You are on page 1of 59

‫ملخص‬

‫مادة الحسبة‬
‫كلية الدعوة واالحتساب‬
‫المستوى الخامس‬
‫الدكتور ‪ :‬خالد بن راشد العبدان‬
‫إعداد ‪ /‬الباحثة‬

‫تم تفريغ المادة الصوتية بواسطة ‪ :‬مكتبة نبراس‬


‫ىاتف ‪)) 014828957(( :‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫اضر ِ‬ ‫ِ‬
‫ات﴾‬ ‫﴿ف ْه ِر ُ‬
‫س ال ُْم َح َ َ‬

‫الصفحة‬ ‫عنوان المحاضرة‬ ‫م‬

‫‪1‬‬ ‫أركان الحسبة‬ ‫‪1‬‬


‫‪3‬‬ ‫األدلة المختلف فيها في والي الحسبة‬ ‫‪1‬‬
‫‪6‬‬ ‫آداب المحتسب‬ ‫‪4‬‬
‫‪9‬‬ ‫المحتسب عليو‬ ‫‪3‬‬
‫‪11‬‬ ‫االحتساب على الوالدين‬ ‫‪5‬‬
‫‪15‬‬ ‫أدلة االحتساب على الوالدين‬ ‫‪6‬‬
‫‪18‬‬ ‫منزلة االحتساب على الوالدين‬ ‫‪7‬‬
‫‪11‬‬ ‫االحتساب على الوالدين بالتعنيف‬ ‫‪8‬‬
‫‪14‬‬ ‫تغيير المنكر المتعلق بالوالدين باليد‬ ‫‪9‬‬
‫‪16‬‬ ‫المحتسب فيو‬ ‫‪11‬‬
‫‪18‬‬ ‫شروط المنكر الموجب للحسبة‬ ‫‪11‬‬
‫‪41‬‬ ‫كتاب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ألبي حامد الغزالي‬ ‫‪11‬‬
‫‪45‬‬ ‫حكم الحسبة في حالة الظن‬ ‫‪14‬‬
‫‪49‬‬ ‫آداب المحتسب‬ ‫‪13‬‬
‫‪31‬‬ ‫كتاب نهاية الرتبة في طلب الحسبة للشيزري‬ ‫‪15‬‬
‫‪33‬‬ ‫تابع كتاب نهاية الرتبة في طلب الحسبة للشيزري‬ ‫‪16‬‬
‫‪37‬‬ ‫تابع كتاب نهاية الرتبة في طلب الحسبة للشيزري‬ ‫‪17‬‬
‫‪51‬‬ ‫كتاب تنبيو الغافلين عن أعمال الجاىلين لإلمام محيي الدين‬ ‫‪18‬‬
‫‪54‬‬ ‫تابع كتاب تنبيو الغافلين عن أعمال الجاىلين لإلمام محيي الدين‬ ‫‪19‬‬
‫‪56‬‬ ‫تابع كتاب تنبيو الغافلين عن أعمال الجاىلين لإلمام محيي الدين‬ ‫‪11‬‬

‫‪1‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫المحاضرة األولى‬
‫أركاف اغبسبة ‪ -1 :‬ا﵀تسب‪ -2 ،‬وا﵀تسب عليو‪ -3 ،‬وا﵀تسب فيو‪ -4 ،‬واالحتساب ذاتو‪.‬‬
‫الركن األوؿ‪ :‬وىو ا﵀تسب فبل ىبفى على اعبميع أف تعريف ا﵀تسب‬
‫لغة ىو‪" :‬طالب األجر" أو "اؼبنكر" بكسر الكاؼ‪.،‬‬
‫أمرا باؼبعروؼ وهنيًا عن اؼبنكر‬
‫أما ُب االصطبلح ‪ " :‬موظف ـبتص من قبل الدولة يقوـ دبراقبة أفعاؿ األفراد وتصرفاهتم؛ لصبغها بالصبغة اإلسبلمية ً‬
‫وفقاً ألحكاـ الشرع وقواعده "‬
‫أيضا ا﵀تسب الوايل‪ ،‬ويتبُت ذلك ُب عدة أمور‪:‬‬
‫وىناؾ فرؽ بُت ا﵀تسب الرظبي وا﵀تسب اؼبتطوع ويسمى ا﵀تسب الرظبي ً‬
‫األوؿ‪ :‬أف االحتساب فرض متعُت على الوايل؛ ألنو موىل بذلك من قبل اإلماـ‪ ،‬أما اؼبتطوع فاألمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر ُب حقو واجب‬
‫كفائي إذا قاـ بو من يكفي سقط عنو‪ ،‬وإف مل يوجد آمر تعُت عليو‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬من الفروؽ بُت ا﵀تسب الرظبي وا﵀تسب اؼبتطوع‪ :‬أف ىذه اؼبهمة بالنسبة للمحتسب الوايل هبب أف تكوف شغلو الشاغل‪ ،‬فبل هبوز لو أف‬
‫يشتغل عنها بأموره اػباصة ويضعها ُب الدرجة الثانية‪ ،‬بل عليو أف هبعلها البادئة على كل األمور اػباصة والعامة‪ ،‬بينما هبوز للمتطوع أف يشتغل عنها‬
‫بأموره وحاجاتو ومصاغبو؛ ألف ىذا األمر ُب حقو واجب كفائي‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬من أعظم أعماؿ وايل اغبسبة أنو منصوب من قبل اغباكم لبلستعداء إليو؛ يعٍت طلب اإلنكار منو فيما هبب إنكاره من اؼبنكرات الظاىرة‪،‬‬
‫أما اؼبتطوع فليس من شأنو ذلك‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أف وايل اغبسبة إذا بلغتو الشكوى أو االستعداء وجب عليو أف هبيب من استعداه لرفع الظلم‪ ،‬أو دفع وقوعو‪ ،‬خببلؼ اؼبتطوع فليس ذلك‬
‫واجبًا عليو‪.‬‬
‫اػبامس‪ :‬أف وايل اغبسبة لو أف يبحث ويفحص عن اؼبنكرات الظاىرة؛ ليصل إىل إنكارىا‪ ،‬وما يًتؾ من معروؼ ليأمر بإقامتو‪ ،‬وليس على اؼبتطوع‬
‫حبث أو رب ٍر‪ ،‬بل يشرع ُب حقو االحتساب فيما يراه بطريق الصدفة‪.‬‬
‫السادس ‪ :‬أف لوايل اغبسبة أف يتخذ األعواف والنواب يساعدونو فيما يعز عليو القياـ بو دبفرده؛ ألنو بازباذىم أقوى وأقدر وأقبح‪ ،‬وليس ؼبتطوع أف‬
‫يندب لذلك أعوانًا‪.‬‬
‫وصوال إىل ربقيق مهمتو أف يعزر دبا يرى من لوـ أو تعنيف أو حبس أو ضرب من يقًتؼ منكراً ظاىراً‪ ،‬وذلك حبسب ما‬
‫السابع‪ :‬هبوز لوايل اغبسبة ً‬
‫ىبوؿ لو من الصبلحيات من قبل ويل األمر ُب حُت أف اؼبتطوع ليس لو ذلك‪.‬‬
‫الثامن ‪ :‬هبوز أف يقدر لوايل اغبسبة رزؽ من بيت اؼباؿ على حسبتو ولتفرغو ؽبذه اؼبهمة وإعطاءىا جل أوقاتو‪ ،‬أما اؼبتطوع فبل هبوز لو أف يرتزؽ على‬
‫احتسابو‪.‬‬
‫التاسع ‪ :‬من حق وايل اغبسبة أف هبتهد رأيو فيما يتعلق دبا يقضي بو العرؼ‪ ،‬وتوجيو التقاليد اؼبألوفة واؼبعتربة ُب نظر الشرع‪ ،‬كاؼبقاعد ُب األسواؽ‬
‫والطرقات وكبو ذلك فبا تقضي مراعاتو إىل عدـ اإلضرار باؼبارة وأرباب اؼبصاحل‪ ،‬فيقر أو ينكر ما أداه إليو اجتهاده وليس ىذا للمتطوع‪ .‬شروط‬
‫ا﵀تسب‪ ،‬وىي ضرباف أي نوعاف‪:‬‬
‫نوع من الشروط متفق عليها ‪ ،‬ونوع من الشروط ـبتلف فيها‪.‬‬
‫فأما اؼبتفق عليها فمنها‪:‬اإلسبلـ‪ ،‬والتكليف‪ ،‬واغبرية‪ ،‬والذكورية‪ ،‬والعلم بأحكاـ الشرع‪ ،‬والعلم باؼبنكرات الظاىرة‪ ،‬والقوة والصرامة ُب الدين‪.‬‬
‫الشرط األوؿ‪ :‬وىو اإلسبلـ فبل ىبفى عليكم أنو ال هبوز أف يتوىل اغبسبة كافر؛ ألف ىذه الوالية نصرة للدين والكافر ليس من أىلها ألنو عدو للدين‬
‫ُت َسبِ ًيبل ﴾ ‪.‬‬‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وجاحد ألصلو‪ ،‬وألهنا ضرب من الوالية وال والية لكافر على مسلم‪ ،‬فقد قاؿ ا﵁ تعاىل ‪َ ﴿ :‬ولَن َْهب َع َل اللَّػوُ ل ْل َكاف ِر َ‬
‫ين َعلَى الْ ُم ْؤمن َ‬

‫‪2‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫الشرط الثاين‪ :‬الذكورية‪ ،‬فبل هبوز أف تلي اؼبرأة حسبة بلد‪ ،‬ألهنا والية من الواليات‪ ،‬واؼبرأة ال تتوىل شيئاً منها لقوؿ الرسوؿ ‪ ( ‬لن يفلح قوـ ولوا‬
‫أمرىم امرأة ) وألف اؼبرأة ال يتأتى منها أف تربز إىل آّالس‪ ،‬وال أف زبالط الرجاؿ‪ ،‬وال تفاوضهم مفاوضة النظَت للنظَت‪ ،‬كما ال يتصور منها الغلظة‬
‫واؽبيبة والقوة اليت ىي من أبرز ظبات ا﵀تسبُت‪.‬‬
‫وقد ذكر الكتاين أف عمر بن اػبطاب ‪ ‬وىل الشفاء األنصارية حسبة أحد األسواؽ‪ ،‬ولكن ىذه القصة كذّٔا ابن العريب ُب تفسَته فقاؿ‪ " :‬وقد‬
‫روي عن عمر ‪ ‬أنو قدـ امرأة على حسبة السوؽ ولن يصح وال يلتفت إليو فهو من دسائس اؼببتدعة ُب األحاديث "‪.‬‬
‫وابن حزـ – رضبو ا﵁ – حينما ذكرىا ُب ا﵀لى مل يسندىا على خبلؼ صنيعو‪ ،‬وىذا يدؿ على عدـ صحتها‪ ،‬ومن الناحية اؼبوضوعية فهي غَت‬
‫سليمة ؼبخالفة اغبديث ( لن يفلح قوـ ولوا أمرىم امرأة ) وألف عمر – ‪ – ‬عرؼ بشدة غَتتو وىو صاحب فكرة اغبجاب ُب اإلسبلـ فيبعد أف‬
‫الشرط‬ ‫يفعل ذلك وقد ألزـ النساء بأف يسَتوا على جوانب الطريق فكيف يويل امرأة والية تدعوىا إىل االختبلط مع الرجاؿ ومزاضبتهم؟‬
‫الثالث‪:‬التكليف إذ أف غَت اؼبكلف ال يتوجو إليو أمر وال هني وال وبسن تصريف نفسو فكيف يوىل تصريف أمور اؼبسلمُت ُب أسواقهم ومبيعاهتم‬
‫وأعماؽبم؟‬
‫الشرط الرابع‪ :‬أف يكوف عاؼبا بأحكاـ الشرع فيما يأمر بو وفيما ينهى عنو؛ ألف اؼبقياس ُب اغبسن والقبح ىو ما ورد عن الشارع وال مدخل للعقوؿ‬
‫ً‬
‫ُب ذلك إال بنور من كتاب ا﵁ وسنة نبيو ‪ ، ‬واعباىل بأحكاـ اإلسبلـ هبره جهلو إىل ربسُت الشيء وىو قبيح ُب نظر الشرع‪ ،‬وتقبيح الشيء وىو‬
‫حسن ُب نظر الشرع وىذا خطأ عظيم ومصيبة كبَتة‪ .‬إذا وقعت من الدنباء والسوقة فإذا وقعت من شخص نصبو اغباكم إلقامة شرع ا﵁ وضبل‬
‫خطرا وأكرب مصيبةً بل كاف أمراً يُنبئ عن غربة الدين‪.‬‬
‫الناس عليو كاف ذلك أعظم ً‬
‫حرا؛ ألف العبد وقتو لسيده يستهلكو ُب خدمتو‪ ،‬وتربية مالو‪ ،‬وقضاء حوائجو‪ ،‬فبل يبقى بعد ذلك وقت يكفي للنظر ُب‬
‫الشرط اػبامس‪ :‬أف يكوف ً‬
‫أىبل لتوليتو ىذا اؼبنصب اػبطَت؛ لنقصو بالرؽ حيث يغض من‬
‫أمر ىذه الوالية ‪،‬السيما وىي ربتاج إىل جهد كبَت وتفرغ كامل‪ٍ ،‬ب إف العبد ليس ً‬
‫شأنو عند عامة الناس فبل يهابونو كما يهابوف اغبر‪ ،‬مع ما وبتمل من تسلط سيده عليو ومنعو من مزاولة عملو كما ينبغي‪ ،‬أو ضبلو على التساىل ُب‬
‫حقوؽ البعض‪ ،‬والشدة ُب حقوؽ اآلخرين‪ ،‬لغرض شخصي أو عداوة قائمة‪ ،‬وكما ال هبوز أف يتوىل الرقيق القضاء فبل هبوز أف يتوىل اغبسبة ‪،‬ألف‬
‫الشرط السادس‪ :‬أف‬ ‫شبها بو‪..‬‬
‫نوعا منو وؽبا ً‬
‫فيها ً‬
‫يكوف ذا رأي وصرامة وقوة ُب الدين‪ ،‬وذلك ألف اغبسبة تقوـ على الغلظة والشدة مع سرعة الفصل‪ ،‬وال يقوـ بذلك إال من كاف ذا رأي صائب‬
‫وعقل راجح وحزـ سديد‪ ،‬وسبسك شديد بتعاليم الشريعة‪ ،‬وتطبيق تاـ ألوامر ا﵁ ونواىيو ال يفرؽ بُت صغَت وكبَت‪ ،‬وقريب وبعيد‪ ،‬وأمَت وحقَت‪ ،‬وغٍت‬
‫وفقَت‪ ،‬وأسود وأضبر وإمبا هبري أحكاـ ا﵁ على الكل وال فرؽ‪ ،‬وإال تطاوؿ العصاة‪ ،‬وظهر الفساد‪ ،‬واستفحل اػبطر‪ ،‬وصعب األمر وذلك ألف‬
‫النفوس اؼبريضة ال ترعوي إال ربت قوارع العقوبة وسياط العذاب‪ ،‬و ا﵁ ليزع بالسلطاف ما ال يزع بالقرآف‪.‬‬
‫فكثَتا ما‬
‫الشرط السابع ‪ :‬أف يكوف عاؼبًا باؼبنكرات الظاىرة‪ ،‬ذا معرفة بأساليب الفسقة وطرؽ فسقهم‪ ،‬وحبيل الغشاشُت واؼبدلسُت وضروب مكرىم‪ً ،‬‬
‫كثَتا ما يقع الناس فريسة ألرباب الغش واػبداع‪ ،‬فيأكلوف أمواؽبم بالباطل بصورة‬
‫يعمد اؼبفسدوف إىل تغيَت أظباء األشياء مع بقاء اغبقيقة واؼباىية‪ ،‬و ً‬
‫تبعا لتغَت شكلو أو اظبو أو ألنو مل يره من قبل بينما ىو من‬
‫حبلال طيبًا ً‬
‫زبفى على غالب الناس‪ ،‬وأعظم من ذلك قد يرى اإلنساف الشيء فيحسبو ً‬
‫ساذجا فإف ذلك فبا يفسح آّاؿ للمفسدين ُب‬
‫جاىبل أو ً‬
‫اػببائث‪ ،‬فإذا كاف الوايل عارفًا بذلك ُسهل عليو تعقب آّرمُت ومعاقبتهم‪ ،‬أما إذا كاف ً‬
‫األرض أف يعلنوا فسادىم وعلى مرأى من ا﵀تسب ومسمع منو ‪.‬‬
‫الشرط الثاين ‪ :‬االجتهاد‬ ‫وىناؾ شرطاف ـبتلف فيهما ‪:‬الشرط األوؿ ‪ :‬العدالة‬
‫الشرط األوؿ ‪ :‬العدالة ‪.‬و كاف لبعض العلماء فيها قوالف‪:‬‬
‫عدال‪.‬‬
‫القوؿ األوؿ‪ :‬وفبن قاؿ بو اؼباوردي الشافعي‪ ،‬وأبو يعلى الفراء من اغبنابلة يشًتط ُب وايل اغبسبة أف يكوف ً‬
‫عدال بل يرى جواز إسناد اغبسبة إىل الفاسق‪.‬‬
‫والقوؿ الثاين‪ :‬قاؿ الغزايل والقرطيب وغَتنبا أنو ال يشًتط ُب وايل اغبسبة أف يكوف ً‬
‫‪3‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫لكل قوؿ دليل ولكل فريق أدلتو‪.‬‬


‫عدال فإهنم يستدلوف بأدلة‪:‬‬
‫أما أصحاب القوؿ األوؿ الذين يشًتطوف ُب وايل اغبسبة أف يكوف ً‬
‫نس ْو َف أَن ُف َس ُك ْم َوأَنتُ ْم تَػْتػلُو َف الْ ِكتَاب أَفَ َبل تَػ ْع ِقلُو َف ﴾‬ ‫الدليل األوؿ‪ :‬قولو تعاىل ـباطبا بٍت إسرائيل‪ ﴿:‬أَتَأْمرو َف الن ِ ِ‬
‫َّاس بالْ ّْرب َوتَ َ‬
‫َ‬ ‫ُُ‬ ‫ً‬
‫ند اللَّ ِػو أَف تَػ ُقولُوا َما َال تَػ ْف َعلُو َف ﴾‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َآمنُوا ملَ تَػ ُقولُو َف َما َال تَػ ْف َعلُو َف ‪َ ‬كبُػَر َم ْقتًا ِع َ‬
‫والدليل الثاين‪:‬قولو تعاىل﴿ يَا أَيػُّ َها الذ َ‬
‫والدليل الثالث ما روي عن رسوؿ ا﵁ ‪ ‬أنو قاؿ ( مررت ليلة أسري يب بقوـ تقرض شفاىهم دبقاريض من نار‪ ،‬فقلت‪ :‬من أنتم؟ قالوا‪ :‬كنا نأمر‬
‫باػبَت وال نأتيو‪ ،‬وننهي عن الشر ونأتيو )‬
‫مصلحا لغَته‪ ،‬ألف فاقد الشيء‬
‫ً‬ ‫الدليل الرابع وىو أف ىداية الغَت فرع عن االىتداء وتقوًن الغَت فرع لبلستقامة ومن ليس بصاحل ُب نفسو كيف يكوف‬
‫ال يعطيو‪ ،‬ومىت يستقيم الظل والعود أعوج‪.‬‬
‫المحاضرة الثانية‬
‫واحتج الفريق الثاين القائل بعدـ اشًتاط العدالة ُب وايل اغبسبة بعدد من الدالئل‪:‬‬
‫األوؿ‪ :‬عموـ اآليات واألحاديث الواردة ُب األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر فإهنا تتناوؿ العدؿ والفاسق ومل يرد ما ىبصهما بالعدؿ‪.‬‬
‫معصوما‬
‫ً‬ ‫الثاين‪ :‬إصباع اؼبسلمُت من السلف واػبلف على جواز اغبسبة من كل مسلم مع عدـ اشًتاط العصمة والقائل بأف ا﵀تسب هبب أف يكوف‬
‫عن اؼبعاصي كلها خارؽ لئلصباع‪.‬‬
‫فضبل عن من سواىم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬كاف الصحابة رضواف ا﵁ عليهم وبتسبوف على أصحاب اؼبنكرات ومنهم من أقيم واليًا للحسبة وىم غَت معصومُت ً‬
‫الرابع‪ :‬اشًتاط العدالة ُب ا﵀تسب يؤدي إىل قفل باب االحتساب؛ ألف العصمة ليست إال لؤلنبياء واؼبرسلُت وؽبذا قاؿ سعيد بن زبَت رضبو ا﵁ ‪ " :‬إف‬
‫مل يأمر باؼبعروؼ ومل ينهى عن اؼبنكر إال من ال يكوف فيو شيء مل يأمر أحد بشيء" وقد بلغ ذلك مال ًكا فأعجبو‪.‬‬
‫أصحاب القوؿ الثاين أجابوا على أدلة الفريق األوؿ(االدلة األربعة) فقالوا‪:‬‬
‫نس ْو َف أَن ُف َس ُك ْم ﴾ ىو إنكار منو تعاىل عليهم من حيث إهنم تركوا اؼبعروؼ الذي يأمروف بو وليس‬ ‫‪ -‬أما قوؿ ا﵁ تعاىل‪ ﴿ :‬أَتَأْمرو َف الن ِ ِ‬
‫َّاس بالْ ّْرب َوتَ َ‬
‫َ‬ ‫ُُ‬
‫على أمرىم بو فأمرىم باؼبعروؼ دؿ على أهنم عارفوف بو فلما أمروا غَتىم عن علم وفهم ٍب خالفوىم إىل ما هنوىم عنو استحقوا ىذا الذـ و العقاب‬
‫الشديد؛ألف عقاب العامل أشد‪.‬ؤّذا يتضح اعبواب عن الدليل األوؿ ألصحاب القوؿ األوؿ الذين يشًتطوف العدالة ُب وايل اغبسبة‪.‬‬
‫ند اللَّ ِػو أَف تَػ ُقولُوا َما َال تَػ ْف َعلُو َف ﴾ فهو مقصود بو الوعد الكاذب‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َآمنُوا ملَ تَػ ُقولُو َف َما َال تَػ ْف َعلُو َف ‪َ ‬كبُػَر َم ْقتًا عِ َ‬
‫‪ -‬أما قولو تعاىل ‪ ﴿ :‬يَا أَيػُّ َها الذ َ‬
‫وذلك أف يعد الرجل أخاه شيئًا ال يفي بو وليس اؼبراد بو أمر الغَت بالشيء مع عدـ فعلو‪.‬‬
‫‪ -‬أما اغبديث الشريف ( مررت ليلة أسري يب بقوـ تقرض شفاىهم ‪ ،)....‬فالعذاب الوارد فيو إمبا ىو على خصوص تركهم ما يأمروف بو‪ ،‬أو فعل ما‬
‫ينهوف عنو ال على األمر باؼبعروؼ‪.‬‬
‫فرعا عن االىتداء اىل آخره ‪..‬فامبا ىو ُب حق اؼبتطوعُت باألمر اؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر‪ ،‬ألف وعظ الفاسق عدًن اعبدوى‬
‫‪ -‬أما كوف ىداية الغَت ً‬
‫عند من يعرؼ فسقو‪ ،‬فالفسق يؤثر ُب إسقاط فائدة كبلمو‪ٍ ،‬ب إذا سقطت فائدة كبلمو سقطت مشروعية األمر باؼبعروؼ ُب حقو‪ ،‬وأما اغبسبة‬
‫ومعتمدة على ىيئة السلطاف وصرامة اغبكم فغَت مرادة ىنا‪.‬‬
‫بالقهر وىي ما كانت بوالية من اغباكم ُ‬
‫والذي يظهر أف وايل اغبسبة ال تشًتط فيو العدالة وىو قوؿ اغبذاؽ من أىل العلم وصبهور الفقهاء وا﵀ققُت منهم‪ ،‬ألننا لو اعتربناىا شرطًا لندر من‬
‫يصلح ؽبذه الوالية وخاصة ُب ىذه األزمنة حيث يعز من تتوافر فيهم ىذه الصفات اؼبطلوبة ؽبذا اؼبنصب مع اتصافهم بالعدالة؛ فإف وجد الصاغبوف‬
‫كاف ُب أكثرىم العجز أو القصور ُب العلم أو ذوباف الشخصية؛ ألف اجتماع القوة واألمانة ُب الناس قليل وؽبذا كاف عمر بن اػبطاب – ‪– ‬‬
‫يقوؿ ‪ " :‬اللهم إين أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة "‬

‫‪4‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫بينما يوجد من ذبتمع فيهم الصفات اؼبطلوبة مع اقًتافهم بعض الصغائر‪ ،‬فهؤالء وال شك أوىل بذلك لتحقيق اؼبصلحة اؼبرجوة من وراء ىذه الوالية‪،‬‬
‫وردبا يكوف اغباكم ُب البلدة أو وايل الشرطة قد أسندت إليو اغبسبة إضافة إىل عملو‪ ،‬فهل كبكم بأنو ال هبوز ذلك وبعدـ أىليتو للحسبة ولبلي البلد‬
‫من األمر القهري باؼبعروؼ والنهي اغباسم عن اؼبنكر‪.‬‬
‫وشهد أبو أضبد عن الرجلُت يكوناف أمَتين ُب الغزو‪ ،‬أحدنبا قوي فاجر واآلخر صاحل ضعيف مع أيهما يغزي؟ فقاؿ ‪ :‬أما الفاجر القوي فقوتو‬
‫للمسلمُت وفجوره على نفسو‪ ،‬وأما الصاحل الضعيف فصبلحو لنفسو وضعفو على اؼبسلمُت فيغزي مع القوي الفاجر "‪.‬‬
‫أحدا مع‬
‫وال يعزب عن أذىاننا أف اغباكم ال بد لو أف يبحث عن األصلح فاألصلح فبن يرجى منهم القياـ ّٔذه الوالية على وجو اؼبطلوب‪ ،‬فبل يويل ً‬
‫وجود كفء أصلح منو لكونو قد طلب الوالية أو سبق بالطلب أو ألجل والء أو صداقة أو موافقة ُب بلد أو مذىب أو لطريقة أو عبنس أو منفعة‬
‫من اؼبنافع أو لضغن ُب قلبو على األحق أو لعداوة بينهما‪ ،‬فإف فعل ذلك فقد خاف ا﵁ ورسولو واؼبؤمنُت‪ .‬روى اإلماـ أضبد ُب إسناده عن يزيد بن أيب‬
‫سفياف قاؿ‪ (:‬قاؿ أيب بكر –‪ ‬حُت بعث يب إىل الشاـ ‪ :‬يا يزيد إف لك قرابة عسيت أف تؤثرىم باإلمارة‪ ،‬وذلك أكرب ما أخاؼ عليك‪ ،‬فإف رسوؿ‬
‫عدال حىت يدخلو جهنم‪ .‬ومن أعطى‬
‫أحدا ؿباباةً فعليو لعنة ا﵁‪ ،‬ال يقبل ا﵁ منو صرفًا وال ً‬
‫ا﵁ ‪ ‬قاؿ ‪ :‬من ويل من أمر اؼبسلمُت شيئًا فأمر عليهم ً‬
‫أحدا ضبى ا﵁ فقد انتهك ُب ضبى ا﵁ شيئًا بغَت حقو فعليو لعنة ا﵁‪ ،‬أو قاؿ‪ :‬تربأت منو ذمة ا﵁ )‪.‬‬
‫ً‬
‫رجبل ؼبودة أو قرابةً بينهما فقد خاف ا﵁ ورسولو واؼبسلمُت )‬
‫وروي عن عمر بن اػبطاب – ‪ – ‬أنو قاؿ ‪ ( :‬من ويل من أمر اؼبسلمُت شيئًا فوىل ً‬
‫وإذا وصل األمر النعداـ من يصلح للوالية فعلى اغباكم أف ىبتار األمثل فاألمثل وإذا فعل ذلك بعد االجتهاد والتحري فقد برأت ذمتو إذ إنو ال يبكن‬

‫ف اللَّػوُ نػَ ْف ًسا إَِّال ُو ْس َع َها ﴾ ويقوؿ ﴿فَاتػَّ ُقوا اللَّػوَ َما ْ‬
‫استَطَ ْعتُ ْم ﴾ ‪.‬‬ ‫إال ذلك وا﵁ تعاىل يقوؿ ‪َ ﴿ :‬ال يُ َكلّْ ُ‬
‫الشرط الثاين ‪ :‬ىو االجتهاد‬
‫ؾبتهدا ُب أحكاـ الشريعة ليجتهد رأيو فيما يعن لو فبا ىو ـبتلف فيو‪ ،‬وهبوز لو على ىذا أف وبمل الناس‬
‫حيث ذكروا أنو هبب أف يكوف وايل اغبسبة ً‬
‫على رأيو واجتهاده فيما اختلف فيو الفقهاء من اؼبنكرات وذىب آخروف إىل أنو ال يُشًتط ذلك بل يكفي فيو أف يكوف عارفًا باؼبنكرات وما شرع‬
‫فيها من أحكاـ مع إؼبامو دبا تعارؼ عليو الناس ُب شئوهنم وأحواؽبم وقيمة ىذه األعراؼ ُب نظر الشرع‪ ،‬وعلى ىذا فليس لو أف وبمل الناس على‬
‫رأيو واجتهاده فيما اختلف فيو‪ ،‬وىذا ىو الظاىر؛ ألف االجتهاد حق فبا كاف أىل لو من الكافة‪ ،‬وضبلهم على مذىب معُت فيو حرماف ؽبم من ىذا‬
‫آداب‬ ‫اغبق‪.‬‬
‫ا﵀تسب‪:‬‬
‫مثبل أعلى وقدوة حسنة للناس ؼبا يتمتع بو من‬
‫فبجانب الشروط اؼباضية يستحب لوايل اغبسبة أف يتأدب باآلداب العالية واألخبلؽ الرفيعة وأف يكوف ً‬
‫مركز عظيم وما أسند إليو من أعماؿ شريفة‪ ،‬ولتكوف دعوتو مقبولة مثمرة مؤدية الغرض اؼبقصود منها ومن ىذه اآلداب ‪:‬‬
‫األوؿ‪ :‬أف يقصد بعملو وجو ا﵁ ‪ ‬وابتغاء مرضاتو وىذا ىو اإلخبلص فبل يبايل ُب سبيل إقامة اؼبعروؼ وإزالة اؼبنكر بغض الناس وسخطهم عليو‬
‫أو رضاىم عنو وإعجأّم بو فإف ا﵁ تعاىل ال يقبل من األعماؿ إال ما أريد بو وجهو وحده كما ُب الصحيح عن النيب (‪ )‬قاؿ ‪ ( :‬قاؿ ا﵁ تبارؾ‬
‫عمبل أشرؾ فيو معي غَتي تركتو وشركو ) ويقوؿ الرسوؿ (‪ ( : )‬من أرضى الناس بسخط ا﵁ وكلو‬
‫وتعاىل ‪ :‬أنا أغٌت الشركاء عن الشرؾ‪ ،‬من عمل ً‬
‫ا﵁ إىل الناس‪ ،‬ومن أسخط الناس برضا ا﵁ كفاه ا﵁ مؤنة الناس )‪.‬كما هبب أف يقطع طمعو من الناس و رغبتو فيما عندىم من ماؿ أو جاه ليكوف‬
‫معتدال فيميز األشياء على حقيقتها بدوف أي اعتبار آخر وبذلك يرتفع عن مداىنة العصاة وفباألهتم ؼبا يرجوه من معروفهم أو ؼبا قد‬
‫ؾبردا ً‬
‫نظره ً‬
‫أسد وه إليو من نعمة ومن طمع أف تكوف قلوب الناس راضية عليو وألسنتهم بالثناء عليو مطلقة مل تتيسر لو اغبسبة‪ ،‬ومن مل يقطع الطمع من اػبلق مل‬
‫يقدر على اغبسبة‪ .‬قاؿ كعب األحبار أليب مسلم اػبوالين ‪ " :‬كيف منزلتك بُت قومك؟ قاؿ حسنة‪ ،‬قاؿ ‪ :‬إف التوراة تقوؿ إف الرجل إذا أمر‬
‫باؼبعروؼ وهنى عن اؼبنكر ساءت منزلتو عند قومو‪ ،‬قاؿ أبو مسلم ‪ :‬صدقت التوراة وكذب أبو مسلم" ومثل ذلك أف يرتفع بنفسو عن اػبصومات‬
‫الشخصية اليت تقع بينو وبُت الناس فبل يستغل مركزه وسلطتو ُب النيل من خصومو ومعارضيو ُب أموره اػباصة فإف ذلك سوء ُب النية وخبث ُب الطبع‬

‫‪5‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫وينبئ عن ضعف اإليباف؛ حيث جعل األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر مطية لو وبقق بواسطتها أغراضو والرسوؿ (‪ )‬يقوؿ ( إمبا األعماؿ بالنيات‬
‫وإمبا لكل امرئ ما نوى‪ ،‬فمن كانت ىجرتو ﵁ ورسولو فهجرتو ﵁ ورسولو‪ ،‬ومن كانت ىجرتو لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرتو إىل ما ىاجر إليو‬
‫)‬
‫عامبل دبا يأمر بو الناس منتهيًا عن ما ينهاىم عنو‪ ،‬فقد ذـ ا﵁ اليهود حُت أمروا الناس بالرب واػبَت مع عدـ فعلهم لو حيث‬ ‫األدب الثاين‪ :‬أف يكوف ً‬
‫نس ْو َف أَن ُف َس ُك ْم َوأَنتُ ْم تَػْتػلُو َف الْكِتَاب أَفَ َبل تَػ ْع ِقلُو َف ﴾ قاؿ أىل التأويل اؼبخاطب ُب ىذه اآلية ىم علماء اليهود‪ ،‬قاؿ‬ ‫قاؿ ‪ ﴿ :‬أَتَأْمرو َف الن ِ ِ‬
‫َّاس بالْ ّْرب َوتَ َ‬
‫َ‬ ‫ُُ‬
‫ابن عباس ‪-‬رضي ا﵁ عنهما‪ " : -‬كاف يهود اؼبدينة يقوؿ الرجل منهم لصهره ولذي قرابتو وؼبن بينو وبينهم رضاع من اؼبسلمُت أثبت على الذي أنت‬
‫ؿبمدا (‪ " )‬فإف أمره حق" فكانوا يأمروف الناس بذلك وال يفعلونو‪ .‬وعن ابن عباس – رضي ا﵁ عنهما –‬
‫عليو وما يأمرؾ بو ىذا الرجل يريد بذلك ً‬
‫كاف األحبار يأمروف مقلديهم وأتباعهم باتباع التوراة وكانوا ىبالفوهنا ُب جحدىم صفة ؿبمد (‪ ،)‬وقاؿ ابن جرج‪" :‬كاف األحبار وبثوف على‬
‫ـبربا عن شعيب – عليو السبلـ ‪-‬حُت دعا قومو إىل عبادة ا﵁ وهناىم عن خبس اؼبكاييل واؼبوازين‬ ‫الصدقة ويبخلوف " واؼبعٌت متقارب‪ .‬وقاؿ ا﵁ تعاىل ً‬
‫يد إَِّال ِْ‬ ‫اؿ يا قَػوِـ أَرأَيػتم إِف ُكنت علَى بػيّْػن ٍة ّْمن َّرّْيب ورزقٍَِت ِمْنو ِرزقًا حسنا وما أُ ِريد أَ ْف أ ِ‬
‫استَطَ ْعت‬
‫ص َبل َح َما ْ‬
‫اإل ْ‬ ‫ُخال َف ُك ْم إِ َ ٰىل َما أَنْػ َها ُك ْم َعْنو إِ ْف أُ ِر ُ‬
‫َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َََ‬ ‫ُ َ ٰ ََ‬ ‫﴿ قَ َ َ ْ َ ُْ ْ‬
‫يب ﴾وروى مسلم ُب صحيحو عن أسامة بن زيد – رضي ا﵁ عنهما – أنو قاؿ ظبعت رسوؿ ا﵁ (‪)‬‬ ‫وما تَػوفِ ِيقي إَِّال بِاللَّػو علَي ِو تَػوَّك ْل ِ ِ ِ‬
‫ت َوإلَْيو أُن ُ‬ ‫َْ َ ُ‬ ‫ََ ْ‬
‫يقوؿ ‪ (:‬يؤتى بالرجل يوـ القيامة فيلقى ُب النار فتندلق أقتاب بطنو (واالقتاب ىي األمعاء)؛ فيدور ّٔا كما يدور اغبمار بالرحى فيجتمع إليو أىل‬
‫النار فيقولوف يافبلف مالك أمل تكن تأمر باؼبعروؼ وتنهى عن اؼبنكر؟ فيقوؿ ‪ :‬بلى كنت آمر باؼبعروؼ وال آتيو وأهنى عن اؼبنكر وآتيو)‪.‬وإمبا كاف‬
‫ذلك ألنو كاؼبستهُت حبرمات ا﵁ تعاىل اؼبستخف بأحكامو‪ٍ ،‬ب إف أمره غَته دبا ال يأسبر بو وإنكاره ما ال يرتدع عنو مستقبح‪ ،‬وُب الغالب يكوف ذلك‬
‫ّٓانُت وإف ىم‬ ‫‪ :‬إف ً‬
‫قوما يأمروف بالذي ال يفعلوف‬ ‫سببًا ُب إغراء الناس بعدـ االمتثاؿ‪ ،‬بل إىل توجيو السخرية منو واللوـ لو واإلنكار عليو وُب ذلك يقوؿ القائل‬
‫وقاؿ أبو العبلء اؼبعري ‪:‬‬ ‫مل يكونوا يصػػرعوف‬

‫ىال لنفسـك كــان ذا التعليـم‬ ‫يا أيها الرجــل المعلم غيــره‬


‫كي يصـح بـو وأنــت سقيم‬ ‫تصف الدواء لالستقام والضنــا‬
‫أب ًدا وأنت مـن الرشـاد عديـم‬ ‫ونراك تلقـح بالرشـاد عقولنـا‬
‫عار عليك إذا فعلت عظي ــم‬ ‫ال تنــو عـن خلق وتأتي مثلـو‬
‫فإذا انتهت عنـو فأنـت حكيـم‬ ‫ابدأ بنفسـك فانـهها عن غيهـا‬
‫بالقول منـك وينفـع التعليــم‬ ‫فهناك يقبـل إن وعظت ويقتدى‬

‫كثَتا ما تكوف ؽبم‬


‫األدب الثالث أف يكوف بعيد النظر‪ ،‬عظيم الفطنة‪ ،‬حىت ال يكوف ألعوبة يلعب ّٔا العابثوف‪ ،‬ويتندر ّٔا اؼبتندروف‪ ،‬وذلك ألف الناس ً‬
‫غايات ومآرب فيلجئوف ُب ربقيقها إىل التقرب من وايل اغبسبة وصحبتو واعبلوس معو ومرافقتو وقد يساعدونو ُب بعض األمور لغرض فاسد وقصد‬
‫قبيح؛ كأف يدلوه على منكر قائم قد طردوا من االشًتاؾ فيو‪ ،‬فعمدوا إىل ذلك لبلنتقاـ فبن حرمهم؛ ألف من شأف النفوس أهنا ال ربب اختصاص‬
‫كثَتا ما عمل ىؤالء على تفريق كلمة ا﵀تسب وإيقاع اعبفوة بينو وبُت أعوانو‪ ،‬حىت‬
‫غَتىا بشيء ؽبا فيو رغبة ولكن تريد أف وبصل ؽبا نصيب منو‪ ،‬و ً‬
‫ينفضوا عنو فيضعف ويستكُت‪ ،‬وإذا مل يتنبو الوايل ؽبؤالء لطخوا ظبعتو‪ ،‬وجعلوا أصابع االهتاـ تشَت إليو بعدـ النزاىة والوقوع ُب الريبة‪ ،‬ألف اؼبرء من‬
‫فكل قػ ػرين باؼبقػػارف يقتدي‬ ‫‪:‬عن اؼبرء ال تسأؿ وسل عن قرينو‬ ‫جليسو ‪ .‬كما قاؿ الشاعر‬
‫المحاضرة الثالثة‬
‫األدب الرابع‪ :‬وىو أف يتخلق بالصرب على ما يصيبو من أذى؛ ألنو ال بد أف يبسو ُب عرضو أو ُب نفسو أو ُب مالو أو ولده؛ فليقابل ذلك بالصرب‬
‫واغبلم وطلب الثواب عند ا﵁ تعاىل‪ ،‬فذلك أقبح لدعوتو‪ ،‬وأعظم لفوزه ُب الدنيا واآلخرة‪ .‬وقد قص ا﵁ علينا ُب ؿبكم التنزيل وصية لقماف البنو وأمره‬
‫الص َبلةَ وأْمر بِالْمعر ِ‬
‫وؼ َوانْوَ َع ِن الْ ُمن َك ِر‬ ‫لو بإقامة األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر مع االتصاؼ بالصرب فقاؿ ا﵁ تعاىل حكاية عنو ‪ ﴿ :‬يَا بػُ ََّ ِ ِ‬
‫ٍت أَقم َّ َ ُ ْ َ ْ ُ‬
‫نسا َف لَِفي ُخ ْس ٍر‬ ‫ك ِم ْن َع ْزِـ ْاأل ُُموِر ﴾ وقرف ا﵁ التواصي باغبق بالتواصي بالصرب ُب قولو تعاىل‪َ ﴿ :‬والْ َع ْ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك إِ َّف َذل َ‬ ‫و ِْ‬
‫صر ‪ ‬إ َّف ْاإل َ‬ ‫َصابَ َ‬
‫اص ْرب َعلَى َما أ َ‬ ‫َ‬
‫اص ْوا بِ َّ‬
‫الص ِْرب ﴾ ‪.‬‬ ‫اص ْوا بِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪‬إَِّال الَّذين آمنُوا وع ِملُوا َّ ِ‬
‫اغبَ ّْق َوتَػ َو َ‬ ‫الصاغبَات َوتَػ َو َ‬ ‫َ َ ََ‬
‫‪6‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫وأوصى بعض السلف فقاؿ ‪ ( :‬إذا أراد أحدكم أف يأمر باؼبعروؼ فليوطن نفسو على الصرب‪ ،‬وليثق بالثواب من ا﵁ تعاىل؛ فمن وثق بالثواب من ا﵁‬
‫مل هبد مس األذى )‪.‬‬
‫األدب اػبامس‪ :‬أف يكوف صادؽ الكلمة‪ ،‬يعٍت ما يقوؿ‪ ،‬بأال يطلق الكلمات والتوعدات جزافًا‪ ،‬دوف نظر وتدبر‪ ،‬فإذا جاء التطبيق زبلف العمل عن‬
‫القوؿ؛ ألنو بذلك يسقط قدره عند الناس‪ ،‬ويهوف خطره على العصاة‪ ،‬ولو توعد أو هتدد مل يلتفتوا إليو ومل يسمعوا كلمتو‪ ،‬وُب ىذا سقوط ىيبتو‪،‬‬
‫وجرأة الناس عليو وعلى أعوانو‪ ،‬وتشجيع ؽبم على تعدي حدود ا﵁‪ ،‬وفتح ّٓاؿ الشفاعات ُب حق اؼبسرفُت وطلب العفو عنهم‪ ،‬وىو أمر ؿبرـ ولو‬
‫األدب‬ ‫عواقبو الوخيمة وأبعاده اػبطَتة‪.‬‬
‫السادس‪ :‬أف يكوف حسن اػبلق‪ ،‬فيتحلى بلُت اعبانب‪ ،‬وطبلقة الوجو‪ ،‬وطيب الكلمة؛ ألنو إذا كاف كذلك سهل عليو النفوذ إىل قلوب العامة‬
‫ليحملهم على امتثاؿ أمره‪ ،‬واجتناب هنيو‪ ،‬وقبوؿ دعوتو‪ ،‬وقد ضرب الرسوؿ (‪ )‬أعظم األمثاؿ ُب حسن خلقو ولُت جانبو وصبيل منطقو عن‬
‫يوما غباجة‪ ،‬فقلت وا﵁ ال أذىب‪ ،‬وُب نفسي أف أذىب ؼبا أمرين بو نيب ا﵁‬
‫أنس‪ ‬قاؿ‪ ( :‬كاف رسوؿ ا﵁ (‪ )‬أحسن الناس خل ًقا‪ ،‬فأرسلٍت ً‬
‫(‪ ،)‬فخرجت حىت أمر على صبياف وىم يلعبوف‪ ،‬فإذا رسوؿ ا﵁ (‪ )‬قد قبض بقفاي من ورائي قاؿ ‪ :‬فنظرت إليو وىو يضحك فقاؿ ‪ :‬يا أنيس‬
‫أذىبت حيث أمرتك؟ قاؿ ‪ :‬قلت نعم أنا أذىب يا رسوؿ ا﵁‪ ،‬قاؿ أنس ‪ :‬وا﵁ لقد خدمتو تسع سنُت ما علمتو قد قاؿ لشيء صنعتو ؼبا فعلت كذا‬
‫ِ ِ‬
‫وكذا؟ أو لشيء تركتو ىبل فعلت كذا وكذا ) ولنا ُب رسوؿ ا﵁ (‪ )‬أعظم قدوة‪ ،‬وأعلى مثل كما قاؿ تعاىل ‪﴿ :‬قَ ْد َكا َف لَ ُك ْم ُِب َر ُسوؿ اللَّػو أ ْ‬
‫ُس َوةٌ‬
‫َح َسنَةٌ لّْ َمن َكا َف يػَْر ُجو اللَّػوَ َوالْيَػ ْوَـ ْاآل ِخَر َوذَ َكَر اللَّػوَ َكثِ ًَتا﴾‬
‫األدب السابع‪ :‬أف يكوف مواظبًا على سنن الرسوؿ (‪ )‬من قص الشارب‪ ،‬ونظافة الثياب‪ ،‬وتقليم األظافر‪ ،‬والتعطر بالطيب‪ ،‬وبعبارة أخرى أف‬
‫مقبوال مرغوبًا فيو‪ .‬حكي‬
‫يكوف ُمتحليًا باؼبستحبات الشرعية زيادة على أدائو للواجبات والفرائض‪ .‬فإف ذلك يضفي عليو الوقار والنور‪ ،‬فبا هبعل قولو ً‬
‫رجبل حضر عند السلطاف ؿبمود بن سبكتكُت يطلب اغبسبة ؼبدينة غزنة‪ ،‬فنظر السلطاف فرأى شاربو قد غطى فاه من طولو‪ ،‬وأذيالو تسحب‬
‫أف ً‬
‫على األرض‪ ،‬فقاؿ لو يا شيخ‪ ،‬اذىب فاحتسب على نفسك ٍب عد واطلب اغبسبة على الناس‪.‬‬
‫ومن اآلداب اؼبهمة ُب حق ا﵀تسب األناة والتثبت‪ ،‬وعدـ األخذ بالظنوف؛ وقد حث القرآف الكرًن على التبُت وأخذ اغبيطة قبل الشروع ُب عملية‬
‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫قاؿ ابن‬ ‫ين َآمنُوا إِف َجاءَ ُك ْم فَاس ٌق بِنَبَإٍ فَػتَبَػيَّػنُوا أَف تُصيبُوا قَػ ْوًما ِبَ َهالَة فَػتُ ْ‬
‫صبِ ُحوا َعلَ ٰى َما فَػ َعلْتُ ْم نادمُت ﴾‬ ‫اإلنكار‪ ،‬قاؿ ا﵁ تعاىل ﴿ يَا أَيػُّ َها الذ َ‬
‫كثَت – رضبو ا﵁ – ( يأمر ا﵁ تعاىل بالتثبت ُب خرب الفاسق؛ ليحتاط لو لئبل وبكم بقولو‪ ،‬فيكوف ُب نفس األمر كاذبًا أو ـبطئًا‪ ،‬وقد هنى ا﵁ ‪‬‬
‫ظاىرا للعياف يسوغ االحتساب عليو‪ ،‬أما أف يهتم ا﵀تسب باإلنكار‬
‫عن اتباع سبيل اؼبفسدين )‪.‬إف التثبت والتأكد من ربقق وجود اؼبنكر ووقوعو ً‬
‫على منكر مل يقع بعد‪ ،‬أو يظن وجوده‪ ،‬فإف ىذا يُوقع ُب أضرار وـباطر كثَتة‪ ،‬بل قد يًتتب عليو وقوع مفاسد كثَتة‪ ،‬وقد جاءت الشريعة ِبلب‬
‫اؼبصاحل ودرء اؼبفاسد‪ ،‬وعلى ىذا اؼبعٌت التزـ فاروؽ اإلسبلـ عمر بن اػبطاب ‪ ‬دبا أشيع عن اؼبغَتة بن شعبة ‪ ‬فقد ذكر اغبافظ بن كثَت – رضبو‬
‫ا﵁ – قصة عجيبة ملخصها أف امرأة كاف يقاؿ ؽبا أـ صبيل بنت األفقم من نساء بٍت عامر بن صعصعة ويقاؿ من نساء بٍت ىبلؿ‪ ،‬و كاف زوجها‬
‫من ثقيف قد تُوُب عنها‪ ،‬و كانت تغشى نساء األمراء واألشراؼ‪ ،‬وكانت تدخل على بيت اؼبغَتة بن شعبة وىو أمَت البصرة‪ ،‬وكانت دار اؼبغَتة ذباه‬
‫دار أيب بكرة‪ ،‬وكاف بينهما الطريق‪ ،‬وكاف ُب دار أيب بكرة كوة تشرؼ على كوة ُب دار اؼبغَتة‪ ،‬وكاف ال يزاؿ بُت اؼبغَتة وبُت أيب بكرة شنئاف‪ ،‬فبينما‬
‫أيب بك رة ُب داره وعنده صباعة يتحدثوف ُب العلية‪ ،‬إذ فتحت الريح باب الكوة‪ ،‬فقاـ أبو بكرة ليغلقها‪ ،‬فإذا كوة اؼبغَتة مفتوحة‪ ،‬وإذا ىو على صدر‬
‫امرأة وبُت رجليها‪ ،‬وىو هبامعها‪ ،‬فقاؿ أبو بكرة ألصحابو تعالوا فانظروا إىل أمَتكم يزين بأـ صبيل‪ ،‬فقاموا فنظروا إليو وىو هبامع تلك اؼبرأة‪ ،‬فقالوا أليب‬
‫بكرة ومن أين قلت أهنا أـ صبيل‪ ،‬وكاف رأسانبا إىل اعبانب اآلخر‪ ،‬فقاؿ انتظروا‪ ،‬فلما فرغا قامت اؼبرأة‪ ،‬فقاؿ أبو بكرة ىذه أـ صبيل‪ ،‬فعرفوىا فيما‬
‫أمَتا على‬
‫يظنوف‪ ،‬فلما خرج اؼبغَتة وقد اغتسل ليصلي بالناس منعو أبو بكرة أف يتقدـ وكتبوا إىل عمر ‪ُ ‬ب ذلك فوىل عمر أبا موسى األشعري ً‬
‫ائرا‪ ،‬وال جاء إال أمَتا‪ٍ ،‬ب قدـ أبو موسى على الناس وناوؿ‬
‫تاجرا وال ز ً‬
‫البصرة وعزؿ اؼبغَتة‪ ،‬فسار اىل البصرةفقاؿ اؼبغَتة ‪ :‬وا﵁ ما جاء أبو موسى ً‬
‫أمَتا‪ ،‬فسلم ما ُب يديك والعجل " وكتب ألىل‬
‫اؼبغَتة كتابًا من عمر ىو أوجزكتاب فيو ‪ " :‬أما بعد‪ ،‬فإنو قد بلغٍت نبأ عظيم‪ ،‬فبعثت أبا موسى ً‬
‫‪7‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫البصرة " إين قد وليت عليكم أبو موسى‪ ،‬ليأخذ من قويكم لضعيفكم‪ ،‬وليقاتل بكم عدوكم‪ ،‬وليدفع عن دينكم‪ ،‬وليجيب لكم شيئكم ٍب ليقسمو‬
‫بينكم " وارربل اؼبغَتة والذين شهدوا عليو وىم أيب بكرة‪ ،‬ونافع بن كلدة‪ ،‬وزياد بن أمية‪ ،‬وشيبة بُت معبد البجلي‪ ،‬فلما قدموا على عمر ‪ ‬صبع‬
‫بينهم وبُت اؼبغَتة‪ .‬فقاؿ اؼبغَتة ‪ :‬سل ىؤالء كيف رأوين مستقبلهم أـ مستدبرىم؟ وكيف رأوا اؼبرأة وعرفوىا؟ فإف كانوا مستقبلي فكيف مل يستًتوا‪ ،‬أو‬
‫مستدبري فكيف استحلوا النظر إىل منزيل وامرأٌب‪ ،‬وا﵁ ما أتيت إال امرأٌب وكانت تشبهها‪ ،‬فبدأ عمر بأيب بكرة فشهد عليو بأنو رآه بُت رجلي أـ‬
‫صبيل وىو يدخلو وىبرجو كاؼبيل ُب اؼبكحلة‪ ،‬قاؿ كيف رأيتهما‪ ،‬قاؿ مستدبرنبا‪ ،‬قاؿ فكيف استدلت رأسها‪ ،‬قاؿ ‪ :‬رباملت‪ٍ ،‬ب دعا شبلة بن معبد‬
‫فشهد دبثل ذلك‪ ،‬فقاؿ استقبلتهما أـ استدبرهتما؟ قاؿ استقبلتهما‪ ،‬وشهد نافع مثل شهادة أيب بكرة‪ ،‬ومل يشهد زياد دبثل شهادهتم وقاؿ ‪ :‬رأيتو‬
‫شديدا‪ ،‬قاؿ ىل رأيتو كاؼبيل ُب اؼبكحلة؟ قاؿ‪ :‬ال‪ ،‬قاؿ‬
‫جالسا بُت رجلي امرأة فرأيت قدمُت ـبضوبتُت ىبفقاف وأستُت مكشوفتُت‪ ،‬وظبعت حفزانًا ً‬
‫ً‬
‫كرب عند ذلك ثبلثًا‪ٍ ،‬ب أمر بالثبلثة فجلدوا اغبد وىو يقرأ قولو تعاىل ‪﴿ :‬‬
‫ىل تعرؼ اؼبرأة؟ قاؿ‪ :‬ال لكن أشبهها‪ ،‬قاؿ فتنحى‪ ،‬وروي أف عمر ‪َّ ‬‬
‫ند اللَّ ِػو ُى ُم الكذبوف﴾‪ .‬فقاؿ اؼبغَتة أشهد أـ أعبد؟ فقاؿ عمر ‪ :‬اسكت‪ ،‬أسكت‬ ‫لَّوَال جاءوا علَي ِو بِأَربػع ِة شهداء ۚ فَِإ ْذ َمل يأْتوا بِالش ِ‬
‫ك عِ َ‬
‫ُّه َداء فَأُولَػٰئِ َ‬
‫َ‬ ‫ْ َُ‬ ‫ْ َ ُ َ ْ َْ َ ُ َ َ َ‬
‫ا﵁ فاؾ‪ ،‬وا﵁ لو سبت الشهادة لرصبناؾ بأحجارؾ"‪.‬ويربز من ىذه القصة أو اغبادثة ؾبموعة كبَتة من الدروس والفوائد‪ ،‬ولعل من أنبها ىو التثبت‬
‫والتأكد والتبُت وعدـ العجلة ُب األمر حىت ال وبدث خطأ أو زلل وعلى ىذا جاء التوجيو النبوي الكرًن عن عبد ا﵁ اؼبزين أف النيب (‪ )‬قاؿ (‬
‫السمت اغبسن والتؤدة واالقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءًا من النبوة ) وعن عبد ا﵁ بن عباس – رضي ا﵁ عنهما – قاؿ ‪ :‬قاؿ رسوؿ ا﵁‬
‫(‪ ()‬اؽبدي الصاحل‪ ،‬والسمت الصاحل‪ ،‬واالقتصاد جزء من طبسة وعشرين جزءًا من النبوة ) فعدـ األخذ بالظنوف والتثبت واألناة منهج سوي ينبغي‬
‫عناية ا﵀تسب بو حىت يسلم على نفسو ودينو وعبلقتو مع اآلخرين‪ ،‬والسبلمة مطلب نفيس ال يعدلو شيء‪.‬‬
‫لقد‬ ‫األدب األخَت الرفق‪ ،‬والرفق ُب اللغة " ضد العنف " وُب االصطبلح " لُت اعبانب ُب القوؿ والفعل واألخذ باألسهل وىو ضد العنف "‬
‫اعا من‬
‫كاف الرفق من صفات األنبياء والرسل عليهم الصبلة والسبلـ حينما كانوا ينكروف على أقوامهم سوء صنيعهم‪ ،‬وقد استخدموا معهم أنو ً‬
‫األساليب ُب التغيَت حىت جاء التوجيو الرباين الكرًن لنيب ا﵁ موسى عليو الصبلة والسبلـ حينما يريد أف يدعو فرعوف ذلك الذي طغى وسلك سبل‬
‫ِ‬
‫ُب الغواية والفساد أف يتحلى مع أخيو ىاروف – عليو الصبلة والسبلـ – بلُت القوؿ والرفق وعدـ العجلة ‪﴿ :‬ا ْذ َىبَا إِ َ ٰىل ف ْر َع ْو َف إِنَّوُ طَغَى ‪ ‬فَػ ُق َوال لَوُ‬
‫ولقد سلك‬ ‫قَػ ْوًال لَّيّْػنًا لَّ َعلَّوُ يػَتَ َذ َّكُر أ َْو َىبْ َشى ﴾ ‪.‬‬
‫نبينا ؿبمد صلى ا﵁ عليو وسلم جانب الرفق ُب التغيَت مع من ينكر عليهم صنيع أعماؽبم الذين كاف وبتسب عليهم سواء من اليهود أو من اؼبشركُت‬
‫أـ من اؼبسلمُت‪ .‬عن عائشة – رضي ا﵁ عنها – قالت ‪ ( :‬دخل رىط من اليهود على الرسوؿ (‪ )‬فقالوا ‪ :‬الساـ عليكم‪ ،‬قالت عائشة ‪:‬‬
‫مهبل يا عائشة‪ ،‬إف ا﵁ وبب الرفق ُب األمر كلو‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسوؿ ا﵁‪ ،‬أومل تسمع‬ ‫ففهمتها‪ ،‬فقلت ‪ :‬وعليكم الساـ واللعنة‪ ،‬فقاؿ رسوؿ ا﵁ (‪ً : )‬‬
‫ت بَِر ُج ٍل ِم ْن بٌَِت َحنِي َفةَ يػُ َق ُ‬ ‫ِ ٍ‬
‫اؿ لَوُ‬ ‫َِّب ‪َ ‬خْيبلً قبَ َل َْقبد ‪ ،‬فَ َجاءَ ْ‬ ‫ث النِ ُّ‬ ‫ما قالوا؟ قاؿ رسوؿ ا﵁ (‪ :)‬قد قلت وعليكم )‪.‬وعن أيب ىريرة ‪ ‬قاؿ‪ :‬بػَ َع َ‬
‫اؿ عِْن ِدى َخْيػٌر يَا ُؿبَ َّم ُد ‪ ،‬إِ ْف تَػ ْقتُػ ْل ٌِت تَػ ْقتُ ْل‬ ‫اؿ « َما عِْن َد َؾ يَا ُشبَ َامةُ » ‪ .‬فَػ َق َ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍِ‬
‫ُشبَ َامةُ بْ ُن أُثَ ٍاؿ ‪ ،‬فَػَربَطُوهُ بِ َسا ِريَة م ْن َس َوا ِرى الْ َم ْسجد ‪ ،‬فَ َخَر َج إِلَْيو النِ ُّ‬
‫َِّب ‪ ‬فَػ َق َ‬
‫ت‬
‫اؿ َما قُػ ْل ُ‬ ‫اؿ لَوُ « َما ِعْن َد َؾ يَا ُشبَ َامةُ » ‪ .‬قَ َ‬ ‫ت ‪ .‬فًتؾ َح َّىت َكا َف الْغَ ُد ٍُبَّ قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اؿ فَ َس ْل مْنوُ َما شْئ َ‬ ‫ت تُِر ُ‬
‫يد الْ َم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َذا َدٍـ ‪َ ،‬وإِ ْف تُػْنع ْم تُػْنع ْم َعلَى َشاك ٍر ‪َ ،‬وإِ ْف ُكْن َ‬
‫اؿ‪ « :‬أَطْلِ ُقوا ُشبَ َامةَ » ‪،‬‬ ‫ك ‪ .‬فَػ َق َ‬ ‫ت لَ َ‬
‫اؿ « ما ِعْند َؾ يا ُشبَامةُ » ‪ .‬فَػ َق َ ِ ِ‬
‫اؿ عْندى َما قُػ ْل ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك إ ْف تُػْنع ْم تػُْنع ْم َعلَى َشاك ٍر ‪ .‬فَػتَػَرَكوُ َح َّىت َكا َف بػَ ْع َد الْغَد ‪ ،‬فَػ َق َ َ َ َ َ‬
‫لَ َ ِ ِ ِ‬
‫وؿ اللَّ ِو ‪ ،‬يَا ُؿبَ َّم ُد َواللَّ ِو َما َكا َف‬ ‫َف ُؿبَ َّم ًدا َر ُس ُ‬‫اؿ أَ ْش َه ُد أَ ْف الَ إِلَوَ إِالَّ اللَّوُ ‪َ ،‬وأَ ْش َه ُد أ َّ‬ ‫يب ِم َن الْ َم ْس ِج ِد فَا ْغتَ َس َل ٍُبَّ َد َخ َل الْ َم ْس ِج َد فَػ َق َ‬ ‫فَانْطَلَ َق إِ َىل َلبْ ٍل قَ ِر ٍ‬
‫ِ‬ ‫ىل ‪ ،‬واللَّ ِو ما َكا َف ِمن ِدي ٍن أَبػغض إِ ََّ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ب‬‫َح َّ‬ ‫كأَ‬ ‫َصبَ َح دينُ َ‬ ‫ك ‪ ،‬فَأ ْ‬ ‫ىل ِم ْن دينِ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ب الْ ُو ُجوه إ ََّ َ َ‬ ‫َح َّ‬ ‫كأَ‬ ‫َصبَ َح َو ْج ُه َ‬
‫ك ‪ ،‬فَػ َق ْد أ ْ‬ ‫ىل ِم ْن َو ْج ِه َ‬ ‫ض إِ ََّ‬ ‫ض َو ْجوٌ أَبْػغَ َ‬ ‫َعلَى األ َْر ِ‬

