You are on page 1of 71

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬

‫جامعة محمد ملين دباغين‪ -‬سطيف ‪2‬‬


‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‬

‫محاضرات في املدخل للعلوم القانونية‬


‫‪-‬نظرية القانون‪-‬‬
‫ألقيت على طلبة السنة األولى حقوق‬
‫املجموعة ب‬
‫‪Section B‬‬

‫األستاذ‪ :‬عفان يونس‬

‫السنة الجامعية‪:‬‬

‫‪2021 -2020‬‬

‫‪1‬‬
‫املقدمة‬

‫(أوال)‪ -‬ضرورة القانون‪ :‬اإلنسان بوصفه كائن اجتماعي يعيش في جماعة معينة تربطه‬
‫بأفرادها عالقات وروابط متعددة‪ ،‬وهو في سعيه إلشباع حاجاته وغرائزه ينش ىء العديد من‬
‫املعامالت – البيوع‪ ،‬الزواج‪ ،‬التملك‪ ،‬املقايضة‪ -‬التي تكون في األعم الغالب مصحوبة باملنافسة‬
‫واملنازعة واستعمال القوة والعنف‪ .‬لذا كانت الحاجة ماسة منذ بدء الخليقة لوجود نواميس‬
‫وقواعد للضبط االجتماعي‪ ،‬ترمي إلى استقرار النظام و تحقيق األمن والتوفيق بين الرغبات‬
‫واملصالح املتعارضة بين األفراد‪ .‬ونواميس الضبط االجتماعي وتحقيق االستقرار واألمن متعددة‬
‫ﹰ‬
‫ضروريا لبقاء املجتمع واستمراره وملنع‬ ‫كاألخالق والدين والتربية والقانون‪ ،‬ويعتبر هذا األخير شرطاﹰ‬
‫اعتداء األفراد على بعضهم البعض‪)1( .‬‬

‫وال يمكن أن يتحقق التعايش السلمي بين أفراد الجماعة إذا لم تكن هناك قواعد تحدد لهم‬
‫حقوقهم وواجباتهم‪ ،‬وأكثر من ذلك ففي عصرنا الحاضر يقاس تقدم املجتمعات بمدى خضوعها‬
‫واحترامها لقوانينها‪ .‬والدولة التي تكون فيها كلمة القانون هي العليا ويحترم فيها كل من الحاكم‬
‫واملحكوم القانون‪ ،‬تسمى دولة القانون ‪ .L’État de droit‬فالقانون إذن ضرورة ال غنى عنها‬
‫بالنسبة للمجتمع‪ ،‬وبذلك يتضح أن اجتماع البشر واحتكاكهم مع بعضهم‪ ،‬واتصالهم وتفاعلهم مع‬
‫البيئة هو األساس الحقيقي لنشأة القانون ونموه وتطوره‪)2( .‬‬

‫(ثانيا)‪ -‬أهداف القانون‪ :‬ويعد القانون من أهم آليات الضبط االجتماعي نظراﹰ لشموله‬
‫وتغطيته كافة جوانب املعامالت التي يقوم بها األفراد داخل املجتمع‪ ،‬ويقوم بهذه املهمة من خالل‬
‫تحديد ما يعود لكل فرد وما ما يقع عليه‪ .‬فهو يحمي املصالح املشروعة ويدافع عنها بتقريره‬
‫للحقوق‪ ،‬وفي نفس الوقت يبين واجبات األفراد تجاه بعضهم البعض من خالل تحديد التزاماتهم‪.‬‬
‫إن التزام كل فرد من أفراد املجتمع باحترام الغير في نفسه وماله وعرضه يحقق األمن الفردي‬
‫ويضمن استقرار الحياة اإلنسانية داخل املجتمع‪)3( .‬‬

‫غير أن بيان الحقوق وتحديد االلتزامات وإن كان الهدف األول للقانون‪ ،‬إال أن هذه األهداف‬
‫اتسعت وتنوعت وزادت أبعادها وتطور مضمونها في العصر الحديث‪ ،‬إذ أصبح القانون أداة فعالة‬
‫إلحداث التغيير االقتصادي واالجتماعي في الجماعة‪ ،‬فالقوانين االقتصادية تلعب دوراﹰ ﹰ‬
‫هاما في‬
‫تنفيذ خطط التنمية واستقرار االقتصاد الوطني‪ .‬وتساهم القوانين ذات الطابع االجتماعي في إعادة‬

‫(‪ )1‬عبد الرزاق أحمد السنهوري وأحمد حشمت أبو ستيت‪ ،‬أصول القانون أو املدخل لدراسة القانون‪( [ ،‬القاهرة)‪ :‬مطبعة لجنة‬
‫التأليف والترجمة والنشر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،]1950 ،‬هامش ‪ ،1‬ص ‪.18‬‬
‫‪Jean Dabin, Théorie général du droit. Paris, Dalloz, coll « Philosophie du droit», 1969, p. 17.‬‬
‫(‪ )2‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪( [ ،‬الجزائر)‪ :‬موفم للنشر‪ ،‬دون طبعة‪ ،]2010 ،‬ص ‪.11‬‬
‫(‪ )3‬محمود السقا‪ ،‬فلسفة وتاريخ النظم االجتماعية والقانونية‪( [ ،‬القاهرة)‪ :‬دار الفكر العربي‪ ،‬دون طبعة‪ ،]1978 ،‬ص ‪.13‬‬

‫‪2‬‬
‫ي ‪droit politique‬‬ ‫توزيع الدخل والثروة وحماية الطبقات الفقيرة والهشة‪ .‬ويلعب القانون السياس‬
‫دوراﹰ بارزﹰا في تحديد أبعاد وطبيعة النظام السياس ي – نظام رئاس ي أو شبه رئاس ي أو برملاني‪ -‬من‬
‫جهة‪ ،‬وتنظيم عالقة السلطة باملواطنين من جهة أخرى‪)1( .‬‬

‫(ثالثا)‪ -‬تعريف القانون‪ :‬القانون مصطلح مستحدث في اللغة العربية‪ ،‬والكلمة دخيلة وهي‬
‫ترادف التشريع‪ .‬والشريعة لغةﹰ هي املواضع واألماكن التي ينحدر املاء منها‪ ،‬فهي الطريق وبها سمي ما‬
‫سنه هللا من دين‪ .‬والتشريع يعني املسطرة أو العصا املستقيمة أو السلوك السوي‪ ،‬والقانون يعني‬
‫املقياس‪ .‬ويطلق لفظ القانون على العديد من املعاني‪ ،‬بعضها عام ذو مدلول لغوي أو فلسفي‪،‬‬
‫وبعضها خاص ذو مدلول وضعي‪ ،‬والبعض الثالث اصطالحي ذو مدلول فني‪.‬‬
‫أ‪-‬املعنى العام (املدلول اللغوي الفلسفي)‪ :‬يقصد بالقانون وفقاﹰ لهذا املدلول معنى النظام‬
‫واالطراد‪ ،‬وهو يستخدم فيما يتعلق بالعالقة بين الظواهر املختلفة التي تسير على وتيرة ثابتة‪ ،‬بما‬
‫يمكن معه القول بوجود قانون لهذه الظواهر‪ ،‬كقانون الجاذبية األرضية في علم الطبيعة‪ ،‬وقانون‬
‫العرض والطلب في علم االقتصاد‪)2( .‬‬

‫ب‪ -‬املعنى الخاص (املدلول الوضعي)‪ :‬ينصرف هذا املعنى إلى نوعين من املدلوالت هي‪:‬‬
‫ب‪ -1-‬يقصد بالقانون مجموعة القواعد السارية والنافذة واملطبقة في بلد معين وفي زمن‬
‫محدد‪ ،‬وهذا لتمييزه عن سائر القوانين سواء كانت القوانين القديمة ‪ droits anciens‬التي تم‬
‫إلغائها أو عن قوانين أجنبية ‪ ،droits étrangers‬فيقال مثالﹰ القانون الفرنس ي أو القانون الجزائري‬
‫للداللة على جملة القواعد املعمول بها في كل من فرنسا أو الجزائر‪ .‬ويطلق على هذا املعنى للقانون‬
‫اصطالح القانون الوضعي ‪)3( .droit positif‬‬

‫ب‪ -2-‬كما يقصد به مجموعة القواعد التي تصدرها السلطة التشريعية (البرملان) والتي‬
‫تسمى بالتشريع ‪ ،Loi‬وهو كل قاعدة مكتوبة تنظم أمر معين‪ .‬وبهذا املعنى يقال‪ :‬القانون املدني‪،‬‬
‫قانون محاربة الفساد‪ ،‬قانون الشهر العقاري‪ ،‬قانون العمل ‪ ...‬واملقصود بذلك التشريع الصادر‬
‫بتنظيم مسائل معينة مثل تنظيم الجرائم وبيان عقوباتها والذي ينص عليها قانون العقوبات‪)4( .‬‬

