Professional Documents
Culture Documents
المغرب عشية الفتح الإسلامي
المغرب عشية الفتح الإسلامي
1
مقدمة
مقدمة:
أت ّم المسلمون بقيادة عمرو بن العاص فتح مصر سنة 20هـ ،وبدخوله اإلسكندرية انسحب كثيرة من الروم" البيزنطيين إلى
بيزنطة ،وتقهقر القسم األكبر غربًا إلى إفريقيًا ،فلمّا ّ
نظم عمرو أمور" المسلمين في مصر تطلع إلى فتح باقي" إفريقية للحيلولة
امتدادا طبيعيا لمصر ،فسار" بجيشه سنة 21 ً دون أي محاولة من البيزنطيين الستعادة مصر؛ السيما أن برقة وطرابلس تعتبران
هـ إلى برقة ،فدفع أهلها الجزية ،ثم فتحت فزان على يد عقبة بن نافع ،فيما اتجه عمرو إلى طرابلس لفتحها ،وتم له األمر بعد
حصار دام شهرً ا ،وقد أغرت هذه االنتصارات وما جمعه المسلمون من غنائم عمرو بن العاص للمتابعة الزحف واستكمال الفتح
2
اإلسالمي لبالد المغرب الحقيقي؛ أي بالد تونس والجزائر" والمغرب" حاليا لكن الخليفة عمر بن الخطاب رفض؛ حذرً ا من تحصّن
الرومان في تلك البالد ،لتبدأ بعد خالفة عمر مراحل الفتح
يعتبر الفتح االسالمي لبالد المغرب نتيجة حتمية اقتضتها طبيعة الحركة االسالمية التي كانت تهدف الى نشر الدين االسالمي
و توسيع امتداد الدولة االسالمية من الناحية الغربية ،و تصفية االمبراطرية البيزنطية المعادية لالسالم ،خصوصا" وان بالد
المغرب انذاك كانت والية من الواليات التابعة لها ،باالضافة الى ذلك أن الفتح جاء تامينا لفتوحات مصر باألساس.
يعالج هذا الموضوع" اشكالية الفتح االسالمي لبالد المغرب و أثره الحضاري .فما هي المراحل التي تم مر بها الفتح ؟ وماهي
التغيرات التي أحدثها من الناحية الحضارية ؟ .
3
المبحث األول
الفتوحات اإلسالمية
4
ماهية الفتوحات اإلسالمية: )1
هي عدة حروب خاضها المسلمون بعد وفاة الرسول محمد ضد بيزنطة والفرس والقوط في السنوات ما بين ()732–632
في العهدين الراشدي واألموي ،كان من نتائج الغزوات سقوط مملكة الفرس وفقدان البيزنطيين إلقاليمهم في الشام وشمال" أفريقيا"
ومصر نشر اإلسالم ونشر اللغة العربية معه ومن ثم ظهور الحضارة العربية اإلسالمية .وأقصى ما وصلت إليه الفتوحات
اإلسالمية في عهد الخالفة األموية ،حيث شملت بالد الخزر كاملة بين عامي 737م و740م.
بعد وفاة الرسول في المدينة اختير أبو بكر خلفا ً له وحارب قبائل العرب في ما يسمى حروب الردة وبعدها" استولى المسلمون
على بالد الروم البيزنطيين والفرس الساسانيين .فسيطروا على الشام ومصر والعراق" وفارس .ولقد ظلت الخالفة الراشدة ثالثين
عاما ( 661 – 632م) .وفي" عهد الخليفة عمر بن الخطاب أقيمت أول المدن اإلسالمية كـ كالكوفة والفسطاط ومدن إسالمية
عديدة .وقد" فتح األمويين سجستان بما يعرف" فتح سجستان.
تأسست الدولة األموية 750 – 661م وكانت عاصمتها" دمشق وحكمت حوالي قرن .وكانت تمتد من غربي الصين إلى جنوب
فرنسا حيث كانت الغزوات اإلسالمية وقتئذ تمتد من شمال أفريقيا إلى إسبانيا" وجنوب فرنسا غرب أوروبا ",وبالسند وسط آسيا
وفيما وراء نهري جيحون وسيحون .وأقيمت" المؤسسات" اإلسالمية والمساجد" والمكتبات في كل المناطق" التي غزاها األمويون.
وحاول األمويون بدمشق فتح مدينة القسطنطينية عام 717م .وإبان حكمهم فتحوا جميع بالد شمال أفريقيا .وكان أول نزول
لقوات إسالمية في عصر الدولة األموية وضمت أرض األندلس بشبه جزيرة إيبيريا(أسبانيا" والبرتغال) .فكان أول انتصار"
للمسلمين هناك عام 92هجرية 711م في معركة وادي البرباط ,لتبدأ مسيرة الفتوحات اإلسالمية بجنوب إيطاليا وصقلية .فلقد
بلغت الجيوش اإلسالمية برنديزي" والبندقية بإيطاليا على البحر األدرياتيكي ".وخضعت كل جزر البحر األبيض المتوسط من
إقريطش شرقا" حتى قورشقة غربا للحكم اإلسالمي.
وكانت الخالفة األموية الثانية باألندلس 1031 – 756م عاصمتها قرطبة التي شيدها األمويون على غرار عاصمتهم دمشق.
وكانت أكبر مدينة في أوروبا ".وحكموا األندلس زهاء ثمانية قرون حتى قسمتها التناحرات السياسية بين العائالت الحاكمة
لدويالت أدت إلى سقوط الحكم اإلسالمي .والسيما" بعد سقوط مملكة غرناطة بيد الملوك الكاثوليك" عام 1492م فريناندو"
وإيزابيال .وعندما كانت الحضارة األندلسية في عنفوانها ،كانت موقعة بواتييه (بالط الشهداء) قرب تولوز بوسط فرنسا" قدأوقفت
المد اإلسالمي الكاسح لشمالها .حيث لم ينتصر" عبد الرحمن الغافقي على الفرنجة عام 114هجرية ( 732م) عندما قتل بها
في معركة بالط الشهداء .لكنهم رغم هذه الهزيمة ،واصلوا" فتوحاتهم حتي أصبحت تولوز" وليون ونهر" اللوار تحت السيادة
اإلسالمية ولكن كان فتحهم لتولوز" لفترة قصيرة تبلغ ثالثة أشهر نجح بعدها الدوق أودو (الذي يعرف" بيودس) الذي ترك المدينة
للبحث عن المساعدة من العودة مع جيش لينتصر" على الجيوش اإلسالمية في معركة تولوز في 9جوان .721 ،وكان المسلمون
قد بلغوا نهر السين وبوردو وجنوب إيطاليا (أطلقوا عليه البر الطويل).
وما بين سنتي 910و 1171م ،وكان ظهور السالجقة في المشرق والفاطميّون بالقاهرة واأليوبيّين والمماليك في الشام
ومصر .وكانت الحمالت الصليبية على سوريا" وفلسطين ومصر" والسيطرة على القدس .وفي عام1187م تمكن صالح الدين
من السيطرة على القدس وانتزاعها من الصليبيين.
وكان إحراق المغول التتار لبغداد عام 1258م بعدما كانت عاصمة الخالفة العباسية خمسة قرون.وكانوا" وثنيين .لكنهم أسلموا
عند عودتهم .فكانوا لإلسالم داعين ومبشرين" له بين قبائلهم .وأقاموا" تحت ظالله اإلمبراطوريات والممالك اإلسالمية بأفغانستان
وباكستان وشبه القارة الهندية وبالملتان والبنغال وآسيا الوسطي" وأذربيجان والقوقاز" والشيشان وفارس وغيرها من بلدان المشرق
اإلسالمي .حيث أقاموا الحضارة اإلسالمية المغولية والتركية التي ما زال أوابدها ماثلة حتي اليوم .وكان تيمورلنك" قد أقام
5
اإلمبراطورية التيمورية عام( 1401 – 1379م) وكانت العاصمة سمرقند" بوسط" آسيا .وقد" حكم إيران والعراق" والشام وحتى
الهند .وكانت وقتئذ" طرق" القوافل التجارية العالمية تحت سيطرة المسلمين .سواء طريق" الحرير الشهير أو تجارة المحيط الهندي
بين الشرق األقصى وشرق" أفريقيا .وكان السقوط األخير للقسطنطينية(عام 1453م) ,عاصمة اإلمبراطورية البيزنطية(الروم).
