You are on page 1of 22

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالـــــــي و البحث العلمــي‬


‫‪-‬المركز الجامعي أحمد بن عبد الرزاق حمودة ‪-‬سي الحواس‬
‫معهد العلوم االنسانية و االجتماعية‬
‫قسم التاريخ‬

‫المغرب عشية الفتح اإلسالمي‬

‫‪:‬تحت إشراف األستاذة‬ ‫‪ :‬من اعداد الطالب‬

‫د‪.‬كريبي‬ ‫ياسر حسين‬

‫‪2022 - 2021‬‬ ‫السنة الجامعية‬


‫خ ـطـ ــة الـبح ــث‬
‫‪ ‬م ـق ــدمــة‪:‬‬
‫‪ ‬المب ـ ـ ــحث األول‪ :‬الفتوحات اإلسالمية‬
‫المطلب األول‪ :‬ماهية الفتوحات اإلسالمية‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أسباب الفتوحات اإلسالمية‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬حروب الفتوحات اإلسالمية‪.‬‬
‫المب ـ ـ ــحث الثاني‪ :‬أوضاع المغرب عشية الفتح اإلسالمي‬
‫المطلب األول‪ :‬الوضع السياسي و العسكري‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الوضع اإلقتصادي‬
‫المطلب الثالث‪ :‬الوضع الديني‬
‫‪ ‬المب ـ ـ ــحث الثالث‪ :‬الفتح اإلسالمي لبالد المغرب‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬المرحلة األولى لفتح المغرب‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المرحلة الثانية لفتح المغرب‬
‫المطلب الثالث‪ :‬المرحلة الثالثة لفتح المغرب‬
‫‪ ‬خ ــاتـم ــة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫أت ّم المسلمون بقيادة عمرو بن العاص فتح مصر سنة ‪ 20‬هـ‪ ،‬وبدخوله اإلسكندرية انسحب كثيرة من الروم" البيزنطيين إلى‬
‫بيزنطة‪ ،‬وتقهقر القسم األكبر غربًا إلى إفريقيًا‪ ،‬فلمّا ّ‬
‫نظم عمرو أمور" المسلمين في مصر تطلع إلى فتح باقي" إفريقية للحيلولة‬
‫امتدادا طبيعيا لمصر‪ ،‬فسار" بجيشه سنة ‪21‬‬ ‫ً‬ ‫دون أي محاولة من البيزنطيين الستعادة مصر؛ السيما أن برقة وطرابلس تعتبران‬
‫هـ إلى برقة‪ ،‬فدفع أهلها الجزية‪ ،‬ثم فتحت فزان على يد عقبة بن نافع‪ ،‬فيما اتجه عمرو إلى طرابلس لفتحها‪ ،‬وتم له األمر بعد‬
‫حصار دام شهرً ا‪ ،‬وقد أغرت هذه االنتصارات وما جمعه المسلمون من غنائم عمرو بن العاص للمتابعة الزحف واستكمال الفتح‬
‫‪2‬‬
‫اإلسالمي لبالد المغرب الحقيقي؛ أي بالد تونس والجزائر" والمغرب" حاليا لكن الخليفة عمر بن الخطاب رفض؛ حذرً ا من تحصّن‬
‫الرومان في تلك البالد‪ ،‬لتبدأ بعد خالفة عمر مراحل الفتح‬
‫يعتبر الفتح االسالمي لبالد المغرب نتيجة حتمية اقتضتها طبيعة الحركة االسالمية التي كانت تهدف الى نشر الدين االسالمي‬
‫و توسيع امتداد الدولة االسالمية من الناحية الغربية‪ ،‬و تصفية االمبراطرية البيزنطية المعادية لالسالم‪ ،‬خصوصا" وان بالد‬
‫المغرب انذاك كانت والية من الواليات التابعة لها ‪ ،‬باالضافة الى ذلك أن الفتح جاء تامينا لفتوحات مصر باألساس‪.‬‬
‫يعالج هذا الموضوع" اشكالية الفتح االسالمي لبالد المغرب و أثره الحضاري ‪.‬فما هي المراحل التي تم مر بها الفتح ؟ وماهي‬
‫التغيرات التي أحدثها من الناحية الحضارية ؟ ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫المبحث األول‬
‫الفتوحات اإلسالمية‬

‫‪1/ -‬ماهية الفتوحات اإلسالمية‬


‫‪2/ -‬أسباب الفتوحات اإلسالمية‬
‫‪3/ -‬أهم المعارك في تاريخ المسلمين‬

‫‪4‬‬
‫ماهية الفتوحات اإلسالمية‪:‬‬ ‫‪)1‬‬
‫هي عدة حروب خاضها المسلمون بعد وفاة الرسول محمد ضد بيزنطة والفرس والقوط في السنوات ما بين (‪)732–632‬‬
‫في العهدين الراشدي واألموي‪ ،‬كان من نتائج الغزوات سقوط مملكة الفرس وفقدان البيزنطيين إلقاليمهم في الشام وشمال" أفريقيا"‬
‫ومصر نشر اإلسالم ونشر اللغة العربية معه ومن ثم ظهور الحضارة العربية اإلسالمية‪ .‬وأقصى ما وصلت إليه الفتوحات‬
‫اإلسالمية في عهد الخالفة األموية‪ ،‬حيث شملت بالد الخزر كاملة بين عامي ‪737‬م و‪740‬م‪.‬‬

‫بعد وفاة الرسول في المدينة اختير أبو بكر خلفا ً له وحارب قبائل العرب في ما يسمى حروب الردة وبعدها" استولى المسلمون‬
‫على بالد الروم البيزنطيين والفرس الساسانيين‪ .‬فسيطروا على الشام ومصر والعراق" وفارس‪ .‬ولقد ظلت الخالفة الراشدة ثالثين‬
‫عاما (‪ 661 – 632‬م)‪ .‬وفي" عهد الخليفة عمر بن الخطاب أقيمت أول المدن اإلسالمية كـ كالكوفة والفسطاط ومدن إسالمية‬
‫عديدة‪ .‬وقد" فتح األمويين سجستان بما يعرف" فتح سجستان‪.‬‬

‫تأسست الدولة األموية ‪ 750 – 661‬م وكانت عاصمتها" دمشق وحكمت حوالي قرن‪ .‬وكانت تمتد من غربي الصين إلى جنوب‬
‫فرنسا حيث كانت الغزوات اإلسالمية وقتئذ تمتد من شمال أفريقيا إلى إسبانيا" وجنوب فرنسا غرب أوروبا‪ ",‬وبالسند وسط آسيا‬
‫وفيما وراء نهري جيحون وسيحون‪ .‬وأقيمت" المؤسسات" اإلسالمية والمساجد" والمكتبات في كل المناطق" التي غزاها األمويون‪.‬‬

‫وحاول األمويون بدمشق فتح مدينة القسطنطينية عام ‪717‬م‪  .‬وإبان حكمهم فتحوا جميع بالد شمال أفريقيا‪ .‬وكان أول نزول‬
‫لقوات إسالمية في عصر الدولة األموية وضمت أرض األندلس بشبه جزيرة إيبيريا(أسبانيا" والبرتغال)‪ .‬فكان أول انتصار"‬
‫للمسلمين هناك عام ‪ 92‬هجرية ‪ 711‬م في معركة وادي البرباط‪ ,‬لتبدأ مسيرة الفتوحات اإلسالمية بجنوب إيطاليا وصقلية‪ .‬فلقد‬
‫بلغت الجيوش اإلسالمية برنديزي" والبندقية بإيطاليا على البحر األدرياتيكي‪ ".‬وخضعت كل جزر البحر األبيض المتوسط من‬
‫إقريطش شرقا" حتى قورشقة غربا للحكم اإلسالمي‪.‬‬

‫وكانت الخالفة األموية الثانية باألندلس ‪ 1031 – 756‬م عاصمتها قرطبة التي شيدها األمويون على غرار عاصمتهم دمشق‪.‬‬
‫وكانت أكبر مدينة في أوروبا‪ ".‬وحكموا األندلس زهاء ثمانية قرون حتى قسمتها التناحرات السياسية بين العائالت الحاكمة‬
‫لدويالت أدت إلى سقوط الحكم اإلسالمي‪ .‬والسيما" بعد سقوط مملكة غرناطة بيد الملوك الكاثوليك" عام ‪ 1492‬م فريناندو"‬
‫وإيزابيال‪ .‬وعندما كانت الحضارة األندلسية في عنفوانها‪ ،‬كانت موقعة بواتييه (بالط الشهداء) قرب تولوز بوسط فرنسا" قدأوقفت‬
‫المد اإلسالمي الكاسح لشمالها‪ .‬حيث لم ينتصر" عبد الرحمن الغافقي على الفرنجة عام ‪ 114‬هجرية (‪ 732‬م) عندما قتل بها‬
‫في معركة بالط الشهداء‪ .‬لكنهم رغم هذه الهزيمة‪ ،‬واصلوا" فتوحاتهم حتي أصبحت تولوز" وليون ونهر" اللوار تحت السيادة‬
‫اإلسالمية ولكن كان فتحهم لتولوز" لفترة قصيرة تبلغ ثالثة أشهر نجح بعدها الدوق أودو (الذي يعرف" بيودس) الذي ترك المدينة‬
‫للبحث عن المساعدة من العودة مع جيش لينتصر" على الجيوش اإلسالمية في معركة تولوز في ‪ 9‬جوان‪ .721 ،‬وكان المسلمون‬
‫قد بلغوا نهر السين وبوردو وجنوب إيطاليا (أطلقوا عليه البر الطويل)‪.‬‬

‫وما بين سنتي ‪ 910‬و‪ 1171‬م‪ ،‬وكان ظهور السالجقة في المشرق والفاطميّون بالقاهرة واأليوبيّين والمماليك في الشام‬
‫ومصر‪ .‬وكانت الحمالت الصليبية على سوريا" وفلسطين ومصر" والسيطرة على القدس‪ .‬وفي عام‪1187‬م تمكن صالح الدين‬
‫من السيطرة على القدس وانتزاعها من الصليبيين‪.‬‬

‫وكان إحراق المغول التتار لبغداد عام ‪ 1258‬م بعدما كانت عاصمة الخالفة العباسية خمسة قرون‪.‬وكانوا" وثنيين‪ .‬لكنهم أسلموا‬
‫عند عودتهم‪ .‬فكانوا لإلسالم داعين ومبشرين" له بين قبائلهم‪ .‬وأقاموا" تحت ظالله اإلمبراطوريات والممالك اإلسالمية بأفغانستان‬
‫وباكستان وشبه القارة الهندية وبالملتان والبنغال وآسيا الوسطي" وأذربيجان والقوقاز" والشيشان وفارس وغيرها من بلدان المشرق‬
‫اإلسالمي‪ .‬حيث أقاموا الحضارة اإلسالمية المغولية والتركية التي ما زال أوابدها ماثلة حتي اليوم‪ .‬وكان تيمورلنك" قد أقام‬

