You are on page 1of 37

‫و لكن كونــوا ربانيين‬

‫الشيخ سلمان العودة حفظه هللا‬


‫‪ - 6/2/1413‬األسياح‬

‫حيب ويرضى‪ ،‬فله احلمد‬ ‫إن احلمد هلل‪ ،‬حنمده محداً كثرياً طيباً مباركاً فيه كما ُّ‬
‫باإلس ‪.. . . .‬الم وله احلمد باإلميان وله احلمد ب ‪.. . . .‬القرآن‪ ،‬وله احلمد حىت يرضى وله‬
‫احلمد إذا رضي هو أهل التقوى وأهل املغفرة ‪.‬‬
‫وأص ‪.‬لّي وأس ‪.‬لّ ُم ص ‪..‬ال ًة وتس ‪..‬ليماً دائمني إىل ي ‪..‬وم ال ‪..‬دين على نبيه ومص ‪..‬طفاه من‬
‫وأدى‬‫األمي ال ‪..‬ذي ي ‪..‬ؤمن باهلل وكلمات ‪..‬ه‪ ،‬محل الرس‪.. .‬الة ّ‬ ‫‪.‬يب ّ‬‫حممد الن ‪ّ .‬‬
‫خلق‪.. .‬ه‪ ،‬نبينا‪ّ .‬‬
‫األمانة ونصح األمة وجاهد يف اهلل حق جهاده‪ ،‬فص‪..‬لى اهلل عليه وس‪..‬لم‪ ،‬ما ت‪..‬رك‬
‫خرياً يدل إىل اجلنة ويبعد من الن‪.‬ار إال بيَّنه وأمرنا ب‪.‬ه‪ ،‬وال ش َّ‪.‬راً إال بيَّنه وح‪.‬ذرنا‬
‫منه‪ ،‬حىت تركنا على احملجة البيضاء ليلها كنهارها‪ ،‬ال يزيغ عنها إال هالك ‪.‬‬
‫و ج‪..‬زاه اهلل عنا خري ما ج‪..‬زى نبي ‪.‬اً‪ .‬عن أمت‪..‬ه‪ ،‬فقد أبلى فينا‪ .‬البالء احلسن وس‪..‬هر‬
‫ليله وتعب هناره وشاب ش‪..‬عره وأهنك جس‪..‬مه ولقي األم‪..‬رين من أجل أن يص‪..‬لنا‬
‫ين‬ ‫ال ‪.. .‬دين نقيَّاً مص‪.َّ . .‬فى‪{ ،‬قُ ل ما َأس َألُ ُكم َعلَي ِه ِمن َأج ٍر وما َأنَا ِمن المت َكلِّ ِ‬
‫ف‬
‫َ َُ َ‬ ‫ْ ْ ََ‬ ‫َْ ْ ْ‬
‫} ‪..‬‬
‫أما بعـ ـ ــد ‪،‬‬
‫فهذه الليلة هي ليلةُ الثالثاء الس‪..‬ادس من ش‪..‬هر ص‪.‬فر من الس‪..‬نة الثالثة‪ .‬عش‪..‬رة بعد‬
‫األربعمائة واأللف من اهلج‪.. .‬رة‪ ،‬وعن‪.. .‬وان ه‪.. .‬ذه اجللسة ج‪.. .‬زءٌ من كت‪.. .‬اب اهلل عز‬
‫وجل من سورة آل عمران "ولكن كونوا ربانيني" ‪ ،‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫ول لِلن ِ‬
‫َّاس‬ ‫ْح ْك َم َوالن ُُّب َّوةَ ثُ َّم َي ُق َ‬ ‫ل‬‫ا‬‫و‬
‫َ َ ُ‬ ‫اب‬ ‫َ‬‫ت‬ ‫ش ٍر َأن يْؤ تِي هُ اللّ هُ ال ِ‬
‫ْك‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬
‫َ‬
‫{ ما َك ا َن لِ‬
‫َ‬
‫ين بِ َما ُكنتُ ْم ُت َعلِّ ُم و َن‬ ‫ي‬
‫ِّ‬‫ـكن ُكونُ واْ ربَّانِ‬‫ون اللّ ِه ولَ ِ‬ ‫ادا لِّي ِمن ُد ِ‬ ‫ً‬ ‫ب‬ ‫ُكونُ واْ ِ‬
‫ع‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َّخ ُذواْ ال َْمالَِئ َك ةَ َوالنِّبِِّي ْي َن‬ ‫ْكتَ اب وبِما ُكنتُم تَ ْدرس و َن * والَ ي ْأمر ُكم َأن َتت ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َُ ْ‬ ‫ْ ُُ‬ ‫ال َ َ َ‬
‫َْأربَابًا َأيَ ُْأم ُر ُكم بِالْ ُك ْف ِر َب ْع َد ِإ ْذ َأنتُم ُّم ْسلِ ُمو َن } ‪.‬‬
‫مترغت األمة يف ظُلُمات اجلهل‬ ‫من مصائب األمة أيها األحبَّة ‪ ،‬اجلهل ‪ ،‬و طاملا َّ‬
‫بعيداً عن هدى رهبا وسنة نبيها صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ولكن ال يق‪.ُّ .‬ل عن اجلهل‬
‫كتاب منري ‪.‬‬ ‫املؤسس على غري هدى وال ٍ‬ ‫مصيبة‪ ،‬العلم َّ‬
‫فنحن ال ب‪.َّ .‬د أن حنارب اجله‪..‬ل‪ ،‬ولكن ال ب‪.َّ .‬د أيض ‪.‬اً أن يك‪..‬ون العلم ال‪..‬ذي ن‪..‬دعو‬
‫مقرب ‪.‬اً إىل اهلل عز‬ ‫مؤسس ‪.‬اً على األص ‪..‬ول الش ‪..‬رعية الص ‪..‬حيحة‪ ،‬علم ‪.‬اً ِّ‬ ‫إليه علم ‪.‬اً َّ‬
‫وجل ‪.‬‬
‫وطاملا رأت األمة شباباً كما وصفهم أحد اإلخوة يل يف رسالـة بعثها‪ .‬يقول ‪" :‬‬
‫إن بعض الش ‪..‬باب يف البالد‪ .‬اإلس ‪..‬المية ك ‪..‬ان أح ‪..‬دهم إذا اس ‪..‬تيقظ يف آخر الليل‬
‫يدير مؤشر الراديو قبل أن يفتح الصنبور‪ ،‬يتوضأ لصالة الفجر " !‬
‫فال شك أن مراجعة املس‪.. . .‬رية وتص‪.. . .‬حيح اخلطأ وال‪.. . .‬دعوة إىل الت‪.. . .‬وازن من أهم‬
‫املقاصد اليت حيرص عليها الص‪.. .‬احلون واملص‪.. .‬لحون‪ ،‬إننا نعلم أن اجلاهل قد يقبل‬
‫ُ‬
‫التعليم‪ ،‬ف‪..‬إذا ك‪..‬ان ج‪..‬اهالً جهالً بس‪..‬يطاً ال يع‪..‬رف مثالً مىت وقعت معركة ب‪..‬در‪،‬‬
‫فقلت له ‪ :‬وقعت معركة ب‪.. .‬در يف الس‪.. .‬نة السادسة للهج‪.. .‬رة‪ ،‬ك‪.. .‬ان من الص‪.. .‬عب‬ ‫َ‬
‫مركب !‬ ‫تعديل هذا العلم اخلاطئ املوجود لديه ‪ ،‬بل هو جهل َّ‬
‫إذن فاجلاهل قد يتعلم‪ ،‬لكن ال‪..‬ذي ي‪..‬رى نفسه عاملاً قد يك‪..‬ون من الص‪..‬عب أن‬
‫يتقبل من غريه ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ه‪..‬ذه اآلية الكرمية فيها‪ .‬احلديث عن ص‪..‬نف من العلم‪..‬اء ‪ ،‬وص‪..‬فهم اهلل عز و جل‬
‫ب‪.. . .‬أهنم رب ‪.. .‬انيون‪ ، .‬و معىن اآلية أن اهلل تع ‪.. .‬اىل نفى أن يك ‪.. .‬ون لبشر من البشر –‬
‫النيب أو الرس ‪..‬ول – أن اهلل مينحه الكت ‪..‬اب و احلكم و النب ‪..‬وة‪ .‬مث يق ‪..‬وم ه ‪..‬ذا النيب‬
‫ليق‪..‬ول للن‪..‬اس كون‪..‬وا عب‪..‬اداً يل ‪ ،‬ال ‪ ،‬ف‪..‬النيب ال ي‪..‬دعو الن‪..‬اس إىل عب‪..‬ادة نفسه ‪ ،‬و‬
‫ين " ‪ ،‬ال ي ‪.. .‬أمرهم بغري‬ ‫ي‬
‫ِّ‬‫إمنا ي ‪.. .‬دعوهم إىل اهلل ‪ ،‬فيق ‪.. .‬ول للن ‪.. .‬اس ‪ُ " :‬كونُ واْ ربَّانِ‬
‫َ َ‬
‫ذلك ‪ ،‬فال ي ‪.. .‬أمرهم بعب ‪.. .‬ادة‪ .‬نفسه و ال ي ‪.. .‬أمرهم أيض ‪. .‬اً ب ‪.. .‬أن يتخ ‪.. .‬ذوا املالئكة و‬
‫النب‪..‬يني اآلخ‪..‬رين أرباب ‪.‬اً من دون اهلل عز و جل ‪ ،‬و كيف ي‪..‬أمرهم ب‪..‬الكفر‪ .‬و هو‬
‫إمنا جاء و بعث باإلسالم ؟‬
‫رب‪..‬انيون ‪ ،‬أي منس‪..‬وبو َ‪.‬ن إىل ال‪..‬رب ‪ ،‬و قد ذك‪..‬ره ابن األنب‪..‬اري عن النح‪..‬ويني و‬
‫هو على كل حال نسبةٌ على غري قياس‪ .‬كما يقال شعراين ‪.‬‬
‫رب‪.. . . .‬انيون ‪ ،‬وص‪.. . .‬لوا إىل الدرجة العليا و املق‪.. . .‬ام األعلى يف العلم و الرتبية ‪ ،‬إذن‬
‫الربانية‪ .‬ال تطلق على اإلنسان املبتدئ يف العلم الذي حضر لت‪..‬وه جمالس ال‪..‬ذكر‬
‫و التعليم ‪ ،‬ال ‪ ،‬و إن ك‪.. . .‬انت الب‪.. . .‬وادر قد تظهر عليه منذ ص‪.. . .‬غره يف تق‪.. . .‬واه و‬
‫حتري‪.ِ . . .‬ه عن احلرام و حر ِص ‪ِ . . .‬ه على العمل ‪ ،‬لكنَّه إمنا يوصف بالربانية‬ ‫ورع‪.ِ . . .‬ه و ِّ‬
‫ِ‬
‫األربعة مثالً ‪ ،‬و اجملدِّدين عرب العصور ‪ ،‬فإهنم‬ ‫ِ‬
‫كاألئمة‬ ‫علم ِه‬
‫العامل الراسخ يف ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يُطلق عليهم أهنم ربانيون‪. .‬‬
‫رب‪..‬انيون ‪ ،‬أي حكم‪..‬اءُ علم‪..‬اءُ حلم‪..‬اءُ ‪ ،‬كما ذك‪..‬ره ابن كثري و غ‪..‬ريه عن ابن‬
‫عباس رضي اهلل عنه ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ربانيون ‪ ،‬أي فقه‪..‬اء ‪ ،‬كما ذك‪..‬ره ابن كثري و غ‪..‬ريه أيض‪.‬اً عن احلسن البص‪..‬ري‬
‫و غري ٍ‬
‫واحد من السلف ‪.‬‬
‫ربانيون ‪ ،‬أي أهل عبادة و تقوى ‪ ،‬كما هو قول احلسن أيضاً ‪.‬‬
‫تعرف فيهم صفات‪: .‬‬‫و هؤالء ُ‬

‫الصفة األولى ‪ /‬العلـ ـ ــم‬

‫ِ‬ ‫{ ولَ ِ‬
‫ـكن ُكونُ واْ ربَّانِ‬
‫ين بِ َما ُكنتُ ْم َت ْعلَ ُم و َن الْكتَ َ‬
‫اب } ‪ ،‬هك ‪..‬ذا قرأها‬ ‫ي‬
‫ِّ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫مجهور القراء ‪ " ،‬تَ ْعلَ ُمو َن " بالفتح‪ .،‬إذن هم علماء وهذه من أخص ص‪..‬فاهتم‪،‬‬
‫" َوبِ َما ُكنتُ ْم تَ ْد ُر ُس و َن " ‪ ،‬إذن هم أس ‪..‬اتذة وش ‪..‬يوخ وفقه ‪..‬اء ومفت ‪..‬ون‪ ،‬أقبل ‪..‬وا‬
‫على علم الشريعة ‪ ،‬علم الكتاب والسنة ‪ ،‬فرفعهم اهلل تعاىل به ‪.‬‬
‫العلْم َدرج ٍ‬
‫ات‬ ‫ِ‬ ‫ق‪..‬ال تع‪..‬اىل ‪ " :‬يرفَ ِع اهلل الَّ ِذين آمنُ وا ِم ْن ُكم و الَّ ِ‬
‫ين ُأوتُ واْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫" ‪ ،‬و قال سبحانه‪ " : .‬شه َد اهلل َأنَّهُ ال ِإلَهَ ِإالَّ ُهو و المالِئ َكةُ و ُأولُوا ِ‬
‫العل ِْم‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫" ‪ ،‬فق‪.. . . .‬رن أولي العلم وأش‪.. . . .‬هدهم على ذلك مع مالئكته ومع ذاته املقدسة ‪،‬‬
‫اس َتغْ ِف ْر‬
‫فدل على قدرهم ‪ ،‬و ق‪..‬ال عز و جل ‪ " :‬فا ْعلَ ْم َأنَّهُ ال ِإلَ هَ ِإالَّ اهلل َو ْ‬
‫ك " ‪ ،‬فبدأ بالعلم قبل القول و العمل ‪.‬‬ ‫لِ َذنْبِ َ‬
‫هم علماء ‪ ،‬و العلم حياة ‪ ،‬و هلذا قال الشاعر ‪:‬‬
‫يم‬‫م‬‫اب ر ِ‬
‫حتت الرُّت ِ‬ ‫أوصاله‬ ‫و‬ ‫***‬ ‫أخو العلم حي خال ٌد بع ـ َـد موتِِ‬
‫ه‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت وهو ٍ‬ ‫و ذو ِ‬
‫ماش َعلَى الثَّرى*** يُظَ ُّن م َن اَألحيَاء و هو َعدميُ‬ ‫اجلهل َمْي ٌ‬

‫‪4‬‬
‫و قال آخر ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫اجلهل قبل ِ‬
‫املوت موت ِ‬
‫قبور‬
‫قبل القبور ُ‬‫َ‬ ‫أجسامهم‬
‫ْ‬ ‫و‬ ‫***‬ ‫ألهله‬ ‫ٌ‬ ‫و يف ِ َ‬
‫نشور‬ ‫جسومهم *** و ليس هلم َحىَّت النشو ِ‬
‫ر‬ ‫من‬ ‫و أرواحهم يف و ٍ‬
‫حشة‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬
‫‪.‬وات غري أحي‪..‬اء جبهلهم‪ ،‬ولو ك‪..‬انت أمساؤهم على كل لس‪..‬ان ‪ ،‬ف‪..‬أنت‬ ‫فهم أم‪ٌ .‬‬
‫الي ‪.. .‬وم مثالً لو س ‪.. .‬ألناك عن أعظم ع ‪.. .‬ا ٍمل يف الق ‪.. .‬رن الس ‪.. .‬ادس اهلج ‪.. .‬ري و أوائل‬
‫الس‪..‬ابع ‪ ،‬لقلت ‪ :‬ش‪..‬يخ اإلس‪..‬الم ابن تيمية ‪ ،‬فأص‪..‬بح يعرفه الكبري و الص‪..‬غري ‪،‬‬
‫لكن لو س‪..‬ألناك مثالً من هم جتار ذلك الق‪..‬رن ‪ ،‬هل تع‪..‬رفهم ؟ و من هم ق‪..‬واد‬
‫اجليش يف ذلك الق‪.. .‬رن ؟ و من هم أص‪.. .‬حاب الس‪.. .‬لطة و اجلاه يف ذلك الق‪.. .‬رن‬
‫بأمسائهم ؟ قد ال تع ‪.. .‬رفهم ‪ ،‬لكن ابن تيمية من ال ‪.. .‬ذي ال يعرفه ؟ كلما تق ‪.. .‬دم‬
‫ال‪..‬زمن زادت ش‪..‬هرته و مكانته ‪ ،‬حىت إن مكانته الي‪..‬وم ‪ -‬و أج‪..‬زم هبذا ‪ -‬عند‬
‫املس ‪..‬لمني أعظم بكث‪ٍ . .‬ري من مكانته ي ‪..‬وم ك ‪..‬ان حي‪. .‬اً يتح ‪..‬رك بينهم ‪ ،‬ففي ذلك‬
‫ال‪..‬وقت ك‪..‬ان خص‪..‬ومه كثري ‪ ،‬ح‪..‬اربوه و أحرق‪..‬وا كتبه و ك‪..‬ادوا له ‪ ،‬حىت وقع‬
‫يف غياهب السجون و منعت فتاواه زماناً‪ ، .‬بل و كادوا أن يض‪..‬ربوه يف بعض‬
‫املناسبات‪.. .‬‬
‫حقه على ب‪..‬اطلهم ‪ ،‬و م‪..‬اتوا و بقي‬ ‫لكن الي‪..‬وم أىب اهلل عز و جل إال أن يظهر َّ‬
‫ابن تيمية حياً ‪.‬‬
‫أقدام ِ‬
‫ت علَى ِ‬ ‫ب مي ٍ‬
‫انتصبَا‪.‬‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫خام ال ّق ِرب َمسكنُهُ *** و ُر َّ َ ْ‬
‫حي ُر ُ‬ ‫ب ٍِّ‬
‫يا ُر َّ‬
‫ماليني من الن ‪..‬اس الي ‪..‬وم ‪ ،‬يف الوظ ‪..‬ائف و األمساء و التج ‪..‬ارات و األعم ‪..‬ال ال‬
‫يعرفهم أحد ‪ ،‬و ال حيزن عليهم إن ماتوا أحد !‬

