Professional Documents
Culture Documents
اللحية
اللحية
.1حديث عائشة املار ،وفيه «ع ْشٌر من الفطرة :قص الشارب ،وإعفاء اللحية » ...رواه مسلم وأمحد وأبو
داود وابن ماجة والنَّسائي.
.2حديث ابن عمر املار ،وفيه «خالفوا املشركني ،وفِّروا اللحى » ...رواه البخاري .ورواه مسلم بلفظ
«خالفوا املشركني ،أحفوا الشوارب و ْأوفُوا اللحى»
هذه الرواايت تتضمن األلفاظ التالية :إعفاء ،وفِّروا ،أَوفوا ،أرخوا ،وكلها تعين معىن واحداً هو تركها
تطول دون حلق أو ٍّ
قص أو إحفاء ،أي افعلوا فيها عكس ما تفعلون يف الشوارب ،وقد كان من عادة
قص اللحية فنهى الشارع عن ذلك ،وأمر إبعفائها وتوفريها خمالفة هلم.
الكفار ُّ
وإعفاء اللحية من ُسنن الفطرة ،وهو ُسنَّة مؤَّكدة كقص الشارب ،قال القاضي عياض :يُ ْكره حلق اللحية
وقصها وحتليقها .وقال الشوكاين عند كالمه على حديث عشر من الفطرة ما يلي (الكلمات العشر ليست
واجبة) .وقال مشس الدين بن قُدامة يف الشرح الكبري (ويُ ْستحب إعفاء اللحية) وما قلته يف قص الشارب
أقوله يف إعفاء اللحية ،فحكمهما واحد وقرائنهما واحدة وإن كان التشديد على ِّ
قص الشارب أكثر منه
«من مل أيخذ من شاربه فليس منا» فهذا التشديد ال يوجد ما يضارعه يف إعفاء
على إعفاء اللحية لوجود َ
اللحية.
ب -خمالفة أمره -صلى هللا عليه وسلم -وهو قوله «أَهنِّكوا الشوارب وأ َْعفوا عن اللحى» ومن املعلوم أن
األمر يفيد الوجوب إال لقرينة ،والقرينة هنا ُمؤكِّدة للوجوب وهو:
ج -التَّشبُّه ابلكفار ،قال -صلى هللا عليه وسلم ُ -
«جُّزوا الشوارب وأَرخوا اللحى خالفوا اجملوس» ويؤيد
الوجوب أيضاً:
د -التَّشبُّه ابلنساء ،فقد «لعن رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -املتشبِّهني من الرجال ابلنساء،
واملتشبِّهات من النساء ابلرجال» وال خيفى أن يف حلق الرجل حليته اليت ميَّزه هللا هبا على املرأة أكرب تشبُّه هبا،
فلعل فيما أوردان من األدلة ما يقنع املبتَـلَ ْني هبذه املخالفة ،عافاان هللا وإايهم من كل ما ال حيبه وال يرضاه.
ُ
أـ أقف عند قوله (من التَّزيُّن حبلق اللحية حبكم تقليدهم لألوروبيني الكفار) فهو قد جعل حلق اللحية زينة ومل
يذكر أن إعفاء اللحية زينة هو اآلخر ،إذ رمبا كان إعفاء اللحية أمجل من حلقها ،مث إنه اعترب التَّزيُّن حبلق
اللحية داخالً حتت تقليد الكفار ،وهذا يضطران إىل تبيني معىن تقليد الكفار وحكمه.
تقليد الكفار تقليدان:تقليد يف شؤون الدين ،وتقليد يف شؤون احلياة ،فما كان من ٍ
تقليد ألفعاهلم وأُمورهم
املتصلة بدينهم فهو تقليد يف شؤون الدين ،وما كان من ٍ
تقليد ألفعاهلم وأُمورهم ِّ
غري املتصلة ابلدين عندهم فهو
تقليد يف شؤون دينهم فهو حرام ،وخمالفته واجبة ،وأما ما كان من ٍ
تقليد تقليد يف شؤون احلياة .أما ما كان من ٍ
حمرماً يف ديننا حنن فيحرم.
