You are on page 1of 87

1

‫مبادىء علم االجتماع االقتصادي‬

‫جميل حمداوي‬

‫‪2‬‬
‫اإلهداء‬

‫إلى أمي وأبي‬

‫إلى أهلي وعشيرتي‬

‫إلى أساتذتي‬

‫إلى زمالئي وزميالتي‬

‫إلى كل من علمني حرفا‬

‫أهدي هذا الكتاب راجياً من المولى‬

‫عز وجل أن يجد القبول والنجاح‬

‫‪3‬‬
‫المقدمة‬
‫يعد علم االجتماع االقتصادي (‪)La sociologie économique‬‬
‫فرعا من فروع علم االجتماع العام‪ .‬ويعني هذا التخصص دراسة الظواهر‬
‫االقتصادية في ضوء المقترب السوسيولوجي‪ ،‬بفهم أشكال االقتصاد وتفسيرها‪،‬‬
‫وربط الصلة بين المنافع االقتصادية والعالقات االجتماعية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فعلم‬
‫االجتماع االقتصادي هو ذلك العلم الذي يعنى بدراسة األنشطة االقتصادية‪ ،‬من‬
‫إنتاج‪ ،‬وتوزيع‪ ،‬وتبادل‪ ،‬واستهالك‪.‬ومن ثم‪ ،‬فالسوسيولوجيا االقتصادية هي دراسة‬
‫للنظام االقتصادي‪ ،‬في مختلف بنياته‪ ،‬وأشكاله‪ ،‬وأنساقه‪ ،‬وأنشطته‪ ،‬ودوراته‪،‬‬
‫ووظائفه‪ ،‬وعالقاته‪ ،‬مع التركيز على األفعال االقتصادية العقالنية والهادفة في‬
‫سياقاتها المجتمعية‪.‬‬

‫إذاً‪ ،‬ما علم االجتماع االقتصادي وما مواضيعه وما تاريخه وما رواده قديما‬
‫وحديثا وما تصوراته النظرية والمنهجية‬

‫هذا ماسوف نرصده في كتابنا هذا الذي عنوناه ب(مبادىء علم االجتماع‬
‫االقتصادي)‪ ،‬على أساس أن علم االجتماع االقتصادي هو علم مهم للبحث عن‬
‫العالقة التي تجمع بين الظواهر االقتصادية وبنية المجتمع‪ .‬ويعني هذا أن‬
‫المجتمع اإلنساني يعرف مشاكل معقدة وعويصة جدا‪ ،‬واليمكن معالجتها أو‬
‫تشخيصها إال في إطار اقتصادي‪ .‬والعكس صحيح أيضا‪ ،‬فكثير من الظواهر‬
‫االقتصادية لها ارتباط وثيق بالمجتمع من جهة‪ ،‬وبأفعال األفراد والمجتمعات من‬
‫‪4‬‬
‫جهة أخرى‪ .‬ويعني هذا كله أن النشاط االقتصادي يقوم به الفرد البشري بتعاون‬
‫وتضامن وتبادل مع األفراد اآلخرين‪ ،‬ضمن سياق مجتمعي معين‪ .‬لذلك‪ ،‬تتخذ‬
‫الظواهر االقتصادية طابعا اجتماعيا‪ ،‬مادامت ترتبط برغبات األفراد وحاجياتهم‬
‫وحوافزهم وأنشطتهم‪ .‬كما أن االقتصاد في خدمة توازن المجتمع وتماسكه‬
‫وانسجامه ليس إال‪.‬‬

‫و نرجو من الله عز وجل أن يوفقنا في هذا الكتاب المتواضع‪ ،‬و يسدد خطانا‪،‬‬
‫ويرشدنا إلى ما فيه صالحنا‪ ،‬ونستغفره عن هفواتنا وكبواتنا وأخطائنا وزالتنا‪ .‬كما‬
‫نستسمح القراء األفاضل عما في هذا الكتاب من نقص وتقصير ونسيان‪،‬‬
‫فالكمال والتمام من صفات سبحانه وتعالى جل شأنه وعال‪ ،‬وماتوفيقي إال بالله‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف علم االجتماع االقتصادي‬
‫من المعروف أن علم االقتصاد هو الدراسة العلمية لعمليات اإلنتاج والتوزيع‬
‫والتبادل واالستهالك التي تتعلق بالسلع والخدمات لتحقيق الرفاهية واالزدهار‬
‫لألفراد‪ ،‬وتحسين مستوى معيشتهم المادية والمالية والمعنوية‪ .‬وبتعبير آخر‪ ،‬يدرس‬
‫هذا العلم الدورة االقتصادية القائمة على أربع مراحل أساسية هي‪ :‬اإلنتاج‪،‬‬
‫والتوزيع‪ ،‬والتبادل‪ ،‬واالستهالك‪ .‬وقد ارتبط هذا العلم أيضا بالدولة‪ .‬لذا‪ ،‬سمي‬
‫باالقتصاد السياسي إلى درجة يصعب الفصل بين االقتصاد والسياسة للعالقة‬
‫الجدلية الموجودة بينهما‪.‬‬

‫بيد أن الثروات التقتصر على الدولة فقط‪ ،‬بل هي نتاج جهود األفراد فيما بينهم‪،‬‬
‫داخل سياق مجتمعي معين‪ .‬بمعنى أن األفراد هم الذين يحققون الثروة االقتصادية‬
‫المثمرة‪ ،‬في إطار التعاون والتفاهم والتعاقد والتبادل المشترك‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يدرس علم‬
‫االقتصاد األنشطة االقتصادية ذات الطابع الفردي واالجتماعي‪ .‬وقد عرف بعضهم‬
‫علم االقتصاد بأنه " دراسة الكيفية التي عليها ينظم الناس استخدام الموارد إلشباع‬
‫رغباتهم وحاجاتهم‪ ،‬بمعنى أن علم االقتصاد يهتم بدراسة التنظيم االقتصادي‪،‬‬
‫وهذا يتطلب دراسة مختلف النظم االقتصادية‪ ،‬والمشكالت التي تواجه كل نظام‬
‫‪1‬‬
‫والطرائق الممكنة لحل هذه المشكالت‪".‬‬

‫‪ - 1‬محمد ياسر الخواجة‪ :‬علم االجتماع االقتصادي‪ ،‬األهالي للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى ‪1991‬م‪ ،‬ص‪.11:‬‬
‫‪6‬‬
‫إذاً‪ ،‬يدرس علم االقتصاد مختلف النظم االقتصادية التي تساعد الناس على تلبية‬
‫حاجياتهم‪ ،‬وإشباع رغباتهم‪ ،‬وتحقيق المنافع والمصالح‪ ،‬وتحقيق التوازن‬
‫االقتصادي‪ ،‬واإلشباع المادي‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يحاول علم االقتصاد أن يبحث عن‬
‫التوازن بين المداخيل والمصاريف‪ ،‬ويعالج المشاكل المادية بأنجع السبل والطرائق‬
‫االقتصادية الممكنة والمتاحة‪ ،‬في إطار ما يسمى بالحكامة الجيدة‪ .‬ويعني هذا‬
‫أن علم االقتصاد يقدم لنا جميع الوسائل والخطط لتنظيم حياتنا االقتصادية كما‬
‫وكيفا‪ ،‬وتحقيق انسجامها وتوازنها وتماسكها‪ ،‬والسيما أن رغبات اإلنسان‬
‫وحاجياته كثيرة وآمرة وملحة‪ ،‬لكن الوقت والنشاط والموارد الطبيعية محدودة‪.‬لذا‪،‬‬
‫ينبغي التحكم جيدا في الموارد الموجودة‪ ،‬وترشيد النفقات واالستهالك‪ .‬كما أن‬
‫هذا االقتصاد هو سبيل لتحقيق الثروة وتجميعها وتكديسها أو استثمارها‪ .‬وقد‬
‫قال آدم سميث بأن االقتصاد هو علم الثروة‪ .‬وهناك من يقول بأنه علم اإلثراء‬
‫القائم على المجهود البشري لبناء ثروة األمة‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فعلم االقتصاد هو الذي يعنى بدراسة النشاط االقتصادي الفردي أو‬
‫الجماعي من أجل تحقيق المنافع أو المصالح أو الرفاهية أو الثروة أو التوازن بين‬
‫المداخيل والمصاريف‪.‬‬

‫وإذا كان علم االقتصاد يهدف إلى وضع قوانين رياضية وإحصائية وعلمية لتحقيق‬
‫المنفعة أو المصلحة أو التوازن االقتصادي أو الرفاهية المادية لألفراد والجماعات‪،‬‬
‫فإن علم االجتماع االقتصادي يهدف إلى تحقيق العدالة المجتمعية‪ ،‬وتحسين‬
‫‪7‬‬
‫مستوى معيشة األفراد والمجموعات داخل نسق مجتمعي معين‪ .‬بمعنى توجيه‬
‫االقتصاد لتقدم البنيان االجتماعي‪ ،‬وتحقيق توازنه وانسجامه وتكامله‪ ،‬أو تحسين‬
‫األوضاع االقتصادية للمجتمع بأكمله‪ .‬وفي هذا‪ ،‬يقول محمد ياسر الخواجة‪":‬‬
‫وتبدو الصلة أكثر وضوحا بين مجال االقتصاد ومجال االجتماع‪ .‬لكن الذي‬
‫تجدر اإلشارة إليه هنا أن علم االجتماع االقتصادي اليرمي من دراسته إلى‬
‫الوصول إلى قوانين اقتصادية بحتة أو الوصول إلى هذه القوانين بغرض ذاتي‪ ،‬وإنما‬
‫يهدف إلى االنتفاع بها في االرتقاء باألوضاع والنظم والمستويات االقتصادية‪ ،‬فإذا‬
‫كان االقتصاد يهتم بالمنفعة‪ ،‬فإن علم االجتماع االقتصادي يعنى بالعدالة‪ ،‬وإذا‬
‫كان االقتصاد يضع القوانين التي يستند إليها النظام االقتصادي‪ ،‬فإن علم‬
‫االجتماع االقتصادي يستنبط قوانين تقدم البنيان االجتماعي من الناحية‬
‫االقتصادية‪.‬‬

‫أي‪ :‬إن علم االجتماع االقتصادي يستطيع أن يساعدنا على معرفة أي النظم‬
‫االقتصادية يمكن أن تالئم هذا المجتمع أم ذاك‪ ،‬وما الذي يجب االحتفاظ به‪،‬‬
‫وما الذي يجب استبعاده من وسائل النشاط أو االستغالل االقتصادي‪ ،‬ألنه‬
‫يدرس النشاط االقتصادي بوصفه أحد مظاهر النشاط االجتماعي‪ ،‬بل هو أهم‬
‫ناحية من سلوك األفراد؛ ألنه يتصل بقوام البنيان االجتماعي‪ ،‬وينظر إلى الظاهر‬
‫نظرته إلى الظواهر االجتماعية التقل شأنا عن الظواهر السياسية‪ ،‬والدينية‪،‬‬
‫واألخالقية‪ ،‬واللغوية‪ ،‬وهي كلها ظواهر تنبع من طبيعة الحياة االجتماعية‪ ،‬وما‬

‫‪8‬‬
‫ينطوي عليه من تفاعل بين األفراد واحتكاك مشاعرهم‪ ،‬وتقابل رغباتهم وخضوعهم‬
‫لظروف بيئية واجتماعية تصهرهم جميعا في بوتقة واحدة‪.‬تتحد آثارها وتتداخل‬
‫‪2‬‬
‫العوامل المؤثرة فيها بالنتائج بحيث يصعب الوقوف عليها‪".‬‬

‫ويعرفه سميلسر(‪ ،)N.Smelser‬في كتابه (سوسيولوجيا الحياة االقتصادية)‪،‬‬


‫بأنه " العلم الذي يقوم على تطبيق اإلطار المرجعي لعلم االجتماع ونماذجه‬
‫التفسيرية لدراسة وتحليل األنشطة االقتصادية الحديثة التي تعالج عمليات‬
‫اإلنتاج‪ ،‬والتوزيع‪ ،‬والتبادل‪ ،‬واالستهالك للسلع والخدمات النادرة‪"3.‬‬

‫إذاً‪ ،‬فعلم االجتماع االقتصادي هو تطبيق المقاربة السوسيولوجية على الظواهر‬


‫االقتصادية ‪ ،1‬أو هو الدراسة السوسيولوجية لالقتصاد‪ .5‬ويقصد بالظواهر‬

‫‪ - 2‬محمد ياسر الخواجة‪ :‬علم االجتماع االقتصادي‪ ،‬ص‪.11-15:‬‬


‫‪3‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Smelser,N:The‬‬ ‫‪sociology‬‬ ‫‪of‬‬ ‫‪economic‬‬
‫‪life,prentice,Hall,New Jerry1976,p:43.‬‬
‫‪- Smelser N. J. et Swedberg R. (eds.), The Handbook‬‬
‫‪4‬‬

‫‪of Economic Sociology, Princeton, Russell Sage‬‬


‫‪Foundation, 1994, p: 3.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Swedberg R., 1987, Current Sociology, London,‬‬
‫‪Sage Publication ; trad. franç.1987 ; Une histoire de la‬‬
‫‪sociologie‬‬ ‫‪économique,‬‬ ‫‪Paris,‬‬ ‫‪Desclée‬‬ ‫‪de‬‬
‫‪Brouwer,1994,p :221.‬‬
‫‪9‬‬
‫االقتصادية العمليات األربع‪ :‬اإلنتاج‪ ،‬والتوزيع‪ ،‬والتبادل‪ ،‬واالستهالك‪ ،1‬أو السلوك‬
‫اإلنساني الذي يوفق بين الرغبات الكثيرة وندرة الموارد أو محدوديتها‪ .7‬وقد تعني‬
‫الظواهر االقتصادية ما يسمى بالفعل االقتصادي العقالني والهادف عند ماكس‬
‫فيبر (‪ )Max Weber‬أو فيلفريدو باريتو )‪.(V.Pareto‬‬

‫إذاً‪ ،‬يهتم علم االجتماع االقتصادي بدراسة الظواهر االقتصادية التي لها عالقة‬
‫بالمجتمع‪ .‬أي‪ :‬دراسة النظم االقتصادية‪ ،‬وتحليل وضعيات السوق‪ ،‬ووصف‬
‫الدورة االقتصادية‪ ،‬والتوقف عند اآلليات التي تتحكم في تحديد األثمان‪،‬‬
‫ومناقشة سياسة العرض والطلب‪ ،‬واستكشاف العالقات االجتماعية وصلتها‬
‫بالعالقات التجارية واالقتصادية‪ ،‬وتناول األسواق في تأرجحها بين الربح والقيم‪...‬‬

‫وهكذا‪ ،‬فعلم االجتماع االقتصادي هو دراسة مختلف الظواهر االقتصادية‬


‫المتنوعة في ضوء مسبباتها االجتماعية ونتائجها‪ ،‬من خالل المزج بين االقتصاد‬
‫والمجتمع‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فعلم االجتماع االقتصادي عبارة عن مقاربة سوسيولوجية‬
‫للظواهر االقتصادية‪ ،‬وتحليلها في ضوء مقاربة اقتصادية جزئية أو كلية‪ ،‬بالتركيز‬

‫‪6‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Granovetter M, : Analyse économique des‬‬
‫‪conventions, Paris, PUF,1994,p :81.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪- Robbins L., : An Essay on the Nature and‬‬
‫‪Signification‬‬ ‫‪of‬‬ ‫‪Economic‬‬ ‫‪Science,‬‬ ‫‪Londres,‬‬
‫‪Macmillan, 1932, p: 30.‬‬
‫‪10‬‬
‫على البنيات االقتصادية وأدوارها ووظائفها ومؤسساتها‪ ،‬مع تبيان دور المجتمع‬
‫وتأثيره في االقتصاد‪...‬‬

‫‪11‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مواضيع علم االجتماع االقتصادي‬
‫يدرس علم االجتماع االقتصادي مجموعة من المواضيع المهمة‪ ،‬ويمكن حصرها‬
‫فيما يلي‪ :‬الدورة االقتصادية (اإلنتاج‪ ،‬والتوزيع‪ ،‬والتبادل‪ ،‬واالستهالك)‪ ،‬والمنفعة‬
‫االقتصادية‪ ،‬والرفاهية االقتصادية‪ ،‬والتوازن أو الالتوازن االقتصادي‪ ،‬والتبادل‬
‫التجاري‪ ،‬والبؤس االجتماعي‪ ،‬والفقر‪ ،‬والتسول‪ ،‬والثراء‪ ،‬والبطالة‪ ،‬والمساواة أو‬
‫الالمساواة االجتماعية‪ ،‬والرأسمال االقتصادي‪ ،‬والتنمية والتخلف‪ ،‬والملكية‬
‫الخاصة‪ ،‬والعمل‪ ،‬واالستثمار‪ ،‬واألجور‪ ،‬وتوزيع الدخل‪ ،‬واالقتصاد الكلي‪،‬‬
‫والدخل القومي‪ ،‬ورأس المال‪ ،‬والربح‪ ،‬والريع‪ ،‬ونظرية القيمة‪ ،‬والقروض‪ ،‬والتنافس‬
‫االقتصادي‪ ،‬وتحرير االقتصاد‪ ،‬والتضخم‪ ،‬والتبعية‪ ،‬والعولمة‪ ،‬واإلشباع االقتصادي‪،‬‬
‫ونقل التكنولوجيا‪ ،‬واألسواق‪ ،‬واألسهم‪ ،‬والبورصات‪ ،‬واألبناك‪ ،‬والشركات متعددة‬
‫الجنسيات‪ ،‬واألزمات االقتصادية‪ ،‬واألنشطة االقتصادية‪ ،‬والمؤسسات والمقاوالت‬
‫االقتصادية‪ ،‬والتدبير االقتصادي‪ ،‬واإلفالس‪ ،‬والتجارة‪ ،‬وتقسيم العمل‪ ،‬وعالقة‬
‫الدين باالقتصاد‪ ،‬وعالقة االقتصاد بالمشاكل االجتماعية‪ ،‬والتنمية االقتصادية‬
‫المستدامة‪ ،‬وثورة المعلومات‪ ،‬والثورة الرقمية‪ ،‬والتجارة الداخلية والخارجية‪ ،‬والركود‬
‫االقتصادي‪ ،‬والوضع االقتصادي للرجل والمرأة معا‪ ،‬والضرائب المباشرة وغير‬
‫المباشرة وأثرها في االقتصاد والمجتمع معا‪ ،‬واالقتصاد الجزئي والكلي‪ ،‬والنمو‬
‫الديمغرافي وعالقته باإلنتاج الغذائي والزراعي‪ ،‬وفلسفة النقود‪ ،‬وتراكم رؤوس‬
‫األموال‪ ،‬واألوراق المالية‪ ،‬وثنائية الطلب والعرض‪ ،‬والخوصصة‪ ،‬واالقتصاد الموجه‪،‬‬

‫‪12‬‬
‫واالقتصاد المنفتح‪ ،‬والفوائد البنكية والربوية‪ ،‬والصراع الطبقي‪ ،‬والمشاريع‬
‫االقتصادية‪ ،‬وكثرة الرغبات والحاجيات وندرة الموارد‪ ،‬واستغالل الطبيعة‪،‬‬
‫والبيروقراطية‪ ،‬والطبقات الطفيلية‪ ،‬وسوق العمل‪ ،‬والرأسمالية واالشتراكية‪،‬‬
‫واالقتصاد السياسي‪ ،‬وقيم التبادل واالستعمال‪ ،‬والتشييء واالغتراب‪ ،‬والتقنية‬
‫واالستالب‪...‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬رواد علم االجتماع االقتصادي‬


‫يمكن الحديث عن مجموعة من رواد علم االجتماع االقتصادي الذين اهتموا‬
‫بالظواهر االقتصادية قديما وحديثا‪ ،‬إن على مستوى التنظير‪ ،‬وإن على مستوى‬
‫وألكسيس‬ ‫خلدون‪،‬‬ ‫ابن‬ ‫نذكر‪:‬‬ ‫هؤالء‬ ‫أهم‬ ‫ومن‬ ‫التطبيق‪.‬‬
‫توكفيل(‪ ،)Tocqueville‬وآدم سميث (‪ ،)Adam Smith‬ودافيد ريكاردو‬
‫(‪ ،)David Ricardou‬وكارل ماركس (‪ ،)K.Marx‬وليون والراس‬
‫(‪ ،)Léon Walras‬وماكس فيبر(‪ ،)Max Weber‬وإميل دروكايم‬
‫(‪ ،)E.Durkheim‬وجوزيف شومبتر (‪،)Joseph Schumpeter‬‬
‫وفيلفريدو باريتو (‪ ،)Vilfredo Pareto‬وجورج زيمل ( ‪Georg‬‬
‫‪ ،)Simmel‬ومارك غرانوفيتر(‪ ،)Mark Granovetter‬وهاريسون وايت‬
‫(‪ ،)Harrison White‬وكارل بوالنيي (‪ ،)Karl Polanyi‬وبيير بورديو‬
‫(‪ ،)Pierre Bourdieu‬ولوك بولتانسكي (‪،)Luc Boltanski‬ولوران‬
‫تيفلو (‪ ،)Laurent Thévenot‬وإيف شيابلو (‪،)Ève Chiapello‬‬