‫‪5‬‬
‫و الغ‪.. .‬ريب أن العلم الش‪.. .‬رعي بال‪.. .‬ذات على رغم ه‪.. .‬ذه املكانة ‪ ،‬ال خيت‪.. .‬اره‪ .‬إال‬
‫‪.‬ور و تنكس ‪.َ . . .‬ر‬
‫‪.‬ات تنقص ‪.َ . . .‬م هلا الظه ‪َ . . .‬‬
‫‪.‬ات و عقب ‪.ٌ . . .‬‬
‫القليل ‪ ،‬ألن أم ‪.. . .‬ام طلبه عقب ‪.ٌ . . .‬‬
‫‪.‬اق ‪ ،‬و العجيب أيض‪. .‬اً أن الع ‪..‬امل يك ‪..‬ون موضع عتب من الن ‪..‬اس فيما قد‬ ‫األعن ‪ُ .‬‬
‫ينس ‪.. . . . .‬بونه إليه من تقصري ‪ ،‬أو يظنونه فيه من ق ‪.. . . . .‬ول أو فعل ‪ ،‬فهم يلومونه و‬
‫أرض يف املك ‪.. . .‬ان الفالين ‪ ،‬و‬ ‫يقول ‪.. . .‬ون ‪ " :‬الع ‪.. . .‬امل الفالين غفر اهلل له ‪ ،‬عن ‪.. . .‬ده ٌ‬
‫الع ‪..‬امل الفالين مسع املنكر و مل يغ ‪..‬ريه ‪ ،‬و م ‪..‬رة من املرات فعل ك ‪..‬ذا و ك ‪..‬ذا و‬
‫لرجل عنده " ‪ ،‬فيعدون عليه أخطاء فعلها ‪ ،‬يظنوهنا أخطاء ‪،‬‬ ‫أغلظ يف القول ٍ‬
‫و هي قد ال تك‪.. . .‬ون ك‪.. . .‬ذلك ‪ ،‬و قد تك‪.. . .‬ون من خطأ البشر ‪ ،‬فنق‪.. . .‬ول هلم ‪،‬‬
‫ن‪.. .‬وافقكم على ذلك ‪ ،‬هب‪.. .‬وا أن ما تقولونه عن ه‪.. .‬ذا الع‪.. .‬امل ‪ -‬ال‪.. .‬ذي هو فعال‬
‫صحيح و أنه أخطأ ! ‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫عاملٌ –‬
‫ِ‬
‫و َمن َذا الَّذي تُ َ‬
‫رضى َس َجايَاه كلُّها ** كفى املرءَ نُْبالً أن ُت َع َّد معايبُ ْه !‬
‫ه‪.. .‬ذا الع‪.. .‬امل ع‪.. .‬ددمت له أخط‪.. .‬اء ‪ ،‬مخسة أو عش‪.. .‬رة ‪ ،‬لكن أنا و أنت و فالن و‬
‫عالن ‪ ،‬من حيصي أخطاءنا ؟‬
‫وقف رجل يوم‪.‬اً املنرب فتكلم ‪ ،‬فق‪..‬ام إليه أحد احلض‪..‬ور و س‪..‬أله س‪..‬ؤاالً ‪ ،‬فق‪..‬ال‬
‫علوت بق در‬
‫ُ‬ ‫‪ :‬ال أدري ! قال ‪ :‬تصعد املنرب و أنت ال تدري ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬إنما‬
‫لبلغت عنان السماء !‬
‫ُ‬ ‫علمي ‪ ،‬و لو علوت بقدر جهلي‬
‫أق ‪..‬ول ‪ :‬يعتب ‪..‬ون‪ .‬على ه ‪..‬ذا الع ‪..‬امل يف مخسة أخط ‪..‬اء أو عش ‪..‬رة ‪ ،‬يظنوهنا أخط ‪..‬اء‬
‫وقع فيها ه‪.. .‬ذا الع‪.. .‬امل ‪ ،‬و لكن ننسى أننا ملوم‪.. .‬ون على مس‪.. .‬ألة أكرب ‪ ،‬و هي‬
‫ملاذا كان هذا عاملاً و مل نكن حنن علماء ؟ ملاذا تركنا حنن التعلم و التعليم ؟‬

‫‪6‬‬
‫بعض‪..‬نا‪ .‬لعله مع‪..‬ذور مل يعطه اهلل تع‪..‬اىل اآللة من ال‪..‬ذكاء و الفهم و الفطنة ‪ ،‬و‬
‫قد يك ‪..‬ون بعض ‪..‬نا‪ .‬مل تتيسر له أس ‪..‬باب‪ .‬حتص ‪..‬يل العلم ‪ ،‬و قد يك ‪..‬ون بعض ‪..‬نا‪ .‬يف‬
‫ٍ‬
‫بالد بعي‪ٍ . . . .‬‬
‫‪.‬دة و نائي‪..ٍ . . . .‬ة مل يس‪.. . . .‬تطع أن يتعلم ‪ ،‬دعك من ه‪.. . . .‬ؤالء كلهم ‪ ،‬لكن‬
‫كثريون متكنوا و عندهم عق ٌ‪.‬ل و ذك‪.‬اءٌ و فطن‪.‬ةٌ و حفظ ‪ ،‬و األس‪.‬باب أم‪.‬امهم‬
‫ميسورة مبسوطة ‪ ،‬و مع ذلك مل يتعلموا !‬
‫أحيانا خيطر يف ذهين س‪..‬ؤال ‪ ،‬العلم‪..‬اء املش‪..‬اهري ‪ ،‬أمث‪..‬ال ابن ب‪..‬از و ناصر ال‪..‬دين‬
‫األلب‪.. .‬اين و ابن ع‪.. .‬ثيمني و ابن ج‪.. .‬ربين ‪ ،‬أين زمالؤهم على مقاعد الدراسة أو‬
‫يف جمالس طلب العلم ؟ و مثلهم علم ‪.. . .‬اء يف البالد اإلس ‪.. . .‬المية‪ .‬كلها بطوهلا و‬
‫عرضها !‬
‫لقد ك ‪..‬ان كل واحد منهم يوم ‪.‬اً طالب ‪.‬اً يف حلق ‪.ٍ .‬ة له فيها على األقل عش ‪..‬رون‬
‫زميالً ‪ ،‬أين هم ؟ أك ‪.. . .‬ثرهم ت ‪.. . .‬أخروا عن ال ‪.. . .‬ركب ‪ ،‬و بقي هو وحي ‪.. . .‬داً يف‬
‫السـاحة ‪ ،‬ألنه أصر على طلب العلم و أصر على املواص‪.. . .‬لة ‪ ،‬أما هم فكث ‪.. .‬ريٌ‬
‫منهم قد يكون‪.. .‬ون يش‪.. .‬غلون وظ‪.. .‬ائف عادية كغ‪.. .‬ريهم من الن‪.. .‬اس ‪ ،‬ال يتميَّزون‬
‫عنهم بش ‪..‬يء إال أن الواحد منهم رمبا متدَّح يف اجملالس و ق‪.. .‬ال ‪ :‬أنا من زمالء‬
‫فالن و عالن !‬
‫طيب إذا كنت من زمالئه ملاذا مل تكن مثله ؟ و مل تعمل عمله ؟ هو تلقى‬
‫العلم مثل ما تلقيت ‪ ،‬فلم‪.. . . .‬اذا ظهر هو و خفيت أنت ؟ و نفع هو و مل تنفع‬
‫أنت ؟‬

‫‪7‬‬
‫ذكر ابن القيم رمحه اهلل عن الش‪..‬افعي أنه إذا رأى رجالً س‪..‬أل عنه ‪ ،‬ف‪..‬إن ك‪..‬ان‬
‫ص‪..‬احب عل ٍم و عم‪.ٍ .‬ل تركه ‪ ،‬و إال عاتبه‪ .‬الش‪..‬افعي عتاب‪.‬اً‪ .‬م‪.َّ .‬راً و ق‪..‬ال له ‪ " :‬ال‬
‫عت نفسك و‬
‫ج زاك اهلل خ يراً ‪ ،‬ال عن نفسك و ال عن اإلس الم ‪ ،‬ض يَّ َ‬
‫عت اإلسالم !!" ‪.‬‬
‫ضيَّ َ‬
‫انظروا ‪ ،‬الشافعي رجل م‪..‬ؤدب ‪ ،‬و لكنه ك‪..‬ان حيرتق قلبه فيغلظ يف العت‪..‬اب‪، .‬‬
‫و العت‪..‬اب يزيل الوحشة بني األحب‪..‬اب ‪ ،‬فقد ك‪..‬ان من املمكن أن يص‪..‬بح عاملاً‬
‫يش ‪.. . .‬ار إليه بالبن‪.. . .‬ان و يرفع اهلل به اجلهل عن أمة من الن‪.. . .‬اس ‪ ،‬و لكن مل يكن‬
‫هذا إال لتقصريه !‬
‫توجه‬
‫زدت على ذلك أن ِّ‬ ‫و الغ‪.. .‬ريب يف األمر أنك مل تكتف بالتقصري ‪ ،‬بل َ‬
‫سهام اللوم و العتب إىل من قطعوا هـذا املش‪..‬وار ال‪..‬ذي عج‪..‬زت أنت عن قطعه‬
‫!‬
‫إذن ال ب ‪.َّ . .‬د من ال ‪.. .‬دعوة إىل العلم ‪ ،‬ف ‪.. .‬العلم خري كله ‪ ،‬حىت الكالب املعلمة‬
‫مكلبين ُت َعلِّ ُم و َن ُه َن ِم َّما َعلَّ َم ُك ُم اهلل ‪ ،‬فَ ُكلُ وا ِم َّما‬
‫َ‬ ‫ض ‪.‬لها اهلل عز و جل ‪{ :‬‬ ‫ف َّ‬
‫كن َعلَي ُك ْم } ‪ ،‬ف ‪..‬الكلب املعلم يتم ‪..‬يز يف الص ‪..‬يد عن الكلب غري املعلم ‪،‬‬ ‫َْأم َس َ‬
‫فكيف باإلنسان الذي فضله اهلل تعاىل و اختاره و اصطفاه ؟‬
‫ات‬‫اهم ِّمن الطَّيِّب ِ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫ْ‬ ‫ز‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ر‬‫ِ‬ ‫ح‬ ‫ْب‬
‫ل‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ر‬‫ِّ‬ ‫ْب‬‫ل‬‫ا‬ ‫ي‬ ‫آدم وحملْنَ اهم فِ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫{ ولََق ْد َك َّر ْمنَا بنِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ََ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫َ ََ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضيالً }‬ ‫اهم َعلَى َكثِي ٍر ِّم َّمن َخلَ ْقنَا َت ْف ِ‬ ‫َوفَ َّ‬
‫ْ‬ ‫ضلْنَ ُ ْ‬

‫الصفة الثانية ‪ /‬االتبـ ــاع‬

‫‪8‬‬
‫ليس العلم الذي يتعلمه العامل ‪ ،‬هو ق‪..‬ال فالن و ق‪.‬ال عالن ‪ ،‬ال ‪ ،‬إمنا هو علم‬
‫الكتاب !‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين بِ َما ُكنتُ ْم ُت َعلِّ ُم و َن الْكتَ َ‬
‫اب " ‪،‬‬ ‫و هلذا ق‪..‬ال يف اآلية " َولَـكن ُكونُواْ َربَّانيِّ َ‬
‫أي الكتاب املنزل من اهلل تعاىل على رسله و أنبيائه‪ .‬عليهم السالم ‪.‬‬
‫إذن فاملقص‪.. .‬ود ب‪.. .‬العلم ‪ ،‬هو العلم الش‪.. .‬رعي املنبثق من ال‪.. .‬وحي ‪ ،‬الكت‪.. .‬اب و‬
‫الس‪..‬نة ‪ ،‬ق‪..‬ال ص‪..‬لى اهلل عليه و س‪.‬لم فيما رواه أبو داود و أمحد و غريمها بس‪..‬ند‬
‫صحيح ‪ " :‬أال إني أوتيت القرآن و مثله معه " ‪.‬‬
‫صحيح أو إمجاعٌ قائم ‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫حديث‬
‫ٌ‬ ‫فالعلم إما آيةٌ حمكمةٌ أو‬
‫يس بِالت َّْم ِو ِيه‬
‫الصحابةُ لَ َ‬‫قال َّ‬
‫قال رس ــولُهُ *** َ‬
‫قال اهللُ َ‬
‫العلم َ‬
‫ُ‬
‫ول و بني رأ ِي ِ‬
‫فقيه‬ ‫الرس ِ‬ ‫بني‬ ‫***‬ ‫‪.‬‬
‫ة‬ ‫سفاه‬ ‫ِ‬
‫للخالف‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫العلم نصبُ َ‬
‫َما ُ‬
‫الصحابةُ هم ُأولوا العِرفَ ِ‬
‫ان‬ ‫قال َّ‬
‫قال رســولُهُ *** َ‬
‫قال اهللُ َ‬
‫العلم َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬

‫يقول اإلمام ابن رجب رمحه اهلل تعاىل ‪ " :‬العلم النافع من هذه العلوم كلها‬
‫نصوص الكتاب و السنة و فهم معانيها و التقيُّ ُد في ِ‬
‫ذلك بالمأثور‬ ‫ِ‬ ‫ط‬‫ضب ُ‬
‫ُ‬
‫"‪.‬‬
‫كالم قص‪..‬ريٌ يغين عن كثري ‪ ،‬ألن العل‪..‬وم اآلن كث‪..‬رية عند الن‪..‬اس ‪ ،‬فيحت‪..‬ار املرء‬
‫‪ :‬م‪..‬اذا أتعلم ؟ مباذا أب‪..‬دأ ؟ نق‪..‬ول عليك بعلم الكت‪..‬اب و علم الس‪..‬نة ‪ ،‬فال ت‪..‬أيت‬
‫ألة ليس لك فيها إم ام " كما ق ‪..‬ال‬ ‫لنا مبعىن مل تس ‪..‬بق إليه ‪ " ،‬ال تقل في مس ٍ‬
‫اإلمام أمحد رمحه اهلل ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫و حني نق‪.. .‬ول الكت‪.. .‬اب و الس‪.. .‬نة ‪ ،‬فهما يش‪.. .‬هد بعض‪.. .‬هما لبعض ‪ ،‬و الرس‪.. .‬ول‬
‫ص‪.. .‬لى اهلل عليه و س‪.. .‬لم ك‪.. .‬ان ش‪.. .‬ارحاً و مف ِّس ‪. .‬راً للق‪.. .‬رآن بقوله و فعله ‪ ،‬فأما‬
‫بقوله ف ‪.. .‬إن الس‪.. .‬نة ت ‪.. .‬بني الق ‪.. .‬رآن و تفصل جممله و توضح معانيه ‪ ،‬و أما بفعله‬
‫فقد سئلت عائشةَ رضي اهلل عنها كما يف صحيح مسلم عن خلـق النيب ص‪..‬لى‬
‫اهلل عليه و سلم فقالت للس‪..‬ائل ‪ :‬ألست تقرأ القرآن ؟ ق‪..‬ال ‪ :‬بلـى ‪ ،‬ق‪..‬الت ‪:‬‬
‫" كان خلقه القرآن " ‪.‬‬
‫فأفعاله صلى اهلل عليه و سلم كانت تفسرياً للقرآن و هلذا وص‪..‬فه بعض‪..‬هم بأنه‬
‫‪.‬امح و‬
‫يدب على وجه األرض ‪ ،‬و هذه الكلمة و إن كان فيها تس‪ٌ .‬‬ ‫كان قرآناً ُّ‬
‫جماز إال أهنا تعبري دقي‪.ٌ .‬ق و جيّ ‪ٌ .‬د عن أخـالق الرس‪..‬ول ص‪..‬لى اهلل عليه و س‪..‬لم و‬
‫أفعاله و أقواله ‪.‬‬
‫فهم معانيهما ‪ ،‬و أما أقوال الرج‪..‬ال‬ ‫حقاً ‪ ،‬القرآ ُن و السنةُ و ُ‬ ‫و هذا هو الفقه َّ‬
‫يشتغل‬
‫َ‬ ‫فال تعدو أن تكون تفسرياً للقرآن و تفسرياً للحديث ‪ ،‬و ال ينبغي أن‬
‫اإلنسان هبا إال بقد ِر ما تكون بياناً‪ .‬هلذا أو ذاك ‪.‬‬
‫‪.‬ال ظهر مص ‪.. .‬طلح أهل الفقه و أهل‬ ‫‪.‬أقوال الرج ‪ِ . .‬‬
‫و هلذا ملا تش ‪.. .‬اغل الن ‪.. .‬اس ب ‪ِ . .‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫احلديث و متيَّزا ‪ ،‬و الواقع أهنما ش‪.. . . . .‬يء واحد ‪ ،‬ما الفقه إال علم الكت‪ِ . . . . .‬‬
‫‪.‬اب و‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫اجلوزي و‬ ‫‪.‬ابن‬ ‫‪.‬‬ ‫ك‬ ‫األئمة‬ ‫أنكر‬ ‫‪.‬ذلك‬ ‫‪.‬‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ال‬
‫ً‬ ‫عم‬ ‫و‬ ‫ا‬
‫ً‬ ‫علم‬ ‫و‬ ‫ً‬‫ا‬ ‫فهم‬ ‫و‬ ‫ا‬
‫ً‬ ‫حفظ‬ ‫ِ‬
‫السنة‬
‫ّ‬
‫اخلطايب و غ‪..‬ريهم التفريق بني أهل الفقه و أهـل احلديث ‪ ،‬بل مها ش‪..‬يءٌ واحد‬ ‫ّ‬
‫‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫و مل يعترب العلم‪..‬اء رمحهم اهلل أن املقلِّد تقلي‪..‬داً حمض‪.‬اً ع‪..‬امل ‪ ،‬حىت ق‪..‬ال ابن عبد‬
‫الب ْر ‪ " :‬أجمع وا على أن المقلِّد ال يعد من العلم اء " ‪ ،‬و ق‪.. .‬ال اإلم‪.. .‬ام‪ .‬ابن‬ ‫َّ‬
‫القيّم رمحه اهلل ‪ " :‬العلم هو المعرفة الحاص لة بال دليل " ‪ ،‬و ال ‪..‬دليل آية أو‬
‫مسعت فالن‪. .‬اً يفيت بك ‪..‬ذا ‪ ،‬و‬
‫ح ‪..‬ديث أو إمجاع ‪ ،‬فه ‪..‬ذا هو العلم ‪ ،‬أما كونك َ‬
‫عد علماً و إمنا هو تقلي ٌد قد يُعذر به اجلاهل الذي‬ ‫فالناً يقول كذا ‪ ،‬فهذا ال يُ ُّ‬
‫ال يستطيع إال التقليد ‪ ،‬أما طالب العلم فال ‪.‬‬

