You are on page 1of 8

‫عن البراء بن عازب‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬خرج النبي‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬يوم‬

‫أضحى‪ ،‬فصلى العيد؛ ثم أقبل بوجهه‪ ،‬وقال‪( :‬إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ‬
‫بالصالة‪ ،‬ثم نرجع فننحر‪ ،‬فمن صلى صالتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك‪ ،‬ومن نسك‬
‫قبل الصالة فإنما هو لحم عجله ألهله ليس من النسك في شيء)‪ ،‬وفي رواية‪( :‬من‬
‫صلى صالتنا واستقبل قبلتنا فال يذبح حتى ينصرف)‪ ،‬فقال أبو بردة بن نيار خال البراء‪:‬‬
‫يا رسول هللا فإن نسكت شاة قبل الصالة‪ ،‬وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب‪ ،‬وأحببت أن‬
‫ُ‬
‫وتغديت قبل أن آتي الصالة‪،‬‬ ‫تكون شاتي أول شاة ُتذبح في بيتي‪ ،‬فذبحت شاتي‪،‬‬
‫وأطعمت أهلي وجيراني‪ ،‬فقال النبي صلى هللا عليه وسلم‪( :‬شاتك شاة لحم)‪ ،‬قال‪ :‬يا‬
‫شاتي لحم‪ ،‬أفيجزئ‬
‫ْ‬ ‫رسول هللا فإن عندنا عناق لبن؛ جذعة من المعز هي خير من‬
‫‪.‬عني؟ قال‪( :‬نعم‪ ،‬ولن تجزئ عن أحد بعدك)‪[ ،‬رواه البخاري]‬

‫ضا حدي ًثا في‬


‫هذا الحديث رواه البخاري في اثني عشر موض ًعا من (صحيحه)‪ ،‬وروى أي ً‬
‫نفس القصة عن أنس‪ ،‬رضي هللا عنه‪ ،‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬صلى يوم‬
‫النحر‪ ،‬ثم خطب‪ ،‬فأمر من ذبح قبل الصالة أن يعيد الذبح‪ ،‬فقام رجل من األنصار‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يا رسول هللا جيران لي ‪ -‬إ ّما قال‪ :‬بهم خصاصة‪ ،‬وإ ّما قال‪ :‬فقر ‪ -‬وإني ذبحت قبل‬
‫فر َّخص له فيها‪ ،‬قال أنس‪ ،‬فال أدري‬ ‫شاتي لحم‪َ ،‬‬
‫ْ‬ ‫إلي من‬
‫الصالة وعندي عناق لي أحب ّ‬
‫‪.‬أبلغت رخصة من سواه أم ال‬

‫ضا عن جندب بن سفيان البجلي قال‪ :‬ضحينا مع رسول هللا صلى هللا عليه‬ ‫وروى أي ً‬
‫َ‬
‫وسلم أضحياه ذات يوم‪ ،‬فإذا أناس قد ذبحوا ضحاياهم قبل الصالة‪ ،‬فلما انصرف رآهم‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم أنهم قد ذبحوا قبل الصالة‪ ،‬فقال‪( :‬من ذبح قبل الصالة‬
‫‪.‬فليذبح مكانها أخرى‪ ،‬ومن كان لم يذبح حتى صلينا فليذبح على اسم هللا)‬

‫فهذه األحاديث الثالثة التي رواها البخاري بطرق متعددة‪ ،‬لعظم الفوائد المستنبطة منها‪،‬‬
‫‪:‬فهي دالة على مسائل هامة‪ ،‬منها‬

‫أن الصالة قبل الخطبة‪ ،‬وهذا في العيدين خال ًفا للجمعة‪ ،‬وقال في (الفتح)‪ :‬قال الزين بن‬
‫المغيرة‪ :‬الصالة ذلك اليوم هي األمر األهم‪ ،‬وأن ما سواهما من الخطبة‪ ،‬والنحر والذكر‪،‬‬
‫وغير ذلك من أعمال البر يوم النحر فبطريق التبع‪ ،‬وصالة العيد ركعتين يكبر في األولى‬
‫سا قبل القراءة‪ ،‬قال ابن دقيق العيد‪ :‬وجميع ما له خطب من‬ ‫سب ًعا‪ ،‬وفي الثانية خم ً‬
‫‪.‬الصلوات‪ ،‬فالصالة مقدمة فيه إال الجمعة وخطبة يوم عرفة‬