‫يد الْ ُع ْمَرَة ‪ ،‬فَ َما َذا تَػَرى؟ فَػبَشََّرهُ‬ ‫َخ َذتٌِْت َوأَنَا أُِر ُ‬‫كأَ‬ ‫ىل ‪َ ،‬وإِ َّف َخْيػلَ َ‬ ‫ب الْبِبلَ ِد إِ ََّ‬‫َح َّ‬ ‫َصبَ َح بػَلَ ُد َؾ أ َ‬
‫ىل ‪ ،‬واللَّ ِو ما َكا َف ِمن بػلَ ٍد أَبػغض إِ ََّ ِ ِ‬
‫ىل م ْن بػَلَد َؾ ‪ ،‬فَأ ْ‬ ‫ْ َ َْ ُ‬ ‫ِ‬
‫الدّْي ِن إ ََّ َ َ‬
‫وؿ اللَّ ِو ‪َ ، ‬والَ َواللَّ ِو الَ يَأْتِي ُك ْم ِم َن‬ ‫اؿ‪ :‬الَوا﵁ ‪ ،‬ولَكِن أَسلَمت مع ُؿبَ َّم ٍد رس ِ‬ ‫ت ‪ .‬قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫وؿ اللَّ ِو ‪َ ‬وأ ََمَرهُ أَ ْف يػَ ْعتَ ِمَر ‪ ،‬فَػلَ َّما قَ ِد َـ َم َّكةَ قَ َ‬
‫َُ‬ ‫َ ْ ْ ْ ُ ََ‬ ‫صبَػ ْو َ‬
‫اؿ لَوُ قَائ ٌل َ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫وعن أيب ىريرة – ‪ – ‬قاؿ ‪ ( :‬باؿ أعرايب ُب اؼبسجد‪ ،‬فقاـ الناس ليقعوا‬ ‫َِّب ‪) ‬‬ ‫الْيَ َم َامة َحبَّةُ حْنطَة َح َّىت يَأْذَ َف ف َيها النِ ُّ‬
‫فيو‪ ،‬فقاؿ النيب (‪ : )‬دعوه وأريقوا على بولو ذنوبًا من ماء‪ ،‬فإمبا بعثتم ميسرين ومل تبعثوا معسرين ) ‪ .‬وعن معاوية بن اغبكم ‪ ‬قاؿ (بػَْيػنَا أَنَا‬

‫‪8‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫ْل أ ُّْميَ ْاه َما َشأْنُ ُك ْم تَػْنظُُرو َف إِ ََّ‬ ‫وؿ اللَّ ِو ‪ ‬إِ ْذ عطَس رجل ِمن الْ َقوِـ فَػ ُق ْلت يػر َضبك اللَّو‪ ،‬فَػرم ِاين الْ َقوـ بِأَب ِ‬ ‫أُصلّْي مع رس ِ‬
‫يل فَ َج َعلُوا‬ ‫ت َوا ثُك َ‬ ‫صا ِرى ْم‪ ،‬فَػ ُق ْل ُ‬
‫ُْ ْ َ‬ ‫ُ َْ ُ َ ُ َ َ‬ ‫َ َ َُ ٌ ْ ْ‬ ‫َ ََ َُ‬
‫ت فَػلَ َّما صلَّى رس ُ ِ‬ ‫ص ّْمتُونٍَِت لَ ِك ٍّْت َس َك ُّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َح َس َن‬ ‫وؿ اللَّو ‪ ‬فَبِأَِيب ُى َو َوأ ُّْمي َما َرأَيْ ُ‬
‫ت ُم َعلّْ ًما قَػْبػلَوُ َوَال بػَ ْع َدهُ أ ْ‬ ‫َ َُ‬ ‫ض ِربُو َف بأَيْدي ِه ْم َعلَى أَفْ َخاذى ْم فَػلَ َّما َرأَيْػتُػ ُه ْم يُ َ‬‫يَ ْ‬
‫َّاس إَِّمبَا ىو التَّسبِيح والتَّ ْكبَِت وقِراءةُ الْ ُقر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اؿ إِ َّف َى ِذهِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫تَػعلِ ِ‬
‫يما مْنوُ فَػ َواللَّو َما َك َهَرِين َوَال َ‬
‫آف) وقد‬ ‫صلُ ُح ف َيها َش ْيءٌ م ْن َك َبلـ الن ِ ُ َ ْ ُ َ ُ َ َ َ ْ‬ ‫الص َبلةَ َال يَ ْ‬ ‫ضَربٍَِت َوَال َشتَ َم ٍِت قَ َ‬ ‫ْ ً‬
‫حث النيب الكرًن (‪ )‬اؼبسلمُت عامة ويدخل ُب ذلك ا﵀تسبوف من باب أوىل‪ ،‬حث على الرفق ُب صبيع األمور‪ ،‬ومن ذلك امنا عائشة )‪)‬أف‬
‫النيب (‪ )‬قاؿ ‪ ( :‬إف ا﵁ رفيق وبب الرفق‪ ،‬ويعطي على الرفق ما ال يعطي على العنف‪ ،‬وما ال يعطي على ما سواه ) وعن جرير بن عبد ا﵁ –‬
‫رضي ا﵁ عنهما – عن النيب (‪ )‬قاؿ ‪ (:‬من ُوبرـ الرفق‪ُ ،‬وبرـ اػبَت ) وعن عائشة – رضي ا﵁ عنها – عن النيب (‪ )‬قاؿ ‪ ( :‬إف الرفق ال يكوف‬
‫ُب شيء إال زانو‪ ،‬وال ينزع من شيء إال شانو ) وعن عائشة – رضي ا﵁ عنها ‪ -‬قالت ‪ :‬ظبعت رسوؿ ا﵁ (‪ )‬يقوؿ ‪ ( :‬اللهم من ويل من أمر‬
‫أميت شيئًا فشق عليهم فاشقق عليو‪ ،‬ومن ويل من أمر أميت شيئًا فرفق ّٔم فارفق بو )‪.‬‬
‫وقاؿ سفياف الثوري – رضبو ا﵁ ‪ : -‬ال يأمر باؼبعروؼ وينهى عن اؼبنكر إال من كانت فيو ثبلث خصاؿ ‪:‬‬
‫(رفيق دبا يأمر‪ ،‬رفيق دبا ينهى‪ ،‬عدؿ دبا يأمر‪ ،‬عدؿ دبا ينهى‪ ،‬عامل دبا يأمر‪ ،‬عامل دبا ينهى ) قاؿ حنبل إنو ظبع أبا عبد ا﵁ أي اإلماـ أضبد ابن حنبل‬
‫رجبل عرؼ بالفسق فبل حرمة لو‬
‫– رضبو ا﵁ – يقوؿ ‪ ( :‬الناس ؿبتاجوف إىل مداراة ورفق ُب األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر وببل غلظة‪ ،‬إال ً‬
‫)‪.‬وسئل اإلماـ أضبد بن حنبل – رضبو ا﵁ – عن األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر فقاؿ ‪ ( :‬كاف أصحاب عبد ا﵁ بن مسعود ‪ ‬إذا مروا بقوـ‬
‫مهبل رضبكم ا﵁ )‬
‫مهبل رضبكم ا﵁‪ً ،‬‬
‫يروف منهم ما يكرىوف يقولوف ‪ً :‬‬
‫وقاؿ ابن تيمية – رضبو ا﵁ ‪ : -‬فبل بد من ىذه الثبلثة العلم والرفق والصرب‪ ،‬العلم قبل األمر والنهي‪ ،‬والرفق معو‪ ،‬والصرب بعده‪ ،‬وإف كاف كل من‬
‫الثبلثة ال بد أف يكوف مستصحبًا ُب ىذه األحواؿ‪.‬‬
‫حليما فيما‬
‫فقيها فيما ينهى عنو‪ ،‬رفي ًقا فيما يأمر بو‪ ،‬رفي ًقا فيما ينهى عنو‪ً ،‬‬
‫فقيها فيما يأمر بو‪ً ،‬‬
‫وقاؿ بعض السلف ‪ :‬ال يأمر باؼبعروؼ إال من كاف ً‬
‫حليما فيما ينهى عنو‪ .‬فبالرفق تساس الطباع‪ ،‬ويعرؼ مكمن الداء‪ ،‬ويراجع صاحب اؼبنكر أموره‪ ،‬ويعرؼ مكمن الداء ويعطى الدواء‪،‬‬
‫يأمر بو‪ً ،‬‬
‫وتستقيم األنفس على اػبَت‪ ،‬وتقبل دعوة اػبَت‪ ،‬واحتساب ا﵀تسب‪ ،‬وال شك أف الدواء ؽبذا كلو ىو بلسم الرفق‪.‬‬
‫المحاضرة الرابعة‬
‫الركن الثاين من أركاف اغبسبة وىو ا﵀تسب عليو‪،‬‬
‫وا﵀تسب عليو‪ :‬ىو اؼبنكر عليو قبيح عملو‪ ،‬أو من يوجو إليو األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر‪،‬‬
‫منكرا‬
‫ويشًتط فيو ‪ :‬أف يكوف إنسانًا فبل حسبة على غَت اآلدمي؛ ألف اغبسبة تقوـ على إنكار اؼبنكر حبق ا﵁‪ ،‬وال يكوف ىذا إال إذا يكوف الفعل ً‬
‫بالنسبة للذي صدر منو‪ ،‬وىذا يكوف من اآلدمي فقط فبل يوصف فعل البهيمة باؼبعروؼ أو اؼبنكر‪.‬‬
‫ترويضا لو على التزاـ أوامر ا﵁‬
‫وال يشًتط فيو أف يكوف مكل ًفا‪ ،‬فإذا شرب الصيب اػبمر منع واحتسب عليو‪ ،‬وإف كاف قبل البلوغ أو التمييز‪ ،‬وذلك ً‬
‫واجتناب زواجره‪ ،‬وقد أوجب ا﵁ علينا أف نأمر أبناءنا بالصبلة‪ ،‬إذا بلغوا سبع سنُت وأف نضرّٔم عليها إذا بلغوا عشرا قاؿ رسوؿ ا﵁ (‪( : )‬مروا‬
‫أبناءكم بالصبلة وىم أبناء سبع سنُت‪ ،‬واضربوىم عليها وىم أبناء عشر‪ ،‬وفرقوا بينهم ُب اؼبضاجع) فلو أراد ؾبنو ٌف الزىن‪ ،‬أو إتياف ّٔيمة وجب منعو‬
‫وازباذ ما يكفل سبلمتو من ىذه الفاحشة‪ ،‬مع سقوط التكليف عنو‪.‬‬
‫وللمحتسب عليو أصناؼ عدة‪ ،‬من ىذه األصناؼ‪:‬‬
‫عامة الناس‪ :‬حيث إف عامة الناس ىم السواد األكثر ُب األمة‪ ،‬والذي وبسن للمحتسب العناية بتوجيههم وتقدًن النصح ؽبم‪ ،‬حىت وبافظ ا﵀تسب‬
‫ومعلوـ األدلة الشرعية من القرآف الكرًن والسنة النبوية اؼبطهرة ُب مشروعية االحتساب لعامة الناس‬
‫ٌ‬ ‫مع غَته على سفينة آّتمع من الغرؽ واؽببلؾ‪،‬‬
‫وتقدًن النصيحة ؽبم‪ ،‬ووبسن با﵀تسب أف هبعل نبو استصبلح اآلخرين‪ ،‬وؿببة اػبَت للغَت‪ ،‬وأف يتودد ويتقرب إىل ا﵁ باحتسابو‪ .‬قاؿ قتادة – رضبو‬
‫ا﵁ – ( كاف ىرـ ابن حياف – رضبو ا﵁ – يقوؿ‪ :‬ما أقبل عبد بقلبو إىل ا﵁ إال أقبل ا﵁ بقلوب اؼبؤمنُت عليو حىت يرزقو ودىم) والنصيحة لعامة‬

‫‪9‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫اؼبسلمُت تكوف بإرشادىم إىل مصاغبهم‪ ،‬وتعليمهم أمور دينهم ودنياىم‪ ،‬وسًت عوراهتم‪ ،‬وسد خبلهتم‪ ،‬ونصرهتم على أعدائهم‪ ،‬والذب عنهم‪،‬‬
‫ومن‬ ‫وؾبانبة الغش واغبسد ؽبم‪ ،‬وأف وبب ؽبم ما وبب لنفسو‪ ،‬ويكره ؽبم ما يكره لنفسو‪ ،‬وما شابو ذلك‪.‬‬
‫أنواع نصحهم دفع األذى واؼبكروه عنهم‪ ،‬وإيثار فقَتىم‪ ،‬وتعليم جاىلهم‪ ،‬ورد من زاغ منهم عن اغبق ُب قوؿ أو عمل بالتلطف ُب ردىم إىل حق‪،‬‬
‫قاؿ اغبسن‬ ‫والرفق ّٔم ُب األمر باؼبعروؼ‪ ،‬والنهي عن اؼبنكر‪ ،‬وؿببة إزالة فسادىم‪ ،‬ولو حبصوؿ ضرر للمحتسب ُب دنياه‪.‬‬
‫البصري – رضبو ا﵁ – قاؿ بعض أصحاب النيب (‪ )‬أف رسوؿ ا﵁ (‪ )‬قاؿ ‪ ( :‬والذي نفسي بيده‪ ،‬وإف شئتم ألقسمن لكم با﵁ إف أحب عباد‬
‫ا﵁ إىل ا﵁ الذين وبببوف ا﵁ ُب عباده‪ ،‬ووبببوف عباد ا﵁ إىل ا﵁‪ ،‬ويسعوف لؤلخذ بالنصيحة )‪ .‬وقاؿ ابن علية ُب قوؿ أيب بكر األزري ( ما فاؽ أبو‬
‫بكر ‪ ‬أصحاب ؿبمد (‪ )‬بصوـ وال صبلة ولكن بشيء كاف ُب قلبو‪ ،‬قاؿ الذي كاف ُب قلبو؛ اغبب ﵁ ‪ ‬والنصيحة ُب خلقو )‪ .‬وقاؿ الفضيل‬
‫ابن عياض – رضبو ا﵁ – ( ما أدرؾ عندنا ما أدرؾ بكثرة الصبلة والصياـ‪ ،‬وإمبا أدرؾ ما عندنا بسخاء األنفس‪ ،‬وسبلمة الصدور‪ ،‬والنصح لؤلمة)‪.‬‬
‫وسئل عبد ا﵁ بن مبارؾ – رضبو ا﵁ – ( أي األعماؿ أفضل؟ قاؿ‪ :‬النصح ﵁ )‪.‬‬
‫كثَتا من األمور يفعل منها الكثَت من الناس خبلؼ األمر الشرعي‪ ،‬وينتشر ذلك بينهم‪ ،‬ويقتدي كثَت من الناس ّٔم ُب‬
‫وينبغي أف يدرؾ ا﵀تسب إف ً‬
‫وفعبل‪ ،‬وال يثبطو عن ذلك وحدتو وقلة الرفيق‪ ،‬وقد قاؿ النووي – رضبو ا﵁ – (ال يغًت‬
‫قوال ً‬
‫فعلهم‪ ،‬والذي يتعُت على ا﵀تسب ـبالفتهم ُب ذلك ً‬
‫اإلنساف بكثرة الفاعلُت ؽبذا األمر الذي هنينا عنو ) وقاؿ الفضيل – رضبو ا﵁ – ( ال تستوحش طرؽ اؽبدى لقلة أىلها‪ ،‬وال تغًت بكثرة اؽبالكُت )‬
‫وينبغي أف ينظر ا﵀تسب إىل احتسابو وىو يتعامل مع ا﵀تسب عليو نظرة اؼبودة والرضبة والشفقة‪ ،‬وأف يبتثل ّٔذه النصوص الشرعية وغَتىا‪ ،‬عن أيب‬
‫ىريرة – ‪ – ‬عن رسوؿ ا﵁ (‪ )‬قاؿ ‪ ( :‬اؼبؤمن مرآة أخيو‪ ،‬واؼبؤمن أخو اؼبؤمن يكف عليو ضيعتو ووبوطو من ورائو )‪.‬‬
‫دائما قوؿ سفياف الثوري – رضبو ا﵁ – إذ يقوؿ ‪ ( :‬اؼباؿ داء ىذه األمة‪،‬‬
‫كما ينبغي للمحتسب أف يستشعر أنو من ضبلة مَتاث النبوة‪ ،‬وأف يتذكر ً‬
‫والعامل طبيب ىذه األمة‪ ،‬فإذا جر العامل الداء لنفسو فمن يربئ الناس )‪.‬‬
‫احدا أو أفر ًادا معدودين يبكن‬
‫فردا و ً‬
‫واؼبشروع ُب االحتساب على عامة الناس أف ينظر إىل حجم اؼبنكر ونوعو فإذا كاف فاعل اؼبنكر أو تارؾ اؼبعروؼ ً‬
‫حصرىم وإجراء خطوات اغبسبة الشرعية معهم‪ ،‬كاف األوىل أف وبتسب وينكر على كل فرد بعينو وعلى حدة‪ ،‬وُب سر بُت ا﵀تسب وا﵀تسب عليو؛‬
‫ألف ُب ذلك خشية ﵁ أكثر‪ ،‬واحتماؿ استجابة من ىذا ا﵀تسب عليو‪ ،‬وإقبلع عن اؼبنكر أرجى‪ ،‬وألف ُب ذلك عدـ تشهَت ؼبعُت بعينو ‪ ،‬فإف مل‬
‫يتيسر االحتساب على ىذا الشكل‪ ،‬احتسب على مؤل لكن بغَت ربديد أحد بعينو ولكن على غرار (ما باؿ أقواـ)‪ ،‬وقاؿ ابن ازد رضبو ا﵁ ‪ ( :‬كاف‬
‫سرا‪ ،‬حىت قاؿ بعضهم إذا ما وعظ أحدكم أخاه فيما بينو وبينو فهي نصيحة‪ ،‬ومن وعظو على رؤوس الناس‬
‫السلف إذا أرادوا نصيحة أحد نصحوه ً‬
‫فإمبا وخبو ) وقاؿ فاروؽ بن إياد – رضبو ا﵁ – ‪ ( :‬اؼبؤمن يسًت وينصح‪ ،‬والفاجر يهتك ويعَت ) وقالت أـ الدرداء – رضي ا﵁ عنها – ( من وعظ‬
‫وإذا كاف اؼبنكر متفشيًا ُب أفراد‬ ‫سرا فقد زانو‪ ،‬ومن وعظو عبلنية فقد شانو )‪.‬‬
‫أخاه ً‬
‫كثَتين ُب آّتمع ‪ ،‬ففي ىذه اغباؿ يسلك ا﵀تسب اإلنكار العلٍت اؼبؤدب‪،‬الذي ال يشهر فيو ب ٍ‬
‫أحد بعينو بل على غرار ما باؿ أقواـ يأتوف بكذا‬
‫وكذا‪ ،‬أو ما باؿ أقواـ يًتكوف كذا وكذا‪ ،‬ويذكرىم ويرغبهم وىبوفهم من ا﵁ ‪ ،‬ووبثهم على مبلزمة التقوى وؾبانبة طريق الردى‪ ،‬ولقد سلك رسوؿ‬
‫ا﵁ (‪ )‬ىذا اؼبسلك ُب عبلج اؼبنكرات واألخطاء والتجاوزات العامة‪ ،‬فمن ذلك ما رواه أنس بن مالك ‪ ‬قاؿ النيب (‪ ( )‬ما باؿ أقواـ يرفعوف‬
‫أبصارىم إىل السماء ُب صبلهتم‪ ،‬واشتد قولو ُب ذلك حىت قاؿ‪ :‬لينتهُت عن ذلك قوـ أو لتخطفن أبصارىم )‪ .‬ومن ذلك ما رواه جابر بن عبد ا﵁‬
‫رجبل من األنصار‪ ،‬فقاؿ األنصاري ياؿ األنصار‪ ،‬وقاؿ اؼبهاجر ياؿ اؼبهاجرين‪،‬‬
‫– رضي ا﵁ عنهما – قاؿ ( كنا ُب غزاة فكسع رجل من اؼبهاجرين ً‬
‫رجبل من األنصار‪ ،‬فقاؿ دعوىا فإهنا‬ ‫فسمع ذلك رسوؿ ا﵁ (‪ )‬فقاؿ ‪ :‬ما باؿ دعوى اعباىلية‪ ،‬فقالوا يا رسوؿ ا﵁‪ ،‬كسع رجل من اؼبهاجرين ً‬
‫ِ‬ ‫وؿ اللَّ ِو ‪ ‬شيئا تَػر َّخ ِ‬
‫َّيب ‪--‬‬ ‫ص ف ِيو َوتَػنَػَّزهَ َعْنوُ ال َق ْوٌـ‪ ،‬فَػبَػلَ َغ َذل َ‬
‫ك النِ َّ‬ ‫َ ًْ َ َ‬ ‫صنَ َع َر ُس ُ‬ ‫منتنو ) ‪ .‬ومن ذلك ما روتو عائشة – رضي ا﵁ عنها – قالت ‪َ ( :‬‬
‫اؿ أَقْػو ٍاـ يػتػنػَّزىو َف ع ِن الش ِ‬
‫ُّى ْم لَوُ َخ ْشيوَ) أخرجو مسلم‪ .‬ومن ذلك ما رواه أنس ‪‬‬ ‫َشد ُ‬‫َصنَػعُوُ؟ فَػ َواللَّ ِو إِ ّْين أ َْعلَ ُم ُه ْم بِاللَّ ِو َوأ َ‬
‫َّيء أ ْ‬
‫ْ‬ ‫اؿ‪َ " :‬ما بَ ُ َ ََ َ ُ َ‬ ‫فَ َح ِم َد اللَّوَ ٍُبَّ قَ َ‬
‫نفرا من أصحاب رسوؿ ا﵁ ‪ ‬سألوا أزواج رسوؿ ا﵁ ‪ ‬عن عملو ُب السر؟ فقاؿ بعضهم‪ :‬ال أتزوج النساء ‪ ،‬وقاؿ بعضهم‪ :‬ال آكل اللحم ‪،‬‬
‫أف ً‬
‫‪11‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫وقاؿ بعضهم‪ :‬ال أناـ على فراش‪ ،‬فبلغ ذلك النيب ‪ ، ‬فقاؿ‪" :‬ما باؿ أقواـ يقوؿ أحدىم كذا وكذا؟! لكٍت أصوـ وأفطر‪ ،‬وأناـ وأقوـ‪ ،‬وآكل اللحم‪،‬‬
‫وأتزوج النساء‪ ،‬فمن رغب عن سنيت فليس مٍت)‪.‬ومن ذلك ما رواه أبو سعيد اػبدري ‪ ‬قاؿ ‪ ( :‬ظبعت رسوؿ ا﵁ (‪ )‬يقوؿ على اؼبنرب ‪ :‬ما باؿ‬
‫أقواـ تقوؿ إف رحم رسوؿ ا﵁ (‪ )‬ال تنفع يوـ القيامة‪ ،‬وا﵁ إف رضبي ؼبوصولة ُب الدنيا واآلخرة‪ ،‬وإين أيها الناس فرط لكم على اغبوض )‪.‬‬
‫ومن ذلك ما روتو عائشة – رضي ا﵁ عنها – أف بريرة جاءت عائشة تستعينها ُب كتابتها ومل تكن قضت من كتابتها شيئًا‪ ،‬فقالت ؽبا عائشة –رضي‬
‫ا﵁ عنها‪ -‬ارجعي إىل أىلك فإف أحبوا أف أقضي عنك كتابتك ويكوف والؤؾ يل فعلت‪ ،‬فذكرت ذلك ألىلها فأبوا‪ ،‬وقالوا إف شاءت أف ربتسب‬
‫عليك فلتفعل ويكوف لنا والؤؾ‪ ،‬فذكرت ذلك للرسوؿ (‪ )‬فقاؿ ؽبا رسوؿ ا﵁‪ : ‬ابتاعي فاعتقي فإمبا الوالء ؼبن أعتق ٍب قاـ رسوؿ ا﵁ (‪)‬‬
‫فقاؿ‪ :‬ما باؿ أناس يشًتطوف شروطًا ليست ُب كتاب ا﵁‪ ،‬من اشًتط شرطًا ليس ُب كتاب ا﵁ فليس لو‪ ،‬وإف شرطو مئة مرة‪ ،‬شرط ا﵁ أحق وأوثق )‬
‫الصنف الثاين وىم العلماء‪ .‬إف الشريعة اإلسبلمية تبُت أف اػبطأ والنقص واعبهالة تعتلي البشر على ـبتلف أشكاؽبم وألواهنم وفئاهتم وأزماهنم‪ .‬قاؿ‬
‫مانعا لغَته‬
‫مانعا لصاحبو من اػبطأ‪ ،‬وال ً‬
‫أنس بن مالك – ‪ – ‬قاؿ رسوؿ ا﵁ (‪ ( : )‬كل بٍت آدـ خطاء وخَت اػبطاءين التوابوف )‪ .‬والعلم ليس ً‬
‫من االحتساب عليو فالعامل ىناؾ من ىو أعلم منو‪ ،‬كما إف ىناؾ من انتفع بعلمو واتقى‪ ،‬ومن اغًت بعلمو؛ فجهل واستعلى‪ ،‬فاالحتساب على‬
‫العلماء حقيقة واحتياجهم إليو واضح والعصمة غَت ثابتة ألحد من البشر سوى من عصمهم ا﵁ تعاىل عن الوقوع ُب اػبطأ من األنبياء والرسل‬
‫صلوات ا﵁ وسبلمو عليهم‪.‬‬
‫والعلماء درجات ومنازؿ ولقد أخذ ا﵁ ‪ ‬العهد واؼبيثاؽ على العلماء أف يبينوا ما وبتاجو غَتىم من بياف‪ ،‬وأف وبملوا دين ا﵁ إىل الناس‪ ،‬وىذا ما‬
‫سار عليو علماؤنا األجبلء كل منهم يساعد اآلخر فيما وبتاج إليو من جهة‪ ،‬ويسدده ُب جوانب النقص اليت عنده من جهة أخرى‪ ،‬ويبُت لو وجو‬
‫كثَتا إذا ما سيقت لو األخبار الواردة ُب تلك اؼبعصية اليت يقًتفها‪ ،‬فإف ذلك اجدى وأقبع ُب‬
‫اغبق إذا ما خفيت عنو‪ ،‬وإف العامل ا﵀تسب عليو يتأثر ً‬
‫التأثَت‪ .‬ومن ذلك إنكار أـ اؼبؤمنُت عائشة – رضي ا﵁ عنها – على مسروؽ‪ -‬رضبو ا﵁ – فعن عامر قاؿ أتى مسروؽ فقاؿ يا أـ اؼبؤمنُت ىل رأى‬
‫ؿبمدا (‪ )‬قد رأى ربو‬
‫ؿبمد (‪ )‬ربو‪ ،‬قالت سبحاف ا﵁ لقد قف شعري ؼبا قلت‪ ،‬أين أنت من ثبلث من حدثكهن فقد كذب‪ ،‬من حدثك أف ً‬
‫فقد كذب‪ٍ ،‬ب قرأت "ال تدركو األبصار وىو يدرؾ األبصار"‪ ،‬وما كاف من بشر إال يكلمو ا﵁ إال وحيًا أو من وراء حجاب‪ ،‬ومن أخربؾ دبا ُب غد‬
‫ؿبمدا (‪ )‬قد كتم فقد كذب ٍب قرأت "يا أيها‬
‫فقد كذب ٍب قرأت " إف ا﵁ عنده علم الساعة وينزؿ الغيث ويعلم ما ُب األرحاـ"‪ ،‬ومن أخربؾ أف ً‬
‫الرسوؿ بلغ ما أنزؿ إليك من ربك" ولكنو رأى جربيل ُب صورتو مرتُت)‪.‬‬
‫ومن ذلك إنكار أـ سلمة – رضي ا﵁ عنها – على أيب ىريرة – ‪ – ‬عن عبد ا﵁ بن شداد قاؿ ظبعت أبا ىريرة ‪ ‬وبدث مرواف قاؿ‪ ( :‬توضؤوا‬
‫فبا مست النار‪ ،‬قاؿ ‪ :‬فأرسل مرواف إىل أـ سلمة ‪-‬رضي ا﵁ عنها‪ -‬فسأؽبا فقالت هنص(يعٍت أخذ اللحم بأطراؼ االسناف) النيب (‪ )‬عندي كت ًفا‬
‫ٍب خرج إىل الصبلة ومل يبس ماء)‪.‬‬
‫ومن ذلك إنكار أـ سلمة على ظبرة بن جندب – رضي ا﵁ عنهما – عن األزدية قالت ‪ ( :‬حضيت فدخلت على أـ سلمة رضي ا﵁ عنها فقلت‪:‬‬
‫يا أـ اؼبؤمنُت‪ ،‬إف ظبرة بن جندب يأمر النساء بقضاء صبلة ا﵀يض‪ ،‬فقالت أـ سلمة ‪ :‬ال يقضُت‪ ،‬كانت امرأة من نساء النيب (‪ )‬تقعد ُب النفاس‬
‫أربعُت ليلة ال يأمرىا النيب (‪ )‬بقضاء صبلة النفاس ) واإلنكار على العلماء ال يقلل من قيمتهم أو مكانتهم‪.‬‬
‫صبيعا – عن أيب بكر قاؿ ( ظبعت أبا ىريرة ‪ ‬يقص يقوؿ ُب قصصو من‬
‫ومن ذلك إنكار عائشة وأـ سلمة على أيب ىريرة – رضي ا﵁ عنهم ً‬
‫أدركو الفجر جنبًا فبل يصم‪ ،‬فذكرت ذلك لعبد الرضبن بن اغبارث فأنكر ذلك‪ ،‬فانطلق عبد الرضبن وانطلقت معو حىت دخلنا على عائشة وأـ سلمة‬
‫– رضي ا﵁ عنهما – فسأؽبما عبد الرضبن عن ذلك فقالت كلتانبا ‪ :‬كاف النيب (‪ )‬يصبح جنبًا من غَت ُحلم ٍب يصوـ‪ ،‬قاؿ فانطلقنا حىت دخلنا‬
‫على مرواف فقاؿ لو ذلك عبد الرضبن‪ ،‬فقاؿ مرواف عزمت عليك إال ما ذىبت إىل أيب ىريرة فرددت عليو ما يقوؿ‪ ،‬قاؿ‪ :‬فجئنا أيب ىريرة ‪ ‬وأبو‬
‫بكر حاضر ذلك كلو‪ ،‬فذكر عبد الرضبن فقاؿ أبو ىريرة ‪ ‬أنبا قالتاه لك‪،‬قاؿ نعم ‪ ،‬قاؿ نبا أعلم‪ٍ ،‬ب رد أبو ىريرة ما كاف يقوؿ ُب ذلك إىل‬
‫الفضل بن العباس‪ ،‬فقاؿ أبو ىريرة ‪ ‬ظبعت ذلك من الفضل ومل أظبعو من النيب (‪ )‬قاؿ فرجع أبو ىريرة ‪ ‬فيما كاف يقوؿ ُب ذلك)‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫وقد دعا اغبجاج بن يوسف الثقفي فقهاء البصرة وفقهاء الكوفة‪ ،‬وكاف بينهم اغبسن البصري – رضبو ا﵁ – وقد كاف آخر من دخل‪ ،‬مرحبًا بأيب‬
‫سعيد ىلم إيل‪ٍ ،‬ب دعا بكرسي فوضع إىل جنب سريره فقعد عليو‪ ،‬فجعل اغبجاج يذاكرىم ويسأؽبم‪ٍ ،‬ب ذكر عليِّا بن أيب طالب ‪ ‬وناؿ منو فوافقو‬
‫اعبالسوف مقاربة لو‪ ،‬وفرقا من شره واغبسن ساكت عاض على إّٔامو‪ ،‬فقاؿ اغبجاج ‪ :‬يا أبا سعيد مايل أراؾ ساكتًا‪ ،‬فقاؿ ما عسيت أف أقوؿ‪ ،‬قاؿ‬
‫ِ‬
‫وؿ َعلَْي ُك ْم َش ِه ً‬
‫يدا َوَما َج َع ْلنَا‬ ‫الر ُس ُ‬ ‫ك َج َعلْنَا ُك ْم أ َُّمةً َو َسطًا لّْتَ ُكونُوا ُش َه َداءَ َعلَى الن ِ‬
‫َّاس َويَ ُكو َف َّ‬ ‫أخربين برأيك‪ُ،‬ب أيب تراب ظبعت ا﵁ ‪ ‬يقوؿ ﴿ َوَك َذل َ‬
‫يع إِيبَانَ ُك ْم‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫وؿ ِفبَّن ين َقلِب َعلَى َع ِقبػْيو ۚوإِف َكانَ ْ ِ ِ‬ ‫نت َعلَْيػ َها إَِّال لِنَػ ْعلَ َم َمن يػَتَّبِ ُع َّ‬ ‫ِ‬
‫الْقْبػلَةَ الَِّيت ُك َ‬
‫ين َى َدى اللَّػوُ َوَما َكا َف اللَّػوُ ليُض َ‬
‫ت لَ َكب ََتةً إَّال َعلَى الذ َ‬ ‫َ َ‬ ‫الر ُس َ َ ُ‬
‫َّاس لَرء ٌ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫يم ﴾ ‪.‬فعلي بن أيب طالب ‪ ‬فبن ىدى ا﵁‪ ،‬ومن أىل اإليباف‪ ،‬فأقوؿ ابن عم النيب (‪ ،)‬وختنو على ابنتو‪ ،‬وأحب‬ ‫وؼ َّرح ٌ‬ ‫ۚ إ َّف اللػوَ بالن ِ َ ُ‬
‫الناس إليو‪ ،‬وصاحب سوابق مباركة سبقت لو من ا﵁ ال تستطيع أنت وال أحد من الناس أف وبظرىا عليو‪ ،‬وال وبوؿ بينو وبينها‪ ،‬وأقوؿ إف كانت‬
‫قوال أعدؿ من ىذا‪ .‬فعبس وجو اغبجاج وتغَت وقاـ مغضبًا‪ ،‬فدخل بيتًا خلفو وخرج للقوـ‪ ،‬قاؿ عامر‬
‫لعلي ‪ ‬ىنات فا﵁ حسبو‪ ،‬وا﵁ ما أجد فيو ً‬
‫جالسا معهم فأخذت بيد اغبسن ‪-‬رضبو ا﵁‪ -‬فقلت يا أبا سعيد‪ ،‬أغضبت األمَت‪ ،‬وأوغرت صدره‪ ،‬فقاؿ‪ :‬إليك يا عامر‬
‫السعدي رضبو ا﵁‪ ،‬وكاف ً‬
‫يقوؿ الناس عامر الشعيب عامل أىل الكوفة‪ ،‬أتيت شيطانًا من شياطُت اإلنس تكلمو ّٔواه‪ ،‬وتقاربو ُب رأيو‪ ،‬ووبك يا عامر ىبل اتقيت ا﵁‪ ،‬إف سئلت‬
‫فصدقت أو سكت فسلمت‪ ،‬قاؿ عامر‪ :‬يا أبا سعيد‪ ،‬قد قلتها وأنا أعلم ما فيها‪ ،‬قاؿ اغبسن فذلك أعلن باغبجة عليك وأشد بالتبعة‪.‬‬
‫وكما تقرر ساب ًقا أف العلماء بشر‪ ،‬هبوز منهم الصواب واػبطأ‪ ،‬وكل يؤخذ من قولو ويرد إال اؼبصطفى (‪ .)‬وال كرب ُب االحتساب على العلماء‪،‬‬
‫فاالحتساب تلطف معهم‪ ،‬وإظهار وجو اغبق فيما أعوز بعضهم فهمو‪ ،‬أو زبلفوا عن تطبيقو وربقيقو‪ ،‬ولكن بأسلوب مؤدب‪ ،‬فبل تعنيف‪ ،‬وال‬
‫تشهَت‪ ،‬وال تنقص من قيمة ومكانة ىذا العامل‪ ،‬أو التعايل عليو وعلى مكانتو‪ ،‬وال بأس من آّادلة واستظهار األدلة باغبسٌت‪ْ ﴿ ،‬ادعُ إِ َىل َسبِ ِيل َربّْ َ‬
‫ك‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اغبِكْم ِة والْموعِظَِة ْ ِ‬
‫َح َس ُن ﴾ وليكن دافع ا﵀تسب ىو الرغبة فيما عند ا﵁ تعاىل وليست الرغبة ُب إظهار الشماتة ّٔذا‬ ‫اغبَ َسنَة َو َجاد ْؽبُم بِالَِّيت ى َي أ ْ‬ ‫ب ْ َ َ َْ‬
‫ِ‬
‫العامل‪ ،‬والبد للمحتسب أف يتذكر أف ُب استصبلح العامل ورجوعو فيما قصر عنو أو مل يبلغ وصولو أف ُب ذلك اػبَت كل خَت؛ ألنو يقتدي بو‪ ،‬وقد‬
‫يقلد فيما ذىب إليو‪.‬‬
‫المحاضرة الخامسة‬
‫صنف الوالدين؛ االحتساب على الوالدين‪،‬‬
‫أف اغباجة إليو ماسة من صبيع الناس‪ ،‬وال ىبلو أحد من االحتياج إىل التعرؼ على مشروعية االحتساب على الوالدين ودرجاتو وآدابو‪.‬‬
‫إف فبا ُوبَت اؼبرء اؼبسلم أف يرى أبويو أو أحدنبا يًتكاف ما أمر ا﵁ تعاىل ورسولو (‪ )‬بفعلو‪ ،‬أو يفعبلف ما هنى ا﵁ ‪ ‬ورسولو ‪ ‬عنو‪ ،‬وقد ال‬
‫يدري كيف يتصرؼ ُب مثل ىذه اغبالة‪ ،‬ىل يتقدـ فيأمرنبا باؼبعروؼ الذي تركاه‪ ،‬وينهاىم عن اؼبنكر الذي فعبله‪ ،‬أـ يًتكهما وشأهنما؟ ىبشى إف‬
‫قاـ باألمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر أف يغضبا فيغضب ا﵁ ‪ ‬لغضبهما‪ ،‬وإف تركهما وما نبا عليو من معصية اػبالق ‪ ، ‬ىباؼ من حلوؿ‬
‫نظرا إىل ذلك؛‬
‫ً‬ ‫سخط ا﵁ تعاىل وعذابو عليو وعليهما بسبب ترؾ االحتساب وارتكأّما اؼبعصية‪.‬‬
‫ىل للولد أف يأمر‬ ‫فإف البحث أو اغبديث ُب ىذه اغبلقات حوؿ موضوع االحتساب على الوالدين سيكوف على النحو التايل بإذف ا﵁ ‪:‬‬
‫أبويو باؼبعروؼ الذي تركاه وينهانبا عن اؼبنكر الذي فعبله؟‬
‫ما الدرجات اليت يستخدمها عند أمرنبا باؼبعروؼ وهنيهما عن اؼبنكر؟‬
‫نستعرض‬ ‫ما اآلداب اليت ال بد من مراعاهتا عند أمرنبا باؼبعروؼ وهنيهما عن اؼبنكر؟‬
‫بعض النصوص واألدلو الواردة ُب مشروعية االحتساب على الوالدين ‪ ،‬سواءً كانت داللة مباشرة أو استنباطًا من ىذا الدليل‪ ،‬فهناؾ عدة أدلة نقلية‬
‫(أ)‬ ‫وعقلية تدؿ على شرعية االحتساب على الوالدين‪ ،‬وفق العناوين أو اؼبوضوعات التالية‪-:‬‬
‫النصوص الدالة على شرعية االحتساب تشمل االحتساب على اعبميع‪( .‬ب) النصوص الدالة على فرضية االحتساب على األقارب‪( .‬ج ) قياـ‬

‫‪12‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫(ىػ) احتساب عبد‬ ‫خليل الرضبن إبراىيم عليو الصبلة والسبلـ باالحتساب على أبيو‪ ( .‬د ) قياـ رسوؿ ا﵁ (‪ )‬باالحتساب على أعمامو‪.‬‬
‫ا﵁ ‪ ‬بن عبد ا﵁ بن أيب على أبيو‪.‬‬
‫(و) احتساب سامل بن عبد ا﵁ – رضي ا﵁ عنهما – على أبيو تأخَته الصبلة ُب السفر‪.‬‬
‫(ز) تذكَت النيب (‪ )‬عند نسيانو‪ ،‬يدؿ على مشروعية االحتساب على الوالدين‪.‬‬
‫(ؾ)‬ ‫(ح) عظم حق الوالدين يقضي االىتماـ البالغ باالحتساب عليهما‪( .‬ط) احتساب اؼبرء على الوالدين فبا يقوي احتسابو على اآلخرين‪.‬‬
‫منزلة األبوين ُب األسرة تقضي العناية الفائقة باالحتساب عليهما‪.‬‬
‫ىذه ىي األدلة أو استعراض ؽبا على وجو اإلصباؿ أما التفصيل ُب ىذه العناصر فسيكوف على النحو التايل ‪-:‬‬
‫(أ) النصوص الدالة على شرعية االحتساب ‪:‬تشمل االحتساب على اعبميع‬
‫فبا يدؿ على مشروعية االحتساب على الوالدين‪ ،‬أف النصوص تدؿ على شرعية االحتساب تشمل صبيع أصناؼ الناس‪ ،‬دبا فيهم األبواف‪ ،‬فعلى سبيل‬
‫َّاس تَأْمرو َف بِالْمعر ِ‬
‫وؼ َوتَػْنػ َه ْو َف َع ِن الْ ُمن َك ِر َوتُػ ْؤِمنُو َف بِاللَّ ِػو ﴾ ‪.‬‬ ‫اؼبثاؿ قاؿ تعاىل‪ُ ﴿ :‬كنتم خيػر أ َُّم ٍة أُخ ِرج ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫ت للن ِ ُ ُ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ُ ْ ََْ‬
‫فبُت الرب ‪ ‬أف ىذه األمة أخرجت لنفع الناس‪ ،‬ونفعها إياىم بأمرىم باؼبعروؼ وهنيهم عن اؼبنكر‪ .‬قاؿ شيخ اإلسبلـ ابن تيمية – رضبو ا﵁ ‪" :‬بُت‬
‫ا﵁ ‪ ‬أف ىذه األمة خَت األمم للناس‪ ،‬فهم أنفعهم ؽبم‪ ،‬وأعظمهم إحسانًا إليهم؛ ألهنم كل خَت ونفع للناس بأمرىم باؼبعروؼ وهنيهم عن‬
‫أناسا دوف آخرين ينفعهم أفراد ىذه األمة‪ ،‬فهم ينفعوف آبائهم وأمهاهتم بأمرىم باؼبعروؼ وهنيهم عن اؼبنكر‪ ،‬كما‬
‫اؼبنكر"‪.‬ومل ىبصص اؼبوىل ‪ً ‬‬
‫ينفعوف غَتىم‪ .‬وىكذا شرط النيب (‪ )‬على جرير بن عبد ا﵁ ‪ ‬النصح لكل مسلم حُت جاء يبايعو‪ ،‬فقد روى اإلماـ البخاري عن جرير بن عبد‬
‫ا﵁ ‪ ‬قاؿ ‪" :‬أما بعد فإين أتيت النيب (‪ )‬قلت أبايعك على اإلسبلـ‪ ،‬فاشًتط علي والنصح لكل مسلم فبايعتو على ذلك"‪.‬وفبا ال شك فيو أف‬
‫األبوين اؼبسلمُت يدخبلف ُب من شرط ؽبم النيب (‪ )‬النصح وقت اؼببايعة‪ ،‬ومن النصح ؽبما األمر باؼبعروؼ إذا تركاه‪ ،‬وهنيهم عن اؼبنكر إذا فعبله‪،‬‬
‫أيضا من‬
‫يقوؿ اإلماـ النووي – رضبو ا﵁ – " ‪:‬وقد تطابق على وجوب األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر الكتاب والسنة وإصباع األمة"‪ .‬وىي ً‬
‫النصيحة اليت ىي الدين‪ ،‬فيأمر األبواف باؼبعروؼ وينهياف عن اؼبنكر‪ ،‬كما يؤمر وينهى غَتنبا دبوجب حديث جرير‪. ‬ويدؿ على شرعية االحتساب‬
‫على الوالدين كذلك ما أخرب بو النيب الكرًن (‪)‬فقد روى اإلماـ مسلم عن سبيم الداري ‪ ‬أف النيب (‪ )‬قاؿ ‪ ( :‬الدين النصيحة‪ ،‬قلنا ؼبن؟ قاؿ‪:‬‬
‫﵁ ولكتابو ولرسولو وألئمة اؼبسلمُت وعامتهم )‪.‬‬
‫فاألبواف اؼبسلماف داخبلف فيمن هبب النصح ؽبما على من أراد أف يكوف من أىل الدين‪ ،‬ومن النصح ؽبما كما مر سال ًفا أمرنبا باؼبعروؼ وهنيهما‬
‫أيضا ما أمر بو النيب‪ ‬من تغيَت اؼبنكر حيثما وجد‪ ،‬كل على قدر استطاعتو‪ ،‬فقد روى‬
‫عن اؼبنكر‪ ،‬وفبا يدؿ على مشروعية االحتساب على األبوين ً‬
‫منكرا فليغَته بيده‪ ،‬فإف مل يستطع فبلسانو‪ ،‬فإف مل‬
‫اإلماـ مسلم عن أيب سعيد اػبدري ‪ ‬قاؿ ( ظبعت رسوؿ ا﵁ (‪ )‬يقوؿ ‪ :‬من رأى منكم ً‬
‫أصبل‪ ،‬فيشمل كل من فعل‬
‫يستطع فبقلبو‪ ،‬وذلك أضعف اإليباف) ففي ىذا اغبديث الشريف مل ىبصص النيب (‪ )‬صاحب منكر بل مل يذكره ً‬
‫نصوصا أخرى كثَتة تدؿ على مشولية االحتساب على اعبميع دبا فيهم األبواف‪ ،‬ومل يرد ما يدؿ‬
‫ً‬ ‫منكرا‪ ،‬سواءً كاف أحد األبوين أـ غَتنبا‪ ،‬كما إف ىناؾ‬
‫ً‬
‫(ب)النصوص الدالة على فرضية‬ ‫على استثنائهما من احتسأّما‪ ،‬بل ورد ما يؤكد على القياـ باالحتساب عليهما‪.‬‬
‫االحتساب على األقارب‪.‬‬
‫إىل جانب النصوص العامة الدالة على مشروعية االحتساب على اعبميع‪ ،‬وردت نصوص تدؿ على مشروعية االحتساب بل على فرضية االحتساب‬
‫على األقارب‪ ،‬وفبا ال شك فيو أف أقرب أقارب اؼبرء أبواه‪ ،‬ومن تلك النصوص ما يلي‪:‬‬
‫ِ‬
‫‪ -1‬قولو تعاىل ‪َ ﴿ :‬وأَنذ ْر َع ِش ََتتَ َ‬
‫ك ْاألَقْػَربِ َ‬
‫ُت﴾ ‪ ،‬ففي ىذه اآلية الكريبة أمر ا﵁ تعاىل نبيو الكرًن (‪ )‬بأف يقوـ بإنذار عشَتتو األقربُت‪ ،‬والعشَتة ‪-‬‬
‫كما قاؿ االماـ الراغب األصفهاين‪ -‬صار اظبًا لكل صباعة من أقارب الرجل الذين يتكثر ّٔم‪ .‬وقد خصصهم ا﵁ تعاىل بالذكر لشدة االىتماـ ّٔم‪،‬‬

‫‪13‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫ك لِتَ ُكو َف ِم َن‬


‫ُت ‪َ ‬علَ ٰى قَػلْبِ َ‬ ‫ِ‬
‫وح ْاألَم ُ‬‫ُت ﴾ عطف على قولو ﴿نػََزَؿ بِِو ُّ‬
‫الر ُ‬
‫ِ‬
‫وُب ىذا يقوؿ الشيخ ابن عاشور ‪-‬رضبو ا﵁‪َ ﴿ : -‬وأَنذ ْر َع ِش ََتتَ َ‬
‫ك ْاألَقْػَربِ َ‬
‫ين ﴾ فهو زبصيص بعد تعميم لبلىتماـ ّٔذا اػباص‪ .‬ىذا وقد نفذ رسوؿ ا﵁ (‪ )‬ما أمره ا﵁ ‪‬بإنذار عشَتتو األقربُت‪.‬‬ ‫ِِ‬
‫الْ ُمْنذر َ‬
‫ِ‬
‫ُت"‪ .‬قاؿ ‪ :‬صبع النيب ‪ ‬أىل بيتو ‪ ،‬فاجتمع ثبلثوف ‪،‬‬ ‫فقد روى اإلماـ أضبد عن علي ‪ ‬قاؿ ‪( :‬ؼبا نزلت ىذه اآلية " َوأَنذ ْر َع ِش ََتتَ َ‬
‫ك ْاألَقْػَربِ َ‬
‫فأكلوا وشربوا ‪ .‬قاؿ ‪ :‬فقاؿ ؽبم ‪ :‬من يضمن عٌت ديٌت ومواعيدى ‪ ،‬ويكوف معى ُب اعبنة ‪ ،‬ويكوف خليفىت ُب أىلي ؟ فقاؿ رجل مل يسمو شريك ‪:‬‬
‫يا رسوؿ ا﵁ ‪ ،‬أنت كنت حبرا ‪ ،‬من يقوـ ّٔذا ! قاؿ ‪ٍ :‬ب قالو اآلخر ‪ ،‬قاؿ ‪ :‬فعرض ذلك على أىل بيتو ‪ ،‬فقاؿ على‪ : ‬أنا) كما قاـ النيب(‪)‬‬
‫خبطوة أخرى لتنفيذ أمر ربو ‪ ‬فصعد على الصفا وأنذر عشَتتو األقربُت‪ .‬وعن ابن عباس – رضي ا﵁ عنهما – قاؿ‪( :‬لَ َّما نػَزلَت ‪ ﴿:‬وأ ِ‬
‫َنذ ْر‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫اجتَ َم ُعوا إِلَْي ِو ‪ ،‬فَػ َق َ‬
‫اؿ ‪ :‬أ ََرأَيْػتُ ْم إِ ْف أ ْ‬
‫َخبَػ ْرتُ ُك ْم‬ ‫اح ْاه ‪ ،‬فَػ َقالُوا ‪َ :‬م ْن َى َذا ؟ فَ ْ‬ ‫صبَ َ‬ ‫ف ‪ :‬يَا َ‬ ‫صعِ َد َّ‬
‫الص َفا ‪ ،‬فَػ َهتَ َ‬ ‫وؿ ا﵁ ‪ ‬حىت َ‬ ‫ُت﴾ ‪َ ،‬خَر َج َر ُس ُ‬ ‫َع ِش ََتتَ َ‬
‫ك ْاألَقْػَربِ َ‬
‫اب ش ِد ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ك َك ِذبًا قَ َ‬ ‫اعبب ِل أَ ُكْنتم م ِ‬ ‫َف خيبل َزبْر ِ‬
‫يد ) ؛ فالصحابة (‬ ‫ُت يَ َد ْي َع َذ ٍ َ‬ ‫اؿ ‪ :‬فَإِ ّْين نَذ ٌير لَ ُك ْم بػَ ْ َ‬ ‫صدّْق َّي ؟ قَالُوا ‪ :‬نعم َما َجَّربْػنَا َعلَْي َ‬
‫ج م ْن َس ْف ِح َى َذا ََْ ُ ْ ُ َ‬ ‫أ َّ َ ْ ُ ُ‬
‫ِ‬
‫ت‪:‬‬ ‫ك َما َصبَ ْعتَػنَا إِال ؽبََذا ٍُبَّ قَ َاـ ‪ ،‬فَػنَػَزلَ ْ‬ ‫أصبعوف صدقوه تصديقا جازما ُب كل ما أخربىم عن ا﵁ ‪ ،‬أما اؼبشركوف فكذبوه حىت قاؿ لو عمو‪ ( :‬تَػبِّا لَ َ‬
‫ب﴾‬ ‫ت يَ َدا أَِيب َؽبَ ٍ‬
‫ب َوتَ َّ‬ ‫﴿تَػبَّ ْ‬
‫ِ‬
‫عن أيب ىريرة ‪ ‬قاؿ ( قاؿ رسوؿ ا﵁ (‪ )‬حُت أنزؿ ا﵁ ‪َ ﴿:‬وأَنذ ْر َع ِش ََتتَ َ‬
‫ك ْاألَقْػَربِ َ‬
‫ُت﴾ قاؿ‪ :‬يا معشر قريش‪ ،‬اشًتوا أنفسكم ال أغٍت عنكم من‬
‫ا﵁ شيئا‪ ،‬يا بٍت عبد مناؼ ال أغٍت عليكم من ا﵁ شيئا‪ ،‬يا عباس بن عبد اؼبطلب ال أغٍت عنك من ا﵁ شيء‪ ،‬يا صفية عمة رسوؿ ا﵁ (‪ )‬ال‬
‫أغٍت عنك من ا﵁ شيئا‪ ،‬يا فاطمة بنت ؿبمد (‪ )‬سليٍت ما شئت من مايل ال أغٍت عنك من ا﵁ شيئا)‪.‬‬
‫وفبا نستفيده من قياـ النيب (‪ )‬بإنذار عشَتتو األقربُت‪ ،‬كما مر ذكره ُب الروايتُت السابقتُت أنو أنذر عمومتو وعمتو‪ ،‬ومن اؼبعلوـ أف العم صنو األب‬
‫كما بُت ذلك رسوؿ ا﵁ (‪ )‬لنفسو‪ ،‬عن أيب ىريرة ‪ ‬أف النيب (‪ )‬قاؿ ( العباس عم رسوؿ ا﵁ (‪ )‬وإف عم الرجل صنو أبيو أو من صنو أبيو‬
‫) ومعٌت أف عم الرجل صنو أبيو‪ ،‬كما ذكر العبلمة اؼبباركفوري ‪-‬رضبو ا﵁‪ -‬أي مثلو يعٍت أصلهما واحد‪ ،‬فتعظيمو كتعظيمو وإيذاؤه كإيذائو‪.‬‬
‫َّاس‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ود َىا الن ُ‬
‫ين َآمنُوا قُوا أَن ُف َس ُك ْم َوأ َْىلي ُك ْم نَ ًارا َوقُ ُ‬
‫‪ -2‬وفبا يدؿ على فرضية االحتساب على األقارب كذلك‪ ،‬ومنهم األبواف قولو تعاىل ‪ ﴿ :‬يَا أَيػُّ َها الذ َ‬
‫صو َف اللَّػوَ َما أ ََمَرُى ْم َويػَ ْف َعلُو َف َما يػُ ْؤَمُرو َف ﴾ ففي ىذه اآلية الكريبة أمر ا﵁ ‪ ‬عباده اؼبؤمنُت بأف يقوا‬ ‫اغبِجارةُ علَيػها م َبلئِ َكةٌ غِ َبل ٌ ِ‬
‫ظ ش َد ٌاد َّال يػَ ْع ُ‬ ‫َو ْ َ َ َ ْ َ َ‬
‫أنفسهم وأىليهم من نار جهنم‪ ،‬فأما وقايتهم أنفسهم كما ذكر اغبافظ ابن اعبوزي ففي امتثاؿ األوامر واجتناب النواىي‪ ،‬وأما وقاية األىل فبأف‬
‫يُؤمروا بالطاعة وينهوا عن اؼبعصية‪ ،‬وقاؿ العبلمة ابن حياف األندلسي ‪" :‬ومعٌت وقايتهم ضبلهم على طاعتو وإلزامهم أداء ما فُرض عليهم" ىذا وقد‬
‫روى اإلماـ ابن جرير الطربي عن قتادة ‪-‬رضبو ا﵁‪ -‬أنو قاؿ‪ " :‬يقيهم أف يأمرىم بطاعة ا﵁ تعاىل وأف ينهاىم عن معصيتو وأف يقوـ عليهم بأمر ا﵁‬
‫يأمرىم بو ويساعدىم عليهم فإذا رأيت ﵁ معصية ردعتهم عنها وزجرهتم عنها"‪ .‬واؼبراد باألىل كما ذكر اإلماـ الراغب األصفهاين "أىل الرجل من‬
‫هبمعو وإياىم نسب أو دين أو ما هبري ؾبرانبا من صناعة وبيت وبلد"‪ .‬فأىل الرجل ُب األصل من هبمعو وإياىم مسكن واحد‪ٍ ،‬ب ذبوز بو فقيل‪:‬‬
‫أىل بيت الرجل ىم من هبمعو وإياىم نسب‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫‪ -3‬ومنو قولو تعاىل‪ ﴿ :‬يا أَيػُّها الَّ ِذين آمنُوا ُكونُوا قَػ َّو ِام ِ ِ‬
‫ُت بِالْق ْسط ُش َه َداءَ للَّػو َولَ ْو َعلَى أَن ُفس ُك ْم أَ ِو الْ َوال َديْ ِن َو ْاألَقْػَربِ َ‬
‫ُت﴾ ‪ ،‬ففي ىذه اآلية الكريبة أمر‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ا﵁ تعاىل عباده اؼبؤمنُت أف يقوموا بالقسط شهداء ﵁‪ ،‬ولو كاف على أنفسهم أو الوالدين واألقربُت‪ ،‬ومن القياـ بالقسط أف يأمر باؼبعروؼ إذا ظهر‬
‫أحدا من األقارب وُب ىذا يقوؿ اإلماـ الغزايل‬
‫تركو‪ ،‬وأف ينهى عن اؼبنكر إذا ظهر فعلو‪ ،‬حىت ولو كاف تارؾ اؼبعروؼ أو فاعل اؼبنكر أحد األبوين أو ً‬
‫– رضبو ا﵁ – ‪" :‬وذلك ىو األمر باؼبعروؼ للوالدين واألقربُت"‪ .‬وقاؿ الشيخ ابن داوود الصاغبي ‪ " :‬وىذه اآلية صروبة ُب األمر باؼبعروؼ والنهي عن‬
‫اؼبنكر‪ ،‬دالة على وجوبو حىت على الوالدين واألقربُت " ‪.‬‬
‫ب لِلتَّػ ْق َوى َواتػَّ ُقوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫‪ -4‬ومنها قولو ‪ ﴿ :‬يا أَيػُّها الَّ ِذين آمنُوا ُكونُوا قَػ َّو ِام ِ ِ‬
‫ُت للَّػو ُش َه َداءَ بالْق ْسط َوَال َْهب ِرَمنَّ ُك ْم َشنَآ ُف قَػ ْوـ َعلَى أََّال تَػ ْعدلُوا ْاعدلُوا ُى َو أَقْػَر ُ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫اللَّػوَ إِ َّف اللَّػوَ َخبَِتٌ ِدبَا تَػ ْع َملُو َف ﴾ ونقل عبلمة جبل الدين القاظبي ُب تفسَت اآلية عن بعض اؼبفسرين قولو‪" :‬شبرة اآلية الداللة على وجوب األمر‬

