Professional Documents
Culture Documents
م ـ ـقـدم ـ ــة
*********************************
مقـدمـة:
ينصرف معنى القانون الجنائي إلى القواعد التي تحدد سياسة التجريم و العقاب ،و تنظم السياسة اإلجرامية
التي تبين كيفية اقتضاء الدولة لحقها في العقاب بما يضمن التوازن بين حقوق المتهم و حقوق المجتمع .و
يتضمن القانون الجنائي بهذا المعنى نوعين من القواعد ،النوع األول و هو عبارة عن قواعد موضوعية تبين
ما يعد جريمة و كذا العقوبة المقررة لها ،في إطار مبدأ الشرعية بأالا جريمة و ال عقوبة و ال تدبير أمن إالا
بنص من القانون ،ويعبر عن هذه القواعد بقانون العقوبات و الذي يقسم إلى قسمين اثنين أولهما قسم عام
يهتم بدراسة النظرية العامة للجريمة و ببيان األحكام العامة التي تحكم كال من الجريمة والعقوبة عن طريق
تحديد األركان األساسية للجريمة ،وأحكام المسؤولية الجنائية ،و أنواع العقوبات وظروف تشديدها و ظروف
تخفيفها ،و القسم الثاني هو قسم خاص يهتم بتحديد وصف األركان الخاصة بكل جريمة على حدة ،و بيان
الحد األدنى و الحد األقصى للعقوبة المقررة لها.
أما النوع الثاني فهو عبارة عن قواعد شكلية تبين اإلجراءات القانونية التي يتعين مراعاتها ،و يجب إتباعها
طوال مراحل الخصومة الجنائية من مرحلة التحري عن الجريمة ،والتحقيق فيها إلى صدور الحكم الجنائي
وتنفيذه .و يعبرعن هذه القواعد بقانون اإلجراءات الجزائية.
لكن ما هو النطاق الزمني الذي يطبق فيه القانون الجنائي؟ و ما هي المبادئ التي تحكم هذا التطبيق؟
المبحث األول :السريان الزمني للقاعدة القانونية.
األصل العام في تطبيق القانون من حيث الزمان هو أن القانون يكون دائما واجب التطبيق من اليوم التالي
لنشره بالجريدة الرسمية أو من التاريخ الذي يحدده نفس القانون لسريان أحكامه ،و هي قرينة قطعية على
علم الكافة بها فال يعذر أحد بجهل القانون (المادة 74من الدستور) ،وأن القانون ال تسري أحكامه إال على
الحاالت التي تتم في ظله أي بعد إصداره ،وأنه ال يسري على ما وقع من الحاالت قبل صدوره .فالركن
المادي للجريمة يعني كون الفعل المادي للجريمة يقع تحت نص يجرمه وقت ارتكاب الجريمة ،أي أن
السلوك اإلجرامي للفاعل يكون عمالا غير مشروع يعاقب عليه القانون وقت ارتكابه بنص نافذ في القانون،
فال يمكن اعتبار الفعل ماديا في عمل مخالف لقانون سابق جرى أباحته أو إلغاء العقوبة المقررة على
ارتكابه بقانون الحق .و قواعد قانون العقوبات كباقي القواعد القانونية ليست بالنصوص األبدية بل تنشأ و
تعدل و تلغى إن اقتضى األمر ذلك وفق سريان زمني مضبوط تتحكم فيه ظاهرة تعاقب القوانين ،و من
آثار هذه الظاهرة إلغاء القانون الالحق للقانون السابق.
يقصد بإلغاء قاعدة قانونية التوقف التام و النهائي عن العمل بها و بالتالي فإن إلغاء قاعدة قانونية هو
قاعدة قانونية في حد ذاتها تنشأ بنفس الطريقة و تمر بالمراحل ذاتها التي أقرها القانون ،و قد تتناول في
طياتها البديل عن سابقتها و كيفية التطبيق موضحة في ذات الوقت مصير القاعدة األولى و واضعة الحلول
لآلثار التي خلفتها و قد تسكت عن ذلك و بهذا نكون أمام صورتين هما:اإللغاء الصريح و اإللغاء الضمني.
