You are on page 1of 14

‫نطاق تطبيق القانون من حيث الزمان‬

‫م ـ ـقـدم ـ ــة‬

‫المبحث األول‪ :‬السريان الزمني للقاعدة القانونية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬إلغاء القوانين الجزائية‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬اإللغاء الصريح‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬اإللغاء الضمني‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مبدأ األثر الفوري للقاعدة القانونية‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مفهوم مبدأ األثر الفوري‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬االستثناءات الواردة على مبدأ األثر الفوري‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مبدأ عدم رجعية القوانين‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم مبدأ عدم رجعية القوانين‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬من حيث توقيتـ العمل بالقانون الجديد‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬من حيث توقيت ارتكاب الجريمة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬االستثناءات الواردة على مبدأ عدم رجعية القوانين‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تطبيق القانون األصلح للمتهم‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬حالة النصوص التفسيرية المرتبطة بقانون قديم‪.‬‬

‫الخـ ـ ـ ــات ـم ـ ـ ــة‪.‬‬

‫*********************************‬
‫مقـدمـة‪:‬‬

‫ينصـ ــرف معـــنى القـ ــانون الجنـــائي إلى القواعـ ــد الـ ــتي تحـــدد سياس ــة التج ــريمـ و العق ــاب‪ ،‬و تنظمـ السياســـة‬
‫اإلجرامي ــة ال ــتي ت ــبين كيفي ــة اقتض ــاء الدول ــة لحقه ــا في العق ــاب بم ــا يض ــمن الت ــوازن بين حق ــوق المتهم و‬
‫حقــوق المجتمــع‪ .‬و يتضــمن القــانون الجنــائي بهــذا المعــنى نــوعين من القواعــد‪ ،‬النــوع األول و هــو عبــارة‬
‫عن قواع ــد موض ــوعية ت ــبين م ــا يع ــد جريم ــة و ك ــذا العقوب ــة المق ــررة له ــا‪ ،‬في إط ــار مب ــدأ الش ــرعية ب ــأالّ‬
‫جريم ــة و ال عقوبــة و ال ت ــدبير أمن إالّ بنص من الق ــانون‪ ،‬ويع ــبر عن ه ــذه القواعــد بقــانون العقوب ــات و‬
‫الذي يقسم إلى قسمين اثنين أولهما قسم عام يهتم بدراسة النظرية العامة للجريمة و ببيان األحكام العامـة‬
‫الــتي تحكم كال من الجريمــة والعقوبــة عن طريــق تحديــد األركــان األساســية للجريمــة‪ ،‬وأحكــام المســؤولية‬
‫الجنائيــة‪ ،‬و أنــواع العقوبــات وظــروف تشــديدها و ظــروفـ تخفيفهــا‪ ،‬و القســم الثــاني هــو قســم خــاص يهتم‬
‫بتحديــد وصــف األركــان الخاصــة بكــل جريمــة على حــدة‪ ،‬و بيــان الحــد األدنى و الحــد األقصــى للعقوبــة‬
‫المقررة لها‪.‬‬

‫أمــا النــوع الثــاني فهــو عبــارة عن قواعــد شــكلية تــبين اإلجــراءات القانونيــة الــتي يتعين مراعاتهــا‪ ،‬و يجب‬
‫إتباعهــا طــوال مراحــل الخصــومة الجنائيــة من مرحلــة التحــري عن الجريمــة‪ ،‬والتحقيـقـ فيهــا إلى صــدورـ‬
‫الحكم الجنائي وتنفيذه‪ .‬و يعبرعن هذه القواعد بقانون اإلجراءات الجزائية‪.‬‬

‫لكن ما هو النطاق الزمني الذي يطبق فيه القانون الجنائي؟ و ما هي المبادئ التي تحكم هذا التطبيق؟‬
‫المبحث األول‪ :‬السريان الزمني للقاعدة القانونية‪.‬‬

‫األصــل العــام في تطــبيق القــانون من حيث الزمــان هــو أن القــانون يكــون دائمــا واجب التطــبيق من اليــوم‬
‫التــالي لنشــره بالجريــدة الرســمية أو من التــاريخ الــذي يحــدده نفس القــانون لســريان أحكامــه‪ ،‬و هي قرينــة‬
‫قطعية على علم الكافة بها فال يعذر أحد بجهل القانون (المـادة ‪ 74‬من الدسـتور)‪ ،‬وأن القـانون ال تسـريـ‬
‫أحكامــه إال على الحــاالت الــتي تتم في ظلــه أي بعــد إصــداره‪ ،‬وأنــه ال يســري على مــا وقــع من الحــاالت‬
‫قبــل صــدوره‪ .‬فــالركن المــادي للجريمــة يعــني كــون الفعــل المــادي للجريمــة يقــع تحت نص يجرمــه وقت‬
‫ارتكــاب الجريمـة‪ ،‬أي أن السـلوك اإلجـرامي للفاعــل يكــون عمالً غـير مشـروعـ يعــاقب عليـه القـانون وقت‬
‫ارتكابه بنص نافذ في القانون‪ ،‬فال يمكن اعتبار الفعل مادياً في عمـل مخـالف لقــانون سـابق جـرى أباحتــه‬
‫أو إلغــاء العقوبــة المقــررة على ارتكابــه بقــانون الحــق‪ .‬و قواعــد قــانون العقوبــات كبــاقيـ القواعــد القانونيــة‬
‫ليســت بالنصــوص األبديــة بــل تنشــأ و تعــدل و تلغى إن اقتضــى األمــر ذلــك وفــق ســريان زمــني مضــبوط‬
‫تتحكم فيه ظاهرة تعاقب القوانين‪ ،‬و من آثار هذه الظاهرة إلغاء القانون الالحق للقانون السابق‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬إلغاء القوانين الجزائية‪.‬‬

