You are on page 1of 10

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫املسألة الفقهية – ‪8‬‬

‫وردت يف إعفاء اللحية األحاديث التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬حديث عائشة املار‪ ،‬وفيه «ع ْشٌر من الفطرة‪ :‬قص الشارب‪ ،‬وإعفاء اللحية ‪ » ...‬رواه مسلم وأمحد وأبو‬
‫داود وابن ماجة والنَّسائي‪.‬‬

‫‪ .2‬حديث ابن عمر املار‪ ،‬وفيه «خالفوا املشركني‪ ،‬وفِّروا اللحى ‪ » ...‬رواه البخاري‪ .‬ورواه مسلم بلفظ‬
‫«خالفوا املشركني‪ ،‬أحفوا الشوارب و ْأوفُوا اللحى»‬

‫«جُّزوا الشوارب وأَرخوا اللحى‪ ،‬خالفوا اجملوس» رواه مسلم وأمحد‪.‬‬


‫‪ .3‬حديث أيب هريرة املار وفيه ُ‬

‫هذه الرواايت تتضمن األلفاظ التالية‪ :‬إعفاء‪ ،‬وفِّروا‪ ،‬أَوفوا‪ ،‬أرخوا‪ ،‬وكلها تعين معىن واحداً هو تركها‬
‫تطول دون حلق أو ٍّ‬
‫قص أو إحفاء‪ ،‬أي افعلوا فيها عكس ما تفعلون يف الشوارب‪ ،‬وقد كان من عادة‬
‫قص اللحية فنهى الشارع عن ذلك‪ ،‬وأمر إبعفائها وتوفريها خمالفة هلم‪.‬‬
‫الكفار ُّ‬

‫وإعفاء اللحية من ُسنن الفطرة‪ ،‬وهو ُسنَّة مؤَّكدة كقص الشارب‪ ،‬قال القاضي عياض‪ :‬يُ ْكره حلق اللحية‬
‫وقصها وحتليقها‪ .‬وقال الشوكاين عند كالمه على حديث عشر من الفطرة ما يلي (الكلمات العشر ليست‬
‫واجبة) ‪ .‬وقال مشس الدين بن قُدامة يف الشرح الكبري (ويُ ْستحب إعفاء اللحية) وما قلته يف قص الشارب‬
‫أقوله يف إعفاء اللحية‪ ،‬فحكمهما واحد وقرائنهما واحدة وإن كان التشديد على ِّ‬
‫قص الشارب أكثر منه‬
‫«من مل أيخذ من شاربه فليس منا» فهذا التشديد ال يوجد ما يضارعه يف إعفاء‬
‫على إعفاء اللحية لوجود َ‬
‫اللحية‪.‬‬

‫حد لطوهلا‪َّ ،‬‬


‫وإن ما كان ابن عمر يفعله من قص‬ ‫السنَّة أن تُرتك اللحية حىت تظهر وتربز على الوجه‪ .‬وال َّ‬
‫و ُّ‬
‫حليته حبيث ال تزيد على قبضة اليد ميكن األخذ به‪ ،‬قال البخاري (كان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض‬
‫على حليته فما فضل أخذه) وهذا الفعل من ابن عمر ليس دليالً‪ ،‬ولكنه يُعترب حكماً شرعياً جيوز اتِّباعه‪ .‬ويف‬
‫املقابل ال يتحقق املطلوب بتقصريها تقصرياً يؤدي إىل ظهور لون اجللد حتتها‪ ،‬ولذلك فاألصل االعتدال‪،‬‬
‫وحدُّه أن يتوارى لون بشرة الوجه خلف شعر اللحية‪ ،‬وله بعدئذ أن يقص أو يدع ما يزيد على ذلك‪.‬‬