‫‪5‬‬
‫اإلمبراطورية التيمورية عام(‪ 1401 – 1379‬م) وكانت العاصمة سمرقند" بوسط" آسيا‪ .‬وقد" حكم إيران والعراق" والشام وحتى‬
‫الهند‪ .‬وكانت وقتئذ" طرق" القوافل التجارية العالمية تحت سيطرة المسلمين‪ .‬سواء طريق" الحرير الشهير أو تجارة المحيط الهندي‬
‫بين الشرق األقصى وشرق" أفريقيا‪ .‬وكان السقوط األخير للقسطنطينية(عام ‪ 1453‬م)‪ ,‬عاصمة اإلمبراطورية البيزنطية(الروم)‪.‬‬
‫وكان هذا السقوط علي يد محمد الفاتح العثماني‪ .‬وأطلق عليها إسالم بول (إستانبول) بعدما جعلها عاصمة للخالفة العثمانية‬
‫(الدولة العثمانية) (‪ 1924 – 1350‬م)‪ .‬وكان لسقوط القسطنطينية صداه في العالم اإلسالمي كله حيث أقيمت الزينات بدمشق‬
‫والقاهرة وشمال أفريقيا ألن هذا النصر كان نهاية للكنيسة الشرقية والسيما بعد تحويل مقرها إلي أيا صوفيا‪ .‬ثم أستطاع‬
‫العثمانيون غزو رومانيا" والصرب والبوسنة والهرسك" والمجر وألبانيا واليونان وجورجيا (بالد الكرج) وكرواتيا وأجزاء شاسعة‬
‫من روسيا (القوقاز) وأوكرانيا (القرم) [بحاجة لمصدر]‪.‬ولقد" حاصروا فيينا قلب أوروبا المسيحية ثالث مرات أيضا‪ .‬وحشد البابا‬
‫في الفاتيكان قوات أوروبا لوقف الزحف اإلسالمي وأستطاع أن يرد العثمانين بعد بقائهم لمدة شهرين فقط في معركة فيينا في‬
‫‪ .1683‬ومن بعدها كان خبز الكرواسون ومعناه الهالل (بالفرنسية) يصنع على هيئة الهالل ليأكله األوربيون في أعيادهم‬
‫لالحتفال باالنتصار" على العثمانيين الذي كان علمهم يحتوي على هالل وكل هذا فضال عن بلوغ التتار المسلمين القوة التي‬
‫مكنتهم من محاصرة موسكو وغزوها لوال ان قبل اهلها بدفه الجزية للتار المسلمين‪.‬‬

‫وفي ظالل الحكم اإلسالمي ظهرت مدن تاريخية منها ما هو كان قائم" وازدهر ومن ما هو جديد كالكوفة وحلب وحمص‬
‫والبصرة ودمشق وبغداد" والرافقة الرقة والفسطاط والقيروان وفاس ومراكش والمهدية والجزائر وقرطلة وغيرها‪ .‬وقد" خلفت‬
‫الحضارة اإلسالمية مدنا متحفية تعبر عن العمارة اإلسالمية كإستانبول" بمساجدها ودمشق" بعمائرها" اإلسالمية والقاهرة وحلب‬
‫والمهدية والقيروان بتونس وبخاري" وسمرقند وحيدر" أباد وقندهار وبلخ وترمذ" وغزنة وبوزجان وطليطلة وقرطبة وإشبيلية‬
‫(‪)1‬‬
‫ومرسية وأصفهان وتبريز ونيقيا وغيرها من المدن اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ )2‬أسباب الفتوحات اإلسالمية‪:‬‬


‫ّ‬
‫تتمثل أسباب الفتوحات اإلسالمية في‪ :‬ارتداد بعض المسلمين عن اإلسالم‪ ،‬نشر الدعوة اإلسالمية‪ ،‬والدفاع عن الدولة‬
‫اإلسالمية‪ .‬وتفصيل ذلك تاليُا‪.‬‬
‫ارتداد بعض المسلمين عن اإلسالم‬
‫اشتع َل الخالف بين أصحاب الرسول بعد وفاته مباشرة بشأن موضوع خالفة الرسول" والسيطرة على السلطة‪ ،‬فاألنصار طالبوا"‬
‫طالب المهاجرون بها في مكة المكرمة‪ ،‬ومن أجل ذلك اجتمع‪ ‬أبو بكر الصديق‪ ‬وعمر بن الخطاب‪ ‬وأبو عبيدة‬ ‫َ‬ ‫بالخالفة‪ ،‬وكذلك‬
‫إقناع الجميع بأنّ أبا بكر الصّديق" هو األنسب لخالفة الرسول محمّد‪ ،‬كان خبر وفاة الرسول بمثاب ِة‬
‫َ‬ ‫عامر بن الجراح‪ ،‬واستطاعوا‬
‫الصّدمة للجميع‪ ،‬وفي" الوقت نفسِ ه كان ذريعة لبعض‪ ‬القبائل العربية‪ ‬بالتنصّل من سيطرة مكة عليهم من جهة‪ ،‬بسبب النزعات‬
‫القبلية في الجزيرة العربية‪ ،‬إضافة إلى فرصة الته ّرب من الزكاة التي فرضها" عليهم اإلسالم‪.‬‬
‫ً‬
‫وتهديدا" لإلسالم في مراحلِه األولى‪ ،‬ومن هنا‬ ‫كانت‪ ‬الردة‪- ‬وهي خروج القبائل العربية من اإلسالم‪َ -‬حد ًَثا كبيرً ا في تاريخ اإلسالم‬
‫كان القرار بمواجهة هذه الظاهرة بطريقة حازمة وشديدة من قبل خليفة المسلمين األول أبي بكر الصديق‪ ،‬وهذا ما أدى إلى وقوع‬
‫حروب الردة التي كانت الشرارة التي أشعلت فكرة الفتوحات اإلسالمية‪ ،‬خصوصً ا أن العرب المسلمين في مرحلتهم" األولى كانوا‬
‫الحيوي بالنظر إلى ضرورة ذلك في ظ ّل‬‫ّ"‬ ‫محاصرين من قبل‪ ‬الفرس‪ ‬والروم‪ ،‬وكان ال ُب ّد لهم من السيطرة على مجالهم الجغرافي"‬
‫العداء القديم بين العرب والروم والفرس ووقوع" أراضيهم تحت سيطرة هذه اإلمبراطوريات الكبيرة‪ .‬سلسلة الحروب التي ش ّنتها‬
‫القوات العربية اإلسالمية على القبائل العربية بسبب‪ ‬الردة‪ ‬عن اإلسالم أو ما ُسمّي‪ ‬بحروب الردة‪ ،‬أوقعت خسائر" فادحة في‬
‫صفوف المسلمين وقتل نتيجتها مئات الصحابة وعشرات من كبار قادة المسلمين‪ ،‬وتركت هذه الحروب َشرْ ًخا كبيرً ا في صفوف"‬
‫‪1‬‬
‫‪. Hoyland, Robert G. (2014). In God's Path: The Arab Conquests and the Creation of an Islamic Empire. Oxford University‬‬
‫‪Press. ‬‬
‫‪6‬‬
‫شام‪ ،‬هذا ما أ ّدى إلى فكرة وجوب‬ ‫القبائل العربية داخل الجزيرة العربية واليمن امت ّدت إلى فروع" القبائل العربية في العراق وال ّ‬
‫إلهاء الناس في أمور أكبر من ذلك خارج الجزيرة العربية‪ ،‬تحدي ًدا يعمل على إعادة وحدة صفّ هذه القبائل التي تعد نواة اإلسالم‬
‫(‪)1‬‬
‫البشرية‪.‬‬
‫قرار إعادة الوحدة لصفوف العرب من خالل وحدة القرار السياسي وتركيز" الجهود خارج الجزيرة العربية كانت األساس الذي‬
‫انطلقت منه الجهود لتجهيز الجيوش العربية لحملة الفتوح اإلسالمية خارج الجزيرة العربية‪ ،‬وأسهم في ذلك عداوة بعض‪ ‬القادة‬
‫العرب للفرس‪ ،‬مما جعلهم يقاتلون كل من واجههم من الفرس في المناطق المحاذية للجزيرة العربية من األراضي العراقية التي‬
‫(‪)2‬‬
‫تقع تحت االحتالل الفارسي‪.‬‬
‫نشر الدعوة اإلسالمية‬
‫يع َت ِبر الكثير من دارسي" التاريخ بأن الفتوحات اإلسالمية جاءت ألسباب فرض السيطرة وغزو الدول والمدن‪ ،‬وهذه الحجة تفتقر‬
‫إلى عدم ذكر الحقيقة التاريخية التي تفيد بأن قادة وجيوش اإلسالم خالل حمالت الفتوح اإلسالمي كانوا من الغالبية العربية‪،‬‬
‫لتحرير مناطقهم" التاريخيّة في العراق والشام ومِصر" وشمال أفريقيا‪ ،‬وقد" ارتبط اإلسالم منذ البداية بالعرب‬
‫ِ"‬ ‫وخرجوا" في البداية‬
‫كقاعدة بشريّة رافِعة ومُدافِعة عن هذا الدين الجديد‪ .‬استطاع خلفاء المسلمين األوائل بأن يحشدوا القبائل العربيّة في الجزيرة‬
‫(‪)3‬‬

‫العربية وخارجها" للتو ّحد تحت راية اإلسالم‪ ،‬وقد" َن َجحوا في ذلك في جبهات العراق والشام بالكامل‪ ،‬حيث إنهم سيطروا" على هذه‬
‫المناطق وأخرجوا" جيوش الفرس والبيزنطيين منها بعد عدة معارك كبرى‪ ،‬ومن هنا جاء ارتباط‪ ‬الدعوة اإلسالمية‪ ‬كحافز للوحدة‬
‫القومية بين العرب لقتال الجيوش األجنبية التي سيطرت على أراضيهم" لمئات السنين‪ ،‬ومن هنا يتم الربط بين‪ ‬الدعوة‬
‫اإلسالمية‪ ‬العالمية وبين حاميلها العرب الذين أدركوا أن نشر‪ ‬دعوتهم اإلسالمية‪ ‬ال بد لها من قوة بشرية لكي تنشرها وتدفع" الظلم‬
‫الفارسي‪ ‬والبيزنطي‪ "،‬مما أسهم في دفع‬
‫ّ"‬ ‫ضا عن أهلها‪ .‬كانت الظروف" الحياتية في مناطق العراق والشام صعبة تحت االحتاللَيْن‬ ‫أي َ‬
‫سكان هذه المناطق بالوقوف مع الجيوش اإلسالمية ورفدها بالعنصر" البشري‪ ،‬وقد" كانت الدعوة اإلسالمية وفكرة نشرها في هذه‬
‫المناطق للدفاع عن اإلسالم من جهة‪ ،‬والقضاء على الظلم الواقع على أهل هذه المناطق" من جهة أخرى عاماًل أساسيًا في انطالق‬
‫هذه الفتوحات والسير بها‪ ،‬فقد شاهدت الجيوش اإلسالمية هذا الظلم بصورة مباشرة بعد مخالطتهم" سكان هذه المناطق خالل‬
‫حروب الردة‪ ،‬وبسبب قربهم" من سكان هذه المناطق" العرب‪ .‬ترتكز‪ ‬الدعوة اإلسالمية‪ ‬على نشر الدين اإلسالمي بين غير‬
‫المسلمين وال ّدفاع" عن المسلمين بشكل خاص وعن المظلومين من غير المسلمين عمومًا‪ ،‬وفي" ظل انتشار الفقر والظلم في مناطق‬
‫العراق والشام‪ ،‬تعددت الدوافع لنشر هذه الدعوة التي يرى أصحابها بأنها الدعوة الحق وأنها الحل األسلم لرفع الجور والظلم‬
‫ضا‪ ،‬والمنطق يعكس عدم جدوى نشر الدعوة بال أرضية قوية سياسيًا لحاملي هذه الدعوة الفكرية‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫وتقوية اإلسالم أي ً‬
‫أن الفرس جاهروا" بعدائهم لهذه الدعوة ووقفوا في وجهها في مناطق العراق لحماية مناطق نفوذهم التاريخية‪ ،‬كذلك فعل‬
‫البيزنطيون في الشام ووقفوا" في وجه المد اإلسالمي في القبائل العربية‪ ‬الغسانية‪ )4(.‬هذه العداوة التي عكستها تصرفات الفرس‬
‫والروم" كانت بمثابة تهديد للدعوة اإلسالمية الوليدة‪ ،‬التي لم تكن لتنجح من غير سيطرتهم على العراق والشام ألسباب جيوسياسية‬
‫وسكانية‪ ،‬باإلضافة إلى نظرة القبائل العربية إلى سكان هذه المناطق نظرة األقارب ونظرة الحامي والمساند" لهم بالنظر إلى صلة‬
‫العروبة التي تجمع بينهم من القدم‪ ،‬وهذا ما أدى إلى اصطفاف" أغلبيّة القبائل العربية في صف الدعوة اإلسالمية وجيوشها التي‬
‫انطلقت إلى العراق والشام‪ .‬كانت الدعوة اإلسالمية بمثابة المقاومة وحمالت التحرير لك ّل المناطق المحيطة بالجزيرة العربية‪،‬‬
‫والتي امتدت الح ًقا إلى خارج المناطق التاريخي" للعرب بسبب النجاحات التي حققتها هذه الفتوحات وقبول بل وطلب بعض المدن‬
‫وصول هذه الجيوش لتحريرهم كما في شمال أفريقيا‪ ‬واألندلس‪ ،‬وهنا أصبحت الدعوة اإلسالمية سببًا رئيسً ا في استكمال هذه‬

