Professional Documents
Culture Documents
محاضرات في المدخل للقانون المجموعة ب
محاضرات في المدخل للقانون المجموعة ب
السنة الجامعية:
2021 -2020
1
املقدمة
(أوال) -ضرورة القانون :اإلنسان بوصفه كائن اجتماعي يعيش في جماعة معينة تربطه
بأفرادها عالقات وروابط متعددة ،وهو في سعيه إلشباع حاجاته وغرائزه ينش ىء العديد من
املعامالت – البيوع ،الزواج ،التملك ،املقايضة -التي تكون في األعم الغالب مصحوبة باملنافسة
واملنازعة واستعمال القوة والعنف .لذا كانت الحاجة ماسة منذ بدء الخليقة لوجود نواميس
وقواعد للضبط االجتماعي ،ترمي إلى استقرار النظام و تحقيق األمن والتوفيق بين الرغبات
واملصالح املتعارضة بين األفراد .ونواميس الضبط االجتماعي وتحقيق االستقرار واألمن متعددة
ﹰ
ضروريا لبقاء املجتمع واستمراره وملنع كاألخالق والدين والتربية والقانون ،ويعتبر هذا األخير شرطاﹰ
اعتداء األفراد على بعضهم البعض)1( .
وال يمكن أن يتحقق التعايش السلمي بين أفراد الجماعة إذا لم تكن هناك قواعد تحدد لهم
حقوقهم وواجباتهم ،وأكثر من ذلك ففي عصرنا الحاضر يقاس تقدم املجتمعات بمدى خضوعها
واحترامها لقوانينها .والدولة التي تكون فيها كلمة القانون هي العليا ويحترم فيها كل من الحاكم
واملحكوم القانون ،تسمى دولة القانون .L’État de droitفالقانون إذن ضرورة ال غنى عنها
بالنسبة للمجتمع ،وبذلك يتضح أن اجتماع البشر واحتكاكهم مع بعضهم ،واتصالهم وتفاعلهم مع
البيئة هو األساس الحقيقي لنشأة القانون ونموه وتطوره)2( .
(ثانيا) -أهداف القانون :ويعد القانون من أهم آليات الضبط االجتماعي نظراﹰ لشموله
وتغطيته كافة جوانب املعامالت التي يقوم بها األفراد داخل املجتمع ،ويقوم بهذه املهمة من خالل
تحديد ما يعود لكل فرد وما ما يقع عليه .فهو يحمي املصالح املشروعة ويدافع عنها بتقريره
للحقوق ،وفي نفس الوقت يبين واجبات األفراد تجاه بعضهم البعض من خالل تحديد التزاماتهم.
إن التزام كل فرد من أفراد املجتمع باحترام الغير في نفسه وماله وعرضه يحقق األمن الفردي
ويضمن استقرار الحياة اإلنسانية داخل املجتمع)3( .
غير أن بيان الحقوق وتحديد االلتزامات وإن كان الهدف األول للقانون ،إال أن هذه األهداف
اتسعت وتنوعت وزادت أبعادها وتطور مضمونها في العصر الحديث ،إذ أصبح القانون أداة فعالة
إلحداث التغيير االقتصادي واالجتماعي في الجماعة ،فالقوانين االقتصادية تلعب دوراﹰ ﹰ
هاما في
تنفيذ خطط التنمية واستقرار االقتصاد الوطني .وتساهم القوانين ذات الطابع االجتماعي في إعادة
( )1عبد الرزاق أحمد السنهوري وأحمد حشمت أبو ستيت ،أصول القانون أو املدخل لدراسة القانون( [ ،القاهرة) :مطبعة لجنة
التأليف والترجمة والنشر ،الطبعة األولى ،]1950 ،هامش ،1ص .18
Jean Dabin, Théorie général du droit. Paris, Dalloz, coll « Philosophie du droit», 1969, p. 17.
( )2علي فياللي ،مقدمة في القانون( [ ،الجزائر) :موفم للنشر ،دون طبعة ،]2010 ،ص .11
( )3محمود السقا ،فلسفة وتاريخ النظم االجتماعية والقانونية( [ ،القاهرة) :دار الفكر العربي ،دون طبعة ،]1978 ،ص .13
2
ي droit politique توزيع الدخل والثروة وحماية الطبقات الفقيرة والهشة .ويلعب القانون السياس
دوراﹰ بارزﹰا في تحديد أبعاد وطبيعة النظام السياس ي – نظام رئاس ي أو شبه رئاس ي أو برملاني -من
جهة ،وتنظيم عالقة السلطة باملواطنين من جهة أخرى)1( .
(ثالثا) -تعريف القانون :القانون مصطلح مستحدث في اللغة العربية ،والكلمة دخيلة وهي
ترادف التشريع .والشريعة لغةﹰ هي املواضع واألماكن التي ينحدر املاء منها ،فهي الطريق وبها سمي ما
سنه هللا من دين .والتشريع يعني املسطرة أو العصا املستقيمة أو السلوك السوي ،والقانون يعني
املقياس .ويطلق لفظ القانون على العديد من املعاني ،بعضها عام ذو مدلول لغوي أو فلسفي،
وبعضها خاص ذو مدلول وضعي ،والبعض الثالث اصطالحي ذو مدلول فني.
أ-املعنى العام (املدلول اللغوي الفلسفي) :يقصد بالقانون وفقاﹰ لهذا املدلول معنى النظام
واالطراد ،وهو يستخدم فيما يتعلق بالعالقة بين الظواهر املختلفة التي تسير على وتيرة ثابتة ،بما
يمكن معه القول بوجود قانون لهذه الظواهر ،كقانون الجاذبية األرضية في علم الطبيعة ،وقانون
العرض والطلب في علم االقتصاد)2( .
ب -املعنى الخاص (املدلول الوضعي) :ينصرف هذا املعنى إلى نوعين من املدلوالت هي:
ب -1-يقصد بالقانون مجموعة القواعد السارية والنافذة واملطبقة في بلد معين وفي زمن
محدد ،وهذا لتمييزه عن سائر القوانين سواء كانت القوانين القديمة droits anciensالتي تم
إلغائها أو عن قوانين أجنبية ،droits étrangersفيقال مثالﹰ القانون الفرنس ي أو القانون الجزائري
للداللة على جملة القواعد املعمول بها في كل من فرنسا أو الجزائر .ويطلق على هذا املعنى للقانون
اصطالح القانون الوضعي )3( .droit positif
ب -2-كما يقصد به مجموعة القواعد التي تصدرها السلطة التشريعية (البرملان) والتي
تسمى بالتشريع ،Loiوهو كل قاعدة مكتوبة تنظم أمر معين .وبهذا املعنى يقال :القانون املدني،
قانون محاربة الفساد ،قانون الشهر العقاري ،قانون العمل ...واملقصود بذلك التشريع الصادر
بتنظيم مسائل معينة مثل تنظيم الجرائم وبيان عقوباتها والذي ينص عليها قانون العقوبات)4( .
وتكون كلمة القانون في هذه الحالة مرادفة ملصطلح التقنين ،Codeأي مجموعة املواد
والنصوص الخاصة بفرع معين من فروع القانون والتي تنظم مادة معينة ،كتلك القواعد املكتوبة
والصادرة عن السلطة التشريعية والتي تنظم الوالية والبلدية وتحدد االختصاصات املمنوحة لها،
والتي يتم جمعها في شكل كتاب ويسمى بتقنين الجماعات املحلية)5( .
( )1محمد حسين منصور ،مبادئ القانون( [ ،اإلسكندرية) :دار الجامعات الجديدة ،دون طبعة ،]2001 ،ص .7
( )2عبد املنعم فرج الصده ،أصول القانون([ ،القاهرة) :مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي ،دون طبعة ،]1965 ،ص .11
(3) Yvaine Buffelan-Lanore et Virginie Larribau-Terneyre, Droit civil. Introduction- Biens- Personnes-
3
ت -املعنى االصطالحي (املدلول الفني) :وهذا املعنى هو الذي يعنينا ،ويعرف القانون وفقاﹰ له
بأنه « مجموعة من القواعد التي تنظم سلوك األفراد والعالقات املختلفة بعضهم ببعض في
املجتمع»( . )1كما يعرفه جانب ثاني من الفقه بأنه « مجموعة القواعد التي تحكم سلوك األفراد في
الجماعة والتي يتعين عليهم الخضوع لها ولو بالقوة إذا لزم األمر » ( .)2ويعرفه جانب ثالث من الفقه
بأنه « مجموعة القواعد التي تنظم سلوك األفراد في الدولة التي تكفل السلطة العامة احترامها
وذلك عن طريق جزاء يوقع جبراﹰ على من يخالف هذه القواعد عند اللزوم »(. )3
(رابعا) -تحديد مدلول بعض املصطلحات :مما تقدم يتضح بأن القانون مجموعة من
القواعد التي تنظم سلوك األشخاص داخل املجتمع سواء كانت طبيعية – أي األفراد -أو اعتبارية
– أي الشركات واملؤسسات والبلديات والواليات ،-والتي تتكفل السلطات العامة في الدولة بضمان
احترامها وتوقيع الجزاء على من يخالف أحكامها وأوامرها .وال يكتمل تعريف القانون إال بتحديد
مدلول كل من القانون املوضوعي والقانون الشخص ي (أ) ،والقانون والقاعدة القانونية (ب).
أ-القانون املوضوعي droit objectifوالقانون الشخص ي :droit subjectifيقسم الفقه
العربي مؤلفاتهم املتعلقة باملدخل للقانون إلى جزأين يخصصون األول منها لفكرة القانون أما
الثاني فيتناولون فيه فكرة الحق .ولعل من بين مبررات هذا التقسيم أن مصطلح droitبالفرنسية
لها م عنيان :فهي تدل من جهة على مجموع القواعد السلوكية التي يخضع لها األفراد والتي تملي
عليهم ما يجب فعله وما ال يجب فعله ،وهذا هو القانون .droit objectifومن جهة أخرى تشير إلى
الصالحية التي يمنحها القانون للفرد ويحميها ،كحق امللكية وحرية التنقل والحرمة الجسدية...
وهذا هو الحق .droit subjectifوللتمييز بين املعنيين يضاف أحياناﹰ إلى مصطلح droitصفة
objectifفيقال ( droit objectifالقانون املوضوعي) الذي يعني القانون أو القاعدة القانونية.
وتضاف عبارة subjectifفيقال ( droit subjectifقانون شخص ي) للشارة إلى الحق أو املصلحة
املشروعة التي يحميها القانون)4( .
ورغم أن اللغة العربية ال تحتاج إلى هذا التدقيق االصطالحي باعتبار ها تتوفر على
مصطلحين مختلفين لكل منهما معناه الخاص والدقيق وهما القانون والحق ،إال أن املؤلفات
الفقهية العربية درجت على تناول املسألتين معاﹰ .ويرجع ذلك إلى االرتباط الوثيق بين فكرتي القانون
والحق .فالحق ال وجود له إال إذا أقره القانون ،وعليه فالحق الذي ال يعترف به القانون ال يعتبر
ﹰ
حقا .
( )1محمد بقيق ،مدخل عام لدراسة القانون :مفهوم القانون -أساس القانون -مصادر القانون([ ،تونس) :مركز النشر الجامعي،
الطبعة األولى ،]2002 ،ص .10
( )2توفيق حسن فرج ،املدخل للعلوم القانونية([ ،القاهرة) :دار الجامعة ،دون طبعة ،]1993 ،ص .15
( )3سعيد سعد عبد السالم ،املدخل في نظرية القانون([ ،القاهرة) :مطبعة الوالء الحديثة ،الطبعة األولى ،]2007 ،ص .11
(4) Laetitia Simonet, Introduction au droit. Paris, lextenso éditions, 2 éme Édition, 2015, p. 6.
4
ب -القانون والقاعدة القانونية :يستفاد مما سبق أن القانون يستهدف تنظيم روابط
األفراد فيما بينهم ،ووسيلة القانون في ذلك هو فرض قواعد سلوكية تحدد ما له وما عليه .وتسمى
القواعد املذكورة بالقواعد القانونية .la règle de droitوعليه فإن القاعدة القانونية هي إذن
الوحدة التي يتكون منها القانون ،وتجدر اإلشارة منذ البداية إلى أن تعبير القاعدة القانونية ال
يتطابق بالضرورة مع النص القانوني أو ما نسميه باملادة القانونية الواردة في القانون املدني أو
التجاري أو أي قانون أخر مكتوب .فاملقصود بهذا التعبير األخير الحكم القانوني املدون كتابة،
لذلك فإن القاعدة القانونية قد تكون مدونة في إطار نص قانوني ،وقد تكون قاعدة عرفية درج
الناس على إتباعها دون أن يتضمنها نص قانوني مكتوب)1( .
(خامسا) -تقسيم الدراسة :وتقتض ي دراسة النظرية العامة للقانون تقسيمها إلى ثالثة
فصول:
الفصل األول:مفهوم القاعدة القانونية.
الفصل الثاني:مصادر القاعدة القانونية.
الفصل الثالث :سريان القاعدة القانونية.
( )1حمدي عبد الرحمن ،فكرة القانون :بحث في تعريف القانون -أهدافه -أساسه -نظرية القاعدة القانونية -مصادر القانون[ ،
(القاهرة) :دار الفكر العربي ،الطبعة األولى ،]1979 ،ص .8
5
الفصل األول :مفهوم القاعدة القانونية
عناصرالفصل األول
تنظم القاعدة القانونية السلوك الخارجي للنسان (أوال) ،وتفرض السلوك الواجب إتباعه
(ثانيا) ،وتتسم بالطابع االجتماعي (ثالثا).
أوال -القاعدة القانونية توجه السلوك الخارجي للنسان :يقوم القانون بتنظيم سلوك
األفراد في الجماعة ،وعليه فإن القاعدة القانونية قاعدة سلوكية règle de conduitتهتم
بالعالقات والروابط االجتماعية comportements sociauxوتصرفات وأعمال اإلنسان الظاهرة،
( )1بينما يرى بعض الفقه بأن للقاعدة القانونية خمسة خصائص ،فهي قاعدة سلوك اجتماعي ،وقاعدة عامة ومجردة ،وقاعدة ذات
مصدر خارجي ،وقاعدة ملزمة ،وقاعدة ذات غاية اجتماعية .علي فياللي ،مقدمة في القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .43
6
وال تهتم باالعتقاد والنية واملشاعر واألحاسيس الداخلية أو النوايا التي تظل حبيسة النفس
البشرية .وعليه فمن يضمر الحقد والكراهية لشخص ما أو ينوي قتله ،وظلت تلك األحاسيس
والنوايا كامنة بداخله دون أن تظهر إلى الحيز الخارجي بأي وسيلة من وسائل التعبير ،فإن القانون
ال يلقي اهتماماﹰ بها .وهذا ما يميز القواعد القانونية عن عن القواعد األخالق والدين كونهما يعتدان
بالنوايا واملقاصد)1( .
وليس معنى هذا أن القاعدة القانونية ال تحكم إال السلوك الخارجي لألفراد أن القانون ال
يرتب أثراﹰ أو نتيجةﹰ على النوايا إذا اقترنت بسلوك خارجي وكانت على صلة به ،بل يعتد بها ويدخلها
في االعتبار .فعقوبة القتل العمد تختلف عن عقوبة القتل الخطأ ألن نية إزهاق روح الضحية
صاحبت فعل القتل الذي قام به الجاني ،بخالف حالة القتل الخطأ ألن الجاني لم تكن له نية أصالﹰ
بقتل الضحية .كما يلعب حسن النية أو سوء النية دوراﹰ ﹰ
مهما في ترتيب اآلثار القانونية في كثير من
ﹰ
قانونيا ،ومقدار الحاالت ،مثل مدى اعتبار الشخص الذي يحوز ملك الغير عاصباﹰ أم حائزاﹰ
ي في حاالت املسؤولية)2( . التعويض الذي يحكم به القاض
على أن بعض الفقه العربي يستبد خاصية بأن القاعدة القانونية تحكم السلوك الخارجي للنسان
دون نيته - ،ويضيف -بأن هذا القول غير صحيح ألن قواعد القانون الجنائي تضع تفرقة أساسية بين
الجرائم التي ارتكبت بقد وتلك التي ارتكبت بغير قصد .وكذلك القانون املدني يعتد بالنية في موضوعات
كثيرة كموضوع الغش والتعسف في استعمال الحق ،وعدم مشروعية السبب في التعاقد)3( .
ويترتب عن كون القاعدة القانونية قاعدة اجتماعية أن يختلف القانون من عصر إلى آخر
ومن دولة إلى أخرى ،بل وقد يختلف في الدولة الواحدة من فترة إلى أخرى .فهو يتطور بتطور
املجتمع حتى يستجيب لحاجاته الجديدة ،ويساير اتجاهاته املستحدثة ،ومن أجل هذا نجد
املشرع يتدخل من وقت إلى آخر د ،فيعدل في القانون أو يغير فيه بما يتالءم مع الظروف الجديدة
في املجتمع)4( .
ثانيا -القاعدة القانونية تفرض السلوك الواجب :قوانين الطبيعة تتضمن قواعد تقريرية
ألنها مقررة للواقع كما هو دون أن تحاول إحداث أي تغيير فيه أو تأثير عليه .كونها تكشف عن
العالقة املطردة بين ظاهرتين أحداهما السبب واألخرى نتيجة له (درجة حرارة °100تعتبر السبب
( )1محمد حسين منصور ،مبادئ القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .75
( )2أحمد السعيد الزقرد ،املدخل للعلوم القانونية .الكتاب األول :نظرية القانون([ ،القاهرة) :دار النهضة العربية ،دون طبعة،
،]2001ص .33
( )3من هذا الرأي :سمير تناغو ،النظرية العامة للقانون([ ،اإلسكندرية) :منشأة املعارف ،دون طبعة ،]1974،ص .30
( )4عبد هللا مبروك النجار ،املدخل املعاصر لفقه القانون([ ،القاهرة) :دار النهضة العربية ،الطبعة الثالثة ،]2006 ،ص .19لذا نجد
أن املشرع ومع تطور تكنولوجيات اإلعالم واالتصال وكذا تقدم الذكاء االصطناعي تدخل في العديد من الدول وأصدر تشريعات جديدة
تنظم هذا امليدان .كما أنه أصدر قوانين تتعلق بحماية الحقوق والحريات الفردية في البيئة الرقمية ،ونظم طرق إبرام العقود عبر
األنترنت.
7
في حصول النتيجة املتمثلة في تبخر املاء) .أما قواعد القانون فإنها ذات طبيعة تقويمية ألنها
تنصب على تغيير سلوك اإلنسان وتبين ما ينبغي أن يكون عليه هذا السلوك في املجتمع)1( .
ثالثا -القاعدة القانونية تفرض السلوك الواجب إتباعه كأمر أو تكليف أو تخيير :تفرض
القاعدة القانونية على األشخاص سلوكاﹰ ﹰ
معينا ،إذ تأمرهم بإتيانه أو تنهاهم عنه ،أو تكتفي بإباحته.
()2
ويكون التكليف في صورة األمر عندما تطالب القاعدة القانونية الشخص املخاطب بأحكامها
القيام بعمل معين .فاملادة 495من القانون املدني تأمر املستأجر باملحافظة على العين املؤجرة
حيث نصت على أنه « ...أن يعتني – أي املستأجر -بالعين املؤجرة وأن يحافظ عليها.» ...
ويكون التكليف في صورة النهي عندما تطالب القاعدة القانونية الشخص املخاطب
بأحكامها االمتناع عن القيام بعمل معين .فاملادة 483من القانون املدني تأمر املؤجر باالمتناع عن
كل األعمال التي من شأنها أن تمنع املستأجر من االنتفاع العادي بالعين املؤجرة أو تقلل منه ،حيث
نصت على أنه « ...يمتنع – أي املؤجر -عن كل ما من شأنه أن يحول دون انتفاع املستأجر بالعين
املؤجرة.» ...
ويكون التكليف في صورة اإلباحة عندما تترك القاعدة القانونية الشخص املخاطب
بأحكامها حراﹰ في إتباعها أو عدم إتباعها ،وهذا ما ورد على سبيل املثال في املادة 493من القانون
املدني التي تنص « ...يجوز للمستأجر أن يضع بالعين املؤجرة أجهزة لتوصيل املياه والكهرباء والغاز
والتلفون .» ...والحقيقة أن مثل هذه الحرية التي يتمتع بها الشخص بشأن إتيان السلوك من
عدمه ،ال تعني أنها حرية مطلقة ،بل الغرض من ذلك هو تنظيم هذه الحرية بحيث يتعين على
الغير – أي األشخاص اآلخرين -احترام هذه الحرية بالتوقف عن كل التصرفات التي تمنع املستأجر
من هذه اإلباحة)3( .
()1ويضيف جانب من الفقه بأن الواقع هنا – أي سلوك األفراد -هو الذي يخضع للقانون فيعمل على مسايرة أحكامه وقواعده ،وليس
القانون هو الذي يخضع للواقع فيسايره بأن يشكل نفسه حسب ما عليه سلوك األفراد فعالﹰ .حسين منصور ،املدخل للقانون.
القانون بوجه عام -النظرية العامة للقاعدة القانونية -النظرية العامة للحق([ ،اإلسكندرية) :منشأة املعارف ،دون طبعة،]1976 ،
ص .20
( )2محمد حسين منصور ،مبادئ القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .77
( .)3علي فياللي ،مقدمة في القانون [ ،املرجع السابق] ،ص ص .47 -45
8
التي يتعين بها األشخاص املقصودون بخطابها ،والشروط التي يلزم توافرها في الوقائع التي تنطبق
عليها ،وكل شخص توافرت فيه هذه الصفات وكل واقعة جمعت هذه الشروط انطبقت عليها
القاعدة القانونية)1( .
ومثل ذلك القاعدة القانونية التي تحدد سن الرشد في الجزائر ،فهي قاعدة عامة ومجردة
بالنسبة إلى املخاطبين بحكمها ،حيث ينصرف حكمها على كل من يبلغ هذا السن ،وهي موجهة إلى
فئة من األفراد غير متناهية في عددها ،ومعينة بأوصافها ال بذاتها .ذلك أن املشرع أقر الوضع
الغالب في األفراد الذين تتوافر فيهم النضج العقلي عندما يبلغون هذه السن .وقد أخذ املشرع
بالوضع الغالب ألن التساوي والتماثل في الظروف مسألة نادرة الحدوث ،وذهب بعض الفقه إلى أن
املشرع لو أراد تحديد سن البلوغ على أساس العدالة وليس العدل لجعل مناط تحديد هذه السن
بتوفير النضج العقلي لكل شخص على حده)2( .
ولكن ال يشترط لتوفير صفة العمومية انطباق القاعدة القانونية على جميع أفراد املجتمع،
إذ قد يقتصر تطبيقها على طائفة أو فريق منه توافرت فيه صفات معينة .فالقانون التجاري
يقتصر على تنظيم العالقات بين طائفة التجار ،بينما القانون املدني ينصرف إلى جميع أفراد
املجتمع ،وهذا ال يمنع من االعتراف بصفة العمومية للقانون التجاري .بل إن من القوانين ما
ينطبق على شخص واحد ،ما دام هذا الشخص منظوراﹰ إليه بصفته ال بذاته كالقانون املنظم
لسلطات واختصاصات رئيس الجمهورية)3( .
أما خاصية التجريد abstraiteفيقصد بها أنه عند صياغة القاعدة القانونية فإنها لم
توضع لتطبق على شخص معين أو واقعة معينة ،وإنما وضعت بطريقة مجردة عن االعتداد بأي
شخص أو بأي واقعة)4( .
( )1محمد الشرفي وعلي املزغني ،مدخل لدراسة القانون ([ ،تونس) :املركز القومي البيداغوجي ،الطبعة الثانية ،]1993 ،ص .31سمير
تناغو ،النظرية العامة للقانون[ ،املرجع السابق] ،ص .37
( )2سعيد سعد عبد السالم ،املدخل في نظرية القانون[ ،املرجع السابق] ،ص .35
( )3أنور سلطان ،املبادئ القانونية العامة ([ ،القاهرة) :دار الجامعة الجديدة للنشر ،دون طبعة ،]2005 ،ص .22أن القاعدة
القانونية ال تخاطب شخصاﹰ ﹰ
معينا بذاته بل هي توجه إلى األفراد بصفاتهم ،وتحكم حاالت معينة كلما توافرت شروطها طبقت أحكامها.
هذا بخالف القرارات اإلدارية التي تتعلق بفرد معين بذاته ،كالقرار اإلداري الصادر بتعيين موظف معين ،أو القرار اإلداري الصادر بنزع
ملكية عقارية يمتلكها شخص معين .مصطفى محمد عرجاوي « .ضوابط القاعدة القانونية ومدى تميزها عن القواعد االجتماعية
األخرى » [ ،مجلة كلية الشريعة والقانون بأسيوط .جامعة األزهر .العدد ،2السنة ،]1984ص .61
( )4سمير تناغو ،النظرية العامة للقانون[ ،املرجع السابق] ،ص .37وكذلك:
Yvaine Buffelan-Lanore et Virginie Larribau-Terneyre, Droit civil. Introduction- Biens- Personnes- Famille.
op. cit, p. 9.
9
ثانيا -الغاية من خاصية العمومية والتجريد :ملا كانت القاعدة القانونية عامة ومجردة كونها
ﹰ
مجردا ال تتضمن تكليفاﹰ -أي األمر بالقيام بعمل معين أو األمر بعدم القيام بعمل معين -ﹰ
عاما
يستنفذ تطبيق ما على شخص أو واقعة معينة لذا فهو يكتسب صفة الدوام ( ،)1فإن ذلك يسمح
بتحقيق الغايات التالية)2(:
تسمح خاصية العمومية والتجريد بتحقيق املساواة بين الناس أمام القانون ومنع .I
التحيز ملصلحة شخص معين أو ضد شخص معين ،إذ أن القاعة القانونية تطبق على جميع
الحاالت املماثلة دون تمييز)3( .
تعتبر خاصية العمومية والتجريد ضمانة هامة للحقوق والحريات األساسية التي .II
يتمتع بها األفراد في املجتمع ،ألنها تمنع تعسف واستبدا السلطة الحاكمة في تعاملها مع األفراد،
وتحضر عليها املساس بحقوقهم وحرياتهم وإال عدت تصرفاتها غير مشروعة يمكن الطعن فيها أمام
الجهات القضائية املختصة)4( .
وإن كانت خاصية العمومية والتجريد التي تتمتع بها القاعدة القانونية وثيقة .III
الصلة بمبدأ سيادة القانون ومبدأ املساواة أمام القانون ،فإن صلتها باعتبار عملي أخر ال تقل
أهمية ،واملتمثل في استحالة وضع قرارات وأوامر خاصة لحكم سلوك كل فرد من أفراد املجتمع
على حدة)5( .
ثالثا -التفرقة بين القاعدة القانونية واألمر والقرار الفردي :تسمح خاصية العمومية
والتجريد بتكرار تطبيق القاعدة القانونية ،كلما توافرت الحاالت والشروط التي تنظمها ،أما القرار
أو األمر الخاص الصادر نتيجة تطبيق هذه القاعدة فإنه ينقلها من عالم التجريد إلى عالم الواقع
املحسوس حيث التعيين والتحديد)6( .
لذا فإن القرار الفردي ال يعد قاعدة قانونية ألنه وضع لشخص معين بذاته وهو تطبيق
لقاعدة قانونية سابقة عليه ،ومثال ذلك أن قانون الوظيفة العمومية يخاطب كل املوظفين في
اإلدارات واملرافق العمومية ،لكن قرار ترقية موظف بذاته تطبيقاﹰ لنصوصه ال يعتبر قاعدة
قانونية بل مركز قانوني أنشأه هذا القانون .كما أن قانون الخدمة الوطنية يضع من جانبه قواعد
ومجردا يخاطب كل الشباب الذين تتوافر فيم حاالﹰ أو
ﹰ ليفا ﹰ
عاما عامة ومجردة ألنه يتضمن تك ﹰ
ﹰ
مستقبال الشروط التي حددها ( الذكورة ،السن ،الصحة العقلية والبدنية ،عدم التكفل بأحد
( )1حسن كيره ،حسين ،املدخل للقانون[ ،.املرجع السابق] ،ص .23
( )2محمد سعيد جعفور ،مدخل إلى العلوم القانونية .الجزء األول :الوجيزفي نظرية القانون([ ،الجزائر) :دار هومه ،الطبعة الواحدة
والعشرون ،]2017 ،ص ص .24 -23
( )3محمد سعيد جعفور ،مدخل إلى العلوم القانونية .الجزء األول :الوجيزفي نظرية القانون [ ،املرجع السابق] ،ص ص .24 -23
( )4حبيب إبراهيم الخليلي ،املدخل للعلوم القانونية([ .الجزائر) :ديوان املطبوعات الجامعية ،الطبعة الثانية ،]1992 ،ص .22
(5 )Jean Dabin, Théorie général du droit.op. cit, p. 58.
