You are on page 1of 14

‫نطاق تطبيق القانون من حيث الزمان‬

‫م ـ ـقـدم ـ ــة‬

‫المبحث األول‪ :‬السريان الزمني للقاعدة القانونية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬إلغاء القوانين الجزائية‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬اإللغاء الصريح‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬اإللغاء الضمني‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مبدأ األثر الفوري للقاعدة القانونية‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مفهوم مبدأ األثر الفوري‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬االستثناءات الواردة على مبدأ األثر الفوري‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مبدأ عدم رجعية القوانين‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم مبدأ عدم رجعية القوانين‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬من حيث توقيت العمل بالقانون الجديد‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬من حيث توقيت ارتكاب الجريمة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬االستثناءات الواردة على مبدأ عدم رجعية القوانين‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تطبيق القانون األصلح للمتهم‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬حالة النصوص التفسيرية المرتبطة بقانون قديم‪.‬‬

‫الخـ ـ ـ ــات ـم ـ ـ ــة‪.‬‬

‫*********************************‬
‫مقـدمـة‪:‬‬

‫ينصرف معنى القانون الجنائي إلى القواعد التي تحدد سياسة التجريم و العقاب‪ ،‬و تنظم السياسة اإلجرامية‬
‫التي تبين كيفية اقتضاء الدولة لحقها في العقاب بما يضمن التوازن بين حقوق المتهم و حقوق المجتمع‪ .‬و‬
‫يتضمن القانون الجنائي بهذا المعنى نوعين من القواعد‪ ،‬النوع األول و هو عبارة عن قواعد موضوعية تبين‬
‫ما يعد جريمة و كذا العقوبة المقررة لها‪ ،‬في إطار مبدأ الشرعية بأالا جريمة و ال عقوبة و ال تدبير أمن إالا‬
‫بنص من القانون‪ ،‬ويعبر عن هذه القواعد بقانون العقوبات و الذي يقسم إلى قسمين اثنين أولهما قسم عام‬
‫يهتم بدراسة النظرية العامة للجريمة و ببيان األحكام العامة التي تحكم كال من الجريمة والعقوبة عن طريق‬
‫تحديد األركان األساسية للجريمة‪ ،‬وأحكام المسؤولية الجنائية‪ ،‬و أنواع العقوبات وظروف تشديدها و ظروف‬
‫تخفيفها‪ ،‬و القسم الثاني هو قسم خاص يهتم بتحديد وصف األركان الخاصة بكل جريمة على حدة‪ ،‬و بيان‬
‫الحد األدنى و الحد األقصى للعقوبة المقررة لها‪.‬‬

‫أما النوع الثاني فهو عبارة عن قواعد شكلية تبين اإلجراءات القانونية التي يتعين مراعاتها‪ ،‬و يجب إتباعها‬
‫طوال مراحل الخصومة الجنائية من مرحلة التحري عن الجريمة‪ ،‬والتحقيق فيها إلى صدور الحكم الجنائي‬
‫وتنفيذه‪ .‬و يعبرعن هذه القواعد بقانون اإلجراءات الجزائية‪.‬‬

‫لكن ما هو النطاق الزمني الذي يطبق فيه القانون الجنائي؟ و ما هي المبادئ التي تحكم هذا التطبيق؟‬
‫المبحث األول‪ :‬السريان الزمني للقاعدة القانونية‪.‬‬

‫األصل العام في تطبيق القانون من حيث الزمان هو أن القانون يكون دائما واجب التطبيق من اليوم التالي‬
‫لنشره بالجريدة الرسمية أو من التاريخ الذي يحدده نفس القانون لسريان أحكامه‪ ،‬و هي قرينة قطعية على‬
‫علم الكافة بها فال يعذر أحد بجهل القانون (المادة ‪ 74‬من الدستور)‪ ،‬وأن القانون ال تسري أحكامه إال على‬
‫الحاالت التي تتم في ظله أي بعد إصداره‪ ،‬وأنه ال يسري على ما وقع من الحاالت قبل صدوره‪ .‬فالركن‬
‫المادي للجريمة يعني كون الفعل المادي للجريمة يقع تحت نص يجرمه وقت ارتكاب الجريمة‪ ،‬أي أن‬
‫السلوك اإلجرامي للفاعل يكون عمالا غير مشروع يعاقب عليه القانون وقت ارتكابه بنص نافذ في القانون‪،‬‬
‫فال يمكن اعتبار الفعل ماديا في عمل مخالف لقانون سابق جرى أباحته أو إلغاء العقوبة المقررة على‬
‫ارتكابه بقانون الحق‪ .‬و قواعد قانون العقوبات كباقي القواعد القانونية ليست بالنصوص األبدية بل تنشأ و‬
‫تعدل و تلغى إن اقتضى األمر ذلك وفق سريان زمني مضبوط تتحكم فيه ظاهرة تعاقب القوانين‪ ،‬و من‬
‫آثار هذه الظاهرة إلغاء القانون الالحق للقانون السابق‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬إلغاء القوانين الجزائية‪.‬‬

‫يقصد بإلغاء قاعدة قانونية التوقف التام و النهائي عن العمل بها و بالتالي فإن إلغاء قاعدة قانونية هو‬
‫قاعدة قانونية في حد ذاتها تنشأ بنفس الطريقة و تمر بالمراحل ذاتها التي أقرها القانون‪ ،‬و قد تتناول في‬
‫طياتها البديل عن سابقتها و كيفية التطبيق موضحة في ذات الوقت مصير القاعدة األولى و واضعة الحلول‬
‫لآلثار التي خلفتها و قد تسكت عن ذلك و بهذا نكون أمام صورتين هما‪:‬اإللغاء الصريح و اإللغاء الضمني‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬اإللغاء الصريح‪.‬‬

‫يكون اإللغاء صريحا متى وجد النص‪ ،‬و صراحته تقتضي اإلشارة إلى انتهاء العمل بالقانون السابق وانتفاء‬
‫إلزاميته‪ ،‬عن طريق استعمال ألفاظ و عبارات واضحة بما ال يدع مجاال للشك أو التأويل‪ ،‬بحيث تكون‬
‫لحظة انقضاء النص السابق هي ذاتها لحظة نفاذ النص الجديد إذا استبدله المشرع بآخر‪ .‬و هو ما أشارت‬
‫له المادة ‪ 2‬فقرة ‪ 2‬من القانون المدني بقولها "‪ ...‬وال يجوز إلغاء قانون إال بقانون الحق ينص صراحة‬
‫‪1‬‬
‫على هذا اإللغاء ‪"....‬‬

‫و األمثلة عديدة في هذا المجال منها ما جاء في قانون العقوبات الجزائري عندما ألغى نص المادة ‪ 10‬من‬
‫األمر ‪ 156/66‬المؤرخ ‪ 08‬جوان ‪ 1966‬المعدلة بموجب المادة ‪ 01‬من القانون ‪ 04/82‬المؤرخ في ‪13‬‬

‫‪ - 1‬محمد سعيد جعفور‪ ،‬مدخل الى العلوم القانونية الوجيز في نظرية القانون‪ ،‬دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة ‪ ،19‬الجزائر ‪،2008‬‬
‫ص ‪.249‬‬
‫فبراير ‪ ،1982‬و اللتان ألغيتا بموجب نص المادة‪ 02‬من القانون رقم ‪ 05-89‬المؤرخ في ‪ 25‬أفريل ‪.1989‬‬
‫فقد كانت المادة ‪ 10‬وفق األمر ‪ 156/66‬تنص على ما يلي‪" :‬االعتقال هو حجز بعض العائدين لإلجرام‬
‫لمدة غير محدودة في إحدى مؤسسات التأهيل االجتماعي"‪ .‬ثم عدلت بموجب القانون ‪ 05/82‬فأصبحت‬
‫تنص على‪" :‬االعتقال هو حجز بعض العائدين لإلجرام المذكورين في المادة ‪ 60‬مدة غير محدد ة في‬
‫إحدى مؤسسات التأهيل االجتماعي‪ ،‬غير أنه ال يمكن تطبيق الحجز على النساء مهما يكن سنهن و كذا‬
‫على األشخاص الذين يتجاوز عمرهم ‪ 60‬سنة أو يقل عن ‪ 18‬سنة وقت ارتكاب الجريمة"‪ .‬ثم ألغيت‬
‫صراحة بموجب القانون‪.05/89‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬اإللغاء الضمني‪.‬‬

‫يكون اإللغاء الضمني في حالة تعارض قانون جديد مع قانون قديم‪ ،‬أو في حالة صدور تشريع جديد يعيد‬
‫تنظيم مسألة تولى تنظيمها تشريع سابق على نحو مغاير حيث يستنتج من هذا التعارض ضرورة تطبيق‬
‫النصوص الالحقة على حساب النصوص السابقة‪ .‬و هو ما أشارت له‬

‫المادة ‪ 2‬فقرة ‪ 3‬من القانون المدني بقولها…" و قد يكون اإللغاء ضمنيا إذا تضمن القانون الجديد نصا‬
‫يتعارض مع نص القانون القديم أو نظم من جديد موضوعا سبق أن قرر قواعده ذلك القانون القديم‪ ".‬و‬
‫كمثال على اإللغاء الضمني بإعادة تنظيم مسألة تولى تنظيمها تشريع سابق على نحو مغاير‪ ،‬نص المادة‬
‫‪ 09‬من األمر ‪ 156/66‬التي كانت تحصر العقوبات التكميلية في ‪ 7‬أنواع بقولها‪ ":‬العقوبات التكميلية‬
‫‪2‬‬
‫هي‪:‬‬

‫‪ .1‬االعتقال‪،‬‬

‫‪ .2‬تحديد اإلقامة‪،‬‬

‫‪.3‬المنع من اإلقامة‪،‬‬

‫‪ .4‬الحرمان من مباشرة بعض الحقوق‪،‬‬

‫‪ .5‬المصادرة الجزئية‬

‫لألموال‪،‬‬

‫‪ .6‬حل الشخص االعتباري‪،‬‬

‫‪ - 2‬محمد سعيد جعفور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.250‬‬


‫‪.7‬نشر الحكم"‪.‬‬

‫لكن القانون ‪ 05/89‬في مادته األولى أعاد تنظيم نفس مسألة بقوله‪" :‬العقوبات التكميلية هي‪.:‬‬

‫‪.1‬تحديد اإلقامة‪،‬‬

‫‪ .2‬المنع من اإلقامة‪،‬‬

‫‪.3‬الحرمان من مباشرة بعض الحقوق‪،‬‬

‫‪.4‬المصادرة الجزئية لألموال‪،‬‬

‫‪.5‬حل الشخص االعتباري‪.6 ،‬نشر الحكم‪ ".‬حاذفا‬

‫النوع األول و هو االعتقال‪ .‬و مثال على اإللغاء الضمني في حالة تعارض قانون جديد مع قانون قديم ما‬
‫هو موجود في نص المادة ‪ 8‬من القانون رقم‬

‫‪ 04-82‬المؤرخ في ‪ 13‬فيفري ‪" :1982‬الحرمان من الحقوق الوطنية ينحصر في ‪:‬‬

‫‪.1‬عزل المحكوم عليه و طرده من جميع الوظائف و المناصب السامية في الحزب أو الدولة و كذا جميع‬
‫الخدمات التي لها عالقة بالجريمة‪.‬‬

‫‪ .2‬الحرمان من حق االنتخابات و الترشيح و على العموم كل الحقوق الوطنية و السياسية‪ ،‬و من حمل‪...‬الخ"‬
‫فجملة "المناصب السياسية في الحزب" لم يعد لها معنى في ظل الدستور الجديد الذي سن التعددية الحزبية‬
‫‪3‬‬
‫و بالتالي فال يمكن للقاضي الحكم بهذا الحرمان ألنه يتعارض ضمنيا مع مبدأ دستوري‪.‬‬

‫لكن كيف يفسر هذا اإللغاء؟‬

‫من أجل الفهم الصحيح و التطبيق الصحيح لقواعد القانون البد من إزالة التعارض الذي قد يوجد في الظاهر‬
‫بين قواعد القانون المختلفة و نقول أن التعارض قد يوجد في الظاهر ألنه من غير المعقول أن يوجد تعارض‬
‫حقيقي بين قواعد القانون بل البد من إزالة هذا التعارض بحيث ال تبقى إال قاعدة قانونية واحدة واجبة‬
‫اإلتباع و أهم قواعد إزالة التعارض هي أن القاعدة األعلى تبطل القاعدة األدنى المخالفة لها‪ ،‬فقواعد القانون‬
‫الدستوري ال يتصور مخالفتها من قواعد القانون العادي أو قواعد القانون الفرعي‪ ،‬وكذلك فإن قواعد القانون‬
‫العادي ال يتصور مخالفتها من قواعد القانون الفرعي و ال أهمية في ذلك لمصدر القاعدة فكل مصادر‬
‫القانون قادرة على خلق قواعد من درجات مختلفة‪ ،‬فقواعد القانون الدستوري قد تنشأ عن التشريع أو عن‬

‫‪ - 3‬محمد سعيد جعفور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.251‬‬


‫العرف أو عن القضاء و يكفي بالنسبة للقضاء أن نذكر أن قاعدة رقابة القضاء الدستورية القوانين هي ذاتها‬
‫قاعدة دستورية و هي من خلق القضاء ذاته‪.‬‬

‫و القاعدة الثانية أن القاعدة الالحقة تلغي القاعدة السابقة المساوية لها أو األدنى منها في القوة‪ ،‬و ال أهمية‬
‫لمصدر القاعدة الالحقة أو مصدر القاعدة السابقة‪ ،‬و تسري في هذا الشأن قواعد تنازع القوانين في الزمان‬
‫من حيث إكمال األثر المباشر لهذا القانون و انعدام األثر الرجعي للقانون الجديد وهو ما سنوضحه الحقا‪.‬‬

‫و القاعدة الثالثة أن القاعدة الخاصة تقيد القاعدة العامة المساوية أو األدنى منها في القوة دون النظر إلى‬
‫مصدر هتين القاعدتين و دون النظر إلى تاريخ العمل بأي منهما‪ .‬أما إذا لم تكن إزالة هذا التعارض بأن‬
‫كانت كل من القاعدتين مساوية لألخرى في الدرجة و معاصرة لها في النشأة و مطابقة لها في المعنى فال‬
‫يكون هناك بد من طرح هتين القاعدتين معا إذ ال يمكن تطبيقهما في نفس الوقت و هذا االفتراض ناذر‬
‫للغاية‪ ،‬إال ما نتج عن خطأ أو سهو‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مبدأ األثر الفوري للقاعدة القانونية‪.‬‬

‫تنص المادة ‪ 2‬من القانون المدني على ما يلي‪ " :‬ال يسري القانون إلى على ما يقع في المستقبل وال يكون‬
‫له أثر رجعي"‪ .‬و أيدته أيضا المادة ‪ 2‬من قانون العقوبات بقولها‪" :‬ال يسري قانون العقوبات على الماضي‬
‫‪4‬‬
‫إال ما كان منه أقل شدة"‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مفهوم مبدأ األثر الفوري‪.‬‬

‫يعني مبدأ األثر الفوري للقانون أن كل تشريع جديد يطبق فو ار منذ تاريخ سريانه أي وقت نفاذه‪ ،‬فيحدث‬
‫آثاره مباشرة على كل الوقائع واألشخاص المخاطبين به على الحاالت التي وقعت عقب نفاذه بصفة فورية‬
‫ومباشرة‪ .‬فالقانون الجديد يصدر ويطبق على الحاضر و المستقبل‪ ،‬ال على الماضي‪ ،‬ويستخلص من ذلك‬
‫أن القانون القديم يحكم الحاالت التي تمت في ظله‪ ،‬فال يطبق عليها القانون الجديد‪ .‬فلو فرضنا أن قانونا‬
‫جديدا صار نافذا اليوم ونص على تجريم فعل لم يكون مجرما من قبل‪ ،‬فمن البديهي أنه يسري ابتداء من‬
‫المجرم‪ ،‬وبالتالي ال يمكن متابعة من قاموا بهذا الفعل في الماضي‪ ،‬و‬
‫َّ‬ ‫اليوم على كل من يقوم بهذا الفعل‬
‫إن كان حتى باألمس مثال ‪:‬لو فرضنا أن قانون المالية لسنة ‪ 1998‬يفرض ضريبة على شراء السيارات‪،‬‬
‫فيكون مشتري السيارة ملزم بأداء تلك الضريبة من أول يوم لسنة ‪ ،1998‬و إال اتهم بجريمة التهرب الضريبي‬

‫‪ - 4‬لحسن بن شيخ أث ملويا‪ ،‬مدخل إلى دراسة القانون‪ ،‬دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الجزائر ‪ ،2017‬ص ‪.267‬‬
‫بعد هذا التاريخ و لكن ال يلزم بأداء هذه الضريبة كل األشخاص الذين اشتروا سيارة في العام الماضي‪،‬‬
‫وحتى في آخر يوم لسنة ‪.1997‬في خضم عدم وجود الضريبة فال وجود لجرم التهرب الضريبي‪.‬‬

‫البد من اإلشارة إلى أن هذا المبدأ يخص بشكل أدق القواعد الشكلية أو ما يعرف بالقواعد اإلجرائية ويرجع‬
‫السبب في ذلك أن هدف اإلجراءات الشكلية عموما هو إدراك الحقيقة بأسرع وقت دون مساس بالقواعد‬
‫المتعلقة بالتجريم و العقاب و التي تقصدها الدساتير و القوانين في تقريرها عدم رجعية أحكامها على‬
‫الماضي و بالتالي فإن المتهم ال يضار قط من سريان هذه القواعد مباشرة عليه‪ ،‬بل أنه على العكس قد‬
‫يستفيد طالما أن كل تعديل لقاعدة إجرائية مقصود به أصال محاولة إدراك الحقيقة القضائية في وقت أقصرو‬
‫بشكل أكثر يقينا‪ ،‬كما أن هذا التعديل لن يكون له تأثير على موقفه القضائي و سلوكه الذي يتوجه إلى‬
‫الجريمة و العقوبة وليس إلى اإلجراءات الجنائية‬

‫فالعبرة هي بوقت مباشرة اإلجراء و ليس بوقت وقوع الجريمة التي يتخذ اإلجراء بمناسبتها‪ ،‬فالقواعد اإلجرائية‬
‫تسري من يوم نفاذها بأثر فوري على القضايا التي لم تكن قد تم الفصل فيها ما لم ينص القانون على‬
‫خالف ذلك‪ .‬ويكاد الفقه يتفق على أن مضمون القاعدة أو موضوعها هو الفيصل في بيان طبيعتها القانونية‬
‫فتكون القاعدة موضوعية إذا كان مضمونها أو موضوعها يتعلق بحق الدولة في العقاب سواء من حيث‬
‫نشأته أو تعديله أو انقضائه بينما تكون القاعدة إجرائية إذا كان موضوعها أو مضمونها يتعلق باألشكال ة‬
‫األساليب و الكيفيات التي ينبغي إتباعها في سبيل اقتضاء هذا الحق أمام السلطة القضائية‪ ،‬بصرف النظر‬
‫عن موقع القاعدة أي عن ورودها في قانون العقوبات أم اإلجراءات الجنائية‪ ،‬و بصرف النظر عن الغاية‬
‫‪5‬‬
‫التي تستهدفها أي سواء كانت في مصلحة الفرد أم في مصلحة الجماعة‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬االستثناءات الواردة على مبدأ األثر الفوري‪.‬‬

‫بالرغم من فرط بداهة هذا المبدأ فقد أورد عليه الشارع استثناءات منها ما يتعلق بالجريمة و منها ما يتعلق‬
‫بالجزاء إذ أن فورية التطبيق ال تسمح للقانون القديم من تجاوز نطاقه الزمني في التطبيق‪.‬‬

