Professional Documents
Culture Documents
البنيوية
البنيوية
ربتل اللغة مكانة مهمة يف الفلسفة قدؽلا وحديثا بالرغم من التباين احلاصل يف النظرة إليها؛ فالنظرة إىل
اللغة إىل حدود القرف التاسع عشر تتباين مع النظرة اليت أحدثها دو سوسَت .ىذا األخَت عارض الدراسات القدؽلة
للغة؛ لسانيات القرف التاسع عشر اتسمت -كما يرى دو سوسَت -بتفسَت تارؼلي للوقائع اللسانية وتفسَت مقارف
ذلا .واقًتح دراسة اللغة يف ذاهتا ولذاهتا بعيدة عن العوامل احمليطة هبا ،واعترب اللغة نسقا مغلقا من العالمات ووحدة
مستقلة من العالقات الداخلية ادلًتابطة ،وزلاوالتو جعل اللغة موضوعا للدراسة دبعزؿ عن مستخدمها ،واعتربت
البنيوية أف النواة األساس للنص ىو مادتو اللغوية.
فاإلنساف يدرؾ ذاتو والعامل من خالؿ اللغة ،فربوز اللسانيات وامتدادىا يف الفكر ادلعاصر جعل اللغة
ربتل الصدارة داخل العلوـ اإلنسانية .فالفلسفات ادلعاصرة اعتربت معرفة اللغة ودراستها شرطا أساسيا ومسبقا
حلل ادلشكالت اجلوىرية واألساسية للفلسفة.
تأسيسا على ما سبق فقد استطاعت اللسانيات منذ نشأهتا أف تدرس اللغة دراسة علمية كما يقاؿ،
زلاولة طيلة تارؼلها اإلدلاـ جبميع القضايا يف رلاالهتا سواء كاف ذلك من داخل الدرس اللساين نفسو ،أي البحث
اللساين الذي يتناوؿ قضايا لسانية خالصة من دراسة الصوت والصرؼ والنحو والداللة والًتكيب هبدؼ ضبط
قواعد االشتغاؿ فيها ،أو كاف ذلك من خارجو ولو صلة وثيقة بو ،مثل الربغماتية والتأويلية واللسانيات النفسية
واالجتماعية والعرفانية ولسانيات ادلدونة وربليل اخلطاب ولسانيات النص أو اخلطاب .وىي رلاالت صارت
ميادين حبث حديثة ذباوزت مفهوـ اجلملة لتبحث فيما ىو أوسع منها ،إنو النص أو اخلطاب مستفيدة يف ذلك
من نظريات ومناىج سلتلفة .فما ىي أىم احملطات اللسانية اليت مهدت لظهور اللسانيات احلديثة؟
1ادلرجو مراجعة:
Austin J. L., Quand dire c’est faire (1 Ed), traduit de l’anglais par G. Lane, Paris, Edition Seuil, 1972
Searle J. R. Les actes du langage : essai de philosophie du langage, (1Ed), traduit de l’anglais par H. Pauchard, Paris,
Hermann, 1972
ال تلفظ ولسانيات النص واللسانيات االجتماعية ،أصبحت رلاالت حبث حديثة ذباوزت مفهوـ اجلملة لتبحث
فيما ىو أوسع منها ،إنو النص أو اخلطاب مستفيدة يف ذلك من نظريات ومناىج سلتلفة.
مل يشر األوائل من اللسانيُت احملدثُت ( دو سوسَت وياكبسوف وىلمسليف ) إىل مفهوـ اخلطاب .فبوؿ
ريكور مل ينطلق من الصفر .بل أسس ،انطالقا من البنيوية دلفهوـ جديد للغة واخلطاب .2فقد استخدـ مفهوـ
اخلطاب عوضا عن الكالـ ،واستبدؿ ثنائية دي سوسَت اللساف /الكالـ بثنائية اللساف /اخلطاب .وريكور من
ناحيتو يضع اخلطاب بدال من الكالـ.
ورغم أف العديد من الدارسُت غلعل من مصطلح اخلطاب مرادفا للنص ،باعتبارعلا ػليالف إىل شلارسات
خطابية ،فإف بُت ىذا وذاؾ تباينات مفهوميو؛ ذلك أف النص واخلطاب ،حىت وإف كانا يشكالف نقطة التقاء
العديد من فروع ادلعرفة اإلنسانية ،فإنو من غَت ادلنطقي اعتبارعلا مصطلحُت يدالف على نفس ادلفهوـ ،وإال كاف
وجود أحدعلا أمرا ال مربر لو.
سم نصا كل خطاب ثبتو الكتابة» .3لكن ىذابوؿ ريكور ال ؽليز بُت اخلطاب والنص .يقوؿ« :لنُ ّ
التعريف غلعل الكتابة مؤسسة للنص ،ويطرح إشكاؿ :عالقة النص بالكالـ؟ فإذا كاف الكالـ عند دو سوسَت ىو
«ربقق اللغة يف خطاب ما» ،4فإف «كل نص ىو يف موقع إصلاز للكالـ» ،5وتعترب الكتابة ،بذلك ،تالية للكالـ،
وػل ُّل التثبيت بالكتابة زلل الكالـ ،ألف ما «أُثبت بالكتابة ( )...خطاب ،كاف بإمكاننا أف
أو ىي كالـ ُمثبت؛ ح
نقولو»6؛ ومنو طللص إىل أف النص ىو تدوين للخطاب .فالكتابة «إصلاز شبيو بالكالـ ،مواز للكالـ ،إصلاز ػلتل
مكانو وػلجبو ،لذا قلنا إف ما يأيت إىل الكتابة ،ىو اخلطاب ،بصفتو نيّة يف القوؿ ،وأف الكتابة تسجيل مباشر
لتلك النية ،حىت وإف كانت الكتابة قد بدأت ،تارؼليا ونفسيا ،بتسجيل عالمات الكالـ زبطيطا .وربرر الكتابة
النص».7 ميالد شهادة ىو الكالـ موضع يضعها الذي ىذا،
إف النص فلسفيا ،عند بوؿ ريكور يأخذ مكاف الكالـ مرورا بالكتابة .فبالكتابة نػح ْعبُػ ُر من كالـ كاف
باإلمكاف قولو إىل كالـ ُمثبت يف نص؛ دبعٌت أف النص ىو خطاب مكتوب ،وىو ما يشكل إضافة نوعية دلفهوـ
النص لسانيا بإيراد معطى الكتابة ح ّدا فاصال بينو وبُت اخلطاب.
يف ادلقابل وابتداء من أواخر الستينيات ،صلد البنيوية أفرزت اذباىات مضادة ذلا ،تتجلى يف بعض
الدراسات األنكلوساكسونية اليت مل تؤمن جبدواىا وتابعت البحث اللساين غَت متأثرة دبنهجها ،فركزت على
اجلوانب االجتماعية والنفسية واجلغرافية والثقافية وادلعرفية يف الدرس اللساين .كما أفرزت البنيوية التكوينية مع
2
Paul Ricœur, Le conflit des interprétations, essais d’herméneutique, P 35
3بوؿ ريكور :من النص إىل الفعل ،ص95 :
4نفسو ،ص95 :
5نفسو ،ص95 :
6نفسو ،ص.96 :
7نفسو ،ص.96 :
لوكاتش الذي التفت إىل أعلية الشكل الفٍت و البنية وىو ما مل يكن معتادا ،يف اجملاؿ االجتماعي ،والذي رأى فيو
انعكاسا لنسق يكتشف تدرغليا ،حيث استخدـ " مصطلح االنعكاس" أو " نظرية االنعكاس" اليت تأسست منذ
بداية انتشار الفكر ادلاركسي .كما عارض روالف بارت البنيوية بعدما انتقل إىل السيميائيات والتفكيكية؛ إذا كاف
دو سوسَت قد ضيق الدرس اللساين ووجو كل اىتماماتو للغة ،وجعلها األصل زلل الصدارة ،فإف مفهوـ بارت
ُس ِقطت من لسانيات 8
فسح اجملاؿ حبيث اتسع حىت استوعب دراسة األساطَت واىتم بأنساؽ من العالمات اليت أ ْ
سوسَت كاللباس وأطباؽ األكل والديكورات ادلنزلية ،ونضيف األطعمة واألشربة وكل اخلطابات اليت ربمل
انطباعات رمزية وداللية .يتسع التحليل ليستوعب ما ىو خارج اللغة يف دراسة األساطَت واالىتماـ بأنساؽ
العالمات كالل باس واألكل ....أدرج بارت ىذه األنساؽ من العالمات وأنظمة التواصل اجلماىَتي مثل الصورة
واإلشهار يف نطاؽ ادلنظومات اإلشارية .كما جاءت "التفكيكية" لتعارض البنيوية ،شكك دريدا يف الفكر
اللغوي البنيوي السوسَتي ،حيث وقف " رواد التفكيك " من فكرة نسق البنيوية وقدرهتا (فكرة النسق) على
ربديد العالقات اللغوية وتوزيع أدوارىا وربقيق أداءاهتا ،ومن مت طرح البديل القائم على إعطاء ادلدلوؿ حرية
اللعب ،وسبتيع القارئ باحلرية ادلطلقة على تفسَت العالقات وتأويلها .مث جاءت نظرية ما بعد االستعمار اليت
ظهرت بعد سيطرة البنيوية على احلقل الثقايف الغر،ي ،واليت شكلت إبداال ( )paradigmeيفتح للناقد آفاقا
جديدة للقراءة والتأويل واخلروج من االنغالؽ البنيوي .كاف ىدفها االنتقاص من قدر الدعاوي العلمية للبنيوية.
وخروجا كذلك عن ضيق األسئلة البنيوية والشكالنية اليت سيجت النصوص بسياج اجلماليات وعزلتها عن زليطها
الثقايف ،سيجد النقد الثقايف نفسو مطالبا باإلجابة عن ىذه األسئلة اجلديدة ،شلا سيحتم عليو تغيَت أدواتو وطرائق
رؤيتو للعمل األد،ي مسًتفدا جل تصوراتو من فلسفات فوكو وادوار سعيد .فقد سبكن ادوار سعيد من خالؿ
نظرتو الثاقبة ومناىضة خطاب البنيوية وما بعد البنيوية :فقراءة أولية لكتاب ادوار سعيد االنتفاضة الثقافية الذي
يندرج ضمن الدراسات ما بعد الكولونيالية ،توحي أنو قدـ مداخل أساسية للمنظور اإلدواردي ومفاىيمو
األساسية كالدنيوية والقراءة الطباقية وادلثقف والعامل وغَتىا من ادلفاتيح اليت ينهض عليها التصور اإلدواردي
لألدب والنقد .فقيمة ادوار سعيد تتجلى بالتحديد يف مناىضة خطاب البنيوية؛ فقد قدـ ،يف رلاؿ النظرية النقدية
إبداال دلقاربة النصوص األدبية متجاوزا تيار البنيوية وسكونيتها اليت تفرغ النصوص من مرجعياهتا االجتماعية
والتارؼلية ،فقد خضعت (البنيوية) باعتبارىا نظرية النتقادات موضوعية وقفت على ثغراهتا كإعلاذلا التاريخ والتطور
والعوامل االجتماعية واالقتصادية والثقافية ادلؤثرة يف البنيات واألنساؽ ،فهي سبارس السلطوية على النصوص،
حيث الدراسات ما بعد الكولونيالية فعالة يف ربط النصوص دبحاضنها االجتماعية.