هلم يف شؤون احلياة فليس حبرام وال إمث فيه ،وإن كان األ َْوىل تركه ،إال أن يكون ذاتُه َّ
فتقليدهم بلبس البدالت وربطات العنق ،وتقليدهم إبلباس جنودان ما يلبسه جنودهم من غطاء الرأس،
وتقليدهم ابستقبال رؤساء الدول األجنبية إبطالق إحدى وعشرين طلقة واصطفاف حرس الشرف هلم،
وتقليدهم ابفتتاح املشاريع احليوية بقص الشريط ،وأمثال ذلك كله تقليد ال إمث فيه وليس حبرام ،ألن هذه
األفعال واألمور ليست من دينهم هم ،وهم ال يفعلوهنا وال يتخذوهنا امتثاالً لعقيدهتم ،مث هي ليست مما ورد يف
شرعنا حترمي له ،وما دام ذلك كذلك فتقليدهم فيها ال حرمة فيه ،وإن كان األوىل تركه ،بينما تقليدهم جبعل
التعليم خمتلطاً يف اجلامعات وتقليدهم بتربُّج النساء حرام ال جيوز ،وإن كان ذلك ليس من شؤون الدين عندهم
ولكنه حرام عندان فيظل حراماً.
أما تقليدهم بلبس املسوح اليت يلبسها كهنتهم و ِّاَّتاذ رجال دين عندان ،وتقليدهم ابَّتاذ شجرة عيد امليالد،
وتقليدهم ابَّتاذ التوابيت اخلشبية للموتى ،وأمثال ذلك فهو حرام ال جيوز ،وخمالفتهم فيه واجبة ،ألن هذه
األفعال واألمور هي من شؤون الدين عندهم ،فتقليد الكفار يف كفرهم أو تقليدهم بوصفهم كفاراً حرام .أما
تقليدهم فيما سواه فال حرمة فيه إال ما كان حراماً عندان ،وإن كان األوىل ترُكه .فاملسلم حني حيلق حليته
تقليداً لألوروبيني ال يقلدهم فيه بوصفهم كفاراً ،وال يقلدهم يف شأن من شؤون دينهم ،وإمنا هو مظهر دنيوي
حبت مقطوع الصلة ابلدين ،فتقليدهم فيه ليس حراماً ،وهكذا سائر األفعال واألمور اليت ال عالقة هلا بشؤون
دينهم ،ومن ذلك يظهر أن تقليد األوروبيني يف حلق اللحية ال يفيد حترمياً.
وأما قوله (حىت صار من العار عندهم أن يدخل العروس على عروسه وهو غري حليق) هذه العبارة فيها غلو،
فالعار هو الشيء أو الفعل الذي يشني صاحبه وجيلب عليه اخلزي واهلوان ،وهذا املعىن غري موجود هنا.
