Professional Documents
Culture Documents
نشأة وتطور التنظيم النقابي إلى غاية الإستقلال
نشأة وتطور التنظيم النقابي إلى غاية الإستقلال
إن بداية القرن العشرين و حتى نهاية الـحرب العالـمية الثانية ستشهد الـجزائر أسلوبا جديدا
لـمقاومة اإلستعمار ،وذلك بعد أن شهد القرن التاسع عشر ثورات شعبية مسلحة في كل مناطق
البالد ...و يتـمثل األسلوب الـجديد في اللجوء إلى النضال من أجل الـحصول على التسهيالت
القانونية لـممارسة النشاط النقابي و العمل السياسي ،حتى ولو كان ذلك ضمن الـمؤسسات
الفرنسية القائمة كالـمنظمات النقابية و الـحزب الشيوعي.
غير أن الكالم عن النقابية يحتم التساؤل في هذه الفترة عن إمكانية الفصل بني النشاط النقابي و
نشاط حركة التح ّرر الوطني الـمتمثلة أساسا في الـحركة الوطنية الـجزائرية بـمختلف تشكيالتها.
وفي الواقع فإن هذا اإلشكال ال يخص الـجزائر وحدها ،بل ان الوطن العربي كله شهد نفس اإلشكال
الذي يشكل الـمحور األساسي ألي دراسة للحركة العمالية العربية ..فالدراسات التاريخية لها
)(1
Weiss (F): Doctrine et Action Syndicales en Algérie. Editions Cujas. Paris. 1970. P : 17
تشير إلى أن جماهير العمال التحمت مع جهود التشكيالت السياسية الوطنية من أجل الـحرية
واالنعتاق ...غير أن هذا اإللتحام آل إلى إحداث وضعيات معينة لم تكن في الغالب في خدمة
مصالح الطبقة العاملة.
لعل ما ساعد على تشابه األوضاع العمالية في البلدان العربية ،خضوعها معا للسيطرة العثمانية
و ما أفرزته من أجواء إقطاعية و عالقات اجتماعية اقتصادية تقليدية تتسم بشدة التفاوت الطبقي،
مع الـمحافظة الشديدة على العالقات السلفية و على بنيتها اإلجتماعية و الفكرية...
و العامل الثاني الذي ساعد أيضا على تكريس ذلك التشابه ،هو هيمنة السيطرة اإلستعمارية
األوروبية وبشكل متفاوت على كل أجزاء العالم العربي.
لقد ك ّبل هذين العاملني كل تغ ّير إيجابي نحو مواكبة التطور العلمي و التكنولوجي و اإلقتصادي
و الثقافي الـحاصل في العالم الغربي ...
إن مدن ًا مثل تونس وحلب وطنجة كانت لها إمكانيات نادرة لتراكم الرأسمال نتيجة وقوعها في
مفترق طرق التجارة الـمحلية و العالم( .)2وكذا تـجربة محمد علي في مصر لم تتمكن من الـخروج
من األنـماط اإلقتصادية التقليدية بسبب جمود النظام العثماني وتوجهات الهيمنة اإلستعمارية
األوروبية.
لقد خاضت الطبقة العاملة نضاال مزدوجا ضد اإلستعمار وضد األنظمة اإلقطاعية الـمحلية،
وكثيرا ما كان الصراع قائما بني التنظيمات النقابية و األحزاب السياسية الـمعادية للطبقة العاملة
مثبطا لعزائمها وطموحاتها ،مـما أخّ ر ظهور اإلتـحادات العمالية العربية بشكل بارز وقوي نسبيا
إلى ما بعد الـحرب العالـمية الثانية.
استنادا إلى ذلك ،و إلى األرضية السياسية و اإلجتماعية و الثقافية و اإلقتصادية تبدو إمكانية
قيام طبقة عاملة جزائرية بـمقومات كافية تؤهلها لـخوض معترك النضال النقابي بعيدة الـمنال في
الـمدى القريب ...كما أن الكالم عن التنظيم النقابي خالل قرن من اإلحتالل إنـما يعني البحث
عن الشغيلة في القطاع الصناعي باعتبارها النواة احلقيقية ألي تنظيم نقابي ..غير أن هذه الفئة
في هذه الـمرحلة بالذات ( )1930 - 1830كانت محدودة نسبيا ومتكونة بصورة خاصة من
العمال األوروبيني ،مـما يبعد العمال الـجزائريني عن قنوات التنظيم.
( )2حنا عبد اهلل :مالمح من تاريخ الـحركة العالـمية و النقابية في الوطن العربي ،الـمعهد النقابي ،دمشق .1985 .ص ( 12مطبوعة غير
منشورة).
93
العدد 2008 -16 مجلة الـمربي الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب
و الهيئات التي جاءت ضمن أجواء اإلعتراف بالـحق النقابي ،وهي كما يلي (: )3
وهذه التنظيمات جاءت لتعزز مكانة العمال األوروبيني و أرباب العمل على السواء ،أما العمال
الـجزائريون فلم يكونوا يـملكون القنوات التي تـجمعهم و تنظمهم و تشحذ وعيهم للنضال إلى
غاية ما بعد احلرب العالـمية األولى ،يستثنى من ذلك التضامن الـجهوي الناتـج عن تكتل جماعات
البرانية على أساس اجلهة و ليس على أساس وحدة الـمصير و تشابه الوضعية اإلجتماعية ألعضائها،
إنها نواة الطبقة العاملة الـجزائرية و ليست نواة التنظيم النقابي.
إن نواة التنظيم النقابي الذي عرفته الـجزائر خالل القرن 19م يرجع إلى األقلية األوروبية الـمنضمة
إلى التنظيم الفرنسي في باريس ،هذه األقلية كانت تنظر إلى العامل الـجزائري نظرة احتقار و أنه ال
يصلح لإلنضمام إلى النقابة ،و هي النظرة التي تركت هذا العامل عنصرا هامشيا و ال مكان له في
عالقة العمل السائدة ،باإلضافة إلى محاربة السلطات للنقابية عموما بإعتبارها فكرا شيوعيا.
و عملية التهميش هذه كانت محور السياسة اإلستراتيجية الـمتبعة من قبل الـمعمرين لسد
الطريق أمام أي بادرة يـمكن أن تسمح للجزائريني بالتطلع إلى وضعية أحسن أو امتالك وسائل
التطلع.
فعلى الرغم من الـمرسوم الصادر في 21أوت 1871الذي بـمقتضاه تصبح جميع القوانني التي
تصدر عن البرلـمان الفرنسي تطبق على الـجزائر و فرنسا في آن واحد( ،)4فإن التشريع الـجزائري كان
متخلفا كثيرا ،و لم يكن التشريع الفرنسي قابال للتطبيق نظرا لتسلط الكولون على مقاليد األمور
السياسية و اإلقتصادية و مـمارستهم لـمختلف الضغوط حتى ال تعطى آية فرصة لـ « األهالي » بـما
في ذلك التنظيم النقابي.
