You are on page 1of 19

‫العدد ‪2008 -16‬‬ ‫مجلة الـمربي‬ ‫الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب‬

‫نشـأة و تطـور الـتنظيم الـنقـابـي‬


‫إلى غايـة اإلستقـالل‬
‫عيسى بوزغينة *‬

‫أوال ‪ -‬ظهور التنظيم النقابي‬


‫إن التنـظيم النقابي في الـجزائر جاء متأخرا بنظيره في أوروبا ‪ ...‬ألن معالم الطبقة العاملة الـجزائرية‬
‫لم يتم تبلورها مبكرا ‪ ..‬كما أن بطء سيرورة التح ّول الرأسمالي في الـجزائر لم يسمح بشكل مباشر‬
‫بنضج الوعي الطبقي و الشعور النضالي باعتبارهما مستلزمات أساسية للنضال النقابي اإلجتماعي‬
‫‪...‬‬
‫وللوقوف على بداية و مسار ظهور التنظيمات النقابية في الـجزائر‪ ،‬فإن الـمحطات التالية يـمكن‬
‫أن توضح معالم ذلك الـمسار‪.‬‬

‫‪ -1‬الـجذور األولى للتنظيم النقابي و ظروفها‬


‫إن نشوء التنظيم النقابي و تطوره يبقى دائما مرتبطا بقوة الـحركة العمالية‪ ،‬بل تابعا لتطور‬
‫حجمها و فكرها ووضعها اإلقتصادي و اإلجتماعي‪ ،‬وهو ما أخّ ر ظهور الفكرة النقابية في وسط‬
‫الـجزائريني‪ .‬إن الكتابات التي تعرضت للبحث في الـمسألة العمالية الـجزائرية في الفترة ما بني‬
‫‪ 1830‬و ‪ 1930‬سواء من قبل الكتابات الوطنية أو األجنبية تشير إلى أن أول فرع نقابي تأسس‬
‫في الـجزائر يرجع إلى سنة ‪ )1(1880‬وهو مك ّون أساس ًا من العمال األوروبيني فقط‪ ،‬لكون قانون‬
‫«األهالي» لم يكن يسمح للجزائريني بـممارسة أي نشاط سياسي أو نقابي‪ ،‬كما أن أرستقراطية‬
‫العمال األوروبيني واحتقارهم للعرب حال دون ذلك أيضا‪.‬‬

‫إن بداية القرن العشرين و حتى نهاية الـحرب العالـمية الثانية ستشهد الـجزائر أسلوبا جديدا‬
‫لـمقاومة اإلستعمار‪ ،‬وذلك بعد أن شهد القرن التاسع عشر ثورات شعبية مسلحة في كل مناطق‬
‫البالد‪ ...‬و يتـمثل األسلوب الـجديد في اللجوء إلى النضال من أجل الـحصول على التسهيالت‬
‫القانونية لـممارسة النشاط النقابي و العمل السياسي‪ ،‬حتى ولو كان ذلك ضمن الـمؤسسات‬
‫الفرنسية القائمة كالـمنظمات النقابية و الـحزب الشيوعي‪.‬‬

‫غير أن الكالم عن النقابية يحتم التساؤل في هذه الفترة عن إمكانية الفصل بني النشاط النقابي و‬
‫نشاط حركة التح ّرر الوطني الـمتمثلة أساسا في الـحركة الوطنية الـجزائرية بـمختلف تشكيالتها‪.‬‬
‫وفي الواقع فإن هذا اإلشكال ال يخص الـجزائر وحدها‪ ،‬بل ان الوطن العربي كله شهد نفس اإلشكال‬
‫الذي يشكل الـمحور األساسي ألي دراسة للحركة العمالية العربية ‪ ..‬فالدراسات التاريخية لها‬
‫)‪(1‬‬
‫‪Weiss (F): Doctrine et Action Syndicales en Algérie. Editions Cujas. Paris. 1970. P : 17‬‬

‫* املرحوم عيسى بوزغينة كان أستاذ علم اإلجتماع مبعهد تقصراين‬


‫‪92‬‬
‫العدد ‪2008 -16‬‬ ‫مجلة الـمربي‬ ‫الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب‬

‫تشير إلى أن جماهير العمال التحمت مع جهود التشكيالت السياسية الوطنية من أجل الـحرية‬
‫واالنعتاق‪ ...‬غير أن هذا اإللتحام آل إلى إحداث وضعيات معينة لم تكن في الغالب في خدمة‬
‫مصالح الطبقة العاملة‪.‬‬

‫لعل ما ساعد على تشابه األوضاع العمالية في البلدان العربية‪ ،‬خضوعها معا للسيطرة العثمانية‬
‫و ما أفرزته من أجواء إقطاعية و عالقات اجتماعية اقتصادية تقليدية تتسم بشدة التفاوت الطبقي‪،‬‬
‫مع الـمحافظة الشديدة على العالقات السلفية و على بنيتها اإلجتماعية و الفكرية‪...‬‬

‫و العامل الثاني الذي ساعد أيضا على تكريس ذلك التشابه‪ ،‬هو هيمنة السيطرة اإلستعمارية‬
‫األوروبية وبشكل متفاوت على كل أجزاء العالم العربي‪.‬‬

‫لقد ك ّبل هذين العاملني كل تغ ّير إيجابي نحو مواكبة التطور العلمي و التكنولوجي و اإلقتصادي‬
‫و الثقافي الـحاصل في العالم الغربي ‪...‬‬

‫إن مدن ًا مثل تونس وحلب وطنجة كانت لها إمكانيات نادرة لتراكم الرأسمال نتيجة وقوعها في‬
‫مفترق طرق التجارة الـمحلية و العالم(‪ .)2‬وكذا تـجربة محمد علي في مصر لم تتمكن من الـخروج‬
‫من األنـماط اإلقتصادية التقليدية بسبب جمود النظام العثماني وتوجهات الهيمنة اإلستعمارية‬
‫األوروبية‪.‬‬

‫لقد خاضت الطبقة العاملة نضاال مزدوجا ضد اإلستعمار وضد األنظمة اإلقطاعية الـمحلية‪،‬‬
‫وكثيرا ما كان الصراع قائما بني التنظيمات النقابية و األحزاب السياسية الـمعادية للطبقة العاملة‬
‫مثبطا لعزائمها وطموحاتها‪ ،‬مـما أخّ ر ظهور اإلتـحادات العمالية العربية بشكل بارز وقوي نسبيا‬
‫إلى ما بعد الـحرب العالـمية الثانية‪.‬‬

‫استنادا إلى ذلك‪ ،‬و إلى األرضية السياسية و اإلجتماعية و الثقافية و اإلقتصادية تبدو إمكانية‬
‫قيام طبقة عاملة جزائرية بـمقومات كافية تؤهلها لـخوض معترك النضال النقابي بعيدة الـمنال في‬
‫الـمدى القريب‪ ...‬كما أن الكالم عن التنظيم النقابي خالل قرن من اإلحتالل إنـما يعني البحث‬
‫عن الشغيلة في القطاع الصناعي باعتبارها النواة احلقيقية ألي تنظيم نقابي ‪ ..‬غير أن هذه الفئة‬
‫في هذه الـمرحلة بالذات (‪ )1930 - 1830‬كانت محدودة نسبيا ومتكونة بصورة خاصة من‬
‫العمال األوروبيني‪ ،‬مـما يبعد العمال الـجزائريني عن قنوات التنظيم‪.‬‬

‫‪ -2‬مـمهدات ظهور التنظيم النقابي‬


‫مـمهدة‬
‫قبل ظهور التنظيم النقابي العمالي في أواخر القرن الـماضي كانت هناك مظاهر إجرائية ّ‬
‫للعمل النقابي تأثرا بـما يجري في أوروبا عامة وفرنسا خاصة‪ ،‬منها ظهور عدد من الـمصالح‬

‫(‪ )2‬حنا عبد اهلل ‪ :‬مالمح من تاريخ الـحركة العالـمية و النقابية في الوطن العربي‪ ،‬الـمعهد النقابي‪ ،‬دمشق‪ .1985 .‬ص ‪( 12‬مطبوعة غير‬
‫منشورة)‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫العدد ‪2008 -16‬‬ ‫مجلة الـمربي‬ ‫الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب‬

‫و الهيئات التي جاءت ضمن أجواء اإلعتراف بالـحق النقابي‪ ،‬وهي كما يلي (‪: )3‬‬

‫• الغرفة النقابية لعمال الـمعادن لـمدينة الـجزائر ‪ .............‬لسنة ‪.1878‬‬


‫• انتظام الطباخني وصانعي احللوى بقسنطينة ‪ ...............‬لسنة ‪.1880‬‬
‫• إتـحاد الشغيلة ‪ .....................................‬لسنة ‪.1880‬‬
‫• اإلتـحاد النقابي لعمال الـمطابع بقسنطينة ‪ ................‬لسنة ‪.1880‬‬
‫• اإلتـحاد النقابي لعمال الطباعة و التجليد بعنابة ‪ ............‬لسنة ‪.1882‬‬
‫• الغرفة النقابية لعمال الطباعة الـحجرية بالـجزائر ‪ ............‬لسنة ‪.1887‬‬
‫• نقابة تـجار الـمفروش‪ ................................‬لسنة ‪.1887‬‬
‫• انتظام عمال السجاد بوهرا‪ ............................‬لسنة ‪.1885‬‬

‫وهذه التنظيمات جاءت لتعزز مكانة العمال األوروبيني و أرباب العمل على السواء‪ ،‬أما العمال‬
‫الـجزائريون فلم يكونوا يـملكون القنوات التي تـجمعهم و تنظمهم و تشحذ وعيهم للنضال إلى‬
‫غاية ما بعد احلرب العالـمية األولى‪ ،‬يستثنى من ذلك التضامن الـجهوي الناتـج عن تكتل جماعات‬
‫البرانية على أساس اجلهة و ليس على أساس وحدة الـمصير و تشابه الوضعية اإلجتماعية ألعضائها‪،‬‬
‫إنها نواة الطبقة العاملة الـجزائرية و ليست نواة التنظيم النقابي‪.‬‬

‫إن نواة التنظيم النقابي الذي عرفته الـجزائر خالل القرن ‪19‬م يرجع إلى األقلية األوروبية الـمنضمة‬
‫إلى التنظيم الفرنسي في باريس‪ ،‬هذه األقلية كانت تنظر إلى العامل الـجزائري نظرة احتقار و أنه ال‬
‫يصلح لإلنضمام إلى النقابة‪ ،‬و هي النظرة التي تركت هذا العامل عنصرا هامشيا و ال مكان له في‬
‫عالقة العمل السائدة‪ ،‬باإلضافة إلى محاربة السلطات للنقابية عموما بإعتبارها فكرا شيوعيا‪.‬‬

