You are on page 1of 24

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .

‬يوسف الزيوت‬

‫ظاهرة الغـالء‪ :‬دراسة عقدية‬


‫*‬
‫د‪ .‬يوسف الزيوت‬

‫تاريخ قبول البحث‪23/8/2012 :‬م‬ ‫تاريخ وصول البحث‪21/2/2010 :‬م‬


‫ملخص‬
‫يه دف ه ذا البحث إلى الكش ف عن الرؤي ة العقدي ة اإليماني ة لظ اهرة الغالء‪ ,‬باعتباره ا مش كلة‬
‫معاصرة‪ ,‬وبيان التفسير العقدي لها‪ ,‬وفق رؤية علمية منهجية موضوعية‪ ,‬تكشف عن أسباب الغالء‬
‫المادي ة والروحي ة‪ ,‬وتوف ق بينه ا‪ ,‬وق د أظه ر البحث تم يز العقي دة اإلس المية في نظرته ا لألش ياء‪,‬‬
‫وتفسيرها للظ واهر واألحداث‪ ,‬وعالجها للمش كالت على اختالف أنواعها‪ .‬ويوصي الباحث بضرورة‬
‫االلتزام بالمنهج الرباني‪ ,‬والتمسك بالعقيدة اإليمانية واالحتكام للشريعة اإللهية‪.‬‬

‫‪Abstract‬‬
‫‪This research aims to exploring the theological perspective toward the‬‬

‫‪phenomenon of high expenses in our present times. This research presents also the‬‬

‫‪theological interpretations for this issue by depending on an objective and‬‬

‫‪methodological view. It explains the material and spiritual reasons, which lead to‬‬

‫‪unusual increase of prices with taking into consideration the theological reasons for this‬‬

‫‪issue.‬‬

‫المقدمة‪:‬‬
‫يشهد العالم في هذه الحقبة الزمنية المعاصرة ظواهر متعددة في مختلف المجاالت‪ ،‬منها ظاهرة الغالء واالرتفاع‬
‫الفاحش في أسعار السلع والحاجات االستهالكية‪ ،‬حتى ضاق الناس من ذلك ذرع اً‪ ،‬وصار الحديث عن البيع والشراء‪،‬‬
‫والغالء واالرتفاع المتزايد لألسعار الشغل الشاغل للناس بكافة شرائحهم االجتماعية‪ ،‬ناهيك عن مظاهر االهتم ام الذي‬
‫تبديه وس ائل اإلعالم على ش كل ن دوات‪ ،‬ومحاض رات‪ ،‬ولق اءات مع مفك رين ومحللين وب احثين اقتص اديين وغ ير‬
‫اقتص اديين لبحث األس باب والعوامل ال تي أدت وت ؤدي إلى رفع األس عار وزي ادة ثمن الس لع‪ ،‬وك ذلك بحث االنعكاس ات‬
‫والنت ائج الس لبية ال تي خلفتها ه ذه المش كلة‪ ،‬ومن ثم البحث عن الوس ائل واألس اليب والط رق ال تي يمكن أن تس هم في الحد‬
‫من هذه المشكلة والتخفيف من ويالتها‪.‬‬
‫وقد غفل كث ير من المنظ رين والمفك رين والب احثين‪ -‬ناهيك عن العامة من الن اس‪ -‬عن حقيقة ه ذه المش كلة وكيفية‬
‫التعام ل‪ ،‬الص حيح معه ا‪ ،‬وظنوها مج رد مش كلة ذات أبع اد وأس باب مادية بحت ة‪ ،‬تتعلق ب الكثرة الس كانية‪ ،‬وقلة الم وارد‪،‬‬
‫والكوارث الطبيعية‪ ،‬وسوء االستهالك‪ ،‬وغير ذلك من العوامل المادية‪ ،‬التي ال شك أن لها تأثيرها ودورها في المشكلة‪،‬‬
‫غ ير أن األمر من وجهة نظر العقي دة اإلس المية ال تقف عند ه ذا الح د‪ ،‬وال يصح تعليله وتفس يره به ذا التفس ير الم ادي‬
‫المحدود؛ فما يجري في هذا الكون من ظواهر مختلفة ال يقتصر على األسباب والمسببات المادية فقط‪ ،‬بل هناك عوامل‬
‫وأس باب معنوية وأخالقي ة‪ ،‬لها دورها وتأثيرها في ص نع األح داث‪ .‬والعقي دة اإلس المية في نظرتها وتفس يرها لألم ور‬
‫واقعي ة‪ ،‬وذات نظ رة ش مولية متكامل ة‪ ،‬تجمع بين الم ادة وال روح‪ ،‬أو الم ادي والمعن وي‪ ،‬وال تف رق بين األم رين‪ ،‬فتربط‬

‫أستاذ مشارك‪ ،‬جامعة اليرموك‪ ،‬كلية الشريعة‪.‬‬ ‫*‬

‫‪273‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ظاهرة الغالء‪ :‬دراسة عقدية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫األشياء بأسبابها الحقيقة كلها دون االقتصار على جانب من الجوانب‪ ،‬أو على بعض األسباب دون غيرها‪ ،‬كما تفعل كل‬
‫الفلسفات والنظريات والمذاهب المادية‪ ،‬وغير المادية‪.‬‬
‫والغالء أو ارتفاع األسعار مشكلة معاصرة معقدة ظهرت نتيجة أسباب وعوامل أخالقية معنوية روحية ومادية‪ ،‬ال‬
‫يصح عزل بعضها عن بعض‪ ،‬أو إغفال بعضها وتحييده‪.‬‬
‫مشكلة الدراسة وأسئلتها‪:‬‬
‫تتمثل مش كلة ه ذه الدراسة في ربط الن اس الغالء باألس باب المادية البحت ة‪ ،‬وب القوانين الدنيوية الص رفة والظ روف‬
‫الطبيعية الخالص ة‪ ،‬وع دم انتب اههم لألس باب والعوامل المعنوية ال تي ال يقل أثرها المباشر عن أثر العوامل األخ رى‪،‬‬
‫وغفلتهم عن الق وانين والس نن الرباني ة‪ ،‬وه ذه بحد ذاتها مش كلة ك برى في حي اة الن اس الي وم والواقع الم ادي المعاص ر‪.‬‬
‫ويمكن صياغة هذه المشكلة باألسئلة اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬ما هي أسباب الغالء في ضوء العقيدة اإلسالمية؟‬
‫‪ -2‬هل يمكن النظر إلى هذه المشكلة من زاوية واحدة فقط؟‬
‫‪ -3‬ما هي اآلثار السلبية المترتبة على الغالء؟‬
‫‪ -4‬ما األساليب والوسائل التي جاءت بها العقيدة لمواجهة هذه المشكلة؟‬
‫وسيقوم الباحث باإلجابة عن هذه األسئلة من خالل مباحث الدراسة‪.‬‬
‫أهمية الدراسة‪:‬‬
‫تظهر أهمية الدراسة مما يأتي‪:‬‬
‫‪ -‬طغيان النظرة العلمانية المادية الدنيوية المجردة لمشكلة الغالء‪ ،‬وغياب النظرة ذات الروح اإليمانية‬
‫واألخروية الدينية‪.‬‬
‫‪ -‬تعلق الناس باألسباب المادية الظاهرة لألشياء‪ ،‬واعتقادهم أنها السبب األول واألخير في ظهور الحياة‬
‫ومشكالتها وظواهرها‪.‬‬
‫‪ -‬تربط اإلنسان باهلل تعالى‪ ،‬الذي هو مصدر التأثير والمنع والعطاء‪ ،‬وأن حدوث األشياء مرهون بمشيئته وقدرته‬
‫وإ رادته وعلمه وحكمته تبارك وتعالى‪.‬‬
‫‪ -‬تحذير الناس من الوقوع في المعاصي واآلثام‪ ،‬والمخالفات الشرعية التي من شانها أن تؤثر في األرزاق‬
‫واآلجال والموارد والنعم‪ ،‬وتعمل على ذهابها أو غالئها ورفع أسعارها‪ ،‬وذهاب بركتها‪.‬‬
‫هدف الدراسة‪:‬‬
‫هدفت الدراسة إلى ما يأتي‪:‬‬
‫‪ -‬الكشف عن الرؤية العقدية اإليمانية لظاهرة الغالء‪ ،‬وتقديم التفسير العقدي لها‪ ،‬مبينة منهج العقيدة في التعامل‬
‫مع هذه المشكلة ومثيالتها‪،‬‬
‫‪ -‬بيان الوسائل واألساليب والتدابير الوقائية والعالجية التي جاءت بها العقيدة اإلسالمية في مواجهه هذه‪0‬‬
‫المشكلة‪.‬‬
‫‪ -‬جعل اإلنسان بعامة والمسلم على وجه الخصوص متصالً باهلل تعالى‪ ،‬وبالعقيدة اإليمانية الصحيحة‪ ،‬ومزودا‬
‫بالنظرة الدينية السليمة لواقع المجتمعات في كيفية التعامل مع مشاكله جميعها‪.‬‬

‫الدراسات السابقة‪:‬‬
‫‪274‬‬
‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬يوسف الزيوت‬

‫تعد ه ذه الدراسة به ذا الط رح جدي دة غ ير مس بوقة‪ ،‬بدراس ات بحثية متخصص ة‪ ،‬وذلك ألن ظ اهرة الغالء به ذه‬
‫الصورة التي هي عليها اليوم‪ ،‬حديثة ومفاجئة‪ ،‬وتكاد تكون نادرة في حياة األمم والشعوب‪ ،‬فلم تعرف األجيال الماضية‬
‫غالء عاماً شامالً لكل متطلبات الحياة بغير استثناء‪ ،‬ذلك َّ‬
‫أن الغالء كان يصيب سلعة من السلع أو مادة من المواد‪ ،‬بحيث‬
‫لم يكن يش كل ظ اهرة تس تدعي البحث والدراسة ‪ ،‬ومن هنا فلم أجد س وى مق االت على ص فحات اإلن ترنت أش به ما تك ون‬
‫بالخواطر السريعة‪ ،‬وهذا ما يجعل هذه الدراسة متميزة متفردة من جهة‪ ،‬وضرورية من جهة أخرى‪.‬‬
‫منهج الدراسة‪:‬‬
‫يتبع الب احث في دراس ته المنهج الوص في الق ائم على وصف ظ اهرة الغالء وتحليلها وتق ديم النص وص الش رعية‬
‫الخاصة بمعالجة المشكلة‪ ،‬مبيناً البعد العقدي لها بهذا الخصوص‪.‬‬
‫خطة الدراسة‪:‬‬
‫تكونت الدراسة من مقدمة ومبحثين وخاتمة‪ .‬في المبحث األول‪ :‬بيان أسباب مشكلة الغالء‪ ،‬وآثارها السلبية‪ ،‬وفي‬
‫بي ان النظ رة العقدية الدينية للمش كلة‪ ،‬وفي المبحث الث اني‪ :‬بي ان وس ائل العقي دة في مواجهة الغالء‪ ،‬والحد من ارتف اع‬
‫األسعار‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬أسباب الغالء وآثاره السلبية‬


‫يق وم نظ ام الك ون والحي اة على قاع دة األس باب والمس ببات‪ ،‬فما من مظهر من مظ اهر ه ذا الوج ود‪ ،‬أو ظ اهرة من‬
‫ظ واهر النش اط البش ري إال ولها أس باب وعوامل ش كلتها‪ ،‬وس اهمت في ظهورها أو اختفائه ا‪ .‬واألس باب ال تي جعلها اهلل‬
‫والمنظ رون الم اديون ال ذين وقف وا عند ظ اهر الحي اة ال دنيا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تع الى أس باباً م ؤثرة ليست نوع اً واح داً كما يظنه المفك رون‬
‫وفس روا كل مظهر يش اهدونه تفس يراً مادي اً قاص راً‪ ،‬وأهمل وا أو أنك روا وجح دوا‪ ،‬أو غ اب عنهم أن األس باب والم ؤثرات‬
‫إنما هي على ن وعين‪ :‬أس باب مادي ة‪ ،‬وأس باب روحية معنوي ة‪ .‬وقد يجتمع النوع ان مع اً‪ ،‬وقد يس تقل أح دهما في تش كيل‬
‫ظاهرة من الظواهر أو وضع من األوضاع‪.‬‬
‫والعقي دة اإلس المية في تفس يرها األش ياء ال تقتصر على ن وع دون آخ ر‪ ،‬كما تفعل النظري ات والفلس فات العقلية‬
‫تفع ُل قاع دة‬
‫البش رية المادي ة‪ :‬سياس ية أو اجتماعية أو اقتص ادية أو فكرية بل لها تفس يرها الش مولي ال واقعي‪ ،‬فهي كما ِّ‬
‫األس باب المادية وال تنكرها أو تقص يها أو تجحد دورها وتأثيره ا‪ ،‬تج دها تلفت األنظ ار إلى األس باب والعوامل الروحية‬
‫والمعنوية‪ ،‬وتدعو إلى مراعاتها وتحقيقها‪ ،‬وتنكر على من يلغيها أو يقلل من شأنها‪.‬‬
‫وغالء األسعار وارتفاع أثمان السلع والحاجات‪ ،‬وانتشار الفقر بين الناس فوق الحد الطبيعي المألوف الذي يجب‬
‫أن تك ون علي ه‪ ،‬ال يخ رج عن ه ذه القاع دة‪ ،‬فهو بال شك ذو أس باب وعوام ل‪ ،‬ومن الخطأ بمك ان ربط الغالء وارتف اع‬
‫األسعار وجوداً وعدماً بنوع واحد من األسباب كما تفعل كل الفلسفات المادية والدينية على ٍّ‬
‫حد سواء قديماً وحديثاً‪.‬‬
‫وفي هذا المبحث سأبين أسباب الغالء بنوعيها في مسألتين‪ ،‬كاآلتي‪:‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬العوامل المادية لظاهرة الغالء‪.‬‬
‫منذ عدة عقود والمنظرون االقتصاديون والباحثون االجتماعيون‪ ،‬يبحثون في المشاكل االقتصادية التي يعاني منها‬
‫العالم اليوم‪ ،‬في مجال الفقر والبطالة ونقص السلع وارتفاع األسعار وتزايد مظاهر الغالء‪ ،‬فيذكرون العوامل‪ ،‬ويضعون‬
‫الخطط والتص ورات لحل ه ذه المش كالت‪ ،‬وهم في كل ذلك لم يتج اوزوا دائ رة الم ادة والعوامل المحسوسة المش اهدة‬
‫واإلدراك الحسي‪ ،‬فحصروا مشكلة الغالء في عدة عوامل مادية بحته وهي‪:‬‬
‫العامل األول‪ :‬التضخم السكاني وشح الموارد ومحدوديتها‪.‬‬

‫‪275‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ظاهرة الغالء‪ :‬دراسة عقدية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يرى كثير من الناس‪ :‬عالمهم وجاهلهم أن ازدياد عدد سكان األرض وارتفاع نسبة المواليد‪ ،‬وشح الموارد الطبيعية‬
‫ون درتها وع دم كفايته ا‪ ،‬يش كل العامل المباشر والس بب ال رئيس في ب روز مش كلة الغالء وارتف اع األس عار على المس توى‬
‫الع المي‪ ،‬بحيث ي زداد مس توى الطلب على الحاجي ات والم وارد ال تي يحتاجها اإلنس ان لحفظ بقائه وض مان عيش ك ريم‬
‫ومس توى من الرفاهي ة‪ .‬وي رى ه ؤالء المنظ رون الم اديون أن الوضع ين ذر ب الخطر الكب ير على مس تقبل الع الم البش ري‪،‬‬
‫ذلك أنهم يتص ورون ع دم التناسب بين ع دد اآلكلين وبين ما يحتاجونه من مط الب‪ ،‬وأن هن اك تفاوت اً ه ائالً بين مق دار‬
‫الطلب والعرض‪ ،‬وكان (مالثوس) وهو أحد أشهر هؤالء‪ ،‬حيث ادعى أن التزايد السكاني أعظم بدرجة غير معقولة‪ ،‬من‬
‫م دى ق درة األرض على توفير مط الب العيش الك ريم‪ ،‬لجميع أف راد المجتمع‪ ،‬ف ادعى أن سكان الع الم يتزاي دون بنسبة أو‬
‫متوالية هندس ية‪ ،‬بينما تزيد وس ائل العيش ومق درات األرض ال تي يحتاجها اإلنس ان بنس بة أو متوالية حس ابية مح دودة‪.‬‬
‫بمعنى أن قدرة اإلنسان على التكاثر تخضع في نموها لمتوالية هندسية ‪ )...،64 ،32 ،16 ،8 ،4 ،2 ،1( :‬بينما تخضع‬
‫الموارد الطبيعية في نموها وزيادتها لمتوالية حسابية بطيئة محدودة‪ ).... ،7 ،6 ،5 ،4 ،3 ،2 ،1( :‬وهذا سيفضي إلى‬
‫الفقر والمجاع ات وغالء األس عار وارتف اع األثم ان ونض وب الم وارد‪ ،‬ف راح ي دعو إلى تحديد النسل وتنظيمه والحد من‬
‫التوالد‪َّ ،‬‬
‫وشن هو وأنصار نظريته حرباً شعواء على التناكح والتكاثر والتناسل البشري‪ ،‬وحذروا من عواقب ذلك‪ ،‬ودعوا‬
‫إلى وضع تعليم ات من ش أنها التقليل من حجم المش كلة‪ ،‬فش جعوا على ت أخير سن ال زواج ووفّ روا كث يراً من وس ائل منع‬
‫الحمل‪ ،‬وشرعوا كل ما من شأنه أن يمنع خروج اإلنسان إلى الحياة الدنيا‪.‬‬
‫والعقل والشرع مع اً ال ينكران أن السعر والغالء والرخص له ارتباط وثيق الصلة بقاعدة العرض والطلب‪ ،‬وأنه‬
‫كلما زاد الطلب وق َّل الع رض ارتفع الس عر وغال ثمن األش ياء‪ ،‬وأن زي ادة ع دد الن اس يس هم في رفع أس عار األش ياء‬
‫خصوص اً في ب اب الكمالي ات والحاجي ات كما ق رره علم اء االجتم اع واالقتص اد‪ ،‬غ ير أن ه ذا التص ور قاصر ج داً‬
‫ومحدود‪،‬فاإلنسان ليس مجرد أداة استهالك‪ ،‬بل هو أيضاً أداة إنتاج ونماء وحيوية وتنمية‪ ،‬وكلما زاد عدد أفراده وكثرت‬
‫حاجاته ومطالبه أمعن في التفك ير واالخ تراع والبحث واالس تثمار وال زرع واالتج ار والتط وير‪ .‬انظر مقدمة ابن خل دون‬
‫ص ‪.)1( 363-362‬‬
‫وه ذه النظ رة المادية يغيب عنها أن اهلل تع الى ق َّدر في األرض أق وات وأرزاق كل ما عليها من دواب وكائن ات‬
‫ض ِفي َي ْو َم ْي ِن َوتَ ْج َعلُ َ‬ ‫ون ِبالَّ ِذي َخلَ َ‬ ‫بشرية وغير بشرية في حاضرها ومستقبلها قال تعالى‪ُ ﴿ :‬ق ْل َأِئ َّن ُك ْم لَتَ ْكفُُر َ‬
‫()‬
‫ون لَ ُه‬ ‫اَأْلر َ‬
‫ق ْ‬
‫ين﴾‬ ‫لس<اِئ ِل َ‬
‫س< َواء لِّ َّ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫يها َأق َْواتَ َها في َْأر َبعَة َأيَّام َ‬
‫ِ‬
‫يها َوقَد ََّر ف َ‬
‫ِ‬
‫َار َك ف َ‬
‫ِ ِ‬
‫يها َر َواس< َي من فَ ْو ِق َها َوب َ‬
‫ِ‬ ‫ب ا ْلعَالَ ِم َ‬
‫ين َو َجعَ َل ف َ‬ ‫ادا َذلِ َك َر ُّ‬
‫َأند ً‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٌّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِإ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫س <تَْو َد َع َها ُك<<ل في‬ ‫اَألرض ال َعلَى اللّ<<ه ِر ْزقُ َها َو َي ْعلَ ُم ُم ْ‬
‫س <تَقََّر َها َو ُم ْ‬ ‫(فص لت‪ ، )10-9 :‬وق ال تع الى‪َ ﴿ :‬و َما من َدآبَّة في ْ‬
‫ين﴾ (ه ود‪ ،)2( )6 :‬وأن لإلس الم خططه ووس ائله وأس اليبه وتش ريعاته في التغلب على مش كلة الفقر وغالء‬ ‫ِك ٍ‬
‫تَاب ُّم ِب ٍ‬
‫األسعار‪ ،‬كما سأوضحه الحق اً‪ .‬ومما يؤكد خطورة هذا العامل وواقعيته ما تشير إليه الدراسات من أن الفجوة كانت بين‬
‫أفقر خمس سكان العالم وأغنى خمس فيه سنة‪1970‬م هي (‪ ،)30: 1‬وأصبحت في سنة ‪1990‬م (‪ ،)60: 1‬وزادت في‬
‫س نة ‪2000‬م ح تى وص لت إلى (‪ ،)3() 86: 1‬وأن ‪ 3‬من أغني اء أمريكا ث روتهم أك ثر من أفريقيا ال تي بها ‪ 600‬ملي ون‬
‫(‪)4‬‬
‫نسمة‬