كما أف البنيوية واجهتها معارضة بفرنسا أثناء انتفاضة 1968اليت شارؾ فيها مثقفوف أمثاؿ بوؿ ريكور
وروالف بارث ( دلا كاف يساريا ) ،ألف احملتجُت اعتربوا البنيوية تيارا ؽلثل الرأمسالية .لكن النقاد العرب الذين تبنوا
8
األساطَت ليس بادلفهوـ االصطالحي ،بل وظيفتها يف اجملتمع
البنيوية كاف جلهم ينتمي إىل اليسار ،سقطوا يف التناقض؛ أفرغوا البنيوية من زلتواىا ادلبٍت على " الداخل " الذي
ال يؤمن بالعوامل اخلارجية ،ألف البنيوية جاءت لتحوؿ اللغة إىل موضوع يف البحث اللساين ادلستقل بذاتو .ىكذا
حاوؿ البنيويوف العرب توفيق بُت " الداخل " و " اخلارج "من خالؿ اجلمع بُت ادلقاربة النصية الداخلية وادلقاربة
اخلارجية ،للتوفيق بُت الداخل واخلارج أو إمساؾ " العصا من الوسط".
تأسيسا على ما سبق ،فإف ادلتأمل يف تاريخ اللسانيات الغربية غلدىا بنيت على عملية اإلزاحة واإلحالؿ،
عملية اإلسباـ والتعديل كما ىو الشأف مع دو سوسَت واألمريكي ويلياـ ويتٍت الذي تكوف بأدلانيا وكانت لو
دراسات يف النحو ادلقارف ،أقاـ حدودا بُت ما ىو لساين وما ىو غَت لساين ،أخذ مسافة من بعض توجهات
اللسانيات التارؼلية؛ مدرسة تزيح مدرسة سابقة عنها بعد الًتاكمات لتحل زللها هبدؼ التعديل أو التباين،
وتستقل فيما بعد .فإذا أمعنا النظر يف اللسانيات صلد أف تطورىا مرىوف دبجاالت علمية أخرى خاصة النظريات
الفلسفية والرياضياتية ...منها:
اللسانيات النفسية:
ظهرت ابتداء من النصف الثاين من القرف ادلاضي ،استقلت بنفسها ،واىتمت بالظروؼ النفسية يف
عملية اكتساب اللغة خاصة عند األطفاؿ .فساعدت على فهم النمو اللساين وتطوير الدرس الغر،ي خاصة فيما
يتعلق بنظرية النحو التوليدي مع تشومسكي.
اللسانيات الحاسوبية:
ظهرت اللسانيات احلاسوبية اليت رباوؿ زلاكاة العقل البشري يف فهم الظاىرة اللغوية نتيجة للحاجة إىل
احلوسبة .فكاف اجلمع بُت اللسانيات والذكاء االصطناعي واإلعالميات والرياضيات وادلنطق قصد نقل الذكاء
البشري إىل نظَته احلاسو،ي ،الذي يستطيع ربليل النظاـ اللغوي بأسرع وقت.
لسانيات الخطاب:
ترتكز لسانيات اخلطاب أو النص على ذباوز اجلملة لدراسة ما ىو أمشل منها شكال وداللة .نشأت
بأمريكا مع ىاريس ،أدت إىل تطوير الدرس اللساين .واعتمدت على مقاربات عديدة أعلها النظريات الرباغماتية
واحلجاجية .
كما أف التصورات اللسانية أو الفكر اللساين يف الفًتة ادلمتدة من 1800و 1900هتيأت بفضلها
ظروؼ تطور الحق للسانيات يف القرف العشرين ( من النحو ادلقارف إىل التصورات ادلعاصرة ) إىل البديل الذي
أحدثو دو سوسَت حيث الرىاف على استقاللية اللسانيات .كما أف اللسانيات عرفت مع تشومسكي مرحلة
جديدة ،مؤسسا بذلك مرحلة يف اللسانيات نقد فيها الدراسة الوصفية السطحية اليت مل تعن بالبنية العميقة
لقواعد التحويل واإلنتاج الالمتناىي من اجلمل . 9نزعت القواعد التوليدية بتشديدىا على القدرة
( )compétenceواألداء ( )performanceإىل إزاحة لسانيات دوسوسَت اليت كانت تضع تركيزىا على
النسق الثابت للغة .فمشروع تشومسكي ليس مشروعا لوصف نظاـ العالقات الذي يشكل لغة معينة ،إظلا ىو
مشروع يصوغ القواعد العامة اليت تفسر إنتاج عدد ال هنائي وكامن من األقواؿ (الكالـ )paroleاليت تعد
مقبولة قواعديا من لدف متكلمي لغة ما .ىذه القواعد التوليدية جاهبها ربدي من علم الداللة التوليدي ،ومن
نظرية أفعاؿ الكالـ اللذين حاوال أف يعنيا ليس فقط بالقواعد الًتكيبية لصياغة اجلمل ،وإظلا بالقواعد الداللية
والسياقية اليت ربكم مواقف الكالـ الفعلي .فقد توسعت اللسانيات من رلاؿ إىل آخر ألجل اإلدلاـ جبميع القضايا
اليت تصلها بالدرس والبحث ،سواء كاف من داخل الدرس اللساين نفسو ،الذي يعاجل قضايا لسانية خالصة مثل
دراسة الصوت والًتكيب والنحو ،أو كاف من خارجو ولو صلة وثيقة بو ،مثل التداولية ولسانيات اخلطاب والنص
اليت ذباوزت لسانيات اجلملة إىل دراسة ما ىو أوسع .لسانيات النص نشأت مع ىاريس سنة ،1952مث بعده
بوؿ ريكور الذي اىتم باخلطاب والنص .فتولدت نظريات جديدة اىتمت بتحليل النصوص واخلطابات.
مرت اللسانيات الغربية دبحطات لسانية ىامة ساعلت يف تطورىا ادلتسارع .فالقرف التاسع عشر وخاصة
الفًتة ادلمتدة بُت 1810و 1875عرفت تطورات يف اللسانيات؛ إنو النحو ادلقارف الذي ؼلص رلاال للدراسة
وتوجها للسانيات يتمثالف يف إقامة صالت القرابة ادلوجودة بُت لغتُت أو أكثر متباعدة يف الزماف وادلكاف .ومل
يتحوؿ النحو ادلقارف إىل لسانيات تارؼلية إال ابتداء من عاـ 1860تقريبا .فقد افًتض ادلقارنوف األوائل ،انطالقا
من مالحظة التشابو البُت الذي غلليو تقارب السنسكريتية والالتينية واإلغريقية ،مث السنسكريتية وعدد كبَت من
اللغات األوروبية وجود أظلاط سلتلفة من الروابط بُت ىاتو اللغات.
تطور النحو المقارن /المذهب الوضعي في اللسانيات /النحاة الجدد /نقد التاريخانية
ظهرت خالؿ الثلث األخَت من القرف 19حساسية نظرية جديدة تأسست على مطلب العلمية اليت
ذبددت عند اتصاذلا بادلذىب الوضعي الفلسفي لكونت ( ،)1857/1798وبادلنهج التجرييب الذي دعا إليو
س .برنارد ( .) 1878/1813وجو رواد ىذه احلركة انتقادا قويا لالفًتاضات الفلسفية وادليتافيزيقية اليت كانت ما
تزاؿ حاضرة يف أسالفهم ادلباشرين.
فقد برزت روح علمية جديدة :ظهر جيل جديد ينتمي إىل جامعة ليبزغ ( )leipzigاألدلانية ،أطلق
عليو اسم النحاة اجلدد ،يضم أسكويل ( )1907/1829وليسكُت ( )1916/1840وبروكماف
( )1919/1849وىَتماف بوؿ ( ...)1921/1846قدـ مساعلات جديدة دبعارضتو التصورات الرومانسية
للقرف ادلنتهي إىل التشديد على اطراد القوانُت الصوتية ،داعمُت أعماذلم دببادئ ادلذىب الوضعي .ىكذا شكل
عملهم (النحاة اجلدد) ثورة على تصورات اللسانيات التارؼلية اليت اعتربوىا رلرد افًتاضات ،وعلى اخلصوص تلك
ادلضمنة يف مؤلف شالؼلر .فقد رفض اللسانيوف الوضعيوف ادلرتكزات الرئيسية "للفرضية اذلندو-أوروبية"
وباخلصوص:
-التفسَت الفلسفي ذو الطابع ادليتافيزيقي ،فقد عدوا السؤاؿ حوؿ أصل اللغة سؤاال غَت علمي ،كما اعتربوا
فرضية اللغة األـ فرضية وعلية.
-التفسَت التارؼلاين ذو الطابع الغنائي ،قد أقحم بسبب التصور التطوري للغات.
-التفسَت التخميٍت (يفهم ىذا ادلصطلح ىنا بادلعٌت الذي ؼلص اشتغاؿ العقل) ،ويشكل امتدادا متأخرا ،يف إطار
الرومانسية ،للنحو العاـ ،دبا أنو يتمثل يف دعم أطروحة التوازي ادلنطقي النحوي بُت الفكر واللغة.
باإلضافة إىل ىذا كلو ،يدعو ىذا النقد إىل تطوير تفكَت منهجي متناـ يكوف باستطاعتو ربرير البحث
اللساين من التارؼلانية والطبيعانية (.10 )naturalisme
ولياـ ويتٍت ( :)1894/1827( )william whitneyفكرة اللسانيات العامة :أمريكي تكوف
بأدلانيا ،سبكن من السنسكريتية والنحو ادلقارف ودراسة اللغات اذلندو-أمريكية .دوره الرائد يف رلاؿ اللسانيات كاف
لو تأثَت على معاصريو؛ ىو ما سبثل ببالغة بعض ادلالحظات اليت دوهنا دو سوسَت بعد وفاتو ،معتربا أنو مل يًتؾ إال
بعض األعماؿ اليت تستخلص من نتائج النحو ادلقارف نظرة فوقية وعامة عن اللغة.
ػلدد ويتٍت موضوع اللسانيات يف فهمها أوال يف كليتها ،بوصفها وسيلة للتعبَت عن الفكر اإلنساين ،مث
يف تنوعاهتا .كما اىتم بدراسة أخرى :دراسة تطورات اإلنسانية اليت ؽلكن أف تكشف عن طريق اللغة .بالرغم من
تكونو يف أحضاف النحو ادلقارف ،فإنو ال يًتدد يف ربديد أىداؼ تتجاوز التصورات ادلعموؿ هبا .فدراسة وقائع
اللغة ينظر إليها كذلك كوهنا مصدر معلومات شبينة بالنسبة للبحث اإلنساين .فاستنتج أف زبصص اللسانيات
الناشئ يشكل علما مستقال .فالعمل ادلؤسس لويتٍت يتميز جبديتو يف احلدود اليت يكوف فيها بناء نظرية للغة يسَت
جنبا إىل جنب مع إقامة حدود واضحة بُت ما ىو لساين وما ىو غَت لساين .ىذه الطريقة سنجدىا عند دو
سوسَت يف " دروس يف اللسانيات العامة" .كما ػلدد كذلك ربديد اللسانيات عن طريق النفي؛ أخذ أوال مسافة
من بعض توجهات اللسانيات التارؼلية زلددا بذلك قطيعة مزدوجة:
-مع ادلنظور ادليتافيزيقي والالىويت ،واضعا كل افًتاض حوؿ أصل اللغة خارج حقل اللسانيات ،لصاحل إشكالية
تتعلق بأسباب تطوره.