( )6حبيب إبراهيم الخليلي ،املدخل للعلوم القانونية [ .املرجع السابق] ،ص .22
10
الوالدين) أما القرار الصادر من املؤسسة العسكرية باستدعاء شخص معين بذاته لتأدية هذا
الواجب ،فال يعتبر قاعدة قانونية ،بل يعد تطبيقاﹰ لقاعدة قانونية موجودة سلفاﹰ)1( .
انتهينا إلى أن الغرض من القانون هو بناء نظام اجتماعي عن طريق سن قواعد توجه سلوك
األفراد ،وملا كانت مخالفة هذه القواعد أمراﹰ متصوراﹰ نظراﹰ ملا لألفراد من إرادة حرة تمكنهم من
سلوك طريق الطاعة أو طريق املخالفة ،تعين فرض جزاء يهدف إلى كفالة احترام هذه القواعد حتى
يستقيم نظام الجماعة ويستقر حكم العدل فيها)2( .
إن خاصية إلزام القاعدة القانونية تقوم على فكرة الجزاء الذي يعرفه بعض الفقه بأنه «
القصاص من املخالف لحكم القانون توقعه السلطة العامة املختصة جبراﹰ ،لكي يكون عبرة ملن
تسول له نفسه سلوك مسلكه»( .)3وعليه فإن فكرة الجزاء تعني الضغط على إرادة الفرد وحمله
جبراﹰ على احترام قواعد القانون إن لم يطعها اختياراﹰ ،إذ لو تركت هذه القواعد دون جزاء لتحولت
إلى مجرد نصائح ورجاء إن شاء الشخص إتباعها وإن شاء عدل عنها وخالف أحكامها )4( .والبحث في
خاصية الجزاء الذي يضفي على القاعدة القانونية صفة اإللزام يتطلب بيان الغرض من الجزاء
(أوال) ،ثم عرض خصائصه (ثانيا) ،ثم بيان أنواعه (ثالثا).
أوال -الغرض من الجزاء :يتخذ الغرض من توقيع الجزاء إحدى الصورتين التاليتين :التطبيق
الفعلي للقانون أو معاقبة املخالف للقاعدة القانونية.
التطبيق الفعلي للقاعدة القانونية بالقوة :وهذا عند اتخاذ اإلجراءات التي تجبر .I
الشخص وتلزمه بالتقيد بالقاعدة القانونية أو تنهاه عن مخالفته ومثال ذلك اإلجراءات القانونية
التي يسنها القانون لصالح الدائن والتي تسمح له من اقتضاء حقه رغماﹰ عن إرادة املدين ،وذلك في
حالة امتناع هذا األخير عن الوفاء االختياري بدينه .وفي حالة استحالة التنفيذ العيني على املدين
أجبر هذا األخير على التنفيذ بمقابل أي تقديم تعويض عادل يجبر الضرر الذي لحق الدائن جراء
عدم تنفيذ املدين اللتزامه.
معاقبة املخالف على مخالفته القاعدة القانونية :وهنا يقوم القصاص من .II
املخالف ليكون عبرة ملن تخول له نفسه مخالفة أحكام القاعدة القانونية .وفي هذه الصورة يتضح
أن الغرض من الجزاء ذو طبيعة مزدوجة ،معاقبة املخالف ورد غير من األشخاص.
( )1محمد سعيد جعفور ،مدخل إلى العلوم القانونية .الجزء األول :الوجيزفي نظرية القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .25
( )2حسن كيره ،حسين ،املدخل للقانون[ .املرجع السابق] ،ص .36
( )3محمد سعيد جعفور ،مدخل إلى العلوم القانونية .الجزء األول :الوجيزفي نظرية القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .26
( )4على أن اقتران القاعدة القانونية بالجزاء ال يعني أن احترامها يرجع دائماﹰ إلى خشية الناس من توقيع الجزاء فليس حتما أن يكون
الجالد دائماﹰ حليف املشرع يالزمه حيث يكون وحين يصدر القواعد القانونية .في هذا املعن ى :عبد الحي حجازي ،محاضرات في املدخل
لدراسة العلوم القانونية .الجزء األول :نظرية القانون([ ،القاهرة) :مكتبة عبد هللا وهبة ،الطبعة األولى ،دون تاريخ] ،ص .107
11
وتعتبر قواعد قانون العقوبات أبرز مثال للقواعد القانونية التي يتحقق فيها هذا
الغرض ،فليس الهدف من توقيع الجزاء على مقترف جريمة القتل مثالﹰ إصالح الضرر الذي أحدثه
املجرم ألن هذا اإلصالح كثيراﹰ ما يستحيل تحقيقه ،فليس الهدف من معاقبة املجرم هو إحياء
املجني عليه ،بل توقيع العقوبة عليه وردع غيره حتى ال يقدم على مثل فعلته)1( .
ثانيا -خصائص الجزاء :يتميز الجزاء في القاعدة القانونية عن غيرها من القواعد القانونية
بخصائص معينة هي :أنه مادي محسوس ،وأنه حال ،وأن هناك سلطة تتكفل بتوقيعه.
ﹰ
خارجيا الجزاء في القاعدة القانونية مادي محسوس :ومعنى ذلك أنه يتخذ مظهراﹰ .I
ﹰ
ملموسا ،ألنه يمس من يخالف القاعدة القانونية في جسمه أو ماله أو يتمثل في إزالة املخالفة ذاتها.
وبهذا يتميز الجزاء في القاعدة القانونية عن الجزاء املترتب عن قواعد األخالق واملجامالت ،ألن
الجزاء فيها معنوي يتمثل في تأنيب الضمير واستهجان املجتمع أو الشعور بالندم)2( .
الجزاء في القاعدة القانونية حال :واملقصود بذلك أنه يطبق بمجرد حدوث .II
املخالفة وحيال حياة املخالف ،وبهذا يتميز الجزاء في القاعدة القانونية عن الجزاء في القواعد
الدينية الذي يعتبر جزاء مؤجل أو أخروي( .)3ما لم تندمج القاعدة الدينية بالقاعدة القانونية
الوضعية -عن طريق نقل املشرع ألحكامها وسنها في شكل قانون ملزم -فهنا يصبح لها جزاءان األول
دنيوي حال ،والثاني أخروي مؤجل)4( .
الجزاء في القاعدة القانونية توقعه السلطة العامة :تتكفل الدولة بما تملكه من .III
وسائل القوة واإلجبار والقهر بتوقيع الجزاء على الشخص الذي خالف القاعدة القانونية ولم يلتزم
بأحكامها ،وعليه ال يحق ألي فرد توقيع الجزاء على املخالفين للقانون ،ألن ذلك أيسر الطرق إلى
contrainte إشاعة الفوض ى وسيادة القوة .لذا اعتبر الفقه الجزاء نوعاﹰ من اإلجبار العام
publiqueالذي يفصح عن صفته املادية والحالة واملنظمة التي تثبت له نتيجة قيام السلطة
العامة بقهر اإل ادة العاصية عن طريق القوة املادية تحقيقاﹰ لفكرة العدالة وصيانتها)5( .
ر
ثالثا -أنواع الجزاء الذي تقرره القاعدة القانونية :الجزاء في القاعدة القانونية يأخذ صورﹰا
مختلفة باختالف نوع القاعدة وطبيعة العالقة محل التنظيم كما يتدرج في قوته حسب القيمة
االجتماعية محل الحماية وبحسب جسامة االعتداء وكيفيته ،مما يكفل له الفاعلية والتناسب مع
( )1سمير تناغو ،النظرية العامة للقانون[ ،املرجع السابق] ،ص .76
( )2أحمد السعيد الزقرد ،املدخل للعلوم القانونية .الكتاب األول :نظرية القانون[ ،املرجع السابق] ،ص .35
( )3عبد الرزاق أحمد السنهوري وأحمد حشمت أبو ستيت ،أصول القانون أو املدخل لدراسة القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .15
( )4محمد سعيد جعفور ،مدخل إلى العلوم القانونية .الجزء األول :الوجيزفي نظرية القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .32
( )5حسن كيره ،املدخل للقانون[ .املرجع السابق] ،ص ص . 37 -36
12
جنس مخالفة للقاعدة القانونية،بحيث يرد على املخالف فيعاقبه ويردعه عن أن يكرره ويزجر
غيره في أن يتبعوه)1( .
ففي نطاق القانون الجنائي :يعد الجزاء الجنائي أشد أنواع الجزاءات صرامة .I
وشدة ،حيث يتدرج حسب جسامة الجريمة وحسب القيمة االجتماعية محل الحماية .فقد يكون
الجزاء من طبيعة بدنية يصيب املخالف في جسمه ويسلبه الحياة كما و الحال في عقوبة اإلعدام،
وقد يصيب الشخص في حريته فيسلبها منه كما هو األمر مع السجن املؤبد أو املؤقت أو الحبس،
وقد يمس الجزاء مال املخالف فقط فتكون العقوبة حينئذ في شكل غرامة amendeأو مصادرة
)2( .confiscation
في نطاق القانون املدني :إلى جانب الجزاء الجنائي هناك الجزاء املدني وصوره .II
عديدة ومتنوعي:
أ -الجزاء املباشر أو التنفيذ العيني :وهو الجزاء الذي يجبر الفرد على احترام
القانون وتنفيذ ما التزم به طاملا لم يشأ تنفيذه طواعية ،وهذا ما قررته املادة 164من القانون
املدني بقولها أن « يجبر املدين ...على تنفيذ التزامه تنفيذاﹰ عينيﹰا متى كان ذلك ممكنناﹰ» .وعليه فإذا
امتنع البائع عن تسليم الش يء املبيع املتمثل في سيارة على سبيل املثال ،فإن املشتري يجبره على
تسليمها طاملا أنه دفع ثمنها وطاملا أنه السيارة لم تهلك أو تباع إلى شخص غيره تسلمها قبله)3( .
ب -التنفيذ غير املباشر أو التعويض :قد يكون التنفيذ العيني لاللتزام مستحيالﹰ -
كما لو هلك الش يء املبيع أو تحطم -أو غير مجدي ،وفي هذا الخصوص تنص املادة 176من
القانون املدني بأنه « إذا استحال على املدين تنفيذ االلتزام عينا حكم عليه بتعويض الضرر
الناجم عن عدم تنفيذ التزامه ،ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ نشأت بسبب ال يد له فيه .ويكون
الحكم كذلك إذا تأخر املدين عن تنفيذ التزامه».
ت -إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل حدوث املخالفة :في هذه الحالة فإن الجزاء
يأخذ األشكال الثالثة التالية:
البطالن املطلق :هو جزاء تخلف ركن من أركان التصرف القانوني ،كما
في حالة تخلف ركن التراض ي في العقد ،فحين يبرم صبي غير مميز لم يبلغ سن 13سنة كاملة (املادة
ﹰ
مطلقا لتخلف هذا الركن، ﹰ
بطالنا 42من القانون املدني) تصرف قانوني يكون هذا التصرف باطالﹰ
أو إذا كان التصرف بين شخصين كاملي األهلية لكن يتعلق يتعلق محله بتأجير شقة وسببه
تخصيص تلك الشقة ملمارسة القمار والرذيلة.
( )1رمضان أبو السعود وهشام محمد محمود زهران ،املدخل إلى القانون :النظرية العامة للقاعدة القانونية([ ،اإلسكندرية) :دار
املطبوعات الجامعية ،دون طبعة ،]1997 ،ص .39
( )2محمد سعيد جعفور ،مدخل إلى العلوم القانونية .الجزء األول :الوجيزفي نظرية القانون [ ،املرجع السابق] ،ص ص .36 -35
( )3عبد الرزاق الفحل وآخرون ،املدخل لدراسة األنظمة([ ،جدة) :دار اآلفاق ،الطبعة الثانية ،]1993 ،ص .30
13
البطالن النسبي :هو جزاء تخلف شرط من شروط صحة التصرف
القانوني ،وهي األهلية وسالمة اإلرادة من العيوب .ويتحقق البطالن النسبي مع التصرفات التي
يبرمها الصبي املميز (وهو الذي يتراوح سنه بين 13سنة وأقل من 19سنة املادة 43من القانون
املدني) والتي تقع في دائرة النفع والضرر ،فيجوز طلب إبطالها في حالة عيب يشوب إرادة أحد طرفي
التصرف القانوني)1( .
فسخ التصرف القانوني :في هذه الحالة فإن التصرف نشأ صحيحاﹰ ثم
طرأ سبب يحول دون تنفيذه ،ويتمثل هذا السبب في امتناع أحد طرفي التصرف عن تنفيذ التزامه.
وقد خول القانون للطرف اآلخر حق املطالبة بالفسخ أي التحلل من التزاماته نتيجة إخالل
املتعاقد معه بما عليه من التزام ،مع الحكم له بالتعويض إذا اقتض ى الحال ذلك)2( .
في نطاق القانون اإلداري :الجزاء في القانون اإلداري هو ما تقوم السلطة اإلدارية .III
بتوقيعه على من يخالف قواعد القانون والتنظيم من املوظفين والعاملين باإلدارات واملرافق
العمومية .وقد يأخذ هذا الجزاء عديد الصور منها،اإلنذار avertissementأو التوبيخ blâmeأو
التوقيف عن العمل mise à piedأو التسريح النهائي من الوظيفة ، licenciementأو التنزيل في
الرتبة أو تأخير الترقية والعالوة)3( .
ال ينفرد القانون بمهمة تنظيم العالقات االجتماعية وتصويب سلوك الفرد ،فإلى جانبه
تتواجد أنظمة معيارية وسلوكية أحرى .فالقاعدة القانونية ليست وحدها التي تحكم سلوك األفراد
في املجتمع ،بل توجد إلى جانبها قواعد أخرى تشترك معها في هذه الوظيفة ،وهي قواعد العادات
واملجامالت والتقاليد وقواعد األخالق وقواعد الدين .ومهما عظم شأن القاعدة القانونية واتسع
نطاق تطبيقها ،فهذا ال يؤدي حتماﹰ إلى احتجاب القواعد التي تنتجها نظم الضابط االجتماعي
األخرى ،بل أن األمر يتعلق فحسب بانسحاب هذه النظم الضابطة من الساحة االجتماعية العامة
واقتصارها على الحياة الخاصة ،فال تتدخل الدولة مبدئياﹰ لفرض احترام القواعد الدينية أو
األخالقية أو قواعد العادات واملجامالت والتقاليد إال إذا قام القانون بتبني هذه القواعد )4( .
( )1محمد واصل ،املدخل إلى علم القانون([ ،دمشق) :منشورات جامعة دمشق ،دون طبعة ،]2012 ،ص .39
( )2محمد سعيد جعفور ،مدخل إلى العلوم القانونية .الجزء األول :الوجيزفي نظرية القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .40عبد الرزاق
الفحل وآخرون ،املدخل لدراسة األنظمة[ ،املرجع السابق] ،ص 31
( )3رمضان أبو السعود وهشام محمد محمود زهران ،املدخل إلى القانون :النظرية العامة للقاعدة القانونية[ ،املرجع السابق] ،ص
.40محمد واصل ،املدخل إلى علم القانون[ ،املرجع السابق] ،ص .40
( )4محمد الشرفي وعلي املزغني ،مدخل لدراسة القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .31
14
وعليه فإن الضرورة العملية والعلمية تقتض ي إبراز ما يميز القاعدة القانونية عن قواعد
هذه النظم التقعيدية ،وعليه نفرق بين القانون والعادات واملجامالت والتقاليد (املطلب األول) ،ثم
بينها وبين قواعد األخالق (املطلب الثاني) ،وفي األخير نميزها عن القاعدة الدينية (املطلب الثالث).
املطلب األول :القاعدة القانونية والعادات واملجامالت والتقاليد
يستوجب البحث في عالقة القاعدة القانونية بالعادات وقواعد املجامالت والتقاليد ،تحديد
تعريف لهذه األخيرة (أوال) ،ثم بيان الصلة بينها وبين القواعد القانونية (ثانيا) ،وفي األخير تحديد
نقاط االختالف بينها وبين القواعد القانونية (ثالثا).
أوال -تعريف العادات واملجامالت والتقاليد :يعرف بعض الفقه قواعد العادات واملجامالت
والتقاليد بأنها « مجموعة القواعد التي يرعاها الناس في عالقاتهم اليومية بسبب تعارفهم عليها
واقتناعهم بضرورة احترامها ،ومثل ذلك املواساة في النكبات واملشاركة في السراء بالتهاني واملشاطرة
في الضراء بالتعازي ،وتلبية داعي املكروب ،وإجابة طلب النجدة ،وغير ذلك مما تعارف عليه
املجتمع من عادات وتقاليد ومجامالت »)1(.
ثانيا -الصلة بين العادات واملجامالت والتقاليد والقواعد القانونية :تتشابه العادات
واملجامالت والتقاليد مع القواعد القانونية في أنها قواعد سلوك تقويمية ،ألنها أنها تلعب دوراﹰ مهماﹰ
في ضبط وتوجيه سلوك األفراد في املجتمع .هذه القواعد تؤثر في السلوك ويشعر الناس نحوها
باحترام بالغ يدفعهم إلى الحرص عليها واملواظبة على فعلها ،وذلك خوفاﹰ من تأنيب الضمير .أو
الشعور املؤلم بمخالفة ما تعارف الناس عليه ،أو الخشية والخوف من استنكار املجتمع له)2( .
ثالثا -أوجه اختالف العادات واملجامالت والتقاليد عن القواعد القانونية :على الرغم من أن
القواعد القانونية وقواعد املجامالت والعادات والتقاليد تعتبر قواعد مقومة ومنظمة للسلوك
اإلنساني داخل املجتمع ،إال أن هنا العديد من الفوارق بينها نحصرها في النواحي التالية)3( :
(أ) -من حيث النطاق :تعمل القاعدة القانونية في نطاق حقوق األفراد والتزاماتهم ،أما
قواعد املجامالت والعادات والتقاليد فتعمل في نطاق وضع معالم الحياة االجتماعية املثالية فيما
يخص أفراد املجتمع ببعضهم البعض.
(ب) -من حيث الغاية :نجد أن القاعدة القانونية تهدف إلى الحفاظ على النظام العام في
املجتمع ،أما قواعد املجامالت والعادات والتقاليد فتهدف إلى دعم أواصر التعاون واملودة بين أفراد
املجتمع.
(جـ) -من حيث الجزاء :فبينما الجزاء املترتب عن مخالفة القاعدة القانونية جزاء مادي
ملموس توقعه السلطة العامة جبراﹰ ،أما جزاء مخالفة قواعد املجامالت والعادات والتقاليد فهو
معنوي ،يتمثل في استهجان واستنكار أفراد املجتمع ملن يخرج عن تلك القواعد.
15
مالحظة هامة :يمكن للعادات والتقاليد واملجامالت أن ترتقي إلى مرتبة القواعد القانونية عندما
يصبح جزاء مخالفتها مادي ومنظم ،حيث تتحول في هذه الحالة إلى قاعدة قانونية .ومثال ذلك
قواعد معاملة أعضاء السلك السياس ي والدبلوماس ي فهي في األصل مجامالت دولية أصبحت ترقى
إلى مرتبة القواعد القانونية الدولية.
ولقواعد األخالق طابع نسبي ألنها تختلف داخل إقليم الدولة الواحدة من وقت ألخر ،كما
تختلف من دولة إلى دولة أخرى الختالف طبيعة نظامهما السياس ي أو للعقيدة األيديولوجية التي
تتبناها كل دولة ،أو الختالف مصدر القواعد األخالقية الذي يكون ذو طابع ديني واألخر ذو طابع
إنساني ،لذا انتهى مع فقهاء القانون املدني إلى أنه من الصعب تعريف قواعد األخالق تعريفاﹰ
ﹰ
ودقيقا)2( . ﹰ
ومانعا ﹰ
جامعا
ثانيا -أوجه اختالف القواعد األخالقية عن القواعد القانونية :وإن كانت قواعد األخالق
تشترك مع القواعد القانونية في أن كالهما قواعد مقومة للسلوك ،تستهدف تنظيم العالقات بين
أفراد املجتمع على نحو يحقق األمن واالستقرار فيه ،إال أن هناك أكثر من فارق في هذا املجال بين
كل منهما .ويمكن تحديد هذا االختالف في النقاط التالية)3( :
(أ) -من حيث الغاية :تهدف القاعدة األخالقية إلى تحقيق قيم شخصية معينة تسمح
للنسان بالسمو والكمال ،أما القاعدة القانونية فترمي إلى تحقيق قيم اجتماعية تهدف إلى إقامة
نظام اجتماعي وستقر .فالقانون حينما يجرم القتل ويعاقب عليه فهو يرمي من وراء ذلك الحفاظ
على النظام واالستقرار أي حفظ كيان املجتمع .أما القاعدة األخالقية فتنظر إلى القتل على أنه
انحدار بالنفس البشرية إلى عالم الرذيلة والشر ،ومن ثم يجب السمو بهذه النفس واالرتقاء بها
نحو الكمال)4( .
( )1السيد العربي حسن .القانون واألخالق والقيم([ ،القاهرة):دار النهضة العربية ،الطبعة األولى ،]2000 ،ص .59مصطفى محمد
عرجاوي « .ضوابط القاعدة القانونية ومدى تميزها عن القواعد االجتماعية األخرى » [ ،املرجع السابق] ،ص .61
( )2محمد الشرفي وعلي املزغني ،مدخل لدراسة القانون [ ،املرجع السابق] ،ص ص .107 -106
(3) Laetitia Simonet, Introduction au droit. op. cit, p. 25.
. محمد حسين منصور ،مبادئ القانون [ ،املرجع السابق] ،ص 102 ()4
16
وعليه فإن غاية القاعدة األخالقية أكثر طموحاﹰ من غاية القاعدة القانونية ،إذ بينما تكتفي
األخيرة بالحفاظ على كيان الجماعة واستقرارها ،تستهدف األولى تحقيق صورة مثالية للفرد
واملجتمع تقوم على التعاطف والخير والفضيلة .ومقابل ذلك فإن القاعدة القانونية أكثر واقعية
من نظيراتها األخالقية ،ألنها تخاطب اإلنسان بطبيعته التي تنطوي على الخير أو الشر ،وتعالج
املشاكل االجتماعية واالقتصادية واألمنية والبيئية التي تهدد النظام واالستقرار في الجماعة.
(ب) -من حيث الوضوح والتحديد :إن القواعد القانونية أكثر تحديداﹰ وانض ﹰ
باطا من
القواعد األخالقية التي تنبع من ضمير الجماعة وقيمها وتتجسد في شكل مبادئ عامة غير محددة
املعالم .والسبب في عدم تحديد القاعدة القانونية يرجع إلى جانب اهتمامها بالسلوك الخارجي
للنسان فإنها تهتم بمكامن النفس اإلنسانية ،ألنها تسعى إلى تحديد واجبات اإلنسان وما ينبغي أن
يلتزم به تحقيقاﹰ للكمال والسمو .أما القواعد القانونية فتكون محددة املعنى ألنها تصدر في صورة
نصوص مكتوبة ،وتعالج السلوك الخارجي للنسان وما يصاحبه من نوايا معينة ،وهي تبين ما له
من حقوق وما عليه من واجبات)1( .
(جـ) -من حيث النطاق :مجال تطبيق القاعد األخالقية أوسع من مجال تطبيق القاعدة
القانونية ،ألنها تستهدف أعمال الناس الباطنية ( النية والضمير) والظاهرة (السلوك الخارجي) على
السواء بينهما .بينما ال تهتم القاعدة القانونية إال بالسلوك االجتماعي الخارجي ،بمعنى أخر ال تهتم
إال بسلوك أو عالقة اإلنسان بغيره .القاعدة القانونية جزاء مادي ملموس توقعه السلطة العامة
جبراﹰ ،أما جزاء مخالفة قواعد املجامالت والعادات والتقاليد فهو معنوي ،يتمثل في استهجان
واستنكار أفراد املجتمع ملن يخرج عن تلك القواعد.
مما تقدم يمكن تحديد عالقة كل من القاعدة القانونية والقاعدة األخالقية وتلخيصها في
الجدول التالي)2( :
ﹰ
إطالقا مثل البخل والحقد والنميمة والحسد قواعد أخالقية ال شأن للقانون بها انفصال القانون عن
والغيبة . األخالق
ﹰ
إطالقا مثل قوانين الضرائب ،نظام قواعد قانونية ال دخل لها بالقواعد األخالقية انفصال األخالق عن
الحالة املدنية – سجل املواليد والوفيات -نظام الشهر العقاري. القانون
قواعد التقادم تسقط الدين على املدين في القانون املدني لكن القواعد األخالقية
تعارض القانون مع األخالق
تلزم املدين على الدفع ولو مرت مدة 15سنة كاملة.
(دـ) -من حيث الجزاء :يختلف الجزاء في القاعدة األخالقية عنه في القاعدة القانونية،
فالجزاء األساس ي في األخالق هو تأنيب الضمير أو استهجان الناس واستنكارهم للعمل غير األخالقي
( )1سليمان مرقس .املدخل للعلوم القانونية([ ،القاهرة) عالم الكتاب الحديث ،دون طبعة ،]1967 ،ص .21
( )2محمد الشرفي وعلي املزغني ،مدخل لدراسة القانون [ ،املرجع السابق] ،ص ص .109 -108حمدي عبد الرحمن ،فكرة القانون:
بحث في تعريف القانون -أهدافه -أساسه -نظرية القاعدة القانونية -مصادرالقانون [ ،املرجع السابق] ،ص .49
17
لعدم وجود سلطة عليا تلزم األفراد باحترام القواعد األخالقية .أما الجزاء في القاعدة القانونية
الوضعية فهو من طبيعة مادية محسوسة توقعه السلطة العامة في الدولة.
ثالثا -تأثر القواعد القانونية بالقواعد األخالقية :يتأثر القانون في الكثير من الحاالت
باألخالق ،حيث تعتبر هذه األخيرة املنبع أو املصدر الذي تستمد منه القواعد القانونية الرامية إلى
تحقيق العدل .وكلما تقدم املجتمع فإن تأثير القانون باألخالق يزداد اتساعاﹰ حيث يتبنى املشرع
العديد من القواعد األخالقية رغبة منه في الرقي باملجتمع نحو الكمال)1( .
فهناك الكثير من القواعد القانونية التي يرجع أصلها لألخالق ،مثل وجوب الوفاء بالعهد
وتحريم القتل والسرقة ،وعدم تعسف املالك في استعمال ملكه على نحو يضر باآلخرين ،وحظر
احتكار السلع الغذائية أو رفع أسعارها ،والتزام من يخطئ بتعويض املضرور بسبب هذا الخطأ ،أو
جواز تدخل القاض ي للعادة التوازن االقتصادي للعقد.
كان الدين والقانون في املجتمعات البدائية ممتزجين لدرجة يصعب التفريق بينهما ويمكن
القول بأن املستوى الديني هو الطاغي ،ألنه كان املحدد ملضمون القاعدة القانونية التي كانت تابعة
له وخاضعة ألحكامه .لكن االمتزاج والتقارب بين القاعدتين القانونية والدينية أصبح في املجتمعات
الحديثة يتضاءل بصفة مطردة شأنه غي ذلك شأن التباعد الذي حصل بين القانون واألخالق)2( .
يستوجب البحث في عالقة القاعدة القانونية بالقواعد الدينية ،تعريف الدين (أوال) ،ثم تحديد
نقاط التميز بين القواعد الدينية و القواعد القانونية (ثانيا) ،وفي األخير نبحث في إشكالية اعتبار
الدين مصدر اﹰ للقانونية القانونية (ثالثا).