‫يقصد بإلغــاء قاعـدة قانونيـة التوقـفـ التــام و النهـائي عن العمــل بهــا و بالتـالي فـإن إلغـاء قاعـدة قانونيـة هـو‬
‫قاعــدة قانونيــة في حـد ذاتهـا تنشـأ بنفس الطريقـة و تمـر بالمراحـل ذاتهــا الــتي أقرهـا القــانون‪ ،‬و قــد تتنـاول‬
‫في طياتها البديل عن سابقتها و كيفية التطبيق موضحة في ذات الوقت مصير القاعــدة األولى و واضــعة‬
‫الحلــول لآلثــار الــتي خلفتهــا و قــد تســكت عن ذلــك و بهــذا نكــون أمــام صــورتين همــا‪:‬اإللغــاء الصــريح و‬
‫اإللغاء الضمني‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬اإللغاء الصريح‪.‬‬

‫يكــون اإللغــاء صــريحاـ مــتى وجــد النص‪ ،‬و صــراحته تقتضــي اإلشــارة إلى انتهــاء العمــل بالقــانون الســابق‬
‫وانتف ــاء إلزاميت ــه‪ ،‬عن طري ــق اس ــتعمال ألف ــاظ و عب ــارات واض ــحة بم ــا ال ي ــدع مج ــاال للش ــك أو التأوي ــل‪،‬‬
‫بحيث تكــون لحظــة انقضــاء النص السـابقـ هي ذاتهـا لحظــة نفــاذ النص الجديـد إذا اســتبدله المشـرع بـآخر‪.‬‬
‫و هــو مــا أشــارت لــه المــادة ‪ 2‬فقــرة ‪ 2‬من القــانون المــدني بقولهــا "‪ ...‬وال يجــوز إلغــاء قــانون إال بقــانون‬
‫‪1‬‬
‫الحق ينص صراحة على هذا اإللغاء ‪"....‬‬

‫‪ - 1‬محمد سعيد جعفور‪ ،‬مدخل الى العلوم القانونية الوجيز في نظرية القانون‪ ،‬دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة ‪ ،19‬الجزائر ‪،2008‬‬
‫ص ‪.249‬‬
‫و األمثلة عديدة في هذا المجال منها مـا جـاء في قـانون العقوبـات الجزائـريـ عنـدما ألغى نص المـادة ‪10‬‬
‫من األمر ‪ 66/156‬المؤرخ ‪ 08‬جــوان ‪ 1966‬المعدلــة بمــوجب المــادة ‪ 01‬من القــانون ‪ 82/04‬المــؤرخ‬
‫في ‪ 13‬فبرايرـ ‪ ،1982‬و اللتان ألغيتا بموجب نص المادة‪ 02‬من القــانون رقمـ ‪ 05-89‬المــؤرخ في ‪25‬‬
‫أفريل ‪ .1989‬فقد كانت المادة ‪ 10‬وفقـ األمــر ‪ 66/156‬تنص على مــا يلي‪" :‬االعتقــال هــو حجــز بعض‬
‫العائدين لإلجرام لمـدة غـير محـدودة في إحـدى مؤسسـاتـ التأهيـل االجتمـاعي"‪ .‬ثم عـدلت بمـوجب القـانون‬
‫‪ 82/05‬فأصبحت تنص على‪" :‬االعتقال هو حجز بعض العائدين لإلجرام المذكورينـ في المادة ‪ 60‬مدة‬
‫غير محدد ة في إحدى مؤسساتـ التأهيل االجتمــاعي‪ ،‬غــير أنــه ال يمكن تطــبيق الحجــز على النســاء مهمــا‬
‫يكن س ــنهن و ك ــذا على األش ــخاص ال ــذين يتج ــاوزـ عم ــرهم ‪ 60‬س ــنة أو يق ــل عن ‪ 18‬س ــنة وقت ارتك ــاب‬
‫الجريمة"‪ .‬ثم ألغيت صراحة بموجب القانون‪.89/05‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬اإللغاء الضمني‪.‬‬

‫يكــون اإللغــاء الضــمني في حالــة تعــارض قــانون جديــد مــع قــانون قــديم‪ ،‬أو في حالــة صــدورـ تشــريع جديــد‬
‫يعيد تنظيمـ مسألة تولى تنظيمهاـ تشــريع ســابقـ على نحــو مغــاير حيث يســتنتج من هــذا التعــارض ضــرورة‬
‫تطبيقـ النصوص الالحقة على حساب النصوص السابقة‪ .‬و هو ما أشارت له‬

‫المادة ‪ 2‬فقرة ‪ 3‬من القانون المدني بقولها…" و قد يكـون اإللغـاء ضـمنيا إذا تضـمن القـانون الجديـد نصـا‬
‫يتعارض مع نص القانون القديم أو نظم من جديد موضوعا سبق أن قرر قواعده ذلك القــانون القــديم‪ ".‬و‬
‫كمث ــال على اإللغ ــاء الض ــمني بإع ــادة تنظيم مس ــألة ت ــولى تنظيمه ـاـ تش ــريع س ــابق على نح ــو مغ ــاير‪ ،‬نص‬
‫الم ــادة ‪ 09‬من األم ــر ‪ 66/156‬ال ــتي ك ــانت تحصــرـ العقوب ــات التكميلي ــة في ‪ 7‬أن ــواع بقوله ــا‪ ":‬العقوب ــات‬
‫‪2‬‬
‫التكميلية هي‪:‬‬

‫‪ .1‬االعتقال‪،‬‬

‫‪ .2‬تحديد اإلقامة‪،‬‬

‫‪.3‬المنع من اإلقامة‪،‬‬

‫‪ .4‬الحرمان من مباشرة بعض الحقوق‪،‬‬

‫‪ .5‬المصادرة الجزئية‬

‫لألموال‪،‬‬

‫‪ - 2‬محمد سعيد جعفور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.250‬‬


‫‪ .6‬حل الشخص االعتباري‪،‬‬

‫‪.7‬نشر الحكم"‪.‬‬

‫لكن القانون ‪ 89/05‬في مادته األولى أعاد تنظيمـ نفس مسألة بقوله‪" :‬العقوبات التكميلية هي‪.:‬‬

