You are on page 1of 29



 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

Modern Books' World
   
2019
 
 
    
 1    

  
61    
  
89     
  
  126     
    
  
142      

168    
    
 
181   
     
208    
    
 


‫الحكم بـ"التباس الملفوظ" بين الذاتية والموضوعية‬
‫‪1‬‬
‫د‪ .‬كمال الزيتوني‬

‫تاريخيّـا‪ ،‬أصبح من المبرر القول بأن من جملة أسباب نشأة النحو‬


‫العربي حاجة الناس إلى منوال موضوعي‪modèle grammatical objectif‬‬
‫يحول دون النزعة الذاتية في تبين معاني النص المقدّس ومقاصده (الفقرة‪.)1‬‬
‫ومن زاوية الفهم هذه أفضت جهود النحاة العرب عبر الزمن إلى استحداث‬
‫منوال نحوي في تحليل الملفوظات يراعي مقتضيين أساسيين في هذا التحليل‬
‫هما مقتضى المعنى (أي المعجم) ومقتضى الصناعة (أي التركيب‬
‫اإلعرابي)‪ .‬وعلى أساسهما نمَتْ بحوث اللغويين العرب القدامى (الفقرة ‪.)2‬‬
‫وحين بدأ ذلك المنوال في االشتغال والتحليل الفعلي ‪ -‬أيْ في المعالجة‬
‫الفعلية للنصوص‪ -‬أفضى منذ سيبويه‪ 2‬إلى إصدار أحكام شبه مضبوطة حول‬
‫طبيعة الملفوظات‪ ،énoncés‬فمنها المستقيم الحسن ومنها المحال ومنها‬
‫المستقيم الكذب ومنها المستقيم القبيح ومنها المحال الكذب (الفقرة‪ .) 3‬وفي‬
‫هذا اإلطار سنضيف إلى تلك الملفوظات صنفا آخر هو صنف الملفوظ‬
‫الملتبس التباسا معجميا أو التباسا تركيبيـا (الفقرة ‪.)4‬‬

‫‪- 1‬ذاتية االلتباس وذاتية الحكم به‪:‬‬

‫من زاوية سيميائّية ‪ sémiotique‬خالصة هنالك أربعة احتماالت في‬


‫تحديد منابع االلتباس اللغوي‪:‬‬
‫‪ -‬أولها أن يكون منشؤه راجعا إلى ذات الباث‪،‬‬
‫‪ -‬وثانيها أن يكون منشؤه راجعا إلى ذات المتلقي‬
‫‪ -‬و ثالثها أن يكون منشؤه راجعا إلى قناة اإلبالغ (أي الصوت أو الخط)‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أستاذ في المعهد العالي للغات بتونس‪.‬‬

‫‪( 2‬الكتاب ج‪ 1‬ص ‪)22‬‬

‫‪142‬‬
‫‪ -‬و رابعها أن يكون منشؤه راجعا إلى العقد اللغوي نفسه بمكوّنيـْه األساسيين‬
‫المعجمي واإلعرابي‪.3‬‬
‫واالحتماالن األخيران هما اللذان سيقبالن –الحقا‪ -‬دراسة شبه موضوعية‪.‬‬

‫‪ 1-1‬ذاتية االلتباس منشؤها الباث‪:‬‬


‫ليس المقصود هنا أن يتعمّد الباث تلبيس رسالته بل المقصود هو أن‬
‫يصطنع هذا الباث عقدا إبالغيا جديدا ال يملك مفاتيح تفكيكه إال هو‪ .‬ومن‬
‫نماذج هذا االلتباس الذاتي المتأصّل ما سمّي في األدبيات القرآنية بـ‬
‫"المتشابه" وهو « ما خفي بنفس اللفظ وال يرجى دركه أصال كالمُقطـّـعات‬
‫في أوائل السور مثل‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫‪"-1‬كهيعص" »‬
‫ونقيض المتشابه في النص القرآني هو "المحكم" « المحكم هو ما عرف‬
‫المراد منه إما بالظهور أو التأويل‪ ،‬والمتشابه ما استأثر اهلل بعلمه وال يرجى‬
‫دركه أصال كقيام الساعة وخروج الدجّال والحروف المقطعة في أوائل‬
‫السور»‪.5‬‬
‫وفي غير األدبيات القرآنية توجد نماذج عدّة لهذا االلتباس الذاتي المتصل‬
‫بالباث وغير القابل للدراسة الموضوعية‪ ،‬منها مثال الملفوظات السحرية‬
‫المتخذة لشكل الطالسم مثل‪:‬‬

‫‪ -2‬يا قاميس‪ ،‬هيفان‪ ،‬بنهث‪ ،‬ماطق‪ ،‬اوهوم‪ ،‬سألـتك بالعقل‬


‫الهيولي أن تجيب دعوتي‪. 6..‬‬

‫‪3‬مفهوم اإلعراب أع ّم من مفهوم التركيب‪ syntaxe‬ألن موضوع التركيب هو تحليل‬


‫الجمل الى مكوناتها المباشرة فقط‪ ،‬بينما موضوع اإلعراب هو ذلك التحليل و كذلك‬
‫إسناد وظيفة لكل مكون‪.‬‬
‫‪( 4‬الشريف الجرجاني‪ ،1891،‬ص ‪) 222‬‬
‫‪ ( 5‬التهانوي‪،1889،‬ج‪ 2‬ص‪)241‬‬
‫‪( 6‬الكندي – ثالث رسائل في استحضار األرواح – مجلة المورد‪ ،‬العدد ‪ ،1818 ،1‬ص‬
‫‪) 202-113‬‬

‫‪143‬‬
‫وفي األدب المسرحي الحديث اشتهر األديب التونسي محمود المسعدي‬
‫(‪ )2004-1811‬بصياغته لبعض الملفوظات الطلسمية في مسرحيته "السُ ّد"‬
‫خصوصا في سياقات التحاور واإلنشاد بين اآللهة وسَدَنتها‪ ،‬مثل ‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫‪-3‬هلـْهبا هلهبا سـُبّحت صاهبـّاء‬

‫فكل ما هو من الطالسم سيُ َعدّ التباسا ذاتيا خارجا عن العقد اللغوي العادي‪،‬‬
‫فيكون لذلك مستعصيا على الدراسة الموضوعية النحوية أو غيرها‪.‬‬

‫‪ 2-1‬ذاتية الحكم بااللتباس منشؤها المتلقي‪:‬‬


‫قد ال يكون الملفوظ في حد ذاته ملتبسا‪ ،‬ورغم ذلك فإن المتلقي يدّعي‬
‫أنه ملتبس فيحمّله دالالت من عنده لم تكن فيه‪ ،‬فيكون الحكم بااللتباس في‬
‫هذه الحالة هو الذاتي‪ ،‬بمعنى أن المتلقي ال يستند في هذا الحكم إلى منوال‬
‫موضوعي يكون محل إجماع المستعملين للسان‪ .‬ومن الذين مثّلوا لهذه‬
‫الظاهرة في تراثنا ابن السِّـيد البَطَـليَوْسي(‪ 221 -‬هـ) في كتابه "اإلنصاف"‬
‫وهو كتاب تعرّض فيه لمنهجين متعارضين في معالجة نصوص الوحي‬
‫وتفسيرها هما منهج إسقاط التعدّد الداللي على النص ومنهج استنباط التعدد‬
‫الداللي من النص ذاته‪ ،‬وفيما يلي تفصيل ذلك عن المصنف ‪:‬‬
‫فقد يعرض الفساد في التفسير من أوجه‪:‬‬
‫‪ -‬منها أن يكون بعض الرواة صاحب بدعة أو متهما بكذب وقلة ثقة أو‬
‫يكون متعصّبا لبعض الصحابة منحرفا عن بعضهم كنحو ما فعل بعضهمْ‬
‫فإنهم صنعوا أحاديث ركّبوها على آي القرآن‪ ...‬وكالذي فعلت المعتزلة‬
‫فإنهم غيروا في المصحف مواضع كثيرة‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ -4‬كقراءتهم ( من شرّ ما خلق ) بتنوين "شرّ"‪،‬‬
‫‪-2‬وقراءتهم "أسَاءَ" بدل "أشَاءُ" في اآلية ( قال عذابي أصيب‬
‫‪9‬‬
‫به من أشاء )‬