‫‪ .‬الياس شوفاني‪ ،‬حروب الردة‪ :‬دراسة نقدية فى المصادر‪ ،‬صفحة ‪.52-50‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ .‬أكرم العمري‪ ،‬عصر الخالفة الراشدة محاولة لنقد الرواية التاريخية وفق مناهج المحدثين‪ ،‬صفحة ‪.66‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ .‬محود شاكر‪ ،‬موسوعة الفتوحات اإلسالمية‪ ،‬صفحة ‪ .70-68‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ .‬عبد الحميد حمودة‪ ،‬تاريخ الدولة العربية اإلسالمية منذ ظهور اإلسالم حتى نهاية العصر األموي (الطبعة ‪ ،)1‬صفحة ‪ ،112 - 110‬جزء ‪.1‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪7‬‬
‫الفتوحات وليس فقط في انطالقها‪ ،‬فقد كانت أغلب تصرفات جيوش الفتح مبشرً ا بحلول زمن الخير والعدل لك ّل من رزح تحت‬
‫(‪)1‬‬
‫حكم اإلمبراطوريات" األخرى وعايش الظلم والفقر‪.‬‬
‫الدفاع عن الدولة اإلسالمية‬
‫كان القرار بتحويل حروب الردة إلى حرب شاملة ضد اإلمبراطوريتين ‪-‬الساسانية والبيزنطية‪ -‬خالل فترة خالفة‬
‫أبي بكر الصديق‪ ،‬وقد كان القرار بإجماع كبار الصحابة رغم بعض التردد الذي أبداه بعضهم بسبب قوة هذه الدول التي‬
‫يريدون قتالها‪ ،‬وبسبب الخالفات بين القبائل العربية نتيجة حروب الردة‪ ،‬إال أن الحرب بالمعنى السياسي لها‪ ،‬هي تصدير"‬
‫ألزمة داخلية تمر فيها دولة معينة‪ ،‬وهكذا كانت الفتوحات اإلسالمية في جزء منها تصدير ألزمة حروب الردة التي استنزفت‬
‫العرب المسلمين في الجزيرة العربية‪ .‬بدأ القتال على جبهة العراق والشام بالتزامن تقريبًا‪ ،‬وحقيقة األمر أن هجوم المسلمين‬
‫على جبه َتيْ العراق والشام" كان دفا ًعا عن الجبهات الشرقية والغربية للجزيرة العربية وتوسيع" المجال الحيوي للمسلمين في‬
‫الجزيرة العربية وض ّم ماليين البشر لدولتهم والسيطرة على األسواق" المحيطة وطرق" التجارة‪ ،‬وإنهاء حالة الفوضى والقتال‬
‫في المناطق المجاورة بسبب الصراع الفارسي البيزنطي‪ )2(".‬كانت الفتوحات التي أطلقها الخليفة أبو بكر الصديق تمثل الخيار‬
‫األمثل‪ ،‬ويمكن أن يكون الح ّل الوحيد‪ ‬للدفاع عن الدعوة والدولة اإلسالمية‪ ‬في ذلك الوقت‪ ،‬إذ إنّ هجوم المسلمين على العراق‬
‫والشام حد ومنع من قدرة الفرس والروم على إعادة ترتيب أمورهم بعد الحرب التي كانت قد انتهت بينهم‪ ،‬وفي" الوقت نفسه‬
‫(‪)3‬‬
‫كانت سببًا كافيًا للكثير من عرب العراق والشام باالنضمام للمسلمين في ظل سوء مُعاملتهم من قبل الفرس والروم‪.‬‬
‫استطاعت الفتوحات اإلسالميّة إسقاط دولة الفرس بشكل نهائي‪ ،‬وحدت من قوّ ة البيزنطيين وأرجعتهم" إلى مناطق بيزنطة‪،‬‬
‫وبذلك أصبحت‪ ‬الدولة العربية اإلسالمية‪ ‬خالل الفترة األموية محميّة من جميع الجهات‪ ،‬خصوصًا بعد سيطرتها" على األندلس‬
‫وجزر البحر األبيض المتوسط" خالل القرن الهجري الثاني‪ ،‬وبالنظر" إلى أن الفتوحات استمرّ ت لمدة قرن كامل تقريبًا‪ ،‬فإنّ‬
‫المنجزات التي أنجزتها هذه الفتوحات كانت بمثابة تثبيت الدعوة اإلسالمية‪ ،‬والتأكد من بقاء اإلسالم واستمرارية وجود‬
‫الحواضن األممية له في مختلف مناطق العالم القديم‪ .‬نجحت‪ ‬الدولة األموية‪ ‬في‪ ‬تثبيط سلطة المسلمين‪ ‬في ك ّل المناطق التي‬
‫سيطر عليها المسلمون في فترة الخالفة الراشدة واستمرت فيما بعد لكي تصل إلى وسط" آسيا وجنوب أوروبا‪ ،‬في سبيل‬
‫بشكل كامل‪ ،‬خصوصً ا في ظل علم خلفاء المسلمين بأن األراضي" التي سيطروا" عليها‬ ‫ٍ‬ ‫تأمين‪ ‬حدود الدولة العربية‪ ‬اإلسالمية‬
‫لطالما كانت تحت سيطرة أجنبية‪ ،‬سيّما في مناطق الشام ومصر" وشمال" أفريقيا‪ ".‬وبذلك" كانت األهداف السياسية التي تقتضي‬
‫حماية الدولة عبر توسيع المساحة الجغرافية بينها وبين األعداء التقليديين في روما بشكل أكبر هي المحرك الرئيس الستكمال‬
‫هذه الفتوحات‪ ،‬باإلضافة إلى استكمال نشر الدعوة اإلسالمية في شتى أنحاء األرض عبر الفتوحات والتجارة وغيرها من‬
‫(‪)4‬‬
‫األساليب والطرق التي م ّكنت للمسلمين من نشر دعوتهم" في جميع القارات القديمة‪.‬‬

‫أهم المعارك في تاريخ المسلمين‪:‬‬ ‫‪)3‬‬


‫عبر التاريخ‬
‫قبل الحديث عن نتائج فتوحات المسلمين في أوروبا" سيُشار إلى بعض أهم المعارك التي خاضها المسلمون َ‬
‫والتي مهدت للسيطرة على مناطق شاسعة من العالم القديم وبناء الدولة اإلسالمية التي أصبحت من أقوى اإلمبراطوريات في‬
‫العالم‪ ،‬ومن أهم معارك" المسلمين ما يأتي‪:‬‬
‫معركة القادسية‪ :‬بعد أن وص َل خبر إلى عمر بن الخطاب ‪-‬رضي" هللا عنه‪ -‬يشي ُر إلى أنَّ الفرس يجهزون جي ًشا بقيادة‬
‫رستم لالنقضاض على المسلمين في العراق جه ََّز جي ًشا وأرسله بقيادة سعد بن أبي وقاص إلى العراق وكان ذلك في عام‬

‫‪ .‬محمود خطاب (‪ ،)1965‬قادة فتح بالد فارس إيران (الطبعة ‪ ،)1‬بيروت‪:‬دار الفتح‪ ،‬صفحة ‪ ،41-39‬جزء ‪ .1‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ .‬علي الصالبي‪ ،‬الخليفة األول أبو بكر الصديق‪ ،‬صفحة ‪ .70-69‬بتص ّرف‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ . 3 3‬علي الصالبي‪ ،‬فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‪ ،‬صفحة ‪ .437-435‬بتص ّرف‪.‬‬

‫‪ .‬محمد طقوش‪ ،‬تاريخ الدولة األموية‪ ،‬صفحة ‪ .13-12‬بتص ّرف‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪8‬‬
‫‪636‬م الموافق للسنة الخامسة عشرة للهجرة‪ ،‬انتهت بانتصار" المسلمين نصرً ا ساح ًقا مهَّد الطريق لفتح العراق كلها والسيطرة‬
‫(‪)1‬‬
‫عليها وانكسار" الدولة الفارسية فيما بعد‪.‬‬
‫معركة اليرموك‪ :‬من أعظم المعارك التي خاضها المسلمون بقيادة خالد بن الوليد ‪-‬رضي" هللا عنه‪ -‬في نهاية خالفة أبي‬
‫بكر وبداية خالفة عمر بن الخطاب‪ ،‬ح َّقق المسلمون بفضل هللا تعالى وببسالتهم" وبعبقرية خالد بن الوليد نصرً ا مؤزرً ا رغم‬
‫(‪)2‬‬
‫التفوق العددي والعسكري عند الروم‪ ،‬وبهذا النصر استطاع المسلمون فتح بالد الشام بسرعة وبأقل الخسائر‪.‬‬
‫معركة حطين‪ :‬من أشهر المعارك الفاصلة التي خاضها المسلمون في عهد صالح الدين األيوبي عام ‪1187‬م‪ ،‬وقعت‬
‫في فلسطين في منطقة حطين قرب الناصرة‪ ،‬انتصر" فيها المسلمون على الصليبيين وحرروا" جميع األراضي التي احتلها‬
‫(‪)3‬‬
‫الصليبيون من خالل الحمالت الصليبية التي قاموا بها ضد المسلمين‪.‬‬
‫نجح فيه الجيش اإلسالمي العثماني بالسيطرة على مدينة‬ ‫فتح القسطنطينية‪ :‬هو حدث هام في تاريخ المسلمين َ‬
‫القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية عام ‪1453‬م بعد حصار استمرَّ لع َّدة أسابيع بقيادة السلطان محمد الفاتح‪ ،‬وإسقاط الدولة‬
‫(‪)4‬‬
‫البيزنطية إلى األبد بعد أكثر من ‪ 11‬قر ًنا على تأسيسها‪ ،‬كما مهَّد ذلك النصر لدخول المسلمين إلى أوروبا‪.‬‬

