Professional Documents
Culture Documents
اختلاس المال العام
اختلاس المال العام
الفوج :الرابع
مقدمة
المبحث األول :اإلطار القانوني لجريمة اختالس المال العام.
المطلب األول :تعريف االختالس
1بالل أمين زين الدين :ظاهرة الفساد اإلداري في الدولة العربية والتشريع المقارن مقارنة بالشريعة اإلسالمية دار الفكر الجامعي اإلسكندرية
2009،ص 178.
2محمود محمد معابرة ،الفساد اإلداري وعالجه في الشريعة اإلسالمية ،دراسة مقارنة بالقانون اإلداري -دار الثقافة للنشر والتوزيع ،عمان ،ط 1
، 2011 ،ص 217
3بن تيمية أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الجليل ،السياسة الشرعية في إصالح الرئيس والرعيه ،دار إبن حزم ،بيروت ،ط2003. 1 .
ِقول تعالى «يا أيها الذين آمنوا ال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إال أن تكون تجارة عن ** منكم وال تقتلوا
أنفسكم إن اللهكان بكم رحي ًما»(.االية 29من سورة النساء )
وقوله تعالى «وال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس باإلثم وأنتم
تعلمون) (.االية 188من سورة البقرة )»(
يدل المعنى في هاتين اآليتين على أ ّن هللا سبحانه وتعالى حرم أخذ مال الغير بغير وجه حق كأن يأخذه بغير طيب نفس
مالكه ورضاه ،فال يجوز نهبه وال سرقته وال خيانته فكل ذلك داخل في إبطار اخذ المال بالباطل وهو ينطبق على االختالس
كما ثبتت خيانة األمانة التي تعتبر االختالس صورة من صورها في عدة مواضيع من القرآن كقوله تعالى:
«إن هللا يأمركم أن تؤدوا األمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن هللا نع ّما يعظمكم به
إ ّن اللهكان سميًعا بص ًيرا)»(
*االختالس في السنة النبوية.
على غرار القرآن الكريم فقد ثبت مفهوم االختالس في السنة النبوية وذلك في عدة أحاديث ،فعن عدي بن عميرة
الكندي رضي هللا عنه قال( :سمعت رسول هللا (ص) يقول« :من استهلناه منكم على عمل فكتمنا مخيطًا فما فوقه كان
غلوالً يأتي به يوم القيامة» قال فقام إليه رجل أسود من األنصار كأني أنظر إليه ،فقال :يا رسول هللا أقبل ّع ّن عملك،
قال "فما لك" قال سمعتك تقول كذا وكذا ،قال" :وأنا أقوله اآلن من إستهلناه منكم على عمل بقليله وكثيره ،فما أوتي
منه أتى وما نهى عنه انتهى)"(.
يتضح لنا من هذا الحديث أن اختالس المال العام يدخل في نطاق االئتمان على العمل الذي جاء به الحديث ،فكل من
أذل بما أوكل له وحاول استغالله لصالح يعتبر خائنا مختلسا بمعنى الحديث.
نخلص مما سبق إلى أن الشريعة اإلسالمية قد حرمت خاينة األمانة وقدرت لها عقوبات مشددة لما ترتبه من زعزعة للثقة
واالئتمان واالستقرار داخل المجتمعات ،وهي لم تحدد نوع األمانات أو مقدراها مما يجعله مفهوما واسًعا قادًرا على
استيعاب عدة صور من االعتداءات على األموال كاالختالس الذي ينصب على المال الذي يقوم به الموظف لما أوتمن عليه
في سبيل مباشرة وظيفته.
-2التعريفات الفقهية لجريمة االختالس.
أجتهد الفقه للوصول إلى المقصود من فعل االختالس خاصة وأن التشريعات المقارنة لم تحدد ذلك واقتصرت فقط على
ربطه بفعل األخذ فترجمته للكلمة الفرنسية » « saustractionالتي ّ
تعن اغتيال مال الغير وهو مفهوم واسع يتسع
ليشمل عدة أفعال وسلوكات تشبه فعل االختالس كالسرقة مثال والنصب وخيانة األمانة.