وكان هذا السقوط علي يد محمد الفاتح العثماني .وأطلق عليها إسالم بول (إستانبول) بعدما جعلها عاصمة للخالفة العثمانية
(الدولة العثمانية) ( 1924 – 1350م) .وكان لسقوط القسطنطينية صداه في العالم اإلسالمي كله حيث أقيمت الزينات بدمشق
والقاهرة وشمال أفريقيا ألن هذا النصر كان نهاية للكنيسة الشرقية والسيما بعد تحويل مقرها إلي أيا صوفيا .ثم أستطاع
العثمانيون غزو رومانيا" والصرب والبوسنة والهرسك" والمجر وألبانيا واليونان وجورجيا (بالد الكرج) وكرواتيا وأجزاء شاسعة
من روسيا (القوقاز) وأوكرانيا (القرم) [بحاجة لمصدر].ولقد" حاصروا فيينا قلب أوروبا المسيحية ثالث مرات أيضا .وحشد البابا
في الفاتيكان قوات أوروبا لوقف الزحف اإلسالمي وأستطاع أن يرد العثمانين بعد بقائهم لمدة شهرين فقط في معركة فيينا في
.1683ومن بعدها كان خبز الكرواسون ومعناه الهالل (بالفرنسية) يصنع على هيئة الهالل ليأكله األوربيون في أعيادهم
لالحتفال باالنتصار" على العثمانيين الذي كان علمهم يحتوي على هالل وكل هذا فضال عن بلوغ التتار المسلمين القوة التي
مكنتهم من محاصرة موسكو وغزوها لوال ان قبل اهلها بدفه الجزية للتار المسلمين.
وفي ظالل الحكم اإلسالمي ظهرت مدن تاريخية منها ما هو كان قائم" وازدهر ومن ما هو جديد كالكوفة وحلب وحمص
والبصرة ودمشق وبغداد" والرافقة الرقة والفسطاط والقيروان وفاس ومراكش والمهدية والجزائر وقرطلة وغيرها .وقد" خلفت
الحضارة اإلسالمية مدنا متحفية تعبر عن العمارة اإلسالمية كإستانبول" بمساجدها ودمشق" بعمائرها" اإلسالمية والقاهرة وحلب
والمهدية والقيروان بتونس وبخاري" وسمرقند وحيدر" أباد وقندهار وبلخ وترمذ" وغزنة وبوزجان وطليطلة وقرطبة وإشبيلية
()1
ومرسية وأصفهان وتبريز ونيقيا وغيرها من المدن اإلسالمية.
العربية وخارجها" للتو ّحد تحت راية اإلسالم ،وقد" َن َجحوا في ذلك في جبهات العراق والشام بالكامل ،حيث إنهم سيطروا" على هذه
المناطق وأخرجوا" جيوش الفرس والبيزنطيين منها بعد عدة معارك كبرى ،ومن هنا جاء ارتباط الدعوة اإلسالمية كحافز للوحدة
القومية بين العرب لقتال الجيوش األجنبية التي سيطرت على أراضيهم" لمئات السنين ،ومن هنا يتم الربط بين الدعوة
اإلسالمية العالمية وبين حاميلها العرب الذين أدركوا أن نشر دعوتهم اإلسالمية ال بد لها من قوة بشرية لكي تنشرها وتدفع" الظلم
الفارسي والبيزنطي "،مما أسهم في دفع
ّ" ضا عن أهلها .كانت الظروف" الحياتية في مناطق العراق والشام صعبة تحت االحتاللَيْن أي َ
سكان هذه المناطق بالوقوف مع الجيوش اإلسالمية ورفدها بالعنصر" البشري ،وقد" كانت الدعوة اإلسالمية وفكرة نشرها في هذه
المناطق للدفاع عن اإلسالم من جهة ،والقضاء على الظلم الواقع على أهل هذه المناطق" من جهة أخرى عاماًل أساسيًا في انطالق
هذه الفتوحات والسير بها ،فقد شاهدت الجيوش اإلسالمية هذا الظلم بصورة مباشرة بعد مخالطتهم" سكان هذه المناطق خالل
حروب الردة ،وبسبب قربهم" من سكان هذه المناطق" العرب .ترتكز الدعوة اإلسالمية على نشر الدين اإلسالمي بين غير
المسلمين وال ّدفاع" عن المسلمين بشكل خاص وعن المظلومين من غير المسلمين عمومًا ،وفي" ظل انتشار الفقر والظلم في مناطق
العراق والشام ،تعددت الدوافع لنشر هذه الدعوة التي يرى أصحابها بأنها الدعوة الحق وأنها الحل األسلم لرفع الجور والظلم
ضا ،والمنطق يعكس عدم جدوى نشر الدعوة بال أرضية قوية سياسيًا لحاملي هذه الدعوة الفكرية ،إضافة إلى وتقوية اإلسالم أي ً
أن الفرس جاهروا" بعدائهم لهذه الدعوة ووقفوا في وجهها في مناطق العراق لحماية مناطق نفوذهم التاريخية ،كذلك فعل
البيزنطيون في الشام ووقفوا" في وجه المد اإلسالمي في القبائل العربية الغسانية )4(.هذه العداوة التي عكستها تصرفات الفرس
والروم" كانت بمثابة تهديد للدعوة اإلسالمية الوليدة ،التي لم تكن لتنجح من غير سيطرتهم على العراق والشام ألسباب جيوسياسية
وسكانية ،باإلضافة إلى نظرة القبائل العربية إلى سكان هذه المناطق نظرة األقارب ونظرة الحامي والمساند" لهم بالنظر إلى صلة
العروبة التي تجمع بينهم من القدم ،وهذا ما أدى إلى اصطفاف" أغلبيّة القبائل العربية في صف الدعوة اإلسالمية وجيوشها التي
انطلقت إلى العراق والشام .كانت الدعوة اإلسالمية بمثابة المقاومة وحمالت التحرير لك ّل المناطق المحيطة بالجزيرة العربية،
والتي امتدت الح ًقا إلى خارج المناطق التاريخي" للعرب بسبب النجاحات التي حققتها هذه الفتوحات وقبول بل وطلب بعض المدن
وصول هذه الجيوش لتحريرهم كما في شمال أفريقيا واألندلس ،وهنا أصبحت الدعوة اإلسالمية سببًا رئيسً ا في استكمال هذه
.الياس شوفاني ،حروب الردة :دراسة نقدية فى المصادر ،صفحة .52-50 1
.أكرم العمري ،عصر الخالفة الراشدة محاولة لنقد الرواية التاريخية وفق مناهج المحدثين ،صفحة .66 2
.عبد الحميد حمودة ،تاريخ الدولة العربية اإلسالمية منذ ظهور اإلسالم حتى نهاية العصر األموي (الطبعة ،)1صفحة ،112 - 110جزء .1 4
7
الفتوحات وليس فقط في انطالقها ،فقد كانت أغلب تصرفات جيوش الفتح مبشرً ا بحلول زمن الخير والعدل لك ّل من رزح تحت
()1
حكم اإلمبراطوريات" األخرى وعايش الظلم والفقر.