-مع كل خلط بُت اللسانيات وعلم النفس.
10قدـ دو سوسَت يف ىذا الصدد ،نقدا عنيفا حوؿ اذلفوة ادلنهجية للمثل األكرب للسانيات التارؼلية ،اعترب أف التأمل الفلسفي يفضي إىل أف
اللسانيات اليت ولدت يف أدلانيا وظلت يف أدلانيا مل تبد ميال إىل االرتقاء ضلو التجريد ،وعارض زلاولة شالؼلر
وباختصار فإف تأكيد اللسانيات قد شيد يف البداية على رفض ادليتافيزيقا ،ويف النهاية على رفض ذىنية ادلذىب
النفسي.
كما ؽليز ويتٍت بُت اللغة باعتبارىا ملكة إنسانية (قدرة فطرية) والنشاط اللغوي اخلاص ادلرتبط أساسا
بالتمكن من لغة معينة (نتاج مكتسب) .إف اللغة ىي جهاز فطري للنوع (البشري) ،قادر على أف يتطور عن
طريق التعلم إىل مكتسب .فاللغة ال تربر إال ب "الرغبة يف التواصل" ،أو أيضا بضرورة جلوء النوع البشري إىل
ترصبة تعبَته عن حاجتو األساسية بواسطة الكالـ.
فقد وضع قطيعة مع التقليد اللساين السابق؛ اعترب اللغة مؤسسة تشكل حضارة يف كل رلتمع .بُت
االختالؼ األساسي الذي ي فصل أدوات التواصل عند اإلنساف عن احليواف ،تكوف عند ىذا األخَت غريزية ،بينما
عند اإلنساف تكوف اعتباطية وتواضعية بالكامل .يرى أنو ال توجد كلمة واحدة يف أي لغة نستطيع أف نقوؿ عنها
إهنا وجدت بالطبيعة ،بل إف كل كلمة تقوـ بوظيفتها بالتواضع .فقد كانت لو مواقف ضد طبيعة شالؼلر ومولر .
البنيوية :من المقاربة التاريخية للغة إلى البحث اللساني المستقل بذاته
ىل دو سوسَت أحدث قطيعة إبستيمولوجية 11مع الدرس اللساين إىل حدود القرف التاسع عشر ،أي
النحو ادلقارف والنظرة التارؼلية للغة؟ أـ أف ما أتى بو ما ىو إال استمرارية ،أي إسباـ وتعديل دلن سبقو كما حصل
لو مع األمريكي ويلياـ ويتٍت ( )williamWhitney؟ أـ كاف لو موقف من الدرس اللساين األدلاين سواء
كاف الدارسوف أدلاف أمثاؿ شليغل وغرمي و شالؼلر وبوت وعلبولت ،أو الذين كانوا يعملوف يف ىذا ادليداف يف
بلداف أخرى ،سواء كانوا علماء تكونوا يف أدلانيا كويلياـ ويتٍت ،أو أدلانا مهاجرين أمثاؿ ماكس مولر يف أوكسفورد،
خاصة أف الفًتة ادلمتدة من 1749إىل 1832كانت بالنسبة للسانيات حقبة سيطرة البحث اجلرماين؟ ىل ىذا
ادلعطى ىو الذي جعل دو سوسَت يقدـ نظرة مغايرة إىل اللغة تتباين مع النظرة السابقة ويعارض الدراسات القدؽلة
ذلا؟ أـ كاف إفرازا لتجريبية القرف التاسع عشر ولبعض الفلسفات اليت نادت بالبحث يف القوانُت اجملردة للظواىر،
واعتربت الكوف بٍت على نظاـ ،وأصبح البحث عن قواعد البنية النظامية للظواىر الكونية منهجا متبعا يف شىت
العلوـ من بينها اللسانيات؟ ىل ىذا ما جعل دو سوسَت يقدـ طرحا مغايرا حوؿ مفهوـ النسق؟ أـ أف البنيوية ما
ىي إال رد فعل على ادلاركسية اليت ذلا مفهوـ خاص بالنسق؟
باعًتاضو على علوـ اللغة اليت اعتربىا أقرب إىل التاريخ من اللسانيات ،استوعب دو سوسَت ،باطالعو
على اللغات القدؽلة ،مقاربة اللسانيات ا ليت كانت تتسم بتفسَت تارؼلي للغة والتفسَت ادلقارف ذلا ،مث ذباوزىا،
واضعا حدا لسيادة النظرة التارؼلية اليت ىيمنت على دراسة اللغة دلدة طويلة .فتوصل إىل أف الدراسات القدؽلة
للغة اتسمت -كما يرى -إىل حدود القرف التاسع عشر بتفسَت تارؼلي للوقائع اللسانية وتفسَت مقارف ذلا،
11
القطيعة اإلبستمولوجية ،كما حددىا باشالر ،ىي االستيعاب مث التجاوز
خاصة أف البنيوية زبتلف عن ادلاركسية يف مسألة جوىرية ،ىي أف النسق ( )systèmeالذي أتت بو (البنيوية) لو
قوانينو الذاتية اليت ال زبضع للتغَت التارؼلي ،يف حُت أف ادلاركسية تنظر إىل النسق على أنو تاريخ متغَت .فالتغيَت
الذي أحدثو سوسَت يف اللسانيات ب ادلقارنة مع ما كانت عليو قبلو ىو دراسة اللغة يف ذاهتا ولذاهتا بعيدة عن
العوامل احمليطة هبا .فقد ساىم دبساءلتو للمسلمات النحوية يف انتزاع التفكَت يف اللغة من تلك البديهيات
التجريبية ،كما أف النظرية السوسَتية أحدثت ،بدراستها للغة موضوعا رلردا ،ونسقا نوابضو خارجة عن الفرد وعن
الواقع ادلادي ،أثرا تدمَتيا للفاعل البسيكولوجي احلر والواعي الذي ظل سائدا يف التفكَت الفلسفي ،ويف العلوـ
اإلنسانية ،حىت هناية القرف التاسع عشر .فتطور الدرس اللساين يف ىذه الفًتة صادؼ أوج الفلسفة مع كوتة
وىيغل وكانط .واعترب اللغة نسقا مغلقا من العالمات ووحدة مستقلة من العالقات الداخلية ادلًتابطة ،وزلاوالتو
جعل اللغة موضوعا للدراسة دبعزؿ عن مستخدمها ،واعتربت البنيوية أف النواة األساس للنص ىو مادتو اللغوية.
إهنا اخلصائص النوعية واحملايثة اليت ذبعل من نص ما نصا أدبيا ،ولذلك ألغت كل العوامل اخلارجية للنص (
ادلؤلف ،ادلستوى النفسي ،ادلستوى االجتماعي ،ادلستوى االقتصادي ،مستوى التلقي .)...فبالرغم من أف عديد
من ادلوضوعات اليت تناوذلا سوسَت كانت رائجة يف األحباث ادلنجزة خالؿ النصف الثاين من القرف 19كما ىو
الشأف مع سوسيولوجية دوركامي اليت أثرت كثَتا يف نظرية الواقعة اللغوية ،فإف عملو يؤسس لقطيعة مع اللسانيات
ادلقارنة 12ادلعاصرة لو ،باقًتاحو مقاربة ال تارؼلية ،ووصفية ونسقية .فادلفاىيم اليت اقًتحها دو سوسَت استعملت
استعماال واسعا ،من قبل صواتة مدرسة براغ أوال ،مث من بعد ذلك يف إطار التيار البنيوي من قبل حقوؿ (معرفية)
أخرى استلهمت النموذج الصوايت.13
فكيف تصور سوسَت اللغة والكالـ؟
12حبسب علماء ادلقارنة للقرف التاسع عشر ،وخباصة بوب ومن تبعو ،فإف اللغات تتطور بتقهقرىا ربت تأثَت القوانُت الصوتية يف التواصل .ويتعلق
األمر دبقارنة احلاالت القدؽلة باحلاالت الراىنة للغة.
13يف األنًتبولوجية ليفي سًتاوس والفلسفة ألتوسَت والتحليل النفسي الكاف والسيميائيات بارت وعلم النفس بياجيو.
سوى فرع من ىذا العلم العاـ ،وستكوف القوانُت اليت ستكشف عنها السيميائيات قابلة للتطبيق على اللسانيات،
14
وسًتتبط ىذه األخَتة دبجاؿ زلدد ضمن رلاؿ الوقائع البشرية "
ىي أوؿ مدرسة لغوية حديثة غَتت طبيعة التفكَت اللغوي ،واضعة حدا فاصال بُت عهدين من الدراسة
اللغوية ،عهد الدراسة ادلمتدة من اليوناف (اإلغريق) إىل بداية القرف العشرين ،وعهد الدراسة احلديثة اليت بدأت مع
ظهور مدرسة سوسَت ،اليت قامت نظريتو يف دراسة اللغة على منهج جديد يستند إىل أسس زلددة ،أعلها النظر
إىل اللغة على أهنا نسق من العالمات اللغوية ،يربط بعضها ببعض بشبكة من العالقات ،أو ىي رلموعة عناصر
متشابكة ،ال ينعزؿ فيها عنصر عن آخر داخل ىذا النظاـ ،فإذا خرج عنصر من الشبكة ،ومل تكن لو عالقة بغَته
فقد قيمتو .ومن أىم األفكار اللغوية ذلذه ادلدرسة:
-1النظرة "البنيوية" إىل اللغة ،حيث عرفها بأهنا :نسق من العالمات.
" -2السنسكرونية" أو الوصفية يف مقابل "الديكرونية" أو التارؼلية.
-3ثنائيتو ادلشهورة "اللغة والكالـ" وتفريقو بينهما.
كتاب "دروس يف اللسانيات العامة" ىو عبارة عن زلاضرات ألقاىا دو سوسَت خالؿ ثالث سنوات
( 1909 ،1907و ،)1911صبعها طلبتو خاصة (شارؿ بايل ()1947/1865( )Charles BALLY
( وألبَت سيشيهاي ( )1946/1870( )Albert SECHEHAYEسنة .1916
ؽلكن القوؿ أف البنيوية ىي أوؿ مدرسة بنيوية حديثة تفرعت عنها مدارس حديثة :الوظيفية والنسقية
والتوزيعية والتوليدية والتحويلية.
بعدما حدد سوسَت أسس اللسانيات العامة وتشكلت لديو كعلم ،حدد مهامو وموضوعو ،أثار إحدى
ادلناقضات ( )antinomiesاألساسية أال وىي التمييز بُت اللغة والكالـ .األمور اليت سبيز اللغة عن الكالـ عند
سوسَت ؽلكن طرحها يف اجلدوؿ التايل:
الكالـ اللغة
فردي اجتماعية
تابع شبو عرضي جوىرية
فعل إرادي مسجلة سلبيا
14
F. Saussure : Cours de linguistique générale, P 33.
نفس فيزيائي نفسية
رلموع ما يقولو الناس رلموع بصمات يف كل دماغ
غَت صباعي ظلوذج صباعي
منذ أف قاؿ دو سوسَت إف اللغة بنية ،واعترب أف األساس يف دراسة البنية ليس ىو عناصرىا ،بل العالقات
البنيوية اليت ذبمع تلك العناصر ،إىل حد تشبيهو اللغة برقعة شطرنج حيث ادلهم ،ليس بيادقها ،ولكنها العالقات
اليت ربكمها ،تفرغت البنيوية وروادىا إىل نقل ىذا التصور إىل ربليل النصوص واخلطابات األدبية واالجتماعية .يف
رلاؿ علم االجتماع قاؿ كلود ليفي شًتاوس إف صبيع األحباث ادلتعلقة باجملتمع ،مهما اختلفت ،تؤدي إىل
بنيويات؛ وذلك أف اجملموعات االجتماعية تفرض نفسها من حيث أهنا رلموعات .فقد استلهم أحباثو من
البنيوية ،وكانت البنية عنده ىي بنية القرابة.