‫‪14‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫باؼبعروؼ‪ ،‬والنهي عن اؼبنكر‪ ،‬والقياـ بالقسط‪ ،‬يدخل فيو الشهادة بالعدؿ واغبكم بو‪ ،‬وكذلك الفتوى‪ ،‬وأف قوؿ اغبق ال يًتؾ وجوبو لعدو أو‬
‫لصديق‪ ،‬وال هبوز اتباع اؽبوى"‪.‬‬
‫المحاضرة السادسة‬
‫(ج )قياـ خليل الرضبن إبراىيم عليو السبلـ باالحتساب على أبيو‬
‫فبا يدؿ على مشروعية االحتساب على األبوين ما أخرب ا﵁ ‪ ‬عن قياـ خليلو إبراىيم ‪ ‬باالحتساب على أبيو آزر وقد ورد ذكر ىذا ُب عدة‬
‫سور من القرآف الكرًن ومنها ما يلي ‪:‬‬
‫ت ِمل تَػعب ُد ما َال يسمع وَال يػب ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب إِبػر ِاىيم إِنَّو َكا َف ِصدّْي ًقا نَّبِيِّا ‪ ‬إِ ْذ قَ َ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫صُر َوَال يػُ ْغ ٍِت‬ ‫اؿ ألَبِيو يَا أَبَ َ ْ ُ َ َ ْ َ ُ َ ُْ‬ ‫(‪ )1‬فقد جاء ُب سورة مرًن ‪َ ﴿ :‬واذْ ُك ْر ُِب الْكتَ ِ ْ َ َ ُ‬
‫ت َال تَػعب ِد الشَّيطَا َف إِ َّف الشَّيطَا َف َكا َف لِ َّلر ْضبػ ِن ع ِ‬ ‫ك فَاتَّبِع ٍِت أَى ِد َؾ ِصراطًا س ِويِّا ‪ ‬يا أَب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫صيِّا‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُْ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫نك َشْيئًا ‪ ‬يَا أَبَت إِ ّْين قَ ْد َجاءَِين م َن الْع ْل ِم َما َملْ يَأْت َ ْ ْ‬ ‫َع َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اف ولِيِّا ‪ ‬قَ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّك َو ْاى ُج ْرِين‬ ‫يم لَئِن َّملْ تَنتَ ِو َأل َْر ُصبَن َ‬
‫َنت َع ْن آؽبَِيت يَا إبْػَراى ُ‬
‫بأ َ‬ ‫اؿ أ ََراغ ٌ‬
‫ِ‬
‫الر ْضبَػ ِن فَػتَ ُكو َف للشَّْيطَ َ‬
‫اب ّْم َن َّ‬‫ك َع َذ ٌ‬ ‫اؼ أَف يبََ َّس َ‬
‫َخ ُ‬ ‫ِ‬
‫‪‬يَا أَبَت إِ ّْين أ َ‬
‫وف اللَّ ِػو َوأ َْد ُعو َرّْيب َع َسى أََّال أَ ُكو َف بِ ُد َع ِاء َرّْيب َش ِقيِّا‬ ‫ك رّْيب إِنَّو َكا َف ِيب ح ِفيِّا ‪ ‬وأ َْعتَ ِزلُ ُكم وما تَ ْدعو َف ِمن د ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ ََ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َستَػ ْغفُر لَ َ َ ُ‬
‫اؿ س َبلـ علَيك سأ ِ‬
‫َمليِّا ‪ ‬قَ َ َ ٌ َ ْ َ َ ْ‬
‫ِ‬

‫﴾ فبُت ‪ ‬أف إبراىيم ‪ ‬هنى أباه عن عبادة غَت ا﵁ الذي ال يسمع وال يبصر وال يغٍت عنو شيئاً‪ ،‬وقد جعل ا﵁ تعاىل لنا أسوة ُب خليلو إبراىيم‬
‫يم َحنِي ًفا َوَما َكا َف ِم َن‬ ‫‪ ، ‬وأمر نبينا الكرًن صلوات ريب وسبلمو عليو وإيانا باتباع ملتو‪ ،‬قاؿ ‪ٍ ﴿ :‬بَّ أَوحيػنا إِلَي ِ ِ ِ َّ ِ ِ‬
‫ك أَف اتَّب ْع ملةَ إبْػَراى َ‬‫ْ ََْ ْ َ‬
‫يم َحنِي ًفا ﴾ ‪.‬فبل شك أف على أفراد اؼبسلمُت أف يقوموا باالحتساب على اآلباء‪ ،‬إف كاف‬ ‫َّ ِ ِ َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َد َؽ اللػوُ فَاتَّب ُعوا ملةَ إبْػَراى َ‬
‫﴿قل َ‬‫ُت﴾ وقاؿ تعاىل ْ‬ ‫الْ ُم ْش ِرك َ‬
‫ىناؾ ما يقتضي ذلك‪ ،‬متأسُت ُب ذلك دبن أمروا ُب اتباع ملتو ‪.‬‬
‫ض َبل ٍؿ ُّمبِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اؿ إِبػر ِاى ِ ِ‬
‫ُت ﴾ ‪.‬فأخرب ا﵁ تعاىل عن إبراىيم‬ ‫ك ُِب َ‬ ‫يم ألَبِيو َآزَر أَتَػتَّخ ُذ أ ْ‬
‫َصنَ ًاما آؽبَةً إِ ّْين أ ََر َاؾ َوقَػ ْوَم َ‬ ‫(‪ )2‬ورد ُب سورة األنعاـ قولو ‪ِ :‬‬
‫﴿وإذ قَ َ ْ َ ُ‬
‫َ‬
‫أصناما آؽبة‪ ،‬مفعوالف لتتخذ واستفهاـ فيو معٌت‬ ‫‪ُ ‬ب ىذه اآلية أنو أنكر على أبيو آزر عبادة األصناـ‪ .‬قاؿ اإلماـ القرطيب ‪-‬رضبو ا﵁‪ ( : -‬أتتخذ ً‬
‫ض َبل ٍؿ ُّمبِ ٍ‬
‫ُت‬ ‫اإلنكار ) ومل يقتصر إبراىيم ‪ ‬على اإلنكار بل بُت علة اإلنكار كما جاء فيما ذكره ا﵁ تعاىل من قولو ألبيو ﴿ إِ ّْين أ ََرا َؾ َوقَػ ْوَم َ‬
‫ك ُِب َ‬
‫﴾‪ .‬يقوؿ القاضي أبو السعود –رضبو ا﵁– إين أراؾ وقومك ُب ضبلؿ مبُت اعبملة تعليل لئلنكار والتوبيخ‪ ،‬وقاؿ العبلمة ابن حياف األندلسي –رضبو‬
‫ا﵁– مبينًا داللة اآلية الكريبة‪ :‬وفيو دليل على اإلنكار على من أمر اإلنساف بإكرامو إذا مل يكن على طريقة مستقيمة وعلى البداءة دبن يقرب من‬
‫ِ‬
‫ُت ﴾ ‪.‬‬ ‫اإلنساف كما قاؿ ﴿ َوأَنذ ْر َع ِش ََتتَ َ‬
‫ك ْاألَقْػَربِ َ‬
‫نقبل عن بعض مفسري الزيدية ‪ ( :‬شبرة اآلية الداللة على وجوب النصيحة ُب الدين السيما لؤلقارب ) فإف من كاف أقرب فهو‬ ‫وذكر العبلمة القاظبي ً‬
‫ُت﴾ وقاؿ تعاىل ‪ ﴿ :‬قُوا أَن ُف َس ُك ْم َوأ َْىلِي ُك ْم نَ ًارا﴾ وقاؿ ‪ ( : ‬ابدأ دبن تعوؿ ) وؽبذا بدأ بعلي وخدهبة‬
‫ك ْاألَقْػَربِ َ‬
‫ِ‬
‫أىم وؽبذا قاؿ تعاىل ﴿ َوأَنذ ْر َع ِش ََتتَ َ‬
‫وزيد – رضي ا﵁ عنهم – وكانوا معو ُب الدار فآمنوا وسبقوا ٍب بسائر قريش ٍب بالعرب ٍب باؼبوايل وبدأ إبراىيم ‪ ‬بأبيو وقومو‪ .‬وقاؿ الشيخ ؿبمد‬
‫بُت أضبد العدوي مبينًا ما يستفاد من إنكار إبراىيم ‪ ‬على أبيو ‪ " :‬يرينا ا﵁ تعاىل أف نيب ا﵁ رأى أباه وقومو يعبدوف األصناـ‪ ،‬فأنكر عليهم‪ ،‬ومل‬
‫سبنعو األبوة من ذلك اإلنكار لَتينا أنو مل يكن من األدب مع اآلباء تركهم وما ىم فيو من باطل تأدبًا معهم وإلف كاف ذلك العمل مغضبًا لآلباء‪،‬‬
‫فهو مغضب للرب وحق ا﵁ تعاىل فوؽ حق اآلباء )‪.‬‬

‫(د)قياـ رسوؿ ا﵁ ‪ ‬باالحتساب على أعمامو ‪:‬‬


‫وفبا يدؿ على مشروعية االحتساب على الوالدين ما قاـ بو النيب الكرًن ‪ ‬من احتساب على أعمامو‪ ،‬ومن الشواىد الدالة على ذلك ‪:‬‬
‫ِ‬
‫ُت ﴾‪.‬‬ ‫أوال ‪ :‬قاـ النيب بإنذار أعمامو وعمتو صفية – رضي ا﵁ عنهم – ؼبا أنزؿ ا﵁ تعاىل ﴿ َوأَنذ ْر َع ِش ََتتَ َ‬
‫ك ْاألَقْػَربِ َ‬ ‫ً‬
‫ثانيًا‪ :‬احتسب النيب ‪ ‬على عمو أيب طالب حُت حضره اؼبوت حيث أمره النيب ‪ ‬باإلقرار بالتوحيد‪ ،‬فقد روى اإلماـ البخاري عن سعيد بن‬
‫اؼبسيب عن أبيو أنو أخربه ‪( :‬ؼبا حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسوؿ ا﵁ ‪ ‬وعنده عبد ا﵁ بن أيب أمية وأبو جهل فقاؿ يا عم قل ال إلو إال ا﵁‬

‫‪15‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫كلمة أحاج لك ّٔا عند ا﵁ فقاال لو‪ :‬أترغب عن ملة عبد اؼبطلب؟ فأعاد عليو النيب ‪ ‬فأعادا فكاف آخر ما قاؿ ىو على ملة عبد اؼبطلب وأىب أف‬
‫يقوؿ ال الو إال ا﵁ فقاؿ النيب ‪ :‬ألستغفرف لك ما مل أنو عنك) وقد جاء النهي عن االستغفار للمشركُت ُب سورة التوبة‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬مرض العباس بن عبد اؼبطلب فتمٌت اؼبوت فاحتسب عليو النيب ‪ ‬حيث هناه عن ذلك‪ ،‬فقد روى اإلماماف أضبد وأبو يعلى عن أـ الفضل بن‬
‫عباس – رضي ا﵁ عنهم – قالت ‪ ( :‬دخل رسوؿ ا﵁ ‪ ‬على عمو وىو شاكن يتمٌت اؼبوت للذي ىو فيو من مرضو؛ فضرب رسوؿ ا﵁ ‪ ‬بيده‬
‫خَتا يكوف ذلك فهو خَت لك‪ ،‬وإف تبق تستأنس تعتب من شيء‬
‫على صدر عباس ٍب قاؿ ‪ :‬ال تتمن اؼبوت يا عم رسوؿ ا﵁‪ ‬فإنك إف تبق ذبد ً‬
‫يكوف ذلك خَت لك ) ومراد اغبديث أف النيب ‪ ‬هنى عمو العباس بن عبد اؼبطلب عن سبٍت اؼبوت مبينًا حكمة ىذا النهي‬
‫أيب على أبيو ‪-:‬‬
‫(ىػ)احتساب عبد ا﵁ – ‪ – ‬ابن عبد ا﵁ بن ّ‬
‫وفبا يدؿ على مشروعية االحتساب على الوالدين ما قاـ بو عبد ا﵁ – ‪ – ‬بن عبد ا﵁ بن أيب بن سلوؿ باإلنكار على أبيو الذي أساء األدب مع‬
‫رسوؿ ا﵁ ‪ ‬فقد روى اإلماـ الًتمذي عن عمرو بن دينار أنو ظبع جابر بن عبد ا﵁ – ‪ – ‬وىو يقوؿ ( كنا ُب غزاة فكسع رجل من اؼبهاجرين‬
‫رجبل من األنصار‪ - ،‬ومعٌت كسع أي ضرب دبره بيده أو بصدر قدميو‪ ،-‬فقاؿ اؼبهاجري ‪ :‬يا للمهاجرين‪ ،‬وقاؿ األنصاري يا لؤلنصار‪ ،‬فسمع ذلك‬
‫ً‬
‫رجبل من األنصار‪ ،‬فقاؿ النيب ‪ ‬دعوىا فإهنا منتنة) وُب قوؿ الرسوؿ ‪‬‬
‫رجبل من اؼبهاجرين قد كسع ً‬
‫النيب ‪ ‬فقاؿ ‪ :‬ما باؿ دعوى اعباىلية‪ ،‬قالوا ً‬
‫ما باؿ دعوى اعباىلية أي ما شأهنا‪ ،‬وىو ُب اغبقيقة منع وإنكار لقوؿ يا لفبلف وكبوه‪ ،‬قاؿ‪ (:‬فسمع ذلك عبد ا﵁ بن أيب بن سلوؿ فقاؿ أوقد‬
‫فعلوىا؟‪ ،‬لئن رجعنا إىل اؼبدينة ليخرجن األعز منها األذؿ فقاؿ عمر – ‪ – ‬يا رسوؿ ا﵁ دعٍت أضرب عنق ىذا اؼبنافق‪ ،‬فقاؿ النيب ‪: ‬دعو فبل‬
‫ؿبمدا ‪ ‬يقتل أصحابو )‬
‫يقوؿ الناس أف ً‬
‫وقاؿ عمرو بن دينار فقاؿ لو ابن عبد ا﵁ بن عبد ا﵁‪ ( :‬وا﵁ ال تنقلب (أي ال ترجع) حىت تقر أنك الذليل ورسوؿ ا﵁ ‪ ‬العزيز ففعل ) وُب رواية‬
‫أف عبد ا﵁ – ‪ – ‬ابن عبد ا﵁ بن أيب استأذف النيب ‪ُ ‬ب قتل أبيو بسبب إساءتو األدب معو لكنو ‪ ‬مل يأذف لو وقاؿ ‪ :‬ال بل بُر أباؾ وأحسن‬
‫صحبتو ) واػببلصة أف عبد ا﵁ – ‪ – ‬بن عبد ا﵁ بن أيب بن سلوؿ أنكر على والده ؼبا أساء األدب مع النيب ‪ ‬ومل ينكر عليو النيب ‪ ‬احتسابو‬
‫ذلك على أبيو‪.‬‬
‫(و) احتساب سامل بن عبد ا﵁ – رضي ا﵁ عنهما – على أبيو تأخَته الصبلة ُب السفر ‪:‬‬
‫ما ثبت من احتساب سامل بن عبد ا﵁ بن عمر – رضي ا﵁ عنهم – على أبيو تأخَته صبلة اؼبغرب فقد روى اإلماـ البخاري عن سامل قاؿ ‪ ( :‬أخر‬
‫بن عمر رضي ا﵁ عنهما اؼبغرب وكاف استصرخ على امرأتو صفية بنت أيب عبيد ومعٌت استصرخ أي أخرب دبوت زوجتو صفية بنت أيب عبيد وىي‬
‫أخت ـبتار الثقفي وىو من الصراخ وأصلو االستغاثة بصوت مرتفع وكاف ذلك ُب طريق مكة‪ ،‬قاؿ‪ :‬فقلت لو الصبل َة‪ ،‬بالنصب على اإلغراء‪ ،‬أي‬
‫الصبلة حضرت‪ ،‬قاؿ‪ :‬الصبلةُ وهبوز الرفع على االبتداء أي الصبلة حضرت وهبوز الرفع على اػبربية أي ىذه الصبلة أي وقت الصبلة‪ ،‬فقلت لو‪:‬‬
‫الصبلة‪ ،‬فقاؿ‪ :‬سر‪ ،‬فقلت‪ :‬الصبلة‪ ،‬فقاؿ‪ :‬سر‪ ،‬حىت سار ميلُت أو ثبلثة ٍب نزؿ فصلى ٍب قاؿ ىكذا رأيت النيب ‪ ‬يصلي إذا أعجلو السَت‪ .‬لقد‬
‫كاف سامل – رضبو ا﵁ تعاىل – يظن أف أوقات الصلوات تراعى ُب السفر كمراعاهتا ُب اغبضر فلما رأى أف أباه قد أخر صبلة اؼبغرب عن وقتها‬
‫احتسب عليو‪ ،‬وذكر إياه أف وقتها قد حضر وأف عليو أف يؤديها ُب وقتها ومل يقف سامل باحتسابو على والده عند تنبيهو مرة واحدة بل ذكره مرتُت‪.‬‬
‫وقاؿ ابن حجر – رضبو ا﵁ – تعلي ًقا على قوؿ سامل – رضبو ا﵁ تعاىل – فقلت لو الصبلة على قولو فيو ما كانوا عليو من مراعاة أوقات العبادة ومل‬
‫يستنكر عبد ا﵁ بن عمر – رضي ا﵁ عنهما – أصل احتساب ابنو سامل عليو‪ ،‬بل َّبُت أف مستند تأخَته ُب السفر تأخَت النيب ‪ ‬إياىا ُب السفر‪.‬‬
‫(ز)تذكَت النيب ‪ ‬عند نسيانو يدؿ على مشروعية االحتساب على الوالدين‪:‬‬
‫فبا يدؿ على مشروعية االحتساب على الوالدين ما دلت عليو عدة نصوص من مشروعية تذكَت النيب ‪ ‬وسبلمو عليو إذا سها أو نسي ومن تلك‬
‫النصوص ما يلي‪:‬‬

‫‪16‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫أوال‪ :‬روى اإلماماف أبا داوود وابن حبانة عن اؼبسور بن يزيد اؼبالكي أف رسوؿ ا﵁ ‪ ‬قاؿ ( شهدت رسوؿ ا﵁ ‪ ‬يقرأ ُب الصبلة وترؾ شيئًا مل‬
‫ً‬
‫يقرأه‪ ،‬فقاؿ رجل‪ :‬يا رسوؿ ا﵁‪ ،‬قد تركت آية كذا وكذا‪ ،‬فقاؿ رسوؿ ا﵁ ‪ :‬ىبل ذكرتنيها‪ ،‬وُب رواية قاؿ‪ :‬ظننت أهنا قد نسخت‪ ،‬قاؿ‪ :‬فإهنا مل‬
‫تنسخ ) ففي ىذا اغبديث الشريف مل يقتصر النيب ‪ ‬على إقرار وتنبيو الصحايب إياه على تركو إياه آية أثناء القراءة ُب الصبلة فحسب‪ ،‬بل حرص‬
‫النيب ‪ ‬على تنبيهو إذا نسي ُب وقتو‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬وقد روى اإلماماف أبو داوود وابن حباف عن عبد ا﵁ بن عمر رضي ا﵁ عنهما أف النيب ‪ ‬صلى صبلة فقرأ فيها فلبس عليو‪ ،‬أي التبس‬
‫واختلط عليو ومنو قوؿ تعاىل ( ولبسنا عليهم ما يلبسوف ) وُب بعض النسخ بضم البلـ وتشديد اؼبوحدة مكسورة‪ ،‬وقاؿ اؼبنذري لبس بالتخفيف‪ ،‬أي‬
‫مع ضم البلـ وكسر اؼبوحدة‪ ،‬قاؿ فلبس عليو فلما انصرؼ قاؿ أليب – ‪ – ‬أصليت معنا؟ قاؿ‪ :‬نعم‪ ،‬قاؿ‪ :‬ما منعك؟‪ .‬ففي ىذا اغبديث‬
‫الشريف بُت النيب ‪ ‬أليب بن كعب – ‪ – ‬أنو كاف عليو تذكَته ‪ ‬عندما لبس عليو ُب القراءة‪ ،‬قاؿ ابن اػبطايب – رضبو ا﵁‪ -‬قلت ‪ ":‬معقوؿ‬
‫أنو أراد بو ما منعك أف تفتح علي إذ رأيتٍت قد لبس علي؟"‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬وروى اإلماـ البخاري عن أيب ىريرة – ‪ ‬قاؿ ‪ ( :‬صلى النيب ‪ ‬الظهر ركعتُت‪ ،‬فقيل قد صليت ركعتُت‪ ،‬فصلى ركعتُت ٍب سلم‪ٍ ،‬ب سجد‬
‫سجدتُت ) وفبا يدؿ عليو اغبديث الشريف أف النيب ‪ ‬قد نسي ُب الصبلة فنبو على نسيانو‪ ،‬فأخذ بالتنبيو صلوات ريب وسبلمو عليو‪.‬‬
‫ابعا ‪ :‬وروى ابن حباف من حديث عبد ا﵁ بن سبلـ – ‪ – ‬قصة زيد بن سعنة وفبا جاء فيها أنو أخذ دبجامع قميص النيب ‪ ‬وأغلظ لو القوؿ‪،‬‬
‫رً‬
‫طالبًا ما كاف ُب ذمة النيب ‪ ‬قبل حلوؿ األجل بيوـ أو بيومُت أو يومُت أو ثبلثة‪ ،‬وشاىد ذلك عمر بن اػبطاب – ‪ – ‬فنظر إليو غاضبًا ‪ :‬أي‬
‫عدو ا﵁ أتقوؿ لرسوؿ ا﵁ ‪ ‬ما أظبع وتفعل بو ما أرى؟ فلوال والذي بعث باغبق لوال ما أحاذر فوتو ( والفوت ىو السبق ) لضربت بسيفي ىذا‬
‫عنقك‪ ،‬ورسوؿ ا﵁ ‪ ‬ينظر ُب سكوف وتؤدة ٍب قاؿ ‪ :‬إنا كنا أحوج إىل غَت ىذا منك يا عمر أف تأمرين حبسن األداء وتأمره حبسن اتباعو – أي‬
‫طلب الدين‪.‬‬
‫وفبا قبد ُب ىذا اغبديث الشريف أف النيب ‪ ‬أمر عمر بن اػبطاب – ‪ – ‬بأف يأمره حبسن األداء فإذا كاف النيب ‪ ‬وىو سيد األولُت واآلخرين‬
‫تنبيها ينبهو على النسياف ُب الصبلة‪ ،‬ويأمر بأف يؤمر حبسن األداء فلما ال‬
‫وبث على تنبيهو إذا نسي ويأمر بتذكَته إذا التبس عليو ُب القراءة‪ ،‬ويقبل ً‬
‫يذكر من ىو دونو إذا نسي‪ ،‬وينبو إذا سها‪ ،‬وؼبا ال يؤمر من ىو دونو باؼبعروؼ إذا تركو وينهى عن اؼبنكر إذا فعلو‪ ،‬فإذا كاف التأدب مع النيب ‪‬‬
‫اليبنع من تنبيهو وتذكَته إذا سها أو نسي فكيف يبنع االحتساب على غَته كائنًا من كاف؛ ألف صبيع من سواه دبا فيهم الوالداف دونو ُب اؼبنزلة‪ ،‬وىذا‬
‫قد ترجم اإلماـ ابن حباف اغبديث السابق الذي فيو أمر النيب ‪ ‬عمر بن اػبطاب – ‪ – ‬بأف يأمره حبسن األداء بقولو‪ :‬ذكر االستحباب للمرء‬
‫أف يأمر باؼبعروؼ من ىو فوقو ومثلو ودونو ُب الدين والدنيا‪ ،‬إذا كاف قصده فيو النصيحة دوف التعيَت‪.‬‬

‫المحاضرة السابعة‬
‫(ح)عظم حق األبوين الذي يقتضي االىتماـ البالغ باالحتساب عليهما‬
‫حيث أف االحتساب ؼبصلحة من يؤمر باؼبعروؼ أو ينهى عن اؼبنكر‪ ،‬وذلك ألف تارؾ اؼبعروؼ أو فاعل اؼبنكر يعرض نفسو لسخط ا﵁ تعاىل‬
‫وعذابو‪ ،‬حيث ترؾ ما أمر بو ا﵁ تعاىل أو رسولو ‪ ‬فعلو أو فعل ما هنى ا﵁ تعاىل أو رسولو عن فعلو‪ ،‬ويأمر ا﵀تسب باؼبعروؼ الذي تركو وينهاه عن‬
‫اؼبنكر الذي فعلو‪ ،‬كي يسلم من غضب ا﵁ تعاىل وعقابو‪.‬‬
‫قاؿ اإلماـ الغزايل – رضبو ا﵁ تعاىل – ُب تعريف اغبسبة ‪ " :‬اغبسبة عبارة عن اؼبنع عن منكر ُب حق ا﵁ صيانة للممنوع عن مقارفة اؼبنكر"‪ ،‬فبُت‬
‫رضبو ا﵁ تعاىل أف ىدؼ ا﵀تسب من وراء احتسابو وقاية من يبنعو عن ارتكاب اؼبنكر‪ ،‬فخبلصة الكبلـ أف األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر ؼبنفعة‬
‫من يؤمر باؼبعروؼ وينهى عن اؼبنكر‪ ،‬وحق من تراعى مصاغبهم وأوالىم األبواف ؼبا ؽبما من حق عظيم على األوالد‪ ،‬وفبا يدؿ على ىذا ما رواه‬
‫اإلماـ البخاري ‪-‬رضبو ا﵁– عن أيب ىريرة ‪ ‬قاؿ ‪ ( :‬جاء رجل إىل رسوؿ ا﵁ ‪ ‬فقاؿ‪ :‬يا رسوؿ ا﵁‪ ،‬من أحق الناس حبسن صحابيت؟ قاؿ‪ :‬أمك‪،‬‬

‫‪17‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫قاؿ‪ٍ :‬ب من؟ قاؿ‪ :‬أمك‪ ،‬قاؿ‪ٍ :‬ب من؟ قاؿ أمك‪ ،‬قاؿ ٍب من؟ قاؿ‪ :‬أبوؾ ) ويدؿ على ىذا كذلك ما رواه األئمة أضبد والبخاري وابن ماجة واغباكم‬
‫عن اؼبقداـ بن معدي كرب ‪ : ‬أف رسوؿ ا﵁ ‪ ‬قاؿ ‪ ( :‬إف ا﵁ يوصيكم بأمهاتكم ثبلثًا‪ ،‬إف ا﵁ يوصيكم بآبائكم‪ ،‬إف ا﵁ يوصيكم باألقرب‬
‫فاألقرب )‪ .‬وىذا يقتضي أف يكوف االىتماـ بأمر الوالدين باألمر باؼبعروؼ الذي تركاه‪ ،‬وهنيهما من اؼبنكر الذي فعبله‪ ،‬أكثر وأشد وأعظم من‬
‫غَتنبا‪،‬‬
‫يقوؿ الشيخ عمر السناين – رضبو ا﵁ – مبينًا لضرورة االحتساب على األبوين ‪" -:‬واعلم أف األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر ال يسقط حبق األبوة‬
‫واألمومة؛ ألف النصوص مطلقة‪ ،‬وألف ُب األمر باؼبعروؼ‪ ،‬والنهي عن اؼبنكر اؼبنفعة للمأمور واؼبنهي‪ ،‬واألب واألـ أحق أف يوصل الولد إليهما اؼبنفعة‪،‬‬
‫وقاؿ الشيخ العدوي مبينًا حكمة شرعية االحتساب على األب ‪" :‬إف األب قد أحسن إىل ولده اإلحساف كلو بًتبيتو واإلنعاـ عليو‪ ،‬فقد كاف من‬
‫البلئق مكافأتو على ذلك اإلحساف‪ ،‬وإف أكرب اإلحساف لؤلب دعوتو إىل ما فيو سعادتو وإنقاذه من النار"‪.‬‬
‫مثاال إلدراؾ ضرورة االحتساب على الوالدين وأنبيتو‪ ،‬ىناؾ حريق ُب غرفة األبوين وتكاد النار سبسهما بل ربرقهما وتأكلهما‪ ،‬وولدنبا‬
‫ولنضرب ً‬
‫جالسا ُب غرفتو تارًكا أبويو تأكلهما النار قد‬
‫جالس ُب غرفة أخرى من اؼبنزؿ‪ ،‬ماذا هبب على الولد ذباه أبويو ُب ىذه اغبالة؟ ىل الولد الذي يبقى ً‬
‫أدى حق األـ اليت ضبلتو وىنًا على وىن وأرضعتو حولُت كاملُت‪ ،‬وآثرتو على نفسها ُب الشدائد والكرب؟ ىل أدى مثل ىذا الولد حق والده الذي‬
‫بارا بأبويو؟ كبل ورب الكعبة‪ ،‬فالوالداف اللذاف‬
‫يتحمل اؼبشاؽ لكسب ما يوفر لو بو ما وبتاجو‪ ،‬ويتجشم الصعوبات لًتبيتو؟ ىل يعد مثل ىذا الولد ً‬
‫يًتكاف ما فرض ا﵁ تعاىل عليهما‪ ،‬ويفعبلف ما حرمو ا﵁ تعاىل عليهما يقًتباف من نار جهنم اليت فضلت على النار الدنيا بتسعة وتسعُت جزءًا كلهن‬
‫مثل حرىا‪ ،‬فماذا ينبغي أف يكوف موقف ولد بار ذباه مثل ىذين األبوين‪.‬‬
‫(ط)احتساب اؼبرء على األبوين يقوي احتسابو على اآلخرين‪:‬‬
‫إف االحتساب على األبوين أمثل للطعن فيمن أمر الناس باؼبعروؼ وهناىم عن اؼبنكر‪ ،‬وال ننسى أف الناس يراقبوف من يأمرىم باؼبعروؼ وينهاىم عن‬
‫اؼبنكر‪ ،‬فإذا وجدوه يأمر أبويو دبا يأمرىم بو‪ ،‬وينهانبا عن ما ينهاىم عنو قوي احتسابو لديهم‪ ،‬والتفت الطعن عنو حيث مل يفرؽ بُت القريب والبعيد‬
‫ُب احتسابو‪ ،‬وقد أشار إىل ىذا علماء األمة –رضبهم ا﵁ تعاىل–فعلى سبيل اؼبثاؿ قاؿ اإلماـ الرازي ُب تفسَت قولو تعاىل ‪﴿ :‬فَ َبل تَ ْدعُ َم َع اللَّ ِػو إِلَػٰ ًها‬
‫ِ‬
‫ُت ‪َ ‬وأَنذ ْر َع ِش ََتتَ َ‬
‫ك ْاألَقْػَربِ َ‬
‫ُت﴾‬ ‫ِ‬
‫آخَر فَػتَ ُكو َف م َن الْ ُم َع َّذبِ َ‬
‫َ‬
‫أوال ٍب باألقرب فاألقرب‪،‬‬
‫بدأ ا﵁ ‪ ‬بالرسوؿ ‪ ‬فتوعده إف دعا مع ا﵁ إؽبًا آخر ٍب دعاه بدعوة األقرب فاألقرب‪ ،‬وذلك ألنو إف تشدد على نفسو ً‬
‫وقاؿ الشيخ ؿبمد‬ ‫مل يكن ألحد طعن البتة‪ ،‬وكاف قولو أنفع وكبلمو أقبح‪.‬‬
‫العدوي مبينًا حكمة دعوة إبراىيم عليو السبلـ ألبيو ومن فوائد دعوة إبراىيم ‪-‬عليو السبلـ‪ -‬ألبيو أف يقيم اغبجة على قومو حىت ال يقولوا ؼباذا يدع‬
‫أقاربو ُب ضبلؽبم ويدعونا‪ ،‬أليس من البلئق أف يفرؽ بُت قريب وبعيد إذا كاف ما يقولو ح ًقا‪ ،‬فلكي تنقطع أعذارىم دعا أباه إىل عبادة ا﵁ وحده‪ٍ ،‬ب‬
‫دعا قومو‪ٍ ،‬ب أضاؼ الشيخ العدوي قولو‪ ":‬ولردبا كاف ىذا السر ُب تكليف نبينا ؿبمد ‪ ‬بإنذار عشَتتو األقربُت قبل إنذار قومو‪ ،‬وقد صدع باألمر‬
‫وأخذ هبمعهم وىبوفهم من ا﵁‪ ،‬ويريهم أنو ال يغٍت عنهم من عذاب ا﵁ شيئًا إذا ىم خالفوه" وأخذ يقوؿ ‪ ( :‬يا عباس بن عبد اؼبطلب ال أغٍت عنك‬
‫من ا﵁ شيئا‪ ،‬يا صفية عمة رسوؿ ا﵁‪ ‬ال أغٍت عنك من ا﵁ شيئًا‪ ،‬ويا فاطمة بنت ؿبمد سليٍت ما شئت من مايل ال أغٍت عنك من ا﵁ شيئًا)‬
‫وىكذا ؼبا أعلن رسوؿ ا﵁ ‪ُ ‬ب خطبتو بوادي ُعرنة ُب حجة الوداع إبطاؿ أعماؿ اعباىلية بدأ بإبطاؿ ما كاف ىبص أقاربو وعمو العباس بن عبد‬
‫اؼبطلب ‪ ‬فقد روى اإلماـ مسلم عن جابر ‪ ‬قاؿ ‪ :‬فقد أتى رسوؿ ا﵁ ‪ ‬بطن الوادي‪ ،‬وىو وادي ُعرنة‪ ،‬فخطب الناس فقاؿ‪( :‬إِ َّف ِد َماءَ ُك ْم‬
‫اىلِيَّ ِة‬
‫اعب ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأَموالَ ُكم حراـ علَي ُكم َكحرم ِة يػوِم ُكم ىذا ُب َشه ِرُكم ىذا ُب بػلَ ِد ُكم ىذا‪ ،‬أال ُك ُّل َشي ٍء من أَم ِر ْ ِ ِ ِ‬
‫وع‪َ ،‬ود َماءُ َْ‬
‫ض ٌ‬‫ت قَ َد َم َّي َم ْو ُ‬‫اعبَاىليَّة َْرب َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ ْ َ ْ ََ ٌ َ ْ ْ ُ َْ َْ ْ‬
‫ث كاف مستػر ِضعاً ُب ب ٍِت سع ٍد فَػ َقتػلَْتو ى َذيل‪ ،‬وِربا ْ ِ ِ ِ‬ ‫اغبا ِر ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َض ُع ِربَانَا‬
‫ضوعٌ‪َ ،‬وأ ََّو ُؿ ِرباً أ َ‬
‫اعبَاىليَّة َم ْو ُ‬ ‫َ َْ َ ُ ُ ٌْ َ َ‬ ‫ُ َْْ‬ ‫وعةٌ‪َ ،‬وإِ َّف أ ََّو َؿ َدٍـ أ َ‬
‫َض ُع من د َمائنَا َد ُـ ابن َربِ َيعةَ بن َْ‬ ‫ض َ‬ ‫َم ْو ُ‬
‫ضوعٌ ُكلُّوُ)‪.‬وقبد ُب ىذه اػبطبة أف أوؿ أعماؿ اعباىلية اليت أبطلها رسوؿ ا﵁ ‪ ‬ما كاف متعل ًقا بعمو العباس –‬ ‫اس بن عبد الْمطَّلِ ِ‬
‫ب فإنو َم ْو ُ‬ ‫ِربَا َعبَّ ِ‬
‫ُ‬
‫رضي ا﵁ عنو‪ -‬قاؿ اإلماـ النووي –رضبو ا﵁‪ -‬تعلي ًقا على قولو ‪ ( ‬أال كل شيء فإنو موضوع كلو ) ‪ُ :‬ب ىذه اعبملة إبطاؿ ألفعاؿ اعباىلية‬

‫‪18‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫ووضعها اليت مل يتصل ّٔا قبض‪ ،‬وأنو ال قصاص ُب قتلها‪ ،‬وأف اإلماـ وغَته من يأمر دبعروؼ أو ينهى عن منكر ينبغي أف يبدأ بنفسو وأىلو فهو‬
‫أقرب إىل قبوؿ قولو‪.‬‬
‫(ؾ)أف منزلة األبوين ُب األسرة تقتضي العناية الفائقة باالحتساب عليهما‪،‬‬
‫أثرا على من دوهنم من اتباعهم ُب اإلقباؿ على اػبَت واإلعراض عنو ولذا كاف األنبياء والرسل السابقوف وسيدىم‬
‫فبا ال شك فيو أف ألصحاب اؼبنزلة ً‬
‫نبينا ‪ ‬وعليهم يهتموف بدعوة الرؤساء والزعماء والكبار‪ ،‬وإف لؤلبوين ُب األسرة مكانة ال تنكر‪ ،‬فكما ُب فعلهما اؼبعروؼ وتركهما اؼبنكر دعوة قوية‬
‫صامتة ألفراد األسرة لفعل اؼبعروؼ وترؾ اؼبنكر‪ ،‬وىكذا فإف ُب تركهم اؼبعروؼ وفعلهم اؼبنكر حثًا قويًا ؽبم على ترؾ اؼبعروؼ وإتياف اؼبنكر ‪.‬‬
‫ويدؿ ىذا كذلك على ما توصلت إليو بعض الدراسات أف من أسباب تعاطي الشباب للمخدرات تعاطي آبائهم للمخدرات‪ ،‬وتعاطي أمهاهتم‬
‫اؼبهدئات‪ ،‬وأف ىذا يقتضي أف يكوف االىتماـ بأمر الوالدين باؼبعروؼ الذي تركاه‪ ،‬وهنيهما عن اؼبنكر الذي فعبله أكثر حىت ال يرتكب أفراد األسرة‬
‫اآلخروف اؼبخالفات الشرعية متأثرين ّٔما‪.‬‬
‫درجات االحتساب على الوالدين وآدابو ‪:‬‬
‫ىناؾ درجات لبلحتساب فهل للولد أف وبتسب على والديو ُب صبيع تلك الدرجات أـ ُب بعضها دوف غَتىا؟‬
‫وما اآلداب اليت ال بد من مراعاهتا عند االحتساب عليهما؟‬
‫األوؿ‪ :‬التعريف والنهي بالوعظ والنصح بالتخويف من ا﵁ تعاىل‪.‬‬ ‫سيكوف اغبديث ُب ىذا اؼبوضوع من خبلؿ عناصر ثبلثة ‪:‬‬
‫نكرا ُمتعل ًقا باألبوين باليد‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬ىل للولد أف يغَت ُم ً‬ ‫الثاين‪ :‬ىل للولد أف وبتسب على الوالدين بالتعنيف‪.‬‬
‫أما التعريف والنهي بالوعظ والنصح بالتخويف من ا﵁ تعاىل فللولد أف وبتسب على أبويو بدرجة التعريف‪ ،‬واؼبراد بالتعريف اإلخبار بأف ما تُرؾ كاف‬
‫هبب أو ينبغي فعلو‪ ،‬وأف ما فُعل هبب أو ينبغي تركو‪ .‬وللولد كذلك أف وبتسب على والديو بالنهي بالوعظ والنصح بالتخويف من ا﵁‪ ،‬واؼبراد ّٔذه‬
‫الدرجة األمر باؼبعروؼ الذي تُرؾ أوالنهي عن اؼبنكر الذي فُعل‪ ،‬ببياف ما يًتتب على ـبالفة للشرع من حرماف وخسراف ُب الدنيا واآلخرة‪ ،‬وتعرض‬
‫العاصي لغضب ا﵁ تعاىل وسخطو ونقمتو وعقابو ‪.‬‬
‫من آداب االحتساب ؽباتُت الدرجتُت على الوالدين أف يكوف بلطف ولُت ورفق من غَت عنف وال غضب وفبا يدؿ على ىذا ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬أف األصل ُب االحتساب على الناس أف يكوف بلطف ولُت ورفق وال يعدؿ عنو إىل الشدة والقسوة إال ُب أحواؿ استثنائية‪ ،‬وإذا كاف كذلك مع‬
‫ً‬
‫ضى‬ ‫عامة الناس فيكوف مع األبوين من باب أوىل؛ لعظم حقهما على الولد كما جاء ُب الكتاب والسنة‪ ،‬ومن ذلك ما جاء ُب قولو تعاىل ‪َ ﴿ :‬وقَ َ‬
‫ُؼ َوَال تَػْنػ َه ْرُنبَا َوقُل َّؽبَُما قَػ ْوًال َك ِريبًا ﴾‪.‬وفبا جاء ُب‬ ‫َح ُد ُنبَا أ َْو كِ َبل ُنبَا فَ َبل تَػ ُقل َّؽبَُما أ ٍّ‬ ‫ك أََّال تَػعب ُدوا إَِّال إِيَّاه وبِالْوالِ َدي ِن إِحسانًا إِ َّما يػبػلُغَ َّن ِع َ ِ‬
‫ند َؾ الْكبَػَر أ َ‬ ‫َْ‬ ‫َُ َ ْ َْ‬ ‫ُْ‬ ‫َربُّ َ‬
‫ك إِ ََّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫يل الْ َمصَتُ ‪َ ‬وإِف َج َ‬
‫اى َد َاؾ َعلَى أَف‬ ‫ُت أ َِف ا ْش ُك ْر ِيل َول َوال َديْ َ‬ ‫صالُوُ ُِب َع َام ْ ِ‬ ‫نسا َف ب َوال َديْو َضبَلَْتوُ أ ُُّموُ َوْىنًا َعلَى َوْى ٍن َوف َ‬ ‫قولو تعاىل‪َ ﴿ :‬وَو َّ ِ‬
‫صْيػنَا ْاإل َ‬
‫يل َم ْرِج ُع ُك ْم فَأُنػَبّْئُ ُكم ِدبَا ُكنتُ ْم تَػ ْع َملُو َف ﴾ ‪.‬‬
‫يل ٍُبَّ إِ ََّ‬
‫اب إِ ََّ‬
‫يل َم ْن أَنَ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫الدنْػيَا َم ْعُروفًا َواتَّب ْع َسب َ‬
‫ك بِِو عِ ْلم فَ َبل تُ ِطعهما وص ِ‬
‫احْبػ ُه َما ُِب ُّ‬ ‫ُْ َ َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫س لَ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫تُ ْشرَؾ يب َما لَْي َ‬
‫ثانيًا ‪ :‬جعل ا﵁ تعاىل لنا أسوة حسنة ُب خليلو إبراىيم عليو الصبلة والسبلـ‪ ،‬وأمر نبينا الكرًن ‪ُ ‬ب اتباع ملتو فقد قاؿ عز من قائل ﴿ ٍبَّ أ َْو َحْيػنَا‬
‫يم َحنِي ًفا ﴾ فعلينا أف نتأسى خبليل الرضبن‬ ‫َّ ِ ِ َّ ِ ِ‬ ‫ك أ َِف اتَّبِع ِملَّةَ إِبػر ِاى ِ‬
‫ص َد َؽ اللو فَاتَّب ُعوا ملةَ إبْػَراى َ‬ ‫يم َحني ًفا ﴾ ‪ ،‬وأمرنا ّٔذا كذلك حيث قاؿ ‪ ﴿ ‬قُ ْل َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ‬ ‫إِلَْي َ‬
‫إبراىيم عليو ‪-‬الصبلة والسبلـ‪ُ -‬ب احتسابو على أبيو حيث قاـ بو بلطف ورفق وإظهار الشفقة والرضبة عليو كما جاء ُب قولو تعاىل ﴿ َواذْ ُك ْر ُِب‬
‫ت إِ ّْين قَ ْد َجاءَِين ِم َن‬‫نك َشيئًا ‪ ‬يا أَب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اب إِبػر ِاىيم إِنَّو َكا َف ِصدّْي ًقا نَّبِيِّا ‪ ‬إِ ْذ قَ َ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫اؿ ألَبِيو يَا أَبَت ملَ تَػ ْعبُ ُد َما َال يَ ْس َم ُع َوَال يػُْبصُر َوَال يػُ ْغ ٍِت َع َ ْ‬ ‫الْكتَ ِ ْ َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اب‬
‫ك َع َذ ٌ‬ ‫اؼ أَف يبََ َّس َ‬
‫َخ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك فَاتَّبِ ْع ٍِت أ َْىد َؾ صَراطًا َس ِويِّا ‪ ‬يَا أَبَت َال تَػ ْعبُد الشَّْيطَا َف إِ َّف الشَّْيطَا َف َكا َف ل َّلر ْضبَػ ِن َعصيِّا ‪ ‬يَا أَبَت إِ ّْين أ َ‬ ‫الْعِْل ِم َما َملْ يَأْتِ َ‬
‫اؿ س َبلـ علَيك سأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اف ولِيِّا ‪ ‬قَ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫َّك َو ْاى ُج ْرِين َمليِّا ‪ ‬قَ َ َ ٌ َ ْ َ َ ْ‬
‫َستَػ ْغفُر لَ َ‬ ‫يم لَئِن َّملْ تَنتَ ِو َأل َْر ُصبَن َ‬
‫َنت َع ْن آؽبَِيت يَا إبْػَراى ُ‬
‫بأ َ‬
‫اؿ أ ََراغ ٌ‬
‫ِ‬
‫الر ْضبَػ ِن فَػتَ ُكو َف للشَّْيطَ َ‬‫ّْم َن َّ‬
‫َرّْيب إِنَّوُ َكا َف ِيب َح ِفيِّا ﴾ ‪.‬‬
‫ذبلى رفق إبراىيم ‪ُ‬ب احتسابو على أبيو ُب عدة أوجو منها ما يلي ‪-:‬‬

‫‪19‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫مذكرا والده برابطة األبوة اليت ىي من أقوى الروابط واليت من شأهنا أف ذبعل كبل الطرفُت جد‬
‫الوجو األوؿ‪ :‬أنو صدر كل نصيحة بقولو يا أبت ً‬
‫حريص على مصلحة صاحبو‪.‬‬
‫الوجو الثاين‪ :‬طلب من والده أف يتدبر ُب فعلو‪ ،‬حيث كاف يعبد ما ال يسمع وال يبصر وال يغٍت عنو شيئا‪.‬‬
‫الوجو الثالث‪ :‬مل يصف والده باعبهل اؼبفرط‪ ،‬ومل يصف نفسو بالعلم الفائق‪ ،‬بل بُت بأدب أف معو طائفو من العلم ليس مع أبيو منو شيء‪.‬‬
‫الوجو الرابع ‪ :‬أخرب أباه أف إعراضو عن توحيد ا﵁ تعاىل بالعبادة ليس إال بسبب اتباعو الشيطاف الذي ىو عدو لو‪.‬‬
‫الوجو اػبامس ‪ :‬مل يقل ألبيو إف عذاب ا﵁ تعاىل الحق لو الصق بو بل أخرب بأدب رفيع أنو ىبشى أف يصيبو عذاب من الرضبن وُب ىذا يقوؿ‬
‫الزـبشري ‪ " :‬انظر عندما أراد أف ينصح أباه ويعظو فيما كاف متورطًا فيو من اػبطأ العظيم واالرتكاب الشنيع‪ ،‬من الغباوة اليت ليس بعدىا غباوة‪،‬‬
‫كيف رتب الكبلـ معو ُب أحسن اتساؽ‪ ،‬وساقو أرشق مساؽ مع استعماؿ آّاملة واللطف والرفق واللُت واألدب اعبميل واػبلق اغبسن‪ ،‬وذلك أنو‬
‫أوال العلة ُب خطأه ٍب ثٌت بدعوتو إىل اغبق مًتف ًقا بو متلط ًفا؛ فلم يسم أباه باعبهل اؼبفرط وال نفسو بالعلم الفائق‪ ،‬ولكنو قاؿ إف معي‬
‫طلب منو ً‬
‫طائفة من العلم وشيئًا منو ليس معك‪ ،‬وذلك علم الدارس على الطريق السوي فبل تستنكف‪ ،‬وىب إين وإياؾ ُب مسَت وعندي معرفة باؽبداية دونك‬
‫فاتبعٍت أقبك من أف تضل وتتيو‪ٍ ،‬ب ثلث بتثبيطو وهنيو عما كاف عليو ألف الشيطاف الذي مل يستعص على ربك الرضبن الذي صبيع ما عندؾ من نعم‬
‫من عنده ىو عدوؾ الذي ال يريد بك إىل كل ىبلؾ وخزي ونكاؿ وعدو أبيك آدـ عليو السبلـ وأبناء جنسك كلهم وىو الذي ورطك ُب ىذه‬
‫الضبللة وأمرؾ ّٔا وزينها لك‪ٍ ،‬ب ربع بتخويفو سوء العاقبة وفبا قد هبره إليو من ضبلؿ التبعة والوباؿ ومل ىبل ذلك من حسن األدب حيث مل يصرح‬
‫بأف العقاب الحق لو وأف العذاب الصق بو ولكنو قاؿ‪ :‬أخاؼ أف يبسك عذاب‪ ،‬وذكر اػبوؼ واؼبس ونكر العذاب وصدر كل نصيحة من نصائحو‬
‫توسبل إليو واستعطافًا"‪.‬‬
‫األربعة بقولو "ياأبت" ً‬
‫ثالثا‪ :‬يدؿ كذلك على أف االحتساب على الوالدين يكوف بلُت ورفق ما قبده من لطف ورأفة من احتساب النيب ‪ ‬على عميو أيب طالب والعباس‬
‫‪ ‬فقد خاطب النيب ‪ ‬عمو أبا طالب عند أمره إياه بأف يقوؿ ال إلو إال ا﵁ بقولو ( يا عم قل ال إلو إال ا﵁ كلمة أشهد لك ّٔا عند ا﵁ ) وصدر‬
‫مذكرا إياه بالرابطة اليت تربطو معو‪ ،‬وما زبرب بو ىذه الرابطة أف ال يأمره إال دبا فيو سعادتو العاجلة واآلجلة‪،‬‬
‫النيب خطابو عمو أيب طالب بقولو يا عم ً‬
‫قائبل ‪ ( :‬ال تتمن اؼبوت يا عم رسوؿ ا﵁‪ ) .‬إىل آخر اغبديث‪.‬‬
‫وىكذا ؼبا هنى النيب الكرًن ‪ ‬عمو العباس ‪ ‬عن سبٍت اؼبوت ً‬

‫المحاضرة الثامنة‬
‫اؼبسألة اؼبتعلقة باالحتساب على الوالدين بالتعنيف‪.‬‬
‫فهل للولد أف وبتسب على والديو بالتعنيف؟‬
‫كثَتا من العلماء صرحوا أنو ليس للولد أف وبتسب على أبويو بالتعنيف‪ ،‬فعلى سبيل اؼبثاؿ قاؿ اإلماـ الغزايل –رضبو ا﵁– ‪" :‬وليس لو ‪-‬أي‬
‫قبد أف ً‬
‫الولد‪ -‬اغبسبة بالسب والتعنيف والتهديد وال دبباشرة الضرب"‪.‬‬
‫وأثار اإلماـ الغزايل بنفسو سؤ ًاال على كبلمو ىذا حيث قاؿ‪" :‬فإف قيل من أين قلتم ليس لو اغبسبة بالتعنيف والضرب واإلرىاؽ إىل ترؾ الباطل‪،‬‬
‫خاصا فيما ال يتعلق‬
‫عاما من غَت زبصيص‪ ،‬وأما النهي عن التأفيف واإليذاء فقد ورد ً‬
‫واألمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر ُب الكتاب والسنة‪ ،‬ورد ً‬
‫بارتكاب اؼبنكرات؟ ٍب أجاب اإلماـ الغزايل –رضبو ا﵁ – بنفسو عن ىذا السؤاؿ بقولو فنقوؿ ‪ :‬قد ورد ُب حق األب على اػبصوص ما يوجب‬
‫حدا وليس لو أف يباشر إقامة اغبد عليو‪ ،‬بل ال يباشر قتل أبيو الكافر بل‬
‫االستثناء على العموـ‪ ،‬إذ ال خبلؼ أف اعببلد ليس لو أف يقتل أباه ُب الزنا ً‬
‫لو قطع يده مل يلزمو قصاص‪ ،‬ومل يكن لو أف يؤذيو ُب مقابلتو وقد ورد ُب ذلك أخبار وثبت بعضها باإلصباع‪.‬‬
‫فإذا مل هبز لو إيذاؤه بعقوبة ىي حق على جناية سابقة فبل هبوز لو إيذاؤه بعقوبة ىي منع عن جناية مستقبلة متوقعة بل أوىل ) وقاؿ بعض العلماء‬
‫فأما الوالداف فليس للولد عليهما إال التعريف ٍب النهي بالوعظ والنصح وليس لو أف يعنفهما أو يهددنبا أو يضرّٔما‪ ،‬وقاؿ بعضهم وليس للولد مقابلة‬
‫‪21‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫والده بالتخويف‪ ،‬وال بالتهديد وال بالضرب وال بالسب وال بالتعنيف وال بتخشُت الكبلـ وذلك ألف الوالد لو على ولده حق عظيم وقد قرف ا﵁ حقو‬
‫ك أََّال تَػ ْعبُ ُدوا إَِّال إِيَّاهُ َوبِالْ َوالِ َديْ ِن إِ ْح َسانًا ﴾‪.‬‬
‫ضى َربُّ َ‬
‫﴿وقَ َ‬
‫حبق الوالدين ُب قولو تعاىل‪َ :‬‬
‫ك بِِو ِعلْ ٌم فَ َبل‬
‫س لَ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫اى َد َاؾ َعلَى أَف تُ ْشرَؾ يب َما لَْي َ‬ ‫﴿وإِف َج َ‬ ‫وأمر باإلحساف إىل الوالدين وإف كانا كافرين مع عدـ طاعتهما ُب الشرؾ‪ ،‬قاؿ تعاىل‪َ :‬‬
‫ِ ِ‬ ‫تُ ِطعهما وص ِ‬
‫احْبػ ُه َما ُِب ُّ‬
‫اب ﴾‪.‬‬ ‫يل َم ْن أَنَ َ‬ ‫الدنْػيَا َم ْعُروفًا َواتَّب ْع َسب َ‬ ‫ُْ َ َ َ‬
‫ض َبل ٍؿ ُّمبِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اؿ إِبػر ِاى ِ ِ‬
‫ُت﴾ أف‬ ‫ك ُِب َ‬ ‫يم ألَبِيو َآزَر أَتَػتَّخ ُذ أ ْ‬
‫َصنَ ًاما آؽبَةً إِ ّْين أ ََر َاؾ َوقَػ ْوَم َ‬ ‫﴿وإ ْذ قَ َ ْ َ ُ‬
‫وعلى خبلؼ ىذا ذكر بعض اؼبفسرين ُب تفسَت قولو تعاىل ‪ِ :‬‬
‫َ‬
‫خليل الرضبن إبراىيم ‪ ،‬احتسب على أبيو آزر بالتعنيف فعلى سبيل اؼبثاؿ قاؿ اإلماـ الرازي‪" :‬لعلو أصر ‪-‬آزر ‪ -‬على كفره‪ ،‬فؤلجل اإلصرار‬
‫استحق ذلك التغليظ وا﵁ أعلم"‪.‬‬
‫وقاؿ نظاـ الدين النيسابوري ‪" :‬والتغليظ من إبراىيم ‪ ‬إمبا كاف ألجل إصرار أبيو على الكفر " وقاؿ اغبافظ ابن كثَت رضبو ا﵁ ‪" :‬واؼبقصود أف‬
‫ض َبل ٍؿ ُّمبِ ٍ‬
‫ُت﴾" واعبملة تعليل‬ ‫إبراىيم ‪ ‬وعظ أباه ُب عبادة األصناـ وزجره عنها فلم ينتو" وقاؿ أبو السعود ُب قولو تعاىل ‪﴿ :‬إِ ّْين أ ََر َاؾ َوقَػ ْوَم َ‬
‫ك ُِب َ‬
‫ونقل العبلمة‬ ‫لئلنكار والتوبيخ"‪.‬‬
‫القاظبي عن بعض مفسري الزيدية قولو ‪ " :‬وتدؿ ىذه اآلية على أف النصيحة ُب الدين والذـ والتوبيخ ألجلو ليس من العقوؽ واؽبجرة "‪.‬وقاؿ الشيخ‬
‫أصناما آؽبة استفهاـ استنكار وتوبيخ‪ ،‬والظاىر أف ا﵀كي ُب ىذه اآلية موقف من مواقف إبراىيم ‪ ‬مع أبيو‬ ‫ابن عاشور ‪ :‬االستفهاـ ُب أتتخذ ً‬
‫وىو موقف غلظة فيتعُت أنو عندما كاف أبوه قد أظهر تصلبًا ُب الشرؾ وىو ما كاف بعد أف قاؿ لو أبوه ‪﴿ :‬لَئِ ْن َملْ تَػْنتَ ِو َأل َْر ُصبَن َ‬
‫َّك﴾ وىو غَت اؼبوقف‬
‫ك َشْيئًا ﴾ اآليات ُب سورة مرًن‪.‬‬ ‫ت ِمل تَػعب ُد ما َال يسمع وَال يػب ِ‬
‫صُر َوَال يػُ ْغ ٍِت َعْن َ‬ ‫ِ‬
‫الذي خاطبو فيو بقولو ﴿ يَا أَبَ َ ْ ُ َ َ ْ َ ُ َ ُْ‬
‫أيضا‪ " :‬ومباشرتو إياه ّٔذا القوؿ الغليظ كانت ُب بعض ؾبادالتو ألبيو بعد أف تقدـ لو بالدعوة بالرفق كما حكى عنو ا﵁ ُب‬ ‫وقاؿ الشيخ ابن عاشور ً‬
‫ك َرّْيب إِنَّوُ َكا َف ِيب َح ِفيِّا ﴾‪،‬‬ ‫ت إِ ّْين قَ ْد جاءِين ِمن الْعِْل ِم ما َمل يأْتِك فَاتَّبِع ٍِت أَى ِد َؾ ِصراطًا س ِويِّا﴾ إىل قولو تعاىل ﴿سأ ِ‬
‫َستَػ ْغفُر لَ َ‬
‫َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َْ َ ْ ْ‬ ‫ََ َ‬
‫موضع آخر ﴿ يا أَب ِ‬
‫َ َ‬
‫فلما رأى تصميمو على الكفر سلك معو الغلظة استقصاءً ألساليب اؼبوعظة لعل بعضها يكوف أقبح ُب نفس أبيو من بعض‪ ،‬فإف للنفوس مسالك‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْم ِة َوالْ َم ْوعِظَِة ْ‬ ‫ك بِ ِْ‬
‫َح َس ُن﴾ وقاؿ‬ ‫اغبَ َسنة َو َجاد ْؽبُم بِالَِّيت ى َي أ ْ‬ ‫اغبك َ‬ ‫ع إِ َ ٰىل َسبِ ِيل َربّْ َ‬
‫﴿اد ُ‬
‫وّٓاؿ أنظارىا ميادين متفاوتة ولذلك قاؿ ا﵁ تعاىل لرسولو ‪ْ : ‬‬
‫﴿وا ْغلُ ْظ َعلَْي ِه ْم﴾ فحكى ا﵁ تعاىل عن إبراىيم ‪ُ ‬ب ىذه اآلية بعض مواقفو مع أبيو‪ ،‬وليس ُب ذلك ما يناُب الرب بو؛ ألف‬ ‫لو ُب موضع آخر ‪َ :‬‬
‫آّاىرة باغبق دوف سب وال اعتداء ال تناُب الرب‪.‬‬
‫وعلى خبلؼ ما ذىب إليو ىؤالء اؼبفسروف يرى الشيخ ؿبمد رشيد –رضبو ا﵁‪ -‬أنو ال توجد غلظة ُب احتساب إبراىيم ‪ ‬على والده فقد قاؿ‬
‫–رضبو ا﵁ تعاىل‪ " :-‬فالتعبَت عنها بالضبلؿ ليس فيو سب وال جفاء وال غلظة كما زعم من استشكلو من الولد للوالد‪ ،‬وقابلو بأمر ا﵁ تعاىل ؼبوسى‬
‫قوال لينا‪ ،‬وأجاب عنو أنو حسن للمصلحة كالشدة ُب تربية األوالد أحيانًا‪ ،‬فالصواب أف التعبَت بالضبلؿ‬
‫وىاروف ‪-‬عليهما السبلـ‪ -‬أف يقوال لفرعوف ً‬
‫ض ِّاال فَػ َه َدى﴾ وكاقولك عمن تراه منحرفًا عن الطريق اغبسي " إف الطريق‬
‫﴿وَو َج َد َؾ َ‬
‫البُت ىنا بياف للواقع باللفظ الذي يدؿ عليو لغةً كقولو تعاىل ‪َ :‬‬
‫من ىنا؛ فأنت حائد أو ضاؿ عنو" إضافة إىل ذلك يستدؿ باالحتساب بالتعنيف على الوالدين باحتساب عبد ا﵁ – ‪ – ‬ابن عبد ا﵁ بن أيب بن‬
‫خبلصة اآلراء ُب ىذه اؼبسألة‬ ‫سلوؿ على أبيو حيث قاؿ لو ‪ " :‬وا﵁ ال تنقلب حىت تقر أنك الذليل ورسوؿ ا﵁ ‪ ‬العزيز"‪.‬‬
‫وىي مسألة االحتساب على الوالدين بالتعنيف‪.‬أف ىناؾ رأيُت ُب مسألة االحتساب بالتعنيف على الوالدين‪ :‬األوؿ‪ :‬عدـ جواز االحتساب‬
‫أما خبلصة أدلة من يرى عدـ‬ ‫والثاين ‪ :‬جواز االحتساب بالتعنيف على الوالدين ُب بعض األحواؿ‪.‬‬ ‫بالتعينف على الوالدين‪.‬‬
‫جواز االحتساب بالتعنيف على الوالدين‪ ،‬فمنها ما يلي ‪:‬‬
‫(‪ )1‬ال هبوز للولد إيذاء الوالد بعقوبة ىي حق على جناية سابقة‪ ،‬فليس لو أف يباشر إقامة اغبد على أبيو وال يقاد الوالد بالولد فكيف وبوز لو أف‬
‫يؤذيو باالحتساب عليو بالتعنيف‪ ،‬وىي عقوبة للمنع عن اعبناية اؼبستقبلة اؼبتوقعة وىذا خبلصة ما استدؿ بو اإلماـ الغزايل –رضبو ا﵁‪.‬‬
‫(‪ )2‬للوالد حق عظيم على ولده‪ ،‬كما دلت عليو النصوص‪ ،‬ومن مقتضيات ىذا اغبق أال ُوبتسب عليو بالتعنيف من قبل ولده‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫ض َبل ٍؿ ُّمبِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اؿ إِبػر ِاى ِ ِ‬