‫‪:‬وقت صالة العيد‬

‫في (الفتح) قال ابن بطال‪ :‬أجمع الفقهاء على أن صالة العيد ال تصلى قبل طلوع‬
‫‪.‬الشمس وال عند طلوعها‪ ،‬وإنما تجوز عند جواز النافلة‪( .‬انتهى)‬
‫وقال البغوي في (شرح السنة)‪ :‬ويستحب أن يغدو الناس إلى المصلى بعدما صلوا‬
‫الصبح ألخذ مجالسهم ويكبرون؛ ويكون خروج اإلمام في الوقت الذي يوافي فيه الصالة‬
‫وذلك حين ترتفع الشمس قيد رمح‪ ،‬ثم المستحب أن يعجل الخروج في األضحى ويؤخر‬
‫‪.‬الخروج في الفطر قليالً‪( .‬انتهى)‬

‫وليس لصالة العيد أذان وال إقامة‪ ،‬وهي تؤدى في الجماعة‪ ،‬وليس المسجد شر ًطا في‬
‫صحتها‪ ،‬ويؤمر الناس باالجتماع فيها‪ ،‬ويشهدها النساء‪ ،‬حتى الحيض يشهدنها‪،‬‬
‫ويعتزلن الصالة رغبة في شهود الخير‪ ،‬ويكبر الناس في المنازل والطرقات واألسواق‬
‫حتى يبلغوا المصلى‪ ،‬فيكبرون مع الناس‪ ،‬وفي الحديث عن أم عطية‪ :‬أمرنا رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم أن ُن ْخ ِر َج في العيد العواتق وذوات الخدور وأمر الحيض أن‬
‫‪.‬يعتزلن مصلى المسلمين‬

‫‪.‬قال ابن دقيق العيد‪ :‬والمقصود بيان المبالغة في االجتماع وإظهار الشعار‬

‫وكان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يأكل يوم الفطر قبل الصالة لحديث أنس عند‬
‫البخاري‪ :‬كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ال يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات‪،‬‬
‫وترا‪ ،‬أما يوم األضحى فهو يوم أكل وشرب‪ ،‬كما جاء في حديث البراء عند‬ ‫ويأكلهن ً‬
‫البخاري‪ ،‬وهو يوم يشتهى فيه اللحم‪ ،‬كما في حديث أنس‪ ،‬فلعل هذا يشير أن األكل إنما‬
‫‪.‬يكون من األضحية‬

‫أما حديث بريدة‪ :‬كان النبي صلى هللا عليه وسلم ال يخرج يوم الفطر حتى َي ْط َعم‪ ،‬وال‬
‫‪َ .‬ي ْط َعم يوم األضحى حتى يصلي‬

‫فالحديث وإن أخذ الفقهاء بما دل ّ عليه إال أن أسانيده ال َت ْس َلم من مقال‪( .‬قاله ابن حجر‬
‫‪.‬في الفتح)‬

‫ثم قال‪ :‬قال ابن المنير‪ :‬وقع أكله صلى هللا عليه وسلم في كل من العيدين في الوقت‬
‫المشروع إلخراج صدقتها الخاصة بهما‪ ،‬فإخراج صدقة الفطر قبل الغدو إلى المصلى‬
‫‪.‬وإخراج صدقة األضحية بعد ذبحها‪ ،‬واجتمعا من جهة وافترقا من جهة أخرى‪( .‬انتهى)‬

‫قال في هامش (شرح السنة)‪ :‬قال الحاكم في (المستدرك)‪ :‬هذا حديث صحيح اإلسناد‬
‫‪.‬ولم يخرجاه‪ ،‬ووافقه الذهبي على تصحيحه وصححه ابن حبان وابن القطان‬

‫وصالة العيد ركعتان بغير أذان وال إقامة‪ ،‬وال يصلى قبلها وال بعدها؛ يكبر في األولى‬
‫سا‪ ،‬يرفع اليدين في كل‬ ‫بعد تكبيرة اإلحرام سب ًعا‪ ،‬وفي الثانية بعد تكبيرة االنتقال خم ً‬
‫ان ا ْل َم ِجيد)‪ ،‬وفي الثانية (ا ْق َت َر َب ِ‬
‫ت‬ ‫تكبيرة‪ ،‬يقرأ بعد الفاتحة في األولى‪( :‬ق َوا ْلقُ ْر َء ِ‬
‫اس َم َر ِّب َك اَأْل ْع َلى)‪،‬‬
‫س ِّب ِح ْ‬ ‫اع ُة َوا ْن َ‬
‫ش َّق ا ْل َق َمر)‪ ،‬أو يقرأ بعد الفاتحة في األولى‪َ ( :‬‬ ‫س َ‬‫ال َّ‬
‫ِيث ا ْل َغاشِ َيةِ)‪ ،‬و ُيسن أن يأتي من طريق ويرجع من آخر‬ ‫‪.‬والثانية‪َ ( :‬هلْ َأ َتا َك َحد ُ‬