فإذا كاف دو سوسَت قد قارب اللغة من خالؿ ثنائيات اللساف /الكالـ ،الدياكرونية /السانكرونية،
الداؿ /ادلدلوؿ ،واىتم باجلانب الثابت فيها ( اللساف +السانكرونية ) بغية ربقيق الدراسة العلمية للغة ،فإف
البنيوية استلهمت ىذه اخللفية وطبقتها يف حقل األدب زلاولة وضع نظرية علمية لألدب؛ إهنا اخلصائص النوعية
واحملايثة اليت ذبعل من نص ما نصا أدبيا ،ولذلك ألغت كل العوامل اخلارجية للنص ( ادلؤلف ،ادلستوى النفسي،
ادلستوى االجتماعي ،مستوى التلقي ،)...واىتمت فقط دبا مستو ادلستويات النصية ،وىي البٌت الصغرى للنص
القابلة للعزؿ وادلالحظة والدراسة من قبل ادلستوى الصويت وادلستوى الصريف وادلستوى ادلعجمي وادلستوى الًتكييب
وادلستوى الداليل ...اعتبارا لكوف النص األد،ي بنية مغلقة تامة وكاملة ومكتفية بذاهتا (دراسة اللغة والنصوص يف
ذاهتا ولذاهتا).
وقد كانت الساحة الفرنسية أوؿ من تلقى مبادئ البنيوية بعد أف قاـ تزفتاف تودوروؼ بًتصبة نصوص
الشكالنيُت الروس إىل اللغة الفرنسية ،اليت تلقاىا عدد من النقاد واستلهموىا يف مشاريعهم األدبية والنقدية من
مثل روالف بارت الذي اعترب النقد لغة ثانية على لغة أوىل ،ودرس عامل الرموز والعالمات واألساطَت ،...15وجَتار
جنيت الذي اىتم بالسرد خصوصا يف كتابو " وجوه ،16" 3وتودوروؼ نفسو من خالؿ دراستو للشعرية يف
أبعادىا اللغوية واخلطابية.
وعموما فإف كنو البنيوية يف أصوذلا وامتداداهتا الغربية اعتربت أف النص نسق من العالمات عنصرىا
األساس ىو اللغة ،وألف الدرس اإلبستمولوجي اعترب أف أي دراسة علمية ينبغي أف ربدد موضوعها بدقة ،فقد
15سأتناوؿ احملطات الثالثة اليت مر هبا يف حياتو األدبية والنقدية أي مرحلة ما بعد البنيوية ،اليت اعترب فيها أف مظاىر احلياة تشكل رلموعة من
األساطَت بادلفهوـ الوظيفي ال بادلفهوـ االصطالحي ،مث مرحلة البنيوية والسيميائية اليت شكلت مساره السياسي واللغوي والنقدي ،وأخَتا مرحلة ما بعد
البنيوية اليت شكلت التفعيل ادلنهجي دلسَتتو النقدية دلا بعد البنيوية بسبب تبنيها لفكرة إزالة ادلركز وتغييب ادلعٌت.
16
Figures III, Seuil, 1976
اعتربت البنيوية أف ادلوضوع األساس للنص ،وجوىره ىو اللغة ،وأف العالمات اللغوية مستقلة بذاهتا وليست رمزا
ألي شيء خارجي ،وأف قيمتها تكتسبها من خالؿ عالقاهتا بباقي العالقات األخرى ،ولعل ىذا النمط احملايث
يف دراسة النصوص ىو ما دفع بالنقاد إىل اعتبار الدراسة البنيوية حبثا يف صباليات النصوص انطالقا من اشتغاؿ
اللغة ومستوياهتا.
إف البنيوية ،وككل نظرية نقدية غربية وجدت طريقها إىل الساحة العربية من خالؿ الًتصبة إىل اللغة
العربية ،منها ترصبة نصوص الشكالنيُت الروس من الفرنسية إىل العربية ،وكتاب "مبادئ يف علم األدلة" لروالف
بارت الذي ترصبو كل من زلمد البكري وؽلٌت العيد رغم أنو كتاب يف السيميولوجيا ( يف ىذه ادلرحلة انتقل بارت
إىل السيميولوجيا بعدما كاف بنيويا ) إال أنو ال ؼللو من عناصر بنيوية استفادت منها الساحة النقدية العربية ،وبناء
على النتائج اليت حققتها البنيوية الغربية يف دراسة النص األد،ي ،وانبهار رلموعة من النقاد العرب هبا ،انربى
رلموعة منهم يف استلهامها يف دراستهم ،نذكر على سبيل ادلثاؿ :كماؿ أبو ديب يف كتابو "جدلية اخلفاء
والتجلي" وعبد الفتاح كليطو يف "األدب والغرابة" وسعيد يقطُت يف كتاباتو يف ربليل اخلطاب السردي "ربليل
اخلطاب الروائي " ،كما ال زبلو كتابات األستاذ زلمد مفتاح من استلهاـ للبنيوية السيما يف كتابيو " ربليل
اخلطاب :اسًتاتيجية التناص" و "دينامية النص"...
إال أف استلهاـ البنيويُت العرب للبنيوية ال ؼللو من مساءلة حوؿ درجة وفائهم وإخالصهم للمبادئ
واألسس اليت قامت عليها البنيوية يف صيغتها األصلية (حضنها الغر،ي) ،فإذا اعتربت البنيوية يف أصوذلا النص
وعناصره بنية مستقلة عن ادلعطى اخلارجي ،فإف البنيويُت العرب ذباوزوا مستوياهتا الداخلية دلالمسة مستويات
خارجية ،وىنا عمق التناقض ادلعريف وادلنهجي يف ادلعادلة البنيوية العربية:
فعلى ادلستوى ادلعريف ،مل تبق الدراسة البنيوية العربية وفية دلفهوـ الداللة البنيوية باعتبارىا داللة زلايثة للغة
النص ،ومستوى جزئي من مستوياتو يكتسب دينامية من خالؿ عالقاتو التكاملية مع ادلستويات النصية األخرى
كالًتكيب والصوت والصرؼ ،...ومن ىنا فالداللة البنيوية ىي داللة نصية باألساس ،وىو ما مل ػلًتمو البنيويوف
العرب الذين نظروا إىل الداللة باعتبارىا إحاالت خارجية على واقع مادي ،وأف ادلعاين أحيانا تكتسب من واقع
النص ،واعتربوا أف العالمة ؽلكن أف تدؿ على مرموز إليو خارجي ،فلم ؽليزوا بُت الداللة البنيوية للعالمة وداللتها
السيميولوجية ،وىو ما يقض ادلبادئ البنيوية من أساسها.
وعلى ادلستوى ادلنهجي تعمل البنيوية على كشف آليات اشتغاؿ اللغة من خالؿ مستويات النصية،
واعتربت أف النواة األساس للنص ىو مادتو اللغوية ،وأف البنية الداللية ىي اخليط الناظم لكل ادلستويات األخرى،
إال أف البنيويُت العرب بتخطيهم دلستوى دراسة العالمة اللغوية النصية من مستوى الداؿ إىل ادلدلوؿ ومنو إىل
مستوى ادلرجع مل يقفوا عند حدود ما أقرتو البنيوية ،وتناقضوا مع تصورىا ادلنهجي الصارـ الذي يروـ ربقيق "
العلمية " يف الدراسة.
إف القصور العر،ي يف فهم واستلهاـ البنيوية يف أصوذلا ادلعرفية وادلنهجية راجع ،يف اعتقادي ،إىل اخللفيات
اليت كانت ربكم ادلفكرين العرب آنذاؾ ،فجلهم الزالت ذلم آنذاؾ ارتباطات معرفية وإيديولوجية بالفكر الفلسفي
ادلاركسي ،وحىت ا نتماءاهتم التنظيمية كانت يف أغلبها اشًتاكية ،ولذلك اعتربوا أف األزمة اليت تعيشها بلداهنم
ليست أزمة نصوص ،وليست أزمة عالمات ،بل ىي أزمة واقع ،وأزمة اختيارات اسًتاتيجية كربى ،ولذلك مل
يتمكنوا من ذباوز الداللة الواقعية ادلادية يف أبعادىا االجتماعية ،وتعاملوا مع ادلناىج النقدية باعتبارىا اختيارات
مذىبية ،وليس باعتبارىا اختيارات ثقافية ،واحتماالت إلنتاج ادلعرفة بالنصوص ،ورأوا فيها رؤية للعامل مكتملة،
وليست زوايا نظر للعامل ولعالقاتو ،مل ينظروا إليها باعتبارىا إمكانية ضمن إمكانيات متعددة إلنتاج دالالت
بالنصوص ،وزلاولة لالقًتاب العلمي من النصوص ذات الصبغة األدبية.
تناوؿ البنيوية 17يقتضي منا الوقوؼ على مفاىيم أو زلاور :البنية ( البنيوية اشتقت من البنية ) والنسق،
مفهومهما ،وىل توجد عالقة بينهما .وما عالقة البنية بالشكل ،وما عالقة الشكل بادلضموف؟ خاصة أف
االىتماـ بالبنية يظهر يف أعماؿ الشكالنيُت الروس الذين قدموا إسهامات نظرية وتطبيقية من مثل
توماتشوفسكي ،إخنباوـ وياكبسوف...؟ البنيوية بشقيها األد،ي واللساين ،البنيوية منهجا .وىل تقتصر البنيوية على
اللغة أـ تتجاوزىا لتطاؿ حقوؿ معرفية أخرى ؟
لإلجابة عن ىذه احملاور سنتناوؿ األمساء اليت أسست البنيوية؛ ففي رلاؿ اللغة برز اسم دو سوسَت ،ويف
رلاؿ علم االجتماع برز كل من كلود ليفي سًتاوس ولوي التيسَت ،ويف رلاؿ علم النفس برز كل من ميشاؿ فوكو
وجاؾ الكاف .كما أننا سنتطرؽ بالتحليل لالنتقادات اليت وجهت للبنيوية ( ما بعد البنيوية ،البنيوية التكوينية،
نظرية ما بعد االستعمار ) ...وجوليا كريستيفا اليت اعتربت النص نسق غَت مغلق و"التفكيكية" ،حيث وقفت
على فجواهتا وثغراهتا كإقصائها وذباىلها التاريخ والتطور والعوامل االجتماعية واالقتصادية والثقافية ادلؤثرة يف
البنيات واألنساؽ ،خاصة يف مسألة عزؿ النص أو العمل األد،ي عن سلتلف السياقات احمليطة بو اليت زبًتؽ
نصيتو ،وبدال من ذلك هتدؼ إىل قراءة للنص زلايثة .إذا كانت النهضة ضبلت شعار اإلنساف ضدا على اإللو
القروسطوي ،فإف البنيوية ربمل شعار اللغة ضدا على اإلنساف"؛ اإلنساف باعتباره معٌت وفكر ...فاألدب ،الذي
يندرج ضمن البنية الفوقية حسب الطرح ادلاركسي ،شأنو شأف كل الفنوف ؼلضع لتأثَت العوامل االقتصادية
االجتماعية ( البنية التحتية) .ومعلوـ أف خضوع البنيات واألنساؽ للتغَت والتحوؿ مقولة ماركسية .فمفهوـ ما بعد
البنيوية غلمع ىذه االذباىات كلها.18
17سأتناوؿ البنيوية كما تلقاىا النقاد العرب يف ادللف الًتكييب ؛ فقد أرادوا ربقيق معادلة خاصة هبم تقوـ على أساس دراسة العالمة باعتبارىا " داخل
" وباعتبارىا " خارج " غَت منفصلة عن الواقع ادلادي الذي أفرزىا .ىذه ادلعادلة أوقعتهم يف بعض التناقضات اليت نسفت ادلبادئ البنيوية من أساسها
وأبرزىا عزؿ النص ا ألد،ي باعتباره بنية ،وعزؿ البٌت الصغَتة ادلكونة ذلا عن الواقع اخلارجي.
18سنتناوؿ زلوري البنيوية التكوينية و" التفكيكية " اليت شككت يف فكرة النسق وموقف جوليا كريستيفا يف ادللف الًتكييب.
تحديد المفهوم:
ىل يوجد تعريف جامع مانع للبنيوية؟ .البنيوية باعتبارىا حركة علمية توضح أننا لسنا أماـ بنيوية واحدة،
ألهنا انتشرت يف ميادين سلتلفة وحقوؿ معرفية أخرى غَت اللغة .فتاريخ البنيوية يقودنا إىل أمرين مهمُت:
البنيوية مع دو سوسَت اضلصرت يف بداية ظهورىا يف دراسة اللساف ،حبيث أسست للسيميولوجيا كعلم
يتجو بشكل أساسي إىل دراسة النظاـ السيميولوجي للعالقات الداللية للغة أي أف ميداهنا وسياقها الذي نشأت
فيو ىو حقل اللغة ربديدا.
األمر الثاين ىو النظر إىل ىذا التاريخ من الناحية التطورية سيكشف لنا يف ادلقابل عن طبيعة التحوالت
ادل نهجية وادلعرفية اليت طرأت نتيجة الختالؼ البنيويُت أنفسهم وتباينهم يف فهم معٌت البنيوية أو البنية ذاهتا .ىذا
يالحظ يف طريقة "توظيف" البنيويُت للنقد والتأويل يف حقوؿ سلتلفة عن ميداهنا الذي نشأت فيو كاألنًتبولوجية
البنيوية مع كلود ليفي سًتاوس الذي اىتم بدراسة حياة اإلنساف البدائي ،زلاوال فك شيفرة رموز األساطَت
البدائية ،والوظيفة اليت تؤديها ىذه األساطَت البدائية يف سياؽ ثقايف واجتماعي ،واألدب مع روالف بارت الذي قاـ
بنقل النقد أو التحليل البنيوي من السياؽ الداليل للعالقات النمطية يف العالمات اللغوية إىل رلاؿ آخر أوسع ىو
األدب ،وعلم النفس مع الكاف الذي ال يعتد باللغة فقط ،بل استند على ادلعطى والظاىرة النفسية ،اللغة ىي اليت
تكوف وتؤسس ىذا الالشعور الذي ىو بنية لغوية.
لفظ البنيوية اشتق من البنية إذ نقوؿ :كل ظاىرة ،إنسانية كانت أـ أدبية ،تشكل بنية ،ولدراسة ىذه
ال بنية غلب ربليلها إىل عناصرىا ادلؤلفة منها ،دوف النظر إىل أية عوامل خارجية عنها .كانت البنيوية يف أوؿ
ظهورىا هتتم دبجاؿ البحث اللغوي والنقد األد،ي .فليس ذلا وجهة معرفية عند الباحثُت؛ فمنهم من يعتربىا جدلية
ونظرية معرفية ىدفها معرفة ما إذا كانت جهة نظر البنية بصفتها بناء شكليا أو أظلوذجا أو رلموعة من العالقات
الداخلية تكوف وحدة موضوع العلم تبدو إجرائية يف مادة علمية ما ،وما إذا كانت أداة معرفة أكثر مطابقة وعقلية
من األدوات اليت استعملت من قبل ويف الوقت نفسو ،وما إذا كاف النموذج اللساين على سبيل ادلثاؿ ىو النموذج
األساسي للعلوـ اإلنسانية .19فالبنيوية بالنسبة إليهم ،تعديالت حديثة حلقت ادلعرفة القبلية .وقد كاف ذلا تأثَت
واضح يف ستينيات وسبعينيات القرف ادلاضي على عدد كبَت من احلقوؿ ادلعرفية ( علم االجتماع ،التحليل
النفسي ،النقد األد،ي ،األنًتبولوجية ،والفلسفة ،...ومن أعالـ البنيوية الفرنسيُت كلود ليفي شًتاوس ،لويس
ألتيسَت ،روالف بارت ،جاؾ الكاف ،مشيل فوكو وجاؾ دريدا ) .وتنضوي ربت لواء البنيوية -يف نظر آدـ شاؼ
– عدة نظريات سلتلفة الشيء الذي يتعذر معو تقدمي تعريف جامع مانع للبنيوية .ولذا يعرض الباحث البولوين ما
ال يسلب كل نظرية خصوصيتها ،أي العناصر اآلتية:
تناوؿ موضوع البحث بصفتو كلية سبتلك طابع النسق،
19
Adam Schaff : structuralisme et marxisme, P. 31
السعي إىل اكتشاؼ بنية النسق ادلعطى،
ادليل إىل الكشف من مث عن القوانُت ادلتجلية يف النسق ادلذكور،
دراسة النسق من منظور تزامٍت يلغي ،بصفتو ظلوذجا شلثال ،معلم الزمن.20
بادلنهج البنيوي نتمكن من حصر البنية الكامنة يف رلموعة من األفكار ادلكونة لنظرية معينة وربديد
منطقها وسبب وجودىا .فما الفرؽ بُت البنيوية منهجا والبنيوية رلموعة من الفرضيات ادليتافيزيقية؟ فادلنهج طريقة
أو أسلوب للتفكَت يف العامل والنظر إليو الكتشاؼ اخلفي منو وراء اجللي .ويقتضي الكشف وضع فرضيات عن
اإلنساف وكينونتو وفكره واألشياء يف وجودىا الطبيعي والصناعي .والبنية اليت يصرح ليفي شًتاوس أنو عثر عليها
يف مسار البحث ادلنهجي يف اجملتمع القبلي ىي البنية الكامنة يف األنساؽ االصطالحية للقرابة .فاجملتمع القبلي
يتحدث عن ا لقرابة بواسطة ادلصطلحات الدالة على األفكار .والبنية الكامنة يف األفكار متطابقة مع بٌت العامل إذ
لألفكار اليت ينتجها الذىن نفس البنية اليت لدى العامل .بيد أف أدلة كثَتة تثبت أف العامل غَت منطقي .فالبشر ال
ؼلتاروف وال يقرروف أفعاذلم؛ بل ىم صنائع أفكارىم؛ وأفعاذلم نتيجة البنية الكامنة يف أفكارىم أو يف منطقها .فأيا
تكن العقيدة اليت يعتنقها الفرد ،فهي اليت تتحدث من خاللو .ويغايل البنيويوف إىل حد ما حينما يؤكدوف أف
الناس ال يتحدثوف بقدر ما يُتحدثُوف ،وذلك ألف احلديث يتم بواسطة البنية يف اللغة ،ىذا ،وال يقرأ القراء الكتب،
بل الكتب ىي اليت تقرأىم .فما ىي البنية؟
البنية:
يقصد بالبنية شبكة عالقات ،أو تنسيق ألجزاء أو عناصر شيء زلسوس وإنتاج معُت .كما تعٍت الوسيلة
ادللتحمة اليت تتألف هبا العناصر ادلكونة جملموع معقد كما نقوؿ بنية ربتية وبنية فوقية ،بنية رواية ،بنية بناية ،بنية
دولة ،بنية نظاـ تعليمي .فهل ىذا يعٍت أهنا ىيكل معُت لشيء ما؟ .وقد صلد معٌت آخر للبنية؛ إنو رلموع معقد
أو منظور إليو من جهة نظر تنظيمية ووظيفية .أما فلسفيا فالبنية تدؿ على الصورة أو الشكل .فمفهوـ البنية مثال
مشًتؾ بُت حقوؿ سلتلفة من جهة ومشًتؾ بُت حقل االقتصاد وادلاركسية ( البنية الفوقية والبنية التحتية) من جهة
أخرى .فمصطلح البنية مشًتؾ بُت ىذه احلقوؿ ،لكنو يف داللتو االصطالحية سلتلف من حقل آلخر ،واالختالؼ
مرده التصور الذىٍت للمصطلح أي ادلفهوـ يف عالقتو لطبيعة ادلعرفة واحلقل ادلعريف الذي يرد فيو ،فالبنية كداؿ
الزمة دلفهوـ عالقات اإلنتاج وقوى اإلنتاج ادلؤثرة يف أشكاؿ الوعي البشري يف حقل ادلاركسية ،وعندما ترتبط
"البنية" بالعالقات الصورية الشكلية ،وادلستويات النوعية لنسق معُت فإهنا تكوف الزمة حلقل "البنيوية".
قد تكوف كلمة "بنية " مشتقة من اليونانية اليت تفيد معٌت "بٌت" .والبنية قد يكوف ذلا نفس معٌت بناية
اليت ؽلكن أف تشبو العمارة اليت يتم إصلازىا دبا يسمى ب " فن العمارة " ،وإىل البنية اجلسمية واللغوية والبنية
التحتية والفوقية .فالبنية تعٍت يف البداية رلموعا وثانيا أجزاء ىذا اجملموع ،وثالثا عالقة ىذه األجزاء فيما بينها.
20
Cf, Oswald Ducrot, « Qu’est ce que le structuralisme ? I, le structuralisme en linguistique ».
وتنطوي البنية على عناصر ؽلكن ترتيبها أو إعادة ترتيبها .إعادة ىذه الًتتيبات قد تؤدي إىل تعديل البنية إال أهنا
لن تغَت ىذه البنية .فالبنية ىي رلموعة من الشروط اليت تربطها عالقة يتم ربديدىا باستمرار بغض النظر عن
التحوالت احلاصلة .البنية تكتفي بذاهتا ،وال يتطلب إدراكها اللجوء إىل أي من العناصر الغريبة عن طبيعتها.
والبنية تقدـ نفسها على أهنا مل هتتم باألسس العقدية والفكرية ألي ظاىرة إنسانية أو أخالقية أو اجتماعية،
وتتصف باآليت:
نظاما ربويليا يشتمل على قوانُت ،دوف أف تتجاوز التحوالت حدوده ،واللجوء إىل عناصر خارجية.