‫‪13‬‬
‫وألفرد مارشال (‪ ،)Alfred Marshall‬وجون كينز( ‪John Maynard‬‬
‫‪ ،)Keynes‬وفريد بلوك (‪ ،)Fred L. Block‬وجيمس كولمان( ‪James‬‬
‫‪ ،)S. Coleman‬وباوال إنجالند(‪ ،)Paula England‬وبول ديماجيو‬
‫(‪ ،)Paul DiMaggio‬وجويل بودولني(‪ ،)Joel M. Podolny‬ولينيت‬
‫سبيلمان (‪ ،)Lynette Spillman‬وريشارد سويدبيرج ( ‪Richard‬‬
‫‪ ،)Swedberg‬وفيفيانا زيليزير(‪ ،)Viviana Zelizer‬وكارلو تريجيليا‬
‫(‪ ،)Carlo Trigilia‬ولوك بولتانسكي(‪ ،)Luc Boltanski‬ودونال أنغوس‬
‫ماكينزي(‪ ،)Donald Angus MacKenzie‬ولوران تيفنو( ‪Laurent‬‬
‫وأميتاي‬ ‫‪،)Jens‬‬ ‫(‪Beckert‬‬ ‫بيكير‬ ‫وجينس‬ ‫‪،)Thévenot‬‬
‫إتزيوني(‪ ،)Amitai Etzioni‬وشاك سابيل(‪ ،)Chuck Sabel‬وفولفغانغ‬
‫ستريك (‪ ،)Wolfgang Streeck‬ومكائيل موصو( ‪Michael‬‬
‫‪…)Mousseau‬‬

‫ومن جهة أخرى هناك دراسات سوسيولوجية ماركسية متميزة‪ ،‬تناولت النظام‬
‫االقتصادي الرأسمالي بالتحليل والنقد والتعرية والفضح‪ ،‬كما نجد ذلك واضحا‬
‫عند كل من‪ :‬جورج لوكاش(‪ ،)Georg Lukács‬وتيودور أدورنو( ‪Theodor‬‬
‫‪ ،)Adorno‬وماكس هوركايمر(‪ ،)Max Horkheimer‬ووالتر بنجامين‬
‫(‪ ،)Walter Benjamin‬وغوي دوبور (‪ ،)Guy Debord‬ولوي ألتوسير‬
‫(‪ ،)Louis Althusser‬ونيكوس بوالنتازاس(‪،)Nicos Poulantzas‬‬

‫‪14‬‬
‫ورالف ميليباند (‪ ،)Ralph Miliband‬ويورغان هابرماس( ‪Jürgen‬‬
‫‪ ،)Habermas‬ورايمون ويليام(‪ ،)Raymond Williams‬وفريدريك‬
‫جامسون (‪ ،)Fredric Jameson‬وأنتونيو نيغري(‪،)Antonio Negri‬‬
‫وستوار هال(‪ ،)Stuart Hall‬وغيرهم‪...‬‬

‫ويالحظ أن هؤالء العلماء والباحثين والمفكرين تتحكم فيهم مجموعة من‬


‫المرجعيات المختلفة التي كانت توجه اهتماماتهم االقتصادية‪ ،‬على الرغم من‬
‫وجود عالقات متشابكة ومتداخلة بين ماهو اقتصادي و ماهو اجتماعي‬
‫وسوسيولوجي‪ ،‬مثل‪ :‬المرجعية السياسية ( توكفيل)‪ ،‬والمرجعية التاريخية والعمرانية‬
‫(ابن خلدون)‪ ،‬والمرجعية الفلسفية (جورج زيمل‪ ،‬وماركس‪ ،)...‬والمرجعية‬
‫االقتصادية ( أدم سميث‪ ،‬ودافيد ريكاردو‪ ،‬وجون كينز‪ ،‬وفيلفريد باريتو‪،)...‬‬
‫والمرجعية السوسيولوجية (بيير بورديو)‪ ،‬والمرجعية العلمية أو الوضعية (إميل‬
‫دوركايم)‪ ،‬والمرجعية المنفتحة والمتنوعة والمتعددة الحقول والمعارف (ماكس‬
‫فيبر)‪...‬‬

‫‪15‬‬
16
‫المطلب الرابع‪ :‬تاريخ علم االجتماع االقتصادي‬
‫ارتبط علم االقتصاد باإلنسان منذ القديم‪ .‬لذا‪ ،‬وجدنا اهتمامات وأفكارا اقتصادية‬
‫نظرية وعملية متميزة‪ .‬ويعلم الكل مدى نجاح السياسة االقتصادية التي تبناها‬
‫يوسف عليه السالم فيما يخص ادخار الحبوب لسنوات عدة‪ ،‬والتحكم في‬
‫عمليات االستهالك والتوزيع والتبادل‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬تبلور علم االقتصاد‪ ،‬وأصبحت‬
‫له قواعد نظرية وتطبيقية وإستراتيجية‪ ،‬تخضع للرياضيات واإلحصاء والمناهج‬
‫التجريية والعلمية الدقيقة‪ ،‬بتوظيف كل التقنيات المستجدة التي أتت بها‬
‫التكنولوجيا الحديثة والمعاصرة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فقد انقسم هذا العلم إلى مذاهب‬
‫اقتصادية عالمية (الليبرالية واالشتراكية)‪ ،‬وتفرع إلى تصورات نظرية مختلفة ومتنوعة‬
‫(نظرية كينز مثال)‪ ،‬وإلى أطروحات إيديولوجية متصارعة (االقتصاد االشتراكي‬
‫الماركسي مقابل االقتصاد الليبرالي)‪.‬‬

‫وبعد أن تطور علم االقتصاد كثيرا‪ ،‬ظهر تخصص جديد‪ ،‬في منتصف القرن‬
‫العشرين‪ ،‬يسمى بعلم االجتماع االقتصادي الذي يبحث عن عالقة المجتمع‬
‫باالقتصاد‪ ،‬أو دور االقتصاد في تحريك عجلة المجتمع أو توقيفها أو إعاقة‬
‫نموها‪ .‬على الرغم من أن هذا المصطلح قد ظهر في القرن التاسع عشر‬
‫الميالدي‪ ،‬وبالضبط في سنة ‪1179‬م‪ ،‬واستعمله اإلنجليزي ويليام ستانلي جوفنز‬
‫(‪ .)William Stanley Jevons‬وبعد ذلك‪ ،‬استعمل هذا المصطلح في‬
‫كتابات إميل دوركايم‪ ،‬وماكس فيبر‪ ،‬وجورج زيمل ما بين ‪1191‬و‪.1921‬‬

‫‪17‬‬
‫وقد تأسس هذا العلم في جامعات الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬ثم انتقل إلى‬
‫باقي جامعات الغرب والشرق بعد ذلك‪ .‬وأصبح علم االجتماع االقتصادي‬
‫تخصصا علميا جديدا‪ ،‬يتفرع عن علم االجتماع العام‪ ،‬ويوظف أدواته وآلياته‬
‫ومناهجه في الفهم والتفسير والتأويل‪ .‬وفي هذا‪ ،‬يقول محمد ياسر الخواجة في‬
‫كتابه ( علم االجتماع االقتصادي)‪ " :‬تبلورت الجهود األولى لنشأة علم‬
‫االجتماع االقتصادي في الواليات المتحدة األمريكية مع اهتمامات المدارس‬
‫السوسيولوجية األمريكية‪ ،‬ومنها مدرسة شيكاغو وهارفارد وغيرهما إلى تطوير‬
‫مجاالت علم االجتماع االقتصادي‪ ،‬واالستعانة بالعديد من المداخل‬
‫السوسيولوجية والنماذج االقتصادية في دراسة الظواهر السوسيواقتصادية‪.‬وذلك من‬
‫منطلق أن النشاط االقتصادي كأي نشاط آخر يمثل أحد الظواهر االجتماعية‬
‫التي اليمكن فهمها وتفسيرها تفسيرا كامال إال في ضوء التفاعل والتأثير المتبادل‬
‫بين كل من االقتصاد والمجتمع‪"1.‬‬

‫وبعد ذلك‪ ،‬توسعت مداخل علم االجتماع االقتصادي‪ ،‬وأصبح يعتمد على‬
‫النظريات االقتصادية ومذاهبها لتعميق الصلة بين الظواهر االقتصادية والظواهر‬
‫المجتمعية‪ .‬وأصبح هذا العلم تخصصا أكاديميا في شعبة االقتصاد أو علم‬
‫االجتماع‪ ،‬ولم يدخل هذا التخصص الجامعات العربية إال في العقود األخيرة من‬
‫القرن العشرين‪ ،‬ومازالت الدراسات فيه قليلة جدا حتى في بيئته الغربية‪.‬‬

‫‪ - 1‬محمد ياسر الخواجة‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.7:‬‬


‫‪18‬‬
‫و" على الرغم من أن علم االجتماع االقتصادي يعد علما حديث النشأة بمقارنته‬
‫بعلم االقتصاد الذي تطورت أقدامه كعلم موضوعي اكتسب الصيغة العلمية في‬
‫وقت كان فيه علم االجتماع االقتصادي يحاول أن يتحسس طريقه في دراسة‬
‫الظواهر االقتصادية بصورة علمية ومنهجية من خالل استقطاب مجموعة من‬
‫علماء االقتصاد في األصل‪ ،‬ومنهم على سبيل المثال ألفرد مارشال‪ ،‬وجون كينز‪،‬‬
‫وفيلفريد باريتو‪ ،‬وجورج زيمل حيث وجدوا من علم االجتماع االقتصادي نقطة‬
‫التقاء واقعية للعالقة الوثيقة بين كل من علمي االقتصاد واالجتماع‪.‬إال أنه استطاع‬
‫أن يشق طريقه بنجاح كبير لفت أنظار جميع الدوائر العلمية واألكاديمية في كافة‬
‫العلوم االجتماعية‪ ،‬ويشهد على ذلك مظاهر التطور التي استطاع هذا العلم‬
‫الجديد أن يحققها في مجال تحديد موضوعه‪ ،‬وبلورة قضاياه النظرية‪ ،‬وتنمية‬
‫منهجه‪ ،‬وتميز طريقته في تحليل وتفسير الظواهر السوسيواقتصادية مثل‪ :‬الملكية‪،‬‬
‫واإلنتاج‪ ،‬والعمل‪ ،‬واالستهالك‪ ،‬والتوزيع‪ ،‬واالستثمار‪ ،‬واألجور‪ ،‬والبطالة‪ ،‬والفقر‪،‬‬
‫والتضخم‪ ،‬والتبعية‪ ،‬وقضايا المنفعة والرفاهية‪ ،‬واإلشباع االقتصادي‪ ،‬ونقل‬
‫التكنولوجيا‪ ،‬واألسواق‪ ،‬والشركات متعددة الجنسيات وغير ذلك من الموضوعات‬
‫الحديثة المتعددة األخرى‪ .‬ويؤكد ذلك أيضا حرص علماء االجتماع االقتصادي‬
‫على توفير الشروط النظرية والمنهجية لهذا العلم الفرعي‪ ،‬وتثبيت دعائم استقالله‬

‫‪19‬‬
‫المعرفي‪ ،‬وتميزه عن مجموعة النظم الفكرية األخرى السوسيواقتصادية بصورة‬
‫تحليلية وواقعية‪"9.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬أصبح علم االجتماع االقتصادي تخصصا علميا مستقال‪ ،‬اليمكن‬


‫االستغناء عنه في دراسة الظواهر االجتماعية ذات الطبيعة االقتصادية‪.‬وأكثر من‬
‫هذا فثمة مجموعة من القضايا والظواهر االجتماعية التي اليمكن فهمها أو‬
‫تفسيرها أو تأويلها إال بالتوقف عند العوامل االقتصادية التي تكون السبب‬
‫الحقيقي في إفراز تلك الظواهر‪ ،‬بشكل من األشكال‪.‬‬

‫‪ - 9‬محمد ياسر الخواجة‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.1-7:‬‬


‫‪20‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬التصور النظري‬
‫اليمكن فهم علم االجتماع االقتصادي واستيعابه إال بالتوقف عند بعض‬
‫التصورات النظرية التي تندرج ضمن علم االقتصاد من جهة‪ ،‬أو علم االجتماع‬
‫االقتصادي من جهة أخرى‪.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬ابن خلدون رائد علم االجتماع االقتصادي‬

‫يعد ابن خلدون واضع علم االجتماع االقتصادي‪ ،‬حيث توقف‪ ،‬في كتابه‬
‫(المقدمة)‪ ،‬عند الكثير من الظواهر االقتصادية بالتحليل والمناقشة والتأمل‬
‫العقالني والفلسفي‪ ،‬كتناوله للعمل الذي جعله سعيا جادا لكسب الرزق‪ ،‬وأن‬
‫اإلنسان اليمكن أن يعيش بدون عمل‪ .‬ومن ثم‪ ،‬ترتفع القيمة االقتصادية للمنتج‬
‫و تنخفض حسب طبيعة العمل من حيث الجودة والرداءة‪ .‬كما ينقص العمل‬
‫ويضيع بانهيار العمران وخرابه‪ .‬وفي هذا‪ ،‬يقول ابن خلدون‪:‬‬

‫" اعلم أن الكسب إنما يكون بالسعي في االقتناء والقصد إلى التحصيل‪ ،‬فال بد‬
‫في الرزق من سعي وعمل ولو في تناوله وابتغائه من وجوهه‪ .‬قال تعالى‪ " :‬فابتغوا‬
‫عند الله الرزق "‪ .‬والسعي إليه إنما يكون بأقدار الله تعالى وإلهامه‪ ،‬فالكل من‬
‫عند الله‪ .‬فال بد من األعمال اإلنسانية في كل مكسوب ومتمول‪ .‬ألنه إن كان‬
‫عمالً بنفسه مثل الصنائع فظاهر‪ ،‬وإن كان مقتنى من الحيوان أو النبات أو‬

‫‪21‬‬
‫المعدن فال بد فيه من العمل اإلنساني كما تراه‪ ،‬وإال لم يحصل ولم يقع به‬
‫انتفاع‪.‬‬

‫ثم إن الله تعالى خلق الحجرين المعدنيين من الذهب والفضة قيمة لكل متمول‪،‬‬
‫وهما الذخيرة والقنية ألهل العالم في الغالب‪ .‬وإن اقتنى سواهما في بعض‬
‫األحيان‪ ،‬فإنما هو لقصد تحصيلهما بما يقع في غيرهما من حوالة األسواق‪ ،‬التي‬
‫هما عنها بمعزل‪ ،‬فهما أصل المكاسب والقنية والذخيرة‪ .‬وإذا تقرر هذا كله فاعلم‬
‫أن ما يفيده اإلنسان ويقتنيه من المتموالت‪ ،‬إن كان من الصنائع فالمفاد المقتنى‬
‫منه هو قيمة عمله‪ ،‬وهو القصد بالقنية‪ ،‬إذ ليس هنالك إال العمل وليس بمقصود‬
‫بنفسه للقنية‪ .‬وقد يكون مع الصنائع في بعضها غيرها‪ .‬مثل النجارة والحياكة‬
‫معهما الخشب والغزل‪ ،‬إال أن العمل فيهما أكثر‪ ،‬فقيمته أكثر‪ .‬وإن كان من غير‬
‫الصنائع‪ ،‬فال بد في قيمة ذلك المفاد والقنية من دخول قيمة العمل الذي‬
‫حصلت به‪ ،‬إذ لوال العمل لم تحصل قنيتها‪ .‬وقد تكون مالحظة العمل ظاهرة في‬
‫الكثير منها فتجعل له حصة من القيمة عظمت أو صغرت‪ .‬وقد تخفى مالحظة‬
‫العمل كما في أسعار األقوات بين الناس‪ ،‬فإن اعتبار األعمال والنفقات فيها‬
‫مالحظ فى أسعار الحبوب كما قدمناه‪ ،‬لكنه خفي في األقطار التي عالج الفلح‬
‫فيها ومؤونته يسيرة‪ ،‬فال يشعر به إال القليل من أهل الفلح‪ .‬فقد تبين أن المفادات‬
‫والمكتسبات كلها أو أكثرها إنما هي قيم األعمال اإلنسانية‪ ،‬وتبين مسمى الرزق‪،‬‬
‫وأنه المنتفع به‪ .‬فقد بان معنى الكسب والرزق وشرح مسماهما‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫واعلم أنه إذا فقدت األعمال‪ ،‬أو قلت بانتقاص العمران‪ ،‬تأذن الله برفع الكسب‪.‬‬
‫أال ترى إلى األمصار القليلة الساكن‪ ،‬كيف يقل الرزق والكسب فيها‪ ،‬أو يفقد‪،‬‬
‫لقلة األعمال اإلنسانية‪ .‬وكذلك األمصار التي يكون عمرانها أكثر‪ ،‬يكون أهلها‬
‫أوسع أحواالً وأشد رفاهية كما قدمناه قبل‪ .‬ومن هذا الباب تقول العامة في البالد‪،‬‬
‫إذا تناقص عمرانها إنها قد ذهب رزقها‪ ،‬حتى أن األنهار والعيون ينقطع جريها في‬
‫القفر‪ ،‬لما أن فور العيون إنما يكون باإلنباط واالمتراء الذي هو بالعمل اإلنساني‪،‬‬
‫كالحال في ضروع األنعام‪ ،‬فما لم يكن إنباط وال امتراء نضبت وغارت بالجملة‪،‬‬
‫كما يجف الضرع إذا ترك امتراؤه‪ .‬وانظره في البالد التي تعهد فيها العيون أليام‬
‫عمرانها‪ ،‬ثم يأتي عليها الخراب كيف تغور مياهها جملة كأنها لم تكن‪ " .‬والله‬
‫يقدر الليل والنهار‪" 11.‬‬

‫وبعد ذلك‪ ،‬فقد بين ابن خلدون أنواع العمل‪ ،‬فحصرها في الكسب‪ ،‬والفالحة‪،‬‬
‫والصناعة‪ ،‬والتجارة‪ ،‬والصيد‪ ،‬واألنشطة االقتصادية‪ ،‬وتحصيل الضريبة‪ .‬وفي هذا‪،‬‬
‫يقول ابن خلدون‪ ":‬اعلم أن المعاش هو عبارة عن ابتغاء الرزق والسعي في‬
‫تحصيله‪ ،‬وهو مفعل من العيش‪ .‬كأنه لما كان العيش الذي هو الحياة ال يحصل‬
‫إال بهذه‪ ،‬جعلت موضعاً له على طريق المبالغة‪ .‬ثم إن تحصيل الرزق وكسبه‪ :‬إما‬
‫أن يكون بأخذه من يد الغير وانتزاعه باالقتدار عليه‪ ،‬على قانون متعارف‪ ،‬ويسمى‬

‫‪ -‬ابن خلدون‪ :‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬دار ابن الهيثم‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى‬ ‫‪11‬‬

‫‪2115‬م‪ ،‬ص‪.319:‬‬
‫‪23‬‬
‫مغرماً وجباية‪ ،‬وإما أن يكون من الحيوان الوحشي باقتناصه وأخذه برميه من البر‬
‫أو البحر‪ ،‬ويسمى اصطياداً‪ ،‬وإما أن يكون من الحيوان الداجن باستخراج فضوله‬
‫المتصرفة بين الناس في منافعهم‪ ،‬كاللبن من األنعام‪ ،‬والحرير من دوده‪ ،‬والعسل‬
‫من نحله‪ ،‬أو يكون من النبات في الزرع والشجر بالقيام عليه وإعداده الستخراج‬
‫ثمرته‪ .‬ويسمى هذا كله فلحاً ‪.‬وإما أن يكون الكسب من األعمال اإلنسانية‪ :‬إما‬
‫في مواد بعينها‪ ،‬وتسمى الصنائع من كتابة وتجارة وخياطة وحياكة وفروسية وأمثال‬
‫ذلك‪ ،‬أو في مواد غير معينة‪ ،‬وهي جميع االمتهانات والتصرفات‪ ،‬وإما أن يكون‬
‫الكسب من البضائع وإعدادها لألعواض‪ ،‬إما بالتقلب بها في البالد أو احتكارها‬
‫‪11‬‬
‫وارتقاب حوالة األسواق فيها‪ .‬ويسمى هذا تجارة‪".‬‬

‫ويعني هذا أن ابن خلدون قد تناول مجموعة من القضايا االقتصادية المهمة‪،‬‬


‫مثل‪ :‬أهمية العمل وقدسيته‪ ،‬وتقسيم العمل‪ ،‬ونظرية القيمة‪ ،‬والتجارة‪ ،‬والتنمية‬
‫االقتصادية‪ .‬بيد أن ابن خلدون كان يدرس هذه الظواهر االقتصادية في عالقة‬
‫بعلم العمران أو علم االجتماع بالمفهوم الحديث‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يثبت ابن خلدون أن العمل هو مصدرالثروة واإلثراء‪ ،‬وتحصيل‬
‫الرفاهية‪ ،‬وتحقيق الجاه‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تتعدد الطبقات االجتماعية ‪ -‬بحسب العمل‬
‫والجاه والحظوة‪ -‬من األسفل إلى أعلى طبقة هي طبقة الملوك‪ .‬بل يمكن القول‬

‫‪ - 11‬ابن خلدون‪ :‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬ص‪.311:‬‬


