Professional Documents
Culture Documents
وقد ينمو الفكر التأملي للمكان ويتطور حين يتناول المناطق التي ال تدركها التجارب الحسية
المباشرة ،كالسموات مثال أو العالم السفلي ،كما نرى يف علم التنجيم عند قدماء المصريين،
الذي أسس نظاما ً واسعا ً من العالقات والروابط ،بين األجرام السماوية واألحداث الفضائية
وبين المواقع األرضية .وهكذا قد ال يقل الفكر المصري القديم نجاحا عن الفكر الحديث يف إيجاد
نظام فضائي مكاني متسق .إال أن هذا النظام ال يقرر بالمقاييس الموضوعية ،بل بإدراك عاطفي
حسي للقيم .وكان المصريون.
المكان :هو األرض (" Geoجوه") التي حفر اإلنسان عليها وجوده ودمغ فوق أديمها
الزمكان اإلثبات عىل أنه قائم منذ القدم ،وهو الجغرافيا والبيئة وكل مايحيطنا ويتعايش معنا.
يبقى الزمان والمكان ظرفين متالزمين يف أذهاننا ،وال يمكن الفصل بينهما ،وثمة فروق ظاهرية هو قريننا ولصيقنا ،نلمسه ونتحسسه ،نستنشق عبقه ،نحفظ لونه ،ندرك وظائفه،
بينهما ،إال أنهما يتفقان يف القيمة ويفترقان بين الملموس والمحسوس؛ فالزمان مقياس تلقطه عيوننا ،وتحفظه ذاكرتنا ،يرافقنا ،يحمينا ،يغذي خيالنا وينضج تصوراتنا وفكرنا.
والمكان حقل تفاعل ،ومن خالل تأثيرهما المتناهي تبنى الحضارة التي للسلطات دور أساسي تحفرنا مقومات الحياة إليه وتعلمنا حبه من خالل دروس الجمال بما يحمل من صور
فيها ،وقد شكال دائما ً طرفان أساسيان يف اإلدراك البشري ،الذي أقر تعارضهما وتكاملهما بعيدا ً وألوان وذكريات ألحداث وشخوص ومالمح ومتغيرات ،يدركها الوجدان الذي يبقى ابن
عن تطابقهما وترابطهما بما يكمل إحداهما اآلخر ،وهما كيانان ثنائيا البنى ،وهذه الثنائية تشكل وأمين المكان.
تماه المدرك والمستدرك ،والشكل والمضمون ،والمجرد والملموس ،والصورة والمادة.
الزمان مقياس والمكان حقل تفاعل بتأثيرهما المتناهي تبنى الحضارة ،وهما طرفان أساسيان أن فيلسوف األنوار األلماني كانط ،كان قد تأمل بمفهوم المكان ،وأعطاه كامل العناية
يف اإلدراك البشري ،وهما متعارضان ،ولكنهما متكامالن وتكاملهما ال يعني تطابقهما ،وترابطهما وعده إطارا قبليا ضروريا للمعرفة وفق "حاسة الخارجية ،كخاصية ذهنية لإلنسان بما
يكمل إحداهما اآلخر ،وهما كيانان ثنائي البنى .وهذه الثنائية تحاكي الثابت والمتحول ،والشكل نتصور األشياء موضوعة خارجنا يف المكان .وحتى يقرب مفهوم المكان وعده
والمضمون ،والمحسوس والملموس ،والجسد والروح ،واللغة والكالم ،والصورة والمادة ،وحتى إحساسا ً حدسيا ً خارجيا ً مقابل الزمان كإحساس داخلي ،أي أنه ليس مفهوما ً
الخير والشر .أما العمارة فهي نتيجة زمان ومكان ،وهما كيانان من ناحية وإن من الضروري استدالليا ً .وبرأيه أنه حدس وليس مفهوماً ،فهو الحدس المحيط والذي ال يحاط به،
التنوع واالختالف يف الخلق واإلبداع ،وهما موضوع دراسة وبحث الستخراج دالالت العالقة عكس المفهوم ،وال يضم أي تصور ،بينما المفهوم ينتمي إىل مجموعة من التصورات.
وأهميتهما يف العمارة عامة. وهذا يخالف المفهوم الهندسي للعمارة الذي بني عىل معايير ومقاييس بعينها .وربما
والمكان هو الحيز الحاوي عىل صيغ من االشكال تملي أعرافا وتوجهات فكرية ومشاعر حسية، ينفعنا هذا الفهم للمكان يف تناول مفهوم الجمال الذي هو أيضا ً حدس أكثر منه
والمكان المؤثر يف النفوس هو الذي يستطيع توصيل كل تلك األحاسيس ويملي عىل الالوعي مقاييس ،رغم محاولة تفسير البعض له بمنهجيه رياضيه أو هندسية كما هو (القطاع
اإلنساني نظامه وسيرورته الذهبي) مثال ً.
