Professional Documents
Culture Documents
- فلسفة سقراط العقلية 1- فلسفة النفس
- فلسفة سقراط العقلية 1- فلسفة النفس
اعرف نفسك
بدأ سقراط بأن كان نحاتًا كأبيه .ولكن الميل إلى الحكمة اشتد به في سن مبكرة ،بتأثير
األوساط الفيثاغورية واألورفية بأثينا ،فأخذ يغذي عقله ويهذب نفسه ،وقد فهم الحكمة على أنها
كمال العلم لكمال العمل .لقد وضع سقراط خالصة الفلسفة كلها في عبارته الموجزة الشهيرة:
"اعرف نفسك" gnowthi seauton؛ فمن النظر إلى العالم بصورة موضوعية (أي الطبيعة)
يجب أن ننتقل إلى دراسة الذات (أي النفس) ،وعلى هذا النحو يكون سقراط قد أنزل الفلسفة من
السماء إلى األرض .ويجب أن نالحظ أن في هذا ثورة ،ألن الحكمة التقليدية تقوم على التلقين
والتلقي ،كذلك فإن هذا المبدأ هو تأكيد ألهمية الفرد ،وهذه خاصية عامة للنصف الثاني من
القرن الخامس قبل الميالد .إن العلم الحقيقي عند سقراط هو العلم بالكلي ،أي العلم بالماهيات،
موجودا في النفس ،فيجب علينا أن نلتمس في النفس
ً كما سبق وأن شرحنا ،وكان العلم بالكلي
إذن العناصر الالزمة إلقامة صرح العلم -كل علم .ولما كان العلم الحقيقي عند سقراط هو علم
النفس ال علم الطبيعة ،وكان علم اإلنسان ينبثق من النفس اإلنسانية ،فإن المعرفة الحقيقية هي
معرفة النفس اإلنسانية؛ اعرف نفسك بنفسك معناها أن يبحث المرء بعقله ويغوص في أعماق
نفسه فيعلم أنها مستقر العلم والحقيقة ومنشأ األخالق :قمة العلم والحقيق.
إن معرفة النفس تؤدي إلى معرفة قواها وميولها ،وهذا هو موضوع علم النفس.
ومعرفة النفس تؤدي إلى معرفة جوهرها وأصلها ومصيرها ،وهذا هو موضوع علم ما وراء
الطبيعة .ومعرفة النفس تؤدي إلى معرفة قوانين التفكير الصحيح وترشد إلى الصواب ،هذا هو
موضوع المنطق.
ومعرفة النفس تؤدي إلى معرفة طرق سلوكها وفًقا لما توحي به طبيعتها الخاصة ،وهى
طبيعة الحق والخير والجمال ،كيف ال وهى مستقر الوجود العقلي ،أصل كل حق وخير وجمال!
وهذا هو موضوع علم األخالق.
لقد كانت شخصية سقراط أغنى من أن يقنع بمجرد إصالح باطن ،فال يطمح إلى نشر
متوحدا ،وإنما يطلب الحياة مع الناس وللناس ،هؤالء
ً حكمته فيما حوله؛ فهو ال يريد أن يحيا
الناس الذين يصبوا إلى أن يعلمهم أثمن ما تعلمه :السيطرة على النفس ،وليست النفس عند
سقراط هى مجرد "مبدأ الحياة" ،بل هى أهم من ذلك ،هى "الذات األخالقية".
دفعا نحو اآلخرين ،كان سقراط يستشعرها رسال ًة إلهي ًة،
هذه القوة الداخلية التي تدفع به ً
(الديمونيون) وما كان ذلك العصر يعدم رجاالً ،من أمثال "يوثيفرون" الذي تكلم عنه أفالطون،
يداخلهم األيمان بأنهم على صلة خاصة باآللهة .ويبدو أن سقراط بوجه خاص استشعر في نفسه
الحضور اإللهي من خالل ذلك الصوت اإللهي الشهير (الديمونيون) ،أو باألحرى ذلك الصوت
الداخلي الذي كان يكشف له ،في الحاالت التي تقف فيها الحكمة البشرية عاجزة عن التنبؤ
بالمستقبل أو توقعه ،عن األفعال التي ال يجوز له أن يأتيها.
ويخلص سقراط في معرض مقارنة النفس والجسد إلى القول" :إن النفس هي أشبه ما يكون
بما هو إلهي وخالد وعقلي ومتجانس وغير قابل لالنحالل ومتناغم وغير متحول قط ،بينما الجسد
هو أشبه بما يكون بما هو بشري وفان ومتعدد األشكال وغير معقول ومنحل وغير متناغم قط".
" وهكذا فهذه النفس ،وهى الغير مرئية ،التي تذهب إلى ذلك العالم اآلخر المشابه لها ،النبيل
الطاهر النقي غير المرئي ،إلى العالم الذي ال تبلغه األنظار حقيقة ،إلى جوار إله طيب وحكيم،
أيضا بعد قليل ،إن شاء اإلله (هكذا يخاطب سقراط محدثيه كيبيس
إلى حيث ستذهب نفس أنا ً
وسيمياس متسائالً مستنك اًر) ،هذه النفس التي لنا إذن والتي هى هكذا وعلى هذه الطبيعة ،هل
هي التي ستتبعثر في الهواء؟! ،وتفنى فور مغادرتها الجسد؟! كما تقول الغالبية من الناس؟ ما
أبعد هذا ! ،يا صديقي كيبيس وأنت يا سيمياس".