‫ُت﴾ ‪ ،‬على احتساب إبراىيم ‪ ‬على‬ ‫ك ُِب َ‬ ‫يم ألَبِيو َآزَر أَتَػتَّخ ُذ أ ْ‬
‫َصنَ ًاما آؽبَةً إِ ّْين أ ََر َاؾ َوقَػ ْوَم َ‬ ‫(‪ )3‬ال داللة ُب قولو تعاىل ‪ِ :‬‬
‫﴿وإ ْذ قَ َ ْ َ ُ‬
‫َ‬
‫أبيو بالغلظة‪ ،‬حيث مل يرد التعبَت بالضبلؿ اؼببُت للداللة على االحتساب بالتعنيف بل لبياف الواقع باللفظ الذي يدؿ عليو‪ .‬وىذا ملخص ما ذكره‬
‫الشيخ ؿبمد رشيد رضا رضبو ا﵁‪.‬‬
‫وأما خبلصة أدلة من يرى جواز االحتساب بالتعنيف على الوالدين ُب بعض األحواؿ ما يلي‪-:‬‬
‫(‪ )1‬احتسب خليل الرضبن إبراىيم ‪‬على والده بالتعنيف ؼبا مل يستفد من احتسابو باللُت والرفق و أصر على كفره‪.‬‬
‫(‪ )2‬احتسب عبد ا﵁ – ‪ – ‬بن عبد ا﵁ بن أيب بن سلوؿ على أبيو بالشدة والقسوة ؼبا أساء األدب مع النيب ‪.‬‬
‫مناقشة أدلة من يرى أنو ال هبوز االحتساب بالتعنيف على الوالدين فهي كما يلي‪-:‬‬
‫قياسا على عدـ جواز إيذاء الولد‬
‫أوال ‪ :‬ما ذكره اإلماـ الغزايل رضبو ا﵁ من أنو ال هبوز للولد إيقاع العقوبة على والده ؼبنعو عن جناية مستقبلة متوقعة ً‬
‫ً‬
‫أباه بسبب جناية سابقة‪ ،‬فالذي يُرى أف القياس فيو نظر؛ ألنو يتوقف على أف يكوف االحتساب بالتعنيف عقوبة‪ ،‬واغبق وا﵁ أعلم‪ ،‬أنو ليس بعقوبة‬
‫بل ىو ؿباولة من الولد بعد فشل ؿباوالت أخرى من تعنيف وهني بالوعظ وزبويف با﵁ تعاىل إلبعاد والده عما يعرضو لسخط ا﵁ ‪ ‬وغضبو‬
‫وعقوبتو ُب الدنيا واآلخرة‪ ،‬وىل من اؼبعقوؿ أف تسمى معاعبة اؼبريض بالعبلج اؼبر أو بالعملية اعبراحية عقوبة لو؟ كبل‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬ما ذكر من عظيم حق الوالدين يقضي بامتناع االحتساب عليهما بالتعنيف‪ ،‬لعل الصواب وا﵁ أعلم أف االحتساب بالتعنيف ليس منبعو إنباؿ‬
‫حقهما وإضاعتو‪ ،‬بل باعثو اغبرص الشديد على وقايتهما من بطش اعببار ‪ ‬وىذا ىو الرعاية اغبقة غبقهما‪.‬‬
‫ض َبل ٍؿ ُّمبِ ٍ‬
‫ُت﴾ أنو ليس فيو تعنيف وال غلظة‪ ،‬بل فيو‬ ‫ثالثًا ‪ :‬ما ذكره الشيخ ؿبمد رشيد ‪ -‬رضبو ا﵁ – ُب تفسَت قولو ‪﴿ :‬إِ ّْين أ ََر َاؾ َوقَػ ْوَم َ‬
‫ك ُِب َ‬
‫بياف للواقع باللفظ الذي يدؿ عليو‪ ،‬فلعل الصواب أف فيو تكل ًفا؛ ‪(،‬يعٍت ىذا الرأي) فظاىر اآليو يدؿ على أف إبراىيم ‪ ‬احتسب على والده‬
‫بالتعنيف‪.‬‬
‫مناقشة أدلة من يرى جواز االحتساب بالتعنيف على الوالدين ُب بعض األحواؿ‪ ،‬فلعل الصواب وا﵁ أعلم أف ما ذكروه من احتساب إبراىيم ‪‬‬
‫على أبيو بالتعنيف ىو ما يدؿ عليو ظاىر اآلية‪ ،‬وما ذكروه من استخداـ عبد ا﵁ ‪ ‬ابن عبد ا﵁ بن أيب من شدة ُب احتساب على أبيو ىو ما يدؿ‬
‫عليو ما جاء ُب الرواية‪.‬‬

‫ىل للولد أف وبتسب على والده بالتعنيف؟ لعل الصواب وا﵁ أعلم‪ ،‬أنو ال بد من مراعاة التفصيل التايل عند االحتساب على الوالدين ‪-:‬‬
‫أوال ‪ :‬أف األصل ُب االحتساب االبتعاد عن التعنيف حىت مع عامة الناس‪ ،‬ومع األبوين من باب أوىل‪ ،‬فبل يبدأ معهما ُب االحتساب إال بالتعريف‬
‫ً‬
‫والنهي بالوعظ والنصح والتخويف با﵁ تعاىل‪ ،‬وكل ذلك برفق ولُت ولطف وأدب وتواضع‪.‬‬
‫ثانيًا ‪:‬وُب حالة عدـ استجابة الوالدين لبلحتساب دبا سبق ذكره‪ ،‬ىل للولد أف يلجأ إىل التعنيف؟‪ ،‬فيو تفصيل ‪-:‬‬
‫(‪ )1‬إف كاف األبواف من الكفار‪ ،‬وكاف اؼبنكر اؼبقصود االحتساب عليو شرًكا أو سبَّا للنيب ‪ ‬فلو أف وبتسب عليو بالتعنيف كما فعل خليل الرضبن‬
‫إبراىيم ‪ ‬وعبد ا﵁ ‪ ‬ابن عبد ا﵁ بن أيب‪.‬‬
‫جدا‪.‬‬
‫(‪ )2‬إف كاف مسلمُت وكاف اؼبنكر اؼبراد اإلنكار عليو غَت الشرؾ والسب لنيب ‪ ‬فلعل اللجوء إىل االحتساب بالتعنيف يكوف ُب نطاؽ ضيق ً‬
‫ثالثًا ‪ :‬إنو من اؼبعروؼ من آداب االحتساب على الناس كما ذكر اإلماـ الغزايل –رضبو ا﵁‪" -‬أال ينطق إال بالصدؽ وأال يسًتسل فيو؛ فيطلق لسانو‬
‫الطويل دبا ال وبتاج إليو بل يقتصر على قدر اغباجة "‪ ،‬فمراعاة ىذا األدب عند اللجوء إىل االحتساب بالتعنيف على الوالدين من باب أوىل‪،‬‬
‫جدا‪.‬‬
‫وبعناية فائقة ً‬
‫ابعا‪ :‬هبب على الولد مراعاة ما يًتتب على احتسابو بالتعنيف‪ ،‬فإف كاف الذي يفوت من اؼبصاحل أو وبصل من اؼبفاسد أكثر مل يكن لو أف وبتسب‬
‫رً‬
‫ؿبرما‪.‬‬
‫بالتعنيف بل يكوف ً‬
‫‪22‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫يقوؿ شيخ اإلسبلـ ابن تيمية –رضبو ا﵁‪ -‬مبينًا القاعدة اليت تتبع ُب األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر ‪ " :‬إف األمر والنهي وإف كاف ُمتضمنًا‬
‫مأمورا بو بل يكوف‬
‫لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة‪ ،‬فينظر ُب اؼبعارض لو‪ ،‬فإف كاف الذي يفوت من اؼبصاحل أو وبصل من اؼبفاسد أكثر مل يكن ً‬
‫ؿبرما إذا كانت مفسدتو أكثر من مصلحتو" ‪.‬‬
‫ً‬
‫المحاضرة التاسعة‬
‫ىل للولد أف يغَت اؼبنكر اؼبتعلق باألبوين باليد؟‬
‫أثار اإلماـ أبو حامد الغزايل –رضبو ا﵁ – ىذا السؤاؿ ٍب أجاب عنو فقاؿ‪" :‬وىل للولد اغبسبة بالرتبة الثالثة‪ ،‬تغيَت اؼبنكر باليد‪ ،‬حيث تؤدي إىل‬
‫أذى الوالد وسخطو "‪.‬‬
‫بارا‬
‫من اؼبعلوـ أف الوالد إذا كاف أبًا أو ًأما يتأذى من قبل تغيَت اؼبنكر الواقع فيو باليد من قبل ولده؛ ألنو يرى أف ولده ىذا الواجب عليو أف يكوف ً‬
‫حتما أف تغيَت اؼبنكر الواقع فيو باليد ىو إساءة وأذية للوالد أو الوالدة‪.‬‬
‫بوالديو‪ ،‬وأف يرفق ّٔما‪ ،‬وأف يكوف لينًا ُب التعامل معهما‪ ،‬ويرى الوالد ً‬
‫فالغزايل رضبو ا﵁ أثار ىذا السؤاؿ " ىل للولد اغبسبة من الرتبة الثالثة؟ تغيَت اؼبنكر باليد‪ ،‬حبيث تؤدي إىل أذى الوالد وسخطو"‪ .‬ىذا فيو نظر‪ ،‬وىو‬
‫من أف يكسر عوده‪ ،‬ويريق طبره‪ ،‬ووبل خيوطو عن ثيابو اؼبنسوجة من اغبرير‪ ،‬ويرد إىل اؼببلؾ ما هبد ُب بيتو من اؼباؿ اغبراـ الذي غصبو أو سرقو أو‬
‫أخذه عن غصب من ضريبة اؼبسلمُت إذا كاف صاحبو معينًا‪ ،‬ويبطل الصور اؼبنقوشة على حيطانو‪ ،‬واؼبنقورة على خشب بيتو‪ ،‬ويكسر أواين الذىب‬
‫والفضة‪ ،‬فإف فعلو ُب ىذه األمور ليس يتعلق بذات األب خببلؼ الضرب والسب‪.‬‬
‫ىنا هبب التنبو إىل ىذا اؼبلحظ الدقيق‪ ،‬وىو أف فعلو ُب اإلنكار باليد ُب ىذه األمور ليس يتعلق بذات األب‪ ،‬وال بشخصو‪ ،‬خببلؼ الضرب والسب‬
‫فهو يتعلق بذاتو وشخصو‪ ،‬ولكن الوالد يتأذى بو ويسخط بسببو‪ ،‬وىذا ما أوردناه ُب بداية اغبديث‪ .‬إال أف فعل الولد حق من حيث إنو ينكر على‬
‫اقعا وسخط األب منشأه حبو للباطل واغبراـ‪ ،‬واألظهر ُب القياس أنو يثبت للولد ذلك‪ ،‬ما زاؿ‬
‫منكرا و ً‬
‫والده باليد ُب مثل ىذه األمثلة؛ ألنو ينكر ً‬
‫موصوال للغزايل –رضبو ا﵁‪" :-‬واألوىل ُب القياس أنو يثبت للولد ذلك‪ ،‬أي اإلنكار أو االحتساب باليد‪ ،‬بل يلزمو أف يفعل ذلك"‪.‬‬
‫ً‬ ‫اغبديث‬
‫ونستفيد فبا ذكره اإلماـ الغزايل –رضبو ا﵁‪ -‬أف للولد أف وبتسب على أبيو بتغيَت اؼبنكر اؼبتعلق بأبيو حىت ولو تأذى بذلك أبوه وسخط بسببو‪ ،‬ومل‬
‫يقف اإلماـ الغزايل عند ذلك‪ ،‬بل يرى أف ىذا يلزـ الولد أف يفعلو‪ ،‬ولكن مع ىذا ذكر اإلماـ الغزايل بعد كبلمو السابق ما يدؿ على النظر إىل قبح‬
‫اؼبنكر اؼبتعلق بالوالد‪ ،‬وإىل ما يًتتب على تغيَت الولد إياه باليد‪.‬‬
‫فاحشا وسخطو عليو قريبًا‪ ،‬كإراقة‬
‫فقد قاؿ ‪-‬رضبو ا﵁ تعاىل‪" :-‬وال يبعد أف ينظر فيو إىل قبح اؼبنكر‪ ،‬وإىل مقدار األذى والسخط فإف كاف اؼبنكر ً‬
‫شديدا كما لو كانت لو آنية من بلور أو زجاج على صورة حيواف وُب كسرىا‬
‫طبر من ال يشتد غضبو؛ فذلك ظاىر‪ ،‬وإذا كاف اؼبنكر قريبًا والسخط ً‬
‫خسراف ماؿ كثَت فهذا فبا يشتد فيو الغضب‪ ،‬وال ذبري ىذه اؼبعصية ؾبرى اػبمر وغَته فهذا كلو ؾباؿ النظر"‪ .‬إ ًذا قضية االحتساب على الوالدين‬
‫نظرا شرعيًا وأف ينظر فيها إيل حاؿ اؼبنكر و حاؿ الوالد ُب استقباؿ ىذا اإلنكار أو ىذا االحتساب أو ىذا التغيَت‪.‬‬
‫باليد هبب أف ينظر فيها ً‬
‫ىذا وقد أثار اإلماـ أضبد بن ؿبمد اؼبقدسي –رضبو ا﵁‪ -‬سؤ ًاال حوؿ شرعية احتساب الولد على الوالد‪ ،‬والعبد على السيد‪ ،‬والزوجة على الزوج‪،‬‬
‫والرعية على الوايل‪ٍ ،‬ب أجاب عنو بنفسو فقد قاؿ –رضبو ا﵁ تعاىل ‪" : -‬فإف قيل ىل تثبت اغبسبة للولد على الوالد‪ ،‬والعبد على السيد‪ ،‬والزوجة‬
‫على الزوج‪ ،‬والرعية على الوايل؟ قلنا‪- :‬واغبديث للمقدسي ‪-‬رضبو ا﵁‪ -‬أصل الوالية ثابت للكل‪ ،‬وقد رتبنا للحسبة طبسة مراتب‪ ،‬فتأٌب اغبسبة‬
‫بالتعريف‪ٍ ،‬ب بالوعظ والنصح واللطف‪ ،‬ولو من الرتبة اػبامسة أف يكسر العود ويريق اػبمر وكبو ذلك‪ ،‬وىذا الًتتيب ينبغي أف هبري ُب العبد‬
‫والزوجة‪،‬و أما الرعية مع السلطاف فاألمر فيو أشد من الولد فليس معو إال التعريف والنصح"‪ .‬هبب أف نتنبو ؽبذه اؼبقالة أو ىذه العبارة ألف فيها ضبطًا‬
‫شرعيِّا‪.‬‬
‫ونستدؿ فبا قالو أضبد بن ؿبمد اؼبقدسي – رضبو ا﵁ تعاىل – أف للولد أف يغَت اؼبنكر اؼبتعلق بوالده باليد‪ ،‬وقاؿ بعض العلماء‪" :‬وللولد تغيَت اؼبنكر‬
‫على والده إف مل وبصل بسبب ذلك مفسدة أكرب‪ ،‬أو ضرر عليو ُب نفسو أو مالو أو أىلو"‪ ،‬وذلك ألف حق ا﵁ تعاىل مقدـ على حق الوالد‪ ،‬وال‬

‫‪23‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫طاعة ؼبخلوؽ ُب معصية اػبالق‪ ،‬فالولد يغَت اؼبنكر على والده بيده مع القدرة وعدـ اؼبفسدة‪ ،‬ومع ذلك ‪-‬وانتبهوا بارؾ ا﵁ فيكم‪ -‬يستعمل معو‬
‫التلطف ُب اػبطاب‪ ،‬والًتحم عليو‪ ،‬والدعاء لو‪ ،‬وبياف ضرر اؼبعصية حىت يهدأ والده ويسكن إليو‪ ،‬ويعلم أف قصد ابنو ؿبض النصح لو‪ ،‬والشفقة عليو‬
‫والغَتة ﵁ وؿبارمو‪.‬‬
‫وفبا نستفيده من ىذا الكبلـ ألحد العلماء اؼبعاصرين ما يلي ‪-:‬‬
‫‪- 1‬للولد تغيَت اؼبنكر على والده بيده إذا مل وبصل بسبب ذلك مفسدة أكرب أو ضرر عليو ُب نفسو أو مالو أو أىلو ‪ ،‬ويستعمل الولد ُب تغيَت‬
‫اؼبنكر على والده اللُت والرفق‪ ،‬ويدعو لوالده‪،‬ويبُت لو ضرر اؼبعصية عليو‪،‬كي يتيقن أف الولد ال يقصد من وراء احتسابو إالالنصح لو‪.‬‬
‫‪- 2‬وفبا يدؿ على شرعية تغيَت الولد للمنكر اؼبتعلق بالوالد باليد ما أخرب ا﵁ تعاىل عن كسر إبراىيم‪ ‬األصناـ اليت كاف يعبدىا والده وقومو‪.‬‬
‫اؿ لَ َق ْد ُكنتُ ْم أَنتُ ْم َوآبَا ُؤُك ْم ُِب‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫اؿ ِألَبِ ِيو وقَػ ْوِم ِو َما َى ِػذهِ التَّماثِ َّ‬
‫يل ال ِيت أَنتُ ْم َؽبَا َعاك ُفو َف ‪ ‬قَالُوا َو َج ْدنَا آبَاءَنَا َؽبَا َعابد َ‬
‫ين ‪ ‬قَ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫قاؿ عز من قائل ‪﴿ :‬إ ْذ قَ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ات و ْاألَر ِ َّ ِ‬ ‫ب َّ ِ‬ ‫ُت ‪ ‬قَالُوا أ َِجْئتػنَا بِا ْغب ّْق أَـ أَنت ِمن َّ ِ‬ ‫ض َبل ٍؿ ُّمبِ ٍ‬
‫ين ‪‬‬ ‫ض الذي فَطََرُى َّن َوأَنَا َعلَى ذَل ُكم ّْم َن الشَّاىد َ‬ ‫الس َم َاو َ ْ‬ ‫اؿ بَل َّربُّ ُك ْم َر ُّ‬‫ُت ‪ ‬قَ َ‬ ‫البلعبِ َ‬ ‫َ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ين‪ ‬فَ َج َعلَ ُه ْم ُج َذاذًا إَِّال َكبِ ًَتا َّؽبُ ْم لَ َعلَّ ُه ْم إِلَْي ِو يػَْرِجعُو َف﴾‪.‬إذف ىذه اآليات العظيمة من سورة األنبياء وفيها‬ ‫ُّ ِ‬
‫َصنَ َام ُكم بػَ ْع َد أَف تػُ َولوا ُم ْدب ِر َ‬ ‫َوتَاللَّ ِػو َألَكِ َ‬
‫يد َّف أ ْ‬
‫قصة تكسَت إبراىيم عليو السبلـ األصناـ‪.‬‬
‫ين﴾ " ٍب انتقل إبراىيم ‪-‬عليو السبلـ‪ -‬من‬ ‫ُّ ِ‬
‫َصنَ َام ُكم بػَ ْع َد أَف تُػ َولوا ُم ْدب ِر َ‬ ‫﴿وتَاللَّ ِػو َألَكِ َ‬
‫يد َّف أ ْ‬ ‫قاؿ الشيخ ابن عاشور – رضبو ا﵁ – ُب تفسَت قولو تعاىل‪َ :‬‬
‫كدا عزمو على القسم‪ ،‬إ ًذا هبب أف نتنبو‬ ‫ين﴾ مؤ ً‬ ‫ُّ ِ‬
‫َصنَ َام ُكم بػَ ْع َد أَف تُػ َولوا ُم ْدب ِر َ‬
‫يد َّف أ ْ‬ ‫﴿وتَاللَّ ِػو َألَكِ َ‬
‫تغيَت اؼبنكر بالقوؿ إىل تغيَته باليد معلنًا عزمو بقولو َ‬
‫ونستعد ؽبذه اؼبعلومة‪ ،‬أو مراعاة ىذه األمور اليت ستأٌب معنا‪ ،‬فنقوؿ ُب ضوء ما سلف ذكره للولد تغيَت اؼبنكر اؼبتعلق للوالد باليد‪ ،‬ولكن ال بد من‬
‫أوال ‪ :‬يبدأ الولد ببياف شناعة اؼبنكر اؼبراد إزالتو‪ ،‬وما يًتتب على ذلك من تعرض الوالد لغضب ا﵁ ‪ ‬وسخطو ونقمتو‪ ،‬وكل‬
‫مراعاة ما يلي ‪ً -:‬‬
‫ذلك بلطف ورفق ولُت وتواضع وأدب صبيل‪ ،‬وينبغي أف يتجلى ُب كبلـ الولد وتصرفاتو أنو ال يقصد من وراء احتسابو إال النصح ؼبن تربطو معو رابطة‬
‫األبوة‪ ،‬وليتأسى ُب ذلك خبليل الرضبن إبراىيم‪ ‬الذي بدأ مع أبيو بياف شناعة عبادة األصناـ‪ ،‬بلطف ورفق ولُت وأدب صبيل وخلق حسن قبل‬
‫الشروع ُب كسرىا‪.‬‬
‫إ ًذا إبراىيم ‪ ‬مل يشرع ُب تكسَت األصناـ اليت يعبدىا أبوه وقومو إىل بعد أف استنفد األساليب اؼبناسبة والدرجات اؼبناسبة لتغيَت اؼبنكر‪ ،‬فلما مل هبد‬
‫معهم اللطف والرفق واللُت شرع ُب تكسَت األصناـ وتغيَت اؼبنكر بيده‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬من آداب التغيَت باليد مع عامة الناس كما ذكر اإلماـ الغزايل –رضبو ا﵁‪" -‬أف يقتصر ُب طريق التغيَت على القدر ا﵀تاج إليو ومراعاة األدب‬
‫عند تغيَت اؼبنكر اؼبتعلق بالوالد ألزـ وأوجب وآكد"‪.‬‬
‫ثالثًا ‪ :‬هبب على الولد مراعاة ما يًتتب على التغيَت باليد‪ ،‬فإف كاف الذي يًتتب عليو من اؼبفسدة أعظم من اؼبصلحة‪ ،‬مل يكن لو التغيَت باليد بل قد‬
‫ؿبرما‪ ،‬ولو ُب ىذا أسوة حسنة ُب رسوؿ ا﵁ ‪ ‬حيث ترؾ اإلنكار على بعض اؼبنكرات خوفًا فبا يًتتب عليو من مفاسد عظيمة وأوصى بذلك‬
‫يكوف ً‬
‫أمتو ‪.‬‬
‫ومن الشواىد الدالة على ذلك ما يلي‪:‬‬
‫(‪ )1‬ترؾ النيب ‪ ‬قتل عبد ا﵁ بن أيب رغم استحقاقو خوفًا من نفور الناس من اإلسبلـ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ترؾ النيب ‪ ‬قتل الذي أساء األدب معو ُب جعرانو خوفًا من نفور الناس من اإلسبلـ‪.‬‬
‫(‪ )3‬ترؾ النيب ‪ ‬قتل عبد ا﵁ بن ذي اػبويصرة الذي أساء األدب معو خوفًا من نفور الناس من اإلسبلـ‪.‬‬
‫(‪ )4‬هني النيب ‪ ‬عن إقامة اغبد على السارؽ ُب الغزو خشية غباقو بالعدو‪.‬‬
‫(‪ )5‬ترؾ النيب ‪ ‬إعادة بناء الكعبة على ما كاف عليو قبل عهد قريش خشية نفورىم من اإلسبلـ‪.‬‬
‫(‪ )6‬ترؾ النيب ‪ ‬األعرايب يبوؿ ُب اؼبسجد حىت فرغ منو‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫(‪ )7‬غض النيب ‪ ‬الطرؼ عن مشاركة امرأة أىل بيت ُب النياحة قبل اؼببايعة‪ .‬الحظوا قبل اؼببايعة‪.‬‬
‫(‪ )8‬منع النيب ‪ ‬عن اػبروج عن األئمة الذين يؤخروف الصبلة عن وقتها ؼباذا منعهم؟ ؼبا يًتتب على ذلك من اؼبفسدة العظيمة اليت ال يقارف ّٔا‬
‫اؼبصلحة‪.‬‬
‫(‪ )9‬أمر النيب ‪ ‬بالصرب على األمراء الذين يرى عندىم اؼبعصية مع ضرورية كراىيتها‪ .‬يعٍت كراىية تلك اؼبعصية ال تعٍت عدـ الصرب على ىؤالء‬
‫األمراء‪.‬‬
‫وقد أكد علماء األمة على ذلك قاؿ الشيخ اإلسبلـ ابن تيمية –رضبو ا﵁‪" :-‬وإذا كاف األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر من أعظم الواجبات أو‬
‫اؼبستحبات‪ ،‬ال بد أف تكوف اؼبصلحة فيها راجحة على اؼبفسدة‪ ،‬إذ ّٔذا بُعثت الرسل‪ ،‬ونزلت الكتب‪ ،‬وا﵁ ال وبب الفساد‪ ،‬فحيث كانت مفسدة‬
‫األمر والنهي أعظم‪ ،‬مل يكن فبا أمر ا﵁ بو‪ ،‬وإف كاف قد ترؾ واجب وفعل ؿبرـ"‪.‬‬
‫وقاؿ اإلماـ ابن القيم ‪-‬رضبو ا﵁‪" :-‬فإذا كاف إنكار اؼبنكر يستلزـ ما ىو أنكر منو وأبغض إىل ا﵁ ورسولو ‪ ‬فإنو ال يسوغ إنكاره وإف كاف ا﵁‬
‫يبغضو ويبقت أىلو"‪ .‬وىذا كاإلنكار على اؼبلوؾ والوالة باػبروج عليهم‪ ،‬فإنو أساس كل فتنة وشر إىل آخر الدىر‪.‬وىذا كبلـ صبيل لطيف هبب أف‬
‫منكرا باليد كاف لو مفسدة أعظم فليس لو أف يقدـ على ذلك وا﵁ أعلم‬
‫يتوقف عنده طالب العلم‪ .‬فخبلصة القوؿ إذا استلزـ األمر تغيَت الولد ً‬
‫بالصواب‪.‬وننبو أف ما ذكر للوالد فهو للوالده كذلك حيث يقاس أمرىا على الوالد وا﵁ تعاىل أعلم‪.‬‬

‫المحاضرة العاشرة‬
‫الركن الثالث من أركاف اغبسبة وىو ا﵀تسب فيو‪:‬‬
‫منكرا فعل‪.‬‬
‫وىو ما يقع فيو اغبسبة سواء كاف معروفًا ترؾ أو ً‬
‫يشًتط إلنكار الشيء توفر شروط أربعة ‪-:‬‬
‫منكرا‪ ،‬تنفر منو‬
‫أمرا ً‬
‫منكرا‪ ،‬أي يكوف ؿبظور الوقوع ُب الشرع‪ ،‬بأف حرمو الشارع أو كرىو أو رآه اؼبؤمنوف ً‬
‫منكرا‪ ،‬ومعٌت كونو ً‬
‫األوؿ ‪ :‬أف يكوف ً‬
‫نفوسهم‪ ،‬وتضيق بو صدورىم‪ ،‬ؼبخالفتو لعمومات الشرع‪ ،‬وإف مل ينو عنو الدين بدليل خاص بو‪.‬‬
‫فبل يلزـ أف يكوف ىناؾ دليل خاص ّٔذا اؼبنكر حىت نقوؿ إف ىذا منكر‪ ،‬كأف يبشي الرجل عاري الصدر والظهر ُب الطرقات واألسواؽ‪ ،‬أو يطيل‬
‫شعوره بطريقة غَت مباحة‪ ،‬كما يكوف ُب تقليد الكفار ومن حذا حذوىم‪ ،‬أو تقليد النساء والتشبو ّٔن‪ ،‬أو يلبس ما ضاؽ من الثياب‪ ،‬أو ما وصف‬
‫اعبلد لرقتو وعدـ سًته‪ ،‬وإمبا قلنا ُب معٌت لفظ اؼبنكر أف يكوف ؿبظور الوقوع ُب الشرع‪ ،‬وعدلنا عن لفظ اؼبعصية؛ ألف اؼبنكر أعم من اؼبعصية؛ إذ أف‬
‫من رأى صبيًا أو ؾبنونًا يشرب اػبمر‪ ،‬فعليو أف يريق طبره ويبنعو‪ ،‬وإف مل يكن الصيب أو آّنوف مكل ًفا‪ ،‬وكذا لو رأى ؾبنونًا يزين دبجنونة أو ّٔيمة فعليو‬
‫أف يبنعو ولو وقع ذلك ُب خلوة وىذا ال يسمى معصية ُب حق الصيب أو آّنوف إذ أف اؼبعصية ال توجد إال بوجود عاص ّٔا‪ ،‬بل وجودىا بدونو ؿباؿ‪.‬‬
‫منكرا يعم الصغائر والكبائر‪ ،‬فبل ىبتص باألخَتة فقط‪ ،‬ليست اؼبنكرات اليت تنكر ىي ما كاف من الكبائر فقط ولكن حىت الصغائر‬
‫واشًتاط كونو ً‬
‫فاؼبنكرات تعم الصغائر والكبائر‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬أف يكوف اؼبنكر قد وجد وربقق‪ ،‬فبل هبوز لوايل اغبسبة أف يذىب كل مذىب ُب الظن السيئ ويطلق لنفسو العناف ُب أف يتهم أي شخص‬
‫قائما أو تكوف آثاره باقية‪ ،‬كما إذا وجد‬
‫ُب أنو سوؼ يفعل ىذا أو ذاؾ‪ ،‬فيزجره أو يؤدبو ّٓرد التهمة آّردة عن القرائن بل ال بد أف يكوف اؼبنكر ً‬
‫السكر فهذه عبلمة على أنو قد شرب اػبمر أو قرينة لذلك‪.‬‬
‫شخصا يتمايل من ُّ‬
‫ً‬

‫‪25‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫وقد يقوؿ قائل أف احتسابو على العاصي إباف ارتكابو اؼبعصية أمر متصور‪ ،‬ولكن كيف وبتسب عليو وقد فرغ من فعلتو؟ ونقوؿ لو أف احتسابو ُب‬
‫مثل ىذا يكوف بإيصالو إىل القضاء واإلدعاء عليو دبا فعل‪ ،‬واؼبطالبة بإصدار ما يستحقو من حد‪ ،‬وظهور بوادر التصميم على فعل اؼبعصية يأخذ‬
‫رجبل يكثر الوقوؼ ُب األسواؽ اليت يكثر فيها النساء بدوف حاجة كبيع أو شراء أو‬
‫حكم اإلصرار عليها ُب وجوب اإلنكار عليو‪ ،‬فلو وجد الوايل ً‬
‫عمل؛ فإنو هبب عليو اإلنكار على ىذا اؼبريب ووعظو ومعاقبتو على اؼبعاودة‪ ،‬وال هبوز لو أف يًتكو وشأنو‪ ،‬حبجة أنو مل يفعل شيئًا بعد؛ ألف وقوفو‬
‫ّٔذه الصورة وسيلة يغلب على الظن حصوؿ اؼبكروه من ورائها‪ ،‬إذ أنو موقف ريبة وهتمة‪ ،‬وؽبذا اؼبعٌت منع عمر بن اػبطاب ‪ ‬الصبياف أف هبتمعوا‬
‫دبن كاف يتهم بالفاحشة‪ .‬إذًا من كاف يتصور أو يتوقع منو أو أف أفعالو أو تصرفاتو تنبئ أنو يبكن أف يقع ُب اؼبنكر أو يًتبص للوقوع ُب منكر أو‬
‫معصية؛ فإنو يؤخذ على يديو وال يًتؾ وشأنو‪.‬‬
‫ظاىرا للوايل بغَت ذبسس‪ ،‬فقد هنى ا﵁ تعاىل عن التجسس فقاؿ ‪َ ﴿ :‬وَال َذبَ َّس ُسوا ﴾ وعن عبد الرضبن بن عوؼ ‪ ‬قاؿ ‪:‬‬
‫الثالث ‪ :‬أف يكوف اؼبنكر ً‬
‫( خرجت مع عمر ‪ ‬ليلة ُب اؼبدينة فبينما كبن مبشي إذ ظهر لنا سراج‪ ،‬فانطلقنا نؤمو‪ ،‬فلما دنونا منو إذا باب مغلق على قوـ ؽبم أصوات ولغط‪،‬‬
‫فأخذ عمر بيدي وقاؿ أتدري بيت من ىذا؟ قلت‪ :‬ال‪ ،‬قاؿ ىذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف‪ ،‬وىم اآلف شرب‪ ،‬فما ترى؟ قلت‪ :‬أرى أنا قد أتينا ما‬
‫هنانا ا﵁ عنو‪ ،‬قاؿ ا﵁ تعاىل ‪َ ﴿ :‬وَال َذبَ َّس ُسوا ﴾ فرجع عمر – ‪ – ‬وتركهم"‪.‬‬
‫إ ًذا ىذه واقعة‪ ،‬وىذا شاىد على عدـ ذبسس الوايل‪ ،‬وإمبا وبكم أو ينكر اؼبنكر الظاىر بغَت ذبسس‪ .‬فبل هبوز للمحتسب أف يتتبع األبواب فيسمع ما‬
‫يصدر من داخلها من أصوات‪ ،‬أو يسخر أنفو ليشم ما ينبعث من ىذه الدار أو تلك‪ ،‬أو يقف باؼبرصاد لكل من مشى ُب الشارع ـبفيًا ربت ردائو‬
‫شيئًا من األشياء‪ ،‬فيفاجئو ليعرؼ ما معو؛ ألف ىذا تعنت وتكلف‪ ،‬حيث إنو مل ينبٍت على أمارة أو قرينة سابقو تدعو إىل ذلك‪ ،‬وإمبا كاف ىذا‬
‫الصنيع من قبيل االبتداء واالرذباؿ‪.‬‬
‫أيضا يبنع من الدخوؿ ُب نيات الناس‪ ،‬أوالتجسس عليهم‪ ،‬أو تتبع عوراهتم أو إفسادىم؛ ألف من تتبع عورات اؼبسلمُت‬
‫كثَتا‪ ،‬و ً‬
‫إ ًذا ىذا يريح ا﵀تسب ً‬
‫مستًتا بسًت‬
‫أفسدىم‪ ،‬أو كاد أف يفسدىم‪ ،‬وأيضا ىذا يكثر من شيوع الفاحشة ومن ظهورىا أو حىت التساىل ّٔا‪ ،‬والتجرؤ على فعلها‪ ،‬فما داـ اؼبرء ً‬
‫ا﵁ فإف ا﵀تسب ال يبحث عن اؼبنكرات اليت مل تظهر لو‪.‬‬
‫بطبيعة اغباؿ ىذا إف مل تكن ىناؾ قرائن وأمارات وإمبا كاف صاحب اؼبعصية أو اؼبنكر ـبفيًا معصيتو أو منكره أو أنو قد أسدؿ سًته أو أغلق عليو‬
‫بابو‪ ،‬ومل تكن ىناؾ قرائن أو إمارات فإف ا﵀تسب ال يتتبعو ألف ىذا أمر تعم بو البلوى ويكثر بسببو اإلشكاالت‪.‬‬
‫أما إذا وجدت القرائن أو اإلمارات كما لو ظهرت روائح اػبمر تزكم األنوؼ دبجرد العبور حوؿ مصدرىا‪ ،‬أو ارتفعت أصوات السكارى بالسباب‬
‫والشتائم‪ ،‬وأحس الناس من حوؽبم بتدافعم وتشاجرىم‪ ،‬أو ظبعت األصوات اؼباجنة‪ ،‬وأصوات اؼببلىي فاضحة تشق السكوف‪ ،‬أو أبرز اإلنساف ما‬
‫معو من اؼبنكر بأف ضبلو بدوف ساتر‪ ،‬أو بساتر رقيق‪ ،‬فإف ىذه الدواعي واغبالة ىذه تسوغ لوايل اغبسبة أف يتخذ اإلجراء البلزـ‪.‬‬
‫ولو قامت القرائن على وجود ؾبرمُت هبتمعوف ذبمعات مشبوىة‪ ،‬وىبشى منهم على اؼبسلمُت ُب أمر من أمورىم أو كثر وقوع السرقة‪ ،‬أو وقوع شرب‬
‫دوا‬
‫اػبمر‪ ،‬أو تعاطي الناس للمخدرات‪ ،‬أو ظهر التزييف‪ ،‬وكثر النصب واالحتياؿ‪ ،‬أو وقعت حوادث االغتياؿ‪ ،‬أو كاف وايل أمر اؼبسلمُت ىبشى ع ً‬
‫ؽبم داخل ببلدىم‪ ،‬كجواسيس العدو والعاملُت ؼبصلحتو ‪،‬كاؼبثبطُت واؼبرجفُت وكبوىم‪ ،‬وكاػبارجُت على صباعة اؼبسلمُت واؼبؤوين ؽبم‪ ،‬أو احتاج ويل‬
‫األمر إىل أخبار أعداء اؼبسلمُت ليحذر من تصرفاهتم وكيدىم‪ ،‬جاز التجسس وربري األخبار وصبع اؼبعلومات‪ ،‬حفاظًا على اؼبصلحة العامة للببلد‬
‫والعباد‪.‬‬
‫وكذلك اغباؿ فيمن ىبطط لعمليات إرىابية‪ ،‬أو تفجَتية ُب الببلد‪ ،‬ويريد العبث بأمن الببلد ومقدراهتا‪ ،‬واالعتداء على فبتلكاهتا العامة‪ ،‬فبل شك أف‬
‫اغبرص على تتبع ىؤالء‪ ،‬والتحري حوؽبم‪ ،‬من أعظم النصح لويل أمر اؼبسلمُت‪.‬‬
‫وال هبوز السكوت عليهم أو مداىنتهم أو عدـ االىتماـ بشأهنم‪ ،‬وقد كاف اؼبنافقوف ُب عصر النبوة يعملوف لليهود واؼبشركُت ويأخذوف أخبار النيب‬
‫ض ُعوا ِخ َبللَ ُك ْم يػَْبػغُونَ ُك ُم الْ ِفْتػنَةَ َوفِي ُك ْم َظبَّاعُو َف َؽبُ ْم‬ ‫ِ‬
‫‪ ‬ويوصلوهنا إليهم ويدؿ على ذلك قولو تعاىل ‪ ﴿ :‬لَ ْو َخَر ُجوا في ُكم َّما َز ُادوُك ْم إَِّال َخبَ ًاال َوَأل َْو َ‬
‫‪26‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫يم بِالظَّالم َ‬
‫ُت﴾ فرأى النيب ‪ ‬أف يتخذ لو عيونًا من اؼبسلمُت ليعملوا لو بإزاء جواسيس األعداء‪ ،‬فيقوـ بالسر بإحباط مؤامراهتم وينقلوف إليو‬ ‫َواللَّػوُ َعل ٌ‬
‫أخبارىم‪.‬وكاف عمر بُت اػبطاب ‪ ‬يعس بنفسو ُب الليل أثناء خبلفتو‪ ،‬وُب ليلة ظبع امرأة تنشد ‪-:‬‬
‫وأرقٍت أال خليل أالعبو‪.‬‬ ‫تطاوؿ ىذا الليل واسود جانبو‬
‫لزعزع من ىذا السرير جوانبو‪.‬‬ ‫فوا﵁ لوال ا﵁ أين أراقبو‬
‫وأكرـ بعلي أف تناؿ مراكبػو‪.‬‬ ‫ولكن عقلي واغبياء يكفٍت‬
‫فسأؿ عنها فقيل ىذه فبلنة‪ ،‬زوجها غائب ُب سبيل ا﵁‪ ،‬فأرسل إليها امرأة تكوف معها وبعث إىل زوجها فأقفلو‪ ،‬أي طلب أف يرجع زوجها‪ٍ ،‬ب دخل‬
‫على حفصة فقاؿ ؽبا‪: :‬يا بنية كم تصرب اؼبرأة عن زوجها‪ ،‬فقالت‪ :‬سبحاف ا﵁ أمثلك يسأؿ مثلي عن ىذا‪ ،‬لوال أين أريد النظر للمسلمُت ما سألتك‪،‬‬
‫شهرا راجعُت"‪.‬‬
‫شهرا ويقيموف أربعة أشهر‪ ،‬ويسَتوف ً‬
‫قالت طبسة أشهر‪ ،‬ستة أشهر‪ ،‬فوقت للناس ُب مغازيهم ستة أشهر‪ ،‬يسَتوف ً‬
‫ومن وقائع تفقده لرعيتو ُب الليل‪ ،‬ما وقع منو مع ياسر بن حجاج وابن عمو أيب ذئب‪ ،‬ؼبا خشي على النساء من االفتتاف ّٔما‪.‬‬
‫أيضا التحقيق مع آّرمُت وسؤاؽبم عن من اشًتؾ معهم ُب فسادىم‪ ،‬ليتم القضاء على معاقلهم وأوكارىم بسهولة وسرعة؛ ألف‬
‫ومن التجسس اعبائز ً‬
‫سؤاؿ ىؤالء يؤدي إىل معلومات واضحة وكثَتة ومقرونة بوقائع يسوقها آّرـ ُب إدالئو بأقوالو واعًتافاتو‪ ،‬وُب ىذا زجر للمسيء‪ ،‬ودفع لسد غَته‪،‬‬
‫وليعلم كل مسلم بأنو وإف مل يقع مباشرةً‪ ،‬فسيكوف ىناؾ من قرنائو من ىبرب بسَتتو ربت وطأة التحقيق‪ ،‬وبذلك يندحر الشر وينحسر ظلو‪ ،‬وأما‬
‫اآلية الكريبة ﴿ َوَال َذبَ َّس ُسوا ﴾ فبل تدؿ على ربرًن التجسس بإطبلؽ‪ ،‬ولكن تنهى عن التجسس اؼببٍت على التهمة آّردة على أية قرينة أو دوف أي‬
‫داع لذلك‪ ،‬وتزجر عن ّٔت اؼبسلمُت ابتداءً‪ ،‬ولعلو لقصد الرغبة ُب السًت ُب مسائل األعراض‪ ،‬أما إذا كاف ٍب سبب قائم من أمارة أو قرينة فبل بأس‬
‫بذلك‪ ،‬بل قد يكوف واجبًا إذا ما ترتب عليو وقف الفساد عن اؼبسلمُت‪.‬‬
‫منكرا معلوـ بغَت خبلؼ يعتد بو‪ ،‬فكل ما ىو ُب ؿبل االجتهاد فبل حسبة فيو‪ ،‬فليس للشافعي أف ينكر على حنفي عقد‬
‫الرابع ‪ :‬أف يكوف كونو ً‬
‫النكاح ببل ويل‪ ،‬وليس للحنفي أف ينكر على الشافعي أكلو الضب والسبع‪ ،‬وذلك ألف آراء اؼبذاىب اؼبعتربة على اختبلفها مستمدة من أصوؿ الدين‬
‫ودالئلو‪ ،‬وأساس اػببلؼ فيها ىو الرأي‪ ،‬وليس الرأي حبجة على رأي آخر‪ .‬ومناط األحكاـ ىو غلبة الظن‪ ،‬وذلك ىو أساس التكليف‪ ،‬والظٍت‬
‫أيضا فإف ؿباولة أحدنبا إقناع اآلخر ىي ضبلو على ترؾ ما يعتقده‪ ،‬وما هبب عليو فعلو‪ ،‬فإف فعل فقد أخطأ‪،‬‬
‫ىبتلف باختبلؼ آّتهدين والناظرين‪ ،‬و ً‬
‫ٍب ىو أثرة ُب التفكَت‪ ،‬وقد يكوف من نتائج ىذا فتنة أعظم من اؼبعروؼ اؼبراد إقامتو‪ ،‬أما إذا كانت اؼبسألة خبلؼ ال يعتد بو وال اعتبار لو‪ ،‬لظهور‬
‫ـبالفة الكتاب‪ ،‬أو السنة الصحيحة ـبالفة بينة ال شك فيها‪ ،‬كإنكار بعث األجساـ‪ ،‬وإنكار حدوث العامل‪ ،‬والقوؿ خبلق القرآف‪ ،‬واعتقاد عدـ نسخ‬
‫اإلسبلـ ؼبا سبقو من الشرائع‪ ،‬والقوؿ بإباحة نكاح اؼبتعة‪ ،‬وجواز ربا الفضل‪ ،‬فإف مثل ىذه الشبو والضبلالت ال سبنع تدخل وايل اغبسبة ُب إزالة‬
‫منيعا وبتموف بو ُب إظهار‬
‫اؼبنكر وحسمو‪ ،‬ألننا إف تركنا اؼببتدعُت وآراءىم الستشرى اػبطر‪ ،‬وظهرت الفتنة‪ ،‬ووجد اؼبفسدوف واؼبلحدوف حصنًا ً‬
‫فسقهم وفجورىم وإغبادىم‪.‬‬
‫وإذا تقرر ىذا فالنهي عن اؼبنكر ينقسم إىل ثبلثة أقساـ‪:‬‬
‫القسم األوؿ‪ :‬ما كاف من حقوؽ ا﵁ تعاىل وىو على ثبلثة أضرب‪:‬‬
‫الضرب الثالث‪ :‬ما يتعلق با﵀ظورات من األعماؿ‬ ‫الضرب األوؿ‪ :‬منها ما يتعلق بالعبادات ‪ ،‬والضرب الثاين‪ :‬ما يتعلق باؼبعامبلت اؼبنكرة‬
‫الضرب األوؿ‪ :‬ما يتعلق حبقوؽ العبادات‪،‬كما أف يرى الوايل من يقصد إىل ـبالفة ىيئاهتا الشرعية‪ ،‬كاعبهر ُب صبلة اإلسرار‪ ،‬وكاإلسرار ُب صبلة‬
‫أذكارا غَت مسنونة‪،‬أو أخل ِبسده أو بثوبو أو موضع صبلتو‪ ،‬أو علم أنو يًتؾ الغسل من اعبنابة‪،‬أنكرعليو ما يتحقق من‬
‫اعبهر‪،‬أو الزيادة ُب اآلذاف ً‬
‫يضا أو‬
‫ذلك‪ ،‬وال يأخذه دبجرد التهمة والظن فلو رأى إنسانًا يأكل ُب هنار رمضاف‪ ،‬مل يقدـ على تأديبو إال بعد سؤالو عن سبب إفطاره‪ ،‬فردبا كاف مر ً‬
‫مسافرا فحينها يأمره بإخفاء أكلو لئبل يعرض نفسو للتهمة أو كي ال يقتدي بو اعبهاؿ والسفهاء‪.‬ومن ىذا القبيل تعرض اؼبتسولُت ؼبسألة الناس‬
‫ً‬
‫وطلب الصدقة‪ ،‬مع علم الوايل بغناىم دباؿ أو عمل أو قدرهتم عليو‪ ،‬وجلدىم على الكسب فيأمرىم بالبحث عن الرزؽ اغببلؿ‪ ،‬ويؤدّٔم على‬

‫‪27‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫أىبل ومل يأمن أف يضل الناس‪ ،‬أو يفسد عليهم دينهم‪،‬‬


‫عودىم إىل سَتهتم مرة أخرى‪ ،‬وإف وجد من يتصدر ُب ؾبالس العلم أو الوعظ وىو ليس ً‬
‫بتغيَت أوبتشويو أو إظهاره بصورة خاطئة‪ ،‬أنكر عليو ذلك وأظهر حقيقتو للكافة حىت ال يغًتوا بو فيأخذوا عنو‪ ،‬فإذا أشكل عليو أمره مل يقدـ على‬
‫اإلنكار إال بعد السؤاؿ عنو واختباره‪ ،‬فقد مر علي بن أيب طالب ‪ ‬باغبسن البصري –رضبو ا﵁‪ -‬وىو يتكلم على الناس‪ ،‬فاختربه فقاؿ ‪" :‬ما عماد‬
‫الدين‪ ،‬فقاؿ‪ :‬الورع‪ ،‬قاؿ فما آفتو‪ ،‬قاؿ‪ :‬الطمع‪ ،‬قاؿ‪ :‬تكلم اآلف إف شئت"‪.‬‬
‫المحاضرة الحادية عشر‬
‫الضرب الثاين‪ :‬ما يتعلق باؼبعامبلت اؼبنكرة كالشراء والبيوع الفاسدة‪ ،‬وما منع الشرع منو‪ ،‬ولو تراضى اؼبتعاقداف بو كالعقود الربوية وبيع الغرر وغش‬
‫اؼببيعات وتدليس األشباف أو تزويرىا فقد قاؿ الرسوؿ ‪( :‬من غش فليس مٍت) ومن ذلك تصرية اؼبواشي وربفيل ضروعها عند البيع؛ فقد هنى رسوؿ‬
‫وصاعا من سبر)‪.‬‬
‫ا﵁‪ ‬عنو حيث قاؿ‪( :‬ال تصروا اإلبل والغنم؛ فمن ابتاعها؛ فهو خبَت النظرين بعد أف وبلبها إف رضيها أمسكها‪ ،‬وإف سخطها ردىا ً‬
‫و فبا يتأكد على ا﵀تسب الوايل اؼبنع من التطفيف والبخس ُب اؼبوازين واؼبكاييل وإظهار التعذيب على ذلك واغبث على إيفاء الكيل و الوزف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿وأ َْوفُوا الْ َكْيل إِ َذا كِْلتُ ْم َوِزنُوا بِالْ ِق ْسطَ ِ‬
‫َح َس ُن تَأْ ِو ًيبل ﴾‪.‬‬ ‫اس الْ ُم ْستَقي ِم ۚ ٰذَل َ‬
‫ك َخْيػٌر َوأ ْ‬ ‫َ‬ ‫بالقسطاس اؼبستقيم كما قاؿ تعاىل‪َ :‬‬
‫الضرب الثالث‪:‬ما يتعلق با﵀ظورات من األعماؿ‪ ،‬كأف يبنع الناس من الوقوؼ ُب مظاف الريبة والتهمة‪ ،‬فقد هنى الرسوؿ ‪ ‬عن أف يأٌب اإلنساف ما‬
‫رجبل قد وقف مع امرأة ُب طريق خالية من اؼبارة أنكر عليهما؛ ألهنا إف كانت ذات ؿبرـ‬
‫يرتاب منو فقاؿ‪( :‬دع ما يريبك إىل ما ال يريبك ) فإذا رأى ً‬
‫وجب أف تصاف عن مواقف التهمة‪ ،‬وإف كانت أجنبية فالوقوؼ معها على ىذه اغبالة يؤدي إىل معصية ا﵁ تعاىل وليكن زجره قوة وضع ًفا حبسب‬
‫األمارات‪ ،‬فإذا رأي ما ينكره تأىن وتفحص وراعى شواىد اغباؿ ومل يعجل باإلنكار قبل السؤاؿ‪ ،‬روي عن عمر بن اػبطاب ‪ ‬أنو كاف يطوؼ‬
‫السهوال‪ ،‬أ َْع ِد ُؽبا‬
‫ت ؽبذي َصبَبلً َذلوال‪ُ ،‬م َوطَّأً أَتَّبِ ُع ُّ‬
‫وصباال وىو يقوؿ‪ :‬ق ْد ُ‬
‫رجبل يطوؼ وعلى عاتقو امرأة مثل اؼبهاة؛ يعٍت حسنًا ً‬
‫بالبيت ذات مرة فرأى ً‬
‫ف أف َسبِيبل‪ ،‬أَح َذر أَف تسقط أَو تزوال‪ ،‬أ َْرجو بذاؾ نائبلً َج ِزيبل؛ فقاؿ لو عمر‪ :‬يا عبد ا﵁ من ىذه اليت وىبت ؽبا حجك؟ فقاؿ ‪:‬امرأٌب‪ ،‬يا أمَت‬ ‫بال َك ّْ‬
‫اؼبؤمنُت وإهنا ضبقاء ِم ْرغامة‪ ،‬أَكوؿ قمامة‪ ،‬ال يْبقى ؽبا خامة فقاؿ لو‪ :‬ما لك ال تطلّقها؟ قاؿ‪ :‬يا أمَت اؼبؤمنُت‪ ،‬ىي حسناء ال تُػ ْفَرؾ‪ ،‬وأُـ صبياف ال‬
‫تُػ ًْتؾ قاؿ‪ :‬فشأَنك ّٔا إذاً‪.‬‬
‫فلم يقدـ عليو باإلنكار حىت استخربه فلما انتفت عنو الريبة الف لو‪ ،‬وحكى إبراىيم النخعي أف عمر بن اػبطاب رضى ا﵁ عنو هنى الرجاؿ أف‬
‫يطوفوا مع النساء‪ ،‬فوجد رجبل يصلي مع النساء فضربو بالدرة فقاؿ الرجل‪ :‬و ا﵁ إف كنت أحسنت فقد ظلمتٍت‪ ،‬وإف كنت أسأت فما علمتٍت ‪،‬‬
‫قاؿ عمر‪ :‬أما شهدت عزميت ‪ ،‬فقاؿ‪ :‬ما شهدت لك عزمة‪ ،‬فألقى إليو الدرة وقاؿ لو اقتص‪ ،‬فقاؿ ال أقتص اليوـ‪ ،‬قاؿ‪ :‬فاعف عٍت ‪ ،‬قاؿ‪ :‬ال أعفو‪،‬‬
‫فافًتقا على ذلك ٍب لقيو من الغد فتغَت لوف عمر‪ ،‬فقاؿ لو الرجل‪ :‬يا أمَت اؼبؤمنُت‪ ،‬كأين أرى ما كاف مٍت قد أسرع فيك‪ ،‬قاؿ‪ :‬أجل‪ ،‬فقاؿ‪ :‬فأشهد‬
‫ا﵁ أين قد عفوت عنك‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬ما كاف من حقوؽ اآلدميُت‪:‬‬
‫ومثل ذلك تعدي اإلنساف على حد عباره أو على حريبو ببناء أو حرؼ أو بوضع سقف على جداره بغَت إذنو أو تعدي اؼبستأجر على األجَت‬
‫بنقصاف أجره‪ ،‬أو مطالبتو بعمل زائد عما اتفقا عليو‪ ،‬أو قصر األجَت ُب تأدية عملو أو استزاد مؤجره من األجرة فوؽ ما رضي بو أوال‪ ،‬أو جعل‬
‫مصنعا يهز مزهبو بيت جاره أو حفر بالوعة ِبوار جدار جاره تفضي إىل سقوطو ففي كل ىذه األمور‬
‫معمبل أو ً‬
‫أحد الناس ُب داره طاحونًا أو ً‬
‫اؼبتقدمة يتدخل وايل اغبسبة عندما يستعديو الطالب على اؼبطلوب ومل يكن بينهما ذباحد أو تناكر؛ فينظر ُب أمرنبا ولو تأديب اؼبتعدي حسب‬
‫شواىد اغباؿ وما يفضي بو العرؼ‪.‬‬
‫ويلتحق بذلك ما إذا بلغو أف أحد اؼبعلمُت قد أساء بًتبية أبناء اؼبسلمُت؛ ألنو بفعلو ذلك يريب طبلبو على السلوؾ الشائن ويصعب تركهم لو بعد ما‬
‫يكربوف‪ ،‬أو بلغو تقصَت أحد األطباء ُب عبلج اؼبرضى وما يلحقو من الضرر نتيجة لذلك ُب أبداهنم أو أمواؽبم فلو أف ينظر ُب ذلك أو ما أشبهو‬