‫العامل الثاني‪ :‬الكوارث الطبيعية والحروب‪.‬‬


‫تعد الك وارث الطبيعية من ال زالزل وال براكين واألم راض والجف اف وانحب اس األمط ار والتص حر‪ ،‬واألعاص ير‪،‬‬
‫والحش رات ك الجراد‪ ،‬والحرائق والري اح‪ ،‬والح روب وغير ذلك مما يتع رض له اإلنس ان‪ -‬أحد أهم األسباب المادية التي‬

‫‪276‬‬
‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬يوسف الزيوت‬

‫تضر بمقدرات الكرة األرضية‪ ،‬وما يحتاجه سكانها في مجال الغذاء والشراب والمسكن والملبس وسائر حاجاته األساسية‬
‫ُّ‬
‫والكمالية‪ ،‬مما يعمل على رفع األسعار وغالء األثمان‪.‬‬
‫وال شك أن العالم يشهد بين الحين واآلخر بعض هذه الكوارث والنوازل‪ ،‬ولعل آخرها وأشهرها ما عرف بإعصار‬
‫تس ونامي في ع ام ‪2000‬م ال ذي خلف آث اراً س لبية خط يرة‪ ،‬وانتش ار أم راض األنفل ونزا؛ والحرائق ال تي رافقت مواسم‬
‫الجفاف‪ ،‬وكذلك الحرب المدمرة التي قامت بها أمريكا بمساعدة من الدول الغربية على العراق ومنطقة الشرق األوسط‪.‬‬
‫وتشير اإلحصاءات إلى أنه في الغرب عامة يقع في كل عام ‪ 40‬مليون جريمة إنسانية‪ ،‬و أن هناك جريمة قتل واح دة تقع‬
‫في أمريكا كل ‪ 22‬دقيقة‪ ،‬وحالة اغتصاب واحدة كل ‪ 5‬دقائق‪ ،‬وحالة سرقة واحدة كل ‪ 49‬ثانية‪ ،‬و‪ 50‬ألف جريمة سرقة‬
‫تقع في أمريكا ش هريا‪ ،‬و‪ 2‬ملي ون جن دي طفل قتل وا في نزاع ات مس لحة في الف ترة من ‪2000-99‬م‪ ،‬وبحسب منظمة‬
‫الصحة العالمية مات في سنة ‪200‬م بسبب االيدز ‪ 16‬مليون إنسان ويحمل المرض في العالم حوالي ‪ 33‬مليون انسان‬
‫في العالم (‪ .)5‬كل ذلك كان له – بال شك‪ -‬دور بالغ األثر على أسواق السلع والحاجيات ورفع مستوى األسعار‪ ،‬وبروز‬
‫ظاهرة الغالء على مستوى العالم التي يعاني من آثارها جميع سكان الكرة األرضية اليوم‪.‬‬
‫فه ذا عامل م ادي ال يمكن تجاهله أو إغفاله فالعقل والش رع يق ران ب ه‪ ،‬ولكن المتربص ون ال ذين يس تغلون األح داث‬
‫والن وازل لتحقيق مط امعهم وزي ادة ث رائهم على حس اب غ يرهم‪ ،‬فيعمل ون على رفع األس عار وإ ش اعة الغالء في األس واق‬
‫مستغلين الظروف واألحوال وحاجات الناس‪.‬‬
‫العامل الثالث‪ :‬اإلسراف في االستهالك‪.‬‬
‫اإلسراف وتجاوز الحد المعقول‪ ،‬وسوء االستهالك في مظاهره الكثيرة‪ ،‬يعد عامالً مادي اً يسهم إسهاماً مباشراً في‬
‫ارتفاع أسعار السلع‪ ،‬وغالء ثمن الحاجيات التي بها قوام حياة اإلنسان‪ ،‬فالمالحظ على إنسان هذا العصر أنه مقبل على‬
‫اس تنزاف ملذاته الدنيوية بنهم وجشع وإ ف راط في جميع مظ اهر نش اطه س واء في أفراحه أو أحزان ه‪ ،‬فال يح ده ح اد وال‬
‫يمنعه مانع‪ ،‬ويدفعه نحو ذلك ما يتعرض له من أساليب دعائية في مختلف وسائل اإلعالم تغريه وتشجعه على اإلسراف‬
‫والتبذير واالستهالك المفرط‪ ،‬وتحضه على تجاوز الحد المعقول في االنتفاع بكل ما هو متاح‪ ،‬في حين أنه مأمور عقالً‬
‫وشرعاً باالعتدال واالقتصاد‪.‬‬
‫وقد صار مقياس الرقي والتقدم والحضارة في حياة اإلنسان المعاصر هو مقدار ما يستهلكه من الماء والكهرباء‪،‬‬
‫كما أشار إليه بعض المفكرين المعاصرين(‪ )6‬مما أدى إلى ارتفاع أسعار الحاجات وتفشي الغالء في جميع مظاهر الحياة‪،‬‬
‫بسبب هذا اإلقبال المتزايد على االستهالك وحيازة األشياء‪ .‬ومما يدل على قوة هذا العامل أنه وعلى سبيل المثال‪ ،‬تشير‬
‫االحص اءات إلى إن حجم ما ينفق على الخم ور والكالب المنزلية في أروبا وأمريكا ‪ 200‬ملي ار س نويا‪ ،‬بينما ال ينفق‬
‫على التعليم والصحة والغذاء في الدول النامية سوى ‪ 19‬مليار‪ ،‬و‪ 200‬مليار دوالر سنويا يستنزفها التدخين من اقتصاد‬
‫العالم(‪.)7‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬التفسير العقدي لظاهرة الغالء‪.‬‬
‫إن ظ اهرة الغالء وارتف اع األس عار مع كونها ذات أبع اد وأس باب مادية وعوامل اقتص ادية كما س بق إال أنها ت ارة‬
‫تك ون نتيجة حتمي ة‪ ،‬ومظه راً من مظ اهر الس نن اإللهية في الك ون لخ روج الن اس عن ش ريعة اهلل تع الى‪ ،‬وطغي انهم‬
‫ض َر َب‬
‫وإ غراقهم في الذنوب واآلثام والمعاصي‪ ،‬وكفرهم بنعم اهلل‪ ،‬عقوبة إلهية وجزاء من جنس العمل‪ .‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬و َ‬
‫<وع وا ْلخَو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِئ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫اس ا ْل ُج< ِ َ ْ‬ ‫ان فَ َكفََر ْت ِبَأ ْن ُعم اللّه فََأ َذاقَ َها اللّ ُه ل َب َ‬ ‫اللّ ُه َمثَالً قَ ْر َي ًة َكا َن ْت آم َن ًة ُّم ْط َم َّن ًة َيْأت َ‬
‫يها ِر ْزقُ َها َر َغ ًدا ِّمن ُك ِّل َم َك ٍ‬
‫فَرتُ ْم ِإ َّن عَ َذا ِبي‬ ‫ِئ‬ ‫َأذ َن َر ُّب ُك ْم لَِئ ن َ‬
‫ون﴾ (س ورة النح ل‪ ،)112 :‬وق ال تع الى‪﴿ :‬وِإ ْذ تَ َّ‬
‫ي<د َّن ُك ْم َولَ ن َك ْ‬ ‫ش َك ْرتُ ْم ِ‬
‫َألز َ‬ ‫َ‬ ‫ص َن ُع َ‬ ‫ِب َما َكا ُنواْ َي ْ‬
‫يد﴾ (سورة إبراهيم‪ .)7 :‬وتكون تارة أخرى ابتالء وتمحيص اً واختباراً لإلنسان ليميز اهلل تعالى الخبيث من الطيب‪.‬‬ ‫ش ِد ٌ‬
‫لَ َ‬

‫‪277‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ظاهرة الغالء‪ :‬دراسة عقدية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الص<ا ِب ِر َ‬ ‫س والثَّمَر ِ‬ ‫ص ِّم َن اَألم َ ِ‬ ‫ش< ْي ٍء ِّم َن ا ْلخَ ْ‬


‫ق ال تع الى‪﴿ :‬ولَ َن ْبلُ َو َّن ُك ْم ِب َ‬
‫ين﴾ (س ورة‬ ‫ش< ِر َّ‬
‫ات َو َب ِّ‬ ‫َوال َواألنفُ ِ َ َ‬ ‫<وع َو َن ْق ٍ‬
‫وف َوا ْل ُج< ِ‬
‫البقرة‪.)155 :‬‬
‫والعالم اليوم يعيش حياة مادية صرفة‪ ،‬وال يسمع الناس إال لصوت المادة والحس والمشاهدة‪ ،‬وبالرغم من الشواهد‬
‫الدالة على أن الوقوف عند تفسير مظاهر الحياة تفسيراً مادي اً مجرداً بعيداً عن الروح واإليمان والعقيدة الدينية هو منهج‬
‫مصادم للواقع ومنطق المادة نفسها‪ ،‬إال أن اإللحاح على رفض التفسير الديني أو الروحي لألحداث وإ قصائه‪ ،‬يجب أن ال‬
‫يمنعنا من ضرورة التصدي للتيار المادي للحياة‪ ،‬ووجوب الكشف عن الوجه اآلخر‪ ،‬أو التفسير غير المادي لما يصيب‬
‫اإلنسان من نوازل‪ ،‬فإن ما يالقيه اإلنسان في حياته مرتبط بسلوكه وأفعاله‪ ،‬وهو مسئول عنه ومجزي به‪ ،‬إن خيراً فخير‬
‫س َب ْت َْأي ِدي ُك ْم َو َي ْعفُو َعن َك ِث ٍ‬
‫ير﴾ (س ورة الش ورى‪ ،)30 :‬وق ال‬ ‫ص ٍ‬
‫يبة فَِب َما َك َ‬
‫ِ‬
‫َأص َاب ُكم ِّمن ُّم َ‬ ‫وإ ن شراً فشر‪ .‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬و َما َ‬
‫ند َأْنفُ ِس ُك ْم﴾ (سورة آل عمران‪.)165 :‬‬
‫صيب ٌة قَ ْد َأص ْبتُم ِّمثْلَ ْيها ُق ْلتُم ََّأنى َهـ َذا ُق ْل ُهو ِم ْن ِع ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫َأص َابتْ ُكم ُّم َ‬
‫تعالى‪ََ ﴿ :‬أولَ َّما َ‬
‫ومن هنا ك ان ال ب َّد لنا من توض يح التفس ير العق دي لظ اهرة الغالء المعاصر ال تي تف اقمت ح دتها في الع امين‬
‫األخ يرين من ه ذا الق رن‪ ،‬ولفت النظر إلى س نة من س نن اهلل في الك ون‪ ،‬وهي أن النعم والنقم مرتبطة بحركة اإلنس ان‬
‫وس لوكه في األرض وم دى التزامه بش رع اهلل تع الى أو بع ده عنه(‪ .)8‬وعليه ف إن التض ييق‪ ،‬والش دة‪ ،‬والض نك‪ ،‬ون درة‬
‫األشياء‪ ،‬وارتفاع أثمانها وغالء أسعارها ونفادها‪ ،‬يقع لألسباب اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬كفر النعمة وعدم شكر المنعم‪:‬‬
‫ش كر المنعم واجب عقالً وش رعاً‪ ،‬فاإلنس ان في ح ال فطرته الس ليمة عبد هلل المحس ن‪ ،‬وقد أوجب اإلس الم ش كر‬
‫ش ُك ُروا لَ ُه﴾ (سورة سبأ‪ ،)15 :‬وأمر بوجوب عبادته‬ ‫النعمة واإلحسان إلى مصدرها‪ ،‬قال تعالى‪ُ ﴿ :‬كلُوا ِمن ِّر ْز ِ‬
‫ق َر ِّب ُك ْم َوا ْ‬
‫ب َه َذا ا ْل َب ْي ِت[‪ ]3‬الَّ ِذي َأ ْط َع َم ُهم ِّمن‬
‫جل وعاله كمظهر من مظاهر الشكر على اإلنعام واإلطعام فقال تع الى‪َ ﴿ :‬ف ْل َي ْع ُب ُدوا َر َّ‬
‫(‪)9‬‬
‫(م ْن أسدى إليكم معروفاً فكافئوه) ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫آم َن ُهم ِّم ْن َخ ْوف﴾ (سورة قريش‪ .)4-3 :‬وقال عليه الصالة والسالم‪ّ :‬‬ ‫وع َو َ‬
‫ُج ٍ‬
‫ثم إنه عليه الصالة والسالم‪ ،‬قد جعل شكر اهلل تعالى من لوازم شكر الناس عند فعل العطايا وصنع المعروف فقال‪:‬‬
‫(ال يشكر اهلل من ال يشكر الناس)(‪ .)10‬وقد جعل اهلل تعالى شكر النعمة وتعظيمها سبباً في زيادتها‪ ،‬ودوامها وبركتها‪ ،‬كما‬
‫جعل جحودها ونكرانها والكفر بها‪ ،‬سبباً في العقوبة والعذاب الشديد الذي يصيب جاحدها ومنكرها ق ال تع الى ﴿وِإ ْذ تَ َّ‬
‫َأذ َن‬
‫ش ِد ٌ‬
‫يد﴾ (سورة إبراهيم‪.)7 :‬‬ ‫يد َّن ُك ْم َولَِئ ن َكفَ ْرتُ ْم ِإ َّن َع َذا ِبي لَ َ‬ ‫َر ُّب ُك ْم لَِئ ن َ‬
‫ش َك ْرتُ ْم ِ‬
‫َألز َ‬
‫ومن مظاهر العذاب الشديد على كفر النعمة‪ ،‬أن يحرم منها صاحبها وتسلب منه‪ ،‬أو يحرم من التلذذ والتنعم بها مع‬
‫وجوده ا‪ ،‬فكم من ص احب نعمة مع اقب بالحرم ان من االنتف اع بها كمن يص اب بن وع من الم رض يمنع ه‪ ،‬أو يحرمه نن‬
‫استعمال ما تحت يده من نعم‪ ،‬فيموت تحرقاً وكمداً وحسرة‪ ،‬أو يعاقب بغالء سعرها وارتفاع ثمنها فال يستطيع الحصول‬
‫عليها أو الوصول إليها‪ .‬والحقيقة أن اإلنسان الذي ال يستغل النعم بشكل صحيح ال يمكن له استغالل موارد الطبيعة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِئ‬ ‫ِ‬
‫َدا‬ ‫ضَر َب اللّ ُه َمثَالً قَ ْر َي ًة َكا َن ْت آمنَ ًة ُّم ْط َم َّن ًة َيْأت َ‬
‫يها ِر ْزقُ َها َرغ ً‬ ‫والقرآن الكريم صريح في هذا كما في قوله تعالى‪َ ﴿:‬و َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ون﴾ (س ورة النح ل‪ .)112 :‬ومظ اهر‬ ‫ص< َن ُع َ‬ ‫وع َوا ْل َخ ْوف ِب َما َكا ُنواْ َي ْ‬ ‫ان فَ َكفََر ْت ِبَأ ْن ُعم اللّه فََأ َذاقَ َها اللّ ُه ل َب َ‬
‫اس ا ْل ُج ِ‬ ‫ِّمن ُك ِّل َم َك ٍ‬
‫كفر الناس اليوم بالنعم ال تكاد تنحصر‪ ،‬يأكلون ويشربون وينامون ويصحون‪ -‬والنعم كثيرة ال تحصى‪ -‬فال يشكرون‪،‬‬
‫بل تج دهم يت أففون‪ ،‬فنتيجة له ذا الكف ران والجح ود ج اءت الس نة اإللهية وتحققت النقمة الربانية في مظهر غالء أس عار‬
‫األشياء‪ ،‬وارتفاع أثمانها وأصاب العالم من الضنك والشدة ما أصابه بسبب الغالء‪.‬‬
‫‪ -2‬الكفر باهلل وكثرة المعاصي والذنوب‪:‬‬
‫وهنا أيض اً ربطت العقي دة اإلس المية الرخ اء والس عة وفيض البرك ات الس ماوية واألرض ية على الن اس‪ -‬باإليم ان‬
‫باهلل تع الى واالس تالم له وطاعته واالبتع اد عن معص يته‪ ،‬وه ذه س نة إلهية في الك ون كشف عنها الق ران في قوله تع الى‪:‬‬