‫و عملية التهميش هذه كانت محور السياسة اإلستراتيجية الـمتبعة من قبل الـمعمرين لسد‬
‫الطريق أمام أي بادرة يـمكن أن تسمح للجزائريني بالتطلع إلى وضعية أحسن أو امتالك وسائل‬
‫التطلع‪.‬‬

‫فعلى الرغم من الـمرسوم الصادر في ‪ 21‬أوت ‪ 1871‬الذي بـمقتضاه تصبح جميع القوانني التي‬
‫تصدر عن البرلـمان الفرنسي تطبق على الـجزائر و فرنسا في آن واحد(‪ ،)4‬فإن التشريع الـجزائري كان‬
‫متخلفا كثيرا‪ ،‬و لم يكن التشريع الفرنسي قابال للتطبيق نظرا لتسلط الكولون على مقاليد األمور‬
‫السياسية و اإلقتصادية و مـمارستهم لـمختلف الضغوط حتى ال تعطى آية فرصة لـ « األهالي » بـما‬
‫في ذلك التنظيم النقابي‪.‬‬

‫(‪ )3‬فارس محمد ‪ :‬أبحاث في تاريخ الـحركة النقابية الـجزائرية في كتاب من تاريخ الـحركة النقابية الـجزائرية‪ ،‬ترجمة عبد الـمجيد بيرم و‬
‫آخرون‪ ،‬منشورات الثورة و العمل‪ ،‬الـجزائر ‪ ،1989‬ص ‪ ،113‬و كذلك في الـمعهد العربي‪ ،‬دراسات رقم ‪ 3‬ص ‪70‬‬
‫(‪ )4‬بوحوش عمار ‪ :‬العمال الـجزائريون في فرنسا‪ ،‬ش‪.‬و‪.‬ن‪.‬ت‪ .‬الـجزائر ‪ ،1975‬ص ‪.78‬‬

‫‪94‬‬
‫العدد ‪2008 -16‬‬ ‫مجلة الـمربي‬ ‫الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب‬

‫‪ -3‬اإلنطالقة الفعلية للنقابية‬


‫على اثر الـممهدات العملية للتنظيم النقابي وصدور قانون مـمارسة الـحق النقابي سنة ‪ 1884‬و‬
‫تأسيس الكونفيدرالية العامة للشغل (‪ )C.G.T‬الفرنسية في العقد األخير من القرن التاسع عشر‪،‬‬
‫انطلقت فعال و بشكل ملفت للنظر في عملية تأسيس النقابات في الـمدن الـجزائرية الرئيسية و‬
‫تصاعد اإلنضمام إليها ‪ ...‬فمع بداية القرن العشرين و في سنة ‪ 1902‬كان هناك ‪ 42‬فرعا نقابيا‬
‫تضم في مجموعها ‪ 3300‬عضو(‪ )5‬وخالل الفترة ما بني ‪ 1911‬و ‪ 1920‬تكونت ‪ 41‬نقابة جديدة‬
‫‪...‬‬

‫منطقة الـجزائر العاصمة وحدها كانت تضم ‪ 62‬نقابة جديدة تضم أكثر من ‪ 13000‬نقابي‬
‫منخرط خالل سنة ‪ ... 1921‬أما في الـمنطقة الوهرانية فكانت تضم ‪ 25‬نقابة سنة ‪1907‬‬
‫(‪)6‬‬
‫بعضوية ‪ 1853‬نقابيا ‪...‬‬

‫تلك بعض األمثلة عن التنظيم النقابي في مدينتني فقط الـجزائر و وهران‪ ،‬و في الـحقيقة فإن كل‬
‫الـمدن الـجزائرية الهامة توجد بها تنظيمات نقابية ال تقل عددا و أهمية عما ذكر ‪ ...‬و على العموم‬
‫فإن الـمصادر تشير إلى أن عدد الـجزائريني الـمنخرطني في هذه النقابات كان ضعيفا جدا إن لم يكن‬
‫منعدما و ذلك لألسباب اآلتية ‪:‬‬
‫‪ -1‬إن منطوق قانون األهالي كان ال يسمح ضمنيا باعتالء الـمنـاصب النقابية مـما دفع بالـجزائريني‬
‫إلى العزوف عن اإلنخراط‪.‬‬
‫‪ -2‬سيادة العنصرية العرقية الـممارسة من قبل العمال األوروبيني بعدم تقبلهم للـجزائريني في‬
‫صفوف نقاباتهم‪.‬‬
‫‪ -3‬غالبا ما كانت تلك النقابات تهمل الدفاع عن حقوق العمال الـجزائريني و ال تتبنى مشاكلهم‪،‬‬
‫ألن الـمتسببني في إحداث تلك الـمشاكل و حاالت البؤس و الشقاء هم األوروبيون عموما بـما فيهم‬
‫فئة العمال بنظرتهم اإلستعالنية و اإلحتقارية للجزائريني‪ ،‬فكيف يـمكن الدفاع عمن يحتقرونهم‪.‬‬
‫‪ -4‬إن الـجزائريني لم يستسيغوا بعد مسألة اإلختالط و التعاون مع األوروبيني « الكفار » الدخالء‬
‫بإعتبارهم مصدر البالء‪.‬‬

‫و مهما يكن‪ ،‬فإنه يـمكن اعتبار فترة ما بعد احلرب العالـمية األولى منطلقا حقيقيا للحركة‬
‫النقابية الـجزائرية أو بـمعنى آخر بداية انتشار الفكر التضامني بني الـجزائريني ضمن أطر جديدة منها‬
‫بصورة خاصة اإلهتمام بالعمل النقابي و السياسي‪ ،‬و ذلك نتيجة لإلعتبارات التالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬التجنيد اإلجباري للجزائريني في الـجيش الفرنسي ابتداء من سنة ‪ ،1912‬و في الـمصانع‬
‫الفرنسية ابتداء من ‪ ،1916‬فاإلحصائيات تتحدث عن ‪ 177000‬جندي في الـجيش و ‪89000‬‬
‫عامل جندوا للعمل قسرا في فرنسا(‪ ،)7‬فرغم مقاومة الشعب الـجزائري لهذا التجنيد بنوعيه‪ ،‬فقد‬
‫سمح للمجندين (رغم أميتهم) عن طريق التدريب و التنقل من مكان آلخر‪ ،‬و اإلحتكاك‬
‫(‪ )5‬الـمرجع السابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫(‪ )6‬نفس الـمرجع‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫(‪ )7‬أبو القاسم سعد اهلل ‪ :‬الـحركة الوطنية الـجزائرية (‪ ،)1930-1900‬الـجزء ‪ .2‬ط ‪ ،3‬الشركة الوطنية للنشر و التوزيع‪ ،‬الـجزائر‪،1983 ،‬‬
‫ص ‪.209‬‬

‫‪95‬‬
‫العدد ‪2008 -16‬‬ ‫مجلة الـمربي‬ ‫الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب‬

‫و التفاعل مع عالم جديد عنهم‪ ،‬باإلضافة إلى الـممارسات العنصرية رغم الـخدمات الـجليلة التي‬
‫يقدمونها لفرنسا‪ ،‬كل ذلك عمل على تفتق أفكارهم و مالحظاتهم على الواقع الـمزري الذي‬
‫يعيشه الشعب الـجزائري‪ ،‬و مع بداية العشرينات و عن طريق هؤالء بدأت تنتشر في األوساط‬
‫الشعبية و العالـمية مصطلحات سياسية و نقابية مثل‪ :‬الـحقوق السياسية‪ ،‬و الـمساواة‪ ،‬و الوطن‪،‬‬
‫و العدالة‪ ،‬و الـحقوق اإلجتماعية‪ ،‬و التقدم‪ ،‬و مقاومة قانون « األهالي »‪ ،‬و النقابية‪ ،‬و الشيوعية‬
‫‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫و يـمكن اعتبار ذلك النواة األولى للشعور القومي و اإلقتناع أن مقومات الشخصية الوطنية ال‬
‫عالقة لها بفرنسا و بكل مقوالتها في هذا الـمضمار‪.‬‬

‫‪ -2‬لقد كان من نتائج الـحرب العالـمية األولى على الصعيد اإلجتماعي زيادة أعداد البروليتاريا‬
‫(‪)8‬‬
‫الـجزائرية‪ ،‬إذ تشير بعض التقديرات إلى أكثر من ‪ 500‬ألف بني جندي و عامل شاركوا في الـحرب‬
‫و أن كل ما فعلته هذه لهم‪ ،‬هو زيادة وعيهم الطبقي و اإلجتماعي و يقظتهم السياسية و تعاظم‬
‫الشعور الوطني لديهم‪ ،‬و هو أمر كفيل لـجعل الطبقة العاملة الـجزائرية بـمختلف فئاتها تفهم‬
‫النقابية على النحو الذي يجب‪.‬‬

‫‪ -3‬إن ظهور الهجرة الـجزائرية إلى فرنسا بأعداد كبيرة‪ ،‬حيث كانت هذه اآلخيرة في حاجة‬
‫ماسة إلى أيدي عاملة لبناء ما خربته الـحرب‪ ،‬سمحت للجزائريني لإلحتكاك بالعمال الفرنسيني و‬
‫األجانب على السواء‪ ،‬و خوض غمار النضال اإلجتماعي معا في صفوف النقابات الفرنسية‪ ،‬و أن‬
‫عودة الـمهاجرين إلى أرض الوطن كفيل أيضا بنشر مفهوم النقابية و بالتالي زيادة معتنقيها كوسيلة‬
‫نضالية و تنظيمية‪.‬‬

‫‪ -4‬إن انقسام الكونفيدرالية العامة للشغل (‪ )C.G.T‬الفرنسية على نفسها إلى نقابتني‬
‫(‪ )C.G.T‬و (‪ )C.G.T.U‬و انحياز هذه األخيرة ذات النزعة الشيوعية لتبني مشاكل الطبقة‬
‫العاملة الـجزائرية مناهضة اإلستعمار «إذ في ظروف استعمارية صعبة سعت (‪ )C.G.T.U‬إلى‬
‫الدفاع عن وضعية العمال الـجزائيني و تنظيمهم النقابي»(‪ )9‬وهو ما فتح الـمجال أمام تغلغل فكرة‬
‫النقابية في األوساط العمالية الـجزائرية‪.‬‬

‫‪ -5‬ظهور الـحركة الوطنية السياسية بشكل متميز و التي تتمثل بدايتها بشكل صريح في حركة‬
‫األمير خالد و جريدته «اإلقدام» و التي كانت تدافع عن مصالح الفالحني الذين يتعرضون لالستغالل‬
‫(‪)10‬‬
‫الـجديد من طرف الزعامات الـجديدة التي صنعها اإلستعمار في األوساط الـجزائرية‪.‬‬

