You are on page 1of 2

‫أسرار صالة االستخارة‬

‫ما كان يفعله أهل الجاهليّة من االستقسام باألزالم والحجارة‬ ‫صالة االستخارة‪ ،‬التي جعلها هللا لعباده المؤمنين بديال ً ع ّ‬
‫ن كثيراً من الناس‬
‫عظَم أثرها في حياة المؤمن‪ ،‬إال أ ّ‬
‫ماء‪ ،‬التي ال تنفع وال تضرّ‪ ،‬وعلى الرغم من أهميّة هذه الصالة‪ ،‬و ِ‬ ‫الص ّ‬
‫قد زهد فيها‪ ،‬إ ّما جهال ً بفضلها وأهميتها‪ ،‬وإ ّما نتيجة لبعض المفاهيم الخاطئة التي شاعت بين الناس م ّ‬
‫ما ال دليل عليه‬
‫من كتاب وال سنّة‪ ،‬وهذا ما أردت التنبيه إليه في هذه العجالة‪ ،‬فمن هذه المفاهيم‪:‬‬

‫ن صالة االستخارة إنّما ُتشرع عند التردد بين أمرين‪ ،‬وهذا غير صحيح‪ ،‬لقوله في الحديث‪(:‬إذا‬
‫أوال ‪ :‬اعتقاد بعض الناس أ ّ‬
‫م أحدكم باألمر)‪.‬‬‫ه ّ‬
‫م مرتبة تسبق العزم‪ ،‬كما قال الناظم مبيّناً مراتب القصد‪:‬مراتب القصد خمس‪( :‬هاجس) ذكروا‬
‫ولم يقل ( إذا تردد )‪ ،‬واله ّ‬
‫فعت سوى األخير ففيه األخذ قــد وقعا‬
‫ْ‬ ‫م ) فـ ( عزم ) كلها‪ُ ،‬ر‬
‫فـ (خاطر)‪ ،‬فـ (حديث النفس) فاستمعا يليه ( ه ّ‬

‫م بفعله‪ ،‬فليستخر هللا على الفعل ثم ليقدم‬ ‫فإذا أراد المسلم أن يقوم بعمل‪ ،‬وليس أمامه سوى خيار واحد فقط قد ه ّ‬
‫دة خيارات‪ ،‬فعليه أوّال ً ـ بعد أن يستشير من يثق‬
‫م بتركه فليستخر على الترك‪ ،‬أ ّما إن كان أمامه ع ّ‬
‫عليه‪ ،‬فإن كان قد ه ّ‬
‫دم بين يدي ذلك‬ ‫دد خياراً واحداً فقط من هذه الخيارات‪ ،‬فإذا ه ّ‬
‫م بفعله‪ ،‬ق ّ‬ ‫به من أهل العلم واالختصاص ـ أن يح ّ‬
‫االستخارة‪.‬‬

‫ن االستخارة ال تشرع إال في أمور معيّنة‪ ،‬كالزواج والسفر ونحو ذلك‪ ،‬أو في األمور الكبيرة ذات‬‫ثانياً ‪:‬اعتقاد بعض الناس أ ّ‬
‫الشأن العظيم‪ ،‬وهذا اعتقاد غير صحيح‪ ،‬لقول الراوي في الحديث‪ (( :‬كان يعل ّمنا االستخارة في األمور كل ّها‪.)) ..‬‬

‫ولم يقل‪ :‬في بعض األمور أو في األمور الكبيرة‪ ،‬وهذا االعتقاد جعل كثيراً من الناس يزهدون في صالة االستخارة في‬
‫أمور قد يرونها صغيرة أو حقيرة أو ليست ذات بال؛ ويكون لها أثر كبير في حياتهم‪.‬‬

‫د لها من ركعتين خاصّتين‪ ،‬وهذا غير صحيح‪ ،‬لقوله في الحديث‪:‬‬ ‫ثالثاً ‪ :‬اعتقاد بعض الناس أ ّ‬
‫ن صالة االستخارة ال ب ّ‬
‫(( فليركع ركعتين من غير الفريضة‪.))..‬‬

‫م فيشمل تحيّة المسجد والسنن الرواتب وصالة الضحى وسنّة الوضوء وغير ذلك من‬ ‫فقوله‪" :‬من غير الفريضة" عا ّ‬
‫النوافل‪ ،‬فباإلمكان جعل إحدى هذه النوافل ـ مع بقاء نيتها ـ لالستخارة‪ ،‬وهذه إحدى صور تداخل العبادات‪ ،‬وذلك حين‬
‫تكون إحدى العبادتين غير مقصودة لذاتها كصالة االستخارة‪ ،‬فتجزيء‬
‫ن حقيقة االستخارة‬ ‫رابعاً ‪ :‬اعتقاد بعض الناس أنّه ال بد من انشراح الصدر للفعل بعد االستخارة‪ ،‬وهذا ال دليل عليه‪ ،‬أل ّ‬
‫خ ْي ٌر لَّك ْ‬
‫ُم‬ ‫ش ْيئاً َو ُ‬
‫ه َو َ‬ ‫سى َأن تَ ْك َر ُ‬
‫هو ْا َ‬ ‫تفويض األمر هلل‪ ،‬حتّى وإن كان العبد كارهاً لهذا األمر‪ ،‬وهللا عز وجل يقول‪َ (( :‬و َع َ‬
‫م ال َ تَ ْعلَ ُ‬
‫مونَ )) (البقرة‪)216:‬‬ ‫م َوَأ ُ‬
‫نت ْ‬ ‫ُم َوالل ّ ُه يَ ْعلَ ُ‬
‫ش ٌّر لَّك ْ‬ ‫ش ْيئاً َو ُ‬
‫ه َو َ‬ ‫سى َأن تُ ِ‬
‫حبُّو ْا َ‬ ‫َو َع َ‬

‫وهذا االعتقاد جعل كثيراً من الناس في حيرة وتردد حتى بعد االستخارة‪ ،‬وربّما كرّر االستخارة مرّات فال يزداد إال حيرة‬
‫وتردّداً‪ ،‬ال سيما إذا لم يكن منشرح الصدر للفعل الذي استخار له‪ ،‬واالستخارة إنّما شرعت إلزالة مثل هذا التردد‬
‫واالضطراب والحيرة‪.‬‬

‫وهناك إعتقاد أنه البد من شعور بالراحة أو عدمها بعد صالة اإلستخارة وهذا غير صحيح فربما يعتري المرء شعور‬
‫بأحدهما وربما ال ينتابه أي شعور فال يردده ذلك بل الصحيح أن هللا يسير له ما أختاره له من أمر ويتمه‪.‬وهللا أعلم‪..‬‬

‫خامساً ‪ :‬اعتقاد بعض الناس أنّه ال ب ّ‬


‫د أن يرى رؤيا بعد االستخارة تدله على الصواب‪ ،‬وربّما توقّف عن اإلقدام على العمل‬
‫بعد االستخارة انتظاراً للرؤيا‪ ،‬وهذا االعتقاد ال دليل عليه‪ ،‬بل الواجب على العبد بعد االستخارة أن يبادر إلى العمل‬
‫مفوّضاً األمر إلى هللا كما سبق‪ ،‬فإن رأى رؤيا صالحة تبيّن له الصواب‪ ،‬فذلك نور على نور‪ ،‬وإال فال ينبغي له انتظار ذلك‪.‬‬

‫هذه بعض المفاهيم الخاطئة حول صالة االستخارة‪ ،‬والتي قد تصدر أحياناً من بعض المنتسبين للعلم‪ ،‬م ّ‬
‫ما يؤصّل هذه‬
‫المفاهيم في نفوس الناس‪ ،‬وسبب ذلك التقليد الجامد‪ ،‬وعدم تدبّر النصوص الشرعية كما ينبغي‪ ،‬ولست بهذا أزكي‬
‫نفسي‪ ،‬فالخطأ واقع من الجميع‪.‬‬

‫هذا ومن أراد االستزادة في هذا الموضوع فليراجع كتاب‪ ( :‬سرّ النجاح ومفتاح الخير والبركة والفالح )‪ ،‬وهو كتيّب صغير‬
‫الحجم‪ ،‬ففيه المزيد من المسائل المهمة‪ ،‬والشواهد الواقعية الدالة ‪...‬‬

You might also like