‫‪278‬‬
‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬يوسف الزيوت‬

‫اهم ِب َما كَا ُنواْ َي ْك ِس< ُب َ‬


‫ون﴾‬ ‫ض ولَ ِـكن ك َّ‬
‫َذ ُبواْ فََأخَ ْذ َن ُ‬ ‫اَألر ِ َ‬
‫الس َماء َو ْ‬
‫َأه َل ا ْلقُرى آم ُنواْ واتَّقَواْ لَفَتَ ْح َنا علَ ْي ِهم بر َك ٍ‬
‫ات ِّم َن َّ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َأن ْ‬
‫﴿ َولَ ْو َّ‬
‫(س ورة األع راف‪ ،)96 :‬كما جعل االس تغفار‪ -‬وهو مظهر من مظ اهر الطاعة واإليم ان باهلل‪ -‬س بباً موجب اً لإلم داد‬
‫ت‬
‫باألوالد واألموال واألرزاق والبركات والغيث وجريان األنهار‪ .‬قال تعالى على لسان سيدنا نوح عليه السالم‪﴿ :‬فَ ُق ْل ُ‬
‫ين وي ْجعل لَّ ُكم ج َّن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َان َغفَّ ًارا {‪ُ }10‬ي ْر ِس< < ِل َّ‬
‫اس< <تَ ْغ ِف ُروا َر َّب ُك ْم ِإ َّن ُه ك َ‬
‫ات‬ ‫َِأم َو ٍال َو َبن َ َ َ َ ْ َ‬
‫الس< < َماء َعلَ ْي ُكم ِّم ْد َر ًارا {‪َ }11‬و ُي ْم<<د ْد ُك ْم ب ْ‬ ‫ْ‬
‫قَارا﴾ (س ورة ن وح‪ .)13-10 :‬ول ذلك في عهد عمر بن عبد العزيز‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َي ْج َعل لَّ ُكم َأْنهَارا {‪َّ }12‬ما لَ ُكم اَل تَْر ُج< َ َّ‬
‫<ون لله َو ً‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫وجدت الوفرة االقتصادية الكافية عطاء من اهلل وبركة لتقواهم له سبحانه وعدلهم‪ ،‬وكذلك سيقع عند نزول المسيح عليه‬
‫السالم آخر الزمان‪.‬‬
‫وس كان األرض الي وم‪ -‬إال ما رحم رب ك‪ -‬عص اة ك افرون باهلل تع الى‪ ،‬في ش رقها باسم االش تراكية والش يوعية‬
‫ملح دون جاح دون‪ ،‬وفي غربها باسم الحرية والديمقراطية والعلماني ة‪ ،‬فاس قون مح اربون هلل وش ريعته غ ارقون في‬
‫المعاصي واآلث ام ومظ اهر الفج ور‪ ،‬مس تحلون ما يفعل ون‪ ،‬فهم كما وص فهم اهلل تع الى‪﴿ :‬إن هم إال َكاَأل ْن َع ِام َب ْل ُه ْم َ‬
‫َأض ُّل﴾‬
‫(س ورة األع راف‪ .)179 :‬والع الم اإلس المي تائه ح ائر ال تخلو أقط اره من الف واحش ما ظهر منها وما بطن‪ .‬فاإليم ان‬
‫الكامل غ ائب أو مغيب‪ ،‬بل مح ارب هو والمنتم ون إليه تحت ش عار محاربة اإلره اب والتط رف والعن ف‪ ،‬فم اذا تنتظر‬
‫المحادة هلل ورسوله‪ ،‬الناقمة على الذين آمنوا واتقوا ال لشيء إال لمجرد إيمانهم وتقواهم‬
‫ّ‬ ‫البشرية المكذبة الشاردة المعاندة‬
‫ماذا تنتظر إال أن يأخذها اهلل تعالى جراء تكذيبها وما كسبتها أيديها بالبأساء والضراء‪ ،‬والوباء وسوء األحوال والغالء؟!‬
‫ون﴾ (س ورة األع راف‪ .)96 :‬فالقض ية ليست قض ية‬ ‫اهم ِب َما كَا ُنواْ َي ْك ِس< ُب َ‬ ‫إنها س نة اهلل تع الى‪ ،‬الثابتة ﴿ولَ ِـكن ك َّ‬
‫َذ ُبواْ فََأخَ ْذ َن ُ‬ ‫َ‬
‫م وارد طبيعية وال أع داء بش رية‪ ،‬بمق دار ما هي انح راف البشر ومق دار ض اللهم وانتش ار معاص يهم‪ ،‬وظه ور فحش هم‬
‫اس﴾ (س ورة ال روم‪:‬‬ ‫س< َب ْت َْأي< ِ<دي َّ‬
‫الن ِ‬ ‫ح ِر ِب َما َك َ‬ ‫اد ِفي ا ْلب ِّ‬
‫َر َوا ْل َب ْ<‬ ‫س< ُ‬
‫َر ا ْلفَ َ‬
‫ظه َ‬‫وفج ورهم‪ ،‬وص دق اهلل العليم الخب ير إذ يق ول‪َ ﴿ :‬‬
‫‪.)41‬‬
‫‪ -3‬إقصاء شريعة اهلل واالحتكام إلى الشرائع الوثنية‪.‬‬
‫وهنا أيض اً تربط العقي دة اإلس المية الرخ اء واليسر ووف رة الحاج ات‪ ،‬وس عة ال رزق‪ ،‬ورخص األثم ان وس هولة‬
‫تحص يل المط الب‪ ،‬بقص ية إيمانية أساس ية‪ ،‬وهي وج وب االحتك ام إلى الش ريعة اإللهية في جميع من احي حي اة اإلنس ان‪:‬‬
‫االقتص ادية واالجتماعية والسياسية والثقافي ة‪ ...‬الخ‪ .‬وإ قامة الش رائع الربانية جنب اً إلى جنب مع إقامة الشعائر والطق وس‬
‫التعبدية المحضة‪ ،‬فاإليمان باهلل ليس مجرد إقرار له ب الوجود وأنه رب كل شيء ومليكه‪ ،‬وليس هو مجرد الصلة به في‬
‫مظاهر تعبدية ومشاعر وجدانية‪ ،‬وصلة فردية قلبية بين العبد وربه فحسب‪ ،‬بل هو عبودية مطلقة واستالم وانقياد شامل‬
‫وخضوع وقبول بكل ما أمر اهلل به ونهى عنه‪ ،‬إنه احتكام لشريعة اهلل‪ ،‬فإذا عطل الناس هذه الشريعة‪ ،‬وأبطلوا أحكام اهلل‪،‬‬
‫وشرعوا ألنفسهم‪ ،‬واحتكموا لعق ولهم وساساتهم العلمانيين‪ ،‬وأق اموا حياتهم وفق قوانينهم الوضعية وشرائعهم األرضية‬
‫كانت النتيجة الحتمية عقاباً ربانياً‪ ،‬وغضباً إلهياً بأشكال ومظاهر وصور متعددة‪ ،‬تشكل بمجموعها حياة ومعيشة ضنكاً‪،‬‬
‫من أب رز مظاهرها الفقر والج وع‪ ،‬والغالء وارتف اع األس عار واألثم ان‪ ،‬وهو ما يعيشه الن اس الي وم في مختلف ن واحي‬
‫َو ِق ِه ْم َو ِمن تَ ْح ِت‬ ‫ِ‬
‫َأقَامواْ التَّْو َراةَ َواِإل ن ِجي< < َل َو َما ُأن < ِ<ز َل ِإلَي ِهم ِّمن َّر ِّب ِه ْم أل َكلُ <<واْ من ف ْ‬ ‫المعم ورة‪ .‬ق ال تع الى‪َ ﴿ :‬و ْ َّ‬
‫لَو َأن ُه ْم ُ‬
‫َْأر ُجِل ِهم﴾ (سورة المائدة‪.)66 :‬‬
‫واإلس الم ج اء بش ريعة متكاملة لتحكم مختلف وج وه الحي اة البش رية‪ ،‬ومن أبرزها تنظيم ات وأحك ام اقتص ادية‬
‫ومالية‪ ،‬إذا عطلها البشر وجاءوا بتنظيمات بديلة وأحكام اقتصادية مختلفة‪ ،‬كانت النتيجة ما هو عليه الوضع االقتصادي‬
‫الع المي المعاصر ال تي تمر بها دول الع الم الرأس مالي وغ يره‪ ،‬وما رافقها من ذه اب األم وال ومحق األرب اح ورؤوس‬
‫األموال الربوية‪ ،‬واالرتفاع الفاحش في األسعار‪ ،‬واإلفالس في مجال البنوك والشركات والمشاريع االستثمارية العالمية‬

‫‪279‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ظاهرة الغالء‪ :‬دراسة عقدية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫والمحلية هنا وهن اك‪ .‬إنها بحق ح رب إلهية على البش رية كما ق ال تع الى‪﴿ :‬فَِإ ن لَّ ْم تَ ْف َعلُ< <<واْ فَْأ َذ ُنواْ ِبحَ ْر ٍب ِّم َن اللّ< < ِ<ه‬
‫س<<وِل ِه﴾ (س ورة البق رة‪ .)279 :‬والمؤسف حق اً أن البش رية ب الرغم من كل ه ذه ال ويالت‪ ،‬فإنها متمادية في باطله ا‪،‬‬ ‫َو َر ُ‬
‫مصرة على رفضها لشريعة السماء‪.‬‬
‫‪ -4‬االبتالء واالختبار‪:‬‬
‫كما يك ون الغالء وارتف اع األس عار عقوبة إلهية نتيجة ال ذنوب والمعاصي وكفر النعم ة‪ ،‬وع دم اإليم ان باهلل على‬
‫الوجه الصحيح‪ ،‬وعدم تحكيم شريعة اهلل‪ ،‬فقد يقع ابتالء واختباراً وامتحان اً من اهلل تعالى للعباد‪ ،‬تحذيراً وتنبيه اً وتذكيراً‪،‬‬
‫فال دار ال دنيا دار اختب ار وابتالء‪ ،‬ومن حكمة اهلل ورحمته وعدل ه‪ ،‬أنه ال يأخذ الن اس إال بعد أن يبتليهم ويخت برهم‪ ،‬فهو‬
‫يتعهدهم بين الحين واآلخر بوسائل االختبار واالبتالء‪.‬‬
‫وأس اليب وأش كال االبتالء واالختب ار كث يرة متنوع ة‪ ،‬فكما يبتلي اهلل تع الى‪ ،‬عب اده ب وفرة النعم‪ ،‬واتس اع األرزاق‬
‫ووفرة الغنى والصحة والمال والسلطان‪ ،‬يبتليهم بنقصان الرزق وقلة ذات اليد‪ ،‬وذهاب الولد‪ ،‬وقد يكون بغالء األسعار‬
‫وارتف اع ثمن الحاج ات فهو تع الى وتب ارك‪ ،‬العليم الحكيم يقبض ويبسط وهو المس عر الم دبر يخفض ويرفع بي ده مقاليد‬
‫س‬‫َو ِال َواألنفُ ِ‬ ‫<وع َو َن ْق ٍ‬
‫ص ِّم َن اَألم َ‬ ‫ش < ْي ٍء ِّم َن ا ْلخَ ْ‬
‫وف َوا ْل ُج< ِ‬ ‫األم ور وهو على كل ش يء حفي ظ‪ .‬ق ال تع الى‪َ ﴿ :‬ولَ َن ْبلُ< َ<و َّن ُك ْم ِب َ‬
‫ين﴾ (سورة البقرة‪ )155 :‬فليس الغالء دليالً على النقمة والعقاب الرباني وغضب الخالق دائم اً‪،‬‬ ‫الصا ِب ِر َ‬
‫ش ِر َّ‬ ‫والثَّمر ِ‬
‫ات َو َب ِّ‬ ‫َ ََ‬
‫وإ نما قد يكون من باب آخر‪ ،‬هو باب االبتالء والتحذير واالختبار‪ ،‬حتى يبقى اإلنسان على صلة باهلل تعالى‪ ،‬فال يغتر بما‬
‫في يديه‪ ،‬وال يركن إلى قدرته وغناه‪ ،‬فيبقى دائم الصلة باهلل مؤمناً به متوكالً عليه يرجو رحمته ويخشى عذابه‪.‬‬
‫ومن األدلة على أن غالء األس عار يك ون ابتالء واختب اراً في ح ال اإليم ان والص الح والتق وى‪ ،‬ما ح دث في ت اريخ‬
‫الدولة اإلسالمية‪ ،‬ففي عهد النبي ‪ ‬كما في الخبر عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه أن الناس شكوا الغالء إلى رسول اهلل‬
‫فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل غال السعر فسعر لنا‪ .‬فقال رسول اهلل ‪( :‬إن اهلل هو المسعر القابض الباسط الرازق)(‪ .)11‬وكذلك ما‬
‫حدث في عهد عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه حيث شكا الناس إليه ارتفاع سعر اللحم‪ .‬فقال لهم‪ :‬أرخصوه أنتم‪ .‬فقالوا‪:‬‬
‫كيف نرخصه وهو في أي ديهم؟ فق ال‪ :‬اترك وه لهم‪ .‬وه ذا ما يع رف الي وم بأس لوب المقاطعة(‪ .)12‬وهك ذا تفسر العقي دة‬
‫اإلسالمية الغالء وارتفاع األسعار‪ ،‬تفسيراً إيماني اً‪ ،‬وتربطه بسلوك اإلنسان من جهة‪ ،‬وبالحكمة اإللهية من جهة أخرى‪،‬‬
‫إلى جانب إقرارها بدور وتأثير األسباب والعوامل المادية‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬اآلثار السلبية للغالء‪.‬‬
‫للغالء والفقر آثار ونتائج وانعكاسات سلبية على األفراد والمجتمعات‪ ،‬ويمكن ربط كل مظاهر الخلل واالض طراب‬
‫في المجتمع بالغالء نظراً الرتباطه بحاجات اإلنسان الضرورية‪ ،‬وغير الضرورية في مختلف مجاالت حياته‪ ،‬فالمشاهد‬
‫أن الوضع الع ام لإلنس ان في ح االت ال رخص وت وفر المط الب‪ ،‬يتسم باله دوء واالس تقرار والراحة والطمأنينة واألمن‬
‫والتفاهم والتواصل والمحبة بين الناس‪ ،‬إلى غير ذلك من المظاهر المعبرة عن السعادة والفرح والسرور واالرتياح الذي‬
‫طالما ك ان اإلنس ان ينش ده ويبحث عنه في ك ده وعمله وس عيه في األرض‪ ،‬بينما تجد الوضع على عكس ذلك وخالفه‬
‫تمام اً‪ ،‬في ح ال الغالء والفقر وارتف اع األثم ان‪ ،‬وقلة الم وارد‪ ،‬كما هو المش اهد على واقع المجتمع الع المي المعاصر في‬
‫الفترة األخيرة التي اضطربت فيها قاعدة االقتصاد العالمي‪ ،‬وفشا فيها الغالء بصورة فاحشة‪ ،‬وغير مسبوقة في التاريخ‬
‫على المستوى العالمي‪ ،‬بحيث شمل كل حاجات اإلنسان ومطالبه‪ ،‬ولم يقتصر على نوع أو بعض أنواع محدده‪ :‬كارتفاع‬
‫ثمن اللحم أو الخبز أو الزيت أو شيء غير ذلك‪ ،‬كما كان يحصل في العهود الماضية‪ ،‬مما ترك أثراً بل آثاراً سلبية حادة‬
‫على اإلنسان‪ ،‬مما قد ال يتصور حجمها وال تحصى مظاهرها‪ ،‬وال تقدر أضرارها ومخاطرها‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬يوسف الزيوت‬

‫وقد حاولت في هذه المسألة أن أبين أهم وأبرز هذه اآلثار والنتائج‪ ،‬لبيان مدى حجم المشكلة ومقدار ضررها على‬
‫المجتمع بعامة‪ ،‬وألفت نظر الجهات المعنية إلى التنبه لهذا األمر والتصدي لهذه المشكلة‪ ،‬من أجل وضع الحلول المناسبة‬
‫التي تسهم في التخفيف من ويالتها وانعكاساتها السلبية‪ ،‬وأهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬انتشار الجريمة ومظاهر العنف‪:‬‬
‫من أهم ما يمكن ذكره من اآلثار السلبية لمشكلة الغالء هو انتشار مظاهر جرائم القتل‪ ،‬وفي مقدمتها إقدام اإلنسان‬
‫على قتل نفسه كما يع رف باالنتح ار‪.‬فمن الالفت للنظر في الع امين الماض يين‪ -‬وهما قمة الغالء‪ -‬أن نس بة االنتح ار‬
‫عالمي اً ومحلي اً قد تضاعفت‪ ،‬وتزايدت أعداد المنتحرين من كل الفئات العمرية وخصوص اً الشبابية من الذكور واإلناث‪،‬‬
‫فقد حفلت الص حف ووس ائل اإلعالم المختلفة برصد ع دد كبير من مح اوالت االنتح ار س واء نجحت أو فش لت‪ ،‬ولم تصل‬
‫إلى حد الموت‪ ،‬وعند البحث عن األسباب والدوافع وراء هذه الجريمة البشعة‪ ،‬التي ُّ‬
‫تعد من أعنف أنواع الجرائم‪ -‬تبين‬
‫أن قسماً كبيراً منها كان الدافع هو الفقر‪ ،‬والغالء وعدم المقدرة على تلبية المطالب الحياتية كما صرح بذلك أصحابها‪ ،‬أو‬
‫تبين من دراسة أحوالهم وأوضاعهم المالية واالقتصادية‪.‬‬
‫فعلى مستوى األردن نقلت الصحف المحلية‪ ،‬وكشفت األجهزة األمنية في األشهر الستة الماضية عن عدد كبير من‬
‫مح اوالت االنتح ار‪ ،‬ك ان ال دافع ال رئيس في أكثرها هو الوضع االقتص ادي والم الي‪ ،‬أي الغالء وارتف اع األس عار‪ ،‬مما لم‬
‫يكن معهوداً في األعوام الماضية‪.‬‬
‫‪ -2‬انتشار السرقة بمختلف صورها‪:‬‬
‫ال يخلو المجتمع البش ري ح تى في األوض اع الطبيعية من ح االت الس رقة‪ ،‬ف إن اإلنس ان بشر ت دعوه نفس ه‪ ،‬ويغريه‬
‫شيطانه أن يعتدي على أمالك الغير‪ ،‬فيسرق لسبب أو آلخر‪ ،‬حتى مجتمع الصحابة رضي اهلل عنهم في المدينة المنورة لم‬
‫يخل من حاالت السرقة وإ ن كانت محدودة ومعدودة جداً‪ ،‬وقد وقف اإلسالم من السرقة واالعتداء على أمالك الغير موقف اً‬
‫ق‬
‫ار ُ‬‫الس ِ‬
‫صارماً فوضع لها عقوبة رادعة حفاظ اً ألمن المجتمع وصيانة ألموال أفراده‪ ،‬وتأديبا للمعتدين‪ .‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬و َّ‬
‫س َبا َن َكاالً ِّم َن اللّ ِه﴾ (س ورة المائدة‪ .)38 :‬والمالحظ أن حاالت السرقة تتض اعف‬ ‫ِ‬
‫ط ُعواْ َْأيد َي ُه َما َج َزاء ِب َما َك َ‬ ‫الس ِ‬
‫ارقَ ُة فَا ْق َ‬ ‫َو َّ‬
‫في األحوال والظروف غير الطبيعية‪ ،‬من أبرزها في حال الغالء وارتفاع األسعار وأوقات المجاعة والفقر والحاج ة‪ ،‬وقد‬
‫ظهر ه ذا جلي اً في اآلونة األخ يرة منذ ب دأت األزمة المالية االقتص ادية العالمي ة‪ ،‬حيث ازدادت ح االت الس رقة بأش كالها‬
‫المتع ددة من ‪ :‬النش ل‪ ،‬واالختالس‪ ،‬وقطع الط رق والس طو على البن وك والمح ال التجارية والمص ارف المالية‬
‫والمج وهرات‪ ،‬بل والمن ازل وال بيوت وغيره ا‪ .‬وال تنس أس اليب النصب واالحتي ال واالس تدراج ال تي مارس تها جه ات‬
‫كثيرة تحت شعار االستثمار والمرابحة واالتجار‪ ،‬وهو ما عرف بنظام البورصة الذي انتهى باختالس أموال أعداد هائلة‬
‫من أبناء المجتمع على المستوى العالمي‪ ،‬تبين أن الغالء وارتفاع نسبة األرباح الوهمية كانت السبب المفعل لها والمروج‬
‫النتشارها‪.‬‬
‫‪ -3‬االعتداء على أمالك الدولة والمرافق العامة‪:‬‬
‫لم يقف أمر الس رقة بأش كالها ومظاهرها المختلفة عند دائ رة الممتلك ات الخاصة ألف راد المجتمع فيما بينهم‪ ،‬ولكن‬
‫األمر قد امت َّد إلى االعت داء على األمالك والمرافق العامة للدول ة‪ ،‬ب النهب والس طو واالغتص اب واالختالس‪،‬حيث س رقت‬
‫مقتنيات كثير من لمدارس والجمعيات الخيرية‪ ،‬وصناديق التبرعات في المساجد‪ ،‬ناهيك عن سرقة األموال من صناديق‬
‫مؤسس ات الدولة الرس مية من دوائر ووزارات ومؤسس ات الض مان االجتم اعي وض ريبة ال دخل‪ ....‬الخ‪ .‬بل إن ه ذه‬
‫المظ اهر الس لبية امت دت إلى ما في الش وارع العامة من خ دمات‪ :‬كأغطية مناهل الص رف الص حي‪ ،‬وأس الك الكهرب اء‬

‫‪281‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ظاهرة الغالء‪ :‬دراسة عقدية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫واله اتف‪ ،‬وأن ابيب المي اه‪ ،‬وحاوي ات القمام ة‪ ،‬وكل ما يمكن أن يش رى أو يب اع‪ ،‬مما لم يكن معروف اً فيما قبل حالة الغالء‬
‫التي حلَّت بالعالم في األعوام األخيرة‪ ،‬مما يكلف ميزانية الدولة نفقات إضافية باهظة لم تكن متوقعة‪.‬‬
‫‪ -4‬اتساع نطاق ظاهرة البطالة وما يرافقها من مظاهر سلبية‪:‬‬
‫وثمة أمر آخر ينذر بالخطر رافق مشكلة الغالء وارتفاع األسعار‪ ،‬وهو تفشي ظاهرة البطالة‪ ،‬وندرة فرص العمل‬
‫المنتج ال ذي يسد حاجاته الع املين ويفي بمتطلب اتهم‪ .‬فقد ازدادت أع داد الع اطلين على العمل في اآلونة األخ يرة ال ذين لم‬
‫يج دوا العمل أو لم يج دوا العمل المناسب مما دفعهم إلى االنط واء والي أس والجل وس في ال بيوت مما يزيد المش كلة تعقي داً‬
‫وسوءاً ويولد مضاعفات نفسية وصحية واجتماعية في قطاع الشباب‪.‬‬
‫‪ -5‬انتشار األمراض النفسية‪:‬‬
‫ومما يترتب على الغالء وارتفاع األسعار‪ ،‬اختالل الصحة النفسية لعدد كبير من أفراد المجتمع‪ ،‬والصحة النفسية‬
‫لإلنس ان تش كل مرتك زاً كب يراً‪ ،‬في الحي اة‪ ،‬وأنها ال تقل خط راً بل لعلها أهم من الص حة العض وية لإلنس ان‪ ،‬وقد أثبت‬
‫الدراس ات واألبح اث ارتف اع ع دد الح االت المرض ية ال تي تراجع العي ادات النفس ية‪ ،‬واألخص ائيين النفس يين ال ذين يقف ون‬
‫ع اجزين عن تق ديم العالج‪ ،‬بل لربما زادوا األمر س وءاً بس بب أن واع األدوية المهدئة ال تي يص فونها لم راجعيهم‪ .‬وهن اك‬
‫ح االت مرض ية أخ رى ال تق در على دفع أج رة األخص ائي النفسي تبقى ح ائرة مض طربة ال تجد مخرج اً مما تعاني ه‪ ،‬قد‬
‫يصل بها الحال إلى اليأس من الحياة‪ ،‬فتلجأ إلى مظاهر سلوكية منحرفة ربما وصلت َّ‬
‫حد االنتحار‪.‬‬

‫ابن خلدون‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد‪ ،‬المقدمة‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص ‪363-362‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر‪ :‬العوضى‪ ،‬رفعت السيد‪ ،‬عالم إسالمي بال فقر‪ ،‬كتاب األمة‪ ،‬كتاب األمة‪ ،‬عدد ‪ 79‬رمضان ‪1421‬هـ‪ ،‬السنة‬ ‫(‪)2‬‬ ‫‪2‬‬

‫العشرين‪ ،‬ص ‪.51-47‬‬


‫ت‪ .‬هاليداي‪ ،‬فريد‪ ،‬الكونية الجذرية ال العولمة المتردية‪ ،‬ترجمة‪ :‬خالد الحروي‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار السقي‪ ،‬ط‪، 1‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪2002‬م‪ ،‬ص‪116‬‬
‫جريدة الرياض‪26/2/1423 ،‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫‪4‬‬

‫الفتالوي‪ ،‬العولمة وآثارها في الوطن العربي‪ ،‬عمان‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬ط‪2009 ، 1‬م‪ ،‬ص‪ ، 299‬وجريدة عكاظ ‪26‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫‪5‬‬

‫يونيو ‪2006‬م‪ ،‬و بالست‪ ،‬غريق‪ ،‬أفضل ديموقراطية يمكن للمال شراؤها ترجمة‪ :‬مركز التعريب والبرمجة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الدار‬
‫العربية للعلوم‪ ،‬دط‪ ،‬ص‪.150‬‬
‫قطب‪ ،‬محمد‪ ،‬في النفس والمجتمع‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪5،1980‬م‪ ،‬ص‪ ،90‬و أبو السعود‪ ،‬محمود ‪ ،‬خطوط‬ ‫(?)‬ ‫‪6‬‬

‫رئيسة في االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬مكتبة المنار‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪ ،1968 ،2‬ص‪.7-6‬‬


‫‪7‬‬
‫عبد العظيم‪ ،‬حمدي‪ ،‬عولمة الفساد وفساد العولمة‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬ط‪ ، 2008 ،1‬ص‪ ،192‬وجريدة‬ ‫(?)‬
‫الرياض ‪28/10/1422‬‬
‫انظر‪ :‬الخطيب‪ ،‬شريف الشيخ صالح‪ ،‬السنن اإللهية في الحياة اإلنسانية‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪،2004 ،‬‬ ‫(?)‬ ‫‪8‬‬

‫ص‪73-57‬‬
‫أبو داود‪ ،‬السنن‪ ،‬في اآلداب ‪ ،108‬دار الحديث‪ ،‬حمص‪ ،‬ط‪1969 ،1‬م‪ ، ،‬والنسائي‪ ،‬السنن‪ ،‬في الزكاة‪،72 ،‬‬ ‫(?)‬ ‫‪9‬‬

‫وأحمد‪ ،‬المسند‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.68‬‬


‫أبو داود‪ ،‬السنن‪ ،‬في اآلداب‪ ، 11 ،‬والترمذي‪ ،‬السنن‪ ،‬في البر‪ ،35 ،‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‬ ‫(?)‬ ‫‪10‬‬

‫أبو داود‪ ،‬السنن‪ ،‬في البيوع ‪ 49‬و ‪ ، 51‬وأحمد‪ ،‬المسند‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.85‬‬ ‫(?)‬ ‫‪11‬‬

‫مع شيوع نسبته إلى الخليفة عمر رضي اهلل عنه ولكنه مروي عن إبراهيم بن ادهم‪ .‬انظر‪ :‬ابن عساكر‪،‬‬ ‫(?)‬ ‫‪12‬‬

‫تاريخ دمشق ‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪ ،282‬وابن كثير‪ ،‬البداية والنهاية‪ ،‬ج‪ ، 10‬ص‪145‬‬
‫‪282‬‬
‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬يوسف الزيوت‬

‫‪ -6‬تفشي األمراض الصحية العضوية‪:‬‬


‫إلى ج انب األم راض النفس ية‪ ،‬ال تي س اهم الغالء وارتف اع األس عار في ظهورها وانتش ارها‪ ،‬ف إن الوضع الص حي‬
‫العض وي الم ادي لإلنس ان لم يس لم من آث ار الغالء‪ ،‬ف إن ارتف اع ثمن الس لع ي ؤدي إلى ت دهور الوضع الص حي ألف راد‬
‫المجتمع خصوصاً الطبقة االجتماعية الفقيرة التي ازدادت فقراً بسبب الغالء‪ ،‬بحيث لم يعد بمقدورها تأمين حاجاتها على‬
‫المس توى الص حي‪ ،‬فيص اب األف راد بنقص العناصر الغذائي ة‪ ،‬مما ي ؤدي إلى ض عف مقاومة الجس د‪ ،‬وس هولة س يطرة‬
‫األمراض على الجسم‪ ،‬ثم تزداد المشكلة سوءاً أيضاً بعد اإلصابة بالمرض والحاجة إلى العالج والدواء ومراجعة الطبيب‬
‫المختص‪ ،‬وفي ظل ارتفاع أجور األطباء وثمن األدوية‪ ،‬فإن الطبقة الشعبية الفقيرة ال تستطيع أن تؤمن ذلك‪ ،‬وهنا تتأزم‬
‫المشكلة‪ ،‬فيتطور الغالء وتتعقد األحوال وتسوء الظروف الصحية وغير الصحية ألفراد المجتمع‪.‬‬
‫‪ -7‬تفشي ظاهرة الرشوة في الدوائر الحكومية بين الموظفين‪:‬‬
‫إن ت دني مرتب ات وأج ور الم وظفين في ال دوائر الحكومية‪ ،‬وفي ظل ارتف اع األس عار‪ ،‬لم يعد ال دخل الش هري يكفي‬
‫الموظف لسد حاجات ه‪ ،‬وتلبية مطالب ه‪ ،‬وال يس تطيع أن يجد ما يكفيه ب الطرق المش روعة‪ ،‬مما يدفعه ويش جعه على أن‬
‫يستغل وظيفته ويبتز المراجعين أصحاب المعامالت‪ ،‬ويعاملهم بطريقة أو بأخرى من المماطلة والتأخير والتسويف‪ ،‬مما‬
‫يدفع هؤالء إلى أن يدفعوا به بطرق سرية‪ ،‬وتحت شعارات مختلفة‪ ،‬مبالغ مالية أو هدايا عينية ويسمونها بأسماء مختلفة‪،‬‬
‫وهي في حقيقتها الرشوة التي نهى اإلسالم عنها وحرمها ولعن كل األطراف المتواطئة فيها‪ .‬وقد ازدادت هذه الحالة مع‬
‫موجه الغالء وارتف اع األس عار ال تي تتع رض لها المجتمع ات خصوص اً في دول الع الم الفق يرة‪ ،‬وه ذا م رض اجتم اعي‬
‫خطير جداً إذا بقي على هذا الوضع في أجهزة الدولة‪ ،‬يؤدي إلى مخاطر ال تقدر نهاياتها‪.‬‬
‫‪ -8‬انتشار الفواحش ومظاهر االنحراف األخالقي في سبيل تأمين لقمة العيش‪:‬‬
‫ومن المظ اهر الس لبية ال تي ب رزت بوض وح في أزمة الم ال واالقتص اد وارتف اع األس عار‪ ،‬تفشي مظ اهر الف واحش‬
‫والفج ور واالنحالل والفس اد األخالقي ودور البغ اء ومحالت ال دعارة‪ ،‬حيث لم تعد ه ذه المظ اهر مس تورة خفية يه اب‬
‫أصحابها كشفها وظهورها فتجرءوا بالمجاهرة بها والدعاية لها والمناداة عليها غير آبهين وال مرتابين‪.‬‬
‫‪ -9‬اتساع نطاق ظاهرة التسول‪:‬‬
‫ومن المظاهر التي رافقت الغالء وارتفاع األسعار‪ ،‬وقلة ذات اليد‪ ،‬اتساع نطاق ظاهرة التسول بين خصوص اً بين‬
‫النساء واألطفال‪ ،‬حيث ازدادت أعداد المتسولين في الشوارع والبيوت ودور العبادة والحدائق العامة واألسواق التجارية‪،‬‬
‫بطريقة الفتة لألنظار‪ ،‬بحيث ال تستطيع أن تفرق بين ذوي االحتياج الحقيقي‪ ،‬وبين االنتهازيين الذين اتخذوا من التسول‬
‫حرفة وبابا غير مشروع للجمع والثراء‪ ،‬تستغل األطفال والنساء‪ ،‬مقابل أجرة يومية يدفعونها لهم مقابل ما يجمعونه لهم‬
‫في آخر النه ار‪ .‬ومعل وم أن ه ذا األمر ال يقف عند حد التس ول وطلب الم ال بحق وبغ ير ح ق‪ ،‬وإ نما يتع داه إلى توابع‬
‫وس لبيات غير حمي دة‪ ،‬حيث يتع رض المتس ولون والمتوس الت لمخ اطر غ ير أخالقي ة‪ ،‬وض غوط ومض ايقات نفس يه ت ؤثر‬
‫على السلوك األخالقي‪.‬‬
‫ازدياد الخالفات األسرية وارتفاع عدد حاالت الطالق‪:‬‬ ‫‪-10‬‬
‫ومن المظاهر السلبية للغالء وارتفاع األسعار‪ ،‬نشوء الخالفات األسرية‪ ،‬وتوتر العالقات الزوجية‪ ،‬بحيث يؤدي‬
‫إلى ارتف اع ع دد ح االت الطالق‪ ،‬كما أش ارت اإلحص ائيات الص ادرة عن دوائر المح اكم الش رعية على مس توى األردن‪،‬‬
‫وتبين من خالل دراسة حاالت الطالق أن نسبة كبيرة منها كان بسبب خالفات مالية نتيجة للغالء‪ ،‬حيث إن بعض النساء‬
‫أق دمن على بيع مما يمكن بيعه مما يملكن من ج واهر وأدوات زينة وتوابع مه ورهن بغ ير مش ورة أو رضا أزواجهن‬
‫وأهلهن‪ ،‬مما ت رتب عليه خالف ات ونزاع ات أس رية وعائلية ح ادة‪ ،‬انتهت في كث ير من األح وال ب الطالق وتش رد األس رة‬

‫‪283‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ظاهرة الغالء‪ :‬دراسة عقدية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫واضطراب العالقات الزوجية واألسرية‪ ،‬ومن جهة أخرى عجز كثير من األزواج عن تلبية حاجت الزوجة واألوالد من‬
‫متطلبات بسبب ارتفاع أسعارها‪ ،‬مما ساهم في نشوب خالفات وخصومات زوجية وعائلية‪.‬‬
‫انتشار ظاهرة بيع الممتلكات والعقارات واألراضي‪:‬‬ ‫‪-11‬‬
‫ومن اآلث ار الس لبية للغالء أو ب رزت في المجتمع ظ اهرة خط يرة ج داً حيث توجه ع دد كب ير من الن اس ل بيع بعض‬
‫ممتلكات بيوتهم أو عقاراتهم السكنية‪ ،‬أو ما يملكون من األراضي نتيجة ارتفاع أثمانها بقصد االتجار بما يحصلون عليه‬
‫من أسعار عالية‪ ،‬أو بقصد التوسع في مظاهر الزينة والكماليات‪ ،‬وقد انقلبت األمور عكسياً حيث إن كثيراً ممن تصرفوا‬
‫ه ذا التص رف قد فش لوا في االس تثمار فخس روا ممتلك اتهم واألم وال ال تي حص لوا عليه ا‪ ،‬كما ح دث مع ال ذين اتج روا من‬
‫خالل ما ع رف بنظ ام البورص ة‪ ،‬حيث تع رض كث ير منهم لإلفالس‪ ،‬س واء أك انوا أف راداً ع اديين أم رأس ماليين وش ركات‬
‫استثمارية‪.‬‬

‫تفشي ظاهرة الحسد والكره عند الفقراء لألغنياء‪:‬‬ ‫‪-12‬‬


‫ومن مخاطر الغالء االجتماعية‪ ،‬أن إحساس الفقراء بالفقر واالحتياج ومشاهدتهم األغنياء الميسورين يتنعمون غير‬
‫مبالين بحال َم ْن حولهم من الفقراء والمحتجين‪ -‬يولد في نفوسهم الحسد والكره والغيرة والحقد ضدهم‪ ،‬وتمني زوال ما‬
‫بأي ديهم‪ ،‬والف رح لما يص يبهم من مشكالت ومت اعب من جهة‪ ،‬ومن جهة أخ رى يظه رون التملق وال تزلف والت ودد إليهم‪،‬‬
‫تجداء لما في أي ديهم‪ ،‬مما يؤسس في المجتمع ما يع رف بالنف اق االجتم اعي‪ ،‬بحيث يظهر الفق ير للغ ني ما ال يبطنه في‬
‫ً‬ ‫اس‬
‫نفسه‪ ،‬وهو خلق رديء وصفة دنيئة‪ ،‬طالما نهى عنها اإلسالم وحذر منها‪.‬‬
‫تحول المجتمع إلى نظام الطبقتين وغياب الطبقة الوسطى‪:‬‬ ‫‪-13‬‬
‫ومن سلبيات الغالء وارتفاع األسعار‪ ،‬أن ينقسم المجتمع إلى فئتين‪ :‬فئة وهي أقلية‪ -‬غنية غني فاحش اً تزداد ثراء‬
‫مع الغالء‪ .‬وفئة أخ رى فق يرة معدمة وهي تش كل األكثرية االجتماعي ة‪ ،‬بخالف الوضع الط بيعي للمجتمع ات في ح االت‬
‫ال رخص واألوض اع الطبيعي ة‪ ،‬حيث تك ون هن اك ثالث طبق ات‪ :‬طبقة غنية وطبقة فق ير‪ ،‬وطبقة ثالثة وهي ما تع رف‬
‫بالطبقة الوسطى وهي فئة أكثرية المجتمع عادة‪.‬‬
‫واألنظمة االقتصادية الرأسمالية الغربية تدرك ذلك تماما بل تهدف إلى فرضه فتدعمه بكل مؤسساتها‪ ،‬هذا الوضع‬
‫صار يعرف بنظرية ‪ 20‬إلى ‪ ،80‬وتعني أن عشرين بالمائة من سكان العالم يكونون أغنياء مالكي‪ ،‬وثمانين بالمائة‪ ،‬وهم‬
‫باقي أهل األرض يفرض عليهم الفقر واالحتياج‪ .‬ولك أن تتصور واقع الحال عندما تكون األمور على هذه الصورة من‬
‫التب اين الطبقي في المجتم ع‪ ،‬طبقة غنية تس تأثر بكن وز األرض وخ يرات الس ماء؛ وطبقة فق يرة فق راً ص دقعاً‪ ،‬تعيش على‬
‫فئ ات موائد الرأس ماليين ال ذين يس خرون أبن اء الطبقة الفق يرة لتحقيق مكاس بهم ومص الحهم الشخص ية‪ ،‬غ ير آبهين بس وء‬
‫حالهم(‪.)13‬‬
‫قطيعة األرحام التي أمر اهلل تعالى بوصلها‪:‬‬ ‫‪-14‬‬
‫ومما ي ترتب على الغالء وارتف اع األس عار وقلة ذات الي د‪ ،‬التفكك األس ري وقطيعة األرح ام‪ ،‬ذلك أن التواصل‬
‫االجتم اعي وص لة ال رحم‪ ،‬والتزاور‪ ،‬يتطلب تك اليف مادية من هدايا والتزامات اجتماعية في المناسبات‪ ،‬وغير ذلك مما‬
‫يصد األب أو األخ أو الزوج عن القيام بهذا المطلب اإليماني‪ ،‬بسبب ارتفاع تكاليف الحياة‪ ،‬فيحدث الجفاء وتقع المقاطعة‪.‬‬
‫الغالء يتهدد األنظمة الحاكمة ويهز القاعدة األمنية للدولة‪:‬‬ ‫‪-15‬‬