الدفاع عن الدولة اإلسالمية
كان القرار بتحويل حروب الردة إلى حرب شاملة ضد اإلمبراطوريتين -الساسانية والبيزنطية -خالل فترة خالفة
أبي بكر الصديق ،وقد كان القرار بإجماع كبار الصحابة رغم بعض التردد الذي أبداه بعضهم بسبب قوة هذه الدول التي
يريدون قتالها ،وبسبب الخالفات بين القبائل العربية نتيجة حروب الردة ،إال أن الحرب بالمعنى السياسي لها ،هي تصدير"
ألزمة داخلية تمر فيها دولة معينة ،وهكذا كانت الفتوحات اإلسالمية في جزء منها تصدير ألزمة حروب الردة التي استنزفت
العرب المسلمين في الجزيرة العربية .بدأ القتال على جبهة العراق والشام بالتزامن تقريبًا ،وحقيقة األمر أن هجوم المسلمين
على جبه َتيْ العراق والشام" كان دفا ًعا عن الجبهات الشرقية والغربية للجزيرة العربية وتوسيع" المجال الحيوي للمسلمين في
الجزيرة العربية وض ّم ماليين البشر لدولتهم والسيطرة على األسواق" المحيطة وطرق" التجارة ،وإنهاء حالة الفوضى والقتال
في المناطق المجاورة بسبب الصراع الفارسي البيزنطي )2(".كانت الفتوحات التي أطلقها الخليفة أبو بكر الصديق تمثل الخيار
األمثل ،ويمكن أن يكون الح ّل الوحيد للدفاع عن الدعوة والدولة اإلسالمية في ذلك الوقت ،إذ إنّ هجوم المسلمين على العراق
والشام حد ومنع من قدرة الفرس والروم على إعادة ترتيب أمورهم بعد الحرب التي كانت قد انتهت بينهم ،وفي" الوقت نفسه
()3
كانت سببًا كافيًا للكثير من عرب العراق والشام باالنضمام للمسلمين في ظل سوء مُعاملتهم من قبل الفرس والروم.
استطاعت الفتوحات اإلسالميّة إسقاط دولة الفرس بشكل نهائي ،وحدت من قوّ ة البيزنطيين وأرجعتهم" إلى مناطق بيزنطة،
وبذلك أصبحت الدولة العربية اإلسالمية خالل الفترة األموية محميّة من جميع الجهات ،خصوصًا بعد سيطرتها" على األندلس
وجزر البحر األبيض المتوسط" خالل القرن الهجري الثاني ،وبالنظر" إلى أن الفتوحات استمرّ ت لمدة قرن كامل تقريبًا ،فإنّ
المنجزات التي أنجزتها هذه الفتوحات كانت بمثابة تثبيت الدعوة اإلسالمية ،والتأكد من بقاء اإلسالم واستمرارية وجود
الحواضن األممية له في مختلف مناطق العالم القديم .نجحت الدولة األموية في تثبيط سلطة المسلمين في ك ّل المناطق التي
سيطر عليها المسلمون في فترة الخالفة الراشدة واستمرت فيما بعد لكي تصل إلى وسط" آسيا وجنوب أوروبا ،في سبيل
بشكل كامل ،خصوصً ا في ظل علم خلفاء المسلمين بأن األراضي" التي سيطروا" عليها ٍ تأمين حدود الدولة العربية اإلسالمية
لطالما كانت تحت سيطرة أجنبية ،سيّما في مناطق الشام ومصر" وشمال" أفريقيا ".وبذلك" كانت األهداف السياسية التي تقتضي
حماية الدولة عبر توسيع المساحة الجغرافية بينها وبين األعداء التقليديين في روما بشكل أكبر هي المحرك الرئيس الستكمال
هذه الفتوحات ،باإلضافة إلى استكمال نشر الدعوة اإلسالمية في شتى أنحاء األرض عبر الفتوحات والتجارة وغيرها من
()4
األساليب والطرق التي م ّكنت للمسلمين من نشر دعوتهم" في جميع القارات القديمة.
.محمود خطاب ( ،)1965قادة فتح بالد فارس إيران (الطبعة ،)1بيروت:دار الفتح ،صفحة ،41-39جزء .1بتصرّ ف. 1
.علي الصالبي ،الخليفة األول أبو بكر الصديق ،صفحة .70-69بتص ّرف. 2
. 3 3علي الصالبي ،فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ،صفحة .437-435بتص ّرف.
8
636م الموافق للسنة الخامسة عشرة للهجرة ،انتهت بانتصار" المسلمين نصرً ا ساح ًقا مهَّد الطريق لفتح العراق كلها والسيطرة
()1
عليها وانكسار" الدولة الفارسية فيما بعد.
معركة اليرموك :من أعظم المعارك التي خاضها المسلمون بقيادة خالد بن الوليد -رضي" هللا عنه -في نهاية خالفة أبي
بكر وبداية خالفة عمر بن الخطاب ،ح َّقق المسلمون بفضل هللا تعالى وببسالتهم" وبعبقرية خالد بن الوليد نصرً ا مؤزرً ا رغم
()2
التفوق العددي والعسكري عند الروم ،وبهذا النصر استطاع المسلمون فتح بالد الشام بسرعة وبأقل الخسائر.
معركة حطين :من أشهر المعارك الفاصلة التي خاضها المسلمون في عهد صالح الدين األيوبي عام 1187م ،وقعت
في فلسطين في منطقة حطين قرب الناصرة ،انتصر" فيها المسلمون على الصليبيين وحرروا" جميع األراضي التي احتلها
()3
الصليبيون من خالل الحمالت الصليبية التي قاموا بها ضد المسلمين.
نجح فيه الجيش اإلسالمي العثماني بالسيطرة على مدينة فتح القسطنطينية :هو حدث هام في تاريخ المسلمين َ
القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية عام 1453م بعد حصار استمرَّ لع َّدة أسابيع بقيادة السلطان محمد الفاتح ،وإسقاط الدولة
()4
البيزنطية إلى األبد بعد أكثر من 11قر ًنا على تأسيسها ،كما مهَّد ذلك النصر لدخول المسلمين إلى أوروبا.
9
المبحث الثاني
أوضاع المغرب عشية الفتح اإلسالمي
10
الوضع السياسي و العسكري: )1
كانت األوضاع" السياسيَّة في المغرب عشيَّة الفُتوحات اإلسالميَّة مُضطربة نتيجة القالقل والحُروب التي نشبت على
األراضي المغربيَّة بين القبائل الجرمانيَّة النازحة من القارَّ ة األوروپيَّة والبيزنطيين ،وبين البيزنطيين واألهالي أنفسهم .فقد كانت
شمال أفريقيا المغاربيَّة ُتش ِّك ُل جُزءًا من اإلمبراطوريَّة الرومانيَّة مُنذ سنة 146 ق.م ،عندما تم َّكن الرومان من اجتياح وإسقاط
مدينة قرطاج خالل أواخر الحرب البونيقيَّة الثالثة ،والقضاء على القُوَّ ة العُظمى" الوحيدة في المنطقة القادرة على
ت رومانيَّة نمطيَّة يحكم ُك ٌل منها
مُنافسة روما وعظمتها ،مُحولين جميع المناطق المغاربيَّة التي كانت تتبع قرطاج إلى واليا ٍ
»برقنص« بالالتينية Proconsul :يتبع القيصر الروماني" في عاصمة مُلكه ،وكان عليه جباية الضرائب من ال ُس َّكان وإخضاع
خاضعة للرُومان ح َّتى سنة 435م تقريبًا ،إذ حصل خالل تلك ً أي تمرُّ د ورد االعتداءات عن حُدود واليته .واستمرَّ ت" المغرب
الفترة من التاريخ أن أخذت أحالف القبائل الجرمانيَّة تتحرَّ ك من شمال أورو َّپا" ووسطها" على ُ
طول الحُدود الشماليَّة
والشرقيَّة لإلمبراطوريَّة الرومانيَّة الغربيَّة على طول نهريّ الطونة (الدانوب) والراين ،وتمكنت في النهاية من اقتحام أراضي
اإلمبراطوريَّة واحتاللها وتقاسُمها .وفي أثناء هذا التحرُّ ك الواسع اندفع حلف قبائل الوندال من الشمال إلى وسط أوروپَّا ،ومنها
حيث استقرَّ ت فترة قصيرة من الوقتُ ،ث َّم دفعتها" قبائل جرمانيَّة ُأخرى أهمها السويف" إلى الغالُ ،ث َّم إلى شبه الجزيرة األيبيريَّةُ
واآلالن إلى الجنوب ،فاستقرَّ ت في الطرف" الجنوبي من شبه الجزيرة األيبيريَّة جنوبي نهر الوادي الكبير .وفي سنة 429م تقريبًا
()1
عبر الوندال إلى المغرب ِبقيادة ملكهم گنسريك"
وبلغت أعدادهم وفق بعض المصادر" 80,000شخص )2(،ووفق مصادر" ُأخرى تراوحت بين 15,000و20,000
شخص .ولم يحتل الوافدون الجُدد القطر المغربيّ ُكلَّه ،وإ َّنما اقتصرت سيطرتهم" على شمال والية إفريقية ،وسواحل المغرب
األوسط ،ومنطقة طنجة ،وقد" أقاموا" في تلك المناطق حوالي القرن من الزمن محوا في أثنائه مُعظم آثار الرومان وحضارتهم" في
البالد ]4[،وأ َّدى هذا االستقالل السياسي" عن روما إلى تعاظم ُنفوذ قبائل البربر ُخصوصً ا" في المغربين األوسط واألقصى ،فكوَّ ن
3
ال ُس َّكانُ مجموعا ٍ
ت مُبعثر ٍة انعدمت بينها الوحدة السياسيَّة.