( )1حمدي عبد الرحمن ،فكرة القانون :بحث في تعريف القانون -أهدافه -أساسه -نظرية القاعدة القانونية -مصادر القانون[ ،
املرجع السابق] ،ص .52
(2) Georges De Lagarde, Naissance de l’esprit laïque au déclin du mayen âge. Tomme 3, Paris, P.U.F., 1971,
p. 183.
18
أوال -تعريف الدين :يطلق الدين لغةﹰ للداللة على معان كثيرة ،منها ما يتدين به اإلنسان من
إسالم أو غيره ويطلق على الطاعة كما أطلق على الجزاء واملكافأة( .)1واصطالحاﹰ فالدين هو مجموعة
املبادئ التي تعتقد مجموعة من الناس أنها صادرت عن هللا سبحانه وتعالى ،وتصدر هذه املبادئ في
صورة أوامر بإتباع أنماط سلوك محددة أو نواه باجتناب أخرى ،مع ربط هذه األوامر والنواهي
بعقاب يتم توقيعه على املخالف)2(.
والقواعد الدينية نوعان ،األولى قواعد العبادات التي تستهدف ربط الصلة بين العبد وربه
وتهذيب النفس وإبعاد اإلنسان عن الرذيلة والسمو به نحو الفضيلة .أما النوع الثاني فيتمثل في
قواعد املعامالت التي تبين األحكام املتعلقة بتعامل األفراد فيما بينهم ،كالوفاء بالعهود وعدم قتل
النفس وتنظيم األسرة وامليراث)3( .
ثانيا -التمييز بين القواعد القانونية والقواعد الدينية :وإن اشتركت القواعد الدينية مع
القواعد القانونية في أن كل منهما يتعلق بتنظيم سلوك اإلنسان وتقويمه ،إال أن هناك أكثر من
وجه اختالف بينهما.
(أ) -من حيث النطاق :الدين أوسع نطاقاﹰ من القانون ألنه يهتم باملعتقدات والحرص على
نقاء النفس اإلنسانية وسموها ،وينظم عالقة اإلنسان بربه وعالقته بأقرانه ،أما القانون فيقتصر
على القدر الالزم لحفظ النظام في املجتمع واستقرار املعامالت بين أفراده .وعليه فإن غاية القانون
نفعية واقعية .ومثال ذلك أن الدين يحرم الكذب بجميع صوره وأشكاله ،بينما يقف القانون عند
منع صور معينة منه فقط مثل شهادة الزور أو القيام بعملية تزوير محررات رسمية)4( .
(ب) -من حيث املقاصد :تهتم القواعد الدينية بالبواعث والنوايا في حد ذاتها ،ولو لم
تقترن بسلوك خارجي ،فهي تدعو إلى املودة وتجنب الحقد نحو اآلخرين سواء ظهر هذا الحقد في
سلك خارجي أو ضل محبوسا في صدر صاحبه .أما القاعدة القانونية فقد سبق أن ذكرنا أن
اهتمامها ينصب أساساﹰ على العالقات االجتماعية وما يرتبط بها من مظاهر السلوك الخارجي)5( .
(جـ) -من حيث املصدر :تتميز القواعد الدينية بأنها ذات مصدر ديني يتصف بالكمال ،أما
مصدر القاعدة القانونية فهو بشري وضعي يتصف بالقصور والنقصان ،لذا تتم عملية تعديل
( )1رمضان أبو السعود وهشام محمد محمود زهران ،املدخل إلى القانون[ ،:املرجع السابق] ،ص .52
( )2حمدي عبد الرحمن ،مبادئ القانون :نظرية القانون -نظرية الحق( [ ،القاهرة) :دار النهضة العربية ،الطبعة الثالثة ،]2001 ،ص
.49
. ( )3محمد حسين منصور ،مبادئ القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .106
()4جان لوك أوبير ،مدخل إلى علم الحقوق ،ترجمة :شفيق محسن( [ .بيروت) :دار ومكتبة الهالل ،الطبعة األولى ،]2010 ،ص .30
عبد هللا مبروك النجار ،املدخل املعاصرلفقه القانون[ ،املرجع السابق] ،ص .42
( )5عبد املنعم فرج الصده ،أصول القانون[ ،املرجع السابق] ،ص .28
19
هذه القواعد أو إلغائها واستبدالها بأخرى جديدة كلما ظهر قصورها ونقصها وعدم فعاليتها في
تنظيم العالقات التي وضعت من أجل ضبطها)1( .
(د) -من حيث الصياغة :يحرص القانون على صياغة قواعده نصوصه صياغة واضحة
ملواجهة وتنظيم فروض محددة .أما الدين غ‘ن أحكامه تصاغ في كثير من األحوال في إطار مبادئ
وأوامر عامة)2( .
(هـ) -من حيث الجزاء :تختلف القواعد الدينية عن القواعد األخالقية من حيث الجزاء.
فالجزاء على مخالفة أحكام الدين جزاء أخروي هو العذاب في الحياة اآلخرة .أما الجزاء على
مخالفة القواعد األخالقية فهو كما سبق أن رأينا دنيوي معنوي يتمثل في استنكار الرأي العام ،وأن
الجزاء على مخالفة قواعد القانون جزاء مادي تتولى السلطة العامة في الدولة توقيعه)3( . .
ويرى بعض فقهاء القانون الوضعي أنه من الخطأ القول بأن القواعد الدينية اإلسالمية
تتميز عن القواعد القانونية في أن الجزاء في األولى مؤجل لآلخرة وأنه في الثانية معجل في الدنيا يوقع
في الحال بواسطة السلطات العامة للدولة( .)4ويستدلون على صحة رأيهم بقول هللا تعالى « أَلَ ْم َي َر ْوا
علَي ِْهم س ْل َنا ال َّ
س َما َء َ ض َما َل ْم نُ َم ِكن لَّ ُك ْم َوأ َ ْر َ َك ْم أ َ ْه َل ْك َنا ِمن َق ْب ِل ِهم ِمن َق ْر ٍن َّم َّكنَّا ُه ْم فِي األ َ ْر ِ
ار تَجْ ِري ِمن تَحْ تِ ِه ْم فَأ َ ْهلَ ْكنَا ُهم بِذُنُوبِ ِه ْم َوأَنشَأْنَا ِم ْن بَ ْع ِد ِه ْم قَ ْرنا آ َخ ِرينَ » .
ِمد َْرارا َو َجعَ ْلنَا األ َ ْن َه َ
﴿ سورة األنعام آية﴾6 :
ثالثا -الدين كمصدر للقواعد القانونية :في الدول الغربية هناك فصل تام وجامد بين
القانون والدين نتيجة التجربة التاريخية التي مرت بها هذه الدول ،هذه التجربة تتمثل في فصل
الدين عن الدولة .بمعنى انحصار الدين وعدم تدخله في القانون والسياسة واالقتصاد وسائر
الشؤون والقضايا االجتماعية التي تهم عموم املواطنين ،وبقائه مهيمناﹸ على العالقة التي تربط
اإلنسان و بربه)5( .
لكن يمكن للدولة عن طريق البرملان أن تصدر قواعد قانونية تستمد أحكامها من القاعدة
الدينية ،فيصبح الدين في هذه الحالة بمثابة املصدر املادي الذي يمنح املادة األولية للبرملان لكي
يصدر قاعدته القانونية الوضعية ،وفي هذه الحالة تتحول القاعدة الدينية إلى قاعدة قانونية
وتكتسب جراء ذلك نوعين من الجزاء األول تختص الدولة بتنفيذه على الشخص املخالف ألحكامها
()1عبد الرزاق الفحل وآخرون ،املدخل لدراسة األنظمة :نظرية القانون -نظرية الحق( [ ،جدة) :دار اآلفاق ،الطبعة الثانية،]1993 ،
ص .32
( )2حمدي عبد الرحمن ،مبادئ القانون :نظرية القانون -نظرية الحق [ ،املرجع السابق] ،ص .50
( )3أنور سلطان ،املبادئ القانونية العامة [ ،املرجع السابق] ،ص .32
()4مصطفى محمد عرجاوي « ،ضوابط القاعدة القانونية ومدى تميزها عن القواعد االجتماعية األخرى »[ ،املرجع السابق] ،ص .78
حمدي عبد الرحمن ،فكرة القانون :بحث في تعريف القانون -أهدافه -أساسه -نظرية القاعدة القانونية -مصادر القانون[ ،
املرجع السابق] ،ص .132
( )5محمد حسين منصور ،نظرية القانون::مفهوم وفلسفة وجوهر القانون -طبيعة وخصائص القاعدة القانونية -مصادر القانون
وتطبيقه( [ ،القاهرة) :دار النهضة العربية ،الطبعة األولى ،]2001 ،ص .319
20
في الحال (قاعدة قانونية) ،والثاني يتم ينزله هللا سبحانه وتعالى يوم القيامة على املخالف ألوامره
ونواهيه (قاعدة دينية))1( .
أدى تنوع العالقات االجتماعية في املجتمع وتعددها إلى تنوع القواعد القانونية التي تحكمها
وتتعدد بالتالي فروع القانون وتقسيماته من فروع تنتمي للقانون العام وأخرى للقانون الخاص
(املطلب األول) .ومن جهة ثانية أدى تفاوت املصالح التي تحميها تلك القواعد في األهمية إلى تقسيم
مماثل لها من حيث درجة اإللزام ،فظهرت القواعد اآلمرة والقواعد املكملة (املطلب الثاني) .ومن
جهة ثالثة أدى اختلف صياغة القاعدة القانونية وإفراغ محتواها في شكل مكتوب ومدون ،إلى
ظهور القاعدة القانونية الجامدة والقاعدة القانونية املرنة (املطلب الثالث).
يعتبر تقسيم القانون إلى قانون عام وقانون خاص من أهم التقسيمات التي وضعها فقهاء
وشرح القانون ،وهذا التقسيم التقليدي الذي يرجع إلى عهد القانون الروماني الزال مهيمناﹰ على
الفكر القانوني في معظم دول العالم( .)2وعليه نتطرق إلى أساس التمييز بين قواعد القانون العام
وقواعد القانون الخاص (أوال) ،ثم نعرض كل من فروع القانون العام والقانون الخاص (ثانيا) ،وفي
األخير نحدد أهم اآلثار املترتبة عن تقسيم القانون إلى قانون عام قانون خاص (ثالثا).
أوال -أساس التمييز بين قواعد القانون العام وقواعد القانون الخاص :إن الدولة بحكم
قيامها على املصالح األساسية للمجتمع تدخل في سبيل تحقيق هذه املصالح طرفاﹰ في العالقات
القانونية باعتبارها صاحبة سلطان وسيادة ،فتكون هذه العالقات حينئذ خاضعة لقواعد القانون
العام .Droit Publicكأن تنزع الدولة ( أو الوالية أو البلدية أو املؤسسات العامة اإلدارية) ملكية
قطعة أرض من صاحبها للمنفعة العامة ،فتكون العالقة بينها وبين صاحب هذه األرض خاضعة
للقانون العام)3( .
وليس كل عالقة تكون فيها الدولة ( أو الوالية أو البلدية أو املؤسسات العامة اإلدارية) طرفاﹰ
فيها تعتبر من عالقات القانون العام ،بل يلزم أن يكون تدخل الدولة ( أو الوالية أو البلدية أو
( )1محمد الشرفي وعلي املزغني ،مدخل لدراسة القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .110
(2) Gh. Eisenmann Droit Public Droit privé , R.D.P., 1952, p. 868..
( )3عبد املنعم فرج الصده ،أصول القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .38رمضان أبو السعود وهشام محمد محمود زهران ،املدخل إلى
القانون :النظرية العامة للقاعدة القانونية[ ،املرجع السابق] ،ص .96
21
املؤسسات العامة اإلدارية) بوصفها صاحبة سلطة عامة ،أي ذات سيادة لتحقيق املصلحة
العامة ،ومن ثم فهي تستخدم امتيا ات تجعلها في مركز قانوني أقوى من الطرف اآلخر)1( .
ز
(أو أما القانون الخاص فيحكم العالقات بين األفراد العاديين أو بين األفراد والدولة
الوالية أو البلدية أو املؤسسات العامة اإلدارية) في الحاالت التي تظهر هذه األخيرة فيها كشخص
عادي تقف على قدم املساواة مع الطرف األخر أي ال تستخدم مزايا السلطة العامة ،.وذلك كأن
تشتري إحدى الواليات بعض األشياء أو تبيع بعض األغراض ،فالعالقات الناشئة عن هذه
التصرفات عالقات تحكمها قواعد القانون الخاص)2( .
( )1محمد حسين منصور ،نظرية القانون [ ،املرجع السابق] ،ص ص ..225 -224
( )2سمير تناغو ،النظرية العامة للقانون[ ،املرجع السابق] ،ص .554
22
(ب) -بعض فروع القانون الخاص :تتعد القواعد القانونية التي أجمع الفقه على أنها تنتمي
للقانون الخاص وهي:
تعريف الفرع القانوني تسمية الفرع القانوني
مجموعة القواعد القانونية التي تنظم الروابط املالية ،أي الحقوق املالية وطرق اكتسابها
القانون املدني
ومضمونها وانتقالها وانقضائها.
مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العالقات التجارية أي التاجر واألعمال التجارية القانون التجاري
القانون البحري
مجموعة القواعد القانونية التي تنظيم املعامالت التجارية البحرية أو الجوية.
والجوي
مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العالقات القانونية بين العامل ورب العمل ،وتحدد قانون العمل
والضمان االجتماعي مختلف التأمينات االجتماعية املقررة للعامل.
مجموعة القواعد القانونية التي تنظم اإلجراءات الواجب إتباعها أمام القضاء لحماية
قانون اإلجراءات
الحقوق املعتدى عليها أو املتنازع فيها ،وذلك ببيان أنواع املحاكم وتشكيلها واختصاصاتها
املدنية واإلدارية
وإجراءات التقاض ي واألحكام القضائية وطرق الطعن فيها وتنفيذها.
مجموعة القواعد القانونية التي تبين القانون الواجب التطبيق على العالقات الدولية ذات القانون الدولي
العنصر األجنبي ،ومدى اختصاص املحاكم الوطنية بنظر املنازعات املتعلقة بتلك العالقات الخاص
ثالثا -أثر التفرقة بين قواعد القانون العام القانون الخاص :يترتب على التفرقة بين قواعد
القانون العام وقواعد القانون الخاص نتائج عملية غاية في األهمية ،حددها فقهاء القانون في
النقاط التالية)1( :
( -)1ملا كانت قواعد القانون العام تهدف إلى تحقيق الصالح العام للمجتمع كانت أحكامها
جميعها قواعد آمرة ،بمعنى ال يجوز لألفراد أن يخرجوا عليها أو يتفقوا على مخالفتها .بينما يتضمن
القانون الخاص كثيراﹰ من القواعد املكملة ،وهي التي يجوز لألفراد أن يتفقوا على مخالفتها ،ألنها
تتعلق بمصالح خاصة بهم.
( -)2تمنح قواعد القانون العام الدولة ( والوالية والبلدية واملؤسسات العمومية اإلدارية) في
سبيل تحقيق املصلحة العامة ،سلطات وامتيازات ال تمنحها قواعد القانون الخاص لألفراد .ﹰ
فمثال
تستطيع الدولة في سبيل أداء وظيفتها أن تتخذ أساليب قهرية مثل التنفيذ اإلداري املباشر دون
االلتجاء إلى القضاء ،واالستيالء املؤقت ،ونزع امللكية للمنفعة العامة.
(3ـ) -إن ملكية الدولة لألشياء املخصصة لتحقيق املصلحة العامة تختلف في نظامها
القانوني عن امللكية الخاصة لألفراد ،ويطلق على األشياء اململوكة للدولة ملكية عامة اصطالح
األموال العامة ،وهذه األموال ال يجوز بحسب األصل التصرف فيها أو حجزها أو تملكها بالتقادم،
( )1إسماعيل عبد النبي شاهين .املدخل لدراسة العلوم القانونية .القسم األول :نظرية القانون([ ،القاهرة) :دون دار نشر -دون
طبعة ،]2006 ،ص ص .70 -69عبد املنعم فرج الصده ،أصول القانون [ ،املرجع السابق] ،ص ص .42 -40سمير تناغو ،النظرية
العامة للقانون[ ،املرجع السابق] ،ص ص .557 -555حسن كيره ،حسين ،املدخل للقانون[ ،.املرجع السابق] ،ص ص .63 - 62
علي فياللي ،مقدمة في القانون [ ،املرجع السابق] ،ص ص .100 -98
23
على خالف األموال الخاصة اململوكة للدولة أو لألفراد التي يجوز بالنسبة لها ما سبق ذكره ( أي
التصرف فيها بالبيع أو بالرهن أو بالتأجير ،حجزها وبيعها باملزاد العلني واكتسابها بالتقادم).
( -)4ملا كانت قواعد القانون العام تهدف إلى تحقيق الصالح العام للمجتمع كانت أحكامها
جميعها قواعد آمرة ،بمعنى ال يجوز لألفراد أن يخرجوا عليها أو يتفقوا على مخالفتها .بينما يتضمن
القانون الخاص كثيراﹰ من القواعد املكملة ،وهي التي يجوز لألفراد أن يتفقوا على مخالفتها ،ألنها
تتعلق بمصالح خاصة بهم.
( -)5العالقات التي تكون الدولة طرفاﹰ فيها تنظمها قواعد القانون العام ،فعالقة الدولة
بموظفيها تخضع لقواعد قانون الوظيفة العامة وهي تختلف عن القواعد التي تنظم عالقة
األشخاص مع رب عملهم في القطاع الخاص التي تخضع لقواعد القانون الخاص التي تنتمي ملا
املسمى بقانون العمل .كما أن العقود التي تبرمها الدولة تسري في شأنها قواعد تختلف عن تلك التي
تخضع لها العقود التي تنظمها قواعد القانون الخاص .فللدارة مثالﹰ حق إلغاء العقد أو تعديل
شروطه إذا اقتضت املصلحة العامة ذلك ،في حين أن مثل هذه االمتيازات ال تتقرر وال تمنح
للمتعاقد في نطاق القانون الخاص.
( -)6ترتب على اختالف قواعد القانون العام عن قواعد القانون الخاص أن خصصت
الكثير من الدول ( فرنسا ،الجزائر ،مصر ،املغرب )...جهة قضاء مستقلة عن القضاء العادي -
الذي يفصل في املنازعات والخصومات التي تثور بين األفراد -تسمى بالقضاء اإلداري .الذي يختص
بالفصل في املنازعات التي تكون الدولة طرفاﹰ فيها ،مثل منازعات العقود اإلدارية ومنازعات
املسؤولية اإلدارية ...إلخ
تختلف املسائل التي يتولى القانون تنظيمها وتتفاوت أهميتها بالنسبة لتحقيق النظام
واستقرار العالقات داخل املجتمع ،فاملسائل الهامة وضع لها املشرع قواعد قانونية ال يمكن
لألفراد استبعاد أحكامها أو االتفاق بينهم على مخالفة أحكامها ،يسميها الفقه القواعد القانونية
اآلمرة أو الناهية .Règles impérativesأما املسائل العادية والبسيطة -والتي ال تعني نظام
املجتمع بل تهم مباشرة مصالح شخصية -فترك القانون ألصحابها تنظيمها ،لكن يتدخل القانون
بغرض مساعدة ذوي الشأن في تنظيم عالقاتهم بصفة تفصيلية عن طريق قواعد قانونية استقر
الفقه على تسميتها بالقواعد القانونية املكملة .Règles interprétatives ou supplétivesوعليه
سنحدد مفهوم كل من القواعد القانونية اآلمرة واملكملة (أوال) ،ثم نبحث في معيار التمييز
والتفرقة بينهما (ثانيا).
24
أوال -مفهوم القواعد القانونية اآلمرة واملكملة :عرف شراح القانون القاعدة القانونية اآلمرة
بأنها « تلك القواعد القانونية التي ال يجوز لألفراد االتفاق على مخالفتها أو االتفاق على عكسها »
(.)1
باستقراء ألفاظ هذا التعريف وتحليلها نصل إلى النتائج التالية:
-القاعدة اآلمرة سواء تضمنت أمراﹰ أو نهياﹰ تكون مطلقة في إلزامها للمخاطبين بأحكامها ،حيث
تكون قاعدة مطلقة التطبيق ،تنعدم حرية األفراد فما يتعلق بكل ما يمسها بالتعديل أو التغيير أو
االستبعاد
-العلة من وراء انعدام حرية األفراد في تعديل أو تغيير أو استبعاد أحكام القاعدة اآلمرة ،ترجع
إلى أن ما تتناوله بالتنظيم وثيق الصلة باملصالح العليا للمجتمع وال تنحصر في املصالح الخاصة
باملخاطبين بها فحسب.
أما القاعدة القانونية املكملة أو املفسرة كما يطلق عليها أحياناﹰ فهي « تلك القواعد
القانونية التي يجوز لألفراد االتفاق على ما يخالف حكمها ،ألن هن هذه القواعد لم يضعها املشرع
إال لتكملة إرادة األفراد عند إغفالها االتفاق على حكم رابطة أو مسألة معينة ،وعلى ذلك إذا
نهضت اإلرادة ونظمت هذه الرابطة أو املسألة وجب إتباع حكم هذه اإلرادة » (.)2
باستقراء البناء اللغوي لهذا التعريف وتحليله نصل إلى النتائج التالية)3( :
-القاعدة املكملة سواء تضمنت أمراﹰ أو نهياﹰ تكون نسبية في إلزامها للمخاطبين بأحكامها،
حيث تكون قاعدة نسبية التطبيق ،تقوم في وجودها حرية األفراد فما يتعلق بكل ما يمسها
بالتعديل أو التغيير أو االستبعاد.
-تسترجع القاعدة القانونية إلزاميتا املطلقة للمخاطبين بأحكامها إذا لم تنهض إرادتهم
بوضع أحكام تنظم املسائل التي نظمتها هذه القاعدة.
-العلة من وراء قيام حرية األفراد في تعديل أو تغيير أو استبعاد أحكام القاعدة املكملة،
ترجع إلى أن ما تتناوله بالتنظيم منقطع الصلة باملصالح العليا للمجتمع ويحصر في املصالح
الخاصة باملخاطبين بها فحسب.
وعليه فإن معيار التفرقة بين هذين النوعين من القواعد القانونية هو مدى جواز اتفاق
األطراف على مخالفة حكم القاعدة .فإن كان محظوراﹰ على األطراف االتفاق على ما يخالف حكم
25
القاعدة القانونية تعد قاعدة آمرة .وإذا كان مباحاﹰ لألطراف االتفاق على خالف ما تأتي به القاعدة
فهي قاعدة مكملة)1( .
مالحظة :يلحق بعض الفقه إلى هاتين الطائفتين نوع ثالث من القواعد القانونية وهو القواعد
نصف اآلمرة ،وهي التي يجوز االتفاق على مخالفتها بالزيادة ملصلحة أحد الطرفين دون جواز
مخالفتها باالنتقاص من مصالحه .وذلك حال غالبية قواعد قانون العمل وقانون حماية
املستهلك.
ثانيا -معيار التمييز بين القواعد القانونية اآلمرة واملكملة :سبق وأن أشرنا إلى أن فيصل
التفرقة بين القواعد اآلمرة والقواعد املكملة هو تعلقها باملصالح العليا للمجتمع .ومجوع املصالح
العليا للمجتمع هو النظام العام واآلداب .فحين تتعلق القاعدة القانونية بالنظام العام واآلداب
تعتبر قاعدة آمرة ،وحيث تتعلق باملصلحة الخاصة لألفراد تعتبر قاعدة مكملة.
لكن كيف يمكن الوصول إلى معرفة طبيعة القاعدة القانونية ،وهل هي آمرة أو مكملة ؟
اتفق الفقه إلى أن هناك طريقان للوصول إلى ذلك :يستند الطريق األول إلى صياغة النص ،والثاني
إلى مضمون النص ومعناه.
(أ) -معيار صياغة النص أو املعيار اللفظي( :)2يعتمد هذا املعيار على اللجوء إلى عبارات
النص ذاتها ،واأللفاظ املستخدمة في صياغته .فهذه األلفاظ بوضوح وبال لبس على ما إذا كانت
القاعدة آمرة أو مكملة ..فإذا تبين من األلفاظ أنه ال خيار لألفراد في تطبيق القاعدة القانونية أو
استبعادها ،كنا أمام قاعدة آمرة ،ومثال ذلك نص املادة 92من القانون املدني التي جرى نصها على
أن « ...التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة باطل ولو كان ذلك برضاه ،»...أما املادة 107من
القانون املدني فإنها تبطل االتفاق الحاصل بين الشخص والغير والذي يجيز لهم التصرف في تركته
وهو على قيد الحياة حيث نصت أحكامها « ...ويقع باطالﹰ كل اتفاق على خالف ذلك .»...
أو أما إذا اتضح من ألفاظ النص أنه يمنح الخيار للمخاطبين في تطبيق أحكامه
استبعادها ،فالقاعدة التي يتضمنها ذلك النص هي قاعدة قانونية مكملة .ومثال ذلك نص املادة
ﹰ
مستحقا في الوقت الذي يقع فيه 388من القانون املدني التي تنص على أنه « ...يكون ثمن املبيع
تسليم املبيع ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقض ي بخالف ذلك .»...أو نص املادة 387من القانون
املدني التي تنص على أنه « ...يدفع ثمن البيع في مكان التسليم املبيع ما لم يوجد اتفاق أو عرف
يقض ي بخالف ذك .»...
( )1مروة محمد عبد الغني « .فكرة النظام العام واآلداب وتطبيقاتهما في القانون األمريكي مقارنة بالقانون املصري » [ ،املرجع
السابق] ،ص .13
( )2حسن كيره ،املدخل للقانون[ .املرجع السابق] ،ص .47أنور سلطان ،املبادئ القانونية العامة[ ،املرجع السابق] ،ص .54علي
فياللي ،مقدمة في القانون [ ،املرجع السابق] ،ص ص .139 -135
26
ويتميز هذا املعيار بأنه من طبيعة مادية ألنه يعتمد في الداللة على طبيعة القواعد القانونية
على ش يء ملموس وهو عبارة النص ذاتها واأللفاظ املكونة لها ،وال يعتد بالغرض أو الهدف من
تقرير أو وضع القاعدة القانونية .لكن الواقع يثبت وجود العديد من القواعد القانونية ال تفصح
ألفاضها عن طبيعتها اآلمرة أو املكملة ،وهنا تتجلى أهمية املعيار الثاني والذي يعتمد على فكرة
النظام العام واآلداب.
(ب) -معيار النظام العام واآلداب( :)1في بعض الحاالت يصعب أو يستحيل تمييز القاعدة
القانونية بشكل مباشر اعتماداﹰ على ألفاظها ،وعليه ال مفر من اللجوء إلى معيار النظام العام
واآلداب من أجل التوصل إلى تبيين مدى جواز ومشروعية االتفاق على خالف ما تقرره القاعدة
القانونية من أحكام .ومن هذه الحاالت نص املادة 25من القانون املدني التي تنص على أنه يعتمد
هذا املعيار على « ...تبدأ شخصية اإلنسان بتمام والدته حياﹰ وتنتهي بوفاته .»...وفي مثل هذه
الحاالت يتولى القاض ي تحديد طبيعة القاعدة القانونية فيما إذا كانت آمرة أو مكملة مستنداﹰ في
ذلك إلى فكرة النظام العام .وعليه تكون القاعدة القانونية آمرة إذا تعلق الحكم الذي تضمنه
بالنظام العام ،فكون قاعدة مكملة إذا كانت ال تعنى بالنظام العام .ونشير إلى أن املادة 97من
القانون املدني نصت صراحة على بطالن كل عقد يكون مخالفﹰا للنظام العام.