( )3فارس محمد :أبحاث في تاريخ الـحركة النقابية الـجزائرية في كتاب من تاريخ الـحركة النقابية الـجزائرية ،ترجمة عبد الـمجيد بيرم و
آخرون ،منشورات الثورة و العمل ،الـجزائر ،1989ص ،113و كذلك في الـمعهد العربي ،دراسات رقم 3ص 70
( )4بوحوش عمار :العمال الـجزائريون في فرنسا ،ش.و.ن.ت .الـجزائر ،1975ص .78
94
العدد 2008 -16 مجلة الـمربي الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب
منطقة الـجزائر العاصمة وحدها كانت تضم 62نقابة جديدة تضم أكثر من 13000نقابي
منخرط خالل سنة ... 1921أما في الـمنطقة الوهرانية فكانت تضم 25نقابة سنة 1907
()6
بعضوية 1853نقابيا ...
تلك بعض األمثلة عن التنظيم النقابي في مدينتني فقط الـجزائر و وهران ،و في الـحقيقة فإن كل
الـمدن الـجزائرية الهامة توجد بها تنظيمات نقابية ال تقل عددا و أهمية عما ذكر ...و على العموم
فإن الـمصادر تشير إلى أن عدد الـجزائريني الـمنخرطني في هذه النقابات كان ضعيفا جدا إن لم يكن
منعدما و ذلك لألسباب اآلتية :
-1إن منطوق قانون األهالي كان ال يسمح ضمنيا باعتالء الـمنـاصب النقابية مـما دفع بالـجزائريني
إلى العزوف عن اإلنخراط.
-2سيادة العنصرية العرقية الـممارسة من قبل العمال األوروبيني بعدم تقبلهم للـجزائريني في
صفوف نقاباتهم.
-3غالبا ما كانت تلك النقابات تهمل الدفاع عن حقوق العمال الـجزائريني و ال تتبنى مشاكلهم،
ألن الـمتسببني في إحداث تلك الـمشاكل و حاالت البؤس و الشقاء هم األوروبيون عموما بـما فيهم
فئة العمال بنظرتهم اإلستعالنية و اإلحتقارية للجزائريني ،فكيف يـمكن الدفاع عمن يحتقرونهم.
-4إن الـجزائريني لم يستسيغوا بعد مسألة اإلختالط و التعاون مع األوروبيني « الكفار » الدخالء
بإعتبارهم مصدر البالء.
و مهما يكن ،فإنه يـمكن اعتبار فترة ما بعد احلرب العالـمية األولى منطلقا حقيقيا للحركة
النقابية الـجزائرية أو بـمعنى آخر بداية انتشار الفكر التضامني بني الـجزائريني ضمن أطر جديدة منها
بصورة خاصة اإلهتمام بالعمل النقابي و السياسي ،و ذلك نتيجة لإلعتبارات التالية :
-1التجنيد اإلجباري للجزائريني في الـجيش الفرنسي ابتداء من سنة ،1912و في الـمصانع
الفرنسية ابتداء من ،1916فاإلحصائيات تتحدث عن 177000جندي في الـجيش و 89000
عامل جندوا للعمل قسرا في فرنسا( ،)7فرغم مقاومة الشعب الـجزائري لهذا التجنيد بنوعيه ،فقد
سمح للمجندين (رغم أميتهم) عن طريق التدريب و التنقل من مكان آلخر ،و اإلحتكاك
( )5الـمرجع السابق ،ص .112
( )6نفس الـمرجع ،نفس الصفحة.
( )7أبو القاسم سعد اهلل :الـحركة الوطنية الـجزائرية ( ،)1930-1900الـجزء .2ط ،3الشركة الوطنية للنشر و التوزيع ،الـجزائر،1983 ،
ص .209
95
العدد 2008 -16 مجلة الـمربي الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب
و التفاعل مع عالم جديد عنهم ،باإلضافة إلى الـممارسات العنصرية رغم الـخدمات الـجليلة التي
يقدمونها لفرنسا ،كل ذلك عمل على تفتق أفكارهم و مالحظاتهم على الواقع الـمزري الذي
يعيشه الشعب الـجزائري ،و مع بداية العشرينات و عن طريق هؤالء بدأت تنتشر في األوساط
الشعبية و العالـمية مصطلحات سياسية و نقابية مثل :الـحقوق السياسية ،و الـمساواة ،و الوطن،
و العدالة ،و الـحقوق اإلجتماعية ،و التقدم ،و مقاومة قانون « األهالي » ،و النقابية ،و الشيوعية
...الخ.
و يـمكن اعتبار ذلك النواة األولى للشعور القومي و اإلقتناع أن مقومات الشخصية الوطنية ال
عالقة لها بفرنسا و بكل مقوالتها في هذا الـمضمار.
-2لقد كان من نتائج الـحرب العالـمية األولى على الصعيد اإلجتماعي زيادة أعداد البروليتاريا
()8
الـجزائرية ،إذ تشير بعض التقديرات إلى أكثر من 500ألف بني جندي و عامل شاركوا في الـحرب
و أن كل ما فعلته هذه لهم ،هو زيادة وعيهم الطبقي و اإلجتماعي و يقظتهم السياسية و تعاظم
الشعور الوطني لديهم ،و هو أمر كفيل لـجعل الطبقة العاملة الـجزائرية بـمختلف فئاتها تفهم
النقابية على النحو الذي يجب.
-3إن ظهور الهجرة الـجزائرية إلى فرنسا بأعداد كبيرة ،حيث كانت هذه اآلخيرة في حاجة
ماسة إلى أيدي عاملة لبناء ما خربته الـحرب ،سمحت للجزائريني لإلحتكاك بالعمال الفرنسيني و
األجانب على السواء ،و خوض غمار النضال اإلجتماعي معا في صفوف النقابات الفرنسية ،و أن
عودة الـمهاجرين إلى أرض الوطن كفيل أيضا بنشر مفهوم النقابية و بالتالي زيادة معتنقيها كوسيلة
نضالية و تنظيمية.
-4إن انقسام الكونفيدرالية العامة للشغل ( )C.G.Tالفرنسية على نفسها إلى نقابتني
( )C.G.Tو ( )C.G.T.Uو انحياز هذه األخيرة ذات النزعة الشيوعية لتبني مشاكل الطبقة
العاملة الـجزائرية مناهضة اإلستعمار «إذ في ظروف استعمارية صعبة سعت ( )C.G.T.Uإلى
الدفاع عن وضعية العمال الـجزائيني و تنظيمهم النقابي»( )9وهو ما فتح الـمجال أمام تغلغل فكرة
النقابية في األوساط العمالية الـجزائرية.
-5ظهور الـحركة الوطنية السياسية بشكل متميز و التي تتمثل بدايتها بشكل صريح في حركة
األمير خالد و جريدته «اإلقدام» و التي كانت تدافع عن مصالح الفالحني الذين يتعرضون لالستغالل
()10
الـجديد من طرف الزعامات الـجديدة التي صنعها اإلستعمار في األوساط الـجزائرية.
-6تعتبر «األقدام» أولى الـجرائد الـجزائرية التي اهتمت بـمصير العمال و الفالحني و العاطلني
عن العمل فقد جاء في أحد مقاالتها حول أسباب الـمجاعة التي أصابت الـجزائريني عام : 1921
«إن الكارثة الرهيبة التي تصيب الـجزائريني من وقت آلخر ،سببها االستيالء على أجود األراضي و
تـحويل أصحابها إلى خماسني و أرقاء ...وكذلك األجور البائسة للعمال التي تتراوح منذ 1870
بني فرنك وفرنك ونصف مقابل 12ساعة عمل يوميا في الوقت الذي يباع فيه قنطار من القمح بـ
()11
250فرنك فكيف ال يـموت هؤالء من الـجوع».