‫و أهم استثناء لهذا المبدأ هو و جود النص الصريح على مخالفة التنفيذ الفوري للقاعدة القانونية إذ يجوز‬
‫للمشرع أن ينص في تشريع خاص على تنفيذ القانون في وقت الحق نظ ار لوجود ظروف معينة تعيق تطبيقه‬
‫مباشرة‪ ،‬هذا النص يجعل من القانون الصادر مجمدا إلى حين و هو داللة على تطبيقه مستقبال و ليس‬
‫فوريا‪ .‬كما يجوز النص الصريح أن يعطي استثناءا آخر يؤدي إلى رجعية بعض القوانين إلى الماضي‬
‫السيما تلك التي تتعلق باآلجال و مواعيد التقادم التي يكون تمديدها أو تقليصها في صالح المتهم وذلك‬

‫‪ - 5‬لحسن بن شيخ أث ملويا‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.269‬‬


‫راجع إلى أن مبدأ عدم رجعية القوانين يقيد القاضي فقط ولكنه ال يقيد المشرع‪ ،‬بغرض تحقيق مصلحة‬
‫اجتماعية عامة أو فيما يخص النظام العام‪ .‬و هو ما سنتعرض له في االستثناءات الواردة على مبدأ عدم‬
‫رجعية القوانين‪ .‬وكاستثناء آخر انتظار صدور تشريع الحق يبين كيفية تطبيق القاعدة القانونية الصادرة‪،‬‬
‫واألمر يتعلق في غالب األحيان بقواعد شكلية تحتاج إلى تكملة بقواعد أخرى ضرورية لها في تبيان طريقة‬
‫التطبيق أو تضيف إليها ملحقات ضرورية لسير القاعدة القانونية الصادرة و المثال على ذلك بسيط كإصدار‬
‫قاعدة قانونية تتحدث عن نماذج معينة لم يتم إصدارها بعد ‪ ،‬فيكون نصها كاآلتي‪..." :‬يكون تحرير‬
‫المحاضر الخاصة بـ‪.....‬طبقا لنماذج محددة بموجب قانون الحق"‪ .‬ومن ثم ال يمكن تطبيق نص القانون‬
‫‪6‬‬
‫مادام أن القانون المحدد لصفة النماذج لم يصدر بعد‪..‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مبدأ عدم رجعية القوانين‪.‬‬

‫من بين أبرز المبادئ و أهمها على اإلطالق مبدأ عدم رجعية القوانين الجنائية‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم مبدأ عدم رجعية القوانين‪.‬‬

‫يسري النص الجنائي من تاريخ نفاذه فال تطبق أحكامه إال على األفعال التي ترتكب بعد تاريخ نفاذه‪ ،‬أما‬
‫األفعال التي ترتكب قبل تاريخ النفاذ فال يشملها‪ .‬وهو ما سنوضحه في هذا المطلب بإبراز مفهوم مبدأ عدم‬
‫‪7‬‬
‫رجعية القوانين من حيث توقيت العمل بالقانون الجديد و من حيث توقيت ارتكاب الجريمة‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬من حيث توقيت العمل بالقانون الجديد‪.‬‬

‫نصت المادة الثانية من قانون العقوبات على أنه ال يسري قانون العقوبات على الماضي‪ ،‬كما تضمن‬
‫الدستور الجديد أيضا النص على هذه القاعدة التي عرفت باسم عدم رجعية أحكام قانون العقوبات‪ ،‬و‬
‫بمقتضى هذه القاعدة ال يجوز أن يحكم على شخص بعقوبة لفعل كان مباحا وقت ارتكاب‪.‬‬

‫كما ال يجوز أيضا أن يحكم على شخص بعقوبة أشد من التي كانت محددة لها وقت ارتكابها و تستند هذه‬
‫القاعدة المقررة في الدستور و في المادة الثانية من قانون العقوبات على مبدأ الشرعية‪ .‬فتوقيع عقوبة على‬
‫فعل كان مباحا وقت ارتكابه معناه تجريم فعل بغير نص تشريعي‪ ،‬كما أن توقيع عقوبة اشد من تلك المحددة‬
‫في النص الساري وقت ارتكاب الجريمة معناه تطبيق عقوبة بغير نص تشريعي‪ ،‬و هو ما يخالف مبدأ‬
‫الشرعية‪ .‬و على ذلك فقاعدة عدم رجعية نصوص قانون العقوبات هي نتيجة حتمية ومنطقية لمبدأ شرعية‬

‫‪ - 6‬تيرش بلعسلي ويزة‪ ،‬مدخل الى العلوم القانونية – نظرية القانون ‪ ، -‬دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة ‪ ،1‬الجزائر ‪ ،2018‬ص‬
‫‪.102‬‬
‫‪ - 7‬تيرش بلعسلي ويزة‪ ،‬نفسه‪ ،‬ص ‪.103‬‬
‫الجرائم و العقوبات‪ .‬و قد نص الدستور المصري في مادته ‪ 188‬على انه تنشر القوانين في الجريدة الرسمية‬
‫خالل أسبوعين من يوم إصدارها و يعمل بها بعد شهر من اليوم التالي لتاريخ نشرها إال إذا حددت لذلك‬
‫ميعادا آخر‪ .‬كما قرر بالمادة ‪ 187‬انه "ال تسري أحكام القوانين إال على ما يقع من تاريخ العمل بها و ال‬
‫يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها‪.‬‬

‫المبدأ إذن‪ ،‬أن أحكام القاعدة الجنائية ال تسري إال على ما يقع من تاريخ العمل بها‪ ،‬و منذ تلك اللحظة‬
‫يفرض القانون الجديد سلطانه على كافة الجرائم التي تقع ابتداء من هدا التاريخ‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فالدستور‬
‫األردني و قانون العقوبات حددا متى ينفذ القانون الجديد بعد نشره في الجريدة الرسمية و المدة هي ثالثين‬
‫يوما من تاريخ نشره و اليوم األول ال يحتسب‪ .‬و العبرة هي بوقت العمل بالقانون الجديد ال بتاريخ إصداره‪.‬‬

‫وينص الفصل الرابع من القانون الجنائي المغربي على انه ال يؤاخذ أحد على فعل لم يكن يعتبر جريمة‬
‫بمقتضى القانون الذي كان ساريا وقت ارتكابه‪.‬‬

‫ويشير الفصل الخامس إلى انه ال يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لم يعد يعتبر جريمة بمقتضى قانون صدر‬
‫بعد ارتكابه‪ .‬فإن كان قد صدر حكم باإلدانة‪ ،‬فإن العقوبات المحكوم بها‪ ،‬أصلية كانت أو إضافية‪ ،‬يجعل‬
‫حد لتنفيذها‪ .‬و تنص المادة األولى من القانون الجنائي السودان على انه‪ :‬يسمي هذا القانون " القانون‬
‫الجنائي لسنة ‪1991‬م " ويعمل به بعد شهر من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية‪ .‬ويطبق القانون الذي كان‬
‫‪8‬‬
‫معموالا به في وقت ارتكاب الجريمة (المادة الرابعة)‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬من حيث توقيت ارتكاب الجريمة‪.‬‬

‫هناك بعض الجرائم التي ال يثير تحديد وقت ارتكابها أدنى صعوبة ألنها ترتكب وتتم في لحظة واحدة من‬
‫الزمان‪ .‬فمن يطلق النار على غريمه فيخر على الفور صريعا ال يتردد أحد في تحديد وقت ارتكاب الجريمة‬
‫ألنها تبدأ و تتم في لحظة زمنية واحدة‪ .‬فتحديد وقت ارتكاب الجريمة خالل سريان النص الجنائي ال يثير‬
‫صعوبة بالنسبة للجريمة الوقتية‪ ،‬فالفعل يبدأ و ينتهي خالل فترة زمنية وجيزة‪ ،‬فالصعوبة تظهر في تلك‬
‫الجرائم التي يتراخى أمدها في التنفيذ‪ ،‬تلك الجرائم التي استقر العرف على تسميتها بالجرائم الزمنية النطوائها‬
‫على عنصر زمني يباعد بين الفعل و النتيجة في أغلب األحوال و هي ما يغرف بالجرائم المستمرة كإخفاء‬
‫األشياء المسروقة‪ ،‬و الحبس بدون وجه حق ووضع جرعات من السم على فترات زمنية متباعدة‪ ،‬الهدف‬
‫‪9‬‬
‫منها قتل الشخص أو المريض بعد مدة ما‪...‬الخ‪.‬‬

‫‪ - 8‬تيرش بلعسلي ويزة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.104‬‬


‫‪ - 9‬نفسه‪ ،‬ص ‪.105‬‬
‫و هناك نوع آخر من الجرائم تسمى الجرائم االعتيادية‪ ،‬كالتسول فينبغي أن يتكرر الفعل في ظل القانون‬
‫الجديد حتى يمكن القول بان الجريمة وقعت بعد نفاذه‪.‬‬

‫و هناك مالحظة هامة مؤداها أن االتفاق الجنائي على الجرائم المستمرة أو المتتابعة يطبق عليه القانون‬
‫الجديد و لو كان أشد على المتهم‪ ،‬طالما أن الجريمة المستمرة قد وقعت بعد العمل به‪.‬من جهة أخرى‬

‫ظهرت ثالث نظريات بخصوص تحديد وقت ارتكاب الجريمة ‪:‬‬

‫* نظرية السلوك‪ :‬طبقا لهده النظرية تكون العبرة في تحديد وقت الجريمة بوقت إتيان السلوك‪.‬‬

‫* نظرية النتيجة‪ :‬طبقا لها تكون العبرة بوقت وقوع النتيجة‪ ،‬والجريمة تعتبر مرتكبة فقط في ذلك الحين‪.‬‬

‫*نظرية مختلطة‪ :‬ال تعتد بالفعل أو النتيجة أيهما فقط‪ ،‬بل تعتد بهما معا‪ ،‬فتأخذ أحيانا بوقت ارتكاب الفعل‬
‫‪10‬‬
‫وأحيانا أخرى بوقت وقوع النتيجة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬االستثناءات الواردة على مبدأ عدم رجعية القوانين‪.‬‬

‫هناك استثناءين على هذا المبدأ هما تطبيق القانون األصلح للمتهم وحالة النصوص التفسيرية المرتبطة‬
‫‪11‬‬
‫بقانون قديم‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تطبيق القانون األصلح للمتهم‪.‬‬

‫المبدأ بالنسبة لقواعد القانون الجنائي هو عدم رجعية القوانين و هو يعد من النتائج المباشرة لمبدأ شرعية‬
‫الجرائم و العقوبات الذي يشكل ضمانة هامة لحماية الحرية الفردية للمواطن و الذي يقضي منطوقه بسريان‬
‫القانون الذي يحكم الجرم وقت ارتكابه‪ ،‬لكنه بالنظر إلى أن هذه القاعدة قد تقررت فقط لمصلحة الفرد‬
‫وصيانة لحريته فان المنطقي هو جواز سريان النص الجديد بأثر رجعي إذا كان هذا النص أصلح للمتهم‬
‫‪.‬بالنسبة للتشريع الجزائري بعد أن نصت المادة الثانية من قانون العقوبات على قاعدة عدم رجعية قوانين‬
‫العقوبات‪ ،‬استثنت فيما بعد القوانين التي تكون أقل شدة بالمتهم بمعنى أن قانون العقوبات إذا كان أصلح‬
‫للمتهم‪ ،‬فانه ينطبق على أفعال وقعت قبل نفاذه و يستبعد بالتالي القانون الذي كان ساريا وقت وقوع الفعل‬
‫الجنائي‪ .‬و حسب نص المادة الرابعة من القانون الجنائي السوداني فإنه في حالة الجرائم التي لم يصدر‬
‫فيها حكم نهائي تطبق أحكام هذا القانون إذا كان هو األصلح للمتهم‪ .‬في التشريع المغربي و في حالة وجود‬

‫‪ - 10‬محمد سعيد جعفور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.261‬‬


‫‪ - 11‬نفسه‪ ،‬ص ‪.262‬‬
‫عدة قوانين سارية المفعول‪ ،‬بين تاريخ ارتكاب الجريمة والحكم النهائي بشأنها‪ ،‬يتعين تطبيق القانون األصلح‬
‫للمتهم‪ .‬و بناءا على هذا‪ ،‬هناك شرطان يجب توافرهما لتطبيق القانون األصلح للمتهم و هما‪:‬‬

‫‪ -1‬التحقق من صالحية القانون الجديد للمتهم‪:‬‬

‫إن مسالة تحديد القانون األصلح للمتهم بين قانونين أو أكثر تعتبر مسالة قانونية بحتة يقررها القاضي‬
‫باعتباره القائم على تطبيق القانون و ذلك دون أخذ رأي المتهم أو محاميه‪.‬و تطبيقا لذلك فان القانون الذي‬
‫يؤدي تطبيقه على متهم معين يتمتع مثال بظروف مخففة أو يؤدي إلى عدم توقيع العقاب أوتخفيفه أو وقف‬
‫تنفيذه يعتبر هدا القانون هو األصلح للمتهم بصرف النظر عما إذا كان تطبيقه في حاالت أخرى يؤدي إلى‬
‫التشديد على متهمين آخرين‪-‬كل جريمة ومجرم على حدة‪ -‬مثال اعتبار القتل دفاعا عن المال دفاعا مشروعا‬
‫بعد ما كان يعتبر جريمة‪.‬أو مثال حيازة سالح بدون ترخيص يصبح عمال غير مجرم في ظل القانون الجديد‬
‫في حين انه مجرما في ظل القانون القديم‪.‬‬

‫‪ -2‬صدور القانون الجديد األصلح للمتهم قبل صدور حكم نهائي‪:‬‬

‫حتى يستفيد المتهم من القانون األصلح يجب أن يصدر هدا القانون قبل النطق بالحكم النهائي على المتهم‪،‬‬
‫أما إذا صدر حكما نهائيا على المتهم فال يستفيد من القانون الجديد‪ ،‬احتراما لحجية األحكام النهائية و‬
‫للمبادئ األساسية للقانون‪ ،‬إال إذا كان القانون الجديد قد رفع عن الفعل صفة التجريم نهائيا وأصبح الفعل‬
‫ال يشكل جريمة هنا يضحى بحجية الحكم النهائي تحقيقا للعدالة و المنطق‪ .‬و تنص المادة الخامسة من‬
‫القانون الجنائي المصري على انه إذا صدر قانون بعد حكم نهائي (يقصد حكم بات) يجعل الفعل الذي‬
‫حكم على المجرم من أجله غير معاقب عليه يوقف تنفيذ الحكم و تنتهي آثاره الجنائية‪ .‬و يكون القانون‬
‫الجديد قد ألغى الجرم إذا صار بعد القانون الجديد غير معاقب عليه كإلغاء نص التجريم‪ ،‬و يترتب على‬
‫مثل هدا القانون عدم إمكان البدء في تنفيذ العقوبة التي كانت قد صدرت أو عدم االستمرار فيهذا التنفيذ‬
‫‪12‬‬
‫إذا كان قد بدأ أو إزالة ما نفذ منها إذا أمكن‪ ،‬كرد مبلغ الغرامة مثال‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬حالة النصوص التفسيرية المرتبطة بقانون قديم‪.‬‬