-2المكان في العمارة
وأهمية التظليل وإضفاء هيئة وأشكال وألوان تتسق مع سطوة المكان ،وتسبغ حسا ً جماليا ً وفيما يخص العمارة ،فإنها حينما تفقد حس المكان فإنها تفقد خصوصيتها
عادة ما يرد يف مرحلة وبالتالي أصالتها .وثمة جمالية متجذرة تقوم بين البيئة المكانية المحيطة بالمنجز
الحقة لضرورة المواءمة المكانية .ويقوم الفنان يف تلك المرحلة بعملية التفريغ الفني من خالل المعماري ،حينما تشكل بأبعادها الثالثة انسجاما مع أبعاد العمارة ،التي تمكث منهجا
المواءمة وإزالة التعارضات المختلفة بين المثال المتخيل وذلك المنفذ عىل أرض الواقع .وكذلك للتماه والموائمة مع المكان .وهنا نقف عىل جوهر الحالة اإلبداعية ،من خالل إدراك
تلعب البيئة الطبيعية دورا ً يف تحديد نوعية وطبيعة الغطاء النباتي يف كل منطقة من المناطق
القوانين والنظم التي حكمتها وإيجاد الحلول التي تصنع أشكاال منسجمة مع هذا
والتي تعطي جوا ً وبعدا ً مهما ً يف تحديد شخصية المكان .إن الكتل واألشكال المعمارية هي
المكان بعدما تفكك إىل وحدات وظيفية لتجمع يف مساحة أو فضاء يف حيز المكان.
لبنات عاكسة للتماهي بين الفضاءين المكاني والمعماري .لذا أمست الهيئة دالة تعبيرية عن
الوظيفة والقصد النفسي المرتجى؛ فصرحية المعابد وفخامة القصور ال تقارن ببيوت العامة، حتى أن منهج العمل يوحي للمتأمل بأنه محض نظام يف العالقات بين الخطوط
متداعيا من طبيعة المكان ،وما له من أثر نفسي ،والذي يتسرب ويخترق (ال وعي) الفنان والعمارة جزء من العمران المنتمي باالستقراء إىل المكان ،وهو المسرح الطبيعي
المرهف. للبيئة ،وهو الجغرافيا التي تسبق التاريخ ،فالتاريخ تصنعه الجغرافيا والمعمار العب
تاريخي متغير يف ثابت الجغرافيا .وبذلك يتخذ المكان بعده المركزي يف الذاكرة ،كونه
الملخص الشخصي : بؤرة إنتاج الصور ،والرموز التي تكيف سلوك األفراد ،وطبيعة استجاباتهم الالحقة،
يعتبر المكان عامل اساسي ومهم جدا ً يف خلق االشكال المعمارية المختلفة حيث ان المعماري وسطوة الال وعي ،حتى يجد نفسه هائما دون هدى بحنين مجنح إليه كلما أتيح له
عندما يريد ان يصمم شكال ً معماريا ً فأنه يبدأ يف البحث عن تاريخ وماهية المكان الذي يصمم استذكاره ،متخطيا كل معطيات زمنه المعاش يف اللحظة ،واكتسى لديه بحظوة
فيه لمعرفة خبايا هذا المكان فبالتالي يعمل المكان كعامل فعال يف عملية خلق االشكال وتبجيل وطأت القدسية ،ووجدت صيغا شتى للتعبير عنها ،ابتداء من مفهوم (أمنا
وان التصميم الناجح مرتبط ارتباط ةثيق مع المكان فعند ازالة التصميم من المكان يفشل األرض) السومري ،حتى مدن مقدسة وعمائر تحاط بإجالل وتهفو لها النفوس كما
التصميم .
مكة المكرمة والمدينة المنورة وغيرها.
وقد يرتبط التصميم بحادثة حدثت هي هذا المكان مما شكلت ذاكرة صورية لدى الناس
فيستغل المعماري هذه الفرصة ويعتمد عىل المكان يف خلق االشكال كما يف متحف محرقة إن عالقة المعمار بالبيئة التي ولد ونشأ فيها ،تؤثر عىل اتجاهه المعماري وعىل
اليهود يف المانيا فلو وضعنا التصميم يف مكان اخر لم يكن مفهوم النه مرتبط بمكانه . تفضيله التجاه ومنحى وحل وحتى طراز ولون دون آخر ،وإن الذاكرة الذاتية هي
بالنتيجة مصدر كل مفردة معمارية وجوهر لغة التصميم .وإن الفكر المعماري
والحلول التصميمية للمعمار هي نتيجة لتلك الحبكة من جذور وخلفيات ونوازع
والوعي وعوامل تأثير متراكبة .ويبقى وقع التضاريس والبيئة أكبر األثر عىل االتجاه
المعماري ،بحيث تعتمد عىل إشارات ودالئل معمارية مهمة تلعب دورا ً يف تحديد
وتهيئة المكان وتنظيم الحركة واالتجاهات واإلطالالت والمناسيب ومديات واتجاهات
ولنأخذ مثال المدن الصحراوية التي تعتمد عىل التقارب يف البنيان رغبة يف زيادة
التضليل والعزل بين المباني ،وتشجيعا لحركة الهواء ،وتعرج الممرات يراد منه حفظ
برودة الهواء ،وبقصد الحماية من قساوة البيئة الذي يضفي معالجات بصرية بعينها،
ً
شكرا لكم