‫‪28‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫ولو مل يستعديو أحد ألف ىذه وما أشبههما كالصيادلة واؼبهندسُت قد يعظم ّٔم الضرر ُب أوساط الناس مع عدـ رفع دعوى ضد واحد منهم بصفة‬
‫رظبية تواكل من أصحاب اغبقوؽ مع ما ؽبؤالء من مكانة مرموقة ُب أوساط آّتمعات النامية‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬ما كاف مشًتكا بُت اغبقُت‪:‬‬
‫وىذا كاؼبنع من اإلشراؼ على منازؿ الناس‪ ،‬ومن فتح النوافذ على دار اعبار ومن تعلية أىل الذمة بناء مساكنهم على بيوت اؼبسلمُت‪ ،‬ولوايل اغبسبة‬
‫صبيعا‪ ،‬وينظر ُب مقاعد‬
‫أف يبنع أرباب السفن من ضبل ما ال تسعو وىباؼ منو غرقها‪ ،‬وأف هبربىم على وضع حائل‪ ،‬بُت النساء والرجاؿ إذا ركبوا ً‬
‫األسواؽ فيقر منها ما ال ضرر فيها على اؼبارة ويبنع ما ضر ّٔم‪ ،‬ولو أف يبنع البناء ُب طرقات اؼبسلمُت‪ ،‬وإخراج ؾباري اؼبياه والبالوعات إذا أضرت‬
‫باؼبسلمُت‪ ،‬ومثل ذلك منعو خصاء اآلدمي والبهائم الكبَتة وتأديبو من يرتكب شيئا من ذلك‪ ،‬ىذا حديث عن شروط اؼبنكر اؼبوجب للحسبة‪ ،‬وأنواع‬
‫اؼبنكرات‪.‬‬
‫درجات اإلنكار‪:‬‬
‫كل منكر موجود أو معروؼ معدود وبوـ حولو ظروؼ ودواع وأحواؿ بعضها يرجع إىل الشخص اآلمر وبعضها إىل اؼبأمور وبعضها إىل آّتمع‪،‬‬
‫ويتكوف من ىذه األشياء أو بعضها جو ما وبتم على اآلمر باؼبعروؼ والناىي عن اؼبنكر أف يراعيو ليجعل أمره أو هنيو ُب إطار يبلئم ىذا اعبو مع‬
‫إتيانو باؼبقصود بدوف مفسدة راجحة أو مساوية‪.‬‬
‫ومراعاة ؽبذا كاف لبلحتساب درجات زبتلف شدة وضعفا ينتقي منها ا﵀تسب ما يبلئم اغبالة الراىنة مع إتيانو باؼبقصود من وراء االحتساب وىذه‬
‫الدرجات ليست ثابتة لكل أحد وإمبا بعضها يثبت ؼبن يأمر باؼبعروؼ أو ينهى عن اؼبنكر ُمتطوعا بذلك ُب سبيل ا﵁ وابتغاء ثوابو بينما تثبت كلها‬
‫لديواف اغبسبة اؼبعُت من قبل ويل أمر اؼبسلمُت‪ ،‬وإذا كاف األمر كذلك فمعرفة كل منهما ؽبذه الدرجات ضرورية‪ ،‬ليعرؼ اؼبتطوع ما لو منها وما ليس‬
‫فدرجات اإلنكار بالنسبة‬ ‫لو‪ ،‬وليعرؼ الوالة ىذه الدرجات لئبل يضعوا السوط ُب مكاف الوعظ أو العكس وإذا استقر ىذا‪،‬‬
‫للمتطوع أربعة‪:‬‬
‫ْم ِة‬ ‫ك بِ ِْ‬
‫اغبك َ‬ ‫﴿ادعُ إِ َ ٰىل َسبِ ِيل َربّْ َ‬
‫األوىل‪ :‬التعريف‪ ،‬وىو توضيح وتبيُت حكم ا﵁ ورسولو ‪ُ ‬ب ىذا الفعل أو ذاؾ بلطف ولُت‪ ،‬كما قاؿ تعاىل‪ْ :‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والْمو ِعظَِة ْ ِ ِ‬
‫ين﴾‬
‫ض َّل َعن َسبيلو َوُى َو أ َْعلَ ُم بالْ ُم ْهتَد َ‬
‫ك ُى َو أ َْعلَ ُم دبَن َ‬ ‫اغبَ َسنَة َو َجاد ْؽبُم بِالَِّيت ى َي أ ْ‬
‫َح َس ُن إِ َّف َربَّ َ‬ ‫َ َْ‬
‫فإف كاف منكرا بُت لفاعلو ما ورد ُب ذمو بدوف بذاءة ُب لساف كرمي الفاعل باعبهل أو إغبلظ لو ُب القوؿ ألنو ردبا غضب من كبلـ الواعظ فأصر‬
‫عنادا وعباجة‪ ،‬وقد ضرب الرسوؿ ‪ُ ‬ب ىذا آّاؿ أروع األمثاؿ فكاف يعلم اعباىلُت بلطف عظيم ولُت ُب القوؿ‪ ،‬عن معاوية بن اغبكم السلمي‬
‫ً‬
‫‪ ‬قاؿ‪ :‬بينا أنا أصلي مع رسوؿ ا﵁ ‪ ،‬إذ عطس رجل من القوـ‪ ،‬فقلت يرضبك ا﵁ فرماين القوـ بأبصارىم فقلت‪ :‬وا ثكل أمياه‪ ،‬ما شأنكم‬
‫تنظروف إيل‪ ،‬فجعلوا يضربوف بأيديهم على أفخاذىم فلما رأيتهم يصمتونٍت لكٍت سكت‪ ،‬فلما صلى رسوؿ ا﵁ ‪ ‬فبأيب ىو وأمي ما رأيت معلما‬
‫قبلو وال بعده أحسن تعليما منو‪ ،‬فوا﵁ ما كهرين وال ضربٍت وال شتمٍت‪ ،‬قاؿ‪ :‬إف ىذه الصبلة ال يصلح فيها شيء من كبلـ الناس إمبا ىو التسبيح‬
‫والتكبَت وقراءة القرآف) أو كما قاؿ ‪ ،‬ولنا ُب رسوؿ ا﵁ ‪ ‬اؼبثل األعلى والقدوة اغبسنة‪ ،‬وإف كاف معروفًا مًتوًكا َّبُت فضلو وعظم أجره‪ ،‬وحث‬
‫على فعلو وشحذ نبم السامعُت حىت يهبوا لبلمتثاؿ‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬الوعظ والتخويف من ا﵁ تعاىل ويكوف ذلك ؼبن فعل اؼبنكر أو ترؾ اؼبعروؼ عاؼبا بتحرًن األوؿ ومشروعية الثاين‪ ،‬وهبب أف يوجو إليو الكبلـ‬
‫برضبة ورفق من غَت غضب‪ ،‬ويشعر ا﵀تسب فاعل اؼبعصية أو تارؾ اؼبشروع بشفقتو عليو من عذاب ا﵁ ُب الدنيا واآلخرة‪ ،‬وأال يبدر من الواعظ‬
‫اعتزاز بنفسو وصبلحو واستحقار للفاعل فإف ذلك قد يكوف لو أثر سيئ يؤثرُب ربصيل اؼبقصود‪ ،‬فإذا رأى إنساف قد عق والديو أتى إليو وبُت إليو‬
‫َح ُد ُنبَا‬ ‫ك أََّال تَػعب ُدوا إَِّال إِيَّاه وبِالْوالِ َدي ِن إِحسانًا ۚ إِ َّما يػبػلُغَ َّن ِع َ ِ‬
‫ند َؾ الْكبَػَر أ َ‬ ‫َْ‬ ‫َُ َ ْ َْ‬ ‫ُْ‬ ‫ض ٰى َربُّ َ‬
‫﴿وقَ َ‬
‫خطر عقوؽ الوالدين ُب الدنيا واآلخرة وذكره بقوؿ ا﵁ ‪َ :‬‬
‫صغِ ًَتا﴾ وحبديث‬ ‫الر ْضبَِة َوقُل َّر ّْ‬
‫الذ ّْؿ ِم َن َّ‬ ‫ُؼ وَال تَػْنػهرُنبا وقُل َّؽبما قَػوًال َك ِريبا ‪ ‬و ِ‬
‫ب ْارضبَْ ُه َما َك َما َربػَّيَ ِاين َ‬ ‫اح ُّ‬
‫ض َؽبَُما َجنَ َ‬ ‫اخف ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫أ َْو كِ َبل ُنبَا فَ َبل تَػ ُقل َّؽبَُما أ ٍّ َ َ ْ َ َ َُ ْ ً‬
‫نفيع بن اغبارث ‪ ‬قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ ا﵁ ‪( : ‬أال أنبئكم بأكرب الكبائر ثبلثا‪ ،‬قلنا بلى يا رسوؿ ا﵁‪ ،‬قاؿ‪ :‬اإلشراؾ با﵁ وعقوؽ الوالدين وكاف‬

‫‪29‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫أيضا حبديث أيب ىريرة ‪ ‬قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ ا﵁‬


‫متكئا فجلس فقاؿ‪ :‬أال وقوؿ الزور وشهادة الزور‪ ،‬فما زاؿ يكررىا حىت قلنا ليتو سكت) ‪ ،‬نذكر ً‬
‫‪( :‬رغم أنفو ٍب رغم أنفو ٍب رغم أنفو‪ ،‬قيل من يا رسوؿ ا﵁‪ ،‬قاؿ‪ :‬من أدرؾ والديو عند الكرب أحدنبا أو كليهما ٍب مل يدخل اعبنة)‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬التقريع والتعنيف والزجر ويكوف ىذا عند العجز عن اؼبنع باللطف‪ ،‬وظهور اؼبأمور أو اؼبنهي دبظهر عدـ اؼبباالة دبا يسمع واستمراره على سَتتو‬
‫على أال يتضمن كبلـ ا﵀تسب ألفاظا قبيحة أو عبارات فاحشة بل يكوف كبلمو وبمل عبلمات اإلنكار وأمارات عدـ الرضا عن صنيع اؼبخاطب‬
‫كأف يقوؿ لو‪ :‬إنك تطيع الشيطاف بأفعالك ىذه وىو عدو لك وسيوردؾ إىل ما ال ربمد عقابو فاتق ا﵁‪ ،‬ودع ما أنت فيو أما تسمع قوؿ ا﵁ ‪:‬‬
‫السعِ َِت ﴾ [فاطر‪]6 :‬‬ ‫َصح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬ ‫ِ‬
‫اب َّ‬ ‫﴿إ َّف الشَّْيطَا َف لَ ُك ْم َع ُد ّّو فَازب ُذوهُ َع ُد ِّوا ۚ إَّمبَا يَ ْد ُعو ح ْزبَوُ ليَ ُكونُوا م ْن أ ْ َ‬
‫الرابعة ‪ :‬التغيَت باليد‪ :‬وذلك إذا غلب على الظن أف صاحب اؼبنكر لن يدافع عما معو من منكر‪ ،‬بل سينقاد وىبضع‪ ،‬كما لو رأى أحد الرجاؿ يلبس‬
‫رجبل قد‬
‫قبلدة ذىب وكاف يعرؼ أنو نصح وخوؼ فلم ينتهي ‪ ،‬جاز لو أف يعمد إىل القبلدة فيأخذىا منو‪ ،‬وينهاه عن لبسها مرة أخرى أو رأى ً‬
‫أمسك آخر يريد أف يذحبو أو امرأة يريد اؽبرب ّٔا أو فعل الفاحشة ّٔا‪ ،‬وخشي وقوع ا﵀ظور إف مل يتدخل‪ ،‬فإنو حينئذ ينبغي قبدة اؼبظلوـ وزبليصو‬
‫متاعا لو ونصحو فلم يتعظ‪ ،‬وخوفو من ا﵁ فلم ينتو فلو أف يأخذ اؼبتاع من يد الغاصب ويسلمو إىل‬
‫رجبل قد غصب من آخر ً‬
‫من يد ظاؼبو‪ ،‬أو وجد ً‬
‫اؼبغصوب إذا استطاع ذلك بدوف مفسدة الحقة‪.‬‬
‫أما إذا غلب على ظن اآلمر باؼبعروؼ أف صاحب اؼبنكر سيمانع ويدافع وسيحصل من وراء احتسابو مضاربة ومدافعة فعند ذلك يًتكو مع إظهار‬
‫عدـ رضاه باإلنكار عليو باللساف أو برفع أمره إىل وايل اغبسبة إف وجد‪.‬‬
‫وىذه الدرجات األربع تثبت للمتطوع باالحتساب على أال يستعمل التقريع والتعنيف ألوؿ وىلة‪ ،‬أو يستخدـ التغيَت باليد مكاف التعريف‪ ،‬بل‬
‫يبارسها على التدريج ابتداء من األوىل إىل الرابعة‪ ،‬أما وايل اغبسبة فيثبت لو الدرجات األربع اؼبتقدمة إال إذا رأى العاصي مل ينفع معو التعنيف والوعظ‬
‫والزجر‪ ،‬فعندئذ يقوـ بتغيَت اؼبنكر بيده وإف امتنع العاصي ودافع عما معو من اؼبنكر‪ ،‬ولو حينئذ استخداـ ما معو من سلطة ُب إرغاـ اؼبعاند وإعادتو‬
‫إىل جادة الصواب‪ ،‬ما مل ىبشى من وراء ذلك ظهور مفسدة أعظم للمصلحة اؼبطلوبة‪ ،‬فإنو حينئذ يرفع األمر إىل ويل أمر اؼبسلمُت لتعاين اؼبشكلة‬
‫على مستوى أكرب‪.‬‬
‫ويثبت لوايل اغبسبة الدرجات التالية‪:‬‬
‫اػبامسة‪ :‬التهديد والتخويف‪ :‬وىو أف يهدد فاعل اؼبعصية اؼبكابر بأنو إف رآه مرة أخرى على ىذه الفعلة أو إف مل ينتو فبا ىو عليو فإنو سيضربو أو‬
‫سيزجره أو سيتلف ما معو من منكر وعليو أف يراعي ُب هتديده أحكاـ الشرع فبل يتوعده بفعل ؿبرـ كأف يقوؿ لو‪ :‬إف رأيتك تقوـ أو تقف ُب ىذا‬
‫اؼبكاف كوقفتك ىذه حلقت غبيتك أو أظهرت نساءؾ مفضوحات أو هنبت مالك أو سبيت نساءؾ أو ضربت ولدؾ؛ ألف توعده ىذا إف كاف‬
‫يقصده فإنو حراـ وإف كاف ال يقصده فهو كذب‪ ،‬وكبل األمرين غَت الئق بشخص نصب إلقامة اؼبعروؼ وإزىاؽ اؼبنكر‪ ،‬ولذلك قيل‪ :‬ليكن أمرؾ‬
‫باؼبعروؼ وهنيك عن اؼبنكر غَت منكر‪.‬‬
‫السادسة‪ :‬الضرب أو اغببس‪ :‬فإف اؼبأمور إذا أصر على اؼبعصية ومل تفد ُب منعو الدرجات السابقة‪ ،‬أو كابر وامتنع وربدى ومل يباؿ بالتهديد‬
‫والتخويف فإف لوايل اغبسبة أف يضربو أو وببسو تعز ًيرا لو على فعلتو ومدافعتو عنها وهبب أف يراعي اغباجة إىل ذلك فبل يزيد ُب العقوبة أكثر فبا يلزـ‬
‫بل عليو أف يوقع على اؼبذنب ما يردعو عما ىو عليو دوف مبالغة أو إسراؼ ُب التأديب‪.‬‬
‫السابعة‪ :‬االستعانة باألعواف والسبلح‪ :‬وذلك فيما إذا كاف العصاة قد تكتلوا وتعاونوا ُب إظهار فسقهم‪ ،‬أو قصدوا إجبار وايل اغبسبة على ذبنب‬
‫طريقهم‪ ،‬أو كاف فاعل اؼبعصية ذوي عدد‪ ،‬وقد اعتصموا ُب مكاهنم وىددوا كل من جاءىم‪ ،‬كما لو عثر الوايل على معصرة طبر أو مكاف قد اجتمع‬
‫فيو رجاؿ ونساء ألجل الفاحشة فلما علموا مراقبة رجاؿ اغبسبة ؽبم نبوا ّٔم‪ ،‬أو كاف ىناؾ عصاة قد اختطفوا امرأة للهرب ّٔا وفعل الفاحشة فيها‪،‬‬
‫إرغاما للمفسدين وإلقاء القبض عليهم‪ ،‬ولو عوعبت ىذه اغباالت ِبهود فردية متفرقة‬
‫فإف كل ىذه الصور ربتاج إىل كثرة أعواف وإىل شهر السبلح ً‬
‫لغلب اؼبفسدوف آمرىم وردبا آذوه أو قتلوه ليتخلصوا منو ؤّذا تكوف النتيجة الفشل الذريع مع خسارة األرواح أو اؼبعنويات‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫وىذه الدرجات السبع ُب اإلنكار تستعمل على التدريج‪ ،‬فعلى ا﵀تسب مراعاة ذلك فبل يستعمل الضرب واغببس بدوف أف يكلم مرتكب الذنب‪ ،‬أو‬
‫ينصحو أو يهدده وال يستمر على النصح والتعريف وال شيء وراء ذلك؛ فإف ىذين طرفا نقيض بل عليو أف يستعمل ىذه الدرجات استعماال مبنيِّا‬
‫على دراسة اؼبوقف وشواىد اغباؿ‪ ،‬ويضع لكل حالة ما يناسبها‪.‬‬
‫منكرا فليغَته بيده فإف مل يستطع فبلسانو‪ ،‬فإف مل يستطع فبقلبو وذلك أضعف اإليباف ) فهذا اؼبقصود بو اؼبتطوع‬
‫وأما قولو ‪( :‬من رأى منكم ً‬
‫وذلك فيما إذا كاف ىناؾ شخص يفعل معصية ما‪ ،‬وىو يعلم أنو نصح وعلم وبُت لو فلم يسمع واستمر على عصيانو أو ظهر منو التحدي والعناد‬
‫والتصميم على التثبت دبعصيتو فإف اآلمر باؼبعروؼ والناىي عن اؼبنكر ينظر فإف استطاع أف يغَت ىذا اؼبنكر بيده فهو أحسن وأفضل‪ ،‬وإف كاف ال‬
‫يستطيع ػبوؼ فتنة بُت اؼبسلمُت أو خوؼ ضرر على نفسو أو مالو أو أىلو فإنو حينئذ ينكر بلسانو فيظهر عدـ رضاه عن ىذا الفعل حىت ال يتصور‬
‫أحد أنو راض عن ذلك‪ ،‬وإلعبلـ اعباىل والصغَت بأف ىذا الفعل ال هبوز حىت ال يدرجا عليو ويألفاه ويعتقدا إباحتو‪ ،‬وإف مل يستطع اإلنكار باللساف‬
‫أنكر بالقلب ليعلم ا﵁ أنو كاره ؽبذا اؼبنكر وضائق بو صدره فتربأ ذمتو‪ ،‬وليس معٌت اغبديث أف اآلمر باؼبعروؼ دبجرد أف يرى اؼبنكر يغَته بيده بدوف‬
‫أي كبلـ أو تعريف أو تبيُت؛ ألف اغبديث يدعو ابتداء إىل تغيَت اؼبنكر ومعلوـ أف التغيَت باليد ال يكوف مطلوبا إال بعد العجز عن تغيَته باإلرشاد‬
‫والوعظ‪.‬‬
‫أما وايل اغبسبة وىو ا﵀تسب الرظبي فبل يتصور فيو عدـ استطاعتو التغيَت باليد‪ ،‬وال يتصور إىل نزولو إىل اإلنكار باللساف ٍب إىل اإلنكار بالقلب؛ ألف‬
‫والية اغبسبة قائمة على القوة والقهر والسلطة‪ ،‬فالقدرة موجودة لدى الوايل وبإمكانو التغيَت باليد والضرب واغببس وغَتنبا‪ ،‬من أنواع التعزير كما ىو‬
‫معروؼ ومذكور ُب كتب اغبسبة‪.‬‬
‫ولو فرضنا أف اؼبنكر صادر من أناس ؽبم قيمتهم ُب آّتمع بأف كانوا من الوجهاء والكبار ُب الدولة أو اؼبقربُت لدى أويل األمر‪ ،‬فإف اإلنكار عليهم‬
‫يكوف بالرفع للقضاء أو إىل وايل اؼبظامل للتحقيق ُب اؼبوضوع وإيقاؼ ىؤالء اؼبتمردين عند حدودىم‪ ،‬فالقدرة لدى الوايل على اغبسبة موجودة‪ ،‬وتربز‬
‫آثارىا بأساليب متفاوتة‪.‬‬
‫المحاضرة الثانية عشرة‬
‫التعريف ببعض كتب اغبسبة‪:‬‬
‫نبدأ بكتاب األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر أليب حامد الغزايل رضبو ا﵁ تعاىل‪ ،‬وىو مستل من كتابو الكبَت "إحياء علوـ الدين"‪ ،‬قاؿ فيو وىو‬
‫الكتاب التاسع من ربع العادات الثاين من كتب إحياء علوـ الدين‪ ،‬ابتدأ اؼبؤلف كتابو بالبسملة فقاؿ‪ :‬بسم ا﵁ الرضبن الرحيم‪ ،‬اغبمد ﵁ الذي ال‬
‫تستفتح الكتب إال حبمده وال تستمنح النعم إال بواسطة كرمو ورفده والصبلة على سيد األنبياء ؿبمد رسولو وعبده وعلى آلو الطيبُت وأصحابو‬
‫الطاىرين من بعده‪ ،‬أما بعد فإف األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر ىو القطب األعظم ُب الدين وىو اؼبهمة اليت ابتعث ا﵁ لو النبيُت أصبعُت‪ ،‬ولو‬
‫طوي بساطو وأنبل علمو وعملو لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة وعمت الفًتة وفشت الضبللة وشاعت اعبهالة واستشرى الفساد واتسع اػبرؽ‬
‫وخربت الببلد وىلك العباد ومل يشعر باؽببلؾ إال يوـ التناد"‪.‬‬
‫وذكر ُب اؼبقدمة األبواب األربعة اليت ربدث فيها عن األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر وألنبية ىذا الكتاب سيأخذ منا حلقات متعددة بتوفيق ا﵁‬
‫نظرا ألف معظم اؼبفردات والعناصر اليت باؼبنهج ربدث عنها ىذا الكتاب القيم اؼبفيد فهو على اختصاره إال أنو صبع موضوعات عديدة ومنها‬
‫تعاىل ً‬
‫ما يتعلق بأركاف اغبسبة فاؼبؤلف ‪-‬رضبو ا﵁‪ -‬جعل ىذا الكتاب ُب أربعة أبواب‪:‬‬
‫الباب األوؿ ُب وجوب األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر وفضيلتو والباب الثاين ُب أركانو وشروطو‪،‬‬
‫والباب الرابع ُب أمر األمراء والسبلطُت باؼبعروؼ وهنيهم عن اؼبنكر ‪،‬‬ ‫والباب الثالث ُب ؾباريو وبياف اؼبنكرات اؼبألوفة ُب العادات‬
‫فتحدث ُب الباب األوؿ عن وجوب األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر وفضيلتو واؼبذمة ُب إنبالو وإضاعتو‪ ،‬ويدؿ على ذلك بعد إصباع األمة عليو‬
‫وإشارات العقوؿ السليمة إليو اآليات واألخبار واآلثار‪ ،‬وذكر صبلة من اآليات ُب وجوب األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر ومنها قولو تعاىل‪:‬‬

‫‪31‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫ك ُى ُم الْ ُم ْفلِ ُحو َف﴾ ففي اآلية بياف اإلهباب‪ ،‬فإف قولو‬ ‫ِ‬
‫اػبََِْت َويَأْ ُمُرو َف بِالْ َم ْعُروؼ َويػَْنػ َه ْو َف َع ِن الْ ُمن َك ِر ۚ َوأُولَػٰئِ َ‬
‫﴿ولْتَ ُكن ّْمن ُك ْم أ َُّمةٌ يَ ْد ُعو َف إِ َىل ْ‬
‫َ‬
‫ك ُى ُم الْ ُم ْفلِ ُحو َف﴾ وفيو بياف أنو فرض كفاية ال فرض‬
‫﴿وأُولَػٰئِ َ‬
‫تعاىل( َولْتَ ُكن) أمر وظاىر األمر اإلهباب وفيو بياف أف الفبلح منوط بو إذ حضر‪ ،‬وقاؿ‪َ :‬‬
‫﴿ولْتَ ُكن ّْمن ُك ْم أ َُّمةٌ﴾ فإذف مهما قاـ بو واحد‬
‫عُت‪ ،‬وأنو إذا قاـ بو أمة سقط الفرض عن اآلخرين‪ ،‬إذ مل يقل كونوا كلكم آمرين باؼبعروؼ‪ ،‬بل قاؿ‪َ :‬‬
‫أو صباعة سقط اغبرج عن اآلخرين‪ ،‬واختص الفبلح بالقائمُت بو اؼبباشرين‪ ،‬وإف تقاعد عنو اػبلق أصبعُت‪ ،‬عم اغبرج كافة القادرين عليو ال ؿبالة‪،‬‬
‫وؼ َويػَْنػ َه ْو َف َع ِن الْ ُمن َك ِر﴾ فقد نعت اؼبؤمنُت بأهنم يأمروف باؼبعروؼ‬ ‫ض ۚ يأْمرو َف بِالْمعر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫ض ُه ْم أ َْوليَاءُ بػَ ْع ٍ َ ُ ُ‬ ‫ات بػَ ْع ُ‬ ‫﴿والْ ُم ْؤمنُو َف َوالْ ُم ْؤمنَ ُ‬
‫وقاؿ تعاىل‪َ :‬‬
‫ين َك َفُروا‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫وينهوف عن اؼبنكر فالذي ىجر األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر خارج عن ىؤالء اؼبؤمنُت اؼبنعوتُت ُب ىذه اآلية ‪ ،‬وقاؿ تعاىل‪ ﴿ :‬لُع َن الذ َ‬
‫س َما َكانُوا يػَ ْف َعلُو َف‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫اف داوود و ِعيسى اب ِن مرًَن ۚ ٰذَلِ َ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫اى ْو َف َعن ُّمن َكر فَػ َعلُوهُ لَبْئ َ‬‫صوا َّوَكانُوا يػَ ْعتَ ُدو َف ‪َ ‬كانُوا َال يػَتَػنَ َ‬
‫ك دبَا َع َ‬ ‫يل َعلَ ٰى ل َس َ ُ َ َ َ ْ َ ْ َ‬ ‫من بٍَت إ ْسَرائ َ‬
‫َّاس تَأْمرو َف بِالْمعر ِ‬ ‫﴾‪.‬وىذا غاية التشديد إذ علل استحقاقهم للعنة بًتكهم النهي عن اؼبنكر وقاؿ ‪ُ ﴿ :‬كنتم خيػر أ َُّم ٍة أُخ ِرج ِ‬
‫وؼ َوتَػْنػ َه ْو َف َع ِن‬ ‫َ ُْ‬ ‫ت لل ن ِ ُ ُ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ُ ْ ََْ‬
‫ين إِف‬ ‫َّ ِ‬
‫الْ ُمن َك ِر﴾ وىذا يدؿ على فضيلة األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر إذ بُت أهنم كانوا بو خَت امة أخرجت للناس‪ ،‬وقاؿ تعاىل تعليقا‪﴿ :‬الذ َ‬
‫الزَكاةَ وأَمروا بِالْمعر ِ‬
‫وؼ َونػَ َه ْوا َع ِن الْ ُمن َك ِر ﴾ فقرف ذلك بالصبلة والزكاة ُب نعت الصاغبُت واؼبؤمنُت‪ ،‬وقاؿ‬ ‫َ َُ َ ُْ‬
‫الص َبلةَ َوآتَػ ُوا َّ‬
‫ض أَقَ ُاموا َّ‬ ‫َّم َّكن ُ‬
‫َّاى ْم ُِب ْاأل َْر ِ‬
‫ض إَِّال قَلِ ًيبل ّْفبَّ ْن أَقبَْيػنَا ِمْنػ ُه ْم ﴾‪ ،‬فبُت أنو أىلك صبيعهم إال قليبل منهم‬ ‫وف ِمن قَػْبلِ ُك ْم أُولُو بَِقيَّ ٍة يػَْنػ َه ْو َف َع ِن الْ َف َس ِاد ُِب ْاأل َْر ِ‬‫تعاىل‪﴿ :‬فَػلَوَال َكا َف ِمن الْ ُقر ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬
‫َّاس ۚ ومن يػ ْفعل ٰذَلِ َ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫﴿ال خيػر ُِب َكثِ ٍَت ّْمن َّْقبواىم إَِّال من أَمر بِ ٍ‬
‫ك ابْتغَاءَ‬ ‫ُت الن ِ َ َ َ َ ْ‬ ‫ص َدقَة أ َْو َم ْعُروؼ أ َْو إِ ْ‬
‫ص َبل ٍح بػَ ْ َ‬ ‫َ ُ ْ َ ْ ََ َ‬ ‫ََْ‬
‫كانوا ينهوف عن الفساد وقاؿ تعاىل‪َّ :‬‬
‫يما﴾‬ ‫ِ‬ ‫ات اللَّ ِػو فَسو َ ِ ِ‬ ‫مرض ِ‬
‫َجًرا َعظ ً‬ ‫ؼ نػُ ْؤتيو أ ْ‬ ‫َْ‬ ‫َْ َ‬
‫وأما األخبار فمنها ما روي عن أيب بكر الصديق ‪ ،‬أنو قاؿ ُب خطبة خطبها‪ :‬أيها الناس‪ ،‬إنكم تقرءوف ىذه اآلية وتأولوهنا على خبلؼ تأويلها‬
‫ض َّل إِ َذا ْاىتَ َديْػتُ ْم﴾ وإين ظبعت رسوؿ ا﵁ عليو وسلم يقوؿ‪( :‬ما من قوـ عملوا باؼبعاصي‬ ‫َّ ِ‬
‫ضُّرُكم َّمن َ‬ ‫ين َآمنُوا َعلَْي ُك ْم أَن ُف َس ُك ْم ۚ َال يَ ُ‬ ‫﴿يَا أَيػُّ َها الذ َ‬
‫وفيهم من يقدر أف ينكر عليهم‪ ،‬فلم يفعل إال يوشك ا﵁ أف يعمهم ا﵁ بعذاب من عنده) كذلك ما ورد عن عقوبة ترؾ األمر باؼبعروؼ والنهي عن‬
‫صوا َّوَكانُوا‬ ‫اف داوود وعِيسى اب ِن مرًَن ۚ ٰذَلِ َ ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ك دبَا َع َ‬ ‫يل َعلَ ٰى ل َس َ ُ َ َ َ ْ َ ْ َ‬
‫ين َك َفُروا من بٍَت إ ْسَرائ َ‬ ‫اؼبنكر‪ ،‬وىذا قد بينو ا﵁ تعاىل ُب كتابو الكرًن ﴿ لُع َن الذ َ‬
‫س َما َكانُوا يػَ ْف َعلُو َف﴾‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫اى ْو َف َعن ُّمن َكر فَػ َعلُوهُ ۚ لَبْئ َ‬
‫يػَ ْعتَ ُدو َف ‪َ ‬كانُوا َال يػَتَػنَ َ‬
‫أما عن فضيلة األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر فهذه من الوضوح واألنبية دبكاف‪ ،‬وبينها رضبو ا﵁ تعاىل ُب ىذا الكتاب وذكر أيضا بعض اآلثار‬
‫الدالة على وجوب األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر فقاؿ‪":‬وأما اآلثار فقد قاؿ أبو الدرداء ‪( : ‬لتأمرف باؼبعروؼ ولتنهوف عن اؼبنكر أو ليسلطن‬
‫ا﵁ عليكم سلطانا ظاؼبا ال هبل كبَتكم وال يرحم صغَتكم‪ ،‬ويدعو عليو خياركم‪ ،‬فبل يستجاب ؽبم‪ ،‬وتستنصروف فبل تنصروف‪ ،‬وتستغفروف فبل يغفر‬
‫لكم)‪.‬وقاؿ ببلؿ بن سعد‪ :‬إف اؼبعصية إذا أخفيت مل تضر إال صاحبها‪ ،‬فإف أعلنت ومل تغَت أضرت بالعامة‪.‬‬
‫ننتقل بعد ذلك إىل حديثو رضبو ا﵁ عن أركاف األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر وشروطو قاؿ الغزايل‪-‬رضبو ا﵁‪( :-‬الباب الثاين ُب أركاف األمر‬
‫باؼبعروؼ وشروطو‪ :‬اعلم أف األركاف ُب اغبسبة اليت ىي عبارة شاملة لؤلمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر أربعة‪ :‬ا﵀تسب‪ ،‬وا﵀تسب عليو‪ ،‬وا﵀تسب‬
‫فيو‪ ،‬ونفس االحتساب‪ ،‬فهذه أربعة أركاف ولكل واحد منها شروط)‬
‫وذكر الركن األوؿ‪ :‬وىو ا﵀تسب‪ ،‬وقاؿ‪ :‬شروط ا﵀تسب وىو أف يكوف مكلفا مسلما قادرا‪ ،‬فيخرج منو آّنوف والصيب والكافر والعاجز‪ ،‬ويدخل فيو‬
‫أحاد الرعايا وإف مل يكونوا مأذونُت‪ ،‬ويدخل فيو الفاسق والرقيق واؼبرأة‪.‬‬
‫أما الشرط األوؿ ىو التكليف فبل ىبفى منو اشًتاطو‪ ،‬فإف غَت اؼبكلف ال يلزمو أمر‪ ،‬وما ذكرناه وأردنا بو شرط الوجوب‪ ،‬فأما إذا كاف الفعل وجوازه‬
‫فبل يستدعي إال العقل‪ ،‬حىت إف الصيب اؼبراىق ُب البلوغ اؼبميز وإف مل يكن مكلفا فلو إنكار اؼبنكر ولو أف يريق اػبمر ويكسر اؼببلىي‪ ،‬وإذا فعل‬
‫ذلك ناؿ ثوابًا‪ ،‬ومل يكن ألحد منعو من حيث إنو ليس مكلفا فإف ىذه قربة وىو من أىلها كالصبلة واإلمامة وسائر القربات‪ ،‬وليس حكمو حكم‬
‫الواليات حىت يشًتط فيو التكليف‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫وأما الشرط الثاين‪ :‬وىو اإليباف فبل ىبفى وجو اشًتاطو؛ ألف اغبسبة نصرة للدين فكيف يكوف من أىل األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر وىو من ىو‬
‫جاىل ألصل الدين وعدو لو‪.‬‬
‫َّاس بِالِْ ّْرب‬
‫وأما الشرط الثالث فهو العدالة ‪ ،‬فقد اعترب قوـ وقالوا ليس للفاسق أف وبتسب‪ ،‬واستدلوا فيو ببعض األدلة مثل قولو تعاىل‪﴿ :‬أَتَأْ ُمُرو َف الن َ‬
‫ند اللَّ ِػو أَف تَػ ُقولُوا َما َال تَػ ْف َعلُو َف﴾ وقد روي عن رسوؿ ا﵁ ‪ ‬أنو قاؿ‪( :‬مررت ليلة أسري يب بقوـ‬
‫نس ْو َف أَن ُف َس ُك ْم﴾ وقولو تعاىل‪َ ﴿ :‬كبُػَر َم ْقتًا ِع َ‬
‫َوتَ َ‬
‫تقرض شفاىهم دبقاريض من نار‪ ،‬فقلت ‪ :‬من أنتم‪ ،‬فقالوا‪ :‬كنا نأمر باػبَت وال نأتيو وننهى عن الشر ونأتيو)‪ .‬قاؿ وروي أف ا﵁ تعاىل أوحى إىل‬
‫عيسى ‪ ‬عظ نفسك‪ ،‬فإف اتعظت فعظ الناس وإال فاستحي مٍت‪ ،‬وفبا استدلوا من طريق القياس بأف ىداية الغَت فرع من االىتداء‪ ،‬وكذلك تقوًن‬
‫الغَت فرع من االستقامة‪ ،‬واإلصبلح زكاة عن نصاب الصبلح‪ ،‬فمن ليس بصاحل ُب نفسو فكيف يصلح غَته‪ ،‬ومىت يستقيم الظل والعود أعوج‪.‬‬
‫قاؿ رضبو ا﵁ وكل ما ذكروه خياالت وإمبا اغبق أف للفاسق أف وبتسب وبرىانو أف نقوؿ‪ :‬ىل يشًتط لبلحتساب إذ ال عصمة للصحابة فضبل عن‬
‫من دوهنم واألنبياء عليهم السبلـ قد اختلف ُب عصمتهم عن اػبطايا‪ ،‬والقرآف العزيز داؿ على نسبة آدـ عليو السبلـ للمعصية وكذا صباعة من‬
‫األنبياء؟ ولذلك قاؿ سعيد بن جبَت رضبو ا﵁ ‪ :‬إف مل يأمر باؼبعروؼ ومل ينو عن اؼبنكر إال من ال يكوف فيو شيء مل يأمر أحد بشيء؛ فأعجب مالكا‬
‫ذلك من سعيد بن جبَت‪ ،‬وإف زعموا أف ذلك ال يفًتض عن الصغائر حىت هبوز لبلبس اغبرير أف يبنع من الزنا وشرب اػبمر فنقوؿ ُب حسبة الفاسق‪،‬‬
‫وىل لشارب اػبمر أف يغزو الكفار ووبتسب عليهم باؼبنع من الكفر فإف قالوا‪ :‬ال‪ ،‬خرقوا اإلصباع إذ جنود اؼبسلمُت مل تزؿ مشتملة على الرب‬
‫والفاجر وشارب اػبمر وظامل األيتاـ ومل يبنعوا من الغزو ال ُب عصر رسوؿ ا﵁ ‪ ‬وال بعده‪ ،‬وتكلم بكبلـ فيو تفصيل ُب ىذه اؼبسألة‪.‬‬
‫أوال‪ ،‬وكبن نقوؿ كما‬
‫أما عن كيفية احتساب الفاسق فقاؿ‪ :‬الثابت أف اغبسبة تارة تكوف بالنهي بالوعظ وتارة بالقهر‪ ،‬وال ينجح وعظ من ال يتعظ ً‬
‫قاؿ الغزايل ‪-‬رضبو ا﵁‪ -‬يقوؿ‪ :‬كبن نقوؿ من علم أف قولو ال يقبل باغبسبة لعلم الناس بفسقو فليس عليو اغبسبة بالوعظ‪ ،‬إذ ال فائدة ُب وعظو‪،‬‬
‫فالفسق يؤثر ُب إسقاط فائدة كبلمو‪ٍ ،‬ب إذا سقطت فائدة كبلمو‪ ،‬سقط وجوب الكبلـ‪ ،‬فأما إذا كانت اغبسبة باؼبنع فاؼبراد منو القهر‪ ،‬وسباـ القهر أف‬
‫يكوف بالفعل وباغبجة صبيعا‪ ،‬وإذا كاف فاسقا فإف قهر بالفعل فقد قهر باغبجة‪ ،‬إذ يتوجو عليو أف يقاؿ لو فأنت ؼبا تقدـ عليو‪ ،‬فتنظر اتباع عن قهره‬
‫بالفعل عن كونو مقهورا باغبجة‪ ،‬وىذا ال ىبرج الفعل عن كونو حقِّا‪.‬‬
‫وأما قولو تعاىل‪ِ :‬‬
‫﴿ملَ تَػ ُقولُو َف َما َال تَػ ْف َعلُو َف﴾ فقاؿ اؼبراد بو الوعد الكاذب‪ ،‬وقولو ‪﴿ ‬تَػْن َسو َف أَنْػ ُف َس ُكم﴾إنكار من حيث إهنم نسوا أنفسهم‪ ،‬ال من‬
‫حيث إهنم أمروا غَتىم‪ ،‬ولكن ذكر أمر الغَت استدالال بو على علمهم‪ ،‬وتأكيد اغبجة عليهم‪.‬‬
‫أتى دبسألة أخرى‪ :‬فقاؿ ىل وبتسب الكافر على اؼبسلم‪ ،‬قاؿ‪ :‬فإف قيل‪ :‬فليجز للكافر الذمي أف وبتسب على اؼبسلم إذا رآه يزين‪ ،‬ألف قوؿ (ال‬
‫مباحا أو واجبًا‪ ،‬قلنا الكافر إف منع اؼبسلم بفعلو فهو تسلط عليو‪ ،‬فيمنع من‬
‫تزف) حق ُب نفسو‪ ،‬فمحاؿ أف يكوف حر ًاما عليو‪ ،‬بل ينبغي أف يكوف ً‬
‫حيث إنو تسلط‪ ،‬وما جعل ا﵁ للكافرين على اؼبؤمنُت سبيبل‪.‬‬
‫وأما قولو (ال تزف) فليس دبحرـ عليو من حيث إنو هنى عن الزىن ولكن من حيث إنو إظهار االحتكاـ على اؼبسلم‪ ،‬أو إذالؿ اؼبسلم ُب االحتكاـ‬
‫عليو‪ ،‬والفاسق يستحق اإلذالؿ ولكن ال من الكافر الذي ىو األوىل بالذؿ منو‪ ،‬فهذا وجو منعنا إياه من اغبسبة‪،‬وإال فلسنا نقوؿ إف الكافر يعاقب‬
‫بسبب قوؿ (ال تزف) من حيث إنو هني‪ ،‬بل نقوؿ إنو إذ مل يقل (ال تزين) يعاقب عليو‪،‬إذارأينا خطاب الكافر بفروع الدين‪.‬‬
‫وذكر أيضا مراتب اغبسبة فقاؿ‪ُ :‬ب أهنا طبس مراتب‪ ،‬كما سيأٌب ‪-‬إف شاء ا﵁‪ُ -‬ب درجات االحتساب‪ ،‬قاؿ أوؽبا التعريف‪ ،‬والثاين الوعظ بالكبلـ‬
‫اللطيف‪ ،‬والثالث السب والتعنيف ولست أعٍت بالسب الفحش‪ ،‬بأف يقوؿ يا جاىل يا أضبق أال زباؼ ا﵁ وما هبري ىذا آّرى‪ ،‬قاؿ الرابع اؼبنع‬
‫بالقهر بطريق اؼبباشرة ككسر اؼببلىي وإراقة اػبمر واختطاؼ الثوب اغبرير من البسو واستبلب الثوب اؼبغصوب منو ورده على صاحبو‪ ،‬واػبامسة‬
‫التخويف والتهديد بالضرب‪ ،‬ومباشرة الضرب لو حىت يبتنع عما ىو عليو‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫ٍب تكلم رضبو ا﵁ على موضوع اغبسبة على الوالد‪ ،‬قاؿ فإف قيل‪ :‬فتثبت والية اغبسبة للولد والعبد على اؼبوىل والزوجة على الزوج‪ ،‬والتلميذ على‬
‫األستاذ‪ ،‬والرعية على الواىل مطلقا‪ ،‬كما يثبت للوالد على الولد‪ ،‬والسيد على العبد‪ ،‬والزوج على الزوجة‪ ،‬واألستاذ على التلميذ‪ ،‬والشرطة على الرعية‪،‬‬
‫أو بينهما فرؽ‪.‬‬
‫قاؿ رضبو ا﵁‪ :‬فاعلم أف الذي نراه أنو يثبت أصل الوالية ولكن بينو فرؽ ُب التفصيل‪ ،‬ولنقل ذلك ُب الولد مع الوالد‪ ،‬فنقوؿ قد رتبنا اغبسبة طبس‬
‫مراتب‪ ،‬وىناؾ اغبسبة بالرتبتُت األوليُت‪ ،‬ونبا التعريف ٍب الوعظ والنصح باللطف‪ ،‬وليس لو اغبسبة بالسب والتعنيف والتهديد وال مباشرة الضرب‪،‬‬
‫ونبا الرتبتاف األخَتتاف‪ ،‬وىل لو اغبسبة بالرتبة الثالثة حيث تؤدي إىل أذى الوالد وسخطو قاؿ ىذا فيو نظر‪.‬‬
‫وىو بأف يكسر مثبل عوده ويريق طبره ويأخذ اػبيوط عن ثيابو اؼبنسوجة من اغبرير‪ ،‬ويرد إىل اؼببلؾ ما هبده ُب بيتو من اؼباؿ اغبراـ الذي غصبو أو‬
‫سرقو أو أخذه عن إضرار قصدا من ضريبة اؼبسلمُت‪ ،‬إذا كاف صاحبو معينا‪ ،‬إىل آخر ىذه األمور‪ ،‬قاؿ فإف فعلو ُب ىذه األمور ليس يتعلق بذات‬
‫األب خببلؼ الضرب والسب‪ ،‬اإلنكار على الوالد باليد ال يتعلق بذات األب خببلؼ الضرب والسب الذي يتعلق بذات األب‪ ،‬قاؿ ولكن الوالد‬
‫يتأذى بو ويسخط بسببو إال أف فعل الولد حق‪ ،‬وسخط األب منشأه حب الباطل واغبراـ‪ ،‬واألظهر ُب القياس أنو يثبت للولد ذلك بل يلزمو أف‬
‫يفعل ذلك وال يبعد أف ينظر فيو إىل قبح اؼبنكر وإىل مقدار األذى والسخط‪ ،‬فإف كاف اؼبنكر فاحشا وسخطو عليو قريبا كإراقة طبر من ال يشتد‬
‫غضبو فذلك ظاىر‪ ،‬وإف كاف اؼبنكر قريبا والسخط شديدا كما لو كانت لو آنية من بلور أو زجاج على صورة حيواف وُب كسرىا خسراف ماؿ كثَت‬
‫فهذا فبا يشتد فيو الغضب وليس فيو معصية مثل اػبمر وغَته فهذا كلو ؾباؿ النظر‬
‫قاؿ رضبو ا﵁ أيضا ُب ىذه اؼبسألة ُب مسألة االحتساب على الوالد فإف قيل‪ :‬فمن أين قلتم ليس لو اغبسبة بالتعنيف والضرب واإلرىاؽ إىل ترؾ‬
‫الباطل‪ ،‬واألمر باؼبعروؼ ُب الكتاب والسنة ورد عاما من غَت زبصيص‪ ،‬أما النهي عن التأفيف واإليذاء فقد ورد وىو خاص ُب ما ال يتعلق بارتكاب‬
‫اؼبنكرات؟ فنقوؿ قد ورد ُب حق األب اػبصوص ما يوجب االستثناء للعموـ إذ ال خبلؼ ُب أف اعببلد ليس لو أف يقتل أباه ُب الزنا حدا‪ ،‬وال لو أف‬
‫يباشر إقامة اغبد عليو بل ال يباشر قتل أبيو الكافر‪ ،‬بل لو قطع يده مل يلزمو قصاص ومل يكن لو أف يؤذيو ُب مقابلتو‪ ،‬وقد ورد ُب ذلك أخبار وثبت‬
‫بعضها باإلصباع‪ ،‬فإذا مل هبز لو إيذاؤه بعقوبة ىي حق على جناية سابقة‪ ،‬فبل هبوز لو إيذاؤه بعقوبة ىي منع عن جناية مستقبلة متوقعة كاألوىل‪،‬‬
‫وىذا الًتتيب ينبغي أف هبري ُب العبد والزوجة مع السيد والزوج؛ فهما قريباف من الولد ُب لزوـ اغبق‪ ،‬وإف كاف ملك اليمُت آكد من ملك النكاح‪.‬‬
‫وربدث أيضا وأختم بذلك عن أف العامي ينبغي لو أال وبتسب إال ُب اعبليات اؼبعلومة كشرب اػبمر والزنا وترؾ الصبلة وأما ما يعلم كونو معصية‬
‫باإلضافة إىل ما يطيف بو من األفعاؿ ويفتقر فيو إىل اجتهاد ُب العامي‪ ،‬إف خاض فيو كاف ما يفسده أكثر فبا يصلحو‪ ،‬وعن ىذا يتأكد ظن من ال‬
‫يثبت والية اغبسبة إال بتعيُت الوايل إذ ردبا ينتدب ؽبا من ليس أىبل ؽبا؛ لقصور معرفتو أو قصور ديانتو؛ فيؤدي ذلك إىل وجوه من اػبلل ‪.‬‬
‫المحاضرة الثالثة عشرة‬
‫كتاب األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر أليب حامد الغزايل ‪-‬رضبو ا﵁ تعاىل ‪ -‬وقد تطرؽ إىل موضوعات كثَتة ُب اغبسبة وإىل مسائل عدة منها‬
‫مسألة ما حكم اغبسبة ُب حالة الظن؟ قاؿ‪ :‬فإف قيل‪ :‬وحيث أطلقتم العلم بأف يصيبو مكروه أو أنو ال تفيده حسبتو فلو كاف بدؿ العلم ظن فما‬
‫حكمو؟ قلنا‪ :‬الظن الغالب ُب ىذه األبواب دبعٌت العلم وإمبا يظهر الفرؽ عند تعارض الظن والعلم إذ يرجح العلم اليقيٍت على الظن ويفرؽ بُت العلم‬
‫قطعا أنو ال يفيد فإف كاف غالب ظنو أنو ال يفيد ولكن وبتمل أف يفيد وىو‬
‫والظن ُب مواضع أخرى‪ ،‬وىو أنو يسقط وجوب اغبسبة عنو حيث علم ً‬
‫مع ذلك ال يتوقع مكروىا فقد اختلفوا ُب وجوبو واألظهر وجوبو إذ ال إضرار فيو وجدواه متوقعة إىل آخر ما ربدث بو حوؿ ىذه اؼبسألة وتراجع ُب‬
‫ىذا الكتاب القيم‪.‬‬
‫وكذلك أيضا تكلم عن االعتداؿ بُت اعبنب والتهور ُب اغبسبة قاؿ‪ :‬فإف قيل فاؼبتوقع للمكروه ىبتلف باعبنب واعبرأة فاعبباف الضعيف القلب يرى‬
‫البعيد قريبا حىت كأنو يشاىده ويرتاع منو واؼبتهور الشجاع يبعد وقوع اؼبكروه بو حبكم ما جبل عليو من حسن األمل حىت إنو ال يصدؽ بو إال بعد‬
‫وقوعو فعلى ماذا يعوؿ وتكلم عن ىذه اؼبسألة بإيضاح‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫وكذلك قاؿ فإف قيل‪ :‬فاؼبكروه اؼبتوقع ما حده‪ ،‬فإف اإلنساف قد يكره كلمة وقد يكره ضربة وقد يكره طوؿ لساف ا﵀تسب عليو ُب حقو بالغيبة وما‬
‫من شخص يؤمر باؼبعروؼ إال يتوقع منو نوع من األذى وقد يكوف أف يسعى بو إىل سلطاف أو يقدح فيو ُب ؾبلس ليتضرر بقدحو فيو‪ ،‬فما حد‬
‫اؼبكروه الذي يسقط الوجوب أو يسقط الوجوب بو قلنا‪ :‬ىذا فيو نظر غامض وصورتو منتشرة ومزاريو كثَتة ولكننا قبتهد ُب ضم نشره وحصر أقسامو‬
‫فنقوؿ‪ :‬اؼبكروه نقيض اؼبطلوب ومطالب اػبلق ُب الدنيا ترجع إىل أربعة أمور‪:‬‬
‫‪ -3‬وأما ُب اؼباؿ فالثروة‪ -4 ،‬وأما ُب قلوب الناس فقياـ اعباه‪.‬‬ ‫‪ - 1‬وأما ُب النفس فالعلم ‪ -2‬وأما ُب البدف فالصحة والسبلمة‬
‫وربدث بالتفصيل عن ىذه اؼبسألة وما يتعلق إذا أصابو مكروه أو خاؼ فوات شيء مطلوب لو أو خاؼ الضرر عليو إىل آخر ىذه اؼبسائل‪.‬‬
‫وننتقل إىل اغبديث عن الركن الثاين للحسبة وىو ما فيو اغبسبة واؼبقصود الشروط الواجب توافرىا ُب تغيَت اؼبنكر‬
‫اقعا أو حىت‬
‫يعٍت ما الشروط اليت هبب أف تتوفر ُب تغيَت اؼبنكر؟ ‪ ،‬إذا الركن الثاين ىو ا﵀تسب فيو أي اؼبنكر الذي وبتسب عليو سواء كاف منكرا و ً‬
‫معروفًا ترؾ ‪ .‬قاؿ ‪ :‬ىو كل منكر موجود ُب اغباؿ ظاىر للمحتسب بغَت ذبسس معلوـ كونو منكرا بغَت اجتهاد‪ ،‬فهذه أربعة شروط فلنبحث عنها‪:‬‬
‫الشرط األوؿ‪ :‬كونو منكرا‪ ،‬ونعٍت بو أف يكوف ؿبذور الوقوع ُب الشرع‪ ،‬وعدلنا عن لفظ اؼبعصية إىل ىذا ألف اؼبنكر أعم من اؼبعصية قاؿ‪ :‬من رأى‬
‫صبيًا أو ؾبنونًا يشرب اػبمر فعليو أف يريق طبره ويبنعو‪ ،‬وكذا إف رأى ؾبنونا يزين دبجنونة أو ّٔيمة فعليو أف يبنعو منها وليس ذلك لتفاحش صورة‬
‫الفعل وظهوره بُت الناس‪ ،‬بل لو صادؼ ىذه اؼبنكر ُب خلوة لوجب اؼبنع منو‪ ،‬وىذا ال يسمى معصية ُب حق آّنوف إذ معصية ال عاصي ّٔا ؿباؿ‪،‬‬
‫فلفظ اؼبنكر أدؿ و أعم عليو من لفظ اؼبعصية‪.‬‬
‫الشرط الثاين‪ :‬أف يكوف موجودا ُب اغباؿ وىو احًتاز أيضا عن اغبسبة على من فرغ من شرب اػبمر‪ ،‬فإف ذلك ليس إىل اآلحاد وقد ينقلب اؼبنكر‬
‫وىو احًتاز عما سيوجد ُب ثاين اغباؿ‪ ،‬كمن يعلم بقرينة حاؿ أنو عازـ على الشرب ُب ليلتو فبل حسبة عليو إال بالوعظ‪ ،‬وإف أنكر عزمو عليو؛ مل‬
‫هبز وعظو فإف فيو إساءة ظن باؼبسلم وردبا صدؽ ُب قولو إىل آخره‬
‫الشرط الثالث‪ :‬أف يكوف اؼبنكر ظاىرا للمحتسب بغَت ذبسس فكل من سًت معصية ُب داره وأغلق بابو ال هبوز أف يتجسس عليو وقد هنى ا﵁ تعاىل‬
‫عنو‪.‬‬
‫أيضا أثار مسألة فقاؿ‪ :‬فإف قلت‪ :‬فما حد الظهور واالستتار؟ فاعلم أف من أغلق باب داره وتسًت حبيطانو فبل هبوز الدخوؿ عليو بغَت إذنو لتعرؼ‬
‫اؼبعصية إال أف يظهر ُب الدار ظهور يعرفو من ىو خارج الدار‪ ،‬كأصوات اؼبزامَت واألوتار إذا ارتفعت حبيث هباوز ذلك حيطاف الدار‪ ،‬فمن ظبع ذلك‬
‫فلو دخوؿ الدار وكسر اؼببلىي‪ ،‬وكذا إذا ارتفعت أصوات السكارى بالكلمات اؼبألوفة بينهم حبيث يسمعها أىل الشوارع فهذا إظهار موجب‬
‫للحسبة‪ ،‬وبينا أيضا فيما يتعلق عند اغبديث عن ىذا الشرط أف لو ضوابط وال بد من العناية بفقو إنكار اؼبنكر وعدـ ترتب منكر أعظم من ذلك‪.‬‬
‫الشرط الرابع ‪:‬وىو كونو منكرا معلوما بغَت اجتهاد‪ ،‬فكل ما ىو ُب ؿبل االجتهاد فبل حسبة وبينا ذلك عند اغبديث عن ىذا الشرط بالتفصيل‪.‬‬
‫منكرا‪ ،‬وأقل ما يكفي ُب ذلك أف يكوف إنسانًا وال‬
‫فبنوعا منو ُب حقو ً‬
‫قاؿ‪ :‬الركن الثالث ا﵀تسب عليو‪ ،‬وقالوا‪ :‬شرطو أف يكوف بصفة يكوف الفعل ً‬
‫يشًتط كونو مكلفا إذ بينا أف الصيب لو شرب اػبمر منع منو واحتسب عليو و إف كاف قبل البلوغ وال يشًتط كونو فبيزا إذ بينا أف آّنوف لو كاف يزين‬
‫دبجنونة أو ّٔيمة أو يأٌب ّٔيمة منعو منو‪ ،‬نقوؿ‪ :‬نعم‪ ،‬من األفعاؿ ما ال يكوف منكرا ُب حق آّنوف كًتؾ الصبلة والصوـ وغَته ولكن لسنا نلتفت إىل‬
‫اختبلؼ التفاصيل فإف ذلك أيضا فبا ىبتلف فيو اؼبقيم واؼبسافر واؼبريض والصحيح‪.‬‬
‫ٍب تطرؽ إىل مسألة مهمة وىي نفس االحتساب قاؿ‪ :‬ولو درجات وآداب أما الدرجات فأوؽبا التعرؼ ٍب التعريف ٍب النهي ٍب الوعظ والنصح ٍب‬
‫السب والتعنيف ٍب التغيَت باليد ٍب التهديد بالضرب ٍب إيقاع الضرب وربقيقو ٍب شهر السبلح ٍب االستظهار فيو باألعواف وصبع اعبنود‪ ،‬قاؿ‪:‬‬
‫أما الدرجة األوىل وىي التعرؼ ونعٍت طلب اؼبعرفة ِبرياف اؼبنكر وذلك منهي عنو وىو التجسس الذي ذكرناه فبل ينبغي أف يسًتؽ السمع على دار‬
‫غَته ليسمع صوت األوتار‪ ،‬وال أف يستنشق ليدرؾ رائحة اػبمر‪ ،‬وال أف يبس ما ُب ثوبو ليعرؼ شكل اؼبزمار‪ ،‬وال أف يستخرب من جَتانو ليخربوه دبا‬
‫هبري ُب داره؛ نعم لو أخربه عدالف ابتداء من غَت استخبار بأف فبلنا يشرب اػبمر ُب داره‪ ،‬أو بأف ُب داره طبر أعده للشرب فلو إذ ذاؾ أف يدخل‬

‫‪35‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫داره وال يلزـ االستئذاف‪ ،‬ويكوف زبطى ملكو للدخوؿ للتوصل لدفع منكر ككسر رأسو بالضرب للمنع مهما احتاج إليو‪ .‬وإف أخربه عدالف أو عدؿ‬
‫واحد وباعبملة كل من تقبل روايتو وىي شهادتو ففي جواز اؽبجوـ على داره بقوؽبم فيو نظر واحتماؿ واألوىل أف يبتنع ألف لو حقا ُب أال يتخطى داره‬
‫إال بإذنو وال يسقط حق اؼبثل عما ثبت عليو حقو إال بشاىدين فهذا أوىل ما هبعل مردا فيو‪.‬‬
‫وأيضا ذكرنا أف ما يتعلق بأمر الواليات ووالية اغبسبة على وجو اػبصوص معروؼ فيها النظر للمصلحة واؼبفسدة وال بد أف نبُت ىنا أف فيو نظرا‬
‫للمصلحة واؼبفسدة وكذلك مراعاة األمور الرظبية والًتتيبات اإلدارية وأيضا مراعاة الصبلحيات اؼبخولة للمحتسب وعدـ اعتداء تلك الصبلحيات‬
‫واألنظمة واإلجراءات اؼبتبعة والتعليمات الواردة ُب ذلك‪ ،‬حىت ال وبصل من وراء ذلك مفسدة‪ ،‬أو إخبلؿ بالنظاـ أو اعتداء على حقوؽ الغَت أو حىت‬
‫على اعبهات األخرى‪ ،‬قاؿ‪ :‬الدرجة الثانية التعريف فإف اؼبنكر قد يقدـ عليو اؼبقدـ ِبهلو وإذا عرؼ أنو منكر تركو‪ ،‬كمن يصلي وال وبسن الركوع‬
‫والسجود فيعلم أف ذلك عبهلو ألف ىذه ليست بصبلة ولو رضي بأال يكوف مصليا لًتؾ أصل الصبلة‪ ،‬فيجب تعريفو باللطف من غَت عنف وذلك‬
‫ألف من التعريف نسبة إىل اعبهل واغبمق والتجهيل إيذاء وقلما يرضى اإلنساف بأف ينسب إىل اعبهل بأمور السيما بالشرع‪.‬‬
‫وأيضا يراعى كذلك اإلنساف ال يولد عاؼبا‪ ،‬ولقد كنا جاىلُت أيضا بأمور الصبلة فعلمنا العلماء‪ ،‬وال بد أف نتلطف بو ليحصل التعريف من غَت‬
‫إيذاء‪.‬‬
‫أما الدرجة الثالثة فهي النهي بالوعظ والنصح والتخويف با﵁ تعاىل‪ ،‬وذلك فيمن يقدـ على األمر وىو عامل بكونو منكرا أو فيمن أصر عليو بعد أف‬
‫عرؼ كونو منكرا كالذي يواظب على الشرب أو على الظلم أو على اغتياب اؼبسلمُت ٍب هبري ؾبراه فينبغي أف يوعظ وىبوؼ با﵁ تعاىل وتورد عليو‬
‫األخبار الواردة بالوعيد ُب ذلك وربكى لو سَتة السلف وعبادة اؼبتقُت‪ ،‬وكل ذلك بشفقة ولطف من غَت عنف وغضب بل ينظر إليو نظر اؼبًتحم‬
‫عليو ويرى إقدامو على اؼبعصية مصيبة على نفسو إذ اؼبسلمُت كنفس واحدة‪.‬‬
‫وىا ىنا آفة عظيمة ينبغي أف يتوقاىا فإهنا مهلكة وىي أف العامل يرى عند التعريف عز نفسو بالعلم وذؿ غَته باعبهل‪ ،‬فردبا يقصد بالتعريف اإلذالؿ‬
‫وإظهار التمييز بشرؼ العلم وإذالؿ صاحبو بالنسبة إىل خسة اعبهل‪ ،‬فإف كاف الباعث ىذا فهذا اؼبنكر أقبح ُب نفسو من اؼبنكر الذي يعًتض عليو‪،‬‬
‫وىذا تنبيو مهم ردبا مل نتطرؽ لو عند اغبديث عن ىذه الدرجة فينبغي أف يكوف ؿبل عناية واىتماـ‪.‬‬
‫قاؿ رضبو ا﵁‪ :‬ومثاؿ ىذا ا﵀تسب مثاؿ من ىبلص غَته من النار بإحراؽ نفسو وىو غاية ُب اعبهل وىذه مذلة عظيمة وغائلة ىائلة وغرور من‬
‫الشيطاف‪ ،‬يتدىل حبب لو كل إنساف إال من عرفو ا﵁ عيوب نفسو وفتح بصَتتو بنور ىدايتو‪ ،‬فإف ُب االحتكاـ على الغَت لذة للنفس عظيمة من وجهُت؛‬
‫أحدنبا من جهة دالة العلم‪ ،‬واآلخر من جهة دالة االحتكاـ والسلطنة‪ ،‬وذلك يرجع إىل الرياء وطلب اعباه وىو الشهوة اػبفية الداعية إىل الشرؾ‬
‫اػبفي‪،‬‬
‫الدرجة الرابعة السب والتعنيف بالقوؿ الغليظ اػبشن‪ ،‬وذلك يعدؿ إليو عند العجز عن اؼبنع باللطف وظهور مبادئ اإلصرار واالستهزاء بالوعظ‬
‫ُؼ لَّ ُكم ولِما تَػعب ُدو َف ِمن د ِ‬
‫وف ا﵁ِ أَفَبلَ تَػ ْع ِقلُو َف﴾ ولسنا أعٍت بالسب والفحش ما فيو النسبة إىل الزنا‬ ‫ُ‬ ‫والنصح‪ ،‬وذلك مثل قوؿ إبراىيم ‪﴿ :‬أ ٍّ ْ َ َ ْ ُ‬
‫ومقدماتو وال الكذب؛ بل أف ىباطبو دبا فيو فبا ال يعد من صبلة الفحش‪ :‬كقولو‪ :‬يا فاسق‪ ،‬أو يا أضبق‪ ،‬يا جاىل‪ ،‬أال زباؼ ا﵁؟ فإف كل فاسق فهو‬
‫أضبق وجاىل ولوال ضبقو ؼبا عصى ا﵁ تعاىل‪ ،‬بل كل من ليس بكيس فهو أضبق‪،‬‬
‫قاؿ‪ :‬ومن ىذه الرتبة أدباف‪ -1 :‬أال يقدـ عليها إال عند الضرورة والعجز عن اللطف‪ ،‬و‪ -2‬أال ينطق إال بالصدؽ وال يسًتسل فيو فيطلق لسانو‬
‫الطويل دبا ال وبتاج إليو بل يقتصر على قدر اغباجة فإف علم خطابو ّٔذه الكلمات الزاجرة ال تزجره فبل ينبغي أف يطلقو بل يقتصر على إظهار‬
‫غضبو واالستحقار لو واالزدراء ﵀لو ألجل معصيتو‪ ،‬وإف علم أنو لو تكلم‪ ،‬وىذا ىو ما ينبغي أف يكوف عليو ا﵀تسب عند استخدامو ؽبذه الدرجة‬
‫بأف يراعي ىذين األدبُت‪.‬‬
‫الدرجة اػبامسة التغيَت باليد وذلك ككسر اؼببلىي وإراقة اػبمر وخلع اغبرير من رأسو وعن بدنو ومنعو من اعبلوس عليو ودفعو عن اعبلوس على ماؿ‬
‫الغَت وإخراجو من الدار اؼبغصوبة باعبر برجلو وإخراجو من اؼبسجد إذا كاف جالسا وىو جنب وما هبري ؾبراه ويتصور ذلك ُب بعض اؼبعاصي دوف‬