‫وتكون كلمة القانون في هذه الحالة مرادفة ملصطلح التقنين ‪ ،Code‬أي مجموعة املواد‬
‫والنصوص الخاصة بفرع معين من فروع القانون والتي تنظم مادة معينة‪ ،‬كتلك القواعد املكتوبة‬
‫والصادرة عن السلطة التشريعية والتي تنظم الوالية والبلدية وتحدد االختصاصات املمنوحة لها‪،‬‬
‫والتي يتم جمعها في شكل كتاب ويسمى بتقنين الجماعات املحلية‪)5( .‬‬

‫(‪ )1‬محمد حسين منصور‪ ،‬مبادئ القانون‪( [ ،‬اإلسكندرية)‪ :‬دار الجامعات الجديدة‪ ،‬دون طبعة‪ ،]2001 ،‬ص ‪.7‬‬
‫(‪ )2‬عبد املنعم فرج الصده‪ ،‬أصول القانون‪([ ،‬القاهرة)‪ :‬مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي‪ ،‬دون طبعة‪ ،]1965 ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪(3) Yvaine Buffelan-Lanore et Virginie Larribau-Terneyre, Droit civil. Introduction- Biens- Personnes-‬‬

‫‪Famille. Paris, Dalloz, coll « Université», 17 éme Édition, 2011, p. 4.‬‬


‫(‪ )4‬إسماعيل عبد هللا‪ ،‬أصول القانون‪([ ،‬القاهرة)‪ :‬مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي‪ ،‬دون طبعة‪ ،]1965 ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪(5) Bertrand Faure, Droit des collectivités territoriales. Paris, Dalloz, coll « Université», 5‬‬ ‫‪éme‬‬ ‫‪Édition, 2018, p.‬‬
‫‪17. et.s.‬‬

‫‪3‬‬
‫ت‪ -‬املعنى االصطالحي (املدلول الفني)‪ :‬وهذا املعنى هو الذي يعنينا‪ ،‬ويعرف القانون وفقاﹰ له‬
‫بأنه « مجموعة من القواعد التي تنظم سلوك األفراد والعالقات املختلفة بعضهم ببعض في‬
‫املجتمع»(‪ . )1‬كما يعرفه جانب ثاني من الفقه بأنه « مجموعة القواعد التي تحكم سلوك األفراد في‬
‫الجماعة والتي يتعين عليهم الخضوع لها ولو بالقوة إذا لزم األمر » (‪ .)2‬ويعرفه جانب ثالث من الفقه‬
‫بأنه « مجموعة القواعد التي تنظم سلوك األفراد في الدولة التي تكفل السلطة العامة احترامها‬
‫وذلك عن طريق جزاء يوقع جبراﹰ على من يخالف هذه القواعد عند اللزوم »(‪. )3‬‬
‫(رابعا)‪ -‬تحديد مدلول بعض املصطلحات‪ :‬مما تقدم يتضح بأن القانون مجموعة من‬
‫القواعد التي تنظم سلوك األشخاص داخل املجتمع سواء كانت طبيعية – أي األفراد‪ -‬أو اعتبارية‬
‫– أي الشركات واملؤسسات والبلديات والواليات ‪ ،-‬والتي تتكفل السلطات العامة في الدولة بضمان‬
‫احترامها وتوقيع الجزاء على من يخالف أحكامها وأوامرها‪ .‬وال يكتمل تعريف القانون إال بتحديد‬
‫مدلول كل من القانون املوضوعي والقانون الشخص ي (أ)‪ ،‬والقانون والقاعدة القانونية (ب)‪.‬‬
‫أ‪-‬القانون املوضوعي ‪ droit objectif‬والقانون الشخص ي ‪ :droit subjectif‬يقسم الفقه‬
‫العربي مؤلفاتهم املتعلقة باملدخل للقانون إلى جزأين يخصصون األول منها لفكرة القانون أما‬
‫الثاني فيتناولون فيه فكرة الحق‪ .‬ولعل من بين مبررات هذا التقسيم أن مصطلح ‪ droit‬بالفرنسية‬
‫لها م عنيان‪ :‬فهي تدل من جهة على مجموع القواعد السلوكية التي يخضع لها األفراد والتي تملي‬
‫عليهم ما يجب فعله وما ال يجب فعله‪ ،‬وهذا هو القانون ‪ .droit objectif‬ومن جهة أخرى تشير إلى‬
‫الصالحية التي يمنحها القانون للفرد ويحميها‪ ،‬كحق امللكية وحرية التنقل والحرمة الجسدية‪...‬‬
‫وهذا هو الحق ‪ .droit subjectif‬وللتمييز بين املعنيين يضاف أحياناﹰ إلى مصطلح ‪ droit‬صفة‬
‫‪ objectif‬فيقال ‪( droit objectif‬القانون املوضوعي) الذي يعني القانون أو القاعدة القانونية‪.‬‬
‫وتضاف عبارة ‪ subjectif‬فيقال ‪( droit subjectif‬قانون شخص ي) للشارة إلى الحق أو املصلحة‬
‫املشروعة التي يحميها القانون‪)4( .‬‬

‫ورغم أن اللغة العربية ال تحتاج إلى هذا التدقيق االصطالحي باعتبار ها تتوفر على‬
‫مصطلحين مختلفين لكل منهما معناه الخاص والدقيق وهما القانون والحق‪ ،‬إال أن املؤلفات‬
‫الفقهية العربية درجت على تناول املسألتين معاﹰ‪ .‬ويرجع ذلك إلى االرتباط الوثيق بين فكرتي القانون‬
‫والحق‪ .‬فالحق ال وجود له إال إذا أقره القانون‪ ،‬وعليه فالحق الذي ال يعترف به القانون ال يعتبر‬
‫ﹰ‬
‫حقا ‪.‬‬

‫(‪ )1‬محمد بقيق ‪ ،‬مدخل عام لدراسة القانون‪ :‬مفهوم القانون‪ -‬أساس القانون‪ -‬مصادر القانون‪([ ،‬تونس)‪ :‬مركز النشر الجامعي‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،]2002 ،‬ص ‪.10‬‬
‫(‪ )2‬توفيق حسن فرج ‪ ،‬املدخل للعلوم القانونية‪([ ،‬القاهرة)‪ :‬دار الجامعة‪ ،‬دون طبعة‪ ،]1993 ،‬ص ‪.15‬‬
‫(‪ )3‬سعيد سعد عبد السالم ‪ ،‬املدخل في نظرية القانون‪([ ،‬القاهرة)‪ :‬مطبعة الوالء الحديثة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،]2007 ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪(4) Laetitia Simonet, Introduction au droit. Paris, lextenso éditions, 2 éme Édition, 2015, p. 6.‬‬

‫‪4‬‬
‫ب‪ -‬القانون والقاعدة القانونية‪ :‬يستفاد مما سبق أن القانون يستهدف تنظيم روابط‬
‫األفراد فيما بينهم‪ ،‬ووسيلة القانون في ذلك هو فرض قواعد سلوكية تحدد ما له وما عليه‪ .‬وتسمى‬
‫القواعد املذكورة بالقواعد القانونية ‪ .la règle de droit‬وعليه فإن القاعدة القانونية هي إذن‬
‫الوحدة التي يتكون منها القانون‪ ،‬وتجدر اإلشارة منذ البداية إلى أن تعبير القاعدة القانونية ال‬
‫يتطابق بالضرورة مع النص القانوني أو ما نسميه باملادة القانونية الواردة في القانون املدني أو‬
‫التجاري أو أي قانون أخر مكتوب‪ .‬فاملقصود بهذا التعبير األخير الحكم القانوني املدون كتابة‪،‬‬
‫لذلك فإن القاعدة القانونية قد تكون مدونة في إطار نص قانوني‪ ،‬وقد تكون قاعدة عرفية درج‬
‫الناس على إتباعها دون أن يتضمنها نص قانوني مكتوب‪)1( .‬‬

‫(خامسا)‪ -‬تقسيم الدراسة‪ :‬وتقتض ي دراسة النظرية العامة للقانون تقسيمها إلى ثالثة‬
‫فصول‪:‬‬
‫الفصل األول‪:‬مفهوم القاعدة القانونية‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬مصادر القاعدة القانونية‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬سريان القاعدة القانونية‪.‬‬

‫(‪ )1‬حمدي عبد الرحمن‪ ،‬فكرة القانون‪ :‬بحث في تعريف القانون‪ -‬أهدافه‪ -‬أساسه‪ -‬نظرية القاعدة القانونية‪ -‬مصادر القانون‪[ ،‬‬
‫(القاهرة)‪ :‬دار الفكر العربي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،]1979 ،‬ص ‪.8‬‬

‫‪5‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مفهوم القاعدة القانونية‬
‫عناصرالفصل األول‬