‫انظر‪ :‬العوضى‪ ،‬رفعت السيد‪ ،‬عالم إسالمي بال فقر‪ ،‬ص ‪.39-38‬‬ ‫(?)‬ ‫‪13‬‬

‫‪284‬‬
‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬يوسف الزيوت‬

‫كل ما سبق من مظاهر وانعكاسات ونتائج وآثار سلبية يشكل خطراً كبيراً جداً على الحالة األمنية للدولة‪ ،‬وينذر‬
‫ب الخطر ال ذي يته دد األنظمة الحاكم ة‪ ،‬مما يجعل أجه زة الدولة بجميع جهاتها المعنية في اس تنفار وت أهب دائم‪ ،‬وت رقب‬
‫وح ذر دائم‪ ،‬ناهيك عن التك اليف و النفق ات المالية ال تي تنفق في ه ذه الحال ة‪ ،‬مما يثقل كاهل الميزانية العامة للدول ة‪،‬‬
‫ويض طرها إلى االق تراض من جه ات خارجية كالبنك ال دولي أو غ يره‪ ،‬لسد العجز وتوف ير الخ دمات‪ ،‬ودعم التنمية ال تي‬
‫توقفت بسبب هذه الحالة‪ ،‬وقد يتسع نطاق ذلك فيصل إلى حد سقوط النظام الحاكم‪ ،‬فإن ثورات الجوع والفقر على مدى‬
‫التاريخ كانت سبباً في انهيار أنظمة وممالك‪.‬‬
‫وهكذا يظهر لنا حجم هذه المشكلة‪ ،‬ومدى خطرها وضررها على اإلنسان‪ ،‬بل والحيوان كذلك على حد سواء‪ ،‬مما‬
‫ي دعونا إلى وج وب األخذ بكل األس باب ال تي تح ول دون الغالء‪ ،‬وتخفف من غلوائه وتمكن ه‪ ،‬وقد ك ان للعقي دة اإلس المية‬
‫وسائلها وأساليبها في مواجهة الغالء والحد من ارتفاع األسعار ‪ ،‬كما سأوضحه بعون اهلل تعالى‪ ،‬في المبحث الثاني‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬وسائل العقيدة في مواجهة الغالء‬


‫كما للعقي دة نظرتها وفلس فتها في تفس ير ظ اهرة الغالء وارتف اع األس عار‪ ،‬ف إن لها منهجها ووس ائلها في عالج‬
‫المشكلة والحد منها والتقليل من آثارها وأخطارها‪ ،‬بل لها أساليبها االحترازية وإ جراءاتها الوقائية لتفادي وقوع المشكلة‬
‫من باب قاعدة ِّ‬
‫سد الذرائع‪.‬‬
‫وفي ه ذا المبحث س أقوم ببي ان دور العقي دة في التص دي لمش كلة الغالء والحد من ارتف اع األس عار‪ ،‬س واء ما قبل‬
‫وقوع المشكلة‪ ،‬أو خالل وما بعد وقوعها‪ .‬ويمكن إيضاح ذلك من خالل ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب مراعاة األخذ باألسباب المادية‪:‬‬
‫مما ال شك فيه أن اإلس الم قد دعا اإلنس ان إلى ب ذل الجهد والقي ام بكل ما من ش أنه أن يع ود عليه ب النفع من ‪:‬‬
‫الح رث؛ وال زرع؛ المت اجرة؛ والعمل المنتج‪ ،‬وهي األس باب المادية الدنيوية ال تي جعلها اهلل تع الى‪ ،‬وس ائل لتحص يل‬
‫األرزاق وعمارة األرض والعيش الكريم‪.‬‬
‫والنص وص من الكت اب والس نة كث يرة ج داً في ه ذا المج ال ت دعو إلى العمل والض رب في األرض ابتغ اء لطلب‬
‫الرزق والمعاش‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫اَأْلر ِ‬
‫ض‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض < َي ِت َّ‬
‫‪ .1‬األمر باالنتش ار في األرض بعد قض اء ص الة الجمع ة‪ .‬ق ال تع الى‪﴿ :‬فَِإ َذا قُ ِ‬
‫الص <اَل ةُ فَانتَش < ُروا في ْ‬
‫ض ِل اللَّ ِه﴾ (سورة الجمعة‪.)10 :‬‬
‫َو ْابتَ ُغوا ِمن فَ ْ‬
‫‪ .2‬الترغيب باألكل من عمل اليد‪ .‬قال صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬ما أكل أحد طعام اً خيراً من أن يأكل من عمل يده‪ ،‬وإ ن‬
‫نبي اهلل داود كان يأكل من عمل يده)(‪.)14‬‬
‫‪ .3‬األمر باالتجار بأموال األيتام حتى ال تأكلها الصدقة‪ .‬وفي هذا الباب روى الترمذي من حديث عمر بن شعيب عن‬
‫أبيه عن ج ده‪ ،‬أن الن بي ‪ ‬خطب الن اس فق ال‪( :‬أال َمن ولي يتيم اً له م ال فليتجر في ه‪ ،‬وال يتركه ح تى تأكله‬
‫الصدقة)(‪.)15‬‬
‫‪ .4‬األمر بعم ارة األرض وإ حيائها وتح ريم تعطيلها وإ ماتته ا‪َّ .‬‬
‫حض اإلس الم على عم ارة األرض وإ حيائها ب الحرث‬
‫والزراع ة‪ ،‬وحفر اآلب ار‪ ،‬وغ ير ذل ك‪ ،‬ف إن لم يس تطع ص احب األرض أن يفعل ذلك بنفسه فعليه أن يعطيها‬

‫أحمد‪ ،‬المسند‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪. 131‬‬ ‫(?)‬ ‫‪14‬‬

‫الترمذي‪ ،‬السنن‪ ،‬كتاب الزكاة باب ما جاء في زكاة مال اليتيم‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪ ،32‬رقم ‪.641‬‬ ‫(?)‬ ‫‪15‬‬

‫‪285‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ظاهرة الغالء‪ :‬دراسة عقدية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫(م ْن كانت له أرض فليزرعها وإ ال فليعطها‬


‫غيره وال يتركها خرابا ميتة‪ .‬وفي هذا قال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬‬
‫أخاه فليزرعها)(‪ .)16‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬من أعمر أرضاً فهو أحق بها)(‪.)17‬‬
‫‪ .5‬الدعوة إلى االكتساب واإلنتاج والنهي عن التسول وسؤال الناس لغير حاجة‪ .‬وفيه هذا الباب يقول عليه الصالة‬
‫والسالم‪( :‬ألن يأخذ أحدكم حبله ثم يغدو فيحتطب فيبيع فيأكل ويتصدق خير له من أن يسأل الناس)(‪.)18‬‬
‫‪ .6‬تح ريم الفس اد واإلفس اد في األرض‪ .‬ح رم اإلس الم على اإلنس ان كل مظ اهر الفس اد واإلفس اد‪ ،‬وما يلحق الض رر‬
‫أي دابة إال لمنفعة أو حاجة فق ال‪:‬‬
‫بالبيئة الطبيعية ال تي يعيش في كنفه ا‪ ،‬ومن ذلك أن الرس ول ‪ ‬ح رم قتل َّ‬
‫إن فالن اً قتلني عبث اً ولم يقتلني لمنفعة)‬ ‫(م ْن قتل عصفوراً عبث اً َّ‬
‫عج إلى اهلل عز وجل يوم القيامة منه فيقول‪َّ :‬‬ ‫َ‬
‫(‪.)19‬‬
‫‪ -2‬تفعيل دور األغنياء في خدمة المجتمع‪:‬‬
‫أن اط اإلس الم باألغني اء دوراً مهم اً وكب يراً في خدمة المجتم ع‪ ،‬والتخفيف من أعب اء فقرائه والمس اهمة في سد‬
‫حاج اتهم‪ ،‬ومن هنا فعليهم مس ؤولية عظيم ة‪ ،‬ال س يما في أوق ات الن وازل‪ ،‬وهم إذا ق اموا بمس ؤوليتهم وأدوا ما فرضه اهلل‬
‫عليهم أو رغبهم وحببهم في ه‪ -‬عمل وا على حفظ الت وازن االجتم اعي‪ ،‬والحد من ظ اهرة الفقر وارتف اع األس عار وغالء‬
‫الحاجات‪ ،‬وكان لهم عند اهلل تعالى اجر عظيم‪ ،‬ومن مظاهر ذلك ما يلي‪:‬‬
‫وجوب أداء الحق الواجب في أموالهم وهو الزكاة‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الزك اة ركن من أرك ان اإلس الم الخمسة جعله اهلل تعلى حق اً واجب اً على األغني اء للفق راء‪ .‬ق ال تع الى‪ُ ﴿ :‬خ< ْذ ِم ْن‬
‫ط ِّه ُر ُه ْم َوتُ َ<ز ِّكي ِهم ِب َها﴾ (س ورة التوب ة‪ .)103 :‬وإ خ راج الزك اة من أنجح األس اليب االقتص ادية في الحد‬ ‫ِ‬
‫َأم َ<وال ِه ْم َ‬
‫ص< َدقَ ًة تُ َ‬ ‫ْ‬
‫من التضخم المالي وغالء األسعار‪.‬‬
‫التبرعات والصدقات والنفقات التطوعية‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫ليست الزكاة هي المجال الوحيد الذي يشارك من خالله األغنياء في الحد من الغالء والتخفيف من الفقر والبطالة‪،‬‬
‫بل هن اك وس ائل غيرها رغب فيها اإلس الم وحظ عليها وحبب به ا‪ ،‬ورتب عليها األجر والث واب ي وم القيام ة‪ ،‬كص لة‬
‫األرح ام‪ ،‬والنفقة على األق ارب‪ ،‬والهب ات‪ ،‬والوص ايا‪ ،‬واألوق اف‪ ،‬والتبرع ات المالية في المجاع ات والن وازل وأوق ات‬
‫الش دة‪ .‬وما أحوجنا في ه ذه األي ام ل دور األغني اء والموس رين ومس اهمتهم في حل المش كلة المالية المعاص رة ال تي أثقلت‬
‫كاهل الفق راء في المجتمع ات‪ ،‬فهم م دعوون إلخ راج زك اة أم والهم الواجبة أوالً‪ ،‬ثم إلى الص دقات والقرب ات واألعطي ات‬
‫على مختلف أنواعها‪ ،‬مما سيكون له دور كبير في المساهمة في التقليل من آثار موجة الغالء وارتفاع األسعار‪.‬‬
‫إقراض الفقراء وإ مهال المعسرين‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫ومما يمكن أن يفعله األغني اء من مظ اهر عالج المش كلة االقتص ادية هو أن يس اهموا بمش اريع غ ير ربحي ة‪ ،‬بحيث‬
‫يق دمون لبعض فئ ات المجتمع مس اعدات مالية على ش كل ق روض ودي ون إلى آج ال معلوم ة‪ ،‬وفي ح ال عجز ه ؤالء عن‬
‫الوف اء بس داد دي ونهم في أوقاتها المح ددة‪ ،‬أن يمهل وهم وينظ روهم إلى أجل آخر انطالق اً من روح التع اون والرحمة‬
‫يم﴾‬ ‫َأج ٌر ك ِ‬ ‫ض<وا اللَّ َه قَ ْر ً‬ ‫ص ِّدقَ ِ‬ ‫صد ِ‬
‫واألخ وة اإليماني ة‪ .‬ق ال تع الى‪ِ﴿ :‬إ َّن ا ْل ُم َّ‬
‫َر ٌ‬ ‫ف لَ ُه ْم َولَ ُه ْم ْ<‬
‫اع ُ‬
‫ض< َ‬
‫س< ًنا ُي َ‬
‫ض<ا َح َ‬ ‫ات َوَأق َْر ُ‬ ‫ين َوا ْل ُم َّ‬
‫ِّق َ‬

‫البخاري‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب الحرث والمزراعة باب ما كان من أصحاب النبي يواسي بعضهم بعضاً‪ ،‬ج‪ 5‬ص ‪.22‬‬ ‫(?)‬ ‫‪16‬‬

‫انظر‪ :‬البخاري‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب الحرث والمزارعة باب من أحيا أرضا ميتة‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص‪ ،1359‬أبو داود‪ ،‬السنن‪،‬‬ ‫(?)‬ ‫‪17‬‬

‫ج‪ ،3‬ص‪ ،454‬حديث رقم ‪ 3077‬كتاب الخراج واإلمارة والفيء بابا إحياء الموات‪.‬‬
‫البخاري‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب الزكاة باب قوله تعالى‪( :‬ال يسالون الناس إلحافاً) ج‪ ،3‬ص‪.341‬‬ ‫(?)‬ ‫‪18‬‬

‫الدارمي‪ ،‬السنن‪ ،‬كتاب األضاحي باب من قتل شيئاً من الدواب عبثا‪ ً،‬ج‪ ،2‬ص ‪.84‬‬ ‫(?)‬ ‫‪19‬‬

‫‪286‬‬
‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬يوسف الزيوت‬

‫(س ورة الحدي د‪ ،)18 :‬وق ال تع الى‪﴿ :‬فإن كان ذو عس<رة فنظ<<رة إلى ميس<<رة﴾ (س ورة البق رة‪ .)280 :‬بل وهن اك ما هو‬
‫أعظم من اإلمهال واإلنظار هو أن يسقطوا قسماً من الدين ويكتفوا بسداد بعضه‪ ،‬أو أن يعفوهم إعفاء كامالً‪ ،‬فما نقصت‬
‫(م ْن انظر معس راً أو ت رك له‪ ،‬حاسبه اهلل حساباً يسيراً)‬
‫صدقة من م ال وما زاد اهلل عبداً بعفو إال ع زاً‪ .‬ق ال الرس ول ‪َ :‬‬
‫(‪ .)20‬وفي ح ديث المس رف فيمن ك ان قبلنا من ح ديث حذيفة رضي اهلل عنه أنه (حوسب فلم يجد له لحس نة‪ ،‬فقيل ل ه‪ :‬هل‬
‫عملت خ يراً ق ط؟ ق ال‪ :‬ال‪ .‬إال أني كنت رجالً أداين الن اس‪ .‬ف أقول لفتي اني س امحوا الموسر وأنظ روا المعس ر‪ .‬فق ال اهلل‬
‫تعالى‪ :‬نحن أحق بذلك فتجاوز اهلل عنه وغفر له)(‪.)21‬‬
‫ذم اإلسراف والتبذير والدعوة إلى االقتصاد واالعتدال ومدحه‪:‬‬ ‫‪-4‬‬
‫ومن أساليب العقيدة ووسائلها في مواجهة الغالء والحد من ارتفاع األسعار ‪ ،‬دعوة الناس إلى االقتصاد واالعتدال‬
‫في النفقات والمص ارف واستعمال األشياء‪ ،‬وذم اإلسراف والتبذير ووصف المبذرين ب أنهم إخ وان الش ياطين‪ .‬فاإلنسان‬
‫م دعو إلى االس تفادة من كل المباح ات والطيب ات بغ ير س رف وال مخيل ة‪ ،‬وال تقت ير أو مبخل ة‪ ،‬ح تى في دائ رة اإلنف اق‬
‫آت‬‫والتطوع في القربات والصدقات‪ .‬والنصوص من الكتاب والسنة في هذا المجال وافرة واضحة الداللة‪ .‬قال تع الى ﴿و ِ‬
‫َ‬
‫ان ِل َر ِّب ِه‬
‫ط ُ‬ ‫َان َّ‬
‫الش< ْي َ‬ ‫الش<ي ِ‬
‫اط ِ‬
‫ين َوك َ‬ ‫ان َّ َ‬ ‫يرا {‪ِ }26‬إ َّن ا ْل ُم َب ِّذ ِر َ‬
‫ين كَا ُنواْ ِإ ْ<‬
‫خ َو َ‬ ‫ِّ ِ‬
‫الس ِبيل َوالَ تَُبذ ْر تَ ْبذ ً‬ ‫س ِك َ‬
‫ين َو ْاب َن َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َذا ا ْلقُْر َبى َحقَّ ُه َوا ْلم ْ‬
‫<ورا﴾ (س ورة اإلس راء‪ ،)27-26 :‬وفي الح ديث قوله عليه الص الة والس الم‪( :‬ما ع ال َم ْن اقتص د) (‪ .)22‬فه ذه اآلي ات‬
‫َكفُ< ً‬
‫واألح اديث وما في معناها كلها ت أمر باالقتص اد وت دعو إلى االعت دال‪ ،‬وتح ذر من اإلس راف والتب ذير وال شك أن مراع اة‬
‫ذلك يسهم في ضبط استهالك األشياء‪ ،‬ويعمل على وفرتها بين أيدي الناس‪ ،‬وبالتالي يحافظ على رخص أسعارها وعدم‬
‫ارتفاعها وغالئها‪.‬‬
‫ومن أجل تحقيق ه ذه الغاية وغيرها من المقاصد ن ذكر بعض اإلرش ادات والتوجيه ات والمس تحبات ال تي دعت‬
‫العقي دة إلى مراعاته ا‪ ،‬بحيث تس هم في عملية ض بط األس عار ومحاربة الغالء والتخفيف من آث اره وس لبياته ولو بالق در‬
‫القليل‪ .‬فمنها‪:‬‬
‫‪ ‬في مجال الطعام والشراب وآدابهما‪ :‬جاء‪:‬‬
‫‪ -‬التسمية والحمد وما في ذلك من البركة‪.‬‬
‫روى البخ اري من ح ديث عمر بن أبي س لمة ق ال‪ :‬كنت في حجر رس ول اهلل ‪ ،‬وك انت ي دي تطيش في الص فحة‬
‫سم اهلل وكل بيمينك‪ ،‬وكل مما يليك‪ ،‬قال‪ .‬فما زالت تلك طعمتي)(‪.)23‬‬
‫فقال لي‪ (:‬يا غالم ِّ‬
‫وروى ابن حي ان عن ابن عب اس رضي اهلل عنه في قصة الطع ام الذي صنعه أبو أي وب األنص اري رضي اهلل عنه‬
‫للرسول ‪‬وبعض من كان معه من الصحابة‪ .‬قال صلى اهلل عليه وسلم (إذا أصبتم مثل هذا فضريتم بأيديكم فقولوا‪ :‬بسم‬
‫اهلل‪ ،‬وإ ذا شبعتم فقولوا الحمد اهلل الذي هو أشبعنا وأنعم علينا)(‪.)24‬‬
‫‪ -‬كراهية اإلكثار من األكل حتى الشبع‪.‬‬

‫ابن ماجة‪ ،‬الحافظ أبو عبداهلل محمد بن يزيد‪ ،‬السنن‪ ،‬كتاب الصدقات‪ ،‬تعليق محمد فؤاد عبدالباقي‪ ،‬المكتبة العلمية‪،‬‬ ‫(?)‬ ‫‪20‬‬

‫بيروت‪ ،‬باب انظار المعسر‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.808‬‬


‫البخاري‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب البيوع باب من أنظر معسراً‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ ،307‬رقم ‪ ،2077‬والدارمي‪ ،‬السنن‪ ،‬كتاب‬ ‫(?)‬ ‫‪21‬‬

‫البيوع‪ ،‬باب في السماحة‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪.249‬‬


‫أحمد‪ ،‬المسند‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.477‬‬ ‫(?)‬ ‫‪22‬‬

‫البخاري‪ ،‬الصحيح‪ ،‬باب التسمية على الطعام ج‪ 5‬ص‪ 2056‬رقم ‪ .5061‬ومسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬باب آداب الطعام‬ ‫(?)‬ ‫‪23‬‬

‫والشراب‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪ 106‬رقم ‪.5388‬‬

‫‪287‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ظاهرة الغالء‪ :‬دراسة عقدية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫روى لحاكم عن المقداد بن معدي كرب الكندي رضي اهلل عنه قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪( :‬ما مالً آدمي وعاء‬
‫شراً من بطنه‪ .‬حسب ابن آدم ثالث آكالت يقمن صلبه‪ ،‬فإن كان ال محالة فثلث طعام وثلث شراب وثلث لنفسه)(‪.)25‬‬
‫وال شك أن اتب اع ه ذا المنهج النب وي يس هم في ض بط اس تهالك أن واع األطعمة واألش ربة ويعمل على توفره ا‪،‬‬
‫ورخص أسعارها إلى جانب حفظ الحالة الصحية والبدنية لإلنسان من التخمة والسمن والبدانة المفرطة وأمراض المعدة‬
‫مما يش كو منه كث ير من الن اس الي وم‪ ،‬مما ي ترتب عليه عجز عن القي ام باألعم ال واإلنت اج ف يزداد الغالء وتتض اعف‬
‫األسعار‪.‬‬
‫‪ -‬أكل فتات المائدة ولعق األصابع والقصعة قبل غسلها بالماء‪.‬‬
‫ومن آداب الطعام والشراب‪ :‬أن اإلنسان إذا أكل فشبع وحمد اهلل تعالى‪ُّ ،‬‬
‫يسن له أن يلعق أصابعه ويمسح القصعة‪،‬‬
‫وأن يجمع فت ات ما تس اقط من الطع ام‪ ،‬وإ ذا س قطت اللقمة أن يأخ ذها‪ ،‬ويميط عنها األذى وال يتركها للش يطان‪ ،‬ف إن ذلك‬
‫أدنى لتحصيل بركة الطعام‪ .‬وفي هذا الباب روى البخاري بسنده عن ابن عباس رضي اهلل عنه أن النبي ‪ ‬قال‪( :‬إذا أكل‬
‫أحدكم فال يمسح يده حتى يلعقها أو ُيْل ِعقَها)(‪ .)26‬وروى مسلم بسنده عن أنس رضي اهلل عنه أن رسول اهلل ‪( ‬كان إذا أكل‬
‫طعام اً لعق أص ابعه الثالث ق ال وإ ذا س قطت لقمة أح دكم فليمط عنها األذى وليأكلها وال ي دعها للش يطان‪ ،‬ف إنكم ال ت درون‬
‫(‪)27‬‬
‫(م ْن أكل ما‬
‫في أي طع امكم البرك ة) ‪ .‬ومن ه ذا القبيل ما أورده الس خاوي في المقاصد الحس نة من أن الن بي ‪ ‬ق ال‪َ :‬‬
‫يسقط من الخوان أو القصعة أمن من الفقر)(‪ .)28‬قلت‪ :‬وهذا مما يستهين به كثير من الناس اليوم وقد يحقرونه وال يلقون‬
‫له باالً‪ ،‬ناهيك عن اإلسراف والمبالغة واالستخفاف بما يزيد من الطعام ويلقى في مكبات القمامة في الشوارع والطرقات‬
‫مما يساهم في الغالء وارتفاع األسعار‪.‬‬
‫‪ -‬بركة الطعام مع كثرة األيدي عليه وطعام الواحد يكفي االثنين‪.‬‬
‫ومن مظ اهر ال دعوة إلى االقتص اد في مج ال الطع ام ما رواه النس ائي عن ج ابر رضي اهلل عنه أن الن بي ‪ ‬ق ال‪:‬‬
‫(طعام الواحد يكفي االثنين وطعام االثنين يكفي أربع اً‪ ،‬وطعام األربعة يكفي ثمانية)(‪ .)29‬وروى البخاري عن أبي هريرة‬
‫رضي اهلل عنه ق ال‪ :‬ق ال رس ول اهلل ‪( :‬طع ام االث نين ك افي الثالثة وطع ام الثالثة ك افي األربع ة)(‪ .)30‬وقد ك ان الن بي ‪‬‬
‫يدعو إلى االجتماع على الطعام وأن ال يأكل الواحد منفرداً طلب اً لحصول البركة‪ ،‬الحض على مكارم األخالق‪ ،‬واالقتناع‬
‫بالقليل من الطعام‪ ،‬وأنه كلما كثرت األيدي على الطعام ازدادت البركة(‪.)31‬‬
‫‪ ‬االقتصاد في استعمال الماء حتى في الوضوء‪:‬‬

‫ابن حبان‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب األطعمة باب ذكر األمر بتجميد اهلل عز جل وعال عند الفراغ من الطعام‪ ،‬ج‪ 12‬ص‪-16‬‬ ‫(?)‬ ‫‪24‬‬

‫‪ ،17‬حديث رقم ‪ 5261‬تحقيق‪ :‬األرناؤوط‪ ،‬ط ‪ ،‬سنة ‪1993‬هـ‪.‬‬


‫الحاكم‪ ،‬المستدرك‪ ،‬ج‪ 4‬ص ‪ ،367‬حديث رقم ‪.7945‬‬ ‫(?)‬ ‫‪25‬‬

‫البخاري‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب األطعمة باب لعق األصابع ومصها قبل مسحها بالمنديل‪ .‬ج‪ ،5‬ص‪ ،2077‬حديث رقم‬ ‫(?)‬ ‫‪26‬‬

‫‪.5140‬‬
‫مسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب األشربة باب استحباب لعق األصابع‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ،1607‬حديث رقم ‪2034‬‬ ‫(?)‬ ‫‪27‬‬

‫انظر‪ :‬الزرماني‪ ،‬مختصر المقاصد الحسنة‪ ،‬حديث رقم ‪ ،987‬بتحقيق من لطفي الصباغ‪ ،‬ط‪1981 ،1‬م‪.‬‬ ‫(?)‬ ‫‪28‬‬

‫(?) النسائي‪ ،‬السنن‪ ،‬مكتبة المطبوعات اإلسالمية‪ ،‬حلب‪ ،‬باب الحديد‪ ،‬ط‪1986 ،2‬م‪ .‬ج‪ ،4‬ص ‪ 178‬حديث رقم ‪، 677‬‬ ‫‪29‬‬

‫بتحقيق عبد الغفار البنداري ط‪.1991 ،1‬‬


‫البخاري‪ ،‬الصحيح‪ ،‬ج ‪ 9‬ص ‪ ،535‬حديث رقم ‪.5392‬‬ ‫(?)‬ ‫‪30‬‬

‫انظر‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬ج‪ 5‬ص ‪.535‬‬ ‫(?)‬ ‫‪31‬‬

‫‪288‬‬
‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬يوسف الزيوت‬

‫ليست ال دعوة إلى االقتص اد قاص رة على الطع ام فق ط‪ ،‬بل والم اء أيض اً ح تى لو ك ان ذلك في ب اب العب ادات من‪:‬‬
‫مر بسعد وهو‬
‫الطهارة‪ ،‬والوضوء‪ ،‬واالغتسال‪ ،‬وغير ذلك‪ .‬روى أحمد في مسنده من حديث عمر بن العاص أن النبي ‪َّ ‬‬
‫يتوضأ فق ال‪( :‬ما هذا السرف يا سعد؟ قال أفي الوض وء س رف‪ .‬قال‪ :‬نعم وإ ن كنت على نهر ج ار)(‪ .)32‬وعن ابن ماجه‬
‫من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‪ :‬جاء أعرابي إلى النبي ‪ ‬فسأله عن الوضوء‪ .‬فأراه ثالثاً ثالثاً‪ .‬ثم ق ال‪:‬‬
‫(هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء أو تعدى أو ظلم) باب ما جاء في القصد في الوضوء وكراهية التعدي فيه(‪.)33‬‬
‫ولك أن تتصور ما يقع فيه الناس اليوم من اإلسراف في استعمال الماء في مختلف الوجوه‪ ،‬مما يشكل خطراً كبيراً ويسهم‬
‫في شح المياه ونضوبها وارتفاع أثمانها‪ ،‬مما يحتاج إلى إعادة نظر وحسن تصرف وفق المعتقدات اإليمانية التي جاءت‬
‫بها الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ ‬الصوم الواجب والمستحب‪:‬‬
‫فرض اهلل تعالى الصوم على األمم جميعها‪ ،‬لما فيه من الفوائد الصحية واالقتصادية والنفسية‪ ،‬ويهمنا هنا اإلشارة‬
‫إلى الحكمة االقتصادية التي يحققها الصوم بنوعية المفروض الواجب‪ ،‬والمسنون المستحب‪ ،‬فإذا جملة األيام التي دعي‬
‫المسلم إلى صيامها كانت قرابة خمسين يوماً في السنة‪ ،‬ناهيك عن الكفارات وصيام التطوع‪ ،‬فهو يشكل سياسة اقتصادية‬
‫من ش انها أن تس هم في الحد من االس تهالك في األغذية واألطعمة واألش ربة‪ ،‬فهو أس لوب من أس اليب خفض األس عار‬
‫ورخص األشياء وتوفير المواد ومحاربة الغالء‪.‬‬
‫‪ ‬النهي عن استعمال آنية الذهب والفضة‪:‬‬
‫ح رم اإلس الم اس تعمال األش ياء في غ ير ما خلقت ل ه‪ ،‬ومن ذلك أنه نهى عن اس تعمال ال ذهب والفضة في األواني‬
‫لألكل والشرب وغير ذلك‪ ،‬ألنهما النقدان‪ ،‬وجعلهما في صناعة األواني والقداح يفضي إلى تعطيلهما وعدم تحقق الغاية‬
‫منهم ا‪ ،‬مما ي ؤدي إلى خلل في الوضع االقتص ادي ويخلق المش كالت المالي ة‪ ،‬ومنها الغالء وارتف اع األس عار‪ ،‬ناهيك عن‬
‫إش اعة مظ اهر الترف والبذخ والخيالء بين الن اس‪ .‬روى البخ اري من ح ديث حذيفة رضي اهلل عنه ق ال‪ :‬س معت رس ول‬
‫اهلل ‪ ‬يقول‪( :‬ال تلبسوا الحرير والديباج وال تشربوا في آنية الذهب والفضة وال تأكلوا في صحافها)(‪.)34‬‬
‫‪ ‬النهي عن التطاول في البناء والعمران‪:‬‬
‫التطاول والمغاالة في البناء والعمران من أعقد مشاكل هذا الزمان‪ ،‬وما ينفق على ذلك من األموال ال يكاد يقدر‪،‬‬
‫وهو من أهم ما يس هم في ظ اهرة الغالء وارتف اع األس عار‪ .‬وقد ع َّد الرس ول ‪ ‬ذلك من عالم ات الس اعة‪ ،‬كمما ج اء في‬
‫ح ديث جبريل المش هور فق ال‪ ...( :‬وأن ت رى الحف اة الع راة العالة رع اء الش اء يتط اولون في البني ان)(‪ .)35‬وفيما روى‬
‫الترمذي عن أنس رضي اهلل عنه أن رسول اهلل ‪ ‬قال (النفقة كلها في سبيل اهلل إال البناء فال خير فيه) ج‪ 4‬ص ‪.)36( 651‬‬
‫ون ِب ُك ِّل ِري< ٍ<ع آيَ ًة تَ ْع َبثُ َ‬
‫<ون {‪}128‬‬ ‫وقد ذم اهلل تع الى ق وم ه ود على ما ك انوا يفعلونه من التط اول في العم ران فق ال‪َ﴿ :‬أتَ ْب ُن َ‬

‫أحمد‪ ،‬المسند‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ 221‬رقم ‪.7065‬‬ ‫(?)‬ ‫‪32‬‬

‫ابن ماجة‪ ،‬السنن‪ ،‬باب ما جاء في القصد في الوضوء‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪ 146‬حديث رقم ‪.422‬‬ ‫(?)‬ ‫‪33‬‬

‫البخاري‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب األطعمة باب األكل في غناء مفضض ج‪ 9‬ص‪ 554‬وج ‪ 10‬ص ‪ 94‬باب الشرب في‬ ‫(?)‬ ‫‪34‬‬

‫آنية الذهب‪ ،‬ومسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب اللباس والزينة باب تحريم استعمال أواني الذهب والفضة ج‪ 3‬ص ‪ 1634‬حديث رقم‬
‫‪.2065‬‬
‫البخاري‪ ،‬الصحيح‪ ،‬باب سؤال جبريل عن اإليمان واإلسالم واإلحسان ج‪ 1‬ص‪ 27‬حديث رقم ‪ ،50‬ومسلم‪،‬‬ ‫(?)‬ ‫‪35‬‬

‫الصحيح‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب اإليمان واإلسالم ج‪ 1‬ص‪ 37‬حديث رقم ‪.8‬‬
‫ج‪ 4‬ص ‪.651‬‬ ‫(?)‬ ‫‪36‬‬

‫‪289‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ظاهرة الغالء‪ :‬دراسة عقدية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ص ِان َع لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْخلُ ُد َ‬


‫ون﴾ (سورة الشعراء‪ ،)129-128 :‬كل ذلك وسائل إيمانية وتدابير وقائية وتربية دينية من‬ ‫َوتَتَّ ِخ ُذ َ‬
‫ون َم َ‬
‫أعظم مقاصدها المحافظة على رخص األسعار وعدم ارتفاع األثمان‪ ،‬وفشو الغالء في وجوه الحياة‪.‬‬

‫‪ ‬محاكاة الفقراء لألغنياء وتقليدهم‪:‬‬


‫ومما يس هم في إش اعة الفقر وارتف اع األس عار وغالء ثمن الحاج ات‪ ،‬ما يح دث في كث ير من القطاع ات االجتماعية‬
‫من مجاراة الفقراء لألغنياء والمترفين وتقليدهم ومحاولة التشبه بهم في كثير من شؤونهم في المأكل والمشرب والملبس‬
‫والمس كن‪ ،‬وهو ما يثقل كاهل ه ذه الطبقة االجتماعية الفق يرة ال تي تش كل أكثرية بش رية في المجتم ع‪ ،‬ويحملها ما ال تطيق‬
‫لحساب أصحاب رؤوس األموال من التجار والمستثمرين وهم األغنياء أصال‪ ،‬مما يعود على األسعار بالغالء واالرتفاع‪،‬‬
‫وثراء‪.‬‬
‫ً‬ ‫فيتضرر الفقراء أنفسهم ويزداد األغنياء غنى‬
‫والمش اهد في واقعنا االجتم اعي أن الفق راء ومح دودي ال دخل في جميع مناس باتهم‪ ،‬يتحمل ون أعب اء إض افية في‬
‫<ك ِإلَى َما‬
‫َّن َع ْي َن ْي< َ‬
‫محاك اتهم وتش بههم باألغني اء والمس رفين‪ .‬وقد ح ذر اإلس الم من ه ذا كما يفهم من قوله تع الى‪َ ﴿ :‬واَل تَ ُمد َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّنيا﴾ (س ورة ط ه‪ .)131 :‬فاهلل تع الى وتب ارك‪ ،‬ينهى نبيه ‪ ،‬أن يتطلع إلى ما في‬ ‫َمتَّ ْع َنا بِه َْأز َو ً‬
‫اجا ِّم ْن ُه ْم َز ْه< َ<رةَ ا ْل َحيَاة ال<<د َ‬
‫أيدي الكفار من زخارف الحياة الدنيا‪ ،‬وملذاتها(‪.)37‬‬
‫وقد روى الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪( :‬انظروا إلى َمن أسفل منكم وال تنظروا‬
‫إلى من هو ف وقكم فإنه أج در أن ال ت زدروا نعمة اهلل عليكم) (‪ ،)38‬وال يخفى ح ال كث ير من الن اس الي وم منع دم القناعة‬
‫والرضى بالقليل‪ ،‬فهم يتبرمون ويتضجرون‪ ،‬ويكلفون أنفسهم نفقات وديوناً ال طاقة لهم بها‪ ،‬وقد تكون باإلقراض الربوي‬
‫حتى يتشبهوا ويحاكوا األغنياء‪ ،‬فيسهم ذلك برفع األسعار وغالء األثمان‪.‬‬
‫‪ ‬في دائرة الكماليات والمناسبات االجتماعية‪:‬‬
‫ومن مظاهر اإلسراف الذي ُيسهم في رفع األسعار وإ شاعة الغالء بين الناس‪ ،‬ما يصرف على الكماليات ومظاهر‬
‫الزينة وال ترف‪ ،‬وما يتكلفه الن اس في المنس بات االجتماعية المختلف ة‪ ،‬في مواسم األف راح‪ ،‬أم الم أتم واألح زان‪ ،‬حيث‬
‫يتوسعون في االهتمام والمبالغة وتكلف ما فوق الحاجة‪ ،‬كما يقع في مناسبات األعراس‪ -‬خاصة‪ -‬إلخراج حفل العرس‬
‫على مستوى عال من االستعراض الشعبي‪ :‬من صالونات وصاالت‪ ،‬ودعوة عدد كبير جداً من المدعوين للمشاركة‪ ،‬وما‬
‫يرافق ذلك من س يارات وح افالت ومفرقع ات ناري ة‪ ،‬وغ ير ذلك من التك اليف والل وازم المفتعل ة‪ ،‬ه ذا فض الً عن الغلو‬
‫الف احش في مهر الزوجة وما يتبع ذلك من لوازمها ومطالبها من ذهب وأث اث ومالبس بمواص فات مح ددة‪ ،‬خالف اً لما دعا‬
‫إليه اإلسالم من االقتصاد واالعتدال والتيسير في أمر الزواج ونفقاته سواء أكان في المهر في توابع الحفل‪.‬‬
‫(‪)39‬‬
‫روى الح اكم من ح ديث عائشة رضي اهلل عنها أن الن بي ‪ ‬ق ال‪( :‬أعظم النس اء بركة أيس رهن ص داقاً) ‪ ،‬وروى‬
‫أبو داود من حديث أنس رضي اهلل عنه أن رسول اهلل ‪ ‬رأي عبد ال رحمن بن ع وف رضي اهلل عنه وعليه درع زعفران‬
‫أولم ولو بشاة)‬
‫(م ْهيم‪ .‬فقال يا رسول اهلل تزوجت امرأة‪ .،‬قال‪ :‬ما أصدقتها؟ قال‪ :‬وزن نواة من ذهب‪ .‬قال ْ‬
‫فقال النبي ‪َ :‬‬
‫(‪.)40‬‬