‫الصفة الثالثة ‪ /‬اإلخالص و النيَّة ‪:‬‬


‫يق ‪.. .‬ول الرس ‪.. .‬ول ص ‪.. .‬لى اهلل عليه و س ‪.. .‬لم يف ح ‪.. .‬ديث عمر املتفق عليه ‪ " :‬إنَّما‬
‫األعم ال بالني ات " ‪ ،‬و يق ‪.. .‬ول أيض ‪. .‬اً يف احلديث اآلخر املتفق عليه عن ابن‬
‫عب‪..‬اس‪ .‬و غ‪..‬ريه ‪ " :‬ال هج رة بعد الفتح و لكن جه ا ٌد و نية " ‪ ،‬أي يعبد اهلل‬
‫تع‪.. .‬اىل بالنية‪ .‬الص‪.. .‬احلة ‪ { :‬من َك ا َن يُري ُد الحي اةَ ال ُّدنيا َو ِزينََت َها – بنيته و‬
‫ين‬ ‫نوف ِإلَي ِهم َأ ْعم الَهم ِفيها و هم ِفيها ال يب َخس و َن * ُأولَِئ َ َّ ِ‬ ‫قص‪..‬ده – ِّ‬
‫ك الذ َ‬ ‫َ ُ ْ َ َ ُ ْ َ ُْ ُ‬
‫لَيس لَهم في اآل ِ‬
‫َخ َر ِة إالَّ النَّار } ‪.‬‬ ‫َ ُْ‬
‫اجلَ ةَ َع َّجلنَا لَه فِ َيها َما نَ َش اءُ لِ َمن نُ ِري َد ‪ ،‬ثُ َّم‬
‫و ق ‪..‬ال ‪ { :‬من َك ا َن ي ِري ُد الع ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫َّم } ‪.‬‬
‫َج َعلنَا لَهُ َج َهن َ‬
‫أفضل‬ ‫ٍ‬
‫بشيء‬ ‫و يقول الزهري ‪ -‬و هو من خيار الت‪..‬ابعني ‪ " : -‬ما عُب َد اهلل‬
‫َ‬
‫من العلم " ‪ ،‬إذن و أنت تتن ‪..‬اول العلم حفظ‪. .‬اً أو دراس‪. .‬ةً أو تأليف‪. .‬اً أو تعليم‪. .‬اً‬
‫فأنت تعبد اهلل تعاىل هبذا ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫و يق ‪..‬ول س ‪..‬فيان الث ‪..‬وري ‪ " :‬ال أعلم بعد النُّب وة أفضـل من العلم " ‪ ،‬ألن‬
‫ورث ‪..‬وا‬
‫يورث ‪..‬وا دين ‪..‬اراً و ال درمهاً و لكن َّ‬
‫الع ‪..‬امل هو وريث النيب ‪ ،‬و األنبي ‪..‬اء مل َّ‬
‫العلم ‪.‬‬
‫ج‪..‬اء أبو هري‪..‬رة رضي اهلل عنه إىل أهل الس‪..‬وق و هم يتب‪..‬ايعون و يتش‪.َ .‬ارون ‪،‬‬
‫قس م في‬
‫فق ‪.. .‬ال ‪ " :‬أنتم هاهنا و م يراث الن بي ص لى اهلل عليـه و س لم يُ َ‬
‫المسجد ؟ " ف‪..‬رتكوا بض‪..‬ائعهم و ذهب‪..‬وا يرتاكض‪..‬ون إىل املس‪..‬جد ‪ ،‬ف‪..‬دخلوا و‬
‫ما وج ‪..‬دوا إال حلق‪. .‬ةً هنا تعلِّم التفسري ‪ ،‬و أخ ‪..‬رى تعلِّم احلديث ‪ ،‬فرجع ‪..‬وا و‬
‫قالـوا ‪ :‬يا أبا هريرة غفر اهلل لك ‪ ،‬ما رأينا ش‪..‬يئاً ! ‪ ،‬ق‪..‬ال ‪َ :‬أو ذهبتم ؟ ق‪..‬الوا‬
‫‪ :‬نعم ‪ ،‬ق ‪.. .‬ال ‪ :‬فم اذا رأيتم ؟ ق ‪.. .‬الوا ‪ :‬رأينا قوما يعلِّم ‪.. .‬و َن الق ‪.. .‬رآن و قوم ‪. .‬اً‬
‫يعلِّم ‪..‬ون التفسري و قوم ‪.‬اً يعلِّم ‪..‬ون احلديث ! ق ‪..‬ال ‪ :‬و هل م ُ‬
‫يراث رس ول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه و سلم إال هذا ؟؟ " ‪.‬‬
‫كنت عند مالك‬ ‫و يق ‪.. .‬ول ابن وهب – و هو من تالميذ اإلم ‪.. .‬ام‪ .‬مالك ‪ُ " : -‬‬
‫و قد نشر كتبه يق ‪.. . .‬رأ و يعلِّم و ي‪. . . .‬بنِّي ‪ ،‬ف ‪.. . .‬أذَّن املؤذِّن ‪ ،‬ف ‪.. . .‬ذهبت أمجع ه ‪.. . .‬ذه‬
‫الكتب من أجل أن يذهب هبا ‪ ،‬فقال اإلم ‪..‬ام‪ .‬مالك ‪ :‬على رسلك ! ترفَّق !‬
‫ليس ال ذي تق وم إليه – يعين من التنفل قبل الفريضة – بأفضل مما تق وم‬
‫صحت النية " ‪.‬‬
‫عنه إذا َّ‬
‫لطالب العلم و هو يتناول العلم من أن يش‪..‬عر بأنه‬ ‫ِ‬ ‫إذن فالعلم عبادة ‪ ،‬و ال َّ‬
‫بد‬
‫‪.‬التعرف على حكم‪.ِ .‬ه يف املس‪..‬ائل و التع‪.ُّ.‬ر ِ‬
‫ف إليه‬ ‫يتعبَّد اهلل تع‪..‬اىل و يتق‪.َّ.‬رب‪ .‬إليه ب‪ُّ .‬‬

‫‪12‬‬
‫جل و عال بأمسائه و صفاته‪ .‬و أفعاله ‪ ،‬و التع‪.ُّ .‬رف إىل أنبيائه‪ .‬مبع‪..‬رفتهم و معرفة‪.‬‬
‫َّ‬
‫حقوقهم و ما أشبه ذلك من ألوان العلم و صنوفه‪. .‬‬
‫و ه‪.. .‬ذا الوصف ‪ ،‬وصف اإلخالص و النية هـو من أخـص معــاين الربانية‪.‬‬
‫ين } ‪ ،‬أي إرادة وجه ال ‪..‬رب تب ‪..‬ارك و تع ‪..‬اىل فيأخذ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫{ َولَـكن ُكونُ واْ َربَّانيِّ َ‬
‫اإلنسان و ي‪.‬دع ‪ ،‬و هبا يب‪..‬ارك اهلل تع‪.‬اىل يف العـلم و هبا يثمر العلم و ينفع‬
‫‪.‬‬
‫و أنت جتد ال‪.‬ذين نفع اهلل تع‪..‬اىل بعلمهم ليس‪.‬وا بالض‪.‬رورة هم أذكى الن‪..‬اس و‬
‫ال أكرب الن‪.‬اس عق‪.‬والً ‪ ،‬و ال أك‪.‬ثر الن‪.‬اس علم‪.‬اً أيض‪.‬اً ‪ ،‬و لكن ب‪.‬ارك اهلل تع‪.‬اىل‬
‫علم غزي ‪.ٌ .‬ر و لكن‬ ‫يف علمهم و نفع اهلل به ألنه ك ‪..‬ان فيه اإلخالص ‪ ،‬و هن ‪..‬اك ٌ‬
‫ما فيه روح و ال إميا ٌن و ال إخالص ‪ ،‬فلم يب‪ِ . . . . . . .‬‬
‫‪.‬ارك اهلل تعــاىل فيه ‪ ،‬فق‪.َّ . . . . . . .‬ل‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫املنتفعون‪ .‬به ‪.‬‬

‫الصفة الرابعة ‪ /‬خلق العلم و أدبه‬


‫ت و الوق‪..‬ا ِر غري املتكلَّف و الق‪..‬دوة يف ذلك هو الرس‪..‬ول ص‪..‬لى‬ ‫و ذلك بال َّس ‪.‬م ِ‬
‫ْ‬
‫اهلل عليه و س‪.. . . .‬لم حيث ك‪.. . . .‬ان أعظم العلم‪.. . . .‬اء على اإلطالق ‪ ،‬و مع ذلك إذا‬
‫ت هديه و أدبه و معاملته‪ .‬للن‪..‬اس‪ .‬جتد أم‪..‬راً يعجز عنه اآلخ‪..‬رون ‪ ،‬و ه‪..‬ذا‬ ‫وج ‪ْ .‬د َ‬
‫من خصائصه صلى اهلل عليه و سلم اليت ميَّزه اهلل تعاىل هبا ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫‪.‬درك س‪..‬احله ‪ ،‬لكنَّك جتده أيض‪.‬اً متواض‪..‬عاً مع‬ ‫ففي جمال العلم هو البحر ال ي‪ُ .‬‬
‫أص ‪.. . . .‬حابه‪ .‬ميازحهم و يض ‪.. . . .‬احكهم و يأخذ معهم ‪ ،‬حىت رمبا تكلم ‪.. . .‬وا ب ‪.. . .‬أمر‬
‫اجلاهلية فيضحكون و يتبسم عليه الصالة و السالم ‪.‬‬
‫و قد ك ‪..‬ان له من اهليبة و الوق ‪..‬ار يف نفوس ‪..‬هم الش ‪..‬يء العظيم ‪ ،‬حىت إنه س ‪..‬ها‬
‫يوم‪. .‬اً من األي ‪..‬ام‪ .‬يف ص ‪..‬الته كما ج ‪..‬اء يف الص ‪..‬حيحني و س ‪..‬لم ص ‪..‬الة الظهر أو‬
‫‪.‬هوت يا رس ‪.. .‬ول اهلل !‬ ‫العصر من ركع ‪.. .‬تني ‪ ،‬فلم جيرؤوا على أن يقول ‪.. .‬وا ‪ :‬س ‪َ . .‬‬
‫حىت أبو بكر و عمر أخص أصحابه هابا أن يكلماه ‪ ،‬حىت ق‪..‬ام رجل يق‪..‬ال له‬
‫‪.‬يت ؟ ق‪..‬ال ‪ :‬ال ما‬
‫ذو اليدين ‪ ،‬و ق‪..‬ال ‪ :‬يا رس‪..‬ول اهلل أ قص‪..‬رت الص‪..‬الة أم نس‪َ .‬‬
‫يت و لم تقصر ‪ ،‬ق ‪..‬ال ‪ :‬بل نس ‪..‬يت ! فق ‪..‬ال ‪ :‬أكما يق ول ذو الي دين ؟‬ ‫نس ُ‬
‫ق ‪..‬الوا ‪ :‬نعم ‪ ،‬فاس ‪..‬تقبل القبلة و ص‪. .‬لَّى ركع ‪..‬تني مث س‪. .‬لَّم مث س ‪..‬جد للس ‪..‬هو مث‬
‫سلم عليه الصالة و السالم ‪.‬‬

‫الصفة الخامسة ‪ /‬مخالطةُ الناس بالحسنى ‪:‬‬


‫من األخالق اليت ينبغي أن يتحلى هبا الرب‪.. . . . . .‬انيون خمالطة الن ‪.. . . .‬اس باحلسىن ‪ ،‬و‬
‫ِ‬
‫التخلُّق معهم ب‪..‬اخللق الفاضل ‪ ،‬لقوله تع‪..‬اىل ‪ { :‬بِ َما ُكنتُ ْم ُت َعلِّم و َن الْكتَ َ‬
‫اب }‬
‫أي تعلِّمون الن‪..‬اس ‪ ،‬و كيف تعلِّم‪..‬وهنم و أنتم يف أب‪..‬راجكم العاجية ؟ و كيف‬
‫تعلِّم‪.. . . . . .‬وهنم و أنتم يف مكتب‪.. . . . . .‬اتكم ؟ و كيف تعلِّم‪.. . . . . .‬وهنم و أنتم تغلق‪.. . . . . .‬ون يف‬
‫وجوههم أبوابكم ؟ و كيف تعلِّموهنم و أنتم معتزلون‪ .‬منعزلون‪ .‬عنهم ؟‬

‫‪14‬‬
‫ه ‪.. . . .‬ذا ال يك ‪.. . . .‬ون ‪ ،‬فال بد من خمالطة الن ‪.. . . .‬اس ‪ ،‬و قد ج ‪.. . . .‬اء يف ح ‪.. . . .‬ديث عند‬
‫أصحاب السنن و هو صحيح عن ابن عمر أو غريه أن النبـي صلى اهلل عليه و‬
‫س ‪..‬لم ق ‪..‬ال ‪ " :‬الم ؤمن ال ذي يخالط الن اس و يص ُبر على آذاهم خ ٌير من‬
‫َّاس و ال يصبر على آذاهم " ‪.‬‬
‫الذي ال يخالط الن َ‬
‫إذن ال بد من خمالطة الن‪.. .‬اس خمالط ‪. .‬ةً فيها اقتص‪.. .‬اد ‪ ،‬فيعطيهم ق‪.. .‬دراً من وقته ‪،‬‬
‫دع أعمالك و علمك و مش ‪..‬اغلك و أم ‪..‬ورك ‪ ،‬و تف ‪.َّ .‬رغ‬ ‫حنن ال نق ‪..‬ول للع ‪..‬امل ْ‬
‫‪.‬الب به أحد بل هو مما ال يس‪..‬تطاع ‪ ،‬لكن‬ ‫للناس‪ ، .‬ال ‪ ،‬هذا ال يكون و ال يط ُ‬
‫ص ‪.‬ص للن‪..‬اس أوقات ‪.‬اً يعطيهم فيها مما أعط‪..‬اه اهلل تع‪..‬اىل و يَفرُغُ فيها‬ ‫ال بد أن خي ِّ‬
‫ألمورهم و مهومهم و شؤوهنم ‪.‬‬
‫و من عجيب و ب‪.. .‬ديع ما قاله اإلم‪.. .‬ام‪ .‬ابن القيم رمحه اهلل أنه قَ َّس ‪. .‬م الن‪.. .‬اس يف‬
‫املخالطة إىل أربعة أصناف ‪ ،‬ق‪..‬ال ‪ " :‬فمن النَّاس من مخالطته كالغذاء ‪ ،‬و‬
‫ه‪..‬ذا هو الع‪..‬امل الربَّاين ال‪..‬ذي ختالطه ال لتض‪..‬يع عليه وقته ‪ ،‬و لكن لتس‪..‬تفيد من‬
‫علمه ‪ ،‬الث اني من مخالطته كال دواء ‪ ،‬إنما تتعاط اه عند الحاجة إليه ‪ ،‬و‬
‫ه‪.. . . .‬ذا هو اإلنس ‪.. . .‬ان ال‪.. . . .‬ذي تس‪.. . . .‬تفيد منه يف أمر معاشك ‪ ،‬و من الن اس من‬
‫‪.‬ال ال يش ‪..‬فى‬
‫‪.‬رض عض ‪ٌ .‬‬
‫مخالطته كال داء ‪ ،‬و ال ‪..‬داء كما تعلم أن ‪..‬واع ‪ ،‬منها م ‪ٌ .‬‬
‫منه اإلنسان ‪ ،‬و منها أمراض كوجع الض‪..‬رس ‪ ،‬مبج‪..‬رد ما تقلع الض‪..‬رس ي‪..‬زول‬
‫املرض و ه‪..‬ذا مثل اإلنس‪..‬ان ال‪..‬ذي خمالطته تؤذيك بس‪..‬يئ الق‪..‬ول ‪ ،‬ف‪..‬إذا غادرته‪.‬‬
‫احلمى ‪،‬‬
‫زال األمل ‪ ،‬فالض‪.. . .‬رس ك‪.. . .‬ذلك إذا قلعته زال األمل ‪ ،‬و من األم‪.. . .‬راض َّ‬
‫اليت ال تك‪.. .‬اد تف‪.. .‬ارق اإلنس‪.. .‬ان ‪ ،‬و من ذلك كما ذكر خمالطة اإلنس‪.. .‬ان الثقيل‬