يكون اإللغاء صريحا متى وجد النص ،و صراحته تقتضي اإلشارة إلى انتهاء العمل بالقانون السابق وانتفاء
إلزاميته ،عن طريق استعمال ألفاظ و عبارات واضحة بما ال يدع مجاال للشك أو التأويل ،بحيث تكون
لحظة انقضاء النص السابق هي ذاتها لحظة نفاذ النص الجديد إذا استبدله المشرع بآخر .و هو ما أشارت
له المادة 2فقرة 2من القانون المدني بقولها " ...وال يجوز إلغاء قانون إال بقانون الحق ينص صراحة
1
على هذا اإللغاء "....
و األمثلة عديدة في هذا المجال منها ما جاء في قانون العقوبات الجزائري عندما ألغى نص المادة 10من
األمر 156/66المؤرخ 08جوان 1966المعدلة بموجب المادة 01من القانون 04/82المؤرخ في 13
- 1محمد سعيد جعفور ،مدخل الى العلوم القانونية الوجيز في نظرية القانون ،دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع ،الطبعة ،19الجزائر ،2008
ص .249
فبراير ،1982و اللتان ألغيتا بموجب نص المادة 02من القانون رقم 05-89المؤرخ في 25أفريل .1989
فقد كانت المادة 10وفق األمر 156/66تنص على ما يلي" :االعتقال هو حجز بعض العائدين لإلجرام
لمدة غير محدودة في إحدى مؤسسات التأهيل االجتماعي" .ثم عدلت بموجب القانون 05/82فأصبحت
تنص على" :االعتقال هو حجز بعض العائدين لإلجرام المذكورين في المادة 60مدة غير محدد ة في
إحدى مؤسسات التأهيل االجتماعي ،غير أنه ال يمكن تطبيق الحجز على النساء مهما يكن سنهن و كذا
على األشخاص الذين يتجاوز عمرهم 60سنة أو يقل عن 18سنة وقت ارتكاب الجريمة" .ثم ألغيت
صراحة بموجب القانون.05/89
يكون اإللغاء الضمني في حالة تعارض قانون جديد مع قانون قديم ،أو في حالة صدور تشريع جديد يعيد
تنظيم مسألة تولى تنظيمها تشريع سابق على نحو مغاير حيث يستنتج من هذا التعارض ضرورة تطبيق
النصوص الالحقة على حساب النصوص السابقة .و هو ما أشارت له
المادة 2فقرة 3من القانون المدني بقولها…" و قد يكون اإللغاء ضمنيا إذا تضمن القانون الجديد نصا
يتعارض مع نص القانون القديم أو نظم من جديد موضوعا سبق أن قرر قواعده ذلك القانون القديم ".و
كمثال على اإللغاء الضمني بإعادة تنظيم مسألة تولى تنظيمها تشريع سابق على نحو مغاير ،نص المادة
09من األمر 156/66التي كانت تحصر العقوبات التكميلية في 7أنواع بقولها ":العقوبات التكميلية
2
هي:
.1االعتقال،
.2تحديد اإلقامة،
.3المنع من اإلقامة،
.5المصادرة الجزئية
لألموال،
لكن القانون 05/89في مادته األولى أعاد تنظيم نفس مسألة بقوله" :العقوبات التكميلية هي.:
.1تحديد اإلقامة،
.2المنع من اإلقامة،
النوع األول و هو االعتقال .و مثال على اإللغاء الضمني في حالة تعارض قانون جديد مع قانون قديم ما
هو موجود في نص المادة 8من القانون رقم
.1عزل المحكوم عليه و طرده من جميع الوظائف و المناصب السامية في الحزب أو الدولة و كذا جميع
الخدمات التي لها عالقة بالجريمة.
.2الحرمان من حق االنتخابات و الترشيح و على العموم كل الحقوق الوطنية و السياسية ،و من حمل...الخ"
فجملة "المناصب السياسية في الحزب" لم يعد لها معنى في ظل الدستور الجديد الذي سن التعددية الحزبية
3
و بالتالي فال يمكن للقاضي الحكم بهذا الحرمان ألنه يتعارض ضمنيا مع مبدأ دستوري.