أ َّدت غزوات الجرمان إلى انهيار اإلمبراطوريَّة الرومانيَّة الغربيَّة وانتقال ميراثها" العتيق إلى شقيقتها الشرقيَّة أو البيزنطيَّة.
ً
حملة دعاها (ا"س"ت"ع"ا"د"ة" األول 565 -527( م) ،أطلق وعندما تولَّى عرش اإلمبراطوريَّة البيزنطيَّة القيصر جُستنيان َّ
ا"إل"م"ب"ر"ا"ط"و"ر" َّي" ة" (بالالتينية Renovatio Imperii هدف من خاللها استعادة كا َّفة األراضي" الغربيَّة لإلمبراطوريَّة الرومانيَّة
حملة عسكري ًَّة كبيرة على رأسها القائد
ً السابقة ،وفي" مُقدمتها إفريقية والمغربين األوسط واألقصى .فأرسل
قتال عنيفٍ بين الروم" والوندال" تم َّكن بيليساريوس" من القضاء على المشهور بيليساريوس في شهر أيلول (سپتمبر533م) .وبعد ٍ
اًل
المملكة الونداليَّة واستعاد" للروم إفريقية وما تيسر له من سواحل المغرب وُ صو إلى سبتة .وقد" حسب جُستنيان -بعد أن أنهى
أمر الوندال في شهر كانون األوَّ ل (ديسمبر) 533م -أ َّن ُه يستطيع إحياء السُلطان الروماني" القديم وما يتبع ُه من مظاهر" حضاريَّة
مثل تجديد المُنشآت الرومانيَّة من مُعسكرات ومالعب وحُصون وقالع" وكنائس ،ولكن تبيَّن ل ُه أنَّ زمان ذلك ُكلَّه كان قد ولَّى بال
رجعة ،فقد استق َّل البربر في الداخل استقالاًل تامًا وأصبحوا ال يُدينون بالوالء إاَّل لقبائلهم وعشائرهم ،وارت َّد الكثيرون منهم
عن المسيحيَّة ،وتضامَّت صُفوف جماعاتهم القبليَّة لِصد أيَّ مُحاول ٍة روميَّة للتدخل في شؤونهم ،وهُدمت أو انهارت الكثير من
اآلثار الرومانيَّة في بالدهم ،وبالتالي اقتصر" سُلطان البيزنطيين على ما كان لِقرطاج القديمة ،وهو الساحل الشماليّ إِل فريقية وما
جاورها من المناطق التي فتحها" بيليساريوس") 4(.وفي السنوات القليلة التي سبقت الفتح اإلسالمي ،عيّن قيصر الروم"
قائدا أعلى على المغرب ،برُتبة بطريرك ،وكان ذلك سنة600 مُ .ث َّم اإلمبراطور موريس" أحد قادته العسكريين ،ويُدعى هرقلً ،
Collins, Roger (2000)، "Vandal Africa, 429–533"، The Cambridge Ancient History. Late Antiquity: . 1
،Empire and Successors, A.D. 425–600، Cambridge University Pressج" ،XIV ".ص"124 ".
،Heather, Peter (2005)، The Fall of the Roman Empire: A New History، Macmillan .ص"512 ". 2
،Heather, Peter (2005)، The Fall of the Roman Empire: A New History، Macmillan .ص"198"–197 ". 3
11
ضبَّاطه الثانويين ويُدعى (فوقاس)ُ ،ث َّم تربَّع هذا على عرش اإلمبراطوريَّة، حصل أن ُخلع القيصر سالِف الذِكر وقُتل على يد أحد ُ
بشكل كبير ،األمر الذي دفع هرقل حاكم إفريقية إلى ٍ وكان مُستب ًدا غاشمًا تدهورت" خالل عهده أوضاع اإلمبراطوريَّة البيزنطيَّة
إعالن العصيانُ ،ث َّم دبَّر مُؤامرة لِخلع اإلمبراطور ،وشجَّ ع ُه في ذلك موقف سكان شمال إفريقيا من البربر" الذين أيّدوه نظرً ا
ُقارنة مع باقي الحً َّكام السابقين ،فأرسل ابنه هرقل األصغر في حمل ٍة بحر َّي ٍة استولت على سالونيك" ،ومنها" سار ً لِحُكمه العادل م
إلى القُسطنطينيَّة حيث قبض على فوقاس وقطع" رأسه و ُتوِّ ج إمبراطورً ا" سنة 610 م .شهد المغرب في أيَّام اإلمبراطور هرقلُ
عصرً ا من ال َّسالم لم يعرفه األهالي من قبل ،وتمتع البربر وهم األكثرية في المنطقة بالكثير من الحُريَّة واالطمئنان ،وعادت
المسيحيَّة تتسرَّ ب إليهم .وفي أواخر عهد هرقل عادت االضطرابات لتنتشر في المغرب ،من واقع مُحاولة الحُكومة البيزنطيَّة
فرض مذهبها على كا َّفة أطياف الشعب ،فأخذ البربر واألفارقة يلتفون حول بطاركتهم" للدفاع عن عقيدتهم ض َّد اإلمبراطوريَّة،
وانتهى األمر بأن نهض أحد القادة والقساوسة يُسمَّى جرجير" ،واستق َّل عن الدولة وحكم مُستعي ًنا" ببقايا جُند الروم وجُن ٍد بربريٍّ
عاصمة لهُ ،ث َّم تركها وانسحب إلى الداخل وتحصَّن في سُبيطلة خو ًفا من أي ً مُرتزق ،وضرب العمالت باسمه واتخذ من قرطاج"
ُجوم روميٍّ مُحتمل .أمَّا في بقيَّة بالد المغرب فقد تحرَّ ر البربر" من سُلطان الروم وتالشت المسيحيَّة من دواخل بالدهم للمرَّ ة ه ٍ
الثانية .وفي تلك الفترة كان المُسلمون قد فتحوا" ال َّشام ومصر وأخذوا" يستعدون للسير إلى برقة ،وهي مدخل المغرب .