‫‪.1‬تحديد اإلقامة‪،‬‬

‫‪ .2‬المنع من اإلقامة‪،‬‬

‫‪.3‬الحرمان من مباشرة بعض الحقوق‪،‬‬

‫‪.4‬المصادرة الجزئية لألموال‪،‬‬

‫‪.5‬حل الشخص االعتباري‪.6 ،‬نشر الحكم‪ ".‬حاذفاـ‬

‫النوع األول و هو االعتقال‪ .‬و مثال على اإللغاء الضمني في حالة تعـارض قـانون جديـد مـع قـانون قـديم‬
‫ما هو موجودـ في نص المادة ‪ 8‬من القانون رقم‬

‫‪ 82-04‬المؤرخ في ‪ 13‬فيفري ‪" :1982‬الحرمان من الحقوق الوطنية ينحصر في ‪:‬‬

‫‪.1‬عــزل المحكــوم عليــه و طــرده من جميــع الوظــائفـ و المناصــب الســامية في الحــزب أو الدولــة و كــذا‬
‫جميع الخدمات التي لها عالقة بالجريمة‪.‬‬

‫‪ .2‬الحرمـ ــان من حـ ــق االنتخابـ ــات و الترشـ ــيح و على العمـ ــوم كـ ــل الحقـ ــوق الوطنيـ ــة و السياسـ ــية‪ ،‬و من‬
‫حمل‪...‬الخ" فجملـة "المناصـب السياسـية في الحـزب" لم يعـد لهـا معـنى في ظـل الدسـتورـ الجديـد الـذي سـن‬
‫التعددي ـــة الحزبيـ ــة و بالتـ ــالي فال يمكن للقاض ـــي الحكم به ـــذا الحرمـ ــان ألنـ ــه يتعـ ــارض ضـ ــمنيا مـ ــع مبـ ــدأ‬
‫‪3‬‬
‫دستوري‪.‬‬

‫لكن كيف يفسر هذا اإللغاء؟‬

‫من أجــل الفهم الصــحيح و التطــبيق الصــحيح لقواعــد القــانون البــد من إزالــة التعــارض الــذي قــد يوجــد في‬
‫الظاهر بين قواعد القانون المختلفة و نقول أن التعارض قـد يوجـد في الظـاهر ألنـه من غـير المعقـول أن‬
‫يوجد تعارض حقيقي بين قواعد القانون بل البد من إزالة هذا التعارض بحيث ال تبقى إال قاعدة قانونية‬
‫واحـدة واجبـة اإلتبـاع و أهم قواعـد إزالـة التعـارض هي أن القاعـدة األعلى تبطـل القاعـدة األدنى المخالفـة‬
‫لها‪ ،‬فقواعد القانون الدستوري ال يتصور مخالفتها من قواعد القــانون العــادي أو قواعــد القــانون الفــرعي‪،‬‬
‫‪ - 3‬محمد سعيد جعفور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.251‬‬
‫وكــذلك فــإن قواعــد القــانون العــادي ال يتصــورـ مخالفتهــا من قواعــد القــانون الفــرعي و ال أهميــة في ذلــك‬
‫لمصـ ــدرـ القاعـ ــدة فكـ ــل مصـ ــادر القـ ــانون قـ ــادرة على خلـ ــق قواعـ ــد من درجـ ــات مختلفـ ــة‪ ،‬فقواعـ ــد القـ ــانون‬
‫الدســـتوريـ قـــد تنشـــأ عن التشـــريع أو عن العـــرف أو عن القض ــاء و يكفي بالنس ــبة للقض ــاء أن نـــذكر أن‬
‫قاعدة رقابة القضاء الدستورية القوانين هي ذاتها قاعدة دستورية و هي من خلق القضاء ذاته‪.‬‬

‫و القاعــدة الثانيــة أن القاعــدة الالحقــة تلغي القاعــدة الســابقة المســاوية لهــا أو األدنى منهــا في القــوة‪ ،‬و ال‬
‫أهمية لمصدر القاعدة الالحقة أو مصـدر القاعـدة السـابقة‪ ،‬و تسـري في هـذا الشـأن قواعـد تنـازعـ القـوانين‬
‫في الزمــان من حيث إكمــال األثــر المباشــر لهــذا القــانون و انعــدام األثــر الــرجعي للقــانون الجديــد وهــو مــا‬
‫سنوضحه الحقا‪.‬‬

‫و القاعــدة الثالثــة أن القاعــدة الخاصــة تقيــد القاعــدة العامــة المســاوية أو األدنى منهــا في القــوة دون النظــر‬
‫إلى مص ـــدر ه ـــتين القاع ـــدتين و دون النظ ـــر إلى ت ـــاريخ العم ـــل بـ ــأي منهمـ ــا‪ .‬أمـ ــا إذا لم تكن إزال ـــة ه ـــذا‬
‫التعارض بأن كانت كــل من القاعــدتين مســاوية لألخـرى في الدرجــة و معاصــرة لهــا في النشـأة و مطابقـة‬
‫لها في المعنى فال يكـون هنـاك بـد من طـرح هـتين القاعـدتين معـا إذ ال يمكن تطبيقهمـاـ في نفس الـوقت و‬
‫هذا االفتراض ناذر للغاية‪ ،‬إال ما نتج عن خطأ أو سهو‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مبدأ األثر الفوري للقاعدة القانونية‪.‬‬

‫تنص المــادة ‪ 2‬من القــانون المــدني على مــا يلي‪ " :‬ال يســري القــانون إلى على مــا يقــع في المســتقبل وال‬
‫يكون له أثر رجعي"‪ .‬و أيدته أيضا المادة ‪ 2‬من قانون العقوبات بقولها‪" :‬ال يسري قانون العقوبات على‬
‫‪4‬‬
‫الماضي إال ما كان منه أقل شدة"‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مفهومـ مبدأ األثر الفوري‪.‬‬

‫يعــني مبــدأ األثــر الفــوريـ للقــانون أن كــل تشــريع جديــد يطبــق فــورا منــذ تــاريخ ســريانه أي وقت نفــاذه‪،‬‬
‫فيحــدث آثــاره مباشــرة على كــل الوقــائع واألشــخاص المخــاطبين بــه على الحــاالت الــتي وقعت عقب نفــاذه‬
‫بص ــفة فوري ــة ومباش ــرة‪ .‬فالق ــانون الجدي ــد يص ــدر ويطب ــق على الحاض ــر و المس ــتقبل‪ ،‬ال على الماض ــي‪،‬‬
‫ويستخلص من ذلك أن القانون القديم يحكم الحاالت التي تمت في ظله‪ ،‬فال يطبق عليهــا القــانون الجديــد‪.‬‬
‫فل ــو فرض ــنا أن قانونــاـ جدي ــدا ص ــار ناف ــذا الي ــوم ونص على تج ــريم فع ــل لم يك ــون مجرم ــا من قب ــل‪ ،‬فمن‬
‫البــديهي أنــه يســري ابتــداء من اليــوم على كــل من يقــوم بهــذا الفعــل المجـ َّـرم‪ ،‬وبالتــاليـ ال يمكن متابعــة من‬
‫قــامواـ بهــذا الفعــل في الماضــي‪ ،‬و إن كــان حــتى بــاألمس مثال ‪:‬لــو فرضــنا أن قــانون الماليــة لســنة ‪1998‬‬

‫‪ - 4‬لحسن بن شيخ أث ملويا‪ ،‬مدخل إلى دراسة القانون‪ ،‬دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الجزائر ‪ ،2017‬ص ‪.267‬‬
‫يفــرض ضــريبة على شــراء الســيارات‪ ،‬فيكــون مشــتري الســيارة ملــزم بــأداء تلــك الضــريبة من أول يــوم‬
‫لســنة ‪ ،1998‬و إال اتهم بجريمــة التهــرب الضــريبيـ بعــد هــذا التــاريخ و لكن ال يلــزم بــأداء هــذه الضــريبة‬
‫كل األشخاص الذين اشــتروا سـيارة في العــام الماضـي‪ ،‬وحـتى في آخـر يــوم لســنة ‪.1997‬في خضـم عـدم‬
‫وجودـ الضريبة فال وجودـ لجرم التهرب الضريبي‪.‬‬

‫البــد من اإلشــارة إلى أن هــذا المبــدأ يخص بشــكل أدق القواعــد الشــكلية أو مــا يعــرف بالقواعــد اإلجرائيــة‬
‫ويرجعـ السبب في ذلك أن هدف اإلجراءات الشكلية عموما هــو إدراك الحقيقــة بأســرع وقت دون مســاس‬
‫بالقواعـ ــد المتعلقـ ــة بـ ــالتجريمـ و العقـ ــاب و الـ ــتي تقصـ ــدها الدسـ ــاتير و القـ ــوانين في تقريرهـ ــا عـ ــدم رجعيـ ــة‬
‫أحكامهـا على الماضـي و بالتـالي فـإن المتهم ال يضـارـ قـط من سـريان هـذه القواعـد مباشـرة عليـه‪ ،‬بـل أنـه‬
‫على العكس ق ــد يس ــتفيد طالم ــا أن ك ــل تع ــديل لقاع ــدة إجرائي ــة مقص ــود ب ــه أص ــال محاول ــة إدراك الحقيق ــة‬
‫القضائية في وقت أقصرو بشكل أكثر يقينا‪ ،‬كما أن هذا التعــديل لن يكــون لـه تــأثير على موقفــه القضــائي‬
‫و سلوكه الذي يتوجه إلى الجريمة و العقوبة وليس إلى اإلجراءات الجنائية‬

‫فالعبرة هي بوقت مباشرة اإلجراء و ليس بــوقت وقــوع الجريمــة الــتي يتخــذ اإلجــراء بمناســبتها‪ ،‬فالقواعــد‬
‫اإلجرائيــة تســريـ من يــوم نفاذهــا بــأثر فــوريـ على القضــايا الــتي لم تكن قــد تم الفصــل فيهــا مــا لم ينص‬
‫القانون على خالف ذلك‪ .‬ويكاد الفقه يتفق على أن مضمون القاعــدة أو موضــوعهاـ هــو الفيصــل في بيــان‬
‫طبيعته ــا القانوني ــة فتك ــون القاع ــدة موض ــوعية إذا ك ــان مض ــمونهاـ أو موض ــوعها يتعل ــق بح ــق الدول ــة في‬
‫العقــاب ســواء من حيث نشــأته أو تعديلــه أو انقضــائه بينمــا تكــون القاعــدة إجرائيــة إذا كــان موضــوعها أو‬
‫مضــمونها يتعلــق باألشــكال ة األســاليب و الكيفيــات الــتي ينبغي إتباعهــا في ســبيل اقتضــاء هــذا الحــق أمــام‬
‫الســلطة القضــائية‪ ،‬بصــرفـ النظــر عن موقــع القاعــدة أي عن ورودهـاـ في قــانون العقوبــات أم اإلجــراءات‬
‫الجنائيــة‪ ،‬و بصــرف النظــر عن الغايــة الــتي تســتهدفهاـ أي ســواء كــانت في مصــلحة الفــرد أم في مصــلحة‬
‫‪5‬‬
‫الجماعة‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬االستثناءات الواردة على مبدأ األثر الفوري‪.‬‬

‫بـالرغم من فـرط بداهـة هـذا المبـدأ فقـد أورد عليـه الشـارعـ اسـتثناءات منهـا مـا يتعلـق بالجريمـة و منهـا مـا‬
‫يتعلق بالجزاء إذ أن فورية التطبيق ال تسمح للقانون القديم من تجاوز نطاقه الزمني في التطبيق‪.‬‬

‫و أهم اس ــتثناء له ــذا المب ــدأ ه ــو و ج ــود النص الص ــريح على مخالف ــة التنفي ــذ الف ــوري للقاع ــدة القانوني ــة إذ‬
‫يجوزـ للمشرع أن ينص في تشريع خاص على تنفيذ القانون في وقت الحق نظرا لوجودـ ظــروف معينــة‬

‫‪ - 5‬لحسن بن شيخ أث ملويا‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.269‬‬


‫تعيــق تطبيقــه مباشــرة‪ ،‬هــذا النص يجعــل من القــانون الصــادر مجمــدا إلى حين و هــو داللــة على تطبيقــه‬
‫مسـ ــتقبال و ليس فوريـ ــا‪ .‬كمـ ــا يجـ ــوز النص الصـ ــريح أن يعطي اسـ ــتثناءا آخـ ــر يـ ــؤدي إلى رجعيـ ــة بعض‬
‫القــوانين إلى الماضــي الســيما تلــك الــتي تتعلــق باآلجــال و مواعيــد التقــادم الــتي يكــون تمديــدها أو تقليصــها‬
‫في صالح المتهم وذلك راجع إلى أن مبدأ عدم رجعية القوانين يقيد القاضي فقــط ولكنــه ال يقيــد المشــرع‪،‬‬
‫بغ ـ ــرض تحقي ـ ــق مص ـ ــلحة اجتماعي ـ ــة عام ـ ــة أو فيم ـ ــا يخص النظ ـ ــام الع ـ ــام‪ .‬و ه ـ ــو م ـ ــا س ـ ــنتعرض ل ـ ــه في‬
‫االســتثناءات الــواردة على مبــدأ عــدم رجعيــة القــوانين‪ .‬وكاســتثناء آخــر انتظــارـ صــدورـ تشــريع الحــق يــبين‬
‫كيفية تطبيقـ القاعدة القانونية الصادرة‪ ،‬واألمر يتعلق في غـالب األحيـان بقواعـد شـكلية تحتـاج إلى تكملـة‬
‫بقواعــد أخــرى ضــرورية لهــا في تبيــان طريقــة التطــبيق أو تضــيف إليهــا ملحقــات ضــرورية لســير القاعــدة‬
‫القانونيـــة الصـــادرة و المثـــال على ذلـــك بســـيط كإصـــدار قاعـــدة قانوني ــة تتح ــدث عن نم ــاذج معينـــة لم يتم‬
‫إصــدارها بعــد ‪ ،‬فيكــون نصــها كــاآلتي‪..." :‬يكــون تحريــر المحاضــر الخاصــة ب ــ‪.....‬طبقــا لنمــاذج محــددة‬
‫بمــوجب قــانون الحــق"‪ .‬ومن ثم ال يمكن تطــبيق نص القــانون مــادام أن القــانون المحــدد لصــفة النمــاذج لم‬
‫‪6‬‬
‫يصدرـ بعد‪..‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مبدأ عدم رجعية القوانين‪.‬‬

‫من بين أبرز المبادئ و أهمها على اإلطالق مبدأ عدم رجعية القوانين الجنائية‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم مبدأ عدم رجعية القوانين‪.‬‬

‫يســري النص الجنـائي من تـاريخ نفــاذه فال تطبــق أحكامــه إال على األفعــال الـتي تــرتكب بعــد تـاريخ نفـاذه‪،‬‬
‫أما األفعال الـتي تـرتكب قبـل تـاريخ النفـاذ فال يشـملها‪ .‬وهـو مـا سنوضــحه في هـذا المطلب بـإبراز مفهـوم‬
‫‪7‬‬
‫مبدأ عدم رجعية القوانين من حيث توقيت العمل بالقانون الجديد و من حيث توقيت ارتكاب الجريمة‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬من حيث توقيت العمل بالقانون الجديد‪.‬‬

‫نصــت المــادة الثانيــة من قــانون العقوبــات على أنــه ال يســريـ قــانون العقوبــات على الماضــي‪ ،‬كمــا تضــمن‬
‫الدســتورـ الجديــد أيضــا النص على هــذه القاعــدة الــتي عــرفت باســم عــدم رجعيــة أحكــام قــانون العقوبــات‪ ،‬و‬
‫بمقتضى هذه القاعدة ال يجوز أن يحكم على شخص بعقوبة لفعل كان مباحا وقت ارتكاب‪.‬‬

‫كمــا ال يجــوز أيضــا أن يحكم على شـخص بعقوبـة أشــد من الـتي كــانت محــددة لهـا وقت ارتكابهــا و تســتند‬
‫هــذه القاعــدة المقــررة في الدســتورـ و في المــادة الثانيــة من قــانون العقوبــات على مبــدأ الشــرعية‪ .‬فتوقيــع‬
‫‪ - 6‬تيرش بلعسلي ويزة‪ ،‬مدخل الى العلوم القانونية – نظرية القانون ‪ ، -‬دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة ‪ ،1‬الجزائر ‪ ،2018‬ص‬
‫‪.102‬‬
‫‪ - 7‬تيرش بلعسلي ويزة‪ ،‬نفسه‪ ،‬ص ‪.103‬‬
‫عقوبــة على فعــل كــان مباحــا وقت ارتكابــه معنــاه تجــريم فعــل بغــير نص تشــريعي‪،‬ـ كمــا أن توقيــع عقوبــة‬
‫اشد من تلك المحددة في النص الساري وقت ارتكـاب الجريمـة معنـاه تطـبيق عقوبـة بغـير نص تشـريعي‪،‬ـ‬
‫و هــو مــا يخــالف مبــدأ الشــرعية‪ .‬و على ذلــك فقاعــدة عــدم رجعيــة نصــوص قــانون العقوبــات هي نتيجــة‬
‫حتمية ومنطقية لمبدأ شرعية الجرائم و العقوبات‪ .‬و قد نص الدستورـ المصري في مادته ‪ 188‬على انه‬
‫تنشــر القــوانين في الجريــدة الرســمية خالل أســبوعين من يــوم إصــدارها و يعمــل بهــا بعــد شــهر من اليــوم‬
‫التـــالي لتـــاريخ نشـــرها إال إذا حـــددت لـــذلك ميعـــادا آخـــر‪ .‬كمـــا ق ــرر بالم ــادة ‪ 187‬ان ــه "ال تســـري أحكـــام‬
‫القوانين إال على ما يقع من تاريخ العمل بها و ال يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها‪.‬‬

‫المبدأ إذن‪ ،‬أن أحكام القاعدة الجنائية ال تسريـ إال على ما يقع من تــاريخ العمـل بهـا‪ ،‬و منـذ تلــك اللحظـة‬
‫يفــرض القــانون الجديــد ســلطانه على كافــة الجــرائم الــتي تقــع ابتــداء من هــدا التــاريخ‪ .‬ومن جهــة أخــرى‪،‬‬
‫فالدســتور األردني و قــانون العقوبــات حــددا مــتى ينفــذ القــانون الجديــد بعــد نشــره في الجريــدة الرســمية و‬
‫الم ــدة هي ثالثين يوم ــا من تــاريخ نشــره و الي ــوم األول ال يحتســب‪ .‬و العــبرة هي بــوقت العمــل بالقــانون‬
‫الجديد ال بتاريخ إصداره‪.‬‬

‫وينص الفصـ ــل الرابـ ــع من القـ ــانون الجنـ ــائي المغـ ــربي على انـ ــه ال يؤاخـ ــذ أحـ ــد على فعـ ــل لم يكن يعتـ ــبرـ‬
‫جريمة بمقتضى القانون الذي كان ساريا وقت ارتكابه‪.‬‬

‫ويشــير الفصــل الخــامس إلى انــه ال يســوغ مؤاخــذة أحــد على فعــل لم يعــد يعتــبر جريمــة بمقتضــى قــانون‬
‫صـــدر بعـــد ارتكاب ــه‪ .‬فـــإن كـــان قـــد ص ــدر حكم باإلدان ــة‪ ،‬ف ــإن العقوب ــات المحك ــوم به ــا‪ ،‬أص ــلية ك ــانت أو‬
‫إضــافية‪ ،‬يجعــل حــد لتنفيــذها‪ .‬و تنص المــادة األولى من القــانون الجنــائي الســودان على انــه‪ :‬يســمي هــذا‬
‫القانون " القانون الجنائي لسنة ‪1991‬م " ويعمل به بعد شهر من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية‪ .‬ويطبقـ‬
‫‪8‬‬
‫القانون الذي كان معموالً به في وقت ارتكاب الجريمة (المادة الرابعة)‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬من حيث توقيت ارتكاب الجريمة‪.‬‬

‫هناك بعض الجرائم التي ال يثـير تحديـد وقت ارتكابهـا أدنى صـعوبة ألنهـا تـرتكب وتتم في لحظـة واحـدة‬
‫من الزمان‪ .‬فمن يطلق النار على غريمه فيخر على الفور صريعا ال يتردد أحد في تحديد وقت ارتكاب‬
‫الجريم ــة ألنه ــا تب ــدأ و تتم في لحظ ــة زمني ــة واح ــدة‪ .‬فتحديــدـ وقت ارتك ــاب الجريم ــة خالل س ــريان النص‬
‫الجنـ ــائي ال يثـ ــير صـ ــعوبة بالنسـ ــبة للجريمـ ــة الوقتيـ ــة‪ ،‬فالفعـ ــل يبـ ــدأ و ينتهي خالل فـ ــترة زمنيـ ــة وجـ ــيزة‪،‬‬
‫فالصــعوبة تظهــر في تلــك الجــرائم الــتي يــتراخى أمــدها في التنفيــذ‪ ،‬تلــك الجــرائمـ الــتي اســتقر العــرف على‬

‫‪ - 8‬تيرش بلعسلي ويزة ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.104‬‬


‫تسـميتهاـ بـالجرائم الزمنيـة النطوائهـا على عنصـر زمـني يباعـد بين الفعـل و النتيجـة في أغلب األحـوال و‬
‫هي ما يغرف بالجرائمـ المســتمرة كإخفـاء األشـياء المســروقة‪ ،‬و الحبس بــدون وجـه حـق ووضــع جرعـات‬
‫‪9‬‬
‫من السم على فترات زمنية متباعدة‪ ،‬الهدف منها قتل الشخص أو المريض بعد مدة ما‪...‬الخ‪.‬‬

‫و هنـــاك ن ــوع آخـــر من الج ــرائم تس ــمى الج ــرائم االعتيادي ــة‪ ،‬كالتس ــول فينبغي أن يتك ــرر الفع ــل في ظ ــل‬
‫القانون الجديد حتى يمكن القول بان الجريمة وقعت بعد نفاذه‪.‬‬

‫و هناك مالحظة هامة مؤداها أن االتفاق الجنائي على الجرائمـ المستمرة أو المتتابعة يطبق عليه القــانون‬
‫الجديد و لو كان أشد على المتهم‪ ،‬طالما أن الجريمة المستمرة قد وقعت بعد العمل به‪.‬من جهة أخرى‬

‫ظهرت ثالث نظريات بخصوص تحديد وقت ارتكاب الجريمة ‪:‬‬

‫* نظرية السلوك‪ :‬طبقا لهده النظرية تكون العبرة في تحديد وقت الجريمة بوقت إتيان السلوك‪.‬‬

‫* نظريــة النتيجــة‪ :‬طبقــا لهــا تكــون العــبرة بــوقت وقــوعـ النتيجــة‪ ،‬والجريمــة تعتــبر مرتكبــة فقــط في ذلــك‬
‫الحين‪.‬‬

‫*نظريــة مختلطــة‪ :‬ال تعتــد بالفعــل أو النتيجــة أيهمــا فقــط‪ ،‬بــل تعتــد بهمــا معــا‪ ،‬فتأخـذـ أحيانــا بــوقت ارتكــاب‬
‫‪10‬‬
‫الفعل وأحيانا أخرى بوقت وقوعـ النتيجة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬االستثناءات الواردة على مبدأ عدم رجعية القوانين‪.‬‬

‫هناك استثناءين على هذا المبدأ هما تطبيق القــانون األصـلح للمتهم وحالــة النصــوص التفســيرية المرتبطـة‬
‫‪11‬‬
‫بقانون قديم‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تطبيق القانون األصلح للمتهم‪.‬‬

‫المب ــدأ بالنس ــبة لقواع ــد الق ــانون الجن ــائي ه ــو عــدم رجعي ــة الق ــوانين و ه ــو يع ــد من النت ــائج المباش ــرة لمب ــدأ‬
‫شــرعية الجــرائم و العقوبــات الــذي يشــكل ضــمانة هامــة لحمايــة الحريــة الفرديــة للمــواطن و الــذي يقضــي‬
‫منطوقه بسريان القانون الذي يحكم الجرم وقت ارتكابه‪ ،‬لكنه بالنظر إلى أن هذه القاعدة قد تقررت فقــط‬
‫لمصــلحة الفــرد وصــيانة لحريتــه فــان المنطقي هــو جــوازـ ســريان النص الجديــد بــأثر رجعيـ إذا كــان هــذا‬
‫النص أصــلح للمتهم ‪.‬بالنســبة للتشــريع الجزائــريـ بعــد أن نصــت المــادة الثانيــة من قــانون العقوبــات على‬
‫قاعــدة عــدم رجعيــة قــوانين العقوبــات‪ ،‬اســتثنت فيمــا بعــد القــوانين الــتي تكــون أقــل شــدة بــالمتهم بمعــنى أن‬
‫‪ - 9‬نفسه‪ ،‬ص ‪.105‬‬
‫‪ - 10‬محمد سعيد جعفور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.261‬‬
‫‪ - 11‬نفسه‪ ،‬ص ‪.262‬‬
‫قانون العقوبات إذا كان أصلح للمتهم‪ ،‬فانــه ينطبــق على أفعـال وقعت قبـل نفــاذه و يســتبعد بالتــالي القـانون‬
‫الـذي كـان سـاريا وقت وقـوع الفعـل الجنـائي‪ .‬و حسـب نص المـادة الرابعـة من القـانون الجنـائي السـودانيـ‬
‫فإن ــه في حال ــة الج ــرائم ال ــتي لم يص ــدر فيه ــا حكم نه ــائي تطب ـقـ أحك ــام ه ــذا الق ــانون إذا ك ــان ه ــو األص ــلح‬
‫للمتهم‪ .‬في التشريعـ المغربي و في حالة وجود عدة قوانين سارية المفعــول‪ ،‬بين تــاريخ ارتكــاب الجريمــة‬
‫والحكم النه ــائي بش ــأنها‪ ،‬يتعين تط ــبيقـ الق ــانون األص ــلح للمتهم‪ .‬و بن ــاءا على ه ــذا‪ ،‬هن ــاك ش ــرطان يجب‬
‫توافرهما لتطبيق القانون األصلح للمتهم و هما‪:‬‬

‫‪ -1‬التحقق من صالحية القانون الجديد للمتهم‪:‬‬

‫إن مسـالة تحديـد القـانون األصـلح للمتهم بين قـانونين أو أكـثر تعتـبر مسـالة قانونيـة بحتـة يقررهـا القاضـي‬
‫باعتبــاره القــائم على تطــبيقـ القــانون و ذلــك دون أخــذ رأي المتهم أو محاميــه‪.‬و تطبيقــا لــذلك فــان القــانون‬
‫الذي يؤديـ تطبيقه على متهم معين يتمتع مثال بظروف مخففة أو يؤدي إلى عدم توقيـع العقـاب أوتخفيفـه‬
‫أو وق ـفـ تنفيــذه يعتــبرـ هــدا القــانون هــو األصــلح للمتهم بصــرفـ النظــر عمــا إذا كــان تطبيقــه في حــاالت‬
‫أخــرى يــؤدي إلى التشــديد على متهمين آخــرين‪-‬كــل جريمــة ومجــرم على حــدة‪ -‬مثال اعتبــار القتــل دفاعــا‬
‫عن المــال دفاعــا مشــروعا بعــد مــا كــان يعتــبر جريمــة‪.‬أو مثال حيــازة ســالح بــدون تــرخيص يصــبح عمال‬
‫غير مجرم في ظل القانون الجديد في حين انه مجرما في ظل القانون القديم‪.‬‬

‫‪ -2‬صدور القانون الجديد األصلح للمتهم قبل صدور حكم نهائي‪:‬‬

‫ح ــتى يس ــتفيد المتهم من الق ــانون األص ــلح يجب أن يص ــدر ه ــدا الق ــانون قب ــل النط ــق ب ــالحكم النه ــائي على‬
‫المتهم‪ ،‬أم ــا إذا ص ــدر حكم ــا نهائي ــا على المتهم فال يس ــتفيد من الق ــانون الجدي ــد‪ ،‬احترام ــا لحجي ــة األحك ــام‬
‫النهائيــة و للمبــادئ األساســية للقــانون‪ ،‬إال إذا كــان القــانون الجديــد قــد رفــع عن الفعــل صــفة التجــريم نهائيــا‬
‫وأصبح الفعل ال يشكل جريمة هنا يضحى بحجية الحكم النهائي تحقيقا للعدالة و المنطق‪ .‬و تنص المادة‬
‫الخامسة من القانون الجنائي المصريـ على انه إذا صدر قانون بعد حكم نهائي (يقصد حكم بـات) يجعـل‬
‫الفعــل الــذي حكم على المجــرم من أجلــه غــير معــاقب عليــه يوقـفـ تنفيــذ الحكم و تنتهي آثــاره الجنائيــة‪ .‬و‬
‫يكون القانون الجديد قد ألغى الجرم إذا صار بعد القانون الجديد غـير معـاقب عليـه كإلغـاء نص التجـريم‪،‬‬
‫و ي ــترتب على مث ــل ه ــدا الق ــانون ع ــدم إمك ــان الب ــدء في تنفي ــذ العقوب ــة ال ــتي ك ــانت ق ــد ص ــدرت أو ع ــدم‬
‫‪12‬‬
‫االستمرارـ فيهذا التنفيذ إذا كان قد بدأ أو إزالة ما نفذ منها إذا أمكن‪ ،‬كرد مبلغ الغرامة مثال‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬حالة النصوص التفسيرية المرتبطة بقانون قديم‪.‬‬

‫‪ - 12‬لحسن بن شيخ أث ملويا‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.270‬‬