‫(‪ )8‬الـمرجع السابق‪ ،‬ص ‪.303‬‬


‫(‪ )9‬عبيد أحمد ‪ :‬على درب نضال العمال الـجزائريني لتحقيق االستقالل النقابي إبان الوجود اإلستعماري ‪ -‬مجلة الـمرشد ‪-‬‬
‫رقم ‪ 09 :‬لسنة ‪ - 1988‬تصدر عن معهد الدراسات النقابية (ا‪.‬ع‪.‬ع‪.‬ج) ‪ -‬بوزريعة ‪ -‬الـجزائر‪.‬‬
‫(‪ )10‬الـخطيب أحمد ‪ :‬حزب الشعب الـجزائري‪ .‬م‪.‬و للكتاب‪ .‬الـجزائر‪ .1986 .‬ص ‪.63‬‬
‫‪96‬‬
‫العدد ‪2008 -16‬‬ ‫مجلة الـمربي‬ ‫الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب‬

‫‪ -6‬تعتبر «األقدام» أولى الـجرائد الـجزائرية التي اهتمت بـمصير العمال و الفالحني و العاطلني‬
‫عن العمل فقد جاء في أحد مقاالتها حول أسباب الـمجاعة التي أصابت الـجزائريني عام ‪: 1921‬‬
‫«إن الكارثة الرهيبة التي تصيب الـجزائريني من وقت آلخر‪ ،‬سببها االستيالء على أجود األراضي و‬
‫تـحويل أصحابها إلى خماسني و أرقاء ‪ ...‬وكذلك األجور البائسة للعمال التي تتراوح منذ ‪1870‬‬
‫بني فرنك وفرنك ونصف مقابل ‪ 12‬ساعة عمل يوميا في الوقت الذي يباع فيه قنطار من القمح بـ‬
‫(‪)11‬‬
‫‪ 250‬فرنك فكيف ال يـموت هؤالء من الـجوع»‪.‬‬

‫إن مثل ذلك اخلطاب كفيل ببعث روح التضامن و احلماس و الـمطالبة بالـحقوق السياسية و‬
‫النقابية‪ ،‬وعليه فليس من الغرابة أن يقوم حزب عمالي من وسط العمال الـجزائريني في فرنسا(*) و‬
‫(‪)12‬‬
‫يطالب في برنامجه «تطبيق القوانني اإلجتماعية و العمالية الفرنسية على العمال (األهالي)»‪.‬‬

‫‪ -7‬من ناحية أخرى يـمكن اعتباره فترة العشرينيات‪ ،‬فترة خروج الطبقة العاملة الزراعية من‬
‫عزلتها بصالتها الوثيقة مع العمال احلضريني‪ ،‬بعد أن تـم ترسيخ نقابات العمال بصورة نهائية في‬
‫الـمدن‪ .‬فعن طريق هذه األخيرة تـم نقل أفكار جديدة و أساليب تفكير إلى العمال الزراعيني في‬
‫األرياف لم تكن معهودة لديهم من قبل‪ ،‬وذلك بـمساهمة نشاط و حركية الكونفيدرالية العامة‬
‫للشغل الـموحدة (‪ ،)C.G.T.U‬وبدافع روح الـمنافسة معها عملت (‪ )C.G.T‬كبريات‬
‫الـمركزيات النقابية الفرنسية على التقرب من العمال الزراعيني و التمهيد لتأطيرهم و من ثم تأسيس‬
‫(‪)13‬‬
‫االتـحاد الـمستقل للعمال الزراعيني بعضوية ‪ 40.000‬منخرط‪.‬‬

‫كل تلك العوامل كونت دعائم اإلنطالقة للحركة النقابية الـجزائرية بعد أن أصبح حجم البروليتاريا‬
‫الـجزائرية يعد بـمئات اآلالف ‪ ...‬و رغم تناقض مواقف النقابات الفرنسية بني النضاالت الـمطلبية‬
‫الـمناهضة ألساليب اإلستغالل‪ ،‬و بني مفهوم النضاالت الوطنية الـمناهضة لإلستعمار كشكل من‬
‫أشكال اإلستغالل‪ ،‬فإن العمال الـجزائريني لم يتوانوا في اإلنخراط في النقابات الفرنسية خاصة‬
‫في الثالثينيات و في عهد حكومة الوحدة الشعبية وعهد الوحدة النقابية بني (‪ )C.G.T‬و‬
‫(‪ )C.G.T.U‬في نقابة واحدة هي (‪ ،)C.G.T‬حيث أصبح العمال الـجزائريون يكونون نسبة‬
‫تتراوح ما بني ‪ 40‬و ‪ ٪ 50‬من منخرطيها(‪ ..)14‬إنها إستراتيجية ستؤدي في وقت الحق إلى التفكير‬
‫في تأسيس نقابة وطنية جزائرية مستقلة عن الـمركزيات النقابية الفرنسية‪.‬‬

‫(‪ )11‬نفس الـمرجع‪ ،‬ص ‪ 63‬و ‪.64‬‬


‫(*) يتعلق األمر بحزب نـجم شمال إفريقيا‪.‬‬
‫(‪ )12‬نفس الـمرجع‪ ،‬ص ‪.281‬‬
‫(‪ )13‬جغلول عبد القادر ‪ :‬تاريخ الـجزائر الـحديث (دراسة سوسيولوجية)‪ ،‬الـمطبوعات الـجامعية‪ ،‬ط‪ ،3‬الـجزائر ‪ 1983‬ص‪.132‬‬
‫(‪ )14‬شوكرون جاك ‪ :‬التحوالت النقابية في الـجزائر من خالل سنوات الـجبهة الشعبية ‪ ،1939 - 1936‬الـمعهد العربي‪ ،‬دراسات‪ ،‬رقم ‪،3‬‬
‫ص ‪.319‬‬
‫‪97‬‬
‫العدد ‪2008 -16‬‬ ‫مجلة الـمربي‬ ‫الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب‬

‫‪ -4‬الهجرة إلى فرنسا عجلت بعملية التنظيم النقابي‬


‫كثيرا ما يرد موضوع الهجرة الـجزائرية إلى فرنسا كعنصر أساسي في الكتابات الـمهتمة بقضايا‬
‫الـحركة العمالية و النقابية في الـجزائر نظرا إلرتباطها بظاهرة النقابية الـجزائرية‪.‬‬

‫فهجرة العمال الـجزائريني إلى فرنسا تعتبر مؤشرا هاما حلجم حركية العمال و مؤثرا قويا له وزنه‬
‫في انتشار الوعي الطبقي و النضالي بني العمال الـجزائريني‪ ،‬ليس ألن الفرنسيني علموا لهم ذلك‪،‬‬
‫بل تعلموا من الواقع الذي كانوا يعايشونه‪ ...‬لقد الحظوا مثال الفرق بني معاملة أرباب العمل و‬
‫العمال الفرنسيني لهم في فرنسا‪ ،‬و بني ما يالقونه في الـجزائر على يد الـمعمرين و العمال األوروبيني‬
‫من معامالت دنيئة أقل ما يقال عنها أنها تكشف عن درجة الـحقد و العنصرية و الكراهية للعربي‪،‬‬
‫مـما ولد في أذهان العمال الـمهاجرين أن ما يوجد في الـجزائر ليس من قبيل النظام الرأسمالي‬
‫اإلستغاللي فحسب‪ ،‬بل أنه أكثر بربرية و قسوة‪ ،‬إنه اإلستعمار‪ ،‬و هو ما جعل العمال يصرون على‬
‫(*)‬
‫انتهاج أساليب معينة من النضال السياسي و اإلجتماعي في مقدمتها العمل النقابي‪.‬‬

‫وهكذا كانت الهجرة بداية عهد جديد من النضال و الـمقاومة بأسلوب جديد في ظل العالقات‬
‫الرأسمالية اإلستعمارية ‪ ..‬لقد وصل عدد الـمهاجرين في فرنسا سنة ‪ 1924‬إلى ‪100.000‬‬
‫عامل(‪ .)15‬وقد قدّ رهم توفيق الـمدني سنة ‪ 1931‬بحوالي ‪ 200.000‬عامل(‪ .)16‬إن هذا العدد‬
‫الكبير نستيا مقارنة بالعدد اإلجمالي للسكان الـجزائريني البالغ عددهم ‪ 5.150.800‬نسمة سنة‬
‫‪ ،)17(1926‬دفع بالـمعمرين إلى اإلحتجاج على تسرب قوة العمل من الـجزائر إلى فرنسا‪ ،‬وطالبوا‬
‫بقيود تـحد من الهجرة لضمان توفر اليد العاملة في سوق العمل الـجزائرية حتى ال ترتفع األجور‬
‫بنقصانها‪...‬‬

‫وقد استجابت اإلدارة الفرنسية بإصدار مرسوم ‪ 4‬أوت ‪ 1926‬يقضي بعدم السماح ألي جزائري‬
‫(‪)18‬‬
‫بالهجرة إلى فرنسا ما لم يستوف الشروط اآلتية ‪:‬‬
‫‪ -1‬بطاقة تعريف مؤشرة بأن صاحبها أدى الـخدمة العسكرية‪.‬‬
‫‪ -2‬شهادة من الشرطة تثبت أن الـمعني لم يرتكب جناية‪.‬‬
‫خال من األمراض و يحمل بطاقة تلقيح‪.‬‬‫‪ -3‬شهادة طبية تثبت أن الـمعني ٍ‬
‫‪ -4‬توفر مبلغ من الـمال لدى الـمعني يكفيه لسد حاجياته مدة بحثه عن العمل في فرنسا‪.‬‬

‫(*) بعد فشل ثورة ‪ 1916‬باألوراس التي بلغت هجوماتها ‪ 9456‬هجوما وفشل ثورات أخرى قبلها و ظهور جماعات بني وي‪-‬وي‪ ،‬تأكد للرأي‬
‫العام أنه البد من أسلوب جديد للمقاومة‪ ،‬فكان العمل السياسي و النقابي مرحلة ال مفر منها‪.‬‬
‫(‪ )15‬بوحوش ‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ .‬ص ‪.135 :‬‬
‫(‪ )16‬الـمدني أحمد توفيق ‪ :‬كتاب الـجزائر‪ .‬دار الـمعارف ‪ .1963‬ط ‪.2‬ص ‪333 :‬‬
‫(‪ )17‬الـمرجع السابق‪ .‬ص ‪.168 :‬‬
‫(‪ )18‬نفس الـمرجع‪ .‬ص ‪.136 :‬‬

‫‪98‬‬
‫العدد ‪2008 -16‬‬ ‫مجلة الـمربي‬ ‫الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب‬

‫وقد تـم إلغاء هذا الـمرسوم بعد عشر سنوات من صدوره عند مجيء حكومة اجلبهة الشعبية إلى‬
‫الـحكم سنة ‪.1936‬‬