()1
خط ًة تختلفُ عمَّا اتبعت ُه في والياتها" اُألخرى كمصر وال َّشام. انتهجت الدولة في تنظيم المغرب البيزنطي -من الناحية العسكريَّة َّ -
القوة الحربيَّة البيزنطيَّة التي كانت تحمي مصر مثاًل كانت ُتعسك ُ"ر في مراكز" رئيسيَّة مثل حصن فالمعروف أنَّ َّ
ُأ ُأ
بابليون واإلسكندريَّة ،و ُترابط" فرق" صغيرة منها في مواضع خرى كالفرما و م دنين ،أمَّا في إفريقية فقد اتجهت عناية الدولة إلى
طائفة من الجُنود تستطيع حمايته والدفاع عنه؛ ٌ ت قو َّي ٍة من الحُصون المُتقاربة ،وأقامت في ُك ِّل مربطٍ
إحاطة أمالكها ِبرباطا ٍ
وأسرفت الدولة في ذلك إسرا ًفا يسترعي النظر ،فلم تكتف ِبرباطٍ واح ٍد بل أقامت ثالثة ،وقسَّمت البالد إلى أربع مناطق عسكريَّة
لِ ُك ٍل منها عاصمتها التي ُترابط فيها فرقة يقودها قائد أو دوق ،أمَّا هذه األقسام" فهي :طرابُلس وعاصمتها" لمطة ،وبيزاسيوم"
وعاصمتها تالبت ،ونوميديا وعاصمتها" قيصريَّة ،ومُوريطنية وعاصمتها قسنطينة .وهكذا أضحت البالد شبكة من الحُصون
والقالع .ولمَّا كانت الموارد ضئيلة لم يكن في اإلمكان المُحافظة على هذه التحصينات في حال ٍة طيِّبة ،بل عجز الروم" عن مُجرَّ د
االحتفاظ بها ،فهي لم تكن متينة البناء -إذ ُأقيمت على عجل -واعتمد البيزنطيّون في إقامتها على ما كان قائمًا في البالد قبل ذلك
من المُنشآت الرومانيَّة كالحمَّامات والمالعب والمعابد ،فلم تكن منيعة قويَّة كما الحُصون الفعليَّة .وقد رُوعي في اختيار" مواقع"
هذه الحُصون أن تكون محارس تقوم على أبواب البالد ومنافذها :فقامت قابس على باب سهل ُتو ُنس تص ُّد من يُقبل شر ًقا من
ُبيطلة على أحد المنافذ" المطروقة التي يسلُكها من يُريد الساحل ،تلتها حُصونٌ ُأخرى على الساحل مثل يونكا ومغمداس ،وقامت" س ُ
االنتقال من سهل ُتو ُنس إلى هضبة األوراس ويمُرُّ بها الرباط الثاني الذي يبدأ من سُوسة ويمُر ِبمدرسومة وتالبت؛ يلي ذلك
البيزنطي ضعيفٌ من الناحية الحربيَّة،
ّ" الرباط الثالث الذي تقو ُم فيه سبيبة وممس وجلوالء .طبيعي بعد ذلك أن يكون المغرب
و ُكلَّما تقادم العه ُد بالرُّ وم في المغرب زاد الضعفُ وُ ضوحً ا" وخطرً ا ،وكان أه ُل البالد يُالحظون تخوُّ ف" البيزنطيين منهم ،وال
مرانة وخبر ًة في حين ضعُف البيزنطيّون" وسقطت هيبتهم، ً ً
رصة لالشتباك معهم إاَّل انتهزوها ،فزاد اآلهلون يكادون يتركون فُ
واضطرُّ وا إلى التخلّي عمَّا عجزوا عن الدفاع عنه من هذه المحارس والحُصون ،ح َّتى إذا أخذت شمس القرن السَّادس الميالديّ
بالمغيب كان البربر قد استولوا على الرباط الثالث وأخذوا" يطمعون في الرباط" الثاني ،وكان قيا ُم الرُوم" ِبمحارس" هذا األخير
إسم ًّيا فقط ،إذ ُتركت العناية به لمن أحاط به من المُزارعين والقرويين يعتصمون فيه من المُهاجمين من البربر ،ولم ي ُكف هؤالء
بحيث لم تعد له أيَّة قيمة حربيَّة ُتذكر مُنذ أوائل القرن السَّابع ُ عن اختراق هذا النطاق واجتياح ما يليه من المزارع والبالد ونهبها،
()2
الميالديّ .
Olster, David Michael (1980)، The politics of usurpation in the seventh century: rhetoric and . 1
revolution in Byzantiumط" ،A.M. Hakkert "،")1993 ".ص"".133 ".
ُم" ؤ"ن"س"ُ "،ح" س"ي"ن" ("1366ه"ـ 1947 "-م")" ف"ت"ح" ا"ل"ع"ر"ب" ل"ل"م"غ"ر"ب" "،ا"ل"ق"ا"ه"ر"ة" –" م"ص"ر" م"ك"ت"ب"ة" ا"آل"د"ا"ب" ب"ا"ل"ج"م"ا"م"ي"ز" "،ص"20 "- 19 ". . 2
12
الوضع الإلداري: )2
قسَّم الرومان المغرب إلى ع َّدة واليات مُنذ أيَّام إمبراطوريتهم العُظمى ،فكانت أدنى والياتهم المغربيَّة هي والية ك"ر"ي"ت"
و"ب"ر"ق"ة" بالالتينية )Creta et Cyrene( وقد تأسست سنة 20ق.م واستمرَّ ت" ح َّتى سنة297 م عندما قُسمت إلى مُقاطعتين
هي :ليبيا ال ُدنيا بالالتينية ،)Libya Inferior( وليبيا القُصوى أو برقة بالالتينيةLibya) (Superior وابتدا ًء من
تابعة ِبدورها إلى والية الشرق اإلمبراطوريَّة وفق ما نصَّت عليه ً سنة370 مُ ألحقت تلك المُقاطعتينِ بأبرشيَّة مصر ،التي كانت
وثيقة ا"ل"ك"ر"ا"م"ا"ت" ا"ل"ع"ر"ض" َّي" ة" بالالتينية( )Notitia Dignitatum تجاورت برقة مع مُقاطعة طرابُلس بالالتينية(
بداية ،وكانت تتبع والية إيطاليا اإلمبراطوريَّة بالالتينية ،)Praetorio Italiae( )Praefectura( وفي ً )Tripolitania
ت الحق ُألحقتِ بأبرشيَّة إفريقية ،مع استمرار تبعيَّتها" إلى والية إيطاليا .وعُرفت المنطقة التي تقع جنوبي طرابُلس باسم وق ٍ
تفزان) ،ولم يكن للروم سيطرة مُباشرة عليها نظرً ا لكونها صحراويَّة وجبليَّة وعرة بأكثر نواحيها ،تتخللها بضع واحا ٍ ( َّ
ومُستوطنات .أمَّا أقصى المغرب فقُسم إلى مُقاطعتين :موريطنية القيصريَّة ،وكانت تتبع أبرشيَّة إفريقية كذلك ،وموريطنية
الطنجيَّة التي كانت تتبع أبرشيَّة هسپانيا.