من أجل الفهم الصحيح و التطبيق الصحيح لقواعد القانون البد من إزالة التعارض الذي قد يوجد في الظاهر
بين قواعد القانون المختلفة و نقول أن التعارض قد يوجد في الظاهر ألنه من غير المعقول أن يوجد تعارض
حقيقي بين قواعد القانون بل البد من إزالة هذا التعارض بحيث ال تبقى إال قاعدة قانونية واحدة واجبة
اإلتباع و أهم قواعد إزالة التعارض هي أن القاعدة األعلى تبطل القاعدة األدنى المخالفة لها ،فقواعد القانون
الدستوري ال يتصور مخالفتها من قواعد القانون العادي أو قواعد القانون الفرعي ،وكذلك فإن قواعد القانون
العادي ال يتصور مخالفتها من قواعد القانون الفرعي و ال أهمية في ذلك لمصدر القاعدة فكل مصادر
القانون قادرة على خلق قواعد من درجات مختلفة ،فقواعد القانون الدستوري قد تنشأ عن التشريع أو عن
و القاعدة الثانية أن القاعدة الالحقة تلغي القاعدة السابقة المساوية لها أو األدنى منها في القوة ،و ال أهمية
لمصدر القاعدة الالحقة أو مصدر القاعدة السابقة ،و تسري في هذا الشأن قواعد تنازع القوانين في الزمان
من حيث إكمال األثر المباشر لهذا القانون و انعدام األثر الرجعي للقانون الجديد وهو ما سنوضحه الحقا.
و القاعدة الثالثة أن القاعدة الخاصة تقيد القاعدة العامة المساوية أو األدنى منها في القوة دون النظر إلى
مصدر هتين القاعدتين و دون النظر إلى تاريخ العمل بأي منهما .أما إذا لم تكن إزالة هذا التعارض بأن
كانت كل من القاعدتين مساوية لألخرى في الدرجة و معاصرة لها في النشأة و مطابقة لها في المعنى فال
يكون هناك بد من طرح هتين القاعدتين معا إذ ال يمكن تطبيقهما في نفس الوقت و هذا االفتراض ناذر
للغاية ،إال ما نتج عن خطأ أو سهو.
تنص المادة 2من القانون المدني على ما يلي " :ال يسري القانون إلى على ما يقع في المستقبل وال يكون
له أثر رجعي" .و أيدته أيضا المادة 2من قانون العقوبات بقولها" :ال يسري قانون العقوبات على الماضي
4
إال ما كان منه أقل شدة".
يعني مبدأ األثر الفوري للقانون أن كل تشريع جديد يطبق فو ار منذ تاريخ سريانه أي وقت نفاذه ،فيحدث
آثاره مباشرة على كل الوقائع واألشخاص المخاطبين به على الحاالت التي وقعت عقب نفاذه بصفة فورية
ومباشرة .فالقانون الجديد يصدر ويطبق على الحاضر و المستقبل ،ال على الماضي ،ويستخلص من ذلك
أن القانون القديم يحكم الحاالت التي تمت في ظله ،فال يطبق عليها القانون الجديد .فلو فرضنا أن قانونا
جديدا صار نافذا اليوم ونص على تجريم فعل لم يكون مجرما من قبل ،فمن البديهي أنه يسري ابتداء من
المجرم ،وبالتالي ال يمكن متابعة من قاموا بهذا الفعل في الماضي ،و
َّ اليوم على كل من يقوم بهذا الفعل
إن كان حتى باألمس مثال :لو فرضنا أن قانون المالية لسنة 1998يفرض ضريبة على شراء السيارات،
فيكون مشتري السيارة ملزم بأداء تلك الضريبة من أول يوم لسنة ،1998و إال اتهم بجريمة التهرب الضريبي
- 4لحسن بن شيخ أث ملويا ،مدخل إلى دراسة القانون ،دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع ،الطبعة األولى ،الجزائر ،2017ص .267
بعد هذا التاريخ و لكن ال يلزم بأداء هذه الضريبة كل األشخاص الذين اشتروا سيارة في العام الماضي،
وحتى في آخر يوم لسنة .1997في خضم عدم وجود الضريبة فال وجود لجرم التهرب الضريبي.