‫عدوا احلليق فاسقاً ال‬ ‫ِّ‬


‫املتصوفة واملشايخ اهتماماً جاوز حد االعتدال إىل الغلو‪ ،‬حىت ُّ‬ ‫وإعفاء اللحية اهتم به‬
‫تُقبل شهادته وال يُصلى خلفه وكأنه أتى معصية من أكرب املعاصي‪ ،‬رغم أن األحاديث ذكرت إعفاء اللحية‬
‫قص الشارب‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫ث عليه أبكثر من خمالفة املشركني كحال احلث على ِّ‬ ‫ضمن العشر من الفطرة‪ ،‬ومل حتُ َّ‬
‫ول املشايخ اهتماماً أبي من السنن العشر اهتمامهم إبعفاء اللحية‪ ،‬واألصل أن ال تصل هذه املسألة إىل‬‫مل ي ِّ‬
‫ُ‬
‫حجم أكرب من حجمها‪ ،‬وأن ما يقوله بعضهم من أهنا عالمة على الرجولة والفحولة هو قول ساقط متهافت‪.‬‬
‫وكمثال على هذا التَّشدُّد أُورد رأايً للشيخ حممد انصر الدين األلباين يف هذه املسألة أنقله بكامله من كتابه‬
‫[آداب الزفاف] وأانقشه ابلتفصيل‪:‬‬
‫حلق اللحى‪ .‬اخلامس‪ :‬ومثلها يف ال ُقبح ـ إن مل تكن أقبح منها عند ذوي ِّ‬
‫الفطَر السليمة ـ ما ابتُلي به أكثر‬
‫الرجال من التَّزين حبلق اللحية حبكم تقليدهم لألوروبيني الكفار‪ ،‬حىت صار من العار عندهم أن يدخل العروس‬
‫على عروسه وهو غري حليق ويف ذلك عدة خمالفات‪:‬‬
‫ألَّت َذ َّن ِّمن ِّ‬
‫عبادك نصيباً مفروضاً وأل ِّ‬
‫ُضلَّنَّهم‬ ‫أ‪ -‬تغيري خلق هللا‪ ،‬قال تعاىل يف حق الشيطان {لعنَه هللا وقال َِّّ‬
‫ْ‬ ‫َُ‬
‫دون هللا فقد‬ ‫وألُمنِّينَّهم وآلمرَّهنم فَـلَيبتِّ ُك َّن آذا َن األنعام وآلمرَّهنم فلَي ِّغري َّن خلق هللا ومن يت ِّ‬
‫َّخذ الشيطا َن وليَّاً من ِّ‬
‫َْ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َخ ِّسَر ُخسراانً ُمبيناً} فهذا نص صريح يف أن تغيري خلق هللا بدون إذن منه تعاىل إطاعة ألمر الشيطان‬
‫للحسن‬ ‫وعصيان للرمحن جل جالله‪ ،‬فال جرم أ ْن لعن رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ِّ -‬‬
‫خلق هللا ُ‬ ‫املغريات َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫كما سبق قريباً‪ ،‬وال شك يف دخول حلق اللحية للحسن يف اللَّعن املذكور جبامع االشرتاك يف العلة كما ال‬
‫خيفى‪ ،‬وإمنا قلت‪ :‬بدون إذن من هللا تعاىل‪ ،‬لكي ال يُتوهم أنه يدخل يف التَّغيري املذكور مثل حلق العانة وحنوها‬
‫مما أذن فيه الشارع بل استحبه وأوجبه‪.‬‬

‫ب‪ -‬خمالفة أمره ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬وهو قوله «أَهنِّكوا الشوارب وأ َْعفوا عن اللحى» ومن املعلوم أن‬
‫األمر يفيد الوجوب إال لقرينة‪ ،‬والقرينة هنا ُمؤكِّدة للوجوب وهو‪:‬‬
‫ج ‪ -‬التَّشبُّه ابلكفار‪ ،‬قال ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ُ -‬‬
‫«جُّزوا الشوارب وأَرخوا اللحى خالفوا اجملوس» ويؤيد‬
‫الوجوب أيضاً‪:‬‬

‫د ‪ -‬التَّشبُّه ابلنساء‪ ،‬فقد «لعن رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬املتشبِّهني من الرجال ابلنساء‪،‬‬
‫واملتشبِّهات من النساء ابلرجال» وال خيفى أن يف حلق الرجل حليته اليت ميَّزه هللا هبا على املرأة أكرب تشبُّه هبا‪،‬‬
‫فلعل فيما أوردان من األدلة ما يقنع املبتَـلَ ْني هبذه املخالفة‪ ،‬عافاان هللا وإايهم من كل ما ال حيبه وال يرضاه‪.‬‬
‫ُ‬

‫وحسنت طويته ‪َّ -‬‬


‫أن كل دليل من‬ ‫وقال يف هامش الكتاب ما يلي (ومما ال ريب فيه ـ عند من سلمت فطرته ُ‬
‫وحرمة حلقها فكيف هبا جمتمعة؟)‬
‫هذه األدلة األربعة كاف إلثبات وجوب إعفاء اللحية ُ‬

‫واجلواب عليه من وجوه‪:‬‬

‫أـ أقف عند قوله (من التَّزيُّن حبلق اللحية حبكم تقليدهم لألوروبيني الكفار) فهو قد جعل حلق اللحية زينة ومل‬
‫يذكر أن إعفاء اللحية زينة هو اآلخر‪ ،‬إذ رمبا كان إعفاء اللحية أمجل من حلقها‪ ،‬مث إنه اعترب التَّزيُّن حبلق‬
‫اللحية داخالً حتت تقليد الكفار‪ ،‬وهذا يضطران إىل تبيني معىن تقليد الكفار وحكمه‪.‬‬