‫املبحث األول‪ :‬القاعدة القانونية في ذاتها‬


‫املطلب األول‪ :‬القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعي‬
‫املطلب الثاني‪ :‬القاعدة القانونية عامة ومجردة‬
‫املطلب الثالث‪ :‬القاعدة القانونية ملزمة‬
‫املبحث الثاني‪ :‬القاعدة القانونية في محيطها‬
‫املطلب األول‪ :‬القاعدة القانونية والعادات واملجامالت والتقاليد‬
‫املطلب الثاني‪ :‬القاعدة القانونية واألخالق‬
‫املطلب الثالث‪ :‬القاعدة القانونية والدين‬
‫املبحث الثالث‪ :‬القواعد القانونية في أنواعها‬
‫املطلب األول‪ :‬قواعد القانون العام وقواعد القانون الخاص‬
‫املطلب الثاني‪ :‬القواعد اآلمرة والقواعد املكملة‬
‫املطلب الثالث‪ :‬القواعد الجامدة والقواعد املرنة‬

‫املبحث األول‪ :‬القاعدة القانونية في ذاتها‬


‫إذا كان القانون – باملعنى الذي بيناه‪ -‬مجموعة القواعد التي تحكم سلوك األفراد‬
‫وعالقاتهم‪ ،‬والتي يناط كفالة احترامها بما تملك السلطة العامة في املجتمع من قوة الجبر واإللزام‪،‬‬
‫فإننا نستنتج ثالث خصائص جوهرية تميز القاعدة القانونية عن غيرها من القواعد االجتماعية‬
‫األخرى التي تضبط العالقات داخل املجتمع‪ ،‬وتتمثل في أنها قاعدة سلوك اجتماعي (املطلب األول)‪،‬‬
‫وأنها عامة ومجردة (املطلب الثاني)‪ ،‬وأنها قاعدة ملزمة (املطلب الثالث)‪)1( .‬‬

‫املطلب األول‪ :‬القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعي‬

‫تنظم القاعدة القانونية السلوك الخارجي للنسان (أوال)‪ ،‬وتفرض السلوك الواجب إتباعه‬
‫(ثانيا)‪ ،‬وتتسم بالطابع االجتماعي (ثالثا)‪.‬‬
‫أوال‪ -‬القاعدة القانونية توجه السلوك الخارجي للنسان‪ :‬يقوم القانون بتنظيم سلوك‬
‫األفراد في الجماعة‪ ،‬وعليه فإن القاعدة القانونية قاعدة سلوكية ‪ règle de conduit‬تهتم‬
‫بالعالقات والروابط االجتماعية ‪ comportements sociaux‬وتصرفات وأعمال اإلنسان الظاهرة‪،‬‬

‫(‪ )1‬بينما يرى بعض الفقه بأن للقاعدة القانونية خمسة خصائص‪ ،‬فهي قاعدة سلوك اجتماعي‪ ،‬وقاعدة عامة ومجردة‪ ،‬وقاعدة ذات‬
‫مصدر خارجي‪ ،‬وقاعدة ملزمة‪ ،‬وقاعدة ذات غاية اجتماعية‪ .‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.43‬‬

‫‪6‬‬
‫وال تهتم باالعتقاد والنية واملشاعر واألحاسيس الداخلية أو النوايا التي تظل حبيسة النفس‬
‫البشرية‪ .‬وعليه فمن يضمر الحقد والكراهية لشخص ما أو ينوي قتله‪ ،‬وظلت تلك األحاسيس‬
‫والنوايا كامنة بداخله دون أن تظهر إلى الحيز الخارجي بأي وسيلة من وسائل التعبير‪ ،‬فإن القانون‬
‫ال يلقي اهتماماﹰ بها‪ .‬وهذا ما يميز القواعد القانونية عن عن القواعد األخالق والدين كونهما يعتدان‬
‫بالنوايا واملقاصد‪)1( .‬‬

‫وليس معنى هذا أن القاعدة القانونية ال تحكم إال السلوك الخارجي لألفراد أن القانون ال‬
‫يرتب أثراﹰ أو نتيجةﹰ على النوايا إذا اقترنت بسلوك خارجي وكانت على صلة به‪ ،‬بل يعتد بها ويدخلها‬
‫في االعتبار‪ .‬فعقوبة القتل العمد تختلف عن عقوبة القتل الخطأ ألن نية إزهاق روح الضحية‬
‫صاحبت فعل القتل الذي قام به الجاني‪ ،‬بخالف حالة القتل الخطأ ألن الجاني لم تكن له نية أصالﹰ‬
‫بقتل الضحية‪ .‬كما يلعب حسن النية أو سوء النية دوراﹰ ﹰ‬
‫مهما في ترتيب اآلثار القانونية في كثير من‬
‫ﹰ‬
‫قانونيا‪ ،‬ومقدار‬ ‫الحاالت‪ ،‬مثل مدى اعتبار الشخص الذي يحوز ملك الغير عاصباﹰ أم حائزاﹰ‬
‫ي في حاالت املسؤولية‪)2( .‬‬ ‫التعويض الذي يحكم به القاض‬
‫على أن بعض الفقه العربي يستبد خاصية بأن القاعدة القانونية تحكم السلوك الخارجي للنسان‬
‫دون نيته‪ - ،‬ويضيف‪ -‬بأن هذا القول غير صحيح ألن قواعد القانون الجنائي تضع تفرقة أساسية بين‬
‫الجرائم التي ارتكبت بقد وتلك التي ارتكبت بغير قصد‪ .‬وكذلك القانون املدني يعتد بالنية في موضوعات‬
‫كثيرة كموضوع الغش والتعسف في استعمال الحق‪ ،‬وعدم مشروعية السبب في التعاقد‪)3( .‬‬

‫ويترتب عن كون القاعدة القانونية قاعدة اجتماعية أن يختلف القانون من عصر إلى آخر‬
‫ومن دولة إلى أخرى‪ ،‬بل وقد يختلف في الدولة الواحدة من فترة إلى أخرى‪ .‬فهو يتطور بتطور‬
‫املجتمع حتى يستجيب لحاجاته الجديدة‪ ،‬ويساير اتجاهاته املستحدثة‪ ،‬ومن أجل هذا نجد‬
‫املشرع يتدخل من وقت إلى آخر د‪ ،‬فيعدل في القانون أو يغير فيه بما يتالءم مع الظروف الجديدة‬
‫في املجتمع‪)4( .‬‬

‫ثانيا‪ -‬القاعدة القانونية تفرض السلوك الواجب‪ :‬قوانين الطبيعة تتضمن قواعد تقريرية‬
‫ألنها مقررة للواقع كما هو دون أن تحاول إحداث أي تغيير فيه أو تأثير عليه‪ .‬كونها تكشف عن‬
‫العالقة املطردة بين ظاهرتين أحداهما السبب واألخرى نتيجة له (درجة حرارة ‪ °100‬تعتبر السبب‬

‫(‪ )1‬محمد حسين منصور‪ ،‬مبادئ القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.75‬‬
‫(‪ )2‬أحمد السعيد الزقرد ‪ ،‬املدخل للعلوم القانونية‪ .‬الكتاب األول‪ :‬نظرية القانون‪([ ،‬القاهرة)‪ :‬دار النهضة العربية‪ ،‬دون طبعة‪،‬‬
‫‪ ،]2001‬ص ‪.33‬‬
‫(‪ )3‬من هذا الرأي‪ :‬سمير تناغو‪ ،‬النظرية العامة للقانون‪([ ،‬اإلسكندرية)‪ :‬منشأة املعارف‪ ،‬دون طبعة‪ ،]1974،‬ص ‪.30‬‬
‫(‪ )4‬عبد هللا مبروك النجار ‪ ،‬املدخل املعاصر لفقه القانون‪([ ،‬القاهرة)‪ :‬دار النهضة العربية‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،]2006 ،‬ص ‪ .19‬لذا نجد‬
‫أن املشرع ومع تطور تكنولوجيات اإلعالم واالتصال وكذا تقدم الذكاء االصطناعي تدخل في العديد من الدول وأصدر تشريعات جديدة‬
‫تنظم هذا امليدان‪ .‬كما أنه أصدر قوانين تتعلق بحماية الحقوق والحريات الفردية في البيئة الرقمية‪ ،‬ونظم طرق إبرام العقود عبر‬
‫األنترنت‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫في حصول النتيجة املتمثلة في تبخر املاء) ‪ .‬أما قواعد القانون فإنها ذات طبيعة تقويمية ألنها‬
‫تنصب على تغيير سلوك اإلنسان وتبين ما ينبغي أن يكون عليه هذا السلوك في املجتمع‪)1( .‬‬