البنية مفهوـ ذبريدي إلخضاع اإلشكاؿ إىل طرؽ استيعاهبا ،من ىنا جاءت البنيوية بوصفها نظرية تصف
البنيات والبنيوية ادلنهجية نظرية ،تكوف البنية دبوجبها ،عالقات ،تطبق على ادلوضوع الذي غلعلها واضحة.
وتأسيسا على ىذا ؽلكن القوؿ أف البنية تقتضي ضمنيا نسقا .فما ىو النسق؟
النسق:
نتطرؽ إىل ىذا ادلفهوـ ،ألف دو سوسَت اعترب اللساف نسقا ( .)systèmeؽلكننا تعريف النسق بأنو
الكل أو اجملموع .فليست البنية يف جوىرىا سوى نسق ادلعقولية .وتفهم أنساؽ ادلعقولية بصفتها أنساقا تتضمن
مستويات ػليل بعضها على بعض .النسق رلموع العالقات ادلستقلة عن ادلكونات أو الكلمات اليت تربطها
وتشغل فيما بينها صياغة ما ،وذلك حسب عمليات زلددة بطريقة معينة؛ مثاؿ ذلك نسق القرابة عند كلود ليفي
سًتاوس ،والنسق ادلادي واالقتصادي عند ماركس.
أسست البنيوية نسقها ادلعريف وادلنهجي على التنظَتات اليت بناىا دو سوسَت على اللغة ،وعلى
اإلسهامات النظرية والتطبيقية اليت قدمها الشكالنيوف الروس من مثل توماتشوفسكي ،تينيانوؼ ،إخنباوـ،
ياكبسوف ...وحاولت البنيوية رسم أفق معريف جديد سواء تعلق األمر دبستوى اإلدراؾ ( إدراؾ العامل ) أو دبستوى
تلقي اخلطاب بأنواعو .وشكلت أيضا نسقا إيديولوجيا إىل جانب كل من البنيوية األنطروبولوجية والوجودية ونظرية
التلقي لنقد ونقض اخلطاب الواقعي الذي ازبذ ادلاركسية خلفية نظرية لو.21
كانت البنيوية يف أوؿ ظهورىا هتتم جبميع نواحي ادلعرفة اإلنسانية مث تبلورت فيما بعد يف رلاؿ البحث
اللغوي والنقد األد،ي .البنيوية ليس ذلا جهة معرفية عند الباحثُت؛ فمنهم من يعتربىا جدلية ونظرية معرفية ىدفها
معرفة ما إذا كانت جهة نظر البنية بصفتها بناء شكلي أو ظلوذج أو رلموعة من العالقات الداخلية تكوف وحدة
موضوع العلم تبدو إجرائية يف مادة علمية ما ،وما إذا كانت أداة معرفة أكثر مطابقة وعقلية من األدوات اليت
استعملت من قبل ويف الوقت نفسو ،وما إذا كاف النموذج اللساين على سبيل ادلثاؿ ىو النموذج األساسي للعلوـ
21سأناقش القاسم ادلشًتؾ ذلذه "االذباىات" يف نقدىا ونقضها للمادية اجلدلية اليت انتقدت احلرية الليبَتالية وطوقت إرادة الفرد بقوانُت يف ادللف
الًتكييب.
اإلنسانية .فالبنيوية بالنسبة إليهم تعديالت حديثة حلقت ادلعرفة القبلية .وقد كاف ذلا تأثَت واضح يف ستينيات
وسبعينيات القرف ادلاضي على عدد كبَت من احلقوؿ ادلعرفية ( علم االجتماع ،التحليل النفسي ،النقد األد،ي،
األنًتبولوجية ،والفلسفة.) . ...
يف جوىرىا تركز البنيوية على الداخل ،وعلى دراسة البٌت الصغَتة اليت تكوف النص من داخل النص ذاتو،
ومن عالقتها بعضها ب بعض على أساس أف العالمة اللغوية ليست رمزا لشيء خارجي ،بل إهنا تسبق الشيء يف
حقيقة األمر ،ومن مت غلب دراستها يف عزلة عن داللتها ادلادية خارج النص ،وذلك دبعزؿ عن أية عناصر خارجية
( ادلؤلِّف)،والسياؽ اخلارجي أو غَت اللغوي؛ ىذاف العنصراف ليسا من اختصاص البنيويُت .يعٍت ىذا أف ربليل أي
نص لغوي يعتمد على نظرتُت :األوىل استقالليتو عن أي عوامل خارجية ،والثانية تشابك وحداتو وترابطها فيما
بينها داخليا ،وعليو ،يدرس البنيوي اللغة يف ذاهتا ولذاهتا.
ىل ؽلكن القوؿ أف مدرسة سوسَت باسم مؤسسها وبعض اللغويُت الذين ػللو ذلم تسميتها مدرسة
جنيف غَتت طبيعة التفكَت اللغوي ،ورمست حدودا فاصلة بُت عهدين من الدراسة اللغوية ،عهد امتد من
الدراسة التقليدية إىل أواخر القرف التاسع عشر ،وعهد الدراسة احلديثة اليت ظهرت مع ظهور مدرسة سوسَت؟ .ىل
الدراسة اليت سبقت دوسوسَت كانت تتناوؿ اللغة كتطور وكتاريخ ،وتدرس اللغة ليس يف ذاهتا ولذاهتا بل لغَت
ذاهتا ،وأ ف سوسَت جاء ليدحض النظرية اليت تتناوؿ اللغة كتطور وكتاريخ ،ومن مت فهي نسق من العالمات اللغوية
غلب دراستها يف ذاهتا ولذاهتا ويف استقاللية عن أية مالبسات أو ظروؼ خارجية؟ .فما ىو الشكل وادلضموف؟
الشكل والمضمون:
لإلجابة عن سؤاؿ طرحتو سابقا حوؿ عالقة الشكل بادلضموف ،أرى أف اذلدؼ ىو التمييز بُت البنيوية
والشكالنية .فالربغم من أف الشكالنية تدين للبنيوية ،فإننا نالحظ بعض أوجو االختالؼ اليت تتعلق بالشكل
وادلضموف؛ البنيوية اىتمت بالشكل وادلضموف :الداؿ وادلدلوؿ ،يف حُت أف الشكالنية أولت اىتمامها فقط
للشكل ووضعت ادلضموف جانبا.
بادلضموف يتحدد الشكل ،وبالشكل يتحدد ادلضموف .واألجزاء الشكلية ىي مكونات الوحدة اليت ال
تربز سوى بنية شكلية .ويذىب مسار التحليل يف اذباىُت متعارضُت إىل االلتقاء يف الوحدات بالشكل أو
بادلضموف .والشكل وادلضموف خاصيتاف متصلتاف تتجلياف يف غَت انفصاؿ يف اشتغاؿ اللغة.
ثنائية اللغة/الكالم:
ميز دو سوسَت بُت اللغة واللساف والكالـ؛ يرى أف اللغة ىي رلموع األنظمة والقواعد اليت تستعملها
صباعة بشرية قصد التواصل .أما الكالـ فهو التجٍت التطبيقي ذلذه األنظمة والقواعد .أما اللساف فيتشكل من
خالؿ تالحم اللغة والكالـ.
يرى دوسوسَت أف الفكر ىو عبارة عن تصورات وأفكار ومفاىيم عامة .األفكار ال تشَت إىل أشياء
مادية واقعية ،ما ينتج عن ىذه التصورات ىو البنية اللغوية ال معناىا ادلادي .يشدد على أف اللغة والفكر شيئاف
متالزماف " ال وجود ألفكار مسبقة وال شيء واضح ادلعامل قبل ظهور اللغة" .22فهو يرى أف حقيقة الفكر ليست
مادية .تصوراتنا ومفاىيمنا تكمن يف البنية اللغوية.
فمضموف البنية اللغوية يعود يف أصلو ادلعريف إىل أصغر وحدة صوتية ( .)phonèmeيشرع دو سوسَت
يف "زلاضرات يف اللسانيات العامة" مناقشة باعًتاضو على علوـ اللغة اليت اعتربىا أقرب إىل التاريخ من
اللسانيات .علوـ اللغة ( علم اللغة ادلقارف والفيلولوجيا) بالرغم من أعليتها باعتبارىا شرطا علميا ضروريا للتحقيب
التارؼلي اللغوي ،يرى أف منهج ىذه العلوـ اللغوية الذي تتخذه وتتبعو يف تقصيها للغات ال يساعدنا بشكل دقيق
يف اإلحاطة ب " ادلوضوع " احلقيقي للغة بشكل خاص واللسانيات بشكل عاـ ،دبعٌت أف ما يرفضو سوسَت ىو
منهجها التارؼلي الذي يستند على تقدمي وصف تارؼلي للغات.
من ىنا كانت أوؿ خطوة ازبذىا سوسَت منهجية تتمثل يف تسييج الظاىرة اللغوية ليس باعتبارىا ظواىر
تثَت إشكاليات تارؼلية ،بل ظواىر تثَت إشكاليات بنيوية ترتبط باللغة ذاهتا .فقد قاـ بنقل دراسة الظواىر اللغوية
من ادلنهج التارؼلي إىل ادلنهج البنيوي؛ واضعا حدا لسيادة النظرة التارؼلية اليت ىيمنت على دراسة اللغة دلدة طويلة
.
اللغة وسيلة ل لتواصل تتسم بطابعها العاـ والشامل .أما الكالـ فهو مقدرة ذاتية زبص أفرادا بعينهم .اللغة
كياف مستقل ،أما " الكالـ فهو فعل فردي إرادي ".23
اإلنساف يستطيع إراديا من خالؿ الكالـ أف يربط بُت الكلمات اليت تدؿ على األشياء ،لكنو ال يربط
النظاـ الداليل لألشياء ذاهتا من خالؿ الكالـ ،وىو ما تقوـ بو اللغة .ىذه األخَتة كياف منفصل عن اإلرادة
الفردية :ؽلكن دراستها بشكل منفصل عن إرادة األفراد ( ضلن ال نتكلم اللغات ادليتة كالالتينية ،لكننا مع ذلك
قادروف على قراءهتا وإخضاعها للدرس والبحث اللساين ،حىت لو مل نكن نتكلمها .أي أننا قادروف على صبع
ادلعطيات أو الظواىر اللغوية ذلذه اللغات من خالؿ حزمة من الوثائق وادلخطوطات والنقوش اليت زبص ىذه
اللغات ووضعها يف نظاـ بنيوي ).
اللغة رلاؿ ثابت ،بينما الكالـ متغَت ومتنوع .اللغة خارجة عن األفراد ألهنا رلاؿ ثابت من األسس
والقواعد .الفرد ال يس تطيع تغيَت القواعد العامة يف اللغة ألنو ال يبتكرىا ،بل يبتكرىا باعتبارىا كالما أي ظواىر
صوتية.