ويسمي الفقع النظام واآلداب العامة باملعيار املعنوي أو املوضوعي أو املرن ،وللملام به
نتعرض له بالتعريف (ب ،)1-ثم نبين خصائصه (ب ،)2-ثم نحدد مجاالته (ب.)3-
(ب -)1-تعريف النظام العام :من أهم املصطلحات القانونية التي صعب على الفقه تعريفه
مصطلح النظام العام ،وذلك ألن مضمونه يقوم على فكرة نسبية تتغير في الزمان واملكان ،إال أن
جانب من الفقه تصدى لهذه الصعوبة وعرف النظام العام بأنه « مجموعة األسس التي يقصد بها
املحافظة على حسن سير املصالح العامة في الدولة ،وضمان األمن واألخالق في املعامالت بين
األفراد بحيث ال يجوز لألفراد استبعادها في اتفاقاتهم »)2( .
ويظهر من هذا التعريف بأن فكرة النظام العام تدور عدماﹰ ووجودا مع مصالح املجتمع -
أو املتعددة سواء كانت السياسية أو االجتماعية أو االقتصادية أو الثقافية أو الدبلوماسية
األمنية ،-حيث تكون القاعدة القانونية آمرة متى تعلقت أحكامها بعالقات ومسائل تهم املصلحة
العامة .على أن هذه املصالح ليست في مرتبة واحدة ،فتأتي على رأسها املصالح السياسية واألمنية
ألن هذه األخيرة تتعلق باستمرارية الدولة وبقاء شخصيتها القانونية على املستوى الدولي)3( .
( )1حسن كيره ،حسين ،املدخل للقانون[ ،.املرجع السابق] ،ص .47أنور سلطان ،املبادئ القانونية العامة[ ،املرجع السابق] ،ص
.54علي فياللي ،مقدمة في القانون [ ،املرجع السابق] ،ص ص .139 -135
( )2عبد الحي حجازي ،نظرية االلتزامات([ ،الكويت) :مطبوعات جامعة الكويت ،الجزء األول ،الطبعة األولى ،]1982 ،ص .341مشار
إليه في :علي فياللي ،مقدمة في القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .141
( )3محمد الشرفي وعلي املزغني ،مدخل لدراسة القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .71
27
(ب -)2-خصائص النظام العام :يعتبر مفهوم النظام العام من املفاهيم النسبية ألنه من
جهة أولى يتعلق أساسا بمفهوم املصلحة العامة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو
أدبية ،وأنه ملا كانت فكرة املصلحة العامة قابلة للتغير من دولة إلى أخرى ،ومن زمن ألخر في نفس
الدولة ،فإن فكرة النظام العام تعتبر تبعاﹰ لهذه الفكرة متغيرة ونسبية ،فمثالﹰ تعدد الزوجات ال
يعتبر مخالفاﹰ للنظام العام في الجزائر في حين يعتبر كذلك في غيرها من الدول مثل فرنسا وأملانيا
وسائر الدول الغربية .وفي املقابل يعد زواج املثليين غير مخالف للنظام العام في بعض الواليات
األمريكية وهولندا ويعد كذلك في الدول العربية واإلسالمية .وترتد النسبية من جهة ثانية إلى أن
القضاء وسع من مفهوم النظام العام ،فخلق النظام العام االقتصادي واملالي والدبلوماس ي ،األمر
الذي دعا بعض الفقه إلى القول بأن « دائرة النظام العام تتسع لتشمل كل ما يؤدي إلى حماية
الطبقات العاملة والتنمية االقتصادية والخطة العامة وغير ذلك »)1( .
(ب -)3-مجاالت النظام العام :تتعدد مجاالت النظام العام وتختلف أهميتها من دولة إلى
أخرى ،إال أن الفقه حصرها في املجاالت التالية)2( :
-النظام العام السياس ي :Ordre public politiqueويشمل ثالثة مسائل هي ،حماية
الدولة ( كل النصوص القانونية التي تتعلق بتنظيم الدولة واملرافق العمومية سواء تمثلت في
الدستور أو قانون الوالية أو قانون البلدية وقوانين املالية والعقوبات واإلجراءات الجزائية تعتبر
من القواعد اآلمرة) .حماية العائلة ( كل النصوص القانونية املتعلقة باألحوال الشخصية السيما
قواعد الحالة املدنية الزواج الطالق امليراث واملواريث والوصية تعتبر من القواعد اآلمرة) .حماية
اآلداب ( كل النصوص القانونية التي تتعلق باألفعال املخلة بالحياء والكسب غير املشروع من قمار
ويناصيب وتعامل في األعضاء البشرية تعتبر من القواعد اآلمرة).
-النظام العام االقتصادي :Ordre public économiqueيتعلق باملسائل املتصلة
باالقتصاد الوطني ،مثل قواعد حرية الصناعة والتجارة وحرية املنافسة وحرية األسعار ومنع
االحتكار والتركيز االقتصادي.
-النظام العام االقتصادي Ordre public de économique protectionالنظام العام
ﹰ
واجتماعيا، االجتماعي :Ordre public de socialيهدف إلى حماية الفئات الضعيفة اقتصادياﹰ
مثل املقاوالت الصغيرة والعمال واملستهلكين .كما تعتبر قواعد الحد األدنى لألجور وحقوق الضمان
االجتماعي من طبيعة آمرة.
مالحظة :إذا لم يتفق األطراف على ما يخالف أحكامه القاعدة املكملة أو في حالة سكوتهم أو عدولهم عن
استبعادها ،فهذا يعني ضمنيا قبولهم لحكمها ولتنظيمها النموذجي .ألن هذه القواعد تسهل إبرام التصرفات،
وألنها تغني األفراد عن البحث عن الحلول الدقيقة املتعلقة باملسائل املتصلة بتصرفاتهم القانونية .
28
املطلب الثالث :القواعد الجامدة والقواعد املرنة
تقسيم القاعدة القانونية إلى قاعدة مرنة وأخرى جامدة يكمن في صياغة املشرع أللفاظ
هذه القاعدة ،فإذا جاءت الصياغة بعدم التحديد القانوني الدقيق وعدم وضوح الحل في القاعدة
ﹰ
وواضحا فهي قاعدة فهي قاعدة قانونية مرنة (أوال) ،وإذا جاءت الصياغة محددة تحديداﹰ ﹰ
كافيا
جامدة (ثانيا).
أوال -القواعد القانونية املرنة :هي تلك تلك القاعدة التي يكون فيها عنصري الفرض والحل
ﹰ
دقيقا ،فتأتي عباراتها مرنة لتسع جميع االحتماالت والوقائع .وأكثر القواعد غير محددين تحديداﹰ
انطباقا على هذه الصورة قواعد القانون الجنائي .فاملشرع يحدد الجريمة ويحدد الحد األدنىﹰ
واألقص ى للعقوبة)1( .
كما أن العديد من قواعد القانون املدني صيغت ألفاظها من طرف املشرع بطريقة مرنة،
فاملادة 107التي نصت على أنه « ...غير أنه إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع
ﹰ
مرهقا ﹰ
ستحيال ،صار توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ االلتزام التعاقدي ،وإن لم يصبح م
للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة ،جاز للقاض ي تبعاﹰ للظروف وبعد مراعاة ملصلحة أن يرد
االلتزام املرهق إلى الحد املعقول ،ويقع باطال كل اتفاق على خالف ذلك » .فاملشرع أطلق يد
القاض ي في العقد فجاءت عبارات « حادث استثنائي» « ،رد االلتزام إلى الحد املعقول» ،فكل هذه
املصطلحات فضفاضة ومرنة ،ألن القاض ي ليس له معيار يلجأ إليه للتعرف عن الحادث الفجائي
العام وعما إذا أصبح تنفيذ االلتزام مرهقاﹰ للمدين)2( .
ثانيا -القواعد القانونية الجامدة :هي تلك تلك القاعدة التي يكون فيها عنصري الفرض
تحديدا دقيقاﹰ ،فتأتي عباراتها محددة بطريقتين هما:
ﹰ والحل محددين
التحديد الرقمي :ومن أمثلة القاعدة القانونية الجامدة املحددة تحديداﹰ رقمياﹰ
نص املادة 40من القانون املدني التي نصت على أن « ...سن الرشد تسعة عشر ( )19سنة كاملة ».
التحديد على سبيل الحصر :ومن أمثلة القاعدة القانونية الجامدة املحددة على
سبيل الحصر نص املادة 49من القانون املدني التي نصت على أن « األشخاص االعتبارية هي:
الدولة ،الوالية ،البلدية ،املؤسسات العمومية ذات الطابع اإلداري ،الشركات املدنية والتجارية،
الجمعيات واملؤسسات ،الوقف ،كل مجموعة من أشخاص أو أموال يمنحها القانون شخصية
قانونية ».
29
الفصل الثاني :مصادرالقاعدة القانونية
عناصرالفصل الثاني
30
املطلب الثاني :املصادراالحتياطية (مبادئ الشريعة اإلسالمية -العرف -مبادئ
القانون الطبيعي وقواعد العدالة)
املبحث الثاني :املصادرالتفسيرية للقاعدة القانونية
املطلب األول :القضاء (االجتهاد القضائي)
املطلب الثاني :الفقه
املصدر ( )1هو وسيلة إخراج القاعدة القانونية إلى األفراد ،أو الطريق املعتمد الذي تنفذ
منه قاعدة من قواعد السلوك إلى دائرة القانون الوضعي وتكتسب بمرورها منه عنصر اإللزام ،أي
أنها تصبح ملزمة لجميع األشخاص وعلى القضاء تطبيق أحكامها على القضايا والخصومات التي
ينظر فيها .وبديهي أن القانون هو الذي يحدد الطرق التي تمر بها القاعدة حتى تنتقل من قواعد
السلوك العادي إلى نطاق القانون الوضعي .بل أنه ال يورد هذه الطرق فقط وإنما يوردها على سبيل
الحصر والترتيب ،ويحدد القوة اإللزامية لكل منها)2.
وقد تكفلت املادة األولى من القانون املدني الجزائري بتحديد هذه املصادر ،ونصت على أنه
« يسري القانون على جميع املسائل التي تتناولها نصوصه في لفظها أو فحواها .وإذا لم يوجد نص
تشريعي ،حكم القاض ي بمقتض ى مبادئ الشريعة اإلسالمية ،فإذا لم يوجد فبمقتض ى العرف .فإذا
لم يوجد فبمقتض ى مبادئ القانون الطبيعي والعدالة » .إلى جانب هذه املصادر الرسمية ،توجد
مصادر تفسيرية للقاعدة القانونية ال تقل أهمية عنها وتتمثل في كل من القضاء والفقه.
( )1يقصد باملصدر في هذا املقام املنبع الذي تخرج منه القاعدة القانونية ،فهو حصيلة اإلجابة على السؤال التالي :من أين تأتي القاعدة
القانونية؟ وتختلف اإلجابة عن هذا السؤال باختالف مقصد السائل ،فقد يكون مقصده تحديد املصدر ال من زاوية تاريخية وذلك
بالبحث عن الجذور التاريخية Historiqueالتي تستند إليها القاعدة القانونية ،متى وكيف نشأت ،ومراحل تطورها ،كيف وصلت إلينا
في صورتها الحالية .وقد يكون املقصد البحث عن املصدر االجتماعي Sociologiqueوهنا ينصرف جهد الباحث إلى تقص ي املعطيات
والعناصر االجتماعية املختلفة التي أدت إلى خلق القاعدة القانونية .وقد يكون املقصد تحديد املصدر عن طريق البحث عن الوسيلة
الشكلية Formelالتي تخرج بها القاعدة القاعدة القانونية لتفرض وجودها الملزم على أفراد المجتمع ومؤسساته ،بمعنى أخر ما هو الطريق
الرسمي الذي تمر به قاعدة السلوك االجتماعي لكي تدخل في عداد قواعد القانون الوضعي .في هذا المعنى :حمدي عبد الرحمن ،فكرة
القانون :بحث في تعريف القانون -أهدافه -أساسه -نظرية القاعدة القانونية -مصادر القانون [ ،املرجع السابق] ،ص ص -133
.134
( )2أحمد محمد الرفاعي ،املدخل للعلوم القانونية (نظرية القانون)[ ،محاضرات ألقيت خالل املوسم الجامعي ،2008 -2007كلية
الحقوق جامعة بنها] ،ص .112
31
على ضوء التحديد الذي نصت عليه املادة األولى من القانون املدني الجزائري ملصادر
القانون ،قسم الفقه املصادر الرسمية إلى مصادر أصلية مصادر احتياطية ،وقصر األول على
التشريع (املطلب األول) ،وأسبغ الوصف الثاني على املصادر الثالثة األخرى املتمثلة في مبادئ
الشريعة اإلسالمية ثم العرف ثم قواعد القانون الطبيعي وقواعد العدالة (املطلب الثاني).
املقصود بالتشريع « وضع القواعد القانونية بواسطة السلطة العامة املختصة بذلك في
صورة مكتوبة ،أو هي قيام هذه السلطة بصياغة القاعدة القانونية صياغة فنية مكتوبة وإعطائها
قوة االلزام في العمل»( ،)1أو هو « قيام السلطة املختصة في الدولة بوضع قواعد جبرية مكتوبة
تنظم املجتمع ،وذلك في حدود اختصاصها ،وفقاﹰ للجراءات املقررة لذلك»(.)2
والتشريع بهذا املعنى يتضمن قاعدة قانونية (أوال) ،وأن تكون تلك القاعدة مكتوبة (ثانيا)،
وأن تصدر تلك القاعدة القانونية املكتوبة عن سلطة عامة مختصة وفقاﹰ للجراءات املطلوبة
(ثالثا))3( .
أوال -التشريع يضع قاعدة قانونية :معنى ذلك أن التشريع يضع قواعد ملزمة للسلوك تكون
عامة ومجردة ،توجه إلى كل املواطنين أو إلى طائفة غير محددة من األفراد بخطاب موجه إليهم
بصفاتهم ال بذاتهم .ولذلك ال يعتبر تشريعاﹰ أو قاعدة تشريعية األمر الذي يصدر عن سلطة عامة
( )1حسن كيره ،حسين ،املدخل للقانون[ ،.املرجع السابق] ،ص .288
()2سمير تناغو ،النظرية العامة للقانون[ ،املرجع السابق] ،ص .293
( )3أحمد محمد الرفاعي ،املدخل للعلوم القانونية (نظرية القانون) ،ص ص .119 -117
32
مختصة في الدولة خاصاﹰ بشخص معين بذاته أو متعلقاﹰ برابطة أو واقعة معينة بذاتها .ألن مثل
هذا األمر – بالرغم من صدوره عن سلطة عامة مختصة بإصداره -ال يضع قاعدة عامة ومجردة
للسلوك.
ثانيا -التشريع يتضمن قاعدة قانونية مكتوبة :يصدر التشريع في صورة مكتوبة وتنزل
أحكامه في وثيقة رسمية .وصدور التشريع في صورة مكتوبة يضمن له خصائص كثيرة جعلته يتفوق
عن سائر مصادر القانون خاصة العرف.)1( .
خاصية الوضوح :تسمح الكتابة بجعل القاعدة التشريعية ثابتة ومحددة
وواضحة األمر الذي ينفي عليها الغموض واإلبهام وال يدع مجاال للشك حول إثبات وجودها أو
تاريخ نشأتها ،وتحديد نطاق سريانها املكاني والزمني بشكل يقيني.
خاصية التطور واملواكبة :تسمح كتابة التشريع للقانون بالتطور ومسايرة
حاجات الجماعة وتنفي عنه صفة الجمود والتخلف ،ألن املشرع يستطيع أن يعدل التشريع
ﹰ
جديدا بعبارات مكتوبة تتفق مع املستجدات وحاجات الجماعة. املكتوب أو يلغيه أو يصدر تشريعاﹰ
خاصية األمن القانوني :تسمح كتابة التشريع للقانون للمخاطبين بأحكامه سواء
من املواطنين أو املقيمين على إقليم الدولة أو األجانب خاصة املستثمرين منهم باإلطالع على
أحكامها لحظة صدورها ،ذلك أن القواعد التشريعية استلزم القانون نشرها في الجريدة الرسمية.
وبهذا ينعدم الجهل بالقانون وال يمكن ألي شخص أن يحتج بعدم علمه بمضمون القاعدة
القانونية ونطاق سريانها الزماني أو املكاني.
ثالثا -التشريع يضع قاعدة قانونية :بمعنى أن الذي يتولى وضع التشريع أي كتابته بألفاظ
فنية قانونية دقيقة محدده سلطة عامة مختصة بذلك ،وال يحق ألي جهة أو سلطة غير مختصة
ﹰ
أساسا السلطة التشريعية التي تتولى وضع التشريع .وهذه السلطة املختصة بإصدار التشريع هي
وضع التشريع العادي ،ولكن إذا كانت مهمة وضع التشريع موكولة للسلطة التشريعية ،فإن ذلك
ليس الشكل الوحيد إلصدار التشريع .فالتشريع قد يصدر ﹰ
أيضا عن السلطة التنفيذية ممثلة في
رئيس الجمهورية وهو ما يسمى بالتشريع الفرعي أو التنظيم.
باإلضافة إلى ذلك فإن هناك ما يسمى بالدستور أو ما يسمى بالتشريع األساس ي وهو يأتي في
قمة الهرم التشريعي (املطلب األول) ،حيث يعلو الدستور على كل من التشريع العادي الذي يصدر
املجلس الشعبي الوطني ((املطلب الثاني) والتشريع الفرعي الذي يصدر عن السلطة التنفيذية
(املطلب الثالث))2( .
()1سمير تناغو ،النظرية العامة للقانون[ ،املرجع السابق] ،ص .293عبد املنعم فرج الصده ،أصول القانون[ ،املرجع السابق] ،ص
ص .86 -84
( )2علي فياللي ،مقدمة في القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .212
33
ويقصد به مجموعة القواعد التي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها والتي تبين حقوق
األفراد األساسية وحرياتهم .وهو يمثل قمة التشريعات بمعنى أنه يعلو على جميع التشريعات وهذا
يقتض ى أنه يجب أن تصدر جميع التشريعات في إطاره وال تخالفه وإال كانت باطلة وغير دستورية)1(.
تختلف طريقة وضع الدستور من دولة إلى أخرى ومن نظام حكم إلى آخر .وهناك أربعة
طرق أساسية لوضع الدستور هي)2( :
طريقة املنحة :وفيها يقوم الحاكم بإصدار الدستور فى صورة منحة منه إلى الشعب .وهو
تعبير عن نظام الحكم املطلق الذي يملك فيه الحاكم (امللك) كل ش يء ،ولكن وتحت ضغط شعبي
ونزوال على إرادة الشعب فإن الحاكم يتنازل عن جزء من سلطاته وبعد أن كان حكمه مطلقا فإنه ﹰ
ينتقل إلى تقييد حكمه فيتصالح مع شعبه بإصدار أو بمنح الدستور لهم ومثال ذلك دستور فرنسا
لسنة .1814
طريقة التعاقد :وهى عبارة عن اتفاق أو تعاقد بين إرادة الحاكم وممثلي الشعب ،ومثالها
دستور فرنسا الصادر عام 1830وأحدثها دستور الكويت الصادر سنة .1962
طريقة الجمعية التأسيسية :وهى تمثل الطريقة الديمقراطية في إصدار الدستور ،ويتم
عن طريق جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب ،تكون مهمتها وضع الدستور فقط أي تنتخب لهذا
الغرض وحده وينتهي وجودها بانتهاء مهمتها ،وقد تكون هذه الجمعية هي ذاتها البرملان الذي يباشر
بصفة مؤقتة وظيفة الجمعية التأسيسية ،فيجمع بذلك بين الوظيفة التأسيسية والتشريعية في
نفس الوقت .ولعل وضع الدستور عن طريق جمعية تأسيسية منتخبة لهذا الغرض وحده أفضل
من وضعه عن طريق جمعية تأسيسية تباشر في نفس الوقت السلطة التشريعية العادية ،وذلك
حتى ال يقع أي لبس حول الطبيعة التأسيسية للعمل الذي تقوم به السلطة التي تضع الدستور .
وهذه إحدى الطرق الديمقراطية في وضع الدساتير .حيث أن وجود جمعية تأسيسية منتخبة من
الشعب لتتولى وضع الدستور يعنى أن الجمعية إنما تعبر عن إرادة الشعب عند وضعها للدستور.
ومثال هذه الطريقة دساتير الواليات املتحدة األمريكية والدستور الفيدرالي للواليات املتحدة
األمريكية عام 1778ودساتير فرنسا لعام .1875 ،1791،1848
طريقة االستفتاء :وذلك بطرح الدستور على الشعب في استفتاء عام ،بعد وضعه من قبل
لجنة خاصة أو أحد األفراد املعينين من قبل الحكومة ،ومثال هذه الطريقة مصر الدائم عام
1971بطريق االستفتاء الشعبي العام يوم 11سبتمبر سنة 1971حيث حصل على موافقة األمة.
وتجدر اإلشارة أن املادة 7من الدستور تنص على أن « الشعب مصدر كل سلطة ،والسيادة
الوطنية ملك للشعب وحده » .وتضيف املادة 8من الدستور بأن «السلطة التأسيسية ملك
للشعب .يمارس الشعب سيادته بواسطة املؤسسات الدستورية التي يختارها .يمارس الشعب هذه
( )1عبد الحي حجازي ،محاضرات في املدخل لدراسة العلوم القانونية .الجزء األول :نظرية القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .163
()2سمير تناغو ،النظرية العامة للقانون[ ،املرجع السابق] ،ص .232علي فياللي ،مقدمة في القانون [ ،املرجع السابق] ،ص ص -213
..214حمدي عبد الرحمن ،فكرة القانون [ ،املرجع السابق] ،ص ص .139 -138
34
السيادة أيضاﹰ عن طريق االستفتاء وبواسطة ممثليه املنتخبين .لرئيس الجمهورية أن يلتجأ إلى إرادة
الشعب مباشرة » .وعليه أثبتت الخبرة الدستورية الجزائرية بأن رئيس الجمهورية هو الذي يبادر
بوضع دستور جديد عن طريق تعيين مجموعة من الكفاءات الوطنية يقوموا بإعداد مشروع
الدستور ،الذي يطرح بعدئذ لالستفتاء الشعبي املباشر ،وعليه فإن املصادقة الشعبية عن طريق
االستفتاء هي التي تعطي الدستور قوة القانون امللزم)1( .
أما عن تعديل الدستور فإن املؤسس الدستوري أجازه وبين شروطه واإلجراءات الواجب أن
يحترمها ،وهذا على النحو التالي:
الجهة التي
شروط
إجراءات التعديل تبادر
التعديل
بالتعديل
املادة 208من الدستور:
يقدم رئيس الجمهورية مشروع تعديل الدستور.
يقوم املجلس الشعبي الوطني ومجلس األمة بالتصويت عليه حسب الشروط نفسها التي
أن ال تطبق على النص التشريعي.
يخالف يعرض التعديل الذي قدمه رئيس الجمهورية وحاز موافقة البرملان بغرفتيه في أجل ( )50يوما
التعديل لالستفتاء الشعبي. التعديل
األحكام
يجب أن يوافق عليه الشعب وفي الحالة املعاكسة يعد الغ ﹰيا. بمبادرة
التي
املادة 210من الدستور: رئيس
قررتها
يقدم رئيس الجمهورية مشروع تعديل الدستور. الجمهورية
املادة
212من أن ال يمس مشروع التعديل باملبادئ العامة التي تحكم املجتمع الجزائري ،وحقوق اإلنسان
الدستور واملواطن وحرياتهما ،وال يمس بأي كيفية التوازنات األساسية للسلطات واملؤسسات الدستورية.
أن يعلل املجلس الدستوري رأيه بقبول مشروع التعديل.
يعرض أن يحرز مشروع التعديل على موافقة ثالثة أرباع ¾ أعضاء غرفتي البرملان ،ثم يتم
إصداره من طرف رئيس الجمهورية.
أن ال املادة 211من الدستور:
يخالف يقدم ثالثة أرباع ¾ أعضاء غرفتي البرملان املجتمعتين معاﹰ مشروع تعديل الدستور.
التعديل يعرض رئيس الجمهورية املشروع على االستفتاء الشعبي والذي يصدره في حالة املوافقة عليه.
األحكام التعديل
التي بمبادرة
قررتها النواب
املادة
212من
الدستور
املعاهدات عبارة عن اتفاقيات تعقدها الدول فيما بينها بغرض تنظيم عالقة قانونية دولية
وتحديد القواعد التي تخضع لها هذه العالقة .وقد اعترف املؤسس الدستوري للمعاهدات
( )1عمار بوضياف ،املدخل إلى العلوم القانونية([ ،الجزائر) :دار هومة ،الطبعة الثانية ،]2000 ،ص .114
35
املصادق عليها من قبل رئيس الجمهورية حسب الشروط املنصوص عليها في املادة 149من
الدستور بدرجة السمو على التشريع العادي ( أي الصادر عن البرملان) وهذا حسب ما قررته املادة
150التي نصت على أن « املعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية ،حسب الشروط
املنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون » .غير أن مرتبتها الرفيعة هذه ودرجة إلزام أحكامها
ال تحصنها ضد رقابة املجلس الدستوري ،وهذا ما قررته املادة 168من الدستور التي نصت على أن
« ...يفصل املجلس الدستوري برأي في دستورية املعاهدات والقوانين والتنظيمات.» .
وقد أعطى القانون الجزائري للمعاهدات الدولية قوة ومرتبة تفوق قوة ومرتبة التشريعات
العادية الصادرة عن البرملان ،وذلك نظراﹰ لاللتزام الدولي الذي تفرضه أحكامها على الدولة
الجزائرية باحترام ما ورد فيها من قواعد تبعاﹰ ملبادئ القانون الدولي .فاملعاهدة الدولية بعدان :البعد
وبعدا ﹰ
دوليا باعتبارها تتضمن التزامات بين دول ﹰ ﹰ
وطنيا الوطني باعتبارها تصبح بعد إبرامها قا ﹰ
نونا
يترتب على املصادقين عليا احترامها توافقاﹰ مع قواعد القانون الدولي العام)1( .
التشريع العادي هو التشريع الحقيقي باملعنى الفني لهذا االصطالح ويطلق عليه بالقانون
وإطالق اسم القانون على التشريع هو من قبيل إطالق الكل على الجزء لتبيان أهمية الجزء.
فالقانون يشمل التشريع والعرق ومبادئ العدالة ،والذي يبرر إطالق الكل على الجزء هو أن
القاعدة التشريعية العادية أكثر أهمية وعددا من القواعد األخرى التي يكون مصدرها كل من
العرف أو القضاء )2( .ويعرف الفقه التشريع العادي بأنه « مجموعة من القواعد القانونية العامة
واملجردة الصادرة عن السلطة التشريعية في شكل مكتوب ،وفقاﹰ لألصول واإلجراءات والقواعد التي
حددها الدستور»)3( .
أوال -السلطة التي لها حق سن التشريع العادي :في الجزائر يمارس السلطة التشريعية
ّ ّ برملان مكون من غرفتين ،حيث نصت املادة 112من الدستور على أنه « تمارس ّ
شريعية السلطة الت
األمة .وله ّ
الوطني ومجلس ّّ ّ
الش ّ برملان ّ
السيادة في إعداد عبي يتكون من غرفتين ،وهما املجلس
والتصويت عليه » .ويتم تعيين أعضاء الغرفة السفلي للبرملان واملتمثلة في املجلس الشعبيالقانون ّ
الوطني عن طريق االقتراع العام املباشر والسري ،أما الغرفة العليا للبرملان واملتمثلة في مجلس
األمة فيتم تعيين أعضائها عن طريق االقتراع غير املباشر والسري من بين ومن طرف أعضاء
املجالس الشعبية البلدية وأعضاء املجالس الشعبية الوالئية ،ومن ثلث آخر معين من قبل رئيس
( )1محمد العوجي ،القاعدة القانونية في القانون املدني([ ،بيروت) :مؤسسة بحسون ،الطبعة األولى ،]1992 ،ص .52
()2سمير تناغو ،النظرية العامة للقانون[ ،املرجع السابق] ،ص .309
محسن خليل ،القانون الدستوري واألنظمة السياسية([ ،اإلسكندرية) :منشأة املعارف ،الطبعة األولى ،]1974 ،ص .359 ()3
36
الجمهورية من بين الشخصيات والكفاءات الوطنية في املجاالت العلمية والثقافية واملهنية
واالقتصادية واالجتماعية.