‫ورغم أن القيود كانت قد وضعت منذ ‪ 1924‬بقرار من الوالي العام حيث فرضت رقابة مشدّ دة‬
‫على الهجرة إلى فرنسا وفق إجراءات منها الـحصول مقدّ ما على عقد العمل وشهادة طبية وبطاقة‬
‫تعريف وتذكرة ركوب السفينة(‪ ،)19‬فإن حركية العمال الـجزائريني بني فرنسا و الـجزائر لم تتوقف‪،‬‬
‫خالل الفترة ‪ 1939-1914‬حيث شهدت سنوات ‪ 1928‬و ‪1924‬و ‪1926‬و ‪1929‬و ‪1930‬و‬
‫‪ 1937‬أرقاما عالية من الـمهاجرين إلى فرنسا‪ .‬أما آثار اإلجراءات املشدّ دة على الهجرة فإنها تظهر‬
‫مثال في عدد الـمهاجرين سنة ‪ 1925‬قياسا بالسنة التي سبقتها ‪ 1924‬حيث انخفض العدد من‬
‫‪ 71.028‬إلى ‪.24.753‬‬

‫لقد بلغ عدد الـمهاجرين خالل الفترة الـمذكورة ‪ 774.121‬وعدد العائدين في نفس الفترة‬
‫‪ 646.776‬عامال‪ ،‬وهو ما يدل على أن هناك حركة واسعة للعمال بني فرنسا و الـجزائر قياسا‬
‫بـمحدودية إمكانيات السفر للجزائريني آنذاك‪ ،‬ومن جملة اإلنعكاسات التي يـمكن استنتاجها‬
‫من هذه الـحركية هو انتقال تأثير التنظيمات النقابية و الـحزبية و النضاالت اإلجتماعية عموما من‬
‫فرنسا إلى الـجزائر عن طريق هؤالء العمال الذين يكونون النواة احلقيقية للنقابية في الـجزائر‪.‬‬

‫ومن بني األسباب الرئيسية التي دفعت بالـجزائريني إلى الهجرة‪ ،‬هو البحث عن عالم آخر لعلهم‬
‫يجدون فيه ما يع ّوضهم عن البؤس و الشقاء الـمسلط عليهم في وطنهم‪ ،‬يضاف إلى ذلك الوضعية‬
‫الـمتدهورة لليد العاملة الـجزائرية في الـجزائر من حيث انخفاض األجور و البطالة‪.‬‬

‫أجورا أقل مـما يأخذة‬


‫ً‬ ‫فعن انخفاض األجور يشير الـجدول (رقم ‪ )1-‬أن الـجزائريني يتقاضون‬
‫األوروبي بكثير‪ ،‬وهو إجحاف واضح سكتت عنه حتى الـمنظمات النقابية الفرنسية‪ ،‬وهو أمر‬
‫كاف بالنسبة للعمال الـجزائريني لدفعهم إلى التفكير في وسائل تنظم الدفاع عن حقوقهم و‬ ‫ٍ‬
‫مواجهة العنصرية التي تالحقهم من قبل األوروبيني معمرين كانوا أم عماال أو موظفني في اإلدارات‬
‫الـحكومية‪.‬‬
‫(‪)20‬‬
‫جدول رقم ‪ : 1-‬األجور في منطقة عنابة‬
‫الـجزائريون‬ ‫األوروبيني‬ ‫السنة‬
‫‪ 2،5‬فرنك‬ ‫‪ 8-6‬فرنك‬ ‫‪1913‬‬
‫‪ 6،5‬فرنك‬ ‫‪ 12-10‬فرنك‬ ‫‪1920‬‬
‫‪ 14،13‬فرنك‬ ‫‪ 18-16‬فرنك‬ ‫‪1930‬‬

‫(‪ )19‬نفس الـمرجع‪ .‬ص ‪.135 :‬‬


‫(‪Ben Achenhou. op-cit.P : 239 )20‬‬

‫‪99‬‬
‫العدد ‪2008 -16‬‬ ‫مجلة الـمربي‬ ‫الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب‬

‫إن تفاوت األجور لم يقتصر على اختالف األصول العرقية بل امتدّ ليشمل الـمناطق أيضا ‪...‬‬
‫(اجلدول رقم ‪ )2-‬حيث نـجد أجور قسنطينة و سطيف هذا في الـمجال الصناعي والتجاري أما‬
‫في الزراعة فالـمسألة أكثر مأساوية‪.‬‬

‫جدول رقم ‪ 2-‬األجور الرسمية للمناطق لسنة ‪1929‬‬


‫(‪)21‬‬

‫الـجزائريون‬ ‫األوروبيني‬ ‫الـمنطقة‬


‫‪11‬فرنك‬ ‫‪18‬فرنك‬ ‫الـمدية‬
‫‪ 11‬فرنك‬ ‫‪ 23‬فرنك‬ ‫األصنام‬
‫‪ 12‬فرنك‬ ‫‪ 20‬فرنك‬ ‫عنابة‬
‫‪ 12-10‬فرنك‬ ‫‪ 30-25‬فرنك‬ ‫قسنطينة‬
‫‪ 12‬فرنك‬ ‫‪ 35-25‬فريك‬ ‫سطيف‬
‫كما امتدت التفرقة إلى الـمنح و العالوات سواء بني الـجزائريني و األوروبيني في الـجزائر أم بني‬
‫الـجزائر وفرنسا‪ ،‬إذ كانت ضعيفة جدا مقارنة بـما يعطي في فرنسا ‪ ...‬فمثال العامل الذي له أربعة‬
‫أطفال يتقاضى عنهم في الـجزائر ‪ 7.600‬فرنك قديـم في حني بإمكانه أن يتقاضى ‪ 27.744‬فرنك‬
‫قديـم في فرنسا(‪ .)22‬وعموما فإن مزايا الضمان اإلجتماعي لم تطبق على العمال الـجزائريني إال في‬
‫سنة ‪ ...1950‬أما الـمنح العائلية فلم يكن من حق العامل الـجزائري في الصناعة و التجارة احلصول‬
‫عليها إال في سنة ‪ ...)23(1941‬أما عمال الزراعة و الـموسميون و الـمؤقتون فلم يكن لهم أي حق‬
‫في ذلك‪.‬‬

‫إن ارتفاع األجور في فرنسا و التمتع بـمزايا الضمان اإلجتماعي كانت أحد األسباب التي دفعت‬
‫الـجزائريني إلى الهجرة ‪ ...‬يضاف إليها أن الطبقة العاملة الـجزائرية في فرنسا تـحظى دوما بالدفاع‬
‫النقابي عن حقوقها ضمن القوانني اإلجتماعية بعيدا عن قانون األهالي و غطرسة الـمعمرين‪..‬‬

‫كما أن كثيرا من اآلراء تؤكد أن تواجد الـجزائريني في فرنسا سواء كانو جنودا أو عماال قد‬
‫تـمتعوا ببعض الـمساواة مع الفرنسيني(‪ )24‬كما أن هؤالء الـجزائريون يكونوا قد استوعبوا حقيقة‬
‫العمل النقابي و تنظيماته‪.‬‬

‫وحدتها‪ ،‬فقد بفاقمت إلى درجة أن سوق العمل لم تعد تستطيع استيعاب أ ّية زيادة‬ ‫أما عن البطالة ّ‬
‫في األيدي العاملة بصورة دائمة أو مؤقتة‪ ،‬فزيادة عن السياسة اإلستعمارية في هذا الـمجال هناك‬
‫التزايد الديـمغرافي إذ قفز عدد سكان الـجزائر من ‪ 4.740.500‬سنة ‪ 1911‬إلى ‪6.201.100‬‬
‫نسمة سنة ‪ ،1936‬مع العلم أن الـموارد اإلقتصادية بقيت كما هي‪ ،‬خاصة أن غالء الـمعيشة‬
‫والـمجاعات هي السمة السائدة في هذه الفترة‪ ،‬و التي تزامنت مع األزمة اإلقتصادية العالـمية‬
‫(‪Ibid. P: 241 )21‬‬
‫(‪ )22‬بوحوش ‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ .‬ص ‪.154‬‬
‫(‪ )23‬نفس الـمرجع‪ .‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫(‪ )24‬سعد اهلل ‪ :‬الـحركة الوطنية‪ .‬ج ‪ .2 :‬كرجع سبق ذكره‪ .‬ص ‪.301 :‬‬

‫‪100‬‬
‫العدد ‪2008 -16‬‬ ‫مجلة الـمربي‬ ‫الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب‬

‫الكبرى لسنة ‪ ،1920‬كل ذلك يعتبر سببا آخر لهجرة الـجزائريني إلى فرنسا‪.‬‬

‫إن حركية العمال الـجزائريني بني الـجزائر و فرنسا لم تتوقف منذ أن بدأت رغم الصعوبات و‬
‫العراقيل التي وضعها الـمعمرون أمامها‪ ،‬فقد أدت إلى تكوين شريحة عمالية واسعة تتمتع بالوعي‬
‫الطبقي والسياسي‪ ،‬بحيث يـمكن اعتبارها (العائد منها إلى الـجزائر ) هي من نقلت أساليب‬
‫العمل النقابي‪ ،‬مك ّونة بذلك النواة الـحية للنضال اإلجتماعي الذي سيتفاقم أكثر وبحدة خالل‬
‫الثالثينات و األربعينيات‪.‬‬

‫ثانيا ‪ -‬دوافع النضال النقابي و وسائله‬

‫إن جوهر النظام اإلقتصادي في الـجزائر الذي كانت تخضع له القوى العاملة في بعديه الرأسمالي‬
‫و اإلستعماري كان يفرض على كل نشاط نقابي للـجزائريني اإلقتراب‪ ،‬بل اإلمتزاج مع النشاط‬
‫السياسي‪ ،‬مـما أدى إلى صعوبة التفرقة بني الـحركة النقابية و الـحركة الوطنية بـمختلف توجهاتها‪...‬‬
‫فالعمال الـجزائريون الذين كانوا يخوضون غمار النضال اإلجتماعي النقابي وجدوا أنفسهم في آن‬
‫واحد يقاومون اإلستعمار و الرأسمالية‪ ..‬كما اكتشفوا في نفس الوقت أرستقرطية وعنصرية العمال‬
‫األوروبيني‪.‬‬

‫فالنقابات الفرنسية رغم يسارية بعضها لم تستطع مواجهة الكيان الكولونيالي الرأسمالي اإلقطاعي‬
‫و بقيت تراوح مكانها و تعيش التناقضات في مواقفها بني كسب و ّد العمال الـجزائريني من جهة‬
‫و ترضية النزعة اإلستعمارية من جهة ثانية‪ ...‬وربـما يكون ذلك هو السبب الذي جعل الـمنظمة‬
‫النقابية الفرنسية األكثر شعبية لدى العمال الـجزائريني أن تنشطر إلى منظمتني األولى (‪)C.G.T‬‬
‫(األم) موالية للدعوة اإلستعمارية‪ ،‬و الثانية (‪ )C.G.T.U‬لها تصور مناهض لالستعمار إلى‬
‫(‪)25‬‬
‫درجة الـمطالبة باستقالل الـجزائر خالل مؤتـمرها سنة ‪.1929‬‬