‫ثالثا‪ -‬القاعدة القانونية تفرض السلوك الواجب إتباعه كأمر أو تكليف أو تخيير‪ :‬تفرض‬
‫القاعدة القانونية على األشخاص سلوكاﹰ ﹰ‬
‫معينا‪ ،‬إذ تأمرهم بإتيانه أو تنهاهم عنه‪ ،‬أو تكتفي بإباحته‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ويكون التكليف في صورة األمر عندما تطالب القاعدة القانونية الشخص املخاطب بأحكامها‬
‫القيام بعمل معين‪ .‬فاملادة ‪ 495‬من القانون املدني تأمر املستأجر باملحافظة على العين املؤجرة‬
‫حيث نصت على أنه « ‪ ...‬أن يعتني – أي املستأجر‪ -‬بالعين املؤجرة وأن يحافظ عليها‪.» ...‬‬
‫ويكون التكليف في صورة النهي عندما تطالب القاعدة القانونية الشخص املخاطب‬
‫بأحكامها االمتناع عن القيام بعمل معين‪ .‬فاملادة ‪ 483‬من القانون املدني تأمر املؤجر باالمتناع عن‬
‫كل األعمال التي من شأنها أن تمنع املستأجر من االنتفاع العادي بالعين املؤجرة أو تقلل منه‪ ،‬حيث‬
‫نصت على أنه « ‪ ...‬يمتنع – أي املؤجر‪ -‬عن كل ما من شأنه أن يحول دون انتفاع املستأجر بالعين‬
‫املؤجرة‪.» ...‬‬
‫ويكون التكليف في صورة اإلباحة عندما تترك القاعدة القانونية الشخص املخاطب‬
‫بأحكامها حراﹰ في إتباعها أو عدم إتباعها‪ ،‬وهذا ما ورد على سبيل املثال في املادة ‪ 493‬من القانون‬
‫املدني التي تنص « ‪ ...‬يجوز للمستأجر أن يضع بالعين املؤجرة أجهزة لتوصيل املياه والكهرباء والغاز‬
‫والتلفون‪ .» ...‬والحقيقة أن مثل هذه الحرية التي يتمتع بها الشخص بشأن إتيان السلوك من‬
‫عدمه‪ ،‬ال تعني أنها حرية مطلقة‪ ،‬بل الغرض من ذلك هو تنظيم هذه الحرية بحيث يتعين على‬
‫الغير – أي األشخاص اآلخرين‪ -‬احترام هذه الحرية بالتوقف عن كل التصرفات التي تمنع املستأجر‬
‫من هذه اإلباحة‪)3( .‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬القاعدة القانونية قاعدة عامة ومجردة‬

‫تتميز القاعدة القانونية بأنها عامة ‪ générale‬ومجردة ‪ ،abstraite‬ولعرض وشرح هذه‬


‫الخاصية سنحدد في البداية مفهوم العمومية والتجريد (أوال)‪ ،‬ثم الغاية من العمومية والتجريد‬
‫(ثانيا)‪ ،‬وفي األخير نميز القاعدة القانونية واألمر والقرار الفردي من خالل هذه الخاصية (ثالثا)‪.‬‬
‫أوال‪ -‬مفهوم العمومية والتجريد‪ :‬يقصد بالعمومية أن القاعدة القانونية ال تخاطب شخصاﹰ‬
‫ﹰ‬
‫معينا بذاته بل هي توجه إلى األفراد بصفاتهم‪ ،‬وال تخص واقعة بعينها وذاتها‪ ،‬بل هي تذكر األوصاف‬

‫(‪)1‬ويضيف جانب من الفقه بأن الواقع هنا – أي سلوك األفراد‪ -‬هو الذي يخضع للقانون فيعمل على مسايرة أحكامه وقواعده‪ ،‬وليس‬
‫القانون هو الذي يخضع للواقع فيسايره بأن يشكل نفسه حسب ما عليه سلوك األفراد فعالﹰ‪ .‬حسين منصور‪ ،‬املدخل للقانون‪.‬‬
‫القانون بوجه عام‪ -‬النظرية العامة للقاعدة القانونية‪ -‬النظرية العامة للحق‪([ ،‬اإلسكندرية)‪ :‬منشأة املعارف‪ ،‬دون طبعة‪،]1976 ،‬‬
‫ص ‪.20‬‬
‫(‪ )2‬محمد حسين منصور‪ ،‬مبادئ القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.77‬‬
‫(‪ .)3‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪.47 -45‬‬

‫‪8‬‬
‫التي يتعين بها األشخاص املقصودون بخطابها‪ ،‬والشروط التي يلزم توافرها في الوقائع التي تنطبق‬
‫عليها‪ ،‬وكل شخص توافرت فيه هذه الصفات وكل واقعة جمعت هذه الشروط انطبقت عليها‬
‫القاعدة القانونية‪)1( .‬‬

‫ومثل ذلك القاعدة القانونية التي تحدد سن الرشد في الجزائر‪ ،‬فهي قاعدة عامة ومجردة‬
‫بالنسبة إلى املخاطبين بحكمها‪ ،‬حيث ينصرف حكمها على كل من يبلغ هذا السن‪ ،‬وهي موجهة إلى‬
‫فئة من األفراد غير متناهية في عددها‪ ،‬ومعينة بأوصافها ال بذاتها‪ .‬ذلك أن املشرع أقر الوضع‬
‫الغالب في األفراد الذين تتوافر فيهم النضج العقلي عندما يبلغون هذه السن‪ .‬وقد أخذ املشرع‬
‫بالوضع الغالب ألن التساوي والتماثل في الظروف مسألة نادرة الحدوث‪ ،‬وذهب بعض الفقه إلى أن‬
‫املشرع لو أراد تحديد سن البلوغ على أساس العدالة وليس العدل لجعل مناط تحديد هذه السن‬
‫بتوفير النضج العقلي لكل شخص على حده‪)2( .‬‬

‫ولكن ال يشترط لتوفير صفة العمومية انطباق القاعدة القانونية على جميع أفراد املجتمع‪،‬‬
‫إذ قد يقتصر تطبيقها على طائفة أو فريق منه توافرت فيه صفات معينة‪ .‬فالقانون التجاري‬
‫يقتصر على تنظيم العالقات بين طائفة التجار‪ ،‬بينما القانون املدني ينصرف إلى جميع أفراد‬
‫املجتمع‪ ،‬وهذا ال يمنع من االعتراف بصفة العمومية للقانون التجاري‪ .‬بل إن من القوانين ما‬
‫ينطبق على شخص واحد‪ ،‬ما دام هذا الشخص منظوراﹰ إليه بصفته ال بذاته كالقانون املنظم‬
‫لسلطات واختصاصات رئيس الجمهورية‪)3( .‬‬

‫أما خاصية التجريد ‪ abstraite‬فيقصد بها أنه عند صياغة القاعدة القانونية فإنها لم‬
‫توضع لتطبق على شخص معين أو واقعة معينة‪ ،‬وإنما وضعت بطريقة مجردة عن االعتداد بأي‬
‫شخص أو بأي واقعة‪)4( .‬‬

‫اجتماع الخاصيتين معا في‬


‫العمومية‬ ‫التجريد‬
‫القاعدة القانونية‬
‫تتعلق بإعادة تطبيق القاعدة على‬ ‫تتعلق بنشوء وصياغة‬ ‫الخاصية‬
‫يؤدي إلى جعل خاصية‬
‫كل األشخاص الذين تنطبق عليهم‬ ‫القاعدة القانونية بطريقة‬
‫العمومية نتيجة حتمية لتجرد‬
‫الوقائع املجردة التي نصت عليها‬ ‫مجردة من حيث األشخاص‬
‫القاعدة القانونية‬
‫القاعدة القانونية‬ ‫والوقائع‬

‫(‪ )1‬محمد الشرفي وعلي املزغني‪ ،‬مدخل لدراسة القانون ‪([ ،‬تونس)‪ :‬املركز القومي البيداغوجي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،]1993 ،‬ص ‪ .31‬سمير‬
‫تناغو‪ ،‬النظرية العامة للقانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.37‬‬
‫(‪ )2‬سعيد سعد عبد السالم‪ ،‬املدخل في نظرية القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.35‬‬
‫(‪ )3‬أنور سلطان ‪ ،‬املبادئ القانونية العامة ‪([ ،‬القاهرة)‪ :‬دار الجامعة الجديدة للنشر‪ ،‬دون طبعة‪ ،]2005 ،‬ص ‪ .22‬أن القاعدة‬
‫القانونية ال تخاطب شخصاﹰ ﹰ‬
‫معينا بذاته بل هي توجه إلى األفراد بصفاتهم‪ ،‬وتحكم حاالت معينة كلما توافرت شروطها طبقت أحكامها‪.‬‬
‫هذا بخالف القرارات اإلدارية التي تتعلق بفرد معين بذاته‪ ،‬كالقرار اإلداري الصادر بتعيين موظف معين‪ ،‬أو القرار اإلداري الصادر بنزع‬
‫ملكية عقارية يمتلكها شخص معين‪ .‬مصطفى محمد عرجاوي‪ « .‬ضوابط القاعدة القانونية ومدى تميزها عن القواعد االجتماعية‬
‫األخرى »‪ [ ،‬مجلة كلية الشريعة والقانون بأسيوط‪ .‬جامعة األزهر‪ .‬العدد ‪ ،2‬السنة ‪ ،]1984‬ص ‪.61‬‬
‫(‪ )4‬سمير تناغو‪ ،‬النظرية العامة للقانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .37‬وكذلك‪:‬‬
‫‪Yvaine Buffelan-Lanore et Virginie Larribau-Terneyre, Droit civil. Introduction- Biens- Personnes- Famille.‬‬
‫‪op. cit, p. 9.‬‬