‫‪15‬‬
‫ال ‪..‬ذي ال هو بال ‪..‬ذي يتكلم فتس ‪..‬تفيد و ال بال ‪..‬ذي يس ‪..‬كت فيس ‪..‬تفيد‪ .‬هو ‪ ،‬فال‬
‫وت بعينه ‪ ،‬و هو‬
‫يفيد و ال يس‪.. . . .‬تفيد ! و من الن اس من مخالطته هي الم ُ‬
‫يضرك يف دينك إما بضاللة أو ببدعة " ‪.‬‬ ‫اإلنسان الذي ُّ‬
‫فعليك أن ختت‪..‬ار لنفسك و تعلم أن فض‪..‬ول املخالطة ال خري فيها ‪ ،‬يك‪..‬ثر القيل‬
‫و الق‪.. .‬ال و الغيبة و اجملاملة و التص‪.. .‬نع ‪ ،‬و رمبا ك‪.. .‬ان ط‪.. .‬ول املخالطة س‪.. .‬بباً يف‬
‫املباعدة و املفارقة‪ .‬و اكتشاف العيوب ‪ ،‬فيتح‪..‬ول ذلك إىل ن‪..‬وع من الع‪..‬داوة ‪،‬‬
‫و هلذا ج ‪.. .‬اء يف ح ‪.. .‬ديث روي مرفوعا‪ .‬عند الرتم ‪.. .‬ذي و غ ‪.. .‬ريه و روي موقوفا‬
‫ك هون اً م ا‪،‬‬ ‫ب حبيب َ‬‫أحبِ ْ‬‫على علي رضي اهلل عنه و هو أش‪.. .‬به‪ ،‬أنه ق‪.. .‬ال ‪ْ " :‬‬
‫ك هون اً م ا‪ ،‬عسى أن‬ ‫بغيض َ‬
‫ض َ‬ ‫ك يوم اً م اً‪ِ ،‬‬
‫وأبغ ْ‬ ‫بغيض َ‬
‫عسى أن يك و َن َ‬
‫احلب و البغض و املخالطة و العزلة‬
‫يكو َن حبيبك يوم اً م اً " ‪ .‬أي اقتصد يف ِّ‬
‫‪.‬‬
‫إذن الع‪..‬امل الربَّاين ليست مهمته التعامل مع الكتب فقط ‪ ،‬فتلك وظيـفة س‪..‬هلة‬
‫‪ ،‬و لكن مهمته قيادة الناس إىل رهبم عز و جل و توجيههم و مش‪..‬اركتهم يف‬
‫آالمهم و مشاكلهم أفراحهم و أتراحهم ‪ ،‬و أن يك‪..‬ون قريب‪.‬اً‪ .‬من نفوس‪..‬هم و‬
‫قلوهبم ‪.‬‬
‫و ال جيوز أن ختلو الس‪.. .‬احة من العلم‪.. .‬اء الع‪.. .‬الِمني الع‪.. .‬املني املخلصني ‪ ،‬ألن‬
‫خلوها أت ‪..‬اح الفرصة لألش ‪..‬رار ال ‪..‬ذين رفع ‪..‬وا يوما من األي ‪..‬ام ل ‪..‬واءَ ال ‪..‬دفاع عن‬ ‫َّ‬
‫املرأة أو ما يس ‪..‬مونه " حترير املرأة " ‪ ،‬فأفس ‪..‬دوا نس ‪..‬اء املس ‪..‬لمني باسم ال ‪..‬دفاع‬
‫‪.‬وقهن ! فلم‪.. . .‬اذا ال يت‪.. . .‬وىل أمر ال‪.. . .‬دفاع عن املرأة العلم‪.. . .‬اء الع‪.. . .‬املون‬
‫عن حق‪ّ . . .‬‬

‫‪16‬‬
‫املخلص‪.. . .‬ون ‪ ،‬في‪.. . .‬دافعون‪ .‬عن املرأة ضد كل ظل ٍم أو ض‪.. . .‬ي ٍم يقع عليها دفاع ‪. . .‬اً‬
‫بالشرع ال باهلوى ‪ ،‬و يكسبون املرأة إىل صف اإلسالم و املسلمني ؟؟‬
‫و هم أيضا األش‪.‬رار ال‪.‬ذين تبن‪.‬وا قض‪.‬ايا األطف‪.‬ال و النشء و أع‪.‬دوا هلم ال‪.‬ربامج‬
‫و الكتب و غري ذلك ‪ ،‬فرب‪..‬وهم على غري ه‪..‬دي اهلل و ه‪..‬دي رس‪..‬ول اهلل ص‪..‬لى‬
‫اهلل عليه و س‪.. .‬لم ‪ ،‬فلم‪.. .‬اذا ال يت‪.. .‬وىل أمر ال‪.. .‬دفاع عن قض‪.. .‬ايا الطفل ‪ ،‬العلم‪.. .‬اء‬
‫الع‪..‬املون املخلص‪..‬ون أو من يل‪..‬وذ هبم و يس‪..‬مع كلمتهم ‪ ،‬حىت يرب‪..‬وا األطف‪..‬ال‬
‫على املنهج الصحيح ‪ ،‬منهج الكتاب و السنة ؟؟‬
‫و األشرار الذين ادعوا أهنم ينادون بتصحيح أوضاع العم‪..‬ال و ال‪..‬دفاع عنهم‬
‫و رفع ‪..‬وا‪ .‬راية " يا عم ‪..‬ال الع ‪..‬امل احتدوا " ‪ ،‬فض‪. .‬لُّوا و أض‪. .‬لُّوا ‪ ،‬و ال شك أن‬
‫العم ‪.. . .‬ال لن جيدوا من ي ‪.. . .‬دافع عنهم أص ‪.. . .‬دق هلج‪. . . .‬ةً و أصح منهج‪. . . .‬اً‪ .‬من محلة‬
‫الكت ‪..‬اب و الس ‪..‬نة لو تص ‪..‬دَّوا هلذا و اهتم ‪..‬وا به ‪ ،‬و دافع ‪..‬وا عن حق ‪..‬وق العم ‪..‬ال‬
‫باحلق ال بالباطل ‪.‬‬
‫ِّ‬
‫األش‪.. .‬رار ال‪.. .‬ذين ط‪.. .‬البوا بتحسني األوض‪.. .‬اع املعيش‪.. .‬ية للن‪.. .‬اس‪ .‬فتبعهم‪ .‬يف ذلك‬
‫سراب حيسبه الظمآن م‪..‬اءً حىت إذا ج‪.‬اءه مل جيده ش‪..‬يئاً ‪ ،‬و ملاذا‬ ‫الفقراء كمثل ٍ‬
‫ال يكون العلم‪..‬اء الرب‪..‬انيون هم املدافعون املتول‪..‬ون لش‪..‬ؤون الن‪..‬اس من الفق‪..‬راء و‬
‫العمـال و املظلومني و غريهم ؟‬
‫و ملاذا ي ‪..‬ذهب األش ‪..‬رار مبجتمع ‪..‬ات‪ .‬املس ‪..‬لمني و يبقى الع ‪..‬امِل منع ‪..‬زالً‪ .‬يف بيته أو‬
‫شر ‪ ،‬و ال يدري الناس أيضاً ه‪..‬ذه‬ ‫مكتبته ال يدري ما الناس عليه من خ ٍري أو ٍّ‬
‫العلوم اليت يتعاطاها أي شيء تكون ؟‬

‫‪17‬‬
‫بل بلغ األمر أنه يف وقت من األوق ‪.. .‬ات يف جمتمع ‪.. .‬ات املس ‪.. .‬لمني ك ‪.. .‬انت بعض‬
‫وس‪..‬ائل اإلعالم تتن‪..‬اول الع‪..‬امل بالس‪..‬خرية به فتظهر ه‪..‬ذه الس‪..‬خرية يف التلف‪..‬از أو‬
‫يف كاريك ‪.. . . .‬اتري ينشر يف جري ‪.. . . .‬دة أو يف مق ‪.. . . .‬رر مدرسي ‪ ،‬فال جيد الع ‪.. . . .‬امل من‬
‫يغضب له ‪ ،‬ألنه ترك جمال اجملتمعات لألشرار !‬
‫‪.‬الم عن ‪..‬دهم عاطف‪. .‬ةٌ ديني‪. .‬ةٌ ‪ ،‬و لو أن أح ‪..‬داً‬ ‫آالف النَّاس يف كل ِ‬
‫بالد اإلس ‪ِ .‬‬ ‫و ُ‬
‫‪.‬اول الرس ‪..‬ول ص ‪..‬لى اهلل عليه و س ‪..‬لم مثالً لوج ‪..‬دت الغضب ! ملاذا ؟ ألهنم‬ ‫تن ‪َ .‬‬
‫‪.‬دل على أن أص‪.َ . .‬ل ه‪.. .‬ذه العاطفة‪.‬‬ ‫حيب‪.. .‬ون الرس‪.. .‬ول ص‪.. .‬لى اهلل عليه و س‪.. .‬لم ‪ ،‬ف‪َّ . .‬‬
‫بعث و إث‪.. . . . .‬ار ٍة‪ .‬و حتريك ‪ ،‬و ال‪.. . . . .‬ذي‬‫الدينية موج‪.. . . . .‬ود ‪ ،‬و لكنها حتت‪.. . . . .‬اج إىل ٍ‬
‫يس ‪..‬تطيع ذلك هو الع ‪..‬امل ال ‪..‬ذي يتكلم فيس ‪..‬مع الن ‪..‬اس مىت أق ‪..‬ام اجلس ‪..‬ور بينه و‬
‫بينهم ‪ ،‬إذن ال بد من املخالطة على منهاج‪ .‬النبوة ‪.‬‬

‫الصفة السادسة ‪ /‬العزة بهذا العلم‬


‫و ال ‪..‬رتفع عن األع ‪..‬راض الدنيوية ‪ ،‬و هلذا اهلل عز و جل ق ‪..‬ال يف اآلية نفس ‪..‬ها ‪:‬‬
‫ْح ْك َم َوالن ُُّب َّوةَ } ‪ ،‬فال‪.. .‬ذي أويت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫{ َما َك ا َن لِبَ َ‬
‫ش ٍر َأن ُيْؤ تيَ هُ اللّ هُ الْكتَ َ‬
‫اب َوال ُ‬
‫الكتاب و أويت احلكم و أويت النبوة ‪ ،‬ماذا ينظر إىل الدنيا ؟‬

‫حراً طليقاً حبيياً‪.‬‬


‫ـؤادي َّ‬
‫دنياكم و اتركوا *** فـ َ‬
‫ُ‬ ‫خذوا كل‬
‫فإينَ أعظمك ـ ْـم ثرو ًة *** و إن ِخلتُموين وحيداً سليباً‬

‫‪18‬‬
‫فالعامل الذي أويت الكتاب و احلكم ‪ ،‬يرى أن أهل ال‪..‬دنيا يف واد و هو يف واد‬
‫آخر ‪ ،‬مثل ما ك ‪..‬ان يق ‪..‬ول ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬م اذا يص نع أع دائي بي ‪،‬‬
‫سجني خلوة ‪ ،‬و نفيي سياحة ‪ ،‬و قتلي شهادة " !!‬
‫و الع ‪.ُّ .‬ز بن عبد الس ‪..‬الم ملا قيل له قبل رأس الس ‪..‬لطان من أجل أن يس ‪..‬احمك و‬
‫يعفو عنك تبسم و ق ‪..‬ال ‪ ( :‬مس اكين ! أنت في ٍ‬
‫واد و أنا في واد !! أنا ما‬
‫رأسه ؟؟ ) !‬ ‫يقبل السلطا ُن رأسي فكيف أقبِّل َ‬ ‫أرضى أن َ‬
‫و س ‪..‬يد قطب رمحه اهلل ‪ ،‬ملا قيل له اكتب كلم ‪.‬ةَ اعت ‪..‬ذا ٍر واح ‪..‬دة و نعفو عنك‬
‫من اإلع‪.. .‬دام ق‪.. .‬ال ‪ ( :‬إن الس بَّابة ال تي تش هد أال إله إال اهلل ‪ ،‬ال يمكن أن‬
‫حكم طاغية !! )‬ ‫ٍ‬ ‫تكتب كلمةَ اعتذا ٍر‬
‫تقر بها َ‬ ‫واحدة ُّ‬
‫فال‪..‬ذي أويت الكت‪..‬اب و أويت العلم و أويت احلكم ‪.‬ة ي‪..‬رتفَّ ُع عن أع‪..‬راض ال‪..‬دنيا و‬
‫سفاسفها‪. .‬‬
‫ين } ‪ ،‬أي منسوبـون إىل ال‪..‬رب‬ ‫ي‬
‫ِّ‬ ‫مث إن اهلل تع‪..‬اىل يق‪..‬ول ‪ { :‬ولَ ِ‬
‫ـكن ُكونُواْ ربَّانِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫مبال أو غ‪..‬ريه ‪ ،‬و لكنها‬ ‫‪ ،‬والرب‪..‬انيون هم من أهل اآلخ‪..‬رة ‪ ،‬قد ميلك‪..‬ون ال‪..‬دنيا ٍ‬
‫عن ‪..‬دهم مثل الف ‪..‬راش ال ‪..‬ذي يقعد عليه ومثل احلم ‪..‬ار ال ‪..‬ذي يركبه ‪ ،‬يس ‪..‬تخدمه‬
‫وال خيدم‪..‬ه‪ ،‬أي يس‪..‬تخدمون ال‪..‬دنيا وال خيدموهنا ‪ ،‬فهم ليس‪..‬وا عبي‪..‬داً هلا‪ ،‬وهلذا‬
‫ازدروا الدنيا ورأوا أهنا ليست أهالً ألن يريقوا شرفهم من أجلها ‪.‬‬
‫هذا الشافعي يقول ‪:‬‬
‫و من يَ ُذ ِق الدُّنيا فإين طعمتُها *** و سيق إلينا عذهُب ا و عذاهُب ا‬

‫‪19‬‬
‫مههن اجتذاهُب ا‬
‫كالب َّ‬‫ٌ‬ ‫فما هي إال جيفةٌ مستحيـلةٌ *** عليها‬
‫نازعتك كالهُب ا‬
‫َ‪.‬‬ ‫كنت ِس ْلماً ألهلها *** و إن جتتذهبا‬
‫فإن جتتنبها َ‬

‫" دل ني على عم ٍل إذا عملته أحب ني اهلل و أحبَّني النـــاس " ‪ " ،‬ازهد في‬
‫ك اهلل و ازهد فيما عن َد النَّاس يحبُّك النــاس " …‬ ‫ُّ‬
‫الدنيا يحبُّ َ‬
‫فتكسب حمبة اهلل تع ‪.. .‬اىل و حمبة خلقه ب ‪.. .‬أن جتعل ال ‪.. .‬دنيا حتت ق ‪.. .‬دميك‪ ، .‬و مع‬
‫‪.‬وال طائل‪.ٍ .‬ة موج‪..‬ودة‬
‫ذلك سوف تك‪..‬ون من أحسن الن‪..‬اس دني‪.‬اً ‪ ،‬ف‪..‬أي قيمة ألم‪ٍ .‬‬
‫يف الرصيد ألي إنسان و هو يقرِّت على نفسه و ولده ؟؟‬
‫العامة و اخلاصة ‪ ،‬ألهنم‬
‫ب اإلنسان هيبةً‪ .‬عند َّ‬ ‫هذه العزة أيضا و الرتفُّع ‪ ،‬تُ ِ‬
‫كس‬
‫َ‬
‫يعرف ‪..‬ون‪ .‬عل ‪.َّ .‬و مهَّة ه ‪..‬ذا اإلنس ‪..‬ان ‪ ،‬و أنه ينظر إليهم ف ‪..‬ريثي حلاهلم ‪ ،‬و يعرف ‪..‬ون‬
‫أيضا أن هذا اإلنسان من الصعب أن يُصطاد !‬
‫و هلذا وضع بعض اخللف ‪..‬اء للعلم ‪..‬اء طُعم‪. .‬اً ‪ ،‬يعين من ال ‪..‬دنيا ‪ ،‬ف ‪..‬أعطى ه ‪..‬ذا‬
‫أرضاً ‪ ،‬و ذاك ماالً ‪ ،‬و اآلخر واليةً ‪ ،‬فقبلوا منه ‪ ،‬إال واحداً من العلم‪..‬اء مع‬
‫األسف كان من علماء البدعة ‪ ،‬معتزليَّاً‪ ، .‬امسه ( عمرو بن عبيد ) ‪ ،‬رفض و‬
‫مل يأخذ شيئاً‪ .‬و نفض يده ‪ ،‬فقال اخلليفة خياطب العلماء ‪:‬‬
‫كلَّكم ميشي ُر َويد‬
‫صيد‬‫يطلب َ‬
‫كلكم ُ‬
‫غري عمرو بن عُبَيد !‬