البد من اإلشارة إلى أن هذا المبدأ يخص بشكل أدق القواعد الشكلية أو ما يعرف بالقواعد اإلجرائية ويرجع
السبب في ذلك أن هدف اإلجراءات الشكلية عموما هو إدراك الحقيقة بأسرع وقت دون مساس بالقواعد
المتعلقة بالتجريم و العقاب و التي تقصدها الدساتير و القوانين في تقريرها عدم رجعية أحكامها على
الماضي و بالتالي فإن المتهم ال يضار قط من سريان هذه القواعد مباشرة عليه ،بل أنه على العكس قد
يستفيد طالما أن كل تعديل لقاعدة إجرائية مقصود به أصال محاولة إدراك الحقيقة القضائية في وقت أقصرو
بشكل أكثر يقينا ،كما أن هذا التعديل لن يكون له تأثير على موقفه القضائي و سلوكه الذي يتوجه إلى
الجريمة و العقوبة وليس إلى اإلجراءات الجنائية
فالعبرة هي بوقت مباشرة اإلجراء و ليس بوقت وقوع الجريمة التي يتخذ اإلجراء بمناسبتها ،فالقواعد اإلجرائية
تسري من يوم نفاذها بأثر فوري على القضايا التي لم تكن قد تم الفصل فيها ما لم ينص القانون على
خالف ذلك .ويكاد الفقه يتفق على أن مضمون القاعدة أو موضوعها هو الفيصل في بيان طبيعتها القانونية
فتكون القاعدة موضوعية إذا كان مضمونها أو موضوعها يتعلق بحق الدولة في العقاب سواء من حيث
نشأته أو تعديله أو انقضائه بينما تكون القاعدة إجرائية إذا كان موضوعها أو مضمونها يتعلق باألشكال ة
األساليب و الكيفيات التي ينبغي إتباعها في سبيل اقتضاء هذا الحق أمام السلطة القضائية ،بصرف النظر
عن موقع القاعدة أي عن ورودها في قانون العقوبات أم اإلجراءات الجنائية ،و بصرف النظر عن الغاية
5
التي تستهدفها أي سواء كانت في مصلحة الفرد أم في مصلحة الجماعة.
بالرغم من فرط بداهة هذا المبدأ فقد أورد عليه الشارع استثناءات منها ما يتعلق بالجريمة و منها ما يتعلق
بالجزاء إذ أن فورية التطبيق ال تسمح للقانون القديم من تجاوز نطاقه الزمني في التطبيق.
و أهم استثناء لهذا المبدأ هو و جود النص الصريح على مخالفة التنفيذ الفوري للقاعدة القانونية إذ يجوز
للمشرع أن ينص في تشريع خاص على تنفيذ القانون في وقت الحق نظ ار لوجود ظروف معينة تعيق تطبيقه
مباشرة ،هذا النص يجعل من القانون الصادر مجمدا إلى حين و هو داللة على تطبيقه مستقبال و ليس
فوريا .كما يجوز النص الصريح أن يعطي استثناءا آخر يؤدي إلى رجعية بعض القوانين إلى الماضي
السيما تلك التي تتعلق باآلجال و مواعيد التقادم التي يكون تمديدها أو تقليصها في صالح المتهم وذلك
من بين أبرز المبادئ و أهمها على اإلطالق مبدأ عدم رجعية القوانين الجنائية
يسري النص الجنائي من تاريخ نفاذه فال تطبق أحكامه إال على األفعال التي ترتكب بعد تاريخ نفاذه ،أما
األفعال التي ترتكب قبل تاريخ النفاذ فال يشملها .وهو ما سنوضحه في هذا المطلب بإبراز مفهوم مبدأ عدم
7
رجعية القوانين من حيث توقيت العمل بالقانون الجديد و من حيث توقيت ارتكاب الجريمة.
نصت المادة الثانية من قانون العقوبات على أنه ال يسري قانون العقوبات على الماضي ،كما تضمن
الدستور الجديد أيضا النص على هذه القاعدة التي عرفت باسم عدم رجعية أحكام قانون العقوبات ،و
بمقتضى هذه القاعدة ال يجوز أن يحكم على شخص بعقوبة لفعل كان مباحا وقت ارتكاب.