‫تقليد الكفار تقليدان‪:‬تقليد يف شؤون الدين‪ ،‬وتقليد يف شؤون احلياة‪ ،‬فما كان من ٍ‬
‫تقليد ألفعاهلم وأُمورهم‬
‫املتصلة بدينهم فهو تقليد يف شؤون الدين‪ ،‬وما كان من ٍ‬
‫تقليد ألفعاهلم وأُمورهم ِّ‬
‫غري املتصلة ابلدين عندهم فهو‬
‫تقليد يف شؤون دينهم فهو حرام‪ ،‬وخمالفته واجبة‪ ،‬وأما ما كان من ٍ‬
‫تقليد‬ ‫تقليد يف شؤون احلياة‪ .‬أما ما كان من ٍ‬
‫حمرماً يف ديننا حنن فيحرم‪.‬‬
‫هلم يف شؤون احلياة فليس حبرام وال إمث فيه‪ ،‬وإن كان األ َْوىل تركه‪ ،‬إال أن يكون ذاتُه َّ‬
‫فتقليدهم بلبس البدالت وربطات العنق‪ ،‬وتقليدهم إبلباس جنودان ما يلبسه جنودهم من غطاء الرأس‪،‬‬
‫وتقليدهم ابستقبال رؤساء الدول األجنبية إبطالق إحدى وعشرين طلقة واصطفاف حرس الشرف هلم‪،‬‬
‫وتقليدهم ابفتتاح املشاريع احليوية بقص الشريط‪ ،‬وأمثال ذلك كله تقليد ال إمث فيه وليس حبرام‪ ،‬ألن هذه‬
‫األفعال واألمور ليست من دينهم هم‪ ،‬وهم ال يفعلوهنا وال يتخذوهنا امتثاالً لعقيدهتم‪ ،‬مث هي ليست مما ورد يف‬
‫شرعنا حترمي له‪ ،‬وما دام ذلك كذلك فتقليدهم فيها ال حرمة فيه‪ ،‬وإن كان األوىل تركه‪ ،‬بينما تقليدهم جبعل‬
‫التعليم خمتلطاً يف اجلامعات وتقليدهم بتربُّج النساء حرام ال جيوز‪ ،‬وإن كان ذلك ليس من شؤون الدين عندهم‬
‫ولكنه حرام عندان فيظل حراماً‪.‬‬

‫أما تقليدهم بلبس املسوح اليت يلبسها كهنتهم و ِّاَّتاذ رجال دين عندان‪ ،‬وتقليدهم ابَّتاذ شجرة عيد امليالد‪،‬‬
‫وتقليدهم ابَّتاذ التوابيت اخلشبية للموتى‪ ،‬وأمثال ذلك فهو حرام ال جيوز‪ ،‬وخمالفتهم فيه واجبة‪ ،‬ألن هذه‬
‫األفعال واألمور هي من شؤون الدين عندهم‪ ،‬فتقليد الكفار يف كفرهم أو تقليدهم بوصفهم كفاراً حرام‪ .‬أما‬
‫تقليدهم فيما سواه فال حرمة فيه إال ما كان حراماً عندان‪ ،‬وإن كان األوىل ترُكه‪ .‬فاملسلم حني حيلق حليته‬
‫تقليداً لألوروبيني ال يقلدهم فيه بوصفهم كفاراً‪ ،‬وال يقلدهم يف شأن من شؤون دينهم‪ ،‬وإمنا هو مظهر دنيوي‬
‫حبت مقطوع الصلة ابلدين‪ ،‬فتقليدهم فيه ليس حراماً‪ ،‬وهكذا سائر األفعال واألمور اليت ال عالقة هلا بشؤون‬
‫دينهم‪ ،‬ومن ذلك يظهر أن تقليد األوروبيني يف حلق اللحية ال يفيد حترمياً‪.‬‬