‫‪" .‬معركة القادسية"‪ّ ،www.marefa.org ،‬‬


‫اطلع عليه بتاريخ ‪ .2019-06-09‬بتصرّف‪".‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪" .‬الفتوحات اإلسالمية"‪ّ ،www.wikiwand.com ،‬‬


‫اطلع عليه بتاريخ ‪ .2019-06-09‬بتص ّرف‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪" .‬معركة حطين"‪ّ ،www.marefa.org ،‬‬


‫اطلع عليه بتاريخ ‪.2019-06-09‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪" .‬فتح القسطنطينية"‪ّ ،www.alukah.net ،‬‬


‫اطلع عليه بتاريخ ‪ .2019-06-09‬بتص ّرف‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪9‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫أوضاع المغرب عشية الفتح اإلسالمي‬

‫‪1/ -‬الوضع السياسي و العسكري‬


‫‪2/ -‬الوضع اإلقتصادي‬
‫‪3/ -‬الوضع الديني‬

‫‪10‬‬
‫الوضع السياسي و العسكري‪:‬‬ ‫‪)1‬‬
‫كانت األوضاع" السياسيَّة في المغرب عشيَّة الفُتوحات اإلسالميَّة مُضطربة نتيجة القالقل والحُروب التي نشبت على‬
‫األراضي المغربيَّة بين‪ ‬القبائل الجرمانيَّة‪ ‬النازحة من‪ ‬القارَّ ة األوروپيَّة‪ ‬والبيزنطيين‪ ،‬وبين البيزنطيين واألهالي أنفسهم‪ .‬فقد كانت‬
‫شمال أفريقيا المغاربيَّة ُتش ِّك ُل جُزءًا من‪ ‬اإلمبراطوريَّة الرومانيَّة‪ ‬مُنذ سنة‪ 146 ‬ق‪.‬م‪ ،‬عندما تم َّكن الرومان من‪ ‬اجتياح وإسقاط‬
‫مدينة قرطاج‪ ‬خالل أواخر‪ ‬الحرب البونيقيَّة الثالثة‪ ،‬والقضاء على القُوَّ ة العُظمى" الوحيدة في المنطقة القادرة على‬
‫ت رومانيَّة نمطيَّة يحكم ُك ٌل منها‬
‫مُنافسة‪ ‬روما‪ ‬وعظمتها‪ ،‬مُحولين جميع المناطق المغاربيَّة التي كانت تتبع قرطاج إلى واليا ٍ‬
‫»برقنص« بالالتينية‪ Proconsul :‬يتبع القيصر الروماني" في عاصمة مُلكه‪ ،‬وكان عليه جباية الضرائب من ال ُس َّكان وإخضاع‬
‫خاضعة للرُومان ح َّتى سنة ‪435‬م تقريبًا‪ ،‬إذ حصل خالل تلك‬ ‫ً‬ ‫أي تمرُّ د ورد االعتداءات عن حُدود واليته‪ .‬واستمرَّ ت" المغرب‬
‫الفترة من التاريخ أن أخذت أحالف القبائل الجرمانيَّة تتحرَّ ك من شمال أورو َّپا" ووسطها" على ُ‬
‫طول الحُدود الشماليَّة‬
‫والشرقيَّة‪ ‬لإلمبراطوريَّة الرومانيَّة الغربيَّة‪ ‬على طول نهريّ ‪ ‬الطونة (الدانوب)‪ ‬والراين‪ ،‬وتمكنت في النهاية من اقتحام أراضي‬
‫اإلمبراطوريَّة واحتاللها وتقاسُمها‪ .‬وفي أثناء هذا التحرُّ ك الواسع اندفع حلف قبائل‪ ‬الوندال‪ ‬من الشمال إلى وسط أوروپَّا‪ ،‬ومنها‬
‫حيث استقرَّ ت فترة قصيرة من الوقت‪ُ ،‬ث َّم دفعتها" قبائل جرمانيَّة ُأخرى أهمها السويف"‬ ‫إلى‪ ‬الغال‪ُ ،‬ث َّم إلى‪ ‬شبه الجزيرة األيبيريَّة‪ُ  ‬‬
‫واآلالن إلى الجنوب‪ ،‬فاستقرَّ ت في الطرف" الجنوبي من شبه الجزيرة األيبيريَّة جنوبي‪ ‬نهر الوادي الكبير‪ .‬وفي سنة ‪429‬م تقريبًا‬
‫(‪)1‬‬
‫عبر الوندال إلى المغرب ِبقيادة ملكهم‪ ‬گنسريك"‬
‫وبلغت أعدادهم وفق بعض المصادر" ‪ 80,000‬شخص‪ )2(،‬ووفق مصادر" ُأخرى تراوحت بين ‪ 15,000‬و‪20,000‬‬
‫شخص‪ .‬ولم يحتل الوافدون الجُدد القطر المغربيّ ُكلَّه‪ ،‬وإ َّنما اقتصرت سيطرتهم" على شمال‪ ‬والية إفريقية‪ ،‬وسواحل‪ ‬المغرب‬
‫األوسط‪ ،‬ومنطقة‪ ‬طنجة‪ ،‬وقد" أقاموا" في تلك المناطق حوالي القرن من الزمن محوا في أثنائه مُعظم آثار الرومان وحضارتهم" في‬
‫البالد‪ ]4[،‬وأ َّدى هذا االستقالل السياسي" عن روما إلى تعاظم ُنفوذ قبائل البربر ُخصوصً ا" في المغربين األوسط واألقصى‪ ،‬فكوَّ ن‬
‫‪3‬‬
‫ال ُس َّكانُ مجموعا ٍ‬
‫ت مُبعثر ٍة انعدمت بينها الوحدة السياسيَّة‪.‬‬
‫أ َّدت غزوات الجرمان إلى انهيار اإلمبراطوريَّة الرومانيَّة الغربيَّة وانتقال ميراثها" العتيق إلى شقيقتها‪ ‬الشرقيَّة أو البيزنطيَّة‪.‬‬
‫ً‬
‫حملة دعاها (ا"س"ت"ع"ا"د"ة"‬ ‫األول‪ 565 -527( ‬م)‪ ،‬أطلق‬ ‫وعندما تولَّى عرش اإلمبراطوريَّة البيزنطيَّة القيصر‪ ‬جُستنيان َّ‬
‫ا"إل"م"ب"ر"ا"ط"و"ر" َّي" ة" (بالالتينية‪ Renovatio Imperii ‬هدف من خاللها استعادة كا َّفة األراضي" الغربيَّة لإلمبراطوريَّة الرومانيَّة‬
‫حملة عسكري ًَّة كبيرة على رأسها القائد‬
‫ً‬ ‫السابقة‪ ،‬وفي" مُقدمتها إفريقية والمغربين األوسط واألقصى‪ .‬فأرسل‬
‫قتال عنيفٍ بين الروم" والوندال" تم َّكن بيليساريوس" من القضاء على‬ ‫المشهور‪ ‬بيليساريوس‪ ‬في شهر أيلول (سپتمبر‪533‬م)‪ .‬وبعد ٍ‬
‫اًل‬
‫المملكة الونداليَّة واستعاد" للروم إفريقية وما تيسر له من سواحل المغرب وُ صو إلى‪ ‬سبتة‪ .‬وقد" حسب جُستنيان ‪ -‬بعد أن أنهى‬
‫أمر الوندال في شهر كانون األوَّ ل (ديسمبر) ‪533‬م ‪ -‬أ َّن ُه يستطيع إحياء السُلطان الروماني" القديم وما يتبع ُه من مظاهر" حضاريَّة‬
‫مثل تجديد المُنشآت الرومانيَّة من مُعسكرات ومالعب وحُصون وقالع" وكنائس‪ ،‬ولكن تبيَّن ل ُه أنَّ زمان ذلك ُكلَّه كان قد ولَّى بال‬
‫رجعة‪ ،‬فقد استق َّل البربر في الداخل استقالاًل تامًا وأصبحوا ال يُدينون بالوالء إاَّل لقبائلهم وعشائرهم‪ ،‬وارت َّد الكثيرون منهم‬
‫عن‪ ‬المسيحيَّة‪ ،‬وتضامَّت صُفوف جماعاتهم القبليَّة لِصد أيَّ مُحاول ٍة روميَّة للتدخل في شؤونهم‪ ،‬وهُدمت أو انهارت الكثير من‬
‫اآلثار الرومانيَّة في بالدهم‪ ،‬وبالتالي اقتصر" سُلطان البيزنطيين على ما كان لِقرطاج القديمة‪ ،‬وهو الساحل الشماليّ إِل فريقية وما‬
‫جاورها من المناطق التي فتحها" بيليساريوس"‪) 4(.‬وفي السنوات القليلة التي سبقت الفتح اإلسالمي‪ ،‬عيّن قيصر الروم"‬
‫قائدا أعلى على المغرب‪ ،‬برُتبة بطريرك‪ ،‬وكان ذلك سنة‪600 ‬م‪ُ .‬ث َّم‬ ‫اإلمبراطور‪ ‬موريس"‪ ‬أحد قادته العسكريين‪ ،‬ويُدعى هرقل‪ً ،‬‬

‫‪Collins, Roger (2000)، "Vandal Africa, 429–533"، The Cambridge Ancient History. Late Antiquity: . 1‬‬
‫‪ ،Empire and Successors, A.D. 425–600، Cambridge University Press‬ج"‪ ،XIV  ".‬ص"‪124  ".‬‬

