإنما ذكره على أنه توصيف للحقيقة‪.‬‬
‫وبيان ذلك‪ :‬أن هذا التوصيف ذكره ابن تيمية في تقسيم الدين إلى أصول وفروع‪ ,‬وذكره في‬
‫تقسيم الكالم إلى حقيقة ومجاز‪ ,‬فلو كان هذا أصالً معتبراً عنده القتضى ذلك أن ينكر أصل التقسيم‬
‫سواء ذكر له معنى صحيح أو لم يذكر‪ ,‬ولكن ابن تيمية ال ينكر تقسيم الدين إلى أصول وفروع؛ فهذا‬
‫يدل على أن ابن تيمية ذكره على جهة التوصيف‪ ,‬أو على جهة اإلنكار على معنى محدد‪ ,‬ولم يجعله‬
‫أصالً ينطلق منه في البناء‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

You might also like