‫‪24‬‬
‫بأن المال هو السبيل لتملك القوة والسلطة والنفوذ‪ ،‬والوصول بسرعة إلى الحكم‪.‬‬
‫وفي هذا السياق‪ ،‬يقول ابن خلدون‪ ":‬إننا نجد أن صاحب الجاه والحظوة في‬
‫جميع أصناف المعاش أكثر يساراً وثروة من فاقد الجاه‪ .‬والسبب في ذلك أن‬
‫تقرب بها إليه في سبيل التزلُّف والحاجة إلى‬
‫مخدوم باألعمال يُ َّ‬
‫صاحب الجاه ُ‬
‫جاهه‪ ،‬فالناس ُمعينون له بأعمالهم في جميع حاجاته من ضروري أو حاجي أو‬
‫كمالي‪ .‬فتحصل قيم تلك األعمال كلها من كسبه‪ .‬وجميع ما شأنه أن تبذل فيه‬
‫األعواض من العمل يستعمل فيها الناس من غير عوض‪ ،‬فتتوافر قيم تلك األعمال‬
‫عليه‪ .‬فهو بين قيم لألعمال يكتسبها‪ ،‬وقيم أخرى تدعوه الضرورة إلى إخراجها‬
‫فتتوافر عليه‪ ،‬واألعمال لصاحب الجاه كثيرة فتُفيد الغني ألقرب وقت ويزداد مع‬
‫األيام يساراً وثروة ‪.‬ولهذا المعنى كانت اإلمارة أحد أسباب المعاش كما قدمناه"‪.‬‬
‫والمقصود بالجاه هنا هو "القدرة الحاملة للبشر على التصرف فيمن تحت أيديهم‬
‫من أبناء جنسهم باإلذن والمنع والتسلط بالقهر والغلبة"‪" .‬ثم إن هذا الجاه متوزع‬
‫في الناس ومترتب فيهم طبقة بعد طبقة‪ :‬ينتهي في العلو إلى الملوك الذين ليس‬
‫ضراً وال نفعاً بين أبناء جنسه"‪.‬‬
‫فوقهم يد عالية‪ ،‬وفي السفل إلى من ليس يملك ّ‬
‫على أن المال الذي يحصل لصاحب الجاه‪ ،‬ليس مصدره‪ :‬التقرب إليه فقط‪ ،‬بل‬
‫إن أهم مصدر له هو استعمال السلطة والقهر في جمع األموال بمختلف‬

‫‪25‬‬
‫التحايالت‪ :‬الضرائب‪ ،‬المغارم‪ ،‬الجبايات‪ ،‬المصادرات بأنواعها المختلفة‪ ،‬والتي‬
‫تشتد وطأتها على الطبقات المحكومة فاقدة الجاه‪ ،‬كما سيبين فيما بعد ‪".12‬‬

‫يتبين لنا أن ابن خلدون كان سباقا إلى وضع اللبنات األولى لعلم االجتماع‬
‫االقتصادي تصورا ونظرية واستقراء‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول محمد ياسر‬
‫الخواجة‪":‬يتضح لنا مدى حس ابن خلدون االقتصادي المرهف‪ ،‬للعديد من‬
‫الظواهر والقضايا االقتصادية فكما يقول أحد الباحثين أنه قد مارس حسا‬
‫اقتصاديا كثيرا‪ ،‬فيوجد لديه فكر واضح جدا عن تكوين القيم‪ ،‬وعمل العرض‬
‫والطلب‪ ،‬وقد خصص فصال لقيم األقوات والسلع في المدن‪ ،‬كما تناول بالبحث‬
‫أيضا تأثير الحوادث السياسية في الحياة االقتصادية‪.‬‬

‫كما كانت تصورات ابن خلدون االقتصادية‪ ،‬وخاصة تأكيده على أهمية االقتصاد‬
‫الحر‪ ،‬وعدم تدخل الدولة في الشؤون االقتصادية إال من بعض المجاالت الهامة‬
‫مثل الدفاع‪ ،‬والدبلوماسية‪ ،‬والتمويل العام‪ ،‬واإلسكان‪ ،‬السبق العلمي المتميز‬
‫والواقعي لكثير من رواد علماء االقتصاد‪ ،‬وخاصة المفكر االقتصادي المعروف‬
‫آدم سيمث‪ ،‬كما جاءت تحليالت ابن خلدون معبرة عن الواقع االجتماعي‬
‫واالقتصادي والسياسي الذي عايشه وشاهده ابن خلدون في الدولة اإلسالمية من‬
‫خالل االستخدام المميز ألسلوب الوصف والتحليل المقارن عن الواقع الملموس‪،‬‬

‫‪ - 12‬ابن خلدون‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.315:‬‬


‫‪26‬‬
‫وهذا ما جعله موضوع اهتمام العديد من الباحثين والعلماء من المجتمعات الغربية‬
‫والعربية على حد سواء‪ ،‬لذلك يعد ابن خدلون من أهم العلماء الذين أرسوا دعائم‬
‫‪13‬‬
‫أسس علم االجتماع االقتصادي‪".‬‬

‫فعال‪ ،‬لقد كان ابن خلدون سباقا إلى إرساء دعائم علم االجتماع االقتصادي‪ ،‬بل‬
‫سبق كذلك كارل ماركس إلى تحليل التفاوت الطبقي في ضوء الرؤية االقتصادية‬
‫المادية‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬آدم سميث وتأسيس علم االقتصاد السياسي‬

‫يعد آدم سميث(‪ )1791-1723( )Adam Smith‬فيلسوفا بريطانيا‪ ،‬ورجل‬


‫اقتصاد ينتمي إلى عصر األنوار‪.‬ويعد أب العلوم االقتصادية الحديثة‪ ،‬كما يدل‬
‫على ذلك كتابه (ثروة األمم) الذي يعد من أهم النصوص التي تعكس توجهات‬
‫الليبرالية االقتصادية‪ .‬ويعتبر كذلك آدم سميث أبا حقيقيا لعلم االقتصاد السياسي‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬يعد سميث من أهم الدعاة إلى الحرية االقتصادية(دعه يمر‪ ،‬دعه يعمل)‪،‬‬
‫على أساس أن الدولة الينبغي أن تتدخل في شؤون الحياة االقتصادية‪ ،‬كما كان‬
‫األمر في مرحلة المذهب التجاري‪ ،‬بل عليها أن تكتفي بخدمة المواطنين في‬

‫‪ - 13‬محمد ياسر الخواجة‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.33:‬‬


‫‪27‬‬
‫مختلف المجاالت‪ ،‬مثل‪ :‬التعليم‪ ،‬والصحة‪ ،‬وبناء الطرق‪ ،‬وتحقيق األمن‬
‫الداخلي‪ ،‬وتولي مهمة الدفاع الخارجي‪.‬‬

‫ويرى آدم سميث أن اإلنسان تواق إلى الحرية‪ ،‬والعمل‪ ،‬وتحقيق الثراء‪،‬‬
‫واإلحساس بالتوافق‪ ،‬والميل إلى المقايضة والتبادل‪ .11‬كما أن الدولة عاجزة عن‬
‫تحقيق الرفاهية االقتصادية كما هو حال النظام الطبيعي‪.‬فضال عن " أهمية تطبيق‬
‫النظام الطبيعي‪ ،‬وضرورة إيجاد توازن في الدوافع الطبيعية؛ ألنها تؤدي إلى زيادة‬
‫‪15‬‬
‫الفاعلية في األنشطة االقتصادية‪".‬‬

‫ويرى أيضا أن كل من يخدم مصلحته الخاصة‪ ،‬إنما يخدم المصلحة العامة‪.‬‬


‫بمعنى أن األفراد عندما يتبادلون المنافع والمصالح والحاجيات الخاصة‪ ،‬فذلك‬
‫كله لخدمة المجتمع‪ ،‬وتحقيق المصلحة العامة‪.‬‬

‫ومن ثم‪ ،‬ينبني الفكر االقتصادي عند آدم سميث على مجموعة من المبادىء‬
‫العامة‪ ،‬وهي المبادىء نفسها التي يرتكز عليها الفكر االقتصادي الكالسيكي‪،‬‬
‫مثل‪ :‬الحرية االقتصادية‪ ،‬وتقسيم العمل‪ ،‬واألخذ بنظام السوق‪ ،‬واالرتكان إلى‬
‫المصلحة الذاتية‪ ،‬واإليمان بمنطق المنافسة‪ ،‬وتحقيق التراكم الرأسمالي‪،‬‬
‫واالسترشاد بنظرية القيمة‪...‬‬

‫‪ -‬خضر زكريا وآخران‪ :‬موجز تاريخ الفكر االجتماعي‪ ،‬األهالي للطباعة والنشر‬ ‫‪11‬‬

‫والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى ‪2111‬م‪ ،‬ص‪.233:‬‬


‫‪ - 15‬خضر زكريا وآخران‪ :‬موجز تاريخ الفكر االجتماعي‪ ،‬ص‪.231:‬‬
‫‪28‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يؤمن آدم سميث بتقسيم العمل الذي يحقق المردودية واإلنتاجية‬
‫بشكل يتحقق معه الثروة‪ .‬كما ينبني ها التقسيم على التعاون والتضامن العضوي‪،‬‬
‫على الرغم من اختالف الناس فيما بينهم على مستوى المهن واألعمال‬
‫والتخصصات؛ ألن ذلك بمثابة تكامل مجتمعي واقتصادي وأخالقي‪ ،‬يحقق‬
‫التوازن واالنسجام في المجتمع الليبرالي‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فقد " فسر سيمث تقسيم‬
‫العمل من خالل تصوره لفكرة النظام االجتماعي الطبيعي‪ ،‬من خالل هذه العملية‬
‫يمكن للفرد أن يزيد من إنتاجية عمله‪ ،‬دون أن يستقل عن اآلخرين‪ ،‬فهو يحقق‬
‫نجاحه من خالل تعاونه مع أفراد المجتمع اآلخرين‪.‬وإن إنتاجية العامل تحددها‬
‫طبيعة تقسيم العمل‪ .‬فتجزئة العملية اإلنتاجية تسمح بتخصص المهارات الالزمة‬
‫لها‪.‬وبما أن تقسيم العمل يجزىء العملية اإلنتاجية‪ ،‬فإنه يحفز األفراد على اختراع‬
‫اآلالت‪ ،‬وتيسير استخدامها‪ ،‬ويترتب على ذلك تطوير الفن اإلنتاجي‪ ،‬وزيادة في‬
‫اإلنتاج‪ .‬وهذا بدوره يتطلب مجتمعا قائما على التبادل‪ ،‬ويتوقف على حجم‬
‫‪11‬‬
‫التبادل درجة تقسيم العمل‪".‬‬

‫كما دافع سميث عن الحرية االقتصادية وتوافق المصالح‪ ،‬إذ اعتبر الدولة غير‬
‫قادرة على تطوير االقتصاد وتنميته‪ ،‬مهما اعتقد التجاريون أن قوة الدولة في‬
‫ثروتها‪ ،‬والتحكم في المبادالت التجارية‪ ،‬والسيطرة على األسواق‪ .‬بل ينبغي أن‬

‫‪ - 11‬خضر زكريا وآخران‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.231:‬‬


‫‪29‬‬
‫تترك الدولة السوق التبادلية لرجال المال واألعمال‪ ،‬لتسيير دواليب االقتصاد‬
‫وتحريكها في صالح األفراد والمجتمع على حد سواء‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد تحدث آدم سميث عن قوانين المجتمع الحر‪ ،‬مثل‪ :‬نظرية القيمة‪،‬‬
‫ونظرية رأس المال‪ ،‬وتوزيع الدخل‪ .‬ويعني هذا أن قيمة السلعة مرتبطة بقيمة العمل‬
‫ومدته وجودته ورداءته‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهناك قيمة استعمالية للشيء‪ ،‬وقيمة تبادلية‪.‬‬
‫فالقيمة االستعمالية تعني منفعة شيء معين‪.‬في حين‪ ،‬يقصد بالقيمة التبادلية ما‬
‫لشيء من منفعة من جهة‪ ،‬وقدرة على االستبدال بأشياء أو سلع أخرى من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬ربط سميث " القيمة بالعمل على أنه المصدر الوحيد للقيمة‪ ،‬فقيمة‬
‫العمل المرتبطة بكل سلعة تعد مقياسا لقيمتها الفعلية‪.‬‬

‫وأما تركيزه على تحليل القيمة المتبادلة‪ ،‬فهي مستمدة من الحقائق االجتماعية‬
‫التي ترتبط بتقسيم العمل‪ .‬وقد جعل قيمة المبادلة القيمة الوحيدة التي تتحدد‬
‫على ضوئها القيمة ذاتها وترتب على ذلك أن يكون للسلعة ثمنا اسميا على‬
‫اعتبار الثمن تعبيرا نقديا يتغير بتغير أسعار الذهب والفضة‪ .‬في حين‪ ،‬إن الثمن‬
‫الحقيقي (القيمة) اليتغير مع تغير الزمن ألنه يكمن في العمل‪"17.‬‬

‫‪ - 17‬خضر زكريا وآخران‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.235:‬‬


‫‪30‬‬
‫أضف إلى ذلك فقد ربط أدم سميث قيمة السلعة باألجور واألرباح والريع‪ .‬ومن‬
‫هنا‪ ،‬يبنى األجر على تفاعل العرض والطلب على العمل‪ .‬ومن ثم‪ ،‬ترتفع‬
‫األجورحسب العمل وظروفه ومخاطره وإتقانه‪ ،‬وما يستلزمه من وقت‪ ،‬وما يتطلبه‬
‫من تكاليف وآليات وأدوات إلنجازه‪...‬‬

‫وقد " فسر سميث األرباح كأحد أهم العناصر المكونة للثروة والدخل في‬
‫المجتمع‪.‬وعرف الربح على أنه اإليراد الكلي للمنظم‪ ،‬بعد حسم نفقات اإلنتاج‪،‬‬
‫أو بأنه القيمة التي تعود على صاحب رأس المال بعد تسديد أجور العمالة‪.‬‬
‫ويتوقف ‪ -‬بالتالي‪ -‬حجم األرباح على حجم رأس المال الكلي المستخدم في‬
‫المشروعات‪".11‬‬

‫أما الريع‪ ،‬فهو ثمن احتكاري يتقاضاه مالك األرض بدون بذل مجهود مقابل‬
‫ذلك‪ ،‬فهو فائض يترتب على سخاء الطبيعة‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا في معظم‬
‫الدول العربية التي تعتمد على البترول‪ ،‬حيث يوزع العائد بطريقة سخية اعتمادا‬
‫على اقتصاد الريع‪.‬‬

‫وقدم سميث كذلك تصورات حول التنمية والسياسة االقتصادية لتحقيق السعادة‬
‫المجتمعية والرفاهية الحقيقية‪ ،‬وقد أرجعها إلى العوامل الذاتية لألفراد‪ ،‬وتمثل‬
‫فلسفة المذهب الليبرالي في االقتصاد‪ ،‬واللجوء إلى تقسيم العمل‪ ،‬والسعي نحو‬

‫‪ - 11‬خضر زكريا وآخران‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.231:‬‬


‫‪31‬‬
‫التمدن‪ ،‬والتكامل بين القطاعين القروي والمديني‪ .‬إضافة إلى عوامل أخرى‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫التدرج في تحقيق التنمية االقتصادية‪ ،‬ومراعاة حجم القوى العاملة ومستوياتها‬
‫اإلنتاجية‪ ،‬وأخذ حجم السوق ودرجة التبادل بعين االعتبار‪ ،‬والتأكد من مدى‬
‫تراكم رأس المال‪ ،‬والتثبت من قوة االدخار الذي يعتمد بدوره على كل من األجور‬
‫‪19‬‬
‫واألرباح‪...‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يتبين لنا أن آدم سميث من رواد علم االقتصاد‪ ،‬وقد كانت له أفكار‬
‫مهمة في ما يتعلق باالجتماع االقتصادي‪ .‬إذاً‪ " ،‬فأفكار آدم سميث‪ ،‬كما يرى‬
‫بعض الدارسين‪ ،‬أمثال‪ :‬جاكوب فينر (‪ )J.Vinner‬وسويدبيرج‬
‫(‪ )Swedberg‬واليون سمول(‪ ،)A.Small‬تدخل في نطاق بحث علوم‬
‫اجتماعية كاالقتصاد أساسا والعلوم السياسية وعلم االجتماع وعلم النفس‬
‫واألخالق‪.‬ومن ثم‪ ،‬فإن كتاب (ثروة األمم) واألفكار التي جاءت فيه والتفسيرات‬
‫االجتماعية والتحليالت االقتصادية والفلسفية والسياسية يمثل تحليال منظما يربط‬
‫بين الجانبين االجتماعي واالقتصادي الذي يسعى إلى تحقيق المصالح‬
‫االجتماعية االقتصادية‪.‬‬

‫‪ - 19‬خضر زكريا وآخران‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.237:‬‬


‫‪32‬‬
‫ولكن النزعة التفاؤلية التي ميزت فكر آدم سميث لم تستمر طويال ؛ إذ ظهرت‬
‫بعدها التناقضات في المجتمع الرأسمالي الصناعي‪.‬وظهرت النزعة التشاؤمية في‬
‫‪21‬‬
‫أفكار االقتصاديين الذين جاؤوا بعد سميث أمثال ريكاردو ومالتوس‪".‬‬

‫وعليه‪ ،‬يتبنى آدم سميث النظرية االقتصادية الليبرالية الكالسيكية‪ ،‬بالتركيز على‬
‫مجموعة من المفاهيم االقتصادية ذات الطابع االجتماعي‪ ،‬مثل‪ :‬الحرية الليبرالية‪،‬‬
‫والتراكم االقتصادي‪ ،‬ونظرية القيمة‪ ،‬وقدسية العمل‪ ،‬واألجور‪ ،‬واألرباح‪ ،‬والريع‪،‬‬
‫والتنمية االقتصادية‪ ،‬والسياسة االقتصادية‪ ،‬ونظرية رأس المال‪ ،‬وتوزيع الدخل‪،‬‬
‫وتقسيم العمل‪...‬‬

‫‪ - 21‬خضر زكريا وآخران‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.231-237:‬‬


‫‪33‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬دافيد ريكاردو وتوزيع الدخل القومي‬

‫يعد االقتصادي البريطاني دافيد ريكاردو (‪-1772( )David Ricardo‬‬


‫‪1123‬م) من أهم المفكرين الذي أغنوا النظرية االقتصادية الليبرالية الكالسيكية‬
‫إلى جانب آدم سميث (‪ )Adam Smith‬وتوماس مالتوس( ‪Thomas‬‬
‫‪ .)Malthus‬ومن أهم مؤلفاته‪( :‬مبادىء االقتصاد السياسي للضرائب)‪،‬‬
‫و(التخطيط إلقامة بنك وطني)‪ ،‬و(دفاعا عن الفالحة)‪ ،‬و(بحث حول آثار‬
‫انخفاض أثمان القمح في أرباح الرأسمال)‪...‬‬

‫ومن ثم‪ ،‬يعد ريكاردو من أهم االقتصاديين الذين دافعوا عن الطبقة الرأسمالية‪،‬‬
‫والحرية االقتصادية‪ " ،‬وعلى الرغم من أن ريكاردو لم يحصل على تعليم أكاديمي‬
‫محدد إال أنه كان مطلعا على كثير من الكتب والمؤلفات‪.‬وعمد إلى أسلوب‬
‫التثقيف الذاتي في تحسين وضعه العلمي‪ ،‬وقد أثر فيه مؤلف (ثروة األمم) آلدم‬
‫سميث تأثيرا ذا بعد اقتصادي‪ ،‬إذ منذ تلك الفترة وهو مهتم بالقضايا االقتصادية‪،‬‬
‫وترتب على ذلك أن أصبح أحد أهم المنظرين االقتصاديين‪ ،‬وكانت كتاباته تعالج‬
‫مسائل اقتصادية واجتماعية معا‪.‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬فقد اعتمد على التنظير‬
‫كمدخل أساسي لفهم الواقع االقتصادي‪ .‬وكانت نظرياته تعنى بمصالح الطبقة‬
‫الرأسمالية من بعد نقدي تجريدي‪ .‬ونظرا ألن الفترة التاريخية التي عاش فيها‬
‫ريكاردو شهدت أحداثا سياسية هامة كالثورة الفرنسية وحروب نابليون التي ترتب‬

‫‪34‬‬
‫عليها تغييرات اجتماعية بارزة أصبح معنيا بدراسة التناقضات الطبقية بين مختلف‬
‫‪21‬‬
‫الفئات االجتماعية‪".‬‬

‫وعليه‪ ،‬فقد اهتم ريكاردو بتوزيع الدخل القومي في االقتصاد‪ .‬بمعنى أن هدفه‬
‫األساس هو شرح القوانين التي تنظم توزيع الثروة‪ ،‬بالتوقف عند أشكال اإليرادات‬
‫الثالثة‪ :‬الربح‪ ،‬والريع‪ ،‬واألجر؛ وربطها أيضا بعناصر اإلنتاج الثالثة‪ :‬األرض‪ ،‬ورأس‬
‫المال‪ ،‬والعمل‪.‬‬

‫وقد رأى ريكاردو أن مسؤولية التفاوت الطبقي في المجتمع الصناعي ومختلف‬


‫األزمات االقتصادية التي يعرفها سببه هو الريع‪ ،‬وليس الربح؛ ألن الريع هو الذي‬
‫يكسبه صاحب األرض بدون مجهود يبذل‪ .‬في حين‪ ،‬يعد الربح مكسبا صناعيا‬
‫رأسماليا قائما على المجهود البشري‪.‬وبالتالي‪ ،‬فقيمة السلعة تتحد بقيمة‬
‫العمل‪.‬أما الريع‪ ،‬فهو مجرد امتالك لمورد طبيعي للثروة‪.‬‬

‫وعلى أي‪ ،‬فقد عرف ريكاردو بثالث نظريات اقتصادية كبرى هي‪ :‬نظرية الريع‪،‬‬
‫ونظرية األجر والربح‪ ،‬ونظرية القيمة‪ .‬ويعني هذا أن االقتصاديين الذين سبقوا‬
‫ريكاردو معنيين باإلنتاج‪ ،‬والبحث في طبيعة الثروة وأسبابها‪.‬أما ريكاردو‪ ،‬فكان‬
‫يعنيه‪ ،‬بصفة خاصة‪ ،‬موضوع التوزيع‪.‬أي‪ :‬تحديد النسب التي يقسم بها الناتج‬
‫الكلي بين عوامل اإلنتاج الثالثة‪ :‬مالك األراضي‪ ،‬والرأسماليين‪ ،‬والعمال‪ .‬وإذا كان‬