‫وقبل هذا التاريخ و إلى غاية بداية العقد الثالث من هذا القرن لم يكن للتنظيم النقابي الفرنسي‬
‫في الـجزائر أي تأثير ايجابي على العمال الـجزائريني‪ ،‬العتبارات استعمارية و عنصرية زيادة عن‬
‫ضآلة حجم الطبقة العاملة الـجزائرية الصناعية ‪ ...‬وأن ما أثر فيهم فعال ودفعهم إلى اعتناق النقابية‬
‫و مـمارستها تدريجيا هو ‪:‬‬

‫أوال‬
‫أسلوب وأفكار ونشاط (‪ )C.G.T.U‬الكونفيدرالية العامة للعمل الـموحدة التي كانت‬
‫تتب ّنى توصيات لينني حول قضايا تقرير مصير الشعوب و مناصرة الـحركات التحريرية و تشجيع‬
‫التنظيمات النقابية الـمحلية‪.‬‬

‫(‪ )25‬عبيد ‪ :‬مرجع سبق ذكره (مجلة الـمرشد رقم ‪)09:‬‬

‫‪101‬‬
‫العدد ‪2008 -16‬‬ ‫مجلة الـمربي‬ ‫الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب‬

‫وهو ما سمح لهذه الـمنظمة أن تبعث الـحماس في صفوف العمال الـجزائريني بتبني مطالبهم و‬
‫الدعوة إلى فكرة النقابة الوطينة الـمستقلة وفي هذا اإلطار و بصورة سرية تـم عقد مؤتـمر العمال‬
‫العرب سنة ‪ 1930‬لم يحضره من األوروبيني سوى شخصني فقط(‪ ،)26‬وهو ما يفسر أن هناك فرقا‬
‫شاسعا بني الـمواقف الـمعلنة و النوايا الـمستترة‪ ...‬ورغم توصيات األمـمية الشيوعية و األمـمية‬
‫النقابية الـحمراء بالعمل على إنشاء نقابة جزائرية فإن الفكرة رفضت بشدة من النقابيني األوروبيني‬
‫(‪)27‬‬
‫و الـحزب الشيوعي الفرنسي‪.‬‬

‫ثـانيـا‬
‫يتمثل الدافع الثاني‪ ،‬في ظهور الـحركة الوطنية الـجزائرية ومساهمة العمال الـجزائريني فيها‬
‫بتأسيس حزب سياسي عمالي في الـمهجر يستقي روافده األساسية من صفوف النقابيني‪.‬‬
‫ونعتقد أن أهم ما أثر في نفسية العمال اجلزائريني ودفعهم بإصرار نـحو العمل النقابي في سنوات‬
‫الثالثينات هو طمس فكرة االستقاللية النقابية العتبارات كولونيالية مفادها أن الطبقة العاملة‬
‫الـجزائرية ال تزال في طور التكوين و التشكل‪ ،‬وهو أمر كاف ألن تبقى الفكرة حية في الضمائر لكي‬
‫تبعث من جديد مع انعقاد أول مؤتـمر لـحركة انتصار الـحريات الديـمقراطية (‪ )M.T.L.D‬سنة‬
‫(‪)28‬‬
‫‪ 1947‬وتـم التأكيد على ذلك بالتطبيق الفوري خالل مؤتـمرها الثاني سنة ‪.1953‬‬
‫وأهم ظاهرة م ّيزت النضال النقابي اإلجتماعي في الفترة ما قبل الـحرب العالـمية الثانية هي‬
‫عمت أرجاء البالد وفي كل الـمدن الـجزائرية إلى درجة إحداث قلق‬ ‫تصاعد موجة اإلضرابات التي ّ‬
‫حقيفي لدى السلطات و باألخص الكولون ألن اإلضرابات امتدت حتى إلى القطاع الزراعي‪.‬‬

‫(‪ )26‬نفس الـمرجع (مجلة الـمرشد رقم ‪ .)09:‬وكذلك في أوزيغان عمار‪ :‬الـجهاد األفضل‪ .‬ترجمة دار الطليعة بيروت ‪.1962‬ط ‪ .1 :‬ص‬
‫‪.150‬‬
‫(‪ )27‬نفس الـمرجع‪.‬‬
‫(‪ )28‬فارس محمد ‪ :‬االتـحاد ع‪.‬ع‪.‬ج‪ .1962 -1956 .‬دراسة منشورة في جريدة الثورة و العمل‪.‬عدد ‪.420 :‬‬

‫‪102‬‬
‫العدد ‪2008 -16‬‬ ‫مجلة الـمربي‬ ‫الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب‬

‫(‪)29‬‬
‫جدول رقم‪ : -3‬إضرابات شهر جوان ‪ 1936‬في مدينة وهران‬
‫عدد الـمؤسسات التي‬
‫عدد الـمضربني‬ ‫التاريخ‬
‫مسها اإلضراب‬
‫‪350‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪1936-06-17‬‬
‫‪870‬‬ ‫‪08‬‬ ‫‪1936-06-18‬‬
‫‪1.665‬‬ ‫‪08‬‬ ‫‪1936-06-19‬‬
‫‪2.029‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪1936-06-20‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1936-06-21‬‬
‫‪5.496‬‬ ‫‪112‬‬ ‫‪1936-06-22‬‬
‫‪6.391‬‬ ‫‪145‬‬ ‫‪1936-06-23‬‬
‫‪7.195‬‬ ‫‪154‬‬ ‫‪1936-06-24‬‬
‫‪7.643‬‬ ‫‪192‬‬ ‫‪1936-06-25‬‬
‫‪8.160‬‬ ‫‪230‬‬ ‫‪1936-06-26‬‬
‫‪8.257‬‬ ‫‪253‬‬ ‫‪1936-06-27‬‬
‫وعلى سبيل الـمثال ال احلصر‪ ،‬فإن الـجدول (رقم‪ )3-‬يـمثل عينة من اإلضرابات‪ ،‬وهي مأخوذة‬
‫من منطقة وهران التي لم يسبق لها و أن شاهدت ت نزاعات عمالية‪ ،‬مـما يجعل هذه اإلضرابات‬
‫أمرا جديدا في الـمنطقة‪.‬‬
‫عمت اإلضرابات مدن وهران‬ ‫ففي شهر جوان من سنة ‪ 1936‬وعلى مدى أحد عشر يوما ّ‬
‫ومستغانـم وسيدي بلعباس‪.‬‬
‫ففي وهران وفي اليوم األول كان عدد الـمؤسسات الـمضربة ‪ 17‬بعدد ‪ 350‬مضربا وفي اليوم‬
‫األخير ‪ 253‬مؤسسة و ‪ 8.257‬مضربا‪ ،‬وضياع أكثر من ‪ 48.000‬يوم عمل‪ ...‬وقد كانت نهاية‬
‫اإلضرابات مأساوية بسبب محاولة إخراج العمال بالقوة من الـمؤسسات مـما أدى إلى سقوط عددا‬
‫(‪)30‬‬
‫من الـجرحى و القتلى‪.‬‬
‫كما شهدت منطقة العاصمة وضواحيها في نفس الفترة موجة من اإلضرابات شملت معظم‬
‫القطاعات الصناعية و الـخدماتية حيث بلغ عدد الـمضربني حوالي ‪ 26.000‬مضربا في العاصمة‬
‫بني يومي ‪11‬و ‪ 22‬جوان ‪ ،)31(1936‬وعلى العموم فقد قدّ ر عدد الـمضربني على مستوى الوطن‬
‫حوالي ‪ 150.000‬مضرب ًا(‪ ،)32‬وكانت األسباب الرئيسية التي دفعت إلى اإلضرابات تتمثل في‬
‫ثالث نقاط ‪:‬‬
‫‪ -1‬رفع الـحد األدنى لألجور‪.‬‬
‫‪ -2‬تـحديد مدة العمل األسبوعية بأربعني ساعة‪.‬‬
‫‪ -3‬تطبيق مبدأ األجر الـمتساوي للعمل الـمتساوي‪.‬‬
‫(‪ )29‬الصوفي فؤاد ‪ :‬حركة إضرابات ‪ 1936‬في منطقة وهران‪ .‬دراسات رقم ‪ .03 :‬الـمعهد العربي‪.‬ص‪479 :‬‬
‫(‪ )30‬نفس الـمرجع‪ .‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫(‪ )31‬بالنش جان لوي ‪ :‬إضرابات شهر جوان ‪ 1936‬في الـجزائر ‪ :‬دراسات رقم ‪ .03‬الـمعهد العربي‪ .‬ص ‪.538 :‬‬
‫(‪ )32‬عبيد ‪ :‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬
‫‪103‬‬
‫العدد ‪2008 -16‬‬ ‫مجلة الـمربي‬ ‫الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب‬

‫لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ‪ :‬كم من العمال الـجزائريني شاركوا في تلك اإلضرابات؟‪...‬‬
‫بالنظر إلى الـمطالب الـمرفوعة‪ ،‬فهي تتناقض مع النظرة اإلستعالنية و األرستقراطية للعمال األوروبيني‬
‫الذين «يشعرون بعقدة التفوق إزاء زمالئهم العرب الذين كانت لهجتهم وطريقة نطقهم بالفرنسية‬
‫تذكرهم غالبا بالـخادم و البقال و الزبال»(‪ )33‬ولذلك فليس سهال‪ ،‬بل ال يعقل أن يسلم األوروبيني‬
‫عموما وبكل بساطة أن يشاركهم الـجزائريون مبدأ األجور الـمماثلة ومدة العمل األسبوعي‪.‬‬
‫ولعل ما يب ّرر هذا الطرح ما نتج عن توحيد (‪ )C.G.T‬و (‪ )C.G.T.U‬عام ‪ 1935‬في‬
‫تـم التخلي عن تنظيم العمال الزراعيني من طرف‬ ‫منظمة نقابية واحدة هي (‪،)C.G.T‬حيث ّ‬
‫الثوريني لصالح غيرهم «بحجة عدم اإلساءة إلى الرفقاء اإلصالحيني الـجدد الذين كانوا يعتبرون‬
‫الـخدم العاملني من نـجوم الصباح إلى نـجوم الـمساء حيوانات بوجه إنساني يستحقون الشفقة‬
‫لكنهم غير مؤهلني لتنظيم نقابي»(‪. )34‬‬
‫إن مواقف التنظيم النقابي القائم من مطالب الـجزائريني كعمال‪ ،‬نادرا ما تؤخذ بعني االعتبار‪،‬‬
‫فكثيرا ما كانت تهمش حتى ولو استعمل اإلضراب‪ ،‬فقد أورد عمار أوزيغان «هل يـمكن أن‬
‫نستغرب أن (‪ )C.G.T‬لم تأبه عام ‪ 1936‬لإلضرابات الـمتوحشة التي قام بها العمال الـمياومون‬
‫في الريف»(‪.)35‬‬
‫ومهما يكن فإن محافظ الشرطة لـمدينة وهران يذكر في تقاريره أن مشاركة العمال الـجزائريني‬
‫في اإلضراب تقدر بـ ‪ 2.837 :‬مضربا (‪ .)36‬وقد شكلت هذه الـمشاركة هاجسا كبيرا للمعمرين‬
‫خاصة في األرياف بدعوى أن «األهالي» يتربصون أية فرصة لالنقضاض عليهم‪ ،‬ولذلك سارعوا إلى‬
‫تطويق أية بادرة لإلضراب للحيلولة دون حدوث االنتفاضات الشعبية أو العصيان‪.‬‬
‫وجه‬
‫إن مقاومة اإلضراب و الـحيلولة دونه ليس بدافع رأسمالي ولكن بدافع استعماري أكثر‪ ،‬لقد ّ‬
‫رئيس نقابة الكولون الـمزارعون بـمستغانـم رسالة عاجلة إلى عامل (والي) وهران يطلب النجدة‬
‫يقول فيها ‪« :‬إن الـجزائر الفرنسية في خطر ‪ ...‬ونحن نطالب بحتمية اتـخاذ إجراءات األمن و‬
‫(‪)37‬‬
‫الـمحافظة على السيادة الفرنسية»‪.‬‬