ُ
ب ـ أنيت اآلن ملناقشة األدلة األربعة اليت يقول عنها (إن كل دليل من هذه األدلة األربعة كاف إلثبات
وجوب إعفاء اللحية) إن اآلية اليت استشهد هبا الشيخ األلباين على أهنا دليل صاحل على حترمي حلق اللحية
وردت يف سورة النساء ،وحىت نتبني إن كانت هذه اآلية تدل على دعواه أو ال ،ال بد من وضعها يف موضعها
غفر ما دون ذلك لِّ َم ْن يَشاء غفر أن يُ ْش َر َك به ويَ ُمن السورة ،مث نستدل هبا على ما تدل عليه {إن هللاَ ال يَ ُ
ِّ ومن ي ْش ِّر ْك ِّ
ضل ضالالً بعيداً .إ ْن يَ ْدعو َن من دونِِّّه إال إاناثً وإ ْن يَ ْدعُو َن إال شيطاانً َمريداًَ .لعنَهُ ابهلل فقد َّ َْ ُ
وآلمرََّّنم وآلم َرََّّنم فلَيُبتِّ ُك َّن آذا َن األ ِّ ِّ ِّ هللا وقال َِّّ ِّ ِّ ِّ ِّ
َنعام ُ ألَّت َذ َّن من عبَادك نَصيباً َم ْف ُروضاً .وألُضلَّنَّهم وألُمنينَّهم ُ
خسر ُخسراانً ُمبيناً .يعِّ ُدهم وُُينِّيهم وما ِّ ِّ غري َّن َخل َ ِّ
ومن يتَّخذ الشيطا َن ولياً من دون هللا فقد َ ْق هللا َ فلَيُ ِّ ُ
َّم وال جيدو َن عنها ََِّم ْيصاً} ابلتدقيق يف هذه اآلايت يظهر جهن ُ
ْواه ْم َ
أولئك َمأ ُالشيطان إال غُ ُروراًَ . يعِّ ُد ُه ُم َّ
أَّنا وردت يف موضوع العقيدة وليس يف موضوع األحكام الشرعية ،انظر يف أيَّة آية منها جتد ذلك واضحاً،
الشرك وهو من العقيدة ،واآلية الثانية هي يف موضوع األصنام والشيطان وهو من فاآلية األوىل هي يف موضوع ِّ
العقيدة ،واآلية الثالثة هي يف موضوع إخراج قس ٍم من املؤمنني إىل مجاعة الكفار وهو من العقيدة ،واآلية الرابعة
هي يف موضوع تبتيك آذان األنعام للتقرب إىل األصنام وهو من العقيدة ،واآلية اخلامسة هي يف موضوع أماين
الشيطان وغروره وهو من العقيدة ،واآلية السادسة هي يف موضوع العقيدة ألهنا حتدثت عن دخول جهنَّم
واالستقرار فيها ،فاآلايت كلها ِّسيقت يف موضوع واحد هو العقيدة ،وليس منها آية واحدة يف موضوع
األحكام الشرعية الفرعية.
واثنياً :اآلايت هذه حتدثت صراحة عن الضَّالل يف بدء اآلية الرابعة {وأل ِّ
ُضلَّنَّهم} ،والضالل عكس اهلُدى،
َّال هو من خالف العقيدة يف جمملها أو أصوهلا أو فروعها ،أما من خالف احلكم وهو من أفكار العقيدة ،فالض ُّ
الشرعي فهو الفاسق أو العاصي أو الفاجر أو اآلمث ،وهذا التفريق ال بد من إدراكه ،ولست أُريد أن أسوق
اآلايت الدالة على هذا األمر ،ف ْلريجع إليها من يشاء.