إن مثل ذلك اخلطاب كفيل ببعث روح التضامن و احلماس و الـمطالبة بالـحقوق السياسية و
النقابية ،وعليه فليس من الغرابة أن يقوم حزب عمالي من وسط العمال الـجزائريني في فرنسا(*) و
()12
يطالب في برنامجه «تطبيق القوانني اإلجتماعية و العمالية الفرنسية على العمال (األهالي)».
-7من ناحية أخرى يـمكن اعتباره فترة العشرينيات ،فترة خروج الطبقة العاملة الزراعية من
عزلتها بصالتها الوثيقة مع العمال احلضريني ،بعد أن تـم ترسيخ نقابات العمال بصورة نهائية في
الـمدن .فعن طريق هذه األخيرة تـم نقل أفكار جديدة و أساليب تفكير إلى العمال الزراعيني في
األرياف لم تكن معهودة لديهم من قبل ،وذلك بـمساهمة نشاط و حركية الكونفيدرالية العامة
للشغل الـموحدة ( ،)C.G.T.Uوبدافع روح الـمنافسة معها عملت ( )C.G.Tكبريات
الـمركزيات النقابية الفرنسية على التقرب من العمال الزراعيني و التمهيد لتأطيرهم و من ثم تأسيس
()13
االتـحاد الـمستقل للعمال الزراعيني بعضوية 40.000منخرط.
كل تلك العوامل كونت دعائم اإلنطالقة للحركة النقابية الـجزائرية بعد أن أصبح حجم البروليتاريا
الـجزائرية يعد بـمئات اآلالف ...و رغم تناقض مواقف النقابات الفرنسية بني النضاالت الـمطلبية
الـمناهضة ألساليب اإلستغالل ،و بني مفهوم النضاالت الوطنية الـمناهضة لإلستعمار كشكل من
أشكال اإلستغالل ،فإن العمال الـجزائريني لم يتوانوا في اإلنخراط في النقابات الفرنسية خاصة
في الثالثينيات و في عهد حكومة الوحدة الشعبية وعهد الوحدة النقابية بني ( )C.G.Tو
( )C.G.T.Uفي نقابة واحدة هي ( ،)C.G.Tحيث أصبح العمال الـجزائريون يكونون نسبة
تتراوح ما بني 40و ٪ 50من منخرطيها( ..)14إنها إستراتيجية ستؤدي في وقت الحق إلى التفكير
في تأسيس نقابة وطنية جزائرية مستقلة عن الـمركزيات النقابية الفرنسية.
فهجرة العمال الـجزائريني إلى فرنسا تعتبر مؤشرا هاما حلجم حركية العمال و مؤثرا قويا له وزنه
في انتشار الوعي الطبقي و النضالي بني العمال الـجزائريني ،ليس ألن الفرنسيني علموا لهم ذلك،
بل تعلموا من الواقع الذي كانوا يعايشونه ...لقد الحظوا مثال الفرق بني معاملة أرباب العمل و
العمال الفرنسيني لهم في فرنسا ،و بني ما يالقونه في الـجزائر على يد الـمعمرين و العمال األوروبيني
من معامالت دنيئة أقل ما يقال عنها أنها تكشف عن درجة الـحقد و العنصرية و الكراهية للعربي،
مـما ولد في أذهان العمال الـمهاجرين أن ما يوجد في الـجزائر ليس من قبيل النظام الرأسمالي
اإلستغاللي فحسب ،بل أنه أكثر بربرية و قسوة ،إنه اإلستعمار ،و هو ما جعل العمال يصرون على
(*)
انتهاج أساليب معينة من النضال السياسي و اإلجتماعي في مقدمتها العمل النقابي.
وهكذا كانت الهجرة بداية عهد جديد من النضال و الـمقاومة بأسلوب جديد في ظل العالقات
الرأسمالية اإلستعمارية ..لقد وصل عدد الـمهاجرين في فرنسا سنة 1924إلى 100.000
عامل( .)15وقد قدّ رهم توفيق الـمدني سنة 1931بحوالي 200.000عامل( .)16إن هذا العدد
الكبير نستيا مقارنة بالعدد اإلجمالي للسكان الـجزائريني البالغ عددهم 5.150.800نسمة سنة
،)17(1926دفع بالـمعمرين إلى اإلحتجاج على تسرب قوة العمل من الـجزائر إلى فرنسا ،وطالبوا
بقيود تـحد من الهجرة لضمان توفر اليد العاملة في سوق العمل الـجزائرية حتى ال ترتفع األجور
بنقصانها...
وقد استجابت اإلدارة الفرنسية بإصدار مرسوم 4أوت 1926يقضي بعدم السماح ألي جزائري
()18
بالهجرة إلى فرنسا ما لم يستوف الشروط اآلتية :
-1بطاقة تعريف مؤشرة بأن صاحبها أدى الـخدمة العسكرية.
-2شهادة من الشرطة تثبت أن الـمعني لم يرتكب جناية.
خال من األمراض و يحمل بطاقة تلقيح. -3شهادة طبية تثبت أن الـمعني ٍ
-4توفر مبلغ من الـمال لدى الـمعني يكفيه لسد حاجياته مدة بحثه عن العمل في فرنسا.
(*) بعد فشل ثورة 1916باألوراس التي بلغت هجوماتها 9456هجوما وفشل ثورات أخرى قبلها و ظهور جماعات بني وي-وي ،تأكد للرأي
العام أنه البد من أسلوب جديد للمقاومة ،فكان العمل السياسي و النقابي مرحلة ال مفر منها.
( )15بوحوش :مرجع سبق ذكره .ص .135 :
( )16الـمدني أحمد توفيق :كتاب الـجزائر .دار الـمعارف .1963ط .2ص 333 :
( )17الـمرجع السابق .ص .168 :
( )18نفس الـمرجع .ص .136 :
98
العدد 2008 -16 مجلة الـمربي الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب
وقد تـم إلغاء هذا الـمرسوم بعد عشر سنوات من صدوره عند مجيء حكومة اجلبهة الشعبية إلى
الـحكم سنة .1936
ورغم أن القيود كانت قد وضعت منذ 1924بقرار من الوالي العام حيث فرضت رقابة مشدّ دة
على الهجرة إلى فرنسا وفق إجراءات منها الـحصول مقدّ ما على عقد العمل وشهادة طبية وبطاقة
تعريف وتذكرة ركوب السفينة( ،)19فإن حركية العمال الـجزائريني بني فرنسا و الـجزائر لم تتوقف،
خالل الفترة 1939-1914حيث شهدت سنوات 1928و 1924و 1926و 1929و 1930و
1937أرقاما عالية من الـمهاجرين إلى فرنسا .أما آثار اإلجراءات املشدّ دة على الهجرة فإنها تظهر
مثال في عدد الـمهاجرين سنة 1925قياسا بالسنة التي سبقتها 1924حيث انخفض العدد من
71.028إلى .24.753
لقد بلغ عدد الـمهاجرين خالل الفترة الـمذكورة 774.121وعدد العائدين في نفس الفترة
646.776عامال ،وهو ما يدل على أن هناك حركة واسعة للعمال بني فرنسا و الـجزائر قياسا
بـمحدودية إمكانيات السفر للجزائريني آنذاك ،ومن جملة اإلنعكاسات التي يـمكن استنتاجها
من هذه الـحركية هو انتقال تأثير التنظيمات النقابية و الـحزبية و النضاالت اإلجتماعية عموما من
فرنسا إلى الـجزائر عن طريق هؤالء العمال الذين يكونون النواة احلقيقية للنقابية في الـجزائر.