‫‪( 7‬م‪.‬المسعدي ‪ ،‬السدّ ‪،‬ص‪)19‬‬


‫‪( 8‬البطليوسي ‪ ،1891،‬ص ‪.) 128‬‬

‫‪144‬‬
‫ومما يبعث على االسترابة أن يعلم عن الناقل حرص على الدنيا وتهافت على‬
‫االتصال بالملوك ونيل المكانة والحظوة عندهم‪ ،‬فإنّ من كان بهذه الصفة لم‬
‫يؤمن عليه التغيير والتبديل واالفتعال والكذب حرصا على مكسب يحصل‬
‫‪10‬‬
‫عليه‬
‫ثم إن قوما من اليهود وغيرهم لما رأوا اإلسالم قد ظهر وعمّ ورأوا أنه ال‬
‫سبيل إلى مناصبته رجعوا إلى الحيلة فتظاهروا باإلسالم ولما اطمأنّ الناس‬
‫‪11‬‬
‫إليهم ولّدوا األحاديث والمقاالت وفرّقوا الناس فرقا‬
‫ففيما سبق – عن البطليوسي – نماذج ثالث عما سمّيناه بذاتية الحكم‬
‫بااللتباس‪ ،‬وهي مطبقة على اتجاهات محدّدة في تفسير نصوص الوحي‪،‬‬
‫لكنها في الواقع إحدى النزعات العامة في تفسير الملفوظات وتحليلها‪ ،‬ويمكن‬
‫تسميتها بنزعة إسقاط االلتباس على هذه الملفوظات لغرض أو آلخر في نفس‬
‫المتلقّي‪.‬‬
‫أما المنهج البديل الذي اقترحه البطليوسي في سبيل وصف التباسات‬
‫نصوص الوحي أو غيرها من النصوص فيقوم على النظر في خصائص‬
‫اللسان العربي ذاته‪ ،‬وما يتيحه من مظاهر اشتراك مختلفة‪ ،‬وقدْ عبّر عن‬
‫ذلك في المقدّمة ثم فصّله في متن كتابه قائال « إني لما رأيت الناس قد‬
‫أفرطوا في التأليف في أشياء معروفة وأساليب مألوفة يغني بعضها عن‬
‫بعض صرفت خاطري إلى وضع كتاب في أساليب الخالف الواقع بين األمّة‬
‫قليل النظير نافع للجمهور‪ ،‬ويتعلق من اللسان العربي بأقوى سبب ويخبر‬
‫المتأمّل بأن الطريقة الفقهية مفتقرة إلى علم األدب مؤسسة على أصول كالم‬
‫العرب» ‪ .12‬وعند التفصيل أرجع المصنف ظاهرة تعدد الوجوه في‬
‫نصوص الوحي إلى منابع أهمها ثالثة وهي‪ « :‬إن الخالف عرض ألهل‬
‫ملتنا من ثمانية أوجه كل ضرب من الخالف متولّد منها متفرّع عنها‪ :‬أحدها‬
‫االشتراك في موضوع اللفظة المفردة‪ ،‬والثاني االشتراك في أحوالها التي‬

‫‪ 9‬نفسه ص‪.128‬‬
‫‪ ( 10‬نفسه ص ‪.) 121‬‬
‫‪ ( 11‬نفسه ص ‪.) 122‬‬
‫‪ 12‬البطليوسي ‪ 1891 ،‬ص ‪) 28-29‬‬

‫‪145‬‬
‫تعرض لها من إعراب وغيره‪ ،‬والثالث اشتراك يوجبه تركيب األلفاظ وبناء‬
‫بعضها على بعض‪ .13» ...‬فبهذا المنهج أعاد هذا اللغوي األندلسي دراسة‬
‫ظاهرة االلتباس في الملفوظات إلى إطارها األصلي وهو البحث في مكونات‬
‫اللسان وأبنيته‪.‬‬
‫الحاصل في هذه الفقرة التمهيدية األولى أن رصد االطراد في الظاهرة‬
‫المدروسة يقتضي أوال أن نفترض وجود حد أدنى من التعاون واإلخالص‬
‫من جهتي الباث والمتلقي‪ ،‬بمقتضاهما يستبعدان ذاتيّـتيهما ويلتزمان بعقد‬
‫المواضعات الجماعية‪ ،‬فهذا العقد هو الضامن لموضوعية األحكام بااللتباس‬
‫أو بغيره‪.‬‬

‫‪ -2‬المنوال النحوي‪ :‬مقتضيا المعنى والصناعة في تحليل الملفوظات‪:‬‬

‫سبق البن السيد البطليوسي أن حدّد المنشأ الحقيقي لاللتباس أثناء تحليل‬
‫الملفوظات بافتراض وجود مستويين أساسيين في ذلك التحليل هما‪:‬‬
‫‪ -‬مستوى تحليل اللفظة المفردة سواء من حيث أحوالها التصريفية‬
‫المتغيرة أو من حيث موضوعها المعجمي شبه الثابت‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫‪ -‬ومستوى تحليل األلفاظ المركّبة المبني بعضها على البعض اآلخر‬
‫ونقدّر أن المصنف ال يقصد في المستوى األول احتمال استعمال األلفاظ‬
‫مفردة وفي انعزال كامل عن سياق مركّبي ما‪ ،‬لكنه يقصد أن االلتباس في‬
‫نصوص الوحي قد يقتصر على اللفظة المفردة دون سياقها المركبي المباشر‪.‬‬
‫وفي كل الحاالت فإن ذيـْنك المستويين قد حدّدا لنا – من زاوية المواضعة –‬
‫مفهوما محوريا هو مفهوم "المعنى"‪ :‬فهذا المعنى لن يخرج ‪-‬من زاوية‬
‫المواضعة‪ -‬عن أن يكون إما معنى اللفظ المفرد و إما معنى اللفظ المركّب‪.‬‬
‫نجد ذاك التمييز بين المعنى اإلفرادي والمعنى التركيبي في كتاب "مغني‬
‫اللبيب" أيضا تحت مصطلحات مختلفة‪ :‬فقد استعمل ابن هشام (‪121 -‬هـ)‬
‫مصطلحي الصناعة والمعنى في معرض تنبيهه على « الجهة األولى التي‬

‫‪ ( 13‬نفسه‪ ،‬ص ‪) 33‬‬


‫‪ ( 14‬البطليوسي ‪ 1891 ،‬ص‪.) 31‬‬

‫‪146‬‬
‫يدخل االعتراض على المُـعرب منها »‪ 15‬وقصده من " المُعرب" هنا هو‬
‫"محلل الملفوظ" الذي قد يقع في خطأ‪ ،‬وهو « أن يراعي ما يقتضيه ظاهر‬
‫الصناعة وال يراعي المعنى » (ص‪ ،)202‬وليس المقصود باصطالح‬
‫"الصناعة" سوى قياسات تركيب الملفوظات‪ ،‬وليس المقصود باصطالح‬
‫"المعنى" سوى المعاني المعجمية للمفردات المكونة للملفوظات المزمع‬
‫تحليلها‪ ،‬وتشهد على صحة هذا التأويل أمور عديدة نوردها فيما يلي‬
‫مختصرة‪:‬‬
‫فقد شرح ابن هشام قصده من ذلك التنبيه في السياق الالحق بقوله « أول‬
‫واجب على المعرّب هو أن يفهم معنى ما يعربه مفردا أو مركبا‪ ،‬ولهذا ال‬
‫يجوز إعراب فواتح السور ألنها من المتشابه الذي استأثر اهلل بعلمه »‬
‫(ص‪ )202‬فاإلفراد والتركيب يحيالن في الشاهد على مسمى القياسات‬
‫التركيبية‪ ،‬وهي قياسات صناعية بمعنى أنها مندرجة في مواضعات اللسان‬
‫العربي‪ ،‬وال مجال لالجتهاد في استعمالها سواء من جهة المتكلم أو من جهة‬
‫السامع‪ ،‬أما معنى فواتح السور مثال فالمقصود منه بوضوح هو المعنى‬
‫المعجمي‪ ،‬وهو ‪ -‬في حالة هذه الفواتح‪ -‬مندرج في باب المتشابه‪.‬‬
‫وكل أمثلة ابن هشام وشواهده في هذا الفصل مندرجة في سياق شرح‬
‫التعارض بين المقتضى الصناعي والمقتضى المعجمي في تحليل‬
‫الملفوظات‪ ،‬من ذلك أن إخفاق بعض المحللين في شرح الكلمات التالية‪:‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ِ "-2‬نعْم وكاللة وحَـقـَلّــد"‬

‫قد أدى بهم إلى إساءة تحليل سياقاتها وتحريفها‪ .‬ويندرج في نفس الباب ما‬
‫يسمى بـ" التضمين" « وهو أن يدل بكلمة واحدة على معنى كلمتين »‪ ،‬وقد‬
‫أورد لها ابن هشام شواهد عديدة من القرآن والشعر يجمع بينها أنها « متى‬
‫بني فيها على ظاهر اللفظ ولم ينظر في موجب المعنى حصل الفساد »‬
‫(ص‪.) 201‬‬

‫‪( 15‬ابن هشام‪ ، 1888 ،‬ج‪ 1‬ص‪) 202‬‬


‫‪( 16‬ابن هشام‪ ، 1888 ،‬ج‪ 1‬ص‪)208‬‬

‫‪147‬‬
‫هذا الخطأ في التحليل يوازيه خطأ آخر هو عكسه وهو «أن يراعي المُعْرب‬
‫معنى صحيحا وال ينظر في صحته في الصناعة» (ص‪ ،) 219‬ومن أمثلة‬
‫هذه األخطاء الصناعية المخالفة لقواعد تركيب الوحدات في اللسان العربي‬
‫ذكر ابن هشام‪:‬‬
‫‪ -‬تقديم المفعول على ما النافية التي أصلها الصدارة‬
‫– الفصل بين المصدر ومعموله األجنبي‬
‫– إتبـاع المصدر قبـل أن يكمل معموله‬
‫– تعليق الظرف باسم "ال النافية للجنس" أو تعليقه بمحذوف‬
‫– الفصل بين العاطف والمعطوف بالحال‬
‫– تقديم معمول الصلة على الموصول‬
‫‪ -‬حذف الجواب وفعل الشرط غير ماض‪..‬الخ‪ 17‬ففي كل هذه الحاالت‬
‫لم يكن الخطأ من المتكلم ( أي القرآن والشعر) بل كان في ارتكاب المحللين‬
‫لتوجيهات تخالف القواعد التركيبية في اللسان العربي‪.‬‬
‫ويجدر بنا أخيرا أن نذكر أن كال الخطأيْن الواردين في تحليل الملفوظات قد‬
‫سبق البن جني(‪382-‬هـ) أن نبّه إليهما في كتاب الخصائص ( الجزء الثالث )‬
‫وذلك في البابين التاليين‪:‬‬
‫‪ -‬باب تجاذب المعاني واإلعراب‪ :‬حيث قصد المصنف من هذين‬
‫المصطلحين تقريبا ما قصده ابن هشام من اصطالحي المعنى‬
‫المعجمي وصناعة اإلعراب‪ ،‬فقد « تجد اإلعراب والمعنى في‬
‫كثير من المنظوم والمنثور متجاذبين‪ ،‬هذا يدعوك إلى أمر وهذا‬
‫يمنعك منه‪ ،‬فمتى اعتورا كالما ما أمسكت بعروة المعنى‬
‫وارتحت لتصحيح اإلعراب »‪ 18‬فاإلعراب (بمعنى التحليل) تابع‬
‫عند ابن جني أيضا لفهم المعاني المعجمية للمفردات والمركبات‪،‬‬
‫وإن تعارضا مقتضياهما فإن ما يجب على المحلل تصحيحه هو‬
‫توجيهه لإلعراب‪.‬‬