‫وأما قوله (حىت صار من العار عندهم أن يدخل العروس على عروسه وهو غري حليق) هذه العبارة فيها غلو‪،‬‬
‫فالعار هو الشيء أو الفعل الذي يشني صاحبه وجيلب عليه اخلزي واهلوان‪ ،‬وهذا املعىن غري موجود هنا‪.‬‬
‫ُ‬
‫ب ـ أنيت اآلن ملناقشة األدلة األربعة اليت يقول عنها (إن كل دليل من هذه األدلة األربعة كاف إلثبات‬
‫وجوب إعفاء اللحية) إن اآلية اليت استشهد هبا الشيخ األلباين على أهنا دليل صاحل على حترمي حلق اللحية‬
‫وردت يف سورة النساء‪ ،‬وحىت نتبني إن كانت هذه اآلية تدل على دعواه أو ال‪ ،‬ال بد من وضعها يف موضعها‬
‫غفر ما دون ذلك لِّ َم ْن يَشاء‬ ‫غفر أن يُ ْش َر َك به ويَ ُ‬‫من السورة‪ ،‬مث نستدل هبا على ما تدل عليه {إن هللاَ ال يَ ُ‬
‫ِّ‬ ‫ومن ي ْش ِّر ْك ِّ‬
‫ضل ضالالً بعيداً‪ .‬إ ْن يَ ْدعو َن من دونِِّّه إال إاناثً وإ ْن يَ ْدعُو َن إال شيطاانً َمريداً‪َ .‬لعنَهُ‬ ‫ابهلل فقد َّ‬ ‫َْ ُ‬
‫وآلمرََّّنم‬ ‫وآلم َرََّّنم فلَيُبتِّ ُك َّن آذا َن األ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫هللا وقال َِّّ ِّ ِّ ِّ ِّ‬
‫َنعام ُ‬ ‫ألَّت َذ َّن من عبَادك نَصيباً َم ْف ُروضاً‪ .‬وألُضلَّنَّهم وألُمنينَّهم ُ‬
‫خسر ُخسراانً ُمبيناً‪ .‬يعِّ ُدهم وُُينِّيهم وما‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫غري َّن َخل َ ِّ‬
‫ومن يتَّخذ الشيطا َن ولياً من دون هللا فقد َ‬ ‫ْق هللا َ‬ ‫فلَيُ ِّ ُ‬
‫َّم وال جيدو َن عنها ََِّم ْيصاً} ابلتدقيق يف هذه اآلايت يظهر‬ ‫جهن ُ‬
‫ْواه ْم َ‬
‫أولئك َمأ ُ‬‫الشيطان إال غُ ُروراً‪َ .‬‬ ‫يعِّ ُد ُه ُم َّ‬
‫أَّنا وردت يف موضوع العقيدة وليس يف موضوع األحكام الشرعية‪ ،‬انظر يف أيَّة آية منها جتد ذلك واضحاً‪،‬‬
‫الشرك وهو من العقيدة‪ ،‬واآلية الثانية هي يف موضوع األصنام والشيطان وهو من‬ ‫فاآلية األوىل هي يف موضوع ِّ‬
‫العقيدة‪ ،‬واآلية الثالثة هي يف موضوع إخراج قس ٍم من املؤمنني إىل مجاعة الكفار وهو من العقيدة‪ ،‬واآلية الرابعة‬
‫هي يف موضوع تبتيك آذان األنعام للتقرب إىل األصنام وهو من العقيدة‪ ،‬واآلية اخلامسة هي يف موضوع أماين‬
‫الشيطان وغروره وهو من العقيدة‪ ،‬واآلية السادسة هي يف موضوع العقيدة ألهنا حتدثت عن دخول جهنَّم‬
‫واالستقرار فيها‪ ،‬فاآلايت كلها ِّسيقت يف موضوع واحد هو العقيدة‪ ،‬وليس منها آية واحدة يف موضوع‬
‫األحكام الشرعية الفرعية‪.‬‬
‫واثنياً‪ :‬اآلايت هذه حتدثت صراحة عن الضَّالل يف بدء اآلية الرابعة {وأل ِّ‬
‫ُضلَّنَّهم} ‪ ،‬والضالل عكس اهلُدى‪،‬‬
‫َّال هو من خالف العقيدة يف جمملها أو أصوهلا أو فروعها‪ ،‬أما من خالف احلكم‬ ‫وهو من أفكار العقيدة‪ ،‬فالض ُّ‬
‫الشرعي فهو الفاسق أو العاصي أو الفاجر أو اآلمث‪ ،‬وهذا التفريق ال بد من إدراكه‪ ،‬ولست أُريد أن أسوق‬
‫اآلايت الدالة على هذا األمر‪ ،‬ف ْلريجع إليها من يشاء‪.‬‬

‫وإذن فاآلية اليت استشهد هبا هي يف موضوع العقيدة وليست يف موضوع األحكام‪ ،‬وال تقاس العقائد على‬
‫األحكام وال األحكام على العقائد‪ ،‬فكلٌّ منهما موضوع غري موضوع األخرى‪ ،‬ولذلك فإن قوله تعاىل‬
‫{فَـلَيُ ِّغريُ َّن َخ ْلق هللا} يـُ ْقصر على العقيدة واألعمال اليت يف معناها‪ ،‬وليس على األعمال اليت تفيد حراماً‬
‫وحالالً‪ ،‬ألن اآلية واحلديث إن جاءا يف موضوع معني وجب قصرمها عليه‪ .‬وال يقال العربة بعموم اللفظ ال‬
‫خبصوص السبب‪ ،‬ألن املوضوع غري السبب‪ ،‬فهذه اآلايت ليست العقيدة سبباً يف نزوهلا‪ ،‬وإمنا العقيدة هي‬
‫املوضوع الذي نزلت اآلايت فيه‪ ،‬وبني السبب واملوضوع فارق كبري‪ .‬وإىل هذا املعىن الدقيق أشار عدد من‬
‫ِّ‬
‫املفسرين هلذه اآلايت‪ ،‬فقد فسرها عدد منهم بقوهلم‪ :‬إن املراد هبذا التغيري هو أن هللا سبحانه خلق الشمس‬
‫فغريها الكفار أبن جعلوها آهلة معبودة‪ ،‬ومبثل هذا‬
‫والقمر واألحجار والنار وحنوها من املخلوقات ملا خلقها له‪َّ ،‬‬
‫الز َّجاج‪ .‬ويدعم هذا القول اآلية الثانية {إ ْن ي ْدعُون ِّمن دونه إال إاناثً} وفسرها أبو مالك فيما رواه‬
‫القول قال َّ‬
‫ُيب بن كعب فيما‬
‫ومناة كلها مؤنثة‪ .‬وفسرها أ ُّ‬
‫عنه ابن جرير الطربي وابن املنذر وغريمها بقوله‪ :‬الالت والعَُّزى َ‬
‫رواه عنه عبد هللا بن أمحد بن حنبل وابن املنذر وغريمها بقوله (قال مع كل صنم ِّجنِّيَّة) وفسرها احلسن بقوله‬
‫(كان لكل حي من أحياء العرب صنم يعبدوهنا يسموهنا أُنثى بين فالن‪ ،‬فأنزل هللا إن يدعون من دونه إال‬
‫الضحاك (قال املشركون‪ :‬إن املالئكة بنات هللا‪،‬‬
‫إاناثً) ذكره سعيد بن منصور وابن جرير وابن املنذر‪ .‬وقال َّ‬
‫وإمنا نعبدهم ليقربوان إىل هللا ُزلفى) ذكره ابن أيب حامت‪ .‬ونقل ابن جرير الطربي عن قتادة قوله يف تفسري‬
‫السائبة يُبتِّكون آذاهنا لطواغيتهم) وأخرج ابن جرير وغريه عن‬
‫َنعام} (التبتيك يف البَ ِّحرية و َّ‬
‫{فليبتِّ ُك َّن آذا َن األ ِّ‬
‫ُ‬
‫{وآلمرَّهنم فلَيُ ِّغري َّن َخ ْلق هللا} قال (دين هللا) وروي مثل ذلك عن َّ‬
‫الضحاك وسعيد بن‬ ‫ابن عباس يف قوله تعاىل ُ‬
‫جبري‪ .‬هذا هو معىن التغيري‪ ،‬وهذا هو املوضوع الذي جاءت فيه اآلية‪ ،‬ولذا فان تفسريها بغري هذا خطأ‪،‬‬
‫فقوهلم إهنا تعين اخلصاء أو الوشم أو غري ذلك مثل حلق اللحية هو خروج على موضوع اآلية وسياقها‬
‫وإطارها‪.‬‬