22
F. De Saussure : Cours de linguistique générale, P 155.
23
Ibid : P 30
الكالـ فضاء متنوع من األصوات ،يشكل الطبيعة ادلادية للغة .اللغة مقارنة بالكتابة والكالـ ،باعتبارىا
نظاما مستقال من العالمات ،فهي "سلزف الصور السمعية ( )Images acoustiquesوالكتابة ىي الشكل
ادللموس أو ادلادي ذلذه الصور".24
العالمة:
أما العالمة لدى سوسَت فهي "العالمة اللغوية ال تتألف من شيء أو اسم مادي ،بل من مفهوـ وصورة
مسعية .وىذه األخَتة ليست على وجو الدقة الصوت ادلادي أو الشيء الطبيعي ،بل ىي باألحرى األثر النفسي
ذلذا الصوت".25
إف ىذا التعريف للعالمة ىو ربوؿ معريف جديد للعالمة منذ اليوناف (أرسطو وأفالطوف ) مرورا بالقديس
أوغسطُت ( .) Saint Augustinالعالمة عند أرسطو ربد بعالقة ثالثية :الصوت والشيء واحلالة النفسية
ادلتوسطة بينهما .أما القديس أوغسطُت فَتى أف اإلشارة تتكوف من داؿ حسي ومدلوؿ دىٍت .ىذا التحوؿ أدى
إىل حصر العالمة يف عالقة ثنائية بُت الداؿ وادلدلوؿ .ىذا يعٍت أف سوسَت أحدث قطيعة مع التفسَت الذي سبقو،
حيث يرى أف العالمة " تشَت بالضرورة إىل شيء مادي زلدد ".26
دوسوسَت يرى أف اللغة تتكوف من عالمات مركبة بُت الداؿ وادلدلوؿ .ىذه العالقة ال تشَت إىل العامل
الواقعي ،بل ىي عالقة اعتباطية.
إف البنيوية لدى سوسَت ىي أف ادلوضوعات أو التصورات اليت نتحدث عنها ما ىي إال تصورات يتحدد
معناىا من قيمتها ادلتحققة داخل اللغة يف زماف ومكاف زلددين وضمن سياؽ معُت ،وليست أشياء واقعية .من مت
فإف دراسة العالقة االعتباطية بُت الداؿ وادلدلوؿ غلب أف تتم داخل اللغة ذاهتا ،كما أف عناصر ىذه الدراسة
تقتضي السَت وفق احملاور التالية:
اللغة سابقة على الفكر ( ىايدغر يرى أف الكينونة سابقة عن اللغة).
ادلدلوؿ يستمد معناه من عالقتو بالداؿ.
ادلدلوؿ أو ادلضموف زلايث.
ما ػلكم النظاـ الداليل ىو الصيغة العالئقية بُت الداؿ وادلدلوؿ وبُت الدواؿ األخرى.
العالقة بُت الداؿ وادلدلوؿ عالقة اعتباطيية.
البنيوية منهج:
24
Ibid : P 32.
25
Ibid : P 98
26
Vernant Denis : Introduction à la philosophie contemporaine du langage ; du langue à l’action, P. 29.
لقد أثارت البنيوية (اليت بوأهتا اللسانيات أوال مث األنثروبولوجية الحقا منزلة "خطاب منهج" كلي) نقدا
انصب خاصة على مسلماهتا اآلتية :أوال ،انغالؽ الكوف اللغوي وعدـ إحالتو على أي مرجع ومن مث انقطاعو
التاـ عن الواقع .ثانيا ،انفصاؿ أنساؽ األدلة عن الذات ،أي عدـ ارتباطها بعاملي إنتاج ادلعٌت وتلقيو .ثالثا،
إضفاء قيمة أونطولوجية على مفهوـ البنية ،ومن مت تشييئو وذبريده من كل وظيفة اجتماعية .رابعا ،اختزاؿ وظائف
التواصل التداولية إىل لعبة ادلنطق الصوري الًتكيبية .فقد كانت ذلذا النقد آثار يف علوـ أخرى :فقد أعادت النظرية
األدبية للقارئ والسامع وادلشاىد (أي "ادلتلقي")كامل حقوقهم ،وشرعت اللسانيات يف استبداؿ اجلملة بالنص
ويف تطوير تداولية "أحداث اللغة" ،واقًتبت السيميائيات من صياغة تصور للشفرات أو حىت للنصوص الثقافية،
وجددت األنثروبولوجيا االجتماعية النظر إىل مسألة الذات واألدوار وادلؤسسات االجتماعية ،وانتعشت
السوسيولوجيا الظاىراتية لتأخذ على عاتقها مسألة تشكل ادلعٌت ،ومت أخَتا ذباوز ادلنطق الصوري بواسطة منطق
تعليمي إعدادي يقوـ فيو االستدالؿ على مبدأ احلوار
يبدو يل أف اللسانيات السوسَتية قد رمست غالبية النشاط اللساين وذلك بتوجيهها البحث اللساين ضلو
ربليل اللغة دبا ىي نسق من الوحدات والعالقات .ىذا ما كانت تعاين منو لسانيات ما قبل دو سوسَت.
ال بد من اإلشارة إىل أف ادلنهج البنيوي برز باعتباره وسيلة علمية للتعامل مع األدب الذي خضع يف
الفًتات السابقة لتعامالت متباينة ،فقد كاف كل من ادلنهج التارؼلي واالجتماعي والنفسي لدى دارسي األدب
بعيدا عن النص األد،ي ذاتو لكونو منهجا خارجيا يدرس الظاىرة األدبية من خارجها ،ويفسروف العمل األد،ي إما
برده إىل الشروط التارؼلية أو إىل العوامل الذاتية للمؤلف ،وذلك أف السياؽ الفكري الذي ترعرعت فيو ىذه
ادلناىج سادت فيو النزعة التارؼلية ،حيث كانت تُفسر كل الظواىر من خالؿ التاريخ ،فالسابق يتحكم دائما يف
الالحق .وقد اتفق مفكروف حوؿ ىذه النقطة حىت وإف كانوا سلتلفُت يف مسائل أساسية.
من ادلعلوـ أف ادلنهج البنيوي برز يف بداية األمر بوصفو منهجا علميا ربليليا يف رلاؿ اللسانيات بزعامة
فَتدناف دو سوسَت ،حيث أتاح للغة فرصة الدخوؿ إىل ادليداف العلمي التجرييب قبل أف تصبح مع الرواد البنيويُت
أمثاؿ بروب وسًتاوش وتودوروؼ وبارت وغَتىم حقال خصبا تستثمره العلوـ اإلنسانية ومنو النقد األد،ي.
ويرجع سبب شيوع ادلنهج البنيوي يف األحباث النقدية إىل طموح الدارس يف االقًتاب أكثر من الظاىرة
األدبية والكشف عن قوانينها وآليات تنظيمها وكذا عن العالقات القائمة يف ثناياىا وذلك عرب تعرية طبقاهتا
للوقوؼ على الفهم الصحيح للنص ،فما " نراه على السطح ىو أثار تاريخ أعمق وعن طريق احلفر ربت السطح
فقط تستطيع اكتشاؼ الطبقات اجليولوجية أو اخلطط األوىل اليت توفر تفسَتا صحيحا دلا تراه ".27
وعلى ىذا األساس يستند ادلنهج البنيوي ادلتقاطع مع ادلناىج احملايثة الشكالنية الروسية واألسلوبية يف
مقاربة النص األد،ي إىل معطيات داخلية من أجل اكتشاؼ أبنية األدب بعيدا عن أية إسقاطات خارجية أو
خاتمة:
لقد كاف الفضل لسوسَت يف ظهور ادلنهج البنيوي يف دراسة الظاىرة اللغوية ،من أىم أفكاره:
نظر إىل اللغة نظرة بنيوية ،حيث عرفها بأهنا "نسق من العالمات" .فالعالمة لديو عالمة لغوية ال غَت ( العالمة
لدى تشارلز بَتس قد تكوف لغوية وغَت لغوية) .مفهوـ العالمة السوسَتي مفهوـ ضيق ال يشمل كل أنواع
العالمات ،بل غلعل عالقة الداؿ بادلدلوؿ عالقة اعتباطية ،ويستثٍت من بينها ما كاف رمزا أو إشارة أو أيقونة (
مفهوـ العالمة البَتسي مفهوـ واسع يشمل كل أنواع العالمات ).
40ادلقصود بالتحليل احملاي ث أف النص ال ينظر إليو إال يف ذاتو مفصوال عن أي شيء يوجد خارجو .واحملايثة هبذا ادلعٌت ىي عزؿ النص والتخلص من
كل السياقات احمليطة بو .فادلعٌت ينتجو نص مستقل بذاتو وؽلتلك دالالتو يف انفصاؿ عن أي شيء آخر.
41
Saussure : Cours de linguistique générale, P.13.
اىتمامها يف اللساف ذاتو بعيدا عن أية ظالؿ منطقية ،ويف كوهنا تنطلق من مالحظة وقائع اللساف واصفة حالتو
ضمن أفق سانكروين.
-2الفيلولوجيا :ليس اللساف ادلوضوع الوحيد للفيلولوجيا اليت ترمي ،يف ادلقاـ األوؿ ،إىل ربقيق النصوص
وتأويلها والتعليق عليها .وكاف من نتائج ىذا النوع من الدراسة أف وجدت الفيلولوجيا نفسها هتتم أيضا بتاريخ
األدب وبالتقاليد وادلؤسسات.
وللفيلولوجيا منهج خاص تستخدمو وىو النقد .42لكن حينما تعتٍت الفيلولوجيا بالقضايا اللسانية ،فإهنا
هتدؼ إىل ادلقارنة بُت نصوص حقب سلتلفة ،ومن أجل ربديد اللغة اخلاصة بكل مؤلف،وتفكيك الكتابات احملررة
بألسنة قدؽلة وغامضة وتفسَتىا .وال بد من التأكيد ىنا أف النقد الفيلولوجي قد ظل أسَت العالقة باللغة ادلكتوبة
متجاىال بذلك اللساف احلي.43
موضوع اللسانيات موضوع وحيد ؛ اللساف ال غَت ،ومن شبة فال دخل لتاريخ األدب والتقاليد وادلؤسسات
يف موضوع اللسانيات .منهج اللسانيات ىو الوصف.
النحو ادلقارف :ظهر ىذا االذباه حينما مت اكتشاؼ إمكانية مقارنة األلسن فيما بينها .وإذا كاف ذلذا
االذباه الفضل يف فتح حقل جديد وخصب ،فإنو مع ذلك مل يتوصل إىل تشكيل العلم اللساين احلقيقي .النحو
ادلقارف مل يكن إال مقارنا ال غَت بدؿ اف يكوف تارؼلي.44
نستخلص أف لسانيات القرف التاسع عشر كشفت لنا عن اجلانب التارؼلي للساف ،والتعرؼ على
تعارض جهتُت للنظر :تعارض بُت النظاـ التارؼلي والنظاـ السكوين.
اللسانيات ليست ىي النحو ادلقارف ،ألف موضوعها أشكل وأعم وأىم من ادلقابالت اليت ليست سوى
مظهر من مظاىر الظاىرة اللسانية .كما أف على صعيد ادلنهج ،ليست ادلقارنة سوى وسيلة ال غَت.
موضوع اللسانيات ال يوافق يف شيء موضوعات العلوـ الطبيعية .فطبيعة اللساف زبتلف وتتميز عن طبيعة
"األشياء" اليت تقوـ بدراستها العلوـ الطبيعية .فهي تتطلب دلقارنتها أظلوذجا مغايرا لألظلوذج الذي توفره ىذه العلوـ
باعتبار اللساف ليس جهازا عضويا طبيعيا ،وإظلا لو خصوصيتو وطبيعتو ادلختلفة.
اللسانيات ال تضع نفسها ضمن زمن غَت زلدود وال هنائي .وتسعى أيضا كوهنا تسعى إىل ربديد "ذلك
الشيء" الذي تنوي معاجلتو ضمن إطار زمٍت زلدد وزلدود.