‫‪ - 21‬خضر زكريا وآخران‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.231:‬‬


‫‪35‬‬
‫الريع هو دخل صاحب األرض‪ ،‬فإنه بالنسبة لريكاردو اليمثل تكلفة حقيقية‪،‬‬
‫وهذا هو معنى قوله‪ :‬إن الريع نتيجة للثمن‪ ،‬وليس مسببا له‪.‬وإنما يمثل فائضا‪.‬‬
‫بمعنى أن مالك األرض يحصل على مبلغ أكبر من المبلغ الالزم الستمراره في‬
‫اإلنتاج‪ .‬وهذا الريع اليعود إلى سخاء الطبيعة كما قال آدم سميث‪ ،‬بل إلى‬
‫تقتيرها‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالريع مختلف عن دخل العمل ورأس المال‪ .‬فاألجور تعطى‬
‫مقابل ما يقدمه العامل من عمل وخدمات ومجهود‪ .‬أما الربح‪ ،‬فهو العائد الذي‬
‫يحصل عليه رب العمل نظير ما أنتجه من ثروة حقيقية‪ ،‬نظير رأس المال الذي‬
‫وظفه في العملية اإلنتاجية‪ .‬ويرى ريكاردو أن ثمن السلعة تتحدد بكمية العمل‬
‫الالزمة إلنتاجها (أي‪ :‬نفقة اإلنتاج) في أسوء الظروف‪ .‬أما الريع‪ ،‬فهو بمثابة‬
‫فائض يحققه المنتج‪ ،‬زيادة عن المبلغ الالزم الستمراره في اإلنتاج‪ .‬ويرجع ذلك‬
‫إلى اختالف مستوى األرض وطبيعتها من حيث الخصوبة واإلنتاج والوعورة‪ ،‬وهو‬
‫ما يسمى بالريع الفرقي‪ ،‬وهو ليس ربحا‪ .‬بل هو فائض عن نفقة قيمة إنتاجها‪.‬‬
‫ومن األساب التي تدفع الدولة إلى اإلقبال على زراعة األراضي الخصبة أو غير‬
‫الخصبة هو توفير القمح للسكان الذين بدأوا يتزايدون بشكل سريع‪ ،‬وهذا‬
‫اليتالءم مع بطء اإلنتاج الغذائي حسب مالتوس‪ .‬وقد يؤثر هذا الالتوازن بين عدد‬
‫السكان وقلة اإلنتاج الزراعي في عملية اإلنتاج‪ ،‬وارتفاع أسعار المواد الغذائية‪.‬‬
‫وبهذا‪ ،‬يزداد مالكو األراضي غنى وثراء وريعا‪ ،‬كلما ازداد امتداد اإلنتاج بارتفاع‬

‫‪36‬‬
‫عدد السكان‪ .‬وكلما ارتفعت أسعار المواد الغذائية‪ ،‬انخفضت القدرة الشرائية‪،‬‬
‫وازداد بؤس الطبقة العاملة وشقاؤها‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬قد يؤثر ارتفاع أثمان المواد الغذائية في أصحاب الصناعات‪،‬‬
‫حيث ترتفع األجور النقدية‪ ،‬ويقل معدل الربح ؛ ويسبب ذلك في إضغاف‬
‫الحافزية على التراكم الرأسمالي‪ ،‬مع احتمال الوصول إلى الدولة الراكدة‪.‬‬

‫وبهذا‪ ،‬يقرر ريكاردو أن مصلحة مالكي األراضي تتعارض مع مصلحة المجتمع‪،‬‬


‫مع العلم أن طبقة مالك األراضي هي التي كانت تتحكم في القرار السياسي‬
‫البريطاني في الفترة التي عاش فيها ريكاردو‪ .‬لذا‪ ،‬فقد دعا إلى حرية التجارة‬
‫الخارجية‪ ،‬وإلغاء قوانين الغالل‪ ،22‬وإدخال تقنيات حديثة في عملية اإلنتاج‪.‬‬

‫أما فيما يخص نظرية المزايا‪ ،‬فقد أخذ آدم سميث بنظرية المزايا المطلقة التي لها‬
‫عالقة بحرية التجارة الخارجية‪ .‬ويعني هذا أن يتخصص كل بلد في إنتاج السلعة‬
‫وتصديرها‪ ،‬مادام يتوفر فيها على ميزة طبيعية مطلقة‪ .‬أي‪ :‬تكلفة مطلقة قليلة‪.‬‬
‫وتكون النتيجة هي الفائدة والمنفعة بالنسبة لجميع عناصر المجموعة الدولية‪.‬‬
‫وفي بعض األحيان‪ ،‬يكون من صالح دولة معينة أن تستورد سلعة من الخارج‪،‬‬
‫على الرغم من إمكانية إنتاجها محليا بتكلفة أقل من تكلفة إنتاجها في الخارج‪،‬‬
‫ويسمى هذا بالمزايا المقارنة‪.‬‬

‫‪ - 22‬قوانين الغالل‪ :‬عبارة عن رسوم جمركية متدرجة على القمح المستورد‪.‬‬


‫‪37‬‬
‫أما نظرية القيم الدولية‪ ،‬فهي تكملة لنظرية ريكاردو الذي لم يجب عن سؤال ملح‬
‫هو كيف يمكن توزيع أرباح التجارة الخارجية ومنافعها فالبنسبة لستيورات‬
‫ميل(‪ ،)S.Mill‬يرى أن الدول الغنية أقل استفادة من التجارة الخارجية؛ ألنها‬
‫تستورد كمية كبيرة من البضائع والسلع من الخارج؛ نظرا الرتفاع القدرة الشرائية‬
‫للمستهلكين‪.‬وبذلك‪ ،‬تحصل على منافع أقل مقارنة بالدول المصدرة الفقيرة التي‬
‫ترغب في الحصول على العملة األجنبية عبر التجارة الخارجية‪.‬‬

‫وبناء على ماسبق‪ " ،‬لقد اهتم ريكاردو اهتماما خاصا بالتجارة الخارجية‪ ،‬مشيرا‬
‫إلى ضرورة قيامها على أساس التخصص وتقسيم العمل‪.‬وأشار إلى أن التجارة‬
‫الخارجية تتأثر بأنماط الحواجز الجمركية والضريبة في المجتمعات المختلفة‪ .‬ومن‬
‫ثم‪ ،‬فإن التجارة الخارجية تقوم بين أي دولتين إذا تميزت إحداها قبل األخرى‬
‫بميزة نسبية في إنتاج إحدى السلعتين موضع التبادل‪.‬وهو بهذا يختلف عن‬
‫سميث الذي رأى أنه البد من أن يتمتع بلد ما بميزة مطلقة في إنتاج سلعة معينة‬
‫حتى تنشأ التجارة بينه وبين بلد آخر‪ ،‬وقد وجهت اعتراضات على نظرية ريكاردو‬
‫في التجارة الخارجية لتركيزه على تباين إنتاجية العمل في البلدين‪ ،‬دون أن يفسر‬
‫األسباب المؤدية إلى هذه الظاهرة‪ ،‬فال بد من معرفة العوامل التي تجعل العمل‬
‫في بلد ما أكثر إنتاجية من العمل في بلد آخر‪ .‬وفي مجال تعرضه لمشكلة‬
‫البطالة‪ ،‬نالحظ أنه ربطها بتغيرات الطلب على السلع الناتج عن تغير أذواق‬
‫المستهلكين‪ ،‬ورأى أنها بطالة مؤقتة‪ ،‬ومن جانب آخر تنبه إلى أنه باإلمكان‬

‫‪38‬‬
‫حدوث بطالة في األجل الطويل نتيجة إلحالل اآلالت محل العمال الذي يضر‬
‫بمصلحة الطبقة العاملة‪.‬‬

‫وهذا التصور للبطالة لم يلق قبوال كثيرا من االقتصاديين المحافظين الذين جاؤوا‬
‫بعده‪".23‬‬

‫وعليه‪ ،‬فقد ناقش ريكاردو كثيرا من النظريات االقتصادية‪ ،‬مثل نظرية التجارة‬
‫الدولية‪ ،‬ونظرية توزيع الدخل‪ ،‬ونظرية التطور االقتصادي‪ ،‬ونظرية التوازن الدولي‪.‬‬
‫كما اهتم بنظم النقد من الناحية االقتصادية‪ ،‬وتوقف كذلك عند نوعية األزمات‬
‫االقتصادية واالجتماعية التي تؤثر في عملية النشاط االقتصادي‪.‬‬

‫وبهذا‪ ،‬يكون دافيد ريكاردو من أهم الباحثين الذين عالجوا قضايا االقتصاد‪ ،‬وقد‬
‫استفادوا‪ ،‬بشكل أو بآخر‪ ،‬من التصورات االجتماعية في مناقشة الظواهر‬
‫االقتصادية‪ ،‬والسيما توزيع الدخل‪ ،‬والصراع االجتماعي واالقتصادي بين طبقتي‬
‫مالك األراضي وأرباب المصانع‪ ،‬وقضية تزايد عدد السكان وتأثيره االقتصادي‪،‬‬
‫والصراع الطبقي‪ ،‬وبؤس العمال وشقائهم‪...‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬جون مينارد كينز واألزمة االقتصادية العالمية‬

‫يعد البرطاني جون مينارد كينز (‪)John Maynard Keynes‬‬


‫(‪1911-1113‬م) من كبار االقتصاديين المعاصرين‪.‬ويعود الفضل في ذلك إلى‬

‫‪ - 23‬خضر زكريا وآخران‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.211-211:‬‬


‫‪39‬‬
‫نظريته الكنزية التي تركت تأثيرا كبيرا في اقتصاد القرن العشرين‪ .‬ومن أهم مؤلفاته‬
‫(النتائج االقتصادية للسالم)‪ ،‬و(النظرية العامة للنقود والفائدة‬
‫واالستخدام)‪...‬وقد استثمرت أعماله كثيرا في مجال االقتصاد بعد الحرب‬
‫العالمية الثانية‪.‬‬

‫وما يعرف عن كينز أنه حول منهج التحليل االقتصادي من نظريات جزئية فردية‬
‫تقليدية إلى نظريات اقتصادية كلية وعامة‪.‬أي‪ :‬حول مسار االقتصاد من االقتصاد‬
‫الجزئي إلى االقتصاد الكلي‪.‬ويعني هذا أن االقتصاديين التقليديين كانوا ينطلقون‬
‫من مبدإ التوازن‪ ،‬ويهتمون باألنشطة االقتصادية التي يقوم بها األفراد‪ ،‬على أساس‬
‫أن التصرفات الفردية هي التي تتحكم في توازن االقتصاد على مستويي اإلنتاج‬
‫واالستهالك‪ .‬أما النظرية الكينزية‪ ،‬فهي تنطلق من اختالل التوازن‪ ،‬وتنطلق من‬
‫النظرة الكلية إلى الظواهر االقتصادية أو لمجموع النشاط االقتصادي على مستوى‬
‫الدولة والمجتمع‪ .‬ومن هنا‪ ،‬انصب االهتمام على االقتصاد الكلي بدل االهتمام‬
‫باالقتصاد الجزئي (التاجر‪ ،‬والصانع‪ ،‬والفالح‪) ...‬؛ فأصبح الحديث عن‬
‫االقتصاد الوطني‪ ،‬واإلنتاج الوطني‪ ،‬واالستهالك الوطني‪ ،‬والدخل القومي‪ ،‬والمالية‬
‫العامة للدولة‪ ،‬والنظرية العامة للنقود واألثمان‪ .‬وقد اهتم كينز أيضا بالقطاعات‬
‫االقتصادية الكبرى‪ ،‬مثل‪ :‬الفالحة‪ ،‬والصناعة التقليدية والمعاصرة‪،‬والتجارة‬
‫الداخلية والخارجية‪...‬‬

‫‪40‬‬
‫وإذا كان االقتصاديون السابقون قد ركزوا على ثنائية الطلب والعرض‪ ،‬فإن كينز‬
‫اهتم بالطلب بدل العرض‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد ارتبطت النظرية الكينزية باألزمة العالمية االقتصادية لسنة ‪1929‬م‪ ،‬إذ‬
‫قدم كينز تحليال نقديا للنظام الرأسمالي في حالة األزمة‪ ،‬وقد رأى أن تدخل‬
‫الدولة ضروري لتوجيه االقتصاد الليبرالي‪ ،‬بعد أن كانت النظريات االقتصادية‬
‫الليبرالية الكالسيكية تمنع الدولة من التدخل في االقتصاد‪ .‬بيد أن هذه الحرية‬
‫االقتصادية المطلقة ساهمت في إفالس الدول الديمقراطية الغربية‪ ،‬بسبب انهيار‬
‫البورصة‪ ،‬وانخفاض اإلنتاج‪ ،‬وانتشار البطالة‪ ،‬وإفالس األبناك والمصانع‬
‫والفالحين‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول محمد ياسر الخواجة" استطاع كينز أن يشير‬
‫إلى العديد من القضايا والمشكالت االقتصادية‪ ،‬ويحللها في ضوء واقعها‬
‫االجتماعي والسياسي‪ ،‬فلقد عكست طبيعة األزمات التي حدثت خالل‬
‫العشرينيات والثالثينيات من هذا القرن‪ ،‬أو ما أحدثته الحرب العالمية األولى‬
‫والكساد االقتصادي مع بداية الثالثينيات العديد من المشكالت االجتماعية‬
‫المتعددة التي اهتم بها كينز في تحليالته االقتصادية‪ ،‬لذا فقد اتخذ كينز من‬
‫األزمات االقتصادية واالجتماعية التي عاصرها‪ ،‬والسيما مشكلة الفقر والبطالة‬
‫والتوظيف بعدا أساسيا في تقييم الفكر االقتصادي واالجتماعي الكالسيكي‪،‬‬
‫ويؤسس نظريته عن هذا المجال‪ ،‬حينما ربط بين كل من العمالة والدخل‪،‬‬
‫واالستهالك‪ ،‬واالدخار‪ ،‬واالستثمار‪ ،‬ورأى عدم الفصل بينهما‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫كما طرح كينز بعض التصورات التي تؤدي إلى تحقيق أعلى مستوى من العمالة‪،‬‬
‫والتقليل من حدة البطالة لعل من أهمها ضرورة أن تسعى الحكومة وسياستها‬
‫االقتصادية نحو تشجيع االستثمار الخاص خالل فترة الكساد لخفض معدالت‬
‫الفائدة‪ ،‬كما يجب توجيه السياسات الحكومية إلنشاء المشروعات االستثمارية‬
‫الكبرى التي عن طريقها يمكن استيعاب أعداد كبيرة من القوى العاملة‪ ،‬وخاصة‬
‫مراحل األزمات‪ ،‬والكساد االقتصادي‪ ،‬كما أكد كينز كثيرا على أهمية احترام‬
‫الملكية الخاصة‪ ،‬ولكنه أعطى صالحيات كبيرة للدولة في توجيه الحياة‬
‫االقتصادية‪ ،‬وتحديد الفوائد التي يجب أن يكتسبها أصحاب المال‪ ،‬فالحياة‬
‫االقتصادية ككل اليجب أن تكون اشتراكية‪ ،‬ألن النظام الرأسمالي اليسمح بسوء‬
‫عوامل اإلنتاج‪ ،‬وبالتالي أكد على ضرورة تشجيع الحكومة‬ ‫استخدام‬
‫وسياساتها االقتصادية في إعادة توزيع الدخل من أجل زيادة حجم االستهالك‪،‬‬
‫ويمكن إجراء ذلك من خالل فرض ضرائب عالية على الطبقات الغنية"‪.21‬‬

‫وهكذا‪ ،‬فقد ساهمت التصورات الكنزية في تطوير النظريات االقتصادية قدما‪،‬‬


‫وساعدت كذلك على فهم الظواهر االقتصادية في ضوء مقاربة اقتصادية كلية‬
‫وشمولية‪ ،‬وخاصة في فترات األزمة‪ .‬وأهم ما يتميز به كينز هو إخراج الليبرالية‬
‫الرأسمالية من أزمتها االقتصادية في عهد روزفلت‪ ،‬بتقديم مجموعة من‬

‫‪ - 21‬محمد ياسر الخواجة‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.13-12:‬‬


‫‪42‬‬
‫االقتراحات العملية الواقعية‪ ،‬وأهم اقتراح هو تدخل الدولة في توجيه االقتصاد‪ ،‬مع‬
‫احترام الملكية الخاصة‪.‬‬

‫الفرع الخامس‪ :‬إميل دوركايم وتقسيم العمل‬

‫يعد إميلل دوركلايم (‪ 25)Emile Durkheim‬ملن مؤسسلي عللم االجتملاع فلي‬


‫الثقافللة الغربيللة‪ .‬ومللن ثللم‪ ،‬فهللو الللذي دعللا إلللى اسللتقاللية هللذا العلللم عللن بللاقي العلللوم‬
‫والمعللارف األخللرى‪ .‬كمللا يظهللر ذلللك جليللا فللي كتابلله (قواعددد المددنعج فددي علددم‬
‫االجتماع)‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فقد أرسى دوركايم علم االجتماع على مجموعة من القواعلد‪،‬‬
‫مثللل‪ :‬مالحظللة الظ لواهر المجتمعيللة علللى أسللاس أنهللا أشللياء أو موضللوعات ماديللة‪،‬‬
‫يمك للن إخض للاعها للمالحظ للة الخارجي للة‪ .‬وف للي ه للذا النط للاق‪ ،‬يق للول دروك للايم‪ " :‬إن‬
‫الظواهر االجتماعية تشكل أشياء‪ ،‬ويجب أن تدرس كأشياء‪..‬ألن كل ما يعطي لنا‬
‫أو يفللرض نفسلله علللى المالحظللة يعتبللر فللي عللداد األشللياء‪...‬وإذاً‪ ،‬يجللب عينللا أن‬
‫نللدرس الظ لواهر االجتماعيللة فللي ذاتهللا‪ ،‬فللي انفصللال تللام عللن األف لراد ال لواعين الللذين‬
‫يتمثلونه للا فكري للا‪ ،‬ينبغ للي أن ندرس للها م للن الخ للارج كأش للياء منفص لللة عن للا‪...‬إن ه للذه‬
‫‪21‬‬
‫القاعدة تنطبق على الواقع االجتماعي برمته وبدون استثناء‪".‬‬

‫‪ - 25‬إميل دوركايم سوسيولوجي فرنسي ‪ ،‬ولد سنة ‪ ،1151‬وتوفي سنة ‪1917‬م‪ ،‬وهو‬
‫مؤسس علم االجتماع‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫‪- E. Durkheim: Les règles de la méthode‬‬
‫‪sociologique, éd Flammarion, Paris, 1988, p:103-104.‬‬
‫‪43‬‬
‫من أهم الكتب التي ركز فيها دوركايم على الموضوع االقتصادي كتابه (تقسيم‬
‫العمل االجتماعي) الذي نشره سنة‪1193‬م‪ .27‬وقد بين فيه أن الفرد قد انتقل‬
‫من المجتمعات التقليدية إلى المجتمعات الحديثة عبر تقسيم العمل‪ .‬اي‪ :‬انتقل‬
‫اإلنسان من المجتمع الميكانيكي اآللي‪ ،‬حيث كان األفراد متشابهين ومتماثلين‬
‫في أفعالهم وتصرفاتهم‪ ،‬إلى المجتمع العضوي الذي أصبح األفراد فيه مختلفين‬
‫ومستقلين ومتخصصين بسبب تقسيم العمل االجتماعي‪ .‬وهناك كذلك عالقات‬
‫وظيفية وتكامل بين األفراد على صعيد المهن واألعمال واالختصاصات‪ .‬ومن ثم‪،‬‬
‫ال يتخذ هذا التقسيم للعمل طابعا اقتصاديا فحسب‪ ،‬بل يتخذ ملمحا اجتماعيا‬
‫بارزا لضمان توازن المجتمع وانسجامه من جهة‪ ،‬وتحقيق نسبة من المنافع‬
‫والمصالح واألرباح على مستوى المردودية واإلنتاجية من جهة أخرى‪ .‬ولكن ما‬
‫يهم هو أن األفراد في هذا الجتمع الرأسمالي الليبرالي متضامنين ومتعاونين‬
‫ومتكاملين‪ ،‬كل واحد حسب عمله وتخصصه ووظيفته‪ .‬وبهذا‪ ،‬فدور الفرد‬
‫اقتصادي‪ ،‬واجتماعي‪ ،‬وأخالقي‪.‬‬

‫وعليه‪ " ،‬يسلم دوركايم بعدة مبادىء تتردد بشكل أو بآخر في كل كتبه‪ ،‬وبخاصة‬
‫كتاب (تقسيم العمل االجتماعي)‪ ،‬وكتاب(قواعد المنعج في علم االجتماع)‪،‬‬
‫كان لها تأثير قوي في توجيه دراساته‪ ،‬يلخصها كلها في حقيقة مسلمة اإليمان‬

