Professional Documents
Culture Documents
مباديء علم الاجتماع الاقتصادي جميل حمداوي موقع المكتبة لـ تحميل كتب الكترونية PDF
مباديء علم الاجتماع الاقتصادي جميل حمداوي موقع المكتبة لـ تحميل كتب الكترونية PDF
جميل حمداوي
2
اإلهداء
إلى أساتذتي
3
المقدمة
يعد علم االجتماع االقتصادي ()La sociologie économique
فرعا من فروع علم االجتماع العام .ويعني هذا التخصص دراسة الظواهر
االقتصادية في ضوء المقترب السوسيولوجي ،بفهم أشكال االقتصاد وتفسيرها،
وربط الصلة بين المنافع االقتصادية والعالقات االجتماعية .عالوة على ذلك ،فعلم
االجتماع االقتصادي هو ذلك العلم الذي يعنى بدراسة األنشطة االقتصادية ،من
إنتاج ،وتوزيع ،وتبادل ،واستهالك.ومن ثم ،فالسوسيولوجيا االقتصادية هي دراسة
للنظام االقتصادي ،في مختلف بنياته ،وأشكاله ،وأنساقه ،وأنشطته ،ودوراته،
ووظائفه ،وعالقاته ،مع التركيز على األفعال االقتصادية العقالنية والهادفة في
سياقاتها المجتمعية.
إذاً ،ما علم االجتماع االقتصادي وما مواضيعه وما تاريخه وما رواده قديما
وحديثا وما تصوراته النظرية والمنهجية
هذا ماسوف نرصده في كتابنا هذا الذي عنوناه ب(مبادىء علم االجتماع
االقتصادي) ،على أساس أن علم االجتماع االقتصادي هو علم مهم للبحث عن
العالقة التي تجمع بين الظواهر االقتصادية وبنية المجتمع .ويعني هذا أن
المجتمع اإلنساني يعرف مشاكل معقدة وعويصة جدا ،واليمكن معالجتها أو
تشخيصها إال في إطار اقتصادي .والعكس صحيح أيضا ،فكثير من الظواهر
االقتصادية لها ارتباط وثيق بالمجتمع من جهة ،وبأفعال األفراد والمجتمعات من
4
جهة أخرى .ويعني هذا كله أن النشاط االقتصادي يقوم به الفرد البشري بتعاون
وتضامن وتبادل مع األفراد اآلخرين ،ضمن سياق مجتمعي معين .لذلك ،تتخذ
الظواهر االقتصادية طابعا اجتماعيا ،مادامت ترتبط برغبات األفراد وحاجياتهم
وحوافزهم وأنشطتهم .كما أن االقتصاد في خدمة توازن المجتمع وتماسكه
وانسجامه ليس إال.
و نرجو من الله عز وجل أن يوفقنا في هذا الكتاب المتواضع ،و يسدد خطانا،
ويرشدنا إلى ما فيه صالحنا ،ونستغفره عن هفواتنا وكبواتنا وأخطائنا وزالتنا .كما
نستسمح القراء األفاضل عما في هذا الكتاب من نقص وتقصير ونسيان،
فالكمال والتمام من صفات سبحانه وتعالى جل شأنه وعال ،وماتوفيقي إال بالله.
5
المطلب األول :تعريف علم االجتماع االقتصادي
من المعروف أن علم االقتصاد هو الدراسة العلمية لعمليات اإلنتاج والتوزيع
والتبادل واالستهالك التي تتعلق بالسلع والخدمات لتحقيق الرفاهية واالزدهار
لألفراد ،وتحسين مستوى معيشتهم المادية والمالية والمعنوية .وبتعبير آخر ،يدرس
هذا العلم الدورة االقتصادية القائمة على أربع مراحل أساسية هي :اإلنتاج،
والتوزيع ،والتبادل ،واالستهالك .وقد ارتبط هذا العلم أيضا بالدولة .لذا ،سمي
باالقتصاد السياسي إلى درجة يصعب الفصل بين االقتصاد والسياسة للعالقة
الجدلية الموجودة بينهما.
بيد أن الثروات التقتصر على الدولة فقط ،بل هي نتاج جهود األفراد فيما بينهم،
داخل سياق مجتمعي معين .بمعنى أن األفراد هم الذين يحققون الثروة االقتصادية
المثمرة ،في إطار التعاون والتفاهم والتعاقد والتبادل المشترك .ومن ثم ،يدرس علم
االقتصاد األنشطة االقتصادية ذات الطابع الفردي واالجتماعي .وقد عرف بعضهم
علم االقتصاد بأنه " دراسة الكيفية التي عليها ينظم الناس استخدام الموارد إلشباع
رغباتهم وحاجاتهم ،بمعنى أن علم االقتصاد يهتم بدراسة التنظيم االقتصادي،
وهذا يتطلب دراسة مختلف النظم االقتصادية ،والمشكالت التي تواجه كل نظام
1
والطرائق الممكنة لحل هذه المشكالت".
- 1محمد ياسر الخواجة :علم االجتماع االقتصادي ،األهالي للطباعة والنشر والتوزيع،
القاهرة ،مصر ،الطبعة األولى 1991م ،ص.11:
6
إذاً ،يدرس علم االقتصاد مختلف النظم االقتصادية التي تساعد الناس على تلبية
حاجياتهم ،وإشباع رغباتهم ،وتحقيق المنافع والمصالح ،وتحقيق التوازن
االقتصادي ،واإلشباع المادي .ومن ثم ،يحاول علم االقتصاد أن يبحث عن
التوازن بين المداخيل والمصاريف ،ويعالج المشاكل المادية بأنجع السبل والطرائق
االقتصادية الممكنة والمتاحة ،في إطار ما يسمى بالحكامة الجيدة .ويعني هذا
أن علم االقتصاد يقدم لنا جميع الوسائل والخطط لتنظيم حياتنا االقتصادية كما
وكيفا ،وتحقيق انسجامها وتوازنها وتماسكها ،والسيما أن رغبات اإلنسان
وحاجياته كثيرة وآمرة وملحة ،لكن الوقت والنشاط والموارد الطبيعية محدودة.لذا،
ينبغي التحكم جيدا في الموارد الموجودة ،وترشيد النفقات واالستهالك .كما أن
هذا االقتصاد هو سبيل لتحقيق الثروة وتجميعها وتكديسها أو استثمارها .وقد
قال آدم سميث بأن االقتصاد هو علم الثروة .وهناك من يقول بأنه علم اإلثراء
القائم على المجهود البشري لبناء ثروة األمة.
ومن هنا ،فعلم االقتصاد هو الذي يعنى بدراسة النشاط االقتصادي الفردي أو
الجماعي من أجل تحقيق المنافع أو المصالح أو الرفاهية أو الثروة أو التوازن بين
المداخيل والمصاريف.
وإذا كان علم االقتصاد يهدف إلى وضع قوانين رياضية وإحصائية وعلمية لتحقيق
المنفعة أو المصلحة أو التوازن االقتصادي أو الرفاهية المادية لألفراد والجماعات،
فإن علم االجتماع االقتصادي يهدف إلى تحقيق العدالة المجتمعية ،وتحسين
7
مستوى معيشة األفراد والمجموعات داخل نسق مجتمعي معين .بمعنى توجيه
االقتصاد لتقدم البنيان االجتماعي ،وتحقيق توازنه وانسجامه وتكامله ،أو تحسين
األوضاع االقتصادية للمجتمع بأكمله .وفي هذا ،يقول محمد ياسر الخواجة":
وتبدو الصلة أكثر وضوحا بين مجال االقتصاد ومجال االجتماع .لكن الذي
تجدر اإلشارة إليه هنا أن علم االجتماع االقتصادي اليرمي من دراسته إلى
الوصول إلى قوانين اقتصادية بحتة أو الوصول إلى هذه القوانين بغرض ذاتي ،وإنما
يهدف إلى االنتفاع بها في االرتقاء باألوضاع والنظم والمستويات االقتصادية ،فإذا
كان االقتصاد يهتم بالمنفعة ،فإن علم االجتماع االقتصادي يعنى بالعدالة ،وإذا
كان االقتصاد يضع القوانين التي يستند إليها النظام االقتصادي ،فإن علم
االجتماع االقتصادي يستنبط قوانين تقدم البنيان االجتماعي من الناحية
االقتصادية.
أي :إن علم االجتماع االقتصادي يستطيع أن يساعدنا على معرفة أي النظم
االقتصادية يمكن أن تالئم هذا المجتمع أم ذاك ،وما الذي يجب االحتفاظ به،
وما الذي يجب استبعاده من وسائل النشاط أو االستغالل االقتصادي ،ألنه
يدرس النشاط االقتصادي بوصفه أحد مظاهر النشاط االجتماعي ،بل هو أهم
ناحية من سلوك األفراد؛ ألنه يتصل بقوام البنيان االجتماعي ،وينظر إلى الظاهر
نظرته إلى الظواهر االجتماعية التقل شأنا عن الظواهر السياسية ،والدينية،
واألخالقية ،واللغوية ،وهي كلها ظواهر تنبع من طبيعة الحياة االجتماعية ،وما
8
ينطوي عليه من تفاعل بين األفراد واحتكاك مشاعرهم ،وتقابل رغباتهم وخضوعهم
لظروف بيئية واجتماعية تصهرهم جميعا في بوتقة واحدة.تتحد آثارها وتتداخل
2
العوامل المؤثرة فيها بالنتائج بحيث يصعب الوقوف عليها".
إذاً ،يهتم علم االجتماع االقتصادي بدراسة الظواهر االقتصادية التي لها عالقة
بالمجتمع .أي :دراسة النظم االقتصادية ،وتحليل وضعيات السوق ،ووصف
الدورة االقتصادية ،والتوقف عند اآلليات التي تتحكم في تحديد األثمان،
ومناقشة سياسة العرض والطلب ،واستكشاف العالقات االجتماعية وصلتها
بالعالقات التجارية واالقتصادية ،وتناول األسواق في تأرجحها بين الربح والقيم...
6
- Granovetter M, : Analyse économique des
conventions, Paris, PUF,1994,p :81.
7
- Robbins L., : An Essay on the Nature and
Signification of Economic Science, Londres,
Macmillan, 1932, p: 30.
10
على البنيات االقتصادية وأدوارها ووظائفها ومؤسساتها ،مع تبيان دور المجتمع
وتأثيره في االقتصاد...
11
المطلب الثاني :مواضيع علم االجتماع االقتصادي
يدرس علم االجتماع االقتصادي مجموعة من المواضيع المهمة ،ويمكن حصرها
فيما يلي :الدورة االقتصادية (اإلنتاج ،والتوزيع ،والتبادل ،واالستهالك) ،والمنفعة
االقتصادية ،والرفاهية االقتصادية ،والتوازن أو الالتوازن االقتصادي ،والتبادل
التجاري ،والبؤس االجتماعي ،والفقر ،والتسول ،والثراء ،والبطالة ،والمساواة أو
الالمساواة االجتماعية ،والرأسمال االقتصادي ،والتنمية والتخلف ،والملكية
الخاصة ،والعمل ،واالستثمار ،واألجور ،وتوزيع الدخل ،واالقتصاد الكلي،
والدخل القومي ،ورأس المال ،والربح ،والريع ،ونظرية القيمة ،والقروض ،والتنافس
االقتصادي ،وتحرير االقتصاد ،والتضخم ،والتبعية ،والعولمة ،واإلشباع االقتصادي،
ونقل التكنولوجيا ،واألسواق ،واألسهم ،والبورصات ،واألبناك ،والشركات متعددة
الجنسيات ،واألزمات االقتصادية ،واألنشطة االقتصادية ،والمؤسسات والمقاوالت
االقتصادية ،والتدبير االقتصادي ،واإلفالس ،والتجارة ،وتقسيم العمل ،وعالقة
الدين باالقتصاد ،وعالقة االقتصاد بالمشاكل االجتماعية ،والتنمية االقتصادية
المستدامة ،وثورة المعلومات ،والثورة الرقمية ،والتجارة الداخلية والخارجية ،والركود
االقتصادي ،والوضع االقتصادي للرجل والمرأة معا ،والضرائب المباشرة وغير
المباشرة وأثرها في االقتصاد والمجتمع معا ،واالقتصاد الجزئي والكلي ،والنمو
الديمغرافي وعالقته باإلنتاج الغذائي والزراعي ،وفلسفة النقود ،وتراكم رؤوس
األموال ،واألوراق المالية ،وثنائية الطلب والعرض ،والخوصصة ،واالقتصاد الموجه،
12
واالقتصاد المنفتح ،والفوائد البنكية والربوية ،والصراع الطبقي ،والمشاريع
االقتصادية ،وكثرة الرغبات والحاجيات وندرة الموارد ،واستغالل الطبيعة،
والبيروقراطية ،والطبقات الطفيلية ،وسوق العمل ،والرأسمالية واالشتراكية،
واالقتصاد السياسي ،وقيم التبادل واالستعمال ،والتشييء واالغتراب ،والتقنية
واالستالب...