‫‪36‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫بعض‪ ،‬فأما معاصي اللساف والقلب فبل يقدر على مباشرة تغيَتىا وكذلك كل معصية تقتصر على نفس العاصي وجوارحو الباطنة وُب ىذه الدرجة‬
‫أدباف أيضا‪:‬‬
‫‪ -1‬أال يباشر بيده التغيَت ما مل يعجز عن تكليف ا﵀تسب عليو ذلك فإذا أمكنو أف يكلفو اؼبشي اػبروج عن األرض اؼبغصوبة واؼبسجد فبل ينبغي‬
‫أف يدفعو أو هبره وإذا قدر على أف يكلفو إراقة اػبمر وكسر اؼببلىي وحل دروز ثوب اغبريري فبل ينبغي أف يباشر ذلك بنفسو فإف الوقوؼ على حد‬
‫الكسر لو عسر فإذا مل يتعاط بنفسو ذلك كفى االجتهاد فيو وتواله من ال حجر عليو ُب فعلو‪.‬‬
‫‪ -2‬أف يقتصر ُب طريق التغيَت على القدر ا﵀تاج إليو وىو أال يأخذ بلحيتو ُب اإلخراج والهبره برجلو إذا قدر على جره بيده فإف زيادة األذى فيو‬
‫مستغٌت عنو وأال يبزقو باغبرير بل وبل دروزه فقط وال وبرؽ اؼببلىي والصليب الذي أظهره النصارى بل يبطل صبلحيتو بالكسر‪ ،‬إىل آخر ىذه األمور‪.‬‬
‫الدرجة السادسة التهديد والتخويف كقولو‪ :‬دع عنك ىذا أو ألكسرف رأسك أو ألضربن رقبتك أو آلمرنك بو وما أشبهو‪ ،‬وىذا ينبغي أف يقدـ على‬
‫ربقيق الضرب إذا أمكن تقديبو‪ ،‬واألدب ُب ىذه الرتبة أال يهدده بوعيد ال هبوز لو ربقيقو كقولو ألىدمن دارؾ أو ألضربن ولدؾ ألسبُت زوجتك وما‬
‫هبري ؾبراه‪ ،‬بل ذلك لو قالو عن عزـ فهو حراـ‪ ،‬وإف قالو من غَت عزـ فهو كذب‪.‬‬
‫فصل ُب ىذه اؼبسألة واستطرد فيها‪،‬‬
‫وأيضا َّ‬
‫الدرجة السابعة مباشرة الضرب بالرجل واليد وغَت ذلك فبا ليس فيو شهر سبلح‪ ،‬وذلك جائز لآلحاد بشرط الضرورة واالقتصار على قدر اغباجة ُب‬
‫الدفع‪ ،‬فإذا اندفع اؼبنكر فينبغي أف يكف أو القاضي قد يرىق من ثبت عليو اغبق ألداء اغبق باغببس‪ ،‬فإف أصر ا﵀بوس وعلم القاضي قدرتو على‬
‫أداء اغبق وكونو معاندا‪ ،‬فلو أف يلزمو األداء بالضرب على التدريج كما وبتاج إليو‪.‬‬
‫الدرجة الثامنة أال يقدر عليو بنفسو ووبتاج فيو إىل أعواف يشهروف السبلح‪ ،‬وردبا يستمد الفاسق أيضا بأعوانو ويؤدي ذلك إىل أف يتقابل الصفاف‬
‫ويتقاتبل فهذا قد ظهر االختبلؼ ُب اغباجة إىل إذف اإلماـ فقاؿ‪ :‬ال يستقل أحد الرعية بذلك ألنو يؤدي إىل ربريك الفنت وىيجاف الفساد وخراب‬
‫الببلد‪ .‬وال شك أف ىذه الدرجة ينبغي اغبذر عند استخدامها والتأدب باآلداب الشرعية ُب ذلك ومراعاة ما نص عليو فيها أىل العلم وما فصلوا ُب‬
‫ىذه اؼبسألة‪.‬‬
‫صبيع‬ ‫ٍب تطرؽ رضبو ا﵁ تعاىل إىل آداب ا﵀تسب وقاؿ‪ :‬قد ذكرنا تفاصيل اآلداب ُب أحد الدرجات ونذكر اآلف صبلها ومصادرىا فنقوؿ‪:‬‬
‫آداب ا﵀تسب مصدرىا ثبلث صفات ُب ا﵀تسب‪ :‬العلم والورع وحسن اػبلق‪،‬‬
‫أما العلم فليعلم مواقع اغبسبة وحدودىا وؾباريها وموانعها ليقتصر على حد الشرع فيو‪،‬‬
‫شرعا ولكن وبملو‬
‫والورع لَتدعو عن ـبالفة معلومة فما كل من علم عمل بعلمو فمن اؼبمكن أف يعلم أنو مسرؼ ُب اغبسبة وزاد عن اغبد اؼبأذوف فيو ً‬
‫عليو غرض من األغراض وليكن كبلمو ووعظو مقبوال فإف الفاسق يهزأ بو إذا احتسب ويورث ذلك جرأة عليو‪،‬‬
‫وأما حسن اػبلق فليتمكن بو من اللطف والرفق وىو أصل الباب وأساس و‪ ،‬والعلم والورع ال يكفياف فيو فإف الغضب إذا ىاج مل يكف ؾبرد العلم‬
‫والورع ُب قمعو ما مل يكن ُب الطبع قبولو حبسن اػبلق وعلى التحقيق فبل يتم الورع إال مع حسن اػبلق والقدرة على ضبط الشهوة والغضب وبو‬
‫يصرب ا﵀تسب على ما أصابو ُب دين ا﵁ وإال فإذا أصيب عرضو أو مالو أو نفسو بشتم أو ضرب نسي اغبسبة وغفل عن دين ا﵁ واشتغل بنفسو بل‬
‫ردبا يقدـ عليو ابتداء لطلب اعباه واالسم‪ ،‬فهذه الصفات الثبلث ّٔا تصَت اغبسبة من القربات ؤّا تندفع اؼبنكرات وإف فقدت مل يندفع اؼبنكر‪ ،‬بل‬
‫عددا من األدلة حوؿ حسن اػبلق‬
‫ردبا كانت اغبسبة أيضا منكرة ّٓاوزة حد الشرع فيها ودؿ على ىذه اآلداب عدد من األدلة وساؽ رضبو ا﵁ ً‬
‫والعناية باآلداب الشرعية عند القياـ باالحتساب‪ ،‬وإ ًذا ا﵀تسب ال يأمر باؼبعروؼ وال ينهى عن اؼبنكر إال إذا كاف رفي ًقا فيما يأمر بو رفي ًقا فيما ينهى‬
‫فقيها فيما ينهى عنو‪ ،‬وىذا يدؿ على أنو ال يشًتط أف يكوف فق ًيها مطل ًقا بل‬
‫فقيها فيما يأمر بو ً‬
‫حليما فيما ينهى عنو‪ً ،‬‬
‫حليما فيما يأمر بو‪ً ،‬‬
‫عنو ً‬
‫فيما يأمر بو وينهى عنو وكذا اغبلم‪.‬قاؿ اغبسن البصري رضبو ا﵁‪ :‬إذا كنت فبن يأمر باؼبعروؼ فكن من آخذ الناس بو وإال ىلكت‪ ،‬وقد قيل‪:‬‬
‫وأنت منسوب إىل مثلو‬ ‫ال تلم اؼبرء على فعلو‬

‫‪37‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫فإمبا يزري على عقلو‬ ‫من ذـ شيئا وأتى مثلو‬


‫فبنوعا بالفسق ولكن يسقط أثره عن القلوب بظهور فسقو للناس‪ ،‬وقد بينا ذلك عندما‬
‫قاؿ رضبو ا﵁ ‪ :‬ولسنا نعٍت ّٔذا أف األمر باؼبعروؼ يصَت ً‬
‫ربدثنا عن اشًتاط العدالة وأقواؿ العلماء ُب ذلك ورأي من ال يشًتط العدالة وأف للفاسق أف وبتسب‪ ،‬لكن ما يتعلق باألدب فبل شك أف األدب أال‬
‫وبتسب إال وقد اتصف باآلداب اغبسنة أي أف يعرؼ أف احتسابو ال يؤدي الغرض إال بامتثالو ما يأمر بو وانتهائها عما ينهى عنو‪.‬‬
‫المحاضرة الرابعة عشرة‬
‫نستكمل اغبديث عن بعض اآلداب حيث ربدثنا عن خلق الرفق أوصى بعض السلف بنيو فقاؿ‪" :‬إف أراد أحدكم أف يأمر باؼبعروؼ فليوطن نفسو‬
‫على الصرب‪ ،‬وليثق بالثواب من ا﵁‪ ،‬فمن وثق بالثواب من ا﵁ مل هبد مس األذى"‪.‬‬
‫ٍت أَقِ ِم َّ‬
‫الص َبل َة َوأ ُْم ْر‬ ‫فإف من آداب اغبسبة توطُت النفس على الصرب؛ ولذلك قاؿ ا﵁ تعاىل عن الصرب باألمر باؼبعروؼ فقاؿ حاكي عن لقماف‪ ﴿:‬يَا بػُ ََّ‬
‫أيضا أف يكوف رفي ًقا ُب أمره باؼبعروؼ وهنيو عن اؼبنكر‪ ،‬كما يكوف‬ ‫ِ‬
‫وؼ وانْوَ َع ِن الْمْن َك ِر و ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ﴾ وؽبذا ينبغي على ا﵀تسب ً‬ ‫َصابَ َ‬
‫اص ْرب َعلَ ٰى َما أ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫بالْ َم ْعُر َ‬
‫صابرا ُب ذلك‪ ،‬يدؿ على وجوب الرفق ما استدؿ بو اؼبأموف إذ وعظو واعظ وعنَّف لو ُب القوؿ فقاؿ‪ :‬يا رجل أرفق فقد بعث ا﵁ من ىو خَت منك‬
‫ً‬
‫إىل من ىو شر مٍت‪ ،‬وأمره بالرفق فقاؿ تعاىل‪﴿ :‬فَػ ُق َوال لَوُ قَػ ْوًال لَيّْػنًا لَ َعلَّوُ يػَتَ َذ َّكُر أ َْو َىبْ َشى﴾ ‪.‬فليكن إلقتداء ا﵀تسب ُب الرفق باألنبياء ‪-‬صلوات ا﵁‬
‫غبلما شابًا أتى النيب ‪ ‬فقاؿ‪ :‬يا نيب ا﵁ أتأذف يل ُب الزنا؟ فصاح الناس بو‪ ،‬فقاؿ النيب ‪ :‬قربوه أدنو‪،‬‬
‫وسبلمو عليهم‪ -‬فقد روى أبو إمامة أف ً‬
‫فدىن حىت جلس بُت يديو‪ ،‬فقاؿ النيب‪: ‬أرببو ألمك؟ فقاؿ‪ :‬ال‪ ،‬جعلٍت ا﵁ فداؾ‪ ،‬قاؿ‪ :‬كذلك الناس ال وببونو ألمهاهتم‪ ،‬أرببو ألبنتك؟ قاؿ‪ :‬ال‪،‬‬
‫جعلٍت ا﵁ فداؾ‪ ،‬قاؿ‪ :‬كذلك الناس ال وببونو لبناهتم‪ ،‬أرببو ألختك؟ قاؿ‪ :‬ال‪ ،‬جعلٍت ا﵁ فداؾ‪ ،‬قاؿ‪ :‬كذلك الناس ال وببونو لبناهتم‪ ،‬أرببو ألختك؟‬
‫إ ًذا النيب ‪ُ ‬ب ىذا اغبديث يًتفق ويلطف ويتلطف ّٔذا الغبلـ الذي جاء يستأذنو ُب الزنا‪ ،‬فهذا ما يتعلق بآداب ا﵀تسب اليت ذكرىا اإلماـ الغزايل‬
‫‪-‬رضبو ا﵁‪ُ -‬ب كتابو األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر‪ ،‬وىو اؼبستل من كتابو الكبَت "إحياء علوـ الدين" حيث الزلنا ُب اغبديث بالتعريف ّٔذا‬
‫الكتاب‪ .‬وعند تعرفينا ّٔذا الكتاب ذكرنا أنو قسمو إىل أربعة أبواب‪ ،‬والباب الثالث منها قاؿ ُب اؼبنكرات اؼبألوفة ُب العادات قاؿ‪ :‬سنشَت إىل صبل‬
‫منها ليُستدؿ ّٔا على أمثاؽبا؛ إذ ال مطمع ُب حصرىا واستقصائها‪ ،‬فمن ذلك منكرات اؼبساجد‪ ،‬قاؿ أعلم أف اؼبنكرات تنقسم إىل مكروىة‬
‫وؿبظورة‪ ،‬فإذا قلنا ىذا منكر مكروه فاعلم أف اؼبنع منو مستحب والسكوت عليو مكروه وليس حبراـ إال إذا مل يعلم الفاعل أنو مكروه فيجب ذكره‬
‫لو؛ ألف الكراىة حكم ُب الشرع هبب تبليغو إىل من ال يعرفو‪.‬‬
‫ؿبظورا‪ ،‬ومثَّل بأمثلة عديدة‪ :‬من رأى مسيئًا ُب صبلتو فسكت‬
‫وإذا قلنا منكر ؿبظور أو منكر مطل ًقا فيجب إنكاره والسكوت عليو مع القدرة يكوف ً‬
‫رجبل أكبرؼ عن القبلة بسبب ظبلـ أو عمى فكل ذلك ذبب اغبسبة فيو‪ ،‬ومنها قراءة القرآف باللحن هبب النهي‬
‫عليو فهو شريكو‪ ،‬وكذلك إذا رأيت ً‬
‫عنو وهبب تلقُت الصحيح فإف كاف اؼبعتكف ُب اؼبسجد يضيع أكثر أوقاتو ُب أمثاؿ ذلك ويشتغل بو عن التطوع والذكر فليشتغل بو فإف ىذا أفضل‬
‫لو من ذكره وتطوعو؛ ألف ىذا فرض وىي قربة تتعدى فائدهتا‪.‬‬
‫وذكر أمثلة عديدة على بعض اؼبنكرات اليت تقع ُب اؼبساجد‪:‬قاؿ منها كبلـ القصاص والوعاظ الذين يبزجوف بكبلمهم البدعة‪ :‬فالقاص إف كاف‬
‫يكذب ُب أخباره فهو فاسق واإلنكار عليو واجب‪ ،‬وكذا الواعظ اؼببتدع هبب منعو وال هبوز حضور ؾبلسو إال على قصد إظهار الرد عليو‪ ،‬قاؿ ا﵁‬
‫ِ ٍ ِ‬
‫من‬ ‫وضوا ُِب َحديث َغ َِْته﴾ قاؿ ‪-‬رضبو ا﵁‪ً -‬‬
‫أيضا ُب ذكر بعض اؼبنكرات اليت تقع قاؿ‪:‬‬ ‫‪﴿ :‬فَأ َْع ِر ْ‬
‫ض َعْنػ ُه ْم َح َّ ٰىت َىبُ ُ‬
‫اؼبنكرات اؼبعتادة ُب األسواؽ الكذب ُب اؼبراحبة وإخفاء العيب‪ :‬فمن قاؿ اشًتيت ىذه السلعة بعشرة وأربح فيها كذا وكاف كاذبًا فهو فاسق‪ ،‬وعلى‬
‫من عرؼ ذلك أف ُىبرب اؼبشًتى بكذبو‪ ،‬فإف سكت مراعاة لقلب البائع كاف شري ًكا لو ُب اػبيانة وعصى بسكوتو‪ .‬قاؿ‪ :‬ومنها بيع اؼببلىي وبيع‬
‫أشكاؿ اغبيوانات اؼبصورة ُب أياـ العيد؛ ألجل الصبياف‪ ،‬فتلك هبب كسرىا ومنع بيعها كاؼببلىي‪ ،‬وكذا بيع األواين اؼبتخذة من الذىب والفضة‪،‬‬
‫أيضا بعض منكرات الشوارع ومن ذلك ما يتعلق بوضع اػبشب وأضباؿ اغببوب واألطعمة‬
‫وكذلك بيع ثياب اغبرير اليت ال تصلح إال للرجاؿ‪ ،‬وذكر ً‬
‫أيضا ما يؤدي إىل التضييق على‬
‫و ً‬ ‫على الطرؽ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫الناس وربط الدواب على الطريق حبيث يضيق الطريق‪ ،‬ويُنجس آّتازين منكر هبب منعو إال بقدر حاجة النزوؿ والركوب؛ وىذا ألف الشوارع ألجلها‬
‫أيضا كذلك مثل بأمثلة وىي كثَتة وموجودة ُب ذلك الزمن‪.‬قاؿ كذلك طرح القمامة على جواد الطرؽ وتبديد قشور‬
‫ُب العادة دوف سائر اغباجات‪ ،‬و ً‬
‫مثيبل حىت ُب‬
‫البطيخ أو رش اؼباء حبيث ىبشى منو التزلق والتعثر كل ذلك من اؼبنكرات‪ ،‬وىذه اؼبنكرات وإف كانت قد وقعت ُب زمن مضى إال أف ؽبا ً‬
‫زمننا ىذا فالواجب االحتساب على ذلك كلو وعدـ التساىل بو‬
‫أيضا تطرؽ إىل منكرات اغبمامات‪:‬‬
‫ً‬
‫قاؿ‪ :‬منها الصورة اليت تكوف على باب اغبماـ أو داخل اغبماـ هبب إزالتها على كل من يدخلها إف قدر‪ ،‬وكذلك قاؿ كشف العورات والنظر إليها‪،‬‬
‫ومن صبلتها كشف الدالؾ؛ عن الفخذ وما ربت السرة لتنحية الوسخ‪ ،‬بل من صبلتها إدخاؿ اليد ربت اإلزار فإف مس عورة الغَت حراـ كالنظر إليها‪،‬‬
‫أيضا أمثلة تقع حىت ُب زمننا اؼبعاصر ُب بعض اؼبراكز اليت يكوف فيها التدليك وكبو ذلك‪ ،‬أو منها االنبطاح على الوجو‬
‫قاؿ‪ :‬ومنها االنبطاح وىذه ً‬
‫ؿبظورا إذا مل ىبشى من حركة الشهوة‪ ،‬وكذلك كشف العورة‬
‫بُت يدي الدالؾ لتغميز األفخاد واألعجاز فهذا مكروه إف كاف مع حائل‪ ،‬وال يكوف ً‬
‫ل لحجاـ الذمي من الفواحش؛ فإف اؼبرأة ال هبوز ؽبا أف تكشف بدهنا للذمية ُب اغبماـ فكيف هبوز ؽبا كشف العورات للرجاؿ؟ إىل غَت ذلك من‬
‫اؼبنكرات اؼبتعلقة باغبماـ وىذه بعض األمثلة‪.‬‬
‫أيضا أف يكوف ُب الضيافة مبتدع يتكلم ُب بدعتو‪ ،‬فيجوز‬
‫أيضا ربدث عن منكرات الضيافة‪:‬وذكر صبلة من ىذه اؼبنكرات‪ :‬قاؿ‪ :‬ومنها ً‬
‫كذلك ً‬
‫اغبضور ؼبن يقدر على الرد عليو على عزـ الرد فإف كاف ال يقدر عليو مل هبز فإف كاف اؼببتدع ال يتكلم ببدعتو فيجوز اغبضور مع إظهار الكراىة عليو‬
‫واإلعراض عنو‪ ،‬وإف كاف فيها مضحك باغبكايات وأنواع النوادر فإف كاف يضحك بالفحش والكذب ال هبوز اغبضور وعند اغبضور هبب اإلنكار‬
‫عليو‪ ،‬وإف كاف ذلك دبزح ال كذب فيو وال فحش فهو مباح أعٍت ما يقل منو‪ ،‬فأما ازباذه صنعة وعادة فليس مباح وكل كذب ال ىبفى أنو كذب وال‬
‫مثبل طلبتك اليوـ مائة مرة وأعدت عليك الكبلـ ألف مرة‪ ،‬وما هبري ؾبراه فبا يُعلم أنو‬
‫يُقصد بو التلبيس فليس باعبملة من اؼبنكرات كقوؿ إنساف ً‬
‫ليس يقصد بو التحقيق فذلك ال يقدح ُب العدالة وال ترد الشهادة بو‪.‬‬
‫وىو يتكلم عن أشياء حىت تقع ُب وقتنا اؼبعاصر واألمثلة اليت ذكرىا تقع حىت ُب بعض ؾبالس بعض الناس‬
‫قاؿ‪ :‬ومنها اإلسراؼ ُب الطعاـ فهو منكر فيو اإلضاعة واآلخر اإلسراؼ فاإلضاعة تفويت ماؿ ببل فائدة يعتد ّٔا كإحراؽ الثوب وسبزيقو‪ ،‬وىدـ البناء‬
‫شرعا فصارت كاؼبعدومة‪ ،‬قاؿ‪ :‬وأما اإلسراؼ فقد يطلق‬
‫من غَت غرض‪ ،‬وكذلك صرؼ اؼباؿ إىل النائحة واؼبطرب وُب أنواع الفساد ألهنا فوائد ؿبرمة ً‬
‫إ ًذا اإلسراؼ نوعاف ‪-1:‬‬ ‫إلرادة صرؼ اؼباؿ إىل النائحة واؼبطرب واؼبنكرات وقد يطلق على الصرؼ إىل اؼبباحات ُب جنسها ولكن مع اؼببالغة‪.‬‬
‫أيضا ذكر أف‬
‫قد يكوف صرؼ ماؿ ُب منكرات‪ -2 ،‬وقد يكوف صرؼ إىل اؼبباحات لكن ذلك يكوف معو مبالغة فبا يضيع معو اؼباؿ ُب غَت فائدة‪ً ،‬‬
‫مثبل ومعو عيالو وأوالده وال معيشة ؽبم سواه فأنفق اعبميع ُب وليمة فهو‬ ‫اؼببالغة زبتلف باإلضافة إىل األحواؿ فنقوؿ‪ :‬من مل يبلك إال مائة دينار ً‬
‫وما َْؿب ُس ًورا﴾ نزؿ ىذا ُب رجل باؼبدينة قسم صبيع مالو ومل يبق شيئًا لعيالو فطُولب‬ ‫ِ‬
‫﴿وَال تَػْب ُسطْ َها ُك َّل الْبَ ْسط فَػتَػ ْق ُع َد َملُ ً‬
‫مسرؼ هبب منعو قاؿ ا﵁ ‪َ :‬‬
‫بالنفقة فلم يقدر على شيء‪ ،‬إ ًذا اإلسبلـ يعتٍت بأمر النفقة على األىل واألوالد؛ ألف والدىم ىو الذي يعوؽبم‪ ،‬و(كفى باؼبرء إشبًا أف يضيع من‬
‫ين إِ َذا أَنْػ َف ُقوا َملْ يُ ْس ِرفُوا َوَملْ يػَ ْقتُػُروا﴾‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َكانُوا إ ْخ َوا َف الشَّيَاطُت﴾وكذلك قاؿ ‪َ ﴿ :‬والذ َ‬ ‫يقوت) وقاؿ تعاىل‪َ ﴿ :‬وَال تُػبَ ّْذ ْر تَػْبذ ًيرا ‪ ‬إ َّف الْ ُمبَ ّْذر َ‬
‫‪.‬فمن يسرؼ ىذا اإلسراؼ يُن َكر عليو وهبب على القاضي أف وبجر عليو‪ ،‬إال إذا كاف الرجل وحده وكاف لو قوة ُب التوكل صادقة فلو أف ينفق صبيع‬
‫مالو ُب أبواب الرب؛ يعٍت من كاف وحده وليس لو أوالد وليس لو عياؿ يُنفق عليهم فهذا لو أمر آخر أو من كاف لو عياؿ كاف عاجزا عن التوكل‬
‫ماال كثَت ليس‬
‫أيضا إسراؼ ؿبرـ وفعل ذلك إما لو ً‬
‫فليس لو أف يتصدؽ ِبميع مالو‪ ،‬وكذلك لو صرؼ صبيع مالو لنقوش حيطانو وتزيُت بنيانو فهذا ً‬
‫حبراـ؛ ألف التزيُت لؤلغراض الصحيحة‪ ،‬إ ًذا الغزايل ‪-‬رضبو ا﵁ تعايل‪ -‬يفرؽ بُت صاحب اؼباؿ الكثَت فيما يتعلق بالتزيُت وإنفاؽ اؼباؿ فيو‪ ،‬وبُت من‬
‫ليس عنده إال ماؿ قليل ال يكفي إال لو ولعيالو‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫أيضا إىل اؼبنكرات العامة قاؿ‪ :‬اعلم أف كل قاعد ُب بيتو أينما كاف فليس خاليًا ُب ىذا الزماف عن منكر من حيث التقاعد عند إرشاد‬
‫ٍب تطرؽ ً‬
‫الناس وتعليمهم وضبلهم على اؼبعروؼ‪ ،‬فأكثر الناس جاىلوف بالشرع ُب شروط الصبلة ُب الببلد فكيف ُب القرى والبوادي؟ ومن نصحو ‪-‬رضبو ا﵁‪-‬‬
‫قاؿ‪ :‬واجب أف يكوف ُب مسجد أو ؿبلة من البلد فقيو يعلم الناس دينهم‪ ،‬وكذا ُب كل قرية واجب على كل فقيو فرغ من فرض عينو وتفرغ لفرض‬
‫الكفاية أف ىبرج إىل من هباور بلده من أىل السواد ومن العرب واألكراد وغَتىم ويعلمهم دينهم وكذا فرائض شرعهم‪ ،‬ويستصحب مع نفسو ز ًادا‬
‫يأكلو وال يأكل من أطعمتهم فإف أكثرىا مغصوب‪ ،‬وىو يتكلم عن أمور تقع ُب وقتو أو ُب زمنو اؼبعاصر‪ ،‬فقاؿ‪ :‬لئلنساف أف يقعد ُب بيتو وال ىبرج‬
‫إىل اؼبسجد؛ ألنو يرى الناس ال وبسنوا الصبلة بل إذا علم ذلك وجب عليو اػبروج للتعليم والنهي‪ ،‬وكذا كل من يتيقن أف ُب السوؽ منكر هبري‬
‫على الدواـ أو ُب وقت بعينو ىو قادر على تغيَته فبل هبوز لو أف يسقط ذلك عن نفسو بالقعود ُب البيت بل يلزمو اػبروج‪ ،‬فإف كاف ال يقدر على‬
‫تغيَت اعبميع وىو ؿبًتز عن مشاىدتو ويقدر على البعض لزمو اػبروج؛ ألنو إذا كاف ألجل تغيَت ما يقدر عليو فبل يضره مشاىدة ماال يقدر عليو‪،‬‬
‫وإمبا يبنع اغبضور ؼبشاىدة اؼبنكر من غَت غرض صحيح فحق على كل مسلم أف يبدأ بنفسو فيصلحها باؼبواظبة على الفرائض وترؾ ا﵀رمات‪ٍ ،‬ب‬
‫يُعلم ذلك أىل بيتو‪ٍ ،‬ب يتعدى بعد ذلك بعد الفراغ منهم إىل جَتانو‪ٍ ،‬ب إىل أىل ؿبلتو‪ٍ ،‬ب إىل أىل بلده‪ ،‬وىكذا إىل أقصى العامل‪ .‬فهذا حديث أليب‬
‫حامد الغزايل ‪-‬رضبو ا﵁ تعاىل‪ -‬عن بعض اؼبنكرات اليت تقع من بعض الناس ربدث عنها وأسهب باغبديث عنها حيث قاؿ ُب اؼبنكرات اؼبألوفة ُب‬
‫العادات وذكر صبلة منها ُب بعض اؼبواضع من ذلك منكرات اؼبساجد‪ ،‬وكذلك منكرات األسواؽ‪ ،‬ومنكرات الشوارع‪ ،‬ومنكرات اغبمامات‪،‬‬
‫كثَتا من‬
‫أيضا ذكر ً‬
‫ومنكرات الضيافة وربدث عنها بإسهاب وبُت فيها بيانًا شرعيًا‪ ،‬وأتى باألدلة الشرعية من الكتاب والسنة وأقواؿ أىل العلم‪ ،‬و ً‬
‫األمثلة اليت تقع ُب زمنو اؼبعاصر‪ ،‬وكثَت من ىذه األمثلة يقع ما يشبهها ُب زمننا إ ًذا كاف يتحدث عن زمنو ذلك الوقت ويقع كثَت منها أو ما يشبهها‬
‫ُب وقتنا اؼبعاصر سواء كانت ُب اؼبساجد أو ُب األسواؽ أو فيما يتعلق بالضيافة واإلسراؼ أو ُب اؼبنكرات العامة‪ٍ ،‬ب ختم كتابو ‪-‬رضبو ا﵁ تعاىل‪-‬‬
‫بالباب الرابع ُب أمر األمراء والشياطُت وهنيهم عن اؼبنكر وأتى باألدلة على ذلك وذكر صبلة فبا ربدث عنو أىل العلم‪ ،‬وما حصل من االحتساب‬
‫بعض األئمة على بعض اػبلفاء ُب زمن مضى وبعض األمراء والواجب كبو األمراء والسبلطُت ُب أمرىم باؼبعروؼ وهنيهم عن اؼبنكر‪ ،‬وهبب على‬
‫أمرا باؼبعروؼ أو هنيًا عن اؼبنكر‪،‬‬
‫ا﵀تسب أف يكوف رفي ًقا ُب ىذا األمر‪ ،‬وأف يتأدب باآلداب الشرعية عند قيامو باالحتساب على األمراء والسبلطُت ً‬
‫أيضا من عظمو ا﵁ تعاىل؛ إلجبلؿ ا﵁ تعاىل تعظيم السلطاف فكل سلطاف مكنو ا﵁ تعاىل ُب األرض فيجب على الرعية أف يعظموه‬
‫وأف يعظم ً‬
‫أيضا هبب‬
‫ويعرفوا قدره‪ ،‬وأال ىبرج عن اآلداب الشرعية ُب أمره باؼبعروؼ أو هنيو عن اؼبنكر؛ ألف بصبلح الوايل واألمَت تصلح الرعية وتصلح األمور‪ ،‬و ً‬
‫سرا فإف من منهج أىل السنة و اعبماعة أف يُنصح‬‫أف يكوف األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر باآلداب الشرعية ومن ذلك أمره أو هنيو ونصيحتو ً‬
‫أيضا أف يكوف متأدبًا باآلداب الشرعية وُب ىذا من اػبَت‬
‫أيضا يُبعد أو يُزيل اؽبيبة اليت للوايل عند الناس‪ ،‬و ً‬
‫سرا وال يبدي لو عبلنية وال ً‬
‫الوايل أو األمَت ً‬
‫أيضا من جانب آخر اإلخبلؿ باآلداب الشرعية فيما يتعلق بنصح األئمة واغبكاـ يًتتب عليو مفاسد عظيمة ال‬
‫للناس ما ال يعلمو إال ا﵁ تعاىل‪ ،‬و ً‬
‫زبفى على كل عاقل‪ .‬إ ًذا ىذا ىو كتاب اإلماـ الغزايل "األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر" وقد ربدثنا عنو ُب حلقات عديدة وعرفنا بو ُب ىذا اؼبقرر‬
‫وىو كتاب يقع ُب تسعُت صفحة تقريبًا‪ ،‬وقد قسمو اؼبؤلف إىل أربعة أبواب ‪.‬الباب األوؿ‪ُ :‬ب وجوب األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر‬
‫وفضيلتو‪.‬والباب الثاين‪ُ :‬ب أركانو وشروطو‪.‬والباب الثالث‪ُ :‬ب ؾباريو وبياف اؼبنكرات اؼبألوفة ُب العادات‪.‬والباب الرابع‪ُ :‬ب أمر األمراء والسبلطُت‬
‫باؼبعروؼ وهنيهم عن اؼبنكر‪.‬‬
‫المحاضرة الخامسة عشرة‬
‫الكتاب الثاين ‪:‬كتاب (هناية الرتبة ُب طلب اغبسبة) لعبد الرضبن بن نصر الشيزري‪ .‬وترجع أنبية ىذا الكتاب بالقياس إىل غَته من الكتب اليت ألفت‬
‫ُب اغبسبة لعدة ميزات منها‪:‬‬

‫‪41‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫أف مؤلفو أسبق اؼبؤلفُت ُب موضوع اغبسبة من الناحية العملية ُب الشرؽ اإلسبلمي‪ ،‬إذ عاش ُب القرف السادس اؽبجري ومل يتناوؿ ذلك اؼبوضوع قبلو‬
‫إال أفراد قبلئل مثل اؼباوردي اؼبتوَب سنة أربعمائة وطبسُت ىجريو ُب كتاب (األحكاـ السلطانية) والغزايل اؼبتوَب سنة طبسمائة وطبسة ُب كتاب (إحياء‬
‫علوـ الدين) وىو ما ربدثنا عنو ُب اغبلقات السابقة وكبلنبا تغلب على كتابتهما الصفات الفقهية البحتة‪.‬‬
‫ومنها أف ىذا الكتاب صار فيما بعد أساسا ؼبا كتبو ابن اإلخوة وابن بساـ وغَتنبا ُب اغبسبة‪ ،‬أما ابن اإلخوة اؼبتوَب سنة تسع وعشرين وسبعمائة‬
‫للهجرة فإنو ألف كتابو اؼبسمى (معامل القربة ُب أحكاـ اغبسبة) ُب سبعُت بابا وقد دلت اؼبقارنة على وجود تشابو كبَت بينو وبُت كتاب الشيزري‪ ،‬وأما‬
‫كتاب (هناية الرتبة ُب طلب اغبسبة) البن بساـ وىو يتطابق ُب عنوانو مع كتاب الشيزري‪،‬وابن بساـ عاش ُب مصر ُب القرف الثامن اؽبجري فيبدو‬
‫كذلك أف معظمو منقوؿ من كتاب الشيزري إذ إنو فضبل عن اتفاقو مع كتاب الشيزري ُب العنواف فإف مقدمتهما واحدة وذلك باعًتاؼ ابن بساـ‬
‫نفسو‪ ،‬بل يبدو أف ابن بساـ أخذ تأليف الشيزري فنسبو إىل نفسو عنوانا ومتنا بعد أف أضاؼ إليو أبوابا متعددة فبا جعلها تبلغ أربعة عشر ومائة‬
‫باب‪ ،‬على حُت أف كتاب الشيزري ُب أربعُت بابا فقط‪ ،‬ولقد حدا ىذا التشابو اؼبادي بالدكتور برناور إىل القوؿ بأف ىذه الكتب الثبلثة –كتاب‬
‫هناية الرتبة للشيزري وكتاب هناية الرتبة البن بساـ‪ ،‬ومعامل القربة البن اإلخوة‪ -‬قاؿ‪ :‬ليست إال كتابا واحدا تناولو مؤلفوف ـبتلفوف بزيادات وتعديبلت‬
‫حبسب الببلد واألزمنة اليت عاشوا فيها أي أف كتاب الشيزري أصل لكتايب ابن اإلخوة وابن بساـ‪ ،‬أو ألحدنبا على األقل وذلك ألسبقيتو الزمنية‬
‫والتفاؽ الكتابُت اؼبتأخرين معو إىل درجة كبَتة ُب اؼبوضوعات واألبواب والفصوؿ وُب عرضها أيضا‪.‬‬
‫وٍب ميزة أخرى ؽبذا الكتاب أي كتاب هناية الرتبة ُب طلب اغبسبة للشيزري سبيزه ُب الواقع عن صبيع الكتب اليت وضعت ُب اغبسبة وىي اإلسهاب ُب‬
‫شرح غشوش العقاقَت ووصف فروع الطب اؼبختلفة ٍب االىتماـ دبراقبة أىل الذمة وحركات الباطنية وردبا كانت علة ىذا االىتماـ أف عصر اؼبؤلف وىو‬
‫فضبل عن مصر‪ ،‬ونشبت‬
‫القرف السادس اؽبجري‪ ،‬كاف عصر إحياء السنة وقد زبللتو اؼبنازعات بُت السنة والشيعة ُب كثَت من جهات العامل اإلسبلمي ً‬
‫اغبروب الصليبية ُب أثنائو فأصبح ىبشى من فباألة الذميُت ُب ببلد اإلسبلمية للصليبيُت سيما أف أرباب اغبرؼ والصنائع كاف أكثرىم من أىل الذمة‪،‬‬
‫على أف الذي يدعو إىل االلتفات ىنا أف أمور الباطنية وحركاهتا كانت داخلة ُب أعماؿ ا﵀تسب وتلك مسألة ذات أنبية ُب البحث ُب أصل اغبسبة‬
‫ونشأهتا ُب الدولة اإلسبلمية‪.‬‬
‫ويضاؼ إىل ذلك ميزة ال تقل عما سبق‪ ،‬وىي كثرة النسخ اػبطية اؼبوجودة من ىذا الكتاب؛ إذ يبلغ عددىا أربع عشرة نسخة‪ ،‬أما اؼبؤلف فقد‬
‫اضطربت صبيع ـبطوطات الكتاب ُب ذكر اظبو ولقبو وكنيتو ومذىبو‪ ،‬وأصحها صبيعا نسبة اؼبؤلف إىل شيزر لوردىا ُب أكثر من نسخة واحدة‪ ،‬وألف‬
‫اؼبؤلف بدأ كتابو باؼبوازين واؼبثاقيل باإلشارة إىل شيزر قبل غَتىا من مدف الشاـ والببلد األخرى‪ ،‬وقد مات الشيزري حوايل سنة تسع وشبانُت وطبسمائة‬
‫للهجرة‪ ،‬وىي السنة اليت توُب فيها صبلح الدين األيويب‪ ،‬وللشيزري عدا كتاب هناية الرتبة ُب طلب اغبسبة كتب أخرى ليس اؼبقاـ مقاـ حديث عنها‪.‬‬
‫نبدأ باؼبقدمة ؽبذا الكتاب حىت ندخل ُب صلبو ومضمونو على بينة وبصَتة؛ قاؿ‪" :‬بسم ا﵁ الرضبن الرحيم‪ ،‬وبو ثقيت قاؿ الشيخ اإلماـ األوجد العامل‬
‫ؿبمدا‬
‫عبد الرضبن بن نصر بن عبد ا﵁ أضبد ا﵁ على ما أنعم وأستعينو فيما ألزـ وأشهد أف ال إلو إال ا﵁ وحده ال شريك لو العلي األعظم وأشهد أف ً‬
‫عبده ورسولو النيب األكرـ صلى ا﵁ على آلو وأصحابو وسلم‪ ،‬وبعد فقد سألٍت من استند ؼبنصب اغبسبة وقيد للنظر ُب مصاحل الرعية وكشف‬
‫أصبع لو ـبتصرا كافيًا ُب سلوؾ منهج اغبسبة على الوجو اؼبشروع ليكوف عمادا لسياستو وقوما لرياستو فأجبت إىل‬
‫أحواؿ السوقة وأمور اؼبتعيشُت أف َ‬
‫ملتمسو ذاىبًا إىل اإلجازة ال إىل اإلطالة وضمنتو طرفا من األخبار وطرزتو حبكايات وأثار ونبهت فيو على غش اؼبتعيشُت ُب اؼببيعات وتدليس أرباب‬
‫الصناعات وكشف سرىم اؼبدفوف وىتك سًتىم اؼبصوف راجيًا بذلك ثواب اؼبنعم ليوـ اغبساب واقتصرت فيو على ذكر اغبرؼ اؼبشهورة دوف غَتىا‬
‫ؼبسيس اغباجة إليها وجعلتو أربعُت بابًا‪ ،‬وبتذي ا﵀تسب على مثاؽبا وينسج على منواؽبا وظبيتو هناية الرتبة ُب طلب اغبسبة وما توفيقي إال با﵁ عليو‬
‫توكلت وإليو أنيب‪.‬‬
‫سردا الباب األوؿ‪:‬فيما هبب على ا﵀تسب من شروط اغبسبة ووجوه مستحباهتا‪ ،‬والباب الثاين ُب النظر ُب األسواؽ‬
‫وىذه األبواب األربعوف ً‬
‫والطرقات‪ ،‬الباب الثالث ُب معرفة القناطَت واألرطاؿ واؼبثاقيل والدراىم‪ ،‬والباب الرابع ُب معرفة اؼبوازين واؼبكايل وعيار األرطاؿ واؼبثاقيل‪ ،‬والباب‬

‫‪41‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫اػبامس ُب اغبسبة على اغببوبُت والدقاقُت‪ ،‬والسادس ُب اغبسبة على اػببازين والسابع ُب اغبسبة على الفرانيُت‪ ،‬والثامن ُب اغبسبة على صناع الزالبية‬
‫والتاسع ُب اغبسبة على القصابُت واعبزارين والعاشر ُب اغبسبة على الشوايُت‪ ،‬والباب اغبادي عشر ُب اغبسبة على الرواسيُت‪ ،‬والباب الثاين عشر ُب‬
‫اغبسبة على قبلئي السمك‪ ،‬إىل آخر ىذه األبواب مثل الصيادلة واغباكة واػبياطُت‪ ،‬والصيارفة والصاغة والنحاسُت‪ ،‬واغبدادين ومؤديب الصبياف‪،‬‬
‫وختم أيضا بالباب التاسع والثبلثُت والباب األربعُت باغبسبة على أىل الذمة والباب األربعُت فيما يشتمل على صبل وتفاصيل ُب أمور اغبسبة‪.‬‬
‫وبدأ اؼبؤلف كتابو بالباب األوؿ فيما هبب على ا﵀تسب من شروط اغبسبة ولزوـ مستحباهتا وقد مر معنا ذلك ُب أوؿ اؼبنهج أو ُب اغبلقات األوىل‪،‬‬
‫وإصبلحا بُت الناس وجب أف‬
‫ً‬ ‫أمرا باؼبعروؼ وهنيًا عن اؼبنكر‬
‫ونتعرؼ على ما ذكره الشيزري ‪-‬رضبو ا﵁‪ُ -‬ب ىذا اؼبوضوع‪ :‬قاؿ‪ :‬ؼبا كانت اغبسبة ً‬
‫فقيها عارفًا بأحكاـ الشريعة ليعلم ما يأمر بو وينهى عنو فإف اغبسن ما حسنو الشرع والقبيح ما قبحو الشرع وال مدخل للعقوؿ ُب‬
‫يكوف ا﵀تسب ً‬
‫معرفة اؼبعروؼ واؼبنكر إال بكتاب ا﵁ ‪ ‬وسنة نبيو ‪ ‬ورب جاىل يستحسن بعقلو ما قبحو الشرع فَتتكب ا﵀ظور وىو غَت عامل بو‪ ،‬وؽبذا اؼبعٌت‬
‫كاف (طلب العلم فريضة على كل مسلم) كما قاؿ النيب ‪ٍ ،‬ب قاؿ‪ :‬فصل‪ :‬وأوؿ ما هبب على ا﵀تسب أف يعمل دبا يعلم وال يكوف قولو ـبالفا‬
‫َّاس بِالِْ ّْرب َوتَػْن َس ْو َف أَنْػ ُف َس ُك ْم ﴾ وروى أنس بن مالك ‪ ‬أف النيب ‪ ‬قاؿ‪( :‬رأيت‬ ‫لفعلو‪ ،‬فقد قاؿ ا﵁ ‪ُ ‬ب ذـ علماء بٍت إسرائيل‪﴿ :‬أَتَأْ ُمُرو َف الن َ‬
‫رجاال تقرض شفاىهم دبقاريض فقلت‪ :‬من ىؤالء يا جربيل؟ قاؿ‪ :‬ىؤالء خطباء أمتك الذين يأمروف الناس بالرب وينسوف أنفسهم) وقاؿ‬ ‫ليلة أسري يب ً‬
‫ا﵁ ‪ ‬ـبربا عن شعيب ‪ ‬ؼبا هنى قومو عن خبس اؼبوازين ونقص اؼبكايل‪﴿ :‬وما أُ ِريد أَ ْف أ ِ‬
‫يد إِالَّ ا ِإل ْ‬
‫صبلَ َح َما‬ ‫ُخال َف ُك ْم إِ َىل َما أَنْػ َها ُك ْم َعْنوُ إِ ْف أُِر ُ‬
‫َ‬ ‫ََ ُ‬
‫ت﴾‪.‬‬‫استَطَ ْع ُ‬
‫ْ‬
‫قاؿ‪ :‬فصل وهبب على ا﵀تسب أف يقصد بقولو وفعلو وجو ا﵁ تعاىل وطلب مرضاتو خالص النية ال يشوبو ُب طويتو رياء وال مراء ويستند ُب رياستو‬
‫وجبلال ومبادرتو إىل قبوؿ قولو‬
‫ً‬ ‫منافسة اػبلق‪ ،‬ومفاخرة أبناء اعبنس لينشر ا﵁ تعاىل عليو رداء القبوؿ وعلم التوفيق‪ ،‬ويقذؼ لو ُب القلوب مهابة‬
‫بالسمع والطاعة‪ ،‬فقد قاؿ النيب ‪ ( :‬من أرضى ا﵁ بسخط الناس كفاه شرىم‪ ،‬ومن أرض الناس بسخط ا﵁ وكلو إليهم‪ ،‬ومن أحسن فيما بينو وبُت‬
‫ا﵁ أحسن ا﵁ فيما بينو وبُت الناس‪ ،‬ومن أصلح سريرتو أصلح ا﵁ عبلنيتو ومن عمل آلخرتو كفاه ا﵁ أمر دنياه)‪.‬‬
‫وأيضا ذكر فصبل وينبغي للمحتسب أف يكوف مواظبا على سنن رسوؿ ا﵁ ‪ ‬من قص الشارب ونتف اإلبط وحلق العانة وتقليم األظفار ونظافة‬
‫الثياب وتقصَتىا والتعطر باؼبسك وكبوه وصبيع سنن الشرع ومستحباتو ىذا مع القياـ بالفرائض والواجبات؛ فإف ذلك أزيد ُب توقَته وأنفى للطعن ُب‬
‫دينو‪.‬‬
‫قاؿ‪ :‬فصل وليكن من ظبتو الرفق ولُت القوؿ وطبلقة الوجو وسهولة األخبلؽ عند أمره للناس وهنيو فإف ذلك أبلغ ُب استمالة القلوب وحصوؿ‬
‫ِ‬ ‫نت فَظِّا َغلِي َ‬ ‫ِِ‬
‫ضوا ِم ْن َح ْول َ‬
‫ك﴾ ‪ .‬وليكن متأنيًا غَت مبادر إىل العقوبة‬ ‫ظ الْ َق ْل ِ‬
‫ب الَنْػ َف ُّ‬ ‫نت َؽبُ ْم َولَ ْو ُك َ‬
‫ٍ‬
‫اؼبقصود قاؿ ا﵁ ‪ ‬لنبيو ‪﴿ :‬فَبِ َما َر ْضبَة ّْم َن ا﵁ ل َ‬
‫وال يؤاخذ أحد بأوؿ ذنب يصدر منو وال يعاقب ألوؿ زلة تبدو ألف العصمة ُب اػبلقة مفقودة فيما سوى األنبياء صلوات ا﵁ وسبلمو عليهم أصبعُت‪.‬‬
‫قاؿ‪ :‬وإذا عثر دبن نقص اؼبكياؿ أو خبس اؼبيزاف أو غش بضاعة أو صناعة دبا يأٌب نصو ُب أبوابو من أنواع الغشوش استتابو عن معصيتو ووعظو‬
‫وخوفو وأنذره العقوبة والتعزير فإف عاد إىل فعلو عزره على حسب ما يليق بو من التعزير على قدر اعبناية وال يبلغ بو اغبد‪ ،‬قاؿ‪ :‬ومن الشروط ُب فصل‬
‫آخر للمحتسب أف يكوف عفي ًفا عن أمواؿ الناس متورعا عن قبوؿ ىدية من اؼبتعيشُت وأرباب الصناعات فإف ذلك رشوة وقد قاؿ النيب ‪( :‬لعن ا﵁‬
‫الراشي واؼبرتشي) وألف التعفف عن ذلك أصوف لعرضو وأقوـ ؽبيبتو‪ ،‬ويلزـ ا﵀تسب غلمانو وأعوانو دبا التزمو من ىذه الشروط‪ ،‬فإف أكثر ما تتطرؽ‬
‫أحدا منهم أخذ رشوة أوقبل ىدية صرفو عنو لتنتفي عنو الظنوف وتنجلي عنو الشبهات‪.‬‬
‫التهمة للمحتسب من غلمانو وأعوانو فإف علم أف ً‬
‫ٍب ذكر الباب الثاين‪ :‬النظر ُب األسواؽ والطرقات وربدث عن صبلة من ما وبصل من بعض الناس ُب طرقاهتم وأسواقهم وما هبب على ا﵀تسب كبو‬
‫ذلك‪ ،‬قاؿ‪ :‬وهبعل ألىل كل صنعة منهم سوقًا ىبتص ّٔم وتعرؼ صناعتهم فيو فإف ذلك القتصادىم أرفق ولصنائعهم أنفق‪ ،‬وربدث عما ينبغي أف‬
‫يكوف قاؿ أيضا ُب فصل ‪:‬وؼبا مل تدخل اإلحاطة ُب أفعاؿ السوقة ربت وسع ا﵀تسب‪ ،‬جاز لو أف هبعل ألىل كل صنعة عري ًفا من صاحل أىلها خبَتا‬
‫بصناعتهم بصَتا بغشوشهم وتدليساهتم‪ ،‬مشهورا بالثقة واألمانة يكوف مشرفا على أحواؽبم ويطالعو بأخبارىم وما هبلب إىل سوقهم من السلع‬

‫‪42‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫والبضائع وما تستقر عليو من األسعار وغَت ذلك من األسباب اليت يلزـ ا﵀تسب معرفتها؛ فهذا ال شك أنو أدعى لضبط األمور وحسن اإلشراؼ‬
‫على األسواؽ‪.‬‬
‫قاؿ‪ :‬أيضا وال هبوز للمحتسب تسعَت البضائع على أربأّا وال أف يلزمهم بيعها بسعر معلوـ ألف السعر غبل على عهد رسوؿ ا﵁ ‪ ‬فقالوا‪ :‬يا‬
‫أحدا‬
‫رسوؿ ا﵁‪ ،‬سعر لنا‪ ،‬فقاؿ ‪( :‬إف ا﵁ ىو اؼبسعر‪ ،‬وإين ألرجو أف ألقى ا﵁ وليس أحد يطالبٍت دبظلمة ُب نفس وال ماؿ)‪ ،‬وإذا رأى ا﵀تسب ً‬
‫إجبارا؛ ألف االحتكار حراـ‪ ،‬واؼبنع‬
‫قد احتكر الطعاـ من سائر األقوات وىو أف يشًتي ذلك ُب وقت الرخاء ويًتبص بو الغبلء فيزداد شبنو ألزمو بيعو ً‬
‫من فعل حراـ واجب‪ ،‬قاؿ‪ :‬وأما الطرقات ودروب ا﵀بلت؛ فبل هبوز ألحد إخراج جدار داره وال دكانو فيها إىل اؼبمر اؼبعهود‪ ،‬وكذلك كل ما فيو أذية‬
‫وإضرار على السالكُت كاؼبيازيب الظاىرة ُب اغبيطاف ُب زمن الشتاء وؾباري األوساخ اػبارجية من الدور ُب زمن الصيف إىل وسط الطريق‪ ،‬قاؿ‪ :‬وال‬
‫هبوز التطلع على اعبَتاف من السطوحات‪ ،‬والنوافذ‪ ،‬وال أف هبلس الرجاؿ ُب طرقات النساء من غَت حاجة [وكذلك النساء ال هبلسن على أبواب‬
‫رجبل أجنبيِّا مع امرأة أجنبية يتحدثاف ُب موضع خلوة‪ ،‬فإنو أشد‬
‫بيوهتن ُب طرقات الرجاؿ]‪ .‬فمن فعل شيئا من ذلك عزره ا﵀تسب‪ ،‬سيما إذا رأى ً‬
‫للتهمة ُب حقها‪ ،‬وا﵁ أعلم‪ .‬بل أشد للتهمة ُب حقهما صبيعا‪.‬‬
‫ٍب ذكر الباب الثالث ‪ُ:‬ب معرفة القناطَت واألرطاؿ واؼبثاقيل والدراىم‪ ،‬وكذلك الباب الرابع‪ُ :‬ب معرفة اؼبكاييل واؼبوازين وعيار األرطاؿ واؼبثاقيل‪ ،‬وقاؿ‪:‬‬
‫ينبغي للمحتسب أف هبدد النظر ُب اؼبكاييل ويراعي ما يطففوف بو اؼبكياؿ‪ ،‬ألف كثَتا فبن يبيع ويشًتي ويكيل للناس فإهنم يقعوف ُب شيء من الغش‬
‫والتدليس وا﵀تسب هبب عليو أف يكوف دقيقا ُب أموره‪ ،‬ويتحدث أيضا ُب الباب السادس عن اغبسبة على اػببازين وما هبب عليو أف يكوف عليو‬
‫اػبباز‪ ،‬ومن ذلك قاؿ‪ :‬ال يعجن العجاف بقدميو وال بركبتيو وال دبرفقيو ألف ُب ذلك مهانة للطعاـ‪ ،‬وردبا قطر ُب العجُت شيء من عرؽ إبطيو وبدنو‪،‬‬
‫ملثما ألنو ردبا عطس أو تكلم فقطر شيء من بصاقو أو ـباطو ُب العجُت‪.‬‬
‫ويكوف ً‬
‫أيضا يتحدث عنها اؼبؤلف والعلماء ُب اغبسبة للتأكيد على وجوب نظافة اػبباز والعجاف حىت ال يضر باؼبشًتين‪ ،‬قالوا‪ :‬ووبلق شعر‬
‫وىذه أمور ً‬
‫ذراعيو لئبل يسقط منو شيء ُب العجُت‪ ،‬وىكذا فبا ذكره أىل اغبسبة ُب ذلك‪ ،‬وأيضا ما وبصل من بعض اػببازين من الغش سواء ُب الدقيق أو ُب‬
‫العجُت أو ُب غَت ذلك ينبو ا﵀تسبوف عليو وكذلك اغبسبة على الفرانُت ربدث عنو ُب الباب السابع ٍب الثامن وتكلم أيضا عن اغبسبة على بعض‬
‫الصناع وأيضا تكلم ُب الباب التاسع ُب اغبسبة على اعبزارين والقصابُت‪ ،‬وىذا الباب فبا سبس اغباجة إليو ُب كل زماف‪.‬‬
‫عاقبل يذكر اسم ا﵁ على الذبيحة وأف يستقبل القبلة وأف ينحر اإلبل معقولة ويذبح البقر‬
‫مسلما بالغًا ً‬
‫وقاؿ رضبو ا﵁‪ :‬يستحب أف يكوف اعبزار ً‬
‫جرا عني ًفا‪ ،‬وال يذبح بسكُت كالة‪ ،‬ألف ذلك‬
‫والغنم مضجعة على اعبنب األيسر فجميع ذلك وردت بو السنة عن النيب ‪ ،‬وال هبر الشاة برجلها ِّ‬
‫تعذيب للحيواف‪ ،‬وقد هنى رسوؿ ا﵁ ‪ ‬عن تعذيب اغبيواف‪ ،‬وقاؿ ‪( :‬إذا قتلتم فأحسنوا القتلة‪ ،‬وإذا ذحبتم فأحسنوا الذحبة‪ ،‬وليحد أحدكم شفرتو‬
‫ولَتح ذبيحتو)‪ ،‬أو يلزمو ُب الذبح أف يقطع للودجُت واؼبرئ واغبلقوـ وال يشرع ُب السلخ بعد الذبح حىت تربد الشاة وىبرج منها الروح‪ ،‬ألف عمر بن‬
‫اػبطاب ‪ ‬أمر مناديًا ينادي ُب اؼبدينة ال تسلخ شاة مذبوحة حىت تربد‪ ،‬وذبوز الذكاة بكل شيء إال السن‪ ،‬والظفر فإف رسوؿ ا﵁ ‪ ‬هنى عن‬
‫الذكاة ّٔما وينهى ا﵀تسب عن نفخ غبم الشاة بعد السلخ وىذه بعض األمور اليت تقع من اعبزارين‪.‬وقاؿ‪ :‬وأما القصابوف فيمنعهم ا﵀تسب من‬
‫إخراج توايل اللحم من حد مصاطب حوانيتهم بل تكوف متمكنة ُب الدخوؿ عند حد اؼبصطبة والركنُت لئبل تبلصقها ثياب الناس فيتضرروف ّٔا‬
‫ويأمرىم أف يفردوا غبوـ اؼباعز عن غبوـ الضآف إىل آخر ذلك من اؼبنكرات أو األمور اليت يقع فيها بعض القصابُت‪.‬‬
‫المحاضرة السادسة عشرة‬
‫التعريف بكتاب هناية الرتبة ُب طلب اغبسبة للشيزري رضبو ا﵁ ربدث على الطباخُت واالحتساب عليهم بقولو‪ :‬يُؤمروف بتغطية أوانيهم وحفظها من‬
‫الذباب وىواـ األرض بعد غسلها باؼباء اغبار واألشناف‪ ،‬وأال يطبخوا غبوـ اؼباعز مع غبوـ الضآف‪ ،‬وال غبوـ اإلبل مع غبوـ البقر؛ لئبل يأكلها ناقو من‬
‫أيضا ما يتعلق باغبسبة على اؽبرائسيُت ُب الباب الرابع عشر‪ ،‬و اغبسبة على النقانقيُت وكذلك اغبسبة على‬
‫اؼبرض فتكوف سببًا لنفسو‪ ،‬وكذلك ً‬
‫اغبلوانيُت وىذه عدد من اؼبأكوالت وال زالت ُب عصرنا اغباضر مستمرة‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫وقاؿ رضبو ا﵁ ُب اغبسبة على اغبلوانيُت‪ :‬إف اغبلوى أنواع كثَتة وأجناس ـبتلفة ال يبكن ضبطها بصفة وال عيار‪ ،‬أخبلطها على قدر أنواعها‪ ،‬قاؿ‪:‬‬
‫وينبغي أف تكوف اغبلوى تامة النضج غَت نيئة‪ ،‬وال ؿبًتقة وال تربح اؼبذبة ُب يده يطرد عنها الذباب‪ ،‬وىذا من عنايتهم بنظافة اؼبأكوالت اليت تقدـ‬
‫للناس أو لطالبيها‪ ،‬قاؿ‪ :‬ويعترب ا﵀تسب عليهم ما يغشوف بو اغبلوى فإنو كثَت‪ ،‬فمن ذلك أهنم يبزجوف عسل النحل برب الكرـ‪ ،‬والرب كما وضح‬
‫أيضا قاؿ‪ :‬ومن اغبلوى ما يغش بالدقيق والنشا ودقيق األرز ودقيق العدس‪ ،‬إىل آخر ما‬
‫ىنا عصارة الثمرة بعد طبخها حىت تصبح غليظة‪ ،‬وكذلك ً‬
‫ربدث بو عن أنواع الغش ُب اغبلوى‪.‬‬
‫أوال ٍب‬
‫وكذلك ربدث ُب الباب السابع عشر عن اغبسبة على الصيادلة وقاؿ رضبو ا﵁‪ :‬تدليس ىذا الباب والذي بعده يعٍت ما يتعلق بالصيادلة ً‬
‫يتعلق بالعطارين‪ ،‬قاؿ‪ :‬تدليس ىذا الباب والذي بعده كثَت ال يبكن حصر معرفتو على التماـ‪ ،‬ما يتعلق بالتدليس ُب أعماؿ الصيادلة أو ُب عمل‬
‫العطارين‪ ،‬قاؿ‪ :‬ال يبكن حصر معرفتها على التماـ‪ ،‬فرحم ا﵁ من نظر فيو وعرؼ استخراج غشوشو فكتبها ُب حواشيها تقربًا إىل ا﵁ تعاىل فهي أبر‬
‫على اػبلق من غَتىا؛ ألف العقاقَت واألشربة ـبتلفة الطبائع واألمزجة والتداوي على قدر أمزجتها‪.‬‬
‫قاؿ‪ :‬فالواجب على الصيادلة أف يراقبوا ا﵁ ‪ُ ‬ب ذلك‪ ،‬وينبغي للمحتسب أف ىبوفهم وينذرىم العقوبة والتعزير ويعترب عليهم عقاقَتىم ُب كل‬
‫أسبوع‪ ،‬وأتى بأمثلة عديدة تتعلق بالغش عند الصيادلة وال شك أف ىذا من النصح للمسلمُت‪ ،‬قاؿ‪ :‬وقد أعرضت عن أشياء كثَتة ُب ىذا الباب مل‬
‫أذكرىا ػبفي غشها والمتزاجها بالعقاقَت؛ ـبافة أف يتعلمها من ال دين لو فيدلس ّٔا على اؼبسلمُت‪ ،‬وإمبا ذكرت ُب ىذا الباب وُب غَته ما قد اشتهر‬
‫أيضا اغبسبة على العطارين‪ ،‬قاؿ‪:‬‬
‫غشو بُت الناس ويتعاطاه كثَت منهم وأمسكت عن أشياء غَت مشهورة‪ ،‬وىذا فيو ؿبافظة على صحة الناس‪ ،‬و ً‬
‫ضا الختبلؼ أجناس الطيب وأنواعو وذبانس العقاقَت الطبية وتقارّٔا ُب الرائحة وسأذكر من ذلك ما اشتهر غشو‬
‫غشوش العطر كثَتة ـبتلفة أي ً‬
‫وصنعتو وأعرض عما خفي غشو وصنعتو وال يتعاطاه كثَت منهم‪.‬‬
‫وبُت كيف يعرؼ ا﵀تسب غشها وسائر غشوش النوافج‪ ،‬أف يفتحها ا﵀تسب ويلثمها كاؼبتحثر الشيء فإف طلع إىل فيو للمسك حدة كالنار فهو‬
‫فحو ال غش فيو‪ ،‬وإف كاف بالضد فهو مغشوش إىل آخر ما ذكره فيما يتعلق باالحتساب على العطارين‪.‬‬
‫أيضا‪ :‬منهم من يغش الزعفراف الشعر بصدور الدجاج وغبوـ البقر ووضح ىنا ُب النسخة أف الزعفراف الشعر شجر يبتاز زغبو ببياض يسَت وكاف‬
‫وقاؿ ً‬
‫يستخدـ بعد سحقو ُب الصباغة‪.‬‬
‫أيضا ربدث ُب الباب التاسع عشر عن اغبسبة على‬
‫أيضا‪ :‬ومنهم من يغش العود اؽبندي‪ ،‬ومنهم من يغش دىن األلباف إىل آخره‪ ،‬وكذلك ً‬
‫وقاؿ ً‬
‫طبعا ال يتيسر لنا أف نذكر أو أف نقرأ كل ما كتبو لكن التعريف باألبواب واؼبسائل اليت ربدث عنها الشيزري ‪-‬رضبو ا﵁ تعاىل‪ُ -‬ب ىذا‬
‫الشرابيُت ‪ً ،‬‬
‫الكتاب‪ ،‬ومن أراد االستزادة فليطالع ىذا الكتاب القيم اؼبفيد‪ .‬ومفرد الشرابيُت الشرايب وىم صناع األشربة وىي األدوية السائلو على اختبلفها فهذه‬
‫أيضا ربدث عنها رضبو ا﵁ تعاىل‪.‬‬
‫ً‬
‫تغَتا فليس لصاحبو أف‬
‫حامضا لتطاوؿ اؼبدة عليو وم ً‬
‫ً‬ ‫وفبا ذكره ُب ذلك‪ :‬وينبغي أف يعترب ا﵀تسب عليهم األشربة ُب رأس كل شهر‪ ،‬فما وجد فيو‬
‫يعيده إىل الطبخ ثانيا لفساد مزاجها واكبراؼ طبعها‪ ،‬سوى شراب الورد وشراب البنفسج فإف تغَتنبا يكوف سر ًيعا وردنبا إىل الطبخ يزيدنبا قوة وبقاء‬
‫ونفعا إىل اؼبعدة‪.‬‬
‫ً‬
‫أيضا ربدث ُب الباب العشرين عن اغبسبة على السمانُت‪ :‬ومفرده ظباف وىم بائعو السمن‪ ،‬وقد يعترب ا﵀تسب عليهم اؼبكايل واؼبوازين واألرطاؿ‪،‬‬
‫و ً‬
‫أيضا يعترب ا﵀تسب عليهم اؼبخلل على اختبلؼ أجناسو إىل آخر ما ربدث بو وحىت ىناؾ مصطلحات ال ندركها كبن ُب وقتنا اغباضر أو ردبا ال‬
‫و ً‬
‫يعرفها إال اؼبتخصصوف‪.‬‬
‫أيضا تكلم ُب الباب اغبادي والعشرين عن االحتساب أو اغبسبة على البزازين وىم بائعو الثياب‪ ،‬قاؿ‪ :‬وال ينبغي أف يتجر ُب البز إال من عرؼ‬
‫و ً‬
‫أحكاـ البيع وعقود اؼبعامبلت وما وبلو لو منها وما وبرـ عليو وإال وقع ُب الشبهات وارتكب ا﵀ظورات؛ وقد قاؿ عمر بن اػبطاب ‪ :‬ال يتجر ُب‬
‫سوقنا إال من تفقو ُب دينو وإال أكل الربا شاء أو أىب‪ ،‬قاؿ رضبو ا﵁‪ :‬وقد رأيت ُب ىذا الزماف أكثر باعة البز ُب األسواؽ يفعلوف ُب بيعاهتم ما ال‬