‫‪9‬‬
‫ثانيا‪ -‬الغاية من خاصية العمومية والتجريد‪ :‬ملا كانت القاعدة القانونية عامة ومجردة كونها‬
‫ﹰ‬
‫مجردا ال‬ ‫تتضمن تكليفاﹰ ‪ -‬أي األمر بالقيام بعمل معين أو األمر بعدم القيام بعمل معين‪ -‬ﹰ‬
‫عاما‬
‫يستنفذ تطبيق ما على شخص أو واقعة معينة لذا فهو يكتسب صفة الدوام (‪ ،)1‬فإن ذلك يسمح‬
‫بتحقيق الغايات التالية‪)2(:‬‬

‫تسمح خاصية العمومية والتجريد بتحقيق املساواة بين الناس أمام القانون ومنع‬ ‫‪.I‬‬
‫التحيز ملصلحة شخص معين أو ضد شخص معين‪ ،‬إذ أن القاعة القانونية تطبق على جميع‬
‫الحاالت املماثلة دون تمييز‪)3( .‬‬

‫تعتبر خاصية العمومية والتجريد ضمانة هامة للحقوق والحريات األساسية التي‬ ‫‪.II‬‬
‫يتمتع بها األفراد في املجتمع‪ ،‬ألنها تمنع تعسف واستبدا السلطة الحاكمة في تعاملها مع األفراد‪،‬‬
‫وتحضر عليها املساس بحقوقهم وحرياتهم وإال عدت تصرفاتها غير مشروعة يمكن الطعن فيها أمام‬
‫الجهات القضائية املختصة‪)4( .‬‬

‫وإن كانت خاصية العمومية والتجريد التي تتمتع بها القاعدة القانونية وثيقة‬ ‫‪.III‬‬
‫الصلة بمبدأ سيادة القانون ومبدأ املساواة أمام القانون‪ ،‬فإن صلتها باعتبار عملي أخر ال تقل‬
‫أهمية‪ ،‬واملتمثل في استحالة وضع قرارات وأوامر خاصة لحكم سلوك كل فرد من أفراد املجتمع‬
‫على حدة‪)5( .‬‬

‫ثالثا‪ -‬التفرقة بين القاعدة القانونية واألمر والقرار الفردي‪ :‬تسمح خاصية العمومية‬
‫والتجريد بتكرار تطبيق القاعدة القانونية‪ ،‬كلما توافرت الحاالت والشروط التي تنظمها‪ ،‬أما القرار‬
‫أو األمر الخاص الصادر نتيجة تطبيق هذه القاعدة فإنه ينقلها من عالم التجريد إلى عالم الواقع‬
‫املحسوس حيث التعيين والتحديد‪)6( .‬‬

‫لذا فإن القرار الفردي ال يعد قاعدة قانونية ألنه وضع لشخص معين بذاته وهو تطبيق‬
‫لقاعدة قانونية سابقة عليه‪ ،‬ومثال ذلك أن قانون الوظيفة العمومية يخاطب كل املوظفين في‬
‫اإلدارات واملرافق العمومية‪ ،‬لكن قرار ترقية موظف بذاته تطبيقاﹰ لنصوصه ال يعتبر قاعدة‬
‫قانونية بل مركز قانوني أنشأه هذا القانون‪ .‬كما أن قانون الخدمة الوطنية يضع من جانبه قواعد‬
‫ومجردا يخاطب كل الشباب الذين تتوافر فيم حاالﹰ أو‬
‫ﹰ‬ ‫ليفا ﹰ‬
‫عاما‬ ‫عامة ومجردة ألنه يتضمن تك ﹰ‬
‫ﹰ‬
‫مستقبال الشروط التي حددها ( الذكورة‪ ،‬السن‪ ،‬الصحة العقلية والبدنية‪ ،‬عدم التكفل بأحد‬

‫(‪ )1‬حسن كيره‪ ،‬حسين ‪ ،‬املدخل للقانون‪[ ،.‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫(‪ )2‬محمد سعيد جعفور ‪ ،‬مدخل إلى العلوم القانونية‪ .‬الجزء األول‪ :‬الوجيزفي نظرية القانون‪([ ،‬الجزائر)‪ :‬دار هومه‪ ،‬الطبعة الواحدة‬
‫والعشرون‪ ،]2017 ،‬ص ص ‪.24 -23‬‬
‫(‪ )3‬محمد سعيد جعفور ‪ ،‬مدخل إلى العلوم القانونية‪ .‬الجزء األول‪ :‬الوجيزفي نظرية القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪.24 -23‬‬
‫(‪ )4‬حبيب إبراهيم الخليلي‪ ،‬املدخل للعلوم القانونية‪([ .‬الجزائر)‪ :‬ديوان املطبوعات الجامعية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،]1992 ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪(5 )Jean‬‬ ‫‪Dabin, Théorie général du droit.op. cit, p. 58.‬‬
‫(‪ )6‬حبيب إبراهيم الخليلي‪ ،‬املدخل للعلوم القانونية‪ [ .‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.22‬‬

‫‪10‬‬
‫الوالدين) أما القرار الصادر من املؤسسة العسكرية باستدعاء شخص معين بذاته لتأدية هذا‬
‫الواجب‪ ،‬فال يعتبر قاعدة قانونية ‪ ،‬بل يعد تطبيقاﹰ لقاعدة قانونية موجودة سلفاﹰ‪)1( .‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬القاعدة القانونية قاعدة ملزمة‬

‫انتهينا إلى أن الغرض من القانون هو بناء نظام اجتماعي عن طريق سن قواعد توجه سلوك‬
‫األفراد‪ ،‬وملا كانت مخالفة هذه القواعد أمراﹰ متصوراﹰ نظراﹰ ملا لألفراد من إرادة حرة تمكنهم من‬
‫سلوك طريق الطاعة أو طريق املخالفة‪ ،‬تعين فرض جزاء يهدف إلى كفالة احترام هذه القواعد حتى‬
‫يستقيم نظام الجماعة ويستقر حكم العدل فيها‪)2( .‬‬

‫إن خاصية إلزام القاعدة القانونية تقوم على فكرة الجزاء الذي يعرفه بعض الفقه بأنه «‬
‫القصاص من املخالف لحكم القانون توقعه السلطة العامة املختصة جبراﹰ‪ ،‬لكي يكون عبرة ملن‬
‫تسول له نفسه سلوك مسلكه»(‪ .)3‬وعليه فإن فكرة الجزاء تعني الضغط على إرادة الفرد وحمله‬
‫جبراﹰ على احترام قواعد القانون إن لم يطعها اختياراﹰ‪ ،‬إذ لو تركت هذه القواعد دون جزاء لتحولت‬
‫إلى مجرد نصائح ورجاء إن شاء الشخص إتباعها وإن شاء عدل عنها وخالف أحكامها‪ )4( .‬والبحث في‬
‫خاصية الجزاء الذي يضفي على القاعدة القانونية صفة اإللزام يتطلب بيان الغرض من الجزاء‬
‫(أوال)‪ ،‬ثم عرض خصائصه (ثانيا)‪ ،‬ثم بيان أنواعه (ثالثا)‪.‬‬
‫أوال‪ -‬الغرض من الجزاء‪ :‬يتخذ الغرض من توقيع الجزاء إحدى الصورتين التاليتين‪ :‬التطبيق‬
‫الفعلي للقانون أو معاقبة املخالف للقاعدة القانونية‪.‬‬
‫التطبيق الفعلي للقاعدة القانونية بالقوة‪ :‬وهذا عند اتخاذ اإلجراءات التي تجبر‬ ‫‪.I‬‬
‫الشخص وتلزمه بالتقيد بالقاعدة القانونية أو تنهاه عن مخالفته ومثال ذلك اإلجراءات القانونية‬
‫التي يسنها القانون لصالح الدائن والتي تسمح له من اقتضاء حقه رغماﹰ عن إرادة املدين‪ ،‬وذلك في‬
‫حالة امتناع هذا األخير عن الوفاء االختياري بدينه‪ .‬وفي حالة استحالة التنفيذ العيني على املدين‬
‫أجبر هذا األخير على التنفيذ بمقابل أي تقديم تعويض عادل يجبر الضرر الذي لحق الدائن جراء‬
‫عدم تنفيذ املدين اللتزامه‪.‬‬
‫معاقبة املخالف على مخالفته القاعدة القانونية‪ :‬وهنا يقوم القصاص من‬ ‫‪.II‬‬
‫املخالف ليكون عبرة ملن تخول له نفسه مخالفة أحكام القاعدة القانونية‪ .‬وفي هذه الصورة يتضح‬
‫أن الغرض من الجزاء ذو طبيعة مزدوجة‪ ،‬معاقبة املخالف ورد غير من األشخاص‪.‬‬