‫خنلص من ذلك إىل أن هذه اآلية ال تصلح مطلقاً لالستدالل هبا على حترمي اللحية‪ ،‬فاآلية يف موضوع‪ ،‬وحلق‬
‫اللحية يف موضوع آخر‪ ،‬وما دام حلق اللحية أو إعفاؤها من غري العقائد فإن االستدالل هبا هنا استدالل غري‬
‫صحيح‪.‬‬

‫ج‪ -‬قوله‪( :‬ومن املعلوم أن األمر يفيد الوجوب إال لقرينة) غري ُمسلَّم به وفيه لَبس‪ ،‬فالقارئ العادي حني يقرأ‬
‫هذا القول (ومن املعلوم) يظن أهنا قاعدة ُجم َم ٌع عليها لدى عامة الفقهاء واألصوليني‪ ،‬ألنه جعلها قاعدة‬
‫معلومة علماً مطلقاً دون تقييد‪ ،‬يف حني أنه من املعلوم أن هذه القاعدة ال يقول هبا مجيع الفقهاء واألصوليني‪،‬‬
‫ولذلك كان األ َْوىل أن يُقال (ومن املعلوم عندان) أو (ومن املعلوم أن عدداً من الفقهاء يقولون) أو (األمر يفيد‬
‫الوجوب عند فالن وفالن) أو ما يشبه ذلك حىت ال يقع القارئ يف لبس‪.‬‬

‫د‪ -‬قوله (والقرينة هنا مؤكِّدة للوجوب وهو التَّشبُّه ابلكفار) يعين أن األمر إن اقرتن ابلتَّشبُّه ابلكفار كان‬
‫واجباً‪ ،‬فقد جعل التَّشبُّه ابلكفار قرينة على الوجوب أو قل قرينة على التأكيد على الوجوب‪ .‬فماذا يقول يف‬
‫احلديث التايل‪ :‬عن أيب هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪« -‬إن اليهود والنصارى ال‬
‫يصبغون فخالفوهم» رواه البخاري ومسلم وأمحد وأبو داود؟ فاحلديث يطلب منا أن نصبغ شعران األبيض وأن‬
‫الصبغ؟ ال أظن أن أحداً قال بوجوب صبغ‬
‫خنالفهم يف ذلك‪ ،‬فهل خمالفة الكفار هنا تصلح قرينة على وجوب َّ‬
‫الشعر األشيب‪ .‬وماذا يقول يف احلديث الذي رواه شداد بن أوس‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪« -‬خالفوا اليهود فإهنم ال يُصلُّون يف نعاهلم وال ِّخفافهم» رواه أبو داود‪ .‬ومل يقل فقيه إن الصالة يف‬
‫النعال واخلفاف واجبة؟ فكذلك التَّشبُّه ابلكفار هو من هذا القبيل‪.‬‬