‫انظر‪ :‬الشوكاني‪ ،‬فتح القدير‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪.394 ،142‬‬ ‫(?)‬ ‫‪37‬‬

‫الترمذي‪ ،‬السنن‪ ،‬كتاب صفة القيامة حديث رقم ‪ ،2513‬وابن ماجة‪ ،‬السنن‪ ،‬كتاب الزهد باب القناعة ج‪ 2‬ص ‪138‬‬ ‫(?)‬ ‫‪38‬‬

‫حديث رقم ‪.4162‬‬


‫حديث صحيح ولم يخرجاه كتاب النكاح‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ 194‬رقم ‪2732‬‬ ‫(?)‬ ‫‪39‬‬

‫أبو داود‪ ،‬السنن‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب قلة المهر‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪1969 ،1‬م‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪ 235‬رقم ‪.2109‬‬ ‫(?)‬ ‫‪40‬‬

‫‪290‬‬
‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬يوسف الزيوت‬

‫ومما يؤسف له أن أف راح الن اس في ه ذا الزم ان يحكمها حب الظه ور والمباه اة والمف اخرة والتقليد والمحاك اة‬
‫واإلس راف والع ادات والتقاليد الجاهلي ة‪ ،‬وكل ذلك مخ الف ل روح العقي دة اإلس المية‪ ،‬ومقاصد الش ريعة اإللهي ة‪ .‬ومن هنا‬
‫فإنه يحسن أن نذكر أنفسنا وغيرنا بضرورة مراجعة هذا الباب‪ ،‬ألنه صار يشكل عبئ اً ثقيالً على اقتصاد األسرة ويكلفها‬
‫مما ال طاقة لها به‪ ،‬ويرفع علينا األسعار ويغلي ثمن الحاجات‪.‬‬
‫ولنستذكر أن المال الذي بأيدينا سنسأل عنه‪ ،‬فقد روى الدارمي من حديث أبي برزة األسلمي قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫‪( :‬ال تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه‪ ،‬وعن علمه ما فعل له‪ ،‬وعن ماله من أين اكتسبه وفيما‬
‫أنفقه‪.)41()....‬‬
‫وبعد فهذه جملة من اإلج راءات والتدابير التي دعت عليها العقيدة اإلسالمية إلى مراعاتها وااللتزام بها في أنم اط‬
‫الحي اة والس لوك في مج ال اإلس راف والتب ذير وال دعوة إلى االقتص اد‪ ،‬من ش أنها أن تعمل على ض بط األس عار ورخص‬
‫األثمان‪.‬‬
‫تحريم االحتكار ومظاهر االستغالل‪:‬‬ ‫‪-5‬‬
‫يش كل االحتك ار أو حبس الس لع عن الت داول في الس وق بالطريقة – الطبيعي ة‪ ،‬أحد أهم أس اليب الجشع والطمع‬
‫واالس تغالل ال ذي يمارسه بعض التج ار والم الكين‪ ،‬وهو من أهم العوامل ال تي تس هم في رفع األس عار وارتف اع ثمن ما‬
‫يحتاجه الن اس مما يس ببه من خلل في قاع دة الع رض والطلب الطبيعية في الس وق االقتص ادية‪ .‬ولما ك ان ش أن االحتك ار‬
‫على ه ذا المس توى من الض رر والخلل في حي اة الن اس‪ ،‬ف إن العقي دة اإلس المية قد ج اءت بتح ريم االحتك ار‪ ،‬وت أثيم‬
‫المحتكرين‪ ،‬ومنع كل ما يفضي إليه‪.‬‬
‫وروى اإلم ام مس لم وأبو داود والترم ذي عن َم ْع ِمر بن أبي معمر رضي اهلل عنه عن الن بي ‪ ‬ق ال‪( :‬من احتكر‬
‫طعام اً فهو خ اطئ) وفي رواية أخ رى‪( :‬ال يحتكر إال خ اطئ) والخ اطئ هو اآلثم العاصي(‪ .)42‬وروى ابن ماجه من‬
‫(من احتكر على المس لمين طع امهم ض ربه اهلل ب الحزام واإلفالس) (‪ .)43‬وعن ابن عمر رضي اهلل‬
‫ح ديث عمر مرفوع اً‪َ :‬‬
‫(من احتكر طعام اً أربعين ليلة فقد ب رئ من اهلل وب رئ اهلل من ه) (‪ .)44‬وعن أبي هري رة رضي اهلل عنه مرفوع اً‪:‬‬
‫عنهم ا‪ْ :‬‬
‫(م ْن احتكر حكرة يريد أن يغالي بها على المسلمين فهو خاطئ)(‪.)45‬‬
‫َ‬
‫وفي ال وقت ال ذي نهى فيه الرس ول ‪ ،‬عن االحتك ار‪ ،‬فقد رغب وحبَّب في جلب األرزاق واألطعمة والس لع وما‬
‫يحتاج الناس إليه إلى السوق حتى ينتفع الناس‪ ،‬بما يجلب إلى أسواقهم فيحصلون على حاجاتهم من غير عنت وال مشقة‬
‫وال غالء‪َّ ،‬‬
‫وبشر الجالب بالرزق‪ ،‬ولعن المحتكر فقال (الجالب مرزوق والمحتكر ملعون)(‪.)46‬‬

‫الدارمي‪ ،‬السنن‪ ،‬باب من كره الشهرة والمعرفة‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ 144‬رقم ‪.537‬‬ ‫(?)‬ ‫‪41‬‬

‫مسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب المساقاة‪ ،‬باب النهي عن الحكرة‪ ،‬أبو داود‪ ،‬السنن‪ ،‬كتاب البيوع باب النهى عن الحكرة ج‪3‬‬ ‫(?)‬ ‫‪42‬‬

‫ص ‪ ،728‬ابن ماجة‪ ،‬السنن‪ ،‬في التجارات‪ ،‬باب النهي عن الحكرة‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ 728‬رقم ‪.2154‬‬
‫ابن ماجة‪ ،‬السنن‪ ،‬كتاب التجاريات باب النهي عن الحكرة‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،729‬وأحمد‪ ،‬المسند‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.21‬‬ ‫(?)‬ ‫‪43‬‬

‫الحاكم ‪ ،‬المستدرك‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ، 12‬وأحمد‪ ،‬المسند‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.33‬‬ ‫(?)‬ ‫‪44‬‬

‫الحاكم‪ ،‬المستدرك‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،12‬وأحمد‪ ،‬المسند‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ 351‬وانظر‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ 348‬و‬ ‫(?)‬ ‫‪45‬‬

‫سابق‪ ،‬سيد‪ ،‬فقه السنة‪ ،‬مكتبة الخدمات الحديثة‪ ،‬جدة‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪.266‬‬
‫ابن ماجة‪ ،‬السنن‪ ،‬في التجارات باب النهي عن الحكرة‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪ ،728‬والدارمي‪ ،‬السنن‪ ،‬في البيوع باب النهي‬ ‫(?)‬ ‫‪46‬‬

‫عن االحتكار ج‪ 2‬ص‪ ،248‬والحاكم‪ ،‬المستدرك‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص‪.12‬‬

‫‪291‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ظاهرة الغالء‪ :‬دراسة عقدية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ولض مان تن افس الس وق حسب قاع دة الع رض والطلب بعي داً عن كل ما يس هم في اختالل األس عار بطريقة غ ير‬
‫طبيعي ة‪ ،‬نهى عليه الص الة والس الم عن ما ك ان يع رف بتلقي الركب ان الواف دين من البادي ة‪ ،‬لما في ذلك من التغرير بهم‬
‫وخداعهم‪ ،‬وكذلك أهل السوق عامة‪ .‬وفي هذا أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال‪:‬‬
‫قال رسول اهلل ‪( :‬ال تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى السوق)(‪.)47‬‬
‫وما هذه إال تحفظات وتحرزات واحتياطات ووسائل وقائية لمنع غالء األسعار وارتفاع أثمان السلع على الناس‪،‬‬
‫فيصيبهم من العناء والمشقة بسبب ذلك(‪.)48‬‬
‫والمشاهد على حال أسواق الناس اليوم مخالفة هذه األحكام حيث يعمد بعض التجار خصوص اً من يعرفون بوكالء‬
‫الس لع‪ ،‬إلى احتك ار الم واد الغذائية وغيره ا‪ ،‬ويرفع ون أس عارها لتحكمهم في زم ان وكمية عرض ها‪ ،‬فيحقق ون أرباح اً‬
‫فاحشة‪ ،‬وهو أسلوب تؤيده األنظمة الرأسمالية الديمقراطية الغربية‪ ،‬ومن يقلدهم من التجار في البالد العربية اإلسالمية‪،‬‬
‫مس تدلين على ذلك ب رفض الرس ول ‪ ‬لوضع ح ِّد لألس عار‪ ،‬عن دما طلب الن اس منه ذل ك‪ ،‬لما غلت األس عار في عه ده كما‬
‫جاء عن أنس رضي اهلل عنه قال الناس‪ :‬يا رسول غال السعر فسعِّر لنا‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪( :‬إن اهلل هو المسعر‪ ،‬القابض‬
‫الباسط الرازق‪ ،‬وأني ألرجو أن ألقى اهلل وليس أحد منكم يطالبني في مظلمة في دم وال مال)(‪.)49‬‬
‫وليس في ه ذه اآلث ار داللة قاطعة على منع التس عير مطلق ا‪ ،‬فالعلم اء على ج وازه إذا ك ان الغالء بس بب احتك ار‬
‫التج ار وما يقوم ون به من تحكم في الس وق ورفع األس عار‪ ،‬حسب أه وائهم‪ ،‬وليس تبع اً للع رض والطلب بالوضع‬
‫االعتيادي الخارج عن التدخل البشري‪ ،‬كما يفعله التجار الرأسماليون‪ ،‬الغربيون من إتالف كميات كبيرة من األصناف‬
‫التي يقل الطلب عليها‪ ،‬أو تزيد كمياتها حفاظ اً على مستوى أسعارها‪ ،‬فتجدهم يتلفون آالف األطنان من الحبوب واللحوم‬
‫وال بيض والحليب وغ ير ذل ك‪ ،‬أو يحبس ونها ويخفونها ف ترة من ال وقت‪ ،‬ح تى يرتفع ثمنها فيخرجونها ويعرض ونها في‬
‫األسواق فيقبل الناس عليها بالسعر الذي يطلبونه‪ .‬أنظر أصول علم االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.)50( 91‬‬
‫ربط القلوب باهلل تعال ورد األمور إليه في جميع األحوال‪:‬‬ ‫‪-6‬‬
‫اإليم ان باهلل تع الى يق وم على قاع دة االتص ال باهلل‪ ،‬وربط القل وب به جل وعال‪ ،‬واالعتم اد والتوكل علي ه‪ ،‬واللج وء‬
‫إليه في طلب الحاجات وتفريج الكربات‪ ،‬ورفع الشدة والبالء‪ ،‬ولهذا فاإلنسان مأمور بالتوجه إلى اهلل تعالى‪ ،‬في الشدائد‬
‫والن وازل‪ ،‬عن طريق الص الة وال دعاء واالس تعاذة واالس تغفار والتض رع والتوب ة‪....‬الخ‪ .‬ق ال تع الى‪َ ﴿ :‬فلَ ْوال ِإ ْذ ج ُ‬
‫َاءه ْم‬
‫<ون﴾ (س ورة األنع ام‪ ،)43 :‬ق ال ابن كث ير رحمه‬ ‫ان َما كَا ُنواْ َي ْع َملُ َ‬
‫ط ُ‬ ‫َّن لَ ُه ُم َّ‬
‫الش< ْي َ‬ ‫<وب ُه ْم َو َزي َ‬ ‫ِ‬
‫س< ْت ُقلُ ُ‬
‫ض< َّر ُعواْ َولَـكن قَ َ‬
‫ْأس َنا تَ َ‬
‫َب ُ‬
‫اهلل‪ :‬يق ول تع الى‪( :‬ولقد أرس لناك إلى أمم من قبلك فأخ ذناهم بالبأس اء يع ني الفقر والض يق في العيش‪ -‬والض راء‪ -‬وهي‬
‫األم راض واألس قام واآلالم‪ -‬لعلهم يتض رعون‪ -‬أي ي دعون اهلل ويتض رعون إليه ويخش ونه‪ ،‬فهال إذا ابتلين اهم ب ذلك‬
‫تضرعوا إلينا وتمسكنوا لدينا‪ ،‬ولكن قست قلوبهم فما رقت وال خشعت‪ ،‬وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون من الشرك‬
‫والمعاندة والمعاصي)(‪.)51‬‬

‫البخاري‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب البيوع بابا النهي عن تلقي الركبان‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.373‬‬ ‫(?)‬ ‫‪47‬‬

‫انظر‪ :‬عوض‪ ،‬أحمد صفي الدين‪ ،‬أصول علم االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬ص‪. 88-81‬‬ ‫(?)‬ ‫‪48‬‬

‫الترمذي‪ ،‬السنن‪ ،‬كتاب البيوع باب في التسعير رقم ‪ 1314‬وقال حديث حسن صحيح وأبو داود كتاب البيوع باب‬ ‫(?)‬ ‫‪49‬‬

‫في التسعير ج‪ 3‬ص ‪ 731‬رقم ‪.3451‬‬


‫انظر‪ :‬عوض‪ ،‬أحمد صفي الدين‪ ،‬أصول علم االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬ص ‪.91‬‬ ‫(?)‬ ‫‪50‬‬

‫ابن كثير‪ ،‬التفسير‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪133‬‬ ‫(?)‬ ‫‪51‬‬

‫‪292‬‬
‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬يوسف الزيوت‬

‫وك ان عليه الص الة والس الم يس تعيذ باهلل من أش ياء كث يرة منها الفق ر‪ ،‬وغلبة ال دين‪ .‬روى النس ائي من ح ديث أبي‬
‫هريرة رضي اهلل عنه أن النبي ‪ ‬ك ان يقول (اللهم إني أع وذ بك من القلة والفقر والذلة وأعوذ بك أن أظلم أو ُأظلم) سنن‬
‫النسائي ج‪ 4‬ص‪ 451‬كتاب االستعاذة بابا االستعاذة من القلة(‪.)52‬‬
‫وروى أبو دواد عن أبي سعيد الخدري قال‪( :‬دخل رسول اهلل ‪ ‬ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من األنصار يقال‬
‫له أبو أمامة فقال‪ :‬يا أبا أمامة مالي أراك جالس اً في المسجد في غير وقت الصالة؟ قال‪ :‬هموم لزمتني وديون يا رسول‬
‫اهلل ‪ .‬ق ال أفال أعلمك كالم اً إذا أنت قلته أذهب اهلل عز وج ل‪ ،‬همك وقضى دينك ق ال‪ :‬بلى يا رس ول اهلل‪ .‬ق ال‪ :‬قل إذا‬
‫أصبحت وإ ذا أمسيت‪ :‬اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن‪ ،‬وأعوذ بك من العجز والكسل‪ ،‬وأعوذ بك من الجبن والبخل‪،‬‬
‫وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال‪ .‬قال ففعلت ذلك فأذهب اهلل عز وجل همي وقضى عني ديني)(‪.)53‬‬
‫استَ ْغ ِف ُروا َر َّب ُك ْم‬‫ت ْ‬ ‫وجعل تبارك وتعالى‪ ،‬االستغفار سبباً شرعياً للخير والعطاء واإلمداد بالم ال والم الي والولد ﴿فَ ُق ْل ُ‬
‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫َِأم َو ٍال َو َب ِن َ‬ ‫ِ‬ ‫ان َغفَّ ًارا {‪ُ }10‬ي ْر ِس ِل َّ‬
‫َارا﴾‬ ‫ين َو َي ْج َعل ل ُك ْم َج َّنات َو َي ْج َعل ل ُك ْم َأ ْنه ً‬ ‫الس َماء َعلَ ْي ُكم ِّم ْد َر ًارا {‪َ }11‬و ُي ْمد ْد ُك ْم ب ْ‬ ‫ِإ َّن ُه َك َ‬
‫(س ورة ن وح‪ )12-10 :‬ففي اآلية دليل على أن االس تغفار ي وجب ن زول األمط ار ال تي هي س بب ال رخص ووف رة‬
‫الحاجات‪ ،‬ولذلك لما خرج عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه‪ ،‬إلى االستسقاء فلم يزد على أن استغفر ثم انصرف‪ ،‬فقيل له‬
‫ما رأين اك اس تقيت فق ال‪ :‬واهلل لقد استقيت أبلغ االستس قاء ثم ن زل المط ر‪ ،‬وش كا رجل إلى الحسن الجدب فق ال له اس تغفر‬
‫(‪ .)54‬وك ان رس ول اهلل ‪ ‬قد س َّن ص الة االستس قاء في الج دب وانحب اس المط ر‪ ،‬وأنه خ رج فاستس قى ثم توجه جهة القبلة‬
‫حول السنةُ ويصير الغالء رخصاً(‪.)55‬‬
‫وحول رداءه وصلى ركعتين وقلب الرداء حتى تُ َّ‬
‫وحول إلى الناس ظهره يدعو‪َّ ،‬‬
‫اعتبار الغالء مظهراً من مظاهر العقاب الرباني العاجل‪:‬‬ ‫‪-7‬‬
‫إذا انتهكت مح ارم اهلل تع الى‪ ،‬وخ رج الن اس عن طاعته ف اغرقوا في المعاصي واآلث ام‪ ،‬وظهر الفسق والفج ور‪،‬‬
‫عاقبهم اهلل جل وعال وأدبهم عقاباً عاجالً لعلهم يرجعون‪ ،‬قبل أن يأخذهم بالعذاب الشديد يوم القيامة‪ ،‬ومن مظاهر العقوبة‬
‫الربانية أن يع اقب بالقحط والج دب ومنع المطر من الس ماء مما ي ترتب عليه نقص في الحاج ات‪ ،‬األمر ال ذي يفضي إلى‬
‫ِ‬ ‫ِئ‬ ‫ِ‬
‫ان‬ ‫ضَر َب اللّ ُه َمثَالً قَ ْر َي ًة َكا َن ْت آم َن ًة ُّم ْط َم َّن ًة َيْأت َ‬
‫يها ِر ْزقُ َها َر َغ ًدا ِّمن ُك ِّل َم َك ٍ‬ ‫ارتفاع األسعار وظهور الغالء‪ .‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬و َ‬
‫<وع وا ْلخ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ون﴾ (س ورة النح ل‪ .)112 :‬ف الجوع والخ وف من‬ ‫ص< َن ُع َ‬ ‫َوف ِب َما كَا ُنواْ َي ْ‬ ‫اس ا ْل ُج ِ َ ْ‬ ‫فَ َكفََر ْت ِبَأ ْن ُعم اللّه فََأ َذاقَ َها اللّ ُه ل َب َ‬
‫أهم المظاهر والنتائج السلبية لغالء األسعار‪ ،‬وهو من مظاهر العيشة الضنك التي أخبر اهلل تعالى عنها‪ ،‬عقاب اً لمن عصاه‬
‫َأع َمى﴾ (س ورة‬ ‫َة ْ‬ ‫ش<رهُ يَوم ا ْل ِقيام ِ‬ ‫لَه َم ِع َ‬ ‫ض َعن ِذ ْك ِ<ري فَِإ َّن ُ‬
‫ض<ن ًكا َو َن ْح ُ ُ ْ َ َ‬ ‫يش< ًة َ‬ ‫َأع َر َ‬
‫وخ رج عن طاعت ه‪ .‬ق ال تع الى‪َ ﴿ :‬و َم ْن ْ‬
‫ط ه‪ ,)124 :‬وإ ذا تأملنا ما أص اب الع الم الي وم من الغالء الف احش وارتف اع األس عار‪ ،‬وما رافقه من الج وع والخ وف‬
‫والمعيشة الض نك‪ ،‬قلنا بال ت ردد‪ :‬إن ذلك إنما هو عق اب إلهي وع ذاب رب اني عاجل نتيجة لما عليه الن اس من االنح راف‬
‫والفسق والمجاهرة بالمعاصي واآلثام‪ ،‬ومجافاة الفطرة البشرية التي فطر اهلل الناس عليها‪.‬‬
‫وأخ رج ابن ماجه من ح ديث ثوب ان رضي اهلل عنه ق ال ‪ :‬ق ال رس ول ‪ .....( :‬وإ ن الرجل ليح رم ال رزق بال ذنب‬
‫يص يبه)(‪ ،)56‬فه ذا الح ال ال ذي يعيشه الن اس في ه ذه األي ام هو عق اب رب اني أص ابهم لعلهم يرجع ون ويتض رعون‬
‫ويستغفرون ويغيرون ما بأنفسهم‪ ،‬وهو وسيلة من وسائل العقيدة في مواجهة الغالء‪.‬‬