وإذن فاآلية اليت استشهد هبا هي يف موضوع العقيدة وليست يف موضوع األحكام ،وال تقاس العقائد على
األحكام وال األحكام على العقائد ،فكلٌّ منهما موضوع غري موضوع األخرى ،ولذلك فإن قوله تعاىل
{فَـلَيُ ِّغريُ َّن َخ ْلق هللا} يـُ ْقصر على العقيدة واألعمال اليت يف معناها ،وليس على األعمال اليت تفيد حراماً
وحالالً ،ألن اآلية واحلديث إن جاءا يف موضوع معني وجب قصرمها عليه .وال يقال العربة بعموم اللفظ ال
خبصوص السبب ،ألن املوضوع غري السبب ،فهذه اآلايت ليست العقيدة سبباً يف نزوهلا ،وإمنا العقيدة هي
املوضوع الذي نزلت اآلايت فيه ،وبني السبب واملوضوع فارق كبري .وإىل هذا املعىن الدقيق أشار عدد من
ِّ
املفسرين هلذه اآلايت ،فقد فسرها عدد منهم بقوهلم :إن املراد هبذا التغيري هو أن هللا سبحانه خلق الشمس
فغريها الكفار أبن جعلوها آهلة معبودة ،ومبثل هذا
والقمر واألحجار والنار وحنوها من املخلوقات ملا خلقها لهَّ ،
الز َّجاج .ويدعم هذا القول اآلية الثانية {إ ْن ي ْدعُون ِّمن دونه إال إاناثً} وفسرها أبو مالك فيما رواه
القول قال َّ
ُيب بن كعب فيما
ومناة كلها مؤنثة .وفسرها أ ُّ
عنه ابن جرير الطربي وابن املنذر وغريمها بقوله :الالت والعَُّزى َ
رواه عنه عبد هللا بن أمحد بن حنبل وابن املنذر وغريمها بقوله (قال مع كل صنم ِّجنِّيَّة) وفسرها احلسن بقوله
(كان لكل حي من أحياء العرب صنم يعبدوهنا يسموهنا أُنثى بين فالن ،فأنزل هللا إن يدعون من دونه إال
الضحاك (قال املشركون :إن املالئكة بنات هللا،
إاناثً) ذكره سعيد بن منصور وابن جرير وابن املنذر .وقال َّ
وإمنا نعبدهم ليقربوان إىل هللا ُزلفى) ذكره ابن أيب حامت .ونقل ابن جرير الطربي عن قتادة قوله يف تفسري
السائبة يُبتِّكون آذاهنا لطواغيتهم) وأخرج ابن جرير وغريه عن
َنعام} (التبتيك يف البَ ِّحرية و َّ
{فليبتِّ ُك َّن آذا َن األ ِّ
ُ
{وآلمرَّهنم فلَيُ ِّغري َّن َخ ْلق هللا} قال (دين هللا) وروي مثل ذلك عن َّ
الضحاك وسعيد بن ابن عباس يف قوله تعاىل ُ
جبري .هذا هو معىن التغيري ،وهذا هو املوضوع الذي جاءت فيه اآلية ،ولذا فان تفسريها بغري هذا خطأ،
فقوهلم إهنا تعين اخلصاء أو الوشم أو غري ذلك مثل حلق اللحية هو خروج على موضوع اآلية وسياقها
وإطارها.
خنلص من ذلك إىل أن هذه اآلية ال تصلح مطلقاً لالستدالل هبا على حترمي اللحية ،فاآلية يف موضوع ،وحلق
اللحية يف موضوع آخر ،وما دام حلق اللحية أو إعفاؤها من غري العقائد فإن االستدالل هبا هنا استدالل غري
صحيح.
ج -قوله( :ومن املعلوم أن األمر يفيد الوجوب إال لقرينة) غري ُمسلَّم به وفيه لَبس ،فالقارئ العادي حني يقرأ
هذا القول (ومن املعلوم) يظن أهنا قاعدة ُجم َم ٌع عليها لدى عامة الفقهاء واألصوليني ،ألنه جعلها قاعدة
معلومة علماً مطلقاً دون تقييد ،يف حني أنه من املعلوم أن هذه القاعدة ال يقول هبا مجيع الفقهاء واألصوليني،
ولذلك كان األ َْوىل أن يُقال (ومن املعلوم عندان) أو (ومن املعلوم أن عدداً من الفقهاء يقولون) أو (األمر يفيد
الوجوب عند فالن وفالن) أو ما يشبه ذلك حىت ال يقع القارئ يف لبس.