‫‪( 17‬نفسه ص‪ 219‬وما بعدها )‪.‬‬


‫‪( 18‬ابن جني‪ 1892 ،‬ج‪ 3‬ص‪) 229‬‬

‫‪148‬‬
‫‪ -‬باب التفسير على المعنى دون اللفظ ‪ :19‬المقصود بذلك هو أن‬
‫يرتكب المحلل خطأ آخر يتمثل في مراعاة مقتضى المعنى – أثناء‬
‫اإلعراب – وإهمال مقتضى اللفظ ( أي قواعد الصناعة )‪ ،‬ومن‬
‫أمثلة ابن جني على ذلك قول القائل « حتى ناصبة للفعل‪ ،‬وإنما‬
‫النصب بعدها لـ أن مضمرة» (ص‪ )224‬أو تحليل "أهلك والليل"‬
‫حقْ أهلك قبل الليل‪ ،‬وهذا لعمري تفسير المعنى ال‬ ‫بقولهم « الـْ َ‬
‫‪20‬‬
‫ك وسَابــِقْ الليل »‬
‫حقْ أهْـلَـ َ‬
‫تقدير اإلعراب‪ ،‬فإنه على‪ :‬الـْ َ‬
‫إن الحاصل من آراء صاحبيْ المغني والخصائص أن "المعنى واللفظ" يجب‬
‫أن يكونا متضامنين أثناء تحليل الملفوظات‪ ،‬وقد يحدث أن تتعارض‬
‫تعليماتهما في ذلك النشاط فيكون الحل الوارد عندئذ هو تغليب مقتضى‬
‫المعنى المعجمي‪.‬‬

‫‪ -3‬الصياغة الموضوعية للحكم على الملفوظات‪:‬‬

‫‪ -1-3‬سلّميّة األحكام النحوية عند سيبويه‪:‬‬


‫إذا تمكّن النحوي من صياغة منوال مجرّد لموضوع بحثه فإنه ال محالة‬
‫سيأنس في نفسه قدرة على اإلدالء بأحكام صريحة في شأن المعطيات‬
‫المتصلة بذلك الموضوع ‪ ،‬وذاك ما قام به سيبويه في أول كتابه حين أرسى‬
‫سُـلّـميّـة متدرّجة في شأن مدى نحوية الملفوظات ومقبوليتها‪ ،‬يقول‪ « :‬هذا‬
‫باب االستقامة من الكالم واإلحالة‪ :‬فمنه المستقيم الحسن كقولك‪:‬‬

‫‪21‬‬
‫‪"-1‬أتيتك أمس وسآتيك غدا"‪،‬‬
‫ومنه المحال وهو أن تنقض أول كالمك بآخره فتقول‪:‬‬
‫‪"-9‬أتيتك غدا وسآتيك أمس"‪،‬‬
‫ومنه المستقيم الكذب كقولك‪:‬‬

‫‪( 19‬ابن جني‪ 1892 ،‬ج‪ 3‬ص‪) 223‬‬


‫‪ 20‬نفسه ص ‪224‬‬
‫‪( 21‬سيبويه‪ ،‬الكتاب ج‪ 1‬ص ‪.) 22-22‬‬

‫‪149‬‬
‫‪"-8‬حملت الجبل وشربت ماء البحر"‬
‫ومنه المستقيم القبيح وهو أن تضع اللفظ في غير موضعه كقولك‪:‬‬
‫‪"-10‬قد زيدا رأيت وكي زيد يأتيك"‬
‫ومنه المحال الكذب كقولك ‪:‬‬
‫‪"-11‬سوف أشرب ماء البحر أمس" »‬

‫فإذا استثنينا القيمة األخيرة التي هي تأليف بين قيمتيْ "المستقيم الكذب"‬
‫و"المستقيم المُحال" أمكننا أن نرسم الجدول التالي لمجموع القيم القاعدية‬
‫المتصلة بالملفوظ المستقيم‪:‬‬

‫مقياس الملفوظ الحسن الملفوظ القبيح الملفوظ الكذب الملفوظ المحال‬ ‫مقياس‬
‫(إحالة ‪)3‬‬ ‫(إحالة ‪)2‬‬ ‫االستقامة اإلحالة (غير المحال) (إحالة ‪)1‬‬
‫غدا‬ ‫الجبل أتيتك‬ ‫أمس قد زيدا رأيت حملت‬ ‫أتيتك‬
‫الملفوظ المستقيم‬
‫وكي زيد يأتيك وضربت البحر وسآتيك أمس‬ ‫وسآتيك غدا‬
‫غير‬ ‫الملفوظ‬
‫‪.......‬‬ ‫‪.......‬‬ ‫‪. .. . .. . ..‬‬ ‫المستقيم أي الالحن ‪.. . .. .. .‬‬
‫نحويا‬

‫ففي هذا الجدول هناك تأويل لمصطلحيْ االستقامة واإلحالة تكون بمقتضاه‬
‫اإلحالة ( وهي في تعريف سيبويه مناقضة أول الكالم آلخره ) مندرجة في‬
‫االستقامة‪ :‬ذلك أن التقابل الحقيقي من الزاوية النحوية هو بين استقامة‬
‫الملفوظ نحويا أو عدم استقامته‪ ،‬فيكون في االحتمال الثاني ملفوظا الحنا ال‬
‫يقبله النحو‪ ،‬ولن يندرج لذلك في دائرة اهتمام المصنف في بقية كتابه‪ .‬وفي‬
‫مقابل ذلك فإنّ ما سيشغله الحقا هو الدرجات الممكنة في سلّم نحوية الملفوظ‪،‬‬
‫وهي درجات أربع‪:‬‬

‫‪150‬‬
‫‪ -‬أكثرها قربا من التناقض وعدم النحوية هي درجة "الملفوظ‬
‫المحال" ففي هذا الصنف خرق لقيد تداولي يظهر في عدم االتساق‬
‫الزمني ( أتيتك غدا وسآتيك أمس ) رغم أن النظم يبقى مستقيما من‬
‫الزاوية التركيبية الضيقة‪.‬‬
‫‪ -‬أما درجة الملفوظ الكذب ففيها صنف آخر من التناقض – أقل حدّة‬
‫– يتمثل في خرق قيد داللي معجمي ( حملت الجبل وشربت البحر )‬
‫وفي هذا الصنف مازال النظم مستقيما‪.‬‬
‫‪ -‬أما درجة الملفوظ القبيح فال تناقض فيه‪ ،‬بل الجدل واقع في‬
‫احتماالت تغيير المراتب في القولين التاليين‪" :‬قد رأيت زيدا" و "كي‬
‫يأتيك زيد"‪ ،‬فاإلشكال واقع هنا في مدى "المقبولية األسلوبية" في‬
‫تقديم "زيد" على الفعل في هذين القولين (وهو إشكال لفظي كما قال‬
‫المصنف نفسه )‪.‬‬
‫‪ -‬أما درجة الملفوظ الحسن فال إشكال فيها على جميع المستويات‪،‬‬
‫وتمثل حقا درجة المعطى المعياري بالنسبة إلى المشتغل بنحو اللسان‬
‫العربي‪.‬‬

‫الحاصل أن درجة الملفوظ المحال ( أتيتك غدا ) هي الدرجة القصوى في‬


‫سلّم النحوية ( ووراءها لن نجد إال غير المستقيم الذي ليس بملفوظ أصال)‪.‬‬
‫وواضح أن إحالتها ليست مقتصرة على لسان دون آخر‪.‬‬

‫‪ -2-3‬في تطبيق الحكم النحوي‪:‬‬


‫نجد في متن كتاب سيبويه وفي كتب النحاة بعده نماذج من تطبيق تلك‬
‫األحكام النحوية المذكورة سابقا‪ ،‬ومن تطبيق أحكام أخرى لم يذكرها سيبويه‪،‬‬
‫وفيما يلي بعضها‪:‬‬

‫‪-12‬نماذج من الملفوظ غير المستقيم‪:‬‬


‫هذه النماذج تعني تقريبا ما ليس بملفوظ أصال‪ ،‬ومنه « أنك لو قلت ما زيد‬
‫عاقال أبوه" نصبت وكان كالما‪ ،‬ولو قلت "ما زيد عاقال عمرو" لم يكن‬

‫‪151‬‬
‫كالما ألنه ليس من سببه » ‪ .22‬فما ليس بكالم هو إذن ذاك الذي ال يقبله‬
‫العقل فضال عن أن تقبله اللغة « أال ترى أنك لو قلت "إنّ يضربَ يأتينا"‬
‫وأشباه هذا لم يكن كالما » (نفسه)‪.‬‬

‫‪-13‬نماذج من الملفوظ المحال‪:‬‬


‫اإلحـالة في تعـريف سيبـويه هي مناقضة أول الـملفوظ آلخره « لـو قلت‬
‫"ما كان مثلك أحدا" أو "ما كان زيد أحدا" كنت ناقضا ألنه قد علم أنه ال‬
‫يكون زيد وال مثله إال من الناس‪ ،‬ولو قلت "ما كان مثلك اليوم أحد" فإنه‬
‫يكون أن ال يكون في اليوم إنسان على حاله إال أن تقول " ما كان زيد أحدا‬
‫" أي من األحدين و "ما كان مثلك أحدا" على وجه تصغيره فتصير كأنك‬
‫قلت "ما ضرب زيد أحدا وما قتل مثلك أحدا"‪.23‬‬

‫‪-14‬نماذج من الملفوظ الكذب‪:‬‬


‫أوّلنا القول الكذب عند سيبويه بكونه قوال يخرق قيدا دالليا معجميا مثل‬
‫"حملت الجبل وشربت البحر"‪ .‬ولم يتوسّع فيه سيبويه بعد ذلك في كتابه‪،‬‬
‫ولم يجعله النحاة بعده من مباحث صناعتهم إالّ أبو حيّان األندلسي (‪-‬‬
‫‪142‬هـ)‪ ،‬فقد ختم كتابه "ارتشاف الضرب" بـ " باب الحقيقة والمجاز"‬
‫حيث قال‪ « :‬لم نر أحدا من النحويين وضع هذا الباب‪...‬فنقول‪ :‬الحقيقة ما‬
‫استعمل في المو ضوع له والمجاز ما استعمل في غير الموضوع له‪ ،‬ومن‬
‫‪24‬‬
‫أقسامه‪:‬‬
‫‪-‬االستعارة كقوله تعالى‪" :‬جدار يريد أن ينقضّ" (الكهف ‪)11‬‬
‫‪-‬والقلب كقولهم "خرق الثوب المسمار"‬
‫‪-‬والحذف كقوله تعالى‪" :‬واسأل القرية" (يوسف ‪)92‬‬
‫‪-‬والتشبيه كقوله تعالى‪" :‬كسراب بقيْعة" (النور ‪)38‬‬
‫‪-‬وقلب التشبيه كقول الشاعر "يكون مزاجها عسل وماء"‬

‫‪ 22‬الكتاب ج‪ 1‬ص‪21‬‬
‫‪( 23‬الكتاب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪)22‬‬
‫‪( 24‬أبو حيان‪ ،1891 ،‬ج‪ ،3‬ص ‪)222-224‬‬

‫‪152‬‬
‫‪-‬وتسمية الشيء بما يقابله كقوله تعالى‪ " :‬وجزاء سيئة سيئة مثلها" (الشورى‬
‫‪)40‬‬
‫‪-‬وتسمية الشيء بالسبب فيه كقوله تعالى‪ " :‬قد أنزلنا عليكم لباسا " (األعراف‬
‫‪)22‬‬
‫‪-‬وتسمية الشيء بما يؤول إليه كقوله تعالى‪ " :‬إني أراني أعصر خمرا"‬
‫(يوسف‪)32‬‬
‫‪-‬وإضافة الشيء إلى ما ال يستحق ذلك كقوله تعالى‪ " :‬بل مكر الليل والنهار"‬
‫(سبأ ‪)33‬‬
‫‪-‬واإلخبار عن الشيء ووصفه بغيره كقولهم " نهاره صائم وليله قائم "‬
‫‪-‬واتصال البعضية كاستعمال الحافر لذي الحافر‪.‬‬
‫‪-‬واتصال الكلية كاستعمال العالم لبعضه‪.‬‬
‫‪-‬واتصال العموم كاستعمال الحجر للياقوت‪.‬‬
‫‪-‬واتصال الخصوص كاستعمال السيف للسالح‪.‬‬
‫‪-‬واتصال االشتمال كاستعمال شيء لما هو يشتمل عليه نحو الخيل للفرسان‬
‫والسالح للتسلّح والثوب للباس‪...‬الخ » (نفسه)‬

‫وقد كان وصف أبي حيان ألوجه المجاز أوسع مما ذكرنا‪ ،‬وفيه تميز نسبي‬
‫عن أوصاف البيانيين له‪ .‬وقد أوردنا قوله رغم طوله ألنه بدا لنا وكـأنّه شرح‬
‫لما اعتبره سيبويه "الملفوظ الكذب" ومثّل له بـ "شربت البحر وحملت‬
‫الجبل"‪ .‬فالكذب هنا إذن ليس الكذب المتعارف بل هو أقرب إلى مفهوم‬
‫المجاز المنطبق على ملفوظات شبه ملموسة‪.‬‬

‫‪-12‬نماذج من الملفوظ القبيح‪:‬‬


‫تعريف القبح سابقا هو "وضع اللفظ في غير موضعه"‪ ،‬وهي قيمة مقابلة‬
‫للحسن‪ ،‬لذلك تطرد المساواة في "الكتاب" بين "يقبح" و "لم يحسن"‪ ،‬جاء‬
‫ذلك في "باب ما يحتمل الشعر" وغيره حيث « يحتمل الشعراء قبح الكالم‬
‫حتى يضعوه في غير موضعه ألنه مستقيم ليس فيه نقض‪ ،‬فمن ذلك قوله‪:‬‬
‫وصال على طول الصدود يدوم‬ ‫صددتِ فأطولت الصّدو َد وقلما‬

‫‪153‬‬
‫‪25‬‬
‫وإنما الكالم‪" :‬وقل ما يدوم وصال" »‬
‫وينسحب هذا الحكم أيضا على المداخلة بين الحروف المختصّة باألفعال‬
‫والحروف المختصّة باألسماء « ذلك أن من الحروف حروفا ال يذكر بعدها‬
‫إال الفعل‪ ،‬ومنها " قد وسوف ولمّا " فإن اضطرّ شاعر فقدّم االسم لم يكن حدّ‬
‫اإلعراب إال النصب وذلك نحو " لم زيدا أضرب " و " سوف زيدا أضرب‬
‫‪26‬‬
‫" ولو قلت هذا في غير الشعر لم يحسن »‬
‫« وحروف االستفهام أيضا ال يليها إال الفعل‪ ،‬إال أنهم قد توسّعوا فيها‬
‫فابتدؤوا بعدها األسماء‪ ،‬أال ترى أنهم يقولون " هل زيد منطلق وكيف زيد‬
‫آخذ " فإن قلت " هل زيدا رأيت وهل زيد ذهب " قَبُحَ» (نفسه)‪.‬‬

‫‪-12‬نماذج من الملفوظ التحصيلي‪:‬‬


‫الملفوظ التحصيلي كما سيظهر من الشاهد التالي هو جزء من الملفوظ القبيح‪،‬‬
‫إال أنه يفترق عنه في انعدام الفائدة فيه‪ ،‬أو هكذا يبدو‪ ،‬من ذلك أنك « إذا قلت‬
‫" كان رجل ذاهبا " فليس في هذا شيء تعلمه كان جهله ولو قلت " كان‬
‫رجل من آل فالن فارسا " حسُن ألنه قد يحتاج إلى أن تعلمه‪ .‬ولو قلت " كان‬
‫رجل في قوم فارسا " لم يحسن ألنه ال يستنكر أن يكون في الدنيا فارس وأن‬
‫‪27‬‬
‫يكون من قوم‪ ،‬فعلى هذا النحو يحسن ويقبح »‬
‫وقد وسّع ابن جني (‪382-‬هـ) مفهوم الملفوظ التحصيلي ليشمل تكرير‬
‫جزءيْ الملفوظ و نسبه إلى المحال « فمن المحال قولك "أحق الناس بمال‬
‫أبيه ابنه" وذلك أنك إذا ذكرت األبوة فقد انطوت على البنوّة‪ ،‬فكأنك إذنْ قلت‬
‫"أحق الناس بمال أبيه أحق الناس بمال أبيه" فجرى ذلك مجرى قولك "زيد‬
‫زيد" و "القائم القائم" ونحو ذلك مما ليس في الجزء الثاني إال ما في الجزء‬
‫األول البتة‪ ،‬وليس على ذلك عقد اإلخبار ألنه يجب أن يستفاد من الجزء‬
‫‪28‬‬
‫الثاني ما ليس مستفادا من األول »‬

‫‪( 25‬سيبويه‪،‬الكتاب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪)31‬‬


‫‪( 26‬سيبويه‪،‬الكتاب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪)89‬‬
‫‪( 27‬الكتاب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.)24‬‬

‫‪ ( 28‬ابن جني‪ ،1892 ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.) 338‬‬

‫‪154‬‬
‫لكن هذه التحصيليات قد تحتمل توجيها آخر فتصبح من باب الملفوظ الحسن‬
‫غير المحال « إذا أفاد الجزء الثاني ما لم يفده الجزء األول صحّ الكالم وإن‬
‫كان تكريرا له كقولك "زيد زيد" على معنى أن زيدا هوّهوّ لم يتغيّر أو هو‬
‫المعروف بكذا وكذا‪ ،‬كقول أبي النجم‪:‬‬
‫أنا أبو النجم وشعري شعري‬
‫أي شعري المشهور المعروف بنفسه » ( نفسه)‬