13
وألفرد مارشال ( ،)Alfred Marshallوجون كينز( John Maynard
،)Keynesوفريد بلوك ( ،)Fred L. Blockوجيمس كولمان( James
،)S. Colemanوباوال إنجالند( ،)Paula Englandوبول ديماجيو
( ،)Paul DiMaggioوجويل بودولني( ،)Joel M. Podolnyولينيت
سبيلمان ( ،)Lynette Spillmanوريشارد سويدبيرج ( Richard
،)Swedbergوفيفيانا زيليزير( ،)Viviana Zelizerوكارلو تريجيليا
( ،)Carlo Trigiliaولوك بولتانسكي( ،)Luc Boltanskiودونال أنغوس
ماكينزي( ،)Donald Angus MacKenzieولوران تيفنو( Laurent
وأميتاي ،)Jens (Beckert بيكير وجينس ،)Thévenot
إتزيوني( ،)Amitai Etzioniوشاك سابيل( ،)Chuck Sabelوفولفغانغ
ستريك ( ،)Wolfgang Streeckومكائيل موصو( Michael
…)Mousseau
ومن جهة أخرى هناك دراسات سوسيولوجية ماركسية متميزة ،تناولت النظام
االقتصادي الرأسمالي بالتحليل والنقد والتعرية والفضح ،كما نجد ذلك واضحا
عند كل من :جورج لوكاش( ،)Georg Lukácsوتيودور أدورنو( Theodor
،)Adornoوماكس هوركايمر( ،)Max Horkheimerووالتر بنجامين
( ،)Walter Benjaminوغوي دوبور ( ،)Guy Debordولوي ألتوسير
( ،)Louis Althusserونيكوس بوالنتازاس(،)Nicos Poulantzas
14
ورالف ميليباند ( ،)Ralph Milibandويورغان هابرماس( Jürgen
،)Habermasورايمون ويليام( ،)Raymond Williamsوفريدريك
جامسون ( ،)Fredric Jamesonوأنتونيو نيغري(،)Antonio Negri
وستوار هال( ،)Stuart Hallوغيرهم...
15
16
المطلب الرابع :تاريخ علم االجتماع االقتصادي
ارتبط علم االقتصاد باإلنسان منذ القديم .لذا ،وجدنا اهتمامات وأفكارا اقتصادية
نظرية وعملية متميزة .ويعلم الكل مدى نجاح السياسة االقتصادية التي تبناها
يوسف عليه السالم فيما يخص ادخار الحبوب لسنوات عدة ،والتحكم في
عمليات االستهالك والتوزيع والتبادل .وبعد ذلك ،تبلور علم االقتصاد ،وأصبحت
له قواعد نظرية وتطبيقية وإستراتيجية ،تخضع للرياضيات واإلحصاء والمناهج
التجريية والعلمية الدقيقة ،بتوظيف كل التقنيات المستجدة التي أتت بها
التكنولوجيا الحديثة والمعاصرة .ومن ثم ،فقد انقسم هذا العلم إلى مذاهب
اقتصادية عالمية (الليبرالية واالشتراكية) ،وتفرع إلى تصورات نظرية مختلفة ومتنوعة
(نظرية كينز مثال) ،وإلى أطروحات إيديولوجية متصارعة (االقتصاد االشتراكي
الماركسي مقابل االقتصاد الليبرالي).
وبعد أن تطور علم االقتصاد كثيرا ،ظهر تخصص جديد ،في منتصف القرن
العشرين ،يسمى بعلم االجتماع االقتصادي الذي يبحث عن عالقة المجتمع
باالقتصاد ،أو دور االقتصاد في تحريك عجلة المجتمع أو توقيفها أو إعاقة
نموها .على الرغم من أن هذا المصطلح قد ظهر في القرن التاسع عشر
الميالدي ،وبالضبط في سنة 1179م ،واستعمله اإلنجليزي ويليام ستانلي جوفنز
( .)William Stanley Jevonsوبعد ذلك ،استعمل هذا المصطلح في
كتابات إميل دوركايم ،وماكس فيبر ،وجورج زيمل ما بين 1191و.1921
17
وقد تأسس هذا العلم في جامعات الواليات المتحدة األمريكية ،ثم انتقل إلى
باقي جامعات الغرب والشرق بعد ذلك .وأصبح علم االجتماع االقتصادي
تخصصا علميا جديدا ،يتفرع عن علم االجتماع العام ،ويوظف أدواته وآلياته
ومناهجه في الفهم والتفسير والتأويل .وفي هذا ،يقول محمد ياسر الخواجة في
كتابه ( علم االجتماع االقتصادي) " :تبلورت الجهود األولى لنشأة علم
االجتماع االقتصادي في الواليات المتحدة األمريكية مع اهتمامات المدارس
السوسيولوجية األمريكية ،ومنها مدرسة شيكاغو وهارفارد وغيرهما إلى تطوير
مجاالت علم االجتماع االقتصادي ،واالستعانة بالعديد من المداخل
السوسيولوجية والنماذج االقتصادية في دراسة الظواهر السوسيواقتصادية.وذلك من
منطلق أن النشاط االقتصادي كأي نشاط آخر يمثل أحد الظواهر االجتماعية
التي اليمكن فهمها وتفسيرها تفسيرا كامال إال في ضوء التفاعل والتأثير المتبادل
بين كل من االقتصاد والمجتمع"1.
وبعد ذلك ،توسعت مداخل علم االجتماع االقتصادي ،وأصبح يعتمد على
النظريات االقتصادية ومذاهبها لتعميق الصلة بين الظواهر االقتصادية والظواهر
المجتمعية .وأصبح هذا العلم تخصصا أكاديميا في شعبة االقتصاد أو علم
االجتماع ،ولم يدخل هذا التخصص الجامعات العربية إال في العقود األخيرة من
القرن العشرين ،ومازالت الدراسات فيه قليلة جدا حتى في بيئته الغربية.
19
المعرفي ،وتميزه عن مجموعة النظم الفكرية األخرى السوسيواقتصادية بصورة
تحليلية وواقعية"9.
يعد ابن خلدون واضع علم االجتماع االقتصادي ،حيث توقف ،في كتابه
(المقدمة) ،عند الكثير من الظواهر االقتصادية بالتحليل والمناقشة والتأمل
العقالني والفلسفي ،كتناوله للعمل الذي جعله سعيا جادا لكسب الرزق ،وأن
اإلنسان اليمكن أن يعيش بدون عمل .ومن ثم ،ترتفع القيمة االقتصادية للمنتج
و تنخفض حسب طبيعة العمل من حيث الجودة والرداءة .كما ينقص العمل
ويضيع بانهيار العمران وخرابه .وفي هذا ،يقول ابن خلدون:
" اعلم أن الكسب إنما يكون بالسعي في االقتناء والقصد إلى التحصيل ،فال بد
في الرزق من سعي وعمل ولو في تناوله وابتغائه من وجوهه .قال تعالى " :فابتغوا
عند الله الرزق " .والسعي إليه إنما يكون بأقدار الله تعالى وإلهامه ،فالكل من
عند الله .فال بد من األعمال اإلنسانية في كل مكسوب ومتمول .ألنه إن كان
عمالً بنفسه مثل الصنائع فظاهر ،وإن كان مقتنى من الحيوان أو النبات أو
21
المعدن فال بد فيه من العمل اإلنساني كما تراه ،وإال لم يحصل ولم يقع به
انتفاع.
ثم إن الله تعالى خلق الحجرين المعدنيين من الذهب والفضة قيمة لكل متمول،
وهما الذخيرة والقنية ألهل العالم في الغالب .وإن اقتنى سواهما في بعض
األحيان ،فإنما هو لقصد تحصيلهما بما يقع في غيرهما من حوالة األسواق ،التي
هما عنها بمعزل ،فهما أصل المكاسب والقنية والذخيرة .وإذا تقرر هذا كله فاعلم
أن ما يفيده اإلنسان ويقتنيه من المتموالت ،إن كان من الصنائع فالمفاد المقتنى
منه هو قيمة عمله ،وهو القصد بالقنية ،إذ ليس هنالك إال العمل وليس بمقصود
بنفسه للقنية .وقد يكون مع الصنائع في بعضها غيرها .مثل النجارة والحياكة
معهما الخشب والغزل ،إال أن العمل فيهما أكثر ،فقيمته أكثر .وإن كان من غير
الصنائع ،فال بد في قيمة ذلك المفاد والقنية من دخول قيمة العمل الذي
حصلت به ،إذ لوال العمل لم تحصل قنيتها .وقد تكون مالحظة العمل ظاهرة في
الكثير منها فتجعل له حصة من القيمة عظمت أو صغرت .وقد تخفى مالحظة
العمل كما في أسعار األقوات بين الناس ،فإن اعتبار األعمال والنفقات فيها
مالحظ فى أسعار الحبوب كما قدمناه ،لكنه خفي في األقطار التي عالج الفلح
فيها ومؤونته يسيرة ،فال يشعر به إال القليل من أهل الفلح .فقد تبين أن المفادات
والمكتسبات كلها أو أكثرها إنما هي قيم األعمال اإلنسانية ،وتبين مسمى الرزق،
وأنه المنتفع به .فقد بان معنى الكسب والرزق وشرح مسماهما.
22
واعلم أنه إذا فقدت األعمال ،أو قلت بانتقاص العمران ،تأذن الله برفع الكسب.
أال ترى إلى األمصار القليلة الساكن ،كيف يقل الرزق والكسب فيها ،أو يفقد،
لقلة األعمال اإلنسانية .وكذلك األمصار التي يكون عمرانها أكثر ،يكون أهلها
أوسع أحواالً وأشد رفاهية كما قدمناه قبل .ومن هذا الباب تقول العامة في البالد،
إذا تناقص عمرانها إنها قد ذهب رزقها ،حتى أن األنهار والعيون ينقطع جريها في
القفر ،لما أن فور العيون إنما يكون باإلنباط واالمتراء الذي هو بالعمل اإلنساني،
كالحال في ضروع األنعام ،فما لم يكن إنباط وال امتراء نضبت وغارت بالجملة،
كما يجف الضرع إذا ترك امتراؤه .وانظره في البالد التي تعهد فيها العيون أليام
عمرانها ،ثم يأتي عليها الخراب كيف تغور مياهها جملة كأنها لم تكن " .والله
يقدر الليل والنهار" 11.