‫(‪ )1‬محمد سعيد جعفور ‪ ،‬مدخل إلى العلوم القانونية‪ .‬الجزء األول‪ :‬الوجيزفي نظرية القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫(‪ )2‬حسن كيره‪ ،‬حسين ‪ ،‬املدخل للقانون‪[ .‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫(‪ )3‬محمد سعيد جعفور ‪ ،‬مدخل إلى العلوم القانونية‪ .‬الجزء األول‪ :‬الوجيزفي نظرية القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫(‪ )4‬على أن اقتران القاعدة القانونية بالجزاء ال يعني أن احترامها يرجع دائماﹰ إلى خشية الناس من توقيع الجزاء فليس حتما أن يكون‬
‫الجالد دائماﹰ حليف املشرع يالزمه حيث يكون وحين يصدر القواعد القانونية‪ .‬في هذا املعن ى‪ :‬عبد الحي حجازي‪ ،‬محاضرات في املدخل‬
‫لدراسة العلوم القانونية‪ .‬الجزء األول‪ :‬نظرية القانون‪([ ،‬القاهرة)‪ :‬مكتبة عبد هللا وهبة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دون تاريخ]‪ ،‬ص ‪.107‬‬

‫‪11‬‬
‫وتعتبر قواعد قانون العقوبات أبرز مثال للقواعد القانونية التي يتحقق فيها هذا‬
‫الغرض‪ ،‬فليس الهدف من توقيع الجزاء على مقترف جريمة القتل مثالﹰ إصالح الضرر الذي أحدثه‬
‫املجرم ألن هذا اإلصالح كثيراﹰ ما يستحيل تحقيقه‪ ،‬فليس الهدف من معاقبة املجرم هو إحياء‬
‫املجني عليه‪ ،‬بل توقيع العقوبة عليه وردع غيره حتى ال يقدم على مثل فعلته‪)1( .‬‬

‫ثانيا‪ -‬خصائص الجزاء‪ :‬يتميز الجزاء في القاعدة القانونية عن غيرها من القواعد القانونية‬
‫بخصائص معينة هي ‪ :‬أنه مادي محسوس‪ ،‬وأنه حال‪ ،‬وأن هناك سلطة تتكفل بتوقيعه‪.‬‬
‫ﹰ‬
‫خارجيا‬ ‫الجزاء في القاعدة القانونية مادي محسوس‪ :‬ومعنى ذلك أنه يتخذ مظهراﹰ‬ ‫‪.I‬‬
‫ﹰ‬
‫ملموسا‪ ،‬ألنه يمس من يخالف القاعدة القانونية في جسمه أو ماله أو يتمثل في إزالة املخالفة ذاتها‪.‬‬
‫وبهذا يتميز الجزاء في القاعدة القانونية عن الجزاء املترتب عن قواعد األخالق واملجامالت‪ ،‬ألن‬
‫الجزاء فيها معنوي يتمثل في تأنيب الضمير واستهجان املجتمع أو الشعور بالندم‪)2( .‬‬

‫الجزاء في القاعدة القانونية حال‪ :‬واملقصود بذلك أنه يطبق بمجرد حدوث‬ ‫‪.II‬‬
‫املخالفة وحيال حياة املخالف‪ ،‬وبهذا يتميز الجزاء في القاعدة القانونية عن الجزاء في القواعد‬
‫الدينية الذي يعتبر جزاء مؤجل أو أخروي(‪ .)3‬ما لم تندمج القاعدة الدينية بالقاعدة القانونية‬
‫الوضعية ‪ -‬عن طريق نقل املشرع ألحكامها وسنها في شكل قانون ملزم‪ -‬فهنا يصبح لها جزاءان األول‬
‫دنيوي حال‪ ،‬والثاني أخروي مؤجل‪)4( .‬‬

‫الجزاء في القاعدة القانونية توقعه السلطة العامة‪ :‬تتكفل الدولة بما تملكه من‬ ‫‪.III‬‬
‫وسائل القوة واإلجبار والقهر بتوقيع الجزاء على الشخص الذي خالف القاعدة القانونية ولم يلتزم‬
‫بأحكامها‪ ،‬وعليه ال يحق ألي فرد توقيع الجزاء على املخالفين للقانون‪ ،‬ألن ذلك أيسر الطرق إلى‬
‫‪contrainte‬‬ ‫إشاعة الفوض ى وسيادة القوة ‪ .‬لذا اعتبر الفقه الجزاء نوعاﹰ من اإلجبار العام‬
‫‪ publique‬الذي يفصح عن صفته املادية والحالة واملنظمة التي تثبت له نتيجة قيام السلطة‬
‫العامة بقهر اإل ادة العاصية عن طريق القوة املادية تحقيقاﹰ لفكرة العدالة وصيانتها‪)5( .‬‬
‫ر‬
‫ثالثا‪ -‬أنواع الجزاء الذي تقرره القاعدة القانونية‪ :‬الجزاء في القاعدة القانونية يأخذ صورﹰا‬
‫مختلفة باختالف نوع القاعدة وطبيعة العالقة محل التنظيم كما يتدرج في قوته حسب القيمة‬
‫االجتماعية محل الحماية وبحسب جسامة االعتداء وكيفيته‪ ،‬مما يكفل له الفاعلية والتناسب مع‬

‫(‪ )1‬سمير تناغو‪ ،‬النظرية العامة للقانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫(‪ )2‬أحمد السعيد الزقرد ‪ ،‬املدخل للعلوم القانونية‪ .‬الكتاب األول‪ :‬نظرية القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.35‬‬
‫(‪ )3‬عبد الرزاق أحمد السنهوري وأحمد حشمت أبو ستيت‪ ،‬أصول القانون أو املدخل لدراسة القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫(‪ )4‬محمد سعيد جعفور ‪ ،‬مدخل إلى العلوم القانونية‪ .‬الجزء األول‪ :‬الوجيزفي نظرية القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫(‪ )5‬حسن كيره‪ ،‬املدخل للقانون‪[ .‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪. 37 -36‬‬

‫‪12‬‬
‫جنس مخالفة للقاعدة القانونية‪،‬بحيث يرد على املخالف فيعاقبه ويردعه عن أن يكرره ويزجر‬
‫غيره في أن يتبعوه‪)1( .‬‬

‫ففي نطاق القانون الجنائي‪ :‬يعد الجزاء الجنائي أشد أنواع الجزاءات صرامة‬ ‫‪.I‬‬
‫وشدة‪ ،‬حيث يتدرج حسب جسامة الجريمة وحسب القيمة االجتماعية محل الحماية‪ .‬فقد يكون‬
‫الجزاء من طبيعة بدنية يصيب املخالف في جسمه ويسلبه الحياة كما و الحال في عقوبة اإلعدام‪،‬‬
‫وقد يصيب الشخص في حريته فيسلبها منه كما هو األمر مع السجن املؤبد أو املؤقت أو الحبس‪،‬‬
‫وقد يمس الجزاء مال املخالف فقط فتكون العقوبة حينئذ في شكل غرامة ‪ amende‬أو مصادرة‬
‫‪)2( .confiscation‬‬

‫في نطاق القانون املدني‪ :‬إلى جانب الجزاء الجنائي هناك الجزاء املدني وصوره‬ ‫‪.II‬‬
‫عديدة ومتنوعي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الجزاء املباشر أو التنفيذ العيني‪ :‬وهو الجزاء الذي يجبر الفرد على احترام‬
‫القانون وتنفيذ ما التزم به طاملا لم يشأ تنفيذه طواعية‪ ،‬وهذا ما قررته املادة ‪ 164‬من القانون‬
‫املدني بقولها أن « يجبر املدين ‪ ...‬على تنفيذ التزامه تنفيذاﹰ عينيﹰا متى كان ذلك ممكنناﹰ»‪ .‬وعليه فإذا‬
‫امتنع البائع عن تسليم الش يء املبيع املتمثل في سيارة على سبيل املثال‪ ،‬فإن املشتري يجبره على‬
‫تسليمها طاملا أنه دفع ثمنها وطاملا أنه السيارة لم تهلك أو تباع إلى شخص غيره تسلمها قبله‪)3( .‬‬