ومن بني األسباب الرئيسية التي دفعت بالـجزائريني إلى الهجرة ،هو البحث عن عالم آخر لعلهم
يجدون فيه ما يع ّوضهم عن البؤس و الشقاء الـمسلط عليهم في وطنهم ،يضاف إلى ذلك الوضعية
الـمتدهورة لليد العاملة الـجزائرية في الـجزائر من حيث انخفاض األجور و البطالة.
99
العدد 2008 -16 مجلة الـمربي الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب
إن تفاوت األجور لم يقتصر على اختالف األصول العرقية بل امتدّ ليشمل الـمناطق أيضا ...
(اجلدول رقم )2-حيث نـجد أجور قسنطينة و سطيف هذا في الـمجال الصناعي والتجاري أما
في الزراعة فالـمسألة أكثر مأساوية.
إن ارتفاع األجور في فرنسا و التمتع بـمزايا الضمان اإلجتماعي كانت أحد األسباب التي دفعت
الـجزائريني إلى الهجرة ...يضاف إليها أن الطبقة العاملة الـجزائرية في فرنسا تـحظى دوما بالدفاع
النقابي عن حقوقها ضمن القوانني اإلجتماعية بعيدا عن قانون األهالي و غطرسة الـمعمرين..
كما أن كثيرا من اآلراء تؤكد أن تواجد الـجزائريني في فرنسا سواء كانو جنودا أو عماال قد
تـمتعوا ببعض الـمساواة مع الفرنسيني( )24كما أن هؤالء الـجزائريون يكونوا قد استوعبوا حقيقة
العمل النقابي و تنظيماته.
وحدتها ،فقد بفاقمت إلى درجة أن سوق العمل لم تعد تستطيع استيعاب أ ّية زيادة أما عن البطالة ّ
في األيدي العاملة بصورة دائمة أو مؤقتة ،فزيادة عن السياسة اإلستعمارية في هذا الـمجال هناك
التزايد الديـمغرافي إذ قفز عدد سكان الـجزائر من 4.740.500سنة 1911إلى 6.201.100
نسمة سنة ،1936مع العلم أن الـموارد اإلقتصادية بقيت كما هي ،خاصة أن غالء الـمعيشة
والـمجاعات هي السمة السائدة في هذه الفترة ،و التي تزامنت مع األزمة اإلقتصادية العالـمية
(Ibid. P: 241 )21
( )22بوحوش :مرجع سبق ذكره .ص .154
( )23نفس الـمرجع .نفس الصفحة.
( )24سعد اهلل :الـحركة الوطنية .ج .2 :كرجع سبق ذكره .ص .301 :
100
العدد 2008 -16 مجلة الـمربي الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب
الكبرى لسنة ،1920كل ذلك يعتبر سببا آخر لهجرة الـجزائريني إلى فرنسا.
إن حركية العمال الـجزائريني بني الـجزائر و فرنسا لم تتوقف منذ أن بدأت رغم الصعوبات و
العراقيل التي وضعها الـمعمرون أمامها ،فقد أدت إلى تكوين شريحة عمالية واسعة تتمتع بالوعي
الطبقي والسياسي ،بحيث يـمكن اعتبارها (العائد منها إلى الـجزائر ) هي من نقلت أساليب
العمل النقابي ،مك ّونة بذلك النواة الـحية للنضال اإلجتماعي الذي سيتفاقم أكثر وبحدة خالل
الثالثينات و األربعينيات.
إن جوهر النظام اإلقتصادي في الـجزائر الذي كانت تخضع له القوى العاملة في بعديه الرأسمالي
و اإلستعماري كان يفرض على كل نشاط نقابي للـجزائريني اإلقتراب ،بل اإلمتزاج مع النشاط
السياسي ،مـما أدى إلى صعوبة التفرقة بني الـحركة النقابية و الـحركة الوطنية بـمختلف توجهاتها...
فالعمال الـجزائريون الذين كانوا يخوضون غمار النضال اإلجتماعي النقابي وجدوا أنفسهم في آن
واحد يقاومون اإلستعمار و الرأسمالية ..كما اكتشفوا في نفس الوقت أرستقرطية وعنصرية العمال
األوروبيني.
فالنقابات الفرنسية رغم يسارية بعضها لم تستطع مواجهة الكيان الكولونيالي الرأسمالي اإلقطاعي
و بقيت تراوح مكانها و تعيش التناقضات في مواقفها بني كسب و ّد العمال الـجزائريني من جهة
و ترضية النزعة اإلستعمارية من جهة ثانية ...وربـما يكون ذلك هو السبب الذي جعل الـمنظمة
النقابية الفرنسية األكثر شعبية لدى العمال الـجزائريني أن تنشطر إلى منظمتني األولى ()C.G.T
(األم) موالية للدعوة اإلستعمارية ،و الثانية ( )C.G.T.Uلها تصور مناهض لالستعمار إلى
()25
درجة الـمطالبة باستقالل الـجزائر خالل مؤتـمرها سنة .1929
وقبل هذا التاريخ و إلى غاية بداية العقد الثالث من هذا القرن لم يكن للتنظيم النقابي الفرنسي
في الـجزائر أي تأثير ايجابي على العمال الـجزائريني ،العتبارات استعمارية و عنصرية زيادة عن
ضآلة حجم الطبقة العاملة الـجزائرية الصناعية ...وأن ما أثر فيهم فعال ودفعهم إلى اعتناق النقابية
و مـمارستها تدريجيا هو :
أوال
أسلوب وأفكار ونشاط ( )C.G.T.Uالكونفيدرالية العامة للعمل الـموحدة التي كانت
تتب ّنى توصيات لينني حول قضايا تقرير مصير الشعوب و مناصرة الـحركات التحريرية و تشجيع
التنظيمات النقابية الـمحلية.
101
العدد 2008 -16 مجلة الـمربي الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب
وهو ما سمح لهذه الـمنظمة أن تبعث الـحماس في صفوف العمال الـجزائريني بتبني مطالبهم و
الدعوة إلى فكرة النقابة الوطينة الـمستقلة وفي هذا اإلطار و بصورة سرية تـم عقد مؤتـمر العمال
العرب سنة 1930لم يحضره من األوروبيني سوى شخصني فقط( ،)26وهو ما يفسر أن هناك فرقا
شاسعا بني الـمواقف الـمعلنة و النوايا الـمستترة ...ورغم توصيات األمـمية الشيوعية و األمـمية
النقابية الـحمراء بالعمل على إنشاء نقابة جزائرية فإن الفكرة رفضت بشدة من النقابيني األوروبيني
()27
و الـحزب الشيوعي الفرنسي.
