You are on page 1of 271

‫جامعة النجاح الوطنية‬

‫كلية الدراسات العليا‬

‫المدرسة السلوكية في تربية الطفل في ضوء‬


‫القرآن الكريم والسنة النبوية‬
‫(دراسة تحليلية)‬

‫إعداد‬

‫تما ار إبراهيم عبد الفتاح بوزية‬

‫إشراف‬

‫د‪ .‬سعيد دويكات‬

‫استكماًل لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في أصول الدين بكلية‬


‫ا‬ ‫قدمت هذه األطروحة‬
‫الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية في نابلس‪ ،‬فلسطين‪.‬‬
‫‪2020‬م‬
‫المدرسة السلوكية في تربية الطفل في ضوء‬
‫القرآن الكريم والسنة النبوية‬
‫(دراسة تحليلية)‬

‫إعداد‬

‫تما ار إبراهيم عبد الفتاح بوزية‬

‫نوقشت هذه األطروحة بتاريخ ‪2020 /10/22‬م‪ ،‬وأجيزت‪.‬‬

‫التوقيع‬ ‫أعضاء لجنة المناقشة‬

‫‪...................‬‬ ‫ورئيسا‬
‫ا‬ ‫‪ .1‬د‪ .‬سعيد دويكات ‪ /‬مشرافا‬

‫‪...................‬‬ ‫خارجيا‬
‫ا‬ ‫‪ .2‬د‪ .‬محمد الديك ‪ /‬ممتحانا‬

‫‪...................‬‬ ‫داخليا‬
‫ا‬ ‫‪ .3‬أ‪ .‬د‪ .‬عودة عبد هللا ‪ /‬ممتحانا‬
‫ب‬
‫اإلهداء‬

‫إلى المربي المصطفى (‪)‬‬

‫إلى من كانت دعواتهم نو ار لدربي‪ ،‬ومرضاة لي عند ربي "والدي العزيزين"‬

‫إلى ابنتي المحبة لرسول هللا (‪)‬‬

‫إلى أطفال المسلمين‬

‫إلى كل مربي ومعلم‬

‫ج‬
‫الشكر والتقدير‬

‫بعد شكر هللا تعالى‪ ،‬أخص بالشكر نبع المعرفة أستاذي المشرف على رسالتي الدكتور سعيد‬

‫دويكات ‪-‬حفظه هللا‪ -‬الذي مدني من بحر علمه‪ ،‬في ظل طيب إحسانه‪ ،‬ورقي رفقه‪ ،‬وحسن حلمه‪.‬‬

‫كما أشكر جامعتي الغراء جامعة النجاح الوطنية‪ ،‬التي منحتني هذه الفرصة العلمية‬
‫الستكمال دراستي العليا‪.‬‬

‫كما أتقدم بجزيل الشكر والتقدير لألساتذة األفاضل أعضاء لجنة المناقشة‪ ،‬اللذين تفضلوا‬
‫بالموافقة على مناقشة هذه الرسالة‪ ،‬إلثرائها وتصويب ما فيها من خلل‪.‬‬

‫وإلى كل من ساندني ووقف بجانبي منذ بداية مسيرتي العلمية‪ ،‬وحتى إتمام هذه الرسالة‪،‬‬
‫فجزاهم هللا جميعاً خير الجزاء‪.‬‬

‫د‬
‫اإلقرار‬

‫أنا الموقع أدناه‪ ،‬مقدم الرسالة التي تحمل العنوان‪:‬‬

‫المدرسة السلوكية في تربية الطفل في ضوء‬


‫القرآن الكريم والسنة النبوية‬
‫(دراسة تحليلية)‬
‫أقر بأن ما اشتتتملع عليه هذه الرستتالة إنما هي نتاج جهدي الخاص‪ ،‬باستتتاناء ما تمع اإلشتتارة إليه‬
‫حياما ورد‪ ،‬وأن هذه الرست ت ت ت ت ت تتالة كاملة‪ ،‬أو أي جزء منها لم يقدم من قبل لنيل أية درجة علمية‪ ،‬أو‬
‫بحث علمي أو بحاي لدى أية مؤسسة تعليمية أو بحاية أخرى‪.‬‬

‫‪Declaration‬‬

‫‪The work provided in this thesis, unless otherwise referenced, is the‬‬


‫‪researcher's own work, and has not been submitted elsewhere for any other‬‬
‫‪degree or qualification.‬‬

‫‪Student's name:‬‬ ‫اسم الطالب‪ :‬تما ار إبراهيم عبد الفتاح بوزية‬

‫‪Signature:‬‬ ‫التوقيع‪:‬‬

‫‪Date:‬‬ ‫التاريخ‪2020 /10/22 :‬م‬

‫ه‬
‫فهرس المحتويات‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫ج‬ ‫اإلهداء‬
‫د‬ ‫الشكر والتقدير‬
‫ه‬ ‫اإلقرار‬
‫و‬ ‫فهرس المحتويات‬
‫ح‬ ‫الملخص‬
‫‪1‬‬ ‫المقدمة‬
‫‪8‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬مفهوم تربية الطفل‬
‫‪9‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬مفهوم التربية‬
‫‪9‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬التربية في اللغة‬
‫‪10‬‬ ‫المطلب الااني‪ :‬التربية في االصطالح‬
‫‪12‬‬ ‫المطلب الاالث‪ :‬األلفاظ ذات الصلة بالتربية‬
‫‪15‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬مفهوم الطفل‬
‫‪15‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬الطفل في اللغة‬
‫‪16‬‬ ‫المطلب الااني‪ :‬الطفل في االصطالح‬
‫‪18‬‬ ‫المطلب الاالث‪ :‬مادة الطفل في اآليات القرآنية‬
‫‪21‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬األلفاظ ذات الصلة بالطفل‬
‫‪24‬‬ ‫المطلب الخامس‪ :‬الطفل في السنة النبوية‬
‫‪26‬‬ ‫المطلب السادس‪ :‬الطفل في القانون الدولي‬
‫‪29‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬مفهوم المدرسة السلوكية‬
‫‪30‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬نشأة المدرسة السلوكية والتعريف بها‬
‫‪32‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬أبرز رواد المدرسة السلوكية‬
‫‪35‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬التطبيقات التربوية للمدرسة السلوكية‬
‫‪40‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬المدرسة السلوكية دراسة نقدية من خالل القرآن الكريم والسنة النبوية‬
‫‪41‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬مفهوم تربية الطفل من منظور المدرسة السلوكية‬
‫‪54‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬مصادر المعرفة لدى المدرسة السلوكية في ضوء القرآن الكريم والسنة‬
‫النبوية‬

‫و‬
‫‪75‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬أهداف المدرسة السلوكية‬
‫‪91‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬سمات المدرسة السلوكية في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية‬
‫‪91‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬عوامل الطفل الداخلية‬
‫‪111‬‬ ‫المطلب الااني‪ :‬التعزيز‬
‫‪128‬‬ ‫المطلب الاالث‪ :‬العقاب‬
‫‪142‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬النمذجة‬
‫‪157‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬المنهج اإلسالمي في ضبط تعديل سلوك الطفل‬
‫‪158‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬التحلية‬
‫‪181‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬التثبيت‬
‫‪183‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬التخلية‬
‫‪196‬‬ ‫الفصل الخامس‪ :‬نماذج قرآنية في تربية الطفل‬
‫‪197‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬تربية "إبراهيم" ًلبنه إسماعيل‪-‬عليهما السالم‪-‬‬
‫‪197‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬التربية على طاعة هللا‬
‫‪202‬‬ ‫المطلب الااني‪ :‬الدعاء للذرية‬
‫‪205‬‬ ‫المطلب الاالث‪ :‬القدوة‬
‫‪205‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬توفير البيئة المناسبة‬
‫‪206‬‬ ‫المطلب الخامس‪ :‬اللطف والحب‬
‫‪211‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬المبحث الثاني‪ :‬تربية لقمان ًلبنه‬
‫‪212‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬النصح والتذكير بلطف‬
‫‪213‬‬ ‫المطلب الااني‪ :‬االهتمام بسالمة العقيدة‬
‫‪214‬‬ ‫المطلب الاالث‪ :‬استخدام أسلوب التوكيد ومخاطبة العقل‬
‫‪219‬‬ ‫المطلب الرابع‪ :‬التوجيه بالألهم واالبتداء بصالح الذات‬
‫‪224‬‬ ‫الخاتمة‬
‫‪229‬‬ ‫مسرد اآليات الكريمة‬
‫‪241‬‬ ‫مسرد األحاديث الشريفة‬
‫‪244‬‬ ‫المصادر والمراجع‬
‫‪B‬‬ ‫‪Abstract‬‬

‫ز‬
‫المدرسة السلوكية في تربية الطفل في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية‬
‫(دراسة تحليلية)‬
‫إعداد‬
‫تما ار إبراهيم عبد الفتاح بوزية‬
‫إشراف‬
‫د‪ .‬سعيد دويكات‬

‫الملخص‬

‫تناول هذا البحث موضوع (المدرسة السلوكية في تربية الطفل في ضوء القرآن الكريم والسنة‬

‫النبوية)‪ ،‬إذ يهدف إلى بيان موقف اإلسالم من أصول ومبادئ وأهم سمات المدرسة السلوكية في‬
‫تربية الطفل‪ ،‬المتمالة في العوامل الداخلية والتعزيز والعقاب والنمذجة ‪-‬التقليد‪ ،-‬ومن ثم توضيح‬
‫المنهج اإلسالمي في ضبط وتعديل سلوك الطفل‪.‬‬

‫واتبعع الباحاة المنهج االستقرائي القائم على استقراء اآليات واألحاديث ذات العالقة بالطفل‬
‫والمنهج النقدي والمقارن القائمين على نقد المدرسة السلوكية في تربية الطفل‪ ،‬ببيان إيجابيات المدرسة‬
‫وسلبياتها‪ ،‬ومن ثم مقارنتها بالمنهج اإلسالمي‪.‬‬

‫وتم تقسيم البحث إلى أربعة فصول على النحو اآلتي‪:‬‬

‫تضمن الفصل األول الحديث عن معنى التربية‪ ،‬وكذلك معنى الطفل في اللغة واالصطالح‪،‬‬
‫ومن ثم تتبع الصيغ واالشتقاقات التي وردت عليها لفظة الطفل في القرآن الكريم‪ ،‬باإلضافة إلى‬

‫المعاني التي ورد عليها لفظ الطفل في القرآن الكريم‪ ،‬واأللفاظ ذات الصلة بها‪ ،‬ثم بيان المقصود من‬
‫تربية الطفل في المنظور اإلسالمي‪.‬‬

‫وتحدث الفصل الااني عن مفهوم المدرسة السلوكية‪ ،‬ببيان أبرز روادها وتطبيقاتها‪.‬‬

‫أما الفصل الاالث فقد تناول الدراسة النقدية للمدرسة السلوكية‪ ،‬بنقد مصادر معارفها‪،‬‬
‫وأهدافها‪ ،‬وأبرز سماتها‪ ،‬ومن ثم بيان المنهج اإلسالمي في ضبط وتعديل سلوك الطفل‪.‬‬

‫ح‬
‫وجاء الفصل الرابع واألخير‪ ،‬كماال تطبيقي لمنهج "إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ -‬و"لقمان" الحكيم‬

‫في التربية‪.‬‬

‫وتوصلع الباحاة إلى أن المنهج اإلسالمي يتمال في التعامل مع الطفل بمخاطبة عقل‬
‫وعاطفة الطفل في آن واحد‪ ،‬على نحو يرتقي به إلى خيري الدنيا واآلخرة‪ ،‬على خالف المدرسة‬

‫السلوكية التي تقتصر على جزء من الجانب العقلي والحكمة العملية‪ ،‬في ظل اقتطاع حقيقة اآلخرة‬
‫والتغافل عن الوحي‪.‬‬

‫ط‬
‫مقدمة‬

‫نير‪ ،‬والصالة‬
‫الحمد هللا الذي أرسل محمداً بالقرآن بشي اًر ونذي اًر‪ ،‬وداعياً إلى هللا بإذنه سراجاً م اً‬
‫والسالم على النبي الحبيب المصطفى‪ .‬أما بعد‪:‬‬

‫لما جعل هللا الدين اإلسالمي هداية للناس كافة‪ ،‬بإخراجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم‪،‬‬

‫كان من الجدير أن يحوي منهجاً تربوياً ربانياً بأسس علمية راسخة تصلح لكل زمان ومكان‪ ،‬لبناء‬

‫أمة إسالمية رائدة بأفرادها الصالحين وفق مبادئ اإلسالم القويمة‪ ،‬يقول سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐﲐﲑﲒ‬

‫ﲛ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﱠ‪ ،1‬إن متدبر‬


‫ﲜ‬ ‫ﲓ ﲔﲕ ﲖﲗ ﲘ ﲙ ﲚ‬
‫القرآن الكريم يظهر له بوضوح مدى اهتمامه باإلنسان منذ مراحله األولى‪ ،‬بغية إيصاله إلى رقيه‬
‫الروحي والجسدي ليصل إلى جنة عرضها السموات واألرض‪.‬‬

‫وقد تمال هذا االهتمام بوضع منهج فريد متميز قويم‪ ،‬قائم على أسس دينية أخالقية‪ ،‬ليضيف‬
‫إلى ميدان الحياة منهجاً تربوياً متكامالً‪ ،‬معالجة كافة جوانب الحياة‪ ،‬يعطي للطفل حقوقه الدنيوية‪،‬‬
‫واألخروية على أكمل وأحسن وجه‪ ،‬ويرسم للمربي أسس التربية الراسخة‪ ،‬المتميزة بقدرتها على مواجهة‬

‫التحديات‪.‬‬

‫ولكن عندما انغمسع األمة في األخذ بعلوم التربية بعيداً عن التربية اإلسالمية‪ ،‬وبعيداً عن‬
‫غربلتها بمبادئ اإلسالم‪ ،‬أصبحع األسرة تتخبط في منتصف الطريق‪ ،‬فال هي قادرة على األخذ‬

‫بعلوم التربية الغربية لمخالفة الكاير من مبادئها‪ ،‬ولمخالفتها أيضاً لطبيعة حياة المجتمعات العربية‬
‫واألسر اإلسالمية على وجه خاص‪ ...‬وال هي قادرة على فهم مبادئ التربية اإلسالمية نتيجة لبعد‬
‫األسرة عن العلم‪ ،‬ومن ثم العمل بالمنهجية اإلسالمية‪ ،‬إضافة إلى شح الخطاب التربوي اإلسالمي‬

‫في مواكبة محدثات العصر على نحو يعين المربي على الفهم والتطبيق الميداني‪ ،‬فما أحوج األمة‬
‫اإلسالمية اليوم إلى جيل يحمل عنها أثقالها‪ ،‬ويشد أزرها بكتابها كي ترقى بين األمم بجهود أئمة‬
‫المسلمين والمربين الصالحين المصلحين‪ ،‬لذا دعع الحاجة إلى من دراسة توضح المنهج اإلسالمي‬

‫األنعام‪.161 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1‬‬
‫تدرس في الجامعات اإلسالمية‪ ،‬أال وهي‬
‫التربوي‪ ،‬ببيان موقف إحدى مدارس علم النفس‪ ،‬والتي َّ‬
‫المدرسة السلوكية‪ ،‬بنقد موقفها من تربية الطفل عبر اتباع المنهج الوصفي‪ ،‬والنقدي من خالل‬
‫استق ارء اآليات واألحاديث ذات العالقة بالطفل‪ ،‬وفهمها مع االستعانة بتراث العلماء المسلمين‪ ،‬سائلة‬
‫المولى تسديد القول وتوفيق الطريق‪.‬‬

‫مشكلة البحث‬

‫هناك مدارس عديدة للتربية منها اإلسالمية والغربية‪ ،‬وتحوي الغربية أكار من مدرسة‪ ،‬ومن‬
‫بين هذه المدارس اختارت الباحاة المدرسة السلوكية بدراسة نظرياتها في تربية الطفل دراسة مقارنة‬

‫بالمدرسة اإلسالمية المتمالة بالقرآن الكريم والسنة النبوية‪ ،‬ويتفرع عن ذلك عدة أسئلة‪:‬‬

‫‪ -1‬ما المقصود بتربية الطفل في المنظور اإلسالمي‪ ،‬ومنظور المدرسة السلوكية؟‬

‫‪ -2‬ما موقف اإلسالم من ومبادئ‪ ،‬وأهداف المدرسة السلوكية‪ ،‬ومصادر نظرياتها؟‬

‫‪ -3‬ما موقف اإلسالم من سمات المدرسة السلوكية في تربية الطفل‪ ،‬المتمالة في العوامل‬
‫الداخلية‪ ،‬والتعزيز والعقاب‪ ،‬والنمذجة؟‬

‫‪ -4‬ما هو منهج اإلسالم في ضبط وتعديل سلوك الطفل؟‬

‫‪ -5‬ما هو المنهج التطبيقي اإلسالمي في تربية الطفل‪ ،‬وأثر ذلك على الطفل؟‬

‫أهداف البحث‬

‫‪ -1‬بيان المقصود بتربية الطفل في المنظور اإلسالمي‪ ،‬ومنظور المدرسة السلوكية‪.‬‬

‫‪ -2‬توضيح موقف اإلسالم من مبادئ‪ ،‬وأهداف المدرسة السلوكية‪ ،‬ومصادر نظرياتها‪.‬‬

‫‪ -3‬بيان موقف اإلسالم من سمات المدرسة السلوكية في تربية الطفل المتمالة في العوامل‬
‫الداخلية‪ ،‬والتعزيز‪ ،‬والعقاب‪ ،‬والنمذجة‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -4‬توضيح المنهج اإلسالمي في ضبط وتعديل سلوك الطفل‪.‬‬

‫‪ -5‬توضيح المنهج التطبيقي اإلسالمي في تربية الطفل وأثره على الطفل‪.‬‬

‫أهمية الموضوع‬

‫‪ -1‬تكمن أهمية البحث في أنه يعالج موضوعاً غاية األهمية‪ ،‬والذي يتمال في سلوك الطفل في‬

‫المنظور التربوي الغربي الذي ساد في المجتمعات العربية واإلسالمية‪ ،‬دون أسلمة معارفها‪،‬‬
‫أو غربلة مبادئها‪ ،‬بعيداً عن تسليط ضوء الوحي الذي هو أصل المعارف‪.‬‬

‫‪ -2‬توضيح العالقة بين المدرسة السلوكية والمدرسة اإلسالمية‪ ،‬والتي تقوم على بيان نقاط‬

‫اإلتفاق ونقاط اإلختالف‪ ،‬لإلستفادة مما صح في المدرسة السلوكية‪ ،‬وتصحيح أخطائها‪.‬‬

‫‪ -3‬اإلسهام في تقديم دراسة متخصصة في مقارنة المدرسة السلوكية بالمنظور اإلسالمي‪ ،‬وذلك‬
‫بيان موقف القرآن الكريم والسنة النبوية من نظريات المدرسة السلوكية‪ ،‬ثم إظهار سلبيات‬
‫المدرسة وإيجابياتها‪ ،‬ثم بيان مميزات المدرسة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ -4‬بيان كيفية تعديل سلوك الطفل في النظرة اإلسالمية عبر ما ورد في القرآن الكريم والسنة‬
‫النبوية‪ ،‬إعان ًة للمربي على تربية الطفل تربية إسالمية بمنطلق إيماني مفعم باليقين‪.‬‬

‫الدراسات السابقة‪:‬‬

‫لم تجد الباحاة ‪-‬حسب اطالعها‪ -‬على دراسة تحمل العنوان نفسه فيما تم الوصول إليه‪،‬‬
‫لكنها وجدت دراسات قريبة من الموضوع‪ ،‬وأهمها‪:‬‬

‫‪ -1‬كتاب "أصول التربية اإلسالمية مقارنة مع نظريات التربية" لسعد هللا بن عبد هللا جنيدل‪،‬‬
‫أشار في كتابه إلى أهم مذاهب الفلسفة التي لعبع دو ار كبي ار في التربية ثم نقد نظرياتها‬
‫مستنداً إلى القرآن والسنة‪ ،‬ثم أثبع مدى تكامل وتوازن التربية اإلسالمية‪ ،‬بيد أنه اختص في‬
‫مقارنة األصول‪ ،‬ولم يطرح مبادئ نظريات التربية وال سماتها‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -2‬كتاب "منهج التربية اإلسالمية" لسيد قطب‪ ،‬تحدث فيه عن تربية الجماعة األولى ثم تحدث‬

‫عن أساليب التربية اإلسالمية منذ سن الطفولة حتى النضج‪ ،‬مع االستشهاد باآليات واألمالة‬
‫العملية‪ ،‬وتصحيح األخطاء الشائعة‪ ،‬ونقد الفلسفات الغربية‪ ،‬إال أنه لم يفسر اآليات القرآنية‬
‫واألحاديث النبوية التفسير الكافي إلقامة الحجة‪ ،‬ولم يتوسع في الحديث عن منهج اإلسالم‬

‫في ضبط وتعديل سلوك الطفل‪ ،‬ولم يبين إيجابيات نظريات التربية‪.‬‬

‫‪ -3‬كتاب "نظرية التربية الخلقية عند اإلمام الغزالي"‪ ،‬لعبد الحفيظ أحمد البريزات‪ ،‬بين فيه‬
‫مصادر األخالق عند الغزالي‪ ،‬ومفهوم التربية الخلقية وأهدافها من منظور الغزالي‪ ،‬ومنهجه‬

‫في التربية الخلقية‪ ،‬إال أن الكتاب اختص في الحديث عن اإلمام الغزالي ولي عن المدرسة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ولم يجمع اآليات واألحاديث ذات العالقة بالطفل‪ ،‬ولم ينقد المنهج التربوي‬

‫الغربي‪.‬‬

‫منهجية البحث‬

‫قامع الدراسة على المناهج التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬المنهج اإلستقرائي‪ :‬حيث قامع الباحاة باستقراء اآليات واألحاديث ذات العالقة بالطفل‪،‬‬
‫وجمع أهم سمات ومناهج المدرسة عبر أهم روادها‪.‬‬

‫‪ -2‬المنهج الوصفي والتحليلي‪ :‬القائم على تفسير اآليات القرآنية وفق معاني مفرداتها والسياق‬
‫واللفتات البيانية‪ ،‬واألحاديث النبوية الصحيحة وفق معاني مفرداتها وأسباب ورودها‪ ،‬وتفسير‬
‫مبادی وسمات المدرسة السلوكية‪.‬‬

‫‪ -3‬المنهج اإلستنتاجي‪ :‬القائم على استنتاج موقف اإلسالم من تعزيز الطفل وعقابه وعوامله‬
‫الداخلية والنمذجة‪ ،‬ثم استنتاج منهجهاً في ضبط وتعديل سلوك الطفل من منظور القرآن‬
‫الكريم والسنة النبوية‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ -4‬المنهج النقدي‪ :‬القائم على نقد أصول ومبادئ وأهداف المدرسة السلوكية وأهم سماتها المتمالة‬

‫في التعزيز والعقاب والنمذجة وعوامل الطفل الداخلية ومنهجها في ضبط وتعديل سلوك‬
‫الطفل‪ ،‬ببيان إيجابيات المدرسة السلوكية وسلبياتها‪.‬‬

‫‪ -5‬الرجوع إلى كتب التفسير‪ ،‬وأمهات كتب شروح الحديث‪ ،‬وكتب التربية التي تعود إلى رواد‬

‫المدرسة اإلسالمية‪ ،‬والمدرسة السلوكية‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫خطة البحث‬

‫تضمنع خطة البحث المقدمة وتشمل تعريفا بالموضوع وتوضيحا ألهميته وأسباب اختياره‬
‫ومنهجيته وأهداف البحث مع ذكر الدراسات السابقة‪ ،‬والبحث يتكون من أربعة فصول وعدة مباحث‬
‫ومطالب على النحو اآلتي‪:‬‬

‫الفصل األول‪ :‬مفهوم تربية الطفل‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم التربية‬

‫المبحث الااني‪ :‬مفهوم الطفل‬

‫الفصل الثاني‪ :‬مفهوم المدرسة السلوكية‬

‫المبحث األول‪ :‬نشأة المدرسة السلوكية‬

‫المبحث الااني‪ :‬أبرز رواد المدرسة السلوكية‬

‫المبحث الاالث‪ :‬التطبيقات التربوية للمدرسة السلوكية‬

‫الفصل الثالث‪ :‬المدرسة السلوكية دراسة نقدية من خالل القرآن الكريم والسنة النبوية‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم تربية الطفل من منظور المدرسة السلوكية‬

‫المبحث الااني‪ :‬مصادر المعرفة لدى المدرسة السلوكية في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية‬

‫المبحث الاالث‪ :‬أهداف المدرسة السلوكية في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية‬

‫المبحث الرابع‪ :‬سمات المدرسة السلوكية في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية‬

‫المبحث الخامس‪ :‬المنهج اإلسالمي في ضبط وتعديل السلوك الطفل‬

‫الفصل الرابع‪ :‬نماذج قرآنية في تربية الطفل‬

‫‪6‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تربية "إبراهيم" البنه إسماعيل‪-‬عليهما السالم‪-‬‬

‫المبحث الااني‪ :‬تربية لقمان البنه‬

‫‪7‬‬
‫الفصل األول‬

‫مفهوم تربية الطفل‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم التربية‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مفهوم الطفل‬

‫‪8‬‬
‫المبحث األول‬

‫مفهوم التربية‬

‫تعتبر التربية من أبرز عوامل سيادة األمة ورغد عيشها‪ ،‬ذلك أن محور التربية يتمال في‬
‫سلوك اإلنسان‪ ،‬والذي إليه يعود حال األمم‪ ،‬إذ أن ارتقاء األمة بأفعالها يقود إلى ارتقائها بمكانتها‪،‬‬

‫وانحطاتها بسوء أفعالها يقود إلى وقوعها في الضالل والهزيمة‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التربية في اللغة‬

‫عند الرجوع إلى معاجم اللغة‪ ،‬يتبين أن التربية في اللغة لها عدة معاني على النحو اآلتي‪:‬‬

‫باء‪َ :‬زَاد َوَن َما‪ .‬وأ َْرَب ْيتُه‪َ :‬ن َّميته"‪ 1‬ومنه‬ ‫ِ‬
‫الشيء َي ْرُبو ُرُبواً ور ً‬
‫ُ‬ ‫تأتي بمعنى الزيادة والنمو‪" :‬ربا‪َ :‬ربا‬
‫قوله سبحانه‪:‬ﭐﭐﱡﭐﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧﱠ‪ 2‬ومنه أيضاً قوله‬

‫سبحانه‪:‬ﭐﭐﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱠ‪" 3‬معناه عظمع‬

‫وانتفخع"‪.4‬‬

‫نشأت فيهم"‪،5‬‬
‫ُ‬ ‫بيع‪ ،‬أي‬
‫ور ُ‬‫ورَب ْو ُت في بني فالن َ‬
‫وتأتي بمعنى نشأ وترعرع وعاش في القوم‪َ " :‬‬
‫"ويقال‪ :‬ربيتهُ وتربيتُه‪ ،‬أي‪ :‬غذوتُ ُه"‪6‬؛ " ِألََّن ُه ِإ َذا ُربِي َن َما َوَزَكا َوَزَاد"‪.7‬‬
‫َ‬
‫وتأتي بمعنى‪ ،‬اإلصالح‪ ،‬والتحسين‪" ،‬وربيع األمر‪ ،‬أربه ربا وربابة‪ :‬أصلحته ومتنته‪ .‬ورببع‬
‫الدهن‪ :‬طيبته وأجدته"‪.8‬‬

‫ابن منظور‪ ،‬محمد بن مكرم بن على (ت‪711:‬ه)‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر –بيروت‪( ،‬ط‪1414- 3‬ه)‪.)304/14( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(الروم‪)39 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(فصلع‪)39 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.)305/14( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫الفارابي‪ ،‬أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري‪( ،‬ت‪393 :‬ه)‪ ،‬الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد عبد‬ ‫‪5‬‬

‫الغفور عطار‪ ،‬دار العلم للماليين –بيروت‪( ،‬ط‪1407 /4‬ه‪1987-‬م)‪.)2350/6( ،‬‬


‫بن فارس‪ ،‬أحمد بن زكرياء القزويني الرازي‪ ،‬أبو الحسين (ت‪395 :‬ه)‪ ،‬مجمل اللغة ًلبن فارس‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬زهير عبد‬ ‫‪6‬‬

‫المحسن سلطان‪ ،‬مؤسسة الرسالة –بيروت‪( ،‬ط‪1406 /2‬هت‪1986-‬م)‪ ،‬ص‪.417 :‬‬


‫ابن فارس‪ ،‬أحمد بن زكرياء القزويني الرازي‪ ،‬أبو الحسين (ات‪395 :‬ه)‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬المحقق‪ :‬عبد السالم محمد‬ ‫‪7‬‬

‫هارون‪ ،‬دار الفكر‪1399( ،‬ه‪1979-‬م)‪.)483 /2( ،‬‬


‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.)405/401/ 1( ،‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪9‬‬
‫يتبين مما سبق أن معنى التربية لغة ال يقتصر على مجرد النمو‪ ،‬وإنما ال بد أن يكون في‬

‫النمو صالح‪ ،‬وطيب‪ ،‬وحسن‪ ،‬كي يتحقق معنى التربية ليصل اإلنسان إلى ُرقيه‪ ،‬إذ أن التربية ليسع‬
‫مجرد توفير الغذاء‪ ،‬والمالبس‪ ،‬واالحتياجات المادية؛ ذلك أن هدف وجود البشرية في الحياة أسمى‬
‫من أن يقتصر على المادة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التربية في اًلصطالح‬

‫ال شك أن مفهوم التربية في االصطالح له عالقة وثيقة بالمفهوم اللغوي‪ ،‬إال أن هناك بعض‬
‫الفروقات في مفاهيم التربية بين المختصين‪ ،‬بناء على االختالف حول أهداف ومبادئ التربية‪ ،‬وتباين‬

‫النظرة إلى حقيقة وجود اإلنسان في الحياة الدنيا‪ ،‬إال أنها بشكل عام تلتقي في بعض خطوطها ولو‬
‫بصورة جزئية في كون التربية تحمل معاني النمو والرعاية‪.‬‬

‫فأما تعريف التربية وفق المفهوم اإلسالمي‪ ،‬فيقول "محمد رشيد رضا"‪" :1‬وربوبية هللا للناس‬
‫تظهر بتربيته إياهم‪ ،‬وهذه التربية قسمان‪ :‬تربية خلقية بما يكون به نموهم‪ ،‬وكمال أبدانهم وقواهم‬
‫النفسية والعقلية ‪-‬وتربية شرعية تعليمية وهي ما يوحيه إلى أفراد منهم ليكمل به فطرتهم بالعلم والعمل‬
‫إذا اهتدوا به"‪.2‬‬

‫وتعريفها في مناهج "جامعة المدينة العالمية"‪" :3‬تنمية فكر اإلنسان‪ ،‬وتنظيم سلوكه وعواطفه‬
‫على أساس الدين اإلسالمي‪ ،‬وبقصد تحقيق أهداف اإلسالم في حياة الفرد والجماعة"‪.4‬‬

‫تتفق التعريفات اإلسالمية باالهتمام في تربية القلوب‪ ،‬وتنظيم السلوك بما يتوافق مع التشريع‬
‫اإلسالمي‪ ،‬للوصول إلى األهداف اإلسالمية‪ ،‬في الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫‪ 1‬محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين‪ ،‬بغدادي األصل‪ ،‬وأحد رجال اإلصالح اإلسالمي‪ ،‬أشهر آثاره مجلة المنار‪،‬‬
‫وتفسير القرآن الكريم‪ ،‬ينظر‪ :‬الزركلي‪ ،‬األعالم‪.)126 /6( ،‬‬
‫رضا‪ ،‬محمد رشيد بن علي (ت‪1354 :‬ه)‪ ،‬تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‬ ‫‪2‬‬

‫–القاهرة‪.)42/1( ،‬‬
‫جامعة المدينة العالمية مؤسسة تعليمية مستقلة غير ربحية‪ ،‬معترف بها من و ازرة التعليم العالي الماليزية وتحظى بدعم خاص‬ ‫‪3‬‬

‫من حكومة دولة ماليزيا‪ .‬موقع الجامعة‪.http://www. mediu. edu. my ،‬‬


‫مناهج جامعة المدينة العالمية‪ ،‬أصول الدعوة‪ ،‬جامعة المدينة العالمية ‪-‬ماليزيا‪ ،‬ص‪.295 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪10‬‬
‫وأما تعريف التربية من منظور علم النفس والفلسفة‪ ،‬فهو كما يرى "فيخته"‪" :1‬العمل الذي‬

‫يسعى إلى تحقيق جوهر الكائن اإلنساني ككائن يسعى إلى الخير بذاته ولذاته"‪.2‬‬

‫ويعرفها عالم االجتماع "أميل دوركهايم"‪ 3‬بأنها "العمل الذي تحدثه األجيال الراشدة في‬
‫األجيال التي لم تنضج بعد النضج الالزم للحياة االجتماعية وموضوعها أن تاير لدى الطفل وتنمي‬

‫عنده عدداً من الحاالت الجسدية والفكرية والروحية التي يتطلبها منه المجتمع السياسي في مجموعة‪،‬‬
‫والبيئة الخاصة التي ُيهيأ لها بوجه خاص"‪.4‬‬

‫ويعرفها "جون ديوي"‪ 5‬بأنها‪" :‬مجموعة العمليات التي يستطيع بها مجتمع أو زمرة اجتماعية‬

‫صغرت أو كبرت‪ ،‬أن ينقال سلطاتها وأهدافها المكتسبة بغية تأمين وجودها الخاص ونموها المستمر"‪.6‬‬

‫تتفق تعريفات علماء النفس في االهتمام بتنظيم السلوك بما يحقق متطلبات المجتمع والبيئة‪،‬‬
‫للوصول إلى النمو اإلنساني‪ ،‬وتحقيق الخير‪.‬‬

‫من المالحظ أن التربية من منظور علم النفس تقتصر على تنظيم السلوك‪ ،‬وتحقيق المصالح‬
‫الدنيوية المادية بعيداً عن التركيز على الجانب الروحي أو القيمي‪ ،‬ومقياس تحقيق المصالح يتمال‬
‫في المجتمع والبيئة‪ ،‬مما يؤدي إلى افتقار التربية إلى قانون ثابع‪ ،‬ومقياس واضح‪ ،‬وذلك نتيجة‬
‫لتغير متطلبات وأهداف المجتمع من فترة إلى فترة‪ ،‬بل وصعوبة اتفاق أجزاء المجتمع على مبادئ‬
‫وأهداف تربوية تناسب الجميع‪ ،‬مما يعني أن كل ذلك سيؤدي إلى فشل تحقيق متطلبات التربية‬
‫وأهدافها على نحو يحقق مصلحة الفرد والمجتمع معاً‪.‬‬

‫يوهان غوتليب فيشته (‪1762‬م–‪1814‬م)‪ ،‬فيلسوف ألماني‪ .‬واحد من أبرز مؤسسي الحركة الفلسفية المعروفة بالماالية‬ ‫‪1‬‬

‫األلمانية‪ ،‬موقع ويكيبيديا‪ar. wikipedia. org/wiki ،‬‬


‫عمر‪ ،‬عمر أحمد‪ ،‬منهج التربية في القرآن والسنة‪ ،‬راجعه وقدم له‪ :‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬ص‪.9 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬ميل دوركايم (‪1858‬م–‪1917‬م)‪ ،‬فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي‪ .‬أحد مؤسسي علم االجتماع الحديث‪ ،‬موقع ويكيبيديا‪ar. ،‬‬
‫‪wikipedia. org/wiki‬‬
‫‪ 4‬الهياجنة‪ ،‬وائل سليم‪ ،‬وأبو جلبان‪ ،‬عمر محمد‪ ،‬مقدمة في التربية‪ ،‬دار المعتز ‪-‬عمان‪( ،‬ط‪ ،)2016/1‬ص‪.27 :‬‬
‫‪ 5‬هو ٍ‬
‫مرب وفيلسوف وعالم نفس أمريكي وزعيم من زعماء الفلسفة البراغماتية‪ ،‬ويعتبر من أوائل المؤسسين لها‪( .‬ت‪1952 :‬م)‪،‬‬
‫موقع ويكيبيديا‪ar. wikipedia. org/wiki ،‬‬
‫الهياجنة‪ ،‬وائل سليم‪ ،‬وأبو جلبان‪ ،‬عمر محمد‪ ،‬مقدمة في التربية‪ ،‬ص‪.27 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪11‬‬
‫بينما أبرز مفهوم التربية اإلسالمية ميزته في االنسجام المتكامل بين اإلنسان والكون‬

‫والمصير‪ ،‬إذ أن أهداف التربية ومبادئها منسجمة مع هدف وجود اإلنسان في الكون‪ ،‬أال وهو عبادة‬
‫هللا عز وجل‪ ،‬وتتميز التربية السالمية أيضاً باحتوائها الجانب المادي والروحي معاً‪ ،‬في ظل وضوح‬
‫المنهج‪ ،‬وفق مقياس ثابع راسخ‪ ،‬يحقق المصالح على مستوى الفرد والمجتمع بعيداً عن التضارب‪.‬‬

‫ولعل التعريف األقرب إلى التربية‪ ،‬هو التعريف الذي يجمع معانيها اللغوية‪ ،‬ثم تحقق هذه‬
‫المعاني السعادة األبدية في اآلخرة‪ ،‬لتسمو إلى الخلود‪ ،‬فيمكن القول بأن التربية هي‪ :‬حسن رعاية‬
‫اإلنسان ونموه‪ ،‬بطيب تغذيته‪ ،‬وحفظه‪ ،‬وإصالح سلوكه‪ ،‬على نحو يرتقي به في الدنيا والجنة‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬األلفاظ ذات الصلة بالتربية‬

‫أ‪ -‬التعليم‬

‫التعليم هو‪ :‬وضع التلميذ في بيئة تدفعه إلى تأسيس السلوكيات والمعارف والمهارات‬
‫الحسنة‪ 1،‬باالبتعاد عن المحاوالت الخاطئة‪ ،‬وازدياد نسبة التكرار للمحاوالت الناجحة‪ ،‬التي تؤدي إلى‬
‫‪3‬‬
‫صالح الفرد‪ 2،‬والذي عبر عنه "سكنر" بقوله‪ " :‬التعليم هو البناء"‪.‬‬

‫والتربية أوسع معنى من التعليم الذي يكون بنقل المعلومات من المعلم إلى المتعلم؛ ألن‬
‫التعليم يقتصر على الجانب العقلي والسلوكي‪ ،‬بينما تتعلق التربية بالجسم‪ ،‬والعقل‪ ،‬والنفس‪ ،‬والروح‪،‬‬
‫والقلب‪ ،‬وتهتم بنمو الكائن بكل جوانبه‪ ،‬فكل ما يحتاج إليه اإلنسان لينمو وتزداد قوته يدخل في‬
‫مجال التربية‪ ،‬وكل تمرين أو عمل يؤثر في بنيته أو في ميوله وعواطفه تشمله التربية‪ ،‬وكل تعليم‬
‫أو توجيه يؤثر على نفسية المرء‪ ،‬ويغير من اتجاهه يعد من محتواها‪ ،‬وكل إعداد وتدريب يقصد به‬

‫‪ 1‬كراهيه‪ ،‬مارسيل‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬ترجمة‪ :‬رباب العايد‪ ،‬مجد المؤسسة الجامعية للدراسات ‪-‬بيروت‪( ،‬ط‪ ،)2007/1‬ص‪:‬‬
‫‪.177‬‬
‫عليان‪ ،‬هشام‪ ،‬وهندي‪ ،‬صالح‪ ،‬وكوافحة‪ ،‬تيسير‪ ،‬الممحص في علم النفس التربوي‪ ،‬جمعية عمال المطابع التعاونية‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬عمان‪( ،‬ط‪1987/3‬م)‪ ،‬مقتبس من كتاب بني خالد‪ ،‬والتح‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬دار أوائل النشر ‪-‬عمان‪( ،‬ط‪،)2012/1‬‬
‫ص‪.142 :‬‬
‫كراهيه‪ ،‬مارسيل‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬ص‪.177 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪12‬‬
‫الفرد ليعود عليه بالنفع تتضمنه التربية‪ ،‬وكل تنشئة وتنمية جسمية أو فكرية أو نفسية تدخل في‬

‫معناها‪.1‬‬

‫ب‪ -‬الرعاية‬

‫الرعاية هي‪" :‬الحفظ والكالءة ومنه استرعاء الشاة"‪.2‬‬

‫"والرعاية فعل السبب الذي يصرف المكاره عنه‪ ،‬ومن ثم يقال فالن يرعى العهود بينه وبين‬
‫فالن؛ أي يحفظ األسباب التي تبقى معها تلك العهود‪ ،‬ومنه راعي المواشي؛ لتفقده أمورها‪ ،‬ونفي‬
‫‪3‬‬
‫األسباب التي يخشى عليها الضياع‪".‬‬

‫و"الرعاية‪ :‬الحفظ"‪.4‬‬

‫‪5‬‬
‫الحقوق‪".‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫اعى أَمرَه‪َ :‬ح ِف َ‬
‫اع ْيته‪ :‬م ْن ُمراعاة ُ‬
‫ور َ‬
‫ظه وتَ َرق َبه‪َ ...‬‬ ‫ور َ‬
‫"َ‬

‫يظهر أن الرعاية تحمل معنى الحفظ‪ ،‬والحماية من كل ضرر‪ ،‬وبالتالي فإن التربية أكار‬
‫شموالً من الرعاية‪ ،‬إذ تعد الرعاية بماابة أحد متطلبات التربية‪ ،‬أال وهو متطلب الحفظ واألمان‪.‬‬

‫ج‪ -‬التنشئة‬

‫بي‪ :‬رَّباه وهذبه َّ‬


‫وعلمه"‪.6‬‬ ‫الص َّ‬
‫نشأ َّ‬ ‫ينشئ‪ ،‬تَ ْن ِشئ ًة‪ ،‬فهو م ِ‬
‫نشئ‪َّ ...‬‬ ‫نشأَ ِ‬
‫أصلها َن َّشأَ‪ ،‬إذ يقال‪َّ " :‬‬
‫ُ‬
‫شوءا‪ ،‬إذا َش َب ْب ُع فيهم"‪.7‬‬ ‫ْت في بني ٍ‬
‫ون ً‬‫فالن َن ْشأً ُ‬ ‫ون َشأ ُ‬
‫"َ‬

‫ينظر‪ :‬آل عبد هللا‪ ،‬محمد بن محمود‪ ،‬دليل اآلباء في معرفة األبناء‪ ،‬دار الوفاء‪2016( ،‬م)‪ ،‬ص‪.26 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم الحنبلي الدمشقي‪( ،‬ت‪728 :‬ه)‪ ،‬الصارم المسلول‬ ‫‪2‬‬

‫على شاتم الرسول‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد محي الدين عبد الحميد‪ ،‬الحرس الوطني السعودي ‪-‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬ص‪.240:‬‬
‫العسكري‪ ،‬أبو هالل الحسن بن عبد هللا بن سهل بن سعيد بن يحيى (ت‪ :‬نحو ‪395‬ه)‪ ،‬الفروق اللغوية‪ ،‬حققه وعلق عليه‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫محمد إبراهيم سليم‪ ،‬دار العلم والاقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة – مصر‪.)205 /1( ،‬‬
‫ابن أبي الفضل‪ ،‬محمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل البعلي‪ ،‬أبو عبد هللا‪ ،‬شمس الدين (ت‪709 :‬ه)‪ ،‬المطلع على ألفاظ‬ ‫‪4‬‬

‫المقنع‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمود األرناؤوط وياسين محمود الخطيب‪ ،‬مكتبة السوادي للتوزيع‪( ،‬ط‪1423 /1‬ه‪2003-‬م)‪ ،‬ص‪.397 :‬‬
‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.)327 /14( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫عمر‪ ،‬أحمد مختار عبد الحميد (ت‪1424 :‬ه) بمساعدة فريق عمل‪ ،‬معجم اللغة العربية المعاصرة‪ ،‬عالم الكتب‪( ،‬ط‪/1‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ 1429‬ه‪ 2008-‬م)‪.)2208 /3( ،‬‬


‫الفارابي‪ ،‬الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية‪.)77/1( ،‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪13‬‬
‫" يقال‪َ :‬ن َشأَ الغالم وهو ناشىء‪ ،‬إذا َنما وزاد شيئا"‪.1‬‬

‫وشب"‪.2‬‬
‫الرجل‪َ :‬ربا َّ‬
‫ُ‬ ‫" َن َشأَ‬

‫النشاط الفردي عن األغراض َّ‬


‫الشخصيَّة إلى‬ ‫وتعرف التَّنشئة االجتماعيَّة بأنها‪" :‬تحويل َّ‬

‫األهداف العامة"‪ " .3‬فوظيفة التنشئة االجتماعية تتصل بخلق الجو الحضاري المالئم للتقدم والنهضة‬

‫عن طريق التوعية الشاملة بأهداف المجتمع وخططه"‪.4‬‬

‫يظهر أن التنشئة ذات معنى واسع‪ ،‬تحمل معاني التربية بما فيها التهذيب والتعليم‪ ،‬إال أنه‬
‫إذا قيل‪ :‬نشأ في بني فالن‪ ،‬لزم أن يكون المعنى تربى فيهم حتى كبر وشب‪ ،‬على خالف القول‪:‬‬

‫تربى في بني فالن‪ ،‬فإنه قد يلزم أنه تربى فيهم حتى شب‪ ،‬وقد ال يلزم‪.‬‬

‫وخالصة القول‪ ،‬أن التعليم والرعاية جزء من التربية؛ ألن التعليم يركز على النمو العقلي‬
‫والتنظيم السلوكي‪ ،‬والرعاية تأتي بمعنى الحفظ والحماية‪ ،‬بينما التنشئة يلزم فيها معنى التربية حتى‬
‫الكبر‪.‬‬

‫العسكري‪ ،‬الفروق اللغوية‪.)134 /1( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن سيدة‪ ،‬أبو الحسن علي بن إسماعيل المرسي (ت‪458 :‬ه)‪ ،‬المخصص‪ ،‬تحقيق‪ :‬خليل إبراهيم جفال‪ ،‬دار إحياء التراث‬ ‫‪2‬‬

‫العربي ‪-‬بيروت‪( ،‬ط‪1417 /1‬ه‪1996-‬م)‪.‬‬


‫عمر‪ ،‬أحمد مختار عبد الحميد‪ ،‬معجم اللغة العربية المعاصرة‪.)2208 /3( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫إمام‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬دراسات في الفن الصحفي‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرية‪ ،‬ص‪.83 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪14‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫مفهوم الطفل‬

‫أُنزل القرآن الكريم هداية للناس كافة‪ ،‬ووضع لإلنسان أصوله ورسم دربه المتكامل في جميع‬
‫مراحل الحياة‪ ،‬فكان للطفل نصيب وافر في آيات القرآن الكريم‪ ،‬إذ الطفولة من أهم مراحل اإلنسان‪،‬‬

‫حيث التأسيس وزرع بذور التربية التي تُؤتي ثمارها في المستقبل‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الطفل في اللغة‬

‫عند الرجوع إلى معاجم اللغة‪ ،‬وتتبع معنى كلمة طفل‪ ،‬يتبين أن الطفل في اللغة ورد على‬

‫النحو اآلتي‪:‬‬

‫الطفل‪ :‬الصغير من كل شيء بين الطفل والطفالة والطفولة والطفولية‪.‬‬

‫الطْفل والطْفلة‪ :‬الصغيران‪.‬‬

‫وطْفل‪ ،‬وجاريتان طفل‪ ،‬وغالم طفل‪ ،‬وغلمان ِطْفل‪.‬‬


‫والعرب تقول‪ :‬جارية ِطْفَلة ِ‬

‫طْف ٌل ِإذا كان ناعم القدمين والرجلين‪.1‬‬


‫وغالم َ‬

‫ال‪ُ :‬ه َو ِطْف ٌل‪َ ،‬و ْاأل ُْناَى ِطْفَل ٌة‪َ ،‬وِهي َق ِر َيب ُة‬
‫الصغ ُير‪ُ ،‬يَق ُ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الطْفل‪ :‬المولود"‪ ،2‬والذي هو "اْلموُلود َّ ِ‬
‫و" ُ‬
‫َ‬
‫اج"‪.3‬‬ ‫عهٍد ِب ِ‬
‫النتَ ِ‬ ‫َْ‬

‫الطْفَل ِة"‪.5‬‬
‫طوبِتها ونعمِتها ِب ِ‬ ‫"والطفلة‪ :‬الجارية الناعمة"‪َ " ،4‬كأََّنها م َشب ِ‬
‫َّه ٌة في ُر ُ َ َ َ َ ْ َ َ‬
‫َ ُ َ‬

‫انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.)403-401/11( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫الفارابي‪ ،‬الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية‪.)1751/5( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪.)413/3( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن فارس‪ ،‬مجمل اللغة‪ ،‬ص‪.584 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪.)413/3( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪15‬‬
‫وال شك أن كل هذه المعاني تعد من خصائص اإلنسان في مراحله األولى‪ ،‬وهي الصغر‬

‫والنعومة والرقة‪ ،‬وتطلق على الذكر واألناى‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الطفل في اًلصطالح‬

‫وردت عدة تعريفات للطفل‪ ،‬من خالل بيان الفئة العمرية له‪ ،‬وفي المنظور اإلسالمي فهو‬

‫كما بينه وعرفه "أبو الهيام"‪ 1‬بأنه‪ :‬المولود منذ أن يسقط من بطن أمه إلى أن يحتلم‪.2‬‬

‫وكذلك قول "القرطبي"‪" :3‬الطفل يطلق من وقع انفصال الولد إلى البلوغ"‪.4‬‬

‫وقد ثبع بالسنة واإلجماع أن القلم مرفوع عن الصبي حتى يبلغ‪5‬؛ "ألنه قبل البلوغ في حكم‬

‫الم ْبَتَلى‬ ‫ِ‬ ‫(رِف َع اْلَقَلم َع ْن ثَ َالثَ ٍة‪َ :‬ع ِن َّ‬


‫الن ِائ ِم َحتَّى َي ْستَْي ِق َ‬
‫‪6‬‬
‫ظ‪َ ،‬و َعن ُ‬ ‫ُ‬ ‫الطفل" ؛ لقوله عليه الصالة والسالم‪ُ :‬‬
‫الصِب ِي َحتَّى َي ْكُب َر)‪.7‬‬
‫َحتَّى َي ْب َأرَ‪َ ،‬و َع ِن َّ‬

‫شيخ الحنفية‪ ،‬نعمان زمانه‪ ،‬القاضي أبو الهيام‪ ،‬عتبة بن خيامة‪ ،‬ابن محمد بن حاتم‪ ،‬النيسابوري الحنفي‪ .‬الذهبي‪ ،‬سير‬ ‫‪1‬‬

‫أعالم النبالء‪.)492/12( ،‬‬


‫األزهري‪ ،‬منصور بن محمد‪ ،‬معجم تهذيب اللغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬رياض زكي قاسم‪ ،‬دار الفكر ‪-‬بيروت‪1422( ،‬ه)‪ ،‬ص‪.484 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫صارِي األوسي القرطبي‪ ،‬عالم بالق ارءات‪ ،‬باحث‪ ،‬من أهل قرطبة‪ ،‬من أهم كتبه‪" :‬غرائب‬
‫هو القاسم بن محمد بن أحمد األ َْن َ‬
‫‪3‬‬

‫أخبار المسندين"‪ ،‬و"تفسير القرطبي"‪ ،‬ينظر‪ :‬الزركلي‪ ،‬األعالم‪.)181 /5( ،‬‬


‫‪ 4‬القرطبي‪ ،‬محمد بن أحمد األنصاري‪( ،‬ت‪671 :‬ه)‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪( ،‬تفسير القرطبي)‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد البردوني وإبراهيم‬
‫أطفيش‪ ،‬دار الكتب المصرية – القاهرة‪( ،‬ط‪1384 /2‬ه‪1964-‬م)‪.)12/12( ،‬‬
‫ينظر‪ :‬البعلي‪ ،‬محمد بن علي بن أحمد بن عمر بن يعلى‪ ،‬أبو عبد هللا‪ ،‬بدر الدين البعلي (ت‪778 :‬ه)‪ ،‬مختصر الفتاوى‬ ‫‪5‬‬

‫المصرية ًلبن تيمية‪ ،‬المحقق‪ :‬عبد المجيد سليم ‪-‬محمد حامد الفقي‪ ،‬مطبعة السنة المحمدية ‪-‬تصوير دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫ص‪.639 :‬‬
‫ابن القيم‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين الجوزية (ت‪751 :‬ه)‪ ،‬أحكام أهل الذمة‪ ،‬تحقيق‪ :‬يوسف بن‬ ‫‪6‬‬

‫أحمد البكري ‪-‬شاكر بن توفيق العاروري‪ ،‬رمادى للنشر – الدمام‪( ،‬ط‪ 1418 /1‬ه‪1997-‬م)‪.)903 /2( ،‬‬
‫أبو داود‪ ،‬سليمان بن األشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو األزدي الس ِج ْستاني‪( ،‬ت‪275 :‬ه)‪ ،‬سنن أبي داود‪،‬‬ ‫‪7‬‬

‫تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬المكتبة العصرية‪-‬بيروت‪ ،‬كتاب الحدود‪ ،‬باب المجنون يسرق أو يصيب حداً‪ ،‬حديث‬
‫رقم‪ ،)141/4( ،)4403( :‬المستدرك على الصحيحين‪ .‬تحقيق‪ :‬مصطفى عبد القادر عطا‪( ،‬ط‪ ،)1990–1411 /1‬دار الكتب‬
‫العلمية –بيروت‪ ،‬حديث رقم‪ ،)389 /1( ،)949( :‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه‪ ،‬وهو مرفوع حكماً‬
‫‪-‬كما قال ابن حجر‪ -‬ألنه مما ال ُيقال فيه بالرأي‪ .‬ينظر‪ :‬ابن حجر‪ ،‬أحمد بن علي أبو الفضل العسقالني الشافعي‪ ،‬فتح‬
‫الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،‬دار المعرفة ‪-‬بيروت‪1379 ،‬ه‪ ،‬رقم كتبه وأبوابه وأحادياه‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬قام بإخراجه‬
‫وصححه وأشرف على طبعه‪ :‬محب الدين الخطيب‪.)121/12( ،‬‬

‫‪16‬‬
‫وفرق العلماء المسلمون بين طفولة غير المميز‪ ،‬وطفولة المميز؛ الختالف األحكام بينهما‪،‬‬

‫فمنهم من قال أن سن التمييز يبدأ بالعمر الخامس وهو رأي "إسحاق بن راهويه"‪ ،1‬ويحتج لهؤالء بأن‬
‫الخمس هي السن التي يصح فيها سماع الصبي‪ ،‬ويمكن أن يعقل فيها‪ ،‬والقول الااني هو أن أول‬
‫سن التمييز في السابعة‪ ،‬وهو قول "الشافعي" و"أحمد" ‪-‬رحمهما هللا‪ ،-‬واحتج لهذا القول بأنه جعله‬

‫النبي عليه الصالة والسالم حداً للوقع الذي يؤمر فيه الصبي بالصالة‪.2‬‬

‫وأما معنى الطفل في علم النفس‪ ،‬فقد وضح أكار علماء النفس مفهوم الطفل عبر تقسيم‬
‫بداية حياة اإلنسان إلى مراحل وفترات‪ ،‬على النحو اآلتي‪:3‬‬

‫‪ .1‬مرحلة ما قبل الميالد‪ ،‬أو المرحلة الجنينية‪ ،‬وتبدأ من حدوث الحمل حتى الميالد‪.‬‬

‫‪ .2‬مرحلة الرضاعة أو مرحلة المهد‪ :‬وبشكل عام تبدأ من والدة الطفل إلى نهاية العام الااني‬
‫من عمره‪.‬‬

‫‪ .3‬مرحلة الطفولة‪ ،‬وتقسم إلى‪:‬‬

‫أ‪ .‬الطفولة المبكرة‪ :‬وتبدأ من بداية العام الاالث‪ ،‬وتستمر إلى العام الخامس‪ ،‬والتي هي مرحلة‬
‫الحضانة‪.‬‬

‫ب‪ .‬الطفولة الوسطى‪ :‬إذ تبدأ من العام الخامس وتستمر حتى العام التاسع‪.‬‬

‫ج‪ .‬الطفولة المتأخرة‪ :‬حيث تبدأ من العام التاسع وتستمر حتى العام الااني عشر‪.‬‬

‫إسحاق بن راهويه إمام عصره في الحفظ والفتوى‪ ،‬سكن نيسابور‪ ،‬ومات بها‪ .‬الذهبي‪ ،‬سير أعالم النبالء‪.)369/11( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن القيم‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين الجوزية (ت‪751 :‬ه)‪ ،‬زاد المعاد في هدي خير العباد‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫مكتبة المنار اإلسالمية ‪-‬الكويع‪( ،‬ط‪1415 /27‬ه ‪1994/‬م)‪.)428-427 /5( ،‬‬


‫ينظر‪ :‬سمارة‪ ،‬عزيز‪ ،‬وعصام النمر‪ ،‬وهشام الحسن‪ ،‬سيكيولوجية الطفولة‪ ،‬دار الفكر‪-‬عمان‪( ،‬ط‪1989 /1‬م)‪ ،‬ص‪-10 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،18‬وينظر‪ :‬زهران‪ ،‬حامد عبد السالم‪ ،‬علم نفس النمو‪ ،‬دار عالم الكتب‪ ،‬ط‪ ،4‬ص‪ .62-61 :‬وينظر‪ :‬خيري‪ ،‬سيد‪ ،‬النمو‬
‫الجسمي في مرحلة الطفولة‪ ،‬مجلة عالم الفكر‪ ،‬تصدر عن و ازرة االعالم في الكويع‪1990( ،‬م)‪ ،‬ص‪ ،15 :‬وينظر‪ :‬داود‪،‬‬
‫عبد الباري محمد‪ ،‬الطفولة في الميزان العالمي‪ ،‬مكتبة اإلشعاع الفنية ‪-‬القاهرة‪( ،‬ط‪ ،)2003 /1‬ص‪.28-27‬‬
‫‪17‬‬
‫ومن علماء النفس من قال أنها "الفترة ما بين الميالد وحتى سن البلوغ‪ ،‬وهي الفترة التي ال‬

‫يكون فيها الفرد قاد اًر على التناسل"‪.1‬‬

‫يظهر مما سبق أن الطفل في منظور علماء المسلمين هو المولود منذ والدته إلى البلوغ‪،‬‬
‫وهو الصواب؛ التفاقه مع التعريف القرآني والنبوي له‪ ،‬وقسم العلماء مرحلة الطفولة إلى قسمين‪،‬‬

‫مرحلة ما قبل التمييز‪ ،‬ومرحلة ما بعد التمييز‪ ،‬واختلف العلماء المسلمون في تحديد سن التمييز‪،‬‬
‫فمنهم من قال في السن الخامس‪ ،‬ومنهم من قال في السن السابع‪ ،‬ويرجح الباحث أن عمر التمييز‬
‫يبدأ عندما تظهر عالمات التمييز على الطفل‪ ،‬فقد يكون في سنه الخامس‪ ،‬أو السادس‪ ،‬أو السابع‪...‬‬

‫كل حسب طبيعته وطبيعة تربيته‪.‬‬

‫وأما تعريف الطفل عند علماء النفس فمنهم من اتفق مع علماء المسلمين في كونه المولود‬
‫قبل البلوغ‪ ،‬ومنهم من عرفه وقسمه بناء على الفئة العمرية‪ ،‬دون النظر إلى البلوغ أو اعتبار التمييز‬
‫في التقسيم‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬مادة الطفل في اآليات القرآنية‬

‫فيما يلي عرض لمادة (طفل) على اختالف صيغها ومشتقاتها في القرآن الكريم‪ ،‬وسيتم‬
‫عرض كل اآليات التي تضمنع هذه المادة وفقا لتكرارها وورودها في القرآن الكريم‪ ،‬مع ترتيب كل‬
‫مفردة حسب ترتيب التالوة‪ ،‬باإلضافة إلى بيان رقم اآلية واسم السورة ومكية أو مدنية وذلك على‬
‫النحو اآلتي‪:‬‬

‫مكية‪ /‬مدنية‬ ‫رقم‬ ‫الشاهد‬ ‫السورة‬ ‫الرقم‬ ‫المفردة وعدد‬


‫اآلية‬ ‫مرات ورودها‬
‫مدنية‬ ‫ﱡﭐ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ‪5‬‬ ‫الحج‬ ‫‪1‬‬ ‫طفال‬

‫ﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉ‬ ‫وردت مرتين‬

‫ﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑ‬
‫ﲕﲗﲘﲙ‬
‫ﲖ‬ ‫ﲒﲓﲔ‬

‫عبد الهادي‪ ،‬عبد العزيز مخيمر‪ ،‬حماية الطفولة في القانون الدولي والشريعة اإلسالمية‪ ،‬دار النهضة العربية‪1991( ،‬م)‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص‪.23 :‬‬
‫‪18‬‬
‫ﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡ‬

‫ﲢ ﲣ ﲤﱠ‬
‫مكية‬ ‫‪67‬‬ ‫ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ‬ ‫غافر‬ ‫‪2‬‬

‫ﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐ‬

‫ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱠ‬
‫مدنية‬ ‫‪31‬‬ ‫ﲎ‬ ‫ﲍ‬ ‫ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ‬ ‫النور‬ ‫‪3‬‬ ‫الطفل‬
‫وردت مرة‬
‫ﲒﲔﲕ‬
‫ﲓ‬ ‫ﲏﲐﲑ‬
‫واحدة‬
‫ﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜ‬
‫ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ‬
‫ﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪ‬

‫ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ‬
‫ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ‬
‫ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ‬
‫ﲿﱠ‬
‫مدنية‬ ‫‪59‬‬ ‫ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬ ‫النور‬ ‫‪4‬‬ ‫األطفال‬
‫وردت مرة‬
‫ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ‬
‫واحدة‬
‫ﱒ‬ ‫ﱑ‬ ‫ﱋ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ‬
‫ﱌ‬

‫ﱓﱔﱕﱠ‬

‫من المالحظ أن مادة (طفل) وردت في القرآن الكريم أربع مرات‪ ،‬واحدة فقط جاءت بصيغة‬
‫الجمع‪ ،‬فأول سؤال يخطر على بال المرء عن سبب ورودها في سورة النور مرة بصيغة المفرد ومرة‬
‫بصيغة الجمع‪ ،‬مع أن كلمة الطفل تستخدم للجمع وللمفرد‪ ،‬وقد أجاب على ذلك د‪ .‬فاضل سامرائي‪،‬‬
‫وهي على النحو اآلتي‪:‬‬

‫قال تعالى في سورة النورﭐﱡﭐ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﱠ‪ 1‬لماذا جاء الطفل‬

‫مفرداً والذين جمع؟‬

‫(النور‪.)31 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪19‬‬
‫من حيث اللغة ليسع كلمة الطفل منحصرة بالمفرد‪ ،‬لكن وردت في سورة النور أيضاً كلمة‬
‫ﱌ‬ ‫ﱋ‬ ‫األطفالﭐﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ‬

‫ﱑ ﱓ ﱔ ﱕﱠﭐ‪ 1‬وفي سورة الحج‪ :‬ﱡﭐﱼ ﱽ ﱾ‬


‫ﱒ‬ ‫ﱍﱎﱏﱐ‬

‫ﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏ‬
‫ﲕﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟ‬
‫ﲖ‬ ‫ﲐﲑﲒﲓﲔ‬

‫ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤﱠ‪ 2‬هذه اآليات تتكلم عن خلق الجنس‪ ،‬وليس عن خلق‬

‫األفراد‪ ،‬فكل الجنس جاء من نطفة‪ ،‬ثم علقة‪ ،‬ثم مضغة‪ ،‬لذا جاءت كلمة طفل‪ ،‬أما قوله تعالى في‬
‫سورة النور‪ :‬ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆﱠﭐ‪3‬ﭐبكلمة األطفال‪ ،‬فهنا السياق مبني‬

‫على عالقات األفراد‪ ،‬وليس على الجنس؛ ألن األطفال عندما يبلغون ينظرون إلى النساء كل واحد‬
‫نظرة مختلفة فال يعود التعاطي معهم كجنس يصلح في الحكم فقال سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐﲟ ﲠ‬

‫ﲩﱠﭐ‪ 4‬فاقتضى الجمع هنا‪ ،‬لكن لماذا قال الطفل في‬


‫ﲪ‬ ‫ﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨ‬

‫سورة النور في اآلية‪ :‬ﱡ ﭐﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﱠﭐ‪5‬ﭐ‪.‬‬

‫يالحظ أن كل المذكورين في اآلية موقفهم مختلف بالنسبة لعورات النساء‪ ،‬أما الطفل فموقفه‬
‫َ‬
‫واحد بالنسبة لعورات النساء في جميع الحاالت؛ ألنهم ال يعلمون بعد عن عورات النساء فهي تعني‬
‫لهم الشيء نفسه‪ ،‬فجعلهم كجنس واحد‪ ،‬لذا أفرده مع أنه جمع‪ ،‬لكن اختيار اللفظ ناسب سياق‬
‫اآليات‪.6‬‬

‫والخالصة أن الطفولة هي مرحلة تبدأ بالوالدة وتنتهي بالبلوغ‪ ،‬وقد اهتم اإلسالم بتلك المرحلة‪،‬‬
‫على نحو يحقق مصالحها في الجانب الدنيوي والجانب األخروي‪ ،‬إلنباتها نباتاً حسناً‪ ،‬وتبين أن‬

‫‪(1‬النور‪.)59 :‬‬
‫(الحج‪.)5 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(النور‪.)59 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(النور‪.)58 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(النور‪.)31 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫ينظر‪ :‬السامرائي‪ ،‬فاضل صالح‪ ،‬بالغة الكلمة في التعبير القرآني‪ ،‬شركة العاتك لصناعة الكتاب للطباعة والنشر‪-‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪6‬‬

‫(ط‪1427/2‬ه)‪( ،‬ص‪.)92-91:‬‬
‫‪20‬‬
‫ورود كلمة الطفل في القرآن الكريم ينسجم مع سياق اآلية‪ ،‬لتعطي كلمة الطفل في كل آية معنى‬
‫ً‬
‫جديداً بما يتناسب مع ذلك السياق‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬األلفاظ ذات الصلة بالطفل‬

‫ٍ‬
‫حينئذ ينزع‬ ‫الغالم للوَلِد الذي َن َب َع شارُبه؛ ألنه‬ ‫ُغْلم ًة‪ ،‬وهو اهتياج َّ‬ ‫‪ .1‬غالم‪َ :‬غلِ َم‬
‫الش ْهوة‪ ،‬ومنه ُ‬
‫النكاح‪ .1‬ومنه قوله سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ‬ ‫إلى شهوة‬

‫ﲜ ﲝ ﲞ ﱠ‪ ،2‬واإلنبات ال يعد بلوغاً‪ ،‬فإن عالمة البلوغ هي االحتالم‪ ،3‬وبما‬

‫أن الغالم ليس بالغاً فإنه يعد في مرحلة الطفولة ولكن في آخر مراحلها‪ ،‬فالغالم من هو‬
‫دون البلوغ‪.4‬‬

‫اح َد واْل َكِاير و َّ‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصِب ُّي ح َ‬
‫‪،‬‬
‫الذ َك ُر واألُناى‬ ‫اس ٌم َي ْج َم ُع اْل َو َ َ َ‬ ‫ين ُيوَلُد‪ ،‬وهو ْ‬ ‫‪ .2‬الولد‪ :‬أصله َ"وَلد" وهو َّ‬
‫ِ‬ ‫ويقال والِده إذا كان والد َعَلى َّ‬
‫الن َس ِب ‪ ،‬أي من صلبه ‪َ ،‬واْل َولِ ُيد‪ :‬اْل ُغ َال ُم ح َ‬
‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬
‫وصف َقْب َل‬
‫ين ُي ْستَ َ‬
‫ﲞﲠﲡﲢﲣ‬ ‫ﲟ‬ ‫أَن َي ْحَتلِ َم‪ .7‬ومنه قوله سبحانه‪ :‬ﱡﭐﲚ ﲛ ﲜ ﲝ‬

‫ﲤﱠ‪ 8‬وجاءت في القرآن الكريم أيضاً عامة تشمل الطفل والبالغ‪ ،‬ومنه قوله سبحانه‪:‬ﭐ‬

‫ﲐ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﱠ"‪.9‬‬
‫ﲑ‬ ‫ﱡﭐﲍ ﲎ ﲏ‬

‫ص ِغ ُيرهُ ُب َني‪ ،‬وقيل أصل االبن التأليف واالتصال من قولك بنية‪ ،‬وهو‬
‫‪ .3‬ابن‪ :‬أصله َ"ب َنٌو"‪َ ،‬وتَ ْ‬
‫صاص والمداومة‪ ،‬وال يقتضي الوالدة المباشرة‪،‬‬ ‫مبني‪ ،‬وأصله بني‪ ،‬وقيل بنو‪ِ ِ ِ ،‬‬
‫ويفيد اال ْخت َ‬
‫ُ‬

‫انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.)439/12( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(الكهف‪.)80 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬الجصاص‪ ،‬أحمد بن علي أبو بكر الرازي الحنفي (ت‪370 :‬ه)‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم محمد علي شاهين‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪( ،‬ط‪1415 /1‬ه)‪.)429/( ،‬‬
‫ينظر‪ :‬العيني‪ ،‬أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى بدر الدين (ت‪855 :‬ه)‪ ،‬عمدة‬ ‫‪4‬‬

‫القاري شرح صحيح البخاري‪ ،‬دار إحياء التراث العربي –بيروت‪.)29/21( ،‬‬
‫ينظر‪ :‬ابن سيده‪ ،‬المخصص‪.)387 /4( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ 6‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.)467/3( ،‬‬


‫‪ 7‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.)469/3( ،‬‬
‫‪( 8‬البقرة‪.)223 :‬‬
‫‪( 9‬التغابن‪.)15:‬‬
‫‪21‬‬
‫ويطلق على الذكر فقط‪ ،1‬وجاءت في القرآن الكريم بمعنى طفل‪ :‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﱁ ﱂ‬

‫ﱌﱎ‬
‫ﱍ‬ ‫ﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋ‬

‫ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱠ"‪.2‬‬

‫وجاءت أيضاً بمعنى البالغ‪ ،‬ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐﲗ ﲘ ﲙ ﲚ‬

‫ﲛﱠ‪.3‬‬

‫الصغار"‪ ،4‬ومنه قوله سبحانه‪ :‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﱖ ﱗ ﱘ ﱙ‬ ‫ِ‬ ‫‪ .4‬ذرية‪" :‬نسل ِْ‬


‫اإل ْن َسان َوالن َساء َو َ‬
‫ﱧﱩ‬
‫ﱨ‬ ‫ﱣﱥﱦ‬
‫ﱤ‬ ‫ﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢ‬

‫ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱠ‪.5‬‬

‫أي‪" :‬إخراجهم من أصالبهم نسالً وإشهادهم على أنفسهم" ‪ ،6‬فهي عامة تشمل النسل بما‬
‫فيهم الصغار‪.‬‬
‫‪ .5‬أهل‪ :‬أهل الرجل أخص الناس به‪ ،‬واألصل أنها تطلق على الزوجة ثم َع َّم استخدامها على‬

‫َهل يكون من ِج َهة الن َسب واالختصاص"‪ ،8‬وبالتالي فهي عامة تشمل األوالد‬ ‫‪7‬‬
‫األوالد ‪" ،‬و ْاأل ْ‬
‫بما فيهم الطفل والبالغ‪ ،‬وتشمل الزوجة أيضاً‪.‬‬
‫اب اْل َح َد ُث َّالِذي َش َّب وَق ِوي"‪ .9‬ومنه قوله سبحانه‪ :‬ﱡﭐﱳ ﱴ‬ ‫‪ .6‬الفتى‪ :‬أصله "فتا" أي " َّ‬
‫الش ُّ‬
‫ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾﱠ‪ 10‬وبالتالي فإن الطفل ال‬

‫يدخل ضمن هذا المعنى‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬العسكري‪ ،‬الفروق اللغوية‪.)282/1( ،‬‬


‫(البقرة‪.)49:‬‬ ‫‪2‬‬

‫(النساء‪.)23:‬‬ ‫‪3‬‬

‫مصطفى‪ ،‬إبراهيم أحمد الزيات‪ ،‬حامد عبد القادر‪ ،‬محمد النجار‪ ،‬المعجم الوسيط‪ ،‬دار الدعوة ‪-‬القاهرة(‪.)310/1‬‬ ‫‪4‬‬

‫(األعراف‪.)172 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫الزمخشري‪ ،‬أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد‪( ،‬ت‪538 :‬ه)‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،‬دار الكتاب العربي‬ ‫‪6‬‬

‫–بيروت‪( ،‬ط‪1407- 3‬ه)‪.)176/2( ،‬‬


‫ينظر‪ :‬الفاروقي‪ ،‬محمد بن علي ابن القاضي‪ ،‬موسوعة كشاف اصطالحات الفنون والعلوم‪ ،‬مكتبة لبنان ناشرون –بيروت‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫ط‪1996 ،1‬م‪ .‬ت‪ :‬د‪ .‬علي دحروج‪.)287 /1( ،‬‬


‫العسكري‪ ،‬الفروق اللغوية‪.)281/1( ،‬‬ ‫‪8‬‬

‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.)148/15( ،‬‬ ‫‪9‬‬

‫(النور‪.)33 :‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪22‬‬
‫‪ .7‬الصبي‪ :‬أصله "صبا"‪ :‬الصبوة‪" :‬جهلة الفتوة واللهو من الغزل‪ .‬يقال‪ :‬رأيته في صباه أي في‬

‫صغره‪ ،‬والصبي‪ :‬من لدن يولد إلى أن يفطم"‪.1‬‬

‫ﱮ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷﱠ‪ 2‬جاءت‬
‫ﱯ‬ ‫ومنه قوله سبحانه‪ :‬ﱡﭐﱭ‬

‫ﱄﱆﱇ‬
‫ﱅ‬ ‫بمعنى الطفل قبل الفطام‪ .‬ومنه قوله سبحانه‪ :‬ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ‬
‫ﱈﱠ‪ ،3‬فجاءت في القرآن الكريم في مرحلة قبل الفطام‪ ،‬وكذلك بعد الفطام‪ ،‬وقد فسره الطبري‪:‬‬

‫"وأعطيناه الفهم لكتاب هللا في حال صباه قبل بلوغه أسنان الرجال"‪ ،4‬أي جاءت هنا بالمعنى األشمل‬
‫وهو في حال صغره‪.‬‬

‫وبالتالي فإن أكار هذه المصطلحات شموالً هي (األهل)؛ ألنها تشمل األوالد كبا اًر وصغا اًر‬
‫وتشمل الزوجة أيضاً‪ ،‬ثم (الذرية) والتي تشمل النسل كبا اًر وصغا اًر‪.‬‬

‫أما (االبن) و(الولد) فهما يتفقان في أنهما يطلقان على الصغير والكبير‪ ،‬ولكنهما يختلفان‬
‫في أن االبن ال يقتضي الوالدة فهو يطلق أيضا على الحفيد وولد الحفيد‪ ،‬أما الولد فإنه يختص باإلبن‬
‫المولود فقط فال يسمى الحفيد ولدا‪ ،‬فإذا قال الرجل‪ :‬هذا ولدي‪ ،‬يعني أنه ابنه من صلبه‪.‬‬

‫أما (الصبي) و(الغالم)‪ ،‬فكالهما يطلقان على الطفل‪ ،‬إال أن الغالم في آخر مراحل الطفولة‬
‫إذ ينبع الشارب وتهيج الشهوة‪ ،‬أما الصبي فهي أشمل‪ ،‬إذ تطلق على مرحلة ما قبل الفطام أو بعد‬
‫الفطام‪.‬‬

‫أما (فتى) فإنه ال يدخل في مرحلة الطفولة ألنه شاب يافع‪.‬‬

‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.)450-449/14( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(مريم‪.)29 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(مريم‪.)12 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫الطبري‪ ،‬محمد بن جرير بن يزيد بن كاير‪( ،‬ت‪ ،)310:‬جامع البيان في تأويل القرآن القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد محمد شاكر‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫مؤسسة الرسالة‪( ،‬ط‪1420/1‬ه)‪.)155/18( ،‬‬


‫‪23‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬الطفل في السنة النبوية‬

‫كايرة هي األحاديث التي تضم في ثناياها األطفال‪ ،‬والتي تظهر مكانة الطفل المرموقة في‬
‫السيرة النبوية‪ ،‬وقد ورد الطفل في األحاديث النبوية بعدة ألفاظ‪ ،‬وهي على النحو اآلتي‪:‬‬

‫أوًلا‪ :‬الولد‬

‫ِِ‬ ‫يقول عليه الصالة والسالم‪" :‬مروا أَوَالد ُكم ِب َّ ِ‬


‫اض ِرُب ُ‬
‫وه ْم َعَل ْي َها‪،‬‬ ‫ين‪َ ،‬و ْ‬
‫اء َس ْب ِع سن َ‬
‫الص َالة َو ُه ْم أ َْب َن ُ‬ ‫ُُ ْ َ ْ‬
‫ض ِ‬ ‫ِ‬
‫اج ِع"‪ ،1‬إذ "الصبيان ليسوا محال للتكليف فال يأمرهم الشارع‬ ‫اء َع ْش ٍر َوَف ِرُقوا َب ْي َن ُه ْم في اْل َم َ‬
‫َو ُه ْم أ َْب َن ُ‬
‫بشيء"‪ ،2‬هذا يعني أن الصبي هو الطفل‪ ،‬والذي لم يتجازو الحلم‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬األهل‬

‫ول‬
‫اع َو َم ْسُئ ٌ‬
‫ام َر ٍ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫"كُّل ُكم ر ٍ ُّ‬
‫ول َع ْن َرعيَّته‪ ،‬اإل َم ُ‬ ‫اع‪َ ،‬وُكل ُك ْم َم ْسُئ ٌ‬ ‫وذلك في قوله عليه الصالة والسالم‪َ ْ ُ :‬‬
‫اع ِفي أَهلِ ِه وهو مسئُول عن رِعيَِّت ِه‪ ،‬والم أرَة ر ِ‬
‫اع َي ٌة ِفي َب ْي ِع َزْو ِج َها َو َم ْسئُوَل ٌة َع ْن‬ ‫َع ْن َرِعيَِّت ِه‪َ ،‬و َّ‬
‫الرُج ُل َر ٍ‬
‫َ َْ ُ َ‬ ‫ْ َ َُ َ ْ ٌ َ ْ َ‬
‫ول َع ْن َرِعيَِّت ِه"‪ ،3‬وأهله أي "زوجته وعياله"‪ ،4‬وعياله بما فيهم‬ ‫ِ ِِ‬ ‫رِعيَِّتها‪ ،‬والخ ِادم ر ٍ ِ‬
‫اع في َمال َسِيده َو َم ْسئُ ٌ‬ ‫َ َ َ َ َُ‬
‫الصغير والكبير‪ ،‬فهي تضم في أفرادها األطفال‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الغالم‬

‫صلَّى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم ِبَق َد ٍح‪،‬‬ ‫َِّ‬


‫النب ُّي َ‬ ‫ال‪ :‬أُِتي‬‫َّللاُ َع ْن ُه‪َ ،‬ق َ‬
‫ضي َّ‬ ‫فقد ورد عن سه ِل ب ِن سعٍد ر ِ‬
‫َ‬ ‫َْ َْ ْ َْ َ َ‬
‫ُع ِط َي ُه‬ ‫ِ‬ ‫اخ َع ْن َيس ِِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪"َ :‬يا ُغالَ ُم أَتَ ْأ َذ ُن لي أ ْ‬
‫َن أ ْ‬ ‫َفَق َ‬ ‫اره‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َف َش ِر َب م ْن ُه‪َ ،‬و َع ْن َيمينه ُغالٌَم أ ْ‬
‫َص َغ ُر الَق ْومِ‪َ ،‬واأل َْش َي ُ‬

‫‪ 1‬أبو داود‪ ،‬سليمان بن األشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو األزدي الس ِج ْستاني (ت‪275 :‬ه)‪ ،‬سنن أبي داود‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬المكتبة العصرية ‪-‬بيروت‪ ،‬كتاب الصالة‪ /‬باب (‪ )26‬متى يؤمر الغالم بالصالة‪ ،‬رقم‬
‫(‪ .)494‬والترمذي‪ ،‬جامع الترمذي‪ ،‬أبواب الصالة‪ /‬باب (‪ )182‬ما جاء متى يؤمر الصبي بالصالة‪ ،‬رقم (‪ .)407‬وقال‪ :‬وفي‬
‫الباب عن عبد هللا بن عمرو‪ .‬حديث سبرة بن معبد الجهني حديث حسن‪.‬‬
‫أبو الفضل‪ ،‬زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي (ت‪806 :‬ه)‪ ،‬أكمله ابنه‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين الكردي ال ارزياني ثم المصري‪ ،‬أبو زرعة ولي الدين‪ ،‬ابن العراقي (ت‪826 :‬ه)‪ ،‬طرح التثريب‬
‫في شرح التقريب (المقصود بالتقريب‪ :‬تقريب األسانيد وترتيب المسانيد)‪ ،‬الناشر‪ :‬الطبعة المصرية القديمة‪.)87/7( ،‬‬
‫‪ 3‬متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب قوا أنفسكم وأهليكم نا اًر‪ ،‬حديث رقم (‪ .)26/7( ،)5188‬وصحيح مسلم‪،‬‬
‫كتاب اإلمارة‪ ،‬باب فضيلة اإلمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق‪ ،‬حديث رقم (‪.)1474/3( ،)1829‬‬
‫القسطالني‪ ،‬أحمد بن محمد بن أبى بكر‪ ،‬أبو العباس‪ ،‬شهاب الدين (ت‪923 :‬ه)‪ ،‬إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫المطبعة الكبرى األميرية ‪-‬مصر‪( ،‬ط‪1323 /7‬ه)‪.)12 /5( ،‬‬


‫‪24‬‬
‫طاهُ ِإيَّاهُ"‪ ،1‬إذ أن "عبد هللا بن‬
‫َع َ‬ ‫األ َْشياخ"‪َ ،‬قال‪" :‬ما كنع ِألُوِثر ِبَفضلِي ِمنك أَحدا يا رسول َّ ِ‬
‫َّللا‪َ ،‬فأ ْ‬ ‫ْ َ ًَ َ َ ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ ُْ ُ‬ ‫َ َ‬
‫عباس ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬لم يبلغ حينئذ الحلم"‪ ،2‬أي أنه كان طفالً‪.‬‬

‫رابع ا‪ :‬الصبي‬

‫وذلك في قوله عليه الصالة والسالم ُ"رِف َع اْلَقَلم َع ْن ثَ َالثَ ٍة‪َ :‬ع ِن َّ‬
‫الن ِائ ِم َحتَّى َي ْستَْي ِق َ‬
‫ظ‪َ ،‬و َع ِن‬ ‫ُ‬
‫الصِب ِي َحتَّى َي ْكُب َر"‪ .3‬وقوله حتى يكبر‪ ،‬أي حتى "يبلغ"‪ ،4‬وبذلك يظهر أن‬ ‫الم ْبَتَلى َحتَّى َي ْب َأرَ‪َ ،‬و َع ِن َّ‬
‫ُ‬
‫الصبي لفظ يحمل معنى الطفل الذي لم يبلغ‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬الصغير‬

‫ف َكِب ِ‬ ‫وذلك في قوله عليه الصالة والسالم‪َ" :‬ليس ِمنَّا من َلم يرحم ِ‬
‫يرَنا"‪،5‬‬ ‫صغ َيرَنا َوَي ْع ِر ْف َش َر َ‬
‫َ ْ ْ َْ َ ْ َ‬ ‫َْ‬
‫ومن مظاهر رحمة الصغار "حمل األطفال إلى أهل الفضل والصالح ليدعوا لهم‪ ،‬سواء كان عقيب‬
‫الوالدة أو بعدها"‪ ،6‬واإلحسان إليهم‪ ،‬والرفق بهم‪ ،‬فالصغير هو الطفل منذ والدته إلى أن يحتلم‪.‬‬

‫وهكذا يتبين أن الطفل ورد في أكار من موضوع في القرآن الكريم‪ ،‬والسنة النبوية‪ ،‬وبأكار‬
‫من لفظ‪ ،‬وكلها تحمل معنى الذي لم يبلغ الحلم‪.‬‬

‫متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب المساقاة‪ ،‬باب من رأى صدقة الماء وهبته‪ ،‬حديث رقم (‪ .)109/3( ،)2351‬وصحيح‬ ‫‪1‬‬

‫مسلم‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما على يمين المبتدئ‪ ،‬حديث رقم (‪.)1604 /3( ،)2030‬‬
‫األندلسي‪ ،‬أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث (ت‪474 :‬ه)‪ ،‬المنتقى شرح الموطأ‪ ،‬مطبعة السعادة‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬بجوار محافظة مصر‪( ،‬ط‪ 1332 /1‬ه)‪.)238 /7( ،‬‬


‫أبو داود‪ ،‬سليمان بن األشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو األزدي الس ِج ْستاني‪( ،‬ت‪275 :‬ه)‪ ،‬سنن أبي داود‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬المكتبة العصرية ‪-‬بيروت‪ ،‬كتاب الحدود‪ ،‬باب المجنون يسرق أو يصيب حداً‪ ،‬حديث‬
‫رقم‪ ،)141/4( ،)4403( :‬المستدرك على الصحيحين‪ .‬تحقيق‪ :‬مصطفى عبد القادر عطا‪( ،‬ط‪ ،)1990–1411 /1‬دار الكتب‬
‫العلمية –بيروت‪ ،‬حديث رقم‪ ،)389/1( ،)949( :‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه‪ ،‬وهو مرفوع حكماً‬
‫‪-‬كما قال ابن حجر‪ -‬ألنه مما ال ُيقال فيه بالرأي‪ .‬ينظر‪ :‬ابن حجر‪ ،‬أحمد بن علي أبو الفضل العسقالني الشافعي‪ ،‬فتح‬
‫الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،‬دار المعرفة ‪-‬بيروت‪1379 ،‬ه‪ ،‬رقم كتبه وأبوابه وأحادياه‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬قام بإخراجه‬
‫وصححه وأشرف على طبعه‪ :‬محب الدين الخطيب‪.)121 /12( ،‬‬
‫القاري‪ ،‬علي بن سلطان محمد‪ ،‬أبو الحسن نور الدين المال الهروي (ت‪1014 :‬ه)‪ ،‬شرح مسند أبي حنيفة‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ‬ ‫‪4‬‬

‫خليل محيي الدين الميس‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪( ،‬ط‪1405 /1‬ه‪1985-‬م)‪.)48/1( ،‬‬
‫جامع الترمذي‪ ،‬أبواب البر والصلة‪ ،‬باب ما جاء في رحمة الصبيان‪ ،‬حديث رقم (‪ ،)386/3( ،)1920‬وقال الترمذي في‬ ‫‪5‬‬

‫التعليق‪" :‬حديث حسن صحيح‪ ،‬وقد روي عن عبد هللا بن عمرو من غير هذا الوجه أيضا‪ ،‬قال بعض أهل العلم‪ :‬معنى قول‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم‪ :‬ليس منا يقول‪ :‬ليس من سنتنا‪ ،‬ليس من أدبنا"‪.‬‬
‫العيني‪ ،‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪.)133 /3( ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪25‬‬
‫المطلب السادس‪ :‬الطفل في القانون الدولي‬

‫شهد القرن الماضي منذ عام ‪1989‬م بداية في تغيير التعامل مع الطفل من خالل ممارسات‬
‫لم تكن سائدة من قبل‪ ،‬إذ توجع باتفاقية حقوق الطفل في العام ‪1989‬م‪ ،‬وقيام العديد من الدول‬
‫بالتصديق عليها تماشياً مع المتغيرات الدولية التي انصب جل اهتمامها على األطفال‪.1‬‬

‫"وعندما نشأت األمم المتحدة نصع في ميااقها على احترام حقوق اإلنسان وكانع عصبة‬
‫األمم المتحدة قد قامع بإصدار إعالن جنيف لعام ‪1924‬م بخصوص الطفل والذي كان فاتحة‬
‫لصدور العديد من اإلعالنات واالتفاقيات الدولية لحقوق الطفل في إطار المنظمة العالمية ووكاالتها‬

‫المتخصصة"‪.2‬‬

‫فقد أكدت األمم المتحدة اهتمامها بالطفل على نحو جعلها تسير في اإلعالن العالمي لحقوق‬

‫اإلنسان ‪1948‬م إلى حق الطفولة في الرعاية‪ ،‬كما أثمر هذا االهتمام عدة مواثيق وإعالنات تقرر‬
‫حقوق الطفل بوصفه إنساناً وبوصفه طفالً‪ ،‬بعدها تم اعتماد اإلعالن العالمي لحقوق الطفل لسنة‬
‫‪1959‬م‪ ،‬ثم توجهع األمم المتحدة في ‪ 20‬نوفنبر ‪1989‬م عندما اعتمدت الجمعية العامة اتفاقية‬
‫األمم المتحدة لحقوق الطفل‪ ،‬والتي بموجبها نقلع حقوق الطفل من دائرة االختيار إلى دائرة اإللزام‪،‬‬

‫كما أنها تكفل نظاماً قانونياً للحماية يترتب عليه مجموعة من الحقوق وااللتزامات القانونية على‬
‫الدول التي تصادق عليها‪.3‬‬

‫وعلى الرغم من أن مصطلح الطفل قد ورد في العديد من الوثائق الدولية واتفاقيات وإعالنات‬
‫حقوق اإلنسان‪ ،‬إال أن معظم هذه الوثائق لم تحدد على وجه الدقة‪ ،‬كذلك لم تحدد معظمها سن نهاية‬
‫الطفولة‪.4‬‬

‫ينظر‪ :‬باودي‪ ،‬حسين المجدي‪ ،‬حقوق الطفل‪ ،‬دار الفكر الجامعي ‪-‬اإلسكندرية‪2006 ،‬م‪" ،‬ص‪"8:‬‬ ‫‪1‬‬

‫عبد هللا‪ ،‬سمر خليل محمود‪ ،‬رسالة ماجستير بعنوان‪ :‬حقوق الطفل في اإلسالم واًلتفاقيات الدولية دراسة مقارنة‪ ،‬جامعة‬ ‫‪2‬‬

‫النجاح الوطنية ‪-‬نابلس‪2003 ،‬م‪ ،‬ص‪.1 :‬‬


‫ينظر‪ :‬مليكة أخام‪ ،‬المعايير الدولية لحماية الطفل من العنف دراسة مقارنة بالتشريع الجزائري‪ ،‬المجلة الجزائرية للعلوم‬ ‫‪3‬‬

‫القانونية واالقتصادية والسياسية‪ ،‬عدد ‪ ،2‬الجزائر‪2008 ،‬م‪ ،‬ص‪.11-10:‬‬


‫‪ 4‬ينظر‪ :‬سعيد‪ ،‬محمود سعيد محمود‪ ،‬الحماية الدولية لألطفال أثناء النزاعات المسلحة‪ ،‬دار النهضة العربية ‪-‬القاهرة‪2007 ،‬م‪،‬‬
‫"ص‪."10‬‬
‫‪26‬‬
‫وقد عرفع االتفاقية الدولية لحقوق الطفل لسنة ‪1989‬م ألول مرة من هو الطفل‪ ،‬إذ نصع‬

‫المادة األولى منها على أنه " كل إنسان لم يتجاوز الاامنة عشرة ما لم يبلغ الرشد قبل ذلك بموجب‬
‫القانون المنطبق عليه"‪.1‬‬

‫يالحظ أن تعريف الطفل الوارد في االتفاقية يسمح لكل دولة تحديد سن الرشد بناء على‬

‫ظروفها وآرائها الخاصة‪ ،‬إضافة إلى أن التعريف لم يحدد عالمات سن الرشد‪ ،‬مما يفقد الدقة في‬
‫تحديد سن الطفولة‪.‬‬

‫وكذلك لم يتم تحديد نهاية سن الطفل في اإلطار العربي للطفولة ‪2001‬م‪ ،‬وقد تم التطرق‬

‫إلى الطفل في األهداف العامة بالقول‪" :‬يجب تكريس الحقوق للطفل حتى إتمام الاامنة عشرة دون‬

‫أي تمييز بسبب العنصر أو الدين أو اللغة أو الجنس أو الوضع االجتماعي أو المولد ألي سبب‬
‫آخر"‪.2‬‬

‫هذا يعني أن التعريف أشار إلى أن الطفولة تنتهي إلى الثامنة عشرة‪ ،‬دون اعتبار شرط‬
‫البلوغ‪.‬‬

‫وقد حذا القانون الدولي حذو الشريعة في حماية حقوق الطفل‪ ،‬إال أنه أهمل بعض الحقوق‬

‫رغم أهميتها‪ ،‬كحقوق الطفل اليتيم واللقيط مثالً‪ ،‬فيصعب أن تجد مادة تنص على حق الطفل اليتيم‬
‫واللقيط في القانون الدولي‪ ،‬وعلى حق الطفل في النسب‪ ،‬وكذلك حقوقه قبل الوالدة‪ ،‬فال يوجد مادة‬
‫في القانون الدولي تعرف الجنين‪ ،‬أو تبين أحكام مراحل تكونه في الرحم‪ ،‬فضالً عن قلة المواد التي‬

‫تنص على حق الجنين في الحياة‪ ،‬وحرمة التعدي عليه باإلجهاض‪ ،‬بل إن هناك مؤتمرات دولية‬
‫تدعوا إلى كفالة اإلجهاض اآلمن أو القانوني‪ ،‬وهو في الحقيقة تع ّد صارخ على حق الطفل في‬
‫الحياة‪.3‬‬

‫‪ 1‬اتفاقية األمم المتحدة لحقوق الطفل‪ ،‬اعتمدت بموجب قرار الجمعية العامة ألمم المتحدة رقم‪ 25 /44 :‬المؤرخ في ‪20‬نوفمبر‬
‫‪1989‬م‪ ،‬حيث وقع عليها في ذلك اليوم ‪61‬دولة‪ ،‬ودخلع االتفاقية حيز التنفيذ في ‪ 2‬سبتمبر ‪1990‬م‪.‬‬
‫اإلطار العربي للطفولة‪ ،‬جامعة الدول العربية ‪-‬األمانة العامة‪ ،‬اإلدارة العامة للشؤون االجتماعية والاقافية ‪-‬إدارة الطفولة‬ ‫‪2‬‬

‫المصادق عليه من مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة المملكة األردنية الهاشمية ‪-‬عمان‪ 28 ،‬مارس ‪.2001‬‬
‫ينظر‪ :‬كهينة‪ ،‬العسكري‪ ،‬رسالة ماجستير بعنوان‪ :‬حقوق الطفل بين الشريعة اإلسالمية والقانون الدولي‪-‬الج ازئر‪ ،‬جامعة‬ ‫‪3‬‬

‫امحمد بوقرة بومرداس‪2016 ،‬م‪ ،‬ص‪.146-145 :‬‬


‫‪27‬‬
‫وهكذا يتبين أن تعريف الطفل في القانون الدولي لم يكن على وجه الدقة كما هو في الشريعة‬

‫اإلسالمية‪ ،‬إذ جعلت الشريعة اإلسالمية البلوغ هي عالمة انتهاء مرحلة الطفولة‪ ،‬وبينت عالماته‪،‬‬
‫على خالف الوثائق القانونية‪ ،‬فبعضها اكتفت بتحديد نهاية الطفولة إلى الثامنة عشرة‪ ،‬وبعضها أشار‬
‫إلى سن الرشد دون تحديد معايير سن الرشد‪ ،‬مما يتيح لكل دولة تحديد سن الرشد بناء على ظروفها‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫مفهوم المدرسة السلوكية‬

‫المبحث األول‪ :‬نشأة المدرسة السلوكية‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التعريف بأبرز رواد المدرسة السلوكية‬

‫المبحث الثالث‪ :‬التطبيقات التربوية للمدرسة السلوكية‬

‫‪29‬‬
‫المبحث األول‬

‫نشأة المدرسة السلوكية والتعريف بها‬

‫تشتق كلمة السلوكية من السلوك الذي يقصد به كل نشاط لفظي أو غير لفظي‪ ،‬ظاهر أو‬
‫خفي‪ ،‬يصدر عن الفرد‪ ،‬ولقد أثرت النظريات السلوكية تأثي اًر عظيماً في التربية إللحاحها على أهمية‬

‫تأثير العالم الخارجي في النمو‪ ،‬وألنها قدمع األساس لالعتقاد أن تعلم األطفال وسلوكهم يتأثر‬
‫باستخدام الطرائق المناسبة من قبل المعلمين‪.1‬‬

‫و"حيث تهتم النظريات السلوكية بنواتج عملية التعلم‪ ،‬أو ما يسمى بالتغيرات التي تط أر على‬

‫السلوك بالدرجة األولى‪ ،‬وال تهتم بالعمليات الداخلية التي تحدث داخل الفرد‪ ،‬فالسلوك الظاهري القابل‬
‫للمالحظة والقياس يعد المحور الرئيسي الذي تركز عليه هذه النظريات‪ ،‬كما وتركز النظريات‬
‫السلوكية على دور الحوادث البيئية والتفاعل معها في عملية التعلم‪ ،‬وتقلل من شأن العوامل الفطرية‬
‫والوراثية في هذه العملية"‪ ،2‬ففي رأي أصحاب هذا المذهب أن العمليات الهامة التي تتحكم بالسلوك‬
‫‪3‬‬ ‫هي العمليات ال َّ‬
‫متعلمة‪.‬‬

‫ويسعى العديد من أصحاب نظريات الشخصية إلى تفسير السلوك البشري في ضوء أسباب‬
‫داخلية مفترضة مال الغرائز‪ ،‬ومشاعر النقص‪ ،‬والصراع بين المكونات المختلفة للشخصية‪ ،‬والقع‬
‫هذه التكوينات الداخلية نوعاً من القبول والصدق‪ ،‬ولكن منذ قدم "فرويد" غريزة الموت والنموذج‬
‫التكويني لنظريته (اْل ُه َو‪ -‬األنا – األنا األعلى) سعى عالم النفس األمريكي الشهير "واطسون" إلى‬
‫انتقاد هذه النظرية‪ ،‬وبرهن على أن (الفوبيا)‪ 4‬يمكن إحداثها من خالل قوى خارجية‪ ،‬والذي تأثر هو‬

‫ينظر‪ ،‬سكر‪ ،‬علي‪ ،‬والقنطار‪ ،‬فايز‪ ،‬مدخل إلى علم النفس التربوي‪ ،‬مكتبة الفالح‪-‬الكويع‪( ،‬ط‪ 2005/1‬م)‪( ،‬ص‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.)177/122‬‬
‫الزغلول‪ ،‬عماد عبد الرحيم‪ ،‬مبادئ علم النفس التربوي‪ ،‬دار المسيرة‪-‬عمان‪( ،‬ط‪ 2011/3‬م)‪( ،‬ص‪.)190:‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ ،‬كالين‪ ،‬ستيفن‪ ،‬التعلم مبادئه وتطبيقاته‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم‪ ،‬رباب حسنى‪ ،‬راجع الترجمة‪ :‬البداح‪ ،‬إبراهيم بن علي‪ ،‬مركز‬ ‫‪3‬‬

‫البحوث‪-‬السعودية‪ 2003( ،‬م)‪.)54/1( ،‬‬


‫‪ 4‬أوضح البروفيسور يورجن مارجراف أستاذ علم النفس بجامعة بوخوم األلمانية أن الفوبيا أو الرهاب مرض نفسي ُيعرف بأنه‬
‫خوف متواصل من موقف أو نشاط معين عند حدوثه أو مجرد التفكير فيه أو جسم أو شخص معين عند رؤيته أو مجرد التفكير‬
‫فيه‪ .‬مقال بعنوان‪ :‬الفوبيا‪ ..‬متى تصبح مرضا وكيف يمكن مواجهتها‪ ،‬تم نشره في ‪ ،2017/12/26‬موقع الجزيرة‪www. ،‬‬
‫‪aljazeera. net‬‬
‫‪30‬‬
‫اآلخر بالعالِم "بافلوف" الذي يعد أول من أشار إلى (اإلشراط الكالسيكي)‪ 1‬والتي توصل إليها من‬

‫خالل تجاربه الشهيرة على الكالب‪ ،2‬بعد ذلك استطاع "واطسون" إجراء تجربة على طفل صغير‬
‫عمره ‪ 11‬شه اًر يدعى "ألبرت" ال تخيفه إال األصوات المرتفعة والمفاجئة‪ ،‬فكان يقدم الفأر األبيض‬
‫مقترناً بالصوت المرتفع حتى حدث اقتران بين الخوف من الصوت المرتفع والفأر‪ ،‬وأصبح الطفل‬

‫يخاف من الفأر األبيض بعد أن كان ال يخاف منه‪ ،‬بل وعمم خوفه إلى أية حيوانات تشبه الفأر‬
‫األبيض مال األرانب ذات الفراء األبيض‪ ،‬وهنا أعلن واطسون أنه من الحماقة أن نرجع المرض‬
‫النفسي إلى عوامل داخلية‪ ...‬وتوصل إلى أن علم النفس ينبغي أن يصب اهتمامه على دراسة‬

‫السلوك فحسب‪ ،‬وقد كان "سكنر" من المؤمنين بفكر "واطسون" و"بافلوف" إال أنه كان يتميز بوجهة‬
‫نظر مختلفة بعض الشيء‪ .‬فبينما كانا "واطسون" و"بافلوف" يؤمنان بأن األحداث التي تسبق السلوك‬
‫هي التي تحدد درجة احتمالية حدوثه (اقتران كالسيكي) كان "سكنر" يؤمن بأن ما يحدد درجة حدوث‬
‫السلوك هو األحداث التي تعقب هذا السلوك (اقتران إجرائي)‪.3‬‬

‫أي أن المايرات الشرطية تسبق وتستدعي االستجابة المشروطة‪ .‬ينظر‪ :‬عبد الرحمن‪ ،‬محمد السيد‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬دار‬ ‫‪1‬‬

‫قباء ‪-‬القاهرة‪1998 ،‬م‪( ،‬ص‪.)535:‬‬


‫قام بافلوف بتشغيل بندول إيقاع وفي لحظة تشغيله كان يضع مسحوق اللحم في فم الكلب حيث يؤدي ذلك إلى إفراز اللعاب‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫وأعيد تكرارها بصورة مستمرة‪ ،‬ثم الحظ أن الكلب أصبح يسيل لعابه بمجرد سماع ايقاع البندول حتى لو لم يقدم له اللحم‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬ناصف‪ ،‬مصطفى‪ ،‬نظريات التعلم دراسة مقارنة‪ ،‬عالم المعرفة ‪-‬الكويع‪1983 ،‬م‪( ،‬ص‪.)74 :‬‬
‫ينظر‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪( ،‬ص‪.)525 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪31‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫أبرز رواد المدرسة السلوكية‬

‫تنشأ المدارس نتيجة لنظريات ثلة من العلماء الذين يتفقون في مبادئهم ووجهات نظرهم‪،‬‬
‫لتُضم أفكارهم تحع مجموعة من النظريات ليظهر ما يسمى بالمدرسة‪ ،‬وتضم المدرسة السلوكية‬

‫مجموعة من العلماء الذين بذلوا الجهد في دراسة السلوك‪ ،‬ومن أهمهم‪:‬‬

‫أوًل‪" :‬بروس اف سكنر"‬

‫ولد في والية بنسلفانيا األمريكية عام ‪1904‬م‪ ،‬حصل على درجة البكالوريوس في اللغة‬

‫اإلنجليزية‪ ،‬ثم توجه إلى اإلهتمام بدراسة السلوك نظ اًر الهتمامه بكتابات "واطسون" و"بافلوف" بهذا‬
‫الشأن‪ ،‬والتحق ببرنامج الدراسات العليا في قسم علم النفس‪ ،‬واتجه إلى دراسة سلوك الحمام باإلضافة‬
‫إلى دراسة سلوك الفئران‪ ،‬واستطاع وضع جداول التعزيز‪ ،‬واهتم أيضاً بموضوع التعليم‪ ،‬وكتب الكاير‬
‫عن السلوك اإلجرائي‪ ،‬وأسهم في إعادة صياغة األهداف التربوية على نحو سلوكي قابل للتحقيق‪.1‬‬

‫ويعد من أبرز الذين اهتموا بدراسة الظاهرة السلوكية من خالل دراسة السلوك نفسه‪ ،‬وليس‬
‫عن طريق أية دراسات أخرى خارج مظاهر السلوك‪ ،‬ولذلك وجه عنايته إلى العالقة بين الماي ارت‬

‫واالستجابات‪ ،‬ولم يتعرض لتكوينات اإلنسان الداخلية‪ ،‬إنما قصر اهتمامه على الظاهرة السلوكية كما‬
‫تحدث وكما شاهدها‪ ،‬ويهدف إلى الكشف عن العالقات التي تربط بين الوقائع المشاهدة ليخرج منها‬
‫بوصف بسيط مناسب‪ ،‬أو بقاعدة تفسر الوقائع‪.2‬‬

‫ثانيا‪" :‬جون دوًلرد" و"نيل ميلر"‬

‫ولد "دوالرد" في والية "بويسكونسن" في الواليات المتحدة عام ‪1900‬م‪ ،‬حصل على درجة‬
‫الدكتوراه في الفلسفة‪ ،‬وأصبح أستاذاً مساعداً لعلم اإلجتماع في معهد العالقات اإلنسانية في جامعة‬

‫يل‪.‬‬

‫ينظر‪ ،‬الزغلول‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬دار الشروق ‪-‬عمان‪( ،‬ط‪2003/1‬م)‪( ،‬ص‪.)79-78:‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ ،‬األنصارى‪ ،‬عالء سيف الدين‪ ،‬األسس النفسية واًلجتماعية للتعلم التعلم التجريبي‪ ،‬دار الكتاب الحديث ‪-‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(‪2009‬م)‪( ،‬ص‪.)183 :‬‬


‫‪32‬‬
‫وولد "ميلر" أيضاً في والية "بويسكونسن" عام ‪1909‬م‪ ،‬حصل على درجة أستاذ لعلم النفس‬

‫من جامعة يل‪ ،‬وكان باحااً بمركز دراسات العلوم اإلجتماعية‪ ،‬وكان أيضاً أستاذاً مساعداً وأستاذاً‬
‫في أكار من معهد‪.‬‬

‫ويعد تعاونه مع دوالرد من عوامل شهرته في علم النفس بسبب دراستهما التجريبية التي‬

‫ُوصفع بأنها متقنة‪ ،‬وكتابتهما النظرية عن الدوافع والتدعيم ودراسة الصراعات‪ ،‬وقد ركزت بحوثه‬
‫المبكرة على دراسة السلوك في البيئة الطبيعية ثم تحول اهتمامه إلى دراسة (الدافع)‪ ،1‬و(التعزيز)‪،2‬‬
‫وتعد جهود "دوالرد" و"ميلر" بماابة تقريب بين السلوكية من ناحية ونظرية (التحليل النفسي)‪ 3‬من‬

‫ناحية أخرى‪ ،4‬حيث طور كل من "دوالرد" و"ميلر" نظرية في التعلم تقوم على أساس التعزيز‪،‬‬
‫ويفترضان أن التعزيز ينتج عن خفض الدافع بحيث أن االستجابة موجهة أصالً إلى تخفيض التوتر‬
‫الناشئ عن ذلك الدافع‪ ،‬وليس إلى تحقيق مكافأة أو تعزيز‪ ،‬ومن هنا فهما يعتبران أن الدافع هو‬
‫المحرك األساس للسلوك‪ ،‬وأن التعلم ينطوي على عملية خفض الدافع‪.5‬‬

‫ثالثا‪" :‬ألبرت باندورا"‬

‫ُولد "باندورا" في كندا عام ‪1925‬م‪ ،‬حصل على درجة دكتوراه في علم النفس من جامعة‬

‫"أيوا"‪ ،‬وكان باحااً في قسم علم النفس بجامعة "ستانفورد"‪.6‬‬

‫يرجع إليه الفضل في تطور النظرية السلوكية‪ ،‬حيث طورها إلى نظرية التعلم بالنمذجة‬
‫‪-‬المالحظة والتقليد‪ ،-‬والذي يؤكد فيها على مبدأ الحتمية التبادلية في عملية التعلم من حيث التفاعل‬
‫بين ثالث مكونات رئيسة وهي‪ :‬السلوك‪ ،‬والمحددات المرتبطة بالشخص‪ ،‬والمحددات البيئية‪ ،‬حيث‬

‫يعرفه دوالرد وميلر على أنه ماير قوي يجبر العضوية على التحرك والعمل‪ .‬زغلول‪ ،‬نظريات التعلم‪( ،‬ص‪.)239-236:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬يعرف المعزز بأنه‪ :‬حدث يزيد حدوثه من تكرار السلوك الذي يسبق المعزز‪ .‬كالين‪ ،‬ستيفن‪ ،‬التعلم مبادئه وتطبيقاته‪ ،‬ترجمة‪:‬‬
‫رباب حسني هاشم‪ ،‬راجع الترجمة‪ :‬د‪ .‬إبراهيم بن علي البداح‪ ،‬مركز البحوث ‪-‬السعودية‪2003( ،‬م)‪.)81/1( ،‬‬
‫‪ 3‬مدرسة أسسها "فرويد" تهتم بالعالج النفسي وتحليل النفس‪ ،‬عبر دراسة الغرائز والدوافع واإلثارات الداخلية‪ ،‬ينظر‪ :‬عبد الرحمن‪،‬‬
‫نظريات الشخصية‪( ،‬ص‪.)39:‬‬
‫ينظر‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪( ،‬ص‪.)589-587:‬‬ ‫‪4‬‬

‫ينظر‪ ،‬زغلول‪ ،‬نظريات التعلم‪( ،‬ص‪.)236:‬‬ ‫‪5‬‬

‫ينظر‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪( ،‬ص‪.)616-615:‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪33‬‬
‫تنطلق نظريته من افتراض رئيسي مفاده أن اإلنسان كائن اجتماعي يعيش ضمن مجموعة من‬

‫األفراد‪ ،‬يتفاعل معها ويؤثر ويتأثر فيها‪ ،‬فهو يالحظ سلوك األفراد ويتعلمه من خالل المالحظة‬
‫والتقليد‪ ،1‬إذ تصب النظرية اهتمامها بالتفاعل االجتماعي لحدوث التعلم‪.‬‬

‫ويرى أن التحليل النفسي نوع من الخرافة والشعوذة ظهر في مرحلة ما قبل التفكير العلمي‪،‬‬

‫ويشارك "سكنر" الرأي في أن النظرية الجيدة يجب أن تُسهل التنبؤ والتحكم بالسلوك المستقبلي‪،‬‬
‫ووضع نظرية تهتم بإبراز العوامل البيئية المرتبطة بالسلوك‪ ،‬وأكد على دور العوامل المعرفية في‬
‫تنظيم السلوك‪ ،‬لذلك أصبح اتجاهه السلوكي أكار منطقية بالمقارنة ب"اسكنر"‪.2‬‬

‫ينظر‪ ،‬زغلول‪ ،‬نظريات التعلم‪( ،‬ص‪.)126-125 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪( ،‬ص‪.)617/615:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪34‬‬
‫المبحث الثالث‬

‫التطبيقات التربوية للمدرسة السلوكية‬

‫أسهمع المدرسة السلوكية في بناء مفهوم جديد للتعلم وإيجاد أسلوب مستحدث في التربية‪،‬‬
‫حيث ركزت على سلوك المتعلم‪ ،‬والظروف البيئية التي تحدث في ظل التعلم‪ ،‬على غرار المدارس‬

‫صدى ملحوظاً‬
‫ً‬ ‫التربوية األخرى التي تركز على العوامل الداخلية للمتعلم‪ ،‬إذ كان للمدرسة السلوكية‬
‫وتغير واضحاً في مسار أسلوب التعلم‪ ،‬نتج عن ذلك تطبيقات تربوية تميزت‬
‫اً‬ ‫في المجتمعات التربوية‪،‬‬
‫فيها عن غيرها‪ ،‬بفضل الجهود الكبيرة التي بذلها رواد المدرسة عبر مسيرة تجاربهم العلمية‪.‬‬

‫ومن أهم التطبيقات السلوكية‪:‬‬

‫‪ -1‬التعليم المبرمج‬

‫يكاد يكون التعليم المبرمج من أبرز التطبيقات التربوية للمدرسة السلوكية في مجال عمليات‬
‫التدريس‪ ،‬ويقوم على تجزئة المادة التعليمية إلى وحدات جزئية‪ ،‬يشكل كل منها إطا اًر يشتمل على‬
‫فكرة معينة في الغالب تكون على شكل سؤال‪ ،‬ويتطلب هذا النوع من التعليم تفاعل المتعلم مع المادة‬
‫الدراسية مباشرة دون الحاجة إلى تدخل المدرس على نحو مباشر‪ ،‬إذ يقتصر دور المدرس على‬
‫تحديد مصادر التعلم والتوجيه واإلشراف فقط‪.1‬‬

‫"وهي طريقة يتم فيها التعزيز الفوري لالستجابات الصحيحة على أسئلة تقدم في تتابع تم‬
‫إعداده بعناية وتم تصميمه ليعطى التعليم األمال‪...‬وهي في أبسط صورتها تعمل على النحو اآلتي‪:‬‬

‫أ‪ -‬تظهر بعض المعلومات مصحوبة بسؤال عن تلك المعلومات في البداية‪.‬‬

‫ب‪ -‬يكتب الطالب اإلجابة في فراغ منفصل‪.‬‬

‫ينظر‪ :‬زغلول‪ ،‬نظريات التعلم‪( ،‬ص‪.)99 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪35‬‬
‫ت‪ -‬يتقدم الطالب خطوة لألمام‪ ،‬فيعرف ما إذا كانع إجابته صحيحة أم ال‪ ،‬وإذا أخطأ تظهر‬

‫له اإلجابة الصحيحة ثم يتبعها السؤال التالي"‪.1‬‬

‫"واألسئلة واإلجابات تقدم للفرد إما عن الطريق اآللي‪ ،‬فيظهر السؤال للفرد على شاشة‬
‫الجهاز‪ ،‬فيقرأه ويدرسه‪ ،‬ويحاول اإلجابة عليه أو إيجاد حل له‪ ،‬ثم تأتي اإلجابة لتعزيز النتيجة التي‬

‫وصل إليها الفرد‪ ،‬وإما أن تقدم على الورق في صورة قائمة أو قوائم من األسئلة المتتالية التي تنظم‬
‫بشكل يسمح للفرد بأن يق أر السؤال أوالً ليدرسه بالمال ويجيب عليه‪ ،‬ثم يق أر بعد ذلك اإلجابة‪...‬ثم‬
‫ينتقل إلى السؤال الذي يليه‪...‬وهكذا"‪.2‬‬

‫من المالحظ أن ما يميز هذا التطبيق هو التعزيز الفوري‪ ،‬بدالً من االنتظار طويالً كنهاية‬
‫الشهر أو الفصل الدراسي مما يحطم الكاير من فعاليتها وتأثيرها‪ ،‬مما يجعل الكايرين يفشلون في‬
‫عملية التعلم‪.3‬‬

‫‪ -2‬جداول التعزيز‬

‫يمكن اعتبار جداول التعزيز أنها أنظمة تدل على عدد االستجابات التي يجب أن تُعزز‪ ،‬أو‬
‫تحديد نوع االستجابات التي يجب أن تُعزز‪ ،‬وأن التعزيز يجب أن ُيقدم وفق جدول أو نظام معين‪.4‬‬

‫‪5‬‬
‫ولجداول التعزيز عدة أنواع‪ ،‬وهي على النحو اآلتي‪:‬‬

‫أ‪ .‬جداول الفترة‬

‫فإما أن يكون التعزيز بالفترة الاابتة‪ ،‬مع ضرورة مرور فترة زمنية ثابتة قبل تقديم التعزيز‪،‬‬

‫كالراتب الذي ُيدفع شهرياً‪ ،‬وال عالقة له باإلنجاز في العمل‪.‬‬

‫عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪( ،‬ص‪.)578-577:‬‬ ‫‪1‬‬

‫األنصاري‪ ،‬األسس النفسية واًلجتماعية للتعلم التعلم التجريبي‪( ،‬ص‪.)193 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪( ،‬ص‪.)577:‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬عبد الهادي‪ ،‬جودت عزت‪ ،‬نظريات التعلم وتطبيقاتها التربوية‪ ،‬الدار العلمية الدولية ‪-‬عمان‪( ،‬ط‪2000/1‬م)‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫(ص‪.)55:‬‬
‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪( ،‬ص‪ .)56-55:‬وينظر‪ :‬عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪( ،‬ص‪.)546-545 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪36‬‬
‫وإما أن يكون التعزيز على فترات متغيرة‪ ،‬إذ تكون الفترات الزمنية متغيرة من حين إلى آخر‬

‫قبل تقديم التعزيز‪ ،‬وتختلف كل فترة عن سابقتها سواء بالزيادة أو النقصان‪ ،‬ومااله نظام االمتحانات‬
‫القصيرة التي تُعطى للطالب‪.‬‬

‫ب‪ .‬جداول النسبة‪:‬‬

‫قد يكون التعزيز بنسبة ثابتة‪ ،‬أي بعد القيام بعدد معين من االستجابات الاابتة‪ ،‬وإما أن‬
‫يكون التعزيز بنسب متغيرة‪ ،‬أي بعد حدوث عدد معين من االستجابات لكن هذا العدد قابل للتغيير‬
‫من حين آلخر‪ ،‬ومااله ألعاب الحظ‪.‬‬

‫‪ -3‬تنمية السلوك األخالقي بالنمذجة‬

‫يقوم هذا التطبيق على فكرة رئيسة مفادها التعلم عن طريق المالحظة‪ ،‬أو التقليد‪ ،‬حيث أن‬
‫قدرة اإلنسان على التعلم بهذه الطريقة تمكن من اكتساب نماذج سلوكية عديدة‪ ،‬عن طريق مشاهدة‬
‫الماال عياناً‪ ،‬دون التعرض للمحاولة والخطأ في كل مرة‪ ،‬وللتوضيح أكار فإن الخوف يمكن محوه‬
‫ماالً عن طريق مشاهدة اآلخرين وهم يواجهون مواقف مخيفة دون أي شعور بالخوف‪ ،‬هذا إلى‬
‫جانب أنه يمكن كف سلوك سلبي عن طريق مشاهدة اآلخرين وهم يعاقبون على أفعالهم‪ ،1‬وفي‬
‫المقابل يمكن اكتساب سلوك إيجابي عن طريق مشاهدة اآلخرين وهم يكاَفؤون على حسن أفعالهم‪.‬‬

‫وبالتالي فإن النمذجة تؤثر في نمو وتقلص السلوك األخالقي‪" ،‬فالراشدون والرفاق كنماذج‬
‫حية‪ ،‬وأشرطة الفيديو وبرامج التوعية بالتلفزيون كنماذج رمزية وغيرها‪ ،‬يمكن أن تستخدم في زيادة‬
‫النمو األخالقي‪ ...‬وبناء على التالحم المبكر بين المدرس والتلميذ سوف يكون التالميذ انطباعاتهم‬
‫عن المدرس وخصائصه كالصبر والعدالة واالتساق والتفاؤل وغيرها من الخصائص‪ ،‬ولذلك يجب‬
‫على المدرس أن يكون نموذجاً حسناً وقدوة تحتذى في سلوكه"‪.2‬‬

‫ينظر‪ :‬جودت‪ ،‬نظريات التعلم وتطبيقاتها التربوية‪( ،‬ص‪.)252:‬‬ ‫‪1‬‬

‫عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪( ،‬ص‪.)666-665:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪37‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -4‬برمجة السلوك‬

‫هي إحدى استراتيجيات ضبط الذات‪ ،‬وتعني التغيير المنظم لنتائج السلوك بدالً من تغيير‬
‫مسبباته أو مايراته‪ ،‬وتتضمن‪:‬‬

‫أ‪ -‬التعاقد الذاتي‬

‫وهو اتفاق يبرمه الفرد مع ذاته‪ ،‬يحدد من خالله السلوكيات التي يهدف إلى تحقيقها ونتائج‬
‫االستجابة‪ ،‬ويجب أن تكون شروط ومصطلحات التعاقد واضحة وثابتة وإيجابية وعادلة‪ ،‬وال بد من‬
‫مراجعة شروط العقد بصورة دورية على فترات‪ ،‬للتأكد من أنها معقولة ومقبولة ويمكن تطبيقها على‬

‫أرض الواقع‪ ،‬كي ال ينتهي المطاف إلى اإلحباط أو التابيط أو خيبة األمل‪ ،‬كما يجب أن تتم عملية‬
‫المكافأة بشكل فوري‪ ،‬وأن تتكرر بتكرار السلوك الصحيح‪ ،‬ويجب أيضاً االلتزام بالمكافأة‪ ،‬فال تكون‬