‫‪ ،Heather, Peter (2005)، The Fall of the Roman Empire: A New History، Macmillan .‬ص"‪512  ".‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،Heather, Peter (2005)، The Fall of the Roman Empire: A New History، Macmillan .‬ص"‪198"–197  ".‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪.J. F. Haldon, Byzantium in the seventh century (Cambridge, 2003), 17–19 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪11‬‬
‫ضبَّاطه الثانويين ويُدعى (فوقاس)‪ُ ،‬ث َّم تربَّع هذا على عرش اإلمبراطوريَّة‪،‬‬ ‫حصل أن ُخلع القيصر سالِف الذِكر وقُتل على يد أحد ُ‬
‫بشكل كبير‪ ،‬األمر الذي دفع هرقل حاكم إفريقية إلى‬ ‫ٍ‬ ‫وكان مُستب ًدا غاشمًا تدهورت" خالل عهده أوضاع اإلمبراطوريَّة البيزنطيَّة‬
‫إعالن العصيان‪ُ ،‬ث َّم دبَّر مُؤامرة لِخلع اإلمبراطور‪ ،‬وشجَّ ع ُه في ذلك موقف سكان شمال إفريقيا من البربر" الذين أيّدوه نظرً ا‬
‫ُقارنة مع باقي الحً َّكام السابقين‪ ،‬فأرسل ابنه‪ ‬هرقل األصغر‪ ‬في حمل ٍة بحر َّي ٍة استولت على‪ ‬سالونيك"‪ ،‬ومنها" سار‬ ‫ً‬ ‫لِحُكمه العادل م‬
‫إلى‪ ‬القُسطنطينيَّة‪ ‬حيث قبض على فوقاس وقطع" رأسه و ُتوِّ ج إمبراطورً ا" سنة ‪610 ‬م‪ .‬شهد المغرب في أيَّام اإلمبراطور هرقل‬‫ُ‬
‫عصرً ا من ال َّسالم لم يعرفه األهالي من قبل‪ ،‬وتمتع البربر وهم األكثرية في المنطقة بالكثير من الحُريَّة واالطمئنان‪ ،‬وعادت‬
‫المسيحيَّة تتسرَّ ب إليهم‪ .‬وفي أواخر عهد هرقل عادت االضطرابات لتنتشر في المغرب‪ ،‬من واقع مُحاولة الحُكومة البيزنطيَّة‬
‫فرض مذهبها على كا َّفة أطياف الشعب‪ ،‬فأخذ البربر واألفارقة يلتفون حول بطاركتهم" للدفاع عن عقيدتهم ض َّد اإلمبراطوريَّة‪،‬‬
‫وانتهى األمر بأن نهض أحد القادة والقساوسة يُسمَّى‪ ‬جرجير"‪ ،‬واستق َّل عن الدولة وحكم مُستعي ًنا" ببقايا جُند الروم وجُن ٍد بربريٍّ‬
‫عاصمة له‪ُ ،‬ث َّم تركها وانسحب إلى الداخل وتحصَّن في‪ ‬سُبيطلة‪ ‬خو ًفا من أي‬ ‫ً‬ ‫مُرتزق‪ ،‬وضرب العمالت باسمه واتخذ من‪ ‬قرطاج"‪ ‬‬
‫ُجوم روميٍّ مُحتمل‪ .‬أمَّا في بقيَّة بالد المغرب فقد تحرَّ ر البربر" من سُلطان الروم وتالشت المسيحيَّة من دواخل بالدهم للمرَّ ة‬ ‫ه ٍ‬
‫الثانية‪ .‬وفي تلك الفترة كان المُسلمون قد فتحوا"‪ ‬ال َّشام‪ ‬ومصر‪ ‬وأخذوا" يستعدون للسير إلى‪ ‬برقة‪ ،‬وهي مدخل المغرب ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫خط ًة تختلفُ عمَّا اتبعت ُه في والياتها" اُألخرى كمصر وال َّشام‪.‬‬ ‫انتهجت الدولة في تنظيم المغرب البيزنطي ‪ -‬من الناحية العسكريَّة ‪َّ -‬‬
‫القوة الحربيَّة البيزنطيَّة التي كانت تحمي مصر مثاًل كانت ُتعسك ُ"ر في مراكز" رئيسيَّة مثل‪ ‬حصن‬ ‫فالمعروف أنَّ َّ‬
‫ُأ‬ ‫ُأ‬
‫بابليون‪ ‬واإلسكندريَّة‪ ،‬و ُترابط" فرق" صغيرة منها في مواضع خرى‪ ‬كالفرما‪ ‬و م دنين‪ ،‬أمَّا في إفريقية فقد اتجهت عناية الدولة إلى‬
‫طائفة من الجُنود تستطيع حمايته والدفاع عنه؛‬ ‫ٌ‬ ‫ت قو َّي ٍة من الحُصون المُتقاربة‪ ،‬وأقامت في ُك ِّل مربطٍ‬
‫إحاطة أمالكها ِبرباطا ٍ‬
‫وأسرفت الدولة في ذلك إسرا ًفا يسترعي النظر‪ ،‬فلم تكتف ِبرباطٍ واح ٍد بل أقامت ثالثة‪ ،‬وقسَّمت البالد إلى أربع مناطق عسكريَّة‬
‫لِ ُك ٍل منها عاصمتها التي ُترابط فيها فرقة يقودها قائد أو‪ ‬دوق‪ ،‬أمَّا هذه األقسام" فهي‪ :‬طرابُلس وعاصمتها"‪ ‬لمطة‪ ،‬وبيزاسيوم"‬
‫وعاصمتها‪ ‬تالبت‪ ،‬ونوميديا وعاصمتها"‪ ‬قيصريَّة‪ ،‬ومُوريطنية وعاصمتها‪ ‬قسنطينة‪ .‬وهكذا أضحت البالد شبكة من الحُصون‬
‫والقالع‪ .‬ولمَّا كانت الموارد ضئيلة لم يكن في اإلمكان المُحافظة على هذه التحصينات في حال ٍة طيِّبة‪ ،‬بل عجز الروم" عن مُجرَّ د‬
‫االحتفاظ بها‪ ،‬فهي لم تكن متينة البناء ‪ -‬إذ ُأقيمت على عجل ‪ -‬واعتمد البيزنطيّون في إقامتها على ما كان قائمًا في البالد قبل ذلك‬
‫من المُنشآت الرومانيَّة كالحمَّامات والمالعب والمعابد‪ ،‬فلم تكن منيعة قويَّة كما الحُصون الفعليَّة‪ .‬وقد رُوعي في اختيار" مواقع"‬
‫هذه الحُصون أن تكون محارس تقوم على أبواب البالد ومنافذها‪ :‬فقامت‪ ‬قابس‪ ‬على باب سهل ُتو ُنس تص ُّد من يُقبل شر ًقا من‬
‫ُبيطلة‪ ‬على أحد المنافذ" المطروقة التي يسلُكها من يُريد‬ ‫الساحل‪ ،‬تلتها حُصونٌ ُأخرى على الساحل مثل يونكا ومغمداس‪ ،‬وقامت"‪ ‬س ُ‬
‫االنتقال من سهل ُتو ُنس إلى‪ ‬هضبة األوراس‪ ‬ويمُرُّ بها الرباط الثاني الذي يبدأ من سُوسة ويمُر ِبمدرسومة‪ ‬وتالبت؛ يلي ذلك‬
‫البيزنطي ضعيفٌ من الناحية الحربيَّة‪،‬‬
‫ّ"‬ ‫الرباط الثالث الذي تقو ُم فيه‪ ‬سبيبة‪ ‬وممس‪ ‬وجلوالء‪ .‬طبيعي بعد ذلك أن يكون المغرب‬
‫و ُكلَّما تقادم العه ُد بالرُّ وم في المغرب زاد الضعفُ وُ ضوحً ا" وخطرً ا‪ ،‬وكان أه ُل البالد يُالحظون تخوُّ ف" البيزنطيين منهم‪ ،‬وال‬
‫مرانة وخبر ًة في حين ضعُف البيزنطيّون" وسقطت هيبتهم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫رصة لالشتباك معهم إاَّل انتهزوها‪ ،‬فزاد اآلهلون‬ ‫يكادون يتركون فُ‬
‫واضطرُّ وا إلى التخلّي عمَّا عجزوا عن الدفاع عنه من هذه المحارس والحُصون‪ ،‬ح َّتى إذا أخذت شمس القرن السَّادس الميالديّ‬
‫بالمغيب كان البربر قد استولوا على الرباط الثالث وأخذوا" يطمعون في الرباط" الثاني‪ ،‬وكان قيا ُم الرُوم" ِبمحارس" هذا األخير‬
‫إسم ًّيا فقط‪ ،‬إذ ُتركت العناية به لمن أحاط به من المُزارعين والقرويين يعتصمون فيه من المُهاجمين من البربر‪ ،‬ولم ي ُكف هؤالء‬
‫بحيث لم تعد له أيَّة قيمة حربيَّة ُتذكر مُنذ أوائل القرن السَّابع‬ ‫ُ‬ ‫عن اختراق هذا النطاق واجتياح ما يليه من المزارع والبالد ونهبها‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الميالديّ ‪.‬‬

‫‪Olster, David Michael (1980)، The politics of usurpation in the seventh century: rhetoric and . 1‬‬
‫‪  revolution in Byzantium‬ط"‪ ،A.M. Hakkert "،")1993 ".‬ص"‪".133  ".‬‬