‫‪ - 11‬نماذج من الملفوظ المحمول على معناه‪:‬‬


‫استعمل النحاة منذ سيبويه علّة الحمل على المعنى كلما استعصى عليهم تعليل‬
‫بنية الملفوظ من زاوية شكلية‪ .‬لذلك فإنّ صنف القول المحمول على معناه قد‬
‫يكون متواجدا في ومتداخال مع عدّة أصناف من الملفوظات السابقة‪ .‬تفصيل‬
‫ذلك أنّ علل النحاة قد تكون لفظية خالصة وقد تكون معنوية خالصة وقد‬
‫‪29‬‬
‫تكون لفظية معنوية‬
‫فمن أمثلة حمل القول على القول لعلّة لفظية خالصة‬
‫« زيادة "إن" بعد "ما" المصدرية الظرفية والموصولة ألنهما بلفظ ما النافية‪.‬‬
‫ودخول الم االبتداء على ما النافية حمال لها في اللفظ على ما الموصولة‪» ...‬‬
‫‪30‬‬

‫ومن أمثلة حمل القول على القول لعلّة لفظية معنوية « اسم التفضيل وأفعل‬
‫في التعجب فإنهم منعوا أفعل التفضيل أن يرفع الظاهر لشبهه بأفعل التعجب‬
‫وزنا وأصال وإفادة للمبالغة‪ ،‬وأجازوا تصغير أفعل التعجب لشبهه بأفعل‬
‫التفضيل في ذلك»(نفسه)‪.‬‬

‫أما ما يعنينا من أمثلة حمل القول على القول لعلّة معنوية خالصة فمنه ‪:‬‬
‫‪ «-1‬جواز "غير قائم الزيدان" حمال على "ما قام الزيدان" ألنه في‬
‫معناه ولوال ذلك لم يجز ألنّ المبتدأ إما أن يكون ذا خبر أو ذا‬
‫مرفوع يغني عن الخبر » (نفسه)‪.‬‬

‫‪ ( 29‬السيوطي‪ ،1888 ،‬ص ‪ 104‬وما بعدها )‪.‬‬


‫‪ ( 30‬نفسه‪ ،‬ص ‪.) 89‬‬

‫‪155‬‬
‫وفي كتاب سيبويه تعدّدت نماذج الملفوظات التي غلّب المصنّف أنّ السامع‬
‫سيحملها على معناها ال على لفظها أثناء تفكيكها‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫باب حذف الفعل لكثرته في كالمهم حتى صار بمنزلة‬ ‫‪-2‬‬
‫المثل‪ « :‬ومما ينتصب في هذا الباب على إضمار الفعل‬
‫المتروك إظهاره "انتهوا خير لكم" و "وراءك أوسع لك" قال‬
‫الخليل‪ :‬كأنك تحمله على ذلك المعنى‪ ،‬كأنك قلت له "انته وادخل‬
‫فيما هو خير لك" وحذفوا الفعل لكثرة استعمالهم إياه في الكالم‬
‫ولعلم المخاطب أنه محمول على أمر حين قال له "انتهِ" فصار‬
‫‪31‬‬
‫ت خيرا لك وادخل فيما هو خير لك" »‬ ‫بدال من قوله "ائ ِ‬
‫القلب‪ ... « :‬أما قوله "أُدخِل فُوه الحجر" فهذا جرى‬ ‫‪-3‬‬
‫على سعة الكالم والجيّد "أُدخل فاه الحجرُ" كما قال "أدخلت في‬
‫رأسي القلنسوة" والجيّد "أدخلت في القلنسوة رأسي"‪ ،‬وليس‬
‫مثل "اليوم والليلة" ألنهما ظرفان‪ ،‬فهو مخالف له في هذا‪،‬‬
‫‪32‬‬
‫موافق له في السّعة »‬
‫‪ - 4‬وضع المفرد موضع المثنى والجمع‪ « :‬وجاء في‬
‫الشعر من االستغناء أشدّ من حذف المفعول في باب التنازع‪،‬‬
‫وذلك قول ابن الخطيم الشاعر‪:‬‬
‫نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأيُ مختلفُ‬
‫فوضع في موضع الخبر لفظ الواحد ألنه قد علم أن المخاطب‬
‫سيستدلّ به على أن اآلخرين في هذه الصفة »‪.33‬‬
‫تنزيل غير العاقل منزلة العاقل‪ « :‬أما قوله تعالى "كلّ‬ ‫‪-2‬‬
‫في فلك يسبحون" (األنبياء ‪ )33‬و "رأيتهم لي ساجدين"‬
‫(يوسف ‪ )4‬و "يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم" (النمل ‪،)19‬‬
‫فزعم الخليل أنه بمنزلة ما يعقل ويسمع‪ ،‬فـجاز هذا حيث‬

‫‪( 31‬سيبويه ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.) 294-292‬‬


‫‪( 32‬سيبويه ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.) 191‬‬
‫‪( 33‬سيبويه ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪) 12-12‬‬

‫‪156‬‬
‫صارت هذه األشياء عندهم تؤمر وتطيع وتفهم الملفوظ وتعبد‬
‫بمنزلة اآلدميين‪.34» ...‬‬
‫وقوع المضارع موقع الماضي والعكس‪ « :‬قد تقع‬ ‫‪-2‬‬
‫"نفعل" في موضع "فعلنا" في بعض المواضع‪ ،‬مثل قوله‪:‬‬
‫ولقد أم ّر على اللئيم يسبّني فمضيتُ ثم قلتُ ال يعنيني‬
‫واعلم أن "أسير" بمعنى "سرت" إذا أردت بها معنى "سرت"»‬
‫‪35‬‬

‫‪-1‬التعجب بلفظ القسم‪ « :‬قد تقول "تاهلل" وفيها معنى التعجّب‪،‬‬


‫وبعض العرب يقول في هذا "هلل" فيجيء بالالّم‪ ،‬وال تجيء إال‬
‫‪36‬‬
‫أن يكون فيها معنى التعجّب »‬
‫ومن األمثلة األخرى للقول المحمول على معناه في كتاب سيبويه‪:‬‬
‫خروج الدّعاء والترجّي عن أصل وضعهما ‪ 37‬ووضع الظاهر‬
‫موضع المضمر‪ 38‬واستعمال الجمع في موضع المفرد‪ ،‬والجمع في‬
‫موضع التثنية (نفسه) والمثنى في موضع الجمع‪...39‬الخ‪.‬‬

‫وبعد أن تغلبت النزعة اللفظية على النحو والنحاة أصبح هذا المبحث كلّه بابا‬
‫‪40‬‬
‫من أبواب البالغة تحت اصطالح " خروج الكالم على مقتضى ظاهره "‬

‫ن نماذج الملفوظات المحمولة على معناها ليست ذات طبيعة واحدة‪،‬‬ ‫إذنْ‪ ،‬إ ّ‬
‫بل هي متداخلة مع كل النماذج السابق ذكرها‪ ،‬وواضح أن ظاهرة الحمل‬
‫على المعنى في حدّ ذاتها تمثّل مشكال بالنسبة إلى كل منوال يسعى إلى‬
‫اإلحاطة االختبارية بشتات معطيات اللسان‪ ،‬وهي قبل ذلك تمثل مشكال‬
‫بالنسبة إلى كل محلل للملفوظات إنسانيا كان أو آليّا‪ ،‬وسبب استعصائها على‬

‫‪( 34‬سيبويه ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪) 49-41‬‬


‫‪( 35‬سيبويه ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.) 24‬‬
‫‪( 36‬سيبويه ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪) 481‬‬
‫‪( 37‬سيبويه ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪) 331‬‬
‫‪( 38‬سيبويه ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪،)22‬‬
‫‪( 39‬سيبويه ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪) 349‬‬
‫‪ ( 40‬السكاكي‪ ،1893 ،‬ص ‪.) 122-124‬‬

‫‪157‬‬
‫التحليل "الموضوعي" هو – قبل كل شيء – عدم استجابة معطياتها لشرط‬
‫التالزم والتضامن بين اللفظ والمعنى‪ ،‬فهي عند التفكيك الحرفي تفضي إلى‬
‫نتيجة أولى‪ ،‬وعند التفكيك غير الحرفي ( المتصل عادة بحيثيات سياقية أو‬
‫مقامية ) تفضي إلى نتيجة ثانية مخالفة لألولى‪ ،‬والمشكل أن قصد القائل‬
‫متوجّه دائما – في حاالت الحمل على المعنى – إلى النتيجة الثانية غير‬
‫الموسومة ‪ .non marquée‬ومن جهتنا نغلّب أن يكون المحمول على‬
‫المعنى من باب "المسكوت عنه" ‪ non dit‬بتعبير روبير مارتن‪ 41‬أمّا‬
‫االلتباس فيعود إلى شيوع ظاهرة االشتراك في األلسنة الطبيعية‪ .‬وفيما يلي‬
‫تفصيل ذلك‪.‬‬