‫النسائي‪ ،‬السنن‪ ،‬كتاب االستعاذة‪ ،‬باب االستعاذة من القلة‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪. 451‬‬ ‫(?)‬ ‫‪52‬‬

‫أبو داود‪ ،‬السنن‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب في االستعاذة ج‪ 2‬ص‪ ، 93‬رقم ‪.1555‬‬ ‫(?)‬ ‫‪53‬‬

‫انظر‪ :‬ابن جزي‪ ،‬محمد بن أحمد الغزناطي‪ ،‬التسهيل في علوم التنزيل‪ ،‬ط‪ ،4‬دار الكتاب العربي‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.150‬‬ ‫(?)‬ ‫‪54‬‬

‫انظر‪ :‬أحمد‪ ،‬المسند‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ ،41‬وانظر‪ :‬البخاري‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب االستسقاء‪ ،‬حديث رقم ‪.1012‬‬ ‫(?)‬ ‫‪55‬‬

‫ابن ماجة‪ ،‬السنن‪ ،‬كتاب الفتن باب العقوبات‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص‪ ،1334‬حديث رقم ‪.4022‬‬ ‫(?)‬ ‫‪56‬‬

‫‪293‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ظاهرة الغالء‪ :‬دراسة عقدية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫اعتبار الغالء من مظاهر االبتالء والدعوة إلى الصبر والرضا بالقدر‪:‬‬ ‫‪-8‬‬
‫ما يصيب اإلنسان من بؤس وشدة وعناء وضنك‪ .‬ليس بالضرورة أن يكون عقاباً أو عذاباً وانتقام اً‪ ،‬وإ نما قد يكون‬
‫من ب اب االبتالء واالختب ار واالمتح ان‪ .‬واالبتالء س نة ربانية في الك ون يعامل اهلل به عب اده عام ة‪ ،‬والمؤم نين خاص ة‪،‬‬
‫ليميز الخبيث من الطيب‪ ،‬ويكشف عن حقيقة إيمان المؤمنين‪ ،‬وصبر الصابرين‪ ،‬فهذه مسلمات ثابتة في العقيدة اإلسالمية‬
‫س‬‫َو ِال َواألنفُ ِ‬ ‫<وع َو َن ْق ٍ‬
‫ص ِّم َن اَألم َ‬ ‫وف َوا ْل ُج ِ‬ ‫ش ْي ٍء ِّم َن ا ْل َخ ْ‬ ‫قررها القران الكريم في مواطن كث يرة‪ .‬ق ال تع الى ﴿ َولَ َن ْبلُ َو َّن ُك ْم ِب َ‬
‫<ون{‪ُ }156‬أولَـِئ َك َعلَ ْي ِه ْم‬ ‫اجع< َ‬ ‫يب ٌة قَالُواْ ِإ َّنا ِللّ< ِ<ه َوِإ َّنـا ِإلَ ْي< ِ<ه ر ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫َأص < َابتْ ُهم ُّمص < َ‬ ‫ين{‪ }155‬الَّ ِذ َ‬
‫ين ِإ َذا َ‬ ‫الص <ا ِب ِر َ‬
‫ش < ِر َّ‬ ‫ات َو َب ِّ‬ ‫والثَّمَر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ون﴾ (سورة البقرة‪.)157-155 :‬‬ ‫ِئ‬
‫ات ِّمن َّر ِّب ِه ْم َو َر ْح َم ٌة َوُأولَـ َك ُه ُم ا ْل ُم ْهتَ ُد َ‬
‫صلَ َو ٌ‬
‫َ‬
‫وكما يك ون االبتالء بالشر والش دائد والمحن يك ون ب الخير والص حة والنعم‪ ،‬بل لعل االبتالء مع النعمة يك ون أخفى‬
‫فال يدركه إال الموفق ون من عب اد اهلل‪ ،‬فال تغ رنهم الحي اة ال دنيا وإ قبالها وزينتها وزخارفها الزائل ة‪ ،‬فيعلم ون أنهم مبتل ون‪،‬‬
‫وممتحن ون‪ ،‬أيش كرون ه ذه النعمة ويحم دون اهلل عليها وي ؤدون حقه ا‪ ،‬أم يكفرونها ويجح دونها فيبط رون ويفس قون‬
‫َه فَ َيقُ <<و ُل َر ِّبي‬
‫َه َو َن َّعم ُ‬ ‫ان ِإ َذا َما ْابتَاَل هُ َرب ُ‬
‫ُّه فََأ ْك َرم ُ‬ ‫َأما اِإْل ن َ‬
‫س< < ُ‬ ‫ويتنك رون للمنعم المتفضل عليهم ب الخيرات‪ .‬ق ال تع الى ﴿فَ َّ‬
‫َأها َن ِن﴾ (سورة الفجر‪.)16-15 :‬‬ ‫َأما ِإ َذا َما ْابتَاَل هُ فَقَ َد َر َعلَ ْي ِه ِر ْزقَ ُه فَ َيقُو ُل َر ِّبي َ‬
‫َأ ْك َر َم ِن[‪َ ]15‬و َّ‬
‫فاإلنس ان مع رض لالبتالء في األم وال واألوالد والنفس والثم رات‪ ،‬بمظ اهر كث يرة ومن ذلك غالء س عر األش ياء‬
‫كلها أو غالء أصناف معينة منها‪ ،‬فقد غال سعر اإلبل‪ ،‬واللحم‪ ،‬والتمر‪ ،‬وغير ذلك في عهد رسول اهلل ‪ ‬وفي عهد الخلفاء‬
‫من بعده‪ .‬وفي هذه األيام غال سعر الوقود (البترول) بجميع مشتقاته‪ ،‬مما أدى إلى ارتفاع فاحش في أثمان السلع جميعها‬
‫حيث تض اعفت األس عار ع دة م رات وارتفعت ارتفاع اً فاحش اً ح تى ض جر الن اس‪ ،‬وت أثرت جميع وج وه الحي اة في الع الم‬
‫سلبياً كما سبق بيانه في المبحث األول‪.‬‬
‫ط‬
‫س< َ‬
‫والعقيدة اإلسالمية تعتبر كل ما يصيب اإلنسان ال يخلو من الحكمة الربانية والعناية اإللهية قال تعالى‪َ ﴿ :‬ولَ ْو َب َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ض َولَ ِكن ُي َنِّز ُل ِبقَ َد ٍر َّما َي َ‬ ‫ِ‬ ‫الر ْز َ ِ ِ ِ ِ‬
‫اللَّ ُه ِّ‬
‫ير﴾ (س ورة الش ورى‪ .)27 :‬فاإلنس ان‬ ‫شاء ِإ َّن ُه ِبع َباده َخ ِب ٌ‬
‫ير َبص ٌ‬ ‫اَأْلر ِ‬
‫ق لع َباده لَ َب َغ ْوا في ْ‬
‫في مواطن االبتالء مدعو إلى الصبر واالحتساب والشكر‪ ،‬لين ال أجر الصابرين الشاكرين‪ ،‬فإذا خسر من جهة ربح من‬
‫جهة أخرى‪ .‬وهكذا تعلم العقيدة اإلسالمية اإلنسان وتربية في مواطن الشدة والبالء‪ ،‬ونقص األموال وغالء األثمان وقلة‬
‫الحاجات أو رخصها‪.‬‬
‫االلتزام بالطاعات وترك المعاصي والذنوب‪:‬‬ ‫‪-9‬‬
‫ومن وسائل العقيدة في مواجهة الغالء دعوة اإلنسان إلى االلتزام بطاعة اهلل تعالى‪ ،‬وترك معصيته واالبتعاد عن‬
‫ال ذنوب واآلث ام وكل ما يس خط اهلل ويغض به من‪ :‬تحكيم ش ريعته في األرض ق ال تع الى‪َ ﴿ :‬و َمن لَّ ْم َي ْح ُكم ِب َما َأن< َ<ز َل اللّ< ُ‬
‫<ه‬
‫<ه فَ ُْأولَـِئ َك ُه ُم‬
‫<ه ِفي < ِ<ه َو َمن لَّ ْم َي ْح ُكم ِب َما َأن < َ<ز َل اللّ < ُ‬
‫َأه< < ُل اِإل ن ِجي < ِ<ل ِب َما َأن < َ<ز َل اللّ < ُ‬
‫ون﴾‪ ،‬وقول ه‪َ ﴿ :‬و ْل َي ْح ُك ْم ْ‬ ‫فَُأولَـِئ َك ُهم ا ْلك ِ‬
‫َاف ُر َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ون﴾ (س ورة المائ دة‪ ،)47-44 :‬وق ال تع الى‪﴿ :‬فَالَ َو َر ِّب َك الَ ُيْؤ ِم ُن< َ‬ ‫ا ْلفَ ِ‬
‫ش < َج َر َب ْي َن ُه ْم﴾ (س ورة‬ ‫يما َ‬ ‫<ون َحتَّ َى ُي َح ِّك ُم<<و َك ف َ‬ ‫اس <قُ َ‬
‫(حد يعمل به في األرض خير ألهل األرض من أن‬ ‫النساء‪ ،)65 :‬وإ قامة الحدود التي شرعها‪ .‬قال صلى اهلل عليه وسلم‪ٌ :‬‬
‫يمطروا أربعين صباحاً)(‪.)57‬‬
‫مراعاة الحالة النفسية لإلنسان في حالة الجوع والغالء والفقر‪:‬‬ ‫‪-10‬‬
‫للج وع والغالء والفقر ض غط نفسي كب ير على اإلنس ان‪ ،‬ف إن اإلنس ان يض عف عند االحتي اج‪ ،‬وتض طرب حالته‬
‫النفسية‪ ،‬وقد يدفعه ذلك إلى فعل ماال يجوز فعله‪ ،‬فيسرق أو يغتصب‪ ،‬أو يغش أو يحتكر أو يأكل حق غيره ويجحده‪ ،‬أو‬

‫النسائي‪ ،‬السنن‪ ،‬الترغيب في إقامة الحد ج‪ 8‬ص‪ 75‬رقم ‪ ، 4904‬وابن ماجة‪ ،‬السنن‪ ،‬كتاب الحدود‪ ،‬باب إقامة‬ ‫(?)‬ ‫‪57‬‬

‫الحدود‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،848‬رقم ‪2539‬‬


‫‪294‬‬
‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د‪ .‬يوسف الزيوت‬

‫يرتشي أو يتجر بما هو ح رام إلى غ ير ذلك من األفع ال والمعاص ي‪ ،‬بل إنه قد ينتهي به الح ال إلى الكفر والش رك باهلل‬
‫والسخط على قدره والتبرم من قضائه والقنوط من رحمته‪ ،‬ولعله من هنا جمع الرسول ‪ ‬بين الكفر والفقر في االستعاذة‬
‫في دبر الص الة‪ ،‬فيما رواه النس ائي من ح ديث مس لم بن أبي بك رة عن أبيه ق ال ك ان رس ول اهلل ‪ ‬يق ول في دبر الص الة‪:‬‬
‫(اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر)(‪ .)58‬وأمر عليه الصالة والسالم بالتعوذ باهلل من الفقر والقلة فيما رواه‬
‫ابن ماجه في كتاب الدعاء باب ما تعوذ منه رسول اهلل ‪ .)59( ‬وروى اإلمام مالك عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن‬
‫رقيق اً لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة‪ .‬فانتحروها‪ .‬فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه فأمر عمر كثير‬
‫بن الص لت أن يقطع أي ديهم – ثم ع دل عن ذل ك‪ -‬وق ال‪ :‬أراك تجيعهم)(‪ .)60‬وك ذلك فعل عمر رضي اهلل عنه في ع ام‬
‫المجاعة درءاً للحدود بالشبهات‪ ،‬فإن الجوع والفقر يدفعان اإلنسان إلى المعصية‪.‬‬
‫وبعد فهذه جملة من الوسائل واألساليب والتدابير التي جاءت العقيدة اإلسالمية بها لمواجهة الغالء‪ ،‬لو أن األفراد‬
‫والمؤسس ات والش رائح االجتماعية التفتت إليها وال تزمت بها نظام اً حياتي اً‪ ،‬ال أق ول س ينتهي ويختفي الغالء والفق ر‪ ،‬وإ نما‬
‫لك ان الغالء مح دوداً في ج وانب ض يقة من الحي اة وال تصل آث اره ونتائجه إلى المس توى ال ذي وص لت إليه في واقعنا‬
‫المعاصر‪.‬‬

‫النتائـج‪:‬‬
‫بعد استعراض هذا الموضوع من جوانب متعددة في ضوء العقيدة اإلسالمية ظهرت لي النتائج التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬أن الغالء بالح ال ال تي هو عليها في ه ذه المرحلة الزمنية المعاص رة غ ير مس بوق ذلك أنه ج اء عام اً ش امالً‬
‫لجميع متطلب ات الحي اة من المس كن والمش رب والمطعم‪ ،‬والملبس الض روري منه وغ ير الض روري وعلى‬
‫المستوى العالمي األمر الذي لم يسبق له مثيل في التاريخ إذ كان الغالء يصيب سلعة من السلع أو القمح أو‬
‫غير ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬أن الغالء سنة من سنن اهلل تعالى في الكون مرتبط بأسباب وعوامل‪ ،‬وال يكون من فراغ كما ال يكون مفاجئاً‪.‬‬
‫‪ -3‬أن أس بابه ليست كما يظنها كث ير من الن اس راجعة إلى العوامل المادية فحسب من الزي ادة الس كانية‪ ،‬والعوامل‬
‫الطبيعية كالجفاف وشح الموارد وغير ذلك‪ ،‬بل له أسباب وعوامل معنوية وأخالقية مرتبطة بسلوك اإلنسان‬
‫اإليماني ومدى خضوعه والتزامه بشرع اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪ -4‬أن الغالء ال يكون مظهراً من مظاهر العذاب والعقاب والجزاء اإللهي‪ ،‬والغضب الرباني دائم اً وإ نما قد يكون‬
‫وابتالء واختياراً وتمحيصاً فاهلل تعالى يبتلي عباده بالسراء والضراء وهو الحكيم العليم‪.‬‬
‫ً‬ ‫امتحاناً‬

‫النسائي‪ ،‬السنن‪ ،‬كتاب السهو بابا التعوذ في دبر الصالة‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ 74‬رقم ‪.1347‬‬ ‫(?)‬ ‫‪58‬‬

‫ابن ماجة‪ ،‬السنن‪ ،‬كتاب الدعاء باب ما تعوذ منه رسول اهلل ‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ 1263‬رقم ‪3842‬‬ ‫(?)‬ ‫‪59‬‬

‫مالك بن أنس‪،‬الموطأ ‪ ،‬كتاب األقضية‪ ،‬باب القضاء في الضواري‪ ،‬دار إحياء التراث‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،748‬رقم‬ ‫(?)‬ ‫‪60‬‬

‫‪.38‬‬

‫‪295‬‬ ‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ظاهرة الغالء‪ :‬دراسة عقدية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -5‬أن للغالء آث اراً س لبية ونت ائج خط يرة على األف راد والمجتمع ات من أبرزها انتش ار الج رائم والقتل والس رقة‬
‫واإلرهاب والتطرف والرشوة واإلخالل باألمن القومي الوطني والعالمي‪ ،‬كما له آثاره الخطيرة على الحالة‬
‫النفسية واإليمانية وقطيعة األرحام‪.‬‬
‫‪ -6‬أن العقيدة اإلسالمية لها أساليبها الفعالة ووسائلها النافعة في مواجهة الغالء والحد من ارتفاع األثمان واألسعار‬
‫سواء قبل حدوث المشكلة من باب سد الذرائع واألسباب المؤدية إلى الغالء أم بعد وقوعها فرغب إلى األخذ‬
‫باألس باب المادية ال تي من ش أنها أن تعمل على توف ير الحاج ات وت أمين متطلب ات اإلنس ان‪ ،‬وأم رت ب االلتزام‬
‫بالطاع ات وتحكيم ش ريعة اهلل وت رك المعاصي وال ذنوب‪ ،‬وربطت القل وب باهلل تع الى في ح ال الس راء بش كر‬
‫النعم وتعظيمها‪ ،‬وقي حال الضراء بالدعاء والتوكل والصبر والتعوذ باهلل من الفقر والغالء واالحتياج‪.‬‬
‫‪ -7‬أن العقي دة اإلس المية لها فلس فتها وأس لوبها ومنهجها العملي الش مولي وال واقعي في التعامل مع الغالء وس ائر‬
‫الش دائد ال ذي تتم يز به عن المن اهج المادية على اختالفها وتنوعها مما يؤكد أن الحل اإلس المي هو الح ل‪،‬‬
‫والعالج الرباني هو العالج لكل أمراض ومشاكل اإلنسان وعلى اإلنسان أن يلتزم العقيدة الربانية‪.‬‬

‫الهوامش‪:‬‬

‫‪296‬‬
‫المجلة األردنية في الدراساتـ اإلسالمية‪ ،‬مج (‪ ،)11‬ع (‪ 1436 ،)1‬ه‍‪2015/‬م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

You might also like