ثـانيـا
يتمثل الدافع الثاني ،في ظهور الـحركة الوطنية الـجزائرية ومساهمة العمال الـجزائريني فيها
بتأسيس حزب سياسي عمالي في الـمهجر يستقي روافده األساسية من صفوف النقابيني.
ونعتقد أن أهم ما أثر في نفسية العمال اجلزائريني ودفعهم بإصرار نـحو العمل النقابي في سنوات
الثالثينات هو طمس فكرة االستقاللية النقابية العتبارات كولونيالية مفادها أن الطبقة العاملة
الـجزائرية ال تزال في طور التكوين و التشكل ،وهو أمر كاف ألن تبقى الفكرة حية في الضمائر لكي
تبعث من جديد مع انعقاد أول مؤتـمر لـحركة انتصار الـحريات الديـمقراطية ( )M.T.L.Dسنة
()28
1947وتـم التأكيد على ذلك بالتطبيق الفوري خالل مؤتـمرها الثاني سنة .1953
وأهم ظاهرة م ّيزت النضال النقابي اإلجتماعي في الفترة ما قبل الـحرب العالـمية الثانية هي
عمت أرجاء البالد وفي كل الـمدن الـجزائرية إلى درجة إحداث قلق تصاعد موجة اإلضرابات التي ّ
حقيفي لدى السلطات و باألخص الكولون ألن اإلضرابات امتدت حتى إلى القطاع الزراعي.
( )26نفس الـمرجع (مجلة الـمرشد رقم .)09:وكذلك في أوزيغان عمار :الـجهاد األفضل .ترجمة دار الطليعة بيروت .1962ط .1 :ص
.150
( )27نفس الـمرجع.
( )28فارس محمد :االتـحاد ع.ع.ج .1962 -1956 .دراسة منشورة في جريدة الثورة و العمل.عدد .420 :
102
العدد 2008 -16 مجلة الـمربي الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب
()29
جدول رقم : -3إضرابات شهر جوان 1936في مدينة وهران
عدد الـمؤسسات التي
عدد الـمضربني التاريخ
مسها اإلضراب
350 17 1936-06-17
870 08 1936-06-18
1.665 08 1936-06-19
2.029 15 1936-06-20
- - 1936-06-21
5.496 112 1936-06-22
6.391 145 1936-06-23
7.195 154 1936-06-24
7.643 192 1936-06-25
8.160 230 1936-06-26
8.257 253 1936-06-27
وعلى سبيل الـمثال ال احلصر ،فإن الـجدول (رقم )3-يـمثل عينة من اإلضرابات ،وهي مأخوذة
من منطقة وهران التي لم يسبق لها و أن شاهدت ت نزاعات عمالية ،مـما يجعل هذه اإلضرابات
أمرا جديدا في الـمنطقة.
عمت اإلضرابات مدن وهران ففي شهر جوان من سنة 1936وعلى مدى أحد عشر يوما ّ
ومستغانـم وسيدي بلعباس.
ففي وهران وفي اليوم األول كان عدد الـمؤسسات الـمضربة 17بعدد 350مضربا وفي اليوم
األخير 253مؤسسة و 8.257مضربا ،وضياع أكثر من 48.000يوم عمل ...وقد كانت نهاية
اإلضرابات مأساوية بسبب محاولة إخراج العمال بالقوة من الـمؤسسات مـما أدى إلى سقوط عددا
()30
من الـجرحى و القتلى.
كما شهدت منطقة العاصمة وضواحيها في نفس الفترة موجة من اإلضرابات شملت معظم
القطاعات الصناعية و الـخدماتية حيث بلغ عدد الـمضربني حوالي 26.000مضربا في العاصمة
بني يومي 11و 22جوان ،)31(1936وعلى العموم فقد قدّ ر عدد الـمضربني على مستوى الوطن
حوالي 150.000مضرب ًا( ،)32وكانت األسباب الرئيسية التي دفعت إلى اإلضرابات تتمثل في
ثالث نقاط :
-1رفع الـحد األدنى لألجور.
-2تـحديد مدة العمل األسبوعية بأربعني ساعة.
-3تطبيق مبدأ األجر الـمتساوي للعمل الـمتساوي.
( )29الصوفي فؤاد :حركة إضرابات 1936في منطقة وهران .دراسات رقم .03 :الـمعهد العربي.ص479 :
( )30نفس الـمرجع .نفس الصفحة.
( )31بالنش جان لوي :إضرابات شهر جوان 1936في الـجزائر :دراسات رقم .03الـمعهد العربي .ص .538 :
( )32عبيد :مرجع سبق ذكره.
103
العدد 2008 -16 مجلة الـمربي الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو :كم من العمال الـجزائريني شاركوا في تلك اإلضرابات؟...
بالنظر إلى الـمطالب الـمرفوعة ،فهي تتناقض مع النظرة اإلستعالنية و األرستقراطية للعمال األوروبيني
الذين «يشعرون بعقدة التفوق إزاء زمالئهم العرب الذين كانت لهجتهم وطريقة نطقهم بالفرنسية
تذكرهم غالبا بالـخادم و البقال و الزبال»( )33ولذلك فليس سهال ،بل ال يعقل أن يسلم األوروبيني
عموما وبكل بساطة أن يشاركهم الـجزائريون مبدأ األجور الـمماثلة ومدة العمل األسبوعي.
ولعل ما يب ّرر هذا الطرح ما نتج عن توحيد ( )C.G.Tو ( )C.G.T.Uعام 1935في
تـم التخلي عن تنظيم العمال الزراعيني من طرف منظمة نقابية واحدة هي (،)C.G.Tحيث ّ
الثوريني لصالح غيرهم «بحجة عدم اإلساءة إلى الرفقاء اإلصالحيني الـجدد الذين كانوا يعتبرون
الـخدم العاملني من نـجوم الصباح إلى نـجوم الـمساء حيوانات بوجه إنساني يستحقون الشفقة
لكنهم غير مؤهلني لتنظيم نقابي»(. )34
إن مواقف التنظيم النقابي القائم من مطالب الـجزائريني كعمال ،نادرا ما تؤخذ بعني االعتبار،
فكثيرا ما كانت تهمش حتى ولو استعمل اإلضراب ،فقد أورد عمار أوزيغان «هل يـمكن أن
نستغرب أن ( )C.G.Tلم تأبه عام 1936لإلضرابات الـمتوحشة التي قام بها العمال الـمياومون
في الريف»(.)35
ومهما يكن فإن محافظ الشرطة لـمدينة وهران يذكر في تقاريره أن مشاركة العمال الـجزائريني
في اإلضراب تقدر بـ 2.837 :مضربا ( .)36وقد شكلت هذه الـمشاركة هاجسا كبيرا للمعمرين
خاصة في األرياف بدعوى أن «األهالي» يتربصون أية فرصة لالنقضاض عليهم ،ولذلك سارعوا إلى
تطويق أية بادرة لإلضراب للحيلولة دون حدوث االنتفاضات الشعبية أو العصيان.
وجه
إن مقاومة اإلضراب و الـحيلولة دونه ليس بدافع رأسمالي ولكن بدافع استعماري أكثر ،لقد ّ
رئيس نقابة الكولون الـمزارعون بـمستغانـم رسالة عاجلة إلى عامل (والي) وهران يطلب النجدة
يقول فيها « :إن الـجزائر الفرنسية في خطر ...ونحن نطالب بحتمية اتـخاذ إجراءات األمن و
()37
الـمحافظة على السيادة الفرنسية».
إن موجة اإلضرابات تلك أعطت للجزائريني دفعا قويا نحو مزيد من الوعي الطبقي و النضالي،
خاصة وأن ثمرة جهودهم بدأت تظهر على األقل في توجهات حكومة الـجبهة الشعبية التي
أهملت العمل بقانون «األهالي» حيث فسح الـمجال أمام الـجزائريني للنشاط في احلقل السياسي
و النقابي.
ولذلك يـمكن القول أن هذه الفترة شهدت انـجذاب العمال الـجزائريني إلى التنظيم النقابي بعد
أن كانوا يرتابون فيه وفي كل ما هو فرنسي.
لقد استمر الـحماس العمالي واشتد النضال النقابي اإلجتماعي و تزايدت اإلنخراطات في النقابة
رغم أن الوحدة النقابية التي تـمت بني ( )C.G.Tو ( )C.G.T.Uكانت على حساب ذلك
الـحماس ،إذ تغاضى الوحديون عن مطلب اإلستقالل النقابي عن القيادة الـمركزية بباريس على غرار
اإلستقاللية-الشكلية -للحزب الشيوعي الـجزائري ( )P.C.Aعن الـحزب الشيوعي الفرنسي،
ورغم ذلك فقد كانت نسبة الـجزائريني في ( )C.G.Tالـموحدة ما بني 40و ٪50من أصل
()38
120.000منخرط في الـجزائر سنة .1936
وعلى الرغم من سقوط حكومة الـجبهة الشعبية وقيام الـحرب العالـمية الثانية وما أفرزته من
مشاكل و سلبيات ،فقد استمر تواجد العمال الـجزائريني في ( )C.G.Tبدعم من أحزاب
الـحركة الوطنية باعتبار أن النضال النقابي وسيلة فعالة للتكوين السياسي وتنمية الشعور الوطني..
فقد وصل عدد الـمنخرطني قبل حوادث 8ماي 1945إلى 250.000منخرط جزائري ثم انخفض
()39
العدد إلى 80.000بعد تلك الـحوادث مباشرة.
من خالل كل ما سبق يتضح لنا أن دوافع النضال النقابي كانت مزدوجة ،فبقدر ما كانت تهدف
ظاهريا إلى تـحسني األوضاع الـمادية للعمال كانت تهدف إلى مكافحة اإلستعمار اإلستطاني.
لعل أهم ما يـم ّيز هذه الـمرحلة هو تواجد العمال الـجزائريني بشكل مكثف في النقابات الفرنسية
إذ ارتفع عددهم مرة أخرى إلى 280.000سنة )40(1947بعد أن شهد انخراطهم انخفاضا بنسبة
٪68عقب مجازر 8ماي .1945
كما تتم ّيز هذه الـمرحلة أيضا ،بتبني حركة إنتصار الـحريات الديـمقراطية ()M.T.L.D
للمسألة النقابية بشكل جدّ ي ،إذ لم يكتف مؤتـمرها األول ( )1947بإصدار توصية حول ذلك،
()41
بل ك ّون جلنة للتفكير في تأسيس نقابة جزائرية مستقلة عن النقابات الفرنسة.
يضاف إلى ذلك ما شهدته الساحة العمالية من نشاطات إضرابية واسعة النطاق .ففي سنة 1947
تـم تسجيل 100ألف مضرب ،ونفس العدد لسنة ،1949بينما شهدت سنة 1951أكثر من ّ
()42
225إضرابا بـمشاركة أكثر من 200ألف مضرب.
105
العدد 2008 -16 مجلة الـمربي الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب
ومـما يلفت األنظار في هذه الفترة ( )1954 - 1950هو تصاعد موجة اإلضراب في الـموانئ
و القطاع الزراعي ،واحتالل عدد هام من النقابيني الـجزائريني لـمراكز حساسة في القيادات النقابية،
باإلضافة إلى أن نسبة الـمنخرطني الـجزائريني أضحت تفوق مثيلتها من األوروبيني مـما جعل فكرة
اإلستقالل النقابي تسيطر على العقول ،خاصة وأن التجربة التونسية نـجحت(*) رغم الـمعارضة
الشديدة التي أبدتها ( )C.G.Tومعها الـحزب الشيوعي الفرنسي .لقد ذكر السيد مصطفى
زيتوني(*) أن عدد الـمنخرطني الـجزائريني في ( )C.G.Tيفوق كثيرا عدد األوروبيني فيها ،وقد
تصل نسب التفوق في بعض القطاعات إلى .٪95
فالسؤال الـمطروح في هذا الـمقام ،وحسب تعبير مصطفى زيتوني ،هو «ما دامت أغلبية
الـمنخرطني في ( )C.G.Tفي الـجزائر جزائريون ،لـماذا ال تكون القيادة النقابية جزائرية و
لـماذا هي أوروبية؟»( )43وهذا ما أ ّدى باللجنة الـمركزية لـحزب ( )M.T.L.Dأن تدرج في
جدول أعمالها سنة 1952الـمسألة النقابية من جديد ،وقد نصبت لذات الغرض لـجنة لتحضير
الـمناخ الـمالئم لتكوين نقابة جزائرية على غرار ما وقع في تونس ،وقد تـم التأكيد على هذا األمر
()44
في الـمؤتـمر الثاني للحزب الـمذكور سنة .1953
لقد كان من نتائج الـمؤتـمر الـمذكور ( )M.T.L.Dالحتواء الـحركة النقابية رسميا ،إذ
شرعت اللجنة الـمكلفة بذلك في إصدار الـمنشورات و حث الـمناضلني الـحزبيني على اإلنخراط
في صفوف ( )C.G.Tو السعي نحو تسلم الـمناصب القيادية فيها ،و العمل بشكل مكثف
من أجل إبراز التناقض و الفروقات القائمة بني العمال الـجزائريني و األوروبيني ،و خاصة الفوارق
اإلجتماعية.
كما تـم في نفس الوقت تنظيم العاطلني عن العمل فيما يعرف بإسم «لـجان البطالني» ،و تنظيم
()45
خاليا الـمؤسسات و فتح مدرسة لتكوين اإلطارات النقابية.
كل ذلك من أجل إحداث عدم التوازن في النشاط النقابي لصالح الـجزائريني على حساب
األوروبيني ،وكذا توعية العمال الـجزائريني بأهمية اإلستقالل النقابي.
غير أن خطة ( )M.T.L.Dوضغوطها الـممارسة من قبل مناضليها في النقابات العمالية لم
تأت بثمارها الـمنتظرة بسبب األزمة التي حدثت داخل الـحزب ومن ثـم انقسامه ،وهو ما أدى إلى
تعطيل مشورع اإلستقالل النقابي ،مـما فسح الـمجال أمام الـمنظمة النقابية الفرنسية ()C.G.T
وتؤسس في 4
أن تسارع ومن ورائها كل من الـحزبني الشيوعيني الفرنسي و الـجزائري لتسبق األحداث ّ
جوان 1954مركزية نقابية جزائرية تـحت اسم «اإلتـحاد العام للنقابات الـجزائرية (»)U.G.S.A
(*) لقد تـمكن فرحات حشاد من تأسيس اإلتـحاد العام التونسي للشغل ( )U.G.T.Tفي ،1946/01/20 :رغم كل العراقيل و
الصعوبات وقد دفع حياته ثمنا لذلك حيث أغتيل في .1952/12/05:
(*) مصطفى زيتوني :نقابي من عمال الـميناء منذ 1939ولم يغادر العمل النقابي إال في سنة 1982حيث أحيل على التقاعد وهو ميارس
مهمة رئيس مجلس عمال مؤسسة الـميناء منذ تطبيق نظام التسيير اإلشتراكي للمؤسسات.