‫مجرد وعود لفظية أو نوايا غير مطبقة‪.‬‬

‫ب‪ -‬المكافأة والعقاب الذاتي‬

‫طبقاً للمدرسة السلوكية‪ ،‬فإنه إذا أراد الناس أن يعيدوا تركيب بيئاتهم كي يشكلوا سلوكهم في‬
‫االتجاه المرغوب‪ ،‬فعليهم أن يحددوا صو اًر وأشكاالً للمكافأة والعقاب في بيئاتهم‪ ،‬وحيث أن السلوك‬
‫يتم ضبطه من خالل نتائجه‪ ،‬فإن على الفرد أن ينظم سلفاً هذه النتائج ليحقق التغير المرغوب في‬
‫السلوك‪.‬‬

‫وقد تكون المكافأة إيجابية أو سلبية‪ ،‬فأما اإليجابية يتم فيها تقوية االستجابة من خالل نتيجة‬
‫إيجابية كالمدح والدعم المالي‪ ،‬وأما المكافأة السلبية يتم فيها التجنب أو التخلص من نتيجة مكروهة‪،‬‬
‫فإن الطالب قد يدرس لالمتحان كي ال يرسب‪ ،‬لتجنب النقد أو الضرب‪.‬‬

‫وقد يكون العقاب أيضاً إيجابياً‪ ،‬أو سلبياً‪ ،‬فأما العقاب اإليجابي يتم فيه استبعاد أو تجنب‬
‫نتائج إيجابية‪ ،‬أو سارة فتضعف اإلستجابة‪ ،‬كالحرمان من تناول وجبة حال العودة إلى تصرف سيء‪،‬‬

‫ينظر‪ :‬عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪( ،‬ص‪.)663-660:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪38‬‬
‫وأما العقاب السلبي يتم فيه جلب نتيجة سلبية أو مكروهة‪ ،‬بهدف تضعيف االستجابة‪ ،‬كالنقد‪،‬‬

‫والضرب حال الرسوب في اإلمتحان‪.‬‬

‫ومن أجل تحقيق أفضل نتائج البرمجة السلوكية‪ ،‬يفضل عدم االعتماد على استراتيجية واحدة‬
‫للعقاب‪ ،‬أو مكافأة واحدة بمفردها‪ ،‬إنما الذي يفضل هو اتباع أشكاالً عدة للمكافأة أو العقاب‪.‬‬

‫والخالصة أن المدرسة السلوكية نشأت لما ظهر العديد من العلماء الذين اتفقوا على االهتمام‬
‫بنواتج عملية التعلم أو ما يسمى بالتغيرات التي تط أر على السلوك بالدرجة األولى‪ ،‬دون االهتمام‬
‫بالعمليات الداخلية‪ ،‬إال أن السلوكية قدمع إمكانيات واستراتيجيات مايرة ‪-‬مع أخذ البيئة بعين‬

‫االعتبار‪ -‬بأساليب عملية واضحة‪ ،‬حيث وظفع المعارف لديها في إطار التطبيق الحركي الميداني‪،‬‬
‫مما سهل توظيفها في المؤسسات التربوية‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫المدرسة السلوكية دراسة نقدية من خالل القرآن الكريم والسنة النبوية‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم التربية من منظور المدرسة السلوكية‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أصول المدرسة السلوكية دراسة نقدية‬

‫المبحث الثالث‪ :‬أهداف المدرسة السولكية‬

‫المبحث الرابع‪ :‬سمات المدرسة السلوكية‬

‫‪40‬‬
‫المبحث األول‬

‫مفهوم التربية من منظور المدرسة السلوكية ونقده في ضوء القرآن الكريم والسنة‬
‫النبوية‬

‫لكل مدرسة منهج فكري تتفرد به عن غيرها‪ ،‬بناء على مبادئها الخاصة بها‪ ،‬والتي من‬

‫خاللها يتم تحديد مفهوم التربية‪ ،‬في ظل نظرياتها التي تؤمن بأحقيتها في الصواب‪.‬‬

‫وفيما يخص المدرسة السلوكية فقد "انصب اهتمام "سكنر" على التجارب الخاصة بتعلم‬
‫الحيوان‪ ...‬والطريقة التي استعملها "سكنر" في تدريب الحيوانات على القيام بأنماط السلوك المرغوب‬

‫في تعلمها‪ ،‬هي تحديد كل خطوة من الخطوات المرغوب من الحيوانات تعلمها‪ ،‬والتي تؤدي في‬
‫نهايتها إلى تعلم نمط السلوك المطلوب وتعزيز كل خطوة من هذه الخطوات"‪.1‬‬

‫هذا يعني أنه يسعى في التربية إلى تعلم السلوك المرغوب فيه عبر التعزيز‪ ،‬وفي المقابل‬
‫إزالة السلوك غير المرغوب فيه عبر العقاب‪ ،‬يقول "سكنر"‪ " :‬صمم العقاب إلزالة السلوك العنيف‬
‫والخطر وغير المرغوب فيه"‪.2‬‬

‫حيث تقدم مايرات تابعة قد تزيد من احتمالية حدوث السلوك اإلجرائي‪ ،‬والتي تعرف‬
‫بالمعززات اإليجابية‪ ،‬أو مايرات تضعف وتحد من احتمالية تكرر حدوثها في المستقبل‪ ،‬والتي تعرف‬
‫بالمعززات السلبية‪ ،‬ويعرف هذا باإلشراط اإلجرائي‪ ،‬وقد أكد "سكنر" أنه من خالل هذه العملية يتم‬
‫ضبط السلوك‪ ،3‬وبذلك يرى "سكنر" أن السلوك "يمكن تحديده والتنبؤ به ويمكن أن يخضع لضبط‬
‫بيئي‪ ،‬وحتى نفهم السلوك يجب أن نتحكم به‪ ...‬ولكي نتحكم بالسلوك يجب أن نفسره ونفهمه"‪.4‬‬

‫األنصاري‪ ،‬األسس النفسية واًلجتماعية للتعلم التعلم التجريبي‪ ،‬ص‪.185:‬‬ ‫‪1‬‬

‫عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.541 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.541 ،536 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫جودت‪ ،‬نظريات التعلم وتطبيقاتها التربوية‪ ،‬ص‪.52-51:‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪41‬‬
‫يتبين مما سبق‪ ،‬أن التربية في نظر "سكنر" تنصب حول مفهوم التعلم عن طريق ضبط‬

‫السلوك‪ ،‬والتحكم به عبر التعزير والعقاب‪ ،‬واإلشراط اإلجرائي‪.‬‬

‫واتفق "دوالرد" و"ميلر" مع "سكنر" في تعريف التعليم بأنه نقص في احتمالية ظهور استجابة‬
‫غير مرغوبة‪ ،‬أو زيادة في احتمالية ظهور استجابة مرغوبة‪.1‬‬

‫وأما "باندو ار" فإنه اتجه إلى تعديل السلوك عبر فنية النمذجة‪ ،‬أو ما يعرف (بالتعلم‬
‫بالمالحظة)‪ ،2‬واستمر في تطوير التعلم االجتماعي بغرض دراسة وفهم الشخصية‪ ،3‬وقدمع نظرية‬
‫التعلم بالمالحظة أدلة على أنه يمكن لإلنسان أن يتعلم عن طريق المحاكاة استجابات غير موجودة‬

‫في رصيده السلوكي‪ ،4‬وكف استجابات غير مرغوبة عن طريق مشاهدة اآلخرين وهم يعاقبون على‬
‫أفعالهم‪.5‬‬

‫إضافة "باندو ار" نظرية النمذجة في التعلم تشير إلى اهتمامه بدور البيئة في عملية التربية‪،‬‬
‫ومن المالحظ أنه اتفق على هدف التربية‪ ،‬والذي يتمال في التخلص من السلوك غير المرغوب فيه‪،‬‬
‫وجلب السلوك المرغوب فيه أو سلوكيات جديدة‪.‬‬

‫يظهر مما سبق أن المدرسة السلوكية تركز على مفاهيم تعديل السلوك والتعلم؛ الكتساب‬
‫التغيرات المرجوة في األفراد‪" ،‬وأن تعديل السلوك يعني تغيير أو تطوير أي مظهر من مظاهر نشاط‬
‫الفرد في بيئته في ضوء طبيعة هذا النشاط"‪ ،6‬وترى المدرسة السلوكية أن التعليم هو وضع التلميذ‬
‫في بيئة تدفعه إلى تأسيس أرشيف للسلوكيات والمهارات التي يعتقد أنها محبذة‪ ،7‬وبالتالي فإن التربية‬

‫عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.549:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬يقصد بالتعلم بالمالحظة ذلك التعلم الذي يحدث عند فرد يتصف بخصائص معينة ويسمى المالحظ أو المقلد‪ ،‬نتيجة مالحظته‬
‫لفرد آخر يتصف بخصائص معينة أخرى ويسمى النموذج‪ ،‬يعرض سلوكاً معيناً ذو نتائج تعزيزية‪ .‬جودت‪ ،‬نظريات التعلم‬
‫وتطبيقاتها التربوية‪ ،‬ص‪.259 :‬‬
‫ينظر‪ :‬عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.617 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬منصور‪ ،‬علي‪ ،‬التعلم ونظرياته‪ ،‬منشورات جامعة دمشق ‪-‬دمشق‪2005 ،‬م‪ ،‬ص‪.475:‬‬ ‫‪4‬‬

‫جودت‪ ،‬نظريات التعلم وتطبيقاتها التربوية‪ ،‬ص‪.252 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫جودت‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.64 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫ينظر‪ :‬مارسيل كراهيه‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬ص‪ .177:‬وينظر‪ :‬أبو حويج‪ ،‬مروان‪ ،‬وأبو مغلي‪ ،‬سمير‪ ،‬المدخل غلى علم‬ ‫‪7‬‬

‫نفس التربوي‪ ،‬دار اليازوري ‪-‬عمان‪2004 ،‬م‪ ،‬ص‪.53:‬‬


‫‪42‬‬
‫من منظور المدرسة السلوكية تعني‪" :‬ضبط سلوك اإلنسان وتشكيله بإزالة السلوك غير المرغوب‬

‫فيه وجلب السلوك المرغوب فيه عن طريق التحكم في العوامل البيئية المحيطة"‪.‬‬

‫من خالل التعريف يتبين أن التربية من منظور المدرسة السلوكية تتشكل عبر ثالثة محاور‪:‬‬
‫‪-1‬ضبط السلوك‪-2 ،‬إزالة السلوك غير المرغوب فيه وجلب السلوك المرغوب فيه‪-3 ،‬التحكم‬

‫بالعوامل البيئية المحيطة‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى القرآن الكريم والسنة النبوية فإنه يمكن نقد هذا المفهوم من خالل األمور اآلتية‪:‬‬

‫أوًلا‪ :‬حصر المدرسة السلوكية لمفهوم التربية في ضبط وتشكيل السلوك‪.‬‬

‫من الواضح أن المدرسة السلوكية اهتمع بدراسة الظاهرة السلوكية‪ ،‬من خالل دراسة السلوك‬
‫نفسه‪ ،‬وليس عن طريق أي دراسات أخرى خارج نطاق السلوك‪ ،‬على إثر ذلك حصرت المدرسة‬
‫مفهوم التعلم على ضبط السلوك وتشكيله‪ ،‬وبالتالي حصر المدرسة السلوكية التربية في جانب‬
‫السلوك‪ ،‬دون االعتناء بتربية القلوب والعقول‪ ،‬هذا يعني أن المدرسة ال تتعرض إلى السعي نحو‬
‫تغيير‪ ،‬أو تعديل في العمليات النفسية الداخلية‪ ،‬إنما التركيز على الوقائع الموضوعية الظاهرة رأي‬
‫العين‪ ،‬والتي يمكن مشاهدتها وقياسها وبالتالي خضوعها للدراسة ثم الحكم عليها فإنه ‪-‬حسب‬

‫السلوكية‪ -‬ال بد من فهم السلوك ضمن إطار المفاهيم السلوكية الظاهرة‪ ،‬وليس ضمن أي إطار‬
‫آخر‪.1‬‬

‫يالحظ أن منهج التربية اإلسالمية يكشف حقيقة أن القلب بوصلة‬


‫وعلى الجانب اآلخر‪َ ،‬‬
‫السلوك‪ ،‬ألن اإلنسان يتجه في سلوكه نتيجة لما يحاكيه داخله‪ ،‬هذا يعني أن حقيقة السلوك أشمل‬
‫من اقتصاره على الظاهر‪ ،‬لذلك فإن التربية اإلسالمية أعمق وأشمل من تعديل وتشكيل السلوك‪،‬‬
‫فهي قبل أن تعدل السلوك تصلح النفوس‪ ،‬وتحفظها‪ ،‬وترعاها‪ ،‬وتوجهها حماية من الوقوع في الخطأ‪،‬‬

‫ماير واستجابة‪ ،‬ذلك أن االنسان يتصرف بما‬


‫فالتربية اإلسالمية ليسع مجرد برمجة إلكترونية‪ ،‬وال اً‬
‫فيه من قلب وعقل وروح‪ ،‬يقول سبحانه‪ :‬ﱡﭐﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮﱠ‪.2‬‬

‫ينظر‪ :‬األنصاري‪ ،‬األسس النفسية واًلجتماعية للتعلم‪ ،‬التعلم التجريبي‪( ،‬ص‪ .)194:‬وينظر‪ :‬سكر‪ ،‬والقنطار‪ ،‬مدخل إلى‬ ‫‪1‬‬

‫علم النفس التربوي‪( ،‬ص‪ .)122 :‬وينظر‪ :‬الزغلول‪ ،‬مبادئ علم النفس التربوي‪( ،‬ص‪.)190:‬‬
‫(السجدة‪.)9:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪43‬‬
‫هذا يفيد أن اإلنسان ال يتعلم استجابات فقط‪ ،‬وإنما يدرك حقائق ويفهمها ويكتسب معلومات‬

‫ومعارف ويحللها‪ ...‬كما أن التفكير واالستدالل واالستنتاج عمليات ال بد منها لحدوث التعلم‪ ،‬إال أن‬
‫النظرية السلوكية قفزت عنها ولم تجعلها محور العملية التعليمية‪.1‬‬

‫يقول "أبو حامد الغزالي"‪" :‬اعلم أن محل العلم هو القلب‪ ،‬أعني اللطيفة المدبرة لجميع الجوارح‪،‬‬

‫وهي المطاعة المخدومة من جميع األعضاء‪ ،‬وهي باإلضافة إلى حقائق المعلومات كالمرآة"‪ ،2‬هذا‬
‫يعني أن السلوك يظهر حقيقة القلوب؛ ألن القلب له دور كبير في إصدار األوامر للجوارح‪ ،‬فإهمال‬
‫داخل اإلنسان يعد إهماالً لطبيعته وحقيقته‪ ،‬وبالتالي اختزال التربية في جزء صغير من حقيقة‬

‫اإلنسان‪ ،‬أال وهو ظاهر السلوك‪.‬‬

‫ويتجلى هذا الشمول في نماذج السنة النبوية‪ ،‬التي توظف تعليمات القرآن بالتطبيق العملي‬
‫الميداني‪ ،‬كي يصبح أوضح في األذهان وأقرب إلى القلوب‪ ،‬فقد حرص النبي عليه الصالة والسالم‬
‫على غرس المبادئ االسالمية‪ ،‬ليتجلى اإلنسان بالخير على أكمل وأحسن وجه‪ ،‬كي تتضاءل‬
‫احتمالية ارتكاب الخطأ‪ ،‬وتزيد احتمالية التحلي بالعمل الصالح‪ ،‬فإذا ارتقى الفرد إلى االستقامة‬
‫يشجعه النبي عليه الصالة والسالم‪ ،‬ويكرمه‪ ،‬تابيتاً وترسيخاً الستقامته‪ ،‬بينما إذا أخطأ يقوم سلوكه‬
‫على أحسن وجه‪ ،‬تخلية للسلوكيات الخاطئة‪ ،‬وهكذا تتكامل العملية التربوية على نحو شامل لتستوعب‬
‫طبيعة اإلنسان‪ ،‬إضافة إلى اهتمام التربية اإلسالمية في تربية داخل اإلنسان‪ ،‬دون االقتصار على‬
‫السلوك الخارجي‪ ،‬إذ كان النبي عليه الصالة ينصب اهتمامه على تأسيس العقيدة السليمة في قلوب‬
‫صَّلى هللاُ عليه‬ ‫ِ‬ ‫ال‪َّ ُ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫"كنا مع نبينا َ‬ ‫لي ‪-‬رض َي هللاُ عنه‪َ -‬ق َ‬ ‫الب َج ِ‬
‫فع ْن ُج ْنُدب َ‬
‫الصحابة بما فيهم األطفال‪َ ،‬‬
‫إيمانا"‪ ،4‬فاإليمان‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وسلم ِفتيانا ح َزِاورة‪َّ 3‬‬
‫َّ‬
‫فنزداد به ً‬
‫ُ‬ ‫آن‬
‫آن‪ ،‬ثم تعل ْمنا القر َ‬
‫أن نتعل َم القر َ‬ ‫قبل ْ‬
‫اإليمان َ‬
‫َ‬ ‫فتعل ْمنا‬ ‫َ ً َ ًَ‬
‫الذي تلقوه لم يكن ‪-‬على اإلطالق‪ -‬درساً شكلياً احتفظوا برسمه ولفظه‪ ،‬إنما وقفوا على حقائقه‬

‫ابتداء‪ ،‬فتربية الجيل‬


‫ً‬ ‫ومعانيه‪ ،‬ليهتدوا به قوالً وعمالً‪ ،‬ثم تعلموا القرآن فازدادوا به إيماناً لصالح قلوبهم‬

‫ينظر‪ :‬محمد‪ ،‬محمد جاسم‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬دار الاقافة ‪-‬عمان‪( ،‬ط‪( ،)2014/1‬ص‪.)93-92:‬‬ ‫‪1‬‬

‫الغزالي‪ ،‬أبو حامد محمد بن محمد الطوسي (ات‪505 :‬ه)‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬دار المعرفة –بيروت‪.)13/3( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫جمع حزور وهو الذي قارب البلوغ‪ .‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.)187/4( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن ماجة‪ ،‬سنن ابن ماجة‪ ،‬باب اإليمان‪ ،‬حديث رقم (‪ ،)25/1( ،)61‬قال محمد فؤاد عبد الباقي‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬وقال‬ ‫‪4‬‬

‫البوصيري‪ :‬هذا إسناد صحيح رجاله ثقات‪.‬‬


‫‪44‬‬
‫األول على هذا النحو مع ما آتاهم هللا من سالمة الفطرة وصحة الفهم وحضور البديهة‪ ،‬جعلتهم‬

‫أحسنهم هدياً‪ ،1‬فكيف للسلوك أن يستقيم دون االعتناء بهداية القلب الذي هو محرك الجوارح؟‬

‫يقول "أبو حامد الغزالي"‪" :‬اعلم أن تعليم الولدان للقرآن شعار الدين أخذ به أهل الملة ودرجوا‬
‫عليه في جميع أمصارهم لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ اإليمان وعقائده من آيات القرآن وبعض‬

‫متون األحاديث‪ ،‬وصار القرآن أصل التعليم الذي يبنى عليه ما يحصل بعد من الملكات‪ ،‬وسبب‬
‫ذلك أن التعليم في الصغر أشد رسوخا وهو أصل لما بعده؛ ألن السابق األول للقلوب كاألساس‬
‫للملكات"‪.2‬‬

‫ومن الجدير بالذكر أن يشير "العزالي" إلى أهمية ترسيخ اإليمان في قلب الطفل؛ ذلك أن‬
‫المبادئ المغروسة في داخل اإلنسان‪ ،‬لها دور محوري في طبيعة السلوك‪ ،‬وقد كان النبي عليه‬
‫الصالة والسالم يحرص على تحلية الفرد بأحسن وجه‪ ،‬فيعاملهم برفق ورحمة ولين‪ ،‬مراعاة لمشاعرهم‪،‬‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم)‪ ،3‬فلما‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ان أ َْر َح َم باْلع َيال م ْن َرُسول هللا َ‬
‫َحًدا َك َ‬
‫ِ‬
‫يقول أََنس بن مالك‪َ :‬‬
‫(ما َأرَْي ُع أ َ‬
‫يرى منهم حسن السلوك يشجعهم ويرفع من معنوياتهم‪ ،‬كي يابع اإليمان والخير الذي في قلوبهم‪،‬‬
‫ال‪ِ :‬ب ُّع ِع ْن َد َخاَلِتي‬
‫َّللاُ َع ْن ُه َما‪َ ،‬ق َ‬
‫ضي َّ‬ ‫َّاس ر ِ‬ ‫َعب ٍ‬ ‫فيابع تباعاً حسن السلوك‪ ،‬ومن ذلكِ ما رواه ْابن‬
‫َ َ‬
‫َّللاِ َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫هللاُ َعَل ْي ِه وسلَّم‪َ ،‬ف ُ ِ‬ ‫صلَّى‬ ‫ول َّ ِ‬
‫ظرَّن ِإَلى صالَ ِة رس ِ‬
‫صلى هللاُ‬ ‫طر َح ْع ل َرُسول َّ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َّللا َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫ون َة‪َ ،‬فُقْل ُع‪َ :‬أل َْن ُ َ‬
‫َم ْي ُم َ‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬الحوالي‪ ،‬سفر بن عبد الرحمن الحوالي‪ ،‬ظاهرة اإلرجاء في الفكر اإلسالمي‪ ،‬بإشراف األستاذ‪ :‬محمد قطب‪1405 ،‬ه‪-‬‬
‫‪1406‬ه دار الكلمة‪1420( ،‬ه‪1999-‬م‪ ،‬ط‪ ،)1‬ص‪ ،129 :‬وينظر‪ :‬الخضير‪ ،‬عبد الكريم بن عبد هللا بن عبد الرحمن بن‬
‫حمد‪ ،‬شرح مقدمة سنن ابن ماجه‪ ،‬مؤلف األصل‪ :‬ابن ماجة ‪-‬وماجة اسم أبيه يزيد ‪-‬أبو عبد هللا محمد بن يزيد القزويني‬
‫(ت‪273 :‬ه) دروس مفرغة من موقع الشيخ الخضير‪.)14-13/9( ،‬‬
‫ابن خلدون‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد بن محمد‪ ،‬ابن خلدون أبو زيد‪ ،‬ولي الدين الحضرمي اإلشبيلي (ت‪808 :‬ه)‪ ،‬ديوان‬ ‫‪2‬‬

‫المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن األكبر‪( ،‬تاريخ ابن خلدون)‪ ،‬تحقيق‪ :‬خليل شحادة‪ ،‬دار‬
‫الفكر ‪-‬بيروت‪( ،‬ط‪1408 /2‬ه‪1988-‬م)‪.)740/1( ،‬‬
‫‪ 3‬متفق عليه‪( .‬واللفظ للبخاري)‪ ،‬البخاري‪ ،‬محمد بن إسماعيل أبو عبد هللا‪ ،‬الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم وسننه وأيامه =صحيح البخاري‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد زهير بن ناصر الناصر‪ ،‬دار طوق النجاة‪( ،‬ط‪/1‬‬
‫‪1422‬هت)‪ ،‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب قول النبي عليه الصالة والسالم " إنا بك لمحزونون"‪ ،‬حديث رقم (‪ .)1808/4( ،)1303‬ومسلم‪،‬‬
‫المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم=صحيح مسلم‪ ،‬مسلم بن الحجاج أبو‬
‫الحسن القشيري النيسابوري (ت‪261 :‬ه)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي ‪-‬بيروت‪ ،‬كتاب الفضائل‪،‬‬
‫بباب رحمته عليه الصالة والسالم الصبيان والعيال وتواضعه‪ ،‬وفضل ذلك‪ ،‬حديث رقم (‪.)1808/4( ،)2316‬‬
‫‪45‬‬
‫طولِ َها‪َ ،‬ف َج َع َل َي ْم َس ُح النَّ ْوَم َع ْن َو ْج ِه ِه‪ ،‬ثُ َّم‬ ‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم ِفي ُ‬ ‫عَلي ِه وسَّلم ِوسادة‪َ ،‬فنام رسول َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ ٌَ َ َ َ ُ ُ‬
‫‪َّ 1‬‬ ‫اخر ِمن ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ام‬
‫ضأَ ثُ َّم َق َ‬ ‫ان‪َ ،‬حتَّى َختَ َم ثُ َّم أَتَى ( َشًّنا) ُم َعلًقا‪َ ،‬فأ َ‬
‫َخ َذهُ َفتَ َو َّ‬ ‫آل ع ْم َر َ‬ ‫الع ْش َر األ ََو َ ْ‬ ‫اآليات َ‬ ‫"َق َأَر َ‬
‫َخ َذ ِبأُ ُذِني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي ِ‬
‫ض َع َي َدهُ َعَلى َأرْسي‪ ،‬ثُ َّم أ َ‬ ‫ص َن َع‪ ،‬ثُ َّم ِج ْئ ُع َفُق ْم ُع ِإَلى َج ْنِبه َف َو َ‬‫ص َن ْع ُع م ْا َل َما َ‬
‫صلي َفُق ْم ُع َف َ‬ ‫َُ‬
‫صلَّى‬ ‫ِ‬ ‫َفجعل يْفِتُلها‪ ،‬ثُ َّم صَّلى رْكعتَي ِن‪ ،‬ثُ َّم صَّلى رْكعتَي ِن‪ ،‬ثُ َّم صَّلى رْكعتَي ِن‪ ،‬ثُ َّم َّ‬
‫صلى َرْك َعتَ ْين‪ ،‬ثُ َّم َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ َ‬
‫صَّلى َرْك َعتَ ْي ِن ثُ َّم أ َْوتَ َر"‪ ،2‬ال شك أن وضع القائد يده على رأس طفل‪ ،‬وفتل أذنه مداعبة‬ ‫ِ‬
‫َرْك َعتَ ْين‪ ،‬ثُ َّم َ‬
‫ووداً‪ ،‬يسعد قلب الطفل وبالتالي يشجعه ويابته على السلوك الصائب‪ ،‬لِما لسعادة القلب ورضاه دور‬
‫هام في االلتزام بتعديل السلوك‪.‬‬

‫هذا يعني أن التربية الناجحة هي التي تأخذ بعين االعتبار خارج اإلنسان وداخله‪ ،‬وتراعي‬
‫طبيعة اإلنسان في كل حال‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬حصر المدرسة السلوكية التربية في الجانب الشخصي‪.‬‬

‫لما لم تر المدرسة السلوكية في اإلنسان إال الوجود الحسي الظاهر‪ ،‬انغمسع مسيرتها‬
‫التربوية في دناءة المادة‪ ،‬لتنزل باإلنسان إلى مستوى المحرك األناني الذي ال يفرز أفكار الخالفة‪،‬‬
‫واإلعمار‪ ،‬واإلصالح‪ ،‬واإلياار‪ ،‬وتقديم المصلحة العامة على الخاصة‪ ،‬بل وفصله عن معاني‬

‫اإلياار‪ ،‬والحب‪ ،‬واإلخالص‪ ،‬والوفاء في المعاملة‪ ،‬واالقتصار على اإلنجاز‪ ،‬واألرقام‪ ،‬والمحافظة‬
‫على النوع‪ ،‬دون االرتقاء إلى اإلنسانية‪ ،‬هذا ما تعانيه البشرية حتى اليوم على إثر التربية الحدياة‬
‫أيضاً‪.‬‬

‫وعلى الجانب اآلخر‪ ،‬فإن النظرية التربوية اإلسالمية "استمدت مفهومها األساسي من فكرة‬
‫اإلسالم الكلية عن الوجود اإلنساني وعالقته بالخالق والكون والحياة"‪ ،3‬ليتحقق تكامل سلوك اإلنسان‬
‫وانسجامه مع اإلسالم‪ ،‬ونفسه‪ ،‬والمجتمع‪ ،‬في آن واحد‪ ،‬وهذا ال يمكن الوصول إليه إال عن طريق‬

‫‪( 1‬شنا)‪" :‬القربة التي يبسع وعتقع من االستعمال"‪ ،‬العيني‪ ،‬أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى‬
‫الحنفى بدر الدين (ت‪855 :‬ه)‪ ،‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪ ،‬دار إحياء التراث العربي –بيروت‪.)160 /18( ،‬‬
‫متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب االذين يذكرون هللا قياما وقعودا‪ ،‬حديث رقم (‪ .)41/6( ،)4570‬وصحيح‬ ‫‪2‬‬

‫مسلم‪ ،‬كتاب صالة المسافرين‪ ،‬باب (صالة النبي صلى هللا عليه وسلم ودعاؤه بالليل‪ ،‬حديث رقم (‪.)526/1( ،)763‬‬
‫الكيالني‪ ،‬ماجد عرسان‪ ،‬تطور مفهوم النظرية التربوية اإلسالمية‪ ،‬دار ابن كاير ‪-‬بيروت‪ ،‬ص‪.20 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪46‬‬
‫الوحي‪ ،‬الذي يحدد مسار اإلنسان بما يتوافق مع وجوده في الحياة‪ ،‬فال َّ‬
‫تقدم مصلحة خاصة على‬

‫تهضم حقوق إنسان ألجل إنسان آخر‪ ...‬فلما‬


‫عامة‪ ،‬وال ُيظَلم مجتمع ألجل تحقيق رغبة فردية‪ ،‬وال َ‬
‫تضارب على الصعيد‬
‫ُ‬ ‫يسير اإلنسان على منهج هللا‪ ،‬فإنه يحقق ذاته على الصعيد الشخصي دون أي‬
‫العالمي‪ ،‬بل يأخذ بزمام المجتمع دون حصر المصالح‪ ،‬فمسؤولية اإلنسان ليسع مقتصرة على ذاته‪،‬‬

‫وإنما على كتفيه مسؤولية المجتمع‪ ،‬فكان األمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على األمة‪،‬‬
‫فإذا تخلع األمة عنه هلكع وضلع‪ ،‬كمصير بني إسرائيل‪ ،‬إذ قال هللا فيهم‪ :‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﱁ ﱂ‬
‫ﱌﱎﱏﱐﱑ‬
‫ﱍ‬ ‫ﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋ‬

‫ﱙ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱠ‪" ،1‬فإن‬
‫ﱚ‬ ‫ﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘ‬

‫الناس إذا تركوا دعوة الخير وسكع بعضهم لبعض على ارتكاب المنكرات خرجوا عن معنى األمة‬
‫وكانوا أفذاذاً متفرقين ال جامعة لهم"‪ ،2‬ذلك بأن الذي يقر فاعل المنكر‪ ،‬فلم ينهه‪ ،‬تكون نفسه مشاكلة‬
‫لنفسه‪ ،‬تأنس بما تأنس به‪ ،‬ويصبح معرضاً الرتكاب ذلك المنكر‪ ،‬ولو بعد حين ما لم يكن عاج اًز‬
‫عن ذلك‪ ،‬بسبب من األسباب‪.3‬‬

‫"وواجب المؤمن أن يتجه بالدعوة أول ما يتجه إلى بيته وأهله‪ ،‬واجبه أن يؤمن هذه القلعة‬
‫من داخلها‪ ،‬واجبه أن يسد الاغرات فيها قبل أن يذهب عنها بدعوته بعيدا"‪ ،4‬فعلى الرجل أن يقي‬
‫نفسه من النار بالطاعة‪ ،‬ويصلح أهله إصالح الراعي للرعية‪ ،‬بتعليمهم طاعة هللا واجتناب نواهيه‪.5‬‬

‫فال بد من توسيع النظر في العملية التربوية؛ كي تتحق المصالح والخيرات دون ظلم ألي‬
‫جهة من الجهات‪.‬‬

‫(المائدة‪)79-78 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫محمد رشيد‪ ،‬محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين القلموني الحسيني (ت‪1354 :‬ه)‪ ،‬تفسير القرآن الحكيم‬ ‫‪2‬‬

‫(تفسير المنار)‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ 1990 ،‬م‪.)29 /4( ،‬‬
‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪.)216 /4( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫قطب‪ ،‬سيد‪ ،‬في ظالل القرآن‪.)3619 /6( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬ينظر‪ :‬المرجع السابق‪.)491/23( ،‬‬


‫‪47‬‬
‫ثالثا‪ :‬خلو التربية في المدرسة السلوكية من معيار الحكم على السلوك‬

‫عمليات التحكم أو التقييم في منظور المدرسة السلوكية هي تلك العمليات التي ينظر من‬
‫خاللها لألداء على أنه جدير بالتقدير والاناء‪ ،‬وجدير بالتدعيم‪ ،‬أو أنه غير م ٍ‬
‫رض‪ ،‬ومن ثم يستحق‬ ‫ُ‬
‫العقاب‪ ،‬ويعتمد ذلك على المعايير الشخصية المستخدمة في عملية التقييم‪ ،‬وعموماً فإن التصرفات‬

‫بناء على معايير داخلية يكون الحكم عليها بشكل إيجابي‪ ،‬بينما تلك التي ال تتصل بهذه‬
‫التي تقاس ً‬
‫المعايير يتم الحكم عليها بشكل سلبي‪ ،‬حيث يتعلم الناس كيف ي َقيمون ‪-‬من منظور المدرسة‬
‫السلوكية‪ -‬بناء على الطريقة التي يستجيب بها اآلخرون لهذا السلوك‪ ،‬فالوالدان ماالً من ذوي المكانة‬

‫اإلجتماعية في حياة الفرد‪ ،‬يحددان ما يعد مقبوالً من القواعد والمعايير منذ الصغر‪ ،‬ومن ثم يتعلم‬
‫األطفال أنهم إذا اتبعوا هذه المعايير فإنهم سوف يكافؤون أو يعززون‪ ،‬وإذا أهملوها فإنهم سوف‬
‫يعاقبون‪ ،1‬حيث نقل "الكيالني"‪ 2‬عن "باندورا" قوله‪" :‬الناس يضعون مستويات معينة لسلوكهم‬
‫ويستجيبون ألفعالهم بطرق تتضمن تعزيز أو عقاب الذات"‪.3‬‬

‫ولكن السؤال الذي يزيد هذه المعضلة تعقيداً‪ :‬عندما تتضارب اآلراء من هو صاحب القول‬
‫المعتبر؟ من الذي له أحقية تحديد القيم؟ أو بصيغة أخرى‪ :‬من الذي يحدد المعيار الذي نحكم به‬
‫َ‬
‫على ن وع السلوك حسن أم قبيح؟ هل نعتبر المعيار رأي األم‪ ،‬أم األب‪ ،‬أم المعلم‪ ،‬أم الدولة‪ ،‬أم‬
‫األبناء أنفسهم؟‬

‫ال شك أن االختالف في تحديد كون السلوك مرغوباً‪ ،‬أو ليس مرغوباً فيه‪ ،‬يؤدي إلى عرقلة‬
‫جوهرية في التخلص من السلوك غير المرغوب فيه‪ ،‬ليؤدي بدوره إلى الهروب من هذه المعضلة‬
‫باالستسالم لسلوكيات األبناء تحع مسمى الحرية!‬

‫هذا يقود إلى أن عدم وجود معيار ثابع ُيجمع الناس على صحته‪ ،‬وعدم وجود مرجعية لهذا‬

‫المعيار‪ ،‬سيؤدي إلى نسبية األخالق والقيم‪ ،‬والذي سيؤدي حتماً إلى تضارب العملية التربوية‪،‬‬

‫ينظر‪ :‬عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.629-627 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ماجد عرسان الكيالني‪ ،‬أردني الجنسية‪ ،‬حاصل على ماجستير في التاريخ اإلسالمي‪ ،‬وماجستير ودكتوراه في التربية‪ ،‬ت‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪2015‬م‪ ،‬موقع ويكيبيديا‪.ar. wikipedia. Org .‬‬


‫عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.626-625:‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪48‬‬
‫وبالتالي الفشل الذريع في التخلص الجذري من السلوك غير المرغوب فيه‪ ،‬وجلب السلوك المرغوب‬

‫فيه‪ ،‬إذ إن أخطر ما يمكن أن تعانيه التربية هو فقدان المرجعية‪ ،‬وقاعدة االنطالق نحو الصواب‪.‬‬

‫يالحظ أن القرآن الكريم قام بتأصيل القيم للمجتمعات عندما كشف حقيقة‬
‫بينما في المقابل َ‬
‫أن كالم هللا هو الهادي إلى الطريق األقوم‪ ،‬يقول سبحانه‪ :‬ﱡﭐﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ‬

‫ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﭐﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ‬
‫ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩﱠ‪ 1‬فالقرآن يهدي للطريق األقوم‪ ،‬ثم ذكر مع الهداية بشارة المؤمنين‬

‫الذين يعملون الصالحات‪ ،‬ونذارة الذين ال يؤمنون باآلخرة‪ ،2‬ذلك أن التقييم في منظور الوحي هو‬
‫ٍ‬
‫مرض ذي قيمة عليا‪ ،‬بينما‬ ‫السلوك الذي يعطي "هللا" على أدائه الاناء والتدعيم‪ ،‬فيكون ذلك السلوك‬
‫السلوك الذي ال يرضي هللا يستحق العقاب‪ ،‬ويعتمد ذلك على معايير الوحي التي مصدرها "هللا" ‪-‬‬
‫معيار‬
‫اً‬ ‫القرآن الكريم والسنة النبوية ‪ -‬والتي يتم بناء عليها التقييم‪ ،‬ومهما حاولع المجتمعات وضع‬
‫للقيم‪ ،‬ال بد أن تصدم ببعضها البعض‪ ،‬ليبقى معيار الوحي هو األقوم؛ ألنه األعلم بمصلحة خلقه‪،‬‬
‫هذا يعني أن الشريعة اإلسالمية جمعع األمم على قيم راسخة الوجود‪ ،‬متحدة واضحة المعايير‪ ،‬فال‬
‫تضارب وال نسبية في القيم‪ ،‬لينتج عنها عملية تربوية ذات أرضية واحدة‪.‬‬

‫رابع ا‪ :‬إعطاء المدرسة السلوكية للبيئة الدور األكبر في تغيير السلوك‪.‬‬

‫لعل واحداً من األخطاء الكبيرة التي وقعع فيها المدرسة السلوكية‪ ،‬أنها جعلع اإلنسان كائناً‬
‫آلياً‪ ،‬فهو يتحرك بناء على مؤثرات البيئة‪ ،‬وسلوكه يعد نتاجاً لما يصدر من المجتمع‪ ،‬لتصبح التربية‬
‫عبارة عن مجموعة من المحركات الخارجية بهدف برمجة ذلك الكائن اآللي الفارغ‪ ،‬حيث يرى "سكنر"‬
‫"أن معظم سلوكنا إما متعلم أو قد تم تعديله عبر عملية التعلم "‪ ،3‬وهذا يعني حصر مصدر سلوك‬
‫كبير في تشكيل سلوك‬
‫اً‬ ‫دور‬
‫اإلنسان في العوامل الخارجية‪ ،‬إذ تؤمن النظرية السلوكية أن للبيئة اً‬
‫اإلنسان‪ ،‬انطالقاً من أثر العقاب والاواب ‪-‬واللذان مصدرهما البيئة المحيطة‪ -‬على زيادة أو نقصان‬
‫احتمالية تكرار السلوك‪ ،‬أو أثرهما الذي يكمن أيضاً في إيجاد أو إلغاء السلوك‪.‬‬

‫(اإلسراء‪.)10-9:‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)40/15( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫جودت‪ ،‬نظريات التعلم وتطبيقاتها التربوية‪ ،‬ص‪.50 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪49‬‬
‫ويرى "سكنر" أن "اإلنسان ليس مستقالً بذاته‪ ،‬بل يخضع لتأثيرات البيئة في سلوكه‪ ...‬وهكذا‬

‫فإن سكنر يرجع األمور فيما يتعلق بأفعال الفرد إلى الظروف البيئية التي تسبق الفعل بدالً من أن‬
‫يرجعها إلى كائن مستقل"‪" ،1‬ويرى أن الطريق لتغيير السلوك هو تغيير ظروف الوسط أي الاقافة أو‬
‫المحيط االجتماعي"‪ ،2‬ونتج عن هذا المنطلق إيمان بعض علماء النفس الغربيين بأن اإلنسان مجبر‬

‫في أفعاله‪ ،‬وأنه يضطر إلى سلوك معين نتيجة لظروف‪ ،‬أو عوامل أو أسباب معينة‪.3‬‬

‫وعلى الجانب اآلخر يرى "بندو ار" "أن كل من السلوك‪ ،‬والعوامل الشخصية الداخلية‪،‬‬
‫والمؤثرات البيئية‪ ،‬كلها تعمل بشكل متداخل فكل منها يؤثر على اآلخر ويتأثر به"‪ ،4‬وقد نقل‬

‫بناء على التدعيم أو العقاب الخارجي فقط فإن‬


‫"الكيالني" قول "باندورا"‪" :‬لو أن تصرفاتنا تحددت ً‬
‫الناس سيتصرفون مال دوارات الرياح أو طواحين الهواء‪ ،‬ويتنقلون دائماً في اتجاهات متضاربة حتى‬
‫يتوافقون مع التأثيرات الواقعة عليهم في الحال‪ ،‬ولكن ما يحدث فعلياً أن الناس يضعون مستويات‬
‫معينة لسلوكهم ويستجيبون ألفعالهم بطرق تتضمن تعزيز أو عقاب الذات‪ ...‬إن اإلص ارر على القول‬
‫بأن الناس يخضعون تماماً للقوى الخارجية‪ ،‬ثم العودة للقول بأنهم يعيدون تخطيط مجتمعهم بتطبيق‬
‫التكنولوجيا النفسية يعد أم اًر يقوض الحقيقة األساسية المسلم بها في النقاش‪ ،‬فلو كان الناس عاجزين‬
‫عن التأثير على األحداث الخاصة بهم‪ ،‬فإنه من المحتمل وجود قدرة على وصفها والتنبؤ بها دون‬

‫القدرة على ممارسة أي ضبط عليها‪ ،‬ورغم ذلك فإن أتباع سكنر يدافعون بحماس عن قدرة الناس‬
‫على تغيير بيئاتهم بحااً عن حياة أفضل"‪.5‬‬

‫"ومن وجهة نظر التعلم االجتماعي يعد الناس أح ار اًر إلى حد ما بنفس القدر‪ ،‬فهم يستطيعون‬

‫التأثير في ظروف البيئة المستقبلية‪ ،‬من خالل تنظيم سلوكهم ويتم ذلك من خالل كل من العمليات‬
‫المعرفية والتدعيم الذاتي‪ ،‬كما أن البيئة تؤثر في الناس بقدر ما يؤثر فيها الناس‪ ...‬فالعالقة بين‬

‫الفرد والبيئة عالقة تفاعل متبادل"‪.6‬‬

‫جودت‪ ،‬نظريات التعلم وتطبيقاتها التربوية‪ ،‬ص‪.51 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫علي‪ ،‬التعلم ونظرياته‪ ،‬ص‪.315:‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬الشرقاوي‪ ،‬نحو علم نفس إسالمي‪ ،‬ص‪.33 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.618 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪626-625 ،618 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.620 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪50‬‬
‫ومن بين التجارب التي أجراها " بندورا" في هذا العنوان‪ ،‬أنه سمح لألطفال بمشاهدة نماذج‬

‫حية من خالل األفالم التي تبرز السلوك العدواني أو العنف في عبارة لفظية أو أفعال أو غيرها‪،‬‬
‫موجهة إلى دمية من البالستيك‪ ،‬وبعد المشاهدة ترك األطفال في غرفة منفردين مع بعض الدمى‪،‬‬
‫في حين كانع تجرى مراقبة سلوكهم‪ ،‬ولما كانع النماذج المعروضة على األطفال من خالل األفالم‬

‫ذات فعالية ال تقل عن فعالية النماذج الحقيقية في تعلم االستجابات العدوانية‪ ،‬استنتج "باندورا" أن‬
‫النماذج التي يعرضها التلفاز هي مصدر هام من مصادر السلوك‪.1‬‬

‫ورغم أن "بندو ار" يعتقد أن للبيئة قدرة معتدلة على إظهار وتعديل السلوك البشري إال أنه لم‬

‫يعتبرها السبب اآللي والمباشر للسلوك كما يعتقد "سكنر"‪ ،‬وفي المقابل لذلك يتضح غياب الكاير من‬
‫العوامل الداخلية في فكر "بندو ار"‪ ،‬ويمال العامل البيئي العامل األكار سيطرة في نظرية التعلم‬
‫االجتماعي‪ ،2‬فال شك أن المشاهدة تؤثر على سلوك األطفال‪ ،‬وتلعب دو اًر في تغيير سلوكهم‪ ،‬لكن‬
‫الطفل لم يتعلم االستجابات العدوانية لمجرد المشاهدة؛ ألنه بينما هو يشاهد يحلل ويفكر ويستنتج‬
‫لمشاهد‪ ...‬وليس لمجرد التقليد األعمى‬
‫َ‬ ‫ويحب أو يكره‪ ...‬فقد يقلد بناء على قناعته أو حبه للسلوك ا‬
‫يالحظ أن مستوى تأثر‬
‫َ‬ ‫البعيد عن العامل التركيبي‪ ،‬ومع أن كل األطفال شاهدوا المشهد نفسه‬
‫المشاهدة مختلفة‪ ،‬لوجود عوامل أخرى تؤثر في السلوك‪ ،‬أال وهي العوامل التركيبية‬
‫َ‬ ‫األطفال بالعدوانية‬
‫الداخلية‪.‬‬

‫لقد أحسن "بندور" في الرد على نظرية "سكنر" التي تُخضع الفرد للبيئة‪ ،‬ثم بدأ يوجه النظرية‬
‫إلى المسار الصحيح حين تحدث عن التفاعلية بين الفرد والبيئة‪ ،‬لكن اتجاهه لم يكن دقيقاً إذ أعطى‬
‫النسبة المتساوية بين الفرد والبيئة في التأثير‪ ،‬ذلك أن نسبة تأثير البيئة على الفرد ليس شرطاً أن‬
‫تساوي نسبة تأثير الفرد على البيئة‪ ،‬واعتماد النسبة يكون بناء على الحدث‪ ،‬فلما يكذب الطفل غير‬

‫البالغ بناء على تعليمات والده بأن يكذب‪ ،‬فالمسؤولية هنا فقط على الوالد؛ ألن الطفل ال يستطيع أن‬
‫يحكم وازعه الديني والعقلي‪ ،‬بينما لو كان بالغاً فالمسؤولية على الولد أكبر؛ ألنه يملك التحكم‬
‫َ‬
‫بتصرفاته لوعيه وإداراكه‪ ،‬بينما لو كان مهدداً لدرجة اإلكراه فالمسؤولية على عاتق الوالد فقط؛ ألنه‬

‫ينظر‪ :‬منصور‪ ،‬التعلم ونظرياته‪ ،‬ص‪.483 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.622 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪51‬‬
‫باإلكراه تسقط مقتضيات المسؤولية وبالتالي يسقط العقاب‪ ،‬لقوله سبحانه‪ :‬ﱡﭐﱳ ﱴ ﱵ ﱶ‬

‫ﱷ ﱸ ﱠ‪.1‬‬

‫هذا يعني أن االدعاء "بأن االنسان مغلوب على أمره أمر مرفوض‪ ،‬ذلك أن هللا قد أنذر‬

‫العباد منذ الخلقة األولى‪ ،‬وأخذ عليهم ميااقاً غليظاً"‪ ،2‬وفي ترك النظر إلى العوامل الداخلية تهميش‬
‫للذات اإلنسانية‪ ،‬وإهمال بوصلة الحقائق الداخلية‪ ،‬بل هو مناقض للحقيقة القرآنية‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲜ ﲝ ﲞ‬

‫ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﱠ‪" ،3‬إن هللا ال يغير ما بقوم من العافية والنعمة حتى يغيروا‬

‫ما بأنفسهم"‪" ،4‬فكالم المفسرين يدل على أن المراد ال يغير ما هم فيه من النعم بإنزال االنتقام إال‬

‫بأن يكون منهم المعاصي والفساد"‪ 5.‬وال يغير هللا حال العبد حتى يكون هو الساعي في تغييره عن‬
‫نفسه‪ ،6‬فحال األمم مرهون بصفات ذواتها ‪-‬وهي عقائدها ومعارفها وأخالقها وعاداتها‪ -‬ألنها هي‬
‫األصل‪ ،7‬هذا يعني أن موطن التغيير يكمن في النفس‪ ،‬والطريق لتغيير السلوك هو السعي أوالً إلى‬

‫تغيير النفس‪ ،‬ألنها منبع التغيير‪ ،‬وهذا ال يعني أنه ليس للبيئة دور في تغيير السلوك‪ ،‬ولكنه يعني‬
‫أن اإلنسان ليس خاضعاً خضوعاً كامالً للبيئة‪ ،‬وإنما هو مخير ال مسير‪ ،‬ﭧﭐﭨ ﭐﱡﭐﲛ‬

‫ﲜﱠ‪ ،8‬أي‪ :‬طريقي الخير والشر‪ ،‬وجعلناه متمكناً من اتباع طريق الخير وطريق الشر‪.9‬‬

‫وبالتالي فإن اإلسالم لم يحصر المسؤولية على البيئة وحدها‪ ،‬وال على الفرد وحده‪ ،‬وإنما‬
‫يتبع عدة معايير‪ ،‬منها العمر‪ ،‬وعدة ظروف منها اإلكراه وعدمه‪ ...‬وليس هذا البحث محل التفصيل‬
‫في ذلك‪ ،‬إال أنه من الجدير أن يذكر طبيعة المسؤولية بناء على العمر‪ ،‬فأما مرحلة قبل البلوغ‬

‫(النحل‪.)106:‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشرقاوي‪ ،‬تحو علم نفس إسالمي‪ ،‬ص‪.60 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(الرعد‪.)11:‬‬ ‫‪3‬‬

‫الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.)517/2( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪.)20/19( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن القيم‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين (ت‪751 :‬ه)‪ ،‬تفسير القرآن الكريم‪ ،‬تحقيق‪ :‬مكتب‬ ‫‪6‬‬

‫الدراسات والبحوث العربية واإلسالمية بإشراف الشيخ إبراهيم رمضان‪ ،‬دار ومكتبة الهالل –بيروت‪( ،‬ط‪1410 /1‬ه)‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪.608‬‬
‫رضا‪ ،‬تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)‪.)381/2( ،‬‬ ‫‪7‬‬

‫(البلد‪.)10 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫ينظر‪ :‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،)58/31( ،‬وينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.)755/4( ،‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪52‬‬
‫فاإلنسان غير مكلف وبالتالي فال مسؤولية على الطفل‪ ،‬ولكن هذا ال يعني إهمال تربية الطفل وإعفائه‬

‫من النمو على تحمل المسؤولية‪ ،‬ألن المربي مسؤول عن تربية ولده‪ ،‬وألن الطفل يكبر على ما نشأ‬
‫عليه‪ ،‬أما إذا كان اإلنسان بالغاً فالمسؤولية األولى على الفرد‪ ،‬يقول سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐﳎ ﳏ ﳐ ﳑ‬
‫ﳒ ﳓ ﭐ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗﱠ‪ 1‬أي أن "كل نفس رهن بكسبها عند هللا غير مفكوك‪ ،‬إال أصحاب‬

‫اليمين فإنهم فكوا عنه رقابهم بما أطابوه من كسبهم"‪.2‬‬

‫هذا ال يعني أن التربية السلوكية أهملع كل معاني ومستلزمات التربية‪ ،‬لقد كان من الصواب‬
‫أن تهتم بظاهر السلوك ودور البيئة وفردية اإلنسان‪ ،‬لكن المشكلة تشكلع لما أعطتها الدور األكبر‪،‬‬

‫وفي سبيل إهمال العناصر األخرى األساسية‪ ،‬وتااقلع باألخطاء لما تغافلع عن معيار القيم‪.‬‬

‫والخالصة أن التربية اإلسالمية تربية متكاملة تهتم بباطن وظاهر اإلنسان‪ ،‬على خالف‬
‫السلوكية التي اقتصرت على االهتمام بظاهر السلوك‪ ،‬وتكشف المدرسة اإلسالمية حقيقة أن تربية‬
‫القلب هي بوصلة السلوك‪ ،‬فالطريق إلى تغيير السلوك هو السعي أوالً إلى تغيير النفس‪ ،‬ألنها منبع‬
‫التغيير‪ ،‬وقد اهتمع التربية اإلسالمية بالنظرة الكلية إلى جميع عناصر الكون بما فيه الوجود اإلنساني‬
‫وعالقته بالخالق والكون والحياة‪ ،‬على خالف السلوكية التي اقتصرت على الوجود اإلنساني الفردي‪،‬‬

‫أص َل القيم للمجتمعات عندما كشف حقيقة أن كالم هللا هو‬


‫وكل ذلك كان بفضل القرآن الكريم الذي َّ‬
‫الهادي إلى الطريق األقوم‪ ،‬وهو المعيار األمال إلصدار األحكام‪.‬‬

‫المدثر‪.39-38 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫الزمخشري‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪.)655 /4( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪53‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫مصادر المعرفة لدى المدرسة السلوكية في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية‬

‫تعود دقة المعارف ومصداقيتها إلى سالمة مصادرها‪ ،‬لذلك يتعين النظر في تلك المصادر‬
‫التي يجب أن تُشتق منها األهداف والمبادئ التربوية‪.‬‬

‫ولكل مدرسة من المدارس التربوية أصولها التي تنباق منها نظرياتها وقوانينها‪ ،‬والمدرسة‬
‫السلوكية كغيرها من المدارس‪ ،‬لها مصادرها‪ ،‬والتي تكمن فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬المجتمع‬

‫لكل مجتمع من المجتمعات البشرية ثقافته الخاصة‪ ،‬له ماضيه وحاضره ومستقبله‪ ،‬ويملك‬
‫نطاقه السياسي واالجتماعي واالقتصادي والتربوي‪ ،‬ويتميز بقيمه وعاداته وتقاليده‪ ،‬ويعزز السلوكيات‬
‫أو يعاقب عليها بناء على ذلك‪ ،‬ومن هنا تكمن أهمية المجتمع في كونه أصالً من أصول معارف‬
‫المدرسة السلوكية ‪-‬ومدارس علم النفس عامة‪ ،-‬حيث إنه من منظورهم ال بد أن تتفق المبادئ‬
‫والنظريات التربوية مع ثقافة المجتمع‪ ،‬فالمجتمع ماالً يحب التعزيز‪ ،‬واألفراد يكررون السلوك المع َّزز‪،‬‬
‫وبالتالي تقوم النظرية السلوكية على أن التعزيز سلوك طيب يزيد من احتمالية تكرار السلوك‪.‬‬

‫‪ -2‬المتعلم‬

‫يتصل هذا المصدر بفهم طبيعة اإلنسان‪ ،‬لتتالءم حاجات المتعلم ودوافعه واهتماماته مع‬
‫العملية التربوية وليتم تنمية شخصيته في كافة الجوانب‪ ،‬ليصبح المتعلم أكار استجابة للتعلم‪ ،‬فالمتعلم‬

‫الذي يعاني من العنف‪ ،‬إذا شاهد باستمرار فيلماً يعاقب فيه التلميذ المهمل في دراسته‪ ،‬فإن المتعلم‬
‫سيهتم في الدراسة تدريجياً؛ نتيجة لمحكاته للفيلم‪ ،‬إذ سيتوقع العقاب في حال إهمال دروسه لمعاقبة‬
‫ِ‬
‫المهمل الذي شاهده في ذلك الفيلم‪ ،‬ومن هنا تقوم النظرية السلوكية على أن المحاكاة لها دور‬ ‫التلميذ‬
‫كبير في تغيير السلوك‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫‪ -3‬المختصين في علم التربية وعلم النفس‪.‬‬

‫يهتم علماء التربية وعلم النفس بفهم الطبيعة اإلنسانية‪ ،‬وذلك بإجراء العديد من الدراسات‬
‫العلمية بما فيها النظرية والميدانية‪ ،‬للخروج بالمبادئ والنظريات التربوية‪.‬‬

‫إن اختيار المجتمع والمتعلم والمختصين مصادر للمعرفة‪ ،‬يعني وجود مصادر معرضة‬

‫للتناقض‪ ،‬والتضارب‪ ،‬واالختالف‪ ،‬نتيجة لطبيعة تلك المصادر في االختالف في وجهات نظرها‪،‬‬
‫وهنا ينشأ التصدع في العملية التربوية‪ ،‬فإذا ظهر تناقض بين مبادئ المجتمع ومبادئ المتعلم‪ ،‬فأيهما‬
‫المعتبر؟ ثم ماذا لو تضاربع مصالح مبادئ المجتمع مع مصلحة المتعلم‪ ،‬أي المصالح تقدم؟ فعلى‬

‫سبيل الماال‪ ،‬إذا كان المجتمع يعزز حرية الطفل المطلقة‪ ،‬بينما يرى المربي أنها تشكل خط اًر على‬
‫سلوكه وتفكيره‪ ،‬فهل تشجيع المجتمع على سلوك ال يقتنع المربي بصوابه‪ ،‬سيؤدي إلى قيام المربي‬
‫المشجع عليه؟ ومن ثم االستمرار عليه؟ غالباً ال؛ ألن كل يعمل بما يراه مناسباً على الصعيد‬
‫َّ‬ ‫بالسلوك‬
‫الشخصي‪ ،‬أو االجتماعي‪ ،‬أو كليهما‪ ،‬وهذا يقود أيضاً إلى أن المجتمع ‪-‬بما فيه من أفكار وثقافات‪-‬‬
‫‪ ،‬لن يكون مصد اًر ذا قيمة إذا خالف فكر المربي أو المتعلم‪ ،‬ألن المتعلم أو المربي سيلتزم كل منهما‬
‫بقناعته الخاصة‪ ،‬إال في األماكن التي يزجرهما فيها القانون‪ ،‬هذا بدوره سيؤدي إلى فلتان العملية‬

‫التربوية؛ فال بد من أصل يوجه تلك األصول‪ ،‬ويقيم اتجاهاتها وفق معيار متفق عليه‪ ،‬وإال فما قيمة‬
‫تلك المصادر إذا كانع مؤهلة في أي وقع للتضارب؟ بل وما قيمتها إذا كان االلتزام بها مرهون‬

‫بوجود القانون؟‪.‬‬

‫ال شك أن أفراد المجتمع لهم دور مهم في إصدار النظم والنظريات‪ ،‬لكن المشكلة تنشأ لما‬
‫يفتقر األفراد إلى مرجعية متفق على صحتها وسالمتها من األخطاء‪ ،‬وهذا ال يتحقق إال بالوحي‪،‬‬
‫فاعتبار الوحي مصد اًر أولياً للمعارف يعني وجود مرجعاً للمجتمع والمربي له أحقية االختيار والتوجيه‪،‬‬

‫وبالتالي توحيد العملية التربوية ثم نجاحها‪ ،‬فالوحي ‪-‬على سبيل الماال‪ -‬ال يقتل الحرية‪ ،‬وفي الوقع‬
‫نفسه ال يطلقها‪ ،‬وإنما يضع لها الضوابط بما تحقق مصالح الدنيا واآلخرة معاً‪.‬‬

‫يتجلى التوفيق في العملية التربوية عندما تكون المصادر كلها متكاملة منسجمة مع بعضها‬
‫البعض‪ ،‬يلتزم بها األفراد لوجود قناعة حقيقية داخلية بأحقيتها‪ ،‬وهذا ما يميز مصادر التربية‬
‫‪55‬‬
‫اإلسالمية‪ ،‬لذلك عندما يصف القرآن الكريم العلم المجرد عن حقائق الوحي‪ ،‬فإنه يصف ذلك العلم‬
‫بالنقص؛ ألنه ‪-‬على أهميته ومكانه‪ -‬إال أنه مختزل في عالم الدنيا فقط‪ ،‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﱎ ﱏ‬

‫ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱠ‪ 1‬فال يفهم من إشارتها إلى العلم أنها من باب‬

‫ذم مقام العلم ومكانته‪ ،‬فعلوم الدنيا مطلوبة‪ ،‬وال غنى لإلنسان عنها‪ ،‬وإنما الذم إلساءة تطبيقه‪ ،‬فقد‬
‫ظنوا أن العلم بالموجودات يكفيهم ويغنيهم عن العلم بالغيبيات‪ ،‬فالذم ألسلوب التفكير‪ ،‬وليس لما‬
‫يعلمونه من علوم طبيعية واجتماعية تتعلق بالحياة القائمة‪ ،2‬فالوحي ينُقد ليوجه‪ ،‬ويعلل ويوضح‬

‫ليقنع‪ ،‬ويبين الصواب ليصحح‪ ،‬ويرفق ويرحم ليمأل القلب وداً وحباً‪ ،‬فهو يضبط العقل كي ال يخرج‬
‫عن المسار الصواب‪.‬‬

‫وال يظهر دور الوحي عند التضارب فحسب‪ ،‬وإنما افتقار المصادر إلى الوحي يعني افتقارها‬

‫إلى النور الذي يبين الصواب‪ ،‬ويحدد المصالح‪ ،‬ويفصل الخالفات‪ ،‬ويوحد مسار المفترقات‪ ،‬وإال‬
‫فإنه سيتجه كل وفق مصلحته ومبادئه التي يراها مناسبة‪ ،‬والذي سيؤدي إلى نشوء خالف جسيم‪،‬‬
‫وظلم كبير‪ ،‬هذا يفيد أن النظرة المحايدة إلى مصادر الغرب تُظهر سبب التناقض‪ ،‬والذي يعود إلى‬
‫بشرية المصدر الذي تستمد منه النظريات‪ ،‬إضافة إلى أن جعل اإلنسان المصادر منعزلة عن الوحي‬
‫يعني اختزال المبادئ في حجم الدنيا‪ ،‬بدالً من اتساعها إلى حجم المصير النهائي وهو اليوم اآلخر‪.‬‬

‫يقول " ماسلو" في هذا الصدد‪ " :‬لقد درجع النظرة على اعتبار كل من الدين والعلم عالمين‬
‫منفصلين عن بعضهما البعض وذلك بسبب الفهم الضيق لكل من العلم والدين‪ ،‬ولقد خنق هذا‬
‫الفصام مفهوم العلم في القرن التاسع عشر في دائرة ضيقة هبطع بالعلم وحصرته في ميدان‬

‫الميكانيكا والفلسفة الوضعية‪ ،‬وجردته من القيم اإلنسانية‪ ،‬ومن هنا ألصق العلم بنفسه خطاً شائناً‬
‫حين زعم أن ليس للعلم ما يقوله في قضايا النشأة اإلنسانية والمصير والتطلعات العليا والقيم‬
‫الروحية‪ ...‬لقد حكم هذا االتجاه على العلم باإلخفاق وقصر مفهوم العلم على التكنولوجيا وأبرز العلم‬
‫مجرداً من األخالق وقواعد األدب اإلنساني‪ ،‬وبذلك لم يعد العلم شيئا ذا بال‪ ،‬وصار ال يزيد عن‬
‫كونه مجموعة من الطرائق واألدوات‪ ،‬ووسيلة يستعملها الصالح والشرير ألي هدف خير أو خبيث‪.‬‬

‫(الروم‪.)7 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬تطور مفهوم النظرية التربوية في اإلسالم‪ ،‬ص‪.123:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪56‬‬
‫وسنجد أنفسنا ‪-‬عاجالً أم آجالً‪ -‬بحاجة إلى إعادة تعريف العلم والدين بعدما أصابهما من‬

‫اللبس والتشويه‪ ،‬ألن التفريق بين جزئين متكاملين‪ ،‬جزئين يحتاج كل منهما إلى اآلخر‪ ،‬جزئين هما‬
‫في الحقيقة كل واحد ال كليات منفصلة‪ ،‬هذا التفريق يشوه كالً من العلم والدين ويضعفه ويفسده‪ ،‬هو‬
‫يجعل كل منهما كائنين غير قابلين للحياة‪.‬‬

‫لقد علمتنا العقود األخيرة بأن العلم قد يصبح خط ار يهدد مقاصد اإلنسان العليا‪ ،‬وإن العلماء‬
‫قد يصبحون وحوشاً طالما أصبح العلم كلعبة الشطرنج"‪.1‬‬

‫لقد أصل "ماسلو" حقيقة أبعاد انشقاق العلم عن الدين‪ ،‬والخطر الذي سيعم المجتمعات‬

‫عندما تنفصل عن الدين؛ ألن في ذلك انفصال المجتمعات عن المرشد الحقيقي‪ ،‬والمال األعلى‪،‬‬
‫والمرجع األول لمصادر المعرفة‪.‬‬

‫‪ -4‬التجارب‬

‫تعد التجارب من أهم مصادر معارف المدرسة السلوكية‪ ،‬والتي تشتق من خاللها النظريات‬
‫والمبادئ‪ ،‬وذلك عبر نتائج التجارب التي تجريها على اإلنسان وعلى الحيوان‪ ،‬وتفصيل ذلك على‬
‫النحو اآلتي‪:‬‬

‫أ‪ -‬التجارب على اإلنسان‬

‫اهتمع المدرسة السلوكية بإجراء الدراسات على اإلنسان‪ ،‬باختيار بعض الناس إلجراء‬
‫الدراسة ثم الخروج بمبادئ وقوانين سلوكية يتم قياسها على كافة البشر‪ ،‬وإحدى هذه الدراسات‬
‫التجريبية‪ ،‬دراسة أجريع على أطفال في سن ما قبل المدرسة‪ ،‬حيث جرى تعريضهم لفيلم ذو مضامين‬
‫عدوانية لمدة نصف ساعة يومياً تمتد أربع أسابيع‪ ،‬وبعد انتهاء التجربة تبين أن األطفال الذين كانوا‬

‫على درجة عالية من العدوانية قبل التجربة أصبحوا أكار عدوانية بعدها‪ ،‬كما أصبحوا أقل تسامحاً‬
‫في حاالت اإلحباط‪ ،‬وأقل طاعة لألوامر‪ ،‬وأقل التزاماً بالقواعد السلوكية‪ ،‬أما األطفال الذين كانوا أقل‬
‫عدوانية قبل التعرض للألفالم فلم يظهروا تأث اًر ملحوظاً بتلك األفالم‪.2‬‬

‫‪ 1‬ماسلو‪ ،‬أبراهام‪ ،‬خطر اًلنشقاق بين الدين والعلم‪ ،‬ترجمة وتعليق‪ :‬ماجد عرسان الكيالني‪ ،‬مجلة األمة‪ ،‬العدد‪ ،3 :‬قطر‪ ،‬ربيع‬
‫األول‪ 1401 ،‬ه‪ ،‬ص‪.19-17:‬‬
‫منصور‪ ،‬التعلم ونظرياته‪ ،‬ص‪.484 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪57‬‬
‫والظاهر أن المحاكاة وحدها ال تكفي لتغيير السلوك‪ ،‬ذلك أن عقل اإلنسان ما لم يكن مقتنعاً‬
‫بالسلوك‪ ،‬فإنه من الصعب التخلص منه‪ ،‬أو تطبيقه‪ ،‬وإذا ط أر تغير على السلوك نتيجة للمحاكاة‪،‬‬
‫فهو ليس لسبب مجرد مشاهدة العقاب‪ ،‬وإنما أيضاً لوجود عوامل داخلية هامة‪ ،‬مال رضا الطفل‬
‫بأهمية الدراسة‪ ،‬أو حبه لها‪ ...‬لكن الطفل الذي ال يميل إلى الدراسة وأهميتها‪ ،‬لن ينشأ من مشاهدته‬

‫تحسناً يستحق الذكر‪ ،‬والدليل على ذلك اختالف مستوى تأثر الطالب بالفيلم‪ ،‬نتيجة لوجود عوامل‬
‫أخرى غير المشاهدة والمحاكاة‪ ،‬كالعوامل الداخلية‪.‬‬

‫إضافة إلى أن الكاير من النظريات استمدت نتائجها من عدد محدود من التجارب‪ ،‬خرجع‬

‫منها بتفسيرات وقوانين للسلوك‪ ،‬واهتمع بالحاالت ذات الصلة بالتطبيقات العملية‪ ،‬وتفسير هذه‬
‫الحاالت أكار من اهتمامها بالخروج بقواعد عامة وتفسيرات أكار شموالً‪ ،‬وال تتجاوز نطاق الحاالت‬
‫الفردية إلى قوانين عامة لتفسير السلوك‪ ،‬ثم أضفع صفة النظرية على هذه التفسيرات!‪ ،1‬ويضاف‬
‫إلى ذلك أن التجارب يتم فيها محاوالت إخضاع النفس اإلنسانية إلى مقاييس جامدة ال تتسع لتغيرات‬
‫النفس وتقلباتها‪ ،‬وإلى المناهج والمعامل التجريبية التي تصلح فحسب في مجاالت العلوم الرياضية‬
‫والطبيعية‪ ،2‬إذ ال يمكن دراسة السلوك الكلي لجميع البشر بدراسة فئة معينة‪ ،‬ذلك أن الدراسة‬
‫التجريبية تستنبط نتائج مفترضة تلصق تعسفاً بمفهوم الشخصية باعتبارها حصيلة إكلينيكية‪ ،‬ثم‬
‫االدعاء أنها مقاييس صالحة لها في تقييم أبعادها المختلفة‪ ،‬فاستنباط النتائج من عينة معينة ال يعني‬
‫تعميم صحتها على كافة البشر‪ ،‬فهي ال تشمل حقيقة البشر مع مراعاة اختالف الشخصية والعوامل‬
‫الوراثية والزمان والمكان‪ِ ،‬‬
‫فص ْدق الفروض على عينة ال يعني أنها تصدق على جميع البشر‪ ،‬بل ال‬
‫يعني أنها ستصدق على ذات العينة بعد مرور فترة ما‪.3‬‬

‫على سبيل الماال‪ ،‬إذا مارس األطفال ‪-‬الذين أجريع عليهم الدراسة‪ -‬سلوكاً عدوانياً نتيجة‬

‫مالحظة نموذج يمارس مال هذا السلوك وقد عزز عليه‪ ،‬ال يعني بالضرورة ممارسة األطفال اآلخرين‬
‫لذلك السلوك العدواني‪ ،‬ألن طبيعة ظروف وتربية األطفال مختلفة من طفل إلى طفل‪ ،‬فالطفل الذي‬

‫ينظر‪ :‬األنصاري‪ ،‬األسس النفسية واًلجتماعية للتعلم‪ ،‬ص‪.194 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬الشرقاوي‪ ،‬نحو علم نفس إسالمي‪ ،‬ص‪.23:‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.64-63:‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪58‬‬
‫نشأ وتربى على عدم ممارسة العنف عن قناعة‪ ،‬حتى تشرب بغض العنف وأدرك سلبياته‪ ،‬فإنه لن‬
‫يمارس العنف بمجرد مشاهدة إنسان عنيف يعزز على عنفه‪ ،‬ولنفرض جدالً أنه مارسه فإنه لن تكون‬

‫الممارسة بمستوى ممارسة األطفال اآلخرين‪ ،‬لوجود عوامل أخرى أثرت على مستوى تأثره‪ ،‬ليس هذا‬
‫فحسب‪ ،‬وإنما األطفال أنفسهم الذين أجريع عليهم الدراسة‪ ،‬بعدة عدة سنوات لو أجريع عليهم مرة‬

‫أخرى قد ال تظهر النتائج نفسها‪ ،‬ألنه من الصعب إخضاع البشرية لقانون ثابع نتيجة لتغير طبيعة‬
‫اإلنسان مع تغير الظروف‪ ،‬ذلك أن اإلنسان ينضج أو يضمحل بحسب أحواله الداخلية والخارجية‬
‫معاً‪ ،‬فهو ليس مبرمجاً ضمن آلية معينة‪ ،‬إنما لديه إرادة االختيار وقدرة التمييز‪.‬‬

‫وقد ذكر "ماركلي"‪ 1‬المسلمات التي لم تعد مناسبة‪ ،‬ومن تلك المسلمات‪ :‬القول إن المالحظة‬
‫والتجربة هي وحدها الطريق الصادق الكتشاف الحقيقة العلمية ذات الوجود المستقل عن المالحظ‪،‬‬
‫وعلى منواله سار "هاربارت ماركيوس"‪ ،2‬إذ نقل "الكيالني" عنه بأنه وجد أن االعتماد على الطريقة‬
‫العلمية العقلية وحدها أدى إلى بروز كائنات ذات بعد واحد‪.3‬‬

‫"وممن انتقد مناهج المعرفة القائمة‪ ،‬عالم االجتماع الشهير البرفسور "ثيودور روزاك" ‪-‬أستاذ‬
‫التاريخ ورئيس دائرة الدراسات العامة في جامعة "كاليفورنيا"‪ -‬فهو يذكر أن المشكلة هي أن العلم‬

‫يقدم نفسه عالمستوى األكاديمي والشعبي كمنهج مب أر من اإللهامات والحدس والذوق‪ ،‬وإن هذه‬
‫األدوات ليسع شيئاً وغير كافية للوصول إلى المعرفة‪ ...‬وإن نتائج المعرفة العلمية والتكنولوجية هي‬
‫عرضة بشكل شاذ للتقنين والزيادة‪ ،‬وقد نقل "الكيالني" عن "روزاك" أنه يعتقد أن "التصنيع المعتمد‬
‫على العلم يجب أن ينظم وينسق ويفقد محوريته‪ ،‬وأن يعاد صياغته ليصبح باإلمكان التعايش معه‬
‫روحياً ومادياً‪ ،‬فالعلم‪،‬والدين‪ ،‬والعقل‪ ،‬والوجدان‪ ،‬يجب أن يتعايشا وهما يحتاجان لهذا التعايش"‪.4‬‬

‫جوزيف كامبل موركلي‪( ،‬ت‪1904 :‬م)‪ ،‬مياولوجي أمريكي‪ ،‬وكاتب ومحاضر‪ ،‬تخصص في األدب‪ .‬عمل في كلية سارة‬ ‫‪1‬‬

‫لورانس‪ .‬موقع ويكيبيديا‪ar. wikipedia. org .‬‬


‫‪ 2‬هربرت ماركيوس (ت‪1979 :‬م)‪ ،‬فيلسوف ومفكر أمريكي ألماني وعالم اجتماع‪ ،‬عمل في مجال الفلسفة‪ .‬موقع ويكيبيديا‪.‬‬
‫‪ar. wikipedia. org‬‬
‫‪ 3‬الكيالني‪ ،‬فلسفة التربية اإلسالمية‪ ،‬ص‪.300 :‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.299 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪59‬‬
‫كان من الجيد أن يصل "روزاك" إلى هذه الحقيقة‪ ،‬لكنه افتقر إلى الدقة عندما لم يحدد أن‬

‫الدين المفترض التعايش معه هو اإلسالم‪ ،‬وال شك أن طبيعة المجتمعات والمتعلمين والمعلمين في‬
‫نمو وتغيير ورحيل عن الحياة‪ ،‬والذي بدوره سيؤدي ذلك حتماً إلى تبديل وتغيير المبادئ والنظريات‬
‫باستمرار‪ ،‬هذا يعني فقدان قيمتها وصعوبة االلتزام بها‪.‬‬

‫وتلك شهادات خرجع من أفواه رواد المدارس الغربية‪ ،‬قد المسع وتر الحقيقة وصدحع‬
‫بها‪ ،‬لكن العلماء وقعوا في مشكلة العجز عن الوصول إلى نهاية المطاف المطلوبة‪ ،‬فعندما وصلوا‬
‫إلى نتيجة أن التجارب وحدها ال تكفي للوصول إلى الحقيقة‪ ،‬عجزوا عن إكمال المسار المطلوب‪،‬‬

‫إذ عجزوا عن اإلجابة عن سؤال‪ :‬ماذا يجب أن نضيف إلى نتائج التجارب كي يصل الباحث إلى‬
‫الحقيقة؟ بل ما هو المصدر الذي يجب أن يقترن بتلك النتائج إلثبات مدى صحتها أو دقتها؟‬

‫والمدارس على اختالف مذاهبها‪ ،‬ال تنكر دور التجارب في الوصول إلى المعرفة‪ ،‬غير أن‬
‫الخالف قائم حول قضية فصل التجارب عن الوحي في رحلة الوصول إلى المعرفة‪ ،‬فاإلسالم يابع‬
‫حقيقة أنه ال فصل للمعارف عن الوحي‪ ،‬ذلك أن خالق المعارف هو هللا جل جالله‪ ،‬وهو الخبير‬
‫العالم بحقيقة صحة ودقة اكتساب المعارف‪ ،‬يقول سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ‬

‫ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﱠ‪ 1‬فاهلل أخرج‬

‫الناس جاهلين غير عالمين‪ ،‬وخلق لهم الحواس التي بها يعلمون ويقفون على ما يجهلون‪ ،‬والهدف‬
‫من هذه النعمة هو شكر الخالق عليها‪ ،‬إذ يعرف الناس بها نعمة هللا وقدرته‪ ،2‬واقتصر على السمع‬
‫والبصر من بين الحواس "ألنهما أهم‪ ،‬وألن بهما إدراك دالئل االعتقاد الحق"‪ ،3‬ومقدمة منافع السمع‬

‫والبصر والفؤاد‪ ،‬أن يعملوا أسماعهم وأبصارهم في آيات هللا وأفعاله‪ ،‬ثم ينظروا ويستدلوا بقلوبهم‪ ،‬فال‬

‫(النحل‪.)78 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬ينظر‪ :‬الواحدي‪ ،‬أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي‪ ،‬النيسابوري‪ ،‬الشافعي (ت‪468 :‬ه)‪ ،‬الوسيط في تفسير القرآن‬
‫المجيد‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ :‬الشيخ عادل أحمد عبد الموجود‪ ،‬الشيخ علي محمد معوض‪ ،‬الدكتور أحمد محمد صيرة‪ ،‬الدكتور أحمد‬
‫عبد الغني الجمل‪ ،‬الدكتور عبد الرحمن عويس‪ ،‬قدمه وقرظه‪ :‬األستاذ الدكتور عبد الحي الفرماوي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪-‬بيروت‪،‬‬
‫(ط‪1415 /1‬ه‪1994-‬م)‪.)76 /3( ،‬‬
‫ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)232 /14( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪60‬‬
‫يجعلوا هلل نداً وال شريكاً‪ ،‬ومن لم يعملها فيما خلقع له فهو بمنزلة عادمها‪ ،1‬كما قال هللا تعالى‪:‬‬

‫ﱡﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ‬

‫ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﱠ‪ 2‬فهؤالء لهم آذان تسمع‪ ،‬لكن‬

‫الحاسة في منزلة العدم‪ ،‬إضافة إلى ذم اختزال توظيف الحواس على‬


‫َّ‬ ‫سماع ال فائدة منه‪ ،‬فصارت‬

‫مدى الدنيا دون المصير األبدي ‪-‬اآلخرة‪.3-‬‬

‫ﱇﱉ‬
‫ﱈ‬ ‫ويقول سبحانه في حدياه عن الكافرين أيضاً‪ :‬ﭐﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ‬

‫ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ‬

‫ﱝﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢﱠ‪ 4‬هذا يعني أن "لكل عضو من هذه األعضاء من العمل والقوة‪،‬‬

‫فالعين تقصر عن القلب واألذن وتفارقهما في شيء‪ ،‬وهو أنها إنما ترى بها األشياء الحاضرة واألمور‬
‫الجسمانية مال الصور واألشخاص‪ ،‬فأما القلب واألذن فيعلم بهما ما غاب عن اإلنسان‪ ،‬وما ال‬

‫مجال للبصر فيه من األشياء الروحانية والمعالم المعنوية‪ ،‬ثم بعد ذلك يفترقان‪ ،‬فالقلب يعقل األشياء‬
‫بنفسه إذا كان العلم بها هو غذاؤه وخاصيته‪ ،‬أما األذن فإنها تحمل الكالم المشتمل على العلم إلى‬
‫القلب‪ ،‬فهي بنفسها إنما تنال القول والكالم‪ ،‬فإذا وصل ذلك إلى القلب أخذ منه ما فيه من العلم‪،‬‬

‫فصاحب العلم في حقيقة األمر هو القلب‪ ،‬وإنما سائر األعضاء حجبته توصل إليه من األخبار ما‬
‫لم يكن ليأخذه بنفسه‪ ،‬حتى إن من فقد شيئاً من هذه األعضاء فإنه يفقد بفقده من العلم ما كان هو‬
‫الواسطة فيه‪ ،‬فاألصم ال يعلم ما في الكالم من العلم‪ ،‬والضرير ال يدري ما تحتوي عليه المرئيات‬

‫من الحكمة البالغة‪ ،‬وكذلك من نظر إلى األشياء بغير قلب‪ ،‬أو استمع إلى كلمات أهل العلم بغير‬
‫قلب‪ ،‬فإنه ال يعقل شيئاً‪ ،‬فمدار األمر على القلب"‪5‬؛ ألن من عاين وسمع‪ ،‬ثم لم يتدبر‪ ،‬ولم يعتبر‪،‬‬
‫لم ينتفع ألبتة‪ ،‬ولو تفكر فيها وسمع الينتفع‪ ،‬فلهذا قال‪ :‬ﭐﱡﭐﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ‬

‫ﳀﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊ‬
‫ﳁ‬ ‫ﲻﲼﲽﲾﲿ‬

‫ينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.)199-198 /3( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(األحقاف‪.)26 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬الشعراوي‪ ،‬تفسير الشعراوي –الخواطر‪.)9863 /16( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫(األعراف‪.)179 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن تيمية‪ ،‬الفتاوى الكبرى‪.)51-50/5( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪61‬‬
‫ﳋ ﳌﱠﭐ‪ 1‬كأنه قال ال عمى في أبصارهم فإنهم يرون بها‪ ،‬لكن العمى في قلوبهم حيث لم‬

‫ينتفعوا بما أبصروه‪ ،‬ذلك أنه ال يكمل السمع والبصر إال بتدبر القلب في نور الوحي‪ ،2‬وهكذا يشير‬

‫القرآن الكريم إلى مصادر المعرفة‪ ،‬والتي تكمن في السمع والبصر والفؤاد‪ ،‬ويوضح أن الوحي أم‬
‫وأصل هذه المعارف‪ ،‬هذا يعني أن عدم استفادة الذين كفروا من الحواس حق االستفادة سببه الغفلة‬
‫عن الوحي‪ ،‬إذ أن الوحي هو الذي يحسن توظيف المعارف في الدنيا بما يحقق مصالح الحياة الدنيا‬

‫والحياة األبدية ‪-‬اآلخرة‪.-‬‬

‫يقول سيد قطب‪" :‬أما القدرة على اإليمان بما ال تدركه الحواس فهو المزية األساسية للكائن‬
‫البشري‪ ،‬والموهبة العظمى التي وهبها هللا لإلنسان‪ ،‬وعلى الرغم من هذه البديهية‪ ...‬فالجاهلية الحدياة‬
‫‪3‬‬
‫تطمس بصيرة اإلنسان في هذا الجانب‪ ،‬وتحدد كيانه‪ ،‬وتحصره في محيط ما تدركه الحواس وحده"‬
‫لتكون النتيجة اختزال حقيقة الكون في المادة وما هو محسوس‪ ،‬وبالتالي فإن التحليل التجريبي للنفس‬
‫يفكك النفس إلى عناصر لتصبح سهلة طيعة‪ ،‬حتى يتم إخضاعها للدراسات العملية واألبحاث‬
‫المعملية‪ ،‬وهذا ال يمكن تصوره في النفس اإلنسانية‪ ،‬ذلك أن النفس اإلنسانية أعقد بكاير من أن‬
‫تخضع لحقل التجارب‪ ،‬فهي متقلبة ال يمكن إخضاعها بأدوات ثابتة‪ ،‬وهي أيضاً ذات أبعاد معنوية‬
‫وروحية ال يمكن إخضاعها ألدوات مادية محسوسة‪ ،‬ويترتب على ذلك الخروج بمحصلة نتائج غير‬

‫دقيقة‪ ،‬بل وربما الخروج بافتراضات أكار غموضاً‪.4‬‬

‫فاألزمة التي يعاني منها أسلوب العلم القائم أنه "يوجه العقل للبحث في محسوسات اآلفاق‬
‫واألنفس‪ ،‬ولكنه ال يزوده بمقررات تتعلق بميداني النشأة والمصير ‪-‬ولن يستطيع ألنها ليسع‬
‫محسوسات متناولة‪ -‬وحين يتوجه نحوها ال يملك وسائلها فيعتمد الظن بدل العقل إلى هذا أشار‬
‫ﳃﳅﳆﳇﳈ‬
‫ﳄ‬ ‫القرآن الكريم" يقول سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ‬
‫ﳉﱠ‪.5‬‬

‫(الحج‪.)46 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪.)233/23( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫قطب‪ ،‬سيد‪ ،‬في ظالل القرآن‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬ط (‪1402( ،)10‬ه‪1982-‬م)‪.)155/1( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬الشرقاوي‪ ،‬حسن محمد‪ ،‬نحو علم نفس إسالمي‪ ،‬مؤسسة شباب الجامعة ‪-‬اإلسكندرية‪ ،1984 ،‬ص‪.64-63:‬‬ ‫‪4‬‬

‫(النجم‪.)23 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪62‬‬
‫ومن هنا ينقل "ماسلو" قول "رينيه دوبو"‪ 1‬عن كتابه‪" :‬العلم متهم بتدمير القيم الدينية والفلسفية‬

‫دون أن يقدم بديالً إلرشاد السلوك‪ ،‬أو تصو اًر عن الكون‪ ..‬واليوم يجد االنسان من الصعب أن يعيش‬
‫دون فكرة عن وجوده‪ ،‬أو إيمان بخطورة مصيره "‪ ،2‬وقد كان من الحري أن يصل "رينيه" إلى حقيقة‬
‫خطورة فصل العلم عن الوحي‪ ،‬والتي تجعل اإلنسان جاهالً عن حقيقته األبدية القادمة‪ ،‬وغير متوازن‬

‫في تحقيق مصالحه ومصالح المجتمع‪ ،‬فلن تكون الفائدة التي تامرها التربية المنشقة عن الوحي إال‬
‫فائدة مؤقتة زمنها الدنيا ‪-‬أو انتهاء حياة الفرد‪ ،-‬ليبقى في حيرة من مغزى وجوده‪ ،‬هذا يعني أنه في‬
‫حيرة أيضاً من مغزى تربيته ومبادئها وأهدافها‪ ،‬والذي بدوره سيؤدي إلى التخلي عن المبادئ التربوية‬

‫ألجل مصلحته الخاصة‪ ،‬أو مزاجه‪ ...‬ألنه ال يعي حقائق المدى األبدي الذي ما بعد الموت‪.‬‬

‫وقد نشأت في الحضارة الغربية فكرة فصل الدين عن العلم‪ ،‬نتيجة لتناقض مقررات الكنيسة‬
‫مع تطبيقات العلم ومقتضياته‪ ،‬لكارة أخطاء مقررات البابا‪ ،‬لجهة تحريف كتابهم السماوي مما أدى‬
‫إلى فقدانه لمصداقية الوحي‪ ،‬فالسبب الذي كان وراء تخلف المسلمين هو بعدهم عن اإلسالم‪،‬‬
‫والسبب الذي أدى إلى خلو العلم من المال العليا والقيم في الحضارة الغربية هو الهروب من تناقض‬
‫الكنيسة مع العلم‪ ،‬بفصل الدين عن العلم‪ ،‬لذلك ليس من العجب أن يقول "مادكس"‪ 3‬إذ نقل عنه‬
‫"ماسلو" قوله‪" :‬إن التفري ق بين اإلسالم والعلم هو أزمة الحضارة التي انتهع بها في كل مرحلة من‬
‫مراحل التاريخ إلى االنحطاط والتدهور‪ ،‬ولكن مظهر هذه األزمة اختلف حدة وشكالً من حضارة إلى‬
‫أخرى"‪ 4‬بحسب مبادئها ونظرياتها القائمة‪.‬‬

‫هذا كله ال يعني التقليل من أهمية التجارب المخبرية على اإلنسان‪ ،‬إال أنه ال يجب النظر‬
‫إلى اإلنسان أنه كائن آلي فارغ‪ ،‬تحكمه عوامل محددة‪ ،‬وأن التجارب المخبرية غير كافية إلظهار‬
‫كل حقائق النفس‪ ،‬فاألصل أن المرجع األول لحقائق النفس اإلنسانية هو كالم خالقها‪ ،‬وال بد من‬

‫رينيه دويو‪ ،‬فائز بجائزة نوبل للعلوم سنة ‪1976‬م‪ ،‬مؤلف كتاب‪ :‬إنسانية اإلنسان نقد علمي للحضارة الحضارة المادية‪ .‬موقع‬ ‫‪1‬‬

‫وكالة عمون اإلخبارية‪ ،‬نشر في ‪2019‬م ‪.www. ammonnews. net‬‬


‫ماسلو‪ ،‬خطر اًلنشقاق بين الدين والعلم‪ ،‬ص‪.20 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ومحرر‪ ،‬له العديد من األعمال األدبية‪،‬‬


‫ًا‬ ‫وناقدا‬
‫شاعر ً‬‫ًا‬ ‫ائيا إنجليزًيا‪،‬‬
‫هو فورد مادكس فورد‪( ،‬ت‪1939 :‬م)‪ ،‬بريطاني الجنسية‪ ،‬رو ً‬
‫‪3‬‬

‫وكان مدرساً في كلية أوليفيع في الواليات المتحدة‪ .‬ينظر‪ :‬موقع وكيبيديا‪en. m. wikipedia. org ،‬‬
‫‪ 4‬ماسلو‪ ،‬خطر اًلنشقاق بين الدين والعلم‪ ،‬ص‪.20 :‬‬
‫‪63‬‬
‫توظيف الحواس بما يخدم الدارين‪ ،‬وال يشير الباحث أن ليس للمحاكاة دور في تغيير السلوك‪ ،‬لكنها‬

‫ليسع العامل الوحيد في سبب التغيير‪ ،‬وال بد من مراعاة أمور هامة أخرى كالعوامل الداخلية – والتي‬
‫أهملتها المدرسة السلوكية كما سيظهر في المبحث الالحق‪ -‬كي تحقق المحاكاة أكبر قدر ممكن من‬
‫التغيير‪.‬‬

‫ب‪ -‬التجارب على الحيوان‬

‫لم تقتصر تجارب المدرسة السلوكية على اإلنسان للوصول إلى النظريات والمبادئ‪ ،‬وإنما‬
‫أضافع إلى ذلك إجراء التجارب المخبرية على الحيوان أيضاً‪ ،‬كالفئران والحمام وغيرها‪ ،‬وقد تم‬

‫تصميم العديد من األجهزة التي تفي بمتطلبات التجارب لتدريب الحيوان على القيام بالسلوكيات‬
‫المطلوبة‪ ،‬واستنباط مبادئ وقوانين سلوكية‪ ،‬ثم قياسها على اإلنسان‪.‬‬

‫وتهدف التجارب التي تُجرى على الحيوان إلى فهم السلوك الحيواني ليتم قياسه على السلوك‬
‫اإلنساني‪ ،‬وإحدى النتائج التي تم التوصل إليها من هذا النوع من التجارب هي‪ :‬تعميم المايرات‪ .‬فإذا‬
‫كان هناك ارتباط بين ماير ما واستجابة‪ ،‬فإن الماير سيظهر االستجابة‪ ،‬وكذلك فإن المستويات‬
‫المتباينة من المايرات سيتبعها ظهور االستجابة كذلك‪ ،‬ففي تجارب "ميلر" و"دوالرد" إذ استخدما‬

‫جهاز (موراي وبيركون) ‪ ، Mummy & Barun‬ويتكون من صندوق خشبي مقسم الى ثالثة اجزاء‬
‫طولية تم طالؤها من الداخل باللون االسود والرمادي واألبيض‪ ،‬وفي أحد أطراف الصندوق يوجد‬
‫ممر يوصل األجزاء الاالثه معاً‪ ،‬بحيث يتيح للحيوان المستخدم حرية التنقل بينها‪ ،‬وقد تم إحداث‬
‫الصدمة الكهربائية على الفأر فقط في الجزء األبيض من الصندوق‪ ،‬ثم لوحظ أن الجزء األبيض‬
‫ليس وحده الذي ياير الخوف لدى الفأر‪ ،‬ولكن الظالل المختلفة رمادية اللون تاير الخوف أيضاً‪،‬‬
‫وهكذا تعمم االستجابة على المايرات المتشابهة األخرى‪ ،‬مالما يحدث عند تعلم خوف الطفل من‬

‫الاعبان فسيخاف من الحبل ولو في البداية‪ ،‬والمرأة التي تغتصب ستكره كل الرجال‪ ،‬والفرد يستجيب‬
‫لكل األشخاص الودودين بطريقة متشابهة‪ ،‬ولكل الهادئين بطريقة مماثلة كذلك‪ .‬أما التمييز فهو‬
‫عكس التعميم‪ ،‬حيث يتعلم الطفل أن بعض الاعابين مخيفة ولكن الحبال ليسع كذلك‪ ،‬والمرأة‬
‫المغتصبة قد تدرك أن الرجل الذي اغتصبها يختلف تماماً عن الرجال اآلخرين‪.1‬‬

‫عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.596/590 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪64‬‬
‫مما يؤخذ على علم النفس عموماً ونظريات التعلم تحديداً‪ ،‬أنها تعتمد بدرجة كبيرة على نتائج‬

‫األبحاث والدراسات على الحيوانات؛ إليجاد المبادئ والقوانين والنماذج حول السلوك اإلنساني‪ ،‬ذلك‬
‫أن اإلنسان مخلوق مميز يختلف في النوع عن الحيوانات ‪-‬كما سيتبين في هذا المبحث‪ ،-‬وبالتالي‬
‫فإن ما ينطبق على سلوك الحيوانات ال يصلح لتفسير السلوك اإلنساني‪.‬‬

‫بينما يرى مؤيدو التجارب على الحيوان‪ ،‬أن قياس السلوك الحيواني على السلوك اإلنساني‬
‫ال يستحق كل ذلك النقد‪ ،‬ألنه تبين ‪-‬في نظرهم‪ -‬أن ما توصلع إليه نظريات التعلم من مبادئ‬
‫وقوانين حول السلوك ما هو إال نتاج العديد من الدراسات التي أجريع على الحيوان واإلنسان على‬

‫حد سواء‪ ،‬إضافة إلى أنه يوجد العديد من المبررات التي دفعع العلماء إلى استخدام الحيوانات وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬صعوبة الضبط التجريبي‪ :‬ذلك أن الكائن البشري كائن فريد متميز بتعدد عوامل سلوكه‪،‬‬
‫ومتغيراته الداخلية والخارجية‪ ،‬لدرجة يصعب معها تحقيق الضبط التجريبي في العديد من‬
‫المجاالت‪ ،‬فتكمن الحاجة إلى إجراء التجارب على الحيوانات لسهولة تحقيق الضبط‬
‫التجريبي‪.‬‬

‫‪ -2‬االعتبارات األخالقية‪ ،‬والخطورة الجسدية والنفسية‪ :‬ال يمكن أن يكون اإلنسان موضع‬

‫ضرر جسدياً أو نفسياً‪ ،‬كالصعق الكهربائي أو‬


‫اً‬ ‫تجارب‪ ،‬وال سيما تلك التي يمكن أن تلحق‬
‫الحقنة الكيميائية‪ ...‬ألن ذلك يعد امتهان لكرامته وإرادته اإلنسانية‪.‬‬

‫‪ -3‬علم النفس ليس العلم الوحيد الذي يستخدم الحيوانات في التجارب العلمية‪ ،‬فعلوم الطب‬
‫والدواء والصناعات الغذائية واألحياء يستخدم فيها الحيوانات‪ ،‬ويتم قياس االستنتاجات على‬
‫اإلنسان‪.1‬‬

‫‪ -4‬بساطة سلوك الحيوان‪ :‬حيث يمكن تحديد خطواته بسهولة‪ ،‬وضبطه في حقل التجارب على‬

‫نحو يقلل من أثر تداخل متغيرات أخرى لم تكن في الحسبان‪.2‬‬

‫ينظر‪ :‬زغلول‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬ص‪.39-38 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬األنصاري‪ ،‬األسس النفسية واًلجتماعية للتعلم التعلم التجريبي‪ ،‬ص‪.186 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪65‬‬
‫ويعتقد "سكنر" أن السلوك اإلنساني الوظيفي المعقد شبيه بسلوك أية عضوية حية‪ ،‬ويمكن‬

‫دراستها بطريقة موضوعية‪ ،‬من خالل تحليل السلوك أو إجراء التجريب العملي‪ ،‬ولما كان هناك‬
‫تشابه بين العضويات الحية المختلفة‪ ،‬فإن المبدأ العام للسلوك أو التعلم يمكن أن ينطبق على‬
‫العضويات جميعها بما فيها الكائنات اإلنسانية‪.1‬‬

‫إن جعل سلوك الحيوان مدخالً لدراسة سلوك اإلنسان‪ ،‬ومع إغفال ما يتميز به اإلنسان عن‬
‫الحيوان من قوى داخلية تؤثر تأثي اًر كبي اًر في سلوكه وشخصيته‪ ،‬وتفسير السلوك على األسس المادية‬
‫نفسها التي يفسر بها سلوك الحيوان‪ ،‬أمر مرفوض يقلب جوهرة السلوك اإلنساني إلى الحيوانية! إذ‬

‫يالحظ أن المدرسة السلوكية أزالع الفواصل بين سلوك الحيوان الصادر عن غريزة‪ ،‬والسلوك اإلنساني‬
‫الصادر عن تفكير‪ ،‬وتعقل‪ ،‬وإيمان‪ ،‬وحب‪ ،‬وبهذا أصبح الفرق بين سلوك الحيوان وسلوك اإلنسان‬
‫فرق في الدرجة‪ ،‬وفرق في النوع‪ ،‬فهل يفهم سلوك اإلنسان المعقد من خالل سلوك الحيوان البسيط؟!‪،2‬‬
‫هذا الذي جعل بعض علماء النفس في السنوات األخيرة‪ ،‬ينتقدون هذا المنهج في تفسير السلوك‬
‫اإلنساني‪ ،‬وينادون بضرورة دراسة السلوك اإلنساني بمعزل عن السلوك الحيواني‪ ،‬أي دراسته بشكل‬
‫مباشر‪.3‬‬

‫عالوة على ذلك‪ ،‬فإن نفس اإلنسان قابلة للتطور والتذبذب بين أدنى مراتب الحيوان وأسمى‬
‫مراتب اإلنسانية‪ ،‬واإلنسان إذا نقصع أفعاله وقصرت عما خلق له فهو أحرى بأن يحط عن مرتبة‬
‫اإلنسانية إلى مرتبة البهيمية ‪ ،4‬وبيان ذلك أن اإلنسان في أدنى منازله يشارك الحيوان‪ ،‬فالحركة‪،‬‬
‫والنمو‪ ،‬والشهوة‪ ،‬والغذاء‪ ،‬والتعلم البسيط‪ ،‬والرغبة في البقاء‪ ،‬والرهبة من األلم‪ ،‬والشقاء‪ ،‬وسوء‬
‫المصير‪ ،‬مراتب يتشارك فيها اإلنسان مع الحيوان‪ ،‬ولكنه يتميز عنه بالتكليف‪ ،‬ورقي العقل‪ ،‬وكمال‬
‫التمييز‪ ،‬وحسن الفهم‪ ،‬ثم تتزايد قوة التمييز والفهم إلى الذكاء‪ ،‬وسرعة الفهم‪ ،‬وقبول الفضائل‪،‬‬

‫ينظر‪ :‬مرعي‪ ،‬سيد عبد الحميد‪ ،‬ونفس وما سواها‪ ،‬مكتبة وهبة‪-‬القاهرة‪( ،‬ط‪1992/1‬م)‪ ،‬ص‪.33 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬الشريفين‪ ،‬عماد عبد هللا محمد‪ ،‬تعديل السلوك اإلنساني في التربية اإلسالمية‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة اليرموك ‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫األردن‪2002( ،‬م)‪ ،‬ص‪.71 :‬‬


‫‪ 3‬ينظر‪ :‬نجاتي‪ ،‬منهج التأصيل اإلسالمي لعلم النفس‪ ،‬ص‪ .22 :‬وينظر‪ :‬فهمي‪ ،‬محمد سبف الدين‪ ،‬النظرية التربوية وأصولها‬
‫النفسية‪ ،‬د‪ .‬ط‪ 1982 .‬األنجلو المصرية ‪-‬القاهرة‪ ،‬ص‪.135 :‬‬
‫ينظر‪ :‬ابن مسكويه‪ ،‬أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب (ت‪421 :‬ه)‪ ،‬تهذيب األخالق وتطهير األعراق‪ ،‬تحقيق وشرح‬ ‫‪4‬‬

‫غريبه‪ :‬ابن الخطيب‪ ،‬مكتبة الاقافة الدينية‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.21-20 :‬‬


‫‪66‬‬
‫الكتسابها واقتنائها باإلرادة‪ ،‬والسعي‪ ،‬واإلجتهاد‪ ،‬حتى يصل إلى آخر التطلعات محققاً مصالحه‬

‫الدنيوية واألخروية‪ .‬ووظيفة التربية االنتقال باإلنسان من المراتب التي يشارك بها الحيوان إلى ما‬
‫يتميز به عن غيره‪ ،‬ليصل إلى رقي اإلنسانية‪.1‬‬

‫ولكن مجرد وجود بعض التشابه بين شيئين ال يكفي أن يعمم األمر في قياس أحدهما على‬

‫اآلخر‪ ،‬فهل يصلح قياس حياة اإلنسان على حياة النبات؛ ألن كالهما ال يعيش بال ماء؟! أم يصلح‬
‫معرض للفناء؟! بل إنه يمكننا القول إن كل‬
‫قياس طبيعة النبات على طبيعة الجماد‪ ،‬ألن كالهما َّ‬
‫الموجودات تسير وفق سنة واحدة‪ ،‬فالماء حياتها‪ ،‬والفناء نهايتها‪ ،‬ذلك أن خالق الموجودات خالق‬

‫واحد خلقها وفق سنة منظمة‪ ،‬محكمة‪ ،‬تجمعها في عالم يدبر الخالق أمورها‪.‬‬

‫يقول الغزالي‪":‬وإنما خاصية اإلنسان التي حجبع البهائم عنها معرفة هللا تعالى بالنظر في‬
‫ملكوت السماوات واألرض‪ ،‬وعجائب اآلفاق واألنفس‪ ،‬إذ بها يدخل العبد في زمرة المالئكة المقربين‪،‬‬
‫ويحشر في زمرة النبيين والصديقين‪ ،‬مقرباً من حضرة رب العالمين‪ ،‬وليسع هذه المنزلة للبهائم وال‬
‫إلنسان رضي من الدنيا بشهوات البهائم‪ ،‬فإنه شر من البهائم بكاير؛ إذ ال قدرة للبهيمة على ذلك‪،‬‬
‫وأما هو فقد خلق هللا له القدرة‪ ،‬ثم عطلها‪ ،‬وكفر نعمة هللا فيها‪ ،‬فأولئك كاألنعام بل هم أضل سبيال"‪.2‬‬

‫هذا يشير إلى أن ميزات اإلنسان عن الحيوان هي التي يرقى بها عن الحيوانية‪ ،‬وبالتالي‬
‫فإن قياس السلوك الحيواني على اإلنساني يعني تهميش ميزات اإلنسانية ثم انحطاطها إلى درجة‬
‫الحيوانية‪.‬‬

‫وعلى سبيل الماال‪ :‬كيف يصلح أن يقاس الطفل على الحيوان ألنه تشابه معه في أمر ما؟‬
‫كالتعميم لفترة وجيزة‪ ،‬بينما الطفل قادر على التمييز‪ ،‬وعلى فهم وإدراك أن التعميم هو تشويه في‬
‫حقائق األشياء! فإذا شعر الطفل بالخوف من الحبل ‪-‬قياساً على الخوف من األفعى‪ -‬يتم إفهام‬

‫الطفل وتعليمه أن الحبل جماد وخال من أخطار األفعى‪ ،‬وهذا الذي أسمته المدرسة السلوكية بالتمييز‪،‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن مسكوية‪ ،‬تهذيب األخالق وتطهير األعراق‪ ،‬ص‪ ،80-79:‬وينظر‪ :‬النحالوي‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬أصول التربية‬ ‫‪1‬‬

‫اإلسالمية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع‪ ،‬دار الفكر ‪-‬دمشق‪( ،‬ط‪2004/3‬م)‪ ،‬ص‪ ،330:‬وينظر‪ :‬زريق‪ ،‬معروف‪،‬‬
‫علم النفس اإلسالمي‪ ،‬دار المعرفة ‪-‬دمشق‪( ،‬ط‪1989/1‬م)‪ ،‬ص‪.226-225 :‬‬
‫الغزالي‪ ،‬أبو حامد محمد بن محمد الطوسي (ت‪505 :‬ه)‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬دار المعرفة –بيروت‪.)440 /4( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪67‬‬
‫لكن أال يشكل التمييز تناقضاً مع صحة قياس السلوك الحيواني على اإلنسان؟ ألن التمييز هو قدرة‬

‫موجودة في اإلنسان على خالف وجودها في الحيوان‪ ،‬بل إن اإلنسان إذا أدرك التمييز في شيء‬
‫ما‪ ،‬فإنه أيضاً سيتعلم ذاتياً حسن التمييز في األشياء األخرى‪ ،‬والفأر ليس قاد اًر على ذلك! إن اشتراك‬
‫الطفل مع الحيوان في التعميم‪ ،‬هو فقط في اللحظات األولى من الحدث‪ ،‬لكنه سرعان ما يكون قاد ًار‬

‫على التمييز إما بتعليم من والديه‪ ،‬أو بالتمييز ذاتياً عبر استمرار النظر إلى الحبل واالقتراب منه‪،‬‬
‫هذا يقود إلى أن مجرد وجود التشابه بين الطفل والحيوان في لحظة ما‪ ،‬ال يعد مبر اًر لصحة القياس‪،‬‬
‫بل إنه يمكن القول إن الحيوان يتشابه مع اإلنسان في أدنى مراتبه‪.‬‬

‫ومن أمالة قياس السلوك الحيواني على اإلنسان‪ ،‬هي تجربة الاواب والعقاب في التعليم‪،‬‬
‫وتفصيلها أنه "إذا أعطى المجرب صدمة كهربائية للفأر على قياسه بسلوك غير مرغوب فيه‪ ،‬كاللف‬
‫والدوران والمشي دون الضغط على الرافعة‪ ،‬فسيتعلم الفأر ‪-‬مع تكرار إعطاء الصدمة‪ -‬عدم القيام‬
‫بمال هذه الحركات الفاشلة التي ال تؤدي إلى الهدف‪ ،‬وإذا لم يحذف المجرب الصدمة الكهربائية عن‬
‫الفأر إال إذا قام بالسلوك المرغوب أال وهو الضغط على الرافعة التي تخرجه من القفص‪ ،‬فسيتعلم‬
‫أن يضغط على الرافعة ليخلص نفسه من الصدمة الكهربائية‪ ،‬ومع تكرار التجربة سيتعلم الفأر أن‬
‫يضغط على الرافعة فقط‪ ...‬هذا النوع من التعلم يسمى بالهروب المشروط؛ ألن الفأر هنا يتعلم أن‬
‫يقوم بالعمل للهروب من الصدمة وليتخلص من العقاب أو الماير المزعج‪ ...‬وتفيد بأنه يمكن زيادة‬
‫احتمالية حدوث الضغط على الرافعة عن طريق إعطاء الفأر تعزي اًز كالطعام‪ ...‬فالتعزيز هنا يقوي‬

‫االستجابة المرغوبة المتمالة بالضغط على الرافعة‪ ،‬في حين أن العقاب يضعف االستجابات غير‬
‫المرغوبة‪.‬‬

‫وبالمال يتعلم الطفل أن يقوم بالعمل المرغوب إذا حصل على مكافأة‪ ،‬وأال يقوم بالعمل غير‬

‫المرغوب إذا عوقب على إتيانه بمال هذا العمل‪ ،‬وبناء على ذلك‪ ،‬فقد أفاد "سكنر" أن التعزيز والعقاب‬
‫يعدان وسيلتين فعالتين في ضبط السلوك‪ ،‬أو تشكيله‪ ،‬أو تعديله"‪.1‬‬

‫دروزة‪ ،‬أفنان‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬دار الفاروق ‪-‬فلسطين‪( ،‬ط‪1/2014‬م)‪ ،‬ص‪.104 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪68‬‬
‫ليس هناك من ينكر أن للتعزيز والعقاب دور كبير في ضبط سلوك اإلنسان والحيوان‪ ،‬ولكن‬

‫هذا ال يجعل القياس سليماً؛ ألن الحيوان يتصرف من منطلق غريزة الشهوة‪ ،‬بينما اإلنسان يتصرف‬
‫من منطلق التفكير الواعي الذي يهدف إلى حل المشكالت‪ ،‬وتطوير النفس‪ ،‬وإصالح المجتمع‪ ،‬بما‬
‫ينسجم مع رضاه وقناعته وآماله‪ ،‬أما إذا كان هدف التعزيز ‪-‬أو العقاب‪ -‬مخالف لمراد اإلنسان‪،‬‬

‫فلن يجدي التعزيز ‪-‬أو العقاب‪ -‬نفعاً‪ ،‬فاإلنسان ليس مجرد كائن منحط إلى مكانة الحيوان‪ ،‬يصدر‬
‫السلوك دون هدف وال تفكير مسبق‪ ،‬وليس آلة مبرمجة تفعل فقط ما يتم تلقينها‪ ،‬وإال فلماذا في كاير‬
‫من األحيان يكرر الطفل السلوك الذي ُيعاقب عليه؟ بل لماذا ال يكرر السلوك الذي يكافأ عليه؟‬

‫الطفل ال يصدر السلوك فقط لمجرد أنه ُعزز عليه‪ ،‬بل ألنه نال إعجابه ومراده أيضاً‪ ،‬ليس هذا‬
‫فحسب‪ ،‬فإن اإلنسان مستعد أن يتحمل الصعاب ويحرم نفسه من التعزيز مقابل أن يحقق مراده‬
‫طلب منه أمر مخالف للمبادئ والقيم‪ ،‬بينما الفأر بالطبع سيتجنب‬
‫الشريف‪ ،‬ويحافظ على كرامته إذا ُ‬
‫كل ما يؤدي إلى الصدمة الكهربائية مهما كان ذلك الشيء‪ ،‬ويسعى إلى ما يوصله إلى الطعام‪،‬‬
‫مهما كانع طبيعة الطعام‪ ،‬ومهما كانع طريقة الوصول‪ ،‬أليس من السذاجة إذن قياس السلوك‬
‫الحيواني على اإلنسانية المكرمة؟‬

‫إذ الحيوان ال يملك التصرف في دفعة الغريزة‪ ،‬وال يملك إال نوعاً واحداً من السلوك‪ ،‬بينما‬
‫اإلنسان يملك التصرف‪ ،‬ويملك اإلرجاء بعض الوقع لحاجة ما‪ ،‬ويملك التنويع في السلوك‪ ،‬ويملك‬
‫التأنق في التناول‪ ،‬والتهذيب في األداء‪ ،‬اإلنسان ال يسرق ليأكل؛ ألنه حرام ‪-‬أو مخالف لقيمه الذي‬
‫تربى عليها‪ ،-‬إذ يبحث عن الكرامة في ذات الوقع الذي يبحث فيه عن طعام‪ ،‬هذا ليس معناه أنه‬
‫يعيش ليأكل‪ ،‬ففي الحياة أهداف أخرى جديرة بالتحقيق‪ ،‬والطعام ليس هدفاً لذاته‪ ،‬إنما هو وسيلة‬
‫لهدف‪ ،‬وسيلة لحفظ الحياة‪ ،‬فال تقلب الوسيلة غاية‪ ،‬هذا أيضاً ليس معناه أن يأكل وحده وينسى‬

‫المحرومين من الطعام‪ ،‬بل هو آخذ بزمام األخوة اإلنسانية‪ ،‬تلك هي ضوابط شهوة الطعام‪ ،1‬وعلى‬
‫ذلك يقاس الشهوات والرغبات األخرى‪.‬‬

‫ينظر‪ :‬قطب‪ ،‬سيد‪ ،‬منهج التربية اإلسالمية‪ ،‬دار الشروق ‪-‬بيروت‪ ،‬ط ‪.)114-113/1( ،4‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪69‬‬
‫من هنا يالحظ أن االهتمام بخلق اإلنسان في القرآن الكريم قوي الوضوح‪ ،‬إذ تمالع في‬

‫خلق اإلنسان العناية اإللهية المباشرة‪ ،1‬بل إن اإلنسان هو المحور األساسي في القرآن الكريم وإليه‬
‫يرجع الخطاب‪ ،‬ويدور حوله القول‪ ،‬وتعود إليه المعاني‪ ،‬مما يشهد أن لإلنسان مقاماً في القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬يغاير مقام المخلوقات األخرى‪ ،2‬لكن لما تغافلع التربية السلوكية عن القرآن الكريم‪ ،‬لم يكن‬

‫بإمكانها إال النظر إلى أقرب شبيه إلى اإلنسان‪ ،‬أال وهو الحيوان!‬

‫لكن اإلنسان يرتقي بميزات كايرة عظيمة تميزه وتفضله على غيره من المخلوقات‪ ،‬أهمها‬

‫تكريم هللا له‪ ،‬وتكليفه بالعبادة والخالفة‪ ،‬وبناء على أدائه يتم مدحه وذمه‪ ،‬وحتى يكون اإلنسان مسؤوالً‬
‫عن سلوكه مسؤولية مباشرة‪ ،‬يجب أن يكون عاقالً‪ ،‬فكل حالة تؤدي إلى المساس بالعقل تعفي‬
‫ال‪ُ " :‬رِف َع‬ ‫ِ َّ‬ ‫َّللاِ َّ‬ ‫َّللاُ َع ْن َها‪ ،‬أ َّ‬ ‫صاحبها من المسؤولية ‪ ،3‬فعن ع ِائشة ر ِ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َق َ‬ ‫ول َّ َ‬ ‫َن َرُس َ‬ ‫ضي َّ‬
‫َْ َ َ َ َ َ‬
‫الصِب ِي َحتَّى َي ْكُب َر"‪.4‬‬‫الم ْبَتَلى َحتَّى َي ْب َأرَ‪َ ،‬و َع ِن َّ‬ ‫ِ‬ ‫اْلَقَلم َع ْن ثَ َالثَ ٍة‪َ :‬ع ِن َّ‬
‫الن ِائ ِم َحتَّى َي ْستَ ْي ِق َ‬
‫ظ‪َ ،‬و َعن ُ‬ ‫ُ‬

‫وحين يمارس اإلنسان لذته على النحو اإلسالمي‪ ،‬يجد لنفسه لذائذ جديدة لم تكن من قبل‪،‬‬
‫بل ولها حق األولوية‪ ،‬إنه يستمتع باللذة الحسية البحتة‪ ،‬ولكنه يضيف إليها في الوقع نفسه لذائذ‬
‫قلبية روحية أعمق بكاير‪ ،‬فالمؤمن لما يأكل ماالً يشعر بلذة االستمتاع الحسي ويضيف إليها لذة‬

‫الشعور باالختيار الحر للطعام الحالل والطاهر من دنس السرقة والغش‪ ...‬يضيف إليها متعة العيش‬
‫في رحاب زكاة النفس ورضا هللا‪ ،‬يضيف إليها لذة اإلحساس بالمشاركة الوجدانية اإلنسانية مع‬
‫اآلخرين من بني البشر‪ ،‬لتكون هذه اللذائذ أسمى وأولى من اللذة الحسية‪ ،‬فإذا تضاربع مع اللذة‬
‫الحسية يمتنع عنها‪ .‬وإال فهو والحيوان في ذلك سواء‪ ،5‬لذلك يقول هللا في هؤالء‪:‬ﭐﱡﱎ ﱏ‬

‫ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱠ‪ 6‬ذلك أن األنعام يهمها األكل ال غير‪،‬‬

‫والكافر كذلك‪ ،‬بينما المؤمن يأكل ليعمل صالحاً ويقوى عليه‪ ،‬واألنعام ال تستدل بالمأكول على‬

‫ينظر‪ :‬الشريفين‪ ،‬تعديل السلوك اإلنساني في التربية اإلسالمية‪ ،‬ص‪.16 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬النجار‪ ،‬عبد المجيد‪ ،‬عقيدة تكريم المسلم وأثرها التربوي‪ ،‬مجلة المسلم والمعاصر‪ ،‬العدد ‪ .74-73‬ص‪.112 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬الشريفين‪ ،‬تعديل السلوك اإلنساني في التربية اإلسالمية‪ ،‬ص‪.71:‬‬ ‫‪3‬‬

‫سبق تخريجه‪ ،‬ص‪.14 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫ينظر‪ :‬قطب‪ ،‬سيد‪ ،‬منهج التربية اإلسالمية‪.)114/1( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫(محمد‪.)12 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪70‬‬
‫خالقها‪ ،‬والكافر‪ ،‬إضافة إلى أن األنعام تعلف لتسمن وهي غافلة عن األمر‪ ،‬ال تعلم أنها كلما كانع‬

‫أسمن كانع أقرب إلى الذبح والهالك‪ ،‬وكذلك الكافر‪ ،1‬كل ذلك سببه أن أكلهم مجرد من الفكر‬
‫والنظر والفقه‪ ،‬كما يقال للجاهل‪ :‬يعيش كما تعيش البهيمة‪ ،‬ال يريد التشبيه في مطلق العيش‪ ،‬ولكن‬
‫في الزمه‪ ،‬لتكون النتيجة أن النار ماوى لهم‪.2‬‬

‫وقد أشار القرآن الكريم إلى مسألة التشابه بين اإلنسان والحيوان‪ ،‬وذلك في قوله سبحانه‪:‬‬
‫ﱶ‬ ‫ﱵ‬ ‫ﱮﱰﱱﱲﱳﱴ‬
‫ﱯ‬ ‫ﭐﱡﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ‬

‫ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱠ‪ 3‬واألمة‪" :‬طائفة يجمعها نظام واحد وقانون واحد‪ ،‬وأفرادها متساوون في‬

‫كل شيء‪ ،‬فتكون كل واحدة من هذه األمم أمة"‪ ،4‬فالمقصود هنا أنها أمم أماالكم مكتوبة أرزاقها‬
‫وآجالها وأعمالها كما كتبع أرزاقكم وآجالكم وأعمالكم‪...‬محفوظة أحوالها غير مهمل أمرها‪ ،‬للداللة‬
‫على عظم قدرة هللا عز وجل‪ ،‬ولطف علمه‪ ،‬وسعة سلطانه وتدبيره تلك الخالئق المتفاوتة األجناس‪،‬‬
‫المتكاثرة األصناف‪ ،‬وهو حافظ لما لها وما عليها‪ ،‬مهيمن على أحوالها‪.5‬‬

‫ويجدر اإلشارة أنه ليس المقصود من الشبه هو التشابه في السلوك على إطالقه‪ ،‬وال داللة‬
‫صالحية قياس السلوك الحيواني على اإلنساني؛ ألنه لم يقل " إال أماالكم " وإنما قال "إال أمم أماالكم"‬
‫أي مقتضيات الجماعة الحيوانية تشبه مقتضيات الجماعة اإلنسانية‪ ،‬فعلة الشبه ليسع كونها حيوان‪،‬‬
‫وإنما كونها أمم‪ ،‬ذلك أن مقتضيات األمة من نظام ومعيشة‪ ...‬تتحقق سواء كانع أمة حيوانية أم‬
‫أمة إنسانية‪.‬‬

‫إضافة إلى أن نظم اآلية تشير أن مطلق الشبه ليس هو المراد‪ ،‬وهو أن الكفار طلبوا من‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم اإلتيان بالمعجزات القاهرة الظاهرة‪ ،‬فبين تعالى أن عنايته وصلع إلى‬
‫جميع الحيوانات كما وصلع إلى اإلنسان‪ ،‬ومن بلغع رحمته وفضله إلى البهائم‪ ،‬ففضله ورحمته‬

‫ينظر‪ :‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪.)45/28( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬أبو حيان‪ ،‬البحر المحيط‪.)465/9( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(األنعام‪.)38 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫الشعراوي‪ ،‬محمد متولي (ت‪1418 :‬ه)‪ ،‬تفسير الشعراوي –الخواطر‪ ،‬مطابع أخبار اليوم‪.)6337/10( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫ينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد‪( ،‬ت‪538 :‬ه)‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،‬دار الكتاب‬ ‫‪5‬‬

‫العربي –بيروت‪( ،‬ط‪1407 / 3‬ه)‪.)21/2( ،‬‬


‫‪71‬‬
‫على اإلنسان أولى‪ ،‬فدل منع هللا من إظهار تلك المعجزات القاهرة على أنه ال مصلحة ألولئك‬

‫السائلين في إظهارها‪ ،‬وأن إظهارها على وفق سؤالهم واقتراحهم يوجب عود الضرر العظيم إليهم‪،1‬‬
‫إضافة إلى "جعل الخطاب بها للمشركين خاصة؛ ألن السياق هنا ليس لتحذرهم شر الناس بل لبيان‬
‫عدم استعمال عقولهم وحواسهم في آيات هللا"‪ 2‬كقوله‪ :‬ﭐﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ‬