‫إن موجة اإلضرابات تلك أعطت للجزائريني دفعا قويا نحو مزيد من الوعي الطبقي و النضالي‪،‬‬
‫خاصة وأن ثمرة جهودهم بدأت تظهر على األقل في توجهات حكومة الـجبهة الشعبية التي‬
‫أهملت العمل بقانون «األهالي» حيث فسح الـمجال أمام الـجزائريني للنشاط في احلقل السياسي‬
‫و النقابي‪.‬‬

‫ولذلك يـمكن القول أن هذه الفترة شهدت انـجذاب العمال الـجزائريني إلى التنظيم النقابي بعد‬
‫أن كانوا يرتابون فيه وفي كل ما هو فرنسي‪.‬‬

‫(‪ )34‬نفس الـمرجع‪ .‬نفس الصفحة‬


‫(‪ )35‬نفس الـمرجع‪ .‬نفس الصفحة‬
‫(‪ )36‬الصوفي ‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ .‬ص‪.480 :‬‬
‫(‪ )37‬فارس محمد ‪ :‬أولى الـمنظمات في الوسط الـجزائري‪ .‬جريدة الثورة و العمل‪ .‬عدد ‪419‬‬
‫‪104‬‬
‫العدد ‪2008 -16‬‬ ‫مجلة الـمربي‬ ‫الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب‬

‫لقد استمر الـحماس العمالي واشتد النضال النقابي اإلجتماعي و تزايدت اإلنخراطات في النقابة‬
‫رغم أن الوحدة النقابية التي تـمت بني (‪ )C.G.T‬و (‪ )C.G.T.U‬كانت على حساب ذلك‬
‫الـحماس‪ ،‬إذ تغاضى الوحديون عن مطلب اإلستقالل النقابي عن القيادة الـمركزية بباريس على غرار‬
‫اإلستقاللية‪-‬الشكلية‪ -‬للحزب الشيوعي الـجزائري (‪ )P.C.A‬عن الـحزب الشيوعي الفرنسي‪،‬‬
‫ورغم ذلك فقد كانت نسبة الـجزائريني في (‪ )C.G.T‬الـموحدة ما بني ‪ 40‬و ‪ ٪50‬من أصل‬
‫(‪)38‬‬
‫‪ 120.000‬منخرط في الـجزائر سنة ‪.1936‬‬

‫وعلى الرغم من سقوط حكومة الـجبهة الشعبية وقيام الـحرب العالـمية الثانية وما أفرزته من‬
‫مشاكل و سلبيات‪ ،‬فقد استمر تواجد العمال الـجزائريني في (‪ )C.G.T‬بدعم من أحزاب‬
‫الـحركة الوطنية باعتبار أن النضال النقابي وسيلة فعالة للتكوين السياسي وتنمية الشعور الوطني‪..‬‬
‫فقد وصل عدد الـمنخرطني قبل حوادث ‪ 8‬ماي ‪ 1945‬إلى ‪ 250.000‬منخرط جزائري ثم انخفض‬
‫(‪)39‬‬
‫العدد إلى ‪ 80.000‬بعد تلك الـحوادث مباشرة‪.‬‬

‫من خالل كل ما سبق يتضح لنا أن دوافع النضال النقابي كانت مزدوجة‪ ،‬فبقدر ما كانت تهدف‬
‫ظاهريا إلى تـحسني األوضاع الـمادية للعمال كانت تهدف إلى مكافحة اإلستعمار اإلستطاني‪.‬‬

‫ثالثا ‪ -‬الوضع النقابي عشية اندالع الثورة‬

‫لعل أهم ما يـم ّيز هذه الـمرحلة هو تواجد العمال الـجزائريني بشكل مكثف في النقابات الفرنسية‬
‫إذ ارتفع عددهم مرة أخرى إلى ‪ 280.000‬سنة ‪ )40(1947‬بعد أن شهد انخراطهم انخفاضا بنسبة‬
‫‪ ٪68‬عقب مجازر ‪ 8‬ماي ‪.1945‬‬

‫كما تتم ّيز هذه الـمرحلة أيضا‪ ،‬بتبني حركة إنتصار الـحريات الديـمقراطية (‪)M.T.L.D‬‬
‫للمسألة النقابية بشكل جدّ ي‪ ،‬إذ لم يكتف مؤتـمرها األول (‪ )1947‬بإصدار توصية حول ذلك‪،‬‬
‫(‪)41‬‬
‫بل ك ّون جلنة للتفكير في تأسيس نقابة جزائرية مستقلة عن النقابات الفرنسة‪.‬‬

‫يضاف إلى ذلك ما شهدته الساحة العمالية من نشاطات إضرابية واسعة النطاق‪ .‬ففي سنة ‪1947‬‬
‫تـم تسجيل ‪ 100‬ألف مضرب‪ ،‬ونفس العدد لسنة ‪ ،1949‬بينما شهدت سنة ‪ 1951‬أكثر من‬ ‫ّ‬
‫(‪)42‬‬
‫‪ 225‬إضرابا بـمشاركة أكثر من ‪ 200‬ألف مضرب‪.‬‬

‫(‪ )38‬عبيد احمد ‪ :‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬


‫(‪Weiss.F : op.cit. p.25 )39‬‬
‫(‪ )40‬ليوزي جان كلود ‪ :‬النقابات وتصفية اإلستعمار‪ .‬دراسات رقم ‪ .2 :‬الـمعهد العربي للثقافة العمالية وبحوث العمل بالـجزائر ‪ :‬ص‪:‬‬
‫‪.121‬‬
‫(‪ )41‬فارس محمد ‪ :‬االتـحاد ع‪.‬ع‪.‬ج‪ .)1962 - 1956( .‬الثورة و العمل‪.‬العدد ‪.420 :‬‬
‫(‪ )42‬عبيد أحمد ‪ :‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫العدد ‪2008 -16‬‬ ‫مجلة الـمربي‬ ‫الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب‬

‫ومـما يلفت األنظار في هذه الفترة (‪ )1954 - 1950‬هو تصاعد موجة اإلضراب في الـموانئ‬
‫و القطاع الزراعي‪ ،‬واحتالل عدد هام من النقابيني الـجزائريني لـمراكز حساسة في القيادات النقابية‪،‬‬
‫باإلضافة إلى أن نسبة الـمنخرطني الـجزائريني أضحت تفوق مثيلتها من األوروبيني مـما جعل فكرة‬
‫اإلستقالل النقابي تسيطر على العقول‪ ،‬خاصة وأن التجربة التونسية نـجحت(*) رغم الـمعارضة‬
‫الشديدة التي أبدتها (‪ )C.G.T‬ومعها الـحزب الشيوعي الفرنسي‪ .‬لقد ذكر السيد مصطفى‬
‫زيتوني(*) أن عدد الـمنخرطني الـجزائريني في (‪ )C.G.T‬يفوق كثيرا عدد األوروبيني فيها‪ ،‬وقد‬
‫تصل نسب التفوق في بعض القطاعات إلى ‪.٪95‬‬
‫فالسؤال الـمطروح في هذا الـمقام‪ ،‬وحسب تعبير مصطفى زيتوني‪ ،‬هو «ما دامت أغلبية‬
‫الـمنخرطني في (‪ )C.G.T‬في الـجزائر جزائريون‪ ،‬لـماذا ال تكون القيادة النقابية جزائرية و‬
‫لـماذا هي أوروبية؟»(‪ )43‬وهذا ما أ ّدى باللجنة الـمركزية لـحزب (‪ )M.T.L.D‬أن تدرج في‬
‫جدول أعمالها سنة ‪ 1952‬الـمسألة النقابية من جديد‪ ،‬وقد نصبت لذات الغرض لـجنة لتحضير‬
‫الـمناخ الـمالئم لتكوين نقابة جزائرية على غرار ما وقع في تونس‪ ،‬وقد تـم التأكيد على هذا األمر‬
‫(‪)44‬‬
‫في الـمؤتـمر الثاني للحزب الـمذكور سنة ‪.1953‬‬

‫رابعا ‪ -‬تأسيس اإلتـحاد العام للعمال الـجزائريني‬

‫لقد كان من نتائج الـمؤتـمر الـمذكور (‪ )M.T.L.D‬الحتواء الـحركة النقابية رسميا‪ ،‬إذ‬
‫شرعت اللجنة الـمكلفة بذلك في إصدار الـمنشورات و حث الـمناضلني الـحزبيني على اإلنخراط‬
‫في صفوف (‪ )C.G.T‬و السعي نحو تسلم الـمناصب القيادية فيها‪ ،‬و العمل بشكل مكثف‬
‫من أجل إبراز التناقض و الفروقات القائمة بني العمال الـجزائريني و األوروبيني‪ ،‬و خاصة الفوارق‬
‫اإلجتماعية‪.‬‬
‫كما تـم في نفس الوقت تنظيم العاطلني عن العمل فيما يعرف بإسم «لـجان البطالني»‪ ،‬و تنظيم‬
‫(‪)45‬‬
‫خاليا الـمؤسسات و فتح مدرسة لتكوين اإلطارات النقابية‪.‬‬
‫كل ذلك من أجل إحداث عدم التوازن في النشاط النقابي لصالح الـجزائريني على حساب‬
‫األوروبيني‪ ،‬وكذا توعية العمال الـجزائريني بأهمية اإلستقالل النقابي‪.‬‬
‫غير أن خطة (‪ )M.T.L.D‬وضغوطها الـممارسة من قبل مناضليها في النقابات العمالية لم‬
‫تأت بثمارها الـمنتظرة بسبب األزمة التي حدثت داخل الـحزب ومن ثـم انقسامه‪ ،‬وهو ما أدى إلى‬
‫تعطيل مشورع اإلستقالل النقابي‪ ،‬مـما فسح الـمجال أمام الـمنظمة النقابية الفرنسية (‪)C.G.T‬‬
‫وتؤسس في ‪4‬‬
‫أن تسارع ومن ورائها كل من الـحزبني الشيوعيني الفرنسي و الـجزائري لتسبق األحداث ّ‬
‫جوان ‪ 1954‬مركزية نقابية جزائرية تـحت اسم «اإلتـحاد العام للنقابات الـجزائرية (‪»)U.G.S.A‬‬