( )43مصطفى زيتوني :من محاضرة حول تأسيس ا.ع.ع.ج .مسجلة على شريط كاسيت .معهد الدراسات و البحوث النقابية .بوزريعة.
الـجزائر.1987 .
(Weiss.F..op-cit.p:30 )44
( )45فارس محمد :ا.ع.ع.ج )1962-1956( .الثورة و العمل .العدد .420
106
العدد 2008 -16 مجلة الـمربي الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب
تعمل حتت لوائها و بتوجهاتها رغم الرئاسة الشكلية ألحد الـجزائريني(*) ،ألن التسيير الفعلي يرجع
للشيوعي جان اودييقر( ،)46وقد سبق تأسيسها دعاية كبيرة قامت بها قيادات ()C.G.T.A
ومناضلي الـحزب الشيوعي الـجزائري ،وكانت لها جريدة ناطقة بأسمها بعنوان «:العامل الـجزائري
.»Le Travailleur Algérien -
وبعد اندالع الثورة التحريرية وتكريس القطيعة بني الـحاج مصالي وجبهة التحرير الوطني ،عمد
التنظيم السياسي الـمصالي الـمعروف باسم « :الـحركة الوطنية الـجزائرية »M.N.A -وقبل أربعة
أيام فقط من تأسيس اإلتـحاد ع.ع.ج إلى إنشاء مركزية ثانية تـحمل اسم «:اإلتـحاد النقابي للعمال
الـجزائريني ( ...)47()U.S.T.Aوهكذا شهدت الطبقة العاملة الـجزائرية إلى غاية 1956-02-
20مركزيتني نقابيتني بأهداف مختلفة ،األولى تخدم السياسة اإلستعمارية وفق أطروحات الـحزب
الشيوعي الـمعروفة ،والثانية تخدم سياسة زعيم فشل في استعاب مفهوم الثورة الـمسلحة.
وفي 24فبراير 1956انعقدت بالـجزائر العاصمة جمعية عامة للعديد من النقابات الـجزائرية
لتعلن رسميا عن تأسيس «اإلتـحاد العام للعمال الـجزائريني »U.G.T.Aبتوجيه من جبهة التحرير
الوطنية كإستراتيجية متبعة في التنظيم الـجماهيري لـمواجهة األساليب القمعية والدعائية التي كان
يتبعها اإلستعمار لفصل الشعب عن الثورة ...ولذلك لم يكن الهدف من تأسيس ا.ع.ع.ج.
مجرد إيجاد هيئة نقابية مطلبية تقليدية بل الـمسألة أعمق من ذلك إنها النقابة الثورية.
وأمام هذا التسابق الذي يفصح عن حدّ ة الصراع بني عدد من اإلتـجاهات السياسية نحو احتواء
الـحركة النقابية نـجد أنفسنا أمام ثالث مركزيات نقابية هي :
• األولى -ا.ع.ن.ج « »U.G.S.Aتابعة للحزب الشيوعي.
• الثانية -ا.ن.ع.ج « »U.G.S.TAتابعة للحركة الـمصالية.
• الثالثة -ا.ع.ع.ج « »U.G.T.Aتابعة لـجبهة التحرير الوطني.
غير أن الثورة التحريرية كانت الـمصفاة الـحقيقية لفرز النشاط الـمرتبط بالـجماهير و تطلعاتها
عن غيره ،ولذلك فقد كتب البقاء لالتـحاد ع.ع.ج .في حني لم تعمر الـمركزيات األخرى إال وقتا
(*)
قصيراً ،إذ البد لكل تنظيم من قاعدة إجتماعية شعبية وإال انقرض.
وفي خضم هذا الصراع حول من يـملك التأثير في الطبقة العاملة الـجزائرية كانت حرب التحرير
الوطنية ملتهبة ،شاقة طريقها تـحدث التغييرات لصالح القضايا الوطنية .واإلتـحاد ع.ع.ج .لم
يتوان عن التفاعل مع تلك التغيرات ،فبعد شهرين من تأسيسه وصلت اإلنخراطات فيه إلى أكثر من
110 000منخرط و 72فرعا نقابيا في العاصمة وحدها و ثالثة اتـحادات جهوية هي الـجزائر،
البليدة و وهران و اتـحادين محليني هما حسني داي و الـحراش (.)48
(*) يتعلق األمر بأحد النقابييني الـجزائريني :قايدي األخضر و ذلك حسب فرونسوا ويس (الـمرجع أدناه).
(Weiss.F.op-cit.p:28 )46
(Ibid. P : 28-29)47
(*) إن الـمجال هنا اليتسع إلستعراض احلوادث التاريخية التي تعرض لها ا.ع.ع.ج .ونضاالته خالل سنتي 1956و 1957مثل ظروف تفجير
الـمقر ومصادرة الـجريدة وإلقاء القبض على قياداته وفي مقدمتهم الشهيد عيسات إيدير و اللجوء إلى العمل السري و نقل النشاط إلى فرنسا
ثم إلى تونس ...إلخ ...ألننا لسنا بصدد كتابة تاريخ الـحركة النقابية ...من جهة أخرى تـجدر اإلشارة إلى أن ( )U.G.S.Aتـم حلها
بقرار من الكوست الـحاكم العام في نوفمبر ... 1956في حني اندثرت ( )U.S.T.Aرغم محاولة نقل نشاطها إلى فرنسا حيث قتل أمينها
العام أحمد بركات هناك على يد الـجبهويني .أما أمينها العام في الـجزائر فيدعى محمد رمضاني.
(Ibid.P : 31 )48
107
العدد 2008 -16 مجلة الـمربي الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب
رغم أن تأسيس ا.ع.ع.ج .كان وفقا لقانون مـمارسة الـحق النقابي لسنة ،1884و وفقا
كذلك لقانون الـجمعيات لسنة 1901فقد قامت السلطات اإلستعمارية بحله ومنع نشاطه في
الـجزائر(*).
غير أن نضاالت الكادحني الـجزائريني لم تتوقف وشقت طريقها في خضم الثورة التي بلغت نقطة
الالرجوع ..وهو ما أدى بالـحكومة اعتماد سياسية إقتصادية و إجتماعية إلحتواء ثورة العمال و
الفالحني.