‫ﱇ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱠ‪ ،3‬فهؤالء الذين ذرأهم لجهنم‪ ،‬هم كاألنعام‪،‬‬


‫ﱈ‬

‫صلُح في حق دنياها‬
‫وهي البهائم التي ال تفقه ما يقال لها‪ ،‬إذ ال تفهم ما أبصرته لما يصلح وما ال َي ْ‬
‫الخير من الشر‪ ،‬فتميز بينهما‪ ،‬إذ تتبع الهوى وكل ما تستلذه نفسها‪،‬‬
‫َ‬ ‫وآخرتها‪ ،‬وال تعقل بقلوبها‬
‫فشبههم هللا بها‪ ،‬إذ كانوا ال يذ َّكرون ما يرون بأبصارهم من ُحجج هللا على وجوده وحق عبادته‪ ،‬وال‬

‫يتفكرون فيما يسمعون من آي كتابه فيتبعونه ويجعلونه هادياً لعلومهم‪ ،‬ثم قال‪" :‬بل هم أضل"‪ ،‬فهؤالء‬
‫ذهابا عن الحق‪ ،‬وألزم لطريق الباطل من البهائم؛ ألن البهائم ال‬
‫أشد ً‬‫الكفرة الذين َذ َرأهم لجهنم‪ُّ ،‬‬
‫ِ‬
‫المضار‪ ،‬وتطلب ألنفسها‬ ‫مس َّخرة‪ ،‬ومع ذلك تهرب من‬
‫اختيار لها وال تمييز‪ ،‬فتختار وتميز‪ ،‬وإنما هي َ‬
‫وصف هللا صفتهم في هذه اآلية‪ ،‬مع ما أعطوا من األفهام والعقول‬
‫َ‬ ‫من الغذاء األصلح‪ ،‬والذين‬
‫صالح دنياها وآخرتها‪ ،‬وتطلب ما فيه مضارها‪ ،‬فالبهائم‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫المميزة بين المصالح والمضار‪ ،‬تترك ما فيه‬
‫القوم‬ ‫ن‬ ‫ُّ‬
‫منها أسد‪ ،‬وهي منها أضل‪ ،‬كما وصفها به ربُّنا جل ثناؤه‪ ،‬وقوله‪" :‬أولئك هم الغافلو "‪ ،‬فهؤالء ُ‬
‫االستدالل على ما‬
‫َ‬ ‫االعتبار بها‪ ،‬و‬
‫َ‬ ‫وحججه‪ ،‬وتركوا تدبُّرها‪ ،‬و‬
‫سهوا عن آيات هللا ُ‬ ‫الذين غفلوا يعني ً‬
‫دلع عليه من توحيد ربها‪ ،‬ال البهائم التي قد عرفها ربُّها ما َّ‬
‫سخرها له‪.4‬‬

‫لذلك فإن منهج اإلسالم في تربية النفس ال يكبع الرغبات فيقتل حيويتها‪ ،‬وفي الوقع نفسه‬

‫ال يطلق الرغبات فيبدد طاقاتها‪ ،‬إنما يضبطها بحكمة؛ ألنه يريد أن تكون الرغبات نظيفة طاهرة كي‬
‫يرقى بها اإلنسان‪ ،‬ويعمل اإلسالم على تنمية هذه القوة الضابطة منذ الصغر‪ ،‬بوسيلة الحب‪،‬‬
‫والتلطف‪ ،‬بهدف ربط القلب باهلل‪ ،‬وخشيته‪ ،‬وتقواه‪ ،‬والتطلع إلى رضاه‪.5‬‬

‫ينظر‪ :‬الرازي‪ ،‬تفسير الرازي‪.)525/12( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫رضا‪ ،‬تفسير المنار‪.)329-328/7( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(الفرقان‪.)44 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬الطبري‪ ،‬جامع البيان في تأويل القرآن‪-‬تفسير الطبري‪.)281-280/13( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫ينظر‪ :‬قطب‪ ،‬سيد‪ ،‬منهج التربية اإلسالمية‪.)122-119/1( /‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪72‬‬
‫وبالتالي يظهر أن نقاط التشابه بين الحيوان واإلنسان تتمال في أن عالم الحيوان أمم أماال‬

‫البشر مكتوبة أرزاقها وآجالها وأعمالها كما كتبع أرزاق وآجال وأعمال البشر‪ ،‬محفوظة أحوالها غير‬
‫مهمل أمرها‪ ،‬إضافة على قدرتها على التعلم‪ ،‬ولكن هذا ال يعني صالحية قياس السلوك الحيواني‬
‫على اإلنسان‪ ،‬ألن نقاط التشابه ال تمال تشابه محوري في السلوك‪ ،‬إنما تشابهاً سطحياً‪ ،‬إضافة إلى‬

‫وجود اختالفات محورية هامة‪ ،‬أهمها أن اإلنسان مكرم مكلف‪ ،‬ويتميز بقدرته على التفكر الدقيق‬
‫والتدبر واالتعاظ‪ ...‬والقدرة على االرتقاء في التعلم‪ ،‬وعلى تحديد األهداف السامية‪ ،‬على خالف‬
‫الحيوان الذي يتصرف من منطلق الغريزة والشهوة‪.‬‬

‫ويظهر في ذلك أن الذي يميز مصادر التربية اإلسالمية الرئيسة َكونها هي ذاتها مصادر‬
‫اإلسالم‪ ،‬والتي تتمال بالوحي ‪-‬القرآن الكريم‪ ،‬والسنة النبوية‪ ،-‬ذلك أن التربية اإلسالمية ضرورة‬
‫هامة لتحقيق اإلسالم‪ ،‬بتهيئة النفس اإلنسانية لتحمل هذه األمانة‪ ،‬ثم ترتقي في الدار الدنيا والدار‬
‫اآلخرة‪ ،1‬فهي أصول مرنة منفتحة على تجارب اآلخرين‪ ،‬وتراعي ظروف التطور في الزمان والمكان‪،‬‬
‫إذ تحتوي على مبادئ راسخة توجه التربية وأهدافها‪ ،‬وأساليبها‪ ،‬ووسائلها‪ ،‬بحيث تتدرج في إعداد‬
‫اإلنسان فكرياً ونفسياً ووظيفياً‪ ،‬مراعية في ذلك استعداداته وقدراته‪ ،‬وطبيعة المجتمع الذي يعيش‬

‫فيه‪.2‬‬

‫هذا ال يعني إنكار ما قدمته المدرسة السلوكية في ميدان المعرفة النظرية عبر تجاربها‬
‫الميدانية‪ ،‬كتحديد النظم التي يتم عن طريقها التعزيز‪ ،‬واإلشارة إلى أهميته ودوره في ضبط السلوك‪،‬‬
‫وكذلك بالنسبة للعقاب‪ ،‬إضافة إلى تحديد الروابط الهامة بين الماير واالستجابة‪ ،‬وتعليم الحيوانات‬
‫أنماط من السلوك الجديد‪ ،3‬ويستفاد من نظرية سكنر في التعلم عند إكساب الطالب بعض التدريبات‬
‫التي تساعدهم في الوصول إلى المعرفة‪.4‬‬

‫ينظر‪ :‬النحالوي‪ ،‬أصول التربية اإلسالمية وأسالبيها في البيت والمدرسة والمجتمع‪ ،‬ص‪.23:‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬الكيالني‪ ،‬تطور مفهوم النظرية التربوية في اإلسالم‪ ،‬ص‪.243 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ ،‬األنصاري‪ ،‬األسس النفسية واًلجتماعية للتعلم‪ ،‬ص‪.194 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬محمد‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬ص‪.93 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪73‬‬
‫والخالصة أن الوحي هو منبع العلوم وأصلها‪ ،‬والقلب والعقل والحواس هي أدوات السير في‬

‫الميادين وفق المسار الذي يوجهه الوحي‪ ،‬وكأن الوحي لألدوات األخرى بمنزلة النور‪.‬‬

‫فالوحي يحدد المسار والغايات‪ ،‬والقلب السليم يفقه آيات الوحي‪ ،‬ويتعظ‪ ،‬ثم يعزم‪ ،‬ويغذي‬
‫العقل‪ ،‬والعقل النير يبحث في الوسائل الموصلة إلى مسار الوحي وغاياته‪ ،1‬والحواس السليمة تطبق‬

‫الوسائل على أرض الواقع‪ ،‬فالبد أن تتكامل أدوات المعرفة لبلوغ الغاية الرئيسية وهي معرفة هللا عز‬
‫وجل‪ ،‬ثم تحقيق االطمئان والفالح في الدارين‪.‬‬

‫ينظر‪ :‬الكيالني‪ ،‬فلسفة التربية اإلسالمية‪ ،‬ص‪.246 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪74‬‬
‫المبحث الثالث‬

‫أهداف المدرسة السلوكية في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية‬

‫التربية مسيرة عملية هامة‪ ،‬ال غنى عن تحديد أهدافها‪ ،‬وإال سارت بال إرشاد وال تحقيق‬
‫تحدد طرق التربية ووسائلها بناء على أهدافها‪ ،‬كي تجسد الغايات من وجود اإلنسان‪،‬‬
‫الغايات‪ ،‬إذ َّ‬

‫فإن ضلع األمة بأهدافها‪ ،‬ضلع مساراتها ووسائلها‪ ،‬وفشلع في تحقيق مرادها‪.‬‬

‫وقد تحددت مفاهيم المدرسة السلوكية عن طريق المالحظات الحسية المشاهدة‪ ،‬والتي انباقع‬
‫من خاللها األهداف‪ ،‬وطرق الوصول إليها‪ ،‬عبر سلسلة من اإلجراءات العملية‪ ،‬للخروج بالامرة‬

‫المرجوة‪ ،‬ويعرف الهدف السلوكي بأنه‪ :‬التغير المرغوب المتوقع حدوثه في سلوك المتعلم‪ ،‬بحيث‬
‫يمكن تقويمه بعد مرور المتعلم بخبرة تعليمية‪.1‬‬

‫فالمدرسة السلوكية كأي مدرسة أخرى لها أهدافها‪ ،‬التي تطمح في الوصول إلى تحقيقها‪،‬‬
‫ومن أهمها‪:2‬‬

‫‪ -1‬تفسير السلوك‪ :‬من خالل المالحظة الدقيقة للظواهر والنظريات التي تم الوصول إليها‪،‬‬

‫والوصول إلى العالقات بينها بهدف فهم أبعاد الظاهرة السلوكية وعالقتها بالظواهر البيئية‪،‬‬
‫للوصول إلى االستنتاجات والمبادئ‪.‬‬

‫‪ -2‬التنبؤ بالسلوك‪ :‬من خالل تفسير الظاهرة وفهمها‪ ،‬يتم التوقع باألحداث المستقبلية‪.‬‬

‫‪ -3‬الضبط والتحكم بالسلوك‪ :‬من خالل التحكم بمؤثرات ومتغيرات السلوك وفهمها‪ ،‬وذلك بتحديد‬

‫العوامل البيئية التي تتحكم في السلوك وعزلها‪.‬‬

‫ينظر‪ :‬خالد‪ ،‬محمد‪ ،‬والتح‪ ،‬زياد‪ ،‬علم النفس التربوي المبادئ والتطبيقات‪ ،‬دار وائل للنشر والتوزيع ‪-‬عمان‪( ،‬ط‪)2012/1‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص‪.67 :‬‬
‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ ،24 :‬وينظر‪ :‬األنصاري‪ ،‬األسس النفسية واًلجتماعية للتعلم التجريبي‪ ،‬ص‪،192/183 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫وينظر‪ :‬محمد جاسم‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬ص‪ ،94 :‬وكالين‪ ،‬التعلم مبادئه وتطبيقاته‪ ،)81/1( ،‬وينظر‪ :‬العابد‪ ،‬رباب‪ ،‬علم النفس‬
‫التربوي‪ ،‬مجد المؤسسة الجامعية ‪-‬بيروت‪( ،‬ط‪ ،)2007/1‬ص‪.164 :‬‬
‫‪75‬‬
‫والهدف من كل ذلك هو اكتساب أنماط سلوكية جديدة مرغوبة‪ ،‬أو كف سلوك غير مرغوب‪،‬‬

‫إذ يتم تشكيل السلوك على نحو مشابه لما تم في التجارب على الحيوان أو اإلنسان‪ ،‬وذلك بضبط‬
‫أنماط السلوك المطلوبة‪ ،‬وصياغتها في صورة إجراءات يمكن تدريب التالميذ عليها لتعلم السلوك‬
‫المطلوب‪ ،‬ومن ثم تحديد القوانين التي تتحكم بالتعلم‪.1‬‬

‫وبما أن المدرسة السلوكية اهتمع بدراسة الظاهرة السلوكية المحسوسة المشاهدة‪ ،‬فإنها‬
‫تحرص بشدة أن تضع األهداف بشكل أهداف إجرائية سلوكية‪ ،‬انطالقاً من إيمانها أنه في حالة عدم‬
‫تحديد األهداف التربوية إجرائياً‪ ،‬فإنه يتعذر على المربي معرفة ما إذا كان قد تحقق ما أراد أن‬

‫يحققه‪ ،‬أم ال‪ ،‬لذلك تستلزم األهداف السلوكية استخدام كلمات‪ ،‬أو أفعال تشير إلى أداء العمل‪ ،‬يمكن‬
‫مالحظتها‪ ،‬وقياسها‪.2‬‬

‫وبالرجوع إلى القرآن الكريم والسنة النبوية فإنه يمكن نقد هذه األهداف من خالل األمور اآلتية‪:‬‬

‫أوًلا‪ :‬بعد أهداف المدرسة السلوكية عن المجال التربوي‪ ،‬وحصرها في المجال التعليمي‪.‬‬

‫من المالحظ أن أهداف المدرسة السلوكية أهداف تهتم بمهارات محددة‪ ،‬على نحو يسهل‬
‫مالحظتها‪ ،‬وتقويمها‪ ،‬وقياسها‪ ،‬ألنه من منظور السلوكية أن الامرات النهائية للعملية التربوية هي‬
‫السلوكيات التي يتم تغييرها في موقف تعليمي معين‪.‬‬

‫وقد تعرضع المدرسة السلوكية للنقد من علماء غربيين‪ ،‬حتى في مسألة مجالها التعليمي‬
‫ذاته‪ ،‬بقولهم أن األهداف التربوية تهتم بتنمية العمليات كما تهتم بالنواتج أو المحصالت‪ ،‬إال أن‬
‫الصيغ السلوكية الصريحة تتجاهل العمليات وخاصة العمليات المعرفية‪ ،‬باالهتمام بظاهر السلوك‬
‫والتغافل عن باطنه وحقائقه الداخلية‪ ،‬هذه الطريقة تتضمن مخاطر اإلفراط في االهتمام بالمسايرة‬
‫االجتماعية‪ ،‬فإذا كانع األهداف التربوية تتحدد في ضوء أنماط سلوك نوعية على النحو الذي يحدده‬

‫خبراء المناهج والمعلمون‪ ،‬فما هي حاجة التلميذ للحكم النقدي؟ وهل في ذلك مكان لالختراع‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬محمد جاسم‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬ص‪ ،94 :‬وينظر‪ :‬األنصاري‪ ،‬األسس النفسية واًلجتماعية للتعلم التجريبي‪ ،‬ص‪.192‬‬
‫ينظر‪ :‬محمد جاسم‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬ص‪ ،93 :‬وينظر‪ :‬خالد‪ ،‬والتح‪ ،‬علم النفس التربوي المبادئ والتطبيقات‪ ،‬ص‪.67 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪76‬‬
‫االبتكاري؟ وهل يمكن تنمية السلوك التوافقي ضمن ظروف ثقافية وحضارية متغيرة؟‪ ،1‬خاصة وأن‬

‫الحكم النقدي واالختراع االبتكاري قد ال تعتمد أساليب األداء التي سبق اكتسابها‪ ،‬نتيجة الختالف‬
‫الظروف‪ ،‬والحاجات‪ ،‬والمواد المتوفرة من مكان إلى آخر‪ ،‬ومن حالة إلى أخرى‪ ،‬خاصة وأن األفراد‬
‫الذين قدموا إسهامات ابتكارية في العلوم والفنون كانوا أكار الناس معرفة بميادين تخصصهم‪.2‬‬

‫وإنما تدل األهداف التعليمية السلوكية على أنماط األداء النوعي التي يكتسبها التلميذ في‬
‫موقف تعليمي معين‪ ،‬لتجسد الغايات المطلوبة‪ ،3‬هذا يعني أن األهداف السلوكية تصب اهتمامها‬
‫على اكتساب المهارات واألداء النوعي في المواقف التعليمية‪ ،‬مع االفتقار إلى االهتمام بالنواحي‬

‫التربوية‪ ،‬لتصبح العملية التعليمية عملية هشة عندما فقدت المعاني التربوية التي هي بماابة بؤرة‬
‫المهارات والسلوكيات‪ ،‬ووضعع اإلنسان في منزلة اآلالت عندما اقتصرت على المهارات المرئية‬
‫ظة‪ ،‬واقتطعع المرحلة التعليمية عندما أوقفتها على محطة السلوكيات‪ ،‬فما قيمة اكتساب‬
‫المالح َ‬
‫السلوك دون اكتساب القيمة التربوية فيه؟! فاألصل أن السلوك هو وسيلة لتحقيق المعاني التربوية‬
‫وتجسيدها‪.‬‬

‫هذا يقود إلى أن اقتران األهداف التربوية باألهداف التعليمية أمر غاية في األهمية‪ ،‬ألن‬

‫عدم التناسق بين النوعين هو أحد مظاهر األزمة القائمة في المدارس التربوية‪ ،‬ولذلك حين يضجر‬
‫البعض أمام تعقيد هذه المشكلة‪ ،‬لالختالف الكبير في تحديد األهداف النهائية العليا‪ ،‬فإنه يدعو‬
‫بانفعال إلى طرح األهداف التربوية بعيداً‪ ،‬واالكتفاء باألهداف التعليمية تحع عنوان األهداف السلوكية‬
‫المحددة‪.4‬‬

‫فالمشكلة إذن هي كيفية صياغة كل من األهداف التربوية العامة‪ ،‬واألهداف التعليمية‬


‫السلوكية بطريقة تحقق التوافق المنطقي بينهما‪ ،‬لتشكل جميعها قائمة األهداف التي تبدأ بالفرد وتنتهي‬

‫ينظر‪ :‬عبد الكريم‪ ،‬زينب‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬دار أسامة للنشر والتوزيع –عمان‪ ،‬ص‪.47-46 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬عبد الكريم‪ ،‬زينب‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬دار أسامة للنشر والتوزيع –عمان‪ ،‬ص‪.47-46 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬الكيالني‪ ،‬أهداف التربية اإلسالمية‪ ،‬ص‪ ،18 :‬وينظر‪ :‬أبو حويج‪ ،‬مروان‪ ،‬أبوب مغلي‪ ،‬سمير‪ ،‬المدخل الى علم‬ ‫‪3‬‬

‫النفس التربوي‪ ،‬دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع ‪-‬عمان‪ ،‬ص‪.47 :‬‬
‫ينظر‪ :‬الكيالني‪ ،‬أهداف التربية اإلسالمية‪ ،‬ص‪.18 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪77‬‬
‫باإلنسانية‪ ،‬وتتسع لتشمل المهارات العملية واألخالق الفردية‪ ،‬وال تضيق بالمهارات والسلوكيات‪ ،‬أو‬

‫اقتصار النظر إلى جانبها القابل للقياس والمالحظة‪ ،‬وإبراز مال هذه األهداف يحتاج إلى أصول‬
‫محددة تتمال في فلسفة تربوية شاملة واضحة تنباق عن فلسفة كلية لإلنسان والكون والحياة والمنشأ‬
‫والمصير‪.1‬‬

‫لذلك اهتم القرآن الكريم بالقيم التربوية خالل المسيرة التعليمة‪ ،‬وهذا المعاً في قوله سبحانه‪:‬‬
‫ﱡﭐﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊﱠ‪ 2‬من المالحظ أنه في سياق قوله "اقرأ" قال‪" :‬ربك"‪ ،‬و"الرب يطلق‬

‫في اللغة على المالك‪ ،‬والسيد‪ ،‬والمدبر‪ ،‬والمربي‪ ،3"..‬ويقال‪" :‬رب الشيء إذا أصلحه"‪" ،4‬وعدل عن‬

‫اسم هللا العلم إلى صفة ربك لما يؤذن وصف الرب من الرأفة بالمربوب والعناية به"‪ ،5‬وفي هذا داللة‬
‫عظيمة على أهمية اقتران التعليم بالتربية‪ ،‬وتشباه بتعاليم هللا عز وجل‪ ،‬كي تامر نتائج التعليم وفق‬
‫األخالق والقيم السامية‪ ،‬فيتحقق الصالح والفالح في تربية األفراد‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تركز األهداف في المدرسة السلوكية على الوسائل‪ ،‬وتفتقر إلى األهداف العليا‪.‬‬

‫تتصف أهداف المدرسة السلوكية بأنها أهداف خاصة محددة‪ ،‬فهي تركز على نتائج التعلم‬
‫في موقف تعليمي معين‪ ،‬على نحو يسهل مالحظتها‪ ،‬وتقويمها‪ ،‬وقياسها‪ ،‬ولكن دون أن ترتكز على‬

‫أهداف عامة تحدد االتجاهات والخصائص االجتماعية التي يجب أن يتصف بها المجتمع الراقي‬
‫القيمي‪ ،‬ألن السلوكية ترى أن النتائج النهائية للتربية هي السلوكيات التي يتم التحكم فيها وضبطها‬
‫وتغييرها ضمن المطلوب‪.‬‬

‫هذا يعني أن المشكلة تكمن في أن أهدافها تعليمية سلوكية‪ ،‬تفتقر إلى غايات عليا‪ ،‬تحدد‬
‫مسار المهارات التعليمية‪ ،‬وتوجه بنية األهداف التعليمية‪ ،‬وترسم الغايات النهائية العليا من المسيرة‬
‫التعليمية‪ ،‬وتمنحها الشرعية الالزمة‪ ،‬فهل يتخذ الهدف شكله األفضل بمجرد تحديد السلوك المطلوب‬

‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.29 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫العلق‪.1 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.)399/1( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.)401/1( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)437/30( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪78‬‬
‫ووسائل تحقيقه؟ إن االقتصار على هذين المكونين يحول دون التقدم الصحيح للتغير المطلوب‬

‫إحداثه في سلوك اإلنسان‪ ،‬ذلك أنه ال بد أن يرتكز الهدف السلوكي على هدفاً أكار اتساعاً ورقياً‪،‬‬
‫ألن طبيعة اإلنسان تميل إلى السمو في الخلود بحياة طيبة‪ ،‬فعلى سبيل الماال‪ ،‬قد يطرح الطفل أو‬

‫المتعلم سؤاالً؟ لماذا يجب أن أتجنب الشتم؟ ولماذا يجب أن أحترم غيري؟ ما لم يجد المتعلم جواباً‬
‫على ذلك‪ ،‬سيكون االلتزام مبني على مزاج الرغبات الشخصية فحسب‪ ،‬إن هذه األهداف هي بماابة‬
‫أهداف خاصة بترت األهداف العامة النهائية‪ ،‬فهي ال تحدد الغاية النهائية من تحقيقها‪ ،‬فكأن هذه‬
‫النظرية تتغافل وتتعامى عن الهدف األكبر‪ ،‬ألنها تغافلع عن وصف المحصلة النهائية للعملية‬
‫التربوية الكاملة‪ ،‬فيكشف لنا الكيالني نقالً عن فالسفة التربية‪" :‬أن الوقع قد حان ليعيد المربون‬

‫تفكيرهم ويتساءلون‪ :‬لماذا نربي؟"‪.1‬‬

‫هذا يقود إلى أن هذه األهداف بمنزلة الوسيلة لتحقيق أهداف عليا‪ ،‬وال يمكن تقويم الوسيلة‬
‫من غير الهدف الذي من أجله كانع الوسيلة‪ ،2‬فالوسائل دون أهداف تنقصها الدوافع المحركة‬
‫والغايات الموجهة‪ ،‬واألهداف دون وسائل نوع من األمنيات بعيدة المنال‪ ،‬والتطلعات المعوقة لإلنجاز‪،‬‬
‫فماالً تعليم درس من التاريخ هو وسيلة يوصل إلى هدف نهائي وهو الكشف عن قوانين هللا في‬
‫االجتماع البشري‪ ،‬واالتفاق في التربية الحدياة قائم حول الوسائل‪ ،‬ولكنه غير قائم حول األهداف‬
‫العليا‪ ،‬إذ هناك من ينكرها‪ ،‬ويعتبر الحديث عنها معوقاً لعمليات النمو والتقدم ومعطالً للكشف‬
‫واالبتكار‪ ،‬بينما هناك من يصر على بلورتها ألن التقدم ليس هو الخير الوحيد‪ ،‬وإنما هو وسيلة‬
‫لهدف نهائي يتلوه‪ ،‬وهو السعادة أو الرضا‪ ،‬ولكن هؤالء أيضاً ال يلباون االختالف حول محتوى‬

‫السعادة والرضا‪ ،‬وحول مكونات أي منهما والحياة التي تعكسها‪ ،‬ثم يبدؤون الدوران في حلقة مفرغة‬
‫من الجدال واالختالفات الفلسفية‪ ،‬حتى إذا تعبوا من الجدال والدوران اصطلحوا على وصف األهداف‬

‫بأنها أهداف نسبية متغيرة‪ ،3‬هذا يعني أنه من الصعوبة بناء أهداف التربوية ناجحة بدون التعرف‬
‫على المصادر التي يجب ان تشتق منها تلك األهداف‪ ،‬والسبب في ذلك أن مصادر األهداف تتمال‬

‫ماجد الكيالني‪ ،‬فلسفة التربية اإلسالمية‪ ،‬ص‪.443 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬قطب‪ ،‬سيد‪ ،‬منهج التربية اإلسالمية‪.)12/1( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬ينظر‪ :‬فيليب فينكس؛ فلسفة التربية‪ ،‬ترجمة الدكتور محمد لبيب النجيحي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار النهضة العربية‪1982 ،‬م‪ ،‬ص‪-827‬‬
‫‪.838‬‬
‫‪79‬‬
‫في المجتمع وأهدافه وتراثه وأخالقه ونظرة المختصين‪ ...‬وكلها ال تصلح أن تكون مصد اًر ألهداف‬

‫عليا نهائية ألنها مصادر بشرية وال تتفق مع المنظور اإلسالمي لإلنسان والكون والمصير‪.‬‬

‫فالخالف حول تحديد األهداف التربوية وتصنيفها‪ ،‬هو نتيجة لتغافل عن الوحي‪ ،‬والذي أدى‬
‫إلى تنوع واختالف هذه األهداف بين مدارس التربية إلى ما ال نهاية من اآلراء‪ ،‬وقد نقل "الكيالني"‬

‫في كتابه أنه حينما شرعع لجنة اإلشراف وتطوير المناهج عام ‪- 1980‬خالل أوج ظهور المدارس‪-‬‬
‫في تطوير أهداف تربوية تكون أساساً للتربية في الواليات المتحدة األميركية واجهع نفس المشكلة‪:‬‬
‫مشكلة تحديد أهداف التربية العامة‪ ،‬ولقد لخصع اللجنة العقبات التي واجهتها في هذا الشأن في‬

‫التقرير الذي أنجزته بالقول‪" :‬ما هي أنماط السلوك العقلي واالجتماعي والشخصي المرغوبة في‬
‫األفراد الذين يجتازون مراحل العملية التربوية بنجاح منذ مرحلة رياض األطفال حتى نهاية العام‬
‫الدراسي الااني عشر؟ ما هي ثمرات التعلم ذي القيمة التي لها طابع إنساني؟ هل تتناقض بعض‬
‫أهداف التربية التي ترغب األنظمة المدرسية في تحقيقها؛ هل تتناقض فطرياً مع مبادىء التربية‬
‫اإلنسانية؟ كيف نحدد ما هو إنساني وما هو غير إنساني من أهداف التربية؟ هل تتصف أية قائمة‬
‫أهداف تربوية بالشمول والطابع اإلنساني؟ هذه هي األسئلة التي شكلع المايرات التي دفعتنا ووجهتنا‬
‫للعمل عندما بدأنا في تحديد ثمرات التعلم ذي القيمة‪ ،‬الذي يعكس الطبيعة اإلنسانية النبيلة في‬
‫أبعادها العقلية والعاطفية والجسدية"‪" ،1‬ولقد اعترفع اللجنة المذكورة نفسها؛ التي ضمع مشاهير‬
‫المربين‪ ،‬واستفادت من خبرات جمهور المربين في القارة األمريكية كلها؛ أن قائمة األهداف التربوية‬
‫ال تمال كل األهداف التي يجب أن تعمل التربية من أجلها‪ ،‬ولكنها تشكل فقط مرشداً لمن يحاول‬
‫أن يضع أهدافاً تربوية"‪.2‬‬

‫وقد نقل "الكيالني" ما ورد في التقرير الذي قدمته لجنة من الخبراء العالميين بتكليف من‬

‫منظمة اليونسكو عام ‪ ۱۹۷۹‬بعنوان (تقرير المستشارين بشأن المشكالت العالمية الكبرى) ما يلي‪:‬‬
‫"لقد خضعع تطبيقات العلم لحافز الربح ولمصلحة أقلية صغيرة من الناس‪ .‬وفي ثنايا هذه العملية‬
‫تسربع أشكال االنحراف والتشويه إلى أوليات العلم‪ ،‬وخابع اآلمال بالعلم وبرزت المخاوف منه‬

‫الكيالني‪ ،‬أهداف التربية اإلسالمية‪ ،‬ص‪.30-29 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر السابق‪ ،‬ص‪.32 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪80‬‬
‫وانطلقع النداءات للحد من هيمنته ولترويض التكنولوجيا‪ .‬ومع أن العلم هو أحد مظاهر العبقرية‬

‫اإلنسانية إال أن المشكلة هي في انفصاله عن االتجاه اإلنساني والقيم األساسية لحياة البشر‪ ،‬وهذا‬
‫أمر يتطلب تحديد مفهوم جديد للعلم‪ ،‬مفهوم ينسق بين التقدم في مجاالت العلوم والعلوم االجتماعية‬
‫سواء"‪.1‬‬

‫ومن الجميل نقل "الكيالني في هذا الصدد تعليق البروفسور "ريتشارد هوفز تارد" أستاذ‬
‫التاريخ في جامعة كولومبيا (حتى عام ‪1970‬م)‪" :‬ليس من الضروري أن تكون األفكار صحيحة‬
‫ومنطقية حتى يتم قبولها‪ ،‬وإنما المقياس هو مالئمتها لخدمة الرغبات العامة االجتماعية‪ ،‬وهذه من‬

‫أبرز المصاعب التي يجب أن يواجهها مخططو التغير االجتماعي‪ ،‬فلقد استند كاير من السياسيين‬
‫والمفكرين الذين أسهموا في إدارة الحرب األهلية األمريكية إلى الدارونية وتبنوها لتبرير الحرب التي‬
‫أداروها وتسببع في هالك اآلالف من أبناء الشعب األمريكي‪ ،‬وقدموها للشعب باعتبارها عملية‬
‫ضرورية لتقدم المجتمع األمريكي ووحدته وإنها إحدى مظاهر تطبيقات الدارونية ونظرية الصراع بين‬
‫األحياء وبقاء األصلح‪ ،‬فالذين هلكوا في الحرب هم الضعفاء وعناصر التخلف‪ ،‬والذين خرجوا منها‬
‫منتصرين هم األقوى واألصلح لدفع التقدم‪ ،‬وإن هذا هو قانون علمي حتمي وال مجال لتجنبه"‪.2‬‬

‫إضافة إلى نقله لقول "إكليز"‪ 3‬من مؤلفه "‪،" Toward the Recovery of Wholeness‬‬
‫بتصريحه‪" :‬أن الحقيقة التي توصل إليها هي أننا نعجز عن حياتنا على األرض ووجود الكون‬

‫المحيط بنا‪ ،‬ونعجز عن إجابة علة الكبرى المتعلقة بحكمة هذا الوجود بوسائلنا المعرفية البشرية‪،‬‬
‫وينتهي "إكليز" ليقول‪" :‬لذلك فنحن بحاجة إلى معاودة االتصال بمعارف‪ .‬والوحي‪ .‬فلقد ذهب العلم‬
‫أكار مما ينبغي في تدمير معتقدات اإلنسان الوحية العظيمة متعلال بإنجازاته الكبيرة في العالم‬
‫المادي‪ .‬وأظن بأن المشكلة الرئيسية عند اإلنسان الحديث هي قياداته الفكرية المصابة بالغطرسة‬

‫وادعاء ما ال يستطيعون‪ ،‬يجب أن نؤمن بالغيب العظيم وصالتنا به‪ ،‬يجب أن نفتح قلوبنا للمستقبل‬

‫الكيالني‪ ،‬تطور النظرية التربوية اًلسالمية‪ ،‬ص‪.152-151 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫الكيالني‪ ،‬فلسفة التربية اإلسالمية‪ ،‬ص‪.170 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫اليا‪ ،‬توفي في ‪ ،1997‬حصل على جائزة نوبل في الطب لعام ‪ 1963‬ألبحاثه حول‬ ‫)‪ )John Carew Eccles‬طبيب أستر ً‬
‫‪3‬‬

‫التشابكات العصبية‪ ،‬وكان مسيحي كاثوليكي ُملتزم دينياً‪ .‬موقع وكيبيديا‪.ar. wikipedia. org ،‬‬
‫‪81‬‬
‫البعيد‪ :‬مستقبل ما بعد الموت‪ ،‬فهذا الكون ال يجري دون هدف أو معنى فنحن بشر متميزون بين‬

‫المخلوقات ولكنا ال نفهم سر وجودنا"‪.1‬‬

‫والخروج من هذه األزمة التربوية التي تسببع بها ظنون الفالسفة الوضعيين‪ ،‬إنما يكون في‬
‫تصحيح المسار بحيث يتكامل في هذا المنهج فريقان‪ :‬فريق الرسل الذين يبلورون مقاصد الحياة‬

‫وغاياتها‪ ،‬وفريق العلماء الذين يبلورون وسائل الحياة وأدواتها والغايات والمقاصد التي جاء بها الرسل‬
‫صلوات هللا عليهم في كل طور من أطوار الحياة البشرية‪ ،‬إذ هي وحدها التي أرشدت الناجين في‬
‫المسيرة البشرية ومكنتهم من عبور الطور الذي يليه‪ ،2‬بالتغيير المرن الذي يكمن في األساليب‬

‫والوسائل ال في األهداف والغايات الاابتة‪ ،‬على خالف المفهوم الوضعي الذي ال يزال يتضارب‬
‫ويتغير جذرياً الختالف األفكار والبيئات‪ ،‬وقصور الرؤية البشرية عن اإلحاطة بحاجات األفراد‬
‫جمعيها مع تباين بيئاتهم وثقافاتهم‪ ،‬محدودية اإلدراك وضيق أفق العقول البشرية ونزعها نحو أهدافها‬
‫وشهواتها بعيدا عن التفكير أي الصالح العام سعادة‪.3‬‬

‫وهذه مشكلة ليسع موجودة في التربية اإلسالمية‪ ،‬فاألهداف في التربية اإلسالمية هي أيضاً‬
‫حلقات في سلسلة متدرجة من األهداف الوسائل‪ ،‬واألهداف الغايات‪ ،‬ولكنه تدرج متناسق‪ ،‬كل هدف‬

‫يفضي إلى الهدف الذي يليه ويرتبط به روحاً ومنطقاً حتى ينتهي التدرج بتاألهداف‪ ،‬ولتوضيح هذا‬
‫نأخذ عينة من األهداف المتولدة من عالقة التسخير‪ ،‬أي عالقة اإلنسان بالكون‪ ،‬فهناك بعض اآليات‬
‫التي تضمنع نماذج من هذه األهداف منها قوله سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ‬

‫ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒﱠ‪ 4‬فاآلية تعرض سلسلة متدرجة متناسقة من أهداف‬

‫التسخير‪ ،‬وكل حلقة في هذه السلسلة هي وسيلة إلى ما بعدها حتى تبلغ الحلقة األخيرة التي تشكل‬

‫الغاية والمقصد النهائي‪ ،‬فجريان الفلك‪ ،‬هدف لتتسخير البحر‪ ،‬وهذا التسخير هو وسيلة لتحقيق هدف‬
‫يليه هو واالبتغاء من فضل هللا‪ ،‬وهذا الهدف الااني وسيلة لتحقيق الهدف النهائي وهو شكر الناس‬

‫الكيالني‪ ،‬فلسفة التربية اإلسالمية‪ ،‬ص‪.285 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬الكيالني‪ ،‬فلسفة التربية اإلسالمية‪ ،‬ص‪.8 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫المهيدات‪ ،‬تسنيم نور الدين‪ ،‬نظرية القيم التعليمية في الفكر اإلسالمي وتطبيقاتها التربوية‪ ،‬عالم الكتب الحديث‪ ،‬جامعة‬ ‫‪3‬‬

‫اليرموك‪ ،‬إربد –األردن‪2016 ،‬م‪ ،‬ص‪.44 :‬‬


‫الجاثية‪.12 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪82‬‬
‫هلل‪ ،‬وهكذا في جميع األهداف التي تنباق من مختلف مكونات‪ ،‬فهي مهما تفرعع وتعددت فإنها‬

‫تنتهي إلى هدف نهائي واحد هو شكر هللا وعبادته؛ أي محبته وطاعته‪ ،‬وبسبب هذه الوحدة في‬
‫الهدف التربوي النهائي كان وصف محور العقيدة اإلسالمية بالتوحيد‪.1‬‬

‫لكن "المشكلة القائمة في التربية المعاصرة أنها تقف في أهدافها ‪-‬ماالً‪ -‬عند جريان الفلك‪...‬‬

‫وال تتعداها إلى أماال شكر هللا واإليمان باهلل والحمد هلل‪ ،‬فهي في حقيقتها وسائل بال غايات‪ ،‬ولذلك‬
‫تتعدد المقاصد وتتصادم‪ ،‬وتختلف اآلراء والفلسفات وتتناقض"‪.2‬‬

‫وفي المقابل فإنه عندما يتم "تحديد هدف التربية بشكل صحيح‪ ،‬ويكون هذا الهدف واضحاً‬
‫للمريبين ومقبوالً من الذين يعملون في حقلها ويتأثرون بها‪ ،‬وتوضع الوسائل المؤدية إليه‪ ،‬ويبدأ العمل‬
‫بأساليب محكمة؛ فإن التربية تؤتي ثمارها‪ ،‬وتصبح ذات أثر كبير في رقي األمة وازدهار المجتمع‪،‬‬
‫فوضوح الهدف والرغبة في تحقيقه هو األساس األول‪ ،‬وتعيين الطريق الموصلة إليها والوسائل‬
‫الالزمة لبلوغه هو األساس الااني‪ ،‬وبدون ذلك ال توجد تربية نافعة‪ ،‬وال تظهر لها ثمار يانعة"‪.3‬‬

‫‪4‬‬
‫إذ يتكرر جوهر الخالف حول تحديد األهداف في أمور ثالثة هي‪:‬‬

‫األمر األول‪ :‬إن الصعوبة الشديدة في االتفاق على أهداف عامة للتربية سببها عدم االتفاق على‬

‫‪-‬فلسفة تربوية‪ -‬محددة تنباق منها أهداف محددة كذلك‪ ،‬فإذا لم تحدد فلسفة التربية ال يمكن استنباط‬
‫األهداف العليا‪ ،‬وفلسفة التربية تحتاج أن تنباق من فلسفة كلية للحياة واإلنسان والكون والمنشأ‬
‫والمصير‪ ،‬وهنا تكمن أزمة التربية السلوكية والحدياة أيضاً‪.‬‬

‫واألمر الثاني‪ :‬إن الذين يرون عدم االشتغال بتحديد أهداف التربية هم أناس سئموا الخالف المزمن‬

‫حول هذا الموضوع‪ ،‬وسئموا من عقم البحث فيه‪ ،‬والذين يصرون على استمرار البحث فيه هم أناس‬
‫ترعبهم نتائج العملية التربوية في ميادين الحياة االجتماعية‪ ،‬والعالقات اإلنسانية‪ ،‬وما يرونه من‬

‫ينظر‪ :‬الكيالني‪ ،‬أهداف التربية اإلسالمية‪ ،‬ص‪.17-16 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫الكيالني‪ ،‬أهداف التربية اإلسالمية‪ ،‬ص‪.17 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫عمر‪ ،‬منهج التربية في القرآن والسنة‪ ،‬ص‪.19 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬الكيالني‪ ،‬أهداف التربية اإلسالمية‪ ،‬ص‪.29-27 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪83‬‬
‫إخراج التربية الحدياة لنماذج إنسانية آلية ال أهداف عليا لها في الحياة إال اإلنتاج واالستهالك‬

‫واكتساب المهارات‪ ،‬أو نماذج إنسانية منقسمة على أنفسها‪ ،‬أو مغتربة عن الحياة كلها‪.‬‬

‫واألمر الثالث‪ :‬إن الذين يدعون إلى االكتفاء بتحديد أهداف سلوكية عملية مشتقة بشكل مباشر من‬

‫موضوعات التعليم ‪-‬كأن تكون هناك أهداف للحساب‪ ،‬وأخرى للجبر‪ ،‬وأخرى للجغرافيا‪ -...‬هم أناس‬

‫سئموا عدم التوصل إلى تحقيق االنسجام بين األهداف التربوية العامة‪ ،‬واألهداف التعليمية الخاصة‪،‬‬
‫والذين يصرون على عدم االكتفاء باألهداف التعليمية الخاصة السلوكية‪ ،‬هم أناس يضيقون بهذا‬
‫النوع من األهداف‪ ،‬والتي تحصر اإلنسان في إتقان مهارات العمل‪ ،‬واإلنتاج‪ ،‬وال تتسع للقيم العليا‬

‫والتطلعات اإلنسانية الرفيعة‪ .‬فالمشكلة إذن هي كيفية صياغة كل من األهداف التربوية العامة‪،‬‬
‫واألهداف التعليمية السلوكية بطريقة تحقق التوافق المنطقي بينهما‪ ،‬لتشكل جميعها قائمة األهداف‬
‫التي تبدأ بالفرد وتنتهي باإلنسانية‪ ،‬وتتسع لتشمل المها ارت العملية واألخالق الفردية‪ ،‬وال تضيق‬
‫باألخالق االجتماعية والقيم والتطلعات العليا لإلنسان‪ ،‬وإبراز مال هذه األهداف يحتاج إلى أصول‬
‫محددة تتمال في فلسفة تربوية شاملة واضحة تنباق عن فلسفة كلية لإلنسان والكون والحياة والمنشأ‬
‫والمصير‪.‬‬

‫ال شك أن األهداف السلوكية تسهل عملية التعلم وتعين المعلم والمربي على تحديد الوسائل‬
‫المطلوبة‪ ،‬واتباع األسليب الدقيقة‪ ،‬ومالحظة النتائج بموضوعية‪ ،‬وتوجيه سلوك المتعلم‪ ،‬إال أن كل‬
‫ذلك ال يغنى عن وجود األهداف العليا التي من المفترض أن يتم االرتكاز عليها للمحافظة على‬
‫سالمة العملية التربوية من االنهيار والتضارب‪ ،‬فهذه األهداف ال تتعارض في المعنى مع اإلسالم‪،‬‬
‫إال أنه ال بد من إرجاعها جميعها إلى الهدف النهائي األخير‪ ،‬وهو االعداد للحياة الدنيا واآلخرة‪،‬‬
‫لتصبح متمشية مع روح التعاليم اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ -1‬افتقار أهداف المدرسة السلوكية إلى معيار القيم‪.‬‬

‫عمليات التحكم أو التقييم في منظور المدرسة السلوكية هي تلك العمليات التي ينظر من‬
‫خاللها لألداء على أنه جدير بالتقدير والاناء‪ ،‬وجدير بالتدعيم‪ ،‬أو أنه غير م ٍ‬
‫رض‪ ،‬من ثم يستحق‬ ‫ُ‬

‫‪84‬‬
‫العقاب‪ ،‬ويعتمد ذلك على المعايير الشخصية المستخدمة في عملية التقييم‪ ،1‬ولكن هذا أدى إلى‬

‫نشوء تساؤل مفاده‪ :‬من الذي له أحقية تحديد معيار القيم؟‬

‫على سبيل الماال‪ ،‬قد يرى األب أن على ابنه الصغير طاعة أخيه الكبير احتراماً‪ ،‬بينما‬
‫ترى األم أن الطاعة فقط للوالدين وعلى األخوة أن يحترموا رأي بعضهم البعض‪ ،‬ألن لكل منهم‬

‫شخصيته المستقلة‪ ،‬وهنا ُيطرح سؤال‪ :‬ما هو المعيار الذي سيتخذه األبناء على إثر ذلك؟ وعلى أي‬
‫أساس سيتم اختيار المعيار المعتبر؟ أال ينتج عن ذلك أرضية تربوية هشة؟‬

‫‪2‬‬
‫في هذا اإلطار يعلق البرفسور "ريتشارد هوفز تارد‪ -‬أستاذ التاريخ في جامعة كولمبيا" نقالً‬
‫عن "الكيالني"‪" :‬ليس من الضروري أن تكون األفكار صحيحة ومنطقية حتى يتم قبولها‪ ،‬وإنما‬
‫المقياس هو مالئمتها لخدمة الرغبات العامة االجتماعية‪ ،‬وهذه من أبرز المصاعب التي يجب أن‬
‫يواجهها مخططو التغير االجتماعي"‪ ،3‬ذلك أن الرغبات االجتماعية قد تضارب مع األفكار المسلم‬
‫بصحتها‪ ،‬بل إن تحقيقها قد يسبب العديد من المشاكل األخالقية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬هذا يعني أن المعيار‬
‫المختار ‪-‬وهو الرغبات‪ -‬يحتاج إلى معيار لضبطه والحكم عليه‪.‬‬

‫ذلك أن الرغبات التي يحقق بها الفرد ذاته تختلف من شخص إلى آلخر‪ ،‬ومن مجتمع إلى‬
‫سواه‪ ،‬بحسب عقيدته وثقافته ونظرته إلى الوجود‪ ،‬فال يمكن تحديد معايير موضوعية للرغبات‪ ،‬وتكون‬

‫مقبولة في كل البلدان واألزمان‪ ،‬بناء على معيار بشري‪ ،‬ثم إن جعل تحقيق الرغبات هدفاً أدى إلى‬
‫دخول األفراد في سباق وصراع دائمين‪ ،‬وكل منهم يريد أن يتفوق على غيره‪ ،‬ويحصل على مكان‬
‫الصدارة‪ ،‬وهذا وإن كان له أثره الجيد في الرقي والتقدم‪ ،‬إال أنه يكون على حساب العالقات اإلنسانية‬
‫والعواطف النبيلة التي تجعل اإلنسان يفعل الخير دون أن يرغب في جزاء أو ثناء سوى ما أعده هللا‬
‫للمحسنين‪ ،‬وكان نتيجة هذه النظرية في المجتمعات الغربية تفكك المجتمع وانحالل األسرة والتردي‬

‫في حماة المادية‪ ،‬واضمحالل القيم التي تجعل الناس أخوة متحابين‪ ،‬أما تأثير النظرية على العالقات‬
‫بين الدول فهو أشد خط اًر وأعظم وقعاً‪ ،‬إذ تجعلها في سباق جنوني لتملك أسباب القوة والهيبة‪ ،‬وهذا‬

‫عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.627 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫الكيالني‪ ،‬فلسفة التربية اإلسالمية‪ ،‬ص‪.170:‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.170 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪85‬‬
‫ما يؤدي إلى الحروب فيما بينها بدال من أن يعم السالم واألمن‪ ،‬وقد عدل الكايرون من فالسفة‬

‫العالم عن اعتقادهم من أن نجاة اإلنسان‪ ،‬وإنقاذه من ويالت الحروب وكوارثها إنما يكون بتقدم العلوم‬
‫وتطورها‪ ،‬وقد أعلنوا وهم ذلك وعدم اصالته وواقعيته‪ .1‬إذ يقول أحد الفالسفة‪" :‬لقد اعتقدنا خالل‬
‫الحرب العالمية األولى أن خالص العالم هو في تقدم العلوم‪ ،‬ولكننا اليوم قد زالع عن أعيننا غشاوة‬

‫هذا الوهم"‪.2‬‬

‫فتحقيق الرغبات يحتاج إلى ضوابط تعصم األفراد عن الغرور بذاتيتهم‪ ،‬أو الطغيان‪ ،‬أو‬
‫استعمال اخصائصهم الذاتية في شر اإلنسانية وضرر المجتمع‪ ،‬فإذا نشأ كل طفل وهو يرى أن‬

‫المجتمع كله والكون كله مجال لذاتيته هو‪ ،‬دون أن يكون لهذه الذاتية هدف أسمى يوجه طاقاتها‪،‬‬
‫فأي مجتمع تخرج لنا هذه التربية؟ فالمشكلة تكمن في التغافل عن معيار الخير والشر‪ ،‬وحتى لو‬
‫أنهم وضعوا معيا اًر‪ ،‬الختلفوا في ذلك مع غيرهم من المربين والفالسفة‪ ،‬وال يزال الناس يختلفون‪،‬‬
‫فالبد من معيار إلهي يجمع عليه البشر في هذا الموضوع‪ ،‬ألن معايير الناس تختلف باختالف‬
‫ظروفهم االجتماعية والنفسية والعائلية‪ ،‬وال يصلح واحد منها التربية جميع البشر‪.3‬‬

‫وللخروج من هذه األزمة زعموا أن كل ما ال يابع عن طريق التجربة محض وهم وخيال‪،‬‬

‫وأنه ال يمكن لمفكر يحترم عقله أن يؤمن بالغيبيات‪ ،‬ومن هنا نشأت دعاوى ال أخالقية جديدة مفادها‬
‫أن الحرية العقلية إنما هي في اختيار الفرد لما يراه صالحاً‪.4‬‬

‫فبعض عصابات األشقياء يستخدمون خبراتهم‪ ،‬ونموهم العقلي‪ ،‬ومهاراتهم في السطو على‬
‫المصارف‪ ،‬أو خطف عظماء الناس‪ ،‬أو أطفال األغنياء‪ ،‬فهل يعد هذا هدفاً تربوياً؟ إنه في عرف‬
‫هذه العصابات هدف يربون عليه عمالءهم‪ ،‬لكنه حقيقة وسيلة للشر‪ ،‬بهدف الاراء‪ ،‬أو االنتقام‪ ،‬أو‬

‫ينظر‪ :‬عمر‪ ،‬منهج التربية في القرآن والسنة‪ ،‬ص‪ ،23-22 :‬وينظر‪ :‬القرشي‪ ،‬باقر شريف‪ ،‬النظام التربوي في اإلسالم‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫دار الكتاب اإلسالمي‪ ،‬ص‪.11 :‬‬


‫سير رتشرد لفنجستون‪ ،‬التربية لعالم حائر‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد بدران‪ ،‬ويدع الضبع‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪ ،‬القاهرة‪1948 ،‬م‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص‪.52 :‬‬
‫ينظر‪ :‬النحالوي‪ ،‬أصول التربية اإلسالمية وأساليبها‪ ،‬ص‪.92-91 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬الشرقاوي‪ ،‬نحو علم نفس إسالمي‪ ،‬ص‪.23:‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪86‬‬
‫غير ذلك‪ ،‬إذ أن الرغبات والمهارات‪ ،‬عندما تكون خالية من التوجيه القيمي السليم‪ ،‬ستستخدم في‬

‫أغراض دنيئة‪ ،‬أو ضارة‪ ،‬أو تحقق مصلحة خاصة على حساب مصالح عامة‪.1‬‬

‫فخطر االنحطاط الخلقي على األمة والمجتمع أعظم بكاير من خطر المحسوس‪ ،‬فالقيم عند‬
‫الغرب قابلة للتغيير والتعديل باجتهاد الفالسفة‪ ،‬هذا يعني أن األخالق ‪-‬في منظورهم‪ -‬أمور مكتسبة‪،‬‬

‫تتأثر بعوامل الزمان والمكان وظروف المجتمع وعاداته وتقاليده وتوقعاته‪ ،‬ذلك أن معايير القيم عندهم‬
‫بشرية المصدر‪ ،‬تتمال في فلسفة الفالسفة‪ ،‬وثقافة الشخص الخاصة به‪ ،‬وثقافة المجتمع‪.‬‬

‫بل حتى في مسألة الوصول إلى الاورة العلمية الهائلة من أصغر الكائنات المكتشفة إلى‬
‫القرن الكريم يصف ذلك العلم بالسطحية‪ ،‬يقول سبحانه‪ :‬ﱡﭐﱎ‬
‫أكبر النجوم‪ ...‬يجد القارئ أن آ‬
‫ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱠ ‪ ،2‬فهو سطحي ألنه لم يأخذ صاحبه‬

‫إلى العلم األضخم والذي هو العلم الذي ما بعد الاورة العلمية ‪ -‬أي علم الحياة االخرة‪ ،-‬وألن هذا‬
‫العلم الهائل هو لفترة زمنية زائلة بل وقصيرة جداً‪ ،‬لو تم مقارنتها بمدة الحياة التي ستكون بعد زوال‬
‫الكون ‪ -‬أي حياة اآلخرة‪ ،-‬وألن هذا العلم اتسع ثم اتسع لكنه ضاق لما لم يصل إلى الهدف‪ ،‬وإلى‬
‫الغاية من وجود هذا النظام المتكامل المتزن بكل المقاييس‪ ،‬أال وهي غاية تقوي خالق الكون‪ :‬ﭐﱡﭐﳀ‬

‫ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍﳎﱠ‪.3‬‬

‫فالقرآن الكريم يشير في مواضع كايرة أن الغاية النهائية من كل األهداف هي نيل رضا هللا‬
‫والفوز بالجنة‪ ،‬فكان من الحري أن يؤصل القيم‪ ،‬لتبقى في ميزان رضا هللا‪ ،‬وذلك عندما كشف حقيقة‬
‫أن الوحي هو المعيار‪ ،‬إذ يقول سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ‬
‫ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﭐ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ‬
‫ﱨ ﱩﱠ‪ ،4‬فالسلوك المرغوب فيه هو السلوك الذي الذي يعطي "هللا" على أدائه الاناء والتدعيم‪،‬‬

‫ينظر‪ :‬النحالوي‪ ،‬أصول التربية اإلسالمية وأساليبها‪ ،‬ص‪.96-95 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫الروم‪.7 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫يونس‪.6 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(اإلسراء‪.)10-9:‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪87‬‬
‫أما غير المرغوب فيه فهو السلوك الذي يعطي هللا على أدائه العقاب‪ ،‬وبالتالي يصبح الحكم على‬

‫السلوك منسجماً مع مصلحة الفرد والمجتمع‪ ،‬ألن هللا هو األعلم بمصلحة خلقه‪.‬‬

‫فالوحي هو مصدرية القيم التعليمية ومرجعيتها‪ ،‬فهي في المفهوم اإلسالمي مستمدة من‬
‫القرن الكريم والسنة المطهرة الموحى‬
‫الشرع الحنيف‪ ،‬بحيث تستمد عناصرها وأفكارها ومبادئها من آ‬

‫بهما من عند هللا عز وجل‪ ،‬فهو يختار ما يناسب البشرية ويصلحها‪ ،‬وتوزن تلك العناصر بميزان‬
‫الشرع أيضاً‪ ،‬وهذا مخالف تماماً للفكر الوضعي الذي يستمد قيمه التعليمية من أفكار أفراد أو‬
‫مجموعات بشرية قاصرة‪ ،‬أو من خالل البيئة االجتماعية التي تختلف باختالف األفراد والمجتمعات‬

‫مما ال يتناسب مع جميع الناس على اختالف مجتمعاتهم وبيئاتهم‪.1‬‬

‫وسي اًر على ذات المنهج‪ ،‬يخبر القرآن الكريم أن الفالح يتحقق بالتزكية‪ ،‬يقول سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐﱫ‬
‫ﱬ ﱭ ﱮﱠ‪ 2‬أي‪" :‬طهر نفسه من الذنوب‪ ،‬ونقاها من العيوب‪ ،‬ورقاها بطاعة هللا‪ ،‬وعالها‬

‫بالعلم النافع والعمل الصالح"‪ ،3‬فالفالح الذي هو مقصد التربية يتحقق بالتزكية التي معيارها الوحي‪،‬‬
‫هذا يشير أن التربية الحدياة والنظرة السلوكية فقدت جوهر فالح اإلنسانية عندما تجاهلع الوحي‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار يالحظ أن النبي عليه الصالة والسالم يربي الطفل " ابن عباس" على قيمة‬

‫احَف ِظ َّ‬
‫َّللاَ تَ ِج ْدهُ تُ َج َ‬
‫اه َك‪ ،4)...‬إذ‬ ‫ظ َك‪ْ ،‬‬ ‫احَف ِظ َّ‬
‫َّللاَ َي ْحَف ْ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫طاعة هللا قائالً له‪( :‬يا ُغالَم ِإِني أ ِ‬
‫ُعل ُم َك َكل َمات‪ْ ،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫يغرس في نفس الطفل أن الطاعة قيمة سامية نتاجها التعزيز الكبير الذي هو حفظ هللا له‪ ،‬فلو أن‬
‫توجيهات الوالدين‪ ،‬أو المعلم‪ ...‬تضاربع مع أوامر هللا‪ُ ،‬قدمع أوامر هللا ألن معايير هللا هي األقوم‪.‬‬

‫ينظر‪ :‬المهيدات‪ ،‬نظرية القيم التعليمية في الفكر اإلسالمي وتطبيقاتها التربوية‪ ،‬ص‪.44 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(الشمس‪.)9:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬السعدي‪ ،‬عبد الرحمن بن ناصر بن عبد هللا (ت‪1376 :‬ه)‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان (تفسير السعدي)‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬عبد الرحمن بن معال اللويحق‪ ،‬مؤسسة الرسال‪( ،‬ط‪1420 /1‬ه)‪ .‬ص‪.926 :‬‬
‫‪ 4‬والترمذي‪ ،‬محمد بن عيسى بن َس ْورة بن موسى بن الضحاك‪( ،‬ت‪279 :‬ه)‪ ،‬جامع الترمذي‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ :‬أحمد محمد‬
‫شاكر‪ ،‬ومحمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬وإبراهيم عطوة عوض المدرس في األزهر الشريف‪ ،‬شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي‬
‫الحلبي –مصر‪( ،‬ط ‪1395 /2‬ه‪1975-‬م)‪ ،‬كتاب صفة القيامة‪ ،‬باب حديث حنظلة‪ ،‬حديث رقم (‪ .)667/4( ،)2516‬وقال‬
‫الترمذي هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫‪88‬‬
‫فاألخالق هي ثمرة من ثمرات اإليمان والعبادة‪ ،‬بل إن إيمان اإلنسان وعبادته ال يتمان إال‬

‫إذا نتج عنهما خلق حسن ومعاملة طيبة مع هللا ومع خلقه‪ ،‬فإنه من أبرز عالمات اإليمان حسن‬
‫الخلق‪ ،‬ومن أبرز عالمات النفاق سوء الخلق‪ ،‬وأفضل ما يتحلى به اإلنسان بعد اإليمان باهلل وطاعته‬
‫هي األخالق الفاضلة‪ ،‬ذلك أن األخالق إحدى ركائز اإلسالم‪ ،‬وبها تكمن خيرية البشرية‪ ،‬إذ يقول‬

‫َخالًَقا)‪ 1‬إذ بها يكتمل تنظيم عالقة اإلنسان بربه‬ ‫عليه الصالة والسالم‪(ِ :‬إ َّن ِخيارُكم أَح ِ‬
‫اسُن ُك ْم أ ْ‬ ‫ََ ْ َ‬
‫وبالناس‪ ،‬فخلق النبي الكريم محمد صلوات هللا وسالمه عليه نتج من تطبيقه العملي لما في القرآن‬
‫الكريم من معاني الكمال واآلداب وصالح األخالق‪ ،‬فالقرآن الكريم تتجلى فيه األخالق‪ ،‬بل إنه‬

‫المصدر األول لحسن الخلق‪.‬‬

‫وبما أن مصدر القيم هو الوحي‪ ،‬فإنها تتميز بأنها تتماشى مع الفطرة والعقول السليمة وتلبي‬
‫حاجات الفرد الصالح والمجتمع الفاضل في كل زمان ومكان‪ ،‬وتنظم كافة عالقات اإلنسان بغيره‪،‬‬
‫ذلك أنها تمتاز بالشمول واالتساع‪ ،‬والتوازن‪ ،‬واالعتدال‪ ،‬والواقعية‪ ،‬واليسر‪ ،‬والربط بين االعتقاد‬
‫والعمل وبين القول والفعل وبين النظرية والتطبيق‪ ،‬والابات في األصول والقواعد العامة مع عدم‬
‫معارضتها لكل تقدم نافع وتطور صالح‪ ،‬ألنها تستمد وجودها من الوحي‪.2‬‬

‫وفي هذا الباب ُيطرح تساؤل‪ :‬أنى للغرب من أخالقهم الطيبة؟ والجواب أن االنسانية لما‬
‫ترتاح لفعل ما‪ ،‬تتشبث به‪ ،‬وال شك أن النفس االنسانية تطمئن باألخالق الطيبة‪ ،‬وفي ذلك داللة أن‬
‫مبدأ القيم مغروس في فطرة اإلنسان‪ ،‬يقول سبحانه‪ :‬ﱡﱧ ﱨ ﱩ ﱪﱠ‪.3‬‬

‫وإضافة إلى تقنين الغرب لبعض األخالق‪ ،‬إال أن هذا ال يكفي لاللتزام بها على نحو يحقق‬
‫الشمول والمصحلة التامة‪ ،‬فال بد للنفس من معيار يوجهها خير توجيه‪ ،‬ويضبط رغباتها‪ ،‬وأكبر‬
‫ظهور للمشكلة يتبين عندما تتضارب المصالح الشخصية مع العامة‪ ،‬أو عندما تضارب القيم مع‬

‫الرغبات‪.‬‬

‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل‪ ،‬حديق رقم‪.)13/8( ،6035 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬الشيباني‪ ،‬عمر التومي‪ ،‬فلسفة التربية اإلسالمية‪ ،‬الدار العربية للكتاب ‪-‬ليبيا‪1988 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،230-221 :‬وينظر‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫الشريفين‪ ،‬تعديل السلوك اإلنساني في التربية اإلسالمية‪ ،‬ص‪.68-67/41-40 :‬‬


‫الشمس‪.8 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪89‬‬
‫والخالصة أن المدرسة السلوكية أهدافها أهداف خاصة‪ ،‬بماابة وسائل تفتقر إلى أهداف عليا‬

‫ترتكز عليها‪ ،‬ومعيار يوجه قيمها‪ ،‬والسبب يكمن في بشرية المصدر في ظل تغافله عن الوحي‪،‬‬
‫بينما الشريعة اإلسالمية حددت الغاية النهائية وهي تحقيق العبودية هلل‪ ،‬إذ اعتبرت األهداف بجميع‬
‫جوانبها وسيلة لتحقيق مالها األعلى‪ ،‬وهدفها األسمى‪ ،‬لتحقيق عدالة هللا وشريعته في جميع شؤون‬

‫الحياة الفردية واالجتماعية‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫المبحث الرابع‬

‫سمات المدرسة السلوكية في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية‬

‫بناء على مبادئها ونظرياتها التي تفردت بها عن‬


‫تتميز كل مدرسة عن غيرها بسماتها‪ً ،‬‬
‫سواها‪ ،‬وللمدرسة السلوكية سمات عدة‪ ،‬تم بيانها خالل المطالب اآلتية‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬العوامل الداخلية‬

‫اهتمع المدرسة السلوكية بدراسة السلوك من حيث الظاهر‪ ،‬أي بدراسة السلوك نفسه‪ ،‬دون‬

‫دراسات أخرى خارج نطاق السلوك‪ ،‬نتج من ذلك حصر المدرسة مفهوم التعلم في ضبط السلوك‬

‫وتشكيله‪ ،‬على نحو يتم فيه إهمال كبير للجانب القلبي والعقلي في التربية‪.‬‬

‫إذ يعتقد "سكنر" أن دراسة العملية التعليمية يعتمد بصفة أساسية على سلوك الطالب والعلم‪،‬‬
‫حيث يصف التعلم بأنه تعديل في السلوك‪ ،‬ويرى إمكانية استخدام المدخل العلمي في دراسة العلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬بنفس درجة النجاح الذي القاه في العلوم الطبيعية‪" ،1‬ولذلك وجه عنايته للعالقة بين‬
‫المايرات واالستجابات‪ ،‬ولم يتعرض للتكوينات الداخلية التي تربط بين هذين النوعين من المتغيرات‬
‫‪-‬كاإلدراك والتفكير والميول الداخلي‪ -‬إنما قصر اهتمامه على الظاهرة السلوكية كما تحدث‪ ،‬وكما‬

‫شاهدها‪ ،‬حيث تحددت مفاهيم "سكنر" بحدود المالحظات المباشرة بحيث تعطي وصفا للوقائع كما‬
‫تحدث‪ ،‬وللمالحظات المشاهدة‪ ،‬وال تستمد معناها من مجاالت أخرى ال ترتبط بها‪ ،‬إذ العلم عنده‬
‫‪2‬‬
‫من هذه المالحظات فقط‪".‬‬

‫هذا يقود إلى أن المدرسة ال تتجه إلى السعي نحو تغيير‪ ،‬أو تعديل في العمليات النفسية‬
‫الداخلية‪ ،‬ذلك أن التركيز يكمن فقط في الوقائع الظاهرة رأي العين‪ ،‬والتي يمكن أن تخضع للدراسة‪،‬‬
‫وبالتالي فإنه ‪-‬حسب السلوكية‪ -‬ال بد من فهم السلوك ضمن إطار المفاهيم السلوكية الظاهرة‪ ،‬وليس‬

‫ضمن أي إطار آخر‪ ،3‬والذي بدوره أدى إلى إزالة األعراض المرضية بدون البحث في األسباب‬

‫ينظر‪ :‬محمد جاسم‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬ص‪.88 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫األنصاري‪ ،‬األسس النفسية واًلجتماعية للتعلم‪ ،‬ص‪.183 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬األنصاري‪ ،‬األسس النفسية واًلجتماعية للتعلم‪ ،‬التعلم التجريبي‪( ،‬ص‪ .)194:‬وينظر‪ :‬سكر‪ ،‬والقنطار‪ ،‬مدخل إلى‬ ‫‪3‬‬

‫علم النفس التربوي‪( ،‬ص‪ .)122 :‬وينظر‪ :‬الزغلول‪ ،‬مبادئ علم النفس التربوي‪( ،‬ص‪.)190:‬‬
‫‪91‬‬
‫الالشعورية‪ ،‬ذلك ألنه "لم يستطيع أي نموذج سلوكي أن يحدد طبيعة الدوافع المحتملة التي تقف‬

‫خلف سلوك الفرد"‪.1‬‬

‫وهذا ما يفسر أن التعليم ‪-‬حسب السلوكية‪ -‬عبارة عن‪ :‬تكوين ارتباطات بين مايرات‬
‫واستجابات‪ ،‬وأن هذه المايرات تصبح قادرة على ضبط االستجابة‪ ،‬أي أن الفرد يكون قاد اًر على‬

‫استبعاد المحاوالت الخاطئة التي أعقبها العقاب‪ ،‬واستبقاء المحاوالت الناجمة التي أعقبها التعزيز‪،2‬‬
‫وبالتالي فإنه وفق النظرية يكون السلوك محكوماً بنتائجه‪ ،‬ثم يكاد يتفق رواد المدرسة السلوكية أن‬
‫السلوك غير السوي هو نتيجة لعملية التعلم‪ ،‬حيث يرى "سكنر" أن معظم سلوكنا إما متعلم أو قد تم‬

‫تعديله عبر عملية التعلم‪ ،‬ويعني هذا أن اكتشاف قوانين التعلم هي مفتاح فهم العوامل وراء السلوك‪،3‬‬
‫يالحظ أن "سكنر" لم يقل بأن العمليات الداخلية العضوية غير موجودة‪ ،‬ولكن‬
‫في الوقع ذاته‪َ ،‬‬
‫وجودها ليس له معنى بالنسبة له‪ ،‬كما أنها ال يمكن أن تُرى‪ ،‬وال نستطيع استخدامها في عملية التنبؤ‬
‫وضبط السلوك ‪-‬من منظوره‪ ،-‬ومع ذلك القع المدرسة السلوكية انتقادات كايرة‪ ،‬من بينها أنها تضع‬
‫اإلنسان فقط كمستجيب للعديد من المكافآت والعقوبات التي تأتي من البيئة‪ ،‬إضافة إلى إهمالها‬
‫الجانب المعرفي والقدرات العقلية‪ ،‬وانطالقاً من وجود قدرات اإلنسان المعرفية وتأثيرها وتأثرها بالبيئة‪،‬‬
‫ظهر "باندورا" ليضع نظرية التعلم االجتماعي‪ ،4‬التي تعطي أهمية للقوى الداخلية والخارجية معاً‪،‬‬
‫وتفاعلها مع بعضها البعض‪ ،‬لتتطور طرق ضبط السلوك بعد ظهور "باندورا" الذي اتجه نحو التعلم‬
‫بالمالحظة‪ ،5‬والذي أكد أيضاً على "أهمية الترابط الداخلي المتبادل للسلوك‪ ،‬وتهتم بإبراز األسباب‬
‫الداخلية والعوامل البيئية المرتبطة به"‪ ،6‬ونقل المؤلف "زغلول" عن "باندورا" أن األسباب الداخلية‬
‫تتحكم بكل من السلوك والفرد والبيئة‪ ،‬وهي في الوقع نفسه أيضاً محكومة بسلوك الفرد والبيئة‪.7‬‬

‫عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪624 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬محمد‪ ،‬محمد جاسم‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬دار الاقافة ‪-‬عمان‪( ،‬ط‪2014/1‬م)‪( ،‬ص‪.)93-92:‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬جودت‪ ،‬نظريات التعلم وتطبيقاتها التربوية‪ ،‬ص‪.50/63 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.251 /59:‬‬ ‫‪4‬‬

‫ينظر‪ :‬علي منصور‪ ،‬التعلم ونظرياته‪ ،‬ص‪.489:‬‬ ‫‪5‬‬

‫عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪615 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫ينظر‪ :‬زغول‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬ص‪126 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪92‬‬
‫بينما يرى "دوالرد" و"ميلر" ‪-‬على خالف واضح مع كاير من السلوكيين‪ -‬أن إزالة األعراض‬

‫المرضية بدون عالج لألسباب التحتية لن يؤدي إلى تحسن‪ ،‬هذا يعني أنهما يقبالن فكرة إحداث‬
‫تغييرات مباشرة من الناحية المعرفية‪ ،‬ومن ثم التقريب بين النظرية السلوكية وغيرها من نظريات‬
‫الشخصية‪ ،1‬ففي الوقع الذي يفترض فيه "سكنر" أن السلوك يعتمد على نتائجه‪ ...‬أي أن السلوك‬

‫ينظرن إلى التعزيز بصورة مختلفة‪،‬‬


‫ا‬ ‫موجه بفعل عوامل التعزيز أو العقاب‪ ،‬نجد أن "دوالرد" و"ميلر"‬
‫فهما يفترضان أن التعزيز ينتج عن خفض (الدافع)‪ 2‬بحيث أن االستجابة موجهة أصالً إلى تخفيض‬
‫التوتر الناشئ عن ذلك الدافع –كاألكل من أجل تخفيض دافع الجوع‪ ،-‬وليس إلى تحقيق مكافأة أو‬

‫تعزيز‪ ،‬ومن هنا فهما يعتبران أن الدافع هو المحرك األساسي للسلوك‪.3‬‬

‫وإحدى تجارب "باندورا" هي التجربة التي أجراها على ‪ 567‬طفل‪ ،‬الختبار صحة فرضيات‬
‫التعلم االجتماعي‪ ،‬وقد كان محور اهتمامها يتركز حول متغيرات الشخصية‪ ،‬مال تعلم األدوار‬
‫الجنسية‪ ،‬والعدوان‪ ،‬واالعتمادية‪ ،‬باإلضافة إلى اهتمامها بعمليات التعديل السلوكي‪ ،‬إذ اشتملع هذه‬
‫التجربة على عينة من األطفال تم تقسيمها عشوائياً إلى خمس مجموعات على النحو اآلتي‪:‬‬

‫المجموعة األولى‪ :‬شاهدت نموذجاً لمجموعة أفراد بالغين‪ُ ،‬يمارس فيه سلوك عدواني لفظي وجسدي‬

‫تجاه دمية‪ ،‬وكانع المشاهدة مباشرة من قبل هذه المجموعة السلوك النموذج‪.‬‬

‫المجموعة الثانية‪ :‬شاهدت هذه المجموعة األنماط السلوكية لنفس النموذج على نحو غير مباشر‪،‬‬

‫أي من خالل فيلم تلفزيوني‪.‬‬

‫المجموعة الثالثة‪ :‬شاهدت هذه األنماط السلوكية على نحو غير مباشر‪ ،‬ولكن من خالل نماذج‬
‫كرتونية‪ ،‬أي من خالل فيلم يشتمل على صورة متحركة تمارس السلوك العدواني حيال دمية ما‪.‬‬

‫المجموعة الرابعة‪ :‬لم تشاهد أحداث السلوك العدواني‪ ،‬وهي تمال المجموعة الضابطة‪.‬‬

‫ينظر‪ :‬عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.610/587 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬يعرف دوالرد وميلر الدافع على‪ :‬أنه ماير قوي يجبر العضوية على التحرك والعمل‪ ،‬فهو حالة استشارة تدفع الكائن الحي الى‬
‫القيام بسلوك ما‪ .‬زعلول‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬ص‪.236 :‬‬
‫ينظر‪ :‬زعلول‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬ص‪.236 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪93‬‬
‫المجموعة الخامسة‪ :‬شاهدت نموذجاً يعرض سلوكاً مسالماً حيال الدمية‪.‬‬

‫في المرحلة الالحقة من التجربة‪ ،‬تم تعريض المجموعات الخمس وعلى نحو منفرد إلى نفس‬
‫الخبرة التي شاهدوها‪ ،‬وتضمن هذا اإلجراء وضع كل مجموعة في غرفة خاصة اشتملع على دمية‪،‬‬
‫وتتيح مال هذه الغرفة‪ ،‬إمكانية مراقبة سلوكات أفراد المجموعة‪ ،‬ثم تم مالحظة ورصد السلوكات‬

‫العدوانية لكل مجموعة من هذه المجموعات‪ ،‬وأشارت النتائج إلى أن متوسط االستجابات العدوانية‬
‫التي أظهرتها المجموعات الخمس كان (‪ )183‬لألولى‪ ،‬و(‪ )92‬للاانية‪ ،‬و(‪ )198‬للاالاة‪ ،‬و(‪)52‬‬
‫للرابعة‪ ،‬و(‪ )42‬للخامسة‪ ،‬ويتضح من نتائج التجرية السابقة‪ ،‬ويعلق "باندورا" أن ممارسة أفراد‬

‫المجموعات الاالث السلوك العدواني على نحو أكبر بكاير من أفراد المجموعتين الرابعة والخامسة‪،‬‬
‫مؤشر إلى أن أفراد هذه المجموعات قد تعلموا من مال هذه السلوك نتيجة مالحظة نماذج تمارس‬
‫مال هذه السلوكات‪ ،‬وهذا يدل على أن التعلم قد تم فعالً من خالل المالحظة والتقليد‪.1‬‬

‫نقد نظرة المدرسة للعوامل الداخلية‪.‬‬

‫يالحظ مما سبق أن المدرسة السلوكية تصب اهتمامها على ظاهر السلوك‪ ،‬إال أن اختالف‬
‫َ‬
‫الفرد عن غيره ال يكمن فقط في السلوك الظاهري‪ ،‬بل إن اتفاق السلوكيات بين األفراد ال تعني دائماً‬
‫اتفاق شخصياتهم نظ اًر لظاهرة التصنع أو تحقيق المصالح أو درء المفاسد‪ ...‬وإنما يكمن االختالف‬
‫الحقيقي في داخل اإلنسان بقلبه وعقله‪ ،‬وبالتالي فإن النظرية السلوكية تتعامل مع األفراد كأنهم‬
‫متساوون فيما بينهم‪ ،‬وإن كانع تؤمن بوجود اختالف نتيجة اختالف الماضي أو الجينات‪ ...‬أو حتى‬
‫العوامل الداخلية‪ ،‬إال أنها لم تراع ما يترتب على هذا االختالف في العملية التربوية‪ ،‬وفي هذا الصدد‬
‫نقل المؤلف "كراهيه" عن "سكنر" قوله‪" :‬يعود عدم فاعلية أسلوبنا التربوي بالدرجة األولى إلى فشلنا‬
‫في إيجاد حل لمشكلة الفروقات الفردية"‪ ،2‬فاختالف الشخصية الفردية أكبر بكاير مما يمكن مشاهدته‬

‫بظاهر السلوك‪ ،‬والتغافل عنها هو بماابة طمس حقيقة الفرد‪ ،‬والتغافل عن ميزة الفرد عن غيره‪ ،‬والتي‬
‫ال بد من استغاللها وتنميتها على نحو يحقق المصالح التربوية‪.‬‬

‫ينظر‪ :‬زعلول‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬ص‪.131-130:‬‬ ‫‪1‬‬

‫مارسيل كراهيه‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬ص‪165:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪94‬‬
‫هذا يقود إلى أن النظرة السلوكية جعلع اإلنسان كائناً آلياً‪ ،‬يتحرك بناء على مؤثرات البيئة‪،‬‬

‫فالسلوك إنما هو نتاج لما يصدر من المجتمع من تعزيز‪ ،‬أو عقاب‪ ،‬لتصبح التربية عبارة عن‬
‫مجموعة من المحركات الخارجية‪ ،‬بهدف برمجة ذلك الكائن اآللي الفارغ‪ ،‬وهذا يعني حصر مصدر‬
‫سلوك اإلنسان في العوامل الخارجية فقط‪.‬‬

‫لكن إذا كان السلوك ال يعتمد إال على النتائج ‪-‬من تعزيز أو عقاب أو دور البيئة‪ ،-‬فمن‬
‫المفترض أن يكون تماثل في التحصيل إذا تماثلع النتائج المتوقعة من تعزيز‪ ،‬وهذا ما لم يحصل‬
‫في أي ميدان تربوي‪ ،‬نتيجة لوجود عوامل أخرى تلعب دوا اًر هاماً في السلوك‪ ،‬وإذا كان السلوك‬

‫محكوماً بنتائجه فأين دور التلميذ في الحكم النقدي؟ واإلرادة الحرة؟‬

‫في ذات الوقع ال ينكر "سكنر" وجود الفروق الفردية‪ ،‬إال أنه عندما لم يجد في السلوك سوى‬

‫تبين‪ ،-‬ليس هذا فحسب بل إنه يؤمن أن التشابه‬


‫الظاهر صرح بالفشل في مراعاة مقتضياتها ‪-‬كما َ‬
‫ال يعني المماثلة‪ ،‬إذ أنه يرى "أنه بالرغم من تشابه الكاير من األنماط السلوكية من حيث الشكل‪،‬‬

‫إال أن ذلك ال يعني بالضرورة انها متماثلة‪ ،‬فقد تكون أنواع مختلفة من االستجابات تخدم وظائفاً‬
‫متباينة"‪ ،1‬فقد يتشابه الطالب بتكايف الدراسة استجابة لتعزيز ‪-‬الحلوى‪ -‬للطالب المتفوق‪ ،‬إال أن‬

‫هذا ال يعني المماالة‪ ،‬إذ يدرس طالب طلباً للحصول على الحلوى من أجل أكلها‪ ،‬بينما آخر من‬
‫أجل بيعها والحصول على المال‪ ،‬إال أن الوظائف عندما ال تكمن في ظاهر السلوك‪ ،‬فإنه وفق‬
‫السلوكية ال تعطيها أحقية االعتبار‪ ،‬فقد ترى فيها التماثل بالرغم من اختالف الجوهر الداخلي‪،‬‬
‫كاالختالف في النية أو القصد‪ ،‬أو من رئاء الناس‪...‬‬

‫وعلى سبيل الماال فإن الطفل ‪-‬بناء على المدرسة السلوكية‪ -‬عندما تتحدث أمه معه يعبر‬
‫عن االستجابة بمحاولته لنطق الحروف‪ ،‬فكلما القى تعزي اًز‪ ،‬كلما حاول تكرار النطق‪ ،‬لكن ُيتضح‬

‫أن كاي اًر من األمور المتعلمة ال يمكن تفسيرها في ضوء مفهوم السلوكيين‪ ،‬فهم تغافلوا عن أن الطفل‬
‫سمع الكلمات‪ ،‬ثم فهم معانيها‪ ،‬بناء على سياقها وموقعها في األحداث‪ ،‬ثم وظفها بما يتناسب مع‬
‫فهمه وتحليله‪ ،‬فاإلنسان ال يتعلم استجابات فقط‪ ،‬وإنما يدرك حقائق ويفهمها ويكتسب معلومات‬

‫زعلول‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬ص‪.81 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪95‬‬
‫ومعارف ويحللها ويوظفها بناء على ما يعتقده مناسباً‪ ،‬وبناء على ما يلقاه من تعزيز أيضاً‪ ،‬فالتفكير‬

‫واالستدالل واالستنتاج عمليات ال بد منها لحدوث التعلم‪ ،‬إال أن النظرية السلوكية تغافلع عنها ولم‬
‫تجعلها محور العملية التعليمية‪.1‬‬

‫ال شك أن للدافع دور مهم للغاية في توجيه السلوك ‪-‬كما يرى دوالرد وميللر‪ ،-‬وتشكيله‪،‬‬

‫وتعد هذه نقلة هامة للمدرسة السلوكية‪ ،‬ومع ذلك فإن محاولة "دوالرد" و"ميللر" لم تركز بما يكفي‬
‫على دور العوامل الداخلية‪ ،‬فقد أغفل كالهما دور التفكير واالستنتاج والحب والفطرة‪ ...‬إذ كيف لهم‬
‫التوفيق بين مدرستين بينهما الكاير من االختالف والتباين الجوهري‪ ،‬دون الخروج عن القاعدة العامة‬

‫لكل من النظريتين؟ أال وهما المدرسة السلوكية التي تركز على الظاهر مع إهمال الباطن‪ ،‬والمدرسة‬
‫التحليلية التي تصب اهتمامها على باطن اإلنسان‪ ،‬هذا ما أدى إلى فشلهما في تتبع تطبيقاتهما‬
‫العالجية القائمة على نظرية التعلم بما يوصلهما إلى نتائج منطقية واضحة ثابتة المعالم‪.2‬‬

‫ولقد نقلع نظريات "باندورا" المدرسة السلوكية نقلة جيدة عندما حاول نظرياً التوفيق بين‬
‫العوامل الداخلية والخارجية‪ ،‬إال أنه من المالحظ أن "باندور" في العديد من تجاربه يعلق على تجاربه‬
‫على نحو يركز فيه على األسباب الخارجية وظاهر السلوك‪ ،‬بل وفي بعض تجاربه يحصر األسباب‬

‫في البيئة والعوامل الخارجية‪ ،‬مع أنه يرى نظرياً أهمية بالغة لألسباب الداخلية‪ ،‬ففي تجربة مشاهد‬
‫األطفال لمشاهدة األفالم‪ ،3‬يحلل النتائج بناء على أسباب مرتبطة بالمحاكاة والتعزيز أو العقاب‪،‬‬
‫فالطفل الذي يشاهد عنفاً يعاقب عليه مرتكبه‪ ،‬ستكون نسبة ارتكابه لذلك العنف أقل بكاير من الطفل‬
‫الذي شاهد عنفاً يعزز عليه مرتكبه‪.‬‬

‫دور هام في تشكيل السلوك‪ ،‬خاصة إذا عقبها تعزيز أو سلوك‪ ،‬لكن‬
‫ال شك أن للمشاهدة ًا‬
‫تشكيل السلوك ليسع لمجرد المحاكاة وما يعقبها من نتائج‪ ،‬وإال فإن نتائج المشاهدة ستتطابق مع‬

‫كل األطفال‪ ،‬إال أن الطفل الذي يرفض العنف ونشأ على محاربته‪ ،‬ويؤمن أنه خلق سيء ال يجب‬
‫التحلي به‪ ،‬فإن مشاهدته لتعزيز العنف لن تأثر عليه كباقي الطالب‪ ،‬وإن كان معرضاً بالطبع للتأثر‬

‫ينظر‪ :‬محمد‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬ص‪.93-92:‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.613 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫التجربة المذكور صفحة رقم‪.86 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪96‬‬
‫بالفيلم‪ ،‬وكذلك الطفل الذي نشأ على العنف في أسرة عنيفة وجو عنيف‪ ،‬حتى أحبه واقتنع أنه له‬

‫دور في المحافظة على النفس من األذى والدفاع عنها ‪-‬ماالً‪ -‬فإن مشاهدته لعقاب الشخص العنيف‬
‫لن تؤثر عليه إيجابياً كباقي الطالب‪.‬‬

‫إن إهمال العوامل الداخلية أدى إلى تالشي اإلنسانية داخل اإلنسان‪ ،‬لحرمان اإلنسان من‬

‫حاجاته العليا الداخلية كاالحترام‪ ،‬والحب‪ ،‬والتقدير‪ ،‬ومراعاة المشاعر‪ ،‬والتشجيع النفسي‪ ،‬ورفع‬
‫المعنويات‪ ،‬والاقة بالنفس‪ ...‬ولعل "ماسلو"‪ 1‬كان قريباً جداً من هذه المفاهيم‪ ،‬إذ نقل عنه المؤلف‬
‫"الكيالني" قوله‪" :‬تشير األدلة التي نمتلكها ‪-‬وغالباً أدلة عيادات عالجية‪ ،‬وبعضها أدلة بحث علمي‪-‬‬

‫إلى أن كل إنسان من الناحية العملية‪ ،‬وكل مولود جديد له إرادة نشطة نحو العافية النفسية وله دافع‬
‫للنمو اإلنساني‪ ...‬ولكن الحقيقة المحزنة التي تواجهنا في الحال هي أن قليالً من الناس يستطيع‬
‫بلوغ هذا‪ ،‬وأن نسبة ضئيلة تستطيع بلوغ درجة تحقيق الهوية‪ ،‬أو الكمال اإلنساني‪ ،‬وتحقيق الذات‪،‬‬
‫حتى في مجتمعنا األمريكي الذي يوفر أحسن الفرص على وجه األرض‪ ،‬وهذه هي ورطتنا الكبرى‬

‫فنحن لدينا إمكانات تحقيق كامل إنسانيتنا‪ ،‬ولكن لماذا ال يحدث هذا في الغالب‪ ،‬وما الذي يمنعه؟"‪،2‬‬
‫ويضيف أن النقص في إشباع الحاجات اإلنسانية وأثره في نقص تحقيق الذات يسبب مضاعفات‬
‫مرضية ‪-‬سلوكية‪ ،3‬والتي تعرف (باألمراض العصابية)‪ 4‬نتيجة لعدم إشباع الحاجات الداخلية من‬
‫حب واحترام وامتنان وتقدير ونتماء‪.‬‬

‫هذا يعني أن التربية السليمة التي تراعي ظاهر وباطن اإلنسان‪ ،‬هي التي تحسن اإلنسانية‬
‫ليصل إلى درجة النضج الكفيل بحياة سليمة من العوارض المرضية النفسية‪.‬‬

‫‪ 1‬ابراهام ماسلو‪( ،‬ت‪1970 :‬م)‪ ،‬عالم نفس أمريكي‪ ،‬حصل على الماجستير في علم النفس عام‪ ،‬ودكتوراه في الفلسفة‪ ،‬اشتهرت‬
‫له عدة نظريات في علم النفس‪ ،‬وركز بشكل أساسي على الجوانب الدافعية للشخصية اإلنسانية‪ .‬موقع وكيبيديا‪،‬‬
‫‪.ar. wikipedia. org‬‬
‫الكيالني‪ ،‬فلسفة التربية اإلسالمية‪ ،‬ص‪.458 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.594 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫هي اضطرابات نفسية داخلية ناتجة عن لقلق‪ ،‬أو الخوف‪ ،‬أو الوسواس القهري‪ . . .‬موقع الصحة النفسية‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪.https://hafezamin. com‬‬
‫‪97‬‬
‫وينقل "الكيالني" في كتابه فلسفة التربية اإلسالمية‪ ،‬عن بعضهم العلماء الغربيين‪ ،‬قولهم‪:‬‬

‫"إن اقتصار مناهج المعرفة على ميدان المحسوس هو تصور ساذج وغير عملي‪ ،‬ويضرب لذلك‬
‫ماالً فيقول‪ :‬لو أن إنساناً قصر المعرفة على ما يحسه ويراه‪ ،‬لما كان باإلمكان معرفة قارة إفريقيا‬
‫من خالل ما كتبه الذين رأوها‪ ،‬وإنما ال بد لكل من أراد أن يعرفها أن يسافر إليها‪ ،‬ويرى فيها كل‬

‫شيء‪ ،‬وهذا أمر صعب‪ ...‬إن قصر المعرفة على الحس وحده سوف يخرج منها علوماً‬
‫كالرياضيات‪ ،1"...‬إذ أهملع ميزات اإلنسانية‪ ،‬فاصطدمع بالعديد من المصاعب ألن "حياة اإلنسان‬
‫المادية ال تنفصل عن حياته العقلية وحياته الروحية"‪.2‬‬

‫وفي هذا السياق نجد أن اإلسالم اهتم بهذا الجانب أيما اهتمام‪ ،‬حيث دعا إلى الحب واالعتناء‬
‫بالقلب خاصة باألطفال‪ ،‬حتى أنه جعل ُقبلة األطفال صفة مالزمة للقلب الرحيم‪ ،‬فهذا األعرابي لما‬
‫ان فما ُنَقِبُل ُه ْم"‪ .‬فقال النبي عليه الصالة‬ ‫ِ‬
‫جاء إلى الحبيب عليه الصالة والسالم قال‪" :‬تَُقِبُلو َن الص ْتب َي َ‬
‫الر ْح َمة"‪ ،3‬بل إن النبي عليه الصالة والسالم كان ُيسمع‬ ‫ع هللا من َقْلِب َك َّ‬
‫َن َن َز َ‬
‫والسالم‪" :‬أو أملك لك أ ْ‬
‫الطفل التصريح بالحب‪ ،‬نظ اًر لما تتركه من أثر عظيم في نفس الطفل‪ ،‬وشعور باالنتماء والاقة‬
‫الح َس ُن ْب ُن‬ ‫ِ َّ‬ ‫النِب َّي َّ‬
‫ال‪َ :‬أرَْي ُع َّ‬ ‫بالنفس‪ ،‬ومن ذلك ما رواه البراء ر ِ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪َ ،‬و َ‬‫َ‬ ‫َّللاُ َع ْن ُه‪َ ،‬ق َ‬
‫ضي َّ‬
‫ََ َ َ َ‬
‫ُحب ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّه"‪ ،4‬فقد كان عليه الصالة والسالم يحرص على أرقى‬ ‫ُّه َفأَحب ُ‬ ‫ول‪" :‬الل ُه َّم ِإني أ ُ‬
‫َعل ٍي َعَلى َعاتقه‪َ ،‬يُق ُ‬
‫درجات الحب وهو حب هللا لهم‪ ،‬لما في ذلك من أثر جوهري في حياة الطفل‪ ،‬إذ يكون محبوباً عند‬
‫هللا عز وجل‪ ،‬كي ينعم بأعظم السعادة في الدارين‪.‬‬

‫وثمة داللة أخرى لالهتمام بالمشاعر القلبية خالل العملية التربوية‪ ،‬ويتمال في حديث ابن‬

‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم التَّ ُّ‬


‫شه َد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ول هللا َ‬
‫مسعود ‪-‬وكان عند إسالمه غالماً يافعاً‪ ،-‬إذ يقول‪ِ َّ :‬‬
‫"عل َمني َرُس ُ‬
‫َ‬
‫آن"‪ ،5‬فالنبي القائد يضع كف الغالم بين كفيه وهو يعلمه‬ ‫ورَة ِم َن اْلُق ْر ِ‬ ‫َك ِفي َب ْي َن َك َّف ْي ِه َك َما ُيعلِ ُمِني ُّ‬
‫الس َ‬

‫الكيالني‪ ،‬فلسفة التربية اإلسالمية‪ ،‬ص ‪.296‬‬ ‫‪1‬‬

‫قطب‪ ،‬سيد‪ ،‬منهج التربية اإلسالمية‪.)23-22/1( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته‪ ،‬حديث رقم‪.)7/8( ،)5998 (:‬‬ ‫‪3‬‬

‫متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب فضائل أصحاب النبي عليه الصالة والسالم‪ ،‬باب مناقب الحسن والحسين رضي هللا‬ ‫‪4‬‬

‫عنهما‪ ،‬حديث رقم (‪ .)26/5( ،)3749‬وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب (من فضائل الحسن والحسين رضي هللا‬
‫عنهما‪ ،‬حديث رقم (‪.)1383/4( ،)2422‬‬
‫صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب التشهد في الصالة‪ ،‬حديث رقم (‪.)302/1( ،)402‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪98‬‬
‫التشهد‪ ،‬وفي ذلك إشعا اًر بقربه عليه الصالة والسالم وحبه ولطفه بالغالم‪ ،‬لتترسخ استجابة الطفل‬

‫وحفظه وتعليمه‪ ،‬عندما يرسخ في قلبه حب رسول هللا عليه الصالة والسالم‪ ،‬وحب توجيهاته‪.‬‬

‫عالوة على ذلك‪ ،‬فإن اإلسالم يحذر بشدة من عدم االهتمام بنفسية األطفال‪ ،‬ويغلظ بالوصف‬
‫بقوله‪( :‬ليس منا)‪ ،‬ألن من قيم المسلمين العليا مراعاة إنسانية اإلنسان‪ ،‬ف َع ْن َع ْم ِرو ْب ِن ُش َع ْي ٍب‪َ ،‬ع ْن‬

‫ص ِغ َيرَنا َوَي ْع ِر ْف‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫صَّلى َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫َّللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪َ" :‬ل ْي َس منا َم ْن َل ْم َي ْر َح ْم َ‬ ‫ول هللا َ‬
‫ال َرُس ُ‬ ‫أَبيه‪َ ،‬ع ْن َجده َق َ‬
‫ال‪َ :‬ق َ‬
‫يرَنا"‪ ،1‬إن النبي عليه الصالة والسالم يؤصل الرحمة باألطفال‪ ،‬ويجعلها من أهم قيم االسالم‬ ‫ف َكِب ِ‬
‫َش َر َ‬
‫لشدة أهميتها‪ ،‬إذ يحتاج الصغير إلى الشفقة‪ ،‬واإلحسان إليه‪ ،‬ومداعبته‪ ،‬وفي الحديث داللة على‬

‫حصول الرحمة للصغار‪ ،‬وعلى التوقير للكبار‪ ،‬ومعرفة حقهم‪ ،‬وإنزالهم منازلهم‪ ،‬وهذا فيه تحذير‬
‫وترهيب من مال هذا العمل الذي وصف بأن فاعله (ليس منا)‪ ،‬وفي ذلك داللة على خطورة وشناعة‬
‫هذا األمر‪.2‬‬

‫إذ يسهم الحب واالحترام في نمو الشعور باألمن لدى الطفل‪ ،‬فالطفل يدرك أن المربي متفهم‬
‫لمشاعره‪ ،‬ويظهر التعاطف في فهم أفكار الطفل ومشاعره ومشاركته فيها‪3‬؛ ألن اإلنسان ال تحكمه‬
‫المايرات الخارجية فحسب‪ ،‬ولذلك نجد أن القرآن الكريم قد جعل الفؤاد أداة من أدوات التعلم‪ ،‬و"يذكر‬

‫الخْلق؛ ألن اإلنسان ُيوَلد من بطن‬


‫الحق سبحانه السمع واألبصار واألفئدة بعد الحديث عن مسألة َ‬
‫أمه ال يعلم شيئاً‪ ،‬وبهذه األعضاء والحواس يتعلم ويكتسب المعلومات والخبرات‪ ،‬كما قال سبحانه‪:‬‬
‫ﱡﭐﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ‬

‫ﲽ ﲾ ﲿﱠﭐ‪ ،4‬إذن‪ :‬فهذه األعضاء ضرورية لوجود اإلنسان الخليفة في األرض‪،‬‬

‫جامع الترمذي‪ ،‬أبواب البر والصلة‪ ،‬باب ما جاء في رحمة الصبيان‪ ،‬حديث رقم (‪ ،)386/3( ،)1920‬وقال الترمذي في‬ ‫‪1‬‬

‫التعليق‪" :‬حديث حسن صحيح‪ ،‬وقد روي عن عبد هللا بن عمرو من غير هذا الوجه أيضا‪ ،‬قال بعض أهل العلم‪ :‬معنى قول‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم‪ :‬ليس منا يقول‪ :‬ليس من سنتنا‪ ،‬ليس من أدبنا"‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬ابن رسالن‪ ،‬شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حسين بن علي (ت‪844 :‬ه)‪ ،‬شرح سنن أبي داود‪ ،‬تحقيق‪ :‬عدد من‬ ‫‪2‬‬

‫الباحاين بدار الفالح بإشراف خالد الرباط‪ ،‬دار الفالح للبحث العلمي وتحقيق التراث ‪-‬مصر‪( ،‬ط‪1437 /1‬ه‪2016-‬م)‪،‬‬
‫(‪ ،)30/19‬وينظر‪ :‬ابن عباد‪ ،‬العباد‪ ،‬عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد هللا بن حمد البدر‪ ،‬شرح سنن أبي داود‪،‬‬
‫مصدر الكتاب‪ :‬دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة اإلسالمية‪.)8/562( .www. islamweb. net ،‬‬
‫ينظر‪ :‬أبو سعد‪ ،‬مصطفى‪ ،‬الألطفال المزعجون‪ ،‬شركة اإلبداع الفكري‪-‬الكويع‪( ،‬ط‪2009 /5‬م)‪ ،‬ص‪.136 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(النحل‪.)78:‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪99‬‬
‫وبها يتعايش مع غيره‪ ،‬وال ُبَّد له من اكتساب المعلوماتهذا يقود إلى أن اقتران الفؤاد بالسمع والبصر‬

‫فيه داللة واضحة أن بالفؤاد تكتمل العملية التعليمية‪ ،‬والفؤاد‪ :‬من التفؤد‪ ،‬وسمي فؤاداً لتفؤده أي‬
‫توقده‪ ،1‬أي وكأن الفؤاد يكاد يشتعل من ح اررة المشاعر واألحاسيس التي تختلجه من شدة أثرها‪ ،‬فال‬
‫بد من مراعاة المشاعر وفهمها ودراستها واعتمادها أداة ال يمكن االستغناء عنها في ضبط وتعديل‬

‫سلوك اإلنسان‪.‬‬

‫ومن هنا يقول محمد رشيد رضا‪" :‬وإنما الدرجة العليا للسماع أن تسمع فتفقه‪ ،‬وتعقل وتتدبر‬
‫فتعتبر وتعمل"‪ ،2‬فالحواس هي النافذة األولى لوصول المعرفة‪ ،‬ثم يتأثر القلب بها فيستقي الفائدة‪،‬‬

‫ليتحقق الهدف األساس بانتقال ثمرة المعارف من القلب إلى الجوارح بحسن العمل‪.‬‬

‫ومن المالحظ أيضاً أن القرآن الكريم يطلق على هذا الكائن اسمين اثنين‪ :‬األول هو "البشر"‬
‫والااني هو "اإلنسان"‪ ،‬وانطالقاً من أنه ال يوجد في القرآن ترادف‪ ،‬فتإن ورود االسمين هو إشارة إلى‬

‫وظيفتين مختلفتين هما‪ :‬وجود بشري‪ ،‬ووجود إنساني تال الااني منهما األول‪ ،‬وإن وجود الحالتين معاً‬
‫تكونان الطبيعة اإلنسانية‪ ،3‬هذا يعني أن إهمال العوامل الداخلية هو تهميش لإلنسانية‪.‬‬

‫إذ يتعامل القرآن الكريم مع "النفس البشرية" من خالل سلوكها الظاهر‪ ،‬ودوافعها الحسية في‬

‫آن واحد‪ ،‬وهو يبين أن المشركين عندما لم يروا في الرسل إال وجودهم الحسي‪ ،‬وسلوكهم المحسوس‪،‬‬
‫بسبب عجزهم عن رؤية "إنسانيتهم" المفرزة ألفكار اإلصالح‪ ،‬وعالج األزمات‪ ،‬فيتعجب مشركو مكة‬
‫كيف يكون الرسول "بش اًر" يأكل الطعام‪ ،‬ويمشي في األسواق! فقالوا‪ :‬ﭐﱡﭐﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ‬
‫ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑﱠ‪ ،4‬وقولهم‪:‬ﭐﱡﭐﲈ ﲉﲊﱠ‪ ،5‬بل إن‬
‫زعيمهم "إبليس" رأى آدم مجرد بشر‪ ،‬فكانع النتيجة هي استحقاره آلدم‪ ،6‬ﱡﱋ ﱌ ﱍ ﱎ‬

‫ﱏ ﱐ ﱑﱠ‪.7‬‬

‫ينظر‪ ،‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.)328 /3( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫رشيد‪ ،‬تفسير المنار‪.)524/9( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬الكيالني‪ ،‬فلسفة التربية اإلسالمية‪( ،‬ص‪.)446-445:‬‬ ‫‪3‬‬

‫(المؤمنون‪)33:‬‬ ‫‪4‬‬

‫الفرقان‪.7:‬‬ ‫‪5‬‬

‫ينظر‪ :‬الكيالني‪ ،‬فلسفة التربية اإلسالمية‪( ،‬ص‪.)448-447:‬‬ ‫‪6‬‬

‫الحجر‪.33 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪100‬‬
‫بينما في المقابل نجد أن القرآن الكريم "ينادي في اإلنسان أكرم ما في كيانه‪ ،‬وهو إنسانيته‬

‫التي بها تميز عن سائر األحياء‪ ،‬وارتفع إلى أكرم مكان‪ ،‬وتجلى فيها إكرام هللا له‪ ،‬ثم يعقبه العتاب‬
‫الجميل الجليل‪ ،‬في قوله سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝﱠ‪ ،1‬أي‪" :‬يا أيها‬

‫اإلنسان الذي تكرم عليك ربك‪ ،‬راعيك ومربيك‪ ،‬بإنسانيتك الكريمة الواعية الرفيعة‪ ...‬ما الذي غرك‬

‫بربك‪ ،‬فجعلك تقصر في حقه‪ ،‬وتتهاون في أمره‪ ...‬وهو ربك الكريم الذي أغدق عليك من كرمه‬
‫وفضله وبره ومن هذا اإلغداق إنسانيتك‪ ...‬والتي تميز بها وتعقل وتدرك ما ينبغي وما ال ينبغي في‬
‫جانبه"‪ ،2‬نجد كل ذلك في قوله سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱞ ﱟ ﱠ‬

‫ﱡﱠ‪ ،3‬فمن المالحظ أنه لم يقل "يا أيها البشر"‪ ،‬ذلك ألن في ذكر لفظ اإلنسان إيماء إلى‬

‫التذكير بنعمة هللا عليهم‪ ،‬إذ جعلهم بإنسانيتهم من أشرف المخلوقات الموجودة على األرض‪ ،4‬هذا‬
‫يعني أن تربية الفرد أو تعليمه بناء على المايرات واالستجابات‪ ،‬هي تربية حطع اإلنسان عن‬
‫إنسانيته وسلختها عن ذاته وكيانه‪ ،‬حتى تأرجح بين اإلنسانية واآللة‪ ،‬فإنسانيته تطلب حاجاتها‪ ،‬لكنه‬
‫غير قادر على فهمها‪ ،‬ومراعاتها‪ ،‬وإدراك نفحاتها‪.‬‬

‫وفي سياق نداء اإلنسانية ذكر "ما غرك بربك"‪ ،‬ولم يقل "إلهك"‪ ،‬ألن "الرب يطلق في اللغة‬
‫على المالك‪ ،‬والسيد‪ ،‬والمدبر‪ ،‬والمربي‪ ،5"...‬و"رب الشيء إذا أصلحه"‪ ،6‬فكأن إصالح اإلنسان‬
‫وتربيته تكمن في ارتقاء إنسانيتة‪ ،‬وأن هذه اإلنسانية تصل إلى رقيها بمنهج هللا المربي المصلح‬
‫للنفوس‪ ،‬فكان من المناسب أن ينادي اإلنسانية في سياق التربية الربانية‪ ،‬كيف ال؟! وهللا خلقها‬
‫فسواها فعدلها‪ ،‬أي‪" :‬عدل خلقك فأخرجك في أحسن التقويم‪ ،‬وبسبب ذلك االعتدال جعلك مستعدا‬
‫لقبول العقل والقدرة والفكر‪ ،‬وصيرك بسبب ذلك مستوليا على جميع الحيوان والنبات‪ ،‬وواصال بالكمال‬
‫إلى ما لم يصل إليه شيء من أجسام هذا العالم"‪.7‬‬

‫(االنفطار‪)6 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫قطب‪ ،‬سيد‪ ،‬في ظالل القرآن‪.)3847/6( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(اإلنفطار‪.)7-6:‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)109/11( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.)399/1( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫المرجع السابق‪.)401/1( ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪.)76/31( ،‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪101‬‬
‫هذا يعني أنه ال بد من اعتبار العوامل الداخلية في الحياة العملية‪ ،‬فعلى سبيل الماال‪ ،‬فإن‬
‫الطفل الذي تعلم عدم الشتم مع إدراك فحشه وكره ارتكابه‪ ،‬فإن نسبة تلفظه بالشتم وسوء القول‪ ،‬تكون‬

‫أقل من الطفل الذي تعلم بمجرد التقليد‪ ،‬أو العقاب والاواب‪.‬‬

‫فوسيلة العقل معرفة الحق والصواب‪ ،‬وتدبر الظاهر للحس‪ ،‬ثم االستدالل المامر والتعرف‬

‫على الحقيقة‪ ،‬وإذا كان العقل تربى على اإلسالم فإنه يرتقي بالفكر واإلدراك‪ ،‬ذلك أن اإلسالم نظم‬
‫الغيبيات ونبذ الخرافات‪ ،‬إذ ضبط العقل بتحديد مجال النظر العقلي‪ ،‬عندما صان الطاقة العقلية أن‬
‫تبدد وراء الغيبيات التي ال سبيل للعقل البشري أن يحكم فيها‪ ،‬إال أنه يعطي اإلنسان نصيبه من هذه‬

‫الغيبيات بالقدر الذي يلبي حاجته‪ ،‬لذلك جعل القرآن اإليمان بالغيب قاعدة اإليمان كله‪ ،‬وقاعدة‬
‫الحياة البشرية كلها‪ ،‬ألنه ال يستقيم وجود لإلنسانية بغير هذا اإليمان‪ ،1‬وأرشده إلى ما يعينه على‬
‫األخذ بأدوات توجيه التفكير‪ ،‬وهو التفكر والتدبر في كالم هللا وفي الكون واالنسان‪ ،‬لتتجلى آثار‬
‫التفكر بها يحيي القلب باإليمان‪ ،‬ونبذ كل من انصرف عن إعمال العقل وحق اعتباره‪ ،‬إذ يقول‬
‫سبحانه‪ :‬ﱡﭐﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ‬

‫ﲩ ﲪ ﲫﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱﱠ‪" 2‬وإنما حياة اإلنسان الخاصة به هي حياته‬

‫العقلية‪ ،‬وكل عقل متمكن من االستفادة من النظر في هذه اآليات واالستدالل بها على قدرة هللا‪،‬‬
‫وحكمته‪ ،‬ولكن بعضهم ال ينظر‪ ،‬وال يتفكر"‪ ،3‬فمن السذاجة التصور أن المعنى المقصود بالنظر أنه‬
‫مجرد النظر بالعين المجردة‪ ،‬إنما هو اتعاظ القلب ثم تفكر العقل‪ ،‬حيث ترقى في اإلنكار والتعجب‬

‫من حالهم في إعراضهم عن النظر في حال رسولهم‪ ،‬إلى اإلنكار والتعجب من إعراضهم عن النظر‬
‫فيما هو أوضح من ذلك وأعم وأكار شموالً‪ ،‬وهو ملكوت السموات واألرض‪ ،‬وما خلق هللا من شيء‬
‫مما هو آيات من آيات وحدانية هللا تعالى التي دعاهم الرسول صلى هللا عليه وسلم إلى اإليمان بها‪،‬‬

‫وما فيها من عظمة وقدرة الخالق‪ ،‬وعدي فعل (النظر) إلى متعلقه بحرف الظرفية‪ ،‬ألن المراد التأمل‬

‫ينظر‪ :‬قطب‪ ،‬سيد‪ ،‬منهج التربية اإلسالمية‪.)158/79/1( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(األعراف‪)185 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫رضا‪ ،‬تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)‪.)245/4( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪102‬‬
‫بتدبر‪ ،‬وهو التفكر العميق المتغلغل في أصناف الموجودات‪ ،‬بالتدبر في دقائق أحوالها الدالة على‬

‫عظيم قدرة هللا تعالى‪.1‬‬

‫وفي ظل اعتناء اإلسالم بالعقل سعى إلى مخاطبة العاطفة‪ ،‬ليربي العقل والعاطفة معاً‪ ،‬ذلك‬
‫أنه ال انفصال بين القلب والعقل‪ ،2‬إذ القلب محل الخير أو الشر‪ ،‬واإليمان أو الكفر‪ ،‬والبصيرة أو‬

‫العمى‪ ،‬واليقظة أو الغفلة‪ ،‬والهداية أو الضالل‪ ...‬كذلك يموج في القلب شتى المشاعر‪ ،‬ومختلف‬
‫العواطف والنزعات‪ ،3‬فالقلب "مشعر من المشاعر" ‪ ،4‬وهذا ما أثبته القرآن الكريم‪ ،‬إذ تكمن في القلب‬
‫الطمأنينة والسكينة‪ :‬ﱡﭐﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡﳢﱠ‪،5‬‬

‫ﭐﱡﭐﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢﱠ‪ ،6‬واأللفة والمحبة‪ :‬ﭐﱡﭐﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕ‬

‫ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥﱠ‪،7‬‬

‫والوجل والخشية‪ :‬ﭐﱡﭐﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋﱠ‪ ،8‬والطهارة‪ :‬ﱡﭐﲼ ﲽ ﲾ ﲿ‬

‫ﳀ ﳁ ﳂ ﳃﳄﱠ‪ ،9‬وغيرها من المشاعر‪ ،‬وبوصلة المشاعر هي النية‪ " ،‬والنية محلها القلب"‪.10‬‬

‫ول‪ِ" :‬إَّن َما‬ ‫ِ َّ‬ ‫َّللاِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫اب ر ِ‬‫ط ِ‬ ‫فعن عمر بن الخ َّ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َيُق ُ‬‫ول َّ َ‬ ‫ال‪َ :‬سم ْع ُع َرُس َ‬
‫َّللاُ َع ْن ُه َق َ‬
‫ضي َّ‬
‫َ َ‬ ‫ُ ََ ْ َ َ‬
‫ام ِرٍئ َما َن َوى‪" ،11"...‬وال يستقيم للنفس شئ من أعمالها حتى تصدر عن‬ ‫ِ ِ‬ ‫األَعم ِ ِ ِ‬
‫ال بالنيَّات‪َ ،‬وإَِّن َما ل ُكل ْ‬
‫َْ ُ‬

‫ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬تحرير التنوير‪.)197-196/9( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫بنظر‪ :‬النحالوي‪ ،‬أصول التربية اإلسالمية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع‪ ،‬ص‪24 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬الخطيب‪ ،‬عبد الكريم يونس الخطيب (ت‪ :‬بعد ‪1390‬ه)‪ ،‬التفسير القرآني للقرآن‪ ،‬دار الفكر العربي – القاهرة‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫(‪.)332/2‬‬
‫‪ 4‬أبو السعود‪ ،‬العمادي محمد بن محمد بن مصطفى (ت‪982 :‬ه)‪ ،‬تفسير أبي السعود‪( ،‬إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب‬
‫الكريم)‪ ،‬دار إحياء التراث العربي –بيروت‪.)300/6( ،‬‬
‫(الرعد‪.)28 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(الفتح‪.)4 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(األنفال‪.)63 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫(الحج‪.)35 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫(المائدة‪.)41 :‬‬ ‫‪9‬‬

‫الشين‪ ،‬فتح المنعم شرح صحيح مسلم‪ ،‬دار الشروق‪.)114/2( ،‬‬ ‫‪10‬‬

‫البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب بدء الوحي‪ ،‬باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬حديث رقم‬ ‫‪11‬‬

‫(‪.)6/1( ،)1‬‬
‫‪103‬‬
‫قصد القلب ونيته"‪ ،1‬فعندما كانع المسئولية البشرية تقع أوالً وبالذات على اإلرادة‪ ،‬وتبييع النية‪،‬‬

‫وسبق العزم‪ ،‬والتصميم كان الحديث الشريف‪ ،‬فكل عمل اختياري مرتبط بنية صاحبه‪ ،2‬والتي محلها‬
‫القلب‪ ،‬فعندما ُجعل القلب بوصلة‪ ،‬كان التغيير مرهون بحاله‪ ،‬إذ ال يغير هللا ما بقوم حتى يغيروا‬
‫البوصلة‪ ،‬حيث مضع سنة هللا في تابيع الحق‪ ،‬والخير في النفس‪ ،‬وصدور آثارهما عنهما بالعمل‪،‬‬

‫أنه يتوقف على صيرورة اإليمان بهما إذعاناً‪ ،3‬هذا يعني أنه إذا زاغ القلب‪ ،‬أزاغ هللا بريح الخذالن‬
‫بساط السر‪ ،4‬يقول سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲛ‬
‫ﲚ‬

‫ﲮﲰﲱ‬
‫ﲥﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭ ﲯ‬
‫ﲦ‬ ‫ﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤ‬

‫ﲲ ﲳ ﲴ ﲵﲶﱠ‪.5‬‬

‫ويبين القرآن الكريم حقيقة الترابط الوثيق بين القلب والسلوك‪ ،‬وأن السلوك منبته القلب‪،‬‬
‫ويتجلى ذلك في قوله سبحانه‪ :‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ‬

‫ﱧ ﱨﱩ ﱪ ﱫ ﱬﱭﱠ‪ ،6‬فمن آثار المحبة‪ ،‬فعل ما يسر ويرضي المحبوب‪ ،‬واجتناب‬

‫ما يغضبه‪ ،‬فتعليق لزوم اتباع الرسول عليه الصالة والسالم على محبة هللا تعالى؛ ألن الرسول دعا‬
‫إلى ما يأمر هللا به‪ ،‬وإلى إفراد الوجهة إليه‪ ،‬وذلك كمال المحبة‪ ،‬ويدل في المقابل على الحب المزعوم‬
‫إذا لم يكن معه اتباع الرسول فهو حب كاذب‪ ،‬ألن المحب لمن يحب مطيع‪ ،7‬إذ إن عمل الجوارح‬

‫مرهون بالحب والبغض‪ ،‬فإن أحب القلب فمحال إال أن يؤثر الحب على السلوك‪ ،‬هذا يعني أنه إذا‬
‫"بر القلب واتقى‪ ،‬برت الجوارح‪ ،‬وإذا فجر القلب فجرت الجوارح"‪.8‬‬

‫ابن قيم‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين الجوزية (ت‪751 :‬ه)‪ ،‬إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫تحقيق‪ :‬محمد حامد الفقي‪ ،‬مكتبة المعارف –الرياض‪.)5/1( ،‬‬


‫ينظر‪ :‬الشين‪ ،‬فتح المنعم شرح صحيح مسلم‪.)565 /7( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬رضا‪ ،‬تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)‪.)164 /11( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬النيسابوري‪ ،‬نظام الدين الحسن بن محمد بن حسين القمي (ت‪850 :‬ه)‪ ،‬غرائب القرآن ورغائب الفرقان‪ ،‬تحقيق‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫الشيخ زكريا عمير‪ ،‬دار الكتب العلميه –بيروت‪( ،‬ط‪1416 /1‬ه)‪.)492 /5( ،‬‬
‫الرعد‪.11 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫آل عمران‪31 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)228 /3( ،‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ 8‬ابن رجب الحنبلي‪ ،‬زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين البغدادي‪ ،‬جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا‬
‫من جوامع الكلم‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرناؤوط‪ ،‬إبراهيم باجس‪ ،‬مؤسسة الر سالة ‪-‬بيروت‪( ،‬ط‪1417 /7‬ه)‪.)229/1( ،‬‬
‫‪104‬‬
‫فليس من الغريب أن يرد القلب ومشتقاته في القرآن الكريم أكار من ‪ 140‬مرة‪ ،‬ومن هذه‬
‫اآليات قوله سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱠ‪ 1‬وقوله أيضاً‪:‬‬

‫ﭐﱡﭐﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﳌﱠ‪ 2‬إضافة إلى قوله سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐﳃ‬

‫ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉﳊﱠ‪ 3‬يتضح من اآليات الكريمة أن القلب يتجلى فيه الفقه‬

‫والتعقل والعلم‪.‬‬

‫الشي ِء َواْل ِعْل ِم ِب ِه"‪ ،5‬بل الفقه بالشيء هو معرفة باطنه‪،‬‬ ‫الفْقه أي‪" :‬الفهم"‪ ،4‬و"يد ُّل عَلى ِإ ْدر ِ‬
‫اك َّ‬
‫َ‬ ‫َُ َ‬ ‫ُ‬ ‫و ُ‬
‫ِ‬
‫ْ‬
‫والوصول إلى أعماقه‪ ،‬فمن ال يعرف من األمور إال ظاهرها ال يسمى فقيهاً‪ ،‬واشتهر لوصف علماء‬

‫الشريعة لمعرفتهم بدالئل األمور‪ ،‬والفقه ال يحصل إال بنوع من اإلدراك‪ ،‬يصحبه وجدان يبعث على‬
‫‪6‬‬
‫العمل‪.‬‬

‫ِ‬
‫ان َي ْج َهُل ُه َقْب ُل‪ ،‬أ َِو ْان َز َج َر َع َّما َك َ‬
‫ان‬ ‫ف َما َك َ‬ ‫قال َعَق َل َي ْعق ُل َعْق ًال‪ِ ،‬إ َذا َع َر َ‬
‫وأما التعقل‪ ،‬فإنه ُ"ي ُ‬
‫كات على َما ِهي َعَل ْي ِه"‪ 8‬ويقال‪ُ " :‬ع ِق َل‬ ‫توجب لمن قامع ِب ِه إدراك المدر ِ‬
‫َ ُْ َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬
‫صف ٌة ر ِاسخ ٌة ِ‬ ‫يْفعُله"‪ ،7‬وهو " ِ‬
‫ََ ُ‬
‫َ‬
‫وشِد َد"‪.9‬‬ ‫ِ‬
‫شيء‪ ،‬أَي ُحِب َس َعَل ْيه َعْقُله وأُِي َد ُ‬
‫ٌ‬ ‫َل ُه‬

‫نقيض اْلج ْه ِل"‪ 10‬و" َعلِم ُع َّ‬ ‫بينما ِ‬


‫الش ْي َء ِب َم ْع َنى َع َرْفته َ‬
‫وخ َب ْرته"‪ ،11‬وهو اعتقاد الشيء‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫"العْل ُم‪:‬‬

‫على ما هو به على سبل الاقة‪ ،‬والعلم بعين الشيء مجمالً ومفصالً‪.12‬‬

‫(األعراف‪.)179 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(الحج‪.)46 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(التوبة‪.)93 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫الفارابي‪ ،‬الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية‪.)2243 /6( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫بن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪.)442 /4( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫ينظر‪ :‬رضا‪ ،‬تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)‪.)352-351 /9( ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫بن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪.)69/4( ،‬‬ ‫‪7‬‬

‫الزبيدي‪ ،‬محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني‪ ،‬أبو الفيض‪ ،‬الملقب بمرتضى (ت‪1205 :‬ه)‪ ،‬تاج العروس من جواهر‬ ‫‪8‬‬

‫القاموس‪ ،‬تحقيق‪ :‬مجموعة من المحققين‪ ،‬دار الهداية (‪.)30/19‬‬


‫المرجع السابق‪.)30/21( ،‬‬ ‫‪9‬‬

‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.)417/12( ،‬‬ ‫‪10‬‬

‫المرجع السابق‪.)418/12( ،‬‬ ‫‪11‬‬

‫ينظر‪ :‬العسكري‪ ،‬الفروق للعسكري‪.)81/80/1( ،‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪105‬‬
‫ويظهر أن الفقه يتميز عن التعقل والعلم بكونه يحمل معنى التعمق واإلدراك مع وجدان‬

‫يبعث على العمل‪ ،‬بينما التعقل يتميز عن العلم بالزجر عن الفعل‪ ،‬وأما العلم فال يشترط فيه الزجر‬
‫عن الفعل‪ ،‬وإنما هو المعرفة إجماالً وتفصيالً‪ ،‬وكل ذلك حاصل في القلب!!‬

‫إذ دلع هذه اآليات على أن القلب يتجلى فيه الفهم واإلدراك‪ ،‬وأن هناك علوم حاصلة في‬

‫القلب‪ ،‬ولذلك فإن اإلنسان إذا أنعم في الفكر أحس من قلبه ضيقاً أو نشراحاً‪ ،‬وفي هذا داللة على‬
‫أن القلب يعقل ويفقه‪ ،‬وإذا ثبع ذلك وجب أن يكون المكلف هو القلب؛ ألن التكليف مشروط بالعقل‬
‫والفهم‪ 1،‬وقد استعمل القرآن الكريم القلب فى مواضع كايرة‪ ،‬بمعنى دقة الفهم‪ ،‬والتعمق فى العلم‪،‬‬

‫ليترتب عليه أثره وهو االنتفاع به‪ ،‬ومن ثم نفاه عن الكفار والمنافقين ألنهم لم يدركوا كنهه المراد مما‬
‫نفى فقهه عنهم ففاتتهم المنفعة مع العلم المتمكن من النفس‪.2‬‬

‫وقد بينع اآليات الكريمة أن المقصود من القلب هو القلب الحقيقي الذي في الصدر‪ ،‬بقوله‪:‬ﭐ‬
‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌﱠ‪ 3‬فمعلوم أن القلوب‬

‫في الصدور‪ ،‬لكنه أراد أن يؤكد أن المراد هو القلب الحقيقي‪ ،‬حتى ال يظن أنه فقط القلب التفكيري‬

‫التعقلي‪ ،4‬ولكن يشير إلى دور القلب في بناء الرأي والفكر‪.‬‬

‫ول‪َ :‬س ِم ْع ُع‬ ‫ان ْب َن َب ِش ٍ‬


‫ير‪َ ،‬يُق ُ‬ ‫وبينع السنة النبوية دور القلب في سلوك اإلنسان‪ ،‬فعن ُّ‬
‫الن ْع َم َ‬
‫الج َسُد ُكُّل ُه‪َ ،‬وإِ َذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫َّللاِ َّ‬
‫صَل َح َ‬ ‫صَل َح ْع َ‬‫ض َغ ًة‪ :‬إ َذا َ‬ ‫ول‪" :‬أَالَ َوإِ َّن في َ‬
‫الج َسد ُم ْ‬ ‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َيُق ُ‬ ‫ول َّ َ‬ ‫َرُس َ‬
‫لج َسُد ُكُّل ُه‪ ،‬أَالَ َوِهي الَقْل ُب"‪ ،5‬يعلق ابن تيمية على الحديث قائالً‪" :‬القلب ملك البدن‪،‬‬ ‫َف َس َد ْت َف َس َد ا َ‬
‫َ‬
‫واألعضاء جنوده‪ ،‬فإذا طاب الملك طابع"‪.6‬‬

‫ينظر‪ :‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪.)531/24( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬المراغي‪ ،‬أحمد بن مصطفى (ت‪1371 :‬ه)‪ ،‬تفسير المراغي‪ ،‬شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأوالده‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬مصر‪( ،‬ط‪1365 /1‬ه‪1946-‬م)‪.)112/9( ،‬‬


‫(الحج‪)46 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬الشعراوي‪ ،‬تفسير الشعراوي – الخواطر‪.)9863 /16( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ 5‬متفق عليه‪ ،‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب فضل من استب أر لدينه‪ ،‬حديث رقم (‪ .)20/1( ،)52‬مسلم‪ ،‬صحيح‬
‫مسلم‪ ،‬كتاب المساقاة‪ ،‬باب أخذ الحالل وترك الشبهات‪ ،‬حديث رقم (‪.)1219 /3( ،)1599‬‬
‫ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم‪( ،‬ت‪728 :‬ه)‪ ،‬الفتاوى الكبرى‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫‪6‬‬

‫(ط‪1408 ،/1‬ه‪1987-‬م)‪.)213 /1( ،‬‬


‫‪106‬‬
‫ولكن على عبر سنوات عديدة درس علماء الغرب القلب من ناحية فسيولوجية‪ ،‬واعتبروه‬

‫مجرد مضخة للدم ال أكار‪ ،‬فاتخذ الماديون من قضية القلب منطلقاً للهجوم على الدين والتشكيك‬
‫فيه‪ ،‬حيث إن المفاهيم العلمية التي كانع سائدة كانع ترى أن جميع العمليات العقلية‪ ،‬والفكرية‪،‬‬
‫والسلوكية‪ ،‬والمشاعر‪ ،‬الذي يوجهها هو الدماغ‪ ،‬وليس القلب إال مضخة للدم‪ ،‬وهذا المفهوم مخالف‬

‫لقراءة النصوص في القرآن الكريم والسنة النبوية التي تعطي القلب موقعاً مركزياً سيادياً على فكر‬
‫اإلنسان‪ ،‬ومشاعره‪ ،‬بل وسلوكه‪ .‬ولكن في العقدين السابقين بدأ االكتشاف أن القلب أكار من مجرد‬
‫مضخة للدم‪ ،‬وأن العالقة بين القلب والعقل عالقة سيادية متبادلة‪ .‬حيث قام الدكتور "أندرو آرمر"‬

‫‪- Andrew Armour‬أحد مؤسسي علم أعصاب القلب‪ -‬في عام ‪ ،1994‬بمفاجأة العالم بقوله‪ :‬إن‬
‫للقلب جها اًز عصبياً خاصاً يستحق أن يدعى المخ الصغير‪ ،‬وهو يتكون من حوالي أربعين ألف خلية‬
‫عصبية‪ ،‬ويستخدم نفس الناقالت العصبية التي يستخدمها المخ‪ ،‬بل ويستطيع تنظيم أداء القلب‬
‫بمعزل عن الدماغ‪ ،‬وهذا ما يحدث بالفعل في المرضى الذين تجرى لهم عمليات نقل القلب‪ ،‬والتي‬
‫يتم فيها قطع األعصاب التي يتواصل بها المخ مع القلب‪.1‬‬

‫بل إن القلب يرسل للدماغ معلومات أكار من تلك التي يستقبلها منه‪ ،‬والقلب يخاطب المخ‬
‫وينسق معه جميع األنشطة‪ ،‬فكما ينشط المخ بمراكز ذاكرته وحسه بواسطة التعذية الراجعة عبر‬
‫الشبكات العصبية الدموية‪ ،‬فكذلك الحال بالقلب الذي يعمل كجهاز تخزين للمعلومات والذكريات‪،‬‬
‫عن طريق التعذية الراجعة‪ ،‬عبر كل من األعصاب‪ ،‬والدم‪ ،‬وهذا ما يؤكده البروفسور "جاري شوارتس"‬
‫‪-‬والدكتورة "ليندا روسيك"‪ ،‬ويؤكد أطباء القلب في جامعة "ييل" األميركية‪ ،‬ومعهد "هارتمن" ‪-‬بوالية‬
‫"كاليفورنيا"‪ -‬بأن القلب أكار أجزاء الجسم تعقيداً‪ ،‬وأكارها دقة وغموضاً‪ ،‬وأنه يتحكم في المخ أكار‬
‫مما يتحكم المخ فيه‪ ،‬ويرسل إليه من المعلومات أضعاف ما يتلقى منه‪ ،‬وللقلب القدرة على التفكير‪،‬‬

‫واالنفعال‪ ،‬والشعور‪ ،‬والعاطفة‪ ،‬وتخزين المعلومات القريبة والبعيدة في ذاكرة تشبه ذاكرة المخ"‪ ،2‬هذا‬
‫يعني أن القلب يهيمن على العقل أكار مما يهيمن العقل على القلب‪.‬‬

‫ينظر‪ :‬د‪ .‬فتحي‪ ،‬وليد أحمد‪ ،‬برنامج ومحياي‪ ،2‬حلقة رقم (‪ ،)21‬بعنوان‪ :‬قلوب يعقلون بها‪ ،‬منشورة على اليوتيوب على قناة‬ ‫‪1‬‬

‫ومحياي‪ ،2‬تم نشره في ‪ ،2014/7/19‬على الرابط‪https://www. youtube. com/watch?v=vjIpf5g_2Uw :‬‬


‫‪ 2‬فتحي‪ ،‬وليد أحمد‪ ،‬برنامج ومحياي‪ ،2‬حلقة رقم (‪ ،)21‬بعنوان‪ :‬قلوب يعقلون بها‪ ،‬منشورة على اليوتيوب على قناة ومحياي‪،2‬‬
‫تم نشره في ‪ ،2014/7/19‬على الرابط‪https://www. youtube. com/watch?v=vjIpf5g_2Uw :‬‬
‫‪107‬‬
‫"وقد قام البروفسور "جيري شوارتز"‪ ،‬وزمالؤه في جامعة "ييل"‪ ،‬بأبحاث ا‬
‫ودرسات دقيقة‬

‫ضمع أكار من ثالثمئة حالة زراعة قلب‪ ،‬فاتضح لهم أنه عند نقل قلب من إنسان إلى إنسان آخر‪،‬‬
‫فإن القلب المنقول يأخذ معه من الذكريات‪ ،‬والمواهب‪ ،‬والعواطف‪ ،‬والمشاعر‪ ،‬والهوايات‪ ،‬وتفاصيل‬
‫حياة الشخص الذي اخذ منه القلب‪ ،‬والتي تبدو غريبة كل الغرابة عن صفات الشخص الذي تم نقل‬

‫القلب إليه!"‪.1‬‬

‫"بل ويتحدث العلماء اليوم جدياًّ عن دماغ موجود في القلب يتألف من ‪ 40000‬خلية‬
‫عصبية‪ ،‬أي أن ما نسميه "العقل" موجود في مركز القلب‪ ،‬وهو الذي يقوم بتوجيه الدماغ ألداء‬

‫مهامه‪ ...‬بل ويتحدث الباحاون عن دور القلب في التعلم‪ ،‬وهذا يعتبر من أحدث األبحاث التي‬
‫نشرت مؤخ اًر‪ ،‬ولذلك فإن للقلب دو اًر مهماً في العلم والتعلم ألن القلب يؤثر على خاليا الدماغ‬
‫ويوجهها‪ ...‬إذ يؤكد العلماء أن كل خلية من خاليا القلب تشكل مستودعاً للمعلومات واألحدث‪،‬‬
‫ولذلك بدأوا يتحدثون عن ذاكرة القلب‪ ...‬بل تؤكد التجارب الجديدة أن مركز الكذب هو في منطقة‬
‫الناصية في أعلى ومقدمة الدماغ‪ ،‬وأن هذه المنطقة تنشط بشكل كبير أثناء الكذب‪ ،‬أما المعلومات‬
‫التي يختزنها القلب فهي معلومات حقيقية صادقة‪ ،‬وهكذا فإن اإلنسان عندما يكذب بلسانه‪ ،‬فإنه‬
‫يقول عكس ما يختزنه قلبه من معلومات‪ ،‬ولذلك قال تعالى‪ :‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﱝ ﱞ ﱟ‬
‫ﱭﱠ ‪2‬‬
‫ﱮ‬ ‫ﱦﱨﱩﱪﱫﱬ‬
‫ﱠﱡﱢﱣﱤﱥ ﱧ‬

‫فاللسان هنا يتحرك بأمر من الناصية في الدماغ‪ ،‬ولذلك وصف هللا هذه الناصية بأنها"‪:3‬‬
‫ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱠﭐ‪ ،4‬ويقول "ابن القيم"‪" :‬الصواب أن العقل مبدؤه ومنشؤه في‬

‫القلب ومسرعه وثمرته في الرأس"‪.5‬‬

‫فتيحي‪ ،‬المرجع السابق‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(الفتح‪.)11 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫الكحيل‪ ،‬عبد الدائم‪ ،‬ملخص بحث بعنوان‪ :‬قلوب يعقلون بها‪ ،‬موقع موسوعة اإلعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة‪ ،‬تم‬ ‫‪3‬‬

‫النشر على الرابط‪/http://quran-m. com/quran/article/2335 :‬‬


‫(العلق‪.)16 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن القيم‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين الجوزية (ت‪751 :‬ه)‪ ،‬مفتاح دار السعادة ومنشور وًلية العلم‬ ‫‪5‬‬

‫واإلرادة‪ ،‬دار الكتب العلمية –بيروت‪.)195 /1( ،‬‬


‫‪108‬‬
‫ُيستنتج مما سبق أن القلب تكمن فيه المعلومات والمشاعر وبوصلة السلوك‪ ،‬هذا يعني أن‬

‫القلب ليس مصد اًر للمعرفة فحسب‪ ،‬بل هو أيضاً المحرك الناتج من المعرفة؛ أي محرك السلوك‪،‬‬
‫وبالتالي فإن القلب هو الذي يحدد مصير اإلنسان في آخرته‪ ،‬ففيه يكمن الصالح‪ :‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﱚ‬

‫ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱠ‪ ،1‬ويقول سبحانه‪:‬ﭐﱡﭐﳈ ﳉ ﳊ‬

‫ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏﳐﱠ‪ 2‬فأخبر أن االنتفاع بكالم هللا واإلنذار به إنما يحصل لمن هو‬
‫حي القلب‪ ،‬كما قال فى موضع آخر‪:‬ﭐﱡﭐﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ‬

‫ﱜ ﱝ ﱞﱠ‪ 3‬ويقول تعالى‪:‬ﭐﱡﭐﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ‬

‫ﲲ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽﲾﱠ‪ 4‬وفيه أيضاً‬


‫ﲳ‬

‫ﱸ ﱠ‪ 5‬لذلك إذا أراد هللا باإلنسان‬


‫ﱹ‬ ‫يكمن الفساد‪ :‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ‬

‫ﱕ‬ ‫ﱔ‬ ‫الخير وحسن المعرفة وصالح السلوك‪ ،‬يهد قلبه‪ :‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ‬

‫ﱚ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﱠﱠ‪ 6‬وإذا أردا به الفتنة وفساد السلوك‬


‫ﱛ‬ ‫ﱖﱗﱘﱙ‬
‫يطبع على قلبه‪ :‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ‬

‫ﲳ ﲴ ﲵﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﱠﭐ‪ ،7‬ويقول سبحانه‪ :‬ﭐﱡﲔ ﲕ ﲖ ﲗ‬

‫ﲘ ﲙ ﲚﲛﱠ‪ ،8‬هذا يقود إلى أنه ال بد أن يكون القلب حياً بالوحي ومنضبطاً به‪ ،‬كي‬

‫يصلح أن يكون مصد اًر صالحاً معتب اًر‪ ،‬فإذا كانع األم تكافئ طفلها باستمرار كلما سرق ماالً لشراء‬
‫الطعام‪ ،‬فإن الطفل قد يحب السرقة ويميل إليها‪ ،‬فهل يصلح هنا جعل ميول الطفل للسرقة أم اًر معتب اًر‬
‫وجب األخذ به ومراعاته في مصادر المعرفة؟!‪ .‬إن مجرد ميول المتعلم إلى شيء ما‪ ،‬ال يكفي اعتباره‬
‫مصد اًر للمعارف‪ ،‬ولما تكون ثقافة المجتمع ترفض قضية السرقة وتعاقب عليها حتى لو كان ألسباب‬

‫(الشعراء‪.)89 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(يس‪)70 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(ق‪)37 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(األنفال‪.)24 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(البقرة‪.)10 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(التغابن‪.)11 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(التغابن‪.)16 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫(التوبة‪.)127 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪109‬‬
‫شريفة كالحصول على الطعام‪ ،‬هذا بدوره سيؤدي إلى تناقض في المصادر لتناقض طبيعة ميول‬

‫األفراد مع ميول المجتمع‪.‬‬

‫ثم إذا كان حق القلب أن يعلم الحق‪ ،‬فإن هللا هو الحق المبين‪ :‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﳇ ﳈ‬

‫ﳐ ﳒ ﳓﳔ ﱠ‪ 1‬فكل ما يقع عليه لمحة ناظر‪ ،‬ويحول‬


‫ﳑ‬ ‫ﳊﳌﳍﳎﳏ‬
‫ﳋ‬ ‫ﳉ‬

‫في لفتة خاطر‪ ،‬ويتجلى فيه علم عالم‪ ،‬فاهلل ربه‪ ،‬ومنشئه‪ ،‬وفاطره‪ ،‬ومبدئه‪ ،‬ال يحيط علماً ومعرفة‬

‫إال بما هو من آياته البينة في أرضه وسمائه‪ ،2‬فلعل من أسباب االهمال المتعمد للقلب هو أن‬
‫الوصول إلى كينونته واالهتمام بمقتضياته سيؤدي في نهاية المطاف إلى الوصول إلى هللا جل‬
‫جالله‪ ،‬واإلذعان لحقيقة أن القلوب تحيا وتسعد باإليمان به‪.‬‬

‫وقد عقد مؤتمر في المملكة السعودية ‪-‬في مدينة اإلحساء‪ ،‬وممن شارك فيه د‪ .‬زغلول‬
‫النجار‪ ،3‬وعدد من علماء المعهد األمريكي " معهد القلب والرياضيات‪:"Heart math institute :‬‬
‫ويقول الدكتور زغلول النجار‪" :‬وهللا اهتزوا قلباً وعقالً حينما عرضنا عليهم اآليات القرآنية واألحاديث‬
‫التي تتحدث عن القلب وقالوا نحن وصلنا إلى هذه النتائج بعد أن أنفقنا ماليين الدوالرات وقمنا بآالف‬
‫القياسات وصممنا كمبيوترات خاصة لقياس القلب فابع لنا أن الغشاء المحيط بالقلب به من الخاليا‬
‫العصبية ما يفوق ما هو موجود في المخ‪ ،‬وأن القلب هو سيد وملك األعضاء‪ ،‬وهو الجهاز المهمين‬

‫على كل شيء‪ ،‬وحينما سمعوا آيات القلب‪ ،‬وقف كل واحد من العلماء يقول وهللا رئيسهم يقول أنا‬
‫ملحد ولكني أغبطكم أن لكم دين اسمه اإلسالم وأن لديكم كتاب اسمه القرآن وعندكم نبي اسمه‬
‫محمد‪ ،‬أتمنى أن ينشرح صدري يوماً ألقبل هذا الدين‪ ،‬دين اللين"‪.4‬‬

‫(يونس‪.)32 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم بن عبد هللا بن أبي القاسم بن محمد الحراني‬ ‫‪2‬‬

‫الحنبلي الدمشقي (ت‪728 :‬ه)‪ ،‬الفتاوى الكبرى‪ ،‬دار الكتب العلمية‪( ،‬ط‪1408 /1‬ه‪1987-‬م)‪.)52/5( ،‬‬
‫زغلول راغب محمد النجار‪ ،‬هو داعية إسالمي يركز على اإلعجاز العلمي في النصوص المقدسة اإلسالمية‪ ،‬فهو عالم‬ ‫‪3‬‬

‫وك ِرم بالحصول على جائزة‬


‫جيولوجيا مصري‪ ،‬درس في كلية العلوم جامعة القاهرة وتخرج منها سنة ‪1955‬م بمرتبة الشرف‪ُ ،‬‬
‫الدكتور مصطفى بركة في علوم األرض‪ ،‬زميل الجامعة العالمية للعلوم اإلسالمية وعضو مجلس إدارتها‪ ،‬وأحد مؤسسي الهيئة‬
‫العالمية لإلعجاز العلمي في القرآن والسنة‪ .‬موقع وكيبيديا ‪ar. wikipedia. org/wiki‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬زغلول النجار‪ ،‬برنامج أفال يعقلون‪ ،‬حلقة رقم ‪ ،7‬تم نشره في ‪2015‬م‪،‬‬
‫‪https://www. youtube. com/user/muhammedalkin‬‬
‫‪110‬‬
‫والخالصة أن إهمال العوامل الداخلية هو إهمال للذات اإلنسانية‪ ،‬وتهميش لجوهرها وحقيقتها‪،‬‬

‫ألن في ذلك تهميش لدور العقل والقلب‪ ،‬وأن اإلسالم يضبط ويوجه اإلنسانية إلى السلوك السليم‪ ،‬إذ‬
‫يربي العقل والقلب على نحو يرتقي باإلنسان إلى خيري الدنيا واآلخرة‪" ،‬وهذا أمر تفتقر إليه نظم‬
‫التربية المعاصرة‪ ،‬وثمرة هذا التكامل هي الاقافة الكاملة المتكاملة‪ ،‬التي تحقق التوازن بين عقل‬

‫المتعلم ونفسه وجسده وتنسق مهاراته في هذه الميادين‪ ،‬بعكس األزمة التي تعاني منها التربية‬
‫المعاصرة وهي االقتصار على جزء من الجانب العقلي والحكمة العملية"‪.1‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التعزيز‬

‫يميل اإلنسان بفطرته إلى التدعيم‪ ،‬والتشجيع‪ ،‬إذ يعزز روح االستم اررية والابات على الفعل‪،‬‬
‫ويعزز القيام بالفعل المطلوب‪ ،‬ومن هنا أُطلق على عميلة التدعيم اسم التعزيز‪.‬‬

‫إذ للتعزيز وظيفة تحفيزية تسهم في تحقيق الموعود به عند القيام بالفعل‪ ،‬وفي استاارة فاعلية‬
‫القيام بالسلوك المطلوب‪ ،‬مما يؤدي إلى اإلنجاز وفق المطلوب‪ ،‬خاصة وأن حافزية الاواب ترجع‬
‫إلى كونها مرتبطة بالفطرة‪ ،‬فاإلنسان بفطرته يميل إلى الاواب‪ ،‬وهذا بدوره يؤدي إلى قيامه بما يؤدي‬
‫إلى كسب الاواب‪.2‬‬

‫والحقيقة أن للتشجيع دو اًر فاعالً في تمتع األمم‪ ،‬إذ يشكل مقياساً من مقاييس التحضر‪،‬‬
‫فالمجتمعات كلما تحضرت أكار‪ ،‬قدرت المواهب والصواب أكار‪ ،‬وشجعع أصحابها‪ ،‬وقدمع لهم‬
‫الدعم المادي والمعنوي‪ ،‬والعكس صحيح؛ فاألمم المتخلفة ال ياير دهشتها شيء‪ ،‬بل ال ترى أسرار‬
‫العظمة في أي شيء عظيم!‪.3‬‬

‫ويعد التعزيز من أبرز سمات المدرسة السلوكية‪ ،‬وهذا يعود إلى اهتمام المدرسة بدراسة‬
‫السلوك‪ ،‬ذلك أن التعزيز يسهم في زيادة احتمالية حدوث السلوك وتك ارره‪ ،‬فمن خالله يتم ضبط‬

‫السلوك والتحكم به وفق النظرية السلوكية‪.‬‬

‫الكيالني‪ ،‬تطور مفهوم النظرية التربوية‪ ،‬ص‪.55 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬د‪ .‬الدوري‪ ،‬أيمن جاسم‪ ،‬المنهج التحفيزي في ضوء للسنة النبوية‪ ،‬جامعة قطر‪ ،‬كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫مجلة كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية‪ ،‬نصف سنوية ‪-‬علمية محكمة‪ ،‬المجلد‪ ،31 :‬العدد‪2013 ،2 :‬م‪ ،‬ص‪.84 :‬‬
‫بكار‪ ،‬عبد الكريم‪ ،‬القواعد العشر في تربية األبناء‪ ،‬دار وجوه للنشر والتوزيع ‪-‬الرياض‪( ،‬ط‪2011 ،4‬م)‪ ،‬ص‪.76 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪111‬‬
‫وأهم المحاور التي تناولتها المدرسة السلوكية في موضوع التعزيز‪:‬‬

‫أوًلا‪ :‬الهدف من التعزيز‬

‫ترى المدرسة السلوكية أن التعزيز هو‪" :‬شكل من أشكال المكافأة‪ ،‬يؤدي إلى تقوية السلوك‬
‫الذي يسبقه‪ ،‬وإلى زيادة تكرار هذا السلوك واستم ارريته"‪ ،1‬هذا يعني أنه أي حدث يقوي الميل لتكرار‬

‫االستجابة‪ ،‬يسمى تعزي اًز‪ ،‬وعندها قال "سكنر" أن التعزيز يزيد من احتمالية حدوث االستجابة وتكرارها‪،‬‬
‫وسمى هذه العملية باإلشراط اإليجابي‪ ،2‬و ِ‬
‫المعزز هو "الحدث الذي يزيد حدوثه من تكرار السلوك‬
‫َّ‬
‫المعزز"‪.3‬‬ ‫الذي يسبق‬

‫يتبين أن الهدف من التعزيز هو تكرار حدوث السلوك المرغوب به‪ ،‬للمحافظة عليه‬
‫واستمراريته‪ ،‬وكذلك اكتساب سلوكيات جديدة مرغوب بها‪ ،‬فمن خالل التجارب التي أجرتها‬
‫المدرسة السلوكية على الحيوان‪ ،‬وذلك بتعزيز الحيوان كلما فعل السلوك المطلوب‪ ،‬ثم مالحظة‬
‫وتسجيل النتائج للخروج بتفسيرات محددة لعملية التعلم‪ ،‬مال تعليم الحمامة الضغط على زر‪ ،‬عن‬
‫طريق تعزيزها بالطعام كلما ضغطع على ذلك الزر‪.4‬‬

‫في الوقع ذاته فإن المدرسة السلوكية لم تهتم بقضية الهدف من تكرار السلوك المرغوب‪،‬‬

‫أي لماذا يقوم المعزز بعملية التعزيز؟ إذ يقتصر "سكنر" على الهدف األولي وهو تقوية االستجابة‪،‬‬
‫بينما "دوالرد" و"ميلر" فإن هذا من منظورهما ليس الهدف النهائي لالستجابة‪ ،‬إذ يتحقق مال هذا‬
‫التعزيز من خالل خفض الدافع‪ ،‬ألن إزالة التوتر الناشئ بفعل هذا الدافع هو الهدف في حد ذاته‪،5‬‬
‫فهما يفترضان أن التعزيز ينتج عن خفض (الدافع)‪ ،6‬حيث إن االستجابة موجهة أصالً إلى تخفيض‬

‫عسكر‪ ،‬علي‪ ،‬والقنطار‪ ،‬فايز‪ ،‬مدخل الى علم النفس التربوي التربية من منظور نفسي‪ ،‬ص‪.190 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬دروزة‪ ،‬أفنان‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬دار الفاروق ‪-‬فلسطين‪( ،‬ط‪1/2014‬م)‪ ،‬ص‪ ،103 :‬وينظر‪ :‬عبد الكريم‪ ،‬زينب‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫علم النفس التربوي‪ ،‬دار أسامة للنشر والتوزيع ‪-‬عمان‪2009 ،‬م‪ ،‬ص‪144 :‬‬
‫كالين‪ ،‬ستيفن‪ ،‬التعلم مبادئه وتطبيقاته‪ ،‬ص ‪81‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 4‬ينظر‪ :‬األنصاري‪ ،‬األسس النفسية واًلجتماعية للتعلم التعلم التجريبي‪ ،‬ص‪ ،187-186 :‬وينظر‪ :‬عسكر‪ ،‬والقنطار‪ ،‬مدخل‬
‫الى علم النفس التربوي التربية من منظور نفسي‪ ،‬ص‪180-179 :‬‬
‫ينظر‪ :‬زغلول‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬ص‪ ،238-237:‬وينظر‪ :‬عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.585 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫ماير قوي يجبر العضوية على التحرك والعمل‪ ،‬فهو حالة استشارة تدفع الكائن الحي الى القيام بسلوك ما‪ ،‬زعلول‪ ،‬نظريات‬ ‫‪6‬‬

‫التعلم‪ ،‬ص‪.126 :‬‬


‫‪112‬‬
‫التوتر الناشئ عن ذلك الدافع‪ ،‬وليس إلى تحقيق مكافأة أو تعزيز‪ ،‬ومن هنا فهما يعتبران أن الدافع‬

‫هو المحرك األساسي للسلوك‪ ،1‬وينقل "عبد الرحمن" عنهما قولهما‪" :‬نحن نفترض أن االختزال‬
‫المفاجئ لدافع قوي بكون بماابة تعزيز جيد‪ ،‬ولسنا في حاجة إلى االفتراضات المايرة للجدل القائل‬
‫بأن كل التعزيزات تقع بالطريقة نفسها‪ ...‬بل إنه اذا لم يكن الدافع نشطاً فإنه من المحال أن يحدث‬

‫التعزيز ومن ثم التعلم"‪.2‬‬

‫إال أنه عندما يقف سلم هدف التعزيز على تكرار السلوك‪ ،‬تقف عندها سعة الوصول‪ ،‬وهذا‬
‫بدوره يؤدي إلى انحطاط عملية التعزيز على هاوية تكرار السلوك‪ ،‬في ظل مخالفة اإلنسان المفكر‬

‫لطبعه البشري حين يتساءل‪ :‬لماذا نكرر السلوك؟ ما الهدف من استم اررية السلوك المرغوب به؟ هذا‬
‫يعني أن جهالة المغزى من تكرار السلوك المرغوب به سيؤدي إلى خلق شقاق بين المربي والطالب‪،‬‬
‫فتعزيز الطفل على االنصات للمعلم ‪-‬بهدف تكرار ذلك السلوك‪ -‬لن يجدي نفعاً إذا كان مراد الطفل‬
‫وهدفه هو اللعب واالستمتاع بالحديث خالل الدرس أشد من اهتمامه وهدفه من احترام المعلم‪ ،‬فسلم‬
‫الفكر ‪-‬واإلنسان بشكل عام‪ -‬ال يقف على تكرار السلوك‪ ،‬وتساؤالت الهدف من تكرار السلوك دليل‬
‫على ذلك‪ ،‬هذا يقود إلى أن جزئية األهداف تحتاج إلى هدف واحد سا ٍم متفق عليه يوجهها التوجيه‬
‫السليم‪ ،‬فإذا تعارضع مع ذلك الهدف السامي ال يؤخذ بها‪.‬‬

‫وهل هدف تكرار السلوك المرغوب به أمر حسن في كل حال؟ فهل يحسن تكرار طاعة‬
‫األب إذا أمر ابنه بضرب أخيه الصغير المخطئ؟ إن عدم صالح تكرار الفعل المرغوب في كل‬
‫حال‪ ،‬يعني ضرورة وجود ميزان للسلوك‪ ،‬وهذا الذي تفتقر إليه المدرسة السلوكية‪ ،‬مما يفقد التعزيز‬
‫قيمته وهدفه‪ ،‬ليؤدي فيما بعد إلى هشاشة المسيرة التربوية نتيجة الضطراب في تحقيق الهدف‪.‬‬

‫وهذا يؤدي أيضاً إلى سعي الطفل نحو تحقيق مطامعه ورغباته حتى لو كان ذلك على‬

‫حساب اآلخرين‪ ،‬لينتج عن ذلك طفل أناني وعدواني‪ ،‬والسبب الراجع إلى ذلك هو النظرة اإللحادية‬
‫التي تفصل الدين عن التربية عندما فصلع الحياة اآلخرة ومقاييسها الاابتة عن الحياة الدنيا الزائلة‬
‫المتقلبة‪ ،‬لتقتصر في أهدافها على سقف الدنيا‪.‬‬

‫ينظر‪ :‬زعلول‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬ص‪.126 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.595 /593:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪113‬‬
‫وال شك أن السبيل الوحيد للوصول إلى الهدف األعظم هو اإلسالم‪ ،‬فالذي يميز المدرسة‬

‫اإلسالمية عن باقي المدارس األخرى‪ ،‬انها تملك هدفاً فوق كل األهداف الجزئية‪ ،‬وهو طاعة هللا عز‬
‫وجل‪ ،‬ومقياساً واضحاً يوحد العملية التربوية‪ ،‬لذلك كان أول ما تعلموه تعلموه الصحابة هو اإليمان‪،‬‬
‫فإذا خرج السلوك عن مقتضيات اإليمان باهلل‪ ،‬يتم تقويمه بما يحقق ذلك الهدف‪ ،‬فعن ُج ْنُد ِب ْب ِن َع ْبِد‬

‫َّللاِ قال‪ُ " :‬كنَّا مع نبيِّنا صلَّى هللاُ عليه وسلَّم فِتيانًا حزا ِورة ً‪ 1‬فتعلَّ ْمنا اإليمان قبل أ ْن نتعلَّم القرآن‪ ،‬ثم‬
‫َّ‬

‫تعلَّ ْمنا القرآن فنزدا ُد به إيمانًا"‪.2‬‬

‫لذلك فإن التعزيز األسمى في المدرسة اإلسالمية هو دخول الجنة‪ ،‬والتي ألجلها نسعى إلى‬

‫ال َج ِارَيتَ ْي ِن‬ ‫ِ َّ‬ ‫س ب ِن مالِ ٍك‪َ ،‬قال‪َ :‬قال رسول هللاِ َّ‬ ‫ِ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪َ " :‬م ْن َع َ‬‫َ‬ ‫َ َ َُ ُ‬ ‫تحقيق أهدافها‪َ ،‬ع ْن أ ََن ْ َ‬
‫َصاِب َع ُه ‪" ،3‬ومعنى عالهما قام عليهما بالمؤنة والتربية‬ ‫حتَّى تبُلغا‪ ،‬جاء يوم اْل ِقي ِ‬
‫ض َّم أ َ‬
‫امة أ ََنا َو ُه َو" َو َ‬
‫َ َْ َ َ َ َ ْ َ َ َ‬
‫ونحوهما"‪ ،4‬فاإلحسان إلى البنات يستر من النار‪ ،5‬بل وسعى اإلسالم من خالل هذا الحديث إلى‬
‫تربية المربي عبر توجيهه السليم بإرشاده إلى حسن رعاية البنات‪ ،‬لتكتمل المسيرة التربوية‪ ،‬وفي ذلك‬
‫إعانة للمربي على تحقيق األهداف السامية‪.‬‬

‫فاإلسالم يوجه اإلنسان نحو الهدف األعلى من التعزيز‪ ،‬والذي به يحكم على األهداف‬

‫األخرى‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الحتمية‬

‫نظ اًر الهتمام المدرسة السلوكية بظاهر السلوك‪ ،‬وبما يتعلق به من استجابات ومايرات‪ ،‬فإنها‬
‫تؤمن بحتمية العالقة التي بين الماير واالستجابة‪.‬‬

‫جمع حزور وهو الذي قارب البلوغ‪ .‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.)4/187( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬سنن ابن ماجة‪ ،‬باب اإليمان‪ ،‬حديث رقم (‪ ،)1/25( ،)61‬قال محمد فؤاد عبد الباقي‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬وقال البوصيري‪ :‬هذا‬
‫إسناد صحيح رجاله ثقات‪.‬‬
‫صحيح مسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة‪ ،‬باب (‪ )46‬فضل اإلحسان إلى البنات‪ ،‬رقم (‪.)2027 /4( ،)2631‬‬ ‫‪3‬‬

‫النووي‪ ،‬المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج‪ ،‬أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف (ت‪676 :‬ه)‪ ،‬دار إحياء التراث‬ ‫‪4‬‬

‫العربي –بيروت‪( ،‬ط‪1392 /2‬ه)‪.)180 /16( ،‬‬


‫ينظر‪ :‬الشين‪ ،‬فتح المنعم شرح صحيح مسلم‪ ،‬موسى شاهين‪ ،‬دار الشروق‪( ،‬ط‪1423 /1‬ه‪2002-‬م)‪.)132/10( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪114‬‬
‫وبيان ذلك أن سلوك اإلنسان يتحدد من وجهة نظر "سكنر" من خالل تاريخه اإلشراطي‪،‬‬

‫فاالستجابات الناجحة هي التي تعزز‪ ،‬بينما الفاشلة هي التي تُمحى وتختفي‪ ،‬واإلنسان يجري تغيرات‬
‫على بيئته ويتفاعل معها ليحصل على النتائج التي يريدها‪ ،‬فالسلوك في البداية يكون تلقائياً‪ ،‬إال أن‬
‫نتيجة السلوك هي التي تقرر فيما إذا كان سيكرر السلوك أم ال‪ ،‬ذلك أن السلوك محكوم بنتائجه‪،‬‬

‫فإن كانع النتيجة إيجابية كرر الكائن الحي السلوك‪ ،‬وإن كانع النتيجة سلبية ضعف سلوكه وتوقف‪،‬‬
‫وهكذا يتم تشكيل سلوك الطفل ‪-‬في نظر "سكنر"‪ -‬في نمط يحدد اتجاه الخبرات الشرطية‪ 1،‬إذ "تحدد‬
‫البيئة االستجابة اإلجرائية الضرورية إلنتاج التعزيز"‪.2‬‬

‫ولدراسة أثر التعزيز على اكتساب سلوكيات مرغوبة‪ ،‬قام " سكنر" بوضع فأر في صندوق‬

‫يحتوي على إناء للطعام‪ ،‬ورافعة متصلة مخزون الطعام‪ ،‬إذا ضغط عليه الحيوان تسقط له كرة‬
‫صغيرة من الطعام‪ ،‬كما يتم تسجيل عدد مرات الضغط على الرافعة وضبط تقديم المكافأة (الطعام)‪،‬‬
‫وتبين أن التعزيزات األولى لم تكن ذات فائدة كبيرة في بداية التجربة‪ ،‬إال أنه بعد المحاولة الرابعة‬
‫أصبح معدل االستجابة سريعاً‪ ،‬عندئذ يمكن القول بحدوث التعلم الشرطي اإلجرائي‪ ،‬إذ يتجه الحيوان‬
‫مباشرة للضغط على الذراع في كل مرة يرغب في الحصول على الطعام‪ ،‬وفي خطوة أخرى يمكن‬
‫فصل مخزن الطعام وتوقف التدعيم‪ ،‬وعندها الحظ أن تكرار مرات الضغط على الذراع المعدني يبدأ‬
‫في التناقص تدريجياً إلى أن يختفي‪ ،‬أي أنه يحدث انطفاء االستجابة نتيجة توقف التدعيم‪ ،‬ويمكن‬
‫في هذه الحالة تعليم الفأر التمييز‪ ،‬وذلك بأن يقدم له الطعام عندما يضغط على الذراع عند اضاءة‬
‫الصندوق فقط‪ ،‬وال يقدم التدعيم في حالة عدم االضاءة ‪.3‬‬

‫"ويتفق "دوالرد" و"ميلر" مع كل من "بافلوف" و"سكنر" بأن أغلب االستجابات المتعلمة‬


‫والدوافع المكتسبة التي تتكرر دون أن يتبعها تعزيز‪ ،‬سوف تتالشى عادة (تنطفئ)‪ ،‬فالتعزيز ليس‬

‫ضرورياً فقط الكتساب السلوك‪ ،‬ولكن أيضاً لإلبقاء عليه"‪.4‬‬

‫ينظر‪ :‬دروزة‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬ص‪103 :‬ت وينظر‪ :‬عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.528 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫كالين‪ ،‬ستيفن‪ ،‬التعلم مبادئه وتطبيقاته‪ ،‬ص‪.81‬‬ ‫‪2‬‬

‫عسكر‪ ،‬والقنطار‪ ،‬مدخل الى علم النفس التربوي التربية من منظور نفسي‪ ،‬ص‪ ،190-189:‬وينظر‪ :‬األنصاري‪ ،‬األسس‬ ‫‪3‬‬

‫النفسية واًلجتماعية للتعلم‪ ،‬ص‪.189-186:‬‬


‫عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.595 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪115‬‬
‫وفي نظر "باندورا" أيضاً أنه" إذا أراد الناس أن يعيدوا تركيب بيئاتهم لكي يشكلوا سلوكهم‬

‫في االتجاه المرغوب‪ ،‬فعليهم أن يحددوا صو اًر وأشكاال للمكافأة والعقاب في بيئاتهم‪ ،‬وحيث أن السلوك‬
‫يتم ضبطه من خالل نتائجه‪ ،‬فإن على الفرد أن ينظم هذه النتائج سلفاً ليحقق التغير المرغوب في‬
‫السلوك"‪.1‬‬

‫ال شك أن اإلنسان بفطرته يميل إلى أن َّ‬


‫تعزز تصرفاته‪ ،‬وهذا بدوره يشكل دافعاً لتكرار‬
‫السلوك الذي َّ‬
‫يعزز بسببه‪ ،‬لذلك يالحظ أن القرآن الكريم ال يكاد يذكر أم اًر من األوامر إال ويبنيه‬
‫على تعزيز الجنة‪ ،‬ورضا هللا‪ ،‬والطمأنينة في الدارين‪ ،‬إال أن هذا ال يعني أن اإلنسان يكرر كل ما‬
‫تم تعزيزه‪ ،‬وإال لدخل كل الناس في اإلسالم بسبب تعزيز الجنة‪ ،‬هذا يشير إلى وجود عوامل أقوى‬

‫من التعزيز صرفع اإلنسان عن تكرار السلوك‪ ،‬وأهمها إيمان اإلنسان بعدم صحة السلوك‪ ،‬وكرهه‬
‫ِ‬
‫المعزز‪ ،‬وقلة إرادته للطاعة‪ ،‬أو يقينه بأن السلوك خاطئاً أو يشكل خط اًر‪ ...‬فلو تعرض طفل‬ ‫لطاعة‬
‫للحرق نتيجة القترابه من المدفئة‪ ،‬هل سيؤدي تعزيز ذلك السلوك إلى تكرار اقترابه من المدفئة؟!‬
‫سيكون االحتمال ضئيالً جداً‪ ،‬ألن شعوره باأللم أعمق وأشد من ميله للتعزيز‪ ،‬فلو أن تصرفاتنا‬
‫مرهونة ومحكومة بنتائجها لكان الناس تروح حيث الرياح‪ ،‬ولكانع كالحيوانات والبهائم التي تعجز‬
‫عن التفكير والتخطيط البناء‪ ،‬وتوجيه ميولها ورغباتها بما يحقق مصالحها‪ ،‬فهي كالحمامة تأكل‬
‫لمجرد التعزيز‪ ،‬بصرف النظر عن مصالحها ورغباتها وتفكيرها!! وألدى إلى معالجة كافة مشاكل‬
‫المجتمعات وصراعاتها بمجرد التعزيز‪ ،‬فلماذا يكرر الطفل ‪-‬والناس عامة‪ -‬أفعاالً لم يعززوا عليها؟‬
‫بل لماذا ال يكرر بعض األطفال سلوكيات ي َّ‬
‫عززوا عليها باستمرار؟ كتعزيزهم على التفوق في المدرسة‪،‬‬
‫أال يدل ذلك على وجود عوامل أخرى تلعب دو اًر هاماً في التحكم في السلوك؟‬

‫ال يعني ذلك التقليل من أهمية التعزيز‪ ،‬بل إنه "ينبغي مكافأة الطفل على إجادته القيام‬

‫بالعمل مما يبعث في نفسه جانباً من االرتياح الوجداني"‪ ،2‬و"كلما ظهر من الصبي خلق جميل وفعل‬
‫محمود فينبغي أن يكرم عليه"‪ 3‬ذلك أن "الترغيب يعلمه عادات وسلوكيات تستمر معه ويصعب عليه‬

‫عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.663 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشريدة‪ ،‬محمد حافظ‪ ،‬البيطار‪ ،‬ليلى‪ ،‬رعاية الطفولة المبكرة في ضوء المنهج اإلسالمي‪ ،‬دار المناهج للنشر والتوزيع‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬عمان‪( ،‬ط‪1/2014‬م)‪ ،‬ص ‪.144‬‬


‫الغزالي‪ ،‬إحياء علوم الدين‪.)3/73( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪116‬‬
‫تركها"‪ ،1‬فالنبي عليه الصالة والسالم ال يكاد يرى سلوكاً صحيحاً ‪-‬خاصة من األطفال‪ -‬إال ويعززهم‬

‫عليه‪ ،‬لكن تكرار ذلك السلوك الصحيح لم يكن لمجرد التعزيز‪ ،‬وإنما لوجود عوامل ذاتية‪ ،‬كحبه‬
‫للمعلم وطاعته‪ ،‬وإيمانه بصحة السلوك‪ ...‬بل إن النبي عليه الصالة والسالم كان يقابل السلوك غير‬
‫المرغوب فيه بالتعزيز‪ ،‬دون أن يتسبب ذلك بتكرار ذلك السلوك رغم تعزيزه‪ ،‬فمنظومة اإلسالم قائمة‬
‫ﱾﲀﲁﲂﲃ‬
‫ﱿ‬ ‫على درء السيئة بالحسنة‪،‬ﭐﭧﭐﭨﭐﱡﭐﱺ ﱻ ﱼ ﱽ‬

‫ﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓ‬

‫ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘﱠ ‪ ،‬فالحسنة والسيئة متفاوتتان‪ُ ،‬‬


‫‪2‬‬
‫فيدفع بالحسنة السيئة‪ ،‬بأن يحسن المرؤ‬

‫لمن أساء إليه‪ ،‬وما يلقى هذه الخليقة أو السجية التي هي مقابلة اإلساءة باإلحسان إال أهل الصبر‪،‬‬
‫وإال رجل خير وفق لحظ عظيم من الخير‪ 3،‬لتكون النتيجة هي حسن الصداقة والقرب‪ ،4‬وقد كان‬
‫النبي عليه الصالة والسالم يقابل السلوك الخاطئ باإلحسان‪ ،‬فكيف بلطف مقابلته لسوك األطفال‬
‫الذين هم أولى باللطف واللين؟‪.‬‬

‫َح َس ِن‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫"كان رسول هللاِ َّ‬


‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم م ْن أ ْ‬ ‫َ‬ ‫ويشهد لذلك طفولة الصحابي "أنس" بقوله‪ُ ُ َ َ َ :‬‬
‫َم َرِني ِب ِه َنِب ُّي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجة‪َ ،‬فُقْل ُع‪َ :‬وهللا َال أَ ْذ َه ُب‪َ ،‬وِفي َنْفسي أ ْ‬
‫َن أَ ْذ َه َب ل َما أ َ‬
‫اس خُلًقا"‪َ ،‬فأَرسَلِني يوما لِح ٍ‬
‫َْ ً َ َ‬ ‫َْ‬ ‫الن ِ ُ‬ ‫َّ‬
‫السو ِق‪َ ،‬فِإ َذا رسول هللاِ‬ ‫ان َو ُه ْم َيْل َعُبو َن ِفي ُّ‬ ‫هللاِ صَّلى هللا عَلي ِه وسَّلم‪َ ،‬فخرجع حتَّى أَم َّر عَلى ِ‬
‫ص ْب َي ٍ‬
‫َُ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ َ ْ َ َ َ ََ ْ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صَّلى هللا عَلي ِه وسَّلم َقد َقبض ِبَقَف ِ‬
‫ال‪َ " :‬يا أ َُن ْي ُس‬
‫ض َح ُك‪َ ،‬فَق َ‬ ‫ظ ْر ُت ِإَل ْيه َو ُه َو َي ْ‬
‫ال‪َ :‬ف َن َ‬
‫اي م ْن َوَرائي‪َ ،‬ق َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ْ ََ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ول هللاِ"‪ ،5‬الطفل "أنس" يتأخر في طاعة نبي‬ ‫ال ُقْل ُع‪"َ :‬ن َع ْم‪ ،‬أ ََنا أَ ْذ َه ُب‪َ ،‬يا َرُس َ‬ ‫أَ َذ َه ْب َع َح ْي ُث أ َ‬
‫َم ْرتُ َك؟"‪َ ،‬ق َ‬
‫هللا! في طاعة سيد الخلق! إال أن رسول هللا عليه الصالة والسالم لم يعنفه أبداً‪ ،‬ولم يعاتبه قط‪ ،‬بل‬
‫إنه يحتضن روح الطفولة‪ ،‬ويتفهم شغفها باللعب‪ ،‬حباً ولطفاً ورفقاً بغرسه الطيب‪ ،‬إذ يداعبه ويالطفه‬
‫ويضحك في وجهه‪ ،‬ثم يذكره باألمر مرة أخرى‪ ،‬بكل لين‪ ،‬وأي نبرة أنقى وأطهر من لطف ورقي نبرة‬

‫‪ 1‬الجريبة‪ ،‬ليلى بنع عبد الرحمن‪ ،‬كيف تربي ولدك‪ ،‬الكتاب منشور على موقع و ازرة األوقاف السعودية بدون بيانات‪ ،‬ص‪.71:‬‬
‫فصلع‪.35-34 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.)200 /4( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬البغوي‪ ،‬محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود (ت‪510 :‬ه)‪ ،‬معالم التنزيل في تفسير القرآن (تفسير البغوي)‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫حققه وخرج أحادياه محمد عبد هللا النمر‪ ،‬عامان جمعة ضميرية‪ ،‬سليمان مسلم الحرش‪ ،‬دار طيبة للنشر والتوزيع‪( ،‬ط‪/4‬‬
‫‪1417‬ه‪1997-‬م)‪.)174 /7( ،‬‬
‫صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الفضائا‪ /‬باب(‪ )13‬حسن خلقه عليه الصالة والسالم‪ ،‬رقم (‪.)2310‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪117‬‬
‫رسول هللا عليه الصالة والسالم لصاحبه الطفل "أنس"؟ وأي نظرات حب أجمل من نظراته إليه‪ ،‬إذ‬

‫سأله رفقاً باسمه المرخم ليزيد اللطف لطفاً‪ :‬يا أنيس‪ ،‬أذهبع حيث أمرتك؟‪ ،‬فما كان من "أنس" إال‬
‫االمتاال ألمر قائده‪.‬‬

‫بل حتى بكاء الطفل كان يقابله عليه الصالة والسالم بالمزاح والمداعبة‪ ،‬فعن َع ِائ َش َة‪َ ،‬قاَل ْع‪:‬‬
‫َّللاِ صَّلى هللا عَلي ِه وسَّلم‪" :‬أ ِ‬
‫َم ِ‬
‫يطي َع ْن ُه ْاألَ َذى"‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َعاَر أُس ِ ِ ِ‬
‫ُ َ ْ ََ َ‬ ‫ول َّ َ‬ ‫ال َرُس ُ‬
‫ام ُة ب َعتََبة اْل َباب‪َ ،‬ف ُش َّج في َو ْجهه‪َ ،‬فَق َ‬
‫َ َ َ‬
‫ام ُة َج ِارَي ًة َل َحَّل ْيتُ ُه َوَك َس ْوتُ ُه‬ ‫ِِ‬ ‫َفتََق َّذ ْرتُ ُه‪َ ،‬ف َج َع َل َي ُم ُّ‬
‫ص َع ْن ُه َّ‬
‫ُس َ‬
‫ان أ َ‬
‫ال‪َ" :‬ل ْو َك َ‬
‫الد َم َوَي ُم ُّج ُه َع ْن َو ْجهه‪ ،‬ثُ َّم َق َ‬
‫َحتَّى أ َُن ِفَق ُه"‪ ،1‬إذ جرح "أسامة" في وجهه وجرى منه الدم‪ ،‬فقال لها رسول هللا عليه الصالة والسالم‬

‫أن تمسح وتزيل الدم عنه‪ ،‬لكنها تقذرت ذلك‪ ،‬فشرع رسول هللا عليه الصالة والسالم إلى إزالته برميه‬
‫من فمه الشريف‪ ،‬ثم قال مداعبة ألسامة كي ينشغل بالضحك عن البكاء‪ :‬لو كان أسامة بنتًا لزي َّْنتُه‬
‫بالحلي وجمال اللباس حتى أزوجه‪ ،2‬وفي هذه المداعبة اللطيفة يلهي أسامة عن البكاء‪ ،‬ويقربه من‬
‫رسول هللا أكار‪ ،‬وفي ذلك سبيل عظيم لهدوء الطفل‪ ،‬وتوقفه عن البكاء‪ ،‬فالنبي عليه الصالة والسالم‬
‫يعلم أن في الطفولة صفاء ال يكدرها السلوك الخاطئ‪ ،‬ونقاء يحتوي اإلحسان حتى في ظل األخطاء‪.‬‬

‫وقد سار الصحابة على ذات المنهج‪ ،‬إذ كانوا يعززون صبيانهم باللعب وذلك عند البكاء‪،‬‬

‫ص ِار‪:‬‬ ‫اشور ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫النِب ُّي َّ‬ ‫الرَبيِ ِع ِب ْن ِع م َع ِوٍذ‪َ ،‬قاَل ْع‪ :‬أ َْرس َل َّ‬‫فع ِن ُّ‬
‫اء إَلى ُق َرى األ َْن َ‬ ‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َغ َد َاة َع ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ص ِوُم‬ ‫َّ‬ ‫"من أَصبح مْف ِطرا‪َ ،‬فْليِت َّم ب ِقيَّ َة يو ِم ِه ومن أَصبح ِ‬
‫وم ُه َب ْعُد‪َ ،‬وُن َ‬
‫ص ُ‬‫ص ْم"‪َ ،‬قاَل ْع‪َ" :‬ف ُكنا َن ُ‬ ‫صائ ًما‪َ ،‬ف َلي ُ‬‫َ ْ ْ َ َ ُ ً ُ َ َْ َ َ ْ ْ َ َ َ‬
‫اك َحتَّى َي ُكو َن ِع ْن َد‬ ‫ط ْي َناهُ َذ َ‬
‫َع َ‬ ‫َّ‬
‫َحُد ُه ْم َعَلى الط َعا ِم أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُّ‬
‫ص ْب َي َان َنا‪َ ،‬وَن ْج َع ُل َل ُه ُم الل ْع َب َة م َن الع ْه ِن‪َ ،‬فإ َذا َب َكى أ َ‬
‫ِ‬

‫ط ِار"‪ ،3‬إذ يعززون أطفالهم بالدمية دون أن يؤدي ذلك إلى استم اررية السلوك‪ ،‬بل يؤدي إلى‬ ‫ِ‬
‫اإل ْف َ‬

‫سنن ابن ماجة‪ ،‬كتاب النكاح‪ /‬باب (‪ )49‬الشفاعة في التزويج‪ ،‬رقم (‪ .)1976‬مسند اإلمام أحمد‪ ،‬رقم (‪ .)24963‬وقال‬ ‫‪1‬‬

‫العراقي‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬المغني عن حمل األسفار‪ ،‬ص‪.681 :‬‬


‫ينظر‪ :‬السندي‪ ،‬محمد بن عبد الهادي التتوي‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬نور الدين (ت‪1138 :‬ه)‪ ،‬حاشية السندي على سنن ابن ماجه‬ ‫‪2‬‬

‫(كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه)‪ ،‬دار الجيل –بيروت‪ ،)609 /1( ،‬وينظر‪ :‬البوطي‪ ،‬محمد األمين بن عبد هللا بن‬
‫اله َرري الكري‪ ،‬شرح سنن ابن ماجة المسمى (مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن‬‫العًلوي األثيوبي َ‬
‫يوسف بن حسن األُرمي َ‬
‫ابن ماجه والقول المكتفى على سنن المصطفى)‪ ،‬مراجعة لجنة من العلماء برئاسة‪ :‬األستاذ الدكتور هاشم محمد علي حسين‬
‫مهدي‪ ،‬دار المنهاج‪ ،‬المملكة العربية السعودية –جدة‪( ،‬ط‪1439 /4‬ه‪2018-‬م)‪.)386 /11( ،‬‬
‫متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الصوم‪ /‬باب (‪ )47‬صوم الصبيان‪ /‬رقم (‪ .)1960‬وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب الصيام‪ /‬باب‬ ‫‪3‬‬

‫(‪ )21‬من أكل في عاشوراء فليكف بقية صومه‪ /‬رقم (‪.)1136‬‬


‫‪118‬‬
‫العكس تماماً‪ ،‬فالقول بحتمية السلوك ال يعد قوالً سليماً‪ ،‬ألن النفس تلين باإلحسان خاصة عند‬

‫األخطاء‪ ،‬بل إن اإلحسان بحكمة في هذه المواطن يقوم النفس‪ ،‬ويشعرها بحب الطرف اآلخر‪ ،‬مما‬
‫يعطي للنفس هدوءاً وراحة يدفعها إلى السلوك الصواب واالستقامة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬دور العوامل الداخلية في التعزيز‬

‫انطالقاً من مبدأ السلوكية التي تهتم بظاهر السلوك‪ ،‬فإنها في كافة أساليب التربية ال تعطي‬
‫للعوامل الداخلية دورها األساسي والمحوري في التأثير‪.‬‬

‫إذ "يرفض "سكنر" أي تفسير خيالي للمصاب‪ ،‬ويرى أن وجود أسباب داخلية مجرد خرافة‪،‬‬

‫وبدالً من ذلك فهو يعرف االختالل النفسي‪ ،‬أو العقلي‪ ،‬على أنه سلوك غير مالئم‪ ،‬أو خطر يهدد‬
‫الفرد‪ ،‬أو اآلخرين‪ ،‬ويرجع إلى التعزيز‪ ،‬أو في أغلب الحاالت يرجع إلى العقاب"‪.1‬‬

‫بينما عالج "بندورا" مفهوم التعزيز على أن له وظائف باعاة وتاقيفية‪ ،‬وهو ال يوافق على‬
‫اعتبار المعزز الخارجي فقط هو المحدد اآللي للسلوك‪ ،‬ولكنه يرى أن التعزيز سواء كان مباش اًر أو‬
‫ضمنياً‪ ،‬فإنه يعطي الفرد الفرصة للتفكير في توليد سلوكيات مستقبليه‪ ،‬وهكذا فالمفاهيم العقالنية‬
‫التي تعد غريبه في نظرية "سكنر" تأخذ موضعاً مركزياً في نظرية التعلم االجتماعي ل "بندورا"‪ ،‬إذ‬
‫أنه يقبل القول بوجود أسباب معرفية‪ ،‬حيث يتضح ذلك أيضاً من خالل نظرية "دوالرد" و"ميلر"‪،‬‬
‫ال َذين يعتقدان أن التعزيز الخارجي (التعزيز الذي يصدر من اآلخرين) يتضمن إمداد الفرد المعلومات‬
‫تزيد دافعيته‪ ،‬وإال لن يكون مؤث اًر وفعاالً‪ ،‬أو يصبح الناس مال طواحين الهواء يتحركون بإرادة‬
‫اآلخرين وليسع بإرادتهم الخاصة‪ ،‬وحيث أن التعزيز يتضمن إحداث تغير في التوقعات الشعورية‬
‫فإن اإلنسان يميل ألن يسلك بالطريقة التي تجلب له المكافأة‪ ،‬ويتجنب ما يجلب له العقاب‪ ،‬فالسلوك‬
‫يتحدد في الواقع بدرجة كبيرة على أساس نتائجه‪ ،‬أما العوامل المعرفية فتزيده قوة وشدة‪ ،‬وهكذا يؤكد‬

‫"بندورا" عدم اقتناعه بأهمية التعزيز الخارجي وحده بقوله‪ :‬إن أفضل ما توصف به فكرة تقوية‬
‫االستجابة أنها خيال‪ ،‬فالنتائج تحدث تغي اًر شديداً في السلوك اإلنساني عن طريق تأثرها الضاغط‬
‫من األفكار‪ ،‬ففي الوقع الذي يرى فيه "سكنر" أن التعزيز الذي ُيمنح للفرد غالباً ما يكون خارجي‬

‫عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪561 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪119‬‬
‫(وهو التعزيز الذي صدر عن اآلخرين)‪ ،‬يضيف "بندورا" نوعين آخرين من التعزيز هما التعزيز‬

‫الذاتي ( وهو التعزيز الذي يعطيه الفرد لنفسه كزيادة الدافع النفسي)‪ ،‬والتعزيز البديلي (وهو الناتج‬
‫من مشاهدة سلوك متبع بالتعزيز)‪ ،‬نتيجة لعدم اكتفائه بالتعزيز الخارجي‪ ،1‬فينقل عنه "عبد الرحمن"‬
‫قوله‪" :‬يعد سلوك تعزيز الذات أكار فعالية من التعزيز الخارجي‪ ،‬فعمليات تعزيز الذات في نظريات‬

‫التعلم تزيد من قوة ومصداقية مبادئ التعزيز‪ ،‬إذا طبقع في مجال المهن اإلنسانية‪ ،‬وتمكن طريقة‬
‫التعلم اإلجتماعي من تحقيق زيادة فعلية في طاقة الناس‪ ،‬وقدرتهم على تنظيم مشاعرهم"‪.2‬‬

‫فإن الحوافز المنظمة ذاتياً ‪-‬وفق نظرية "بندورا" و"ودوالرد" و"ميلر"‪ -‬تزيد من األداء من‬

‫خالل وظيفتها الدافعية‪ ،‬فالفرد يدفع نفسه لصرف مجهودات وذلك للوصول إلى أداء معين كان قد‬
‫وضعه لنفسه‪ ،‬في الوقع الذي يركز فيه ودوالرد" و"ميلر" على خفض الدافع أكار من أي شيء‬
‫داخلي آخر‪ ،‬إذ تؤثر ‪-‬في نظرهما‪ -‬المعززات بدورها تلقائياً‪ ،‬من خالل خفض الدافع بدون الحاجة‬
‫إلى المعرفة الشعوريه للفرد‪.3‬‬

‫ومن االنتقادات التي ُوجهع إلى موقف "سكنر" من ذلك أن "هذه النظرية تقوم أساساً على‬
‫اتفاق بين المعلم والمتعلم حتى يقوم هذا األخير بالسلوك المطلوب‪ ،‬أو الذي يرغب فيه المعلم‪ ،‬وفي‬

‫مقابل ذلك يحصل على جزاء‪ ،‬وذلك دون أن يتعلم التلميذ أهمية وقيمة السلوك المرغوب فيه‪ ،‬فالتلميذ‬
‫المهمل أو الذي ال يعمل الواجب الدراسي‪ ،‬ال يجب أن يقال له أنه مهمل أو أن سلوكه خاطئ‪ ،‬وكل‬
‫ما على المعلم هو أن يطلب من التلميذ عمل واجب المدرسة ليحصل على جزاء معين‪ ،‬فلنفترض‬
‫أن هناك طفل يرفض أن يحل واجب الحساب‪ ،‬وحاولع المعلمة أن تستخدم طريقة "سكنر" في تعديل‬
‫السلوك فإنها تعد التلميذ بأنها ستسمح له ماالً بالخروج إلى الحديقة لتغذية الطيور لمدة عشرة دقائق‪،‬‬
‫إذا عمل واجبه‪.‬‬

‫ينظر‪ :‬عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.620/634 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.635 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬جودت‪ ،‬نظريات التعلم وتطبيقاتها التربوية‪ ،‬ص‪ ،257 :‬وينظر‪ :‬عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.593 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪120‬‬
‫وهنا نتساءل ما هو السلوك المحتمل تكوينه؟ نقول أنه من المحتمل أن يحل التلميذ واجب‬

‫الحساب‪ ،‬وبذلك ينجح المعلم في إثارة اهتمام التلميذ بالحوافز التافهة‪ ،‬ويحرمه من التعود وهو في‬
‫دور التكوين العقلي على تذوق وتقدير المتعة التي يجب أن يحس بها‪ ،‬عندما يقوم بأداء عمل عقلي‪.‬‬

‫إن طريقة تعديل السلوك تجعل من عملية االنضباط عملية مكافأة أو إثابة‪ ،‬إذا فعلع كذا‬

‫أعطيتك كذا‪ ،‬وبذلك يتعلم التلميذ أن يسأل عما يأخذ قبل أن يبدأ في العمل‪ ،‬وقد يصل به األمر أن‬
‫يصبح غير قادر على العمل بدون إثابة‪ ...‬إن طريقة تعديل السلوك تقلل من قدرة التلميذ على عملية‬
‫الضبط الداخلي‪ ،‬أو الذاتي لسلوكه‪ ،‬ألنها تايب سلوكاً معيناً وتجعل اإلثابة رهن القيام بالسلوك دون‬

‫جهد واع يبذل من جانب التلميذ"‪.1‬‬

‫يتبين من ذلك مدى الخطر الذي تضفيه النظرة العضوية الفارغة للطفل‪ ،‬حينما تجعله كائناً‬
‫آلياً بإهمال قدراته العقلية‪ ،‬ودور ميوله ورغباته في التعليم‪.‬‬

‫بينما يرى "باندورا" خالف الذي يراه "سكنر"‪ ،‬ليرفع من شأن المدرسة حين يشير إلى أهمية‬
‫العوامل الداخلية في التعزيز‪ ،‬لكن كان من الدقة أكار أن يبين مركزية العوامل الداخلية ومرجعيتها‬
‫األساسية خالل تجاربه‪ ،‬وأن العوامل المعرفية دورها أكبر من زيادة قوة وشدة التأثير‪ ،‬بل على العكس‬

‫تماماً‪ ،‬فإن للعوامل الداخليه ‪-‬بما فيها المعرفية‪ -‬لها المركزية األولى‪ ،‬والتعزيز هو الذي يزيد الضبط‬
‫قوة‪ ،‬إذ كيف يمكن للطفل أن يحل المسألة الرياضية دون أن يفهمها‪ ،‬ودون أن يكون لديه اإلرادة أن‬
‫يفهم المسألة‪ ،‬حتى لو تم تعزيزه؟! بينما في المقابل‪ ،‬يمكن للطفل أن يحل المسألة الرياضية إذا‬
‫كانع لديه اإلرادة لفهمها‪ ،‬فسعى نحو ذلك وقام بحلها‪ ،‬دون أي تعزيز‪.‬‬

‫في الوقع ذاته‪ ،‬فإن "دوالرد" و"ميللر" يركزان على أن التعزيز يكمن في خفض الدافع‪ ،‬ألنه‬
‫يخفض التوتر الذي سببه الدافع‪ ،‬فهما يعتبران أن اإلنسان بطبعه قلق ومتوتر نتيجة للدوافع‪ ،‬فهل‬

‫كل إنسان يعاني من هذا المرض؟ وهل كل دافع يسبب القلق؟ وهل يطمح الناس دائماً فقط إلى‬
‫خفض الدوافع‪ ،‬ال زيادتها؟‪.‬‬

‫جودت‪ ،‬نظريات التعلم وتطبيقاتها التربوية‪ ،‬ص‪.67 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪121‬‬
‫فعلى سبيل الماال‪ ،‬دافع الحصول على معدل عال‪ ،‬يسبب للطالب السليم التشوق الدراسي‪،‬‬

‫والشغف لينال هدفه‪ ،‬فإذا تفوق في إحدى مواده‪ ،‬شكل ذلك تعزي اًز لزيادة الدافع والشغف الناتج عنه‪،‬‬
‫بينما الطالب الذي يعاني من قلة الاقة بالنفس‪ ،‬وضعف قدراته‪ ،‬والضغط العائلي‪ ...‬فإن دافع التفوق‬

‫سيشكل لديه نوعاً من التوتر‪ ،‬وسيطمح إلى التعزيز لتخفيف ذلك التوتر‪ ،‬وهذا ال يستوي مع الناس‬

‫األصحاء‪ ،‬لذلك يعالج اإلسالم تخبط هذه المشاعر بالتوكل على هللا‪ ،‬والاقة واألمل باهلل‪ ،‬واإليمان‬
‫بالقدر خيره وشره‪ ،‬والرضا به‪ ...‬كي يتزن في دوافعه‪ ،‬يقول سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ‬

‫ﲡ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨﲩﱠ‪ ،1‬لقد كان من الصواب أن يشير‬


‫ﲢ‬ ‫ﲜﲞﲟﲠ‬
‫ﲝ‬

‫" دوالرد" و"ميللر" إلى دور الدافع في القيام بالسلوك‪ ،‬لكن كان من الجدير أن ُينظر إليه بعيداً عن‬
‫السلبية‪ ،‬أو تعميمها‪.‬‬

‫بناء على التعزيز فقط‪ ،‬وأن‬ ‫إضافة إلى النظر بأن الناس ‪-‬بما فيهم األطفال‪ -‬يتصرفون‬
‫ً‬
‫السلوك إذا لم يعزز سيتالشى‪ ،‬فيه اتهام فادح بأنانية اإلنسان‪ ،‬وتربيته على الحياة المادية الساذجة‬
‫الهشة‪ ،‬فمراده الوحيد من السلوك هو الحصول على مقابل وهو التعزيز! وإن لم يحصل على ذلك‬

‫المقابل سيكون مستعداً للتوقف عن السلوك!! وفي ذلك إهمال كبير إلنسانية اإلنسان‪ ،‬ورقي أخالقه‪،‬‬
‫بما فيها تقديم العون للفقراء‪ ،‬ومساعدة الناس دون انتظار المقابل‪ ،‬واإلحسان إلى المسيء‪ ...‬بل إن‬
‫اإلسالم يحبط أجر األعمال إن كانع فقط بهدف الحصول على التعزيز الدنيوي‪ ،‬دون احتساب‬

‫األجر على هللا عز وجل‪ ،‬وفي ذلك داللة هامة إلى الدور الكبير التي تلعبه تربية الألطفال على‬
‫إخالص النية‪ ،‬والترفع عن التعلق بالتعزيز اإلنساني‪ ،‬ألن ذلك يساهم في االلتزام بحسن سلوكهم‬
‫حتى لو تم إغ ارؤهم ورشوتهم بتعزيز في حال ارتكابهم لسلوك خاطئ‪ ،‬فأي شخصية أقوى وأنقى من‬

‫رفض الطفل للمشاركة في التمايل في فيلم إباحي‪ ،‬بالرغم من المقابل المادي الكبير الذي ُوعد به؟‬
‫ذلك أن وازعه الديني وحسن أخالقه أكبر من أن تُشترى بالتعزيز‪.‬‬

‫فللعوامل والمعايير الداخلية مركزية توجه السلوك‪ ،‬وتعزز من استم ارريته‪ ،‬ونظ اًر ألهمية‬
‫العوامل الداخلية‪ ،‬ال يكاد ُيرى تعزيز رسول هللا عليه الصالة والسالم‪-‬خاصة لألطفال‪ -‬إال ويكون‬

‫الطالق‪.3 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪122‬‬
‫ِ‬
‫ال‪:‬‬ ‫في قالب من الحب‪ ،‬والرحمة‪ ،‬واللطف‪ ،‬والمداعبة‪ ،‬واالهتمام بالمشاعر‪ ،‬فعن َجاب ِر ْب ِن َس ُم َرَة‪َ ،‬ق َ‬
‫استَْقَبَل ُه‬ ‫ول هللاِ صَّلى هللا عَلي ِه وسَّلم ص َالة ْاألُوَلى‪ ،1‬ثُ َّم خرج ِإَلى أ ِ ِ‬
‫"صَّلي ُع مع رس ِ‬
‫َهله َو َخ َر ْج ُع َم َع ُه‪َ ،‬ف ْ‬ ‫ْ‬ ‫ََ َ‬ ‫ُ َ ْ ََ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ََ َُ‬
‫ال‪َ :‬ف َو َج ْد ُت لِ َيِدِه َب ْرًدا أَ ْو‬ ‫ِ‬
‫َما أ ََنا َف َم َس َح َخدي‪َ ،‬ق َ‬
‫ال‪َ :‬وأ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ان‪َ ،‬فجعل يمسح َخَّدي أ ِ ِ ِ‬
‫َحده ْم َواحًدا َواحًدا‪َ ،‬ق َ‬
‫ْ َ‬ ‫ِوْل َد ٌ َ َ َ َ ْ َ ُ‬
‫ط ٍار‪ ،3"2‬ومسحه لخدي كل طفل فيها داللة "بأنه كان يستوعبهم‬ ‫َخرجها ِمن جؤن ِة ع َّ‬
‫ِر ً‬
‫يحا َكأََّن َما أ ْ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ‬
‫جميعاً"‪ ،4‬وعلى طيب أخالقه‪ ،‬وتواضعه‪ ،‬ورحمته‪ ،‬واهتمامه باألطفال‪ ،‬ومالطفتهم‪ 5،‬إذ عززهم بكل‬

‫ذلك عندما استقبلوه‪ ،‬وأي تعزيز أرق من لمسة رسول هللا عليه الصالة والسالم‪ ،‬يعلق في النفس حباً‪،‬‬
‫حين يالطف مشاعر األطفال برفق؟!‪.‬‬

‫فال يمكن االستغناء عن دور العوامل الداخلية في التعزيز والتشجيع‪ ،‬خاصة في التعامل مع‬
‫األطفال لرقة وضعف طبيعتهم‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬العوامل التي تزيد من فاعلية التعزيز‬

‫دور هاماً في زيادة احتمالية السلوك‪ ،‬إال أن اقترانه بعوامل أخرى من‬
‫ال شك أن للتعزيز اً‬
‫الممكن أن تزيد من فعاليته‪ ،‬وللسلوكية عدة عوامل تتبعها مع التعزيز بهدف زيادة تأثيره على السلوك‪،‬‬
‫ومن ثم زيادة الضبط‪ ،‬وهي على النحو اآلتي‪:‬‬

‫أ‪ -‬اقتران التعزيز بالحرمان‬

‫أكد "سكنر" أن التعزيز لن يكون فعاالً إال إذا اقترن في تشريط إجرائي بنوع من الحرمان‪،‬‬
‫وهي حالة يعتبرها الكايرون أم اًر منف اًر‪ ،‬وعلى سبيل الماال‪ ،‬فلكي تتحكم بسلوك طفل باستخدام‬

‫صالة األولى أي‪" :‬صالة الظهر‪َّ ،‬‬


‫فإنها أول صالة صالها جبريل بالنبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬ويحتمل أن يريد بها صالة‬ ‫‪1‬‬

‫الصبح‪َّ ،‬‬
‫ألنها أول صالة النهار"‪ ،‬القرطبي‪ ،‬أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي‪( ،‬ت‪656 :‬ه)‪ ،‬المفهم لما أشكل‬
‫من تلخيص كتاب مسلم‪ ،‬حققه وعلق عليه وقدم له‪ :‬محيي الدين ديب ميستو‪ ،‬أحمد محمد السيد‪ ،‬يوسف علي بديوي‪ ،‬محمود‬
‫إبراهيم بزال‪ ،‬دار ابن كاير‪ ،‬دمشق ‪-‬بيروت‪ ،‬ودار الكلم الطيب‪ ،‬دمشق ‪-‬بيروت‪( ،‬ط‪1417 /1‬ه)‪.)6/122( ،‬‬
‫جؤنة عطار‪ :‬السفط الذي فيه متاع العطار‪ ،‬ينظر‪ :‬القرطبي‪ ،‬المفهم لما أشكل على اإلمام مسلم‪.)6/122( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الفضائل‪ /‬باب (‪ )21‬طيب ريحه عليه الصالة والسالم ولين مسه والتبرك بمسحه‪ ،‬رقم (‪،)2329‬‬ ‫‪3‬‬

‫(‪.)4/1814‬‬
‫ال شين‪ ،‬فتح المنعم شرح صحيح مسلم‪.)9/179( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫اله َرري‪ ،‬الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم‪ ،‬مراجعة‪ :‬لجنة من العلماء‬
‫ينظر‪ :‬العلوي‪ ،‬محمد األمين بن عبد هللا األ َُرمي َ‬
‫‪5‬‬

‫برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي‪ ،‬دار المنهاج ‪-‬دار طوق النجاة‪( ،‬ط‪1430 /1‬ه‪2009-‬م)‪.)164 /23( ،‬‬
‫‪123‬‬
‫الحلوى‪ ،‬فال بد من أن يكون الطفل جوعانا‪ ،‬وأن تحرمه من الحصول على هذا المعزز ألوقات‬

‫كايرة‪.1‬‬

‫ال شك أن جوع الطفل يدفعه أكار إلى الحرص على الحصول على الحلوى‪ ،‬لكن الحرمان‬
‫ليس مسوغاً مقبوالً من أجل زيادة التعزيز‪ ،‬فهو ال يصلح في كاير من الحاالت‪ ،‬فهل يستحسن‬

‫حرمان الطفل من اللعب‪ ،‬كي يكون اللعب فيما بعد تعزي اًز فعاالً؟! بل إنه ربما يعطي نتيجة عكسية‬
‫لما يسببه الحرمان من أسى وحزن الطفولة‪ ،‬إضافة أنه يمكن أن يتسبب بآثار جانبية سلبية‪ ،‬فحرمان‬
‫الطفل من اللعب‪ ،‬قد يتسبب باضط ارره إلى سرقة لعبة صديقه‪ ،‬أو زيادة الشغب بالمدرسه لزيادة‬

‫ولعه باللعب‪ ،‬وشعوره بالحرمان منه‪ ،‬أو تربيته على الخضوع لالبتزاز واالستغالل‪ ،‬واألصل أن لطف‬
‫الطفولة ال يليق بها إال اإلحسان‪ ،‬فالتعبير بحب الطفل‪ ،‬والقرب منه‪ ،‬وتقبيله حين تسليمه الحلوى‪،‬‬
‫تعزي اًز أكار وأفضل فعالية من الحرمان‪.‬‬

‫ب‪ -‬التعزيز الفوري‬

‫يحدث التعلم ‪-‬وفق السلوكية‪ -‬عندما تعزز االستجابات الصحيحة مباشرة‪ ،‬ويشدد "سكنر"‬
‫على أهمية حدوث التعزيز الفوري‪ ،‬فهو يرى أنه إذا مر وقع بعد االجابة كدقيقة أو دقيقتين فإن‬

‫التدعيم قد يفقد جدواه‪.2‬‬

‫ال بد أن ُيمدح الطفل بكل ما يظهر منه من خلق جميل وفعل حسن ويكرم عليه‪ ،3‬والتعزيز‬
‫المتأخر قد ُيقلل من فعالية التدعيم أحياناً‪ ،‬نظ اًر ألن إطالة انتظار أو توقع التعزيز يقلل من شغف‬
‫الحصول عليه ‪-‬خاصة عند األطفال نظ اًر لرقة مشاعرهم‪ -‬إذ يالحظ أن النبي عليه الصالة والسالم‬
‫في كل مواقفه مع األطفال يعززرهم مباشرة‪ ،‬كي يكون التعزيز أكار فعالية‪ ،‬ومن ذلك مكافأته للطفل‬
‫ال‪:‬‬ ‫ِ َّ‬ ‫النِب َّي َّ‬
‫َن َّ‬ ‫"ابن عباس"‪ ،‬فعن ْاب ِن َعب ٍ‬
‫َّاس أ َّ‬
‫وءا َق َ‬
‫ض ً‬‫ض ْع ُع َل ُه َو ُ‬
‫الخالَ َء‪َ ،‬ف َو َ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َد َخ َل َ‬‫َ‬

‫عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.584 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬محمد جاسم محمد‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬ص‪90:‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن مسكويه‪ ،‬تهذيب األخالق وتطهير األعراق‪ ،‬ص‪69 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪124‬‬
‫الله َّم َف ِقهه ِفي ِ‬
‫الد ِ‬
‫ين"‪ ،1‬فأول ما عرف النبي عليه الصالة والسالم‬ ‫َّ‬ ‫ُخِب َ‬
‫ال‪ُ ْ ُ " :‬‬ ‫ر‪َ ،‬فَق َ‬ ‫ض َع َه َذا؟"‪َ ،‬فأ ْ‬
‫" َم ْن َو َ‬
‫دعا للطفل على سلوكه الطيب الخلوق‪ ،‬ولم يؤخر دعاءه له‪ ،‬واألمالة على ذلك كايرة‪.‬‬

‫إال أن اإلنسان بحاجة إلى تعزيز بعيد المدى مقترن بالتعزيز الفوري‪ ،‬كي يستمر سلوكه‬
‫الحسن‪ ،‬حتى مع عدم التعزيز‪ ،‬لذلك لم يقتصر تعزيز المؤمنين بالتوفيق الدنيوي فحسب‪ ،‬وال التوفيق‬
‫األخروي فحسب‪ ،‬وإنما كالهما معاً‪ ،‬يقول سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ‬

‫ﳍ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒﱠ‪ ،2‬فاألجر لم يقتصر على‬


‫ﳎ‬ ‫ﳉﳋﳌ‬
‫ﳊ‬ ‫ﳆﳇﳈ‬

‫الدنيا‪ ،‬وإنما يمتد إلى اآلخرة‪ ،‬فيصبح التعزيز تعزي اًز أبدياً ‪-‬تعزيز عاجل يتبعه تعزيز آجل‪ -‬يعين‬
‫اإلنسان على حسن الطاعة‪ ،‬في ظل الصبر‪ ،‬وقد ورد عن أَِبي هريرة‪َ ،‬قال‪َ :‬قال رسول هللاِ َّ‬
‫صلى هللاُ‬ ‫َ‬ ‫َُ ْ َ َ َ َ َ ُ ُ‬ ‫َْ‬
‫ام ِة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َعَل ْي ِه َو َسلَّم‪َ " :‬م ْن َنَّف َس َع ْن ُم ْؤ ِم ٍن ُك ْرَب ًة ِم ْن ُك َر ِب ُّ‬
‫الد ْن َيا‪َ ،‬نف َس هللاُ َع ْن ُه ُك ْرَب ًة م ْن ُك َرب َي ْو ِم اْلق َي َ‬ ‫َ‬
‫َو َم ْن َي َّس َر َعَلى ُم ْع ِس ٍر‪َ ،‬ي َّس َر هللاُ َعَل ْي ِه ِفي ُّ‬
‫الد ْن َيا َو ْاآل ِخ َرِة‪َ ،‬و َم ْن َستَ َر ُم ْسلِ ًما‪َ ،‬ستَ َرهُ هللاُ ِفي ُّ‬
‫الد ْن َيا‬
‫َو ْاآل ِخ َرةِ"‪ 3،‬فالذي يسهل على فقير بأن كان له عليه دين فأمهله أو ترك بعضه أو كله‪ ،‬سهل هللا‬
‫عليه في الدنيا وكذلك اآلخرة‪ ،‬ومن ستر على مسلم عيوبه وما اطلع عليه من ذنوبه وآثامه‪ ،‬ستر‬
‫هللا عليه في الدنيا‪ ،‬وستر عليه في اآلخرة أيضاً‪ ،4‬كي يستمر السلوك الحسن حتى ممات اإلنسان‪،‬‬
‫وذلك غاية في ثبات السلوك لكمال التعزيز‪ ،‬فمن المهم ربط تعزيز الطفل بتعزيز اآلخرة‪ ،‬كي يساهم‬
‫ذلك في حسن استم اررية سلوكه‪.‬‬

‫ت‪ -‬أن يكون التعزيز مشروط ا عند القيام بالسلوك المرغوب فيه‬

‫ومن العوامل التي تزيد فاعليه التعزيز من منظور المدرسة السلوكية‪ ،‬هو أن يكون التعزيز‬

‫مشروطاً‪ ،‬ليشكل ذلك الشرط دافعاً قوياً للسلوك‪ ،‬ومن ثم التحكم به‪.‬‬

‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الوضوء‪ /‬باب (‪ )10‬وضع الماء عند الخالء‪ ،‬رقم (‪.)1/41( ،)143‬‬ ‫‪1‬‬

‫النحل‪.41 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار‪ ،‬باب فضل االجتماع على تالوة القرآن وعلى الذكر‪ ،‬رقم‪،)2699( :‬‬
‫(‪.)2074 /4‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬النيسابوري‪ ،‬أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري (‪261-206‬ه)‪ ،‬منة المنعم في شرح صحيح‬
‫مسلم‪ ،‬الشارح‪ :‬فضيلة الشيخ‪ /‬صفي الرحمن المباركفوري‪ ،‬دار السالم للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض ‪-‬المملكة العربية السعودية‪،‬‬
‫(ط‪1420 /1‬ه‪1999-‬م)‪.)242 /4( ،‬‬
‫‪125‬‬
‫وينقل "عبد الرحمن" نظرة "سكنر" حول التعزيز غير المشروط بأنه يكون ضا اًر عموماً‪ ،‬مالما‬

‫يحدث عندما يمنح شخص ما مكافأة غير مشروطة‪ ،‬فإن ذلك سيخفض احتمالية التحاقه بعمل بناء‪،‬‬
‫أو وظيفه تدر عليه عائداً مادياً‪ ،‬فغالباً ما يكون السلوك القسري قد تم تدعيمه بجداول تعزيز غير‬
‫مالئمة‪ ،‬فإذا أعطيع الحمامة الجائعة ‪-‬ماالً‪ -‬مقدا اًر قليالً من الطعام كل خمسين ثانية‪ ،‬فهي تعزز‬

‫بصرف النظر عما تفعله في تلك اللحظه (حتى لو كان الوقوف في نفس المكان‪ ،‬أو رفع القدم‪...‬‬
‫دون نقر الجرس)‪ ،‬وهذا سلوك ال يساهم في إسقاط الطعام كما في حالة النقر على القرص‪ ،‬مال‬
‫هذا التعزيز غير المشروط يكون ضا اًر عموماً ‪ ،1‬ألنه في نظر "سكنر" يخفض احتمالية التحاق‬
‫ًّ‬
‫المعزر بعمل بناء‪.‬‬

‫المشكلة التي تكمن في كون التعزيز مشروطاً‪ ،‬أنها تربي االبن أن يحسن سلوكه من أجل‬
‫َّ‬
‫المعزز حتى لو كان يحقق‬ ‫التعزيز فقط‪ ،‬مما يؤدي إلى صرفه عن السلوك المرغوب به غير‬
‫المصالح‪ ،‬أو يخفف األضرار‪ ،‬فاألبناء الذين اعتادوا على الحصول على حلوى عندما ينظفون‬

‫غرفتهم‪ ،‬لن ينظفوها إذا لم تملك والدتهم حلوى‪ ،‬وبالتالي تصبح قيمة الِبر مرهونة بالحلوى‪ ،‬إضافة‬
‫إلى أن التعزيز المشروط يشعر االبن ‪-‬والطفل خاصة‪ -‬أنه ال قيمة له‪ ،‬وإن تحققع تلك القيمة فهي‬
‫ألجل سلوكه‪ ،‬ال ألجله هو‪ ،‬وفي هذا غاية في تهميش كيانه‪ ،‬وتحقير مكانته‪.‬‬

‫فاألصل أن التعبير عن حب األبناء‪ ،‬واحترامهم‪ ،‬واإلحسان إليهم‪ ،‬هو ألنهم أبناؤنا‪ ،‬وليس‬
‫ألجل حسن سلوكهم فقط‪ ،2‬فاألبناء ‪-‬واألطفال خاصة‪ -‬ال غنى لهم عن التعزيز واإلحسان‪ ،‬نظ ًار‬
‫لطبيعتهم المرهفة‪ ،‬إضافة أن المؤمن يقدم اإلحسان ألجل رضا هللا عز وجل‪ ،‬وليس لمجرد حسن‬
‫سلوك اآلخرين‪ ،‬إذ يخلص لربه النية‪ ،‬بجميع أقواله وأعماله الظاهرة والباطنة ابتغاء وجه هللا تعالى‪،3‬‬
‫إذ يمكن الجمع بين األمرين على أن ُي َّ‬
‫قدم حق هللا سبحانه‪ ،‬وال حرج في األمر‪ ،‬بل إن شرط قبول‬

‫عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.561 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬مصطفى أبو سعد‪ ،‬محاضرة بعنوان‪ :‬المربي اإليجابي يتقبل ابنه كما هو‪،‬‬
‫‪https://www. youtube. com/watch?v=X7J_E0Rhgc8‬‬
‫‪ 3‬الحكمي‪ ،‬حافظ بن أحمد بن علي (ت‪1377 :‬ه)‪ ،‬أعالم السنة المنشورة ًلعتقاد الطائفة الناجية المنصورة (الكتاب نشر‬
‫‪-‬أيضا‪ -‬بعنوان‪ 200 :‬سؤال وجواب في العقيدة اًلسالمية)‪ ،‬تحقيق‪ :‬حازم القاضي‪ ،‬و ازرة الشؤون اإلسالمية واألوقاف والدعوة‬
‫واإلرشاد ‪ -‬المملكة العربية السعودية‪( ،‬ط‪1422 /2‬ه)‪ ،‬ص‪.7 :‬‬
‫‪126‬‬
‫العمل هو اإلخالص هلل وحده‪ ،1‬والكاير مال هذه المواقف يجدها القارئ في السيرة النبوية‪ ،‬خاصة‬

‫َخ َذ‬ ‫مع األطفال‪ ،‬إذ كان عليه الصالة والسالم يقبلهم ويضمهم إليه بمجرد رؤيتهم‪ ،‬فعن "أ ََن ٍ‬
‫س" قال‪" :‬أ َ‬
‫يم َفَقَّبَل ُه َو َش َّم ُه"‪ ،2‬بل كان عليه الصالة والسالم يوزع التمر على‬ ‫ِ َّ ِ ِ‬ ‫النِب ُّي َّ‬‫َّ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم إ ْب َراه َ‬‫َ‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم‬ ‫ِ‬
‫ول هللا َ‬ ‫األطفال‪ ،‬لمجرد أنهم أطفال‪ ،‬رفقاً وتلطفاً بهم‪ ،‬فعن أِبي ُه َرْي َرَة‪ ،‬أ َّ‬
‫َن َرُس َ‬
‫َكان يؤتَى ِبأ ََّو ِل الاَّم ِر‪َ ،‬فيُقول‪" :‬الله َّم ب ِارك َلنا ِفي مِدينِتنا‪ ،‬وِفي ِثم ِارنا‪ ،‬وِفي مِدنا‪ ،‬وِفي ص ِ‬
‫اع َنا َب َرَك ًة‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ َ َ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫ُ َ ْ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُْ‬
‫ان"‪" ،3‬فإنه يفرح به ما ال يفرح به الكبير"‪ 4‬وفي‬ ‫ض ُرهُ ِم َن اْل ِوْل َد ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫َص َغ َر َم ْن َي ْح ُ‬ ‫َم َع َب َرَكة»‪ ،‬ثُ َّم ُي ْعطيه أ ْ‬
‫ذلك رفع لمكانتهم‪ ،‬وتعزيز للشعور بحسن مكانتهم‪ ،‬ورقي كيانهم‪ ،‬ولهذا أثر عظيم في قوة شخصيتهم‪،‬‬

‫وثقتهم بأنفسهم‪.‬‬

‫إال أن هذا ال يعني أن ال َّ‬


‫يعزر الطفل ‪-‬واألبناء عامة‪ -‬عندما يحسنون التصرف‪ ،‬وإنما‬
‫اإلشكال أن يكون التعزيز مشروطاً على السلوك الحسن‪ ،‬فقد كان عليه الصالة والسالم يشجع‬
‫األطفال عندما يحسنون التصرف‪ ،‬ويكتسبون السلوك المرغوب فيه‪ ،‬إذ كان يشارك أطفال عمه‬
‫و"كايرا"‪ ،‬ويشجعهم على المنافسة في اللعب‪ ،‬ويقول‪َ " :‬م ْن َس َب َق ِإَل َّي‬ ‫"العباس"‪" :‬عبد هللا" و"عبيد هللا" ُ‬
‫ص ْد ِِره‪َ ،‬فَيْلتَ ِزُم ُه ْم َوُيَقِبُل ُه ْم‪ .5‬وفي ذلك أثر عظيم في‬ ‫َفَل ُه َك َذا وَك َذا"‪َ ،‬ف َيستَِبُقو َن ِإَل ْي ِه َف َيَقعو َن َعَلى َ ِِ‬
‫ظ ْهره َو َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫تشجيعهم‪ ،‬ورفع معنوياتهم‪.‬‬

‫يتبين مما سبق‪ ،‬أن الذي يميز اإلسالم أنه أسس الهدف األسمى من التعزيز‪ ،‬إذ يمال رأس‬
‫الهرم ومعيار األهداف الجزئية‪ ،‬ويهتم غاية االهتمام خالل عملية التعزيز بالعوامل الداخلية التي تعد‬
‫بماابة بؤرة تأثير التعزيز‪ ،‬على خالف السلوكية التي تقتصر على األهداف الجزئية‪ ،‬وتتبنى عدم‬
‫االهتمام الكافي بالعوامل الداخلية‪ ،‬خالل المسيرة التعزيزية‪.‬‬

‫ينظر‪ :‬عبد الوهاب‪ ،‬سليمان بن عبد هللا بن محمد بن (ت‪1233 :‬ه)‪ ،‬التوضيح عن توحيد الخالق في جواب أهل العراق‬ ‫‪1‬‬

‫وتذكرة أولي األلباب في طريقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬دار طيبة ‪-‬الرياض‪( ،‬ط‪1404 /1‬ه‪1984-‬م)‪ ،‬ص‪.172:‬‬
‫‪ 2‬متفق عليه‪( .‬واللفظ للبخاري) صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الجنائز‪ /‬باب (‪ )43‬قول النبي عليه الصالة والسالم "إنا بك لمحزونون"‪،‬‬
‫رقم (‪ .)1303‬وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب الفضائل‪ /‬باب (‪ )15‬باب رحمته عليه الصالة والسالم الصبيان والعيال وتواضعه‪ ،‬وفضل‬
‫ذلك‪ /‬رقم (‪.)2316‬‬
‫صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ /‬باب (‪ )85‬فضل المدينة ودعاء النبي عليه الصالة والسالم فيها بالبركة‪/ ..‬رقم (‪.)1373‬‬ ‫‪3‬‬

‫السندي‪ ،‬محمد بن عبد الهادي التتوي أبو الحسن‪( ،‬ت‪1138 :‬ه)‪ ،‬حاشية السندي على سنن ابن ماجه = كفاية الحاجة‬ ‫‪4‬‬

‫في شرح سنن ابن ماجه‪.)316 /2( ،‬‬


‫مسند اإلمام أحمد‪ ،‬رقم (‪ .)1836‬قال الهيامي‪ :‬إسناده حسن‪ ،‬مجمع الزوائد ومنبع الفوائد‪ ،)285 /9( ،‬رقم (‪.)15537‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪127‬‬
‫المطلب لثالث‪ :‬العقاب‬

‫الحظ أن طبائع األطفال ليسع واحدة‪ ،‬ففيهم السالم المطواع الهادئ‪ ،‬وفيهم المشاغب‬
‫ُي َ‬
‫العنيد‪ ،‬مما يعني احتياجهم للتأديب والصرامة في التربية ليس على درجة واحدة‪ ،‬وإن كانوا كلهم على‬
‫حد سواء بحاجة إلى سلطة تربي وترشد‪ ،‬وتحول دون قيام الطفل باألخطاء‪ ،‬خاصة وأن الطفل ال‬

‫يدرك معايير الصواب والخطأ‪ ،‬كما أن قدرته على حجر نفسه عن الوقوع في األشياء الخاطئة ضئيلة‬
‫ومحدودة‪ ،‬وهذا يقود إلى أهمية ممارسة المنع والحظر والعقوبة أو الحرمان من بعض الميزات‪ ،‬حتى‬
‫ينشأ النشأة الصالحة السليمة‪.1‬‬

‫وبالتالي فإن العقاب يعد من أبرز سمات المدرسة السلوكية‪ ،‬وهذا يعود إلى دور العقاب في‬
‫ضبط السلوك‪ ،‬إذ يساهم في تقليل احتمالية حدوث السلوك وتك ارره‪.‬‬

‫وأهم المحاور التي تناولتها المدرسة السلوكية في موضوع العقاب‪:‬‬

‫أوًلا‪ :‬الهدف من العقاب‬

‫"يعرف العقاب بأنه‪ :‬كل ما يقلل أو يحد من تكرار السلوك المرتبط به"‪ ،2‬إذ يسبب العقاب‬
‫خفض السلوك أو كبحه‪ ،‬بإتباعه بشيء غير مرغوب‪ ،‬أو الحرمان من شيء مرغوب به‪ ،‬حيث تؤكد‬
‫السلوكية أن السلوك المتبوع بعقاب يقل احتمال حدوثه في مواقف مستقبلية‪.3‬‬

‫يتبين أن الهدف من العقاب هو التقليل من احتمالية حدوث السلوك غير المرغوب فيه‪ ،‬ثم‬
‫التخلص منه تدريجياً‪.‬‬

‫في الوقع ذاته فإن المدرسة السلوكية لم تهتم بقضية الهدف من التخلص من السلوك غير‬
‫ِ‬
‫المعاقب بعملية العقاب‪ ،‬إذ يقف الهدف السلوكي على الهدف األولي وهو‬ ‫المرغوب‪ ،‬أي لماذا يقوم‬
‫التخلص من السلوك‪.‬‬

‫ينظر‪ :‬بكار‪ ،‬القواعد العشر في تربية األبناء‪ ،‬ص‪.87 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪663 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬عسكر‪ ،‬والقنطار‪ ،‬مدخل الى علم النفس التربوي التربية من منظور نفسي‪ ،‬ص‪.191 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪128‬‬
‫ال شك أن المراد من العقاب هو اختفاء السلوك الخاطئ‪ ،‬لكن المشكلة تكمن في افتقار ذلك‬

‫الهدف إلى هدف أسمى‪ ،‬إذ ال يجد المربي وال الطالب الجواب الشافي لسؤال مهم مفاده‪ :‬لماذا يجب‬
‫أن يختفي السلوك الخاطئ؟! ومعلوم أن عدم توفر اإلجابة الشافية على السؤال سيؤدي إلى ضعف‬
‫فعالية العقاب‪ ،‬لجهل األهداف التي تستحق من أجلها ترك السلوك‪ ،‬وسيؤدي إلى أن يكون اجتناب‬

‫السلوك الخاطئ اجتناباً مرهوناً بوجود المربي تجنباً لعقابه‪ ،‬وليس بسبب القناعة بخطأ ارتكاب ذلك‬
‫السلوك‪ ،‬لينتج من ذلك تباعاً فْقد هدف العقاب بمجرد غياب المربي‪.‬‬

‫فالطفل الذي تعاقبه أمه كلما يشتم أخاه‪ ،‬دون أن تخبره سبب اجتناب العقاب‪ ،‬فإنه سيعود‬

‫للشتم مرة أخرى ولو دون وجود أمه‪ ،‬خوفاً من العقاب‪ ،‬وليس قناعة وإرادة الجتناب الشتم‪ ،‬إذ ال بد‬
‫أن يجتنب األبناء الشتم اجتناباً كلياً‪ ،‬كي تحقق العملية التربوية أهدافها على النحو المتكامل‪ ،‬ويتم‬
‫ذلك بوجود سبب سا ٍم يؤمن األبناء به‪ ،‬ويهتمون بالوصول إليه‪ ،‬وهذا ما تغافلع عنه المدرسة‬
‫السلوكية‪.‬‬

‫ويتميز اإلسالم في كونه يؤسس مسألة الهدف من العقاب على طاعة هللا عز وجل‪ ،‬بالفوز‬
‫بمغرفته ورضاه‪ ،‬واجتناب سخطه وغضبه‪ ،‬يقول سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ‬

‫ﱘﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣ‬
‫ﱓﱔﱕﱖﱗ ﱙ‬

‫ﱧ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬﱭﱠ ‪ ،1‬فالسارق تُقطع يده عقاباً‪ ،‬وفي إقامة الحد‬


‫ﱨ‬ ‫ﱤﱥﱦ‬

‫عليه‪ ،‬وتوبته‪ ،‬يتوب هللا عليه‪ ،‬ويغفر له ذنوبه‪ ،2‬فإنما نواهي اإلسالم وأوامره بهدف الفوز بالفالح في‬
‫الدنيا واآلخرة‪ ،‬ال لمجرد اجتنابها والبعد عنها‪ ،‬وال لمجرد أسباب تقتصر على الدنيا وأحداثها وأهوالها‪،‬‬
‫يقول سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ‬

‫ﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹ‬

‫ﲁﲃﲄﲅﲆ‬
‫ﲂ‬ ‫ﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀ‬

‫المائدة‪.39-38 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬الطبري‪ ،‬جامع البيان (تفسير الطبري)‪.)299-10/294( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪129‬‬
‫ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏﲐﱠ‪ ،1‬إذ يأمرهم الرسول‬

‫بطاعة هللا ومكارم األخالق‪ ،‬واجتناب المعاصي والخبائث‪ ،‬فمن آمن به واتبع هداه نال الظفر والفوز‪.2‬‬

‫وسي اًر على المنهج القرآني‪ ،‬فإن النبي عليه الصالة والسالم يعالج أخطاء األطفال في ظل‬

‫ال‪ِ" :‬إ َّن ِر َج ً‬


‫اال‬ ‫توجيههم نحو الهدف األسمى‪ ،‬وهو طاعة هللا عز وجل‪ ،‬فيحدث َن ِاف ٌع‪ ،‬أ َّ‬
‫َن ْاب َن ُع َم َر‪َ ،‬ق َ‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه‬ ‫ول َّ ِ‬
‫َّللا َ‬
‫الرْؤيا عَلى عهِد رس ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪َ ،‬ك ُانوا َي َرْو َن ُّ َ َ َ ْ َ ُ‬
‫َّللاِ َّ‬ ‫ِ‬
‫َص َحاب َرُسول َّ َ‬
‫ِ‬
‫م ْن أ ْ‬
‫ِ‬

‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم‬ ‫َّللاِ صَّلى هللا عَلي ِه وسَّلم‪َ ،‬فيُقول ِفيها رسول َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫ُ َ ْ ََ َ َ ُ َ َُ ُ‬
‫ِ‬
‫ون َها َعَلى َرُسول َّ َ‬ ‫صَ‬ ‫َو َسَّل َم‪َ ،‬ف َيُق ُّ‬
‫يك َخ ْيٌر‬ ‫ان ف َ‬
‫الس ِن‪ ،‬وبيِتي المس ِجد َقبل أَن أ َْن ِكح‪َ ،‬فُقْلع ِفي نْف ِسي‪َ :‬لو َك ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ َْ ْ‬ ‫َ َْ‬
‫يث ِ‬ ‫َّللاُ‪َ ،‬وأ ََنا ُغالَ ٌم َحِد ُ‬
‫اء َّ‬ ‫َما َش َ‬
‫طجعع َذات َليَل ٍة ُقْلع‪َّ :‬‬
‫الل ُه َّم ِإ ْن ُك ْن َع تَ ْعَل ُم ِف َّي َخ ْي ًار َفأ َِرِني ُرْؤَيا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫اض َ َ ْ ُ َ ْ‬ ‫َل َأرَْي َع م ْا َل َما َي َرى َه ُؤالَء‪َ ،‬فَل َّما ْ‬
‫احٍد ِم ْن ُه َما ِمْق َم َع ٌة ِم ْن َحِد ٍيد‪ُ ،‬ي ْقِبالَ ِن ِبي ِإَلى َج َهَّن َم‪َ ،‬وأ ََنا‬
‫ان‪ِ ،‬في يِد ُك ِل و ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َف َب ْي َنما أ ََنا َك َذِل َك ِإ ْذ َجاءِني مَل َك ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ ٍِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫الله َّم ِإِني أ ِ ِ‬ ‫بينهما أ َْدعو َّ َّ‬
‫ال‪:‬‬ ‫َعوُذ ب َك م ْن َج َهنَّ َم‪ ،‬ثُ َّم أ َُراني َلق َيني َمَل ٌك في َيده مْق َم َع ٌة م ْن َحديد‪َ ،‬فَق َ‬ ‫ُ‬ ‫َّللاَ‪ُ :‬‬ ‫ََْ ُ َ ُ‬
‫طَلُقوا ِبي َحتَّى َوَقُفوا ِبي َعَلى َش ِفي ِر َج َهَّن َم‪َ ،‬فِإ َذا‬ ‫الصالَ َة‪َ ،‬ف ْان َ‬‫الرُج ُل أ َْن َع‪َ ،‬ل ْو ُك ْن َع تُ ْكِا ُر َّ‬
‫اع‪ِ ،‬ن ْع َم َّ‬ ‫َل ْن تَُر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ط ِويَّ ٌة َك َ ِ‬ ‫ِه َي َم ْ‬
‫ط ِي الب ْئ ِر‪َ ،‬ل ُه ُق ُرو ٌن َكَق ْرن الب ْئ ِر‪َ ،‬ب ْي َن ُكل َق ْرَن ْي ِن َمَل ٌك ب َيده مْق َم َع ٌة م ْن َحديد‪َ ،‬وأ ََرى ف َ‬
‫يها‬
‫ش‪َ ،‬فانصرُفوا ِبي عن َذ ِ‬ ‫السالَ ِس ِل‪ ،‬رءوسهم أَسَفَلهم‪ ،‬عرْفع ِفيها ِرج ً ِ‬ ‫ين ِب َّ‬ ‫ِرج ً َّ ِ‬
‫ات‬ ‫َْ‬ ‫اال م ْن ُق َرْي ٍ ْ َ َ‬ ‫ُُ ُ ُ ْ ْ ُ ْ ََ ُ َ َ‬ ‫اال ُم َعلق َ‬ ‫َ‬
‫ول‬ ‫ِ َّ‬ ‫َّللاِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫َِ ِ‬
‫ال َرُس ُ‬ ‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪َ ،‬فَق َ‬ ‫ص ُة‪َ ،‬عَلى َرُسول َّ َ‬ ‫ص ْت َها َحْف َ‬‫ص َة‪َ ،‬فَق َّ‬‫صتُ َها َعَلى َحْف َ‬ ‫صْ‬ ‫اليمين‪َ ،‬فَق َ‬
‫ال َن ِاف ٌع‪َ" :‬فَل ْم َي َزْل‬ ‫ان ي ِ ِ َّ ِ‬ ‫َّللاِ رجل ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫َّللاِ َّ‬
‫صلي م َن اللْيل"‪َ ،‬فَق َ‬ ‫صال ٌح‪َ ،‬ل ْو َك َ ُ َ‬ ‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪" :‬إ َّن َع ْب َد َّ َ ُ ٌ َ‬ ‫َّ َ‬
‫الصالَ َة"‪ ،3‬فالنبي في هذا الموقف الجليل‪ ،‬يصوب اتجاه الغالم نحو الهدف ضمنياً‪،‬‬ ‫َب ْع َد َذِل َك ُي ْكِا ُر َّ‬

‫في ظل سياق رفع قدره ومعنوياته بوصفه بأنه رجل‪ ،‬وصالح‪ ،‬إذ كان في ذلك الوقع ال يزال غالماً‬
‫حديث السن‪ ،‬ثم وصفه بالصالح ليذكره بالهدف الذي يعيش من أجله وهو الصالح للفالح في الدنيا‬
‫واآلخرة‪ ،‬وذلك يتحقق بصالة قيام الليل‪ ،‬إذ قال‪( :‬لو كان يقيم الليل)‪ ،‬أي لو أنك يا ابن عمر تقيم‬
‫الليل لحققع الصالح الذي هو مراد الحياة‪ ،‬وهدف الوجود‪ ،‬وهذا يجعل العملية التربوية منظومة‬

‫األعراف‪.157 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن (تفسير القرطبي)‪.)301-7/299( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب التعبير‪ /‬باب (‪ )36‬األمن وذهاب الروع في المنام‪ ،‬رقم (‪.)9/40( ،)7028-7027‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪130‬‬
‫واضحة المعالم‪ ،‬تخضع لمقاييس ثابتة‪ ،‬مرجعها القرآن الكريم‪ ،‬والسنة النبوية‪ ،‬ويؤكد ضرورة تعلق‬

‫األطفال باآلخرة‪ ،‬كي يرتقي بعبوديته هللا‪ ،‬ال ينتكس بعبودية الناس والدنيا‪.‬‬

‫والذي يميز االسالم أيضاً‪ ،‬أنه يسعى إلى تربية المربي وكافة الفئات المسؤولة عن تربية‬
‫األجيال‪ ،‬كي تحسن التربية والتوجيه‪ ،‬ويتشكل التوافق بين كل عناصر التربية‪ ،‬ضمن سياق يذكر‬

‫باستمرار بالحياة األبدية التي يعيش من أجلها اإلنسان‪ ،‬بعاقبة العقاب أو الاواب‪ ،‬ومن ذلك الذي‬
‫ول‪" :‬م ْن َف َّر َق َب ْي َن والِ َد ٍة ووَلِد َها َف َّر َق‬ ‫ِ َّ‬ ‫صَّلى َّ‬ ‫رواه أَبو أَيُّوب‪َ ،‬قال‪ :‬س ِمعع رسول َّ ِ‬
‫َ ََ‬ ‫َّللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َيُق ُ َ‬ ‫َّللا َ‬ ‫َ َ ْ ُ َُ َ‬ ‫َ‬
‫ام ِة"‪" ،1‬فإن كان الولد غير مميز فإنه يحرم عليه أنه يفرق بينهما"‪ ،2‬إذ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َّللاُ َب ْي َن ُه َوَب ْي َن أَحبَّته َي ْوَم الق َي َ‬
‫َّ‬
‫يبين العقاب الذي يكون في اآلخرة‪ ،‬وهو اليوم الذي من أجله يعمل اإلنسان‪ ،‬إعانة له على حسن‬
‫االستقامة‪ ،‬ثم حسن التربية ضمن مضمار استقامته‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬حتمية العقاب‬

‫تقوم المدرسة السلوكية على حتمية نتائج المؤثرات‪ ،‬الهتمامها األكبر بظاهر السلوك وحياياته‬
‫بما فيها المؤثرات واالستجابات‪.‬‬

‫وقد تبين أنه في نظر "سكنر" يكون السلوك محكوماً بنتائجه‪ ،‬فإن كانع النتيجة إيجابية كرر‬
‫الكائن الحي السلوك‪ ،‬وإن كانع النتيجة سلبية ضعف سلوكه وتوقف‪ ،3‬ففي "إحدى تجاربه األخرى‬

‫كان سلوك النقر على القرص يتبع بصدمة كهربائية‪ ،‬وترتب عنه توقف الحمامة عن النقر على‬
‫القرص تجنباً للعقاب"‪.4‬‬

‫‪ 1‬جامع الترمذي‪ ،‬أبواب السير‪ /‬باب (‪ )17‬في كراهية التفريق بين السبي‪ /‬رقم (‪ .)1566‬وقال‪ :‬وهذا حديث حسن غريب والعمل‬
‫على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى هللا عليه وسلم وغيرهم‪ ،‬كرهوا التفريق بين السبي بين الوالدة وولدها‪ ،‬وبين‬
‫الولد والوالد‪.‬‬
‫السفيري‪ ،‬شمس الدين محمد بن عمر بن أحمد السفيري الشافعي (ات‪956 :‬ه)‪ ،‬المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير‬ ‫‪2‬‬

‫البرية صلى هللا عليه وسلم من صحيح اإلمام البخاري‪ ،‬حققه وخرج أحادياه‪ :‬أحمد فتحي عبد الرحمن‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪-‬‬
‫بيروت‪( ،‬ط‪1425/1‬ه‪2004-‬م)‪.)51/2( ،‬‬
‫ينظر‪ :‬دروزة‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬ص‪.103 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬زغلول‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬ص‪.82 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪131‬‬
‫ال شك أن فطرة اإلنسان تقوم على كره العقاب‪ ،‬والذي بدوره يؤدي إلى اجتناب السلوك الذي‬

‫يعقبه عقاب‪ ،‬إال أنه ال يمكن القول بحتمية تالشي السلوك المعاَقب عليه‪ ،‬وإال فلماذا يكرر الكاير‬
‫من األشخاص سلوكيات عوقبوا عليها أكار مرة؟ أال يدل ذلك على وجود عوامل أخرى تؤثر في‬
‫السلوك تجعل اإلنسان ُمص اًر على ارتكابه؟!‬

‫فعلى سبيل الماال‪ ،‬يكرر الطفل النوم متأخ اًر بالرغم من معاقبته عليه م ار اًر‪ ،‬وذلك لوجود‬
‫أسباب أقوى من كرهه للعقاب‪ ،‬كحبه للعب‪ ،‬أو مشاهدة التلفاز‪ ،‬أو عدم قدرته على النوم مبك اًر‪...‬‬
‫من هنا اهتم اإلسالم بمعالجة األسباب‪ ،‬وضبط الظروف‪ ،‬قبل أن يشرع العقاب‪ ،‬فإذا تعذر عالج‬

‫األسباب وضبط الظروف‪ُ ،‬خفف أو ُرفع العقاب‪ ،‬مال عدم قطع يد السارق في عام المجاعة‪ ،‬وعدم‬
‫المكره‪.‬‬
‫َ‬ ‫معاقبة‬

‫لكن تجدر اإلشارة في هذا المقام‪ ،‬أن النبي عليه الصالة والسالم لم يضرب طفالً قط‪ ،‬ألن‬
‫طبيعة الطفل أضعف من قدرته على التحكم وضبط سلوكه كما يجب‪ ،‬لعدم كمال نضجه‪َ ،‬ع ْن‬
‫ِ‬ ‫ُّ ِ ِ ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ع ِائ َش َة‪َ ،‬قاَل ْع‪" :‬ما ضرب رسول هللاِ َّ‬
‫ام َأرًَة‪َ ،‬وَال َخاد ًما‪ِ ،‬إ َّال أ ْ‬
‫َن‬ ‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َش ْيًئا َقط ب َيده‪َ ،‬وَال ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َُ ُ‬ ‫َ‬
‫َن ُي ْنتَ َه َك َشي ٌء ِم ْن َم َح ِارِم هللاِ‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫صاحِبه‪ِ ،‬إ َّال أ ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ُّ‬ ‫يل هللاِ‪ ،‬وما ِن ِ‬
‫يل م ْن ُه َش ْي ٌء َقط‪َ ،‬ف َي ْنتَق َم م ْن َ‬
‫ََ َ‬
‫اه َد ِفي سِب ِ‬
‫َ‬
‫يج ِ‬
‫َُ‬
‫ْ‬
‫َف َي ْنتَِق َم َِّهللِ َع َّز َو َج َّل"‪.1‬‬

‫وقد كان للضرب حكاية في زمن النبوة‪ ،‬وذلك حين جعل النبي عليه الصالة والسالم فداء‬
‫أسرى بدر غير القادرين على دفع الفدية‪ ،‬أن يعلموا أوالد األنصار الكتابة‪ ،‬إال أن أحد هؤالء األسرى‬

‫ضرب ولدا من أوالد األنصار بينما كان يعلمه‪ ،‬فعاد إلى أبيه يشتكي باكياً‪ ،‬فغضب أبوه ليس فقط‬
‫ألن الجهة التي ضربع ابنه هو عدوه‪ ،‬وإنما أيضاً لقضية الضرب ذاتها‪ ،‬فالصحابة كانوا يمتنعون‬

‫عن ضرب أبنائهم‪ ،‬امتااالً لتربية رسول هللا عليه الصالة والسالم‪ ،‬وكانوا يستهجنون من يضرب‬

‫األطفال‪ ،‬ويغلظون بشاعة ذلك لما فيها من ظلم وأذى بالطفل وتحطيم معنوياته في ظل كونه ال‬
‫اس ِم َن‬ ‫ان َن ٌ‬ ‫ال‪َ " :‬ك َ‬ ‫يكاد يتقن التحكم في تصرفاته لصغر سنه‪ ،‬ويتضح ذلك فيما رواه ْابن َعب ٍ‬
‫َّاس‪َ ،‬ق َ‬
‫اء ُه ْم أَ ْن ُي َعلِ ُموا أ َْوَال َد‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫َّللاِ َّ‬ ‫ِ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪ ،‬ف َد َ‬‫ول َّ َ‬ ‫ْاأل َْس َرى َي ْوَم َب ْد ٍر َل ْم َي ُك ْن َل ُه ْم ف َد ٌ‬
‫اء‪َ ،‬ف َج َع َل َرُس ُ‬

‫‪ 1‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الفضائل‪ /‬باب (‪ )20‬مباعدته عليه الصالة والسالم لآلثام واختياره من المباح أسهله‪ / ...‬رقم (‪.)2328‬‬
‫‪132‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪:‬‬
‫ض َرَبني ُم َعلمي َق َ‬
‫ال‪َ :‬‬ ‫َي ْو ًما َي ْبكي إَلى أَبيه‪َ ،‬فَق َ‬
‫ال‪َ :‬ما َشأُْن َك؟ َق َ‬ ‫اء ُغ َال ٌم‬ ‫ال‪َ :‬ف َج َ‬ ‫ص ِار اْلكتَ َاب َة» َق َ‬‫ْاأل َْن َ‬
‫يه أ ََبًدا"‪ ،1‬ومن عمق إد ارك طامة آثار الضرب على الطفل‪،‬‬ ‫تأِْت ِ‬ ‫َّللاِ َال‬
‫طُل ُب ِب َذ ْح ِل َب ْد ٍر َو َّ‬
‫يث‪َ ،‬ي ْ‬‫اْل َخِب ُ‬
‫َ‬
‫وغضبه بسبب ضرب األعداء ولده‪ ،‬فقرر أن ال يرسل غالمه إليه‪.‬‬

‫إال أن النبي عليه الصالة والسالم يشير في حالة ‪-‬وهي الوحيدة‪ -‬إلى مسألة ضرب األطفال‪،‬‬

‫يع ْب ِن َس ْب َرَة‪َ ،‬ع ْن أَِبي ِه‪َ ،‬ع ْن‬


‫الربِ ِ‬ ‫وهي في حالة التقصير عن أداء عمود الدين‪ ،‬فعن َع ْبِد اْل َملِ ِك ْب ِن َّ‬
‫ِِ‬ ‫النِب ُّي صَّلى هللا عَلي ِه وسَّلم "مروا أَوَالد ُكم ِب َّ ِ‬ ‫ِِ‬
‫اض ِرُب ُ‬
‫وه ْم‬ ‫ين‪َ ،‬و ْ‬ ‫اء َس ْب ِع سن َ‬ ‫الص َالة َو ُه ْم أ َْب َن ُ‬ ‫ُ َ ْ َ َ َ ُُ ْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ال َّ‬‫ال‪َ :‬ق َ‬ ‫َجده‪َ ،‬ق َ‬
‫ِ ‪2‬‬ ‫ِ‬
‫أمر الصبيان بالصالة ليس للوجوب‪ ،‬فهم ليسوا‬ ‫اء َع ْش ٍر َوَف ِرُقوا َب ْي َن ُه ْم في اْل َم َ‬
‫ضاج ِع" ‪ ،‬و ْ‬ ‫َعَل ْي َها‪َ ،‬و ُه ْم أ َْب َن ُ‬
‫بمكلفين‪ ،‬وإنما الطلب متوجه إلى أوليائهم أن يعلموهم ذلك‪" ،3‬على طريق التمرين كسائر ما يربونهم‬
‫عليه"‪ ،4‬وأما مسألة ضرب الصبيان على الصالة‪ ،‬فإنما ذلك ضمن شروط‪ ،‬بأن ال يكون إال بعد‬
‫استنفاذ كل الطرق األخرى كمحاوالت إدراكه أهميتها البالغة‪ ،‬وخطورة تركها‪ ،‬ومحاوالت ميوله وحبه‬
‫للصالة بالتعزيز‪ ،‬والتشجيع‪ ،‬ثم معاقبته عليها بما سوى الضرب‪ ،‬كالحرمان من ممارسة هواياته‪،...‬‬
‫ﲫﲭﲮ‬
‫ﲬ‬ ‫ﲨﲪ‬
‫ﲩ‬ ‫ﲤﲦﲧ‬
‫ﲥ‬ ‫بدليل قوله سبحانه‪ :‬ﱡﭐﲠ ﲡ ﲢ ﲣ‬

‫ﲯﱠ‪ ،5‬فاألمر بالصالة يحتاج إلى دوام الصبر‪ ،‬فإذا فشلع كل الطرق‪ ،‬يلجأ المربي إلى الضرب‬

‫وفق شروطه اإلسالمية‪ ،‬بأن ال يكون على الوجه‪ ،‬وال مبرحاً‪ ،‬وال مهيناً‪ ،‬وإنما ضرب يتناسب مع‬
‫عمره وضعفه‪ ،‬خاصة وأن الطفل يكبر على ما نشأ عليه‪ ،‬فإن استهان بالصالة في صغره‪ ،‬فليس‬
‫من السهل أن يهتم بها في كبره‪ ،‬فاألمر بالضرب ليس للتأكيد على مسألة الضرب على قدر التأكيد‬
‫على أهمية تربيتهم واعتيادهم على الصالة‪ ،‬وشدة خطورة تركها في الصغر‪ ،‬وقد يقال‪ :‬كيف ُيضرب‬

‫مسند اإلمام أحمد‪ ،‬رقم (‪ .)4/92( ،)2216‬والحاكم في المستدرك (‪ ،)2/152‬رقم (‪ .)2621‬وقال صحيح اإلسناد ولم‬ ‫‪1‬‬

‫يخرجاه‪ .‬والبيهقي في السنن الكبرى (‪ ،)139 /12‬رقم (‪ .)11791‬وإسناده صحيح‪.‬‬


‫أبو داود‪ ،‬سنن أبي داود‪ ،‬كتاب الصالة‪ /‬باب (‪ )26‬متى يؤمر الغالم بالصالة‪ ،‬رقم (‪ .)494‬والترمذي‪ ،‬جامع الترمذي‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫أبواب الصالة‪ /‬باب (‪ )182‬ما جاء متى يؤمر الصبي بالصالة‪ ،‬رقم (‪ .)407‬وقال‪ :‬وفي الباب عن عبد هللا بن عمرو‪.‬‬
‫حديث سبرة بن معبد الجهني حديث حسن‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪.)9/348( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫أبو الفضل‪ ،‬زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي (المتوفى‪806 :‬ه)‪ ،‬طرح‬ ‫‪4‬‬

‫التثريب في شرح التقريب‪ ،‬أكمله ابنه‪ :‬أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين الكردي ال ارزياني ثم المصري‪ ،‬أبو زرعة ولي الدين‪،‬‬
‫ابن العراقي (ت‪826 :‬ه)‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬ومؤسسة التاريخ العربي‪ ،‬ودار الفكر العربي‪.)7/87( ،‬‬
‫طه‪132 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪133‬‬
‫غير المكلف؟ يرد على ذلك بأن "ما ال يتم الواجب إال به‪ ،‬فهو واجب" ‪ ،1‬فلو كان الصبي المقصر‬

‫في الصالة عمداً‪ ،‬ال يلتزم بها عند بلوغه لو لم يضرب عليها في صباه‪ ،‬لما أمر النبي بضربه‪ ،‬فأي‬
‫ضرر أكبر‪ ،‬ضرب الصبي ‪-‬وفق الشروط‪ ،-‬أم تركه للصالة؟! ال شك أن ضرر الاانية ال يعادل‬
‫شيئاً مقارنة بضرر األولى‪.‬‬

‫ويجدر العلم "أن هللا تعالى لم يكلِف العبد إال بعد ِس ِن البلوغ‪ ،‬ومع ذلك أناب الوالد أو ولي‬
‫إن أهمل في أدائها‪ ،‬ذلك ليربي عند ولده‬
‫األمر أن يأمر ولده من سن السابعة بالصالة‪ ،‬وأن يعاقبه ْ‬
‫وتعود عليها‪ ،‬فهي عبادة تحتاج في‬ ‫الد ْربة على الصالة‪ ،‬بحيث يأتي ِسن التكليف‪ ،‬وقد َ‬
‫ألفها الولد َّ‬ ‫ُّ‬

‫البداية إلى مران وأخذ َّ‬


‫ورد‪ ،‬وهذا أنسب َّ‬
‫للسن المبكرة‪ ،‬والوالد يأمر ولده على اعتبار أنه الموجد الااني‬
‫له‪ ،‬والسبب المباشر في وجوده"‪ ،2‬إضافة إلى أن تطبيق العقوبة يجعل األطفال يتنبؤون بنتائج‬
‫أعمالهم‪ ،‬وهذا التنبؤ هو الذي يردعهم عن ارتكاب الخطأ‪ ،‬وهو نفسه الذي يجعلهم يتقبلون العقوبات‬
‫المقررة‪.3‬‬

‫ولكن هذا ال يعني التساهل في العقوبة مهما كانع‪ ،‬ذلك أن من "كان مرباه بالعسف والقهر‬
‫من المتعلمين‪ ،‬أو المماليك‪ ،‬أو الخدم‪ ،‬سطا به القهر‪ ،‬وضيق عن النفس في انبساطها‪ ،‬وذهب‬

‫بنشاطها‪ ،‬ودعاه إلى الكسل‪ ،‬وحمل على الكذب‪ ،‬والخبث‪ ،‬وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفاً‬
‫من انبساط األيدي بالقهر عليه‪ ،‬وعلمه المكر‪ ،‬والخديعة لذلك‪ ،‬وصارت له هذه عادة‪ ،‬وخلقاً‪ ،‬وفسدت‬
‫معاني اإلنسانية التي له من حيث االجتماع‪ ...‬بل وكسلع النفس عن اكتساب الفضائل‪ ...‬وأدى‬
‫إلى المكاشفة بذنبه يحمله على الوقاحة ومعاودة ما كان يستقبحه‪ ،‬وتعويد الطفل على التوبيخ يهون‬

‫عليه سماع اللوم في ركوب القبائح التي تحن إليها نفسه‪ ،‬وركوب القبائح‪ ،‬ويسقط وقع الكالم من‬
‫قلبه‪ ،‬وهكذا وقع لكل أمة حصلع في قبضة القهر‪ ،‬ونال منها العسف‪.4‬‬

‫القاضي أبو يعلى‪ ،‬محمد بن الحسين بن محمد بن خلف ابن الفراء (ت‪458 :‬ه)‪ ،‬العدة في أصول الفقه‪ ،‬حققه وعلق عليه‬ ‫‪1‬‬

‫وخرج نصه‪ :‬د أحمد بن علي بن سير المباركي‪ ،‬األستاذ المشارك في كلية الشريعة بالرياض ‪-‬جامعة الملك محمد بن سعود‬
‫اإلسالمية‪( ،‬ط‪1410 /2‬ه‪1990-‬م)‪.)419 /2( ،‬‬
‫ينظر‪ :‬الشعراوي‪ ،‬تفسير الشعراوي‪.)11659-11658 /19( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬بكار‪ ،‬عبد الكريم‪ ،‬القواعد العشر في تربية األبناء‪ ،‬دار وجوه للنشر والتوزيع‪-‬الرياض‪( ،‬ط‪4/2011‬م)‪ ،‬ص‪90 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن خلدون‪ ،‬مقدمة ابن خلدون‪ ،)1/743( ،‬ينظر‪ :‬ابن مسكويه‪ ،‬تهذيب األخالق وتطهير األعراق‪ ،‬ص‪،69 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫الغزالي‪ ،‬إحياء علوم الدين‪.)3/73( ،‬‬


‫‪134‬‬
‫ومن أهم ضوابط العقاب البدني في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬أن يكون العقاب متناسباً مع الذنب‬

‫في كميته ونوعه‪ ،‬فماال‪ :‬ال ُتلزم األم ابنتها بتنظيف البيع أسبوعاً كامالً‪ ،‬ألنها تلفظع بكلمة نابية!‪،‬‬
‫وأن ال يكون فيه إهانة كالضرب على الوجه‪ ،‬أو التحقير به‪ ،‬أو شتمه‪...‬وأن يكون بعد ارتكاب‬
‫ِ‬
‫المعاقب للعقاب إال بعد تعريفه بذنبه‪،‬‬ ‫الذنب‪ ،‬وأن ال يؤجل ألن التأجيل يفقده معناه وفائدته‪ ،‬وال يقدم‬

‫وسلوكه الخاطئ‪ ،‬وأن يكون قد أعطي فرصة حتى يقلع عن هذا السلوك‪.1‬‬

‫فاإلسالم ال يوقع العقوبة بقواعد هشة‪ ،‬أو ضوابط وهمية‪ ،‬إنما يحددها بوضوح جلي‪ ،‬وقيم‬
‫راسخة ثابتة‪ ،‬بهدف استقامة النفس وفوزها في دار الخلد‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬العوامل الداخلية‬

‫اتضح أن "سكنر" رائد المدرسة السلوكية‪ ،‬ينظر إلى اإلنسان بالعضوية الفارغة‪ ،‬وأنه نتاج‬
‫العقاب والاواب‪ ،‬بينما عارضه "باندورا" باهتمامه بالمشاعر الداخلية‪ ،‬وكذلك "دوالرد" و"ميللر"‪.‬‬

‫تكمن خطورة إهمال العوامل الداخلية في العقاب‪ ،‬في كونها تسبب آثار جانبية أخطر بكاير‬
‫من مخاطر السلوك المعاَقب عليه‪ ،‬ألن أسباب أخطاء األبناء ‪-‬خاصة األطفال‪ -‬تعود في أغلبها‬
‫إلى أسباب داخلية وعوامل ذاتية‪ ،‬فعلى سبيل الماال‪ ،‬معاقبة الطفل الذي يعاني من التبول الال‬
‫إرداي‪ ،‬بالعقاب والتهديد والتخويف‪ ،‬تزيد المسألة تعقيداً‪ ،‬ألن من أبرز أسباب هذه الحالة هي الخوف‬
‫الشديد‪ ،‬واستم اررية التوتر‪ ...‬وإن كان خوف الطفل من العقاب أكبر من المخاوف األخرى‪ ،‬فستظهر‬
‫عوارض أخرى للخوف‪ ،‬كالتلعام في الكالم‪ ،‬أو شدة االنطواء‪.‬‬

‫لذلك كانع النتيجة التي وجدها "سكنر" هي تصريحه بعدم نجاح العقاب كعالج‪ ،‬والذي‬
‫جعله أيضاً يكتشف أن مفعول العقاب مؤقع‪ ،‬وأنه يسبب آثا اًر جانبية‪ ،‬وال شك أن السبب الذي يقف‬
‫وراء ذلك هو إهمال العوامل الداخلية‪.‬‬

‫ينظر‪ :‬الشريفين‪ ،‬تعديل السلوك اإلنساني في التربية اإلسالمية‪ ،‬ص‪ ،119-118 :‬وينظر‪ :‬بكار‪ ،‬القواعد العشر في تربية‬ ‫‪1‬‬

‫األبناء‪ ،‬ص‪.90 :‬‬


‫‪135‬‬
‫إذ أنه يعتبر أن العقاب إجراء غير فعال‪ ،‬حيث إنه يعمل على إزالة أو منع االستجابات‬

‫على نحو مؤقع‪ ،‬ثم سرعان ما تعود مال هذه االستجابات بالظهور مرة أخرى في حال غياب‬
‫العقاب‪ ،‬ففي إحدى تجاربه كان الفأر يستمر بالضغط على الرافعة ألن نتائج مال هذه االستجابة‬
‫هو الحصول على الطعام (التعزيز)‪ ،‬ولكن بدأت هذه االستجابة بالتالشي التدريجي عندما كانع‬

‫تتبع بالصدمة الكهربائية (العقاب)‪ ،‬ولم يكن اإلنطفاء بصورة دائمة‪ ،‬إذ عادت استجابة الضغط على‬
‫الرافعة من قبل الفأر الحقاً‪ ،‬وعليه فإن "سكنر" يعتبر أن العقاب إجراء غير فعال‪ ،‬ألنه ال يستطيع‬
‫قمع االستجابة إال بصورة مؤقتة‪ ،‬ويرى أن االستجابة التي ينتج عنها آثار منفرة (عقاب) ربما تؤدي‬

‫بالكائن الحي إلى إصدار استجابات أخرى‪ ،‬مال االستجابات المعادية‪ ،‬فعلى سبيل الماال‪ ،‬عقاب‬
‫الطفل ربما يؤدي إلى توليد استجابات نفور من والديه‪ ،‬أو تجنبهما‪ ،‬أو الهروب من المنزل‪ ،1...‬في‬
‫ظل إيمانه بضرورة العقاب الحاد في بعض األحيان!!‪.2‬‬

‫وهكذا يرى "سكنر" أن العقاب تأثيره مؤقع‪ ،‬بل وربما يؤدي إلى إصدار استجابات ليسع‬
‫في الحسبان‪ ،‬وقد استنتج ذلك من خالل تجربة الحمامة‪ ،‬ولكن هل األبناء عقولهم في وزن عقل‬
‫الحمامة التي لم يكن بمقدورها أن تدرك أسباب العقاب؟ كما انها ال تملك القدرة على التعبير بصورة‬
‫جلية عما بداخلها من خالل محاورة من يعززها‪ ،‬أو يعاقبها!! أال يدل عدم فعالية عقاب الحمامة هو‬
‫عدم كمال قدرتها على التفكير‪ ،‬واإلدراك‪ ،‬والقناعة‪ ،‬والتحليل؟! ومن العجيب أن إخفاق عملية العقاب‬
‫لدى "سكنر" لم تدفعه إلى البحث في األسباب! بل تمال الحل بالعقاب الحاد!!‬

‫هكذا كان الحل عند "سكنر"‪ ،‬بينما نجد على الجانب اآلخر أن اإلسالم يهتم بالعوامل‬
‫الداخلية‪ ،‬وذلك بمخاطبة العقل والعاطفة‪ ،‬إذ ال يكاد يجد القارئ آية فيها ترغيب أو ترهيب‪ ،‬إال ولها‬
‫عالقة أو إشارة إلى أمر من أمور اآلخرة‪ ،‬وفي هذا مبدأ تربوي هام‪ ،‬وهو ضرورة االبتداء بغرس‬

‫اإليمان‪ ،‬والعقيدة الصحيحة في نفوس الناشئين‪ ،‬ليتسنى ترغيبهم بالجنة‪ ،‬وترهيبهم من عذاب هللا‪،‬‬
‫فيكون لهذا الترغيب والترهيب ثمرة عملية سلوكية‪ ،‬خاصة في ظل مخاطبة العاطفة‪.3‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬ازادا‪ ،‬جورج وريموندجي‪ ،‬كورسيني (‪ .)1983‬نظريات التعلم‪ :‬دارسة مقارنة‪ ،‬ترجمة علي حسين حجاج وعطية محمد‬
‫هنا‪ .‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬عدد ‪ ،70‬الكويع‪ ،‬ص‪.151-150 :‬‬
‫عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.585 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬النحالوي‪ ،‬أصول التربية اإلسالمية‪ ،‬ص‪.232/136 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪136‬‬
‫وفي هذا داللة على أهمية اقتران العقاب وتصحيح األخطاء بالعوامل الداخلية‪ ،‬ذلك أن ترك‬

‫االهتمام بها‪ ،‬سيؤدي إلى عودة الفعل الخاطئ حين غياب المربي‪ ،‬لذلك نجد أن النبي عليه الصالة‬
‫والسالم عندما يصحح الفعل الخاطئ‪ ،‬يبين السبب حتى لو كان المخطئ طفالً‪ ،‬فعن أَبي ُه َرْي َرَة‬
‫الصدَق ِة‪َ ،‬فجعَلها ِفي ِف ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬أَخذ الحسن بن علِ ٍي ر ِ‬ ‫رِ‬
‫يه‪،‬‬ ‫ََ َ‬ ‫َّللاُ َع ْن ُه َما‪ ،‬تَ ْم َرًة م ْن تَ ْم ِر َّ َ‬
‫ضي َّ‬
‫َ َ ُ َْ ُ َ َ َ َ َ َ ُ ْ ُ َ َ َ‬
‫ضي َّ‬
‫الص َدَق َة"‪،2‬‬ ‫َما َش َع ْر َت أََّنا الَ َنأ ُ‬ ‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم‪ِ " :‬ك ْخ ِك ْخ" لِ َي ْ‬ ‫َِّ‬
‫‪1‬‬
‫ْك ُل َّ‬ ‫ال‪" :‬أ َ‬
‫ط َر َح َها‪ ،‬ثُ َّم َق َ‬ ‫ال النب ُّي َ‬
‫َفَق َ‬
‫وفي ذلك تأصيل للعملية التربوية‪ ،‬والتعليمية‪ ،‬والذي يتضح من خالل‪:‬‬

‫‪ -1‬تصحيح السلوك الخاطئ الصادر من الطفل دون عقاب‪ ،‬وإنما باالقتصار على األمر بترك‬

‫التمرة‪.‬‬

‫‪ -2‬تكرار فعل األمر "كخ" أكار من مرة للفع انتباه الطفل‪ ،‬وتنبيه عقله‪.‬‬

‫‪ -3‬بيان سبب كون الفعل خاطئاً‪ ،‬وهو أن آل النبي ال يأكلون الصدقة‪ ،‬ذلك أن توضيح السبب‬
‫للطفل داللة على ضرورة إقناع عقلية الطفل بسلبية السلوك‪ ،‬كي تامر عملية تعديل السلوك‪،‬‬

‫فإذا لم يتخذ المعلم دور العقل في العملية التربوية فإنها ستكون عملية مؤقتة تبوء الحقاً‬
‫بالفشل؛ ألن السبب الذي يلعب الدور األساس في اجتناب السلوك ليس محض العقاب‪،‬‬

‫وإنما قناعة الطفل أن ذلك السلوك خاطئ‪ ،‬أو كرهه لذلك السلوك‪ ،‬وحبه لطاعة المربي‪،‬‬
‫يقول الداعية د‪" .‬محمد راتب النابلسي"‪" :‬إذا وقع االبن في الخطأ ال بد من إقناعه بأنه على‬
‫خطأ‪ ،‬مع ترك العنف إلعانة الطفل أن يكون صادقاً"‪ ،3‬كي ال تفقد المسيرة التربوية أهدافها‪.‬‬

‫وفي موقف آخر‪ ،‬يظهر فيه مدى رفق الهدي النبوي بتصويب أخطاء األطفال‪ ،‬إذ يحث‬
‫غالم النبي عليه الصالة والسالم اإلبل أن تسرع‪ ،‬وقد كان يركبها نساء‪ ،‬ثم سرعان ما يناديه النبي‬

‫كخ‪ َ:‬ي اتركه وارم ِب ِه‪ .‬السيوطي‪ ،‬عبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬جالل الدين (ت‪911 :‬ه)‪ ،‬الديباج على صحيح مسلم بن‬ ‫‪1‬‬

‫الحجاج‪ ،‬حقق أصله‪ ،‬وعلق عليه‪ :‬أبو اسحق الحويني األثري‪ ،‬دار ابن عفان للنشر والتوزيع ‪-‬المملكة العربية السعودية‪( ،‬ط‪/1‬‬
‫‪1416‬ه)‪.)3/170( .‬‬
‫متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب وجوب الزكاة‪ ،‬ما يذكر في الصدقة للنبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬حديث رقم(‪،)1491‬‬ ‫‪2‬‬

‫(‪ .)2/127‬وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب تحريم الزكاة على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬حديث رقم (‪،)1069‬‬
‫(‪.)2/751‬‬
‫ينظر‪ :‬النابلسي‪ ،‬محمد راتب النابلسي‪ ،‬موقع راتب النابلسي‪.https://nabulsi. com ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪137‬‬
‫"ويحك يا أنجشة" ترحماً ورثاء له ألنه وقع في أمر ال يستحقه‪ ،1‬ويذكر اسمه لفتاً النتباهه‪ ،‬ويأمره‬

‫أن يسوق بهن برفق ومهل ولطف‪ ،‬ليأمن على النساء السقوط‪ ،‬ويعبر عن ذلك بإيجاز عاطفي‬
‫منطقي‪ ،‬بقوله "رفقاً بالقوارير"‪ ،‬إذ أراد أن يربي غالمه على حسن الرفق بالنساء مع ذكر السبب‬
‫بلطف‪ ،‬ليعين غالمه على الطاعة‪.‬‬

‫وقد اتضح ذلك عندما شبههن بالقوارير‪ ،‬ألن القوارير سريعة الكسر‪ ،‬لرقته وضعف بنيتهن‪،‬‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه‬ ‫َِّ‬
‫ال‪ :‬أَتَى النب ُّي َ‬ ‫َّللاُ َع ْن ُه‪َ ،‬ق َ‬
‫ضي َّ‬ ‫س ب ِن مالِ ٍك ر ِ‬ ‫فأفادت الكناية الرفق بالنساء‪ ،2‬فعن أَن ِ‬
‫َ ْ َ َ َ‬
‫ال‪" :‬وْي َح َك َيا أ َْن َج َش ُة‪ُ ،3‬روْي َد َك س ْوًقا ِبالَقو ِار ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫َّ‬
‫َو َسل َم َعَلى َب ْعض ن َسائه َو َم َع ُه َّن أ ُُّم ُسَل ْيمٍ‪َ ،‬فَق َ َ‬
‫‪4‬‬
‫ال أَُبو‬ ‫ير "‪َ ،‬ق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وها َعَل ْي ِه‪َ ،5‬ق ْوُل ُه‪َ " :‬س ْوَق َك‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ َّ ِ ٍ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم ِب َكل َمة‪َ ،‬ل ْو تَ َكل َم ِب َها َب ْع ُ‬
‫ض ُك ْم َلع ْبتُ ُم َ‬
‫ِقالَب َة‪َ :‬فتَ َكَّلم النَِّب ُّي َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ير"‪ ،6‬فهذه التربية البالغة في رقيها وطيب مبادئها‪ ،‬ستحتفظ بنتائجها في كل المواقف‪.‬‬ ‫ِبالَقو ِار ِ‬
‫َ‬

‫لذلك كانع ثمار هذه التربية الطيبة‪ ،‬طاعة األطفال الصادقة للرسول عليه الصالة والسالم‪،‬‬
‫إذ ورد أن غالماً ترك المروءة في األكل‪ ،‬إذ كانع يده تتحرك وتمتد إلى نواحي الصحفة والتقتصر‬
‫على موضع واحد‪ ،‬فقد يتقذره صاحبه منه‪ ،7‬إال أن المربي الحكيم الرؤوف‪ ،‬بمنهجة الذي يخاطب‬
‫العاطفة ثم يبين الصواب‪ ،‬يصحح خطأ الطفل دون أن يضربه‪ ،‬أو يزجره زج اًر مؤذياً‪ ،‬أو جارحاً‪،‬‬

‫ول‪ُ :‬ك ْن ُع ُغالَ ًما ِفي َح ْج ِر‬


‫ودون أي انتقاص من مكانته‪ ،‬إذ يروي الغالم "عمر بن سلمة" حكايته‪َ ،‬يُق ُ‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه‬ ‫الصحَف ِة‪َ ،‬فَقال لِي رسول َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫َُ ُ‬ ‫َ‬
‫َّللاِ صَّلى هللا عَلي ِه وسَّلم‪ ،‬وَكان ْع يِدي تَ ِط ُ ِ‬
‫يش في َّ ْ‬ ‫ُ َ ْ ََ َ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫َرُسول َّ َ‬

‫ينظر‪ :‬العيني‪ ،‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪.)185 /22( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪.)545-10/543( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(أنجشة) غالم أسود حبشي كان مملوكا للنبي صلى هللا عليه وسلم يكنى أبا مارية‪ ،‬تعليق مصطفى البغا في حاشية صحيح‬ ‫‪3‬‬

‫البخاري‪.)8/35( ،‬‬
‫(بالقوارير)‪ :‬جمع قارورة‪ ،‬وكني بذلك عن النساء لضعف بنيتهن ورقتهن ولطافتهن فشبهن بالقوارير من الزجاج‪ .‬تعليق‬ ‫‪4‬‬

‫مصطفى البغا في حاشية صحيح البخاري‪.)8/35( ،‬‬


‫(لعبتموها عليه) أي على الذي تكلم بها ألن فيها مالطفة وتوددا إلى النساء‪ .‬وقيل سبب العيب ألن وجه الشبه غير ظاهر‬ ‫‪5‬‬

‫وجلي وهللا تعالى أعلم‪ .‬تعليق مصطفى البغا في حاشية صحيح البخاري‪.)8/35( ،‬‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األدب‪ /‬باب (‪ )90‬ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه‪ ،‬رقم (‪.)8/35( ،)6149‬‬ ‫‪6‬‬

‫ينظر‪ :‬النووي‪ ،‬أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف (ت‪676 :‬ه)‪ ،‬المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج‪ ،‬دار إحياء‬ ‫‪7‬‬

‫التراث العربي –بيروت‪( ،‬ط‪ 1392 /2‬ه)‪.)193 /13( ،‬‬


‫‪138‬‬
‫يك"‪ ،1‬وفي رواية الترمذي‪ :‬أََّنه َد َخل عَلى رس ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َو َسَّل َم‪َ " :‬يا ُغالَ ُم‪َ ،‬س ِم َّ‬
‫ول‬ ‫ُ َ َ َُ‬ ‫َّللاَ‪َ ،‬وُك ْل ِب َيمين َك‪َ ،‬وُك ْل م َّما َيل َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫َّللاَ َوُك ْل ِب َيمين َك‪َ ،‬وُك ْل م َّما َيل َ‬
‫يك"‪ ،2‬بكل‬ ‫ال‪ْ " :‬اد ُن َيا ُب َن َّي‪َ ،‬و َس ِم َّ‬
‫ام َق َ‬ ‫َّللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم َو ِع ْن َدهُ َ‬
‫ط َع ٌ‬ ‫صَّلى َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّللا َ‬
‫رفق يصحح سلوك الطفل قائالً له‪ :‬ادن يا بني‪ ،‬أو يا غالم‪ ،‬وفي هذا مراعاة لطبيعة الطفولة العفوية‪،‬‬
‫المحتاجة للحب واألمان واالحترام كي تتزن برفق‪ ،‬وفي التقرب إليها عند الخطئ فيه إعانة على‬

‫المحب‪ ،‬وتلين للكالم الطيب‪ ،‬لتكون النتيجة المذهلة هو‬ ‫حسن الطاعة‪ ،‬إذ أن النفس تحب طاعة ُ‬
‫دوام طاعة الطفل "عمر"‪ ،‬إذ يقول‪َ" :‬ف َما َازَل ْع ِتْل َك ِط ْع َمِتي َب ْعُد"‪.3‬‬

‫ومن ثمار هذه التربية السليمة الطيبة‪ ،‬أن ينشأ جيل الصحابة على المنهج الذي علمهم إياه‬

‫طا‪َ 4‬عَلى َق ْب ِر َع ْبِد‬


‫طا ً‬
‫َّللاُ َع ْن ُه َما‪ُ ،‬ف ْس َ‬
‫ضي َّ‬‫سيدهم رسول هللا عليه الصالة والسالم‪ ،‬إذ أرَى ابن عمر ر ِ‬
‫َ ْ ُ ُ ََ َ َ‬
‫ال‪ْ " :‬ان ِزْع ُه َيا ُغالَ ُم‪َ ،‬فِإَّن َما ُي ِظُّل ُه َع َمُل ُه"‪ ،5‬مطابقة ومماالة للمنهج الذي تربي عليه‪ ،‬بالنهي‬
‫الر ْح َم ِن‪َ ،‬فَق َ‬
‫َّ‬
‫لطفاً‪ ،‬مع ذكر السبب‪ ،‬إلقناع عقل الطفل‪ ،‬إعانة له على حسن االلتزام‪.‬‬

‫يالحظ مما سبق منهج النبي عليه الصالة والسالم في التعامل مع أخطاء األطفال‪ ،‬إذ يتمال‬
‫في معالجة السلوك بالحب وذكر األسباب‪ ،‬متبعاً المنهج القرآني الذي يتمال في مخاطبة العاطفة‬
‫والعقل‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬التغافل‬

‫من المحاور التي تناولتها أيضاً المدرسة السلوكية في موضوع العقاب من أجل إطفاء السلوك‬
‫غير المرغوب فيه‪ ،‬فبعد أن تتكون استجابة شرطية‪ ،‬فإنها تكون عرضة لإلزالة‪ ،‬من خالل األداء‬

‫المتكرر لالستجابة دون تدعيم‪ ،‬فالتوقف عن تقديم الطعام للفأر عند ضغطه على الرافعة‪ ،‬سيؤدي‬

‫متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األطعمة‪ /‬باب (‪ )2‬التسمية على الطعام واألكل باليمين‪ /‬رقم(‪ .)5376‬وصحيح مسلم‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫كتاب األشربة‪ /‬باب (‪ )13‬آداب الطعام والشراب وأحكامها‪ ،‬رقم (‪.)2022‬‬


‫جامع الترمذي‪ ،‬كتاب األطعمة‪ /‬باب (‪ )47‬ما جاء في التسمية على الطعام‪ ،‬رقم (‪.)1857‬‬ ‫‪2‬‬

‫متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األطعمة‪ /‬باب (‪ )2‬التسمية على الطعام واألكل باليمين‪ /‬رقم(‪ .)5376‬وصحيح مسلم‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫كتاب األشربة‪ /‬باب (‪ )13‬آداب الطعام والشراب وأحكامها‪ ،‬رقم (‪.)2022‬‬


‫(فسطاطا) خيمة من شعر أو غيره لها أورقة حولها‪ ،‬تعليق مصطفى البغا في حاشية صحيح البخاري‪.)2/95( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الجنائز‪ /‬باب(‪ )80‬الجريد على القبر‪.)2/95( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪139‬‬
‫مع الوقع إلى تقليل عدد مرات ضغط الفأر على االستجابة ثم توقف الضغظ‪ ،‬وهذا ما ُيعرف‬

‫باالنطفاء‪.1‬‬

‫ضي‬ ‫والسالم التغاقل‪ ،‬ومنه الذي ورد عن أَنس ر ِ‬ ‫وقد ورد في سيرة رسول هللا عليه الصالة‬
‫ٌَ َ َ‬
‫ص َن ْع َع؟‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ال لي‪ :‬أُف‪َ ،‬والَ‪ :‬ل َم َ‬
‫َ َ َ‬ ‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم‬
‫ع ْشر ِسِنين‪َ ،‬فما َق ِ‬
‫َ َ‬
‫َِّ‬
‫ال‪َ " :‬خ َد ْم ُع النب َّي َ‬
‫َّللاُ َع ْن ُه َق َ‬
‫َّ‬

‫ص َن ْع َع" ‪ ،‬فمن الطبيعي أن "أنس" رضي هللا عنه بصفته بشر لم ُيتقن حسن الخدمة يوماً‬
‫‪2‬‬ ‫َّ‬
‫َوالَ‪ :‬أَال َ‬
‫ما‪ ،‬أو أنه وضع متاعاً في غير مكانه المناسب‪ ،‬لكن النبي عليه الصالة والسالم تغافل عن ذلك‪،‬‬
‫ليس لمجرد االنطفاء‪ ،‬ولكن هذا الموقف يدل على احترام وتقبل الطفل‪ ،‬فالنبي عليه الصالة والسالم‬

‫كان بإمكانه أن يدقق على خدمته‪ ،‬لكنه أراد أن يعلم أمته احترام ذوق اآلخرين وتقبلهم ‪-‬خاصة‬
‫األطفال‪ -‬ألن التدقيق المستمر عليهم يرهق ضعفهم‪ ،‬ويطفئ شغفهم بالعطاء‪.‬‬

‫وترسيخاً لمبدأ احترام شخصية الطفل‪ ،‬والتأكيد على أهمية وقيمة ذلك في اإلسالم‪ ،‬يقول‬
‫ال‪:‬‬ ‫الح ِج األَ ْك َب ِر‪َ ،‬ق َ‬
‫َي َي ْو ٍم َه َذا؟" َقاُلوا‪َ :‬ي ْوُم َ‬
‫النبي عليه الصالة والسالم للناس في اليوم العظيم‪" :‬أ ُّ‬
‫ان ِإ َّال‬‫اض ُكم َب ْي َن ُكم َح َرٌام َك ُح ْرم ِة َي ْو ِم ُكم َه َذا ِفي َبَلِد ُكم َه َذا‪ ،‬أ ََال َال َي ْجِني َج ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َع َر َ ْ‬ ‫"َفإ َّن د َم َ‬
‫اء ُك ْم َوأ َْم َواَل ُك ْم َوأ ْ‬
‫ود َعَلى والِِدِه‪ِ َ ،3"...‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪ :‬أَتَ ْي ُع النَِّب َّي‬
‫وع ْن أَبي ِرْماَ َة َق َ‬ ‫َ‬ ‫َعَلى َنْف ِسه‪ ،‬أ ََال َال َي ْجني َجا ٍن َعَلى َوَلده َوَال َم ْوُل ٌ‬
‫َما ِإَّن َك َال تَ ْجِني‬ ‫صَّلى هللا عَلي ِه وسلَّم مع أَِبي َفَقال‪" :‬من ه َذا معك؟" َقال‪ :‬ابِني‪ ،‬أ ْ ِ ِ‬
‫ال‪" :‬أ َ‬ ‫َش َهُد به‪َ ،‬ق َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َْ َ ََ َ‬ ‫ُ َ ْ ََ َ ََ‬ ‫َ‬
‫َعَل ْي ِه‪َ ،‬وَال َي ْجِني َعَل ْي َك"‪ ،4‬أي‪ :‬ال يجوز للوالد أن يقتل أو يجرح ولده‪ ،‬وال للولد أن يقتل أو يجرح‬
‫والده‪ ،‬وال يجوز القول‪ :‬لي الحكم في ولدي فيجوز لي أن أفعل به ما أشاء‪ ،‬بل هذا الظن خطأٌ؛ ألن‬
‫صرف في‬
‫أحدا فقد عصى هللا تعالى؛ ألنه ت َّ‬
‫كل فرد عبد وملك هلل وحده‪ ،‬فمن قتل أو جرح أو آذى ً‬
‫ملك هللا بغير إذنه‪" ،5‬فالطفل بحاجة إلى احترام شخصيته لتنمو وتتقوى‪ ،‬وهذه الشخصية إذا ضعفع‬

‫ينظر‪ :‬مليكة‪ ،‬لويس كامل‪ ،‬العالج السلوكي وتعديل السلوك‪ ،‬دار القلم‪-‬الكويع‪( ،‬ط‪1990 /1‬م)‪ ،‬ص‪.19-18 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األدب‪ /‬باب (‪ )39‬حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل‪ ،‬رقم (‪ .)6038‬وصحيح‬ ‫‪2‬‬

‫مسلم‪ ،‬كتاب الفضائل‪ /‬باب (‪ )13‬كان رسول هللا عليه الصالة والسالم أحسن الناس خلقا‪ ،‬رقم (‪.)2309‬‬
‫جامع الترمذي‪ ،‬أبواب الفتن‪ ،‬باب ما جاء في تحريم الدماء واألموال‪ ،‬حديث رقم (‪ .)2159‬قال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن‬ ‫‪3‬‬

‫صحيح‪.)461 /4( .‬‬


‫‪ 4‬سنن الترمذي‪ ،‬باب ما جاء دماؤكم وأموالكم عليكم حرام‪ ،‬حديث رقم (‪ .)461 /4( ،)2159‬وقال الترمذي‪" :‬هذا حديث حسن‬
‫صحيح"‪.‬‬
‫اني‪ ،‬المفاتيح في شرح المصابيح‪ ،‬تحقيق ودراسة‪ :‬لجنة مختصة‬ ‫‪ 5‬المظهري‪ ،‬الحسين بن محمود بن الحسن‪ ،‬مظهر الدين َّ‬
‫الزْي َد ُّ‬
‫من المحققين بإشراف‪ :‬نور الدين طالب‪ ،‬دار النوادر ‪-‬الكويع‪( ،‬ط‪1433 /1‬ه)‪.)170/1( ،‬‬
‫‪140‬‬
‫أو اضمحلع حرم الطفل من النجاح والفوز في المستقبل ولم يتهاون في ارتكاب الرذائل‪ ،‬ألنه محتقر‬

‫مهان"‪.1‬‬

‫يكاشف بما أقدم عليه‪ ،‬بل يتغافل‬


‫فإنه "إذا خالف الصبي في بعض األوقات ال يوبخ وال َ‬
‫عنه خاصة إذا اجتهد في ستره"‪ ،2‬وبخاصة أن األطفال أحياناً يرتكبون بعض األخطاء لجذب االنتباه‪،‬‬

‫فال بد عندها من التجاهل؛ ألن إثارة الضجة قد تؤدي إلى تشباه بذلك الخطأ‪ ،3‬إال أن التجاهل‬
‫شرطه عدم اإلهمال إن كانع األخطاء طباعه‪ ،‬فإذا "أهملع الطباع ولم ترض بالتأديب والتقويم‪ ،‬نشأ‬
‫كل إنسان على رسوم طباعه‪ ،‬وبقي عمره كله على الحال التي كان عليها في الطفولية"‪ ،4‬فإن الطفل‬

‫أذا "خالف ذلك في بعض األحوال مرة واحدة‪ ،‬فينبغي أن يتغافل عنه‪ ،‬وال يهتك ستره‪ ،‬وال يكاشفه‪،‬‬
‫وال يظهر له أنه يتصور أن يتجاسروا أحد على ماله‪ ،‬وال سيما إذا ستره الصبي‪ ،‬واجتهد في إخفائه‬
‫فإن إظهار ذلك عليه ربما يفيده جسارة حتى ال يبالي بالمكاشفة‪ ،‬فإن عاد ثانياً‪ ...‬فينبغي أن يعاتب‬
‫س اًر‪ ،‬ويعظم األمر فيه‪ ...‬دون اإلكاار من القول عليه بالعتاب في كل حين‪ ،‬فإنه يهون عليه سماع‬
‫المالمة"‪.5‬‬

‫يظهر أن التغافل ‪-‬أو ما يعرف باالنطفاء‪ -‬هو منهج من مناهج الفكر اإلسالمي إال أن‬

‫اإلسالم وضع لذلك ضوابط‪ ،‬بأن ال يكون من طباع الطفل ‪-‬أو األبناء بشكل عام‪ ،-‬وأن ال يكرره‬
‫م ار اًر‪ ،‬وأن ال يؤدي التغافل إلى إهمال الطفل‪ ،‬إضافة أن ال يكون السلوك الخاطئ فاحشاً أو خط اًر‪،‬‬
‫ألن في تجاهله مفسدة أعظم‪.‬‬

‫يظهر أن الفكر التربوي اإلسالمي‪ ،‬والفكر في المدرسة السلوكية‪ ،‬يلتقيان في أن الهدف من‬
‫العقاب هو تغيير سلوك الفرد نحو األفضل‪ ،‬ومحو السلوك الغير مرغوب به‪ ،‬في حين أن الفكر‬
‫التربوي األسالمي يتميز عن علم النفس بتجاوز العقاب الدنيوي المعجل إلى العقاب األخروي المؤجل‪،‬‬

‫كما يركز على السلوك الباطن‪ ،‬باإلضافة للسلوك الظاهر‪ ،‬فيهتم باألسباب‪ ،‬والهدف‪ ،‬ويضع المعايير‬

‫االستانبولي‪ ،‬محمود مهدي‪ ،‬كيف نربي أطفالنا‪( ،‬ط‪1416 /4‬ه)‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت ‪-‬لبنان‪ ،‬ص‪.33:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ .2‬ابن مسكويه‪ ،‬تهذيب األخالق وتطهير األعراق‪ ،‬ص‪69 :‬‬


‫ينظر‪ :‬الجريبة‪ ،‬كيف تربي ولدك‪ ،‬ص‪.66:‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن مسكويه‪ ،‬تهذيب األخالق وتطهير األعراق‪ ،‬ص‪.45:‬‬ ‫‪4‬‬

‫الغزالي‪ ،‬إحياء علوم الدين‪.)3/73( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪141‬‬
‫الالزمة‪ ،‬والقيم الواضحة‪ ،‬وال شك أن تنفيذ العقوبة فيه حفظ لهيبة النظام المشرع للعقوبات‪ ،‬ومما‬

‫يدل على أهمية العقوبات أنه ما من خطوة في القرآن أو السنة سواء أكانع تعليمية‪ ،‬أم توجيهية‪ ،‬أم‬
‫تشريعية‪ ،‬أم عملية‪ ،‬إال وتقترن بالاواب‪ ،‬أو العقاب‪ ،‬تبعاً لمقتضيات الظروف‪ ،‬ومتطلبات األحوال‪،1‬‬
‫يقول سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ‬

‫ﳀ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆﳇﱠ‪.2‬‬
‫ﳁ‬ ‫ﲿ‬

‫المطلب الرابع‪ :‬النمذجة‬

‫المشاهد واالقتداء به‪ ،‬ومن هنا‬


‫َ‬ ‫تميل الطفولة بشدة إلى التأثر بما تشاهده‪ ،‬بتقليد النموذج‬

‫يعرف بالنمذجة‪ ،‬وتعد النمذجة من أبرز سمات المدرسة السلوكية‪.‬‬


‫تكمن خطورة وأهمية التقليد‪ ،‬أو ما َ‬

‫وأهم المحاور التي تناولتها المدرسة السلوكية في موضوع النمذجة هي كما يلي‪:‬‬

‫أوًلا‪ :‬الهدف من النمذجة‬

‫تؤدي مالحظة سلوك اآلخرين وما يترتب عليه من نتائج إلى كف أو تحرير سلوك لدى‬
‫األفراد‪ ،‬فمالحظة نموذج يعاقب على سلوك ما‪ ،‬قد يشكل دافعاً لآلخرين للتوقف عن ممارسة مال‬
‫هذا السلوك أو كفه‪ ،‬في حين أن مشاهدة نماذج تعزز على سلوك ما‪ ،‬قد تاير الدافعية لدى آلخرين‬
‫لممارسة مال هذا السلوك‪ ،3‬كما يمكن استخدام التخيل في مواقف النمذجة‪ ،‬وهو ما يعرف بالنمذجة‬
‫الفنية‪ ،‬وقد يشترك المالحظ والنموذج في أداء المهارة المراد تعلمها‪ ،‬وهو ما يعرف بالنمذجة‬
‫المشاركة‪ ،‬ويقترن كل ذلك بنوع من التعزيز اإليجابي‪ ،‬مالما يحدث عندما نحاول عالج طفل يخاف‬

‫من الكالب‪ ،‬فيشاهد أحد نظرائه يقترب تدريجياً من الكلب‪ ،‬ويحاكيه المالحظ المسترشد‪ ،‬ويعزز في‬
‫كل مرة يحقق تقدم فيها‪ ،‬ويظل يقترب حتى يالعب الكلب‪ ،‬وتعرف هذه العمليه بالنمذجة المتدرجة‬
‫أو التدريجية‪" ،4‬فوفقاً لهذه النظرية‪ ،‬فإن األفراد يستطيعون تعلم العديد من األنماط السلوكية لمجرد‬

‫مالحظة سلوك اآلخرين"‪.5‬‬

‫ينظر‪ :‬الشريفين‪ ،‬تعديل السلوك اإلنساني في التربية اإلسالمية‪ ،‬ص‪.114-113:‬‬ ‫‪1‬‬

‫اإلسراء‪.57 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬زغلول‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬ص‪.134 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.572:‬‬ ‫‪4‬‬

‫زغلول‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬ص‪.126 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪142‬‬
‫يتضح أن الهدف من النمذجة من منظور المدرسة السلوكية‪ ،‬يقوم على كف أو تحرير‬
‫ِ‬
‫المشاهد ‪-‬خاصة األطفال‪-‬‬ ‫السلوك‪ ،‬دون االرتقاء إلى هدف تخضع له مال هذه الجزئية‪ ،‬مما يعرض‬
‫إلى خطر التقليد األعمى‪ ،‬فعندما يفتقر الطفل إلى أهداف سامية‪ ،‬فإنه سيكون ضحية مخاطر‬
‫َّ‬
‫المعزز في النموذج‪ ،‬بصرف النظر عن مدى صحتها أو‬ ‫ومساوئ النموذج‪ ،‬إذ يقلد السلوك‬

‫صالحيتها‪،‬و هذا ما جعل "باندورا" يحذر من مخاطر التلفاز‪.‬‬

‫المشاهد ال يصلح تقليده في كل الظروف‪،‬‬


‫َ‬ ‫إذ ال يمكن االكتفاء باألهداف الجزئية‪ ،‬فالسلوك‬
‫فعلى سبيل الماال‪ ،‬عندما يشاهد الطفل كرتوناً ينجح فيه البائع بلفع انتباه المارة إلى بضاعته برفع‬

‫صوته‪ ،‬ال يليق للطفل أن يرفع صوته على أمه أو معلمه ليلفع انتباههم إليه‪ ،‬ألن رفع الصوت في‬
‫هذه المواطن مخالفة لالحترام واآلداب‪ ،‬هذا يعني أن فقدان هدف يقيم ويوجه األهداف الفرعية‪،‬‬
‫سيؤدي إلى سوء تطبيق األهداف الجزئية‪ ،‬وتسييرها وفق األهواء لينتج عن ذلك تخبط العملية‬
‫التربوية‪.‬‬

‫ولتفادي ذلك يالحظ أن النبي عليه الصالة والسالم يوجه الصحابة ‪-‬بما فيهم األطفال‪-‬‬
‫نحو الهدف األسمى‪ ،‬والسبب الذي ألجله ُخلق اإلنسان‪ ،‬وذلك عندما يعرض نموذج المرأة التي‬

‫ال‪:‬‬ ‫ِ َّ‬ ‫َّللاِ َّ‬ ‫َّللاُ َع ْن ُه َما‪ ،‬أ َّ‬ ‫َّللاِ ب ِن عمر ر ِ‬ ‫أساءت إلى هرة‪ ،‬فعن َع ْبِد َّ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪َ ،‬ق َ‬ ‫ول َّ َ‬ ‫َن َرُس َ‬ ‫ضي َّ‬
‫ْ ُ ََ َ َ‬
‫الن َار‪ ،‬الَ ِه َي أَ ْ‬
‫ط َع َم ْت َها َوالَ َسَق ْت َها‪ِ ،‬إ ْذ َح َب َس ْت َها‪،‬‬ ‫يها َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ ٍِ‬
‫ام َأرَةٌ في ه َّرة َس َج َن ْت َها َحتى َماتَ ْع‪َ ،‬ف َد َخَل ْع ف َ‬
‫ِ ِ‬
‫" ُعذ َبع ْ‬
‫ض"‪ ،1‬وفي تعذيبها بسبب الهرة داللة على أن فعلها كبيرة ألنها‬ ‫اش األ َْر ِ‬ ‫ْك ُل ِم ْن َخ َش ِ‬ ‫َوالَ ِه َي تَ َرَك ْت َها تَأ ُ‬
‫أصرت عليه‪ ،2‬إذ لم يقتصر على عرض المشاهد ببيان السلوك غير المرغوب فيه‬
‫‪-‬اإلساءة إلى الهرة‪ -‬وإنما جعل الهدف محور النموذج‪ ،‬إذ ابتدأ به بقوله‪" :‬دخلع امرأة النار" وفي‬
‫ذلك رسالة ضمنية أن ذكر الترهيب من النار‪ ،‬بهدف اجتنابها والنجاة منها بالبعد عن معصية هللا‬

‫عز وجل‪ ،‬وبالتالي يملك الطفل ‪-‬والصحابة عامة‪ -‬الميزان الواضح في مسألة اإلساءة إلى الحيوانات‪،‬‬
‫فذبح قطة مصابة بمرض ٍ‬
‫معد خطير‪ ،‬سلوك فيه إساءة عندما ُيصرف النظر عن الهدف‪ ،‬بينما‬

‫متفق عليه (واللفظ للبخاري)‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب أحاديث األنبياء‪ /‬باب (‪ ،)54‬رقم (‪ .)176 /4( ،)3482‬وصحيح‬ ‫‪1‬‬

‫مسلم‪ ،‬كتاب السالم‪ /‬باب(‪ )40‬تحريم قتل الهرة‪ ،‬رقم (‪.)1760 /4( ،)2242‬‬
‫العيني‪ ،‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪.)209 /12( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪143‬‬
‫بالنظر إلى الهدف األعلى والذي يقيم السلوك ويوجهه‪ ،‬سيصبح سلوكاً صحيحاً‪ ،‬لوجوب منع انتشار‬

‫األوبئة بين القطط األخرى‪ ،‬وبين الناس‪ ،‬وبهذا تكون العملية التربوية ذات ميزان واضح المعالم‪،‬‬
‫راسخة القواعد‪ ،‬وقد كان النبي عليه الصالة والسالم يؤسس لهم بوصلة الهدف األسمى؟ حتى أنه‬
‫النِب ُّي‬
‫ط َّ‬ ‫َّللا ع ْنه‪َ ،‬قال‪" :‬خ َّ‬ ‫يبين لهم النموذج‪ ،‬بوصفه الدقيق‪ ،‬ومعادلته الاابتة‪ ،‬فعن عبِد َّ ِ ِ‬
‫َّللا َرض َي َّ ُ َ ُ َ َ‬ ‫َْ‬
‫ص َغا ًار ِإَلى َه َذا‬ ‫طا ِ‬ ‫طً‬ ‫ط ُخ َ‬ ‫طا ِفي الوس ِط خ ِارجا ِم ْنه‪ ،‬وخ َّ‬ ‫ط خ ًّ‬ ‫َّ‬ ‫ًّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫َّ‬
‫ََ َ ً ُ ََ‬ ‫َّعا‪َ ،‬و َخ َ‬‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َخطا ُم َرب ً‬ ‫َ‬
‫ط ِب ِه ‪-‬أ َْو‪َ :‬ق ْد‬ ‫َجُل ُه ُم ِحي ٌ‬
‫ان‪َ ،‬و َه َذا أ َ‬
‫َّالِذي ِفي الوس ِط ِم ْن ج ِانِب ِه َّالِذي ِفي الوس ِط"‪ ،‬وَقال‪َ " :‬ه َذا ِ‬
‫اإل ْن َس ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫طُ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫أَحا َ ِ ِ‬
‫طأَهُ َه َذا َن َه َش ُه َه َذا‪،‬‬ ‫اض‪َ ،‬فِإ ْن أ ْ‬
‫َخ َ‬ ‫َع َر ُ‬
‫ط الص َغ ُار األ ْ‬ ‫الخ َ‬
‫َمُل ُه‪َ ،‬و َهذه ُ‬ ‫ِ‬
‫ط به‪َ -‬و َه َذا الذي ُه َو َخارٌج أ َ‬ ‫َ‬
‫طأَهُ َه َذا َن َه َش ُه َه َذا"‪ ،1‬إذ يبين المعلم القائد صورة حياة اإلنسان بياناً موج اًز هادفاً‪ ،‬حيث شبه‬
‫َخ َ‬
‫َوإِ ْن أ ْ‬
‫األجل محاط بحياة اإلنسان ال فرار منه‪ ،‬والخط الداخل في‬
‫األجل بالمربع الذي يحيط بالشيء‪ ،‬ألن َ‬
‫َ‬
‫المربع هو اإلنسان‪ ،‬والخارج أمله‪ ،‬وهو ما يرجوه اإلنسان من الملذات والمحبوبات‪ ،‬وقوله‪" :‬وهذه‬
‫الخطط الصغار األعراض"‪ ،‬أي‪ :‬اآلفات العارضة له‪ ،‬والحوادث تنهشه‪ ،‬فلن تميته حتى يأتي أجله‪،‬‬
‫فإذا جاء األجل انقطعع اآلمال‪ ،‬وتوقف تحقييق األمنيات التي كان يرجوها‪ ،‬فحاصله أن ابن آدم‬
‫يتعاطى األمل ولكن قد حول األجل دون األمل‪ ،‬فاآلمال أبعد من أجله‪ ،2‬لذلك ينبغي على اإلنسان‬
‫أن يعمل دون أن ينسى الهدف الذي ُخلق ألجله‪ ،‬وأال يتعلق باألهداف الفرعية والجزئية‪ ،‬واألمنيات‬
‫الدنيوية‪ ،‬إنما تكون كلها ضمن هدف الجنة ال تلهيه عن العمل ألجلها‪ ،‬فيبادر إلى األعمال الصالحة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬العوامل الداخلية‬

‫تبين أن المدرسة السلوكية اهتمع بدراسة السلوك من حيث الظاهر‪ ،‬دون دراسات أخرى‬

‫خارج نطاق السلوك‪ ،‬هذا يقود إلى أن نظرية التعلم االجتماعي السلوكية لم تصل إلى الحد الالزم‬
‫من االهتمام بالقوى الداخلية‪ ،‬ذلك أنها لم تعطها حقها الكامل في التأثير‪ ،‬ففي مراحل تعديل السلوك‬

‫تؤكد على دور البيئة من خالل التقليد‪ ،‬دون أن تتطرق إلى فكر التلميذ‪ ،‬أو إلى دور الحب‪ ،‬أو‬
‫القناعة‪ ،‬أو الفروق الفردية‪ ،‬وإذا تطرقع إليها فإنها ال تجعلها محور العملية التعليمية‪.‬‬

‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب (‪ )4‬في األمل وطوله‪ ،‬رقم (‪.)6417‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬العيني‪ ،‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪ ،)35 /23( ،‬وينظر‪ :‬السبع‪ ،‬خالد بن عامان‪ ،‬موقع الشيخ خالد بن‬ ‫‪2‬‬

‫عثمان السبت‪ً ،khaledalsabt. com ،‬نشر في ‪2009‬م‪.‬‬


‫‪144‬‬
‫فليس من الغرابة أن يؤمن "باندورا" أنه طالما يوجد دوافع خاصة لدى الفرد لممارسة السلوك‬

‫غير المرغوب فيه‪ ،‬فإن مشاهدة النماذج المعاقبة على هذا السلوك ربما ال تؤثر على عدم ممارستها‬
‫من قبل هؤالء األفراد‪ ،1‬حيث "انتقد "باندورا" شدة تأكيد "سكنر" على الضبط الكامل للبيئة‪ ،‬وأكد على‬
‫التفاعل المستمر والمتبادل بين الفرد والبيئه‪ ،‬وينقل المؤلف"زغلول" عن "باندورا" قوله‪" :‬فلو كان الناس‬

‫عاجزين عن التأثير على األحداث الخاصة بهم‪ ،‬فإنه من المحتمل وجود القدرة على وصفها والتنبؤ‬
‫بها‪ ،‬دون القدرة على ممارسة أي ضبط عليها"‪ ،‬ورأى "بندورا" االهتمام بعمليات التبادل بين األحداث‬
‫الداخلية‪ ،‬والخارجية للفرد‪ ،‬والسلوك الذي يصدر عنه‪ ،‬فوفقاً لهذا المبدأ فإن العمليات المعرفية‪( ،‬بما‬

‫في ذلك المعتقدات واألفكار‪ ،‬والتغفيالت‪ ،‬والتوقعات‪ ،‬واإلدراكات الذاتية) تلعب دو اًر بار اًز في السلوك‬

‫اإلنساني‪ ،‬ومال هذه العمليات تتحكم بكل من السلوك‪ ،‬والفرد‪ ،‬والبيئة‪ ،‬وهي في الوقع نفسه أيضاً‬
‫محكومة بسلوك الفرد والبيئة"‪ ،2‬إال أنه كان من الجدير أن يركز على العاطفة الذي يعرضه النموذج‪،‬‬
‫إضافه إلى أن "باندورا" في التطبيق أعطى للبيئة السيطرة األكار‪ ،‬وفي كاير من تحليل تجاربه ال‬
‫يتطرق إلى الحديث عن سيطرة أو دور العوامل الداخلية‪.‬‬

‫ففي تجربة مشاهد األطفال لمشاهدة األفالم‪ ،‬يحلل النتائج بناء على أسباب مرتبطة بالمحاكاة‬
‫والتعزيز أو العقاب‪ ،‬فالطفل الذي يشاهد عنفاً يعاقب عليه مرتكبه‪ ،‬ستكون نسبة ارتكابه لذلك العنف‬
‫أقل بكاير من الطفل الذي شاهد عنفاً يعزز عليه مرتكبه‪.‬‬

‫ال شك أن للمشاهدة دور هام في تشكيل السلوك‪ ،‬خاصة إذا أعقبها تعزيز أو عقاب‪ ،‬لكن‬
‫ال بد من اإلشارة إلى مركزية العوامل الداخلية في النمذجة‪ ،‬فلو لم يكن لها المركزية لكانع نتائج‬
‫المشاهدة ستتطابق مع كل األطفال‪ ،‬إال أن الطفل الذي يؤمن أن العنف خلق سيء‪ ،‬فإن مشاهدته‬
‫لتعزيز العنف لن تؤثر عليه كباقي الطالب‪ ،‬وإن تحقق التأثير فالراجح أنه بنسبة قليلة‪ ،‬فالناس‬

‫"يتفاوتون بكارة اإلصابة‪ ،‬وسرعة اإلدراك‪ ،‬ويكون سببه إما تفاوتاً في الغريزة‪ ،‬وإما تفاوتاً في‬
‫الممارسة"‪.3‬‬

‫زعلول‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬ص‪.135 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫زغلول‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬ص‪126 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫الغزالي‪ ،‬إحياء علوم الدين‪.)88/1( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪145‬‬
‫لذلك فإن الفكر اإلسالمي في عرضه للنماذج يخاطب العقل والعاطفة‪ ،‬ومااله رواية "ابن‬

‫عباس"‪ ،‬إذ كان يمشي مع النبي عليه الصالة والسالم‪ ،‬وجمع من الصحابة‪ ،‬مر النبي عليه الصالة‬
‫الب ْو ِل‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ان ِفي َكِب ٍ‬ ‫ان‪ ،‬وما ُي َع َّذ َب ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫والسالم بقبرين‪َ ،‬فَق َ ِ َّ‬
‫ان الَ َي ْستَت ُر م َن َ‬
‫َحُد ُه َما َف َك َ‬
‫َما أ َ‬
‫ير‪ ،‬أ َّ‬ ‫ال‪" :‬إن ُه َما َلُي َعذ َب َ َ‬
‫طب ًة‪َ ،‬ف َشَّقها ِنصَفي ِن‪َ ،‬ف َغرَز ِفي ُك ِل َقب ٍر و ِ‬ ‫َما اآلخر َفكان يم ِشي ِبالنَّ ِم ِ‬
‫اح َد ًة‪،‬‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫َخ َذ َج ِر َيد ًة َر ْ َ‬
‫يمة"‪ .‬ثُ َّم أ َ‬
‫َ‬ ‫َُ َ َ َْ‬ ‫َوأ َّ‬
‫ف َع ْن ُه َما َما َل ْم َي ْي َب َسا"‪ ،1‬فالنبي عليه الصالة والسالم‬ ‫َّ ِ‬ ‫َقاُلوا‪ :‬يا رسول َّ ِ ِ‬
‫ال‪َ" :‬ل َعل ُه ُي َخف ُ‬ ‫َّللا‪ ،‬ل َم َف َعْل َع َه َذا؟ َق َ‬ ‫َ َُ َ‬
‫يعرض نموذج القبرين‪ ،‬ويحاكي عاطفة الخوف من عذاب هللا والترهيب من ناره‪ ،‬إضافة إلى أنه لم‬
‫يكتف بخبر عذابهما‪ ،‬وإنما يبين أيضاً سبب العذاب مخاطبة للعقل‪ ،‬فأما األول ترك التحرز من‬

‫البول‪ ،‬وأما الااني كان ينقل كالم الناس بقصد اإلضرار بهم‪ ،2‬وهذا يخالف ما تربى عليه الصحابة‬
‫على مبادئ اإلسالم األولى في الطهارة وحفظ أعراض الناس‪ ،‬إذ بهما تتحقق المصالح الدنيوية‬
‫واألخروية‪.‬‬

‫فنجاح النبي عليه الصالة والسالم في تربية الصحابة على اجتناب مقتضيات المشهد‬
‫المعروض‪ ،‬لم يكن لمجرد عرضه‪ ،‬وال حتى لمجرد بيان السبب‪ ،‬وإنما امتاالهم يكمن أيضاً في بذرة‬
‫اإليمان التي تامر الطاعة‪ ،‬وحبهم لالمتاال ألوامر النبي المربي عليه الصالة والسالم‪ ،‬فقد كان عليه‬
‫الصالة والسالم يخاطبهم بحب ولطف خالل التعليم بالنمذجة‪ ،‬وفي ذلك غاية في اإلعانة على حسن‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم َم َّر ِب ُغ َال ٍم َو ُه َو‬ ‫التأثير والتقليد‪ ،‬ومن ذلك ما رواه أَبو س ِع ٍيد‪ ،‬أ َّ َِّ َِّ‬
‫َن النب َّي النب َّي َ‬ ‫َ‬
‫َّللاِ صَّلى هللا عَلي ِه وسلَّم‪" :‬تَن َّح حتَّى أ ُِريك"‪َ" ،‬فأ َْدخل يده بين اْل ِجْلِد و َّ‬
‫الل ْحمِ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ َ ََ ُ َْ َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ َ ْ ََ َ َ َ‬ ‫ول َّ َ‬ ‫ال َل ُه َرُس ُ‬
‫اة‪َ ،‬فَق َ‬
‫َي ْسُل ُخ َش ً‬
‫اس َوَل ْم‬‫ضى َفصلَّى لِ َّلن ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫اسُل ْخ" "ثُ َّم َم َ‬
‫ال‪َ " :‬يا ُغ َال ُم َه َك َذا َف ْ‬
‫َف َد َح َس ب َها َحتى تََو َار ْت إَلى ْاإلبط"‪َ ،‬وَق َ‬
‫َيتََو َّ‬
‫ضأْ"‪ ،3‬فالنبي عليه الصالة والسالم يخبره أن يتنح جانباً ليعلمه بالمشاهدة الذبح الصحيح‪ ،‬وبعد‬
‫أن شاهد الغالم ذلك‪ ،‬خاطبه بلطف‪ ،‬ترسخاً للنمذجة‪ ،‬بقوله "يا غالم"‪.‬‬

‫‪ 1‬متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب الغيبة‪ ،‬حديث رقم (‪ .)17/8( ،)6052‬وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب‬
‫الدليل على نجاسة البول ووجوب االستبراء منه‪ ،‬حديث رقم (‪.)240/1( ،)292‬‬
‫ينظر‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪.)319-318/1( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫سنن أبي داود‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب (‪ )72‬الوضوء من مس اللحم النيء وغسله‪ ،‬رقم (‪ .)47 /1( ،)185‬وسنن ابن ماجة‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫كتاب الذبائح‪ ،‬باب (‪ )6‬السلخ‪ /‬رقم (‪ .)1061 /2( ،)3179‬وإسناده صحيح‪.‬‬


‫‪146‬‬
‫ثالثا‪ :‬الحتمية‬

‫يرى "سكنر" أن القدرة على التنبؤ بالسلوك والتحكم فيه‪ ،‬تعتمد على فهم ظروف وطبيعة‬
‫البيئة التي تتحكم بحدوث السلوك‪ ،1‬حيث نقل عنه المؤلف "عبد الرحمن" قوله‪" :‬إذا استخدمنا الطرق‬

‫العلمية في دراسة اإلنسان فإنه يجب أن نفترض أن السلوك محدد بقوانين وحتميات ثابتة‪ ،‬كما يجب‬

‫أن تتوقع أن ما سنكتشفه يدل على أن سلوك اإلنسان هو نتيجة تعكس ما تعرض له من تشريط‬
‫‪2‬‬
‫إجرائي‪ ،‬ومن ثم يمكن أن نتوقع وإلى حد ما‪ ،‬ما يحدد تصرفاته"‪.‬‬

‫بينما يرى "باندورا" أن الناس أح ار اًر الى حد ما بنفس القدر‪ ،‬فهم يستطيعون التأثير في‬

‫ظروفهم البيئية المستقبليه من خالل تنظيمهم لسلوكهم‪ ،3‬وتعكس هذه العبارة تماماً مبدأه عن الحتمية‬
‫المتبادلة‪ ،‬والتي تعني وجود جزئين متساويين في التأثير‪ ،‬أي أن ذات اإلنسان والمصادر الخارجية‬
‫في البيئة تؤثر على سلوك اإلنسان بنسبة متساوية‪ ،‬ورغم أن "باندورا" يعتقد أن للبيئة قدرة معتدلة‬
‫على إظهار وتعديل السلوك البشري‪ ،‬إال أنه لم يعتبرها السبب اآللي والمباشر للسلوك كما يعتقد‬
‫"سكنر"‪.4‬‬

‫يفيد القول بخضوع اإلنسان للبيئة‪ ،‬عدم قدرة اإلنسان على ضبط ذاته‪ ،‬ومن ثم تخليصه من‬

‫مسؤوليته تجاه سلوكه‪ ،‬وفي ذلك ظلم للبشرية وهدر للحقوق‪ ،‬وإهمال للذات بما فيها قلب وعقل‬
‫اإلنسان‪ ،‬إذ لو كان انصياع الناس إلى هذا الحد للبيئة‪ ،‬لكان كل ردود الفعل واحدة تجاه األحداث!‬
‫ولما كان هناك إنسان ضعيف أو قوي‪ ،‬ذكي أو غبي‪ ،‬في نفس البيئة! وهذا محال‪ ،‬بل ُيطرح في‬
‫هذا المقام تساؤالت عديدة‪ ،‬فمن الذي ٍ‬
‫يوجد طبيعة البيئة؟ في يد من تحدد حال البيئة؟ هل يعقل أن‬
‫التشريط اإلجرائي‪ 5‬أوجد نفسه بنفسه؟ أو أن طبيعة البيئة المتسلطة بالعقاب أوجدت نفسها بنفسها؟!‬
‫يهمل تأثير‬
‫أليس اإلنسان هو الذي يوقع العقاب والاواب؟ وهو الذي يحدد التشريط اإلجرائي؟ فكيف َ‬

‫يمظر‪ :‬كالين‪ ،‬ستيفن‪ ،‬التعلم مبادئه وتطبيقاته‪ ،‬ص ‪81‬‬ ‫‪1‬‬

‫عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.528 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.620 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪ ،622-618 :‬وينظر‪ :‬مليكة‪ ،‬العالج السلوكي وتعديل السلوك‪ ،‬ص‪.23 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫التشريط اإلجرائي تقدم فيه مايرات تابعة قد تزيد من احتمالية حدوث السلوك والتي تعرف بالمعززات‪ ،‬أو تضعف وتحد من‬ ‫‪5‬‬

‫احتمالية حدوثه والتي تعرف بالمعززات السلبية‪ .‬ينظر‪ :‬عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.536:‬‬
‫‪147‬‬
‫اإلنسان في البيئة‪ ،‬واإلنسان هو الذي يحدد‪ ،‬ويرسم‪ ،‬ويصمم‪ ،‬الظروف المحيطة؟ أليس هو القادر‬

‫على فرض العقاب أو الاواب في البيئة أو لآلخرين‪ ،‬قاد اًر على فرض العقاب أو الاواب الذاتي؟‬
‫فيحدد سلوكه بناء على تشريطه اإلجرائي الذاتي؟‪.‬‬

‫ولو صحع الحتمية التبادلية‪-‬لدى "بندورا" فإن هذا االفتراض يقتضي إضافة افتراضاً آخر‬

‫مفاده أن البشر عقالنين أساساً‪ ،‬ومن ثم يمكن التعرف على الطبيعة البشرية بشكل علمي‪ ،‬وأن الناس‬
‫يستطيعون أن يحققوا ما يرغبونه من تغير‪ ،‬وعلى ذلك فإن احتمالية الضبط الذاتي هي احتمالية غير‬
‫محدودة على اإلطالق‪ ،‬ولكن المالحظ أننا ال نستطيع ضبط كل األحداث والوقائع‪ ،‬كأحداث الحروب‬

‫الطاحنة‪ ،‬أو اإلكراه‪ ،...‬وأحداثاً أخرى يكون الضبط فيها محدوداً‪ ،‬كمقاومة مرض عضال‪ ...‬قد‬
‫نكون محدودي القدرات بسبب االفتقار إلى التحمل أو الدافعية‪ ،‬ولكن في داخل هذه الحدود‪ ،‬قد‬
‫يتمكن بعض األشخاص من زيادة الضبط‪ ،1‬لذلك فإن اإلسالم ينظر في طبيعة المرء والظروف قبل‬
‫أن يقيم العقوبات ويطبق الحدد‪.‬‬

‫وفي الوقع ذاته‪ ،‬فإن اإلسالم ال يجعل من التربية مجهوداً فردياً يخفق أو ينجح‪ ! ،‬وإنما‬
‫يجعله منهجاً شامالً متكامالً يبدأ بولي األمر في التوجيه‪ ،‬وينتهي بالطفل الرضيع‪ ،‬فالولد الذي يرى‬

‫والده يكذب‪ ،‬من الصعب أن يتعلم الصدق‪ ،‬والولد الذي يرى أمه تغش أباه‪ ،‬ليس من السهل أن يتعلم‬
‫األمانة‪ ،2‬وهذا يؤكد حقيقة أن األسرة هي العمود األول في المسؤولية التربوية‪ ،‬ف َع ْن أَِبي ُه َرْي َرَة‪ ،‬أََّن ُه‬
‫ط َ ِرة‪َ ،3‬فأ ََب َواهُ ُي َه ِوَد ِان ِه‬ ‫ان َيُقول‪َ :‬قال رسول هللاِ صَّلى هللا َعَل ْي ِه وسَّلم‪" :‬ما ِم ْن موُل ٍ‬
‫ود ِإ َّال ُيوَلُد َعَلى اْل ِف ْ‬ ‫َْ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َُ ُ‬ ‫َك َ‬
‫يها ِم ْن َج ْد َعا َء"‪ ،4‬فالفطرة الطبيعية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫اء‪َ ،‬ه ْل تُح ُّسو َن ف َ‬
‫يم ًة َج ْم َع َ‬
‫يم ُة َبه َ‬
‫َوُي َنص َرانه َوُي َمج َسانه‪َ ،‬ك َما تُْنتَ ُج اْل َبه َ‬
‫التي جبل عليها اإلنسان بحيث إذا خال ونفسه ال يختار إال إياها‪ ،‬ولذلك فسروها باإلسالم‪ ،‬فهي‬
‫موجبة مقتضية لمعرفة دين اإلسالم‪ ،‬ومحبته‪ ،‬فلو ترك المولود على ما فطر عليه الستمر على‬

‫عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.654 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬سيد قطب‪ ،‬منهج التربية اإلسالمية‪)186-185/1( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬للعلماء أقوال في تحديد مفهوم الفطرة هنا‪ ،‬والظاهر أن المفصود بها‪ :‬القابلية للتوحيد ودين اإلسالم لكونه على مقتضى العقل‬
‫والتفكير الصحيح‪ .‬وانظر لالستزادة‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪.)185-181/4( ،‬‬
‫متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب إذا أسلم الصبي فمات‪ ،‬هل يصلى عليه؟ وهل يعرض على الصبي‬ ‫‪4‬‬

‫اإلسالم؟‪ ،‬حديث رقم (‪ .)94/2( ،)1359‬وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب القدر‪ ،‬باب معنى كل مولود يولد على الفطرة‪ ،‬حديث رقم‬
‫(‪.)2047/4( ،)2658‬‬
‫‪148‬‬
‫لزومه‪ ،‬ولم يفارقه إلى غيره‪ ،‬ولم يختر غير هذا الدين‪ ،‬إذ يولد اإلنسان سليم األعضاء‪ ،‬ثم يحصل‬

‫فيها النقص من الجدع وغيره ألجل تصرف اإلنسان‪" ،1‬فأوائل األمور هي التي ينبغي أن تراعى‪،‬‬
‫فإن الصبي بجوهره خلق قابالً للخير والشر جميعاً‪ ،‬وإنما أبواه يميالن به إلى أحد الجانبين"‪" ،2‬وانظر‬
‫ذلك في األبناء مع آبائهم كيف تجدهم متشبهين بهم دائماً وما ذلك إال العتقادهم الكمال فيهم"‪،3‬‬

‫و"ليس أدل على تأثير البيئة في شخصيات األطفال ‪-‬على نحو خاص‪ -‬أن أكار من ‪ %99‬من‬
‫الذين ينشؤون في مجتمع مسلم يكونون مسلمين"‪ ،4‬وهذا يوافق رأي "سكر" في أن الوالدين هما اللذان‬
‫يدعمان الطفل أساساً‪ ،‬ويشكالن تطوره ونموه في اتجاه محدد‪.5‬‬

‫إذ "يمتاز الطفل بصفاء الفطرة‪ ،‬وحب التقليد‪ ،‬والمحاكاة‪ ،‬فهو عجينة لينة يستطيع المربي‬
‫تشكيلها حيث شاء بإذن هللا"‪ ،6‬فهذا الطفل "ابن عباس" يتعلم الصالة بمحاكاة رسول هللا عليه الصالة‬
‫والسالم‪ ،‬ففي الالث األخير من الليل‪ ،‬ينظر كيف وضوء حبيبه‪ ،‬فيتوضأ كوضوئه‪ ،‬وينظر كيف‬
‫صَّلى‬ ‫ون َة‪َ ،‬فَق َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ام النب ُّي َ‬ ‫َ‬ ‫ات َلْيَلة ع ْن َد َخاَلتي َم ْي ُم َ‬ ‫ال‪ِ" :‬ب ُّع َذ َ‬ ‫َّاس‪َ ،‬ق َ‬‫صالته‪ ،‬فيصلي برفقته‪ ،‬فعن ْاب ِن َعب ٍ‬

‫ام‬
‫ضأَ‪َ ،‬فَق َ‬ ‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم ِإَلى اْل ِق ْرَب ِة‪َ ،‬فتَ َو َّ‬ ‫اللْي ِل‪َ ،‬فَق َِّ‬
‫ام النب ُّي َ‬ ‫َ‬
‫ط ِوعا ِمن َّ‬
‫صلي ُمتَ َ ً َ‬
‫هللا عَلي ِه وسَّلم ي ِ‬
‫ُ َ ْ ََ َ ُ َ‬
‫ْت ِم َن اْل ِق ْرَب ِة‪ ،‬ثُ َّم ُق ْم ُع ِإَلى ِش ِق ِه ْاأل َْي َس ِر‪َ ،‬فأَ َخ َذ ِب َيِدي ِم ْن‬ ‫ضأ ُ‬ ‫ص َن َع َذلِ َك َفتَ َو َّ‬ ‫َف َّ‬
‫صلى‪َ ،‬فُق ْم ُع َل َّما َأرَْيتُ ُه َ‬ ‫َ‬
‫ط ُّوِع َك ِ‬ ‫الش ِق ْاأل َْي َم ِن"‪ُ .‬قْل ُع‪" :‬أ َِفي التَّ َ‬ ‫ظه ِِره ِإَلى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َوَرِاء َ‬
‫ال‪"َ :‬ن َع ْم""‪،‬‬ ‫ان َذل َك؟" َق َ‬ ‫َ‬ ‫ظ ْه ِِره َي ْعدُلني َك َذل َك م ْن َوَراء َ ْ‬
‫ظ َر‬ ‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم ِع ْن َد َها ِألَْن ُ‬ ‫ون َة َلْيَل َة َك َ َِّ‬
‫ان النب ُّي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪َ :‬رَق ْد ُت في َب ْيع َم ْي ُم َ‬ ‫وفي رواية أخرى‪َ ،‬ق َ‬
‫َهلِ ِه‬ ‫ِ َّ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َم َع أ ْ‬
‫النِب ُّي َّ‬
‫َ‬
‫ال‪َ :‬فتَ َحَّد َث َّ‬ ‫ِ َّ ِ َّ ِ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم باللْيل‪َ ،‬ق َ‬
‫النِب ِي َّ‬
‫َ‬
‫ف ص َالةُ َّ‬
‫َك ْي َ َ‬
‫استَ َّن‪ ،7‬فيتعلم صالة النبي صلى هللا عليه وسلم‬ ‫ام َفتََو َّ‬ ‫ساع ًة‪ ،‬ثُ َّم رَقد وساق اْلحِد َ ِ ِ‬
‫ضأَ َو ْ‬ ‫يث‪َ ،‬وفيه ثُ َّم َق َ‬ ‫ََ ََ َ َ‬ ‫َ َ‬

‫ينظر‪ :‬النيسابوري‪ ،‬منة المنعم في شرح صحيح مسلم‪ ،)221/4( ،‬وينظر‪ :‬ابن القيم‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد‬ ‫‪1‬‬

‫شمس الدين (ت‪751 :‬ه)‪ ،‬أحكام أهل الذمة‪ ،‬يوسف بن أحمد البكري ‪-‬شاكر بن توفيق العاروري‪ ،‬رمادى للنشر –الدمام‪،‬‬
‫(ط‪1418 /1‬ه)‪.)1020 /2( ،‬‬
‫الغزالي‪ ،‬إحياء علوم الدين‪)74/3( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن خلدون‪ ،‬تاريخ ابن خلدون‪)184 /1( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫بكار‪ ،‬القواعد العشر في تربية األبناء‪ ،‬ص‪23 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.528 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫الفالح‪ ،‬عبد هللا بن سعد‪ ،‬تربية األبناء مراحل عمرية وخطوات عملية ووسائل تربوية‪1424 ،‬ه‪ ،‬دار ابن األثير‪ ،‬الرياض ‪-‬‬ ‫‪6‬‬

‫السعودية‪ ،‬ص‪.35:‬‬
‫صحيح مسلم‪ ،‬كتاب صالة المسافرين وقصرها‪ ،‬باب(‪ )26‬الدعاء في صالة الليل وقيامه‪ ،‬رقم(‪.)530 /1( ،)763‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪149‬‬
‫بالتقليد‪ ،‬ويسرد الحكاية يكل تفاصيلها‪ ،‬إذ تحدث النبي صلى هللا عليه وسلم مع أهله ساعة‪ ،‬ثم نام‪،‬‬

‫ثم قام النبي صلى هللا عليه وسلم فتوضأ‪ ،‬واستعمل السواك‪ ،1...‬فالنبي عليه الصالة والسالم كان‬
‫يحرص على تعليم أهله الصالة بما فيهم األطفال‪ ،‬إذ يعلم أنس بن مالك وطفالً يتيماً‪ ،2‬ومن ذلك ما‬
‫ص َن َع ْت ُه َل ُه‪،‬‬ ‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم لِ َ‬
‫ط َعا ٍم َ‬
‫َن جَّدته مَليك َة دعع رسول َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫س ْب ِن َمالك‪ ،‬أ َّ َ َ ُ ُ ْ َ َ َ ْ َ ُ َ‬
‫ٍِ‬ ‫ورد َع ْن أ ََن ِ‬

‫ول َما ُلِب َس‪،‬‬ ‫اس َوَّد ِم ْن ُ‬


‫ط ِ‬ ‫ِ‬ ‫صٍ‬‫َكل ِم ْنه‪ ،‬ثُ َّم َقال‪ُ" :‬قوموا َف ِألُص ِل َل ُكم" َقال أَنس‪َ :‬فُقمع ِإَلى ح ِ‬
‫ير َل َنا‪َ ،‬قد ْ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫ْ َ ٌَ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َفأ َ َ ُ‬
‫الع ُجوُز ِم ْن َوَرِائ َنا‪،‬‬ ‫َّللاِ صَّلى هللا عَلي ِه وسَّلم‪ ،‬وصَفْفع و ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫اءهُ‪َ ،‬و َ‬ ‫يم َوَر َ‬ ‫اليت َ‬
‫ُ َ ْ ََ َ َ َ ُ َ َ‬ ‫ول َّ َ‬ ‫ام َرُس ُ‬
‫ض ْحتُ ُه ب َماء‪َ ،‬فَق َ‬ ‫َف َن َ‬
‫ف‪ 3.‬قال ابن الملقن في شرح الحديث‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫َّللاِ َّ‬ ‫َف َّ‬
‫ص َر َ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َرْك َعتَ ْين‪ ،‬ثُ َّم ْان َ‬ ‫ول َّ َ‬ ‫صلى َل َنا َرُس ُ‬ ‫َ‬
‫‪4‬‬
‫"والصالة للتعلم ولحصول البركة"‬

‫فإنه مهما تعددت الجهات التربوية األخرى‪ ،‬وحتى لو تهافتع التيارات المدمرة فإنه يقععلى‬
‫عاتق األسرة المسؤولية بأن تجتهد كل الجهد في انتشال األوالد من خضم الفتن‪ ،‬لتكون األسرة خير‬
‫ول‬
‫اع َو َم ْسُئ ٌ‬
‫ام َر ٍ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫"كُّل ُكم ر ٍ ُّ‬
‫ول َع ْن َرعيَّته‪ ،‬اإل َم ُ‬ ‫اع‪َ ،‬وُكل ُك ْم َم ْسُئ ٌ‬ ‫نموذج يقتدى به‪ ،‬يقول عليه الصالة والسالم‪َ ْ ُ :‬‬
‫اع ِفي أَهلِ ِه وهو مسُئول عن رِعيَِّت ِه‪ ،‬والم أرَة ر ِ‬
‫اع َي ٌة ِفي َب ْي ِع َزْو ِج َها َو َم ْسُئوَل ٌة َع ْن‬ ‫َع ْن َرِعيَِّت ِه‪َ ،‬و َّ‬
‫الرُج ُل َر ٍ‬
‫َ َْ ُ َ‬ ‫ْ َ َُ َ ْ ٌ َ ْ َ‬
‫ول َع ْن َرِعيَِّت ِه"‪ ،5‬فال غنى عن دور األسرة في صد التيارات‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫رِعيَِّتها‪ ،‬و ِ‬
‫الخاد ُم َار ٍع في َمال َسِيده َو َم ْسُئ ٌ‬
‫َ َ َ َ‬
‫المدمرة‪ ،‬وتنشئة األجيال على الدين اإلسالمي الحنيف‪ ،‬إلنقاذها من الخسران‪ ،‬يقول سبحانه‪:‬ﭐﱡﭐﲪ‬

‫ﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸ‬

‫ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀﱠ‪" ،6‬فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة‪ ،‬ويصلح أهله‬

‫الب َّهاج في شرح صحيح مسلم بن‬


‫الروض َ‬
‫(المسمى‪ :‬الكوكب الوهَّاج و َّ‬
‫َّ‬ ‫‪ 1‬ينظر‪ :‬العلوي‪ ،‬الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم‬
‫الحجاج‪.)50/10( ،‬‬
‫الطفل اليتيم هو‪ :‬ضميرة بن أبي ضميرة مولى رسول هللا عليه الصالة والسالم‪ .‬انظر‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪.)103/2( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب (‪ )20‬الصالة على الحصير‪ /‬رقم (‪ .)380‬وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب المساجد‪/‬‬
‫باب (‪ )48‬جواز الجماعة في النافلة‪ /...‬رقم (‪.)658‬‬
‫‪ 4‬ابن الملقن‪ ،‬سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري (ت‪804 :‬ه)‪ ،‬التوضيح لشرح الجامع الصحيح‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬دار الفالح للبحث العلمي وتحقيق التراث‪ ،‬دار النوادر‪-‬دمشق‪( ،‬ط‪1429 /1‬ه‪2008-‬م)‪.)374/5( ،‬‬
‫‪ 5‬متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب قوا أنفسكم وأهليكم نا اًر‪ ،‬حديث رقم (‪ .)26/7( ،)5188‬وصحيح مسلم‪،‬‬
‫كتاب اإلمارة‪ ،‬باب فضيلة اإلمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق‪ ،‬حديث رقم (‪.)1474/3( ،)1829‬‬
‫التحريم‪.6 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪150‬‬
‫إصالح الراعي للرعية"‪ ،1‬خاصة وأن للبيئة أث اًر كبي اًر على سلوك الطفل‪ ،‬إذ يقول أبو حامد الغزالي‪:‬‬

‫"الطريق في رياضة الصبيان من أهم األمور وأوكدها‪ ،‬والصبيان أمانة عند والديه‪ ،‬وقلبه الطاهر‬
‫جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة‪ ،‬وهو قابل لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يمال به‬
‫إليه‪ ،‬فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا واآلخرة‪ ،‬وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم‬

‫شقي وهلك‪ ،‬وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له"‪ ،2‬حتى أنه يقول أيضاً‪ " :‬أصل تأديب‬
‫الصبيان الحفظ من قرناء السوء"‪ ،3‬ويضيف ابن القيم‪" :‬يجب أن يتجنب الصبي إذا عقل مجالس‬
‫اللهو‪ ،‬والباطل‪ ،‬والغناء‪ ،‬وسماع الفحش‪ ،‬والبدع‪ ،‬ومنطق السوء‪ ،‬فإنه إذا علق بسمعه عسر عليه‬

‫مفارقته في الكبر‪ ،‬وعز على وليه استنقاذه منه‪ ،‬فتغيير العوائد من أصعب األمور‪ ،‬يحتاج صاحبه‬
‫إلى استحداث طبيعة ثانية‪ ،‬والخروج عن حكم الطبيعة عسر جدا"‪ ،4‬هذا يعني أن "البيئة االجتماعية‬
‫مسؤولة عن أي انحطاط أو تأخر للقيم التربوية"‪ ،5‬ومن الصعب تكليف اإلنسان باالعتدال في‬
‫مجتمع فاسد‪ ،‬لذلك فإن اإلسالم اهتم بتوفير البيئة المناسبة لبناء هذا اإلنسان‪ ،‬ولم يفرض عليه ما‬
‫فرض من جلود إال بعد أن أصلح له ما حوله‪ ،‬وسد عليه أبواب الشهوات‪.6‬‬

‫إال أن هذا ال يعني أن اإلنسان مسير ال خيار له‪ ،‬ألنه عندما يبلغ الطفل ينضج إدراكه‬
‫وتفكيره ليصبح سيد سلوكه‪ ،‬فاعتبار الراشد خاضعاً للبيئة كمن أنزل عقله وإدراكه إلى الطفولة غير‬
‫المميزة‪.‬‬

‫إذ يلزم أن تنمي األسرة شعور الطفل بالمسؤولية في كنف تنمية كيانه وذاته المستقلة‪ ،‬فمن‬
‫بين جمع الصحابة كبيرهم وصغيرهم في ليل مظلم يختار النبي عليه الصالة والسالم الطفل "ابن‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم ِم ْن‬ ‫َّللا عنهما َقال‪" :‬بعاَِني رسول َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫َُ ُ‬
‫عباس" لمهمة ما‪ ،‬فع ِن اب ِن عب ٍ ِ‬
‫َّاس َرض َي َّ ُ َ ْ ُ َ َ َ َ‬ ‫َ ْ َ‬

‫القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪.)195 /18( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫الغزالي‪ ،‬إحياء علوم الدين‪.)72/3( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع السابق‪.)73/3( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن قيم‪ ،‬تحفة المودود بأحكام المولود‪ ،‬ص‪.241 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫القرشي‪ ،‬النظام التربوي في اإلسالم دراسة مقارنة‪ ،‬ص‪.117 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫ينظر‪ :‬د‪ .‬علي‪ ،‬سعيد اسماعيل‪ ،‬القران الكريم رؤية تربوية‪ ،‬دار الفكر العربي ‪-‬القاهرة‪( ،‬ط‪2000 /1‬م)‪ ،‬ص‪235 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪151‬‬
‫َج ْم ٍع ِبَلْي ٍل"‪ ،1‬لينشأ على تنفيذ المهام وحده‪ ،‬بالرغم من وجود غيره‪ ،‬حتى أنه كان عليه الصالة‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ول‬ ‫فع ْن َع ْبد هللا ْب ِن َج ْعَف ٍر‪َ ،‬ق َ‬
‫ال‪" :‬أ َْرَدَفني َرُس ُ‬ ‫والسالم يستأمن بعض أطفال الصحابة فيسر إليهم س اًر‪َ ،‬‬
‫س"‪ ،2‬عندما يرى‬ ‫َحًدا ِم َن َّ‬
‫النا ِ‬ ‫هللاِ صَّلى هللا عَلي ِه وسلَّم َذات يو ٍم خْلَفه‪َ ،‬فأَس َّر ِإَلي حِدياًا َال أ ِ ِ ِ‬
‫ُحد ُث به أ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫ُ َ ْ َ َ َ َ َْ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫الطفل أن قائداً يستأمنه على أمر من بين جميع كبار الصحابة‪ ،‬يستشعر بمكانة الكبيرة في المجتمع‪،‬‬
‫وأنه أهل ألن يكون محل ثقة القائد‪ ،‬وينمي فيه قيمة الاقة بالنفس‪ ،‬والشعور بالمسؤولية‪ ،‬ليكون‬

‫الجندي الشجاع الذي يذب عن أمته كل أذى‪.‬‬

‫وقد كان أيضاً من عادتهم أن يتخذوا ألطفالهم الحرف‪ ،‬فمنهم النجار ومنهم اللحام كغالم‬

‫ابن أبي شعيب وغيرها من الحرف‪ ،3‬بل إن أطفال الصحابة كانوا يحضرون مجالس النبي عليه‬
‫الصالة والسالم‪ ،‬فينهلون العلم منه‪ ،‬ويروون عنه العلم‪ ،‬ثم عن كبار الصحابة‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬اقتران النمذجة بالتعزيز‬

‫تناول كل من "دوالرد" و"ميللر" التعلم االجتماعي‪ -‬التعلم بالمالحظة‪ -‬من جهة معينة‪،‬‬
‫وتناوله "باندورا" من جهة أخرى‪ ،‬إذ يرى األوالن أن تعزيز السلوك في النموذج المعروض شرط‬
‫ضروري ال بد منه لحدوث التعلم بالمالحظة‪" ،4‬وأنه يمكن تعليم األطفال سلوكاً ما‪ ،‬من خالل تدريبهم‬

‫عليه ومحاكاتهم لسلوك نموذج معين أو عدم محاكاته‪ ،‬ووسيلتهم في ذلك تعزيز السلوك المطابق‬
‫لسلوك النموذج"‪ ،5‬إذ أن توقع المالحظ لسلوك اآلخرين على أنه سيجلب لهم نوعاً من التعزيز‬
‫اإليجابي‪ ،‬قد يدفعه لالنتباه‪ ،‬وممارسة السلوك المتعلم‪ ،‬والحصول على التعزيز‪ ،‬وهكذا فإن الطفل‬
‫الذي ينظف أسنانه بالفرشاة‪ ،‬أو يرتب فراشه‪ ،‬ويكنس حجرته‪ ،‬ربما يفعل ذلك تحع دافع توقع‬

‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب من قدم ضعفة أهله بليل‪ ،‬فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إذا غاب القمر‪ ،‬حديث‬ ‫‪1‬‬

‫رقم(‪.)165/2( ،)1677‬‬
‫صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الحيض‪ ،‬التستر عند البول‪ ،‬حديث رقم (‪.)268/1( ،)342‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها‪ ،‬باب من استوهب من أصحابه شيئا‪ ،‬حديث رقم (‪،)2569‬‬ ‫‪3‬‬

‫(‪ ،)154/3‬وكتاب المظالم والغصب‪ ،‬باب إذا أذن إنسان آلخر شيئا جاز‪ ،‬حديث رقم (‪.)131/3( ،)2456‬‬
‫ينظر‪ :‬جودت‪ ،‬نظريات التعلم وتطبيقاتها التربوية‪ ،‬ص‪.259 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫منصور‪ ،‬التعلم ونظرياته‪ ،‬ص‪.475-474 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪152‬‬
‫االبتسامة‪ ،‬أو الكلمة الرضية من الوالدين على تصرفه هذا‪ ،1‬بينما يرى "باندورا" من جهة أخرى أن‬

‫مجرد مالحظة المقلد لسلوك النموذج‪ ،‬كاف لحدوث التعلم بالمالحظة‪.2‬‬

‫ومن بين الطرق التي يستخدمها المعالجون ‪-‬وفق نظرية "باندورا"‪ -‬في إحداث تغييرات على‬
‫األفراد المرضى‪ ،‬عرض أكار من نموذج حقيقي‪ ،‬أو مصور يسلك بطريقة تشبه سلوك المرضى‬

‫ضمن خصائص وصفات شخصية متقاربة‪ ،‬تتلقى الكاير من المكافآت من مختلف الناس‪ ،‬ووفق‬
‫نظرية التعلم االجتماعي فإن المريض سيقوم بمحاكاة سلوك النموذج‪ ،‬ثم يبدأ تدريجياً وبمساعدة‬
‫المعالج إصدار استجابات جديدة‪.3‬‬

‫دور هاماً في ضبط السلوك‪ ،‬لكن هل يقتضي ذلك أنه شرط أساسي‬
‫ال شك أن للتعزيز اً‬
‫للنمذجة؟ إن القول بأن التعزيز شرط أساسي لمحاكاة النموذج‪ ،‬يعني أن النماذج التي لم يتم فيها‬
‫التعزيز لن َّ‬
‫تقلد‪ ،‬وفي هذا إهمال كبير للعوامل األخرى التي تؤثر في النمذجة‪ ،‬وحصرها جميعا في‬
‫دائرة التعزيز‪ ،‬فيالحظ ‪-‬على سبيل الماال‪ -‬أن الطفل يقلد والده في طريقة األكل بمجرد رؤية أبيه‬
‫يأكل‪ ،‬أو يحضر كتاباً يقرأه بمجرد رؤية أبيه يقرأ‪ ،‬بالرغم من أن أباه لم يتبع ذلك بتعزيز‪ ،‬ألن الطفل‬
‫بطبعه يحب أن يقلد أبواه إذ يراهما القدوة الحسنة له‪ ،‬وقد يقلد الناس المشاهير دون تعزيز‪ ،‬لحبهم‬

‫لهم‪ ،‬أو إعجابهم بإطاللتهم‪ ،‬أو لفتاً لالنتباه ثم الوصول إلى الشهرة‪ ...‬وغيرها الكاير من األسباب‬
‫التي تدفع اإلنسان للنمذجة‪.‬‬

‫لذلك كان من الجدير أن يشير "باندورا" ‪-‬كما نقل "زغلول" عنه‪ -‬إلى أن االهتمام يعد من‬
‫الجوانب الرئيسية لحدوث التعلم من خالل المالحظة‪ ،‬إذ من خالله يتولد لدى الفرد االهتمام وحب‬
‫االستطالع‪ ،‬ويتيح له إجراء المعالجات المعرفية الالحقة ‪.4‬‬

‫وقد حرص اإلسالم على العناية بالنماذج التي يشاهدها الطفل‪ ،‬لما لها من اإلثر الكبير‬

‫على تصورات وسلوك الطفل‪ ،‬ومن ذلك حرص اإلسالم على استئذان األطفال‪ ،‬يقول سبحانه‪:‬‬

‫عبد الرحمن‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬ص‪.647 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬جودت‪ ،‬نظريات التعلم وتطبيقاتها التربوية‪ ،‬ص‪.259 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬علي منصور‪ ،‬التعلم ونظرياته‪( ،‬ص‪.)489:‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬زغلول‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬ص‪.135 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪153‬‬
‫ﲩﲫ‬
‫ﲪ‬ ‫ﭐﱡﭐﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ‬

‫ﲻﲽ‬
‫ﲷﲹﲺ ﲼ‬
‫ﲸ‬ ‫ﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶ‬

‫ﳏ‬ ‫ﳎ‬ ‫ﳈﳊﳋﳌﳍ‬


‫ﳉ‬ ‫ﳂﳄﳅﳆﳇ‬
‫ﳃ‬ ‫ﲾﲿﳀﳁ‬

‫ﳐﳑﳒﳓﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉ‬

‫ﱑ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱠ‪ ،1‬فاإلستئذان داخل‬


‫ﱒ‬ ‫ﱋﱍﱎﱏﱐ‬
‫ﱌ‬ ‫ﱊ‬

‫البيع أدب رفيع‪ ،‬واالستهانة به له آثاره النفسية‪ ،‬والعصبية‪ ،‬والخلقية‪ ،‬على الخدم وعلى الطفل المميز‬
‫الذي لم يبلغ الحلم‪ 2،‬وقد حدد اإلسالم األوقات التي يستأذن فيها العبيد واإلماء واألطفال الذين لم‬
‫يحتلموا‪ ،‬فال يدخلون إال بإذن ثالث مرات في ثالثة أوقات‪ ،‬وهذه األوقات هي على النحو اآلتي‪:‬‬

‫‪ .1‬قبل صالة الفجر‪ ،‬ألنه وقع القيام من المضاجع وطرح ما ينام فيه من الاياب ولبس ثياب‬
‫اليقظة‪.‬‬

‫‪ .2‬الظهيرة‪ ،‬ألنها وقع وضع الاياب للقائلة‪.‬‬

‫‪ .3‬بعد صالة العشاء‪ ،‬ألنه وقع التجرد من ثياب اليقظة وااللتحاف باياب النوم‪ .‬وسمى كل‬
‫واحدة من هذه األحوال عورة‪ ،‬ألن الناس يقل تسترهم وتحفظهم فيها‪.‬‬

‫ثم إنه ال حرج وال جناح على الناس أن يدخل عليهم مماليكهم‪ ،‬وصبيانهم الصغار بغير إذن‬
‫بعد هذه األوقات الاالث المذكورة‪ ،3‬وفي ذلك إشارة هامة على ضرورة حفظ الطفل من نماذج ال‬
‫تصلح أن يطلع عليها فتخدش حياءه‪ ،‬فإذا بلغ الحلم عليه االستئذان في كل وقت‪ 4،‬لقوله‪ :‬ﭐﱡﭐﱁ‬

‫ﱋ ﱠﭐ‪5‬ﭐ‪.‬‬
‫ﱌ‬ ‫ﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊ‬

‫النور‪.59-58 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬قطب‪ ،‬سيد‪ ،‬في ظالل القرآن‪.)2532/4( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر‪ :‬الطبري‪ ،‬جامع البيان‪.)214 ،212 /19( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪.)308/12( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫النور‪.59 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪154‬‬
‫وأما إذا كان الطفل غير مميز‪ ،‬ولم يتنبه لصغره على عورات النساء‪ ،‬فال عورة للنساء معه‪،1‬‬
‫فإن النماذج لن تؤثر عليه سلباً‪ ،‬والدليل على ذلك قوله سبحانه‪ :‬ﭧﭐﭨ ﭐﱡﭐﲀ ﲁ ﲂ‬
‫ﲍﲏﲐﲑ‬
‫ﲎ‬ ‫ﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌ‬
‫ﲒﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡ‬
‫ﲓ‬

‫ﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱ‬
‫ﲿ ﱠ‪ ،2‬ألن‬
‫ﳀ‬ ‫ﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾ‬

‫رؤية الطفل الصغير الغير مميز لن تؤثر عليه فتنة زينة النساء‪.‬‬

‫ونظ اًر ألهمية التعزيز في النمذجة‪ ،‬وتابيتاً ألثرها الطيب‪ ،‬فإن النبي عليه الصالة والسالم‬
‫كان يشجع الصحابة وياني عليه حين ُيحسنوا تقليده ومحاكاة سلوكه‪ ،‬خاصة األطفال‪ ،‬ومن ذلك ما‬
‫َّللاِ‬ ‫ظرَّن ِإَلى صالَ ِة رس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّاس ر ِ‬
‫ول َّ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫ال‪ِ :‬ب ُّع ع ْن َد َخاَلتي َم ْي ُم َ‬
‫ون َة‪َ ،‬فُقْل ُع‪َ :‬أل َْن ُ َ‬ ‫َّللاُ َع ْن ُه َما‪َ ،‬ق َ‬
‫ضي َّ‬
‫َ َ‬
‫رواه ْاب ِن َعب ٍ‬

‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه‬ ‫َّللاِ صَّلى هللا عَلي ِه وسَّلم ِوسادة‪َ ،‬فنام رسول َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫ُ َ ْ َ َ َ َ ٌَ َ َ َ ُ ُ‬
‫ِ ِ‬
‫طر َح ْع ل َرُسول َّ َ‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه وسلَّم‪َ ،‬ف ُ ِ‬
‫ََ َ‬ ‫َ‬
‫اخر ِمن ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو َسَّل َم ِفي ُ‬
‫ان‪َ ،‬حتَّى‬ ‫آل ع ْم َر َ‬ ‫الع ْش َر األ ََو َ ْ‬ ‫اآليات َ‬ ‫الن ْوَم َع ْن َو ْج ِهه‪ ،‬ثُ َّم "َق َأَر َ‬
‫طوِل َها‪َ ،‬ف َج َع َل َي ْمس ُح َّ‬
‫َ‬
‫ص َن َع‪ ،‬ثُ َّم ِج ْئ ُع َفُق ْم ُع ِإَلى‬ ‫ِ‬ ‫ضأَ ثُ َّم َقام ي ِ‬ ‫َّ‬
‫ص َن ْع ُع م ْا َل َما َ‬ ‫صلي َفُق ْم ُع َف َ‬ ‫ََُ‬ ‫َختَ َم ثُ َّم أَتَى َشًّنا ُم َعلًقا‪َ ،‬فأ َ‬
‫َخ َذهُ َفتَ َو َّ‬

‫صَّلى َرْك َعتَ ْي ِن‪ ،‬ثُ َّم‬ ‫ِ‬ ‫ج ْنِب ِه َفوضع يده عَلى أر ِْسي‪ ،‬ثُ َّم أَخ َذ ِبأُ ُذِني َفجعل يْفِتُلها‪ ،‬ثُ َّم َّ‬
‫صلى َرْك َعتَ ْين‪ ،‬ثُ َّم َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ََ ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫صَّلى َرْك َعتَ ْي ِن ثُ َّم أ َْوتَ َر"‪ ،3‬فالنبي عليه الصالة‬ ‫ِ‬ ‫صَّلى رْكعتَي ِن‪ ،‬ثُ َّم صَّلى رْكعتَي ِن‪ ،‬ثُ َّم َّ‬
‫صلى َرْك َعتَْين‪ ،‬ثُ َّم َ‬‫َ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫َ َ َْ‬
‫والسالم لما أرى الطفل "ابن عباس" يقلده‪ ،‬عزز سلوكه بوضع يده على رأسه تلطفاً وحباً‪ ،‬ويفتل أذنه‬
‫مداعبة؛ ألن السلوك إذا علق في القلب علق بالجوارح‪.‬‬

‫وإزاء هذه الحقائق كان من الجدير أن يركز "دوالرد" و"ميللر" على أهمية تعزيز السلوك‬
‫المطابق لسلوك النموذج‪ ،‬ولكن ذلك ال يعني أن يكون التعزيز شرطاً للنمذجة‪ ،‬ألنها قد تحققع لوجود‬

‫عوامل أخرى هامة‪ ،‬وكان من الصواب أن يرى "باندور" أن بمجرد المشاهدة تتحقق النمذجة‬

‫ينظر‪ :‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪.)367 /23( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫النور‪.31 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب العلم‪ /‬باب (‪ )41‬السمر في العلم‪ /‬رقم (‪ .)117‬وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب صالة المسافرين‪/‬‬
‫باب (‪ )26‬صالة النبي صلى هللا عليه وسلم ودعاؤه بالليل‪ /‬رقم (‪.)763‬‬
‫‪155‬‬
‫والمحاكاة‪ ،‬ألن المشاهدة وحدها كفيلة أن تحرك عوامل أخرى تساهم في النمذجة‪ ،‬لذلك اهتم اإلسالم‬

‫أشد االهتمام بما يشاهده الطفل‪ ،‬وخاطب الوالدين بضرورة الحرص على ذلك‪.‬‬

‫بعد هذا العرض من الواضح أن كل أسباب النقص والسلبيات التي تحاط بمسألة النمذجة‬
‫يحسن االقتداء به‪ ،‬عندما تجاهلع النموذج‬
‫ُ‬ ‫في منظور السلوكية‪ ،‬أن السلوكية افتقرت إلى نموذج‬

‫الذي بينه الخالق الخبير‪ ،‬فاهلل وحده هو الخبير الحقيقي بتخطيط النموذج ‪ -‬أو المال األعلى ‪-‬‬
‫لصورة اإلنسان الصالح المصلح‪ ،‬وأنه ال يمكن أن يشاركه تعالى أحد في تحديد المال األعلى في‬
‫االعتقاد والتطبيقات العملية‪ ،‬وحين يتنكر البشر المخلوقون للمال األعلى الذي جاءت به الرسالة‬

‫ويحاولون وضع للحياة البشرية ماالً أعلى‪ ،‬والعلة الرئيسة في هذا التباين بين المال األعلى‪ ،‬اإللهي‬
‫وبين المال السوء عند غير المؤمنين‪ ،‬هي أن األول يستند إلى قوانين الخلق‪ ،‬وسنن الوجود الحق‪،‬‬
‫بينما يتخبط الااني في مجاالت الظن‪ ،‬ويصطدم مع قوانين الخلق وحقائق الحياة ‪.1‬‬

‫وبناء عليه‪ ،‬يتبين أن اإلنسان في مرحلة طفولته يخضع خضوعاً شبه تام للبيئة المحيطة‪،‬‬
‫بدليل أن الطفل يتبع ديانة والديه‪ ،‬فكان األحرى ِب"سكنر" أن يقصر حتمية تأثير البيئة في مرحلة‬
‫الطفولة‪ ،‬دون البلوغ‪ ،‬وأن تركز المدرسة السلوكية أكار على العوامل الداخلية لما لها من دور بارز‬

‫ومحوري في النمذجة‪ ،‬بدالً من غفلتها عن تصور الحياة اآلخرة‪ ،‬واألهداف السامية المتعلقة بها‪.‬‬

‫ينظر‪ :‬الكيالني‪ ،‬أهداف التربية اإلسالمية‪ ،‬ص‪.81-80 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪156‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫المنهج اإلسالمي في ضبط وتعديل سلوك الطفل‬

‫المبحث األول‪ :‬التحلية‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التثبيت‬

‫المبحث الثالث‪ :‬التخلية‬

‫‪157‬‬
‫المبحث األول‬

‫التحلية‬

‫نال الطفل مكانة مرموقة‪ ،‬واهتماما ملحوظاً في المسيرة اإلسالمية‪ ،‬ويتجلى ذلك في كارة‬
‫اآليات التي تشير إلى تربية األبناء‪ ،‬وكارة األحاديث النبوية الشريفة في الحديث عن الطفولة‪ ،‬بما‬

‫في ذلك أهمية وخطورة هذه المرحلة‪ ،‬وأحكامها‪ ،‬ومنهج التعامل معها في صوابها وخطئها‪ ،‬وكيفية‬
‫ترسيخ استقامتها‪ ،‬ومسيرة حمايتها من األخطار ورياح الفتن العاتية‪.‬‬

‫فبعد بيان منهج المدرسة السلوكية في تربية الطفل‪ ،‬ومقارنة ذلك بأحكام اإلسالم‪ ،‬من الحري‬

‫بيان المنهج اإلسالمي المتكامل الفذ في تربية الطفل‪ ،‬في ظل اهتمامه بتناول كل االعتبارات‪ ،‬على‬
‫كافة األصعدة‪ ،‬ضمن مبادئ متزنة ثابتة متكاملة‪ ،‬مصدرها خالق الطفولة والكون‪.‬‬

‫وانطالقاً من كون الطفولة مرحلة غضة صافية بيضاء‪ ،‬فإن بداية السعي في التربية تكمن‬
‫في "تحلية الطفل بالفضائل الكريمة واألخالق المحمودة عن طريق تشربه لهذه األخالق واكتسابه‬
‫العادات الحسنة من مخالطته للقدوات الصالحة"‪ ،1‬وهو ما يعرف "بالتحلية"‪ ،‬ثم سرعان ما يتحلى‬
‫الطفل بتلك األخالق واالستقامة‪ ،‬وسعياً نحو ترسيخها ال بد من التشجيع والتعزيز وإثابة الطفل‬
‫عليها‪ ،‬وهو ما يعرف "بالتابيع"‪ ،‬ولكن ال بد من مكدرات وصعوبات‪ ،‬ومنها تأثير تيارات الضالل‬
‫واالنحالل‪ ،‬التي تشكل خط اًر على الطفل‪ ،‬فيقترف بسببها العديد من السلوكيات الخاطئة‪ ،‬وحينئذ ال‬
‫بد من "التخلية" والتي تعرف بأنها "تطهير اإلنسان ظاه ار وباطنا من صور الفساد‪ ،‬وألوان الضالل‬
‫على اختالفها؛ ليتسنى له االنتقال إلى الصواب والهدى في أمن وهدوء"‪ 2.‬وبذلك تتحقق عوامل فالح‬
‫اإلنسان‪ ،‬بالسعي إلى الصالح‪ ،‬يقول سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱠ‪ ،3‬أي‪" :‬قد أفلح من َّ‬
‫زكى‬

‫هللا نفسه‪ ،‬فكاَّر تطهيرها من الكفر والمعاصي‪ ،‬وأصلحها بالصالحات من األعمال"‪.4‬‬

‫مرسي‪ ،‬محمد منير‪ ،‬التربية اإلسالمية أصولها وتطورها في البالد العربية‪ ،‬عالم الكتب‪1425( ،‬ه‪2005-‬م)‪ ،‬ص‪.201:‬‬ ‫‪1‬‬

‫غلوش‪ ،‬أحمد أحمد‪ ،‬دعوة الرسل عليهم السالم‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪( ،‬ط‪1423 /1‬ه‪2002-‬م)‪ ،‬ص‪.141 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫الشمس‪.9 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫الطبري‪ ،‬جامع البيان‪.)456 /24( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪158‬‬
‫وبعد الدراسة الموضوعية لألحاديث النبوية التي تتحدث عن األطفال‪ ،‬تبين أن النبي عليه‬

‫الصالة والسالم يربي الطفل منذ بدايات حياته‪ ،‬ويتجلى ذلك في "التحلية" ثم "التابيع" ثم "التخلية"‪،‬‬

‫ونظ اًر لصفحة الطفل البيضاء‪ ،‬وبدايات حياته الجديدة‪ ،‬فإنه لم يتشرب السلوكيات الخاطئة‬
‫بعد‪ ،‬ولم يكتسب العقائد الخاطئة‪ ،‬هذا يعني أن أول خطوة في تربيته هي "التحلية"‪ ،‬وذلك بالسعي‬

‫نحو اكتساب الطفل العقيدة السليمة‪ ،‬والفضائل الكريمة‪ ،‬واألخالق المحمودة‪ ،‬لينتج عنها السلوكيات‬
‫المستقيمة‪ ،‬ثم الفالح في الدارين‪ ،‬والحذر كل الحذر عن كل ما يخدش صفاء األطفال‪ ،‬ويدمر‬
‫ارتقاءهم كالدعاء عليهم‪ ،‬وقد نهى النبي عليه الصالة والسالم عن ذلك‪ ،‬إذ كان الصحابة يسيرون‬

‫اخ ُه َف َرِك َب ُه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬


‫ص ِار َعَلى َناض ٍح َل ُه‪َ ،‬فأ ََن َ‬ ‫مع رسول هللا عليه الصالة والسالم‪ ،‬فد َار ْت ُع ْق َب ُة َرُجل م َن ْاأل َْن َ‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم‪َ " :‬م ْن‬ ‫ِ‬
‫ول هللا َ‬‫ال َرُس ُ‬
‫ثُ َّم َب َعاَ ُه َفَتَلَّد َن َعَل ْي ِه َب ْع َ َّ‬
‫ض التَلُّد ِن‪َ ،‬فَق َ‬
‫ال َل ُه‪َ :‬شأْ‪َ ،‬ل َع َن َك هللاُ‪َ ،‬فَق َ‬
‫ص َح ْب َنا ِب َمْل ُعو ٍن‪َ ،‬ال تَ ْد ُعوا َعَلى‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫ال‪ْ " :‬ان ِزْل َع ْن ُه‪َ ،‬ف َال تَ ْ‬ ‫ول هللا َق َ‬ ‫ال‪ :‬أ ََنا‪َ ،‬يا َرُس َ‬ ‫َه َذا الالع ُن َبع َيرهُ؟" َق َ‬
‫اء‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طٌ‬ ‫يها َع َ‬ ‫اع ًة ُي ْسأَ ُل ف َ‬‫أ َْنُفس ُك ْم‪َ ،‬وَال تَ ْد ُعوا َعَلى أ َْوَالد ُك ْم‪َ ،‬وَال تَ ْد ُعوا َعَلى أ َْم َوال ُك ْم‪َ ،‬ال تَُوافُقوا م َن هللا َس َ‬
‫يب َل ُك ْم"‪ ،1‬فيأمره النبي عليه الصالة والسالم بعدم اصطحاب ذلك البعير‪ ،‬ألن صاحبه لعنه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َف َي ْستَج ُ‬
‫وقد جاء هذا النهي في حادثة لعن بعير!؟ فكيف سيكون موقف النبي عليه الصالة والسالم‪ ،‬لو سمع‬
‫والد يدعو على ولده؟!‬

‫و"التحلية" من أهم وأخطر مراحل التربية‪ ،‬ألنها بماابة زرع البذور السليمة في نفس الطفل‪،‬‬
‫وبحسن بنائها يكمن حسن التربية‪ ،‬والتخلي عنها يعني المرور بالكاير من المصاعب الشائكة في‬
‫تربية الطفل‪ ،‬نظ اًر لضعف مخزونه الفكري والسلوكي من االستقامة وعواملها وحاجاتها‪.‬‬

‫ويالحظ أن النبي عليه الصالة والسالم كان يعتني غاية االعتناء في هذه المرحلة‪ ،‬ويؤسس‬
‫فيها العقيدة اإلسالمية في الطفل‪ ،‬ويزرع المبادئ واألخالق السليمة‪ ،‬كي تكون كفيلة بمواجهة وصد‬

‫رياح الفتن والضالل المقبلة على حياة الطفل‪ ،‬وبعد دراسة األحاديث تبين أن تحلية النبي عليه‬
‫الصالة والسالم لألطفال تبدو جلية من خالل تأسيس الطفل على اإليمان‪ ،‬واالهتمام بكيان ومشاعر‬
‫الطفل‪ ،‬وبيان ذلك على النحو اآلتي‪:‬‬

‫صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الزهد والرقائق‪ ،‬باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر‪ ،‬حديث رقم‪.)2304/4( ،3009 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪159‬‬
‫أ‪ .‬تأسيس الطفل على اإليمان باهلل والعقيدة السليمة‪.‬‬

‫يعد اإليمان بؤرة السلوك‪ ،‬وبوصلة الفكر‪ ،‬وإليه ترجع حقيقة األفعال وأسبابها‪ ،‬فباإليمان‬
‫تستقيم األفعال‪ ،‬وبفساده تفسد األفعال‪ ،‬فزرع اإليمان في نفس الطفل إنما هو بماابة بناء القواعد‬
‫السليمة‪ ،‬وفرش بساط االستقامة‪ ،‬فمن هنا تكمن خطورة هذه المرحلة وأهميتها‪.‬‬

‫وعندما كانع أعمال المشركين ال اعتداد بها بدون اإليمان‪ ،‬كانع ملحقة باللعب واللهو‪،1‬‬
‫ﱖﱠ‪ ،2‬ونتج‬
‫ﱗ‬ ‫ومنه قوله سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ‬

‫عن ذلك تباعاً نظرتهم لألوالد نظرة بمجرد التفاخر والتكاثر‪ ،‬بسبب طبيعة حياتهم الدنيا الخالية من‬
‫ﱥ‬ ‫ﱤ‬ ‫اإليمان‪:‬ﭐﱡﭐﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ‬
‫ﱱﱳﱴﱵﱶ‬
‫ﱲ‬ ‫ﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰ‬
‫ﱺ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﱠ‪ ،3‬والمراد أن الدنيا ليسع إال‬
‫ﱻ‬ ‫ﱷﱸﱹ‬

‫محقرات من األمور‪ ،‬أال وهي اللعب‪ ،‬واللهو‪ ،‬والزينة‪ ،‬والتفاخر‪ ،‬والتكاثر‪ ،‬وأما اآلخرة ففيها األمور‬
‫العظام‪ ،‬وهي‪ :‬العذاب الشديد‪ ،‬والمغفرة‪ ،‬ورضوان هللا‪ ،‬وشبه حال الدنيا وسرعة تقضيها‪ ،‬مع قلة‬
‫جدواها‪ ،‬بنبات أنبته الغيث فاستوى‪ ،‬وأعجب به الكفار الجاحدون لنعمة هللا فيما رزقهم من الغيث‬

‫والنبات‪ ،‬فبعث عليه العاهة‪ ،‬فهاج واصفر وصار حطاماً‪ ،‬عقوبة لهم على جحودهم‪ ،‬وضآلة فكرهم‬
‫للدنيا المجرد عن اإليمان والعمل للحياة اآلخرة‪.4‬‬

‫وبالمقابل‪ ،‬كان اهتمام النبي عليه الصالة والسالم ينصب على تأسيس العقيدة السليمة في‬

‫المقِبلة‪ ،‬ويتجلى ذلك في األمالة اآلتية‪:‬‬


‫قلوب األطفال‪ ،‬كي تواجه رواسي اإليمان رياح التحديات ُ‬
‫‪5‬‬
‫تيانا َح َزِاوَرًة‬ ‫َّ ِ‬ ‫"كَّنا مع نبِينا َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫صلى هللاُ عليه وسل َم ف ً‬‫َ‬ ‫ال‪ُ :‬‬ ‫لي ‪-‬رض َي هللاُ عنه‪َ -‬ق َ‬ ‫الب َج ِ‬
‫‪َ -‬ع ْن ُج ْنُدب َ‬
‫إيمانا"‪.6‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫فنزداد به ً‬
‫ُ‬ ‫آن‬
‫آن‪ ،‬ثم تعل ْمنا القر َ‬‫أن نتعل َم القر َ‬
‫قبل ْ‬
‫اإليمان َ‬
‫َ‬ ‫فتعل ْمنا‬

‫انظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)406/27( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫األنعام‪.70 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫الحديد‪.20 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.)479-478 /4( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫جمع حزور وهو الذي قارب البلوغ‪ .‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.)187/4( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن ماجة‪ ،‬سنن ابن ماجة‪ ،‬باب اإليمان‪ ،‬حديث رقم (‪ ،)25/1( ،)61‬قال محمد فؤاد عبد الباقي‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬وقال‬ ‫‪6‬‬

‫البوصيري‪ :‬هذا إسناد صحيح رجاله ثقات‪.‬‬


‫‪160‬‬
‫وفي هذا الصدد يقول أبو حامد الغزالي‪" :‬اعلم أن ما ذكرناه في ترجمة العقيدة‪ ،‬ينبغي أن‬

‫يقدم إلى الصبي في أول نشوئه‪ ،‬ليحفظه حفظاً‪ ،‬ثم ال يزال ينكشف له معناه في كبره شيئاً فشيئاً‪،‬‬
‫فابتداؤه الحفظ‪ ،‬ثم الفهم‪ ،‬ثم االعتقاد واإليقان والتصديق به‪ ...‬فال يزال اعتقاده يزداد رسوخاً بما يقرع‬
‫سمعه من أدلة القرآن وحججه‪ ،‬وبما يرد عليه من شواهد األحاديث وفوائدها‪ ،‬وبما يسطع عليه من‬

‫أنوار العبادات ووظائفها‪ ،‬وبما يسري إليه من مشاهدة الصالحين ومجالستهم‪ ...‬في الخضوع هلل عز‬
‫وجل‪ ،‬والخوف منه‪ ،‬واالستكانة له‪ ،‬فيكون أول التلقين كإلقاء بذر في األرض‪ ،‬وتكون هذه األسباب‬
‫كالسقي والتربية له‪ ،‬حتى ينمو ذلك البذر ويقوى ويرتفع شجرة طيبة راسخة أصلها ثابع وفرعها في‬

‫السماء"‪ ،1‬ذلك أن الطفل "منذ نعومة أظفاره حين ينشأ على اإليمان باهلل‪ ،‬ويتربى على الخشية منه‪،‬‬
‫والمراقبة له‪ ،‬واالعتماد عليه‪ ،‬واالستعانة به‪ ،‬والتسليم لجنابه فيما ينوب ويروع‪ ،‬تصبح عنده الملكة‬
‫الفطرية‪ ،‬واالستجابة الوجدانية لتقبل كل فضيلة ومكرمة‪ ،‬واالعتياد على كل خلق فاضل كريم"‪،2‬‬
‫وبالتالي تصبح عملية ضبط السلوك والعالج أكار سهولة وليونة وتقبالً‪ ،‬أما إذا نشأ الطفل على‬
‫الحرمان من التعود على تعاليم اإلسالم‪ ،‬فقد حرمه المربي من خير الدنيا وخير اآلخرة‪ ،‬ثم عرضه‬
‫للهالك نتيجة لعواقب تفريط اآلباء في حقوق هللا وإضاعتهم لها‪.3‬‬

‫‪ -‬إذ كان النبي عليه الصالة والسالم يغرس طرق االستقامة في قلوب األطفال وفق أحسن‬
‫وألطف وجه‪ ،‬ويبين لهم المنهج السليم للوصول إلى ذلك‪ ،‬وقد تشكل الحب واللطف في‬
‫داخلهم‪ ،‬فيأخذون بها منذ الصغر‪ ،‬فهذا "ابن عباس" في طفولته بكل لطف يقول له سيده‬
‫عليه الصالة والسالم‪" :‬يا غالم"‪ ،‬موضحاً له طرق الوصول لالستقامة مع ذكر نتائج ذلك‪،‬‬
‫ال‪ُ :‬ك ْن ُع‬ ‫إعانة للطفل على الفهم واإلقناع‪ ،‬ثم الطاعة وااللتزام‪ ،‬ثم اليقين‪ ،‬فعن ْاب ِن َعب ٍ‬
‫َّاس‪َ ،‬ق َ‬
‫احَف ِظ َّ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫َّللا عَلي ِه وسَّلم يوما‪َ ،‬فَقال‪" :‬يا ُغالَم ِإِني أ ِ‬ ‫ول هللاِ َّ‬‫َخْلف رس ِ‬
‫َّللاَ‬ ‫ُعل ُم َك َكل َمات‪ْ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫صلى َّ ُ َ ْ َ َ َ َ ْ ً‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬
‫اعَل ْم أ َّ‬
‫َن‬ ‫َّللا‪ ،‬وإِ َذا استعنع َفاست ِعن ِب َّ ِ‬ ‫َّللا تَ ِج ْده تُجاه َك‪ِ ،‬إ َذا سأَْل َع َفاسأ ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل‪َ ،‬و ْ‬ ‫َل َّ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫احَفظ َّ َ ُ َ َ‬ ‫ظ َك‪ْ ،‬‬
‫َي ْحَف ْ‬

‫الغزالي‪ ،‬إحياء علوم الدين‪.)94/1( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫بالي‪ ،‬وحيد بن عبد السالم‪ ،‬الطريق إلى الولد الصالح‪ ،‬دار الضياء للنشر والتوزيع –السعودية‪ ،‬ص‪.44 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬ينظر‪ :‬ابن قيم‪ ،‬تحفة المودود بأحكام المولود‪ ،‬ص‪.242 :‬‬


‫‪161‬‬
‫اجتَ َم ُعوا‬ ‫وك ِإالَّ ِب َشي ٍء َق ْد َكتََب ُه َّ‬
‫َّللاُ َل َك‪َ ،‬وَل ْو ْ‬
‫ٍ‬
‫وك ِب َش ْيء َل ْم َي ْنَف ُع َ‬
‫َن َي ْنَف ُع َ‬
‫اجتَ َم َع ْع َعَلى أ ْ‬
‫ُم َة َل ْو ْ‬
‫األ َّ‬
‫ْ‬
‫وك ِإالَّ ِب َشي ٍء َق ْد َكتََب ُه َّ‬
‫َّللاُ َعَل ْي َك " ‪.1‬‬ ‫ض ُّر َ‬
‫ٍ‬
‫وك ِب َش ْيء َل ْم َي ُ‬
‫ض ُّر َ‬ ‫َن َي ُ‬
‫َعَلى أ ْ‬
‫ْ‬

‫في هذا الحديث يغرس النبي في الطفل ما يحتاج إليه من أمور الدين وآدابه‪ ،‬كي ينشأ‬
‫ويكبر عليها‪ ،‬فالنبي عليه الصالة والسالم حريص على أن تكون الطفولة متينة بحفظ دين هللا‪،‬‬

‫واالستعانة باهلل‪ ،‬واليقين والتوكل عليه‪ ،‬كي يكون ذلك كله بماابة السياج الواقي له من سيء األحداث‪.‬‬

‫ِ‬
‫المكملة‪ ،‬والمكارم المستحسنة‪ ،‬فماال قوله لكفل طاشع يده في‬ ‫وهذه األوامر كلها من المحاسن‬
‫صفحة الطعام‪" :‬كل مما يليك" ُسَّنة متفق عليها‪ ،‬وخالفها مكروه شديد االستقباح‪ ،‬لكن إذا كان‬
‫احدا‪ ،‬وسبب ذلك االستقباح َّ‬
‫أن كل آكل كالحائز لما يليه من الطعام‪ ،‬فآخذ الغير له‬ ‫نوعا و ً‬
‫الطعام ً‬
‫تعد عليه مع ما في ذلك من تقزز النفوس ما خاضع فيه األيدي واألصابع‪ ،‬ولما فيه من إظهار‬‫ٍ‬

‫الحرص على الطعام‪ ،‬ثم هو سوء أدب من غير فائدة‪.2‬‬

‫‪ -‬يوصي النبي عليه الصالة والسالم "الحسن" بن علي رضي هللا عنه‪ ،‬بوصية عظيمة‪ ،‬فيحفظ‬
‫عنه قوله عليه الصالة والسالم‪ ،‬ولم يقتصر على الوصية مجردة‪ ،‬وإنما ذكر السبب إلقناع‬
‫الطفل‪ ،‬وبالتالي إعانته على االلتزام‪ ،‬إذ يقول له‪" :‬دع ما ي ِريبك ِإَلى ما َال ي ِريبك‪َ ،‬فِإ َّن ِ‬
‫الص ْد َق‬ ‫َ َ َُ‬ ‫َ ْ َ َ َُ‬
‫الكِذ َب ِر َيبة"‪.3‬‬
‫ط َمأِْن َين ٌة‪َ ،‬وإِ َّن َ‬
‫ُ‬

‫أي "دع ما تشك فيه وال تتيقن إباحته‪ ،‬وخذ ما ال شك فيه وال التباس"‪" ،4‬وهذا هو العمدة في‬
‫الورع‪ ،‬واألمر فيه لالستحباب"‪ ،5‬فالنبي عليه الصالة والسالم في منهجه مع األطفال ال يقتصر على‬

‫األمور الواجبة والفروض‪ ،‬وإنما يأمرهم بما هو األفضل‪ ،‬وبما هو مستحب‪ ،‬كي تشكل سياجاً متيناً‬

‫جامع الترمذي‪ ،‬كتاب صفة القيامة‪ ،‬باب حديث حنظلة‪ ،‬حديث رقم (‪ .)248/4( ،)2516‬وقال الترمذي هذا حديث حسن‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬القرطبي‪ ،‬المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪.)298-297 /5( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫جامع الترمذي‪ ،‬أبواب صفة القيامة‪ ،‬باب حديث اعقلها وتوكل‪ ،‬حديث رقم (‪ ،)668/4( ،)2518‬وقال‪ :‬وهذا حديث حسن‬ ‫‪3‬‬

‫صحيح‪ .‬وسنن النسائي‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب الحث على ترك الشبهات حديث رقم (‪.)5711‬‬
‫‪ 4‬ابن بطال‪ ،‬أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك (ت‪449 :‬ه)‪ ،‬شرح صحيح البخاري‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبو تميم ياسر بن إبراهيم‪،‬‬
‫مكتبة الرشد ‪-‬السعودية‪ ،‬الرياض‪( ،‬ط‪1423 /2‬ه‪2003-‬م)‪.)196 /6( ،‬‬
‫بن رسالن‪ ،‬شرح سنن أبي داود‪.)182 /12( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪162‬‬
‫للفرائض واألمور الواجبة‪ ،‬وينظر إليه نظرة حانية إلى طفل يقدر إدراكه‪ ،‬فيربي منهج تفكيره منذ‬

‫بداية الطريق‪ ،‬كي يكبر على االستقامة‪ ،‬ويبني آماله وفكره على قواعد سليمة‪.‬‬

‫ب‪ .‬اًلهتمام بكيان الطفل‬

‫لم يقتصر منهج "التحلية" النبوي‪ ،‬فقط على غرس العقيدة‪ ،‬إنما أيضاً في االهتمام في ذات‬

‫الطفل وكيانه‪ ،‬كي يغرس فيه الاقة بالنفس‪ ،‬والرضا بالوجود دون سخط وال بؤس‪ ،‬ويكبر على تقدير‬
‫واحترام ذاته‪ ،‬ويتجلى ذلك في االهتمام الديني‪ ،‬والنفسي‪ ،‬والعلمي‪ ،‬والصحي للطفل‪ ،‬وبيان ذلك على‬
‫النحو اآلتي‪:‬‬

‫‪ ‬االهتمام الديني‬

‫لقد كان جل اهتمام النبي عليه الصالة والسالم في تربية الطفل على طاعة هللا بما فيها‬
‫الشعائر الدينية‪ ،‬خاصة الصالة والتي تمال عمود الدين‪ ،‬إذ كان يصلي بأمته بما فيهم األطفال‪،‬‬
‫وكانوا ‪-‬كما تبين‪ -‬يقلدونه في وضوئه وصالته‪ ،‬ويصحح لهم أخطاءهم في صالتهم‪ ،‬ليس هذا‬
‫فحسب‪ ،‬إذ الطفل الذي في طفولته األولى كان بصحبة رسول هللا يحظى ببركة صالته‪ ،‬ليعلم النبي‬
‫عليه الصالة والسالم أمته أن قيام المؤمن بالعبادة ال يعني تهميش األطفال‪ ،‬ألنهم صغار‪ ،‬أو ألنهم‬
‫فع ْن أَِبي َقتَ َاد َة‬
‫غير مكلفين‪ ،‬فبينما كان يصلي ويناجي ربه لم يمتنع عن حمل حفيدته أثناء الصالة‪َ ،‬‬
‫ص َوِهي ْاب َن ُة‬ ‫اس وأُمام ُة ِب ْن ُع أَِبي اْل َعا ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫النِب َّي َّ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َي ُؤُّم الن َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫"رَْي ُع َّ‬ ‫ص ِارِي‪َ ،‬ق َ‬
‫ال‪َ :‬أ‬ ‫ْاأل َْن َ‬
‫السج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫النِب ِي َّ‬
‫َع َاد َها"‪،1‬‬ ‫ود أ َ‬ ‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َعَلى َعاتقه‪َ ،‬فِإ َذا َرَك َع َو َ‬
‫ض َع َها‪َ ،‬وإِ َذا َرَف َع م َن ُّ ُ‬ ‫َ‬
‫َزْي َن َب ِب ْن ُع َّ‬

‫إذ كان عليه الصالة والسالم عطوفاً رحيماً باألطفال‪ ،‬لدرجة تلفع النظر‪ ،‬إذ يصحب معه في المسجد‬
‫"أمامة بنع أبي العاص"‪ ،‬ابنة ابنته "زينب"‪ ،‬تقام الصالة‪ ،‬فيحملها ويقف‪ ،‬ويق أر‪ ،‬فإذا ركع وضعها‬
‫على أرض المسجد‪ ،‬يخشى عل يها أن تقع منه عند الركوع‪ ،‬ويسجد بجوارها‪ ،‬فإذا قام للركعة الاانية‬

‫متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب إذا حمل جترية صغيرة على عنقه في الصالة‪ ،‬حديث رقم (‪،)516‬‬ ‫‪1‬‬

‫(‪ .)385/1‬وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب المساجد‪ ،‬باب جواز حمل الصبيان في الصالة‪ ،‬حديث رقم (‪.)385/1( ،)549‬‬
‫‪163‬‬
‫حملها‪ ،‬وهكذا حتى يكمل صالته‪ ،‬وابنة ابنته على كتفه الشريف‪ ،1‬أمام الصحابة الفاتحين! ألنها‬

‫طفلة‪ ،‬هلل در الطفولة في زمن النبوة!‪.‬‬

‫هذا االهتمام العظيم‪ ،‬وطيب لفع االنتباه إلى روح الطفولة‪ ،‬في ظل رحمة ورقي النبوة‪ ،‬كان‬
‫كفيالً أن يجسد نتائج عظيمة‪ ،‬تمالع في شدة حرص المجتمع على دمج األطفال في شعائر اإلسالم‪،‬‬

‫فأعباء الحج لم تمنعهمم من اصطحاب أطفالهم‪ ،‬ليس هذا فحسب‪ ،‬إذ يسألون إن كان له أجر‪ ،‬داللة‬
‫النِب ِي َّ‬
‫َّاس‪َ ،‬ع ِن َّ‬ ‫فع ِن ْاب ِن َعب ٍ‬
‫صلى هللاُ‬ ‫َ‬ ‫على اهتمامهم بحياة الطفل األخروية‪ ،‬وحرصهم على فالحه‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ال‪ِ :‬‬ ‫عَلي ِه وسَّلم َل ِقي رْكبا ِب َّ ِ‬
‫ول‬
‫ال‪َ " :‬رُس ُ‬ ‫"من اْلَق ْوُم؟" َقاُلوا‪" :‬اْل ُم ْسل ُمو َن"‪َ ،‬فَقاُلوا‪َ :‬‬
‫"م ْن أ َْن َع؟"‪َ ،‬ق َ‬ ‫الرْو َحاء‪َ ،‬فَق َ َ‬ ‫َ ْ ََ َ َ َ ً‬
‫َجٌر"‪ ،2‬إذ أن "حج الصبي منعقد‬ ‫ِ‬
‫ال‪"َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬وَلك أ ْ‬
‫ِ‬ ‫هللاِ"‪َ ،‬فرَفع ْع ِإَل ْي ِه ام أرَةٌ ِ‬
‫صبيًّا‪َ ،‬فَقاَل ْع‪" :‬أَل َه َذا َحج؟"‪َ ،‬ق َ‬
‫َْ َ‬ ‫َ َ‬
‫صحيح يااب عليه‪ ،‬وإن كان ال يجزيه عن حجة اإلسالم بل يقع تطوعا"‪.3‬‬

‫ارتقع تربيتهم إلى انضمام األطفال في أعظم اتفاقيات التاريخ‪ ،‬أال وهي البيعة مع قائد األمة‬
‫عليه الصالة والسالم‪ ،‬إذ طلب أحدهم من النبي عليه الصالة أن يبايع طفله!‪ ،‬إال أن عبء البيعة‬
‫أكبر بكاير من قدرة الطفولة الغضة‪ ،‬ومع ذلك فإن النبي ال يرد الطفل خائباً‪ ،‬وإنما يمسح على‬
‫َم ْع َبٍد‪َ ،‬ع ْن‬ ‫فع ْن ُزْه َرَة ْب ِن‬‫رأسه‪ ،‬ويدعو له‪ ،‬فأي أثر يتركه هذا الموقف العظيم في نفس هذا الطفل؟! َ‬
‫ِب ْن ُع ُح َم ْيٍد‬ ‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم‪َ ،‬وَذ َه َب ْع ِب ِه أ ُّ‬
‫ُم ُه َزْي َن ُب‬ ‫َِّ‬
‫ان َق ْد أ َْد َر َك النب َّي َ‬
‫ِ‬
‫َّللا ْب ِن ه َشامٍ‪َ ،‬وَك َ‬
‫جِدِه عبِد َّ ِ‬
‫َ َْ‬
‫ْس ُه َوَد َعا‬ ‫َّللاِ بايِعه‪َ ،‬فَقال‪" :‬هو ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫َّللاِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صغ ٌير َف َم َس َح َأر َ‬ ‫َ َُ َ‬ ‫ول َّ َ ْ ُ‬ ‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪َ ،‬فَقاَل ْع‪َ :‬يا َرُس َ‬ ‫إَلى َرُسول َّ َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ ْب ُن ِه َشا ٍم ِإَلى ُّ ِق‬ ‫ان َي ْخ ُرُج ِب ِه َجُّدهُ َع ْبُد َّ‬ ‫ٍ‬
‫َل ُه"‪َ ،‬و َع ْن ُزْه َرَة ْب ِن َم ْع َبد‪ ،‬أََّن ُه َك َ‬
‫السو ‪َ ،‬ف َي ْشتَري الط َع َ‬
‫ام‪َ ،‬فَيْلَقاهُ‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم َق ْد َد َعا‬ ‫ِ َِّ‬
‫َشرْك َنا َفإ َّن النب َّي َ‬
‫َّللاُ َع ْن ُهما‪َ ،‬ف َيُقوالَ ِن َل ُه‪" :‬أ ْ ِ‬
‫ضي َّ‬ ‫الزبي ِر ر ِ‬‫ابن عمر‪ ،‬وابن ُّ‬
‫َ‬ ‫ْ ُ ُ َ َ َ ْ ُ َْ َ َ‬
‫الم ْن ِزِل‪ ،4‬فقد نال ُ"زهرة" الفوز‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َلك ِباْلبرَك ِة"‪َ ،‬في ْشرُكهم‪َ ،‬فربَّما أَصاب َّ ِ‬
‫الراحَل َة َك َما ه َي‪َ ،‬ف َي ْب َع ُث ب َها إَلى َ‬ ‫َ َ ُْ ُ َ َ َ‬ ‫َ ََ‬
‫اء الهتمام أمه به‪.‬‬
‫ببركة دعوة رسول هللا عليه الصالة والسالم‪ ،‬وكل ذلك كان جز ً‬

‫ينظر‪ :‬الشين‪ ،‬فتح المنعم شرح صحيح مسلم‪.)157 /9( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب صحة حج الصبي وأجر من حج به‪ ،‬حديث رقم (‪.)974/2( ،)1336‬‬ ‫‪2‬‬

‫النووي‪ ،‬شرح النووي على مسلم‪.)99/9( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الشركة‪ ،‬باب الشركة في الطعام وغيره‪ ،‬حديث رقم (‪.)141/3( ،)2501‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪164‬‬
‫‪ ‬االهتمام النفسي‬

‫من المهم االعتناء بداخل الطفل‪ ،‬وإشعاره أنه فرد مهم في األسرة‪ ،‬وقد تجلى ذلك فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬إشعار الطفل أنه فرد عظيم في المجتمع‪ ،‬يستحق لفع األنظار إليه‪ ،‬كي ُيحفظ من التمرد‬
‫فع ْن أَِبي ُه َرْي َرَة‪،‬‬‫والعصيان‪ ،‬ويغرس فيه األمن‪ ،‬فيتحلى في داخله األمان‪ ،‬والاقة بالنفس‪َ ،‬‬
‫الله َّم َب ِار ْك َل َنا ِفي َمِد َينِت َنا‪،‬‬ ‫ِ ِ َّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫َن رسول هللاِ َّ‬
‫ول‪ُ « :‬‬ ‫ان ُي ْؤتَى بأ ََّول الا َم ِر‪َ ،‬ف َيُق ُ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َك َ‬‫َ‬ ‫أ َّ َ ُ َ‬
‫ض ُرهُ ِم َن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َص َغ َر َم ْن َي ْح ُ‬ ‫صاع َنا َب َرَك ًة َم َع َب َرَكة»‪ ،‬ثُ َّم ُي ْعطيه أ ْ‬ ‫َوفي ث َمارَنا‪َ ،‬وفي ُمد َنا‪َ ،‬وفي َ‬
‫اْل ِوْل َد ِ‬
‫ان‪.1‬‬

‫وفي ذلك إشارة للطفل أنه ال يقل قد اًر عن غيره بصغر سنه‪ ،‬فمن بين كبار الصحابة‪ ،‬وشيوخ‬
‫المجتمع‪ ،‬وهمة شبابها‪ ،‬إال أن النبي عليه الصالة والسالم يتجاوز كل ذلك إلى روح الطفولة‪ ،‬ليعطيها‬
‫أصغر من في القوم إكراماً وحباً وتقدي اًر‪.‬‬

‫وفيه بيان ما كان عليه صلى هللا عليه وسلم من مكارم األخالق‪ ،‬وكمال الشفقة‪ ،‬والرحمة‪،‬‬
‫ومالطفة الصغار‪ ،‬إذ خص الصغير لكونه أرغب فيه‪ ،‬وأكار تطلعاً إليه وحرصا عليه‪ ،2‬إذ هو أولى‬
‫باأللطاف لقلة صبره‪ ،‬وكارة جزعه‪ ،‬وحرصه وشرهه وفرحه على مال هذا بحسب صغره‪ ،‬وكلما كبر‬
‫تخلق بأخالق الرجال من الصبر‪ ،‬والحياء‪ ،‬وسماحة النفس‪ ،‬وقلة شغبه‪.3‬‬

‫‪ -‬ومن المالحظ أن النبي عليه الصالة والسالم كان يهتم بأن تكون أسماء الصحابة خير‬
‫األسماء‪ ،‬مراعاة لنفسية الطفل‪ ،‬وفي ذلك إشارة أن لالسم أثر في نفس الطفل ينعكس على‬
‫َح َّب أَ ْس َم ِائ ُك ْم‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫قوله وسلوكه‪ ،‬فع ِن اب ِن عمر‪َ ،‬قال‪َ :‬قال رسول هللاِ َّ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪" :‬إ َّن أ َ‬‫َ‬ ‫َ َ َُ ُ‬ ‫َ ْ ُ ََ‬

‫صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب فضل المدينة ودعاء النبي عليه الصالة والسالم فيها بالبركة‪ ،‬حديث رقم (‪،)1373‬‬ ‫‪1‬‬

‫(‪.)1000/2‬‬
‫النووي‪ ،‬شرح النووي على مسلم‪.)146 /9( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬ينظر‪ :‬أبو الفضل‪ ،‬عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي‪( ،‬ت‪544 :‬ه)‪ ،‬إكمال المعلم بفوائد مسلم‪،‬‬
‫نحقيق‪ :‬الدكتور يحيى ِإسم ِ‬
‫اعيل‪ ،‬دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬مصر‪( ،‬ط‪1419/1‬ه‪1998-‬م)‪ ،)492 /4( ،‬وينظر‪:‬‬ ‫َْ ْ َ‬
‫القرطبي‪ ،‬المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪.)489 /3( ،‬‬
‫‪165‬‬
‫الر ْح َم ِن"‪ .1‬وكان أيضاً يغير األسماء القبيحة إلى حسنة‪ ،‬ومنه ما ورد‬ ‫ِإَلى هللاِ َع ْبُد هللاِ َو َع ْبُد َّ‬
‫ال‪" :‬أ َْن ِع َج ِميَل ُة"‪.2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫َن رسول هللاِ َّ‬
‫اس َم َعاص َي َة َوَق َ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َغي ََّر ْ‬‫َ‬ ‫عن َع ِن ْاب ِن ُع َم َر‪ ،‬أ َّ َ ُ َ‬

‫وفي ذلك فائدة أن تغيير االسم القبيح سنة‪ ،‬ينبغي االقتداء به فيها‪ ،‬فالنبي عليه الصالة‬
‫والسالم كان يكره االسم القبيح‪ ،‬ويحب االسم الحسن ويتفاءل به‪ ،‬وإنما كره اسم عاصية؛ لكونه من‬

‫َّللا تعالى‪ ،‬فسماها‬


‫َّللا تعالى‪ ،‬بينما شعار المؤمن الطاعة المقربة إلى َّ‬
‫العصيان الموجب لغضب َّ‬
‫جميلة‪.3‬‬

‫‪ -‬ومن أهم عوامل االهتمام النفسي العظيم بالطفل‪ ،‬هو العدل‪ ،‬فالنبي عليه الصالة والسالم ال‬

‫صَّد َق َعَل َّي‬ ‫ان ْب ِن َب ِش ٍ‬


‫الن ْعم ِ‬
‫فع ِن ُّ‬
‫ال‪ :‬تَ َ‬‫ير‪َ ،‬ق َ‬ ‫َ‬ ‫يقبل الظلم على أحد‪ ،‬بما فيهم األطفال بالطبع‪َ ،‬‬
‫ُمي عمرة ِب ْنع رواح َة‪َ :‬ال أَرضى حتَّى تُ ْش ِهد رسول هللاِ َّ‬ ‫ض مالِ ِه‪َ ،‬فَقاَلع أ ِ‬ ‫أَِبي ِب َب ْع ِ‬
‫صلى هللاُ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ ْ َُ ُ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ول‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ ِ‬ ‫النِب ِي َّ‬‫طَل َق أَِبي ِإَلى َّ‬ ‫َعَل ْي ِه َو َسَّل َم‪َ ،‬ف ْان َ‬
‫ال َل ُه َرُس ُ‬‫ص َدَقتي‪َ ،‬فَق َ‬ ‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم لُي ْشه َدهُ َعَلى َ‬ ‫َ‬
‫اعِدُلوا ِفي‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫هللاِ َّ‬
‫ال‪" :‬اتَُّقوا هللاَ‪َ ،‬و ْ‬ ‫ال‪َ :‬ال‪َ ،‬ق َ‬‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪" :‬أََف َعْل َع َه َذا ب َوَلد َك ُكله ْم؟" َق َ‬ ‫َ‬
‫أ َْوَالِد ُك ْم"‪َ ،‬ف َر َج َع أَِبي‪َ ،‬ف َرَّد ِتْل َك َّ‬
‫الص َدَق َة‪.4‬‬

‫"فمعنى "ال أشهد على جور"‪ :‬ال أشهد على ميل األب لبعض األوالد‪ ،‬دون بعض‪ ،‬وبأن‬

‫توقيا عن مال ذلك لرفعة مقامه‪ ...‬فالتسوية بين‬


‫امتناعه صلى هللا عليه وسلم عن الشهادة كان ً‬
‫األبناء والبنات‪ ،‬أي بين األوالد مطلوبة شرًعا"‪.5‬‬

‫‪ ‬االهتمام العلمي‬

‫انطالقاً من أهمية مرحلة الطفولة‪ ،‬ودورها المركزي في المستقبل‪ ،‬سعى المنهج اإلسالمي إلى‬
‫االهتمام بمسيرة الطفل العلمية‪ ،‬وتحليته بالمعرفة‪ ،‬خاصة وأن الطفولة تتميز بصفاء الذهن وسرعة‬

‫اخ َب ْد ٍر‪َ ،‬فَق َ‬


‫ال‬ ‫ان ُع َم ُر ُي ْد ِخُلِني َم َع أ ْ‬
‫َش َي ِ‬ ‫الحفظ‪ ،‬ويبدو ذلك جلياً في رواية "ابن عباس" إذ َقا َل‪َ :‬ك َ‬

‫صحيح مسلم‪ ،‬كتاب اآلداب‪ ،‬باب النهي عن التكني بأبي القاسم‪ ،‬حديث رقم (‪.)1682/3( ،)2132‬‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح مسلم‪ ،‬كتاب اآلداب‪ ،‬باب استحباب تغيير االسم القبيح إلى حسن‪ ،‬حديث رقم(‪.)1686/3( ،)2139‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن رسالن‪ ،‬شرح سنن أبي داود ًلبن رسالن‪.)55/19( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الهبات‪ ،‬باب كراهة تفضيل بعض األوالد في الهبة‪ ،‬حديث رقم (‪.)1242/3( ،)1623‬‬ ‫‪4‬‬

‫ينظر‪ :‬الشين‪ ،‬فتح المنعم شرح صحيح مسلم‪.)400-399 /6( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪166‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الفتَى معنا وَلنا أَبن ِ‬ ‫‪ِ ِ 1‬‬
‫ات َي ْو ٍم‬ ‫اه ْم َذ َ‬
‫ال‪َ :‬ف َد َع ُ‬ ‫ال‪" :‬إَّن ُه م َّم ْن َق ْد َعل ْمتُ ْم" َق َ‬‫اء م ْاُل ُه؟ َفَق َ‬‫ض ُه ْم ‪ :‬ل َم تُْدخ ُل َه َذا َ َ َ َ َ َ ْ َ ٌ‬ ‫َب ْع ُ‬
‫نِ ِ‬ ‫ِِ ‪2‬‬ ‫ِ ٍ ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ُر‬ ‫اء َن ْ‬‫ال‪َ " :‬ما تَُقوُلو َ في إ َذا َج َ‬ ‫ال‪َ " :‬و َما ُرئيتُ ُه َد َعاني َي ْو َمئذ إال لُي ِرَي ُه ْم مني "‪َ ،‬فَق َ‬ ‫َوَد َعاني َم َع ُه ْم َق َ‬
‫ِ‬ ‫اجا َحتَّى َختَ َم ُّ‬ ‫ين َّ ِ‬ ‫اس َي ْد ُخُلو َن ِفي ِد ِ‬ ‫َّللاِ َو َ‬
‫الف ْت ُح‪َ ،‬وَأرَْي َع َّ‬
‫َن َن ْح َم َد‬‫ض ُه ْم‪" :‬أُم ْرَنا أ ْ‬‫ال َب ْع ُ‬‫ورَة"‪َ ،‬فَق َ‬‫الس َ‬ ‫َّللا أَْف َو ً‬ ‫الن َ‬ ‫َّ‬
‫ال لِي‪َ " :‬يا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ض ُه ْم َش ْيًئا"‪َ ،‬فَق َ‬ ‫ض ُه ْم‪" :‬الَ َن ْد ِري‪ ،‬أ َْو َل ْم َيُق ْل َب ْع ُ‬ ‫ال َب ْع ُ‬‫َّللاَ َوَن ْستَ ْغف َرهُ إ َذا ُنص ْرَنا َوُفت َح َعَل ْي َنا"‪َ ،‬وَق َ‬
‫َّ‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه‬ ‫ول َّ ِ‬
‫َّللا َ‬
‫اك تَُقول؟" ُقْل ُع‪" :‬الَ"‪َ ،‬قال‪َ" :‬فما تَُقول؟" ُقْل ُع‪" :‬هو أَجل رس ِ‬
‫َُ َ ُ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َك َذ َ‬
‫َّاس‪ ،‬أ َ‬ ‫ْاب َن َعب ٍ‬
‫الف ْتح َف ْتح م َّك َة‪َ ،‬ف َذاك عالَم ُة أَجلِك‪َ :‬فسِبح ِبحمِد ربِك و ِ‬ ‫َّللا َله‪ِ :‬إ َذا جاء نصر َّ ِ‬ ‫َّ‬
‫استَ ْغف ْرهُ‬ ‫َ َ َ َ َ َ ْ َْ َ َ َ ْ‬ ‫َّللا َو َ ُ ُ َ‬ ‫َ َ َُْ‬ ‫َعَل َم ُه َّ ُ ُ‬‫َو َسل َم أ ْ‬
‫َعَل ُم ِم ْن َها ِإ َّال َما تَ ْعَل ُم"‪.3‬‬
‫ال ُع َم ُر‪َ " :‬ما أ ْ‬ ‫ِإَّن ُه َك َ‬
‫ان تََّو ًابا"‪َ ،‬ق َ‬

‫فقد تميز "ابن عباس" عن باقي أبناء الصحابة بالفقه في الدين‪ ،‬استجابة لدعوة رسول هللا‬
‫ِِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫َّللاِ َّ‬ ‫ِ‬
‫ْت‬ ‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َوأ ََنا ْاب ُن َع ْش ِر سن َ‬
‫ين‪َ ،‬وَق ْد َق َأر ُ‬ ‫ول َّ َ‬ ‫عليه الصالة والسالم‪ ،‬ويقول‪" :‬تُُوف َي َرُس ُ‬
‫الم ْح َك َم‬ ‫َّاس ر ِ‬‫الم ْح َكم"‪ ،‬وفي رواية أخرى َع ْن س ِع ِيد ْب ِن ُج َب ْي ٍر‪َ ،‬ع ِن ْاب ِن َعب ٍ‬
‫"ج َم ْع ُع ُ‬
‫َّللاُ َع ْن ُه َما‪َ ،‬‬
‫ضي َّ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ص ُل"‪" ،4‬والمراد بالمفصل‬ ‫المَف َّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫َّللاِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪ُ " :‬‬‫الم ْح َك ُم؟" َق َ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم"‪َ ،‬فُقْل ُع َل ُه‪"َ :‬و َما ُ‬‫في َع ْهد َرُسول َّ َ‬
‫السور التي كارت فصولها وهي من الحجرات إلى آخر القرآن على الصحيح"‪ ،5‬ففيه داللة على‬
‫إتقان "ابن عباس" وحسن حرصه على التعلم منذ صغره‪.‬‬

‫وكما تبين مسبقاً‪ ،‬فإن أبناء الصحابة كانوا يحضرون مجالس رسول هللا عليه الصالة والسالم‪،‬‬
‫ويروون عنه األحاديث‪ ،‬ويروي عنهم كبار الصحابة‪ ،‬فال يمنعوهم لصغر سنهم‪ ،‬وقد كان بعض‬
‫ول هللاِ‬
‫أبناء الصحابة يتحفظون أحياناً من الرواية‪ ،‬إذ يقول سمرةُ ب ُن ج ْنُد ٍب‪َ" :‬لَق ْد ُك ْن ُع عَلى عهِد رس ِ‬
‫َ َْ َُ‬ ‫َ َُ ْ ُ‬

‫قوله‪( :‬قال بعضهم) أراد به‪" :‬عبد الرحمن بن عوف"‪ ،‬ولم يقل ذلك حسدا‪ ،‬لكنه أراد أن يكون أبناء له ماله‪ ،‬العيني‪ ،‬عمدة‬ ‫‪1‬‬

‫القاري شرح صحيح البخاري‪.)286 /17( ،‬‬


‫(مني) أي‪ :‬بعض فضيلتي‪ ،‬العيني‪ ،‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪.)286 /17( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب المغازي‪ /‬باب (‪ ،)52‬رقم (‪.)149 /5( .)4294‬‬ ‫‪3‬‬

‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب فضائل القرآن‪ ،‬باب تعليم الصبيان القرآن‪ ،‬حديث رقم (‪ .)193/6( ،)5036‬والمراد بالمفصل‪ :‬السور‬ ‫‪4‬‬

‫التي كارت فواصلها وهي من الحجرات إلى آخر القرآن على الصحيح‪ .‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪.)282-281/11( ،‬‬
‫ابن حجر‪ ،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪.)84/9( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪167‬‬
‫َس ُّن‬ ‫ظ َع ْن ُه‪َ ،‬ف َما َي ْم َن ُعِني ِم َن اْلَق ْو ِل ِإ َّال أ َّ‬
‫َن َها ُه َنا ِر َج ً‬ ‫ِ َّ‬ ‫َّ‬
‫اال ُه ْم أ َ‬ ‫َحَف ُ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم ُغ َال ًما‪َ ،‬ف ُك ْن ُع أ ْ‬ ‫َ‬
‫ِمِني"‪ ،1‬فقد كان يترك التقديم بين يدى األسن واألعلم‪ ،‬احتراماً لهم‪ ،‬وذوقاً منه‪.2‬‬

‫‪ ‬االهتمام الصحي‬

‫االهتمام بقلب الطفل وعقله وعقيدته ال يغني عن االهتمام بجسده والعناية به‪ ،‬إذ أن منهج‬

‫"التحلية" لم يقتصر على النفسي والعلمي‪ ،‬وإنما على الجسدي أيضاً‪ ،‬بتحليته وتزويده بالقوة والحماية‪.‬‬

‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم‬ ‫َِّ‬


‫ص النب ُّي َ‬ ‫ول‪َ :‬رَّخ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬ويظهر ذلك في "جابر"‪ ،‬فعن َجاب َر ْب َن َع ْبد هللا‪َ ،‬يُق ُ‬
‫‪3‬‬
‫ض ِارَع ًة‬ ‫س‪" :‬ما لِي أَرى أَجس ِ ِ‬ ‫ال ِألَسماء ِب ْن ِع ُعم ْي ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ام َبني أَخي َ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫آلل َح ْزٍم في ُرْق َية اْل َحيَّة‪َ ،‬وَق َ ْ َ َ‬
‫ض ُع َعَل ْي ِه"‪،‬‬ ‫ص ُيبهم اْلحاج ُة" َقاَل ْع‪َ " :‬ال‪ ،‬وَل ِك ِن اْلع ْي ُن تُس ِرعُ ِإَل ْي ِهم"‪َ ،‬قال‪ْ " :‬ارِق ِ‬
‫يه ْم" َقاَل ْع‪َ" :‬ف َع َر ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تُ ُ ُ َ َ‬
‫ِ‬

‫َفَقال‪ْ " :‬ارِق ِ‬


‫يه ْم"‪.4‬‬ ‫َ‬

‫وذلك لما في الرقيا من حماية لألبناء‪ ،‬وحفظهم من شر العين واألذى‪ ،‬إذ ال بد من الحرص‬
‫على صحتهم الجسدية كي يتسنى لهم حسن العبادة‪ ،‬والعلم‪.‬‬

‫ِ َّ‬ ‫النِب ُّي َّ‬ ‫َّاس ر ِ‬


‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم ُي َع ِوُذ َ‬
‫الح َس َن‬ ‫َ‬
‫ان َّ‬‫ال‪َ :‬ك َ‬
‫َع ْن ُه َما‪َ ،‬ق َ‬ ‫َّللاُ‬
‫ضي َّ‬
‫َ َ‬
‫وع ِن ْاب ِن َعب ٍ‬ ‫‪َ -‬‬
‫ام ِة‪ِ ،‬م ْن‬
‫َّللاِ التَّ َّ‬
‫ات َّ‬ ‫اعيل وإِسحاق‪ :‬أَعوُذ ِب َكلِم ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ان ُي َع ِوُذ ِب َها ِإ ْس َم َ َ ْ َ َ ُ‬ ‫َك َ‬ ‫ول‪ِ" :‬إ َّن أ ََب ُ‬
‫اك َما‬ ‫الح َس ْي َن‪َ ،‬وَيُق ُ‬
‫َو ُ‬
‫َع ْي ٍن الَ َّم ٍة"‪.5‬‬ ‫ام ٍة‪َ ،‬و ِم ْن ُك ِل‬ ‫طٍ‬
‫ان َو َه َّ‬ ‫ُك ِل َش ْي َ‬

‫ومعنى عذت به أي‪ :‬لجأت إليه من شياطين اإلنس والجن وشرهم وكيدهم‪ ،‬فقد كان النبي‬
‫عليه الصالة والسالم يحرص على وقاية أحفاده من الشيطان‪ ،‬ومن ذوات السموم‪ ،‬ومن العين التي‬
‫تصيب السوء‪ ،6‬فهذه من أكار المخاطر التي تصيب األبناء ‪-‬والناس عامة‪ -‬بالسوء والضرر‪ ،‬ونظ اًر‬

‫صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب أين يقوم اإلمام من الميع للصالة‪ ،‬حديث رقم (‪.)664/2( ،)964‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬أبو الفضل‪ ،‬إكمال المعلم بفوائد مسلم‪.)431 /3( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ضارعة‪ ،‬أي‪ :‬نيحفة‪ .‬شرح محمد فؤاد عبد الباقي في حاشية صحيح مسلم‪.)1726 /4( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫صحيح مسلم‪ ،‬كتاب السالم‪ ،‬باب استحباب الرقية من العين والنملة‪ ،‬حديث رقم (‪.)1726/4( ،)2198‬‬ ‫‪4‬‬

‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب أحاديث األنبياء‪ ،‬حديث رقم (‪.)147/4( ،)3371‬‬ ‫‪5‬‬

‫ينظر‪ :‬العيني‪ ،‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪.)265 /15( ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪168‬‬
‫لشدة حرص النبي عليه الصالة والسالم على األطفال‪ ،‬وطيب عنايته وحبه لهم‪ ،‬كان يعوذ أحفاده‬

‫من ذلك‪.‬‬

‫ج‪ .‬اًلهتمام بمشاعر الطفل‬

‫إضافة لتحلية الطفل بالعقيدة السليمة‪ ،‬واالهتمام بكيانه وذاته‪ ،‬ال غنى عن االهتمام بمشاعر‬

‫ال طفل‪ ،‬والحفاظ على سالمته الداخلية‪ ،‬وذلك بتحليته بالحب‪ ،‬واالحترام‪ ،‬والرحمة‪ ،‬فال يكاد يمر‬
‫موقف من مواقف النبوة مع الطفولة‪ ،‬إال ويختلجه ذلك‪ ،‬إذ تعد الطفولة أحوج الفئات إلى كل ذلك‪،‬‬
‫نظ اًر لطبيعتها الغضة‪ ،‬وحسن تقبلها وطاعتها باإلحسان‪ ،‬ورقة كيانها‪ ،‬وتفصيل ذلك على النحو‬

‫اآلتي‪:‬‬

‫‪ ‬حب الطفل‬

‫لم يقتصر النبي عليه الصالة والسالم على التعبير بالحب بالسلوك العملي‪ ،‬وإنما كان أيضاً‬
‫يصرح بالقول أمام الطفل‪.‬‬

‫هللاُ َعَل ْي ِه‬ ‫صلَّى‬ ‫َِّ‬


‫ال‪ :‬لما أتى النب ُّي َ‬ ‫َّللاُ َع ْن ُه‪َ ،‬ق َ‬
‫ضي َّ‬ ‫س رِ‬ ‫‪ -‬وذلك جلياً في رواية "أنس"‪ ،‬فعن أَن ٍ‬
‫َْ َ َ َ‬
‫هللاُ َعَل ْي ِه‬ ‫صلَّى‬ ‫س‪َ ،‬فَق َِّ‬
‫ام النب ُّي َ‬
‫َ‬
‫ال ِم ْن ُع ُر ٍ‬ ‫ِ‬
‫ال‪َ :‬حس ْب ُع أَنَّ ُه َق َ‬‫ين ‪َ-‬ق َ‬
‫ِ‬
‫ان ُمْقِبل َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َو َسل َم الن َسا َء َوالص ْب َي َ‬
‫ِ ‪1‬‬
‫اس ِإَل َّي"‪َ ،‬قاَل َها ثَالَ َث ِم َرٍار‪.2‬‬ ‫َح ِب َّ‬
‫الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ال‪" :‬الل ُه َّم أ َْنتُ ْم م ْن أ َ‬
‫َّ‬
‫َو َسل َم ُم ْما ًال َفَق َ‬

‫وفي رواية أنه قام عليه الصالة والسالم ممتناً‪ ،‬أي قام قياماً مسرعاً مشتداً في ذلك‪ ،‬فرحاً‬
‫بهم‪ ،3‬من روعة امتالء قلبه بالحب لهم‪ ،‬والعطف والحنان‪.‬‬

‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم‬ ‫َِّ‬


‫ال‪َ :‬خ َرَج النب ُّي َ‬ ‫َّللاُ َع ْن ُه‪َ ،‬ق َ‬
‫ضي َّ‬‫الدوِس ِي ر ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬ومنه أيضاً ما رواه أَبو ُه َرْي َرَة َّ ْ‬
‫َ َ‬
‫اء بي ِع َف ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫النه ِار‪ ،‬الَ ي َكلِمِني والَ أ َ ِ‬ ‫ِفي َ ِ ِ‬
‫اط َم َة‪،‬‬ ‫اع‪َ ،‬ف َجَل َس ِبف َن َ ْ‬
‫ُكل ُم ُه‪َ ،‬حتَّى أَتَى ُسو َق َبني َق ْيُنَق َ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫طائَفة َّ َ‬

‫مماالً‪ :‬انتصب قائماً‪ .‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪.)114/7( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب مناقب األنصار‪ ،‬باب قول النبي صلى هللا عليه وسلم لألنصار (أنتم أحب الناس إلي)‪ ،‬حديث رقم‬ ‫‪2‬‬

‫(‪.)32/5( ،)3785‬‬
‫ينظر‪ :‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬حديث رقم (‪.)25 /7( ،)5180‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪169‬‬
‫اء َي ْشتَُّد‬ ‫ِ‬ ‫‪2‬‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ال "أَثَ َّم ُل َك ُع ‪ ،‬أَثَ َّم ُل َك ُع" َف َح َب َس ْت ُه َش ْيًئا‪َ ،‬ف َ‬
‫‪1‬‬
‫ظ َن ْن ُع أَن َها ُتْلب ُس ُه س َخ ًابا ‪ ،‬أ َْو تُ َغسُل ُه‪َ ،‬ف َج َ‬ ‫َفَق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َحِب ْب ُه َوأَح َّب َم ْن ُيحب ُ‬
‫ُّه"‪.3‬‬ ‫ال‪" :‬الل ُه َّم أ ْ‬ ‫َحتى َع َانَق ُه‪َ ،‬وَقَّبَل ُه َوَق َ‬
‫َّ‬

‫وفي هذا داللة على استحباب وأهمية مالطفة الطفل‪ ،‬ومداعبته‪ ،‬رحمة له‪ ،‬ولطفاً‪ ،‬واستحباب‬
‫التواضع مع األطفال‪ ،4‬ومن إخالص حب النبي عليه الصالة والسالم‪ ،‬يدعو هللا أن يحب طفله‬

‫المدلل‪ ،‬ليس هذا فحسب‪ ،‬وإنما أن يحب أيضاً كل من يحبه‪ ،‬كي تعمر األرض نو اًر بحب األمة له‪،‬‬
‫وفي هذا إشارة عظيمة على الدعوة النبوية لحب األطفال‪ ،‬والتعامل معهم بأرق أسلوب‪ ،‬وألين خطاب‪،‬‬
‫كي يرتقي في نموه‪ ،‬وينضج على أحسن حال‪.‬‬

‫‪ -‬ولم يكن تعبير النبي عليه الصالة والسالم لحب األطفال‪ ،‬مقتص اًر على ألفاظ الحب‪ ،‬إنما‬
‫أيضاً بتعبيرات أخرى لطيفة تحمل في ثناياها الكاير من الحب والقرب‪ ،‬ومنه وصفه‬
‫بالريحان‪ ،‬فقد ورد عن اب ِن أَِبي نعمٍ‪َ ،‬قال‪ُ :‬كنع َش ِ‬
‫اهًدا ِال ْب ِن ُع َم َر‪َ ،‬و َسأََل ُه َرُج ٌل َع ْن َد ِم‬ ‫َ ُْ‬ ‫ُْ‬ ‫ْ‬
‫ظ ُروا ِإَلى َه َذا‪َ ،‬ي ْسأَُلِني َع ْن َد ِم‬‫ال‪ْ :‬ان ُ‬ ‫اق‪َ ،‬ق َ‬
‫وض‪َ ،‬فَقال‪ِ :‬م َّمن أ َْنع؟ َفَقال‪ِ :‬من أَه ِل ِ‬
‫الع َر ِ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫الب ُع ِ‬
‫َ‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم‬ ‫َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫وض‪ ،‬وَق ْد َقَتُلوا ابن النَِّب ِي َّ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪َ ،‬و َسم ْع ُع النب َّي َ‬‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫الب ُع ِ‬
‫َ‬
‫الد ْن َيا"‪ ،5‬أي أحفاده "الحسن" و"والحسين"‪ ،‬والريحان مما يشم‪ ،‬إذ‬ ‫اي ِم َن ُّ‬ ‫ول‪ُ " :‬ه َما َرْي َح َانتَ َ‬
‫َيُق ُ‬
‫الولد مما يشم ويقبل‪.6‬‬

‫وقد كان النبي عليه الصالة والسالم يحرص على تعبيره لحب األطفال بالناحية العملية‬
‫أيضاً‪ ،‬ويتجلى ذلك بتقبيله لألطفال‪ ،‬وشمهم‪ ،‬وضمهم‪ ،‬والمسح على خدهم‪ ،‬وحملهم أيضاً‪ ،‬وقد ورد‬
‫ذلك كاي اًر في السنة النبوية‪.‬‬

‫لكع‪ :‬معناه الصغير يقصد الحسن والحسن‪ .‬تعليق مصطفى البغى في حاشية صحيح البخاري‪.)66/3( .‬‬ ‫‪1‬‬

‫السخاب‪ :‬قالدة من خرز أو طيب أو قرنفل وقيل غير ذلك‪ .‬تعليق مصطفى البغى في حاشية صحيح البحاري‪.)66/03( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب ما ذكر في األسواق‪ ،‬حديث رقم (‪ ،)66/3( ،)2122‬وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب‬ ‫‪3‬‬

‫فضائل الصحابة‪ ،‬باب (من فضائل الحسن والحسين رضي هللا عنهما‪ ،‬حديث رقم (‪.)1882/4( ،)2421‬‬
‫ينظر‪ :‬النووي‪ ،‬شرح النووي على مسلم‪.)193 /15( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب (رحمة الولد وتقبيله ومعانقته‪ ،‬حديث رقم (‪.)7/8( ،)5994‬‬ ‫‪5‬‬

‫ينظر‪ :‬العيني‪ ،‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪.)98 /22( ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪170‬‬
‫َّللاِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫فع ِن ْاب ِن َعب ٍ‬
‫صلى هللاُ‬‫ول َّ َ‬ ‫ض َّمني َرُس ُ‬
‫ال‪َ :‬‬
‫َّاس َق َ‬ ‫‪ -‬ومنه أنه ضم "ابن عباس" بينما يدعو له‪َ ،‬‬
‫اب"‪.1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ َّ‬
‫ال‪" :‬الل ُه َّم َعل ْم ُه الكتَ َ‬
‫َعَل ْيه َو َسل َم َوَق َ‬

‫وذلك لِما للضم من أهمية كبيرة في التأثير في الطفل‪ ،‬فكيف لو اقترن بالدعاء له‪ ،‬وكان‬
‫الداعي سيد األمة عليه الصالة والسالم؟‪.‬‬

‫‪ -‬وكان أيضاً يحمل األطفال عندما يالقونه‪ ،‬إذ إن حمل الطفل يهدئ لوعة األشواق المتبادلة‪،‬‬
‫صَّلى‬ ‫ِ َِّ‬ ‫َّاس ر ِ‬‫فع ِن ْاب ِن َعب ٍ‬
‫ال‪َ" :‬ل َّما َقد َم النب ُّي َ‬ ‫َّللاُ َع ْن ُه َما‪َ ،‬ق َ‬
‫ضي َّ‬
‫َ َ‬ ‫وتُفرغ طاقة الحب باألحضان‪َ ،‬‬
‫ِ‪2‬‬ ‫طلِ ِب‪َ ،‬فحمل و ِ‬ ‫ُغيلِم ُة بِني عبِد الم َّ‬ ‫ِ َّ َّ‬
‫آخ َر َخْلَف ُه"‪،3‬‬ ‫احًدا َب ْي َن َي َد ْيه ‪َ ،‬و َ‬ ‫َََ َ‬ ‫استَْقَبَل ْت ُه أ َ ْ َ َ َ ْ ُ‬‫هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َمك َة‪ْ ،‬‬
‫ِ ِ‬
‫"وفي هذا دليل على عطف النبي على األطفال" ‪ ،‬و َع ْن َع ْبد هللا ْب ِن َج ْعَف ٍر‪َ ،‬ق َ‬
‫‪4‬‬
‫ول‬
‫ان َرُس ُ‬ ‫ال‪َ " :‬ك َ‬
‫ال‪َ :‬وإَِّن ُه َقِد َم ِم ْن َسَف ٍر‬ ‫ان أ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫هللاِ َّ‬
‫َهل َب ْيته‪َ ،‬ق َ‬ ‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم ِإ َذا َقد َم م ْن َسَف ٍر ُتُلق َي ِبص ْب َي ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ال‪َ :‬فأ ُْد ِخْل َنا‬ ‫ِ‬ ‫َفسِبق ِبي ِإَلي ِه‪َ ،‬فحمَلِني بين يدي ِه‪ ،‬ثُ َّم ِجيء ِبأ ِ‬
‫َحد ْاب َن ْي َفاط َم َة‪َ ،‬فأ َْرَدَف ُه َخْلَف ُه‪َ ،‬ق َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ َ ََ ْ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬
‫اْلمِدين َة‪ ،‬ثَ َالثَ ًة عَلى داب ٍ‬
‫َّة"‪.5‬‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬

‫"فربما تفاخر الصبيان بعد ذلك فيقول بعضهم لبعض حملني رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫بين يديه"‪ ،6‬لحبهم وتقديرهم لسيد األمة عليه الصالة والسالم‪ ،‬إذ كان عليه الصالة يغمرهم بكافة‬

‫أشكال الحب‪.‬‬

‫‪ ‬احترام الطفل‬

‫من أجل أساليب التعامل مع األطفال‪ ،‬احترامهم‪ ،‬وهذا ما يغفل عنه البعض بظنهم أن صغر‬
‫السن ليس بحاجة ماسة لالحترام‪ ،‬واألوجب على الطفل أن يقدم االحترام‪ ،‬ولكن هل فاقد الشيء‬

‫منفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب قول النبي عليه الصالة والسالم " اللهم علمه الكتاب"‪ ،‬حديث رقم (‪،)75‬‬ ‫‪1‬‬

‫(‪ .)26/1‬وعند مسلم‪( :‬اللهم فقه في الدين)‪ .‬صحيح مسلم‪ ،‬فضائل الصحابة‪ ،‬باب من فضائل عبد هللا بن عباس رضي هللا‬
‫عنه‪ ،‬رقم(‪.)1927/4( ،)2477‬‬
‫(بين يديه) أركبه أمامه على ناقته‪ ،‬تعليق مصطفى البغا في حاشية صحيح البخاري‪.)7/3( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب أبواب العمرة‪ ،‬باب استقبال الحاج القادمين والاالثة على الدابة‪ ،‬حديث رقم (‪.)7/3( ،)1798‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪.)192 /6( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫صحيح مسلم‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب فضائل عبد هللا بن جعفر رضي هللا عنه‪ ،‬حديث رقم (‪.)1885/4( ،)2428‬‬ ‫‪5‬‬

‫الغزالي‪ ،‬إحياء علوم الدين‪.)197/2( ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪171‬‬
‫يعطيه؟! لقد أبدعع التربية النبوية في احترام شخصية ومتطلبات وحقوق الطفل‪ ،‬بكل تقدير وامتنان‪،‬‬

‫ويحذر أيضاً في يوم الحج العظيم من االعتداء على حقوق األبناء‪ ،‬وهذا ما يدل عليه حديث‪ " :‬أال‬
‫ال يجني جان على ولده وال مولود على والده‪ ،1"..‬فجناية كل منهما قاصرة عليه‪ ،‬ال يجوز أن تتعداه‬
‫إلى غيره‪ ،2‬واهتم النبي عليه الصالة والسالم باحترام طبيعة الطفل‪ ،‬بما فيها من الشغف‪ ،‬وشدة‬

‫الفضول‪ ،‬والبراءة والضعف‪ ،‬واحتوى كل ذلك بكل امتنان‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫‪ -‬كان النبي عليه الصالة والسالم يشجع على تفهم طبيعة األطفال‪ ،‬وحسن احتوائهم‪ ،‬فعن‬
‫ان َل َها‪َ ،‬ف َسأََل ْتِني َفَل ْم‬ ‫ام َأرَةٌ‪ ،‬وم َع َها ْاب َنتَ ِ‬
‫اء ْتني ْ َ َ‬
‫ع ِائ َش َة أم المؤمنين رضي هللا عنها‪َ ،‬قاَلع‪ :‬ج ِ‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ ٍ‬ ‫ِِ‬
‫ْك ْل‬‫َخ َذ ْت َها َفَق َس َم ْت َها َب ْي َن ْاب َنتَ ْي َها‪َ ،‬وَل ْم تَأ ُ‬ ‫ط ْيتُ َها ِإي َ‬
‫َّاها‪َ ،‬فأ َ‬ ‫تَ ِج ْد ع ْندي َش ْيًئا َغ ْي َر تَ ْم َرٍة َواح َدة‪َ ،‬فأ ْ‬
‫َع َ‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم َف َحَّد ْثتُ ُه َحِدياَ َها‪،‬‬ ‫َِّ‬
‫اها‪َ ،‬ف َد َخ َل َعَل َّي النب ُّي َ‬‫ام ْع َف َخ َر َج ْع َو ْاب َنتَ َ‬
‫ِ‬
‫م ْن َها َش ْيًئا‪ ،‬ثُ َّم َق َ‬
‫َح َس َن ِإَل ْي ِه َّن ُك َّن َل ُه ِس ْت ًار‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫النِب ُّي َّ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪َ " :‬م ِن ْابُتل َي م َن اْل َب َنات ِب َش ْيء‪َ ،‬فأ ْ‬ ‫َ‬
‫ال َّ‬ ‫َفَق َ‬
‫ِم َن َّ‬
‫الن ِار"‪.3‬‬

‫وإنما سماه ابتالء ألن الناس كانوا يكرهونهن في العادة‪ ،4‬ومن صانهن‪ ،‬وقام بما يصلحهن‪،‬‬
‫ونظر في أصلح األحوال لهن‪ ،‬قاصداً به وجه هللا تعالى‪ ،‬عافاه هللا تعالى من النار‪ ،‬وباعده منها‪،5‬‬

‫إذ ال بد من احترام وجود الطفل‪ ،‬وإكرامه‪ ،‬خاصة فيما يخص الطعام‪ ،‬نظ اًر لطبيعة رغبات الطفل‪،‬‬
‫وضعف مقاومته‪ ،‬فإذا تم األخذ باعتبار كل ذلك‪ ،‬كانع التربية أكار سهولة ومرونة‪ ،‬ألن مراعاة‬
‫طبيعة الطفل ستؤدي تباعاً إلى قلة شغبه وتمرده‪ ،‬وزيادة رضاه وحبه للمربي‪ ،‬ثم حسن طاعته‪.‬‬

‫جامع الترمذي‪ ،‬أبواب الفتن‪ ،‬باب ما جاء في تحريم الدماء واألموال‪ ،‬رقم (‪ .)2159‬قال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(‪.)461 /4‬‬
‫السندي‪ ،‬حاشية السندي على سنن ابن ماجه (كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه)‪.)147 /2( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة‪ ،‬باب فضل اإلحسان إلى البنات‪ ،‬حديث رقم (‪.)2027 /4( ،)2629‬‬
‫ينظر‪ :‬النووي‪ ،‬شرح النووي على مسلم‪.)179/16( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫ينظر‪ :‬القرطبي‪ ،‬المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪.)636 /6( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪172‬‬
‫ان‬ ‫ِ َّ‬ ‫ات ِع ْند النَِّب ِي َّ‬ ‫َّللا عنها‪َ ،‬قاَلع‪ُ :‬كنع أَْلعب ِباْلبن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪َ ،‬وَك َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ ُ َ ُ ََ‬ ‫‪َ -‬ع ْن َعائ َش َة َرض َي َّ ُ َ ْ َ‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم ِإ َذا َد َخ َل َيتََق َّم ْع َن ِم ْن ُه‪،2‬‬ ‫احب‪ 1‬يْلعبن م ِعي‪َ" ،‬فكان رسول َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫َ َ َُ ُ‬ ‫ص َو ُ َ َ ْ َ َ‬
‫ِ‬
‫لي َ‬
‫ِ‬

‫َفُي َس ِرُب ُه َّن ‪ِ3‬إَل َّي َفَيْل َع ْب َن َم ِعي"‪.4‬‬

‫فعائشة الصغيرة ‪-‬في ذلك الوقع‪ -‬كانع تلعب بالدمى مع الجواري اللواتي من أقرانها‪،‬‬
‫وعندما دخل النبي عليه الصالة والسالم ذهبن يستترن منه‪ ،‬فدخلن البيع‪ ،‬فأرسلهن كي يستمررن‬

‫باللعب مع زوجته عائشة‪ ،5‬فعندما كان عليه الصالة والسالم يدخل البيع ليأخذ الراحة‪ ،‬كان يحفظ‬
‫البيع على طبيعته فال يوقف زوجته عائشة عن اللعب كي ينعم بالهدوء التام ماالً‪ ،‬أو كي يستشيرها‬

‫ببعض مهامه‪ ،‬بالرغم من أشغال النبي الكايرة‪ ،‬والتزاماته ومسؤولياته تجاه أمة بأكملها‪ ،‬بل ويحترم‬
‫مقامها كزوجة وكصغيرة في آن واحد‪ ،‬فال يستوقف شغفها وحبها للعب‪ ،‬إنما يدعها تستمر على‬
‫الذي كانع عليه‪ ،‬إذ دخول القائد إلى البيع ال يعني االستنفار‪ ،‬وإنما يعني الحب واالحترام واالحتواء‪،‬‬
‫فال بد من احترام طبيعة وتقبل طبيعة الطفل المولعة باللعب‪ ،‬وعدم تجاهل شغفه باللعب‪ ،‬كي يحسن‬
‫تفريغ طاقته الهائلة‪ ،‬فال يوظفها في التمرد والتخريب والعصيان‪.‬‬

‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم ِبَق َد ٍح‪َ ،‬ف َش ِر َب ِم ْن ُه‪،‬‬ ‫ِ َِّ‬


‫ال‪ :‬أُت َي النب ُّي َ‬‫َّللاُ َع ْن ُه‪َ ،‬ق َ‬
‫ضي َّ‬ ‫‪ -‬عن سه ِل ب ِن سعٍد ر ِ‬
‫َْ َْ ْ َْ َ َ‬
‫ُع ِط َي ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ال‪َ " :‬يا ُغالَ ُم أَتَ ْأ َذ ُن لي أ ْ‬
‫َن أ ْ‬ ‫اخ َع ْن َي َس ِاره‪َ ،‬فَق َ‬
‫َص َغ ُر الَق ْومِ‪َ ،‬واأل َْش َي ُ‬
‫َو َع ْن َيمينه ُغالَ ٌم أ ْ‬
‫طاهُ ِإيَّاهُ"‪.6‬‬ ‫َع َ‬ ‫األ َْشياخ"‪َ ،‬قال‪" :‬ما كنع ِألُوِثر ِبَفضلِي ِمنك أَحدا يا رسول َّ ِ‬
‫َّللا‪َ ،‬فأ ْ‬ ‫ْ َ ًَ َ َ ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ ُْ ُ‬ ‫َ َ‬

‫إذ تستأذن قيادة النبوة ومكانتها طفالً‪ ،‬إلعطاء من هو أكبر منه سناً!! وفي ذلك داللة على‬
‫أن الطفل ال يقل مكانة عن غيره‪ ،‬فال يتجاوز عنه‪ ،‬وال يقل تقدي اًر عن سواه فيستأذن من حضرة‬

‫‪ 1‬صواحب‪ :‬جمع صاحبة وكن جواري صغيرات من أقرانها في السن‪ .‬تعليق مصطقى البغا في حاشية صحيح البخاري (‪.)31/8‬‬
‫يتقمعن منه‪ :‬يدخلن البيع ويستترن منه ثم يذهبن وفي رواية ينقمعن‪ .‬تعليق مصطقى البغا في حاشية صحيح البخاري‬ ‫‪2‬‬

‫(‪.)31/8‬‬
‫فيسربهن إلي‪ :‬يرسلهن واحدة بعد األخرى‪ .‬تعليق مصطقى البغا في حاشية صحيح البخاري (‪.)31/8‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 4‬متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب االنبساط إلى الناس‪ ،‬رقم (‪ .)31/8( ،)6130‬وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب فضائل‬
‫الصحابة‪ ،‬باب في فضائل عائشة أم المؤمنين رضي هللا عنها‪ ،‬حديث رقم (‪.)2440‬‬
‫ينظر‪ :‬العيني‪ ،‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪.)170 /22( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب المساقاة‪ ،‬باب من رأى صدقة الماء وهبته‪ ،‬حديث رقم (‪ .)109/3( ،)2351‬وصحيح‬ ‫‪6‬‬

‫مسلم‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما على يمين المبتدئ‪ ،‬حديث رقم (‪.)2030‬‬
‫‪173‬‬
‫الطفولة النقية‪ ،‬تطبيقاً لسنة التيمن‪ ،‬إذ كان الغالم النقي عن يمينه‪ ،‬فلم يرق له أن يفوت فضيلة‬

‫وشرف الشرب من قدح حبيبه عليه الصالة والسالم‪.‬‬

‫وإنما فعل ذلك أيضاً تألفاً لقلوب األشياخ‪ ،‬وإعالماً بودهم‪ ،‬وإياار كرامتهم‪ ،‬إذا لم تمنع منها‬
‫سنة‪ ،‬وتضمن ذلك أيضاً بيان هذه السنة وهي أن األيمن أحق‪ ،‬وال يدفع إلى غيره إال بإذنه حتى لو‬

‫كان طفالً‪ ،‬وينبغى له أيضاً أن ال يأذن إن كان فيه تفويع فضيلة أخروية‪ ،‬ومصلحة دينية‪ ،‬كهذه‬
‫الصورة الطيبة‪.1‬‬

‫هذه التربية الطيبة المباركة‪ ،‬التي ارتقع في احترام الطفولة إلى أعلى المنازل‪ ،‬كانع كفيلة‬

‫أن تامر أطفاالً أبدعوا في ُخُلق االحترام‪ ،‬وتحلوا به على أحسن وأجمل وجه‪ ،‬ويظهر ذلك جلياً فيما‬
‫ِ‬ ‫َّللا عنهما‪َ ،‬قال‪َ :‬قال رسول َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َخِب ُروِني ِب َش َج َ ٍرة َمَاُل َها‬ ‫صَّلى هللاُ َعَل ْيه َو َسلَّ َم‪" :‬أ ْ‬ ‫َّللا َ‬ ‫َ َ َُ ُ‬ ‫رواه ْابن ُع َم َر َرض َي َّ ُ َ ْ ُ َ‬
‫ين ِبِإ ْذ ِن َربِ َها‪َ ( ،‬والَ تَ ُح ُّع َوَرَق َها)‪َ ،"2‬ف َوَق َع ِفي َنْف ِسي أََّن َها النَّ ْخَل ُة‪َ ،‬ف َك ِرْه ُع‬ ‫ُكَل َها ُك َّل ِح ٍ‬
‫الم ْسلِمِ‪ ،‬تُ ْؤِتي أ ُ‬
‫َمَا ُل ُ‬
‫النِب ُّي صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َوسَّلم‪ِ " :‬هي َّ‬
‫الن ْخَل ُة"‪َ ،‬فَل َّما‬ ‫ال َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫َن أَتَ َكل َم‪َ ،‬وثَ َّم أَُبو َب ْك ٍر َو ُع َم ُر‪َ ،‬فَل َّما َل ْم َيتَ َكل َما‪َ ،‬ق َ‬
‫أْ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫َن تَُقوَل َها‪َ ،‬ل ْو ُك ْن َع ُقْلتَ َها‬ ‫ال‪َ :‬ما َم َن َع َك أ ْ‬ ‫َخ َر ْج ُع م َع أَِبي ُقْل ُع‪َ :‬يا أ ََبتَاهُ‪َ ،‬وَق َع ِفي َنْف ِسي أََّن َها َّ‬
‫الن ْخَلةُ‪َ ،‬ق َ‬ ‫َ‬
‫ال‪َ :‬ما َم َن َعِني ِإ َّال أَِني َل ْم أ ََر َك َوالَ أ ََبا َب ْك ٍر تَ َكَّل ْمتُ َما َف َك ِرْه ُع‪ ،3‬إذ كره‬ ‫ِ ِ‬
‫َح َّب إَل َّي م ْن َك َذا َوَك َذا‪َ ،‬ق َ‬
‫ان أ َ‬
‫َك َ‬
‫الطفل التكلم مع وجود األكابر توقي اًر لهم‪ ،4‬عندما أبدع الصحابة في احترام أطفالهم‪ ،‬كانع النتيجة‬
‫من جنس العمل إذ أبدع أطفالهم في احترامهم‪ ،‬لدرجة أن يتحفظ الطفل حتى عن الكالم‪ ،‬ما لم يتكلم‬
‫من هو أكبر سناً‪.‬‬

‫وكأن موقف "عمر" من ابنه أنه "أشار بإيراده إلى أن تقديم الكبير حيث يقع التساوي‪ ،‬أما‬
‫لو كان عند الصغير ما ليس عند الكبير فال يمنع من الكالم بحضرة الكبير‪ ،‬ألن "عمر" تأسف حيث‬
‫لم يتكلم ولده‪ ،‬مع أنه اعتذر له بكونه بحضوره‪ ،‬وحضور أبي بكر‪ ،‬ومع ذلك تأسف على كونه لم‬
‫‪5‬‬
‫يتكلم" ‪ ،‬وإنما كان موقف ابن عمر لشدة توقيره‪ ،‬واحترامه‪ ،‬وخجله من كبار الصحابة‪ ،‬كموقف َس ُم َرةُ‬

‫ينظر‪ :‬النووي‪ ،‬شرح النووي على مسلم‪.)201 /13( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫"وال تحع ورقها" أي وال يسقط ورقها‪ ،‬العيني‪ ،‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪.)180 /22( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األدب‪ /‬باب (‪ )89‬إكرام الكبير‪ ،‬ويبدأ األكبر بالكالم والسؤال‪ /‬رقم (‪.)6144‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬العيني‪ ،‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪.)180 /22( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪.)536/10( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪174‬‬
‫ظ‬
‫َحَف ُ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ول هللاِ َّ‬‫إذ يقول‪َ" :‬لَق ْد ُك ْن ُع عَلى عهِد رس ِ‬ ‫ْب ُن ُج ْنُد ٍب أيضاً‪،‬‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم ُغ َال ًما‪َ ،‬ف ُك ْن ُع أ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ َُ‬
‫ِِ ‪1‬‬
‫َس ُّن مني"‬ ‫ِم َن اْلَق ْو ِل ِإ َّال أ َّ‬
‫َن َها ُه َنا ِر َج ً‬
‫اال ُه ْم أ َ‬ ‫َع ْن ُه‪َ ،‬ف َما َي ْم َن ُعِني‬

‫وفي موقف آلخر لعمر بن الخطاب‪ ،‬إذ يشعر بخجل تحفظ الطفل "ابن عباس" عن اإلجابة‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم‪:‬‬ ‫ِ َِّ‬
‫َص َحاب النب ِي َ‬
‫ِ‬
‫َّللاُ َع ْن ُه‪َ ،‬ي ْو ًما أل ْ‬
‫ضي َّ‬‫احتراماً للصحابة‪ ،‬وذلك عندما قال عمر ر ِ‬
‫َ َ ُ َُ َ َ‬
‫َّللا أَعَلم‪َ ،‬ف َغ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ض َب ُع َم ُر‬ ‫اآلي َة َن َزَل ْع‪ :‬ﭐﱡﭐﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣﱠ ‪َ ،‬قاُلوا‪ُ ْ ُ َّ :‬‬ ‫يم تَ َرْو َن َهذه َ‬
‫فَ‬
‫‪2‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ال ُع َم ُر‪:‬‬ ‫الم ْؤ ِمن َ‬
‫ين‪َ ،‬ق َ‬ ‫ال ْاب ُن َعبَّاس‪ :‬في َنْفسي م ْن َها َش ْي ٌء َيا أَم َير ُ‬ ‫ال‪ُ" :‬قوُلوا َن ْعَل ُم أ َْو الَ َن ْعَل ُم"‪َ ،‬فَق َ‬
‫َفَق َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ال ْاب ُن َعب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‬
‫َي َع َمل؟"‪َ ،‬ق َ‬ ‫ال ُع َم ُر‪" :‬أ ُّ‬ ‫ض ِرَب ْع َماَ ًال ل َع َمل‪َ ،‬ق َ‬
‫َّاس‪ُ :‬‬ ‫" َيا ْاب َن أَخي ُق ْل َوالَ تَ ْحق ْر َنْف َس َك"‪َ ،‬ق َ‬
‫َّللا َل ُه َّ‬ ‫طاع ِة َّ ِ‬ ‫ِ ٍ ِ‬ ‫اب ُن عب ٍ ِ ٍ‬
‫ان‪،‬‬
‫طَ‬ ‫الش ْي َ‬ ‫َّللا َع َّز َو َج َّل‪ ،‬ثُ َّم َب َع َث َّ ُ‬ ‫ال ُع َم ُر‪" :‬ل َرُجل َغن ٍي َي ْع َم ُل ِب َ َ‬ ‫َّاس‪ :‬ل َع َمل‪َ ،‬ق َ‬ ‫ْ َ‬
‫اصي َحتَّى أ ْ‬ ‫َفع ِمل ِباْلمع ِ‬
‫َع َماَله"‪ ،3‬أي "أضاع أعماله الصالحة بما ارتكب من المعاصي"‪ ،4‬إذ‬ ‫َغ َر َق أ ْ‬ ‫َ َ ََ‬
‫يجيب "عمر" عن الطفل عندما رأى منه االمتناع عن الكالم‪ ،‬ويخبره برفق أن يتج أر باإلجابة وال‬

‫يقلل من قيمة نفسه بالتحفظ عنها‪ ،‬ألن ذلك ال يليق في مقام الطفولة‪ ،‬إذ يضبط "عمر" خجل واحترام‬
‫الطفل‪ ،‬كي يكون في موضعه الصحيح فقط‪ ،‬دون مغاالة وال مبالغة‪.‬‬

‫وإنما كان غضب "عمر" على أصحابه "ال ألنهم وكلوا العلم إلى هللا؛ بل ألنه قصد منهم‬

‫تعيين ما سأل عنه‪ ،‬فأجابوه بما يصلح صدوره من العالم والجاهل به‪ ،‬فلم يحصل المقصود"‪.5‬‬

‫صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الجنائز‪/‬باب (‪ )27‬أين يقوم اإلمام من الميع للصالة‪ ،‬رقم (‪.)964‬‬ ‫‪1‬‬

‫البقرة‪.266 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب التفسير‪ /‬باب (‪ )47‬قوله تعالى‪" :‬أيود أحدكم أن تكون له جنة"‪ ،‬رقم (‪ .)31 /6( .)4538‬واآلية‬ ‫‪3‬‬

‫(‪ )266‬من سورة البقرة‪.‬‬


‫العيني‪ ،‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪.)129 /18( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫السنيكي‪ ،‬زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا األنصاري‪ ،‬زين الدين أبو يحيى المصري الشافعي (ت‪926 :‬ه)‪ ،‬منحة الباري‬ ‫‪5‬‬

‫بشرح صحيح البخاري المسمى «تحفة الباري‪ ،‬اعتنى بتحقيقه والتعليق عليه‪ :‬سليمان بن دريع العازمي‪ ،‬مكتبة الرشد للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الرياض ‪-‬المملكة العربية السعودية‪( ،‬ط‪1426 /1‬ه‪2005-‬م)‪.)563 /7( ،‬‬
‫‪175‬‬
‫‪ ‬الرحمة بالطفل ومداعبته‬

‫تجلع االهتمام بمشاعر الطفل في تحليته بالحب‪ ،‬واالحترام‪ ،‬إضافة إلى تحليته بالرحمة‬
‫وحسن المداعبة‪ ،‬لما تقضيه طبيعته من الضعف‪ ،‬وعدم القدرة التامة على ضبط رغباته وميوله‪ ،‬مما‬
‫جعله األكار حاجة إلى التلطف‪ ،‬والمداعبة‪ ،‬والرحمة‪.‬‬

‫وحُنو يجده اإلنسان في نفسه عند مشاهدة مبتلى‪ ،‬أو ضعيف‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫"والرحمة في حقنا‪ :‬هي رقة ُ‬
‫أو صغير‪ ،‬يحمله على اإلحسان إليه‪ ،‬واللطف به‪ ،‬والرفق‪ ،‬والسعي في كشف ما به"‪ ،1‬إذ يرشد النبي‬
‫المربي عليه الصالة والسالم إلى أهمية وضرورة الرحمة باألطفال‪ ،‬وذلك على النحو اآلتي‪:‬‬

‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم‬ ‫َِّ‬


‫ص َر النب َّي َ‬
‫ِ ٍ‬
‫ع ْب َن َحابس‪ ،‬أ َْب َ‬ ‫‪ -‬يظهر ذلك جلياً في رواية أَبو ُه َرْي َرَة‪ ،‬أ َّ‬
‫َن ْاألَْق َر َ‬
‫احدا ِم ْنهم‪َ ،‬فَقال رسول هللاِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يَقِبل اْلحسن َفَق ِ ِ‬
‫صلى هللاُ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫ال‪ :‬إ َّن لي َع َش َرًة م َن اْل َوَلد َما َقَّبْل ُع َو ً ُ ْ‬ ‫ُ ُ َََ َ‬
‫َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم‪ِ" :‬إَّن ُه َم ْن َال َي ْر َح ْم َال ُي ْر َح ْم"‪.2‬‬

‫وفي ذلك إشارة هامة إلى خطورة ترك الرحمة باألطفال‪ ،‬والتلطف بهم‪ ،‬إضافة إلى أن الرحمة‬
‫باألطفال ألهميتها وفضيلتها كفيلة أن يرحم هللا بها الناس‪ ،‬وفي رواية أخرى َع ْن َع ِائ َش َة‪َ ،‬قاَل ْع‪َ :‬قِد َم‬
‫ول هللاِ صَّلى هللا عَلي ِه وسَّلم‪َ ،‬فَقاُلوا‪ :‬أَتَُقِبُلون ِ‬
‫ص ْب َي َان ُك ْم؟ َفَقاُلوا‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬فَقاُلوا‪:‬‬ ‫اب عَلى رس ِ‬ ‫اس ِم َن ْاأل ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ ْ ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َع َر َ َ ُ‬ ‫َن ٌ‬
‫ع ِم ْن ُك ُم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫َل ِكَّنا وهللاِ ما نَقِبل‪َ ،‬فَقال رسول هللاِ َّ‬
‫ال‬
‫الر ْح َم َة"‪ ،‬وَق َ‬ ‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪َ " :‬وأ َْمل ُك ِإ ْن َك َ‬
‫ان هللاُ َن َز َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫َ َ ُ ُ‬
‫الر ْح َم َة)‪ ،3‬إذ الرحمة والحب يتداخالن مع بعضهما البعض‪ ،‬حتى أن الرحمة‬ ‫ابن نمي ٍر‪ِ :‬‬
‫(م ْن َقْلِب َك َّ‬ ‫ْ ُ ُ َْ‬
‫يعبر عنها بالتقبيل‪ ،‬ومعنى كالمه "أملك أن نزع‪ "...‬نفي قدرته صلى هللا عليه وسلم عن اإلتيان بما‬
‫نزع هللا من قلبه من الرحمة‪" ،4‬فمن خلق هللا تعالى في قلبه هذه الرحمة الحاملة له على الرفق‪،‬‬
‫وكشف ضر المبتلى‪ ،‬فقد رحمه هللا تعالى بذلك في الحال‪ ،‬وجعل ذلك عالمة على رحمته إياه في‬

‫القرطبي‪ ،‬المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪.)108/6( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته‪ ،‬حديث رقم (‪ .)7/8( ،)5997‬وصحيح مسلم‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫كتاب الفضائل‪ ،‬باب رحمته صلى هللا عليه وسلم الصبيان والعيال وتواضعه‪ ،‬وفضل ذلك‪ ،‬حديث رقم (‪.)1808/4( ،)2318‬‬
‫متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته‪ ،‬رقم (‪ .)7/8( ،)5998‬وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب‬ ‫‪3‬‬

‫الفضائل‪ ،‬باب رحمته صلى هللا عليه وسلم الصبيان والعيال وتواضعه‪ ،‬وفضل ذلك‪ ،‬حديث رقم (‪.)1808/4( ،)2317‬‬
‫ينظر‪ :‬القرطبي‪ ،‬المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪.)108/6( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪176‬‬
‫المآل‪ ،‬ومن سلب هللا ذلك المعنى منه‪ ،‬وابتاله بنقيض ذلك من القسوة والغلظ‪ ،‬ولم يلطف بضعيف‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ام َة‬
‫ُس َ‬ ‫علما على شقوته في المآل" ‪ ،‬و َع ْن أ َ‬ ‫وال أشفق على مبتلى‪ ،‬فقد أشقاه في الحال‪ ،‬وجعل ذلك ً‬
‫ْخ ُذِني َفُيْق ِعُدِني َعَلى َف ِخِذِه‪َ ،‬وُيْق ِعُد‬ ‫ِ َّ‬ ‫َّللاِ َّ‬ ‫ب ِن زيٍد‪ ،‬ر ِ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َيأ ُ‬ ‫ول َّ َ‬ ‫ان َرُس ُ‬ ‫َّللاُ َع ْن ُه َما‪َ :‬ك َ‬
‫ضي َّ‬
‫ْ َْ َ َ‬
‫ول‪" :‬اللَّ ُه َّم ْار َح ْم ُه َما َفِإِني أ َْر َح ُم ُه َما"‪ ،2‬فالنبي عليه‬ ‫ِِ‬
‫ض ُّم ُه َما‪ ،‬ثُ َّم َيُق ُ‬ ‫الح َس َن َعَلى َف ِخذه األ ْ‬
‫ُخ َرى‪ ،‬ثُ َّم َي ُ‬ ‫َ‬
‫الصالة والسالم كعادته ال يكتفي برحمته بهم‪ ،‬إنما يسأل هللا أيضاً أن يرحمهما‪.‬‬

‫‪ -‬والنبي عليه الصالة والسالم لم تمنعه عبادة ربه أن ينسى األطفال‪ ،‬بل يرحمهم ويراعي‬
‫ال‪ِ" :‬إ َذا أ ََّم‬ ‫ِ َّ‬ ‫النِب َّي َّ‬ ‫فع ْن أَِبي ُه َرْي َرَة‪ ،‬أ َّ‬
‫َن َّ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َق َ‬‫َ‬ ‫قدراتهم الضعيفة خالل الصالة‪َ ،‬‬
‫الض ِعيف‪ ،‬واْلم ِريض‪َ ،‬فِإ َذا َّ‬ ‫يهم َّ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫صلى َو ْح َدهُ‬ ‫َ‬ ‫الصغ َير‪َ ،‬واْل َكِب َير‪َ ،‬و َّ َ َ َ َ‬ ‫اس‪َ ،‬فْلُي َخف ْف‪َ ،‬فإ َّن ف ُ‬
‫َحُد ُكم َّ‬
‫الن َ‬ ‫أَ ُ‬
‫اء"‪.3‬‬ ‫َفْلي ِ‬
‫ف َش َ‬ ‫صل َك ْي َ‬ ‫َُ‬
‫فالمراد من الصغير الذي ال يحتمل التطويل بسبب صغر سنه وضعفه‪ ،‬فال بد من مراعاة‬
‫ذلك بالرحمة به بعدم التطويل في الصالة‪ ،‬ومن الكبير الذي ال يحتمل بسبب الشيخوخة‪ ،‬ومن‬
‫الضعيف الذي ال يحتمل بسبب في خلقته‪ ،‬ومن المريض الذي ال يحتمل بسبب مرضه‪ ،4‬إذ أن‬
‫الصالة وإن كانع عمود الدين‪ ،‬إال أنه ال يجب أن تتنافى مع ُخُلق الرحمة العظيم‪ ،‬فكيف بالعادات‬

‫اليومية‪ ،‬والسلوكيات االعتيادية؟!‪.‬‬

‫وكان أيضاً عليه الصالة والسالم يداعب األطفال رحمة وتلطفاً بهم‪ ،‬ويتضح ذلك فيما يلي‪:‬‬

‫ان لِي‬ ‫الن ِ‬‫َحس َن َّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫س ب ِن مالِ ٍك‪َ ،‬قال‪َ :‬كان رسول هللاِ َّ‬ ‫ِ‬
‫اس ُخُلًقا‪َ ،‬وَك َ‬ ‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم أ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫َ‬ ‫‪َ -‬ع ْن أ ََن ْ َ‬
‫صَّلى‬ ‫ِ‬ ‫ان َف ِطيما‪َ ،‬قال‪َ :‬ف َك َ ِ‬ ‫َخ يَقال َله‪ :‬أَبو عمي ٍر‪َ ،‬قال‪ :‬أ ِ‬
‫ول هللا َ‬‫اء َرُس ُ‬ ‫ان إ َذا َج َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ال‪َ :‬ك َ‬ ‫َحسُب ُه‪َ ،‬ق َ‬‫َ ْ‬ ‫أ ٌ ُ ُ ُ ُ ُ َْ‬
‫ان َيْل َع ُب ِب ِه‪.6‬‬
‫ال‪َ :‬ف َك َ‬
‫‪5‬‬
‫ال‪" :‬أ ََبا ُعم ْي ٍر‪ ،‬ما َف َع َل ( ُّ‬
‫الن َغ ْي ُر)؟ "‪َ ،‬ق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ َّ‬
‫هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َف َرآهُ‪َ ،‬ق َ‬

‫القرطبي‪ ،‬المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪.)109/6( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب وضع الصبي على الفخد‪ ،‬رقم (‪.)8/8( ،)6003‬‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب أمر األئمة بتخفيف الصالة في تمام‪ ،‬حديث رقم (‪.)341/1( ،)467‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬الشين‪ ،‬فتح المنعم شرح صحيح مسلم‪.)27 /3( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫"النغير"‪ :‬طائر يشبه العصفور قيل أحمر المنقار‪ ،‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪.)197 /1( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ 6‬متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب الكنية للصبي وقبل أن يولد للرجل‪ ،‬حديث رقم (‪ .)45/8( ،)6203‬وصحيح‬
‫مسلم‪ ،‬كتاب اآلداب‪ ،‬باب استحباب تحنيك المولولد عند والدته وحمله إلى صالح يحنكه وجواز تسميته يوم والدته واستحباب‬
‫التسمية بعبد هللا وإبراهيم وسائر أسماء األنبياء عليهم السالم‪ ،‬حديث رقم (‪.)1692/3( ،)2150‬‬
‫‪177‬‬
‫إذ كان الطفل الصغير يلعب بطيره‪ ،‬ويتسلى به‪ ،‬وسأله النبي عليه الصالة والسالم عن شأنه‬

‫وحاله‪ ،‬مداعبة وتسلية‪ ،1‬فال بد من مالطفة الطفل في ألعابه‪ ،‬كي يشعر بالاقة بنفسه‪ ،‬واالنتماء‬
‫للكبار‪ ،‬وحبهم له‪ ،‬فيزداد طاعة واحتراماً لهم‪ ،‬ومن الخطئ النظر إلى سلوكيات الطفل بالسخافة‪ ،‬أو‬
‫قلة االهتمام‪ ،‬مهما كانع ألعابه أو أعماله بسيطة‪.‬‬

‫صلَّى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم‪َ " :‬يا َذا ْاألُ ُذ َن ْي ِن"‪ ،‬قال أبو أسامة‪:‬‬ ‫س‪َ ،‬قال‪َ :‬قال لِي رسول َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫َُ ُ‬ ‫‪ -‬و َع ْن أ ََن ٍ َ َ‬
‫يعني يمازحه‪ ،2‬تحبباً‪ ،‬ووداً‪ ،‬وتقرباً للطفولة‪.‬‬

‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم ( َم َّج ًة)‪َ 3‬م َّج َها ِفي‬ ‫ِ َِّ‬
‫ال‪َ " :‬عَقْل ُع م َن النب ِي َ‬ ‫الربِ ِ‬
‫يع‪َ ،‬ق َ‬
‫‪ -‬و َع ْن م ْحم ِ‬
‫ود ْب ِن َّ‬ ‫َ ُ‬
‫ين ِم ْن َدْل ٍو"‪.4‬‬ ‫وج ِهي‪ ،‬وأَنا ابن خم ِ ِ ِ‬
‫س سن َ‬ ‫َ َ ُْ َْ‬ ‫َْ‬

‫إذ يطرح النبي عليه الصالة والسالم الماء من فمه الشريفة مالطفة بالصبي‪ ،‬وتأنيسه‪،‬‬
‫وإكرامه‪ ،‬ولعل النبي صلى هللا عليه وسلم أراد بذلك أن يحفظه محمود‪ ،‬فينقله كما وقع‪ ،‬فتحصل له‬
‫فضيلة نقل هذا الحديث‪ ،‬وصحة صحبته‪ ،‬وإن كان في زمن النبي صلى هللا عليه وسلم ممي اًز‪ ،‬وكان‬
‫عمره حينئذ خمس سنين‪ ،‬وقيل أربعاً‪ ،‬وهللا أعلم‪.5‬‬

‫عندما أبدع النبي عليه الصالة والسالم في تعبيره عن حبه لألطفال‪ ،‬قوالً وعمالً‪ ،‬وأحسن‬
‫في التعامل معهم باللطف‪ ،‬والمداعبة‪ ،‬واالحتواء‪ ،‬والحنان‪ ،‬واالحترام‪ ،‬أدى ذلك تباعاً إلى روعة تألق‬
‫قلوب أطفال الصحابة بحب حبيبهم النبي عليه الصالة والسالم‪ ،‬إذ تقربوا إليه‪ ،‬وأحبوه بكل شغف‪،‬‬
‫حتى أبدعوا في حسن الطاعة‪ ،‬وآثروا رسول هللا عليه الصالة والسالم‪ ،‬ودين هللا على أنفسهم‪ ،‬وقد‬
‫روى لنا هؤالء األطفال رقيهم في حب نبيهم عليه الصالة والسالم‪ ،‬ويظهر ذلك فيما يلي‪:‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن بطال‪ ،‬شرح صحيح البخاري‪ ،)352 /9( ،‬وينظر‪ :‬العيني‪ ،‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪.)170 /22( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫سنن أبي داود‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب ما جاء في المزاح‪ ،‬حديث رقم (‪ .)301/4( ،)5002‬وجامع الترمذي‪ ،‬أبواب المناقب‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫باب مناقب ألنس بن مالك رضي هللا عنه‪ ،‬حديث رقم (‪ ،)160/6( ،)3828‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن غريب صحيح‪.‬‬
‫(المج)‪ :‬طرح الماء من الفم بالتزريق‪ ،‬ينظر‪ :‬النووي‪ ،‬شرح النووي على مسلم‪.)162 /5( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 4‬متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب متى يصح سماع الصغير‪ ،‬حديث رقم (‪ )26/1( ،)77‬وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب‬
‫المساجد‪ ،‬باب (الرخصة في التخلف عن الجماعة لعذر‪ ،‬حديث رقم (‪.)456/1( ،)33‬‬
‫ينظر‪ :‬النووي‪ ،‬شرح النووي على مسلم‪.)162 /5( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪178‬‬
‫َّللاُ َع ْن ُه‪،‬‬
‫ضي َّ‬ ‫س رِ‬ ‫‪ -‬االرتقاء بالحب لدرجة حب ما يحبه النبي عليه الصالة والسالم‪ ،‬فعن أَن ٍ‬
‫َ َ َ‬
‫َّللاِ َّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫َّللاِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صلى هللاُ‬ ‫ول َّ َ‬ ‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪َ ،‬ف َد َخ َل َرُس ُ‬ ‫ال‪ُ " :‬ك ْن ُع ُغالَ ًما أ َْمشي َم َع َرُسول َّ َ‬ ‫َق َ‬
‫صَّلى‬ ‫طعام وعَلي ِه دبَّاء‪َ ،‬فجعل رسول َّ ِ‬ ‫َّاط‪َ ،‬فأَتَاه ِبَق ٍ ِ‬ ‫عَلي ِه وسلَّم عَلى غالَ ٍم َله خي ٍ‬
‫َّللا َ‬ ‫يها َ َ ٌ َ َ ْ ُ ٌ َ َ َ َ ُ ُ‬ ‫ص َعة ف َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ْ ََ َ َ ُ‬
‫الغالَ ُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّم َيتَتَب ُ ُّ‬
‫ال‪َ :‬فأَْقَب َل ُ‬ ‫َج َم ُع ُه َب ْي َن َي َد ْيه"‪َ ،‬ق َ‬
‫ال‪َ" :‬فَل َّما َأرَْي ُع َذل َك َج َعْل ُع أ ْ‬
‫َّاء"‪َ ،‬ق َ‬
‫َّع الدب َ‬ ‫َ‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم‬ ‫الدبَّاء بعد ما أرَيع رسول َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫ال أُح ُّب ُّ َ َ ْ َ َ َ ْ ُ َ ُ َ‬
‫عَلى عملِ ِه‪َ ،‬قال أ ََنس‪" :‬الَ أ ََز ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ٌ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫ص َن َع"‪.1‬‬
‫ص َن َع َما َ‬
‫َ‬

‫ويظهر في ذلك "عظيم اعتنائهم بآثاره صلى هللا عليه وسلم من شدة حبهم لرسول هللا"‪،2‬‬

‫فيجمع الدباء بين يدي حبيبه عندما عرف أنه يحبه‪ ،‬وأصبح يحب الدباء لمجرد حب رسول هللا له‪،‬‬
‫ال شك أن نقاء طفولة أنس كلما رأت الدباء تذكرت حبيبها رسول هللا‪ ،‬فيدفعها ذلك إلى حب ما يذكره‬
‫بحبيبه‪.‬‬

‫‪ُ -‬شرب وضوء حبيبهم النبي عليه الصالة والسالم‪ ،‬حباً‪ ،‬وتبركاً‪ ،‬فعن َّ ِ‬
‫ال‪:‬‬‫السائ َب ْب َن َي ِز َيد‪َ ،‬ق َ‬
‫ُخِتي‬ ‫َّللاِ صَّلى هللا عَلي ِه وسلَّم‪َ ،‬فَقاَلع‪ :‬يا رسول َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َّللا‪ِ ،‬إ َّن ْاب َن أ ْ‬ ‫ْ َ َُ َ‬ ‫ُ َ ْ ََ‬ ‫َذ َه َب ْع بي َخاَلتي إَلى َرُسول َّ َ‬
‫ِ‬

‫ظ ْه ِِره‪،‬‬ ‫ضأَ َفش ِربع ِمن و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ف َ‬ ‫ضوِئه‪ ،‬ثُ َّم ُق ْم ُع َخْل َ‬ ‫َوَق َع‪َ ،‬ف َم َس َح َأرْسي‪َ ،‬وَد َعا لي ِباْل َب َرَكة‪َ ،‬وتََو َّ َ ْ ُ ْ َ ُ‬
‫ُخِتي َو ِج ٌع"‪.3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ول هللا ِإ َّن ْاب َن أ ْ‬ ‫"َف َن َ ِ‬
‫ظ ْر ُت إَلى َخات ٍم َب ْي َن َكت َف ْيه"‪ ،‬وفي رواية مسلم‪َ :‬فَقاَل ْع‪َ " :‬يا َرُس َ‬

‫إذ من صفاء حبه لرسول هللا عليه الصالة والسالم‪ ،‬يرى صفاء آثار النبي عليه الصالة‬
‫والسالم وفضلها وبركتها‪ ،‬فشرب من وضوئه حباً لحبيبه‪.‬‬

‫س‬‫‪ -‬حبهم للنبي عليه الصالة والسالم وأصحابه‪ ،‬والطموح ألبدية صحبتهم في الجنة‪ ،‬ف َع ْن أ ََن ٍ‬
‫الس ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫النِب َّي َّ‬ ‫رِ‬
‫اع ُة؟‬ ‫الس َ‬
‫ال‪َ :‬متَى َّ‬ ‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َع ِن َّ َ‬
‫اعة‪َ ،‬فَق َ‬ ‫َ‬
‫َل َّ‬ ‫َن َرُج ًال َسأ َ‬‫َّللاُ َع ْن ُه‪ ،‬أ َّ‬
‫ضي َّ‬
‫َ َ‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم‪،‬‬ ‫َّللاَ َوَرُسوَل ُه َ‬
‫َقال‪" :‬وما َذا أَعد ْدت َلها"‪َ .‬قال‪ :‬الَ َشيء‪ِ ،‬إ َّال أَِني أ ِ‬
‫ُح ُّب َّ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َ ََ‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه‬ ‫ِ ِ َِّ‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫ال أ ََن ٌس‪َ :‬ف َما َفر ْح َنا ب َش ْيء‪َ ،‬ف َر َح َنا بَق ْول النب ِي َ‬‫َح َب ْب َع"‪َ .‬ق َ‬
‫ال‪ْ " :‬أن َع َم َع َم ْن أ ْ‬‫َفَق َ‬

‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األطعمة‪ ،‬باب من أضاف رجال إلى طعام وأقبل هو على عمله‪ ،‬حديث رقم (‪.)78/7( ،)5435‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬النووي‪ ،‬شرح النووي على مسلم‪.)224/13( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫متفق عليه‪( .‬واللفظ للبخاري) صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الوضوء‪ ،‬حديث رقم (‪ ،)190‬وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب الفضائل‪ ،‬باب‬ ‫‪3‬‬

‫إثبات خاتم النبوة‪ ،‬حديث رقم (‪.)1823/4( ،)2345‬‬


‫‪179‬‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم َوأ ََبا َب ْك ٍر‪،‬‬ ‫َِّ‬ ‫ِ‬
‫ال أ ََن ٌس‪َ" :‬فأ ََنا أُح ُّب النب َّي َ‬ ‫َح َب ْب َع"‪َ .‬ق َ‬
‫َّ‬
‫َو َسل َم‪" :‬أ َْن َع َم َع َم ْن أ ْ‬
‫َع َمالِ ِه ْم"‪.1‬‬ ‫ِ‬
‫َع َم ْل ِبم ْا ِل أ ْ‬ ‫َكو َن َم َع ُه ْم ِب ُحِبي ِإي ُ‬
‫َّاه ْم‪َ ،‬وإِ ْن َل ْم أ ْ‬ ‫َن أ ُ‬‫َو ُع َم َر‪َ ،‬وأ َْرُجو أ ْ‬

‫فطهارة طفولة البطل "أنس" رضي هللا عنه لم تكتف بصحبة النبي عليه الصالة والسالم‬
‫وأصحابه في الدنيا‪ ،‬إنما رقي حبه ال يليق به إال الطموح باالرتقاء إلى جنة الخلود‪.‬‬

‫ال‪ :‬أَتَى َعَل َّي‬ ‫س‪َ ،‬ق َ‬‫‪ -‬حسن طاعة النبي عليه الصالة والسالم حتى في أوقات اللعب‪ ،‬ف َع ْن أ ََن ٍ‬

‫اج ٍة‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ‬


‫ال‪َ :‬ف َسل َم َعَل ْي َنا‪َ ،‬ف َب َعاَني إَلى َح َ‬
‫ان‪َ ،‬ق َ‬ ‫ول هللاِ صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه وسَّلم‪ ،‬وأ ََنا أَْل َع ُب م َع اْل ِغْلم ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َرُس ُ‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم‬ ‫ِ‬
‫ول هللا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْت َعَلى أُمي‪َ ،‬فَل َّما ج ْئ ُع َقاَل ْع‪َ :‬ما َح َب َس َك؟ ُقْل ُع َب َعاَني َرُس ُ‬ ‫طأ ُ‬‫َفأ َْب َ‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫اجتُ ُه؟ ُقْل ُع‪ :‬إن َها سر‪َ ،‬قاَل ْع‪َ :‬ال تُ َحدثَ َّن بسر َرُسول هللا َ‬ ‫اجة‪َ ،‬قاَل ْع‪َ :‬ما َح َ‬
‫لِح ٍ‬
‫َ َ‬
‫َحًدا َل َحَّد ْثتُ َك َيا ثَاِب ُع‪.2‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ال أ ََن ٌس‪َ :‬وهللا َل ْو َحَّد ْث ُع به أ َ‬
‫َحًدا َق َ‬
‫َو َسل َم أ َ‬

‫إذ لوال أن حب أنس لرسول هللا عليه الصالة والسالم كان أكبر من شغفه باللعب‪ ،‬ما استطاع‬
‫أن ينفذ أوامر رسول هللا عليه الصالة والسالم بكل حذافيرها‪ ،‬إضافة إلى حسن حفظه لسر رسول‬
‫هللا عليه الصالة والسالم‪.‬‬

‫متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب المناقب‪ ،‬باب مناقب عمر بن الخطاب رضي هللا عنه‪ ،‬حديث رقم (‪.)12/5( ،)3688‬‬ ‫‪1‬‬

‫وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة‪ ،‬باب المرء مع من أحب‪ ،‬حديث رقم (‪.)1882/4( ،)2639‬‬
‫صحيح مسلم‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب من فضائل أنس بن مالك‪ ،‬حديث رقم(‪.)1929/4( ،)2482‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪180‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫التثبيت‬

‫بعد تحلية األطفال بالخير والصالح‪ ،‬وتزويد الطيب في سلوكهم‪ ،‬ال بد من إعانتهم على‬
‫الابات على ذلك‪ ،‬ترسيخاً للسلوك الحسن‪ ،‬من أجل بقائه واستم ارره‪ ،‬ويتمال ذلك بتشجيعه ومكافأته‪،‬‬

‫فال يكاد يرى النبي عليه الصالة والسالم حسن سلوك إال وياني عليه‪ ،‬وماال ذلك‪:‬‬

‫الخالَ َء‪،‬‬ ‫ِ َّ‬ ‫َن النَِّب َّي َّ‬ ‫‪ -‬الدعاء لألطفال تشجيعاً لهم‪ ،‬ف َع ِن ا ْب ِن َعب ٍ‬
‫َّاس أ َّ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َد َخ َل َ‬‫َ‬
‫ين"‪.1‬‬ ‫َفوضعع َله وضوءا َقال‪" :‬من وضع ه َذا َفأُخِبر َفَقال اللَّه َّم َف ِقهه ِفي ِ‬
‫الد ِ‬ ‫َ ُ ُْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ ْ ُ ُ َ ُ ً َ َْ َ َ َ َ‬

‫سرور منه بانتباهه إلى وضع الماء‪ ،‬إذ ال بد من المكافأة‬


‫ًا‬ ‫فدعا له النبي عليه الصالة والسالم‬
‫لمن كان منه إحسان‪ ،‬أو عون‪ ،‬أو معروف‪ 2،‬فكان النبي عليه الصالة والسالم يقدر إنجازات الطفل‪،‬‬
‫وياني عليها مهما كانع بسيطة‪ ،‬ويكافؤها أحسن مكافأة‪ ،‬وأي مكافأة أعظم من دعاء النبي عليه‬
‫الصالة والسالم‪ ،‬إذ كان لها نور على مر التاريخ‪ ،‬بعلم وفقه وتفسير "ابن عباس"‪ ،‬الذي ال يزال‬
‫يدرسه‪ ،‬ويعلمه علماء األمة حتى يومنا هذا‪.‬‬
‫ُ‬

‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم َم َع أَِبي َو َعَل َّي‬ ‫ُم خالٍِد ِبن ِع خالِِد ب ِن س ِع ٍيد‪َ ،‬قاَلع‪ :‬أَتيع رسول َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫ْ َْ ُ َ ُ َ‬ ‫وع ْن أ ِ َ ْ َ ْ َ‬ ‫‪َ -‬‬
‫َّللاِ‪ :‬وِهي ِبالحب ِشي ِ‬
‫َّة‪:‬‬ ‫ِ َّ‬ ‫َّللاِ َّ‬ ‫ِ‬
‫ال َع ْبُد َّ َ َ َ َ‬ ‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪َ " :‬س َن ْه َس َن ْه" َق َ‬ ‫ول َّ َ‬ ‫ال َرُس ُ‬ ‫َصَف ُر‪َ ،‬ق َ‬
‫يص أ ْ‬‫َقم ٌ‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم‪:‬‬ ‫النب َّوِة (َفزبرِني)‪ 3‬أَِبي‪َ ،‬قال رسول َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫َ َُ ُ‬
‫ِ‬
‫َح َس َن ٌة‪َ ،‬قاَل ْع‪َ :‬ف َذ َه ْب ُع أَْل َع ُب ب َخاتَ ِم ُّ ُ َ َ َ‬
‫َخلِِقي‪ ،‬ثُ َّم أَْبلِي‬ ‫ِ‬ ‫"دعها" ثُ َّم َقال رسول َّ ِ‬
‫َخلِ ِقي) ‪ ،‬ثُ َّم أَْبلِي َوأ ْ‬ ‫صَّلى هللاُ َعَل ْيه َو َسلَّ َم‪ْ (" :‬أبلِي َوأ ْ‬
‫‪4‬‬
‫َّللا َ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫َ َْ‬
‫َّللاِ‪َ :‬ف َب ِق َي ْع َحتَّى َذ َك َر‪َ ،‬ي ْعِني ِم ْن َبَق ِائ َها‪.5‬‬
‫ال َع ْبُد َّ‬ ‫وأ ْ ِ ِ‬
‫َخلقي"‪َ ،‬ق َ‬ ‫َ‬

‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الوضوء‪ ،‬باب (وضع الماء عند الخالء‪ ،‬حديث رقم (‪.)41/1( ،)143‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن بطال‪ ،‬شرح صحيح البخاري‪.)236/1( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪" 3‬وزبرني" أي‪ :‬نهرني‪ ،‬والزبر هو الزجر والمنع‪ .‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪.)425/10( ،‬‬
‫َخلِ ِقي" ويراد به "الدعاء بطول البقاء للمخاطب بذلك أي أنها تطول حياتها حتى يبلى الاوب ويخلق‪ .‬المرجع السابق‪،‬‬
‫"أَْبلِي َوأ ْ‬
‫‪4‬‬

‫(‪.)280/10‬‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬حديث رقم (‪.)7/8( ،)5993‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪181‬‬
‫في هذا الموقف يعلم النبي عليه الصالة والسالم أمته ضرورة تشجيع الطفل‪ ،‬حتى لمجرد‬

‫رؤيته‪ ،‬فبمجرد دخول الطفلة مع أبيها إلى رسول هللا عليه الصالة والسالم‪ ،‬ياني على جمالها‬
‫وإطاللتها‪ ،‬ويشجعها أيضاً على ثقتها بنفسها‪ ،‬وتألقها بأشياء رسول هللا عليه الصالة والسالم‪ ،‬إذ‬
‫عندما رآها تلعب بخاتمه أثنى عليها بالدعاء لها بطول العمر‪ ،‬وفي ذلك إشارة هامة أن لعب الطفل‬

‫بمقتنيات القائد تحع أنظاره‪ ،‬ال يقدح في أدب الطفل‪ ،‬وال حتى في رقي ذوقه‪ ،‬إنما هي شخصية‬
‫الطفولة الطبيعية العادية والتي تعود إلى شغف فضوله‪ ،‬وحبها للعب واللهو باألشياء‪ ،‬فال بد من‬
‫احترامها وتقدريها والسماح بالقيام بها‪ ،‬فعندما نهاها والدها عن اللعب بالخاتم‪ ،‬أمره النبي عليه‬

‫الصالة والسالم أن يدعها تفهماً واحتراماً للطفولة‪ ،‬ليس هذا فحسب‪ ،‬إنما يمدح الطفلة في هذا‬
‫الموقف‪ ،‬ويدعو لها بينما تحقق مرادها اللطيف البريئ‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫المبحث الثالث‬

‫التخلية‬

‫مهما كانع التحلية والتابيع غاية في اإلتقان والصواب‪ ،‬إال أنه ال تخلو حياة الطفل ‪-‬‬
‫واإلنسان عامة‪ -‬من اقتراف األخطاء‪ ،‬والسوكيات الغير سليمة‪ ،‬نتيجة للتأثر بالبيئة‪ ،‬أو اتباع الهوى‪،‬‬

‫أو الجهل‪ ...‬إذ األصل في الطفولة الصفاء‪ ،‬لكنها ال تخلو من الشوائب واالعوجاج‪ ،‬والتي ال بد من‬
‫توجيهها نحو االستقامة‪.‬‬

‫فإذا أخطأ األطفال التصرف‪ ،‬ال بد من "التخلية" أي‪" :‬تخلية طباع الطفل من كل رذيلة‬

‫وإبعاده عن كل مؤثرات الشر والسوء" ‪ ،1‬فال بد من تطهير اإلنسان ظاه اًر وباطناً من صور الفساد‪،‬‬
‫وأشكال الضالل على اختالفها؛ ليتسنى له االنتقال إلى الصواب والهدى في أمن وهدوء؛ ألن اإلنسان‬

‫الواحد ال يجتمع فيه األضداد حين تتحد جهاتها‪ ،‬فهو ‪-‬على سبيل الماال‪ -‬ال يكون اً‬
‫كافر ومؤمناً‬
‫في وقع واحد‪ ،‬وبدين واحد‪ ،‬وحينما يجمع اإلنسان المتعارضين يصاب بالقلق واالضطراب‪ ،‬وال‬
‫يكون مخلصاً لواحد منهما‪ ،2‬من هنا تكمن أهمية تخلية اإلنسان من أخطائه‪ ،‬وبعد الدراسة الموضوعية‬
‫ألخطاء أطفال الصحابة‪ ،‬تبين أن منهج النبي عليه الصالة والسالم في تصحيح أخطائهم كان على‬

‫النحو اآلتي‪:‬‬

‫‪ -1‬االبتعاد عن الضرب‪ ،‬واإلهانة‪ ،‬أو التحقير‬

‫تبين فيما سبق أن النبي عليه الصالة والسالم لم يضرب طفالً قط‪ ،‬ومهما كانع أخطاء‬
‫األطفال فادحة‪ ،‬فإنه ال يحقرهم‪ ،‬وأعظم خطئ ممكن أن يقع فيه الطفل‪ ،‬هو الكفر‪ ،‬وقد كان غالم‬
‫يهودي يخدم النبي عليه الصالة والسالم‪ ،‬ولم يكن مسلماً‪ ،‬فلما ازره رسول هللا عليه الصالة والسالم‬
‫س‬‫تلطف به فقعد عند أرسه حناناً منه‪ ،‬ثم قال له "أسلم"‪ ،‬ومع تشجيع أبيه له‪ ،‬أسلم الغالم‪ ،‬ف َع ْن أ ََن ٍ‬

‫صَّلى‬ ‫َِّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫النِب َّي َّ‬ ‫ان ُغالَم َيه ِ‬ ‫رِ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪َ ،‬ف َم ِر َ‬
‫ض‪َ ،‬فأَتَاهُ النب ُّي َ‬ ‫َ‬
‫ودي َي ْخُدم َّ‬
‫ُ‬ ‫ٌ ُ‬ ‫ال‪َ :‬ك َ‬ ‫َّللاُ َع ْن ُه‪َ ،‬ق َ‬
‫ضي َّ‬
‫َ َ‬
‫يه وهو ِعنده َفَقال َله‪ :‬أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال َل ُه‪" :‬أ َْسلِ ْم"‪َ ،‬ف َن َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫َط ْع أ ََبا‬ ‫ظ َر ِإَلى أَِب َ ُ َ ْ َ ُ َ ُ‬ ‫ودهُ‪َ ،‬فَق َع َد ع ْن َد َأرْسه‪َ ،‬فَق َ‬
‫هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َي ُع ُ‬

‫مرسي‪ ،‬التربية اإلسالمية أصولها وتطورها في البالد العربية‪ ،‬ص‪.201:‬‬ ‫‪1‬‬

‫غلوش‪ ،‬دعوة الرسل عليهم السالم‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ص‪.141 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪183‬‬
‫الح ْمُد َِّهللِ َّالِذي‬
‫ول‪َ " :‬‬
‫ِ َّ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َو ُه َو َيُق ُ‬‫َ‬
‫اس ِم صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َوسَّلم‪َ ،‬فأ َْسَلم‪َ ،‬ف َخ َرَج َّ‬
‫النِب ُّي َّ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫الَق ِ‬

‫الن ِار"‪ ،1‬ال يمكن وصف السعادة التي غمرت رسول هللا عليه الصالة والسالم بعد إسالم‬ ‫أ َْنَق َذهُ ِم َن َّ‬

‫الغالم‪ ،‬لشدة حبه هلل ورحمته العظيمة باألطفال‪.‬‬

‫‪ -2‬اللطف‬

‫يعامل اإلنسان باللطف واللين‪ ،‬كاي اًر ما يقابل ذلك بماله‪ ،‬خاصة األطفال لصفاء‬
‫عندما َ‬
‫قلوبهم‪ ،‬ونقاء فكرهم‪ ،‬إذ يصحح النبي عليه الصالة والسالم خطأ الغالم بكل رفق ولين‪ ،‬إذ يخاطبه‬
‫َّللاِ‬
‫ول َّ‬ ‫برفق‪" :‬يا غالم"‪ ،‬دون أي إهانة‪ ،‬فعن عمر ب َن أَِبي سَلم َة‪ ،‬يُقول‪ُ :‬ك ْن ُع ُغالَما ِفي حج ِر رس ِ‬
‫َ ْ َُ‬ ‫ً‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫ُ ََ ْ‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم‪َ " :‬يا‬ ‫الصحَف ِة‪َ ،‬فَقال لِي رسول َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫َُ ُ‬ ‫َ‬
‫صَّلى هللا عَلي ِه وسَّلم‪ ،‬وَكان ْع يِدي تَ ِط ُ ِ‬
‫يش في َّ ْ‬ ‫ُ َ ْ ََ َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫يك"‪َ ،‬ف َما َازَل ْع ِتْل َك ِط ْع َمِتي َب ْعُد‪ .2‬وكيف ال تزال طعمته‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫َّللاَ‪َ ،‬وُك ْل ِب َيمين َك‪َ ،‬وُك ْل م َّما َيل َ‬
‫ُغالَ ُم‪َ ،‬س ِم َّ‬
‫والنبي عليه الصالة والسالم يعلمه بكل لطف وحب؟ دون أن يزجره!‪ .‬وفي رواية الترمذي‪ :‬أََّن ُه َد َخ َل‬
‫َّللاَ َوُك ْل ِب َي ِم ِين َك‪َ ،‬وُك ْل ِم َّما‬
‫ال‪ْ " :‬اد ُن َيا ُب َن َّي‪َ ،‬و َس ِم َّ‬
‫ام َق َ‬ ‫َّللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم َو ِع ْن َدهُ َ‬
‫ط َع ٌ‬ ‫صَّلى َّ‬ ‫ول َّ ِ‬
‫َّللا َ‬
‫عَلى رس ِ‬
‫َ َُ‬
‫يك"‪.3‬‬ ‫ِ‬
‫َيل َ‬

‫‪ -3‬التعزيز واإلحسان‬

‫كان بعض األعراب يسيء إلى اإلسالم‪ ،‬ومن ذلك االستهزاء باألذان‪ ،‬إال أن النبي عليه‬
‫الصالة والسالم ال ينهرهم‪ ،‬وإنما يحلم بهم‪ ،‬حتى يهدي هللا هذا األعرابي اإلسالم‪ ،‬إذ اختار منهم‬
‫واحداً يؤذن في مكة‪ ،‬في أعظم بقاع األرض!! اسمه "أبو محذورة"‪ ،‬حيث قام مؤذن النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم يؤذن‪ ،‬وإذا بفتيان يستهزئون بمؤذن النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وفيهم "أبو محذورة"‪ ،‬و"أبو‬
‫محذورة" كان صوته جميالً‪ ،‬وإذ سمع النبي صلى هللا عليه وسلم االستهزاء بمؤذنه‪ ،‬كان يستطيع أن‬
‫يأمر بعقابه‪ ،‬ولكنه ناداهم ففر من فر منهم‪ ،‬وجاء "أبو محذورة"‪ ،‬إذ مسح النبي على ناصيته! وعلمه‬

‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الجنائز‪ /‬باب (‪ )78‬إذا أسلم الصبي فمات هل يصلي عليه‪ ،‬رقم (‪)94 /2( .)1356‬‬ ‫‪1‬‬

‫متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األطعمة‪ ،‬باب التسمية على الطعام واألكل باليمين‪ ،‬حديث رقم(‪.)68/7( ،)5376‬‬ ‫‪2‬‬

‫وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب آداب الطعام والشراب وأحكامها‪ ،‬حديث رقم (‪.)1599/3( ،)2022‬‬
‫جامع الترمذي‪ ،‬كتاب األطعمة‪ ،‬باب ما جاء في التسمية على الطعام‪ ،‬حديث رقم (‪.)352/3( ،)1857‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪184‬‬
‫األذان واإلقامة‪ ،‬وهذا أدب من النبي صلى هللا عليه وسلم ولطف منه‪ ،1‬ويروي "أبو محذورة" حكايته‬

‫اس ِإَل ْي َنا‪َ ،‬فأ ََّذُنوا َفُق ْم َنا‬‫الن ِ‬‫ض َّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫النِب ِي َّ‬ ‫ان م َع َّ‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪َ ،‬و ُه َو أ َْب َغ ُ‬ ‫َ‬ ‫قائالً‪َ :‬خ َر ْج ُع في َع َش َرة ف ْت َي َ‬
‫ال‪" :‬أَِذُنوا"‪َ ،‬فأ ََّذُنوا‬ ‫ان" َفَق َ‬ ‫ال النَِّب ُّي صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه وسَّلم‪" :‬ا ْئتُوِني ِب َه ُؤَال ِء اْل ِف ْت َي ِ‬ ‫ئ به ْم‪َ ،‬فَق َ‬
‫ُن َؤِذ ُن َنستَ ْه ِز ُ ِ ِ‬
‫ْ‬
‫ََ َ‬ ‫َ‬
‫َه ِل‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫النِب ُّي َّ‬ ‫ال َّ‬
‫ص ْوتَ ُه‪ ،‬ا ْذ َه ْب َفأَذ ْن أل ْ‬ ‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪َ " :‬ن َع ْم‪َ ،‬ه َذا الذي َسم ْع ُع َ‬ ‫َ‬ ‫َح َد ُه ْم‪َ ،‬فَق َ‬‫َف ُك ْن ُع أ َ‬
‫َن َال ِإَل َه ِإ َّال‬ ‫َّللاُ أَ ْك َب ُر‪ ،‬أ ْ‬
‫َّللاُ أَ ْك َب ُر‪َّ ،‬‬
‫َّللاُ أَ ْك َب ُر‪َّ ،‬‬
‫َّللاُ أَ ْك َب ُر‪َّ ،‬‬ ‫ِ ِِ‬ ‫َّ‬
‫َش َهُد أ ْ‬ ‫ال‪ُ " :‬ق ْل‪َّ :‬‬ ‫َمك َة"‪َ ،‬ف َم َس َح َعَلى َناص َيته َوَق َ‬
‫َش َهُد أ َّ‬
‫َن‬ ‫َن َال ِإَل َه ِإ َّال َّ‬
‫َّللاُ َم َّرتَْي ِن‪َ ،‬وأ ْ‬ ‫اش َه ْد أ ْ‬ ‫َّللاِ َم َّرتَ ْي ِن‪ ،‬ثُ َّم ْارِج ْع‪َ ،‬ف ْ‬
‫ول َّ‬ ‫َن ُم َح َّمًدا َرُس ُ‬ ‫َش َهُد أ َّ‬ ‫َّللاُ َم َّرتَ ْي ِن‪َ ،‬وأ ْ‬
‫َّ‬
‫الص َال ِة‪َ ،‬ح َّي َعَلى اْلَف َال ِح‪َ ،‬ح َّي َعَلى اْلَف َال ِح‬ ‫الص َال ِة‪َ ،‬ح َّي َعَلى َّ‬ ‫َّللاِ َم َّرتَ ْي ِن‪َ ،‬ح َّي َعَلى َّ‬ ‫ول َّ‬ ‫ُم َح َّمًدا َرُس ُ‬
‫ص َالةُ َخ ْيٌر ِم َن َّ‬
‫الن ْومِ‪،‬‬ ‫الص ْب ِح َفُق ْل‪ :‬ال َّ‬ ‫َّللاُ‪َ ،‬وإِ َذا أ ََّذ ْن َع ِب ْاأل ََّو ِل ِم َن ُّ‬
‫َّللاُ أَ ْك َب ُر‪َ ،‬ال ِإَل َه ِإ َّال َّ‬ ‫َم َّرتَ ْي ِن‪َّ ،‬‬
‫َّللاُ أَ ْك َب ُر‪َّ ،‬‬
‫الص َالة‪ ،‬أ ِ‬ ‫الص َالة‪َ ،‬قد َق ِ‬ ‫النومِ‪ ،‬وإِ َذا أََقمع َفُقْلها م َّرتَي ِن‪َ ،‬قد َق ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪:‬‬ ‫َسم ْع َع؟ " َق َ‬ ‫امع َّ ُ َ‬ ‫امع َّ ُ ْ َ‬ ‫َْ َ َ ْ ْ َ‬ ‫الص َالةُ َخ ْيٌر م َن َّ ْ َ‬ ‫َّ‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم َم َس َح َعَل ْي َها‪ .2‬إذ‬ ‫َّللا َ‬
‫َن رسول َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورَة َال َي ُج ُّز َناص َيتَ ُه‪َ ،‬وَال ُيَف ِرُق َها أل َّ َ ُ َ‬ ‫ان أَُبو َم ْح ُذ َ‬ ‫َوَك َ‬
‫يعلم النبي عليه الصالة والسالم أن باحترام الطفل وإكرامه‪ ،‬صناعة الفاتحين‪ ،‬يعلم أن الطفل منبته‬
‫ال يزال يانعاً حلواً‪ ،‬وأن بالحب تُفتح القلوب‪ ،‬وأن شغب األطفال وراؤه حاجة االهتمام واالحتواء‪ ،‬في‬
‫بداية القصة "أبو محذورة" يقول عن نفسه‪" :‬والنبي أبغض الناس إلي‪ ،"...‬وأما بعد الحكاية ورد عنه‬
‫يجز ناصيته وال يفرقها‪ ،‬ألن رسول هللا عليه الصالة والسالم مسح عليها! إذ‬
‫أنه ما كان ُ‬
‫باإلحسان تنقلب الموازين‪.‬‬

‫‪ -4‬إعطاء فرصة أخرى وتذكير الطفل باألمر‪ ،‬واللطف والمداعبة‬

‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم ِم ْن‬ ‫ِ‬


‫ول هللا َ‬ ‫ان َرُس ُ‬ ‫ويظهر ذلك في طفولة الصحابي "أنس" بقوله‪َ :‬ك َ‬
‫َن أَ ْذ َه َب لِ َما أَ َم َرِني ِب ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجة‪َ ،‬فُقْل ُع‪َ :‬وهللا َال أَ ْذ َه ُب‪َ ،‬وِفي َنْفسي أ ْ‬
‫اس خُلًقا‪َ ،‬فأَرسَلِني يوما لِح ٍ‬
‫َْ ً َ َ‬ ‫َْ‬ ‫الن ِ ُ‬
‫َحس ِن َّ‬
‫أَْ‬
‫ان و ُهم َيْلعُبو َن ِفي ا ُّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫نِب ُّي هللاِ َّ‬
‫لسوق‪َ ،‬فإ َذا َرُس ُ‬
‫ول‬ ‫َم َّر َعَلى ص ْب َي ٍ َ ْ َ‬ ‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪َ ،‬ف َخ َر ْج ُع َحتى أ ُ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هللاِ صَّلى هللا عَلي ِه وسَّلم َقد َقبض ِبَقَف ِ‬
‫ال‪َ " :‬يا أ َُن ْي ُس‬
‫ض َح ُك‪َ ،‬فَق َ‬ ‫ظ ْر ُت ِإَل ْيه َو ُه َو َي ْ‬
‫ال‪َ :‬ف َن َ‬
‫اي م ْن َوَرائي‪َ ،‬ق َ‬‫َ‬ ‫ُ َ ْ ََ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬

‫ينظر‪ :‬حطيبة‪ ،‬أحمد‪ ،‬تفسير الشيخ أحمد حطيبة‪ ،‬دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة اإلسالمية‬ ‫‪1‬‬

‫‪.)59/6( ،www. islamweb. net‬‬


‫مسند اإلمام أحمد‪ ،‬رقم (‪ )94/24( ،)15378‬وأصل الحديث في تعليم النبي عليه الصالة والسالم األذان ألبي محذورة رواه‬ ‫‪2‬‬

‫اإلمام مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الصالة‪ /‬باب (‪ )3‬صفة األذان‪ /‬رقم (‪.)287 /1( ،)379‬‬
‫‪185‬‬
‫ول هللاِ‪ ،1‬تأخر الطفل "أنس" في طاعة سيد‬
‫ال ُقْل ُع‪َ :‬ن َع ْم‪ ،‬أ ََنا أَ ْذ َه ُب‪َ ،‬يا َرُس َ‬ ‫أَ َذ َه ْب َع َح ْي ُث أ َ‬
‫َم ْرتُ َك؟"‪َ ،‬ق َ‬
‫الخلق! حبيب هللا! إال أنه لم يحقره أبداً‪ ،‬ولم يغضب لتأخره‪ ،‬وإنما يتفهم طبيعة الطفولة‪ ،‬ويعلم مدى‬
‫شغفها الشديد باللعب‪ ،‬فيداعبه ويضحك في وجهه‪ ،‬ثم يذكره باألمر مرة أخرى‪ ،‬بكل لين‪ ،‬وأي لين‬
‫بعد لين رسول هللا عليه الصالة والسالم؟ فيذكره رفقاً باسمه المرخم تحبباً‪" :‬يا أنيس‪ ،‬أذهبع حيث‬

‫أمرتك؟"‪ ،‬فما كان من البطل "أنس" إال االمتاال ألمر سيده وحبيبه‪.‬‬

‫‪ -5‬تصحيح الخطأ مباشرة‬

‫خير تصحيح األخطاء‪ ،‬أعجلها‪ ،‬كي ال يعتاد الطفل عليها‪ ،‬فيصبح من الصعوبة التخلص‬

‫منها‪ ،‬وكان هذا دأب عليه الصالة والسالم‪ ،‬ال يترك الطفل على خطئه فترة طويلة‪ ،‬ويظهر ذلك في‬
‫ال‪ِ :‬ب ُّع ِفي‬ ‫تصحيح خطأ "ابن عباس" حيث وقف بطريقة خاطئة في الصالة‪ ،‬ف َع ِن ْاب ِن َعب ٍ‬
‫َّاس‪َ ،‬ق َ‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم‬ ‫النِب ِي صلى هللا عليه وسلم وَك َ َِّ‬
‫ان النب ُّي َ‬ ‫َ‬ ‫الح ِار ِث َزْو ِج َّ‬ ‫بي ِع خاَلِتي ميم ِ ِ‬
‫ون َة ب ْنع َ‬ ‫َْ ُ َ‬ ‫َْ َ‬
‫ات‪،‬‬ ‫الع َشاء‪ ،‬ثُ َّم جاء ِإَلى من ِزلِ ِه‪َ ،‬فصَّلى أَربع رَكع ٍ‬ ‫ِع ْندها ِفي َليَلِتها‪َ ،‬فصَّلى النَِّب ُّي صَّلى هللا عَلي ِه وسَّلم ِ‬
‫َْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ْ ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ََ‬
‫اره‪َ ،‬ف َج َعَلِني َع ْن َي ِم ِين ِه‪،‬‬‫الغَل ِيم" أَو َكلِم ًة تُ ْشِبهها‪ ،‬ثُ َّم َقام‪َ ،‬فُقم ُع َع ْن َيس ِِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َُ‬ ‫ام ُ ُ ْ َ‬ ‫ال‪َ " :‬ن َ‬
‫ام‪ ،‬ثُ َّم َق َ‬
‫ام‪ ،‬ثُ َّم َق َ‬
‫ثُ َّم َن َ‬
‫ط ُه‪ ،‬ثُ َّم َخ َرَج ِإَلى‬ ‫ط ُه أ َْو َخ ِطي َ‬
‫ام‪َ ،‬حتَّى َس ِم ْع ُع َغ ِطي َ‬ ‫ِ‬ ‫ات‪ ،‬ثُ َّم َّ‬
‫صلى َرْك َعتَ ْين‪ ،‬ثُ َّم َن َ‬ ‫َ‬
‫َفصَّلى خمس رَكع ٍ‬
‫َْ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫الصالَ ِة‪ ،2‬فالنبي عليه الصالة والسالم يصحح مكان "ابن عباس" بنفسه‪ ،‬دون أن ينتظر انتهائه من‬ ‫َّ‬
‫الصالة‪ ،‬وهذا أمر بالغ في األهمية‪ ،‬يعلم اآلباء ضرورة عدم التأخير في تصحيح األخطاء‪.‬‬

‫‪ -6‬التغافل‬

‫كارة التدقيق في سلوك الطفل‪ ،‬والتنطع في تصحيح سلوكه‪ ،‬ينتج عنه ملل الطفل من تكرار‬
‫األوامر والنواهي‪ ،‬حتى تقل هيبة األوامر ومكانتها في نفسه‪ ،‬ليؤدي تباعاً إلى تكاسله عن الطاعة‪،‬‬
‫وقد ورد في سيرة رسول هللا عليه الصالة والسالم التغاقل عن سلوك األطفال أحياناً‪ ،‬ومنه الذي ورد‬
‫النِب َّي صَّلى هللا عَلي ِه وسلَّم ع ْشر ِسِنين‪َ ،‬فما َقال لِي‪ :‬أ ٍ‬
‫ُف‪،‬‬ ‫ال‪َ " :‬خ َد ْم ُع َّ‬ ‫عن "أَنس" ر ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫ُ َ ْ ََ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّللاُ َع ْن ُه َق َ‬
‫ضي َّ‬
‫ٌَ َ َ‬

‫صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الفضائا‪ /‬باب(‪ )13‬حسن خلقه عليه الصالة والسالم‪ ،‬رقم (‪.)2310‬‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب السمر في العلم‪ ،‬رقم (‪.)34/1( ،)117‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪186‬‬
‫ص َن ْع َع"‪ ،1‬فمن الطبيعي أن طفولة "أنس" رضي هللا عنه لم تُتقن الخدمة‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ص َن ْع َع؟ َوالَ‪ :‬أَال َ‬
‫َوالَ‪ :‬ل َم َ‬
‫دائماً‪ ،‬كنسيانه وضع متاع في مكانه‪ ،‬أو وضعه في مكان ال يتطابق مع ذوق رسول هللا عليه‬
‫الصالة والسالم‪ ،‬أو تأخره أحياناً في تقديم الطعام‪ ،‬بصفته غالماً يانعاً اليزال يحب اللعب واللهو‪،‬‬
‫لكن النبي عليه الصالة والسالم يتغافل عن كل ذلك‪ ،‬تفهماً لطبيعة الطفل‪ ،‬ألن التدقيق المستمر‬

‫يطفئ شعلة العطاء‪.‬‬

‫‪ -7‬التقليد‬

‫لقد كان عليه الصالة والسالم يعلم األطفال أيضاً عن طريق النمذجة‪ ،‬وفي ذلك غاية في‬

‫صلَّى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم َم َّر ِب ُغ َال ٍم َو ُه َو‬ ‫اإلعانة على تقليده‪ ،‬ومن ذلك ما رواه أَبو س ِع ٍيد‪ ،‬أ َّ َِّ َِّ‬
‫َن النب َّي النب َّي َ‬ ‫َ‬
‫َّللاِ صَّلى هللا عَلي ِه وسلَّم‪" :‬تَن َّح حتَّى أ ُِريك"‪َ ،‬فأ َْدخل يده بين اْل ِجْلِد و َّ‬
‫الل ْحمِ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ َ ََ ُ َْ َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ َ ْ ََ َ َ َ‬ ‫ول َّ َ‬ ‫ال َل ُه َرُس ُ‬ ‫اة‪َ ،‬فَق َ‬
‫َي ْسُل ُخ َش ً‬
‫ض ْأ‪،2‬‬ ‫اس َوَل ْم َيتََو َّ‬‫ضى َفصَّلى لِ َّلن ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫اسُل ْخ"‪ ،‬ثُ َّم َم َ‬
‫ال‪َ " :‬يا ُغ َال ُم َه َك َذا َف ْ‬
‫َف َد َح َس ب َها َحتى تََو َار ْت إَلى ْاإلبط‪َ ،‬وَق َ‬
‫فالنبي عليه الصالة والسالم يخبره أن يتنح جانباً‪ ،‬ليعلمه بالمشاهدة الذبح بالطريقة الصحيحة‪ ،‬وبعد‬
‫مشاهدة الغالم ذلك‪ ،‬خاطبه بلطف‪ ،‬تابيتاً للنمذجة‪ ،‬بقوله "يا غالم"‪ ،‬إذ يفارق اللطف والحب منهج‬
‫رسول هللا عليه الصالة والسالم في التعامل مع الطفولة‪.‬‬

‫‪ -8‬التكرار‬

‫يصعب على األطفال أحياناً دقة االنتباه‪ ،‬نتيجة لعدم كمال نضجهم‪ ،‬أو شدة تعلقهم باللهو‪،‬‬
‫واللعب‪ ،‬ومن أهم األساليب التي تعينهم على لفع انتباههم هو التكرار‪ ،‬إضافة إلى أن التكرار يشعر‬
‫السامع بأهمية وضرورة األمر‪ ،‬وقد كان عليه الصالة والسالم يكرر أحياناً األمر إعانة على االلتفات‬
‫ود ْب ِن َزْيٍد‪،‬‬‫َّللاِ ْب ُن س ْه ٍل‪ ،‬ومحيِص ُة ْب ُن مسع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َْ ُ‬ ‫ََُ َ‬ ‫َ‬ ‫طَل َق َع ْبُد َّ‬ ‫ثم الطاعة‪ ،‬ف َع ْن َس ْهل ْب ِن أَبي َح ْا َم َة‪َ ،‬ق َ‬
‫ال‪ْ :‬ان َ‬

‫ط ِفي َد ِم ِه َقِت ً‬
‫يال‪،‬‬ ‫َّللاِ ْب ِن َس ْه ٍل َو ُه َو َيتَ َش َّم ُ‬
‫ص ُة ِإَلى َع ْبِد َّ‬ ‫ِ‬
‫صْل ٌح‪َ ،‬فتََف َّرَقا َفأَتَى ُم َحي َ‬
‫ٍِ‬ ‫ِ‬
‫إَلى َخ ْي َب َر َوه َي َي ْو َمئذ ُ‬
‫ِ‬

‫صَّلى‬ ‫َِّ‬ ‫ٍِ‬


‫ص ُة ْاب َنا َم ْس ُعود إَلى النب ِي َ‬ ‫ص ُة‪َ ،‬و ُح َويِ َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫طَل َق َع ْبُد َّ ِ‬
‫الر ْح َمن ْب ُن َس ْهل‪َ ،‬و ُم َحي َ‬ ‫المِد َين َة‪َ ،‬ف ْان َ‬ ‫ِ‬
‫َف َدَف َن ُه ثُ َّم َقد َم َ‬

‫متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األدب‪ /‬باب (‪ )39‬حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل‪ ،‬رقم (‪ .)6038‬وصحيح‬ ‫‪1‬‬

‫مسلم‪ ،‬كتاب الفضائل‪ /‬باب (‪ )13‬كان رسول هللا عليه الصالة والسالم أحسن الناس خلقا‪ ،‬رقم (‪.)2309‬‬
‫سنن أبي داود‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب (‪ )72‬الوضوء من مس اللحم النيء وغسله‪ ،‬رقم (‪ .)47 /1( ،)185‬وسنن ابن ماجة‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫كتاب الذبائح‪ ،‬باب (‪ )6‬السلخ‪ /‬رقم (‪ .)1061 /2( ،)3179‬وإسناده صحيح‪.‬‬


‫‪187‬‬
‫ال‪َ " :‬كِب ْر َكِب ْر" َو ُه َو أَ ْح َد ُث الَق ْومِ‪َ ،‬ف َس َك َع َفتَ َكَّل َما‪ ،1‬فما‬ ‫َّ‬ ‫هللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم‪َ ،‬ف َذ َه َب َع ْبُد َّ‬
‫الر ْح َم ِن َيتَ َكل ُم‪َ ،‬فَق َ‬
‫كان يجب على الطفل "عبد الرحمن" التكلم قبل الكبار‪ ،‬لكن النبي عليه الصالة والسالم لم يعنفه‪،‬‬
‫وإنما نهاه عن ذلك ضمنياً‪ ،‬وذلك عندما بين له الصواب مع التكرار‪ ،‬إذ يريد أن يتكلم األكبر‪ ،‬ألنه‬
‫األولى بالتقدم في الكالم‪ ،‬وهذا من طيب األخالق‪.‬‬

‫‪ -9‬اإلرشاد الى الصواب‬

‫من عادة النبي عليه الصالة والسالم أنه يبين للمخطئ الصواب‪ ،‬وهذا منهج بالغ األهمية‪،‬‬
‫ألنه بماابة إيجاد بديل عن الخطئ‪ ،‬وفي ذلك إعانة كبيرة على ترك الخطئ‪ ،‬لوجود البديل‪ ،‬وأشد فئة‬

‫بحاجة إلى ذلك هم األطفال‪ ،‬لحاجتهم الماسة إلى اإلعانة على الطاعة‪ ،‬ومن ذلك ما فعله النبي‬
‫عليه الصالة والسالم مع البنع الصغيرة‪ ،‬التي نسبع إلى النبي عليه الصالة والسالم أنه يعلم الغيب‪،‬‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم َف َد َخ َل‬ ‫الرَبيِع ِب ْن ُع مع ِوِذ ْاب ِن َعْفراء‪ ،‬ج َِّ‬
‫اء النب ُّي َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َُ‬
‫ِ‬
‫ال‪َ :‬قاَلع ُّ ُ‬ ‫ان‪َ ،‬ق َ‬
‫ِ‬
‫فعن َخالُد ْب ُن َذ ْك َو َ‬
‫الد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِح ِ‬
‫ف َوَي ْنُد ْب َن َم ْن‬ ‫ض ِرْب َن ِب ُّ‬
‫ات َل َنا‪َ ،‬ي ْ‬‫ين ُبن َي َعَل َّي‪َ ،‬ف َجَل َس َعَلى ِف َر ِاشي َك َم ْجلِ ِس َك ِمني‪َ ،‬ف َج َعَل ْع ُج َوْي ِرَي ٌ‬ ‫َ‬
‫ال‪َ " :‬د ِعي َهِذِه‪َ ،‬وُقوِلي ِب َّالِذي‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫اه َّن‪َ :‬وِف َينا َنبي َي ْعَل ُم َما في َغد‪َ ،‬فَق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُقت َل م ْن َآبائي َي ْوَم َب ْد ٍر‪ِ ،‬إ ْذ َقاَل ْع ِإ ْح َد ُ‬
‫ِ‬
‫ين"‪ ،2‬حيث بدأت الجويرات الصغيرات في تعديد محاسن قتلى بدر‪ ،‬فلما أنشدت إحداهن‬ ‫ُك ْنع تَُقوِل َ‬
‫بمعنى يفيد نسب الغيب إلى رسول هللا عليه الصالة والسالم‪ ،‬نهاها النبي عن ذلك‪ ،‬ثم وجهها إلى‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫الصواب بقوله‪َ " :‬دعي َهذه‪َ ،‬وُقولِي ِبالذي ُك ْنع تَُقولِ َ‬
‫ين" أي‪ :‬اتركي هذا القول‪- ،‬ألن مفاتح الغيب‬
‫عند هللا ال يعلمها إال هو‪ ،-‬واشتغلي باألشعار التي تتعلق بالمغازي والشجاعة ونحوها‪.3‬‬

‫‪ -10‬بيان السبب والتوضيح‬

‫في بيان سبب كون الفعل خطأً‪ ،‬طريق لالقتناع بترك الخطئ‪ ،‬ثم االلتزام بالمطوب‪ ،‬وكان‬
‫الح َس ُن ْب ُن َعلِ ٍي‬ ‫هذا دأب النبي عليه الصالة والسالم‪ ،‬فعن أَبي هريرة ر ِ‬
‫َخ َذ َ‬
‫ال‪ :‬أ َ‬
‫َّللاُ َع ْن ُه‪َ ،‬ق َ‬
‫ضي َّ‬
‫َُ ْ َ َ َ َ‬

‫متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الجزية والموادعة‪ ،‬باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره‪ ،‬حديث رقم‬ ‫‪1‬‬

‫(‪ .)101/4( ،)3173‬وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات‪ ،‬باب القسامة‪ ،‬حديث رقم (‪،)1669‬‬
‫(‪.)1294/3‬‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬حديث رقم (‪.)19/7( ،)5147‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬العيني‪ ،‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪.)135 /20( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪188‬‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم‪ِ " :‬ك ْخ‬ ‫َِّ‬
‫ال النب ُّي َ‬
‫ِ ِِ‬ ‫َّللا عنهما‪ ،‬تمرة ِمن تم ِر َّ ِ‬
‫الص َدَقة‪َ ،‬ف َج َعَل َها في فيه‪َ ،‬فَق َ‬ ‫َرض َي َّ ُ َ ْ ُ َ َ ْ َ ً ْ َ ْ‬
‫ِ‬

‫الص َدَق َة"‪ ،2‬إذ ذكر النبي عليه الصالة والسالم سبب‬ ‫َما َش َع ْر َت أََّنا الَ َنأ ُ‬ ‫ِك ْخ" لِ َي ْ‬
‫‪1‬‬
‫ْك ُل َّ‬ ‫ال‪" :‬أ َ‬
‫ط َر َح َها‪ ،‬ثُ َّم َق َ‬
‫عدم أكل تمر الصدقة‪ ،‬وهو أن آل النبي عليه الصالة والسالم ال يأكلون الصدقة‪ ،‬فعندما يعرف‬
‫الطفل السبب‪ ،‬سيكون قاد اًر على تفهم األمر أكار‪ ،‬وسيسهل عليه حسن االلتزام‪.‬‬

‫ص ِار‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ان ُغ َالم ِم َن اْلمه ِ‬ ‫ِ‬


‫اج ِر َ‬
‫ين‪َ ،‬و ُغ َال ٌم م َن ْاأل َْن َ‬ ‫َُ‬ ‫ٌ‬ ‫ال‪ :‬ا ْقتََت َل ُغ َالم ِ‬
‫َ‬ ‫ومن ذلك أيضاً‪ ،‬ما رواه َجابر‪َ ،‬ق َ‬
‫صلَّى‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ول هللا َ‬ ‫ص ِار‪َ ،‬ف َخ َرَج َرُس ُ‬ ‫ين وَن َادى ْاأل َْن ِ‬
‫صار ُّي َيا َل ْأل َْن َ‬ ‫َ‬ ‫َف َن َادى اْل ُم َهاج ُر أَو اْل ُم َهاج ُرو َن‪َ ،‬يا َلْل ُم َهاجر َ َ‬
‫ول هللاِ ِإ َّال أ َّ‬
‫َن ُغ َال َم ْي ِن ا ْقتَتَ َال َف َك َس َع‬ ‫ِِ ِ‬ ‫هللا عَلي ِه وسَّلم‪َ ،‬فَقال‪" :‬ما ه َذا َد ْعوى أ ْ ِ‬
‫َهل اْل َجاهليَّة" َقاُلوا‪َ :‬ال َيا َرُس َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ َ ْ ََ َ‬
‫ظالِ ًما َفْل َي ْن َه ُه‪َ ،‬فِإَّن ُه‬
‫ان َ‬ ‫وما‪ِ ،‬إ ْن َك َ‬ ‫ظُل ً‬ ‫ظالِ ًما أ َْو َم ْ‬
‫َخاهُ َ‬ ‫ص ِر َّ‬
‫الرُج ُل أ َ‬ ‫ْس َوْل َي ْن ُ‬
‫ال‪َ" :‬ف َال َبأ َ‬
‫‪3‬‬
‫َحُد ُه َما ْاآل َخ َر ‪َ ،‬ق َ‬
‫أَ‬
‫ص ْرهُ"‪ ،4‬و"تسميته صلى هللا عليه وسلم ذلك دعوى الجاهلية‪ ،‬هو‬
‫وما َفْل َي ْن ُ‬
‫ظُل ً‬
‫ان َم ْ‬
‫صٌر‪َ ،‬وإِ ْن َك َ‬
‫َل ُه َن ْ‬
‫كراهة منه لذلك‪ ،‬فإنه مما كانع عليه الجاهلية من التعاضد بالقبائل في أمور الدنيا‪ ،‬ومتعلقاتها‪،‬‬
‫وكانع الجاهلية تأخذ حقوقها بالعصبات‪ ،‬والقبائل‪ ،‬فجاء اإلسالم بإبطال ذلك‪ ،‬وفصل القضايا‬
‫باألحكام الشرعية"‪ ،5‬ويستامر النبي عليه الصالة والسالم هذا الموقف الذي حصل بين الغالمين‪،‬‬
‫بالتوضيح والبيان‪ ،‬مبيناً ضرورة نصرة الظالم والمظلوم‪ ،‬فأما األول فبنهيه‪ ،‬وأما الااني فبالدفاع عنه‬
‫ونصرته‪.‬‬

‫وهكذا يتبين المنهج النبوي مع الطفولة المتميز بمخاطبته للعاطفة بالرفق واللين والحب‪،‬‬
‫ومخاطبته للعقل بذكر السبب والتوضيح والتعليل‪ ،‬والتي كلها تؤدي إلى إعانة الطفل على الطاعة‬
‫وااللتزام‪ ،‬على أن ال ينسى المربي أن يتم ذلك كله تحع ظالل التأسيس السليم الراسخ على اإليمان‬
‫والابات‪ ،‬لينشأ الطفل من غير تمرد أو شغب‪ ،‬إذ كان الصحابة يأخذون أطفالهم إلى مجالس العلم‪،‬‬

‫كخ‪ َ:‬ي اتركه وارم ِب ِه‪ .‬السيوطي‪ ،‬الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج‪.)170/3( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫متفق عليه‪ .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب وجوب الزكاة‪ ،‬ما يذكر في الصدقة للنبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬حديث رقم(‪،)1491‬‬ ‫‪2‬‬

‫(‪ .)127/2‬وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب تحريم الزكاة على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬حديث رقم (‪،)1069‬‬
‫(‪.)751/2‬‬
‫(فكسع أحدهما اآلخر) أي ضرب دبره وعجيزته بيد أو رجل أو سيف أو غيره‪ ،‬شرح محمد فؤاد عبد الباقي في حاشية صحيح‬ ‫‪3‬‬

‫مسلم‪.)1998 /4( ،‬‬


‫صحيح مسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة واآلداب‪ /‬باب (‪ )16‬نصر األخ ظالماً او مظلوماً‪ ،‬رقم (‪.)1998 /4( ،)2584‬‬ ‫‪4‬‬

‫شرح محمد فؤاد عبد الباقي في حاشية صحيح مسلم‪.)1998 /4( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪189‬‬
‫ويصطحبونهم إلى التجارة‪ ،‬والعمل‪ ،‬والصالة‪ ،‬دون أن يشكل وجودهم عائقاً‪ ،‬أو إزعاجاً غير محتمل‪،‬‬

‫ولو كان ذلك ما اصطحبوهم‪ ،‬أو لوردت أحاديث في شغبهم‪ ،‬وهذا يدل على حسن تربيتهم وفق‬
‫المنهج النبوي المتكامل‪ ،‬وإنما يفشل اليوم بعض اآلباء في تصحيح أخطاء أطفالهم‪ ،‬ألنهم لم يحسنوا‬
‫تحلية الطفل باإليمان أوالً‪ ،‬والابات ثانياً‪ ،‬إنما قفزوا إلى التخلية ووفق منهج يخالف أحياناً منهج‬
‫النبوة‪ ،‬فكأن ِ‬
‫ابتداؤه بتصحيح األخطاء كمن بدأ بنهاية المطاف ال أوله‪ ،‬فأنى له الوصول؟!‬

‫ويتكامل المنهج النبوي مع المنهج القرآني في تصحيح أخطاء األبناء‪ ،‬وذلك في قوله‬
‫ﲃ‬ ‫ﲂ‬ ‫سبحانه‪:‬ﱡﭐﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ‬

‫ﲑ‬ ‫ﲐ‬ ‫ﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏ‬


‫ِ‬
‫ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖﱠ ‪ ،‬سبب نزول هذه اآليات‪ ،‬بينه "ابن عباس" بقوله‪َ" :‬ف ُه ُؤالء ِر َج ٌ‬
‫ال‬ ‫‪1‬‬

‫ِ َّ‬ ‫صَّلى َّ‬ ‫أَسَلموا ِمن م َّك َة َفأَرادوا أَن يأْتوا رسول َّ ِ‬
‫وه ْم‪،‬‬
‫َن َي َد ُع ُ‬ ‫اج ُه ْم َوأَ ْو ُ‬
‫الد ُه ْم أ ْ‬ ‫َّللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َفأ ََبى أ َْزَو ُ‬ ‫َّللا َ‬ ‫َُ ْ َُ َُ َ‬ ‫ْ ُ ْ َ‬
‫َّللاُ‬
‫وه ْم َفأ َْن َزَل َّ‬ ‫ِ‬
‫َن ُي َعاقُب ُ‬ ‫اس َق ْد َف ِق ُهوا ِفي ا ِلد ِ‬
‫ين َف َه ُّموا أ ْ‬ ‫َّللاُ َعَل ْي ِه َوسَّلم َأرَُوا َّ‬
‫الن َ‬ ‫صَّلى َّ‬ ‫َفَل َّما أَتو رسول َّ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َّللا َ‬ ‫َْ َ ُ َ‬
‫يم"‪.2‬‬ ‫ِ‬ ‫صَف ُحوا َوتَ ْغ ِف ُروا َفِإ َّن َّ‬ ‫ِِ‬
‫ور َرح ٌ‬ ‫َّللاَ َغُف ٌ‬ ‫َهذه ْاآل َي َة َوإِ ْن تَ ْعُفوا َوتَ ْ‬
‫والعدو هو الذي يريد لإلنسان الشر‪ ،‬وفي هذا تحذير من هللا للمؤمنين‪ ،‬من االغترار باألزواج‬
‫واألوالد‪ ،‬خاصة وأن النفس مجبولة على محبتهم‪ ،‬فإن بعضهم عدو لكم‪ ،‬ووظيفة اإلنسان من ذلك‬
‫الحذر‪ ،‬فيحذر تعالى عباده أن توجب لهم هذه المحبة االنقياد لمطالب األزواج واألوالد في كل‬
‫شيء‪ ،‬بما فيها المحذور الشرعي‪ ،‬ورغبهم بتقديم مرضاته بما عنده من األجر العظيم المشتمل على‬

‫المطالب العالية والمحاب الغالية‪ ،‬وأن حب هللا عز وجل ال بد أن يكون فوق كل حب‪ ،‬وعندما كان‬
‫النهي عن طاعة األزواج واألوالد‪ ،‬فيما هو ضرر على العبد‪ ،‬والتحذير من ذلك‪ ،‬قد يوهم الغلظة‬
‫عليهم وعقابهم‪ ،‬فأمر تعالى بالحذر منهم‪ ،‬والصفح عنهم‪ ،‬والعفو عن عقوبتكم إياهم‪ ،‬فإن في ذلك‪،‬‬

‫من المصالح ما ال يمكن حصره منها‪ ،3‬فسبحان من تجلى دفىء رحمته في هذه اآلية‪ ،‬حتى غلب‬
‫دفئ حضن كل أمهات العالم‪ ،‬يأمر األبناء بمعصية هللا‪ ،‬وهللا يأمر بالعفو عنهم والصفح والمغفرة!!‪.‬‬

‫التغابن‪.15-14 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر‪ :‬ابن كاير‪ ،‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كاير القرشي‪( ،‬ت‪774 :‬ه)‪ ،‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬تحقيق‪ :‬سامي بن‬ ‫‪2‬‬

‫محمد سالمة‪ ،‬دار طيبة للنشر والتوزيع‪( ،‬ط‪1420 /2‬ه)‪.)165 /8( ،‬‬
‫انظر‪ :‬السعدي‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان‪( ،‬ص‪.)868:‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪190‬‬
‫اج ُك ْم َوأ َْوَالِد ُك ْم َعُد ًّوا َّل ُك ْم"‪" ،‬يدل على أن بعضهم من األعداء دون البعض"‪،1‬‬ ‫وقوله ِ‬
‫"م ْن أ َْزو ِ‬
‫َ‬
‫هي فقط محصورة في األبناء الذين يصدونك عن سبيل هللا ويلهونك عن العمل الصالح ويابطونك‬
‫عن طاعة هللا‪ ،‬فاحذر أن تقبل منهم ما يأمرونك به من ترك طاعة هللا‪ ،2‬وكم في ذلك بالء ومحنة‪،‬‬
‫ألنهم يوقعون في اإلثم والعقوبة‪ ،‬وال فتنة أعظم منهما‪ ،‬مع كونهم في ذات الوقع محبون لذويهم‬

‫قريبون منهم في كل حين‪.3‬‬

‫وماال آخر‪ ،‬فإنه ليس من السهل أن ينظر األب إلى أطفاله نظرة مودع‪ ،‬ويأخذ بنفسه إلى‬
‫ساحة الشهادة من أجل رفع راية اإلسالم‪ ،‬فلوال حب هللا في قلبه أكبر من حب أبنائه‪ ،‬ما كان يقدر‬

‫على الجهاد‪.‬‬

‫"والفتنة هي أشد االختبار وأبلغه وتكون في الخير والشر أيضا"‪" ،4‬والقصر المستفاد من إنما‬
‫قصر موصوف على صفة‪ ،‬أي ليسع أموالكم وأوالدكم إال فتنة‪ ،‬وهو قصر ادعائي للمبالغة في كارة‬
‫مالزمة هذه الصفة للموصوف‪ ،‬إذ يندر أن تخلو أفراد هذين النوعين‪ ،‬وهما أموال المسلمين وأوالدهم‬
‫عن االتصاف بالفتنة لمن يتلبس بهما‪ ،‬واإلخبار بفتنة للمبالغة‪ ،‬والمراد‪ :‬أنهم سبب فتنة‪ ،‬سواء سعوا‬
‫في فعل الفتن أم لم يسعوا‪ ،‬فإن الشغل بالمال والعناية باألوالد فيه فتنة"‪.5‬‬

‫ال شك أن أعظم أخطاء األبناء هي األخطاء التي تؤدي إلى صد اآلباء عن واجباتهم‬
‫اإلسالمية‪ ،‬فإذا أرشدنا هللا في هذه المواقف إلى الصفح والمغفرة‪ ،‬فكيف لو كانع أخطاء األبناء أقل‬
‫سوءاً؟ وكيف لو كان المخطئ هو الطفل؟ ال شك أن الحفاظ على الصفح والمغفرة أحرى وأجدر في‬
‫مال هذه األخطاء‪.‬‬

‫إذن نجد أن هذه اآلية أرشدت إلى ثالثة أمور للتعامل مع مال هذا النوع من األذى والذي‬
‫هو من ِقَبل األطفال –واألبناء عامة‪:-‬‬

‫الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪.)557/30( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر‪ :‬األندلسي‪ ،‬البحر المحيط في التفسير‪.)192/10( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر‪ :‬األندلسي‪ ،‬البحر المحيط في التفسير‪.)192/10( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫العسكري‪ ،‬الفروق اللغوية‪.)217 /1( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)286 /28( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪191‬‬
‫‪ .1‬الحذر‪ :‬توقي ودفع الضرر سواء كان مظنوناً‪ ،‬أو متيقناً‪.1‬‬

‫‪ .2‬العفو‪" :‬إسقاط اللوم والذم"‪ ،2‬و"ترك المعاقبة على الذنب بعد االستعداد لها"‪.3‬‬

‫‪ .3‬الصفح‪" :‬ترك مؤاخذة المذنب وأن تبدي له صفحة جميلة"‪ ،4‬وبال توبيخ‪.5‬‬

‫‪ .4‬الغفران‪ :‬إسقاط العقوبة وستر الذنب‪.6‬‬

‫وه ْم"‪ ،‬ولم يأمر بأن يضروهم‪ ،‬وأعقبه سبحانه بقوله‪"َ :‬وإِن تَ ْعُفوا‬
‫اح َذ ُر ُ‬
‫الحظ أنه قال‪َ" :‬ف ْ‬ ‫وي َ‬
‫يم"‪ ،‬جمعا بين الحذر وبين المسالمة وذلك من الحزم‪ ،‬وجملة "َفِإ َّن‬ ‫ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫صَف ُحوا َوتَ ْغ ِف ُروا َفِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ َغُف ٌ‬ ‫َوتَ ْ‬
‫يم" دليل جواب الشرط المحذوف المؤذن بالترغيب في العفو والصفح والغفر‪ ،‬فالتقدير‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫َّللاَ َغُف ٌ‬
‫َّ‬
‫وأن تعفوا‪ ،‬وتصفحوا‪ ،‬وتغفروا‪ ،‬يحب هللا ذلك منكم‪ ،‬ألن هللا غفور رحيم‪.7‬‬

‫فال يجب لوم األبناء‪-‬خاصة األطفال‪ ،-‬وذمهم باستمرار‪ ،‬ولو كان لذلك أثر إيجابي ‪-‬في‬
‫نظر المربي‪ -‬ألن هللا أمر باجتناب ذلك‪ ،‬وقد يكون لهما األثر المؤقع‪ ،‬لكن سرعان ما تنقلب‬
‫الموازين‪ ،‬ويعود األبناء إلى أخطائهم‪ ،‬عناداً‪ ،‬ونكاالً‪ ،‬وبغضاً بوالديه‪ ،‬ليكون ضرر هذه األساليب‬
‫أكبر من نفعها‪ ،‬إنما الصواب الترفق بهم بإسقاط العقوبة عنهم‪ ،‬وستر ذنبهم‪ ،‬وفتح صفحة جديدة‬
‫معهم‪ ،‬وهذا هو منهج النبي في التعامل مع أبنائه‪ ،‬وأبناء الصحابة‪ ،‬ذلك أن األصل في دور المربي‬
‫البالغ والتوجيه‪ ،‬ال إقامة العقوبة والتوبيخ باستمرار‪ ،‬فاألبناء إنما هم أمانة وضعها هللا بين أيدي‬
‫آبائهم‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد يطرح التساؤل‪ :‬لماذا لم يقل بصيغة األمر "واعفوا واصفحوا واغفروا"‪ ،‬وإنما‬
‫جاء بأسلوب الشرط "ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ"؟‪ ،‬والجواب أن االختبار هنا أكار واقعية من‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬العسكري‪ ،‬الفروق اللغوية‪)240/1( ،‬‬


‫المرجع السابق‪.)135/1( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)285 /28( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫العسكري‪ ،‬الفروق اللغوية‪)136/1( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫انظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)285 /28( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫انظر‪ :‬العسكري‪ ،‬الفروق اللغوية‪)136-135/1( ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)285-284 /28( ،‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪192‬‬
‫األمر‪ ،‬وهو أصعب لمن بيده السلطة‪ ،‬فعلى سبيل الماال فإن األب في البيع هو صاحب القرار‪،‬‬

‫وبإمكانه أن يفعل ما يشاء تجاه الزوجة‪ ،‬واألوالد‪ ،‬وعندما يبرز منهم العداء‪ ،‬أو الخطأ‪ ،‬فقد يقوم برد‬
‫فعل معاكس تماماً‪ ،‬وقد يكون فيه شيء من القسوة المبررة‪ ،‬أو أن له ما يبرره‪ ،‬فلو قال "اعفوا‬
‫واصفحوا واغفروا" لفهم منه العفو‪ ،‬والصفح‪ ،‬والمغفرة بكل حال‪ ،‬وهذا قد ال يكون صحيحاً في بعض‬

‫المواقف التي تستلزم العقوبة‪ ،‬أو الحزم‪ ،‬فجاءت الصيغة بالتخيير لتترك تقدير األمر للآلباء مع‬
‫اإللماح إلى العفو‪ ،‬والصفح‪ ،‬والمغفرة‪ ،‬وحتى تعود األمور إلى طبيعتها بعد ذلك‪ ،‬دعا إلى العفو‪،‬‬
‫والذي يفيد إزالة ما في النفس من رواسب‪ ،‬ثم أتبعه بالصفح لفيد عدم التذكير والمعايرة بما فات‪،‬‬

‫ألن االنسان قد يعفو ولكن يبقى في النفس شيء‪ ،‬فجاء الصفح والذي هو مأخوذ لغة من إعطاء‬
‫اإلنسان صفحة وجه‪ ،‬أي استدار جانباً فكأنه أرى الشيء وأعرض عنه رغبة‪ ،‬وليس إعراضاً عنه‪،‬‬
‫وهذا هو الفرق بين الصفح واإلعراض‪ ،‬فاألول عن حب‪ ،‬والااني عن بغض‪.‬‬

‫وال بد من اإلشارة أن خطوات تربية األطفال‪ ،‬تختلف عن خطوات تربية الراشد الفاسد‪ ،‬وقد‬
‫وصفع اآليات الكريمة منهج النبي عليه الصالة والسالم في تربية األمة وتعديل سلوكها‪ ،‬وذلك في‬
‫قوله سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ‬

‫ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶﱠ‪ ،1‬وماله أيضاً في سورة آل عمران‪ :‬ﭐﱡﭐﲲ ﲳ ﲴ‬

‫ﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁ‬

‫ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋﱠ‪ ،2‬وكذلك في سورة الجمعة‪ :‬ﭐﱡﭐﱎ‬

‫ﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜ‬

‫ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣﱠ‪ ،3‬تبين اآليات الكريمة ثالث محاور في تربية األمة‪ ،‬كانع‬

‫نهج النبي عليه الصالة والسالم‪ ،‬وهي على الترتيب‪:‬‬

‫البقرة‪.151 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬آل عمران‪.164 :‬‬


‫الجمعة‪.2 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪193‬‬
‫أ‪ -‬تالوة اآليات‪ :‬يق أر عليهم القرآن‪ ،‬وكان الناس قادرين على فهم ما يتلى عليهم من غير حاجة‬

‫لترجمان‪ ،‬والتي هي بماابة مقدمات‪ ،‬وتمهيد للتحلية بمعرفة آيات هللا‪ ،‬وأسس العقيدة‪ ،‬كي‬
‫تعطي التخلية القادمة نتائجها الطيبة‪ ،‬المرتكزة على تلك المقدمات‪.‬‬

‫ب‪ -‬التزكية‪ :‬التطهير‪ ،‬أي يطهر النفوس بهدي اإلسالم‪ ،‬والتي هي بماابة التخلية من األخطاء‬

‫وما يترتب عنها‪.‬‬

‫ت‪ -‬تعليم الكتاب والحكمة‪ :‬والذي هو تبيين مقاصد القرآن‪ ،‬وأمرهم بحفظ ألفاظه‪ ،‬لتكون معانيه‬
‫حاضرة عندهم‪ ،‬والمراد بالحكمة ما اشتملع عليه الشريعة من تهذيب األخالق‪ ،‬وتقنين‬

‫األحكام‪ ،‬ألن ذلك كله مانع للنفس من سوء الحال واختالل النظام‪ ،‬وذلك من معنى الحكمة‪،‬‬
‫وعطف الحكمة على الكتاب عطف األخص من وجه على األعم من وجه‪ ،‬فمن الحكمة ما‬
‫هو في الكتاب‪ ،1‬والتعليم بما فيه بيان المقاصد تعين المتعلم على تابيع تالوة اآليات‪،‬‬
‫وتابيع فهمها‪ ،‬فهذا المحور هو بماابة التحلية‪.‬‬

‫إال أنه في سورة البقرة‪ ،‬في آية دعاء إبراهيم‪ ،‬جاء الترتيب مختلفاً‪ ،‬على النحو اآلتي‪ :‬تالوة‬
‫اآليات‪ ،‬ثم تعليم الكتاب والحكمة‪ ،‬ثم التزكية‪ ،‬فالتزكية التي هي بماابة التخلية جاءت بعد التزكية‪،‬‬
‫يقول سبحانه‪ :‬ﱡﭐﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ‬

‫ﱯ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱠ‪ ،2‬وجاء ترتيب هذه الجمل في الذكر على‬


‫ﱰ‬ ‫ﱮ‬

‫حسب ترتيب وجودها‪ ،‬ألن أول تبليغ الرسالة تالوة القرآن‪ ،‬ثم يكون تعليم معانيه‪ ،‬ثم بالعلم به تحصل‬
‫التزكية‪ ،3‬وتتحقق التخلية‪ ،‬فهي لقوم ال يعلمون شيئاً عن تفاصيل حياتهم‪ ،‬فبدأ بالتالوة‪ ،‬ثم التعليم‪،‬‬
‫ثم التزكية‪ ،‬بينما اآليات الاالث األخرى بهذا الخصوص تتحدث عن التزكية قبل التعليم‪ ،‬نظ اًر‬

‫لالنحراف األخالقي الكبير الذي كان عند العرب‪ ،‬فكانع التخلية قبل تعليم الكتاب والحكمة‪ ،‬إزالة‬
‫لركام األوساخ‪ ،‬والبناء على أساس نظيف إذ يكون العلم نقياً غير مختلط بفساد‪.‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)159 /4( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫البقرة‪.129 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)723 /1( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪194‬‬
‫ومن الجميل اإلشارة أنه قال‪" :‬ﱥ ﱦ"‪ ،‬ولم يقل‪" :‬وابعث لهم"‪" ،‬لتكون الدعوة بمجيء‬

‫رسول برسالة عامة‪ ،‬فال يكون ذلك الرسول رسوالً إليهم فقط‪ ،‬ولذلك حذف متعلق رسوالً ليعم"‪ ،1‬إذ‬
‫أن رقي حرص واهتمام إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪ -‬ال يتسع له مكان وال زمان‪ ،‬فلم يدع ألمة واحدة‪ ،‬وال‬

‫ألمم في زمان ما‪ ،‬بل هو رقي اتسع بإخالصه وصفائه األمم جمعاء‪ ،‬وفي كل األزمنة‪.‬‬

‫وفي هذا الترتيب لمحاور تبليغ الرسالة فائدة تربوية هامة‪ ،‬وهي أن النفوس التي يغلبها سواد‬
‫الفساد‪ ،‬وكدرات الطغيان‪ ،‬طريق الدعوة إليها يكمن في التخلية أوالً‪ ،‬ثم التحلية‪ ،‬كي ال يجتمع‬

‫مضادان في النفس‪ ،‬فيكون ذلك عائقاً لتحقق المقصود‪ ،‬بينما النفوس التي يغلبها صفاء الطهارة‪،‬‬
‫فإن مسار الدعوة فيها يبتدئ بالتزكية‪ ،‬ثم التخلية‪ ،‬واألطفال هم أكار الفئات صفاء‪ ،‬نظ اًر لصفحتهم‬
‫تلوث بسوء التصرفات بعد‪ ،‬ولفطرتهم السليمة التي لم تتشرب شوائب المجتمعات‬
‫البيضاء التي لم َّ‬
‫بعد‪ ،‬وقد يسير الكاير من اآلباء نحو الطريق المعاكس‪ ،‬ليواجه عوائق كايرة‪ ،‬والتفافات صعبة‬
‫الوصول‪ ،‬نظ اًر لتركيزه على تصويب أخطاء الطفل ‪-‬التخلية‪ ،-‬في ظل افتقار الطفل إلى العقيدة‬
‫السليمة‪ ،‬واألخالق الطيبة‪ ،‬والسلوكيات السليمة‪ ،‬والتفكير الصائب ‪-‬التحلية‪ ،-‬لتقصير المربي في‬

‫االهتمام باالبتداء بالتحلية‪ ،‬لتصبح جزئية تصحيح األخطاء‪ ،‬جزئية منفصلة‪ ،‬عرجاء‪ ،‬لخلوها من‬
‫ركيزة التحلية‪ ،‬ليفاجأ المربي بعصيان الطفل‪ ،‬وتمرده‪ ،‬وتباطئه في الطاعة‪.‬‬

‫فهذه المحاور الاالثة تشير إلى المنهاج اإلسالمي الذي تتكامل فيه سبل تربية النفس‪ ،‬على‬

‫نحو يميزها عن كل مدارس التربية‪ ،‬والتي ال بد أن يعتريها النقص لبشريتها‪ ،‬على خالف المنهج‬
‫الرباني المعجز المتميز بالكمال لكمال خالقه‪.‬‬

‫ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)722/1( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪195‬‬
‫الفصل الخامس‬

‫نماذج قرآنية في تربية الطفل‬

‫المبحث األول‪ :‬تربية "إبراهيم" ًلبنه إسماعيل‪-‬عليهما السالم‪-‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تربية لقمان ًلبنه‬

‫‪196‬‬
‫المبحث األول‬

‫تربية "إبراهيم" ًلبنه "إسماعيل" ‪-‬عليهما السالم‪-‬‬

‫نال "إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ -‬مكانة عظيمة‪ ،‬حتى قال هللا فيه‪ :‬ﱡﭐﱕ ﱖ ﱗ ﱘ‬

‫ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠﱠ‪ ،1‬وال شك أن اإلبتالء سنة هللا في خلقه‪ ،‬يختبر هللا به‬

‫عباده‪ ،‬ويصتﻁفي خيتﺭة البشرية لمهمة عﻅيمة‪ ،‬ومن خالل القرآن الكريم يتبين أن هللا عز وجل‬
‫ابتلى إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪ -‬بالكلمات‪ ،‬وابتاله بحادثة الذبح‪ ،‬وقد صبر خليل هللا في االبتالء حتى‬

‫اصطفاه هللا له‪ ،‬وكلفه هللا كغيره من األنبياء بمهمة تبليغ الرسالة‪ ،‬ونشر دين هللا‪ ،‬إذ كان قومه‬
‫يعبدون األصنام‪ ،‬والكواكب‪ ،‬وفيهم أبوه "آزر" الذي بين القرآن الكريم قصة جحوده‪.‬‬

‫وقد أدى "إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ -‬تبليغ الرسالة على أكمل وجه مع ابنه‪ ،‬ووالده‪ ،‬وقومه‪،‬‬
‫وبعد الدراسة االستقرائية لآليات التي تبيين تعامل "إبراهيم" ‪-‬عليه السالم مع ابنه‪ ،‬تبين أن منهجه‬
‫تمال في التربية على طاعة هللا‪ ،‬والدعاء للذرية‪ ،‬والقدوة‪ ،‬وتوفير البيئة المناسبة‪ ،‬واللطف والحب‪.‬‬

‫امتال "إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ -‬التربية الربانية في تربية ابنه النبي "إسماعيل"‪-‬عليه السالم‪،‬‬

‫ويمكن بيان هذه القضية في المطالب اآلتية‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التربية على طاعة هللا‬

‫تظهر قصة "إبراهيم"مع ابنه "إسماعيل" ‪-‬عليهما السالم‪ -‬مدى اهتمام الدين الحنيف بالتربية‪،‬‬
‫إذ أنها من أهم مقومات العالقات اإلنسانية الصحيحة‪ ،‬وال شك أن استقرار المجتمعات منوطاً بهذا‬
‫الجانب‪ ،‬هذا يعني أن ال بد من إحكام األساس التربوي إلحكام بناء المجتمعات‪ ،‬خاصة في ظل‬
‫تعقيد الحياة في المدنية الحدياة‪ ،‬في داخل األسرة وخارجها‪ ،‬وتحديات كايرة‪ ،‬تعيق ارتقاء األسرة في‬

‫الدارين‪.‬‬

‫النحل‪.120 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪197‬‬
‫وقد بين لنا القرآن الكريم منهج األنبياء في الدعوة إلى هللا عز وجل‪ ،‬كي تُتخذ نموذجاً لكل‬

‫مربي‪ ،‬ومن هؤالء األنبياء خليل الرحمن "إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬وقد اختبر هللا "إبراهيم" ‪-‬عليه‬
‫السالم‪ -‬بأوامر ونواه‪ ،‬واختبار هللا عبده مجاز عن تمكينه عن اختيار أحد األمرين‪ :‬ما يريد هللا‪ ،‬وما‬
‫يشتهيه العبد‪ ،‬كأنه يمتحنه ما يكون منه حتى يجازيه على حسب ذلك‪ ،1‬يقول سبحانه‪ :‬ﭧﭐﭨ ﭐ‬
‫ﲣﲥﲦﲧ‬
‫ﲤ‬ ‫ﲟﲡﲢ‬
‫ﲠ‬ ‫ﲙﲛﲜﲝﲞ‬
‫ﲚ‬ ‫ﱡﭐﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ‬

‫ﲨ ﲩ ﲪﱠ‪ ،2‬والكلمات هي الكالم الذي أوحى هللا به إلى إبراهيم‪ ،‬وأجملها هنا إذ ليس‬

‫الغرض تفصيل شريعة إبراهيم‪ ،‬وال بسط القصة والحكاية‪ ،‬وإنما الغرض بيان فضل "إبراهيم" ببيان‬
‫ظهور عزمه‪ ،‬وامتااله للتكاليف‪ ،‬فأتى بها كاملة فجوزي بعظيم الجزاء‪ ،3‬وقد أتم "إبراهيم" ‪-‬عليه‬
‫السالم‪ -‬هذه الكلمات "بالقيام هلل بما أوجب عليه فيهن‪ ،‬وهو الوفاء الذي قال هللا جل ثناؤه‪ :‬ﭧﭐﭨﭐ‬
‫ﭐﱡﭐﳇ ﳈ ﳉ ﳊﱠ‪ ،4‬يعني "وفي بما عهد إليه بالكلمات‪ ،‬بما أمره به من فرائضه ومحنته‬
‫‪5‬‬
‫فيها" ‪ ،‬فلما أتم كلمات هللا جزاه هللا خير الجزاء‪ ،‬فكانة حياة "إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ -‬نموذجاً عظيماً‬
‫في الطاعة‪ ،‬وحسن العاقبة في الدنيا واالخرة‪.‬‬

‫وظهرت الرغبة في االمتداد في الصالح عن طريق ذريته‪ ،‬عندما أخبره ربه أنه سيجعله‬
‫للناس رسوالً يؤتم به ويقتدى به‪ ،6‬ذلك أن هدف "إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ -‬في الصالح كان أكبر من‬
‫كونه محصو اًر في نطاق ذاته‪ ،‬ألنه كان أُمة في فكره وعمله‪ ،‬إال أن امتداد الصالح لن يكون إال في‬

‫نطاق ذريته الصالحة‪ ،‬إذ ليس الصالح وراثة أنساب‪ ،‬وليسع القربى مجرد وشيجة لحم ودم‪ ،‬إنما‬
‫ﲣ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ"‪.‬‬
‫ﲤ‬ ‫هي وشيجة دين وعقيدة‪ ،7‬يقول سبحانه‪" :‬ﲡ ﲢ‬

‫ومن المالحظ أنه "عدل عن التعبير برسول إلى إماماً‪ ،‬ليكون ذلك داالً على أن رسالته تنفع‬
‫األمة المرسل إليها بطريق التبليغ‪ ،‬وتنفع غيرهم من األمم بطريق االقتداء‪ ،‬وليتأتى اإليجاز في حكاية‬

‫ينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪.)183/1( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫البقرة‪.124 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.)703/1( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫النجم‪.37 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫الطبري‪ ،‬جامع البيان في تأويل القرآن القرآن‪.)18-17/2( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫ينظر‪ :‬الطبري‪ ،‬جامع البيان في تأويل القرآن القرآن‪ ،)18/2( ،‬وينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.)704/1( ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫ينظر‪ :‬قطب‪ ،‬سيد‪ ،‬في ظالل القرآن‪.)112-113/1( ،‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪198‬‬
‫قول "إبراهيم"‪" :‬ومن ذريتي"‪ ،‬فيكون قد سأل أن يكون في ذريته اإلمامة بأنواعها من رسالة‪ ،‬وملك‪،‬‬

‫وقدوة على حسب التهيؤ فيهم‪ ،‬وأقل أنواع اإلمامة كون الرجل الكامل قدوة لبنيه‪ ،‬وأهل بيته‪ ،‬وتالميذه"‪.1‬‬

‫وقد أكرم هللا عز وجل خليله وابنه "إسماعليل" ‪-‬عليهما السالم‪ -‬بتطهير البيع الحرام من‬
‫األوثان‪ ،‬واألنجاس‪ ،‬وطواف الجنب‪ ،‬والحائض‪ ،‬والخبائث كلها‪ ،‬يطهراه للطائفين‪ ،‬والعاكفين‬

‫المجاورين الذين عكفوا عنده‪ ،‬أي أقاموا ال يبرحون‪ ،‬وللركع السجود‪ ،2‬وجاء األمر بلفظ "عهدنا"‪،‬‬
‫حيث أن "العهد أصله الوعد المؤكد وقوعه‪ ،‬فإذا عدي بإلى كان بمعنى الوصية المؤكد على الموصى‬
‫ﲶ‬ ‫ﲵ‬ ‫العمل بها"‪ ،3‬يقول سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ‬

‫ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂﱠ‪ ،4‬والماابة من‬

‫" ثاب القوم إلى الموضع إذا رجعوا إليه" ‪ ،"5‬والمراد بالماابة أنه "يقصده الناس بالتعظيم ويلوذون‬

‫به"‪ ،6‬وأكرم هللا "إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ -‬لما أمر الناس أن يتخذوا من مقامه مصلى‪ ،‬والذي هو‬
‫"الحجر الذي فيه أثر قدميه‪ ،‬والموضع الذي كان فيه الحجر حين وضع عليه قدميه"‪.7‬‬

‫وكما تبين فإن أمر التطهير جاء على سبيل التأكيد إشارة إلى أهمية األمر‪ ،‬ومكانته عند هللا‬
‫عز وجل‪ ،‬وجاء على سبيل الجمع " َو َع ِه ْد َنا " إشارة إلى التعظيم‪ ،‬والملفع أن هللا لم يوجه األمر إلى‬
‫"إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ -‬فقط‪ ،‬وإنما إلى ابنه "إسماعيل" ‪-‬عليه السالم‪ -‬بالرغم من صغر سنه في‬
‫ذلك الوقع‪ ،‬مع أن األمر كما تبين فيه تكليف عظيم يمس األمة االسالمية كاملة‪ ،‬لإلشارة أن على‬

‫الوالد أن يسعى إلى السماح لمشاركة ابنه التكاليف‪ ،‬والمسؤوليات‪ ،‬وإن لم يبلغ سن الرشد‪ ،‬كي ينشأ‬
‫على الصالح‪ ،‬وتحمل المسؤولية‪ ،‬والاقة بالنفس‪ ،‬والقدرة على أداء المهام‪ ،‬ليدرك االبن منذ صغره‬
‫أن الحياة علم وعمل‪ ،‬ومن المالحظ أن "إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ -‬لم يتعجب من مشاركة ابنه في هذا‬

‫الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.)704/1( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪.)185/1( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع السابق‪.)711/1( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫البقرة‪.125 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫الطبري‪ ،‬جامع البيان في تأويل القرآن القرآن‪.)26-25/2( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)708/1( ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.)185/1( ،‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪199‬‬
‫التكليف العظيم‪ ،‬ولم يعترض‪ ،‬وفي هذا داللة أن مال هذه األوامر تتوافق ابتداء مع منهج تربية‬

‫"إبراهيم" البنه ‪-‬عليهما السالم‪ ،-‬وداللة أيضاً على حسن خضوعهما ألوامر هللا عز وجل‪.‬‬

‫ويعرض القرآن الكريم حكاية بناء الكعبة المشرفة‪ ،‬وكأنها مشاهدة حاضرة في األذهان‪ ،‬يقول‬
‫سبحانه‪ :‬ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱋ‬
‫ﱊﱌﱍﱎﱏ‬

‫ﱝﱟﱠ‬
‫ﱞ‬ ‫ﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜ‬

‫ﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭ‬

‫ﱯ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱠ‪ ،1‬حيث جاء الفعل "يرفع" بالمضارع‬


‫ﱰ‬ ‫ﱮ‬

‫"فاستعماله هنا استعارة تبعية‪ ،‬إذ شبه الماضي بالحال لشهرته‪ ،‬ولتكرر الحديث عنه بينهم‪ ،‬فإنهم‬
‫لحبهم "إبراهيم" وإجاللهم إياه‪ ،‬ال يزالون يذكرون مناقبه‪ ،‬والتي أعظمها بناء الكعبة‪ ،‬و"القواعد" جمع‬
‫قاعدة‪ ،‬وهي أساس البناء الموالي لألرض الذي به ثبات البناء‪ ،‬وأما رفعها فهو إبرازها من األرض‪،‬‬
‫واالعتالء بها لتصير جدا اًر‪ ،‬ويجوز جعل القواعد بمعنى جدران البيع‪ ،‬كما سموها باألركان‪ ،‬ورفعها‬

‫إطالتها‪ ،‬ويجوز أن يفاد من اختيار مادة الرفع دون مادة اإلطالة ونحوها معنى التشريف‪ ،‬وفي إثبات‬
‫ذلك للقواعد كناية عن ثبوته للبيع‪ ،‬وفي إسناد الرفع بهذا المعنى إلى "إبراهيم" مجاز عقلي ألن‬
‫"إبراهيم" سبب الرفع المذكور‪ ،‬أي بدعائه المقارن له‪ ،‬وعطف "إسماعيل" على "إبراهيم" تنويه به‪ ،‬إذ‬
‫كان معاونه ومناوله‪.2‬‬

‫أي تربية نشأ فيها "إسماعيل" ‪-‬عليه السالم‪ -‬والتي جعلته قاد اًر على تكليف بناء أعظم بيع‬
‫على وجه األرض‪ ،‬دون أي تأفف‪ ،‬أو تعجب‪ ،‬أو استنكار؟‪ ،‬وأي شرف ناله منذ صغره ‪-‬عليه‬
‫السالم‪ -‬إذ ساعد أبيه خليل الرحمن في بناء أشرف وأعظم بيع؟ لينتهي المطاف لمتدبر هذه اآليات‬
‫الكريمة إلى إدراك حقيقة وعي الطفولة‪ ،‬وقدرتها على حسن المشاركة في ميادين عظيمة الشأن‪.‬‬

‫"ولإلشارة إلى التفاوت بين عمل "إبراهيم"‪ ،‬وعمل "إسماعيل" أوقع العطف على الفاعل بعد‬

‫ذكر المفعول‪ ،‬والمتعلقات‪ ...‬وجملة "ربنا تقبل منا إنك أنع السميع العليم" مقول قول محذوف‪ ،‬يقدر‬

‫البقرة‪.129–127 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.)719/1( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪200‬‬
‫حاالً من "يرفع إبراهيم" وهذا القول من كالم "إبراهيم" ألنه الذي يناسبه الدعاء لذريته‪ ،‬ألن إسماعيل‬

‫كان حينئذ صغي اًر"‪ ،1‬مستمسكين بالدعاء في هذا العمل العظيم‪ ،‬متضرعين إلى الذي يسمع ضمائرهم‬
‫ونيتهم‪ ،‬طالبين لهم ولذريتهم اإلخالص والخضوع هلل‪ ،‬وإنما قال "ﱕ ﱖ" للتبعيض أو للتبيين‪،2‬‬

‫وطلب أن يجعلهما مسلمين هو طلب الزيادة في ما هما عليه من اإلسالم‪ ،‬وطلب الدوام عليه‪ ،‬ألن‬
‫هللا جعلهما مسلمين من قبل‪ ،3‬وقد خص ذريته بالدعاء‪ ،‬ألنهم أحق بالشفقة والنصيحة‪ ،‬وألن أوالد‬
‫األنبياء إذا صلحوا‪ ،‬صلح بهم غيرهم‪ ،‬وشايعوهم على الخير‪ ،4‬وفي هذا داللة عظيمة على حسن‬

‫حرص "إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ -‬على صالح أمته‪.‬‬

‫لقد كانع هذه الحادثة حادثة ال تُنسى من ذاكرة طفولة "إسماعيل" ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬وإذ كانع‬
‫كفيلة أن تجعل الطفولة عاشقة للصالة‪ ،‬مستمسكة بالدعاء‪ ،‬مهتمة بصالح األمة‪ ،‬ليضفي ذلك‬

‫للطفولة شرفاً عظيماً‪.‬‬

‫وقد أسكن "إبراهيم"‪-‬عليه السالم‪ -‬ذريته عند البيع الحرام ليقيموا الصالة‪ ،‬على الرغم من‬
‫قلة الزرع فيه‪ ،‬يقول سبحانه‪ :‬ﱡﭐﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ‬

‫ﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊ‬
‫ِِ‬
‫ﲋ ﲌ ﲍﱠ ‪ ،‬ومن جمال خفايا روعة التربية تربية اإليمانية الراقية أنه "علق لُيق ُ‬
‫يموا ب‬ ‫‪5‬‬

‫نع‪ ،‬أي علة اإلسكان بذلك الوادي عند ذلك البيع‪ ،‬أن ال يشغلهم عن إقامة الصالة في ذلك‬
‫َس َك ُ‬
‫أْ‬
‫البيع شاغل‪ ،‬فيكون البيع معمو اًر أبداً"‪ ،6‬فهل هلل أن يأذن بضر لهم بعد ذلك؟ بل كان من ذريته‬
‫سيد الخلق وإمام األنبياء "محمد" ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ ،-‬مع خير أمة أخرجع للناس كافة‪.‬‬

‫ومن اسم السورة يدرك القارئ أنها ستظهر خفايا روعة التربية اإليمانية‪ ،‬ذلك أنها سميع‬
‫باسم أبي األنبياء الحليم الرحيم بأبيه وابنه‪ ،‬الحريص كل الحرص على ذريته‪ ،‬حتى بشره هللا بالذرية‬

‫الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.)719/1( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬المرجع السابق‪.)188-186/1( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)720/1( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.)188/1( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫إبراهيم‪.37 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)242/13( ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪201‬‬
‫يموا" بضمير الجمع‪ ،‬إذ كأن فيه داللة على أن هللا أعلمه بأن هذا‬ ‫ِِ‬
‫الصالحة‪ ،‬ومن ذلك لما قال "لُيق ُ‬
‫الطفل ‪-‬إسماعيل عليه السالم‪ -‬سيعقب هنالك‪ ،‬ويكون له نسل‪ ،‬وقد كان ذلك ‪ ،1‬والظاهر ‪-‬وهللا‬
‫أعلم‪ -‬أن ذاك األمر كان بوحي من هللا عز وجل‪.2‬‬

‫وقد امتال "إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ -‬لألمر بكل أدب‪ ،‬وإيمان‪ ،‬وثقة برحمة هللا عز وجل‪،‬‬
‫ورأفته وحكمته‪ ،‬فقال "ﱵ ﱶ ﱷ"‪ ،‬ولم يقل وضعتهم أو ألجأتهم‪ ،‬ألن في السكينة معنى‬

‫الوقار والسكون‪ ،‬واطمئنان القلوب إليه‪ ،3‬ذلك أن "إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ -‬من حسن ظنه باهلل عز‬
‫وجل‪ ،‬علم يقيناً أن امتااله ألمر هللا سيحقق مصالح عظيمة ألهله‪ ،‬فكيف ال يكون لهم سكينة‪،‬‬

‫وطمأنينة‪ ،‬وقد أسكنهم في البيع الحرام ليقيموا الصالة؟‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الدعاء للذرية‬

‫ال تقر أعين اآلباء باألبناء إال بصالحهم‪ ،‬فالوالد المؤمن الحكيم يجتهد في الدعاء لذريته‪،‬‬

‫ألنه يؤمن أن الهداية كلها بيد هللا عز وجل‪ ،‬ويؤمن أن من أعظم أسباب صالح الذرية هو الدعاء‪،‬‬
‫فمن المالحظ أن القرآن الكريم يحوي الكاير من اآليات التي سطرت دعاء األنبياء ألبنائهم‪ ،‬ومنه‬
‫دعاء "إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ -‬لذريته في أكار من موضع في القرآن الكريم‪.‬‬

‫ومن هذه األدعية‪ :‬ﭐﱡﭐﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ‬

‫ﱫﱭﱮ‬
‫ﱦﱨﱩﱪ ﱬ‬
‫ﱧ‬ ‫ﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥ‬

‫ﱯ ﱰ ﱱ ﱲﱠ‪ ،4‬أي رب اجعل البلد الحرام ذا أمن‪ ،‬وجاءت "البلد" ُمعرفة ليخرجه من‬

‫صفة كان عليها من الخوف إلى ضدها من األمن‪ ،‬كأنه قال‪ :‬هو بلد مخوف‪ ،‬فاجعله آمنا ‪ ،5‬وطلب‬
‫من هللا بعده وذريته عن عبادة األصنام‪ ،6‬فليس أن ال يعبدوها فقط بل يبتعدوا عن األصنام‪ ،‬وعن‬

‫ينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.)558/2( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬األندلسي‪ ،‬البحر المحيط‪.)446/6( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.)214-213/13( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫إبراهيم‪.36–35 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫ينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.)557/2( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.)278/1( ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪202‬‬
‫كل ما يؤدي إلى عبادتها‪ ،‬ألن القرب قد يغري البعض بارتكابها‪ ،‬فيكون قوله "واجنبني" أشد بالغة‬

‫ومناسبة من غيرها‪ ،‬ليتحقق معنى أن "ثبتنا وأدمنا على اجتناب عبادتها"‪ ،1‬فالذرية بحاجة ماسة إلى‬
‫الدعاء لها بالابات والدوام على الطاعة‪ ،‬لكارة تهافع الفتن المتقلبة في كل زمان‪.‬‬

‫ثم يبتهل "إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ -‬في الدعاء‪ ،‬عندما قال أن األصنام أضللن كاي اًر من‬

‫الناس‪" ،‬وإنما جعلن مضالت‪ ،‬ألن الناس ضلوا بسببهن‪ ،‬فكأنهن أضللنهم‪ ،‬فمن تبعني على ملتي‬
‫وكان حنيفاً مسلماً مالي‪ ،‬فإنه مني‪ ،‬أي هو بعضي لفرط اختصاصه بي ومالبسته لي‪ ...‬ومن‬
‫عصاني‪ ،‬فإنك غفور رحيم‪ ،‬تغفر له ما سلف منه من عصياني‪ ،‬إذا بدا له فيه‪ ،‬واستحدث الطاعة‬

‫لي"‪ ،2‬إذ من صفاء حرصه على صالح ذريته‪ ،‬يدعو أيضاً للعصاة‪.‬‬

‫ومن أدعيته أيضاً‪ :‬ﱡﭐﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ‬

‫ﱝ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣﱠ‪" ،3‬والمراد بمسلمين لك المنقادان إلى هللا تعالى‪ ،‬وسأال ذلك‬


‫ﱞ‬ ‫ﱜ‬

‫لبعض الذرية‪ ،‬جمعاً بين الحرص على حصول الفضيلة للذرية‪ ،‬وبين األدب في الدعاء‪ ،‬ألن نبوءة‬
‫"إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ -‬تقتضي علمه بأنه ستكون ذريته أمماً كايرة‪ ،‬وأن حكمة هللا في هذا العالم‬

‫جرت على أنه ال يخلو من اشتماله على األخيار واألشرار‪ ،‬فدعا هللا بالممكن عادة‪ ،‬وهذا من أدب‬
‫الدعاء‪ ،4‬فليس من الصحيح أن يكون الدعاء فوق سنة هللا عز وجل‪ ،‬ألن ذلك مخل باألدب مع هللا‬
‫عز وجل‪.‬‬

‫ومن المالحظ أنه دعا هللا جل جالله باإلسالم أوالً‪ ،‬ثم برؤية المناسك‪ ،‬ثم بالتوبة‪ ،‬وهذا‬
‫أحسن وأبلغ ترتيب‪ ،‬ذلك أنه ال بد من تحقق إرادة االنقياد‪ ،‬حتى إذا رأو المناسك انقادوا إليها أول‬
‫رؤيتها‪ ،‬وألنه ال بد من تقصير العبد في العبادة‪ ،‬دعا هللا عز وجل بالتوبة‪ ،‬وخص التوبة ألن الذنوب‬

‫تحول بين العبد وحسن العبادة‪ ،‬وبذلك تتحقق جوانب العبادة كلها على أحسن وجه‪.‬‬

‫الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.)558/2( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع السابق‪.)558/2( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫البقرة‪.128 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)721/1( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪203‬‬
‫ﲔﲖﲗﲘﲙﲚ‬
‫ﲕ‬ ‫ومن دعائه أيضاً‪ :‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ‬

‫ﲫ‬ ‫ﲪ‬ ‫ﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩ‬

‫ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰﱠ‪ ،1‬كعادة إبراهيم ‪-‬عليه السالم ‪ -‬يتضرع إلى هللا عز وجل في دعائه‬

‫ويتوسل إليه أدباً‪ ،‬وحباً‪ ،‬وحامداً له‪ ،‬ذاك اًر نعمه عليه‪ ،‬تمهيداً إلجابة دعوته‪ ،‬كما أجاب دعوته سلفاً‪،‬‬
‫فهذا مناسبة موقع هذه الجملة بعد ما قبلها بقرينة قوله‪" :‬إن ربي لسميع الدعاء"‪ ،‬وقيل في معنى "ﲑ‬

‫ﲒ ﲓ ﲔ" أي‪ :‬ما نخفى من الوجد لما وقع بيننا من الفرقة‪ ،‬وما نعلن من البكاء والدعاء‪،‬‬

‫وقيل‪ :‬ما نخفى من كآبة االفتراق‪ ،‬وما نعلن‪.2‬‬

‫وأما قوله "على الكبر" فهي لالستعالء المجازي‪ ،‬بمعنى وهب ذلك تعلياً على الحالة التي‬
‫شأنها أن ال تسمح بذلك‪ ،‬وأما جملة "ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ"‪" ،‬تعليل لجملة وهب‪ ،‬بمعنى وهب ذلك‬

‫ألنه سميع الدعاء‪ ،‬والسميع مستعمل في إجابة اجعلني في المستقبل مقيم الصالة‪ ،‬واإلقامة هي‬
‫اإلدامة‪.3‬‬

‫ومنه دعاء‪ :‬ﭐﱡﭐﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇﱠ‪ ،4‬إذ دعا ربه أن يهبه‬

‫من الصالحين‪ ،‬وانطوت البشارة على ثالث‪ :‬أن الولد غالم ذكر‪ ،‬وأنه يبلغ أوان الحلم‪ ،‬وأنه يكون‬

‫حليماً‪ ،‬وأي حلم أعظم من حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح‪ ،‬فقال‪ :‬ستجدني إن شاء هللا من‬
‫الصابرين‪ ،‬ثم استسلم لذلك إيماناً ويقيناً‪ ،5‬لقد كانع االستجابة أكبر من دعاء خليل الرحمن‪ ،‬وكأن‬
‫المراد من المربي أن يدعو هللا وهو واثق باإلجابة‪ ،‬وهللا كفيل بتحقيق أكبر مما دعا‪.‬‬

‫وهكذا يتبين أن من صفات دعاء "إبراهيم"‪-‬عليه السالم‪ :-‬اللحاح في الدعاء بتكرار نداء‬
‫"رب"‪ ،‬والتذلل إلى هللا عز وجل تضرعاً إليه‪ ،‬مع مراعاة األدب فيه‪ ،‬وتعظيم هللا عز وجل‪ ،‬وحمده‪،‬‬
‫إضافة إلى الدعاء بأسماء هللا الحسنى‪ ،‬في ظل اليقين‪ ،‬واإليمان بها‪.‬‬

‫إبراهيم‪.39–38 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.)560/2( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)244-243/13( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫الصافات‪.101–100 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫ينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.)49/4( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪204‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬القدوة‬

‫يقول سبحانه‪ :‬ﱡﭐﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ‬

‫ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀﱠ‪ ،1‬قدمع اآليات‬

‫وقاية النفس من النار على وقاية أهلها‪ ،‬وفي ذلك إشارة إلى السعي نحو إصالح الذات أوالً‪ ،‬ألنه‬
‫من الصعب االستجابة لمبادئ األمر ما لم يكن المربي صالحاً‪ ،2‬فمن عادة األبناء تقليد اآلباء‪،‬‬
‫فبصالح ووعي المربي إتقان يتحقق تبليغ الرسالة‪ ،‬وقد ظهر ذلك جلياً في دعاء "إب ارهيم" ‪-‬عليه‬
‫السالم‪ ،-‬وذلك في قوله‪ :‬ﭐﱡﭐﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ‬

‫ﲶﲸﲹ‬
‫ﲷ‬ ‫ﱞ ﱟﱠﱠ‪ ،3‬ودعائة‪ :‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ‬

‫ﲺ ﲻﱠ‪ ،4‬فمن المالحظ أن "إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ -‬قدم الدعاء لنفسه على الدعاء لذريته‪،‬‬

‫إيماناً بضرورة تحقق الصالح في المربي أوالً‪ ،‬ليتحقق في الذرية تباعاً‪ ،‬فيكون خير قدوة لذريته‪،‬‬

‫ﭐ‬ ‫يسيرون على نهجه‪ ،‬وامتاال أوامره‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬توفير البيئة المناسبة‬

‫يقول سبحانه‪ :‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ‬

‫ﳠ‬ ‫ﳟ‬ ‫ﳔﳖﳗﳘﳙﳚﳛﳜﳝﳞ‬


‫ﳕ‬ ‫ﳎﳏﳐﳑﳒﳓ‬

‫ﳡ ﳢﳣﱠ‪ ،5‬ويقول أيضاً‪ :‬ﭐﱡﭐﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ‬

‫ﱝ ﱞ ﱟ ﱠﱠ‪ ،6‬يبين القرآن الكريم دعاء "إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ -‬للبلد الذي ترك فيه‬

‫أهله‪ ،‬حيث ابتدأ بطلب األمن‪ ،‬ذلك أن األمان يضفي للنفس االستقرار واالطمئنان‪ ،‬مما ييسر لها‬
‫أداء العبادة ومستلزماتها‪ ،‬ومهامها المرجوة منها‪ ،‬وعلى العكس من ذلك‪ ،‬فإنه بانعدام األمان تنعدم‬

‫التحريم‪.6 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬ينظر‪ :‬علوان‪ ،‬عبد هللا صالح‪ ،‬تربية األوًلد في اإلسالم‪ ،‬دار السالم ‪-‬بيروت‪( ،‬ط‪.)8-7/3( ،)1978/1‬‬
‫إبراهيم‪.35 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫إبراهيم‪40 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫البقرة‪.126 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫إبراهيم‪.35 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪205‬‬
‫القدرة على العبادة‪ ،‬فتتوجب حينها الهجرة‪ ،‬و ِمنه هجر "إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ -‬أبيه عندما هدده‬

‫بالرجم إن استمر في دعوته إلى هللا عز وجل‪ ،‬وكذلك هجر المسلمين مكة‪ ،‬النعدام األمان الذي‬
‫أدى إلى انعدام القدرة على العبادة‪ ،‬هذا يقود إلى أن من أكبر األخطاء التي يرتكبها المربي خطئ‬
‫قلة االهتمام باختيار البيئة المناسبة‪.‬‬

‫ومن ذلك أيضا قوله سبحانه‪ :‬ﱡﭐﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ‬

‫ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ‬

‫ﲊ ﲋ ﲌ ﲍﱠ‪ ،1‬فاض قلب "إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ -‬حناناً ورقة في هذه‬

‫اللحظات‪ ،‬بينما كان يدعو هللا عز وجل‪ ،‬مبتهالً لجاللته‪ ،‬واصفاً حال صعوبة العيش في هذا المكان‪،‬‬

‫طالباً من المولى أن تأتي الناس إليهم مسرعة بقلوب محبة مشتاقة إلى زيارتهم‪ ،‬فيستأنسوا بهم‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫ويرزقوا الامرات عن طريق تلك القلوب التي ترف إليهم من كل فج‪ ،‬لماذا؟ ليأكلوا‬
‫وتُقضى حوائجهم ‪ُ ،‬‬
‫ويستمتعوا؟ نعم! ولكن لينشأ عن ذلك ما يرجوه إبراهيم الشكور‪" :‬ﲋ ﲌ"‪ ،3‬إذ ال تعني‬

‫التربية اإلسالمية االقتصار على العبادة‪ ،‬واالستغناء عن حوائج الدنيا من طعام وغيره‪ ،‬وال تعني أبداً‬
‫االعتزال عن الناس‪ ،‬ألن من طبع البشرية االستئناس بالناس‪ ،‬حتى أنه استخدم لفظ "أفئدة" أي وكأن‬
‫القلب كاد أن يحترق من شدة الهوى‪ ،‬فأفئدة أصلها "فأد" و" فأد الخبزة أي شواها‪ ...‬والتفؤد‪ :‬التوقد‪،‬‬
‫والفؤاد‪ :‬القلب لتفؤده وتوقده"‪ ،4‬ذلك أن ِدفئ األلفة بين الناس يضفي عوناً عظيماً لهم على الطاعة‪،‬‬
‫بعيداً عن لوعة الغربة‪ ،‬ووحشة الوحدة‪ ،‬وضجر طول العزلة‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬اللطف والحب‬

‫حينما تجلع في اإلسالم معاني الرحمة والرأفة‪ ،‬كان من الحري بذلك الدين العظيم أن يدعو‬

‫إلى حب األبناء حباً يرقى بهم إلى الجنان‪ ،‬وفي ظل هذا الحب يختبر هللا اآلباء بأبنائهم‪ ،‬ل َيميز هللا‬
‫المحب في هللا‪ ،‬من غيره‪ ،‬واتضح ذلك جلياً في قصة رؤيا "إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬يقول سبحانه‪:‬‬
‫ُ‬

‫إبراهيم‪.37 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)242-241/13( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬قطب‪ ،‬سيد‪ ،‬في ظالل القرآن‪.)2110 /4( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.)328/3( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪206‬‬
‫ﳖﳘﳙﳚ‬
‫ﳗ‬ ‫ﱡﭐﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ‬
‫ﳜﳞﳟﳠﳡﳢﳣﳤﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇ‬
‫ﳝ‬ ‫ﳛ‬

‫ﱌﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘ‬
‫ﱍ‬ ‫ﱈﱉﱊﱋ‬

‫ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ‬

‫ﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵ‬

‫ﱸ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀﱠ‪ ،1‬فلما بلغ السعي مع أبيه في‬


‫ﱹ‬ ‫ﱶﱷ‬

‫أشغاله وحوائجه‪ ،‬أي بلغ الحد الذي يقدر فيه على السعي‪ ،‬وقع االبتالء‪ ،‬والمقصود من هذا االبتالء‬
‫إظهار عزمه‪ ،‬وإثبات علو مرتبته في طاعة ربه‪ ،‬فإن الولد عزيز على نفس الوالد‪ ،‬والولد الذي هو‬

‫أمل الوالد في مستقبله أشد عزة على نفسه ال محالة‪ ،‬فبعد أن أقر هللا عينه بإجابة سؤاله‪ ،‬وترعرع‬
‫ولده بين يديه الحانيتين‪ ،‬أمره بذبحه فينعدم نسله‪ ،‬ويزول أنسه‪ ،‬ويتولى بيده إعدام أحب النفوس إليه‪،‬‬
‫وذلك أعظم االبتالء‪ ،‬فقابل أمر ربه باالمتاال‪ ،‬وحصلع حكمة هللا من ابتالئه‪ ،2‬فأي مرتبة نالها‬
‫"إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ -‬حتى يختبره هذا االختبار العظيم‪ ،‬مع أحب الناس إليه‪ ،‬وأقربهم إلى قلبه؟‪،‬‬
‫"والمعنى في اختصاص األب أنه أرفق الناس به‪ ،‬وأعطفهم عليه‪ ،‬وغيره ربما عنف به فال يحتمله‪،‬‬
‫ألنه لم تستحكم قوته ولم يصلب عوده‪ ،‬وكان إذ ذاك ابن ثالث عشرة سنة‪ ،‬والمراد‪ :‬أنه على‬

‫غضاضة سنه‪ ،‬وتقلبه في حد الطفولة‪ ،‬كان فيه من رصانة الحلم‪ ،‬وفسحة الصدر ما جسره على‬
‫احتمال تلك البلية العظيمة‪ ،‬واإلجابة بذلك الجواب الحكيم‪ :‬أتى في المنام فقيل له‪ :‬اذبح ابنك‪ ،‬ورؤيا‬
‫األنبياء وحي كالوحي في اليقظة‪ ،‬فلهذا قال إني أرى في المنام أني أذبحك‪ ،‬ثم ذكر تأويل الرؤيا"‪.3‬‬

‫لم يكن بوسع الغالم "إسماعيل" ‪-‬عليه السالم‪ -‬أن يمتال لمال هذا األمر الصعب لوال ُحسن‬
‫تربية "إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬بفضل هللا عز وجل عليهم‪ ،‬إذ كانع تربية "إبراهيم" متميزة بالتربية‬
‫على حب هللا والعقيدة السليمة‪ ،‬حتى كانع كفيلة بقدرة "إسماعيل" ‪-‬عليهما السالم‪ -‬على إياار حب‬

‫هللا عز وجل‪ ،‬على حب الحياة والبنوة‪ ،‬وعندما "كان خطاب األب يا بني‪ ،‬على سبيل الترحم‪ ،‬قال‪:‬‬

‫الصافات‪.113–102 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)150/23( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.)53/4( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪207‬‬
‫‪1‬‬
‫هو يا أبع‪ ،‬على سبيل التعظيم والتوقير" ‪ ،‬بالرغم من صعوبة االبتالء‪ ،‬إال أن االمتاال كان مفعماً‬
‫باألدب مع هللا عز وجل‪ ،‬واللطف بين "إبراهيم" وابنه ‪-‬عليهما السالم‪ ،-‬أي سكينة وعقيدة كانع‬
‫تعمر أرجاء ذلك البيع؟!‪.‬‬

‫ﳜ "‪ ،‬فشبح الذبح لم يفقده رشده‪ ،‬بل لم يفقده حتى‬


‫ﳝ‬ ‫بكل مودة وقربى‪" :‬ﳙ ﳚ ﳛ‬

‫أدبه ومودته‪ ،‬فيتلقى األمر بكل رضى‪ ،‬ويقين‪ ،‬إنه سر األدب مع هللا‪ ،‬ومعرفة حدود قدرته‪ ،‬وطاقته‬
‫في االحتمال‪ ،‬واالستعانة بربه على ضعفه‪ ،‬ونسبة الفضل إليه في إعانته على التضحية‪ ،‬ومساعدته‬
‫على الطاعة‪" ،‬ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ" فلم يأخذها بطولة‪ ،‬وال شجاعة‪ ،‬وال حتى‬

‫اندفاعاً إلى الخطر دون مباالة‪ ،‬فبصفاء إيمانه لم يظهر لشخصه ظالً‪ ،‬وال حجماً‪ ،‬وال وزناً‪ ،‬إنما‬
‫أرجع الفضل كله هلل‪ ،‬يا لألدب مع هللا! ويا لروعة اإليمان! ونبل الطاعة! وعظمة التسليم! ويخطو‬
‫المشهد خطوة أخرى وراء الحوار والكالم‪ ،‬يخطو إلى التنفيذ‪" :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ"‪ ،‬وإن‬

‫الغالم يستسلم فال يتحرك امتناعاً‪ ،2‬إذ أخلص نفسه هلل‪ ،‬وجعلها سالمة له‪ ،‬ثم وضعه على شقه‪،‬‬
‫فوقع أحد جبينيه على األرض تواضعاً على مباشرة األمر بصبر وجلد‪ ،‬ليرضيا الرحمن‪ ،‬وجواب‬
‫"لما" محذوف تقديره‪ :‬فلما أسلما وتله للجبين‪ ،‬وناديناه أن يا إبراهيم‪ ،‬قد صدقع الرؤيا‪ ،‬كان ما كان‬
‫مما تنطق به الحال‪ ،‬وال يحيط به الوصف من استبشارهما واغتباطهما‪ ،‬وحمدهما هلل‪ ،‬وشكرهما على‬

‫ما أنعم به عليهما‪ ،‬من دفع البالء العظيم بعد حلوله‪ ،‬وما اكتسبا في تضاعيفه بتوطين األنفس عليه‬
‫من الاواب‪ ،‬واألعواض‪ ،‬ورضوان هللا الذي ليس وراءه مطلوب‪.3‬‬

‫ولكن ما معنى الفداء في هذه القصة؟ وما الحكمة من االستبدال بالكبش؟‪ ،‬واإلجابة أن هللا‬

‫قد علم بمنعه أن حقيقة الذبح لم تحصل من فرى األوداج‪ ،‬وانهيار الدم‪ ،‬فوهب هللا له الكبش ليقيم‬

‫ذبحه مقام تلك الحقيقة‪ ،‬حتى ال تحصل تلك الحقيقة في نفس إسماعيل‪ ،‬ولكن في نفس الكبش بدالً‬
‫منه‪ ،4‬فاهلل ال يريد أن يعذب باالبتالء‪ ،‬وال أن يؤذي النفس بالبالء‪ ،‬إنما يريد أن تأتيه طائعة ملبية‬

‫األندلسي‪ ،‬البحر المحيط‪.)117/9( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬قطب‪ ،‬سيد‪ ،‬في ظالل القرأن‪.)2995/5( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.)55/4( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.)58/4( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪208‬‬
‫وافية مؤدية‪ ،‬مستسلمة ال تقدم بين يديه‪ ،‬وال تتألى عليه‪ ،‬فإذا عرف منها الصدق‪ ،‬أعفاها من‬

‫التضحيات‪ ،‬ويتم نعمه على العبد على نحو أعظم مما كان‪ ،‬فيهب له "إسحاق" ‪-‬عليهما السالم‪-‬‬
‫في شيخوخته‪ ،‬ويباركه‪ ،‬ويبارك "إسحاق" ويجعله نبياً من الصالحين‪ ،1‬مع أنه لم يفقد ابنه "إسماعيل"‬
‫عليه السالم‪ ،‬إال أن كرم هللا بعد النجاح في االبتالء‪ ،‬أكبر بكاير من التضحيات التي ُبذلع في‬

‫االبتالء‪.‬‬

‫لقد كان "إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ -‬مربياً ربانياً مخلصاً هلل‪ ،‬حتى جزاه هللا النبوة في ذريته‪،‬‬
‫فكان قدوة في اتباع شرع هللا عز وجل‪ ،‬وقدوة في الحق واالستقامة‪ ،‬حتى صارت ملته بوصلة‬
‫الصواب والحكمة‪ ،‬فال يرغب عنها إال خفيف العقل وسفيه الفكر‪ :‬ﭧﭐﭨ ﭐﱡﭐﱶ ﱷ ﱸ ﱹ‬

‫ﲃﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋ‬
‫ﲄ‬ ‫ﱾﲀﲁﲂ‬
‫ﱿ‬ ‫ﱺﱻﱼﱽ‬

‫ﲏﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝ‬
‫ﲐ‬ ‫ﲌﲍﲎ‬

‫ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦﱠ‪ ،"2‬فمن رغب عن ملة إبراهيم‪ ،‬إنما هو‬

‫عين اإلنكار واالستبعاد ألن يكون في العقالء‪ ،‬إذ أن أصل السفه هو الخفة ‪ ،3‬وذلك "لسفاهة في‬
‫الفعل‪ ،‬وهو ارتكاب أفعال ال يرضى بها أهل المروءة" ‪ ،4‬ألن "إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ -‬كان المروءة‬
‫عينها‪ ،‬واالستقامة ذاتها‪ ،‬لشدة التزامه بمنهج هللا المستقيم‪.‬‬

‫والخبر باصطفائه واختياره‪ ،‬هو بيان لخطئ أري من رغب عن ملته‪ ،‬ألن من جمع الكرامة‬
‫عند هللا في الدارين‪ ،‬بأن كان صفوته وخيرته في الدنيا‪ ،‬وكان مشهوداً له باالستقامة على الخير في‬

‫اآلخرة‪ ،‬وسي اًر على نهجه الراسخ يوصي أبناءه بالابات على صفوة األديان وهو دين اإلسالم‪ ،‬متخذاً‬
‫أسلوب مخاطبة العقل والعاطفة‪ ،‬بإخبارهم أن هللا هو الذي وفقهم لألخذ بهذا الدين‪ ،5‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﱑ‬
‫ﱔﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣ‬
‫ﱕ‬ ‫ﱒﱓ‬

‫ينظر‪ :‬قطب‪ ،‬سيد‪ ،‬في ظالل القرأن‪)2996-2997 /5( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫البقرة‪.132–130 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.)189/1( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتوير‪.)725/1( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫ينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.)192-191/1( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪209‬‬
‫ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱠ‪ ،1‬حيث ذكر "إسماعيل" ‪-‬عليه السالم‪ -‬بصدق الوعد‪ ،‬وإن كان ذلك موجوداً‬
‫في غيره من األنبياء‪ ،‬فقد ذكره تشريفاً له‪ ،‬وإكراماً‪ ،‬وألنه المشهور المتواصف من خصاله‪ ،‬وقد كان‬
‫يبدأ بأهله في األمر بالصالح‪ ،‬والعبادة‪ ،‬كعادة أبيه‪ ،‬وسي اًر على النهج الذي تربى عليه‪ ،‬ليجعلهم‬
‫قدوة لمن وراءهم‪.2‬‬

‫وهكذا يظهر األثر الطيب للتربية الربانية‪ ،‬التي تجسدت بكل معانيها الذهبية في تربية‬
‫"إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ -‬عندما امتال ألمر هللا عز وجل‪ ،‬في تربية ابنه النبي ‪-‬عليهما السالم‪ -‬إذ‬
‫تمالع تربيته بتنشئة ابنه على طاعة هللا‪ ،‬والدعاء له‪ ،‬والقدوة الطيبة‪ ،‬وتوفير البيئة المناسبة‪ ،‬كل‬

‫ذلك تحع ظل اللطف والحب‪ ،‬فأكرمه هللا بالذرية الصالحة‪ ،‬وإجابة الدعاء‪ ،‬واتخاذه خليالً له‪ ،‬حتى‬
‫كان أمة بأكملها‪.‬‬

‫مريم‪.55–54 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪.)23/3( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪210‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫منهج لقمان في التعامل مع ابنه‬

‫وردت وصايا لقمان البنه في سورة لقمان‪ :‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ‬

‫ﱍﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙ‬
‫ﱎ‬ ‫ﱇﱉﱊﱋﱌ‬
‫ﱈ‬
‫ﱟﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩ‬
‫ﱠ‬ ‫ﱚﱛﱜﱝﱞ‬

‫ﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺ‬
‫ﲉﲋﲌ‬
‫ﲊ‬ ‫ﲄﲆﲇﲈ‬
‫ﲅ‬ ‫ﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃ‬

‫ﲏﲑﲒﲓﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞ‬
‫ﲍﲎ ﲐ‬
‫ﲬﲮﲯﲰﲱﲲ‬
‫ﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫ ﲭ‬
‫ﲾﳀﳁﳂﳃﳄ‬
‫ﲿ‬ ‫ﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽ‬
‫ﳎﳐﳑﳒﳓﳔﳕﳖﳗﳘﳙ‬
‫ﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍ ﳏ‬

‫ﳝ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤﱠ‪.1‬‬
‫ﳞ‬ ‫ﳚﳛﳜ‬

‫بدأت اآلية في سرد الحكاية بخبر إيتاء الحكمة للقمان‪ ،‬وفي هذا داللة على أن نجاح العملية‬

‫التربوية مرهون بنجاح المربي‪ ،‬فال بد للمربي أن يبدأ بنفسه كي تتكامل المسيرة التربوية‪ ،‬وفي اآليات‬
‫داللة على أهمية تحلي المربي بالحكمة‪ ،‬إذ ال يكون التعزيز والترهيب إال في الموقف السليم‪ ،‬وعلى‬
‫نحو يتناسب مع ذلك الموقف‪ ،‬بحيث ال يؤدي الصفح إلى تهاون األوالد‪ ،‬وال يؤدي العقاب إلى تفاقم‬
‫األخطاء‪.‬‬

‫وعن مجاهد‪ ،‬أن الحكمة هي‪" :‬الفقه والعقل واإلصابة في القول من غير نبوة"‪" ،2‬وفي هذا‬
‫ترغيب للناس بأن يسيروا في درب الحكمة‪ ،‬وأن يتخيروا أقوالهم‪ ،‬فال ينطقوا إال خي اًر‪ ...‬وأن يتحروا‬

‫الصواب في علمهم منه‪ ،‬وعملهم‪ ،‬وبحاهم‪ ،‬وعالقاتهم مع اآلخرين"‪ ،3‬ومن يشكر هللا على نعمه فإنما‬

‫لقمان‪.19-12 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫الطبري‪ ،‬تفسير الطبري (جامع البيان)‪.)134 /20( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬دويكات‪ ،‬سعيد إبراهيم‪ ،‬بحث بعنوان‪ :‬الترغيب والترهيب دروس تربوية مختارة‪ ،‬الجامعة اإلسالمية العالمية –ماليزيا (‪،)2016‬‬
‫ص‪.2:‬‬
‫‪211‬‬
‫يشكر لنفسه‪ ،‬ألن هللا يجزل له على شكره إياه الاواب‪ ،‬وينقذه به من الهلكة‪ ،‬وأما من كفر نعمة هللا‬

‫وح ِم ٌيد بمعنى محمود أي هو مستحق ذلك بذاته‬ ‫‪1‬‬


‫فإلى نفسه أساء؛ ألن هللا معاقبه على كفرانه إياه ‪َ " ،‬‬
‫وصفاته"‪.2‬‬

‫وجاء الشكر بصيغة المستقبل‪ ،‬والكفر بالماضي‪ ،‬وفي ذلك إشارة أن الشكر ينبغي أن يتكرر‬

‫في كل وقع لتكرر النعمة‪ ،‬والكفر ينبغي أن ينقطع‪ ،‬وقدم الشكر على الكفر‪ ،‬ألن هنا الذكر للترغيب‪،‬‬
‫وألن وعظ األب لالبن األصل فيه االبتداء باللطف والعطاء‪.3‬‬

‫وبعد الدراسة االستقرائية لآليات التي تبيين وصايا "لقمان" الحكيم البنه‪ ،‬تبين أن منهجه‬

‫تمال في النصح والتذكير بلطف‪ ،‬واالهتمام األولي بسالمة العقيدة‪ ،‬واستخدام أسلوب التوكيد‪،‬‬
‫ومخاطبة العقل‪ ،‬التوجيه باألهم‪ ،‬واالبتداء بصالح الذات‪.‬‬

‫اتبع "لقمان" الحكيم عين الحكمة والصواب في توجيه ابنه‪ ،‬ويمكن توضيح هذه التوجيهات‬
‫في المطالب اآلتية‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬النصح والتذكير بلطف‬

‫يعظ لقمان ابنه بترك الشرك باهلل‪" :‬ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ‬


‫ﱟ"‪ ،‬والوعظ‪ :‬هو "التذكير بالخير فيما يرق له القلب"‪ ،4‬فهو "التذكير بمعلومة ُعلِمع من قبل‬

‫أن تُْنسى"‪ ،5‬ويالحظ أن كلمة (الوعظ) في السياق جاءت بصيغة المضارع؛ للداللة على تجدد‬
‫مخافة ْ‬
‫الوعظ وتكرره‪ ،‬وافتتاح الموعظة بنداء المخاطب الموعوظ مع أن توجيه الخطاب مغن عن ندائه‪،‬‬
‫لطلب حضور الذهن لوعي الكالم‪ ،‬واالهتمام به‪ ،6‬وتستخدم أداة النداء (يا) لنداء البعيد لطلب حضور‬

‫ينظر‪ :‬الطبري‪ ،‬تفسير الطبري (جامع البيان)‪.)136 /20( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫بن عطية‪ ،‬أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام األندلسي المحاربي (ت‪542 :‬ه)‪ ،‬المحرر الوجيز في‬ ‫‪2‬‬

‫تفسير الكتاب العزيز المحقق‪ :‬عبد السالم عبد الشافي محمد‪ ،‬دار الكتب العلمية –بيروت‪( ،‬ط‪1422 /1‬ه)‪.)348 /4( ،‬‬
‫ينظر‪ :‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪.)119 /25( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫األصفهاني‪ ،‬مفردات غريب القرآن‪ ،‬ص‪.876 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫الشعراوي‪ ،‬تفسير الشعراوي‪.)11636 /19( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫ينظر‪ :‬عبد اللطيف‪ ،‬مريم محمد جمعة‪ ،‬رسالة ماجستير بعنوان‪ :‬القواعد األخالقية للمجتمع المسلم في سورتي لقمان‬ ‫‪6‬‬

‫والحجرات دراسة موضوعية مقارنة‪ ،‬جامعة الخليل ‪-‬فلسطين‪2017 ،‬م‪ ،‬ص‪.60 :‬‬
‫‪212‬‬
‫ذهنه لوعي الكالم‪ ،‬لكنها تدل على القريب‪ ،‬فاستخدام أداة (يا) إشارة إلى أن المنادى على رغم من‬

‫بعده في المكان‪ ،‬إال أن قرب القلب حاضر في الذهن‪ ،‬وفي هذا تعظيم البنه‪ ،‬وتعبير عنه بصدق‬
‫العاطفة‪.1‬‬

‫واستخدم (بني) مصغر للتحبب‪ ،‬كناية عن الشفقة به‪ ،‬وهو دعوة إلى ضرورة إشعار اآلباء‬

‫إصغاء االبن ألبيه‪ ،‬واالستماع إليه بكل‬


‫َ‬ ‫ألبنائهم بالقرب‪ ،‬والحب‪ ،‬والحنو عليهم‪ ،‬مما ينتج عنه‬
‫جوارحه‪ ،2‬فاألجدر بالمربي استخدام الطريقة العاطفية لإلرشاد إلى الطريقة المالى‪ ،‬ذلك أن العاطفة‬
‫أكار إنتاجاً من القهر‪ ،‬والغلبة للهدى‪ ،‬واالهتداء إلى الكمال‪ ،‬وفي هذا حث وخير إعانة على االمتاال‬

‫للموعظة‪ ،3‬فقوله‪ " :‬يا بني" ليس هو على حقيقة التصغير‪ ،‬وإن كان على لفظه‪ ،‬وإنما هو على وجه‬
‫اللطف والترقيق‪.4‬‬

‫كل هذا اللطف والقرب في الكالم جاء في نهي "لقمان" ابنه عن أعظم الذنوب‪ ،‬وهي الشرك‬
‫باهلل‪ ،‬وفي هذا داللة أن نهي األبناء ‪-‬خاصة األطفال‪ -‬عن أخطاء أقل من ذلك أولى بها اللطف‬
‫والقرب‪ ،‬فجسامة الشيء المنهي عنه ال تقتضي الزجر بعنف‪ ،‬بحجة إدراك مدى جسامته ماالً‪ ،‬إنما‬
‫اللطف والقرب أكبر تأثي اًر‪ ،‬وأولى باالبتداء به‪ ،‬لِ َما ُجِبلع عليه النفس من الميول إلى الرفق‪ ،‬وتأثرها‬

‫به‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬اًلهتمام بسالمة العقيدة‬

‫عقيدة التوحيد أم العقائد‪ ،‬توحد نوازع الفرد‪ ،‬وتفكيره‪ ،‬وأهدافه‪ ،‬وتجعل عواطفه‪ ،‬وسلوكه‪ ،‬قوية‬
‫متضافرة ترمي كلها إلى تحقيق هدف واحد‪ ،‬أال وهو الخضوع هلل وحده‪ ،‬ونيل رضاه‪ ،‬لذلك بدأ "لقمان"‬

‫ينظر‪ :‬رضايي‪ ،‬الحسيني‪ ،‬دراسة لغوية وأسلوبية لسورة لقمان‪ ،‬ص‪ ،560 :‬وينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪/21( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.)154‬‬
‫دويكات‪ ،‬بحث بعنوان‪ :‬الترغيب والترهيب دروس تربوية مختارة‪ ،‬ص‪.4 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،)155 /21( ،‬وينظر‪ :‬رضاي‪ ،‬علي رضا محمد‪ ،‬الحسيني‪ ،‬سكينة‪ ،‬دراسة لغوية‬ ‫‪3‬‬

‫وأسلوبية لسورة لقمان‪ ،‬مجلة اللغة العربية وآدابها علمية محكمة‪ ،‬العدد‪2016 ،3 :‬م‪ ،‬ص‪.560 :‬‬
‫القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪.)63/14( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪213‬‬
‫الحكيم بها‪ ،‬وبأرقى أنواع الخطاب الذي يحمل في طياته معاني الخير فيما يرق له القلب‪ ،‬ويذكر‬

‫بالعواقب‪ ،‬بغية االستجابة وسرعة االمتاال‪.1‬‬

‫و"ليس شيء من الذنوب أعظم من الشرك باهلل"‪ ،2‬فبدأ "لقمان" في الوعظ باألهم‪ ،3‬ألن‬
‫"إصالح االعتقاد أصل إلصالح العمل"‪ ،4‬وفي هذا رسالة هامة إلى المربين‪ ،‬وهو ضرورة النظر‬

‫أوالً إلى األسباب الفكرية التي تعود إليها ارتكاب األخطاء‪ ،‬ألنها بماابة الجذور‪ ،‬فبمعالجتها‪ ،‬يتم‬
‫تباعاً معالجة األخطاء‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬استخدام أسلوب التوكيد ومخاطبة العقل‬

‫خاطب "لقمان" ابنه خطاباً عقلياً فكرياً‪ ،‬وفي سياق التأكيد‪ ،‬وذلك وفق منهجين‪:‬‬

‫أ‪ -‬مخاطبة العقل بالتعليل‪.‬‬

‫عللع اآليات الشرك بكونه ظلماً عظيماً‪" :‬ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ"‪" ،‬يعني أن هللا هو المحيي‬

‫المميع الرازق المنعم وحده ال شريك له‪ ،‬فإذا أشرك به أحد غيره فذلك أعظم الظلم؛ ألنه جعل النعمة‬
‫لغير ربها‪ ،‬وأصل الظلم في اللغة وضع الشيء في غير موضعه"‪ ،5‬وفي التعليل تهويل ألمره‪ ،‬فإنه‬

‫ظلم لحقوق الخالق‪ ،‬وظلم المرء لنفسه‪ ،‬إذ يضعها في حضيض العبودية ألخس الجمادات‪ ،‬وظلم‬
‫ألهل اإليمان إذ يبعث على اضطهادهم وأذاهم‪ ،‬وظلم لحقائق األشياء بقلبها وإفساد تعلقها‪ ،6‬وفي‬
‫ذكر السبب إقامة البينة من األمر‪ ،‬وانتفاء العذر‪ ،‬وتحمل للمسؤولية‪ ،‬وفي هذا إيجاد أجيال تعمل‬
‫وتعلم‪ ،‬وتبدع في عملها وعلمها‪ ،‬ال أجياالً تحفظ وتنفذ‪ ،‬دون فكر وعلم‪ ،7‬وفي ذلك إرشاد المربي‬

‫ينظر‪ :‬عبد اللطيف‪ ،‬مريم محمد جمعة‪ :‬القواعد األخالقية للمجتمع المسلم في سورتي لقمان والحجرات دراسة موضوعية‬ ‫‪1‬‬

‫مقارنة‪( ،‬رسالة ماجستير) جامعة الخليل ‪-‬فلسطين‪2017 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،59 :‬وينظر‪ :‬الشعراوي‪ ،‬تفسير الشعراوي‪.)11636 /19( ،‬‬
‫الواحدي‪ ،‬التفسير الوسيط‪.)443/3( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪.)119 /25( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)154 /21( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫الزجاج‪ ،‬إبراهيم بن السري بن سهل‪ ،‬أبو إسحاق (ت‪311 :‬ه)‪ ،‬معاني القرآن وإعرابه‪ ،‬المحقق‪ :‬عبد الجليل عبده شلبي‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫عالم الكتب –بيروت‪( ،‬ط‪1408 /1‬ه‪1988-‬م)‪.)196 /4( ،‬‬


‫ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)155 /21( ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫ينظر‪ :‬دويكات‪ ،‬بحث بعنوان‪ :‬الترغيب والترهيب دروس تربوية مختارة‪ ،‬ص‪.4 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪214‬‬
‫إلى ضرورة مخاطبة العقل بالتعليل‪ ،‬بالرجوع أوالً إلى األسباب التي تعود إلى ارتكاب األخطاء‪،‬‬

‫ومعالجتها بتعليل األسباب التي جعلع ذلك السلوك خاطئاً‪ ،‬لترقى طاعة االبن إلى القناعة والرضا‪.‬‬

‫وجاء ذلك التعليل في سياق التأكيد‪ ،‬إذ يظهر تنوع الداللة والمعنى‪ ،‬فمن أعظم درجات‬
‫التأكيد هو ما اجتمع في المفردات من طرق التأكيد‪ ،‬مال استخدام إن‪ ،‬والالم‪ ،‬وجملة اسمية في هذه‬
‫اآليات‪ ،‬وهذا يدل على األهمية‪ ،‬وضرورة االلتفات إليها‪ ،1‬مع اإلشارة أن جملة "ﱡ ﱢ ﱣ‬
‫ﱤ" قيل من كالم لقمان‪ ،‬وقيل خبر من هللا تعالى‪ ،2‬وأياً كان فإنه يتحقق للمربي غرض ضرورة‬

‫مخاطبة العقل في المسيرة التربوية‪ ،‬ومجيء التعليل في سياق التأكيد هو من أفضل طرق مخاطبة‬
‫العقل‪ ،‬ألن في ذلك حمل التعليل على الصدق والاقة بمصداقيته وصوابه‪ ،‬فليس كل من يذكر‬
‫األسباب صادقاً في ذكرها‪ ،‬وليس كل األسباب التي تُذكر تكون سليمة‪ ،‬فمجيء التعليل في سياق‬
‫التأكيد ينفي كل ذلك‪ ،‬وفي هذا خير إعانة لألبناء على االمتاال لألوامر والنواهي‪ ،‬وتكرر ذلك‬
‫األسلوب في نهاية كل وصية‪ ،‬وتجلى ذلك في اآليات التالية‪" ،‬ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ"‪" ،‬ﳀ ﳁ‬

‫ﳂ ﳃ ﳄ"‪" ،‬ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ"‪" ،‬ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ"‪ ،‬وبيان‬

‫ذلك سيأتي الحقاً‪.‬‬

‫والالفع جمال إدراج وصايا الرحمن في وسط وصايا "لقمان"‪ ،‬فتتخللها بتداخل عذب دون‬

‫شعور القارئ بانقطاع‪ ،‬وفي هذا بهاء إضفاء شرف مكانة وصايا اآلباء عند هللا‪ ،‬وأهميتها ودورها‬
‫الكبير في تغيير السلوك‪ ،‬إذ يوصي الرحمن من قلب وصايا "لقمان"‪ :‬ﱡﭐﱦ ﱧ ﱨ‬
‫ﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸ‬
‫ﲊ‬ ‫ﲉ‬ ‫ﲄﲆﲇﲈ‬
‫ﲅ‬ ‫ﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃ‬

‫ﲏ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘﭐﱠ‪ ،‬ففي ظل‬


‫ﲋﲌﲍﲎ ﲐ‬

‫نصيحة األب البنه يعرض ببهاء العالقة بين الوالدين واألوالد في أسلوب رقيق‪ ،‬في ظل التأكيد على‬

‫ينظر‪ :‬رضايي‪ ،‬الحسيني‪ ،‬دراسة لغوية وأسلوبية لسورة لقمان‪ ،‬ص‪.559 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬األلوسي‪ ،‬شهاب الدين محمود بن عبد هللا الحسيني (ت‪1270 :‬ه)‪ ،‬روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع‬ ‫‪2‬‬

‫المثاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي عبد الباري عطية‪ ،‬دار الكتب العلمية –بيروت‪( ،‬ط‪1415 /1‬ه)‪ .)84/8( ،‬وينظر‪ :‬القرطبي‪ ،‬الجامع‬
‫ألحكام القرآن‪.)472/16( ،‬‬
‫‪215‬‬
‫أن رابطة العقيدة مقدمة على هذه الرابطة الوثيقة‪ ،1‬وجاء بيان اإلحسان للوالدين مع ذكر التعليل‪،‬‬

‫لتأكيد تلك الوصية‪ ،‬ذلك أن تعليل الحكم يفيده تأكيداً‪ ،‬وألن في مضمون هذه الجملة ما ياير الباعث‬

‫في نفس الولد على أن يبر بأمه‪ ،‬إذ حملته أمه ضعفاً على ضعف‪ ،‬فكلما ازداد الحمل يزيدها ضعفاً‬
‫على ضعف‪ ،‬وذكر مشقة الوالدة بإرضاع الولد بعد الوضع عامين‪ ،‬وذكر أيضاً الفصال في معرض‬

‫تعليل حقية األم بالبر‪ ،‬ألنه يستلزم اإلرضاع من قبل الفصال‪ ،‬ولإلشارة إلى ما تتحمله األم من كدر‬
‫الشفقة على الرضيع حين فصاله‪ ،‬وما تشاهده من حزنه وألمه في مبدأ فطامه‪ ،‬فالمعنى في وصينا‬
‫اإلنسان أن اشكره هلل إذ هداه لإلسالم‪ ،‬وللوالدين بما قدماه لألبناء‪ ،2‬والشكر هو "اعتراف القلب بمنة‬

‫هللا تعالى‪ ،‬وتلقيها افتقا اًر إليها‪ ،‬وصرفها في طاعة هللا تعالى‪ ،‬وصونها عن صرفها في المعصية"‪.3‬‬

‫وقوله‪" :‬ﱵ ﱶ"‪ ،‬يعني أن نعمتهما مختصة بالدنيا‪ ،‬ونعمة هللا مختصة في الدنيا‬

‫واآلخرة‪ ،‬فعندما أمره بالشكر لنفسه وللوالدين ذكر أن الجزاء عليه‪ ،4‬وفي هذا السياق تذكير باآلخرة‬
‫وتوجيه البوصلة إلى رضا هللا عز وجل في كل حال‪ ،‬إذ أن رابطة العقيدة فوق كل رابطة‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫"ﱸ ﱹ‪ ،"...‬يعني‪ :‬وإن قاتالك بشدة السعي واإللحاح على معصية هللا‪ ،‬وبمحاولة الجذب إلى‬

‫المجا ارة في الشرك باهلل‪ ،‬فال طاعة لهما‪ ،‬إذ أن حرمة الوالدين وإن كانع عظيمة‪ ،‬ال يجوز للولد أن‬
‫يطيعهما في معصية‪ ،5‬وقوله‪" :‬ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ " غاية في الجمال إلى رقي اإلشارة "أنه ال يمكن‬

‫أن يدل علم من أنواع العلوم على شيء من الشرك بنوع من أنواع الدالالت‪ ،‬بل العلوم كلها دالة على‬
‫الوحدانية على الوجه الذي تطابقع عليه العقول‪ ،‬وتظافرت عليه من األنبياء والرسل النقول"‪.6‬‬

‫إال أن ترك طاعتهما ال يعني االنصراف عن خدمتهما‪ ،‬ومراعاة حق األبوة وتعظيمه‪ ،‬وما‬

‫لهما من المواجب التي ال يسوغ اإلخالل بها‪ ،‬وبالمعروف أي على النحو الذي يستحسن من األفعال‪،‬‬

‫ينظر‪ :‬قطب‪ ،‬سيد‪ ،‬في ظالل القرآن‪.)2788/21( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬الزجاج‪ ،‬معاني القرآن وإعرابه‪ ،)196 /4( ،‬وينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،)159-158- /21( ،‬وينظر‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫السمرقندي‪ ،‬بحر العلوم‪ ،)24/3( ،‬وينظر‪ :‬الواحدي‪ ،‬التفسير الوسيط‪.)443/3( ،‬‬


‫السعدي‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص‪.676 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪.)120 /25( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫ينظر‪ :‬السمرقندي‪ ،‬بحر العلوم‪ ،)24/3( ،‬وينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،)160 /21( ،‬وينظر‪ :‬الشعراوي‪ ،‬تفسير‬ ‫‪5‬‬

‫الشعراوي‪.)11647 /19( ،‬‬


‫عبد اللطيف‪ ،‬القواعد األخالقية للمجتمع المسلم في سورتي لقمان والحجرات دراسة موضوعية مقارنة‪ ،‬ص‪.71 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪216‬‬
‫ذلك أن خدمتهما واجبة في كل حال‪ ،1‬فمجاهدتهما للشرك ال تلغي حق تعبهما على األبناء‪ ،‬إنما‬

‫تلغي حق الطاعة في تلك المعصية‪ ،‬ثم بعد أن أمر بترك طاعة الوالدسن في تلك الحالة‪ ،‬وجه‬
‫البوصلة إلى االتجاه السليم‪ ،‬وهو اتباع من أناب ورجع إلى هللا‪ ،2‬واقتدى بسيرة المنيبين إليه‪ ،3‬وفي‬
‫تكرار (إلي) ثالث مرات‪" ،‬فيه تهديد ووعيد لكي يجد الناس الطريق الحقيقي‪ ،‬وال ينحرفوا عن الطريق‬

‫المستقيم‪.4‬‬

‫وفي ذكر وصايا الرحمن لألبناء في بر الوالدين‪ ،‬في ظل وصايا "لقمان" البنه‪ ،‬داللة على‬
‫أهمية تكامل العملية التربوية بين األبناء ببرهم‪ ،‬واآلباء بحسن تربيتهم‪ ،‬فكأن بر الوالدين وفق المنهج‬

‫الرباني هو النتيجة المرموقة لحسن التربية‪ ،‬وأن نجاح العملية التربوية‪ ،‬مرهونة بصالح األبناء الذي‬
‫طريقه وصايا الرحمن ووصايا اآلباء‪ ،‬ومرهونة أيضاً بصالح اآلباء الذي طريقه وصايا الرحمن‪،‬‬
‫وفي هذا داللة أن منهج هللا بماابة بؤرة المسيرة التربوية‪.‬‬

‫ب‪ -‬مخاطبة العقل بالتفكر‪ ،‬والمنطق‪.‬‬

‫وهو المنهج الااني الذي اتبعه "لقمان" في مخاطبة العقل‪ ،‬وذلك في اآلية‪ :‬ﭐﱡﭐ ﲙ ﲚ ﲛ‬
‫ﲬﲮﲯ‬
‫ﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫ ﲭ‬

‫ﲰ ﲱ ﲲﱠ‪ ،‬يالحظ تكرار النداء واللطف‪ ،‬وهو إلرادة التوكيد‪ ،‬واإلفهام‪ ،5‬ثم عرض المجال‬

‫الكوني في صورة مؤثرة يرتعش لها الوجدان‪ ،‬وهو علم هللا الشامل الهائل الدقيق اللطيف‪ ،‬وفق توجيه‬
‫الخيال لتصور طبيعة الجزاء في اآلخرة‪ ،‬الذي يتابع العمل ولو كان بمقدار حبة خردل في جوف‬
‫صخرة‪ ،‬أو في السماء‪ ،‬أو في األرض‪ ،‬من أجل أن يخشع القلب فينيب إلى اللطيف الخبير الذي‬
‫القرن الكريم وهي اإليمان‬
‫يعلم بخفايا الغيوب‪ ،‬ومن أجل أن تستقر في القلب الحقيقة التي يريدها آ‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،)120 /25( ،‬وينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،)494 /3( ،‬وينظر‪:‬‬
‫الزجاج‪ ،‬معاني القرآن وإعرابه‪.)197 /4( ،‬‬
‫ينظر‪ :‬القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،)66/14( ،‬وينظر‪ :‬أبو حيان‪ ،‬البحر المحيط في التفسير‪.)414 /8( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،)161 /21( ،‬وينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪.)494 /3( ،‬‬
‫ينظر‪ :‬رضايي‪ ،‬الحسيني‪ ،‬دراسة لغوية وأسلوبية لسورة لقمان‪ ،‬ص‪.558 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫ينظر‪ :‬رضاي‪ ،‬دراسة لغوية وأسلوبية لسورة لقمان‪ ،‬ص‪.557 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪217‬‬
‫باهلل تعالى‪ ،‬واليقين باآلخرة‪ ،‬والاقة بعدالة الجزاء الذي ال يفلع منه ماقال حبة من خردل‪ ،1‬فإنها وإن‬

‫كانع مع صغرها في أخفى موضع‪ ،‬وأحرزه كجوف الصخرة‪ ،‬أو حيث كانع في العالم العلوي‪ ،‬أو‬
‫السفلي‪ ،‬يأت بها هللا يوم القيامة‪ ،‬فيحاسب بها عاملها‪ ،‬فاهلل لطيف يتوصل علمه إلى كل خفي‪،‬‬
‫خبير عالم بكنهه‪ ،2‬ففي تعقيب يأت بها هللا بوصفه باللطيف إيماء إلى أن التمكن منها وامتالكها‬

‫بكيفية دقيقة تناسب فلق الصخرة‪ ،‬واستخراج الخردلة منها مع سالمتهما وسالمة ما اتصل بهما من‬
‫اختالل نظام صنعه‪ ،‬دون أن يحطم الصخرة‪ ،‬إنما بلطف وخفاء تمتد قدرته إليها فيستخلصها‪،‬‬
‫والشريك ال يستطيع أن يمنع هذه الحبة الصغيرة من أن يأتي بها هللا‪ ،‬فلماذا الشرك؟ وفي هذا استيفاء‬

‫ألصول االعتقاد الصحيح‪.3‬‬

‫وهذا القول من لقمان إنما قصد به إعالم ابنه بقدرة هللا تعالى‪ ،‬وهذه الغاية التي أمكنه أن‬
‫الحس لها ثقالً‪ ،‬فلو كان لإلنسان رزق ماقال حبة خردل في هذه‬
‫ُّ‬ ‫يفهمه‪ ،‬ألن الخردلة ال يدرك‬
‫المواضع‪ ،‬جاء هللا بها حتى يسوقها إلى من هي رزقه‪ ،‬فال داعي لالهتمام بالرزق اهتماماً يشغل عن‬
‫أداء الفرائض‪ ،4‬وبهذا المعنى يتحصل في الموعظة ترجية‪ ،‬وتخويف مضاف إلى ذلك بيان قدرة هللا‬
‫تعالى‪.5‬‬

‫وقد يتساءل سائل‪ :‬لماذا الصخرة؟‪ ،‬والجواب أن الصخرة ال بد أن تكون في السموات‪،‬‬


‫واألرض‪ ،‬إضافة إلى أن استخالص الشيء من باطن الصخرة أمر عسير‪ ،6‬فاألعمال ال تضيع‬
‫حتى لو كانع في صخرة في أعماق السموات ‪-‬على اتساعها‪ ،-‬أو أعماق األرض ‪-‬على ضخامتها‪-‬‬
‫سوف يجزي هللا بها خي اًر‪ ،‬وهذا يبعث الهمة في نفس اإلنسان على العمل‪ ،‬ويجعله أكار إخالصاً‪،‬‬

‫ينظر‪ :‬القيسي‪ ،‬ماجد ايوب محمود‪ ،‬أسس وأساليب التربية الوجدانية في سورة لقمان وتطبيقاتها في األسرة والمدرسة‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫جامعة ديالى‪ ،‬مجلة الفتح‪ ،‬العدد‪ ،54 :‬ص‪.232 :‬‬


‫ينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،)496 /3( ،‬وينظر‪ :‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪.)121-120 /25( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،)164 /21( ،‬وينظر‪ :‬السامرائي‪ ،‬فاضل صالح مهدي‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪.www. startimes. com‬‬


‫ينظر‪ :‬القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪.)66/14( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن عطية‪ ،‬المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز‪.)350 /4( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫ينظر‪ :‬السامرائي‪ ،‬فاضل صالح مهدي‪www. startimes. com ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪218‬‬
‫وتفانياً وإتقاناً في عمله‪ ،‬حتى لو لم يكافئه الناس عليه‪ ،‬وفي هذا ترغيب خفي باإلخالص في القول‬

‫والعمل‪ ،‬واالرتقاء في مقاصد األعمال‪ ،‬ليرتقي باإلخالص‪.1‬‬

‫يتبين مما سبق أن لقمان الحكيم يوضح قدرة هللا البنه خالل توجيهاته التربوية‪ ،‬وفي هذا‬
‫رسالة إلى كل مربي أن التربية ليسع فقط باألوامر والنواهي‪ ،‬وإنما بضرب األماال‪ ،‬وبيان الحجج‪،‬‬

‫والتعليل‪ ،‬حتى تتحقق القناعة والفهم‪ ،‬وكل ذلك جاء في سياق اللطف‪" :‬يا بني" لتوجيه اآلباء‬
‫والمرشدين عموماً االبتداء باإلحسان واللطف في القول‪ ،‬دون أن يكونوا أشداء‪ ،2‬وهكذا تتكامل‬
‫التوجيهات التربوية بمخاطبتها للعقل والعاطفة في آن واحد‪.‬‬

‫وتطبيق ذلك يكون بتوجيه األبناء إلى التفكير في ملكوت هللا تعالى‪ ،‬كي يستشعر قدرة هللا‬
‫وعظمته‪ ،‬ليؤدي ذلك إلى التأثر اإليجابي في الوجدان‪ ،‬ثم االنتقال إلى ُحسن طاعة هللا عز وجل‪،3‬‬
‫ثم يعلل عبادة التفكير باالستعانة باسمين من أسماء هللا الحسنى‪ ،‬التي تدل على صدق ما يراه الحس‬
‫من اإلبداع واإلتقان‪ ،‬وهما اسم هللا اللطيف‪ ،‬واسمه الخبير‪ ،‬وجاء ذلك في سياق التأكيد‪ ،‬بذكر َّ‬
‫"إن"‪،‬‬
‫لبيان ثقته ومصداقيته بأحقية الخبر‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬التوجيه باألهم‪ ،‬واًلبتداء بصالح الذات‬

‫ﲾﳀ‬
‫ﲿ‬ ‫ﭧﭐﭨﭐﱡﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ‬

‫ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅﱠ‪ ،‬فبعد أن نهاه عن الشرك‪ ،‬وسعى إلى تخليصه وتخليته من الشوائب التي‬

‫تعيق إقامة األوامر‪ ،‬أمره بأهم العبادات وعمادها‪ ،‬و"بما يلزمه من التوحيد"‪ 4‬أال وهي الصالة‪ ،‬إذ‬
‫"الصالة لم تزل عظيمة الشأن‪ ،‬سابقة القدم على ما سواها‪ ،‬موصى بها في األديان كلها"‪ ،5‬حيث‬
‫"انتقل من تعليمه أصول العقيدة‪ ،‬إلى تعليمه أصول األعمال الصالحة فابتدأها بإقامة الصالة"‪.6‬‬