‫(*) لقد تـمكن فرحات حشاد من تأسيس اإلتـحاد العام التونسي للشغل (‪ )U.G.T.T‬في ‪ ،1946/01/20 :‬رغم كل العراقيل و‬
‫الصعوبات وقد دفع حياته ثمنا لذلك حيث أغتيل في ‪.1952/12/05:‬‬
‫(*) مصطفى زيتوني ‪ :‬نقابي من عمال الـميناء منذ ‪ 1939‬ولم يغادر العمل النقابي إال في سنة ‪ 1982‬حيث أحيل على التقاعد وهو ميارس‬
‫مهمة رئيس مجلس عمال مؤسسة الـميناء منذ تطبيق نظام التسيير اإلشتراكي للمؤسسات‪.‬‬
‫(‪ )43‬مصطفى زيتوني ‪ :‬من محاضرة حول تأسيس ا‪.‬ع‪.‬ع‪.‬ج‪ .‬مسجلة على شريط كاسيت‪ .‬معهد الدراسات و البحوث النقابية‪ .‬بوزريعة‪.‬‬
‫الـجزائر‪.1987 .‬‬
‫(‪Weiss.F..op-cit.p:30 )44‬‬
‫(‪ )45‬فارس محمد ‪ :‬ا‪.‬ع‪.‬ع‪.‬ج‪ )1962-1956( .‬الثورة و العمل‪ .‬العدد ‪.420‬‬
‫‪106‬‬
‫العدد ‪2008 -16‬‬ ‫مجلة الـمربي‬ ‫الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب‬

‫تعمل حتت لوائها و بتوجهاتها رغم الرئاسة الشكلية ألحد الـجزائريني(*)‪ ،‬ألن التسيير الفعلي يرجع‬
‫للشيوعي جان اودييقر(‪ ،)46‬وقد سبق تأسيسها دعاية كبيرة قامت بها قيادات (‪)C.G.T.A‬‬
‫ومناضلي الـحزب الشيوعي الـجزائري‪ ،‬وكانت لها جريدة ناطقة بأسمها بعنوان ‪«:‬العامل الـجزائري‬
‫‪.»Le Travailleur Algérien -‬‬
‫وبعد اندالع الثورة التحريرية وتكريس القطيعة بني الـحاج مصالي وجبهة التحرير الوطني‪ ،‬عمد‬
‫التنظيم السياسي الـمصالي الـمعروف باسم ‪« :‬الـحركة الوطنية الـجزائرية ‪ »M.N.A -‬وقبل أربعة‬
‫أيام فقط من تأسيس اإلتـحاد ع‪.‬ع‪.‬ج إلى إنشاء مركزية ثانية تـحمل اسم ‪«:‬اإلتـحاد النقابي للعمال‬
‫الـجزائريني (‪ ...)47()U.S.T.A‬وهكذا شهدت الطبقة العاملة الـجزائرية إلى غاية ‪1956-02-‬‬
‫‪ 20‬مركزيتني نقابيتني بأهداف مختلفة‪ ،‬األولى تخدم السياسة اإلستعمارية وفق أطروحات الـحزب‬
‫الشيوعي الـمعروفة‪ ،‬والثانية تخدم سياسة زعيم فشل في استعاب مفهوم الثورة الـمسلحة‪.‬‬
‫وفي ‪ 24‬فبراير ‪ 1956‬انعقدت بالـجزائر العاصمة جمعية عامة للعديد من النقابات الـجزائرية‬
‫لتعلن رسميا عن تأسيس «اإلتـحاد العام للعمال الـجزائريني ‪ »U.G.T.A‬بتوجيه من جبهة التحرير‬
‫الوطنية كإستراتيجية متبعة في التنظيم الـجماهيري لـمواجهة األساليب القمعية والدعائية التي كان‬
‫يتبعها اإلستعمار لفصل الشعب عن الثورة ‪ ...‬ولذلك لم يكن الهدف من تأسيس ا‪.‬ع‪.‬ع‪.‬ج‪.‬‬
‫مجرد إيجاد هيئة نقابية مطلبية تقليدية بل الـمسألة أعمق من ذلك إنها النقابة الثورية‪.‬‬
‫وأمام هذا التسابق الذي يفصح عن حدّ ة الصراع بني عدد من اإلتـجاهات السياسية نحو احتواء‬
‫الـحركة النقابية نـجد أنفسنا أمام ثالث مركزيات نقابية هي ‪:‬‬
‫• األولى ‪ -‬ا‪.‬ع‪.‬ن‪.‬ج «‪ »U.G.S.A‬تابعة للحزب الشيوعي‪.‬‬
‫• الثانية ‪ -‬ا‪.‬ن‪.‬ع‪.‬ج «‪ »U.G.S.TA‬تابعة للحركة الـمصالية‪.‬‬
‫• الثالثة ‪ -‬ا‪.‬ع‪.‬ع‪.‬ج «‪ »U.G.T.A‬تابعة لـجبهة التحرير الوطني‪.‬‬
‫غير أن الثورة التحريرية كانت الـمصفاة الـحقيقية لفرز النشاط الـمرتبط بالـجماهير و تطلعاتها‬
‫عن غيره‪ ،‬ولذلك فقد كتب البقاء لالتـحاد ع‪.‬ع‪.‬ج‪ .‬في حني لم تعمر الـمركزيات األخرى إال وقتا‬
‫(*)‬
‫قصيراً‪ ،‬إذ البد لكل تنظيم من قاعدة إجتماعية شعبية وإال انقرض‪.‬‬
‫وفي خضم هذا الصراع حول من يـملك التأثير في الطبقة العاملة الـجزائرية كانت حرب التحرير‬
‫الوطنية ملتهبة‪ ،‬شاقة طريقها تـحدث التغييرات لصالح القضايا الوطنية‪ .‬واإلتـحاد ع‪.‬ع‪.‬ج‪ .‬لم‬
‫يتوان عن التفاعل مع تلك التغيرات‪ ،‬فبعد شهرين من تأسيسه وصلت اإلنخراطات فيه إلى أكثر من‬
‫‪ 110 000‬منخرط و ‪ 72‬فرعا نقابيا في العاصمة وحدها و ثالثة اتـحادات جهوية هي الـجزائر‪،‬‬
‫البليدة و وهران و اتـحادين محليني هما حسني داي و الـحراش (‪.)48‬‬
‫(*) يتعلق األمر بأحد النقابييني الـجزائريني‪ :‬قايدي األخضر و ذلك حسب فرونسوا ويس (الـمرجع أدناه)‪.‬‬
‫(‪Weiss.F.op-cit.p:28 )46‬‬
‫(‪Ibid. P : 28-29)47‬‬
‫(*) إن الـمجال هنا اليتسع إلستعراض احلوادث التاريخية التي تعرض لها ا‪.‬ع‪.‬ع‪.‬ج‪ .‬ونضاالته خالل سنتي ‪1956‬و ‪ 1957‬مثل ظروف تفجير‬
‫الـمقر ومصادرة الـجريدة وإلقاء القبض على قياداته وفي مقدمتهم الشهيد عيسات إيدير و اللجوء إلى العمل السري و نقل النشاط إلى فرنسا‬
‫ثم إلى تونس ‪...‬إلخ‪ ...‬ألننا لسنا بصدد كتابة تاريخ الـحركة النقابية ‪ ...‬من جهة أخرى تـجدر اإلشارة إلى أن (‪ )U.G.S.A‬تـم حلها‬
‫بقرار من الكوست الـحاكم العام في نوفمبر ‪ ... 1956‬في حني اندثرت (‪ )U.S.T.A‬رغم محاولة نقل نشاطها إلى فرنسا حيث قتل أمينها‬
‫العام أحمد بركات هناك على يد الـجبهويني‪ .‬أما أمينها العام في الـجزائر فيدعى محمد رمضاني‪.‬‬
‫(‪Ibid.P : 31 )48‬‬
‫‪107‬‬
‫العدد ‪2008 -16‬‬ ‫مجلة الـمربي‬ ‫الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب‬

‫في حني انخفضت انخراطات (‪ )U.G.S.A‬من ‪ 60.000‬إلى ‪ 15.000‬منخرط(‪ .)49‬كما‬


‫قام ا‪.‬ع‪.‬ع‪.‬ج‪ .‬بإصدار جريدة ناطقة بلسانه بعنوان ‪ L’ouvrier Algérien‬إبتداءا من ‪ 6‬أفريل‬
‫‪ ...1956‬كما كان لكل من (‪ )U.G.S.A‬و (‪ )U.S.T.A‬جريدتها الـخاصة بها و الناطقة‬
‫بلسان حالها‪ ،‬األولى بعنوان ‪ »L’Algérien Travailleur«:‬والثانية «‪La Voix du‬‬
‫‪.»Travailleur Algérien‬‬

‫خامسا ‪ -‬سياسة اإلستعمار إلحتواء ثورة العمال و الكادحني‬

‫رغم أن تأسيس ا‪.‬ع‪.‬ع‪.‬ج‪ .‬كان وفقا لقانون مـمارسة الـحق النقابي لسنة ‪ ،1884‬و وفقا‬
‫كذلك لقانون الـجمعيات لسنة ‪ 1901‬فقد قامت السلطات اإلستعمارية بحله ومنع نشاطه في‬
‫الـجزائر(*)‪.‬‬

‫غير أن نضاالت الكادحني الـجزائريني لم تتوقف وشقت طريقها في خضم الثورة التي بلغت نقطة‬
‫الالرجوع ‪ ..‬وهو ما أدى بالـحكومة اعتماد سياسية إقتصادية و إجتماعية إلحتواء ثورة العمال و‬
‫الفالحني‪.‬‬