لقد كانت فرنسا ترى أن من أسباب الثورة تراكم الـمشاكل اإلجتماعية للجزائريني و باألخص
الطبقة الكادحة ،من ذلك نقص اإلستخدام و التوظيف بركود سوق التشغيل الزراعي ،ونزع
الـملكيات العقارية ،وتفاقم البطالة ،وغالء الـمعيشة ،ونقص الـمرافق اإلجتماعية والتعليمية في
األرياف و الـمدن الصغيرة بصورة خاصة ،مـما أعطى سالحا معنويا لـجبهة التحرير في إستقطاب
الفالحني و العمال ...لذلك كان لزاما على فرنسا البحث عن حلول عاجلة لـمعالـجة تلك القضايا
ولفت األنظار عن الثورة ثم القضاء عليها بعزلها إجتماعيا عن الشعب.
فعلى مستوى الهجرة إلى فرنسا فالعملية لم تتوقف ،بل زادت عن حدّ ها الـمعتاد ،وهي نوع
من تصدير قوة العمل لكبح جماح ظاهرة البطالة من جهة ،و الـحيلولة دون توسع الطبقة العاملة
محليا ،لقد بلغ عدد الذاهبني إلى فرنسا ذروته سنة 1955حيث تـجاوز 200.000مهاجراً ،وهو
رقم قياسي منذ .1914
وعلى الـمستوى اإلقتصادي ،فإلى جانب اإلكتشافات البترولية في الصحراء الـجزائرية أعلنت
فرنسا بـما يعرف «مخطط قسنطينة» الذي يعطي ظاهريا األولوية لالستثمارات في الـميادين
الصناعية و الـمرافق اإلجتماعية وذلك بهدف تطويق األزمة القائمة الـمتميزة أساسا بوجود مئات
اآلالف من العاطلني عن العمل في الـمدن و األرياف ،وتفاقم اإلختالل في توزيع الدخل بني
الـجزائريني و األوروبيني .ففي الوقت الذي يحصل فيه مليون أوروبي على ٪40من الدخل نـجد
09ماليني من تعود إليهم ٪60منه(.)50
(Ibid. P : 28 )49
(*) لقد ظهر ا.ع.ع.ج .في فرنسا في صورة جمعية تنظم العمال و تـجندهم ،وهي الودادية العامة للعمال الـجزائريني ( )A.G.T.Aتأسست
في 1957-02-16ومنعتها الـحكومة الفرنسية في أوت 58مـما اضطرها الى العمل السري إلى غاية اإلستقالل.
(Ben Achenhou : op.cit. P : 294 )50
108
العدد 2008 -16 مجلة الـمربي الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب
كما حاولت فرنسا اعتماد سياسة زراعية جديدة بـما يعرف «باإلصالح الزراعي» القاضي بتوزيع
األراضي على الفالحني الـجزائريني ،فقد قدر حجم الـمساحة اإلجمالية الـمزروعة مع توزيعها بـ
250.000هكتار قصد تكوين شريحة بورجوازية عقارية ،ففي الـجدول (رقم )4-نستنتج أنه
رغم أن األقلية األوروبية تـملك أجود األراضي وأخصبها 2.720.000هـ ،هناك من الـجزائريني
من تعتبرهم شريحة بورجوازية عقارية فعال إذ هناك 5.600يـملكون لوحدهم 1.522.700هـ
بـمعدل 271،91هـ للفرد الواحد كما نـجد بالـمقابل 5.900أوروبي يـملكون 2.165.500
هـ بـمعدل 366،94هـ للفرد الواحد ،فالفرق بني الـمعدلني 90هـ وهو ليس كبيرا مقارنة مع ما
كان يعاني منه الشعب من تعسف وإجحاف .وما يعزز ذلك هو أن ٪6،3من الـمزارعني الـجزائريني
()51
يـملكون ٪40،4من الـمداخيل الزراعية سنة 1960
()52
جدول رقم : 4-توزيع ملكية األراضي سنة 1954
ملكية األوروبيني ملكية الـجزائريني
حجم الـملكية
الـمساحة/هـ عدد الـم ّ
الك الـمساحة/هـ عدد الـم ّ
الك
40.000 8.000 1.850.000 391.000 من 0إلى 10هـ
209.000 7.000 3.013.000 118.000 من 10إلى 50هـ
306.000 4.000 1.226.400 17.000 من 50إلى 100هـ
1.202.000 5.000 1.108.000 5.000 إلى 100 من
500هـ
963.300 900 414.700 600 أكثر من 500
2.720.000هـ 24.900 7.612.100هـ 531.600 الـمعدل
٪109،23 ٪14،31
كما أن توجه الـجزائريني نحو ملكية الزراعة الذي يظهر من خالل مشترياتهم في الفترة
جرار و ّ 895
حصادة احلصادات التي بلغت ّ 8.128 ما بني 1953و 1960من الـجرارات و ّ
حصادة لألوروبيني ،يعتبر مؤشرا حقيقي ًا آخر على
()53
د ّراسة مقابل 5.317جرار و ّ 520
تكونت بفعل وسيرورة التوجه اإلستعماري بعد ّ جزائرية وجود طبقة بورجوازية زراعية
األربعينيات بهدف إحداث شرخ في نضاالت الـحركة الوطنية ثم في جبهة التحرير الوطني
في وقت الحق ،حيث تعمل هذه الشرائح بصورة تلقائية على الدفاع عن مصاحلها الـمرتبطة
بـمصالح الكولون باستعمال جميع الوسائل بـما في ذلك معاداة الثورة التحريرية وأكثر ما
يؤكد ذلك تلك األمالك الـمباعة من األوروبيني إلى الـجزائريني.
ومثلما عملت فرنسا في ميدان الزراعة بتكوين شريحة بورجوازية عقارية ،قامت بنفس العمل
في الـميدان الصناعي ،حيث منحت بعض التسهيالت للجزائريني للدخول إلى عالم األعمال و
الـمقاوالت .فاإلحصائيات تشير إلى أن عدد الـجزائريني الذين يـملكون الـمؤسسات وتشغل عماال
أجراء ارتفع في أواخر الـخمسينات إلى نحو 15.050مؤسسة خاصة يـملكها جزائريون ،وتشغل
ما ال يقل عن 67.000عامل أجير (الـجدول رقم.)5-
()54
جدول رقم : 5-توزيع الـمؤسسات في الـجزائر سنة 1960
إن الـمقارنة بني الـملكيات األوروبية و الـجزائرية تظهر التفاوت الكبير و الـمذهل في العدد
والسيطرة .ورغم ذلك تبقى الشريحة البورجوازية التي ستتحالف مع الـمالكني العقاريني السالف
ذكرهم وطبقة التكنوقراطيني الذين تكونوا إيديولوجيا بعيدا عن الثورة تعمل على مواجهة أي
تغيير يحدث لصالح العمال و الفالحني.
وبذلك تكون الـجزائر قد دخلت عهد اإلستقالل ومعها 510.000عامال في الصناعة والـخدمات
وحوالي 1.600.000من العاملني في القطاع الزراعي ،و 350.000عامال مهاجرا ،وشريحة
بورجوازية وتكنوقراطية ال يستهان بها ،كما تكون الطبقة الكادحة الـجزائرية قد دخلت عهد
اإلستقالل السياسي للجزائر ومعها تقاليد نقابية نضالية ،ومنظمة نقابية تتمتع بنضج التنظيم و
السمعة الثورية...
وستدخل هذه مؤتـمرها األول وهي حبلى بصراعات بني التوجه نحو النقابة الـمطلبية الـمستقلة
و التوجه نحو النقابة الثورية الـمساهمة.
110