‫ُم" ؤ"ن"س"‪ُ "،‬ح" س"ي"ن" ("‪1366‬ه"ـ ‪1947 "-‬م")" ف"ت"ح" ا"ل"ع"ر"ب" ل"ل"م"غ"ر"ب"‪ "،‬ا"ل"ق"ا"ه"ر"ة" –" م"ص"ر" م"ك"ت"ب"ة" ا"آل"د"ا"ب" ب"ا"ل"ج"م"ا"م"ي"ز"‪ "،‬ص"‪20 "- 19  ".‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪12‬‬
‫الوضع الإلداري‪:‬‬ ‫‪)2‬‬
‫قسَّم الرومان المغرب إلى ع َّدة واليات مُنذ أيَّام إمبراطوريتهم العُظمى‪ ،‬فكانت أدنى والياتهم المغربيَّة هي والية‪ ‬ك"ر"ي"ت"‬
‫و"ب"ر"ق"ة"‪ ‬بالالتينية ‪)Creta et Cyrene( ‬وقد تأسست سنة ‪ 20‬ق‪.‬م واستمرَّ ت" ح َّتى سنة‪297 ‬م‪ ‬عندما قُسمت إلى مُقاطعتين‬
‫هي‪ :‬ليبيا ال ُدنيا‪ ‬بالالتينية ‪ ،)Libya Inferior( ‬وليبيا القُصوى أو برقة‪ ‬بالالتينية‪Libya) (Superior ‬وابتدا ًء من‬
‫تابعة ِبدورها إلى‪ ‬والية الشرق اإلمبراطوريَّة‪ ‬وفق ما نصَّت عليه‬ ‫ً‬ ‫سنة‪370 ‬م‪ُ ‬ألحقت تلك المُقاطعتين‪ِ  ‬بأبرشيَّة مصر‪ ،‬التي كانت‬
‫وثيقة‪ ‬ا"ل"ك"ر"ا"م"ا"ت" ا"ل"ع"ر"ض" َّي" ة"‪ ‬بالالتينية(‪ )Notitia Dignitatum ‬تجاورت برقة مع‪ ‬مُقاطعة طرابُلس بالالتينية‪( ‬‬
‫بداية‪ ،‬وكانت تتبع‪ ‬والية إيطاليا اإلمبراطوريَّة‪ ‬بالالتينية‪ ،)Praetorio Italiae( )Praefectura( ‬وفي‬ ‫ً‬ ‫‪)Tripolitania‬‬
‫ت الحق ُألحقت‪ِ  ‬بأبرشيَّة إفريقية‪ ،‬مع استمرار تبعيَّتها" إلى والية إيطاليا‪ .‬وعُرفت المنطقة التي تقع جنوبي طرابُلس باسم‬ ‫وق ٍ‬
‫ت‬‫فزان)‪ ،‬ولم يكن للروم سيطرة مُباشرة عليها نظرً ا لكونها صحراويَّة وجبليَّة وعرة بأكثر نواحيها‪ ،‬تتخللها بضع واحا ٍ‬ ‫( َّ‬
‫ومُستوطنات‪ .‬أمَّا أقصى المغرب فقُسم إلى مُقاطعتين‪ :‬موريطنية القيصريَّة‪ ،‬وكانت تتبع أبرشيَّة إفريقية كذلك‪ ،‬وموريطنية‬
‫الطنجيَّة‪ ‬التي كانت تتبع‪ ‬أبرشيَّة هسپانيا‪.‬‬
‫دقيق من بين أنظمة‬ ‫ٍ‬ ‫خاص‬
‫ٍ‬ ‫وبعد أن استر َّد البيزنطيّون إفريقية وما تالها من بالد من الوندال‪ ،‬أفردها اإلمبراطور جُستنيان ِب ٍ‬
‫نظام‬
‫موردا" من موارد" المال والمؤونة‬ ‫ً‬ ‫سائر الواليات‪ ،‬وكان نظامه هذا ينطوي" على الكثير من الحرص من أهلها ويرمي" إلى جعلها‬
‫اًل‬
‫للدولة‪ ،‬فلم تكد بشائر استعادتها" ترد عليه ح َّتى رفع إفريقية إلى مصاف واليات الدولة ال ُكبرى‪ ،‬وأقام" على حُكومتها عام مدن ًّيا‬
‫شاملة‪ ‬طرابُلس الغرب‪ ‬وحوض مجرد‪ ‬وجبال األوراس‪ُ ،‬ث َّم تأخذ في االقتراب من‬ ‫ً‬ ‫ال عسكر ًّيا‪ ،‬وأصبحت حُدودها" تمتد من برقة‬
‫الساحل ح َّتى تنتهي عند طنجة وسبتة‪ .‬أمَّا في الجنوب فقد شملت سهل مجرد وهضبة األوراس" وُ صواًل إلى‪ ‬تبسة‪ ‬ومسكوال‬
‫أقسام إداريَّة جديدة هي‪ :‬الوالية القُنصليَّة (شمال‬
‫ٍ‬ ‫وتمجاد ولمبيزة وطبنة‪ ‬والمسيلة‪ ‬وأقدم" جُستنيان على تقسيم البالد إلى سبعة‬
‫الجُمهوريَّة ال ُتو ُنسيَّة المُعاصرة)‪ ،‬والوالية الداخليَّة (بيزاسيوم(‪ ،‬ووالية طرابُلس‪ ،‬ووالية‪ ‬نوميديا‪ ،‬ووالية مُوريطنية األولى‬
‫(كالهُما في شمال الجزائر المُعاصرة)‪ ،‬ووالية مُوريطنية الثانية (شمال المملكة المغربيَّة المُعاصرة(‪ ،‬وسردانية‪ .‬وقد امت َّد سُلطانُ‬
‫اإلمبراطوريَّة في أوَّ ل األمر إلى أبعد من هذا الحد الرسمي‪ ،‬فدخل في طاعتها نف ٌر من‪ ‬بدو البربر‪ ‬الضاربين على‬
‫طول الرباط األخير لكي تضمن طاعة هؤالء للدولة وترد عنها أذاهم‪ ،‬ولكنَّ‬ ‫حُدود‪ ‬الصحراء ال ُكبرى‪ ،‬وُأقيمت" المحارس على ُ‬
‫سُلطانها أخذ يضعف" شيءًا فشيًئ ا‪ ،‬فأخذت تنسحبُ إلى الشمال‪ ،‬ح َّتى لم يبق من أمالكها آخر األمر إاَّل ساح ٌل ضيِّق وبضع‬
‫محارس حصينة في الداخل‪ ،‬مثل‪ ‬تبسة‪ ‬وسُبيطلة‪ ،‬واحت َّل البربر ما خال ذلك من حُصون‪ .‬وكانت برقة البيزنطيَّة ال تكاد تعدو‬
‫مدائنها الخمس‪ ،‬وكذلك طرابُلس‪ .‬وكان جُستنيان قد جمع لِحاكم إفريقية ُكل السُلطات‪ ،‬فكان هذا الحاكم يحمل من تبعات الحُكم‬
‫فوق ما يُطيق‪ ،‬وكان مُثقاًل باأللقاب وشارات الشرف‪ ،‬يُرافق ُه جيشٌ من المُوظفين ويحف" به األتباع والخدم‪ ،‬وُأطلقت يده في ُكل‬
‫شيء ح َّتى بلغ من اتساع سُلطته أنَّ ُك َّتاب ذلك العصر أعوزهم اللفظ الذي يُعبرون به عن مقدار السُلطة التي كان يتم َّتع بها ذلك‬
‫فاقطتعت طرابُلس‬ ‫ُ‬ ‫ت جديدة على التقسيمات اإلداريَّة للمغرب‪،‬‬ ‫الحاكم‪ )1(.‬وقُبيل الفتح اإلسالمي ببضع سنوات‪ ،‬أجرى الروم" تغييرا ٍ‬
‫ُجددا‪ 2،‬و ُدمجت المُوريطنيَّتان" السابقتان تحت اسم «موريطنية األولى»‪ ،‬و ُدمجت مدينة‬ ‫وبرقة من إفريقية و ُدمجتا مع مصر م ً‬
‫)‪(3‬‬
‫سبتة مع مُدن والية إسپانية (جنوب شبه الجزيرة األيبيريَّة(‪ ‬وجُزر البليار‪ ‬لِ ُتش ِّكل والية «موريطنية الثانية»‬

‫الوضع الديني‪:‬‬ ‫‪)3‬‬


‫‪Olster, David Michael (1980)، The politics of usurpation in the seventh century: rhetoric . 1‬‬
‫‪  and )revolution in Byzantium‬ط"‪ ،A.M. Hakkert "،"(1993 ".‬ص"‪".133  ".‬‬

‫‪،Hrbek, Ivan (1992)، Africa from the Seventh to the Eleventh Century ، James Currey Publishers . 2‬‬
‫ص"‪ "،120  ".‬م"ؤ"ر"ش"ف" م"ن"‪  ‬ا"أل"ص"ل"‪  ‬ف"ي" ‪ 7‬ي"و"ن"ي"و" ‪".2020‬‬

‫‪Julien, C.A. (1931) Histoire de l'Afrique du Nord, vol. 1 - Des origines a la conquête arabe , 1961 . 3‬‬
‫‪edition, Paris: Payot. p: 273‬‬
‫‪13‬‬
‫ُ‬
‫حيث الدين‪ ،‬فكان قس ٌم من س َّكانه‪ ،‬وأغلبهم من‬ ‫كان المغرب أحد أكثر بالد اإلمبراطوريَّة البيزنطيَّة تنوعً ا من‬
‫البربر‪ ،‬وثنيين‪ ‬يعبدون عدداً من اآللهة أو عناصر الطبيعة‪،‬‬
‫مثل‪ :‬السماء‪ ،‬والشمس‪ ،‬والقمر‪ ،‬والنار‪ ،‬والبحر‪ ،‬والجبال‪ ،‬والكهوف‪ ،‬والغابات‪،‬‬
‫واألحراش‪ ،‬والوديان‪ ،‬واألنهار"‪ ،‬واألحجار"‪ ،‬واألصنام‪ ،‬كما أظهروا" تأثرً ا ببعض‪ ‬المُعتقدات المصريَّة القديمة‪ ،‬فكانوا" يُقدسون‬
‫بعض الحيوانات ويشربون دمائها للحُصول على قوتها" الروحيَّة‪ ،‬ويُقدمون القرابين لِبعض تلك الظواهر والكائنات‪ (1)،‬كما آمنوا‬
‫بالشعوذة‪ ،‬واعتقدوا في بركة بعض األشخاص‪ ،‬وهو ما أ َّكد عليه‪ ‬ابن خلدون‪ .‬ويذكر"‪ ‬ابن أبي زرع‪ ‬أنَّ بعض قبائل‬
‫بيت نار‪ ،‬مما يعني أنَّ ‪ ‬المجوسيَّة‪ ‬كانت معروفة بين بعض البربر‪ .‬كذلك كان لِبعض قبائل ودان صن ٌم من‬ ‫منطقة‪ ‬فاس‪ ‬كان لهم ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫حجارة مبني على ربوة يُسمَّى «كرزة»‪ ،‬يُقربون ل ُه القرابين ويستشفون به من أدوائهم" ويتبرَّ كون في أموالهم‪.‬‬
‫إلى جانب المُعتقدات الدينيَّة البدائيَّة‪ ،‬عرف المغرب الديانتين السماويتين السابقتين على اإلسالم‪ .‬فاألفكار‪ ‬اليهوديَّة‪ ‬دخلت مُنذ‬
‫ُبكر مع‪ ‬الفينيقيين‪ ‬على األرجح‪ُ ،‬ث َّم مع المُهاجرين اليهود أيَّام االضطهاد الروماني‪ ".‬والظاهر أنها انتشرت في بعض القبائل‬ ‫تم ٍ‬ ‫وق ٍ‬
‫إلى جانب المُعتقدات المحليَّة‪ .‬أمَّا المسيحيَّة‪ ،‬فقد أخذت باالنتشار" أواًل بين األفارقة في برقة وطرابُلس وإفريقية ابتدا ًء من‪ ‬القرن‬
‫الثاني الميالدي‪ ،‬وكان َّأول أقاليم المغرب ُدخواًل في المسيحيَّة إقلي ُم برقة‪ ،‬وكان للمسيحيَّة فيها تاري ٌخ طويل هو جُز ٌء من‪ ‬تاريخ‬
‫المسيحيَّة في مصر‪ُ ،‬ث َّم انتشرت في إفريقية‪ ،‬وأصبحت هذه األخيرة من مراكزها الرئيسيَّة‪ ،‬وقامت فيها الكنائس وامت َّدت ِبصُور ٍة‬
‫سطح َّي ٍة على طول الشريط الساحلي في المغربين األوسط" واألقصى" ح َّتى طنجة‪ )3(.‬وبدأ تنظيم‪ ‬الكنيسة اإلفريقيَّة‪ ‬في‬
‫كثير من أهالي البالد الذين كانوا‬ ‫مُنتصف‪ ‬القرن الثالث الميالديّ ‪ ‬على يد الق ِّديس‪ ‬قبريانوس" القرطاجي‪ ،‬وانتشرت المسيحيَّة بين ٍ‬
‫يلتمسون المبادئ التي ُتحقق لهم ما يصبون إليه من سيادة العدل واإلنصاف‪ ".‬وقد تعارضت التعاليم المسيحيَّة مع المفاهيم‬
‫الرومانيَّة القائمة على تأليه األباطرة وعبادتهم إلى جانب‪ ‬آلهة روما"‪ ،‬واستشعرت اإلمبراطوريَّة بالخطر لمَّا رفض النصارى"‬
‫االلتحاق بالجيش الروماني والمُشاركة في حُروب الدولة‪ ،‬فقام اإلمبراطور"‪ ‬ديكيوس‪ ‬وطلب في سنة ‪250‬م من جميع رعاياه أن‬
‫يُعلنوا عن وطنيَّتهم" بإعالنهم التمسُّك بالديانة الوطنيَّة والتنصُّل من ُكل العبادات اُألخرى" وخاص ًَّة المسيحيَّة‪ ‬والمانويَّة‪ .‬فترك‬
‫الكثي ُر من النصارى" المغاربة ديانتهم" ح َّتى قال الق ِّديس قبريانوس" كلمت ُه المشهورة‪)  :‬لَقَد َكانَ َع َد َدهُم َأكثَ ُر ِمن قُ َّو ِة‬
‫وعطلت كنائسهم" وصادرت" مُمتلكاتهم‪ "،‬وانتهى األمر ِبإعدام الق ِّديس قبريانوس‬ ‫َّ‬ ‫ِإي َمانِ ِهم(‪ .‬واضطهدت اإلمبراطوريَّة النصارى‬
‫ِبقطع رأسه‪  .‬وعلى عهد‪ ‬دقلديانوس‪ ‬اشت َّدت الدولة ض َّد المسيحيين الذين تشبثوا" بدينهم‪ ،‬وقاموا ِبما يُشبه العصيان المدني‪ ،‬وقاوموا"‬
‫اإلمبراطوريَّة ِبشراس ٍة وعناد‪ ،‬ح َّتى أنَّ الكنيسة أعلنت‪ ‬حرمان‪ ‬من يُلقي السالح من رحمتها‪  [ْ ".‬ورُغم أنَّ الكنيسة نجحت في تنظيم"‬
‫نفسها وفي" الصُمود بوجه االضطهادات" الرومانيَّة‪ ،‬إاَّل أنها بقيت مقصور ًة على سواحل المغرب ولم تصل إلى القبائل الضاربة‬
‫نسبة إلى صاحبه‪ ‬دونات‬ ‫ً‬ ‫صا بها‪ ،‬هو المذهب الدوناتي" ‪-‬‬ ‫في بوادي وجبال‪ ‬المغرب األقصى"‪ .‬وعرفت الكنيسة المغربيَّة إنقسامًا خا ً‬
‫وراضخا للسُلطات‬ ‫ً‬ ‫كاهن مهما علت مرتبته طالما كان مُستكي ًنا"‬ ‫ٍ‬ ‫الكبير‪ ،‬أسقف الوطنيين‪ ،‬الذي أعلن عدم االعتراف بأي‬
‫‪)4(.‬‬
‫اإلمبراطوريَّة‪ ،‬وطلب االستشهاد" في سبيل ذلك واستجاب ل ُه ُكل السَّاخطين على اإلمبراطوريَّة وخاص ًَّة من طبقات الكادحين‬
‫وعندما أصبحت المسيحيَّة الديانة الرسميَّة لإلمبراطوريَّة أيَّام‪ ‬قُسطنطين َّ‬
‫األول‪ ،‬وقف" هذا األخير ض َّد الدوناتيَّة واعتبرهم خارجين‬
‫عن القانون‪ .‬وتر َّتب على تحالف اإلدارة والكنيسة ض َّد المذهب الدوناتي" أن أصبح المذهب رمز المُقاومة الشعبيَّة‪ ،‬وازداد انتشاره‬
‫ِبزيادة انتشار" الفقر والبُؤس" بين األهالي الذين ثاروا ض َّد الحُكومة والطبقة الغنيَّة‪ ،‬ودعوا إلى المُساواة‪ .‬وحاولت" الحُكومة مُجادلة‬