‫ب‪ -‬التنفيذ غير املباشر أو التعويض‪ :‬قد يكون التنفيذ العيني لاللتزام مستحيالﹰ ‪-‬‬
‫كما لو هلك الش يء املبيع أو تحطم‪ -‬أو غير مجدي‪ ،‬وفي هذا الخصوص تنص املادة ‪ 176‬من‬
‫القانون املدني بأنه « إذا استحال على املدين تنفيذ االلتزام عينا حكم عليه بتعويض الضرر‬
‫الناجم عن عدم تنفيذ التزامه‪ ،‬ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ نشأت بسبب ال يد له فيه‪ .‬ويكون‬
‫الحكم كذلك إذا تأخر املدين عن تنفيذ التزامه»‪.‬‬
‫ت‪ -‬إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل حدوث املخالفة‪ :‬في هذه الحالة فإن الجزاء‬
‫يأخذ األشكال الثالثة التالية‪:‬‬
‫البطالن املطلق‪ :‬هو جزاء تخلف ركن من أركان التصرف القانوني‪ ،‬كما‬ ‫‪‬‬
‫في حالة تخلف ركن التراض ي في العقد‪ ،‬فحين يبرم صبي غير مميز لم يبلغ سن ‪ 13‬سنة كاملة (املادة‬
‫ﹰ‬
‫مطلقا لتخلف هذا الركن‪،‬‬ ‫ﹰ‬
‫بطالنا‬ ‫‪ 42‬من القانون املدني) تصرف قانوني يكون هذا التصرف باطالﹰ‬
‫أو إذا كان التصرف بين شخصين كاملي األهلية لكن يتعلق يتعلق محله بتأجير شقة وسببه‬
‫تخصيص تلك الشقة ملمارسة القمار والرذيلة‪.‬‬

‫(‪ )1‬رمضان أبو السعود وهشام محمد محمود زهران ‪ ،‬املدخل إلى القانون‪ :‬النظرية العامة للقاعدة القانونية‪([ ،‬اإلسكندرية)‪ :‬دار‬
‫املطبوعات الجامعية‪ ،‬دون طبعة‪ ،]1997 ،‬ص ‪.39‬‬
‫(‪ )2‬محمد سعيد جعفور ‪ ،‬مدخل إلى العلوم القانونية‪ .‬الجزء األول‪ :‬الوجيزفي نظرية القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪.36 -35‬‬
‫(‪ )3‬عبد الرزاق الفحل وآخرون ‪ ،‬املدخل لدراسة األنظمة‪([ ،‬جدة)‪ :‬دار اآلفاق‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،]1993 ،‬ص ‪.30‬‬

‫‪13‬‬
‫البطالن النسبي‪ :‬هو جزاء تخلف شرط من شروط صحة التصرف‬ ‫‪‬‬
‫القانوني‪ ،‬وهي األهلية وسالمة اإلرادة من العيوب‪ .‬ويتحقق البطالن النسبي مع التصرفات التي‬
‫يبرمها الصبي املميز (وهو الذي يتراوح سنه بين ‪ 13‬سنة وأقل من ‪ 19‬سنة املادة ‪ 43‬من القانون‬
‫املدني) والتي تقع في دائرة النفع والضرر‪ ،‬فيجوز طلب إبطالها في حالة عيب يشوب إرادة أحد طرفي‬
‫التصرف القانوني‪)1( .‬‬

‫فسخ التصرف القانوني‪ :‬في هذه الحالة فإن التصرف نشأ صحيحاﹰ ثم‬ ‫‪‬‬
‫طرأ سبب يحول دون تنفيذه‪ ،‬ويتمثل هذا السبب في امتناع أحد طرفي التصرف عن تنفيذ التزامه‪.‬‬
‫وقد خول القانون للطرف اآلخر حق املطالبة بالفسخ أي التحلل من التزاماته نتيجة إخالل‬
‫املتعاقد معه بما عليه من التزام‪ ،‬مع الحكم له بالتعويض إذا اقتض ى الحال ذلك‪)2( .‬‬

‫في نطاق القانون اإلداري‪ :‬الجزاء في القانون اإلداري هو ما تقوم السلطة اإلدارية‬ ‫‪.III‬‬
‫بتوقيعه على من يخالف قواعد القانون والتنظيم من املوظفين والعاملين باإلدارات واملرافق‬
‫العمومية‪ .‬وقد يأخذ هذا الجزاء عديد الصور منها‪،‬اإلنذار ‪ avertissement‬أو التوبيخ ‪ blâme‬أو‬
‫التوقيف عن العمل ‪ mise à pied‬أو التسريح النهائي من الوظيفة ‪ ، licenciement‬أو التنزيل في‬
‫الرتبة أو تأخير الترقية والعالوة‪)3( .‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬القاعدة القانونية في محيطها‬

‫ال ينفرد القانون بمهمة تنظيم العالقات االجتماعية وتصويب سلوك الفرد‪ ،‬فإلى جانبه‬
‫تتواجد أنظمة معيارية وسلوكية أحرى‪ .‬فالقاعدة القانونية ليست وحدها التي تحكم سلوك األفراد‬
‫في املجتمع‪ ،‬بل توجد إلى جانبها قواعد أخرى تشترك معها في هذه الوظيفة‪ ،‬وهي قواعد العادات‬
‫واملجامالت والتقاليد وقواعد األخالق وقواعد الدين‪ .‬ومهما عظم شأن القاعدة القانونية واتسع‬
‫نطاق تطبيقها‪ ،‬فهذا ال يؤدي حتماﹰ إلى احتجاب القواعد التي تنتجها نظم الضابط االجتماعي‬
‫األخرى‪ ،‬بل أن األمر يتعلق فحسب بانسحاب هذه النظم الضابطة من الساحة االجتماعية العامة‬
‫واقتصارها على الحياة الخاصة‪ ،‬فال تتدخل الدولة مبدئياﹰ لفرض احترام القواعد الدينية أو‬
‫األخالقية أو قواعد العادات واملجامالت والتقاليد إال إذا قام القانون بتبني هذه القواعد ‪)4( .‬‬

‫(‪ )1‬محمد واصل ‪ ،‬املدخل إلى علم القانون‪([ ،‬دمشق)‪ :‬منشورات جامعة دمشق‪ ،‬دون طبعة‪ ،]2012 ،‬ص ‪.39‬‬
‫(‪ )2‬محمد سعيد جعفور ‪ ،‬مدخل إلى العلوم القانونية‪ .‬الجزء األول‪ :‬الوجيزفي نظرية القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .40‬عبد الرزاق‬
‫الفحل وآخرون ‪ ،‬املدخل لدراسة األنظمة‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪31‬‬
‫(‪ )3‬رمضان أبو السعود وهشام محمد محمود زهران ‪ ،‬املدخل إلى القانون‪ :‬النظرية العامة للقاعدة القانونية‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص‬
‫‪ .40‬محمد واصل ‪ ،‬املدخل إلى علم القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫(‪ )4‬محمد الشرفي وعلي املزغني‪ ،‬مدخل لدراسة القانون ‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.31‬‬

‫‪14‬‬
‫وعليه فإن الضرورة العملية والعلمية تقتض ي إبراز ما يميز القاعدة القانونية عن قواعد‬
‫هذه النظم التقعيدية‪ ،‬وعليه نفرق بين القانون والعادات واملجامالت والتقاليد (املطلب األول)‪ ،‬ثم‬
‫بينها وبين قواعد األخالق (املطلب الثاني)‪ ،‬وفي األخير نميزها عن القاعدة الدينية (املطلب الثالث)‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬القاعدة القانونية والعادات واملجامالت والتقاليد‬

‫يستوجب البحث في عالقة القاعدة القانونية بالعادات وقواعد املجامالت والتقاليد‪ ،‬تحديد‬
‫تعريف لهذه األخيرة (أوال)‪ ،‬ثم بيان الصلة بينها وبين القواعد القانونية (ثانيا)‪ ،‬وفي األخير تحديد‬
‫نقاط االختالف بينها وبين القواعد القانونية (ثالثا)‪.‬‬
‫أوال‪ -‬تعريف العادات واملجامالت والتقاليد‪ :‬يعرف بعض الفقه قواعد العادات واملجامالت‬
‫والتقاليد بأنها « مجموعة القواعد التي يرعاها الناس في عالقاتهم اليومية بسبب تعارفهم عليها‬
‫واقتناعهم بضرورة احترامها‪ ،‬ومثل ذلك املواساة في النكبات واملشاركة في السراء بالتهاني واملشاطرة‬
‫في الضراء بالتعازي‪ ،‬وتلبية داعي املكروب‪ ،‬وإجابة طلب النجدة‪ ،‬وغير ذلك مما تعارف عليه‬
‫املجتمع من عادات وتقاليد ومجامالت »‪)1(.‬‬