‫ينظر‪ :‬دويكات‪ ،‬بحث بعنوان‪ :‬الترغيب والترهيب دروس تربوية مختارة‪ ،‬ص‪.9 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬السامرائي‪ ،‬فاضل صالح مهدي‪www. startimes. com ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬القيسي‪ ،‬أسس وأساليب التربية الوجدانية في سورة لقمان وتطبيقاتها في األسرة والمدرسة‪ ،‬ص‪.231 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)164 /21( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫الزمخشري‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪.)497 /3( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)164 /21( ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪219‬‬
‫ثم أمره بالمعروف‪ ،‬ونهاه عن المنكر‪ ،‬واألمر بأن يأمر بالمعروف‪ ،‬وينهى عن المنكر‬

‫يقتضي إتيان األمر‪ ،‬وانتهائه في نفسه‪ ،‬ألن الذي يأمر بفعل الخير‪ ،‬وينهى عن فعل الشر يعلم ما‬
‫في األعمال من خير وشر‪ ،‬ومصالح ومفاسد‪ ،‬فيتضامن الناس على إنكار الرذيلة‪ ،‬حتى تنعدم بينهم‪،‬‬
‫ويعيش الفرد في جو من األلفة‪ ،‬والمحبة‪ ،‬والعدل‪ ،‬ونقاء السريرة‪ ،‬وصحة اإليمان‪ ،‬لما لهذا األمر‬

‫من األهمية في إصالح الناس‪ ،‬وإرشادهم لما فيه من الصالح‪ ،‬والسعادة في الدارين‪ ،‬فأمره أوالً بما‬
‫يتعلق بإصالح نفسه وهو الصالة‪ ،‬ثم بإصالح الغير وهو األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬أي‬
‫إذا كملع أنع في نفسك بعبادة هللا فكمل غيرك‪ ،‬فهذا أمر جامع من الحكمة والتقوى‪ ،‬فمن إعزاز‬

‫إن كتمه انتف أصابه الشقاء بشرهم‪،‬‬


‫العلم أنه ال ينتفع به المرؤ االنتفاع الكامل إال إذا ُعد َي للغير‪ ،‬ف ْ‬
‫فال ينتفع المرء بخير غيره إال حين تؤدى هذه الفريضة‪ ،‬فيأمر بالمعروف‪ ،‬وينهى عن المنكر‪ ،‬ويحب‬
‫لهم ما يحب لنفسه‪ ،‬وبذلك ينال الحظين‪ ،‬حظه عند هللا ألنه أصلح نفسه ثم أدى الذي عليه تجاه‬
‫إصالح غيره‪ ،‬وحظه عند الناس ألنه في مجتمع متكامل اإليمان ينفعه وال يضره‪.1‬‬

‫ثم أعقب ذلك بأمره بالصبر على ما يصيبه‪ ،‬ووجه تعقيب األمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر بمالزمة الصبر‪ ،‬أن األمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يجران للقائم بهما معاداة من‬
‫بعض الناس‪ ،‬أو أذى من بعض‪ ،‬فإذا لم يصبر على ما يصيبه من جراء األمر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر‪ ،‬أوشك أن يتركهما‪ ،‬وعندما كانع فائدة الصبر عائدة على الصابر باألجر العظيم‪ ،‬عد‬
‫الصبر هنا في عداد األعمال القاصرة على صاحبها‪ ،‬ولم يلتفع إلى ما في تحمل أذى الناس من‬
‫حسن المعاملة معهم‪ ،2‬ألنه قد أصاب ذلك في ذات هللا عز وجل‪ ،3‬واستخدام االستعالء "على"‪ ،‬ألن‬
‫األمر يحتاج الصبر العظيم‪ ،‬وعبر بالفعل الماضي"يصيبك"‪ ،‬ال بالمضارع‪ ،‬لتحقيق وقوع المصيبة‪،‬‬
‫وأنه ما من عبد إال وستصيبه مصيبة‪.4‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،)165 /21( ،‬وينظر‪ :‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،)121 /25( ،‬وينظر‪ :‬أبو حسن‪ ،‬عبد‬ ‫‪1‬‬

‫العزيز عبد المحسن محمد‪ :‬القواعد اًلخالقية للمجتمع المسلم في سورتي لقمان والحجرات من خالل وصايا لقمان‪( ،‬رسالة‬
‫ماجستير) جامعة أم القرى ‪-‬المملكة العربية السعودية‪2001 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،110/69 :‬وينظر‪ :‬الشعراوي‪ ،‬تفسير الشعراوي‪/19( ،‬‬
‫‪.)11657‬‬
‫ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)165 /21( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬السمرقندي‪ ،‬بحر العلوم‪.)26/3( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫عبد اللطيف‪ ،‬القواعد األخالقية للمجتمع المسلم في سورتي لقمان والحجرات دراسة موضوعية مقارنة‪ ،‬ص‪.99 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪220‬‬
‫عندما أمره بأن يكون كامالً في نفسه‪ ،‬مكمالً لغيره‪ ،‬كان يخشى بعدهما من أمرين أحدهما‪:‬‬

‫التكبر على الغير بسبب كونه مكمالً له‪ ،‬والااني‪ :‬التبختر في النفس بسبب كونه كامالً في نفسه‪،‬‬
‫تبختر‪ ،1‬إذ انتقل "لقمان" بابنه إلى‬
‫اً‬ ‫فقال‪ :‬وال تصعر خدك للناس تكب اًر‪ ،‬وال تمش في األرض مرحاً‬
‫اآلداب في معاملة الناس‪ ،‬فنهاه عن احتقارهم‪ ،‬والتفخر عليهم‪ ،‬وهذا يقتضي أمره بإظهار مساواته‬
‫مع الناس‪ ،‬وعد نفسه كواحد منهم‪ :2‬ﭐﱡﭐﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳏ‬
‫ﳎﳐﳑﳒﳓ‬

‫ﳔ ﳕ ﳖ ﳗﭐﱠ‪ ،‬وأصل كلمة (تصعر) مأخوذ من كلمة (الصيعرية)‪ ،‬وهو مرض يصيب‬

‫اإلبل في أعناقها فتصبح غير قادرة على تحريكها بشكل طبيعي فتلجأ إلمالتها‪ !!3‬ويبدو أن اختيار‬
‫كلمة (تصعر) وهي خاصة بمرض االبل في أعناقها‪ ،‬تحمل إشارة خفية إلى أن التكبر في أصله‬
‫ص ِع ْر) على‬
‫تكب اًر‪ ،‬وجاءت (تُ َ‬
‫‪4‬‬
‫سلوك حيواني ال يليق باالنسان أن يقلده ‪ ،‬ومعناه ال تعرض عن الناس َ‬
‫وجه المبالغة‪ ،‬كأنه شديد معارضة الناس بوجهه‪ ،5‬ثم نهاه عن المشي مرحا‪ ،‬والمرح هو‪ :‬فرط النشاط‬
‫من فرح وازدهاء‪ ،‬ويظهر ذلك في المشي تبخت اًر‪ ،‬واختياالً‪ ،‬وكعادة "لقمان" يعلل سبب النهي في‬
‫سياق التأكيد ب (إن)‪ ،‬بخبر أن هللا ال يحب وال يرضى عن أحد من المختالين الفخورين‪ ،‬أي الذي‬
‫يتصفون بالكبر‪ ،‬وشدة الفخر‪ ،6‬فالمختال‪" :‬هو الذي وجد له مزية عند الناس‪ ،‬والفخور الذي يجد‬
‫أن يحكم الناس بمبدأ المساواة‪،‬‬
‫مزية في نفسه‪ ،‬وهللا تعالى ال يحب هذا وال ذاك؛ ألنه سبحانه يريد ْ‬
‫رب الجميع"‪ ،7‬والجميل في التعليل أنه اجتمع فيه التوكيد‪ ،‬ومخاطبة العقل‪،‬‬
‫ليعلم الناس أنه تعالى ُّ‬
‫ومخاطبة العاطفة‪ ،‬فأما مخاطبة العقل فهو التعليل ذاته‪ ،‬وأما مخاطبة العاطفة فبقوله (ال يحب)‪،‬‬
‫وكأنه أراد أن يعلم ابنه حب هللا‪ ،‬بأن يفعل الذي يحبه هللا‪ ،‬ويجتنب خالفه‪ ،‬ألن األبناء بحاجة إلى‬
‫الشعور برضى وحب هللا لهم‪ ،‬لتنسجم العاطفة مع طاعة هللا‪ ،‬وفي ذلك إعانة لهم على توجيه‬

‫ينظر‪ :‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪.)122 /25( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)166 /21( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫الفتَِّني‬
‫ينظر‪ :‬بن فارس‪ ،‬مقاييس اللغة (‪ ،)288/3‬وينظر‪ :‬الكجراتي‪ ،‬جمال الدين محمد طاهر بن علي الصديقي الهندي َ‬
‫‪3‬‬

‫(ت‪986 :‬ه)‪ ،‬مجمع بحار األنوار في غرائب التنزيل ولطائف األخبار‪ ،‬مطبعة مجلس دائرة المعارف العامانية‪( ،‬ط‪،3‬‬
‫‪1387‬ه‪1967-‬م)‪.)322 /3( ،‬‬
‫ينظر‪ :‬دويكات‪ ،‬بحث بعنوان‪ :‬الترغيب والترهيب دروس تربوية مختارة‪ ،‬ص‪.11 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫ينظر‪ :‬الزجاج‪ ،‬معاني القرآن وإعرابه‪.)198 /4( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،)167 /21( ،‬وينظر‪ :‬الزجاج‪ ،‬معاني القرآن وإعرابه‪.)198 /4( ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫الشعراوي‪ ،‬تفسير الشعراوي‪.)11675 /19( ،‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪221‬‬
‫العواطف وإخضاعها لميزان هللا‪ ،‬ليضفي ذلك متعة ورضى في االلتزام بالطاعة‪ ،‬فتتحقق عوامل‬

‫الابات واالمتاال‪.‬‬

‫"وفي اآلية لطيفة وهو أنه في النهي قدم ما يورثه التكميل على ما يورثه الكمال‪ ،‬حيث قال‪:‬‬
‫وال تصعر خدك‪ ،‬ثم قال‪ :‬وال تمش في األرض مرحاً‪ ،‬ألن في طرف اإلثبات من ال يكون كامالً‪ ،‬ال‬

‫يمكن أن يصير مكمالً فقدم الكمال‪ ،‬وفي طرف النفي من يكون متكب اًر على غيره‪ ،‬متبخت ارً‪ ،‬ألنه ال‬
‫يتكبر على الغير إال عند اعتقاده أنه أكبر منه من وجه‪ ،‬وأما من يكون متبخت اًر في نفسه ال يتكبر‪،‬‬
‫ويتوهم أنه يتواضع للناس‪ ،‬فقدم نفي التكبر‪ ،‬ثم نفي التبختر‪ ،‬ألنه لو قد نفى التبختر‪ ،‬للزم منه نفي‬

‫التكبر‪ ،‬فال يحتاج إلى النهي عنه"‪ ،1‬وهذا من جمال بالغة التقديم والتأخير‪.‬‬

‫وعندما نهاه عن الخلق الذميم‪ ،‬أمره بالخلق الكريم‪ ،‬وهو القصد في المشي‪ ،‬بحيث ال يبطىء‪،‬‬
‫كما يفعل المتعاجبون‪ ،‬يتباطؤون في نقل خطواتهم للرياء‪ ،‬والمتعاجب للترفع‪ ،‬وال يسرع‪ ،‬كما يفعل‬
‫ﳝﳟﳠﳡ‬
‫ﳞ‬ ‫الخرق المتهور‪ ،2‬ويتجلى ذلك في اآلية‪ :‬ﱡﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ‬

‫ﳢ ﳣ ﳤﱠ‪ ،‬أي ليكن المشي قصداً‪ ،‬ال تخيالً‪ ،‬وال إسراعاً‪ ،3‬إنما العدل في ذلك‪ ،‬وغض‬

‫الصوت نقصه‪ ،‬وقصره‪ ،4‬وجيء ب (من) للداللة على التبعيض‪ ،‬إلفادة أنه يغض بعضه‪ ،‬أي بعض‬
‫جهره‪ ،‬فينقص من جهورته‪ ،‬ولكنه ال يبلغ به إلى التخافع والسرار‪ ،5‬ثم بين التعليل زيادة في اإلقناع‬
‫بتشبيه ذلك بصوت الحمير‪" ،‬وإنما ذكر صوت الحمير‪ ،‬ألن صوت الحمار كان هو المعروف عند‬
‫العرب‪ ،‬وسائر الناس بالقبح"‪ ،6‬والمراد أن أقبح وأخشن أصوات الحيوانات هو صوت الحمير‪،7‬‬
‫ومعلوم قبح صوت الحمار‪ ،‬عدا عن أن الحمار مخلوق ال يحظى بالقبول لدى الناس‪ ،‬بل ُيضرب‬
‫به المال في البالدة‪ ،‬والغباء‪ ،‬وسوء الفهم‪ ،‬إضافة إلى صوته المزعج‪ ،‬ولعل من المفيد ذكر مزيد‬

‫الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪.)122 /25( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر‪ :‬أبو حيان‪ ،‬البحر المحيط في التفسير‪.)416 /8( ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬البغوي‪ ،‬معالم التنزيل في تفسير القرآن (تفسير البغوي)‪.)589 /3( ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪.)498-497/3( ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪.)168 /21( ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫ينظر‪ :‬السمرقندي‪ ،‬بحر العلوم‪.)26/3( ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ 7‬ينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل‪ ،)498 /3( ،‬وينظر‪ :‬ابن عطية‪ ،‬المحرر الوجيز في تفسير الكتاب‬
‫العزيز‪.)351 /4( ،‬‬
‫‪222‬‬
‫من التنفير في صوت الحمار‪ ،‬أن أوله شهيق وآخره زفير‪ ،‬وهو نفس فعل أهل النار‪ !1‬إذ يقول‬
‫سبحانه‪ :‬ﭐﱡﭐﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸﱠ‪ ،2‬وذلك غاية في جمال بالغة‬

‫اح‪ ،‬فاآلية تدعو إلى الحرص على عدم مضايقة‬


‫التشبيه‪ ،‬بتشنيع بشاعة ارتفاع الصوت من عدة نو ٍ‬
‫الناس‪ ،‬أو إزعاجهم بالصوت المرتفع الزائد عن حاجة السامع‪ ،‬ألن ضيق السامع سيشغله عن‬

‫اإلصغاء لحديث المتكلم‪ ،‬وبذلك تضيع الفائدة‪ ،‬ويبقى االزعاج‪ ،‬والضيق‪ ،‬وحتى يبلغ النهي مبلغاً‬
‫مؤث اًر في نفس االنسان‪ ،‬وكل ذلك جاء بأسلوب التوكيد ب (إن)‪ ،‬والم التوكيد‪.‬‬

‫ويختم القول بأن موعظة "لقمان" الحكيم‪ ،‬على قلة عدد آياتها‪ ،‬فقد جمعع أصول الشريعة‬
‫ُ‬
‫بحكمة بالغة‪ ،‬باإلبداع في التقديم والتأخير‪ ،‬فاالبتداء بالعقيدة‪ ،‬وإصالح الذات‪ ،‬ثم إصالح الغير‬
‫وبيان اآلداب تجاه الناس‪ ،‬وكل ذلك في سبيل اللطف‪ ،‬ومخاطبة العقل‪ ،‬والعاطفة‪ ،‬في ظل التعليل‬
‫طب على الابات واالمتاال‪.‬‬
‫بأسلوب التوكيد‪ ،‬والتشبيه البليغ‪ ،‬لتحقيق كل ما يعين المخا َ‬

‫ينظر‪ :‬دويكات‪ ،‬بحث بعنوان‪ :‬الترغيب والترهيب دروس تربوية مختارة‪ ،‬ص‪.13 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫هود‪.106 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪223‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬

‫تعد الدراسات التي تبين منهج اإلسالم في التعامل مع الطفل من أعمق الدراسات‪ ،‬وأكارها‬
‫قرباً ومالمسة للواقع‪ ،‬مما يجعل لها الفائدة الكبيرة في حكمة التعامل مع الطفولة‪ ،‬ومن ثم حسن‬
‫مسيرتها في حياتها المستقبلية‪ ،‬وقد قامع هذه الدراسة على بيان المنهج اإلسالمي وتميزه في التعامل‬

‫مع الطفل‪ ،‬عبر مقارنته بمنهج المدرسة السلوكية‪ ،‬وتحكيمها بعدسة القرآن الكريم‪ ،‬والسنة والنبوية‪،‬‬
‫وكان ال بد من الحديث عن معنى الطفولة والتربية لغة واصطالحاً‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى المصادر والمراجع المختلفة ظهرت النتائج اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬وردت في كتب التربية العديد من األلفاظ ذات الصلة بالتربية‪ ،‬كالتعليم‪ ،‬والرعاية‪ ،‬والتنشئة‪،‬‬
‫ولكل منها معنى يميزها عن غيرها‪.‬‬

‫‪ -2‬المعنى الذي ورد عليها الطفل في اآليات القرآنية جاءت كلها بمعنى واحد وهو الذي لم‬
‫يبلغ‪ ،‬وأما علماء النفس مهم من اتفق في كون الطفل قبل البلوغ‪ ،‬ومنهم من اعتمد الفئات‬

‫العمرية دون النظر إلى شرط البلوغ‪ ،‬وأما في القانون الدولي فإنه لم يعرف الطفل تعريفاً‬
‫دقيقاً‪ ،‬وإنما فتح المجال للدول تحديد الطفولة بناء على ظروفها‪.‬‬

‫‪ -3‬وردت في القرآن الكريم‪ ،‬والسنة النبوية العديد من األلفاظ ذات الصلة بالطفل‪ ،‬كالغالم‪،‬‬
‫والولد‪ ،‬واالبن‪ ،‬والذرية‪ ،‬واألهل‪ ،‬والفتى‪ ،‬والصبي‪ ،‬ولكل منها معنى يميزها عن غيرها‪ ،‬مما‬
‫يدل على اتساع كلمة القرآن الكريم وتوسع األلفاظ فيه وإعجازها‪.‬‬

‫‪ -4‬تهتم التربية من منظور اإلسالم بالجانب الدنيوي واألخروي‪ ،‬على نحو يحقق التكامل بينهما‪،‬‬
‫في ظل إعطاء مرحلة الطفولة األهمية البالغة األساسية في حسن تربية‪.‬‬

‫‪ -5‬نشأت المدرسة السلوكية عندما ظهر العديد من العلماء الذين اتفقوا في االهتمام بنواتج‬
‫عملية التعلم أو ما يسمى بالتغيرات التي تط أر على السلوك بالدرجة األولى‪ ،‬دون االهتمام‬
‫بالعمليات الداخلية‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫همل فيه العوامل‬
‫‪ -6‬ينحصر مفهوم التربية لدى المدرسة السلوكية في ضبط السلوك على نحو تُ َ‬
‫الداخلية‪ ،‬ومعيار القيم‪ ،‬على خالف المفهوم األشمل لدى المدرسة اإلسالمية والتي تهتم‬
‫بالتحلية قبل مرحلة ضبط السلوك‪ ،‬وتصب أنظارها إلى دور مخاطبة العقل والقلب في‬
‫التربية‪ ،‬وفق المعيار الذي حدده الوحي‪ ،‬على نحو يهتم بتربية اإلنسان على الصعيد‬

‫الشخصي والعالمي‪ ،‬بعيداً عن دناءة المادة واألنانية‪.‬‬

‫‪ -7‬الوحي هو منبع العلوم وأصلها‪ ،‬والقلب والعقل والحواس هي أدوات السير في الميادين وفق‬
‫المسار الذي يوجهه الوحي‪ ،‬حيث تتكامل أدوات المعرفة لبلوغ الغاية الرئيسية وهي معرفة‬

‫هللا عز وجل‪ ،‬ثم تحقيق االطمئنان والفالح في الدارين‪ ،‬بينما تقتصر أدوات المعرفة في‬
‫المدرسة السلوكية على الكوادر البشرية والتجارب العلمية‪ ،‬مما أدى إلى الوصول إلى نتائج‬
‫متضاربة‪ ،‬ومتقلبة لتقلب حال البشر‪ ،‬واختزال المبادئ في الحجم الدنيوي والمصالح‬
‫الشخصية‪ ،‬دون وجود مرجعية متفق على أحقيتها في فصل الخالفات وتوحيد المفترقات‪.‬‬

‫‪ -8‬تتمال نقاط التشابه بين الحيوان واإلنسان في أن عالم الحيوان أمم أماال البشر مكتوبة‬
‫أرزاقها وآجالها وأعمالها كما كتبع أرزاق وآجال وأعمال البشر‪ ،‬محفوظة أحوالها غير مهمل‬

‫أمرها‪ ،‬إضافة على قدرتها على التعلم‪ ،‬ولكن هذا ال يعني صالحية قياس السلوك الحيواني‬
‫على اإلنسان‪ ،‬ألن نقاط التشابه ال تمال تشابه محوري في السلوك‪ ،‬إنما تشابهاً سطحياً‪،‬‬
‫إضافة إلى وجود اختالفات محورية هامة‪ ،‬أهمها أن اإلنسان مكرم مكلف‪ ،‬ويتميز بقدرته‬
‫على التفكر الدقيق والتدبر واالتعاظ‪ ...‬والقدرة على االرتقاء في التعلم‪ ،‬وعلى تحديد األهداف‬
‫السامية‪ ،‬على خالف الحيوان الذي يتصرف من منطلق الغريزة والشهوة‪.‬‬

‫‪ -9‬حددت الشريعة اإلسالمية الغاية النهائية من السلوك وهي تحقيق العبودية هلل‪ ،‬إذ اعتبرت‬

‫األهداف بجميع جوانبها وسيلة لتحقيق مالها األعلى‪ ،‬وهدفها األسمى‪ ،‬لتحقيق عدالة هللا‬
‫وشريعته في جميع شؤون الحياة الفردية واالجتماعية‪ ،‬بينما تعد أهداف المدرسة السلوكية‬
‫أهدافاً خاصة‪ ،‬بماابة وسائل تفتقر إلى أهداف عليا ترتكز عليها‪ ،‬ومعيار يوجه قيمها‪،‬‬
‫والسبب يكمن في بشرية المصدر في ظل تغافله عن الوحي‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫‪ -10‬إهمال العوامل الداخلية هو إهمال للذات اإلنسانية‪ ،‬وتهميش لجوهرها وحقيقتها وبوصلة‬

‫سلوكها‪ ،‬ألن في ذلك تهميش لدور العقل والقلب‪ ،‬فالمنهج اإلسالمي يضبط ويوجه اإلنسانية‬
‫إلى السلوك السليم‪ ،‬بتربية العقل والقلب على نحو يرتقي باإلنسان إلى خيري الدنيا واآلخرة‪،‬‬
‫على خالف السلوكية التي تقتصر على ظاهر السلوك‪.‬‬

‫‪ -11‬الذي يميز اإلسالم أنه أسس الهدف األسمى من التعزيز‪ ،‬إذ يمال رأس الهرم ومعيار‬
‫األهداف الجزئية‪ ،‬ويهتم غاية االهتمام خالل عملية التعزيز بالعوامل الداخلية التي تعد‬
‫بماابة بؤرة تأثير التعزيز‪ ،‬على خالف السلوكية التي تقتصر على األهداف الجزئية‪ ،‬وتتبنى‬

‫عدم االهتمام الكافي بالعوامل الداخلية‪ ،‬خالل المسيرة التعزيزية‪ ،‬والذي بدوره أدى إلى‬
‫االقتصار على المصالح الشخصية‪ ،‬والتوقف عن تحقيق الهدف بتوقف التعزيز‪.‬‬

‫يظهر أن الفكر التربوي اإلسالمي‪ ،‬والفكر في المدرسة السلوكية‪ ،‬يلتقيان في أن الهدف‬ ‫‪-12‬‬
‫من العقاب هو تغيير سلوك الفرد نحو األفضل‪ ،‬ومحو السلوك غير المرغوب به‪ ،‬في حين‬
‫أن الفكر التربوي اإلسالمي يتميز عن علم النفس بأن تغيير السلوك هو هدف جزئي يندرج‬
‫تحع الهدف السامي وهو نيل رضا هللا‪ ،‬مما يوحد عملية العقاب تحع ظل مبادئ اإلسالم‬

‫وقيمه‪ ،‬وعلى نحو يحقق فيه الصالح الداخلي لإلنسان‪ ،‬دون االقتصار على ترميم ظاهر‬
‫السلوك‪.‬‬

‫‪ -13‬يخضع اإلنسان في مرحلة طفولته المبكرة خضوعاً تاماً للبيئة المحيطة‪ ،‬بدليل أن الطفل‬
‫يتبع ديانة والديه‪ ،‬فكان األحرى ِب"سكنر" أن يقتصر حتمية تأثير البيئة في مرحلة الطفولة‬
‫المبكرة‪ ،‬دون الطفولة المتأخرة أو البلوغ‪ ،‬فالطفل بعد التمييز يتأثر بالبيئة ويؤثر عليها بحسب‬
‫قوة تربيته وشخصيته‪ ،‬وكان األحرى بالسلوكية أن تركز على دور العوامل الداخلية في‬

‫النمذجة‪ ،‬ودون االقتصار على األهداف الجزئية والدنيوية‪.‬‬

‫‪ -14‬يتمال المنهج اإلسالمي في التعامل مع الطفل عبر ثالث محاور‪ :‬التحلية‪ ،‬والتابيع‪،‬‬
‫والتخلية‪ ،‬في ظل التعامل باللين والرفق والرحمة‪ ،‬بمخاطبة عقل وعاطفة الطفل في آن واحد‪،‬‬
‫حيث تتكامل فيه سبل تربية النفس‪ ،‬على نحو يميزها عن كل مدارس التربية‪.‬‬
‫‪226‬‬
‫‪ -15‬تجسدت تربية "إبراهيم" ‪-‬عليه السالم‪ -‬بكل معانيها الذهبية‪ ،‬عندما امتال ألمر هللا عز‬

‫وجل‪ ،‬في تربية ابنه النبي ‪-‬عليهما السالم‪ -‬إذ تمالع تربيته بتنشئة ابنه على طاعة هللا‪،‬‬
‫والدعاء له‪ ،‬والقدوة الطيبة‪ ،‬وتوفير البيئة المناسبة‪ ،‬كل ذلك تحع ظل الحب واللطف‪.‬‬

‫‪ -16‬جمعع موعظة "لقمان" الحكيم أصول الشريعة بحكمة بالغة‪ ،‬باإلبداع في التقديم والتأخير‪،‬‬

‫فاالبتداء بالعقيدة‪ ،‬وإصالح الذات‪ ،‬ثم إصالح الغير وبيان اآلداب تجاه الناس‪ ،‬وكل ذلك‬
‫في سبيل اللطف‪ ،‬ومخاطبة العقل‪ ،‬والعاطفة‪ ،‬في ظل التعليل بأسلوب التوكيد‪ ،‬والتشبيه‬
‫طب على الابات واالمتاال‪.‬‬
‫البليغ‪ ،‬لتحقيق كل ما يعين المخا َ‬

‫التوصيات‪:‬‬

‫‪ -1‬توصية اآلباء والمدرسين على االمتاال بالمنهج اإلسالمي في تربية الجيل الناشئ‪.‬‬

‫‪ -2‬نشر التوعية بين أفراد المجتمع حول منهجية اإلسالم في تربية الطفل‪ ،‬دون االقتصار على‬
‫شرح اآليات والسنة النبوية‪ ،‬إنما إضافة ضرب األمالة التي تالمس الواقع‪ ،‬وتقترب إلى‬
‫الميدان في البيوت والمدارس على نحو يتواكب مع أسلوب العصر‪ ،‬إلعانة المربي على‬
‫حسن الفهم‪ ،‬ثم حسن التطبيق‪.‬‬

‫‪ -3‬صدور أبحاث أخرى تسلط عدسة اإلسالم على مدارس علم النفس األخرى‪ ،‬وتبين مدى‬
‫دقتها‪ ،‬وتظهر مواطن صوابها وخطئها عبر مقارنتها بالمنهج اإلسالمي‪.‬‬

‫‪ -4‬سعي كليات الشريعة في الجامعات إلى التعاون مع كليات التربية في اعتماد مساق منهج‬
‫المدرسة اإلسالمية في التربية بكلية التربية‪ ،‬ومقارنتها بالمدارس األخرى‪ ،‬مع بيان مواطن‬
‫الصواب والخطئ فيها‪.‬‬

‫‪ -5‬عقد مؤتمرات تضم متخصصون في التربية اإلسالمية‪ ،‬لبيان مدى خطر االقتصار على‬
‫مدارس علم النفس دون المدارس اإلسالمية‪ ،‬ودون بيان موقف اإلسالم منها‪ ،‬وبيان سبل‬
‫اعتماد منهج اإلسالم التربوي في كليات التربية‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫‪ -6‬عقد ندوات في الجامعات تبين ميزات التربية اإلسالمية‪ ،‬وسبل الوصول إلى تطبيقها‪.‬‬

‫‪ -7‬السعي نحو تعريف الطفل في القانون الدولي تعريفاً دقيقاً‪ ،‬وحفظ كامل حقوقه التي أعطاها‬
‫إياه اإلسالم‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫مسرد اآليات الكريمة‬

‫الصفحة‬ ‫رقمها‬ ‫اآلية‬ ‫السورة‬


‫‪1‬‬ ‫‪116‬‬ ‫ﭐﱡﭐﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ‬ ‫األنعام‬

‫ﲛ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠﱠ‬
‫ﲜ‬ ‫ﲚ‬
‫‪9‬‬ ‫‪39‬‬ ‫ﭐﱡﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ‬ ‫الروم‬

‫ﲧﱠ‬
‫‪9‬‬ ‫‪39‬‬ ‫ﭐﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ‬ ‫فصلع‬

‫ﱋ ﱌﱠ‬
‫‪20 ،18‬‬ ‫‪5‬‬ ‫ﱡﭐﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ‬ ‫الحج‬

‫ﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎ‬
‫ﲕﲗﲘ‬
‫ﲖ‬ ‫ﲏﲐﲑﲒﲓﲔ‬
‫ﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢ‬

‫ﲣ ﲤﱠ‬
‫‪20 ،19‬‬ ‫‪67‬‬ ‫ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ‬ ‫غافر‬

‫ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱠ‬
‫‪20 ،19‬‬ ‫‪31‬‬ ‫ﲍﲏﲐ‬
‫ﲎ‬ ‫ﱡﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ‬ ‫النور‬

‫ﲒﲔﲕﲖﲗﲘﲙﲚ‬
‫ﲓ‬ ‫ﲑ‬
‫ﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥ‬
‫ﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮﲯ‬
‫ﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹ‬
‫ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﱠ‬
‫‪20 ،19‬‬ ‫‪59‬‬ ‫ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬ ‫النور‬

‫ﱋﱍﱎﱏﱐ‬
‫ﱌ‬ ‫ﱈﱉﱊ‬

‫ﱑ ﱓ ﱔ ﱕﱠ‬
‫ﱒ‬
‫‪229‬‬
‫‪21‬‬ ‫‪80‬‬ ‫ﱡﭐ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ‬ ‫الكهف‬

‫ﲝﲞﱠ‬
‫‪21‬‬ ‫‪223‬‬ ‫ﲞﲠﲡﲢﲣ‬
‫ﲟ‬ ‫ﱡﭐﲚ ﲛ ﲜ ﲝ‬ ‫البقرة‬

‫ﲤﱠ‬
‫‪21‬‬ ‫‪15‬‬ ‫ﲐﲒ ﲓﲔ‬
‫ﲑ‬ ‫ﱡﭐﲍ ﲎ ﲏ‬ ‫التغابن‬

‫ﭐ‬ ‫ﲕﱠ‬
‫‪22‬‬ ‫‪49‬‬ ‫ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ‬ ‫البقرة‬

‫ﱌﱎﱏﱐﱑ‬
‫ﱍ‬ ‫ﱉﱊﱋ‬

‫ﱒﱓﱠ‬
‫‪22‬‬ ‫‪23‬‬ ‫ﭐﱡﭐ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﱠ‬ ‫النساء‬

‫‪22‬‬ ‫‪172‬‬ ‫األعراف ﭐﱡﭐ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ‬

‫ﱧﱩﱪﱫ‬
‫ﱨ‬ ‫ﱣﱥﱦ‬
‫ﱤ‬ ‫ﱠﱡﱢ‬

‫ﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱠ‬
‫‪22‬‬ ‫‪33‬‬ ‫ﱡﭐ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ‬ ‫النور‬

‫ﱼﱽﱾﱠ‬
‫‪23‬‬ ‫‪29‬‬ ‫ﱮ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ‬
‫ﱯ‬ ‫ﱡﭐﱭ‬ ‫مريم‬

‫ﱷﱠ‬
‫‪23‬‬ ‫‪12‬‬ ‫ﱄ ﱆ ﱇ ﱈﱠ‬
‫ﱅ‬ ‫ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ‬ ‫مريم‬
‫‪43‬‬ ‫‪9‬‬ ‫ﱡﭐ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮﱠ‬ ‫السجدة‬

‫‪47‬‬ ‫ﭐﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ‪79-78‬‬ ‫المائدة‬

‫ﱌ ﱎﱏ ﱐﱑ‬
‫ﱍ‬ ‫ﱉ ﱊﱋ‬
‫ﱚ‬ ‫ﱙ‬ ‫ﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘ‬
‫ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱠ‬

‫‪230‬‬
‫‪81 ،49‬‬ ‫‪10-9‬‬ ‫ﱡﭐﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ‬ ‫اإلسراء‬

‫ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﭐﱠ ﱡ ﱢ‬
‫ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨﱠ‬
‫‪52‬‬ ‫‪106‬‬ ‫ﭐ‬ ‫ﱡﭐ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱠ‬ ‫النحل‬

‫‪52‬‬ ‫‪11‬‬ ‫ﭐﱡﭐ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﱠ‬ ‫الرعد‬

‫‪52‬‬ ‫‪10‬‬ ‫ﱡﭐﲛ ﲜ ﱠ‬ ‫البلد‬

‫‪53‬‬ ‫ﭐ ‪39-38‬‬ ‫ﭐﱡﭐﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﭐ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗﱠ‬ ‫المدثر‬

‫‪56‬‬ ‫‪7‬‬ ‫ﭐﱡﭐﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ‬ ‫الروم‬

‫ﱗﱠ‬
‫‪60‬‬ ‫‪78‬‬ ‫ﱡﭐﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ‬ ‫النحل‬

‫ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ‬

‫ﲿﱠ‬
‫‪61‬‬ ‫‪26‬‬ ‫األحقاف ﱡﭐﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ‬

‫ﲫﲬﲭﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴ‬

‫ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻﱠ‬
‫‪61‬‬ ‫‪179‬‬ ‫ﱇﱉﱊﱋﱌ‬
‫ﱈ‬ ‫األعراف ﭐﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ‬

‫ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﱘ‬

‫ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱠ‬
‫‪62‬‬ ‫‪46‬‬ ‫ﭐﱡﭐ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ‬ ‫الحج‬

‫ﳀﳂﳃﳄﳅﳆﳇ‬
‫ﲽﲾﲿ ﳁ‬

‫ﳈ ﳉ ﳊ ﳋﱠ‬
‫‪62‬‬ ‫‪23‬‬ ‫ﳃﳅﳆﳇ‬
‫ﳄ‬ ‫ﭐﱡﭐﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ‬ ‫النجم‬

‫ﳈ ﳉﱠ‬

‫‪231‬‬
‫‪70‬‬ ‫‪12‬‬ ‫ﭐﱡﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ‬ ‫محمد‬

‫ﱗﱠ‬
‫‪71‬‬ ‫‪38‬‬ ‫ﱡﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ‬ ‫األنعام‬

‫ﱵ ﱷ ﱸ ﱹ‬
‫ﱶ‬ ‫ﱮ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ‬
‫ﱯ‬

‫ﱺﱠ‬
‫‪72‬‬ ‫‪44‬‬ ‫ﱇﱉﱊﱋ‬
‫ﱈ‬ ‫ﭐﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ‬ ‫الفرقان‬

‫ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐﱠ‬
‫‪78‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ﭐﱡﭐﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﱠ‬ ‫العلق‬
‫‪82‬‬ ‫‪12‬‬ ‫ﭐﱡﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ‬ ‫الجاثية‬

‫ﳎ ﳏ ﳐ ﳑﱠ‬
‫‪87‬‬ ‫‪7‬‬ ‫ﱡﭐﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ‬ ‫الروم‬

‫ﱗﱠ‬
‫‪87‬‬ ‫‪6‬‬ ‫ﭐﱡﭐﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ‬ ‫يونس‬

‫ﳊ ﳋ ﳌ ﳍﱠ‬
‫‪87‬‬ ‫‪10-9‬‬ ‫ﭐﱡﭐﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ‬ ‫االسراء‬

‫ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﭐ ﱠ ﱡ ﱢ‬
‫ﭐ‬ ‫ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩﱠ‬
‫‪88‬‬ ‫‪9‬‬ ‫ﱡﭐﱫ ﱬ ﱭ ﱮﱠ‬ ‫الشمس‬
‫‪89‬‬ ‫‪8‬‬ ‫ﱡﭐﱧ ﱨ ﱩﱠ‬ ‫الشمس‬
‫‪99‬‬ ‫‪78‬‬ ‫ﱡﭐﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ‬ ‫النحل‬

‫ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ‬

‫ﲿﱠ‬
‫‪100‬‬ ‫‪33‬‬ ‫المؤمنون ﭐﱡﭐﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ‬
‫ﲐ ﲑﱠ‬

‫‪232‬‬
‫‪100‬‬ ‫‪7‬‬ ‫ﱡﭐﲈ ﲉﲊﱠ‬ ‫الفرقان‬
‫‪100‬‬ ‫‪33‬‬ ‫ﱡﭐﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱠ‬ ‫الحجر‬

‫‪101‬‬ ‫‪6‬‬ ‫االنفطار ﭐﱡﭐﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱠ‬


‫‪102‬‬ ‫‪185‬‬ ‫األعراف ﱡﭐﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ‬

‫ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫﲬ ﲭ ﲮ‬

‫ﲯ ﲰﱠ‬
‫‪103‬‬ ‫‪28‬‬ ‫ﱡﭐﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠ‬ ‫الرعد‬

‫ﭐ‬ ‫ﳡﱠ‬
‫‪103‬‬ ‫‪4‬‬ ‫ﭐ‬ ‫ﭐﱡﭐﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢﱠ‬ ‫الفتح‬
‫‪103‬‬ ‫‪63‬‬ ‫االنفال ﱡﭐﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ‬
‫ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠﱡ ﱢ ﱣ‬
‫ﭐ‬ ‫ﱤﱠ‬
‫‪103‬‬ ‫‪35‬‬ ‫ﭐ‬ ‫ﭐﱡﭐﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋﱠ‬ ‫الحج‬

‫‪103‬‬ ‫‪41‬‬ ‫ﭐ‬ ‫المائدة ﱡﭐﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃﳄﱠ‬


‫‪104‬‬ ‫‪11‬‬ ‫ﭐﱡﭐﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ‬ ‫الرعد‬

‫ﲦ‬ ‫ﲥ‬ ‫ﲚﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤ‬


‫ﲙ ﲛ‬
‫ﲮﲰﲱﲲﲳ‬
‫ﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭ ﲯ‬

‫ﭐ‬ ‫ﲴ ﲵﱠ‬
‫‪104‬‬ ‫‪31‬‬ ‫آل عمران ﱡﭐﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ‬

‫ﱨ ﱪ ﱫ ﱬﱠ‬
‫ﱩ‬ ‫ﱧ‬
‫‪105‬‬ ‫‪179‬‬ ‫األعراف ﭐﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇﱈ ﱉ ﱊ ﱋ‬

‫ﱌﱠ‬
‫‪105‬‬ ‫‪46‬‬ ‫ﭐﱡﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﱠ‬ ‫الحج‬

‫‪105‬‬ ‫‪93‬‬ ‫ﱡﭐﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉﱠ‬ ‫التوبة‬

‫‪233‬‬
‫‪106‬‬ ‫‪46‬‬ ‫ﭐﱡﭐﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ‬ ‫الحج‬

‫ﭐ‬ ‫ﳋﱠ‬
‫‪108‬‬ ‫‪11‬‬ ‫ﱡﭐﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ‬ ‫الفتح‬

‫ﱦ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ‬
‫ﱤ ﱥ ﱧ‬

‫ﱭﱠ‬
‫ﱮ‬
‫‪108‬‬ ‫‪16‬‬ ‫ﭐﱡﭐﱓ ﱔ ﱕ ﱠ‬ ‫العلق‬

‫‪109‬‬ ‫‪89‬‬ ‫ﭐﱡﭐﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦﱠ‬ ‫الشعراء‬

‫‪109‬‬ ‫ﭐ ‪70‬‬ ‫ﭐﱡﭐﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏﱠ‬ ‫يس‬

‫‪109‬‬ ‫‪37‬‬ ‫ﭐﱡﭐﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ‬ ‫ق‬

‫ﭐ‬ ‫ﱛ ﱜ ﱝﱠ‬
‫‪109‬‬ ‫‪24‬‬ ‫ﭐﱡﭐﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ‬ ‫األنفال‬

‫ﲲ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸﲹ‬
‫ﲳ‬ ‫ﲰ ﲱ‬

‫ﭐ‬ ‫ﲺ ﲻ ﲼ ﲽﱠ‬
‫‪109‬‬ ‫‪10‬‬ ‫ﱸﱠ‬
‫ﱹ‬ ‫ﭐﱡﭐ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ‬ ‫البقرة‬

‫‪110‬‬ ‫‪32‬‬ ‫ﳑ‬ ‫ﳐ‬ ‫ﳊﳌﳍﳎﳏ‬


‫ﳋ‬ ‫ﱡﭐ ﳇ ﳈ ﳉ‬ ‫يونس‬

‫ﳒ ﳓﱠ‬
‫‪117‬‬ ‫ﱾ ﲀ ﲁ ﲂ ‪35-34‬‬
‫ﱿ‬ ‫ﭐﱡﭐﱺ ﱻ ﱼ ﱽ‬ ‫فصلع‬

‫ﲃﲄﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋ‬

‫ﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓﲔﲕﲖ‬

‫ﲗﱠ‬
‫‪122‬‬ ‫‪3‬‬ ‫ﲡﲣ‬
‫ﲢ‬ ‫ﲜﲞﲟﲠ‬
‫ﲝ‬ ‫ﱡ ﭐﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ‬ ‫الطالق‬

‫ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨﱠ‬

‫‪234‬‬
‫‪125‬‬ ‫‪41‬‬ ‫ﭐﱡﭐﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ‬ ‫النحل‬

‫ﳍ ﳏ ﳐ ﳑﱠ‬
‫ﳎ‬ ‫ﳉﳋﳌ‬
‫ﳊ‬ ‫ﳈ‬
‫‪129‬‬ ‫ﭐﱡﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ‪39-38‬‬ ‫المائدة‬

‫ﱘﱚﱛﱜﱝﱞﱟ‬
‫ﱕﱖﱗ ﱙ‬

‫ﱧﱩﱪ‬
‫ﱨ‬ ‫ﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦ‬

‫ﱫ ﱬﱠ‬
‫‪129‬‬ ‫‪157‬‬ ‫األعراف ﭐﱡﭐﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ‬

‫ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ‬

‫ﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷ‬
‫ﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾ‬

‫ﲁﲃﲄﲅﲆﲇ‬
‫ﲂ‬ ‫ﱿﲀ‬
‫ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ‬

‫ﲏﱠ‬
‫‪133‬‬ ‫‪132‬‬ ‫ﲨ ﲪ‬
‫ﲩ‬ ‫ﲤﲦ ﲧ‬
‫ﲥ‬ ‫ﱡﭐ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ‬ ‫طه‬

‫ﲫ ﲭ ﲮﱠ‬
‫ﲬ‬
‫‪142‬‬ ‫‪57‬‬ ‫ﭐﱡﭐﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ‬ ‫اإلسراء‬

‫ﳀﳂﳃﳄ‬
‫ﳁ‬ ‫ﲼﲽﲾﲿ‬

‫ﳅ ﳆﱠ‬
‫‪150‬‬ ‫‪6‬‬ ‫ﭐﱡﭐﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ‬ ‫التحريم‬

‫ﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹ‬

‫ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﱠ‬
‫‪154‬‬ ‫ﭐﱡﭐﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ‪59-58‬‬ ‫النور‬

‫ﲩﲫﲬﲭﲮﲯ‬
‫ﲪ‬ ‫ﲣﲤﲥﲦﲧﲨ‬

‫ﲷﲹ‬
‫ﲸ‬ ‫ﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶ‬
‫‪235‬‬
‫ﳂ ﳄ‬
‫ﳃ‬ ‫ﲻ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ‬
‫ﲺ ﲼ‬

‫ﳏ‬ ‫ﳎ‬ ‫ﳈﳊﳋﳌﳍ‬


‫ﳉ‬ ‫ﳅﳆﳇ‬

‫ﳐﳑﳒﳓﱁﱂﱃﱄﱅ‬

‫ﱋﱍ‬
‫ﱌ‬ ‫ﱆﱇﱈﱉﱊ‬

‫ﱑ ﱓ ﱔ ﱕﱠ‬
‫ﱒ‬ ‫ﱎﱏﱐ‬
‫‪154‬‬ ‫‪59‬‬ ‫ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬ ‫النور‬

‫ﭐ‬ ‫ﱋﱠ‬
‫ﱌ‬ ‫ﱈﱉﱊ‬
‫‪155‬‬ ‫‪31‬‬ ‫ﭐﱡﭐﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ‬ ‫النور‬

‫ﲍﲏ‬
‫ﲎ‬ ‫ﲆﲇﲈﲉﲊﲋﲌ‬
‫ﲒﲔﲕﲖﲗﲘﲙ‬
‫ﲓ‬ ‫ﲐﲑ‬
‫ﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣ‬
‫ﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭ‬
‫ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ‬
‫ﲿﱠ‬
‫ﳀ‬ ‫ﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾ‬
‫‪158‬‬ ‫‪9‬‬ ‫ﭐﱡﭐ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮﱠ‬ ‫الشمس‬
‫‪160‬‬ ‫‪70‬‬ ‫ﭐﱡﭐ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ‬ ‫األنعام‬

‫ﱖﱠ‬
‫ﱗ‬ ‫ﱕ‬
‫‪160‬‬ ‫‪20‬‬ ‫ﭐﱡﭐ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ‬ ‫الحديد‬

‫ﱤﱦﱧﱨﱩ‬
‫ﱥ‬ ‫ﱠﱡﱢﱣ‬
‫ﱱﱳﱴ‬
‫ﱲ‬ ‫ﱪﱫﱬﱭﱮﱯﱰ‬
‫ﱺﱼﱽﱾﱿ‬
‫ﱻ‬ ‫ﱵﱶﱷﱸﱹ‬
‫ﲀ ﲁﱠ‬
‫‪175‬‬ ‫‪266‬‬ ‫ﭐﱡﭐﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣﱠ‬ ‫البقرة‬

‫‪236‬‬
‫‪190‬‬ ‫ﱡﭐﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ‪15-14‬‬ ‫التغابن‬

‫ﲂﲄﲅﲆﲇ‬
‫ﲃ‬ ‫ﲀﲁ‬

‫ﲈﲉﲊﲋﲌﲍﲎﲏ‬

‫ﲐ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕﱠ‬
‫ﲑ‬
‫‪193‬‬ ‫‪151‬‬ ‫ﭐﱡﭐﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ‬ ‫البقرة‬

‫ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ‬

‫ﲴ ﲵﱠ‬
‫‪193‬‬ ‫‪164‬‬ ‫آل عمران ﭐﱡﭐ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ‬

‫ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ‬

‫ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ‬

‫ﳊﱠ‬
‫‪193‬‬ ‫‪2‬‬ ‫ﭐﱡﭐ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ‬ ‫الجمعة‬

‫ﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠ‬

‫ﱡ ﱢﱠ‬
‫‪194‬‬ ‫‪129‬‬ ‫ﱡﭐﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ‬ ‫البقرة‬

‫ﱯ ﱱ ﱲ‬
‫ﱰ‬ ‫ﱬ ﱭ ﱮ‬

‫ﱳ ﱴﱠ‬
‫‪197‬‬ ‫‪120‬‬ ‫ﱡﭐﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ‬ ‫النحل‬

‫ﱟﱠ‬
‫‪198‬‬ ‫‪124‬‬ ‫ﲙ ﲛ ﲜ ﲝ‬
‫ﲚ‬ ‫ﭐﱡﭐﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ‬ ‫البقرة‬

‫ﲣ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ‬
‫ﲤ‬ ‫ﲟ ﲡ ﲢ‬
‫ﲠ‬ ‫ﲞ‬

‫ﲩﱠ‬
‫‪198‬‬ ‫‪37‬‬ ‫ﭐﱡﭐﳇ ﳈ ﳉﱠ‬ ‫النجم‬

‫‪237‬‬
‫‪200‬‬ ‫ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ‪129-127‬‬ ‫البقرة‬

‫ﱊﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓ‬
‫ﱋ‬

‫ﱞ‬ ‫ﱝ‬ ‫ﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜ‬

‫ﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨ‬

‫ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ‬

‫ﱯ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴﱠ‬
‫ﱰ‬
‫‪201‬‬ ‫‪37‬‬ ‫ﱡﭐﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ‬ ‫إبراهيم‬

‫ﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄ‬

‫ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ‬

‫ﲌﱠ‬
‫‪202‬‬ ‫ﭐﱡﭐﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ‪36-35‬‬ ‫إبراهيم‬

‫ﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤ‬

‫ﱫﱭﱮﱯﱰ‬
‫ﱦﱨﱩﱪ ﱬ‬
‫ﱧ‬ ‫ﱥ‬

‫ﱱﱠ‬
‫‪203‬‬ ‫‪128‬‬ ‫ﱡﭐﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ‬ ‫البقرة‬

‫ﱝ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢﱠ‬
‫ﱞ‬ ‫ﱚﱛﱜ‬
‫‪204‬‬ ‫ﲔ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ‪39-38‬‬
‫ﲕ‬ ‫ﭐﱡﭐﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ‬ ‫البقرة‬

‫ﲚﲛﲜﲝﲞﲟﲠﲡﲢﲣﲤ‬

‫ﲪﲬﲭﲮ‬
‫ﲫ‬ ‫ﲥﲦﲧﲨﲩ‬

‫ﲯﱠ‬
‫‪204‬‬ ‫‪101-100‬‬ ‫الصافات ﭐﱡﭐﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆﱠ‬
‫‪205‬‬ ‫‪6‬‬ ‫ﱡﭐﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ‬ ‫التحريم‬

‫ﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹ‬

‫ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﱠ‬
‫‪238‬‬
‫‪205‬‬ ‫‪35‬‬ ‫ﭐﱡﭐ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ‬ ‫ابراهيم‬

‫ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﱠ‬
‫‪205‬‬ ‫‪40‬‬ ‫ﲶﲸﲹ‬
‫ﲷ‬ ‫ﱡﭐﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ‬ ‫ابراهيم‬

‫ﲺﱠ‬
‫‪205‬‬ ‫‪126‬‬ ‫ﱡﭐﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ‬ ‫البقرة‬

‫ﳔﳖﳗﳘ‬
‫ﳕ‬ ‫ﳍﳎﳏﳐﳑﳒﳓ‬

‫ﳟ ﳡ ﳢﱠ‬
‫ﳠ‬ ‫ﳙﳚﳛﳜﳝﳞ‬
‫‪206‬‬ ‫‪37‬‬ ‫ﱡﭐ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ‬ ‫إبراهيم‬

‫ﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄ‬

‫ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ‬

‫ﲌﱠ‬
‫‪207‬‬ ‫الصافات ﱡﭐﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ‪113-102‬‬

‫ﳜﳞ‬
‫ﳝ‬ ‫ﳖﳘﳙﳚﳛ‬
‫ﳗ‬ ‫ﳓﳔﳕ‬
‫ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﱁ ﱂ ﱃ‬

‫ﱌﱎ‬
‫ﱍ‬ ‫ﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋ‬

‫ﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗ‬

‫ﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡ‬

‫ﱢﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪ‬

‫ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ‬

‫ﱸ ﱺ ﱻ‬
‫ﱹ‬ ‫ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ‬

‫ﱼ ﱽ ﱾ ﱿﱠ‬
‫‪209‬‬ ‫ﱾ ﲀ ‪132-130‬‬
‫ﱿ‬ ‫ﱡ ﭐﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ‬ ‫البقرة‬

‫ﲃﲅﲆﲇﲈﲉﲊﲋ‬
‫ﲄ‬ ‫ﲁﲂ‬

‫ﲏﲑﲒﲓﲔﲕﲖ‬
‫ﲐ‬ ‫ﲌﲍﲎ‬

‫‪239‬‬
‫ﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟ‬

‫ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥﱠ‬
‫‪210‬‬ ‫ﱔ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ‪55-54‬‬
‫ﱕ‬ ‫ﱡ ﭐﱑ ﱒ ﱓ‬ ‫مريم‬

‫ﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤ‬
‫ﱥ ﱦﱠ‬
‫‪211‬‬ ‫ﱇ ﱉ ﱊ ﱋ ‪19-12‬‬
‫ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱈ‬ ‫لقمان‬

‫ﱍﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗ‬
‫ﱎ‬ ‫ﱌ‬
‫ﱟﱡﱢ‬
‫ﱠ‬ ‫ﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞ‬
‫ﱣﱤﱥﱦﱧﱨﱩﱪ‬
‫ﱫﱬﱭﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴ‬
‫ﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿ‬
‫ﲊ‬ ‫ﲉ‬ ‫ﲄﲆﲇﲈ‬
‫ﲅ‬ ‫ﲀﲁﲂﲃ‬
‫ﲏﲑﲒﲓﲔ‬
‫ﲋﲌﲍﲎ ﲐ‬
‫ﲕﲖﲗﲘﲙﲚﲛﲜﲝﲞﲟ‬

‫ﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨﲩﲪ‬
‫ﲬﲮﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶ‬
‫ﲫ ﲭ‬
‫ﲾﳀﳁ‬
‫ﲿ‬ ‫ﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽ‬
‫ﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍ‬
‫ﳎﳐﳑﳒﳓﳔﳕﳖﳗﳘﳙﳚ‬
‫ﳏ‬

‫ﳝ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣﱠ‬
‫ﳞ‬ ‫ﳛﳜ‬
‫‪223‬‬ ‫‪106‬‬ ‫ﭐ‬ ‫ﭐﱡﭐﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷﱠ‬ ‫هود‬

‫‪240‬‬
‫مسرد األحاديث الشريفة‬

‫الصفحة‬ ‫طرف الحديث الشريف‬ ‫الرقم‬


‫‪70 ،16‬‬ ‫ظ‪"...‬‬ ‫" ُرِف َع اْلَقَل ُم َع ْن ثَ َالثَ ٍة‪َ :‬ع ِن النَّ ِائ ِم َحتَّى َي ْستَْي ِق َ‬ ‫‪1‬‬
‫‪،114 ،44‬‬ ‫تيانا َح َزِاوَرًة‪"...‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫" ُكَّنا مع نبِينا َّ‬
‫صلى هللاُ عليه وسل َم ف ً‬ ‫َ‬ ‫‪2‬‬
‫‪160‬‬
‫‪45‬‬ ‫ال‪"...‬‬ ‫ان أَرحم ِباْل ِعي ِ‬
‫َ‬ ‫َحًدا َك َ ْ َ َ‬ ‫" َما َأرَْي ُع أ َ‬ ‫‪3‬‬
‫‪45‬‬ ‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم‪"...‬‬ ‫ول َّ ِ‬
‫َّللا َ‬
‫ظرَّن ِإَلى صالَ ِة رس ِ‬
‫َُ‬ ‫َ‬ ‫" َأل َْن ُ َ‬ ‫‪4‬‬
‫‪187‬‬ ‫ود ْب ِن َزْيٍد‪ِ ،‬إَلى َخ ْي َب َر َوِهي‪"...‬‬ ‫َّللاِ ْب ُن س ْه ٍل‪ ،‬ومحيِص ُة ْب ُن مسع ِ‬ ‫طَل َق َع ْبُد َّ‬ ‫" ْان َ‬ ‫‪5‬‬
‫َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ََُ َ‬ ‫َ‬
‫ان فما ُنَقِبُل ُه ْم‪"...‬‬ ‫ِ‬
‫‪98‬‬ ‫"تَُقِبلُو َن الص ْتب َي َ‬ ‫‪6‬‬
‫‪98‬‬ ‫الح َس ُن ْب ُن َعلِ ٍي َعَلى َع ِات ِق ِه‪"...‬‬ ‫ِ َّ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪َ ،‬و َ‬
‫النِب َّي َّ‬
‫َ‬
‫" َأرَْي ُع َّ‬ ‫‪7‬‬
‫‪98‬‬ ‫شه َد‪"...‬‬‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم التَّ ُّ‬ ‫ِ‬
‫ول هللا َ‬ ‫" َعل َمني َرُس ُ‬
‫َّ ِ‬ ‫‪8‬‬
‫‪99 ،25‬‬ ‫ص ِغ َيرَنا‪"...‬‬ ‫ِ َّ‬
‫"َل ْي َس منا َم ْن َل ْم َي ْر َح ْم َ‬ ‫‪9‬‬
‫ِ‬
‫‪96‬‬ ‫ان‪"...‬‬ ‫َج َر ِ‬ ‫اب‪َ ،‬فَل ُه أ ْ‬‫َص َ‬ ‫اجتَ َه َد ثُ َّم أ َ‬ ‫"ِإ َذا َح َك َم اْل َحاك ُم َف ْ‬ ‫‪10‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪106‬‬ ‫ض َغ ًة‪"...‬‬ ‫الج َسد ُم ْ‬ ‫"أَالَ َوإِ َّن في َ‬ ‫‪11‬‬
‫ام ِرٍئ َما َن َوى‪"...‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫"ِإَّنما األَعم ِ ِ ِ‬
‫‪103‬‬ ‫ال بالنيَّات‪َ ،‬وإَِّن َما ل ُكل ْ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ‬ ‫‪12‬‬
‫‪114‬‬ ‫ال َج ِارَيتَْي ِن َحتَّى تَْبُل َغا‪"...‬‬ ‫" َم ْن َع َ‬ ‫‪13‬‬
‫‪185 ،117‬‬ ‫اس ُخُلًقا‪"...‬‬ ‫الن ِ‬
‫َحس ِن َّ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫" َكان رسول هللاِ َّ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم م ْن أ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫‪14‬‬
‫‪118‬‬ ‫يطي َع ْن ُه ْاألَ َذى‪"...‬‬ ‫َم ِ‬ ‫"أ ِ‬ ‫‪15‬‬
‫‪123‬‬ ‫ص َال َة ْاألُوَلى‪"...‬‬ ‫ِ َّ‬ ‫ول هللاِ َّ‬ ‫"صَّلي ُع مع رس ِ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ََ َُ‬ ‫‪16‬‬
‫‪181 ،124‬‬ ‫وءا‪"...‬‬ ‫ِ َّ‬ ‫النِب َّي َّ‬ ‫َن َّ‬ ‫"أ َّ‬
‫ض ً‬ ‫ض ْع ُع َل ُه َو ُ‬ ‫الخالَ َء‪َ ،‬ف َو َ‬ ‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َد َخ َل َ‬ ‫َ‬ ‫‪17‬‬
‫‪125‬‬ ‫الد ْن َيا‪َ ،‬نَّف َس هللاُ َع ْن ُه ُك ْرَب ًة ِم ْن ُك َر ِب‪"...‬‬‫" َم ْن َنَّف َس َع ْن ُم ْؤ ِم ٍن ُك ْرَب ًة ِم ْن ُك َر ِب ُّ‬ ‫‪18‬‬
‫‪127‬‬ ‫يم َفَقَّبَل ُه َو َش َّم ُه‪"...‬‬ ‫ِ َّ ِ ِ‬ ‫النِب ُّي َّ‬ ‫َخ َذ َّ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم إ ْب َراه َ‬ ‫َ‬ ‫"أ َ‬ ‫‪19‬‬
‫‪165 ،127‬‬ ‫الله َّم َب ِار ْك َل َنا ِفي َمِد َينِت َنا‪َ ،‬وِفي ِث َم ِارَنا‪َ ،‬وِفي ُمِد َنا‪"...‬‬ ‫" ُ‬ ‫‪20‬‬
‫‪127‬‬ ‫" َم ْن َس َب َق ِإَل َّي َفَل ُه َك َذا َوَك َذا‪"...‬‬ ‫‪21‬‬
‫‪130‬‬ ‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم‪َ ،‬ك ُانوا َي َرْو َن ُّ‬
‫الرْؤَيا‪"...‬‬ ‫ول َّ ِ‬
‫َّللا َ‬
‫اب رس ِ‬ ‫ِ‬
‫َص َح َ ُ‬ ‫اال م ْن أ ْ‬
‫"ِإ َّن ِرج ً ِ‬
‫َ‬ ‫‪22‬‬
‫‪131‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫" َم ْن َف َّر َق َب ْي َن َوالِ َدة َوَوَلد َها‪"...‬‬ ‫‪23‬‬
‫‪132‬‬ ‫اس ِم َن ْاأل َْس َرى َي ْوَم َب ْد ٍر‪"...‬‬ ‫ان َن ٌ‬ ‫" َك َ‬ ‫‪24‬‬
‫‪133 ،24‬‬ ‫ين‪"...‬‬ ‫ِِ‬ ‫"مروا أَوَالد ُكم ِب َّ ِ‬
‫اء َس ْب ِع سن َ‬ ‫الص َالة َو ُه ْم أ َْب َن ُ‬ ‫ُُ ْ َ ْ‬ ‫‪25‬‬

‫‪241‬‬
‫‪188 ،137‬‬ ‫الص َدَق ِة‪"...‬‬ ‫َّللاُ َع ْن ُه َما‪ ،‬تَ ْم َرًة ِم ْن تَ ْم ِر َّ‬ ‫ضي َّ‬ ‫"أَخذ الحسن بن علِ ٍي ر ِ‬ ‫‪26‬‬
‫ََ َ َ ُ ُْ َ َ َ‬
‫‪138‬‬ ‫ير‪"...‬‬ ‫"وْي َح َك َيا أ َْن َج َش ُة‪ُ ،‬روْي َد َك س ْوًقا ِبالَقو ِار ِ‬ ‫‪27‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪184 ،138‬‬ ‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم‪َ ،‬وَك َان ْع َيِدي‪"...‬‬ ‫َّللا َ‬
‫ول َّ ِ‬ ‫" ُك ْن ُع ُغالَما ِفي حج ِر رس ِ‬
‫َ ْ َُ‬ ‫ً‬ ‫‪28‬‬
‫‪143‬‬ ‫ام َأرَةٌ ِفي ِه َّرٍة َس َج َن ْت َها َحتَّى َماتَ ْع‪"...‬‬ ‫ِ ِ‬
‫" ُعذ َبع ْ‬ ‫‪29‬‬
‫‪144‬‬ ‫َّعا‪"...‬‬ ‫ًّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫النِب ُّي َّ‬ ‫ط َّ‬ ‫"خ َّ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َخطا ُم َرب ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪30‬‬
‫‪146‬‬ ‫ير‪"...‬‬ ‫ان ِفي َكِب ٍ‬ ‫ان‪ ،‬وما ُي َع َّذ َب ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫"إن ُه َما َلُي َعذ َب َ َ‬ ‫‪31‬‬
‫‪187 ،146‬‬ ‫"تََن َّح َحتَّى أ ُِرَي َك‪"...‬‬ ‫‪32‬‬
‫‪148‬‬ ‫ط َرِة‪"...‬‬ ‫ود ِإ َّال ُيوَلُد َعَلى اْل ِف ْ‬ ‫"ما ِم ْن موُل ٍ‬ ‫‪33‬‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫‪150‬‬ ‫ُص ِل َل ُك ْم‪"...‬‬ ‫ِ‬
‫وموا َفأل َ‬ ‫"ُق ُ‬ ‫‪34‬‬
‫‪150 ،24‬‬ ‫ول َع ْن َرِعيَِّت ِه‪"...‬‬ ‫" ُكُّل ُكم ر ٍ ُّ‬
‫اع‪َ ،‬وُكل ُك ْم َم ْسُئ ٌ‬ ‫ْ َ‬ ‫‪35‬‬
‫‪140‬‬ ‫الح ِج األَ ْك َب ِر‪"...‬‬ ‫َي َي ْو ٍم َه َذا؟" َقاُلوا‪َ :‬ي ْوُم َ‬ ‫"أ ُّ‬ ‫‪36‬‬
‫اخ ُه َف َرِك َب ُه‪"...‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫‪159‬‬ ‫ص ِار َعَلى َناض ٍح َل ُه‪َ ،‬فأ ََن َ‬ ‫"فد َار ْت ُع ْق َب ُة َرُجل م َن ْاأل َْن َ‬ ‫‪37‬‬
‫‪161 ،88‬‬ ‫ظ َك‪"...‬‬ ‫َّللاَ َي ْحَف ْ‬‫احَف ِظ َّ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ُعل ُم َك َكل َمات‪ْ ،‬‬
‫"يا ُغالَم ِإِني أ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫‪38‬‬
‫‪162‬‬ ‫ع َما َي ِر ُيب َك ِإَلى َما َال َي ِر ُيب َك‪"...‬‬ ‫" َد ْ‬ ‫‪39‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪164‬‬ ‫"م ْن أ َْن َع؟‪"...‬‬ ‫" َمن اْلَق ْوُم؟" َقالُوا‪" :‬اْل ُم ْسل ُمو َن"‪َ ،‬فَقاُلوا‪َ :‬‬ ‫‪40‬‬
‫‪164‬‬ ‫ْس ُه‪"...‬‬ ‫َّللاِ بايِعه‪َ ،‬فَقال‪" :‬هو ِ‬
‫صغ ٌير َف َم َس َح َأر َ‬ ‫َ َُ َ‬ ‫ول َّ َ ْ ُ‬ ‫" َيا َرُس َ‬ ‫‪41‬‬
‫‪165‬‬ ‫الر ْح َم ِن‪"...‬‬ ‫َس َم ِائ ُك ْم ِإَلى هللاِ َع ْبُد هللاِ َو َع ْبُد َّ‬ ‫َح َّب أ ْ‬ ‫"إ َّن أ َ‬
‫ِ‬ ‫‪42‬‬
‫‪166‬‬ ‫اح َة‪"...‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫"تصَّدق عَلي أَِبي ِببع ِ ِ ِ‬
‫ض َماله‪َ ،‬فَقاَل ْع أُمي َع ْم َرةُ ب ْن ُع َرَو َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ َ َ َّ‬ ‫‪43‬‬
‫‪168‬‬ ‫َّة‪"...‬‬ ‫النِبي صَّلى هللا عَلي ِه وسَّلم ِآل ِل حزٍم ِفي رْقي ِة اْلحي ِ‬ ‫" َرَّخ َ َّ‬
‫َُ َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ َ ْ ََ َ‬ ‫ص ُّ َ‬ ‫‪44‬‬
‫‪168‬‬ ‫ام ِة‪"...‬‬ ‫َّللاِ التَّ َّ‬
‫ات َّ‬ ‫اعيل وإِسحاق‪ :‬أَعوُذ ِب َكلِم ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ان ُي َع ِوُذ ِب َها ِإ ْس َم َ َ ْ َ َ ُ‬ ‫اك َما َك َ‬ ‫"ِإ َّن أ ََب ُ‬ ‫‪45‬‬
‫ال‪َ :‬ح ِس ْب ُع‪"...‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫النِب ُّي َّ‬
‫‪169‬‬ ‫ين ‪َ-‬ق َ‬ ‫ان ُمْقِبل َ‬ ‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم الن َسا َء َوالص ْب َي َ‬ ‫َ‬
‫"لما أتى َّ‬ ‫‪46‬‬
‫‪169‬‬ ‫ُكلِ ُم ُه‪"...‬‬‫الن َه ِار‪ ،‬الَ ُي َكلِ ُمِني َوالَ أ َ‬ ‫ط ِائَف ِة َّ‬ ‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم ِفي َ‬ ‫َِّ‬
‫" َخ َرَج النب ُّي َ‬ ‫‪47‬‬
‫ال‪ِ :‬م َّم ْن أ َْنع‪"...‬‬ ‫الب ُع ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪170‬‬ ‫وض‪َ ،‬فَق َ‬ ‫" ُك ْن ُع َشاهًدا ال ْب ِن ُع َم َر‪َ ،‬و َسأََل ُه َرُج ٌل َع ْن َد ِم َ‬ ‫‪48‬‬
‫‪171‬‬ ‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّم‪"...‬‬ ‫َّللا َ‬
‫"ض َّمِني رسول َّ ِ‬
‫َُ ُ‬ ‫َ‬ ‫‪49‬‬
‫‪171‬‬ ‫استَْقَبَل ْت ُه أُ َغْيِل َم ُة‪"...‬‬ ‫ِ َّ َّ‬ ‫النِب ُّي َّ‬ ‫"ل َّما َقِدم َّ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َمك َة‪ْ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪50‬‬
‫‪171‬‬ ‫َه ِل‪"...‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ول هللا صلى هللاُ َعَل ْيه وسلم ِإ َذا َقدم م ْن سَف ٍر ُتُلقي ِبص ْب َي ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ان أ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫ان َرُس ُ‬ ‫" َك َ‬ ‫‪51‬‬
‫‪172‬‬ ‫ان َل َها‪َ ،‬ف َسأََل ْتِني َفَل ْم تَ ِج ْد ِع ْنِدي َش ْيًئا َغ ْي َر تَ ْم َ ٍرة ‪"...‬‬ ‫ام َأرَةٌ‪ ،‬وم َع َها ْاب َنتَ ِ‬
‫اء ْتني ْ َ َ‬
‫"ج ِ‬
‫َ َ‬ ‫‪52‬‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪173‬‬ ‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪"...‬‬ ‫ُك ْن ُع أَْل َع ُب باْل َب َنات ع ْن َد النب ِي َ‬ ‫‪53‬‬
‫‪173 ،42‬‬ ‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم ِبَق َد ٍح‪َ ،‬ف َش ِر َب ِم ْن ُه‪"...‬‬ ‫ِ َِّ‬
‫"أُت َي النب ُّي َ‬ ‫‪54‬‬
‫‪242‬‬
‫‪174‬‬ ‫ين ِبِإ ْذ ِن َربِ َها‪"...‬‬ ‫ُكَل َها ُك َّل ِح ٍ‬ ‫الم ْسلِمِ‪ ،‬تُ ْؤِتي أ ُ‬ ‫"أ ْ ِ ِ ِ ٍ‬
‫َخب ُروني ب َش َج َرة َمَاُل َها َمَا ُل ُ‬ ‫‪55‬‬
‫‪176‬‬ ‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم ُيَقِب ُل اْل َح َس َن‪"...‬‬ ‫َِّ‬
‫ص َر النب َّي َ‬
‫ِ ٍ‬
‫ع ْب َن َحابس‪ ،‬أ َْب َ‬ ‫"أَ َّن ْاألَْق َر َ‬ ‫‪56‬‬
‫‪176‬‬ ‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسَّل َم‪"...،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َع َراب َعَلى َرُسول هللا َ‬
‫اس ِم َن ْاأل ْ ِ‬ ‫"َقد َم َن ٌ‬
‫ِ‬ ‫‪57‬‬
‫‪177‬‬ ‫ْخ ُذِني َفُيْق ِعُدِني َعَلى َف ِخِذِه‪"...‬‬ ‫ِ َّ‬ ‫َّللاِ َّ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َيأ ُ‬ ‫ول َّ َ‬ ‫ان َرُس ُ‬ ‫" َك َ‬ ‫‪58‬‬
‫‪177‬‬ ‫الص ِغ َير‪"...‬‬ ‫يه ُم َّ‬ ‫الناس‪َ ،‬فْلُي َخ ِف ْف‪َ ،‬فِإ َّن ِف ِ‬
‫َحُد ُك ُم َّ َ‬ ‫”إ َذا أ ََّم أ َ‬
‫ِ‬ ‫‪59‬‬
‫‪177‬‬ ‫َخ‪"...‬‬‫ان لِي أ ٌ‬ ‫الن ِ‬ ‫َحس َن َّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫" َكان رسول هللاِ َّ‬
‫اس ُخُلًقا‪َ ،‬وَك َ‬ ‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم أ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫‪60‬‬
‫‪178‬‬ ‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم‪َ " :‬يا َذا ْاألُ ُذ َن ْي ِن"‪"...‬‬ ‫"َقال لِي رسول َّ ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫َُ ُ‬ ‫َ‬ ‫‪61‬‬
‫‪178‬‬ ‫صلَّى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم َم َّج ًة‪"...‬‬ ‫ِ َِّ‬
‫" َعَقْل ُع م َن النب ِي َ‬ ‫‪62‬‬
‫‪179‬‬ ‫صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه َو َسلَّ َم‪َ ،‬ف َد َخ َل‪"...‬‬ ‫ول َّ ِ‬
‫َّللا َ‬
‫" ُك ْن ُع ُغالَما أَم ِشي مع رس ِ‬
‫ََ َُ‬ ‫ً ْ‬ ‫‪63‬‬
‫‪179‬‬ ‫ِ‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْيه َو َسَّلم‪َ ،‬فَقاَل ْع‪"...‬‬ ‫ِ‬ ‫" َذهب ْع ِبي َخاَلِتي ِإَلى رس ِ‬
‫َّللا َ‬ ‫ول َّ‬ ‫َُ‬ ‫ََ‬ ‫‪64‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صَّلى هللاُ َعَل ْيه َو َسَّل َم َع ِن َّ‬ ‫َن رج ًال سأ َِّ‬
‫‪179‬‬ ‫اع ُة‪"...‬‬
‫الس َ‬
‫ال‪َ :‬متَى َّ‬ ‫اعة‪َ ،‬فَق َ‬ ‫الس َ‬ ‫َل النب َّي َ‬ ‫"أ َّ َ ُ َ َ‬ ‫‪65‬‬
‫‪180‬‬ ‫ان‪"...‬‬ ‫ول هللاِ صَّلى هللاُ َعَل ْي ِه وسَّلم‪ ،‬وأ ََنا أَْل َع ُب م َع اْل ِغْلم ِ‬ ‫"أَتَى َعَل َّي َرُس ُ‬ ‫‪66‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫َّللاِ َّ‬
‫‪181‬‬ ‫َصَف ُر‪"...‬‬ ‫يص أ ْ‬ ‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َم َع أَِبي َو َعَل َّي َقم ٌ‬ ‫ول َّ َ‬ ‫"أَتَ ْي ُع َرُس َ‬ ‫‪67‬‬
‫ِ َّ‬ ‫النِب َّي َّ‬ ‫ان ُغالَم َيه ِ‬
‫‪183‬‬ ‫ض‪"...‬‬ ‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪َ ،‬ف َم ِر َ‬ ‫َ‬
‫ودي َي ْخُدم َّ‬
‫ُ‬ ‫ٌ ُ‬ ‫" َك َ‬ ‫‪68‬‬
‫‪185‬‬ ‫ض‪"...‬‬ ‫ِ َّ‬ ‫النِب ِي َّ‬ ‫ان م َع َّ‬ ‫ِِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم‪َ ،‬و ُه َو أ َْب َغ ُ‬ ‫َ‬ ‫" َخ َر ْج ُع في َع َش َرة ف ْت َي َ‬ ‫‪69‬‬
‫‪186‬‬ ‫النِب ِي صلى هللا عليه وسلم‪"...‬‬ ‫الح ِار ِث َزْو ِج َّ‬ ‫"ِب ُّع ِفي بي ِع خاَلِتي ميم ِ ِ‬
‫ون َة ب ْنع َ‬ ‫َْ ُ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫‪70‬‬
‫‪186 ،140‬‬ ‫ين‪"...‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫النِب َّي َّ‬ ‫" َخ َد ْم ُع َّ‬
‫صلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َع ْش َر سن َ‬ ‫َ‬ ‫‪71‬‬
‫‪188‬‬ ‫ين ُبِني َعَل َّي‪َ ،‬ف َجَل َس َعَلى ِف َر ِاشي‪"...‬‬ ‫صَّلى هللا علي ِه وسَّلم فدخل ِح‬ ‫"ج َِّ‬
‫اء النب ُّي َ‬ ‫‪72‬‬
‫ُ َ َْ َ َ َ ََ َ َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ين‪ ،‬و ُغ َالم ِم َن ْاأل َْنص ِار‪َ ،‬ف َن َادى اْلمه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪189‬‬ ‫اجر‪"...‬‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫ان ُغ َال ٌم م َن اْل ُم َهاج ِر َ َ ٌ‬ ‫"ا ْقتََت َل ُغ َالم ِ‬
‫َ‬ ‫‪73‬‬

‫‪243‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫القرآن الكريم‬

‫‪ -‬مصطفى‪ ،‬إبراهيم والزيات‪ ،‬أحمد وعبد القادر‪ ،‬حامد والنجار‪ ،‬محمد‪ ،‬المعجم الوسيط‪ ،‬دار‬

‫الدعوة –القاهرة‪.‬‬

‫‪ -‬أزادا‪ ،‬جورج وريموندجي‪ ،‬كورسيني‪ ،‬نظريات التعلم‪ :‬دارسة مقارنة‪ ،‬ترجمة علي حسين‬

‫حجاج وعطية محمد هنا‪ .‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬عدد ‪ ،70‬الكويع‪.1983 ،‬‬

‫‪ -‬إمام‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬دراسات في الفن الصحفي‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرية‪.‬‬

‫‪ -‬بالي‪ ،‬وحيد بن عبد السالم‪ ،‬الطريق إلى الولد الصالح‪ ،‬دار الضياء للنشر والتوزيع‬

‫–السعودية‪.‬‬

‫‪ -‬البخاري‪ ،‬محمد بن إسماعيل أبو عبد هللا‪ ،‬الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وسننه وأيامه =صحيح البخاري‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد زهير بن‬

‫ناصر الناصر‪ ،‬دار طوق النجاة‪( ،‬ط‪1422 /1‬هت)‪.‬‬

‫‪ -‬البعلي‪ ،‬محمد بن علي بن أحمد بن عمر بن يعلى‪ ،‬أبو عبد هللا‪ ،‬بدر الدين البعلي (ت‪:‬‬
‫‪778‬هت)‪ ،‬مختصر الفتاوى المصرية ًلبن تيمية‪ ،‬المحقق‪ :‬عبد المجيد سليم ‪-‬محمد حامد‬
‫الفقي‪ ،‬مطبعة السنة المحمدية ‪-‬تصوير دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ -‬البغوي‪ ،‬محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود (ت‪510 :‬هت)‪ ،‬معالم التنزيل في تفسير‬

‫القرآن (تفسير البغوي)‪ ،‬حققه وخرج أحادياه‪ :‬محمد عبد هللا النمر‪ ،‬عامان جمعة ضميرية‪،‬‬

‫سليمان مسلم الحرش‪ ،‬دار طيبة للنشر والتوزيع‪( ،‬ط‪1417 /4‬هت‪1997-‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬بكار‪ ،‬عبد الكريم‪ ،‬القواعد العشر في تربية األبناء‪ ،‬دار وجوه للنشر والتوزيع‪-‬الرياض‪،‬‬

‫(ط‪2011 4،‬م)‪.‬‬

‫‪244‬‬
‫‪ -‬ابن بطال‪ ،‬أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك (ت‪449 :‬هت)‪ ،‬شرح صحيح البخاري‪،‬‬

‫تحقيق‪ :‬أبو تميم ياسر بن إبراهيم‪ ،‬مكتبة الرشد ‪-‬السعودية‪ ،‬الرياض‪( ،‬ط‪1423 ،2‬هت‪-‬‬
‫‪2003‬م)‪.‬‬

‫العًلوي األثيوبي ال َه َرري‬


‫‪ -‬البوطي‪ ،‬محمد األمين بن عبد هللا بن يوسف بن حسن األُرمي َ‬
‫الكري‪ ،‬شرح سنن ابن ماجة المسمى (مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه‬
‫والقول المكتفى على سنن المصطفى)‪ ،‬مراجعة لجنة من العلماء برئاسة‪ :‬هاشم محمد علي‬

‫حسين مهدي‪ ،‬دار المنهاج‪ ،‬المملكة العربية السعودية –جدة‪( ،‬ط‪1439 /4‬هت‪2018-‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬الترمذي‪ ،‬محمد بن عيسى بن َس ْورة بن موسى بن الضحاك‪( ،‬ت‪279 :‬هت)‪ ،‬جامع الترمذي‪،‬‬

‫تحقيق وتعليق‪ :‬أحمد محمد شاكر‪ ،‬ومحمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬وإبراهيم عطوة عوض المدرس‬
‫في األزهر الشريف‪ ،‬شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي –مصر‪( ،‬ط‪1395 /2‬هت‪-‬‬
‫‪1975‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدي ن أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم الحنبلي الدمشقي‪،‬‬
‫(ت‪728 :‬هت)‪ ،‬الصارم المسلول على شاتم الرسول‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد محي الدين عبد الحميد‪،‬‬

‫الحرس الوطني السعودي ‪-‬المملكة العربية السعودية‪.‬‬

‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السالم بن عبد هللا بن أبي‬
‫القاسم بن محمد الحراني الحنبلي الدمشقي (ت‪728 :‬هت)‪ ،‬الفتاوى الكبرى‪ ،‬دار الكتب‬

‫العلمية‪( ،‬ط‪1408 /1‬هت‪1987-‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬الجريبة‪ ،‬ليلى بنع عبد الرحمن‪ ،‬كيف تربي ولدك‪ ،‬الكتاب منشور على موقع وزارة األوقاف‬
‫السعودية بدون بيانات‪.‬‬

‫‪ -‬الجصاص‪ ،‬أحمد بن علي أبو بكر الرازي الحنفي (ت‪370 :‬هت)‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد‬

‫السالم محمد علي شاهين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت –لبنان‪( ،‬ط‪1415 /1‬هت)‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫‪ -‬الحاكم‪ ،‬ألبي عبد هللا الحاكم النيسابوري (ت‪405 :‬هت)‪ ،‬المستدرك على الصحيحين‪ .‬تحقيق‪:‬‬

‫مصطفى عبد القادر عطا‪( ،‬ط‪ ،)1990–1411 /1‬دار الكتب العلمية –بيروت‪.‬‬

‫‪ -‬حطيبة‪ ،‬أحمد‪ ،‬تفسير الشيخ أحمد حطيبة‪ ،‬دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة‬

‫اإلسالمية‪www.islamweb.net .‬‬

‫‪ -‬ابن حجر‪ ،‬أحمد بن علي أبو الفضل العسقالني‪ ،‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،‬رقم‬

‫كتبه وأبوابه وأحادياه‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه‪:‬‬
‫محب الدين الخطيب‪ ،‬دار المعرفة ‪-‬بيروت‪1379 ،‬ه‪.‬‬

‫‪ -‬أبو حسن‪ ،‬عبد العزيز عبد المحسن محمد‪ :‬القواعد اًلخالقية للمجتمع المسلم في سورتي‬
‫لقمان والحجرات من خالل وصايا لقمان‪( ،‬رسالة ماجستير) جامعة أم القرى ‪-‬المملكة‬

‫العربية السعودية‪2001 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الحكمي‪ ،‬حافظ بن أحمد بن علي (ت‪1377 :‬هت)‪ ،‬أعالم السنة المنشورة ًلعتقاد الطائفة‬
‫الناجية المنصورة (الكتاب نشر ‪-‬أيضا‪ -‬بعنوان‪ 200 :‬سؤال وجواب في العقيدة‬
‫اًلسالمية)‪ ،‬تحقيق‪ :‬حازم القاضي‪ ،‬و ازرة الشؤون اإلسالمية واألوقاف والدعوة واإلرشاد ‪-‬‬

‫المملكة العربية السعودية‪( ،‬ط‪1422 /2‬هت)‪.‬‬

‫‪ -‬الحوالي‪ ،‬سفر بن عبد الرحمن الحوالي‪ ،‬ظاهرة اإلرجاء في الفكر اإلسالمي‪ ،‬بإشراف األستاذ‪:‬‬

‫محمد قطب‪ ،‬دار الكلمة‪( ،‬ط‪1420 ،1‬هت‪1999-‬م)‪،‬‬

‫‪ -‬الخضير‪ ،‬عبد الكريم بن عبد هللا بن عبد الرحمن بن حمد‪ ،‬شرح مقدمة سنن ابن ماجه‪،‬‬

‫دروس مفرغة من موقع الشيخ الخضير‪.‬‬

‫‪ -‬الخطيب‪ ،‬عبد الكريم يونس الخطيب (ت‪ :‬بعد ‪1390‬هت)‪ ،‬التفسير القرآني للقرآن‪ ،‬دار‬

‫الفكر العربي –القاهرة‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫‪ -‬ابن خلدون‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد بن محمد‪ ،‬ابن خلدون أبو زيد‪ ،‬ولي الدين الحضرمي‬
‫اإلشبيلي (ت‪808 :‬هت)‪ ،‬ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من‬
‫ذوي الشأن األكبر‪( ،‬تاريخ ابن خلدون)‪ ،‬تحقيق‪ :‬خليل شحادة‪ ،‬دار الفكر ‪-‬بيروت‪( ،‬ط‪/2‬‬

‫‪1408‬هت‪1988-‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬خيري‪ ،‬سيد‪ ،‬النمو الجسمي في مرحلة الطفولة‪ ،‬مجلة عالم الفكر‪ ،‬تصدر عن و ازرة االعالم‬

‫في الكويع‪1990( ،‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬أبو داود‪ ،‬سليمان بن األشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو األزدي الس ِج ْستاني‪،‬‬
‫(ت‪275 :‬هت)‪ ،‬سنن أبي داود‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬المكتبة العصرية ‪-‬‬

‫بيروت‪.‬‬

‫‪ -‬داود‪ ،‬عبد الباري محمد‪ ،‬الطفولة في الميزان العالمي‪ ،‬مكتبة اإلشعاع الفنية‪-‬القاهرة‪( ،‬ط‪/1‬‬

‫‪.)2003‬‬

‫‪ -‬دروزة‪ ،‬أفنان‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬دار الفاروق ‪-‬فلسطين‪( ،‬ط‪1/2014‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬الدوري‪ ،‬أيمن جاسم‪ ،‬المنهج التحفيزي في ضوء للسنة النبوية‪ ،‬جامعة قطر‪ ،‬كلية الشريعة‬

‫والدراسات اإلسالمية‪ ،‬مجلة كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية‪ ،‬نصف سنوية ‪-‬علمية‬
‫محكمة‪ ،‬المجلد‪ ،31 :‬العدد‪2013 ،2 :‬م‪.‬‬

‫‪ -‬دويكات‪ ،‬سعيد إبراهيم‪ ،‬الترغيب والترهيب دروس تربوية مختارة‪ ،‬الجامعة اإلسالمية العالمية‬

‫–ماليزيا‪.)2016( ،‬‬

‫‪ -‬الرازي‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪( ،‬ت‪:‬‬

‫‪606‬هت)‪ ،‬دار إحياء التراث العربي –بيروت‪( ،‬ط‪1420-3‬ه)‪.‬‬

‫‪ -‬رضا‪ ،‬محمد رشيد بن علي (ت‪1354 :‬هت)‪ ،‬تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)‪ ،‬الهيئة‬
‫المصرية العامة للكتاب –القاهرة‪.‬‬

‫‪247‬‬
‫‪ -‬ابن رجب الحنبلي‪ ،‬زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين البغدادي‪ ،‬جامع‬

‫العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرناؤوط‪ ،‬إبراهيم‬

‫باجس‪ ،‬مؤسسة الر سالة ‪-‬بيروت‪( ،‬ط‪1417 /7‬هت)‪.‬‬

‫‪ -‬ابن رسالن‪ ،‬شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حسين بن علي (ت‪844 :‬ه)‪ ،‬شرح سنن‬

‫أبي داود‪ ،‬تحقيق‪ :‬عدد من الباحاين بدار الفالح بإشراف خالد الرباط‪ ،‬دار الفالح للبحث‬

‫العلمي وتحقيق التراث ‪-‬مصر‪( ،‬ط‪1437 /1‬ه‪2016-‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬الزبيدي‪ ،‬محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني‪ ،‬أبو الفيض‪ ،‬الملقب بمرتضى (ت‪:‬‬
‫‪1205‬هت)‪ ،‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬تحقيق‪ :‬مجموعة من المحققين‪ ،‬دار الهداية‪.‬‬

‫‪ -‬الزجاج‪ ،‬إبراهيم بن السري بن سهل‪ ،‬أبو إسحاق (ت‪311 :‬هت)‪ ،‬معاني القرآن وإعرابه‪،‬‬

‫المحقق‪ :‬عبد الجليل عبده شلبي‪ ،‬عالم الكتب –بيروت‪( ،‬ط‪1408 /1‬هت‪1988-‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬الزركلي‪ ،‬خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس‪( ،‬ت‪1396 :‬هت)‪ ،‬األعالم‪ ،‬دار‬

‫العلم للماليين‪( ،‬ط‪2002 /15‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬زريق‪ ،‬معروف‪ ،‬علم النفس اإلسالمي‪ ،‬دار المعرفة ‪-‬دمشق‪( ،‬ط‪1989/1‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬الزغلول‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬دار الشروق ‪-‬عمان‪( ،‬ط‪2003/1‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬الزغلول‪ ،‬عماد عبد الرحيم‪ ،‬مبادئ علم النفس التربوي‪ ،‬دار المسيرة ‪-‬عمان‪،‬‬
‫(ط‪2011/3‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬الزمخشري‪ ،‬أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد‪( ،‬ت‪538 :‬هت)‪ ،‬الكشاف عن حقائق‬
‫غوامض التنزيل‪ ،‬دار الكتاب العربي –بيروت‪( ،‬ط‪1407/3‬ه)‪.‬‬

‫‪ -‬زهران‪ ،‬حامد عبد السالم‪ ،‬علم نفس النمو‪ ،‬دار عالم الكتب‪ ،‬ط‪.4‬‬

‫‪248‬‬
‫‪ -‬األزهري‪ ،‬منصور بن محمد‪ ،‬معجم تهذيب اللغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬رياض زكي قاسم‪ ،‬دار الفكر ‪-‬‬

‫بيروت‪1422( ،‬ه)‪.‬‬

‫‪ -‬السامرائي‪ ،‬فاضل صالح‪ ،‬بالغة الكلمة في التعبير القرآني‪ ،‬شركة العاتك لصناعة الكتاب‬

‫للطباعة والنشر ‪-‬القاهرة‪( ،‬ط‪1427/2‬هت)‪.‬‬

‫‪ -‬ابن سعد‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن سعد بن منيع الهاشمي‪( ،‬ت‪230 :‬ه)‪ ،‬الطبقات الكبرى‪،‬‬

‫تحقيق‪ :‬محمد عبد القادر عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية –بيروت‪( ،‬ط‪1410 /1‬ه‪1990-‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬أبو سعد‪ ،‬مصطفى‪ ،‬الألطفال المزعجون‪ ،‬شركة اإلبداع الفكري ‪-‬الكويع‪( ،‬ط‪2009 /5‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬السعدي‪ ،‬عبد الرحمن بن ناصر بن عبد هللا (ت‪1376 :‬هت)‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في‬
‫تفسير كالم المنان (تفسير السعدي)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن بن معال اللويحق‪ ،‬مؤسسة‬

‫الرسالة‪( ،‬ط‪1420/1‬هت)‪.‬‬

‫‪ -‬أبو السعود‪ ،‬العمادي محمد بن محمد بن مصطفى (ت‪982 :‬هت)‪ ،‬تفسير أبي السعود‪،‬‬
‫(إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم)‪ ،‬دار إحياء التراث العربي –بيروت‪.‬‬

‫‪ -‬سكر‪ ،‬علي والقنطار‪ ،‬فايز‪ ،‬مدخل إلى علم النفس التربوي‪ ،‬مكتبة الفالح ‪-‬الكويع‪،‬‬

‫(ط‪2005/1‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬سمارة‪ ،‬عزيز‪ ،‬وعصام النمر‪ ،‬وهشام الحسن‪ ،‬سيكيولوجية الطفولة‪ ،‬دار الفكر‪-‬عمان‪،‬‬
‫(ط‪1989/1‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬السمرقندي‪ ،‬أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم (ت‪373 :‬هت)‪ ،‬بحر العلوم‪.‬‬

‫‪ -‬ابن سيدة‪ ،‬أبو الحسن علي بن إسماعيل المرسي (ت‪458 :‬هت)‪ ،‬المخصص‪ ،‬تحقيق‪ :‬خليل‬

‫إبراهيم جفال‪ ،‬دار إحياء التراث العربي ‪-‬بيروت‪( ،‬ط‪1417/1‬ه‪1996-‬م)‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫‪ -‬سير رتشرد لفنجستون‪ ،‬التربية لعالم حائر‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد بدران‪ ،‬ويدع الضبع‪ ،‬مكتبة‬

‫النهضة المصرية‪ ،‬القاهرة‪1948 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬السيوطي‪ ،‬عبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬جالل الدين (ت‪911 :‬هت)‪ ،‬الديباج على صحيح مسلم‬
‫بن الحجاج‪ ،‬حقق أصله‪ ،‬وعلق عليه‪ :‬أبو اسحق الحويني األثري‪ ،‬دار ابن عفان للنشر‬

‫والتوزيع ‪-‬المملكة العربية السعودية‪( ،‬ط‪1416/1‬هت)‪.‬‬

‫‪ -‬الشرقاوي‪ ،‬حسن محمد‪ ،‬نحو علم نفس إسالمي‪ ،‬مؤسسة شباب الجامعة‪.1984 ،‬‬

‫‪ -‬الشريدة‪ ،‬محمد حافظ‪ ،‬البيطار‪ ،‬ليلى‪ ،‬رعاية الطفولة المبكرة في ضوء المنهج اإلسالمي‪،‬‬

‫دار المناهج للنشر والتوزيع ‪-‬عمان‪( ،‬ط‪2014 1،‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬الشريفين‪ ،‬عماد عبد هللا محمد‪ ،‬تعديل السلوك اإلنساني في التربية اإلسالمية‪ ،‬رسالة‬

‫ماجستير‪ ،‬جامعة اليرموك ‪-‬األردن‪2002( ،‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬الشعراوي‪ ،‬محمد متولي (ت‪1418 :‬هت)‪ ،‬تفسير الشعراوي –الخواطر‪ ،‬مطابع أخبار اليوم‪.‬‬

‫‪ -‬الشيباني‪ ،‬عمر التومي‪ ،‬فلسفة التربية اإلسالمية‪ ،‬الدار العربية للكتاب ‪-‬ليبيا‪1988 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الطبري‪ ،‬محمد بن جرير بن يزيد بن كاير‪( ،‬ت‪ ،)310:‬جامع البيان في تأويل القرآن‬

‫القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد محمد شاكر‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪( ،‬ط‪1420/1‬ه)‪.‬‬

‫‪ -‬ابن عاشور‪ ،‬محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر (ت‪1393 :‬هت)‪ ،‬التحرير والتنوير‪،‬‬
‫الدار التونسية للنشر –تونس‪1984( ،‬ه)‪.‬‬

‫‪ -‬ابن عباد‪ ،‬العباد‪ ،‬عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد هللا بن حمد البدر‪ ،‬شرح‬
‫سنن أبي داود‪ ،‬مصدر الكتاب‪ :‬دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة اإلسالمية‪،‬‬

‫‪.www.islamweb.net‬‬

‫‪ -‬آل عبد هللا‪ ،‬محمد بن محمود‪ ،‬دليل اآلباء في معرفة األبناء‪ ،‬دار الوفاء‪2016( ،‬م)‪.‬‬

‫‪250‬‬
‫‪ -‬آل عرعور‪ ،‬عدنان بن محمد‪ ،‬جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية‬
‫والدراسات اإلسالمية المعاصرة‪ ،‬منهج الدعوة في ضوء الواقع المعاصر‪( ،‬ط‪ 1426 /1‬هت‪-‬‬

‫‪2005‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬عبد الرحمن‪ ،‬محمد السيد‪ ،‬نظريات الشخصية‪ ،‬دار قباء ‪-‬القاهرة‪.1998 ،‬‬

‫‪ -‬عبد الكريم‪ ،‬زينب‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬دار أسامة للنشر والتوزيع ‪-‬عمان‪2009 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬عبد اللطيف‪ ،‬مريم محمد جمعة‪ ،‬رسالة ماجستير بعنوان‪ :‬القواعد األخالقية للمجتمع المسلم‬
‫في سورتي لقمان والحجرات دراسة موضوعية مقارنة‪ ،‬جامعة الخليل ‪-‬فلسطين‪2017 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬عبد الهادي‪ ،‬عبد العزيز مخيمر‪ ،‬حماية الطفولة في القانون الدولي والشريعة اإلسالمية‪،‬‬

‫دار النهضة العربية‪1991( ،‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬عبد الوهاب‪ ،‬سليمان بن عبد هللا بن محمد بن (ت‪1233 :‬هت)‪ ،‬التوضيح عن توحيد الخالق‬
‫في جواب أهل العراق وتذكرة أولي األلباب في طريقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬دار‬

‫طيبة ‪-‬الرياض‪( ،‬ط‪1404 /1‬هت‪1984-‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬العسكري‪ ،‬أبو هالل الحسن بن عبد هللا بن سهل بن سعيد بن يحيى (ت‪ :‬نحو ‪395‬هت)‪،‬‬
‫الفروق اللغوية‪ ،‬حققه وعلق عليه‪ :‬محمد إبراهيم سليم‪ ،‬دار العلم والاقافة للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫القاهرة –مصر‪.‬‬

‫‪ -‬ابن عطية‪ ،‬أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام األندلسي المحاربي (ت‪:‬‬
‫‪542‬هت)‪ ،‬المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المحقق‪ :‬عبد السالم عبد الشافي محمد‪،‬‬

‫دار الكتب العلمية –بيروت‪( ،‬ط‪1422/1‬هت)‪.‬‬

‫‪ -‬علوان‪ ،‬عبد هللا صالح‪ ،‬تربية األوًلد في اإلسالم‪ ،‬دار السالم ‪-‬بيروت‪( ،‬ط‪.)1978/1‬‬

‫‪251‬‬
‫اله َرري‪ ،‬الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم‪،‬‬
‫‪ -‬العلوي‪ ،‬محمد األمين بن عبد هللا األ َُرمي َ‬
‫مراجعة‪ :‬لجنة من العلماء برئاسة البرفسور هاشم محمد علي مهدي‪ ،‬دار المنهاج ‪-‬دار‬
‫طوق النجاة‪( ،‬ط‪1430 /1‬هت‪2009-‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬علي‪ ،‬سعيد اسماعيل‪ ،‬القران الكريم رؤية تربوية‪ ،‬دار الفكر العربي ‪-‬القاهرة‪( ،‬ط‪/1‬‬

‫‪2000‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬عليان‪ ،‬هشام‪ ،‬وهندي‪ ،‬صالح‪ ،‬وكوافحة‪ ،‬تيسير‪ ،‬الممحص في علم النفس التربوي‪ ،‬جمعية‬
‫عمال المطابع التعاونية ‪-‬عمان‪( ،‬ط‪1987/3‬م)‪ ،‬مقتبس من كتاب بني خالد‪ ،‬والتح‪ ،‬علم‬

‫النفس التربوي‪ ،‬دار أوائل النشر ‪-‬عمان‪( ،‬ط‪.)2012/1‬‬

‫‪ -‬عمر‪ ،‬أحمد مختار عبد الحميد (ت‪1424 :‬هت) بمساعدة فريق عمل‪ ،‬معجم اللغة العربية‬
‫المعاصرة‪ ،‬عالم الكتب‪( ،‬ط‪1429 /1‬هت‪2008-‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬عمر‪ ،‬عمر أحمد‪ ،‬منهج التربية في القرآن والسنة‪ ،‬راجعه وقدم له‪ :‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬دار‬

‫المعرفة‪.‬‬

‫‪ -‬العيني‪ ،‬أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى بدر الدين‬
‫(ت‪855 :‬هت)‪ ،‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪ ،‬دار إحياء التراث العربي –بيروت‪.‬‬

‫‪ -‬الغزالي‪ ،‬أبو حامد محمد بن محمد الطوسي (ت‪505 :‬هت)‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬دار المعرفة‬

‫–بيروت‪.‬‬

‫‪ -‬الغزالي‪ ،‬أبو حامد محمد بن محمد الطوسي (ت‪505 :‬هت)‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬دار المعرفة‬

‫–بيروت‪.‬‬

‫‪ -‬غلوش‪ ،‬أحمد أحمد‪ ،‬دعوة الرسل عليهم السالم‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪( ،‬ط‪1423 /1‬هت‪-‬‬

‫‪2002‬م)‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫‪ -‬الفارابي‪ ،‬أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري‪( ،‬ت‪393 :‬هت)‪ ،‬الصحاح تاج اللغة وصحاح‬

‫العربية‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد عبد الغفور عطار‪ ،‬دار العلم للماليين –بيروت‪( ،‬ط‪1407 /4‬هت‪-‬‬

‫‪1987‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬ابن فارس‪ ،‬أحمد بن زكرياء القزويني الرازي‪ ،‬أبو الحسين (ات‪395 :‬هت)‪ ،‬معجم مقاييس‬

‫اللغة‪ ،‬المحقق‪ :‬عبد السالم محمد هارون‪ ،‬دار الفكر‪1399( ،‬هت‪1979-‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬ابن فارس‪ ،‬أحمد بن زكرياء القزويني الرازي‪ ،‬أبو الحسين (ت‪395 :‬هت)‪ ،‬مجمل اللغة ًلبن‬
‫فارس‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬زهير عبد المحسن سلطان‪ ،‬مؤسسة الرسالة –بيروت‪،‬‬

‫(ط‪1406/2‬هت‪1986-‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬الفاروقي‪ ،‬محمد بن علي ابن القاضي‪ ،‬موسوعة كشاف اصطالحات الفنون والعلوم‪ ،‬ت‪:‬‬

‫د‪ .‬علي دحروج‪ ،‬مكتبة لبنان ناشرون –بيروت‪ .‬ط‪1996 ،1‬م‪.‬‬

‫‪ -‬أبو الفضل‪ ،‬زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم‬
‫العراقي (المتوفى‪806 :‬هت)‪ ،‬طرح التثريب في شرح التقريب‪ ،‬أكمله ابنه‪ :‬أحمد بن عبد‬

‫الرحيم بن الحسين الكردي ال ارزياني ثم المصري‪ ،‬أبو زرعة ولي الدين‪ ،‬ابن العراقي‪ ،‬دار‬
‫إحياء التراث العربي‪ ،‬ومؤسسة التاريخ العربي‪ ،‬ودار الفكر العربي‪.‬‬

‫‪ -‬ابن أبي الفضل‪ ،‬محمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل البعلي‪ ،‬أبو عبد هللا‪ ،‬شمس الدين (ت‪:‬‬
‫‪709‬هت)‪ ،‬المطلع على ألفاظ المقنع‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمود األرناؤوط وياسين محمود الخطيب‪،‬‬

‫مكتبة السوادي للتوزيع‪( ،‬ط‪1423/1‬هت‪2003-‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬فهمي‪ ،‬محمد سبف الدين‪ ،‬النظرية التربوية وأصولها النفسية‪ ،‬د‪.‬ط‪ 1982 .‬األنجلو‬

‫المصرية ‪-‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ -‬أبو حويج‪ ،‬مروان‪ ،‬أبوب مغلي‪ ،‬سمير‪ ،‬المدخل الى علم النفس التربوي‪ ،‬دار اليازوري‬

‫العلمية للنشر والتوزيع ‪-‬عمان‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫‪ -‬فيليب فينكس؛ فلسفة التربية‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد لبيب النجيحي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬

‫‪1982‬م‪.‬‬

‫‪ -‬القاضي أبو يعلى‪ ،‬محمد بن الحسين بن محمد بن خلف ابن الفراء (ت‪458 :‬هت)‪ ،‬العدة‬
‫في أصول الفقه‪ ،‬حققه وعلق عليه وخرج نصه‪ :‬أحمد بن علي بن سير المباركي‪ ،‬األستاذ‬

‫المشارك في كلية الشريعة بالرياض ‪-‬جامعة الملك محمد بن سعود اإلسالمية‪،‬‬


‫(ط‪1410/2‬ه‪1990-‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬القرشي‪ ،‬باقر شريف‪ ،‬النظام التربوي في اإلسالم‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي‬

‫‪ -‬القرطبي‪ ،‬أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي‪( ،‬ت‪656 :‬ه)‪ ،‬المفهم لما أشكل‬
‫من تلخيص كتاب مسلم‪ ،‬حققه وعلق عليه وقدم له‪ :‬محيي الدين ديب ميستو‪ ،‬أحمد محمد‬

‫السيد‪ ،‬يوسف علي بديوي‪ ،‬محمود إبراهيم بزال‪ ،‬دار ابن كاير‪ ،‬دمشق ‪-‬بيروت‪ ،‬ودار الكلم‬
‫الطيب‪ ،‬دمشق ‪-‬بيروت‪( ،‬ط‪1417 /1‬ه)‪.‬‬

‫‪ -‬القرطبي‪ ،‬محمد بن أحمد األنصاري‪( ،‬ت‪671 :‬هت)‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪( ،‬تفسير‬
‫القرطبي)‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش‪ ،‬دار الكتب المصرية –القاهرة‪( ،‬ط‪/2‬‬

‫‪1384‬هت‪1964-‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬قطب‪ ،‬سيد‪ ،‬منهج التربية اإلسالمية‪ ،‬دار الشروق‪-‬بيروت‪ ،‬ط‪.4‬‬

‫‪ -‬قطب‪ ،‬سيد‪ ،‬في ظالل القرآن‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬ط‪1402( ،10‬هت‪1982-‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬القيسي‪ ،‬ماجد ايوب محمود‪ ،‬أسس وأساليب التربية الوجدانية في سورة لقمان وتطبيقاتها‬
‫في األسرة والمدرسة‪ ،‬جامعة ديالى‪ ،‬مجلة الفتح‪ ،‬العدد‪.54 :‬‬

‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين (ت‪751 :‬ه)‪ ،‬أحكام أهل‬
‫الذمة‪ ،‬يوسف بن أحمد البكري ‪-‬شاكر بن توفيق العاروري‪ ،‬رمادى للنشر –الدمام‪،‬‬
‫(ط‪1418/1‬ه)‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين الجوزية (ت‪751 :‬هت)‪ ،‬إغاثة‬

‫اللهفان من مصايد الشيطان‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد حامد الفقي‪ ،‬مكتبة المعارف –الرياض‪.‬‬

‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين (ت‪751 :‬هت)‪ ،‬تحفة المودود‬
‫بأحكام المولود‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد القادر األرناؤوط‪ ،‬مكتبة دار البيان –دمشق‪( ،‬ط‪1391/1‬ه)‪.‬‬

‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين (ت‪751 :‬هت)‪ ،‬تفسير القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬تحقيق‪ :‬مكتب الدراسات والبحوث العربية واإلسالمية بإشراف الشيخ إبراهيم رمضان‪،‬‬

‫دار ومكتبة الهالل ‪-‬بيروت‪( ،‬ط‪1410/1‬هت)‪.‬‬

‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين الجوزية (ت‪751 :‬هت)‪ ،‬زاد‬
‫المعاد في هدي خير العباد‪ ،‬مكتبة المنار اإلسالمية ‪-‬الكويع‪( ،‬ط‪1415/27‬هت‪1994-‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين الجوزية (ت‪751 :‬هت)‪ ،‬مفتاح‬
‫دار السعادة ومنشور وًلية العلم واإلرادة‪ ،‬دار الكتب العلمية –بيروت‪.‬‬

‫‪ -‬ابن كاير‪ ،‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كاير القرشي (ات‪774 :‬هت)‪ ،‬البداية والنهاية‪،‬‬

‫المحقق‪ :‬علي شيري‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪( ،‬ط‪1408/1‬هت‪1988-‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬ابن كاير‪ ،‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كاير القرشي‪( ،‬ت‪774 :‬هت)‪ ،‬تفسير القرآن‬
‫العظيم‪ ،‬تحقيق‪ :‬سامي بن محمد سالمة‪ ،‬دار طيبة للنشر والتوزيع‪( ،‬ط‪1420 /2‬هت)‪.‬‬

‫‪ -‬ﺍبﻥ كاير‪ ،‬ﺇسماعيل بﻥ عمﺭ ﺍلﺩمشقي ﺃبﻭ االنبياء (ت‪ ،)774 :‬قصﺹ األنبياء‪ ،‬ﺍلمنصﻭﺭﺓ‬

‫‪-‬مكتبة اإليمان‪.‬‬

‫الفتَِّني (ت‪986 :‬هت)‪ ،‬مجمع‬


‫‪ -‬الكجراتي‪ ،‬جمال الدين محمد طاهر بن علي الصديقي الهندي َ‬
‫بحار األنوار في غرائب التنزيل ولطائف األخبار‪ ،‬مطبعة مجلس دائرة المعارف العامانية‪،‬‬

‫(ط‪1387/3‬هت‪1967-‬م)‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫‪ -‬كراهيه‪ ،‬مارسيل‪ ،‬علم النفس التربوي‪ ،‬ترجمة‪ :‬رباب العايد‪ ،‬مجد المؤسسة الجامعية‬

‫للدراسات ‪-‬بيروت‪( ،‬ط‪.)2007/1‬‬

‫‪ -‬كالين‪ ،‬ستيفن‪ ،‬التعلم مبادئه وتطبيقاته‪ ،‬ترجمة‪ :‬رباب حسني هاشم‪ ،‬راجع الترجمة‪ :‬إبراهيم‬

‫بن علي البداح‪ ،‬مركز البحوث ‪-‬السعودية‪2003( ،‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬كالين‪ ،‬ستيفن‪ ،‬التعلم مبادئه وتطبيقاته‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم‪ ،‬رباب حسنى‪ ،‬راجع الترجمة‪ :‬البداح‪،‬‬

‫إبراهيم بن علي‪ ،‬مركز البحوث ‪-‬السعودية‪2003( ،‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬الكيالني‪ ،‬ماجد عرسان‪ ،‬تطور مفهوم النظرية التربوية اإلسالمية‪ ،‬دار ابن كاير‬

‫‪-‬بيروت‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪1990 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬محمد بن عبد الهادي التتوي‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬نور الدين السندي (ت‪1138 :‬هت)‪ ،‬حاشية‬
‫السندي على سنن ابن ماجه (كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه)‪ ،‬دار الجيل –‬

‫بيروت‪.‬‬

‫‪ -‬محمد‪ ،‬محمد جاسم‪ ،‬نظريات التعلم‪ ،‬دار الاقافة ‪-‬عمان‪( ،‬ط‪.)2014/1‬‬

‫‪ -‬المراغي‪ ،‬أحمد بن مصطفى (ت‪1371 :‬هت)‪ ،‬تفسير المراغي‪ ،‬شركة مكتبة ومطبعة مصطفى‬

‫البابى الحلبي وأوالده ‪-‬مصر‪( ،‬ط‪1365/1‬هت‪1946-‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬مرسي‪ ،‬محمد منير‪ ،‬التربية اإلسالمية أصولها وتطورها في البالد العربية‪ ،‬عالم الكتب‪،‬‬
‫(‪1425‬هت‪2005/‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬مرعي‪ ،‬سيد عبد الحميد‪ ،‬ونفس وما سواها‪ ،‬مكتبة وهبة ‪-‬القاهرة‪( ،‬ط‪1992/1‬م)‬

‫‪ -‬ابن مسكويه‪ ،‬أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب (ت‪421 :‬هت)‪ ،‬تهذيب األخالق وتطهير‬
‫األعراق‪ ،‬تحقيق وشرح غريبه‪ :‬ابن الخطيب‪ ،‬مكتبة الاقافة الدينية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪256‬‬
‫‪ -‬ابن الملقن‪ ،‬سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري (ت‪804 :‬هت)‪،‬‬
‫التوضيح لشرح الجامع الصحيح‪ ،‬تحقيق‪ :‬دار الفالح للبحث العلمي وتحقيق التراث‪ ،‬دار‬

‫النوادر ‪-‬دمشق‪( ،‬ط‪1429/1‬هت‪2008-‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬ابن منظور‪ ،‬محمد بن مكرم بن على (ت‪711:‬هت)‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر –بيروت‪،‬‬

‫(ط‪1414/3‬هت)‪.‬‬

‫اني‪ ،‬المفاتيح في شرح‬ ‫‪ -‬المظهري‪ ،‬الحسين بن محمود بن الحسن‪ ،‬مظهر الدين َّ‬
‫الزْي َد ُّ‬
‫المصابيح‪ ،‬تحقيق ودراسة‪ :‬لجنة مختصة من المحققين بإشراف‪ :‬نور الدين طالب‪ ،‬دار‬

‫النوادر ‪-‬الكويع‪( ،‬ط‪1433/1‬هت)‪.‬‬

‫‪ -‬مليكة‪ ،‬لويس كامل‪ ،‬العالج السلوكي وتعديل السلوك‪ ،‬دار القلم ‪-‬الكويع‪( ،‬ط‪1990/1‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬مناهج جامعة المدينة العالمية‪ ،‬أصول الدعوة‪ ،‬جامعة المدينة العالمية ‪-‬ماليزيا‪.‬‬

‫‪ -‬منصور‪ ،‬علي‪ ،‬التعلم ونظرياته‪ ،‬منشورات جامعة دمشق ‪-‬دمشق‪2005 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬المهيدات‪ ،‬تسنيم نور الدين‪ ،‬نظرية القيم التعليمية في الفكر اإلسالمي وتطبيقاتها التربوية‪،‬‬
‫عالم الكتب الحديث‪ ،‬جامعة اليرموك‪ ،‬إربد –األردن‪2016 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬ناصف‪ ،‬مصطفى‪ ،‬نظريات التعلم دراسة مقارنة‪ ،‬عالم المعرفة ‪-‬الكويع‪1983 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬نجاتي‪ ،‬منهج التأصيل اإلسالمي لعلم النفس‪.‬‬

‫‪ -‬فهمي‪ ،‬محمد سبف الدين‪ ،‬النظرية التربوية وأصولها النفسية‪ ،‬د‪.‬ط‪ .‬األنجلو المصرية –‬

‫القاهرة‪.1982 ،‬‬

‫‪ -‬النجار‪ ،‬عبد المجيد‪ ،‬عقيدة تكريم المسلم وأثرها التربوي‪ ،‬مجلة المسلم والمعاصر‪ ،‬العدد‬

‫‪.74-73‬‬

‫‪257‬‬
‫‪ -‬النحالوي‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬أصول التربية اإلسالمية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع‪،‬‬

‫دار الفكر ‪-‬دمشق‪( ،‬ط‪2004/3‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬األندلسي‪ ،‬أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان‪( ،‬ت‪745 :‬هت)‪ ،‬البحير‬
‫المحيط في التفسير‪ ،‬تحقيق‪ :‬صدقي محمد جميل‪ ،‬دار الفكر –بيروت‪( ،‬ط‪1420 :‬هت)‪.‬‬

‫‪ -‬األنصارى‪ ،‬عالء سيف الدين‪ ،‬األسس النفسية واًلجتماعية للتعلم التعلم التجريبي‪ ،‬دار‬

‫الكتاب الحديث ‪-‬القاهرة‪2009( ،‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬النووي‪ ،‬أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف (ت‪676 :‬هت)‪ ،‬المنهاج شرح صحيح مسلم‬

‫بن الحجاج‪ ،‬دار إحياء التراث العربي –بيروت‪( ،‬ط‪1392/2‬هت)‪.‬‬

‫‪ -‬النيسابوري‪ ،‬أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري (ت‪261 :‬هت)‪ ،‬منة‬
‫المنعم في شرح صحيح مسلم‪ ،‬الشارح‪ :‬صفي الرحمن المباركفوري‪ ،‬دار السالم للنشر‬

‫والتوزيع‪ ،‬الرياض ‪-‬المملكة العربية السعودية‪( ،‬ط‪1420 /1‬هت‪1999-‬م)‪.‬‬

‫‪ -‬النيسابوري‪ ،‬نظام الدين الحسن بن محمد بن حسين القمي (ت‪850 :‬هت)‪ ،‬غرائب القرآن‬
‫ورغائب الفرقان‪ ،‬تحقيق‪ :‬زكريا عمير‪ ،‬دار الكتب العلميه –بيروت‪( ،‬ط‪1416 /1‬ه)‪.‬‬

‫‪ -‬الهياجنة‪ ،‬وائل سليم‪ ،‬وأبو جلبان‪ ،‬عمر محمد‪ ،‬مقدمة في التربية‪ ،‬دار المعتز ‪-‬عمان‪،‬‬
‫(ط‪.)2016/1‬‬

‫‪ -‬الواحدي‪ ،‬أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي‪ ،‬النيسابوري‪ ،‬الشافعي (ت‪468 :‬هت)‪،‬‬
‫الوسيط في تفسير القرآن المجيد‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ :‬عادل أحمد عبد الموجود‪ ،‬علي محمد‬

‫معوض‪ ،‬الدكتور أحمد محمد صيرة‪ ،‬أحمد عبد الغني الجمل‪ ،‬عبد الرحمن عويس‪ ،‬قدمه‬
‫وقرظه‪ :‬عبد الحي الفرماوي‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪-‬بيروت‪( ،‬ط‪1415/1‬هت‪1994-‬م)‪.‬‬

‫المواقع اإللكترونية‬

‫‪ -1‬موقع الجزيرة‪.www.aljazeera.net ،‬‬


‫‪258‬‬
‫‪ -2‬النابلسي‪ ،‬محمد راتب النابلسي‪ ،‬موقع راتب النابلسي‪https://nabulsi.com ،‬‬

‫‪ -3‬الكحيل‪ ،‬عبد الدائم‪ ،‬موقع موسوعة اإلعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة ‪quran-‬‬

‫‪m.com‬‬

‫‪ -4‬جامعة المدينة العالمية مؤسسة تعليمية مستقلة غير ربحية‪ ،‬معترف بها من و ازرة التعليم‬
‫العالي الماليزية وتحظى بدعم خاص من حكومة دولة ماليزيا‪ ،‬موقع الجامعة‪،‬‬

‫‪.http://www.mediu.edu.my‬‬

‫‪ -5‬السامرائي‪ ،‬فاضل صالح مهدي‪www.startimes.com،‬‬

‫محاضرات مسجلة‬

‫فتحي‪ ،‬وليد أحمد‪ ،‬قلوب يعقلون بها‪ ،‬برنامج ومحياي‪ ،2‬حلقة رقم (‪ ،)21‬منشورة على اليوتيوب‬

‫على قناة ومحياي‪ ،2‬تم نشره في ‪ ،2014/7/19‬على الرابط‪:‬‬

‫‪https://www.youtube.com/watch?v=vjIpf5g_2Uw‬‬

‫‪259‬‬
An-Najah National University
Faculty of Graduate Studies

Behavioral school in child-rearing In the light of


the Holy Quran and the Prophet's Sunnah

By

Tamara Ibrahim Abdel Fattah Bouzia

Supervisor
Prof. Audi Abdullah Audi
Dr. Saeed Dweikat

This Thesis is Submitted in a Partial Fulfillment of the Requirements


for the Degree of Master of Fundamentals of Islamic Law (Usol Al-Din(,
Faculty of Graduate Studies, An-Najah National University, Nablus,
Palestine.
2020
In the light of the Holy Quran and Behavioral school in child-rearing
the Prophet's Sunnah
By
Tamara Ibrahim Abdel Fattah Bouzia
Supervised by
Prof. Audi Abdullah Audi
Dr. Saeed Dweikat

Abstract

This research considers the subject of (behavioral school child-


rearing in the light of the Holy Quran and the Prophet's Sunnah). It aims to
explain the position of Islam on the origins, principles and most important
features of the behavioral school in the education of the child, such as
internal factors, reinforcement, punishment and modeling, and then clarify
the Islamic approach in controlling and modifying the child behavior, where
the researcher addressed the issue of the principles and origins and the most
important features of the behavioral school in child-rearing.

The researcher followed the inductive approach of verses and hadiths


related to the child and the critical and comparative approach based on the
criticism of the behavioral school in child-rearing by showing the pros and
cons of the school, and then comparing it with the Islamic approach.

The research was divided into four chapters as follows:

The first chapter includes talking about the meaning of education, as


well as the meaning of the child in language and terminology. It then follows
the formulas and derivations of this mentioned word in the Holy Quran, in
addition to the meanings of the word "child" in the Holy Quran, and the

B
relevant words, and then the statement of the meaning of child-rearing from

an Islamic perspective.

The second chapter talked about the concept of behavioral school, by


introducing it and showing its most prominent pioneers and applications.

The third chapter deals with the critical study of the behavioral school
by criticizing its origins, objectives and its most prominent features. In
additions, it includes the statement of the Islamic approach in controlling

and modifying the behavior of the child.

The fourth and final chapter was an applied example of the approach
of "Abraham" (peace be upon him) and "Luqman" al-Hakim in education.

The researcher concluded that the Islamic approach is represented in


dealing with the child by addressing child’s mind and passion at the same
time, in a way that elevates him to the goodness of this world and the
hereafter. Unlike to behavioral school, which is limited to part of the mental
aspect and practical wisdom, in the light of the deduction of the truth of the
hereafter and the disregard for revelation.

You might also like