د -قوله (والقرينة هنا مؤكِّدة للوجوب وهو التَّشبُّه ابلكفار) يعين أن األمر إن اقرتن ابلتَّشبُّه ابلكفار كان
واجباً ،فقد جعل التَّشبُّه ابلكفار قرينة على الوجوب أو قل قرينة على التأكيد على الوجوب .فماذا يقول يف
احلديث التايل :عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال :قال النيب -صلى هللا عليه وسلم « -إن اليهود والنصارى ال
يصبغون فخالفوهم» رواه البخاري ومسلم وأمحد وأبو داود؟ فاحلديث يطلب منا أن نصبغ شعران األبيض وأن
الصبغ؟ ال أظن أن أحداً قال بوجوب صبغ
خنالفهم يف ذلك ،فهل خمالفة الكفار هنا تصلح قرينة على وجوب َّ
الشعر األشيب .وماذا يقول يف احلديث الذي رواه شداد بن أوس ،قال :قال رسول هللا -صلى هللا عليه
وسلم « -خالفوا اليهود فإهنم ال يُصلُّون يف نعاهلم وال ِّخفافهم» رواه أبو داود .ومل يقل فقيه إن الصالة يف
النعال واخلفاف واجبة؟ فكذلك التَّشبُّه ابلكفار هو من هذا القبيل.
وأُذكِّر مبا سبق من التفريق يف التقليد أو التَّشبُّه ابلكفار بني التَّشبُّه هبم يف شؤون الدين عندهم وبني التَّشبُّه هبم
يف شؤون احلياة .وهذا يعين أن الكفار لو كانوا يرتكون الشعر األشيب تعبُّداً وجئنا نتشبَّهُ هبم يف هذا األمر
لكان ذلك حراماً ولصلُح ذلك قرينة على الوجوب ولو أن الكفار حيلقون حلاهم تعبداً ،وجئنا حبلق اللحى
تشبُّهاً هبم يف عبادهتم ودينهم لكان ذلك حراماً ،ولصلُح قرينةً على الوجوب ،ولكن مل يقل أحد إن الكفار
حيلقون حلاهم تعبداً ،فال يصلح ذلك إذن قرينة على الوجوب .وبذلك ينتفي صالح الدليلني الثاين والثالث
على وجوب إعفاء اللحية.
هـ ـ قوله (ويؤيد الوجوب التَّشبُّه ابلنساء) وساق حديث التَّشبُّه ،وعقَّب بقوله (وال خيفى ...أكرب تشبُّه هبا)
فهو يرى ويقرر أن حلق اللحية هو تشبُّه ابلنساء وابلغ بقوله (أكرب تشبُّه هبا).
.1إن التَّشبُّه ابلنساء يعين التَّشبُّه مبطلق النساء وليس بنساء خمصوصات ،ويعين اخلروج من أوصاف
الرجال جنس الرجال ،وليس من أوصاف الرجال املسلمني أو من أوصاف ٍ
رجال خمصوصني ،ألن
فعمم ومل ِّ
خيصص ،أي احلديث يقول «املتشبهني من الرجال ابلنساء واملتشبهات من النساء ابلرجال» َّ
أن احلديث يقول إن الرجل الذي يتشبَّه ابألنثى ملعون ،وحيصل هذا إن خرج الرجل فيما فعل من
صفة الرجال مطلق الرجال ،وتشبَّه بعموم اإلانث .هذا هو معىن احلديث ،وال َّتصيص فيه وال
تقييد ،فهل من حلق حليته فقد خرج مما يوصف به مطلق الرجال؟ اجلواب ابلنفي من الواقع ،ومن
نصوص األحاديث.
أما الواقع فإن معظم الرجال يف العامل حيلقون حلاهم ،وإذن فحلق اللحى صفة شائعة يف الرجال ،ومل
َّع أح ٌد أن هؤالء املاليني املاليني من الرجال خلعوا صفة الرجولة يف هذا األمر وتشبَّهوا ابلنساء.