‫‪20‬‬
‫فكان الوحيد ال‪..‬ذي ثبت أنه ال يريد ال‪..‬دنيا أب‪..‬داً ‪ ،‬فهي حتت قدميه و ال ميكن‬
‫العامة من أهل‬ ‫ص ‪. . . .‬ة و َّ‬ ‫أن جيامل من أجلها ‪ ،‬فيكسب بتلك الع‪.. . . .‬زة هيب ‪. . . .‬ةَ‪ .‬اخلا َّ‬
‫الدنيا و الرياسة و املال و اجلاه و غريهم ‪.‬‬
‫و هلذا ‪ ،‬من القص‪.. .‬ائد املعروفة املش‪.. .‬هورة اليت تس‪.. .‬اق يف ه‪.. .‬ذا اجملال ‪ ،‬قص‪.. .‬يدة‬
‫اإلمام القاضي اجلرجاين اليت يقول فيها ‪ ،‬و هي قصيدة طويلة ‪:‬‬
‫أحج َما‬ ‫موقف ُّ ِ‬‫انقباض و إمَّن ا **رأوا رجالً عن ِ‬
‫الذل َ‬ ‫ٌ‬ ‫فيك‬
‫يقولو َن يل َ‬
‫س ُأ ْك ِر َما‬ ‫الن ْف ِ‬
‫عزةُ َّ‬‫أكرمْته َّ‬
‫عند ُهم**و من َ‬ ‫داناهم هان َ‬
‫ُ‬ ‫الناس َمن‬
‫أرى َ‬
‫أقض َح َّق العل ِم إن كا َن ُكلَّ َما ** بَ َدا طَ َم ٌـع َ‬
‫صرَّي تَهُ يِل َ ُسلَّ َما‬ ‫و ملَْ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأحَز َما !‬ ‫وَأجنيه ذُلَّةً ؟** إذَ ْن فاتِّبَاعُ اجَل ْه ِل قَد َكا َن ْ‬ ‫أ أش َقى به َغْر َساً ْ‬
‫ِإ‬ ‫ِّ‬ ‫و إيِّن إذا ما فَاتَنِ‬
‫ب َك ِّفـي َثرهُ ُمَتنَد َ‬
‫ِّما‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫أق‬ ‫***‬ ‫ت‬ ‫َأب‬
‫ُ‬ ‫مل‬ ‫األمر‬
‫ُ‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫َ‬
‫س احلُِّر حتتَ ِم ُل الظَّ َما‬ ‫ف‬‫ْ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ن‬‫َّ‬ ‫إذا قيل هذا منهل قلت قَد َأرى *** و ِ‬
‫لك‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ٌ ُ َ‬
‫ُألخ َد َما‬ ‫و مل أبت ِذل يف ِخدم ِة العِْل ِم مهجيِت ** ِ‬
‫يت لَكن ْ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ال‬ ‫من‬ ‫م‬‫َ‬ ‫َألخد‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وس لَعُظِّ َما‬ ‫الن ُف ِ‬ ‫صا َن َهم *** َو لَو َعظَّموهُ يف ُّ‬ ‫ِ‬ ‫َأن َأهل العِ‬
‫انوه‬
‫َ ُ َ‬ ‫ص‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫َو لَو َّ َ‬

‫فالع‪..‬امل ال‪..‬ذي جيلس عند رج‪.ٍ .‬ل ‪ ،‬ف‪..‬إذا ق‪..‬ام ق‪..‬ام معه ‪ ،‬و إذا قعد قعد معه ‪ ،‬أي‬
‫قيمة لعلمه ؟‬
‫‪.‬وم يس‪..‬معون ما ال يس‪..‬وغ و ال جيوز ‪ ،‬فلما رأوه‬ ‫و الع‪..‬امل ال‪..‬ذي ي‪..‬دخل على ق‪ٍ .‬‬
‫ق ‪..‬اموا احرتام‪. .‬اً و تق ‪..‬ديراً له و أغلق ‪..‬وا مص ‪..‬در الص ‪..‬وت ‪ ،‬فب ‪..‬دالً من أن يف ‪..‬رح‬
‫ب‪..‬ذلك اجته إليهم ي‪..‬وخبهم و يع‪..‬اتبهم و يق‪..‬ول ملن أغلق مص‪..‬در الص‪..‬وت ‪ :‬ملاذا‬
‫فغريك يريده ‪ ،‬دعه و ما كان عليه !!‬ ‫تفعل ؟! إذا كنت ال تريده َ‬

‫‪21‬‬
‫هذا أيضاً أي ٍ‬
‫قيمة ِ‬
‫لعلمه ؟‬

‫الصفة السابعة ‪ /‬الحكم ـ ــة‬


‫و قد ق‪..‬ال ابن عبَّاس كما روى البخ‪..‬اري‪ .‬يف ص‪..‬حيحه تعليق‪.‬اً‪ .‬لكت‪..‬اب العلم يف‬
‫ين } ‪ ،‬قال ‪ :‬أي حكماء فقهاء ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تفسري قوله تعاىل ‪َ { :‬ولَـكن ُكونُواْ َربَّانيِّ َ‬
‫قال البخاري‪ : .‬و يقال الربَّاين الذي يريِّب بصغـار العلم قبل كباره‪. .‬‬
‫حكيم يف علمه يضع العلم يف موض‪.‬عه‪ ، .‬و ال يص‪.‬رف العلم ملن‬ ‫ٌ‬ ‫فالع‪.‬امل الرب‪.‬اين‬
‫ليسوا له بأهل ‪.‬‬
‫عامة الن‪.. .‬اس حيت‪.. .‬اجون إىل‬ ‫ِّم العلم ملن ال يناس‪.. .‬به ‪ ،‬فمثالً َّ‬ ‫فمن احلكمة أال يُق‪.. .‬د َ‬
‫حكم ‪.ٍ . .‬ة يف إيص ‪.. .‬ال العلم ال ‪.. .‬ذي جيب أن يتعلَّم ‪.. .‬وه ‪ ،‬فيُ َس‪ِّ . . .‬هل و يُيَ ِّس‪. . .‬ر العلم‬
‫‪.‬وام من الرج ‪..‬ال و النس ‪..‬اء و الكب ‪..‬ار و‬ ‫‪.‬رعي هلم حىت ميكن أن يصل إىل الع ‪ِّ .‬‬ ‫الش ‪َّ .‬‬
‫للعامة و كتيب ‪ٍ .‬‬
‫‪.‬ات‬ ‫دروس َّ‬ ‫ٍ‬ ‫الص ‪..‬غار ‪ ،‬و غري املتخصصني ‪ ،‬و تس ‪..‬هيله من خالل‬
‫‪.‬رطة حبيث يك ‪.. .‬ون العلم الش ‪.. .‬رعي متاح ‪. .‬اً‪ .‬لكل إنس ‪.. .‬ان يريد أن يتعلم ‪،‬‬ ‫و أش ‪ٍ . .‬‬
‫لبقة ‪ ،‬وهذا ال بُ َّد منه ‪.‬‬ ‫ٍ‪.‬‬
‫بعبارات ٍ‬ ‫بالتسهيل و التيسري و‬
‫العوام فتُدخلُ ُهم يف أمو ٍر ليس‪..‬وا‬ ‫هؤالء ِّ‬ ‫احلكمة أن تأيت إىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫لكن أيضاً ليس من‬
‫الر ِد على خط‪ِ.‬أ الع‪..‬ا ِمل الفالين ‪ ،‬و تب‪..‬دُأ‬ ‫حباجة إليها ‪ ،‬فتحشدهم مثالً من أجل َّ‬ ‫ٍ‬
‫‪.‬وال أه‪.ِ .‬ل العل ِم و غ ‪ِ .‬ري ذلك ‪ ،‬حىت لو‬ ‫‪.‬اديث و أق‪ِ .‬‬ ‫‪.‬ات و األح‪ِ .‬‬ ‫يف ال‪.َّ .‬ر ِد عليه باآلي‪.ِ .‬‬
‫الصواب ‪.‬‬ ‫اجتهاد مل حيالفه فيه َّ‬ ‫ٍ‬ ‫كا َن أخطَأ فعالً يف‬

‫‪22‬‬
‫العوام على ه‪..‬ذا الع‪..‬امل ‪ ،‬ف‪..‬انتظر منهم ك‪.َّ .‬ل ش‪..‬يء ‪،‬‬ ‫ضمائر ِّ‬‫َ‬ ‫حشدت‬
‫َ‬ ‫ألنَّك إن‬
‫‪.‬وف يك‪..‬و َن معك ‪ ،‬فينـزل على ذلك ال‪..‬ذي خطَّأتَه بكل‬ ‫أن منهم من س‪َ .‬‬ ‫انتظر َّ‬
‫‪.‬يقه أو تض‪..‬ليلِه أو تبديعِ‪..ِ .‬ه و رمبا تكف ‪ِ .‬ري ِه ‪ ،‬و‬ ‫ص ‪َ .‬ل إىل تفس‪.ِ .‬‬ ‫ِ‬
‫ق‪..‬ول س‪..‬يِئ ‪ ،‬ورمبا و َ‬
‫‪.‬بب يف ذلك كلِّه ‪ ،‬و‬ ‫‪.‬‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫أنت‬ ‫و‬ ‫رمبا ش ‪..‬تموه و انتقص ‪..‬وه و وقع ‪..‬وا يف عر ِض‪ِ . .‬‬
‫ه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فالن و عالن ؟ إمنا يهمهم العلم املوص‪.ُ .‬ل إىل اجلنة ‪،‬‬ ‫‪.‬أن ٍ‬ ‫ماذا يهم الع‪..‬وام من ش‪ِ .‬‬
‫و دعهم و ما هم فيه فهم ال حيتاجون إىل مثل هذا و ال ينتفعون به ‪.‬‬
‫ض‪ُ .‬هم ض‪.‬دَّك ومل يقتنع‬ ‫كل ش‪.‬يء ‪ ،‬رمبا ك‪.‬ان بع ُ‬ ‫وإن حشدهتم إليه فتوقَّع منهم َّ‬
‫‪.‬دث عنك وخيطِّؤك وينتص ‪.ُ .‬ر ل ‪..‬ذلك الع ‪..‬امل ‪،‬‬ ‫قلت‪ ،‬فأص ‪..‬بح يف اجملالس يتح ‪ُ .‬‬ ‫مبا َ‬
‫وردم ‪..‬ه‪ ،‬وأص ‪..‬بح الع ‪..‬وام أحيان‪. .‬اً‪.‬‬
‫فأح ‪..‬دث ذلك ش ‪..‬رخاً عظيم‪. .‬اً يص ‪..‬عب س ‪..‬دُّه ُ‬
‫ُح َّكام‪. . . .‬اً بني العلم ‪.. . .‬اء ‪ ,‬فالن أخطأ وفالن أص ‪.. . .‬اب ‪ ،‬ملاذا ؟ ألنك جررتَه إىل‬
‫العلم يف‬ ‫‪.‬ع‬‫‪.‬‬ ‫ض‬ ‫ت‬ ‫أن‬ ‫ه ‪..‬ذا املي ‪..‬دان ال ‪..‬ذي هو ليس ميدانه ‪ ،‬وقد ك ‪..‬ان من احلكم ‪ِ .‬‬
‫‪.‬ة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫موضعه ‪.‬‬
‫و من احلكمة أيض‪. .‬اً أال تص ‪..‬دم الن ‪..‬اس مبا هو أكرب من عق ‪..‬وهلم ‪ ،‬فيك ‪..‬ون ه ‪..‬ذا‬
‫س ‪.. . .‬بباً‪ .‬يف ردهم و تك ‪.. . .‬ذيبهم ‪ ،‬و يف األثر ‪ " :‬خ ‪.. . .‬اطبوا الن ‪.. . .‬اس مبا يعرف ‪.. . .‬ون ‪،‬‬
‫أتريدون أن يكذب اهلل و رسوله ؟! " قاله علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫يق‪..‬ول الغ‪..‬زايل يف إحي‪..‬اء عل‪..‬وم ال‪..‬دين ‪ " :‬كِل لك‪.ِّ .‬ل عب‪.ٍ .‬د مبعي‪..‬ا ِر َع ْقلِه ‪ ،‬و ِزن له‬
‫مبيزان فِ ْه ِمه ‪ ،‬حىت تَس ‪. .‬لَم منه – أي من قوله و إنك ‪.. .‬اره – و ينتف ‪..ُ . .‬ع بك ‪ ،‬و‬
‫ِ‬
‫لتفاوت املعيار " ‪.‬‬ ‫اإلنكار‬ ‫إال وقع‬
‫ُ‬

‫‪23‬‬
‫ض‪. . .‬لِّل و هو على حق ‪ ،‬ألن الع ‪.. .‬املَ‬‫و كم من إنس ‪.. .‬ان ُخطِّئ و بُ ‪.. .‬دِّع و رمبا ُ‬
‫‪.‬وم ال تَ َس ‪ُ .‬ع عق ‪.‬وهُلُم ما ق ‪..‬ال ‪ ،‬أو أن ه ‪..‬ذا الكالم‬ ‫تكلَّم هبذا الكالم يف وسط ق ‪ٍ .‬‬
‫بلغ إليهم من غري طريقه فخطَّأوه و هم املخطئ‪..‬ون ‪ ،‬و ض‪.‬لَّلوه و هم الض‪..‬الُّون‬
‫‪.‬‬
‫و من احلكم‪.ِ . .‬ة أن يب‪.. .‬دَأ ب‪ِّ . .‬‬
‫‪.‬األهم قب‪.َ . .‬ل امل ِهم ‪ ،‬فيش‪.. .‬تغل ب‪.. .‬العلوم الض‪.. .‬رورية قبل‬
‫ُ‬
‫‪.‬وت وقت‬ ‫‪.‬وم و خُي شى أن يف ‪َ .‬‬
‫العل ‪..‬وم التحس ‪..‬ينية ‪ ،‬ف ‪..‬العلم ال ‪..‬ذي يُض‪. .‬طَُّر إليه الي ‪َ .‬‬
‫ِّمه‪ .‬على عل ٍم حيتاجه فيما بعد ‪ ،‬و العلم‬ ‫الص‪.. . . . . . . . .‬الة مثالً قبل أن يتعلَّ َمه ‪ُ ،‬‬
‫فلي َقد َ‬
‫ِّمه على بعض األش ‪..‬ياء اليت هي من ب ‪..‬اب الكم ‪..‬ال و لكنه‬ ‫ال ‪..‬ذي حيتاجه ‪ُ ،‬لي َقد َ‬
‫قد ال حيتاج إليها ‪.‬‬
‫و كذلك ال بد أن يكون حكيماً يف عمله ‪ ،‬فمثالً ليس مناسباً‪ .‬أن يعمل أمام‬
‫الناس عمالً هو يعرف أنه مب‪..‬اح‪ ، .‬لكن الن‪..‬اس يس‪..‬تنكرونه و يس‪..‬تكثرون منه ‪،‬‬
‫فعليه أن يُ ِس‪ّ. .‬ر ‪ ،‬ما دام يع ‪..‬رف أنه ليس فيه ش ‪..‬يء من الشر ‪ ،‬لئال ي ‪..‬راه الن ‪..‬اس‬
‫فيستغربونـه‪ .‬و يستنكرونه ‪.‬‬
‫و هلذا من عجيب ما يقال أن عاملاً سجنه أحد الطغاة يف السجن و قال له ال‬
‫بد أن تأكل حلم خنـزير ‪ ،‬فتجلس على مائ ‪..‬ديت و تأكله معي ‪ ،‬ف ‪..‬أىب الع ‪..‬امل ‪،‬‬
‫فأت‪..‬اه بعض الطب‪..‬اخني املخلصني من خ‪..‬دم امللك و ق‪..‬الوا له ‪ :‬س‪..‬وف نضع لك‬
‫حلم ضأن ‪ ،‬لكن كل من أجل أن تفتدي نفسك و خترج من السجن ! فقـال‬
‫‪ :‬ال آكل ! ق ‪..‬الوا ‪ :‬ملاذا ؟ ق ‪..‬ال ‪ :‬و من ي دري ه ؤالء الع وام ب أن ما آكله‬
‫لحم ضأن ؟‬

‫‪24‬‬
‫سيظنون أن ما أكلته حلم خنزير ‪ ،‬فيستحلوه بذلك أو على أقل تقدير ي‪..‬رون‬
‫أين أكلت حرام ‪.‬اً ‪ ،‬و أنا ع ‪..‬امل يُقت ‪..‬دى يب يف فعلي كما يُقت ‪..‬دى يب يف ق ‪..‬ويل ‪،‬‬
‫فال أفعل ! و أصر على موقفه ‪ ،‬و هذا من احلكمة ‪.‬‬
‫و من احلكمة أيض‪. . . . . . .‬اً أن يك‪.. . . . . .‬ون حكيم‪. . . . . . .‬اً يف تعليمه ‪ ،‬فيعطي كـل أحد ما‬
‫بعض الن ‪..‬اس ب ‪..‬العلم ال ‪..‬ذي يناس ‪..‬بهم ‪ ،‬و يب ‪..‬دأ بص ‪..‬غا ِر العلم‬
‫خيص َ‬ ‫يس ‪..‬تحق ‪ ،‬و َّ‬
‫قبل كباره ‪ ،‬و باألهم قبل املهم ‪ ،‬و يتدرج إىل غري ذلك مما سوف يأيت ‪.‬‬