‫إذا صــدرـ تشــريعا لتفســير فقــط بعض العبــارات أو النصــوص في القــانون القــديم فــإن ذلــك التشــريع الجديــد‬
‫يســريـ بــأثر رجعي يمتــد لتــاريخ صــدورـ القــانون القــديم‪ ،‬وذلــك ألن التشــريع التفســيري ليس إال موضــحا‬
‫للنص ــوص القــديم فهــو مكمــل لهــا وكأن ــه جــزء منهن‪ ،‬فالتفس ــير التش ــريعيـ هــو التفس ــير ال ــذي يصــدر عن‬
‫المشرع نفسه‪ ،‬حيث يتدخل لتفسير المقصودـ من قاعــدة قانونيــة معينــة ســبق أن أصــدرها‪ .‬فــالنص المفسـر‬
‫جزء ال يتجزأ من النص الذي تم تفسيره و يشكالن تكليفا واحدا‪ .‬ال يعتبر إصدار القوانين أو النصوص‬
‫التفســيرية إصـدارا لقـانون جديـد ألنهـا تتحــد مـع القـانون األصــيل في نفس النطــاق الزمــني و بهــذا ينسـحب‬
‫العمــل بهــا إلى تــاريخ ذاك القــانون األصــيل الــذي صــدرت تفســيرا لــه‪ .‬و هكــذا ال يجب أن يعتــبر تطــبيق‬
‫القانون التفسيري على وقائع سـابقة خروجــا على مبــدأ ‪ -‬عـدم الرجعيـة‪ -‬طالمـا أن القــانون التفســيري في‬
‫انسحابه على الماضي لم يتجاوز وقت نفاذ القانون األصيل الذي صدر تفسيرا له‪ .‬فالقاضــي إذا وجــد أن‬
‫الق ــانون التفس ــيري تض ــمن أحكام ــا جدي ــدة لم ي ــأت به ــا ق ــانون س ــابق تعين علي ــه أن يخض ــعه لقاع ــدة ع ــدم‬
‫‪13‬‬
‫الرجعية‪.‬‬

‫‪ - 13‬لحسن بن شيخ أث ملويا‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.271‬‬


‫خــاتـمــة‪:‬‬

‫إن تط ـ ــبيق الق ـ ــانون الجن ـ ــائي من حيث الزم ـ ــان ل ـ ــه دالالت تنم عن رغب ـ ــة المش ـ ــرع في إعط ـ ــاء القواع ـ ــد‬
‫القانونيــة الصــفة الفوريــة إضــافة إلى قوتهـاـ اإللزاميــة وجــوب احترامهــا من قبــل كــل األشــخاص و الســيما‬
‫الـــذين يحـــاولون التملص من دائـــرة القـــانون تحت طائلـــة التعـــرض للعقوب ــات المناس ــبة‪ .‬وإ لغـــاء القـــوانين‬
‫الجزائية يهدف عموما إلى إضفاء الشرعية على ما كان من المفترض أن يشكل حمايـة لحقـوق المـواطن‬
‫من كافة أنواع التعسفـ والغبن‪ ،‬حتى وإ ن أصبح تعدد الجرائم شائعا مع تطورـ الــزمن ممــا يســتدعي قيــام‬
‫السلطات التشريعية بسن وتعديل أحكام عدة لكبح جماح الذين يتمردون على القــانون‪ .‬وإ ذا كــانت القاعــدة‬
‫القانونية تتمتع بعدم رجعيتها فانه يالحظ في استثناءات هدا المبدأ بأنها عادلة إلى حد يسمح لفئات معينة‬
‫من المحكــوم عليهم بأحكــام متفاوتــة باالسـتفادة من التـدابير المخففـة أو حمـايتهمـ من أخــرى هي أشـد وطــأة‬
‫عليهم مقارنة باألحكام التي صدرت بحقهم‪ .‬و على العموم و كــرأي شخصـيـ فانــه يجب تفصــيل األحكــام‬
‫ال ــتي يس ــتفيد من ت ــدابيرها أش ــخاص معين ــون دون غ ــيرهم من ال ــذين اعت ــادوا على ارتك ــاب الج ــرائم وال‬
‫تثنيهم عنها مراسيمـ العفو الرئاسي أو تطبيق القانون األصلح للمتهم‪.‬‬

‫كمـــا ينبغي الفحص الـــدقيق و المراجعـــة المســـتمرة للقـــوانين العقابي ــة لم ــا له ــا من أث ــر كب ــير في إصـــالح‬
‫المجتمعات‪ ،‬فأي خطأ غير مقصودـ قد يكلف اآلخرين ثمنا باهظا‪ ،‬و البد من توخيـ الحيطة والحذر عند‬
‫القيام بالتعديالت بما ال يمس بمصالح المجتمع و األفراد منتهجين فيذلك سياسة ناجعة تنم عن الحكمة و‬
‫بعد البصر وفق لقوانين نابعة من ثقافتنا نحن و مطبقة على الزمن الــذي نعيش فيــه‪ ،‬ال قــوانين مســتوردة‬
‫من أزمنة غيرنا‪.‬‬
‫قائمة المراجع‪:‬‬

‫تــيرش بلعســلي ويــزة‪ ،‬مــدخل الى العلــوم القانونيــة – نظريــة القــانون ‪ ، -‬دار هومــة للطباعــة والنشـرـ‬ ‫‪.1‬‬
‫والتوزيع‪ ،‬الطبعة ‪ ،1‬الجزائرـ ‪.2018‬‬
‫لحسـن بن شـيخ أث ملويـا‪ ،‬مـدخل إلى دراسـة القـانون‪ ،‬دار هومـة للطباعـة والنشـر والتوزيـع‪ ،‬الطبعـة‬ ‫‪.2‬‬
‫األولى‪ ،‬الجزائرـ ‪.2017‬‬
‫محم ــد س ــعيد جعف ــور‪ ،‬م ــدخل الى العل ــوم القانوني ــة الوج ــيزـ في نظري ــة الق ــانون‪ ،‬دار هوم ــة للطباع ــة‬ ‫‪.3‬‬
‫والنشرـ والتوزيع‪،‬ـ الطبعة ‪ ،19‬الجزائر ‪.2008‬‬

You might also like