‫إذا صدر تشريعا لتفسير فقط بعض العبارات أو النصوص في القانون القديم فإن ذلك التشريع الجديد يسري‬
‫بأثر رجعي يمتد لتاريخ صدور القانون القديم‪ ،‬وذلك ألن التشريع التفسيري ليس إال موضحا للنصوص القديم‬
‫فهو مكمل لها وكأنه جزء منهن‪ ،‬فالتفسير التشريعي هو التفسير الذي يصدر عن المشرع نفسه‪ ،‬حيث‬
‫يتدخل لتفسير المقصود من قاعدة قانونية معينة سبق أن أصدرها‪ .‬فالنص المفسر جزء ال يتج أز من النص‬

‫‪ - 12‬لحسن بن شيخ أث ملويا‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.270‬‬


‫الذي تم تفسيره و يشكالن تكليفا واحدا‪ .‬ال يعتبر إصدار القوانين أو النصوص التفسيرية إصدا ار لقانون‬
‫جديد ألنها تتحد مع القانون األصيل في نفس النطاق الزمني و بهذا ينسحب العمل بها إلى تاريخ ذاك‬
‫القانون األصيل الذي صدرت تفسي ار له‪ .‬و هكذا ال يجب أن يعتبر تطبيق القانون التفسيري على وقائع‬
‫سابقة خروجا على مبدأ ‪ -‬عدم الرجعية‪ -‬طالما أن القانون التفسيري في انسحابه على الماضي لم يتجاوز‬
‫وقت نفاذ القانون األصيل الذي صدر تفسي ار له‪ .‬فالقاضي إذا وجد أن القانون التفسيري تضمن أحكاما‬
‫‪13‬‬
‫جديدة لم يأت بها قانون سابق تعين عليه أن يخضعه لقاعدة عدم الرجعية‪.‬‬

‫‪ - 13‬لحسن بن شيخ أث ملويا‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.271‬‬


‫خــاتـمــة‪:‬‬

‫إن تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان له دالالت تنم عن رغبة المشرع في إعطاء القواعد القانونية‬
‫الصفة الفورية إضافة إلى قوتها اإللزامية وجوب احترامها من قبل كل األشخاص و السيما الذين يحاولون‬
‫التملص من دائرة القانون تحت طائلة التعرض للعقوبات المناسبة‪ .‬والغاء القوانين الجزائية يهدف عموما‬
‫إلى إضفاء الشرعية على ما كان من المفترض أن يشكل حماية لحقوق المواطن من كافة أنواع التعسف‬
‫والغبن‪ ،‬حتى وان أصبح تعدد الجرائم شائعا مع تطور الزمن مما يستدعي قيام السلطات التشريعية بسن‬
‫وتعديل أحكام عدة لكبح جماح الذين يتمردون على القانون‪ .‬واذا كانت القاعدة القانونية تتمتع بعدم رجعيتها‬
‫فانه يالحظ في استثناءات هدا المبدأ بأنها عادلة إلى حد يسمح لفئات معينة من المحكوم عليهم بأحكام‬
‫متفاوتة باالستفادة من التدابير المخففة أو حمايتهم من أخرى هي أشد وطأة عليهم مقارنة باألحكام التي‬
‫صدرت بحقهم‪ .‬و على العموم و كرأي شخصي فانه يجب تفصيل األحكام التي يستفيد من تدابيرها أشخاص‬
‫معينون دون غيرهم من الذين اعتادوا على ارتكاب الجرائم وال تثنيهم عنها مراسيم العفو الرئاسي أو تطبيق‬
‫القانون األصلح للمتهم‪.‬‬

‫كما ينبغي الفحص الدقيق و المراجعة المستمرة للقوانين العقابية لما لها من أثر كبير في إصالح المجتمعات‪،‬‬
‫فأي خطأ غير مقصود قد يكلف اآلخرين ثمنا باهظا‪ ،‬و البد من توخي الحيطة والحذر عند القيام بالتعديالت‬
‫بما ال يمس بمصالح المجتمع و األفراد منتهجين فيذلك سياسة ناجعة تنم عن الحكمة و بعد البصر وفق‬
‫لقوانين نابعة من ثقافتنا نحن و مطبقة على الزمن الذي نعيش فيه‪ ،‬ال قوانين مستوردة من أزمنة غيرنا‪.‬‬
‫قائمة المراجع‪:‬‬

‫‪ .1‬تيرش بلعسلي ويزة‪ ،‬مدخل الى العلوم القانونية – نظرية القانون ‪ ، -‬دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الطبعة ‪ ،1‬الجزائر ‪.2018‬‬
‫‪ .2‬لحسن بن شيخ أث ملويا‪ ،‬مدخل إلى دراسة القانون‪ ،‬دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫الجزائر ‪.2017‬‬
‫‪ .3‬محمد سعيد جعفور‪ ،‬مدخل الى العلوم القانونية الوجيز في نظرية القانون‪ ،‬دار هومة للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الطبعة ‪ ،19‬الجزائر ‪.2008‬‬

You might also like