‫وفي الحديث األمر باألضحية وفضلها وحكمها‪ ،‬أما عن فضلها وثوابها‪ ،‬فلقد أخرج‬
‫الترمذي وابن ماجه عن عائشة مرفو ًعا‪( :‬ما عمل ابن آدم من عمل يوم النحر أحب إلى‬
‫هللا‪ ،‬عز وجل‪ ،‬من هراقة الدم‪ ،‬وإنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظالفها‪ ،‬وإن‬
‫سا)‬
‫‪.‬الدم يقع من هللا بمكان قبل أن يقع باألرض فطيبوا بها نف ً‬

‫‪:‬أما عن حكمها‬

‫فلقد اختلف أهل العلم بين الوجوب والندب‪ :‬األضحية والعقيقة والهدي أفضل من‬
‫الصدقة بثمنها‪ ،‬وهي من النفقة المعروفة‪ ،‬فيضحى عن اليتيم في ماله‪ ،‬وتأخذ المرأة‬
‫من مال زوجها ما تضحي به عن أهل البيت وإن لم يأذن في ذلك‪ ،‬ويضحي المدين إذا‬
‫‪.‬لم يطالب بالوفاء‬

‫قال العيني في (العمدة)‪ :‬قال سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وعلقمة واألسود‬
‫ضا لكنها مندوب إليها‪ ،‬من فعلها كان مثا ًبا‪ ،‬ومن تخلف‬
‫والشافعي وأبو ثور‪ :‬ال تجب فر ً‬
‫‪.‬عنها ال يكون آث ًما‪ ،‬وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وأبي مسعود البدري وبالل‬

‫قال الليث وربيعة‪ :‬ال نرى أن يتركها الموسر المالك ألمر األضحية‪ ،‬وقال مالك‪ :‬ال‬
‫يتركها‪ ،‬فإن تركها بئس ما صنع‪ ،‬إال أن يكون له عذر ‪ -‬ثم قال العيني ‪ -‬وتحرير‬
‫مذهبنا‪ ،‬أي‪ :‬األحناف‪ ،‬ما قاله صاحب (الهداية)‪ :‬األضحية واجبة على كل مسلم حر‬
‫‪.‬مقيم موسر في يوم األضحى عن نفسه وعن ولده الصغار‬

‫ودليل القائلين بالندب حديث أم سلمة مرفو ًعا‪( :‬من رأى هالل ذي الحجة منكم وأراد أن‬
‫‪.‬يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره)‪ ،‬والتعليق باإلرادة ينافي الوجوب‬

‫ودليل القائلين بالوجوب حديث ابن ماجه عن أبي هريرة مرفو ًعا‪( :‬من كان له سعة ولم‬
‫‪.‬يضح فال يقربن مصالنا)‪ ،‬ومثل هذا الوعيد ال يلتحق بترك غير واجب‬

‫‪:‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‬

‫أما األضحية فاألظهر الوجوب‪( ،‬ثم قال)‪ :‬و ُن َفاة الوجوب ليس معهم نص‪ ،‬فإن عمدتهم‬
‫قوله صلى هللا عليه‪ ،‬وسلم‪( :‬من أراد أن ُيضحي)‪ ،‬قالوا‪ :‬فالواجب ال يتعلق باإلرادة‪،‬‬
‫وهذا كالم مجمل‪ ،‬فهو كقوله‪ِ ﴿ :‬إ َذا قُ ْم ُت ْم ِإ َلى ال َّ‬
‫صاَل ِة ﴾ [المائدة‪ ،]6 :‬وقد قدروا فيه إذا‬
‫أردتم القيام‪ ،‬وقدروا‪ :‬إذا أردت القراءة فاستعذ‪ ،‬والطهارة واجبة‪ ،‬وقوله‪( :‬من أراد أن‬
‫ُيضحى)‪ ،‬كقوله‪( :‬من أراد الحج فليتعجل)‪ ،‬ووجوبها حينئذ مشروط بأن يقدر عليها‪،‬‬
‫فاضالً عن حوائجه األصلية كصدقة الفطر‪ ،‬فليس كل أحد يجب عليه أن يضحي‪ ،‬وما‬
‫يضح‪ ،‬بل اشترى لح ًما‪ ،‬فقد تكون مسألة نزاع كما‬
‫ِ‬ ‫نقل عن بعض الصحابة أنه لم‬
‫يصح لم يكن له سعة في ذلك العام‬
‫ِ‬ ‫‪.‬تنازعوا في وجوب العمرة‪ ،‬وقد يكون من لم‬