‫وأُذكِّر مبا سبق من التفريق يف التقليد أو التَّشبُّه ابلكفار بني التَّشبُّه هبم يف شؤون الدين عندهم وبني التَّشبُّه هبم‬
‫يف شؤون احلياة‪ .‬وهذا يعين أن الكفار لو كانوا يرتكون الشعر األشيب تعبُّداً وجئنا نتشبَّهُ هبم يف هذا األمر‬
‫لكان ذلك حراماً ولصلُح ذلك قرينة على الوجوب ولو أن الكفار حيلقون حلاهم تعبداً‪ ،‬وجئنا حبلق اللحى‬
‫تشبُّهاً هبم يف عبادهتم ودينهم لكان ذلك حراماً‪ ،‬ولصلُح قرينةً على الوجوب‪ ،‬ولكن مل يقل أحد إن الكفار‬
‫حيلقون حلاهم تعبداً‪ ،‬فال يصلح ذلك إذن قرينة على الوجوب‪ .‬وبذلك ينتفي صالح الدليلني الثاين والثالث‬
‫على وجوب إعفاء اللحية‪.‬‬

‫هـ ـ قوله (ويؤيد الوجوب التَّشبُّه ابلنساء) وساق حديث التَّشبُّه‪ ،‬وعقَّب بقوله (وال خيفى ‪ ...‬أكرب تشبُّه هبا)‬
‫فهو يرى ويقرر أن حلق اللحية هو تشبُّه ابلنساء وابلغ بقوله (أكرب تشبُّه هبا)‪.‬‬

‫والرد عليه من عدة وجوه‪:‬‬

‫‪ .1‬إن التَّشبُّه ابلنساء يعين التَّشبُّه مبطلق النساء وليس بنساء خمصوصات‪ ،‬ويعين اخلروج من أوصاف‬
‫الرجال جنس الرجال‪ ،‬وليس من أوصاف الرجال املسلمني أو من أوصاف ٍ‬
‫رجال خمصوصني‪ ،‬ألن‬
‫فعمم ومل ِّ‬
‫خيصص‪ ،‬أي‬ ‫احلديث يقول «املتشبهني من الرجال ابلنساء واملتشبهات من النساء ابلرجال» َّ‬
‫أن احلديث يقول إن الرجل الذي يتشبَّه ابألنثى ملعون‪ ،‬وحيصل هذا إن خرج الرجل فيما فعل من‬
‫صفة الرجال مطلق الرجال‪ ،‬وتشبَّه بعموم اإلانث‪ .‬هذا هو معىن احلديث‪ ،‬وال َّتصيص فيه وال‬
‫تقييد‪ ،‬فهل من حلق حليته فقد خرج مما يوصف به مطلق الرجال؟ اجلواب ابلنفي من الواقع‪ ،‬ومن‬
‫نصوص األحاديث‪.‬‬

‫أما الواقع فإن معظم الرجال يف العامل حيلقون حلاهم‪ ،‬وإذن فحلق اللحى صفة شائعة يف الرجال‪ ،‬ومل‬
‫َّع أح ٌد أن هؤالء املاليني املاليني من الرجال خلعوا صفة الرجولة يف هذا األمر وتشبَّهوا ابلنساء‪.‬‬
‫يد ِّ‬

‫أما احلديث فيقول‪ :‬خالِّفوا اجملوس‪ ،‬أي خالِّفوا رجال اجملوس إبطالق اللحى‪ ،‬ومفهوم هذا احلديث‬
‫أن رجال اجملوس كانوا حيلقون حلاهم‪ ،‬ومفهومه أيضاً أن من حيلق حليته فإمنا يتشبَّه برجال اجملوس‪،‬‬
‫وهذا يدل على أن حلق اللحية ليس فيه تشبُّه ابلنساء بقدر ما فيه تشبُّه ابلرجال من اجملوس‪ ،‬بل إن‬
‫احلديث حيصره يف التَّشبه ابلرجال من اجملوس‪ ،‬وال يتطرق إىل التَّشبُّه ابلنساء ال من قريب وال من‬
‫بعيد‪ .‬فهل يصح له ٍ‬
‫بعدئذ أن يقول إن حالق اللحية متشبِّه ابلنساء؟ وكيف ُجييز لنفسه أن يقول هذا‬
‫القول املغاير ملا يفيده احلديث والواقع؟‪.‬‬
‫‪ .2‬إن التَّشبُّه ابلنساء ال يكون تشبُّهاً إال إذا انتفت به عن الرجل صفة من صفاته ودخل به يف ٍ‬
‫صفة من‬
‫صفات النساء‪ ،‬فمثالً النساء يلبسن العقود واألساور والرجال ال يلبسوهنا‪ ،‬وهذا عام يف كل زمن وكل‬
‫قوم وكل شعب إال ما كان من األقوام البدائية اليت ال يُؤبه مبا تفعله‪ ،‬حبيث أن من يلبس العقود‬
‫واألساور من الرجال فإمنا يتخلى بلبسها عن صفة من صفات الرجال ويدخل يف صفة مالزمة‬
‫للنساء‪ ،‬فيكون لبس األساور والعقود تشبُّهاً‪ ،‬يف حني أن االكتحال صفة مشرتكة بني الرجال‬
‫والنساء‪ ،‬فمن اكتحل ال يكون قد تشبَّه ابلنساء‪ ،‬ألنه مل يرتك صفة من صفات الرجال‪ ،‬وقُل مثل‬
‫ذلك يف حلق اللحية‪ ،‬فإهنا صفة شائعة يف الرجال‪ ،‬فمن حلق ال يكون قد َّتلى عن صفة الرجال‬
‫واتصف بصفة النساء‪ ،‬أي ال يكون متشبِّهاً ابلنساء‪َ ،‬‬
‫ومن تضمخ ابلطيب فإنه يفعل فعالً مشرتكاً‬
‫بني الرجال والنساء‪ ،‬فال يكون املتطيِّب قد تشبَّه ابلنساء‪ ،‬هكذا جيب أن يُفهم التَّشبُّه ابلنساء‪ .‬إن‬
‫حلق اللحية صفة مالزمة من صفات الرجال قدمياً وحديثاً‪ ،‬وال يقول أحد إن املاليني من الرجال يف‬
‫العامل الذين حيلقون حلاهم يتشبَّهون ابلنساء‪ ،‬بل إن قول رسول هللا عليه الصالة والسالم «خالفوهم»‬
‫فيه داللة على أهنم مل يكونوا قبل هذا األمر خيالفوهنم‪ ،‬بل كانوا يوافقوهنم حبلق حلاهم‪ ،‬وكانوا رجاالً ال‬
‫يتصفون أو يتشبَّهون ابلنساء‪.‬‬