وبعد ذلك ،فقد بين ابن خلدون أنواع العمل ،فحصرها في الكسب ،والفالحة،
والصناعة ،والتجارة ،والصيد ،واألنشطة االقتصادية ،وتحصيل الضريبة .وفي هذا،
يقول ابن خلدون ":اعلم أن المعاش هو عبارة عن ابتغاء الرزق والسعي في
تحصيله ،وهو مفعل من العيش .كأنه لما كان العيش الذي هو الحياة ال يحصل
إال بهذه ،جعلت موضعاً له على طريق المبالغة .ثم إن تحصيل الرزق وكسبه :إما
أن يكون بأخذه من يد الغير وانتزاعه باالقتدار عليه ،على قانون متعارف ،ويسمى
-ابن خلدون :مقدمة ابن خلدون ،دار ابن الهيثم ،القاهرة ،مصر ،الطبعة األولى 11
2115م ،ص.319:
23
مغرماً وجباية ،وإما أن يكون من الحيوان الوحشي باقتناصه وأخذه برميه من البر
أو البحر ،ويسمى اصطياداً ،وإما أن يكون من الحيوان الداجن باستخراج فضوله
المتصرفة بين الناس في منافعهم ،كاللبن من األنعام ،والحرير من دوده ،والعسل
من نحله ،أو يكون من النبات في الزرع والشجر بالقيام عليه وإعداده الستخراج
ثمرته .ويسمى هذا كله فلحاً .وإما أن يكون الكسب من األعمال اإلنسانية :إما
في مواد بعينها ،وتسمى الصنائع من كتابة وتجارة وخياطة وحياكة وفروسية وأمثال
ذلك ،أو في مواد غير معينة ،وهي جميع االمتهانات والتصرفات ،وإما أن يكون
الكسب من البضائع وإعدادها لألعواض ،إما بالتقلب بها في البالد أو احتكارها
11
وارتقاب حوالة األسواق فيها .ويسمى هذا تجارة".
ومن جهة أخرى ،يثبت ابن خلدون أن العمل هو مصدرالثروة واإلثراء ،وتحصيل
الرفاهية ،وتحقيق الجاه .ومن ثم ،تتعدد الطبقات االجتماعية -بحسب العمل
والجاه والحظوة -من األسفل إلى أعلى طبقة هي طبقة الملوك .بل يمكن القول
25
التحايالت :الضرائب ،المغارم ،الجبايات ،المصادرات بأنواعها المختلفة ،والتي
تشتد وطأتها على الطبقات المحكومة فاقدة الجاه ،كما سيبين فيما بعد ".12
يتبين لنا أن ابن خلدون كان سباقا إلى وضع اللبنات األولى لعلم االجتماع
االقتصادي تصورا ونظرية واستقراء .وفي هذا الصدد ،يقول محمد ياسر
الخواجة":يتضح لنا مدى حس ابن خلدون االقتصادي المرهف ،للعديد من
الظواهر والقضايا االقتصادية فكما يقول أحد الباحثين أنه قد مارس حسا
اقتصاديا كثيرا ،فيوجد لديه فكر واضح جدا عن تكوين القيم ،وعمل العرض
والطلب ،وقد خصص فصال لقيم األقوات والسلع في المدن ،كما تناول بالبحث
أيضا تأثير الحوادث السياسية في الحياة االقتصادية.
كما كانت تصورات ابن خلدون االقتصادية ،وخاصة تأكيده على أهمية االقتصاد
الحر ،وعدم تدخل الدولة في الشؤون االقتصادية إال من بعض المجاالت الهامة
مثل الدفاع ،والدبلوماسية ،والتمويل العام ،واإلسكان ،السبق العلمي المتميز
والواقعي لكثير من رواد علماء االقتصاد ،وخاصة المفكر االقتصادي المعروف
آدم سيمث ،كما جاءت تحليالت ابن خلدون معبرة عن الواقع االجتماعي
واالقتصادي والسياسي الذي عايشه وشاهده ابن خلدون في الدولة اإلسالمية من
خالل االستخدام المميز ألسلوب الوصف والتحليل المقارن عن الواقع الملموس،
فعال ،لقد كان ابن خلدون سباقا إلى إرساء دعائم علم االجتماع االقتصادي ،بل
سبق كذلك كارل ماركس إلى تحليل التفاوت الطبقي في ضوء الرؤية االقتصادية
المادية.
وعليه ،يعد سميث من أهم الدعاة إلى الحرية االقتصادية(دعه يمر ،دعه يعمل)،
على أساس أن الدولة الينبغي أن تتدخل في شؤون الحياة االقتصادية ،كما كان
األمر في مرحلة المذهب التجاري ،بل عليها أن تكتفي بخدمة المواطنين في
ويرى آدم سميث أن اإلنسان تواق إلى الحرية ،والعمل ،وتحقيق الثراء،
واإلحساس بالتوافق ،والميل إلى المقايضة والتبادل .11كما أن الدولة عاجزة عن
تحقيق الرفاهية االقتصادية كما هو حال النظام الطبيعي.فضال عن " أهمية تطبيق
النظام الطبيعي ،وضرورة إيجاد توازن في الدوافع الطبيعية؛ ألنها تؤدي إلى زيادة
15
الفاعلية في األنشطة االقتصادية".
ومن ثم ،ينبني الفكر االقتصادي عند آدم سميث على مجموعة من المبادىء
العامة ،وهي المبادىء نفسها التي يرتكز عليها الفكر االقتصادي الكالسيكي،
مثل :الحرية االقتصادية ،وتقسيم العمل ،واألخذ بنظام السوق ،واالرتكان إلى
المصلحة الذاتية ،واإليمان بمنطق المنافسة ،وتحقيق التراكم الرأسمالي،
واالسترشاد بنظرية القيمة...
-خضر زكريا وآخران :موجز تاريخ الفكر االجتماعي ،األهالي للطباعة والنشر 11
كما دافع سميث عن الحرية االقتصادية وتوافق المصالح ،إذ اعتبر الدولة غير
قادرة على تطوير االقتصاد وتنميته ،مهما اعتقد التجاريون أن قوة الدولة في
ثروتها ،والتحكم في المبادالت التجارية ،والسيطرة على األسواق .بل ينبغي أن
هذا ،وقد تحدث آدم سميث عن قوانين المجتمع الحر ،مثل :نظرية القيمة،
ونظرية رأس المال ،وتوزيع الدخل .ويعني هذا أن قيمة السلعة مرتبطة بقيمة العمل
ومدته وجودته ورداءته .ومن ثم ،فهناك قيمة استعمالية للشيء ،وقيمة تبادلية.
فالقيمة االستعمالية تعني منفعة شيء معين.في حين ،يقصد بالقيمة التبادلية ما
لشيء من منفعة من جهة ،وقدرة على االستبدال بأشياء أو سلع أخرى من جهة
أخرى.
وهكذا ،ربط سميث " القيمة بالعمل على أنه المصدر الوحيد للقيمة ،فقيمة
العمل المرتبطة بكل سلعة تعد مقياسا لقيمتها الفعلية.
وأما تركيزه على تحليل القيمة المتبادلة ،فهي مستمدة من الحقائق االجتماعية
التي ترتبط بتقسيم العمل .وقد جعل قيمة المبادلة القيمة الوحيدة التي تتحدد
على ضوئها القيمة ذاتها وترتب على ذلك أن يكون للسلعة ثمنا اسميا على
اعتبار الثمن تعبيرا نقديا يتغير بتغير أسعار الذهب والفضة .في حين ،إن الثمن
الحقيقي (القيمة) اليتغير مع تغير الزمن ألنه يكمن في العمل"17.
وقد " فسر سميث األرباح كأحد أهم العناصر المكونة للثروة والدخل في
المجتمع.وعرف الربح على أنه اإليراد الكلي للمنظم ،بعد حسم نفقات اإلنتاج،
أو بأنه القيمة التي تعود على صاحب رأس المال بعد تسديد أجور العمالة.
ويتوقف -بالتالي -حجم األرباح على حجم رأس المال الكلي المستخدم في
المشروعات".11
أما الريع ،فهو ثمن احتكاري يتقاضاه مالك األرض بدون بذل مجهود مقابل
ذلك ،فهو فائض يترتب على سخاء الطبيعة ،كما يبدو ذلك جليا في معظم
الدول العربية التي تعتمد على البترول ،حيث يوزع العائد بطريقة سخية اعتمادا
على اقتصاد الريع.
وقدم سميث كذلك تصورات حول التنمية والسياسة االقتصادية لتحقيق السعادة
المجتمعية والرفاهية الحقيقية ،وقد أرجعها إلى العوامل الذاتية لألفراد ،وتمثل
فلسفة المذهب الليبرالي في االقتصاد ،واللجوء إلى تقسيم العمل ،والسعي نحو
وهكذا ،يتبين لنا أن آدم سميث من رواد علم االقتصاد ،وقد كانت له أفكار
مهمة في ما يتعلق باالجتماع االقتصادي .إذاً " ،فأفكار آدم سميث ،كما يرى
بعض الدارسين ،أمثال :جاكوب فينر ( )J.Vinnerوسويدبيرج
( )Swedbergواليون سمول( ،)A.Smallتدخل في نطاق بحث علوم
اجتماعية كاالقتصاد أساسا والعلوم السياسية وعلم االجتماع وعلم النفس
واألخالق.ومن ثم ،فإن كتاب (ثروة األمم) واألفكار التي جاءت فيه والتفسيرات
االجتماعية والتحليالت االقتصادية والفلسفية والسياسية يمثل تحليال منظما يربط
بين الجانبين االجتماعي واالقتصادي الذي يسعى إلى تحقيق المصالح
االجتماعية االقتصادية.
وعليه ،يتبنى آدم سميث النظرية االقتصادية الليبرالية الكالسيكية ،بالتركيز على
مجموعة من المفاهيم االقتصادية ذات الطابع االجتماعي ،مثل :الحرية الليبرالية،
والتراكم االقتصادي ،ونظرية القيمة ،وقدسية العمل ،واألجور ،واألرباح ،والريع،
والتنمية االقتصادية ،والسياسة االقتصادية ،ونظرية رأس المال ،وتوزيع الدخل،
وتقسيم العمل...
ومن ثم ،يعد ريكاردو من أهم االقتصاديين الذين دافعوا عن الطبقة الرأسمالية،
والحرية االقتصادية " ،وعلى الرغم من أن ريكاردو لم يحصل على تعليم أكاديمي
محدد إال أنه كان مطلعا على كثير من الكتب والمؤلفات.وعمد إلى أسلوب
التثقيف الذاتي في تحسين وضعه العلمي ،وقد أثر فيه مؤلف (ثروة األمم) آلدم
سميث تأثيرا ذا بعد اقتصادي ،إذ منذ تلك الفترة وهو مهتم بالقضايا االقتصادية،
وترتب على ذلك أن أصبح أحد أهم المنظرين االقتصاديين ،وكانت كتاباته تعالج
مسائل اقتصادية واجتماعية معا.ومن ناحية أخرى ،فقد اعتمد على التنظير
كمدخل أساسي لفهم الواقع االقتصادي .وكانت نظرياته تعنى بمصالح الطبقة
الرأسمالية من بعد نقدي تجريدي .ونظرا ألن الفترة التاريخية التي عاش فيها
ريكاردو شهدت أحداثا سياسية هامة كالثورة الفرنسية وحروب نابليون التي ترتب
34
عليها تغييرات اجتماعية بارزة أصبح معنيا بدراسة التناقضات الطبقية بين مختلف
21
الفئات االجتماعية".
وعليه ،فقد اهتم ريكاردو بتوزيع الدخل القومي في االقتصاد .بمعنى أن هدفه
األساس هو شرح القوانين التي تنظم توزيع الثروة ،بالتوقف عند أشكال اإليرادات
الثالثة :الربح ،والريع ،واألجر؛ وربطها أيضا بعناصر اإلنتاج الثالثة :األرض ،ورأس
المال ،والعمل.