كما ال يجوز أيضا أن يحكم على شخص بعقوبة أشد من التي كانت محددة لها وقت ارتكابها و تستند هذه
القاعدة المقررة في الدستور و في المادة الثانية من قانون العقوبات على مبدأ الشرعية .فتوقيع عقوبة على
فعل كان مباحا وقت ارتكابه معناه تجريم فعل بغير نص تشريعي ،كما أن توقيع عقوبة اشد من تلك المحددة
في النص الساري وقت ارتكاب الجريمة معناه تطبيق عقوبة بغير نص تشريعي ،و هو ما يخالف مبدأ
الشرعية .و على ذلك فقاعدة عدم رجعية نصوص قانون العقوبات هي نتيجة حتمية ومنطقية لمبدأ شرعية
- 6تيرش بلعسلي ويزة ،مدخل الى العلوم القانونية – نظرية القانون ، -دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع ،الطبعة ،1الجزائر ،2018ص
.102
- 7تيرش بلعسلي ويزة ،نفسه ،ص .103
الجرائم و العقوبات .و قد نص الدستور المصري في مادته 188على انه تنشر القوانين في الجريدة الرسمية
خالل أسبوعين من يوم إصدارها و يعمل بها بعد شهر من اليوم التالي لتاريخ نشرها إال إذا حددت لذلك
ميعادا آخر .كما قرر بالمادة 187انه "ال تسري أحكام القوانين إال على ما يقع من تاريخ العمل بها و ال
يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها.
المبدأ إذن ،أن أحكام القاعدة الجنائية ال تسري إال على ما يقع من تاريخ العمل بها ،و منذ تلك اللحظة
يفرض القانون الجديد سلطانه على كافة الجرائم التي تقع ابتداء من هدا التاريخ .ومن جهة أخرى ،فالدستور
األردني و قانون العقوبات حددا متى ينفذ القانون الجديد بعد نشره في الجريدة الرسمية و المدة هي ثالثين
يوما من تاريخ نشره و اليوم األول ال يحتسب .و العبرة هي بوقت العمل بالقانون الجديد ال بتاريخ إصداره.
وينص الفصل الرابع من القانون الجنائي المغربي على انه ال يؤاخذ أحد على فعل لم يكن يعتبر جريمة
بمقتضى القانون الذي كان ساريا وقت ارتكابه.
ويشير الفصل الخامس إلى انه ال يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لم يعد يعتبر جريمة بمقتضى قانون صدر
بعد ارتكابه .فإن كان قد صدر حكم باإلدانة ،فإن العقوبات المحكوم بها ،أصلية كانت أو إضافية ،يجعل
حد لتنفيذها .و تنص المادة األولى من القانون الجنائي السودان على انه :يسمي هذا القانون " القانون
الجنائي لسنة 1991م " ويعمل به بعد شهر من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية .ويطبق القانون الذي كان
8
معموالا به في وقت ارتكاب الجريمة (المادة الرابعة).
هناك بعض الجرائم التي ال يثير تحديد وقت ارتكابها أدنى صعوبة ألنها ترتكب وتتم في لحظة واحدة من
الزمان .فمن يطلق النار على غريمه فيخر على الفور صريعا ال يتردد أحد في تحديد وقت ارتكاب الجريمة
ألنها تبدأ و تتم في لحظة زمنية واحدة .فتحديد وقت ارتكاب الجريمة خالل سريان النص الجنائي ال يثير
صعوبة بالنسبة للجريمة الوقتية ،فالفعل يبدأ و ينتهي خالل فترة زمنية وجيزة ،فالصعوبة تظهر في تلك
الجرائم التي يتراخى أمدها في التنفيذ ،تلك الجرائم التي استقر العرف على تسميتها بالجرائم الزمنية النطوائها
على عنصر زمني يباعد بين الفعل و النتيجة في أغلب األحوال و هي ما يغرف بالجرائم المستمرة كإخفاء
األشياء المسروقة ،و الحبس بدون وجه حق ووضع جرعات من السم على فترات زمنية متباعدة ،الهدف
9
منها قتل الشخص أو المريض بعد مدة ما...الخ.