‫‪ .3‬وحيث أنه قد ابن متاماً أن من حيلق حليته ال يكون قد فارق صفة الرجال إىل صفة النساء‪ ،‬فقد‬
‫بطل الدليل األخري الذي استدل به الشيخ األلباين على ُحْرمة حلق اللحية‪.‬‬

‫و بقيت نقطة تتعلق بتغيري خلق هللا أود أن أحبثها من زاوية أخرى‪ .‬استدل الشيخ األلباين مبا ُروي عن ابن‬
‫املتنمصات واملتفلِّجات للحسن ِّ‬
‫املغريات خلق هللا‪ ،‬ما يل ال ألعن من‬ ‫مسعود «لعن هللا الوامشات واملستومشات و ِّ‬
‫لعنه رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬وهو يف كتاب هللا» رواه البخاري‪ .‬على أن تغيري خلق هللا علة‬
‫سن يُغري خلق هللا فيدخل يف اللعن‪ ،‬وأكد ذلك‬
‫لتحرمي ما جاء يف احلديث‪ ،‬وقاس عليها حلق اللحية ألهنا ُح ٌ‬
‫بقوله (وال شك) وبقوله (كما ال خيفى) وكأن أحداً ال خيالفه فيما يقول‪ .‬لقد قال هو نفسه إن تغيري خلق هللا‬
‫ليس حراماً كله‪ ،‬فقوله (لكي ال يتوهم أنه يدخل يف التغيري املذكور مثل حلق العانة وحنوها مما أذن فيه الشارع)‬
‫حمرم‪ .‬ف ْلننطلق من هذه القاعدة اليت وضعها هو‪،‬‬
‫حمرماً‪ ،‬وأن هناك تغيرياً غري َّ‬
‫يدل على أن هناك تغيرياً خللق هللا َّ‬
‫فنقول‪:‬‬

‫إن هذه القاعدة تنقض القول أبن تغيري خلق هللا هو علة للتحرمي‪ ،‬وذلك أن العلة يف علم األصول تدور مع‬
‫كل فعل فيه تغيري‪ ،‬وال حترم‬ ‫املعلول وجوداً وعدماً‪ ،‬وهذا يقضي أبن ِّ‬
‫حترم هذه العلة ‪ -‬وهي تغيري خلق هللا ‪َّ -‬‬
‫أي فعل ال تغيري خللق هللا فيه‪ ،‬هذا هو معىن العلة وهذا هو مقتضاها‪ .‬وحيث أن هناك أفعاالً فيها تغيريٌ خللق‬
‫هللا ومع ذلك أجازها الشرع‪ ،‬فهذا دليل على أن التغيري ليس علة‪ ،‬ألن العلة مطَّردة دائماً‪ ،‬فإذا َّتلَّفت مرة‬
‫واحدة بطل كوهنا علة‪ ،‬وحيث أن الشرع نفسه أبطلها يف حلق العانة ونتف اإلبط وقص األظافر وحلق شعر‬
‫الرأس فقد دل ذلك على أن التغيري ليس علة لتحرمي حلق اللحية‪ .‬أما القول إن النصوص استثنت هذه‬
‫األحكام فهو ليس رداً على موضوع العلة‪ ،‬ومن هذه املقدمة ننطلق إىل شرح حديث «لعن هللا الوامشات ‪...‬‬
‫املغريات خلق هللا»‬