اللسانيات ىي النحو ادلقارف ذو األفق التارؼلي ،أو باألحرى فالنحو ادلقارف ذو األفق التارؼلي نوع من
اللسانيات يدرس اللساف من وجهة نظر تارؼلية .غَت أف اللسانيات ليست ،يف نفس اآلف النحو ادلقارف ،إذ ؽلكن
دراسة اللساف من وجهة نظر وصفية سكونية .فاللسانيات ،هبذا ادلعٌت ،تشتمل على منهجُت متعارضُت.
42
Ibid, P 13
43
Ibid, P 13 - 14
44
Ibid, P 16
يبدو يل أف اللسانيات السوسَتية قد رمست غالبية النشاط اللساين وذلك بتوجيهها البحث اللساين ضلو
ربليل اللغة دبا ىي نسق من الوحدات والعالقات .ىذا ما كانت تعاين منو لسانيات ما قبل دو سوسَت.
ىذا التوجو أثر على البحث اللساين .فالتيار البنيوي الذي أرسى ركائزه يشمل أغلب ادلدارس اللسانية
ادلعاصرة :مدرسة براغ (روماف ياكبسوف ،نيكوالي تروبتسكوي) ،مدرسة كوبنهاكن (لوي يلمسليف) ،ادلدرسة
الوظيفية (مارتيٍت) ،البنيوية األمريكية (بلومفيلد) ،وادلدرسة التحويلية التوليدية ( تشومسكي).
التأثَت السوسَتي كاف متفاوتا .إذا كانت غالبية االذباىات ظلت وفية للمرتكزات النظرية وادلنهجية
للسوسَتية ،فإف االذباه التوليدي النحوي قد غَت تصور اللسانيات.
إف أثر دو سوسَت يف بعض االذباىات اللسانيات ادلعاصرة اليت رسخها من خالؿ ادلفاىيم األساسية
كاف واضحا :اللساف والكالـ ،السانكرونية والدياكرونية ،الداؿ وادلدلوؿ واعتباطيتو والسيميولوجيا.
ففي مقابل اللساف والكالـ السوسريُت سبخضت الكتابات اللسانية عن رلموعة من األزواج ادلرتبطة
بالتصورات النظرية للسانيُت .ىكذا صلد يلمسليف Hjelmslevيستبدؿ اللساف والكالـ باخلطاطة
( )Schémaوادلعيار ( )Normeواالستعماؿ ) (Usageوالكالـ ) : (Paroleفاللساف ؽلكن أف ينظر
إليو إما بوصفو خطاطة أي شكال خالصا زلددا دبعزؿ عن ربققو االجتماعي وسبظهره ادلادي ،وإما بوصفو معيارا
أي شكال ماديا ػلققو ربقيق اجتماعي معطى لكن دبعزؿ عن تفاصيل التمظهر ،وإما بوصفو استعماال أي رلرد
رلموعة من العادات اليت يتبناىا رلتمع معطى وربددىا التمظهرات ادللحوظة . 45أما الكالـ فيتميز عن اللساف
بصفات ثالث ىي )1 :إصلاز ال مؤسسة )2 ،فردي غَت اجتماعي )3 ،حر غَت ثابت.46
أما مارتيٍت Martinetفقد الحظ أف التعارض بُت الكالـ واللساف الذي ىو دبثابة تعارض تقليدي،
ؽلكن أف يعرب عنو بالسنن ( )codeوالرسالة ( ،)messageواف السنن ىو التنظيم الذي يسمح بتحرير
الرسالة.47
إذا كاف تصور ىؤالء تصورا بنيويا ،فإف تصور تشومسكي يتناقض مع البنيوية .رفضو للساف والكالـ يقوـ
على تصور مغاير للسانيات إذ يربطها بعلم النفس ادلعريف ،ويتجاوز هبا كعلم ،التصور التصنيفي .من جهة ثانية،
فإف ضلو تشومسكي ىو ضلو صبل .لقد بدا أف سوسَت مل يتمكن من إدماج اجلمل يف النسق اللساين ،فكاف،
بذلك تصوره للًتكيب تصورا قاصرا .إف اللغة نسق من الوحدات ادلتعالقة ،لكنها أيضا نسق من القواعد .يبدو أف
ذلك يكمن وراء استبداؿ اللساف والكالـ السوسريُت دبفهومي الكفاءة أو القدرة ( )Compétrnceواالصلاز
( .)Performanceالكفاءة ىي معرفة ادلتكلم – ادلستمع بلسانو ،واالصلاز ىو االستعماؿ الفعلي يف مواقف
ملموسة.48
45
Hjelmslev : Essais linguistiques, P. 80 - 81.
46
Ibid, P 86 - 87
47
André MARTINET : Eléments de linguistique générale, P. 23.
48
N. Chomsky : Aspects de la théorie syntaxique, P. 14.
أما فيما يتعلق بالسانكرونية والدياكرونية ،فقد سجل ياكبسوف ( )Jakobsonنقدا قويا وعنيفا
خبصوص ىذه الثنائية ،حيث يعترب أف ىذا التصور أصبح متجاوزا ،ذلك أف نسق معُت ال ؽلكنو أف يكوف سوى
تاريخ نسق لساين معُت يتعرض لتغَتات سلتلفة .يعتقد ياكبسوف أف اخلطأ وااللتباس الكبَتين والفصل احملسوـ يف
أمره بُت السانكرونية والدياكرونية مرده إىل حد كبَت ،إىل االلتباس بُت الثنائيتُت :بُت الثنائية األوىل وىي ثنائية
السانكرونية والدياكرونية ،وبُت الثنائية األخرى ،وىي ثنائية السكونية ( )statiqueوالدينامية
( .)dynamiqueفالسانكروين ال يعادؿ السكوف .49والتغيَت يف بداياتو ،واقعة سانكرونية ،وبذلك فإف
التحليل السانكروين ينبغي أف يشمل التغيَتات اللسانية .وعلى عكس ذلك ،فإف التغيَتات اللسانية ال ؽلكن أف
تفهم إال على ضوء التحليل السانكروين.50
أما فيما يتعلق باعتباطية الدليل ،فإف بنفيست يرى أف استدالؿ سوسَت (اعتباطية الدليل الذي ال يربطو
أي رابط مع ادلدلوؿ) استدالؿ خاطئ ألف سوسَت يلجأ بشكل غَت واع ،إىل طرؼ ثالث غَت متضمن يف التعريف
األصلي للدليل باعتباره كيانا نفسيا يوحد بُت داؿ ومدلوؿ .والطرؼ الثالث ىو الشيء نفسو ،ىو الواقع الذي
أقصاه سوسَت من تعريفو للدليل .وإذف فإف ىناؾ تناقضا بُت الطريقة اليت عرؼ هبا سوسَت الدليل اللساين وبُت
الطبيعة األساسية اليت يسندىا إليو .يستنتج بنفيست أف الرابط بُت الداؿ وادلدلوؿ ليس اعتباطيا ،وإظلا ىو على
النقيض من ذلك ضروري .إف بينهما تالضبا جد وثيق .أما ما ىو اعتباطي فهو أف دليال معينا ،ال غَته ،يُطبق
على عنصر ما من الواقع ال على عنصر آخر.
أما فيما يتعلق دبوضوع الفونولوجيا (الصواتة) ( ،)phonologieوعلم األصوات
( ،)phonétiqueفقد فصل تروبتسكوي ،معتمدا على سبييزه بُت اللساف والكالـ ،بُت علمُت متميزين
يدرساف أصوات اللغة :الفيلولوجيا ىي علم أصوات اللساف ،وعلم األصوات ىو علم أصوات الكالـ.
كما أف مفهوـ السيميولوجيا قد عرؼ عدة تغيَتات وتطورات حينما وضع سوسَت مشروع تصوره.
سيميوطيقا تشارلز بَتس غَتت مالمح السيميوطيقا .كما أف رمزية إيرنست كاسَتر (،)Ernst Cassirer
ومسيوطيقا الثقافة خاصة يف االرباد السوفيايت .فما ىي التغيَتات اليت طرأت عل السيميائيات منذ سوسَت؟.
إذا كانت سيميولوجيا التواصل عند كل من برييطو وجورج موناف وبويسنس قد ظلت وفية للطرح
السوسَتي ذلك أف موضوعها ىو الدالئل القائمة على القصدية التواصلية ( ، )intentionnalitéوأف ىذا
التواصل ىو جزء من التواصل اللساين باعتباره التواصل احلق ،فإف سيميولوجيا الداللة ،عند روالف بارت تشكل يف
نفس الوقت استمرارا للطرح السوسَتي وقطيعة معو ،فقد قاـ بإدماج كل ادلفاىيم اللسانية يف كل دراسة
سيميولوجية حبيث إف كل ظاىرة سيميائية تتكوف من لساف وكالـ .لكن بارت غَت الطرح السوسَتي القائلة بأف
اللسانيات فرع من السيميولوجيا .السبب يف رأيو مرده إىل أف إنتاج ادلعٌت وادلدلوالت ال ؽلكنو أف يتم خارج اللغة
49
Roman Jakobson : Essai de linguistique générale, P 36
50
Ibid, P 37
ألف ما تدؿ عليو أية مادة يعٍت اللجوء إىل تقطيع اللغة .فعامل ادلدلوالت ليس شيئا آخر غَت عامل اللغة .51إف
تصور بارت يقوـ على أف األشياء والصور والسلوكات 52ؽلكنها أف تدؿ ،إال أهنا ال تدؿ بشكل مستقل إذ كل
نسق سيميولوجي ؽلتزج باللغة .53وبالتايل فإف اللساف ىو الذي ؽلكنو أف يستعمل للقياـ بتأويل كل األنساؽ غَت
اللسانية .ولذلك فإف اللسانيات ليست فرعا من السيميولوجيا ،وإظلا السيميولوجيا ىي اليت تشكل فرعا من
اللسانيات .وعلى عكس س وسَت وأنصار سيمييولوجيا التواصل ،مل تعد اعتباطية الدليل مبدأ سيميولوجيا عند
بارت إد ربتوي سيميولوجيتو على كل األنساؽ كانت قائمة على األنساؽ اللغوية أـ مل تكن.
51
Gonthier : Eléments de sémiologie, P. 80.
:األجنبية
مقدمة................................................................................
زلطات لسانية ىامة....................................................................
اللسانيات العامة والتطبيقية.............................................................
اللسانيات االجتماعية..................................................................
اللسانيات النفسية.....................................................................
اللسانيات احلاسوبية...................................................................
لسانيات اخلطاب.....................................................................
تطور النحو ادلقارف/دلذىب الوضعي يف اللسانيات/النحاة اجلدد/نقد التارؼلانية...............
البنيوية :من ادلقاربة التارؼلية للغة إىل البحث اللساين ادلستقل بذاتو.........................
فَتديناند دو سوسَت ومدرسة جنيف....................................................
ربديد ادلفهوـ........................................................................
البنية................................................................................
النسق...............................................................................
الشكل وادلضموف.....................................................................
ثنائية اللغة/الكالـ....................................................................
العالمة..............................................................................
البنيوية منهج........................................................................
اجملاالت اليت برزت فيها البنيوية........................................................
االستقباؿ ؿ "دروس يف اللسانيات العامة"..............................................
خاسبة...............................................................................
الئحة ادلصادر وادلراجع...............................................................
الفهرس.............................................................................