و هناك مالحظة هامة مؤداها أن االتفاق الجنائي على الجرائم المستمرة أو المتتابعة يطبق عليه القانون
الجديد و لو كان أشد على المتهم ،طالما أن الجريمة المستمرة قد وقعت بعد العمل به.من جهة أخرى
* نظرية السلوك :طبقا لهده النظرية تكون العبرة في تحديد وقت الجريمة بوقت إتيان السلوك.
* نظرية النتيجة :طبقا لها تكون العبرة بوقت وقوع النتيجة ،والجريمة تعتبر مرتكبة فقط في ذلك الحين.
*نظرية مختلطة :ال تعتد بالفعل أو النتيجة أيهما فقط ،بل تعتد بهما معا ،فتأخذ أحيانا بوقت ارتكاب الفعل
10
وأحيانا أخرى بوقت وقوع النتيجة.
هناك استثناءين على هذا المبدأ هما تطبيق القانون األصلح للمتهم وحالة النصوص التفسيرية المرتبطة
11
بقانون قديم.
المبدأ بالنسبة لقواعد القانون الجنائي هو عدم رجعية القوانين و هو يعد من النتائج المباشرة لمبدأ شرعية
الجرائم و العقوبات الذي يشكل ضمانة هامة لحماية الحرية الفردية للمواطن و الذي يقضي منطوقه بسريان
القانون الذي يحكم الجرم وقت ارتكابه ،لكنه بالنظر إلى أن هذه القاعدة قد تقررت فقط لمصلحة الفرد
وصيانة لحريته فان المنطقي هو جواز سريان النص الجديد بأثر رجعي إذا كان هذا النص أصلح للمتهم
.بالنسبة للتشريع الجزائري بعد أن نصت المادة الثانية من قانون العقوبات على قاعدة عدم رجعية قوانين
العقوبات ،استثنت فيما بعد القوانين التي تكون أقل شدة بالمتهم بمعنى أن قانون العقوبات إذا كان أصلح
للمتهم ،فانه ينطبق على أفعال وقعت قبل نفاذه و يستبعد بالتالي القانون الذي كان ساريا وقت وقوع الفعل
الجنائي .و حسب نص المادة الرابعة من القانون الجنائي السوداني فإنه في حالة الجرائم التي لم يصدر
فيها حكم نهائي تطبق أحكام هذا القانون إذا كان هو األصلح للمتهم .في التشريع المغربي و في حالة وجود
إن مسالة تحديد القانون األصلح للمتهم بين قانونين أو أكثر تعتبر مسالة قانونية بحتة يقررها القاضي
باعتباره القائم على تطبيق القانون و ذلك دون أخذ رأي المتهم أو محاميه.و تطبيقا لذلك فان القانون الذي
يؤدي تطبيقه على متهم معين يتمتع مثال بظروف مخففة أو يؤدي إلى عدم توقيع العقاب أوتخفيفه أو وقف
تنفيذه يعتبر هدا القانون هو األصلح للمتهم بصرف النظر عما إذا كان تطبيقه في حاالت أخرى يؤدي إلى
التشديد على متهمين آخرين-كل جريمة ومجرم على حدة -مثال اعتبار القتل دفاعا عن المال دفاعا مشروعا
بعد ما كان يعتبر جريمة.أو مثال حيازة سالح بدون ترخيص يصبح عمال غير مجرم في ظل القانون الجديد
في حين انه مجرما في ظل القانون القديم.