ثانيا -مرحلة سن التشريع العادي :ال ينشأ التشريع العادي من فراغ بل ال بد من جهة –
أشخاص أو هيئة -تتولى تقدمه (ثانيا )1-حتى تتم دراسته وفحصه (ثانيا )2-و مناقشته واملصادقة
عليه (ثانيا ،)3-ثم إصداره (ثانيا ،)4-ثم نشره ليتم العلم بأحكامه (ثانيا.)5-
(ثانيا - )1-املبادرة بالتشريع العادي :ويعود للدستور أمر تحديد من يخول له دستورياﹰ حق
املبادرة بالتشريع .وبالعودة لنص املادة 136من الدستور نجدها قد نصت على أنه « ّ
لكل من الوزير
والن ّواب وأعضاء مجلس األمة ّ
حق املبادرة بالقوانين .تكون اقتراحات القوانين قابلة األول ّ
ﹰ
عضوا في مجلس األمة في املسائل للمناقشة ،إذا ّقدمها عشرون ( )20نائباﹰ أو عشرون ()20
املنصوص عليها في املادة 137أدناه .تعرض مشاريع القوانين على مجلس الوزراء ،بعد رأي مجلس
ّ
الوطني أو مكتب مجلس ّالدولةّ ،ثم يودعها الوزير األول ،حسب الحالة ،مكتب املجلس ّ
الش ّ
عبي
األمة».
بتحليل أحكام هذا النص الدستوري ال يرتقى الشك إلى أن املبادرة حق دستوري مخول
للسلطتين التشريعية والتنفيذية ،على أن تحال مشاريع القوانين أوالﹰ على مجلس الدولة باعتباره
هيئة مشورة في مجال التشريع ليتداول بشأن املشروع املرفوع إليه ،ثم يعرض املشروع على مجلس
الوز اء تحت رئاسة رئيس الجمهورية)1( .
ر
وتجدر اإلشارة إلى أن السلطة التنفيذية يمكن لها أن تعترض على كل مشروع يقدمه نواب
البرملان إذا كان يدخل في سياق املادة 139من الدستور التي نص على أنه « ال ُي َقبل اقتراح أ ّي
ّ
العمومية ،أو زيادة ّالنفقات العموم ـ ّـيـة ،إال إذا كان
ّ قانون ،مضمونه أو نتيجته تخفيض املوارد
مالية في فصل آخر من ا ّلنفقات مرفوقا بتدابير تستهدف ّالزيادة في إيرادات ّالدولة ،أو توفير مبالغ ّ
ﹰ
ّ
العمومية تساوي على ّ
األقل املبالغ املقترح إنفاقها ».
(ثانيا -)2-دراسة وفحص التشريع العادي :تعرض مشاريع القوانين من طرف الوزير األول
على مكتب املجلس الشعبي الوطني مرفقة بعرض األسباب .كما تودع اقتراحات القوانين املقدمة
من عشرون ( )20نائباﹰ على األقل مدعمة ببيان األسباب وبتوقيعات أصحابها أمام نفس املكتب.
ويتولى مكتب املجلس إحالة املشروع أو االقتراح إلى اللجنة الدائمة أو املؤقتة التي تتولى دراسته
وفحصه بعد سماع ممثل الحكومة أو مندوب أصحاب االقتراح ،ويحق لهم االستعانة بالخبرات من
خارج املجلس)2( .
(ثانيا -)3-مرحلة املناقشة والتصويت :سواء كانت الجهة املبادرة بمشروع التشريع العادي
متمثلة في الوزير األول أو عشرون ( )20نائباﹰ في الغرفة السفلى أو عشرون ( )20عضواﹰ من الغرفة
( )1عمار بوضياف ،املدخل إلى العلوم القانونية [ ،املرجع السابق] ،ص .120علي فياللي ،مقدمة في القانون [ ،املرجع السابق] ،ص
.213
( )2عمار بوضياف ،املدخل إلى العلوم القانونية [ ،املرجع السابق] ،ص .121
37
العليا ،فإنه يعرض على املجلس الشعبي الوطني ملناقشته ثم يمر ملرحلة التصويت .وحسب نص
املادة 138من الدستور فإن التشريع العادي يجب أن يحصل على أغلبية أعضائه( )1 +%50
الحاضرين أما التشريع العادي العضوي فيجب أن يحصل على األغلبية املطلقة ( ¾ )من أصوات
الحاضرين أثناء القيام بعملية التصويت.
(ثانيا -)4-مرحلة اإلصدار :بعد مناقشة مشروع التشريع العادي والتصويت عليه من طرف
غرفتي البرملان وحيازته النسبة التي اشترطها الدستور ،يقوم مكتب املجلس الشعبي الوطني بإرساله
إلى رئيس الجمهورية إلصداره .ويتم اإلصدار بأن يوقع رئيس الجمهورية على املشروع الذي صوت
عليه البرملان وفق األصول الدستورية ويصدر أمره إلى السلطة التنفيذية بتنفيذه واحترام أحكامه.
قانونا نافذاﹰ .وتوقيع رئيس الجمهورية بتنفيذ التشريع
ﹰ وبتمام اإلصدار يصبح املشروع التشريع
موجه إلى السلطة التنفيذية نظراﹰ ألن هذه السلطة تتلقى أوامرها من قائدها املتمثل في رئيس
ﹰ
تشريعيا الجمهورية ،لذا يعد إصدار التشريع عمل تنفيذي تقوم به السلطة التنفيذية وليس عمالﹰ
تقوم به السلطة التشريعية)1( .
(ثانيا -)5-مرحلة النشر :ال يكفي إصدار التشريع العادي ليصبح نافذاﹰ في مواجهة السلطة
التنفيذية بل يجب زيادة على ذلك نشره ليتحقق علم الجمهور بأحكامه ومقتضياته .ويعتبر النشر
تصرفﹰا ماديﹰا بموجبه يعلم رئيس الجمهورية -وهو رئيس السلطة التنفيذية -الكافة بالقانون ،ويتم
النشر في جريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية)2( .
وإذا تم نشر القانون على النحو السابق افترض علم الكافة بأحكامه وأصبح واجب
التطبيق ،وهذا ما بينته املادة 4من القانون املدني التي نصت على أنه « تطبق القوانين في تراب
الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداء من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية .غير أن
التشريع ال يكون نافذ املفعول بالجزائر العاصمة إال بعد مض ي يوم كامل من تاريخ نشره وفي
النواحي األخرى في نطاق كل دائرة بعد مض ي يوم كامل من تاريخ وصول الجريدة الرسمية إلى مقر
الدائرة ويشهد على ذلك تاريخ ختم الدائرة املوضوع على الجريدة ».
مما تقدم فإن التشريع يصبح نافذاﹰ في ذاته بمجرد إصداره من طرف رئيس الجمهورية،
ولكنه ال يكون ملزماﹰ إال بعد نشره ومض ي مدة يوم كامل على وصول الجريدة الرسمية إلى مقر
الدائرة .والتفرقة بين النفاذ واإللزام تظهر أهميتها عندما تحول قوة قاهرة دون وصول الجريدة
( )1لم يحدد الدستور الجزائري لرئيس الجمهورية مدة زمنية معينة ليصدر خاللها التشريع الذي صوت عليه البرملان ،بخالف الحال في
الدستور الفرنس ي الذي ألزم رئيس الجمهورية في مادته 15بإصدار التشريع في مدة 15ﹰ
يوما تاريخ إرسال التشريع إلى الحكومة Yvaine
Buffelan-Lanore et Virginie Larribau-Terneyre, Droit civil. Introduction. op.cit,, p. 3 .
()2سمير تناغو ،النظرية العامة للقانون[ ،املرجع السابق] ،ص .314وعليه فإن النشر في الجريدة الرسمية هو السبيل الوحيد إلعالم
الناس بالتشريع ،فال تغني عنه وسيلة أخرى مثل اللصق على الجدران أو التوزيع على األفراد .حتى لو كان املطالب بتطبيق القانون
يعمل برئاسة الجمهورية وهو املختص بعرض القوانين وإرسالها للطبع في الجريدة الرسمية ،فمثل هذا املوظف ال يؤخذ بالتشريع ملجرد
علمه به فعالﹰ قبل نشره في الجريدة الرسمية .عبد الحي حجازي ،محاضرات في املدخل لدراسة العلوم القانونية .الجزء األول :نظرية
القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .163
38
الرسمية إلى أحد املخاطبين بحكم التشريع ،ففي هذه الحالة ال يكون التشريع ملزماﹰ له ،رغم أنه
أصبح نافذاﹰ في ذاته وملزماﹰ بالنسبة لألشخاص اآلخرين الذين لم تحل القوة القاهرة دون وصول
الجريدة الرسمية إليهم)1( .
حاالت عدم تطبيق التشريع رغم نشره :تتعدد الحاالت التي يتم فيها إصدار التشريع من
طرف رئيس الجمهورية ونشره في الجريدة الرسمية لكن يظل غير ملزم للمخاطبين بأحكامه ،ويمكن
حصر هذه الحاالت في)2( :
(أ) -حالة القوة القاهرة :ومفادها أنه إذا حالت ظروف قاهرة دون وصول الجريدة الرسمية
إلى إقليم معين فإن املقيمين في هذا اإلقليم ال يلزمون بالتشريع الذي تم نشره في الجريدة الرسمية.
ومن قبيل الظروف القاهرة أن يتعرض أحد أقاليم الدولة الحتالل قوات أجنبية ،أو ينقطع به
االتصال عن سائر األقاليم األخرى بسبب ثورة انفصالية ،أو بسبب تعرضه لكارثة ،كالفيضان ،أو
زلزال ،أو وباب ،يقض ي األمر معه فرض حصار حوله يمنع الدخول إليه أو الخروج منه .ففي مثل
هذه الظروف يصبح مؤكداﹰ عدم تحقق العلم بالتشريع وبالتالي يصبح تطبيقه على مواطني اإلقليم
ﹰ
مجافيا للعدل. أمراﹰ
(ب) -حالة عدم توزيع الجريدة الرسمية :ومناط هذا االستثناء يتمثل في معرفة هل مجرد
النشر في الجريدة الرسمية يعتبر قرينة على علم املواطنين بالقانون ،أم أنه فضالﹰ عن مجرد النشر
يجب أن تتم عملية توزيع الجريدة الرسمية ؟ ال يكفي في الجزائر نشر القانون في الجريدة الرسمية
ليصبح التشريع ملزمﹰا ،بل يجب فوق ذلك توافر شرطين إضافيين هما:
( -)1وصول الجريدة الرسمية ملقر الدائرة )2( .مرور 24ساعة على وصولها ملقر الدائرة.
الفرع الرابع :التشريع الفرعي (التنظيم )
ال يكفي لتسيير شؤون املجتمع وإشباع الحاجات العامة سن التشريع األساس ي والتشريع
العادي ،بل يجب فضالﹰ على ذلك إصدار التنظيم الذي يعتبر تشريعات فرعية تسنه السلطة
( )1أحمد محمد الرفاعي ،املدخل للعلوم القانونية (نظرية القانون)[ ،املرجع السابق] ،ص .131
()2حمدي عبد الرحمن ،فكرة القانون [ ،املرجع السابق] ،ص ص .152 -151
39
التنفيذية بمقتض ى االختصاص املمنوح لها من طرف الدستور .وينقسم هذا التشريع إلى ثالثة
أقسام هي)1( :
أوال -اللوائح التنفيذية : les règlements d’applicationال يعالج التشريع العادي عند
وضعه دقائق وصغائر املسألة التي ينظمها ،بل يتركها للوائح التنفيذية التي تصدرها السلطة
التنفيذية كونها أقدر من غيرها على معرفة ما يجب إصداره من لوائح وكيف تنظم دقائق املسائل
وجزئياتها .ويعود اختصاص إصدار اللوائح التنظيمية في الجزائر إلى الوزير األول وهذا ما قررته
ّ ّ
نظيمي الذي املادة 143من الدستور التي جرى نصها على أن « يندرج تطبيق القوانين في املجال ّالت
يعود للوزير األول ».
وطاملا أن التشريع العادي هو األصل واللوائح التنفيذية هي الفرع ،وجب أن يساير الثاني
األول في مقصده ومضمونه ،فإن حاد عنه عد غير شرعي أو غير قانوني وتعين األمر معه طلب
إلغاءه لتجاوزه للسلطة.
ثانيا -اللوائح املستقلة :les règlements autonomesوتسمى باللوائح املستقلة أو القائمة
بذاتها ،ألنها ال تستند إلى قانون عهد إليها أمر تنفيذه .ويعود اختصاص إصدار هذا النوع من
اللوائح في النظام القانوني الجزائري إلى رئيس الجمهورية ،حيث منحه الدستور اختصاص التشريع
في غير املسائل املحددة على سبيل الحصر والتي يختص بها البرملان ،وهذا ما قررته املادة 143من
نظيمية في املسائل غيرالسلطة ّالت ّ الجمهورية ّ
ّ الدستور التي تنص على أن « يمارس رئيس
املخصصة للقانون ».ّ
ثالثا -اللوائح الضبط :وتتضمنا القواعد الالزمة للمحافظة على األمن والسكينة والصحة
أو العامة ،ومن أمثلتها لوائح املظاهرات واملسيرات واملتعلقة بالباعة أو املصورين املتجولين،
بتنظيم األسواق األسبوعية وحركة السير واملركبات .ويصدر هذه اللوائح على املستوى املحلي كل
من رئيس املجلس الشعبي البلدي ووالي الوالية.
في النظام القانوني الجزائري هناك تقسيم أخر للتشريع الفرعي يتماش ى مع الجهة التي تقوم
بإصداره ،حيث نجد على قمته املراسيم les décretsالتي يصدرها كل من رئيس الجمهورية
(وتسمى باملراسيم الرئاسية) والوزير األول (وتسمى باملراسيم التنفيذية) ،ثم القرارات les arrêtés
التي يصدرها الوزراء والوالة ورؤساء املجالس الشعبية البلدية ومدراء املؤسسات العمومية
اإلدارية ،ثم املقرارات ذات األثر التنظيمي les décisions à effet réglementaire des autorités
administratives indépendantesالتي تصدرها الهيئات اإلدارية املستقلة ،ثم املناشير les
circulairesالتي تصدرها السلطات العليا لألعوان املرؤوسين والتي تبين لهم كيفيات القيام
بمهامهم وتحسن عالقة املرفق العمومي باملواطنين.
( )1عمار بوضياف ،املدخل إلى العلوم القانونية [ ،املرجع السابق] ،ص .134عبد املنعم فرج الصده ،أصول القانون[ ،املرجع
السابق] ،ص ص .86 -84
40
تتعدد املصادر االحتياطية للقانون وحصرتها املادة األولى من القانون املدني في املبادئ
العامة للشريعة اإلسالمية (الفرع األول) ،العرف (الفرع الثاني) ،قواعد القانون الطبيعي وقواعد
العدالة (الفرع الثالث))1( .
من األديان ما ال يقتصر على تنظيم عالقة اإلنسان بخالقه ،أو عالقته بنفسه ،يل يتناول
ﹰ
أيضا عالقته بغيره ،أي ينظم معامالته مع بني جنسه .وبذا تتناول أحكامه بجانب العقائد مسائل
املعامالت ،كالدين اإلسالمي والدين اليهودي .أما الدين املسيحي فقد اتجه أساساﹰ إلى كل ما يتعلق
بالعقيدة ولم يتناول من املعامالت إال النذر اليسير)2( .
(أ) -تعريف الشريعة اإلسالمية :ويقصد بالشريعة اإلسالمية ما شرعه هللا سبحانه وتعالى
لعباده من األحكام على لسان محمد صلى هللا عليه وسلم ،سواء أكان ذلك عن طريق القرآن أو عن
طريق السنة القولية ،أو الفعلية ،أو التقريرية .وتحتوي هذه األحكام على الجانب الدنيوي والجانب
األخروي ،وعلى جانب العبادات واملعامالت ،وعلى أحكام تفصيلية وأخرى عامة)3( .
(ب) -تعريف مبادئ الشريعة اإلسالمية :يقصد بها املبادئ الكلية للشريعة التي ال تختلف
باختالف املذاهب ،بمعنى أنها املسائل التي ليست محل خالف بين الفقهاء ()4
(جـ) -املصدر املزدوج مبادئ الشريعة اإلسالمية :على غرار العديد من تشريعات البالد
العربية فإن مبادئ الشريعة اإلسالمية يختلف مركزها كمصدر من مصادر القانون الجزائري تبعاﹰ
للظروف اآلتية:
(جـ -)1-مبادئ الشريعة اإلسالمية مصدر أصلي للقانون في الجزائر :تعتبر الشريعة
ﹰ
تاريخيا لبعض أحكام القانون الجزائري ،فقد أخذ املشرع الوضعي الجزائري اإلسالمية مصدراﹰ
بعض أحكام القوانين التي وضعها من مبادئ الشريعة اإلسالمية كقانون امليراث ،وقانون الوقف،
وقانون األسرة أو األحوال الشخصية .ولقد ترتب على صدور هذه القوانين أن صار التشريع هو
املصدر األصلي فيما صدرت هذه القوانين لتنظيمه وانكمش بنفس القدر نطاق الشريعة اإلسالمية
( )1على خالف موقف املشرع الجزائري الذي يسبق مبادئ الشريعة اإلسالمية على العرف ،فإن املشرع املصري يجعل األولوية للعرف
على حساب مبادئ الشريعة اإلسالمية .أحمد محمد الرفاعي ،املدخل للعلوم القانونية[ نظرية القانون] ،ص .131
( )2أنور سلطان ،املبادئ القانونية العامة [ ،املرجع السابق] ،ص ص .126 -125
( )3علي فياللي ،مقدمة في القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .242
( )4علي علي سليمان « .الشريعة اإلسالمية كمصدر للقانون طبقاﹰ للقانون الجزائري » [ ،مجلة الفكر القانوني ،العدد ،]1ص .121
حسن كيره ،حسين ،املدخل للقانون[ .املرجع السابق] ،ص .299بينما يرى بعض الفقه أنه حتى وإن وجد مثل هذا االختالف فإن
القاض ي ال يتقيد بمذهب محدد ،بل يستطيع أن يأخذ ما يراه أكثر مالئمة للتطبيق ،وله الرجوع إلى آراء تخرج عن نطاق املذاهب األربعة
املشهورة .من هذا الرأي :حمدي عبد الرحمن ،مبادئ القانون :نظرية القانون -نظرية الحق [ ،املرجع السابق] ،ص .107
41
ﹰ
خاصا ،إذ لقد اقتصرت واليتها على ما بقى من مسائل األحوال الشخصية ﹰ
أصليا باعتبارها مصدراﹰ
وهو قليل جداﹰ)1( .
فأحكام هذه القوانين مأخوذة من املبادئ العامة للشريعة اإلسالمية ،ومن ثم وجب الرجوع
في تفسيرها إلى فقه الشريعة اإلسالمية عند غموض نصها ،لكن يطبقها القاض ي ال باعتبارها مبادئ
دينية بل باعتبارها قواعد قانونية تتضمن أحكاماﹰ أخذها املشرع من القاعدة الدينية وأدمجها في
القاعدة القانونية الوضعية ()2
(جـ -)2-مبادئ الشريعة اإلسالمية مصدر احتياطي للقانون في الجزائر :عندما يعرض على
القاض ي مسألة ال يجد في التشريع يجب عليه أن يلجأ إلى مبادئ الشريعة اإلسالمية ،يبحث فيها عن
حل لتلك املسألة ،وذلك وفقاﹰ ألحكام املادة 4من القانون املدني الجزائري .ويطبق القاض ي مبدأ من
مبادئ الشريعة اإلسالمية وينزل أحكامه على املسألة ويفصل فيها ،هذا التطبيق يجعل الشريعة في
هذه الحالة مصدر احتياطي للقانون.
يعتبر كل من التشريع والعرف مصدرين للقانون الوضعي الجزائري ،لكن في التشريع يبدو
ﹰ
محددا في وثيقة ،هذا هو القانون املكتوب .أما في ﹰ
رسميا القانون على أنه إرادة الدولة اتخذت شكالﹰ
العرف فيتكون القانون تلقائياﹰ وبصورة ذاتية من خالل أفعال أو سلوك يمارسها بعض األشخاص
أول األمر ثم يمارسها بعد ذلك أشخاص آخرون عندما يدركون فائدتها ،وهكذا يعم العمل بهذه
األفعال حتى تصبح موحدة ومستقرة وتأخذ طابع اإللزام)3( .
والبحث في العرف كمصدر من مصادر القانون الوضعي الجزائري يلجأ إليه القاض ي لحل
النزاعات املعروضة عليه ،في حالة عدم وجود قاعدة تشريعية أو غياب مبدأ من مبادئ الشريعة
اإلسالمية يحكمها ،سنتطرق إلى تعريف العرف (أ) ،ثم بيان عناصره (ب) ،ثم تمييزه عن العادة
(جـ) ،وفي نعالج مسألة تطبيق القاعدة العرفية (د).
(أ) -تعريف العرف :قد يحدث أن يسلك شخص مسلكاﹰ ﹰ
معينا إزاء مناسبة معينة ويقلده
غيره في هذا السلوك حين تعرض له نفس املناسبة ،وهكذا حتى يعتاد الناس هذا السلوك ثم يصبح
()1عبد الحي حجازي ،محاضرات في املدخل لدراسة العلوم القانونية .الجزء األول :نظرية القانون [ ،املرجع السابق] ،ص 199
( )2وبمطالعة التقنين املدني الجزائري نجد أنه يحتوي على أحكام قانونية كثيرة استمدها من الفقه اإلسالمي ،منها :اإلثبات بالكتابة و
الشهود في عقود الدائنية ،االلتزام بالعقود ،حسن النية في تنفيذ العقود ،اإلثراء غير املشروع ،التزامات املدين باملحافظة على الوديعة،
التعسف في استعمال الحق.علي فياللي ،مقدمة في القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .245
( )3أنور سلطان ،املبادئ القانونية العامة [ ،املرجع السابق] ،ص .139
42
في أذهانهم أن هذا السلوك أمر ال خيار فيه حينئذ يتكون العرف .وعليه يرى جانب من الفقه بأن
العرف « هو اعتياد الناس على سلوك معين في ناحية من نواحي حياتهم االجتماعية ،بحيث تنشأ
منه قاعدة يسود االعتقاد بأنها ملزمة»( .)1أما الجانب الفقهي الثاني فيرى بأن العرف « هو إطراد
مقترنا بإحساسهم بوجود جزاء قانوني يكفل احترامﹰ العمل بين الناس وفقاﹰ لسلوك كعين ،إطراداﹰ
هذا السلوك»( .)2ويضيف الجانب الفقهي الثالث بأن العرف هو « عادة متكررة في الزمان تطبق في
إقليم معين تستلهم وتستمد قوتها امللزمة من موافقة وقبول من يمارسونها ويطبقونها»(.)3
بهذا يتضح أن للعرف معنيان :األول يدل على القاعدة القانونية غير املكتوبة التي تنشأ من
إطراد سلوك الناس في مسألة معينة على وجه معين ،هذا املعنى ينصب على اعتبار العرف مصدر
من مصادر القانون .والثاني فيعني القاعدة غير املكتوبة في حد ذاتها التي تولدت من هذا املصدر،
وهذا املعنى ينصب على النتيجة)4( .
(أ) -أركان العرف :العرف باعتباره مصدراﹰ من مصادر القانون الوضعي الجزائري بما هو
تكرار احترام الجماعة بصفة عامة ومستمرة وموحدة ،لقاعدة من قواعد السلوك مع االعتقاد في
إلزامية هذه القاعدة .جعل الفقه يجمع بأنه يتشكل من عنصرين أساسيين هما :الركن املادي
املتمثل في السلوك الذي يمارسه األفراد مدة زمنية معينة والركن املعنوي الذي يكمن في الشعور
بإلزام تلك العادة املتبعة)5( .
.Iالركن املادي :يعني اعتياد األفراد على نوع من السلوك في خصوص أمر من أمور
حي اتهم االجتماعية .حيث تنشأ بينهم عادة نتيجة إتباعهم لسلوك معين واطراد العمل به .فهي عادة
ال تفرضها سلطة معينة كما هو الحال بالنسبة للتشريع ،وال توحي بها جهة معينة كما هي الحال
ﹰ
وتلقائيا وبطريقة بطيئة من بالنسبة إلى القواعد التي استقر عليها القضاء أو الفقه ،بل تنشأ فطرياﹰ
وقائع وأعمال وسلوكيات متبعة في مجتمع معين ،والتي تصبح عادة دون تدخل صريح وال حتى قبول
ضمني من طرف املشرع)6( .
يجمع الفقه في العادة الذي يطرد تطبيقها من طرف األفراد والتي تشكل الركن املادي
للعرف ،أن تستوفي الشروط التالية:
- )1العادة قديمة :وهي من مستلزمات االطراد ،فال يقال أن الناس قد أطردوا على
سلوك محدد إال إذا كانت قد مضت مدة طويلة على إتباعهم هذا السلوك واعتيادهم عليه .لكن
هل هناك مدة معينة يجب مرورها حتى يمكن القول بأن هذا االعتياد أو االطراد قديم؟ يجمع
( )4عبد املنعم فرج الصده ،أصول القانون[ ،املرجع السابق] ،ص .122
(5) Yvaine Buffelan-Lanore et Virginie Larribau-Terneyre, Droit civil. Introduction- op.cit, p. 32.
( )6عبد الكريم الطالب ،الوجيز في املبادئ األساسية للقانون والحق( نظرية القانون ونظرية الحق) ([ ،مراكش) :مكتبة املعرفة،
الطبعة األولى ،]2005 ،ص .53
43
الفقه بأنه ليس هناك حد أدنى يجب أن تبلغه هذه املدة ،واألمر متروك تقديره للقاض ي الذي يقرر
ما إذا كان السلوك املتبع قد استقر في املجتمع أو أنه عبارة نزوة عابرة .ألن املدة تختلف من عادة
إلى أخرى بحسب طبيعة املعامالت التي تنشأ منها العادات ،فالعادات الزراعية تحتاج في تكوينها إلى
مدة أطول مما تحتاج إليه العادات التجارية)1( .
- )2العادة عامة :ال يعني شرط عمومية تطبيق السلوك أن يعمل به كل أفراد
املجتمع ألن هذا األمر لم يتحقق إال في الجماعات القديمة وقت أن كان عدد أفرادها قليل ،أما اآلن
وقد اتسعت الجماعة وتعقدت وتنوعت عناصرها فإن االعتياد يكفي فيه أن يقتصر على فئة أو
أو املالك طائفة غير محددة بذاتها من الجماعة كالصناعيين أو املزارعين أو التجار أو البحارة
أو املستأجرين .وتعتبر العادة عامة حتى لو سار عليها شخص واحد طاملا أنه غير معين بذاته ،فمثالﹰ
حين يعتاد رئيس الجمهورية إصدار قرار معين في مناسبة معينة ،فإن العادة باعتبارها ركناﹰ من
أركان العرف تقوم متى توافرت لها بقية الشروط (القدم والثبات))2( .
- )3العادة ثابتة :واملقصود بالثبات االستقرار على مضمون املسلك أو العادة يعنى أن
يجرى الناس على إتباع مسلك معين دون انقطاع وبشكل واضح ظاهر للعيان ٠وال يؤثر في ثباتها
خروج بعض ىاألشخاص عليها في فترات متباعدة ،فيكفى أتباعها من قبل الغالبية بانتظام معين)3(.
)4هل يستلزم عدم مخالفة العادة للنظام واآلداب العامة :تلك هي األمور التي يجب
توافرها فى االعتياد حتى يتوافر الركن األول للعرف ولكن البعض يضيف إلى ذلك أنه ال يكفى توافر
العموم والقدم والثبات ،وإنما يجب أن يكون هذا املسلك أو اإلطراد غير مخالف للنظام العام
واآلداب ،بمعنى أال يكون في إتباع هذا السلوك مساسا باألسس الرئيسية التي يقوم عليها املجتمع،
يستوي في ذلك أن يكون العرف إقليميا أو محليا أو مهنيا أو حتى شامال .يتطلب البعض هذا
الشرط فقط إذا كان العرف محليا أو مهنيا أو طائفيا حيث قد يتصادم مثل هذا العرف مع ما
يستقر في الجماعة من قواعد متعلقة بالنظام العام واآلداب .أما إذا شمل إطراد العمل بالسلوك
جميع مناطق وفئات املجتمع ،فمفترض في السلوك أنه مطابق وموافق للنظام واآلداب العامة)4(.
.IIالركن املادي :ال يكفي لقيام العرف أن تكون العادة بالشروط التي ذكرناها ،بل يجب
كذلك أن يتوفر الركن املعنوي للعرف ،بمعنى أن يتولد االعتقاد لدى الناس بأن هذه العادة ملزمة
باعتبارها قاعدة قانونية لها جزاء مادي توقعه السلطة العامة جبرﹰا على من يخالفها ،شأنها في ذلك
شأن القاعدة التشريعية سواء بسواء)5 ( .
( )1أحمد محمد الرفاعي ،املدخل للعلوم القانونية (نظرية القانون) ،ص .169
()2حسن كيره ،حسين ،املدخل للقانون[ ،.املرجع السابق] ،ص .275
( )3عبد املنعم فرج الصده ،أصول القانون[ ،املرجع السابق] ،ص .127
( )4عبد الكريم الطالب ،الوجيزفي املبادئ األساسية للقانون والحق( نظرية القانون ونظرية الحق) [ ،املرجع السابق] ،ص .53
()5سمير تناغو ،النظرية العامة للقانون[ ،املرجع السابق] ،ص .430
44
ﹰ
محققا .ولذلك ويتكون هذا االعتقاد تدريجيا ،حتى يأتي الوقت الوقت الذي يصبح فيه أمراﹰ
فإنه في مرحلة من مراحل هذا التكوين قد يختلف رأي الفقه وتتضارب أحكام املحاكم في أن عادة
معينة قد أصبحت عرفاﹰ ،كما أن البعض يراها مجرد غادة ال ترتقي إلى مرتبة العرف ثم يعود بعد
ذلك فيعتبرها عرفاﹰ .فإذا جاء الوقت الذي يسود االعتقاد فيه بأن هذه العادة أصبحت ملزمة
صارت عرفاﹰ ال سبيل إلى الجدال فيه وفي إلزامه)1 ( .
الخالصة :إذا توافر ركنا العرف على النحو املتقدم ،فإننا نكون بصدد قاعدة قانونية ملزمة،
وإن كانت تأتي في مرتبة تالية على القاعدة التشريعية املكتوبة وعلى مبادئ الشريعة اإلسالمية .
وقد يكون العرف وطنياﹰ أو محلياﹰ أو ﹰ
مهنيا يخص األشخاص املنتمين ملهنة محددة .
(جـ) -تمييز العرف عن العادة :الذي يميز العرف عن العادة بالشرح الذي عرضناه هو
الركن املعنوي ،فطاملا لم يقم في ذهن الناس اعتقاد بأن عادة معينة أصبحت ملزمة ،فإن هذه
العادة ال تعتبر عرفاﹰ ،وال تكون قانوناﹰ ﹰ
ملزما .ويرتب الفقه عن التمييز بين القاعدة العرفية والعادة
عدة نتائج عملية نوجزها على النحو ا التالي)2 ( :
)1من حيث افتراض العلم بالقانون :القاعدة العرفية قاعدة قانونية ما يفرض على
الكافة وعلى القاض ي العلم بها إذ ال يعذر أحد بجهله للقانون .والقاض ي الذي يرفض الفصل في
نزاع مبني على قاعدة عرفية يكون قد ارتكب جريمة إنكار العدالة.أما العادة هي مجرد وقائع ال
يفترض علم الناس بها وال القاض ي بها.
)2من حيث الخضوع لرقابة املحكمة العليا :يخضع القاض ي عند تطبيقه للقاعدة
العرفية كقانون مطبق على النزاع املعروض عليه لرقابة املحكمة العليا ،ألن القاض ي كأصل عام
يخضع في تطبيقه للقانون (التشريع ،مبادئ الشريعة ،العرف ،مبادئ القانون الطبيعي وقواعد
العدالة) لهذه الرقابة حماية ملصالح األفراد وتحقيقاﹰ للعدالة .أما العادة فإن القاض ي حر في
االعتداد بها واستخالصها ،إذ يجوز له قبولها أو استبعادها ،ألن كل الوقائع تدخل في صميم
السلطة التقديرية الواسعة للقاض ي.
)3من حيث اإلثبات:ملا كان العرف قاعدة قانونية فإن عبء إثباته ال يقع على من يتمسك
به وحده ،وإنما على املحكمة نفسها التي لها الحق في أن تثبت وجوده من تلقاء نفسها ،وأن تطبقه
ولو لم يطلب األطراف ذلك .وقد مكن القضاء األطراف واملحكمة عند إثباتها للعرف من عدد من
( )1عبد املنعم فرج الصده ،أصول القانون[ ،املرجع السابق] ،ص .129
( )2عبد املنعم فرج الصده ،أصول القانون[ ،املرجع السابق] ،ص ص .132 -.129عبد الكريم الطالب ،الوجيز في املبادئ األساسية
للقانون والحق[ ،املرجع السابق] ،ص ص .58 -56حمدي عبد الرحمن ،فكرة القانون[ ، :املرجع السابق] ،ص ص .206 -205
حمدي عبد الرحمن ،مبادئ القانون :نظرية القانون -نظرية الحق[ ،املرجع السابق] ،ص ص .102 -101
45
وسائل اإلثبات منها :الدفاتر والسجالت التي دونت فيها األعراف -شهادة الشهود -الخبر -الشهادات
التي تصدرا غرفة التجارة أو النقابات املهنية .أما العادة فهي مجرد واقعة وال يقع عبء إثبات
وجودها إال على من يتمسك بها.
(د) -تطبيق العرف :الوظيفة األساسية للعرف هي تكملة النقص املوجود في التشريع أو
غياب مبدأ من املبادئ العامة للشريعة اإلسالمية ،وعلى هذا النحو يأتي العرف في املرتبة الثالثة
بعد التشريع ومبادئ الشريعة اإلسالمية ،فإذا لم يجد القاض ي قاعدة تشريعية أو مبدأ ﹰ
عاما
يطبقه على النزاع املعروض عليه التجأ إلى العرف ،وهذه حالة العرف املكمل للتشريع ( .)1يضاف
إلى ذلك أن املشرع قد يتعرض ملسألة معينة ويعالجها ،لكنه يستعين في القاعدة التي يضعها
بالعرف لتحقيق أغراض مختلفة ،كتنظيم هذه املسألة من أساسها ،أو تحديد بعض املعايير املرنة
في شأنها ،أو تفسير نية املتعاقدين ،وهذه حالة العرف املفسر للتشريع ( .)2كما أن املشرع قد يرى
في بعض الحاالت أن القاعدة العرفية أكثر مالئمة من القاعدة التشريعية ،فيضع هذه األخيرة
ولكنه يجعل للقاعدة العرفية األفضلية عليها إن وجدت ،وهذا ما يثير البحث في حالة العرف
املخالف للتشريع)3( .
)1العرف املكمل للتشريع :ال يمكن تطبيق القاعدة العرفية في حالة وجود نص
تشريعي ينظم املسألة موضوع النزاع ،بل حتى في حالة عدم وجود نص تشريعي ال يرجع القاض ي إلى
العرف إال في حالة إغفال مبادئ الشريعة اإلسالمية للمسألة موضوع الخالف ،وذلك لكونها
املصدر االحتياطي األول فتتقدم على العرف من حيث التطبيق .من هنا يظهر أن العرف له دور
تكميلي للتشريع ،فحين يغفل هذا األخير تنظيم مسألة ما أو تنظيم جزء منها يرجع القاض ي إلى
« مبادئ الشريعة اإلسالمية ،فإن لم يجد حكما يلجأ إلى العرف .ويضيف بعض الفقه بأنه
يتعين على القاض ي أن يكمل ما في التشريع من نقص باالستعانة بالقواعد العرفية ،فالدور الذي
يقوم ب العرف في تكميل التشريع يفترض نقصاﹰ في التشريع أي عدم وجود قاعدة تشريعية تحكم
الحالة املعروضة»)1(.
الخالصة :مما تقدم يتضح جلياﹰ بأن القاعدة التشريعية أسمى مرتبة من القاعدة
العرفية ،لذا ال يمكن للقاعدة العرفية أن تخالف قاعدة تشريعية أعلى منها ،وباملقابل
يمكن للقاعدة التشريعية أن تخالف القاعدة العرفية بل ولها أن تلغيها.
( )1حبيب إبراهيم الخليلي ،املدخل للعلوم القانونية [ .املرجع السابق] ،ص .106ويرجع سبب نشوء العرف املكمل للتشريع إلى
ضغط الحياة االجتماعية التي تجعل التشريع يوماﹰ بعد يوم عاجزاﹰ عن تلبية ومسايرة متطلبات الحياة االجتماعية املتطورة بشكل
شديد االطراد والتعقيد .عبد الكريم الطالب ،الوجيز في املبادئ األساسية للقانون والحق( نظرية القانون ونظرية الحق) [ ،املرجع
السابق] ،ص .80
46
)2العرف املساعد للتشريع :في هذه الحالة لسنا بصدد نقص في التشريع يكمله
العرف ،وإنما بصدد تشريع يمدنا بنصوص تنظم مسألة ما يحتاج القاض ي عند تطبيقها إلى
االستعانة بالعرف ،لذا سمي العرف في ذا الحالة بالعرف املساعد أو املعاون)1( .
ويكون للعرف املساعد للتشريع وظائف عديدة منها (( :)2أ) تفسير نية املشرع وهذا ما نصت
عليه املادة 365من القانون املدني « إذا عين في عقد البيع مقدار املبيع كان البائع مسؤوالﹰ عما
نقص منه بحسب ما يقص ي بع العرف .»...ففي هذا النص يتضح بأن املشرع نظم املسألة املتعلقة
بنقص الش يء املبيع وحمل البائع املسؤولية ،لكنه املشرع فضل إحالة تحديد مقدار هذه املسؤولية
إلى العرف الذي يفسر نية املشرع( .ب) قد يكون العرف أكثر مالئمة في تنظيم املصالح الخاصة
لألفراد من القاعدة التشريعية ،فقد يترك املشرع لألفراد تنظيم بعض املسائل غير أن إغفال
تنظيمهم لها وارد في الكثير من الحاالت ،لذا ينظم املشرع املسألة ويحيل كذلك إلى العرف ،وها ما
نصت عليه املادة 1/387من القانون املدني التي تنص على أنه « يدفع ثمن البيع في مكان التسليم
ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقض ي بغير ذلك.»...
)3مدى قدرة العرف على مخالفة التشريع أو إلغائه :أشرنا فيما سبق إلى أن العرف
احتياطيا ،ال يلجأ إليه القاض ي إال في حالة غياب التشريع أو عدم وجود مبدأ من
ﹰ يعد مصدراﹰ
مبادئ الشريعة اإلسالمية تحكم النزاع املعروض عليه .ويترتب على هذا القول أنه ال يجوز للعرف
مخالفة القواعد التشريعية ،غير أن بعض الفقه يميز حالتين في هذا الخصوص:
الحالة األولى :مخالفة العرف للقاعدة التشريعية املكملة :انتهينا في محاضراتنا
السابقة إلى أن القاعدة املكملة هي التي تضع تنظيم نموذجي ملسائل محددة وتسمح
لألفراد بوضع تنظيمهم الخاص لهذه املسائل حتى ولو كان مخالفاﹰ لتنظيم القاعدة
املكملة .وملا كان األمر كذلك فمن باب أولى يجوز أن يخالف القاعدة املكملة ،وهذا ما
قررته املادة 388من القانون املدني التي تنص على أنه « يكون ثمن املبيع مستحقاﹰ في
الوقت الذي يقع فيه تسليم املبيع ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقض ي بخالف ذلك».
الحالة الثانية :مخالفة العرف للقاعدة القانونية اآلمرة :يحصل في الحياة العملية
أن تتنازع قاعدة عرفية في قانون خاص مثل القانون التجاري أو قانون العمل مع
قاعدة آمرة تنتمي للشريعة العامة أي للقانون املدني .حيث يتقدم تطبيق العرف
التجاري أو العمالي على القاعدة اآلمرة املنصوص عليها في القانون املدني .ويجد هذا
التطبيق أساسه في قاعدة أن « الخاص يقيد العام » ( )3والتي تعني عدم تطبيق
القواعد العامة املنصوص عليها في القانون املدني في حالة وجود قواعد قانونية في
القانون الخاص التي تتكفل بتنظيم املسألة موضوع النزاع ،وعليه فإن القواعد العامة
( )1حبيب إبراهيم الخليلي ،املدخل للعلوم القانونية [ .املرجع السابق] ،ص .107
( )2علي فياللي ،مقدمة في القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .259
( )3علي فياللي ،مقدمة في القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .263
47
ال تطبق إال في حالة عدم وجود قاعدة خاصة .وفي هذا الشأن نصت املادة 77من
القانون املدني على أنه « ال يجوز لشخص أن يتعاقد مع نفسه باسم من ينوب عنه
سواء أكان التعاقد لحسابه أو لحساب شخص آخر دون ترخيص من األصيل ،على أنه
يجوز لألصيل في هذه الحالة أن يجيز التعاقد ،كل ذلك مع مراعاة ما يخالفه مما
يقض ي به القانون وقواعد التجارة» .وعليه فإن القاعدة اآلمرة في القانون املدني تمنع
الشخص من أن يتعاقد مع نفسه وتسمح بذلك في حالة موافقة األصيل ،ما لم توجد
قاعدة عرفية تجارية التي يمكن لها أن تجيز التعاقد دون شرط اإلجازة من األصيل.
وكذلك ما نصت عليه املادة 449من القانون املدني بقولها أنه « ال تنطبق مقتضيات
هذا الفصل على الشركات التجارية إال فيما ال يخالف القوانين التجارية والعرف
التجاري ».
تعتبر مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة املصدر االحتياطي الثالث واألخير الذي
نصت عليه املادة األولى من القانون املدني الجزائري ،وهكذا ال يرجع القاض ي إلي هذه املصادر -
مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة -إال في حالة نظره في نزاع ال يوجد بشأنه قاعدة تشريعية
ولم يتناوله مبدأ من مبادئ الشريعة اإلسالمية ولم تنظمه قاعدة عرفية.
لكن ماذا تعني مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة (ثانيا) ،وما املقصود بإحالة القاض ي
إلى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة (ثالثا) ،وما هي التطبيقات القضائية ملبادئ القانون
الطبيعي وقواعد العدالة (رابعا) ،وقبل هذا ملاذا اعتبرت مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة
مصدر من مصادر القانون الوضعي الجزائري (أوال).
أوال -الحكمة من اعتبار مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة مصدر للقانون
الوضعي الجزائري :يرجع الفقه سبب جعل مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة مصدر من
مصادر التشريع إلى سببين هما)1 ( :
من جهة أولى إلى عدم كفاية املصدر الرسمي املتمثل في التشريع واملصدرين االحتياطيين
املتمثلين في املبادئ العامة للشريعة اإلسالمية والعرف على تنظيم كل املسائل التي تتعلق
بتعقيدات الحياة االجتماعية وتطورها وانفتاح املجتمع الجزائري على سائر املجتمعات نتيجة
العوملة .مما خالق مجموعة من املسائل التي استعصت على القانون مواكبتها السريعة بالتنظيم
والتأطير القانوني ،األمر الذي يمنع العدالة الخاصة في اقتضاء الحقوق الفردية ويمس بالسلم
األهلي داخل املجتمع.
( )1عبد املنعم فرج الصده ،أصول القانون[ ،املرجع السابق] ،ص .149علي فياللي ،مقدمة في القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .262
48
ومن جهة ثانية وأمام عدم كفاية املصادر السابقة فإن هناك واجب يقع على القاض ي
يتمثل في إلزامية فصله في النزاع الذي يعرض عليه ،وفي حالة احتجاجه بعدم وجود القواعد
القانونية التي تحكم النزاع فأنه يعتبر مرتكبا لجريمة إنكار العدالة.
ثانيا -معنى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة :القانون الطبيعي مفهوم متغير
ومتطور بقي قاصراﹰ على املبادئ العامة التي تتقاسمها الشعوب والتي يهتدي بها املشرع عند وضعه
للقانون .وذهب جانب من الفقه املعاصر إلى أن القانون الطبيعي هو « مجموعة القواعد أو املبادئ
التي يستخلصها العقل البشري من الطبيعة لتنظيم الروابط االجتماعية باعتبارها املثل األعلى
الذي يهتدي به املشرع الوضعي حتى يقترب من الكمال ،» .أما قواعد العدالة فهي « شعور كامن
في النفس يكشف عنه العقل السليم ويهدف إلى إيتاء كل ذي حق حفه ،أي تحقيق املساواة بين
الحاالت املتماثلة مع مراعاة ظروفها ومالبساتها » .والسبب في إقران العدالة بقواعد القانون
الطبيعي يرجع إلى أن هذا القانون عبارة عن املبادئ التي تكون املثل األعلى الذي ال يتغير،
فهي مشتركة بين جميع األمم ،ويجب على املشرع في كل بلد وفي كل زمان أن يترسمها ويعمل
على هداها .أما العدالة فهي التي تتكفل بتطبيق هذه املبادئ في حلول تراعى فيها ظروف كل
حالة على حدة)1( .
ويخلص مما تقدم إلى أن مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة ال تعتبر مصدراﹰ رسمياﹰ
للقاعدة القانونية باملعنى الصحيح ،فهي ال تمد القاض ي بقاعدة مجردة وعامة كما هو شأن
التشريع أو العرف أو مبادئ الشريعة اإلسالمية ،وإنما تلهمه إلى حل يطبقه على النزاع املعروض
عليه إذا لم يجد قاعدة في هذه املصادر)2 ( .
ثالثا -املقصود بإحالة القاض ي إلى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة :رأينا أن
املادة األولى من القانون املدني الجزائري تحيل القاض ي إلى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة
إذا لم يجد نصاﹰ في التشريع وال قاعدة في الشريعة اإلسالمية أو في العرف .وقد اتضح أن هذه
املبادئ والقواعد هي في الحقيقة مصادر مادية أو موضوعية يستعين بها املشرع لتحديد القاعدة
القانونية ،وليست بمصادر رسمية يطبقا القاض ي على النزاع املعروض عليه ،أنها ال تمنح القاض ي
ضابط يقيني لحل النزاع املعروض عليه ،وإنما هي تلزمه أن يجتهد رأيه حتى يقطع عليه سبيل
ارتكاب جريمة إنكار العدالة( .ومن ثم فإن إحالة القاض ي إلى هذه املبادئ والقواعد إنما يقصد بها
تكليفه بأن يجتهد برأيه للوصول إلى حل يطبقه على املسألة املعروضة أمامه طاملا لم يجد نصاﹰ في
التشريع وال في مبادئ الشريعة اإلسالمية أو في العرف .ويرتب الفقه على هذه اإلحالة نتيجتين
رئيسيتين هما)3( :
( )1إسماعيل عبد النبي شاهين .املدخل لدراسة العلوم القانونية .القسم األول :نظرية القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .197
( )2عبد املنعم فرج الصده ،أصول القانون[ ،املرجع السابق] ،ص .152
( )3علي فياللي ،مقدمة في القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .263
49
النتيجة األولى :عندما يقوم القاض ي بعملية االجتهاد على أساس قواعد ومبادئ
القانون الطبيعي والعدالة فإنه ال يقرر أو يضع قاعدة عامة ومجرة ،وإنما يجتهد للوصول إلى حل
يراعي فيه جانب العدالة التي ينظر فيها إلى ظروف كل حالة بعينها.
النتيجة الثانية :استلهام القاض ي ملبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة إنما
يقتصر على حالة عدم وجود حكم في التشريع أو في مبادئ الشريعة اإلسالمية أو في العرف .فإذا
وجد حكم في أي من هذه املصادر وجب على القاض ي أن يطبقه ،حتى لو بدا له حكما ظاملاﹰ ترفضه
وتأباه العدالة .كما أن غموض النص التشريعي أو إبهامه ال يبيح للقاض ي أن يعدل عنه إلى هذه
املبادئ والقواعد ،بل يجب عليه أن يعمل على تجلية النص للوصول إلى الحكم الذي يقرره عن
طريق التفسير.
رابعا -التطبيقات القضائية ملبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة :رجعت املحاكم إلى
القانون الطبيعي وقواعد العدالة وطبقتها في أحوال مختلفة نذكر منها)1( :
()1إسماعيل عبد النبي شاهين .املدخل لدراسة العلوم القانونية .القسم األول :نظرية القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .196
( )2محمد بقيق ،مدخل عام لدراسة القانون :مفهوم القانون -أساس القانون -مصادر القانون[ ،املرجع السابق] ،ص ص -134
.135
50
إلى جانب املصادر الرسمية التي ذكرتها املادة األولى من القانون املدني -التشريع ،واملبادئ
العامة للشريعة اإلسالمية ،والعرف ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة -هناك مصدران
تفسيريان هما القضاء والفقه .ويراد باملصدر التفسيري املرجع الذي يساعد على تجلية وتوضيح ما
في القاعدة القانونية من غموض وإزالة ما فيها من إبهام )1( .ألن تطبيق القاعدة القانونية من
مصادرها الرسمية يسبقها مرحلة مهمة هي تفسير القاعدة القانونية ،والجهة املنوط بها القيام
بعملية التفسير ،هي الفقه والقضاء ،على أن دورهما يقتصر أصالﹰ على تفسير النصوص القانونية،
ﹰ
رسميا للقانون خاصة وأن تفسيرهما ال يلزم أحد في النظام القانوني فال يعتبران إذن مصدراﹰ
الجزائري .لذا اعتبر بعض الباحثين أن الفقه والقضاء من مصادر إلقناع ،ال من مصادر القانون.
()2
وعلى الرغم من أن الفقه والقضاء ليسا سوى مصدرين تفسيريين إال أنهما يؤديان دوراﹰ
ﹰ
هاما ،ألن القضاء يعتبر املظهر العملي للقانون ،بينما يعد الفقه املظهر العلمي له .ولذا سنتناول
كل منهما في مطلب مستقل ،نخصص (املطلب األول) لدراسة القضاء ،ونعرض للفقه في (املطلب
الثاني).
املطلب األول :القضاء
في القانون األنجلو سكسوني فلسفة القانون jurisprudence يراد بمصطلح القضاء
أو النظرية العامة للقانون ،وفي الجزائر وفرنسا فإن معنى هذا املصطلح مغاير تماماﹰ لذلك حيث
يراد به « مجموعة األحكام الصادرة عن القضاء خالل فترة زمنية محددة ،في مادة معينة (القضاء
العقاري ،قضاء املسؤولية املدنية) أو في فرع من فروع القانون (القضاء املدني ،القضاء اإلداري،
القضاء الجنائي) أو في كل فروع القانون»)3( .
وإذا كانت وظيفة القاض ي الفصل في املنازعات املعروضة عليه ،بتطبيق القواعد التشريعية
فإن لم يجد فمبادئ الشريعة اإلسالمية فإن لم يجد فالعرف فإن لم يجد فقواعد القانون
الطبيعي ومبادئ العدالة .والقاض ي في قيامه بهذه الوظيفة ال يخلق القاعدة القانونية ولكنه يبحث
عنها ثم يطبقها .لذلك يعبر عن هذا الوضع بأن وظيفة القاض ي هي إعمال وتطبيق حكم القانون
وليس إنشائه .ومع ذلك فقد ثار التساؤل ملعرفة ما إذا كان القاض ي يلتزم بهذه القاعدة بصفة
مطلقة أم ال؟ ومثار هذا التساؤل هو أن القاض ي قد يجد نفسه أمام نزاع ال يجد له قاعدة قانونية
تحكمه وفقاﹰ للمصادر القانونية الرسمية السابق بيانها ،وقد يجد نفسه أمام قاعدة قانونية
( )1غالب علي الداودي ،املدخل إلى علم القانون([ ،عمان) :دار وائل للنشر ،الطبعة السابعة ،]2004 ،ص .179
( )2أحمد السعيد الزقرد ،املدخل للعلوم القانونية .الكتاب األول :نظرية القانون[ ،املرجع السابق] ،ص ص .320 -319
(3) J. Puigelier, Temps et création jurisprudentielle. Bruxelles, Bruylant, 2012, p. 35.
كما يطلق القضاء على مجموعة املحاكم في بلد معين ،هذه املحاكم هي التي تتولى تطبيق القواعد العامة واملجردة على ما يعرض عليها
من منازعات .السعيد الزقرد ،املدخل للعلوم القانونية .الكتاب األول :نظرية القانون[ ،املرجع السابق] ،ص .320غالب علي
الداودي ،املدخل إلى علم القانون[ ،املرجع السابق] ،ص .321
51
غامضة وغير محددة املعنى .فهل يمتنع القاض ي عن الفصل في النزاع بحجة عدم وجود القاعدة
القانونية أصالﹰ أو لغموضها ،خاصة وأنه ملزم بالبت في النزاعات وال يجوز له التخلي عن هذه
الوظيفة وإال اعتبر مرتكباﹰ لجريمة إنكار العدالة ؟
اإلجابة على هذه األسئلة تختلف بين الدول التابعة للنظام األنجلوسكسوني ( مثل بريطانيا،
أستراليا ،جنوب إفريقيا ،نيوزيلندا) الذي يأخذ بالسابقة القضائية،والدول التابعة للنظام الالتيني
الجرماني ( مثل أملانيا فرنسا ،الجزائر ،مصر).
Anglo-saxon ﹰ
رسميا للقانون في النظام األنجلوسكسوني أوال -القضاء مصدر ﹰا
(بريطانيا نموذجاﹰ) :القانون في البلدان التي أخذت بالنظام األنجلوسكسوني قانون غير مكتوب من
جهة ،ويعتد بقاعدة السابقة القضائية la règle du précédentمن ناحية أخرى( .)1وعليه يعتبر
ﹰ
استثنائيا .فالقانون رسميا من مصادر القانون ،بينما يكون التشريع مصدراﹰ
ﹰ القضاء مصدراﹰ
اإلنجليزي تكون من خالل األحكام التي كان القضاء يصدرها ،وملعرفة مضمون ومحتوى هذا
القانون وجب الرجوع إلى هذه األحكام واستخالصها منه .ومازال التشريع كمصدر رسمي للقانون في
ﹰ
استثنائيا ال يلجأ إليه إال بقصد تكملة أو تعديل القانون الذي تكون بريطانيا إلى يومنا هذا حدثاﹰ
قضائيا ﹰ
بحتا)2( . ﹰ ﹰ
تكوينا
لذلك يلتزم القاض ي اإلنجليزي عند فصله في دعوى مرفوعة إليه بأن يبحث في السوابق
القضائية التي فصلت في دعوى مماثلة للدعوى التي ينظر فيها ،وله االستعانة بكتب الفقهاء التي
تهديه إليها .وتعتبر السوابق القضائية ملزمة إذا كانت الحكم صادراﹰ من مجلس اللوردات (محكمة
عليا) ،فيلزم كل املحاكم الدنيا وال يجوز تعديله إال بتشريع الحق .وليس على املتقاض ي إال أن
يبحث عن سابقة قضائية ملزمة فتحكم لصالحه املحكمة من أو جلسة ،وليس من الالزم أن تكون
هذه السابقة قد أصبحت قضاءﹰ مستقراﹰ عليه حتى تعتبر حجة ،بل يكفي أن يصدر الحكم واحد
فيعتبر سابقة قضائية)3( .
( )1ويقصد بالسابقة القضائية أن املحاكم الدنيا تكون مقيدة بأحكام املحاكم األعلى درجة منها ،وتكون املحاكم العليا مقيدة باألحكام
التي صدرت عنها ،مما يجعل للحكم القضائي قوة إلزامية في العمل .ويجب العمل بالسابقة القضائية في كل القضايا املماثلة ،وال يصح
إلغاء العمل بها إال بقانون يقره البرملان ،فالسوابق القضائية هي املصدر الرسمي األول للقانون في البالد األنجلوسكسونية ،أما التشريع
مكمال للسوابق القضائية .علي فياللي ،مقدمة في القانون [ ،املرجع السابق] ،الهامش ،4ص .269حسن كيره، ﹰ فال يعتبر إال مصدراﹰ
املدخل للقانون[ .املرجع السابق] ،ص .215أو هي القيمة التي يقررها النظام القضائي للقرارات القطعية الصادرة من املحاكم ذات
االختصاص فيما يعرض عليها من قضايا ،وأثر تلك األحكام في الدعاوى املماثلة التي ترفع أمام القضاء فيما بعد ،فهل يعتبر القضاة
أنفسهم ملزمين عند حدوث دعوى جديدة بإتباع القرارات التي سبق وأن أقروها في قضايا سابقة مماثلة للدعاوى الجديدة بالوقائع
األساسية ومشابهة لها في التكوين .عبد الرحمن البزاز « .السوابق القضائية» [ ،مجلة القضاء .العدد ،1السنة ،]1945ص .37
( )2عبد هللا مبروك النجار ،أصول القواعد القانونية دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي([ ،القاهرة) :دون دار نشر ،الطبعة األولى،
،]2006ص .425
( )3عبد هللا مبروك النجار ،أصول القواعد القانونية دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي [ .املرجع السابق] ،ص .426
52
ﹰ
رسميا للقانون في النظام الالتيني الجرماني Latino- ثانيا -مدة اعتبار القضاء مصدر ﹰا
( germaniqueالجزائرنموذجاﹰ) :القانون في البلدان التي أخذت بالنظام الالتيني الجرماني يهيمن
عليه التشريع ووظيفة القاص ي تطبيق القانون ال غير .وال يخرج القاض ي عن هذه الوظيفة حتى ولو
قام بتفسير النص التشريعي كونه غامضاﹰ أو ناقصاﹰ ،ألن دوره هنا يقف عند البحث عن املعنى
الحقيقي للحكم الذي تضمنته القاعدة القانونية.
ﹰ
رسميا للقانون إلى اتجاهين ،األول لكن الفقه انقسم حيل مدى اعتبار القضاء مصدرﹰا
ينكر عليه ذلك ،والثاني يقر له بهذا الدور.
ﹰ
رسميا للقانون :ويرجع الفقه هذا األمر (أوال) -االتجاه الر افض العتبار القضاء مصدر ﹰا
إلى الحجج التالية:
)1مبدأ الفصل بين السلطات :فكل سلطة لها وظيفتها وال يجوز لسلطة أن تعتدي على
سلطة أخرى وتمارس جزء من وظيفتها .أما السلطة التنفيذية فوظيفتها تنفيذ القوانين الصادرة
عن السلطة التشريعية وإدارة املرافق العمومية ،وفيما يتعلق بوظيفة السلطة التشريعية فهي
كممثلة عن للشعب تسن التشريعات التي تضبط وتنظم املعامالت القانونية في املجتمع ،أما
السلطة القضائية فمهمتها الفصل في املنازعات التي تنظر فيها عن طريق إنزال أحكام القانون
عليها ،وليست مؤهلة أو مختصة بإنشاء القوانين التي تبقى في االختصاص املحجوز للسلطة
التشريعية)1( .
)3الحجية النسبية للش يء املقض ي به :طبقا للمادة 1/338من القانون املدني فإنه ال
يكون للحكم الصادر في نزاع محدد حجية إال في مواجهة نفس األطراف وبالنسبة لنفس النزاع
ولنفس السبب .وعليه يمكن للمحكمة العليا من باب أولى أن تتراجع على القضاء الذي استقرت
عليه في وقت سابق ،لذا فإن قضاة املحاكم الدنيا غير ملزمين قانوناﹰ بإتباع أحكام املحكمة العليا،
وإذا حصل أن احترموا هذه األحكام فذلك بسبب القيمة األدبية لهذه األحكام وليس لالعتبارات
القانونية .ويرى بعض الباحثين أن دور املحكمة العليا في توحيد االجتهاد القضائي في البالد والذي
نصت عليه املادة 2/179من دستور سنة 2020بقولها « ...تضمن املحكمة العليا ومجلس الدولة
توحيد االجتهاد القضائي في جميع أنحاء البالد ،ويسهران على احترام الدستور ،» ...ال يمكن تفسيره
( )1سمير تناغو ،النظرية العامة للقانون[ ،املرجع السابق] ،ص .494
( )2غالب علي الداودي ،املدخل إلى علم القانون[ ، ،املرجع السابق] ،ص .181
53
على أن القضاء مصدر للقانون بل الغرض منه تحقيق نوع من املساواة والعدالة واالستقرار
بتوحيد األحكام القضائية الصادر بصدد قضايا متماثلة)1( .
ﹰ
رسميا للقانون( :)2يرجع الفقه اعتبار القضاء (ثانيا) -االتجاه الذي يعتبر القضاء مصدر اﹰ
مصدر رسمي للقانون -أي أنه مصدر لوضع القواعد القانونية من خالل األحكام التي يصدرها
أو الفرعية- والتي ال تتخذ شكل املواد التي تفرغ فيها القواعد التشريعية الرئيسية أو العادية
إلى أن تفسير هم ألحكام املادة 2/179من دستور سنة ،2020والتي تعني أن هناك إلزام على
املحاكم الدنيا بأن تتبع االجتهاد القضائي الصادر عن مجلس الدولة واملحكمة العليا حتى يتحقق
توحيد تطبيق القانون على كل اإلقليم الوطني .ولقد نقضت املحكمة العليا في العديد من قراراتها
القرارات املطعون فيها بالنقص متى خالف اجتهادها السابق املتعلق بنفس املسألة .فقد انتهت في
قرارها املؤرخ في 30مارس 1994في امللف رقم 107398إلى أنه « ...سبق للمحكمة العليا أن نقضت
عدة قرارات كانت ألغت أحكاما بنفس الطريقة وقد استقر قضائها على أن محضر مفتش العمل
يغني عن اللجوء إلى الطرق الودية األخرى ،ومع ذلك القرار املطعون فيه خالف ما هو مستقر
عليه قضائيا ،ما يعرضه للنقض إلساءة تطبيق القانون)3(.» ...
وما يعزز هذا الرأي أن الدستور الجزائري الصادر سنة 2020أزال الشك في مدى إتباع
املحاكم الدنيا لالجتهاد القضائي الصادر عن املحاكم العليا في املنازعات التي تتماثل وقائعها،
ويتجلى هذا األمر في إلزامه للقضاة أثناء ممارستهم ملهامهم القضائية بتطبيق القرارات التي
تصدرها املحكمة الدستورية ،حيث نصت املادة 171منه على أنه « يلتزم القاض ي في ممارسة
وظيفته بتطبيق املعاهدات املصادق عليها ،وقوانين الجمهورية وكذا قرارات املحكمة الدستورية».
وعليه فإن القرارات التي تصدرها املحكمة الدستورية بمناسبة نظرها في املنازعات الدستورية تعتبر
بمثابة قاعدة قانونية عامة ومجردة وعلى قضاة املحاكم الدنيا االلتزام بها وتطبيقها في القضايا التي
تعرض عليهم.
54
الفقه لغةﹰ هو الفهم ،واصطالحاﹰ يقصد به « مجموعة اآلراء التي يبديها شراح القانون
وأساتذته ،سواء أكان ذلك في مؤلفاتهم القانونية ،أم في أبحاثهم ،أم في فتاواهم ،أم في تعليقاتهم
على أحكام القضاء»)1(.
أما الفقه في اصطالح فقهاء الشريعة فهو « العلم باألحكام الشرعية العملية املكتسب من
األدلة التفصيلية ،أي مصادر التشريع وهي الكتاب والسنة واإلجماع والقياس ،وغير ذلك من
األدلة املعتبرة في استنباط األحكام»)2(.
ويقوم الفقه بدور كبير في استنباط األحكام من مصادرها وتحليلها ،كما يقوم الفقهاء بشرح
القوانين وبيان شروط تطبيقها وضوابطها .وللفقه دور في التأصيل وبيان االتجاه العام للتشريع
والقضاء ،كما أن الفقهاء يستنبطون املبادئ العامة من القواعد التفصيلية ،ويعتبر الفقه هو
العلمي للقانون)3( .
ويرى جانب من الباحثين أن الفقه يتميز عن القضاء بخاصيتين اثنتين هما الحرية والتنوع:.
()4
أ -الحرية :في حين ال يصدر القضاء أحكامه وقراراته إال بمناسبة الفصل في القضايا
املطروحة عليه ،فإن الفقه يدلي بقناعاته وأفكاره متى شاء ،وبالطريقة التي يريدها ،وفي حريته في
طرح األسئلة واإلجابة عليها بخالف القاض ي الذي يجب أن يقف عند حدود طلبات أطراف النزاع.
ب -التنوع :تتميز تدخالت الفقه بتنوعها وتعددها ،هذا ما يزيد في ثرائها .وتأخذ األعمال
الفقهية شكل الكتب واملؤلفات واملراجع والتعاليق على األحكام والقرارات القضائية واملقاالت
واملحاضرات واملداخالت .ويمكن تصنيف املؤلفات الفقهية إلى صنفين :األعمال العلمية ،التي
تحاول قدر املستطاع إعطاء صورة موضوعية عن املادة القانونية ،في وقت ما وفي بلد ما ،وهو
الشأن بالنسبة للمؤلفات والكتب .أما األعمال املوجهة ،فهي تلعب دوراﹰ كبيراﹰ في تطوير املادة
القانونية ،ألنها تحاول الدفاع عن رأي معين تجاه مسألة ما ،نذكر منها خاصة األطروحات،
واملذكرات ،واملقاالت القانونية.
ﹰ
رسميا للقانون لكنه يعتبر مصدر يستأنس به في القانون الجزائري ال يعتبر الفقه مصدراﹰ
القاض ي في استخالص القواعد القانونية وتقص ي مفهومها ،وكثيراﹰ ما يرجع القاض ي إليه ليستوحي
منه حكمه .كما أن الفقه بدوره يقوم بالتعليق على أحكام القضاء فيبين للقاض ي طريق الصواب،
( )1عبد الحي حجازي ،محاضرات في املدخل لدراسة العلوم القانونية .الجزء األول :نظرية القانون [،املرجع السابق] ،ص .277
( )2عبد هللا مبروك النجار ،أصول القواعد القانونية دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي [ .املرجع السابق] ،ص .420
( )3عبد املنعم فرج الصده ،أصول القانون[ ،املرجع السابق] ،ص .195
( )4محمد بقيق ،مدخل عام لدراسة القانون :مفهوم القانون -أساس القانون -مصادر القانون[ ،املرجع السابق] ،ص ص -227
.228
55
ويجنبه االنزالق إلى مواطن الزلل والخطأ .ويعود للفقه كذلك شرح القوانين وإظهار ما فيها من
قصور أو نقص ،وهذا يساعد املشرع في تدارك ما يعرض من قصور عند التشريع أو تعديله)1(.
على أن الفقه في بالدنا ما يزال في طور التكوين ومرحلة النشوء والتشكيل ،وبالتالي ال يزال
أثره محدوداﹰ ،ذلك أن املؤلفين قليلوا العدد ،وأن األبحاث الفقهية نادرة .ثم إن هذه األعمال على
قلتها ،هي إما ملتصقة بالنصوص القانونية ومحاذية لها لدرجة أنها تبدو وكأنها مجرد أعمال تقنية
بحت جردت من روح الجرأة واإلبداع ،أو أنها اختارت التحديث فآل بها األمر إلى التصادم مع
القضاء ذي النزعة املحافظة الغالبة)2( .
لكن هذا الوضع ال يصدق على العديد من الدول األوروبية التي الفقه له سلطة مرتبطة
فقهيا شائعﹰا ،دون التأكد والتروي
ﹰ بقيمته عند تو افرها ،ألنه ال يحق ألي كان أن يخالف رأياﹰ
والتبصر .كما يمكن لرأي فقيه واحد ،إذا ما تحلى بصفات الوجاهة والسداد أن يصبح سلطة
كما هو الحال مع زعيم املدرسة القاعدية النمساوية كلسن Kelsen ﹰ
ومرجعا في املادة القانونية -
الذي نظر ملؤسسة املحكمة الدستورية والذي أخذت بها العديد من الدول األوروبية ،أو الفقيه
الفرنس ي روبير Roubierالذي قدم مقاربة لحل إشكالية التنازع الزمني للقوانين والتي ألهمت
العديد من املشرعين الذين قننوها في صلب القوانين املدنية . -تلعب هذه السلطة الفقهية دوراﹰ
أدبيا ﹰ
ثابتا تجاه الجامعات ،إذ هي تساعد على إرساء تقاليد علمية يحترم بموجبها الباحث آراء ﹰ
السابقين)3( .
( )1علي فياللي ،مقدمة في القانون [ ،املرجع السابق] ،ص ص .284 -283عبد هللا مبروك النجار ،أصول القواعد القانونية دراسة
مقارنة بالفقه اإلسالمي [ .املرجع السابق] ،ص ص .420 - 419
( )2محمد الشرفي وعلي املزغني ،مدخل لدراسة القانون[ ،املرجع السابق] ،ص .467
(3) Yvaine Buffelan-Lanore et Virginie Larribau-Terneyre, Droit civil. Introduction- Biens- Personnes-
56
الفصل الثالث :نطاق تطبيق القاعدة القانونية
عناصرالفصل الثالث
إذا كانت غاية القانون هي تنظيم املجتمع وضمان أمن األفراد واستقرار املؤسسات ،فإن
ﹰ
مرهونا بالتطبيق الفعلي والصارم للقواعد القانونية .على أن تحقيق تلك الغاية يبقى معلقاﹰ و
تطبيق القواعد القانونية ليس باألمر الهين ،باعتبار القيود التي تفرضها على الحريات املعترف بها
لألفراد من جهة ،واألوضاع الخاصة التي يمر بها للنسان والتي تدفعه لالنحراف من جهة ثانية .إلى
57
جانب ذلك توجد اعتبارات موضوعية تعترض تطبيق القانون كأن يدعي الشخص جهله بالقانون
لعدم قدرته على القراءة والكتابة أو لعدم إطالعه عليه أو ألنه أجنبي)1( .
لكل هذه االعتبارات وضعت التشريعات املختلفة قواعد تحكم املسائل املرتبطة بتطبيق
القواعد القانونية ،ويمكن حصر املسائل التي يثيرها تطبيق القاعدة القانونية في تطبيقها من حيث
األشخاص (املطلب األول) ،وتطبيقها من حيث املكان (املطلب الثاني) ،وتطبيقها من حيث
الزمان(املطلب الثالث).
إذا أصبحت القاعدة القانونية واجبة التطبيق ،افترض علم الكافة بها ووجب عليهم االلتزام
بأحكامها حتى ولو ثبت أنهم لم يعلموا بها بالفعل ،وال يستطيع أحد أن يتملص من أحكامها
وتطبيقها بحجة أنه ال يعلمها ،وهذا ما اصطلح على تسميته بمبدأ « عدم االعتذار بجهل القانون».
وأصبح هذا املبدأ من القواعد املسلم بها في فقه القانون الوضعي.
وقد أحسن املؤسس الدستوري صنعاﹰ ﹰ
أوال حين رفع مبدأ عدم االعتذار بجهل القانون إلى
مرتبة القواعد الدستورية ،وهو ما أكدته املادة 171من الدستور الجزائري لسنة 2020على أنه «
ال يعذر أحد بجهل القانون ».
وللملام بطريقة تطبيق القاعدة القانونية على األشخاص وبمعنى أخر بمبدأ « عدم االعتذار
بجهل القانون» ،سنتطرق إلى مضمون هذا املبدأ (أوال) ،ثم شروط تطبيقه(ثانيا) ،ثم نبين مجال
تطبيقه (ثالثا) ،وفي األخير نميزه عن الغلط في القانون (رابعا).
أوال -مضمون مبدأ ال عذر بجهل القانون :ال يمكن ألي شخص أن يدفع تطبيق القاعدة
القانونية عليه مدعيا جهله لهذه القاعدة ولألحكام التي قررتها ،وعليه فالجهل بالقانون ال يحول
ﹰ
قانونيا دون تطبيق أحكامه على من يجهله .وعليه انتهى الفقه إلى أن الجهل بالقانون ال يعتبر عذراﹰ
يترتب عليه اإلعفاء من تطبيق األحكام القانونية)2( .
ويرجع الفقه مبر ات مبدأ ال عذر بجهل القانون إلى اعتبارين أساسيين هما )3( :
ر
املساواة بين املواطنين :إن عدم تطبيق مبدأ ال عذر بجهل القانون يفض ي إلى
الفوض ى واالضطراب ،ألنه يسمح في النهاية إلى عدم تطبيق القانون على الفئة
التي تدعي عدم العلم به .ويصبح وضع القانون في ذلك ضرباﹰ من العبث وهذا ما ال
يجوز أن يحصل ،ألن القانون سيعجز عن أداء مهامه املتمثلة في صيانة النظام
العام وحفظ حقوق األفراد.
( )1إسماعيل عبد النبي شاهين .املدخل لدراسة العلوم القانونية .القسم األول :نظرية القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .151غالب
علي الداودي ،املدخل إلى علم القانون[ ، ،املرجع السابق] ،ص .187
( )2حسن كيره ،حسين ،املدخل للقانون[ ،.املرجع السابق] ،ص .316عمار بوضياف ،املدخل إلى العلوم القانونية[ ،املرجع
السابق] ،ص .160
( )3عبد املنعم فرج الصده ،أصول القانون[ ،املرجع السابق] ،ص .194
58
تحقيق املصلحة العامة :يسمح تجاهل األخذ بمبدأ ال عذر بجهل القانون إلى
املساس املصلحة العامة ،حيث تسود الفوض ى وتتزعزع الثقة في املعامالت
واملراكز القانونية ،وتزيد املنازعات حول علم الناس بالقانون أو جهلهم بأحكامه،
مما يؤدي إلى املساس باالقتصاد الوطني ومن ثم باستمرارية الحياة داخل
املجتمع.
ثانيا -شروط تطبيق مبدأ ال عذر بجهل القانون :ال يمكن ألي شخص أن يدعي جهله
للقانون إال إذا كان القانون املراد تطبيق أحكامه على ذلك الشخص موجوداﹰ وساري النفاذ .وملا
تنوعت القواعد القانونية من حيث املصدر (أ) ،ومن حيث التصنيف (ب) وجب علينا تفصيل
شروط تطبيق هذا املبدأ.
)1شروط تطبيق مبدأ ال عذر بجهل القانون على القواعد القانونية املختلفة
املصدر :تتعدد مصادر القاعدة القانونية مما يستتبع تغير شروط تطبيق مبدأ ال عذال بجهل
القانون .فإذا كنا أمام قاعدة قانونية من طبيعة تشريعية (تشريع أساس ي أو تشريع عادي،
أو تشريع فرعي) وجب أن يتم إصدارها من طرف رئيس الجمهورية في أجل ثالثين ( ) 30يوماﹰ ابتداء
من تاريخ تسلمه إياه .ومن تاريخ توقيع رئيس الجمهورية ملرسوم اإلصدار تصبح القواعد القانونية
التشريعية نافذة .ونشير إلى أن إجراء إصدار القواعد التشريعية يقتصر على قواعد التشريع
األساس ي والتشريع العادي ،أما قواعد التشريع الفرعي – التنظيم -وهي التي تصدرها السلطة
التنفيذية فال تخضع لهذا اإلجراء.
وال يكفي أن يقوم رئيس الجمهورية بإصدار القواعد التشريعية بل يجب نشرها في الجريدة
الرسمية وبعد مرور 24ساعة على وصولها ملقر الدائرة تصبح ملزمة وبالنتيجة ال يمكن للمخاطبين
بأحكامها االعتذار بجهل بأحكامها – مع مراعاة حالتي عدم النشر وعدم وصول الجريدة الرسمية
إلى منطقة من مناطق الوطن لقيام حالة القوة القاهرة)1(.-
أما إذا كانت القاعدة من طبيعة عرفية فعلى عكس القاعدة التشريعية ال تخضع للجرائي
ﹰ
وتلقائيا وذلك من خالل تكرار أفرار اإلصدار والنشر ،ألنها قاعدة غير مكتوبة تنشأ تدريجياﹰ
الجماعة لسلوك معين معتقدين بإلزامية تطبيقه .ومن ثم فمن اللحظة التي تنشأ فيها القاعدة
العرفية (توافر ركنيها املادي واملعنوي) تصبح ملزمة وال يمكن للمخاطبين بأحكامها االعتذار بجهل
أحكامها)2( .
أما إذا كانت القاعدة القانونية راجعة إلى مبدأ عام من مبادئ الشريعة اإلسالمية ،فقد
أجمع علماء اإلسالم على أنه « ال يقبل في دار اإلسالم عذر الجهل بالحكم الشرعي ،ألنه لو شرط
لصحة التكليف علم املكلف فعالﹰ بما كلف به ما استقام التكليف واتسع مجال االعتذار بالجهل
59
باألحكام الشرعية » .ويتحقق العلم من طرف املكلف نفسه عند قيامه بالبحث عن الحكم الشرعي
أو بواسطة سؤال أهل الذكر والعلم عنه)1( .
أما إذا كانت القاعدة القانونية راجعة إلى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة فال يمكن
لألشخاص االعتذار بجهل مضمونها ،ألن هذه القواعد أزلية وأبدية وتطبق في كل الدول وعلى كل
الشعوب)2( .
أما القاعدة القانونية القضائية فإن القاض ي هو الذي ينشئها ،وعليه فإنها تصبح ملزمة من
تاريخ صدور الحكم القضائي الذي قررها وأنتجها.
)2شروط تطبيق مبدأ ال عذر بجهل القانون على القواعد القانونية مهما كان نوعها:
تبينا لنا مما تقدم أن القواعد القانونية نوعان ،األول قواعد قانونية آمرة وهي التي منع املشرع
االتفاق على مخالفة أحكامها لوثيق صلتها بالنظام العام .والثاني قواعد قانونية مكملة وهي التي
أجاز املشرع لألشخاص االتفاق على شروط تخالف أحكامها لصلتها بمصالحهم الخاصة .فهل
يطبق مبدأ ال عذر بجهل القانون على القواعد اآلمر والقواعد املكملة ،أم يقتصر التطبيق على
النوع األول (القواعد اآلمرة) دون النوع الثاني (القواعد املكملة)؟ ذهب اتجاه فقهي مرجوج إلى أن
تطبيق مبدأ ال عذر بجهل القانون يقتصر على القواعد اآلمر دون القواعد املكملة ،على أن االتجاه
الفقهي الراجح إلى أن املبدأ يعمل به في مواجهة القواعد اآلمر والقواعد املكملة على حد سواء)3( .
رابعا -مدى اعتبار الغلط في القانون بمثابة استثناء على تطبيق مبدأ ال عذر بجهل
القانون :تنص املادة 83من القانون املدني على أنه « يكون العقد قابال للبطال في القانون إذا
توفرت فيه شروط الغلط في الواقع طبقا للمادتين 81و 82ما لم يقض ي القانون بغير ذلك » .فإذا
وقع أحد املتعاقدين في القانون الواجب التطبيق على التصرف الذي قام به يعتبر عند بعض الفقه
سبب لعدم تطبيق مبدأ ال عذر بجهل القانون ،كأن يقوم الوارث ببيع نصيبه من التركة معتقدا أن
يرث ربعها ثم تبين له أنه يرث النصف)4(.
بينما يرى البعض األخر من الفقه إلى الغلط في القانون ال يمكن أن يرتقي إلى درجة
االستثناء على تطبيق مبدأ ال عذر بجهل القانون ألن املتعاقد الذي وقع في الغلط لم يطلب عدم
تطبيق القانون برمته ،بل طلب أن يستبعد تطبيق القانون الذي هو موضوع الغلط وتطبيق
القانون الصحيح .لذا « يجب أن يكون التمسك بالغلط في القانون يؤدي إلى تطبيق القانون ال إلى
استبعاده ،فإذا كان القصد باالحتجاج بالغلط هو عدم تطبيقه أو التهرب من تطبيقه ،فإنه يجب
امتناع التمسك به »( .)5لذا فإن تمسك الوارث بإبطال العقد لتمسكه بالغلط في القانون ،ال يعني
60
استبعاد تطبيق القانون بل تطبيق القانون الصحيح الذي يسمح له بطلب تعديل ثمن نصيبه في
التركة ليتماثل مع النصف ال الربع.
هل يطبق القانون على كل املخاطبين به داخل إقليم الدولة التي وضعته سواء كانوا وطنيين
أو أجانب ،وهذا ما يسميه الفقه بمبدأ إقليمية القانون (أوال) .أم يقتصر تطبيق القانون على رعايا
الدولة فيطبق عليهم القانون أينما وجدوا حتى ولو كانوا يقيمون في دولة أخرى وعدم سريانه على
الجانب حتى ولو كانوا مقيمين على أرض الدولة التي وضعت القانون ،وهذا ما يسميه الفقه بمبدأ
شخصية القانون (ثانيا) .وأمام هذا الوضع ما هو املوقف الذي انتهجه املشرع الجزائري من هذه
املسألة (ثالثا).
أوال -مبدأ إقليمية القوانين :Principe de la territorialitéيقصد بهذا املبدأ أن قانون
الدولة هو الذي يطبق على كل األشخاص املقيمين على أرضها ،وعلى كل ما يقع من أحداث داخل
حدود إقليمها ،وفي نفس الوقت ال يسري القانون على كل ما يقع خارج إقليم الدولة التي وضعته)1( .
فإذا قلنا أن قانون دولة ما إقليمي التطبيق ،كان معنى هذا ،أن هذا القانون وحده الذي
يسري ويطبق على كل ما يقع (من تصرفات قانونية أو من وقائع مادية) في أرض تلك الدولة وعلى
كل املقيمين على إقليمها سواء كانوا من املواطنين أو من األجانب .و باملقابل ال يسري هذا القانون
على ما يقع (من تصرفات قانونية أو من وقائع مادية) خارج إقليم هذه الدولة ،كما ال يسري على أي
مواطن من مواطنيها ال يقيم على إقليمها.
ويبرر الفقه مبدأ إقليمية القانون بما لكل دولة من سيادة تامة على إقليمها (البري والبحري
والجوي) بما عليه من أشخاص ،ولها أن تفرض سلطانها وسيادتها لضمان احترام نظمها وقوانينها
وتوقيع الجزاء على من يخالف هذه النظم والقوانين)2( .
ثانيا -مبدأ شخصية القوانين :Principe de la personnalité des loisيقصد بهذا املبدأ
أن قانون الدولة هو الذي يطبق على جميع األشخاص املنتمين إليها (أي مواطنيها) حتى ولو كانوا
يقيمون خارج حدود إقليمها ،وال يطبق هذا القانون على األجانب ولو كانوا مقيمين على أرض هذه
الدولة التي وضعت القانون)3( .
ويبرر الفقه مبدأ شخصية القوانين -على النحو السابق ذكره -على أساس أن الدولة تمثل
جماعة من من األشخاص وضعت القوانين أصالﹰ من أجلهم ولصالحهم ،ولذلك يجب أن يخضعوا
61
لهذه القوانين أينما وجدوا حتى ولو كانوا خارج إقليم الدولة الذي ال يمثل – وفق هذا املبدأ –
سوى محل إقامة للمواطنين)1( .
ثالثا -موقف املشرع الجزائري ( املزاوجة بين مبدأ اإلقليمية والشخصية) :ساير املشرع
الجزائري مسلك العديد من التشريعات املقارنة في تنظيمه للمسألة السريان املكاني للقانون ،حيث
أخذا بكل من مبدأ إقليمية القانون إعماالﹰ ملبدأ السيادة على اإلقليم ،وبمبدأ شخصية القانون
إعماال لسيادة الدولة على املواطنين.
أ -القاعدة العامة :أخذ املشرع الجزائري بمبدأ إقليمية القانون :يستخلص ذلك من الفقرة
األولى من املادة 4من القانون املدني التي تنص على أنه « تطبق القوانين في تراب الجمهورية
الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداء من يوم نشرها في الجريدة الرسمية ..» ...وعليه فإن كل
القوانين الجزائرية تطبق على اإلقليم الوطني وعلى كل الوقائع والتصرفات التي تحصل عليه
وكذلك على كل األشخاص سواء كانوا مواطنين أو غير مواطنين املتواجدين داخل حدود إقليم
الجمهورية .وهذا الحل تؤكده أيضاﹰ املادة 5من القانون املدني التي تنص على أنه «يخضع كل سكان
القطر الجزائري لقوانين الشرطة واألمن » ..كما نصت املادة 3من قانون العقوبات التي تنص على
أنه « يطبق قانون العقوبات على كافة الجرائم التي ترتكب في أراض ي الجمهورية ..»...
وملبدأ إقليمية القانون تطبيقات عديدة في فروع القانون املختلفة ،ففي مجال قانون
العقوبات ،نجد أن األصل في تطبيقه هو مبدأ إقليمية القوانين ،وقد نصت على ذلك املادة األولى
من هذا القانون بقولها أنه تسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب في القطر الجزائري جريمة
من الجرائم املنصوص عليها في هذا القانون .وأما القانون الدستوري فال يجوز تطبيق قواعده
خارج إقليم الدولة ،مع استثناء األجانب الذين يتمتعون ببعض الحقوق السياسية والعامة،
كالحق في االنتخاب والترشح في االنتخابات املحلية فقط ،وحق تولي الوظائف العامة .أما القانون
اإلداري والقانون املالي العام فيطبقان كذلك وفقاﹰ ملبدأ إقليمية حيث يسري القانون اإلداري على
كل نشاط تقوم به اإلدارة العامة أما القانون املالي العام فيسري على كل من يمارس نشاطاﹰ ﹰ
ماليا
على إقليم الدولة ،سواء كان وطنياﹰ أو أجنبياﹰ ،مع مالحظة وجود بعض االستثناءات الخاصة
ببعض اإلعفاءات الضريبية املقررة ملصلحة األجانب العتبا ات املعاملة باملثل أو املصلحة العامة)2( .
ر
ب -االستثناء :أخذ املشرع الجزائري بمبدأ شخصية القانون :أخذ املشرع بمبدأ شخصية
القانون ،حيث عنون الفصل الثاني من الباب األول من القانون املدني بتنازع القوانين من حيث
املكان ،ومن الحاالت التي أخذ بها املشرع بهذا املبدأ العالقات التي يكون فيها أحد األطراف أ ﹰ
جنبيا أو
تكون الواقعة أو التصرف حصل في بلد أجنبي .لذا فإن املسائل املتعلقة باألحوال الشخصية
تخضع ملبدأ شخصية القانون فتنص املادة 10من القانون املدني على أنه « يسري على الحالة
املدنية لألشخاص وأهليتهم قانون الدولة التي ينتمون إليه بجنسيتهم»..
( )1سعيد سعد عبد السالم ،املدخل في نظرية القانون[ ،املرجع السابق] ،ص .336
( )2أشرف جابر سيد ،دروس في مبادئ القانون([ ،القاهرة) :دون دار نشر ،الطبعة األولى ،]2006 ،ص .113
62
وما يجب مالحظته أن مبدأ شخصية القوانين ليس هو االستثناء الوحيد الذي يؤدي إلى
استبعاد مبدأ إقليمية القوانين ،بل هناك استثناءات أخرى نذكر منها:
االستثناء الوارد في املادة املادة 588من قانون العقوبات والتي تسمح للقضاء
الجزائري بتطبيق القانون الجزائري على وقائع حدثت خارج اإلقليم الوطني وعلى أشخاص غير
جزائريين حيث نصت على أنه « كل أجنبي ارتكب خارج إقليم اإلقليم الجزائري بصفته فاعل أصلي
أو شريك جناية أو جنحة ضد سالمة الدولة الجزائرية أو تزييف النقود أو أوراق مصرفية وطنية
متداولة قانوناﹰ بالجزائر تجوز متابعته ومحاكمته وفقاﹰ ألحكام القانون الجزائري إذا ألقي القبض
عليه في الجزائر أو حصلت الحكومة على تسليمه».
االستثناء الذي قرره العرف الدولي والقانون الدولي الدبلوماس ي ،حيث استثنى رؤساء
الدول األجنبية املوجودين على إقليم الدولة والدبلوماسيين األجانب وأسرهم وأفراد السلك
الدبلوماس ي بوجه عام من الخضوع للقانون الوطني ،وهو ما يعبر عليه الفقه بالحصانة
الدبلوماسية)1( .
تثير إشكالية تطبيق القانون من حيث الزمان مسألتين كبيرتين ،تتعلق املسألة األولى
بسريان القانون أي بطريقة دخول القاعدة القانونية مجال التطبيق عن طريق نشرها وإصدارها
وكذا إعدام أثرها بسحب قوتها امللزمة عن طريق إلغائها (أوال) .أما املسألة الثانية فترتبط بتنازع
ﹰ
ونافذا ثم يتعرض لللغاء ،ليحل القوانين من الناحية الزمنية ،ذلك أن القانون يصدر ويظل سارياﹰ
محله قانون جديد ينظم ذات املراكز القانونية ونفس التصرفات القانونية التي كان يحكمها
القانون القديم .وهنا يثور التساؤل عن الحد الزمني الفاصل بين تطبيق كل من القانون القديم
والقانون الجديد ،وبعبارة أخرى يلزم تحديد الحاالت التي تخضع للقانون القديم والحاالت التي
تخضع للقانون الجديد (ثانيا).
أوال -سريان القانون :يسري القانون من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية إلى لحظة إعدام
قوته امللزمة عن طريق إلغائه.
أ) بداية سريان القانون :حسب املادة 4من القانون املدني التي نصت على أنه « تطبق
القوانين في تراب الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداء من تاريخ نشرها في الجريدة
الرسمية .غير أن التشريع ال يكون نافذ املفعول بالجزائر العاصمة إال بعد مض ي يوم كامل من
تاريخ نشره وفي النواحي األخرى في نطاق كل دائرة بعد مض ي يوم كامل من تاريخ وصول الجريدة
الرسمية إلى مقر الدائرة ويشهد على ذلك تاريخ ختم الدائرة املوضوع على الجريدة » .فاألجل
املقدر لنفاذ التشريع هو يوم كامل ،يبدأ احتسابه حسب املثال التالي :وصلت الجريدة الرسمية إلى
مقر الدائرة على الساعة 90صباحاﹰ من يوم 01فيفري ،يبدأ حساب اليوم الكامل ال من الساعة
( )1علي صادق أبو هيف ،القانون الدبلوماس ي([ ،اإلسكندرية) :منشأة املعارف ،دون طبعة ،]1975 ،ص .124
63
90صباحﹰا بل من تمام الساعة الصفر من يوم 11فيفري ينتهي إلى غاية الساعة الصفر من يوم
21فيفري.
ويرد على القاعدة العامة لسريان القانون من الناحية الزمنية ،استثناءات هامة نختصرها
على التوالي:
-إذا حدد القانون تاريخ محدد أو أجالﹰ صريحة لنفاذه ،كأن يتضمن بنداﹰ ينص على أنه
ﹰ
معلوما ليبدأ سريانه .ومثال ذلك نص املادة 98من يدخل حيز النفاذ في أجل شهر أو يحدد تاريخاﹰ
القانون 11-83املؤرخ في 2جويلية 1983املتعلق بالتأمينات االجتماعية التي قضت أحكامها بأنه
« يدخل هذا القانون حيز التطبيق ابتداء من أول يناير سنة »1984.
-قد يتم نشر القوانين في الجريدة الرسمية وتمض ي مدة يوم كامل على وصولها إلى
مقر الدائرة غير أنها ال تسري في مواجهة املخاطبين بأحكامها ،ألنها اشترطت لتطبيقها صدور
املراسيم التنفيذية التي تحدد كيفيات التنفيذ .فما لم تصدر هذه املراسيم ال يكون القوانين
سارية)1( .
ب) نهاية سريان القانون :ينتهي سريان القانون بإلغائه ،لكن ماذا نقصد باإللغاء ( ،)1وما
هي السلطة املختصة بذلك ( ،)2وما هي صور أو أشكال اإللغاء (.)3
-1تعريف اإللغاء :إلغاء لغة هو اإلبطال واملحو واإلسقاط ،يقال :ألغى الش يء أبطله ،وألغى
من العد كذا أي أسقطه ( .)2وهو في االصطالح وقف العمل بالقاعدة القانونية وتجريدها من قوتها
امللزمة .أو هو إنهاء سريانها ومنع العمل بها ابتداء من هذا اإللغاء)3( .
ويميز الفقه بين إلغاء القانون وإبطاله ،فإن كان كالهما يتحد في الغاية وهي إنهاء سريانه
ﹰ
مستقبال ،غير أن اإلبطال يلحق القانون لكونه غير صحيح ،بينما اإللغاء ينصرف إلى القانون الذي
أو نشأ صحيحاﹰ ،لكن طرأت أوضاع جديد من طبيعة سياسية أو اجتماعية أو سياسية
اقتصادية جعلت أحكامه ال تنسجم وهذه األوضاع ،أو أن املبررات التي أدت لسنه قد زالت فلم
نعد في حاجة إلى األحكام التي نص عليها.
-2السلطة املختصة باإللغاء :إن السلطة التي تملك إلغاء القانون هي ذات السلطة التي
سنته ووضعته أو سلطة أعلى منها ،بمعنى أن التشريع األساس ي –أي الدستور -ال يمكن أن يلغى إال
بتشريع أساس ي أخر ،والتشريع العادي ال يلغي إال بتشريع عادي أو بنص دستوري من باب أولى .أما
أو بتشريع التشريع الفرعي – التنظيم -فيلغى بتشريع فرعي أخر ومن باب أولى بتشريع عادي
أساس ي ،والعكس غير صحيح)4( .
64
وتجب اإلشارة إلى أن إلغاء املصادر االحتياطية يكون عن طريق التشريع ،فإذا كانت مسألة
تنظمها مبادئ الشريعة اإلسالمية أو قاعدة عرفية ،وألغاها املشرع فإن العمل بها ينتهي ويحل
محلها التشريع ،حتى ولو كان التشريع الجديد الذي حل محلها قد أخذ بنفس الحل واألحكام
الواردة فيها .أما القاعدة العرفية قد يتم أيضا إلغاءه بعرف جديد)1( .
-3صور اإللغاء :ينقسم اإللغاء إلى إلغاء صريح ،وإلغاء ضمني ،وقد نصت على أنواع اإللغاء
املادة 2من القانون املدني التي قضت بأنه « وال يجوز إلغاء القانون إال بقانون الحق ينص صراحة
على هذا اإللغاء .وقد يكون اإللغاء ضمنياﹰ ،إذا تضمن القانون الجديد نصاﹰ يتعارض مع نص
القانون القديم أو نظم من جديد موضوعاﹰ سبق أن قرر قواعده ذلك القانون القديم».
أ -اإللغاء الصريح :نكون أمام حالة اإللغاء الصريح إذا صدرت قاعدة قانونية
جديدة تنص صراحة على هذا اإللغاء ،كما هو الحال مع املادة 1064من قانون اإلجراءات
املدنية واإلدارية التي قررت أحكامها بأنه « تلغى بمجرد سريان مفعول هذا القانون ،أحكام
األمر رقم 154-66املؤرخ في 8يونيو سنة 1966واملتضمن قانون اإلجراءات املدنية املعدل
واملتمم» .وقد يعين القانون الجديد ما يلغيه من قواعد القانون القديم على سبيل التخصيص
كما هو الحال مع املادة 66من القانون رقم 20- 40املحدد للقواعد املطبقة على املمارسة
التجارية والتي قررت أحكامها بأنه « تلغى جميع األحكام الواردة في األبواب الرابع والخامس
والسادس من األمر رقم 60 -59املؤرخ في 52يناير سنة 5991واملتعلق باملنافسة» .وقد ال
ينص القانون الجديد على إلغاء أحكام معينة من القانون القديم ،وإنما يقض ي بأنها ال تطبق
مستقبالﹰ ،كما هو الحال مع املادة 02من املرسوم التشريعي 30 -39التي قررت أحكامها بأنه «
ال تطبق املواد 905 -574- 374 -274 -174وكذا املواد من 415إلى 735من األمر 85 -57
املؤرخ في 62سبتمبر سنة ،5991بعد صدور هذا املرسوم التشريعي».
مالحظة هامة :قد يكون سريان القانون وتطبيقه مقترناﹰ بأجل محدد ،بحيث يتوقف
العمل به بانقضاء املدة املحددة لسريانه .وهذا ما يسميه الفقه بالتشريع املؤقت،
وكثيراﹰ ما يلجأ إلى هذا النوع من التشريع ملواجهة ظروف استثنائية .
ب -اإللغاء الضمني :يكون اإللغاء ضمنيا عندما يخلو نص القانون الجديد من
عبارة صريحة تقض ي بإلغاء القانون القديم ،وإنما يستخلص إلغاؤه من موقف املشرع(.)2
ويأخذ اإللغاء الضمني صورتين هما ،تعارض أحكام القانون الجديد مع أحكام القانون القديم
( ،)1أو صدور قانون جديد ينظم وضعا سبق تنظيمه بالقانون القديم (.)2
65
-1تعارض أحكام القانون الجديد مع أحكام القانون القديم :قد يكون هذا التعارض كليا
ففي هذه الحالة فإن القانون القديم قد تم إلغاؤه ضمنيا .وقد يكون التعارض جزئيا ،بحيث
يقتصر التعارض على بعض القواعد دون األخرى ،ففي هذه الحالة فإن اإللغاء ال يمس إال القواعد
محل التعارض فقط)1( .
وما يجب مالحظته أن التعارض بين نصين قانونيين األول قديم والثاني جديد ،يمكن أن
يكون بين بين نص قانوني عام ونص قانوني خاص ،وهنا يميز الفقه بين حالتين (:)2
الحالة األول وتتمثل في تعارض قانون خاص جديد مع قانون عام قديم :إذا تضمن
القانون الخاص -وهو الذي ينظم مسألة محددة فقط -أحكاما خاصة بينما يتناول القانون
القديم أحكام عامة تنظم كل املسائل ،فإن النص القانوني الخاص وهو الجديد ال يلغي النص
القانوني العام القديم كليا ،وإنما يكون اإللغاء في حدود األحكام الخاصة املتعارضة مع النص
العام .ومثال هذه الحالة ما نصت عليه املادة 384من القانون املدني – وهي القانون العام القديم-
بقولها « يجوز للمتعاقدين بمقتض ى اتفاق خاص أن يزيدا في الضمان أو ينقصا منه وأن يسقطا
هذا الضمان ،»...بينما تنص املادة 13من القانون 03-09املتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش –
وهي القانون الجديد الخاص -على أنه « يستفيد كل مقتني ألي منتوج سواء كان جهازا أو أداة أو آلة
أو عتادا أو مركبة أو أي مادة تجهيزية من الضمان بقوة القانون ...ويعتبر باطال كل شرط مخالف
لهذه املادة .»...ويتبين التناقض بين النصين القانونيين ،غير أن هذا ال يعني أن النص الجديد يلغي
النص القديم ،بل يبقى النص القديم ساري النفاذ ويطبق على كل البيوع التي ال تخضع ألحكام
القانون الجديد.
الحالة الثانية وتتمثل في تعارض قانون عام جديد مع قانون خاص قديم :القاعدة في هذه
الحالة أن القانون العام ال يلغي القانون الخاص ،ومن ثمة فإن النص الخاص القديم يبقى ساري
النفاذ باعتباره استثناء من القانون العام الجديد.
-2تنظيم جديد ملوضوع سبق تنظيمه :قد يقوم املشرع بإصدار قانون جديد ينظم بالكامل
نفس املوضوع أو مسألة من املسائل التي كان القانون القديم ينظمها ،اعتبر ذلك أن القانون
القديم قد تم إلغاءه جملة وتفصيال ،ولو انتفى التعارض بين نصوص القانون القديم ونصوص
القانون الجديد)3( .
( )1إسماعيل عبد النبي شاهين .املدخل لدراسة العلوم القانونية .القسم األول :نظرية القانون [ ،املرجع السابق] ،ص .226
( )2عبد هللا مبروك النجار ،أصول القواعد القانونية دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي [ .املرجع السابق] ،ص ..343
( )3عبد هللا مبروك النجار ،أصول القواعد القانونية دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي [ .املرجع السابق] ،ص ..345
66
ثانيا -تنازع القوانين :يحتمل أن يتنازع قانونين متعاقبين زمنيا وينظمان نفس املوضوع
ويلغي القانون الالحق القانون السابق ،لكن يثور نزاع يتعلق بتحديد اللحظة الزمنية التي ينتهي
فيها تطبيق القانون والتي يبدأ فيها تطبيق القانون الجديد .هذه املسألة يسميها الفقه بتنازع
القوانين ،ويحكمها كقاعدة عامة مبدأ عدم رجعية القوانين ( )1ومبدأ األثر الفوري للقانون
الجديد (.)2
-1مبدأ عدم رجعية القوانين :يقتض ي تحديد املقصود بهذا املبدأ بيان مفهومه (أ) ،ثم
االستثناءات الواردة عليه (ب).
أ -مفهوم مبدأ عدم رجعية القوانين :يقصد بهذا املبدأ أن القانون ال يجوز أن يسري على
املاض ي ،فالقانون الجديد ال يجوز أن يسري على الوقائع والتصرفات التي اكتملت قبل نفاذه ،بل
تظل تلك الوقائع والتصرفات محكومة بالقانون الذي تمت في ظله ،وال يجوز للقانون الجديد أن
يتعرض لها سواء من حيث تكوينها أو من حيث اآلثار املتعلقة بها سواء بالتقييد أو التعديل أو
اإللغاء)1( .
وإذا لم يكن هناك قانون قديم ينظم موضوع معين ،وصدر قانون جديد ينظمه فإن
نصوص القانون الجديد ال يمكن لها أن تحكم الوقائع والتصرفات املتعلقة بهذا املوضوع
ألن القانون الجديد ال ينسحب على املاض ي بل يقتصر على حكم املستقبل أي على تنظيم ما
يقع ابتداء من يوم نفاذها)2( .
ب -االستثناءات الواردة على تطبيق مبدأ األثر الفوري للقوانين :يمكن في حاالت محددة
أن يطبق القانون الجديد على املاض ي أي بأثر رجعي ،وقد حدد الفقه هذه الحاالت في)3(:
القانون الذي ينص صراحة على تطبيقه بأثر رجعي :مبدأ عدم رجعية القوانين يقيد
القاص ي ال املشرع ،فاملشرع دائماﹰ -إذا دعت املصلحة العامة – أن ينص في القانون الجديد على
ي ،على أن يكون النص على سريان القانون بأثر رجعي صريحاﹰ)4( .
انسحاب أثره على املاض
التشريعات الجنائية األصلح للمتهم :األصل أن القوانين الجنائية ليس لها أثر رجعي،
وقد نص الدستور الجزائري لسنة 2020في صلب مادته 43على أن « ال إدانة إال بمقتض ى قانون
صادر قبل ارتكاب الفعل املجرم » ملا في هذا من ضمان للحرية الشخصية ،بحيث ال يجوز أن
يصدر تشريع يقرر عقوبات على أفعال كانت مباحة في تاريخ ارتكابها ،وإال كان ذلك انحرافاﹰ بهذا
املبدأ يوجه ضد األفراد الذين وجد من أجل حمايتهم)5( .
67
إال أنه استثناء من هذا األصل تطبق القوانين بأثر رجعي كلما كانت أصلح للمتهم ،بأن كانت
تخفف من العقوبة أو تبيح الفعل وتخرجه من نطاق التجريم ،ألنه ليس في ذلك مساس
بالحرية الشخصية بل العكس هو الحاصل .ويميز الفقه بين حالة تخفيف العقوبة وحالة
إباحة الفعل)1( :
حالة تخفيف العقوبة :يستفيد املتهم من تخفيف العقوبة الذي نص عليه التشريع
الجديد متى صدر هذا األخير قبل صدور الحكم النهائي على املتهم .واملقصود بالحكم
النهائي الحكم الذي استنفذ جميع طرق الطعن فيه ،عندها ال يمكن للمتهم االستفادة من
تخفيف العقوبة احتراماﹰ لحجية الحكم.
حالة إباحة الفعل :إذا أخرج التشريع الجديد الفعل املجرم الذي ارتكبه الجاني من
نطاق املنع والحظر الذي نص عليه القانون القديم إلى نطاق اإلباحة ،فإنه يسري بأثر
رجعي ،يستوي في ذلك أن يكون التشريع الجديد صادراﹰ قبل أو بعد صدور الحكم النهائي
ضد الجاني .فإذا صدر التشريع الجديد قبل الحكم النهائي ،فإن املحكمة تحكم بالبراءة،
أما إذا صدر هذا التشريع يعد الحكم النهائي فإن تنفيذ الحكم على املحكوم عليه يقف
وتنتهي آثاره الجنائية.
القوانين التفسيرية :يمكن أن يصدر املشرع قانون جديد يفسر حكم أو بعض األحكام
الصادرة في القانون السابق دون أن يضيف عليها أحكام جديدة ،فإن هذا القانون يسمى بالقانون
التفسيري ويكون تطبيقه بأثر رجعي إلى تاريخ القانون الذي صدرت لتفسيره .ويرى الفقه بأن
القوانين التفسيرية تشرع لحسم خالف يتعلق بالقانون األصلي ،ومن ثم تكون القوانين املفسرة
موضحة ومكملة ملضمون القوانين األصلية)2( .
القوانين املتعلقة بالنظام واآلداب العامة :إذا كان القانون الجديد متعلقاﹰ بالنظام
العام فإنه يسري على املاض ي ولو مس بحق مكتسب حتى يتمكن من تحقيق أهدافه الذي صدر
من أجلها .فمثالﹰ إذا صدر قانون جديد يرفع سن الرشد من 18سنة إلى 21سنة ،فإنه يسري على
األشخاص الذين بلغوا سن 18سنة في ظل القانون القديم ولم يبلغوا بعد سن 21سنة وقت نفاذ
القانون الجديد ،فيعتبرون قصراﹰ بعد نفاذ هذا القانون .على أن التصرفات التي عقدها هؤالء
األشخاص قبل صدور القانون الجديد تظل صحيحة ومرتبة آلثارها القانونية ،ألنها صدرت من
أشخاص اعتبرهم القانون القديم كاملي األهلية وقت إبرامها)3( .
-2مبدأ األثر الفوري للقانون الجديد :ال يكفي مبدأ عدم رجعية القوانين ملعالجة مختلف
حاالت التنازع خاصة في املسائل التي تنشأ في ظل القانون القديم وتنتج أثارها في ظل القانون
الجديد .وعليه نتعرض إلى أن القانون الجديد يسري على املراكز القانونية الجارية (أ) ،ثم نتناول
االستثناء الوارد على هذا املبدأ (ب).
أ -مفهوم مبدأ األثر الفوري للقوانين :يراد باألثر الفوري أو املباشر للقانون التطبيق
الفوري للقانون الجديد ،بحيث يسري القانون الجديد على ما يقع بعد نفاذه ولو كان ذلك ناتجا
على واقعة أو وضع قانوني سابق عن دخول هذا القانون حيز التنفيذ .وتخضع لسلطان القانون
الجديد األوضاع أو املراكز القانونية التي تنشأ بعد نفاذه ولو بدأ تكوينها قبل ذلك ،وتلك التي لم
ترتب أثارها بعد)1( .
ب -مجال تطبيق هذا املبدأ األثر الفوري للقوانين :يقتصر األثر الفوري للقانون الجديد
على املراكز القانونية الجارية أي التي لم تنشأ ولم تنقض ي ،ولم ترتب أثارها في ظل قانون واحد
سواء أكان قانونا قديما أو قانونا جديدا .لكن ماذا لو أن املراكز القانونية نشأت في ظل القانون
القديم ورتبت آثارها في ظل القانون الجديد ( ،)1أو املراكز القانونية التي اكتمل تكوينها وبدأت
ترتب أثارها في ظل القانون القديم واستمرت في ظل القانون الجديد (.)2
-1القوانين املتعلقة بتكوين أو انقضاء املراكز القانونية:
فيما يتعلق بتكوين أو انقضاء املراكز القانونية :نجد أن بعض املراكز القانونية تتكون
وتنقض ي في لحظة واحدة ،وبعضها يستغرق تكوينه أو انقضائه فترة معينة من الزمن قد تطول أو
تقصر .ومن أمثلة النوع األول :مركز املضرور حيث ينشأ له الحق في التعويض في ذات اللحظة التي
69
وقع فيها الفعل الضار ،أو مركز الوارث حيث ينشأ حقه في اإلرث لحظة وفاة املورث .أما النوع الثاني
فمن أمثلته مركز املوص ى له الذي يتطلب وصية صحيحة وموت املوص ي ،والتقادم املكسب الذي
يتطلب حيازة مستمرة وهادئة وواضحة فترة زمنية حددها املشرع بخمسة عشر 15سنة كاملة،
حيث ال ينشأ املركز القانوني للموص ى له وللحائز إال بانقضاء املدد التي يتطلبها القانون في هذه
األمثلة.
فإذا كانت املراكز القانونية قد تكونت وانقضت – حسب املفهوم السابق -في ظل القانون
القديم فإن القانون الجديد ال يسري عليها ،فإذا تصرف شخص في ظل قانون يعتبره كامل األهلية
– 19سنة -فإن العقود التي أبرمها في ظل هذا القانون تعتبر صحيحة حتى ولو صدر قانون جديد
يرفع سن الرشد عما هو عليه –أكثر من 19سنة.-
وفيما يتعلق بانقضاء املراكز القانونية :فإنما انقض ى منها في ظل القانون القديم ال
يسري عليه القانون الجديد وإال اعتبر ذا أثر رجعي .فإذا طلق شخص زوجته بإرادته املنفردة في ظل
قانون يجيز ذلك ثم صدر قانون بعد ذلك يقيد الطالق باستلزام وقوعه أمام املحكمة ،فإن هذا
القانون ال يسري على ما انقض ى من روابط زوجية في ظل القانون القديم.
فيما يتعلق بتوفير بعض العناصر الالزمة لتكوين أو انقضاء املركز القانوني :يجب في
أو القانون الجديد أال يمس ما توافر من هذه العناصر ،أما العناصر التي لم يتم تكوينها
انقضائها فإنها تخضع للقانون الجديد دون أن يعتبر هذا سرينا للقانون على املاض ي .ومثل ذلك
املركز القانوني الناش ئ عن الوصية الذي يتكون من عنصرين( :األول) وصية صحيحة ،و(الثاني)
وفاة املوص ى .فإذا أجاز القانون القديم الوصية في حدود نصف التركة وقام املوص ي بتحرير
الوصية بهذا املبلغ ،ثم توفي وصدر قانون جديد ال يجيز الوصية إال في حدود ثلث التركة ،ففي هذه
الحالة فإن العنصر الثاني تحقق بموت الوص ي أما العنصر األول فلم يتحقق ألن القانون الجديد
استلزم إنقاص مبلغ الوصية إلى الحد الذي قرره.
-2االستثناء استمرار سريان القانون القديم على املراكز القانونية العقدية :املراكز
القانونية العقدية تخضع آثارها املستقبلية للقانون القديم ،حيث يستمر سريانه رغم وجود قانون
جديد ،وهذا ما يسميه الفقه األثر الفوري للقوانين :يراد .ومثال ذلك نص املادة 20من املرسوم
التشريعي 03 -93املتعلق بالنشاط العقاري والتي قررت بأن يظل تجديد عقود اإليجار املبرمة قبل
صدور هذا املرسوم التشريعي خاضعا للتشريع السابق املطبق على هذه العقود.
غير أن الفقه يحدد ثالثة صور تعتبر استثناء من تطبيق مبدأ األثر الفوري للقوانين ،تتمثل
في)1( :
( )1أحمد السعيد الزقرد ،املدخل للعلوم القانونية .الكتاب األول :نظرية القانون[ ،املرجع السابق] ،ص .235علي فياللي ،مقدمة في
القانون [ ،املرجع السابق] ،ص ص . 350 -346عبد هللا مبروك النجار ،أصول القواعد القانونية دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي[ .
املرجع السابق] ،ص ..349
70
يقيد مبدأ األثر الفوري للقوانين بالنظام العام ،وعليه كل شرط للمتعاقدين يخالف -
النظام العام املستقبلي ال يخضع للقانون القديم بل للقانون الجديد الذي يعتبره غير
مشروع.
وجود قاعدة قانونية أمرة يستبعد تطبيق مبدأ األثر الفوري للقوانين . -
71