‫‪ -4‬الملفوظ الملتبس عند النحاة العرب‪:‬‬


‫كانتْ زاوية نظر اللغويين القـُدامي تُجاه "االلتباس" زاوية معيارية تعليمية‪،‬‬
‫و ذلك على أصعدة منها ‪:‬‬
‫‪ -‬شهاداتهم المتعددة بأن مدونات المعطيات التي اعتمدوا عليها في‬
‫سبيل وضع قواعد النحو و تعليمها هي مدونات "ملتبسة" بشكل أو‬
‫بآخر ‪ :‬من جهة أنها مستقاة من منابع شفوية مختلفة ‪ 42‬خضعت فيما‬
‫بعد للكتابة و النقط و اإلعجام ‪ ،‬و من جهة ما الحظوه فيها من‬
‫مظاهر مشكلة على الفهم ‪.43‬‬
‫‪ -‬انتباه النحاة إلى بعض العوارض المُعترية لداللة الكالم فتجعل‬
‫فهمه مشكال ‪ ،44‬وتتواتر في مؤلفاتهم مصطلحات تــَشِي بوعيهم بأن‬
‫‪ 41‬روبير مارتن)‪(R. Martin- ambiguité indécidabilité et non dit1985‬‬
‫‪ 42‬إن خاصيتها الشفوية هي التي أملت عليهم العناية بمسائل " التنغيم " المتصلة بها‬
‫باعتبارها أحد الحلول في التباسها‪ :‬من ذلك أن ابن يعيش (‪243-‬هـ) و االسترباذي‬
‫(‪292‬هـ) قد خصّـصا في آخر كتابيْهما المذكوريْن حـيـّـزا للمسائل الصوتية‬
‫‪ 43‬مثل التضمين و اإليغال و التعريض و التلويح و التعمية و التورية و اإلشارة و‬
‫االلتفات و المبالغة و الغلو و اإلغراق (في كتاب العمدة إلبن رشيق القيرواني (‪422‬هـ)‬
‫تح ‪:‬م‪.‬محي الدين عبد الحميد دار الجيل ط‪-1891-2‬جزآن )‪ .‬و مثل التشابه و العموم و‬
‫اإلجمال و اإلشكال و التناقض و اإلطالق و الكناية و اإليجاز و اإلطناب ( في كتاب‬
‫اإلتقان في علوم القرآن لجالل الذين السيوطي (‪811-‬هـ) دار قهرمان – اسطنبول ط‬
‫‪ -4.1819‬جزآن)‪.‬‬
‫‪ 44‬من ذلك في كتاب سيبويه ‪":‬باب اللفظ للمعاني " و " باب ما يكون في اللفظ من‬
‫األعراض " و "باب االستقامة من الكالم و اإلحالة " (ج‪-1‬ص‪ .)22-24‬و من ذلك في‬
‫كتاب الخصائص البن جني (‪382‬هـ) ‪ " :‬باب في الفرق بين تقدير اإلعراب و تفسير‬

‫‪158‬‬
‫اإلعراب إنما أتِـيَ به للحيلولة دون «اللَـبْس» و االشتباه و اإلشكال و‬
‫التوهم و االتساع و اإلخفاء و اإلضمار‪..‬‬
‫‪ -‬وقوفهم المتأني عند مظاهر اطراد التشابه في نظام اللسان العربي‬
‫على أصعدة عدة ‪ ، 45‬و فيها تكمن مظاهر «االلتباس» ‪.‬‬
‫‪ -‬اجتهادهم في التنقيب عن قرائن التقابل أو المخالفة بين تلك المظاهر‬
‫المتشابهة‪ ،46‬و فيها تكمن بعض حلول رفع «االلتباس» ‪.‬‬

‫ال شك إذن في أن مشكلة «االلتباس» كانت موجها جوهريا – مباشرا أو غير‬


‫مباشر – للنزعة التعليمية في أبحاث النحويين العرب القدامي‪ ،‬وهم واعون‬
‫بتلك النزعة بلْ يُصرّحون بها تحت عناوين تعليمية مثل "أمن اللبس" أو‬
‫"جهات االعتراض على المُعرب" و "كيفية اإلعراب" ( ابن هشام –مغني‬
‫اللبيب ‪ ،‬الجزء األول منه بأكمله)‪.‬‬
‫وتكاد المدونة النحوية القديمة – مصدر بحثنا هذا‪ -‬تكون كلّها متجهة تلك‬
‫الوجهة التعليمية بدءا من كتاب "الكتاب" لسيبويه(‪190-‬هـ)‪ ،‬وكذلك‬
‫"أصول" ابن السرّاج (‪ 312 -‬هـ)‪ ،‬وخصائص ابن جني(‪381-‬هـ)‬
‫و"العوامل المائة" للجرجاني(‪411-‬هـ) و"شرح المفصل" البن يعيش(‪-‬‬
‫‪243‬هـ)‪ ،‬و "شرح الكافية" لالسترباذي (‪292‬هـ) و "مغني اللبيب" البن‬
‫هشام(‪121-‬هـ) و"األشباه والنظائر" للسيوطي(‪811-‬هـ)‪ ،‬وتمتدّ تلك النزعة‬
‫التعليمية في دراسة اللغة إلى العصر الحديث في المشرق العربي‪ :‬حيث‬
‫المعنى " (ج‪-1‬ص ‪)290‬و باب في تجاذب المعاني و اإلعراب " و " باب في التفسير‬
‫على المعنى دون اللفظ " و " باب في األشباه من حيث يغمض االشتباه "(ج‪-2‬ص‬
‫‪129‬إلى ‪)331‬‬

‫‪ 45‬يمكن أن نعتبر كتاب " األشباه و النظائر في النحو " للسيوطي مدونة كبيرة في‬
‫مظاهر التشابه تلك (خاصة جزءيه الثاني و الثالث )؛و هو فيها تشابه يشمل ‪ :‬اشتراك‬
‫بعض المعاني االشتقاقية في الوزن ‪ ،‬و اشتراك بعض المعاني التصريفية في الصبغة ‪،‬‬
‫و الوجوه و النظائر ‪،‬و تشابه معاني بعض الوحدات النحوية ‪ ،‬وتشابه في سلوك بعض‬
‫أقسام الكالم ‪ ،‬و التشابه بين بعض المعاني النحوية الخاصة أو " العامة "‬

‫‪ .46‬يمكن أن نعتبر كتاب " مغني اللبيب " البن هشام من المدونات المتحرية في‬
‫الوقوف عند قرائن المخالفة تلك ‪ ،‬من ذلك تأكيده في الجزء الثاني منه على ‪:‬مبدإ‬
‫اإلعراب و مبدإ حفظ الرتبة و مبدإ المطابقة ‪ .‬ووجوب اإلظهار أو اإلضمار ووجوب‬
‫التذكير أو التعريف ووجوب الذكر أو الحذف ووجوب الفصل أو الوصل ‪ ،‬و اشتراط‬
‫الجمود أو االشتقاق واشتراط اإلبهام أو االختصاص ‪ ،‬و اشتراط اإلفراد أو التركيب و‬
‫اشتراط الوصف أو عدم الوصف‬

‫‪159‬‬
‫تناول "تمام حسان" مثال موضوع «االلتباس» من زاوية تطبيقية معيارية‬
‫بحتة ‪. 47‬‬

‫فقد حاول أولئك اللغويون العرب أنْ يصوغوا فرضيات واضحة المعالم‬
‫حول ظاهرة «االلتباس»‪ ،‬باإلجابة عن أسئلة منهجية مثل ‪:‬‬
‫‪ -‬كيف نميز «االلتباس» عن مظاهر لغوية أخرى كثيرة تجمعها‬
‫خاصية التعسر التأويلي ؟‬
‫‪ -‬ماهي صالت «االلتباس» بظواهر الوجوه والنظائر (في المعجم‬
‫وفي التركيب) ؟‬
‫‪ -‬ما هيّ مستويات التحليل اللغوي التي يمكن أن نصف من خاللها‬
‫مظاهر «االلتباس» ؟‬
‫‪ -‬ماهي الوسائل اللغوية التي يمكن أن يلجأ إليها "المُحلّل" لرفع ذلك‬
‫«االلتباس»؟‬
‫‪ -‬إلي أي حدّ يمكننا أن نراعي دور السياق المقامي في االنتباه إلي‬
‫بعض مظاهر «االلتباس» ورفعها ؟‪...‬‬
‫ن التمشي المنهجي الذي سلكوه لم يكن بالقدر الكافي من التماسك المفهومي‬‫لك ّ‬
‫‪48‬‬
‫واالنسجام االصطالحي ‪ ..‬و بناء على ذلك كتبـتُ أطروحة في هذا‬