‫لقد كانت فرنسا ترى أن من أسباب الثورة تراكم الـمشاكل اإلجتماعية للجزائريني و باألخص‬
‫الطبقة الكادحة‪ ،‬من ذلك نقص اإلستخدام و التوظيف بركود سوق التشغيل الزراعي‪ ،‬ونزع‬
‫الـملكيات العقارية‪ ،‬وتفاقم البطالة‪ ،‬وغالء الـمعيشة‪ ،‬ونقص الـمرافق اإلجتماعية والتعليمية في‬
‫األرياف و الـمدن الصغيرة بصورة خاصة‪ ،‬مـما أعطى سالحا معنويا لـجبهة التحرير في إستقطاب‬
‫الفالحني و العمال‪ ...‬لذلك كان لزاما على فرنسا البحث عن حلول عاجلة لـمعالـجة تلك القضايا‬
‫ولفت األنظار عن الثورة ثم القضاء عليها بعزلها إجتماعيا عن الشعب‪.‬‬
‫فعلى مستوى الهجرة إلى فرنسا فالعملية لم تتوقف‪ ،‬بل زادت عن حدّ ها الـمعتاد‪ ،‬وهي نوع‬
‫من تصدير قوة العمل لكبح جماح ظاهرة البطالة من جهة‪ ،‬و الـحيلولة دون توسع الطبقة العاملة‬
‫محليا‪ ،‬لقد بلغ عدد الذاهبني إلى فرنسا ذروته سنة ‪ 1955‬حيث تـجاوز ‪ 200.000‬مهاجراً‪ ،‬وهو‬
‫رقم قياسي منذ ‪.1914‬‬

‫وعلى الـمستوى اإلقتصادي‪ ،‬فإلى جانب اإلكتشافات البترولية في الصحراء الـجزائرية أعلنت‬
‫فرنسا بـما يعرف «مخطط قسنطينة» الذي يعطي ظاهريا األولوية لالستثمارات في الـميادين‬
‫الصناعية و الـمرافق اإلجتماعية وذلك بهدف تطويق األزمة القائمة الـمتميزة أساسا بوجود مئات‬
‫اآلالف من العاطلني عن العمل في الـمدن و األرياف‪ ،‬وتفاقم اإلختالل في توزيع الدخل بني‬
‫الـجزائريني و األوروبيني‪ .‬ففي الوقت الذي يحصل فيه مليون أوروبي على ‪ ٪40‬من الدخل نـجد‬
‫‪ 09‬ماليني من تعود إليهم ‪ ٪60‬منه(‪.)50‬‬
‫(‪Ibid. P : 28 )49‬‬
‫(*) لقد ظهر ا‪.‬ع‪.‬ع‪.‬ج‪ .‬في فرنسا في صورة جمعية تنظم العمال و تـجندهم‪ ،‬وهي الودادية العامة للعمال الـجزائريني (‪ )A.G.T.A‬تأسست‬
‫في ‪ 1957-02-16‬ومنعتها الـحكومة الفرنسية في أوت ‪ 58‬مـما اضطرها الى العمل السري إلى غاية اإلستقالل‪.‬‬
‫(‪Ben Achenhou : op.cit. P : 294 )50‬‬
‫‪108‬‬
‫العدد ‪2008 -16‬‬ ‫مجلة الـمربي‬ ‫الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب‬

‫كما حاولت فرنسا اعتماد سياسة زراعية جديدة بـما يعرف «باإلصالح الزراعي» القاضي بتوزيع‬
‫األراضي على الفالحني الـجزائريني‪ ،‬فقد قدر حجم الـمساحة اإلجمالية الـمزروعة مع توزيعها بـ‬
‫‪ 250.000‬هكتار قصد تكوين شريحة بورجوازية عقارية‪ ،‬ففي الـجدول (رقم ‪ )4-‬نستنتج أنه‬
‫رغم أن األقلية األوروبية تـملك أجود األراضي وأخصبها ‪ 2.720.000‬هـ‪ ،‬هناك من الـجزائريني‬
‫من تعتبرهم شريحة بورجوازية عقارية فعال إذ هناك ‪ 5.600‬يـملكون لوحدهم ‪ 1.522.700‬هـ‬
‫بـمعدل ‪ 271،91‬هـ للفرد الواحد كما نـجد بالـمقابل ‪ 5.900‬أوروبي يـملكون ‪2.165.500‬‬
‫هـ بـمعدل ‪ 366،94‬هـ للفرد الواحد‪ ،‬فالفرق بني الـمعدلني ‪ 90‬هـ وهو ليس كبيرا مقارنة مع ما‬
‫كان يعاني منه الشعب من تعسف وإجحاف‪ .‬وما يعزز ذلك هو أن ‪ ٪6،3‬من الـمزارعني الـجزائريني‬
‫(‪)51‬‬
‫يـملكون ‪ ٪40،4‬من الـمداخيل الزراعية سنة ‪1960‬‬
‫(‪)52‬‬
‫جدول رقم‪ : 4-‬توزيع ملكية األراضي سنة ‪1954‬‬
‫ملكية األوروبيني‬ ‫ملكية الـجزائريني‬
‫حجم الـملكية‬
‫الـمساحة‪/‬هـ‬ ‫عدد الـم ّ‬
‫الك‬ ‫الـمساحة‪/‬هـ‬ ‫عدد الـم ّ‬
‫الك‬
‫‪40.000‬‬ ‫‪8.000‬‬ ‫‪1.850.000‬‬ ‫‪391.000‬‬ ‫من ‪ 0‬إلى ‪ 10‬هـ‬
‫‪209.000‬‬ ‫‪7.000‬‬ ‫‪3.013.000‬‬ ‫‪118.000‬‬ ‫من ‪ 10‬إلى ‪ 50‬هـ‬
‫‪306.000‬‬ ‫‪4.000‬‬ ‫‪1.226.400‬‬ ‫‪17.000‬‬ ‫من ‪ 50‬إلى ‪100‬هـ‬
‫‪1.202.000‬‬ ‫‪5.000‬‬ ‫‪1.108.000‬‬ ‫‪5.000‬‬ ‫إلى‬ ‫‪100‬‬ ‫من‬
‫‪500‬هـ‬
‫‪963.300‬‬ ‫‪900‬‬ ‫‪414.700‬‬ ‫‪600‬‬ ‫أكثر من ‪500‬‬
‫‪2.720.000‬هـ‬ ‫‪24.900‬‬ ‫‪7.612.100‬هـ‬ ‫‪531.600‬‬ ‫الـمعدل‬
‫‪٪109،23‬‬ ‫‪٪14،31‬‬

‫كما أن توجه الـجزائريني نحو ملكية الزراعة الذي يظهر من خالل مشترياتهم في الفترة‬
‫جرار و ‪ّ 895‬‬
‫حصادة‬ ‫احلصادات التي بلغت ‪ّ 8.128‬‬ ‫ما بني ‪ 1953‬و ‪ 1960‬من الـجرارات و ّ‬
‫حصادة لألوروبيني ‪ ،‬يعتبر مؤشرا حقيقي ًا آخر على‬
‫(‪)53‬‬
‫د ّراسة مقابل ‪ 5.317‬جرار و ‪ّ 520‬‬
‫تكونت بفعل وسيرورة التوجه اإلستعماري بعد‬ ‫ّ‬ ‫جزائرية‬ ‫وجود طبقة بورجوازية زراعية‬
‫األربعينيات بهدف إحداث شرخ في نضاالت الـحركة الوطنية ثم في جبهة التحرير الوطني‬
‫في وقت الحق‪ ،‬حيث تعمل هذه الشرائح بصورة تلقائية على الدفاع عن مصاحلها الـمرتبطة‬
‫بـمصالح الكولون باستعمال جميع الوسائل بـما في ذلك معاداة الثورة التحريرية وأكثر ما‬
‫يؤكد ذلك تلك األمالك الـمباعة من األوروبيني إلى الـجزائريني‪.‬‬

‫(‪Ibid : P : 360 .)51‬‬


‫(‪ )52‬بوحوش ‪ :‬مرجع سبق ذكره ص ‪.153 :‬‬
‫(‪Ben Achenhou. op.cit.P :354-355 .)53‬‬
‫‪109‬‬
‫العدد ‪2008 -16‬‬ ‫مجلة الـمربي‬ ‫الـمعهد الوطني للتكوين العالي إلطارات الشباب‬

‫ومثلما عملت فرنسا في ميدان الزراعة بتكوين شريحة بورجوازية عقارية‪ ،‬قامت بنفس العمل‬
‫في الـميدان الصناعي‪ ،‬حيث منحت بعض التسهيالت للجزائريني للدخول إلى عالم األعمال و‬
‫الـمقاوالت‪ .‬فاإلحصائيات تشير إلى أن عدد الـجزائريني الذين يـملكون الـمؤسسات وتشغل عماال‬
‫أجراء ارتفع في أواخر الـخمسينات إلى نحو ‪ 15.050‬مؤسسة خاصة يـملكها جزائريون‪ ،‬وتشغل‬
‫ما ال يقل عن ‪ 67.000‬عامل أجير (الـجدول رقم‪.)5-‬‬

‫(‪)54‬‬
‫جدول رقم‪ : 5-‬توزيع الـمؤسسات في الـجزائر سنة ‪1960‬‬

‫مؤسسات جزائرية‬ ‫مؤسسات أوروبية‬


‫مجموع‬
‫الـمؤسسة‬
‫ّ‬ ‫نوعية‬
‫العمال‬ ‫عدد العمال‬ ‫العدد‬ ‫عدد العمال‬ ‫العدد‬

‫‪350.000‬‬ ‫‪2.500‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪347.500‬‬ ‫‪10.400‬‬ ‫شركـات‬


‫‪160.000‬‬ ‫‪65.000‬‬ ‫‪15.000‬‬ ‫‪95.000‬‬ ‫‪24.500‬‬ ‫مؤسسات فرديـة‬
‫‪510.000‬‬ ‫‪67.000‬‬ ‫‪15.050‬‬ ‫‪442.500‬‬ ‫‪34.900‬‬ ‫الـمجموع‬

‫إن الـمقارنة بني الـملكيات األوروبية و الـجزائرية تظهر التفاوت الكبير و الـمذهل في العدد‬
‫والسيطرة‪ .‬ورغم ذلك تبقى الشريحة البورجوازية التي ستتحالف مع الـمالكني العقاريني السالف‬
‫ذكرهم وطبقة التكنوقراطيني الذين تكونوا إيديولوجيا بعيدا عن الثورة تعمل على مواجهة أي‬
‫تغيير يحدث لصالح العمال و الفالحني‪.‬‬

‫وبذلك تكون الـجزائر قد دخلت عهد اإلستقالل ومعها ‪ 510.000‬عامال في الصناعة والـخدمات‬
‫وحوالي ‪ 1.600.000‬من العاملني في القطاع الزراعي‪ ،‬و‪ 350.000‬عامال مهاجرا‪ ،‬وشريحة‬
‫بورجوازية وتكنوقراطية ال يستهان بها‪ ،‬كما تكون الطبقة الكادحة الـجزائرية قد دخلت عهد‬
‫اإلستقالل السياسي للجزائر ومعها تقاليد نقابية نضالية‪ ،‬ومنظمة نقابية تتمتع بنضج التنظيم و‬
‫السمعة الثورية‪...‬‬

‫وستدخل هذه مؤتـمرها األول وهي حبلى بصراعات بني التوجه نحو النقابة الـمطلبية الـمستقلة‬
‫و التوجه نحو النقابة الثورية الـمساهمة‪.‬‬

‫(‪Ben Achenhou. op.cit. P : 372 .)54‬‬

‫‪110‬‬

You might also like