‫وأراد بذلك توبيخ أهل المباهاة الذين يفعلونها لغير هللا‪ ،‬أو أن يكون قصد بتركها ذلك‬
‫العام توبيخهم‪ ،‬فقد ترك الواجب لمصلحة راجحة‪ ،‬كما قال صلى هللا عليه وسلم‪( :‬لقد‬
‫هممت أن آمر بالصالة ف ُتقام‪ ،‬ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب …)‪ ،‬فكان يهم أن‬
‫يدع الجمعة والجماعة الواجبة ألجل عقوبة المتخلفين‪ ،‬فإن هذا من باب الجهاد الذي قد‬
‫مختصرا)‬
‫ً‬ ‫‪.‬يضيق وقته‪ ،‬فهو مقدم على الجمعة والجماعة‪( .‬انتهى‬

‫‪:‬األضحية بالخصي‬

‫عن عائشة وأبي هريرة‪ ،‬رضي هللا عنهما‪ ،‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان إذا‬
‫أراد أن ُي ضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين‪ ،‬فذبح‬
‫أحدهما عن أمته لمن شهد هلل بالتوحيد وشهد له بالبالغ‪ ،‬وذبح اآلخر عن محمد وآل‬
‫‪.‬محمد صلى هللا عليه وسلم‪( .‬صحيح ابن ماجه)‬

‫‪.‬المؤجوء‪ :‬هو الخصي‬

‫قال البغوي‪ :‬كره بعض أهل العلم الموجوء لنقصان العضو‪ ،‬واألصح أنه غير مكروه؛‬
‫‪.‬ألن الخصاء يفيد اللحم وينفي الزهومة‪ ،‬وسوء الرائحة‪ ،‬وذلك العضو ال يؤكل‬

‫‪.‬وقال الخطابي‪ :‬وفي هذا دليل على أن الخصي من الضحايا غير مكروه‬

‫وقال القرطبي‪ :‬والجمهور على أنه ال بأس أن ُيضحي بالخصي‪ ،‬واستحسن بعضهم إذا‬
‫كان أسمن من غيره‪ ،‬ورخص مالك في خصاء ذكور الغنم‪ ،‬وإنما جاز ذلك؛ ألنه ال‬
‫يقصد به تعليق الحيوان بالدين لصنم ُيعبد وال لرب يوحد‪ ،‬وإنما يقصد به تطييب اللحم‬
‫‪.‬فيما يؤكل وتقوية الذكر إذا انقطع أمله عن األنثى‬
‫‪:‬اختيار األضحية‬

‫قال ابن القيم‪ :‬وكان من هديه صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬اختيار األضحية واستحسانها‬
‫ض ّحي بعضباء األذن والقرن؛ أي مقطوعة األذن‬ ‫وسالمتها من العيوب‪ ،‬ونهى أن ُي َ‬
‫ومكسورة القرن‪ ،‬النصف فما زاد‪ ،‬وأمر أن تستشرف العين واألذن‪ ،‬أي ينظر إلى‬
‫سالمتها‪ ،‬وأن ال يضحى بعوراء وال مقايلة‪ ،‬التي قطع مقدم ُأذنها‪ ،‬وال مدابرة‪ ،‬التي‬
‫قطع مؤخرة أذنها‪ ،‬وال شرقاء‪ ،‬التي شقت أذنها‪ ،‬وال خرقاء‪ ،‬التي خرقت أذنها‪ ،‬قال‬
‫اِئر هَّللا ِ َفِإ َّن َها مِنْ َت ْق َوى ا ْلقُلُوب ﴾ [الحج‪ ،]32 :‬ومن تعظيمها‬ ‫تعالى‪َ ﴿ :‬و َمنْ ُي َع ِّظ ْم َ‬
‫ش َع َ‬
‫استحسانها واستسمانها والمغاالة في أثمانها‪ ،‬وقال تعالى‪َ ﴿ :‬لنْ َت َنالُوا ا ْل ِب َّر َح َّتى ُت ْنفِقُوا‬
‫ِم َّما ُت ِح ُّبون ﴾ [آل عمران‪ ،]92 :‬فما كان أحب إلى المرء إذا تقرب به إلى هللا تعالى كان‬
‫‪.‬أحب إلى هللا تعالى‬