واألخذ بهذا المفهوم الواسع ال يتماشى والسياسة الجنائية التي تهدف لتحديد األفعال التي تعتبر مجرمة تحديدا واض ًحا
محددة شروط وأركان كل جريمة على حدى وتقرير العقوبات الالزمة لها.
وفي سبيل تحديد المفهوم الفقهي لالختالس ظهرت عدة نظريات فقهية سنحاول توضيح مضمون كل نظرية على النحو
التالي:4
أ -النظرية التقليدية:
اعتبر أنصار هذه النظرية أن االختالس هو أخذ مال الغير دون رضاه واستندوا في ذلك إلى حكم أصرته المحكمة الفرنسية
عام 1817حيث حاول هذا الحكم التمييز بين السرقة وبين االختالس وإساءة االئتمان ،حيث يعتمد في السرقة على
الشهداني محمد أحمد ،الوسيط في شرح قانون العقوبات ،مدسسة الورق للنشر والتوزيع ،عمان ،األردن ،ط 2003 1 ،ص ، 534. 5
النظر عن البواعث والدوافع وعن رد المال من عدمه .6فالعلة من تجريم فعل االختالس هي سبب يميزه عن فعل السرقة
وإحاطته بأحكام خاصة وتتمثل في االعتداء على المال من قبل الموظف العام الذي يمثل الدولة ويعبر عن إرادتها وتفترض
فيه الثقة الالزمة لتوليه هذه الوظيفة ،فالفعل هنا ينطوي على خيانة األمانة التي حملتها الدولة للموظف وعهدت له بها على
أساس ما يتمتع به من صفات تجعل منه أقدر من غيره على المحافظة على المال العام وعلى مقتضيات الوظيفة وأهالً
لحماية المصلحة العامة دون أي تقصير أو إهمال.
المطلب الثاني :شروط اختالس المال العام.
م ّما ال جدال فيه أ ن جريمة اختالس المال العام من الجرائم الخاصة التي تشترط توفر صفة خاصة في الفاعل الذي جب أن
يكون موظفا عاًما وعضًوا من أعضاء الجهاز اإلداري باعتباره ممثالً للدولة.
فضال عن ارتباطه بمحل الجريمة الذي يجب أن يكون ماالً عاما ً) (7لذلك يمكن إجمال شروط جريمة اختالس المال العام
في شرطين مفترضين هما:
/ -1صفة الموظف العام:
تعتبر صفة الموظف العام شرطا مفتر ًضا لقيام جريمة االختالس وقد عرض المشرع الجزائري الموظف العام في المادة
الثانية من القانون 11/16المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته على أنه:
-1كل شخص يشغل منصبا تشريعيا آو تنفيذيا أو إراديًا أو قضائيا أو في إحدى المجالس الشعبية المحلية المنتخبة سوا ًءا
كان معينا أو منتخبًا ،دائما أو مدقتا ،مدفوع األجر أو غير مدفوع األجر بصرف النظر عن رتبته أو أقدميته.
-2كل شخص آخر يتولى ولو مدقتا وظيفة أو وكالة بأجر أو بدون أجر يساهم بهذه الصفة في هدمة عمومية أو أية
مدسسة أخرى تملك الدولة كل أو بعض رأسمالها أو أية مدسسة أخرى تقدم خدمة عمومية
/ -2صفة المال العام:
لقيام جرمة اختالس المال العام في حق الموظف العام ال بد أن ينصب فعله المجرم على مال عام متصف بالعمومية أي أن
يكون مملوكا للدولة أو أحد المدسسات العامة التابعة لها دون تمييز ما هو مخصص للمنفعة العام وبين ما هو مخصص
إلدارة حاجتها ألن تكون محالً من الحقوق المالية له قيمة مادية أو اعتبارية وسواء كانت القيمة كبيرة أم صغيرة
/ -3العالقة بين الموظف والمال العام:
يشترط أيضا لقيام جريمة اختالس المال العام قيام العالقة بين الموظف والمال العام الذي يجب أن يدخل في حيازته بسبب
مباشرته لوظيفته ،والحيازة هنا هي حيازة ناقصة ،حيث يوجد المال تحت تصرف الموظف العام على نحو يكفل له
التصرف فيه ماديًا أو قانونيا دون التملك حيث يبقى ملكا للدولة )8(.