‫‪-E. Durkheim, De la division du travail social,‬‬


‫‪27‬‬

‫‪Paris, PUF, 2007.‬‬


‫‪44‬‬
‫بضرورة توافر التوازن‪ ،‬وهي تتمثل بأجمل صورها في المجتمع البدائي‬
‫والمجتمعات الصغيرة التقليدية‪.‬وإن المتغيرات التي تحدث في المجتمع الصناعي‬
‫تؤدي إلى تفكك الوحدات القديمة‪ ،‬وهو األمر الذي يستوجب من المجتمع أن‬
‫يعثر على أساس جديد للتوازن حتى يستمر في الوجود‪.‬وهذا األساس (من خالل‬
‫لجوئه إلى المماثلة العضوية السوسيولوجية استعارها من سبنسر بين المجتمع‬
‫اإلنساني والكائن العضوي) هو التضامن العضوي‪ .‬إن توزع االختصاصات‬
‫اليؤدي إلى الصراع‪ ،‬بل يؤدي‪ ،‬على العكس من ذلك‪ ،‬إلى وحدة المجتمع‬
‫وتماسكه وتكامله‪"21 .‬‬

‫وعندما يصاب التضامن العضوي أو التماسك اآللي بعطب أو خلل أو اضطراب‬


‫ما‪ ،‬فاليمكن معالجته ‪ -‬حسب نبيل السمالوطي‪ "-‬عن طريق الثورة كما يقول‬
‫ماركس‪ ،‬أو عن طريق اإلصالح‪ ،‬فبناء على تصور دوركايم‪ ،‬لم يعد المجتمع‬
‫بحاجة إلى ثورة‪ ،‬أو إلى إعادة صياغة العالقات البنائية داخل المجتمع‪ ،‬أو تجاوز‬
‫األوضاع المعطاة‪ ،‬ذلك ألن التوازن والتكامل والتضامن هي متغيرات سوف‬

‫‪ -‬وسيلة خزار‪ :‬اإليدولوجيا وعلم االجتماع‪ ،‬جدلية االنفصال واالتصال‪ ،‬منتدى‬ ‫‪21‬‬

‫المعارف‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2113‬م‪ ،‬ص‪.112-111:‬‬


‫‪45‬‬
‫تتحقق تلقائيا مع نمو المجتمع وتقدمه‪ ،‬أو نمو ظاهرة التخصص وتقسيم‬
‫‪29‬‬
‫العمل‪".‬‬

‫وينطلق إميل دوركايم‪ ،‬في كتابه (االنتحار)‪ ،31‬كذلك من نتيجة أساسلية‪ ،‬وهلي أن‬
‫االنتحللار ليسللت ظللاهرة نفسللية أو عضللوية‪ ،‬بللل هللي ظللاهرة مجتمعيللة واقتصللادية فللي‬
‫الوقللت نفسلله‪ ،‬مرتبطللة بتقسلليم العمللل فللي المجتمللع الرأسللمالي الصللناعي‪ .‬وبالتللالي‪،‬‬
‫يتحدد معدل االنتحار بحسب درجة اندماج األفراد فلي الجماعلة‪ ،‬والعالقلة بينهملا‬
‫عالقة علية أو سببية‪.‬‬

‫الفرع السادس‪ :‬ماكس فيبر وأثر الدين في االقتصاد‬

‫‪ -‬نبيل السمالوطي‪ :‬اإليديولوجيا وأزمة علم االجتماع المعاصر‪ ،‬دراسة تحليلية‬ ‫‪29‬‬

‫للمشكالت النظرية والمنعجية‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬طبعة‬
‫‪1975‬م‪ ،‬ص‪.151:‬‬
‫‪30‬‬
‫‪-Émile‬‬ ‫‪Durkheim :‬‬ ‫‪Le‬‬ ‫‪Suicide :‬‬ ‫‪Étude‬‬ ‫‪de‬‬
‫‪sociologie, Paris, Presses universitaires de France, coll.‬‬
‫‪« Quadrige » (no 19), 1981, 463 p.‬‬
‫‪46‬‬
‫‪Max‬‬ ‫يعتب ل للر ك ل للارل إمي ل للل ماكس ل لليميليان‪ ،‬المع ل للروف باس ل للم م ل للاكس فيب ل للر (‬
‫‪ ،31)Weber‬مللن أهللم الفالسللفة األلمللان‪ ،‬ومللن أهللم علمللاء القللانون واالجتمللاع‬
‫واإلدارة واالقتصللاد السياسللي‪ .‬ويعللد أيضللا مللن أهللم رواد السوسلليولوجيا المعاصللرة‪،‬‬
‫وم للن األوائ للل ال للذين انتق للدوا الحداث للة‪ .‬وق للد انس للاق كثيل لرا وراء السياس للة بالتحلي للل‬
‫والتنظير والتقعيد‪ ،‬وكان من بين المحررين لدستور جمهورية ڤيمار سنة ‪1919‬م‪.‬‬

‫ويعد ماكس فيبر أيضا من أهم السوسيولوجيين األلمان الذين أرسوا دعائم‬
‫السوسيولوجيا التأويلية‪ ،‬بتجاوز التفسير العلمي نحو التأويل الذاتي واإلنساني‪.‬‬
‫وبتعبير آخر‪ ،‬لقد أخرج فيبر علم االجتماع من إسار التفسير نحو الفهم والتأويل‪،‬‬
‫بالتركيز على الفعل المجتمعي بدل البنية المجتمعية‪ ،‬والتمييز بين العلوم الوضعية‬
‫القائمة على التفسير السببي والعلي‪ ،‬والعلوم اإلنسانية والروحية المبنية على فهم‬
‫الذات وتأويل تجاربها داخل العالم المرصود‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬يعتبر ماكس فيبر‬
‫من مؤسسي اإلدارة الليبرالية الحديثة في ضوء المنظور العقالني الهادف‪.‬‬

‫وفيما يخص المجال االقتصادي‪ ،‬يرجع ماكس فيبر ماهو مادي إلى ماهو ديني‬
‫وفوقي‪ ،‬كما وضح ذلك جليا في كتابه ( األخالق البروتستانتية وروح‬

‫‪31‬‬
‫‪ -‬ولد ماكس فيبر بألمانيا سنة ‪ ،1111‬وتوفي سنة ‪1921‬م‪ ،‬درس الفلسفة‪،‬‬
‫والتاريخ‪ ،‬والقانون واالقتصاد‪ .‬ومن أهم كتبه( األخالق البروتستاتية وروح‬
‫الرأسمالية)(‪1915-1911‬م)‪ ،‬و(االقتصاد والمجتمع) (‪1922‬م)‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫الرأسمالية)‪ ،32‬حيث بين أن القيم البروتستانتية الكالفانية هي التي ساهمت في‬
‫بروز الرأسمالية العقالنية‪ .‬أما كارل ماركس‪ ،‬فقد ركز على العوامل المادية‬
‫واالقتصادية في ظهور هذه الرأسمالية‪ .33‬وإذا كان ماركس قد ثار على الدين‪ ،‬فإن‬
‫ماكس فيبر دافع عن فلسفة األديان‪ ،‬وخاصة البروتستانتية‪ ،‬دعامة العقالنية‬
‫والبيروقراطية والرأسمالية والحداثة الغربية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تدعو البروتستانتية إلى ابتغاء‬
‫الكسب المثمر‪ ،‬وتنمية الرأسمال وفق دوافع سيكولوجية ومبادىء أخالقية‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫الحرص‪ ،‬والشح‪ ،‬واالستثمار‪ ،‬وعدم التبذير‪ ،‬وحب العمل‪ ،‬والسيما أن المذهب‬
‫البروتستاتي الذي ظهر مع مارتن لوثر يمجد العمل باعتباره غاية للحياة وفريضة‬
‫من الله‪ ".‬إن من اليعمل لن يأكل" كما قال القديس بولس‪ .‬ولذلك‪ ،‬يجتهد‬
‫البروتستانتي في العمل كي التلحقه لعنة الله‪ .‬وكما تمتاز األخالق البروتستانتية‬
‫بتمجيدها العمل‪ ،‬تمتاز أيضا بدعوتها إلى التقشف واالستثمار واالدخار‪.‬وتلك‬
‫هي األسس الرئيسية التي قامت عليها الرأسمالية الحديثة‪...‬‬

‫‪32‬‬
‫‪-Max Weber: L'Éthique protestante et l'esprit du‬‬
‫‪capitalisme (1904-1905), traduction par Jacques Chavy,‬‬
‫‪Plon, 1964 ; nouvelles traductions par Isabelle‬‬
‫‪Kalinowski, Flammarion 2000; Jean-Pierre Grossein,‬‬
‫‪Gallimard 2003.‬‬
‫‪33‬‬
‫‪- Catherine Colliot-Thélène: la sociologie de Max‬‬
‫‪Weber, La découverte, Paris, France, 2006, p:5.‬‬
‫‪48‬‬
‫وخالصة القول‪ :‬يرى فيبر أن المذهب البروتستانتي‪ ،‬والسيما مذهب‬
‫كالفين(‪ ،)Calvin‬قد خلق ما يسمى " بأخالق المهنة" المعتمدة على نزعة‬
‫صوفية تجتهد في جمع النقود واستثمارها في المشروعات التجارية والصناعية‪،‬‬
‫‪31‬‬
‫بروح مطمئنة‪ ،‬تعتبر النجاح في الدنيا دليال على رضا من الله ورضوان‪.‬‬

‫إذاً‪ ،‬فسر ماكس فيبر ظهور الروح الرأسمالية بتأثرها بدور األخالق البروتستانتية‪.‬‬
‫واليعني هذا أن السبب الديني (البنية الفوقية) هو العامل الوحيد لتفسير ظهور‬
‫الرأسمالية الليبرالية‪ ،‬بل هناك أسباب أخرى من بينها العوامل االقتصادية نفسها‬
‫(البنية التحتية)‪.‬‬

‫الفرع السابع‪ :‬كارل ماركس واالقتصاد الجدلي‬

‫تستند النظرية الماركسية إلى المادية الجدلية القائمة على فكرة الصراع الكمي‬
‫والكيفي‪ ،‬واإليمان بالجدل الثالثي‪ :‬األطروحة‪ ،‬ونقيض األطروحة‪ ،‬والتركيب‪،‬‬
‫واالعتماد على المادية التاريخية في تفسير تطور المجتمعات البشرية‪ .‬وقد تأثر‬
‫ماركس تأثرا كبيرا بأفكار هيجل(‪.)Hegel‬إال أن مثالية هيجل المطلقة لم‬
‫تعجب كارل ماركس‪ ،‬مادامت تؤمن بأهمية الفكر في تغيير الواقعي بشكل‬

‫‪ -‬محمد عابد الجابري وآخران‪ :‬دروس الفلسفة‪ ،‬دار النشر المغربية‪ ،‬الدارالبيضاء‪،‬‬ ‫‪31‬‬

‫المغرب‪ ،‬طبعة ‪1971‬م‪ ،‬ص‪.311:‬‬


‫‪49‬‬
‫ديالكتيكي‪ .‬في حين‪ ،‬قلب ماركس هذه المعادلة الجدلية المثالية ليصبح الواقع‬
‫المادي هو أساس الفكر‪ ،‬له األسبقية والتأسيس والتوجيه‪ .‬وفي هذا‪ ،‬يقول ماركس‬
‫في كتابه (رأس المال)‪":‬إن منهجي الديالكتيكي اليختلف عن المنهج الجدلي‬
‫الهيجيلي من حيث األساس وحسب‪ ،‬بل إنه الضد المقابل له مباشرة‪ .‬فالبنسبة‬
‫لهيجل‪ :‬إن عملية تطور الفكر ونموه‪ ،‬هذه العملية التي يشخصها ويعتبرها‬
‫مستقلة‪ ،‬ويطلق عليها اسم الفكرة‪ ،‬هي في نظره خالقة الواقع‪.‬فما الواقع في نظره‬
‫إال المظهر الخارجي للفكر‪ .‬أما بالنسبة لي‪ ،‬فإن عالم األفكار ليس إال العالم‬
‫‪35‬‬
‫المادي منقوال إلى الذهن البشري ومترجما فيه‪".‬‬

‫ومن ثم‪ ،‬فالديالكتيك عند هيجل" يسير على رأسه‪ .‬وتكفي إعادته على قدميه‬
‫لكي نرى له هيئة معقولة تماما‪"31.‬‬

‫وكان كارل ماركس قد كتب رسالة إلى أحد أصدقائه يقول فيها‪ ":‬إن منهجي في‬
‫التحليل ليس هو منهج هيجل‪ ،‬ألنني مادي‪ ،‬وهيجل مثالي‪ .‬إن ديالكتيك هيجل‬
‫هو الشكل األساسي لكل ديالكتيك‪ ،‬ولكن بعد أن يتعرى من صورته‬
‫الصوفية‪.‬وهذا بعينه ما يميز منهجي‪"37.‬‬

‫‪ - 35‬محمد عابد الجابري‪ :‬من دروس الفلسفة والفكر اإلسالمي‪ ،‬ص‪.91:‬‬


‫‪ - 31‬محمد عابد الجابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.91:‬‬
‫‪ - 37‬محمد عابد الجابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.91:‬‬
‫‪50‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬تتجاوز مادية كارل ماركس الجدلية الماديات السابقة كالمادية األرسطية‬
‫؛ والمادية الذرية مع ديمقريطيس؛ والمادية التجريبية اإلنجليزية مع جون لوك‪،‬‬
‫ودافيد هيوم‪ ،‬واستيوارت ميل؛ والمادية الميكانيكية مع فيورباخ‪ .‬و هنا‪ ،‬تعطى‬
‫األسبقية لما هو مادي واقتصادي على ماهو فكري وإيديولوجي‪ .‬كما أن البنية‬
‫التحتية ذات الطبيعة المادية هي التي تتحكم في البنية الفوقية القائمة على الفكر‬
‫والدين والتصوف واألدب والفن واإليديولوجيا‪ ...‬وفي هذا‪ ،‬يقول ماركس‪ ":‬ليس‬
‫وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم‪ ،‬بل على العكس من ذلك‪ ،‬إن وجودهم‬
‫االجتماعي هو الذي يحدد وعيهم"‪.31‬‬

‫ويعني هذا أن ما هو اقتصادي ومادي ومجتمعي هو الذي يحدد فكر الناس‬


‫ووعيهم ووجودهم‪ .‬واليعني هذا أن الفكر سلبي‪ ،‬الدور له في تغيير المجتمع أو‬
‫التأثير فيه‪ ،‬بل يؤمن بفعاليته وخصوبته‪ ،‬وتأثيره في المجتمع المادي المحسوس‪.‬‬
‫وفي هذا‪ ،‬يقول ماركس‪ ":‬إن العيب الرئيس للمادية السابقة كلها‪ ،‬بما فيها مادية‬
‫فيورباخ‪ ،‬هو أن الشيء‪ ،‬الواقع‪ ،‬العالم المحسوس‪ ،‬الينظر إليه فيها إال على شكل‬
‫موضوع تأمل وليس كفاعلية إنسانية مشخصة‪ ،‬ليس كممارسة‪ ،‬وليس ذاتيا‪...‬إن‬
‫المذهب المادي القائل إن الناس هم نتاج الظروف والتربية‪ ،‬وأن الناس الذين‬
‫تغيروا هم بالتالي نتاج ظروف أخرى وتربية تغيرت‪ ،‬أن هذا المذهب المادي ينسى‬

‫‪ - 31‬محمد عابد الجابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.91:‬‬


‫‪51‬‬
‫أن الناس هم بالضبط الذين يغيرون الظروف‪ ،‬وأن المربي نفسه هو في حاجة إلى‬
‫أن يربى‪".39‬‬

‫وعليه‪ ،‬فثمة عالقة جدلية أو عالقة تأثر وتأثير بين الفكر والواقع‪ ،‬بين الوعي‬
‫والمادة‪ ،‬بين البنى الفوقية والبنى التحتية‪.‬‬

‫أضف إلى ذلك أن المادة عند ماركس ليست ساكنة‪ ،‬بل متحركة وديناميكية‪،‬‬
‫وفي حركة دائمة‪.‬وهذه الحركات أنواع‪ :‬حركة ميكانيكية (في المكان)‪ ،‬وحركة‬
‫فيزيائية ( داخل المادة نفسها)‪ ،‬وحركة كيماوية (تفاعالت)‪ ،‬وحركة بيولوجية‬
‫(حركة األعضاء)‪ ،‬وحركة اجتماعية (العالقات االجتماعية وتطور المجتمع‬
‫والتاريخ)‪...‬وتنتج هذه الحركات عن التناقضات الجدلية الداخلية والخارجية‪،‬‬
‫والتناقضات الكمية والكيفية‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فقد تبنى ماركس المادية التاريخية ذات األساس الجدلي‪ .‬وهي نظرية‬
‫وفلسفة ومنهجية وممارسة علمية وعملية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬ترفض الماركسية الجدلية‬
‫ميكانيكية فيورباخ‪ ،‬ومثالية هيجل‪ ،‬والفلسفة الوضعية التي تبوئ العلم مكانة‬
‫كبرى‪ .‬في حين‪ ،‬ترى العالم قائما على الصراع الجدلي‪ ،‬أساسه التناقضات‬
‫الداخلية والخارجية‪ ،‬والتناقضات الكمية والكيفية‪ .‬ويعني هذا إذا كانت الوضعية‬
‫تقول بالنظام والتوازن والتكامل‪ ،‬فإن جدلية ماركس تقول بالصراع والتناقض‬

‫‪ - 39‬محمد عابد الجابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.92:‬‬


‫‪52‬‬
‫الديالكتيكي‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالحقائق ليست مطلقة أو نهائية‪ ،‬بل هي تحليل ملموس‬
‫لموقف ملموس‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فالماركسية‪ ،‬إلى جانب كونها فلسفة‬
‫ومنهجية‪ ،‬فهي عمل وممارسة‪ ،‬أو كما يقول لينين دليل للعمل‪.‬وبهذا‪ ،‬يكون‬
‫الباركسيس أو العمل أو الممارسة أفضل بكثير من النظريات المجردة‪ .‬إذاً‪،‬‬
‫فالعملي أكثر أهمية من النظري‪ .‬ويؤكد ماوتسي تونغ هذه الفكرة بقوله‪ ":‬إن‬
‫ممارسة اإلنسان هي وحدها مقياس الحقيقة‪ .‬ألن المعرفة اإلنسانية التثبت‬
‫صحتها إال حين يتوصل اإلنسان إلى النتائج المقدرة سلفا بواسطة عملية‬
‫الممارسة‪ ،‬إن عملية المعرفة تبدأ بالممارسة وتبلغ المستوى النظري بواسطة‬
‫الممارسة‪ ،‬ومن ثمة ينبغي لها أن ترجع إلى الممارسة‪...‬إن مشكلة معرفة ما إذا‬
‫كانت النظرية صحيحة‪ ،‬متفقة مع الحقائق الموضوعية‪ ،‬التحل تماما إال بإعادة‬
‫توجيه المعرفة العقلية إلى الممارسة االجتماعية‪ ،‬وتطبيق النظرية على الممارسة‬
‫للتحقق مما إذا كانت تستطيع أن تحقق النتائج المرتقبة‪"11...‬‬

‫‪ - 11‬محمد عابد الجابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.91:‬‬


‫‪53‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬أهم شيء في المادية التاريخية هو منهجها الدياليكتيكي الذي‬
‫يتحكم في الممارسة بالتعديل والتصحيح والتغيير‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فقوانين الديالكتيك‬
‫المادي ‪ -‬حسب فردريك أنجلز(‪ -11)Friedrich Engels‬ثالثة هي‪:‬‬

‫‪‬قانون وحدة المتناقضات وصراععا‪ .‬بمعنى أن المتناقضات الجدلية توجد‬


‫داخل الشيء الواحد‪ ،‬وأنه اليمكن الفصل بين الشيء وتناقضه‪ ،‬أو الفصل بين‬
‫األطراف المتناقضة عن بعضها البعض‪ .‬كما أن أشياء العالم تتكون من المواد‬
‫الجامدة والحية‪ .‬وعلى الرغم من تنافر الضدين وتناقضهما فهما متالزمان جدليا‪،‬‬
‫وهذا التناقض أو الصراع هو أساس التطور والنمو‪ .‬ويقول لينين‪ ":‬إن النمو هو‬
‫صراع األضداد"‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهناك نوعان من التناقضات‪ :‬تناقضات داخلية تقع‬
‫داخل الشيء الواحد‪ ،‬وتناقضات خارجية بمثابة صراع الشيء مع محيطه‬
‫الخارجي‪ .‬لذلك‪ ،‬فالتناقضات الداخلية أهم من الخارجية‪.‬وفي هذا‪ ،‬يقول‬
‫ماوتسي تونغ‪":‬يعتبر الديالكتيك المادي أن األسباب الخارجية هي شرط التبدل‪،‬‬
‫واألسباب الداخلية هي أساس التبدل‪.‬واألسباب الخارجية إنما تفعل فعلها عن‬
‫طريق األسباب الداخلية‪.‬فالبيضة تتبدل في درجة حرارة مالئمة فتصير كتكوتا‪،‬‬

‫‪ - 11‬فردريك إنجلز (‪0281-0281‬م) فيلسوف ألماني ورجل صناعة ‪ ،‬وضع أسس‬


‫الماركسية مع صديقه كارل ماركس‪ .‬نشر كتابه (حالة الطبقة العاملة في إنجلترا) ‪،‬‬
‫وأصدر مع ماركس بيانهما المعروف ببيان الحزب الشيوعي‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫ولكن الحرارة التستطيع أن تحول الحجر إلى كتكوت‪ ،‬ألن أساس التبدل في‬
‫األول يختلف عنه في الثاني‪".12‬‬