‫ثانيا‪ -‬الصلة بين العادات واملجامالت والتقاليد والقواعد القانونية‪ :‬تتشابه العادات‬
‫واملجامالت والتقاليد مع القواعد القانونية في أنها قواعد سلوك تقويمية‪ ،‬ألنها أنها تلعب دوراﹰ مهماﹰ‬
‫في ضبط وتوجيه سلوك األفراد في املجتمع‪ .‬هذه القواعد تؤثر في السلوك ويشعر الناس نحوها‬
‫باحترام بالغ يدفعهم إلى الحرص عليها واملواظبة على فعلها‪ ،‬وذلك خوفاﹰ من تأنيب الضمير‪ .‬أو‬
‫الشعور املؤلم بمخالفة ما تعارف الناس عليه‪ ،‬أو الخشية والخوف من استنكار املجتمع له‪)2( .‬‬

‫ثالثا‪ -‬أوجه اختالف العادات واملجامالت والتقاليد عن القواعد القانونية‪ :‬على الرغم من أن‬
‫القواعد القانونية وقواعد املجامالت والعادات والتقاليد تعتبر قواعد مقومة ومنظمة للسلوك‬
‫اإلنساني داخل املجتمع‪ ،‬إال أن هنا العديد من الفوارق بينها نحصرها في النواحي التالية‪)3( :‬‬

‫(أ)‪ -‬من حيث النطاق‪ :‬تعمل القاعدة القانونية في نطاق حقوق األفراد والتزاماتهم‪ ،‬أما‬
‫قواعد املجامالت والعادات والتقاليد فتعمل في نطاق وضع معالم الحياة االجتماعية املثالية فيما‬
‫يخص أفراد املجتمع ببعضهم البعض‪.‬‬
‫(ب)‪ -‬من حيث الغاية‪ :‬نجد أن القاعدة القانونية تهدف إلى الحفاظ على النظام العام في‬
‫املجتمع‪ ،‬أما قواعد املجامالت والعادات والتقاليد فتهدف إلى دعم أواصر التعاون واملودة بين أفراد‬
‫املجتمع‪.‬‬
‫(جـ)‪ -‬من حيث الجزاء‪ :‬فبينما الجزاء املترتب عن مخالفة القاعدة القانونية جزاء مادي‬
‫ملموس توقعه السلطة العامة جبراﹰ‪ ،‬أما جزاء مخالفة قواعد املجامالت والعادات والتقاليد فهو‬
‫معنوي‪ ،‬يتمثل في استهجان واستنكار أفراد املجتمع ملن يخرج عن تلك القواعد‪.‬‬

‫(‪)1‬حسن كيره‪ ،‬حسين ‪ ،‬املدخل للقانون‪[ ،.‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.28‬‬


‫(‪ )2‬عبد هللا مبروك النجار ‪ ،‬املدخل املعاصرلفقه القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪(3) Laetitia Simonet, Introduction au droit. op. cit, p. 25.‬‬

‫‪15‬‬
‫مالحظة هامة‪ :‬يمكن للعادات والتقاليد واملجامالت أن ترتقي إلى مرتبة القواعد القانونية عندما‬
‫يصبح جزاء مخالفتها مادي ومنظم‪ ،‬حيث تتحول في هذه الحالة إلى قاعدة قانونية‪ .‬ومثال ذلك‬
‫قواعد معاملة أعضاء السلك السياس ي والدبلوماس ي فهي في األصل مجامالت دولية أصبحت ترقى‬
‫إلى مرتبة القواعد القانونية الدولية‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬القاعدة القانونية واألخالق‬

‫يستوجب البحث في عالقة القاعدة القانونية بالقواعد األخالقية‪ ،‬تعريف القواعد‬


‫األخالقية األخيرة (أوال)‪ ،‬ثم بيان نقاط االختالف بينها وبين القواعد القانونية (ثانيا)‪ ،‬وفي األخير‬
‫نطرح إشكالية تأثر القاعدة القانونية بالقاعدة األخالقية (ثالثا)‪.‬‬
‫أوال‪ -‬تعريف القواعد األخالقية‪ :‬يمكن تعريف قواعد األخالق بأنها بأنها « مجموعة املثل‬
‫العليا التي يعتقد بها أفراد مجتمع ماـ متمثلة في خصال الخير والتراحم والتعاون وعدم االعتداء على‬
‫حقوق الغير »‪)1(.‬‬

‫ولقواعد األخالق طابع نسبي ألنها تختلف داخل إقليم الدولة الواحدة من وقت ألخر‪ ،‬كما‬
‫تختلف من دولة إلى دولة أخرى الختالف طبيعة نظامهما السياس ي أو للعقيدة األيديولوجية التي‬
‫تتبناها كل دولة‪ ،‬أو الختالف مصدر القواعد األخالقية الذي يكون ذو طابع ديني واألخر ذو طابع‬
‫إنساني‪ ،‬لذا انتهى مع فقهاء القانون املدني إلى أنه من الصعب تعريف قواعد األخالق تعريفاﹰ‬
‫ﹰ‬
‫ودقيقا‪)2( .‬‬ ‫ﹰ‬
‫ومانعا‬ ‫ﹰ‬
‫جامعا‬
‫ثانيا‪ -‬أوجه اختالف القواعد األخالقية عن القواعد القانونية‪ :‬وإن كانت قواعد األخالق‬
‫تشترك مع القواعد القانونية في أن كالهما قواعد مقومة للسلوك‪ ،‬تستهدف تنظيم العالقات بين‬
‫أفراد املجتمع على نحو يحقق األمن واالستقرار فيه‪ ،‬إال أن هناك أكثر من فارق في هذا املجال بين‬
‫كل منهما‪ .‬ويمكن تحديد هذا االختالف في النقاط التالية‪)3( :‬‬

‫(أ)‪ -‬من حيث الغاية‪ :‬تهدف القاعدة األخالقية إلى تحقيق قيم شخصية معينة تسمح‬
‫للنسان بالسمو والكمال‪ ،‬أما القاعدة القانونية فترمي إلى تحقيق قيم اجتماعية تهدف إلى إقامة‬
‫نظام اجتماعي وستقر‪ .‬فالقانون حينما يجرم القتل ويعاقب عليه فهو يرمي من وراء ذلك الحفاظ‬
‫على النظام واالستقرار أي حفظ كيان املجتمع‪ .‬أما القاعدة األخالقية فتنظر إلى القتل على أنه‬
‫انحدار بالنفس البشرية إلى عالم الرذيلة والشر‪ ،‬ومن ثم يجب السمو بهذه النفس واالرتقاء بها‬
‫نحو الكمال‪)4( .‬‬

‫(‪ )1‬السيد العربي حسن‪ .‬القانون واألخالق والقيم‪([ ،‬القاهرة)‪:‬دار النهضة العربية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،]2000 ،‬ص ‪ .59‬مصطفى محمد‬
‫عرجاوي‪ « .‬ضوابط القاعدة القانونية ومدى تميزها عن القواعد االجتماعية األخرى »‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫(‪ )2‬محمد الشرفي وعلي املزغني‪ ،‬مدخل لدراسة القانون ‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪.107 -106‬‬
‫‪(3) Laetitia Simonet, Introduction au droit. op. cit, p. 25.‬‬

‫‪.‬‬ ‫محمد حسين منصور‪ ،‬مبادئ القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪102‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪16‬‬
‫وعليه فإن غاية القاعدة األخالقية أكثر طموحاﹰ من غاية القاعدة القانونية‪ ،‬إذ بينما تكتفي‬
‫األخيرة بالحفاظ على كيان الجماعة واستقرارها‪ ،‬تستهدف األولى تحقيق صورة مثالية للفرد‬
‫واملجتمع تقوم على التعاطف والخير والفضيلة‪ .‬ومقابل ذلك فإن القاعدة القانونية أكثر واقعية‬
‫من نظيراتها األخالقية‪ ،‬ألنها تخاطب اإلنسان بطبيعته التي تنطوي على الخير أو الشر‪ ،‬وتعالج‬
‫املشاكل االجتماعية واالقتصادية واألمنية والبيئية التي تهدد النظام واالستقرار في الجماعة‪.‬‬
‫(ب)‪ -‬من حيث الوضوح والتحديد‪ :‬إن القواعد القانونية أكثر تحديداﹰ وانض ﹰ‬
‫باطا من‬
‫القواعد األخالقية التي تنبع من ضمير الجماعة وقيمها وتتجسد في شكل مبادئ عامة غير محددة‬
‫املعالم‪ .‬والسبب في عدم تحديد القاعدة القانونية يرجع إلى جانب اهتمامها بالسلوك الخارجي‬
‫للنسان فإنها تهتم بمكامن النفس اإلنسانية‪ ،‬ألنها تسعى إلى تحديد واجبات اإلنسان وما ينبغي أن‬
‫يلتزم به تحقيقاