You are on page 1of 280

‫‪ 20‬شارع أحمد حسينة ‪ -‬باب الوادي ‪ -‬الجزائر (العاصمة)‬

‫‪| 00213 )0 ( 556 96 58 10‬‬


‫‪d a r . a l f u r q u a n @ g m a i l . c o m‬‬
‫‪‬‬

‫ـود َواال ْمتِنَـان‪َ ،‬أ ْح َمـدُ ه ُسـ ْب َحا َن ُه‬


‫اسـع ال َف ْضـ ِل والج ِ‬
‫َ ُ‬
‫اإلحسـان‪ ،‬و ِ‬
‫َ‬ ‫الحمـدُ هلل َعظِ ِ ِ‬
‫يـم ْ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َع َلـى َج ِزيـل َن ْع َمائـه َو َوافـر َف ْضلِـه وك َِريـم َع َطائـه‪َ ،‬و َأ ْش َـهدُ َأ ْن َل إِ َلـه َّإل اهلل َ‬
‫الح ُّـق‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ور ُسـو ُله الدَّ اعـي إِ َلـى ص َـراط اهلل ُ‬
‫الم ْسـتقيم‪َ ،‬ص َّلى‬ ‫المبِيـن‪ ،‬و َأ ْش َـهدُ َأ َّن ُم َح َّمـدً ا َع ْبـدُ ه َ‬
‫ُ‬
‫اهلل َع َل ْي ِـه َو َع َلـى آلـه َو َص ْحبِـه َأ ْج َمعيـن إلـى َي ْـوم الدِّ يـن‪.‬‬

‫َأ َّما َب ْعدُ ‪:‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف َه َذا كت ٌ‬
‫َاب نَافع‪ُ ،‬مفيدٌ َجامع‪ ،‬جمع نصائح ِّ‬
‫متنوعة‪ :‬توجيهات مفيدة‪ ،‬وإرشادات‬
‫سديدة‪.‬‬

‫الراغبيـن‪ ،‬ون ُْزهـة المسـتفيدين‪ ،‬و َب ْه َجـ ُة النَّاظريـن‪ ،‬ل ِ َمـا َظ َه َـرت بـه مِـ ْن‬
‫«هـي ُب ْغيـة َّ‬
‫َّحقيـق‪ ،‬ول ِ َمـا َأ ْو َد َعتـه مِـ ْن فوائـد‬
‫مظهـر أنيـق‪ ،‬وتح َّلـت بـه مـن زهـور المعـارف والت ِ‬
‫َ َ‬ ‫ٍ‬
‫جلِيلـة‪ ،‬سـهل اجتناؤهـا‪ ،‬و َثمـرات دانِيـة َطـاب م َذا ُقهـا‪ ،‬ومن ِ‬
‫َاه َـل َع ْذ َبـة‪َ ،‬ر َاق َم ْش َـر ُب َها‬ ‫َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫‪6‬‬

‫ِ‬ ‫ـان ال َع َقائِ ِد النَّافِ َعة‪َ ،‬واألُ ُص ِ‬


‫ـث ْاشـتَم َل ْت َع َلى بي ِ‬
‫الجام َعة‪َ ،‬واألَ ْحـ َكا ِم ُ‬
‫الم َتن َِّو َعة‪،‬‬ ‫ـول َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َح ْي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب السـامِية‪ ،‬و َغي َ ِ‬
‫الج َّمـة‪ ،‬ا َّلتـي َت ْكس ُ‬
‫ـب‬ ‫الم َه َّمـة‪َ ،‬وال ُع ُلـو ِم َ‬
‫الم َواضيـع ُ‬ ‫رهـا مـ َن َ‬ ‫َواآل َد ِ َّ َ َ ْ‬
‫يـر ًة َو َي ِقينَـا»[[[‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلن َْسـان ُهـدً ى َو ُر ْشـدً ا‪َ ،‬و َت ِزيـدُ ُه َبص َ‬

‫الم ْح ِسـن ال َبـدْ ر‬


‫الـر َزاق َبـ ْن َع ْبـد ُ‬ ‫اهـا َشـ ْي ُخنَا َع ْبـد َّ‬ ‫الم َؤ َّلـف ُخ َطـب َأ ْل َق َ‬‫َو َأ ْص ُـل َه َـذا ُ‬
‫ـض المو ِ‬
‫اضـ ِع‬ ‫يـق َع َلـى َب ْع ِ َ َ‬ ‫اسـت َْأ َذن ُْت َف ِضي َلتَـ ُه فِـي َج ْم ِع َهـا َو َت ْرتِيبِ َهـا َوال َّت ْعلِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َحف َظـ ُه اهلل‪َ ،‬ف ْ‬
‫الم َوا َف َقـة‪َ ،‬ج َـزا ُه اهلل َخ ْي ًـرا‪.‬‬
‫ل ُ‬ ‫الشـ ْيخِ إِ َّ‬ ‫مِن َْهـا[[[ َف َمـا ك َ‬
‫َان مِـ َن َّ‬
‫الشـ ْك ِر الج ِزي ِل ِل ْخوانِي ال َقائِ ِمين َع َلى الموقِ ِع الرس ِ‬
‫ـم ّي‬ ‫ك ََمـا َل َي ُفو ُتنِـي َأ ْن َأ َت َقدَّ َم بِ ُ‬
‫َّ ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الم َب َاركَـة‪َ ،‬ف َج َز ُاه ْم‬ ‫ِِ‬ ‫لشـيخ َعبـد الـر َزاق ح ِف َظـه اهلل َف َقـدْ اسـ َت َف ُ ِ ِ‬ ‫لِ ّ‬
‫ـم ُ‬‫دت كَث ًيرا مـ ْن ُج ُهوده ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫اهلل َخ ْي ًرا‪.‬‬

‫ُم ِح ُّبكُم ِ‬
‫ف الله‬

‫‪a b o u -a b d e l a z i z @h o t m a i l .f r‬‬

‫[[[ «هبجة قلوب األبرار وقرة عيون األخيار يف شرح جوامع األخبار» (ص‪.)462‬‬
‫[[[ كان ذلــك يف بيــت شــيخنا العالمــة عبــد المحســن بــن حمــد العبــاد البــدر حفظــه اهلل بالمدينــة النبويــة‬
‫عصــر يــوم الجمعــة ‪4‬جمــادى الثانيــة ‪ 1435‬هـ الموافــق لـ ‪ 4‬أفريــل ‪.2014‬‬
‫مقدمة الجزء الرابع‬

‫‪‬‬

‫الم ْر َسـلِين‪،‬‬ ‫ِ‬


‫ـم األَ ْنبِ َيـاء َو ُ‬
‫الس َلام َع َلـى َخا َت ِ‬‫الص َلا ُة َو َّ‬ ‫الح ْمـدُ هلل َر ِّب ال َعا َلميـن‪َ ،‬و َّ‬ ‫َ‬
‫ـم الع َلمـاء‪ ،‬و َع َلـى آل ِ ِـه و َأصحابِـه األَ ْطه ِ ِ‬ ‫َخطِ ِ‬
‫ـار األَ ْتق َيـاء‪َ ،‬و َم ْن َس َ‬
‫ـار‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫يـب ال ُب َل َغـاء‪َ ،‬و ُم َع ِّل ِ ُ َ‬
‫ـم إِ َلـى َي ْـو ِم الدِّ يـن‪َ ،‬و َب ْعـدُ ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫َع َلـى ن َْهج ِه ْ‬
‫ـم َوا ْق َت َفـى َأ َث َر ُه ْ‬

‫يضـ َة ُ‬
‫الج ُم َعـة‪،‬‬ ‫اإل ْس َلا ِم ال َعظِيـم َأ ْن َش َـر َع اهلل َع َّـز َو َجـل َف ِر َ‬ ‫يـن ِ‬ ‫ـن ِد ِ‬ ‫اس ِ‬ ‫َفـإِ َّن مِـن مح ِ‬
‫ْ َ َ‬
‫َـت َو َل َزا ْل ْت َم ْح ُفو َظـة َمن ُْحو َتة‬ ‫الم َكانَـة ال َعال ِ َية ا َّلتِي كَان ْ‬ ‫ِ‬
‫المن ِْز َلـ َة ال َغال َيـة‪َ ،‬و َ‬
‫َو َج َع َـل َل َهـا َ‬
‫ـم َل َها ُم َب ِّك ِريـن ُم َت َط ِّه ِريـن ُم َت َط ِّيبِين‪َ ،‬و َي ْسـت َْم ُع َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫فِـي ُق ُل ِ ِ ِ‬
‫ون‬ ‫الصالحيـن‪َ ،‬فت ََر ُاه ْ‬ ‫ـوب ع َبـاد اهلل َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ـعي َن ُمن ِْصتِيـن‪َ ،‬ي َت َع َّل ُم َ‬
‫اش ِ‬
‫إِ َلـى ُخ ْطبتِهـا َخ ِ‬
‫َخ َشـع ُق ُلو ُب ُهـم‬
‫ـم‪َ ،‬فت ْ‬
‫اه ْ‬ ‫ـون َأ ْحـ َكا َم دين ِه ْ‬
‫ـم َو ُد ْن َي ُ‬ ‫َ َ‬
‫وس ُـه ْم َفت َْح ُسـن َأ ْع َما ُلهم‪.‬‬
‫َو َت ْزكُـوا ُن ُف ُ‬
‫يب ُخ َط ٍ ِ ِ‬ ‫َومِـ ْن َف ْضـ ِل اهلل ‪َ ‬ع َلي َأ ْن َش َّـر َفنِي بِ َج ْمـ ِع َو َت ْرتِ ِ‬
‫الر َزاق‬ ‫ب ل َشـ ْيخنَا َع ْبد َّ‬ ‫َّ‬
‫اج َهـا فِـي َث َل َث ِـة ُم َج َّلـدَ ات َم ْط ُبو َع ٍـة بِ ُعن َْـوان‪« :‬الـدُّ َر ُر‬‫بـن َع ْبـد الم ْح ِسـن ال َبـدْ ر َوإِ ْخر ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫‪8‬‬

‫ـات ُمونِ َقـات‪،‬‬ ‫اس ًـما َع َلـى ُم َس َّـمى‪ُ :‬خ َط ُبـ ُه َر ْو َض ٌ‬ ‫ـب ِ‬
‫الم ْن َبرِ َّيـة» َفـ َك َ‬ ‫ال َب ِه َّيـة فِـي الخُ َط ِ‬
‫ان ْ‬
‫ـت ُق ُطو ُف َهـا َت ْذل ِ ً‬
‫يلا‪،‬‬ ‫جبـات‪َ ،‬طيبـ ًة ثِمار َهـا‪َ ،‬ز ِ‬
‫اه َيـ ًة َأ ْز َه ُار ُهـا‪ُ ،‬ذ ِّل َل ْ‬ ‫ِّ َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َم َواع ُظـ ُه َحدَ ائ ٌـق ُم ْع ِ َ‬
‫يل‪.‬‬ ‫ارئِ َهـا َت ْس ِـه ً‬
‫َو ُس ِّـه َل ْت ل ِ َق ِ‬

‫ار َهـا َب ْيـ َن َج ْـو َد ِة َأ ْل َفاظِ َهـا َو ُو ُضوحِ َم َعانِ َيهـا؛ َفا ْن َت َف َع بِ َهـا كَثِ ٌير مِ َن‬
‫اختِ َص ِ‬‫ـع ْ‬
‫ـت َم َ‬ ‫َج َم َع ْ‬
‫ـم َب ْل َو ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫الخ َط َبـاء‪ ،‬وهلل َ‬
‫الح ْمد‪.‬‬ ‫ال َع َـوا ِم َو َط َل َبـة الع ْل ْ‬

‫الم ْح ِسـن ال َبـدْ ر َح ِف َظـ ُه اهلل َت َعا َلـى‬ ‫َفلِه َـذا اسـت َْأ َذن ُْت َشـي َخنَا َعبـد الـر َّزاق ب ِ ِ‬
‫ـن َع ْبـد ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫الشـ ْيخ إِ َّل‬
‫َان َمـ َن َّ‬ ‫اجهـا فِـي َأ ْج َـز ٍاء ُأ ْخ َـرى َف َمـا ك َ‬
‫إخر ِ‬ ‫فِـي إِ َضا َف ِـة َب ْعـض ُ‬
‫الخ َط ِ‬
‫ـب َو ْ َ‬
‫الم َوا َف َقـة َف َج َـزا ُه اهلل َخ ْي ًـرا[[[‪.‬‬
‫ُ‬

‫وبمـا أننـا علـى أبـواب شـهر رمضـان ـ بلغنـا اهلل وإياكـم الشـهر ـ اسـتعجلت العناية‬
‫هبـذه الخطـب الرمضانيـة مع خطب عيد الفطر لمناسـبتها وحاجة الناس إليها‪ ،‬سـائال‬
‫اهلل تعالـى أن ينفـع هبا‪.‬‬

‫َو َأ ْس َـأ ُل اهلل َت َعا َلـى َأ ْن َي ْج َع َـل َه َـذا ال َع َم َل َخال ِ ًصـا ل ِ َو ْج ِه ِه ال َك ِريم‪ُ ،‬م َوافِ ًقـا ل ِ َم ْر َضاتِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َان سـببا فِي إِ ْخر ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫السـبِيل‪.‬‬ ‫الهادي إِ َلى َس َـواء َّ‬ ‫اجه‪َ ،‬واهلل َ‬ ‫َ‬ ‫نَاف ًعـا ل َكاتبِـه َوق َا ِرئـه َو َمـ ْن ك َ َ َ ً‬

‫ُم ِح ُّبكُم ِ‬
‫ف الله‬

‫‪a b o u -a b d e l a z i z @h o t m a i l .f r‬‬
‫[[[ كان ذلك بجوار بيته يف المدينة النبوية‪ ،‬يوم األحد ‪ 9‬ربيع األول ‪1437‬هـ‪.‬‬
‫هر َر َم َ‬ ‫ْ ْ َ ُ َ‬
‫ش ْ‬
‫[[[‬
‫ضان‬ ‫استِقـبال‬

‫إن الحمـد هلل؛ نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه‪ ،‬ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور‬‫َّ‬
‫مضـل لـه‪ ،‬ومـن ُيضلِـل فلا هـادي لـه‪،‬‬
‫َّ‬ ‫أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا‬
‫أن محمـد ًا عبـده ورسـوله؛‬
‫اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫وأشـهد أن ال إلـه إال ُ‬
‫صلـى اهلل وسـ َّلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن‪.‬‬

‫أ َّما بعد‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! اتقـوا اهلل تعالـى‪ ،‬وراقبـوه سـبحانه يف السـر والعالنيـة والغيـب‬
‫يعلـم َّ‬
‫أن ر َّبـه يسـم ُعه ويـراه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫والشـهادة مراقبـة مـن‬

‫ﮋﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﮊ [األحـزاب‪.]71-70:‬‬

‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1427-10-26 /‬هـ‬


‫‪10‬‬

‫ٍ‬
‫محمـد ♥ بمقدَ م‬ ‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! هني ًئـا ألمة اإلسلام أمة‬
‫شـهر الخيـرات والبركات وتنـوع العطايـا والهبات؛ شـهر رمضان المبارك‪ ،‬شـهر اهلل‬
‫ٍ‬
‫وبينـات من الهـدى والفرقان‪.‬‬ ‫‪ ‬الـذي أنـزل اهلل فيـه القـرآن هـدً ى للناس‬

‫نعـم أيهـا المؤمنـون؛ هني ًئـا لنـا ثـم هنيئـا بمقدم هـذا الشـهر العظيم المبـارك؛ روى‬
‫اإلمـام أحمـد عـن أنـس بـن مالـك ﭬ قـال‪ :‬قـال رسـول اهلل ﷺ‪َ « :‬هـ َذا َر َمضَ ـانُ َقدْ‬
‫ني»[[[‪.‬‬‫اط ُ‬ ‫اب الْ َج َّن ِة َوتُ ْغل َُق ِفي ِه أَبْ َو ُ‬
‫اب ال َّنا ِر َوت َُسل َْس ُـل ِفي ِه الشَّ ـ َي ِ‬ ‫ـح ِفي ِه أَبْـ َو ُ‬
‫َجـا َء تُ ْف َت ُ‬

‫فجمـع ♥ يف هـذا الحديـث المبـارك بيـن البشـارة والتهنئـة والرتغيـب‬


‫والرتهيـب؛ هتيئـ ًة لنفوس أهل اإليمان أهل الطاعة والعبادة واإلحسـان ُ‬
‫بحسـن اسـتقبال‬
‫هـذا الشـهر والعمـل علـى مجاهدة النفـس فيه علـى المسـابقة يف الخيـرات والتنافس يف‬
‫الطاعـات واإلقبـال علـى رب األرض والسـماوات رجـاء رحمتـه وخـوف عذابـه وطل ًبا‬
‫لعظيـم نوالـه جـل يف عاله‪.‬‬

‫أيها المؤمنون‪ :‬ولقد تعدَّ دت م ِّيزات هذا الشـهر وخصائصه العظيمة وتنوعت وجاء‬
‫بذلـك أحاديـث كثيـرة عن رسـول اهلل ﷺ‪ ،‬ومن جماع مـا ورد يف األحاديـث من ذلك يف‬
‫ذكر خصائص هذا الشـهر العظيمة ومناقبه الجليلة الجسـيمة ما رواه الرتمذي يف «سننه»‬
‫وغيره من حديث أبي هريرة ﭬ قال‪ :‬قال رسـول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َذا كَانَ أَ َّو ُل لَ ْيلَ ٍة ِم ْن شَ ـ ْه ِر‬
‫اب‪،‬‬‫َـم يُ ْف َت ْح ِم ْن َهـا بَ ٌ‬ ‫َـت أَبْـ َو ُ‬
‫اب ال َّنـا ِر َفل ْ‬ ‫ني َو َمـ َر َد ُة الْجِ ـ ِّن‪َ ،‬و ُغلِّق ْ‬ ‫ِّـدَت الشَّ ـ َي ِ‬
‫اط ُ‬ ‫َر َمضَ ـانَ ُصف ْ‬
‫َيِ أَ ْقب ْ‬
‫ِـل َويَا‬ ‫ـاب‪َ ،‬ويُ َنا ِدي ُم َنـا ٍد يَا بَا ِغ َ‬
‫ـي الْخ ْ‬ ‫َـم يُ ْغل َْـق ِم ْن َهـا بَ ٌ‬ ‫ـت أَبْـ َو ُ‬
‫اب الْ َج َّنـ ِة َفل ْ‬ ‫َو ُف ِّت َح ْ‬
‫صر‪َ ،‬ولِلَّ ِه ُع َتقَا ُء ِمـ ْن ال َّنا ِر َو َذلـكَ ك ُُّل لَ ْيلَ ٍة»[[[‪.‬‬
‫الشر أَ ْق ِ ْ‬ ‫بَا ِغ َ‬
‫ـي َّ ِّ‬
‫[[[ رواه النسائي (‪ ،)2103‬وأحمد يف «مسنده» (‪ ،)13408‬وانظر‪« :‬السلسلة الصحيحة» (‪.)3570‬‬
‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)682‬وابن ماجه (‪ ،)1642‬وصححه األلباين يف «صحيح الرتغيب» (‪.)998‬‬
‫‪11‬‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬تأملـوا يف هـذه الخصائـص مـا أعظمهـا‪ ،‬وتأملـوا يف هـذه المناقب ما‬
‫أج َّلهـا؛ التـي ترشـدنا وهتدينـا إلـى مكانـة هذا الشـهر العظيمـة ومنزلته العل ّيـة الرفيعة‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬ولقـد ُجمـع يف هـذا الحديـث خمـس خصائـص عظيمة لهذا الشـهر‬
‫المبارك‪:‬‬

‫ ●األولـى عبـاد اهلل‪ :‬أن الشـياطين تص َّفـد يف هـذا الشـهر؛ ومعنـى ذلـك أهنـا ُتسلسـل‬
‫و ُتقيـد فلا تسـتطيع الخلـوص إلـى مـا كانـت تخلـص إليه يف غيـر رمضـان‪ ،‬وذلك‬
‫لمـا فيهـا مـن سالسـل وقيـود‪ ،‬ولـم يقـل ♥ إن الشـياطين ُتقتـل أو‬
‫تمـوت يف رمضـان وإنمـا أخبر أهنـا تص َّفـد‪ ،‬ومـن المعلـوم أن المص ّفـد قـد يكـون‬
‫منـه شـيء مـن األذى‪ ،‬ولهـذا ذكـر العلمـاء أن حـظ العبـد يف رمضـان يف سلامته‬
‫ووقايتـه مـن كيـد الشـيطان بحسـب حظـه مـن الصيـام؛ فكلمـا كان الصيـام أكمـل‬
‫وأتـم كان ذلـك أعظـم وقايـ ًة لـه مـن الشـيطان‪.‬‬

‫ ●أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬والفضيلـة الثانيـة والثالثـة ممـا ورد يف هـذا الحديـث أن‬
‫أبـواب الجنـة تفتـح فلا ُيغلـق منهـا بـاب‪ّ ،‬‬
‫وأن أبـواب النـار تغلـق فلا ُيفتـح منهـا‬
‫ٍ‬
‫إقبـال مـن أهـل‬ ‫بـاب‪ ،‬وهـذا ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬لمـا يكـون يف هـذا الشـهر العظيـم مـن‬
‫اإلسلام وأمـة اإليمـان علـى طاعـة اهلل ‪ ‬وفعـل مراضيه‪ ،‬وهـذه الطاعات‬
‫وجودهـا وكثرهتـا وتعددهـا وتنوعهـا مـن موجبـات وأسـباب غلـق أبـواب النيـران‬
‫وتفتيـح أبـواب الجنـان‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ ●أيهـا المؤمنـون‪ :‬والفضيلـة الرابعـة أن مناد ًيـا وهـو م َلـك مـن مالئكـة اهلل يـكل اهلل‬
‫َيرِ‬ ‫‪ ‬إليـه هـذه المهمـة ينـادي كل ليلـة مـن ليالـي رمضـان‪َ « :‬يـا َبا ِغ َ‬
‫ـي الخ ْ‬
‫أي مـن‬
‫صر»‪ ،‬ولئـن كان أهـل اإليمـان ال يسـمعون يف ٍّ‬ ‫الشر َأ ْق ِ ْ‬ ‫َأ ْقب ْ‬
‫ِـل َو َيـا َبا ِغ َ‬
‫ـي َّ ِّ‬
‫ليالـي رمضـان صـوت هـذا الم َلـك المنـادي إال أهنـم مـن ندائـه علـى يقيـن ألن‬
‫الـذي أخربنـا بذلـك هـو الصـادق المصدوق الـذي ال ينطـق عن الهـوى إن هو إال‬
‫وحـي يوحـى؛ ولهـذا عبـاد اهلل يتأكـد يف حـق كل مسـلم أن يسـتحضر كل ليلـة مـن‬
‫ٌ‬
‫ليالـي رمضـان هـذا النـداء الشـريف المبـارك الـذي فيه ٌ‬
‫حـث لمن أقبلت نفوسـهم‬
‫علـى الخيـرات أن يغتنمـوا موسـم الخيـرات باإلقبال علـى العبـادات والتنافس يف‬
‫الطاعـات‪.‬‬
‫وإذا كان العبـد نفسـه منصرفـ ًة عن الخير مقبِل ًة على الشـر فليتنبـه ولي ِ‬
‫قصر وليحذر‬ ‫ُ‬
‫ول ُيكثـر مـن لـوم نفسـه وعتاهبـا وليقـل لهـا‪ :‬يـا نفـس إن لـم تكفـي عـن العصيان يف‬
‫عسـاك أن تكفي؟!‬‫ِ‬ ‫هـذا الموسـم العظيـم فمتى‬

‫عباد اهلل! ويفيد هذا الحديث أن الناس على قسمين‪:‬‬

‫قسم نفوسهم تريد الخير وتتحراه وتطلبه وتبحث عنه‪.‬‬

‫وقسـم آخـر نفوسـهم والعيـاذ بـاهلل تريـد الشـر وتتحـراه وتبحـث عنـه وتطلبـه‪،‬‬
‫َي أَ ْقب ِْل»‪ ،‬وللقسـم الثاين يـأيت النداء اآلخر‬
‫وللقسـم األول يـأيت النـداء‪« :‬يَا بَا ِغ َي الخ ْ ِ‬
‫صر» وكل إنسـان يفتـش عـن نفسـه يف رغباهتـا وميوالهتـا؛ فـإن‬
‫الشر أَ ْق ِ ْ‬ ‫«يَـا بَا ِغ َ‬
‫ـي َّ ِّ‬
‫كانـت راغبـة يف الخيـر مقبلـة عليـه حريصة علـى فعله فليحمـد ربه على منِّـه وتوفيقه‪،‬‬
‫‪13‬‬

‫وليجاهـد نفسـه يف شـهر الخيـرات والبركات علـى فعـل الطاعـات واإلقبـال عليهـا‪.‬‬

‫نفسـا رديئـة فعليـه أن يلومهـا وأن يعاتبها وأن‬


‫وإذا كانـت نفسـه مـن القسـم اآلخـر ً‬
‫يحـرص علـى ز ِّمهـا بزمـام الخيـر وأن يأ ُطرهـا علـى الحق أطـرا‪ ،‬وأن يجاهد نفسـه يف‬
‫هـذا الموسـم المبـارك ألن يقصـر عـن الشـرور ويكـف نفسـه عـن اآلثـام ويجاهدهـا‬
‫علـى طاعـة الملِـك َّ‬
‫العلم‪.‬‬

‫ ●أمـا الفضيلـة الخامسـة أيهـا المؤمنـون‪ :‬فـإن هلل ‪ ‬عتقـاء مـن النـار وذلـك‬
‫يف كل ليلـة مـن ليالـي رمضـان‪ ،‬أال مـا أعظمهـا واهلل مـن مكرمـة! ومـا أجلهـا مـن‬
‫وتتشـوف إليها قلوهبم‬
‫َّ‬ ‫هبـة وعطيـة تتـوق لها نفـوس المؤمنيـن الصادقة وتتحراهـا‬
‫التقية‪.‬‬

‫نعـم عبـاد اهلل؛ إن هلل ‪ ‬عتقـاء مـن النـار وذلـك يف كل ليلة مـن ليالي رمضان؛‬
‫فعليك يا عبد اهلل أن تتحرى هذا الخير العظيم وأن تتخذ من األسـباب والوسـائل‬
‫وحسـن إقبالك على‬
‫مـا يكـون سـب ًبا لعتقـك من النار؛ وذلـك بعظيم رجائك يف اهلل ُ‬
‫اهلل وصدقـك معـه يف عبادتـه وإخالصـك لـه جل يف عاله وحسـن اتباعك لرسـوله‬
‫صلوات اهلل وسلامه عليه‪.‬‬

‫تنوعت خيراته وتعدَّ دت‬


‫وشـهرا كريما َّ‬
‫ً‬ ‫موسـما عظيما‬
‫ً‬ ‫أيها المؤمنون‪ :‬إننا نسـتقبل‬
‫مـا هلل فيـه مـن العطايا والهبات؛ فلنغنم شـهرنا مـن أول لحظاته ولنجاهد أنفسـنا على‬
‫حسـن الطاعـة هلل ‪ ‬فيـه‪ ،‬وأعظـم الناس أجرا يف رمضان وغيـره أكثرهم هلل ذكرا‪،‬‬
‫وأعظمهـم ً‬
‫إقبـال على اهلل‪ ،‬وأعظمهـم عناية بتحقيق تقوى اهلل ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫اللهـم يـا ربنـا يـا ذا الجلال واإلكـرام يا حي يـا قيوم اجعـل لنا أجمعين هذا الشـهر‬
‫الكريـم المبـارك مغنمـا‪ ،‬واجعلـه إلـى الخيـرات مرت ًقـى وسـ َّلما يـا حـي يـا قيـوم يـا ذا‬
‫الجلال واإلكرام‪.‬‬

‫أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب‬
‫فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل حمـد الشـاكرين‪ ،‬وأثنـي عليـه ثنـاء الذاكريـن‪ ،‬ال أحصـي ثنـا ًء عليـه هـو‬
‫أن محمد ًا‬
‫كما أثنى على نفسـه‪ ،‬وأشـهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شـريك له‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫عبـده ورسـوله؛ صلـى اهلل وسـ َّلم عليه وعلـى آله وصحبـه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫أيها المؤمنون! عباد اهلل! اتقوا اهلل تعالى‪.‬‬

‫عبـاد اهلل! يسـتقبل المؤمنـون يف كل مـكان يف هـذه األيـام القريبـة القادمـة موسـم‬
‫رمضـان؛ ذلكـم الشـهر العظيم شـهر الخيرات والربكات‪ ،‬يسـتقبله المسـلمون ‪-‬عباد‬
‫اهلل‪ -‬واألمـة يف بعـض بلـدان المسـلمين يعانـون مـن جراحـات مثخنة ونزيـف مؤلم‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وفتـن تمـوج وتتالطـم بالنـاس وال‬ ‫ويف بعـض ديارهـم يعانـون مـن ٍ‬
‫فتـن متالطمـة‬
‫عاصـم مـن ذلـك إال اهلل ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل! وعندمـا يتأمـل المسـلم الناصـح الغيـور يف هـذا الواقع المريـر المؤلم يف‬
‫‪15‬‬

‫بعض ديار اإلسلام يتوجه إلى اهلل وهو يسـتقبل هذا الشـهر المبارك ً‬
‫سائل ربه جل يف‬
‫ٍ‬
‫ونجاة‬ ‫علاه أن يجعـل هذا الشـهر المبارك شـهر ٍ‬
‫عز ألمة اإلسلام وصلاحٍ ألحوالها‬
‫ٍ‬
‫وأمن لروعاهتم وسترٍ‬ ‫ٍ‬
‫وحقـن لدمـاء المسـلمين‬ ‫ٍ‬
‫وخلـوص مـن المحن‬ ‫لهـا مـن الفتـن‬
‫ٍ‬
‫وكشـف لغمتهـم يف كل مـكان‪ ،‬وال ملجـأ إال إلـى اهلل ‪‬؛ فينبغي‬ ‫لعوراهتـم‬
‫ٍ‬
‫بصـدق وإخالص أن‬ ‫علينـا ‪-‬أيهـا المسـلمون‪ -‬فـر ًدا فـردا أن نلجأ إلـى اهلل ‪‬‬
‫يكشـف الغمـة وأن يصلـح أحـوال المسـلمين يف كل مـكان وأن يعيذهـم أجمعين من‬
‫الفتـن ما ظهـر منها ومـا بطن‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! وممـا ينبـه عليـه يف هـذا المقـام أنـه ال يجـوز لمسـلم أن‬
‫يصـوم قبـل رمضـان يو ًمـا أو يوميـن مـن أجـل االحتيـاط للصيـام‪ ،‬قـال صلـوات اهلل‬
‫ـول اهَّلل ِ ﷺ‪« :‬ال تَ َقدَّ ُمـوا‬
‫ـال َر ُس ُ‬ ‫ـن َأبِـي ُه َر ْي َـر َة ﭬ َق َ‬
‫ـال‪َ :‬ق َ‬ ‫وسلامه عليـه كمـا ثبـت َع ْ‬
‫ين إالَّ َر ُجلاً كَانَ َي ُصـو ُم َص ْومـاً َفلْ َي ُص ْمـهُ »[[[‪.‬‬
‫َر َمضَ ـانَ ب َِصـ ْو ِم َيـ ْو ٍم َو َل َي ْو َم ْ ِ‬

‫يه َف ُأتِ َي‬


‫ـك فِ ِ‬ ‫ار فِي ا ْل َي ْو ِم ا َّل ِذي ُي َش ُّ‬
‫اق َع ْن ِص َل َة َق َال ُكنَّا ِعنْـدَ َع َّم ٍ‬ ‫وجـاء َعـ ْن َأبِـي إِ ْس َ‬
‫ـح َ‬
‫اس ِ‬ ‫ـال َعمـار‪« :‬مـن صـام َه َـذا ا ْليـوم َف َقـدْ َعصـى َأبـا ا ْل َق ِ‬ ‫بِ َش ٍ‬
‫ـم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ـض ا ْل َق ْـو ِم َف َق َ َّ ٌ َ ْ َ َ‬ ‫ـاة َف َتن ََّحـى َب ْع ُ‬
‫ﷺ»[[[‪ ،‬إال مـن كان لـه صيـام ‪-‬كمـن اعتـاد صيـام االثنيـن مثلا‪ -‬فـإن لـه أن يصومـه‬
‫ألنـه مـن عادتـه أن يصـوم االثنيـن‪ ،‬أمـا أن يصـوم قبـل رمضـان يو ًمـا أو يوميـن علـى‬
‫وجـه التحـري واالحتيـاط فـإن ذلـك ال يجـوز بـل هـو معصية للنبـي الكريـم صلوات‬
‫اهلل وسلامه وبركاتـه عليه‪.‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)1914‬ومسلم (‪.)1082‬‬
‫[[[ رواه أبو داود (‪ ،)2336‬والرتمذي (‪ ،)686‬وابن ماجه (‪ ،)1645‬وصححه األلباين يف «صحيح‬
‫أبي داود» (‪.)2022‬‬
‫[[[‬
‫فضل شهر رمضان وكيف نستقبله؟‬

‫الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليه‪ ،‬ونعوذ باهلل من شـرور أنفسـنا‬
‫وسـيئات أعمالنـا‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه‪ ،‬ومـن يضلل فال هـادي له‪ ،‬وأشـهد أن‬
‫ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله وصفيـه وخليله‬
‫وأمينـه علـى وحيـه ومبلـغ النـاس شـرعه‪ ،‬فصلـوات اهلل وسلامه عليـه وعلـى آلـه‬
‫وأصحابـه أجمعيـن‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل تعالـى‪ ،‬واعلمـوا أن تقـوى اهلل ‪ ‬هـي‬
‫أسـاس السـعادة وسـبيل الفلاح والفـوز يف الدنيـا واآلخـرة‪ ،‬وتقـوى اهلل ‪ :‬أن‬
‫يعمـل العبـد بطاعـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل يرجـو ثـواب اهلل‪ ،‬وأن يرتك معصيـة اهلل على‬
‫ٍ‬
‫نـور مـن اهلل يخـاف عقـاب اهلل‪.‬‬

‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1423-8-26 /‬هـ‪.‬‬


‫‪17‬‬

‫عبـاد اهلل! أيهـا المؤمنون! إن األمة اإلسلامية جمعاء يف هـذه األيام القليلة القادمة‬
‫تتشـوف القلوب إلى مجيئه وتتطلـع النفوس إلى‬
‫ّ‬ ‫تسـتقبل ضيفـا عزيـزا ووافد ًا كريما‬
‫عزيز على نفوسـهم‪ ،‬يتباشـرون بمجيئه‬
‫حبيـب على قلـوب المؤمنين ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ضيـف‬
‫ٌ‬ ‫قدومـه؛‬
‫ويهنـئ بعضهـم بعضـا بقدومـه‪ ،‬وكلهـم يرجـو أن يب ُل َ‬
‫ـغ هـذا الضيـف وأن ُي َح ِّصـل مـا‬
‫فيـه مـن خيـر وبركـة؛ أال وهـو شـهر رمضـان المبـارك‪ ،‬ذلكـم الشـهر العظيـم المبارك‬
‫جمـة تميزه عن‬
‫الـذي خصـه اهلل ‪ ‬بميـزات كريمـة وخصائـص عظيمـة ومناقب ّ‬
‫سـائر الشهور‪.‬‬

‫لقـد كان النبـي الكريـم ﷺ يبشـر أصحابـه بمقـدم هـذا الشـهر الكريـم ويبيـن‬
‫لهـم خصائصـه وفضائلـه ومناقبـه و َي ْسـتَح َّثهم علـى الجـد واالجتهـاد فيـه بطاعـة اهلل‬
‫والتقـرب إلـى اهلل ‪ ‬فيـه بمـا يرضيـه‪ ،‬ثبـت يف «المسـند» لإلمـام أحمـد عـن أبـي‬
‫ـول اللَّ ِه ﷺ‪َ :‬قـدْ َ‬
‫جا َءك ُْم َر َمضَ انُ شَ ـ ْه ٌر‬ ‫ضر َر َمضَ ـانُ َق َال َر ُس ُ‬ ‫هريـرة ﭬ قـال‪« :‬ل َّ‬
‫َما َح َ َ‬
‫اب الْ َج َّنـ ِة‪َ ،‬ويُ ْغل َُق ِفيـ ِه أَبْ َو ُ‬
‫اب‬ ‫ـح ِفي ِه أَبْـ َو ُ‬
‫ُـم ِص َيا َمـهُ ‪ ،‬تُ ْف َت ُ‬
‫ض اللَّـهُ َعلَ ْيك ْ‬
‫ْتر َ‬
‫ُم َبـا َركٌ اف َ َ‬
‫َي َها َقدْ‬ ‫َير ِم ْن أَل ِ‬
‫ْف شَ ـ ْه ٍر َم ْن ُحـ ِر َم خ ْ َ‬ ‫ني‪ِ ،‬فيـ ِه لَ ْيلَ ٌة خ ْ ٌ‬ ‫َـل ِفيـ ِه الشَّ ـ َي ِ‬
‫اط ُ‬ ‫الْ َج ِح ِ‬
‫يـم‪َ ،‬وتُغ ُّ‬
‫ُح ِر َم » [[[‪.‬‬

‫[[[ رواه أحمد (‪ ،)7148‬وصححه األلباين يف «تمام المنة (ص‪.»)395‬‬


‫قـال اإلمـام ابـن رجـب ‪«:$‬قـال بعـض العلمـاء‪ :‬هـذا الحديـث أصـل يف هتنئـة النـاس بعضهـم بعضـا‬
‫بشـهر رمضـان؛ كيـف ال يبشـر المؤمـن بفتـح أبـواب الجنـان؟ كيـف ال يبشـر المذنـب بغلـق أبـواب‬
‫النيـران؟ كيـف ال يبشـر العاقـل بوقـت يغـل فيـه الشـياطين؟ مـن أيـن يشـبه هـذا الزمـان زمان؟»«لطائـف‬
‫المعـارف» (ص‪.)158‬‬
‫‪18‬‬

‫وروى الرتمـذي يف «سـننه» وابـن ماجـه يف «سـننه» عـن أبـي هريـرة ﭬ قـال‪ :‬قـال‬
‫ني َو َمـ َر َد ُة الْجِ ـ ِّن‪،‬‬
‫اط ُ‬ ‫رسـول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َذا كَانَ أَ َّو ُل لَ ْيلَـ ٍة ِمـ ْن شَ ـ ْه ِر َر َمضَ ـانَ ُصف ْ‬
‫ِّـدَت الشَّ ـ َي ِ‬

‫اب‪،‬‬ ‫اب‪َ ،‬و ُف ِّت َح ْت أَبْـ َو ُ‬


‫اب الْ َج َّن ِة َفل َْم يُ ْغل َْـق ِم ْن َها بَ ٌ‬ ‫َـت أَبْـ َو ُ‬
‫اب ال َّنـا ِر َفل َْم يُ ْف َت ْح ِم ْن َهـا بَ ٌ‬ ‫َو ُغلِّق ْ‬

‫الشر أَ ْق ِ ْ‬
‫ص‪َ ،‬ولِلَّ ِه ُع َتقَا ُء ِمـ ْن ال َّنا ِر َو َذلكَ‬ ‫َي أَ ْقب ِْل َويَا بَا ِغ َي َّ ِّ‬ ‫َويُ َنـا ِدي ُم َنـا ٍد يَا بَا ِغ َ‬
‫ـي الْخ ْ ِ‬
‫ك ُُّل لَ ْيلَ ٍة»[[[‪.‬‬

‫واألحاديـث ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬الدالـ ُة علـى فضـل هـذا الشـهر وعظيـم شـأنه وكريم منزلته‬
‫عنـد اهلل كثيـر ٌة ال تحصـى عديـد ٌة ال تسـتقصى‪ ،‬والواجـب علينـا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬أن نفـرح‬
‫غاية الفرح وأن نسـعد غاية السـعادة بإقبال هذا الشـهر الكريم بخيراته الموفورة وم ّيزاته‬
‫العظيمـة الكثيـرة نفـرح بقـدوم هـذا الشـهر‪ :‬ﮋﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮊ [يونـس‪.]٥٨:‬‬

‫عبـاد اهلل! إن الفـرح بقـدوم هـذا الشـهر ومعرفـة فضلـه ومكانتـه لمـن أعظـم األمـور‬
‫ِ‬
‫المعينـة علـى الجـد واالجتهـاد فيـه‪ ،‬ولـم يض ِّيـع كثيـر مـن النـاس الطاعـة يف هـذا الشـهر‬
‫الكريـم واإلقبـال علـى اهلل ‪ ‬إال مـن جهـ ٍل منهـم بقيمتـه ومكانتـه‪ ،‬وإال لـو عـرف‬
‫حق معرفته وعـرف قدره ومكانته لته َّيأ له أحسـن الته ُّيؤ واسـتعد له‬
‫المسـلم هـذا الشـهر َّ‬
‫غايـة االسـتعداد‪ ،‬ولبـذل قصـارى وسـعه وجهـده واجتهـاده يف سـبيل تحصيـل طاعة اهلل‬
‫والقيـام بعبـادة اهلل علـى الوجـه الـذي يرضـي الـرب ‪.‬‬

‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)682‬وابن ماجه (‪ ،)1642‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)759‬‬
‫‪19‬‬

‫عباد اهلل! والسؤال الذي يطرح نفسه يف هذه األيام‪:‬‬

‫كيـف نسـتقبل هـذا الشـهر الكريم؟ كيـف نته ّيأ لهذا الموسـم العظيم؟ كيف نسـتعد‬
‫لهذا الشـهر المبارك؟‬

‫عباد اهلل! ليس اسـتقبال هذا الشـهر بتبادل باقات الورد والزهور‪ ،‬وال بإلقاء األناشـيد‬
‫بجمـع صنـوف أنـواع المطاعـم‬
‫واألراجيـز‪ ،‬وال بتهيئـة المالعـب والصـاالت‪ ،‬وال ْ‬
‫والمشـروبات والمأكـوالت؛ إن الته ّيـؤ لهـذا الشـهر الكريـم هت ّي ٌـؤ للطاعـة‪ ،‬واسـتعدا ٌد‬
‫ٌ‬
‫وإقبـال صـادق علـى اهلل ‪ ،‬وتوبـة نصـوح مـن كل ذنـب وخطيئـة‪.‬‬ ‫للعبـادة‪،‬‬
‫عبـاد اهلل! إن المؤمـن الجـاد الصـادق المقبِـل علـى اهلل ‪ِ ‬‬
‫يحسـن الته ّيـؤ لهـذا‬ ‫ّ‬
‫وحسـن اإلقبال علـى اهلل والتوبة إليه ‪‬‬
‫الشـهر باالسـتعداد للطاعـة والته ّيؤ للعبادة ُ‬
‫مـن كل ذنـب وخطيئة‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إن موسـم رمضـان فرصـ ٌة لإلقبـال علـى اهلل والتوبـة مـن الذنـوب‪ ،‬إن مـن‬
‫يتأمـل حالـه ‪ -‬وهـذا شـأن كل واحـد منا ‪ -‬يجـد أن تقصيره عظيما وتفريطـه يف جنب اهلل‬
‫ني ال َّت َّوابُـونَ»[[[؛ فالذنوب كثيرة‬
‫َي الْ َخطَّائِ َ‬ ‫كبيـرا‪ ،‬يقـول ﷺ‪« :‬ك ُُّل بَ ِنـي آ َد َم َ‬
‫خطَّـا ٌء َوخ ْ ُ‬
‫موسـم عظيـم للتوبة إلـى اهلل ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫والتقصيـر حاصـل وأمامنا‬

‫عباد اهلل! وإذا لم تتحرك النفوس ولم تتحرك القلوب يف هذا الموسم الكريم المبارك‬
‫صـح يف الحديث وعن‬
‫للتوبـة إلـى اهلل والنـدم علـى فعل الذنوب فمتـى تتحرك ؟! ولهذا َّ‬
‫ْـف َر ُجـلٍ ُذ ِكـ ْر ُت ِع ْن ُ‬
‫دَه َفل ْ‬
‫َـم يُ َص ِّل‬ ‫أبـي هريـرة ﭬ أيضـا عـن النبـي ﷺ قـال‪َ « :‬ر ِغ َ‬
‫ـم أَن ُ‬

‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)2499‬وابن ماجه (‪ ،)4251‬وحسنه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)4515‬‬
‫‪20‬‬

‫ـم أَن ُ‬
‫ْف‬ ‫َـل َعلَ ْيـ ِه َر َمضَ انُ ثُ َّم ان َْسـلَخَ َق ْب َـل أَنْ يُ ْغفَـ َر لَهُ‪َ ،‬و َر ِغ َ‬ ‫ـم أَن ُ‬
‫ْـف َر ُجـلٍ َدخ َ‬ ‫لي‪َ ،‬و َر ِغ َ‬
‫َع َ َّ‬
‫لا ُه الْ َج َّن َة»[[[‪.‬‬ ‫ـدَه أَبَـ َوا ُه الْ ِك َ َ‬
‫ب َفل َْم يُدْ ِخ َ‬ ‫َر ُجـلٍ أَ ْد َركَ ِع ْن ُ‬

‫وذلـك ألنـه موسـم عظيـم للتوبـة؛ تتحـرك القلـوب فيـه للتوبـة إلـى اهلل واإلنابـة إليـه‬
‫واإلقبـال علـى طاعتـه ‪.‬‬

‫الشـهر الكريـم الدعاء الصـادق‪ ،‬والصلة الحسـنة‬ ‫عبـاد اهلل! وإن ممـا ُيسـتقبل بـه هـذا ّ‬
‫بـاهلل‪ ،‬وااللتجـاء التـام إليه سـبحانه بأن يعين العبـد على طاعة اهلل يف هذا الشـهر ال َف ِضيل‪،‬‬
‫فالعبـد ال قـدرة لـه علـى القيـام بالطاعة وتحقيق العبـادة واإلتيـان هبا على وجههـا إال إذا‬
‫أعانه اهلل‪ ،‬فــــ‬
‫[[[‬ ‫���و َل َُّ‬
‫َل ْ‬
‫َو َل ُص ْم َن���ا َو َل َص َّل ْي َن���ا‬ ‫الل َم���ا ْاه َت َد ْي َن���ا‬

‫ولهـذا علـى المؤمنيـن أن ُي ْقبِلوا علـى اهلل ‪ ‬داعين ومؤ ِّمليـن وراجين ومخبتين‬
‫يرجـون رحمتـه ويطلبـون مـدده وعونـه بـأن ييسـر لهـم صيـام رمضـان وأن يعينهـم على‬
‫قيامـه وأن يكتـب لهـم الخيـر والربكة فيه وأن يجعلهم من عتقائه من النـار‪ ،‬فال حول وال‬
‫قـوة إال بـاهلل العلـي العظيـم‪ ،‬ومـا شـاء اهلل كان ومـا لم يشـأ لم يكن‪.‬‬

‫عباد اهلل! وإن مما ُيسـتقبل به شـهر رمضان أن يتأمل المسـلم يف خصائص هذا الشهر‬
‫وم ّيزاتـه وفضائلـه وبركاتـه ليعـرف قـدر هـذا الشـهر ومكانتـه وليتع ّلـم أيضا مـا ينبغي أن‬
‫يكـون عليـه يف هـذا الشـهر من صيا ٍم وقيـام؛ فيتأمل يف فوائـد الصيام ومنافعـه وما فيه من‬

‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)3545‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)3510‬‬


‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)2837‬ومسلم (‪.)1802‬‬
‫‪21‬‬

‫ٍ‬
‫وعظات بالغة‪ ،‬ويتأ ّمل يف فضل قيام رمضان وما أعده اهلل ‪ ‬للقائمين‬ ‫ٍ‬
‫ودروس‬ ‫عربٍ‬
‫َ‬
‫وفضائل جمة‪ ،‬ثبت يف «الصحيحين» عن النبـي ﷺ أنه قال‪َ « :‬م ْن‬ ‫ٍ‬
‫أجـور عظيمة‬ ‫فيـه مـن‬
‫َصـا َم َر َمضَ ـانَ إِميَانًـا َوا ْح ِت َسـابًا ُغ ِف َر لَـهُ َما تَ َقدَّ َم ِمـ ْن َذنْ ِب ِه َو َمـ ْن َقا َم لَ ْيلَ َة الْ َقـدْ ِر إِميَانًا‬
‫َوا ْح ِت َسـابًا ُغ ِف َر لَهُ َمـا تَ َقدَّ َم ِمـ ْن َذنْ ِب ِه»[[[‪.‬‬

‫عباد اهلل! وإن مما يسـتقبل به شـهر رمضان المبارك أن يجاهد اإلنسـان نفسه بإصالح‬
‫ٍ‬
‫ضغينة أو غير ذلك‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫حسـد أو‬ ‫غل أو ٍ‬
‫حقد أو‬ ‫قلبـه وطـرح مـا فيه من ٍّ‬

‫ب‬ ‫بر َو�ث َ َلثَـ ِة أَيَّ ٍ‬


‫ـام ِمـ ْن ك ُِّل شَ ـ ْه ٍر يُ ْذ ِه ْ َ‬ ‫الص ْ ِ‬ ‫عبـاد اهلل! يقـول النبـي ﷺ‪َ :‬‬
‫«صـ ْو ُم شَ ـ ْه ِر َّ‬
‫الصـدْ رِ»[[[‪.‬‬
‫َو َح َر َّ‬

‫إن يف الصـدر إحـن ويف الصـدر سـخائم وضغائـن وأحقـاد فـإذا جاءت هذه المواسـم‬
‫المباركة فإهنا تكون فرص ٌة سـانحة ومناسـب ٌة كريمة لطرد ما يف القلب من غل أو حقد أو‬
‫اسـدُوا‪َ ،‬و َل تَ َنا َجشُ ـوا‪َ ،‬و َل تَ َباغَضُ وا‪َ ،‬و َل تَدَابَ ُروا‪،‬‬ ‫حسـد‪ ،‬يقول ♥‪َ :‬‬
‫«ل تَ َح َ‬
‫خ َوانًـا»[[[‪ ،‬إن دخـول رمضـان‬
‫ـض‪َ ،‬وكُونُـوا ِع َبـا َد اللَّـ ِه إِ ْ‬ ‫ُـم َع َ‬
‫لى بَ ْيـعِ بَ ْع ٍ‬ ‫َو َل يَب ْ‬
‫ِـع بَ ْعضُ ك ْ‬
‫فرصـ ٌة مباركـة لتصفيـة النفـوس وتنقية القلوب واجتمـاع الكلمة على طاعـة اهلل ‪‬‬
‫بـأن يقبِل المسـلمون جميعهـم مطيعين هلل مقبلين على عبادتـه وطاعته مبتعدين عن كل‬
‫ما يسـخطه ويأباه سـبحانه‪.‬‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)2014‬ومسلم (‪.)760‬‬


‫[[[ رواه أحمد (‪ ،)23070‬وصححه األلباين يف «صحيح الرتغيب» (‪.)1032‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)6064‬ومسلم (‪.)2563‬‬
‫‪22‬‬

‫عباد اهلل! نسـأل اهلل ‪ ‬أن يب ِّلغنا وإياكم شـهر رمضان‪ ،‬وأن يعيننا وإياكم فيه على‬
‫الصيـام والقيـام‪ ،‬وأن يصلـح ذات بيننـا‪ ،‬وأن يؤلف بين قلوبنا‪ ،‬وأن يهدينا سـبل السلام‪،‬‬
‫وأن يخرجنـا مـن الظلمـات إلـى النـور‪ ،‬وأن يجعلنـا مـن عبـاده المتقيـن الذيـن ال خوف‬
‫عليهم وال هـم يحزنون‪.‬‬

‫أقول ما تسـمعون وأسـتغفر اهلل لي ولكم ولسـائر المسـلمين من كل ذنب فاستغفروه‬


‫يغفـر لكم إنه هو الغفـور الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان واسـع الفضـل والجـود واالمتنـان‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال‬
‫اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله؛ صلـى اهلل عليـه وعلـى آلـه‬
‫وأصحابـه أجمعيـن وسـلم تسـليما كثيـرا‪ ،‬أمـا بعد‪:‬‬

‫عبـاد اهلل! أوصيكـم ونفسـي بتقوى اهلل‪ ،‬فـإن من اتقى اهلل وقاه وأرشـده إلى خير أمور‬
‫دينه ودنياه‪.‬‬

‫ثـم اعلمـوا رحمكـم اهلل‪ :‬أن ممـا ينبغـي أن ُينَ َّبـه عليـه يف هـذا المقـام أن البـدء بصيـام‬
‫رمضـان يكـون بأحـد أمريـن‪:‬‬

‫ؤي الهلال بأن رآه المسـلم أو رآه‬


‫إمـا برؤيـة الهلال ‪ -‬هلال دخول رمضان ‪ -‬فـإذا ُر َ‬
‫غيره من المسـلمين فإنه بذلك يثبت دخول الشـهر ويكون الصيام‪ ،‬لقول النبي ﷺ كما‬
‫‪23‬‬

‫ْط ُروا َح َّتى تَ َر ْو ُه»[[[‪.‬‬ ‫يف «الصحيحين» وغيرهما‪َ :‬‬


‫«ل ت َُصو ُموا َح َّتى تَ َر ُوا الْه َِل َل‪َ ،‬و َل تُف ِ‬

‫واألمـر الثـاين الـذي يثبـت بـه الصيام‪ :‬إكمال عدة شـهر شـعبان ثالثين يومـا وذلك يف‬
‫حالـة عـدم التمكـن من رؤية الهلال‪ ،‬لما ثبت يف «الصحيحين» وغيرهمـا عن النبي ﷺ‬
‫ُـم َفأَكْ ِملُوا ِعدَّ َة شَ ـ ْع َبانَ‬ ‫أنـه قـال‪ُ :‬‬
‫«صو ُمـوا لِ ُر ْؤيَ ِتـ ِه َوأَف ِْطـ ُروا لِ ُر ْؤيَ ِتـ ِه فَـإِنْ ُغ ِّب َ‬
‫ـي َعلَ ْيك ْ‬
‫ني»[[[‪.‬‬
‫�ث َ َلثِ َ‬

‫عبـاد اهلل! وال يجـوز يف هـذا األمـر اسـتعمال الحسـاب والتقاويـم ونحو ذلـك‪ ،‬وإنما‬
‫العمـل يكـون بمـا ثبـت يف السـنة ودل عليه هـدي خير األمـة محمد بن عبـد اهلل صلوات‬
‫ٍ‬
‫لمؤمن أن يتقدَّ م صيام رمضان بصـوم يوم أو يومين أو نحو‬ ‫اهلل وسلامه عليـه‪ ،‬وال يحـل‬
‫ذلـك لنهـي النبـي ﷺ عن ذلـك إال من كان يصـوم صيامًا فليصمه‪.‬‬

‫هـذا وإنـا لنسـأل اهلل ‪ ‬أن يكتـب لنـا ولكـم التوفيـق والسـداد والهداية والرشـاد‬
‫واإلعانـة علـى كل خيـر‪ ،‬وأن يوفقنـا للـزوم السـنة واقتفـاء آثـار خيـر األمـة‪ ،‬وأن يهدينـا‬
‫جميعًا سـواء السـبيل‪.‬‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)1906‬ومسلم (‪.)1080‬‬


‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)1909‬ومسلم (‪.)1081‬‬
‫[[[‬
‫فضائل شهر رمضان‬

‫إن الحمد هلل؛ نحمده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ باهلل من شـرور أنفسـنا‬
‫وسـيئات أعمالنـا‪ ،‬مـن يهده اهلل فال مضل لـه‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشـهد أن ال إله‬
‫أن محمـد ًا عبده ورسـوله؛ صلى اهلل عليـه وعلى آله‬
‫إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد ّ‬
‫وأصحابه أجمعين وسـلم تسليما كثيرا‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل تعالـى؛ فـإن من اتقـي اهلل وقاه‪ ،‬وأرشـده إلى خير‬
‫أمـور دينـه ودنيـاه‪ ،‬وتقـوى اهلل ‪ :‬أن تعمل بطاعـة اهلل على ٍ‬
‫نور مـن اهلل ترجو ثواب‬
‫اهلل‪ ،‬وأن تترك معصيـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور من اهلل تخـاف عقاب اهلل‪.‬‬

‫عبـاد اهلل! إننـا نعيـش هـذا الوقت أيامًا كريم ًة فاضلة وموسـمًا عظيمًا شـريفا‪ ،‬مليء‬
‫بالخيـرات متعـدد ٌة فيـه العطايـا والهبـات‪ ،‬موسـم م ّيـزه اهلل ‪ ‬علـى بقيـة األيـام‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1424-9-6 /‬هـ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫وفضلـه بفضائـل عديـدة وخصائـص متنوعـة؛ يف هـذا الموسـم المبـارك شـهر‬


‫والشـهور ّ‬
‫رمضـان تفتـح أبـوب الجنـة وتغلـق أبـواب النيـران‪ ،‬يف هـذا الموسـم الكريم المبـارك هلل‬
‫‪ ‬عتقـاء مـن النـار وذلـك يف كل ليلـة مـن ليالـي هـذا الشـهر‪ ،‬يف هـذا الموسـم‬
‫الكريم المبارك تص ّفد الشـياطين ومردة الجن فال يسـتطيعون أن َيخ ُل ُصوا إلى من كانوا‬
‫يخلصـون إليهـم قبـل رمضـان وبعـده‪ ،‬ويف هـذا الموسـم الكريـم المبـارك ينـادي منادي‬
‫أقصر»‪ ،‬وهذا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬فيـه داللة‬
‫كل ليلـة‪« :‬يـا باغـي الخير أقبِل ويـا باغي الرش ِ‬
‫وعظم إقبال الناس وتأكد انصراف كل مسـلم عن الشـر‬ ‫علـى كثـرة الخيـر يف هـذا الشـهر ِ‬

‫وأسـبابه وموجباته‪ ،‬وإن كان هذا األمر متأكد ًا يف كل وقت وحين إال أنه يف شـهر رمضان‬
‫أشـد تأكيدا وأعظـم لزوما‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إن الواجـب علـى مـن أكرمـه علـى اهلل ‪ ‬بـإدراك هـذا الشـهر وبلوغـه‬
‫أن يغتنـم خيراتـه‪ ،‬وأن يظفـر بربكاتـه‪ ،‬وأن يجاهـد نفسـه مجاهـدة تامـة علـى أن ينـال فيه‬
‫الصفـح والغفـران والعتق من النيـران وأن يكون من عباد اهلل المتقيـن الذين ُتعتق رقاهبم‬
‫مـن النـار يف هـذا الشـهر الكريـم المبارك‪.‬‬

‫عباد اهلل! إن هذا الشهر شهر مغفرة الذنوب‪ ،‬يقول رسولنا ﷺ ‪ -‬كما يف «الصحيحين»‬
‫مـن حديـث أبـي هريرة ﭬ قـال ♥‪َ « :‬م ْن َصـا َم َر َمضَ انَ إِميَانًا َوا ْح ِت َسـابًا‬
‫ُغ ِفـ َر لَـهُ َمـا تَ َقـدَّ َم ِمـ ْن َذنْ ِب ِه‪َ ،‬و َمـ ْن َقا َم لَ ْيلَـ َة الْ َقـدْ ِر إِميَانًا َوا ْح ِت َسـابًا ُغ ِف َر لَهُ َمـا تَ َقدَّ َم‬
‫ِمـ ْن َذنْبِـ ِه»[[[‪ ،‬فمـا أعظمهـا مـن َم ْك ُرمـة ومـا أج ّلهـا مـن عطيـة؛ صيـام رمضـان ُيغفـر بـه‬
‫مـا تقـدم مـن الذنـوب والخطايـا‪ ،‬وتأ َّمـل ‪ -‬عبـد اهلل ‪ -‬هـذه الفضيلـة العظيمة ال ُتنـال إال‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)2014‬ومسلم (‪.)760‬‬


‫‪26‬‬

‫بشـرطين ب ّينهمـا ♥ يف هـذا الحديث العظيم‪:‬‬

‫الشرط األول‪ :‬أن يكون صيامك لرمضان إيمانًا باهلل وبرسوله ﷺ وتصديقا بفريضة‬
‫ٍ‬
‫وثـواب‬ ‫ٍ‬
‫أجـور عظيمـة وعطايـا كريمـة‬ ‫الصيـام مـن‬
‫الصيـام ومـا أعـدّ ه ‪ ‬ألهـل ّ‬
‫جزيـ ٍل يف الدنيـا واآلخرة‪.‬‬

‫والشرط الثاين‪ :‬أن يكون صيامك لرمضان احتسابًا لما عند اهلل ‪ ‬من األجر‬
‫والثـواب؛ تصومـه محتسـبًا بـه ثـواب اهلل‪ ،‬تبغـي بـه وجـه اهلل‪ ،‬وتطمـع بأدائـه ثـواب اهلل‪،‬‬
‫َ‬
‫تحصيل ثـواب اهلل الـذي أعده اهلل ‪ ‬للصائميـن‪ ،‬واهلل ‪‬‬ ‫وتريـد بقيامـك به‬
‫للصائميـن مـن األجـور العظيمـة والعطـاء الجزيل مـا ال يخطـر ببـال‪ ،‬وإلى هذا‬
‫قـد أعـد ّ‬
‫اإلشـارة يف قول الرب ‪ ‬يف الحديث القدسـي‪« :‬ك ُُّل َع َملِ ابْ ِن آ َد َم لَهُ إِ َّل ِّ‬
‫الص َيا َم‬
‫عد‬‫َفإِنَّـهُ ل َوأَنَـا أَجزِي بِـ ِه»[[[؛ ادخر تعالى للصائمين ثوابًا جزيال وعطاء عظيما بغير ٍ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫وال حسـاب‪ :‬ﮋﰓ ﰔ ﰕﰖﰗﰘﮊ [الزمـر‪.]١٠:‬‬

‫س‪َ ،‬والْ ُج ْم َع ُة‬


‫ات الْ َخ ْم ُ‬ ‫عباد اهلل! وينبغي على الصائم أن يتذكَّر قول النبي ﷺ‪َّ :‬‬
‫«الصلَ َو ُ‬
‫ات َما بَ ْي َن ُه َّن إِ َذا ا ْج َت َن َب الْكَ َبائِ َر»[[[‪.‬‬
‫إِ َل الْ ُج ْم َع ِة‪َ ،‬و َر َمضَ انُ إِ َل َر َمضَ انَ‪ُ :‬مكَ ِّف َر ٌ‬

‫فعليـه أن يتقـي اهلل ‪ ‬وأن يجانـب الكبائـر وعظائـم الذنـوب وأن يتـوب مـن‬
‫َ‬
‫رمضـان للذنـوب‬ ‫الذنـوب كلهـا صغيرهـا وكبيرهـا‪ ،‬ولتعلـم أخـي المسـلم أن تكفيـر‬
‫وهكـذا الصلـوات الخمـس والجمعة ونحـو ذلك ممـا ورد يف األحاديث إنما هو خاص‬
‫بالصغائـر‪ ،‬أمـا الكبائـر فإنـه البـد فيهـا مـن توبـة صادقـة وتوبـة نصـوح مـن الذنـب الذي‬
‫ّ‬
‫[[[ رواه البخاري(‪ ،)1904‬ومسلم (‪.)1150‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)233‬‬
‫‪27‬‬

‫اقرتفتـه والخطيئـة التـي اجرتحتهـا‪.‬‬

‫فعلينـا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬أن نعيـش هـذا الشـهر تائبين إلـى اهلل منيبين إليه سـبحانه‪ ،‬مقبلين‬
‫عليـه ‪ ،‬مسـتغفرين مـن الذنـوب والخطايـا لع ّلنا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬نكون مـن عتقاء اهلل‬
‫‪ ‬مـن النـار‪ ،‬ع ّلنـا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬نكـون ممن ُح ّطـت عنهـم األوزار‪ُ ،‬‬
‫ورفعت لهم‬
‫الدرجـات‪ ،‬وغفرت لهـم الذنوب‪.‬‬

‫عبـاد اهلل! إن المحـروم ح ّقـا مـن يـدرك مواسـم الخيـر ومواطـن الفضـل وأماكـن‬
‫حصل بركتها‪ ،‬يقـول ♥ عن رمضـان‪« :‬إِنَّ‬
‫الفضيلـة فلا يغنم خيرهـا وال ُي ِّ‬
‫َير ِم ْن أَل ِ‬
‫ْف شَ ـ ْهرٍ‪َ ،‬مـ ْن ُح ِر َم َها َف َقدْ ُحـ ِر َم الْخ ْ‬
‫َيَ‬ ‫ُـم َو ِفيـ ِه لَ ْيلَ ٌة خ ْ ٌ‬
‫ضك ْ‬‫َهـ َذا الشَّ ـ ْه َر َقـدْ َح َ َ‬
‫َي َهـا إِ َّل َم ْحـ ُرو ٌم»[[[‪.‬‬
‫كُلَّـهُ‪َ ،‬و َل يُ ْحـ َر ُم خ ْ َ‬

‫هـذا هـو الحرمـان حقـا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬أن يـدرك العبـد مواسـم الخيـرات وهـو بصحة‬
‫وعافيـة وأ ْم ٍ‬
‫ـن وأمـان ور َغـد وهنـاءة عيـش ثم ال ينـال مغفرة الذنـوب وال ينـال العتق من‬
‫النـار‪ ،‬تأملـوا قـول النبـي ﷺ فيمـا روى الطبراين يف «معجمـه» عن جابر بن سـمرة ﭬ‬
‫َـال‪ :‬يَا ُم َح َّمدُ َمـ ْن أَ ْد َركَ أَ َحدَ َوالِدَ يْ ِه‬
‫ِيل ڠ‪َ ،‬فق َ‬
‫ب ُ‬ ‫قـال‪ :‬قـال رسـول اهلل ﷺ‪« :‬أَت ِ‬
‫َـان جِ ْ‬
‫ني‪َ ،‬ق َال‪ :‬يَا ُم َح َّمدُ َم ْن أَ ْد َركَ شَ ـ ْه َر‬
‫ْـت آ ِم َ‬
‫ني‪َ ،‬ف ُقل ُ‬‫دَه اللَّهُ؛ ُق ْل آ ِم َ‬ ‫َـل ال َّنـا َر َفأَبْ َع ُ‬
‫َما َت‪َ ،‬فدَ خ َ‬
‫ف َ‬
‫ين‪َ ،‬ق َال‪:‬‬‫ين‪َ ،‬ف ُقل ُْت آ ِم َ‬ ‫َـم يُ ْغفَـ ْر لَـهُ َفأُ ْد ِخ َل ال َّنـا َر َفأَبْ َع ُ‬
‫ـدَه اللَّهُ؛ ُق ْل آ ِم َ‬ ‫َما َت َفل ْ‬ ‫َر َمضَ ـانَ‪ ،‬ف َ‬
‫ـدَه َفل َْم يُ َص ِّل َعلَ ْيـكَ ف ََم َت َفدَ خ ََل ال َّنـا َر َفأَبْ َع ُ‬
‫دَه اللَّهُ؛ ُق ْـل آ ِم َ‬
‫ني‪َ ،‬ف ُقل ُْت‬ ‫َو َمـ ْن ُذ ِكـ ْر ُت ِع ْن ُ‬
‫ني»[[[‪ .‬‬
‫آ ِم َ‬

‫[[[ رواه ابن ماجه (‪ ،)1644‬وصححه األلباين يف «صحيح ابن ماجه» (‪.)1333‬‬
‫[[[ رواه الطرباين يف «المعجم الكبير» (‪ ،)2022‬وصححه األلباين يف «صحيح الرتغيب»(‪.)996‬‬
‫‪28‬‬

‫الم َلـك جربيـل ڠ يدعـو ومحمدٌ ﷺ ُيؤ ِّمن؛ ومما دعا بـه جربيل ڠ وأم ّن عليه‬
‫َ‬
‫رسـول اهلل ﷺ َّ‬
‫أن َمـن أدرك رمضـان وخـرج ولـم ُيغفـر لـه فأبعـده اهلل فأدخلـه النـار‪ ،‬مـا‬
‫أعظمهـا مـن مصيبـة ومـا أشـد فداحتَهـا مـن رزية؛ يـدرك العبد موسـم الخيـر والعتق من‬
‫النـار‪ ،‬يـدرك العبـد موسـم مغفـرة الذنـوب ثـم يسـتمر يف غ ِّيـه ويتمـادى يف باطلـه ويداوم‬
‫علـى سـفهه وضالله‪.‬‬

‫نسـأل اهلل العافيـة‪ ،‬ونسـأله ‪ ‬أن يمنحنـا جميعـا توبـ ًة نصوحـا‪ ،‬وأن يعتـق رقابنـا‬
‫جميعا من النار‪ ،‬وأن يوفقنا الغتنام مواسـم الخيرات‪ ،‬وأن يهدينا جميعًا سـواء السبيل‪،‬‬
‫ّ‬
‫إن ربـي لسـميع الدعـاء وهـو أهل الرجاء وهو حسـبنا ونعـم الوكيل‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمد هلل عظيم اإلحسـان واسـع الفضل والجود واالمتنان‪ ،‬وأشـهد أن ال إله إال اهلل‬
‫وحده ال شـريك له‪ ،‬وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله ﷺ‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫الصحابة‬
‫نحن اآلن يف شـهر رمضان شـهر اهلل المبارك الذي كان يهنئ رسـول اهلل ﷺ ّ‬
‫بمقدَ مـه ويبـارك لهـم يف مجيئـه كمـا يف الحديـث عـن أبـي هريـرة ﭬ قـال‪ :‬قال رسـول‬
‫ني َو َمـ َر َد ُة الْجِ ِّن»[[[؛ وقوله‬ ‫اهلل ﷺ‪« :‬إِ َذا كَانَ أَ َّو ُل لَ ْيلَـ ٍة ِم ْن شَ ـ ْه ِر َر َمضَ انَ ُصف ْ‬
‫ِّدَت الشَّ ـ َي ِ‬
‫اط ُ‬
‫ُـم َر َمضَ ـانُ شَ ـ ْه ٌر ُم َبـا َركٌ »[[[ فيه داللة عباد اهلل على بشـارة النبي ﷺ ألصحابه‬
‫ﷺ‪« :‬أَتَاك ْ‬

‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)682‬وابن ماجه (‪ ،)1642‬وحسنه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)759‬‬
‫[[[ رواه النسائي (‪ ،)2106‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)55‬‬
‫‪29‬‬

‫بمقـدم هـذا الشـهر العظيـم‪ ،‬فلتهنئوا ‪ -‬عباد اهلل‪ -‬بشـهركم العظيم وموسـمكم المبارك‪،‬‬
‫ولتقبِلـوا فيـه على اهلل ‪ ‬بطاعتـه واإلنابة إليه‪.‬‬

‫عبـاد اهلل! وهـذا الشـهر موسـم الغفـران؛ فلنكثـر فيـه مـن االسـتغفار‪ ،‬فـإن االسـتغفار‬
‫شـأنه عظيـم والسـيما يف هـذا الموسـم الكريم‪ ،‬ولقـد كان ♥ أشـد الناس‬
‫ُول‪ :‬أَ ْسـ َت ْغ ِف ُر اللَّـهَ َوأَت ُ‬
‫ُوب‬ ‫اسـتغفارا‪ ،‬يقـول أبـو هريـرة ﭬ‪َ « :‬مـا َرأَيْ ُت أَ َحـدًا أَك َ َ‬
‫ْث أَنْ يَق َ‬
‫إِلَ ْيـ ِه ِمـ ْن َر ُسـولِ اللَّـ ِه ﷺ»[[[‪ ،‬وقـد رأى أبـو هريـرة ﭬ الصحابـة الكـرام والجيـل‬
‫المبـارك الـذي لقـي النبـي ﷺ ولـم يـر أكثـر مـن النبـي ﷺ مالزمـ ًة لالسـتغفار‪ ،‬مـع أنـه‬
‫♥ ُغفـر لـه مـا تقـدم مـن ذنبـه ومـا تأخـر‪.‬‬

‫عبـاد اهلل! واالسـتغفار فوائـده عظيمـة وعوائـده كثيـرة علـى المسـتغفرين‪ ،‬يقـول اهلل‬
‫تعالـى فيمـا ذكـره عـن نـوح ڠ[[[‪ :‬ﮋﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ‬
‫ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭚ ﭛﭜﭝ ﭞﭟﮊ‬
‫[نـوح‪]١٢-١٠:‬؛ هـذه ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬بعـض فوائـد االسـتغفار وبركاتـه يف الدنيـا‪ ،‬وأمـا يف‬
‫اآلخـرة فـإن خيراتـه وبركاتـه ال حصـر لهـا وال عـدّ ‪ ،‬وقـد ثبـت عـن النبـي ﷺ أنـه قـال‪:‬‬

‫[[[ رواه النسائي يف «سننه الكربى» (‪ ،)10288‬وابن حبان يف «صحيحه» (‪.)928‬‬


‫الجـدب فقـال‪ :‬اسـتغفر اهلل‪ ،‬وشـكا إليـه آخـر الفقـر‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫رجلا شـكا إليـه‬ ‫[[[ عـن الحسـن البصـري ‪ّ $‬‬
‫أن‬
‫فقـال‪ :‬اسـتغفر اهلل‪ ،‬وشـكا إليـه آخـر جفـاف بسـتانه فقـال‪ :‬اسـتغفر اهلل‪ ،‬وشـكا إليه آخـر عدم الولـد فقال‪:‬‬
‫اسـتغفر اهلل‪ ،‬ثـم تلا عليهـم قـول اهلل تعالـى عـن نـوح ڠ‪ :‬ﮋﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﮊ رواه عبـد الـرزاق يف‬
‫«مصنفـه» (‪ ،)87/3‬والطبراين يف «الدعـاء» (‪.)964‬‬
‫‪30‬‬

‫اسـ ِت ْغفَا ًرا كَ ِثيرًا»[[[‪ ،‬ومن بـركات االسـتغفار ‪ -‬عباد‬


‫ف َص ِحي َف ِتـ ِه ْ‬
‫ـوب لِ َمـ ْن َو َجـدَ ِ‬
‫«طُ َ‬
‫اهلل ‪ :-‬نـزول األمطـار‪ ،‬وتوالـي الخيـرات‪ ،‬وتعدد العطايا والهبـات‪ ،‬وكلكم يعلم ‪ -‬عباد‬
‫اهلل ‪َّ -‬‬
‫تأخـر نـزول المطـر عـن إ ّبان وقته مما سـبب جفافًا يف األرض وهالكًا يف الماشـية‬
‫وتأثـرا يف الـزروع؛ فأقبِلـوا عبـاد اهلل علـى اهلل ‪ ‬تائبيـن إليه مسـتغفرين مـن كل ذنب‬
‫ويوسـع علينـا بمنّه وفضله وعطائه‪.‬‬ ‫وخطيئـة َّ‬
‫لعـل اهلل ‪ ‬أن يتغمدنا جميعًا برحمته ِّ‬

‫[[[ روى ابن ماجه (‪ ،)3818‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)3930‬‬


‫[[[‬
‫أقبـل‬
‫ِ‬ ‫يا باغي الخير‬

‫إن الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ باهلل من شـرور أنفسـنا‬
‫وسـيئات أعمالنـا؛ مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ومـن يضلـل فلا هـادي لـه‪ ،‬وأشـهد أن ال‬
‫إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله؛ صلى اهلل وسـلم عليه‬
‫وعلـى آله وصحبـه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! اتقوا اهلل ‪ ‬حق تقـواه‪ ،‬وراقبوه مراقبة من يعلم أن ربه‬
‫يسمعه ويراه‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! هنيئـا لكـم شـهركم الكريـم وموسـمكم المبـارك موسـم‬
‫الخيـرات والبركات والعطايـا والهبـات والعتـق مـن النيـران‪.‬‬

‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1431-9-3 /‬هـ‬


‫‪32‬‬

‫عبـد غنِـم شـهره فربـح ثوابـه ونـال أجـره‪ ،‬ومـا أعظم‬


‫شـأن ٍ‬
‫أيهـا المؤمنـون! مـا أعظـم ِ‬

‫عبـد دخل عليه شـهر الخيرات ثـم انقضى وهو من بركاته محـروم وعن خيراته‬ ‫خسـران ٍ‬

‫غافل‪.‬‬

‫عبـاد اهلل! وحفـز ًا للهمـم والعزائـم يف شـهر الخيـرات يف أيامـه المبـاركات ولياليـه‬
‫العظيمـات يتكـرر نـداء عظيم مبارك ينادي المقبلين على الخيرات تحفيز ًا لهم وشـحذ ًا‬
‫لهممهم‪ ،‬وينادي من هم غافلون عن الطاعات متحركة قلوهبم باآلثام يناديهم باإلمساك‬
‫واإلقصـار خوفـا مـن اهلل الملـك الجبـار؛ فـإن الموسـم موسـم خيـرات وبـركات‪ ،‬روى‬
‫اإلمـام الرتمـذي يف «جامعـه» وابـن ماجـة يف «سـننه» وغيرهمـا مـن حديـث أبـي هريـرة‬
‫ﭬ أن النبـي ﷺ قـال‪ :‬عـن أبـي هريـرة ﭬ قـال‪ :‬قـال رسـول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َذا كَانَ أَ َّو ُل‬
‫َت أَبْـ َو ُ‬
‫اب ال َّنا ِر َفل َْم يُ ْف َت ْح‬ ‫ني َو َمـ َر َد ُة الْجِ ِّن‪َ ،‬و ُغلِّق ْ‬ ‫ِّدَت الشَّ ـ َي ِ‬
‫اط ُ‬ ‫لَ ْيلَـ ٍة ِم ْن شَ ـ ْه ِر َر َمضَ انَ ُصف ْ‬

‫ـاب‪َ ،‬ويُ َنا ِدي ُم َنـا ٍد يَا بَا ِغ َ‬


‫ـي الْخ ْ‬
‫َيِ‬ ‫ـت أَبْـ َو ُ‬
‫اب الْ َج َّنـ ِة َفل َْم يُ ْغل َْـق ِم ْن َها بَ ٌ‬ ‫ِم ْن َهـا بَ ٌ‬
‫ـاب‪َ ،‬و ُف ِّت َح ْ‬
‫صر‪َ ،‬ولِلَّ ِه ُع َتقَـا ُء ِم ْن ال َّنـا ِر َو َذلكَ ك ُُّل لَ ْيلَـ ٍة»[[[‪.‬‬
‫الشر أَ ْق ِ ْ‬ ‫أَ ْقب ْ‬
‫ِـل َويَـا بَا ِغ َ‬
‫ـي َّ ِّ‬

‫فتأمل رعاك اهلل هذين النداءين العظيمين المباركين‪« :‬يا باغي الخري‪ ،‬يا باغي الرش»‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حديث رواه اإلمام أحمد يف «مسـنده»[[[ بأن هذا المنادي م َلك‬ ‫وقد جاء التصريح يف‬
‫مـن مالئكـة اهلل‪ ،‬وجـاء كذلك التصريح أن هذا النداء يتكرر كل ليلة من ليالي رمضان‪.‬‬

‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)682‬وابن ماجه (‪ ،)1642‬وصححه األلباين يف «صحيح الرتغيب» (‪.)998‬‬
‫ر َح َّتـى‬‫ر أَقْص ْ ِ‬ ‫يرْ أَبْش ْ ِ‬
‫ر‪ ،‬يَـا بَا ِغ َ‬
‫ـي الش َِّّ‬ ‫[[[ قـال رسـول اهلل ﷺ‪َ ..« :‬ويُ َنـا ِدي ِفيـ ِه َملَـكٌ ‪ :‬يَـا بَا ِغ َ‬
‫ـي الْ َخ ِ‬
‫َضي َر َمضَ ـانُ » رواه أحمـد يف «مسـنده» (‪.)18042‬‬
‫َي ْنق ِ َ‬
‫‪33‬‬

‫نعـم أيهـا المؤمنـون ! نـدا ٌء عظيـم مبـارك يتكـرر يف كل ليلـة مـن ليالـي رمضـان‪« :‬يـا‬
‫أقصر»‪.‬‬
‫باغـي الخير أقبـِـل‪ ،‬ويـا باغـي الرش ِ‬

‫ولئن كان أهل اإليمان ال يسـمعون صوت هذا المنادي إال أهنم من ندائه على يقين؛‬
‫ألن الـذي أخبر بذلـك الصادق المصدوق صلوات اهلل وسلامه عليه الذي ال ينطق عن‬
‫الهـوى إن هو إال وحي يوحى‪.‬‬

‫أال ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬لنستشعر يف ليالي رمضان المباركات هذا النداء المبارك‪ ،‬هذا النداء‬
‫العظيـم‪ ،‬ولنف ّعـل هـذا النداء يف حياتنا‪ ،‬ولنتأمل يف أحوالنا وسـلوكنا‪ ،‬ولننظر يف حالنا من‬
‫أي أهـل النداءيـن؟ فإهنمـا نـداءان وكل منهما مقصود به فئة من النـاس «يا باغي الخير‪..‬‬
‫يا باغي الشـر»‪.‬‬

‫ويف هـذا داللـة أن قلـوب النـاس ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬علـى قلبيـن‪ :‬قلـب يبغـي الخيـر ويطلبه‬
‫ويبحـث عنـه ويتحـراه‪ ،‬وقلـب آخـر قلبـه ‪ -‬والعيـاذ بـاهلل ‪ -‬يبحث عـن الشـر ويتحرك يف‬
‫طلـب الشـر وينبعـث يف البحـث عن الشـر؛ فليسـو سـوا ًء ‪ -‬عبـاد اهلل‪ -‬ليس مـن كان قلبه‬
‫قلبـا صالحـا مسـتقيمًا يطلـب الخيـر ويتحـراه كمـن قلبـه ‪ -‬والعيـاذ بـاهلل‪ -‬قلبًا شـرير ًا‬
‫لئيمـا يبحث عن الشـر ويتحـراه‪.‬‬

‫نعـم عبـاد اهلل! نـداءان عظيمان «يا باغي الخري‪ ،‬ويا باغي الرش»‪ ،‬فليفتش كل إنسـان‬
‫يف نفسـه وليتأمـل يف حالـه وليحقـق ما ُطلـب منه؛ فإن كان قلبه ذلـك القلب العظيم ذلك‬
‫القلـب الكريـم الـذي يتحـرى الخيـر ويطلبـه فليغنم شـهر الخيـرات‪ :‬باإلقبال علـى اهلل‪،‬‬
‫وبالمزيـد مـن الطاعـات‪ ،‬وباالسـتكثار من العبـادات وباغتنام موسـم الخيـرات باإلكثار‬
‫‪34‬‬

‫مـن الرغائـب والمسـتحبات‪ ،‬ويف الحديـث القدسـي يقـول اهلل ‪َ « :‬مـا تَقَـ َّر َب إِ َ َّ‬
‫ل‬
‫ل بِال َّن َوا ِفلِ‬
‫ـت َعلَ ْيـ ِه َو َمـا يَـ َز ُال َع ْبـ ِدي يَ َتقَـ َّر ُب إِ َ َّ‬
‫ْتضْ ُ‬ ‫ل ِم َّ‬
‫ما اف َ َ‬ ‫ِشي ٍء أَ َح َّ‬
‫ـب إِ َ َّ‬ ‫َع ْبـ ِدي ب َ ْ‬
‫ص بِـ ِه َويَ ُ‬
‫دَه‬ ‫َح َّتـى أُ ِح َّبـهُ‪ ،‬فَـإِ َذا أَ ْح َب ْبتُـهُ كُ ْن ُت َسـ ْم َعهُ الَّ ِذي يَ ْسـ َم ُع ِب ِه َوبَ َ َ‬
‫صر ُه الَّ ِذي يُ ْب ِ ُ‬
‫اسـ َت َعا َذ ِن‬ ‫شي ِب َهـا‪َ ،‬وإِنْ َسـأَلَ ِني َلُ ْع ِط َي َّنـهُ َول ِ ْ‬
‫َئن ْ‬ ‫جلَـهُ الَّ ِتـي َيْ ِ‬ ‫الَّ ِتـي يَ ْب ِط ُ‬
‫ـش ِب َهـا َو ِر ْ‬
‫َلُ ِعي َذنَّـهُ»[[[ فالمقبِل على الخيرات يجتهـد يف الفرائض أوال تبكير ًا إليها ومزيدَ اهتما ٍم‬
‫وسـع يف بـاب الرغائب والمسـتحبات‬ ‫هبـا وسـعيًا يف تتميمهـا وتكميلهـا‪ ،‬ثـم بعـد ذلك ي ِ‬
‫ُ‬
‫اغتنامًا واسـتكثار ًا‪.‬‬

‫ثـم أيهـا المؤمنـون‪ :‬إن كان قلـب اإلنسـان ذلـك القلـب اآلخـر الـذي يبغـي الشـر‬
‫ويتحـراه؛ فهـذا لـه نداء آخر‪« :‬يا باغي الرش اقصر» و«أقرص»‪ :‬من اإلقصار وهو الكف‬
‫واالمتنـاع‪« ،‬يـا باغـي الشـر أقصـر» أي‪ :‬كـف عـن الشـر وامتنع منـه وابتعد عنـه واتق اهلل‬
‫‪ ‬ربـك؛ فإنـك يف شـهر الخيرات والربكات شـهر العطايا والهبات شـهر العتق من‬
‫النيـران شـهر الغفران‪.‬‬

‫إن لم يتحرك قلبك يف هذا الموسم المبارك كفًا وامتناعًا و ُبعد ًا عن العصيان فمتى‬
‫ْـف َر ُجـلٍ ُذ ِكـ ْر ُت ِع ْن ُ‬
‫ـدَه َفل ْ‬
‫َـم ُي َص ِّل‬ ‫عسـاه أن يتحـرك ؟! قـال ♥‪َ « :‬ر ِغ َ‬
‫ـم أَن ُ‬
‫ـم أَن ُ‬
‫ْف‬ ‫َـل َعلَ ْيـ ِه َر َمضَ انُ ثُ َّم ان َْسـلَخَ َق ْب َـل أَنْ يُ ْغفَـ َر لَهُ‪َ ،‬و َر ِغ َ‬ ‫ـم أَن ُ‬
‫ْـف َر ُجـلٍ َدخ َ‬ ‫لي‪َ ،‬و َر ِغ َ‬
‫َع َ َّ‬
‫لا ُه الْ َج َّن َة»[[[‪.‬‬ ‫ـدَه أَ َب َوا ُه الْ ِك َ َ‬
‫بر َفل َْم ُيدْ ِخ َ‬ ‫َر ُجـلٍ أَ ْد َركَ ِع ْن ُ‬

‫[[[ رواه البخاري (‪.)6502‬‬


‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)3545‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)3510‬‬
‫‪35‬‬

‫عباد اهلل! لنتق اهلل ‪ ‬يف شـهرنا‪ ،‬ولنتقيه سـبحانه يف هذا الموسـم العظيم‪ ،‬وليكن‬
‫مرتقى وسـ َّلما‪.‬‬
‫ً‬ ‫لنـا جميعـا مغنمًا‪ ،‬وليكن لنا جميعـا يف الخيرات والربكات‬

‫اللهم غنِّمنا شهر الخيرات‪ ،‬اللهم غنِّمنا شهر الخيرات‪ ،‬اللهم غنِّمنا شهر الخيرات‪،‬‬
‫وجدْ علينا فيه بواسـع العطايا وصنوف الهبات‪.‬‬
‫ُ‬

‫اللهم وفقنا الغتنامه بما يرضيك‪ ،‬اللهم وال تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين‪.‬‬

‫اللهم واغفر لنا ذنبنا كله ِدقه وج ّله‪ ،‬أوله وآخره‪ ،‬سره وعلنه‪.‬‬

‫أقـول هـذا القول وأسـتغفر اهلل لي ولكم ولسـائر المسـلمين من كل ذنب فاسـتغفروه‬
‫يغفـر لكم إنـه هو الغفـور الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل الكريـم الوهـاب‪ ،‬وأشـهد ن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن‬
‫محمـد ًا عبـده ورسـوله صلـى اهلل وسـلم عليـه وعلـى آله وصحبـه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫عباد اهلل! اتقوا اهلل تعالى فإن تقوى اهلل خير زاد‪ :‬ﮋﭩﭪﭫﭬﭭﭮ‬
‫ﭯ ﭰﭱﮊ [البقرة‪.]197:‬‬

‫معاشر المؤمنين! ويف الحديث المتقدم أن‪َ « :‬ولِلَّ ِه ُع َتقَا ُء ِم ْن ال َّنا ِر َو َذلكَ ك ُُّل لَ ْيلَ ٍة»[[[‪.‬‬
‫[[[ رواه الرتمـذي (‪ ،)682‬وابـن ماجـه (‪ ،)1642‬واللفـظ للرتمـذي‪ ،‬وصححـه األلبـاين يف «صحيـح‬
‫الرتغيـب» (‪.)998‬‬
‫‪36‬‬

‫مـن ليالـي رمضـان عتقـاء مـن النـار ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬يف كل ليلـة مـن ليالي رمضـان تعتق‬
‫رقاهبـم مـن النـار !! أليـس هـذا الخرب عظيـم دافعًا عظيمًا وحافـز ًا مؤثر ًا لتتـوق القلوب‬
‫وتشـتاق أن تكـون مـن هذه الرقاب المبـاركات التي أعتقت من النار يف شـهر الخيرات؟‬

‫ولهـذا عبـاد اهلل ينبغـي علـى ٍّ‬


‫كل منا أن يتحرك قلبه شـوقًا وطمعًا علـى أن يكون من‬
‫هـؤالء الذيـن يعتق المنـان الكريم الوهاب رقاهبم يف موسـم الخيـرات من النيران‪.‬‬
‫[[[‬
‫دروس رمضان‬

‫إن الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ باهلل من شـرور أنفسـنا‬
‫وسـيئات أعمالنـا‪ ،‬مـن يهـده اهلل فال مضـل له‪ ،‬ومن يضلل فال هـادي له وأشـهد أن ال إله‬
‫إال اهلل وحده ال شـريك له‪ ،‬وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله وصفيه وخليله وأمينه على‬
‫وحيـه ومبلغ الناس شـرعه؛ فصلوات اهلل وسلامه عليه وعلـى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد!‬

‫معاشـر المؤمنيـن عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل تعالى فإن تقواه ‪ ‬أسـاس السـعادة وسـبيل‬
‫الفالح يف الدنيـا واآلخرة‪.‬‬

‫عبـاد اهلل! أطلـت علينا أ ّم َة اإلسلام ليالـي رمضان المباركات وأيامه ُّ‬
‫الغر الباسـقات‪،‬‬
‫أق َبـل علينـا بمـا أودع اهلل فيه من الخيـرات المتنوعات‪ ،‬والهبات المتعـددات‪ ،‬والربكات‬
‫الكثيرات‪ ،‬والعتـق من النيران‪.‬‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪1428-9-2 /‬هـ‬
‫‪38‬‬

‫عبـاد اهلل! إن حلـول الشـهر ودخولـه بشـارة عظمـى أل ّمة اإلسلام وفرحـ ٌة كربى ألمة‬
‫اإليمـان‪ ،‬وكرامـة كريمـة ألهـل القـرآن؛ أال فلنهنأ ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬بما مـ َّن اهلل علينا وأكرمنا‬
‫بـه مـن دخـول هـذا ّ‬
‫الشـهر المبـارك العظيـم الكريـم‪ ،‬والواجـب علينـا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬أن‬
‫نفـرح عظيـم الفـرح بقدومه وأن هنيئ أنفسـنا تمام التهيئة لالسـتفادة مـن عظاته البالغات‬
‫ودروسـه النافعات‪.‬‬

‫ٍ‬
‫دروس عظيمة وعربٍ جليلة ينبغي على كل من أدركه‬ ‫عباد اهلل! إن شـهر رمضان شـهر‬
‫شـهر الصوم أن يسـتفيد من دروسـه وأن يفيد من عربه وأن ال يمضي هذا الشـهر ضياعًا‬
‫عليه مـن الخير وحرمانًا من الفضيلة والعطاء‪.‬‬

‫عباد اهلل! إن شهر رمضان مدرس ٌة تربوية مباركة على العبادات الكامالت واألخالق‬
‫الفاضلات وال ّطاعـات المتنوعـات التـي جعـل اهلل ‪ ‬لهـذا الشـهر الكريـم مزيـد‬
‫خصوصيـة فيها‪.‬‬

‫عبـاد اهلل! ّ‬
‫إن ممـا ُيربـي عليـه شـهر الصيـام تقـوى اهلل ‪ ‬كمـا قـال اهلل سـبحانه‪:‬‬
‫ﮋﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰﮊ [البقـرة‪]١٨٣:‬؛ فالصيـام عبـاد اهلل يربـي علـى التقوى‪ ،‬ومن التقـوى التي يربي‬
‫عليهـا الصيـام‪ :‬البعـد عن الحرام واجتناب اآلثام‪ ،‬أرأيتم ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬أن عبد اهلل الصائم‬
‫يـدع شـرابه وطعامـه وشـهوته ألجـل اهلل ‪ ‬وخوفـا مـن اهلل ورغبـ ًة يف موعـوده‬
‫الكريـم وثوابـه العظيـم؟ ويف هـذا تربيـ ُة مثلـى على اجتنـاب الحـرام والبعد عـن اآلثام‪.‬‬

‫ومما يربي عليه الصيام ‪ -‬عباد اهلل ‪:-‬‬


‫‪39‬‬

‫سـر بيـن اهلل وبيـن الصائم ال يطلـع عليه إال‬


‫اإلخلاص للمعبـود ‪ ‬فـإن الصيـام ٌّ‬
‫اهلل ‪ ،‬ولهـذا قـال اهلل سـبحانه يف الحديـث القدسـي‪َ « :‬ق َ‬
‫ـال اللَّهُ‪ :‬ك ُُّل َع َمـلِ ابْ ِن آ َد َم‬
‫الص َيـا َم َفإِنَّـهُ ِل َوأَنَـا أَ ْجـزِي بِـ ِه»[[[‪ ،‬قـال ‪ ‬عـن الصائـم كمـا يف «صحيح‬
‫لَـهُ إِ َّل ِّ‬
‫ـف‪َ ،‬ق َال‬ ‫شر أَ ْمثَالِ َها إِ َل َسـ ْب ِ‬
‫عمئَة ِض ْع ٍ‬ ‫ـف؛ الْ َح َسـ َن ُة َع ْ ُ‬ ‫مسـلم‪« :‬ك ُُّل َع َمـلِ ابْ ِ‬
‫ـن آ َد َم يُضَ ا َع ُ‬
‫لي»[[[‪.‬‬
‫الصـ ْو َم َفإِنَّـهُ ِل َوأَنَـا أَ ْجـزِي بِـ ِه‪ ،‬يَـدَ ُع شَ ـ ْه َوتَهُ َوطَ َعا َمـهُ ِم ْن أَ ْج ِ‬
‫اللَّـهُ ‪ ‬إِ َّل َّ‬
‫للصائم على اإلخالص هلل يف عباداته كلها وطاعاته جميعها‪.‬‬
‫فهذه عباد اهلل تربية ّ‬

‫وممـا يربـي عليـه شـهر الصيـام‪ :‬الصبـر بأنواعـه؛ الصبر علـى طاعـة اهلل والصبر عـن‬
‫معصيـة اهلل والصبر علـى أقـدار اهلل‪ ،‬وقـد ثبت يف«المسـند» عن نبينـا ﷺ أنه قـال‪َ :‬‬
‫«ص ْو ُم‬
‫وصـف مـن نبينـا‬
‫ٌ‬ ‫ـام ِمـ ْن ك ُِّل شَ ـ ْه ٍر َصـ ْو ُم الدَّ ْهـرِ»[[[‪ ،‬ويف هـذا‬
‫بر َو�ث َ َلثَـ ِة أَيَّ ٍ‬
‫الص ْ ِ‬
‫شَ ـ ْه ِر َّ‬
‫♥ لشـهر الصيـام بأنـه شـهر الصبر وذلـك لمـا فيه مـن الرتبية علـى الصرب‬
‫بأنواعـه‪ :‬الصبر علـى الطاعات‪ ،‬والصبر عن المعاصي واآلثـام‪ ،‬والصرب على أقـدار اهلل‬
‫المؤلمات‪.‬‬

‫ومما يربي عليه شـهر الصيام‪ :‬المنافسـة يف الطاعات والتسـابق يف العبادات بأنواعها‪،‬‬
‫ففـي «سـنن الرتمـذي» عـن نبينـا ♥ أنـه قـال‪« :‬إِ َذا كَانَ أَ َّو ُل لَ ْيلَـ ٍة ِمـ ْن شَ ـ ْه ِر‬
‫َـم يُ ْف َت ْح ِم ْن َهـا بَ ٌ‬
‫اب‪،‬‬ ‫َـت أَبْـ َو ُ‬
‫اب ال َّنـا ِر َفل ْ‬ ‫ني َو َمـ َر َد ُة الْجِ ـ ِّن‪َ ،‬و ُغلِّق ْ‬ ‫ِّـدَت الشَّ ـ َي ِ‬
‫اط ُ‬ ‫َر َمضَ ـانَ ُصف ْ‬
‫َي أَ ْقب ْ‬
‫ِـل َويَا‬ ‫ـاب‪َ ،‬ويُ َنا ِدي ُم َنـا ٍد يَا بَا ِغ َ‬
‫ـي الْخ ْ ِ‬ ‫َـم يُ ْغل َْـق ِم ْن َهـا بَ ٌ‬ ‫ـت أَبْـ َو ُ‬
‫اب الْ َج َّنـ ِة َفل ْ‬ ‫َو ُف ِّت َح ْ‬

‫[[[ رواه البخاري(‪ ،)1904‬ومسلم (‪.)1150‬‬


‫[[[ رواه مسلم (‪.)1150‬‬
‫[[[ رواه ابن ماجه (‪ ،)1079‬والنسائي (‪ ،)2408‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)3718‬‬
‫‪40‬‬

‫صر‪َ ،‬ولِلَّـ ِه ُع َتقَـا ُء ِم ْن ال َّنـا ِر َو َذلكَ ك ُُّل لَ ْيلَـ ٍة»[[[‪.‬‬


‫الشر أَ ْق ِ ْ‬ ‫بَا ِغ َ‬
‫ـي َّ ِّ‬

‫شـهر يتنافس فيه المؤمنون ويتسـابق فيه المجـدُّ ون بأنواع الطاعـات والعبادات‬
‫فهـو ٌ‬
‫والسـماوات‪.‬‬
‫يرجـون رحمة رب األرض ّ‬

‫وممـا يربـي عليه شـهر الصيـام‪ :‬التربي على مأدبـة القرآن؛ فإن لرمضـان خصوصي ًة يف‬
‫القرآن‪ ،‬كيف ال وقد قال اهلل ‪ :‬ﮋﮘ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞ‬
‫ﮟ ﮠﮡﮢﮣﮊ [البقـرة‪ ،]١٨٥:‬وكان بعـض السـلف إذا دخل‬
‫شـهر رمضـان يقول‪« :‬فإنما هو تلاوة القرآن وإطعـام الطعام»[[[‪.‬‬

‫وممـا يربـي عليـه شـهر الصيـام عبـاد اهلل‪ :‬مواسـاة المحاويج ومسـاعدة الفقـراء ودفع‬
‫ٍ‬
‫وجـود وسـخاء‬ ‫ٍ‬
‫وبـذل وعطـاء‬ ‫الصدقـات وبـذل اإلحسـان؛ فهـو شـهر كـر ٍم وإنفـاق‬
‫والصائـم ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬يحـس بحاجـة النـاس عندمـا يـذوق شـدة الجـوع وألـم العطـش‬
‫فيـدرك حاجـة الفقراء فتسـخو نفسـه ويكثر جـوده ويعظم إحسـانه ويعظم تقربـه إلى اهلل‬
‫بالبـذل واإلنفـاق‪.‬‬

‫وممـا يربـي عليـه شـهر الصيـام عبـاد اهلل‪ :‬اإلقبـال علـى اهلل بالتوبـة واإلنابـة وطلـب‬
‫الغفـران؛ عبـاد اهلل‪ :‬ومـن لـم يتحـرك قلبـه يف شـهر الصيـام للتوبـة إلـى اهلل واإلنابـة إليـه‬
‫وطلـب غفـران الذنوب فمتى عسـاه أن يتحـرك؟ ويف الحديث الصحيح عن نبينا ﷺ أنه‬
‫ْـف َر ُجـلٍ َدخ ََل َعلَ ْي ِه شَ ـ ْه ُر َر َمضَ انَ ثُ َّم ان َْسـلَخَ َق ْب َـل أَنْ ُي ْغفَـ َر لَهُ»[[[‪ ‬عياذ ًا‬ ‫قـال‪َ « :‬ر ِغ َ‬
‫ـم أَن ُ‬

‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)682‬وابن ماجه (‪ ،)1642‬وصححه األلباين يف «صحيح الرتغيب» (‪.)998‬‬
‫[[[ «لطائف المعارف» (ص‪.)183‬‬
‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)3545‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)3510‬‬
‫‪41‬‬

‫بـاهلل مـن ذلك‪.‬‬

‫اللهـم إنـا نسـألك بأسـمائك الحسـنى وصفاتـك العليـا أن تكتـب لنـا يف شـهرنا هـذا‬
‫عز ورفعة‬
‫الغفـران مـن الذنـوب والعتق من النيـران والهداية لكل خير‪ ،‬وأن تجعله شـهر ٍّ‬
‫ألمـة اإلسلام يف كل مـكان‪.‬‬

‫أقـول هـذا القول وأسـتغفر اهلل لي ولكم ولسـائر المسـلمين من كل ذنب فاسـتغفروه‬
‫يغفـر لكم إنـه هو الغفـور الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان واسـع الفضـل والجـود واالمتنـا ‪,‬ن وأشـهد أن ال إلـه إال‬
‫وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله؛ صلى اهلل وسـلم عليـه وعلى آله‬
‫وصحبـه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫ٍ‬
‫وذكر هلل ‪.‬‬ ‫خير ِ‬
‫وجدٍّ‬ ‫عباد اهلل! إن ليالي رمضان ليال مباركة وأيام رمضان أيام ٍ‬

‫ٍ‬
‫وتـوان وعجـز؛ بـل هو شـهر جدّ‬ ‫ٍ‬
‫خمـول وكسـل‬ ‫عبـاد اهلل! ليـس شـهر رمضـان شـهر‬
‫ٍ‬
‫ومنافسـة يف الخيـرات‪ ،‬وأعظـم النـاس أجـر ًا يف شـهر الصيـام أكثرهـم ذكـر ًا هلل‬ ‫واجتهـاد‬
‫‪ ،‬وقـد جـاء يف «المسـند» و عـن سـهل بـن معـاذ بـن أنـس الجهنـي عـن أبيـه عـن‬
‫ـم أَ ْجـ ًرا يَـا َر ُس ُ‬
‫ـول اللَّـه ؟‬ ‫َـال‪ :‬أَ ُّي الْ ُم َجا ِه ِديـ َن أَ ْعظَ ُ‬ ‫رسـول اهلل ﷺ «أَنَّ َر ُج ً‬
‫لا َسـأَلَهُ َفق َ‬

‫ال ِذكْ ًرا‪.‬‬ ‫َق َال‪ :‬أَك َ ُ‬


‫ْث ُه ْم لِلَّ ِه تَ َع َ‬
‫‪42‬‬

‫ني أَ ْعظَ ُم أَ ْج ًرا ؟‬


‫ائِ َ‬ ‫َق َال‪َ :‬فأَ ُّي َّ‬
‫الص ِ‬

‫الصدَ َقـ َة ك ُُّل َذلِـكَ‬ ‫لا َة َوالـ َّزكَا َة َوالْ َح َّ‬


‫ـج َو َّ‬ ‫الص َ‬ ‫ـم لِلَّـ ِه ِذكْـ ًرا‪ ،‬ثُ َّ‬
‫ـم َذكَـ َر لَـهُ َّ‬ ‫ـال‪ :‬أَك َ ُ‬
‫ْث ُه ْ‬ ‫َق َ‬
‫َـال أَبُو بَكْـ ٍر َر ِ َ‬
‫ض اللَّـهُ َع ْنهُ لِ ُع َمـ َر َر ِ َ‬
‫ض‬ ‫ـم لِلَّـ ِه ِذكْـ ًرا‪َ ،‬فق َ‬ ‫ُـول‪ :‬أَك َ ُ‬
‫ْث ُه ْ‬ ‫ـول اللَّـ ِه ﷺ يَق ُ‬
‫َر ُس ُ‬
‫ـب ال َّذا ِكـ ُرونَ ِبك ُِّل خ ْ ٍ‬
‫َير !!‬ ‫اللَّـهُ َع ْنـهُ‪َ :‬ذ َه َ‬

‫ول اللَّ ِه ﷺ‪ :‬أَ َج ْل[[[‪.‬‬ ‫َفق َ‬


‫َال َر ُس ُ‬

‫فينبغي على المسـلم أن يغنم هذا الشـهر باإلكثار من ذكر اهلل تالو ًة لكتابه وتسـبيحًا‬
‫وهتليلا وحمـد ًا وتكبيـرا واسـتغفار ًا وتوبـة وعملاً واجتهـادا يف ِّ‬
‫كل مـا يقـرب إلـى اهلل‬
‫‪ ‬ونسـأل اهلل ‪ ‬أن ال يكلنـا إلـى أنفسـنا‪ ،‬وأن ال يكلنـا إال إليـه وأن يعيننـا علـى‬
‫طاعتـه علـى الوجه الـذي يحبـه ويرضاه‪.‬‬

‫[[[ رواه أحمـد (‪ )15553‬والطبراين يف «الدعـاء» (‪ ،)1887‬واللفـظ لـه‪ ،‬وضعفـه األلبـاين يف «ضعيـف‬
‫الرتغيـب» (‪.)906‬‬
‫[[[‬
‫جنَّة‬ ‫الصِّ َي ُ‬
‫ام ُ‬

‫إن الحمد هلل؛ نحمده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ باهلل من شـرور أنفسـنا‬ ‫َّ‬
‫مضـل لـه‪ ،‬ومـن ُيضلِل فلا هادي لـه‪ ،‬وأشـهد أن ال‬
‫َّ‬ ‫وسـيئات أعمالنـا‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا‬
‫أن محمد ًا عبده ورسـوله؛ صلى اهلل وسـ َّلم عليه‬
‫اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد َّ‬‫إلـه إال ُ‬
‫وعلـى آله وصحبـه أجمعين‪.‬‬

‫أ َّما بعد‪:‬‬

‫يعلـم َّ‬
‫أن‬ ‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل تعالـى‪ ،‬وراقبـوه َّ‬
‫جـل يف عاله مراقبة من ُ‬
‫ر َّبه يسـم ُعه ويراه‪.‬‬

‫ٌ‬
‫وترك لمعصية‬ ‫عمـل بطاعـة اهلل على ٍ‬
‫نور مـن اهلل رجاء ثواب اهلل‪،‬‬ ‫وتقـوى اهلل ‪ٌ :‬‬
‫اهلل علـى ٍ‬
‫نور مـن اهلل خيفة عذاب اهلل‪.‬‬

‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1434-9-3 /‬هـ‪.‬‬


‫‪44‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! لقـد شـرع اهلل َّ‬


‫جـل وعلا لعبـاده عبـادة الصيـام يف شـهر الصيام شـهر‬
‫وغاية جليلة جاء تبياهنا يف قول اهلل جل شأنه‪ :‬ﮋﭣ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لحكمة عظيمة‬ ‫رمضان المبارك‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﮊ‬
‫وسـبب عظيم ومعون ٌة للمسـلم‬
‫ٌ‬ ‫[البقـرة‪]183:‬؛ فالصيـام أيهـا المؤمنـون ُوصلـة مباركـة‬
‫لتحقيـق تقـوى اهلل ‪‬؛ وذلكـم معاشـر المؤمنيـن لمـا يرتتب علـى الصيام مـن ٍ‬
‫زكاء‬
‫ٍ‬
‫ومجانبـة لآلثـام والذنـوب‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وإخلاص يف التع ُّبـد هلل ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وصـدق مـع اهلل‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وصفـاء‪،‬‬
‫ومِ ٍ‬
‫ـران للنفـس يف اتقـاء شـهواهتا وتت ُّبع ملذاهتـا؛ مما جعل للصيام األثر المبـارك والثمرة‬
‫العظيمـة يف تحقيق تقـوى اهلل ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! ويعظـم حـظ الصائـم مـن التقـوى وتحصيلها ونيلها بحسـب حفظه‬
‫ضر هبـذه العبادة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫نقـص أو ُمفسـد أو ُم ٍّ‬ ‫لصيامـه وعنايتـه بـه وإبعـاده عـن كل ُم‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل ! لقـد ثبت يف «الصحيحين» من حديث أبـي هريرة ﭬ أن‬
‫َب َفإِنْ‬ ‫َلا يَ ْرف ْ‬
‫ُث َو َل يَ ْصخ ْ‬ ‫النبـي ﷺ قـال‪َ « :‬و ِّ‬
‫الص َيـا ُم ُج َّنـ ٌة‪َ ،‬وإِ َذا كَانَ يَ ْو ُم َص ْو ِم أَ َح ِدك ُْم ف َ‬
‫ن ا ْمـ ُر ٌؤ َصائِ ٌم‪.[[[»..‬‬
‫َسـابَّهُ أَ َحدٌ أَ ْو َقاتَلَهُ َفلْ َيق ُْل إِ ِّ‬

‫والجنَّة‪:‬‬
‫ج َّنـ ٌة» ُ‬ ‫تأمـل ‪-‬رعـاك اهلل‪ -‬يف قـول النبـي الكريم ♥‪ِّ :‬‬
‫«الص َيا ُم ُ‬
‫والسـتْر والواقـي؛ فكـم يف الصيـام مـن صيانـة للعبـد ووقايـة لـه مـن الذنـوب‬
‫هـو الت ُّْـرس ِّ‬
‫واآلثـام إن كان حقـق عبـادة الصيـام كمـا ينبغي‪.‬‬

‫ ●فالصيـام ُجنَّـة قيـل‪ :‬أي‪ُ :‬جنَّـة مـن المعاصـي واآلثـام؛ وذلـك عندمـا تعظـم‬

‫[[[ رواه البخاري(‪ ،)1904‬ومسلم (‪.)1150‬‬


‫‪45‬‬

‫عنايـة العبـد هبـذه العبـادة تحقي ًقـا لهـا وتتميمـا يف ضـوء قـول النبـي الكريـم‬
‫♥ يف هـذا الحديـث‪« :‬فَـإِ َذا كَانَ يَ ْو ُم َصـ ْو ِم أَ َح ِدك ُْم فَلاَ يَ ْرف ُْث َوالَ‬
‫ـم»‪ ،‬وهذه‬
‫ن ا ْمـ ُر ٌؤ َصائِ ٌ‬ ‫َـب َو َل َي ْج َه ْـل‪ ،‬فَـإِنْ َسـا َّبهُ أَ َحـدٌ أَ ْو َقاتَلَـهُ َفلْ َيق ْ‬
‫ُـل إِ ِّ‬ ‫َي ْصخ ْ‬
‫تأكيـدات علـى الصائـم أن ُيعنـى بصيامـه وأن يبعـده عـن‬
‫ٌ‬ ‫كلهـا معاشـر المؤمنيـن‬
‫تضـر بالصيـام و ُت ِ‬
‫ضعـف مـن مكانتـه وأثـره[[[‪.‬‬ ‫هـذه األعمـال واألقـوال السـيئة التـي ِ‬

‫ ●وقيل الصيام ُجنَّة‪ :‬أي‪ُ :‬جنَّة من النار ووقاية للعبد من دخولها‪.‬‬

‫والمعنيـان متالزمـان‪ ،‬أحدهمـا مرتتـب على اآلخـر؛ فإن الصيـام إذا كان ً‬
‫فعل ُجنة‬
‫للعبـد بالبعـد عـن المعاصـي واآلثـام يف هذه الحيـاة الدنيـا كان له يوم القيامـة ُجنة من‬
‫دخـول النـار‪ ،‬وإن لـم يكـن صيام المـرء جن ًة له يف هـذه الحياة من الذنـوب واآلثام لم‬
‫مرتتـب على اآلخر‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫يكـن يـوم القيامـة ُجنـة له مـن النار‪ ،‬فأحـد المعنيين‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬وهـذا يسـتوجب مـن العبد الناصـح أن يحفظ صيامـه وأن يحقق فيه هذا‬
‫المعنـى بـأن يكـون صيامـه ً‬
‫فعلا جنـة لـه بـأن يكـون ُجنَّـة مـن الذنـوب واآلثـام ليكون‬
‫يـوم القيامـة ُجنـة لـه من دخـول النار‪.‬‬

‫[[[ قـال اإلمـام ابـن رجـب ‪« :$‬لمـا سلسـل الشـيطان يف شـهر رمضـان‪ ،‬و خمـدت نيـران الشـهوات‬
‫بالصيـام‪ ،‬انعـزل سـلطان الهـوى و صـارت الدولـة لحاكـم العقـل بالعـدل‪ ،‬فلـم يبـق للعاصـي عـذر‪ ،‬يـا‬
‫غيـوم الغفلـة عـن القلـوب تقشـعي‪ ،‬يا شـموس التقوى و اإليمـان اطلعي‪ ،‬يـا صحائف أعمـال الصائمين‬
‫ارتفعـي‪ ،‬يـا قلـوب الصائميـن اخشـعي‪ ،‬يـا أقـدام المتهجديـن اسـجدي لربـك و اركعـي‪ ،‬يـا عيـون‬
‫المجتهديـن ال هتجعـي‪ ،‬يـا ذنـوب التائبيـن ال ترجعـي‪ ،‬يـا أرض الهـوى ابلعـي مـاءك و يـا سـماء النفـوس‬
‫أقلعـي‪ ،‬يـا بـروق العشـاق للعشـاق المعـي‪ ،‬يـا خواطـر العارفيـن ارتعـي‪ ،‬يـا همـم المحبيـن بغيـر اهلل ال‬
‫تقنعـي‪..‬و يـا همـم المؤمنيـن اسـرعي‪ ،‬فطوبـى لمـن أجـاب فأصـاب‪ ،‬و ويـل لمـن طـرد عـن البـاب و مـا‬
‫دعي‪«»...‬لطائـف المعـارف» (ص‪.)223‬‬
‫‪46‬‬

‫معاشـر المؤمنيـن! وعندمـا يقـع الصائـم يف مثـل هـذه اآلثـام ونظائرها مـن ٍ‬
‫غيبة أو‬
‫ٍ‬
‫اعتـداء أو غيـر ذلك من صنوف اآلثـام وأنواعها‬ ‫غـش أو ٍ‬
‫ظلـم أو‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كـذب أو‬ ‫ٍ‬
‫سـخرية أو‬
‫فـإن هـذا الوقـوع يف هـذه الذنـوب لـه أثـره يف صيامه من حيـث تحصيل ثـواب الصيام‬
‫ونيـل أجـره العظيم يوم يلقـى اهلل ‪.‬‬

‫وتأمـل ليتضـح لنـا هـذا المعنـى جل ًّيـا روى اإلمـام مسـلم يف «صحيحـه» أن النبـي‬
‫ـام َو َزكَا ٍة َويَأْ ِت َقدْ‬ ‫ﷺ قـال‪« :‬إِنَّ الْ ُم ْفلِ َ‬
‫ـس ِمـ ْن أُ َّم ِتـي يَأْ ِت يَـ ْو َم الْ ِق َيا َم ِة ب َِص َ‬
‫لا ٍة َو ِص َي ٍ‬
‫ف َهـ َذا َوأَك ََل َم َال َه َذا َو َسـ َفكَ َد َم َهـ َذا َو َ َ‬
‫ض َب َه َذا؛ َف ُي ْعطَـى َه َذا ِم ْن‬ ‫شَ ـ َت َم َهـ َذا َو َقـ َذ َ‬
‫ْض َما َعلَ ْيـ ِه أُ ِخ َذ ِم ْن‬
‫َح َسـ َناتِ ِه َو َهـ َذا ِمـ ْن َح َسـ َناتِ ِه‪َ ،‬فإِنْ َف ِن َي ْت َح َسـ َناتُهُ َق ْب َـل أَنْ يُق َ‬
‫ف ال َّنارِ»[[[‪.‬‬
‫ـت َعلَ ْي ِه ثُ َّم طُـر َِح ِ‬
‫ـم َفطُ ِر َح ْ‬
‫خطَايَا ُه ْ‬
‫َ‬

‫تأمـل فـإن النبـي ﷺ ذكـر مـن جملـة العبـادات يف هـذا الحديـث والتـي يؤخـذ مـن‬
‫حسـنات العبـد عليهـا يوم القيامة عبـادة الصيام؛ قال ﷺ‪« :‬يَأْ ِت يَـ ْو َم الْ ِق َيا َم ِة ب َِص َل ٍة‪،‬‬
‫ـام‪َ ،‬و َزكَا ٍة» ومعنـى ذلـك‪ :‬إذا كان المـرء يصـوم وال يحفـظ صيامـه مـن مثل هذه‬ ‫َو ِص َي ٍ‬
‫األعمـال فإنـه كأنـه هبـذا الصيـام ُي ِعـدُّ أجـر صيامـه هديـ ًة لآلخريـن فلا يجد عليـه يوم‬
‫القيامـة ثوا ًبـا وال أجـرا‪ ،‬وإنمـا الذي يجـد أجر صيامه يوم القيامة مـن نالهم منه األذى‬
‫سـ ًّبا أو شـتما أو غيبـ ًة أو نميمـ ًة أو سـخرية أو غيـر ذلكـم من التعديـات والمظالم‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! إن الواجـب علـى الصائـم أن ينصح يف صيامـه‪ ،‬وأن يتقي اهلل ربه‪،‬‬
‫وأن يكـون يف عملـه مراق ًبـا هلل ‪‬؛ يخشـى عقابـه‪ ،‬ويرجـو ثوابـه‪ ،‬ويعمـل علـى‬
‫تتميـم صيامـه وتكميلـه‪ ،‬لينـال عظيم موعـود اهلل ‪ ‬وجزيل أجـره للصائمين‪،‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)2581‬‬
‫‪47‬‬

‫فإهنـم يو َّفـون أجورهـم يـوم القيامة بغير حسـاب‪.‬‬

‫نسـأل اهلل ‪ ‬أن يوفقنـا أجمعيـن لحفـظ صيامنـا وصيانتـه مـن المفسـدات‬
‫والمنقصـات‪ ،‬وأن يصلـح لنـا شـأننا كلـه‪ ،‬وأن ال يكلنـا إلـى أنفسـنا طرفـة عيـن‪ ،‬وأن‬
‫يهدينـا إليـه صرا ًطـا مسـتقيما‪ ،‬إنـه سـميع الدعـاء وهـو أهل الرجـاء وهو حسـبنا ونعم‬
‫الوكيـل‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل حمـد الشـاكرين‪ ،‬وأثنـي عليـه ثنـاء الذاكريـن‪ ،‬أحمـده جـل يف علاه‬
‫بمحامـده التـي هـو لهـا أهـل‪ ،‬وأثنـي عليـه الخيـر كلـه ال أحصـي ثنـا ًء عليـه‪ ،‬هـو كمـا‬
‫أن محمـد ًا‬
‫أثنـى علـى نفسـه‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫عبـده ورسـوله؛ صلـى اهلل وسـ َّلم عليـه وعلـى آلـه وأصحابـه أجمعيـن‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! اتقـوا اهلل تعالـى فـإن مـن اتقـى اهلل وقـاه وأرشـده إلـى خيـر أمـور‬
‫دينـه ودنياه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫إقامـة وخلـود‪،‬‬ ‫ثـم اعلمـوا رعاكـم اهلل أن هـذه الحيـاة دار ٍ‬
‫مـر وعبـور وليسـت دار‬
‫يتـزود يف داره دار المرور والعبـور لدار الخلـود والبقاء الدار‬
‫والعاقـل الحصيـف مـن َّ‬
‫اآلخـرة كمـا قـال اهلل ‪ :‬ﮋ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱﮊ [البقـرة‪ ،]197:‬والحصيـف ‪-‬أيهـا المؤمنـون‪ -‬ينتهـز المواسـم المباركة‬
‫‪48‬‬

‫مواسـم التجـارة الرابحـة ليتـزود مـن تقـوى اهلل ‪ ‬ومـن األعمـال الصالحـات‬
‫والطاعـات الزاكيـات وأنـواع القربـات ِ‬
‫ليجـد أجـر ذلـك يـوم يقـف بيـن يـدي اهلل يـوم‬
‫القيامة‪.‬‬
‫[[[‬
‫عبر شهر رمضان‬

‫َ‬
‫جزيـل األجـر‬ ‫الحمـد هلل الكريـم الوهـاب‪ ،‬أمـر بالصيـام سـبحانه ورتـب عليـه‬
‫وعظيـم المـآب‪ ،‬وجعـل أجـر الصائميـن وافيـا موفـور ًا بغيـر حسـاب‪ ،‬وأشـهد أن ال‬
‫َ‬
‫إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬لـه العبـادة خالصـ ًة وإليـه المـآب‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا‬
‫األواب؛ صلـى اهلل وسـلم عليـه وعلى آله‬
‫عبـده ورسـوله الرسـول المصطفـى والعبـد ّ‬
‫وأصحابـه أولـي النهـى واأللبـاب‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫عباد اهلل! اتقوا اهلل تعالى وراقبوه مراقبة من يعلم أن ربه يسـمعه ويراه‪ ،‬واجتهدوا‬
‫يف طاعـة اهلل وعبادتـه والتقـرب إليـه سـبحانه واغتنـام األوقـات قبـل فواهتـا فإنكـم يف‬
‫هـذه األيام يف أشـرف أوقاهتا‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إننـا نعيـش أيامـا فاضلـة وأزمنـ ًة كريمـة وموسـمًا عظيمـا للتنافـس يف‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1427-9-13 /‬هـ‬
‫‪50‬‬

‫عبـادة اهلل والتقـرب إليـه سـبحانه‪ ،‬إننا‪-‬عبـاد اهلل ‪ -‬نعيـش شـهر رمضـان؛ نعيـش أيامه‬
‫الفاضلـة ولياليـه المباركـة وموسـمه موسـم البـذل والعطـاء‪.‬‬

‫يفـوت‬ ‫ٍ‬
‫عبـاد اهلل‪ :‬إهنـا أيـام ثمينـة وأوقـات مباركـة ينبغـي علـى كل واحـد منـا أن ال ّ‬
‫خيرهـا وأجرهـا وبركتهـا‪ ،‬وممـا ينبغـي أن نعلمـه ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬أن موسـم رمضـان‬
‫موسـم عظيـم يتلقـى فيـه أهـل اإليمـان الـدروس العظيمـة والعبر البالغـة والعظـات‬
‫ٌ‬
‫المؤثـرة مـن خلال أسـراره ِ‬
‫وحكمـه وعظاتـه وب ِّيناتـه‪ ،‬والواجـب علينـا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪-‬‬
‫نحسـن التلقـي يف موسـم الصيـام‪ ،‬وأن نحسـن االسـتفادة مـن مدرسـته العظيمـة؛‬ ‫أن ِ‬

‫إن موسـم الصيـام ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ُ -‬يعـدُّ مدرسـة إيمانيـة تربويـة مباركـة يتلقـى فيـه أهـل‬
‫ٍ‬
‫موسـم غيـر هـذا الموسـم العظيـم‪.‬‬ ‫اإليمـان عظـات وعبر ال يجدوهنـا يف‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إن الصيـام عبره عظيمـة وتربيتـه للمؤمـن مؤثـرة غايـة التأثيـر‪ ،‬إنـك إذا‬
‫تأملـت أيهـا المؤمـن يف إمسـاكك عـن الطعـام والشـراب والشـهوة مـن طلـوع الفجـر‬
‫إلـى غـروب الشـمس يف كل يـوم مـن أيـام هـذا الشـهر المبـارك؛ قيامـك هبـذا األمـر‬
‫طاعـ ًة هلل وطلبـا لثوابـه وابتغـاء مرضاتـه سـبحانه تقـوم هبـذا العمـل سـر ًا بينـك وبيـن‬
‫اهلل ال يعلمـه إال هـو ‪ ،‬فالصيـام سـر بيـن المؤمـن وبيـن اهلل‪ ،‬إنـك وأنـت علـى‬
‫هـذه الصفـة العظيمـة والحـال الكريمـة مـن حسـن التقـرب إلـى اهلل ‪ ‬وكمـال‬
‫خشـيته والخـوف منـه واإلحسـان يف مراقبتـه؛ إن هـذه الحال تدعوك إلـى صالحٍ دائم‬
‫ٍ‬
‫وقـت وحيـن‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وامتثـال دائـم هلل يف كل‬ ‫ٍ‬
‫واسـتقامة مسـتمرة‬

‫وقـت‬
‫ٌ‬ ‫أيهـا المؤمـن الصائـم‪ :‬إن صيامـك عـن المفطـرات يف شـهر رمضـان لـه‬
‫‪51‬‬

‫محـدود وأمـدٌ معـدود يف هـذا الشـهر الفاضـل‪ ،‬وأمـا صيامـك عـن المحرمـات وعـن‬
‫دائـم معـك يف كل حياتـك كلهـا‬
‫ٌ‬ ‫كل مـا ُيسـخط اهلل ‪ ‬فإنـه صيـا ٌم مسـتمر‬
‫وعمـرك جميعـه‪.‬‬

‫أيهـا المؤمـن الصائـم! وأنـت تمتثـل أمـر اهلل ‪ ‬يف موسـم الصيـام باالمتنـاع‬
‫عـن المفطـرات طاعـ ًة هلل ‪ ‬اعلـم أنـه يجـب عليـك أن تمتنع عـن المحرمات‬
‫وأن تصـوم عـن فعلهـا حياتـك ك َّلهـا وعمـرك جميعـه طاعـ ًة هلل ‪ ،‬إن الـذي‬
‫أمـرك بالصيـام فأطعتـه أ َم َـرك باجتناب الحـرام واالمتنـاع منه والصيام عـن فعله طول‬
‫حياتـك؛ فالواجـب عليـك أن تطيعـه‪ ،‬وهنـا أيهـا المؤمـن تتلقـى يف صيامك مـا يعينك‬
‫علـى طاعـة اهلل بالبعـد عـن الحـرام واتقـاء اآلثـام امتثـا ً‬
‫ال ألمـر اهلل ‪ ‬وطاعـ ًة لـه‬
‫سبحانه‪.‬‬

‫مأمـور بنو ٍع من الصيـام يف حياته ك ِّلها؛ صيام عن المحرمات‬


‫ٌ‬ ‫عبـاد اهلل! إن المؤمـن‬
‫واآلثـام‪ ،‬وهـذا الصيـام ‪ -‬عبـاد اهلل‪ -‬ال يختـص بالفـم وال يختص بجارحـة مع َّينة‪ ،‬بل‬
‫هـو صيـام علـى البـدن كلـه وعلـى الجـوارح جميعهـا؛ فعينـك أيهـا المؤمن لهـا صيام‬
‫مسـتمر دائـم وهو أن تصوم عـن النظر إلى الحرام‪ ،‬وأذنـك لها صيام وهو‬
‫ٌ‬ ‫وهـو صيـا ٌم‬
‫مسـتمر‬
‫ٌ‬ ‫دائـم وهـو بمنعهـا مـن سـماع الحـرام‪ ،‬ولسـانك لـه صيـام وهـو صيـا ٌم‬
‫صيـا ٌم ٌ‬
‫مسـتمر دائم وهو‬
‫ٌ‬ ‫دائـم وهـو منعـه عـن التكلم باآلثـام‪ ،‬ويدك عليهـا صيام وهـو صيا ٌم‬
‫مسـتمر دائـم وهـو بمنعهـا مـن‬
‫ٌ‬ ‫بك ِّفهـا عـن العـدوان‪ ،‬وقدمـك لهـا صيـام وهـو صيـا ٌم‬
‫المشـي إلـى الحـرام‪ ،‬وهكـذا كل جارحـة مـن جوارحـك وكل عضـو مـن أعضائـك‬
‫مسـتمر دائـم‪ ،‬ورب العالميـن ‪ ‬يسـألك عـن‬
‫ٌ‬ ‫كل ذلـك عليـه صيـام وهـو صيـا ٌم‬
‫‪52‬‬

‫هـذا الصيـام يـوم القيامـة كمـا يسـألك عـن صـوم رمضـان‪ ،‬وسـتقف أمـام اهلل ‪‬‬
‫ويحاسـبك علـى مـا قدمـت يف هـذه الحيـاة‪ ،‬وإذا كان نبينـا ♥ قـال يف‬
‫ما إِ َذا أَ ْفطَـ َر فَـر َِح‬ ‫شـأن صيـام رمضـان وعمـوم الصيـام‪َ « :‬ولِ َّ‬
‫لصائِ ِـم َف ْر َح َتـانِ يَ ْف َر ُح ُه َ‬
‫ـي َربَّـهُ فَـر َِح ب َِص ْو ِم ِه»[[[‪.‬‬
‫ِب ِفطْـر ِِه َوإِ َذا لَ ِق َ‬

‫فـإن للصائـم عـن الحـرام فرحتـان‪ :‬فرحـة يف هـذه الحيـاة الدنيـا بلـذة االمتنـاع عن‬
‫المعصيـة ولـذة حسـن االمتثال هلل؛ فهي لذة ال يعادلهـا لذة وحالوة ال يدانيها حالوة‪،‬‬
‫ولـه فرحـة أخـرى عندمـا يلقـى اهلل ‪ ‬فيو ِّفيـه أجـره ويعطيـه جـزاءه ويكـون مـن‬
‫أهـل دخـول الجنـة بلا حسـاب؛ فمـا أعظمهـا مـن فرحة ومـا أكملها مـن لذة‪.‬‬

‫نسـأل اهلل ‪ ‬بأسـمائه الحسـنى وصفاتـه العلا أن يحقـق لنـا صيامنـا علـى‬
‫الوجـه الـذي يرضيـه‪ ،‬وأن يوفقنـا لطاعتـه كمـا يحـب؛ إنـه ‪ ‬سـميع الدعـاء‬
‫وهـو أهـل الرجـاء وهـو حسـبنا ونعـم الوكيـل‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان واسـع الفضـل والجـود واالمتنـان‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه‬
‫إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبده ورسـوله؛ صلى اهلل وسـلم عليه‬
‫وعلـى آلـه وصحبـه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)1904‬ومسلم (‪.)1151‬‬
‫‪53‬‬

‫عباد اهلل ! اتقوا اهلل؛ فإن من اتقى اهلل وقاه‪ ،‬وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه‪.‬‬

‫عبـا َد اهلل! جـاء يف الحديـث الصحيـح عـن النبـي ﷺ يف شـأن الصيـام أن اهلل تعالـى‬
‫الص َيا َم َفإِنَّـهُ ِل َوأَنَا أَ ْجزِي ِب ِه»[[[؛ اختص ‪‬‬ ‫يقـول‪« :‬ك ُُّل َع َمـلِ ابْ ِ‬
‫ـن آ َد َم لَهُ إِ َّل ِّ‬
‫الصيـام هبـذه المكرمـة وهـذا اإلنعـام العظيـم‪ ،‬وإال فإن العبـادات كلهـا هلل وثواهبا كله‬
‫علـى اهلل ‪ ،‬ولكـن هـذا تخصيـص للصيـام بمزيد إنعا ٍم وجزيـل إكرام‪.‬‬

‫عبـاد اهلل! وقيـل يف اختصـاص الصيـام هبـذا الثـواب؛ أن الصائـم صيامـه سـر بينـه‬
‫وبيـن اهلل‪ ،‬وإال فـإن اإلنسـان يسـتطيع أن يتنـاول شـيئًا مـن الطعام والشـراب ويتظاهر‬
‫أمـام النـاس بأنـه صائـم‪ ،‬ولكنه ال يفعل شـيئا من ذلك خوفًا مـن اهلل ومراقب ًة هلل‪ ،‬وهنا‬
‫‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬تظهـر عبر ٌة مؤثـرة وحكمـ ٌة بالغة لمن وعاها أال وهـي‪ :‬أن من راقب اهلل‬
‫‪ ‬هـذه المراقبـة باالمتنـاع عـن هـذا األمـر الـذي اعتـاده وألِفـه أن الواجـب عليه‬
‫أن يراقـب اهلل ‪ ‬يف كل وقـت وحيـن مراقبـة مـن يعلـم أن ربـه يسـمعه ويراه‪.‬‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)1904‬ومسلم (‪.)1151‬‬


‫صالح َوإ ْصالح‬
‫م َ‬
‫وس ُ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ض ُ‬
‫ان‬ ‫َر َم َ‬
‫ِ‬
‫[[[‬
‫ٍ ِ‬

‫إن الحمـد هلل؛ نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه‪ ،‬ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور‬‫َّ‬
‫مضـل لـه‪ ،‬ومـن ُيضلِـل فلا هـادي لـه‪،‬‬
‫َّ‬ ‫أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا‬
‫أن محمـد ًا عبـده ورسـوله‪،‬‬
‫اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫وأشـهد أن ال إلـه إال ُ‬
‫وصف ُّيـه وخليلـه‪ ،‬وأمينـه علـى وحيـه‪ ،‬ومب ِّلـغ النـاس شـرعه‪ ،‬مـا تـرك ً‬
‫خيـرا إال دل‬
‫شـرا إال َّ‬
‫حذرهـا منـه؛ فصلوات اهلل وسلامه عليه وعلـى آله وصحبه‬ ‫األمـة عليـه‪ ،‬وال ً‬
‫أجمعيـن‪ .‬أ َّمـا بعـد‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل تعالـى؛ فـإن مـن اتقـى اهلل وقـاه وأرشـده إلـى‬
‫خيـر أمـور دينـه ودنياه‪.‬‬

‫ٌ‬
‫وتـرك‬ ‫عمـل بطاعـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل رجـاء ثـواب اهلل‪،‬‬ ‫وتقـوى اهلل ‪ٌ :‬‬
‫لمعصيـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل خيفـة عـذاب اهلل‪.‬‬

‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1436-9-2 /‬هـ‬


‫‪55‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬هني ًئـا ألمـة اإلسلام‪ ،‬أمـة خيـر األنـام‪ ،‬أمـة محمـد‬
‫♥؛ بحلـول شـهرها العظيـم وموسـمها الكريم شـهر رمضـان المبارك‪،‬‬
‫ِّ‬
‫وحـط األوزار‬ ‫شـهر الخيـرات والبركات والعطايـا والهبـات‪ ،‬شـهر غفـران الذنـوب‬
‫والعتـق مـن النـار‪.‬‬

‫هني ًئـا ألمـة اإلسلام بحلـول هـذا الشـهر المبـارك بمـا أودع اهلل فيـه مـن خيـرات‬
‫عظيمـة وبـركات جسـيمة ومنافـع متعـددة ال يحصيهـا إال اهلل ‪.‬‬

‫روى البخـاري ومسـلم يف «صحيحهمـا» مـن حديـث أبـي هريـرة ﭬ أن النبـي‬


‫َـت أَبْـ َو ُ‬
‫اب ال َّنـارِ‪َ ،‬و ُص ِّفـدَ ِت‬ ‫ـت أَبْـ َو ُ‬
‫اب الْ َج َّنـ ِة‪َ ،‬و ُغلِّق ْ‬ ‫ﷺ قـال‪« :‬إِ َذا َ‬
‫جـا َء َر َمضَ ـانُ ُف ِّت َح ْ‬
‫ني»[[[‪.‬‬ ‫الشَّ ـ َي ِ‬
‫اط ُ‬

‫وروى الرتمـذي يف «سـننه» وابـن ماجـة يف «سـننه» من حديث أبـي هريرة ﭬ أن‬
‫ني َو َم َر َد ُة الْجِ ِّن‪،‬‬ ‫النبـي ﷺ قـال‪« :‬إِ َذا كَانَ أَ َّو ُل لَ ْيلَـ ٍة ِم ْن شَ ـ ْه ِر َر َمضَ انَ ُص ِّفدَ ْت الشَّ ـ َي ِ‬
‫اط ُ‬
‫ـاب‪َ ،‬و ُف ِّت َح ْت أَبْـ َو ُ‬
‫اب الْ َج َّنـ ِة َفل َْم يُ ْغل َْـق ِم ْن َها‬ ‫ـح ِم ْن َهـا بَ ٌ‬ ‫َـت أَبْـ َو ُ‬
‫اب ال َّنـا ِر َفل ْ‬
‫َـم يُ ْف َت ْ‬ ‫َو ُغلِّق ْ‬
‫الشر أَ ْق ِ ْ‬
‫صر‪َ ،‬ولِلَّ ِه ُع َتقَـا ُء ِم ْن‬ ‫َير أَ ْقب ْ‬
‫ِـل َويَـا بَا ِغ َي َّ ِّ‬ ‫ـاب‪َ ،‬ويُ َنـا ِدي ُم َنـا ٍد يَـا بَا ِغ َ‬
‫ـي الْخ ْ ِ‬ ‫بَ ٌ‬
‫ال َّنـا ِر َو َذلـكَ ك ُُّل لَ ْيلَ ٍة»[[[‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! واألحاديث المروية عـن النبي الكريم ♥ يف‬
‫ٍ‬
‫وبركات عميمة كثيـرةٌ‪ ،‬وربما‬ ‫ٍ‬
‫خيرات عظيمة‬ ‫بيـان فضـل هذا الشـهر الكريم وما فيه مـن‬
‫يطول المقام بتعدادها وسـردها‪.‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)3277‬ومسلم (‪.)1079‬‬
‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)682‬وابن ماجه (‪ ،)1642‬وصححه األلباين يف «صحيح الرتغيب» (‪.)998‬‬
‫‪56‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! َّ‬


‫إن هـذا الشـهر العظيـم فرصـ ٌة ذهبيـة عظيمـة لـكل مؤمـن‬
‫لتجديـد اإليمـان وتقوية اإلسلام وتزكية القلوب وإصالح النفـوس وال ُبعد عن الذنوب‬
‫والنأي بالنفس عن سفسـاف األمور ورديئها؛ فإن الصيام يا معاشـر المؤمنين إنما ُشـرع‬
‫ُ‬
‫ألجـل ذلـك‪ ،‬وتأملـوا آيـة الصيـام قـول اهلل ‪ :‬ﮋﭣﭤﭥﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﮊ [البقـرة‪ ،]183:‬فالحكمـة‬
‫مـن مشـروعية هـذه العبـادة تحقيـق تقـوى اهلل ‪ ‬والعمـل على إصلاح النفوس‬
‫وإطابتهـا بالطاعـة وال ُبعد عن الخطيئـة والمعصية‪.‬‬

‫إصالحـا‬
‫ً‬ ‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! ولمـا كان شـهر رمضـان هبـذه المكانـة العظيمـة؛‬
‫للقلـوب‪ ،‬وتحقي ًقـا للتقـوى‪ ،‬وتزكيـ ًة للنفـوس‪ ،‬تتحقـق فيـه للمسـلمين خيـرات عظـام‬
‫قريب منها يف غير هذا الشهر لما يحمله من خيرات‬
‫ٌ‬ ‫وبركات جسام ال يتحقق مثلها وال‬
‫ٌ‬
‫وبركات عظيمة‪ ،‬لما كان الشـهر هبذه المكانة العظمى والمنزلة العليا َّ‬
‫فإن أعداء دين اهلل‬
‫صالحـا وال فالحا تتكاتـف جهودهم وتتضافر‬
‫ً‬ ‫عـزا وال‬
‫ومـن ال يريـدون ألمـة اإلسلام ً‬
‫أعمالهـم اسـتعدا ًدا لتفويـت الفرصـة علـى المسـلمين مـن تحصيل خيـرات هذا الشـهر‬
‫وبركاته العظيمة‪.‬‬

‫وقـد تمكـن أعداء الدين والسـيما يف هذا الزمان من خالل الوسـائل الحديثة وسـائل‬
‫االتصـال والوصـول إلـى العقـول واألفكار تمكنـوا من خاللها باإلضرار بكثيـر من أبناء‬
‫المسـلمين وبناهتـم‪ ،‬تمكنـوا مـن الدخـول علـى القلـوب وعلـى العقـول واألفـكار مـن‬
‫خلال قنـوات الفسـاد ومواقـع الشـر الموبـوءة التـي تحمل سـمومها وشـرورها وعفنها‬
‫وتتكاتـف منهـم الجهود والسـيما يف هذا الشـهر‪.‬‬
‫‪57‬‬

‫أن هذه الشـرور اآلثمة والمفاسـد الشـنيعة تأيت إلى ديار اإلسالم‬ ‫ٍ‬
‫عجب عباد اهلل َّ‬ ‫ومن‬
‫تحملهـا الريـاح وتتلقاهـا األطبـاق المث َّبتـة علـى كثيـر مـن األسـطح‪ ،‬ثـم من خلال تلك‬
‫األطبـاق ُتصـب هـذه الشـرور إلى بيوتات المسـلمين ص ًبـا بما تحمله من عفن وسـموم‬
‫وشـرور‪ ،‬وهنـاك ال تسـأل عمـا يحدث لإليمان من خلـل والدين من ضيـاع ُ‬
‫والخلق من‬
‫ٍ‬
‫أفكار رديئة وأوها ٍم شـنيعة ووساوس مهلكة‬ ‫فسـاد‪ ،‬ال تسـأل عما يحدث يف النفوس من‬
‫بسـبب إدمان النظر والمشـاهدة لتلك القنوات الفاسـدة اآلثمة‪.‬‬

‫ولقد بات من المتقرر يا معاشـر المؤمنين أن أرباب تلك القنوات يعدون العدة لهذا‬
‫ليفوتوا على المسـلمين خيرات هذا‬
‫الشـهر الكريم خاصة من وقت طويل‪ ،‬ال لشـيء إال ِّ‬
‫الشهر وبركاته العظيمة؛ أال فلنتق اهلل‪.‬‬

‫تخـوف النبي الكريـم ♥ نبي الخيـر والرحمة والفالح‬


‫عبـاد اهلل! ولقـد َّ‬
‫تخـوف علـى أمتـه مـن مغ َّبـة الذنـوب وسـوء عاقبتها وعظـم إهالكهـا ألهلها‪،‬‬
‫والسـعادة َّ‬
‫مخـرج يف «الصحيحيـن» عـن زينـب بنـت جحـش ڤ‬
‫وتأملـوا هـذا الحديـث وهـو َّ‬
‫ش‬ ‫فزعـا يقـول‪« :‬الَ إِلَـهَ إِ َّل اللَّـهُ‪َ ،‬ويْ ٌـل لِلْ َعـ َر ِب ِمـ ْن َ ٍّ‬ ‫قالـت‪ :‬دخـل علـي رسـول اهلل ﷺ ِ‬
‫ـوج ِمث ُْـل َهـ ِذ ِه» َو َح َّل َـق بِإِ ْص َب ِع ِـه ِ‬
‫اإل ْب َها ِم‬ ‫ـوج َو َمأْ ُج َ‬
‫ـح ال َيـ ْو َم ِمـ ْن َر ْد ِم يَأْ ُج َ‬
‫تر َب‪ُ ،‬ف ِت َ‬
‫َقـ ِد ا ْق َ َ‬
‫الصال ِ ُح َ‬ ‫ِ‬ ‫وا َّلتِـي َتلِيهـا‪َ ،‬قا َلت ڤ‪َ :‬ف ُق ْلت «يا رس َ ِ‬
‫ـون؟» َق َال‪« :‬نَ َع ْم إِ َذا‬ ‫ـول اهَّلل َأن َْهلِ ُك َوفينَا َّ‬ ‫ُ َ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َثر ال َخ َب ُث»[[[‪ ،‬وجمهور العلماء يا معاشـر المؤمنيـن أن الخ َبث المعني هبذا الحديث‬
‫ك َُ‬
‫هـو الفسـوق والفجـور بالعصيـان للـرب والخـروج عـن طاعته جـل يف علاه‪ ،‬وقد أخرب‬
‫موجب لهلاك الجميع‬
‫ٌ‬ ‫♥ أن شـيوع الفجـور وانتشـار الفسـق دون إنـكار‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)3346‬ومسلم (‪.)2880‬‬


‫‪58‬‬

‫بمـا فيهـم الصالـح‪ ،‬ثـم يبعثون ‪-‬كمـا دلـت األحاديـث األخرى‪ -‬علـى نياهتم‪.‬‬

‫أال فلنتـق اهلل ولنعمـل علـى صيانـة أنفسـنا وإصلاح أحوالنـا والنـأي بأنفسـنا وأبنائنـا‬
‫ـن َأبِي َح ِ‬
‫ـاز ٍم َع ْن َأبِي‬ ‫س ْب ِ‬
‫وأهلينـا عن هذه الشـرور العظيمة والمفاسـد الجسـيمة‪َ ،‬ع ْن َق ْي ِ‬
‫الصدِّ ِ‬
‫يـق َأنَّـ ُه َق َال‪« :‬أَيُّ َها ال َّن ُ‬
‫ـاس إِنَّك ُْم تَ ْق َر ُءونَ َه ِذ ِه اآليَـ َة ﮋ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬ ‫َب ْك ٍـر ِّ‬
‫ـول اللَّـ ِه ‪-‬ﷺ‪ -‬يَق ُ‬
‫ُـول‪« :‬إِنَّ‬ ‫ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﮊ َوإِ ِّ‬
‫ن َسـ ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫َـاب ِم ْنهُ»[[[‪.‬‬
‫لى يَدَ يْ ِه أَ ْوشَ ـكَ أَنْ يَ ُع َّم ُه ُم اللَّهُ ِب ِعق ٍ‬
‫َـم يَأْخُـ ُذوا َع َ‬ ‫ـاس إِ َذا َرأَ ُوا الظَّالِ َ‬
‫ـم َفل ْ‬ ‫ال َّن َ‬

‫وعـو ًدا على بدء؛ لنغنم شـهرنا الفضيل وموسـمنا العظيم‪،‬‬


‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! ْ‬
‫يفـوت علينـا الفرصة بـأن نقبِل على شـهرنا عباد ًة‬
‫ولنفـوت الفرصـة علـى مـن أن أراد أن ِّ‬
‫ِّ‬
‫ً‬
‫وعمل على نجاتنا من سـخط اهلل‪ ،‬فإن رمضان إذا دخل ثم انسـلخ‬ ‫لربنـا وطاعـ ًة لموالنـا‬
‫ْـف َر ُجلٍ َدخ ََل َعلَ ْيـ ِه َر َمضَ انُ َّ‬
‫ثم‬ ‫ولـم ُيغفـر للعبد َّ‬
‫فإن خسـرانه أعظم الخسـران‪َ « :‬ر ِغ َم أَن ُ‬
‫ان َْسـلَخَ َق ْب َل أَنْ يُ ْغفَـ َر لَهُ»[[[‪.‬‬

‫نعم عباد اهلل! إهنا فرصة ثمينة لنعمل على إصالح نفوسـنا وتحقيق صيامنا وتكميل‬
‫أعمالنـا واغتنـام شـهرنا‪ ،‬وقـد قـال نبينـا ♥‪َ « :‬مـ ْن َقـا َم َر َمضَ ـانَ إِميَانًـا‬
‫َوا ْح ِت َسـابًا ُغ ِفـ َر لَهُ َمـا تَ َقدَّ َم ِم ْن َذنْبِـ ِه»[[[‪ ،‬و« َم ْن َصا َم َر َمضَ انَ إِ َميانًا َوا ْح ِت َسـابًا ُغ ِف َر لَهُ‬
‫َما تَ َقـدَّ َم ِم ْن َذنْبِـ ِه»[[[‪.‬‬

‫[[[ رواه أبو داود (‪ ،)4338‬والرتمذي (‪ ،)2168‬وابن ماجه (‪ ،)4005‬وصححه األلباين يف «صحيح‬
‫الرتغيب» (‪.)2317‬‬
‫[[[رواه الرتمذي (‪ ،)3545‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)3510‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)37‬ومسلم (‪.)759‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)2014‬ومسلم (‪.)760‬‬
‫‪59‬‬

‫اللهـم يـا ربنـا ويا سـيدنا وموالنا نسـألك بأسـمائك الحسـنى وصفاتك العليـا وبأنك‬
‫أنـت اهلل ال إلـه إال أنـت أن تغنِّمنـا أجمعيـن خيـرات هذا الشـهر الكريم العظيـم وبركاته‪،‬‬
‫وأن تجعلنـا فيـه مـن عتقائـك مـن النـار‪ ،‬وأن تجعلـه لنـا مغنمـا‪ ،‬وإلـى الخيـرات مرت ًقـى‬
‫وسـ َّلما‪ ،‬وأن تصلـح لنـا شـأننا كلـه‪ ،‬وأن ال تكلنـا إلـى أنفسـنا طرفة عين‪.‬‬

‫أقـول هـذا القول وأسـتغفر اهلل لي ولكم ولسـائر المسـلمين من كل ذنب فاسـتغفروه‬
‫يغفـر لكم إنـه هو الغفـور الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫كثيـرا طي ًبـا مبـاركًا فيه كمـا يحب ربنا ويرضـى‪ ،‬وأشـهد أن ال إله إال‬
‫الحمـد هلل حمـدً ا ً‬
‫أن محمـد ًا عبده ورسـوله؛ صلى اهلل وسـ َّلم عليه وعلى‬
‫اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫آله وصحبـه أجمعين‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! وإذا كنـا يف أوائـل شـهرنا الكريـم وموسـمنا العظيـم يهنـئ‬
‫بعضـا بذلـك فسـرعان مـا ينقضـي وقري ًبا ما ينتهـي ِّ‬
‫بكل عمـل أودع‬ ‫المسـلمون بعضهـم ً‬
‫مسـتودع لألعمـال أ ًّيا كانـت‪ ،‬ويلقى العامـل عمله يوم‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫رمضـان وغيـره‬ ‫فيـه؛ فـإن الوقـت‬
‫يقـف بيـن يـدي اهلل جـل يف عاله‪.‬‬
‫[[[‬ ‫سة ل ْ‬
‫إلصالح َوالصَّالح‬ ‫ض ُ‬
‫ان َم ْد َر َ‬ ‫َر َم َ‬
‫ِ‬

‫َّ‬
‫إن الحمد هلل؛ نحمدُ ه ونسـتعينه ونسـتغفره ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ باهلل من شـرور أنفسـنا‬
‫مضـل لـه‪ ،‬ومـن ُيضلِل فلا هادي لـه‪ ،‬وأشـهد أن ال‬
‫َّ‬ ‫وسـيئات أعمالنـا‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا‬
‫أن محمد ًا عبده ورسـوله‪ ،‬وصف ُّيه وخليله‪ ،‬وأمينه‬
‫اهلل وحده ال شـريك له‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫إله إال ُ‬
‫شـرا إال َّ‬
‫حذرها‬ ‫علـى وحيـه‪ ،‬ومب ِّلـغ النـاس شـرعه‪ ،‬ما تـرك ً‬
‫خيـرا إال دل األمة عليـه‪ ،‬وال ً‬
‫منـه؛ فصلـوات اهلل وسلامه عليه وعلى آلـه وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫أ َّما بعد‪:‬‬

‫يعلـم َّ‬
‫أن ر َّبه‬ ‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل!اتقـوا اهلل تعالـى‪ ،‬وراقبـوه سـبحانه مراقبـة مـن ُ‬
‫عمـل بطاعـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل رجـاء ثـواب اهلل‪،‬‬ ‫يسـم ُعه ويـراه؛ وتقـوى اهلل ‪ٌ :‬‬
‫وتـرك لمعصيـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل خيفـة عـذاب اهلل‪.‬‬ ‫ٌ‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! إن شـهر الصيـام مدرسـ ٌة عظيمـة لإلصلاح والصلاح‪،‬‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1435-9-6 /‬هـ‬
‫‪61‬‬

‫وتزكيـة النفـوس‪ ،‬وتقويـة الصلـة بـاهلل ‪ ،‬واإلبعـاد بالنفـوس عـن رعوناهتـا‬


‫وحسـن تعامـل‪.‬‬
‫ووقـارا‪ ،‬وطمأنينـة ُ‬
‫ً‬ ‫وط ْيشـها وسـفهها‪ ،‬وإصالحهـا سـكين ًة‬

‫عبـاد اهلل! ومـن األحاديـث الجوامـع الثابتـة عـن رسـول اهلل ﷺ مـا رواه الرتمـذي يف‬
‫معـاذ ﭭ أن النبـي ﷺ قـال‪« :‬ات َِّق اللَّـ ِه َح ْيث َُم‬ ‫ٍ‬ ‫ذر وحديـث‬ ‫«جامعـه» مـن حديـث أبـي ٍّ‬
‫ـن»[[[‪.‬‬ ‫ـت‪َ ،‬وأَتْبِـعِ َّ‬
‫السـ ِّي َئ َة ال َح َسـ َن َة تَ ْ ُح َهـا‪َ ،‬وخَا ِل ِق ال َّن َ‬
‫ـاس ِب ُخل ٍُق َح َس ٍ‬ ‫كُ ْن َ‬

‫جمع‬ ‫ِ‬
‫عبـاد اهلل! هـذا الحديـث العظيم عدَّ ه العلمـاء يف جوامع كلم الرسـول ﷺ؛ ألنه َ‬
‫للمسـلم كل مـا يحتـاج إليـه يف بـاب الصلاح واإلصلاح؛ صالحـه فيمـا بينـه وبيـن اهلل‪،‬‬
‫وصالحـه فيمـا بينـه وبيـن نفسـه‪ ،‬وصالحه يف تعاملـه مع عبـاد اهلل ‪.‬‬

‫جامع عظيم يف باب تحقيق الصالح واإلصالح‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫فهو حديث‬

‫وجـدت أهنـا محققـ ًة هـذه‬


‫َ‬ ‫تأملـت يف مدرسـة الصيـام‬
‫َ‬ ‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! وإذا‬
‫األمـور الثالثـة التـي اشـتمل عليهـا هـذا الحديـث الجامـع العظيم‪:‬‬

‫ ●أمـا تقـوى اهلل ‪‬؛ فـإن الصيـام مدرسـة عظيمـ ٌة يف تحقيـق التقـوى‪ ،‬فقـد‬
‫افتتـح اهلل ‪ ‬آيـات الصيـام مـن سـورة البقـرة بقولـه ‪ :‬ﮋ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥﭦ ﭧﭨﭩ ﭪ ﭫﭬﭭﭮ ﭯﭰﮊ‬
‫[البقـرة‪ ،]183:‬واختتـم َّ‬
‫جـل وعلا آيـات الصيـام مـن السـورة نفسـها بقولـه ‪:‬‬
‫ﮋ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮊ [البقـرة‪.]187:‬‬

‫فالصيـام ‪-‬معاشـر المؤمنيـن‪ -‬مدرسـ ٌة عظيمـة لتحقيـق تقـوى اهلل ‪ُ ‬‬


‫وحسـن‬
‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)1987‬وحسنه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)97‬‬
‫‪62‬‬

‫مراقبتـه جـل يف علاه وخشـيته يف الغيـب والشـهادة؛ فكـم يف الصيـام مـن الـدروس‬
‫البالغـات والعظـات العظيمـات المؤثـرات يف تحقيـق تقـوى اهلل ‪ ،‬وذلـك‬
‫ٍ‬
‫ومراقبـة هلل‬ ‫ٍ‬
‫وطمأنينـة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ووقـار‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وسـكينة‪،‬‬ ‫فيمـا يحققـه الصيـام مـن صبرٍ‪ ،‬وخشـوعٍ‪،‬‬
‫‪ ‬يف األعمـال كلهـا‪ ،‬ولهـذا جـاء يف الحديـث أن اهلل ‪ ‬قـال‪َّ :‬‬
‫«الصـ ْو ُم‬
‫ٍ‬
‫خصوصيـة عظيمـة يف تحقيـق تقـوى اهلل‬ ‫ِل َوأَنَـا أَ ْجـزِى بِـ ِه»[[[؛ لمـا يف الصيـام مـن‬
‫سـر يف التعامـل بيـن العبـد وبيـن مـواله َّ‬
‫جـل يف علاه[[[‪.‬‬ ‫‪ ‬وأنـه ٌ‬

‫ ●عبـاد اهلل! وأمـا مـا يف مدرسـة الصيام مـن تحقيق للمطلب الثـاين‪ ،‬وهو معاملة‬
‫الح َسنَ َة َت ْم ُح َها»؛‬ ‫«و َأ ْتبِ ِع َّ‬
‫السـ ِّي َئ َة َ‬ ‫العبد مع نفسـه وذلك يف قول النبي ♥‪َ :‬‬
‫فهـذا فيمـا يتعلـق بيـن العبـد وبيـن نفسـه‪ ،‬ومـن المعلـوم ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬أن النفـس أمار ٌة‬
‫َير الْ َخطَّائِ َ‬
‫ين‬ ‫بالسـوء م َّيالـة إلـى الخطـأ‪ ،‬ويف الحديـث‪« :‬ك ُُّل بَ ِنـي آ َد َم َ‬
‫خطَّـا ٌء َوخ ْ ُ‬
‫ال َّت َّوابُـونَ »[[[‪ ،‬ولهـذا حـث النبـي ♥ حث عبـاد اهلل على االسـتكثار من‬
‫الحسـنات ألن الحسـنات ُيذهبن السـيئات‪.‬‬

‫ٍ‬
‫تحقيـق لهـذا المطلـب‬ ‫وتأمـل ‪-‬رعـاك اهلل‪ -‬كـم يف الصيـام ويف شـهر الصيـام مـن‬
‫العظيـم؛ يقـول النبـي ﷺ كمـا يف «الصحيحيـن» مـن حديـث أبـي هريـرة ﭬ‪َ « :‬مـ ْن‬
‫َصـا َم َر َمضَ ـانَ إِميَانًـا َوا ْح ِت َسـابًا‪ُ ،‬غ ِفـ َر لَـهُ َمـا تَ َقدَّ َم ِمـ ْن َذنْبِـ ِه‪َ ،‬و َم ْن َقـا َم لَ ْيلَـ َة الْ َقدْ ِر‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)7492‬ومسلم (‪.)1151‬‬


‫ُ‬
‫وتـرك المحرمـات‬ ‫[[[ قـال اإلمـام ابـن رجـب ‪« :$‬ويدخـل يف التقـوى الكاملـة ُ‬
‫فعـل الواجبـات‪،‬‬
‫ُ‬
‫وتـرك المكروهـات‪ ،‬وهـي أعلـى درجـات‬ ‫والشـبهات‪ ،‬وربمـا َد َخ َـل فيهـا بعـد ذلـك ُ‬
‫فعـل المندوبـات‪،‬‬
‫التقـوى» «جامـع العلـوم والحكـم» (ص ‪.)159‬‬
‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)2499‬وابن ماجه (‪ ،)4251‬وحسنه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)4515‬‬
‫‪63‬‬

‫إِميَانًـا َوا ْح ِت َسـابًا‪ُ ،‬غ ِفـ َر لَـهُ َمـا تَ َقـدَّ َم ِم ْن َذنْبِـ ِه»[[[‪.‬‬

‫وقـال ♥‪َ « :‬مـ ْن َقـا َم َر َمضَ ـانَ إِميَانًا َوا ْح ِت َسـابًا ُغ ِف َر لَهُ َمـا تَ َقدَّ َم ِم ْن‬
‫َذنْ ِب ِه»[[[‪.‬‬

‫ات‬
‫«الصلَـ َو ُ‬
‫َّ‬ ‫ويف «صحيـح مسـلم» عـن أبـي هريـرة أيضـا أن النبـي ﷺ قـال‪:‬‬
‫ـس َوالْ ُج ْم َعـ ُة إِ َل الْ ُج ْم َعـ ِة َو َر َمضَ ـانُ إِ َل َر َمضَ ـانَ ُمكَفِّـ َر ٌ‬
‫ات َما َب ْي َن ُهـ َّن إِ َذا ا ْج َت َن َب‬ ‫الْ َخ ْم ُ‬
‫الْكَ َبائِـ َر»[[[‪.‬‬

‫عظيمـا علـى االهتمـام هبـذا األمـر والعنايـة بأمـر دخـول‬


‫ً‬ ‫وأكَّـد النبـي ﷺ تأكيـدً ا‬
‫شـهر رمضـان يف نيـل الغفـران والحـرص علـى اكتسـاب هذه الحسـنة؛ حسـنة الصيام‬
‫تحذيرا‬
‫ً‬ ‫والقيـام يف نيـل المغفـرة‪ ،‬بـل َّ‬
‫حذر ♥ مـن التفريط يف هذا األمـر‬
‫شـديدا‪ ،‬ففـي «الجامـع» للرتمـذي وغيـره مـن حديـث أبـي هريـرة أن النبـي ﷺ قـال‪:‬‬
‫َـل َعلَ ْيـ ِه َر َمضَ ـانُ ثُ َّم ان َْسـلَخَ َق ْب َـل أَنْ ُي ْغفَـ َر لَهُ »[[[‪.‬‬ ‫ـم أَن ُ‬
‫ْـف َر ُجـلٍ َدخ َ‬ ‫« َو َر ِغ َ‬
‫ٍ‬
‫تحقيق لألخالق الفاضلة‬ ‫أيهـا المؤمنـون! عباد اهلل! وأما ما يف مدرسـة الصيام مـن‬
‫ـاس‬ ‫واآلداب الكاملـة والمعاملات الحسـنة كمـا قـال ♥‪َ « :‬وخَالِ ِ‬
‫ـق ال َّن َ‬
‫ـن»[[[‪.‬‬
‫ِب ُخل ٍُق َح َس ٍ‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)2014‬ومسلم (‪.)760‬‬


‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)37‬ومسلم (‪.)759‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)233‬‬
‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)3545‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)3510‬‬
‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)1987‬وحسنه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)97‬‬
‫‪64‬‬

‫عجـب‪ ،‬فهـو مدرسـ ٌة عظيمـ ٌة‬ ‫ٌ‬


‫شـأن َ‬ ‫ ●فشـأن الصيـام يف تحقيـق هـذا البـاب‬
‫وأدب ٍ‬
‫عـال رفيـع‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مباركـة يف تربيـة النفـوس وهتذيبهـا علـى كل خ ُلـق فاضـل كريـم‬
‫ففـي «الصحيحيـن» عـن نبينـا ﷺ أنـه قـال‪« :‬إِ َذا كَانَ َيـ ْو ُم َصـ ْو ِم أَ َح ِدك ْ‬
‫ُـم فَلاَ َي ْرف ْ‬
‫ُـث‬
‫ـم»[[[‪ ،‬ويف «صحيـح‬
‫ن ا ْمـ ُر ٌؤ َصائِ ٌ‬ ‫َـب‪ ،‬فَـإِنْ َسـابَّهُ أَ َحـدٌ أَ ْو َقاتَلَـهُ َفلْ َيق ْ‬
‫ُـل إِ ِّ‬ ‫َوالَ يَ ْصخ ْ‬
‫البخـاري» مـن حديـث أبـي هريـرة ﭬ أن النبـي ﷺ قـال‪َ « :‬م ْن ل ْ‬
‫َـم َيدَ ْع َقـ ْو َل ال ُّزو ِر‬
‫شابَـهُ »[[[؛ أي أنـه لـم‬
‫ـس لِلَّـ ِه َحا َجـ ٌة أَنْ يَـدَ َع طَ َعا َمـهُ َو َ َ‬
‫َوال َع َم َـل بِـ ِه َوال َج ْه َـل؛ َفلَ ْي َ‬
‫يسـتفد مـن مدرسـة الصيـام هتذي ًبـا لسـلوكه وتطيي ًبـا لمعاملتـه‪.‬‬ ‫ِ‬

‫تحذيـرا عظيمـا مـن أن يكـون حـظ الصائـم مـن‬


‫ً‬ ‫َّ‬
‫وحـذر النبـي ﷺ يف هـذا المقـام‬
‫صيامـه مجـرد الجـوع والعطـش‪ ،‬وأن يكـون حظـه من قيامـه مجرد التعـب والنصب؛‬
‫يفـوت العبـد علـى نفسـه ُحسـن االنتفـاع مـن هـذه المدرسـة العظيمـة‬
‫وذلـك عندمـا ِّ‬
‫الرتبويـة اإليمانيـة الرائـدة يف تحقيـق األخلاق الفاضلـة واآلداب الكاملـة وتحقيـق‬
‫تقـوى اهلل ‪.[[[‬‬

‫ويف هـذا المعنـى يقـول النبي ﷺ كما ثبت يف «المسـند» لإلمام أحمد أن النبي ﷺ‬
‫قـال‪ُ « :‬ر َّب َصائِ ٍـم َحظُّـهُ ِمـ ْن ِص َيا ِمـ ِه الْ ُجـو ُع َوالْ َعطَ ُ‬
‫ـش‪َ ،‬و ُر َّب َقائِ ٍـم َحظُّهُ ِمـ ْن ِق َيا ِم ِه‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)1904‬ومسلم (‪.)1151‬‬


‫[[[ رواه البخاري (‪.)1903‬‬
‫[[[ قـال عمـر بـن عبـد العزيـز ‪« :$‬ليـس تقـوى اهلل بصيـام النهـار وال بقيـام الليـل والتخليـط فيما بين‬
‫ذلـك‪ ،‬ولكـن تقـوى اهلل تـرك مـا حـرم اهلل وأداء مـا افترض اهلل‪ ،‬فمـن رزق بعـد ذلـك خيـرا فهـو خيـر إلـى‬
‫خيـر» «جامـع العلـوم والحكـم» (ص‪.)159‬‬
‫‪65‬‬

‫مفو ًتـا االنتفـاع مـن هـذه المدرسـة العظيمـة‬


‫السـ َه ُر»[[[‪ ،‬وذلـك عندمـا يكـون العبـد ِّ‬
‫َّ‬
‫مدرسـة الصيـام يف تحقيـق هـذه المطالـب الجليلة؛ تقـوى اهلل ‪ ،‬وإصلاح حاله‬

‫فيمـا بيـن العبـد وبيـن نفسـه‪ ،‬وإصلاح المعاملـة فيمـا بينـه وبين عبـاد اهلل ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬وقـد ُجمعـت هـذه الخصـال العظيمـة المباركـة‪ ،‬التـي هي إصلاح العبد‬

‫نفسـه فيمـا بينـه وبيـن اهلل‪ ،‬وإصالحـه لنفسـه فيمـا بينـه وبيـن نفسـه‪ ،‬وإصالحـه لنفسـه‬

‫فيمـا بيينـه وبيـن عبـاد اهلل؛ ُجمعـت يف آيـة المسـارعة إلـى المغفـرة ونيـل الجنـات‪،‬‬

‫قـال اهلل ‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬

‫ﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭠﭡﭢﭣﭤ‬

‫ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬

‫ﭲﭳﭴﭵﭶ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ‬

‫ﭿ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮈﮉﮊﮋﮌ‬

‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮊ [آل عمـران‪.]136-133:‬‬

‫بـارك اهلل لـي ولكـم يف هـدي كتابـه الكريـم‪ ،‬ونفعنا أجمعين بسـنة الرسـول الكريم‬

‫ﷺ‪ ،‬وأصلـح اهلل لنـا شـأننا كلـه؛ إنه ‪ ‬سـميع الدعاء‪ ،‬وهو أهـل الرجاء‪ ،‬وهو‬

‫حسـبنا ونعم الوكيل‪.‬‬

‫[[[ رواه أحمد (‪ ،)8842‬وحسنه األلباين يف «صحيح الرتغيب» (‪.)1083‬‬


‫‪66‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان‪ ،‬واسـع الفضـل والجـود واالمتنـان‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه‬
‫أن محمـد ًا عبده ورسـوله؛ صلى اهلل وسـ َّلم عليه‬
‫إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫وعلـى آلـه وصحبـه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل تعالـى وراقبـوه يف السـر والعالنية والغيب والشـهادة مراقبة من‬

‫يعلـم أن ر َّبه يسـم ُعه ويراه‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! وإن مـن آثـار مدرسـة الصيـام العظيمـة ومـا تحققـه‬
‫ٍ‬
‫وغايـات جسـيمة وفضـل وإحسـان؛ أن الصائـم عندمـا يمنـع نفسـه‬ ‫ٍ‬
‫أهـداف نبيلـة‬ ‫مـن‬

‫عـن طعامـه وشـرابه طاعـ ًة هلل وطل ًبـا لرضـاه ‪ ‬فيحـس بألـم الجـوع وألـم‬

‫العطـش ويو ِّلـد لـه هـذا اإلحسـاس تربيـة عظيمـة لنفسـه يف اإلحسـان إلـى عبـاد اهلل‪،‬‬

‫مسـتهم البأسـاء والضـراء وتوالـت عليهـم النـوازل والمحـن‪ ،‬فكانوا يف‬


‫والسـيما مـن َّ‬
‫ٍ‬
‫وحاجـة عظيمـة وقلـة ذات يـد حتـى يف أعظـم األمـور وأهمهـا أال وهـو‬ ‫ٍ‬
‫فاقـة شـديدة‬

‫عصـب الحيـاة؛ أال وهـو الماء‪ ،‬وقـد قـال اهلل ‪ :‬ﮋﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬

‫ﮣ ﮊ [األنبيـاء‪ ،]30:‬والمـاء ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬صدقتـه أحسـن الصدقـات وأفضلها‪ ،‬وقد‬

‫جـاء يف الحـدث يف «سـنن ابـن ماجـة» وغيـره عن سـعد بن عبـادة ﭬ أنه سـأل النبي‬
‫‪67‬‬

‫ِ‬
‫الصدَ َقـة َأ ْف َض ُـل؟» َق َال‪َ :‬‬
‫«سـق ُْي ال َْم ِء»[[[‪ ،‬واألحاديث يف هذا المعنى كثيرة‪.‬‬ ‫ﷺ‪َ « :‬أ ُّي َّ‬

‫فالصيـام عبـاد اهلل وشـهره المبـارك فرصـة عظيمـة للبـذل واإلحسـان واإلنفـاق يف‬
‫سـبيل اهلل ‪ ‬يف وجـوه الخيـر المتنوعـة وأبـواب البر المتعـددة‪.‬‬

‫الذكـر للملِـك‬
‫وحسـن ِّ‬
‫وحسـن القيـام‪ُ ،‬‬
‫أعاننـا اهلل وإياكـم علـى ُحسـن الصيـام‪ُ ،‬‬
‫َّ‬
‫العلام‪ ،‬وأصلـح اهلل ‪ ‬لنـا أجمعيـن شـأننا كلـه‪.‬‬

‫[[[ رواه أبو داود (‪ ،)1679‬وابن ماجه (‪ ،)3684‬والنسائي (‪ ،)3664‬وحسنه األلباين يف «صحيح‬
‫الجامع» (‪.)1113‬‬
‫[[[‬
‫متى يكون الصيام محققاً للتقوى‬

‫َّ‬
‫إن الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه‪ ،‬ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور‬
‫َّ‬
‫مضـل لـه‪ ،‬ومـن يضلـل فلا هـادي لـه‪،‬‬ ‫أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا‬
‫أن محمـد ًا عبـده ورسـوله؛‬
‫وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫صلـى اهلل وسـلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫َّ‬
‫‪-‬جـل يف علاه ‪ -‬مراقبـة مـن‬ ‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل تعالـى وراقبـوه‬
‫يعلـم أن ربـه يسـمعه ويراه‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬هنيئـا لكـم وهنيئـا ألمـة اإلسلام أجمـع بحلـول شـهر الخيـرات‬
‫وبلـوغ شـهر البركات؛ شـهر رمضـان المبـارك الـذي قـال اهلل عنـه‪ :‬ﮋ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮊ‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪1433/9/1‬هـ‬
‫‪69‬‬

‫وموسـم ما أكرمه‪ ،‬مـ َّن اهلل ‪ ‬علينـا أجمعين‬


‫ٌ‬ ‫شـهر مـا أعظمـه‬
‫[البقـرة‪ ،]185:‬إنـه ٌ‬
‫ببلوغـه وهـا نحـن يف يومـه األول‪ ،‬ب َّلغنـا اهلل خيراتـه وغنَّمنـا بركاتـه وأعاننـا فيـه َّ‬
‫جـل‬
‫يقـرب إليـه‪.‬‬
‫وعلا علـى طاعتـه ومـا ِّ‬

‫شـهر أظ َّلنا بخيراته العظام وبركاته الجسـام؛ روى الرتمذي يف‬


‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬إنه ٌ‬
‫«جامعـه» وابـن ماجـة يف «سـننه» وغيرهمـا مـن حديث أبـي هريـرة ﭬ أن النبي ﷺ‬
‫ني َو َم َر َد ُة الجِ ـ ِّن‪َ ،‬و ُغلِّق ْ‬
‫َت‬ ‫قـال‪« :‬إِ َذا كَانَ أَ َّو ُل لَ ْيلَـ ٍة ِمـ ْن شَ ـ ْه ِر َر َمضَ ـانَ ُص ِّفـدَ ِت الشَّ ـ َي ِ‬
‫اط ُ‬
‫َـم يُ ْغل َْـق ِم ْن َهـا بَ ٌ‬
‫ـاب‪،‬‬ ‫ـت أَبْـ َو ُ‬
‫اب ال َج َّنـ ِة َفل ْ‬ ‫ـح ِم ْن َهـا بَ ٌ‬
‫ـاب‪َ ،‬و ُف ِّت َح ْ‬ ‫أَبْـ َو ُ‬
‫اب ال َّنـا ِر َفل ْ‬
‫َـم يُ ْف َت ْ‬
‫الشر أَ ْق ِ ْ‬
‫صر‪َ ،‬ولِلَّ ِه ُع َتقَا ُء ِمـ َن ال َّنا ِر‬ ‫َير أَ ْقب ْ‬
‫ِـل‪َ ،‬ويَا بَا ِغ َي َّ ِّ‬ ‫َويُ َنـا ِدي ُم َنـا ٍد‪ :‬يَـا بَا ِغ َ‬
‫ـي الخ ْ ِ‬
‫َو َذلـكَ ك ُُّل لَ ْيلَ ٍة»[[[‪.‬‬

‫وبـركات جسـيمة نرجـو اهلل ‪ ‬أن يوفقنـا أجمعيـن‬


‫ٌ‬ ‫خيـرات عظيمـة‬
‫ٌ‬ ‫إهنـا‬
‫لحسـن اغتنامهـا‪.‬‬
‫ُ‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬إن فريضـة الصيـام فريضـ ٌة عظيمة كتبهـا اهلل ‪ ‬على‬
‫ٍ‬
‫عظيـم نبيـل أال وهـو‪ :‬تحقيـق‬ ‫ٍ‬
‫وهـدف‬ ‫ٍ‬
‫ومقصـد جليـل‬ ‫ٍ‬
‫لحكمـة عظيمـة‬ ‫أهـل اإليمـان‬
‫تقـوى اهلل ‪‬؛ قـال اهلل تعالـى‪ :‬ﮋ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﮊ [البقـرة‪.[[[]183:‬‬

‫نعـم ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬إن الحكمـة مـن مشـروعية الصيـام تحقيـق تقـوى اهلل ‪،‬‬
‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)682‬وابن ماجه (‪ ،)1642‬وصححه األلباين يف «صحيح الرتغيب» (‪.)998‬‬
‫[[[ قـال اإلمـام ابـن كثيـر ‪« :$‬ألن الصـوم فيـه تزكيـة للبـدن وتضييـق لمسـالك الشيطان»«تفسـير‬
‫القـرآن العظيـم» (‪.)497/1‬‬
‫‪70‬‬

‫جديـر بنا أجمع أن نتف َّقه فيـه وأن نتأ َّمل يف معانيه أال‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫سـؤال كبيـر‬ ‫وهاهنـا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪-‬‬
‫وهـو عبـاد اهلل‪ :‬هـل كل صائـ ٍم يحقـق بصيامـه التقوى ؟ وهـل كل صيام يثمـر التقوى‬
‫أن مـن الصائميـن مـن ال ينـال ذلـك وال يحققه ؟‬
‫؟ أم َّ‬

‫خرجـه اإلمام أحمد يف «مسـنده»‬


‫إذا تأملنـا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬يف هـذا المقـام العظيـم مـا َّ‬
‫س لَـهُ ِم ْن‬ ‫وغيـره مـن حديـث أبـي هريـرة عـن النبـي ﷺ أنـه قـال‪« :‬ك ْ‬
‫َـم ِمـ ْن َصائِ ٍـم لَ ْي َ‬
‫السـ َه ُر»[[[‪.‬‬
‫ـس لَهُ ِمـ ْن ِق َيا ِم ِه إِ َّل َّ‬
‫َـم ِمـ ْن َقائِ ٍـم لَ ْي َ‬
‫ِص َيا ِمـ ِه إِ َّل الْ ُجـو ُع‪َ ،‬وك ْ‬

‫وجدنـا َّ‬
‫أن مـن الصائميـن َمـ ْن ال يتحقـق لهـم بصيامـه ذلـك؛ وهـذا عبـاد اهلل يدعو‬
‫حـظ من صيامهـم إال الجوع‪،‬‬‫عريـض مهـم‪ :‬ل ِ َم هؤالء لـم يكن لهم ٌّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫سـؤال‬ ‫إلـى طـرح‬
‫ولـم يكـن لهـم حـظ مـن قيامهم إال السـهر‪ ،‬ما سـبب ذلك ؟! الشـك ‪ -‬عبـاد اهلل‪َّ -‬‬
‫أن‬

‫المسـلم الناصـح لنفسـه مطا َل ٌ‬


‫ـب بمعرفـة سـبب ذلـك ليتق َيـه وليجتنبـه وليتحقـق له يف‬
‫صيامه تقـوى اهلل ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬وإذا قـال قائـل‪( :‬مـا الـذي إذا فعلتـه تحقـق لـي بصيامـي تقـوى اهلل جلا‬
‫وعلا و ُف ُ‬
‫ـزت بخيـرات الصيـام وبركاتـه وثمراتـه وأجـوره؟)؛ فجـواب ذلـك عباد اهلل‬
‫يتلخـص يف أمريـن عظيميـن ومطلبيـن جليليـن مـن حققهمـا فـاز بذلـك فـوز ًا عظيما‪:‬‬

‫ ●أمـا األول‪ :‬فهـو أن يعمـل الصائـم علـى تحقيـق صيامـه وتتميمـه وتكميلـه‬
‫بـأن يقـع منـه خالصـا هلل ‪ ‬ال ريـا ًء وال سـمعة‪ ،‬معتقـد ًا ومصدِّ قـا بفرض َّيتـه‪،‬‬

‫[[[ رواه أحمد يف «مسنده» (‪ ،)8842‬وحسنه األلباين يف «صحيح الرتغيب» (‪.)1083‬‬


‫‪71‬‬

‫ومصدِّ قـا بعظيـم ثوابـه وجزيـل موعـوده‪ ،‬وراجيـا بصيامـه ومحتسـبًا مـا عنـد اهلل‬
‫تعالـى‪.‬‬

‫روى البخـاري ومسـلم يف «صحيحيهمـا» عـن أبـي هريـرة ﭬ قـال‪ :‬قال رسـول‬
‫اهلل ﷺ‪َ « :‬مـ ْن َصـا َم َر َمضَ ـانَ إِميَانًا َوا ْح ِت َسـابًا ُغ ِف َر لَـهُ َما تَ َقدَّ َم ِم ْن َذنْبِـ ِه»[[[؛ ق َّيد نيل‬
‫الثـواب وتحصيـل األجـر بأن يقـع الصيام إيمانًا واحتسـابا‪.‬‬

‫ومعنـى‪« :‬إميانـا»‪ :‬أي بـاهلل ‪ ‬وتصديقـا بفرض َّيـة الصيـام وتصديقـا بعظيـم‬
‫أجـوره عنـد اهلل‪.‬‬

‫ومعنـى‪« :‬احتسـاباً»‪ :‬أي مخلصـا بعملـه هلل راجيـا بـه ثـواب اهلل طامعـا بأدائـه‬
‫الفـوز برضـا اهلل‪ ،‬ال يبغـي بذلـك شـيئًا آخـر وإنمـا يصـوم يرجـو رحمـة اهلل والفـوز‬
‫بعظيـم ثوابـه‪.‬‬

‫ ●األمـر الثـاين‪ :‬فهـو أن يعمـل الصائـم علـى صيانـة صيامـه وحفظـه؛ فـإن ثمـة‬
‫أمـور ًا عديـدات تخـدش الصيـام و ُت ِنقـص أجـره وتفسـد ثوابـه وتجنـي علـى فاعلـه‬
‫مطلـوب منـه أن يعمـل علـى صيانـة صيامـه‬ ‫ٍ‬
‫جنايـات عظـام‪ ،‬فالصائـم ‪ -‬عبـاد اهلل ‪-‬‬
‫ٌ‬
‫وحفظـه رعايـ ًة لـه مـن النواقـص والمفسـدات والمبطلات‪ ،‬وقـد جـاء يف ذلكـم عـن‬
‫نبينـا ﷺ أحاديـث تقـرر هـذا المعنـى وتـدل عليـه‪ ،‬ومـن ذلكـم‪ :‬مـا رواه البخـاري يف‬
‫«صحيحـه» عـن النبـي ﷺ أنـه قـال‪َ « :‬مـ ْن ل ْ‬
‫َـم يَـدَ ْع َقـ ْو َل الـ ُّزو ِر َوال َع َم َـل بِـ ِه َوال َج ْه َل‬
‫شابَـهُ »[[[‪ ،‬وروى الشـيخان مـن حديـث أبـي‬
‫ـس لِلَّـ ِه َحا َجـ ٌة أَنْ يَـدَ َع طَ َعا َمـهُ َو َ َ‬
‫َفلَ ْي َ‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)2014‬مسلم (‪.)760‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪.)1903‬‬
‫‪72‬‬

‫ُـم ف َ‬
‫َلا‬ ‫هريـرة ﭬ أن النبـي ﷺ قـال‪َ « :‬و ِّ‬
‫الص َيـا ُم ُج َّنـ ٌة فَـإِ َذا كَانَ يَـ ْو ُم َصـ ْو ِم أَ َح ِدك ْ‬
‫ـم»[[[؛‬
‫ن ا ْمـ ُر ٌؤ َصائِ ٌ‬ ‫َب فَـإِنْ َسـابَّهُ أَ َحـدٌ أَ ْو َقاتَلَـهُ َفلْ َيق ْ‬
‫ُـل إِ ِّ‬ ‫ُـث يَ ْو َم ِئـ ٍذ َو َل يَ ْسـخ ْ‬
‫يَ ْرف ْ‬
‫يكـف‬
‫ُّ‬ ‫وإذا كان الصائـم ‪-‬عبـاد اهلل ‪ -‬إذا سـا َّبه أحـد أو قاتلـه ال يجازيـه بالمثـل وإنمـا‬
‫عـن ذلـك مستشـعر ًا مكانـة الصيـام وفريضـة الصيـام فكيـف بمـن يبتـدئ النـاس وهو‬
‫صائـم سـ ًّبا ومقاتلـة ؟!‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! وإذا كان الصيـام الذي افرتضـه اهلل علينا يف هنار رمضان‬
‫مطلـوب مـن العبـد المسـلم يف‬
‫ٌ‬ ‫فـإن ثمـة صيـام‬ ‫صيـا ٌم عـن الطعـام والشـراب ِ‬
‫والوقـاع َّ‬
‫كل وقـت وحيـن ال يختـص بشـهر رمضان وال يختص بلي ٍل أو هنار وال يختص بشـهر‬
‫مـن الشـهور بـل هـو مطلـوب مـن المسـلم يف كل أحايينـه وجميـع أوقاتـه؛ أال وهـو‬
‫عبـاد اهلل‪ :‬الصيـام عـن الحـرام‪ .‬نعـم أيهـا المؤمنـون صيـام المسـلم عـن الحـرام؛ بـأن‬
‫تصـوم عينـه عـن النظـر إلـى الحـرام‪ ،‬وأن تصـوم أذنـه عـن سـماع الحـرام‪ ،‬وأن يصوم‬
‫لسـانه عـن قـول الحـرام‪ ،‬وأن تصـوم يـده عـن أن تمتد إلـى الحـرام‪ ،‬وأن تصـوم قدمه‬
‫ٍ‬
‫وقـت‬ ‫مطلـوب مـن المسـلم يف كل‬ ‫عـن أن تمشـي إلـى الحـرام‪ ،‬فهـذا صيـام عبـاد اهلل‬
‫ٌ‬
‫ووقـت ثميـن مبـارك لتحقيـق ذلـك وتمريـن‬
‫ٌ‬ ‫وحيـن؛ وشـهر رمضـان فرصـة عظيمـة‬
‫النفـس وز ِّمهـا بزمـام الحـق والهـدى وأ ْط ِرهـا علـى آداب الشـريعة العظـام وقيودهـا‬
‫المبـاركات التـي تحفـظ للمسـلم حيـا ًة كريمـة عامـرة بطاعـة اهلل بعيـد ًة عـن اآلثـام‬
‫والحـرام‪ ،‬وكل ذلكـم ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬هو معنـى قول اهلل ‪ :‬ﮋ ﭯ ﭰﮊ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! وإذا كان اإلنسـان ي ْب ُلـغ هـذا الشـهر العظيـم ويدرك هذا‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)1904‬ومسلم (‪.)1151‬‬


‫‪73‬‬

‫ٍ‬
‫وإنابة إليه سـبحانه وال تقبِل على‬ ‫الموسـم الكريـم لكـن نفسـه ال تحدِّ ثه ٍ‬
‫بتوبة إلـى اهلل‬ ‫َّ‬
‫االسـتغفار والرجوع إلى اهلل الملك القهار بل يمضي مسـتمر ًا يف شـهره كأوقاته كلها‬
‫فـإن المصيبة يف حقه عظيمة والخ ْطب جسـيم‪ ،‬ويف ذلكم يقول‬
‫مض ِّيعـا مفرطـا مذنبا َّ‬
‫ْـف َر ُجـلٍ َدخ ََل َعلَ ْيـ ِه َر َمضَ انُ ثُ َّم ان َْسـلَخَ َق ْب َـل أَنْ ُي ْغ َف َر لَهُ »[[[‪.‬‬ ‫نبينـا ﷺ‪َ « :‬ر ِغ َ‬
‫ـم أَن ُ‬

‫وإذا لـم تتحـرك النفـس ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬إلى اهلل ‪ ‬توب ًة وإنابـ ًة وإقبا ً‬
‫ال على طاعة‬
‫اهلل يف هذا الموسـم العظيم المبارك فمتى عسـاها أن تتحرك ؟!‬

‫نسـأل اهلل ‪ ‬أن يوقـظ قلوبنـا أجمعيـن مـن غفلتهـا‪ ،‬وأن يعيذنـا مـن شـرور‬
‫أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا‪ ،‬وأن يصلـح لنـا شـأننا كلـه‪ ،‬وأن ال يكِلنـا إلـى أنفسـنا طرفـة‬
‫عيـن‪ ،‬وأن يجعـل شـهرنا الكريـم وموسـمنا العظيم لنـا أجمعين إلى الخيـرات مرتقى‬
‫وإلـى الطاعـات وأعمـال البر م ْغنمـا‪.‬‬

‫وحسـن صيامـه‪ ،‬وأن يقينـا‬


‫لحسـن قيامـه ُ‬
‫نسـأل اهلل ‪ ‬أن يوفقنـا أجمعيـن ُ‬
‫اآلثـام والذنـوب‪ ،‬وأن يوفقنـا لهـداه‪ ،‬وأن يعيننـا علـى ذكـره وشـكره وحسـن عبادتـه‪.‬‬

‫أقول هذا القول أسـتغفر اهلل لي ولكم ولسـائر المسـلمين من كل ذنب فاسـتغفروه‬
‫يغفـر لكم إنه هو الغفـور الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‬

‫الحمـد هلل حمـد الشـاكرين‪ ،‬وأثنـي عليـه ثنـاء الذاكريـن‪ ،‬ال أحصـي ثنـا ًء عليـه هـو‬
‫كمـا أثنـى علـى نفسـه‪ ،‬أحمـده ‪ ‬بمحامده التـي هو لها أهـل‪ ،‬وأثني عليـه الخير‬
‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)3545‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)3510‬‬
‫‪74‬‬

‫كلـه ال أحصـي ثنـا ًء عليـه هـو كمـا أثنـى علـى نفسـه‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده‬
‫أن محمـد ًا عبـده ورسـوله صلـى اهلل وسـلم عليـه وعلـى آلـه‬
‫ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫وصحبـه أجمعيـن‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل ‪ ‬وراقبـوه سـبحانه مراقبـة مـن يعلـم أن‬
‫ربـه يسـمعه ويراه‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! ويتفـاوت الصائمون يف صيامهم تفاوتًا عظيما بحسـب‬
‫تحقيقهـم للصيـام وتحقيقهـم لذكر اهلل ‪ ‬فيه؛ فإن مقصـود الصيام ‪ -‬بل مقصود‬
‫كل طاعـة ‪ -‬إقامـة ذكـر اهلل ‪ ،‬فأعظـم المسـلمين أجـر ًا يف كل طاعـة أكثرهـم‬
‫فيهـا ذكر ًا هلل ‪.‬‬

‫روى اإلمـام أحمـد يف «مسـنده» عـن سـهل بن معـاذ بن أنس الجهنـي عن أبيه عن‬
‫َـال‪ :‬أَ ُّي الْ ُم َجا ِه ِدي َن أَ ْعظَ ُم أَ ْج ًرا يَا َر ُس ُ‬
‫ـول اللَّه ؟‬ ‫رسـول اهلل ﷺ «أَنَّ َر ُج ً‬
‫لا َسـأَلَهُ َفق َ‬

‫ال ِذكْ ًرا‪.‬‬ ‫َق َال‪ :‬أَك َ ُ‬


‫ْث ُه ْم لِلَّ ِه تَ َع َ‬

‫ني أَ ْعظَ ُم أَ ْج ًرا ؟‬


‫ائِ َ‬ ‫َق َال‪َ :‬فأَ ُّي َّ‬
‫الص ِ‬

‫الصدَ َقـ َة ك ُُّل َذلِكَ‬


‫لا َة َوالـ َّزكَا َة َوالْ َح َّج َو َّ‬
‫الص َ‬ ‫ـم لِلَّـ ِه ِذكْـ ًرا‪ ،‬ثُ َّ‬
‫ـم َذكَ َر لَهُ َّ‬ ‫ـال‪ :‬أَك َ ُ‬
‫ْث ُه ْ‬ ‫َق َ‬
‫َـال أَ ُبو َبكْ ٍر َر ِ َ‬
‫ض اللَّهُ َع ْنـهُ لِ ُع َم َر َر ِ َ‬
‫ض‬ ‫ـم لِلَّ ِه ِذكْ ًرا‪َ ،‬فق َ‬ ‫ُـول‪ :‬أَك َ ُ‬
‫ْث ُه ْ‬ ‫ـول اللَّـ ِه ﷺ َيق ُ‬
‫َر ُس ُ‬
‫ـب ال َّذا ِك ُرونَ بِـك ُِّل خ ْ ٍ‬
‫َي !!‬ ‫اللَّـهُ َع ْنهُ ‪َ :‬ذ َه َ‬
‫‪75‬‬

‫ول اللَّ ِه ﷺ‪ :‬أَ َج ْل»[[[‪.‬‬ ‫َفق َ‬


‫َال َر ُس ُ‬

‫أن أعظـم الناس أجـر ًا يف كل‬


‫وأخـذ أهـل العلـم مـن ذلـك قاعـدة جامعـة أال وهي‪َّ :‬‬
‫طاعـة أكثرهـم هلل ذكـرا فيها‪.‬‬

‫فلنعمـر أيـام صيامنـا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬بذكـر اهلل ‪ ،‬وقـراءة القـرآن‪ ،‬ودعائـه‬
‫يقـرب إليـه‪ ،‬وقـراءة كتـب العلـم التـي تعمر‬
‫ومناجاتـه‪ ،‬والمحافظـة علـى طاعتـه ومـا ِّ‬
‫قلـب المسـلم بالفائـدة العظيمـة والنـور والضيـاء‪.‬‬

‫[[[ رواه أحمد يف «مسنده» (‪ )15553‬والطرباين يف «الدعاء» (‪ ،)1887‬واللفظ له‪ ،‬وضعفه األلباين يف‬
‫«ضعيف الرتغيب» (‪.)906‬‬
‫[[[‬
‫العمل في رمضان‬

‫إن الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه‪ ،‬ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور‬
‫أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه‪ ،‬ومـن يضلـل فلا هـادي لـه‪،‬‬
‫وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫أن محمـدً ا عبـده ورسـوله؛‬
‫صلـى اهلل وسـ َّلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫معاشـر المؤمنيـن! عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل تعالـى؛ فإن من اتقى اهلل وقاه‪ ،‬وأرشـده إلى‬
‫خيـر أمور دينـه ودنياه‪.‬‬

‫معاشـر المؤمنيـن‪ :‬نعيـش أيامـا فاضلـة وليالـي مباركـة‪ ،‬نعيـش شـهر الخيـر‬
‫والبركات‪ ،‬شـهر اإليمـان والغفـران‪ ،‬شـهر الطاعـة والعتـق من النيـران‪ ،‬إهنا أيـا ٌم غرر‬
‫وليـال درر ينبغـي علـى كل مؤمـن أن يكـون لـه منهـا حـظ أوىف ونصيـب أكبر‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫[[[ خطبة جمعة ألقيت يف دولة اإلمارات العربية‪.‬‬


‫‪77‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إننـا يف هنايـة العقـد األول من شـهر رمضان المبارك؛ أيام سـريعة التصرم‬
‫سـريعة االنقضاء‪ ،‬فلنحاسـب أنفسـنا ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬ماذا قدمنا وماذا سـنقدِّ م من البذل‬
‫رب األرض والسـماء‪.‬‬
‫والعطاء واإلقبال على اهلل ‪ِّ ‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! إن شـهر رمضـان المبـارك موسـم عظيـم للرتبيـة علـى الفضيلـة‬
‫واإليمـان‪ ،‬ولرياضـة النفـس علـى البر واإلحسـان‪ ،‬ولتعويدهـا وتدريبها على حسـن‬
‫اإلقبـال علـى اهلل ‪ ‬ومالزمـة قـراءة القـرآن‪.‬‬

‫عبـاد اهلل! َّ‬


‫إن شـهر رمضـان المبـارك يعـدُّ مدرسـة إيمانيـة تربويـة للرتبـي علـى‬
‫الفضائـل‪ ،‬والتـدرب علـى المعـاين العاليـة العظيمـة‪.‬‬

‫وهـذه وقفـة ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬مـع بيـان بعـض الـدروس المسـتفادة والعبر العظيمـة‬
‫المتلقـاة مـن شـهر الصيـام‪.‬‬

‫عبـاد اهلل! لقـد وصـف نبينـا ﷺ شـهر رمضـان المبـارك بأنـه شـهر الصرب كمـا ثبت‬
‫يف الحديـث عنـه صلـوات اهلل وسلامه عليه‪ ،‬فقـد روى اإلمام أحمد يف «مسـنده» عن‬
‫بر َو�ث َ َلثَـ ِة أَيَّ ٍ‬
‫ـام ِمـ ْن ك ُِّل شَ ـ ْه ٍر‬ ‫الص ْ ِ‬ ‫أن النَّبِ َّـي ﷺ قـال‪َ :‬‬
‫«صـ ْو ُم شَ ـ ْه ِر َّ‬ ‫أبـي قتـادة ﭬ َّ‬
‫َصـ ْو ُم الدَّ ْهرِ»[[[‪.‬‬

‫فوصفـه ♥ بأنـه شـهر الصبر ألن المؤمنين فيه يتدربـون على الصرب‬
‫ويتمرنـون عليـه؛ صبر ًا علـى طاعـة اهلل‪ ،‬وصبر ًا عـن معصيـة اهلل‪ ،‬وصبر ًا علـى أقـدار‬
‫َّ‬

‫وصححـه األلبـاين يف «صحيـح الجامـع»‬


‫َّ‬ ‫[[[ رواه أحمـد يف «مسـنده» (‪ ،)7577‬والنَّسـائي (‪،)2408‬‬
‫(‪.)3718‬‬
‫‪78‬‬

‫اهلل‪ ،‬فكـم هـو جديـر بالمؤمـن ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬أن يعظـم حظـه من الصرب يف شـهر الصرب‪،‬‬
‫واهلل ‪ ‬يـويف الصابريـن الصائميـن أجرهم بغير حسـاب‪.‬‬

‫عبـاد اهلل! والصيـام وموسـمه المبارك فرصة عظمى ومناسـبة كبرى لتحقيق تقوى‬
‫اهلل ‪ ،‬قـال اهلل تعالى‪:‬‬

‫ﮋﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﮊ [البقـرة‪.]١٨٣:‬‬

‫فهـي مناسـبة كريمـة لتحقيـق التقـوى والبلـوغ إلـى أعلـى درجاهتـا ورفيـع رتبهـا؛‬
‫أرأيـت نفسـك ‪ -‬أيهـا الصائـم ‪ -‬تمتنـع يف هنـار رمضـان عـن الطعـام والشـراب وعـن‬
‫شـهوتك التـي أباحهـا اهلل لـك‪ ،‬تمتنـع عـن ذلـك كلـه طاعـ ًة هلل ومراقبـ ًة لـه ‪،‬‬
‫فيـا مـن أكرمـك اهلل ‪ ‬باالمتنـاع عـن هـذه األشـياء والصيـام عنها يف هنـار رمضان‬
‫المبـارك عليـك بالصيـام مـدة حياتـك كلهـا وطـوال عمـرك عـن المحرمـات واآلثام‪،‬‬
‫فـإن الـذي أمـرك بالصيـام عـن هـذه األشـياء هو الذي أمـرك بالصيـام عن الحـرام مدة‬
‫العمـر وطيلـة الحياة‪.‬‬

‫عبـاد اهلل! ولشـهر الصيـام خصوصي ٌة بالقرآن‪ ،‬قـال اهلل ‪ :‬ﮋ ﮘ ﮙ‬


‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮊ [البقـرة‪ ،]١٨٥:‬فينبغـي عليـك أيهـا المؤمن أن تعيش مع‬
‫مؤدبـة القـرآن العظيمـة ترتبـى علـى فضائلـه‪ ،‬وتتـأدب بآدابـه‪ ،‬وتتعلـم أخلاق القرآن‬
‫وآدابـه‪ ،‬وتعيـش حيـا ًة كريمـة؛ فلا يكـن حظـك يف رمضـان مجـرد تلاوة آي القـرآن‪،‬‬
‫بـل ليكـن حظـك منه أيهـا المؤمن تلاو ًة أللفاظه وفهمـا لمعانيه وتحقيقـا لدالالته‪:‬‬
‫‪79‬‬

‫ﮋ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﮊ [البقـرة‪ ،]121:‬فتلاوة‬
‫كتـاب اهلل حقـا إنمـا تكـون بالقـراءة أللفـاظ القـرآن والفهـم لمعانيه وتحقيـق دالالته‬
‫ومقاصده‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬وشـهر الصيـام فرصـة عظمـى للتوبة إلـى اهلل واإلنابة إليـه وطلب غفران‬
‫الذنـوب والعتـق مـن النـار‪ ،‬وهلل ‪ ‬يف كل ليلـة مـن شـهر رمضـان عتقـاء مـن النـار‬
‫وذلـك يف كل ليلـة؛ وهـذا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬يدعـو المؤمـن الصـادق والمسـلم الراغـب‬
‫لإلقبـال علـى اهلل حقـا وصدقـا أن يتـوب عليـه وأن يغفـر ذنبـه وأن يجعلـه مـن عتقائه‬
‫مـن النـار‪ ،‬وكـم هـو الحرمـان ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬أن يدخل شـهر الصيام ثـم ينصرم ويذهب‬
‫َـل َعلَ ْيـ ِه‬
‫ْـف َر ُجـلٍ َدخ َ‬ ‫دون أن يغفـر للعبـد ذنوبـه‪ ،‬يقـول ♥‪َ « :‬ر ِغ َ‬
‫ـم أَن ُ‬
‫ـم ان َْسـلَخَ َق ْب َل أَنْ يُ ْغفَـ َر لَهُ »[[[؛ إن لم تتحرك النفس ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬للتوبة‬
‫شَ ـ ْه ُر َر َمضَ ـانَ ثُ َّ‬
‫إلى اهلل وطلب الغفران يف شهر الغفران والتوبة فمتى عساها أن تتحرك ؟! إذا لم تتحرك‬
‫النفـس ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬يف تـرك الذنـوب والتخلـص منها والبعـد عن اآلثام يف هذا الموسـم‬
‫الفاضل والشـهر الكريم فمتى عسـاها أن تتحرك ؟!‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬ويف هـذا الموسـم المبـارك عندمـا يصـوم المؤمـن ويـذوق ألـم العطـش‬
‫والجوع ويحس بذلك تتحرك نفسـه رغب ًة يف اإلنفاق وشـوقًا إلى البذل والعطاء‪ ،‬ولهذا‬
‫فـإن شـهر الصيـام شـهر العطـاء‪ ،‬وكان نبينـا ♥ أجـود النـاس وكان أكثر ما‬
‫يكـون جـود ًا يف شـهر رمضـان المبارك‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬وهكـذا نجد يف شـهر الصيام ويف أفيائه المباركـة دوح ًة طيبة ومجا ً‬
‫ال خصبا‬
‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)3545‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)3510‬‬
‫‪80‬‬

‫لتلقـي العبر العظيمـة والـدروس النافعـة ممـا يثمـر يف المؤمـن صدقـا وإقبـاال‪ ،‬ورغبـ ًة‬
‫ٍ‬
‫عبـادة هلل ‪.‬‬ ‫وطاعـة‪ ،‬وحسـن‬

‫وإنـا لنسـأل اهلل بأسـمائه الحسـنى أن يجعلنـا مـن أهـل الصيـام حقـا ومـن أهـل القيام‬
‫حقـا‪ ،‬وأن يعتـق رقابنـا أجمعيـن من النـار؛ إنه ‪ ‬سـميع الدعاء وهو أهـل الرجاء‬
‫وهو حسـبنا ونعـم الوكيل‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمد هلل عظيم اإلحسـان واسـع الفضل والجود واالمتنان‪ ،‬وأشـهد أن ال إله إال اهلل‬
‫وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله؛ صلى اهلل وسـلم عليـه وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬ويتفـاوت النـاس يف صيامهـم تفاوتـا عظيمـا‪ ،‬وإن كانـوا يشتركون جميعًا‬
‫باالمتنـاع عـن الطعام والشـراب والشـهوة إال أن بينهم من التفـاوت يف الصيام ما ال يعلم‬
‫مـداه إال اهلل ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬ولنعلـم أن تفـاوت الناس يف الصيام بحسـب تفاوهتم فيه بذكـر اهلل ‪،‬‬
‫فأعظـم الصائميـن أجـرا أكثرهـم هلل ذكـرا‪ ،‬روى اإلمـام أحمـد يف «مسـنده» عن سـهل بن‬
‫معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن رسـول اهلل ﷺ «أَنَّ َر ُج ًل َسـأَلَهُ َفق َ‬
‫َال‪ :‬أَ ُّي الْ ُم َجا ِه ِدي َن‬
‫ـم أَ ْجـ ًرا يَا َر ُس ُ‬
‫ـول اللَّه ؟‬ ‫أَ ْعظَ ُ‬
‫‪81‬‬

‫ال ِذكْ ًرا‪.‬‬ ‫َق َال‪ :‬أَك َ ُ‬


‫ْث ُه ْم لِلَّ ِه تَ َع َ‬

‫ني أَ ْعظَ ُم أَ ْج ًرا ؟‬


‫ائِ َ‬ ‫َق َال‪َ :‬فأَ ُّي َّ‬
‫الص ِ‬

‫الصدَ َقـ َة ك ُُّل َذلِـكَ‬ ‫لا َة َوالـ َّزكَا َة َوالْ َح َّ‬


‫ـج َو َّ‬ ‫الص َ‬ ‫ـم لِلَّـ ِه ِذكْـ ًرا‪ ،‬ثُ َّ‬
‫ـم َذكَـ َر لَـهُ َّ‬ ‫ـال‪ :‬أَك َ ُ‬
‫ْث ُه ْ‬ ‫َق َ‬
‫َـال أَ ُبو َبكْـ ٍر َر ِ َ‬
‫ض اللَّـهُ َع ْنهُ لِ ُع َمـ َر َر ِ َ‬
‫ض‬ ‫ـم لِلَّـ ِه ِذكْـ ًرا‪َ ،‬فق َ‬ ‫ُـول‪ :‬أَك َ ُ‬
‫ْث ُه ْ‬ ‫ـول اللَّـ ِه ﷺ َيق ُ‬
‫َر ُس ُ‬
‫ـب ال َّذا ِكـ ُرونَ ِبك ُِّل خ ْ ٍ‬
‫َير !!‬ ‫اللَّـهُ َع ْنـهُ‪َ :‬ذ َه َ‬

‫ول اللَّ ِه ﷺ‪« :‬أَ َج ْل»[[[‪.‬‬ ‫َفق َ‬


‫َال َر ُس ُ‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬وهـذه قاعدة نافعة يف أبـواب الطاعات وعموم العبادات‪ :‬أعظم الناس أجر ًا‬
‫يف كل طاعـة أكثرهـم هلل ذكـر ًا فيهـا‪ ،‬فليكـن حظـك يف صيامـك حظـا وافـرا باإلكثـار من‬
‫ذكر اهلل وتالوة القرآن والتسـبيح والتهليل والتحميد والتكبير واالسـتغفار إلى غير ذلك‬
‫مـن الطاعات المباركـة والعبادات النافعة‪.‬‬

‫زادنا اهلل وإياكم من فضله‪ ،‬وهدانا جميعًا إليه صراطًا مستقيما‪.‬‬

‫[[[ رواه أحمد يف «مسنده» (‪ )15553‬والطرباين يف «الدعاء» (‪ ،)1887‬واللفظ له‪ ،‬وضعفه األلباين يف‬
‫«ضعيف الرتغيب» (‪.)906‬‬
‫[[[‬
‫فضل قراءة القرآن في رمضان‬

‫ﮋﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬﯭﯮ ﯯﯰ ﯱﯲﯳﯴﯵ ﯶﯷﯸ‬
‫ﯹﯺﯻﮊ وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده‬
‫ورسـوله صلـى اهلل عليـه وعلـى آلـه وأصحابه أجمعين وسـلم تسـليما كثيرا‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫السـر والعلـن والغيـب والشـهادة وأكثـروا مـن األعمـال‬


‫عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل تعالـى يف ّ‬
‫الصالحـة المقربة إلـى اهلل‪.‬‬

‫ثـم اعلمـوا ‪ -‬رحمكـم اهلل ‪ -‬أن لشـهر رمضـان الكريـم ‪ -‬شـهر الصيـام والقيـام ‪-‬‬
‫خصوصيـ ًة بالقـرآن؛ فهـو الشـهر الـذي أنـزل فيـه القـرآن الكريـم هـدى للناس يقـول اهلل‬
‫تعالـى‪ :‬ﮋﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1422-9-8 /‬هـ‬
‫‪83‬‬

‫ﮣ ﮊ [البقـرة‪ ،]١٨٥:‬فأخبر سـبحانه بخصوصيـة شـهر الصيـام مـن بيـن سـائر‬


‫الشـهور بـأن اختـاره مـن بينهـن إلنـزال القـرآن العظيم فيـه‪ ،‬بـل لقـد ورد يف الحديث بأنه‬
‫تتنزل فيه علـى األنبياء‪ ،‬ففي «المسـند» لإلمام أحمد‬
‫الشـهر الـذي كانـت الكتب اإللهيـة ّ‬
‫و«المعجـم الكبيـر» للطبراين مـن حديـث واثلـة بـن األسـقع أن رسـول اهلل ﷺ قـال‪:‬‬
‫ي‬‫ـت َمضَ ْ َ‬‫ف أَ َّولِ لَ ْيلَـ ٍة ِم ْن َر َمضَ ـانَ‪َ ،‬وأُنْ ِزل َْت ال َّت ْو َرا ُة لِ ِس ٍّ‬ ‫يـم ڠ ِ‬ ‫ـف إِبْ َرا ِه َ‬‫َـت ُص ُح ُ‬ ‫«أُنْ ِزل ْ‬
‫شي َن‬‫خل َْت ِم ْن َر َمضَ انَ‪َ ،‬وأُنْز َِل الْ ُف ْر َقـانُ ِلَ ْربَعٍ َو ِع ْ ِ‬ ‫شر َة َ‬ ‫يل لِث ََل َث َع ْ َ‬
‫النْجِ ُ‬ ‫ِمـ ْن َر َمضَ ـانَ‪َ ،‬و ْ ِ‬
‫يتقوى به؛ فهذا الحديث ‪ -‬عباد اهلل‬
‫خل َْت ِم ْن َر َمضَ انَ» [[[؛ وإسناده ال بأس به وله شاهد ّ‬
‫َ‬
‫الرسـل‬
‫‪ -‬يدل على أن شـهر رمضان هو الشـهر الذي كانت تنزل فيه الكتب اإللهية على ّ‬
‫عليهـم الصلاة والسلام‪ ،‬إال أهنا كانت تنزل على النبـي الذي أنزلت عليه جملة واحدة‪،‬‬
‫وأمـا القـرآن الكريـم فلمزيد شـرفه وعظيم فضله وجاللة مكانته فإنما نـزل جمل ًة واحدة‬
‫العـزة مـن السـماء الدنيـا وكان ذلـك يف ليلـة القـدر من شـهر رمضـان المبارك‪،‬‬
‫إلـى بيـت ّ‬
‫قـال اهلل تعالـى‪ :‬ﮋﭖﭗﭘﭙ ﭚ ﮊ [الدخـان‪ ،]٣:‬وقال تعالى‪ :‬ﮋﭑﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﮊ [القـدر‪ ،]١:‬وقـال تعالـى‪ :‬ﮋﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮊ‬
‫[البقـرة‪ ،]١٨٥:‬فدلـت هـذه اآليـات الثالث علـى أن القـرآن الكريم ُأنزل يف ليلـة واحدة‬
‫توصـف بأهنـا ليلـة مباركـة؛ وهـي ليلة القـدر‪ ،‬وهي مـن ليالي شـهر رمضان المبـارك‪ ،‬ثم‬
‫مفرقًا على مواقع النجوم يتلو بعضه بعضا بحسـب الوقائـع واألحداث‪،‬‬
‫بعـد ذلـك نزل ّ‬
‫وي عن ابن عباس ﭭ من غير وجه؛ فروى الحاكم يف «مسـتدركه» عن سـعيد‬
‫هكذا ُر َ‬
‫بـن جبيـر ‪ $‬عـن ابـن عباس ﭭ قـال‪ُ « :‬أنزل القـرآن جملة واحدة إلى السـماء الدّ نيا‬
‫[[[ رواه أحمد (‪ ،)16921‬والطرباين يف «المعجم الكبير» (‪ ،)17646‬واللفظ لإلمام أحمد‪ ،‬وحسنه‬
‫األلباين يف «السلسلة الصحيحة» (‪.)1575‬‬
‫‪84‬‬

‫وكان بمواقـع النجـوم وكان اهلل ُينزلـه علـى رسـوله ﷺ بعضـه يف إثـر بعـض»[[[‪ ،‬وروى‬
‫أيضـا عـن عكرمـة ‪ $‬عـن ابـن عبـاس ﭭ أنـه قـال‪ُ « :‬أنـزل القـرآن جملة واحـدة إلى‬
‫سـماء الدّ نيـا ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك يف عشـرين سـنة ثـم قـرأ‪ :‬ﮋﭑﭒﭓﭔ‬
‫ﭕﭖﭗﭘﮊ [الفرقـان‪ ،]٣٣:‬ﮋﭜﭝﭞ ﭟﭠ ﭡﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﮊ [اإلسـراء‪.[[[»]١٠٦:‬‬

‫وروى ابـن أبـي حاتـم عـن ابن عباس ﭭ‪« :‬أنه سـأله عطية بن األسـود فقال وقع يف‬
‫الشـك قول اهلل تعالى‪ :‬ﮋﮘ ﮙﮚﮛﮜﮝﮊ‪ ،‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫قلبي ّ‬
‫ﮋﭖﭗﭘﭙ ﭚ ﮊ‪ ،‬وقوله‪ :‬ﮋﭑﭒﭓﭔﭕﮊ وقد أنزل يف شوال‬
‫ويف ذي القعـدة ويف ذي الحجـة ويف المحـرم وصفر وشـهر ربيع‪ ،‬فقـال بن عباس ﭭ‪:‬‬
‫إنـه نـزل يف رمضـان يف ليلـة القـدر ويف ليلـة مباركـة جملـة واحـدة ثـم ُأنـزل علـى مواقـع‬
‫النجـوم ترتيالً يف الشـهور واأليام»[[[‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إن الحكمـة يف هـذا النـزول هـي تعظيم القرآن الكريم‪ ،‬وتعظيـم أمر من نزل‬
‫عليـه وهـو رسـول اهلل ﷺ‪ ،‬وتعظيـم الشـهر الـذي نـزل فيـه وهـو شـهر رمضـان المبـارك‬
‫الـذي نعيـش األيـام أيامه الفاضلة ولياليه الكريمـة‪ ،‬ويف ذلك أيضا تفضيل لليلة التي نزل‬
‫فيهـا وهـي ليلـة القـدر التـي هي خيـر من ألف شـهر‪ ،‬يقـول اهلل تعالـى‪ :‬بسـم اهلل الرحمن‬
‫الرحيـم‪ :‬ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫[[[ رواه الحاكم يف «مستدركه» (‪ ،)2878‬والطربي يف «تفسيره» (‪ ،)532/24‬وابن أبي حاتم يف‬
‫«تفسيره» (‪.)15127‬‬
‫[[[ رواه الحاكم يف «مستدركه» (‪ ،)2879‬والطربي يف «تفسيره» (‪.)574/17‬‬
‫[[[ رواه ابن أبي حاتم يف «تفسيره» (‪ ،)1650‬ورواه الطربي يف «تفسيره» (‪.)448/3‬‬
‫‪85‬‬

‫ﭢ ﭣﭤﭥﭦ ﭧﭨ ﭩﭪﭫ ﭬ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭳﮊ‬


‫[سـورة القدر]‪.‬‬

‫عباد اهلل‪ :‬ثم ّ‬


‫إن ما تقدم ليدل أعظم داللة على عظم شـأن شـهر الصيام شـهر رمضان‬
‫ُ‬
‫الفضـل‬ ‫المبـارك ّ‬
‫وأن لـه خصوصيـ ًة بالقـرآن؛ إذ فيـه حصـل لألمـة مـن اهلل ‪ ‬هـذا‬
‫العظيـم؛ نـزول وحيـه الكريـم وكالمـه العظيم المشـتمل علـى الهدايـة والنور والسـعادة‬
‫والفلاح يف الدنيـا واآلخـرة‪ :‬ﮋ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮊ‬
‫[البقـرة‪ ،]١٨٥:‬الهدايـة لمصالـح الديـن والدنيـا‪ ،‬وفيـه تبييـن الحـق بأوضـح بيـان‪ ،‬وفيه‬
‫الفرقـان بيـن الهـدى والضلال والحـق والباطـل والظلمـات والنور‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬فحقيـق بشـهر هـذا فضله وهذا إحسـان اهلل علـى عباده فيـه أن يعظمه العباد‬
‫وأن يكـون موسـمًا لهم للعبـادة وزاد ًا عظيمًا ليـوم المعاد‪.‬‬

‫ويدل أيضا على استحباب دراسة القرآن الكريم يف شهر رمضان المبارك واالجتهاد‬
‫وعـرض القرآن‬
‫يف ذلـك والعنايـة هبـذا األمـر أتـم العنايـة واإلكثـار مـن تلاوة القـرآن فيـه ْ‬
‫على من هو أحفظ له والزيادة يف مدارسـته‪ ،‬روى البخاري ومسـلم عن ابن عباس ﭭ‬
‫ـاس‪َ ،‬وكَانَ أَ ْجـ َو ُد َمـا َيكُـونُ ِ‬
‫ف َر َمضَ انَ ِح َ‬
‫ين َيلْقَا ُه‬ ‫قـال‪« :‬كَانَ َر ُس ُ‬
‫ـول اللَّـ ِه ﷺ أَ ْجـ َو َد ال َّن ِ‬
‫ـول اللَّ ِه‬
‫ف ك ُِّل لَ ْيلَـ ٍة ِم ْن َر َمضَ انَ َف ُيدَار ُِسـهُ الْ ُق ْرآنَ؛ َفلَ َر ُس ُ‬
‫ِيـل َيلْقَـا ُه ِ‬
‫ب ُ‬ ‫ِيـل‪َ ،‬وكَانَ جِ ْ‬
‫ب ُ‬ ‫جِ ْ‬
‫َير ِم ْن ال ِّريحِ الْ ُم ْر َسـلَ ِة»[[[‪.‬‬
‫ِيل أَ ْج َو ُد بِالْخ ْ ِ‬
‫ب ُ‬ ‫ﷺ ِح َ‬
‫ين َيلْقَـا ُه جِ ْ‬

‫أمـر ُيشـرع‬
‫وقـد كان ﷺ يطيـل القـراءة يف قيـام رمضـان بالليـل أكثـر مـن غيـره‪ ،‬وهـذا ٌ‬

‫[[[ رواهالبخاري (‪ ،)6‬ومسلم (‪.)2308‬‬


‫‪86‬‬

‫فليطـول مـا شـاء‪ ،‬وكذلـك‬


‫ِّ‬ ‫لـكل مـن أراد أن يزيـد يف القـراءة ويطيـل وكان يصلـي لنفسـه‬
‫مـن صلـى بجماعـة يرضـون بإطالته‪ ،‬وأما سـوى ذلك فالمشـروع التخفيف‪ ،‬قـال اإلمام‬
‫أحمـد لبعـض أصحابه وكان يصلي هبـم يف رمضان‪« :‬إن هؤالء قوم َض ْع َفى اقرأ خمسـا‬
‫فختمت يف ليل َة سبع وعشـرين»[[[‪ ،‬فأرشده ‪ $‬إلى أن يراعي‬
‫ُ‬ ‫فقرأت‬
‫ُ‬ ‫سـتًا سـبعًا‪ ،‬قال‬
‫حـال المأمومين فال يشـق عليهم‪.‬‬

‫وكان السلف ‪ ô‬يتلون القرآن يف شهر رمضان يف الصالة وغيرها وتزيد عنايتهم‬
‫به يف هذا الشـهر العظيم‪« ،‬كان بعض السـلف يختم يف قيام رمضان يف كل ثالث ليال‪ ،‬و‬
‫بعضهم يف كل سبع منهم قتادة‪ ،‬وبعضهم يف كل عشرة منهم أبو رجاء العطاردي‪ ،‬وكان‬
‫السلف يتلون القرآن يف شهر رمضان يف الصالة و غيرها‪ ،‬كان األسود يقرأ يف كل ليلتين‬
‫يف رمضـان‪ ،‬و كان النخعـي يفعـل ذلـك يف العشـر األواخـر منـه خاصـة و يف بقيـة الشـهر‬
‫يف ثلاث‪ ،‬و كان قتـادة يختـم يف كل سـبع دائمـا‪ ،‬و يف رمضـان يف كل ثلاث‪ ،‬و يف العشـر‬
‫األواخر كل ليلة‪ ،‬و كان للشـافعي يف رمضان سـتون ختمة يقرؤها يف غير الصالة‪ ،‬و عن‬
‫أبـي حنيفـة نحـوه‪ ،‬و كان قتـادة يـدرس القرآن يف شـهر رمضـان‪ ،‬و كان الزهـري إذا دخل‬
‫رمضـان قـال‪ :‬فإنما هو تلاوة القرآن و إطعام الطعام‪ ،‬قال ابن عبد الحكم‪ :‬كان مالك إذا‬
‫دخـل رمضـان يفر من قراءة الحديث و مجالسـة أهل العلم وأقبل علـى تالوة القرآن من‬
‫المصحـف قـال عبـد الـرزاق‪ :‬كان سـفيان الثـوري‪ :‬إذا دخـل رمضان ترك جميـع العبادة‬
‫و أقبـل علـى قـراءة القـرآن و كانـت عائشـة ڤ تقـرأ يف المصحـف أول النهـار يف شـهر‬
‫رمضـان فـإذا طلعـت الشـمس نامـت و قـال سـفيان‪ :‬كان زبيـد اليامـي إذا حضـر رمضان‬

‫[[[ ذكره اإلمام ابن رجب ‪ $‬يف «لطائف المعارف» (ص‪.)180‬‬


‫‪87‬‬

‫أحضـر المصاحـف و جمـع إليه أصحابـه»[[[‪ ،‬واآلثار عنهم يف هـذا المعنى كثيرة‪.‬‬

‫رزقنـا اهلل وإياكـم ُحسـن اتباعهـم والسـير علـى آثارهـم‪ ،‬ونسـأله ‪ ‬بأسـمائه‬
‫الحسـنى وصفاتـه العلـى أن يجعـل القـرآن العظيـم ربيـع قلوبنـا ونـور صدورنـا وجلاء‬
‫أحزاننـا وذهـاب همومنـا وغمومنـا‪.‬‬

‫أقـول هـذا القول وأسـتغفر اهلل لي ولكم ولسـائر المسـلمين من كل ذنب فاسـتغفروه‬
‫يغفـر لكم إنـه هو الغفـور الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان واسـع الفضـل والجـود واالمتنـان‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال‬
‫اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله؛ صلـى اهلل عليـه وعلـى آلـه‬
‫وأصحابـه أجمعيـن وسـلم تسـليما ًكثيـرا‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫عباد اهلل‪ :‬أوصيكم ونفسـي بتقوى اهلل؛ فإن من اتقى اهلل وقاه‪ ،‬وأرشـده إلى خير أمور‬
‫دينه ودنياه‪.‬‬

‫إن العنايـة بالقـرآن قـراء ًة وحفظا‪ ،‬تع ّلمًا وتعليمًا‪ ،‬مدارسـ ًة ومذاكرة‪ ،‬تدبر ًا‬
‫عبـاد اهلل‪ّ :‬‬
‫وتفهمـا‪ ،‬عنايـ ًة وتطبيقـا‪ ،‬دعمـا ومسـاندة؛ إن ذلك كله لمن سـمات األخيـار وعالمات‬
‫األبـرار‪ ،‬وكلما ازدادت األمة وازداد المسـلمون تمسـكًا بكتـاب اهلل وعناي ًة به ومحافظ ًة‬
‫[[[ «لطائف المعارف» (ص‪.)183‬‬
‫‪88‬‬

‫عليـه تعلمـا وتعليمـا زادت فيهـم الخيريـة ونمـا فيهـم الفضـل وكثـر فيهـم الخيـر‪ ،‬روى‬
‫ُـم‬ ‫البخـاري يف «صحيحـه» عـن عثمـان بـن عفـان ﭬ أن رسـول اهلل ﷺ قـال‪« :‬خ ْ ُ‬
‫َيك ْ‬
‫َّـم الْقُـ ْرآنَ َو َعلَّ َمـهُ»[[[‪ ،‬فالخيريـة عبـاد اهلل مرتبطة بالقـرآن؛ فكلمـا ازدادت األمة‬
‫َمـ ْن تَ َعل َ‬
‫تمسـكًا بالقرآن قراء ًة وحفظا‪ ،‬تالو ًة وتدبرا‪ ،‬عمالً وتطبيقا زاد الخير فيهم ونما الفضل‬
‫وعظـم الن ُّبـل بحسـب تمسـكهم بكتـاب اهلل ‪ ،‬ولهـذا روى أبـو عبيـد القاسـم بـن‬
‫سلاّم يف كتابـه «فضائـل القرآن» عن عبد اهلل بن عمـرو بن العاص ﭭ أنه قال‪« :‬عليكم‬
‫بالقـرآن فتعلمـوه وعلمـوه أبناءكـم؛ فإنكـم عنـه ُتسـألون‪ ،‬وبـه تجـزون‪ ،‬وكفى بـه واعظا‬
‫لمن عقـل»[[[‪.‬‬

‫عباد اهلل‪ :‬إن شأن القرآن عظيم ومكانته عالية؛ فهو سبيل عز األمة‪ ،‬وأساس سعادهتا‪،‬‬
‫وطريـق فوزهـا وفالحهـا يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬فالواجب علينا ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬أن َت ْع ُظم عنايتنا‬
‫بالقرآن وأن يزداد اهتمامنا به والسيما وأننا نعيش شهر القرآن شهر رمضان المبارك‪.‬‬

‫لق القرآن‬ ‫عبـاد اهلل‪ :‬وإن مـن العنايـة بالقرآن دعم الجمعيات الخيريـة ودور الخير ِ‬
‫وح َ‬ ‫َ‬
‫التـي أسسـت وأقيمـت لتعليـم القـرآن؛ فاإلنفـاق يف هـذا المجـال وبـذل المـال يف هـذا‬
‫الطريـق مـن عالمـات الخير ومن أمارات الصالح ومن األمور التي ندبت إليها الشـريعة‬
‫ّ‬
‫وحـث عليهـا اإلسلام‪ ،‬فالواجـب علـى أهـل اليسـار ومن مـ َّن اهلل ‪ ‬عليهـم بالمال‬
‫أن تجـود أنفسـهم بالخيـر والسـيما بدعـم كتـاب اهلل ودعم نشـره وتعليمـه ودعم حفظه‬

‫[[[ رواه البخاري (‪.)5027‬‬


‫[[[ «فضائل القرآن» (‪.)10‬‬
‫‪89‬‬

‫وتالوتـه‪ :‬ﮋﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮊ [المزمـل‪.]٢٠:‬‬

‫ونسـأل اهلل ‪ ‬أن يوفقنـا وإياكـم لالستمسـاك بالقـرآن والمحافظـة عليـه‪ ،‬وأن‬
‫يجعلنـا وإياكـم مـن أهـل القـرآن الذيـن هـم أهـل اهلل وخاصتـه‪.‬‬
‫ـر الصَّ ْ‬
‫ه ُ‬ ‫َ َ َ ُ َ‬
‫ش ْ‬
‫[[[‬
‫ِ‬ ‫ــر‬ ‫ــب‬ ‫رمضان‬

‫َّ‬
‫إن الحمد هلل‪ ،‬نحمده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ باهلل من شـرور أنفسـنا‬
‫َّ‬
‫مضـل لـه‪ ،‬ومـن يضلل فلا هادي لـه‪ ،‬وأشـهد أن ال‬ ‫وسـيئات أعمالنـا‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا‬
‫أن محمد ًا عبده ورسـوله‪ ،‬وصفيه وخليله وأمينه‬
‫إله إال اهلل وحده ال شـريك له‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫علـى وحيـه ومب ِّلـغ النـاس شـرعه‪ ،‬مـا تـرك خيـر ًا إال َّ‬
‫دل األمـة عليـه‪ ،‬وال شـر ًا إال حذرها‬
‫منـه؛ فصلـوات اهلل وسلامه عليـه وعلى آلـه وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬اتقـوا اهلل تعالى‪ ،‬وراقبوه جـل يف عاله مراقبة من يعلم أن ربه‬
‫يسمعه ويراه‪.‬‬

‫ٌ‬
‫وترك لمعصية‬ ‫عمـل بطاعـة اهلل على ٍ‬
‫نور مـن اهلل رجاء ثواب اهلل‪،‬‬ ‫وتقـوى اهلل ‪ٌ :‬‬
‫اهلل علـى ٍ‬
‫نور مـن اهلل خيفة عذاب اهلل‪.‬‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1433-9-8‬هـ‬
‫‪91‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل أيهـا الصائمـون‪ :‬هنيئـا لكـم هـذه العبـادة العظيمـة والطاعـة‬
‫خيرات عظام وفوائد ِجسـام ٍ‬
‫وآثار مباركات تعود على‬ ‫ٍ‬ ‫الجليلـة ومـا تحملـه يف ط َّياهتا من‬
‫الصائـم بالخيـرات العظيمـة والعطايا الجسـيمة يف دنيـاه وأخراه‪.‬‬

‫إن الصيام ُشرع لعباد اهلل لح َكم عظيمة وفوائد جسيمة ٍ‬


‫وآثار‬ ‫أيها المؤمنون عباد اهلل‪َّ :‬‬
‫ِ‬
‫ومورده المبارك‪.‬‬ ‫مباركة ين َْهلها الصائمون من معين الصيام العذب‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪َّ :‬‬


‫وإن مـن فوائـد الصيـام العظيمـة وآثاره على أهله الجسـيمة‬
‫أن فيـه مِ َرانـا للنفـس عجيبًا على الصبر بأنواعه؛ نعم أيهـا المؤمنون َّ‬
‫إن الصيام مدرسـة‬
‫عظيمـة لرتبيـة النفـس علـى الصرب‪ ،‬ولهـذا جاء يف غير ما حديث عن رسـولنا ﷺ تسـمية‬
‫شـهر الصيام بشـهر الصرب‪.‬‬

‫أن النَّبِ َّـي ﷺ قـال‪َ :‬‬


‫«صـ ْو ُم شَ ـ ْه ِر‬ ‫روى اإلمـام أحمـد يف «مسـنده» عـن أبـي قتـادة ﭬ َّ‬
‫ـام ِمـ ْن ك ُِّل شَ ـ ْه ٍر َص ْو ُم الدَّ ْهـرِ»[[[‪.‬‬
‫بر َو�ث َ َلثَـ ِة أَيَّ ٍ‬
‫الص ْ ِ‬
‫َّ‬

‫ـول اهَّللِ ﷺ‬ ‫ـن ْالَ ْعرابِي َق َال س ِ‬


‫ـم ْع ُت َر ُس َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ‬
‫ـخ ِير َع ِ‬ ‫ـن َع ْب ِـد اهَّللِ ْب ِن ِّ‬
‫الش ِّ‬ ‫وروى و َعـ ْن َي ِزيـدَ ْب ِ‬

‫بر َو�ث َ َلثَـ ِة أَيَّ ٍام ِم ْن ك ُِّل شَ ـ ْه ٍر‬


‫الص ْ ِ‬
‫«ص ْو ُم شَ ـ ْه ِر َّ‬ ‫َي ُق ُ‬
‫ـول وذكـر الحديـث أن النبـي ﷺ قـال‪َ :‬‬
‫الصـدْ رِ»[[[‪.‬‬ ‫ُي ْذ ِه ْ َ‬
‫بن َو َح َر َّ‬
‫ووحره‪ :‬أي وساوسه ِ‬
‫وغ ُّله وحقده وسخائمه‪.‬‬
‫وصححــه األلبــاين يف «صحيــح الجامــع»‬
‫َّ‬ ‫[[[ رواه أحمــد يف «مســنده» (‪ ،)7577‬والنَّســائي (‪،)2408‬‬
‫(‪.)3718‬‬
‫[[[ رواه أحمد يف «مسنده» (‪ ،)23070‬وصححه األلباين يف «صحيح الرتغيب» (‪.)1032‬‬
‫‪92‬‬

‫بر َو�ثَالَثَ ِة أَيَّ ٍ‬


‫ـام ِم ْن ك ُِّل‬ ‫الص ْ ِ‬ ‫وروى عـن أبـي ذر ﭬ أن النبـي ﷺ قـال‪َ :‬‬
‫«ص ْو ُم شَ ـ ْه ِر َّ‬
‫الصـدْ رِ»[[[‪.‬‬
‫شَ ـ ْه ٍر َص ْو ُم الدَّ ْهـ ِر َويُ ْذ ِه ُب َم َغلَّ َة َّ‬

‫ب َو�ث َ َلثَ َةأَيَّ ٍام ِم َنالشَّ ْهرِ»[[[‪.‬‬ ‫َّبيﷺقالله‪ُ :‬‬ ‫َّ‬


‫الص ْ ِ‬
‫«ص ْمشَ ْه َر َّ‬ ‫وروىعنالباهليﭬأنالن َّ‬
‫ـف النبـي ﷺ لهـذا الشـهر‬
‫وص ُ‬
‫فهـذه األحاديـث ‪ -‬أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ -‬جـاء فيهـا ْ‬
‫المبـارك بأنـه شـهر الصبر‪ ،‬ويف جميعهـا نالحظ اسـتصحاب هـذا ِ‬
‫المــران بالصيام طيلة‬
‫فيتمرن‬
‫شـهر رمضان اسـتصحاب ذلك يف الشـهور كلها صيامًا لثالثة أيام من كل شهر‪َّ ،‬‬
‫يف شـهر رمضـان تمرنـا عظيمـا علـى الصبر علـى طاعة اهلل ثم يسـتصحب هـذا الصيام‬
‫ثالثـة أيـام مـن كل شـهر؛ فكـم يرتتـب علـى ذلـك مـن خيـرات عظيمـة وفوائـد جسـيمة‬
‫جمـة ال يعلمهـا إال من شـرع الصيام سـبحانه‪.‬‬
‫ومنافـع ِّ‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬وعندمـا تتأمل يف هذا الصيام وأثـره العظيم يف تحقيق الصرب‬
‫تجد أن الصيام فعالً يربي ِّ‬
‫ويهذب ويزكِّي نفس الصائم تربي ًة على الفضائل والكماالت‬
‫وإبعـاد ًا للنفس عن الرذائل والحقارات‪.‬‬

‫ولقـد اجتمـع أيهـا المؤمنـون يف الصيـام التمريـ َن علـى الصبر بأنـواع الثالثـة‪ :‬الصبر‬
‫علـى طاعـة اهلل‪ ،‬والصبر عـن معصيـة اهلل‪ ،‬والصبر علـى أقـدار اهلل‪.‬‬

‫أمـا الصبـر علـى طاعـة اهلل ‪ :‬فإن النفس ‪ -‬أيها المؤمنـون ‪ -‬يف فعل المأمورات‬
‫يقـوم أمامهـا عقبـات وعوائـق فتحتـاج إلـى صبرٍ حتـى تتمكن بـه مـن أداء الطاعـة وفعل‬
‫األمـر وأداء المسـتحب‪ ،‬ومـن لـم يكـن لـه صبرٌ لـم يتمكـن مـن أداء الطاعـات وال فعـل‬
‫[[[ رواه أحمد يف «مسنده» (‪.)21364‬‬
‫«السنن ال ُكربى» (‪.)2756‬‬
‫[[[ رواه النسائي يف ُّ‬
‫‪93‬‬

‫العبـادات كمـا أمـره اهلل ‪ ‬بذلك‪.‬‬

‫تحتـف بأمور ُت ْغريهـا بفعل المحرم‬


‫ُّ‬ ‫وأمـا الصبـر عـن معصية اهلل‪َّ :‬‬
‫فـإن النفس عباد اهلل‬
‫يكف به نفسـه عن الحـرام ويمنعها عن‬
‫وارتـكاب المنهـي عنـه‪ ،‬فيحتـاج العبـد إلى صربٍ ُّ‬
‫اآلثام‪ ،‬ومن ال صرب عنده تف َّلتت منه نفسه أشدَّ التفلت ووقعت يف الرذائل والمحرمات‪،‬‬
‫يكف نفسـه به عـن الحرام‪.‬‬
‫ومـا أحـوج العبد إلى صربٍ ُّ‬

‫وأمـا الصبـر على أقدار اهلل ‪ ‬المؤلمة‪ :‬فإن يف الصيام مرانًا عجيبًا على ذلك‬
‫لما يذوقه الصائم من شدة جو ٍع وشدة عطش فيمنع نفسه ويحبسها طاع ًة هلل ‪‬‬
‫ِ‬
‫فيجد يف ذلك مرانًا عظيمًا لنفسه على الصرب طاع ًة هلل ‪ ‬وطلبًا لرضاه سبحانه‪.‬‬

‫وهبـذا عبـاد اهلل نجـد أن الصيـام عونـا عظيمـا للعبـد علـى تحقيـق الطاعـات وفعـل‬
‫العبـادات والبعـد عـن المحرمات‪ ،‬وقـد قـال اهلل تعالـى‪ :‬ﮋﮰﮱﯓﮊ‬
‫[البقـرة‪ ]45:‬قـال مجاهـد ‪« :$‬الصبر‪ :‬الصيـام»[[[؛ وهـذا تفسـير لهـذا اللفـظ ببعض‬
‫ٌ‬
‫ومـران للنفـس علـى الصبر‪.‬‬ ‫معنـاه‪ ،‬والشـك أن الصيـام صبرٌ علـى طاعـة اهلل ‪‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬لننتهـز هـذه الفرصـة؛ فرصـة الصيـام وفرصـة بلوغنـا هـذا‬
‫لنمـرن نفوسـنا على الصرب طاعـ ًة هلل ‪ ‬بأنواعـه الثالثة‪ :‬صرب على‬
‫الموسـم العظيـم ِّ‬
‫الطاعـة‪ ،‬وصبر عـن المعصيـة‪ ،‬وصبرٌ علـى أقـدار اهلل ‪ ‬المؤلمـة‪.‬‬

‫نسـأل اهلل الكريـم رب العـرش العظيم بأسـمائه الحسـنى وصفاته العليـا أن يصلح لنا‬
‫شـأننا كلـه‪ ،‬وأن ال يكلنـا إلـى أنفسـنا طرفة عيـن‪ ،‬وأن يهدينا إليه صراطا مسـتقيما‪.‬‬

‫[[[ رواه ابن أبي حاتم يف «تفسيره» (‪.)480‬‬


‫‪94‬‬

‫أقول هذا القول وأسـتغفر اهلل لي ولكم ولسـائر المسـلمين من كل ذنب؛ فاسـتغفروه‬
‫يغفـر لكم إنه هو الغفـور الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل حمـد الشـاكرين‪ ،‬وأثنـي عليـه ثنـاء الذاكريـن‪ ،‬ال أحصي ثنا ًء عليـه هو كما‬
‫أن محمـد ًا عبده‬
‫أثنـى علـى نفسـه‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك له‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫ورسـوله؛ صلـى اهلل وسـلم عليـه وعلـى آله وصحبـه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى‪ ،‬وراقبـوه سـبحانه مراقبـة مـن يعلـم أن ربـه‬
‫يسـمعه ويراه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ومدرسة‬ ‫ٍ‬
‫وشهر مبارك‬ ‫ٍ‬
‫موسم عظيم‬ ‫أيها المؤمنون عباد اهلل‪ :‬إننا نعيش هذه األيام مع‬
‫ٍ‬
‫جامعـة للخيـرات؛ فينبغـي لنـا عبـاد اهلل أن نسـتفيد من هذه المدرسـة المباركـة الجامعة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ودروس‬ ‫موردها المبارك علومـا نافعات وعرب ًا وعظـات‬ ‫ننهـل مـن ِ‬
‫معينها العذب ومـن ِ‬

‫بالغات‪ ،‬نفيدها من شـهرنا المبارك وموسـمنا العظيم‪.‬‬

‫غنَّمنا اهلل وإياكم خيرات هذا الشهر وبركاته‪ ،‬ونفعنا وإياكم هبذا الشهر نفعًا عظيما‪،‬‬
‫مرتقى وسـ َّلما‪.‬‬
‫ً‬ ‫وجعله لنا إلى الخيرات‬
‫[[[‬
‫حفظ الصيام‬

‫الحمـد هلل رب العالميـن‪ ،‬أحمـده ‪ ‬بمحامـده التـي هو لها أهـل‪ ،‬وأثني عليه‬
‫الخيـر كلـه ال أحصـي ثنـا ًء عليـه‪ ،‬هـو ‪ ‬كمـا أثنـى علـى نفسـه‪ ،‬أحمـده ‪‬‬
‫علـى نعمـه الكثيـرة وآالئه الوفيرة وعطاياه التـي ال تعد وال تحصى‪ ،‬وأشـهد أن ال إله إال‬
‫اهلل وحـده ال شـريك لـه إله األولين واآلخرين وقيوم السـماوات واألرضين‪ ،‬وأشـهد أن‬
‫محمـد ًا عبـده ورسـوله وصفيـه وخليله وأمينـه على وحيه ومبلـغ الناس شـرعه الصادق‬
‫الوعـد األميـن؛ صلى اهلل وسـلم عليـه وعلى آلـه وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل تعالـى وراقبوه يف سـركم وعالنيتكـم؛ مراقبة من‬
‫يعلـم أن ربـه يسـمعه ويـراه‪ ،‬وتقـوى اهلل ‪ ‬هـي وصيـة اهلل لألوليـن واآلخريـن مـن‬
‫خلقـه كمـا قـال ‪ :‬ﮋﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬

‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1432-9-5 /‬هـ‬


‫‪96‬‬

‫ﮪﮊ [النسـاء‪ ،]131:‬وهي وصية نبينا ﷺ ألمته‪ ،‬ووصية السـلف الصالح فيما بينهم‪،‬‬
‫والتقـوى شـأهنا عظيـم ومقامها رفيع وعواقبهـا حميدة‪ ،‬والعاقبة للمتقين دائمـا وأبد ًا يف‬
‫الدنيـا واآلخرة‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬إننـا نعيـش نعمـ ًة عظيمـة ومنـ ًة جليلـة أن ب َّلغنـا ربنـا ‪‬‬
‫شـهر الصيـام؛ شـهر الخيرات شـهر العطايـا والهبـات‪ ،‬بلغنا هذا الشـهر الكريم؛ فنسـأله‬
‫‪ ‬الذي أكرمنا ببلوغه أن يتمه علينا بال ُي ْمن واإليمان والسالمة واإلسالم والتوفيق‬
‫لمـا يحبـه ويرضـاه مـن الصيـام والقيـام وغير ذلكم مـن الطاعـات إيمانًا واحتسـابا‪ ،‬وأن‬
‫يجعلنـا فيـه جميعـا مـن عتقائه مـن النار إنه ‪ ‬سـميع الدعـاء وهو أهـل الرجاء وهو‬
‫حسـبنا ونعم الوكيل‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬إن فريضـة الصيـام كتبهـا اهلل ‪ ‬علـى أمـة اإلسلام كمـا كتـب‬
‫ٍ‬
‫ومقصد جليل لتحقيق تقـوى اهلل ‪ ‬التي‬ ‫الصيـام علـى األمـم السـابقة ٍ‬
‫لغاية حميـدة‬
‫هـي وصيته سـبحانه لألوليـن واآلخرين من خلقه؛ قال اهلل تعالـى‪ :‬ﮋﭣﭤﭥ‬
‫ﭦ ﭧﭨﭩ ﭪ ﭫﭬﭭﭮ ﭯﭰﮊ [البقرة‪]183:‬‬
‫أي‪ :‬تتقـون اهلل ‪ ‬بصيامكـم وحفظكم لصيامك‪.‬‬

‫والصيـام ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ُ -‬و ْص َلـ ٌة عظيمة لتحقيق تقـوى اهلل ‪‬؛ فإن ما يف الصيام من‬
‫ٍ‬
‫وسـكون للجوارح وغير‬ ‫ٍ‬
‫وتزكية للنفس‬ ‫ٍ‬
‫وهتذيب للقلب‬ ‫وكسـر للشـهوات‬ ‫ٍ‬ ‫قم ٍع للنفس‬
‫ذلكـم مـن المعـاين التـي تصحـب الصيـام كل ذلكـم ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬روافد عظيمة لتحقيق‬
‫تقوى اهلل ‪.‬‬
‫‪97‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬إن الواجب على من أكرمه اهلل ‪ ‬بالصيام ووفقه لبلوغ‬
‫هذا الشهر العظيم أن ُيعنى عناي ًة عظيمة بحفظ صيامه‪ ،‬نعم أيها المؤمنون ! عناية عظيمة‬
‫بحفظ الصيام‪ ،‬ألن من الناس من يصوم عن الطعام والشـراب وسـائر المفطرات ولكنه‬
‫ال يصـوم عـن اآلثـام والمحرمـات؛ فلا يكـون بذلـك مو َّفقـا لحفـظ الصيـام‪ ،‬فوجـب‬
‫ٍ‬
‫صائـم ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬أن يتعاهـد صيامـه وأن يعنـى بـه عناية عظيمـة حفظًا له من‬ ‫علـى كل‬
‫ومذهبات ثوابه ومبطالت تحصيـل خيراته وبركاته‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫منقصـات أجـره‬

‫ويف البـاب ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬أحاديـث كثيـرة عـن رسـول اهلل ﷺ ينبغـي أن نرعيها اهتمامنا‬
‫وأن نعنـى بفهمهـا وتحقيقها وتطبيقهـا حفظًا لصيامنا‪:‬‬

‫روى اإلمـام البخـاري يف كتابـه «الصحيـح» مـن حديـث أبي هريـرة ‪-‬ﭬ‪ -‬أن النبي‬
‫ف أَنْ يَـدَ َع طَ َعا َمهُ‬
‫س لِلَّـ ِه َحا َجـ ٌة ِ‬ ‫ﷺ قـال‪َ « :‬مـ ْن ل ْ‬
‫َـم يَـدَ ْع َقـ ْو َل الـ ُّزو ِر َوالْ َع َم َل بِـ ِه َفلَ ْي َ‬
‫شا َبهُ »[[[‪.‬‬
‫َو َ َ‬

‫ ●وروى البخـاري ومسـلم يف «صحيحيهمـا» عـن أبـي هريـرة ﭬ أن النبـي ﷺ‬


‫َب َفإِنْ َسـابَّهُ أَ َحـدٌ أَ ْو‬
‫ُـث يَ ْو َم ِئـ ٍذ َو َل يَ ْسـخ ْ‬
‫َلا يَ ْرف ْ‬ ‫قـال‪« :‬فَـإِ َذا كَانَ يَـ ْو ُم َصـ ْو ِم أَ َح ِدك ْ‬
‫ُـم ف َ‬
‫ن ا ْمـ ُر ٌؤ َصائِ ٌم»[[[‪.‬‬
‫ُـل إِ ِّ‬
‫َقاتَلَـهُ َفلْ َيق ْ‬

‫ ●وروى اإلمـام أحمـد يف كتابـه «المسـند» مـن حديـث أبـي هريـرة ﭬ أن النبـي‬
‫ﷺ قـال‪ُ « :‬ر َّب َصائِ ٍـم َحظُّـهُ ِمـ ْن ِص َيا ِم ِه الْ ُجـو ُع َوالْ َعطَ ُ‬
‫ـش‪َ ،‬و ُر َّب َقائِ ٍم َحظُّهُ ِمـ ْن ِق َيا ِم ِه‬
‫الس َه ُر»[[[‪.‬‬
‫َّ‬
‫[[[ رواه البخاري (‪.)1903‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)1904‬ومسلم (‪.)1151‬‬
‫[[[ رواه أحمد (‪ ،)8842‬وحسنه األلباين يف «صحيح الرتغيب» (‪.)1083‬‬
‫‪98‬‬

‫ٍ‬
‫بإسناد ثابت عن أبي هريرة ﭬ قال‪:‬‬ ‫ ●وروى البخاري يف كتابه «األدب المفرد»‬
‫وتصـدق‪ ،‬وتـؤذي جيراهنا‬
‫قيـل للنبـي ﷺ إن فالنـة تقـوم الليـل وتصـوم النهـار‪ ،‬وتفعل‪َّ ،‬‬
‫بلسـاهنا ؟ فقـال رسـول اهلل ﷺ‪« :‬ال خير فيها؛ هي من أهل النـار»‪ ،‬قالوا‪ :‬وفالنة تصلي‬
‫وتصـدق بأثـوار – أي بشـيء زهيـد ‪ -‬وال تـؤذي أحـدا؟ فقـال رسـول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫المكتوبـة َّ‬
‫«هـي من أهل الجنـة»[[[‪.‬‬

‫ ●وروى اإلمـام مسـلم يف كتابـه «الصحيـح» مـن حديـث أبي هريـرة ﭬ أن النبي‬
‫س ِفي َنـا َم ْن َل ِد ْر َه َم لَهُ َو َل َم َتـا َع َفق َ‬
‫َال‪ :‬إِنَّ‬ ‫ﷺ قـال‪« :‬أَتَـدْ ُرونَ َمـا الْ ُم ْفلِ ُ‬
‫ـس ؟ َقالُوا الْ ُم ْفلِ ُ‬
‫ـام َو َزكَا ٍة‪َ ،‬ويَأْ ِت َقدْ شَ ـ َت َم َه َذا َو َق َذ َ‬
‫ف‬ ‫ـس ِمـ ْن أُ َّم ِتـي يَأْ ِت يَ ْو َم الْ ِق َيا َم ِة ب َِص َل ٍة َو ِص َي ٍ‬
‫الْ ُم ْفلِ َ‬
‫ض َب َهـ َذا؛ َف ُي ْعطَـى َه َذا ِمـ ْن َح َسـ َناتِ ِه َو َه َذا ِم ْن‬ ‫َهـ َذا َوأَك ََل َم َ‬
‫ـال َهـ َذا َو َسـ َفكَ َد َم َهـ َذا َو َ َ‬
‫ـم َفطُ ِر َح ْت‬ ‫ْضى َما َعلَ ْي ِه أُ ِخـ َذ ِم ْن َ‬
‫خطَايَا ُه ْ‬ ‫ـت َح َسـ َناتُهُ َق ْب َـل أَنْ يُق َ‬
‫َح َسـ َناتِ ِه‪ ،‬فَـإِنْ َف ِن َي ْ‬
‫ف ال َّنارِ»[[[‪.‬‬
‫َعلَ ْيـ ِه ثُ َّم طُـر َِح ِ‬

‫واألحاديـث يف هـذا المعنـى كثيـرة عبـاد اهلل‪ ،‬ومـن يتأمـل هـذه األحاديـث العظيمـة‬
‫ونظائرهـا ممـا ورد يف هـذا البـاب يف سـنة النبـي ﷺ يسـتجمع قل ُبـه خوفـا مـن أن يضيـع‬
‫صيامـه وأن يضيـع قيامـه وأن تضيـع طاعا ُتـه بما يكون منـه من تجن ٍ‬
‫ِّيات وتعديـات وقول‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫وسـباب وشـتائم وغيـر ذلكـم مـن األقـوال واألعمـال السـيئات التـي يجني‬ ‫ٍ‬
‫زور وجهـل‬
‫ويفـوت علـى نفسـه خيـر ًا عظيمـا وأجـر ًا عميمـا؛ ولربمـا ذهبت‬
‫عاملهـا هبـا علـى نفسـه ِّ‬

‫[[[ رواه البخاري يف «األدب المفرد» (‪ ،)119‬وصححه األلباين يف «صحيح األدب المفرد» (‪.)88‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)2581‬‬
‫‪99‬‬

‫أجـوره كلهـا يف صلواتـه وصيامـه وصدقاته وغير ذلكم من طاعاتـه إلى من تجنَّى عليهم‬
‫وتعدَّ ى‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬إن األمـر جد خطيـر وليس باله ِّين؛ فالواجب علـى العبد أن‬
‫يتقـي اهلل ربـه وأن يحـرص علـى أن يسـتفيد مـن مدرسـة الصيـام تحقيقـا لتقـوى الملك‬
‫العلام ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬ومـن يطالـع حـال سـلفنا الصالـح ﭫ وأرضاهـم يطالـع حـا ً‬
‫ال عجيبـة يف‬
‫حفظهـم لصيامهـم وعنايتهـم بـه وتواصيهـم علـى حفـظ الصيـام ورعايتـه والعنايـة بـه‪،‬‬
‫واآلثـار يف هـذا البـاب عنهـم كثيـرة‪:‬‬

‫ـم َس ْـم ُعك َو َب َص ُـرك‬ ‫ـت َف ْل َي ُص ْ‬‫ ●فعـن جابـر بـن عبـد اهلل ‪-‬ﭭ‪ -‬قـال‪« :‬إ َذا ُص ْم َ‬
‫ـار َو َسـكِينَ ٌة َي ْـو َم‬ ‫ِ‬ ‫ب َوا ْل َم ْأ َث ِ‬
‫ـم‪َ ،‬و َد ْع َأ َذى ا ْل َخـاد ِم‪َ ،‬و ْل َي ُكـ ْن َع َل ْيـك َو َق ٌ‬ ‫ـن ا ْل َك ِـذ ِ‬
‫َول ِ َسـانُك َع ِ‬
‫ـك َس َـوا ًء»[[[‪.‬‬ ‫ال َت ْج َع ْـل َي ْـو َم فِ ْط ِـر َك َو َي ْـو َم ِص َيامِ َ‬ ‫ِص َيامِ َ‬
‫ـك‪َ ،‬و َ‬

‫ ●وعـن أبـي صالـح الحنفي عن أخيه َطليق بن قيس قـال‪« :‬قال أبـو ذر‪ :‬إ َذا ُص ْم َت‬
‫ال ل ِ َصالَ ٍة»[[[‪.‬‬
‫َان َي ْو ُم َص ْومِ ِه َد َخ َل َف َل ْم َي ْخ ُـر ْج إِ َّ‬ ‫ان َطلِ ٌ‬
‫يـق إ َذا ك َ‬ ‫ـظ َما ْاسـ َت َط ْعت‪َ ،‬ف َك َ‬
‫َفت ََح َّف ْ‬

‫ج ِد [[[‪.‬‬
‫ ●وعن أبي المتوكل َأ َّن َأ َبا ُهر ْير َة َو َأ ْص َحا َب ُه كَانُوا إ َذا َصاموا َج َلسوا فِي ا ْلمس ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫اب َو ْحدَ ُه‪َ ،‬و َلكِنَّ ُه مِ َن ا ْل َك ِذ ِ‬
‫ب‬ ‫الص َيا ُم مِ َن ال َّط َعا ِم َو َّ‬
‫الش َـر ِ‬ ‫ ●وقـال عمـر ﭬ‪َ « :‬ل ْي َس ِّ‬

‫[[[ رواه ابن أبي شيبة يف «مصنفه» (‪.)8973‬‬


‫[[[ رواه ابن أبي شيبة يف «مصنفه» (‪.)8970‬‬
‫[[[ رواه ابن أبي شيبة يف «مصنفه» (‪.)8974‬‬
‫‪100‬‬

‫وا ْلباطِ ِل وال َّل ْغ ِو وا ْلحلِ ِ‬


‫ف»[[[‪.‬‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬

‫الش َر ِ‬
‫اب»[[[‪.‬‬ ‫الص ْو ِم َت ْر ُك ال َّط َعا ِم َو َّ‬ ‫ ●وقال ميمون بن مِهران ‪َّ :$‬‬
‫«إن َأ ْه َو َن َّ‬

‫الص َيا َم َل ْي َس مِ َن ال َّط َعا ِم َو َّ‬


‫الش َـر ِ‬
‫اب‪،‬‬ ‫ ●وعـن علـي بن أبي طالب ﭬ أنه قـال‪« :‬إِ َّن ِّ‬
‫ب َوا ْل َباطِ ِل َوال َّل ْغ ِو»[[[‪.‬‬
‫َو َلكِ ْن مِـ َن ا ْل َك ِذ ِ‬

‫َـان َمـ ْن َح ِف َظ ُه َمـا َسـلِ َم َلـ ُه َص ْو ُم ُه؛‬


‫«خص َلت ِ‬
‫ ●وعـن مجاهـد رحمـه اهلل تعالـى قـال‪ْ َ :‬‬
‫ا ْل ِغي َبـ ُة َوا ْل َك ِـذ ُب»[[[‪.‬‬
‫ِ ِ ِ ٍ‬
‫«الصائ ُم في ع َبا َدة َما َل ْم َي ْغت ْ‬
‫َب»[[[‪.‬‬ ‫ ●وعن أبي العالية رحمه اهلل تعالى قال‪َّ :‬‬

‫وجميـع هـذه اآلثـار رواها اإلمام اب ُن أبي شـيبة يف كتابه «المصنـف»‪ ،‬واآلثار والنقول‬
‫عن السـلف يف هذا المعنى كثيرة‪.‬‬

‫أال فلنتق اهلل ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬لنتق اهلل ‪ ‬يف صيامنا ولنتعاهده بالحفظ متقين اهلل ربنا‬
‫طالبيـن أجـره وثوابـه وعونـه ومده وتوفيقـه‪ ،‬والتوفيق بيد اهلل وحده ال شـريك له‪ ،‬نسـأله‬
‫جـل يف علاه أن يحفـظ علينـا جميعـا صيامنا وقيامنـا وسـائر طاعاتنا وأن يوفقنا لسـديد‬
‫األقـوال وصالـح األعمـال وأن ال يكلنا إلى أنفسـنا طرفة عين‪.‬‬

‫[[[ رواه ابن أبي شيبة يف «مصنفه» (‪.)8975‬‬


‫[[[ رواه ابن أبي شيبة يف «مصنفه» (‪.)8976‬‬
‫[[[ رواه ابن أبي شيبة يف «مصنفه» (‪.)8977‬‬
‫[[[ رواه ابن أبي شيبة يف «مصنفه» (‪.)8980‬‬
‫[[[ رواه ابن أبي شيبة يف «مصنفه» (‪.)8982‬‬
‫‪101‬‬

‫أقـول هـذا القول وأسـتغفر اهلل لي ولكم ولسـائر المسـلمين من كل ذنب فاسـتغفروه‬
‫يغفـر لكم إنـه هو الغفـور الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل حمـد ًا كثيـر ًا طيبًا مباركًا فيه كمـا يحب ربنا ويرضى‪ ،‬وأشـهد أن ال إله إال‬
‫اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبده ورسـوله؛ صلى اهلل وسـلم عليه وعلى‬
‫آلـه وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬اتقوا اهلل تعالى فـإن من اتقى اهلل وقاه وأرشـده إلى خير أمور‬
‫دينه ودنياه‪.‬‬

‫ثـم عبـاد اهلل‪ :‬علينـا أن نغتنـم المواسـم الفاضلـة واألوقـات الكريمـة خيـر اغتنـام‪،‬‬
‫ولنحـرص يف لحظاهتـا المباركـة وسـاعاهتا الشـريفة أن تكـون كل لحظـة منهـا ُمرتقـًـى‬
‫لنـا وسـ َّلما لنيـل رضـا اهلل ‪ ‬والفـوز بثوابـه والنجـاة مـن عقابـه والسـيما ‪ -‬أيهـا‬
‫المؤمنـون عبـاد اهلل ‪ -‬أننـا نعيـش خير الشـهور وأعظمها وأج َّلها وأفضلهـا؛ فلنحرص ‪-‬‬
‫عبـاد اهلل‪ -‬علـى اغتنـام أيامـه الفاضلـة ولياليه المباركـة يف طاعـة اهلل ‪ ‬والتقرب إليه‬
‫بمـا فيـه نيـل رضـاه‪ ،‬ولنحـرص ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬على البعد عـن اآلثام وعن كل ٍ‬
‫أمر يسـخط‬

‫الملـك العلام يف ليـل شـهر الصيـام أو هنـاره‪ ،‬ولنراقـب اهلل ‪ ‬يف أقوالنـا وأعمالنـا‬
‫وحركاتنا وسـكناتنا‪.‬‬
‫‪102‬‬

‫ونسأل اهلل ‪ ‬أن يوفقنا لصيام رمضان وقيامه إيمانًا واحتسابا على الوجه الذي‬
‫يرضيـه عنـا‪ ،‬وأن يعيذنا أجمعين من منكرات األخالق واألهـواء واألدواء إنه ‪‬‬
‫سميع الدعاء‪.‬‬
‫ام َو َك َ‬
‫مـالُه‬ ‫ام الصِّ َ‬
‫ي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫تَ‬
‫ِ‬
‫[[[‬

‫َّ‬
‫إن الحمد هلل‪ ،‬نحمده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ باهلل من شـرور أنفسـنا‬
‫َّ‬
‫مضـل لـه‪ ،‬ومـن ُيضلل فلا هادي لـه‪ ،‬وأشـهد أن ال‬ ‫وسـيئات أعمالنـا‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا‬
‫أن محمد ًا عبده ورسـوله‪ ،‬وصف ُّيه وخليله‪ ،‬وأمينه‬
‫إله إال اهلل وحده ال شـريك له‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫علـى وحيـه‪ ،‬ومب ِّلـغ النـاس شـر َعه‪ ،‬ما تـرك خيـر ًا إال َّ‬
‫دل األمة عليـه‪ ،‬وال شـر ًا إال َّ‬
‫حذرها‬
‫منـه؛ فصلـوات اهلل وسلامه عليه وعلى آلـه وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل تعالـى‪ ،‬وراقبـوه َّ‬


‫جـل يف عاله مراقبة مـن يعلم أن‬
‫ر َّبه يسـم ُعه ويراه‪.‬‬

‫ٌ‬
‫وترك لمعصية‬ ‫عمـل بطاعـة اهلل على ٍ‬
‫نور مـن اهلل رجاء ثواب اهلل‪،‬‬ ‫وتقـوى اهلل ‪ٌ :‬‬
‫اهلل علـى ٍ‬
‫نور مـن اهلل خيفة عذاب اهلل‪.‬‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1433-9-15‬هـ‬
‫‪104‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عباد اهلل‪َّ :‬‬


‫إن الصيام فرص ٌة عظيمة لتنقية القلوب وتصفيتها من أدراهنا‬
‫وكُدوراهتـا‪ ،‬وفرصـ ٌة ثمينـة لصقـل النفـوس برتقيتهـا إلـى المقامـات العاليـة والمنـازل‬
‫الرفيعـة والـزكاء والصفـاء والنقـاء؛ وذلكـم ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬إذا تمكـن الصائـم مـن تحقيـق‬
‫صيامـه وتتميمـه‪ ،‬فليـس كل صيـا ٍم يثمر‪ ،‬بل إنمـا الذي يثمر التتميم والتكميـل‪ ،‬كما قال‬
‫نبينـا ♥ فيمـا رواه الحاكم وغيـره من حديث أبي هريرة ﭬ أن النبي ﷺ‬
‫الص َيـا ُم ِمـ َن اللَّغْـ ِو َوال َّرف ِ‬
‫َـث‪َ ،‬فإِنْ َسـا َّبكَ‬ ‫الص َيـا َم ِمـ َن ْالَكْلِ َو ُّ ْ‬
‫الشر ِب‪ ،‬إِنَّ َـا ِّ‬ ‫قـال‪« :‬لَ ْي َ‬
‫ـس ِّ‬
‫ن َصائِ ٌم»[[[‪.‬‬
‫ُـل‪ :‬إِ ِّ‬ ‫أَ َحـدٌ‪َ ،‬و َجه َ‬
‫ِـل َعلَ ْيـكَ َفق ْ‬

‫نعـم عبـاد اهلل! إن للصيـام تمامـا وكمـاال‪ ،‬وهبـذا التمـام والكمـال ترتقـى النفـوس‬
‫يفسـر لنا‬
‫وتتزكـى وتتهـذب باألخلاق الفاضلـة واآلداب الكاملـة‪ ،‬وهـذا ‪-‬عباد اهلل ‪ -‬ما ِّ‬
‫أن بعضنـا قـد ال يـرى علـى صيامـه أثـر ًا يف زكاء نفسـه وصفـاء قلبـه وصلاح حالـه‪ ،‬ومـا‬
‫ٍ‬
‫لتفريـط منـه بتكميـل الصيـام وتتميمـه‪.‬‬ ‫ذلكـم عبـاد اهلل إال‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬إهنـا فرصـ ٌة عظيمـ ٌة لنـا مـع هـذه الشـعيرة العظيمـة والعبـادة‬
‫الجليلـة لنرتقـى يف الكمـاالت العاليـة واآلداب الرفيعـة واألخلاق النبيلـة‪ ،‬فرصـ ٌة لنـا ‪-‬‬
‫عبـاد اهلل ‪ -‬لنُر ِّقـي نفوسـنا ولنزكـي ألسـنتنا ولنُصلـح أعمالنـا‪.‬‬

‫َّ‬
‫إن الصيـام ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬حقـا إنمـا هو صيا ٌم بالجوارح عن اآلثام‪ ،‬وصيا ٌم باللسـان‬
‫عـن الغيبـة والنميمـة وسـيء الـكالم‪ ،‬وصيـا ٌم بالبطـن عـن الطعـام والشـراب‪ ،‬وصيـا ٌم‬
‫بالقلـب بتنقيتـه مـن الغل والحقـد واألضغان ونحـو ذلك‪ ،‬وصيـا ٌم بالفرج بال ُبعـد به عن‬

‫[[[ رواه الحاكم يف «مستدركه» (‪ ،)1570‬وصححه األلباين يف «صحيح الرتغيب» (‪.)1082‬‬


‫‪105‬‬

‫الرفـث؛ فهـذا جمـاع الصيـام ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬الـذي يتحقـق به كمال األثـر وتمام الثمـرة[[[‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪َّ :‬‬


‫إن الصيـام فرصـ ٌة لنـا لمـداواة نفوسـنا ومعالجـة قلوبنـا‬
‫وإصلاح ألسـنتنا‪ ،‬ومـا أحوجنـا ثـم ما أحوجنـا لننتهز فرصة الصيـام إلصالح ذلـك منَّا‪،‬‬
‫المكمليـن لطاعتهم‬
‫ِّ‬ ‫المتمميـن إليماهنـم‬
‫قـال اهلل ‪ ‬يف صفـات عبـاده المؤمنيـن ِّ‬
‫لرهبـم جـل يف علاه‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﮊ‬
‫[الحشـر‪]10:‬؛ فنَ َعتَهـم سـبحانه بصفتين عظيمتيـن وخصلتين كريمتيـن؛ األولى تتعلق‬
‫بالقلـب‪ ،‬والثانية تتعلق باللسـان‪.‬‬

‫أمـا مـا يتعلـق بالقلـب ففـي قولـه‪ :‬ﮋﭝﭞﭟﭠ ﭡﭢﭣﮊ؛ نعـم أيهـا‬
‫غل‬‫مطلـوب مـن المؤمـن أن ين ِّقـي قلبه وأن يص ِّفي فـؤاده وأن يزيل مـا فيه من ٍّ‬
‫ٌ‬ ‫المؤمنـون‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫وأحقـاد وأضغـان‪ ،‬وإذا مـا ترقـى إلـى هذا المسـتوى العالي كانت له بذلـك أجر ًا عظيمًا‬
‫وثوابـا جزيلاً وإن ق َّلت أعمالـه وق َّلت طاعاته‪.‬‬

‫عـن سـفيان بـن دينـار قـال‪« :‬قلت ألبي بشـير ـ وكان من أصحاب علـي ـ أخربين عن‬
‫أعمـال مـن كان قبلنـا‪ ،‬قال‪ :‬كانوا يعملون يسـيرا ويؤجـرون كثيرا‪ ،‬قلت‪ :‬ولـم ذاك؟ قال‪:‬‬
‫[[[ قـال اإلمـام ابـن الجـوزي ‪« :$‬يا غافال يا سـاهيا أتاك شـهر رمضان المتضمـن للرحمة والغفران‪،‬‬
‫مصـر على الذنـوب والعصيان‪ ،‬مقيم على اآلثام والعداون‪ ،‬متمـادي يف الجهالة والطغيان‪ ،‬متكلم‬
‫ٌّ‬ ‫وأنـت‬
‫بالغيبـة والبهتـان‪ ،‬متعـرض لسـخط الرحمـن‪ ،‬قـد تمكن من قلبك الشـيطان‪ ،‬فألقـي فيه الغفلة والنسـيان‪،‬‬
‫فأنسـاك نعيـم الخلـد والجنـان‪ ،‬فظللـت تعمـل أعمـال أهـل النيـران‪ ،‬فـإن كنـت يا مسـكين كذلـك فكيف‬
‫ترجـو الفـوز بالرضـوان‪ ،‬والحلـول يف دار الخلـد واألمـان‪ ،‬والخلاص مـن دار العقوبـة والهـوان‪»...‬‬
‫«بسـتان الواعظين» (ص‪.)198‬‬
‫‪106‬‬

‫لسالمة صدورهم»[[[‪.‬‬

‫إن لسلامة الصـدر ونقـاء القلـب وزكاء الفـؤاد أثـر ًا عظيمًا يف‬
‫نعـم أيهـا المؤمنـون !! َّ‬
‫وعظـم األجـر علـى الطاعـات عنـد اهلل ‪.‬‬ ‫ثـواب األعمـال ِ‬

‫وأمـا األمـر الثـاين عبـاد اهلل‪ :‬فهـو سلامة اللسـان؛ وإليه اإلشـارة بقـول اهلل ‪:‬‬
‫ﮋﭕﭖﭗ ﭘ ﭙﭚﭛﭜﮊ أي‪ :‬ليـس يف ألسـنتهم‬
‫إال الكلمـات الطيبـات واألقـوال السـديدات والنصـح والدعـاء‪ ،‬وليـس يف قلوهبـم إال‬
‫المحبـة والمـودة والنصـح‪ ،‬ليـس فيهـا ّ‬
‫غـل أو حقـد أو ضغائن وسـخائم ونحـو ذلك‪.‬‬

‫متممين بذلـك صيامنا‬


‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬مـا أحوجنـا إلـى هـذا الـزكاء والنقـاء ِّ‬
‫ومكمليـن طاعتنـا لربنا ‪.‬‬
‫ِّ‬

‫وإنـا لنسـأل اهلل ‪ - ‬جـل يف علاه ‪ -‬أن يصلـح قلوبنـا‪ ،‬وأن يصلـح ألسـنتنا‪ ،‬وأن‬
‫يزكـي صدورنـا‪ ،‬وأن يصلـح شـأننا كلـه‪ ،‬وأن ال يكِ َلنـا إلـى أنفسـنا طرفـة عين‪.‬‬

‫أقـول هـذا القول وأسـتغفر اهلل لي ولكم ولسـائر المسـلمين من كل ذنب فاسـتغفروه‬
‫يغفـر لكم إنـه هو الغفـور الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل حمـد الشـاكرين‪ ،‬وأثنـي عليـه ثنـاء الذاكريـن‪ ،‬ال أحصي ثنا ًء عليـه هو كما‬
‫أن محمـد ًا عبده‬
‫أثنـى علـى نفسـه‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك له‪ ،‬وأشـهد َّ‬

‫[[[ رواه ابن السري يف «الزهد» (‪.)1275‬‬


‫‪107‬‬

‫ورسـوله؛ صلـى اهلل وسـ َّلم عليـه وعلـى آله وصحبـه أجمعيـن‪ .‬أما بعد‪:‬‬

‫يعلـم أن ربـه‬
‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى‪ ،‬وراقبـوه سـبحانه مراقبـة مـن ُ‬
‫يسـم ُعه ويراه‪.‬‬

‫عمرنا الذي يسـألنا اهلل ‪‬‬ ‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪َّ :‬‬
‫إن شـهر رمضان جـز ٌء من ُ‬
‫عنه يوم القيامة‪ ،‬بل هو جز ٌء ثمي ٌن من العمر‪ ،‬بل هو أثمن العمر؛ َّ‬
‫ألن شـهر رمضان خير‬
‫الشـهور وأفضلها وفيه ليل ٌة هي خير الليالي وأعالها شـأنا‪ ،‬إهنا ليل ٌة واحدة خير من ألف‬
‫شـهر مـن ُحرمها فقد ُحـرم الخير كما جاء بذلكم الحديث عن رسـول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬فلن ْغنـم شـهرنا العظيـم وموسـمنا الكريـم وقـد ب َل ْغنـا نصف‬
‫جـل وعال على مـا كان منَّا من‬‫عـز وجـل فيمـا بقي منه‪ ،‬ولنسـتغفر اهلل َّ‬ ‫ِ‬
‫ولنتـق اهلل َّ‬ ‫الشـهر‪،‬‬
‫ٍ‬
‫تقصير‬

‫أو تفريط‪ ،‬ولنسأله ‪ ‬المعونة والسداد والتوفيق والعون على كل خير[[[‪.‬‬

‫ونسأل اهلل ‪ ‬أن يغنِّمنا أجمعين خيرات هذا الشهر وبركاته‪ ،‬وأن يغنِّمنا أجمعين‬
‫ليلـة القـدر المباركـة التـي هي خير من ألف شـهر‪ ،‬وأن يصلح لنا شـأننا كلـه وأن ال يكِلنا‬
‫إلى أنفسـنا طرفة عين‪.‬‬

‫[[[ قـال اإلمـام ابـن رجـب ‪« :$‬عبـاد اهلل شـهر رمضـان قـد انتصـف فمـن منكـم حاسـب نفسـه فيه هلل‬
‫وانتصـف؟ مـن منكـم قـام يف هـذا الشـهر بحقـه الـذي عـرف؟ مـن منكـم عـزم قبـل غلـق أبـواب الجنة أن‬
‫يبنـي لـه فيهـا غرفـا مـن فوقهـا غـرف؟ أال إن شـهركم قـد أخـذ يف النقص فزيـدوا أنتـم يف العمـل؛ فكأنكم‬
‫بـه وقـد انصـرف فـكل شـهر فعسـى أن يكـون منـه خلـف وأما شـهر رمضـان فمن أيـن لكم منـه خلف؟!»‬
‫«لطائـف المعـارف» (ص‪.)252‬‬
‫[[[‬ ‫دعوة لمحاسبة ّ‬
‫النفس في شهر رمضان‬

‫ّ‬
‫إن الحمد هلل نحمده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ باهلل من شـرور أنفسـنا‬
‫وسـيئات أعمالنـا‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا مضل له ومن يضلـل اهلل فال هادي له‪ ،‬وأشـهد أن ال‬
‫إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله وصفيه وخليله وأمينه‬
‫علـى وحيـه ومب ّلـغ الناس شـرعه ب َّلـغ الرسـالة وأ َّدى األمانة ونصـح األ َّمة وجاهـد يف اهلل‬
‫شـر ًا إال ّ‬
‫حذرها منه؛‬ ‫حـق جهـاده حتـى أتـاه اليقيـن ومـا تـرك خيـر ًا إال َّ‬
‫دل األ ّمة عليـه وال ّ‬ ‫َّ‬
‫فصلـوات اهلل وسلامه عليـه وعلى آلـه وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل تعالـى وراقبـوه مراقبـة مـن يعلـم أن ر َّبه يسـمعه ويـراه‪ ،‬وليكن لنا‬
‫عبـاد اهلل يف تقلـب األيـام وتصرم األعمار ومضي األزمان عبرة‪ :‬ﮋﭑﭒﭓﭔﭕ‬
‫ﭖ ﭗﭘﭙﭚﭛ ﮊ [النـور‪.]44:‬‬

‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1429-9-12 /‬هـ‬


‫‪109‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬باألمـس القريـب كنـا نرقـب مجـيء شـهر رمضـان بأيامـه العظيمـة ولياليـه‬
‫عشـر كاملات؛ بل أوشـك‬
‫الغـرر الحسـان‪ ،‬ونحـن اآلن عبـاد اهلل قـد مضـى مـن شـهرنا ٌ‬
‫الشـهر علـى االنتصاف‪.‬‬
‫ٍ‬
‫صادقة مع اهلل ‪ ‬ينيب فيها إلى ر ِّبه ويحاسـب‬ ‫عبـاد اهلل‪ :‬البـد للعبـد من ٍ‬
‫وقفة‬
‫فيها نفسـه ويزن فيها أعماله‪ ،‬إن عمرك أيها اإلنسـان شـأنه شـأن الشهور واألعوام؛ فكما‬
‫أن الشـهور واألعوام تمضي سـريعًا فإن العمر شأنه كذلك‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬مـا أجمل المحاسـبة للنفـس يف وقت العمـل وما أجمـل وزن األعمال قبل‬
‫أن تـوزن‪ ،‬حاسـبوا أنفسـكم قبل أن تحاسـبوا و زنوها قبـل أن توزنوا‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إننـا نعيـش أيـام مبـاركات وسـاعات فاضلات‪ ،‬عـن أبـي هريـرة ﭬ قال‪:‬‬
‫ني َو َم َر َد ُة الْجِ ِّن‪،‬‬
‫اط ُ‬ ‫قال رسـول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َذا كَانَ أَ َّو ُل لَ ْيلَ ٍة ِم ْن شَ ـ ْه ِر َر َمضَ انَ ُصف ْ‬
‫ِّدَت الشَّ ـ َي ِ‬
‫اب‪،‬‬ ‫اب‪َ ،‬و ُف ِّت َح ْت أَبْـ َو ُ‬
‫اب الْ َج َّن ِة َفل َْم يُ ْغل َْـق ِم ْن َها بَ ٌ‬ ‫َـت أَبْـ َو ُ‬
‫اب ال َّنـا ِر َفل َْم يُ ْف َت ْح ِم ْن َهـا بَ ٌ‬ ‫َو ُغلِّق ْ‬
‫الشر أَ ْق ِ ْ‬
‫ص‪َ ،‬ولِلَّ ِه ُع َتقَا ُء ِمـ ْن ال َّنا ِر َو َذلكَ‬ ‫َي أَ ْقب ِْل َويَا بَا ِغ َي َّ ِّ‬ ‫َويُ َنـا ِدي ُم َنـا ٍد يَا بَا ِغ َ‬
‫ـي الْخ ْ ِ‬
‫ك ُُّل لَ ْيلَ ٍة»[[[‪.‬‬

‫ٌ‬
‫مبـارك يف كل لحظاتـه ويف‬ ‫شـهر مبـارك كمـا أخبر عنـه نب ُّينـا ﷺ؛‬
‫عبـاد اهلل‪ :‬رمضـان ٌ‬
‫جميـع األبـواب والمجاالت‪ :‬بركة يف الوقت‪ ،‬وبركـة يف العمل‪ ،‬وبركة يف الجزاء‪ ،‬وبركة‬
‫يف حسـن العواقـب والمـآالت‪ ،‬فكم هلل ‪ ‬يف هذا الشـهر الكريم الفاضل العظيم‬
‫ـول اهَّللِ ‪-‬ﷺ‪-‬‬ ‫مـن عتقـاء مـن النـار ! يف الحديث الصحيح َعـ ْن َجابِ ٍر ﭭ َق َ‬
‫ـال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫[[[ رواه الرتمـذي (‪ ،)682‬وابـن ماجـه (‪ ،)1642‬واللفـظ للرتمـذي‪ ،‬وصححـه األلبـاين يف «صحيـح‬
‫الرتغيـب» (‪.)998‬‬
‫‪110‬‬

‫ف ك ُِّل لَ ْيلَ ٍة»[[[‪.‬‬


‫«إِنَّ لِلَّـ ِه ِع ْنـدَ ك ُِّل ِفطْـ ٍر ُع َتقَا َء َو َذلِـكَ ِ‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬أليـس مـن الالئـق بنـا والجديـر بـكل مسـلم أن يغنـم بركـة هـذا الشـهر وأن‬
‫للتزود بصالح األعمـال والتوبة النّصوح إلى اهلل ذي الجالل‬
‫يتح ّيـن هذه الفرصة الثمينة ّ‬
‫محذر ًا ومنذر ًا‪َ « :‬ر ِغ َم أَن ُ‬
‫ْف َر ُجلٍ‬ ‫الصالة والسلام ِّ‬
‫وكثرة اإلنابة واالسـتغفار‪ ،‬يقول عليه ّ‬
‫َـل َعلَ ْيـ ِه َر َمضَ انُ ثُ َّم ان َْسـلَخَ َق ْب َل أَنْ يُ ْغفَـ َر لَهُ»[[[‪.‬‬
‫َدخ َ‬

‫ٌ‬
‫وحرمان بالغ أن يمر بالمرء هذا الموسـم العظيم ثم‬ ‫ٌ‬
‫خسـران عظيم‬ ‫نعم عباد اهلل؛ إنه‬
‫ال ينيـب إلى ر ِّبه ‪ ‬وال يتوب‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إذا لـم تنـب قلوبنـا إلـى اهلل يف هذا الوقت فمتى تنيـب؟! إذا لم يكن منا توبة‬
‫يف هذه السـاعات الفاضالت فمتى نتوب؟! إذا لم تتحرك ألسـنتنا ‪-‬عباد اهلل‪ -‬باسـتغفار‬
‫كثير يف هذه األيام المباركات فمتى عسـانا أن نسـتغفر؟!‬

‫عباد اهلل‪ :‬تعالوا نحاسـب أنفسـنا قبل أن يحاسـبنا ر ُّبنا‪ ،‬تعالوا عباد اهلل لنصدق مع اهلل‬
‫ـب هبـا ر ُّبنـا مـا سـبق منـا مـن أعمـال وما بـدر منا مـن تقصير‪،‬‬
‫‪ ‬يف توبـة نصـوح َي ُج ُّ‬
‫تعالوا عباد اهلل يف هذه السـاعات الفاضالت الكريمات نعاهد ر َّبنا ‪ ‬على إصالح‬
‫يقربنا مـن ر ِّبنـا‪ :‬ﮋﮠ ﮡﮢ‬
‫أحوالنـا وتزييـن أعمالنـا والجـدّ واالجتهـاد فيمـا ّ‬
‫ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮊ [العنكبـوت‪.]69:‬‬

‫عباد اهلل‪ :‬البدار البدار قبل تصرم األعمار ومضي الليلي ومضي األيام‪.‬‬

‫[[[ رواه ابن ماجه (‪ ،)1643‬وصححه األلباين يف «صحيح ابن ماجه» (‪.)1332‬‬
‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)3545‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)3510‬‬
‫‪111‬‬

‫عباد اهلل‪ :‬علينا باإلنابة إلى اهلل سـبحانه قبل الفوات‪ ،‬علينا باإلقبال على اهلل سـبحانه‬
‫قبل الندم‪.‬‬

‫عباد اهلل‪ :‬إهنا أيام غرر وساعات فاضالت ال يليق بنا أن نفوهتا وأن نضيعها‪.‬‬

‫اللهم أصلح لنا‬


‫ّ‬ ‫اللهـم كـن لنا عونًا ُمعينا‪ ،‬ال ّلهم كن لنا هاديًا يـا ذا الجالل واإلكرام‪،‬‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫لتوبـة نصوح ترضى هبا عنا‪ ،‬ال ّلهم وفقنا لحسـن اإلنابة‬ ‫اللهـم وفقنا أجمعين‬ ‫شـأننا ك َّلـه‪،‬‬
‫ّ‬
‫إليك واالسـتغفار يا ذا الجالل واإلكرام‪.‬‬

‫أقول هذا القول وأسـتغفر اهلل لي و لكم و لسـائر المسـلمين من كل ذنب فاسـتغفروه‬
‫يغفـر لكم إنه هو الغفـور الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمد هلل عظيم اإلحسـان واسـع الفضل والجود و االمتنان‪ ،‬وأشـهد أن ال إله إال اهلل‬
‫وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله؛ صلى اهلل وسـلم عليـه وعلى آله‬
‫وأصحابه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫شـأن متفـاوت ومتباين؛ فمـن النـاس ‪ -‬عياذ ًا‬


‫عبـاد اهلل! فـإن شـأن النـاس مـع رمضـان ٌ‬
‫ٍ‬
‫ماض يف غ ِّيه مسـتمر يف‬ ‫يتحـرك فيه سـاكن بل هـو‬
‫ّ‬ ‫بـاهلل ‪ -‬مـن يدخـل الشـهر ويخـرج وال‬
‫ٍ‬
‫معاهدة‬ ‫ضاللـه‪ ،‬وآخـرون من الناس يصلحون أنفسـهم يف رمضان صالحًا مؤقتـا دون‬
‫منهـم هلل ‪ ‬علـى التوبـة النصـوح الماضيـة المسـتمرة‪ ،‬ومـن النـاس – عبـاد اهلل ‪-‬‬
‫‪112‬‬

‫مـن يغنـم فرصـة رمضـان ٍ‬


‫بتوبة صادقـة إلى اهلل ‪ ‬مـن ذنوبه كلها وسـيئاته جميعها‪،‬‬
‫مقبل على ر ّبـه ‪ ‬يرجو رحمته‬ ‫ٍ‬
‫مـاض يف صالحه ٌ‬ ‫ومـن النـاس مـن أصلحـه اهلل فهو‬
‫ويخـاف عذابه‪.‬‬

‫عبـاد اهلل! وإذا كانـت الشـياطين تص ّفـد كمـا ّ‬


‫مـر معنـا ذلـك يف الحديـث فـإن ذلـك ال‬
‫يعني مو َتها؛ بل هي موجودة ومنها يقع نوع تسـلط على من لم ي ِ‬
‫حسـن حاله يف رمضان‬ ‫ُ‬
‫يف صيامـه وقيامـه‪ .‬ويعظـم كيـد أعداء ديـن اهلل ألهل اإلسلام يف رمضان بإعـداد الربامج‬
‫المضرة‬
‫ّ‬ ‫الصيام وإهدار هـذه األوقات فيما فيه‬
‫المتنوعـة التـي يهدفون مـن ورائها تضييع ّ‬
‫والعطب‪.‬‬

‫أال فلنتـق اهلل يف أنفسـنا ولنتـق اهلل يف أوالدنـا ولنحـذر مـن منافـذ الشـر ومداخلـه ومن‬
‫مصائـد الشـيطان وحبائله‪.‬‬

‫أعاذنا اهلل وذرياتنا من الشـيطان الرجيم‪ ،‬وأعاذنا جميعا من شـرور أنفسـنا وسـيئات‬
‫أعمالنـا وأصلـح لنـا شـأننا ك ّله إنه تبـارك و تعالى الهادي وهو ‪ ‬نعـم المولى ونعم‬
‫النصير‪.‬‬
‫[[[‬
‫فضائل ليلة القدر‬

‫إن الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ باهلل من شـرور أنفسـنا‬
‫وسـيئات أعمالنـا‪ ،‬مـن يهـده اهلل فال مضـل له ومن يضلل فال هـادي له‪ ،‬وأشـهد أن ال إله‬
‫إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبده ورسـوله؛ صلى اهلل عليـه وعلى آله‬
‫وأصحابه أجمعين وسـ َّلم تسليمًا كثيرا‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫عبـاد اهلل! أوصيكـم ونفسـي بتقـوى اهلل تعالـى ومراقبتـه يف السـر والعالنيـة والغيـب‬
‫والشـهادة‪.‬‬

‫ثـم اعلمـوا رحمكـم اهلل‪ :‬أن اهلل تعالـى هـو المتفـرد بالخلـق واالختيـار كمـا قـال اهلل‬
‫تعالـى‪ :‬ﮋﯞﯟﯠﯡﯢ ﮊ [القصـص‪]٦٨:‬؛ والمـراد باالختيار هنا‪ :‬هو‬
‫االجتبـاء واالصطفاء‪.‬‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1422-9-22 /‬هـ‬
‫‪114‬‬

‫فـاهلل ‪ ‬لكمـال حكمتـه وقدرتـه ولتمام علمه وإحاطته يختار من خلقه ما يشـاء‬
‫‪ -‬مـا يشـاء مـن األوقات واألمكنة واألشـخاص ‪ -‬فيخصهـم ‪ ‬بمزيد فضله‬
‫وجزيـل عنايتـه ووافـر إنعامـه وإكرامـه؛ وهـذا بلا ريـب مـن أعظـم آيـات ربوبيتـه وأكبر‬
‫شـواهد وحدانيتـه وصفـات كماله‪ ،‬وهو مـن أبين األدلة على كمـال قدرته وحكمته وأنه‬
‫‪ ‬يخلق ما يشاء ويختار وأن أز ّمة األمور بيده‪ ،‬فلله األمر من قبل ومن بعد يقضي‬
‫يف خلقه بما يشـاء ويحكم فيهم بما يريد ﮋﭾﭿ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅ‬
‫ﮆﮇ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮏﮐ ﮊ [الجاثيـة‪.]٣٧-٣٦:‬‬

‫عـز وجـل مـن األوقـات بمزيـد تفضيلـه ووافـر تكريمـه‬


‫خـص اهلل ّ‬
‫عبـاد اهلل‪ :‬وإن ممـا َّ‬
‫فضله ‪ ‬على سـائر الشـهور‪ ،‬والعشـر األواخر‬
‫شـهر رمضان المبارك؛ حيث َّ‬
‫فضلها على سـائر الليالـي‪ ،‬وليلة القدر حيث جعلها لمزيد فضلها عنده‬
‫مـن لياليه حيث َّ‬
‫وعظيـم مكانتهـا لديـه خيـر ًا مـن ألـف شـهر‪َّ ،‬‬
‫وفخـم أمرهـا وأعلـى شـأهنا ورفـع مكانتها‬
‫عندمـا أنـزل فيهـا وحيه المبيـن وكالمه الكريـم وتنزيلـه الحكيم هدى للمتقيـن وفرقانًا‬
‫للمؤمنيـن وضيـا ًء ونـور ًا ورحمـة‪ :‬ﮋﭖﭗﭘﭙ ﭚﭛﭜﭝ ﭞﭟﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮊ [الدخـان‪ ،]٨–٣:‬ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟﭠﭡﭢ ﭣﭤﭥﭦ ﭧ‬
‫ﭨﭩﭪﭫ ﭬ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭳﮊ [سـورة القـدر] فللـه مـا أعظمها من‬
‫ليلـة! ومـا أجلهـا ومـا أكرمهـا ومـا أوفـر بركتهـا ! ليلـة واحـدة خير مـن ألف شـهر وألف‬
‫‪115‬‬

‫عمر طويل لو قضاه المسـلم كله‬


‫شـهر ‪-‬عبـاد اهلل ‪ -‬تزيـد علـى ثالثـة وثمانين عاما؛ فهي ٌ‬
‫عـز وجـل‪ ،‬فليلـة القدر وهـي ليلة واحدة خير منه‪ ،‬وهـذا فضل عظيم وإنعا ٌم‬
‫يف طاعـة اهلل ّ‬
‫كريـم قـال قتـادة ‪« :$‬ﮋﭝﭞ ﭟﭠﭡﭢﮊ ليـس فيهـا ليلـة القدر»[[[‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬ويف هـذه الليلـة الكريمـة المباركة يكثر تنزل المالئكـة لكثرة بركتها وعظم‬
‫خيرهـا‪ ،‬فالمالئكـة يتنزلـون مـع تنـزل الربكـة والخيـر والرحمـة كمـا يتنزلون عنـد تالوة‬
‫القـرآن ويف ِحلـق الذكـر‪ ،‬وهـي سلا ٌم حتـى مطلـع الفجـر يعنـي‪ :‬أهنـا خيـر ك ّلهـا ليـس‬
‫فيهـا شـر إلـى مطلع الفجـر‪ ،‬ويف هـذه الليلـة الكريمـة المباركـة ﮋﭡﭢ ﭣﭤﮊ‪:‬‬
‫أي يقـدَّ ر فيهـا مـا يكـون يف تلـك السـنة بـإذن اهلل العزيـز الحكيـم‪ ،‬والمـراد بالتقديـر‪ :‬أي‬
‫التقدير السـنوي‪ ،‬وأما التقدير العام يف اللوح المحفوظ فهو متقدِّ ٌم على خلق السـموات‬
‫واألرض بخمسـين ألـف سـنة[[[ كمـا صحت بذلك األحاديث‪ ،‬وقـد ثبت عن النبي ﷺ‬
‫يف فضـل ليلـة القـدر أنـه قـال‪َ « :‬مـ ْن َقا َم لَ ْيلَـ َة الْ َقـدْ ِر إِميَانًا َوا ْح ِت َسـابًا ُغ ِفـ َر لَهُ َمـا تَ َقدَّ َم‬
‫ِم ْن َذنْبِـ ِه»[[[‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬وليلـة القـدر هـي قطعـا يف شـهر رمضـان المبارك لقـول اهلل تعالـى‪ :‬ﮋﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮊ‬
‫[البقـرة‪ ،]١٨٥:‬وهـي أرجـى مـا تكـون فيـه يف العشـر األواخـر منـه لقولـه ﷺ‪« :‬تَ َحـ َّر ْوا‬

‫[[[ رواه ابن جرير يف «تفسيره» (‪.)533/24‬‬


‫ِ‬
‫اص ﭭ َق َال‪َ :‬سـم ْع ُت‬ ‫ـن َع ْم ِـرو ْب ِن ا ْل َع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫[[[ روى اإلمـام مسـلم يف «صحيحـه» (‪َ :)2653‬عـ ْن َع ْبـد اهلل ْب ِ‬
‫ين أَل َ‬
‫ْف‬ ‫الَ ْر َ‬
‫ض ِب َخ ْم ِس َ‬ ‫ما َو ِ‬
‫ات َو ْ‬ ‫ـق َق ْب َـل أَنْ َي ْخل َُـق َّ‬
‫الس َ‬ ‫ـب اللـهُ َمقَا ِديـ َر الْخ ََلئِ ِ‬ ‫ـول اهللِ ﷺ‪َ ،‬ي ُق ُ‬
‫ـول‪« :‬كَ َت َ‬ ‫َر ُس َ‬
‫لى ال َْم ِء»‪.‬‬
‫َسـ َن ٍة‪ ،‬ق ََال‪َ :‬و َع ْرشُ ـهُ َع َ‬
‫[[[ رواه البخاري (‪.)1901‬‬
‫‪116‬‬

‫شر ْالَ َوا ِخـ ِر ِمـ ْن َر َمضَ ـانَ»[[[‪ ،‬وطل ُبهـا ‪ -‬عبـاد اهلل‪ -‬يف أوتـار العشـر‬ ‫لَ ْيلَـ َة الْ َقـدْ ِر ِ‬
‫ف الْ َع ْ ِ‬
‫َي أَ ْو‬
‫َي أَ ْو َسـ ْبعٍ يَ ْبق ْ َ‬
‫ش ْالَ َوا ِخ ِر ِم ْن تِ ْسـعٍ يَ ْبق ْ َ‬ ‫آكـد لقـول النبـي ﷺ‪« :‬الْ َت ِم ُسـو َها ِ‬
‫ف الْ َع ْ ِ‬
‫َين أَ ْو آ ِخـ ِر لَ ْيلَ ٍة»[[[‪ ،‬وأرجى ليلـة من تلك الليالي هي ليلة‬ ‫َين أَ ْو �ث َ َ‬
‫لا ٍث يَ ْبق ْ َ‬ ‫ـس يَ ْبق ْ َ‬
‫خ ْم ٍ‬
‫َ‬

‫سـبع وعشـرين لقـول كثيـر مـن الصحابة إهنا ليلة سـب ٍع وعشـرين؛ منهم ابن عبـاس ّ‬
‫وأبي‬
‫بـن كعب وغيرهمـا[[[‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬والحكمـة مـن إخفائهـا وعـدم تعيينهـا يف النصـوص أن يجتهـد المسـلمون‬
‫يف جميـع العشـر بطاعـة اهلل ‪ ‬بالتهجـد وقـراءة القـرآن واإلحسـان‪ ،‬وليتبيـن بذلـك‬
‫النشيط‬

‫والمجـدّ يف طلـب الخيـرات مـن الخامـل الكسلان‪ ،‬وألن النـاس لـو علمـوا ع ْينهـا‬
‫القتصـر أكثرهـم علـى قيامها دون سـواها‪ ،‬ولو علمـوا ع ْينها ما حصل كمـال االمتحان‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إن الواجـب علينـا أن نحرص تمام الحرص على طلب هذه الليلة المباركة‬
‫ولنحصـل مـن أجورهـا‪ ،‬فـإن المحـروم ‪ -‬عبـاد اهلل ‪-‬‬
‫ّ‬ ‫لنفـوز بثواهبـا ولنغنـم مـن خيرهـا‬
‫محملاً بذنوبـه بسـبب غفلته‬
‫مـن ُحـرم الثـواب ومـن تمـر عليـه مواسـم المغفـرة ويبقـى َّ‬
‫وإعراضـه وعـدم مباالته‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬طوبـى لمـن نـال فيهـا سـبق الفائزيـن وسـلك فيهـا بالقيـام والعمـل الصالح‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)2020‬ومسلم (‪.)1169‬‬


‫[[[ رواه أحمد يف «مسنده» (‪.)20404‬‬
‫[[[ انظـر علـى سـبيل المثـال‪« :‬لطائـف المعـارف» (ص‪ ،)218‬و«شـرح النـووي علـى صحيح مسـلم»‬
‫(‪ ،)57/8‬و«فتـح البـاري» (‪.)256/4‬‬
‫‪117‬‬

‫سـبيل الصالحين‪ٌ ،‬‬


‫وويل لمن ُطرد يف هذه الليلة عن األبواب وأغلق فيها دونه الحجاب‬
‫وانصرفـت عنـه هـذه الليلة وهو مشـغول بالمعاصي واآلثـام مخدوع باآلمـال واألحالم‬
‫مض ِّيـع لخيـر الليالـي وأفضـل األيام‪ ،‬فيا ِعظم حسـرته ويا شـدة ندامته‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬مـن لـم يربـح يف هـذه الليلـة الكريمـة ففـي أي وقـت يربـح ؟! ومن لـم ُينِب‬
‫إلـى اهلل يف هـذا الوقـت الشـريف فمتـى ينيب ؟! ومـن لم يزل متقاعد ًا فيهـا عن الخيرات‬
‫ففـي أي وقـت يعمل ؟!‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬اجتهـدوا ‪ -‬رحمكـم اهلل ‪ -‬يف طلـب تلـك الليلـة الشـريفة المباركـة وتحروا‬
‫خيرهـا وبركتهـا؛ بالمحافظـة علـى الصلـوات المفروضـة‪ ،‬وكثـرة القيـام‪ ،‬وأداء الـزكاة‪،‬‬
‫وبـذل الصدقـات‪ ،‬وحفـظ الصيـام‪ ،‬وكثـرة الطاعـات‪ ،‬واجتنـاب المعاصـي والسـيئات‪،‬‬
‫والنـدم والتوبـة مـن الذنـوب والخطيئـات‪ ،‬واإلكثـار مـن ذكـر اهلل وقـراءة القـرآن‪.‬‬

‫ويسـتحب للمسـلم أن يكثر فيها من الدعاء ألن الدعاء فيها مسـتجاب؛ وليتخير من‬
‫الدّ عـاء أجمعـه‪ ،‬روى الرتمـذي‪ ،‬وابـن ماجـه عـن عائشـة ڤ قالـت‪« :‬يَـا َر ُس َ‬
‫ـول اللَّـ ِه‬
‫ـم إِنَّـكَ َعفُـ ٌّو تُ ِح ُّ‬
‫ـب الْ َع ْف َو‬ ‫ْـت لَ ْيلَـ َة الْ َقـدْ ِر َمـا أَ ْد ُعـو؟ َق َ‬
‫ـال‪ :‬تَقُولِ َ‬
‫ين اللَّ ُه َّ‬ ‫أَ َرأَيْ َ‬
‫ـت إِنْ َوا َفق ُ‬
‫ف َع ِّنـي»[[[‪.‬‬
‫فَا ْع ُ‬

‫فإن هذا الدعاء عظيم المعنى عميق الداللة وهو مناسـب لهذه الليلة غاية المناسـبة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫لسـنة كاملة حتى ليلة‬ ‫فهـي الليلـة التـي يفرق فيها كل أمر ٍحكيم ويقدَّ ر فيها أعمال العباد‬
‫القـدر األخـرى‪ ،‬فمـن أعطـي يف تلـك الليلة العافية وعفا عنـه ربه فقد أفلـح غاية الفالح‪،‬‬

‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)3513‬وابن ماجه (‪ ،)3850‬وصححه األلباين يف «صحيح ابن ماجه» (‪.)3105‬‬
‫‪118‬‬

‫ومـن أعطـي العافيـة يف الدنيـا وأعطيهـا يف اآلخـرة فقـد أفلـح‪ ،‬والعافيـة ال يعدلها شـيء‪،‬‬
‫ـول اهَّللِ‬
‫روى الرتمـذي يف «سـننه» عـن العبـاس بـن عبـد المطلـب ﭬ قـال‪ُ :‬ق ْل ُت َيـا َر ُس َ‬
‫ـم ِج ْئ ُت َف ُق ْل ُت‬ ‫ِ‬
‫«س ْـل اللَّـهَ الْ َعا ِف َي َة»‪َ ،‬ف َم َك ْث ُت َأ َّيا ًما ُث َّ‬ ‫َع ِّل ْمنـي َشـ ْي ًئا َأ ْس َـأ ُل ُه َ‬
‫اهَّلل ‪‬؟ َق َال‪َ :‬‬
‫ـول اهَّللِ َع ِّلمنِـي َشـي ًئا َأس َـأ ُله اهَّلل ؟ َف َق َ ِ‬
‫َيـا َر ُس َ‬
‫ـال لـي‪« :‬يَا َع َّب ُ‬
‫اس يَا َع َّم َر ُسـولِ اللَّ ِه َس ْـل اللَّهَ‬ ‫ْ ْ ُ َ‬ ‫ْ‬
‫ف الدُّ نْ َيـا َو ْال ِخ َر ِة»[[[‪.‬‬
‫الْ َعا ِف َي َة ِ‬

‫فأكثـروا عبـاد اهلل مـن سـؤال اهلل العفـو والعافيـة والسـيما يف هـذه الليالـي الشـريفة‬
‫عفـو غفـور ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫الفاضلـة‪ ،‬واعلمـوا أن اهلل ‪ٌ ‬‬
‫ﮓﮔﮕﮖﮗﮊ [الشـورى‪ ،]٢٥:‬فلـم يـزل سـبحانه وال يـزال بالعفو‬
‫مضطر إلى عفـوه ومغفرته‬ ‫معروفـا وبالغفـران والصفـح عـن عبـاده موصوفا‪ ،‬وكل ٍ‬
‫أحـد‬
‫ٌ‬
‫مضطـر إلـى رحمتـه وكرمه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫كمـا هو‬

‫اللهم اشملنا بعفوك‪ ،‬وأدخلنا يف رحمتك‪ ،‬اللهم إنا نسألك العافية يف الدنيا واآلخرة‬
‫اللهـم إنـا نسـألك العفـو العافيـة يف الدين والدنيـا واآلخـرة‪ ،‬اللهم إنك عفـو تحب العفو‬
‫فاعـف عنـا‪ ،‬اللهـم إنك عفو تحب العفو فاعف عنـا‪ ،‬اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف‬
‫عنـا‪ ،‬اللهـم إنك عفو تحب العفـو فاعف عنا‪.‬‬

‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)3514‬وصححه األلباين يف صحيح الرتمذي (‪.)2790‬‬


‫‪119‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان‪ ،‬واسـع الفضـل والجـود واالمتنـان‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال‬
‫اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله؛ صلـى اهلل عليـه وعلـى آلـه‬
‫وأصحابـه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫عـز وجـل واالجتهـاد يف طاعتـه والسـعي يف‬


‫عبـاد اهلل! فأوصيكـم ونفسـي بتقـوى اهلل ّ‬
‫التقـرب إليـه بمـا يحـب مـن صالـح األعمـال؛ والسـيما ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬ونحن نعيـش هذه‬
‫األيام الفاضلة والليالي الكريمة‪ ،‬نعيش أوقاتًا شـريفة‪ ،‬نعيش العشـر األواخر من شـهر‬
‫رمضـان المبارك‪.‬‬

‫عبـاد اهلل! وقـد كان النبـي ﷺ يخـص هذه العشـر باالجتهاد يف العمـل أكثر من غيرها‬
‫ف الْ َع ْ ِ‬
‫ش‬ ‫كما يف «صحيح مسـلم» عن عائشـة ڤ قالت‪« :‬كَانَ َر ُس ُ‬
‫ـول اللَّ ِه ﷺ َي ْج َتهِدُ ِ‬
‫َي ِِه»[[[‪.‬‬ ‫ْالَ َوا ِخـ ِر َما َل َي ْج َتهِـدُ ِ‬
‫فغ ْ‬

‫ش شَ ـدَّ ِم ْئـ َز َر ُه‪َ ،‬وأَ ْح َيا‬ ‫ويف «الصحيحيـن» عنهـا قالـت‪« :‬كَانَ ال َّنب ُّ‬
‫ِـي ﷺ إِ َذا َدخ َ‬
‫َـل الْ َع ْ ُ‬
‫َـظ أَ ْهلَهُ»[[[‪.‬‬
‫لَ ْيلَـهُ‪َ ،‬وأَ ْيق َ‬
‫ٍ‬
‫عبـادة تقرب إلـى اهلل ‪:‬‬ ‫ٌ‬
‫شـامل لالجتهـاد فيها بـكل طاعة وكل‬ ‫عبـاد اهلل‪ :‬وهـذا‬
‫بقـراءة القـرآن الكريـم‪ ،‬واإلكثـار من ذكـر اهلل تعالى‪ ،‬والصلاة‪ ،‬واالعتـكاف‪ ،‬والصدقة‪،‬‬

‫[[[ رواه مسلم (‪.)1175‬‬


‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)2024‬ومسلم (‪.)1174‬‬
‫‪120‬‬

‫وبـذل الخيـر‪ ،‬وصلـة األرحـام‪ ،‬واإلحسـان إلـى عبـاد اهلل‪ ،‬وغيـر ذلـك مـن األعمـال‬
‫الصالحـات والطاعـات المقربـات إلـى اهلل ‪ ،‬وقـد كان صلوات اهلل وسلامه عليه‬
‫يتفـرغ يف هـذه العشـر لتلـك األعمـال فينبغـي علينـا االقتـداء برسـول اهلل ﷺ يف ذلـك‪،‬‬
‫كمـا ينبغـي ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬العنايـة بإيقـاظ األهـل واألوالد وحثهم وتشـجيعهم ليشـاركوا‬
‫المسـلمين يف إظهـار هـذه الشـعيرة‪ ،‬ويشتركوا معهـم يف األجـر‪ ،‬ويرتبـوا على عبـادة اهلل‬
‫وطاعـة اهلل‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬وقـد غفـل كثيـر مـن النـاس عـن أوالدهـم؛ فرتكوهـم يهيمـون يف الشـوارع‬
‫ويسـهرون للعـب والسـفه وال يحرتمون هـذه الليالي وال يعرفـون حرمتها ومكانتها عند‬
‫اهلل وال تكون لها مكانة يف نفوسهم‪ ،‬وهذا ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬من الحرمان الواضح والخسران‬
‫ٍ‬
‫غفلـة معرضـون؛ ال‬ ‫المبيـن أن تـأيت هـذه الليالـي المباركـة وتنتهـي وكثيـر مـن النـاس يف‬
‫يهتمـون لهـا وال يسـتفيدون منهـا‪ ،‬يسـهرون الليل كله أو معظمـه يف ما ال فائـدة فيه أو فيه‬
‫عمـا ُخصصت له‪،‬‬
‫فائـدة محـدودة يمكـن حصولهـا يف وقت آخر ويعطلـون هذه الليالي ّ‬
‫وبعضهـم ربمـا شـغل هـذه الليالي الشـريفة الفاضلة المباركـة بارتكاب الخطايـا واآلثام‬
‫والوقـوع يف المعاصـي والذنـوب‪ ،‬بـل لربمـا يف الوقـوع يف الكبائـر واإلجـرام‪ ،‬وال حـول‬
‫وال قـوة إال بـاهلل العلـي العظيم‪.‬‬

‫فنسـأل اهلل ‪ ‬بأسـمائه الحسـنى وصفاتـه العلا أن يهـدي ضال المسـلمين‪ ،‬وأن‬
‫يصلح شـباهبم ونسـاءهم‪ ،‬وأن يردهم جميعًا إلى الحق رد ًا جميال‪ ،‬وأن يث ّبت صالحهم‬
‫علـى الهـدى والتقـى‪ ،‬اللهـم أعنـا علـى طاعتـك ووفقنـا لهـداك وأعمـر أوقاتنا بمـا تحبه‬
‫وترضـاه يـا ذا الجلال واإلكرام‪.‬‬
‫[[[‬
‫من فضائل ليلة القدر‬

‫إن الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ باهلل من شـرور أنفسـنا‬
‫وسـيئات أعمالنـا‪ ،‬مـن يهـده اهلل فال مضـل له ومن يضلل فال هـادي له‪ ،‬وأشـهد أن ال إله‬
‫إال اهلل وحده ال شـريك له‪ ،‬وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله وصفيه وخليله وأمينه على‬
‫وحيـه ومبلغ الناس شـرعه؛ فصلوات اهلل وسلامه عليه وعلـى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫معاشـر المؤمنيـن! عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل تعالـى وراقبـوه يف السـر والعالنيـة والغيـب‬
‫والشـهادة؛ فـإن تقـوى اهلل ‪ ‬أسـاس الفلاح والفـوز والسـعادة يف الدنيـا واآلخـرة‪.‬‬

‫عـز وجـل‬
‫تفـرد وحـده ‪ ‬بالخلـق واإليجـاد‪ ،‬وهـو ّ‬
‫عبـاد اهلل‪ :‬إن اهلل ‪ّ ‬‬
‫المتفـرد وحـده باالجتبـاء واالصطفـاء واالختيـار‪ :‬ﮋﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﮊ‬
‫اختـص ‪ ‬واختـار مـن األزمنـة واألمكنة واألشـخاص فخصهم‬
‫َّ‬ ‫[القصـص‪]٦٨:‬؛‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1428-9-23 /‬هـ‬
‫‪122‬‬

‫ٍ‬
‫وحكمـة بالغة‬ ‫‪ ‬بوافـر فضلـه وجزيـل منِّـه وعظيـم إنعامـه وإكرامـه عـن ٍ‬
‫علـم كامل‬
‫وإن ممـا خـص ‪ ‬مـن األوقـات شـهر رمضـان حيـث فضلـه ‪ ‬علـى سـائر‬
‫الشـهور‪ ،‬والليالـي العشـر األخيـرة منه حيث فضلهـا ‪ ‬على سـائر الليالي وليلة‬
‫القـدر حيـث جعلهـا ‪ ‬خيـر ًا مـن ألـف شـهر‪ ،‬فاختصهـا هبـذا الفضـل العظيـم‬
‫خيـر مـن ألـف شـهر فهـذا يـدل علـى عظيـم‬
‫واإلنعـام الوافـر؛ ليلـة واحـدة ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ٌ -‬‬
‫مكانتهـا وعظيـم اجتبـاء اهلل ‪ ‬لهـا واختصاصهـا هبـذا اإلنعـام الوافـر واإلكـرام‬
‫العظيم‪.‬‬

‫َّ‬
‫وفخـم ‪ ‬أمرهـا وأعلا شـأهنا ورفـع قدرهـا فأنـزل فيهـا وحيـه الكريـم وذكـره‬
‫الحكيـم وكالمـه العظيم ‪ ،‬قـال ‪ :‬ﮋﭖﭗﭘﭙ ﭚﭛﭜﭝ‬
‫ﭞﭟﭠﭡﭢ ﭣﭤﭥ ﮊ [الدخـان‪ ]4–٣:‬وقـال ‪ :‬ﮋﭑﭒ‬
‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟﭠﭡﭢ ﭣﭤﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﮊ [سـورة القـدر]؛ ليلـة‬
‫ٌمباركـة عظيمـة الربكة كثيرة الخير وافـرة الخيرات والربكات‪ ،‬وهي ليلـة واحدة خير من‬
‫ألـف شـهر‪ :‬أي فيمـا يعادل بحسـاب السـنوات ما يزيـد على ثالثة وثمانين سـنة‪.‬‬

‫ليلة واحدة ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬هذا شـأهنا وهذه مكانتها بما خصها اهلل ‪ ‬به‪ ،‬ويف هذه‬
‫الليلـة تتنـزل المالئكة ويكثـر تنزلهم وتنزل المالئكـة يكون مع تنزل الربكـة وهذه الليلة‬
‫‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬ليل ٌة سلام حتى طلوع فجرها؛ أي‪ :‬سـالمة من الشـرور واآلفات واألضرار‬
‫والبليـات لعظم خيراهتا وكثرة بركاهتا‪.‬‬
‫‪123‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬قـد جـاء عن نبينا ♥ الرتغيـب يف قيامها والحث على تحريها‬
‫كمـا قـال ﷺ‪َ « :‬مـ ْن َقـا َم لَ ْيلَ َة الْ َقدْ ِر إِميَانًا َوا ْح ِت َسـا ًبا ُغ ِفـ َر لَهُ َما تَ َقدَّ َم ِمـ ْن َذنْ ِب ِه»[[[‪.‬‬

‫عباد اهلل‪ :‬وال ُتعلم ليلة القدر يف أي ليلة من العشـر األواخر‪ ،‬وهي يف العشـر األواخر‬
‫مـن رمضـان حيـث أرشـد النبـي ♥ إلـى تحريهـا يف العشـر األواخـر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫شر ْالَ َوا ِخـ ِر ِمـ ْن َر َمضَ ـانَ»[[[‪ ،‬وجـاء عنـه ♥‬ ‫«تَ َحـ َّر ْوا لَ ْيلَـ َة الْ َقـدْ ِر ِ‬
‫ف الْ َع ْ ِ‬
‫مـا يـدل علـى العنايـة بتحريهـا يف األوتـار مـن العشـر‪ ،‬لكـن اهلل ‪ ‬أخفى علـى العباد‬
‫ليلتهـا أو تعييـن ليلتهـا ليجتهدوا يف العشـر كاملة‪ ،‬وليظهر النشـيط من الكسلان والجاد‬
‫من المتخامـل الفاتر‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إن هـذه الليلـة العظيمـة ينبغـي علينـا أن نجتهـد يف تحريهـا وأن نحسـن مـن‬
‫إقبالنـا علـى اهلل فيهـا ذكر ًا وشـكرا‪ ،‬وتالو ًة لكالمه وقيامًا بين يديه ومناجـا ًة له و ُبعد ًا عن‬
‫إضاعـة هـذه الليالـي فيمـا ال فائـدة فيه‪ ،‬وإن أعظم مـا ُتتحرى به ليلة القـدر الدعاء ‪ -‬عباد‬
‫اهلل ‪-‬؛ فهـو مفتـاح كل خيـر يف الدنيـا واآلخـرة‪ ،‬ولهـذا جـاء يف الرتمذي عن عائشـة ڤ‬
‫ني اللَّ ُه َّم إِنَّكَ‬ ‫ْت لَ ْيلَـ َة الْ َقدْ ِر َما أَ ْد ُعو ؟ َق َ‬
‫ـال‪ :‬تَقُولِ َ‬ ‫قالـت‪« :‬يَـا َر ُس َ‬
‫ـول اللَّـ ِه أَ َرأَيْ َت إِنْ َوا َفق ُ‬
‫ْت لَ ْيلَ َة الْ َقـدْ ِر َما أَ ْد ُعو؟» يدل‬
‫ف َع ِّني»[[[؛ قولها ڤ‪« :‬إِنْ َوا َفق ُ‬ ‫َعفُـ ٌّو تُ ِح ُّ‬
‫ـب الْ َعفْـ َو فَا ْع ُ‬
‫داللـة ظاهـرة علـى أن الصحابـة ﭫ قـد تقـرر عندهـم أن ليلة القـدر أرجى أيـام الدعاء‬
‫وأفضـل أوقـات اإلجابـة فسـألت النبـي ﷺ عـن مـاذا تقـول؟ ولـم تسـأله هـل هـي ليلـة‬
‫(ما َأ ْد ُعو ؟) فأرشـدها ♥ إلى هذا‬
‫دعـاء؟ ألن هـذا متقـرر عندهم‪ ،‬فقالت‪َ :‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪.)1901‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)2020‬ومسلم (‪.)1169‬‬
‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)3513‬وابن ماجه (‪ ،)3850‬وصححه األلباين يف «صحيح ابن ماجه» (‪.)3105‬‬
‫‪124‬‬

‫الدعـاء العظيـم المناسـب مـع ليلة القدر غاية المناسـبة‪ ،‬ألن ليلة القدر ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬كما‬
‫يم ﴾ أي‪ُ :‬يكتب يف تلك الليلة ما هو كائن‬ ‫مـر معنـا يف كالم اهلل ﴿ فِ َيهـا ُي ْف َـر ُق ك ُُّل َأ ْم ٍـر َحكِ ٍ‬
‫إلى ليلة القدر من السـنة القابلة ولهذا ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬ناسـب غاية المناسـبة أن يعظم توجه‬
‫كتبت من السـعداء إذا عفا‬
‫العبـد إلـى اهلل بـأن يعفـو عنـه‪ ،‬وإذا عفـا اهلل عنك يف هذه الليلـة َ‬
‫اهلل عنـك يف هـذه الليلـة وكنـت من أهل العفو فيهـا فإنك من السـعداء الفائزين‪.‬‬

‫اللهـم إنـك عفو تحب العفو فاعـف عنا اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا اللهم‬
‫إنـك عفو تحب العفو فاعف عنا‪.‬‬

‫أقـول هـذا القول وأسـتغفر اهلل لي ولكم ولسـائر المسـلمين من كل ذنب فاسـتغفروه‬
‫يغفـر لكم إنـه هو الغفـور الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان واسـع الفضـل والجـود واالمتنـان وأشـهد أن ال إلـه إال‬
‫وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله صلى اهلل وسـلم عليـه وعلى آله‬
‫وصحبـه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫عباد اهلل! اتقوا اهلل تعالى‪.‬‬

‫عبـاد اهلل! إذا لـم تتحـرك القلوب يف هذه الليالي الفاضلـة واأليام العظيمة باإلنابة إلى‬
‫اهلل والتوبة واالسـتغفار فمتى عسـاها أن تتحرك ؟!‬
‫‪125‬‬

‫وقـد جـاء يف الحديـث الصحيـح عن النبي ﷺ أنه قـال‪َ « :‬ر ِغ َم أَن ُ‬


‫ْف َر ُجـلٍ َدخ ََل َعلَ ْي ِه‬
‫شَ ـ ْه ُر َر َمضَ انَ ثُ َّم ان َْسـلَخَ َق ْب َل أَنْ يُ ْغ َف َر لَهُ»[[[‪. ‬‬

‫وأوقـات شـريفة ينبغي علينـا أن ال نضيعها‬


‫ٌ‬ ‫عبـاد اهلل‪ :‬إهنـا أيـا ٌم فاضلـة وأزمنـ ٌة عظيمـة‬
‫وأن نُـري اهلل ‪ ‬فيهـا مـن صالـح األعمـال وسـديد األقوال ما ترتفع بـه درجاتنا عند‬
‫اهلل ‪ ‬ذي الجلال والكمـال‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إذا لـم تتحـرك القلـوب يف اإلقبـال علـى اهلل يف مثـل هـذه الليالـي الشـريفة‬
‫والمواسـم الفاضلـة فمتـى تتحـرك ؟!‬

‫ولهـذا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬مـن كان مفرطـا منـا فيما مضى من هذه األيـام والليالي الفاضلة‬
‫خيرا واألعمال بالخواتيم‪ ،‬ليـري اهلل ‪ ‬من‬
‫فل ُيـري اهلل ‪ ‬فيمـا بقـي من الشـهر ً‬
‫نفسه خيرا‪.‬‬

‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)3545‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)3510‬‬


‫الحث على اغتنام األيام األخيرة من رمضان‬
‫[[[‬

‫إن الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ باهلل من شـرور أنفسـنا‬
‫وسـيئات أعمالنـا‪ ،‬مـن يهـده اهلل فال مضـل له ومن يضلل فال هـادي له‪ ،‬وأشـهد أن ال إله‬
‫إال اهلل وحده ال شـريك له‪ ،‬وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله وصف ُّيه وخلي ُله وأمينه على‬
‫وحيـه ومب ِّل ُ‬
‫ـغ النـاس شـر َعه‪ ،‬فصلـوات اهلل وسلامه عليـه وعلـى آله وأصحابـه أجمعين‬
‫وسـلم تسليمًا كثيرا‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫َأيهـا المؤمنيـن! عبـا َد اهلل! أوصيكـم ونفسـي بتقـوى اهلل تعالـى ومراقبتِـه يف السـر‬
‫والعالنيـة‪ ،‬فـإن تقـوى اهلل ‪ ‬هـي خيـر ٍ‬
‫زاد ُي َب ِّل ُ‬
‫ـغ إلـى رضـوان اهلل‪ ،‬وهـي وصيـ ُة اهلل‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬لألوليـن واآلخريـن مـن خلقه‪ ،‬وهي وصيـة النّبي الكريم ﷺ أل ّمتـه وهي وصي ُة‬
‫عظيـم وعواق ُبهـا‬
‫ٌ‬ ‫السـلف الصالـح ‪ ô‬فيمـا بينهـم‪ ،‬والتقـوى ‪ -‬عبـا َد اهلل ‪ -‬شـأنُها‬
‫ّ‬

‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1421-9-26 /‬هـ‪.‬‬


‫‪127‬‬

‫حميـد ٌة يف الدنيـا واآلخـرة‪.‬‬

‫نعيـش هـذه األيـام ‪ -‬األيـا َم األخيـر ُة مـن شـهر رمضان المبارك ‪ِ -‬‬
‫شـهر‬ ‫عبـا َد اهلل‪ :‬إننـا ُ‬
‫ِ‬
‫والجـود واإلحسـان‪ ،‬عبـا َد اهلل‪ :‬إننـا نعيـش هـذه األيام‬ ‫الخيـر والعطـاء والفضـ ِل والربكـة‬
‫الشـهر‬
‫َ‬ ‫األيـا َم األخيـر َة من هذا الشـهر العظيـم الكريم‪ ،‬عبا َد اهلل وإننا جميعًا نعلم أن هذ َا‬
‫تعو ُض للتوبة إلى اهلل ‪‬‬ ‫فرص ٌة ال َّ‬
‫لكثير من الناس‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تتكر ُر‬
‫عو ُض وقد ال َّ‬‫فرص ٌة ال ُت َّ‬
‫فرص ٌة ال‬ ‫ِ‬
‫التفريط يف َج ِ‬ ‫ِ‬
‫واإلقبـال إلى طاعته والنَّـدَ ِم على‬ ‫ِ‬
‫نـب اهلل ‪َ ،‬‬ ‫واإلنابـة إليـه‬
‫والتوبـة إليـه من كل ٍ‬‫ِ‬
‫ذنـب وخطيئة‪.‬‬ ‫عـو ُض لإلنابـة إلـى اهلل ‪‬‬ ‫ُت َّ‬
‫ِ‬
‫والشهر‬ ‫ِ‬
‫الموسم الكريم‬ ‫عبا َد اهلل‪ :‬إذا لم يندم الناس ولم يتوبوا إلى اهلل ‪ ‬يف هذا‬
‫الرقـاب مـن النـار‪ ،‬ويتـوب اهلل ‪ ‬فيـه على من‬
‫ُ‬ ‫الفضيـل؛ الشـهر الـذي ُتعت َُـق فيـه‬
‫يتوب !!‬
‫فمتـى ُ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الشـهر العظيم إذا لـم َيتُب العبدُ إلى اهلل ‪‬‬ ‫يتـوب مـن عبـاده‪ ،‬يف هذا‬
‫ُ‬

‫ْف َر ُجلٍ ُذ ِكـ ْر ُت ِع ْن ُ‬


‫دَه َفل َْم‬ ‫وعـن أبـي هريـرة ﭬ أيضًا عن النبـي ﷺ قال‪َ « :‬ر ِغ َ‬
‫ـم أَن ُ‬
‫ْـف َر ُجـلٍ َدخ ََل َعلَ ْيـ ِه َر َمضَ انُ ثُ َّم ان َْسـلَخَ َق ْب َـل أَنْ يُ ْغ َف َر لَـهُ‪َ ،‬و َر ِغ َم‬
‫ـم أَن ُ‬
‫لي‪َ ،‬و َر ِغ َ‬
‫يُ َص ِّـل َع َ َّ‬
‫لا ُه الْ َج َّن َة»[[[‪. ‬‬ ‫ـدَه أَبَـ َوا ُه الْ ِك َ َ‬
‫ب َفل َْم يُدْ ِخ َ‬ ‫ْـف َر ُجـلٍ أَ ْد َركَ ِع ْن ُ‬
‫أَن ُ‬

‫«ص ِعدَ َر ُس ُ‬
‫ـول‬ ‫ِ‬
‫وروى ابن حبان يف «صحيحه» من حديث مالك بن الحويرث ﭬ‪َ :‬‬
‫ني» ُث َّم َرقِ َي‬
‫ـال‪« :‬آ ِم َ‬ ‫ني» ُث َّم َرقِي َع َت َب ًة ُأ ْخ َرى‪ ،‬ف َق َ‬ ‫َ‬ ‫اهَّللِ ﷺ ا ْل ِمنْ َب َـر‪َ ،‬ف َل َّمـا َرقِـي َع َت َبةً‪َ ،‬ق َال‪« :‬آ ِ‬
‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َـال‪ :‬يَا ُم َح َّمدُ‪َ ،‬مـ ْن أَ ْد َركَ َر َمضَ انَ‬‫ِيل‪ ،‬فق َ‬ ‫ب ُ‬ ‫َان جِ ْ‬ ‫ـم‪َ ،‬ق َ‬
‫ـال‪« :‬أَت ِ‬ ‫ين» ُث َّ‬
‫ـال‪« :‬آ ِم َ‬ ‫َع َت َبـ ًة َثال ِ َثـةً‪ ،‬ف َق َ‬
‫ما‪َ ،‬فدَ خ ََل‬ ‫ـال‪َ :‬و َمـ ْن أَ ْد َركَ َوا ِلدَ يْـ ِه أَ ْو أَ َحدَ ُه َ‬
‫ني‪َ ،‬ق َ‬ ‫َـم يُ ْغفَـ ْر لَـهُ‪َ ،‬فأَبْ َع ُ‬
‫ـدَه اللَّـهُ‪ُ ،‬قل ُْت‪ :‬آ ِم َ‬ ‫َفل ْ‬

‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)3545‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)3510‬‬


‫‪128‬‬

‫ـدَه َفل َْم يُ َص ِّـل َعلَ ْيـكَ ‪َ ،‬فأَبْ َع ُ‬


‫دَه‬ ‫َـال‪َ :‬و َم ْن ُذ ِكـ ْر َت ِع ْن ُ‬ ‫ْـت‪ :‬آ ِم َ‬
‫ين‪ ،‬فق َ‬ ‫ال َّنـا َر‪َ ،‬فأَبْ َع ُ‬
‫ـدَه اللَّـهُ‪ُ ،‬قل ُ‬
‫ني»[[[‪.‬‬
‫ْـت‪ :‬آ ِم َ‬ ‫اللَّـهُ‪ُ ،‬ق ْـل‪ :‬آ ِم َ‬
‫ني‪َ ،‬ف ُقل ُ‬

‫الكريم وهذا الموسـم‬


‫َ‬ ‫الشـهر‬
‫َ‬ ‫ال ِن على أن هذا‬
‫عبـا َد اهلل‪ :‬هـذان الحديثان العظيمان َيدُ َّ‬
‫المبـارك موسـم شـهر رمضـان هـو فرصـ ٌة عظيمة للتوبـة إلـى اهلل ‪‬؛ فرصـ ٌة عظيم ٌة‬ ‫َ‬
‫لتتحـرك تائبـ ًة إلـى اهلل ‪ ‬منيبـ ًة إليـه مقبل ًة على طاعتـه نادم ًة علـى تفريطِه َا‬
‫َّ‬ ‫للقلـوب‬
‫ف أ َّيامها وماضـي أزماهنا‪.‬‬ ‫يف سـال ِ ِ‬
‫َ‬

‫جوانب‬ ‫واحد منَّا يف حياته وما مضى من أيامه يجد أنه ُم َق ِّص ٌر يف‬ ‫ٍ‬ ‫عبا َد اهلل‪ :‬لو تأ َّمل ُّ‬
‫كل‬
‫َ‬
‫ومفـر ٌط يف واجبات عظيمة‪ ،‬وقد جـاء يف الحديث عن‬ ‫أمـور عديـدة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ِّ‬ ‫ومخطـئ يف َ‬ ‫ٌ‬ ‫كثيـرة‪،‬‬
‫ني ال َّت َّوا ُبـونَ»[[[؛ عبـاد اهلل‪:‬ك ُّلنا‬
‫َير الْ َخطَّا ِئ َ‬
‫خطَّـا ٌء َوخ ْ ُ‬ ‫النبـي ﷺ أنـه قـال‪« :‬ك ُُّل ا ْب ِ‬
‫ـن آ َد َم َ‬
‫باب التوبـة مفتوحا‪ ،‬وأمامنـا فرص ٌة‬ ‫ويفـرط‪ ،‬فأمامنـا ُ‬
‫ويقصر ِّ‬
‫ِّ‬ ‫يخطـئ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الرجـل الـذي‬ ‫ذلـك‬
‫تعـوض لِنُقبِ َـل علـى اهلل ‪ ‬ولنتـوب إليـه‪ ،‬وإذا كنـا ‪ -‬عبـا َد اهلل ‪ -‬تصدَّ قنَـا‬
‫عظيمـ ٌة ال ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نعمل‬‫بماضـي أيامنـا وسـالف أزماننـا علـى الدنيـا ف ْلنتصدَّ ْق بباقـي أيامنَـا على اآلخـرة؛ ل َ‬
‫َنتهز هـذه الفرص َة‬ ‫عمـل اآلخـرة ولنُقبِ َـل علـى اهلل ‪ ‬ولنَتُـوب إليه توبـ ًة نصوحا‪ ،‬ولن ِ‬
‫فرصـة شـهر رمضـان المبارك لنتوب إلـى اهلل ‪ ‬توب ًة صادق ًة مـن كل ذنب وخطيئة‪.‬‬

‫و ْلنع َلـم يـا رعاكـم اهلل‪ ،‬ولنعلم أيها اإلخوة أن التوبة ال يقب ُلهـا اهلل ‪ ‬من عبده إال‬
‫ٌ‬
‫شـروط ثالثة؛ أال وهي‪:‬‬ ‫نصوحا إال إذا توفرت فيها‬
‫ً‬ ‫إذا كانـت نصوحـا‪ ،‬وال تكـون التوبـ ُة‬
‫واإلقلاع عنهـا تمامـا‪ ،‬والعـز ُم علـى عدم العـودة إليهـا‪ ،‬وإذا‬
‫ُ‬ ‫النـد ُم علـى فعـل الذنـوب‪،‬‬

‫[[[ رواه ابن حبان يف «صحيحه» (‪ ،)409‬وصححه األلباين يف «التعليقات الحسان» (‪.)420/1‬‬
‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)2499‬وابن ماجه (‪ ،)4251‬وحسنه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)4515‬‬
‫‪129‬‬

‫كانـت الذنـوب والخطايـا تتعلق بحقوق اآلدمييـن فال بد يف ذلك من شـرط رابع وهو أن‬
‫الحـق إلى أهله‪.‬‬
‫َّ‬ ‫يتح َّللهـم أو يعيد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬لنتـب إلـى اهلل ‪ ‬قبل فوات األوان ولنتدارك أيامنا وطاعاتنا هلل ‪‬‬
‫يفوت على اإلنسـان الفرصـ ُة التي ُيح ِّق ُق فيها ذلك‪.‬‬
‫َ‬ ‫قبـل أن‬

‫الشـهر الكريـم وهـا نحـن نعيـش أيا َمـ ُه األخيـر َة وربمـا ّ‬


‫أن‬ ‫َ‬ ‫عبـا َد اهلل‪ :‬إننـا أدركنـا هـذ َا‬
‫ِ‬
‫التوبة إلى‬ ‫ِ‬
‫الشـهر الكريـم يف‬ ‫ِ‬
‫فلننته ْز ما بقي من أيا ِم هذا‬ ‫اآلخـر؛‬ ‫َ‬
‫رمضـان َ‬ ‫ُ‬
‫يـدرك‬ ‫بعضنـا ال‬‫َ‬
‫ِ‬
‫قصرنا فيما مضـى من أيا ِم هذا‬ ‫اهلل واإلنابـة إليـه ‪ ‬والرجـو ِع إليـه‪ ،‬وإذا كنَّـا فر ّطنَا أو َّ‬
‫ـم مـا بقـي منـه؛ فقـد بقـي منه ثال َثـ ُة أيـا ٍم أو أربعـ ُة أيـام عظيمة‪ ،‬فلننتهـز هذه‬‫ِ‬
‫الشـهر فلنغتن ْ‬
‫الفرصة‪.‬‬

‫الخيـر‪ ،‬وأن ُيعينَنَا وإياكـم على طاعته‪ ،‬وأن‬


‫َ‬ ‫وإين ُ‬
‫أسـأل اهلل ‪ ‬أن ُي َي ِّس َـر لـي ولكـم‬
‫السـبيل‪ ،‬وأن يوفقنـا جميعا لنتـوب إلى اهلل ‪ ‬توبـة نصوحا من كل‬ ‫يهد َينـا سـواء ّ‬
‫اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجالل واإلكرام َيا م ْن َو ِسـ ْع َت كل شـيء رحم ًة‬
‫ّ‬ ‫ذنب وخطيئة‬
‫وعلما نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العظيمة وبأنّك أنت اهلل الذي ال إله إال أنت‬
‫تغفر لنا ذنبنا ك َّله‪ ،‬اللهم اغفر لنا ذنبنا كله ِد َّق ُه ِ‬
‫وج َّل ُه أوله وآخره سـره وعلنه‪،‬‬ ‫نسـألك أن ِ‬

‫اللهـم اغفـر لنـا مـا قدّ منـا ومـا َّ‬


‫أخرنا وما أسـررنا ومـا أعلنا وما أنـت أعلم به منـا‪ ،‬اللهم يا‬
‫حـي يـا قيـوم اغفر ذنـوب المذنبين وتب على التائبين وتقبل صيـام الصائمين والقائمين‬
‫ُّ‬
‫والمعتكفيـن يـا حي يـا قيوم يا ذا الجلال واإلكرام اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسـلمين‬
‫والمسـلمات والمؤمنين والمؤمنات األحياء منهم واألموات إِنَّك أنت الغفور الرحيم‪.‬‬
‫‪130‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان واسـع الفضـل والجـود واالمتنـان‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال‬
‫اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله؛ صلـى اهلل عليـه وعلـى آلـه‬
‫وأصحابـه أجمعيـن وسـلم تسـليما ًكثيـرا‪ .‬أمـا بعد‪:‬‬

‫عباد اهلل‪ :‬أوصيكم ونفسي بتقوى اهلل تعالى‪.‬‬

‫ثـم اعلمـوا رحمكـم اهلل َّ‬


‫أن مـن األحـكام المهمـة التـي ينبغـي أن نتذك ََّرهـا ونحـن يف‬
‫تمـام هـذا الشـهر‪ :‬مـا يتعلـق بـزكاة الفطـر التـي جعلهـا اهلل ‪ُ ‬ط َ‬
‫هـر ًة للصائـم مـن‬
‫ِ‬
‫الر َف َث والخطأ وال ُفسـوق‪ ،‬وجعلها ُط َ‬
‫عم ًة للمسـاكين‪ ،‬فطيبوا رحمكم اهلل هبا ً‬
‫نفسـا فإهنا‬
‫فريضـ ٌة َ‬
‫فرضهـا اهلل ‪ ‬علـى العبـاد علـى الذكـر واألنثـى والصغيـر والكبيـر‪ ،‬وهـي‬
‫عمـ ٌة للمسـاكين و ُطهـر ٌة للصائـم‪ ،‬وهـي َت ُ‬
‫خـر ُج ‪ -‬عبـا َد اهلل ‪ -‬من طعام البلـد‪ ،‬وليتخ َّي ْر‬ ‫ُط َ‬
‫خاصـ ًة وليس لجميع‬ ‫ف للمسـاكين َّ‬ ‫منـه أجـو َد ُه وأح َّبـه إلـى المسـاكين‪ ،‬وهـي إنمـا ُت َ‬
‫صر ُ‬
‫ـول اللَّـ ِه ﷺ َزكَا َة الْ ِفطْـ ِر‬ ‫ف لهـم الـزكاة‪ ،‬قـال ابـن عبـاس ﭭ‪« :‬فَـ َر َ‬
‫ض َر ُس ُ‬ ‫مـن ُت َ‬
‫صـر ُ‬
‫لا ِة َفه َِي َزكَا ٌة‬ ‫لصائِ ِـم ِم ْن اللَّغْـ ِو َوال َّرف َِث َوطُ ْع َم ًة لِلْ َم َسـا ِكنيِ‪َ ،‬ف َم ْن أَ َّدا َها َق ْب َل َّ‬
‫الص َ‬ ‫طُ ْهـ َر ًة لِ َّ‬
‫ـات»[[[‪.‬‬ ‫لا ِة َفه َِي َصدَ َقـ ٌة ِم ْن َّ‬
‫الصدَ َق ِ‬ ‫َم ْق ُبولَـ ٌة‪َ ،‬و َمـ ْن أَ َّدا َهـا بَ ْعـدَ َّ‬
‫الص َ‬

‫فيخر ُج لهم من طعام البلد إما الربُّ أو‬ ‫ِ‬


‫خر ُج الطعـام؛ َ‬
‫إخـراج النقـود‪ ،‬وإنما ُي َ‬
‫ُ‬ ‫وال يجـوز‬
‫ٍ‬
‫مسـلم‬ ‫األرز أو نحـو ذلـك مـن طعام البلد صاعًا على كل‬
‫الزبيـب أو ُ‬
‫ُ‬ ‫التمـر أو‬
‫ُ‬ ‫الدقيـق أو‬
‫ُ‬
‫يطعـم عنـه وعمن يعـول‪ ،‬ي ِ‬
‫طع ُم عن الصغير والكبير وعـن الذكر واألنثى‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫[[[ رواه أبو داود (‪ ،)1609‬وابن ماجه (‪ ،)1827‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)3570‬‬
‫‪131‬‬

‫أخرجهـا َ‬
‫قبـل‬ ‫َ‬ ‫والسـن ُة ‪ -‬عبـا َد اهلل‪ -‬أن ُت ِ‬
‫خـر َج زكاة الفطـر قبـل صلاة العيـد‪ ،‬وإذا‬
‫يـوم العيـد بيـوم أو يوميـن فلا بـأس بذلـك‪ ،‬ومـن أخرجهـا بعـد الصلاة فإهنـا صدقة من‬
‫الصدقـات‪ ،‬وال يجـوز تأخيرهـا عـن صلاة العيـد‪.‬‬

‫السـن ُة العظيم ُة التـي دل عليها قوله‬ ‫يجـب أن َ‬


‫نتذك ََّرها؛ ّ‬ ‫ُ‬ ‫عبـاد اهلل‪ :‬ومـن األحـكام التـي‬
‫‪ :‬ﮋ ﯟ ﯠ ﮊ أي‪ :‬عـدة أيـام الصيـام‪ ،‬ﮋ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡﯢﯣﯤ ﯥﯦﯧﮊ [البقـرة‪]١٨٥:‬؛ وهـذا فيـه‬
‫إدراك شـهر الصيـام إلـى تمامِه أن يشـ ُكر‬
‫ِ‬ ‫إشـار ٌة َّ‬
‫أن مـن وفقـه اهلل ‪ ‬وأعانَـه علـى‬
‫والمن َِّـة الجسـيمة و ُيك ِّبـر اهلل ‪ ‬ويع ِّظ َمـ ُه‪:‬‬
‫اهلل ‪ ‬علـى هـذه النعمـة العظيمـة ِ‬

‫ﮋﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﮊ‪ ،‬ولهـذا ‪ -‬عبـا َد اهلل ‪ -‬فـإن‬


‫خـرج اإلنسـان مـن بيتـه إلـى ُمص َّلـى العيد أن َ‬
‫يرفـع صو َتـ ُه بالتكبير‪ ،‬والسـن ُة أن‬ ‫َ‬ ‫السـن َة إذا‬
‫ّ‬
‫يقول‪( :‬اهلل أكرب اهلل أكرب ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكرب وهلل الحمد)‪ ،‬والسنة ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬أن يك ِّبر‬
‫بسـنة وليس بمشـرو ٍع ألنه مضى عمل‬ ‫ٍ‬ ‫فليس‬ ‫ُّ‬
‫الجماعي َ‬
‫ُّ‬ ‫كل مسـلم بمفرده‪ ،‬وأما التكبير‬
‫خلاف ذلـك‪ ،‬وألن ذلـك لـم ُيؤ َث ْر عـن النبـي الكريم ﷺ‪.‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السـلف علـى‬

‫أجمل ثيابِه دون‬


‫َ‬ ‫ب ويلبس‬
‫عبا َد اهلل‪ :‬و ُي َسـ ُّن لمن خرج لصالة العيد أن يغتسـل ويتط َّي َ‬
‫ِ‬
‫متواض ًعا متمسـكنًا ُمقبِالً علـى اهلل ‪ُ ‬مك ِّب ًرا له مع ِّظمًا له‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫سـرف أو َم ْخ َي َلـة؛ ُ‬
‫يخـر ُج‬
‫شـاكرا له على نعمائه وفضله وجوده وعطائه‪.‬‬
‫ً‬ ‫سـبحانه‬

‫عبـا َد اهلل‪ :‬تق َّب َـل اهلل من ُك ُ‬


‫ـم الصيـام والقيـا َم وأعا َن ُكـم علـى طاعتـه ووفقكـم لـكل خيـر‬
‫وهدانـا وإياكـم إلى سـواء السـبيل‪.‬‬
‫[[[‬
‫موعظة في خاتمة شهر رمضان‬

‫الحمـد هلل الكريـم الوهـاب‪ ،‬أحمـده ‪ ‬بمحامـده التـي هـو لهـا أهـل‪ ،‬وأثنـي‬
‫عليـه الخيـر كلـه ال أحصـي ثنـاء عليـه هو كمـا أثنى على نفسـه‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل‬
‫وحده ال شـريك له‪ ،‬وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه‬
‫ومب ّلـغ النـاس شـرعه فصلـوات اهلل وسلامه عليـه وعلى آله وصحبـه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫أيها المؤمنون! اتقوا اهلل تعالى وراقبوه ‪ ‬يف سـركم وعالنيتكم مراقبة من يعلم‬
‫عمـل بطاعـة اهلل على ٍ‬
‫نور مـن اهلل رجاء ثواب‬ ‫أن ربـه يسـمعه ويـراه‪ ،‬وتقـوى اهلل ‪ٌ :‬‬
‫ٌ‬
‫وتـرك لمعصيـة اهلل على نور من اهلل خيفـة عذاب اهلل‪.‬‬ ‫اهلل‪،‬‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬أال إن شـهرنا الكريـم وموسـمنا المبـارك العظيم أوشـك هالله على‬
‫المغيـب‪ ،‬وأوشـكت أيامـه ال ُغـرر ولياليـه الـدرر أن تنتهـي وتنقضـي‪ ،‬أال وإنـه ‪ -‬عبـاد اهلل‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1431-9-24 /‬هـ‬
‫‪133‬‬

‫عظيـم مبـارك لنيـل الغفـران والعتق من النيـران والفوز برحمـة اهلل ‪‬؛ فهو‬
‫ٌ‬ ‫موسـم‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬‬
‫موسـم فيـه أبـواب الجنـة تفتّـح وأبـواب النار توصـد وتغلق‪ ،‬وعجبـا ٍ‬
‫لعبد أبـواب الجنة‬
‫شـرعة وأبـواب النار مغلقة ومجاالت الخير مه ّيأة وهو عـن ذلك نائم وعن ذلك‬
‫أمامـه ُم َ‬
‫كلـه غافـل!! روى الرتمـذي مـن حديـث أبي هريرة عن نبينـا ﷺ أنه قال‪َ « :‬مـا َرأَيْ ُت ِمث َْل‬
‫ال َّنـا ِر نَـا َم َها ِربُ َهـا َوالَ ِمث َْل الْ َج َّن ِة نَـا َم طَالِ ُب َها»[[[‪.‬‬

‫عباد اهلل‪ :‬أال وإن من أعظم الخسران وأشد الحرمان أن يدرك المسلم شهر الخيرات‬
‫والعتـق مـن النيـران ثـم ينقضـي شـهره المبـارك وهـو مـن خيراتـه محـروم ومـن نفحات‬
‫الـرب ‪ ‬محـروم‪ ،‬روى الرتمـذي من حديث أبي هريرة ﭬ أن النبي ﷺ قال‪:‬‬
‫لي‪َ ،‬و َر ِغ َم أَن ُ‬
‫ْف َر ُجـلٍ َدخ ََل َعلَ ْيـ ِه َر َمضَ انُ‬ ‫ـدَه َفل َْم يُ َص ِّـل َع َ َّ‬ ‫ـم أَن ُ‬
‫ْـف َر ُجـلٍ ُذ ِكـ ْر ُت ِع ْن ُ‬ ‫« َر ِغ َ‬
‫َـم يُدْ ِخ َل ُه‬ ‫دَه أَبَـ َوا ُه الْ ِك َ َ‬
‫ب َفل ْ‬ ‫ْـف َر ُجـلٍ أَ ْد َركَ ِع ْن ُ‬
‫ـم ان َْسـلَخَ َق ْب َـل أَنْ يُ ْغفَـ َر لَـهُ‪َ ،‬و َر ِغ َم أَن ُ‬
‫ثُ َّ‬
‫الْ َج َّن َة»[[[‪.‬‬

‫الرغـام وهو التراب‪ ،‬وهـو دعاء على مـن كانت هذه‬


‫ْـف َر ُجـلٍ» مـن َّ‬ ‫وقولـه‪َ « :‬ر ِغ َ‬
‫ـم أَن ُ‬
‫حاله بالذل والخسـران‪.‬‬

‫نعـم أيهـا المؤمنـون ! إنه خسـران فادح وغبن كبير أن ينقضي شـهر الخيرات بربكاته‬
‫العظيمة وخيراته الجسـيمة والعبد ٍ‬
‫اله ساه‪.‬‬
‫عباد اهلل‪ :‬أال طوبى ٍ‬
‫لعبد نال يف هذا الشهر س ْبق الفائزين وسلك فيه سبيل الصالحين‪،‬‬

‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)2601‬وحسنه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)5622‬‬


‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)3545‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)3510‬‬
‫‪134‬‬

‫وويـل ثـم ويل لمن انقضى شـهره وهو مطرود من األبواب قـد ُأغلق فيه دونه الحجاب؛‬
‫فمضى شـهره وهو فيه يف غاية الحرمان لكونه ماضيًا يف لهوه سـادر ًا يف غ ّيه معرضًا عن‬
‫طاعة ربه ومواله ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬وليالـي الشـهر األخيـرة هـي خيـر الشـهر وأفضلهـا‪ ،‬وفيهـا ليلـة مباركـة من‬
‫ُحرمهـا فقـد ُحـرم الخيـر كله؛ إهنـا ‪ -‬أيها المؤمنـون ‪ -‬ليلة القـدر المباركـة‪ :‬ﮋﭗﭘ‬
‫ﭙﭚﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟﭠﭡﭢ ﭣﭤﭥﭦ ﭧﭨ ﭩﭪﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﮊ [القـدر‪.]5-2:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬ليلة واحـدة هذا فضلها وتلك خيراهتا وبركاهتا‪ ،‬ليلـة واحدة خير من‬
‫ألف شهر‪ ،‬العمل فيها خير من العمل يف ألف شهر ليس فيها ليلة القدر‪ ،‬وهي ليلة كلها‬
‫سلام مـن أولهـا إلـى طلـوع فجرها لكثـرة خيراهتـا وعموم بركاهتـا‪ ،‬وفيها تتنـزل مالئكة‬
‫الرحمـن بكثيـرة تتنـزل بالرحمـات والخيـرات والبركات‪ ،‬ومـن ُحـرم بركـة هـذه الليلـة‬
‫وخيرها فما أعظم حرمانه وما أشـد خسـرانه‪ ،‬روى ابن ماجة يف «سـننه» من حديث أبي‬
‫َير ِم ْن أَل ِ‬
‫ْف‬ ‫ُـم‪َ ،‬و ِفي ِه لَ ْيلَ ٌة خ ْ ٌ‬
‫ضك ْ‬‫هريـرة ﭬ أن النبـي ﷺ قـال‪« :‬إِنَّ َهـ َذا الشَّ ـ ْه َر َقدْ َح َ َ‬
‫َي َها إِالَّ َم ْحـ ُرو ٌم»[[[‪.‬‬ ‫شَ ـ ْهرٍ‪َ ،‬مـ ْن ُح ِر َم َهـا‪َ ،‬ف َقدْ ُحـ ِر َم الْخ ْ َ‬
‫َي كُلَّهُ‪َ ،‬والَ يُ ْحـ َر ُم خ ْ َ‬

‫عباد اهلل‪ :‬وإذا لم تتحرك النفوس يف مثل هذه اللحظات المباركة والساعات الكريمة‬
‫فمتى عساها أن تتحرك!!‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬إذا لم تتحـرك قلوبنا يف مثل هذه الليالي المباركات التي ُتتحرى فيها‬

‫[[[ رواه ابن ماجه (‪ ،)1644‬وصححه األلباين يف «صحيح ابن ماجه» (‪.)1333‬‬
‫‪135‬‬

‫هـذه الليلـة العظيمـة فمتـى يكون تحركهـا !! تقـول أم المؤمنين عائشـة كمـا يف الرتمذي‬
‫ْـت لَ ْيلَـ َة الْ َقـدْ ِر َما أَ ْد ُعـو ؟ َق َ‬
‫ـال‪ :‬تَقُولِ َ‬
‫ني‬ ‫ـت إِنْ َوا َفق ُ‬ ‫وغيـره قالـت‪َ « :‬يـا َر ُس َ‬
‫ـول اللَّـ ِه أَ َرأَ ْي َ‬
‫ـف َع ِّني»[[[‪.‬‬ ‫ـم إِنَّـكَ َع ُف ٌّو تُ ِح ُّ‬
‫ـب الْ َع ْف َو فَا ْع ُ‬ ‫اللَّ ُه َّ‬

‫أال مـا أعظمهـا مـن دعـوات ومـا أحوجنا جميعـا إلى االسـتكثار منها يف هـذه الليالي‬
‫المباركات‪.‬‬

‫هـذه الليلـة هـي الليلـة التـي ﮋﭠﭡﭢ ﭣﭤﮊ [الدخان‪ ]4:‬ف ُيكتب فيها ما‬
‫هـو كائن يف السـنة كلهـا إلى ليلة القـدر األخرى‪.‬‬
‫فمـا أعظـم حـظ ٍ‬
‫عبـد كُتـب لـه يف هذه الليلـة العفو والمعافـاة‪ ،‬وما أعظم خسـران من‬
‫كان يف هـذه الليلـة محروما‪.‬‬

‫لنــتعرض لهـذه النفحـات المباركـة‪ ،‬ومـن كان منا مفرطًا مضيعـا فال تزال‬
‫ّ‬ ‫عبـاد اهلل‪:‬‬
‫شـرعة‪ ،‬ومن كان محافظـا فليحمد اهلل على منـِّـه وتوفيقه وليعمل‬
‫أبـواب الخيـر أمامـه ُم َ‬
‫للمزيـد واالسـتكثار من طاعـة اهلل ‪ ‬والتقـرب إليه‪.‬‬

‫اللهـم إنـا نسـألك بأسـمائك الحسـنى وصفاتـك العليـا أن ال تكِ َلنـا إلـى أنفسـنا طرفة‬
‫عيـن‪ ،‬اللهـم ال تكِ َلنـا أجمعيـن إلـى أنفسـنا طرفـة عيـن‪ ،‬اللهـم خـذ بنواصينـا الضعيفـة‬
‫المقصـرة إلـى طاعتـك وإلى مراضيك‪ ،‬اللهـم وفقنا –إلهنا‪ -‬لما تحبـه وترضاه‬
‫ّ‬ ‫وأنفسـنا‬
‫مـن سـديد األقـوال وصالـح األعمـال‪.‬‬

‫أقول هذا القول وأسـتغفر اهلل لي ولكم ولسـائر المسـلمين من كل ذنب فاسـتغفروه‬
‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)3513‬وابن ماجه (‪ ،)3850‬وصححه األلباين يف «صحيح ابن ماجه» (‪.)3105‬‬
‫‪136‬‬

‫يغفـر لكـم إنه هو الغفـور الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل أحمده ‪ ‬على إحسـانه‪ ،‬وأشـكره ‪ ‬علـى فضله وامتنانه؛‬


‫وأشـهد ن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبده ورسـوله صلى اهلل‬
‫وسـلم عليـه وعلى آله وصحبـه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫عباد اهلل! اتقوا اهلل تعالى‪.‬‬

‫ثـم عبـاد اهلل‪ :‬إن لنـا يف شـهر رمضـان عبرة يف حياتنـا كلها وعمرنا أجمعـه؛ فنحن قبل‬
‫أيام قالئل كنا نتشـوق ونرقب دخول شـهرنا‪ ،‬وها نحن اآلن يف لحظاته األخيرة وها هو‬
‫وعمر اإلنسـان كله بمثل هـذه الحال‪.‬‬
‫قـد أوشـك علـى االنقضاء؛ ُ‬

‫وتصـرم األعـوام‪ ،‬فـإن كل يـوم‬


‫ّ‬ ‫أال فلنعتبر عبـاد اهلل بمـرور األيـام ومضـي الشـهور‬
‫ويقربـه مـن لقـاء ربـه ‪.‬‬
‫ينقضـي يـدين كل واحـد منـا مـن أجلـه ِّ‬
‫[[[‬
‫أحكام آخر شهر رمضان‬

‫إن الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه‪ ،‬ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور‬
‫أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه‪ ،‬ومـن يضلـل فلا هـادي لـه‪،‬‬
‫محمـد ًا عبـده ورسـوله؛‬
‫أن ّ‬‫وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد ّ‬
‫صلـى اهلل وسـ َّلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫معاشـر المؤمنيـن! عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل تعالـى وراقبـوه مراقبـة مـن يعلـم أن ربـه‬
‫يسـمعه ويـراه‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬لقـد كانـت أيـام هـذا الشـهر الكريـم معمـور ًة بالصيـام ّ‬
‫والذكـر وتلاوة‬
‫مضـت تلك األيام الغرر وانقضت‬
‫ْ‬ ‫القـرآن‪ ،‬ولياليـه منيـر ًة مضيئ ًة بالصالة والقيام‪ ،‬لقد‬
‫تلـك الليالـي الـدُّ رر وكأنمـا هي سـاعة من هنار‪ ،‬فنسـأل اهلل الكريم أن يخ ُلـف علينا ما‬
‫[[[ خطبة جمعة ألقيت بمسجد القبلتين بتاريخ ‪ 1429-9-26 /‬هـ‪.‬‬
‫‪138‬‬

‫مضـى منهـا بالربكـة فيمـا بقـي‪ ،‬وأن يتـم لنا شـهرنا الكريـم بالرحمة والمغفـرة والعتق‬
‫والسلامة‬
‫مـن النـار‪ ،‬وأن يعيـده علينـا أعوامـا عديـدة ونحـن نتمتّـع باليمـن واإليمان ّ‬
‫واإلسالم‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪َّ :‬‬


‫إن اهلل شـرع لكـم يف ختـام هـذا الشـهر عبـادات جليلـة يزداد هبـا إيمانكم‬
‫وتكمـل هبـا عبادتكـم وتتـم هبـا نعمـة ر ّبكـم عليكـم؛ أال وهـي‪ :‬زكاة الفطـر‪ ،‬والتكبيـر‬
‫عنـد إكمـال عـدّ ة الصيـام‪ ،‬وصلاة العيد‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬أ ّمـا زكاة الفطـر فقـد فرضهـا رسـول اهلل ﷺ صاعـا مـن طعـام‪ ،‬ففـي‬
‫ـول اللَّـ ِه ﷺ َزكَا َة الْ ِفطْ ِر‬ ‫«الصحيحيـن» عـن عبـد اهلل بـن عمر ﭭ قـال‪َ « :‬ف َر َ‬
‫ض َر ُس ُ‬
‫الُنْثَـى َو َّ‬
‫الص ِغيرِ‬ ‫َصا ًعـا ِمـ ْن تَ ْـ ٍر أَ ْو َصا ًعـا ِمـ ْن شَ ـ ِعريٍ َع َ‬
‫لى الْ َع ْبـ ِد َوالْ ُحـ ِّر َوال َّذكَـ ِر َو ْ‬
‫لا ِة»[[[‪.‬‬ ‫ني‪َ ،‬وأَ َمـ َر ِب َهـا أَنْ تُـ َؤ َّدى َق ْب َـل خُـ ُروجِ ال َّن ِ‬
‫ـاس إِ َل َّ‬
‫الص َ‬ ‫َوالْكَ ِبيرِ ِمـ ْن الْ ُم ْسـلِ ِم َ‬

‫ويف «الصحيحيـن» أيضـا عـن أبـي سـعيد الخـدري ﭬ قـال‪« :‬كُ َّنـا نُخْـر ُِج ِ‬
‫ف‬
‫ـام‪َ ،‬وكَانَ طَ َعا َم َنا الشَّ ـ ِعريُ َوال َّزب ُ‬
‫ِيب‬ ‫َع ْهـ ِد َر ُسـولِ اللَّـ ِه ﷺ يَـ ْو َم الْ ِفطْـ ِر َصا ًعـا ِمـ ْن طَ َع ٍ‬
‫ـط َوال َّت ْمـ ُر»[[[‪.‬‬
‫الَ ِق ُ‬
‫َو ْ‬

‫لصائِ ِم ِم ْن‬
‫ـول اللَّـ ِه ﷺ َزكَا َة الْ ِفطْ ِر طُ ْهـ َر ًة لِ َّ‬ ‫‪  ‬وقـال ابـن عبـاس ﭭ‪« :‬فَـ َر َ‬
‫ض َر ُس ُ‬
‫لا ِة َفه َ‬
‫ِـي َزكَا ٌة َم ْق ُبولَ ٌة‪َ ،‬و َم ْن‬ ‫َـث َوطُ ْع َمـ ًة لِلْ َم َسـا ِكنيِ‪َ ،‬ف َم ْن أَ َّدا َهـا َق ْب َل َّ‬
‫الص َ‬ ‫اللَّغْـ ِو َوال َّرف ِ‬
‫ات»[[[‪.‬‬ ‫ِـي َصدَ َق ٌة ِمـ ْن َّ‬
‫الصدَ َق ِ‬ ‫أَ َّدا َهـا بَ ْعـدَ َّ‬
‫الص َل ِة َفه َ‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)1503‬ومسلم (‪.)2325‬‬


‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)1510‬ومسلم (‪.)2331‬‬
‫[[[ رواه أبو داود (‪ ،)1609‬وابن ماجه (‪ ،)1827‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)3570‬‬
‫‪139‬‬

‫ٍ‬
‫زوجة‬ ‫المسـلم عـن نفسـه وعن مـن تلزمه نفقته مـن‬ ‫عبـاد اهلل‪ :‬ويجـب أن ُيخرجهـا‬
‫ُ‬
‫وأوالد وسـائر مـن ينفـق عليهـم‪ ،‬وال يجـب إخراجهـا عـن الحمـل الـذي يف البطـن‬
‫ولكـن كونـه يخرجهـا عنـه من باب االسـتحباب‪ ،‬و ُيخرجهـا يف البلد الـذي وافاه تمام‬
‫الشـهر فيـه‪ ،‬وإن كان مـن يلزمـه أن يف ِّطـر عنهـم يف بلـد وهـو يف بلـد آخـر فإنـه ُيخـرج‬
‫يفوضهـم يف إخراجهـا عنـه‬
‫فطرهتـم مـع فطرتـه يف البلـد الـذي هـو فيـه‪ ،‬ويجـوز أن ِّ‬
‫وعنهـم يف بلدهـم‪.‬‬

‫ووقـت إخراجهـا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ :-‬يبـدأ بغـروب الشـمس مـن ليلـة العيـد ويسـتمر‬
‫إلـى صلاة العيـد‪ ،‬ويجـوز تعجيلهـا قبـل العيـد بيـوم أو يوميـن؛ أي‪ :‬يف اليـوم الثامـن‬
‫والعشـرين واليـوم التاسـع والعشـرين‪ ،‬وقبـل ذلـك ال يجـوز‪.‬‬

‫وتأخيـر إخراجهـا إلـى صبـاح يـوم العيـد قبـل الصلاة أفضـل‪ ،‬وإن َّ‬
‫أخـر إخراجهـا‬
‫عـن صلاة العيـد مـن غيـر عـذر أثـم‪ ،‬ويلزمـه إخراجهـا ولـو ّ‬
‫تأخـرت عـن يـوم العيـد‬
‫ويكـون ذلـك قضـا ًء‪.‬‬

‫والمسـتحق لـزكاة الفطـر ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬هو المسـتحق لزكاة المـال؛ فيدفعها إليه أو‬
‫إلـى وكيله يف وقـت اإلخراج‪.‬‬

‫صـاع من ال ُبر أو من الشـعير أو التمر‬


‫ٌ‬ ‫ومقـدار صدقـة الفطـر عن الشـخص الواحد‪:‬‬
‫أو الزبيـب أو األقـط‪ ،‬ف ُيخـرج هـذه األصنـاف مـا كان معتـاد ًا أكلـه يف البلـد‪ ،‬وكذلـك‬
‫يخـرج مـن غيرهـا ممـا يغ ُلـب اسـتعماله يف البلد كاألرز والـذرة والدُّ خـن وغيرها‪.‬‬

‫وال يجـزئ ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬دفـع القيمـة بـأن يخـرج النقـود بد ً‬


‫ال عن الـزكاة ألن ذلك‬
‫‪140‬‬

‫الصحابة ﭫ؛ فلـم يكن إخراج‬


‫ومخالـف لعمل ّ‬
‫ٌ‬ ‫مخالـف لمـا أمـر به رسـول اهلل ﷺ‬
‫ٌ‬
‫القيمـة معروفـا يف عصـره وال عصـر أصحابـه مـع ّ‬
‫أن النقـود كانـت موجـودة وقد قال‬
‫ـس َعلَ ْي ِه أَ ْم ُرنَا َف ُهـ َو َر ٌّد»[[[‪.‬‬
‫♥‪َ « :‬مـ ْن َع ِم َـل َع َم ًل لَ ْي َ‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬وأ ّمـا التكبيـر فإنـه يشـرع من غروب الشـمس ليلـة العيد إلى صلاة العيد‬
‫قـال اهلل تعالـى‪ :‬ﮋ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﮊ [البقـرة‪ ،]185:‬ويسـ ّن جهـر ِّ‬
‫الرجـال بـه يف المسـاجد واألسـواق‬
‫والبيـوت إعالنـا بتعظيـم اهلل‪ ،‬وإظهـار ًا لعبادتـه‪ ،‬وشـكر ًا لمنِّـه وكرمـه ونعمتـه‪ ،‬وقـد‬
‫ثبـت أن النبـي ﷺ كان يخـرج يـوم الفطـر فيك ِّبـر حتـى يـأيت المص َّلـى وحتـى يقضـي‬
‫الصلاة‪ ،‬فـإذا قضـى الصلاة قطـع التكبيـر‪.‬‬

‫الصحابة أهنـم يقولون‪« :‬اهلل أكبر اهلل أكرب ال‬


‫أمـا صفـة التكبيـر فقـد ورد عن بعـض ّ‬
‫إلـه إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر وهلل الحمـد»؛ يقول ذلك ُّ‬
‫كل مسـلم بمفرده‪ ،‬أما التكبير الجماعي‬
‫بصـوت واحـد يتفـق يف البـدء واالنتهـاء فليـس مـن السـنة ولـم يفعلـه أحـدٌ من سـلف‬
‫حـق النسـاء أن يك ِّبـرن سـر ًا ألهنـن‬
‫األمـة‪ ،‬والخيـر كل الخيـر يف ا ّتباعهـم‪ ،‬والسـنّة يف ِّ‬
‫مأمورات بالستر‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬ومـن األحـكام المتعلقـة بالعيد أن المسـلم ُيسـتحب له االغتسـال للعيد‬
‫يتجمـل ‪ -‬ال يف العيـد وال يف غيـره ‪-‬‬
‫ّ‬ ‫وأن يلبـس أحسـن ثيابـه‪ ،‬وال يجـوز للمسـلم أن‬
‫ويحجمهـا‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬
‫مرخـاة مسـبلة‪ ،‬أو بلبـاس يصـف العـورة‬ ‫ٍ‬
‫بثيـاب مـن حريـر‪ ،‬أو ثيـاب‬
‫ِّ‬
‫يتجمـل ‪ -‬ال يف العيـد وال يف غيره ‪ -‬بحلق‬ ‫ٍ‬
‫بألبسـة مختصـة بالكفـار‪ ،‬وال يجـوز لـه أن‬
‫ّ‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)1718‬‬
‫‪141‬‬

‫لحيتـه لتحريـم ذلـك وثبـوت حرمته عـن رسـول اهلل ﷺ‪ ،‬والجمال ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬إنما‬
‫هـو با ّتبـاع سـنة رسـول اهلل صلـى اهلل عليه وسـلم‪.‬‬

‫والمـرأة ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬يشـرع لهـا الخـروج إلـى المصلى بـدون تبرجٍ وال ٍ‬
‫تزين وال‬
‫تطيـب‪ ،‬ويجـب عليهـا أن تربـأ بنفسـها من أن تذهـب لطاعة اهلل وهي متل ّبسـة بمعصية‬
‫التربج والسـفور‪.‬‬
‫ٍ‬
‫تمرات يف عيد الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى‬ ‫عباد اهلل‪ :‬ويسـ ُّن للمسـلم أن يأكل‬
‫لفعل رسـول اهلل ﷺ‪ ،‬ويسـ ّن له إذا خرج أن يخالف الطريق فيذهب يف طريق ويرجع‬
‫النبي‬
‫َّ‬ ‫يف آخـر‪ ،‬وليـس قبـل صلاة العيـد وال بعدها صلاة فعن ابـن عبـاس ﭭ‪« :‬أنَّ‬
‫َـم يُ َص ِّل َق ْبلَ َهـا َوالَ بَ ْعدَ َها»[[[‪ ،‬لكن ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬إذا‬ ‫لى يَـ ْو َم الْ ِفطْـ ِر َركْ َع َت ْ‬
‫ينِ‪ ،‬ل ْ‬ ‫ﷺ َص َّ‬
‫كانـت صلاة العيـد مقامـ ًة يف المسـجد ودخلـه المسـلم بعـد صلاة الفجر فإنـه يصلي‬
‫ركعتين تحية المسـجد‪.‬‬
‫ٍ‬
‫واحـد مـن أهـل العلـم أنّهـا واجبـ ٌة علـى‬ ‫رجـح غيـر‬
‫ّأمـا حكـم صلاة العيـد‪ :‬فقـد ّ‬
‫خلاف بيـن أهـل العلـم ال مجـال‬
‫ٌ‬ ‫األعيـان‪ ،‬ولهـم علـى ذلـك أدلـة ويف المسـألة‬
‫يفرط يف شـهود‬
‫لعرضـه؛ فالواجـب علـى المسـلم أن يحـرص على هـذا الخير وأن ال ِّ‬
‫هـذا الجمـع المبـارك‪ ،‬ومـن فاتتـه صلاة العيـد جماعـة ص ّلـى ركعتيـن‪.‬‬

‫أذان وال إقامـة فعـن جابـر بـن سـمرة ﭬ قال‪:‬‬ ‫وليـس لصلاة العيـد ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ٌ -‬‬
‫ال إِ َقا َم ٍة»[[[‪.‬‬ ‫ـن بِ َغي ِـر َأ َذ ٍ‬
‫ان َو َ‬ ‫ال َم َّر َت ْي ِ ْ‬ ‫ـول اهَّللِ ‪-‬ﷺ‪ -‬ا ْل ِعيدَ ْي ِ‬
‫ـن َغ ْي َـر َم َّر ٍة َو َ‬ ‫ـع رس ِ‬ ‫«ص َّل ْي ُ‬
‫ـت َم َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)964‬ومسلم (‪.)884‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)887‬‬
‫‪142‬‬

‫قـال اإلمـام ابـن القيـم ‪« :$‬وكان ﷺ إذا انتهـى إلـى المص َّلـى‪ ،‬أخـذ يف الصلاة‬
‫مـن غيـر أذان وال إقامـة وال قـول‪ :‬الصلاة جامعـة‪ ،‬والسـنة‪ :‬أنـه ال ُيفعـل شـيء مـن‬
‫ذلـك»[[[‪.‬‬

‫وصفـة صلاة العيـد ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ :-‬أن يصلـي ركعتين يفتتح األولى بسـبع تكبيرات‬
‫ـول اهَّللِ ‪-‬ﷺ‪ -‬ك َ‬
‫َان ُي َك ِّب ُـر فِـي‬ ‫والثانيـة بخمـس تكبيـرات لِمـا جـاء َعـ ْن َعائِ َشـ َة َأ َّن َر ُس َ‬
‫ات َوفِـي ال َّثانِ َي ِة َخ ْم ًسـا[[[‪.‬‬
‫ا ْل ِف ْط ِـر واألَ ْضحـى فِـي األُو َلـى سـبع َت ْكبِير ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫واحد من أصحاب رسول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫وقد ثبت فِعل هذا عن غير‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬والتكبيـرات يف صلاة العيـد سـنة وليسـت بواجبـة وال تبطـل الصلاة‬
‫برتكهـا‪ ،‬فـإن نسـ َيها المسـلم أو فاتـه شـيء منهـا أكمـل صالتـه وال شـيء عليـه‪ ،‬ولـم‬
‫ـال‪:‬‬ ‫ـن َع ْب ِـد اهللِ َق َ‬
‫ُيحفـظ عنـه ﷺ ِذك ٌْـر مع َّيـن بيـن التكبيـرات‪ ،‬لكـن ورد َعـ ْن َجابِ ِـر ْب ِ‬
‫اهلل َمـا َب ْيـ َن ك ُِّل‬ ‫لص َلا ِة فِـي ا ْل ِعيدَ ْي ِ‬
‫ـن َسـ ْب ًعا َو َخ ْم ًسـا‪َ ،‬ي ْذك ُُـر َ‬
‫ِ‬
‫السـنَّ ُة َأ ْن ُي َك ِّب َـر ل َّ‬
‫ِ‬
‫« َم َضـت ُّ‬
‫َت ْكبِ َير َت ْي ِ‬
‫ـن»[[[‪.‬‬

‫وعـن عبـد اهلل بـن مسـعود ﭬ قـال يف صلاة العيد‪« :‬بيـن كل تكبيرتيـن حمد اهلل‬
‫‪ ‬وثناء علـى اهلل»[[[‪.‬‬
‫«زاد المعاد» (‪.)442/1‬‬ ‫[[[‬
‫رواه أبو داود (‪ ،)1151‬وصححه األلباين يف «صحيح أبي داود» (‪.)1043‬‬ ‫[[[‬
‫رواه البيهقي يف «سننه الكربى» (‪.)6187‬‬ ‫[[[‬
‫رواه الطبراين يف «المعجـم الكبيـر» (‪ ،)9515‬قـال العالمـة األلبـاين ‪« :$‬وصلـه الطبراين‬ ‫[[[‬
‫(‪ )1/38/3‬مـن طريـق ابـن جريـج أخبرين عبـد الكريـم عـن النخعـي عـن علقمـة واألسـود عـن ابـن‬
‫مسـعود قـال‪« :‬إن بيـن كل تكبيرتيـن قـدر كلمة» ووصله أيضـا المحاملي يف (صلاة العيدين) (‪)121/2‬‬
‫‪143‬‬

‫ثـم َّ‬
‫إن رسـول اهلل ﷺ كان يخطـب النـاس بعـد العيـد فيقـوم مقابـل النـاس والناس‬
‫جلـوس علـى صفوفهـم فيعظهـم ويوصيهم ويأمرهـم‪ ،‬وحضور الخطبـة ليس واجبًا‬
‫ٌ‬
‫ـب أَنْ َي ْجلِ َ‬
‫ـس لِلْ ُخطْ َبـ ِة َفلْ َي ْجلِ ْ‬
‫ـس َو َمـ ْن‬ ‫كالصلاة لقولـه ﷺ‪« :‬إِنَّـا نَ ْخطُ ُ‬
‫ـب َف َمـ ْن أَ َح َّ‬
‫األولـى ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬بالمسـلم والشـك هـو‬
‫ـب»[[[‪ ،‬ولكـن ْ‬ ‫ـب أَنْ َي ْذ َه َ‬
‫ـب َفلْ َي ْذ َه ْ‬ ‫أَ َح َّ‬
‫الجلـوس واالسـتفادة مـن الخيـر الـذي يقال‪.‬‬

‫هـذا وإنـا لنسـأل اهلل الكريـم رب العرش العظيـم أن يتقبل صيامنـا وقيامنا وطاعتنا‬
‫وذكرنـا‪ ،‬وأن يعيـد علينـا شـهرنا هـذا أعوامـا عديـدة وأزمنـة مديـدة علـى طاعـة هلل‬
‫ٍ‬
‫تقـرب إليه‪.‬‬ ‫وحسـن‬
‫ُ‬

‫أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب‬
‫فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان واسـع الفضـل والجـود واالمتنـان‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه‬
‫إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبده ورسـوله؛ صلى اهلل وسـلم عليه‬
‫وعلـى آلـه وصحبـه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫مـن طريـق هشـام عـن حمـاد عـن إبراهيم عن علقمـة عن عبد اهلل قـال يف صلاة العيد‪« :‬بيـن كل تكبيرتين‬
‫حمـد هلل ‪ ،‬وثناء علـى اهلل» «إرواء الغليل» (‪.)115/3‬‬
‫[[[ رواه أبو داود (‪ ،)1157‬وابن ماجه (‪ ،)1290‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)2289‬‬
‫‪144‬‬

‫عباد اهلل! اتقوا اهلل تعالى!‬


‫ٍ‬
‫عبـاد اهلل‪ :‬ال تـزال الفرصـة سـانح ًة ومهيـأة لمزيد مـن الطاعة ُ‬
‫وحسـن اإلقبال على‬
‫مفرطـا فليغتنـم مـا بقـي مـن‬
‫اهلل ‪ ‬فيمـا بقـي مـن هـذا الشـهر الكريـم؛ فمـن كان ّ‬
‫عما فاته من تفريـط وتقصير‪ ،‬ومن كان محافظا‬
‫الشـهر بالجـد واالجتهـاد والتعويض ّ‬
‫ً فليـزدد محافظـ ًة وطاعـ ًة هلل‪ ،‬فـإن الخاتمة يحسـن بالعبـد أن تكون أجمـل الخواتيم‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬وإن ممـا ينبغـي أن نُعنـى بـه فيمـا بقـي مـن الشـهر أن نتحـرى ليلـة القـدر‬
‫بتحريهـا يف العشـر األواخـر مـن شـهر رمضـان المبـارك‪ ،‬فينبغـي‬
‫ألن النبـي ﷺ أمـر ِّ‬
‫كل ٍ‬
‫ليلـة بقيـت مـن هـذا الشـهر الكريـم علـى تحـري تلـك الليلـة‬ ‫علينـا أن نحـرص يف ّ‬
‫الفاضلـة العظيمـة التـي قـال ﷺ عنهـا‪َ ..« :‬و َم ْن َقا َم لَ ْيلَـ َة الْ َقدْ ِر إِميَانًا َوا ْح ِت َسـابًا ُغ ِف َر‬
‫لَهُ َمـا تَ َقـدَّ َم ِم ْن َذنْبِـ ِه»[[[‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وبركة وسلام إلى‬ ‫وهـي ليلـة مباركـة ُأنـزل فيها كتـاب اهلل ‪ ،‬وهي ليلة خير‬
‫مطلع فجرها‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪َّ :‬‬


‫وإن ممـا ينبغـي أن ُيعنـى به المسـلم يف تلـك الليلة كثرة الدعاء والسـيما‬
‫علمـت ليلـة‬
‫ُ‬ ‫وجـه إليـه النبـي ﷺ يف حديـث عائشـة حيـث قالـت‪ :‬يـا رسـول اهلل إن‬
‫مـا ّ‬
‫ـب الْ َع ْف َو فَا ْع ُ‬
‫ف‬ ‫القـدر أي ليلـة هـي فمـاذا أقـول ؟ قال‪« :‬تَقُولِ َ‬
‫ين اللَّ ُه َّم إِنَّـكَ َع ُف ٌّو تُ ِح ُّ‬
‫مناسـب ٌة غايـة المناسـبة لتلـك الليلـة الكريمـة‬ ‫َع ِّنـي»[[[؛ وهـذه الدعـوة ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ِ -‬‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)2014‬ومسلم (‪.)760‬‬


‫[[[ رواه أحمد يف «مسنده» (‪ ،)25384‬وابن ماجه (‪ ،)3850‬وصححه األلباين يف «صحيح ابن ماجه»‬
‫(‪.)3105‬‬
‫‪145‬‬

‫المباركـة ألنـه يف ليلـة القـدر ﮋ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﮊ [الدخـان‪ ،]4:‬ومـن أعظـم‬


‫مـا ينبغـي أن يسـأل يف تلـك الليلـة التـي يفـرق فيهـا كل ٍ‬
‫أمـر حكيـم سـؤال اهلل ‪‬‬
‫العافيـة؛ اللهـم إنّـك عفـو تحـب العفو فاعـف عنا‪.‬‬
‫[[[‬ ‫اع َر َم َ‬
‫ضان‬ ‫َو َد ُ‬

‫َّ‬
‫إن الحمـد هلل‪ ،‬نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه‪ ،‬ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور‬
‫َّ‬
‫مضـل لـه‪ ،‬ومـن ُيضلـل فلا هـادي لـه‪،‬‬ ‫اهلل فلا‬
‫أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا‪ ،‬مـن يهـده ُ‬
‫أن محمـد ًا عبـده ورسـوله؛‬
‫اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫وأشـهد أن ال إلـه إال ُ‬
‫صلـى اهلل وسـلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل تعالـى‪ ،‬فإن يف تقواه سـبحانه سـعادة الدارين‪،‬‬
‫والفوز بالحسـنتين؛ حسـنة الدنيا وحسـنة اآلخرة‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬لقـد و َّدع المسـلمون شـهر رمضـان المبـارك بمـا حـواه‬
‫ٍ‬
‫وبـركات جسـيمة‪ ،‬فبينمـا كان العبـاد باألمس القريب يتباشـرون‬ ‫ٍ‬
‫خيـرات عظيمـة‬ ‫مـن‬
‫بعضـا بقدومـه؛ فهاهـم اآلن قـد و َّدعـوه‪ ،‬وهكذا شـأن الحياة‬
‫بمجيئـه ويهنـئ بعضهـم ً‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1436-10-8 /‬هـ‬
‫‪147‬‬

‫كلهـا‪ ،‬بـل وشـأن النـاس كلهم‪.‬‬

‫حـري بنـا وقـد و َّدعنا شـهر الخيرات أن نحاسـب أنفسـنا‬


‫ٌ‬ ‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪:‬‬
‫وأن ِ‬
‫نـزن أعمالنـا وأن ننظـر يف حالنـا كيـف هـي بعـد رمضـان‪ ،‬السـيما عبـاد اهلل وكلنـا‬
‫يعلـم أن مشـروعية الصيـام يف شـهر رمضـان المبـارك إنمـا جـاءت لحكمـة عظيمـة‬
‫وغايـة جليلـة ومقصـد عظيـم ب َّينـه اهلل ‪ ‬يف قوله جل يف علاه‪ :‬ﮋ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥﭦ ﭧﭨﭩ ﭪ ﭫﭬﭭﭮ ﭯﭰﮊ‬
‫[البقـرة‪]183:‬؛ فلننظـر يف أحوالنـا ولنتأمـل يف أعمالنـا ومـا مـدى تأثيـر شـهر الصيـام‬
‫علينا ‪.‬‬

‫صحـا عن رسـول اهلل ﷺ جديـر بنا أن‬


‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬حديثـان عظيمـان َّ‬
‫نتأ َّملهمـا مل ًيـا السـيما ونحـن يف هـذه الفترة فترة ما بعـد رمضان‪:‬‬

‫‪/1‬روى الرتمـذي يف «جامعـه» مـن حديـث أبـي هريـرة ﭬ أن النبـي ﷺ قـال‪:‬‬


‫َـل َعلَ ْيـ ِه‬ ‫ـم أَن ُ‬
‫ْـف َر ُجـلٍ َدخ َ‬ ‫لي‪َ ،‬و َر ِغ َ‬
‫َـم يُ َص ِّـل َع َ َّ‬ ‫ـم أَن ُ‬
‫ْـف َر ُجـلٍ ُذ ِكـ ْر ُت ِع ْنـدَ ُه َفل ْ‬ ‫« َر ِغ َ‬
‫ْـف َر ُجـلٍ أَ ْد َركَ ِع ْنـدَ ُه أَبَـ َوا ُه الْ ِك َ‬
‫برَ‬ ‫ـم أَن ُ‬
‫ـم ان َْسـلَخَ َق ْب َـل أَنْ يُ ْغفَـ َر لَـهُ ‪َ ،‬و َر ِغ َ‬
‫َر َمضَ ـانُ ثُ َّ‬
‫لا ُه الْ َج َّنـ َة»[[[‪. ‬‬
‫َـم يُدْ ِخ َ‬
‫َفل ْ‬

‫‪/2‬وروى الطبراين يف «معجمـه» عـن جابر بن سـمرة ﭬ قال‪ :‬قال رسـول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫َـال‪ :‬يَـا ُم َح َّمـدُ َمـ ْن أَ ْد َركَ أَ َحـدَ َوالِدَ يْ ِه ف َ‬
‫َما َت‪َ ،‬فدَ خ ََل‬ ‫ِيـل َعلَ ْيـ ِه َّ‬
‫السلا ُم‪َ ،‬فق َ‬ ‫ب ُ‬ ‫«أَت ِ‬
‫َـان جِ ْ‬
‫ـال‪ :‬يَا ُم َح َّمدُ َم ْن أَ ْد َركَ شَ ـ ْه َر َر َمضَ انَ‪ ،‬ف ََم َت‬ ‫ني‪َ ،‬ف ُقل ُْت آ ِم َ‬
‫ني‪َ ،‬ق َ‬ ‫ال َّنـا َر َفأَبْ َع ُ‬
‫ـدَه اللَّـهُ؛ ُق ْل آ ِم َ‬

‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)3545‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)3510‬‬


‫‪148‬‬

‫ـال‪َ :‬و َمـ ْن ُذ ِك ْر ُت‬ ‫ْـت آ ِم َ‬


‫ين‪َ ،‬ق َ‬ ‫ـدَه اللَّـهُ؛ ُق ْـل آ ِم َ‬
‫ين‪َ ،‬ف ُقل ُ‬ ‫َـم يُ ْغفَـ ْر لَـهُ َفأُ ْد ِخ َـل ال َّنـا َر َفأَبْ َع ُ‬
‫َفل ْ‬
‫ين»[[[‪ .‬‬ ‫ني‪َ ،‬ف ُقل ُْت آ ِم َ‬ ‫َما َت َفدَ خ ََل ال َّنـا َر َفأَبْ َع ُ‬
‫دَه اللَّهُ؛ ُق ْـل آ ِم َ‬ ‫َـم يُ َص ِّـل َعلَ ْيكَ ف َ‬ ‫ـدَه َفل ْ‬‫ِع ْن ُ‬

‫يف الحديـث األول إخبـار منـه ♥‪ ،‬ويف الثـاين دعـاء مـن جربيـل ڠ‬
‫وتأميـن مـن نبينـا الكريـم ♥‪.‬‬

‫أيها المؤمنون‪ :‬هذان الحديثان العظيمان يحمالن بشارة ونذارة‪:‬‬

‫ ●أما البشارة ‪-‬عباد اهلل‪ -‬فهي لمن وفقه اهلل ‪ ‬فغنم شهر الخيرات وعرف‬
‫شـاكرا تائ ًبـا منيبا‪ ،‬ففاز‬
‫ً‬ ‫ذاكرا‬
‫لرمضـان قيمتـه ومكانتـه وأقبـل فيه علـى اهلل عابدً ا طائ ًعا ً‬
‫بخيـرات رمضـان ولـم ينسـلخ شـهره إال وقـد فـاز بالرضـوان والغفران‪ ،‬فتكـون حاله‬
‫مـن بعـد رمضـان ً‬
‫حـال طيبة حسـنة ألن مـن ثواب الحسـنة الحسـن َة بعدها‪ ،‬والحسـنة‬
‫تنـادي أختهـا‪ ،‬ومـن عالمـات القبول عباد اهلل حسـن الحال وطيـب األعمال‪.‬‬

‫ ●ويف الحديثيـن عبـاد اهلل نـذار ٌة لمـن كان مفر ًطـا مضيعـا حيـث أقبل عليه شـهر‬
‫رمضـان بخيراتـه العظيمـة وبركاتـه العميمـة فلـم ينتفـع منـه بشـيء ولـم يحصـل منـه‬
‫إقبـال علـى طاعـة اهلل ‪ ‬فخـرج شـهر الخيـرات وهـو علـى حالـه‪ ،‬فتكـون حالـه‬
‫مـن بعـد رمضـان كمـا هـي قبلـه أو ربمـا أسـوء مـن ذلـك والعيـاذ باهلل‪.‬‬

‫ومن عالمات رد العمل وعدم قبوله سوء الحال وشناعة الفعال‪ ،‬والعياذ باهلل‪.‬‬

‫فلنتـق اهلل ربنـا ولنحاسـب أنفسـنا ولنـزن أعمالنـا؛ فمـن كان موف ًقا مطيعـا فليحمد‬
‫[[[ رواه الطبراين يف «المعجـم الكبيـر» (‪ ،)2022‬والبـزار يف «مسـنده» (‪ ،)834‬وصححـه األلبـاين يف‬
‫«صحيـح الرتغيـب»(‪.)996‬‬
‫‪149‬‬

‫اهلل‪ ،‬ومـن كان مفرطـا فلا يلومـن إال نفسـه‪ ،‬وليبـادر بالتوبـة واإلنابـة إلـى اهلل ‪‬‬
‫متـاح كل وقـت وحيـن وبـاب التوبـة مفتـوح للعبـاد مـا لـم يغـادر‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫فـإن بـاب العمـل‬
‫ويـودع العبـد هـذه الحيـاة‪ ،‬فـإن العمـل مهـيء للعبـد متـاح لـه مـا لـم يمـت كمـا قـال‬
‫اهلل ‪ :‬ﮋ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮊ [الحجـر‪ ،]99:‬وكمـا قـال‬
‫اهلل سـبحانه‪ :‬ﮋ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ [آل‬
‫عمـران‪.]102:‬‬

‫أسـأل اهلل الكريـم رب العـرش العظيـم بأسـمائه الحسـنى وصفاتـه العليـا أن يعفـو‬
‫عنـا أجمعيـن تقصيرنـا وتفريطنـا‪ ،‬وأن يتق ّبل منا أجمعين صالـح أعمالنا‪ ،‬وأن ال يكلنا‬
‫إلـى أنفسـنا طرفـة عيـن‪ ،‬وأن يهدينـا إليه صراطا مسـتقيما إنه ‪ ‬سـميع الدعاء‬
‫وهـو أهـل الرجاء وهو حسـبنا ونعـم الوكيل‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‬

‫الحمـد هلل حمـد كثيـرا‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫أن‬
‫محمـد ًا عبـده ورسـوله؛ صلـى اهلل وسـ َّلم عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى‪ ،‬وراقبـوه سـبحانه يف السـر والعالنية والغيب والشـهادة‬
‫يعلـم أن ربه يسـم ُعه ويراه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫مراقبـة مـن‬

‫ِ‬
‫ينقض‬ ‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬ولئـن انقضـى شـهر رمضـان فإن وقـت العمل لـم‬
‫‪150‬‬

‫ناصحـا لهـا بحسـن‬


‫ً‬ ‫بعـد‪ ،‬بـل ال ينقضـي العمـل إال بالمـوت؛ فليجاهـد العبـد نفسـه‬
‫التقـرب إلـى اهلل ‪ ،‬وكمـا أن وقـت العمـل يف رمضان قد انقضـى بانقضائه‬
‫فـإن وقـت العمـل يف هـذه الحيـاة ينقضـي بالموت‪ ،‬فليتـدارك العبـد نفسـه بالتوبة إلى‬
‫اهلل واإلنابـة إليـه جـل يف علاه فإنـه ال يـدري متـى يودع هـذه الحيـاة‪ ،‬والسـعيد ‪-‬عباد‬
‫يحاسـب بيـن يدي اهلل جل‬
‫َ‬ ‫اهلل‪ -‬مـن عبـاد اهلل مـن حاسـب نفسـه ووزن أعماله قبل أن‬
‫يف عاله[[[‪.‬‬

‫[[[ قـال اإلمـام ابـن رجـب ‪« :$‬يـا شـهر رمضان ترفق‪ ،‬دمـوع المحبين ُتدفق‪ ،‬قلوهبم مـن ألم الفراق‬
‫تشـقق‪ ،‬عسـى وقفـة للـوداع أن تطفـئ مـن نـار الشـوق مـا أحـرق‪ ،‬عسـى سـاعة توبـة وإقلاع أن ترفـو مـن‬
‫الصيـام مـا تخـرق‪ ،‬عسـى منقطـع عـن ركـب المقبوليـن أن يلحـق‪ ،‬عسـى أسـير األوزار أن يطلـق‪ ،‬عسـى‬
‫مـن اسـتوجب النـار يعتـق‪ ،‬عسـى رحمـة المولـى لهـا العاصي يوفـق» «لطائـف المعـارف» (ص‪.)295‬‬
‫[[[‬
‫دروس شهر رمضان‬

‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا‬
‫وسـيئات أعمالنـا‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه‪ ،‬ومـن يضلل فال هـادي له‪ ،‬وأشـهد أن‬
‫ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله وصفيـه وخليله‬
‫ومبلـغ النـاس شـرعه؛ فصلـوات اهلل وسلامه عليـه وعلـى آلـه وأصحابـه أجمعيـن‬
‫وسـلم تسـليمًا كثيرا‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬أوصيكـم ونفسـي بتقـوى اهلل؛ فـإن مـن اتقـى اهلل وقـاه‪،‬‬
‫وأرشـده إلـى خيـر أمـور دينـه ودنيـاه‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬لقـد و َّدعـت أمـة اإلسلام موسـمًا عظيمـا وشـهر ًا كريمـا يتسـابق فيـه‬
‫ٍ‬
‫وكثير مـن الطاعات‪.‬‬ ‫المؤمنـون إلـى طاعـة اهلل وينشـطون فيـه إلـى أنـوا ٍع من القربـات‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1422 - 10 - 6 /‬هـ‪.‬‬
‫‪152‬‬

‫موسـم مبـارك يتلقـى فيـه‬


‫ٌ‬ ‫عبـاد اهلل‪ :‬إن ذلكـم الشـهر العظيـم والموسـم الكريـم‬
‫المؤمنـون دروسـا عظيمـة ِ‬
‫وعبر ًا جليلـة وعظـات بالغـة‪ ،‬ولهـذا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬ينبغـي‬
‫علـى عبـد اهلل المؤمـن الحريـص علـى سـعادة نفسـه وفوزهـا يف الدنيـا واآلخـرة أن‬
‫يسـتفيد حقـا مـن ذلـك الموسـم الكريـم‪ ،‬وأن يسـتفيد مـن عبره ودروسـه وعظاتـه‬
‫التـي ال تعـد وال تحصـى‪ ،‬وأن ال يكـون حظـه مـن ذلـك الشـهر بمـا أداه فيه مـن طاعة‬
‫وقـام فيـه مـن عبـادة‪ ،‬بل ينبغـي عليه أن يكـون متلقيًا لتلـك الدروس العظيمـة والعرب‬
‫المجدّ يف موسـم الخير وشـهر الفضل؛ شـهر رمضان‬‫ِ‬ ‫والعظـات التـي يتلقاها المؤمن‬
‫المبارك‪.‬‬

‫عبـا َد اهلل‪ :‬إن شـهر رمضـان مدرسـ ًة تربويـة جامعـة للخيـر يتلقـى فيـه المؤمـن مـن‬
‫العظـات البالغـة والـدروس النافعـة مـا ينشـط من خاللهـا يف عامـه ك ِّله ِجـد ًا واجتهادا‬
‫ونشـاطًا يف طاعـة اهلل َّ‬
‫جـل وعلا‪.‬‬

‫ولع ّلـي أقـف معكـم مع بعـض الـدروس المهمة والعظـات الجليلة التـي ينبغي أن‬
‫نسـتفيدها من شـهرنا العظيم‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إن مـن دروس شـهر رمضـان العظيمـة أن يعلـم المسـلم أن وجـوب‬
‫الصيـام عـن الطعـام والشـراب وسـائر المفطـرات مح ُّلـه شـهر رمضـان‪ ،‬وأمـا الصيام‬
‫عـن الحـرام فمحلـه طيلـة عمـر اإلنسـان‪ ،‬فالمسـلم يصـوم يف أيـام شـهر رمضـان عـن‬
‫الحلال والحـرام‪ ،‬ويصـوم طيلـة عمـره وأيـام حياتـه عـن الحـرام؛ وذلك عبـاد اهلل أن‬
‫الصـوم يف اللغـة اإلمسـاك عن الشـيء‪ ،‬فامتناع العيـن واللسـان واألذن واليد والرجل‬
‫‪153‬‬

‫والفـرج عمـا ُمنعـت منـه مـن الحـرام هـو صيـام مـن حيـث اللغـة‪ ،‬وهـو واجـب علـى‬
‫المسـلم مـدّ ة حياتـه وطـول عمـره‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إن اهلل َّ‬


‫جـل وعلا لمـا تفضـل علـى عبـاده هبـذه النعـم العظيمـة ‪ -‬العيـن‬
‫واللسـان واألذن واليـد والرجـل والفـرج‪ -‬أوجـب عليهـم اسـتعمالها فيمـا يرضيـه‪،‬‬
‫وحـرم عليهـم اسـتعمالها فيمـا يسـخطه‪ ،‬ومـن أعظـم شـكر اهلل علـى هـذه النعـم أن‬‫َّ‬
‫يكـون المسـلم مسـتعمالً لهـا حيـث أمِـر أن يسـتعملها فيه‪ ،‬ممتنعـا عن اسـتعمالها يف‬
‫معصيـة مـن تفضـل هبـا وهـو اهلل ‪‬؛ فالعيـن ُشـرع اسـتعمالها يف النظـر إلى‬
‫مـا أحـل اهلل و ُمنـع مـن اسـتعمالها يف النظـر إلـى الحـرام؛ وامتناعهـا عن ذلـك صيامها‬
‫وحـرم علـى‬
‫ِّ‬ ‫مسـتمر دائـم‪ ،‬واألذن ُشـرع اسـتعمالها يف اسـتماع مـا أبيـح لهـا‬
‫ٌّ‬ ‫وحكمـه‬
‫العبـد اسـتعمالها يف سـماع مـا ال يجـوز سـماعه؛ وامتناعها عن ذلـك صيامها وحكمه‬
‫مسـتمر دائـم‪ ،‬واليـد ُشـرع اسـتعمالها يف تعاطـي مـا هـو مبـاح و ُمنـع مـن اسـتعمالها‬
‫ٌ‬
‫والرجـل ُشـرع‬
‫يف كل حـرام؛ وامتناعهـا عـن ذلـك صيامهـا وحكمـه مسـتمر دائـم‪ِّ ،‬‬
‫اسـتعمالها يف المشـي يف كل خيـر و ُمنـع مـن المشـي فيهـا إلـى الحـرام؛ وامتناعهـا من‬
‫ذلـك صيامهـا وحكمـه مسـتمر دائـم‪ ،‬والفـرج أبيـح اسـتعماله يف الحلال و ُمنـع مـن‬
‫اسـتعماله يف الحـرام؛ وامتناعـه مـن ذلـك صيامـه وحكمـه مسـتمر دائـم‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬لقـد وعـد اهلل َّ‬


‫جـل وعلا مـن أ ّدى شـكر هـذه النعـم واسـتعملها حيـث‬
‫أمـر اهلل أن تسـتعمل؛ وعـده بالثـواب الجزيـل واألجـر العظيم والخير الكبيـر يف الدنيا‬
‫واآلخـرة‪ ،‬وتو َّعـد سـبحانه مـن لـم يحافـظ عليهـا ولـم يـرا ِع مـا أريـد اسـتعمالها فيـه‬
‫بـل أطلقهـا فيمـا يسـخط اهلل وال يرضيـه تو ّعـده بعقابـه‪ ،‬وأخبر َّ‬
‫جـل وعلا أن هـذه‬
‫‪154‬‬

‫الجـوارح مسـؤولة يـوم القيامة عنه وهو مسـؤول عنها‪ ،‬قـال اهلل تعالى‪ :‬ﮋ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﮊ [اإلسراء‪،]36:‬‬
‫وقـال تعالـى‪ :‬ﮋ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮊ [يـس‪ ،]65:‬وقـال تعالـى‪ :‬ﮋ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﰆﰇ ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﮊ [فصلـت‪19:‬ـ‪.]21‬‬

‫ويف الحديـث أن النبـي ﷺ قـال لمعـاذ بـن جبـل ﭬ بعـد أن أمـره بحفـظ لسـانه‪،‬‬
‫ون بِ َما َن َت َك َّل ُم بِ ِه؟» َف َق َال ♥‬ ‫«يا َنبِ َّي اهَّلل ِ َوإِنَّا َل ُم َؤ َ‬
‫اخ ُذ َ‬ ‫وقال له معاذ ﭬ‪َ :‬‬
‫ف ال َّنـا ِر َع َل ُو ُجو ِهه ِْم أَ ْو َع َ‬
‫لى َم َنا ِخ ِر ِه ْم‬ ‫اس ِ‬‫«ثَ ِكلَتْـكَ أُ ُّمـكَ يَـا ُم َعا ُذ َو َه ْـل يَك ُُّب ال َّن َ‬
‫إِ َّل َح َصائِدُ أَل ِْسـ َن ِته ِْم»[[[ رواه الرتمذي‪.‬‬
‫[[[‬
‫ي ِر ْجلَ ْيـ ِه أَضْ َم ْن لَـهُ الْ َج َّن َة»‬ ‫وقـال ﷺ‪َ « :‬مـ ْن يَضْ َمـ ْن ِل َمـا بَ ْ َ‬
‫ين لَ ْح َي ْي ِه َو َمـا بَ ْ َ‬
‫رواه البخـاري يف «صحيحـه» مـن حديث سـهل بن سـعد ﭬ‪.‬‬

‫وحسـنه مـن حديـث أبـي هريرة ﭬ ولفظـه‪َ « :‬م ْن َو َقـا ُه اللَّهُ َ َّ‬
‫ش‬ ‫ورواه الرتمـذي ّ‬
‫[[[ رواه الرتمـذي (‪ ،)2616‬وابـن ماجـه (‪ ،)3973‬واللفـظ للرتمـذي‪ ،‬وصححـه األلباين يف «السلسـلة‬
‫الصحيحـة» (‪.)1122‬‬
‫قـال العالمـة عبـد المحسـن العبـاد البـدر حفظـه اهلل‪« :‬يف هـذا بيـان خطـر اللسـان‪ ،‬وأنـه هـو الـذي يوقـع‬
‫يف المهالـك‪ ،‬وأن ملاك الخيـر يف حفظـه‪ ،‬حتـى ال يصـدر منـه إال مـا هـو خير»«فتـح القـوي المتيـن»‬
‫(ص‪.)105‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪.)6474‬‬
‫‪155‬‬

‫َـل الْ َج َّن َة»[[[‪.‬‬


‫ين ِر ْجلَ ْي ِه َدخ َ‬ ‫ين لَ ْح َي ْيـ ِه َو َ َّ‬
‫ش َما بَ ْ َ‬ ‫َمـا بَ ْ َ‬

‫«الصحيحيـن» مـن حديـث أبـي هريرة ﭬ أن النبي ﷺ قـال‪َ « :‬م ْن كَانَ يُ ْؤ ِم ُن‬
‫ويف ّ‬
‫َيرا أَ ْو لِ َي ْص ُم ْت»[[[‪.‬‬
‫بِاللَّـ ِه َوالْ َيـ ْو ِم ْال ِخ ِر َفلْ َيق ُْل خ ْ ً‬

‫ويف «الصحيحيـن» أيضـا مـن حديـث أبـي موسـى األشـعري ﭬ مرفوعـا‪:‬‬


‫«الْ ُم ْسـلِ ُم َمـ ْن َسـلِ َم الْ ُم ْسـلِ ُمونَ ِمـ ْن لِ َسـانِ ِه َو َيـ ِد ِه»[[[‪.‬‬

‫وروى مسـلم يف «صحيحـه» أن النبـي ﷺ قـال‪« :‬إِنَّ الْ ُم ْفلِ َ‬


‫ـس ِمـ ْن أُ َّم ِتي َيـأْ ِت َي ْو َم‬
‫ف َهـ َذا َوأَك ََل َم َ‬
‫ـال َهـ َذا‬ ‫ـام َو َزكَا ٍة َو َيـأْ ِت َقـدْ شَ ـ َت َم َهـ َذا َو َقـ َذ َ‬
‫لا ٍة َو ِص َي ٍ‬
‫الْ ِق َيا َمـ ِة ب َِص َ‬
‫ض َب َهـ َذا‪َ ،‬ف ُي ْعطَـى َهـ َذا ِمـ ْن َح َسـ َناتِ ِه َو َهـ َذا ِمـ ْن َح َسـ َناتِ ِه فَـإِنْ‬
‫َو َسـ َفكَ َد َم َهـ َذا َو َ َ‬
‫ـت َعلَ ْيـ ِه ثُ َّم‬‫ـم َفطُ ِر َح ْ‬ ‫خطَا َيا ُه ْ‬ ‫ْضى َمـا َعلَ ْيـ ِه ُأ ِخـ َذ ِمـ ْن َ‬
‫ـت َح َسـ َناتُهُ َق ْب َـل َأنْ ُيق َ‬
‫َف ِن َي ْ‬
‫ف ال َّنـارِ»[[[‪.‬‬
‫طُـر َِح ِ‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬لقـد د ّلـت هـذه النصـوص ومـا جـاء يف معناهـا علـى أن الواجـب علـى‬
‫العبـد أن يصـون لسـانه وفرجـه وسـمعه وبصـره ويـده ورجله عـن الحرام وهـو صيام‬
‫ٍ‬
‫بوقت دون آخـر بل يجب االسـتمرار عليه‬ ‫مـن حيـث اللغـة‪ ،‬وهـذا الصيام ال يختـص‬
‫حتـى الممـات طاعـ ًة هلل ليفـوز برضـا اهلل ‪ ‬وثوابِـه ْ‬
‫ويسـلم مـن سـخطه وعقابـه‪ ،‬فإذا‬
‫حـرم عليـه تعاطـي‬ ‫أدرك المسـلم أنـه يف شـهر الصيـام امتنـع عمـا َّ‬
‫أحـل اهلل لـه ألن اهلل َّ‬

‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)2409‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)6593‬‬


‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)6135‬ومسلم (‪.)47‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)11‬ومسلم (‪.)42‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)2581‬‬
‫‪156‬‬

‫حـرم عليه الحرام‬


‫ذلـك يف أيـام رمضـان‪ ،‬فالعبرة من ذلك والعظـة أن يدرك أن اهلل قد ّ‬
‫الكـف عـن ذلـك واالمتنـاع عنـه دائمـا خوفـا مـن عقـاب اهلل ‪‬‬
‫ُّ‬ ‫مـدة حياتـه وعليـه‬
‫الـذي أعـدَّ ه لمـن خالـف أمـره وف َعـل ما هنـى عنه‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬لقـد أخبر النبـي ﷺ يف الحديـث القدسـي عـن ربـه ‪ ‬أن‬
‫فالصائم يفـرح عند فطره‬
‫للصائـم فرحتيـن‪ :‬فرحـة عنـد فطـره‪ ،‬وفرحـة عند لقـاء ربـه؛ ّ‬
‫محبـوب لهـا وألنه قد و ِّفـق إلهناء‬
‫ٌ‬ ‫ألن النّفـس عنـد الفطـر تتنـاول مـا ُمنعـت منـه وهو‬
‫صيامـه الـذي جـزاؤه عنـد اهلل عظيـم‪ ،‬ويفـرح الفرحـ َة الكبرى عنـد لقـاء ر ِّبـه حيـث‬
‫يجازيـه علـى صيامـه الجـزاء األوىف‪.‬‬

‫حـرم اهلل عليه‪ ،‬ويده عن‬ ‫ومـن ِ‬


‫حفـظ لسـانه عـن الفحش وقول ّ‬
‫الـزور‪ ،‬وفرجه عما ّ‬
‫حرم‬
‫يحرم سـماعه‪ ،‬وبصـره عما َّ‬ ‫تعاطـي عمـا ال يحـل تعاطيـه‪ ،‬وسـمعه عن سـماع ما ُ‬
‫أحـل اهلل‪ ،‬مـن َح ِفظهـا وحافـظ عليهـا‬
‫اهلل النظـر إليـه‪ ،‬واسـتعمل هـذه الجـوارح فيمـا َّ‬
‫حتـى توفـاه اهلل فإنـه يفطـر بعـد صيامـه هـذا علـى مـا أعـده اهلل لمـن أطاعـه مـن النّعيـم‬
‫المقيـم والفضـل العظيـم ممـا ال يخطـر علـى بـال وال يحيط بـه مقال‪.‬‬

‫وأول مـا يالقيـه مـن ذلـك‪ :‬ما ب ّينه رسـول اهلل ﷺ مما يجري للمؤمـن عند االنتقال‬
‫مـن هـذه الـدار إلـى الـدار اآلخـرة؛ حيـث يأتيـه يف آخـر لحظاتـه يف الدنيا مالئكـة كأن‬
‫علـى وجوههـم الشـمس معهـم كفـن مـن الجنـة وحنـوط مـن الجنـة يتقدمهـم ملـك‬
‫خ ُرجِ ـي إِ َل َم ْغ ِفـ َر ٍة ِمـ ْن اللَّـ ِه َورِضْ ـ َوانٍ ‪،‬‬ ‫المـوت فيقـول‪« :‬أَيَّ ُت َهـا ال َّنف ُ‬
‫ْـس الطَّ ِّي َبـ ُة ا ْ‬
‫خ ُذ َها َفإِ َذا أَ َ‬
‫خ َذ َهـا ل َْم يَدَ ُعو َها‬ ‫السـقَا ِء َف َيأْ ُ‬
‫ف ِّ‬‫ـيل الْ َقطْ َر ُة ِم ْن ِ‬
‫َما ت َِس ُ‬ ‫َف َتخْـ ُر ُج ت َِس ُ‬
‫ـيل ك َ‬
‫‪157‬‬

‫ف َذلِكَ الْ َح ُن ِ‬
‫وط‬ ‫ف َذلِكَ الْكَف ِ‬
‫َـن َو ِ‬ ‫ين َح َّتـى يَأْ ُ‬
‫خ ُذو َها َف َي ْج َعلُو َهـا ِ‬ ‫ف يَـ ِد ِه طَ ْرفَـ َة َع ْ ٍ‬
‫ِ‬
‫الَ ْر ِ‬
‫ض‪َ ،‬ق َال َف َي ْص َعـدُ ونَ ِب َها‬ ‫لى َو ْجـ ِه ْ‬ ‫َو َيخْـ ُر ُج ِم ْن َهـا كَأَطْ َي ِ‬
‫ـب نَ ْف َحـ ِة ِم ْس ٍ‬
‫ـك ُوجِ دَ ْت َع َ‬
‫ـب ؟!‬ ‫لإ ِمـ ْن الْ َم َلئِكَـ ِة إِ َّل َقالُـوا َمـا َهـ َذا الـ ُّر ُ‬
‫وح الطَّ ِّي ُ‬ ‫َلا َيُـ ُّرونَ َي ْع ِنـي ِب َهـا َع َ‬
‫لى َم َ ٍ‬ ‫ف َ‬
‫ـن أَ ْس َ‬
‫مائِ ِه الَّ ِتـي كَانُوا يُ َسـ ُّمونَهُ ِب َهـا ِ‬
‫ف الدُّ نْ َيا َح َّتى‬ ‫ُلانُ بْـ ُن ف َُلنٍ ِبأَ ْح َس ِ‬
‫َف َيقُولُـونَ ف َ‬
‫ما ٍء‬
‫ما ِء الدُّ نْ َيـا‪َ ،‬ف َي ْسـ َت ْف ِت ُحونَ لَـهُ َف ُي ْف َت ُح لَ ُه ْم َف ُيشَ ـ ِّي ُعهُ ِم ْن ك ُِّل َس َ‬ ‫يَ ْن َت ُهـوا ِب َهـا إِ َل َّ‬
‫الس َ‬
‫ُول اللَّهُ‬ ‫ما ِء َّ‬
‫السـا ِب َع ِة‪َ ،‬ف َيق ُ‬ ‫ما ِء الَّ ِتـي تَلِي َهـا َح َّتى ُي ْن َت َهـى ِب ِه إِ َل َّ‬
‫الس َ‬ ‫ُم َق َّر ُبو َهـا إِ َل َّ‬
‫الس َ‬
‫ن ِم ْن َهـا َ‬
‫خلَ ْق ُت ُه ْم‬ ‫ض َفإِ ِّ‬ ‫ني َوأَ ِعيـدُ و ُه إِ َل ْ‬
‫الَ ْر ِ‬ ‫ف ِعلِّ ِّي َ‬
‫اب َع ْبـ ِدي ِ‬
‫َعـ َّز َو َج َّـل اكْ ُت ُبـوا ِك َت َ‬
‫ج َسـ ِد ِه َف َيأْتِي ِه‬ ‫ـم تَـا َر ًة أُخْـ َرى‪َ ،‬ق َ‬
‫ـال َف ُت َعا ُد ُرو ُحـهُ ِ‬
‫ف َ‬ ‫ج ُه ْ‬ ‫ـم َو ِم ْن َهـا أُ ْ‬
‫خ ِر ُ‬ ‫َو ِفي َهـا أُ ِعيدُ ُه ْ‬
‫ُولنِ لَـهُ َما ِدي ُنكَ‬
‫ب اللَّـهُ ‪َ ،‬ف َيق َ‬ ‫َملَـكَانِ َف ُي ْجلِ َسـانِ ِه َف َيق َ‬
‫ُـولنِ لَـهُ َمـ ْن َربُّـكَ ؟ َف َيق ُ‬
‫ُول َر ِّ َ‬
‫ُول‬ ‫ـث ِفيك ْ‬
‫ُـم ؟ َف َيق ُ‬ ‫ُـولنِ لَـهُ َمـا َهـ َذا ال َّر ُج ُـل الَّـ ِذي ُب ِع َ‬
‫لا ُم‪َ ،‬ف َيق َ‬
‫ال ِْس َ‬ ‫ُـول ِدي ِن َ‬
‫ـي ْ‬ ‫؟ َف َيق ُ‬
‫ُول َقـ َرأْ ُت ِك َت َ‬
‫اب اللَّـ ِه فَآ َم ْن ُت ِب ِه‬ ‫ُـولنِ لَهُ َو َما ِعلْ ُمـكَ ؟ َف َيق ُ‬
‫ـول اللَّـ ِه ﷺ‪َ ،‬ف َيق َ‬
‫ُهـ َو َر ُس ُ‬
‫ما ِء‪ :‬أَنْ َصدَ َق َع ْبـ ِدي َفأَ ْفرِشُ ـو ُه ِم ْن الْ َج َّن ِة َوأَلْب ُِسـو ُه‬
‫الس َ‬ ‫ـت َف ُي َنـا ِدي ُم َنـا ٍد ِ‬
‫ف َّ‬ ‫َو َصدَّ ْق ُ‬
‫ـال َف َيأْتِيـ ِه ِمـ ْن َر ْو ِح َهـا َو ِطي ِب َها َويُف َْس ُ‬
‫ـح‬ ‫ِمـ ْن الْ َج َّنـ ِة َوا ْف َت ُحـوا لَـهُ بَابًـا إِ َل الْ َج َّنـ ِة‪َ ،‬ق َ‬
‫ـال َو َيأْتِي ِه َر ُج ٌل َح َسـ ُن الْ َو ْج ِه َح َسـ ُن ال ِّث َي ِ‬
‫ـاب طَ ِّي ُب ال ِّريحِ‬ ‫ص ِه‪َ ،‬ق َ‬
‫بر ِِه َمـدَّ َب َ ِ‬
‫ف َق ْ‬
‫لَـهُ ِ‬
‫ُول لَهُ َمـ ْن أَن َْت ؟!‬ ‫سركَ َهـ َذا َي ْو ُمـكَ الَّ ِذي كُ ْن َ‬
‫ـت تُوعَـدُ ‪َ ،‬ف َيق ُ‬ ‫ُـول‪ :‬أَ ْب ِ ْ‬
‫شر بِالَّـ ِذي َي ُ ُّ‬ ‫َف َيق ُ‬
‫ُول َر ِّب أَ ِق ْم َّ‬
‫السـا َع َة‬ ‫ُول أَنَا َع َملُـكَ َّ‬
‫الصالِ ُح‪َ ،‬ف َيق ُ‬ ‫َيرِ‪َ ،‬ف َيق ُ‬
‫َف َو ْج ُهـكَ الْ َو ْجـهُ يَجِ ـي ُء بِالْخ ْ‬
‫ال»[[[‪.‬‬ ‫َح َّتـى أَ ْرجِ َـع إِ َل أَ ْه ِ‬
‫لي َو َم ِ‬

‫[[[ رواه النسـائي (‪ ،)1833‬وابـن ماجـه (‪ ،)2468‬و أحمـد (‪ ،)18534‬وانظـر «أحـكام الجنائـز»‬
‫لأللبـاين (‪.)108‬‬
‫‪158‬‬

‫حـرم اهلل المالزميـن لطاعـة اهلل المحافظيـن‬


‫عبـاد اهلل‪ :‬فهـذا ثـواب الصائميـن عمـا َّ‬
‫علـى أوامـر اهلل المجتنبيـن لنواهيـه مـدة حياهتـم وطيلـة عمرهـم‪ ،‬جعلنـا اهلل وإياكـم‬
‫منهـم وهدانـا وهداكـم لسـلوك سـبيلهم‪.‬‬

‫اللهـم وفقنـا لمـا تحـب وترضـى وأعنـا علـى البر والتقـوى‪ ،‬وال تكلنا إلى أنفسـنا‬
‫طرفـة عيـن‪ ،‬واجعلنـا مـن عبـادك المتقيـن‪ ،‬الذيـن يسـتمعون القـول فيتبعون أحسـنه‪،‬‬
‫أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لي ولكم ولسـائر المسـلمين من كل ذنب فاسـتغفروه‬
‫يغفـر لكـم إنه هـو الغفـور الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل عظيم اإلحسـان واسـع الفضـل والجود واالمتنان‪ ،‬وأشـهد أن ال إله إال‬
‫اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله صلـى اهلل عليـه وعلـى آله‬
‫وأصحابـه أجمعين وسـلم تسـليمًا كثيرا‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫عبـاد اهلل! أوصيكـم ونفسـي بتقوى اهلل تعالـى والتزود باألعمـال الصالحة المقربة‬
‫إلى اهلل َّ‬
‫جـل وعال‪.‬‬

‫أن من فوائد الصيام العظيمة‪ :‬أنه ِّ‬


‫يهذب النفوس‪ ،‬ويسـمو‬ ‫ثـم اعلمـوا رحمكـم اهلل ّ‬
‫ويقوي اإلرادة‪ ،‬ويشـحذ‬
‫باألخلاق‪ ،‬ويعيـن علـى كبـح الهوى وكبـح جماع الشـهوة‪ِّ ،‬‬
‫العزيمـة‪ ،‬ويعيـن على ترك الحـرام وهجر الباطل‪.‬‬
‫‪159‬‬

‫إن الصيـام ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬سـر بيـن العبـد وبيـن ربـه ال يطلـع علـى حقيقتـه إال اهلل‬
‫ـول اهَّللِ ﷺ‪« :‬ك ُُّل َع َملِ ا ْب ِن‬ ‫ـال َر ُس ُ‬
‫‪ ،‬ولهـذا جـاء يف الحديـث الصحيـح‪َ :‬ق َ‬
‫ـال اللَّـهُ َعـ َّز َو َج َّـل إِ َّل‬ ‫عمئَة ِض ْع ٍ‬
‫ـف َق َ‬ ‫شر َأ ْمثَا ِل َهـا إِ َل َسـ ْب ِ‬
‫ـف الْ َح َسـ َن ُة َع ْ ُ‬
‫آ َد َم ُيضَ ا َع ُ‬
‫لي»[[[؛ وذلـك أن‬
‫الصـ ْو َم َف ِإنَّـهُ ِل َوأَنَـا أَ ْجـزِي بِـ ِه َيـدَ ُع شَ ـ ْه َوتَهُ َوطَ َعا َمـهُ ِمـ ْن أَ ْج ِ‬
‫َّ‬
‫بإمـكان العبـد أن يختفـي عـن النـاس ويغلـق علـى نفسـه األبـواب ويأكل ويشـرب ثم‬
‫يخـرج إلـى النـاس ويقـول إنـه صائـم وال يعلـم ذلـك إال اهلل ‪ ،‬ولكـن يمنعـه‬
‫مـن ذلـك اطلاع اهلل عليـه ورؤيتـه لـه؛ وهـذا شـي ٌء ُيحمـد عليـه اإلنسـان‪.‬‬

‫والعبرة مـن ذلـك عبـاد اهلل‪ :‬أن يـدرك المسـلم أن الـذي ُيخشـى إذا َّ‬
‫أخـل اإلنسـان‬
‫بصيامـه هـو الـذي يخشـى إذا َّ‬
‫أخـل بصالتـه وزكاتـه وحجـه وغيـر ذلـك ممـا أوجـب‬
‫اهلل علـى عبـاده‪ ،‬فـإذا وجـد المسـلم أن إخاللـه بالصيام كبيـر وعظيم؛ فيجـب عليه أن‬
‫يجـد ويـدرك أن حصـول ذلـك منـه يف الفرائـض األخـرى عظيـم وكبير‪.‬‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)1904‬ومسلم (‪ ،)1151‬واللفظ له‪.‬‬


‫كثرة مواسم الخيرات‬
‫[[[‬
‫(في وداع رمضان)‬

‫إن الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه‪ ،‬ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور‬
‫أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا؛ مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ومـن يضلـل فلا هـادي لـه‪،‬‬
‫وأشـهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شـريك له‪ ،‬وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله وصف ّيه‬
‫وخليلـه وأمينـه علـى وحيـه ومب ّلـغ الناس شـرعه‪ ،‬ما ترك خيـر ًا إال دل األمـة عليه وال‬
‫شـر ًا إال ّ‬
‫حذرهـا منـه؛ فصلـوات اهلل وسلامه عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل تعالـى وراقبـوه جـل شـأنه مراقبة مـن يعلم أن‬
‫ربـه يسـمعه ويراه؛ فـإن العاقبـة للمتقين‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬لقـد و َّدع المؤمنـون يف األيـام القريبـة الماضيـة موسـمًا عظيمًا‪ ،‬وشـهر ًا‬
‫فاضلاً عظيمـا؛ يقبِـل فيـه المؤمنـون ويتنافـس المتنافسـون ويجـدّ المجـدّ ون؛ إنـه‬

‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1431-10-8 /‬هـ‬


‫‪161‬‬

‫موسـم الخيـرات والبركات والغفـران والعتـق مـن النيـران‪ ،‬أال مـا أعظـم شـأن ٍ‬
‫عبـد‬
‫أكرمـه اهلل ‪ ‬فغنِـم شـهره وفـاز بخيراتـه وبركاتـه‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إن شـهر رمضـان موسـم يذكِّـر اإلنسـان بالعمـر كلـه؛ فهـا هـو عبـاد اهلل‬
‫قـد دخـل علينـا وانقضـى وانتهـى‪ ،‬كنا نتـذوق باألمـس القريب أيامـه الجميلـة ولياليه‬
‫الحلـوة وهـا نحـن قـد و ّدعنـاه‪ ،‬ويف ذلكـم عبـاد اهلل لنـا عظة وعبرة؛ فكمـا أن رمضان‬
‫قـد انتهـى وانقضـى فـإن عمـر اإلنسـان كلـه ينقضـي وينتهـي مثـل انتهـاء رمضـان‪،‬‬
‫فـإن اإلنسـان ـ أيهـا المؤمنـون ـ مجموعـة مـن الوقـت والوقـت جـزء منـه‪ ،‬فبانقضـاء‬
‫جـزء مـن الوقـت انقضـاء جـزء مـن حيـاة اإلنسـان‪ ،‬اليوم يهـدم الشـهر‪ ،‬والشـهر يهدم‬
‫وتصرمها انقضـاء األعمار‪،‬‬
‫ّ‬ ‫السـنة‪ ،‬والسـنة هتـدم العمر‪ ،‬وبانقضاء الشـهور واألعـوام‬
‫فاألعمـار محـدودة واآلجـال مؤقتـة وكل يـوم مضـى مـن العبد ُيـدين من األجـل‪ ،‬فلنا‬
‫أيهـا المؤمنـون يف شـهرنا عبرة فكمـا أنـه انقضـى فـإن عمرنـا كلـه ينقضـي‪ ،‬وكمـا أن‬
‫انقضـاء رمضـان كان سـريعا فالشـأن يف عمـر اإلنسـان كذلـك؛ أال فلنعتبر عبـاد اهلل !‬

‫موسـم للغفـران‪ ،‬فكـم هلل ‪ ‬فيه مـن عتقاء‬


‫ٌ‬ ‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬إن موسـم رمضـان‬
‫مـن النـار‪ ،‬وكـم هلل ‪ ‬فيـه مـن غفـران ومحـو للخطايـا ورفعـة للدرجـات إلـى‬
‫غيـر ذلكـم مـن الخيـرات والبركات غنمهـا مـن غنمهـا‪ ،‬وفاتـت علـى بعض عبـاد اهلل‬
‫َـل َعلَ ْيـ ِه َر َمضَ ـانُ ثُ َّ‬
‫ـم‬ ‫ْـف َر ُجـلٍ َدخ َ‬ ‫فخسـرها‪ ،‬وقـد قـال ♥‪َ « :‬و َر ِغ َ‬
‫ـم أَن ُ‬
‫ان َْسـلَخَ َق ْب َـل أَنْ يُ ْغفَـ َر لَـهُ »[[[‪.‬‬
‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)3545‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)3510‬‬
‫‪162‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬ولئـن كان موسـم رمضان موسـمًا عظيمًا للغفران! فإن بيـن يدي العباد‬
‫مواسـم عظيمـة للغايـة لغفـران الذنـوب والعتـق مـن النيـران والفـوز برضـا الرحمـن‬
‫‪ ،‬منهـا ‪ -‬أيهـا المؤمنـون ‪ -‬مواسـم تتكـرر بتكـرر الليالـي واأليـام‪ ،‬ومنها‬
‫مواسـم تتكـرر بتكـرر األسـابيع مـا أعظـم خيراهتـا وما ّ‬
‫أجـل بركاهتا‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬ولئـن كان انقضـى موسـم رمضـان موسـم الغفـران فبيـن أيدينـا مواسـم‬
‫عظيمـة للغفـران فلنغنمهـا؛ وإن أعظمهـا شـأنا وأج ّلها قدرا وأرفعهـا مكانة الصلوات‬
‫عظيم‬
‫ٌ‬ ‫الخمـس ‪ -‬أيهـا المؤمنـون ‪ -‬التـي تتكـرر بتكـرر الليالـي واأليـام؛ فهـي موسـم‬
‫مبـارك للغفـران‪ ،‬جـاء عـن أبـي هريـرة ﭬ أن النبـي ﷺ قـال‪« :‬أَ َرأَيْ ُت ْ‬
‫ـم لَـ ْو أَنَّ نَ ْهـ ًرا‬
‫ش ٌء ؟»‪.‬‬
‫ات َه ْـل يَ ْبقَـى ِمـ ْن َد َرنِـ ِه َ ْ‬
‫ـس َمـ َّر ٍ‬ ‫ـاب أَ َح ِدك ْ‬
‫ُـم يَ ْغ َت ِس ُـل ِم ْنـهُ ك َُّل يَـ ْو ٍم َ‬
‫خ ْم َ‬ ‫ِب َب ِ‬
‫س َيْ ُحـو اللَّهُ ِب ِه َّن‬
‫ات الْ َخ ْم ِ‬ ‫قالـوا‪ :‬ال يبقـى مـن درنـه شـيء‪.‬قال‪َ « :‬ف َذلِكَ َمث َُـل َّ‬
‫الصلَـ َو ِ‬
‫الْ َخطَايَـا»[[[‪ ،‬واألحاديـث يف فضـل هـذه الصلـوات ومـا فيهـا مـن تكفيـر للخطيئـات‬
‫ورفعـة للدرجـات وعلـو للمنـازل كثيـرة جـدا؛ أال فلنغنمهـا عبـاد اهلل‪.‬‬

‫وهنـاك أيهـا المؤمنـون موسـم يتكـرر بتكـرر األسـابيع وهـو سـاعتنا هـذه الفاضلـة‬
‫يـوم الجمعـة وصالهتـا‪ ،‬روى اإلمـام البخـاري يف «صحيحـه» عـن سـلمان الفارسـي‬
‫اسـ َتطَا َع ِمـ ْن‬ ‫ﭬ أن النبـي ﷺ قـال‪َ :‬‬
‫«ل يَ ْغ َت ِس ُـل َر ُج ٌـل يَـ ْو َم الْ ُج ُم َعـ ِة َويَ َتطَ َّهـ ُر َمـا ْ‬
‫ين اثْ َن ْ ِ‬
‫ي‬ ‫َلا يُ َف ِّر ُق بَ ْ َ‬ ‫يـب بَ ْي ِت ِه ثُ َّ‬
‫ـم يَ ْخ ُر ُج ف َ‬ ‫طُ ْهـ ٍر َويَدَّ ِهـ ُن ِمـ ْن ُد ْه ِنـ ِه أَ ْو َيَ ُّ‬
‫ـس ِم ْن ِط ِ‬
‫ال َمـا ُم إِ َّل ُغ ِفـ َر لَـهُ َمـا بَ ْي َنـهُ َوبَ ْ َ‬
‫ين‬ ‫َّـم ْ ِ‬ ‫ـم يُ ْن ِص ُ‬
‫ـت إِ َذا تَكَل َ‬ ‫لي َمـا كُ ِت َ‬
‫ـب لَـهُ ثُ َّ‬ ‫ثُ َّ‬
‫ـم يُ َص ِّ‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)528‬ومسلم (‪.)667‬‬


‫‪163‬‬

‫الُخْـ َرى»[[[ واألحاديـث يف فضـل هـذه الصلاة المباركـة التـي هـي منـة اهلل‬
‫الْ ُج ُم َعـ ِة ْ‬
‫علـى أمـة اإلسلام كثيـرة جـدا‪.‬‬

‫ولقـد جمـع النبـي الكريـم ♥ يف حديـث واحـد بيـن الصلـوات‬


‫الخمـس وصلاة الجمعـة وصيـام شـهر رمضـان يف بيـان شـأهنا جميعهـا يف تكفيـر‬
‫الذنـوب والخطايـا مقدِّ مـا للصلـوات الخمـس ولصلاة الجمعة على صيـام رمضان‬
‫ألن شـأهنما أعظـم ومقامهمـا ّ‬
‫أجـل‪ ،‬روى مسـلم يف «صحيحـه» عـن أبـي هريرة ﭬ‬
‫ـس َوالْ ُج ُم َعـ ُة إِ َل الْ ُج ُم َعـ ِة َو َر َمضَ ـانُ إِ َل َر َمضَ ـانَ‬
‫ات الْ َخ ْم ُ‬ ‫أن النبـي ﷺ قـال‪َّ :‬‬
‫«الصلَـ َو ُ‬
‫ـب الْكَ َبائِـ َر»[[[ إهنـا مواسـم عبـاد اهلل فلنغنمهـا‪.‬‬
‫ات َمـا بَ ْي َن ُهـ َّن إِ َذا ا ْج َت َن َ‬
‫ُمكَفِّـ َر ٌ‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬ولئـن كان يف شـهر رمضـان موسـمًا مبـاركًا لعبـادة الصيام؛ فإن مواسـم‬
‫هـذه العبـادة تتكـرر مـع المؤمـن يف شـهوره وأوقاته‪ ،‬ولئـن كان صوم رمضـان صومًا‬
‫مفروضـا علـى العبـاد يرتتـب علبيـه مـن اآلثـار والثمـار شـيئًا كثيـرا‪ ،‬وخيـر ًا عميمـا؛‬
‫فـإن رمضـان يتبعـه مواسـم عظيمـة للصيام فيهـا من الثمـار واآلثار مـا ال يعلمه إال اهلل‬
‫‪ ،‬روى مسلم يف «صحيحه» عن أبي أيوب األنصاري ﭬ أن النبي ﷺ قال‪:‬‬
‫ـام الدَّ ْهرِ»[[[؛ وذلكـم عباد اهلل‬
‫ـم أَتْ َب َعهُ ِسـ ًّتا ِم ْن شَ ـ َّوالٍ كَانَ ك َِص َي ِ‬
‫« َمـ ْن َصـا َم َر َمضَ ـانَ ثُ َّ‬
‫أن صيـام رمضـان يعـدل صيام عشـرة أشـهر‪ ،‬وصيام سـت بعده يعدل صيام شـهرين‪،‬‬
‫والسـنة اثنا عشـر شـهرا؛ فمن صام رمضان وأتبعه سـتا من شـوال فكأنما صام السـنة‬
‫كلهـا‪ ،‬وإذا واظـب علـى ذلـك أعوامـا فكأنمـا صام دهـره كله وعمـره أجمعه‪.‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)883‬ومسلم (‪.)857‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)233‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)1164‬‬
‫‪164‬‬

‫ويـوم األمـس أيهـا المؤمنـون – يـوم الخميـس ‪ -‬كان فيـه تمـام انقضـاء السـت‬
‫للمجدّ يـن مـن عبـاد اهلل‪ ،‬والفرصـة سـانحة أيهـا المؤمنـون‪ ،‬فشـهر شـوال كلـه فرصـة‬
‫لصيـام سـت يتقـرب هبـا المؤمـن إلـى اهلل ‪ ‬فيها مـن الفوائد ما ال يعلمـه إال اهلل‪،‬‬
‫ومنهـا أيهـا المؤمنـون‪:‬‬

‫ ●أن هـذه السـت بمثابـة النافلـة بعـد الفريضـة‪ ،‬ومـن المعلـوم أن للنافلـة بعـد‬
‫الفريضـة شـأهنا يف جبر الخلـل وجبر مـا يكـون مـن نقـص أو تقصيـر يف الفريضـة‪.‬‬

‫ ●ومنهـا ‪-‬عبـاد اهلل ‪ :-‬أهنـا دليـل واضـح علـى تحقيـق عبـد اهلل لمقـام الشـكر؛‬
‫ألن مـن شـكر اهلل ‪ ‬علـى عبـادة الصيـام يف شـهر رمضـان اإلقبـال علـى العبـادة‪،‬‬
‫فـإن مـن أمـارات الشـكر اإلقبال على األعمـال فكما أن الشـكر يكون باللسـان حمد ًا‬
‫وثنـاء ًا يكـون بالجـوارح عملا وطاعـة كمـا قـال ‪ :‬ﮋ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﮊ‬
‫[سبأ‪.]13:‬‬

‫ ●ومنهـا أيهـا المؤمنـون‪ :‬أنـه أمـارة من أمـارات القبـول؛ ألن من ثواب الحسـنة‬
‫وعالمـة قبولهـا الحسـنة بعدها‪ ،‬فإقبال العبد على الحسـنات بعـد رمضان من أمارات‬
‫القبـول بإذن اهلل‪.‬‬

‫أمـا ‪-‬والعيـاذ بـاهلل ‪ -‬إذا انصـرف اإلنسـان بعـد رمضـان إلـى الغـي والفسـاد‬
‫والمعاصـي واآلثـام فهـذا ليـس من عالمـات القبول وإنمـا هو من عالمـات الحرمان‬
‫والخسـران‪.‬‬

‫ويتحـرون موسـمًا‬
‫ّ‬ ‫عبـاد اهلل‪ ،‬وهـؤالء الذيـن أهنـوا صيـام السـت يتح ّينـون أيضـا‬
‫‪165‬‬

‫عظيمـا مـن مواسـم الصيـام التـي تتكـرر بتكرر الشـهور‪ ،‬جـاء يف «المسـند» عـن النبي‬
‫الصدْ رِ»[[[‪.‬‬ ‫بر َو�ث َ َلثَ ِة أَ َّي ٍام ِم ْن ك ُِّل شَ ـ ْه ٍر ُي ْذ ِه ْ َ‬
‫ب َو َحـ َر َّ‬ ‫الص ْ ِ‬ ‫ﷺ أنـه قـال‪َ :‬‬
‫«ص ْو ُم شَ ـ ْه ِر َّ‬

‫فمـن صـام رمضـان وواظـب علـى صيام ثالثـة أيام من كل شـهر فهـذا بمثابة صيام‬
‫الدهـر‪ ،‬ألن ثالثـة أيـام من كل شـهر والحسـنة بعشـر أمثالهـا تعادل صيام الشـهر كله‪،‬‬
‫فهـا هـو عباد اهلل موسـم عظيم للصيـام يتكرر بتكرر الشـهور‪.‬‬

‫عظيـم للصيـام يتكرر بتكـرر األسـابيع؛ وذلكم ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬بصيام‬


‫ٌ‬ ‫موسـم‬
‫ٌ‬ ‫وأيضـا‬
‫يـوم االثنيـن وهـو اليـوم الـذي ُولـد فيـه نبينـا ♥ وصيـام يـوم الخميس‪:‬‬
‫وقد ُسـئل ♥ ‪ -‬كما يف «صحيح مسـلم» ‪ -‬عن صيام يوم االثنين فقال‪:‬‬
‫لى ِفيـ ِه»[[[ وجـاء يف حديـث آخـر‪:‬‬
‫ْـت أَ ْو أُنْـز َِل َع َ َّ‬
‫« َذاكَ يَـ ْو ٌم ُولِـدْ ُت ِفيـ ِه َويَـ ْو ٌم بُ ِعث ُ‬
‫ض َع َم ِل َوأَنَـا َصائِ ٌم»[[[‪.‬‬
‫يـس َفأُ ِح ُّب أَنْ يُ ْعـ َر َ‬ ‫ض األَ ْع َ‬
‫ما ُل يَـ ْو َم االِثْ َن ْ ِ‬
‫ين َوالْ َخ ِم ِ‬ ‫«تُ ْعـ َر ُ‬

‫إن مواسـم الخيـرات أيهـا المؤمنـون متكـررة ومتعـددة ومتنوعـة‪ ،‬والمو َّفـق مـن‬
‫عبـاد اهلل مـن يحسـن اإلقبـال عليهـا والتوفيـق بيـد اهلل ‪ ‬ال شـريك لـه‪.‬‬

‫عظيـم مبـارك يغفـل عنـه كثيـر مـن النـاس أال وهـو‪:‬‬


‫ٌ‬ ‫موسـم‬
‫ٌ‬ ‫عبـاد اهلل وثمـة أيضـا‬
‫القيـام بيـن يـدي اهلل لمناجاتـه ودعائـه وسـؤاله يف الثلـث األخير مـن الليل‪ ،‬فقـد تواتر‬
‫ما ِء‬ ‫عـن نبينـا ♥ أنـه قـال‪« :‬يَ ْنـز ُِل َربُّ َنا تَ َبا َركَ َوتَ َع َ‬
‫ـال ك َُّل لَ ْيلَ ٍة إِ َل َّ‬
‫الس َ‬
‫ـون َفأَ ْسـ َتجِ َ‬
‫يب لَـهُ َو َمـ ْن‬ ‫ُـث اللَّ ْيـلِ اآل ِخـ ُر َف َيق ُ‬
‫ُـول‪َ :‬مـ ْن يَدْ ُع ِ‬ ‫الدُّ نْ َيـا ِح َ‬
‫ين يَ ْبقَـى �ثُل ُ‬

‫[[[ رواه أحمد يف «مسنده» (‪ ،)23070‬وصححه األلباين يف «صحيح الرتغيب» (‪.)1032‬‬


‫[[[ رواه مسلم (‪.)1162‬‬
‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)747‬والنسائي (‪ ،)2358‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)2959‬‬
‫‪166‬‬

‫يَ ْسـأَلُ ِني َفأُ ْع ِط َيـهُ َو َمـ ْن يَ ْسـ َت ْغ ِف ُر ِن َفأَ ْغ ِفـ َر لَهُ »[[[‪.‬‬

‫أال مـا أعظـم مواسـم الخيـرات ! ومـا ّ‬


‫أجـل شـأهنا ومـا أعظـم خيراهتـا وبركاهتـا !‬
‫والتوفيـق بيـد اهلل وحـده‪.‬‬

‫اللهـم وفقنـا أجمعين الغتنام مواسـم الخيرات ومواسـم البركات‪ ،‬واجعلها إلهنا‬
‫لخيراتـك مرتقـى وسـ َّلما‪ ،‬ولنيـل البركات وتحصيـل األجـور مغنمـا‪ ،‬وال تكلنـا إلى‬
‫أنفسـنا طرفة عين‪.‬‬

‫أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب‬
‫فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان‪ ،‬واسـع الفضـل والجـود واالمتنـان‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه‬
‫إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله صلـى اهلل وسـلم عليه‬
‫وعلـى آلـه وصحبـه أجمعين‪.‬‬

‫عباد اهلل‪ :‬يقول اهلل ‪ ‬ﮋ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬


‫ﯦ ﯧ ﮊ [البقـرة‪ ]185:‬إن األيـام التـي تعقـب رمضان أيام شـكر هلل‬
‫وسـؤال لـه ‪ ‬القبـول؛ فـإن الصحـب الكـرام ﭫ وأرضاهـم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وحمـد لـه‬ ‫‪‬‬
‫كانـوا إذا تالقـوا يـوم العيـد يقـول بعضهـم لبعـض‪« :‬تقبل اهلل منـا ومنكـم»[[[‪ ،‬وإن من‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)1145‬ومسلم (‪.)758‬‬


‫[[[ رواه قـوام السـنة يف «الرتغيـب والرتهيـب» (‪ ،)381‬والشـجري يف «ترتيـب األمالـي الخميسـية»‬
‫‪167‬‬

‫الواجـب عبـاد اهلل علـى المؤمـن الصائـم القائـم الـذي وفـق الغتنـام شـهر الصيـام أن‬
‫يظهـر عليـه يف هـذه األيـام التـي تعقـب شـهر رمضـان شـكره هلل ‪ ،‬وأن يحـذر‬
‫أشـد الحـذر مـن المخالفـة التـي هي من األمـور المناقضـة للشـكر والمباينة لهـا؛ وما‬
‫أكثرها عبـاد اهلل‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬وممـا ينبغـي أن يحـرص عليـه العبد أشـد الحرص أن ال يكون شـأنه بعد‬
‫رمضـان كشـأن التـي نقضـت غزلهـا مـن بعـد قـوة أنكاثـا‪ ،‬فيعـود بعـد صيامـه وقيامـه‬
‫إلـى إثمـه وعصيانـه وإجرامـه‪ ،‬فعلـى العبـد ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬أن يكـون بعـد رمضـان يف‬
‫مجاهـدة للنفـس ورياضـة لهـا للثبـات علـى الطاعـة واإلقبـال علـى العبـادة ليكـون‬
‫موسـم رمضـان يف حقـه نقلـة مباركـة إلى الخيـرات وخطـو ًة عظيم ًة ومدرجـا مباركًا‬
‫الغتنـام األيـام والليالـي‪.‬‬

‫(‪ ،)1624‬وصححه األلباين‪ ،‬انظر‪« :‬تمام المنة» (ص‪.)355‬‬


‫[[[‬
‫وماذا بعد رمضان‬

‫الحمـد هلل الـذي أكمـل لنـا الديـن وأتـم علينـا النعمـة‪ ،‬وجعـل أمتنـا أمـة اإلسلام‬
‫ال منَّـا يتلو علينـا آياته ويزكينـا ويع ِّل ُمنا الكتـاب والحكمة‪،‬‬
‫خيـر أمـة‪ ،‬وبعـث فينا رسـو ً‬
‫وأشـهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شـريك له؛ بيده الفضل والعطاء والمنة‪ ،‬وأشـهد أن‬
‫محمـد ًا عبـده ورسـوله بعثـه اهلل للعالميـن قـدوة ورحمـة؛ صلـوات اهلل وسلامه عليـه‬
‫الجمة‪.‬‬
‫وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن أولـي الفضائل العظيمـة والمناقـب َّ‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل تعالـى وراقبـوه ‪ ‬مراقبـة مـن يعلـم أن ربه يسـمعه ويراه‪،‬‬
‫ٌ‬
‫وترك لمعصية‬ ‫عمـل بطاعـة اهلل على ٍ‬
‫نور من اهلل رجـاء ثواب اهلل‪،‬‬ ‫وتقـوى اهلل ‪ٌ :‬‬
‫اهلل علـى ٍ‬
‫نـور من اهلل خيفـة عذاب اهلل‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬لقـد و َّدع المؤمنـون موسـمًا عظيمـا فاضلا أقبلـت فيـه‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1432-10-4 /‬هـ‪.‬‬
‫‪169‬‬

‫القلـوب عبـاد ًة وطاعـة‪ ،‬وتنافـس فيه ِ‬


‫العباد بأنـواع القربات وصنـوف العبادات؛ فذاك‬
‫ٌ‬
‫وثالث‬ ‫حريـص علـى ختم القـرآن‪ ،‬وآخر متفقدٌ حاجة المسـاكين واألرامـل واأليتام‪،‬‬
‫ٌ‬
‫ورابـع يجمـع لنفسـه مـن صنـوف الخيـرات‬
‫ٌ‬ ‫مقبِ ٌـل علـى العبـادة والصلاة والقيـام‪،‬‬
‫ولـكل يف الخيـر وجهـة هـو مو ِّليهـا‬
‫ٍّ‬ ‫وأبـواب العبـادات مـا ييسـره لـه الملـك العلام‪،‬‬
‫متسـابقين يف الخيـرات فمـا أعظـم غنيمتهـم! ومـا أكبر ربحهـم! ومـا أحسـن الخيـر‬
‫الـذي غنمـوه !! فهنيئـا لهـم ثـم هنيئا‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬وإذا كان المسـلمون قـد و َّدعـوا شـهر رمضـان موسـم الغفـران والعتـق‬
‫مـن النيـران وموسـم التنافـس يف طاعـة الرحمـن؛ فإهنـم لـم يو ِّدعـوا بتوديعـه أبـواب‬
‫الخيـرات‪ ،‬فلا تـزال مواسـم الخيـرات متجـددة وأبـواب الخيـرات متتاليـة‪ ،‬وينبغـي‬
‫علـى عبـد اهلل المؤمـن أن يغنـم حياتـه وأن يسـتغل وجـوده يف هـذه الحيـاة الغتنام كل‬
‫مناسـبة كريمـة ووقـت فاضـل متسـابقًا مـع المتسـابقين يف الطاعـات مسـارعًا لنيـل‬
‫رضـا رب الربيـات ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إن مـن عالمـات قبـول الطاعـة الطاعـ َة بعدهـا‪ ،‬والحسـنة تنـادي أختهـا‪،‬‬
‫وقـد قـال أهـل العلـم رحمهـم اهلل تعالـى‪ :‬إن مـن عالمـة قبـول طاعـة الصيـام والقيـام‬
‫ٍ‬
‫وشـكر هلل‬ ‫ٍ‬
‫سـكينة ووقـار‬ ‫يف شـهر رمضـان أن تكـون حـال العبـد بعـد رمضـان حـال‬
‫ٍ‬
‫وإحسـان يف اإلقبـال علـى اهلل ‪ ،‬فـإذا كان العبـد كذلـك فـإن ذلـك من‬ ‫‪‬‬
‫أمـارات القبـول وعالمـات الخيريـة‪.‬‬

‫تحـوال مـن الطاعـة إلـى‬ ‫أمـا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬إذا كانـت ُ‬


‫حـال العبـد بعـد رمضـان ُّ‬
‫‪170‬‬

‫اإلضاعـة وإقبـاال علـى المعاصـي واآلثـام فليـس ذلكم من أمـارات الخيـر‪ ،‬ولقد قال‬
‫أحـد السـلف قديمـا عندمـا ُحـدِّ ث بحـال بعـض النـاس يجتهـدون يف شـهر رمضـان‬
‫وإذا انقضـى فرطـوا قـال‪« :‬بئـس القـوم ال يعرفـون اهلل إال يف رمضـان»[[[‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬إن رب الشـهور واحـد‪ ،‬فـرب رمضـان هـو رب شـوال‬
‫ورب الشـهور كلهـا‪ ،‬وكمـا قيل‪« :‬كن ربانيًا وال تكـن رمضانيًا» أي‪ :‬ال تكن طاعتك‬
‫هلل وعبادتـك لـه ‪ ‬محـدودة هبـذا الشـهر‪ ،‬بـل حياتـك كلهـا موسـم لطاعـة‬
‫اهلل ‪ ،‬قـد قـال اهلل تعالـى‪ :‬ﮋ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮊ [الحجـر‪]99:‬‬
‫أي‪ :‬حتـى يأتيـك المـوت‪ ،‬وقـال اهلل تعالـى‪ :‬ﮋ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ [آل عمـران‪ ،]102:‬وقـال ‪ :‬ﮋ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬
‫ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﮊ [األحقـاف‪ ،]13:‬وقـال ‪:‬‬
‫ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﮊ [فصلـت‪.]30:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬وهاهنـا ٌ‬


‫مثـل عظيـم يجـدر اإلشـارة إليـه والتنبيـه عليـه؛‬
‫أرأيتـم لـو أن امـرأ ًة كانـت ُتحسـن الغـزل وتتقنـه فأخـذت شـهر ًا كاملا ُتبرم غزلهـا‬
‫وتحكِمـه وتتقنـه فلمـا أكملـت شـهر ًا نصبـا وتعبـا ِ‬
‫وجـدّ ا عـادت إلـى غزلهـا تنقضـه‬
‫بعـد إحكامـه كيـف يقـول القائلـون عنهـا ؟! ومـاذا يتحدَّ ث النـاس عن حالهـا ؟! فإهنا‬
‫ٌ‬
‫حـال بئيسـ ٌة مفارقـ ٌة للعقـل والحكمـة‪ ،‬وقـد قـال ربنـا ‪ ‬منبهـا لهـذا األمـر‬
‫عبـاده‪ :‬ﮋ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮊ [النحـل‪.]92:‬‬

‫[[[ «لطائف المعارف» (ص‪.)244‬‬


‫‪171‬‬

‫نعـم عبـاد اهلل! إذا ُوفِـق العبـد لطاعـة اهلل ‪ ‬وأقبلـت نفسـه علـى الطاعـة‬
‫وتمرنـت علـى العبـادة وراضـت للطاعـة والنت بعد انفالهتـا ال يليق بحـال عبد و َّفقه‬
‫َّ‬
‫اهلل لذلـك أن ينقـض هـذا المح َكـم المبرَم وأن يتحـول إلـى حالـة يعلـم من نفسـه أهنا‬
‫ال ترضـي ربـه ‪.‬‬

‫ٍ‬
‫شـكر هلل ‪:‬‬ ‫عبـاد اهلل‪ :‬إن الوقـت الـذي يعقـب رمضـان هـو وقـت‬
‫ﮋﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﮊ‬
‫[البقـرة‪ ،]185:‬ومـن المعلـوم أن العصيـان بعـد الطاعـة ليـس مـن الشـكر للمو ِّفـق‬
‫للطاعـة ‪ ،‬بـل حقيقـة الشـكر‪ :‬أن يعمـل العبد طاعـ ًة هلل محققًا بطاعته هلل شـكر‬
‫اهلل‪ ،‬وقـد قـال ‪ :‬ﮋﯮ ﯯ ﯰ ﯱﮊ [سـبأ‪.]13:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬تعالـوا نحاسـب أنفسـنا ونـزن أعمالنـا ونتفكـر يف حالنـا؛‬
‫مـؤذ ٌن ‪-‬عبـاد اهلل ‪ - ‬بانقضـاء عمـر كل واحـد منا‪،‬‬ ‫إن انقضـاء شـهر رمضـان ِ‬

‫ألن األزمـان شـهور ًا وأسـابيع وسـنوات هـي مـن جملـة عمـر اإلنسـان‪ ،‬فأنـت أيهـا‬
‫ووقـت معدود ينتهـي عمرك بانتهـاء زمانك؛ ولهـذا فإن مرور‬
‫ٌ‬ ‫اإلنسـان زمـ ٌن محـدود‬
‫الشـهور واألعـوام يعـد تذكـر ًة وتبصـر ًة للمؤمـن‪ ،‬فـإن اليـوم أو الشـهر أو السـنة التـي‬
‫تنقضـي هـي جـزء مـن عمـرك؛ ينقـص عمـرك بنقـص الشـهور والسـنوات أو انقضـاء‬
‫الشـهور والسـنوات‪ ،‬وكل يـوم أو شـهر أو سـنة تنقضـي ُتدنيـك مـن أجلـك وتقربـك‬
‫مـن من َّيتك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وقـت قريـب نرتقـب دخول رمضان ونتح َّين مجيئـه وها نحن قد و َّدعناه‬ ‫إذا كنـا يف‬
‫‪172‬‬

‫!! فأعمارنـا شـأهنا شـأن رمضـان وشـأن السـنوات؛ فليعتبر عبـدُ اهلل المؤمـن وليتفكر‬
‫يف حالـه وليحاسـب نفسـه وليـزن أعماله‪ ،‬حاسـبوا أنفسـكم قبـل أن تحاسـبوا وزنوها‬
‫حسـاب وال عمل‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قبـل أن توزنـوا‪ ،‬فـإن اليـوم ٌ‬
‫عمل وال حسـاب وغد ًا‬

‫اللهـم يـا ربنـا ويـا سـيدنا وموالنـا اجعـل مـرور األيـام والشـهور واألعـوام مغنمـا‬
‫لنـا وللخيـرات مرتقـى وسـ َّلما‪ِ ،‬‬
‫وأعنَّـا علـى طاعتـك يـا حـي يـا قيـوم‪ ،‬واهدنـا إليـك‬ ‫ً‬
‫صراطـا مسـتقيما‪ ،‬وال تكلنـا إلـى أنفسـنا طرفـة عيـن‪.‬‬

‫أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب‬
‫فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل حمـد ًا كثيـر ًا طيبـا مباركًا فيه كمـا يحب ربنا ويرضى‪ ،‬وأشـهد أن ال إله‬
‫إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبده ورسـوله؛ صلى اهلل وسـلم عليه‬
‫وعلـى آله وصحبـه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! اتقـوا اهلل تعالـى؛ فـإن مـن اتقـى اهلل وقـاه‪ ،‬وأرشـده إلـى خير أمور‬
‫دينـه ودنياه‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬وإذا كان شـهر الصيـام الـذي أوجـب اهلل على عباده صيامـه فرضًا متع ِّينا‬
‫قـد انقضـى فـإن مواسـم الصيـام لم تنقـض‪ ،‬إذا كان الصيـام فرضًا قد انتهـى وقته فإن‬
‫‪173‬‬

‫الصيـام نفلاً ال تـزال تتجـدد أوقاتـه بتجـدد الشـهور واألسـابيع واألعـوام؛ فهنـاك ‪-‬‬
‫عبـاد اهلل ‪ -‬صيـام ثالثـة أيام من كل شـهر‪ ،‬وصيـام االثنين والخميس‪ ،‬وصيام العاشـر‬
‫مـن محـرم‪ ،‬وصيـام يـوم عرفـة‪ ،‬إلـى غيـر ذلـك مـن صيـام النفـل المتجـدد بتجـدد‬
‫الشـهور واألسـابيع واألعوام‪.‬‬

‫وهـا نحن عباد اهلل نعيش شـهر شـوال يف موسـم عظيم من مواسـم الصيـام الرابحة‬
‫فقـد روى اإلمـام مسـلم يف «صحيحـه» مـن حديـث أبـي أيـوب األنصـاري أن رسـول‬
‫ـام الدَّ ْهرِ»[[[‪.‬‬ ‫اهلل ﷺ قـال‪َ « :‬مـ ْن َصـا َم َر َمضَ ـانَ ثُ َّ‬
‫ـم أَتْ َب َعهُ ِسـ ًّتا ِم ْن شَ ـ َّوالٍ كَانَ ك َِص َي ِ‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬ويف اإلقبـال علـى صيـام السـت مـن شـوال أمـارة مـن أمـارات القبـول‬
‫لصيـام رمضـان ألن مـن ثواب الحسـنة الحسـن َة بعدها‪ ،‬كما أن صيام ٍ‬
‫سـت من شـوال‬
‫ُيعـدُّ مـن أبـواب الشـكر هلل ‪ ‬علـى التوفيـق للصيـام يف رمضـان‪.‬‬

‫كذلكـم ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬صيـام السـت مـن شـوال شـأنه مع رمضـان كشـأن النافلة مع‬
‫وتسـدُّ مـا يكـون‬
‫الصلاة المفروضـة؛ فكمـا أن النوافـل مـع الصلـوات تجبر نقصهـا ُ‬
‫فيهـا مـن خلـل فـإن يف صيام سـت من شـوال جبرٌ لما يكـون يف صيام العبـد من نقص‬
‫أو خلـل‪ ،‬إضافـة إلـى قـول نبينـا ♥ عـن صيـام السـت مـن شـوال أن من‬
‫صامهـا م ْتبِعـا لهـا بصيام رمضـان فكأنما صام الدهر كله؛ ألن رمضان بعشـرة شـهور‬
‫وسـتًا مـن شـوال بشـهرين وهـذا صيـام السـنة‪ ،‬فـإذا كان العبـد مواظبًا على سـت من‬
‫شـوال بعـد صيامـه لرمضـان فكأنمـا صام الدهـر كله‪.‬‬

‫[[[ رواه مسلم (‪.)1164‬‬


‫‪174‬‬

‫هيـأت لنـا مـن أبـواب الخيـرات وصنـوف البر‬


‫َ‬ ‫اللهـم لـك الحمـد علـى مـا‬
‫والعبـادات‪ ،‬اللهـم لـك الحمـد حمـد ًا كثيـرا علـى نعمـك المتواليـة وآالئـك المتتالية‬
‫وعطائـك الـذي ال يعـد وال يحصـى‪.‬‬
‫الحث على مداومة الطاعة بعد رمضان‬
‫[[[‬

‫إن الحمـد هلل نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ونتـوب إليـه‪ ،‬ونعـوذ بـاهلل مـن شـرور‬
‫أنفسـنا وسـيئات أعمالنـا‪ ،‬مـن يهـده اهلل فلا مضـل لـه ومـن يضلـل فلا هـادي لـه‪،‬‬
‫وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمد ًا عبده ورسـوله صلى‬
‫اهلل عليـه وعلـى آلـه وأصحابـه وأتباعـه إلـى يـوم الدّ يـن وسـلم تسـليما كثيـرا‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! عباد اهلل! أوصيكم ونفسـي بتقوى اهلل تعالى ّ‬


‫فإن العاقبة للمتقين‪،‬‬
‫والتقـوى ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬هـي وصيـة اهلل لألوليـن واآلخريـن‪ ،‬وهـي سـبب كل فلاحٍ‬
‫ٍ‬
‫وغنيمـة يف الدنيـا واآلخرة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وفـوز وربـحٍ‬ ‫وسـعادة‬

‫وتقـوى اهلل ‪ :‬هـي أن يعمـل العبـد بطاعـة اهلل علـى ٍ‬


‫نـور مـن اهلل يرجو ثواب‬
‫اهلل‪ ،‬وأن يترك معصيـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل يخـاف عقاب اهلل‪.‬‬
‫[[[ خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1421-10-2 /‬هـ‪.‬‬
‫‪176‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬لقـد مـر بنـا جميعـا موسـمًا كريـم مـن مواسـم الطاعـة وأيامـا عظيمـة‬
‫مـن أيـام العبـادة؛ أال هـو موسـم رمضـان المبـارك وأيامـه الكريمـة ولياليـه الشـريفة‬
‫ويشـمرون ويجـدّ ون يف طاعة‬
‫ّ‬ ‫الفاضلـة‪ ،‬ويف رمضـان يقبِـل المؤمنـون علـى عبـادة اهلل‬
‫سـر سـرور ًا عظيما‬
‫اهلل ويتنافسـون يف أبـواب الخيـر وأعمـال الصلاح‪ ،‬وإن المؤمن ل ُي ُّ‬
‫بتزايـد الطاعـة وتنافـس النـاس يف العبـادة وقيامهـم بأبواب البر والخير يف هذا ّ‬
‫الشـهر‬
‫العظيم‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬لكـن المسـلم يجـب عليـه أن يتنبـه أن عبـادة اهلل ‪ ‬والمنافسـة يف‬
‫طاعـة والجـدَّ يف القيـام بمـا يرضيـه ال يتوقف على شـهر من الشـهور أو أيـام معدودة؛‬
‫فلئـن انقضى شـهر رمضـان المبارك فإن عبادة اإلنسـان ال تنقضي‪ ،‬ولئـن انتهت أيامه‬
‫المباركـة ولياليـه الفاضلـة فـإن أعمـال الخير ال تنتهـي‪ ،‬واهلل ‪ ‬يقـول يف كتابه‬
‫العظيـم‪ :‬ﮋ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮊ [الحجـر‪ ،]٩٩:‬واليقيـن هـو المـوت؛‬
‫فالمسـلم مطالـب بالمداومـة علـى طاعـة اهلل واالسـتمرار يف عبادتـه ‪ ‬إلى‬
‫أن يتوفاه اهلل‪ :‬ﮋ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﮊ [آل‬
‫عمـران‪ ]١٠٢:‬أي‪ِ :‬جـدُّ وا يف عبادتـه وتنافسـوا يف القيـام بمـا يرضيـه إلـى أن تموتـوا‬
‫علـى ذلـك‪ ،‬ومـن المعلـوم لـدى كل أحـد أنـه ال يعـرف متـى هنايتـه ومتـى يـأيت أجله؛‬
‫ولهـذا فـإن المسـلم مطالـب باالسـتعداد للمـوت يف كل وقـت وحيـن‪ ،‬فيكـون دائمـا‬
‫وأبـدا محافظـا علـى طاعـة اهلل مجـد ًا يف عبـادة اهلل قائمـا بـكل مـا أمـره اهلل ‪‬‬
‫بـه علـى قـدر اسـتطاعته مبتعـد ًا عـن كل مـا هنـاه اهلل عنـه وحرمـه عليـه مـن األعمـال‬
‫المحرمـة والفسـوق واآلثام‪.‬‬
‫‪177‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إن أناسـا يجـدُّ ون يف العبـادة يف رمضـان فـإذا انقضـى رمضـان انقضـت‬
‫عندهـم العبـادة أو تكاسـلوا فيهـا أو تقاعسـوا عنهـا أو فرطـوا يف كثير مـن أبواهبا وكأن‬
‫العبـادة إنمـا هـي مطلوبـة مـن اإلنسـان يف رمضان‪ ،‬وقد ُسـئل قديمًا أحد السـلف عن‬
‫حـال هـؤالء الذيـن ال ينشـطون وال يجـدُّ ون يف العبـادة إال يف شـهر رمضـان فقـط ؟‬
‫فقـال‪« :‬بئـس القـوم ال يعرفـون اهلل إال يف رمضـان»[[[‪.‬‬

‫عباد اهلل‪َّ :‬‬


‫إن رب الشـهور واحد‪ ،‬إن رب رمضان هو رب شـوال وهو رب الشـهور‬
‫كلهـا‪ ،‬وكمـا أنـه ينبغـي أن يحافـظ المـرء علـى طاعتـه وعبادتـه يف شـهر رمضـان فـإن‬
‫الواجـب علـى كل مسـلم أن يحافـظ علـى طاعـة اهلل ويجـدَّ يف عبادتـه يف كل وقـت‬
‫وحيـن؛ يف الشـهور كلهـا ويف األعـوام جميعهـا إلـى أن يتوفـاه اهلل تبـارك وتعـال وهـو‬
‫علـى حالـة رضيـة وسـيرة مرضيـة‪ ،‬وهـذا هـو معنـى قـول اهلل ‪ ‬يف القـرآن‬
‫الكريـم‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﮊ أي‪ :‬اسـتقاموا علـى طاعـة اهلل‬
‫وداومـوا علـى عبـادة اهلل ومضـوا يف أبـواب الخيـر إلـى أن يتوفاهـم اهلل؛ فهـؤالء هـم‬
‫أهـل الربـح والسـعادة والفـوز والغنيمـة يف الدنيـا واآلخـرة‪ ،‬ولهـذا ذكر اهلل ‪‬‬
‫لمـن كانـت هـذه حالهـم وتلـك مآلهـم ذكـر لهـم ‪ ‬أرباحـا عظيمـة ومغانـم‬
‫كبيـرة يف الدنيـا واآلخـرة‪:‬‬

‫قـال اهلل ‪ :‬ﮋ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ‬


‫ﰐ ﮊ [األحقـاف‪ ،]١٣:‬وقـال تعالى‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘﭙ ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭡﭢ‬

‫[[[ «لطائف المعارف» (ص‪.)244‬‬


‫‪178‬‬

‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﮊ [فصلـت‪]٣٢-٣٠:‬‬
‫كل ذلـك – عبـاد اهلل ‪ -‬إنمـا يكـون لمـن آمـن بـاهلل ‪ ‬واسـتقام علـى طاعـة اهلل‬
‫إلـى أن يتوفـاه اهلل‪ ،‬وعنـد الوفاة كما أخرب اهلل ‪ ‬تتنـزل المالئكة؛ مالئكة الرحمة‬
‫ٍ‬
‫ومباركـة بالخيـر تتنـزل علـى مـن كانـت هذه‬ ‫التـي تحمـل أعظـم بشـارة وأعظـم هتنئـة‬
‫حالـه عنـد وفاتـه ِّ‬
‫مبشـرة لـه بالنهايـة السـعيدة والحـال الرشـيدة التـي يـؤول إليهـا بعـد‬
‫الوفـاة‪ :‬ﮋ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﮊ؛ ال تخافـوا ممـا أنتـم‬
‫وأجر جزيـل ورضًا من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وثـواب عظيـم‬ ‫ٍ‬
‫حالـة هنية‬ ‫قادمـون عليـه فإنكـم قادمـون علـى‬
‫اهلل ‪ ،‬وال تحزنـوا أيضـا علـى مـا أنتم مفارقونه من األهـل واألوالد فإهنم يف‬
‫يبشـرون عنـد المـوت ﮋ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫حفـظ اهلل ورعايتـه وتسـديده وتوفقيـه‪ ،‬هكـذا َّ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﮊ؛ أي واهلل يقال لهم عند وفاهتم أبشـروا بالجنة‪ :‬أي أبشـروا‬
‫بجنـة اهلل ‪ ‬التـي َش ّـمرتم لنيلهـا يف الحيـاة واجتهدتـم لتحصيلهـا مـدة أيامكم‬
‫واسـتقمتم علـى طاعـة اهلل‪ ،‬ولهـذا عنـد الموت يبشـرون؛ ولهـذا كثير من أهـل الطاعة‬
‫والجـدّ يف االسـتقامة والمحافظـة علـى طاعـة اهلل يبتسـمون عنـد وفاهتـم ويظهـر علـى‬
‫وجوهـم البِ ْشـر والسـرور والفـرح والسـعادة‪ ،‬يظهـر عليهـم ذلـك بعـد الوفـاة وهـذه‬
‫نتيجـة حتميـة لهـذا البشـارة العظيمـة والتهنئـة الكريمـة التـي يهنّـؤون هبـا عنـد موهتم‪.‬‬

‫أسـأل اهلل ‪ ‬بأسـمائه الحسـنى وصفاتـه أن يكتـب لـي ولكـم تلـك النهايـة‬
‫الحميـدة وذلـك المـآل الرشـيد بمنِّـه وتوفيقـه وعونـه وتسـديده‪.‬‬

‫وفـرض اهلل تبـارك علـى عبـاده‬


‫عبـاد اهلل‪ :‬وكمـا أن شـهر رمضـان هـو شـهر الصيـام َ‬
‫‪179‬‬

‫فيـه تلـك الطاعـة العظيمـة والفريضـة الجليلة صيام الشـهر كله فإن الصيـام ال ينقضي‬
‫بانقضـاء رمضـان‪ ،‬نعم؛ الصيام المفـروض والصيام الواجب ال يكون إال يف رمضان‪،‬‬
‫لكـن إن انتهـى الصيـام يف رمضـان فيبقـى مع المسـلم صيـام النافلة‪ ،‬ومـن أعظم ذلك‬
‫صيـام سـتة أيـام من شـوال‪ ،‬وقد جاء يف الحديـث الذي رواه مسـلم يف «صحيحه» من‬
‫حديـث أبـي أيـوب األنصـاري أن النبي ﷺ قال‪َ « :‬مـ ْن َصا َم َر َمضَ انَ ثُ َّم أَتْ َب َعهُ ِسـ ًّتا ِم ْن‬
‫شَ ـ َّوالٍ كَانَ ك َِص َي ِام الدَّ ْهرِ»[[[‪.‬‬

‫عباد اهلل‪ :‬إن صيام ستة أيام من شوال فيه فوائد عظيمة وأرباح كبيرة ومنافع جمة‪:‬‬

‫منها عباد اهلل‪ :‬أن يف صيام السـتة األيام من شـوال شـكر ًا هلل ‪ ‬على التوفيق‬
‫للتمـام يف أداء صيـام شـهر رمضـان‪ ،‬وإن من شـكر النعمة العظيمة النعمـ َة بعدها‪ ،‬وإن‬
‫مـن شـكر اهلل ‪ ‬علـى التوفيـق للطاعـة الطاعـ َة بعدهـا‪ ،‬ولهذا فإن من شـكرك‬
‫هلل ‪ ‬علـى توفيقـه إيـاك ألداء صيـام رمضـان أن تبـادر إلى أداء صيام سـتة أيام‬
‫من شـوال شـكر ًا هلل ‪ ‬على توفيقه‪.‬‬

‫ومـن فوائـد ذلـك‪ :‬أن صيـام سـتة أيـام مـن شـوال هي بمثابـة النافلـة بعـد الفريضة‪،‬‬
‫وتكمل‬
‫ِّ‬ ‫وكمـا أن الصلاة المفروضـة يشـرع بعدها نوافل تجرب كسـرها وتسـد نقصهـا‬
‫مـا وقـع فيهـا مـن خطـأ أو تقصيـر؛ فـإن صيـام سـتة أيـا ٍم مـن شـوال هـو بمثابـة النافلـة‬
‫بعـد الفريضـة‪ ،‬والشـك أن كل واحـد منـا حصـل عنـده شـيء مـن التقصيـر والنقـص‬
‫والخلـل يف صيامـه لشـهر رمضـان المبـارك فتـأيت هـذه األيـام العظيمـة السـتة لتجبر‬
‫لإلنسـان نقصـه وتقصيـره يف صيامـه لشـهر رمضـان‪.‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)1164‬‬
‫‪180‬‬

‫ومـن فوائـد صيـام السـت‪ :‬ما بينـه النبـي ﷺ يف الحديث الـذي مر معنا وهـو قوله‪:‬‬
‫ـام الدَّ ْهـرِ» فـإن الحسـنة بعشـرة أمثالهـا‪ ،‬وصيـام رمضـان علـى هـذا يعـدل‬
‫«كَانَ ك َِص َي ِ‬
‫صيـام عشـرة أشـهر‪ ،‬فـإذا أتبعـه سـت مـن شـوال فهي تعـدل صيام سـتين يوما والسـنة‬
‫ثالثمائـة وسـتين يومـا؛ فكأنمـا صام السـنة كلها‪ ،‬فإذا كان اإلنسـان هكذا طـول حياته‬
‫يصـوم رمضـان و ُيتبعـه سـت من شـوال فكأنمـا صام الدهـر كله‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬ثـم إن الصيـام السـت مـن شـوال فيـه فائدة أخـرى عظيمـة أال وهي أن يف‬
‫صيامـه أمـار ًة مـن أمـارة القبـول وعالمـ ًة مـن عالمـات الرضـا‪ ،‬ألن مـن عالمـة قبـول‬
‫الطاعـة الطاعـ ًة بعدهـا ومـن عالمـة قبـول العبـادة العبـاد ًة بعدها‪.‬‬

‫ولهـذا عبـاد اهلل كل إنسـان يرجـو أن يكـون اهلل ‪ ‬تقبل منـه صيامه وقيامه‪،‬‬
‫ومـن أمـارات القبـول أن تكون حال اإلنسـان بعد الطاعـة خير ًا منها قبـل الطاعة‪ ،‬فإذا‬
‫كان مفرطـا مقصـر ًا قبـل رمضـان فإنه بعد رمضـان يكون مجد ًا منافسـا يف الخير وإن‬
‫كانـت حالـه قبـل رمضان حسـنة وطيبة فـإن حاله بعـد رمضان تكون أحسـن وأطيب‪،‬‬
‫وهـذا كله من عالمـات القبول‪.‬‬

‫نسـأل اهلل ‪ ‬أن يتقبـل منـا ومنكم صيامنا وقيامنـا وأن يوفقنا وإياكم لكل خير‬
‫وأن يعيننـا وإياكـم علـى االسـتقامة علـى طاعـة اهلل والمداومـة علـى عبادتـه سـبحانه‪،‬‬
‫وأن يهدينـا جميعـا سـواء السـبيل‪ ،‬وأن يعيذنـا من الشـرور كلها والفتـن جميعها‪.‬‬

‫أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب‬
‫فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم‪.‬‬
‫‪181‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل عظيم اإلحسـان واسـع الفضـل والجود واالمتنان‪ ،‬وأشـهد أن ال إله إال‬
‫اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـد ورسـوله؛ صلـى اهلل عليـه وعلـى آله‬
‫وأصحابـه أجمعين وسـلم تسـليمًا كثيرا‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫ال سـديدا‪ :‬ﮋ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬


‫عبـاد اهلل‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى وقولـوا قـو ً‬
‫ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﮊ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إن يـوم العيـد يعـدُّ فرحة عظيمة كبرى للمؤمنين؛ يفرحـون فيه بنعمة اهلل‬
‫‪ ‬عليهـم بـأداء صيام رمضان وقيام لياليه ويسـألون فيـه رهبم الرضا والقبول‪.‬‬

‫إن يـوم العيـد فرحـ ٌة عظيمـة للمؤمنيـن‪ ،‬وهكـذا األيـام التـي بعـده تـرى علـى‬
‫النـاس فرحـا وسـرورا وبشـر ًا وراحـ ًة وطمأنينـة بتوفيـق اهلل وإنعامـه وتيسـيره وإكرامه‬
‫‪‬؛ ولهـذا عبـاد اهلل ينبغـي علينـا أن أيامنـا هـذه أيا ُم شـكر هلل ‪ -‬علـى أن أيام‬
‫المسـلم كلهـا طـول حياتـه أيـام شـكر ‪ -‬فـاهلل ‪ ‬أهـل الحمـد والثنـاء والشـكر‬
‫والمـدح يف األوقـات كلهـا ويف األحاييـن جميعهـا إال أن الشـكر يف هذه األيـام يتأكد‪،‬‬
‫ولهـذا قـال اهلل ‪ :‬ﮋﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﮊ [البقـرة‪.]١٨٥:‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬وشـكر اهلل ‪ ‬علـى نعمـه يكـون بالقلـب اعرتافًا وإقـرار ًا بنعمة اهلل‪،‬‬
‫‪182‬‬

‫ويكـون باللسـان حمـد ًا وثنـاء علـى اهلل‪ ،‬ويكـون بالجـوارح بأن يسـتعملها المسـلم يف‬
‫طاعة اهلل‪.‬‬

‫ولهـذا عبـاد اهلل فإننـي أنبـه هبـذه المناسـبة علـى بعـض المظاهـر التـي تكـون مـن‬
‫بعـض النـاس يف أيـام العيـد وهـي ليسـت مـن أمـارات الشـكر هلل ‪ ‬بـل هـي مـن‬
‫أمـارات التبذيـر واإلسـراف وإضاعـة المال يف غيـر وجهه وإيذاء المسـلمين بغير حق‬
‫وبلا وجـه وال مربر‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬ومـن أعظـم ذلـك مـا ينتشـر ويشـتهر ويكثـر يف أيـام العيـد ولياليـه مـن‬
‫اسـتعمال كثيـر من الشـباب وكثيـر من األطفال لما يسـمى باأللعـاب النارية؛ وهذه ‪-‬‬
‫عبـاد اهلل ‪ -‬كمـا بيـن العلمـاء محرم اسـتعمالها‪ ،‬محرم بيعها وشـراؤها ألسـباب كثيرة‬
‫أهمها سـببان‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن فيهـا تبذيـر ًا للمـال وإضاعـة للمـال وإتالفـا لـه بغيـر وجـه‪ ،‬وإن العاقـل‬
‫ال وقيـل لـه ِ‬
‫احـرق هـذه‬ ‫ليـدرك تمـام اإلدراك لـو أن رجلا ُأعطـي خمسـين ريـا ً‬
‫الخمسـين ريـاال فإنـه ال يفعـل ذلـك ويعـد ذلـك نوعـا مـن السـفه والجهـل‪ ،‬وهـذا‬
‫عيـن مـا يفعلـه من يسـتعمل هـذه األلعاب؛ تجـد كثيرا من الشـباب واألطفـال ُيتلفون‬
‫أمـواال ًكثيـرة ويتلفـون نقـودا عديـدة يف هـذه األلعـاب تذهـب يف الهـواء بشـيء مـن‬
‫اإلزعـاج والضوضـاء دون أي فائـدة أو ثمـرة أو نتيجـة‪.‬‬

‫أال يتذكـر هـؤالء قـول النبـي ﷺ‪« :‬الَ تَـ ُز ُ‬


‫ول َقدَ َمـا َع ْب ٍد يَـ ْو َم الْ ِق َيا َم ِة َح َّتى يُ ْسـأَ َل‬
‫‪183‬‬

‫يما أَنْ َف َقهُ »[[[ !! لـو أجرينا‬


‫َعـ ْن أَ ْر َبـ ٍع ‪ -‬وذكـر منهـا ‪َ -‬و َعـ ْن َمالِ ِه ِمـ ْن أَ ْي َن اكْ َت َسـ َبهُ َو ِف َ‬
‫بـه العمليـات الحسـابية لألمـوال التـي تنفـق يف هـذه األلعـاب النارية لوجدناهـا أمو ً‬
‫ال‬
‫طائلـة‪ ،‬فعلـى سـبيل المثـال‪ :‬لـو أن مائتيـن مـن الشـباب كل واحـد منهـم اسـتعمل يف‬
‫يـوم واحـد خمسـين ريـا ً‬
‫ال يف هـذه األلعـاب النارية لبلغ مجمـوع ما أتلفـوه من مال يف‬
‫ذلـك اليـوم عشـرة آالف ريـال وهـذا المبلغ عبـاد اهلل يف بعض الدول يبني بيتًا تسـكن‬
‫فيـه أسـرة فقيـرة‪ ،‬ويبنـي مسـجدا يصلـي فيه جماعـة الحي‪ ،‬ويكسـو أالفًا مـن الناس‪،‬‬
‫ويطعـم الكثيـر مـن الجوعـى‪ ،‬أفيليـق بنـا وقـد أكرمنـا اهلل ‪ ‬وأمدنـا بالمـال أن‬
‫نضيعـه هكـذا وأن نبـذره هبـذه الطريقة !!‬

‫أمـا السـبب الثـاين لتحريـم هـذه األلعـاب وتحريـم بيعهـا وشـرائها‪ :‬فلمـا فيهـا مـن‬
‫األضـرار الخطيـرة واإليـذاء للنـاس واإلهلاك للممتلـكات والتسـبيب للحرائـق إلى‬
‫غيـر ذلـك مـن األخطار‪.‬‬

‫ولهـذا ينبغـي عبـاد اهلل أن نتنبـه لذلـك وأن نحـذر منهـا غايـة الحـذر‪ ،‬وأن نحافـظ‬
‫علـى أموالنـا وأن نسـتعملها يف طاعـة اهلل ‪.‬‬

‫وأسـأل اهلل ‪ ‬أن يرزقنـا وإياكـم الربكـة يف أموالنـا وأعمارنـا وأوالدنا وذريتنا‬
‫وجميـع شـؤوننا وأن يوفقنـا لكل خير وأن يهدينا سـواء السـبيل‪.‬‬

‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)2417‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)7300‬‬


‫خطب‬
‫أعياد الفطر‬
‫خطبة عيد الفطر لعام ‪1421‬هـ‬

‫الحمـد هلل الكبيـر المتعـال‪ ،‬ذي العظمـة والكربيـاء والجلال والجمـال والكمـال‪،‬‬
‫لـه األسـماء الحسـنى والصفـات الكاملـة العليـا واآلالء والنعـم العظمـى‪ ،‬خلـق‬
‫وسـهل‬
‫َّ‬ ‫المخلوقـات فقدّ رهـا وأتقنهـا‪ ،‬وشـرع الشـرائع بحكمتـه فأكملهـا وأحسـنها‪،‬‬
‫لعبـاده طـرق الخيـرات لينيلهـم مـن فضلـه ألـوان الكرامـات‪ ،‬وجعـل مواسـم األعياد‬
‫مـورد ًا للبر والجـود وإغـداق العطايـا والهبـات‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال‬
‫شـريك لـه يف ألوهيتـه وربوبيتـه ومـا لـه مـن سـعة النعـوت وعظمـة الصفـات‪ ,‬تفـرد‬
‫وتوحـد بالعظمـة والجلال والمجـد والعـز والكربيـاء‬
‫ّ‬ ‫بالوحدانيـة والقـدرة والبقـاء‪،‬‬
‫وملأت رحمتـه أقطـار األرض والسـماء‪ :‬ﮋ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮊ‬
‫[طـه‪ ،]٨:‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله‪ ،‬أرسـله رحمـ ًة للعالميـن وقـدو ًة‬
‫للعامليـن‪ ،‬وحجـ ًة علـى العبـاد أجمعيـن‪ ،‬افترض علـى العبـاد اإليمـان بـه ومحبتـه‬
‫وتعزيـره وتوقيـره والقيـام بحقوقـه‪ ،‬وسـد إلـى الجنـة كل طريـق فلـم يفتـح ألحـد إال‬
‫‪186‬‬

‫مـن طريقـه‪ ،‬وشـرح لـه صـدره ورفـع له ذكـره ووضـع عنـه وزره‪ ،‬فتـح برسـالته أع ُينًا‬
‫عميـا وآذانـا صمـا وقلوبـا غلفـا‪ ،‬فب َّلـغ الرسـالة وأدى األمانـة ونصح األمـة وع َبدَ اهلل‬
‫حتـى أتـاه اليقيـن‪ ،‬ومـا تـرك خيـر ًا إال دل األمة عليه‪ ،‬وال شـرا إال حذرهـا منه‪ ،‬فصلى‬
‫اهلل ومالئكتـه وأنبيـاؤه وصفـوة خلقـه عليـه وعلـى أصحابـه وأتباعـه إلـى يـوم الديـن‬
‫وسـلم تسـليما ًكثيـرا‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫أيهـا النـاس‪ :‬ﮋ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬


‫ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﮊ [األحزاب‪ ,]٧١–٧٠:‬واذكروا‬
‫نعمة اهلل عليكم هبذا الدين القويم‪ ،‬والشـرع الكامل المسـتقيم‪ ،‬والرسـول المصطفى‬
‫الكريـم ‪ -‬ﷺ ‪ ،-‬واحمـدوا ربكـم حيـث جعـل لكـم عيـد ًا عظيمـا‪ ،‬وموسـمًا جليلاً‬
‫كريمـا‪ ,‬يتميـز عـن أعيـاد ومواسـم الكفـار بنـوره وهبائـه‪ ،‬ويختـص بخيـره وبركاتـه‪،‬‬
‫عيـدٌ عظيـم مبنـي علـى التوحيـد واإليمـان‪ ،‬وقائم علـى اإلخلاص والتمجيـد والثناء‬
‫والشـكر للرحمـن‪ ،‬عيدنـا ‪َ -‬‬
‫أهـل اإلسلام واإليمـان ‪ -‬ليـس فيـه وهلل الحمـد شـيء‬
‫مـن شـعائر الشـرك والكفـران؛ إنـه عيـدُ اإلفطار‪ ،‬عيـدُ الفرح واالستبشـار‪ ،‬عيـدُ الخير‬
‫والعطـاء المـدرار‪ ،‬عيـدٌ يملأ القلـوب فرحـا وسـرورا‪ ،‬ويتلأأل يف اإلفطـار فيـه هبـا ًء‬
‫وضيـا ًء ونـورا‪ ،‬عيـدٌ يذكـر المؤمنـون فيه نعـم موالهم‪ ،‬ويرشـدهم ‪ ‬إلى صالح‬
‫وبـر وإيقان‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وطاعـة وإيمـان ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شـكر وإحسـان‬ ‫دينهـم ودنياهـم‪ ،‬عيـدُ‬
‫‪187‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬لقـد جعـل اهلل للمسـلمين يف هـذا العيـد المبـارك مقصوديـن عظيميـن‬
‫وهدفيـن جليليـن‪:‬‬

‫أحدهمـا وهـو المقصـود األجـل والهـدف األكبـر‪ :‬أهنـم يحمـدون اهلل علـى القيـام‬
‫بمـا فـرض عليهـم مـن الصيـام‪ ،‬ومـا مـ ّن بـه مـن الطاعـات والقيـام الموصلة لهـم إلى‬
‫دار السلام فيشـكرون اهلل ‪ ‬حيـث و ّفقهـم إلتمـام صيـام شـهر رمضـان وقيامه‪،‬‬
‫تفضـل عليهـم مـن الطاعـات يف لياليـه وأيامه‪ ،‬فيغـدون فيه إلى المصلـى مكربين‬
‫ومـا ّ‬
‫رافعيـن أصواهتـم بالتكبيـر والتهليـل لرهبـم خاضعيـن‪ ،‬مبتهليـن فيـه بالسـؤال للكريم‬
‫وملحيـن‪ ،‬راجيـن بذلـك فضل رهبـم ومغفرته ورحمتـه ومؤ ِّملين‪ ،‬قد فرحـوا بتكميل‬
‫صيامهـم وقيامهـم واستبشـروا‪ ،‬وطلبـوا مـن رهبـم العتـق مـن النـار والقبـول‪ ،‬وتمـام‬
‫النعمـة وطمعـوا بذلـك وانتظـروا‪ ،‬وهـو سـبحانه خيـر مـن أ ّملـه المؤملـون وطمـع يف‬
‫فضلـه الطامعون‪.‬‬

‫والمقصـود الثـاين‪ :‬الفـرح بمـا أباحـه اهلل وأطلقـه لعبـاه مـن التمتـع بالطيبـات مـن‬
‫ٍ‬
‫وتجـاوز‬ ‫المـآكل والمشـارب والمالبـس والنعـم المتنوعـات دون إسـراف أو تبذيـر‬
‫للحـدود المشـروعات؛ أ َم َرهـم بالصيـام فامتثلـوا راغبين وصبروا‪ ،‬وأبـاح لهم الفطر‬
‫فحمـدوا رهبـم علـى فضلـه وشـكروا‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬اعرفـوا ‪ -‬رحمكـم اهلل ‪ -‬نعـم اهلل عليكـم وفضلـه يف هـذا اليـوم السـعيد؛‬
‫‪188‬‬

‫ويعمهـم فيـه‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫سـوابغ نعمـه‪،‬‬ ‫فإنـه اليـوم الـذي ُيفيـض اهلل فيـه علـى عبـاده المؤمنيـن‬
‫بواسـع فضلـه وجزيـل عطائـه‪ ،‬تفضـل عليهـم ‪ ‬بالتوفيـق لصيـام هـذا الشـهر‬
‫وقيامـه‪ ،‬ووفقهـم للتنـوع يف طاعاتـه وتلاوة كالمـه‪ ،‬ولـم يـزل يوالـي عليهم بـره حتى‬
‫أتمـوه وأكملـوه‪ ،‬فطوبـى ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬لمـن نـال فيـه سـ ْبق السـابقين‪ ،‬وسـلك فيـه‬
‫بحفـظ صيامـه وإخلاص العمـل سـبيل الصالحيـن‪ ،‬ويا حسـرة من ُطرد مـن األبواب‬
‫وأغلـق دونـه الحجـاب‪ ،‬وانصرف عنه شـهر الصيـام والقيام وهو مشـغول بالمعاصي‬
‫فـرط يف أوقـات شـهره وسـاعاته الشـريفة‬
‫مخـدوع باألمـاين واألحلام‪ ،‬قـد َّ‬
‫ٌ‬ ‫واآلثـام‪،‬‬
‫العظام‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬لقـد دعـا اهلل عبـاده يف هـذا اليـوم المبـارك إلـى هـذه الصلاة ليعظمـوه‬
‫ويشـكروه‪ ،‬ومـدّ لهـم ‪ ‬موائـد البر والفلاح ليسـبقوا إليهـا ويدركوهـا‪ ،‬فخـرج‬
‫المؤمنـون يف هـذا اليـوم الكريـم إلـى مصالهـم يطلبـون مـن رهبـم الرحيـم أن ينجـز‬
‫ِ‬
‫ويجـزل‬ ‫لهـم مـا وعدهـم وأن يتـم عليهـم مـن النعمـة مـا بـه ابتدأهـم؛ فيغفـر زالهتـم‪،‬‬
‫هباهتـم‪ ،‬وأن يتقبـل منهـم الصلاة والصيـام‪ ،‬ويضاعـف لهـم الحسـنات‪ ،‬ويرفـع لهـم‬
‫يف غـرف الجنـة عالـي الدرجـات‪ ،‬وأن يغنـي فقيرهـم‪ ،‬ويجبر كسـيرهم‪ ,‬ويشـفي‬
‫مريضهـم‪ ،‬ويجـود علـى معسـرهم‪ ،‬ويتجـاوز عـن موسـرهم‪ ،‬وأن يجمـع شـملهم‪،‬‬
‫ويصلـح ذات بينهـم‪ ،‬وأن يوفقهـم لتحصيـل الخيـرات وتـرك المنكـرات؛ ألجـل هذا‬
‫ِ‬
‫فأحسـنوا ‪ -‬رحمكـم اهلل ‪ -‬ظنكـم بربكـم‪ ،‬واطمعـوا غايـة الطمـع يف فضله‬ ‫اجتمعـوا‪،‬‬
‫العظيـم‪ ،‬واشـكروه علـى مـا أوالكـم وهداكم‪ ،‬وما سـاقه إليكـم من مواسـم الخيرات‬
‫‪189‬‬

‫وأعطاكـم‪ ،‬وأكثـروا مـن ذكـره والثنـاء عليـه‪ ،‬وأخلصـوا لـه العمـل لتنالـوا جزيـل مـا‬
‫علي‬
‫لديـه‪ ،‬وإياكـم أن تقابلـوا هـذه النعـم بضدهـا فتبـوءوا بمحقهـا وضدها‪ ،‬أعـاد اهلل َّ‬
‫وعليكـم مـن بـركات هذا العيـد وأ َّمننا وإياكم مـن فضائح يوم الوعيد‪ ،‬وجعل موسـم‬
‫الخيـرات لنـا مربحـا ومغنمـا‪ ،‬وأوقـات البركات والنفحـات لنـا إلـى رحمتـه طريقـا‬
‫وس َّلما‪.‬‬

‫أعوذ باهلل من الشـيطان الرجيم‪ :‬ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬


‫ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭠﭡﭢﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲﭳﭴﭵﭶ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ‬
‫ﭿ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮈﮉﮊﮋﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮊ [آل عمران‪.]١٣٦–١٣٣:‬‬

‫جعلنـي اهلل وإياكـم منهـم بمنِّـه وكرمـه‪ ،‬ونفعنا وإياكـم هبدي كتابه العظيـم‪ ،‬ووفقنا‬
‫التباع سـنة رسـوله الكريم ﷺ‪.‬‬

‫أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولوالدينـا وللمسـلمين والمسـلمات‬
‫والمؤمنيـن والمؤمنـات األحيـاء منهـم واألمـوات إنـه هـو الغفـور الرحيـم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل العلـي الكبيـر‪ ،‬المتعالـي عـن الشـبيه والنظيـر ﮋ ﭡ ﭢ ﭣﭤ‬


‫ﭥ ﭦ ﭧ ﮊ [الشـورى‪ ]١١:‬وأشـهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شـريك له‪،‬‬
‫‪190‬‬

‫لـه الملـك ولـه الحمـد وهـو على كل شـيء قدير‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبده ورسـوله؛‬
‫البشـير النذيـر والداعـي إلـى اهلل بإذنـه والسـراج المنيـر‪ ،‬ﷺ وعلـى آلـه وأصحابـه‬
‫أجمعين‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬اتقـوا اهلل يف السـر والعلـن‪ ،‬وراقبـوه فإنـه معكـم بعلمـه واطالعـه يف كل‬
‫مـكان وأوان‪ ،‬وتمسـكوا بأركان الدين وشـعب اإليمان فال نجـاة يف المحيا والممات‬
‫إال باإليمـان والتقـوى واالستمسـاك مـن الديـن بالعـروة الوثقـى‪ ،‬وحافظـوا علـى‬
‫الصلاة فإهنـا عمـاد الديـن وأعظـم أركانـه بعد الشـهادتين‪ ،‬مـن حافظ عليهـا كانت له‬
‫نـور ًا وبرهانـا ونجـاة يـوم القيامـة ومن لم يحافـظ عليها لم يكن له ٌ‬
‫نـور وال برهان وال‬
‫نجـاة يـوم القيامـة‪ ،‬إقامتهـا إيمـان وإضاعتهـا كفـر وطغيـان‪ ،‬هـي أو ما يحاسـب عليها‬
‫العبـد يـوم القيامـة‪ ،‬فالصلاة الصلاة عبـاد اهلل؛ حافظـوا عليهـا يف بيـوت اهلل التـي ِ‬
‫أذن‬
‫اهلل أن ترفـع و ُيذكـر فيها اسـمه‪.‬‬

‫واحرصـوا ‪ -‬رعاكـم اهلل ‪ -‬يف هـذا اليـوم ويف كل يـوم علـى السـكينة والوقـار‪،‬‬
‫وغـض البصـر‪ ،‬وحفـظ الفـرج‪ ،‬وصيانـة اللسـان‪ ،‬والبعـد عـن المعاملات الخبيثـة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫سـبب يعينكم على الوصول‬ ‫والمكاسـب المحرمـة‪ ،‬وتعرضـوا ‪ -‬رحمكم اهلل ‪ -‬لكل‬
‫إلـى طاعـة اهلل ونيـل مرضاته‪ ،‬واعلمـوا أن الجنة محفوفة بالمـكاره وأن النار محفوفة‬
‫بالشـهوات؛ فمتـى صربتـم علـى ما تكرهـون نلتم ما تحبـون ومتى هنيتـم النفوس عن‬
‫‪191‬‬

‫هواهـا وجاهدتموهـا علـى البعـد عـن معصيـة موالهـا فقد سـعيتم يف حصـول نعيمها‬
‫وسـرورها ومناهـا‪ ،‬ويف الحديـث يقـول ﷺ‪« :‬اضْ َم ُنـوا ِل ِسـ ًّتا ِمـ ْن أَنْف ُِسـك ُْم أَضْ َمـ ْن‬
‫ُـم‪َ ،‬وأَ ُّدوا إِ َذا اؤْتُ ِ ْن ُت ْ‬
‫ـم‪َ ،‬وا ْح َفظُوا‬ ‫ـم‪َ ،‬وأَ ْوفُـوا إِ َذا َوعَدْ ت ْ‬ ‫ُـم الْ َج َّنـ َة‪ْ :‬‬
‫اصدُ ُقـوا إِ َذا َحدَّ ثْ ُت ْ‬ ‫لَك ْ‬
‫ُـم‪َ ،‬وكُفُّـوا أَ ْي ِد َيك ُْم»[[[‪.‬‬
‫ُـم‪َ ،‬وغُضُّ ـوا أَ ْب َصا َرك ْ‬
‫جك ْ‬‫ُف ُرو َ‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عباد اهلل‪ :‬اتقوا اهلل تعالى يف أوالدكم‪ ،‬وأ ّدبوهم بآداب اإلسلام‪ ،‬وع ِّلموهم القرآن‪,‬‬
‫وجنِّبوهـم مواطـن الفسـاد وقرناء السـوء‪ ،‬وخذوهـم بالحزم والحكمـة‪ ،‬واجتهدوا يف‬
‫إبعادهـم عـن كل أمـر يصـل هبـم إلـى الشـر أو يفضـي هبـم إلـى الفتنـة؛ السـيما وأن‬
‫كثيـر ًا مـن الشـباب اآلن يتعرضون عرب الفضائيات ووسـائل االتصـال الحديثة ألنوا ٍع‬
‫عديـدة مـن الغـزو الفكـري والـدس الماكـر الـذي ال يدركـون كوامنـه وال يعرفـون‬
‫خواف َيـه‪ ،‬مـع أنـه يفضـي هبـم إلـى التحلـل مـن الديـن‪ ،‬والتفلـت مـن المبـادي والقيم‪،‬‬
‫ويتخـرج منـه الشـاب تائهـا حائـرا متمـرد ًا على أمتـه ومجتمعـه‪ ،‬وتتحرك فيـه بواعث‬
‫اإلجـرام‪ ،‬ويتزايـد فيـه دواعـي الغـي واآلثـام‪ ،‬وإن لـم يتـدارك الشـاب نفسـه أضـر هبـا‬
‫وباآلخريـن‪ ،‬وإلـى اهلل وحـده المفـزع يف أن يصلـح شـباب المسـلمين وأن يجنبهـم‬
‫الفتـن ك ّلهـا مـا ظهـر منها ومـا بطن‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬واتقـوا اهلل يف نسـائكم وبناتكـم‪ ،‬ونفـذوا فيهـن وصية اهلل ووصية رسـوله‬
‫[[[ رواه أحمــد يف «مســنده» (‪ ،)22757‬وابــن حبــان يف «صحيحــه» (‪ ،)271‬وحســنه األلبــاين يف‬
‫«صحيــح الجامــع» (‪.)1018‬‬
‫‪192‬‬

‫ﷺ‪ ،‬فاحفظوهـن بالستر والصيانـة وأدبوهـن بـاآلداب اإلسلامية الرفيعة فـإن المرأة‬
‫متـى تمسـكت بتعاليـم اإلسلام سـعدت يف الدنيا واآلخرة وسـاعدت يف بنـاء مجتم ٍع‬
‫ٍ‬
‫متماسـك نزيـه ملـيء بالطهـر والعفـاف‪ ،‬وإن تخلـت عـن هـذه التعاليـم تـردت‬ ‫ٍ‬
‫قـوي‬
‫يف مهـاوي الرذيلـة وسـقطت يف حمـأة الفسـاد وفقـدَ ت كرامتهـا ومكانتهـا ومنزلتهـا‬
‫الرفيعـة‪ ،‬وإن مـن أعظـم أصـول البلاء وأشـد منابـع الفسـاد تبرج النسـاء وخروجهن‬
‫ٍ‬
‫متجملات بيـن الرجـال‪ ،‬ومخالطتهن لهم يف المنتديات العامة واألسـواق‪،‬‬ ‫متزينـات‬
‫لى ال ِّر َجـالِ ِمـ ْن ال ِّن َسـا ِء»[[[‪،‬‬ ‫ـي أَ َ ُّ‬
‫ض َع َ‬ ‫ولهـذا قـال ﷺ‪َ « :‬مـا تَ َرك ُ‬
‫ْـت َب ْعـ ِدي ِف ْت َنـ ًة ِه َ‬
‫ش َف َها الشَّ ـ ْيطَانُ »[[[ وقـال ﷺ‪« :‬فَاتَّقُوا‬
‫اسـ َت ْ َ‬ ‫وقـال ﷺ‪« :‬الْ َمـ ْرأَ ُة َعـ ْو َر ٌة فَـإِ َذا َ‬
‫خ َر َج ْت ْ‬
‫ف ال ِّن َسـا ِء»[[[‪.‬‬ ‫الدُّ نْ َيـا َواتَّقُـوا ال ِّن َسـا َء فَـإِنَّ أَ َّو َل ِف ْت َنـ ِة َب ِنـي إِ ْ َ‬
‫سائِ َ‬
‫يـل كَان َْت ِ‬
‫ٍ‬
‫ومؤامرات‬ ‫عبـاد اهلل‪ :‬والمـرأة المسـلمة يف هذه األزمـان تتعرض لهجمات شرسـة‬
‫آثمـة‪ ،‬تسـتهدف خلخلـة دينهـا‪ ،‬وزعزعت إيماهنـا‪ ،‬واإلطاحة بعفتها‪ ،‬وهتك شـرفها‪،‬‬
‫ٍ‬
‫قنـوات فضائية مدمـرة‪ ،‬ومجالت‬ ‫وإلحاقهـا بركـب العواهـر والفاجـرات؛ مـن خالل‬
‫ٍ‬
‫كاسـية عاريـة‪ ،‬ومـن خلال نـوع مـن العبـث جديـد بعبـاءة‬ ‫خليعـة هابطـة‪ ،‬ومالبـس‬
‫المـرأة التـي هـي ستر المرأة وأسـاس حشـمتها؛ أال فلتتـق اهلل كل فتاة مسـلمة ولتكن‬
‫ٍ‬
‫حـذر شـديد‪ ،‬ولتتذكـر أهنـا سـتقف يـوم القيامـة بيـن يـدي اهلل ‪‬‬ ‫مـن ذلـك علـى‬
‫ويسـألها عـن كل مـا قدمـت يف هـذه الحيـاة‪ ،‬يف يـو ٍم يثـاب فيـه أهـل الطاعة ويهـان فيه‬
‫أهـل اإلضاعـة وال ينفـع نفسـا يومئـذ ضراعة‪.‬‬

‫[[[ رواه مسلم (‪.)2740‬‬


‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)1173‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪’.)6690‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)2742‬‬
‫‪193‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬وتذكـروا جميعـا قدومكـم علـى اهلل ووقوفكـم يـوم القيامـة بيـن يديـه‬
‫وتذكـروا القبـور وأهوالهـا وأحـوال أهلهـا‪ ،‬فلـو رأيتـم تحت التراب أحوالهـم لرأيتم‬
‫أمـور ًا هائلـة‪ ،‬وألوانـا حائلـة‪ ،‬وأعناقـا عن األبدان زائلـة‪ ،‬وعيونا على الخدود سـائلة‪،‬‬
‫ونحـن عبـاد اهلل جميعـا إلـى مـا صـاروا إليـه صائـرون‪ ،‬وعلـى مـا قدَّ منـا مـن األعمال‬
‫قادمـون‪ ،‬وإنـا هلل وإنـا إليـه راجعون‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل تقبـل اهلل منـا ومنكم الصيـام والقيام‪ ،‬ورزقنا وإياكم حسـن الختام‪ ،‬وأعاد‬
‫علينـا وعليكـم مـن بـركات هـذا العيـد‪ ،‬وأ َّمننـا وإياكـم فـزع يـوم الوعيـد‪ ،‬وحشـرنا‬
‫جميعـا يف زمـرة أهـل الفضـل والخيـر والمزيـد‪.‬‬
‫خطبة عيد الفطر لعام ‪1422‬هـ‬

‫اهلل أكبر كبيـرا والحمـد هلل كثيـرا وسـبحان اهلل بكـرة وأصيلا‪ ،‬الحمـد هلل الـذي أتم‬
‫ٍ‬
‫صراط مسـتقيم ودين قويم‬ ‫لنـا النعمـة‪ ،‬وجعـل أمتنـا أمة اإلسلام خير أمة‪ ،‬هدانـا إلى‬
‫وشـر ٍع حكيـم‪ ،‬وبعـث إلينا رسـو ً‬
‫ال كريمـا يدعو إلى صـراط اهلل المسـتقيم‪ ،‬الحمد هلل‬
‫علـى نعمـة اإلسلام وعلـى نعمـة اإليمـان وعلـى الصلاة والصيـام والقيـام‪ ،‬الحمـد‬
‫هلل علـى مـا أعطانـا‪ ،‬والحمـد هلل علـى مـا هدانـا‪ ،‬والحمـد هلل علـى مـا أوالنـا مـن نعمه‬
‫الغـزار وعطائـه المـدرار‪ ،‬الحمـد هلل على نعمه التـي ال ُتعد وال تحصى‬ ‫ال ُكثـار وآالئـه ِ‬

‫األوليـن‬
‫وآالئـه التـي ال تسـتقصى‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه إلـه ّ‬
‫واآلخريـن وقيـوم السـموات واألرضيـن وخالق الخلـق أجمعين‪ ،‬وأشـهد أن محمد ًا‬
‫عبـده ورسـوله وصفيـه وخليلـه وأمينـه علـى وحيـه ومب ّلـغ النـاس شـرعه‪ ،‬المبعـوث‬
‫ومحجـة للعامليـن‪ ،‬فصلـوات‬
‫َّ‬ ‫رحمـة للعالميـن ومعلمـا لألمييـن وقـدوة للسـالكين‬
‫اهلل وسلامه عليـه وعلـى آلـه وأصحابـه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫‪195‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! أوصيكـم ونفسـي بتقـوى اهلل تعالى‪ ،‬اتقـوا اهلل ‪:‬‬
‫ﮋ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﮊ [األحـزاب‪.]٧١–٧٠:‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬اذكـروا نعمة اهلل ‪ ‬عليكم بالهدايـة لهذا الدين العظيم‪ ،‬والدَّ اللة‬
‫لهـذا الصـراط المسـتقيم‪ ،‬وبجعلكـم من أتبـاع الرسـول الكريم محمـد ﷺ‪ ،‬واذكروا‬
‫نعمـة اهلل عليكـم هبـذا العيـد العظيـم‪ ،‬وهـذا الموسـم الكريم الـذي اجتمعنا فيـه طاع ًة‬
‫هلل ‪ ‬وطلبـا لمرضاتـه ‪‬؛ إنه عيـدٌ عظيم؛ عيد اإلفطار‪ ،‬عيد الفرح‬
‫واالستبشـار‪ ،‬عيـد النعمـة والعطـاء الغزيـر والخيـر المـدرار‪ ،‬عيد اإليمان واإلحسـان‬
‫والطاعـة للرحمـن‪ ،‬عيـد البـذل والعطـاء والجود والسـخاء‪ ،‬عيـد الصلة بيـن األرحام‬
‫والتعـاون واالجتمـاع والتالقي علـى طاعة اهلل ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬لقـد جعـل اهلل ‪ ‬هـذا العيـد المبـارك لعبـاده المؤمنيـن لمقصدَ يـن‬
‫عظيميـن وهدفيـن جليليـن‪:‬‬

‫األول منهمـا‪ :‬شـكر اهلل ‪ ‬وحمـده والثنـاء عليـه واالعتراف بنعمتـه‬


‫وسـهل لهـم‬
‫ّ‬ ‫وفضلـه وجـوده وعطائـه وتيسـيره ‪‬؛ بـأن يسـر لعبـاده الطاعـة‬
‫سـبيلها وأعاهنـم علـى القيـام هبـا‪ ،‬أمرهـم ‪ ‬بالصيـام فامتثلـوا راغبيـن‬
‫وصبروا‪ ،‬وأبـاح لهـم ‪ ‬الفطـر فحمـدوا رهبم علـى ذلك وشـكروا‪ ،‬فاليوم‬
‫يـوم شـكر هلل علـى نعمـة اهلل ‪ ‬بالصيـام والقيـام والطاعـة والعبادة يف شـهر‬
‫‪196‬‬

‫رمضـان المبـارك‪.‬‬

‫والمقصـد الثـاين عبـاد اهلل‪ :‬التمتـع بمـا أباحـه اهلل ‪ ‬لعبـاده ومـا أح ّلـه لهـم مـن‬
‫الطيبـات مـن أنـواع المالبـس والمـآكل والمشـارب من غيـر إسـراف وال مخيلة‪ ،‬فإن‬
‫اإلسـراف والخيلاء مذمـو ٌم يف كل وقـت وحيـن والسـيما يف يـوم العيد الـذي هو يوم‬
‫وذل وخضـو ٍع هلل ‪.‬‬ ‫شـكر ٍ‬
‫ٍ‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إن لـكل أمـة مـن األمـم أعيـاد ًا تنطلـق مـن مذاهبهـم المحرفـة وأدياهنـم‬
‫الزائفـة وأرائهـم المتحللـة ونزواهتـم البهيميـة‪ ،‬ويبقـى للمسـلمين عيدهـم متأللئـا‬
‫بصفـاء العقيـدة وسـنى التوحيـد وصحـة اإليمـان‪ ،‬مضيئـا بكمـال األعمـال وصحـة‬
‫األخلاق واسـتقامة السـلوك‪ ،‬عيـدٌ ُيشـرع للمؤمنيـن فيـه أزكـى األعمـال وأطيبهـا‬
‫وأفضـل الخصـال وأجلهـا‪ ،‬ومـن المظاهـر العامـة واألعمـال المشـروعة يف العيـد‬
‫االجتمـاع للصلاة وذكـر اهلل ‪ ‬وتكبيـره وتعظيمـه سـبحانه‪ ،‬والتواصـل‪،‬‬
‫والصلـة‪ ،‬والسلام وتبـادل التحيـة‪ ،‬ورعايـة األيتـام واإلحسـان إلـى الفقـراء‪ ،‬إلـى‬
‫غيـر ذلـك مـن مظاهـر الخيـر وأعمـال البرّ وخصـال اإلحسـان التـي يدعـو إليهـا ديننا‬
‫الحنيـف يف هـذا اليـوم العظيـم‪.‬‬

‫فشـتّان ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬بيـن هـذا العيـد المبارك وتلـك األعياد المحرفـة القائمة على‬
‫الفسـق والفجـور والرقـص والخمـور والبعـد والضلال‪ ،‬فهنيئا ألمة اإلسلام بعيدها‬
‫السـعيد المبـارك الـذي يصلهـا بـاهلل ويقـوي صلتهـا بـاهلل ويعينهـا علـى ذكـره وشـكره‬
‫‪197‬‬

‫وحسـن عبادته‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إن ديـن اهلل ‪ ‬ديـن كامـل وعظيـم ارتضـاه لعبـاده دينـا وأتمـه عليهـم‬
‫ورضيـه لهـم وال يقبـل منهـم دينـا سـواه‪ ،‬ديـن كامـل يف عقائـده وعباداتـه وأخالقـه‬
‫ومعامالتـه‪ ،‬إن نظـرت إلـى عقائـد الديـن فهـي أصـح العقائـد وأزكاهـا وأقومهـا‪ ،‬وإن‬
‫نظـرت إلـى عباداتـه وأعمالـه فهـي أجمـل العبادات وأحسـن األعمـال وأطيبهـا‪ ،‬وإن‬
‫نظـرت إلـى أخالقـه وآدابـه فهي أزكى األخلاق وأجملها وأحسـنها‪ ،‬ديـن امتأل خير ًا‬
‫بـر ًا وإحسـانا‪ ،‬ديـ ٌن يدعـو إلـى معالـي األمـور ورفيـع األخلاق ونبيل‬
‫ورحمـة وامتلأ ّ‬
‫اآلداب ويحـذر مـن سفسـاف األخلاق ورديئهـا‪ ،‬فالحمـد هلل علـى هـذا الديـن‪ ،‬ولـه‬
‫الشـكر ‪ ‬علـى هـذه المنـة‪ ،‬ونسـأله ‪ ‬أن يثبتنـا علـى دينـه الحنيـف‬
‫وأن يحيينـا مسـلمين وأن يتوفانـا مؤمنيـن غيـر ضاليـن وال مضليـن‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬
‫ٍ‬
‫أصـول سـتة عظيمـة ال قيـام لـه إال‬ ‫عبـاد اهلل‪ :‬إن هـذا الديـن العظيـم يقـوم علـى‬
‫عليهـا؛ وهـي اإليمـان بـاهلل ومالئكتـه وكتبـه ورسـله واليـوم اآلخـر واإليمـان بالقـدر‬
‫خيـره وشـره‪ ،‬يقـول اهلل ‪ :‬ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﮊ [البقرة‪،]١٧٧:‬‬
‫ويقـول ‪ :‬ﮋﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮊ [البقـرة‪ ،]٢٨٥:‬ويقـول ‪ :‬ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫‪198‬‬

‫ﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉ‬
‫ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮊ‬
‫ٌ‬
‫أصول عظيمة متماسـكة مرتابطة ال ُيقبل مـن المؤمنين بعضها‬ ‫[النسـاء‪ ،]١٣٦:‬وهـي‬
‫دون بعـض بـل البـد مـن اإليمـان هبا وهـي أصول تقـوم عليها شـجر ُة اإليمـان وتنبني‬
‫ٍ‬
‫طاعـة إال إذا ُأ ِّسسـت علـى هـذه األصـول العظيمـة‪.‬‬ ‫عليهـا ال ّطاعـة فلا قبـول ألي‬
‫ٍ‬
‫أعمـال كريمة وطاعـات مباركـة يتقرب هبا‬ ‫عبـاد اهلل‪ :‬ثـم إن هـذا الديـن يقـوم علـى‬
‫ّ‬
‫وأجـل هـذه الطاعـات وأعظمهـا مبـاين اإلسلام الخمسـة‬ ‫المؤمنـون إلـى اهلل ‪،‬‬
‫التـي ذكرهـا النبـي ♥ يف غيـر مـا حديـث‪ ،‬ومـن ذلـك مـا رواه الشـيخان‬
‫ـس‪ :‬شَ ـ َها َد ِة أَنْ َل إِلَهَ‬
‫خ ْم ٍ‬ ‫لا ُم َع َ‬
‫لى َ‬ ‫ال ِْس َ‬ ‫عـن ابـن عمـر ﭭ أن النبـي ﷺ قـال‪« :‬بُ ِن َ‬
‫ـي ْ‬
‫لا ِة‪َ ،‬وإِي َتـا ِء الـ َّزكَا ِة‪َ ،‬و َصـ ْو ِم َر َمضَ ـانَ ‪،‬‬
‫الص َ‬ ‫إِ َّل اللَّـهُ َوأَنَّ ُم َح َّمـدً ا َر ُس ُ‬
‫ـول اللَّـ ِه‪َ ،‬وإِ َق ِ‬
‫ـام َّ‬
‫ـج الْ َب ْي ِت»[[[‪.‬‬
‫َو َح ِّ‬

‫ويف «صحيـح مسـلم» لمـا سـأل جربيـل ڠ النبـي ﷺ عـن اإلسلام فقـال لـه‪:‬‬
‫َأ ْخبِرنِـي َعـ ْن ْ ِ‬
‫ال ْس َلا ِم ؟ َق َ‬
‫ـال‪« :‬أَنْ تَشْ ـ َهدَ أَنْ َل إِلَـهَ إِ َّل اللَّـهُ َوأَنَّ ُم َح َّمـدً ا َر ُس ُ‬
‫ـول اللَّـ ِه‬ ‫ْ‬
‫اسـ َتطَ ْع َت إِلَ ْي ِه‬
‫ـت إِنْ ْ‬ ‫ْت الـ َّزكَا َة َوت َُصـو َم َر َمضَ ـانَ َوتَ ُح َّج الْ َب ْي َ‬
‫لا َة َوتُـؤ ِ َ‬
‫الص َ‬ ‫ﷺ َوتُ ِق َ‬
‫يـم َّ‬
‫ـت‪ ،‬فعجـب الصحابـة لذلـك؛ يسـأله ويصدقـه[[[‪.‬‬ ‫ِيل» َق َ‬
‫ـال‪َ :‬صدَ ْق َ‬ ‫َسـب ً‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬ومـن يتأمـل هـذه الطاعـات العظيمـة والمبـاين الكريمـة التي يقـوم عليها‬
‫وتصلهم به ‪‬؛‬ ‫طاعـات تقـرب إلى اهلل و ُتـدين عباد اهلل منـه ِ‬
‫ٌ‬ ‫اإلسلام يجـد أهنـا‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)8‬ومسلم (‪.)16‬‬


‫[[[ رواه مسلم (‪.)8‬‬
‫‪199‬‬

‫هبـا تزكـوا حالهـم‪ ،‬وتسـتقيم أمورهـم‪ ،‬ويصـح سـلوكهم‪ ،‬ويعظـم أجرهـم عنـد اهلل‬
‫‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫ثـم إن اهلل ‪ ‬أمـر عبـاده بأوامـر عديـدة وهناهم عن نواهـي كثيرة‪ ،‬وهو ‪‬‬
‫ال يأمـر عبـاده إال بـكل خيـر وال ينهاهـم إال عـن كل شـر‪ ،‬ولهـذا فـإن السـعيد مـن‬
‫عبـاد اهلل مـن يتعلـم أوامـر اهلل ‪ ‬يف كتابـه وأوامـر رسـوله ♥ يف‬
‫سـنته ليعمـل هبـا ويطبقهـا ويسـعى حياتـه يف إتمامهـا وإكمالهـا‪ ،‬ويتعلم النواهـي التي‬
‫يف كتـاب اهلل وسـنة نبيـه ﷺ ليحذرهـا وليتقيهـا وليبتعـد عنهـا؛ فـإن اهلل ‪ ‬ال يأمر‬
‫عبـاده إال بـكل خيـر وال ينهاهـم إال عـن كل شـر‪ ،‬وهكذا رسـول اهلل ♥‬
‫ال يأمـر األمـة إال بالخيـر وال ينهاهـا صلـوات وسلامه إال عـن الشـر‪ ،‬قـال ﷺ‪« :‬إِنَّـهُ‬
‫َير َمـا َي ْع َل ُمـهُ لَ ُه ْ‬
‫ـم‬ ‫لي إِ َّل كَانَ َحقًّـا َعلَ ْيـ ِه أَنْ َيـدُ َّل أُ َّمتَـهُ َع َ‬
‫لى خ ْ ِ‬ ‫ِـي َق ْب ِ‬
‫َـم َيكُـ ْن نَب ٌّ‬
‫ل ْ‬
‫ش َمـا َي ْعلَ ُمـهُ لَ ُه ْم»[[[‪ ،‬وهكذا فعـل صلوات اهلل وسلامه عليه‪ ،‬فعل ذلك‬ ‫َو ُي ْن ِذ َر ُه ْ‬
‫ـم َ َّ‬
‫علـى التمـام والكمـال؛ فـدل األمـة إلـى كل خير وهناها من كل شـر‪ ،‬دعاها إلـى ما فيه‬
‫الرفعـة والعـزة والسلامة يف الدنيـا واآلخـرة‪ ،‬وحذرهـا مـن كل مـا فيـه شـر وبلاء يف‬
‫الدنيـا واآلخـرة‪ ،‬فنسـأل اهلل ‪ ‬أن يجعلنـا وإياكـم مـن أتباعـه حقـا‪ ،‬ومـن أنصاره‬
‫صدقـا‪ ،‬ومـن المستمسـكين بسـنته العامليـن هبديـه‪ ،‬وأن يحشـرنا يف زمرتـه وتحـت‬
‫لوائـه إنـه سـميع مجيب‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)1844‬‬
‫‪200‬‬

‫ٍ‬
‫حريـص علـى سـعادته وفالحـه يف الدنيـا‬ ‫ٍ‬
‫مسـلم‬ ‫عبـاد اهلل‪ :‬إن الواجـب علـى كل‬
‫واآلخـرة أن يحـذر أشـد الحـذر مـن العوائـق التـي تعـوق اإلنسـان يف طريقـه إلـى اهلل‬
‫ويف سـيره إليـه ‪ ،‬وهنـاك ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬ثالثـة عوائـق خطيـرة ن ّبـه عليهـا‬
‫العلمـاء وأكـدوا علـى التحذيـر منهـا تعـوق العبـد وتقطعـه يف سـيره إلـى اهلل ‪‬‬
‫وهـي‪ :‬الشـرك بـاهلل‪ ،‬والبـدع بأنواعهـا‪ ،‬والمعاصـي بأجناسـها وأصنافهـا‪.‬‬

‫فهـذه ثالثـة عوائـق أمـام اإلنسـان يف هـذه الحياة الدنيـا تقطع سـيره إلى اهلل ‪‬‬
‫وإلـى نيـل مرضاتـه سـبحانه‪ ،‬وأخطـر هـذه العوائـق الشـرك بـاهلل ‪ ،‬والشـرك‬
‫‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬منـه كبيـر وصغيـر ومنه ظاهـر وخفي‪ ،‬فيجـب على المسـلم أن يحذر من‬
‫الشـرك كلـه دقيقـه وجليلـه صغيرة وكبيرة وأن يسـأل اهلل ‪ ‬دائمـا أن يحفظه منه‪،‬‬
‫َـل الْ َج َّنـ َة َو َمـ ْن لَ ِق َيـهُ ُي ْ‬
‫شرِكُ‬ ‫شرِكُ بِـ ِه شَ ـ ْي ًئا َدخ َ‬ ‫ويف الحديـث‪َ « :‬مـ ْن لَ ِق َ‬
‫ـي اللَّـهَ َل يُ ْ‬
‫َـل ال َّنـا َر»[[[‪ ،‬ويف الحديـث اآلخـر يقـول اهلل ‪« :‬يَـا ابْـ َن آ َد َم إِنَّـكَ لَ ْو‬ ‫بِـ ِه َدخ َ‬
‫ُشرِكُ ِب شَ ـ ْي ًئا َلَتَ ْيتُـكَ ِب ُق َرا ِب َهـا‬
‫ـم لَ ِقي َت ِنـي َل ت ْ‬
‫خطَايَـا ثُ َّ‬ ‫الَ ْر ِ‬
‫ض َ‬ ‫أَتَ ْي َت ِنـي ِبقُـ َر ِ‬
‫اب ْ‬
‫َم ْغ ِف َر ًة » [[[‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬ثـم إن النبـي ♥ كمـا جـاء يف «األدب المفـرد» لإلمـام‬


‫البخـاري ‪ $‬أن النبـي ﷺ قـال ألبـي بكـر الصديـق ﭬ‪« :‬يـا أبـا بكـر؛ للشرك‬
‫فيكـم أخفـى مـن دبيـب النمـل»‪ ،‬فقـال أبـو بكـر‪ :‬وهـل الشـرك إال مـن جعل مـع اهلل‬
‫إلهـا آخـر؟ فقـال النبـي ﷺ‪« :‬والـذي نفسي بيـده‪ ،‬للرشك أخفـى من دبيـب النمل‪،‬‬

‫[[[ رواه مسلم (‪.)93‬‬


‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)3540‬وحسنه األلباين يف «السلسلة الصحيحة» (‪.)127‬‬
‫‪201‬‬

‫أال أدلـك على يشء إذا قلتـه ذهـب عنك قليلـه وكثريه؟ قال‪ :‬قـل‪ :‬اللهم إين أعوذ‬
‫بـك أن أرشك بـك وأنـا أعلـم وأسـتغفرك ملـا ال أعلـم»[[[‪.‬‬

‫فحافظـوا علـى هـذه الدعـوة المباركـة‪« :‬اللهـم إين أعـوذ بـك أن أشـرك بـك وأنـا‬
‫أعلـم‪ ،‬وأسـتغفرك لمـا ال أعلـم»‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬وأمـا البـدع فـإن شـأهنا خطيـر ومغبتهـا سـيئة علـى أهلهـا ألن اهلل ‪‬‬
‫ال يقبـل مـن عبـاده التقـرب إليـه باألهـواء المحدثـات والبـدع المنشـآت‪ ،‬وإنمـا يقبل‬
‫مـن عبـاده التقـرب إليـه بمـا جـاء يف كتابـه ومـا صح يف سـنة رسـوله ♥‪،‬‬
‫س َعلَ ْيـ ِه أَ ْم ُرنَـا َف ُهـ َو َر ٌّد»[[[‪ ،‬وكان‬ ‫ولهـذا قـال ♥‪َ « :‬مـ ْن َع ِم َـل َع َم ً‬
‫لا لَ ْي َ‬
‫صلـوات اهلل وسلامه عليـه يؤكـد علـى هذا األمـر الجلـل يف كل خطبـة يخطبها حيث‬
‫َير الْ ُهـدَ ى هُـدَ ى ُم َح َّم ٍد‪،‬‬
‫ـاب اللـ ِه‪َ ،‬وخ ْ ُ‬
‫يـث ِك َت ُ‬ ‫كان يقـول‪« :‬أَ َّمـا َب ْعـدُ ‪ ،‬فَـإِنَّ خ ْ َ‬
‫َير الْ َح ِد ِ‬
‫الُ ُمـو ِر ُم ْحدَ ثَاتُ َهـا‪َ ،‬وك ُُّل بِدْ َعـ ٍة ضَ َللَـ ٌة»[[[‪.‬‬
‫ش ْ‬‫َو َ ُّ‬

‫يقـول ذلـك ﷺ يف كل خطبـة تأكيـد ًا لألمـر وتنويهـا هبـذا الشـأن وتحذيـر ًا لألمة‪،‬‬
‫فيجـب علينـا ‪ -‬عبـاد اهلل‪ -‬أن نحـرص على مالزمة السـنة والبعد عن األهـواء والبدع‬
‫كلهـا صغيرهـا وكبيرهـا دقيقهـا وجليلها ونسـتعين بـاهلل الكريـم على ذلك‪.‬‬

‫وأمـا المعاصـي عبـاد اهلل‪ :‬فإهنـا أنـواع وأجنـاس وأصناف كثيـرة؛ فمنها مـا هو كبير‬
‫ومنهـا مـا هـو صغيـر‪ ،‬والواجـب علـى عبـد اهلل المؤمـن أن يحـرص علـى البعـد عـن‬

‫[[[ رواه البخاري يف «األدب المفرد» (‪ ،)716‬وصححه األلباين يف «صحيح األدب المفرد» (‪.)554‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)1718‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)867‬‬
‫‪202‬‬

‫المعاصـي كلهـا صغيرهـا وكبيرهـا‪ ،‬فإن وقع منه شـيء مـن الزلل أو الخطـأ والتقصير‬
‫فليبـادر إلـى التوبـة إلـى اهلل ‪ ‬مهمـا كثرت ذنوبـه ومهما تعـددت فإن اهلل ‪‬‬
‫يقبـل التوبـة عن عبـاده ويعفو عن السـيئات‪ ،‬يقـول ‪ :‬ﮋ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚﮊ [الزمـر‪.]٥٣:‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إن نعـم اهلل ‪ ‬علينـا كثيـرة‪ ،‬وإنـه ‪ ‬أمرنـا بشـكره على نعمه‬
‫ووعدنـا علـى ذلـك بالزيـادة لمـن شـكر‪ ،‬فـإن النعمـة إذا ُشـكرت زادت‪ ،‬وإذا كُفـرت‬
‫فـرت مـن العبـد ولـم تبـق معه‪ ،‬ولهذا أمـر ‪ ‬عباده بالشـكر وجعل الشـكر ُم ْؤذن‬
‫بالزيـادة‪ ،‬وهناهـم عـن كفـران النعم وأخرب سـبحانه أن عقوبة كفراهنا عند اهلل شـديدة‪.‬‬

‫أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‪ :‬ﮋ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ‬


‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ [إبراهيم‪.]٧:‬‬

‫بـارك اهلل لـي ولكـم يف القـرآن الكريـم‪ ،‬ووفقنـا وإياكـم إلتبـاع سـنة النبـي الكريـم‪،‬‬
‫وهدانـا وإياكـم إلـى صراطـه المسـتقيم‪ ،‬أقـول هـذا القـول واسـتغفر اهلل لـي ولكـم‬
‫ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل العلـي الكبيـر‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك له‪ ،‬وأشـهد أن‬
‫‪203‬‬

‫محمـدا عبـده ورسـوله؛ صلـى اهلل عليـه وعلـى آله وأصحابه أجمعين وسـلم تسـليمًا‬
‫كثيرا‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل تعالـى وراقبـوه مراقبـة من يعلم أن ربه يسـمعه ويـراه‪ ،‬واعلموا‬
‫‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬أن اهلل ‪ ‬معكـم بعلمـه واطالعـه‪ ،‬يراكـم أينمـا تكونـون ويطلع على‬
‫مـا يف قلوبكـم وال تخفـى عليـه خافيـة يف األرض وال يف السـماء؛ يعلـم السـر وأخفى‪،‬‬
‫يعلـم خائنـة األعيـن ومـا تخفـي الصدور‪ ،‬أحـاط بكل شـيء علما وأحصى كل شـيء‬
‫عـددا‪ ،‬فهـو سـبحانه ال تخفـى عليـه خافيـة يف األرض وال يف السـماء‪ ،‬ولهـذا ‪ -‬عبـاد‬
‫اهلل‪ -‬يجـب علـى المسـلم أن يراقـب اهلل ‪ ‬أينمـا كان‪ ،‬وأن يتقـي اهلل ‪ ‬أيـن‬
‫مـا حـل‪ ،‬وأن يعلـم أن ربـه ‪ ‬يسـمعه ويراه‪.‬‬

‫ثـم عبـاد اهلل‪ :‬عليكـم بالمحافظـة علـى طاعـة اهلل وامتثـال أوامـر اهلل واالستمسـاك‬
‫بشـعب اإليمان والتمسـك بآداب هذا الدين العظيم والمحافظة على ذكر اهلل ‪‬‬
‫ودعائـه وحسـن عبادتـه واالجتهـاد يف القيـام بطاعتـه والمحافظـة علـى ذلـك حتـى‬
‫المـوت واالسـتعانة علـى ذلك بـاهلل وحـده ‪ ،‬فالمعين هـو اهلل‪ ،‬والموفق هو‬
‫اهلل‪ ،‬والهـادي إلـى سـواء السـبيل هـو اهلل ‪ ،‬ومـن يضلـل اهلل فلا هـادي لـه‪،‬‬
‫ومـن يهـده ‪ ‬فلا مضـل لـه‪ ،‬فنسـأل اهلل ‪ ‬أن يهدينـا وإياكم إليـه صراطا‬
‫مسـتقيما‪ ،‬وأن ال يكلنـا إلـى أنفسـنا طرفـة عيـن‪ ،‬وأن يوفقنـا لـكل خيـر يحبـه ويرضـاه‬
‫‪204‬‬

‫يف الدنيـا واآلخرة‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عباد اهلل‪ :‬نفذوا وصية رسـول اهلل ﷺ فيمن تعولون من النسـاء والبنات؛ فإن النبي‬
‫♥ أوصاكـم هبـ ّن خيـرا‪ ،‬وأرشـدكم إلـى أهميـة رعايتهـن والمحافظـة‬
‫عليهـن وتأديبهـن بـآداب اإلسلام‪ ،‬والمرأة ضعيفـة والقوامة للرجـل؛ فالواجب على‬
‫الرجال أن يتقوا اهلل ‪ ‬يف نسـائهم وبناهتم وأن يرعوا وصية رسـول اهلل ﷺ فيهن‬
‫وذلـك بتأديبهـن بـآداب اإلسلام وتعويدهن على الحجـاب والمحافظـة عليه والبعد‬
‫عـن االختلاط إلـى غير ذلك مـن اآلداب الكريمة والخصـال العظيمة التـي دعا إليها‬
‫عزها وسـعادهتا ورفعتها يف الدنيـا واآلخرة‪.‬‬
‫اإلسلام والتـي تحقـق للمـرأة َّ‬

‫والمـرأة المسـلمة إذا حافظت على آداب اإلسلام واعتنـت بالحجاب وط ّبقت ما‬
‫أمرهـا اهلل ‪ ‬ومـا أمرهـا بـه رسـوله ♥ سـعدت يف الدنيـا واآلخرة‪،‬‬
‫وسـاعدت علـى بنـاء مجتمع عظيم متماسـك ملـؤه الطهر والعفاف والستر والصيانة‬
‫ال يتوصل إليه االنحراف وال يدخله الخلل‪ ،‬أما إذا تخلت المرأة عن آداب اإلسلام‬
‫وترحلـت عـن قيمـه وآدابـه وتركـت حجاهبـا وابتعـدت عن الستر الـذي أمرهـا اهلل به‬
‫فإهنـا بذلـك تسـاعد علـى تفشـي الجريمـة وانتشـار الفسـاد وحلـول األضـرار وتوالي‬
‫النكبـات يف المجتمـع الـذي هـي تعيش فيـه‪ ،‬ولهذا ن ّبـه العلماء على خطـورة اختالط‬
‫النسـاء بالرجـال واجتماعهـن معهـن يف المجالـس العامـة والمنتديـات الكبيـرة‬
‫واالختلاط هبـن‪ ،‬وبينـوا أن ذلـك مـن أعظـم أسـباب الشـر وأعظـم أسـباب انتشـار‬
‫‪205‬‬

‫الفسـاد‪ ،‬وقـد َّ‬


‫حـذر النبـي ♥ مـن الفتنـة بالنسـاء وأخبر ﷺ أن فتنـة بني‬
‫إسـرائيل كانـت يف النسـاء‪ ،‬يقـول ﷺ‪« :‬فَاتَّقُـوا الدُّ نْ َيـا َواتَّقُوا ال ِّن َسـا َء فَـإِنَّ أَ َّو َل ِف ْت َن ِة‬
‫ف ال ِّن َسـا ِء»[[[‪.‬‬ ‫سائِ َ‬
‫يـل كَان َْت ِ‬ ‫َب ِنـي إِ ْ َ‬

‫أي‪ :‬جعلهـا‬ ‫[[[‬


‫ش َف َها الشَّ ـ ْيطَانُ »‬
‫اسـ َت ْ َ‬
‫ـت ْ‬ ‫ويقـول ﷺ‪« :‬الْ َمـ ْرأَ ُة َعـ ْو َر ٌة فَـإِ َذا َ‬
‫خ َر َج ْ‬
‫غرضـا لـه ليحـرك الشـهوة والفسـاد وحـب الفسـاد مـن خاللهـا‪ ،‬ولهـذا علـى المـرأة‬
‫أن ت ّقـر يف بيتهـا وأن يكـون خروجهـا مـن بيتهـا لحاجـة‪ ،‬وإذا خرجـت فإهنـا تخـرج‬
‫محتشـمة متحجبـة غيـر متطيبـة وال مظهرة لزينة حتى ال تكون سـببًا للفسـاد وانتشـار‬
‫الخلـل يف المجتمـع الـذي تعيش فيه‪ ،‬وجاء عـن النبي ﷺ أحاديث عديدة يف التحذير‬
‫مـن الفتنـة يف النسـاء‪ ،‬ولهـذا يجـب على المرأة المسـلمة أن تصون نفسـها وأن تصون‬
‫فرجهـا وأن تحافـظ علـى طاعـة رهبـا لتدخـل الجنـة بسلام‪ ،‬يقـول ﷺ يف الحديـث‬
‫ـت َف ْر َج َهـا َوأَطَا َع ْ‬
‫ـت‬ ‫ـت شَ ـ ْه َر َها َو َح ِفظَ ْ‬
‫خ ْم َسـ َها َو َصا َم ْ‬ ‫الصحيـح‪« :‬إِ َذا َصل ْ‬
‫َّـت الْ َمـ ْرأَ ُة َ‬
‫اب الْ َج َّنـ ِة ِشـ ْئ ِت»[[[؛ فهنيئـا للمـرأة‬
‫ُلي الْ َج َّنـ َة ِمـ ْن أَ ِّي أَبْـ َو ِ‬ ‫َز ْو َج َهـا ِق َ‬
‫يـل لَ َهـا ا ْدخ ِ‬
‫المسـلمة بذلك‪ ،‬ونسـأل اهلل ‪ ‬بأسـمائه الحسـنى وصفاته العلى أن يحفظ نسـاء‬
‫المسـلمين وبناهتـم مـن كل شـر وأذى‪ ،‬وأن يوفقهـن لـكل خيـر‪ ،‬وأن يهديهـن سـواء‬
‫السـبيل‪ ،‬وأن يجنبهـن الفتـن كلهـا مـا ظهـر منهـا ومـا بطـن‪ ،‬وأن يعيـن أوليـاء األمـور‬
‫علـى رعايـة النسـاء واإلحسـان إليهـن وإكرامهـن والقيـام بحقوقهـن كمـا أمـر بذلـك‬

‫[[[ رواه مسلم (‪.)2742‬‬


‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)1173‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪’.)6690‬‬
‫[[[ رواه أحمد يف «مسنده» (‪ ،)1661‬وابن حبان يف «صحيحه» (‪ ،)4163‬وحسنه األلباين يف «صحيح‬
‫الرتغيب» (‪.)1932‬‬
‫‪206‬‬

‫الـرب ‪ ‬وكمـا أمـر بذلـك رسـوله الكريـم صلـوات اهلل وسلامه عليـه‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬تذكّـروا بجمعكـم الكريـم هـذا وقوفكم يوم القيامـة بين يدي اهلل ‪‬‬
‫وأن اهلل سـبحانه سـائلكم عمـا قدمتـم يف هـذه الحيـاة‪ ،‬فمـن وجـد يف ذلك اليـوم خيرا‬
‫فليحمـد اهلل‪ ،‬ومـن وجـد غير ذلـك فال يلوم ّن إال نفسـه‪.‬‬
‫خطبة عيد الفطر لعام ‪1423‬هـ‬

‫الحمـد هلل الكبيـر المتعـال‪ ،‬ذي الجلال والكمـال‪ ،‬المتفـرد بالعظمـة والكربيـاء‬
‫والجلال‪ ،‬المتوحـد باألسـماء الحسـنى والصفـات العلـى والعطـاء والنـوال‪ ،‬المتنزه‬
‫عـن األشـباه واألنـداد والنظـراء واألمثال‪ ،‬أحمده سـبحانه علـى نعمه ال ُكثـار وعطائه‬
‫المـدرار وآالئـه الواسـعة الغـزار‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل العزيـز الغفـار‪ ،‬وأشـهد‬
‫أن محمـد ًا عبـده ورسـوله المصطفـى المختـار؛ صلـى اهلل عليـه وعلـى آلـه األخيـار‬
‫وصحابتـه األبـرار مـا تعاقـب الليـل والنهـار وسـلم تسـليمًا كثيـرا‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل تعالـى واذكـروا نعمتـه عليكـم هبـذا الديـن‬
‫القويـم والصـراط المسـتقيم واالتبـاع للرسـول الكريـم ﷺ‪ ،‬واحمـدوه سـبحانه أن‬
‫جعـل لكـم هـذا العيـد العظيم والموسـم الكريـم الذي يمتـاز بنوره وضيائـه ويختص‬
‫بخيراتـه وبركاتـه؛ إنـه ‪ -‬عبـا َد اهلل ‪ -‬عيد اإلفطـار‪ ،‬عيد الفرح واالستبشـار‪ ،‬عيد الخير‬
‫‪208‬‬

‫والفضـل والعطـاء المـدرار‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إنـه عيـدٌ عظيـم يفـرح فيـه المؤمنـون‪ ،‬تمتلئ فيـه قلوهبم فرحًا وسـرورا‪،‬‬
‫وتتلأأل فيـه نفوسـهم ضيـا ًء ونـورا‪ ،‬إنـه عيـد اإليمـان والرب واإلحسـان‪ ،‬عيد التسـبيح‬
‫والتهليـل والتكبيـر للرحمن‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫يف هـذا اليـوم العظيـم المبـارك تتوافـد جمـوع المصليـن يف أقطـار األرض إلـى‬
‫المسـاجد والمصليـات؛ شـعارهم التكبيـر‪ ،‬وغايتهـم حمـدُ اهلل ‪ ‬والثنـاء عليـه‪،‬‬
‫مـ َّن ‪ ‬عليهـم بالصيام والقيام والطاعة وأمرهـم بذلك فامتثلوا أمره وصربوا‪،‬‬
‫األغـر الكريم أباح لهـم الفطر فحمدوا رهبم وشـكروا‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫عـز وجـل يف هذا اليوم‬
‫ثـم إنـه ّ‬
‫خرجـوا إلـى المصليـات ليك ِّبـروا اهلل وليحمدوا اهلل وليثنوا علـى اهلل ‪ ‬خير ًا وهم‬
‫مؤ ِّمليـن فضـل اهلل طامعيـن يف ثـواب اهلل يرجـون رحمتـه ويخافـون عذابه‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إن لـكل أمـة مـن األمـم أعيـاد ًا مختصـة هبـم تتناسـب مـع مذاهبهـم‬
‫المحرفـة وعقائدهـم الباطلـة وأدياهنـم المبدَّ لـة ونزواهتـم البهيميـة‪ ،‬ويبقـى للمؤمنين‬
‫ّ‬
‫وحسـن اإلقبـال على‬
‫عيدهـم متأللئـا بصفـاء اإليمـان ونقـاء العقيـدة وسـناء التوحيد ُ‬
‫اهلل وكمـال الطاعـة هلل ‪ُ ،‬شـرع لهـم يف عيدهـم مظاهـر مباركـة؛ منهـا‪ :‬االجتمـاع‬
‫واأللفـة‪ ،‬والتحـاب يف اهلل‪ ،‬واالجتمـاع لهذه الصالة‪ ،‬ولسـماع هـذه الخطبة الجامعة‪،‬‬
‫َ‬
‫أجمـل هـذا‬ ‫ولتحصيـل الخيـر ولذكـر اهلل ‪ ،‬وللثنـاء عليـه ‪ ،‬فمـا‬
‫‪209‬‬

‫أروع هبـاءه وحسـنه وجمالـه‪ .‬فشـتان ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬بيـن‬


‫العيـد ومـا أحسـ َن كمالـه ومـا َ‬
‫ٍ‬
‫ورقـص‬ ‫هـذا الجمـال والكمـال وبيـن مـا يكـون يف أعيـاد أولئـك مـن ٍ‬
‫فسـق وفجـور‬
‫فلتقـر أعيـن المؤمنيـن وليهنئـوا‬ ‫وخمـور وب ٍ‬
‫عـد وضلال‪ ،‬شـتان بيـن هذيـن العيديـن‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫هبـذا العيـد السـعيد؛ عيـد اإليمـان‪ ،‬عيـد اإلحسـان‪ ،‬عيـد الطاعـة للرحمن ‪،‬‬
‫عيـدٌ يذكّرهـم برهبـم وموالهـم ويرشـدهم إلـى خيـر دينهـم ودنياهـم‪ ،‬عيد إيمـان وبر‬
‫ٍ‬
‫وعصيـان وإضاعـة‪.‬‬ ‫وطاعـة‪ ،‬وليـس عيـد ٍ‬
‫فسـق‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬تذكّـروا يف هـذا اليـوم المبـارك ويف كل يـوم أن أعظـم الغايـات وأجـل‬
‫ّ‬
‫وأجل‬ ‫المطالـب وأعظـم الهبـات هـو اإليمـان بـاهلل ‪‬؛ فـإن اإليمـان أعظم عطيـة‬
‫هبـة وأكـرم نعمـة أنعـم اهلل ‪ ‬هبـا علـى عبـاده‪ :‬ﮋ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﮊ [الحجـرات‪.]١٧:‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إن اإليمـان شـجرة مباركـة لها أصـول عظيمة وفروع يانعـة وثمار نضيدة‬
‫تؤيت أكلها كل حين بإذن رهبا‪ :‬ﮋ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﮊ [إبراهيم‪ ،]٢٥-٢٤:‬إن هذه الشجرة‬
‫ٌ‬
‫أصـول ثابتـة ب َّينهـا النبـي ♥ يف حديـث جربيـل المشـهور‬ ‫المباركـة لهـا‬
‫عندمـا قـال ﷺ‪« :‬اإلميـان‪ :‬أَنْ تُ ْؤ ِمـ َن بِاللَّـ ِه َو َم َلئِكَ ِتـ ِه َوكُ ُت ِب ِه َو ُر ُسـلِ ِه َوالْ َيـ ْو ِم ْال ِخ ِر‬
‫ش ِه»[[[‪.‬‬
‫َير ِِه َو َ ِّ‬
‫َوتُ ْؤ ِم َن بِالْ َقدَ ِر خ ْ‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)8‬‬
‫‪210‬‬

‫وتقويه وتزيد يف‬


‫وتنميـه ّ‬
‫تكمـل اإليمان ّ‬
‫وطاعات عديدة ّ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أعمـال مباركـة‬ ‫ولإليمـان‬
‫جمالـه وحسـنه وهبائـه وهـي جـزء منه وداخلة يف مسـماه‪ ،‬ومـن أعظم أعمـال اإليمان‬
‫النبـي ♥ يف حديـث ابـن عمـر ﭭ‬
‫مبـاين اإلسلام الخمسـة التـي بينهـا ُّ‬
‫ـس‪ :‬شَ ـ َها َد ِة أَنْ َل إِلَهَ إِ َّل‬
‫خ ْم ٍ‬ ‫لا ُم َع َ‬
‫لى َ‬ ‫ال ِْس َ‬ ‫والسلام‪ُ « :‬ب ِن َ‬
‫ـي ْ‬ ‫حيـث قـال عليـه الصلاة ّ‬
‫لا ِة‪َ ،‬وإِي َتـا ِء الـ َّزكَا ِة‪َ ،‬و َص ْو ِم َر َمضَ ـانَ ‪َ ،‬و َح ِّج‬
‫الص َ‬ ‫اللَّـهُ َوأَنَّ ُم َح َّمـدً ا َر ُس ُ‬
‫ـول اللَّـ ِه‪َ ،‬وإِ َق ِ‬
‫ـام َّ‬
‫الْ َب ْي ِت»[[[‪.‬‬

‫ويف «الصحيحيـن» مـن حديـث ابـن عبـاس ﭭ يف قصـة مجـيء وفـد عبـد قيـس‬
‫ـال‪« :‬أَتَدْ ُرونَ‬ ‫ـان بِاهَّللِ َو ْحدَ ُه َق َ‬
‫اليم ِ‬ ‫ِ‬
‫إلـى النبـي ♥ أن النبـي ﷺ‪َ :‬أ َم َر ُه ْم بِ ْ َ‬
‫اهَّلل َو َر ُسـو ُل ُه َأ ْع َل ُم‪َ ،‬ق َال‪« :‬شَ ـ َها َد ُة أَنْ َل إِلَـهَ إِ َّل اللَّهُ‬
‫الميَـانُ بِاللَّـ ِه َو ْحـدَ ُه؟» َقا ُلوا‪ُ :‬‬
‫َمـا ْ ِ‬
‫الص َل ِة َوإِي َتا ُء الـ َّزكَا ِة َو ِص َيا ُم َر َمضَ ـانَ َوأَنْ تُ ْعطُوا ِم ْن‬ ‫َوأَنَّ ُم َح َّمـدً ا َر ُس ُ‬
‫ـول اللَّـ ِه َوإِ َقـا ُم َّ‬
‫س»[[[‪.‬‬
‫الْ َم ْغ َن ِـم الْ ُخ ُم َ‬

‫شـعب كثيـرة وأجـزاء عديـدة وأعمـال وفيـرة‪ ،‬يقـول‬ ‫ٌ‬ ‫عبـاد اهلل‪ :‬إن اإليمـان‬
‫♥‪« :‬ا ِ‬
‫إلميَـانُ بِضْ ٌـع َو َسـ ْب ُعونَ شُ ـ ْع َب ًة‪ ،‬أَ ْعال َهـا شَ ـ َها َد ُة أَنْ ال إِلَـهَ إِال اللَّهُ ‪،‬‬
‫إلميَـانِ »[[[‪.‬‬
‫ِيـق‪َ ،‬والْ َح َيـا ُء شُ ـ ْع َب ٌة ِمـ َن ا ِ‬ ‫َوأَ ْدنَا َهـا إِ َماطَـ ُة األَ َذى َع ِ‬
‫ـن الطَّر ِ‬

‫ومـن اإليمـان بـاهلل ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬البعـد عن المعاصـي والمنكرات وهجر الفسـوق‬
‫السـار ُِق‬
‫س ُق َّ‬ ‫ان ِح َ‬
‫ني يَ ْز ِن َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن‪َ ،‬و َل يَ ْ ِ‬ ‫والمحرمـات يقـول ﷺ‪َ :‬‬
‫«ل يَـ ْز ِن الـ َّز ِ‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)8‬ومسلم (‪.)16‬‬


‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)53‬ومسلم (‪.)17‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)9‬ومسلم (‪.)35‬‬
‫‪211‬‬

‫شبُ َها َو ُهـ َو ُم ْؤ ِمـ ٌن‪َ ،‬و َل يَ ْن َته ُ‬


‫ِب‬ ‫شر ُب الْ َخ ْمـ َر ِح َ‬
‫ين يَ ْ َ‬ ‫سر ُق َو ُهـ َو ُم ْؤ ِمـ ٌن‪َ ،‬و َل يَ ْ َ‬
‫ين يَ ْ ِ‬‫ِح َ‬
‫ين يَ ْن َت ِه ُب َهـا َو ُهـ َو ُم ْؤ ِمـ ٌن»[[[؛‬
‫ـم ِح َ‬ ‫ـاس إِلَ ْيـ ِه ِفي َهـا أَبْ َصا َر ُه ْ‬ ‫ش ٍف يَ ْرف ُ‬
‫َـع ال َّن ُ‬ ‫ات َ َ‬ ‫نُ ْه َبـ ًة َذ َ‬
‫فهـذه األعمـال ‪ -‬عبـا َد اهلل ‪ُ -‬تنقـص اإليمـان وتضعفـه وتوهيـه‪ ،‬والواجـب علـى أهل‬
‫اإليمـان المحافظـة علـى اإليمـان والسـعي يف تكميلـه وتنميتـه والبعد عـن كل األمور‬
‫التـي تنقصـه وتضعفـه‪ ،‬وأن يسـألوا اهلل ‪ ‬دائمـا وأبـدا أن يز ِّينهـم بزينـة اإليمـان‬
‫وأن يجعلهـم هـدا ًة مهتدين‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إنكـم يف هـذه الحيـاة الدنيـا يف سـير إلـى اهلل ‪ ‬ويف سـعي إليـه؛‬
‫فاحرصـوا ‪ -‬رعاكـم اهلل ‪ -‬علـى مـا يقربكـم إلـى اهلل ‪ ،‬واحـذروا مـن المعوقات‬
‫التـي تعـوق المؤمـن يف سـيره وتقطـع عليه طريقـه يف القرب مـن اهلل ‪ ‬وهي ثالثة‬
‫معوقـات عظيمـة‪ :‬الشـرك بـاهلل والبـدع بأنواعهـا والمعاصـي والذنـوب؛ أمـا الشـرك‬
‫‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬فيتـم التخلـص منـه‪ :‬بتجريـد اإلخلاص هلل ‪‬؛ بـأن يـأيت المسـلم‬
‫بالعبـادات جميعهـا والطاعـات كلهـا خالصـ ًة لوجـه اهلل ‪ ‬ويتـم التخلـص‬
‫مـن البـدع‪ :‬بمالزمـة السـنة واقتـداء هـدي خيـر األمـة‪ ,‬ويتـم التخلـص مـن المعاصي‪:‬‬
‫بالحـرص علـى البعـد عنهـا ومالزمـة التوبـة واإلكثـار مـن االسـتغفار‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬تذكـروا باجتماعكـم هـذا وقوفكـم بين يدي اهلل ‪ ‬عاري ًة أجسـامكم‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)2475‬ومسلم (‪.)57‬‬


‫‪212‬‬

‫شـاخص ًة أبصاركـم‪ ،‬ينظـر اإلنسـان إلـى أيمـن منـه فلا يجـد إال مـا قـدّ م‪ ،‬وينظـر إلـى‬
‫أشـأم منـه فلا يجـد إال مـا قـدم وحينئـذ يقـول المفـرط المضيـع‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﮊ [الفجـر‪ ،]٢٤:‬فأعـدّ وا لذلـك اليـوم عدتـه واسـتعدوا لـه بالتقـرب إلـى اهلل‬
‫والمسـارعة يف فعـل الخيـرات والمسـابقة إلـى كل أمـر يب ّلـغ إلـى رضـوان اهلل‪.‬‬

‫أعـوذ بـاهلل العظيـم مـن الشـيطان الرجيـم‪ :‬ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬


‫ﭗﭘ ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭠﭡﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭷﭸﭹﭺ‬
‫ﭻﭼﭽﭾﭿ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮈﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮊ [آل‬
‫عمـران‪.]١٣٦-١٣٣:‬‬

‫بارك اهلل لي ولكم يف القرآن الكريم‪ ،‬وبارك لي ولكم يف سنة نبيه الكريم‪.‬‬

‫أقـول مـا تسـمعون وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب‬
‫فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان واسـع الفضـل والجـود واالمتنـان‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه‬
‫إال وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله؛ صلى اهلل عليـه وعلى آله‬
‫وأصحابـه أجمعيـن وسـلم تسـليمًا كثيرا‪.‬‬
‫‪213‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل تعالـى؛ فـإن مـن اتقـى اهلل وقـاه وأرشـده إلـى‬
‫خيـر أمـور دينـه ودنيـاه‪ ،‬وتقـوى اهلل ‪ :‬العمـل بطاعـة اهلل على ٍ‬
‫نور مـن اهلل رجاء‬
‫ثـواب اهلل‪ ،‬والبعـد عـن معصيـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل خوفًا من عقـاب اهلل ‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬احمـدوا اهلل ‪ ‬علـى عطايـاه ونعمـه؛ فـإن عطاياه كثيـرة ومننه ال تعد‬
‫وال تحصـى واهلل ‪ ‬يقـول‪ :‬ﮋ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ [إبراهيـم‪ ،]٧:‬فلـك الحمـد ربنـا فضلاً ونعمـة‪،‬‬
‫لـك الحمـد علـى عطايـاك الكثيـرة ونعمـك العديـدة‪ ،‬ونسـألك المزيـد مـن فضلك يا‬
‫ذا الجلال واإلكـرام‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عباد اهلل‪ :‬استوصوا بأبنائكم خيرا وعليكم باالجتهاد يف تأديبهم ورعايتهم وحسن‬
‫أخذهـم إلـى الخيـر وإبعادهـم عـن المنكـرات وسفسـاف األمـور ورديء األخلاق؛‬
‫ول َعـ ْن َر ِع َّي ِت ِه»[[[‪.‬‬
‫فإنكـم مسـئولون عنهـم أمـام اهلل‪« :‬كُلُّك ُْم َراعٍ َوكُلُّك ُْم َم ْسـ ُئ ٌ‬

‫ٍ‬
‫أمـور كثيـرة عبر‬ ‫عبـاد اهلل‪ :‬والسـيما أن الشـباب يف هـذا الزمـان يتعرضـون إلـى‬
‫القنـوات الفضائيـة ووسـائل االتصـال الحديثـة تسـتهدف غـزو أفكارهـم وخلخلـة‬
‫عقولهـم ودك إيماهنـم وصرفهـم عـن طاعة اهلل ‪ ،‬وكثير من الشـباب يف غفلة‬
‫عـن هـذا الكيـد الـذي يحاك لـه؛ ولهذا على ّ‬
‫كل شـاب أن يتقـي اهلل ‪ ‬وأن يراقب‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)893‬ومسلم (‪.)1829‬‬


‫‪214‬‬

‫اهلل يف نفسـه وأن يتذكر أن اهلل ‪ ‬سـائله عن مرحلة الشـباب عندما يقف بين يدي‬
‫اهلل ‪.‬‬

‫يبصرهـم بدينهـم وأن يردنـا‬


‫وإنـا لنسـأل اهلل أن يصلـح شـباب المسـلمين وأن ّ‬
‫وإياهـم إلـى الحـق رد ًا جميلا‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫واسـتوصوا ‪ -‬رعاكـم اهلل ‪ -‬بالنسـاء والبنـات فإنكـم مسـئولون عنهـن أمـام اهلل‬
‫‪ ،‬والمـرأة إذا حافظـت علـى نفسـها وعلـى شـرفها وإيماهنـا سـعدت يف الحيـاة‬
‫الدنيـا وسـاعدت يف بنـاء مجتمـع متماسـك مرتابـط‪ ،‬وإذا تخلـت عن مبادئ اإلسلام‬
‫وعرضت نفسـها‬‫ترحلت عنها الفضيلـة ووقعت يف حمأة الرذيلة ّ‬ ‫وتعاليـم هـذا الديـن ّ‬
‫ٍ‬
‫لصنـوف مـن الباليـا والرزايـا والمحـن يف الدنيـا واآلخـرة‪ ،‬فعلـى المـرأة المسـلمة أن‬
‫تتقـي اهلل ‪ ‬وأن تراقبـه يف نفسـها وأن تتذكـر وقوفهـا بيـن يـدي اهلل ‪ ،‬وقـد‬
‫ّ‬
‫حـذر صلـوات اهلل وسلامه عليـه مـن فتنـة النسـاء وأخبر أن فتنـة بنـي إسـرائيل كانت‬
‫يف النسـاء وقـال ﷺ‪« :‬فَاتَّقُـوا الدُّ نْ َيـا َواتَّقُـوا ال ِّن َسـا َء فَـإِنَّ أَ َّو َل ِف ْت َنـ ِة بَ ِنـي إِ ْ َ‬
‫سا ِئ َ‬
‫يـل‬
‫ف ال ِّن َسـا ِء»[[[‪.‬‬
‫َـت ِ‬
‫كَان ْ‬

‫ش َف َها الشَّ ـ ْيطَانُ »[[[ أي‪:‬‬


‫اسـ َت ْ َ‬ ‫وقـال ♥‪« :‬الْ َمـ ْرأَ ُة َعـ ْو َر ٌة َفإِ َذا َ‬
‫خ َر َج ْت ْ‬
‫جعلهـا غرضـا لـه ليصرف الناس من خاللها إلى الشـهوات والوقـوع يف المحرمات‪،‬‬

‫[[[ رواه مسلم (‪.)2742‬‬


‫[[[ رواه الرتمذي (‪ ،)1173‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع» (‪.)6690‬‬
‫‪215‬‬

‫ثـم إن المـرأة إذا خالطـت الرجـال وزاحمتهـم يف المنتديـات العامـة والتجمعـات‬


‫أضـرت هبـم وأضرت بنفسـها‪ ،‬فـإن االختالط ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬أصل كل بالء‬
‫واألسـواق ّ‬
‫تقـر يف بيتهـا‬
‫وفتنـة وشـر يف القديـم والحديـث‪ ،‬والواجـب علـى المـرأة المسـلمة أن َّ‬
‫وأن ال يكـون خروجهـا منـه إال للضـرورة وهـي محتشـمة بعيـدة عن التزيـن والتطيب‬
‫والتجمـل للرجـال األجانـب‪ ،‬وقـد قـال ♥‪« :‬إِ َذا َصل ْ‬
‫َّـت الْ َمـ ْرأَ ُة َ‬
‫خ ْم َسـ َها‬
‫ُلي الْ َج َّنـ َة ِم ْن أَ ِّي‬
‫يـل لَ َهـا ا ْدخ ِ‬ ‫ـت َف ْر َج َهـا َوأَطَا َع ْ‬
‫ـت َز ْو َج َهـا ِق َ‬ ‫ـت شَ ـ ْه َر َها َو َح ِفظَ ْ‬
‫َو َصا َم ْ‬
‫اب الْ َج َّنـ ِة ِشـ ْئ ِت»[[[‪ ،‬فهنيئـا للمرأة المسـلمة هذا الموعـود الكريم وهـذا الفضل‬
‫أَ ْبـ َو ِ‬
‫العظيم‪.‬‬

‫وإنـا لنسـأل اهلل ‪ ‬بأسـمائه الحسـنى وصفاتـه العلـى أن يصلـح نسـاءنا وبناتنا‬
‫وأن يردهـن إلـى الحـق رد ًا جميلا‪ ،‬وأن يوفقهن لكل خير وأن يجنبهـن الفتن ما ظهر‬
‫منها ومـا بطن‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬اتقـوا اهلل ‪ ‬وراقبـوه يف أنفسـكم واحرصـوا علـى التقـرب إليـه‬
‫المقربـة إليـه‪ ،‬فالكيـس مـن عبـاد اهلل مـن دان نفسـه وعمـل لمـا بعد‬
‫ِّ‬ ‫باألعمـال الزاكيـة‬
‫المـوت‪ ،‬والعاجـز مـن أتبـع نفسـه هواهـا وتمنـى علـى اهلل األمـاين‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫[[[ رواه أحمد يف «مسنده» (‪ ،)1661‬وابن حبان يف «صحيحه» (‪ ،)4163‬وحسنه األلباين يف «صحيح‬
‫الرتغيب» (‪.)1932‬‬
‫‪216‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬لقـد كان هـدي الصحابـة ﭫ يف هـذا اليـوم المبـارك إذا لقـي بعضهـم‬
‫بعضـا يقـول الواحـد منهـم لآلخـر‪« :‬تقبـل اهلل منـا ومنكـم»[[[‪ ،‬وهـذه الكلمـة هـي‬
‫ٍ‬
‫وثنـاء علـى‬ ‫ٍ‬
‫وشـكر‬ ‫أحسـن مـا ينبغـي أن يقـال يف هـذا اليـوم‪ ،‬ألن هـذا اليـوم يـوم ٍ‬
‫عيـد‬
‫اهلل علـى التوفيـق علـى نعمـة الصيـام والهداية لنعمـة الطاعة والقيام‪ ،‬فخيـر ما يقال يف‬
‫هـذا اليـوم سـؤال اهلل ‪ ‬القبـول‪.‬‬

‫تقبـل اهلل منـا ومنكـم صالـح األعمـال وأعـاد علينـا وعليكـم هـذا العيـد أعوامـا‬
‫ٍ‬
‫وسلامة وإسلام‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫صحـة وإيمـان‬ ‫عديـدة وأزمنـ ًة مديـدة ونحـن يف‬

‫[[[ رواه قـوام السـنة يف «الرتغيـب والرتهيـب» (‪ ،)381‬والشـجري يف «ترتيـب األمالـي الخميسـية»‬
‫(‪ ،)1624‬وصححـه األلبـاين‪ ،‬انظـر‪« :‬تمـام المنـة» (ص‪.)355‬‬
‫خطبة عيد الفطر لعام ‪1424‬هـ‬
‫بعنوان‪ :‬العيد عيد اإليمان بالله‬

‫الحمـد هلل علـى نعمـة اإلسلام وعلـى نعمـة اإليمـان وعلـى نعمـة القـرآن وعلـى‬
‫حمد الشـاكرين ونثنـي عليه ثنـاء الذاكرين‪،‬‬
‫نعمـة الصحـة والمعافـاة‪ ،‬نحمـده ‪ْ ‬‬
‫ال وأخرا وظاهـر ًا وباطنا ﮋ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫لـه الحمـد أو ً‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮊ [الجاثيـة‪،]37-36:‬‬
‫وأشـهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شـريك له؛ إله األولين واآلخرين وقيوم السـموات‬
‫واألرضيـن وخالـق الخلـق أجمعيـن‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله وصفيـه‬
‫وخليلـه ومبلـغ النـاس شـرعه‪ ،‬أشـهد أنـه بلـغ الرسـالة وأدى األمانـة ونصـح األمـة‬
‫وجاهـد يف اهلل حـق جهـاده حتـى أتـاه اليقيـن‪ ،‬فمـا تـرك خيـر ًا إال ّ‬
‫دل األمـة عليـه وال‬
‫شـر ًا إال حذرهـا منـه وصلـوات اهلل وسلامه عليـه وعلـى آلـه وأصحابـه أجمعيـن‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫أيها المؤمنون! عباد اهلل! اتقوا اهلل تعالى واذكروا نعمته عليكم بالهداية لهذا الدين‬
‫‪218‬‬

‫القويم والصراط المسـتقيم وببعثة الرسـول الكريم ﷺ‪ ،‬واشـكروا اهلل ‪ ‬أن م ّن‬
‫عليكـم هبـذا العيـد المبارك؛ إنـه عباد اهلل‪ ،‬عيد اإلفطـار‪ ،‬عيد الفرح واالستبشـار‪ ،‬عيد‬
‫الفضـل والمـ ّن والعطـاء المـدرار‪ ،‬عيـدٌ امتلأت بـه قلـوب المؤمنين فرحًا وسـرورا‪،‬‬
‫وأضـاءت بـه نفوسـهم هبجـة وحبـورا‪ ،‬إنه عيـد اإليمـان‪ ،‬عيد اإلحسـان‪ ،‬عيـد التكبير‬
‫والذكر للرحمن‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عباد اهلل‪ :‬لقد جعل اهلل ‪ ‬للمسـلمين يف هذا العيد مقصدين عظيمين وهدفين‬
‫جليلين‪:‬‬

‫الهـدف األول عبـاد اهلل‪ :‬أن يحمـدوا اهلل ‪ ‬وأن يشـكروه وأن ُيثنـوا عليـه علـى‬
‫مـا مـ ّن بـه عليهـم مـن صيـام رمضـان وقيامـه‪ ،‬وعلـى مـا يسـر لهـم مـن طاعتـه والقيام‬
‫ببرّه واإلحسـان يف طاعتـه‪.‬‬

‫والمقصـد الثـاين عبـاد اهلل‪ :‬أن يفرحـوا بمـا مـ ّن اهلل بـه عليهـم مـن المباحـات ومـا‬
‫يسـر لهـم مـن أنـواع المطاعـم والمـآكل والمشـروبات‪ ،‬يفرحـوا بنعمـة اهلل عليهـم‬
‫ومنّـه‪ ،‬أمرهـم ‪ ‬بالصيـام فصاموا وامتثلـوا‪ ،‬وأمرهم باإلفطـار فأفطروا وحمدوا‬
‫وشـكروا‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إن لـكل أمـة مـن األمـم عيـد ًا مختصـا هبـم أو أعيـاد ًا متنوعـ ًة مختصة هبم‬
‫‪219‬‬

‫تنطلـق ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬مـن أدياهنـم المحرفـة ومذاهبهـم الزائفـة ونزواهتـم البهيميـة‪،‬‬
‫ويبقـى ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬عيـد المؤمنيـن متأللئـا بضيـاء اإليمـان وسـنى التوحيـد ونـور‬
‫شـر ُع‬ ‫ٌ‬
‫مبارك ألهل اإليمان ُي َ‬ ‫االعتقـاد الصحيـح والطاعـة للرحمن ‪‬؛ عيـد‬
‫وذكـر اهلل‪ ،‬والتكبير‪ ،‬والتآلـف والتحاب‪،‬‬
‫ُ‬ ‫لهـم فيـه مـن المظاهر الحميـدة‪ :‬االجتماع‪،‬‬
‫والصلاة‪ ،‬والخطبـة الجامعـة‪ ،‬يجتمعـون جميعـا علـى طاعـة اهلل ‪ ‬ويتالقـون‬
‫علـى محبتـه والقيـام بأمـره وكل واحـد منهـم يهنـئ اآلخـر علـى منّـة اهلل عليـه بالطاعة‬
‫ويدعـو كل واحـد منهـم لآلخـر بالقبـول‪ ،‬ولقـد كان الصحابـة ﭫ يلقـى بعضهـم‬
‫بعضـا يـوم العيـد بالدعـاء بالقبـول‪ ،‬يقـول الواحـد منهـم لآلخـر‪« :‬تقبـل اهلل منـا‬
‫ومنكـم»[[[‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬شـتّان بيـن هـذا العيـد السـعيد؛ عيـد أهـل اإليمـان‪ ،‬عيـد أهـل الطاعـة‬
‫للرحمـن‪ ،‬عيـد أهـل الصيام والقيـام والذكـر هلل ‪ ،‬وبين تلك األعيـاد المنحرفة‬
‫والتجمعـات الزائفـة القائمـة على غير طاعـة هلل‪ ،‬بل القائمة علـى التحلل واالنحراف‬
‫واالجتمـاع علـى الرقـص وشـرب الخمـور واللهـو والفجـور وفعـل العصيان‪ ،‬شـتّان‬
‫والضياع والعصيان‪ ،‬أال فليهنأ المؤمنون‬
‫بيـن عيـد أهل اإليمان وعيد أهل االنحـراف َّ‬
‫هبـذا العيـد السـعيد؛ عيـد الفـرح بطاعـة اهلل واإليمان به‪ ،‬عيـدٌ يجتمع فيه أهـل اإليمان‬
‫علـى رجـاء القبـول وأمـل الفضـل والمـ ّن من واسـع المـ ّن والفضـل والعطـاء‪ ،‬عيد ‪-‬‬

‫[[[ رواه قـوام السـنة يف «الرتغيـب والرتهيـب» (‪ ،)381‬والشـجري يف «ترتيـب األمالـي الخميسـية»‬
‫(‪ ،)1624‬وصححـه األلبـاين‪ ،‬انظـر‪« :‬تمـام المنـة» (ص‪.)355‬‬
‫‪220‬‬

‫عبـاد اهلل ‪ -‬شـعاره تكبيـر اهلل‪ ،‬وغايتـه طلـب رضاه‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إن هـذا العيـد عيـد اإليمـان باهلل ‪ ،‬وإن من آكد مـا ينبغي أن هنتم به‬
‫ُعنـى بـه دومـا وأبـدا معرفـة اإليمان وتحقي ُقـه وتكميله والسـعي باإلتيان به على‬
‫وأن ن َ‬
‫أتـم وجـه وأحسـن حـال‪ ،‬ولقـد ب َّيـن النبـي ♥ اإليمـان ووضـح أصولـه‬
‫«الصحيحيـن» عـن النبي‬
‫وبيـن فروعـه وذكـر شـعبه ڠ يف أحاديـث كثيـرة‪ ،‬ثبـت يف ّ‬
‫ﷺ أنه قال‪« :‬ا ِ‬
‫إلميَانُ بِضْ ٌع َو َسـ ْب ُعونَ شُ ـ ْع َب ًة‪ ،‬أَ ْعال َها شَ ـ َها َد ُة أَنْ ال إِلَهَ إِال اللَّهُ ‪َ ،‬وأَ ْدنَا َها‬
‫إلميَـانِ »[[[‪ ،‬ولإليمان أصول عظيمة‬
‫ِيق‪َ ،‬والْ َح َيا ُء شُ ـ ْع َب ٌة ِم َن ا ِ‬ ‫إِ َماطَـ ُة األَ َذى َع ِ‬
‫ـن الطَّر ِ‬
‫ب َّينهـا ﷺ يف حديـث جربيـل ڠ المشـهور عندمـا سـأل النبـي ♥ عـن‬
‫الميَانِ ؟ َق َال أَنْ تُ ْؤ ِمـ َن بِاللَّ ِه َو َم َلئِكَ ِت ِه َوكُ ُت ِب ِه َو ُر ُسـلِ ِه‬ ‫اإليمـان قـال‪« :‬أَخ ِ ْ‬
‫ْبر ِن َعـ ْن ْ ِ‬
‫ش ِه»[[[‪.‬‬ ‫َوالْ َيـ ْو ِم ْال ِخـ ِر َوتُ ْؤ ِم َن بِالْ َقدَ ِر خ ْ‬
‫َير ِِه َو َ ِّ‬

‫طاعـات زاكية وعبـادات عظيمة يتقرب هبـا المؤمنون إلى اهلل ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ولألعمـال‬
‫النبي ♥‬ ‫ّ‬
‫أجلها شـأنا وأعظمها مكانة مباين اإلسلام الخمسـة التي ب َّينها ُّ‬
‫س‪ :‬شَ ـ َها َد ِة أَنْ َل‬ ‫لا ُم َع َل َ‬
‫خ ْم ٍ‬ ‫يف حديـث ابـن عمـر ﭭ أن النبـي ﷺ قال‪« :‬بُ ِن َي ْ‬
‫ال ِْس َ‬
‫الص َل ِة‪َ ،‬وإِي َتـا ِء ال َّزكَا ِة‪َ ،‬و َصـ ْو ِم َر َمضَ انَ ‪،‬‬ ‫إِلَـهَ إِ َّل اللَّـهُ َوأَنَّ ُم َح َّمـدً ا َر ُس ُ‬
‫ـول اللَّ ِه‪َ ،‬وإِ َق ِ‬
‫ـام َّ‬
‫َو َح ِّج الْ َب ْي ِت»[[[‪.‬‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)9‬ومسلم (‪.)35‬‬


‫[[[ رواه مسلم (‪.)8‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)8‬ومسلم (‪.)16‬‬
‫‪221‬‬

‫ويف حديـث وفـد عبـد قيـس المخـرج يف «الصحيحيـن» وغيرهمـا قـال‬


‫الميَـانُ بِاللَّـ ِه‬ ‫ـال‪« :‬أَتَـدْ ُرونَ َمـا ْ ِ‬ ‫ـان بِـاهَّلل ِ َو ْحـدَ ُه َق َ‬
‫يم ِ‬ ‫ال َ‬ ‫ـم بِ ْ ِ‬ ‫َ‬
‫♥‪:‬أ َم َر ُه ْ‬
‫ـم‪َ ،‬ق َ‬
‫ـال‪« :‬شَ ـ َها َد ُة َأنْ َل إِلَـهَ إِ َّل اللَّـهُ َو َأنَّ ُم َح َّمـدً ا‬ ‫َو ْحـدَ ُه؟» َقا ُلـوا‪ :‬اهَّللُ َو َر ُسـو ُل ُه َأ ْع َل ُ‬
‫لا ِة‪َ ،‬وإِي َتـا ُء الـ َّزكَا ِة‪َ ،‬و ِص َيـا ُم َر َمضَ ـانَ ‪َ ،‬وأَنْ تُ ْعطُوا ِمـ ْن الْ َم ْغ َن ِم‬ ‫ـول اللَّـ ِه َوإِ َقـا ُم َّ‬
‫الص َ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ـس » [[[‪.‬‬
‫ا لْ ُخ ُم َ‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬ومـن اإليمـان بـاهلل‪ ،‬محبة النبـي الكريـم ♥ وتقديم محبته‬
‫علـى النفـس والنفيـس‪ ،‬وعلى الوالد والولـد والناس أجمعين‪ ،‬محبـة ُمب ِّل ِغ هذا الدين‬
‫والمرسـل من رب العالمين الداعي إلى رضوان اهلل والجنة‪ ،‬يقول ♥‪:‬‬
‫َ‬
‫ني»[[[‪،‬‬ ‫ـاس أَ ْج َم ِع َ‬ ‫ُـم َح َّتـى أَكُـونَ أَ َح َّ‬
‫ـب إِلَ ْيـ ِه ِمـ ْن َوالِـ ِد ِه َو َولَـ ِد ِه َوال َّن ِ‬ ‫«ل يُ ْؤ ِمـ ُن أَ َحدُ ك ْ‬
‫َ‬
‫ب إِ َل َّـي مِ ْن ك ُِّل َش ْـي ٍء إِ َّل‬ ‫ولمـا قـال عمـر بـن الخطـاب ﭬ‪« :‬يا رس َ ِ‬
‫ْـت َأ َح ُّ‬
‫ـول اهَّلل َلَن َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ـب إِلَ ْيـكَ ِمـ ْن‬ ‫ْسي ِب َيـ ِد ِه َح َّتـى أَكُـونَ أَ َح َّ‬ ‫«ل َوالَّـ ِذي نَف ِ‬ ‫ـال النَّبِ ُّـي ﷺ‪َ :‬‬ ‫مِـ ْن َن ْف ِسـي‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ب إِ َل َّي مِ ْن َن ْف ِسـي»[[[‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ْـت َأ َح ُّ‬‫ـال َلـ ُه ُع َم ُـر‪َ :‬فإِنَّـ ُه ْال َن َواهَّلل َلَن َ‬
‫نَف ِْسـكَ »‪َ ،‬ف َق َ‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬ومحبـة النبـي ﷺ ليـس كلمـ ًة تقـال باللسـان‪ ،‬وإنمـا هـي طاعـ ٌة لـه فيمـا‬
‫وتصديـق لـه فيمـا أخبر‪ ،‬وأن ال ُيعبـد اهلل إال بمـا شـرع‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أمـر‪،‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬ومـن اإليمـان محبـة أهل اإليمـان ومودهتـم والعطف عليهـم ورحمتهم‬
‫ـب ِلَ ِخيـ ِه َمـا يُ ِح ُّ‬
‫ـب‬ ‫ُـم َح َّتـى يُ ِح َّ‬ ‫واإلحسـان إليهـم‪ ،‬يقـول ﷺ‪َ :‬‬
‫«ل يُ ْؤ ِمـ ُن أَ َحدُ ك ْ‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)53‬ومسلم (‪.)17‬‬


‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)15‬ومسلم (‪.)44‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪.)6632‬‬
‫‪222‬‬

‫لِ َنف ِْسـ ِه»[[[ أي‪ :‬مـن الخيـر‪.‬‬

‫فاإليمـان ‪ -‬عبـاد اهلل‪ -‬ينشـر بيـن أهلـه الفضيلـة والوئـام والمحبـة والتآخـي‬
‫ين ُقلُو ِب َنا‬
‫ِّـف بَ ْ َ‬ ‫والتعـاون يف طاعـة اهلل‪ ،‬ومـن الدعـوات العظيمـة المأثـورة‪« :‬اللَّ ُه َّ‬
‫ـم أَل ْ‬
‫ات بَ ْي ِن َنـا»[[[‪ ،‬وإن مـن مواطـن األلفـة ومجاالهتا العظيمة هذا العيد السـعيد‬ ‫َوأَ ْصلِ ْ‬
‫ـح َذ َ‬
‫‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬فلنجتمـع فيـه علـى التآلـف والتآخـي والتحـاب والتعـاون علـى طاعـة‬
‫اهلل واطـراح الشـقاق والخلاف ونحـو ذلـك ممـا ال يجـر ألهـل اإليمـان إال النهايات‬
‫السـيئة والمـآالت المرديـة‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إن الواجـب علينـا يف كل حيـن أن نحـذر مـن العوائـق التـي تعـوق‬
‫اإلنسـان يف سـيره إلـى اهلل ويف بلـوغ رضـوان اهلل وهـي عوائـق ثالثـة خطيـرة‪ :‬العائـق‬
‫األول الشـرك بـاهلل‪ ،‬والعائـق الثـاين‪ :‬البدعـة واإلحـداث يف ديـن اهلل‪ ،‬والعائـق الثالث‪:‬‬
‫المعاصـي والمخالفـات بأنواعهـا؛ أمـا عائـق الشـرك ‪ -‬عبـاد اهلل‪ -‬فـإن التخلـص منـه‬
‫يتـم بإخلاص التوحيـد هلل وإفـراده ‪ ‬بالعبـادة‪.‬‬

‫وأمـا عائـق البدعـة فيتـم التخلـص منـه بلـزوم السـنة واالقتـداء هبـدي إمـام األئمـة‬
‫محمـد بـن عبـد اهلل صلـوات اهلل وسلامه عليـه‪.‬‬

‫وأمـا عائـق المعصية فيتـم التخلص منها بمجانبتها وبالتوبـة النصوح حال الوقوع‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)13‬ومسلم (‪.)45‬‬


‫[[[ رواه أبو داود (‪ ،)969‬وضعفه األلباين يف «ضعيف أبي داود» (‪.)172‬‬
‫‪223‬‬

‫فيها‪.‬‬

‫فنسـأل اهلل ‪ ‬أن يرزقنـا وإياكـم اإلخلاص يف العمـل وإصابـة هـدي النبـي‬
‫الكريـم ♥‪ ،‬وأن يقينـا شـرور المعاصـي واآلثـام‪ ،‬وأن يمنحنـا توبـ ًة‬
‫نصوحـا وإنابـ ًة إلـى اهلل ‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫ومضـى بأيامه ال ُغ َـرر ولياليه الـدُ رر‪ ،‬مضى معمور ًا‬


‫مـر شـهر رمضان َ‬
‫عبـاد اهلل‪ :‬لقـد ّ‬
‫مـن أهـل اإليمـان والصلاح بالقيـام والصيـام وتلاوة القـرآن وذكـر اهلل ‪،‬‬
‫ثـم إن أهـل اإليمـان يف هـذا اليـوم يؤ ِّملـون مـن اهلل ‪ ‬موعـو َده الكريـم وفضلـه‬
‫ورفعـة الدرجات وتكفير السـيئات‪ ،‬فنسـأل‬ ‫ِ‬
‫وإقالـة العثرات ِ‬ ‫العظيـم بالعتـق مـن النـار‬
‫اهلل ‪ ‬أن يبلغكـم جميعـا مـا أ َّملتـم مـن رضـوان اهلل ومـن العتـق مـن النـار‪ ،‬وأن‬
‫يوفقنـا جميعـا لطاعتـه والقيـام بعبادتـه على الوجه الـذي يرضيه عنا‪ ،‬ونسـأله ‪‬‬
‫أن يعيننـا وإياكـم علـى حسـن االسـتفادة مـن شـهر رمضـان بالمداومـة علـى طاعة اهلل‬
‫ٍ‬
‫بوقت من‬ ‫ٍ‬
‫بشـهر من الشـهور وال‬ ‫والمحافظة على عبادته‪ ،‬فليسـت عبادة اهلل مختص ًة‬
‫األوقـات‪ ،‬وإنمـا ُيعبـد اهلل ‪ ‬يف كل وقـت وحيـن كما قـال اهلل ‪ :‬ﮋﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮊ [الحجـر‪ ،]٩٩:‬ولقـد قـال بعـض السـلف عـن أقـوام‬
‫ينشـ ُطون يف العبـادة يف رمضـان ثـم يتخ َّلـون عنهـا يف غيـره‪« :‬بئـس القـوم ال يعرفـون‬
‫َ‬
‫ورب‬
‫رب شـوال‪ُ ،‬‬
‫رب رمضـان هو ُ‬
‫اهلل إال يف رمضـان»[[[؛ إن رب الشـهور واحـد‪ ،‬إن َّ‬
‫سـائر الشـهور‪ ،‬والواجـب علينـا أن نحافـظ علـى طاعتـه وأن نثبـت علـى دينـه وأن‬
‫[[[ «لطائف المعارف» (ص‪.)244‬‬
‫‪224‬‬

‫ٍ‬
‫راض عنـا‪.‬‬ ‫نلازم عبادتـه إلـى أن يتوفانـا وهـو‬

‫اللهـم ثبتنـا علـى دينـك القويـم‪ ،‬وعلـى صراطك المسـتقيم‪ ،‬وال تكلنا إلى أنفسـنا‬
‫طرفـة عين يـا ذا الجلال واإلكرام‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫ٍ‬
‫بأمـن‬ ‫كـدر فيـه‪ ،‬عاشـه أهـل اإليمـان‬
‫صفـوا ال َ‬
‫ً‬ ‫عبـاد اهلل‪ :‬لقـد مضـى شـهر رمضـان‬
‫يمـر عليهـم يف هذا الشـهر ما يكـدر صفوهـم أو ّ‬
‫يخل‬ ‫ٍ‬
‫وإيمـان وسلامة وإسلام‪ ،‬ولـم ّ‬
‫أمنهـم إال مـا حصـل يف هـذه البالد يف شـهر رمضـان ويف ٍ‬
‫وقت فاضل ويف قيـا ٍم وعبادة‬
‫هلل مـن فئـة آثمـة وطائفـة باغيـة قامـوا بتفجيـر بعـض األماكـن علـى أهلهـا مـن النسـاء‬
‫يفرقـوا بين صغير وال‬
‫والبنيـن والصغـار والكبـار‪ ،‬لـم يرقبوا يف مؤمـن إال وال ذمة‪ ،‬لم ِّ‬
‫كبيـر وال ذكـر وال أنثـى‪ ،‬وتلـك الفعلـة المشـينة نزعـ ٌة خارجيـة وفعلـ ٌة آثمـة واعتـدا ٌء‬
‫وعـدوان‪ ،‬لـم ُيراعـى ال حرمـ ُة الشـهر وال حرمـ ُة المـكان‪ ،‬فحسـبنا اهلل ونعـم الوكيل‪،‬‬
‫ونسـأل اهلل ّ‬
‫جـل علا أن يجيـر المسـلمين يف هـذا المصـاب وأن يخلفهـم خيـرا‪ ،‬وأن‬
‫يعيـذ المسـلمين مـن الفتـن كلهـا مـا ظهـر منها ومـا بطـن بمنّه وجـوده وإحسـانه‪ ،‬وأن‬
‫يحفـظ علينـا يف بالدنـا هـذه أمننـا وإيماننـا وإسلامنا وسلامنا‪ ،‬وأن يعيذنـا مـن الفتـن‬
‫كلهـا مـا ظهـر منهـا ومـا بطـن إنـه ‪ ‬سـميع الدعـاء وهـو أهـل الرجـاء وهـو‬
‫حسـبنا ونعـم الوكيل‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬تذكّـروا بجمعكـم هـذا‪ ،‬وقوفكـم يـوم القيامـة بيـن يـدي اهلل‪ ،‬عاريـ ًة‬
‫‪225‬‬

‫أجسـامكم حافيـ ًة أقدامكـم‪ُ ،‬تعرضـون علـى اهلل ‪ ‬عرضـا ال تخفـى عليـه منكم‬
‫خافيـة‪ ،‬فاتقـوا اهلل ‪ ‬وأعـدوا لذلـك اليـوم عُدَّ ته واسـتعدوا له بتقـوى اهلل والقيام‬
‫بطاعتـه والمحافظـة علـى عبادتـه‪ ،‬سـتقفون عبـاد اهلل يومـا ﮋ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮ ﮊ [المعـارج‪ ،]4:‬وقـد جـاء يف الحديـث الصحيـح الثابـت عـن النبـي ﷺ أن اهلل‬
‫يهـون الوقـوف علـى أهـل اإليمـان يف ذلك اليـوم العظيم فيكـون وقوفهم فيـه كما بين‬
‫ِّ‬
‫صلايت الظهـر والعصر‪.‬‬

‫أسـأل اهلل ‪ ‬أن يجعلنـي وإياكـم مـن هـؤالء‪ ،‬وأن يثبتنـا وإياكـم علـى دينـه‬
‫القويـم‪ ،‬وأن يعيننـا وإياكـم علـى طاعتـه‪ ،‬وأن يوفقنـا لـكل خيـر‪ ،‬وأن يعيـد علينـا هـذا‬
‫العيـد السـعيد أعوامـا عديـدة وأزمنـة مديـدة ونحـن نعيـش يف أمـن وإيمـان وسلامة‬
‫وإسلام‪.‬‬

‫أقـول مـا تسـمعون واسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولـي سـائر المسـلمين مـن كل ذنـب‬
‫فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل عظيـم اإلحسـان‪ ،‬واسـع الفضـل والجـود واالمتنـان‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه‬
‫إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله؛ صلـى اهلل عليه وعلى‬
‫آلـه وأصحابـه أجمعين وسـلم تسـليما كثيرا‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫‪226‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬فوصيتـي لنفسـي ولكـم تقـوى اهلل ‪ ،‬ومراقبتُـه يف السـر والعالنية؛‬
‫فـإن مـن اتقـى اهلل وقـاه وأرشـده إلـى خير أمـور دينـه ودنياه‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى وراقبـوه يف السـر والعالنية والغيب والشـهادة‪ ،‬واعلموا‬
‫انه ‪ ‬ال تخفى عليه خافية يف األرض وال يف السـماء‪ ،‬الغيب عنده شـهادة والسـر‬
‫عنـده عالنيـة‪ ،‬أحصى كل شـيء عددا‪ ،‬وأحاط بكل شـيء علما‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬اتقـوا اهلل ‪ ‬وراقبـوه يف أعمالكـم ويف جميع حركاتكم وسـكناتكم‬
‫مراقبـة مـن يعلـم أن ربه يسـمعه ويراه‪.‬‬

‫واعلمـوا ‪ -‬رحمكـم اهلل ‪ -‬أنكـم يف هـذه الحيـاة‪ ،‬يف دار عمـل وسـتنتقلون منهـا‬
‫ـس عبـاد اهلل‪ ،‬مـن دان نفسـه وعمـل لمـا بعـد المـوت‪،‬‬
‫إلـى دار جـزاء وحسـاب‪ ،‬فالك ِّي ُ‬
‫والعاجـز مـن أتبـع نفسـه هواهـا‪ ،‬وتمنـى علـى اهلل األمـاين‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى وقومـوا بالمسـؤولية التـي ُوكلـت إليكـم اتجـاه النسـاء‬
‫واألوالد؛ أحسـنوا تأديبهـم‪ ،‬وأحسـنوا تربيتهـم ﮋ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﮊ‬
‫[التحريـم‪ ،]٦:‬احرصـوا علـى تربيـة األبنـاء وتأديبهـم بـآداب اإلسلام الحميـدة‬
‫وأخالقـه الرشـيدة‪ ،‬خـذوا بأيديهـم إلـى الخير واجتهـدوا يف إبعادهم عن أماكن الشـر‬
‫والريبـة‪.‬‬

‫وشباب اإلسالم يف هذا الوقت يبت ُلون بأنوا ٍع من االبتالءات تستهدف‬


‫ُ‬ ‫عباد اهلل‪:‬‬
‫ٍ‬
‫مجاالت كثيرة وسب ٍل متنوعة‪ ،‬فهم‬ ‫دينهم وإيماهنم وأخالقهم وأعراضهم من خالل‬
‫يبصروا بدين‬ ‫ٍ‬
‫بحاجة ‪ -‬إي واهلل ‪ -‬إلى توجيه رشيد ودعوة رؤوفة وحنان وعطف بأن َّ‬
‫‪227‬‬

‫اهلل وأن يبين لهم محاسن اإلسالم ومحاسن المحافظة على طاعة اهلل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مجاالت‬ ‫والمـرأة كذلـك ُيـكا ُد لهـا يف هـذا الزمـان و ُيتَر َّبص هبـا الدوائر من خلال‬
‫عرضهـا ويف‬‫عديـدة وسـبل شـتى‪ ،‬فينبغـي علـى المـرأة أن تتقـي اهلل يف نفسـها ويف ِ‬
‫َ‬
‫َشـرفِها‪ ،‬وأن تكـون محافظـة علـى طاعة ر ِّبها ‪ ،‬وأن تتذكر قـول النبي ﷺ‪« :‬إِ َذا‬
‫ـت شَ ـ ْه َر َها‪َ ،‬و َح ِفظَ ْت َف ْر َج َهـا‪َ ،‬وأَطَا َع ْت َز ْو َج َهـا ِق َ‬
‫يل لَ َها‪:‬‬ ‫َّـت الْ َمـ ْرأَ ُة َ‬
‫خ ْم َسـ َها‪َ ،‬و َصا َم ْ‬ ‫َصل ْ‬
‫اب الْ َج َّن ِة ِشـ ْئ ِت»[[[‪.‬‬
‫ُلي الْ َج َّنـ َة ِمـ ْن أَ ِّي أَبْـ َو ِ‬
‫ا ْدخ ِ‬

‫يهدي شـباب المسـلمين وأن يوف َقهم لما ُي ُ‬


‫حب ويرضى‪ ،‬وأن‬ ‫َ‬ ‫نسـأل اهلل ‪ ‬أن‬
‫يحفظ بنات المسـلمين ونسـاءهم وأن يجنبهن الفتن بمنّه وكرمه وجوده وإحسـانه‪.‬‬

‫[[[ رواه أحمد يف «مسنده» (‪ ،)1661‬وابن حبان يف «صحيحه» (‪ ،)4163‬وحسنه األلباين يف «صحيح‬
‫الرتغيب» (‪.)1932‬‬
‫خطبة عيد الفطر لعام ‪1428‬هـ‬

‫الحمـد هلل الكبيـر المتعـال‪ ،‬ذي الجلال والجمـال والعظمـة والكمـال‪ ،‬الحمـد هلل‬
‫العزيـز الغفـار‪ ،‬الحمـد هلل علـى نعمـه العظـام وعطايـاه ال ُكثـار‪ ،‬الحمـد هلل علـى ما م َّن‬
‫بـه علينـا مـن نعمـة اإلسلام ونعمـة القـرآن ونعمـة الصيـام والقيـام‪ ،‬الحمـد هلل حمـد ًا‬
‫يحـب ربنـا ويرضـى‪ ،‬الحمد هلل علـى نعمه العظيمـة التي‬
‫ُّ‬ ‫كثيـر ًا طيبـا مبـاركًا فيـه كمـا‬
‫سـر أو عالنية أو‬ ‫ٍ‬
‫قديـم أو حديـث أو ٍّ‬ ‫مـ َّن هبـا علينـا وعلـى كل نعمـة أنعـم هبـا علينـا يف‬
‫ٍ‬
‫خاصـة أو عامـة‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه؛ إلـه األوليـن وقيـوم‬
‫السـموات واألرضيـن وخالـق الخلـق أجمعيـن‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله‬
‫وصفيـه وخليلـه وأمينـه علـى وحيـه ومبلـغ النـاس شـرعه‪ ،‬مـا تـرك خيـر ًا إال دل األمة‬
‫عليـه وال شـر ًا إال حذرهـا منـه‪ ،‬فبلـغ الرسـالة وأدى األمانـة ونصـح األمـة وجاهـد يف‬
‫اهلل حـق جهـاده حتـى أتـاه اليقيـن؛ فصلـوات اهلل ومالئكتـه وأنبيائـه والصالحيـن مـن‬
‫عبـاده عليـه وعلـى آلـه وأصحابـه وأتباعـه وسـلم تسـليمًا كثيرا‪.‬‬
‫‪229‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل تعالـى‪ :‬ﮋ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬


‫ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﮊ [األحـزاب‪ ،]٧١–٧٠:‬واحمـدوا‬
‫اهلل كثيـرا واشـكروه ‪ ‬كثيـرا علـى نعمه العظيمة وآالئه التـي ال تعد وال تحصى‪،‬‬
‫يسـر لنـا أجمعيـن من شـهود هـذا اليـوم العظيـم والعيد‬
‫ومـن جملـة نعمـه سـبحانه مـا َّ‬
‫ٍ‬
‫وعبادة جليلة أال وهي صيام شـهر رمضان‬ ‫ٍ‬
‫طاعة عظيمـة‬ ‫المبـارك الـذي يـأيت على إثر‬
‫المبـارك‪ ،‬ولهـذا يسـمى هـذا العيـد السـعيد‪ :‬عيـد الفطـر لصلتـه بالصيـام‪ ،‬ألنـه عيـد‬
‫اإلفطـار مـن الصيـام‪ ،‬ولهـذا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬ينبغـي أن نعلـم أن لهـذا العيـد مقصوديـن‬
‫عظيميـن وغايتيـن جليلتيـن ال ينبغـي أن تغيـب منـا علـى بـال‪ ،‬أال وهما‪:‬‬

‫أن مقصـود هـذا العيـد األول‪ :‬أن نحمـد اهلل ‪ ‬ونشـكره سـبحانه ونثنـي عليـه‬
‫الخيـر كلـه علـى مـا يسـر ومـ ّن بـه علينـا من صيام شـهر رمضـان قيامـه‪َ ،‬م َّن َّ‬
‫جـل وعال‬
‫علينـا بالصيـام ويسـره لنـا ويسـر لنـا القيـام فـكان منـا االمتثـال‪ ،‬وهـا نحـن نشـهد هـذا‬
‫اليـوم يـوم الفطـر مـن الصيـام شـاكرين هلل علـى نعمـه مثنيـن عليـه هبـا خيرا‪.‬‬

‫والمقصـود الثـاين عبـاد اهلل‪ :‬أن نفـرح بمـا مـ َّن اهلل بـه علينـا مـن الفطـر والطعـام‬
‫والمـأكل والمشـرب وغيـر ذلـك مـن األمـور التـي ُمنِعنـا منهـا حـال الصيـام‪ ،‬فنتمتـع‬
‫ٍ‬
‫تبذيـر أو مخيلـة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫إسـراف أو‬ ‫بمـا أبـاح اهلل لنـا دون تعـدٍّ لحـدود الشـريعة ودون‬

‫أمـر اهلل ‪ ‬عبـاده بالصيـام فامتثلـوا أمـره وصبروا‪ ،‬ودعاهـم يف هـذا اليـوم‬
‫‪230‬‬

‫إلـى الفطـر فحمـدوا رهبم وشـكروا‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫إن لـكل أمـة مـن األمـم عيـد ًا يتناسـب مـع عقائدهـم المبدَّ لـة‬
‫معاشـر المؤمنيـن‪َّ :‬‬
‫وأدياهنـم المز َّيفـة ونزواهتـم البهيميـة؛ أعيـا ٌد قائمـة علـى الخنـا والفجـور والرقـص‬
‫والخمـور‪ ،‬ويبقـى لنـا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬يبقـى لنـا أمـة اإلسلام عيدنـا متأللئـا بضيـاء‬
‫اإليمـان وسـنى العقيـدة واسـتقامة السـلوك وجمـال األخالق وهبـاء االجتمـاع‪ ،‬يبقى‬
‫لنـا عيدنـا مختصـا بخصائصـه متميـز ًا بميزاتـه؛ إن عيدنـا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬عيـد اإلفطـار‪،‬‬
‫عيـد العطـاء المـدرار‪ ،‬عيـد الفرح واالستبشـار‪ ،‬بفضـل اهلل ‪ ‬ومنِّـه‪ :‬ﮋ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮊ [يونـس‪.]58:‬‬

‫عيدنا ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬عيد إيمان وتوحيد‪ ،‬عيد تكبير وهتليل‪ ،‬عيد ذكر هلل ‪،‬‬
‫ُيشـرع لنـا يف هـذا العيـد مظاهر عظيمة ومظاهـر جليلة‪ ،‬منها‪ :‬االجتمـاع لهذه الصالة‪،‬‬
‫وسـماع الخطبـة‪ ،‬وحضـور الخيـر‪ ،‬والدعـوة العامـة‪ ،‬والتالقـي والصفـاء‪ ،‬والحـب‬
‫واإلخـاء‪ ،‬والصلـة والتـزاور‪ ،‬إلـى غيـر ذلـك مـن المعـاين العظـام والمقاصـد الجالل‬
‫التي تشـرع لنـا يف عيدنـا المبارك‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عباد اهلل؛ اجتمع لنا يف يومنا هذا عيدان‪ :‬عيد الفطر‪ ،‬وعيد األسبوع‪ ،‬وإذا اجتمعا‬
‫فإن من شهد هذه الصالة‪ -‬صالة العيد ‪ -‬فإن َّ‬
‫يرخص له يف عدم حضور الجمعة‪،‬‬
‫لكنه البد أن يص ِّليها ً‬
‫ظهرا يف الجماعة‪ ،‬يؤ َّذن لها يف المساجد وتقام الصالة فيها‪ ،‬ومن‬
‫‪231‬‬

‫رغب أن يشهد الجمعة يف المساجد الجامعة فإهنا تقام فيها؛ هكذا السنة عباد اهلل‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬ينبغـي علينـا يف هـذا اليـوم ويف كل يـوم أن نتذكـر أن أعظـم المطالـب‬
‫وأجـل المقاصـد وأنبـل األهـداف اإليمان بـاهلل وبكل ما أمرنـا اهلل ‪ ‬باإليمان‬
‫بـه‪ ،‬فلهـذا ُخلقنـا وألجـل هـذا ِ‬
‫أوجدنا‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬اإليمـان هـو أسـاس السـعادة وسـبيل الفـوز والفلاح والنجـاة يف الدنيـا‬
‫واآلخـرة‪ ،‬اإليمـان ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬هـو أعظـم المطالـب‪ ،‬وأعظـم المقاصـد وأنبـل‬
‫األهـداف‪.‬‬

‫عباد اهلل‪ :‬اإليمان شجرة مباركة‪ ،‬وتأمل يف هذا قول اهلل ‪ :‬ﮋ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵﯶﯷﯸ ﯹ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ‬
‫ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞﮊ [إبراهيـم‪ ]٢٥-٢٤:‬نعـم ‪ -‬معاشـر المؤمنيـن ‪ -‬اإليمـان شـجر ٌة مباركـة لهـا‬
‫وفـرع وثمار‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫مـكان تغـرس فيـه‪ ،‬ولهـا مـاد ٌة تسـقى هبـا‪ ،‬ولهـا ٌ‬
‫أصـل‬

‫أمـا مـكان غرسـها عبـاد اهلل‪ :‬فهـو قلـب المؤمن‪ ،‬فيـه توضـع بذورها‪ ،‬ومنهـا تتفرع‬
‫أغصاهنـا وفروعها‪.‬‬

‫وأما سـقيها‪ :‬فهو الوحي المبين كالم رب العالمين وكالم رسـوله األمين صلوات‬
‫اهلل وسلامه عليـه‪ ،‬فكلمـا ُعنـي بالوحـي عظم نماء هذه الشـجرة‪ ،‬وكلما ِّ‬
‫أخـل به فإهنا‬
‫هـذه الشـجرة يكون مآلهـا إلى الذبول ولر َّبما إلـى الموت والزوال‪.‬‬
‫‪232‬‬

‫عبـاد اهلل وأمـا أصـل هـذه الشـجرة‪ :‬فهـي أصـول سـتة عظيمـة جـاء بياهنـا يف كتـاب‬
‫اهلل وسـنة رسـول اهلل ﷺ أال وهـي‪ :‬اإليمـان بـاهلل‪ ،‬ومالئكتـه‪ ،‬وكتبـه‪ ،‬ورسـله‪ ،‬واليوم‬
‫اآلخر‪ ،‬واإليمان بالقدر خيره وشره‪ :‬ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﮊ [البقرة‪.]١٧٧:‬‬

‫وفروعهـا عبـاد اهلل‪ :‬جميـع الطاعـات الزاكيـة والقربـات النافعـة التـي أمـر اهلل‬
‫‪ ‬هبـا يف كتابـه وأمـر هبـا رسـوله ♥ يف سـنته‪ ،‬ولهـذا جـاء يف‬
‫«الصحيحيـن» مـن حديـث أبي هريرة عـن النبي ﷺ أنه قال‪« :‬ا ِ‬
‫إلميَانُ بِضْ ٌع َو َسـ ْب ُعونَ‬
‫شُ ـ ْع َب ًة‪ ،‬أَ ْعال َهـا شَ ـ َها َد ُة أَنْ ال إِلَـهَ إِال اللَّهُ ‪َ ،‬وأَ ْدنَا َها إِ َماطَ ُة األَ َذى َع ِ‬
‫ـن الطَّر ِ‬
‫ِيق‪َ ،‬والْ َح َيا ُء‬
‫إلميَـانِ »[[[‪.‬‬
‫شُ ـ ْع َب ٌة ِم َن ا ِ‬

‫ومـن فـروع اإليمـان ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬توقي الحـرام والبعد عن المناهـي واآلثام‪ ،‬ففي‬
‫ان ِح َ‬
‫ني‬ ‫«الصحيحيـن» مـن حديـث أبـي هريـرة عـن النبـي ﷺ أنه قـال‪َ :‬‬
‫«ل يَ ْز ِن الـ َّز ِ‬
‫سر ُق َو ُهـ َو ُم ْؤ ِمـ ٌن‪َ ،‬و َل يَ ْ َ‬
‫شر ُب الْ َخ ْم َر‬ ‫السـار ُِق ِح َ‬
‫ين يَ ْ ِ‬ ‫يَـ ْز ِن َو ُهـ َو ُم ْؤ ِمـ ٌن‪َ ،‬و َل يَ ْ ِ‬
‫سر ُق َّ‬
‫ـاس إِلَ ْيـ ِه ِفي َهـا‬ ‫ش ٍف يَ ْرف ُ‬
‫َـع ال َّن ُ‬ ‫شبُ َهـا َو ُهـ َو ُم ْؤ ِمـ ٌن‪َ ،‬و َل يَ ْن َته ُ‬
‫ِـب نُ ْه َبـ ًة َذ َ‬
‫ات َ َ‬ ‫ِح َ‬
‫ين يَ ْ َ‬
‫ين يَ ْن َت ِه ُب َهـا َو ُهـ َو ُم ْؤ ِم ٌن»[[[‪.‬‬ ‫أَبْ َصا َر ُه ْ‬
‫ـم ِح َ‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬وإن مـن أهـم مـا ينبغـي أن يعتنـي عبـد اهلل المؤمـن أن يحذر مـن العوائق‬
‫التـي تعـوق المؤمـن يف إيمانه وتقطع عليه سـيره وطريقه لنيل رضـا اهلل والفوز بثواب‬
‫اآلخـرة‪ ،‬وهـي عوائـق ثالثـة خطيرة ينبغـي أن نكون جميعًا منها علـى حذر أال وهي‪:‬‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)9‬ومسلم (‪.)35‬‬


‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)2475‬ومسلم (‪.)57‬‬
‫‪233‬‬

‫الشـرك بـاهلل ‪ -‬أعاذنـا اهلل وإياكـم منـه‪ ،‬وحمانا وحماكـم من الوقوع فيـه ‪ -‬والبدعة يف‬
‫ديـن اهلل‪ ،‬والمعاصي بأنواعها‪.‬‬

‫أمـا الشـرك عبـاد اهلل‪ :‬فيكـون الخلاص منـه بتجريد اإلخلاص هلل ‪ ،‬ويف‬
‫الدعـاء المأثـور عـن نبينـا ♥‪« :‬اللهـم إين أعـوذ بـك أن أرشك بك وأنا‬
‫أعلـم وأسـتغفرك ملـا ال أعلم»[[[‪.‬‬

‫وأمـا البدعـة عبـاد اهلل‪ :‬فيكـون الخلاص منهـا بتجريـد المتابعـة لرسـول اهلل ﷺ‬
‫ـس َعلَ ْيـ ِه أَ ْم ُرنَـا َف ُهـ َو َر ٌّد»[[[‪.‬‬ ‫القائـل يف الحديـث الصحيـح‪َ « :‬مـ ْن َع ِم َـل َع َم ً‬
‫لا لَ ْي َ‬

‫وأمـا المعاصـي بأنواعهـا كبيرهـا وصغيرهـا فبمجاهـدة النفـس ‪ -‬عبـاد اهلل‪ -‬علـى‬
‫ألـم العبد بشـيء منها فعليه بالتوبة النصـوح إلى اهلل وكثرة‬
‫البعـد عنهـا واجتناهبـا‪ ،‬وإذا ّ‬
‫االسـتغفار‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﮊ [التحريـم‪.]8:‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إن مـن األمـور العظيمـة والمقاصد الجليلـة يف عيدنا المبـارك أن نجتمع‬
‫فيـه علـى الصلـة واإلخـاء والتعـاون والرب واإلحسـان‪ ،‬اليوم ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬يوم الصفاء‬
‫ين‬ ‫ـم أَل ْ‬
‫ِّـف بَ ْ َ‬ ‫والتواصـل وتـرك التهاجـر والتباغـض‪ ،‬ومـن الدعـوات المأثـورة‪« :‬اللَّ ُه َّ‬
‫لا ِم‪ ،‬و َونَ ِّج َنا ِم ْن الظُّل َُم ِت إِ َل ال ُّنورِ»[[[‪.‬‬ ‫ُقلُو ِب َنا‪َ ،‬وأَ ْصلِ ْح َذ َ‬
‫ات بَ ْي ِن َنا‪َ ،‬وا ْه ِدنَا ُسـ ُب َل َّ‬
‫الس َ‬

‫اليـوم ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬يـوم التواصـل والتـزاور والتآخـي وطـرح التباغـض التعـادي‬
‫[[[ رواه البخاري يف «األدب المفرد» (‪ ،)716‬وصححه األلباين يف «صحيح األدب المفرد» (‪.)554‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)1718‬‬
‫[[[ رواه أبو داود (‪ ،)969‬وضعفه األلباين يف «ضعيف أبي داود» (‪.)172‬‬
‫‪234‬‬

‫واإلحـن‪.‬‬

‫اليـوم ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬فرصتـك الثمينـة إذا كان بينـك وبيـن أحـد إخوانـك شـيء مـن‬
‫البغضـة ونحـو ذلـك أن تطـرح ذلـك وأن تكـون سـباقا للخيـر‪ ،‬واعلـم أن خيركما من‬
‫يبدأ بالسلام‪.‬‬

‫اهلل أكبر اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر اهلل أكبر وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إن نعـم اهلل ‪ ‬علينـا كثيرة ال تحصى‪ ،‬عديد ٌة ال تسـتقصى‪ ،‬وقد تأ َّذن‬
‫الـرب ‪ ‬بالزيـادة لمن شـكر وبالعـذاب األليم لمن كفر‪ ،‬والنعمة إذا ُشـكرت‬
‫فـرت‪ ،‬ويف هـذا يقـول اهلل ‪ :‬ﮋ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫قـرت‪ ،‬وإذا كُفـرت َّ‬
‫َّ‬
‫ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ [إبراهيـم‪.]٧:‬‬

‫اللهم اجعلنا شاكرين لنعمك‪ ،‬مستعملين لها يف طاعتك يا ذا الجالل واإلكرام‪.‬‬

‫أقول هذا القول وأسـتغفر اهلل لي ولكم لسـائر المسـلمين من كل ذنب فاستغفروه‬
‫يغفـر لكم إنه هـو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل المنـان‪ ،‬واسـع الفضل جزيل اإلحسـان‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحده‬
‫ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله؛ صلـى اهلل وسـلم عليـه وعلـى آلـه‬
‫وصحبـه أجمعين‪،‬‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫‪235‬‬

‫معاشـر المؤمنيـن عبـاد اهلل‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى وراقبـوه يف السـر والعالنيـة والغيـب‬
‫ٌ‬
‫مسـئول أمـام اهلل ‪« :‬كُلُّك ُْم َرا ٍع‬ ‫والشـهادة‪ ،‬واعلمـوا رعاكـم اهلل َّ‬
‫أن كل واحد منَّا‬
‫ول َعـ ْن َر ِع َّي ِت ِه»[[[‪.‬‬
‫ُـم َم ْسـ ُئ ٌ‬
‫َوكُلُّك ْ‬

‫وقـوف يف يوم من األيام بين‬


‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫واحد منا له‬ ‫أيهـا المؤمـن! أيتهـا األخـت المؤمنة! كل‬
‫يـدي اهلل ‪ ،‬واهلل ‪ ‬سـائله علـى ما قدَّ م يف هذه الحيـاة؛ فمن وجد يومئذ‬
‫خيـر ًا فليحمـد اهلل‪ ،‬ومـن وجـد غيـر ذلك فال يلومـ َّن إ َّ‬
‫ال نفسـه‪ ،‬ولهذا فالفرصـة أمامنا‬
‫لنصحح مسـارنا ونحاسـب أنفسـنا ونزن أعمالنا كما قال الخليفة الراشـد عمر‬
‫ِّ‬ ‫قائمة‬
‫بـن الخطـاب ﭬ‪« :‬زنـوا أنفسـكم قبل أن توزنوا‪ ،‬وحاسـبوها قبل أن تحاسـبوا‪ ،‬فإن‬
‫اليوم عمل وال حسـاب‪ ،‬وغدا حسـاب وال عمل»[[[‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬ومـن المسـؤولية العظيمـة المناطة بنا رعاية األهـل واألوالد كما قال اهلل‬
‫تعالـى‪ :‬ﮋﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﮊ [التحريم‪.]6:‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬إن الواجـب علينـا أن تكـون منـا عنايـة مضاعفـة وجهـدٌ بالـغ يف أوالدنـا؛‬
‫تربيـ ًة لهـم وسـع ًيا يف إصالحهـم وتسـديدهم‪ ،‬السـيما والشـباب والشـابات يف هـذا‬
‫ٍ‬
‫ودهـاء وشـر يف فتـن تعصـف‬ ‫ٍ‬
‫وكيـد‬ ‫ٍ‬
‫ومؤامـرات آثمـة‬ ‫ٍ‬
‫لفتـن عاصفـة‬ ‫الزمـن يتعرضـون‬
‫بالشـباب والشـابات مـن خلال قنـوات آثمـة‪ ،‬ومجلات هابطـة‪ ،‬ومـن خلال مواقـع‬
‫آثـم لإلطاحـة بالشـباب‬ ‫ٌ‬
‫تخطيـط ٌ‬ ‫يف الشـبكة العنكبوتيـة كل ذلـك ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬فيـه‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)893‬ومسلم (‪.)1829‬‬


‫[[[ رواه ابن أبي شيبة يف «مصنفه» (‪ ،)34459‬والدينوري يف «المجالسة وجواهر العلم» (‪.)1291‬‬
‫‪236‬‬

‫واإلطاحـة بالشـابات و َفتْنهـم يف دينهـم وخلخلـة عقائدهـم وإيماهنـم وإيقاعهـم يف‬


‫ٍ‬
‫تضافـر وتعـاون يف إصلاح‬ ‫حمـأة الرذيلـة والفسـاد؛ ولهـذا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬البـد مـن‬
‫هـؤالء واألخـذ هبـم إلـى سـبيل النجـاة و َب ِّـر األمـان مسـتعينين بـاهلل ‪ ‬طالبيـن‬
‫منـه وحـده هدايـة أبنائنـا وبناتنـا‪ ،‬فلا عاصـم إال اهلل وال منجـي إال هـو ‪،‬‬
‫وإليـه نفـزع ومنـه نرجـو ونطلـب أن يصلـح أبناءنـا وبناتنـا‪ ،‬وأن يهديهـم إليـه صراطـا‬
‫مسـتقيما‪ ،‬وأن يجنـب الجميـع الفتـن مـا ظهـر منهـا مـا بطـن‪.‬‬
‫خطبة عيد الفطر لعام ‪1430‬هـ‬

‫الحمـد هلل الكبيـر المتعـال‪ ،‬ذي العظمـة والجلال والجمال والكمال‪ ،‬له األسـماء‬
‫والصفـات العليـا ومنه الفضل والعطـاء والنّوال‪.‬‬
‫الحسـنى ِّ‬

‫محمـدً ا عبده ورسـوله؛‬ ‫وأشـهد أن ال إلـٰـه َّإل اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد ّ‬
‫أن َّ‬
‫حذرهـا منـه‪،‬‬ ‫شـرا َّإل َّ‬ ‫خيـرا َّإل ّ‬
‫دل األ ّمـة عليـه وال ًّ‬ ‫ب َّلـغ رسـالة ر ِّبـه وافيـة فمـا تـرك ً‬
‫تسـليما‬
‫ً‬ ‫فصلـوات اهللِ ومالئكتـه وأنبيائـه وأصفيائـه عليـه وعلـى آلـه وأصحابه وسـ َّلم‬
‫كثير ا‪.‬‬
‫ً‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬مـا أعظمهـا مـن نعمـة وأج ّلهـا مـن عط ّيـة وأشـرفها مـن كرا َمـة أن ه ّيـأ لنا‬
‫هـٰـذا الجمـع المبـارك علـى إثر عبـادة عظيمـة وطاعة جليلة قـام المسـلمون بأدائها يف‬
‫شـهر رمضـان المبارك‪.‬‬
‫‪238‬‬

‫السـعيد واليـوم المبارك يوم عيـد الفطر‪،‬‬


‫عبـاد اهلل‪ :‬هني ًئـا أل َّمـة اإلسلام هبـٰـذا العيد َّ‬
‫الصيام‪ ،‬ففي هـٰـذا اليوم يفطر المسـلمون‬
‫وإنّمـا ُس ِّـمي هبـٰـذا االسـم ألنّه أتى على إثـر ِّ‬
‫حامديـن هلل ‪ ‬علـى نعمائـه شـاكرين له علـى فضله وجـوده وعطائه‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫وسـنَى التوحيد وصفـاء العبادة‬ ‫عبـا َد اهلل‪َّ :‬‬


‫أطـل علينـا عيدُ نـا متألل ًئـا بضيـاء اإليمان َ‬
‫عظيم جليل يمتـاز بم ّيزات‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مبـارك‬ ‫الصلـة بـاهلل ‪ ،‬إنَّـه ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬عيدٌ‬
‫وحسـن ِّ‬
‫وحسـنه وجماله‪.‬‬ ‫عظيمـة ويختـص بخصائـص جليلة ّ‬
‫تـدل على كمالـه وهبائه ُ‬

‫حمـد اهلل عليه وشـكره وحسـن ال ّثناء عليه‬


‫ومـن مقاصـد هـٰـذا العيـد ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ْ :-‬‬
‫الصيـام وطاعـة القيـام وغيـر ذلـك مـن ال ّطاعـات يف شـهر‬
‫أن و َّفـق عبـاده ألداء طاعـة ِّ‬
‫ٍ‬
‫وثنـاء علـى اهلل ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وشـكر‬ ‫ٍ‬
‫حمـد‬ ‫رمضـان المبـارك‪ ،‬فيـوم العيـد يـوم‬

‫ومن مقاصد هـٰـذا العيد ‪ -‬عباد اهلل ‪ :-‬رجاء القبول من اهلل ‪ ،‬ولهـٰـذا مضت‬
‫الصحابـة ومـن ا ّتبعهـم بإحسـان يف هـٰـذا اليـوم األغـر المبـارك إذا لقـي بعضهـم‬
‫ُّسـنة ّ‬
‫بعضـا يقولـون‪« :‬تقبـل اهلل منـا ومنكـم»[[[‪ ،‬فهـو يوم يرجـو فيـه َّ‬
‫الصائم القائـم المتع ِّبد‬ ‫ً‬
‫الصيام من ر ِّبه وسـ ِّيده ومواله أن يتق ّبل طاعته وأن ال ير َّده خائبا‪ :‬ﮋﭑ‬
‫هلل يف شـهر ِّ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﮊ [المؤمنـون‪.]60:‬‬

‫ومـن مقاصـد هـٰـذا العيد الجليلـة ‪-‬عبـاد اهلل –‪ :‬التمتُّع بفضل اهلل ومـا أتاحه لعباده‬

‫[[[ رواه قـوام السـنة يف «الرتغيـب والرتهيـب» (‪ ،)381‬والشـجري يف «ترتيـب األمالـي الخميسـية»‬
‫(‪ ،)1624‬وصححـه األلبـاين‪ ،‬انظـر‪« :‬تمـام المنـة» (ص‪.)355‬‬
‫‪239‬‬

‫مـن الفطـر والتَّمتـع بنعـم اهلل‪ ،‬فيفـرح المسـلمون َّ‬


‫بـأن اهلل ‪ ‬ه ّيـأ لهـم وأتـاح لهم‬
‫يف هـٰـذا اليـوم التّمتّـع بنعمـه ‪ ‬مـن أك ٍل وشـرب ونحـو ذلك يف غير إسـراف وال‬
‫الصيام أمرهـم ‪ ‬بأن يصوموا فصاموا وامتثلوا‪ ،‬ويف هـٰـذا اليوم‬
‫مخيلـة‪ ،‬يف شـهر ّ‬
‫أبـاح لهـم ‪ ‬الفطـر ودعاهم إليـه فحمدوا رهبم وشـكروا‪.‬‬

‫األغـر المبـارك‪ :‬تقوية األخـوة اإليمانيـة ودعم‬


‫ّ‬ ‫ع َبـاد اهلل؛ ومـن مقاصـد هـٰـذا اليـوم‬
‫الصلـة اإليمانيـة وا ِّطـراح اإلحـن والخالفـات‪ ،‬إنّـه يـوم َّ‬
‫الصفـاء‪ ،‬يـوم النَّقـاء‪ ،‬يـوم‬ ‫ِّ‬
‫السلام‪ ،‬يـوم تبـادل الدُّ عـاء‪.‬‬
‫الصلات‪ ،‬يـوم َّ‬
‫اإلخـاء‪ ،‬يـوم ِّ‬

‫ع َباد اهلل‪ :‬فواجب على ِّ‬


‫كل مسـلم يف هـٰـذا اليوم المبارك أن يحرص أشـدّ الحرص‬
‫يقـو َي صلتـه بإخوانـه؛ زيـار ًة ومـو ّد ًة ومح ّبـ ًة ودعـا ًء وا ّط ً‬
‫راحـا لمـا قـد يكـون‬ ‫علـى أن ِّ‬
‫بيـن المتآخيـن مـن شـقاق وخلاف‪ ،‬وإذا لـم ُي ّطـرح ِّ‬
‫الشـقاق والخلاف يف مثـل هـٰـذا‬
‫اليـوم المبـارك فمتـى ي ّطرح؟!‬

‫ومـن مقاصـد هـٰـذا اليـوم العظيـم‪ :‬حمـد اهلل ‪ ‬وشـكره وتعظيمـه سـبحانه‬
‫وحسـن الثنـاء عليـه‪ ،‬ولهـٰـذا كان شـعار المسـلمين يف هـٰـذا العيـد تكبيـر اهلل‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫ٍ‬
‫وإخلاص هلل ‪ ،‬فهـو مـن آثـار‬ ‫ٍ‬
‫وتوحيـد‬ ‫ٍ‬
‫إيمـان‬ ‫عبـاد اهلل‪ّ :‬‬
‫إن هـٰـذا العيـد عيـد‬
‫اإليمـان وثمـاره المباركـة ونتائجه الحميدة وعوائـده ال َّط ِّيبة التي ينالهـا أهل اإليمان‪.‬‬

‫واإليمـان ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬شـجرة مباركـة كثيـرة ال َّثمـر غزيـرة الفوائـد متعـدِّ دة الجنـى‬
‫‪240‬‬

‫ط ِّيبة األُكل‪ ،‬ﮋ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬


‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﮊ [إبراهيـم‪،]25-24:‬‬
‫هـٰـذه ‪ -‬ع َبـاد اهلل ‪ -‬شـجرة اإليمـان وهـي شـجرة لهـا أصـل ثابـت‪ ،‬وفـرع قائـم‪ ،‬ولهـا‬
‫خـاص‪ ،‬ولهـا ثمـار عديدة‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫سـقي‬

‫السـتّة ﮋ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫َّأمـا أصولهـا‪ :‬فهـي أصـول اإليمـان ِّ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﮊ‬
‫[البقـرة‪.]177:‬‬

‫الشـجرة المباركـة‪ :‬فهـي ال َّطاعـات ك ّلهـا والعبـادات جميعها من‬


‫وأمـا فـروع هـٰـذه ّ‬
‫َّ‬
‫نفلا ّ‬
‫فـكل ذلكـم مـن‬ ‫فرضـا أو ً‬
‫وحـج وغيـر ذلـك‪ ،‬سـوا ًء منهـا مـا كان ً‬
‫َّ‬ ‫صلاة وصيـام‬
‫فـروع اإليمان‪.‬‬

‫ومـن فـروع اإليمـان تجنُّـب الحرام والبعد عـن اآلثام واإلقبال علـى طاعة الملك‬
‫َّ‬
‫العلم ‪.‬‬

‫الشـجرة المباركة‪ :‬فإهنا ُتسـقى بوحي اهلل العظيم وكالمه الحكيم‬


‫وأما سـقي هـٰـذه َّ‬
‫َّ‬
‫وذكره الكريم ‪ُ ،‬تسـقى بالقرآن ّ‬
‫والسـنّة‪ ،‬يقول ♥‪« :‬تركت فيكم‬
‫شـيئني لـن تضلوا بعدهما‪ :‬كتاب الله وسـنتي»[[[ رواه الحاكم‪.‬‬

‫فإن كل ٍ‬
‫خيـر يناله العبـد يف الدّ نيا واآلخرة ُيعـدُّ ثمرة من‬ ‫الشـجرة‪ّ :‬‬
‫وأمـا ثمـار هـٰـذه َّ‬
‫َّ‬

‫[[[ رواه الحاكم يف «مستدركه» (‪ ،)319‬والبيهقي يف «سننه الكربى» (‪ ،)20337‬وصححه األلباين يف‬
‫«صحيح الجامع» (‪.)5248‬‬
‫‪241‬‬

‫السـعيد َّإل ثمر ًة مـن ثمار‬


‫ثمـار اإليمـان ونتيجـة مـن نتائجـه العظـام‪ ،‬ومـا هـٰـذا العيـد َّ‬
‫اإليمـان العظيمـة و َأثـر ًا من آثـاره المباركة‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫كل مسـلم والحـري ِّ‬


‫بـكل مؤمـن يف كل وقـت‬ ‫وإن مـن الواجـب علـى ِّ‬
‫ع َبـاد اهلل‪ّ :‬‬
‫الصلـة بـاهلل والفـوز‬
‫وحيـن أن يحـذر مـن كل عائـق يقطـع إيمانـه أو يحـول بينـه وبيـن ِّ‬
‫بثوابـه ورضـاه‪ ،‬والعوائـق ‪ -‬ع َبـاد اهلل ‪ -‬كثيـرة متعـدِّ دة َّإل أنَّهـا يف جملتهـا تعـود إلـى‬
‫ثالثـة عوائـق أال وهـي‪:‬‬

‫الشـرك بـاهلل‪ :‬ويكـون التخ ّلـص مـن هـٰـذا العائـق بإخلاص التّوحيـد هلل وحسـن‬
‫ِّ‬
‫اإلقبـال علـى اهلل وتمـام إخلاص الدِّ يـن لـه ﮋ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮊ‬
‫[البينـة‪.]5 :‬‬

‫وأمـا العائـق الثـاين ‪-‬عبـاد اهلل‪ :-‬فالبـدع بأنواعهـا‪ ،‬وقـد قـال ♥‪:‬‬
‫ـس َعلَ ْيـ ِه أَ ْم ُرنَـا َف ُهـ َو َر ٌّد»[[[‪ ،‬وقـال ♥‪َ « :‬وك ُُّل‬ ‫« َمـ ْن َع ِم َـل َع َم ً‬
‫لا لَ ْي َ‬
‫بِدْ َعـ ٍة ضَ َللَـ ٌة»[[[‪ ،‬ويتـم الخالص من هـٰـذا العائـق بتجريد المتابعة لرسـول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫ﮋﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﮊ‬
‫[األحـزاب‪.]21:‬‬

‫وأمـا العائـق ال َّثالـث فهـو المعاصـي بأنواعهـا كبيرهـا وصغيرهـا‪ ،‬ويتـم التخ ّلـص‬

‫[[[ رواه مسلم (‪.)1718‬‬


‫[[[ رواه مسلم (‪.)867‬‬
‫‪242‬‬

‫منهـا بحسـن المجاهـدة للنّفـس علـى البعـد عـن المعاصـي ومواردهـا‪ ،‬وإذا مـا وقـع‬
‫اإلنسـان يف شـيء منهـا أو ز ّلـت بـه قدمـه يبـادر إلـى اهلل بالتوبـة النَّصـوح‪ :‬ﮋ ﭑ‬
‫ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭛﭜ ﭝﭞﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﮊ [التحريـم‪.]8:‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫معاشـر المؤمنيـن‪ :‬تذكّـروا بجمعكـم هـٰـذا وقوفكـم يـوم القيامـة بيـن يـدي اهلل يف‬
‫عرصـات يـوم القيامـة‪ ،‬يـوم يو َّفـى النَّـاس حسـاهبم علـى أعمالهـم‪ ،‬ومـن علِـم ‪ -‬عباد‬
‫وأن اهلل َّ‬
‫جـل وعال سـائله فل ُيعدَّ للمسـألة جوا ًبـا‪ ،‬وليعدَّ‬ ‫واقـف بيـن يـدي اهلل ّ‬
‫ٌ‬ ‫اهلل ‪ -‬أنـه‬
‫للجـواب صوا ًبـا‪ ،‬جعلنـا اهلل ‪ ‬يـوم العـرض األكرب مـن الفائزين‪ ،‬وعنـد اهلل َّ‬
‫جل‬
‫الرابحيـن‪ ،‬ووفقنـا جميعـا للفـوز بجنّـات النَّعيم‪.‬‬
‫وعلا مـن ّ‬

‫أقـول هـٰـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن ِّ‬
‫كل ذنـب‬
‫الرحيـم‪.‬‬
‫فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنّـه هـو الغفـور َّ‬

‫الخطبة الثانية‬

‫الحمد هلل الجواد المنّان‪ ،‬عظيم الفضل والجود واإلحسـان‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـٰـه إال‬
‫محمدً ا عبده ورسـوله صلوات اهلل وسلامه عليه‬ ‫اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد َّ‬
‫أن َّ‬
‫وعلـى آله وأصحابـه أجمعين‪.‬‬
‫‪243‬‬

‫أ َّما بعدُ ‪:‬‬

‫عبـاد اهلل! ا َّتقـوا اهلل تعالـى وراقبـوه مراقبـة مـن يعلـم ّ‬


‫أن ربه يسـمعه ويـراه‪ ،‬وتقوى‬
‫ٌ‬
‫وتـرك لمعصية اهلل‬ ‫عمـل بطاعـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور من اهلل رجاء ثـواب اهلل‪،‬‬ ‫جـل وعلا‪ٌ :‬‬ ‫اهلل َّ‬
‫علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل خيفة عـذاب اهلل‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم‪« :‬كُلُّك ُْم َراعٍ َوكُلُّك ُْم َم ْس ُئ ٌ‬


‫ول َع ْن َر ِع َّي ِت ِه»[[[‪.‬‬ ‫عباد اهلل‪ :‬يقول َص َّلى ُ‬

‫َأل فلنتَّق اهلل ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬يف أبنائنا وبناتنا ولنحرص على تربيتهم بآداب اإلسلام‬
‫وأخالقـه الحميـدة العظـام‪ :‬ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤ ﮊ [التحريـم‪.]6:‬‬

‫يتعرضون ألنوا ٍع من المكـر عديدة من أعداء‬‫الزمـان َّ‬ ‫ّ‬


‫والشـباب والفتيـات يف هـٰـذا َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫هـٰـذا الدِّ يـن ُ ِ‬
‫بشـ َبه مرديـة وشـهوات ُمهلكـة وصنـوف وأنـوا ٍع مـن َّ‬
‫الصـدِّ عـن دين اهلل‪،‬‬
‫وال عاصـم مـن ذلـك ك ِّلـه َّإل اهلل ‪ ،‬فإلـى اهلل وحـده المفـزع أن يحفـظ شـبابنا‬
‫ونسـاءنا وأن يجنِّبهـم الفتـن مـا ظهـر منهـا ومـا بطـن‪ ،‬وأن ُيعيننـا جمي ًعـا علـى تأديبهم‬
‫الرحمـٰـن‪ ،‬وتجنيبهـم‬
‫بـآداب اإلسلام‪ ،‬وربطهـم بالقـرآن‪ ،‬وتعويدهـم علـى طاعـة َّ‬
‫مواطـن الهلاك ومواضـع الفسـاد‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)893‬ومسلم (‪.)1829‬‬


‫‪244‬‬

‫إن هـٰـذا العقل إذا ُعبِ َث به ٍ‬


‫بفكر فاسـد أو منهجٍ‬ ‫ع َباد اهلل‪ :‬والعقل نعمة عظيمة‪ ،‬ثم ّ‬
‫وتحول هـٰـذا اإلنسـان الوديـع ال ّلطيف إذا‬ ‫عظيمـا‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫طريقـة منحرفـة زاغ زي ًغـا‬ ‫ضـال أو‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫متمـر ٍد يف مجتمعه ُيهلك الحرث والنسـل ويسـعى يف مجتمعه‬ ‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫إنسـان‬ ‫فسـد عقلـه إلـى‬
‫بالفساد‪.‬‬

‫فمـن األمـور العظـام التـي يجـب أن ُيعنـى هبـا‪ :‬حفـظ العقـول وصيانتهـا‪ ،‬وز ّم‬
‫النّفـوس بزمـام اإلسلام وآداب الدِّ ين‪ ،‬وربـط النَّفس بكتاب اهلل وسـنة النَّبي صلوات‬
‫معوال عليهما‬ ‫اهلل وسلامه عليـه‪ ،‬فمن كان محاف ًظا على الكتاب ُّ‬
‫والسـنة مالز ًمـا لهما ِّ‬
‫ُحفـظ مـن الفتن بـإذن اهلل ‪.‬‬
‫خطبة عيد الفطر لعام ‪1432‬هـ‬

‫الحمـد هلل رب العالميـن‪ ،‬أحمـده ‪ ‬بمحامـده التـي هـو لهـا أهـل‪ ،‬وأثنـي‬
‫عليـه الخيـر كلـه ال أحصـي ثنـا ًء عليـه هـو ‪ ‬كمـا أثنـى علـى نفسـه‪ ،‬أحمـده‬
‫‪ ‬علـى نعمـه المتواليـة وآالئـه المتتاليـة وعطايـاه التـي ال تعـد وال تحصـى‪،‬‬
‫أحمـده ‪ ‬حمـد ًا كثيـر ًا طيبـا مبـاركًا فيـه كمـا يحـب ‪ ‬ويرضـى‪ ،‬أحمـده‬
‫‪ ‬علـى نعمـة اإلسلام وعلـى نعمـة اإليمان وعلـى نعمة القرآن وعلـى كل نعمة‬
‫أنعـم هبـا علينـا يف قديـم أو حديـث أو خاصـة أو عامـة أو سـر أو عالنيـة‪ ،‬اللهـم لـك‬
‫الحمـد كمـا ينبغـي لجلال وجهك وعظيم سـلطانك‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال اهلل وحده‬
‫األوليـن واآلخريـن وقيـوم السـموات واألرضيـن وخالـق الخلـق‬
‫ال شـريك لـه إلـه ّ‬
‫أجمعيـن‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبده ورسـوله وصفيه وخليله وأمينه علـى وحيه ومب ّلغ‬
‫النـاس شـرعه‪ ،‬فصلـوات اهلل وسلامه عليـه وعلـى آلـه وصحبـه أجمعيـن‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬
‫‪246‬‬

‫ثم أما بعد‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل تعالـى وراقبـوه مراقبـة مـن يعلم أن ربه يسـمعه‬
‫ويـراه‪ ،‬واذكـروا نعمـة اهلل عليكـم هبـذا الديـن القويـم والصـراط المسـتقيم وبالنبـي‬
‫الكريـم ♥ أن جعلنـا لـه أتباعـا ومـن أهـل هديـه والمتمسـكين بسـنته؛‬
‫فللـه الحمـد علـى مننـه العظيمـة وآالئـه الجسـيمة‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر وهلل الحمد‪.‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬هنيئـا لنـا أمة اإلسلام هبذا العيـد العظيم واليـوم المبارك‬
‫الكريـم؛ عيـد اإلفطـار‪ ،‬عيـد الفـرح واالستبشـار‪ ،‬عيـدٌ مـ َّن اهلل ‪ ‬علينـا بـه أمـة‬
‫اإلسلام متأللئـا مضيئـا بضيـاء اإليمـان والتوحيـد والطاعـة هلل ‪ ‬واإلخلاص‬
‫لـه ‪ ،‬فهـو عبـاد اهلل عيـد فـرح واستبشـار وعيـد عبوديـة هلل ‪ ‬وا ِّدكار‪ ،‬وهـو‬
‫عيـد تتحقـق بـه ال ُلحمـة اإليمانيـة واألخـوة الدينيـة والرابطـة بأهبـى صورهـا وأجمـل‬
‫ُحللهـا؛ فهنيئـا لنـا ثـم هنيئـا لنـا أمة اإلسلام بعيدنا السـعيد ويومنـا المبـارك الكريم‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬إن المؤمـن يف هـذه الحياة سـائر يف طريـق‪ ،‬وطريقه الذي‬
‫يسـير فيـه لـه مقصـود وغايـة‪ ،‬والمقصود والغايـة هو طاعـة ذي الجالل ورضـا الكبير‬
‫المتعـال‪ ،‬غايـة المسـلم يف سـيره يف هـذا الطريـق أن يرضـى عنـه ربـه ومـواله متحققـا‬
‫ومتيقنـا بأنـه عبـدٌ هلل ‪َّ ‬‬
‫وأن واجبـه يف هـذه الحياة تحقيـق العبودية هلل ‪،‬‬
‫فهـو يسـير يف هـذه الحيـاة ليعـرف ربـه ومـواله‪ ،‬وليتعـرف عليـه ‪ ‬بمـا تعـرف به‬
‫‪247‬‬

‫علـى عبـاده مـن أسـمائه الحسـنى وصفاتـه العليـا ودالئـل جاللـه وكمالـه وعظمتـه‬
‫وكربيائـه وأنـه الـرب العظيـم الخالـق الجليـل الـذي بيـده أز َّمـة األمـور ومقاليـد‬
‫السـماوات واألرض‪ ،‬ثـم ُيتبِـع المؤمـن السـائر هـذه المعرفـة بتحقيـق العبوديـة هلل‬
‫فيخلـص دينـه كلـه هلل‪ :‬ﮋ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﮊ [األنعـام ‪.]163-162‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬وطريـق المؤمـن السـائر له مبـدأ وهناية؛ أما مبـدأه ‪ -‬عباد‬
‫ٍ‬
‫منزلة إلى‬ ‫اهلل‪ -‬فهـو هـذه الحيـاة‪ ،‬ال يـزال المؤمـن سـائر ًا يف حياتـه إلـى اهلل ‪ ‬مـن‬
‫ٍ‬
‫طاعة إلـى طاعة إلـى أن يتوفاه األجـل وتحضر‬ ‫ٍ‬
‫عبوديـة إلـى عبوديـة ومن‬ ‫منزلـة ومـن‬
‫المنيـة‪ :‬ﮋ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮊ [الحجر‪.]99:‬‬

‫أمـا منتهـى السـير فهـو جنـة ﮋ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﮊ [آل‬


‫عمـران‪ ،]133:‬ففـي الجنـة ‪ -‬عبـاد اهلل‪ -‬محـط الرحـال ومرتـع اآلمـال‪ ،‬ويف الجنة ‪-‬‬
‫عبـاد اهلل‪ -‬هنـاءة السـائرين ولذهتـم أجمعين يف ٍ‬
‫نعيم مقيم فيه مـا ال عين رأت وال أذن‬
‫سـمعت وال خطـر علـى قلب بشـر‪.‬‬

‫وإذا دخـل أهـل الجنـة الجنـة قـال اهلل ‪ ‬لهـم ‪ -‬كمـا جاء يف «صحيح مسـلم»‬
‫ـض ُو ُجو َه َنـا َأل ْ‬
‫َـم تُدْ ِخلْ َنـا الْ َج َّنـ َة‬ ‫‪« :-‬تُرِيـدُ ونَ شَ ـ ْي ًئا َأزِيدُ ك ْ‬
‫ُـم َف َيقُولُـونَ َأل ْ‬
‫َـم تُ َب ِّي ْ‬
‫ـاب ف ََم أُ ْعطُوا شَ ـ ْي ًئا أَ َح َّ‬
‫ـب إِلَ ْيه ِْم ِمـ ْن ال َّنظَ ِر‬ ‫ـف الْ ِح َج َ‬
‫ـال‪َ :‬ف َيك ِْش ُ‬
‫َوتُ َن ِّج َنـا ِمـ ْن ال َّنـا ِر َق َ‬
‫ِـم ‪.[[[»‬‬
‫إِ َل َر ِّبه ْ‬

‫[[[ رواه مسلم (‪.)181‬‬


‫‪248‬‬

‫اللهـم إنـا نسـألك لـذة النظـر إلى وجهك والشـوق إلى لقائك يف غيـر ضراء مضرة‬
‫وال فتنة مضلة‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬وهـذا السـير البـد فيه من محـركات ليسـير المؤمن وليقوى َسـ ْيره‬
‫إلـى اهلل ‪ ،‬وقـد ب َّيـن العلمـاء رحمهـم اهلل تعالى أن لهذا السـير محـركات ثالث؛‬
‫وهـي يف قلـب المؤمـن الصادق أال وهـي‪ :‬المحبة‪ ،‬والرجـاء‪ ،‬والخوف‪.‬‬

‫فهـذه األمـور الثلاث محـركات للقلـوب؛ أمـا المحبـة ‪ -‬عبـاد اهلل‪ -‬فهـي التـي‬
‫تجعـل المسـلم يتجـه إلى الصراط المسـتقيم ويعزم على السـير فيه وتكون قوة سـيره‬
‫بحسـب هـذه المحبـة قـو ًة وضعفـا‪ ،‬وأمـا الرجـاء فهـو القائـد للمؤمـن يف سـيره‪ ،‬وأمـا‬
‫الخـوف فهـو الزاجر‪.‬‬

‫وقـد جمـع اهلل ‪ ‬هـذه األمـور الثلاث يف قولـه سـبحانه‪ :‬ﮋ ﯥ ﯦ‬


‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﮊ [اإلسـراء‪.]57:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬وللسـير أعمـال البـد منهـا والبـد مـن تحقيقهـا والبـد‬
‫مـن عنايـة مـن السـائرين هبـا وهـي‪ :‬فرائض اإلسلام وواجبـات الديـن والقيـام بأنواع‬
‫العبوديـة هلل ‪ ‬مـع التجنـب لآلثـام والبعـد عـن الحـرام خوفًا من عقـاب الملك‬
‫العالم سـبحانه‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬ولـم يتقـرب متقـرب إلـى اهلل بشـيء أحـب إلـى اهلل ‪ ‬مـن فرائـض‬
‫‪249‬‬

‫الديـن وواجباتـه‪ ،‬ففـي «صحيـح البخـاري» من حديث أبـي هريرة أن النبـي ﷺ قال‪:‬‬
‫ل ِم َّم‬ ‫ِشي ٍء أَ َح َّب إِ َ َّ‬
‫ل َع ْب ِدي ب َ ْ‬ ‫« َمـ ْن َعـا َدى ِل َو ِل ًّيـا َف َقدْ آ َذنْتُهُ بِالْ َحـ ْر ِب‪َ ،‬و َما تَ َق َّر َب إِ َ َّ‬
‫ل بِال َّن َوا ِفلِ َح َّتـى ُأ ِح َّبهُ ؛ فَـإِ َذا َأ ْح َب ْبتُهُ‬ ‫ـت َعلَ ْيـ ِه‪َ ،‬و َمـا َيـ َز ُال َع ْبـ ِدي َي َتقَـ َّر ُب إِ َ َّ‬
‫ْتضْ ُ‬
‫اف َ َ‬
‫صر ُه الَّ ِذي ُي ْب ِ ُ‬
‫ص ِب ِه َو َيـدَ ُه الَّ ِتي َي ْب ِط ُ‬
‫ـش ِب َها َو ِر ْجلَهُ‬ ‫ـت َسـ ْم َعهُ الَّـ ِذي َي ْسـ َم ُع ِب ِه َو َب َ َ‬
‫ُك ْن ُ‬
‫اسـ َت َعا َذ ِن َلُ ِعي َذنَّهُ »[[[‪.‬‬ ‫شي ِب َها َوإِنْ َسـأَلَ ِني َلُ ْع ِط َي َّنـهُ َول ِ ْ‬
‫َئ ْ‬ ‫الَّ ِتـي َيْ ِ‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬ويف طريـق السـائرين عقبـات البـد مـن تخطيهـا‪ ،‬ومـن‬
‫َّ‬
‫يتخـط تلـك العقبـات أصبحـت عائقـا لـه يف سـيره إلـى اهلل ‪ ،‬ولهـذا كان‬ ‫لـم‬
‫ٍ‬
‫سـائر يرجـو رحمـة اهلل ‪ ‬ويخـاف عقابـه أن يحـذر ويحـاذر‬ ‫متأكـد ًا علـى كل‬
‫مـن عقبـات الطريـق ومعوقـات الطريـق التي تغشـى اإلنسـان يف سـيره وطريقـه‪ ،‬وهي‬
‫تتلخـص ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬يف عقبـات ثلاث أال وهـي‪:‬‬

‫‪ -‬الشرك باهلل؛ ويتخلص المسلم من هذه العقبة بإخالص الدين هلل ‪.‬‬

‫‪ -‬والعقبـة الثانيـة‪ :‬البدعـة؛ ويكـون التخلـص منهـا بتجريـد المتابعـة للرسـول‬


‫الكريـم ♥‪.‬‬

‫‪ -‬والعقبـة الثالثـة‪ :‬المعاصـي بأنواعهـا؛ ويكـون التخلص منها بالتوبـة مما وقع فيه‬
‫مـن الذنـوب وبالعـزم على البعد عنهـا والمحاذرة مـن الوقوع فيها‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬
‫[[[ رواه البخاري (‪.)6502‬‬
‫‪250‬‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬وطريـق السـائرين إلـى اهلل ‪ ‬فيـه لصـوص و ُق َّطـاع طريـق‬
‫ويشوشـون عليـه يف سـيره فيجـب عليـه أن يكـون علـى‬
‫ِّ‬ ‫يقطعـون علـى السـائر طريقـه‬
‫ٍ‬
‫حـذر منهـم‪ ،‬وأعظـم ُق َّطـاع الطريـق الشـيطان الرجيـم – أعاذنـا اهلل ‪ ‬جميعـا‬
‫منـه –؛ ولهـذا جـاءت اآليات الكثيـرات يف كتاب اهلل ‪ ‬بالتحذيـر من هذا العدو‬
‫ووجـوب اتخـاذه عـدوا‪ ،‬وبيـان أنـه يـأيت اإلنسـان مـن جهاتـه كلهـا؛ مـن بيـن يديـه‬
‫ومـن خلفـه وعـن يمينـه وعـن شـماله‪ ،‬وأنـه قاعـد لـه بكل صـراط لصـدِّ ه عـن دين اهلل‬
‫وإلبعـاده عـن طاعـة اهلل‪ ،‬قال ﷺ «إِنَّ الشَّ ـ ْيطَانَ َق َعـدَ ِلبْ ِن آ َد َم ِبأَطْ ُر ِقـ ِه»[[[ أي‪ :‬بكل‬
‫طريـق يسـير فيـه يبتغـي رحمـة اهلل ويرجـو ثـواب اهلل يقعـد له الشـيطان لصـده وإبعاده‬
‫وصرفـه عـن طاعـة اهلل‪.‬‬

‫وكذلكـم مـن قطـاع الطريـق أعوان الشـيطان وأحزابـه من شـياطين اإلنس والجن‬
‫ومـا أكثرهـم‪ ،‬ال ك َّثرهـم اهلل وأعاذنا والمسـلمين من شـرورهم أجمعين‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬وهـذا الطريـق ال يصلـح فيـه التباطـؤ والتمـاوت والكسـل بـل الواجـب‬
‫فيـه المسـارعة للخيـرات واغتنـام األوقات والمنافسـة يف الطاعات ليفوز السـائر فوز ًا‬
‫عظيمـا ويغتنـم المواسـم الفاضلـة واألوقـات الفاضلـة ليجـدَّ ويجتهـد يف طاعـة اهلل‬
‫مرتقـى وسـ َّلما‪.‬‬
‫ً‬ ‫وعبـادة اهلل ‪ ‬لتكـون لـه هـذه الحيـاة مغنمـا وإلـى الخيـرات‬
‫[[[ رواه أحمد يف «مسنده» (‪ ،)15958‬والنسائي (‪ ،)3134‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع»‬
‫(‪.)1652‬‬
‫‪251‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬ولـكل عبـد سـائر يف هـذه الحيـاة أمـدٌ ال يتعـداه ووقـت ال يتجـاوزه؛ فإذا‬
‫جـاء األجـل ال يتقـدم عنـه العبـد سـاعة وال يتأخـر‪ ،‬والسـعيد مـن عبـاد اهلل مـن ُي ِعـدّ‬
‫لذلـك اليـوم عدتـه ويهيـئ لـه جهـازه بالطاعـة والعبوديـة هلل ‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬تقبـل اهلل منـا ومنكـم صالـح األعمـال‪ ،‬وب َّلغنـا جميعـا‬
‫جزيـل المواهـب وخيـر اآلمـال‪ ،‬ووفقنـا جميعـا لنيـل رضـاه‪ ،‬وبلغنـا جميعـا طاعتـه‬
‫‪ ‬علـى مـا يحبـه ويرضـاه‪ ،‬وهدانـا إليـه صراطـا مسـتقيما‪.‬‬

‫أقـول هـذا القـول واسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب‬
‫فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل حمـد ًا كثيـر ًا طيبـا مبـاركًا فيـه كمـا يحـب ربنـا ويرضـى‪ ،‬وأشـهد أن ال‬
‫إلـه إال اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمـد ًا عبـده ورسـوله؛ ﷺ عليـه وعلـى‬
‫آلـه وصحبـه أجمعيـن‪ .‬أمـا بعد‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل تعالـى فإن مـن اتقى اهلل وقاه وأرشـده إلى خير‬
‫أمور دينـه ودنياه‪.‬‬

‫ٌ‬
‫وتـرك‬ ‫عمـل بطاعـة اهلل علـى ٍ‬
‫نـور مـن اهلل رجـاء ثـواب اهلل‪،‬‬ ‫وتقـوى اهلل ‪ٌ :‬‬
‫‪252‬‬

‫لمعصيـة اهلل علـى ٍ‬


‫نـور مـن اهلل خيفـة عـذاب اهلل‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫أيهـا المؤمنـون! عبـاد اهلل! يـأيت هذا العيد المبارك وأمة اإلسلام تمـر هبا جراحات‬
‫وآالم وآهـات وأحـزان يف جهـات عديـدة ويف مناطق متعددة‪ ،‬فهاهم يف شـهر رمضان‬
‫ويف ذلـك الموسـم العظيـم لـم يسـ َلموا مـن التقتيـل والتشـريد ولـم يسـلموا مـن‬
‫انتهـاكات سـافرة وتعديـات آثمـة وتجـاوزات مشـينة يف مصائـب عظام وآالم جسـام‪،‬‬
‫والمسـلمون ‪ -‬عبـاد اهلل‪ -‬مثلهـم مثل الجسـد الواحد إذا اشـتكى منه عضـو تداعى له‬
‫سـائر الجسـد بالسـهر والحمـى‪ ،‬وهاهـم ‪ -‬عبـاد اهلل‪ -‬يف الصومـال يف معاناة وشـدائد‬
‫ال يعلـم هبـا إال اهلل‪ ،‬يف مجاعات مهلكة وشـدة عظيمـة ال يعلم بمداها إال اهلل ‪،‬‬
‫وقـد و َّفـق اهلل المسـلمين يف هـذه البلاد ويف بلـدان عديـدة إلـى الوقـوف مـع إخواهنـم‬
‫يسـر اهلل ‪ ‬ممـا يحقـق معـاين األخـوة ويحقق معـاين اللحمة‪.‬‬
‫بمـا َّ‬

‫والواجـب ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬أن يحـس المسـلم بـآالم إخوانـه وأحزاهنـم؛ فالمسـلمون‬
‫أفراحهـم واحـدة وأتراحهـم واحـدة ومثلهـم كالبنيـان المرصوص يشـد بعضه بعضا‪.‬‬

‫ولهـذا ‪ -‬عبـاد اهلل ‪ -‬لنتذكـر يف هـذا العيـد إخوانـا لنـا يعاينـون مجاعـات شـديدة‬
‫وصعـاب مؤلمـة فلا نرتكهـم مـن دعـوات صادقـة أن يشـبع اهلل جائعهـم وأن يكسـو‬
‫عاريهـم وأن يـروي عطشـاهنم‪ ،‬ونتذكـر إخوانـا لنـا يف مناطـق أخرى يعانون من شـدة‬
‫الحـروب وأهـوال القتـل والتشـريد واالنتهـاك للحرمـات والتعديـات اآلثمـة فهـم يف‬
‫أقـل مـن أن يخلِـص المسـلم الدعـاء بالتوجـه‬
‫فـزع دائـم وقلـق وخـوف مسـتمر؛ فلا َّ‬
‫‪253‬‬

‫إلـى اهلل ‪ ‬أن يآمـن روعاهتـم وأن يستر عوراهتم وأن يحفظهم ‪-  -‬‬
‫مـن بيـن أيديهـم وعـن أيماهنـم وعن شـمائلهم ومـن خلفهم فهـو الحفيـظ وحده جل‬
‫يف علاه‪ ،‬وأن يتذكـر إخوانـا لـه يف المستشـفيات اشـتدت هبـم اآلالم وتعـددت معهم‬
‫األمـراض وزادت فيهـم اآلهـات فيدعـو اهلل ‪ ‬أن يشـفي مريـض المسـلمين‬
‫وأن يفـرج كرباهتـم وأن ييسـر أمورهـم وأن يحفـظ المسـلمين يف كل مـكان‪.‬‬

‫إلـى غيـر ذلكـم مـن المعـاين العظيمة التي ينبغـي أن نتذكرهـا وأن ال نكون يف غفلة‬
‫عنها‪.‬‬

‫وأخيـرا عبـاد اهلل‪ :‬لنتذكـر مـا جـاء يف الحديـث أن الشـياطين يف شـهر رمضـان‬
‫تصفـد؛ وكأين هبـم يف مثـل هـذا اليـوم وقـد انتهـى شـهر رمضـان وقـد انطلقـوا مـن‬
‫أقيادهـم وسالسـلهم بنشـاط وعـزم لصـد المسـلم عـن طاعـة اهلل وصرفـه عـن عبـادة‬
‫اهلل؛ فلنسـتعذ بـاهلل صادقيـن مـن الشـيطان الرجيـم‪ ،‬ولنكـن عبـاد ًا هلل حقـا متعوذيـن‬
‫مـن الشـيطان ومتعوذيـن مـن النفـس األ َّمـارة بالسـوء مقبليـن علـى اهلل باإلخلاص‬
‫والمتابعـة للرسـول الكريـم ♥‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬كل وحـد منـا راع وهـو مسـئول عـن رعيتـه‪ ،‬والرعيـة أمانـة ُيسـأل عنهـا‬
‫المؤمـن يـوم القيامـة؛ أال فلنتـق اهلل يف أهلينـا ولنتـق اهلل يف أوالدنـا ولنحـرص علـى‬
‫تربيتهـم وتأديبهـم بـآداب اإلسلام وأخالقـه الفاضلـة وآدابـه الكريمـة‪ ،‬أصلـح اهلل لنا‬
‫جميعـا النيـة والذريـة‪.‬‬
‫خطبة عيد الفطر لعام ‪1437‬هـ‬

‫الحمـد هلل رب العالميـن‪ ،‬أحمـده ‪ ‬بمحامـده التـي هـو لهـا أهـل‪ ،‬وأثنـي‬
‫عليـه الخيـر كلـه ال أحصـي ثنـا ًء عليـه هـو ‪ ‬كمـا أثنى على نفسـه‪ ،‬وأشـهد أن ال‬
‫األوليـن واآلخرين‪،‬وقيوم السـموات واألرضين‪،‬‬
‫اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬إله ّ‬
‫إلـه إال ُ‬
‫وخالـق الخلـق أجمعيـن‪ ،‬وأشـهد أن محمـدً ا عبده ورسـوله‪ ،‬وصفيه وخليلـه‪ ،‬وأمينه‬
‫ُ‬
‫شـرا إال حذرها‬ ‫خيرا إال َّ‬
‫دل ألمة عليه‪ ،‬وال ً‬ ‫على وحيه‪ ،‬ومب ّلغ الناس شـرعه‪ ،‬ما ترك ً‬
‫منـه؛ فصلـوات اهلل وسلامه عليه وعلـى آله وصحبـه أجمعين‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬اتقوا اهلل ربكـم‪ ،‬وراقبوه يف سـركم وعالنيتكم مراقبة من‬
‫يعلـم أن ربه يسـم ُعه ويراه‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫‪255‬‬

‫عبـاد اهلل! إن يومكـم هـذا يـوم جمـال وزينـة‪ ،‬وعيدكـم هـذا عيـد فرحـة وسـعادة؛‬
‫فهنأكـم اهلل ‪ ‬بالعيـد السـعيد‪ ،‬وألبسـكم فيه ُحلـل اإليمان وزينـة التقوى وجمال‬
‫وحسـن اإلقبال علـى اهلل ‪ ،‬وجعل أيامنا كلها فرح ًة وسـعاد ًة باإليمان‬
‫المعتقـد ُ‬
‫وطاعـة الرحمن‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬وإذا كان يومنـا هـذا يـو َم جمـال وزينـة فلنقـف وقفـ ًة مـع الجمـال‬
‫يف جوانبـه المشـرقة ومجاالتـه العظيمـة يف ضـوء قواعـد الشـريعة وأدلتهـا المباركـة‪،‬‬
‫ولنتأمـل يف يـوم الجمـال هـذا حدي ًثـا عـن الجمـال يرويـه اإلمـام مسـلم يف «صحيحه»‬
‫ُـل‬ ‫عـن نبينـا الكريـم ♥ أنـه صلـوات اهلل وسلامه عليـه قـال‪َ :‬‬
‫«ل يَدْ خ ُ‬
‫ـال َر ُج ٌـل‪« :‬يـا رسـول اهلل إِ َّن‬
‫برٍ»‪ ،‬ف َق َ‬
‫َـال َذ َّر ٍة ِمـ ْن ِك ْ‬
‫ف َقلْبِـ ِه ِم ْثق ُ‬ ‫الْ َج َّنـ َة َمـ ْن كَانَ ِ‬
‫ـب َأ ْن َي ُك َ‬
‫ـون َث ْو ُبـ ُه َح َسـنًا َو َن ْع ُلـ ُه َح َسـنَةً» أي أيكـون ذلـك من الكبر ؟ف َق َال‬ ‫ِ‬
‫الر ُج َـل ُيح ُّ‬
‫َّ‬
‫ما َل؛ الْ ِك ْ ُ‬
‫بر َبطَـ ُر الْ َح ِّـق‪َ ،‬و َغ ْم ُ‬
‫ـط‬ ‫ـب الْ َج َ‬ ‫♥‪« :‬إِنَّ اللـهَ َج ِم ٌ‬
‫يـل ُي ِح ُّ‬
‫ـاس»[[[‪.‬‬
‫ال َّن ِ‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬لنعـش يومنـا هـذا وعيدنـا هـذا مـع قـول نبينـا ♥‪« :‬إِ َّن اهللَ‬
‫جميـل وهو‬ ‫ٌ‬ ‫ـب ا ْل َج َم َ‬
‫ـال»‪ ،‬نعـم يـا معاشـر المؤمنيـن؛ إن ربنـا جـل يف علاه‬ ‫ج ِم ٌ ِ‬
‫يـل ُيح ُّ‬ ‫َ‬
‫جـل يف علاه يحـب الجمـال‪ ،‬فلنحـب ربنـا جـل يف علاه لجاللـه وجمالـه وعظمتـه‬
‫سـبحانه‪ ،‬ولنعمـل بالجمـال الـذي يحبـه ربنـا جـل يف علاه‪.‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)91‬‬
‫‪256‬‬

‫ـب الْ َج َم َل» يتضمن أصلين‬


‫يل يُ ِح ُّ‬ ‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬إن قـول نبينـا ﷺ‪« :‬إِنَّ اللهَ َ‬
‫ج ِم ٌ‬
‫عظيميـن وقاعدتيـن متينتيـن يف هـذا البـاب العظيـم بـاب الجمـال؛ أمـا أول الحديـث‬
‫فهـو معرفـة‪ ،‬وأمـا آخـر الحديـث فهو سـلوك؛ فانتظـم الحديـث قاعدتين شـريفتين يف‬
‫هـذا الباب‪.‬‬

‫أمـا القاعـدة األولـى‪ :‬فهـي أن نعـرف ربنـا ‪ ‬بالجمـال؛ فـإن اهلل ‪‬‬
‫ٌ‬
‫جميـل يف أسـمائه وصفاتـه وأفعالـه وذاتـه‪ ،‬فلـه ‪ ‬األسـماء الحسـنى‪ ،‬ولـه‬
‫‪ ‬الصفـات العليـا العظيمـة‪ ،‬ولـه ‪ ‬األفعـال الحكيمـة‪ ،‬وأمـا ذاتـه جـل‬
‫يف علاه ففيهـا مـن عظيـم الجمـال مـا ال يعلمـه إال ذو الجلال جـل يف علاه‪ ،‬وقـد‬
‫تعـرف إلـى عبـاده بشـيء مـن أوصـاف جاللـه وجمالـه يف كتابـه وسـنة نبيـه ﷺ‪،‬‬
‫َّ‬
‫وكلمـا ازداد العبـد معرفـ ًة باألسـماء الحسـنى والصفـات العلا ازداد بمعرفـة صفات‬
‫ذي الجلال والجمـال َّ‬
‫جـل يف علاه‪ ،‬وقـد قـال اهلل تعالـى‪ :‬ﮋ ﭳ ﭴ ﭵ ﮊ‬
‫ما‬
‫اس ً‬ ‫[األعـراف‪ ،]180:‬وقـال صلـوات اهلل وسلامه عليـه «إِنَّ لِلَّـ ِه تِ ْسـ َع ًة َوتِ ْسـ ِع َ‬
‫ني ْ‬
‫َـل ال َج َّنـ َة»[[[‪.‬‬
‫ِمائَـ ًة إِ َّل َوا ِحـدً ا َمـ ْن أَ ْح َصا َهـا َدخ َ‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫وأمـا القاعـدة الثانيـة التـي انتظمهـا هـذا الحديـث فهـي قاعـد ٌة تتعلـق بالسـلوك؛‬
‫وذلـك يف قـول نبينـا ♥ عـن ربنـا جـل يف علاه أنـه يحـب الجمـال‪ ،‬فـإذا‬
‫كان اهلل ‪ ‬يحـب الجمـال أي مـن عبـاده فعلينـا يـا معاشـر المؤمنيـن أن نتقـرب‬
‫إلـى اهلل ‪ ‬بـكل جميـ ٍل طيـب يحبـه ربنـا سـبحانه‪ ،‬وذلـك يف ضـوء مـا دلـت عليه‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)2736‬ومسلم (‪.)2677‬‬
‫‪257‬‬

‫قواعـد الشـريعة وأدلـة الكتـاب والسـنة‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫أيهـا المؤمنـون‪َّ :‬‬


‫إن أصـل الجمـال وأساسـه الـذي عليـه ُيبنـى صحـة العقيـدة‬
‫وسلامة اإليمـان واسـتقامة القلـب علـى صحـة المعرفـة بـاهلل ‪ ‬وإخلاص‬
‫الديـن لـه جـل يف علاه‪ ،‬ولهـذا قـال اهلل ‪ :‬ﮋ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮊ [الحجـرات‪ ،]8-7:‬ويف دعـاء نبينـا صلـوات‬
‫الميَـانِ ‪َ ،‬وا ْج َعلْ َنـا هُـدَ ا ًة ُم ْه َت ِديـ َن»[[[؛ ف ُعلـم‬ ‫اهلل وسلامه عليـه‪« :‬اللَّ ُه َّ‬
‫ـم َزيِّ َّنـا ِبزِي َنـ ِة ْ ِ‬
‫بذلـك أن العقيـدة الصحيحـة واإليمـان القويم هو أكمـل الزينة وأتـم الجمال‪ ،‬بل هو‬
‫أساسـها الـذي عليـه ُتبنـى وقاعدهتا التي ال قيـام للجمال إال عليها‪ ،‬فمـن ُعدم العقيدة‬
‫الصحيحـة القويمـة فقـد فـارق الجمـال وباينـه وإن تزيـن بأجمـل الحلـل وأهباهـا‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬وجميـع العبـادات الدينية التـي يتقرب المؤمنـون هبا إلى‬
‫ٌ‬
‫جمال وزين ٌة وهباء يف حياهتم وضياء ونور؛ فالصالة جمال‪ ،‬والصيام‬ ‫اهلل ‪ ‬كلها‬
‫جمـال‪ ،‬وحـج بيت اهلل الحـرام جمال‪ ،‬وأداء الـزكاة جمال‪ ،‬وجميـع الطاعات الدينية‬
‫والقـرب كلهـا مـن الجمـال‪ ،‬بـل إهنـا أصـل البـد منـه وبنـا ٌء ال قيـام للجمـال إال عليه‪،‬‬
‫وحسـن‪ ،‬وقد قـال نبينـا صلوات اهلل‬ ‫ٌ‬
‫جمـال وهبا ٌء ُ‬ ‫فـإن الديـن كلـه يـا معاشـر المؤمنين‬
‫[[[ رواه أحمد يف «مسنده» (‪ ،)18325‬والنسائي (‪ ،)1305‬وصححه األلباين يف «صحيح الجامع»‬
‫(‪.)1301‬‬
‫‪258‬‬

‫ـس‪ :‬شَ ـ َها َد ِة أَنْ الَ إِلَـهَ إِ َّل اللَّـهُ َوأَنَّ ُم َح َّمـدً ا‬
‫خ ْم ٍ‬ ‫وسلامه عليـه‪« :‬بُ ِن َ‬
‫ـي اإل ِْسلاَ ُم َع َ‬
‫لى َ‬
‫ـج الْ َب ْي ِت»[[[‪.‬‬
‫الصلاَ ِة‪َ ،‬وإِي َتا ِء الـ َّزكَا ِة‪َ ،‬و َصـ ْو ِم َر َمضَ انَ ‪َ ،‬و َح ِّ‬ ‫ـول اللَّـ ِه‪َ ،‬وإِ َق ِ‬
‫ـام َّ‬ ‫َر ُس ُ‬

‫ولهـذا عبـاد اهلل فـإن مـن يحافـظ علـى الصلاة المفروضـة ويـؤدي الـزكاة التـي‬
‫أوجـب اهلل عليـه ويصـوم شـهره الـذي افترض عليـه ربـه جـل يف علاه فإنـه يتقلـب‬
‫الص َل ُة نُـو ٌر»[[[‪،‬‬
‫يف جمـال وإلـى جمـال وزينـة‪ ،‬ولهـذا قـال نبينـا ♥‪َ « :‬و َّ‬
‫َـت لَـهُ نُـو ًرا َوبُ ْر َهانًـا َونَ َجـا ًة يَـ ْو َم الْ ِق َيا َمـ ِة»[[[‪.‬‬ ‫وقـال « َمـ ْن َحاف َ‬
‫َـظ َعلَ ْي َهـا كَان ْ‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬واألخلاق اإلسلامية واآلداب الدينيـة التـي جـاءت يف كتاب اهلل‬
‫وسـنة نبيـه ♥ كلهـا زينـة للمـرء وجمـال؛ ولهـذا نـرى أن مـن يتحلـى‬
‫النـاس فيـه جمـال خلقـه وزينـة أدبـه فيحبونـه ح ًبـا جمـا ألخالقـه‬
‫ُ‬ ‫باألخلاق يـرى‬
‫العظيمـة وآدابـه الكريمـة؛ ف ُعلـم بذلـك أن آداب الشـريعة وأخالقهـا كلهـا جمـال‬
‫الَخ َ‬
‫ْلاقِ َل‬ ‫وزينـة‪ ،‬ومـن دعـاء نبينـا غليـه الصلاة والسلام «الل ُه َّ‬
‫ـم ا ْهـ ِد ِن ِلَ ْح َس ِ‬
‫ـن ْ‬
‫ْـت»[[[‪.‬‬
‫ف َع ِّنـي َسـ ِّي َئ َها إِ َّل أَن َ‬ ‫ف َع ِّنـي َسـ ِّي َئ َها َل يَ ْ ِ‬
‫صر ُ‬ ‫اص ْ‬ ‫يَ ْهـ ِدي ِلَ ْح َسـ ِن َها إِ َّل أَن َ‬
‫ْـت‪َ ،‬و ْ ِ‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)8‬ومسلم (‪.)16‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)223‬‬
‫[[[ رواه أحمد يف «مسنده» (‪ ،)6576‬والدارمي يف «سننه» (‪ ،)2763‬وضعفه األلباين يف «ضعيف‬
‫الرتغيب» (‪.)312‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)771‬‬
‫‪259‬‬

‫وحسـن التقرب إليه بما‬


‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬وإذا كانت طاعة اهلل جل يف عاله ُ‬
‫جمـال وزينـة‪ ،‬فـإن معصيـة اهلل ‪ُ ‬ق ٌ‬
‫بح وشـين وظلمة ووحشـة والعيـاذ باهلل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أمـر‬
‫«وقـال ابـن عبـاس وأنـس ﭫ‪ :‬إن للحسـنة نـورا يف القلـب‪ ،‬وزينـة يف الوجـه‪ ،‬وقـوة‬
‫يف البـدن‪ ،‬وسـعة يف الـرزق‪ ،‬ومحبـة يف قلـوب الخلـق‪ ،‬وإن للسـيئة ظلمـة يف القلـب‪،‬‬
‫وشـينا يف الوجـه‪ ،‬ووهنـا يف البدن‪،‬ونقصـا يف الـرزق‪ ،‬وبغضـة يف قلـوب الخلـق»[[[؛‬
‫ف ُعلـم بذلـك أن المعاصـي واآلثـام كلهـا تنحـى بالمـرء إلـى ضيـاع نفسـه و ُبعـده عـن‬
‫الجمـال والزينـة‪ ،‬فإنـه ال جمـال يف معصيـة ذي الجلال والجمـال ‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫ولننظـر يـا معاشـر المؤمنيـن إلـى جمال الشـريعة يف هدايتهـا إلى سـنن الفطرة التي‬
‫تزيـن المـرء وتجملـه بأحسـن الجمـال؛ من نتـف اإلبط وحلـق العانة وقص الشـارب‬
‫وقلـم األظفـار إلـى غيـر ذلـك مـن سـنن الفطـرة المبـاركات التـي هـي جمـال للمـرء‬
‫جمل اهلل ‪ ‬هبا أمة اإلسلام بأن هداهم إلى هذه السـنن العظيمة من سـنن‬
‫َّ‬
‫الفطـرة ليـزدادوا هبا حسـنًا وجماال‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬ولنعـي يف هـذا البـاب بـاب الجمـال والزينة أنـه ال جمال‬
‫مطل ًقـا فيمـا هـو معصيـ ٌة هلل ‪‬؛ فـكل مـا دلت الشـريعة علـى تحريمـه والمنع منه‬
‫وتحذيـر العبـاد مـن فعلـه فكله مبايـن للزينة مفارق لهـا وإن ظنه اإلنسـان من الجمال‬

‫[[[ «روضة المحبين» (ص‪.)441‬‬


‫‪260‬‬

‫والزينـة‪ ،‬قـال اهلل تعالـى‪ :‬ﮋﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮊ [فاطـر‪ ،]8:‬وقـال‬


‫تعالـى عـن عدونـا الشـيطان‪ :‬ﮋﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ [النسـاء‪،]119:‬‬
‫ٍ‬
‫ومفارقـة للشـريعة ومباينـة للفطـرة وطاعـة للشـيطان ليـس مـن‬ ‫فـكل تبديـ ٍل للخلقـة‬
‫الجمـال يف شـيء وإن ظنـه اإلنسـان ضر ًبـا مـن ضروب الجمـال‪ ،‬ألن القاعـدة يف هذا‬
‫البـاب «أنـه ال جمـال فيمـا هو معصيـة هلل»‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬وعندمـا يحافـظ العبـد علـى هـذا الجمـال بمعانيـه المشـرقة‬
‫وح ٍ‬
‫سـن يف العمـل وجمـال يف التقـرب‬ ‫ٍ‬
‫ومجاالتـه العظيمـة مـن صحـة لالعتقـاد ُ‬
‫ٍ‬
‫ومباعـدة للمعصيـة ومجانبـة لهـا يكرمـه اهلل ‪ ‬يف يـوم القيامـة دار‬ ‫والطاعـة‬
‫نصـوص متكاثـرة وأدلـة‬
‫ٌ‬ ‫الحلـل‪ ،‬وقـد ورد يف ذلـك‬
‫الكرامـة بأعظـم الجمـال وأهبـى ُ‬
‫متوافـرة يف كتـاب اهلل وسـنة نبيـه ﷺ‪ ،‬قـال اهلل تعالـى‪ :‬ﮋ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮊ [اإلنسـان‪]12-11:‬؛ فانظـروا يـا‬
‫معاشـر المؤمنيـن إلـى هـذه األنـواع الثالثـة مـن الجمـال التـي يكرمهـم اهلل ‪‬‬
‫هبـا يف دار الكرامـة؛ جمـال يف قلوهبـم وهو السـرور‪ ،‬وجمال يف ظاهرهـم وهو النضرة‬
‫والحسـن والبهـاء‪ ،‬وجمـال يف لباسـهم بإلباسـهم الحريـر وقـد كان محرمـا عليهـم يف‬
‫الدنيا‪.‬‬

‫وقـد جـاء يف الحديـث الصحيـح أن نبينـا ﷺ قـال‪« :‬إِنَّ أَ َّو َل ُز ْمـ َر ٍة َيدْ ُ‬
‫خلُـونَ ال َج َّن َة‬
‫ما ِء‬
‫الس َ‬ ‫لى ُصـو َر ِة ال َق َمـ ِر لَ ْيلَ َة ال َبـدْ رِ‪ ،‬ثُ َّم الَّ ِذيـ َن َيلُونَ ُه ْم َع َل أَشَ ـدِّ كَ ْوك ٍَب ُد ِّر ٍّي ِ‬
‫ف َّ‬ ‫َع َ‬
‫‪261‬‬

‫إِضَ ـا َء ًة»[[[؛ فانظـروا هـذا الجمـال ألهـل الجنـة وهـم يدخلـون الجنـة وقـد مـ َّن اهلل‬
‫‪ ‬عليهـم يف الحيـاة الدنيـا بالمحافظـة علـى الجمـال‪ ،‬فكانـوا يف الجنـة يدخلوهنا‬
‫بالجمـال ويرت َّقـون يف درجاهتـا ُ‬
‫ورتبهـا بالجمـال‪ ،‬فال يزالـون يف الجنة يزدادون ُحسـنا‬
‫وجماال‪.‬‬

‫وانظـروا يف هـذا البـاب إلـى مـا ثبـت يف «صحيـح مسـلم» مـن حديـث أنـس ﭬ‬
‫مالِ َف َت ْحثُو‬ ‫ج ُم َع ٍة َف َت ُه ُّب ر ُ‬
‫ِيح الشَّ َ‬ ‫قـال النبـي ﷺ‪« :‬إِنَّ ِ‬
‫ف الْ َج َّنـ ِة ل َُسـو ًقا يَأْتُونَ َهـا ك َُّل ُ‬
‫َيجِ ُعـونَ إِ َل أَ ْهلِيه ِْم َو َق ِد ا ْز َدا ُدوا‬
‫ِـم َوثِ َيا ِبه ِْم‪َ ،‬ف َي ْز َدا ُدونَ ُح ْسـ ًنا َو َج َم ًل‪ ،‬ف َ ْ‬
‫ف ُو ُجو ِهه ْ‬
‫ِ‬
‫ما ًل‪،‬‬
‫ُـم بَ ْعدَ نَـا ُح ْسـ ًنا َو َج َ‬ ‫ـم أَ ْهلُو ُه ْ‬
‫ـم‪َ :‬واللـ ِه لَقَـ ِد ا ْز َد ْدت ْ‬ ‫ما ًل‪َ ،‬ف َيق ُ‬
‫ُـول لَ ُه ْ‬ ‫ُح ْسـ ًنا َو َج َ‬
‫ما ًل»[[[‪.‬‬ ‫َف َيقُولُـونَ ‪َ :‬وأَنْ ُت ْ‬
‫ـم َواللـ ِه لَقَـ ِد ا ْز َد ْدت ُْم بَ ْعدَ نَا ُح ْسـ ًنا َو َج َ‬

‫فيـا معاشـر المؤمنيـن يـا عباد اهلل‪ :‬لنتقـي اهلل ‪ ‬ولنحافظ على الجمـال بمعانيه‬
‫الجميلـة وصـوره المشـرقة ومجاالتـه الفسـيحة‪ ،‬ولنبتعـد عـن طاعـة الشـيطان حيـث‬
‫حصـر مفهـوم الجمـال لـدى بعـض النـاس يف التزيـن بالمالبـس الفاخـرة والحلـل‬
‫الباهية التي فيها مخالفة لشـرع اهلل وسـنة رسـوله ﷺ مع ترك يف الوقت نفسـه لمعاين‬
‫الجمـال العظيمـة وصـوره المشـرقة المتعددة‪.‬‬

‫جملنـا اهلل أجمعيـن بالجمال والحسـن والبهـاء‪ ،‬وزادنا يف هذه الحياة الدنيا ُحسـنا‬
‫َّ‬
‫وجمـاال‪ ،‬وأكرمنـا يف دار كرامتـه بتمـام الجمال وكماله وحسـنه بمنه وكرمه‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)3327‬ومسلم (‪.)2834‬‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)2833‬‬
‫‪262‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل‪ :‬ولنتذكـر دومـا أن هـذه الحيـاة دار معبر لآلخـرة‪ ،‬وأن‬
‫الجـزاء والحسـاب يـوم القيامـة؛ ففـي ذلـك اليـوم يـوىف العامـل عملـه؛ فمـن أحسـن‬
‫يف جمالـه وحسـنه وهبائـه طاعـ ًة هلل أحسـن اهلل إليـه‪ ،‬ومـن أسـاء فإن عقاب اهلل شـديد‪،‬‬
‫ﮋﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮊ [النجـم‪.]31:‬‬

‫جمـل قلوبنـا بالتقـوى‬


‫اللهـم زينـا بزينـة اإليمـان واجعلنـا هـداة مهتديـن‪ ،‬اللهـم ِّ‬
‫وجملنـا يـا ربنـا بحسـن األخلاق واآلداب‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫وسـرائرنا باإليمـان وأعمالنـا بالطاعـة‪،‬‬
‫ِ‬
‫وأعذنـا مـن المعاصـي التـي ال تزيـد المـرء إال قبحـا وشـينا‪.‬‬

‫أقـول هـذا القـول وأسـتغفر اهلل لـي ولكـم ولسـائر المسـلمين مـن كل ذنـب‬
‫فاسـتغفروه يغفـر لكـم إنـه هـو الغفـور الرحيـم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل كثيـر ًا‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال ُ‬


‫اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمدً ا‬
‫عبـده ورسـوله؛ صلـى اهلل عليـه وسـ َّلم عليه وعلـى آله وصحبـه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬اتقـوا اهلل تعالـى؛ فـإن يف تقـوى اهلل ‪َ ‬خل ًفـا مـن كل شـيء‬
‫وليـس مـن تقـوى اهلل خ َلـف‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬وإذا كنـا يف هـذه المناسـبة ويف هـذا الموقـف الكريم حديثنـا عن الجمال‬
‫يف مجاالتـه العظيمـة وجوانبـه المشـرقة فلنقـف وقفـة ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬مـع الجمـال الذي‬
‫‪263‬‬

‫كنـا نـراه ونشـاهده يف أيـام رمضـان المبـاركات ويف لياليـه العظيمـات مـن ُحسـن‬
‫إقبـال علـى اهلل وطاعـة وتقـرب‪ ،‬فـواهلل ثـم واهلل إنـك إذا نظـرت إلـى أهـل اإليمـان يف‬
‫ذكـرا هلل وتلاو ًة للقـرآن وأدا ًء للصلاة ومحافظـ ًة علـى طاعـة اهلل وأدا ًء‬
‫دور اإليمـان ً‬
‫للواجبـات والسـنن والمسـتحبات فإنـك واهلل تـرى الجمال بأهبى صـوره وأتم ُحلله‪،‬‬
‫وإنـك لتحمـد اهلل أن مـ َّن اهلل ‪ ‬علـى عبـاده المؤمنيـن هبـذا الجمـال المشـرق‬
‫والبهـاء العظيـم والزينـة العظيمـة زينـة اإليمـان‪.‬‬

‫نسـأل اهلل ‪ ‬أن يحفـظ علينـا إيماننـا وزينتنـا وجمالنـا وأمننـا وإيماننـا‪ ،‬وأن‬
‫يوفقنـا لـكل خيـر إنـه سـميع قريـب مجيـب‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬
‫ٍ‬
‫وواقعـة عظيمـة حصلـت قبـل‬ ‫ٍ‬
‫حادثـة مفجعـة‬ ‫عبـاد اهلل‪ :‬والبـد مـن وقفـة هنـا مـع‬
‫يوميـن يف مدينـة رسـول اهلل ﷺ؛ فبينما أهل اإليمان يف مسـجد النبي ♥‬
‫يف ذلـك الجمـال العظيـم والزينـة المشـرقة طاعـ ًة هلل وبينمـا هـم علـى مائـدة اإلفطـار‬
‫عظيمـا مفجعا‪ ،‬حتـى إن كل مفطِر كان يف مسـجد رسـول اهلل‬ ‫ً‬ ‫فـإذا هبـم يسـمعون دو ًّيـا‬
‫صلـوات اهلل وسلامه عليـه أهالـه ذلك األمر وع ُظـم يف قلبه هذا الخطـب وأفزعه هذا‬
‫الحـادث الجلـل‪ ،‬فمـاذا كان عبـاد اهلل ؟! إنه واحد من أولئك الذيـن ُفتنوا والعياذ باهلل‬
‫فكرا أقبح منه وال أشـين‬
‫بفكـر الخـوارج الـذي ال نعلـم يف األفـكار المنتمية لإلسلام ً‬
‫منـه وال أجـرأ منـه علـى الدمـاء المسـلمة المعصومـة‪ ،‬فـإن شـأهنم كمـا وصـف نبينـا‬
‫♥ « ُحدَ ثَـا ُء األَ ْسـ َنانِ ‪ُ ،‬سـ َف َها ُء األَ ْحلا َِم‪ ،‬يَ ْق ُتلُونَ أَ ْه َل اإل ِْسلا َِم َويَدَ ُعونَ‬
‫‪264‬‬

‫أَ ْه َـل األَ ْوثَانِ »[[[‪.‬‬

‫ألـم يقـم يف قلـب هـؤالء المجرميـن العتـاة المعتديـن ألـم يقـم يف قلوهبـم حرمـة‬
‫بلـد رسـول اهلل صلـوات اهلل وسلامه عليـه ؟! ألـم يقـم يف قلوهبـم حرمـة الزمـان زمن‬
‫رمضـان الشـريف المبـارك ؟! ألـم يقـم يف نفوسـهم حرمـة الصيـام ومكانـة الصائمين‬
‫وحسـن طاعتهـم وإقبالهـم علـى اهلل جـل يف علاه ؟! وللصائـم عنـد فطـره دعـوة‬
‫مسـتجابة[[[؛ فيقومـون هبـذا العمـل اإلجرامـي الشـنيع يف تلـك اللحظـات ويف ذلـك‬
‫الوقـت ويف ذلـك المـكان إلـى قـرب مسـجد رسـول اهلل ﷺ !! وقـد صـح يف «مسـند‬
‫اإلمـام أحمـد» عـن نبينـا ﷺ أنـه قال‪َ « :‬مـ ْن أَخ َ‬
‫َاف أَ ْه َـل الْ َم ِدي َنـ ِة أَخَا َفهُ اللـهُ ‪َ ،‬و َعلَ ْي ِه‬
‫صفًا َو َل‬ ‫ـاس أَ ْج َم ِع َ‬
‫ين‪َ ،‬ل يَ ْق َب ُـل اللـهُ ِم ْنهُ يَـ ْو َم الْ ِق َيا َمـ ِة َ ْ‬ ‫لَ ْع َنـ ُة اللـ ِه َوالْ َم َلئِكَـ ِة َوال َّن ِ‬
‫ـدْل»[[[‪ ،‬وأي إخافـة أعظـم مـن تلـك الجريمـة البشـعة الشـنيعة التـي قـام هبـا ذلـك‬
‫َع ً‬
‫المجـرم الباغـي‪.‬‬
‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)3344‬ومسلم (‪.)1064‬‬
‫[[[ فائدة‪ :‬شهر رمضان شهر الدعاء‪.‬‬
‫قـال اهلل تعالـى‪ :‬ﮋ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﮊ [سـورة البقـرة]‬
‫قـال اإلمـام ابـن كثيـر ‪« :$‬ويف ذكـره تعالـى هـذه اآلية الباعثـة على الدعـاء‪ ،‬متخللة بين أحـكام الصيام‬
‫()‪ ،‬إرشـاد إلـى االجتهـاد يف الدعـاء عنـد إكمـال ِ‬
‫العـدّ ة‪ ،‬بـل وعنـدَ ّ‬
‫كل فطـر‪ ،‬كمـا رواه اإلمـام أبـو داود‬
‫الطيالسـي يف «مسـنده»‪:‬‬
‫حدثنـا أبـو محمـد المليكـي‪ ،‬عـن َع ْمـرو ‪-‬هـو ابن شـعيب بن محمـد بن عبد اهلل بـن عمرو‪ ،‬عـن أبيه‪ ،‬عن‬
‫جـده عبـد اهلل بـن عمـروﭬ قال‪ :‬سـمعت رسـول اهلل ﷺ يقول‪« :‬للصائـم عند إفطاره دعوة مسـتجابة»‪،‬‬
‫آن ال َعظِيـم» (‪.)509/1‬‬
‫فـكان عبـد اهلل بـن عمـرو إذ أفطر دعا أهلـه‪ ،‬وولده ودعا» « َت ْف ِسـير ال ُقر ِ‬
‫ْ‬
‫[[[ رواه أحمد يف مسنده (‪ ،)16559‬ومسلم (‪ )1366‬بنحوه‪.‬‬
‫‪265‬‬

‫وجـاء يف الصحيـح عـن نبينـا ﷺ أنـه قـال‪َ « :‬مـ ْن أَ َرا َد أَ ْه َـل الْ َم ِدي َنـ ِة ب ُِسـو ٍء أَ َذابَـهُ‬
‫وأتلمح يف هـذا الحديث بشـار ًة عظيمة أال وهي‬
‫َّ‬
‫ِ [[[‬
‫ْماء»‬ ‫وب الْ ِمل ُْح ِ‬
‫ف ال َ‬ ‫َما يَـ ُذ ُ‬
‫اللـهُ ك َ‬
‫قطـع لدابرهـم وهنايـ ٌة ألمرهـم وأهنـم بـإذن اهلل‬
‫أن هـذه الحادثـة بـإذن اهلل ‪ ‬هـي ٌ‬
‫‪ ‬ال يبقـى لهـم باقيـة‪ ،‬ألن النبـي ﷺ قـال‪َ « :‬مـ ْن أَ َرا َد أَ ْه َـل الْ َم ِدي َنـ ِة ب ُِسـو ٍء أَ َذا َبهُ‬
‫ْما ِء»؛ فـإن شـاء اهلل تعالـى أن هـذه الحادثـة تكـون هنايـ ًة‬
‫ف ال َ‬ ‫وب الْ ِمل ُ‬
‫ْـح ِ‬ ‫َما يَـ ُذ ُ‬
‫اللـهُ ك َ‬
‫لهـؤالء المجرمين‪.‬‬

‫نسـأل اهلل ‪ ‬أن يقطـع دابرهـم‪ ،‬نسـأل اهلل ‪ ‬أن يقطـع دابرهـم‪ ،‬وأن يعيـذ‬
‫المسـلمين شـرهم‪ ،‬وأن يكفينـا إياهـم بمـا يشـاء إنـه ‪ ‬سـميع الدعـاء‪ ،‬وأن‬
‫تدميـرا عليهـم بمنِّـه وحولـه وكرمـه‪.‬‬
‫ً‬ ‫يجعـل تدبيرهـم‬

‫وال ننسـى إخواننـا الجنـود الذيـن أكرمهـم اهلل ‪ ‬يف تلـك السـاعات بالشـهادة‬
‫يف سـبيله ‪ -‬نحسـبهم كذلـك واهلل حسـيبهم‪ -‬فهـم جنـود يف خدمـة اإلسلام وخدمـة‬
‫المسـلمين ورعايـة شـؤون الحرميـن والوقـوف إلـى جنـب مسـجد رسـول اهلل حف ًظـا‬
‫ٍ‬
‫مهنـة‬ ‫لألمـن ومراعـاة لرتتيـب الحجـاج والـزوار والمعتمريـن وتنظيمهـم‪ ،‬فهـم يف‬
‫شـريفة وعمـ ٍل عظيـم فاضـل ويف سـاعات إفطـار وتقـرب إلـى اهلل ‪‬؛ فنسـأل‬
‫اهلل ‪ ‬أن يتقبـل موتاهـم شـهداء عنـده‪ ،‬وأن ُيعلـي قدرهـم وأن ُيعظـم أجرهـم‬
‫وأن يخ ُلفنـا وأهلهـم بخيـر خلـف بمنِّـه وكرمـه ‪ ،‬وأن يشـفي المرضـى‬
‫والمصابيـن بمنِّـه وكرمـه‪ ،‬وأن يقطـع دابـر المفسـدين‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)1386‬‬
‫‪266‬‬

‫أيتهـا المـرأة المسـلمة يـا مـن جم ِ‬


‫لـك اهلل باإليمـان وزينـك بالتقـوى وحلاك‬ ‫َّ‬
‫بالصلاة والصيـام‪ :‬حافظـي علـى هـذا الجمـال والزينـة‪ ،‬واتقـي اهلل تعالـى واحـذري‬
‫مـن جمـال مدَّ عـى وزينـة متوهمـة فيهـا مخالفة لشـرع اهلل ‪ ،‬فـإن كل مخالفة‬
‫ِ‬
‫رعـاك اهلل من دعاة الشـر والرذيلة‬ ‫لشـرع اهلل فإهنـا ِ‬
‫مفارقـة للجمـال والزينـة‪ ،‬واحذري‬
‫ودعـاة الفتنـة أن يحرفـوك عـن سـواء السـبيل وعن صـراط اهلل المسـتقيم‪ ،‬فللمـرأة أن‬
‫تتزيـن وتتجمـل ولكـن يف حـدود الشـريعة ويف ضـوء قواعدهـا المعلومـة‪ ،‬ويف كتـاب‬
‫اهلل وسـنة نبيـه ﷺ نصـوص محكمـة وأدلـة ب ِّينـة يجـب علـى المـرأة أن تقـف عليهـا‬
‫وأن تكـون حالهـا يف تجملهـا وزينتهـا يف ضـوء تلـك النصـوص وعلـى ضـوء قواعـد‬
‫الشـريعة وضوابطهـا المعلومـة؛ ليبقـى جمالها عن ديـن‪ ،‬وزينتها عن طاعـة‪ِ ،‬‬
‫وحليتها‬
‫عـن ُحسـن تقـرب هلل جـل يف علاه‪.‬‬

‫يجملهـن بالتقـوى‪ ،‬وأن يزينهـن‬


‫نسـأل اهلل ‪ ‬أن يحفـظ نسـاءنا وبناتنـا وأن ِّ‬
‫باإليمـان‪ ،‬وأن يحليهـن بطاعـة الرحمـن‪ ،‬وأن يعيذهـن من الشـرور‪ ،‬وأن يباعد بينهن‬
‫وبين الفسـاد‪ ،‬وأن يرزقهن العفة والحشـمة بمنِّه وكرمه‪ ،‬إنه ‪ ‬سـميع الدعاء‬
‫وهـو أهـل الرجاء‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫أعـاد اهلل علينـا أجمعيـن هـذا العيـد السـعيد أعوا ًمـا عديـدة وأزمنـة مديـدة علـى‬
‫وحسـن تقرب إلـى اهلل ‪ ،‬وحفـظ علينـا يف أوطاننا وجميع‬
‫حسـن طاعـة وعمـل ُ‬
‫أوطـان المسـلمين أمننـا وإيماننـا وإسلامنا وسلامنا‪ ،‬وهدانـا إليـه صراطـا مسـتقيما‪.‬‬
‫خطبة عيد الفطر لعام ‪1439‬هـ‬

‫الحمــد هلل ذي الجــال والجمــال‪ ،‬والعظمــة والكمــال‪ ،‬وذي العطايــا والنــوال؛‬


‫أحمــده ‪ ‬حمــد الشــاكرين‪ ،‬وأثنــي عليــه ثنــاء الذاكريــن‪ ،‬أحمــده َّ‬
‫جــل‬
‫وعــا بمــا هــو لهــا أهــل؛ حمــدً ا كثيـ ًـرا طي ًبــا مبــاركًا فيــه كمــا يحــب ربنــا ويرضــى‪،‬‬
‫اهلل وحــده ال شــريك لــه‪ ،‬وأشــهد أن محمــدً ا عبــده ورســوله‪،‬‬
‫وأشــهد أن ال إلــه إال ُ‬
‫ب َّلــغ الرســالة‪ ،‬وأدى األمانــة‪ ،‬ونصــح األمــة‪ ،‬وجاهــد يف اهلل حــق جهــاده حتــى أتــاه‬
‫اليقيــن‪ ،‬فمــا تــرك خيـ ًـرا إال َّ‬
‫دل ألمــة عليــه‪ ،‬وال شـ ًـرا إال َّ‬
‫حذرهــا منــه؛ فصلــوات اهلل‬
‫وســامه عليــه وعلــى آلــه وصحبــه أجمعيــن‪.‬‬
‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫أيهـا المؤمنـون عبـاد اهلل! اتقـوا اهلل ربكـم‪ ،‬واحمـدوه َّ‬


‫جـل يف علاه علـى عظيـم‬
‫نعمائـه وجزيـل عطائـه ووافـر آالئـه حمـدً ا كثيـرا‪ ،‬وكونـوا هلل ‪ ‬مـن الشـاكرين‪،‬‬
‫‪268‬‬

‫ولـه ‪ ‬مـن المع ِّظميـن‪ ،‬ولشـرعه ‪ ‬متق ِّيديـن بـه ومح ِّكميـن‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫معاشر المؤمنين‪ :‬هنيئا لكم وهنَّاكم اهلل هبذا العيد المبارك العظيم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫طاعـات هلل‬ ‫وسـرور عظيـم يع ُقـب‬ ‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬عيـد المسـلمين فرحـ ٌة كبرى‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫وشـكر هلل جل يف عاله‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وتعظيـم وإجالل‪،‬‬ ‫وعبـادات وقربـات؛ فهـو عيـد ٍ‬
‫حمد وثناء‪،‬‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬للمسـلمين يف السـنة عيـدان؛ عيـد الفطـر وعيـد األضحـى‪ ،‬وهمـا‬
‫يعقبـان طاعتيـن عظيمتيـن‪ :‬طاعـة الصيام يف شـهر رمضان المبـارك‪ ،‬وطاعة حج بيت‬
‫اهلل الحرام‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬ويف رمضـان هلل عتقـاء مـن النـار وذلـك يف كل ليلة من لياليـه المباركات‪،‬‬
‫ويـوم عرفـة هـو أكثـر أيـام اهلل ‪ ‬التـي لـه فيها عتقـاء من النـار‪ ،‬فما من األيـام يو ٌم‬
‫واثـق‬
‫أكثـر مـن أن يعتـق اهلل فيـه عبـدً ا مـن النـار مـن يـوم عرفـة‪ ،‬والمسـلم ‪-‬عبـاد اهلل‪ٌ -‬‬
‫فرحا‬
‫طامـع يف فضلـه وثوابـه؛ ولهـذا ُحق له يف هذا اليـوم المبـارك أن يفرح ً‬
‫ٌ‬ ‫بوعـد ربـه‬
‫عظيمـا بتمـام النعمة ووفور المنة ﮋ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮊ [يونس‪.]58:‬‬

‫ٌ‬
‫مرتبـط بطاعـة مـواله وخالقـه‬ ‫فـرح‬
‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬فـرح المؤمـن يف حياتـه كلهـا ٌ‬
‫وسـيده جـل يف علاه؛ ولهـذا ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬فـإن أعظـم فـرحٍ يقـدَّ ر يف هـذه الحيـاة فـرح‬
‫فرحـا بأسـمائه وصفاتـه وأنـه العظيـم الجليـل الجميل‬
‫المؤمـن بربـه وفرحـه بخالقـه؛ ً‬
‫‪269‬‬

‫ورضـا بـه جـل يف علاه ر ًبا‬


‫فرحـا بربوبيـة اهلل ً‬
‫لـه األسـماء الحسـنى والصفـات العلا‪ً ،‬‬
‫آمـرا ناه ًيـا مطا ًعـا ممت َثلا أمـره جـل يف علاه‪.‬‬
‫خال ًقـا ً‬

‫ومـن عظيـم فـرح المؤمن فرحه بأنه عبـد هلل؛ يطيع اهلل ‪ ‬يمتثل أوامره وينتهي‬
‫ِ‬
‫عـن نواهيـه‪ ،‬ولهـذا ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬فـإن الطاعـات ك َّلهـا تعـد ً‬
‫فرحـا للمؤمـن‪ ،‬فالمؤمـن‬
‫يفـرح بصالتـه‪ ،‬ويفـرح بصيامـه‪ ،‬ويفـرح بحجـه واعتمـاره‪ ،‬ويفـرح بتالوتـه لكتـاب‬
‫وحـق له أن‬
‫ربـه‪ ،‬ويفـرح بذكـره لمـواله‪ ،‬ويفـرح بجميـع أبـواب البر وأعمـال الخير‪ُ ،‬‬
‫فـرح بطاعـة اهلل وسـيده ومواله‪.‬‬
‫يفـرح الفـرح العظيـم بذلـك ألن فرحـه هبـا إنمـا هـو ٌ‬

‫فرح عظيـم عندما يوفقـه اهلل ‪ ‬للتوبة النصوح من‬ ‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬وللمؤمـن ٌ‬
‫كل ذنـب وخطيئـة‪ ،‬وإن فرحـه بالتوبـة ولذتـه هبا لـذة ال تقارن‪ ،‬ولو علِـم العصاة ما يف‬
‫التوبـة مـن لـذة ال يجدوهنـا يف لـذة المعصيـة لكانـوا إلـى التوبـة مـن أعظـم المبادريـن‬
‫المسـارعين‪ ،‬كيـف ال ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬وقد قال النبي ﷺ‪�« :‬لَلَّهُ أَشَ ـدُّ َف َر ًحـا ِب َت ْوبَ ِة َع ْب ِد ِه‬
‫لى َرا ِحلَ ِت ِه بِـأَ ْر ِ‬
‫ض فَلاَ ٍة فَانْ َفلَ َت ْت ِم ْنـهُ َو َعلَ ْي َها‬ ‫ـوب إِلَ ْيـ ِه ِمـ ْن أَ َح ِدك ُْم كَانَ َع َ‬ ‫ِح َ‬
‫ين يَ ُت ُ‬
‫ف ِظلِّ َها َقـدْ أَي َ‬
‫ِس ِمـ ْن َرا ِحلَ ِت ِه‪،‬‬ ‫ِـس ِم ْن َهـا فَـأَ َ‬
‫ت شَ ـ َج َر ًة فَاضْ طَ َج َع ِ‬ ‫شابُـهُ َفأَي َ‬
‫طَ َعا ُمـهُ َو َ َ‬
‫ائَ ًة ِع ْنـدَ ُه َفأَ َ‬
‫خ َذ ِب ِخطَا ِم َهـا ثُ َّم َق َال ِم ْن ِشـدَّ ِة الْ َف َرحِ‪:‬‬ ‫َف َب ْي َنـا ُهـ َو كَ َذلِـكَ إِ َذا ُهـ َو ِب َهـا َق ِ‬
‫خطَـأَ ِم ْن ِشـدَّ ِة الْ َف َرحِ»[[[‪.‬‬
‫ْـت َع ْب ِدي َوأَنَـا َربُّكَ ؛ أَ ْ‬
‫ـم أَن َ‬
‫اللَّ ُه َّ‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬هـذا الفـرح المتتابـع بالعبـادة والطاعـة وامتثـال األمـر هلل جـل يف‬
‫آثار لهـذا الفرح‬
‫أنواع من الفـرح هي ٌ‬
‫ٌ‬ ‫علاه والمداومـة علـى ذلـك إلـى الممات يعقبـه‬
‫بطاعـة اهلل‪ ،‬وقـد اختصـر هـذا المعنـى نبينـا الكريـم ♥ بقولـه‪« :‬لِ َّ‬
‫لصائِ ِم‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)2747‬‬
‫‪270‬‬

‫َف ْر َح َتـانِ ‪َ :‬ف ْر َحـ ٌة ِع ْنـدَ ِفطْـر ِِه‪َ ،‬و َف ْر َح ٌة ِع ْنـدَ لِقَـا ِء َربِّ ِه»[[[‪.‬‬

‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إلـٰه َّإل اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬ويبـدأ الفـرح الـذي هـو ثمـرة فـرح العبـد بطاعـة اهلل يف لحظـات‬
‫المـوت؛ عنـد مجـيء المالئكـة لقبض روح العبـد المؤمن‪ ،‬فـإن اهلل ‪ ‬يقول‪:‬‬
‫ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﮊ [فصلـت‪ ،]30:‬وعندمـا تقبـض‬
‫قبضا رفيقـا قائلةً‪ :‬أيتها النفـس المطمئنة‬
‫مالئكـة المـوت روح العبـد المؤمـن تقبضها ً‬
‫ٍ‬
‫راض غيـر غضبـان‪ ،‬فتخـرج نفسـه مطمئنـ ًة راضيـ ًة‬ ‫اخرجـي راضيـ ًة مرضيـة إلـى رب‬
‫ِ‬
‫فرحـ ًة مستبشـرة‪ ،‬ثـم ُيصعـد بروحه فيفرح بتلقي مالئكة كل سـماء هبـذه الروح الطيبة‬
‫تصعـد هبـا مالئكـة كل سـماء إلـى السـماء التـي فوقهـا يشـ ِّيعون هـذه الـروح وهـي يف‬
‫تمـام الفـرح وغاية السـرور‪.‬‬

‫ثـم عبـاد اهلل‪ :‬يـوم حشـر العبـاد ووقوفهـم يـوم المعـاد بيـن يـدي اهلل ‪ ‬تتوالى‬
‫وفـرح بإيتاء‬
‫ٌ‬ ‫فـرح بظـل العـرش‪،‬‬
‫أنـواع مـن الفـرح والبهجـة والسـرور؛ ٌ‬
‫ٌ‬ ‫علـى المؤمـن‬
‫وفـرح بالعبور‬
‫ٌ‬ ‫وفرح بضيـاء الوجـه وهبائه‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وفـرح بثقـل الموازيـن‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫الكتـاب باليميـن‪،‬‬
‫وفـرح‬
‫ٌ‬ ‫وفـرح بالشـرب مـن حـوض النبـي الكريـم ♥‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫علـى الصـراط‪،‬‬
‫ببلـوغ بـاب الجنـة وإزالفهـا إليـه ودخولـه مـع باهبـا تتلقـاه خزنتهـا مرحبـ ًة محييـ ًة‬
‫ﮋﯦ ﯧ ﯨﮊ [الزمـر‪]73:‬؛ فهـي أنـواع مـن الفـرح تتوالـى علـى عبـد‬
‫وقربـه يف هـذه الحيـاة‪.‬‬
‫اهلل المؤمـن وهـي ثمـرة طاعاتـه وعباداتـه َ‬
‫[[[ رواه مسلم (‪.)1151‬‬
‫‪271‬‬

‫وتشـرفه‬
‫ُّ‬ ‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬وال يقـارن هبـذا كلـه فـرح المؤمـن برضـا ربـه ‪‬‬
‫برؤيتـه جـل يف علاه؛ ففـي «صحيـح مسـلم» عـن النبـي ﷺ قـال‪« :‬إِ َذا َدخ َ‬
‫َـل أَ ْه ُـل‬
‫ُـم؟ َف َيقُولُـونَ ‪ :‬أَل َْم‬
‫ـال‪ :‬تُرِيـدُ ونَ شَ ـ ْي ًئا أَزِيدُ ك ْ‬ ‫الْ َج َّنـ ِة الْ َج َّنـ َة يَق ُ‬
‫ُـول اللَّـهُ تَ َبـا َركَ َوتَ َع َ‬
‫ـف الْ ِح َج َ‬
‫اب ف ََم‬ ‫ـض ُو ُجو َه َنـا أَل ْ‬
‫َـم تُدْ ِخلْ َنـا الْ َج َّنـ َة َوتُ َن ِّج َنا ِم َن ال َّنـا ِر ! َق َال‪َ :‬ف َيك ِْش ُ‬ ‫تُ َب ِّي ْ‬
‫ِـم ِمـ َن ال َّنظَـ ِر إِ َل َربِّه ِْم َع َّز َو َج َّـل»[[[؛ فأي فرح يقـدَّ ر يكون‬ ‫أُ ْعطُـوا شَ ـ ْي ًئا أَ َح َّ‬
‫ـب إِلَ ْيه ْ‬
‫يف هـذا الموطـن عندمـا يشـرف المؤمـن برؤيـة ربـه جـل يف علاه؟!‬

‫وجـاء يف «الصحيحيـن» مـن حديـث أبـي سـعيد ﭬ أن النبـي ﷺ قـال‪« :‬إِنَّ اللـهَ‬
‫ف‬ ‫ُـول ِلَ ْهـلِ الْ َج َّنـ ِة َيـا أَ ْه َـل الْ َج َّنـ ِة‪َ ،‬ف َيقُولُـونَ لَ َّب ْيـكَ َر َّب َنـا َو َسـ ْعدَ ْيكَ َوالْخ ْ ُ‬
‫َير ِ‬ ‫َيق ُ‬
‫ض يَـا َر ِّب َو َقـدْ أَ ْعطَ ْي َت َنا َما‬ ‫ُـول‪َ :‬ه ْـل َر ِضي ُت ْ‬
‫ـم؟ َف َيقُولُـونَ ‪َ :‬و َمـا لَ َنـا َل نَ ْر َ‬ ‫يَدَ يْـكَ ‪َ ،‬ف َيق ُ‬
‫ُـول‪ :‬أَ َل أُ ْع ِطيك ُْم أَفْضَ َل ِمـ ْن َذلِكَ ؟ َف َيقُولُـونَ ‪َ :‬يا َر ِّب‬ ‫ـط أَ َحـدً ا ِمـ ْن َ‬
‫خلْ ِقـكَ ! َف َيق ُ‬ ‫َـم تُ ْع ِ‬
‫ل ْ‬
‫ان ف ََل أَ ْسـخ ُ‬
‫َط َعلَ ْيك ُْم بَ ْعدَ ُه‬ ‫ُـول‪ :‬أُ ِح ُّل َعلَ ْيك ُْم رِضْ ـ َو ِ‬
‫ش ٍء أَفْضَ ُـل ِمـ ْن َذلِـكَ ؟ َف َيق ُ‬
‫َوأَ ُّي َ ْ‬
‫أَ َبـدً ا»[[[؛ أي فـرحٍ هـذا عبـاد اهلل!! أي فـرح يقـدَّ ر هبـذا الموطن عبـاد اهلل !!‬

‫أسـأل اهلل ‪ ‬بأسـمائه الحسـنى وصفاتـه العلا أن يبلغنـا أجمعيـن هـذا الفـرح‬
‫العظيـم‪ ،‬أسـأل اهلل أن يبلغنـا أجمعيـن هـذا الفـرح العظيـم‪ ،‬وأن ِيقـر أعيننـا يف هـذه‬
‫الحيـاة بالفـرح بطاعـة اهلل واتباع شـرعه ولـزوم هداه إنه ‪ ‬سـميع الدعاء وهو‬
‫أهـل الرجـاء وهـو حسـبنا ونعـم الوكيل‪.‬‬

‫[[[ رواه مسلم (‪.)181‬‬


‫[[[ رواه البخاري (‪ ،)7518‬ومسلم (‪.)2829‬‬
‫‪272‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫الحمـد هلل كثيـر ًا‪ ،‬وأشـهد أن ال إلـه إال ُ‬


‫اهلل وحـده ال شـريك لـه‪ ،‬وأشـهد أن محمدً ا‬
‫عبـده ورسـوله؛ صلـى اهلل عليـه وسـ َّلم عليه وعلـى آله وصحبـه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫أيها المؤمنون‪ :‬اتقوا اهلل تعالى‪.‬‬

‫عبـاد اهلل‪ :‬لقـد ذكـر اهلل ‪ ‬الفـرح يف كتابـه يف مواطـن كثيرة تزيد على العشـرين‬
‫موطنـا‪ ،‬والفـرح يف ذكـره يف القرآن أتـى على نوعين‪:‬‬

‫فرح محمو ٌد يحبه اهلل ‪‬؛ ومضى اإلشارة إلى طرف منه‪.‬‬
‫النوع األول‪ٌ :‬‬

‫فـرح مذمـوم ال يحبـه اهلل وال يرضـاه؛ وهـو أن يكـون فرح‬


‫والفـرح الثـاين عبـاد اهلل‪ٌ :‬‬
‫مقبلا عليهـا مك ًبا علـى تحصيلها ال‬ ‫قاصـرا علـى هـذه الحيـاة الدنيـا ِ‬
‫فر ًحـا هبال ً‬ ‫ً‬ ‫العبـد‬
‫وفـرح يف غيـر رضـا الـرب ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫فـرح بغيـر حـق‪،‬‬
‫هـم لـه إال هـذه الحيـاة‪ ،‬فهـو ٌ‬
‫َّ‬
‫بـل ربمـا يتحـول إلـى فرح مـن بعض النـاس لمعاصـي يرتكبوهنا ُتسـخط اهلل ‪‬؛‬
‫ولهـذا قـال قوم قـارون لـه ﮋ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﮊ [القصص‪ ]76:‬أي‪ :‬ال‬
‫هم لـه وال بغيـة وال طِلبة إال هـذه الحياة‪،‬‬
‫يحـب مـن كان فرحـه متعل ًقـا هبـذه الدنيـا ال َّ‬
‫وال فِكـر لـه يف الـدار اآلخـرة واالسـتعداد لهـا باألعمـال الصالحـات والطاعـات‬
‫الزاكيات‪.‬‬
‫‪273‬‬

‫أيهـا المؤمنـون‪ :‬والمؤمـن يف هـذه الحيـاة البـد لـه مـن فـرح وحزن؛البـد لـه مـن‬
‫ٍ‬
‫أمـور يفـرح هبـا هـي مـن متـع الدنيـا‪ ،‬والبـد لـه مـن حـزن بمصائـب قد تحـل به‪،‬‬ ‫فـرح‬
‫لكـن المؤمـن يجعـل فرحه شـكرا‪ ،‬ومصيبته صبرا‪ ،‬كما قـال النبـي ﷺ‪َ « :‬ع َج ًبا ألَ ْم ِر‬
‫ـن؛ إِنْ أَ َصا َبتْـهُ َ َّ‬
‫سا ُء شَ ـكَ َر‬ ‫ـس َذاكَ ألَ َحـ ٍد إِالَّ لِلْ ُم ْؤ ِم ِ‬ ‫ـن إِنَّ أَ ْمـ َر ُه كُلَّـهُ خ ْ ٌ‬
‫َير‪َ ،‬ولَ ْي َ‬ ‫الْ ُم ْؤ ِم ِ‬
‫َيرا لَهُ »[[[‪.‬‬
‫بر فَـكَانَ خ ْ ً‬ ‫َيرا لَـهُ ‪َ ،‬وإِنْ َأ َصا َبتْـهُ َ َّ‬
‫ضا ُء َص َ َ‬ ‫فَـكَانَ خ ْ ً‬

‫شـكرا هلل‪ ،‬ويف مصائبه يجعلها صربا‪،‬‬


‫ً‬ ‫نعـم ‪-‬عبـاد اهلل‪ -‬المؤمـن يف أفراحـه يجعلها‬
‫وغيـر المؤمـن إذا ابتلاه اهلل ‪ ‬بالنعمـة والعطـاء يكـون ِ‬
‫فر ًحـا فخـورا‪ ،‬وإذا ابتلاه‬
‫اهلل ‪ ‬بالمصيبـة والبلـوى يكـون جز ًعا سـاخطا‪.‬‬

‫نسـأل اهلل ‪ ‬أن يملأ حياتنـا وأوقاتنـا بطاعـة اهلل‪ ،‬وأن يرزقنـا الفـرح الحقيقـي‬
‫بعبـادة اهلل‪ ،‬وأن يعيذنـا مـن فـرح ُيغضـب اهلل ويسـخطه جـل يف علاه‪ ،‬وأن يصلـح لنـا‬
‫شـأننا أجمعيـن‪ ،‬وأن يهدينـا إليـه صرا ًطـا مسـتقيما‪.‬‬

‫[[[ رواه مسلم (‪.)2999‬‬


‫مقدمة الطبعة األولى ‪5......................................‬‬

‫مقدمة الجزء الرابع ‪7........................................‬‬

‫ْاستِ ْقـ َب ُال َش ْهر َر َم َضان ‪9......................................‬‬

‫فضل شهر رمضان وكيف نستقبله؟ ‪16.......................‬‬

‫فضائل شهر رمضان ‪24.......................................‬‬

‫يا باغي الخير أقبـِل‪31.........................................‬‬

‫دروس رمضان ‪37.............................................‬‬


‫‪276‬‬

‫الص َيا ُم ُجنَّة ‪43................................................‬‬


‫ِّ‬

‫عبر شهر رمضان ‪49..........................................‬‬

‫الح َوإِ ْصالح ‪54..............................‬‬ ‫ان م ِ‬


‫وس ُم َص ٍ‬ ‫َر َم َض ُ ُ‬

‫الصالح ‪60.........................‬‬ ‫ِ‬ ‫َر َم َض ُ‬


‫إلصالح َو َّ‬
‫ان َم ْد َر َسة ل ْ‬

‫متى يكون الصيام محقق ًا للتقوى‪68...........................‬‬

‫العمل في رمضان‪76...........................................‬‬

‫فضل قراءة القرآن في رمضان ‪82.............................‬‬

‫الصــ ْب ِــر ‪90.......................................‬‬ ‫َر َم َض ُ‬


‫ان َش ْه ُـر َّ‬

‫حفظ الصيام‪95...............................................‬‬

‫الص َيا ِم َوك ََمـا ُله‪103.......................................‬‬


‫َت َما ُم ِّ‬

‫دعوة لمحاسبة النّفس في شهر رمضان ‪108....................‬‬

‫فضائل ليلة القدر ‪113..........................................‬‬


‫‪277‬‬

‫من فضائل ليلة القدر ‪121......................................‬‬

‫الحث على اغتنام األيام األخيرة من رمضان ‪126................‬‬

‫موعظة في خاتمة شهر رمضان ‪132............................‬‬

‫أحكام آخر شهر رمضان ‪137....................................‬‬

‫َو َد ُاع َر َم َضان ‪146................................................‬‬

‫دروس شهر رمضان ‪151........................................‬‬

‫كثرة مواسم الخيرات (في وداع رمضان)‪160...................‬‬

‫وماذا بعد رمضان‪168...........................................‬‬

‫الحث على مداومة الطاعة بعد رمضان ‪175....................‬‬

‫خطب أعياد الفطر‪184..........................................‬‬

‫خطبة عيد الفطر لعام ‪1421‬هـ ‪185...............................‬‬

‫خطبة عيد الفطر لعام ‪1422‬هـ ‪194..............................‬‬


‫‪278‬‬

‫خطبة عيد الفطر لعام ‪1423‬هـ‪207..............................‬‬

‫خطبة عيد الفطر لعام ‪1424‬هـ ‪217..............................‬‬

‫خطبة عيد الفطر لعام ‪1428‬هـ‪228.............................‬‬

‫خطبة عيد الفطر لعام ‪1430‬هـ ‪237.............................‬‬

‫خطبة عيد الفطر لعام ‪1432‬هـ‪245.............................‬‬

‫خطبة عيد الفطر لعام ‪1437‬هـ‪254.............................‬‬

‫خطبة عيد الفطر لعام ‪1439‬هـ ‪267.............................‬‬

You might also like