‫‪ Julien, C.A .‬مرجع سابق ‪p: 273 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ .Julien, C.A .‬مرجع سابق ‪p: 228‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ .Julien, C.A .‬مرجع سابق ‪p: 347 - 348‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ Julien, C.A .‬مرجع سابق ‪p: 235‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪14‬‬
‫حيث شهَّر به وهاجم أساليبه العنيفة‪ ،‬وأباح للدولة استعمال العنف ض َّد‬ ‫ُ‬ ‫أصحاب هذا المذهب‪ ،‬فكان الق ِّديس‪ ‬أوغسطين‪ ‬ألد أعدائه‪،‬‬
‫أصحاب هذا المذهب لِكسر شوكتهم وإعادتهم إلى حظيرة الكنيسة النيقيَّة‪ .‬لكنَّ النتيجة جاءت عكسيَّة‪ ،‬إذ تحالف الكادحون‬
‫والفُقراء مع الدوناتيَّة‪ ،‬واستمرَّ الصراع إلى وفاة دونات سنة‪355 ‬م‪ ،‬واتخذ شكل الثورة الوطنيَّة في طرابُلس ونوميديا" إلى‬
‫سنة‪375 ‬م‪ .‬وبعد وفاة دونات استمرَّ أوغسطين في مُحاربة المُنشقين عن الكنيسة الوطنيَّة‪ ‬والهراطقة‪ ‬ح َّتى انتصرت الكنيسة‬
‫اإلفريقيَّة على أعدائها‪ ،‬على أنَّ الدوناتيَّة استمرَّ ت بعض جماعاتها إلى‪ ‬القرن السَّادس الميالديّ ‪ .‬وعندما وقعت بال ُد المغرب تحت‬
‫حُكم قبائل الوندال الجرمانيَّة‪ ،‬ابتدأ فص ٌل جديد من فُصول الصراع الدينيّ ‪ ،‬فقد فرض الوندال على الناس مذهبهم‪ ‬اآلريوسي"‪ ‬الذي‬
‫(‪)1‬‬
‫يقول بطبيعة المسيح البشريَّة‪ ،‬واضطهدوا النصارى" النيقيين وصادروا" أمالك الكنيسة وأموالها" وحوَّ لوها" إلى اآلريوسيين‪.‬‬
‫ولمَّا استعاد الروم البالد المغربيَّة من الوندال‪ ،‬أخذت الدولة تعمل على حسم الخالفات الدينيَّة‪ ،‬فاستعاد البيزنطيّون الكنائس‬
‫المُغتصبة‪ ،‬وثأروا" من اآلريوسيين أشد الثأر‪ ،‬واضطهدوا" الدوناتيَّة وكذلك اليهود‪ ،‬ولكنَّ ذلك لم يمنع انتشار" مذاهب جديدة‬
‫مثل‪ ‬النسطوريَّة‪ ‬القائلة ِب ُثنائيَّة طبيعة المسيح‪ :‬اإللهيَّة‪ ‬واإلنسانيَّة‪ .‬ولم تنت ِه مشاكل المسيحيَّة عند هذا الحد‪ ،‬إذ انقسم‪ ‬اليعاقبة‬
‫أصحاب مذهب الطبيعة الواحدة‪ ،‬وهو المذهب الرسمي لإلمبراطوريَّة البيزنطيَّة على أنفُسهم‪ ،‬وتدخلت‬
‫ت كان من نتيجتها ثورة أهل‬ ‫اإلمبراطورة‪ُ  ‬ثيودورا"‪ ‬زوجة جُستنيان في سبيل المُحافظة على وحدة الكنيسة‪ ،‬وقامت ِبإجراءا ٍ‬
‫إفريقية الذين احتجوا على اإلمبراطور في القُسطنطينيَّة والبابا في روما‪ .‬واستخدم جُستنيان ض َّدهم العنف واإلرهاب مما عمل‬
‫الظهور" بعد أن انتشرت المفاسد بين‬ ‫على اتساع الهُوَّ ة بين اإلمبراطوريَّة وإفريقية‪ )2(.‬وخِالل هذه الفترة عاود المذهب الدوناتي ُ‬
‫دور هام في سياسة‬ ‫ً‬
‫ونتيجة لِقيام إفريقية ِب ٍ‬ ‫رجال الكنيسة‪ ‬كالرشوة‪ ‬وقلَّة االنتظام"‪ ‬والتحاسد‪ .‬ومع مطلع‪ ‬القرن السابع الميالديّ ‪ ‬‬
‫اإلمبراطوريَّة القاضية ِبخلع اإلمبراطور‪ ‬فوقاس"‪ ‬وتزويد" الجيش البيزنطي" بالرجال لِحرب‪ ‬الفُرس الساسانيين‪ ‬وإخراجهم" من مصر‬
‫كبير من الحُريَّة الدينيَّة واالطمئنان‪ ،‬واستغ َّل‬
‫ٍ‬ ‫وال َّشام‪ ،‬أنعم‪ ‬هرقل‪ ‬عليها فشهدت عصرً ا من السالم‪ ،‬وتمتع أهلها ِبقسطٍ‬
‫األول‪ ‬هذا الهُدوء فأرسل البعثات التبشيريَّة إلى المناطق الداخليَّة لِنشر المسيحيَّة بين البربر‪ ،‬فنجحت بعضها‬ ‫البابا‪ ‬جرجير" َّ‬
‫بذلك‪ .‬وترتب على ذلك أن ازدهرت عالقة الكنيسة اإلفريقيَّة ِبروما‪ ،‬مع احتفاظها ِبعالقتها" اإلداريَّة مع القُسطنطينيَّة‪ .‬وفي‬
‫سنة‪638 ‬م‪ ‬ظهر في إفريقية مذهبٌ جديد هو مذهب بطريرك القُسطنطينيَّة سرجيوس" األوَّ ل‪ ،‬المشهور بالمذهب‪ ‬المونوثيليتي‪ ‬أو‬
‫رغبة من ُه في اكتساب تأييد‬ ‫ً‬ ‫مذهب المشيئة الواحدة الذي يقول بالطبيعة اإللهيَّة واإلنسانيَّة م ًعا للمسيح‪ ،‬وقد وقف" إلى جانبه هرقل‬
‫اليعاقبة وإنهاء الصراعات المذهبيَّة في البالد‪ .‬وعارضت الكنيسة اإلفريقيَّة هذا المذهب‪ ،‬وانتهى" األمر بأن أعلنت ُأسقفيَّة قرطاج‬
‫عدم صالحيَّة اإلمبراطور لِحُكم البالد والعباد" وأ َّن ُه يجب خلعه عن العرش‪ .‬وسُرعان ما تع َّقد الموقف" أكثر مع‪ ‬الفتح اإلسالميّ‬
‫لِمصر‪ ،‬إذ وفد بعض القساوسة اليعاقبة من مصر" إلى إفريقية لِنشر مذهبهم‪ ،‬وكان لِحماسهم في الدعوة أث ٌر كبير في جعل‬
‫اإلمبراطور‪ ‬قُسطنطين الثالث بن هرقل‪ ‬يسمح لهم ِبمُمارسة شعائر مذهبهم ِبحُريَّة‪ .‬وأ َّدى انتشار مذهبهم في إفريقية إلى وُ قوف"‬
‫قساوسة هذه األخيرة في وجه اإلمبراطوريَّة وإلى انفصالهم" شيءًا فشيًئ ا عنها‪ .‬وعندما تولَّى اإلمبراطور"‪ ‬قُنسطانز"‪ ‬العرش‬
‫سنة‪641 ‬م‪ ‬وكان مُعتن ًقا المونوثيليتيَّة‪ ،‬لم يأل رئيس مُعارضة هذا المذهب في إفريقية‪ ،‬وهو اُألسقف مكسيموس‪ "،‬لم يأل ج ً‬
‫ُهدا في‬
‫دفع ُس َّكان المغرب المسيحيين والبربر إلى إعالن خلعهم لِطاعة اإلمبراطور وتنصيب" حاكم إفريقية البطريرك‪ ‬جرجير" بن‬
‫نيقيتاس‪ ‬على العرش‪ 3،‬وكان المُسلمون حينها على وشك أن يفرغوا من فتح مصر‪ ،‬وطرق" باب المغرب‪.‬‬
‫‪Treadgold, Warren (1997)، A History of the Byzantine State and Society ، Stanford, California: . 1‬‬
‫‪ ،Stanford University Press‬ص"‪312  ".‬‬

‫‪Treadgold, Warren (1997)، A History of the Byzantine State and Society ، Stanford, California: . 2‬‬
‫‪ ،Stanford University Press‬ص"‪935  ".‬‬

‫‪Pringle, Denys (1981)، The Defence of Byzantine Africa from Justinian to the Arab Conquest: An . 3‬‬
‫‪Account of the Military History and Archaeology of the African Provinces in the Sixth and Seventh‬‬
‫‪ ،Century، Oxford, United Kingdom: British Archaeological Reports‬ص"‪47  ".‬‬
‫‪15‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫الفتح الإلسالمي لبالد المغرب‬

‫‪16‬‬
‫‪ 1/ -‬المرحلة األولى لفتح المغرب‬
‫‪2/ -‬المرحلة الثانية لفتح المغرب‬
‫‪3/ -‬المرحلة الثالثة لفتح المغرب‬

‫‪17‬‬
‫‪ )1‬المرحلة األولى لفتح المغرب‪:‬‬
‫عاد عمرو بن العاص إلى مصر‪ ،‬ومكث فيها إلى أن عزله الخليفة عثمان بن عفان‪ ،‬وفي هذه السنين ارتدت طرابلس عن سيطرة‬
‫المسلمين؛ حيث وصلتها بعض إمدادات البيزنطيين‪ ،‬فيما حافظ" عقبة بن نافع على برقة‪ ،‬وتوطدت" عالقاته بالقبائل المحيطة بها‪،‬‬
‫والتي دخل أغلبها في اإلسالم‪ (1).‬ث ّم قرّ ر الخليفة عثماء استئناف الفتح اإلسالمي لبالد المغرب تحت قيادة واليه الجديد على مصر‬
‫عبد هللا بن سعد بن أبي السرح الذي سرعان ما أرسل السرايا‪ ،‬ثم خرج بالجيش نحو المغرب‪ ،‬فالقاه عقبة ومن معه ممن أسلم‬
‫من القبائل‪ ،‬وعلى الطريق تجاوز قابس لعظم تحصينها‪ ،‬ثم جرت بينه وبين البيزنطيين معركة سبيطلة الفاصلة‪ ،‬والتي قُتل فيها‬
‫قائدهم جرجير‪ ،‬فسقطت بعد مقتله المدينة‪ ،‬وغنم المسلمون غنائم عظيمة‪ ،‬ثم اتجه إلى قفصة وحصن األجم‪ ،‬فصالح أهلها على‬
‫ً‬
‫عائدا لكن أهل إفريقيا نقضوا العهود" سريعً ا" فعاد عبد هللا لغزوها"‬ ‫دفع جزية كبيرة على أن يعود المسلمون‪ ،‬فقبل عبد هللا‪ ،‬وقفل‬
‫)‪(2‬‬
‫ومن بعده الوالي الجديد معاوية بن حديج التجيبي‪.‬‬
‫‪( 2‬المرحلة الثانية لفتح المغرب‪:‬‬
‫انشغلت األمة اإلسالمية بالفتن التي تبعت مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان‪ ،‬فتوقفت الفتوح حتى استقرت الخالفة لبني أمية‪،‬‬
‫حيث و ّجه الخليفة معاوية بن أبي سفيان ج ّل اهتمامه الستكمال الفتح اإلسالمي لبالد المغرب‪ ،‬فعيّن ابن حديج واليًا على مصر‬
‫ليستكمل الفتح‪ ،‬ثم تبين له ضعفه‪ ،‬فعين عقبة بن نافع المتم ّرس بالشؤون اإلفريقية‪ ،‬فبدأ عقبة ببناء مدينة القيروان‪ ،‬وحقق عدة‬
‫نجاحات أغرته باتباع سياسات مستقلة عن سلطة الخليفة في دمشق‪ ،‬كانت متشددة أغلب األحيان‪ ،‬ال تتوافق" مع الطبيعة المرنة‬
‫لسياسة معاوية‪ ،‬فعزله‪ ،‬وعين مسلمة بن مخلد على مصر‪ ،‬وأبا المهاجر دينار على إفريقيا‪ ،‬وا ّتبع أبو المهاجر سياسة ذكية في‬
‫استمالة القبائل‪ ،‬وقد أعطت سياسته نتائج باهرة على المدى الطويل‪ ،‬فأسلم له كسيلة زعيم البربر البرنس الذي كان نصران ًيا"‬
‫محال ًفا للبيزنطيين‪ ،‬فساعده هذا الزعيم في التوغل غربًا حتى تلمسان بعد وفاة معاوية آلت الخالفة البنه يزيد‪ ،‬فأعاد عقبة إلى‬
‫والية المغرب‪ ،‬فسارع" عقبة إلى تجهيز الجيش‪ ،‬ونطلق في حمالت سريعة‪ ،‬انتصر" فيها على البيزنطيين في بغاية وممس دون‬
‫أن يحتل المدن‪ ،‬ثم انتصر بمعركة كبرى قرب تلمسان‪ ،‬ثم هزم البربر والبزنطيين في تاهرت‪ ،‬وخاض معركة كبرى في الزاب‬
‫قرب مدينة أربة‪ ،‬فانتصر‪ ،‬وانطلق نحو المغرب األقصى‪ "،‬فتسلم طنجة من صاحبها يوليان بدون قتال‪ ،‬وانتصر" على البربر‬
‫الذين تجمعوا حيث تقع اليوم مدين فاس‪ .‬وهكذا وصل إلى سواحل المحيط األطلسي ساح ًقا كل من قاومه من البيزنطيين والبربر‪،‬‬
‫لكنه في تلك الفترة كان ينتهج مع من أسلم من البربر سياسة اقصائية‪ ،‬فانقلب عليه كسيلة زعيم البربر" البرنس‪ ،‬وعاد لمحالفة‬
‫)‪(3‬‬
‫البيزنطيين‪ ،‬وأوقع بجيش عقبة هزيمة كبرى قرب مدينة تهوده‪ ،‬وفي هذه المعركة استشهد عقبة بن نافع فاتح بالد المغرب‪.‬‬
‫(‪3‬المرحلة الثالثة لفتح المغرب‪:‬‬
‫ّأثر استشاد" عقبة على معنويات المسلمين‪ ،‬فسيطر كسيلة على مدينة القيروان‪ ،‬ثم استمر تقهقر المسلمين مع انشغال الدولة األموية‬
‫بإخماد الثورات والنزاعات الداخلية‪ ،‬ومع استقرار" األمور" في عهد عبد الملك بن مروان أوعز للقائد زهير بن قيس البلوي‬
‫المتمركز مع جنوده في برقة باستعادة القيروان‪ ،‬فقرر كسيلة إخالء المدينة‪ ،‬والتراجع مع جيشه الكبير إلى مكان قريب من مدينة‬
‫ممس؛ حيث انهزم كسيلة‪ ،‬وقُتل‪ .‬لكن البيزنطيين هاجموا برقة في هذه األثناء بأساطيل" انطلقت من القسطنطينية؛ لعلمهم بخلوها‬
‫من جيش المسلمين‪ ،‬فأسرع زهير البلوي بالعودة‪ ،‬لكنه القى جموعً ا عظيمة من الروم البيزنطيين‪ ،‬فهُزم وقُتل مع عدد كبير من‬
‫أصحابه‪ ،‬فتوقفت الفتوح لسنوات عديدة جهز خاللها عبد الملك جي ًشا جدي ًدا في مصر لمعوادة الكرّ ة‪ (4).‬قاد حسان بن النعمان‬
‫الغساني الجيش‪ ،‬ففتح المناطق الداخلية مبتع ًدا عن البيزنطين في الساحل‪ ،‬واستطاع" حسان أن يكسب والء البربر‪ ،‬وقلّبهن على‬
‫البيزنطيين‪ ،‬وض ّم بعضهم إلى جيشه‪ ،‬ثم زحف بهم إلى قرطاجة‪ ،‬فسلمتها" الحامية البيزنطية بعد وقت قصير‪ ،‬ثم طرد البيزنطيين"‬
‫‪" .‬الفتح اإلسالمي للمغرب"‪ّ ،www.marefa.org ،‬‬
‫اطلع عليه بتاريخ ‪ .2019-08-09‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪" .‬فتح المغرب"‪ّ ،www.al-hakawati.net ،‬‬


‫اطلع عليه بتاريخ ‪ .2019-08-12‬بتص ّرف‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪" .‬عقبة بن نافع ‪ ..‬فاتح بالد المغرب"‪ّ ،www.islamstory.com ،‬‬


‫اطلع عليه بتاريخ ‪ .2019-08-09‬بتص ّرف‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ .‬محمود شيت خطاب (‪ ،) 1984‬قادة فتح المغرب العربي (الطبعة السابعة)‪ ،‬دمشق‪-‬سوريا‪ :‬دار الفكر‪ ،‬صفحة ‪ ،161-169-159‬جزء ‪ .1‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪18‬‬
‫من صفطورة‪ ،‬وبها ت ّم االستيالء على ساحل المغرب األوسط‪ ،‬لكنّ تجمعًا كبيرً ا للبربر البتر بقيادة امرأة يقال لها الكاهنة أوقعوا"‬
‫الهزيمة بالمسلمين‪ ،‬فخسروا إفريقيا من جديد‪ ،‬وعادوا إلى برقة‪ ،‬فيما استب ّدت الكاهنة بالمغرب خمس سنين استعْ دَ ت بها القبائل‬
‫والمسيحيين الذين رحبوا بعودة المسلمين بعد ذلك‪ ،‬وآزروهم" ض ّد الكاهنة التي هُزمت وقُتلت في إحدى المعارك‪ .‬بعد هذا‬
‫االنتصار‪ ،‬وبسبب ضعف القبائل لسنين القتال الطويلة كانت مهمة الفتح النهائي للمغرب األقصى سهلة بقيادة موسى بن نصير‬
‫الذي غزاه سنة ‪ 85‬هـ‪ ،‬ففتح درعة والسوس" وصالح صاحب سبتة على دفع الجزية‪ ،‬ثم جعل مواله من البربر طارق بن زياد‬
‫واليًا على طنجة‪ ،‬وكان لموسى بن نصير" دورً ا كبيرً ا في إتمام الفتح اإلسالمي" لبالد المغرب؛ حيث أمر المسلمين بتعليم البربر‬
‫اللغة العربية وأحكام الدين الجديد‪ ،‬فانتهت سنين الفتح بإسالم جميع القبائل في المغرب األدنى واألوسط واألقصى‪ ،‬وكذلك في‬
‫السودان وتخوم الصحراء الكبرى‪ ،‬وبدأ بالتعاون مع البربر في التمهيد لفتح األندلس من خالل غزو الجزر القريبة لشل حركة‬
‫)‪(1‬‬
‫األساطيل البيزنطية في البحر المتوسط‪".‬‬

‫‪" .‬قصة قادة فتح المغرب العربي وصور من حضارة المغرب اإلسالمية"‪ّ ،www.alukah.net ،‬‬
‫اطلع عليه بتاريخ ‪ .2019-08-12‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪19‬‬
‫خاتمة‬

‫‪20‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫إن الوقوف" على هذه الفترة المؤلمة من تاريخ المغرب اإلسالمي‪ ،‬يبعث في النفس الشعور" باأللم و الخيبة في آخر والة بني‬
‫أمية الذين نسوا الهدف النبيل الذي من أجله فتح المغرب‪ ،‬و من أجله أسلم البربر‪ ،‬و من أجله أرسل الرسول محمد صلى هللا‬
‫عليه و سلم‪.‬‬
‫إن الظلم و إن طال سيطول الظالم و يرمي به في ظلمات التاريخ ليذكر كطاغ منبوذ‪ ،‬لقد ضاعت الدولة اإلسالمية بين‬
‫مجون الحكام و سيطرة الجواري و بين أصحاب المطامع فكان ذلك نذير الفناء الذي عصف بالدولة و حولها إلى فريسة كثرت‬
‫السكاكين ناحريها‪،‬عندما" أضحت الدولة األموية دولة عربية بإمتياز أكثر منها دولة إسالمية‪ ،‬فتمكنت منها القومية أكثر من‬
‫غيرها من الدول التي سبقتها و التي جاءت بعدها‪.‬‬

‫‪21‬‬

You might also like