‫الصفة الثامنة ‪ /‬هضم الذات‬


‫أي التواضع و معرفة‪ .‬ق ‪..‬در النفس ‪ ،‬فال ينتصر لنفسه و ال ي ‪..‬ؤذي غ ‪..‬ريه بق ‪ٍ .‬‬
‫‪.‬ول‬ ‫َ‬
‫‪.‬تغل بالن ‪.. .‬اس‪ ، .‬يق ‪.. .‬ول ابن دقيق‬ ‫أو فع ‪.ٍ . .‬ل ‪ ،‬و ال ي ‪َّ . .‬‬
‫‪.‬رد احلق إذا عرفه ‪ ،‬و ال يش ‪َ . .‬‬
‫العيد لرج ‪.ٍ .‬ل و قد رآه يطلب العلم فأعجبه ‪ " :‬أنت رج ٌل فاض ٌل و الس عيد‬
‫تكلمت يف أح ‪.ٍ .‬د‬
‫ُ‬ ‫من تم وت س يآتُه بموته فال تهج َو َّن أح داً " ‪ ،‬ق ‪..‬ال ‪ :‬فما‬
‫قط ‪.‬‬
‫فليس من صفة العامل الرباين اخلصومة و اللج‪..‬اج يف كل ش‪ٍ .‬‬
‫‪.‬يء و لغري س‪..‬بب ‪،‬‬
‫و هلذا نفى اهلل عز و جل يف ه‪.. .‬ذه اآلية عن األنبي‪.. .‬اء‪ .‬و الرب‪.. .‬انيني أهنم ي‪.. .‬دعون‬
‫الن ‪..‬اس إىل أنفس ‪..‬هم ‪ ،‬فتض ‪..‬من ذلك أهَّن م ال يغض ‪..‬بون‪ .‬حلظ ‪..‬وظهم الدنيوية و ال‬
‫يس‪.. .‬عون إىل رفعة‪ .‬أنفس‪.. .‬هم على حس‪.. .‬اب اآلخ‪.. .‬رين مثالً ‪ ،‬و ال يغض‪.. .‬بون ألن‬
‫فالن ما التفت إليهم أو ما اجته إليهم أو ما أشبه ذلك ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫إمنا غض ‪.. . .‬بهم للحق ‪ ،‬و حىت غض ‪.. . .‬بهم للحق هو غضب يتبعه‪ .‬ح ‪.. . .‬رص على‬
‫التص ‪..‬حيح ‪ ،‬فه ‪..‬ذا اإلنس ‪..‬ان ال ‪..‬ذي رأيت أنه أخطأ ‪ ،‬عامله باحلسىن رج ‪..‬اء أن‬
‫اللني‬
‫يع‪.. . . .‬ود إىل احلق ‪ ،‬فمن غض‪.. . . .‬بك للحق أال تظهر غض‪.. . . .‬بَك ‪ ،‬بل أظهر له َ‬
‫‪.‬ول و األخ ‪.ِ .‬ذ و ال ‪.َّ .‬ر ِد معك فال‬
‫تأليف ‪.‬اً لقلبه ‪ ،‬ف ‪..‬إن رأيت أن عن ‪..‬ده إمكاني ‪.‬ةَ‪ .‬القب ‪ِ .‬‬
‫َ‬
‫جماهر و معان ٌ‪.‬د للحق‬‫مصر و ٌ‬ ‫تغضب عليه ‪ ،‬و إن رأيت أنه مبتدعُ مثالً و أنه ٌّ‬
‫فحينئذ لكل ٍ‪.‬‬
‫مقام مقال ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪،‬‬
‫يق ‪..‬ول اجلاحظ ‪ " :‬و أنا أح ِّذ ُرك من اللِّج اج ‪ ،‬فإنه ال يك و ُن إال من خل ِل‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وج في معــنى‬ ‫الق وة و من نقص ان قد دخل على التَّمكين ‪ ،‬و اللَّج ُ‬
‫المقلوب " ‪.‬‬
‫علمي رصني ! اللَّج‪..‬وج ال‪..‬ذي جتده يرفع الص‪..‬وت و يص‪..‬رخ‬ ‫كالم ٌّ‬
‫نعم‍! هذا ٌ‬
‫و يبهرج الكالم ‪ ،‬هذا مغلوب ! أما اإلنسان الواثق الغالب جتده قويَّاً باحلُ َّجة‬
‫و لو ك ‪.. . .‬ان ص ‪.. . .‬وتُه هادئ ‪. . .‬اً و نربتُه هادئة ‪ ،‬فال يلتفت إىل ه ‪.. . .‬ذه األعاصري و‬
‫العواصف اليت تُثار هنا و هناك ‪.‬‬
‫‪.‬روره أو يُظه ‪.َ .‬ر‬
‫‪.‬بع غ ‪َ .‬‬ ‫فهو ال خيت ‪..‬ار ال ‪.َّ .‬ر َّد مثالً من أج ‪.ِ .‬ل أن ي ‪َ .‬‬
‫‪.‬ريح نف َس‪. .‬ه أو يش ‪َ .‬‬
‫خصمه ‪ ،‬فهذا ليس من ِ‬
‫شيمة العامل الرباين ‪.‬‬ ‫الغلبةَ على ِ‬
‫‪.‬الب العلم يف كت‪..‬اب ( عي‪..‬ون األخب‪..‬ار ) ‪" :‬‬ ‫يق‪..‬ول اإلم‪..‬ام ابن قتيبة‪ .‬ناص‪..‬حاً ط‪َ .‬‬
‫ال النفس على‬ ‫ادة الس لف الص الحين في إرس ِ‬ ‫أحب أن تج ري على ع ِ‬
‫َ‬
‫القوم‬ ‫الرغب ِة بها عن لُبس ِة ِّ ِ‬ ‫الس ِجيَّ ِ‬
‫تستشعر أن َ‬ ‫ْ‬ ‫َّص نُّ ِع ‪ ،‬و ال‬
‫الرياء و الت َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫َّ‬
‫ت"‪.‬‬ ‫تور ْع َ‬
‫هت ‪ ،‬و سلبوا و َّ‬ ‫قارفوا و تنـ َّز َ‬

‫‪26‬‬
‫حتس أنَّك أنت كام‪.ٌ .‬ل و هم ناقص‪..‬ون ‪ ،‬و أنت ورعٌ و هم خملِّط‪..‬ون ‪،‬‬ ‫يعين ال ُّ‬
‫‪.‬اك و‬
‫حتس هبذا ‪ ،‬إي‪َ . . . . . . .‬‬
‫بعض املعاصي ‪ ،‬ال ُّ‬
‫و أنت متنـِّزهٌ و هم قد اق‪.. . . . . . .‬رتفوا َ‬
‫عرفه‬
‫ط الن اس " كما َّ‬
‫‪.‬اك و الكرب ‪ ،‬و ه ‪..‬و" بطر الحق و غَ َم ُ‬
‫االس ‪..‬تعالء‪ ، .‬إي ‪َ .‬‬
‫النيب صلى اهلل عليه و سلم ‪.‬‬
‫يع‬ ‫ات ِ‬
‫املاء و هو رفِ‬ ‫لناظ ٍر *** علَى طَب َق ِ‬
‫‪.‬‬ ‫تَواضع تَ ُكن كالنَّج ِم الح ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫يع‬‫ض‬ ‫ان يعلُو مكانَه *** على طَب َق ِ‬
‫ات اجل ِّو و هو و ِ‬ ‫ك كالدُّخ ِ‬ ‫و ال تَ ُ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫‪.‬تزو َد من العلم ‪ ،‬و هلـذا ق‪.. .‬ال اهلل‬


‫احلق و ي‪َّ . .‬‬
‫و من التواض ‪ِ . .‬ع أن يقب‪.َ . .‬ل اإلنس‪.. .‬ا ُن َّ‬
‫تع‪.. . .‬اىل ‪َ { :‬وبِ َما ُكنتُ ْم تَ ْد ُر ُس و َن } ‪ ،‬أي ع‪.. . .‬امل و ي‪.. . .‬درس ‪ ،‬و قد س‪.. . .‬بق أن‬
‫الكتاب } و ه‪..‬ذه‬
‫َ‬ ‫ذكرت أن يف اآلية قراءتان ‪ ،‬األوىل { بما كنتم تعلَمون‬
‫اب } أي‬ ‫هي ق‪.. .‬راءة اجلمه‪.. .‬ور ‪ ،‬و الق‪.. .‬راءة الثانية { بما كنتم تعلِّم ون الكت َ‬
‫تعلّم ‪..‬ون غ ‪..‬ريكم ‪ ،‬و ه ‪..‬ذه بق ‪..‬راءة محزة و عاص‪. .‬م و ابن ع ‪..‬ام ٍر و الكس ‪ُّ .‬‬
‫‪.‬ائي و‬
‫َخلَف ‪ ،‬و هي ق‪.. . . .‬راءة َس ‪. . . .‬بعِيَّة كما هو مع‪.. . . .‬روف ‪ ،‬و هي املثبَتَة‪ .‬يف املصحـف‬
‫ُ‬
‫حفص عن عاصم ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫برواية‬
‫إذن { تعلّمون } ‪ ،‬و أيضا { تَ ْد ُر ُسو َن } ‪ ،‬ف‪..‬أنت جتده ش‪..‬يخاً‪ .‬يف حلق‪.ٍ .‬ة ‪ ،‬و‬
‫‪.‬ركض و نعاله يف يديه يف‬ ‫تلمي‪..‬ذاً يف حلق‪ٍ .‬‬
‫أمحد ي‪ُ .‬‬
‫‪.‬ام ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪.‬‬ ‫م‬‫اإل‬ ‫‪.‬ان‬‫‪.‬‬‫ك‬ ‫قد‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫‪.‬رى‬‫‪.‬‬‫خ‬ ‫أ‬ ‫‪.‬ة‬
‫‪.‬وارع بغ‪..‬داد ‪ ،‬فق‪..‬ال له أح‪..‬دهم ‪ " :‬يا أبا عبد اهلل ! إىل مىت ت‪..‬ركض ؟‬ ‫َأح ِ‪.‬د ش‪ِ .‬‬
‫َ‪.‬‬
‫" قال ‪ " :‬إلى الموت " !‬
‫و يف قصة أخرى قيل له فقال ‪ " :‬مع المحبرة إلى المقبرة ! " ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫فهم يتعلَّم ‪.. .‬و َن ويُعلِّ ُم ‪.. .‬و َن حىت املوت ‪ ،‬وال ي ‪.. .‬رون أهنم قد وص ‪.. .‬لوا ‪ ،‬ألن اهلل‬
‫الي َق ْي ُن } ‪ ،‬وقد س ‪..‬بق أن َّبينَّا أن‬
‫ك َ‬ ‫ك َحتَّى يَأتِيَ َ‬
‫تع ‪..‬اىل يق ‪..‬ول ‪َ { :‬واعبُ ْد َربَّ َ‬
‫العلم عب ‪.. . .‬ادةٌ ‪ ،‬بل هو من أعظ ِم العب ‪.. . .‬ادات‪ ، .‬إذن من مع ‪.. . .‬اين اآلية ‪ :‬واطلب‬ ‫َ‬
‫‪.‬افع املوص‪.َ .‬ل إىل ال‪..‬دار اآلخ‪..‬رة‬ ‫‪.‬‬‫ن‬‫ال‬ ‫العلم‬ ‫ن‬ ‫ك‬‫العلم طاع ‪.‬ةً هلل ح‪..‬ىت يأتيك اليقني‪ ،‬لَ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َّ‬
‫‪.‬‬

‫الصفة التاسعة ‪ /‬العمـ ـ ــل‬


‫ِ‬
‫الكالم عن أخالقي‪.. . . .‬ات‪ .‬الع‪.. . . .‬ا ِمل الرب‪.. . . .‬اين ‪ ،‬ن‪.. . . .‬أيت إىل العمل ‪ ،‬و العمل هو‬ ‫بعد‬
‫العلم و‬
‫الثم ‪.. .‬رة ‪ ،‬حىت إن الس ‪.. .‬لف رمحهم اهلل ما ك ‪.. .‬انوا يُس ‪.. .‬مون الفق ‪.. .‬هَ إال ( َ‬
‫‪.‬اء عل‪ِ .‬‬
‫‪.‬وم ال‪..‬دين ) ‪،‬‬ ‫الع ‪.‬م‪.‬ل ) ‪ ،‬كما َق‪.َّ .‬رر ذلك و ‪.‬ح َّ‪.‬رره اإلم‪..‬ام الغ‪..‬زايل يف ( إحي‪ِ .‬‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬
‫‪.‬ام‪ .‬ابن القيِّ ِم و غ‪.. . .‬ريُه من أهل العلم ‪ ،‬و س‪.. . .‬اق فيه ال‪.. . .‬دارمي و غ‪.. . .‬ريه‬ ‫و اإلم‪ُ . . .‬‬
‫كثرية عن السلف ‪.‬‬ ‫روايات ٍ‬ ‫ٍ‬
‫فلم يكن الس‪.. .‬لف يعرف‪.. .‬ون الفق‪.. .‬هَ ال‪.. .‬ذي هو الق‪.. .‬راءةُ يف الكتب ‪ ،‬بل يعرف‪.. .‬ون‬
‫عند ُهم بني هذا و ذاك‬ ‫فيعمل و يطبِّ ُق و يَُن ِّف ُذ ‪ ،‬و ال َ‬
‫فاصل َ‬ ‫ُ‬ ‫يعلم‬
‫الفقهَ إنسا ٌن ُ‬
‫وب ال ُّس‪. . .‬ختياين رمحه اهلل ‪ -‬وهو من الت ‪.. .‬ابعني ‪ : -‬أيهما‬ ‫ِئ‬
‫‪ ،‬و هلذا ملا ُس‪َ . . .‬ل أيُّ ُ‬
‫العلم فيما‬
‫لكن َ‬‫اليوم أكثر ‪َّ ،‬‬ ‫الكالم َ‬ ‫ُ‬ ‫اليوم أم يف املاضي ؟ فقال ‪" :‬‬ ‫العلم َ‬‫أكثر ُ‬ ‫ُ‬
‫تقدَّم أكثر " ‪.‬‬
‫لكن‬
‫‪.‬وم أك ‪..‬ثر ‪ ،‬و َّ‬ ‫‪.‬‬ ‫ي‬‫ال‬ ‫‪.‬الكالم‬ ‫‪.‬‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ا‬‫ن‬
‫َ‬‫و ه ‪..‬ذا الكالم يص‪. .‬لُح أن يطَبَّق على واقعِ‬
‫ُ َ‬ ‫ُ ُ َ‬
‫دق هذا قليل ‪.‬‬ ‫الص َ‬ ‫الع َم َل و ِّ‬
‫القلب و أمثََر َ‬ ‫صل إىل ِ‬ ‫العلم الذي َو َ‬ ‫َ‬