يد ِّ
أما احلديث فيقول :خالِّفوا اجملوس ،أي خالِّفوا رجال اجملوس إبطالق اللحى ،ومفهوم هذا احلديث
أن رجال اجملوس كانوا حيلقون حلاهم ،ومفهومه أيضاً أن من حيلق حليته فإمنا يتشبَّه برجال اجملوس،
وهذا يدل على أن حلق اللحية ليس فيه تشبُّه ابلنساء بقدر ما فيه تشبُّه ابلرجال من اجملوس ،بل إن
احلديث حيصره يف التَّشبه ابلرجال من اجملوس ،وال يتطرق إىل التَّشبُّه ابلنساء ال من قريب وال من
بعيد .فهل يصح له ٍ
بعدئذ أن يقول إن حالق اللحية متشبِّه ابلنساء؟ وكيف ُجييز لنفسه أن يقول هذا
القول املغاير ملا يفيده احلديث والواقع؟.
.2إن التَّشبُّه ابلنساء ال يكون تشبُّهاً إال إذا انتفت به عن الرجل صفة من صفاته ودخل به يف ٍ
صفة من
صفات النساء ،فمثالً النساء يلبسن العقود واألساور والرجال ال يلبسوهنا ،وهذا عام يف كل زمن وكل
قوم وكل شعب إال ما كان من األقوام البدائية اليت ال يُؤبه مبا تفعله ،حبيث أن من يلبس العقود
واألساور من الرجال فإمنا يتخلى بلبسها عن صفة من صفات الرجال ويدخل يف صفة مالزمة
للنساء ،فيكون لبس األساور والعقود تشبُّهاً ،يف حني أن االكتحال صفة مشرتكة بني الرجال
والنساء ،فمن اكتحل ال يكون قد تشبَّه ابلنساء ،ألنه مل يرتك صفة من صفات الرجال ،وقُل مثل
ذلك يف حلق اللحية ،فإهنا صفة شائعة يف الرجال ،فمن حلق ال يكون قد َّتلى عن صفة الرجال
واتصف بصفة النساء ،أي ال يكون متشبِّهاً ابلنساءَ ،
ومن تضمخ ابلطيب فإنه يفعل فعالً مشرتكاً
بني الرجال والنساء ،فال يكون املتطيِّب قد تشبَّه ابلنساء ،هكذا جيب أن يُفهم التَّشبُّه ابلنساء .إن
حلق اللحية صفة مالزمة من صفات الرجال قدمياً وحديثاً ،وال يقول أحد إن املاليني من الرجال يف
العامل الذين حيلقون حلاهم يتشبَّهون ابلنساء ،بل إن قول رسول هللا عليه الصالة والسالم «خالفوهم»
فيه داللة على أهنم مل يكونوا قبل هذا األمر خيالفوهنم ،بل كانوا يوافقوهنم حبلق حلاهم ،وكانوا رجاالً ال
يتصفون أو يتشبَّهون ابلنساء.
.3وحيث أنه قد ابن متاماً أن من حيلق حليته ال يكون قد فارق صفة الرجال إىل صفة النساء ،فقد
بطل الدليل األخري الذي استدل به الشيخ األلباين على ُحْرمة حلق اللحية.