فالجريمة إذن ال تقوم غذا كان المال في الحيازة الكاملة للموظف العام حيث يعتبر مالكا ما وعنصًرا من عناصر ذمته
المالية ليبقى لذلك فعل االختالس أي أخذ المال دون علم مالكه.
فمن شروط قيام جريمة االختالس أن يكون المال محل الجريمة مسلم للموظف العام في إطار مباشرته لوظيفته ،وهذا ما
لجأت له غالبية التشريعات.
يتضح لنا من خالل ما تقدم انه يشترط لقيام فعل االختالس ان يكون المال سلم للموظف تسلما ماديًا أو وجد بين يديه
أحمد فتحي سرور :قانون العقوبات :القسم الخاص ،القاهرة (د.ب.ن) ،ط 3، 1985،ص 235. 7
فوزية عبد الستار :شرح قانون العقوبات :القسم الخاص ،دار النهضة العربية ،القاهرة1982، ،ص 123. 9
المبحث الثاني :تطبيقات جريمة االختالس والعقوبة المقررة لها.
المطلب األول :تطبيقات جريمة االختالس
حيث يتم ممارسة جريمة اختالس المال العام بصورة واضحة في عدة أنواع من الصفقات عبر بعض المراحل التي تمر بها
الصفقة والتي تكون أما عند إبرامها أو أثناء تنفيذها ،لذلك ارتأينا تقسيم هذه النقطة كالتالي:10
-1ممارسة جريمة اختالس المال العام عند إبرام الصفقة:
يظهر اخت الس المال العام في بداية إبرام الصفقة وبالتحديد في صفقة تقديم وإنجاز الدراسات المبرمة بين المصلحة المتعاقدة
والمتعامل المتعاقد ،حيث تمبز في هذه الحالة بين نوعين من الجرائم:
•تواطئ الموظف العام ممثال للمصلحة المتعاقدة في اختالس المال العام.
•انفراد المتعامل باالعتداء على المال العام.
أ -اختالس المال العام من قبل الموظف العام:
في هذه المرحلة يتجسد االختالس بمعناه الحقيقي ،حيث تتوافر فيه كل الشروط المفترضة في الموظف والمال العام وعالقة
السببية التي تربط بينهما ،حيث سيقوم باألخذ من مال مملوك للدولة وضع يده عليه بمناسبة ممارسة وظيفته كما تتوفر في
هذه الصورة األركان الخاصة بالجريمة بنوعيها المادي حيث يستغل الموظف المال إستغالالً ماديا بحتا ليحوله لخدمة
مصالح الخاصة ،والركن المعنوي المتمثل في القصد الجنائي بشقيه العلم واإلرادة ،حيث يعلم الموظف أن المال الذي بين
يديه بمناسبة ممارسة وظيفته هو مال عام واتجاه إرادته السليمة دون أي إكراه لألخذ واالستفادة منه لحسابه الخاص أو
لحساب أي جهة أخرى.
وهنا يتم االتفاق بين الموظف العام باعتباره ممثال للمصلحة المتعاقدة والمتعامل المتعاقد ،فمثال مكتب الدراسات بتقديم
غالف مالي حقيقي يتضمن مبلغ صوري يفوق بكثير المبلغ الحقيقي للمشرع على أنواعه.
كما يمتد أيضا االتفاق إلى إعداد دفتر شروط حيث يتم وضع صفقات ومواصفات غير دقيقة فيما يتعلق بالنوعية والكمية
من أجل التالعب في أثمانها على سبيل المثال في صفقة اقتناء اللوازم والمواد ،ال يتم تحديد المواصفات تحديداً دقيقا كتجهيز
المكاتب من مكيفات هوائية إلى الكراسي دون تحديد توعيتها مع ما قد يرتب ذلك من فارق في األسعار.