‫‪28‬‬
‫الز َّه ِاد‬
‫‪.‬روف الك ‪..‬رخي ‪ -‬و هو من ُّ‬ ‫و قيل لإلم ‪.ِ .‬ام أمحد يف ِ‬
‫جملس ذك‪ٍ . .‬ر فيه مع ‪ُ .‬‬
‫اجلوزي‬
‫ِّ‬ ‫‪.‬ذهيب و ابن‬ ‫‪.‬‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ذكرها‬ ‫‪،‬‬ ‫‪.‬‬
‫ة‬ ‫معروف‬ ‫‪.‬ار‬‫‪.‬‬ ‫ب‬‫أخ‬ ‫ذلك‬ ‫يف‬ ‫له‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫‪.‬‬
‫ء‬ ‫‪.‬ا‬‫‪.‬‬ ‫ي‬‫األتق‬ ‫العبَّ ِ‬
‫اد‬
‫ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫اإلمام أمحد فقال أح‪.ُ .‬د احلض‪..‬ور ‪:‬‬ ‫جملس ِ‪.‬‬‫و غريمها تراجع يف َمظَنَّتِها ‪ -‬ذُكَِر يف ِ‬
‫‪.‬اك اهلل ‪ ،‬و هل‬ ‫ك عاف‪َ .‬‬ ‫" معروف قصريُ العلم " ‪ ،‬فقال له اإلمام‪ .‬أمحد ‪َْ " :‬أم ِس‪ْ .‬‬
‫ص‪. . . . . .‬ل إليه مع ‪.. . . . .‬روف ؟! " أي ال نريد من العلم إال‬ ‫‪.‬راد من العل ِم إالَّ ما َو َ‬ ‫يُ ‪ُ . . . . .‬‬
‫النتيجة اليت وصل إليها معروف و هي العمل ‪.‬‬
‫و يف حادث ‪.ٍ .‬ة أخ ‪..‬رى س ‪..‬أل عب ‪.ُ .‬د اهلل بن أمحد بن حنبل وال ‪.َ .‬ده و ق ‪..‬ال له ‪ " :‬يا‬
‫رأس‬ ‫معه‬ ‫!‬ ‫بني‬ ‫يا‬ ‫"‬ ‫‪:‬‬ ‫له‬ ‫قال‬ ‫"‬ ‫؟‬ ‫العلم‬ ‫من‬ ‫شيء‬ ‫معه‬ ‫معروف‬ ‫كان‬ ‫هل‬ ‫ت‬‫أب ِ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫العلم خشيةُ اهلل تعالى " ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫و يف ح ‪..‬ديث أيب موسى األش ‪..‬عري ‪ ،‬و هو يف الص ‪..‬حيحني أن النيب ص ‪..‬لى اهلل‬
‫عليه و س ‪.. . .‬لم ق ‪.. . .‬ال ‪ " :‬مثل ما بعث ني اهلل تع الى به من العلم كمثل ِ‬
‫الغيث‬
‫ِ‬
‫فأنبتت الكَأل‬ ‫الكثي ِر أصاب أرضاً ‪ ،‬فكان منها طائف ةٌ طيِّب ةٌ ْ‬
‫قبلت الماء ‪،‬‬
‫و العش ب الكث ير "‪ ،‬فه ‪..‬ذا الع‪.. .‬امِل ِ‬
‫العامل املعلِّم ‪ ,‬ك‪.. .‬األرض الطيِّبة اليت ن ‪..‬زل‬ ‫َ‬
‫العلم عن‪.َ . .‬دهُ‬
‫‪.‬أمثر ُ‬‫زوج هبيج ‪ ،‬ف‪َ . .‬‬ ‫وربَت وأ َنْبتَت‪ .‬من ك‪.ِّ . .‬ل ٍ‬ ‫‪.‬اهتزت‪َ .‬‬ ‫عليها املط‪.ُ . .‬ر ف‪َّ . .‬‬
‫ص لْبَ ٍة ‪-‬‬ ‫ب‪ٍ -‬‬
‫أرض َ‬
‫والصبر ‪ " ،‬و كان منها ِ‬
‫َأج اد َ‬
‫َ‬ ‫َّعو َة َّ ْ َ‬ ‫الع َم َل و العبَ َاد َة والد َ‬
‫َ‬
‫الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا " ‪ ،‬فه‪..‬ذا‬ ‫بها‬ ‫اهلل‬ ‫ع‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫الماء‬ ‫ِ‬
‫أمسكت‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫األرض اليت ال‬‫ِ‬ ‫‪.‬وص لكن ال يعم ‪.ُ .‬ل هبا ‪ ،‬مث ‪.َ .‬ل‬ ‫‪.‬ان عن ‪.َ .‬ده معرف‪. .‬ةٌ‪ .‬بالنص ‪ِ .‬‬ ‫مث ‪..‬ل إنس ‪ٍ .‬‬
‫ُ‬
‫اب‬ ‫أص‬ ‫منها‬ ‫ان‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫"‬ ‫‪،‬‬ ‫منها‬ ‫‪.‬اغرتفوا‬‫‪.‬‬ ‫ف‬ ‫‪.‬‬
‫ا‬ ‫‪.‬تفادو‬ ‫‪.‬‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫َّاس‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫لكن‬
‫َّ‬ ‫تس ‪..‬تفيد من ِ‬
‫املاء‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت َكًأل " فه‪.. .‬ذا ما‬ ‫ك م اءاً و ال تُنبِ ُ‬ ‫تم ِس ُ‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ٌ‬ ‫ا‬ ‫يع‬
‫َ‬
‫طائف ةً أخ رى إنما هي ِ‬
‫ق‬

‫‪29‬‬
‫عن‪..‬ده معرف ‪.‬ةٌ‪ .‬و ما عن‪..‬ده عم‪.ٌ .‬ل ‪ ،‬و ال عب‪..‬ادة ‪ " ،‬فذلك مثل من فَِق هَ في دي ِن‬
‫اهلل َف َعلَّ َم و َعلَّ َم ‪ ،‬و مث َل من لم يرفع ب ذلك رأس اً ‪ ،‬و لم يقبل ه دى اهلل‬ ‫ِ‬
‫ْت به " ‪.‬‬‫تعالى الذي ُْأر ِسل ُ‬
‫يقول بعضهم يف وصف بعض الطالب ‪:‬‬
‫عندهم ** جبي ِدها إال كــعِْل ِم ِ‬
‫األباع ِر‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫زو ِامل لألسفا ِر ال ِ‬
‫ع‬
‫ّ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ََ َ‬
‫اح ما يف الغََراِئِر !‬ ‫ِِ‬
‫لَ َع ْم ُر َك ما يدري البعريُ إذا َغ َدا ** بأسفاره‪ .‬أو َر َ‬

‫ين ُح ِّملُ وا التَّوراةَ ثُ َّم‬‫ذ‬‫‪.‬اب بقوله ‪ { :‬مثَل الَّ ِ‬ ‫وصف اهلل تع‪..‬اىل أه‪..‬ل الكت‪ِ .‬‬ ‫و قد‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫أس َفاراً } ‪.‬‬ ‫ل‬ ‫ِ‬
‫حم‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫لم يحملُوها َكمثَ ِل ِ‬
‫الح‬
‫َ َ ُ ْ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫‪.‬ك اهلل تع‪.‬اىل هبا ‪ ،‬مها علم‪.‬ان ال يض‪.‬رك ما فاتك‬ ‫إذن امسع يا أخي كلمةً ينفع َ‪.‬‬
‫غريمها ‪:‬‬
‫ِ‬
‫‪.‬ك يف ال‪..‬دا ِر اآلخ‪..‬ر ِة و يُوص‪..‬ل َ‬
‫ك إىل اجلنة و يـبعدك‬ ‫علم ينفع‪َ .‬‬‫العلم األول ‪ٌ /‬‬
‫ك بِِه ‪.‬‬‫ث و مَتَ َّس ْ‬
‫من النار ‪ ،‬فهذا تشبَّ ْ‬
‫طب أو‬ ‫العلم الثَّاني ‪ٌ /‬‬
‫علم ينفعك‪ .‬يف ال ‪..‬دنيا ‪ ،‬إما زراع‪. .‬ةٌ‪ .‬أو ص ‪..‬ناعةٌ‪ .‬أو ٌّ‬ ‫و ُ‬
‫‪.‬ك أيض ‪.‬اً‬‫‪.‬ري َك يف ال ‪..‬دنيا ‪ ،‬فعلي ‪.َ .‬‬
‫هندس ‪.‬ةٌ أو غ ‪..‬ريُ ذلك مما تنتف ‪..ُ .‬ع به أو تنف ‪.ُ .‬ع به غ ‪َ .‬‬
‫‪.‬ت‬
‫‪.‬اس ‪ ،‬و إن أخلص ‪َ .‬‬ ‫ِ‬
‫‪.‬اج الن ‪َ .‬‬
‫‪.‬اج أنت ‪ ،‬و بق ‪..‬در ما حيت ‪ُ .‬‬ ‫هبذا العلم بق ‪..‬در ما حتت ‪ُ .‬‬
‫فأنت على خ ٍري عظيم ‪.‬‬ ‫النيَّةَ َ‬
‫‪.‬تغل به ‪ ،‬فالن و عالن ‪ ،‬ه ‪..‬ذا طلع و ه ‪..‬ذا‬ ‫أما ما س ‪..‬وى ه ‪..‬ذا و ذاك ‪ ،‬فال تش ‪ْ .‬‬
‫‪.‬دخل اجلنَّةَ و‬
‫‪.‬اب و ه‪..‬ذا أخطأ ‪ ،‬م‪..‬اذا ينفعك‪ .‬من ه‪..‬ذا ؟ قد ت‪َ .‬‬ ‫نزل ‪ ،‬و هذا أص‪َ .‬‬

‫‪30‬‬
‫ات العُلَى منها و‬ ‫أنت ال ت ‪..‬دري بكث‪ٍ . .‬ري من ه ‪..‬ذه األم ‪..‬ور‪ ،‬بل قد تبل ‪.َ .‬غ ال ‪..‬دَّرج ِ‬
‫ََ‬
‫‪.‬ال و األخ ‪.ِ .‬ذ و ال ‪.َّ .‬ر ِد و‬‫‪.‬اكل و القي ‪.ِ .‬ل و الق ‪ِ .‬‬‫أنت ال ت ‪..‬دري بكث ‪ٍ .‬ري من ه ‪.ِ .‬ذ ِه املش ‪ِ .‬‬
‫‪.‬ول اليت يتش‪..‬اغل هبا الن‪.‬اس‬ ‫ك و ات‪..‬ر ْك كث‪..‬رياً من الفض‪ِ .‬‬ ‫ْ‬ ‫‪.‬‬ ‫الغ‪.‬ادي و ال‪.‬رائح ‪ ،‬فأم ِ‬
‫س‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫أحداث و قضايا ال ينتفعون هبا يف دي ٍن و ال ُدنيا ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫جمريات و‬ ‫من‬
‫و لو أهنا تنفعهم‪ .‬يف دني ‪.. . . .‬اهم ‪ ،‬ل ُقلنا نعم ‪ ،‬لكنها ال تنف ‪.ُ . . . .‬ع ! إمنا هي إزج ‪.. . . .‬اءٌ‬
‫ي!‬ ‫ِ‬
‫بالرتف الفك ِر ِّ‬ ‫للفراغ و نوعٌ مما يسمى أحياناً‬ ‫ِ‬
‫كثريٌ من الشباب ي‪.‬أتونين و يس‪.‬ألونين ‪ ،‬فأتأم ُ‪.‬ل ه‪.‬ذا الس‪.‬ؤال ال‪.‬ذي س‪.‬ألين عنه‬
‫ه‪.. .‬ذا الش‪.. .‬اب ‪ ،‬هل ينفعه ؟ ال ‪ ،‬ال ينفعه‪ .‬ال يف ال‪.. .‬دنيا و ال يف اآلخ‪.. .‬رة ! إذن‬
‫ملاذا سألين عنه ؟‬
‫علم‬
‫‪.‬ك ‪ ،‬عب ‪..‬ادةٌ ‪ ،‬دع ‪..‬وةٌ ‪ ،‬أو على األق ‪.ِّ .‬ل ٌ‬ ‫‪.‬ك يف دين ‪َ .‬‬ ‫اش ‪..‬تغل يا أخي بعل ٍم ينفع ‪َ .‬‬
‫‪.‬ائل و‬
‫ط و املس ُ‬ ‫ينفعك يف دنياك ‪ ،‬جتارةٌ ‪ ،‬زراعةٌ‪ ، .‬أما هذه األقاوي ُ‪.‬ل و األغالي‪ُ .‬‬ ‫َ‪.‬‬
‫‪.‬ؤال تريد أن تطرحه ‪ ،‬هل‬ ‫أي س‪ٍ . . . .‬‬
‫داع للتمثيل ‪ -‬؛ انظر إىل ِّ‬ ‫‪.‬ور ‪ -‬و ال ٍ‬ ‫األم‪ُ . . . .‬‬
‫هو ينفع يف اآلخ‪.. . . . . . .‬رة ؟ ال ؟ فاتركه ‪ ،‬و هل هو ينفع يف ال ‪.. . . . . .‬دنيا ؟ ال ؟ إذن‬
‫فاتركه ‪.‬‬
‫أيضاً ُ‬
‫‪.‬ك على ذلك ‪ ،‬و‬ ‫يلوم‪َ .‬‬
‫‪.‬راك ‪ ،‬فال أح‪ٌ .‬د ُ‬ ‫‪.‬اك أو يف أخ‪َ .‬‬ ‫‪.‬ك يف دني‪َ .‬‬ ‫أما إذا ك‪..‬ان ينفع‪.َ .‬‬
‫هلذا جتد الع‪..‬امل الرب‪..‬اينُّ يعتين ب‪..‬العلم ال‪..‬ذي له مثرة ‪ ،‬فيس‪..‬أل عن مثر ِة ه‪..‬ذا العلم‬
‫‪.‬اغل به ‪ ،‬فال يط ‪.. .‬رح مثل تلك الفرض ‪.. .‬يات اليت رمبا تقع و رمبا ال‬ ‫قبل أن يتش ‪َ . .‬‬
‫تقع إىل قي‪..‬ام‪ .‬الس‪..‬اعة ‪ ..‬و ال يتش‪..‬اغل باجلدل يف مس‪..‬ائل حمص‪..‬ورة و قد تك‪..‬ون‬
‫حبال من األح ‪.. .‬وال ‪ ،‬مع‬ ‫م ‪.. .‬ذكورة يف بعض الكتب لكن ال حيت ‪.. .‬اج إليها اآلن ٍ‬

‫‪31‬‬
‫إننا جند أن هناك مسائل موجودة اآلن ‪ ،‬لكن مل يَس‪..‬أل عنها و مل يتش‪..‬اغل هبا‬
‫و مل يبَحث فيها ‪.‬‬
‫بص ِ‬
‫لب العل ِم قبل‬ ‫كذلك جتد أن هذا العامل الرباين ألنه مهَّه العمل بالعلم يعتين ُ‬
‫بعض كبا ِر ِ‬
‫أهل العلم ‪.‬‬ ‫البعيدة اليت قد ختفى على ِ‬ ‫ِ‬ ‫فروع ِه و ُملَ ِح ِه وطََراِئِفه‬
‫ِ‬
‫كل جدي‪.ٍ .‬د من الكتب ‪ ،‬ه‪.‬ذا ليس الزم‪.‬اً ألن فيه من إض‪.‬اعة‪.‬‬ ‫و مثل ذلك تتبُّ ِع ِّ‬
‫الوقت الشيءَ الكثري ‪ ،‬و باملقابل قد ال يكون فيه أك‪.ُ .‬ثر من الطرفة و امللحة و‬
‫املال و ال‬‫فنت اآلخ‪.. .‬ر جبم ‪ِ . .‬ع ِ‬ ‫ِ‬
‫الكتب كما يُ ُ‬ ‫اجلمع ‪ ،‬و قد يُفنت اإلنس‪.. .‬ان جبم ‪ِ . .‬ع‬
‫ُ‬
‫ص‬ ‫التخص ُ‬
‫ُّ‬ ‫املعتدل مطلوباً و‬
‫ُ‬ ‫اجلمع‬
‫يستفيد منها علماً و ال عمالً ‪ ،‬و إن كان ُ‬
‫أيضاً يف ذلك مطلـوب ‪.‬‬
‫و مثل ذلك اُألغلُوطات اليت هنى الرسول صلى اهلل عليه و سلم عنها ‪ ،‬و هي‬
‫ص ‪.. .‬عاب املس ‪.. .‬ائل ‪ ،‬فالتش ‪.. .‬اغل هبا مهلكة ‪ ،‬و بعض ش ‪.. .‬باب‪ .‬ال ‪.. .‬دعوة يف ٍ‬
‫بالد‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫إس‪..‬المية‪ .‬كث‪..‬رية حني أص‪..‬غي إىل أس‪..‬ئلتهم أحيان ‪.‬اً لس‪..‬اعات ف‪..‬أتعجب ‪ ،‬و تأتينا‬
‫أس‪..‬ئلة يف الربيد أيض‪.‬اً أو يس‪..‬لمونين أوراق فيها أحيان‪.‬اً‪ .‬من ‪ 70 .– 60‬س‪..‬ؤاالً‬
‫التنقيح ‪،‬‬
‫ِ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫التدقيق و‬ ‫فو‬ ‫‪ ،‬تتعجب من بعض هذه األسئلة و ما فيها من التكلُّ ِ‬
‫و جتد أن معظم ه‪.. .‬ذه املس‪.. .‬ائل من األغلوط‪.. .‬ات اليت هنى اهلل تع‪.. .‬اىل و رس‪.. .‬وله‬
‫صلى اهلل عليه و سلم عنها !‬
‫‪.‬لف الص‪..‬احل على ه‪..‬ذه العل‪..‬وم و األس‪..‬ئلة و ال أج‪..‬ابوا عنها و‬ ‫يعين ما وقع الس‪ُ .‬‬
‫ما فهموها و مل تتهيأ هلم ‪ ،‬حىت ان ‪..‬ربى هلا ه ‪..‬ؤالء فكش ‪..‬فوها و س ‪..‬ألوا عنها ؟‬
‫إن هذا لشيء عجاب !‬