وعلى أي ،فقد عرف ريكاردو بثالث نظريات اقتصادية كبرى هي :نظرية الريع،
ونظرية األجر والربح ،ونظرية القيمة .ويعني هذا أن االقتصاديين الذين سبقوا
ريكاردو معنيين باإلنتاج ،والبحث في طبيعة الثروة وأسبابها.أما ريكاردو ،فكان
يعنيه ،بصفة خاصة ،موضوع التوزيع.أي :تحديد النسب التي يقسم بها الناتج
الكلي بين عوامل اإلنتاج الثالثة :مالك األراضي ،والرأسماليين ،والعمال .وإذا كان
36
عدد السكان .وكلما ارتفعت أسعار المواد الغذائية ،انخفضت القدرة الشرائية،
وازداد بؤس الطبقة العاملة وشقاؤها.
ومن جهة أخرى ،قد يؤثر ارتفاع أثمان المواد الغذائية في أصحاب الصناعات،
حيث ترتفع األجور النقدية ،ويقل معدل الربح ؛ ويسبب ذلك في إضغاف
الحافزية على التراكم الرأسمالي ،مع احتمال الوصول إلى الدولة الراكدة.
أما فيما يخص نظرية المزايا ،فقد أخذ آدم سميث بنظرية المزايا المطلقة التي لها
عالقة بحرية التجارة الخارجية .ويعني هذا أن يتخصص كل بلد في إنتاج السلعة
وتصديرها ،مادام يتوفر فيها على ميزة طبيعية مطلقة .أي :تكلفة مطلقة قليلة.
وتكون النتيجة هي الفائدة والمنفعة بالنسبة لجميع عناصر المجموعة الدولية.
وفي بعض األحيان ،يكون من صالح دولة معينة أن تستورد سلعة من الخارج،
على الرغم من إمكانية إنتاجها محليا بتكلفة أقل من تكلفة إنتاجها في الخارج،
ويسمى هذا بالمزايا المقارنة.
وبناء على ماسبق " ،لقد اهتم ريكاردو اهتماما خاصا بالتجارة الخارجية ،مشيرا
إلى ضرورة قيامها على أساس التخصص وتقسيم العمل.وأشار إلى أن التجارة
الخارجية تتأثر بأنماط الحواجز الجمركية والضريبة في المجتمعات المختلفة .ومن
ثم ،فإن التجارة الخارجية تقوم بين أي دولتين إذا تميزت إحداها قبل األخرى
بميزة نسبية في إنتاج إحدى السلعتين موضع التبادل.وهو بهذا يختلف عن
سميث الذي رأى أنه البد من أن يتمتع بلد ما بميزة مطلقة في إنتاج سلعة معينة
حتى تنشأ التجارة بينه وبين بلد آخر ،وقد وجهت اعتراضات على نظرية ريكاردو
في التجارة الخارجية لتركيزه على تباين إنتاجية العمل في البلدين ،دون أن يفسر
األسباب المؤدية إلى هذه الظاهرة ،فال بد من معرفة العوامل التي تجعل العمل
في بلد ما أكثر إنتاجية من العمل في بلد آخر .وفي مجال تعرضه لمشكلة
البطالة ،نالحظ أنه ربطها بتغيرات الطلب على السلع الناتج عن تغير أذواق
المستهلكين ،ورأى أنها بطالة مؤقتة ،ومن جانب آخر تنبه إلى أنه باإلمكان
38
حدوث بطالة في األجل الطويل نتيجة إلحالل اآلالت محل العمال الذي يضر
بمصلحة الطبقة العاملة.
وهذا التصور للبطالة لم يلق قبوال كثيرا من االقتصاديين المحافظين الذين جاؤوا
بعده".23
وعليه ،فقد ناقش ريكاردو كثيرا من النظريات االقتصادية ،مثل نظرية التجارة
الدولية ،ونظرية توزيع الدخل ،ونظرية التطور االقتصادي ،ونظرية التوازن الدولي.
كما اهتم بنظم النقد من الناحية االقتصادية ،وتوقف كذلك عند نوعية األزمات
االقتصادية واالجتماعية التي تؤثر في عملية النشاط االقتصادي.
وبهذا ،يكون دافيد ريكاردو من أهم الباحثين الذين عالجوا قضايا االقتصاد ،وقد
استفادوا ،بشكل أو بآخر ،من التصورات االجتماعية في مناقشة الظواهر
االقتصادية ،والسيما توزيع الدخل ،والصراع االجتماعي واالقتصادي بين طبقتي
مالك األراضي وأرباب المصانع ،وقضية تزايد عدد السكان وتأثيره االقتصادي،
والصراع الطبقي ،وبؤس العمال وشقائهم...
وما يعرف عن كينز أنه حول منهج التحليل االقتصادي من نظريات جزئية فردية
تقليدية إلى نظريات اقتصادية كلية وعامة.أي :حول مسار االقتصاد من االقتصاد
الجزئي إلى االقتصاد الكلي.ويعني هذا أن االقتصاديين التقليديين كانوا ينطلقون
من مبدإ التوازن ،ويهتمون باألنشطة االقتصادية التي يقوم بها األفراد ،على أساس
أن التصرفات الفردية هي التي تتحكم في توازن االقتصاد على مستويي اإلنتاج
واالستهالك .أما النظرية الكينزية ،فهي تنطلق من اختالل التوازن ،وتنطلق من
النظرة الكلية إلى الظواهر االقتصادية أو لمجموع النشاط االقتصادي على مستوى
الدولة والمجتمع .ومن هنا ،انصب االهتمام على االقتصاد الكلي بدل االهتمام
باالقتصاد الجزئي (التاجر ،والصانع ،والفالح) ...؛ فأصبح الحديث عن
االقتصاد الوطني ،واإلنتاج الوطني ،واالستهالك الوطني ،والدخل القومي ،والمالية
العامة للدولة ،والنظرية العامة للنقود واألثمان .وقد اهتم كينز أيضا بالقطاعات
االقتصادية الكبرى ،مثل :الفالحة ،والصناعة التقليدية والمعاصرة،والتجارة
الداخلية والخارجية...
40
وإذا كان االقتصاديون السابقون قد ركزوا على ثنائية الطلب والعرض ،فإن كينز
اهتم بالطلب بدل العرض.
هذا ،وقد ارتبطت النظرية الكينزية باألزمة العالمية االقتصادية لسنة 1929م ،إذ
قدم كينز تحليال نقديا للنظام الرأسمالي في حالة األزمة ،وقد رأى أن تدخل
الدولة ضروري لتوجيه االقتصاد الليبرالي ،بعد أن كانت النظريات االقتصادية
الليبرالية الكالسيكية تمنع الدولة من التدخل في االقتصاد .بيد أن هذه الحرية
االقتصادية المطلقة ساهمت في إفالس الدول الديمقراطية الغربية ،بسبب انهيار
البورصة ،وانخفاض اإلنتاج ،وانتشار البطالة ،وإفالس األبناك والمصانع
والفالحين .وفي هذا الصدد ،يقول محمد ياسر الخواجة" استطاع كينز أن يشير
إلى العديد من القضايا والمشكالت االقتصادية ،ويحللها في ضوء واقعها
االجتماعي والسياسي ،فلقد عكست طبيعة األزمات التي حدثت خالل
العشرينيات والثالثينيات من هذا القرن ،أو ما أحدثته الحرب العالمية األولى
والكساد االقتصادي مع بداية الثالثينيات العديد من المشكالت االجتماعية
المتعددة التي اهتم بها كينز في تحليالته االقتصادية ،لذا فقد اتخذ كينز من
األزمات االقتصادية واالجتماعية التي عاصرها ،والسيما مشكلة الفقر والبطالة
والتوظيف بعدا أساسيا في تقييم الفكر االقتصادي واالجتماعي الكالسيكي،
ويؤسس نظريته عن هذا المجال ،حينما ربط بين كل من العمالة والدخل،
واالستهالك ،واالدخار ،واالستثمار ،ورأى عدم الفصل بينهما.
41
كما طرح كينز بعض التصورات التي تؤدي إلى تحقيق أعلى مستوى من العمالة،
والتقليل من حدة البطالة لعل من أهمها ضرورة أن تسعى الحكومة وسياستها
االقتصادية نحو تشجيع االستثمار الخاص خالل فترة الكساد لخفض معدالت
الفائدة ،كما يجب توجيه السياسات الحكومية إلنشاء المشروعات االستثمارية
الكبرى التي عن طريقها يمكن استيعاب أعداد كبيرة من القوى العاملة ،وخاصة
مراحل األزمات ،والكساد االقتصادي ،كما أكد كينز كثيرا على أهمية احترام
الملكية الخاصة ،ولكنه أعطى صالحيات كبيرة للدولة في توجيه الحياة
االقتصادية ،وتحديد الفوائد التي يجب أن يكتسبها أصحاب المال ،فالحياة
االقتصادية ككل اليجب أن تكون اشتراكية ،ألن النظام الرأسمالي اليسمح بسوء
عوامل اإلنتاج ،وبالتالي أكد على ضرورة تشجيع الحكومة استخدام
وسياساتها االقتصادية في إعادة توزيع الدخل من أجل زيادة حجم االستهالك،
ويمكن إجراء ذلك من خالل فرض ضرائب عالية على الطبقات الغنية".21
- 25إميل دوركايم سوسيولوجي فرنسي ،ولد سنة ،1151وتوفي سنة 1917م ،وهو
مؤسس علم االجتماع.
26
- E. Durkheim: Les règles de la méthode
sociologique, éd Flammarion, Paris, 1988, p:103-104.
43
من أهم الكتب التي ركز فيها دوركايم على الموضوع االقتصادي كتابه (تقسيم
العمل االجتماعي) الذي نشره سنة1193م .27وقد بين فيه أن الفرد قد انتقل
من المجتمعات التقليدية إلى المجتمعات الحديثة عبر تقسيم العمل .اي :انتقل
اإلنسان من المجتمع الميكانيكي اآللي ،حيث كان األفراد متشابهين ومتماثلين
في أفعالهم وتصرفاتهم ،إلى المجتمع العضوي الذي أصبح األفراد فيه مختلفين
ومستقلين ومتخصصين بسبب تقسيم العمل االجتماعي .وهناك كذلك عالقات
وظيفية وتكامل بين األفراد على صعيد المهن واألعمال واالختصاصات .ومن ثم،
ال يتخذ هذا التقسيم للعمل طابعا اقتصاديا فحسب ،بل يتخذ ملمحا اجتماعيا
بارزا لضمان توازن المجتمع وانسجامه من جهة ،وتحقيق نسبة من المنافع
والمصالح واألرباح على مستوى المردودية واإلنتاجية من جهة أخرى .ولكن ما
يهم هو أن األفراد في هذا الجتمع الرأسمالي الليبرالي متضامنين ومتعاونين
ومتكاملين ،كل واحد حسب عمله وتخصصه ووظيفته .وبهذا ،فدور الفرد
اقتصادي ،واجتماعي ،وأخالقي.
وعليه " ،يسلم دوركايم بعدة مبادىء تتردد بشكل أو بآخر في كل كتبه ،وبخاصة
كتاب (تقسيم العمل االجتماعي) ،وكتاب(قواعد المنعج في علم االجتماع)،
كان لها تأثير قوي في توجيه دراساته ،يلخصها كلها في حقيقة مسلمة اإليمان
-وسيلة خزار :اإليدولوجيا وعلم االجتماع ،جدلية االنفصال واالتصال ،منتدى 21
وينطلق إميل دوركايم ،في كتابه (االنتحار) ،31كذلك من نتيجة أساسلية ،وهلي أن
االنتحللار ليسللت ظللاهرة نفسللية أو عضللوية ،بللل هللي ظللاهرة مجتمعيللة واقتصللادية فللي
الوقللت نفسلله ،مرتبطللة بتقسلليم العمللل فللي المجتمللع الرأسللمالي الصللناعي .وبالتللالي،
يتحدد معدل االنتحار بحسب درجة اندماج األفراد فلي الجماعلة ،والعالقلة بينهملا
عالقة علية أو سببية.