دقيق من بين أنظمة ٍ خاص
ٍ وبعد أن استر َّد البيزنطيّون إفريقية وما تالها من بالد من الوندال ،أفردها اإلمبراطور جُستنيان ِب ٍ
نظام
موردا" من موارد" المال والمؤونة ً سائر الواليات ،وكان نظامه هذا ينطوي" على الكثير من الحرص من أهلها ويرمي" إلى جعلها
اًل
للدولة ،فلم تكد بشائر استعادتها" ترد عليه ح َّتى رفع إفريقية إلى مصاف واليات الدولة ال ُكبرى ،وأقام" على حُكومتها عام مدن ًّيا
شاملة طرابُلس الغرب وحوض مجرد وجبال األوراسُ ،ث َّم تأخذ في االقتراب من ً ال عسكر ًّيا ،وأصبحت حُدودها" تمتد من برقة
الساحل ح َّتى تنتهي عند طنجة وسبتة .أمَّا في الجنوب فقد شملت سهل مجرد وهضبة األوراس" وُ صواًل إلى تبسة ومسكوال
أقسام إداريَّة جديدة هي :الوالية القُنصليَّة (شمال
ٍ وتمجاد ولمبيزة وطبنة والمسيلة وأقدم" جُستنيان على تقسيم البالد إلى سبعة
الجُمهوريَّة ال ُتو ُنسيَّة المُعاصرة) ،والوالية الداخليَّة (بيزاسيوم( ،ووالية طرابُلس ،ووالية نوميديا ،ووالية مُوريطنية األولى
(كالهُما في شمال الجزائر المُعاصرة) ،ووالية مُوريطنية الثانية (شمال المملكة المغربيَّة المُعاصرة( ،وسردانية .وقد امت َّد سُلطانُ
اإلمبراطوريَّة في أوَّ ل األمر إلى أبعد من هذا الحد الرسمي ،فدخل في طاعتها نف ٌر من بدو البربر الضاربين على
طول الرباط األخير لكي تضمن طاعة هؤالء للدولة وترد عنها أذاهم ،ولكنَّ حُدود الصحراء ال ُكبرى ،وُأقيمت" المحارس على ُ
سُلطانها أخذ يضعف" شيءًا فشيًئ ا ،فأخذت تنسحبُ إلى الشمال ،ح َّتى لم يبق من أمالكها آخر األمر إاَّل ساح ٌل ضيِّق وبضع
محارس حصينة في الداخل ،مثل تبسة وسُبيطلة ،واحت َّل البربر ما خال ذلك من حُصون .وكانت برقة البيزنطيَّة ال تكاد تعدو
مدائنها الخمس ،وكذلك طرابُلس .وكان جُستنيان قد جمع لِحاكم إفريقية ُكل السُلطات ،فكان هذا الحاكم يحمل من تبعات الحُكم
فوق ما يُطيق ،وكان مُثقاًل باأللقاب وشارات الشرف ،يُرافق ُه جيشٌ من المُوظفين ويحف" به األتباع والخدم ،وُأطلقت يده في ُكل
شيء ح َّتى بلغ من اتساع سُلطته أنَّ ُك َّتاب ذلك العصر أعوزهم اللفظ الذي يُعبرون به عن مقدار السُلطة التي كان يتم َّتع بها ذلك
فاقطتعت طرابُلس ُ ت جديدة على التقسيمات اإلداريَّة للمغرب، الحاكم )1(.وقُبيل الفتح اإلسالمي ببضع سنوات ،أجرى الروم" تغييرا ٍ
ُجددا 2،و ُدمجت المُوريطنيَّتان" السابقتان تحت اسم «موريطنية األولى» ،و ُدمجت مدينة وبرقة من إفريقية و ُدمجتا مع مصر م ً
)(3
سبتة مع مُدن والية إسپانية (جنوب شبه الجزيرة األيبيريَّة( وجُزر البليار لِ ُتش ِّكل والية «موريطنية الثانية»
،Hrbek, Ivan (1992)، Africa from the Seventh to the Eleventh Century ، James Currey Publishers . 2
ص" "،120 ".م"ؤ"ر"ش"ف" م"ن" ا"أل"ص"ل" ف"ي" 7ي"و"ن"ي"و" ".2020
Julien, C.A. (1931) Histoire de l'Afrique du Nord, vol. 1 - Des origines a la conquête arabe , 1961 . 3
edition, Paris: Payot. p: 273
13
ُ
حيث الدين ،فكان قس ٌم من س َّكانه ،وأغلبهم من كان المغرب أحد أكثر بالد اإلمبراطوريَّة البيزنطيَّة تنوعً ا من
البربر ،وثنيين يعبدون عدداً من اآللهة أو عناصر الطبيعة،
مثل :السماء ،والشمس ،والقمر ،والنار ،والبحر ،والجبال ،والكهوف ،والغابات،
واألحراش ،والوديان ،واألنهار" ،واألحجار" ،واألصنام ،كما أظهروا" تأثرً ا ببعض المُعتقدات المصريَّة القديمة ،فكانوا" يُقدسون
بعض الحيوانات ويشربون دمائها للحُصول على قوتها" الروحيَّة ،ويُقدمون القرابين لِبعض تلك الظواهر والكائنات (1)،كما آمنوا
بالشعوذة ،واعتقدوا في بركة بعض األشخاص ،وهو ما أ َّكد عليه ابن خلدون .ويذكر" ابن أبي زرع أنَّ بعض قبائل
بيت نار ،مما يعني أنَّ المجوسيَّة كانت معروفة بين بعض البربر .كذلك كان لِبعض قبائل ودان صن ٌم من منطقة فاس كان لهم ُ
()2
حجارة مبني على ربوة يُسمَّى «كرزة» ،يُقربون ل ُه القرابين ويستشفون به من أدوائهم" ويتبرَّ كون في أموالهم.
إلى جانب المُعتقدات الدينيَّة البدائيَّة ،عرف المغرب الديانتين السماويتين السابقتين على اإلسالم .فاألفكار اليهوديَّة دخلت مُنذ
ُبكر مع الفينيقيين على األرجحُ ،ث َّم مع المُهاجرين اليهود أيَّام االضطهاد الروماني ".والظاهر أنها انتشرت في بعض القبائل تم ٍ وق ٍ
إلى جانب المُعتقدات المحليَّة .أمَّا المسيحيَّة ،فقد أخذت باالنتشار" أواًل بين األفارقة في برقة وطرابُلس وإفريقية ابتدا ًء من القرن
الثاني الميالدي ،وكان َّأول أقاليم المغرب ُدخواًل في المسيحيَّة إقلي ُم برقة ،وكان للمسيحيَّة فيها تاري ٌخ طويل هو جُز ٌء من تاريخ
المسيحيَّة في مصرُ ،ث َّم انتشرت في إفريقية ،وأصبحت هذه األخيرة من مراكزها الرئيسيَّة ،وقامت فيها الكنائس وامت َّدت ِبصُور ٍة
سطح َّي ٍة على طول الشريط الساحلي في المغربين األوسط" واألقصى" ح َّتى طنجة )3(.وبدأ تنظيم الكنيسة اإلفريقيَّة في
كثير من أهالي البالد الذين كانوا مُنتصف القرن الثالث الميالديّ على يد الق ِّديس قبريانوس" القرطاجي ،وانتشرت المسيحيَّة بين ٍ
يلتمسون المبادئ التي ُتحقق لهم ما يصبون إليه من سيادة العدل واإلنصاف ".وقد تعارضت التعاليم المسيحيَّة مع المفاهيم
الرومانيَّة القائمة على تأليه األباطرة وعبادتهم إلى جانب آلهة روما" ،واستشعرت اإلمبراطوريَّة بالخطر لمَّا رفض النصارى"
االلتحاق بالجيش الروماني والمُشاركة في حُروب الدولة ،فقام اإلمبراطور" ديكيوس وطلب في سنة 250م من جميع رعاياه أن
يُعلنوا عن وطنيَّتهم" بإعالنهم التمسُّك بالديانة الوطنيَّة والتنصُّل من ُكل العبادات اُألخرى" وخاص ًَّة المسيحيَّة والمانويَّة .فترك
الكثي ُر من النصارى" المغاربة ديانتهم" ح َّتى قال الق ِّديس قبريانوس" كلمت ُه المشهورة) :لَقَد َكانَ َع َد َدهُم َأكثَ ُر ِمن قُ َّو ِة
وعطلت كنائسهم" وصادرت" مُمتلكاتهم "،وانتهى األمر ِبإعدام الق ِّديس قبريانوس َّ ِإي َمانِ ِهم( .واضطهدت اإلمبراطوريَّة النصارى
ِبقطع رأسه .وعلى عهد دقلديانوس اشت َّدت الدولة ض َّد المسيحيين الذين تشبثوا" بدينهم ،وقاموا ِبما يُشبه العصيان المدني ،وقاوموا"
اإلمبراطوريَّة ِبشراس ٍة وعناد ،ح َّتى أنَّ الكنيسة أعلنت حرمان من يُلقي السالح من رحمتها [ْ ".ورُغم أنَّ الكنيسة نجحت في تنظيم"
نفسها وفي" الصُمود بوجه االضطهادات" الرومانيَّة ،إاَّل أنها بقيت مقصور ًة على سواحل المغرب ولم تصل إلى القبائل الضاربة
نسبة إلى صاحبه دونات ً صا بها ،هو المذهب الدوناتي" - في بوادي وجبال المغرب األقصى" .وعرفت الكنيسة المغربيَّة إنقسامًا خا ً
وراضخا للسُلطات ً كاهن مهما علت مرتبته طالما كان مُستكي ًنا" ٍ الكبير ،أسقف الوطنيين ،الذي أعلن عدم االعتراف بأي
)4(.
اإلمبراطوريَّة ،وطلب االستشهاد" في سبيل ذلك واستجاب ل ُه ُكل السَّاخطين على اإلمبراطوريَّة وخاص ًَّة من طبقات الكادحين
وعندما أصبحت المسيحيَّة الديانة الرسميَّة لإلمبراطوريَّة أيَّام قُسطنطين َّ
األول ،وقف" هذا األخير ض َّد الدوناتيَّة واعتبرهم خارجين
عن القانون .وتر َّتب على تحالف اإلدارة والكنيسة ض َّد المذهب الدوناتي" أن أصبح المذهب رمز المُقاومة الشعبيَّة ،وازداد انتشاره
ِبزيادة انتشار" الفقر والبُؤس" بين األهالي الذين ثاروا ض َّد الحُكومة والطبقة الغنيَّة ،ودعوا إلى المُساواة .وحاولت" الحُكومة مُجادلة
14
حيث شهَّر به وهاجم أساليبه العنيفة ،وأباح للدولة استعمال العنف ض َّد ُ أصحاب هذا المذهب ،فكان الق ِّديس أوغسطين ألد أعدائه،
أصحاب هذا المذهب لِكسر شوكتهم وإعادتهم إلى حظيرة الكنيسة النيقيَّة .لكنَّ النتيجة جاءت عكسيَّة ،إذ تحالف الكادحون
والفُقراء مع الدوناتيَّة ،واستمرَّ الصراع إلى وفاة دونات سنة355 م ،واتخذ شكل الثورة الوطنيَّة في طرابُلس ونوميديا" إلى
سنة375 م .وبعد وفاة دونات استمرَّ أوغسطين في مُحاربة المُنشقين عن الكنيسة الوطنيَّة والهراطقة ح َّتى انتصرت الكنيسة
اإلفريقيَّة على أعدائها ،على أنَّ الدوناتيَّة استمرَّ ت بعض جماعاتها إلى القرن السَّادس الميالديّ .وعندما وقعت بال ُد المغرب تحت
حُكم قبائل الوندال الجرمانيَّة ،ابتدأ فص ٌل جديد من فُصول الصراع الدينيّ ،فقد فرض الوندال على الناس مذهبهم اآلريوسي" الذي
()1
يقول بطبيعة المسيح البشريَّة ،واضطهدوا النصارى" النيقيين وصادروا" أمالك الكنيسة وأموالها" وحوَّ لوها" إلى اآلريوسيين.
ولمَّا استعاد الروم البالد المغربيَّة من الوندال ،أخذت الدولة تعمل على حسم الخالفات الدينيَّة ،فاستعاد البيزنطيّون الكنائس
المُغتصبة ،وثأروا" من اآلريوسيين أشد الثأر ،واضطهدوا" الدوناتيَّة وكذلك اليهود ،ولكنَّ ذلك لم يمنع انتشار" مذاهب جديدة
مثل النسطوريَّة القائلة ِب ُثنائيَّة طبيعة المسيح :اإللهيَّة واإلنسانيَّة .ولم تنت ِه مشاكل المسيحيَّة عند هذا الحد ،إذ انقسم اليعاقبة
أصحاب مذهب الطبيعة الواحدة ،وهو المذهب الرسمي لإلمبراطوريَّة البيزنطيَّة على أنفُسهم ،وتدخلت
ت كان من نتيجتها ثورة أهل اإلمبراطورةُ ثيودورا" زوجة جُستنيان في سبيل المُحافظة على وحدة الكنيسة ،وقامت ِبإجراءا ٍ
إفريقية الذين احتجوا على اإلمبراطور في القُسطنطينيَّة والبابا في روما .واستخدم جُستنيان ض َّدهم العنف واإلرهاب مما عمل
الظهور" بعد أن انتشرت المفاسد بين على اتساع الهُوَّ ة بين اإلمبراطوريَّة وإفريقية )2(.وخِالل هذه الفترة عاود المذهب الدوناتي ُ
دور هام في سياسة ً
ونتيجة لِقيام إفريقية ِب ٍ رجال الكنيسة كالرشوة وقلَّة االنتظام" والتحاسد .ومع مطلع القرن السابع الميالديّ
اإلمبراطوريَّة القاضية ِبخلع اإلمبراطور فوقاس" وتزويد" الجيش البيزنطي" بالرجال لِحرب الفُرس الساسانيين وإخراجهم" من مصر
كبير من الحُريَّة الدينيَّة واالطمئنان ،واستغ َّل
ٍ وال َّشام ،أنعم هرقل عليها فشهدت عصرً ا من السالم ،وتمتع أهلها ِبقسطٍ
األول هذا الهُدوء فأرسل البعثات التبشيريَّة إلى المناطق الداخليَّة لِنشر المسيحيَّة بين البربر ،فنجحت بعضها البابا جرجير" َّ
بذلك .وترتب على ذلك أن ازدهرت عالقة الكنيسة اإلفريقيَّة ِبروما ،مع احتفاظها ِبعالقتها" اإلداريَّة مع القُسطنطينيَّة .وفي
سنة638 م ظهر في إفريقية مذهبٌ جديد هو مذهب بطريرك القُسطنطينيَّة سرجيوس" األوَّ ل ،المشهور بالمذهب المونوثيليتي أو
رغبة من ُه في اكتساب تأييد ً مذهب المشيئة الواحدة الذي يقول بالطبيعة اإللهيَّة واإلنسانيَّة م ًعا للمسيح ،وقد وقف" إلى جانبه هرقل
اليعاقبة وإنهاء الصراعات المذهبيَّة في البالد .وعارضت الكنيسة اإلفريقيَّة هذا المذهب ،وانتهى" األمر بأن أعلنت ُأسقفيَّة قرطاج
عدم صالحيَّة اإلمبراطور لِحُكم البالد والعباد" وأ َّن ُه يجب خلعه عن العرش .وسُرعان ما تع َّقد الموقف" أكثر مع الفتح اإلسالميّ
لِمصر ،إذ وفد بعض القساوسة اليعاقبة من مصر" إلى إفريقية لِنشر مذهبهم ،وكان لِحماسهم في الدعوة أث ٌر كبير في جعل
اإلمبراطور قُسطنطين الثالث بن هرقل يسمح لهم ِبمُمارسة شعائر مذهبهم ِبحُريَّة .وأ َّدى انتشار مذهبهم في إفريقية إلى وُ قوف"
قساوسة هذه األخيرة في وجه اإلمبراطوريَّة وإلى انفصالهم" شيءًا فشيًئ ا عنها .وعندما تولَّى اإلمبراطور" قُنسطانز" العرش
سنة641 م وكان مُعتن ًقا المونوثيليتيَّة ،لم يأل رئيس مُعارضة هذا المذهب في إفريقية ،وهو اُألسقف مكسيموس "،لم يأل ج ً
ُهدا في
دفع ُس َّكان المغرب المسيحيين والبربر إلى إعالن خلعهم لِطاعة اإلمبراطور وتنصيب" حاكم إفريقية البطريرك جرجير" بن
نيقيتاس على العرش 3،وكان المُسلمون حينها على وشك أن يفرغوا من فتح مصر ،وطرق" باب المغرب.
Treadgold, Warren (1997)، A History of the Byzantine State and Society ، Stanford, California: . 1
،Stanford University Pressص"312 ".
Treadgold, Warren (1997)، A History of the Byzantine State and Society ، Stanford, California: . 2
،Stanford University Pressص"935 ".
Pringle, Denys (1981)، The Defence of Byzantine Africa from Justinian to the Arab Conquest: An . 3
Account of the Military History and Archaeology of the African Provinces in the Sixth and Seventh
،Century، Oxford, United Kingdom: British Archaeological Reportsص"47 ".
15
المبحث الثالث
الفتح الإلسالمي لبالد المغرب
16
1/ -المرحلة األولى لفتح المغرب
2/ -المرحلة الثانية لفتح المغرب
3/ -المرحلة الثالثة لفتح المغرب
17
)1المرحلة األولى لفتح المغرب:
عاد عمرو بن العاص إلى مصر ،ومكث فيها إلى أن عزله الخليفة عثمان بن عفان ،وفي هذه السنين ارتدت طرابلس عن سيطرة
المسلمين؛ حيث وصلتها بعض إمدادات البيزنطيين ،فيما حافظ" عقبة بن نافع على برقة ،وتوطدت" عالقاته بالقبائل المحيطة بها،
والتي دخل أغلبها في اإلسالم (1).ث ّم قرّ ر الخليفة عثماء استئناف الفتح اإلسالمي لبالد المغرب تحت قيادة واليه الجديد على مصر
عبد هللا بن سعد بن أبي السرح الذي سرعان ما أرسل السرايا ،ثم خرج بالجيش نحو المغرب ،فالقاه عقبة ومن معه ممن أسلم
من القبائل ،وعلى الطريق تجاوز قابس لعظم تحصينها ،ثم جرت بينه وبين البيزنطيين معركة سبيطلة الفاصلة ،والتي قُتل فيها
قائدهم جرجير ،فسقطت بعد مقتله المدينة ،وغنم المسلمون غنائم عظيمة ،ثم اتجه إلى قفصة وحصن األجم ،فصالح أهلها على
ً
عائدا لكن أهل إفريقيا نقضوا العهود" سريعً ا" فعاد عبد هللا لغزوها" دفع جزية كبيرة على أن يعود المسلمون ،فقبل عبد هللا ،وقفل
)(2
ومن بعده الوالي الجديد معاوية بن حديج التجيبي.
( 2المرحلة الثانية لفتح المغرب:
انشغلت األمة اإلسالمية بالفتن التي تبعت مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان ،فتوقفت الفتوح حتى استقرت الخالفة لبني أمية،
حيث و ّجه الخليفة معاوية بن أبي سفيان ج ّل اهتمامه الستكمال الفتح اإلسالمي لبالد المغرب ،فعيّن ابن حديج واليًا على مصر
ليستكمل الفتح ،ثم تبين له ضعفه ،فعين عقبة بن نافع المتم ّرس بالشؤون اإلفريقية ،فبدأ عقبة ببناء مدينة القيروان ،وحقق عدة
نجاحات أغرته باتباع سياسات مستقلة عن سلطة الخليفة في دمشق ،كانت متشددة أغلب األحيان ،ال تتوافق" مع الطبيعة المرنة
لسياسة معاوية ،فعزله ،وعين مسلمة بن مخلد على مصر ،وأبا المهاجر دينار على إفريقيا ،وا ّتبع أبو المهاجر سياسة ذكية في
استمالة القبائل ،وقد أعطت سياسته نتائج باهرة على المدى الطويل ،فأسلم له كسيلة زعيم البربر البرنس الذي كان نصران ًيا"
محال ًفا للبيزنطيين ،فساعده هذا الزعيم في التوغل غربًا حتى تلمسان بعد وفاة معاوية آلت الخالفة البنه يزيد ،فأعاد عقبة إلى
والية المغرب ،فسارع" عقبة إلى تجهيز الجيش ،ونطلق في حمالت سريعة ،انتصر" فيها على البيزنطيين في بغاية وممس دون
أن يحتل المدن ،ثم انتصر بمعركة كبرى قرب تلمسان ،ثم هزم البربر والبزنطيين في تاهرت ،وخاض معركة كبرى في الزاب
قرب مدينة أربة ،فانتصر ،وانطلق نحو المغرب األقصى "،فتسلم طنجة من صاحبها يوليان بدون قتال ،وانتصر" على البربر
الذين تجمعوا حيث تقع اليوم مدين فاس .وهكذا وصل إلى سواحل المحيط األطلسي ساح ًقا كل من قاومه من البيزنطيين والبربر،
لكنه في تلك الفترة كان ينتهج مع من أسلم من البربر سياسة اقصائية ،فانقلب عليه كسيلة زعيم البربر" البرنس ،وعاد لمحالفة
)(3
البيزنطيين ،وأوقع بجيش عقبة هزيمة كبرى قرب مدينة تهوده ،وفي هذه المعركة استشهد عقبة بن نافع فاتح بالد المغرب.
(3المرحلة الثالثة لفتح المغرب:
ّأثر استشاد" عقبة على معنويات المسلمين ،فسيطر كسيلة على مدينة القيروان ،ثم استمر تقهقر المسلمين مع انشغال الدولة األموية
بإخماد الثورات والنزاعات الداخلية ،ومع استقرار" األمور" في عهد عبد الملك بن مروان أوعز للقائد زهير بن قيس البلوي
المتمركز مع جنوده في برقة باستعادة القيروان ،فقرر كسيلة إخالء المدينة ،والتراجع مع جيشه الكبير إلى مكان قريب من مدينة
ممس؛ حيث انهزم كسيلة ،وقُتل .لكن البيزنطيين هاجموا برقة في هذه األثناء بأساطيل" انطلقت من القسطنطينية؛ لعلمهم بخلوها
من جيش المسلمين ،فأسرع زهير البلوي بالعودة ،لكنه القى جموعً ا عظيمة من الروم البيزنطيين ،فهُزم وقُتل مع عدد كبير من
أصحابه ،فتوقفت الفتوح لسنوات عديدة جهز خاللها عبد الملك جي ًشا جدي ًدا في مصر لمعوادة الكرّ ة (4).قاد حسان بن النعمان
الغساني الجيش ،ففتح المناطق الداخلية مبتع ًدا عن البيزنطين في الساحل ،واستطاع" حسان أن يكسب والء البربر ،وقلّبهن على
البيزنطيين ،وض ّم بعضهم إلى جيشه ،ثم زحف بهم إلى قرطاجة ،فسلمتها" الحامية البيزنطية بعد وقت قصير ،ثم طرد البيزنطيين"
" .الفتح اإلسالمي للمغرب"ّ ،www.marefa.org ،
اطلع عليه بتاريخ .2019-08-09بتصرّ ف. 1
.محمود شيت خطاب ( ،) 1984قادة فتح المغرب العربي (الطبعة السابعة) ،دمشق-سوريا :دار الفكر ،صفحة ،161-169-159جزء .1بتصرّ ف. 4
18
من صفطورة ،وبها ت ّم االستيالء على ساحل المغرب األوسط ،لكنّ تجمعًا كبيرً ا للبربر البتر بقيادة امرأة يقال لها الكاهنة أوقعوا"
الهزيمة بالمسلمين ،فخسروا إفريقيا من جديد ،وعادوا إلى برقة ،فيما استب ّدت الكاهنة بالمغرب خمس سنين استعْ دَ ت بها القبائل
والمسيحيين الذين رحبوا بعودة المسلمين بعد ذلك ،وآزروهم" ض ّد الكاهنة التي هُزمت وقُتلت في إحدى المعارك .بعد هذا
االنتصار ،وبسبب ضعف القبائل لسنين القتال الطويلة كانت مهمة الفتح النهائي للمغرب األقصى سهلة بقيادة موسى بن نصير
الذي غزاه سنة 85هـ ،ففتح درعة والسوس" وصالح صاحب سبتة على دفع الجزية ،ثم جعل مواله من البربر طارق بن زياد
واليًا على طنجة ،وكان لموسى بن نصير" دورً ا كبيرً ا في إتمام الفتح اإلسالمي" لبالد المغرب؛ حيث أمر المسلمين بتعليم البربر
اللغة العربية وأحكام الدين الجديد ،فانتهت سنين الفتح بإسالم جميع القبائل في المغرب األدنى واألوسط واألقصى ،وكذلك في
السودان وتخوم الصحراء الكبرى ،وبدأ بالتعاون مع البربر في التمهيد لفتح األندلس من خالل غزو الجزر القريبة لشل حركة
)(1
األساطيل البيزنطية في البحر المتوسط".
" .قصة قادة فتح المغرب العربي وصور من حضارة المغرب اإلسالمية"ّ ،www.alukah.net ،
اطلع عليه بتاريخ .2019-08-12بتصرّ ف. 1
19
خاتمة
20
خاتمة:
إن الوقوف" على هذه الفترة المؤلمة من تاريخ المغرب اإلسالمي ،يبعث في النفس الشعور" باأللم و الخيبة في آخر والة بني
أمية الذين نسوا الهدف النبيل الذي من أجله فتح المغرب ،و من أجله أسلم البربر ،و من أجله أرسل الرسول محمد صلى هللا
عليه و سلم.
إن الظلم و إن طال سيطول الظالم و يرمي به في ظلمات التاريخ ليذكر كطاغ منبوذ ،لقد ضاعت الدولة اإلسالمية بين
مجون الحكام و سيطرة الجواري و بين أصحاب المطامع فكان ذلك نذير الفناء الذي عصف بالدولة و حولها إلى فريسة كثرت
السكاكين ناحريها،عندما" أضحت الدولة األموية دولة عربية بإمتياز أكثر منها دولة إسالمية ،فتمكنت منها القومية أكثر من
غيرها من الدول التي سبقتها و التي جاءت بعدها.
21