‫‪44‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫وبل عملو فبا سنذكره إف شاء ا﵁ تعاىل‪ .‬فمن ذلك النجش‪ :‬وىو أف يزيد الرجل ُب شبن السلعة وال يريد الشراء ليغر غَته‪ ،‬وىذا حراـ‪ ،‬ألف النيب ‪‬‬
‫هني عن بيع النجش؛ روى أبو ىريرة ‪ ‬أف النيب ‪ ‬قاؿ‪( :‬ال تناجشوا وال تباغضوا وال رباسدوا وال تدابروا وكونوا عباد ا﵁ إخوانًا) وال يزيد ُب‬
‫السلعة أكثر فبا تساوي ليغر ّٔا الناس فيكوف حر ًاما‪ ،‬ومن ذلك البيع على بيع أخيو وىو أف يشًتي الرجل السلعة بثمن معلوـ بشرط اػبيار فيقوؿ لو‬
‫خَتا منها‪ ،‬واػبيار اصطبلح فقهي يستعمل ُب البيع ولو حاالت ليس اؼبقاـ مقاـ التفصيل فيها‪ ،‬فيقوؿ‪ :‬ردىا وأنا أبيعك‬
‫رجل آخر ردىا وأنا أبيعك ً‬
‫أيضا حراـ؛ ألف النيب ‪ ‬قاؿ‪( :‬ال يبيع الرجل على بيع أخيو)‪.‬‬
‫خَتا منها ّٔذا الثمن أو مثلها بدوف ىذا الثمن‪ ،‬فهذا الفعل ً‬
‫ومنهم من يسوـ على سوـ أخيو وىو أف يشًتي سلعة من رجل فيقوؿ لو رجل آخر‪ :‬أف أعطيك أجود منها ّٔذا الثمن أو مثلها بدوف ىذا الثمن ٍب‬
‫أيضا حراـ لقولو ‪( :‬ال يسوـ الرجل على سوـ أخيو)‪ .‬إىل آخر ذلك من اؼبسائل اليت يقع فيها الغش‬
‫يعرض عليو السلعة فَتاىا اؼبشًتي وىذا ً‬
‫والتدليس وما هنى عنو الشرع‪.‬‬
‫أيضا ذكر ُب فصل يتعلق باغبسبة على البزازين قاؿ‪ :‬ويعترب ا﵀تسب عليهم صدؽ القوؿ ُب أخبار الشراء ومقدار رأس اؼباؿ ُب بيع اؼبراحبة فإف‬
‫كذلك ً‬
‫أكثرىم يفعلوف ما ال هبوز ‪ ،‬فمن ذلك أف أحدىم يشًتي سلعة بثمن معلوـ إىل أجل معلوـ ٍب ىبرب برأس اؼباؿ ُب بيع اؼبراحبة وىذا ال هبوز؛ ألف‬
‫األجل يقابلو قسط من الثمن إىل آخر ما ربدث بو وىذا فبا نؤكد على الرجوع إليو ُب كتب اغبسبة السيما ُب ىذا الكتاب القيم‪.‬‬
‫أيضا تكلم ُب الباب الثاين والعشرين ُب اغبسبة على الداللُت واؼبنادين‪ ،‬والداللوف صبع دالؿ وىو الشخص الذي يتوسط بُت البائع واؼبشًتي‪ ،‬وأفرد‬
‫و ً‬
‫خاصا فبا يساعد على تصوير اؼبعامبلت التجارية بالببلد اإلسبلمية أو ُب العصور الوسطى‪ ،‬فقاؿ‪ :‬ينبغي أف‬
‫اؼبؤلف ؽبذه الفئة ومعها فئة اؼبنادين بابًا ً‬
‫خيارا ثقات الذين ىم الداللُت واؼبنادين‪ ،‬من أىل الدين واألمانة وصدؽ القوؿ‪ ،‬؛ ألهنم يتسلموف بضائع الناس ويقلدوهنم األمانة ُب بيعها‪،‬‬
‫يكونوا أ ً‬
‫وال ينبغي ألحد منهم أف يزيد ُب السلعة من نفسو وال يكوف شري ًكا للبزاز وال يشًتيها لنفسو‪ ،‬وال يقبض شبن السلعة من غَت أف يوكلو صاحبها ُب‬
‫قماشا‪ ،‬وقاؿ‬
‫القبض إىل آخر ما ربدث بو عن ىذا اؼبوضوع‪ .‬وكذلك ربدث عن اغبسبة على اغباكة‪ ،‬واغباكة صبع حائك وىو الذي ينسج الغزؿ ً‬
‫أيضا على نصف الثوب‪،‬‬
‫رضبو ا﵁‪ :‬هبب على ا﵀تسب أف يأمرىم باجادة عمل الشقة‪ ،‬والشقة قطعة من النسيج وخاصة نسيج الكتاف وتطلق ً‬
‫يأمرىم حبسن عمل الشقة وصفاقتها وهناية طوؽبا اؼبتعارؼ ّٔا وعرضها ودقة غزؽبا‪ ،‬إىل آخر ما ربدث بو عن اؼبوضوع‪.‬‬
‫وكذلك اغبسبة على اػبياطُت فقاؿ‪ :‬يؤمروف ِبودة التفصيل وحسن فتح اعبيب وسعة التخاريص‪ ،‬والتخاريص صبع زبريصة وىو ما زيد ُب عرض‬
‫الثوب ربت كميو‪ ،‬واعتداؿ الكمُت واألطراؼ واستواء الذيل إىل آخر ما ربدث بو عن ذلك قاؿ‪ :‬ومن ذلك ويعترب ا﵀تسب عليهم ما يسرقونو من‬
‫امتعت الناس؛ ألنو نبو رضبو ا﵁ على بعض األمور اليت قد ربصل من بعض اػبياطُت وكبوىم ُب عدـ األمانة مع زبائنهم أو الذين يًتددوف عليهم‬
‫لعمل اػبياطة أو ػبياطة ثياب ؽبم‪ ،‬قاؿ‪ :‬فيعترب ا﵀تسب عليهم ما يسرقونو من أمتعة الناس فمنهم من إذا خاط ثوبًا حر ًيرا وكبوه حشاه وقت كفو‬
‫اسا‪ ،‬ويسرؽ بقدره من الثوب إذا كاف موزونًا عليو ويبنعهم أف يباطلوا الناس خبياطة أمتعتهم باستمرارىم بالًتدد إليهم وحبس األمتعة عنهم‪.‬‬
‫رمبل وأشر ً‬
‫ً‬
‫أيضا الباب اػبامس والعشرين اغبسبة على القطانُت وىم الذين يقوموف بندؼ القطن ويقابلو ُب العصر اغباضر اؼبنجد‪ ،‬قاؿ‪ :‬ال ىبلطوف جديد‬
‫ٍب ً‬
‫مكررا حىت تطَت منو القشرة السوداء واغبب اؼبكسور؛ ألنو إذا بقي فيو اغبب ظهر ُب‬
‫القطن بقديبو وال أضبره بأبيضو وينبغي أف يندؼ القطن ندفًا ً‬
‫وزنو إىل آخر ما ربدث عنو قاؿ‪ :‬وينهاىم ا﵀تسب أف هبلسوا النسواف على أبواب حوانيتهم؛ النتظار فراغ الندؼ وينهاىم عن اغبديث معهن‪ ،‬وال‬
‫يضعوف القطن بعد ندفو ُب مواضع ندية فإف ذلك يزيد ُب وزنو فإذا جف نقص‪ ،‬وىذا تدليس يفعلو الكل كما ذكره اؼبؤلف رضبو ا﵁ قاؿ‪ :‬فيمنعهم‬
‫ا﵀تسب من فعلو وا﵁ أعلم‪.‬‬
‫وكذلك ربدث عن اغبسبة عن الكتانيُت ُب الباب السادس والعشرين وقاؿ‪ :‬الكتاف –قاؿ ا﵀قق أو اؼبعلق‪ -‬نبات تصنع من خيوط أليافو اؼببلبس‪،‬‬
‫واشتهرت مصر بزراعتو وصناعتو من قدًن الزماف‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫أيضا ُب الباب الثامن والعشرين اغبسبة على الصباغُت‪ ،‬قاؿ‪ :‬أكثر صباغي اغبرير األضبر‬
‫أيضا اغبسبة على اغبرريُت‪ُ ،‬ب الباب السابع والعشرين و ً‬
‫و ً‬
‫عوضا عن الفوة وقاؿ‪ :‬الفوة نبات عروقو ضبراء‪ ،‬وكانت تلك العروؽ تستخدـ ُب الصباغة كما‬
‫وغَته من الغزؿ والثياب يصبغوهنا ُب حوانيتهم باغبنة ً‬
‫ذكر ذلك اؼبعلق قاؿ‪ :‬تستخدـ ُب الصباغة‪.‬‬
‫قاؿ‪ :‬وأكثر الصباغُت إذا كاف ُب أياـ اؼبواسم واألعياد وغَتىا من األفراح يغَتوف ثياب الناس ويكروهنا باألجرة ؼبن يلبسها ذلك اليوـ ويتزين ّٔا‪ ،‬وىذه‬
‫أيضا يتفطن لو كل‬
‫أيضا ينبغي أف يتفطن لو ا﵀تسب و ً‬
‫خيانة وعدواف فيمنعهم ا﵀تسب من فعلو ويعترب عليهم ما يفعلونو ويغشونو بو الصبغ‪ ،‬وىذا ً‬
‫أحد دبا يتعلق بالتعامل مع أصحاب اغبرؼ حىت ال ىبدع أو ىبونو صاحب العمل‪ ،‬وُب الباب التاسع والعشرين ربدث عن اغبسبة على األساكفة‪،‬‬
‫جاىبل بالشريعة غَت‬
‫وتكلم أيضا عن اغبسبة على الصيارؼ وقاؿ‪ :‬التعايش بالصرؼ خطر على دين متعاطية بل ال بقاء للدين معو إذا كاف الصَتُب ً‬
‫عامل بأحكاـ الربا فالواجب أال يتعاطاه أحد إال بعد معرفتو بالشرع؛ إذ ذبنب الوقوع ُب ا﵀ظور من أبوابو وعلى ا﵀تسب أف يتفقد سوقهم ويتجسس‬
‫عليهم فإف عثر على من رابا أو فعل ُب الصرؼ ما ال هبوز ُب الشريعة عزره وأقامو من السوؽ‪ ،‬ىذا بعد أف يعرفهم بأصوؿ مسائل الريب‪ ،‬ومر معنا أف‬
‫من درجات االحتساب التعريف فبعد أف يعرفهم بأصوؿ مسائل الربا وأنو ال هبوز ألحد أف يبيع الذىب بالذىب والفضة بالفضة إال مثبل دبثل يدا‬
‫بيد‪ ،‬إىل آخر ما ربدث فيو عن اغبسبة على الصيارؼ‪.‬‬
‫وقاؿ ُب ختاـ ىذا الباب فعلى ا﵀تسب أف يعترب عليهم صبيع ما ذكرناه وما مل نذكره من ىذا الباب؛ ألف اؼبؤلف ‪-‬رضبو ا﵁‪ -‬وغَته من اؼبؤلفُت يذكر‬
‫أمثلة وال يستقصوف صبيع األمثلة و األمثلة اليت تتعلق بالغش والتدليس ال حد ؽبا وال حصر؛ وألهنا تتنوع بتغَت األزماف واألماكن‪.‬‬
‫وكذلك ُب الباب اغبادي والثبلثُت ربدث عن اغبسبة على الصاغة وقاؿ‪ :‬هبب أال يبيعوا أواين الذىب والفضة واغبلي اؼبصوغة إال بغَت جنسها ليحل‬
‫فيها التفاضل‪ ،‬وإف باعها الصائغ ِبنسها حرـ فيو التفاضل والنسا والتفرؽ قبل القبض ؼبا ذكرناه ُب باب الصرؼ‪ ،‬وختم ىذا الباب بقولو‪ :‬فيجب‬
‫على كل مسلم مراقبة ا﵁ ‪ ‬وإف عثر ا﵀تسب بأحد يفعل ىذا غرره وأشهره كما سبق بيانو ُب موضعو‪ ،‬والبد من القياـ بشرع ا﵁ تعاىل وااللتزاـ دبا‬
‫أمر ا﵁ تعاىل بو ورسولو ‪ ،‬وربدث ُب الباب الثاين والثبلثُت عن اغبسبة على النحاسيُت واغبدادين‪ ،‬وُب الباب الثالث والثبلثُت اغبسبة على‬
‫أيضا بُت خطر ىذه اؼبهنة وىذا الفن أو ىذا العلم وقاؿ‪ :‬البيطرة علم جليل سطرتو الفبلسفة ُب‬
‫البياطرة‪ ،‬وربدث حبديث مهم ُب ىذا اؼبوضوع‪ ،‬و ً‬
‫عبلجا من أمراض اآلدميُت؛ ألف الدواب ليس ؽبا نطق تعرب بو عما ذبد من اؼبرض واألمل وإمبا‬
‫كتبهم ووضعوا فيها تصانيف كثَتة وىي أصعب ً‬
‫يستدؿ على عللها باعبس والنظر فيفتقر البيطار إىل حذؽ وبصَتة بعلل الدواب وعبلجها‪ ،‬فبل يتعاطى البيطرة إال من لو دين يصده على التهجم‬
‫أيضا‪ :‬فصل وينبغي للبيطار أف ينظر إىل رسغ‬
‫على الدواب بفصد أو قطع أو كي وما أشبو ذلك بغَت ـبربة فيؤدي إىل ىبلؾ الدابة أو عطبها‪ ،‬وقاؿ ً‬
‫خبَتا بعلل الدواب ودبا ربتاجو إليو وما‬
‫أيضا أف يكوف البيطار ً‬
‫الدابة ويعترب حافرىا قبل تقليمو إىل آخر ما ذكر ُب الرفق بالدابة واغبيواف وقاؿ‪ :‬ينبغي ً‬
‫وبدث فيها من العيوب فَتجع الناس إليو إذا اختلفوا ُب عيب الدابة‪ ،‬وقد ذكر بعض اغبكماء ُب كتاب البيطرة أف علل الدواب ثبلشبائة وعشروف علة‬
‫وذكر صبلة منها رضبو ا﵁ تعاىل‪.‬‬
‫دائما‪ ،‬ومنها مامل يصر عيبًا‬
‫ٍب ختم فقاؿ‪ :‬ويفتقر البيطار إىل ربصيل معرفة عبلجو وسبب حدوث ىذه العلل فمنها ما إذا حدث ُب الدابة صار عيبًا ً‬
‫دائما‪.‬‬
‫ً‬
‫المحاضرة السابعة عشرة‬
‫فصبل فقاؿ‪ :‬ينبغي أف يأمره ا﵀تسب بغسل اغبماـ وكنسها‬
‫أيضا ُب الباب اػبامس والثبلثُت ربدث عن‪ :‬اغبسبة عن اغبمامات وقوامتها‪ ،‬وذكر ً‬
‫و ً‬
‫أيضا‬
‫وتنظيفها باؼباء الطاىر غَت ماء الغسالة أو الغسالة يفعلوف ذلك مر ًارا ُب اليوـ ويدلكوف الببلط بأشياء خشنة إىل آخر ما ربدث بو رضبو ا﵁‪.‬و ً‬
‫أحدا قد كشف عورتو عزره على كشفها؛ ألف كشف العورة حراـ‪ٍ ،‬ب‬
‫قاؿ ويلزـ ا﵀تسب أف يتفقد اغبماـ ُب كل يوـ مر ًارا ويعترب ما قد رأيناه وإف رأى ً‬
‫ربدث ُب الباب السادس والثبلثُت عن اغبسبة على الفصادين واغبجامُت وقاؿ رضبو ا﵁‪ :‬ال يتصدى للفصد إال من اشتهرت دبعرفتو بتشريح األعضاء‬

‫‪46‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫والعروؽ والعضل والشرايُت‪ ،‬وأحاط دبعرفة تركيبها وكيفيتها؛ لئبل يقع اؼببضع ُب عرؽ غَت مقصود أو ُب عضلة أو شرياف ‪ ،‬فيؤدي إىل زمانة العضو‬
‫وىبلؾ اؼبفصود‪.‬‬
‫فكثَت ىلك من ذلك‪ ،‬وقاؿ‪ :‬باعبملة فينبغي للمحتسب أف يأخذ عليهم العهد واؼبيثاؽ أال يُفصدوا ُب عشرة أمزجة وليحذروا فيها حذرا إال بعد‬
‫مشاورة األطباء‪ ،‬وذكر منها‪ :‬قاؿ‪ :‬ىي ُب السن القاصر عن الرابعة عشر وُب سن الشيخوخة وُب األبداف الشديدة القضافة وُب األبداف الشديدة‬
‫أيضا ذكر أف الفصد لو وقتاف‪ :‬وقت اختيار‪ ،‬ووقت اضطرار وفصل القوؿ ُب ذلك‪ ،‬من أراده فليطالعو ُب الكتاب نفسو‪.‬‬
‫السمن إىل آخر ذلك‪ ،‬و ً‬
‫خطرا‬
‫يضا ربدث رضبو ا﵁ تعاىل و أطاؿ ُب اغبديث‪-‬عن ىذا اؼبوضوع‪ ،‬وفصل فيو وفيما يتعلق باغبجامة وقاؿ‪ :‬اغبجامة عظيمة اؼبنفعة وىي أقل ً‬
‫وأ ً‬
‫أيضا ذكر اغبكماء أف اغبجامة تكره ُب أوؿ‬
‫خبَتا بالصناعة فيخف يده ُب الشروط ويستعجل‪ ،‬و ً‬
‫من الفصادة‪ ،‬وينبغي أف يكوف اغبجاـ خفي ًفا رشيقا ً‬
‫الشهر وُب آخره؛ ألف األخبلط ُب أوؿ الشهر ال تكوف قد ربركت وال ىاجت وُب آخره تكوف قد نقصت فبل تفيد اغبجامة شيئًا‪ ،‬وإمبا تستحب‬
‫اغبجامة وسط الشهر إذا تكامل النور ُب جرـ القمر؛ ألف األخبلط تكوف ىائجة واألدمغة تكوف زائدة ُب األقحاؼ‪ ،‬والقحف العظم الذي فوؽ‬
‫أيضا عن منافع اغبجامة‪ٍ ،‬ب ربدث رضبو ا﵁ ُب الباب‬
‫الدماغ من اعبمجمة‪ ،‬قالوا‪ :‬أفضل أوقات اغبجامة الساعة الثانية والثالثة من النهار‪ ،‬وربدث ً‬
‫السابع والثبلثُت عن اغبسبة على األطباء‪ ،‬والكحالُت‪ ،‬وآّربين‪ ،‬واعبرائحيُت وقاؿ‪ :‬الطب علم نظري وعملي أباحت الشريعة علمو وعملو ؼبا فيو من‬
‫حفظ الصحة ودفع العلل واألمراض عن ىذه البنية الشريفة‪ ،‬والطبيب ىو العارؼ بًتكيب البدف ومزاج األعضاء‪ ،‬واألمراض اغبادثة فيها وأسبأّا‬
‫وأعراضها وعبلماهتا واألدوية النافعة فيها‪.‬‬
‫فمن مل يكن كذلك فبل وبل لو مداوة اؼبرضى وال هبوز لو اإلقداـ على عبلج ىباطر فيو وال يتعرض إىل ما مل وبكم علمو من صبيع ما ذكرناه‪ ،‬قاؿ‬
‫أيضا ربدث عن الكحالُت وما هبب ُب‬
‫أيضا‪ :‬وينبغي للطبيب أف يكوف عنده صبيع آالت الطب على الكماؿ وذكر ىذه اآلالت أو صبلة منها‪ ،‬و ً‬
‫ً‬
‫اغبسبة عليهم‪ ،‬وكذلك أيضا عن آّربين وقاؿ‪ :‬ال وبل ألحد أف يتصدى للجرب إال بعد أف وبكم معرفة اؼبقالة السادسة فبا ىو معروؼ لدى أىل‬
‫االختصاص‪ ،‬وكذلك اغبسبة على واعبرائحيُت‪.‬‬
‫ٍب ربدث عن اغبسبة على مؤدب الصبياف‪ ،‬وىذا من أىم اؼبباحث وأىم األبواب ُب ىذا الكتاب؛ ألف اغباجة ماسة إليو عند كثَت فبن يبارسوف‬
‫أيضا‪ ،‬ذلك ُب الباب الثالث والثبلثُت ربدث عن اغبسبة على مؤدب الصبياف قاؿ‪ :‬ال هبوز ؽبم‬
‫التعليم‪ ،‬والتوجيو‪ ،‬والًتبية‪ ،‬وكذلك حىت للوالدين ً‬
‫تعليم اػبط للصبياف ُب اؼبساجد؛ ألف النيب ‪ ‬أمر بتنزيو اؼبساجد من الصبياف وآّانُت؛ ألهنم يسودوف حيطاهنا وينجسوف أرضها؛ إذ ال وبًتزوف من‬
‫أيضا ُب فصل‪ :‬وأوؿ ما ينبغي للمؤدب أف يعلم الصيب‬
‫البوؿ وسائر النجاسات بل يتخذوف للتعليم حوانيت ُب الدروب وأطراؼ األسواؽ‪ ،‬وقاؿ ً‬
‫السور القصار من القرآف بعد حذقو دبعرفة اغبروؼ وضبطها بالشكل ويدرجو بذلك حىت يألفو طبعو‪ٍ ،‬ب يعرفو عقائد أىل السنة واعبماعة‪ٍ ،‬ب أصوؿ‬
‫اغبساب وما يستحسن من اؼبراسبلت واألشعار دوف سخيفها ومسًتذؽبا‪.‬‬
‫نظرا‪ ،‬ومن كاف عمره فوؽ سبع سنُت أمره اؼبؤدب‬
‫وُب الرواح يأمره اؼبؤدب بتجويد اػبط على اؼبثاؿ ويكلفهم عرض ما أمبله عليهم حفظًا غائبًا ال ً‬
‫بالصبلة ُب صباعة؛ ألف النيب ‪ ‬قاؿ‪( :‬علموا صبيانكم الصبلة لسبع واضربوىم علي تركها لعشر) ويأمرىم اؼبؤدب برب الوالدين‪ ،‬واالنقياد ألمرىم‬
‫بالسمع والطاعة‪ ،‬والسبلـ عليهما وتقبيل أيديهما عند الدخوؿ إليهما‪ ،‬ويضرّٔم على إساءة األدب والفحش من الكبلـ وغَت ذلك من األفعاؿ‬
‫أيضا قاؿ ُب فصل ال ينبغي للمؤدب أف يستخدـ أحد‬
‫اػبارجة عن قوؿ الشرع‪ ،‬وذكر صبلة من بعض األمور اليت فيها خروج عن قانوف الشرع‪ ،‬و ً‬
‫الصبياف ُب حوائجو وأشغالو اليت فيها عار على آبائهم كنقل الزبل‪ ،‬وضبل اغبجارة وغَت ذلك‪ ،‬وال يرسلو إىل داره وىي خالية لئبل تتطرؽ إليو التهمة‪،‬‬
‫متأىبل ألنو‬
‫وال يرسل صبيًا مع امرأة ليكتب ؽبا كتابًا وال غَت ذلك؛ فإف صباعة الفساؽ وبتالوف على الصبياف بذلك‪ ،‬ويكوف السائق ؽبم أمينًا ثقة ً‬
‫يتسلم الصبياف ُب الغدو والرواح وينفرد ّٔم ُب األماكن اػبالية ويدخل على النسواف فيلزـ أف يكوف كذلك‪ ،‬وال يعلم مؤدب اػبط امرأة وال جارية؛‬
‫شرا‪ ،‬وإىل آخر ما ربدث بو رضبو ا﵁ تعاىل‪.‬‬
‫ألف ذلك فبا يزيد اؼبرأة ً‬

‫‪47‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫أيضا ربدث ُب الباب التاسع والثبلثُت عن اغبسبة على أىل الذمة‪ ،‬وُب الباب األربعُت وىو الباب األخَت ربدث عن صبل وتفاصيل ُب أمور‬
‫ٍب ً‬
‫اغبسبة‪ ،‬قاؿ رضبو ا﵁‪ :‬الباب األربعوف يشتمل على صبل وتفاصيل ُب أمور اغبسبة وقاؿ رضبو ا﵁‪ :‬قد ذكرنا ىذا الكتاب للحسبة على أرباب الصنائع‬
‫اؼبشهورة ومن كشف غشوشهم وتدليسهم ما فيو الكفاية للمحتسب‪ ،‬وأصل يقيس عليو ما عداه فبا مل نذكره‪ ،‬وسأذكر ُب ىذا الباب تفاصيل صبل‬
‫قد تقدمت ُب ىذا الكتاب‪ ،‬وأذكر ما يلزـ ا﵀تسب فعلو من أمور اغبسبة لصاحل الرعية غَت ما ذكرناه‪.‬‬
‫ضا عن‬
‫وربدث عن ازباذ السوط الذي ال بالغليظ شديد وال بالرقيق اللُت‪ ،‬بل يكوف بُت سوطُت حىت ال يؤمل اعبسم وال ىبشى منو غائلة‪ ،‬وربدث أي ً‬
‫أيضا ربدث عن التعزير فقاؿ‪ :‬التعزيز على قدر أحواؿ الناس وقدر اعبناية فمن الناس‬
‫إقامة اغبد على الزانية والزاين سواء كاف ؿبصنًا أـ غَت ؿبصن‪ ،‬و ً‬
‫من يكوف تعزيره بالقوؿ والتوبيخ‪ ،‬ومنهم من يضرب بالسوط وال يبلغ بو أدىن اغبد‪ ،‬ومنهم من يضرب بالدرة ويلبس الطرطور ومعروؼ عندىم ويركب‬
‫رجبل حامل طبر أو يلعب دبلهاة أو معزفة كالعود والطنبور واؼبزمار عزره‬
‫على صبل أو ضبار‪ ،‬وىذه األمور كانت معروفة ُب وقتهم‪ ،‬وإذا رأى ا﵀تسب ً‬
‫رجبل أجنبيًا مع امرأة أجنبية ُب خلوة أو طريق ويلزـ ا﵀تسب‬
‫على حسب ما يراه من اؼبصلحة ُب حقو بعد إراقة اػبمر وكسر اؼبلهاة‪ ،‬وكذلك إف رأى ً‬
‫منفردا بامرأة ويكلمها ُب غَت‬
‫أف يتفقد اؼبواضع اليت ذبتمع فيها النسواف مثل سوؽ الغزؿ والكتاف وأبواب اغبمامات النساء وغَت ذلك فإف رأى شابًا ً‬
‫معاملة ُب البيع والشراء وينظر اليها عزره ومنعو من الوقوؼ ىناؾ‪ ،‬فكثَت من الشباب أو الشباف اؼبفسدين يقفوف ُب ىذه اؼبواضع وليس ؽبم حاجة إال‬
‫التبلعب على النسواف‪ ،‬وىذا وبصل حىت ُب عصرنا ىذا‪.‬‬
‫ٍب يتفقد ا﵀تسب ؾبالس الوعاظ فبل يدع الرجاؿ ىبتلطوف بالنساء وهبعل بينهم ستارة فإذا انفض آّلس خرج الرجاؿ وذىبوا ُب طريق ٍب زبرج النساء‬
‫ويذىنب ُب طريق آخر‪ٍ ،‬ب إذا وقف الشباب ُب طريقهن لغَت حاجة عزره ا﵀تسب‪ٍ ،‬ب يتفقد اؼبأًب واؼبقابر فإذا ظبع نادبة أو نائحة عزرىا ومنعها‪،‬‬
‫ويبنع ا﵀تسب النساء من زيارة القبور؛ ألف النيب ‪ ‬قاؿ‪( :‬لعن ا﵁ زورات القبور)‪ .‬وإذا خرجت جنازة أمر ا﵀تسب النساء أف يتأخرف عن الرجاؿ وال‬
‫ىبتلطن ّٔم ويبنعهن من كشف رؤوسهن ووجوىهن خلف اؼبيت‪ ،‬ويأمر منادي أف ينادي ُب البلد باؼبنع من ذلك‪ ،‬واألوىل أف يبنعهن من تشيع‬
‫اعبنازة‪ ،‬ومىت ظبع ا﵀تسب امرأة عاىرة أو مغنية استتأّا عن معصيتها فإف عادت عزرىا ونفاىا من البلد وكذلك يصنع باؼبخنثُت واؼبرداف اؼبشهورين‬
‫بالفساد مع الرجاؿ‪.‬‬
‫أيضا من‬
‫وال شك أف ىذه أمور مشروعة ومهمة ومنكرات تقع‪ ،‬ويتحدث عن واجب ا﵀تسب ُب الشرع ُب االحتساب على ىذه األمور ولكن البد ً‬
‫مراعاة الضوابط ومراعاة األنظمة اؼبرعية وما يكوف من التعليمات واللوائح واألنظمة اؼبرعية ُب ىذا الزماف؛ ألف األمور قد جدت وصار ىناؾ‬
‫بصَتا ّٔا وأف يطبقها وفق ما جاءت‪ ،‬وأال‬
‫صبلحيات وتوزعت األمور على بعض اعبهات وىناؾ لوائح وإجراءات هبب على ا﵀تسب أف يكوف ً‬
‫يتجاوز الصبلحيات اؼبمنوحة لو بدعوى أنو يقرأ ُب كتب اغبسبة شيئًا من ذلك‪ ،‬وال شك أف العلماء يتحدثوف حديثًا علميًا ويؤصلوف للمسائل‬
‫أيضا يزيد على ذلك دبعرفة األنظمة اؼبرعية؛ حىت ال‬
‫ويتحدثوف عن ما ىو واقع ُب زماهنم وعلى ا﵀تسب أف يتعلم العلم الشرعي ويتعلم كيف يطبقو و ً‬
‫يتجاوزىا ووبصل اػبلل ُب تطبيق ىذه األوامر الشرعية أو األنظمة اؼبرعية‪.‬‬
‫وكذلك قاؿ رضبو ا﵁‪ :‬يشرؼ ا﵀تسب على اعبوامع واؼبساجد‪ ،‬ويأمر من يقوـ عليها بكنسها كل يوـ وتنظيفها من األوساخ ونفض حصرىا من‬
‫أيضا بأمر الوالة واألمراء باؼبعروؼ فيأمرىم‬
‫أيضا ما يتعلق ً‬
‫الغبار ومسح حيطاهنا وغسل قناديلها إىل آخر ذلك فبا ذبب العناية بو ُب اؼبساجد‪ ،‬كذلك ً‬
‫باؼبعروؼ وينهاىم عن اؼبنكر حبسب ما يتيسر لو‪ ،‬وحبسب مكانتو عند الوالة واألمراء‪ ،‬وعند وعظو وتذكَته يأمرىم بالشفقة على الرعية واإلحساف‬
‫ِ‬ ‫نت فَظِّا َغلِي َ‬
‫ك﴾ ‪.‬أيضا تكلم عن فصل‪ ،‬وقاؿ‪ :‬وما سوى ذلك‬ ‫ضوا ِم ْن َح ْول َ‬ ‫ظ الْ َق ْل ِ‬
‫ب الَنْػ َف ُّ‬ ‫﴿ولَ ْو ُك َ‬
‫إليهم‪ ،‬وهبب أف يكوف ُب كل األحواؿ لينًا رفي ًقا َ‬
‫من أرباب اغبرؼ اؼبذكورة والصنائع اؼبشهورة ُب كتايب ىذا فبل ىبفى على ا﵀تسب كيفية اغبسبة عليهم والتطرؽ إىل كشف تدليسهم فإف ذلك سهل‬
‫يُعرؼ باؼبشاىدة والعياف مثل اغبسبة على البقالُت وباعة اػبضروات فإنو يأمرىم ببيع البقوؿ مغسولة من السرجُت‪ ،‬ومنقاة من اغبشيش والطاقات‬
‫اؼبصفرة‪ ،‬ويأمرىم بقطع شغف أصوؿ اػبس والفجل‪ ،‬وينهاىم عن غسل البصل والثوـ الرطبُت فإف اؼباء يزيدىم زفرة ونتونة وإذا بات ُب دكاكينهم‬
‫شيء من ذلك فبل ىبلطوهنم بالطري اؼبقطوع ُب اليوـ إىل آخر ذلك من األمور اليت تتعلق بالباعة‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫أصوال وقواعد‬
‫قاؿ‪ :‬ولو شرعت أف أذكر صبيع ما ينبغي للمحتسب أف يفعلو من أمور اغبسبة لطاؿ الكتاب ومل يقع عليو حصر‪ ،‬ولكٍت قد وضعت ً‬
‫ؿبظورا ووجب على‬
‫يقيس عليها ا﵀تسب ما هبانسها‪ ،‬ولعمري إف الضابط ُب أمور اغبسبة ىو الشرع اؼبطهر فكل ما هنت الشريعة عنو يكوف ً‬
‫فقيها عاؼبا بأحكاـ‬ ‫ا﵀تسب إزالتو ومنعو من فعلو‪ ،‬وما أباحتو الشريعة أقره على ما ىو عليو؛ وؽبذا ذكرنا ُب أوؿ الكتاب أنو هبب أف يكوف ا﵀تسب‬
‫ً ً‬
‫جاىبل اختلفت عليو األمور ووقع ُب ا﵀ظور‪ ،‬ونسأؿ ا﵁ العوف والعصمة والتوفيق وىو حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬
‫الشريعة‪ ،‬ومىت كاف ا﵀تسب ً‬
‫متطوعا‬
‫ً‬ ‫جهدا ُب بياف أمور ومسائل مهمة وبتاجها ا﵀تسب سواء كاف ؿبتسبًا رظبيًا أو ؿبتسبًا‬
‫وال شك أف اؼبؤلف ‪-‬رضبو ا﵁ تعاىل‪ -‬قد بذلك ً‬
‫وكذلك وبتاجها طالب العلم الشرعي وطالب العلم الذي يتخصص ُب علم الدعوة واغبسبة وبتاج إىل أف يقرأ ىذه الكتب الرصينة‪ ،‬الكتب القيمة‬
‫أيضا األنظمة اؼبرعية وعدـ أخذ األمور حرفيًا‬‫اليت ألفها اؼبتقدموف وبعبارات رصينة وقوية‪ ،‬لكننا نؤكد على أنو هبب مراعاة اؼبصاحل الشرعية‪ ،‬ومراعاة ً‬
‫أو أف ا﵀تسب أو أف طالب العلم يأخذ ىذه اؼبسائل ويطبقها تطبي ًقا حرفيًا دوف أف ينظر إىل األمور الشرعية واألنظمة اؼبرعية؛ ألف مراعاة اؼبفاسد‬
‫واؼبصاحل ومراعاة األنظمة من أىم ما يكوف ومن أىم ما جاء بو الشرع اؼبطهر‪.‬‬
‫المحاضرة الثامنة عشرة‬
‫الكتاب الثالث ‪:‬كتاب( تنبيو الغافلُت عن أعماؿ اعباىلُت وربذير السالكُت من أفعاؿ اؽبالكُت) لئلماـ ؿبيي الدين أيب زكريا أضبد بن إبراىيم بن‬
‫النحاس الدمشقي اؼبتوَب سنة أربع عشرة وشبامبائة للهجرة‪ ،‬وىذا ىو الكتاب بُت أيديكم لتتعرفوا عليو وعلى حجمو‪ ،‬ويقع ىذا الكتاب ُب طبسمائة‬
‫ـبتصرا والشك؛ ألف اغبلقات الثبلث ال يبكننا معها‬
‫ً‬ ‫واثنُت وطبسُت صفحة فهو كتاب كبَت حوى مسائل كثَتة تتعلق باغبسبة‪ ،‬وسيكوف التعريف بو‬
‫أف نستوعب صبيع ما كتبو وذكره اؼبؤلف ُب كتابو ىذا‪ ،‬الكتاب القيم‪.‬‬
‫أما اؼبؤلف عند حديثو عن الكتاب وتعريفو بو فقد قدـ مقدمة بدأىا بالبسملة واالستعانة با﵁ تعاىل واغبمد لو سبحانو ٍب قاؿ بعد أف صلى وسلم‬
‫على النيب ؿبمد ‪ ‬قاؿ‪ :‬أما بعد‪ :‬ففي صحيح مسلم عن سبيم الداري ‪ ‬أف النيب ‪ ‬قاؿ‪( :‬الدين النصيحة) ثبلثًا‪ ،‬قلنا‪ :‬ؼبن يا رسوؿ ا﵁؟ قاؿ‪:‬‬
‫(﵁ ولكتابو ولرسولو وألئمة اؼبسلمُت وعامتهم) ٍب قاؿ رضبو ا﵁‪ :‬وؼبا رأيت ركن األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر قد وىى جانبو‪ ،‬وكثر ؾبانبو‪ ،‬وعزت‬
‫على األكثرين مطالبو‪ ،‬فعز طالبو وتوعرت بعد الشموخ مسالكو واستوحش سالكو واندثرت معامل السنة ورظبها‪ ،‬ومل يبق من حقائقها إال اظبها إىل أف‬
‫نصحا ألمثايل من أىل العصياف‪ ،‬ومن حالو كحايل ُب الغفلة والنسياف وبياف عبمل ذلك من مشوؿ‬ ‫قاؿ‪َّ :‬‬
‫فأف يل أف أعلق أوراقًا ُب ىذا الشأف ً‬
‫وربذيرا الرتكاب ما ىو جدير بسوء اؼبآب‪ ،‬وظبيتو تنبيو الغافلُت عن أعماؿ اعباىلُت وربذير السالكُت من أفعاؿ اؽبالكُت‪ ،‬ورتبتو على سبعة‬
‫ً‬ ‫اإلهباب‬
‫أبواب‪.‬‬
‫وآمل من اؼبستمعُت أف يركزوا على ىذه األبواب ويدركوىا؛ ألف التعريف سيكوف حوؿ ىذه األبواب السبعة‪ ،‬قاؿ‪:‬‬
‫الباب األوؿ‪ُ :‬ب فضل األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر وبياف أنو فرض كفاية وشروط اؼبنكر واؼبنكر ويشتمل على فصوؿ ومسائل‪،‬‬
‫الباب الثاين‪ُ :‬ب كيفية اإلنكار ودرجاتو ويشتمل على فصوؿ ومسائل‪،‬‬
‫الباب الثالث‪ُ :‬ب الًتىيب من ترؾ ما أوجب ا﵁ تعاىل من األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر وذكر بعض ما ورد من التغليظ ُب ذلك والتشديد‪،‬‬
‫وذكر األحواؿ اليت يسقط فيها الوجوب ويبقى االستحباب ويشتمل على فصوؿ ومسائل‪،‬‬
‫الباب الرابع‪ُ :‬ب إٍب من أمر دبعروؼ ومل يفعلو أو هنى عن منكر وىو يفعلو‪،‬‬
‫الباب اػبامس‪ُ :‬ب ذكر صبل من الكبائر والصغائر عصمنا ا﵁ منها‪،‬‬
‫الباب السادس‪ُ :‬ب ذكر أمور هنى النيب عنها ‪،‬‬
‫الباب السابع‪ُ :‬ب ذكر صبل من اؼبنكرات والبدع ا﵀دثات‪،‬‬
‫قاؿ‪ :‬وإىل ا﵁ تعاىل أمد كف الضراعة واالبتهاؿ أال هبعلو حجة علي يوـ قياـ الساعة وظهور األىواؿ‪ ،‬إىل آخر ما ذكر‪ ،‬حىت قاؿ‪ :‬واعتمادي ُب‬
‫اؼبآؿ على من ىو كاُب من توكل عليو وىو حسيب ونعم الوكيل‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫بدأ اؼبؤلف كما ذكر ُب اؼبقدمة‪ :‬بالباب األوؿ ُب فضل األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر‪ ،‬وبياف أنو فرض كفاية وشروط اؼبنكر واؼبنكر‪ ،‬اؼبنِكر‪ :‬ىو‬
‫ُ‬
‫اػب َِت ويأْمرو َف بِالْمعر ِ‬
‫وؼ َويػَْنػ َه ْو َف َع ِن‬ ‫ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫﴿ولْتَ ُكن ّْمْن ُك ْم أ َُّمةٌ يَ ْد ُعو َف إ َىل َْْ َ َ ُ ُ‬
‫ا﵀تسب واؼبُنَكر ىو ا﵀تسب فيو‪ ،‬ويستند على فصوؿ ووسائل قاؿ ا﵁ تعاىل‪َ :‬‬
‫نصَر َّف ا﵁ُ َمن يَ ُ‬
‫نصُرهُ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت لِلن ِ‬
‫َّاس تَ ُأمُرو َف بالْ َم ْعُروؼ َوتَػْنػ َه ْو َف َع ِن الْ ُمْن َك ِر َوتُػ ْؤمنُو َف با﵁﴾ وقاؿ تعاىل‪َ :‬‬
‫﴿ولَيَ ُ‬ ‫ُخ ِر َج ْ‬
‫ٍ‬
‫الْ ُمْن َك ِر﴾ وقاؿ تعاىل‪ُ ﴿ :‬كنْتُ ْم َخْيػَر أ َُّمة أ ْ‬
‫وؼ َونػَ َه ْوا َع ِن الْ ُمْن َك ِر َو﵁ِ َعاقِبَةُ األ ُُموِر﴾‪ .‬واآليات ُب األمر‬ ‫الزَكاةَ وأَمروا بِالْمعر ِ‬
‫َ َُ َ ُْ‬
‫الصبلَةَ َوآتَػ ُوا َّ‬ ‫ين إِف َّم َّكن ُ‬
‫َّاى ْم ُِب األ َْر ِ‬
‫ض أَقَ ُاموا َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫إِ َّف ا﵁َ لَ َق ِو ّّ‬
‫ي َع ِز ٌيز الذ َ‬
‫باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر كثَتة‪.‬‬
‫ناسا قالوا‪ :‬يا رسوؿ ا﵁ ذىب أىل الدثور باألجور‪ ،‬يصلوف كما نصلي‪ ،‬ويصوموف كما نصوـ‪،‬‬
‫وُب صحيح مسلم وغَته عن أيب ىريرة ‪ ‬أف ً‬
‫ويتصدقوف بفضوؿ أمواؽبم‪ ،‬قاؿ‪( :‬أو ليس قد جعل ا﵁ لكم ما تتصدقوف بو؛ إف بكل تسبيحة صدقة‪ ،‬وبكل تكبَتة صدقة‪ ،‬وكل ربميدة صدقة‪،‬‬
‫وكل هتليلة صدقة‪ ،‬وأمر باؼبعروؼ صدقة ‪ ،‬وهني عن اؼبنكر صدقة)‪ ،‬وُب صحيح بالبخاري وجامع الًتمذي عن النعماف بن بشَت ‪-‬رضي ا﵁ عنهما‪-‬‬
‫قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ ا﵁ ‪( :‬مثل القائم على حدود ا﵁ والواقع فيها كمثل قوـ استهموا على سفينة فصار بعضهم أعبلىا وبعضهم أسفلها‪ ،‬فكاف‬
‫صبيعا‬
‫الذين ُب أسفلها إذا استقوا من اؼباء مروا على من فوقهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬لو أنا خرقنا ُب نصيبنا خرقًا فلم نؤذ من فوقنا‪ ،‬فإف يًتكوىم وما أرادوا ىلكوا ً‬
‫صبيعا) فانظر كيف كاف األخذ على أيدي اؼبفسدين واإلنكار عليهم أو منعهم فبا أردوا سببًا لنجاهتم أصبعُت‪.‬‬
‫وإف أخذوا على أيديهم قبوا وقبوا ً‬
‫منكرا فليغَته بيده‪ ،‬فإف مل يستطع فبلسانو‪ ،‬فإف مل يستطع‬
‫ومعلوـ حديث أيب سعيد اػبُدري ‪ ‬قاؿ‪ :‬ظبعت رسوؿ ا﵁ ‪ ‬يقوؿ‪( :‬من رأى منكم ً‬
‫فبقلبو وذلك أضعف اإليباف)‪ ،.‬وأتى بأدلة كثَتة حوؿ األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر‪.‬‬
‫ٍب ختم بفائدة فقاؿ‪ :‬تقدـ قريبًا أف األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر فرض كفاية‪ ،‬وقد قاؿ النووي ‪-‬رضبو ا﵁‪ُ -‬ب زوائد الروضة للقائم بفرض‬
‫الكفاية مزية على القائم بفرض العُت من حيث أنو أسقط اغبرج عن نفسو وعن اؼبسلمُت‪ٍ ،‬ب أتى بفصل فيما يشًتط لوجوب األمر باؼبعروؼ والنهي‬
‫عن اؼبنكر‪ ،‬فقاؿ‪ :‬يشًتط ُب وجوب األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر اإلسبلـ والتكليف واالستطاعة وىذه الشروط متفق عليها‪ ،‬واختلف ُب العدالة‬
‫وإذف اإلماـ أو من أذف اإلماـ على ما سيأٌب إف شاء ا﵁‪.‬‬
‫أيضا حديث عن ذلك ُب‬
‫﴿والَ َذبَ َّس ُسوا﴾ وأتى دبا يتعلق بالتجسس‪ ،‬وسبق ً‬
‫ٍب ذكر ُب الباب الثاين كيفية اإلنكار ودرجاتو‪ ،‬وبدأىا بقولو تعاىل‪َ :‬‬
‫أيضا أتى بفصل لطيف وقاؿ‪ :‬فصل من أقدـ على منكر جاىبل أنو منكر ولو علم أنو منكر رجع عنو هبب أف يعلم بلطف‬
‫ؿباضرات سبقت‪ ،‬لكنو ً‬
‫رجبل مسيئًا ُب‬
‫ورفق وسياسة‪ ،‬وإف علم أنو إذا ظبع الكبلـ لغَته فهم ورجع عن فعلو فينبغي أف ىباطب غَته فبن ال يشق عليو ويسمعو‪ ،‬فلو رأى ً‬
‫صبلتو عبهلو ويعلم من حالو أنو لو علم أف ىذه الصبلة كعدمها مل يرض من نفسو ترؾ الصبلة‪ ،‬قاؿ‪ :‬فصل فإذا كاف الفاعل يقدـ على الفعل مع‬
‫علمو أنو منكر أو بعد تعريفو أنو منكر كالذي يواظب على الغيبة أو أكل اؼبكس أو الربا أو الرشوة مع علمو أنو حراـ ولكن ال يعلم رتبة ربريبو وال ما‬
‫جاء فيو من الوعيد والتهديد فهذا ينبغي أف يوعظ وىبوؼ باألخبار الواردة ُب تلك اؼبعصية ويدرج الكبلـ معو تدرهبا بشفقة ويسر من غَت تعنيف‬
‫وال غضب وال ازدراء‪ ،‬إىل آخر ما قالو رضبو ا﵁‪.‬‬
‫ٍب قاؿ‪ :‬فصل فإف مل يرجع بالوعظ والنصح والتذكَت وعلم إصراره على اؼبعصية واالستهزاء وقلة اؼبباالة والتصريح بعدـ الرجوع فيغلظ لو الكبلـ‬
‫وىبشن عليو لكن من غَت فُحش‪ ،‬وأتى دبسائل عديدة تتعلق باإلنكار على صاحب اؼبعصية إىل أف وصل إىل االستعانة باألعواف وشهر السبلح فبا‬
‫صببل آخر فبا جاء ُب ىذا الكتاب القيم فبا مل يتم التطرؽ‬
‫سبق اغبديث عنو ُب درجات إنكار اؼبنكر‪ ،‬وال داعي إىل اغبديث عن ذلك‪ ،‬ونستعرض ً‬
‫إليو ُب ؿباضرات سبقت ُب ىذا اؼبقرر‪.‬‬
‫أيضا أتى بفصل فيما يتعلق بأف للولد أف يأمر الوالد وينهاه بالوعظ والنصح مع الرفق والتلطف بالكبلـ‪ ،‬وليس لو مقابلة التهديد والضرب وال بالسب‬
‫ً‬
‫صل ُب ىذه اؼبسألة وقد سبق اغبديث عنها كما ال ىبفى عليكم‪،‬‬
‫وزبشُت الكبلـ‪ ،‬وفَ َّ‬
‫الباب الثالث ُب الًتىيب وترؾ ما أوجب ا﵁ تعاىل من األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر‪ ،‬وذكر بعض ما ورد ُب ذلك من التغليظ والتشديد وذكر‬
‫ك ِدبَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫يسى ابْ ِن َم ْرًَنَ ذَل َ‬
‫يل َعلَى ل َساف َد ُاوَد َوع َ‬
‫ين َك َفُروا من بٍَت إ ْسَرائ َ‬
‫األحواؿ اليت يسقط فيها الوجوب ويبقى االستحباب قاؿ ا﵁ تعاىل‪﴿ :‬لُع َن الذ َ‬
‫‪51‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫س َما َكانُوا يػَ ْف َعلُو َف﴾ ‪.‬وىذا غاية التشديد وهناية التهديد ؼبن ترؾ األمر باؼبعروؼ والنهي عن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫اى ْو َف َعن ُّمن َكر فَػ َعلُوهُ لَبْئ َ‬
‫ص ْوا َوَكانُوا يػَ ْعتَ ُدو َف َكانُوا الَ يػَتَػنَ َ‬
‫َع َ‬
‫اؼبنكر‪ ،‬إذ بُت سبحانو أف السبب ُب لعنهم ىو ترؾ التناىي عن اؼبنكر وبُت أف ذلك عصياف منهم واعتداء وأف ذلك بئس الفعل فاعتربوا يا أويل‬
‫﴿وتَػ َع َاونُوا َعلَى الْربّْ َوالتَّػ ْق َوى َوالَ تَػ َع َاونُوا َعلَى ا ِإل ٍِْب َوالْ ُع ْد َو ِاف﴾ والشك أف من رأى أخاه على منكر ومل ينهو فقد أعانو عليو‬
‫األلباب وقاؿ تعاىل‪َ :‬‬
‫بالتخلية بينو وبُت ذلك اؼبنكر وعدـ االعًتاض عليو‪ ،‬وليس ىذا من الدين ُب شيء؛ إذ ال يؤمن الرجل حىت وبب ألخيو ما وبب لنفسو‪ ،‬وإمبا الدين‬
‫النصيحة ومن رأى إنسانًا يهوي ُب النار ومل ينصحو فإف إشبو عليو‪ ،‬إىل آخر ما ربدث بو حوؿ ىذا اؼبوضوع‪.‬‬
‫موصوال عن األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر واألدلة الدالة على ذلك قاؿ‪ :‬تنبيو قد تكوف‬
‫ً‬ ‫ٍب تطرؽ ‪-‬رضبو ا﵁ تعاىل‪ -‬إىل اغبديث وما زاؿ اغبديث‬
‫كثرة رؤية اؼبنكرات مقاـ ارتكأّا ُب سلب القلب نور التمييز واإلنكار؛ ألف اؼبنكرات إذا كثر على القلب ورودىا وتكرر ُب العُت شهودىا ذىبت‬
‫عظمتها من القلوب شيئًا فشيئًا إىل أف يراىا اإلنساف فبل ىبطر ببالو أهنا منكرات‪ ،‬وال يبيز بفكره أهنا معاصي دبا ذكروىا من تأليف القلب ؽبا‪ٍ ،‬ب‬
‫أتى بفصل فقاؿ‪ :‬فصل وخرج الًتمذي وحسنو عن أيب سعيد اػبدري ‪ ‬قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ ا﵁ ‪( :‬ال يبنعن رجل ىيبة الناس أف يقوؿ حبق إذا‬
‫علمو) قلت‪-‬والكبلـ البن النحاس رضبو ا﵁‪ :-‬وىذا اغبديث فيو اغبض على اإلقداـ والشجاعة ُب األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر‪ ،‬وأف يعلم‬
‫أجبل أخره ا﵁‪ ،‬ولن يبنع رزقًا قدره ا﵁ فبل يلتفت إىل ما يلقيو الشيطاف من زبذيلو وقولو‪ :‬ال تتعرض ؽبذا‬
‫اإلنساف يقينًا أف األمر والنهي لن يقدـ ً‬
‫وطبعا اؼبسألة ؽبا تفصيل فيما يتعلق إذا‬
‫نقَتا‪ً ،‬‬
‫فتيبل وال ينقصاف ً‬
‫يضربوؾ ويقتلوؾ وكبو ذلك فإف الضرر وإف قل والنفع وإف جل مقدراف إذ ال يزيداف ً‬
‫خشي على نفسو من الضرر واألذى واغبكم الشرعي ُب االحتساب لكن القاعدة أنو ال يبنع اإلنساف ىيبة الناس واػبوؼ منهم ُب أف يقوـ‬
‫باالحتساب عليهم‪.‬‬
‫أيضا أتى دبسألة فقاؿ‪ :‬فصل إذا علم أف كبلمو ال ينفع وال يفيد قاؿ الغزايل‪ :‬ال هبب عليو اإلنكار لعدـ الفائدة ولكن يستحب إلظهار شعائر‬
‫و ً‬
‫اإلسبلـ وتذكَت الناس بالدين‪ ،‬فإف كاف غالب ظنو أنو ال يفيد‪ ،‬ولكن وبتمل أنو يفيد وىو مع ذلك ال يتوقع مكروىا فقد اختلفوا ُب وجوبو وإف‬
‫أظهروا وجوبو إىل آخر ما ربدث بو الغزايل رضبو ا﵁‪ ،‬ولعل ذلك قد مر معنا ساب ًقا‪.‬‬
‫َّاس بِالِْ ّْرب َوتَػْن َس ْو َف أَنْػ ُف َس ُك ْم َوأَنْػتُ ْم‬
‫ٍب أتى بالباب الرابع‪ُ :‬ب إٍب من أمر دبعروؼ ومل يفعلو‪ ،‬أو هنى عن منكر وىو يفعلو قاؿ ا﵁ تعاىل‪﴿ :‬أَتَأْ ُمُرو َف الن َ‬
‫ند ا﵁ِ أَف تَػ ُقولُوا َما الَ تَػ ْف َعلُو َف﴾ ‪.‬وُب‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َآمنُوا ملَ تَػ ُقولُو َف َما الَ تَػ ْف َعلُو َف ‪َ ‬كبُػَر َم ْقتًا ِع َ‬
‫اب أَفَبلَ تَػ ْعقلُو َف﴾ ‪ .‬وقاؿ سبحانو‪﴿ :‬يَا أَيػُّ َها الذ َ‬
‫ِ‬
‫تَػْتػلُو َف الْكتَ َ‬
‫الصحيحُت عن أسامة بن زيد ‪‬قاؿ‪ :‬ظبعت رسوؿ ا﵁ ‪ ‬يقوؿ‪ُ ( :‬هباء بالرجل يوـ القيامة فيلقى ُب النار فتندلق أقتاب بطنو فيدور ّٔا كما يدور‬
‫اغبمار ُب الرحى فيجتمع عليو أىل النار فيقولوا‪ :‬يا فبلف‪ ،‬مالك؟ أمل تكن تأمرنا باؼبعروؼ وتنهانا عن اؼبنكر؟ فيقوؿ‪ :‬بلى‪ ،‬كنت آمركم باؼبعروؼ وال‬
‫آتيو‪ ،‬وأهناكم عن اؼبنكر وآتيو)‪ ،‬وقولو تندلق أي زبرج‪ ،‬واالندالؽ خروج الشيء من مكانو‪ ،‬يريد خروج أمعائو من جوفو‪ ،‬واألقتاب األمعاء‪ ،‬والشك‬
‫آمرا باؼبعروؼ وال يأتيو أو ناىيًا عن اؼبنكر ويأتيو‪.‬‬
‫أف ىذا أمر ىباؼ منو كل مسلم ىبشى منو على نفسو أف يكوف ً‬
‫ٍب ذكر ‪-‬رضبو ا﵁ تعاىل‪ -‬الباب اػبامس ُب ذكر صبلة من الكبائر والصغائر‪ ،‬وىذا الباب أطاؿ فيو اؼبؤلف ‪-‬رضبو ا﵁‪ -‬كثَتا وقاؿ‪ :‬اعلم وفقنا ا﵁‬
‫فعبل حىت‬
‫وإياؾ الجتناب مناىيو واجتبلب مراضيو‪ ،‬والوقوؼ مع حدود السنة الغراء‪ ،‬واغبفظ من ارتكاب البدع واألىواء أنو ال هبوز للمرء أف ينكر ً‬
‫يعلم أف منكر‪ ،‬وقد سبق معنا أف من شروط ا﵀تسب العلم باؼبنكرات الظاىرة‪ ،‬قاؿ‪ :‬ال هبوز للمرء أف ينكر فع ًبل حىت يعلم أف منكر وال يشًتط ُب‬
‫اؼبنكر أف يكوف عاؼبا بغَته من األحكاـ فرأيت للمتعُت إفراد باب لذكر صبل من الكبائر والصغائر‪ ،‬و أردفو ببابا ـبتصرا فيما هنى عنو ‪ ‬هنيا يقرب‬
‫ً‬
‫التحرًن والكراىة ٍب أردفو بباب فيو ذكر صبل للمنكرات واؼبألوفات والبدع وا﵀دثات كل ذلك على سبيل اإلهباز واالختصار‪ ،‬وردبا أشَت ُب بعضها‬
‫إىل طرؽ من األدلة النبوية؛ ليكوف عدة للمنكر دبا استشكل عليو من الزجر والًتىيب وا﵁ أسأؿ اؽبداية وبو أستعُت‪.‬‬
‫قاؿ رضبو ا﵁‪ :‬اعلم أف العلماء اختلفوا ُب حد الكبَتة وسبييزىا عن الصغَتة فجاء عن ابن عباس ‪-‬رضي ا﵁ عنهما‪ -‬أف كل شيء هنى ا﵁ عنو فهو‬
‫كبَتة‪ ،‬وحكى القاضي عياض ىذا عن ا﵀ققُت؛ ألف كل ـبالفة فهي بالنسبة إىل إجبلؿ ا﵁ تعاىل كبَتة‪ ،‬وضعف الغزايل ُب اإلحياء ىذا القوؿ‪،‬‬