‫كما تميز المادية الجدلية بين التناقضات الداخلية والخارجية‪ ،‬تميز أيضا بين‬
‫التناقض األساسية والتناقضات الثانوية‪.‬فالتناقض األساس هو الذي يقوم بالدور‬
‫الحاسم والمؤثر في الصراع‪ .‬في حين‪ ،‬يعد دور التناقض الثانوي مكمال وهامشيا‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول ماوتسي تونغ‪ ":‬ثمة تناقضات عديدة في عملية تطور‬
‫شيء معقد‪ .‬ومنها تناقض هو بالضرورة التناقض الرئيسي الذي يحدد وجوده‬
‫وتطوره‪ ،‬وجود التناقضات األخرى أو يؤثر فيها‪"13.‬‬

‫ويعني هذا أن التناقض الرئيسي (أ) قد يكون له دور كبير في فترة زمنية معينة إلى‬
‫جانب التناقضات الثانوية (ب) و(ج)‪ .‬لكن مع تغير الظروف التاريخية والتطورية‬
‫والنمائية‪ ،‬قد يصبح تناقض(ب) أكثر أهمية من تناقض (أ)‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬قد ينتج عن التناقضات صراع من نوع صراع األضداد‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫صراع البورجوازية مع العمال ينتج عنه صراع الطبقات‪ .‬وقد الينتج عن تلك‬
‫التناقضات أي صراع‪ ،‬مثل‪ :‬التناقضات داخل الطبقة العمالية نفسها التي تختفي‬
‫بالممارسة الثورية‪ ،‬وعملية النقد الذاتي‪.‬‬

‫‪ - 12‬محمد عابد الجابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.95:‬‬


‫‪ - 13‬محمد عابد الجابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.95:‬‬
‫‪55‬‬
‫‪ ‬قانون تحول الكم إلى كيف‪ :‬ويعني هذا أن التحوالت الكمية قد تنتج عنها‬
‫تحوالت كيفية‪ ،‬مثل‪ :‬غليان الماء في درجة معينة على مستوى الكم‪ ،‬ينتج عنه‬
‫تحول كيفي باالنتقال من الماء إلى البخار‪ .‬وقد يحدث التحول الكيفي إما‬
‫بشكل مباغت ومفاجىء‪ ،‬وإما بشكل طفرة أو قفزة في شكل دفعة واحدة أو‬
‫دفعات متعاقبة‪ ،‬وإما بشكل تدريجي‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فداللة قانون تحول الكم إلى‬
‫الكيف يعني" أن التزايد التدريجي في التغيرات التي تخلق الكم‪ ،‬والتي تكون أول‬
‫األمر ضعيفة غير مشاهدة‪ ،‬تؤدي عندما تصل درجة معينة‪ ،‬إلى تغيرات كيفية‬
‫جذرية تختفي معها الكيفية القديمة لتحل محلها كيفية جديدة‪ ،‬ينتج عنها بدورها‬
‫تغيرات كمية‪"11.‬‬

‫ويعني هذا كله أن التراكم الكمي ينتج عنه تحول كيفي بصيغ متعددة ومختلفة‬
‫ومتنوعة‪ .‬ويقول ماركس‪ ":‬إنه في مرحلة ما من مراحل التطور‪ ،‬يؤدي التغير‬
‫البسيط في الكم الذي بلغ درجة معينة‪ ،‬إلى اختالفات في الكيفية‪" 15.‬‬

‫‪ ‬قانون نفي النفي‪ :‬يقصد بنفي النفي نقيض األطروحة ونفيها‪ .‬بمعنى أن‬
‫ونقيض(‪،)Antithèse‬‬ ‫(‪،)Thèse‬‬ ‫أطروحة‬ ‫له‬ ‫الشيء‬
‫وتركيب)‪ .)Synthèse‬فظهور الشيء الجديد من القديم يعتبر نفيا للقديم‪.‬‬
‫ولكن هذا الجديد بدوره يصبح قديما‪ ،‬فيأتي جديد آخر ليصبح نفيا للنفي‪ .‬والبد‬

‫‪ - 11‬محمد عابد الجابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.91:‬‬


‫‪ - 15‬محمد عابد الجابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.91:‬‬
‫‪56‬‬
‫من االحتفاظ‪ ،‬أثناء عملية نفي النفي‪ ،‬بالجوانب اإليجابية في المنفي‪ ،‬وتفادي‬
‫سلبياته؛ ألن عملية نفي النفي تساعد على النمو والتقدم واالزدهار‪ ،‬وإال أدى‬
‫ذلك إلى التكرار والوقوف عند حدود دائرة مغلقة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالتاريخ‪ ،‬في‬
‫المنظور الجدلي‪ ،‬يسير في خط مستقيم بشكل تصاعدي من األدنى إلى األعلى‪،‬‬
‫في إطار تطور جدلي ديالكتيكي‪ ،‬يتصارع فيه القديم والجديد‪ ،‬ويتم هذا التقدم‬
‫التاريخي في شكل حركة لولبية‪ ،‬ولكن تظهر من حين ألخرى بعض الحوادث‬
‫التي تتخذ طابعا تكراريا‪ ،‬فنقول‪ :‬إن التاريخ يعيد نفسه‪ :‬لكن هذا اليؤثر في‬
‫مسار التاريخ وتقدمه وتطوره إلى األمام‪.‬‬

‫وقد صاغ ستالين أربعة قوانين في كتابه ( المادية الجدلية والمادية التاريخية)‬
‫عام ‪1931‬م‪ ،‬حيث أضاف قانونا رابعا على الوجه التالي‪:‬‬

‫‪ ‬قانون الترابط العام بين الظواهر؛‬

‫‪‬قانون الحركة والتطور في الطبيعة والمجتمع؛‬

‫‪‬قانون التحول من الكم إلى الكيف؛‬

‫‪‬قانون صراع المتناقضات‪.‬‬

‫بيد أن المفكرين اإليديولوجيين في االتحاد السوفياتي عادوا‪ ،‬بعد وفاة ستالين‪،‬‬


‫إلى قوانين إنجلز الثالثة‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬فالسوسيولوجيا الماركسية مرتبطة بكارل ماركس من جهة‪،‬‬
‫وأنجلز من جهة أخرى‪ .‬وتؤمن السوسيولوجيا الماركسية بأهمية العمل وأسبقيته‬
‫على الفكر النظري‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فالممارسة العملية أو البراكسيسية أساس تطور‬
‫المجتمعات‪ .‬كما أن األساس المادي واالقتصادي والمجتمعي أهم من البنى‬
‫الفوقية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تنبني السوسيولوجيا الماركسية على المنهج الجدلي القائم على‬
‫القوانين الثالثة‪ ،‬ووحدة صراع المتناقضات‪ ،‬وقانون الكم والكيف‪ ،‬وقانون نفي‬
‫النفي‪.‬‬

‫وما يالحظ على هذه السوسيولوجيا أنها رؤية ثورية تقويضية وراديكالية أساسها‬
‫التغيير الجدلي انطالقا من المادية التاريخية‪ ،‬لكن يغلب عليها الطابع‬
‫الميتافيزيقي‪ ،‬والرؤية الشعرية الحالمة‪ ،‬والطوباوية الخيالية‪ ،‬وانفصال النظرية عن‬
‫الواقع‪ ،‬وفشل التنبؤات الماركسية في تحقيق غاياتها ومراميها وأهدافها البعيدة‪.‬‬
‫والدليل على ذلك أن تحولت الدول االشتراكية إلى دول رأسمالية أو دول اقتصاد‬
‫السوق بدال من تحولها إلى دول شيوعية‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫الفرع الثامن‪ :‬جورج زيمل وفلسفة النقود‬

‫يعد جورج زيمل (‪ 11 )Georg Simmel‬من أهم السوسيولوجيين األلمان‬


‫إلى جانب ماكس فيبر‪ ،‬ونوربرت إلياس‪ ،‬وكارل ماركس‪ ،‬وغيرهم‪...‬وقد عرف‬
‫بالسوسيولوجيا التفاعلية من جهة‪ ،‬وبسوسيولوجيا األشكال من جهة أخرى‪.‬‬

‫وقد اهتم زيمل بمواضيع اجتماعية مثيرة والفتة لالنتباه‪ ،‬مثل‪ :‬النقود‪ ،‬والموضة‪،‬‬
‫والمرأة‪ ،‬والطائفة‪ ،‬والمظاهر‪ ،‬والفن‪ ،‬والمدينة‪ ،‬والغريب‪ ،‬والفقراء‪ ،‬والفرد‪،‬‬
‫والمجتمع‪ ،‬والتفاعل‪ ،‬والرابط االجتماعي‪ ،‬والتنشئة االجتماعية‪...‬‬

‫ويعد كتابه (فلسفة النقود) الذي نشره سنة ‪1911‬م من أهم الكتب‬
‫السوسيولوجية المتميزة في تاريخ علم االجتماع الحديث والمعاصر‪17‬؛ إذ يقارب‬
‫النقود‪ ،‬باعتبارها ظاهرة اقتصادية‪ ،‬من زاوية سوسيولوجية وسيميائية وفلسفية‬
‫وأخالقية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يرى جورج زيمل أن النقود أداة ضرورية للتبادل التجاري‪،‬‬
‫تسهل النمو االقتصادي‪ ،‬لكنها في الوقت ذاته‪ ،‬تسجن األفراد ضمن عالقات‬
‫اجتماعية ضعيفة‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬مع تكاثر هذا النمط من التفاعل االقتصادي‪،‬‬
‫يتقلص الرباط االجتماعي بشكل متزايد‪ ،‬ليصبح مجرد عالقات شخص‪ /‬نقود‪/‬‬

‫‪ - 11‬ولد السوسيولوجي األلماني زيمل سنة ‪1151‬م‪ ،‬وتوفي سنة ‪1911‬م‪.‬‬


‫‪47‬‬
‫‪- Georg Simmel: Philosophie de l'argent, traduit par‬‬
‫‪Sabine Cornille et Philippe Ivernel P.U.F., Paris, 1987.‬‬
‫‪59‬‬
‫شخص‪ ،‬خاضعة للحساب ولإلستراتيجيات‪.‬هذا الميل الثابت لتشييء الرباط‬
‫االجتماعي يقع في قلب اإلستراتيجية الثقافية للحداثة‪.‬‬

‫وأكثر من هذا فالنقود مؤسسة رسمية جماعيلة‪ .‬بمعنلى أن" النقلود أكثلر ملن مجلرد‬
‫أداة اقتص ل للادية‪.‬هي أيض ل للا مؤسس ل للة‪ .‬فه ل للي التخ ل للص فق ل للط الشخص ل للين المعني ل للين‬
‫بالمبادلللة‪ ،‬لكللن ومللن خللالل صللفتها كمعللادل عللام‪ ،‬تضللع الفللرد فللي مواجهللة مجمللل‬
‫الجالي للة‪.‬فلكي تحص للل المبادل للة‪ ،‬يج للب عل للى كام للل المجتم للع أن يعت للرف للنق للود‬
‫بالقيم للة ذاته للا‪.‬لكن ه للذا الي للتم إال إذا وج للدت مؤسس للات وش للبكة م للن العالق للات‬
‫االجتماعيللة‪ ،‬فهللي إذاً منللتج حاصللل مللن البنيللات االجتماعيللة‪.‬وعلى العكللس‪ ،‬تللؤثر‬
‫النقللود فللي البنيللة االجتماعيللة مللن خللالل تشللجيع ظهللور زمللر اجتماعيللة جديللدة مثللل‬
‫‪11‬‬
‫المصرفيين أو الموظفين‪"...‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يرى جورج زيمل أن النقود " قد خدمت من الناحية التاريخية في تحديد‪،‬‬
‫ليس فقط قيمة األشياء‪ ،‬بل كذلك الناس‪.‬لقلد سلاهمت النقلود فلي الحريلة الفرديلة‪،‬‬
‫لكللن أصللبحت غايللة بللذاتها‪ ،‬وهللي تسللاهم كللذلك فللي تراجيللديا الثقافللة الحديثللة‪،‬‬
‫‪19‬‬
‫حيث قيمة األشياء تفوق قيمة األشخاص‪".‬‬

‫‪ 11‬فيليب كابان وجان فرانسوا دورتييه‪ :‬علم االجتماع‪ ،‬ترجمة‪ :‬إياس حسن‪ ،‬دار الفرقد‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬سورية‪ ،‬الطبعة األولى ‪2111‬م‪ ،‬ص‪.77-71:‬‬
‫‪ - 19‬فيليب كابان وجان فرانسوا دورتييه‪ :‬علم االجتماع‪ ،‬ص‪.75:‬‬
‫‪60‬‬
‫ومللن هنللا‪ ،‬يللرى زيمللل أن للنقللود قيمللة اقتصللادية علللى مسللتوى المقايضللة والتبللادل‪،‬‬
‫وتسللعير المنتوجللات والسلللع والبضللائع الموجهللة إلللى السللوق‪ .‬ومللن ثللم‪ ،‬فللالنقود هللي‬
‫التللي حللررت الفللرد مللن العبوديللة‪ .‬بيللد أن لهللذه النقللود تأثيراتهللا السلللبية فللي العالقللات‬
‫البش ل لرية‪ ،‬إذ أخرجل للت اإلنس للان مل للن طابعل لله الكيف للي والقيمل للي إل للى طابعل لله الكمل للي‬
‫والمادي‪ ،‬وسببت القلق والتوتر والخوف والموت‪ ،‬وساهمت فلي خللق هلوة فاصللة‬
‫بللين مللاهو مللادي ومللاهو معنللوي‪.‬ومن جهللة أخللرى‪ ،‬أفللرزت مللاهو إيجللابي‪ ،‬كظهللور‬
‫الفللرد الحللر‪ ،‬وانبثللاق الديمقراطيللة‪ ،‬وتشللكل النظللام الرأسللمالي الليبرالللي الللذي يعتمللد‬
‫على الحرية االقتصادية‪ ،‬والمبادرة الفردية‪ ،‬وحرية السوق‪ ،‬والخضوع لمنطق الطلب‬
‫والعرض‪...‬‬

‫ومللن ناحيللة أخللرى‪ ،‬يللرى زيمللل أن النقللود قللد أفللرزت طبقللة اجتماعيللة جديللدة هللي‬
‫طبقللة الغربللاء أو المنبللوذين‪ .‬ويقصللد بهللا فئللة اليهللود التللي كانللت تمللارس الربللا‪ ،‬وقللد‬
‫س للاهمت‪ ،‬بك للل جدي للة‪ ،‬ف للي بن للاء االقتصل لاد الرأس للمالي الع للالمي‪ ،‬واحتكرت لله مادي للا‬
‫واقتصللاديا وسياسلليا‪ ،‬إلللى أن فقللدت النقللود طابعهللا اإلنسللاني‪ ،‬فشلليأت البشللر‪ ،‬ثللم‬
‫حول للت األف لراد إل للى أرق للام ومع للادالت وآالت ونق للود وفوائ للد ربوي للة القيم للة له للا م للن‬
‫الناحيللة الروحيللة واألخالقيللة‪ .‬ومللن هنللا‪ " ،‬يحتللل الغريللب‪ -‬حسللب زيمللل‪ -‬مكانللا‬
‫خاصا في العالقات النقدية‪ ،‬فالغريب هو الذي ينتمي وال ينتمي في آن واحلد إللى‬
‫الزمللرة ( مثللله مثللل المنبللوذ واألقلللوي)‪ ،‬وتحديللدا المضللاربين والتجللار اليهللود (الللذين‬
‫اس للتثنوا تاريخي للا م للن تحل لريم الرب للا ف للي الق للرون الوس للطى)‪.‬وفي الواق للع‪ ،‬إن المه للاجر‬

‫‪61‬‬
‫كللالنقود‪ ،‬يتصللفان فللي نظللر الجاليللة بحركتهمللا وغرابتهمللا (أو تجردهمللا مللن العالقللة‬
‫الشخصللية)‪.‬وهكذا يمكللن أن نتللذكر دور اليهللود فللي انطالقللة الرأسللمالية فللي بدايللة‬
‫القللرن‪ ،‬والحركللات المعاديللة للسللامية التللي ظهللرت حينئللذ‪ :‬معارضللة الشللعب لكبللار‬
‫الع للائالت تت للرجم‪ ،‬فيم للا يتج للاوز بغ للض الغري للب‪ ،‬الخ للوف م للن عقلن للة الع للالم وميل لله‬
‫للتجريد والموضوعية‪.‬ولهذا من األهمية بحيث إنه بالنسبة لزيمل يجب على صلورة‬
‫‪51‬‬
‫الغريب أن تنمو مع اتساع المبادالت‪ ،‬وتجردها من العالقات الشخصية‪".‬‬

‫ويالحلظ أن زيملل يللدافع علن اليهللود باعتبلارهم رملز العقالنيللة والرأسلمالية واالقتصللاد‬
‫الموضللوعي‪ .‬وإن كللان اليهللود‪ ،‬فللي الحقيقللة‪ ،‬رمللز للمكللر والخيانللة والخللداع والشللر‬
‫وخل لراب الع للالم؛ بس للبب انس للياقهم وراء التج للارة الربوي للة المش للبوهة والمحرم للة الت للي‬
‫أدخلت العالم‪ ،‬إلى يومنلا هلذا‪ ،‬فلي حلروب داميلة‪ ،‬تسلتفيد منهلا شلرذمة ملن الغربلاء‬
‫اليهود‪ .‬لذلك‪ ،‬فالنقود هلي تعبيلر علن فلسلفة اليهلود التشلييئية والماديلة والتقويضلية‪،‬‬
‫وتشخيص لعالم ربوي فقد إنسانيته‪ ،‬وضل طريقه الصحيح‪.‬‬

‫وعليلله‪ ،‬فللالنقود وسلليلة عالميللة مصللممة لكافللة االسللتخدامات الغرضللية‪.‬فه لي وسلليلة‬


‫لتحصل لليل المنل للافع والمصل للالح‪ ،‬وتحقيل للق الحاجيل للات والرغبل للات‪ ،‬وإشل للباع الح ل لوافز‬
‫الشللعورية والالشللعورية‪ ،‬والوصللول إلللى الغايللات الذاتيللة والموضلوعية‪ ،‬وفللتح إمكانللات‬
‫جدي للدة للفع للل‪ .‬وتس للاعد النق للود ‪ -‬أيض للا‪ -‬عل للى اإلب للداع‪ ،‬واإلقب للال عل للى الحي للاة‪،‬‬

‫‪ - 51‬فيليب كابان وجان فرانسوا دورتييه‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.77:‬‬


‫‪62‬‬
‫وت للوطين الت للردد عن للد الف للرد‪ ،‬وتط للوير ملك للات الفك للر والحس للاب‪ .‬وم للن هن للا‪ ،‬فق للد‬
‫تحولللت النقللود إلللى وسلليلة و غايللة علللى حللد س لواء‪ .‬وبللذلك‪ ،‬تعارضللت النقللود مللع‬
‫القيم والعائلة والدين‪.‬‬

‫ع للالوة عل للى ذل للك‪ ،‬فق للد س للاهمت النق للود ف للي تولي للد ق لليم س لللبية‪ ،‬مث للل‪ :‬الجشل لع‪،‬‬
‫والبخللل‪ ،‬والتبللذير‪ ،‬والفقللر‪ ،‬والعللوز‪ ...‬ويعنللي هللذا أن النقللود " تشللارك فللي تأسلليس‬
‫أسلللوب حيللاة للمجتمعللات‪ ،‬يصللفه زيمللل بتعللابير ثالثللة‪ :‬البعللد‪ ،‬واإليقللاع‪ ،‬والتنللاظر‪.‬‬
‫فالنقود‪ ،‬وبسبب صفتها المتحركة وغيلر الشخصلية‪ ،‬تميلل إللى تشلجيع المشلاركات‬
‫عن بعد‪ ،‬وتستند إلى فوائد محصورة جدا (والحالة األكثلر نموذجيلة هلي الشلركات‬
‫المغفلللة)‪ ،‬وتجعللل مللن الممكللن التواجللد المشللترك للتكللتالت الكبللرى‪ ،‬حيللث مللن‬
‫الضروري أال يورط المرء كامل شخصيته في المبادالت االجتماعية‪.‬‬

‫لكنهللا علللى العكللس‪ ،‬تللدمر العالقللات التللي يلتللزم بهللا المللرء بالكامللل مللن بللاب أنهللا‬
‫التعف سوى عن العائلة والصداقة‪ ،‬وفي الطرف اآلخلر‪ ،‬الجاليلات الكبلرى (اللوطن‬
‫أو البشل لرية)‪.‬عدا ع للن ذل للك س للتمتد لتسل لريع وتنظ لليم اإليق للاع الخ للاص ب للالمجتمع‪،‬‬
‫تحديللدا فللي النطللاق االقتصللادي‪ ،‬وذلللك فللي المكللان األول بسللبب أن خلللق النقللود‬
‫سيسللرع المبللادالت‪ ،‬ويسللهل ركللوب المخللاطر‪ .‬إضللافة لللذلك‪ ،‬ومللن خللالل جعللل‬
‫األسواق متجانسة عن طريق تخفيض نسلبي لسلعر ممتلكلات البلذخ‪ ،‬ستشلارك فلي‬

‫‪63‬‬
‫التقارب بين الطبقلات االجتماعيلة‪ ،‬وتضلخم ملن ظلواهر التقليلد والتمييلز‪ ،‬وتزيلد ملن‬
‫‪51‬‬
‫تأثيرات الموضة النموذجية للمجتمعات المتحضرة‪".‬‬

‫إذاً‪ ،‬يقللارب زيمللل النقللود مقاربللة فلسللفية وسلليميائية واجتماعيللة‪ ،‬مللدافعا عللن قيمللة‬
‫النقللود التجاريللة والتبادليللة‪ ،‬وعللن دورهللا فللي تحريللر الفللرد نفسلليا وماديللا‪ ،‬وفللي انبثللاق‬
‫الرأس ل للمالية الليبرالي ل للة‪ .‬بي ل للد أن النق ل للود ق ل للد حطم ل للت الق ل لليم اإلنس ل للانية واألخالقي ل للة‪،‬‬
‫واسللتعبدت اإلنسللان‪ ،‬وهللددت العناصللر الكيفيللة‪ ،‬مثللل‪ :‬الثقافللة‪ ،‬والجسللد‪ ،‬والكرامللة‬
‫البشل ل لرية‪ .‬بمعن ل للى أن النق ل للود ق ل للد حول ل للت اإلنس ل للان إل ل للى س ل لللعة مادي ل للة اس ل للتعمالية‬
‫وتبادلية‪.‬ومن هنا‪ ،‬كانت النقود سببا في تراجيديا الثقافة البشرية‪.‬‬

‫وفللي هللذا السللياق‪ ،‬يقللول تييللري روجللل(‪ ":)Thierry Rogel‬فللي صللميم‬


‫أطروحللة زيمللل هنللاك هللذا التنللاقض الخصوص لي بالمجتمعللات الحديثللة‪ ،‬إن ظهللور‬
‫تقسلليم العمللل‪ ،‬واالسللتهالك الكثيللف واالقتصللاد النقللدي‪ ،‬قللد س لمح بتحريراإلنسللان‬
‫من ضغوط المجتمعات التقليدية مؤمنا بذلك أكبر حرية للفرد‪.‬‬

‫لكل للن تل للنجم عل للن ذلل للك تراجيل للديا الثقافل للة‪ .‬بمعنل للى أن ذاتيل للة كل للل واحل للد تصل للطدم‬
‫باألش للكال الت للي اكتس للبت الص للفة الموض للوعية (التش للييئية ) ف للي المجتم للع‪ :‬العام للل‬
‫مفصللول عللن ثمللرة عمللله‪ ،‬والعللالم يبتعللد عللن مثللال الرجللل الشلريف‪ ،‬والمسللتهلك لللم‬
‫يع ل للد بإمكانل لله أن يطبل للع شخصل لليته علل للى الع ل للدد الفل للائض م ل للن األغ ل لراض المتاح ل للة‬

‫‪ - 51‬فيليب كابان وجان فرانسوا دورتييهك نفسه‪ ،‬ص‪.71:‬‬


‫‪64‬‬
‫أمام لله‪.‬أخيرا‪ ،‬إن إكس للاب الص للفة الموض للوعية للحي للاة‪ ،‬المع للززة باس للتخدام النق للود‪،‬‬
‫يللؤدي بنللا‪ ،‬ونحللن نصللبح أح لرارا أكثللر فللأكثر أمللام كللل شللخص أو غللرض بشللكل‬
‫خاص‪ ،‬إلى أن نصلبح معتملدين أكثلر فلأكثر عللى األغلراض بمجملهلا وعللى كاملل‬
‫البشر‪" 52 .‬‬

‫وبن للاء عل للى ماس للبق‪ ،‬يتض للح لن للا أن ج للورج زيم للل أدل للى بتص للورات اقتص للادية نظري للة‬
‫مهمل للة‪ ،‬انطالقل للا مل للن فلسل للفة النقل للود‪ ،‬تحمل للل‪ ،‬فل للي طياتهل للا‪ ،‬مالمل للح سوسل لليولوجية‬
‫وسيميائية وفلسفية‪.‬‬

‫الفرع التاسع‪ :‬فيلفريدو باريتو والتوازن االقتصادي‬

‫إذا كان ابن خلدون اليفصل بين التاريخ وعلم االجتماع‪ ،‬وإذا كان هربرت سبنسر‬
‫أيضا اليفصل علم االجتماع عن البيولوجيا‪ ،‬فإن فيلفريدو باريتو اليفصل علم‬
‫االجتماع عن علم االقتصاد‪ .‬ويعني هذا أن باريتو من دعاة علم االقتصاد‬
‫االجتماعي‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهو يميز بين األفعال المنطقية التي يدرسها علم االقتصاد‪،‬‬

‫‪52‬‬
‫‪-Thierry Rogel: (La philosophie de l’argent), Revue‬‬
‫‪Sciences Humaines, n° 67 –Décembre 1997.‬‬
‫‪65‬‬
‫واألفعال غير المنطقية التي يدرسها علم االجتماع‪ ،‬كما يتضح ذلك جليا في كتابه‬
‫(مختصر علم االجتماع ) الذي صدر سنة ‪1911‬م‪.53‬‬

‫إذا كان باريتو قد درس االقتصاد دراسة علمية عميقة‪ ،‬وفق منهجية علمية تجريبية‬
‫وإحصائية‪ ،‬وتوصل إلى مجموعة من النظريات االقتصادية المتميزة والمقترنة‬
‫باسمه‪ ،‬فإن هذا العلم اليمكن تفسيره إال في حدود ضيقة‪ ،‬فالبد من االستعانة‬
‫بالتفسير االجتماعي لطابعه العام‪ .‬وهذا إن دل على شيء‪ ،‬فإنما يدل على مدى‬
‫التداخل الموجود بين علم االقتصاد وعلم االجتماع‪ ،‬فكل واحد يفسر اآلخر؛ إذ‬
‫ثمة عالقة وطيدة بين ما هو خاص بما هو عام‪ .‬وهكذا‪ ،‬فعلم االقتصاد علم‬
‫خاص‪ .‬في حين‪ ،‬يعد علم االجتماع علما عاما‪.‬‬

‫ويرى باريتو أن المجتمع بناء كلي مركب ومعقد من العالقات المتبادلة بين الناس‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فهناك من يحاول هدمه‪ ،‬وهناك من يحاول بناءه لتحقيق نوع من التوازن‬
‫االجتماعي‪.‬كما أن لألفراد رغبات يريدون تحقيقها وإشباعها‪ .‬وفي الوقت نفسه‪،‬‬
‫هناك موانع وعراقيل تمنع هؤالء األفرد من تحقيقها‪ .‬وهذا يخلق نوعا من التوتر‬
‫بين الذات الراغبة في تحقيق الموضوع ذي القيمة‪ ،‬وعدم القدرة على امتالك ذلك‬
‫الموضوع‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يحدث الصراع االجتماعي الداخلي أو الموضوعي‪ .‬وهكذا‪،‬‬
‫فالمجتمع خاضع لمنطق الصراع من جهة‪ ،‬ومنطق التوازن والتوافق من جهة‬
‫‪53‬‬
‫‪- Vilfredo Pareto :Trattato di sociologia generale,‬‬
‫‪Firenze, G. Barbéra, 1916.‬‬
‫‪66‬‬
‫أخرى‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول أحمد الخشاب‪ ":‬وتعتبر هذه النظرة (التوازن‬
‫االجتماعي) امتدادا آلرائه في االقتصاد‪ ،‬فهناك دائما صراع بين رغباتنا التي تريد‬
‫أن تشبع‪ ،‬وبين العقبات التي تعترض سبل إشباعها‪ ،‬ولكن الصراع اليلبث أن‬
‫يتحول إلى توافق أو توازن بين رغباتنا وبين الظروف الخارجية‪ ،‬والمجتمع يجري‬
‫على نفس النظام‪ ،‬تحدث فيه عملية توافق تؤدي إلى التوازن االجتماعي؛ أما القوة‬
‫التي تعمل في المجتمع مناظرة لرغبات الفرد‪ ،‬فهي ميل الناس إلى االلتجاء إلى‬
‫األفعال غير المنطقية في ميدان القوى التي تعمل مناظرة للعقبات التي تنشأ في‬
‫وجه الفرد إلشباع رغباته‪ ،‬وهي ميل الناس إلخفاء الطابع غير المنطقي في أفعالهم‬
‫ومحاوالتهم إظهاره بصورة منطقية معقولة‪ ،‬واألفعال غير المنطقية تختلف من‬
‫زمان إلى زمان‪ ،‬ومن مكان إلى مكان‪ ،‬إال أنه بالرغم من ذلك فثمة عنصر‬
‫أساسي فيها اليتغير بتغير األزمنة واختالف األمكنة‪ ،‬وهذا العنصر الثابت هو‬
‫الجدير بالدراسة‪ ،‬وهو أهم موضوع لعلم االجتماع عند باريتو‪ ،‬وهو العامل‬
‫‪51‬‬
‫األساسي الذي يؤثر في طبيعة النظام االجتماعي‪".‬‬

‫وعليه‪ ،‬يتأثر النظام االجتماعي بعوامل داخلية وخارجية‪ ،‬وكذلك بتاريخ المجتمع‬
‫نفسه الذي يندرج ضمن العوامل الخارجية‪.‬‬

‫‪ -‬أحمد الخشاب‪ :‬التفكير االجتماعي‪ :‬دراسة تكاملية للنظرية االجتماعية‪ ،‬دار‬ ‫‪51‬‬

‫النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة ‪1911‬م‪ ،‬ص‪.127:‬‬


‫‪67‬‬
‫وعليه‪ ،‬فنظرية التوازن هي تلك النظرية التي تؤكد على أن األنساق االجتماعية‬
‫تستعيد توازنها إذا ما طرأ عليها اختالل أو اضطراب‪.‬‬

‫وتعد نظرية المنفعة من أهم النظريات التي ركز عليها باريتو في نظريته‬
‫السوسيولوجية واالقتصادية‪ ،‬فقد حلل نظرية المنفعة االجتماعية " في ضوء‬
‫اهتمامه بدراسة الفعل المنطقي أو غير المنطقي‪.‬ويقصد باألفعال المنطقية تلك‬
‫األفعال التي تتوجه نحو غاية يمكن تحقيقها موضوعيا‪ ،‬ومن خالل استخدام‬
‫أفضل للوسائل المتاحة موضوعيا‪ .‬ويكاد باريتو يقصر األفعال المنطقية الرشيدة‬
‫على المجاالت االقتصادية والعلمية‪ ،‬ثم يستبعد أية متعة منطقية على أي سلوك‬
‫آخر‪ .‬أما األفعال غير المنطقية‪ ،‬فهي التي تفشل في تحقيق هذين المعيارين‬
‫(الوسائل والغايات)‪ ،‬مستخدما في ذلك مفهومين هما‪ :‬اإلشباع‬
‫(‪ )Satisfaction‬والمنفعة (‪ )Utility‬وتحدد اإلشباعات االقتصادية التي‬
‫يحصل عليها الفرد تبعا لتراتبية لألولويات التي يفضلها هو نفسه‪ .‬أما المنفعة‬
‫فتشير إلى اإلشباع بمفهوم اجتماعي أوسع‪ ،‬وتفترض اإلشباعات انعدام القابلية‬
‫للمقارنة بين رغبات الفرد‪.‬‬

‫وبذلك يتبين ‪ -‬كما يقول جوزيف شومبيتر‪ -‬أن باريتو يميز بين نوعين من تحقيق‬
‫الحد األقصى من المنفعة‪ :‬األول الحد األقصى من المنفعة لصالح الجماعة الذي‬
‫يشير إلى تحقيق الحد األقصى من المنفعة للجماعة أو المجتمع ككل وليس‬
‫لألفراد‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫في حين‪ ،‬إن النوع الثاني وهو المنفعة ألجل المصالح الخاصة يشير إلى تحقيق‬
‫حد أعلى من اإلشباع الخاص‪ ،‬وفسر باريتو عملية شراء السلع واقتنائها على‬
‫أساس الرجوع إلى عنصرين أساسيين وهما‪ :‬أوال‪ :‬عملية التفضيل من جانب الفرد‬
‫وثانيا‪ :‬إلى المستوى الذاتي للسلعة ذاتها‪"55.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬اليمكن الحديث عن نظرية المنفعة االجتماعية إال بدراسة الفعل‬


‫المنطقي وغير المنطقي‪ ،‬وتبيان أهمية السلوك غير المنطقي في الحياة‬
‫االجتماعية‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فلباريتو نقط إيجابية في مجالي علم االجتماع واالقتصاد‪ .‬ويكفيه فخرا أنه‬
‫من المؤسسين الفعليين للسوسيولوجيا االقتصادية‪ ،‬وعلم االجتماع السياسي‪،‬‬
‫وسوسيولوجيا النخبة‪ ،‬وقد زاوج بين الطرح الفيبيري بدراسة الفعل الهادف وغير‬
‫الهادف‪ ،‬واستعمال المنهج التجريبي االستقرائي في دراسة الظواهر االجتماعية من‬
‫جهة‪ ،‬واألفعال المنطقية وغير المنطقية من جهة أخرى‪.‬‬

‫ويتبين لنا أن" إسهامات باريتو متعددة ومتنوعة في مجال علم االقتصاد واالجتماع‬
‫بشكل عام‪ ،‬فلقد كشف عن العديد من القضايا االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬فحلل‬
‫نظرية التوازن التي تؤكد على أن األنساق االجتماعية تستعيد توازنها إذا ما طرأ‬
‫عليها اختالل‪ ،‬ونظرية المنفعة االجتماعية في ضوء دراسته للفعل المنطقي وغير‬

‫‪ - 55‬محمد ياسر الخواجة‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.13-12:‬‬


‫‪69‬‬
‫المنطقي‪ ،‬وتأكيده على أهمية السلوك غير المنطقي في الحياة االجتماعية‪،‬‬
‫ونظرية اإلنتاج وتحليله للعالقة بين علميات اإلنتاج واالستهالك‪ ،‬والتوزيع وتحليله‬
‫لالتجاهات نحو الملكية والطابع الدوري للتغير االجتماعي‪ .‬كل هذه القضايا‬
‫يمكن اعتبارها صياغات جديدة ورائدة تتمشى عموما مع الظروف االجتماعية‬
‫الواقعية‪ ،‬لكن معالجته للرواسب والمشتقات كانت تتميز بالغموض الشديد‪،‬‬
‫حيث إنه لم يوضح لنا تماما كيف تحدد الرواسب أنماط السلوك المختلفة على‬
‫‪51‬‬
‫نحو محدد‪".‬‬

‫وعليه‪ ،‬يعد باريتو من أهم السوسيولوجيين الغربيين الذين ربطوا علم االجتماع بعلم‬
‫االقتصاد‪ ،‬بل كان من المؤسسين الفعليين لعلم االجتماع االقتصادي‪.‬‬

‫الفرع العاشر‪ :‬بيير بورديو والرأسمال المتعدد‬

‫إذا كللان كللارل مللاركس يللرى أن أسللاس الص لراع بللين الطبقللات االجتماعيللة‪ ،‬والسلليما‬
‫بللين البورجوازيللة والبروليتاريللة قواملله الرأسللمال االقتصللادي‪ ،‬فبييللر بورديللو‪ ،‬علللى غ لرار‬
‫م للاكس فيب للر‪ ،‬يللرى أن الص لراع اليتخللذ دائم للا طابع للا اقتصللاديا‪ ،‬فق للد يك للون ص لراعا‬
‫ثقافيللا‪ .‬ومللن ث لم‪ ،‬فثمللة رأسللماالن مهمللان فللي تحريللك مجتمعاتنللا المعاصللرة همللا‪:‬‬
‫الرأسمال الثقافي والرأسمال االقتصادي‪.‬‬

‫‪ - 51‬محمد ياسر الخواجة‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.11:‬‬


‫‪70‬‬
‫وبناء على ما سبق‪ ،‬فقد حدد بيير بورديو أربعة أنماط مختلفة ملن الرأسلمال اللذي‬
‫يملكه الفاعل المجتمعي‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪‬الرأسددمال االقتصددادي هللو الللذي يقلليس م لوارد الفللرد الماديللة والمالي لة‪ ،‬ويرصللد‬
‫ثرواته وممتلكاته‪ ،‬ويحدد دخله الشهري والسنوي‪.‬‬

‫‪‬الرأسددمال الثقددافي‪ :‬يقلليس م لوارد الفللرد الثقافيللة‪ ،‬مثللل‪ :‬الللدبلومات والشللهادات‬


‫العلميللة والمهنيللة‪ ،‬والمنتللوج الثقللافي مللن مقللاالت وكتللب ودراسللات وأعمللال إبداعيللة‬
‫وثقافيللة وفنيللة‪ ،‬ومللا يملكلله مللن مهللارات وكفللاءات ومواهللب وقللدرات معرفيللة ومهنيللة‬
‫وحرفية في مجال الثقافة‪.‬‬

‫‪ ‬الرأسمال االجتماعي‪ :‬يقيس ما يملكه الفرد ملن عالقلات اجتماعيلة ومعلارف‬


‫وصداقات‪ ،‬تعود إلى ذكائه االجتماعي الذي يستثمره لربط مجموعلة ملن صلال ت‬
‫الرحم والقرابة والصداقة والزمالة‪.‬‬

‫‪ ‬الرأس د ددمال الرم د ددزي‪ :‬ويتض ل للمن الرأس ل للمال االقتص ل للادي‪ ،‬والرأس ل للمال الثق ل للافي‪،‬‬
‫والرأس للمال االجتم للاعي‪ ،‬وبه للذه األنم للاط يتمي للز الف للرد مجتمعي للا ع للن ب للاقي األفل لراد‬
‫اآلخرين‪.‬‬

‫وقللد أضللاف بييللر بورديللو رأسللماال آخللر فللي كتابلله (أسددةلة السوسدديولوجيا)‪ ،‬سللماه‬
‫بالرأس ددمال اللغ ددوي ؛ ألن بهللذا الرأسللمال تس للتطيع جماعللة م للا أن تفللرض نفس للها‬
‫وإنيتها ووجودها‪ .‬وبالتالي‪ ،‬تستفيد من السلطة وملن امتيلازات ماديلة وماليلة وثقافيلة‬
‫‪71‬‬
‫ورمزية‪ .‬وأكثر ملن هلذا‪ ،‬فملن يمتللك الرأسلمال اللغلوي األجنبلي فلي اللدول العربيلة‪،‬‬
‫فإنلله يسللتطيع أن يحظللى بمكانللة ثقافيللة واقتصللادية كبللرى فللي المجتمللع‪ .‬وفللي هللذا‬
‫السياق‪ ،‬يقول بورديو‪ ":‬يعني الرأسمال اللغوي اللتحكم فلي آليلات تشلكل األسلعار‬
‫اللغوية‪ ،‬وكلذا القلدرة عللى جعلل قلوانين تشلكل األسلعار تعملل لصلالح صلاحبه (أي‬
‫الرأسللمال)‪ ،‬والقللدرة علللى اسللتخالص فللائض القيمللة النللوعي‪ .‬إن أي عمليللة تفاعللل‪،‬‬
‫وأي عمليل للة تواصل للل لغل للوي‪ ،‬ولل للو بل للين شخصل للين أو بل للين صل للديقين أو بل للين طفل للل‬
‫وص للديقته‪ ،‬واختص للار‪ ،‬إن ك للل عملي للات التواص للل اللغ للوي ه للي أن لواع م للن األس لواق‬
‫الصغرى التي تبقى دوما تحت رحمة البنيات اإلجمالية‪"57.‬‬

‫ويعنللي هللذا أن الرسللمأل اللغللوي خاضللع بللدوره لقلليم الهيمنللة والتنللافس والصلراع‪ ،‬وللله‬
‫عالقة جدلية بباقي األنماط األخرى من الرأسمال الرمزي‪.‬‬

‫بيل للد أن بورديل للو يغل للض الطل للرف عل للن رأسل للمال آخل للر أكثل للر أهميل للة‪ ،‬فل للي مجتمعاتنل للا‬
‫اإلسالمية‪ ،‬من األنماط الخمسة المذكورة وهو الرأسمال القيمدي أو الدديني‪ ،‬فهلو‬
‫الرأسل للمال المهل للم لإلنسل للان‪ ،‬إذا تملكل لله اإلنسل للان ربل للح الل للدنيا واآلخل للرة‪ .‬وبالتل للالي‪،‬‬
‫فأحسن تجلارة ينبغلي أن يسلعى إليهلا الفلرد جاهلدا هلي التجلارة ملع اللله فلي مجلال‬
‫العبادة والتدين واإلحسان وفعل الخير‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Pierre‬‬ ‫‪Bourdieu:‬‬ ‫‪Question‬‬ ‫‪de‬‬
‫‪sociologie,Minuit,1984.‬‬
‫‪72‬‬
‫وعلي لله‪ ،‬يس للتطيع الف للرد به للذه الم لوارد الرأس للمالية المختلف للة (االقتص للادية‪ ،‬والثقافي للة‪،‬‬
‫واالجتماعيللة‪ ،‬والثقافيللة‪ ،‬واللغويللة) أن يحقللق أرباحللا ومنللافع مجتمعيللة‪ ،‬والسلليما أن‬
‫الرأسمالين‪ :‬االقتصادي والثقافي هما أكثلر أهميلة فلي مجتمعاتنلا المعاصلرة حسلب‬
‫بييللر بورديللو‪ .‬وهمللا اللللذان يشللكالن بنيللة المجتمللع‪ ،‬ويتحكمللان فللي أفعللال األفلراد‪،‬‬
‫ويجعل كل حقل مجالي فضاء للتنافس والصراع والتطاحن االجتماعي والطبقي‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬التصور المنعجي‬


‫إذا كان علماء السوسيولوجيا يختارون المناهج الكيفية في دراسة الظواهر‬
‫االجتماعية فهما وتفسيرا وتأويال‪ ،‬باالعتماد على المالحظة العلمية الدقيقة‪،‬‬
‫ودراسة الحالة‪ ،‬أو دراسة المضمون‪ ،‬أو المقابلة المباشرة‪ ،‬أو المعايشة‪ ،‬فإن‬
‫علماء االقتصاد‪ ،‬في دراسة الظواهر االقتصادية‪ ،‬يرتكزون على المناهج التجريبية‬
‫الكمية‪ ،‬بتوظيف الرياضيات‪ ،‬والفيزياء‪ ،‬واإلحصاء‪ ،‬والعلوم الطبيعية للوصول إلى‬
‫الحقائق‪ ،‬ووضع النظريات والنماذج المجردة لوصف الواقع االقتصادي بشكل‬
‫علمي دقيق‪.‬‬