‫قال بعض السلف‪ :‬ال يهدي أحدكم هلل تعالى ما يستحي أن يهديه لكريمه‪ ،‬وقال تعالى‪:‬‬
‫يث ِم ْن ُه ُت ْنفِقُونَ َو َل ْس ُت ْم ِبآ ِخذِي ِه ِإاَّل َأنْ ُت ْغ ِم ُ‬
‫ضوا فِي ِه ﴾ [البقرة‪]267 :‬‬ ‫‪َ ﴿.‬واَل َت َي َّم ُموا ا ْل َخ ِب َ‬

‫وفي حديث البراء بن عازب في (الموطأ)‪ ،‬و (السنن) مرفو ًعا‪ :‬ال ُيضحي بالعرجاء َب ِّين‬
‫‪.‬ظلعها‪ ،‬وال العوارء َب ِّين عورها‪ ،‬وال بالمريضة ّب ِّين مرضها‪ ،‬وال بالعجفاء التي ال تنقي‬

‫‪:‬قال ابن عبد البر‬

‫أما العيوب األربعة المذكور في هذا الحديث فمجمع عليها؛ ال أعلم خال ًفا بين العلماء‬
‫فيها‪ ،‬ومعلوم أن ما كان في معناها داخل فيها‪ ،‬فإذا كانت العلة في ذلك قائمة‪ ،‬أال ترى‬
‫أن العوراء إذا لم تجز في الضحايا فالعمياء أحرى أال تجوز وإذا لم تجز العرجاء‬
‫فالمقطوعة الرجل أحرى أال تجوز‪ ،‬وكذلك ما كان مثل ذلك كله‪ ،‬قال القرطبي عند قوله‬
‫تعالى‪َ ﴿ :‬وُأَل َم ِّن َي َّن ُه ْم َوآَل ُم َر َّن ُه ْم َف َل ُي َب ِّت ُكنَّ َءا َذانَ اَأْل ْن َع ِام ﴾ [النساء‪ ،]119 :‬ولما كان هذا من‬
‫فعل الشيطان وأثره‪ ،‬أمرنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أن ُتستشرف العين واألذن‬
‫‪.‬وال نضحي بعوراء وال مقابلة وال مدابرة وال خرقاء وال شرقاء‬

‫‪.‬والعيب في األذن ُم َراعى عند جماعة العلماء ‪):‬ثم قال (‬

‫‪:‬األنعام التي ُيضحي بها‬

‫وال يجزئ في األضحية إال من الغنم والمعز والبقر واإلبل بإجماع‪ ،‬ولكن اختلفوا في‬
‫األفضل منها‪ ،‬أما الشافعي ففضل اإلبل‪ ،‬ثم البقر‪ ،‬ثم الكباش‪ ،‬وأما مالك فوافق الشافعي‬
‫في الهدي‪ ،‬وقال بعكس ذلك في األضحية‪ ،‬ففضل الكباش‪ ،‬ثم البقر‪ ،‬ثم اإلبل‪ ،‬وسبب‬
‫االختالف ورود حديث أن النبي صلى هللا عليه وسلم ضحى بالكبش؛ وألن هللا فدى‬
‫‪.‬إسماعيل بذبح عظيم‬

‫‪.‬قال ابن كثير‪ :‬الصحيح الذي عليه األكثرون أنه فدي بكبش‬

‫قال ابن تيمية في الضحايا والهدايا‪ :‬لما كان المقصود األكل كان َّ‬
‫الذكر أفضل من األنثى‪.‬‬
‫‪(.‬انتهى)‬

‫يعني أنه في الزكاة لما كان المقصود الدر والنسل كان الواجب في اإلناث غال ًبا دون‬
‫‪.‬الذكور‪ ،‬فلما كان في األضحية المقصود اللحم فضل الذكر لذلك‬
‫يم ﴾ [الصافات‪ :]107 :‬في هذه اآلية‬ ‫قال القرطبي عند قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َف َد ْي َناهُ ِب ِذ ْب ٍح َعظِ ٍ‬
‫دليل على أن األضحية بالغنم أفضل من اإلبل والبقر‪ ،‬وهذا هو مذهب مالك وأصحابه‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬أفضل الضحايا الفحول من الضأن‪ ،‬وإناث الضأن أفضل من فحل المعز‪ ،‬وفحول‬
‫(و َفدَ ْي َناهُ ِب ِذ ْب ٍح‬
‫المعز خير من إناثها‪ ،‬وإناث المعز خير من اإلبل والبقر‪ ،‬وحجتهم‪َ :‬‬
‫يم) [الصافات‪]107 :‬‬‫‪َ .‬عظِ ٍ‬

‫‪.‬وقال بعضهم‪ :‬لو َعلِ َم حيوا ًنا أفضل من الكبش لفدى به ‪):‬ثم قال (‬

‫السن المجزئة‪ :‬ويجزئ في األضحية والهدي والفدو والعقيقة الثني من األصناف‬


‫األربعة؛ الغنم‪ ،‬والمعز‪ ،‬والبقر‪ ،‬واإلبل‪ ،‬كما أذن النبي صلى هللا عليه وسلم في الجذعة‬
‫‪.‬من الغنم‬

‫هذا ومسنة اإلبل ما له خمس سنين‪ ،‬ومن البقر ماله سنتان‪ ،‬وكذلك المعز‪ ،‬وقال بعض‬
‫‪.‬أهل العلم في المعز ماله سنة‪ ،‬وجذعة الغنم‪ .‬ما زادت عن الستة أشهر‬

‫الذبح‪ :‬ويستحب أن تنحر اإلبل مستقبلة القبلة قائمة معقولة اليد اليسرى والبقر والغنم‬
‫يضجعها على شقها األيسر مستقبالً بها القبلة‪ ،‬ويقول‪ :‬بسم هللا‪ ،‬وهللا أكبر‪ ،‬اللهم منك‬
‫‪.‬ولك‪ ،‬اللهم تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك‬

‫ويستحب للمضحي أن يتولى ذبح أضحيته بنفسه إن كان يحسن الذبح؛ ألنه عبادة‬
‫وقربة‪ ،‬واقتدا ًء بالنبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬حيث ذبح أضحيته بنفسه‪ ،‬وذبح هديه‪،‬‬
‫وإن لم يتول َ ذبحه بيده‪ ،‬فاألفضل أن يحضر عند ذبحه؛ ألن النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫‪.‬أمر فاطمة‪( :‬احضري أضحيتك يغفر لكِ بأول قطرة من دمها)‬

‫‪:‬تقسيمها‬

‫يستحب أن يأكل ثل ًثا ويتصدق بثلث ويهدي بالثلث ذلك إذا لم يكن هناك سبب يوجب‬
‫التفضيل‪ ،‬وإال فلو قدر كثرة الفقراء الستحببنا الصدقة بأكثر من الثلث‪ ،‬وكذلك إذا قدر‬
‫كثرة من يهدي إليه أكثر من الفقراء‪ ،‬وكذلك األكل‪ ،‬فحيث كان أخذ بالحاجة أو المنفعة‪،‬‬
‫‪.‬كان االعتبار بالحاجة والمنفعة بحسب ما يقع‬

‫‪:‬وقت األضحية‬

‫اتفق العلماء على أنه ال يجوز الذبح قبل طلوع الشمس‪ ،‬وواضح من األحاديث المذكورة‬
‫حديث البراء بن عازب‪ ،‬وحديث أنس بن مالك‪ ،‬وحديث جندب بن سفيان كلها دالة على‬
‫أن من ذبح قبل الصالة فليست أضحية إنما هي لحم قدمه ألهله‪ ،‬فإن كان المضحي في‬
‫غير مصر يصلي فيه العيد‪ ،‬فإن وقت األضحية بقدر مضي وقت الصالة بعد ارتفاع‬
‫الشمس قدر رمح‪ ،‬وقد اشترط قوم أن يكون ذبحه بعد اإلمام سواء كان في المصر أو‬
‫‪.‬في القرى‪ ،‬وهو قول الشافعي‬

‫ويمتد وقت األضحية إلى غروب الشمس من آخر آيام التشريق‪ ،‬وهو قول الشافعي‬
‫‪.‬وجماعة‪ ،‬وذهب غيرهم إلى أن وقت األضحية يوم النحر‪ ،‬ويومان بعده‬

‫وفي الحديث أن النبي صلى هللا عليه وسلم رخص ألبي بردة بإجزاء التضحية بالعناق‪،‬‬
‫قال ابن القيم في (أعالم الموقعين)‪ :‬وأما تخصيصه أبا بردة بن دنيار بإجزاء التضحية‬
‫ضا‪ ،‬وهو أنه ذبح قبل الصالة متأوالً غير عالم بعدم‬
‫بالعناق دون من بعده فلموجب أي ً‬
‫اإلجزاء‪ ،‬فلما أخبره النبي صلى هللا عليه وسلم أن تلك ليست بأضحية‪ ،‬وإنما هي شاة‬
‫لحم أراد إعادة األضحية‪ ،‬فلم يكن عنده إال عناق هي أحب إليه من شاتي لحم‪ ،‬فرخص‬
‫معذورا بتأويله‪،‬‬
‫ً‬ ‫معذورا‪ ،‬ولقد تقدم منه ذبح تأول فيه‪ ،‬وكان‬
‫ً‬ ‫له في التضحية بها لكونه‬
‫وذلك كله قبل استقرار الحكم‪ ،‬فلما استقر الحكم‪ q‬لم يكن بعد ذلك يجزئ إال ما وافق‬
‫‪.‬الشرع المستقر‪ .‬وباهلل التوفيق‬

‫وقال ابن دقيق العيد‪ :‬وقد صرح في الحديث بتخصيص أبي بردة بإجزائها في هذا الحكم‬
‫‪.‬عما سبق ذبحه‪ ،‬فامتنع قياس غيره عليه‬

‫هذا؛ وأحاديث وقت الذبح غير السابقة منها حديث جابر عند مسلم جاء فيه‪ :‬فأمر النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر‪ ،‬وال ينحروا حتى ينحر النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وفي (الموطأ) عن عويمر بن األشقر بإسناد صحيح أنه ذبح‬
‫ضحيته قبل أن يغدو يوم األضحى‪ ،‬وأنه ذكر ذلك لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم فأمره‬
‫‪.‬أن يعود بضحية أخرى‬

‫متى يقص المضحي شعره وظفره؟‬

‫روى مسلم عن أم سلمة‪ ،‬رضي هللا عنها‪ :‬قالت‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫(من كان له ذبح يذبحه‪ ،‬فإذا أهل هالل ذي الحجة فال يأخذن من شعره وال من أظفاره‬
‫‪.‬شيًئ ا حتى يضحي)‬

‫قال النووي‪ :‬قال سعيد بن المسيب‪ ،‬وربيعة‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وداود‪ ،‬وبعض أصحاب‬
‫الشافعي‪ :‬إنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت األضحية‪،‬‬
‫وقال الشافعي وأصحابه‪ :‬هو مكروه كراهة تنزيه‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يكره‪ ،‬واختلفت‬
‫‪.‬الرواية عن مالك‬

‫‪:‬فوائد‪ :‬وفي الحديث فوائد هامة‬


‫منها‪ ،‬قال ابن دقيق العيد‪ :‬فيه دليل على أن المأمورات إذا وقعت على خالف مقتضى‬
‫األمر لم يعذر فيها بالجهل‪ ،‬وقد فرقوا في ذلك بين المأمورات والمنهيات‪ ،‬فعذروا في‬
‫‪.‬المنهيات بالنسيان والجهل‬

‫وفرق بينهما بأن المقصود من المأمورات‪ :‬إقامة مصالحها‪ ،‬وذلك ال يحصل ‪):‬ثم قال(‬
‫إال بفعلها‪ ،‬والمنهيات مزجور عنها بسبب مفاسدها امتحا ًنا للمكلف باالنكفاف عنها‪،‬‬
‫وذلك إنما يكون بالتعمد الرتكابها‪ ،‬ومع النسيان والجهل لم يقصد المكلف ارتكاب‬
‫‪.‬المنهي فعذر بالجهل فيه‬

‫فائدة‪ :‬قال العيني في (العمدة)‪ :‬إن السلف كانوا ال يواظبون على أكل اللحم دائ ًما؛ ألن‬
‫‪.‬للحم ضراوة كضراوة الخمر‬

You might also like