حتى يستفيد المتهم من القانون األصلح يجب أن يصدر هدا القانون قبل النطق بالحكم النهائي على المتهم،
أما إذا صدر حكما نهائيا على المتهم فال يستفيد من القانون الجديد ،احتراما لحجية األحكام النهائية و
للمبادئ األساسية للقانون ،إال إذا كان القانون الجديد قد رفع عن الفعل صفة التجريم نهائيا وأصبح الفعل
ال يشكل جريمة هنا يضحى بحجية الحكم النهائي تحقيقا للعدالة و المنطق .و تنص المادة الخامسة من
القانون الجنائي المصري على انه إذا صدر قانون بعد حكم نهائي (يقصد حكم بات) يجعل الفعل الذي
حكم على المجرم من أجله غير معاقب عليه يوقف تنفيذ الحكم و تنتهي آثاره الجنائية .و يكون القانون
الجديد قد ألغى الجرم إذا صار بعد القانون الجديد غير معاقب عليه كإلغاء نص التجريم ،و يترتب على
مثل هدا القانون عدم إمكان البدء في تنفيذ العقوبة التي كانت قد صدرت أو عدم االستمرار فيهذا التنفيذ
12
إذا كان قد بدأ أو إزالة ما نفذ منها إذا أمكن ،كرد مبلغ الغرامة مثال.
إذا صدر تشريعا لتفسير فقط بعض العبارات أو النصوص في القانون القديم فإن ذلك التشريع الجديد يسري
بأثر رجعي يمتد لتاريخ صدور القانون القديم ،وذلك ألن التشريع التفسيري ليس إال موضحا للنصوص القديم
فهو مكمل لها وكأنه جزء منهن ،فالتفسير التشريعي هو التفسير الذي يصدر عن المشرع نفسه ،حيث
يتدخل لتفسير المقصود من قاعدة قانونية معينة سبق أن أصدرها .فالنص المفسر جزء ال يتج أز من النص
إن تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان له دالالت تنم عن رغبة المشرع في إعطاء القواعد القانونية
الصفة الفورية إضافة إلى قوتها اإللزامية وجوب احترامها من قبل كل األشخاص و السيما الذين يحاولون
التملص من دائرة القانون تحت طائلة التعرض للعقوبات المناسبة .والغاء القوانين الجزائية يهدف عموما
إلى إضفاء الشرعية على ما كان من المفترض أن يشكل حماية لحقوق المواطن من كافة أنواع التعسف
والغبن ،حتى وان أصبح تعدد الجرائم شائعا مع تطور الزمن مما يستدعي قيام السلطات التشريعية بسن
وتعديل أحكام عدة لكبح جماح الذين يتمردون على القانون .واذا كانت القاعدة القانونية تتمتع بعدم رجعيتها
فانه يالحظ في استثناءات هدا المبدأ بأنها عادلة إلى حد يسمح لفئات معينة من المحكوم عليهم بأحكام
متفاوتة باالستفادة من التدابير المخففة أو حمايتهم من أخرى هي أشد وطأة عليهم مقارنة باألحكام التي
صدرت بحقهم .و على العموم و كرأي شخصي فانه يجب تفصيل األحكام التي يستفيد من تدابيرها أشخاص
معينون دون غيرهم من الذين اعتادوا على ارتكاب الجرائم وال تثنيهم عنها مراسيم العفو الرئاسي أو تطبيق
القانون األصلح للمتهم.
كما ينبغي الفحص الدقيق و المراجعة المستمرة للقوانين العقابية لما لها من أثر كبير في إصالح المجتمعات،
فأي خطأ غير مقصود قد يكلف اآلخرين ثمنا باهظا ،و البد من توخي الحيطة والحذر عند القيام بالتعديالت
بما ال يمس بمصالح المجتمع و األفراد منتهجين فيذلك سياسة ناجعة تنم عن الحكمة و بعد البصر وفق
لقوانين نابعة من ثقافتنا نحن و مطبقة على الزمن الذي نعيش فيه ،ال قوانين مستوردة من أزمنة غيرنا.
قائمة المراجع:
.1تيرش بلعسلي ويزة ،مدخل الى العلوم القانونية – نظرية القانون ، -دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع،
الطبعة ،1الجزائر .2018
.2لحسن بن شيخ أث ملويا ،مدخل إلى دراسة القانون ،دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع ،الطبعة األولى،
الجزائر .2017
.3محمد سعيد جعفور ،مدخل الى العلوم القانونية الوجيز في نظرية القانون ،دار هومة للطباعة والنشر
والتوزيع ،الطبعة ،19الجزائر .2008