‫لكن السوسيولوجيين يدرسون األنشطة االقتصادية الفردية واالجتماعية بغية فهمها‬


‫في سياق اجتماعي معين‪ ،‬بعيدا عن النظريات الكمية التي ينساق وراءها‬
‫االقتصاديون الرياضيون أو التجريبيون‪ .‬ويعني هذا أن علماء االجتماع ينطلقون من‬
‫األفعال االقتصادية لألفراد والجماعات لدراستها وتحليلها‪ ،‬وتبيان آثارها في‬
‫المجتمع أو أثر المجتمع في تلك األنشطة أو التصرفات أو األفعال‪ .‬وهناك‬
‫‪73‬‬
‫علماء اجتماع آخرون يهتمون بالمقاربات التاريخية والمقارنة والتحليلية لدراسة‬
‫الظواهر االقتصادية ذات الطابع االجتماعي في سياقها الزماني والمكاني‪ ،‬يتقديم‬
‫تأويالت ذاتية وموجهة‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬إذا كانت منهجية االقتصاديين‪ ،‬في تعاملهم مع الظواهر االقتصادية‬


‫المختلفة والمتنوعة‪ ،‬منهجية استنباطية ومجردة‪ ،‬فإن منهجية علماء االجتماع‬
‫منهجية استقرائية وتاريخية ومقارنة ووصفية‪ ،‬تنطلق من المقاربة السوسيولوجية في‬
‫دراسة الظواهر االقتصادية‪.‬ويعني هذا أن المقاربة السوسيولوجية مقاربة واقعية‬
‫ونقدية للمجتمع االقتصادي‪.‬‬

‫ويرى شتاينر)‪ (Steiner‬أن علم االجتماع االقتصادي " يدرس الوقائع‬


‫االقتصادية في ضوء التحليل السوسيولوجي‪.‬ويعني هذا تطبيق مناهج مختلفة عن‬
‫والميل إلى‬ ‫تلك التي تطبق في النظرية االقتصادية‪ ،‬كاستعمال التحقيقات‪،‬‬
‫التصنيف‪ ،‬واالستعانة بمناهج المقارنة‪ ،‬وتحليل الشبكة‪." 51‬‬

‫وعليه‪ ،‬يستفيد علم االجتماع االقتصادي من جميع التقنيات والمناهج والطرائق‬


‫التي تسعف الباحث في بناء موضوعه االقتصادي في ضوء المقترب‬
‫السوسيولوجي‪ ،‬سواء استخدم الباحث في ذلك منهجية كمية قائمة على التحليل‬

‫‪58‬‬
‫‪- Steiner P., 1999, La sociologie économique, Paris,‬‬
‫‪La Découverte, coll. « Repères » (nouv. éd. 2005)، p:3.‬‬
‫‪74‬‬
‫الرياضي واإلحصائي في دراسة الظواهر االقتصادية أم استخدم منهجية كيفية مبنية‬
‫على المالحظة‪ ،‬والبحث الميداني‪ ،‬والمقابلة الحرة‪ ،‬والمعايشة‪ ،‬والتحقيق‪ ،‬والسير‬
‫الذاتية‪ ،‬والوثائق الشخصية‪ ،‬وتحليل المضمون‪...‬فالمهم هو بناء الظاهرة‬
‫االقتصادية في ثوب اجتماعي وسوسيولوجي‪ ،‬يحترم مبادىء البحث العلمي‪،‬‬
‫ويتمثل مختلف شروطه الموضوعية والشكلية والمنهجية‪.‬‬

‫الخاتمة‬
‫وخالصة القول‪ ،‬يتبين لنا‪ ،‬مما سبق ذكره‪ ،‬أن علم االجتماع االقتصادي فرع من‬
‫فروع علم االجتماع العام‪ .‬وقد ظهر حديثا في منتصف القرن العشرين‪ ،‬على الرغم‬
‫من جذوره القديمة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهذا العلم يدرس الظواهر االقتصادية في ضوء‬
‫المقاربة السوسيولوجية‪.‬أي‪ :‬يدرس الدورة االقتصادية‪ :‬اإلنتاج‪ ،‬والتوزيع‪ ،‬والتبادل‪،‬‬
‫واالستهالك‪ ،‬أو يدرس طبيعة السلوك اإلنساني بين كثرة الرغبات وقلة الموارد‬
‫وندرتها ومحدوديتها‪ ،‬أو يحلل الفعل االقتصادي الهادف والعقالني‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فثمة مجموعة من النظريات االقتصادية‪ ،‬منذ ابن خلدون إلى يومنا هذا‪،‬‬
‫تندرج‪ ،‬بشكل أو بآخر‪ ،‬ضمن علم االجتماع االقتصادي‪ .‬فابن خلدون يعد‬
‫المنظر األول لعلم االجتماع االقتصادي‪ ،‬حينما تحدث عن أهمية العمل وقدسيته‬
‫وقيمته االقتصادية‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬تعتبر المدرسة الكالسيكية أول مدرسة اقتصادية‬

‫‪75‬‬
‫في أوروبا‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا عند آدم سميث الذي دافع عن الحرية‬
‫االقتصادية‪ ،‬وساهم في انبثاق المذهب االقتصادي الليبرالي‪ ،‬والسيما في كتابه‬
‫(ثروة األمم)‪.‬أما دافيد ريكاردو‪ ،‬فقد أعاد النظر في كثير من التصورات‬
‫االقتصادية الكالسيكية‪ ،‬فيما يخص األجر‪ ،‬والربح‪ ،‬والريع‪ .‬وما كان يهمه‪ ،‬في‬
‫الحقيقة‪ ،‬هو البحث عن الطرائق الممكنة لتوزيع الدخل القومي‪ ،‬وتأسيس اقتصاد‬
‫كلي وشمولي‪.‬‬

‫أما النظرية الكينزية اإلنجليزية‪ ،‬فتحسب على النظريات االقتصادية المعاصرة التي‬
‫همها الوحيد هو إخارج االقتصاد العالمي من أزماته واختالالته الدورية‪ ،‬بتقديم‬
‫مجموعة من الحلول العملية‪ ،‬ومن أهمها ضرورة تدخل الدولة في االقتصاد‬
‫لتوجيهه وجهة حسنة‪ ،‬مع احترام الملكية الخاصة‪.‬‬

‫وإذا كان دوركايم قد اهتم بتقسيم العمل في أثناء حديثه عن المجتمع العضوي‪،‬‬
‫فماكس فيبر قد أعطى األولوية للجانب الديني والروحي في ظهور الرأسمالية‪.‬أما‬
‫كارل ماركس‪ ،‬فيرجع جميع الظواهر الفوقية إلى ماهو اقتصادي‪ ،‬ضمن نظريته‬
‫المادية الجدلية‪.‬‬

‫ويعد فيلفريدو باريتو من أهم علماء االجتماع الذين ربطوا علم االقتصاد بعلم‬
‫االجتماع لتكاملهما بشكل كبير‪ .‬في حين‪ ،‬اهتم جورج زيمل بفلسفة النقود‪،‬‬
‫باستجالء طابعها االجتماعي‪ .‬أما بيير بورديو‪ ،‬فقد وسع الرأسمال المادي‬

‫‪76‬‬
‫االقتصادي‪ ،‬ليشمل أنواعا أخرى كالرأسمال الثقافي‪ ،‬والرأسمال الرمزي‪ ،‬والرأسمال‬
‫اللغوي‪...‬‬

‫وإذا كانت منهجية النظريات االقتصادية منهجية كمية استنباطية تنبني على‬
‫الرياضيات واإلحصاء والفيزياء‪ ،‬فإن مناهج علماء االجتماع كيفية بامتياز؛ لكونها‬
‫تقوم على التحقيق‪ ،‬والتأريخ‪ ،‬والتوثيق‪ ،‬والبحث الميداني‪ ،‬والمالحظة العلمية‬
‫الدقيقة‪ ،‬والمقابلة المباشرة‪ ،‬والمقارنة‪ ،‬والتصنيف‪...‬‬

‫ثبت المصادر والمراجع‬


‫المصادر العامة‪:‬‬

‫‪-1‬ابن خلدون‪ :‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬دار ابن الهيثم‪ ،‬القاهرة‪ ،‬جمهورية مصر‬
‫العربية‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2115‬م‪.‬‬

‫المراجع باللغة العربية‪:‬‬

‫‪ -2‬أحمد الخشاب‪ :‬التفكير االجتماعي‪ :‬دراسة تكاملية للنظرية االجتماعية‪،‬‬


‫دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة ‪1911‬م‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫‪ -3‬خضر زكريا وآخران‪ :‬موجز تاريخ الفكر االجتماعي‪ ،‬األهالي للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى ‪2111‬م‪.‬‬
‫‪ -1‬فيليب كابان وجان فرانسوا دورتيه‪ :‬علم االجتماع‪ ،‬ترجمة‪ :‬إياس حسن‪ ،‬دار‬
‫الفرقد‪ ،‬دمشق‪ ،‬سورية‪ ،‬الطبعة األولى ‪2111‬م‪.‬‬
‫‪ -5‬كاترين كوليو تيلين‪ :‬ماكس فيبر والتاريخ‪ ،‬ترجمة‪ :‬جورج كتورة‪ ،‬المؤسسة‬
‫الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪1991‬م‪.‬‬
‫‪ -1‬محمد عابد الجابري وآخران‪ :‬دروس الفلسفة‪ ،‬دار النشر المغربية‪،‬‬
‫الدارالبيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬طبعة ‪1971‬م‪.‬‬
‫‪ -7‬محمد عابد الجابري‪ :‬من دروس الفلسفة والفكر اإلسالمي‪ ،‬دار النشر‬
‫المغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2111‬م‪.‬‬
‫‪ -1‬نبيل السمالوطي‪ :‬اإليديولوجيا وأزمة علم االجتماع المعاصر‪ :‬دراسة‬
‫تحليلية للمشكالت النظرية والمنعجية‪،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬طبعة ‪1975‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬وسيلة خزار‪ :‬اإليدولوجيا وعلم االجتماع‪ ،‬جدلية االنفصال واالتصال‪،‬‬
‫منتدى المعارف‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2113‬م‪.‬‬

‫المراجع األجنبية‪:‬‬

‫‪11- Catherine Colliot-Thélène: la sociologie de‬‬


‫‪Max Weber, La découverte, Paris, France, 2006.‬‬

‫‪78‬‬
11-Émile Durkheim: Les Règles de la méthode
sociologique, Paris, Alcan.1195.
12-Émile Durkheim: Le Suicide: Étude de
sociologie, Paris, Presses universitaires de France,
coll. « Quadrige » (no 19), 1981.
13-E. Durkheim, De la division du travail
social, Paris, PUF, 2007.
14-Granovetter M, Analyse économique des
conventions, Paris, PUF, 1994.
15-Georg Simmel: Philosophie de l'argent,
traduit par Sabine Cornille et Philippe Ivernel
P.U.F., Paris, 1987.
16-Max Weber: L'Éthique protestante et l'esprit
du capitalisme (1904-1905), traduction par
Jacques Chavy, Plon, 1964 ; nouvelles traductions
par Isabelle Kalinowski, Flammarion 2000; Jean-
Pierre Grossein, Gallimard 2003.
17-Pierre Bourdieu: Question de sociologie,
Minuit, 1984.

79
18-Robbins L.: An Essay on the Nature and
Signification of Economic Science, Londres,
Macmillan, 1932.
19-Smelser, N: The sociology of economic life,
prentice, Hall, New Jerry1976.
20-Smelser N. J. et Swedberg R. (eds.), The
Handbook of Economic Sociology, Princeton,
Russell Sage Foundation, 1994.
21-Steiner P., 1999, La sociologie économique,
Paris, La Découverte, coll. « Repères » (nouv. éd.
2005).
22-Swedberg R.: Current Sociology, London,
Sage Publication ; trad. franç. 1987.
23-Swedberg R: Une histoire de la sociologie
économique, Paris, Desclée de Brouwer1994.
24-Thierry Rogel: (La philosophie de l’argent),
Revue Sciences Humaines, n° 67 –Décembre
1997.
25-Vilfredo Pareto: Trattato di sociologia
generale, Firenze, G. Barbéra, 1916.

80
‫السيرة الذاتية‪:‬‬

‫‪ -‬جميل حمداوي من مواليد مدينة الناظور (المغرب)‪.‬‬

‫‪ -‬حاصل على دبلوم الدراسات العليا سنة ‪1991‬م‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫‪ -‬حاصل على دكتوراه الدولة سنة ‪2111‬م‪.‬‬

‫‪ -‬حاصل على إجازتين‪:‬األولى في األدب العربي‪ ،‬والثانية في الشريعة والقانون‪.‬‬

‫‪ -‬أستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالناظور‪.‬‬

‫‪ -‬أسل للتاذ األدب العربل للي‪ ،‬ومنل للاهج البحل للث التربل للوي‪ ،‬واإلحصل للاء التربل للوي‪ ،‬وعلل للوم‬
‫التربية‪ ،‬والتربية الفنية‪ ،‬والحضارة األمازيغية‪ ،‬وديداكتيك التعليم األولي‪...‬‬

‫‪-‬أديب ومبدع وناقد وباحث‪ ،‬يشتغل ضمن رؤية أكاديمية موسوعية‪.‬‬

‫‪ -‬حصل على جلائزة مؤسسلة المثقلف العربلي (سيدني‪/‬أسلتراليا) لعلام ‪2111‬م فلي‬
‫النقد والدراسات األدبية‪.‬‬

‫‪ -‬حاصل على جائزة ناجي النعمان األدبية سنة‪2111‬م‪.‬‬

‫‪ -‬رئيس الرابطة العربية للقصة القصيرة جدا‪.‬‬

‫‪ -‬رئيس المهرجان العربي للقصة القصيرة جدا‪.‬‬

‫‪ -‬رئيس الهيئة العربية لنقاد القصة القصيرة جدا‪.‬‬

‫‪ -‬رئيس الهيئة العربية لنقاد الكتابة الشذرية ومبدعيها‪.‬‬

‫‪ -‬رئيس جمعية الجسور للبحث في الثقافة والفنون‪.‬‬

‫‪ -‬رئيس مختبر المسرح األمازيغي‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫‪ -‬عضو الجمعية العربية لنقاد المسرح‪.‬‬

‫‪-‬عضو رابطة األدب اإلسالمي العالمية‪.‬‬

‫‪ -‬عضو اتحاد كتاب العرب‪.‬‬

‫‪-‬عضو اتحاد كتاب اإلنترنت العرب‪.‬‬

‫‪-‬عضو اتحاد كتاب المغرب‪.‬‬

‫‪ -‬من منظري فن القصة القصيرة جدا وفن الكتابة الشذرية‪.‬‬

‫‪ -‬خبير في البيداغوجيا والثقافة األمازيغية‪.‬‬

‫‪ -‬ترجمت مقاالته إلى اللغة الفرنسية و اللغة الكردية‪.‬‬

‫‪ -‬شارك في مهرجانات عربية عدة في كل من‪ :‬الجزائر‪ ،‬وتونس‪ ،‬ومصر‪ ،‬واألردن‪،‬‬


‫والسعودية‪ ،‬والبحرين‪ ،‬والعراق‪ ،‬واإلمارات العربية المتحدة‪...،‬‬

‫‪ -‬مستشللار ف للي مجموعللة مللن الصللحف والمج للالت والجرائللد وال للدوريات الوطني للة‬
‫والعربية‪.‬‬

‫‪ -‬نشر العديد من المقلاالت الورقيلة المحكملة وغيلر المحكملة‪ ،‬وعلددا ال يحصلى‬


‫من المقاالت الرقمية‪ .‬وله (‪ )111‬كتاب‪ ،‬وأكثر من سبعين كتابا رقميا منشورا‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫‪ -‬ومن أهم كتبه‪ :‬الشذرات بين النظرية والتطبيق‪ ،‬والقصة القصيرة جدا بين التنظير‬
‫والتطبيق‪ ،‬والرواية التاريخية‪ ،‬تصورات تربوية جديدة‪ ،‬واإلسالم بين الحداثة وما بعد‬
‫الحداث للة‪ ،‬ومج للزءات التك للوين‪ ،‬وم للن س لليميوطيقا ال للذات إل للى س لليميوطيقا الت للوتر‪،‬‬
‫والتربيللة الفنيللة‪ ،‬ومللدخل إلللى األدب السللعودي‪ ،‬واإلحصللاء التربللوي‪ ،‬ونظريللات النقللد‬
‫األدبي في مرحلة مابعد الحداثة‪ ،‬ومقومات القصة القصيرة جدا عنلد جملال اللدين‬
‫الخضيري‪ ،‬وأنواع الممثل في التيارات المسرحية الغربية والعربية‪ ،‬وفي نظرية الرواية‪:‬‬
‫مقارب ل ل للات جدي ل ل للدة‪ ،‬وأنطولوجي ل ل للا القص ل ل للة القص ل ل لليرة ج ل ل للدا ب ل ل للالمغرب‪ ،‬والقص ل ل لليدة‬
‫الكونكريتية‪ ،‬ومن أجل تقنية جديدة لنقد القصة القصليرة جلدا‪ ،‬والسليميولوجيا بلين‬
‫النظري ل للة والتطبي ل للق‪ ،‬واإلخ ل لراج المس ل للرحي‪ ،‬وم ل للدخل إل ل للى الس ل للينوغرافيا المس ل للرحية‪،‬‬
‫والمسرح األمازيغي‪ ،‬ومسرح الشباب بلالمغرب‪ ،‬والملدخل إللى اإلخلراج المسلرحي‪،‬‬
‫ومسل للرح الطفل للل بل للين التل للأليف واإلخ ل لراج‪ ،‬ومسل للرح األطفل للال بل للالمغرب‪ ،‬ونصل للوص‬
‫مسرحية‪ ،‬ومدخل إلى السلينما المغربيلة‪ ،‬ومنلاهج النقلد العربلي‪ ،‬والجديلد فلي التربيلة‬
‫والتعل لليم‪ ،‬وببليوغرافي للا أدب األطف للال ب للالمغرب‪ ،‬وم للدخل إل للى الش للعر اإلس للالمي‪،‬‬
‫والمل للدارس العتيقل للة بل للالمغرب‪ ،‬وأدب األطفل للال بل للالمغرب‪ ،‬والقصل للة القصل لليرة جل للدا‬
‫بالمغرب‪،‬والقصلة القصلليرة جلدا عنللد السللعودي عللي حسللن البطلران‪ ،‬وأعللالم الثقافللة‬
‫األمازيغية‪...‬‬

‫‪ -‬عنل لوان الباحل لث‪ :‬جمي للل حم للداوي‪ ،‬ص للندوق البري للد‪ ،1799‬الن للاظور‪،12111‬‬
‫المغرب‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫‪ -‬الهاتف النقال‪1172351331:‬‬

‫‪ -‬الهاتف المنزلي‪1531333111:‬‬

‫‪ -‬اإليميل‪Hamdaouidocteur@gmail.com:‬‬

‫‪Jamilhamdaoui@yahoo.fr‬‬

‫كلمات الغالف الخارجي‪:‬‬

‫يعد علم االجتماع االقتصادي(‪)La sociologie économique‬‬


‫فرعا من فروع علم االجتماع العام‪ .‬ويعني هذا التخصص دراسة الظواهر‬
‫االقتصادية في ضوء المقترب السوسيولوجي‪ ،‬بفهم أشكال االقتصاد وتفسيرها‪،‬‬
‫وربط الصلة بين المنافع االقتصادية والعالقات االجتماعية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فعلم‬
‫االجتماع االقتصادي هو ذلك العلم الذي يعنى بدراسة األنشطة االقتصادية‪ ،‬من‬

‫‪85‬‬
‫إنتاج‪ ،‬وتوزيع‪ ،‬وتبادل‪ ،‬واستهالك‪.‬ومن ثم‪ ،‬فالسوسيولوجيا االقتصادية هي دراسة‬
‫للنظام االقتصادي‪ ،‬في مختلف بنياته‪ ،‬وأشكاله‪ ،‬وأنساقه‪ ،‬وأنشطته‪ ،‬ودوراته‪،‬‬
‫ووظائفه‪ ،‬وعالقاته‪ ،‬مع التركيز على األفعال االقتصادية العقالنية والهادفة في‬
‫سياقاتها المجتمعية‪.‬‬

‫المؤلف‪ :‬جميل حمداوي‬

‫العنوان‪ :‬مبادىء علم االجتماع االقتصادي‬

‫الطبعة األولى‪8101:‬م‬

‫حقوق الطبع محفوظة للمؤلف‬

‫المحتويات‬
‫المقدمة ‪4 ...............................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف علم االجتماع االقتصادي ‪6 ........‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مواضيع علم االجتماع االقتصادي ‪08 ......‬‬

‫‪86‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬رواد علم االجتماع االقتصادي ‪01 ........‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬تاريخ علم االجتماع االقتصادي ‪01 ........‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬التصور النظري ‪80 .....................‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬التصور المنعجي ‪11 ......................‬‬
‫الخاتمة ‪11 ...............................................‬‬
‫ثبت المصادر والمراجع ‪11 ...............................‬‬
‫السيرة الذاتية‪20 ........................................ :‬‬

‫‪87‬‬

You might also like