و بقيت نقطة تتعلق بتغيري خلق هللا أود أن أحبثها من زاوية أخرى .استدل الشيخ األلباين مبا ُروي عن ابن
املتنمصات واملتفلِّجات للحسن ِّ
املغريات خلق هللا ،ما يل ال ألعن من مسعود «لعن هللا الوامشات واملستومشات و ِّ
لعنه رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم ،-وهو يف كتاب هللا» رواه البخاري .على أن تغيري خلق هللا علة
سن يُغري خلق هللا فيدخل يف اللعن ،وأكد ذلك
لتحرمي ما جاء يف احلديث ،وقاس عليها حلق اللحية ألهنا ُح ٌ
بقوله (وال شك) وبقوله (كما ال خيفى) وكأن أحداً ال خيالفه فيما يقول .لقد قال هو نفسه إن تغيري خلق هللا
ليس حراماً كله ،فقوله (لكي ال يتوهم أنه يدخل يف التغيري املذكور مثل حلق العانة وحنوها مما أذن فيه الشارع)
حمرم .ف ْلننطلق من هذه القاعدة اليت وضعها هو،
حمرماً ،وأن هناك تغيرياً غري َّ
يدل على أن هناك تغيرياً خللق هللا َّ
فنقول:
إن هذه القاعدة تنقض القول أبن تغيري خلق هللا هو علة للتحرمي ،وذلك أن العلة يف علم األصول تدور مع
كل فعل فيه تغيري ،وال حترم املعلول وجوداً وعدماً ،وهذا يقضي أبن ِّ
حترم هذه العلة -وهي تغيري خلق هللا َّ -
أي فعل ال تغيري خللق هللا فيه ،هذا هو معىن العلة وهذا هو مقتضاها .وحيث أن هناك أفعاالً فيها تغيريٌ خللق
هللا ومع ذلك أجازها الشرع ،فهذا دليل على أن التغيري ليس علة ،ألن العلة مطَّردة دائماً ،فإذا َّتلَّفت مرة
واحدة بطل كوهنا علة ،وحيث أن الشرع نفسه أبطلها يف حلق العانة ونتف اإلبط وقص األظافر وحلق شعر
الرأس فقد دل ذلك على أن التغيري ليس علة لتحرمي حلق اللحية .أما القول إن النصوص استثنت هذه
األحكام فهو ليس رداً على موضوع العلة ،ومن هذه املقدمة ننطلق إىل شرح حديث «لعن هللا الوامشات ...
املغريات خلق هللا»
مث إن هذا احلديث خياطب النساء وال خياطب الرجال ،والقاعدة اللغوية والشرعية هي أن خطاب َّ
املذكر
خطاب للرجال وللنساء ،ولكن خطاب املؤنَّث ال يدخل فيه الرجال ،فالقرآن حني يقول بصيغة َّ
املذكر {اي
يام} فإن هذا األمر ابلصيام يشمل الرجال كما يشمل النساء ،وحني يقول ِّ
تب علي ُك ُم الص ُ أيها الذين آمنوا ُك َ
السديد يشمل الرجال {اي أيها الذين آمنوا اتَّـ ُقوا هللاَ وقولوا قَـ ْوالً َسديداً} فإن هذا األمر ابلتقوى والقول َّ
والنساء ،ولكن القرآن حني يقول بصيغة املؤنث {وقَـ ْرن يف بيوتِّ ُك َّن} فإن هذا األمر ال يشمل الرجال ،مبعىن
أنه ال يطلب من الرجال البقاء يف البيوت ،وحني يقول {وال يُبدين زينَـتَـ ُه َّن} فإن هذا األمر ال يعين مطالبة
أبنفسهن} فإن
َّ الرجال بذلك ،وال يدل على منع الرجال من إبداء زينتهم ،وحني يقول {واملطلَّقات يرتبَّصن
ُ
هذا الطلب ال يعين الرجال ،وال يطالبهم ابلرتبُّص عند الطالق .واحلديث النبوي حني يقول «علي ُك َّن حبافَّات
الطريق» رواه أبو داود .فهو خاص ابلنساء وال يشمل الرجال وهكذا مما هو معلوم ومعروف .وهذا احلديث
«لعن هللا الوامشات» هو من هذا القبيل ،فهو خاص ابلنساء ،وال يعين أن هللا يلعن الوامشني ،فمن أين القول
إن (امل ِّغريات خلق هللا) يشمل الرجال؟ الصحيح والصواب أن هذا احلديث خاص ابلنساء وأنه ال يصح
ُ
ِّ ِِّّ ِّ
سحبه على الرجال هلذا السبب أيضاً .وهلذين السببني سبب عدم علية التغيري ،وسبب اختصاص النص
ابلنساء ،فإنه ال جيوز القياس ،وال يصح إدخال الرجال وحلاهم يف هذا احلديث مطلقاً.
وهكذا تتساقط األدلة األربعة على وجوب حلق اللحية ،ويبقى احلكم الصحيح املذكور آنفاً ،وهو أن اإلعفاء
ُسنَّة وليس واجباً.