‫للحسن املغريات خلق هللا‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬


‫احلديث الشريف يذكر أن الوامشات واملستومشات واملتنمصات واملتفلجات ُ‬
‫ملعوانت‪ ،‬وما دام أن التغيري قد ثبت أنه قد َّتلف مرات فقد ثبت أنه ليس علة‪ ،‬وأن هذه القاعدة تنسحب‬
‫إذن على كل موضوع ومنها هذا احلديث‪ ،‬فتغيري خلق هللا ليس علة للتحرمي يف هذا احلديث‪ ،‬مبعىن أن التحرمي‬
‫منصب على ما ذُكِّر وليس لعلة التغيري‪ ،‬وعلى هذا فإن التغيري هنا مل يُذكر إال على أنه ٌ‬
‫وصف مالزم هلذه‬ ‫ٌّ‬
‫األفعال ليس غري‪ ،‬كما ذكر ذلك ابن حجر‪ .‬والسؤال هنا‪ :‬ملاذا ذُكر هذا الوصف يف احلديث؟ واجلواب عليه‬
‫أن ِّذ ْكَر هذا الوصف يف هذا احلديث إمنا جاء قيداً وحتديداً للقدر الذي تصبح معه هذه األفعال حمرمة‪،‬‬
‫هو َّ‬
‫مبعىن أن الوشم والنمص والتفلج ال تكون حراماً إال إذا وصلت حد التغيري خللق هللا‪ ،‬فإن مل تصل إىل هذه‬
‫احلد وهذا القدر فإهنا ال تكون حراماً وتكون مباحة‪ ،‬فلو أخذت املرأة من حاجبيها عدة شعرات‪ ،‬ولو‬
‫وضعت املرأة على وجهها أو يدها نقطة أو نقطتني من الوشم‪ ،‬ولو بردت املرأة إحدى أسناهنا مقداراً يسرياً‬
‫فإهنا ال تكون قد فعلت حراماً ألهنا ال تكون قد فعلت ما يصل إىل حد تغيري خلق هللا‪ ،‬فهذا هو القصد من‬
‫ذكر هذا الوصف‪ ،‬وهو أنه لتحديد املقدار الذي تصبح معه هذه األفعال حمرمة‪ ،‬وليس ليكون علة للتحرمي‪.‬‬

‫مث إن هذا احلديث خياطب النساء وال خياطب الرجال‪ ،‬والقاعدة اللغوية والشرعية هي أن خطاب َّ‬
‫املذكر‬
‫خطاب للرجال وللنساء‪ ،‬ولكن خطاب املؤنَّث ال يدخل فيه الرجال‪ ،‬فالقرآن حني يقول بصيغة َّ‬
‫املذكر {اي‬
‫يام} فإن هذا األمر ابلصيام يشمل الرجال كما يشمل النساء‪ ،‬وحني يقول‬ ‫ِّ‬
‫تب علي ُك ُم الص ُ‬ ‫أيها الذين آمنوا ُك َ‬
‫السديد يشمل الرجال‬ ‫{اي أيها الذين آمنوا اتَّـ ُقوا هللاَ وقولوا قَـ ْوالً َسديداً} فإن هذا األمر ابلتقوى والقول َّ‬
‫والنساء‪ ،‬ولكن القرآن حني يقول بصيغة املؤنث {وقَـ ْرن يف بيوتِّ ُك َّن} فإن هذا األمر ال يشمل الرجال‪ ،‬مبعىن‬
‫أنه ال يطلب من الرجال البقاء يف البيوت‪ ،‬وحني يقول {وال يُبدين زينَـتَـ ُه َّن} فإن هذا األمر ال يعين مطالبة‬
‫أبنفسهن} فإن‬
‫َّ‬ ‫الرجال بذلك‪ ،‬وال يدل على منع الرجال من إبداء زينتهم‪ ،‬وحني يقول {واملطلَّقات يرتبَّصن‬
‫ُ‬
‫هذا الطلب ال يعين الرجال‪ ،‬وال يطالبهم ابلرتبُّص عند الطالق‪ .‬واحلديث النبوي حني يقول «علي ُك َّن حبافَّات‬
‫الطريق» رواه أبو داود‪ .‬فهو خاص ابلنساء وال يشمل الرجال وهكذا مما هو معلوم ومعروف‪ .‬وهذا احلديث‬
‫«لعن هللا الوامشات» هو من هذا القبيل‪ ،‬فهو خاص ابلنساء‪ ،‬وال يعين أن هللا يلعن الوامشني‪ ،‬فمن أين القول‬
‫إن (امل ِّغريات خلق هللا) يشمل الرجال؟ الصحيح والصواب أن هذا احلديث خاص ابلنساء وأنه ال يصح‬
‫ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫سحبه على الرجال هلذا السبب أيضاً‪ .‬وهلذين السببني سبب عدم علية التغيري‪ ،‬وسبب اختصاص النص‬
‫ابلنساء‪ ،‬فإنه ال جيوز القياس‪ ،‬وال يصح إدخال الرجال وحلاهم يف هذا احلديث مطلقاً‪.‬‬

‫وهكذا تتساقط األدلة األربعة على وجوب حلق اللحية‪ ،‬ويبقى احلكم الصحيح املذكور آنفاً‪ ،‬وهو أن اإلعفاء‬
‫ُسنَّة وليس واجباً‪.‬‬

You might also like