-نبيل السمالوطي :اإليديولوجيا وأزمة علم االجتماع المعاصر ،دراسة تحليلية 29
للمشكالت النظرية والمنعجية ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة ،مصر ،طبعة
1975م ،ص.151:
30
-Émile Durkheim : Le Suicide : Étude de
sociologie, Paris, Presses universitaires de France, coll.
« Quadrige » (no 19), 1981, 463 p.
46
Max يعتب ل للر ك ل للارل إمي ل للل ماكس ل لليميليان ،المع ل للروف باس ل للم م ل للاكس فيب ل للر (
،31)Weberمللن أهللم الفالسللفة األلمللان ،ومللن أهللم علمللاء القللانون واالجتمللاع
واإلدارة واالقتصللاد السياسللي .ويعللد أيضللا مللن أهللم رواد السوسلليولوجيا المعاصللرة،
وم للن األوائ للل ال للذين انتق للدوا الحداث للة .وق للد انس للاق كثيل لرا وراء السياس للة بالتحلي للل
والتنظير والتقعيد ،وكان من بين المحررين لدستور جمهورية ڤيمار سنة 1919م.
ويعد ماكس فيبر أيضا من أهم السوسيولوجيين األلمان الذين أرسوا دعائم
السوسيولوجيا التأويلية ،بتجاوز التفسير العلمي نحو التأويل الذاتي واإلنساني.
وبتعبير آخر ،لقد أخرج فيبر علم االجتماع من إسار التفسير نحو الفهم والتأويل،
بالتركيز على الفعل المجتمعي بدل البنية المجتمعية ،والتمييز بين العلوم الوضعية
القائمة على التفسير السببي والعلي ،والعلوم اإلنسانية والروحية المبنية على فهم
الذات وتأويل تجاربها داخل العالم المرصود .ومن جهة أخرى ،يعتبر ماكس فيبر
من مؤسسي اإلدارة الليبرالية الحديثة في ضوء المنظور العقالني الهادف.
وفيما يخص المجال االقتصادي ،يرجع ماكس فيبر ماهو مادي إلى ماهو ديني
وفوقي ،كما وضح ذلك جليا في كتابه ( األخالق البروتستانتية وروح
31
-ولد ماكس فيبر بألمانيا سنة ،1111وتوفي سنة 1921م ،درس الفلسفة،
والتاريخ ،والقانون واالقتصاد .ومن أهم كتبه( األخالق البروتستاتية وروح
الرأسمالية)(1915-1911م) ،و(االقتصاد والمجتمع) (1922م).
47
الرأسمالية) ،32حيث بين أن القيم البروتستانتية الكالفانية هي التي ساهمت في
بروز الرأسمالية العقالنية .أما كارل ماركس ،فقد ركز على العوامل المادية
واالقتصادية في ظهور هذه الرأسمالية .33وإذا كان ماركس قد ثار على الدين ،فإن
ماكس فيبر دافع عن فلسفة األديان ،وخاصة البروتستانتية ،دعامة العقالنية
والبيروقراطية والرأسمالية والحداثة الغربية .ومن ثم ،تدعو البروتستانتية إلى ابتغاء
الكسب المثمر ،وتنمية الرأسمال وفق دوافع سيكولوجية ومبادىء أخالقية ،مثل:
الحرص ،والشح ،واالستثمار ،وعدم التبذير ،وحب العمل ،والسيما أن المذهب
البروتستاتي الذي ظهر مع مارتن لوثر يمجد العمل باعتباره غاية للحياة وفريضة
من الله ".إن من اليعمل لن يأكل" كما قال القديس بولس .ولذلك ،يجتهد
البروتستانتي في العمل كي التلحقه لعنة الله .وكما تمتاز األخالق البروتستانتية
بتمجيدها العمل ،تمتاز أيضا بدعوتها إلى التقشف واالستثمار واالدخار.وتلك
هي األسس الرئيسية التي قامت عليها الرأسمالية الحديثة...
32
-Max Weber: L'Éthique protestante et l'esprit du
capitalisme (1904-1905), traduction par Jacques Chavy,
Plon, 1964 ; nouvelles traductions par Isabelle
Kalinowski, Flammarion 2000; Jean-Pierre Grossein,
Gallimard 2003.
33
- Catherine Colliot-Thélène: la sociologie de Max
Weber, La découverte, Paris, France, 2006, p:5.
48
وخالصة القول :يرى فيبر أن المذهب البروتستانتي ،والسيما مذهب
كالفين( ،)Calvinقد خلق ما يسمى " بأخالق المهنة" المعتمدة على نزعة
صوفية تجتهد في جمع النقود واستثمارها في المشروعات التجارية والصناعية،
31
بروح مطمئنة ،تعتبر النجاح في الدنيا دليال على رضا من الله ورضوان.
إذاً ،فسر ماكس فيبر ظهور الروح الرأسمالية بتأثرها بدور األخالق البروتستانتية.
واليعني هذا أن السبب الديني (البنية الفوقية) هو العامل الوحيد لتفسير ظهور
الرأسمالية الليبرالية ،بل هناك أسباب أخرى من بينها العوامل االقتصادية نفسها
(البنية التحتية).
تستند النظرية الماركسية إلى المادية الجدلية القائمة على فكرة الصراع الكمي
والكيفي ،واإليمان بالجدل الثالثي :األطروحة ،ونقيض األطروحة ،والتركيب،
واالعتماد على المادية التاريخية في تفسير تطور المجتمعات البشرية .وقد تأثر
ماركس تأثرا كبيرا بأفكار هيجل(.)Hegelإال أن مثالية هيجل المطلقة لم
تعجب كارل ماركس ،مادامت تؤمن بأهمية الفكر في تغيير الواقعي بشكل
-محمد عابد الجابري وآخران :دروس الفلسفة ،دار النشر المغربية ،الدارالبيضاء، 31
ومن ثم ،فالديالكتيك عند هيجل" يسير على رأسه .وتكفي إعادته على قدميه
لكي نرى له هيئة معقولة تماما"31.
وكان كارل ماركس قد كتب رسالة إلى أحد أصدقائه يقول فيها ":إن منهجي في
التحليل ليس هو منهج هيجل ،ألنني مادي ،وهيجل مثالي .إن ديالكتيك هيجل
هو الشكل األساسي لكل ديالكتيك ،ولكن بعد أن يتعرى من صورته
الصوفية.وهذا بعينه ما يميز منهجي"37.
وعليه ،فثمة عالقة جدلية أو عالقة تأثر وتأثير بين الفكر والواقع ،بين الوعي
والمادة ،بين البنى الفوقية والبنى التحتية.
أضف إلى ذلك أن المادة عند ماركس ليست ساكنة ،بل متحركة وديناميكية،
وفي حركة دائمة.وهذه الحركات أنواع :حركة ميكانيكية (في المكان) ،وحركة
فيزيائية ( داخل المادة نفسها) ،وحركة كيماوية (تفاعالت) ،وحركة بيولوجية
(حركة األعضاء) ،وحركة اجتماعية (العالقات االجتماعية وتطور المجتمع
والتاريخ)...وتنتج هذه الحركات عن التناقضات الجدلية الداخلية والخارجية،
والتناقضات الكمية والكيفية.
وعليه ،فقد تبنى ماركس المادية التاريخية ذات األساس الجدلي .وهي نظرية
وفلسفة ومنهجية وممارسة علمية وعملية .ومن ثم ،ترفض الماركسية الجدلية
ميكانيكية فيورباخ ،ومثالية هيجل ،والفلسفة الوضعية التي تبوئ العلم مكانة
كبرى .في حين ،ترى العالم قائما على الصراع الجدلي ،أساسه التناقضات
الداخلية والخارجية ،والتناقضات الكمية والكيفية .ويعني هذا إذا كانت الوضعية
تقول بالنظام والتوازن والتكامل ،فإن جدلية ماركس تقول بالصراع والتناقض
كما تميز المادية الجدلية بين التناقضات الداخلية والخارجية ،تميز أيضا بين
التناقض األساسية والتناقضات الثانوية.فالتناقض األساس هو الذي يقوم بالدور
الحاسم والمؤثر في الصراع .في حين ،يعد دور التناقض الثانوي مكمال وهامشيا.
وفي هذا الصدد ،يقول ماوتسي تونغ ":ثمة تناقضات عديدة في عملية تطور
شيء معقد .ومنها تناقض هو بالضرورة التناقض الرئيسي الذي يحدد وجوده
وتطوره ،وجود التناقضات األخرى أو يؤثر فيها"13.
ويعني هذا أن التناقض الرئيسي (أ) قد يكون له دور كبير في فترة زمنية معينة إلى
جانب التناقضات الثانوية (ب) و(ج) .لكن مع تغير الظروف التاريخية والتطورية
والنمائية ،قد يصبح تناقض(ب) أكثر أهمية من تناقض (أ).
ومن ناحية أخرى ،قد ينتج عن التناقضات صراع من نوع صراع األضداد ،مثل:
صراع البورجوازية مع العمال ينتج عنه صراع الطبقات .وقد الينتج عن تلك
التناقضات أي صراع ،مثل :التناقضات داخل الطبقة العمالية نفسها التي تختفي
بالممارسة الثورية ،وعملية النقد الذاتي.
ويعني هذا كله أن التراكم الكمي ينتج عنه تحول كيفي بصيغ متعددة ومختلفة
ومتنوعة .ويقول ماركس ":إنه في مرحلة ما من مراحل التطور ،يؤدي التغير
البسيط في الكم الذي بلغ درجة معينة ،إلى اختالفات في الكيفية" 15.
قانون نفي النفي :يقصد بنفي النفي نقيض األطروحة ونفيها .بمعنى أن
ونقيض(،)Antithèse (،)Thèse أطروحة له الشيء
وتركيب) .)Synthèseفظهور الشيء الجديد من القديم يعتبر نفيا للقديم.
ولكن هذا الجديد بدوره يصبح قديما ،فيأتي جديد آخر ليصبح نفيا للنفي .والبد
وقد صاغ ستالين أربعة قوانين في كتابه ( المادية الجدلية والمادية التاريخية)
عام 1931م ،حيث أضاف قانونا رابعا على الوجه التالي:
57
وخالصة القول ،فالسوسيولوجيا الماركسية مرتبطة بكارل ماركس من جهة،
وأنجلز من جهة أخرى .وتؤمن السوسيولوجيا الماركسية بأهمية العمل وأسبقيته
على الفكر النظري .وبالتالي ،فالممارسة العملية أو البراكسيسية أساس تطور
المجتمعات .كما أن األساس المادي واالقتصادي والمجتمعي أهم من البنى
الفوقية .ومن ثم ،تنبني السوسيولوجيا الماركسية على المنهج الجدلي القائم على
القوانين الثالثة ،ووحدة صراع المتناقضات ،وقانون الكم والكيف ،وقانون نفي
النفي.
وما يالحظ على هذه السوسيولوجيا أنها رؤية ثورية تقويضية وراديكالية أساسها
التغيير الجدلي انطالقا من المادية التاريخية ،لكن يغلب عليها الطابع
الميتافيزيقي ،والرؤية الشعرية الحالمة ،والطوباوية الخيالية ،وانفصال النظرية عن
الواقع ،وفشل التنبؤات الماركسية في تحقيق غاياتها ومراميها وأهدافها البعيدة.
والدليل على ذلك أن تحولت الدول االشتراكية إلى دول رأسمالية أو دول اقتصاد
السوق بدال من تحولها إلى دول شيوعية.
58
الفرع الثامن :جورج زيمل وفلسفة النقود
وقد اهتم زيمل بمواضيع اجتماعية مثيرة والفتة لالنتباه ،مثل :النقود ،والموضة،
والمرأة ،والطائفة ،والمظاهر ،والفن ،والمدينة ،والغريب ،والفقراء ،والفرد،
والمجتمع ،والتفاعل ،والرابط االجتماعي ،والتنشئة االجتماعية...
ويعد كتابه (فلسفة النقود) الذي نشره سنة 1911م من أهم الكتب
السوسيولوجية المتميزة في تاريخ علم االجتماع الحديث والمعاصر17؛ إذ يقارب
النقود ،باعتبارها ظاهرة اقتصادية ،من زاوية سوسيولوجية وسيميائية وفلسفية
وأخالقية .ومن هنا ،يرى جورج زيمل أن النقود أداة ضرورية للتبادل التجاري،
تسهل النمو االقتصادي ،لكنها في الوقت ذاته ،تسجن األفراد ضمن عالقات
اجتماعية ضعيفة .وفي الواقع ،مع تكاثر هذا النمط من التفاعل االقتصادي،
يتقلص الرباط االجتماعي بشكل متزايد ،ليصبح مجرد عالقات شخص /نقود/
وأكثر من هذا فالنقود مؤسسة رسمية جماعيلة .بمعنلى أن" النقلود أكثلر ملن مجلرد
أداة اقتص ل للادية.هي أيض ل للا مؤسس ل للة .فه ل للي التخ ل للص فق ل للط الشخص ل للين المعني ل للين
بالمبادلللة ،لكللن ومللن خللالل صللفتها كمعللادل عللام ،تضللع الفللرد فللي مواجهللة مجمللل
الجالي للة.فلكي تحص للل المبادل للة ،يج للب عل للى كام للل المجتم للع أن يعت للرف للنق للود
بالقيم للة ذاته للا.لكن ه للذا الي للتم إال إذا وج للدت مؤسس للات وش للبكة م للن العالق للات
االجتماعيللة ،فهللي إذاً منللتج حاصللل مللن البنيللات االجتماعيللة.وعلى العكللس ،تللؤثر
النقللود فللي البنيللة االجتماعيللة مللن خللالل تشللجيع ظهللور زمللر اجتماعيللة جديللدة مثللل
11
المصرفيين أو الموظفين"...
وهكذا ،يرى جورج زيمل أن النقود " قد خدمت من الناحية التاريخية في تحديد،
ليس فقط قيمة األشياء ،بل كذلك الناس.لقلد سلاهمت النقلود فلي الحريلة الفرديلة،
لكللن أصللبحت غايللة بللذاتها ،وهللي تسللاهم كللذلك فللي تراجيللديا الثقافللة الحديثللة،
19
حيث قيمة األشياء تفوق قيمة األشخاص".
11فيليب كابان وجان فرانسوا دورتييه :علم االجتماع ،ترجمة :إياس حسن ،دار الفرقد،
دمشق ،سورية ،الطبعة األولى 2111م ،ص.77-71:
- 19فيليب كابان وجان فرانسوا دورتييه :علم االجتماع ،ص.75:
60
ومللن هنللا ،يللرى زيمللل أن للنقللود قيمللة اقتصللادية علللى مسللتوى المقايضللة والتبللادل،
وتسللعير المنتوجللات والسلللع والبضللائع الموجهللة إلللى السللوق .ومللن ثللم ،فللالنقود هللي
التللي حللررت الفللرد مللن العبوديللة .بيللد أن لهللذه النقللود تأثيراتهللا السلللبية فللي العالقللات
البش ل لرية ،إذ أخرجل للت اإلنس للان مل للن طابعل لله الكيف للي والقيمل للي إل للى طابعل لله الكمل للي
والمادي ،وسببت القلق والتوتر والخوف والموت ،وساهمت فلي خللق هلوة فاصللة
بللين مللاهو مللادي ومللاهو معنللوي.ومن جهللة أخللرى ،أفللرزت مللاهو إيجللابي ،كظهللور
الفللرد الحللر ،وانبثللاق الديمقراطيللة ،وتشللكل النظللام الرأسللمالي الليبرالللي الللذي يعتمللد
على الحرية االقتصادية ،والمبادرة الفردية ،وحرية السوق ،والخضوع لمنطق الطلب
والعرض...
ومللن ناحيللة أخللرى ،يللرى زيمللل أن النقللود قللد أفللرزت طبقللة اجتماعيللة جديللدة هللي
طبقللة الغربللاء أو المنبللوذين .ويقصللد بهللا فئللة اليهللود التللي كانللت تمللارس الربللا ،وقللد
س للاهمت ،بك للل جدي للة ،ف للي بن للاء االقتصل لاد الرأس للمالي الع للالمي ،واحتكرت لله مادي للا
واقتصللاديا وسياسلليا ،إلللى أن فقللدت النقللود طابعهللا اإلنسللاني ،فشلليأت البشللر ،ثللم
حول للت األف لراد إل للى أرق للام ومع للادالت وآالت ونق للود وفوائ للد ربوي للة القيم للة له للا م للن
الناحيللة الروحيللة واألخالقيللة .ومللن هنللا " ،يحتللل الغريللب -حسللب زيمللل -مكانللا
خاصا في العالقات النقدية ،فالغريب هو الذي ينتمي وال ينتمي في آن واحلد إللى
الزمللرة ( مثللله مثللل المنبللوذ واألقلللوي) ،وتحديللدا المضللاربين والتجللار اليهللود (الللذين
اس للتثنوا تاريخي للا م للن تحل لريم الرب للا ف للي الق للرون الوس للطى).وفي الواق للع ،إن المه للاجر
61
كللالنقود ،يتصللفان فللي نظللر الجاليللة بحركتهمللا وغرابتهمللا (أو تجردهمللا مللن العالقللة
الشخصللية).وهكذا يمكللن أن نتللذكر دور اليهللود فللي انطالقللة الرأسللمالية فللي بدايللة
القللرن ،والحركللات المعاديللة للسللامية التللي ظهللرت حينئللذ :معارضللة الشللعب لكبللار
الع للائالت تت للرجم ،فيم للا يتج للاوز بغ للض الغري للب ،الخ للوف م للن عقلن للة الع للالم وميل لله
للتجريد والموضوعية.ولهذا من األهمية بحيث إنه بالنسبة لزيمل يجب على صلورة
51
الغريب أن تنمو مع اتساع المبادالت ،وتجردها من العالقات الشخصية".
ويالحلظ أن زيملل يللدافع علن اليهللود باعتبلارهم رملز العقالنيللة والرأسلمالية واالقتصللاد
الموضللوعي .وإن كللان اليهللود ،فللي الحقيقللة ،رمللز للمكللر والخيانللة والخللداع والشللر
وخل لراب الع للالم؛ بس للبب انس للياقهم وراء التج للارة الربوي للة المش للبوهة والمحرم للة الت للي
أدخلت العالم ،إلى يومنلا هلذا ،فلي حلروب داميلة ،تسلتفيد منهلا شلرذمة ملن الغربلاء
اليهود .لذلك ،فالنقود هلي تعبيلر علن فلسلفة اليهلود التشلييئية والماديلة والتقويضلية،
وتشخيص لعالم ربوي فقد إنسانيته ،وضل طريقه الصحيح.
ع للالوة عل للى ذل للك ،فق للد س للاهمت النق للود ف للي تولي للد ق لليم س لللبية ،مث للل :الجشل لع،
والبخللل ،والتبللذير ،والفقللر ،والعللوز ...ويعنللي هللذا أن النقللود " تشللارك فللي تأسلليس
أسلللوب حيللاة للمجتمعللات ،يصللفه زيمللل بتعللابير ثالثللة :البعللد ،واإليقللاع ،والتنللاظر.
فالنقود ،وبسبب صفتها المتحركة وغيلر الشخصلية ،تميلل إللى تشلجيع المشلاركات
عن بعد ،وتستند إلى فوائد محصورة جدا (والحالة األكثلر نموذجيلة هلي الشلركات
المغفلللة) ،وتجعللل مللن الممكللن التواجللد المشللترك للتكللتالت الكبللرى ،حيللث مللن
الضروري أال يورط المرء كامل شخصيته في المبادالت االجتماعية.
لكنهللا علللى العكللس ،تللدمر العالقللات التللي يلتللزم بهللا المللرء بالكامللل مللن بللاب أنهللا
التعف سوى عن العائلة والصداقة ،وفي الطرف اآلخلر ،الجاليلات الكبلرى (اللوطن
أو البشل لرية).عدا ع للن ذل للك س للتمتد لتسل لريع وتنظ لليم اإليق للاع الخ للاص ب للالمجتمع،
تحديللدا فللي النطللاق االقتصللادي ،وذلللك فللي المكللان األول بسللبب أن خلللق النقللود
سيسللرع المبللادالت ،ويسللهل ركللوب المخللاطر .إضللافة لللذلك ،ومللن خللالل جعللل
األسواق متجانسة عن طريق تخفيض نسلبي لسلعر ممتلكلات البلذخ ،ستشلارك فلي
63
التقارب بين الطبقلات االجتماعيلة ،وتضلخم ملن ظلواهر التقليلد والتمييلز ،وتزيلد ملن
51
تأثيرات الموضة النموذجية للمجتمعات المتحضرة".
إذاً ،يقللارب زيمللل النقللود مقاربللة فلسللفية وسلليميائية واجتماعيللة ،مللدافعا عللن قيمللة
النقللود التجاريللة والتبادليللة ،وعللن دورهللا فللي تحريللر الفللرد نفسلليا وماديللا ،وفللي انبثللاق
الرأس ل للمالية الليبرالي ل للة .بي ل للد أن النق ل للود ق ل للد حطم ل للت الق ل لليم اإلنس ل للانية واألخالقي ل للة،
واسللتعبدت اإلنسللان ،وهللددت العناصللر الكيفيللة ،مثللل :الثقافللة ،والجسللد ،والكرامللة
البشل ل لرية .بمعن ل للى أن النق ل للود ق ل للد حول ل للت اإلنس ل للان إل ل للى س ل لللعة مادي ل للة اس ل للتعمالية
وتبادلية.ومن هنا ،كانت النقود سببا في تراجيديا الثقافة البشرية.
لكل للن تل للنجم عل للن ذلل للك تراجيل للديا الثقافل للة .بمعنل للى أن ذاتيل للة كل للل واحل للد تصل للطدم
باألش للكال الت للي اكتس للبت الص للفة الموض للوعية (التش للييئية ) ف للي المجتم للع :العام للل
مفصللول عللن ثمللرة عمللله ،والعللالم يبتعللد عللن مثللال الرجللل الشلريف ،والمسللتهلك لللم
يع ل للد بإمكانل لله أن يطبل للع شخصل لليته علل للى الع ل للدد الفل للائض م ل للن األغ ل لراض المتاح ل للة
وبن للاء عل للى ماس للبق ،يتض للح لن للا أن ج للورج زيم للل أدل للى بتص للورات اقتص للادية نظري للة
مهمل للة ،انطالقل للا مل للن فلسل للفة النقل للود ،تحمل للل ،فل للي طياتهل للا ،مالمل للح سوسل لليولوجية
وسيميائية وفلسفية.
إذا كان ابن خلدون اليفصل بين التاريخ وعلم االجتماع ،وإذا كان هربرت سبنسر
أيضا اليفصل علم االجتماع عن البيولوجيا ،فإن فيلفريدو باريتو اليفصل علم
االجتماع عن علم االقتصاد .ويعني هذا أن باريتو من دعاة علم االقتصاد
االجتماعي .ومن ثم ،فهو يميز بين األفعال المنطقية التي يدرسها علم االقتصاد،
52
-Thierry Rogel: (La philosophie de l’argent), Revue
Sciences Humaines, n° 67 –Décembre 1997.