كما قد تحدث جريمة اختالس المال من الموظف العمومي في حالة أخرى إذ ما تبقت مبالغ مالية منتجة للفراق في الغالف
المالي الذي أحدثه التالعب في دفتر الشروط عند وضع مبلغ صوري يفوق القيمة الحقيقية للصفقة ،حيث يتم تحويله إلى
جهة أخرى قصد تسديد مستحقات متعامل آخر لكن هذا األخير استفاد منها بموجب إسناد صفقة له بطريقة غير
قانونية ،هذا من جانب ،ومن جانب آخر تسديد مستحقات متعامل آخر ليس في نفس المحرر.
ب-انفراد المتعامل المتعاقد باالعتداء على المال العام:
لقد ارتأينا تسمية هذه الجريمة باالعتداء على المال العام بدالً من االختالس ألنها تضم في حد ذاتها نوعين من الجرائم
الجرائم تبين كل منهما على حدى:
•إذا كان المتعامل المتعاقد ينتمي إلى القطاع العام:
فهذه الحالة ال تختلف لذات األحكام وتتم بنفس الطرق.
•إذا كان المتعامل المتعاقد ينتمي إلى القطاع الخاص:
11المادة 17من المرسوم الرئاسي 14/128المدرخ في 19أفريل 2004،يتضمن المصادقة على إتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد ،ج ر عدد
26صادر في 25أفريل 2004.
خاتمة:
تبقى جريمة االختالس من أكثر صور الفساد المالي انتشارا ،كونها تنصب على األموال العامة واالستحواذ عليها
بطريقة غير شرعية ،حيث يلجأ الموظفون العموميون إلى استغالل وظائفهم وإساءة استعمالها على نحو يحقق لهم مصالح
مادية وشخصية.
خص المشرع الجزائري جريمة اختالس المال العام بمجموعة من أحكام وعقوبات صارمة ،الهدف منها حماية المال العام
من أي مساس أو اعتداء غير مشروع السيما من طرف الموظفون العموميون الذين توكل غليهم مهمة الحفاظ وتسيير هذا
المال العام.
تظهر تطبيقات جريمة اختالس المال العام السيما في مجال الصفقات العمومية كونها من أهم القنوات المستهلكة
لألموال العمومية وتلبية حاجيات الدولة ،لذا يجد الموظف العام هذا المجال منفذا ومسرحا الرتكاب جرائم الفساد بصفة
عامة وجريمة االختالس على وجه الخصوص.
نظمت التشريعات العقابية المقارنة جريمة االختالس من حيث أركانها المذكورة سابقا ووضعت لها عقوبات تختلف من
تشريع إلى آخر مثلما سبق التطرق إليه ،إذ هناك اتفاق بينها في تقسيم العقوبة ،واختالف هذه التشريعات في تقدير
العقوبة.
الهوامش:
إبن تيمية أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الجليل ،السياسة الشرعية في إصالح الرئيس والرعيه ،دار إبن -
حزم ،بيروت ،ط2003 .1
أحمد فتحي سرور :قانون العقوبات :القسم الخاص ،القاهرة (د.ب.ن) ،ط، 1985، 3ص 235. -
بالل أمين زين الدين :ظاهرة الفساد اإلداري في الدولة العربية والتشريع المقارن مقارنة بالشريعة اإلسالمية دار -
الفكر الجامعي اإلسكندرية 2009،ص 178.
الشهداني محمد أحمد ،الوسيط في شرح قانون العقوبات ،مدسسة الورق للنشر والتوزيع ،عمان ،األردن ،ط1، -
2003ص 534
فوزية عبد الستار :شرح قانون العقوبات :القسم الخاص ،دار النهضة العربية ،القاهرة1982، ،ص 123. -
القران الكريم -
المادة 17من المرسوم الرئاسي 40128/المدرخ في 19أفريل 2004،يتضمن المصادقة على إتفاقية األمم -
المتحدة لمكافحة الفساد ،ج ر عدد 26صادر في 25أفريل 2004.
محمود محمد معابرة ،الفساد اإلداري وعالجه في الشريعة اإلسالمية ،دراسة مقارنة بالقانون اإلداري -دار الثقافة -
للنشر والتوزيع ،عمان ،ط، 2011، 1ص 217.