‫‪32‬‬
‫متعم ٍق يف عل‪ٍ .‬‬
‫‪.‬وم‬ ‫و قد جتد هذا اإلنسان جاهالً ببعض األصول الكبار ‪ ،‬و غري ِّ‬
‫اجلوزي رمحه‬
‫ِّ‬ ‫يتعم َق هبا و أن يفهمها ‪ ،‬و هلذا يق‪..‬ول اإلم‪..‬ام‪ .‬ابن‬
‫ك‪..‬ان جيب أن َّ‬
‫اهلل يف ( تل‪..‬بيس إبليس ) ‪ " :‬لو اتَّ َس َع العم ُر لم أمنع من اإليغ ال في العلم‬
‫ص َّح يمنع من‬ ‫‪ ،‬غ ير أن العمر قص ٌير و العلم كث ٌير ‪ ،‬فالتش اغل بغ ي ِر ما َ‬
‫التش اغل بما هو أهم منه ‪ ،‬و لما تش اغل يحي بن معين فاته من الفقه‬
‫سأل عنها الشيخ ‪،‬‬
‫الشيء الكثير ‪ ،‬و من أقبح األشياء أن تجري حادث ةً يُ ُ‬
‫أمضى ستين سنة في طلب الحديث فال يع ِرف عنها شيئاً " ‪.‬‬
‫لكن غ‪..‬ريه‬
‫و أق‪..‬ول ‪ :‬قد يك‪.‬ون ما تش‪..‬ا َغ َل به حيي بن معني مما ينف ُ‪.‬ع الن‪.‬اس ‪ ،‬و َّ‬
‫كث‪.. .‬ريٌ تش‪.. .‬اغل مبا ال ينفع من الغ‪.. .‬رائب و العج‪.. .‬ائب و الطرائف اليت ال حيت‪.. .‬اج‬
‫إليها و اليت متوت مبوته ‪ ،‬و هلذا قيل يف عي ‪.. . .‬وب بعض ‪.. . .‬هم مثالً أهنم ‪ " :‬أحبث‬
‫الناس عن صغ ٍري و أتركهم عن كبري !! " ‪.‬‬
‫‪.‬اق لوالديه و‬ ‫ِّب يف املس‪..‬ائل و ي‪..‬وايل و يع‪..‬ادي و لكنه ع‪ٌّ .‬‬ ‫و أع‪..‬رف شخص ‪.‬اً ينق ُ‬
‫العياذ باهلل ! أي خ ٍري يف هذا ؟؟‬
‫و قيل أيضاً يف عي‪..‬وب بعضـهم ‪ " :‬أعلم الن‪..‬اس مبا مل يَ ُكن و أجهلهم مبا ك‪..‬ان‬
‫!"‬
‫‪.‬ك املف ‪..‬اخرةُ و املباه ‪..‬اةُ ب ‪ِ .‬‬
‫‪.‬الكالم و‬ ‫‪.‬ود ب ‪..‬العل ِم يا أخي ب ‪.َ .‬ار َك اهلل في ‪َ .‬‬
‫فليس املقص ‪ُ .‬‬
‫القيل و القال ‪ ،‬بل املقصود العمل ديناً و دنياً ‪.‬‬ ‫التصنيف و الشهر ِة و ِ‬‫ِ‬
‫ِ‬
‫و يؤسفين أن أقول إن َأم َم الكف ِر من اليه‪.‬ود و النص‪.‬ارى يف بالد الغ‪.‬رب الي َ‬
‫‪.‬وم‬
‫‪.‬خر اهلل هلم من ه ‪..‬ذا الك ‪ِ .‬‬
‫‪.‬ون املادة ‪ ،‬فاس ‪..‬تفادوا‪.‬‬ ‫تش ‪..‬اغلوا ب ‪..‬العلوم الدنيوية فس ‪ُ َّ .‬‬

‫‪33‬‬
‫منها و انتفع ‪..‬وا‪ .‬أميا انتف ‪..‬اع فغاص ‪..‬وا‪ .‬يف أعم ‪..‬اق البح ‪..‬ار ‪ ،‬و ص ‪..‬عدوا إىل أج ‪..‬واء‬
‫الفض ‪.. .‬اء و تق ‪.. .‬دموا يف أل ‪.. .‬وان العل ‪.. .‬وم و اس ‪.. .‬تطاعوا أن يس ‪.. .‬تفيدوا من ذلك يف‬
‫التسهيالت احلضارية‪ .‬اليت انتفعوا‪ .‬هبا هم كثرياً و انتفع هبا غ‪..‬ريهم و اس‪..‬تطاعوا‬
‫أن حيفظ ‪..‬وا مك ‪..‬انتهم و حيقق ‪..‬وا ألدي ‪..‬اهنم و عقائ ‪..‬دهم و أفك ‪..‬ارهم انتص ‪ٍ .‬‬
‫‪.‬ارات‬
‫عسكرية بسبب ما ابتك‪.‬روه و اخ‪.‬رتعوه ‪ ،‬و ذلك ألهنـم ترك‪..‬وا التش‪.‬اغل بغ‪.‬ريه‬
‫‪.‬‬
‫و قد أص‪..‬ابوا من ج‪..‬انب و أخط‪..‬أوا من ج‪..‬انب ‪ ،‬أص‪..‬ابوا من ج‪..‬انب االش‪..‬تغال‬
‫هبذه العل ‪.. . .‬وم الدنيوية املفي ‪.. . .‬دة و ك ‪.. . .‬ان جيب على املس ‪.. . .‬لمني ‪ -‬وال زال ‪ -‬أن‬
‫حق َق ه‪.. .‬ؤالء ‪ ،‬و لكنهم أخط‪.. .‬أوا من ج‪ٍ . .‬‬
‫‪.‬انب‬ ‫يش‪.. .‬تغلوا هبا و حيقق‪.. .‬وا أك‪.. .‬ثر مما َّ‬
‫آخر و هو أهنم تش‪..‬اغلوا عن العل‪..‬وم األخروية املوص‪..‬لة إىل رض‪..‬وان اهلل تع‪..‬اىل ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فصدق عليهم قول اهلل عز و جل ‪ { :‬يَعلَ ُمو َن ظَاه َراً من الحياة ال ُّدنيَا ُ‬
‫وه ْم‬
‫اآلخ َر ِة هم غَ افِلُو َن } ‪ ،‬فهم ال نص‪.. . .‬يب هلم يف ال‪.. . .‬دار اآلخ‪.. . .‬رة ‪ ،‬إمنا‬ ‫ع ِن ِ‬
‫َ‬
‫نص‪.. . . .‬يبهم يف ه‪.. . . .‬ذه ال‪.. . . .‬دنيا ‪ ،‬أما األمم املس‪.. . . .‬لمة فأخشى أن تك‪.. . . .‬ون يف بعض‬
‫مظاهرها خس‪.. . .‬رت ه‪.. . .‬ذا و ذاك ‪ ،‬فهي مل تفلح يف إع‪.. . .‬زا ِز دينِها و مل تفلح يف‬
‫تطوي ِر دنياها‪ .‬مع األسف الشديد ‪.‬‬
‫العلم و العم ‪.ُ . .‬ل امسهما الفقه ‪ ،‬و يف‬‫العلم قرينُ ‪.. .‬هُ العمل و هو مثرته ‪ ،‬و ُ‬ ‫إذن ُ‬
‫الص‪..‬حيحني من ح‪..‬ديث معاوية ‪ " :‬من يُ ِر ِد اهللُ ِبه خيراً يفقههُ في الدِّين "‬
‫يم } ‪ ،‬و ما الص ‪..‬راط‬ ‫ِ‬ ‫و أنت يف ص ‪..‬التك تق ‪..‬ول ‪ { :‬اه ِدنَا ِّ‬
‫المس تَق َ‬
‫الص َرا َط ُ‬
‫املستقيم إال العلم و العمل باهلدى و دين احلق ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫و هلذا ق‪.. . . .‬ال اهلل عز و جل ‪ { :‬والَ ي ْأمر ُكم َأن َتت ِ‬
‫َّخ ُذواْ ال َْمالَِئ َك ةَ‬ ‫َ َ َُ ْ‬
‫َوالنِّبِِّي ْي َن َْأربَابًا } ‪ ،‬ن ‪..‬زلت ه ‪..‬ذه اآلية يف أه ‪.ِ .‬ل جنرا َن ملا ق ‪..‬الوا ‪ " :‬يا حمم‪. .‬د‍ !‬
‫نعبدك ؟ "و النصارى عبدوا عيسى عليه السالم ‪ ،‬و قيل ن‪..‬زلت‬ ‫تريدنا أن َ‬
‫هل ُ‬
‫‪.‬جد الكف‪.. . .‬ار أو‬
‫‪.‬جد لك ؟ " كما يس‪ُ . . .‬‬
‫فيمن ق‪.. . .‬ال ‪ " :‬يا رس‪.. . .‬ول اهلل ! أال نس‪ُ . . .‬‬
‫النص‪.. .‬ارى لزعم‪.. .‬ائهم ‪ ،‬فنهى الرس‪.. .‬ول ص‪.. .‬لى اهلل عليه و س‪.. .‬لم و ق‪.. .‬ال ‪ " :‬لو‬
‫ألمرت المرأ َة أن تسج َد ِ‬
‫لزوجها " ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كنت آمراً أحداً أن يسج َد ٍ‬
‫ألحد‬ ‫ُ‬
‫الع َمل‬ ‫‪.‬رتك العل ِم كما َفع‪..‬ل النَّص‪..‬ارى ‪ ،‬أو ب‪ِ .‬‬
‫‪.‬رتك‬ ‫ف‪..‬اليهود و النص‪..‬ارى ض‪.‬لُّوا ‪ :‬ب‪ِ .‬‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫يم } يعين ص‪..‬راط‬ ‫الص را َط المس تَ ِ‬
‫ق‬ ‫ِّ‬ ‫ا‬‫َ‬‫ن‬‫د‬‫كما فعل اليه‪..‬ود ‪ ،‬ف‪..‬أنت تق‪..‬ول { اه ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫غض ِ‬
‫وب َعلَْي ِه ْم }‬ ‫َّ ِ‬
‫ت َعلَْي ِه ْم * غَ ي ِر َ‬
‫الم ُ‬ ‫ين َأْن َع ْم َ‬
‫العلم والعمل ‪ { ،‬صرا َط الذ َ‬
‫ين } أي النص ‪..‬ارى ال ‪..‬ذين‬ ‫الض الِّ َ‬
‫و هم اليه ‪..‬ود ال ‪..‬ذين ترك ‪..‬وا العمل ‪َ { ،‬والَ َّ‬
‫تـركوا العلم ‪.‬‬
‫الصفة العاشرة ‪ /‬التعليـ ـ ــم‬
‫والتعليم مهمة األنبي‪.. .‬اء‪ .،‬يعلم‪.. .‬ون الن‪.. .‬اس يف الكت‪.. .‬اب ‪ ،‬واهلل ومالئكته يص‪.. .‬لون‬
‫على معلم الن‪..‬اس اخلري ‪ ،‬و ينبغي أن تعلم أن العلم كاملال ‪ ،‬ال يكنـز ‪ ،‬وال بد‬
‫أن تؤدي زكاته ‪ ،‬وخيتلف العلم عن املال يف أن العلم ليس له نص‪..‬اب حىت لو‬
‫مل يكن عن‪..‬دك من العلم إال آية واح‪..‬دة أو ح‪..‬ديث ‪ ،‬وجب أن تبلغها ‪ ،‬يق‪..‬ول‬
‫النيب ص‪..‬لى اهلل عليه و س‪..‬لم ‪ " :‬بلغوا عني َو لَو آي ةً " ‪ ،‬و يف احلديث اآلخر‬
‫سمع منَّا حديثاً فبلَّغَه " ‪ ،‬ح‪..‬ديثاً‬
‫و كالمها يف الص‪..‬حيح ‪ " :‬نضر اهللُ امرءاً َ‬
‫واحداً !!‬
‫‪35‬‬
‫و سبل التعلم للربانيني ال بد أن يراعوا فيها ما يلي ‪:‬‬
‫أوالً ‪ /‬أن يكونوا ربانيني حقاً ‪ ،‬أي يربون الناس ب‪..‬العلم ‪ ،‬و يراع‪..‬ون يف ذلك‬
‫ض‪.‬بِ ٍط يف علمه و يف‬ ‫ٍ‬
‫التدرج يف العلم فال ينقلون اإلنس‪.‬ان طف‪.‬رات جتعله غري ُمن َ‬
‫تعليمه ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ /‬أن يراعوا الرتبية ‪ ،‬فليس العلم هو جمرد حقن الذهن باملعلوم‪..‬ات ! فقد‬
‫ص‪.‬غ ص‪..‬ياغةً‪ .‬س‪..‬ليمةً فيها‬ ‫جتد إنس‪..‬اناً ك‪..‬البحر يف معلوماته ‪ ،‬لكن شخص‪..‬يته‪ .‬مل تُ َ‬
‫االنض‪.‬باط و الت‪.‬وازن و األدب و التعقل و اجله‪.‬اد ‪ ،‬فيك‪.‬ون علمه حجة عليه ‪،‬‬
‫‪.‬اس به أيض‪.‬اً ‪ ،‬ألنه إذا تكلَّ َم يف املس‪..‬ائل أج‪..‬اد و‬
‫‪.‬رت الن‪ُ .‬‬
‫‪.‬رت هبذا العلم و اغ‪َّ .‬‬
‫ألنه اغ‪َّ .‬‬
‫‪.‬ور و بص‪..‬ريةٌ و تربي ‪.‬ةٌ و مراع‪..‬اةٌ‬‫أف‪..‬اد ‪ ،‬لكن ينس‪..‬ون أن ه‪..‬ذا الع‪..‬امل مل يص‪..‬حبه ن‪ٌ .‬‬
‫لألحوال ‪.‬‬
‫ثالث اً ‪ /‬ب‪.. .‬ذل العلم للعامة بس‪.. .‬هولة العب‪.. .‬ارة‪ .‬و وض‪.. .‬وحها ‪ ،‬ألن املقص‪.. .‬ود ليس‬
‫التقعر بالقول و إظهار القدرة على الناس ‪ ،‬بل املقصود تبليغ السامع ‪ ،‬و هلذا‬
‫ان قَ ِ‬
‫وم ِه لِيَُبيِّ َن لَ ُهم‬ ‫ق‪..‬ال ربنا عز وجل ‪ { :‬و َما َْأر َس لْنَا ِم ْن َّر ُس ٍ‬
‫ول ِإالَّ بِلِس ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫} ‪ ،‬أي املقصود أن يصل العلم إليه و ليس شيئا آخرا وراء ذلك ‪.‬‬
‫يق ‪..‬ول اإلم ‪..‬ام الش ‪..‬اطيب رمحه اهلل ‪ " :‬و هبذا ك ‪..‬ان الس ‪..‬لف الص ‪..‬احل يعمل ‪..‬ون يف‬
‫تبليغ الش‪.. . .‬ريعة للم‪.. . .‬آلف و املخ‪.. . .‬الف ‪ ،‬و من نظر يف اس‪.. . .‬تدالهلم على إثب‪.. . .‬ات‬
‫أيسر الطرق و أقرهبَا إىل عق‪..‬ول املخ‪..‬اطَبني‬ ‫األحكام التكليفية‪ .‬علم أهنم قصدوا َ‬
‫‪.‬رتيب متكلَّ ٍ‬
‫ف و ال نظ ٍم مؤلَّف ‪ ،‬بل ك ‪.. . . .‬انوا يرم ‪.. . . .‬ون‬ ‫و الط ‪.. . . .‬البني من غري ت ‪ٍ . . . .‬‬

‫‪36‬‬
‫‪.‬هل‬ ‫‪.‬‬ ‫س‬ ‫‪.‬ان‬ ‫‪.‬‬ ‫ك‬ ‫إذا‬ ‫‪.‬‬
‫ه‬ ‫ترتيب‬ ‫يف‬ ‫الكالم‬ ‫‪.‬ع‬‫‪.‬‬ ‫ق‬‫و‬ ‫كيف‬ ‫‪.‬الون‬ ‫‪.‬‬ ‫ب‬‫ي‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫‪.‬الكالم على عواهن‪ِ .‬‬
‫‪.‬ه‬
‫‪.‬‬ ‫ب‪ِ .‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫امللتمس " ‪.‬‬
‫قريب َّ‬ ‫ِ‬
‫املأخذ‬
‫َ‬
‫ف ‪..‬رتاعي إذن التبس ‪..‬يط و التس ‪..‬هيل و التيسري ‪ ،‬و ليس من الض ‪..‬روري أن ت ‪..‬رتب‬
‫و ت‪.. .‬أيت بنق‪.. .‬اط و مس‪.. .‬ائل و قيل و ق‪.. .‬ال ‪ ،‬املهم أن يصل احلق إىل الن‪.. .‬اس و لو‬
‫بأقصر طريق ‪ ،‬و ال مينع أن اإلنس‪..‬ان خيص أقوام ‪.‬اً مبزي‪.ٍ .‬د من العناية‪ .‬و ال‪..‬رتتيب‬
‫و التب‪.. . . . . . . . .‬ويب ‪ ،‬ألهنم طلبة علم مثالً أو خمتصني أو ما أش‪.. . . . . . . . .‬به ذلك ‪ ،‬و هلذا‬
‫اخلطيب بضرورة تسهيل العلم للناس‪. .‬‬ ‫ُ‬ ‫ص‬‫اختُ َّ‬
‫و مثله من خياطب اجلم‪.. .‬اهري ‪ ،‬ق‪.. .‬ال ابن قتيبة‪ .‬رمحه اهلل ‪ " :‬ينبغي أن يك‪.. .‬ون‬
‫‪.‬اكن اجلوارح قلي ‪.َ .‬ل اللَّحظ متخري اللَّفظ ‪ ،‬و ال ي ‪..‬دقِّق‬ ‫اخلطيب راب ‪َ .‬ط ِ‬
‫اجلأش س ‪َ .‬‬
‫يف املع ‪..‬اين ك ‪.َّ .‬ل الت ‪..‬دقيق و ال ينقِّح األلف ‪..‬ا َظ كل التنقيح‪ ، .‬و يك ‪..‬ون يف الكالم‬
‫إمجال و عموم يتناسب مع ِ‬
‫عقول املستمعني " ‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫ه‪.. . .‬ذا و قد أطلت عليكم ‪ ،‬فأعت‪.. . .‬ذر إليكم و أس‪.. . .‬أل اهلل تع‪.. . .‬اىل أن جيعل ه‪.. . .‬ذا‬
‫اجمللس يف ميزان أعمالنا و حسناتنا ‪.‬‬
‫و السالم عليكم و رمحة اهلل و بركاته‪.‬‬

‫تمت المادة بحمد هللا‬

‫‪37‬‬

You might also like