65
واألفعال غير المنطقية التي يدرسها علم االجتماع ،كما يتضح ذلك جليا في كتابه
(مختصر علم االجتماع ) الذي صدر سنة 1911م.53
إذا كان باريتو قد درس االقتصاد دراسة علمية عميقة ،وفق منهجية علمية تجريبية
وإحصائية ،وتوصل إلى مجموعة من النظريات االقتصادية المتميزة والمقترنة
باسمه ،فإن هذا العلم اليمكن تفسيره إال في حدود ضيقة ،فالبد من االستعانة
بالتفسير االجتماعي لطابعه العام .وهذا إن دل على شيء ،فإنما يدل على مدى
التداخل الموجود بين علم االقتصاد وعلم االجتماع ،فكل واحد يفسر اآلخر؛ إذ
ثمة عالقة وطيدة بين ما هو خاص بما هو عام .وهكذا ،فعلم االقتصاد علم
خاص .في حين ،يعد علم االجتماع علما عاما.
ويرى باريتو أن المجتمع بناء كلي مركب ومعقد من العالقات المتبادلة بين الناس.
ومن ثم ،فهناك من يحاول هدمه ،وهناك من يحاول بناءه لتحقيق نوع من التوازن
االجتماعي.كما أن لألفراد رغبات يريدون تحقيقها وإشباعها .وفي الوقت نفسه،
هناك موانع وعراقيل تمنع هؤالء األفرد من تحقيقها .وهذا يخلق نوعا من التوتر
بين الذات الراغبة في تحقيق الموضوع ذي القيمة ،وعدم القدرة على امتالك ذلك
الموضوع .ومن هنا ،يحدث الصراع االجتماعي الداخلي أو الموضوعي .وهكذا،
فالمجتمع خاضع لمنطق الصراع من جهة ،ومنطق التوازن والتوافق من جهة
53
- Vilfredo Pareto :Trattato di sociologia generale,
Firenze, G. Barbéra, 1916.
66
أخرى .وفي هذا الصدد ،يقول أحمد الخشاب ":وتعتبر هذه النظرة (التوازن
االجتماعي) امتدادا آلرائه في االقتصاد ،فهناك دائما صراع بين رغباتنا التي تريد
أن تشبع ،وبين العقبات التي تعترض سبل إشباعها ،ولكن الصراع اليلبث أن
يتحول إلى توافق أو توازن بين رغباتنا وبين الظروف الخارجية ،والمجتمع يجري
على نفس النظام ،تحدث فيه عملية توافق تؤدي إلى التوازن االجتماعي؛ أما القوة
التي تعمل في المجتمع مناظرة لرغبات الفرد ،فهي ميل الناس إلى االلتجاء إلى
األفعال غير المنطقية في ميدان القوى التي تعمل مناظرة للعقبات التي تنشأ في
وجه الفرد إلشباع رغباته ،وهي ميل الناس إلخفاء الطابع غير المنطقي في أفعالهم
ومحاوالتهم إظهاره بصورة منطقية معقولة ،واألفعال غير المنطقية تختلف من
زمان إلى زمان ،ومن مكان إلى مكان ،إال أنه بالرغم من ذلك فثمة عنصر
أساسي فيها اليتغير بتغير األزمنة واختالف األمكنة ،وهذا العنصر الثابت هو
الجدير بالدراسة ،وهو أهم موضوع لعلم االجتماع عند باريتو ،وهو العامل
51
األساسي الذي يؤثر في طبيعة النظام االجتماعي".
وعليه ،يتأثر النظام االجتماعي بعوامل داخلية وخارجية ،وكذلك بتاريخ المجتمع
نفسه الذي يندرج ضمن العوامل الخارجية.
-أحمد الخشاب :التفكير االجتماعي :دراسة تكاملية للنظرية االجتماعية ،دار 51
وتعد نظرية المنفعة من أهم النظريات التي ركز عليها باريتو في نظريته
السوسيولوجية واالقتصادية ،فقد حلل نظرية المنفعة االجتماعية " في ضوء
اهتمامه بدراسة الفعل المنطقي أو غير المنطقي.ويقصد باألفعال المنطقية تلك
األفعال التي تتوجه نحو غاية يمكن تحقيقها موضوعيا ،ومن خالل استخدام
أفضل للوسائل المتاحة موضوعيا .ويكاد باريتو يقصر األفعال المنطقية الرشيدة
على المجاالت االقتصادية والعلمية ،ثم يستبعد أية متعة منطقية على أي سلوك
آخر .أما األفعال غير المنطقية ،فهي التي تفشل في تحقيق هذين المعيارين
(الوسائل والغايات) ،مستخدما في ذلك مفهومين هما :اإلشباع
( )Satisfactionوالمنفعة ( )Utilityوتحدد اإلشباعات االقتصادية التي
يحصل عليها الفرد تبعا لتراتبية لألولويات التي يفضلها هو نفسه .أما المنفعة
فتشير إلى اإلشباع بمفهوم اجتماعي أوسع ،وتفترض اإلشباعات انعدام القابلية
للمقارنة بين رغبات الفرد.
وبذلك يتبين -كما يقول جوزيف شومبيتر -أن باريتو يميز بين نوعين من تحقيق
الحد األقصى من المنفعة :األول الحد األقصى من المنفعة لصالح الجماعة الذي
يشير إلى تحقيق الحد األقصى من المنفعة للجماعة أو المجتمع ككل وليس
لألفراد.
68
في حين ،إن النوع الثاني وهو المنفعة ألجل المصالح الخاصة يشير إلى تحقيق
حد أعلى من اإلشباع الخاص ،وفسر باريتو عملية شراء السلع واقتنائها على
أساس الرجوع إلى عنصرين أساسيين وهما :أوال :عملية التفضيل من جانب الفرد
وثانيا :إلى المستوى الذاتي للسلعة ذاتها"55.
وعليه ،فلباريتو نقط إيجابية في مجالي علم االجتماع واالقتصاد .ويكفيه فخرا أنه
من المؤسسين الفعليين للسوسيولوجيا االقتصادية ،وعلم االجتماع السياسي،
وسوسيولوجيا النخبة ،وقد زاوج بين الطرح الفيبيري بدراسة الفعل الهادف وغير
الهادف ،واستعمال المنهج التجريبي االستقرائي في دراسة الظواهر االجتماعية من
جهة ،واألفعال المنطقية وغير المنطقية من جهة أخرى.
ويتبين لنا أن" إسهامات باريتو متعددة ومتنوعة في مجال علم االقتصاد واالجتماع
بشكل عام ،فلقد كشف عن العديد من القضايا االقتصادية واالجتماعية ،فحلل
نظرية التوازن التي تؤكد على أن األنساق االجتماعية تستعيد توازنها إذا ما طرأ
عليها اختالل ،ونظرية المنفعة االجتماعية في ضوء دراسته للفعل المنطقي وغير
وعليه ،يعد باريتو من أهم السوسيولوجيين الغربيين الذين ربطوا علم االجتماع بعلم
االقتصاد ،بل كان من المؤسسين الفعليين لعلم االجتماع االقتصادي.
إذا كللان كللارل مللاركس يللرى أن أسللاس الص لراع بللين الطبقللات االجتماعيللة ،والسلليما
بللين البورجوازيللة والبروليتاريللة قواملله الرأسللمال االقتصللادي ،فبييللر بورديللو ،علللى غ لرار
م للاكس فيب للر ،يللرى أن الص لراع اليتخللذ دائم للا طابع للا اقتصللاديا ،فق للد يك للون ص لراعا
ثقافيللا .ومللن ث لم ،فثمللة رأسللماالن مهمللان فللي تحريللك مجتمعاتنللا المعاصللرة همللا:
الرأسمال الثقافي والرأسمال االقتصادي.
الرأسددمال االقتصددادي هللو الللذي يقلليس م لوارد الفللرد الماديللة والمالي لة ،ويرصللد
ثرواته وممتلكاته ،ويحدد دخله الشهري والسنوي.
الرأس د ددمال الرم د ددزي :ويتض ل للمن الرأس ل للمال االقتص ل للادي ،والرأس ل للمال الثق ل للافي،
والرأس للمال االجتم للاعي ،وبه للذه األنم للاط يتمي للز الف للرد مجتمعي للا ع للن ب للاقي األفل لراد
اآلخرين.
وقللد أضللاف بييللر بورديللو رأسللماال آخللر فللي كتابلله (أسددةلة السوسدديولوجيا) ،سللماه
بالرأس ددمال اللغ ددوي ؛ ألن بهللذا الرأسللمال تس للتطيع جماعللة م للا أن تفللرض نفس للها
وإنيتها ووجودها .وبالتالي ،تستفيد من السلطة وملن امتيلازات ماديلة وماليلة وثقافيلة
71
ورمزية .وأكثر ملن هلذا ،فملن يمتللك الرأسلمال اللغلوي األجنبلي فلي اللدول العربيلة،
فإنلله يسللتطيع أن يحظللى بمكانللة ثقافيللة واقتصللادية كبللرى فللي المجتمللع .وفللي هللذا
السياق ،يقول بورديو ":يعني الرأسمال اللغوي اللتحكم فلي آليلات تشلكل األسلعار
اللغوية ،وكلذا القلدرة عللى جعلل قلوانين تشلكل األسلعار تعملل لصلالح صلاحبه (أي
الرأسللمال) ،والقللدرة علللى اسللتخالص فللائض القيمللة النللوعي .إن أي عمليللة تفاعللل،
وأي عمليل للة تواصل للل لغل للوي ،ولل للو بل للين شخصل للين أو بل للين صل للديقين أو بل للين طفل للل
وص للديقته ،واختص للار ،إن ك للل عملي للات التواص للل اللغ للوي ه للي أن لواع م للن األس لواق
الصغرى التي تبقى دوما تحت رحمة البنيات اإلجمالية"57.
ويعنللي هللذا أن الرسللمأل اللغللوي خاضللع بللدوره لقلليم الهيمنللة والتنللافس والصلراع ،وللله
عالقة جدلية بباقي األنماط األخرى من الرأسمال الرمزي.
بيل للد أن بورديل للو يغل للض الطل للرف عل للن رأسل للمال آخل للر أكثل للر أهميل للة ،فل للي مجتمعاتنل للا
اإلسالمية ،من األنماط الخمسة المذكورة وهو الرأسمال القيمدي أو الدديني ،فهلو
الرأسل للمال المهل للم لإلنسل للان ،إذا تملكل لله اإلنسل للان ربل للح الل للدنيا واآلخل للرة .وبالتل للالي،
فأحسن تجلارة ينبغلي أن يسلعى إليهلا الفلرد جاهلدا هلي التجلارة ملع اللله فلي مجلال
العبادة والتدين واإلحسان وفعل الخير.
57
- Pierre Bourdieu: Question de
sociologie,Minuit,1984.
72
وعلي لله ،يس للتطيع الف للرد به للذه الم لوارد الرأس للمالية المختلف للة (االقتص للادية ،والثقافي للة،
واالجتماعيللة ،والثقافيللة ،واللغويللة) أن يحقللق أرباحللا ومنللافع مجتمعيللة ،والسلليما أن
الرأسمالين :االقتصادي والثقافي هما أكثلر أهميلة فلي مجتمعاتنلا المعاصلرة حسلب
بييللر بورديللو .وهمللا اللللذان يشللكالن بنيللة المجتمللع ،ويتحكمللان فللي أفعللال األفلراد،
ويجعل كل حقل مجالي فضاء للتنافس والصراع والتطاحن االجتماعي والطبقي.
58
- Steiner P., 1999, La sociologie économique, Paris,
La Découverte, coll. « Repères » (nouv. éd. 2005)، p:3.
74
الرياضي واإلحصائي في دراسة الظواهر االقتصادية أم استخدم منهجية كيفية مبنية
على المالحظة ،والبحث الميداني ،والمقابلة الحرة ،والمعايشة ،والتحقيق ،والسير
الذاتية ،والوثائق الشخصية ،وتحليل المضمون...فالمهم هو بناء الظاهرة
االقتصادية في ثوب اجتماعي وسوسيولوجي ،يحترم مبادىء البحث العلمي،
ويتمثل مختلف شروطه الموضوعية والشكلية والمنهجية.
الخاتمة
وخالصة القول ،يتبين لنا ،مما سبق ذكره ،أن علم االجتماع االقتصادي فرع من
فروع علم االجتماع العام .وقد ظهر حديثا في منتصف القرن العشرين ،على الرغم
من جذوره القديمة .ومن ثم ،فهذا العلم يدرس الظواهر االقتصادية في ضوء
المقاربة السوسيولوجية.أي :يدرس الدورة االقتصادية :اإلنتاج ،والتوزيع ،والتبادل،
واالستهالك ،أو يدرس طبيعة السلوك اإلنساني بين كثرة الرغبات وقلة الموارد
وندرتها ومحدوديتها ،أو يحلل الفعل االقتصادي الهادف والعقالني.
وعليه ،فثمة مجموعة من النظريات االقتصادية ،منذ ابن خلدون إلى يومنا هذا،
تندرج ،بشكل أو بآخر ،ضمن علم االجتماع االقتصادي .فابن خلدون يعد
المنظر األول لعلم االجتماع االقتصادي ،حينما تحدث عن أهمية العمل وقدسيته
وقيمته االقتصادية .وبعد ذلك ،تعتبر المدرسة الكالسيكية أول مدرسة اقتصادية
75
في أوروبا ،كما يبدو ذلك جليا عند آدم سميث الذي دافع عن الحرية
االقتصادية ،وساهم في انبثاق المذهب االقتصادي الليبرالي ،والسيما في كتابه
(ثروة األمم).أما دافيد ريكاردو ،فقد أعاد النظر في كثير من التصورات
االقتصادية الكالسيكية ،فيما يخص األجر ،والربح ،والريع .وما كان يهمه ،في
الحقيقة ،هو البحث عن الطرائق الممكنة لتوزيع الدخل القومي ،وتأسيس اقتصاد
كلي وشمولي.
أما النظرية الكينزية اإلنجليزية ،فتحسب على النظريات االقتصادية المعاصرة التي
همها الوحيد هو إخارج االقتصاد العالمي من أزماته واختالالته الدورية ،بتقديم
مجموعة من الحلول العملية ،ومن أهمها ضرورة تدخل الدولة في االقتصاد
لتوجيهه وجهة حسنة ،مع احترام الملكية الخاصة.
وإذا كان دوركايم قد اهتم بتقسيم العمل في أثناء حديثه عن المجتمع العضوي،
فماكس فيبر قد أعطى األولوية للجانب الديني والروحي في ظهور الرأسمالية.أما
كارل ماركس ،فيرجع جميع الظواهر الفوقية إلى ماهو اقتصادي ،ضمن نظريته
المادية الجدلية.
ويعد فيلفريدو باريتو من أهم علماء االجتماع الذين ربطوا علم االقتصاد بعلم
االجتماع لتكاملهما بشكل كبير .في حين ،اهتم جورج زيمل بفلسفة النقود،
باستجالء طابعها االجتماعي .أما بيير بورديو ،فقد وسع الرأسمال المادي
76
االقتصادي ،ليشمل أنواعا أخرى كالرأسمال الثقافي ،والرأسمال الرمزي ،والرأسمال
اللغوي...
وإذا كانت منهجية النظريات االقتصادية منهجية كمية استنباطية تنبني على
الرياضيات واإلحصاء والفيزياء ،فإن مناهج علماء االجتماع كيفية بامتياز؛ لكونها
تقوم على التحقيق ،والتأريخ ،والتوثيق ،والبحث الميداني ،والمالحظة العلمية
الدقيقة ،والمقابلة المباشرة ،والمقارنة ،والتصنيف...
-1ابن خلدون :مقدمة ابن خلدون ،دار ابن الهيثم ،القاهرة ،جمهورية مصر
العربية ،الطبعة األولى سنة 2115م.
77
-3خضر زكريا وآخران :موجز تاريخ الفكر االجتماعي ،األهالي للطباعة والنشر
والتوزيع ،القاهرة ،مصر ،الطبعة األولى 2111م.
-1فيليب كابان وجان فرانسوا دورتيه :علم االجتماع ،ترجمة :إياس حسن ،دار
الفرقد ،دمشق ،سورية ،الطبعة األولى 2111م.
-5كاترين كوليو تيلين :ماكس فيبر والتاريخ ،ترجمة :جورج كتورة ،المؤسسة
الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت ،لبنان ،الطبعة األولى سنة 1991م.
-1محمد عابد الجابري وآخران :دروس الفلسفة ،دار النشر المغربية،
الدارالبيضاء ،المغرب ،طبعة 1971م.
-7محمد عابد الجابري :من دروس الفلسفة والفكر اإلسالمي ،دار النشر
المغربية ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 2111م.
-1نبيل السمالوطي :اإليديولوجيا وأزمة علم االجتماع المعاصر :دراسة
تحليلية للمشكالت النظرية والمنعجية،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة،
مصر ،طبعة 1975م.
-9وسيلة خزار :اإليدولوجيا وعلم االجتماع ،جدلية االنفصال واالتصال،
منتدى المعارف ،بيروت ،لبنان ،الطبعة األولى سنة 2113م.
المراجع األجنبية:
78
11-Émile Durkheim: Les Règles de la méthode
sociologique, Paris, Alcan.1195.
12-Émile Durkheim: Le Suicide: Étude de
sociologie, Paris, Presses universitaires de France,
coll. « Quadrige » (no 19), 1981.
13-E. Durkheim, De la division du travail
social, Paris, PUF, 2007.
14-Granovetter M, Analyse économique des
conventions, Paris, PUF, 1994.
15-Georg Simmel: Philosophie de l'argent,
traduit par Sabine Cornille et Philippe Ivernel
P.U.F., Paris, 1987.
16-Max Weber: L'Éthique protestante et l'esprit
du capitalisme (1904-1905), traduction par
Jacques Chavy, Plon, 1964 ; nouvelles traductions
par Isabelle Kalinowski, Flammarion 2000; Jean-
Pierre Grossein, Gallimard 2003.
17-Pierre Bourdieu: Question de sociologie,
Minuit, 1984.
79
18-Robbins L.: An Essay on the Nature and
Signification of Economic Science, Londres,
Macmillan, 1932.
19-Smelser, N: The sociology of economic life,
prentice, Hall, New Jerry1976.
20-Smelser N. J. et Swedberg R. (eds.), The
Handbook of Economic Sociology, Princeton,
Russell Sage Foundation, 1994.
21-Steiner P., 1999, La sociologie économique,
Paris, La Découverte, coll. « Repères » (nouv. éd.
2005).
22-Swedberg R.: Current Sociology, London,
Sage Publication ; trad. franç. 1987.
23-Swedberg R: Une histoire de la sociologie
économique, Paris, Desclée de Brouwer1994.
24-Thierry Rogel: (La philosophie de l’argent),
Revue Sciences Humaines, n° 67 –Décembre
1997.
25-Vilfredo Pareto: Trattato di sociologia
generale, Firenze, G. Barbéra, 1916.
80
السيرة الذاتية:
81
-حاصل على دكتوراه الدولة سنة 2111م.
-أسل للتاذ األدب العربل للي ،ومنل للاهج البحل للث التربل للوي ،واإلحصل للاء التربل للوي ،وعلل للوم
التربية ،والتربية الفنية ،والحضارة األمازيغية ،وديداكتيك التعليم األولي...
-حصل على جلائزة مؤسسلة المثقلف العربلي (سيدني/أسلتراليا) لعلام 2111م فلي
النقد والدراسات األدبية.
82
-عضو الجمعية العربية لنقاد المسرح.
-مستشللار ف للي مجموعللة مللن الصللحف والمج للالت والجرائللد وال للدوريات الوطني للة
والعربية.
83
-ومن أهم كتبه :الشذرات بين النظرية والتطبيق ،والقصة القصيرة جدا بين التنظير
والتطبيق ،والرواية التاريخية ،تصورات تربوية جديدة ،واإلسالم بين الحداثة وما بعد
الحداث للة ،ومج للزءات التك للوين ،وم للن س لليميوطيقا ال للذات إل للى س لليميوطيقا الت للوتر،
والتربيللة الفنيللة ،ومللدخل إلللى األدب السللعودي ،واإلحصللاء التربللوي ،ونظريللات النقللد
األدبي في مرحلة مابعد الحداثة ،ومقومات القصة القصيرة جدا عنلد جملال اللدين
الخضيري ،وأنواع الممثل في التيارات المسرحية الغربية والعربية ،وفي نظرية الرواية:
مقارب ل ل للات جدي ل ل للدة ،وأنطولوجي ل ل للا القص ل ل للة القص ل ل لليرة ج ل ل للدا ب ل ل للالمغرب ،والقص ل ل لليدة
الكونكريتية ،ومن أجل تقنية جديدة لنقد القصة القصليرة جلدا ،والسليميولوجيا بلين
النظري ل للة والتطبي ل للق ،واإلخ ل لراج المس ل للرحي ،وم ل للدخل إل ل للى الس ل للينوغرافيا المس ل للرحية،
والمسرح األمازيغي ،ومسرح الشباب بلالمغرب ،والملدخل إللى اإلخلراج المسلرحي،
ومسل للرح الطفل للل بل للين التل للأليف واإلخ ل لراج ،ومسل للرح األطفل للال بل للالمغرب ،ونصل للوص
مسرحية ،ومدخل إلى السلينما المغربيلة ،ومنلاهج النقلد العربلي ،والجديلد فلي التربيلة
والتعل لليم ،وببليوغرافي للا أدب األطف للال ب للالمغرب ،وم للدخل إل للى الش للعر اإلس للالمي،
والمل للدارس العتيقل للة بل للالمغرب ،وأدب األطفل للال بل للالمغرب ،والقصل للة القصل لليرة جل للدا
بالمغرب،والقصلة القصلليرة جلدا عنللد السللعودي عللي حسللن البطلران ،وأعللالم الثقافللة
األمازيغية...
-عنل لوان الباحل لث :جمي للل حم للداوي ،ص للندوق البري للد ،1799الن للاظور،12111
المغرب.
84
-الهاتف النقال1172351331:
-الهاتف المنزلي1531333111:
-اإليميلHamdaouidocteur@gmail.com:
Jamilhamdaoui@yahoo.fr
85
إنتاج ،وتوزيع ،وتبادل ،واستهالك.ومن ثم ،فالسوسيولوجيا االقتصادية هي دراسة
للنظام االقتصادي ،في مختلف بنياته ،وأشكاله ،وأنساقه ،وأنشطته ،ودوراته،
ووظائفه ،وعالقاته ،مع التركيز على األفعال االقتصادية العقالنية والهادفة في
سياقاتها المجتمعية.
الطبعة األولى8101:م
المحتويات
المقدمة 4 ...............................................
المطلب األول :تعريف علم االجتماع االقتصادي 6 ........
المطلب الثاني :مواضيع علم االجتماع االقتصادي 08 ......
86
المطلب الثالث :رواد علم االجتماع االقتصادي 01 ........
المطلب الرابع :تاريخ علم االجتماع االقتصادي 01 ........
المطلب الخامس :التصور النظري 80 .....................
المطلب الرابع :التصور المنعجي 11 ......................
الخاتمة 11 ...............................................
ثبت المصادر والمراجع 11 ...............................
السيرة الذاتية20 ........................................ :
87