‫‪51‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫وذىب صباىَت العلماء إىل انقساـ اؼبعاصي إىل كبائر وصغائر وىو الصحيح لقولو تعاىل‪﴿ :‬إِف َْذبتَنِبُوا َكبَائَِر َما تػُْنػ َه ْو َف َعْنوُ نُ َكف ّْْر َعْن ُك ْم َسيّْئَاتِ ُك ْم‬
‫َونُ ْد ِخ ْل ُكم ُّم ْد َخبلً َك ِريبًا﴾ ‪.‬ولقولو ‪( :‬الصلوات اػبمس واعبمعة إىل اعبمعة كفارة ؼبا بينهن ما مل تغش الكبائر) ‪.‬‬
‫وُب معناه أحاديث كثَتة‪ٍ ،‬ب اختلف ىؤالء ُب ضبط الكبائر وحدىا؛ لتتميز عن الصغَتة‪ ،‬روى ابن عباس رضي ا﵁ عنهما الكبائر كل ذنب ختمو ا﵁‬
‫بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب‪ ،‬وعن ابن عباس معناه وقيل‪ :‬إف كل ما أوجب ا﵁ عليو النار ُب اآلخرة واغبد ُب الدنيا‪ ،‬وقيل‪ :‬إنو ىو كل ذنب‬
‫أوعد ا﵁ عليو النار قالو اغبسن وسعيد وابن الزبَت وؾباىد والضحاؾ‪ ،‬وُب رواية حكى القاضي حسُت واغبليمي قاؿ‪ :‬حد الكبَتة ىو كل ؿبرـ بعينو‬
‫منهي عنو ؼبعٌت ُب نفسو فتعاطيو كبَتة وتعاطيو على وجو هبمع وجهُت أو وجوه من التحرًن؛ ليكوف فاحشة والفاحشة أعظم من الزىن ومثالو أف الزىن‬
‫كبَتة فإذا زىن حبليلة جاره يكوف فاحشة ولذلك عدىا النيب ‪ ‬من أكرب الكبائر‪.‬‬
‫المحاضرة التاسعة عشرة‬
‫حد الصغَتة فبا كتبو ابن النحاس ُب كتابو تنبيو الغافلُت‪.‬قاؿ‪ :‬والصغَتة حدىا تعاطي ما تنقص رتبتو عن رتبة اؼبنصوص عليو‪ ،‬أو تعاطيو على وجو‬
‫اؼبنصوص عليو وال يستوُب معٌت اؼبنصوص عليو فيكوف صغَتة‪ ،‬فتعاطيو على وجو هبمع وجهُت أو وجوه ُب التحرًن يكوف كبَتة ومثل لذلك أمثلة‪،‬‬
‫قاؿ‪ :‬وقاؿ النووي ُب الروضة ُب حد الكبَتة أوجو‪:‬‬
‫األوؿ‪ :‬أهنا اؼبعصية اؼبوجبة للحد‬
‫الثاين‪ :‬أهنا ما غبق صاحبها وعيد شديد بنص كتاب أو سنة وىذا أكثر ما وجد ؽبم وىو إىل ترجيح األوؿ أميل‪ ،‬لكن الثاين أوثق ؼبا ذكروه عند‬
‫تفصيل الكبائر‪،‬‬
‫الثالث‪ :‬كل فعل نص الكتاب على ربريبو أو وجب ُب جنسو حد من قتل أو غَته كًتؾ فريضة ذبب على الفور‪ ،‬والكذب ُب الشهادة والرواية على‬
‫ما ذكروه انتهى‪.‬‬
‫وقاؿ ابن النحاس ‪-‬رضبو ا﵁‪ :-‬واعلم أف الصغائر ال مطمع ُب حصرىا‪ ،‬أما الكبائر فاػببلؼ ُب حصرىا منتشر جدا‪ ،‬وىي على كبَتة وأكرب منها‪،‬‬
‫جبل سأؿ ابن عباس ‪-‬رضي ا﵁‬
‫وؽبذا جاء ؼ اغبديث‪( :‬إف من أكرب الكبائر كذا‪ ،‬وإف من الكبائر كذا) كما سيأٌب‪ ،‬وقد روى سعيد بن جبَت أف ر ً‬
‫عنهما‪ :-‬كم الكبائر؟ أسبع؟ فقاؿ‪ :‬ىي إىل سبعمائة أقرب منها إىل سبع‪ ،‬غَت أنو ال كبَتة مع استغفار وال صغَتة مع إصرار‪ ،‬ومعناه أف الصغَتة إذا‬
‫أصر اؼبرء عليها صارت كبَتة‪ ،‬وسيأٌب الكبلـ ُب حد اإلصرار إف شاء ا﵁ تعاىل كما ذكر ابن النحاس رضبو ا﵁‪.‬‬
‫قاؿ‪ :‬وىا أنا أذكر لك من الكبائر ما ذكره الرافعي‪ ،‬والنووي‪ ،‬وابن الرفعة وغَتىم‪ ،‬وأتى ِبملة كبَتة من الكبائر وربدث عنها ‪-‬رضبو ا﵁ تعاىل‪ ،-‬وقد‬
‫أتى ِبملة من الكبائر‪ ،‬وأتى بشيء من األدلة عليها فقاؿ‪ :‬فمنها الشرؾ با﵁ وىو أعظمها قاؿ ا﵁ تعاىل‪﴿ :‬إِنَّوُ َمن يُ ْش ِرْؾ بِا﵁ِ فَػ َق ْد َحَّرَـ ا﵁ُ َعلَْي ِو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اعبنَّةَ ومأْواه النَّار﴾ ‪.‬ومنها قتل النفس اليت حرـ ا﵁ بغَت حق لقولو تعاىل‪﴿ :‬ومن يػ ْقتل مؤِمنا ُّمتػع ّْمدا فَجزاؤه جهن ِ ِ‬
‫ب ا﵁ُ َعلَْيو َولَ َعنَوُ‬ ‫َّم َخال ًدا ف َيها َو َغض َ‬ ‫َ َ َ ُ ْ ُ ْ ً َ َ ً ََ ُُ َ َ ُ‬ ‫َْ َ َ َ ُ ُ‬
‫ِ‬
‫دما حر ًاما)‬ ‫يما﴾ ‪.‬وُب صحيح البخاري عن ابن عمر ‪‬قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ ا﵁ ‪( :‬لن يزاؿ اؼبرء ُب فسحة من دينو ما مل يصب ً‬ ‫َوأ ََع َّد لَوُ َع َذابًا َعظ ً‬
‫وُب صحيح مسلم عن عبد ا﵁ بن عمرو رضي ا﵁ عنهما قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ ا﵁ ‪( :‬لزواؿ الدنيا أىوف على ا﵁ من قتل رجل مسلم)‪.‬وبسن التنبيو‬
‫إىل خطورة قتل النفس اليت حرـ ا﵁ بغَت حق وإىل التساىل الذي وبصل ُب ىذا العصر من بعض الذين يتشددوف أو يكفروف أو يفجروف أو يغلوف‬
‫ُب الدين فإهنم يقعوف ُب منكرات عظيمة ومن أعظمها قتل النفس اليت حرـ ا﵁ تعاىل‪ ،‬والشك أف الواجب اغبذر من ذلك‪ ،‬وىذه النفس اؼبعصومة‬
‫طبعا بضوابط النفس بالنفس والتارؾ لدينو اؼبفارؽ للجماعة‪ ،‬قاؿ‪( :‬ال وبل دـ امرئ مسلم إال بإحدى‬
‫ىي النفس اؼبسلمة كما جاء ُب اغبديث‪ً ،‬‬
‫أيضا فبا وبصل التساىل فيو‪،‬‬
‫أيضا ال هبوز قتل اؼبعاىدين اؼبستأمنُت فهذا ً‬
‫ثبلث‪ :‬النفس بالنفس‪ ،‬والثيب الزاين‪ ،‬والتارؾ لدينو اؼبفارؽ للجماعة)‪ ،‬و ً‬
‫والواجب اغبذر كل اغبذر من الوقوع ُب ىذا اؼبنكر العظيم الشنيع فبا انتشر ُب ىذا الزمن لؤلسف الشديد‪.‬‬
‫الزىن إِنَّو َكا َف فَ ِ‬
‫اح َشةً َو َساءَ َسبِيبلً﴾ ‪.‬وُب الصحيحُت عن أيب ىريرة ‪ ‬أف رسوؿ ا﵁ ‪‬‬ ‫﴿والَ تَػ ْقَربُوا ّْ َ ُ‬
‫قاؿ رضبو ا﵁ تعاىل‪ :‬ومنها الزنا‪ ،‬قاؿ ا﵁ تعاىل‪َ :‬‬
‫قاؿ‪( :‬ال يزين الزاين حُت يزين وىو مؤمن)‪ٍ ،‬ب أتى دبسألة تتعلق بالزىن‪ ،‬قاؿ‪ :‬واعلم أف زىن الشيخ أقبح وأفحش وأعظم عند ا﵁ من زىن الشاب؛‬

‫‪52‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫أيضا قاؿ‪ :‬ومنها اللواط قاؿ‪ :‬وُب النسائي‬


‫وليس معٌت ذلك التساىل ُب زىن الشاب لكن اؼبقصود ُب عظم اعبرـ وعظم الكبَتة؛ ألف الكبائر تتفاوت ً‬
‫وصحيح ابن حباف عن ابن عباس ‪-‬رضي ا﵁ عنهما‪ -‬عن النيب ‪ ‬قاؿ‪( :‬لعن ا﵁ من عمل عمل قوـ لوط‪ ،‬لعن ا﵁ من عمل عمل قوـ لوط‪ ،‬لعن‬
‫ا﵁ من عمل عمل قوـ لوط)‪.‬‬
‫ٍب قاؿ‪ :‬واعلم أف ا﵁ سبحانو لن هبمع على أمة من األمم من أنواع العقوبات ما صبع على اللوطية فإنو سبحانو طمس أبصارىم‪ ،‬وسود وجوىهم‪،‬‬
‫وأمر جربيل ‪ ‬أف يقتلع قراىم من أصلها‪ٍ ،‬ب يقلبها عليهم فجعل عاليها سافلها‪ٍ ،‬ب خسف ّٔم‪ٍ ،‬ب أمطر عليهم حجارة من السماء‪ ،‬وىذه‬
‫العق وبات لن هبمعها على أمة غَتىم لشدة ىذا الذنب العظيم وفحشو وقبحو وشدة غضب ا﵁ على أىلو ومقتو ؽبم وقد أصبع الصحابة على قتل‬
‫فاعلو وإف تنوعت آراؤىم ُب كيفية قتلو؛ فحرقو خالد بن الوليد ‪ ‬بأمر أيب بكر الصديق ‪ ،‬وقاؿ ابن عباس‪ :‬ينظر أعلى بناء ُب القرية فيلقى منو‬
‫ٍب يتبع باغبجارة‪ ،‬وقد رجم أبو الدرداء لوطيًا‪ ،‬وحرؽ الزبَت آخر كما فعل خالد بن الوليد‪.‬‬
‫قاؿ‪ :‬ومنها شرب اػبمر ولو قطرة واحدة‪ ،‬ففي صحيح مسلم عن ابن عمر ‪-‬رضي ا﵁ عنهما‪ :-‬قاؿ‪( :‬من شرب اػبمر ُب الدنيا ٍب مل يتب منها‬
‫حرمها ُب اآلخرة) قاؿ اػبطايب رضبو ا﵁‪ :‬وىذا وعيد بأنو ال يدخل اعبنة ال ألف من دخل اعبنة ال وبرـ شرّٔا‪ ،‬وليس معٌت عدـ دخولو اعبنة أنو ال‬
‫يدخل اعبنة البتة أو أنو ىبلد ُب النار؛ ألف من اؼبعلوـ أف من عقيدة أىل السنة واعبماعة أهنم ال يكفروف مرتكب الكبَتة وال ىبلدونو ُب النار فوجب‬
‫وعارا وُب صحيح مسلم عن أيب ىريرة ‪ ‬قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ ا﵁ ‪( :‬لعن ا﵁‬
‫التنبيو على ذلك ألنبيتو وعظيم شأنو‪ ،‬قاؿ‪ :‬ومنها السرقة وكفى ّٔا إشبًا ً‬
‫السارؽ يسرؽ البيضة فتقطع يده‪ ،‬ويسرؽ اغببل فتقطع يده)‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات لُعِنُوا ُِب ُّ‬ ‫ومنها القذؼ‪ :‬قاؿ ا﵁ تعاىل‪﴿ :‬إِ َّف الَّ ِذين يػرمو َف الْمح ِ ِ ِ‬
‫ت الْمؤِمنَ ِ‬
‫يم﴾ وقاؿ رضبو ا﵁‪ :‬قلت‪:‬‬ ‫الدنْػيَا َواآلَخَرةِ َوَؽبُ ْم َع َذ ٌ‬
‫اب َعظ ٌ‬ ‫صنَات الْغَافبلَ ُ ْ‬
‫َ َْ ُ ُ ْ َ‬
‫فبا يتساىل بو كثَت من اعبهاؿ من الرجاؿ والنساء قوؿ بعضهم لعبده‪ :‬يا ـبنث ويعٍت بو اؼبعٌت الفاحش‪ ،‬أو عباريتو‪ :‬يا قحبة يا زانية‪ ،‬أو ما أشبو‬
‫ذلك‪ ،‬أكرمكم ا﵁‪ ،‬والشك أف ىذا أمر خطَت ُب شرع ا﵁ تعاىل‪ ،‬وهبب توقيو واغبذر منو‪.‬‬
‫قاؿ‪ :‬ومنها شهادة الزور‪ ،‬وُب الصحيحُت عن أنس ‪ ‬قاؿ‪ :‬ذكر رسوؿ ا﵁ ‪ ‬الكبائر فقاؿ‪( :‬الشرؾ با﵁‪ ،‬وعقوؽ الوالدين‪ ،‬وقتل النفس) وقاؿ‪:‬‬
‫(أال أنبئكم بأكرب الكبائر؟ قوؿ الزور أو قاؿ‪ :‬شهادة الزور)‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬غصب اؼباؿ‪ ،‬وُب صحيح مسلم عن أيب ذر ‪ ‬عن النيب ‪ ‬فيما يروي عن ربو تبارؾ وتعاىل أنو قاؿ‪( :‬يا عبادي إين حرمت الظلم على‬
‫﴿وَمن يػُ َوّْؽبِ ْم يػَ ْوَمئِ ٍذ ُدبػَُرهُ إِالَّ ُمتَ َحّْرفًا لِّْقتَ ٍاؿ أ َْو ُمتَ َحيّْػًزا إِ َىل فِئَ ٍة‬
‫ؿبرما؛ فبل تظاؼبوا)‪.‬قاؿ‪ :‬ومنها الفرار من الزحف‪ ،‬قاؿ ا﵁ تعاىل‪َ :‬‬ ‫نفسي‪ ،‬وجعلتو بينكم ً‬
‫ومنها‪:‬‬ ‫صَتُ﴾ وتقدـ ذكره ُب السبع اؼبوبقات‪.‬‬ ‫ب ّْمن ا﵁ِ ومأْواه جهنَّم وبِْئس الْم ِ‬ ‫فَػ َق ْد بَاء بِغَ َ ٍ‬
‫ض َ ََ َ ُ َ َ ُ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ب ّْم َن ا﵁ِ َوَر ُسولِِو﴾ ‪.‬وُب‬ ‫ُت ‪ ‬فَِإف َّمل تَػ ْفعلُوا فَأْ َذنُوا ِحبَر ٍ‬
‫ْ‬ ‫ْ َ‬
‫ِِ‬ ‫ين َآمنُوا اتػَّ ُقوا ا﵁َ َو َذ ُروا َما بَِق َي ِم َن ّْ‬
‫الربَا إِف ُكْنتُم ُّم ْؤمن َ‬
‫َّ ِ‬
‫أكل الربا قاؿ ا﵁ تعاىل‪﴿ :‬يَا أَيػُّ َها الذ َ‬
‫صحيح مسلم‪ :‬لعن رسوؿ ا﵁ ‪ ‬آكل الربا وموكلو وكاتبو وشاىديو وقاؿ‪( :‬ىم سواء)‪ .‬واألحاديث ُب الًتىيب من الربا كثَتة معلومة‪.‬قاؿ‪ :‬ومنها‬
‫صلَ ْو َف َسعِ ًَتا﴾ ومنها عقوؽ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ين يَأْ ُكلُو َف أ َْم َو َاؿ الْيَتَ َامى ظُْل ًما إَِّمبَا يَأْ ُكلُو َف ُِب بُطُوهن ْم نَ ًارا َو َسيَ ْ‬‫أكل ماؿ اليتيم بغَت حق وا﵁ تعاىل يقوؿ‪﴿ :‬إ َّف الذ َ‬
‫الوالدين‪ ،‬وُب صحيح البخاري قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ ا﵁ ‪( :‬أكرب الكبائر اإلشراؾ با﵁ وعقوؽ الوالدين وقتل النفس واليمُت الغموس)‪.‬ومنها‪ :‬قطع‬
‫ض وتُػ َقطّْعوا أَرحام ُكم‪ ‬أُوٰلَئِ َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫ص َارُى ْم ﴾‬ ‫َص َّم ُه ْم َوأ َْع َم ٰى أَبْ َ‬‫ين لَ َعنَػ ُه ُم اللَّوُ فَأ َ‬‫ك الذ َ‬ ‫َ‬ ‫الرحم‪ ،‬قاؿ ا﵁ تعاىل‪﴿ :‬فَػ َه ْل َع َسْيتُ ْم إف تَػ َولْيتُ ْم أَف تُػ ْفس ُدوا ُب األ َْر ِ َ ُ ْ َ َ ْ‬
‫‪.‬وقاؿ رسوؿ ا﵁ ‪( :‬الرحم متعلقة بالعرش تقوؿ‪ :‬من وصلٍت وصلو ا﵁‪ ،‬ومن قطعٍت قطعو ا﵁) ‪ .‬ومنها الكذب على رسوؿ ا﵁ ‪ ،‬وُب‬
‫الصحيحُت عن أيب ىريرة ‪ ‬قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ ا﵁ ‪( :‬من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)‪ .‬ومنها كتم الشهادة ببل عذر‪ ،‬قاؿ ا﵁‬
‫﴿وَمن يَكْتُ ْم َها فَِإنَّوُ ِآٍبٌ قَػ ْلبُوُ﴾ ومنها‪ :‬اليمُت الغموس‪ ،‬ففي الصحيحُت عن ابن مسعود ‪ ‬قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ ا﵁ ‪( :‬من حلف على ماؿ‬ ‫تعاىل‪َ :‬‬
‫امرئ مسلم بغَت حق لقي ا﵁ وىو عليو غضباف) قاؿ عبد ا﵁‪ٍ :‬ب قرأ علينا رسوؿ ا﵁ ‪ ‬مصداقو من كتاب ا﵁ ‪﴿ :‬إِ َّف الَّ ِذين ي ْشتػرو َف بِعه ِد ا﵁ِ‬
‫َ َ َُ َ ْ‬
‫َوأَْيبَاهنِِ ْم َشبَنًا قَلِيبلً‪ ﴾...‬اآلية‬

‫‪53‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫ين إِذَا ا ْكتَالُوا َعلَى الن ِ‬ ‫ّْف َّ ِ‬


‫ِ‬
‫َّاس يَ ْستَػ ْوفُو َف﴾‪ .‬وُب‬ ‫﴿ويْ ٌل لّْْل ُمطَف َ‬
‫ُت الذ َ‬ ‫ومنها الفطر ُب رمضاف ببل عذر‪.‬ومنها اػبيانة ُب كيل أو وزف أو ذرع‪ ،‬قاؿ ا﵁ تعاىل‪َ :‬‬
‫الصحيحُت عن أيب ىريرة ‪ ‬قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ ا﵁ ‪( :‬آية اؼبنافق ثبلث‪ :‬إذا حدث كذب‪ ،‬وإذا وعد أخلف‪ ،‬وإذا ائتمن خاف) زاد مسلم ُب‬
‫رواية‪( :‬وإف صلى وصاـ وزعم أنو مسلم)‪.‬‬
‫ُت كِتَابًا َّم ْوقُوتًا﴾ وقاؿ تعاىل‪﴿ :‬فَػ َويْ ٌل‬‫ِِ‬
‫ت َعلَى الْ ُم ْؤمن َ‬ ‫ومنها تقدًن الصبلة عن وقتها أو تأخَتىا عن وقتها ببل عذر‪ ،‬قاؿ ا﵁ تعاىل‪﴿ :‬إِ َّف َّ‬
‫الصبلَةَ َكانَ ْ‬
‫اىو َف﴾ روى صباعة عن سعد بن أيب وقاص ‪ ‬أهنم الذين يؤخروف الصبلة عن وقتها‪.‬‬ ‫لّْْلمصلُّْت الَّ ِذين ىم عن ِِ‬
‫صبلَهت ْم َس ُ‬
‫ُ َ َ َ ُْ َ َ‬
‫ومنها وىذه ينبغي أف نتنبو ؽبا؛ ألهنا ربصل من اإلنساف أحيانًا دوف أف يشعر أو دوف أف يعلم خطورة األمر‪ -‬ومنهاضرب اؼبسلم ببل حق‪ ،‬وكذلك‬
‫عن أيب أمامة ‪ ‬قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ ا﵁ ‪( :‬من جرد ظهر مسلم بغَت حق لقي ا﵁ وىو عليو غضباف)‪.‬‬
‫ومنها سب الصحابة رضي ا﵁ عنهم‪ ،‬وقد نقل غَت واحد من األئمة اإلصباع على تكفَت من سب أـ اؼبؤمنُت عائشة رضي ا﵁ عنها‪ ،‬واختلف‬
‫العلماء ُب تكفَت من سب أيب بكر وعمر رضي ا﵁ عنهما وكذلك فيمن سب غَتنبا من الصحابة رضي ا﵁ عنهم‪ ،‬واألقواؿ ُب ذلك كثَتة جدا‪،‬‬
‫واغباصل منها أف الساب دائر بُت ارتكاب كفر أو كبَتة من الكبائر‪ ،‬نسأؿ ا﵁ تعاىل اغبفظ من أسباب سخطو وموجبات عذابو‪.‬ومنها أخذ الرشوة‬
‫ُب اغبكم وإف كاف حبق‪ ،‬روى أبو داود والًتمذي وصححو ابن حباف ُب صحيحو واغباكم عن ابن عمر رضي ا﵁ عنهما أف رسوؿ ا﵁ ‪ :‬لعن‬
‫الراشي واؼبرتشي‪ .‬وروى أضبد عن ثوباف ‪ ‬قاؿ‪ :‬لعن رسوؿ ا﵁ ‪ ‬الراشي واؼبرتشي‪ ،‬والرائش‪ ،‬يعٍت الذي يبشي بينهما‪.‬ومنها الدياثة‪ ،‬وىي أف يقر‬
‫أىلو على الفساد وقد تقدـ ُب العقوؽ‪( :‬ثبلث حرـ عليهم اعبنة‪ :‬مدمن اػبمر‪ ،‬والعاؽ‪ ،‬والديوث) الذي يقر اػببث ُب أىلو‪.‬ومنها القوادة؛ وىي‬
‫اعبمع بُت رجل وامرأة أجنبية سواء كاف اعبامع رجل أو امرأة‪.‬‬
‫ضةَ َوالَ يػُْن ِف ُقونػَ َها ُِب َسبِ ِيل ا﵁ِ فَػبَش ّْْرُى ْم‬
‫ب َوالْ ِف َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ين يَكْنُزو َف الذ َى َ‬
‫ومنها السعاية عند السلطاف ؼبضرة مسلم‪ .‬ومنها منع الزكاة‪ ،‬قاؿ ا﵁ تعاىل‪ِ َّ :‬‬
‫﴿والذ َ‬‫َ‬
‫ورُى ْم﴾ ‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ٍ ٍِ‬
‫اى ُه ْم َو ُجنوبػُ ُه ْم َوظُ ُه ُ‬
‫َّم فَػتُك َْوى َّٔا جبَ ُ‬
‫ب َع َذاب أَليم ‪ ‬يػَ ْوَـ ُْوب َمى َعلَْيػ َها ُب نَار َج َهن َ‬
‫ومنها نسياف القرآف بعد تعلمو‪ ،‬وىذا قد ورد فيو بعض األحاديث‪ ،‬منها‪( :‬ما من امرئ يقرأ القرآف ٍب ينساه إال لقي ا﵁ تعاىل وىو أجذـ) قاؿ ابن‬
‫العريب‪ :‬معناه أف يلقى ا﵁ تعاىل خاؿ اليد عن اػبَت كل باليد عما ربويو اليد‪ ،‬وقاؿ آخر‪ :‬معناه ال حجة لو‪.‬‬
‫اضا عن القرآف وعدـ‬
‫وىذه مسألة ليست على إطبلقها وينبغي عدـ التشدد فيها وىي نسياف القرآف بعد تعلمو‪ ،‬وينظر إىل التفصيل فيها ىل نسيو إعر ً‬
‫اىتماـ بو أو نسيو الشتغالو بأمور مهمة من أمور دينية أو دنيوية؟ إىل آخر ذلك‪.‬‬
‫قاؿ ومنها‪ :‬إحراؽ اغبيواف بالنار‪ ،‬قاؿ بعض العلماء‪ :‬ولو كاف قملة أو برغوثًا أو غَتنبا‪.‬ومنها –وىذا من أىم ما يكوف ويتعلق دبوضع الدراسة‪ -‬ترؾ‬
‫َس ِمن َّرْو ِح ا﵁ِ إِالَّ الْ َق ْوُـ الْ َكافُِرو َف﴾ ‪.‬ومنها‬ ‫ِ‬
‫األمر باؼبعروؼ والنهي عن اؼبنكر مع القدرة‪ ،‬قاؿ‪ :‬ومنها اليأس من رضبة ا﵁‪ ،‬قاؿ ا﵁ تعاىل‪﴿ :‬إنَّوُ الَ يػَْيأ ُ‬
‫اػب ِ‬ ‫ِ‬
‫اسُرو َف﴾ ‪ ،‬وذكر صبلة من الكبائر ومنها ومن أعظمها وأشدىا وىي من السبع‬ ‫األمن من مكر ا﵁‪ ،‬قاؿ تعاىل‪﴿ :‬فَبلَ يَأْ َم ُن َمكَْر ا﵁ إِالَّ الْ َق ْوُـ َْ‬
‫اؼبوبقات‪ :‬السحر‪ ،‬ومعلوـ أنو إحدى السبع اؼبوبقات‪.‬وقاؿ‪ :‬ومنها وطء امرأتو ُب اغبيض‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬النميمة‪ :‬قاؿ‪( :‬ال يدخل اعبنة مباـ) رواه البخاري ومسلم عن حذيفة ‪.‬‬
‫وربدث ‪-‬رضبو ا﵁‪ٍ -‬ب قاؿ‪ :‬فصل ىذه صبلة ما أعده الرافعي والنووي من دفعة من الكبائر‪ ،‬وىا أنا أذكر صبلة منها ذاىب فيها إىل ما اختاره صبلة‬
‫من العلماء أف كل ذنب جاء فيو وعيد شديد أو لعن فهو كبَتة‪.‬‬
‫وذكر من الكبائر اليت ذكرىا رضبو ا﵁‪ ،‬غَت ما ذكره أو نقلو عن الرافعي والنووي وغَتنبا‪ ،‬قاؿ‪ :‬فمنها الغيبة وىو الداء العضاؿ والسم الذي ىو أحلى‬
‫َح ُد ُك ْم أَف يَأْ ُك َل َغبْ َم أ َِخ ِيو َمْيتًا فَ َك ِرْىتُ ُموهُ﴾ وأتى بأدلة حوؿ ربرًن‬
‫بأَ‬
‫ُب النفس من اؼباء الزالؿ‪ ،‬وقد قاؿ ا﵁ تعاىل‪﴿ :‬والَ يػ ْغتب بػَّعض ُكم بػعضا أ ُِ‬
‫َوب ُّ‬ ‫َ َ َ ْ ُ َْ ً‬
‫أيضا إىل أف الغيبة اعلم أف الغيبة كما قاؿ النيب ‪( :‬ىي أف تذكر أخاؾ دبا يكره) دبا يكره لو ظبعو‪ ،‬وإصباع األئمة على ىذا‬ ‫الغيبة وخطرىا‪ ،‬ونبو ً‬
‫سواء ذكرت شيئا ُب بدنو كقولك‪ :‬أعمش أحوؿ إىل آخره‪ ،‬أو ذكرت شيئا ُب نسبو‪ ،‬كقولك‪ :‬كاف أبوه فاسقا أو مكاسا أو زباال إىل آخره‪ ،‬أو‬

‫‪54‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫كذكر شيئا ُب خلقو كقولك‪ :‬سيئ اػبلق‪ ،‬متكرب‪ ،‬أضبق‪ ،‬إىل آخره‪ ،‬كل ىذه‪ ،‬قاؿ‪ :‬فكل ىذا وأشباه وإف كنت صادقًا؛ فأنت بو مغتاب وعاص‬
‫لربك وآكل غبم أخيك‪.‬‬
‫أيضا ربدث عن الغيبة كما أهنا تكوف باللساف كذلك قد تكوف بالتعريض‪ ،‬والتعريض ُب بعض األمور يكوف كالتصريح قاؿ رضبو ا﵁‪ :‬تنبيو‪ ،‬واعلم أنو‬
‫و ً‬
‫كما وبرـ عليك أف ربدث غَتؾ دبساوئ اإلنساف‪ ،‬كذلك وبرـ عليك أف ربدث نفسك بذلك وتسيء الظن بو‪ ،‬ويفضل اػبواطر وحديث النفس‬
‫نفورا مل يعهده وتستثقلو وتنفر عن مراعاتو وتفقده وإكرامو واالىتماـ‬ ‫بذلك وإمبا ا﵀رـ عقد الظن‪ ،‬وعبلمتو أف يتغَت القلب عما كاف عليو‪ ،‬وينفر عنو ً‬
‫﴿اجتَنِبُوا َكثِ ًَتا ّْم َن الظَّ ّْن﴾ وقاؿ ‪( :‬إياكم والظن فإف الظن أكذب‬
‫بشأنو فهذه كلها من عبلمات عقد الظن وربقيقو وىو حراـ‪ ،‬قاؿ ا﵁ تعاىل‪ْ :‬‬
‫أيضا عدـ االستنزاه من البوؿ‪ ،‬وقد بوب البخاري ‪-‬رضبو ا﵁‪ُ -‬ب صحيحو بابًا من‬ ‫اغبديث)‪.‬قاؿ‪ :‬ومنها البهت وىو ذكرؾ أخاؾ دبا ليس فيو‪.‬و ً‬
‫الكبائر أال يستًت من بولو‪ ،‬وعن أيب ىريرة ‪‬قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ ا﵁ ‪( :‬أكثر عذاب القرب من البوؿ)‪.‬‬
‫المحاضرة العشرون‬
‫نقلنا صبلة من الكبائر فبا نقلو ابن النحاس ُب كتاب تنبيو الغافلُت‪ ،‬قاؿ رضبو ا﵁ تعاىل‪ :‬ومنها إتياف الرجل زوجتو ُب دبرىا‪.‬وأف يقتل اإلنساف نفسو‬
‫ك َعلَى ا﵁ِ يَ ِس ًَتا﴾‬ ‫ِ‬ ‫ؼ نُ ِ‬ ‫ِ‬
‫صل ِيو نَ ًارا َوَكا َف ذَل َ‬
‫ك ُع ْد َوانًا َوظُْل ًما فَ َس ْو َ ْ‬ ‫يما ‪َ ‬وَمن يػَ ْف َع ْل ذَل َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿والَ تَػ ْقتُػلُوا أَنْػ ُف َس ُك ْم إ َّف ا﵁َ َكا َف ب ُك ْم َرح ً‬
‫عمدا‪ ،‬قاؿ‪َ :‬‬
‫ً‬
‫عاما)‪ ،‬ومنها الرياء‬‫معاىدا بغَت حق مل يرح رائحة اعبنة‪ ،‬وإنو ال هبد روبها من مسَتة أربعُت ً‬ ‫ً‬ ‫‪.‬ومنها‪ :‬قتل الذمي بغَت حق‪ ،‬لقولو ‪( :‬من قتل‬
‫ين َآمنُوا الَ يَ ْس َخ ْر قَػ ْوٌـ ّْمن قَػ ْوٍـ﴾‬ ‫َّ ِ‬
‫بالعبادات‪.‬ومنها السخرية واالستهزاء باؼبسلم‪ ،‬قاؿ ا﵁ تعاىل‪﴿ :‬يَا أَيػُّ َها الذ َ‬
‫أيضا صبلة كبَتة من اؼبنكرات أو من الكبائر اليت جاء فيها وعيد قاؿ‪:‬ومنها أف يستدين الدين ال يريد وفاءه‪ ،‬إذ ىو من أكل أمواؿ الناس‬ ‫وذكر ً‬
‫بالباطل‪.‬ومنها أيضا أف وبلل اؼبرأة لغَته أو ربلل لو‪.‬وأيضا ترؾ اعبمعة بغَت عذر ليصلي وحده‪.‬وكذلك من الكبائر اليت ذكرىا اؼبؤلف ‪-‬رضبو ا﵁‬
‫تعاىل‪ -‬أف وبدث دبدينة النيب ‪ ‬حدثًا أو يأوي ؿبدثًا‪.‬وكذلك إفشاء أحد الزوجُت سر اآلخر‪ ،‬لقولو ‪( :‬من شر الناس منزلة عند ا﵁ يوـ القيامة‬
‫الرجل يفضي إىل امرأتو وتفضي إليو ٍب ينشر أحدنبا سر صاحبو)‪.‬‬
‫قاؿ‪ :‬ومنها إفساد اؼبرأة على زوجها والعبد على سيده‪ .‬قاؿ‪ :‬ومنها لبس الرجاؿ اغبرير وأتى بفروع أخرى‪.‬‬
‫قاؿ‪ :‬واستعماؿ أواين الذىب والفضة للرجاؿ والنساء ُب األكل والشرب واإلدىاف واالكتحاؿ‪ ،‬إىل آخر الكبائر اليت ذكرىا وأتى بأدلتها رضبو ا﵁‬
‫تعاىل ُب ىذا الكتاب‪،‬وأيضا ذكر اؼبضارة ُب الوصية وىو أف يقصد حرماف الوارث أو تنقصيو بوصية أو إقراره وكبوه دبا عنده من بغض أو حقد‬
‫أيضا ازباذ اؼبساجد على القبور وإيقاد اؼبصابيح عليها والسرج‪.‬‬
‫عليو‪.‬ومنها ً‬
‫ٍب أتى بفصل قاؿ‪ُ :‬ب ذكر صبلة من الصغائر وقدـ لذلك دبقدمة فقاؿ‪ :‬اعلم أنو كما هبب اجتناب الكبائر اؼبوبقات هبب اجتناب الصغائر‬
‫ا﵀قرات؛ ألف الصغَتة الواحدة مىت أصر عليها العبد صارت من الكبائر فالصغائر إذا اجتمعن أىلكن يوـ تبلى السرائر‪ ،‬وُب الصحيحُت عن أيب ىريرة‬
‫‪‬أنو ظبع رسوؿ ا﵁ ‪ ‬يقوؿ‪( :‬ما هنيتكم عنو فاجتنبوه وما أمرتكم بو فأتوا منو ما استطعتم) وروى أضبد بإسناد رجالو من رجاؿ الصحيح عن‬
‫سهل بن سعد ‪ ‬أف رسوؿ ا﵁ ‪ ‬قاؿ‪( :‬إياكم وؿبقرات الذنوب فإمبا مثل ؿبقرات الذنوب كمثل قوـ نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود‬
‫حىت صبعوا ما أنضجوا بو خبزىم وإف ؿبقرات الذنوب مىت يؤخذ ّٔا صاحبو هتلكو)‪.‬‬
‫وذكر صبلة من الصغائر‪ ،‬وقد ال يناسب التفصيل فيها واالستطراد ُب اغبديث عنها‪ ،‬وأنا أحض اعبميع طبلبا وطالبات على الرجوع إىل ىذا الكتاب‬
‫واإلفادة فبا فيو‪ ،‬واإلطبلع على الكنوز اليت دوهنا وذكرىا ابن النحاس رضبو ا﵁ تعاىل ُب ىذا الكتاب‪ ،‬ولو ذكرنا صبلة من الصغائر لطاؿ بنا اغبديث‪،‬‬
‫أيضا أف يعلم أنو هبب عدـ االستهانة بذنوب الصغائر واؼبرء ينظر إىل عظمة من عصاه ‪ ‬وال ينظر إىل صغر اؼبعصية‪ ،‬على كل حاؿ أنا‬
‫وينبغي ً‬
‫أدعو إىل الرجوع إىل ىذا الكتاب للتعرؼ على ما ذكره رضبو ا﵁ تعاىل من الصغائر‪.‬ذكر لعلنا مبثل لبعض األمثلة‪ ،‬قاؿ‪ :‬ومنها خضاب الرجل واؼبرأة‬
‫شعرنبا بالسواد‪.‬‬
‫تطوعا وزوجها حاضر من غَت أف تستأذنو‪.‬ومنها أف يتناجي اثناف دوف الثالث‪.‬ومنها ابتداء الكافر بالسبلـ‪.‬‬
‫وصوـ اؼبرأة ً‬
‫‪55‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫وسب األموات لغَت مصلحة‪ ،‬ؼبا رواه البخاري عن عائشة ‪-‬رضي ا﵁ عنها‪ -‬قالت‪ :‬قاؿ رسوؿ ا﵁ ‪( :‬ال تسبوا األموات فإهنم قد أفضوا إىل ما‬
‫طبعا أنقل ما ذكره اؼبؤلف رضبو ا﵁ تعاىل من الصغائر أو من الذنوب الصغائر‪.‬‬
‫أيضا‪ ،‬وىذا ً‬
‫قدموا)‪.‬وكذلك أف تتطيب اؼبرأة عند خروجها من بيتها و ً‬
‫ونأٌب إىل الباب السادس وىي ُب ذكر أمور هنى عنها النيب ‪:‬وقد قاؿ رضبو ا﵁ ُب ىذا‪ :‬قد تقدـ ُب الكبائر والصغائر صبلة فبا هنى عنو ‪ ،‬وىا أنا‬
‫قوما الصغائر‬
‫أذكر ُب ىذا الباب صبلة صاغبة على سبيل اإلهباز؛ ألف كل فعل هنى عنو ‪ ‬فهو دائر بُت الكراىة والتحرًن وىو األغلب وقد خص ً‬
‫﴿وَما آتَا ُك ُم‬
‫با﵀رمات وىو أكثر فبا تقدـ ذكره‪ ،‬والذي يسكن إليو القلب أف كل من أتى فعبل هنى عنو النيب ‪ ‬فقد أتى معصية لقولو تعاىل‪َ :‬‬
‫وؿ فَ ُخ ُذوهُ َوَما نػَ َها ُك ْم َعْنوُ فَانْػتَػ ُهوا﴾ فإذا اقًتف بنهيو لعن أوعيد شديد فهو كبَتة وإال فهو صغَتة‪ ،‬وكما أف القسم األوؿ يشتمل على كبَتة وأكرب‬
‫الر ُس ُ‬
‫َّ‬
‫منها كذلك القسم الثاين يشتمل على صغَتة وأصغر منها‪ ،‬ىذا ما ظهر يل وا﵁ أعلم‪ ،‬والكبلـ للمؤلف‪.‬قاؿ‪ :‬فاعلم وفقنا ا﵁ وإياؾ أف النيب ‪ ‬هنى‬
‫عن من استيقظ من نومو من غمس يده ُب اإلناء قبل غسلهما ثبلثا‪ ،‬وهنى عن قضاء اغباجة ربت شجرة مثمرة‪ ،‬أو ُب جحر أو مهب ريح أو ماء‬
‫أيضا هنى عن االلتفات ُب الصبلة ُب‬
‫راكد أو ُب اؼبغتسل أو ُب طريق الناس وظلهم‪ ،‬وهنى عن اإلسراؼ ُب ماء الطهارة وإف كاف على جنب هنر‪ ،‬و ً‬
‫صبلة من األحاديث منها قولو ‪ ‬ألنس‪( :‬يا بٍت إياؾ وااللتفات ُب الصبلة فإف االلتفات ُب الصبلة ىلكة) رواه الًتمذي وحسنو‪ .‬وهنى عن وضع‬
‫أيضا هنى عن السدؿ ُب الصبلة قاؿ أبو عبيدة‪ :‬والسدؿ ُب الصبلة‬
‫اليد على اػباصرة ُب الصبلة‪ ،‬وهنى عن رفع البصر ُب الصبلة إىل السماء‪ ،‬و ً‬
‫أيضا ذكر رضبو ا﵁ تعاىل صبلة فبا جاء النهي عنو‪ ،‬فبا هنى عنو ‪ ‬هنى‬
‫إسباؿ الرجل ثوبو من غَت أف يضم جانبيو بُت يديو فإف ضمو فليس بسدؿ‪ ،‬و ً‬
‫عن أف يصلى ويقرأ وىو نعساف‪ ،‬وهنى من استيقظ من الليل وعزمو الصبلة أف يأكل أو يشرب قبل أف تفرغ هنمتو من صبلتو‪ ،‬وهنى أف يصلي الوتر‬
‫كاؼبغرب ثبلثا من غَت فصل‪ ،‬وهنى عن سب الريح وعن سب الديك‪ ،‬وهنى عن الذبح عند القرب وعن ذبصيص القرب وأف يكتب عليو وأف يبٌت عليو‪،‬‬
‫صوما قبلو‪ ،‬وهنى عن إطالة الوقوؼ على الدابة من غَت حاجة‪ ،‬وهنى عن‬
‫وهنى عن إنشاء الصوـ بعد النصف من شعباف إال أف يوافق عادة أو ً‬
‫الغضب وأكد فيو النهي‪ ،‬ومعلوـ حديث أيب ىريرة ‪ ‬عندما قاؿ النيب ‪ ‬للرجل الذي قاؿ‪ :‬أوصٍت‪ ،‬قاؿ‪( :‬ال تغضب) فردد مر ًارا قاؿ‪( :‬ال‬
‫تغضب)‪.‬‬
‫أيضا هنى عن بيع الطعاـ اؼببيع قبل قبضو‪ ،‬وكذلك جاء النهي‬
‫ٍب أيضا أتى بفصل فقاؿ‪ :‬فصل وهنى النيب ‪ ‬عن بيع الغرر‪ ،‬وذكر فيو مسائل كثَتة‪ ،‬و ً‬
‫أيضا‬
‫فاسدا فسد العقد ُب األصح وعلى تفصيل ىذا وفروعو كتب الفقو‪ٍ ،‬ب ً‬
‫عن بيع السبلح ألىل اغبرب‪ ،‬وهنى عن بيع وشرط‪ ،‬فإف كاف الشرط ً‬
‫أتى بفصل آخر وقاؿ‪ :‬وذكر اإلماـ العارؼ أبو عبد ا﵁ ؿبمد بن على الًتمذي اغبكيم ُب كتاب صبعو ُب اؼبناىي أشياء مل يذكرىا فيما تقدـ وبعضها‬
‫غريب‪ ،‬وأتى بشيء من اليت ذكرىا وبعضها غريب‪ ،‬فمن ذلك أف هنى أف تقطع النخلة اغباملة‪ ،‬وهنى عن اػبلف بالبندؽ‪ ،‬إىل آخره‪ ،‬الشك أنو قاؿ‬
‫بعضها وبعضها غريب؛ واؼبرجع وال الشك ُب األمر والنهي ىو ما جاء ُب كتاب ا﵁ وثبت عن النيب ‪.‬‬
‫أيضا هنى أف يظهر اإلنساف الشماتة ألخيو وقاؿ‪ :‬ال تظهر‬
‫أيضا‪ :‬قاؿ‪ :‬هنى أف يتعاطى السيف مسلوال وقاؿ‪ :‬ليغمده ٍب يناولو‪ ،‬و ً‬
‫من اؼبنهيات ً‬
‫الشماتة ألخيك فَتضبو ا﵁ ويبتليك‪ ،‬وهني أف يقوؿ اإلنساف‪ :‬ما شاء ا﵁ وشاء فبلف؛ بل يقوؿ ما شاء ا﵁ ٍب شاء فبلف‪ ،‬أو يقوؿ –وىو أعظمها‬
‫وأجلها وأمشلها‪ :-‬ما شاء ا﵁ وحده‪.‬‬
‫أيضا هنى عن سبٍت لقاء العدو‪ ،‬وعن التداوي باػبمر‪ ،‬وهنى عن اعبلوس إىل القبور والصبلة إليها‪ ،‬وهنى أف يسأؿ اإلنساف اإلمارة وُب معناه القضاء‬
‫و ً‬
‫وغَته من اؼبناصب‪ ،‬وهنى أف يقضي القاضي وىو غضباف‪ ،‬وهنى أف ينظر اإلنساف إىل من فوقو ُب الدنيا لئبل يزدري نعمة ا﵁ عليو‪ ،‬وأمر أف ينظر إىل‬
‫أيضا هنى أف يشرب اإلنساف واحدة كشرب‬
‫من ىو دونو ليعرؼ نعمة ا﵁ عنده‪ ،‬وهنى عن التبتل وىو ترؾ النكاح‪ ،‬وهنى عن أخذ ضالة اإلبل‪ ،‬و ً‬
‫البعَت وقاؿ‪( :‬ولكن اشربوا مثٌت وثبلث فإذا شربتهم فسموا وإذا فرغتم فاضبدوا)‪ .‬إىل غَت ذلك فبا ورد النهي عنو عن ؿبمد ‪.‬‬
‫وختم الكتاب بالباب السابع ُب ذكر صبل من اؼبنكرات والبدع ا﵀دثات‪ ،‬قاؿ‪ :‬ثبت ُب الصحيحُت من حديث عائشة ‪-‬رضي ا﵁ عنها‪ -‬أف رسوؿ‬
‫عمبل ليس عليو أمرنا فهو رد)‪.‬‬
‫ا﵁ ‪ ‬قاؿ‪( :‬من أحدث ُب أمرنا ىذا ما ليس منو فهو رد) وُب رواية ؼبسلم (من عمل ً‬
‫قاؿ ابن عبد السبلـ رضبو ا﵁‪ :‬البدعة على ثبلثة أضرب‪:‬‬

‫‪56‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫مباحا كالتوسع ُب اؼبشرب واؼبأكل واؼببلبس واؼبناكح‪ ،‬فبل بأس بشيء من ذلك‪.‬‬
‫األوؿ‪ :‬ما كاف ً‬
‫أيضا لو حكم‪ ،‬وليس فبا جاء النهي عنو‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬ما كاف حسنًا وىو مبتدع موافق لقواعد الشريعة غَت ـبالف لشيء منها فهذا ً‬
‫ملتزما ؼبخالفة الشرع‪ ،‬ومن ذلك صبلة الرغائب؛ فإهنا موضوعة على رسوؿ ا﵁ ‪ ‬وكذب عليو‪ ،‬إىل آخر ما جاء‬
‫الثالث‪ :‬ما كاف ـبال ًفا للشرع أو ً‬
‫اغبديث حوؿ البدع وعن أنواعها‪.‬‬
‫قاؿ‪ :‬فصل ُب ذكر بعض ما يشاىد ُب اؼبساجد من البدع واؼبنكرات؛ وىناؾ حديث حوؿ توقي البصاؽ فيو أي ُب اؼبسجد وأكل الثوـ والبصل‬
‫وغَتىا فبا لو رائحة كريهة‪ ،‬وكذ لك ال ينزىونو عن تعمد إخراج الريح فيو وكثرة اللغط؛ يعٍت أف بعض اعبهاؿ وبعض الناس ُب بعض األزمنة وبعض‬
‫األماكن تقع منهم بعض ىذه اؼبخالفات أو بعض ىذه اؼبشاىد اليت ىي منهي عنها أو ال تليق ببيوت ا﵁ تعاىل‪ ،‬وبعض جهاؽبم ال يتوقى اعبلوس‬
‫فيو وىو جنب كأنو بيتو‪.‬‬
‫ضا كذلك فبا ذكره ‪-‬رضبو ا﵁ تعاىل‪ُ -‬ب ىذا الباب قاؿ‪ :‬ومنها ما يفعلو بعض اؼبتكربين إذا صلى ال يصلي ُب صفو أحد‪ ،‬وإف صلى ُب صفو‬
‫أي ً‬
‫أحد فيبعد عنو حبيث يبقى بينو وبينو فرجة تسع صباعة وىذه بدعة زبالف السنة؛ ألف السنة الًتاص ُب الصف فإف كاف ذلك بأمره حراـ عليو؛ إذ‬
‫ليس للمرء من اؼبسجد إال موضع قيامو‪ ،‬ويكفي أف فاعل ذلك قاطع للصف‪ ،‬ومنها ما يفعلو بعضهم إذا جاء إىل مكانو اؼبعتاد الصبلة فيو أو إىل‬
‫أحدا قد سبقو فإما أف يقيمو ىو أو يقيمو من معو من اؼبماليك أو اػبدـ‪ ،‬وذلك حراـ ال هبوز؛ ألنو قد‬
‫اؼبكاف الذي يبيل إىل نفسو فوجد فيو ً‬
‫استحق اؼبكاف الذي جلس فيو بسبقو‪ ،‬وقد هني النيب ‪ ‬أف يقيم الرجل أخاه من مكانو ٍب هبلس فيو‪.‬‬
‫أيضا من البدع اليت نقلها اؼبؤلف ‪-‬رضبو ا﵁ تعاىل‪ُ -‬ب ىذا الكتاب قاؿ رضبو ا﵁ تعاىل‪:‬‬
‫أيضا أال يتخطى رقاب الناس وأال يلوث اؼبسجد بقدمو‪ ،‬و ً‬
‫و ً‬
‫ما يفعلو بعض اػبطباء من اإلشارة باليد وااللتفات ُب اػبطبة الثانية واؼببالغة ُب اإلسراع فيها والدؽ ُب درج اؼبنرب ُب الصعود‪ ،‬أيضا قاؿ ما اعتاده‬
‫كثَت من اعبُهاؿ إذا قاؿ اػبطيب اغبمد ﵁ سياف ُب اػبطبة الثانية باشو أيديهم ووضعوىا على رؤوسهم حىت أنو ردبا يسمع بوش أيديهم من خارج‬
‫اؼبسجد‪.‬‬
‫فصبل‬
‫أيضا ذكر ً‬
‫حذرا من الوقوع ُب البدع واؼبنكرات‪ ،‬وأف يتعلم دين ا﵁ تعاىل ويتفقو فيو‪ٍ ،‬ب ً‬
‫أيضا على اؼبسلم وعلى طالب العلم أف يكوف ً‬
‫وينبغي ً‬
‫أيضا وما فيو أذية للناس سواء من اعبَتاف أو اؼبارة بشيء من أنواع األذية فكل ذلك‬
‫ُب ذكر ما يشاىد ُب األسواؽ والشوارع من البدع واؼبنكرات‪ً ،‬‬
‫هبب اغبذر منو وعدـ الوقوع فيو؛ ألف اإلنساف ال يرضى أف يؤذيو أحد فكذلك هبب عليو أف يعتٍت بعدـ إيذاء اإلنساف حىت ولو ُب شوارعهم‪،‬‬
‫يضا قد يكوف فيو إسراؼ ُب استعماؿ اؼباء‬
‫الشك أف إلقاء القمامة أماـ بيوت الناس أو جرياف اؼباء من البيت فبا قد يضر باعبَتاف أو يؤذيهم‪ ،‬وفيو أ ً‬
‫فيجب أف وبذر اؼبسلم من الوقوع ُب ذلك‪.‬‬
‫أيضا فبا يتعلق بالطرقات جلوس البائعُت ببضائعهم ُب الطرؽ والشوارع‪ ،‬وُب أبواب اؼبساجد واعبوامع وذلك كلو ال هبوز ؼبا فيو من تضييق الطريق‬
‫قاؿ ً‬
‫اؼبشًتكة بُت اؼبسلمُت وىم غاصبوف للمكاف الذي جلسوا فيو‪ ،‬وهبب على كل قادر منعهم من ذلك وإزعاجهم من ىذا اؼبكاف‪ ،‬وكل من اشًتى‬
‫منهم فقد أعاهنم على ظلمهم ورغبهم فيو وشاركهم ُب اإلٍب‪ ،‬والكبلـ للمؤلف رضبو ا﵁‪ ،‬إذ لو امتنع الناس من الشراء منهم المتنعوا من فعلهم‪ ،‬وعلم‬
‫كل واحد أف ذلك ال هبوز‪.‬‬
‫ومنها ما ي فعلو بعض الطوافُت كبياع الكتاف واللنب والزيت اغبار من أف يبيع اؼبرأة بعد أف يدخل إليها إىل موضع ال يرانبا فيو من يبر ُب الطريق أو‬
‫يدخل إليها إىل دىليز البيت‪ ،‬وىذا منكر هبب منعهما منو؛ ألف اػبلوة باألجنبية حراـ باإلصباع عليو وعليها‪.‬‬
‫أيضا ذكر بعض منكرات اغبجاج‪ ،‬وأيضا ذكر شيء فبا يقع ُب النكاح من البدع واؼبنكرات‪،‬‬
‫وذكر صبلة من األمور واؼبنكرات اليت تقع ُب الشوارع‪ ،‬و ً‬
‫وأمور قد وقعت ُب عهدىم وقد يقع شيء منها ُب عصرنا اغباضر من ىذه األمور اليت ذكرىا‪ ،‬قاؿ‪ :‬منها إف بعض الرجاؿ يعتزؿ امرأتو إذا حاضت‬
‫ويناـ وحده وىذه بدعة مكروىة ـبالفة السنة‪ ،‬قالت عائشة ‪-‬رضي ا﵁ عنها‪ :-‬كنا رسوؿ ا﵁ ‪ ‬يصلي بالليل وأنا إىل جنبو وأنا حائض وعلي مرط‬
‫وعليو بعضو وىذا من حسن خلقو ‪ ‬مع أىلو‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫منتدى االنتساب المطور بالتعاون مع مكتبة نبراس‬ ‫ملخص الحسبة‬ ‫دعوة مستوى رابع ‪1341‬ىـ‪1341/‬ىـ‬

‫أيضا ذكر شيئًا من‬


‫أيضا ذكر قاؿ‪ :‬من البدع اليت أحدثت ُب العيادة أنو ال يعاد اؼبريض يوـ السبت ومن عاد فيو تطَتوا بو وشق ذلك عليهم‪ ،‬و ً‬
‫و ً‬
‫فصبل ُب صبلة من اؼبنكرات من أنواع‬
‫أيضا عقد ً‬
‫أيضا عقد فصبل ُب ذكر بعض ما ابتدع ُب اؼبواسم واألعياد‪ ،‬و ً‬
‫اؼبنكرات اؼبتعلقة باعبنائز واؼبقابر و ً‬
‫ـبتلفة‪.‬‬
‫ًب حبمد ا﵁ ونسأؿ ا﵁ تعاىل أف يوفقنا ؼبا وببو ويرضى وأف يغفر الزلل واػبطأ‪ ،‬إنو على كل شيء قدير وا﵁ أعلم‪ ،‬وصلى ا﵁ وسلم وبارؾ على نبينا‬
‫ؿبمد وعلى آلو وصحبو أصبعُت‬

‫‪58‬‬

You might also like