‫‪ 47‬في مصنّف"اللغة العربية معناها و مبناها" ‪ :‬الكتاب األ ّم لـ"تمام حسان" الجامع‬
‫لغالبية آرائه‬
‫‪ 48‬من شواهد الخلل المفهومي واالصطالحي عند القُدامى نذكر ‪:‬‬
‫(أ) أنّ مصطلح " ال ُم ْعرِب " –أيْ المبتدئ في تعلم صناعة النحو ‪ -‬يمكن أن‬
‫يؤوّل تأويال مزدوجا من زاوية نظر الدراسات الحديثة حول «االلتباس» ‪:‬‬
‫فيُحيل إلي ما يـُسمّى بـ " الباث " أو إلي ما يـُسمّي بـ " المتلقي " فاألول يعرب‬
‫عن " قصده " و ال ثاني يحلل ذلك القصد نحوا و داللة بالوقوف عند معانيه ‪،‬‬
‫‪48‬‬
‫وقد عالج السيوطي مسألة القصد و طرفيْها في أحد كتبه المعروفة‬
‫(ب) لكنهم لم يقفوا طويال عند مختلف الصّيغ الممكنة لوجود «االلتباس» ؛‬
‫أي‪« :‬االلتباس المحتمل» و «االلتباس الفعلي » و "المسكوت عنه " ‪ ،‬و هي‬
‫صي غ انتهتْ إليها البحوث الغربية بعد مراعاة للسياق الذي يرد فيه «االلتباس»‪:‬‬
‫ذلك أن كل متوالية ذات حجم أقلّ من الجملة ال يمكن أن تكون إال محل التباس‬
‫احتمالي و ال يمكن الحديث في شأنها عن التباس فعلي إال بعد تحليل الجملة‬
‫كلها‪ ،‬أما "المسكوت عنه" فال يعود إلي اآلليات اللغوية بل هو يتولد في وضعيه‬
‫خطابية معينة ويُرفـَع بعد التنبه إلي مكوّناتها‪.‬‬
‫(ج)ثم إن ظواهر "االشتباه و اإلشكال واالتساع واإلخفاء " عندهم حتى وإنْ‬
‫تلبّستْ بتعابير لغوية فإنها تبقى متعلقة بالخطاب المنجز‪ ،‬أما ظاهرة‬

‫‪160‬‬
‫الموضوع اقترحتُ فيها فرضيات واضحة المعالم في «االلتباس» يمكن أن‬
‫ترهف وَصْف أسالفنا للمعطيات االستعمالية وتزوّده بجملة من األدوات‬
‫المنهجية المتماسكة‪ ،‬كما تبنيتُ في أطروحتي نفس أهداف الباحثين الغربيين‬
‫في هذه الظاهرة (مع تطبيقها على اللسان العربي)‪ ،‬وهذه األهداف تدور‬
‫باختصار حول محوريْن هما‪:‬‬
‫محاولة ضبط مفهوم دقيق و شامل لاللتباس في اللغة العادية‪ .‬وتمّ‬
‫بالفعل ضبط ذاك المفهوم باالستناد إلى واقع شبه محسوس في اللغة‬
‫العادية هو واقع "االشتراك اللفظي" ‪.Homonymie‬‬
‫والمحور الثاني هو تفصيل القول في المظاهر المختلفة لوجود‬
‫«االلتباس» في اللسان العربي‪ .‬وقد تمّ تفصيل تلك المظاهر‬
‫بحصرها في مستويات التحليل التالية مرورا من أكثرها سطحية إلى‬
‫أكثرها خفاء‪ :‬المستوى الخطي والمستوى الصّوتي والصرفي‬
‫والمستوى المعجمي والمستوى التركيبي‪.‬‬

‫‪ -1-4‬ضبط مفهوم دقيق و شامل لاللتباس ‪:‬‬


‫إنّ مصطلح «االلتباس» – في تناوله األوّلي – مشحون في األدبيات‬
‫المذكورة آنفا بعدّة معان متراوحة بين الموضوعية والذاتية أي بين النزعة‬
‫العلمية التقنية والنزعة غير التعليمية العفوية‪ .‬وكان ال بدّ علينا من جعله‬
‫مفهوما لغويّا‪ ،‬لكنّ الكُتّاب الغربيين أنفسهم كثيرا ما ال يُصرّحون بتعريفاتهم‬
‫في كتاباتهم ‪ ،‬نستثني من هؤالء ن‪ .‬شومسكي في كتابه األوّل ‪Structures‬‬
‫)‪ syntaxiques (1957‬حيث أصدر تعريفا صريحا وضيّقا لاللتباس‬
‫اللغوي باالستناد إلى واقع حسّي وشائع هو واقع "االشتراك في البنية"‬
‫)‪ ،Homonymie de construction (P 98‬وطرافة شومسكي تكمن‬
‫في أنّه عمّم مالحظة ذاك الواقع على جميع مستويات التحليل اللغوي‪،‬‬
‫فهناك اشتراك صوتي )‪ (P 99‬واشتراك صرفي )‪ (P 99‬واشتراك مركّبي‬
‫)‪ (P 99‬واشتراك تحويلي )‪ (P 101‬وكلّ منها قد ينتج عنه التباس أثناء‬
‫التحليل الفعلي لتلك المستويات‪ ،‬لذلك لم يخرج «االلتباس» في األدبيات‬

‫«االلتباس» فهي تتصل بنظام اللسان نفسه متمثال في اآلليات التي بواسطتها‬
‫تقترن الدالالت في اللغة بالعالمات وبتوليفاتها ‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫التوليدية عن أن يكون إمّا التباسا في المعجم أو التباسا في البنية السطحية أو‬
‫التباسا في البنية العميقة‪.‬‬
‫هذا التعريف لمفهوم «االلتباس» ومستوياته هو تعريف دقيق وصارم‪،‬‬
‫وهناك تكمُن بساطته وقابليته لتوسيعه واستثماره من جهة اللغويين بعد سنة‬
‫‪ ،1821‬وكان قطب الرّحى في التوسيع الالحق لمفهوم «االلتباس»‬
‫ومستوياته هو تغليب فرضية شيوع التعدّد المعنوي ‪ Polysémie‬في اللغة‬
‫ب‬
‫العادية على فرضية شيوع االشتراك اللفظي ‪ ،Homonymie‬وقد تـَواكَ َ‬
‫ذلك مع تراجع المنواالت النظرية المتفاصلة للغة ‪Les modèles‬‬
‫‪ discrets‬لحساب المنواالت المسترسلة لها ‪.Les modèles coutinus‬‬
‫ت من هذه المنواالت النظرية المسترسلة للغة منوال روبير مارتن‬ ‫وقد اختر ُ‬
‫باعتبار وجود مزيتيْن في هذا المنوال – بالنسبة إلى أطروحتي – هما‪:‬‬
‫‪ -‬إقراره لتعريف «االلتباس» على أساس واقع "االشتراك اللفظي"‬
‫‪.Homonymie‬‬
‫‪ -‬اعتباره أنّ ما ينتج عن واقع "التعدّد المعنوي" ‪ Polysémie‬ليس‬
‫لبسا بالمعنى الضيّق للمصطلح بل هو في باب آخر أطلق عليه‬
‫مصطلح "المسكوت عنه" ‪.le non-dit‬‬
‫وهكذا كانت وجهة نظر مارتن لاللتباس مسايرة للحسّ المشترك الذي‬
‫يحدس بأنّ وصف «االلتباس» ومعالجته ال يستقيمان إالّ باالستناد إلى واقع‬
‫حسّي متفاصل هو واقع االشتراك اللفظي حيث يفترض المحلل أنّ معالجة‬
‫«االلتباس» لن تتخذ إالّ صياغة واحدة هي « لهذا التعبير الملتبس إمّا هذه‬
‫القراءة أو تلك دون تداخل أو تقاطع بين القراءات المختلفة لذاك التعبير »‬
‫أمّا ظاهرة "المسكوت عنه" فــإنّ لها حسب روبير مارتن فرعيْن‪ :‬فرع‬
‫داللي يتصل بتحليل الجملة وفرع تداولي يتصل بتأويل "الملفوظات"‬
‫‪ énonces‬أثناء االستعماالت المتلوّنة‪ ،‬لذلك فهي تقتضي في وصفها منواال‬
‫مسترسال تكون من جملة مستنداته واقع التعدّد المعنوي ‪ Polysémie‬في‬
‫اللسان أو واقع اإلبهام ‪ le vague‬في اللسان‪ .‬وستتخذ معالجة المتلقي‬
‫للمسكوت عنه وقتها صياغات مثل « لهذا الملفوظ في هذا السياق أو في‬
‫هذا المقام هذه الداللة ‪ signification‬أو تلك‪ ،‬ولنفس هذا الملفوظ في‬
‫سياق آخر أو مقام آخر داللة أخرى قد تكون متداخلة أو متقاطعة مع الداللة‬
‫األولى»‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫‪ -2-4‬المظاهر المختلفة لوجود «االلتباس» في اللغة العادية‪:‬‬
‫بناء على التعريفات السابقة صنف هؤالء الغربيون مظاهر«االلتباس» إلي‬
‫أصناف تبعا لوجهات نظر‪:‬‬
‫‪ -‬بعضُها نحوي في «االلتباس الصرفي و المعجمي و التركيبي »‬
‫‪ -‬و بعضُها داللي في «االلتباس الحملي والداللي»‬
‫‪ -‬وبعضها تداولي في «االلتباس التداولي »‪.‬‬
‫و اقترحتُ في أطروحتي مسحا منسقا ألهمّ الشواهد التي رأتـْها مصادرنا‬
‫العربية القديمة والحديثة ملتبسة على مختلف مستويات التحليل‪ ،‬و نقدتــُها‬
‫من هذه الزاوية بناء على اإلطار النظري اآلنف الذكر‪ ،‬كما نظرتُ في‬
‫الوسائل التي رأتها تلك المصادر ناجعة في معالجة ذلك «االلتباس»‪ .‬و‬
‫ميزتُ في كلّ ذلك بيْن ما يمكن وصفه لسانيا و يتصل باآلليات اللغوية‬
‫المولدة لاللتباس و بين ما يمكن وصفه تداوليا و يتصل باآلليات اإلحالية‬
‫المرجعية و هي ذات طبيعة غير لغوية أحيانا ‪ .‬وقد كانتْ الشواهد التي‬
‫اعتمدتُ عليها في التحليل مستقاة من آثار هؤالء اللغويين العرب‪ ،‬فإذا لم‬
‫أعثر عندهم على مطلبي عمدتُ إلى ترجمة الشواهد عن بحوث الغربيين‬
‫المذكورين‪ ،‬خصوصا إذا كانت الظاهرة المستهدفة مشهودا على وجودها في‬
‫اللسانيْن‪ ،‬و قد عمدتُ في حاالت أخرى إلي النظر في الشواهد الحية‬
‫المأخوذة من مؤلفات أدبية أو صحفية ‪...‬‬

‫الحاصل أنّ هناك بين القُدامى و المُحدثين اختالفا وتكامال في‬


‫المنطلقات المنهجية في خطّ مسترسل من النزعة التعليمية المعيارية عند‬
‫النحاة القدامى‪ 49‬إلى النزعة العلمية الوصفية عند المُحدثين‪ ،‬وقد حاول ُ‬
‫ت‬
‫جهدي إظهارها في األطروحة من خالل وصف ظاهرة االلتباس‪:‬‬
‫‪ -‬فمن زاوية نظر النحاة القدامى أضاءتْ أطروحتي‪ 50‬كثيرا من مشاغلهم‬
‫حيث صرّحتْ بما بقي ضمنيا في مصنفاتهم وصاغتْ في شأن «االلتباس»‬
‫معالجة ليست غريبة أو مسقطة على المنوال النحوي الذي صاغه أسالفنا‬

‫‪ 49‬غلب المشغل التطبيقي– عند أسالفنا – على المشغل التنظيري‪ ،‬ويعود ذلك إلى‬
‫التزامهم الضمني بقاعدة "اعتبار علم النحو من جملة علوم اآللة الخادمة لعلوم الفقه‬
‫والتفسير"‪..‬‬
‫‪ 50‬الزيتوني (كمال) ‪ -‬ظاهرة االلتباس في اللسان العربي‪ -‬عالم الكتب الحديث ‪-‬‬
‫إربد‪ -‬األردن‪ -‬ط ‪2013 -1‬‬

‫‪163‬‬
‫للسان العربي ألنّ األقوال الملتبسة هي جزء ال يتجزأ من المعطيات القولية‬
‫المتداولة على ألسنة الناس في بيئتنا‪ ،‬وإذا كان ذلك المنوال النحوي القديم‬
‫يدّعي الواقعية فال بدّ أن يكون قادرا على إعطاء الوصف المناسب لهذا‬
‫الصنف من المعطيات‪.‬‬
‫‪ -‬أمّا من زاوية نظر اللسانيين المحدثين فقد ساهمتْ أطروحتي في التعريف‬
‫ببعض النظريات اللسانية الغربية في موضوع «االلتباس» تحديدا‪ .‬وال‬
‫يخفى ما في ذلك التعريف من صعوبات تتصل بالمفاهيم الموظفة في تلك‬
‫النظريات أو بالمصطلحات الكثيرة المتداخلة أحيانا‪ .‬لكن تلك الصعوبات لم‬
‫تحُلْ دون تذليلها الستثمارها في إثراء منوال النحو العربي المعروف‬
‫بليونته الكبيرة في اإلحاطة بالمعطيات االستعمالية المتجددة عبر الخطّ‬
‫الزمني‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫قائمة المراجع – ترتيب ألفبائي‪:‬‬

‫‪ )1‬المعاجم‪:‬‬
‫‪ ‬التهانوي – محمد بن علي (‪ 1129 -‬هـ)‪ .‬كشاف اصطالحات‬
‫الفنون – تح‪ :‬أحمد حسن بسّج – دار الكتب العلمية – بيروت‬
‫‪ ،1889‬ط‪.1‬‬
‫‪ ‬الجرجاني – الشريف علي (‪ 912 -‬هـ)‪ .‬التعريفات‪ -‬تح‪ :‬عبد‬
‫الرحمان عميرة‪ -‬عالم الكتب‪ -‬بيروت‬
‫‪ ‬الكفوي – أبو البقاء (‪ 1084 -‬هـ)‪ .‬الكليات – إعداد‪ :‬عدنلن‬
‫درويش ومحمد المصري‪ -‬دار الكتاب اإلسالمي‪-‬القاهرة ‪،1882‬‬
‫ط‪1891 .2‬‬

‫‪ )2‬سائر المراجع‪:‬‬
‫‪ ‬ابن جني – أبو الفتح عثمان (‪ 382 -‬هـ)‪ .‬الخصائص‪ -‬تح‪ :‬محمد‬
‫علي النجار‪ -‬الهيأة المصرية للكتاب‪ -‬القاهرة ‪.1892‬‬
‫ابن هشام – جمال الدين (‪ 121 -‬هـ)‪ .‬مغني اللبيب عن كتب‬
‫األعاريب‪ -‬تح‪ :‬م‪ .‬محي الدين عبد الحميد‪ -‬المكتبة العصرية‪-‬‬
‫بيروت ‪.1888‬‬
‫‪ ‬االسترباذي – رضي الدين (‪ 292 -‬هـ)‪ .‬شرح كافية ابن الحاجب‬
‫– إعداد‪ :‬إميل بديع يعقوب‪ -‬دار الكتب العلمية‪ -‬بيروت ‪،1889‬‬
‫ط‪1‬‬
‫أبو حيان األندلسي – محمد بن يوسف (‪ 142 -‬هـ)‪ .‬ارتشاف‬
‫الضرب من لسان العرب‪ -‬تح‪ :‬مصطفى أحمد النمّاس‪ -‬مطبعة‬
‫المدني‪ -‬القاهرة ‪ ،1891‬ط ‪.1‬‬
‫‪ ‬البَطَليَوْسي – ابن السِيد (‪ 221 -‬هـ)‪ .‬اإلنصاف في التنبيه على‬
‫األسباب التي أوجبت االختالف بين المسلمين في آرائهم‪ -‬تح‪:‬‬
‫محمد رضوان الداية‪ -‬دار الفكر‪ -‬دمشق ‪ ،1891‬ط ‪.3‬‬
‫‪ ‬الجرجاني‪ ،‬الشريف علي‪ -‬التعريفات – تحقيق عبد الرحمان‬
‫عميرة –عالم الكتب‪ -‬بيروت‪-‬لبنان ‪1891‬‬

‫‪165‬‬
‫‪ ‬الزيتوني (كمال)‬

‫‪ -‬ظاااهرة االلتباااس فااي اللسااان العربااي‪ -‬عااالم الكتااب الحااديث ‪-‬‬


‫إربد‪ -‬األردن‪ -‬ط ‪3112 -1‬‬
‫‪"-‬االلتباس النحوي في نظرية المناسبة "‪ -‬مقال مؤلف ضمن أشغال‬
‫ندوة موضوعها "النص والخطاب في المباحث العرفانية"‪ -‬دار كنوز‬
‫المعرفة للنشر و التوزيع‪-‬عمّان ‪-‬األردن ‪ -‬ط‪3118 -1‬‬
‫‪-‬االلتباس المعجمي في العربية" – مجلة روابط – الجزائر – العدد‬
‫‪3118 -1‬‬
‫‪-‬قضايا نظرية في ترجمة االلتباسات – ضمن كتاب جماعي عنوانه‬
‫"اللسانيات النفسية" – إشراف حسن خميس الملخ‪ -‬جامعة عمّان –‬
‫األردن – ‪3118‬‬
‫‪" -‬االزدواج اللغوي و االلتباس"‪ -‬مقال ضمن أشغال ندوة موضوعها‬
‫"العربية و تفاعل الحقول المعرفية" –منشورات دار زينب ‪-‬تونس‬
‫‪3112‬‬
‫‪ ‬السكاكي – أبو يعقوب (‪ 222 -‬هـ)‪ .‬مفتاح العلوم‪ -‬تح‪ :‬نعيم‬
‫زرزور‪ -‬دار الكتب العلمية‪ -‬بيروت ‪.1893‬‬
‫‪ ‬سيبويه – عثمان بن قنبر (‪ 191 -‬هـ)‪ .‬الكتاب‪ -‬تح‪ :‬عبد السالم‬
‫محمد هارون‪ -‬دار الجيل‪ -‬بيروت‪ -‬د‪.‬ت‪ ،‬ط ‪.1‬‬
‫‪ ‬السيوطي – جالل الدين (‪ 811 -‬هـ)‪ .‬االقتراح في علم أصول‬
‫النحو وجدله‪ -‬تح‪ :‬طه عبد الرؤوف سعد‪ -‬مكتبة الصفاء‪ -‬القاهرة‬
‫‪.1888‬‬
‫‪ ‬الصبّان – محمد بن علي (‪ 1202 -‬هـ)‪ .‬حاشية على شرح‬
‫األشموني على األلفية‪ -‬مكتبة دار إحياء الكتب العربية‪ -‬القاهرة‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪ )2‬المراجع باللسان الفرنسي‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪Fuchs (Catherine) (édition).‬‬

‫‪166‬‬
- Les ambigüités du français- Ophrys- Paris 1996.
- aspects de l’ambigüité et de la paraphrase dans les langues
naturelles- Peter Lang. 1985. (P. 7-36).
 Martin (Robert).
- Pour une logique du sens – PUF – Paris 1992.
- Ambigüité, indécidabilité et non-dit, publié dans : Fuchs
1985 (P. 143-146).

Dictionnaires
 Ducrot (Oswald) et Schaffer (J.M).
Nouveau dictionnaire encyclopédique des sciences du
langage – Seuil – Paris 1995.

167

You might also like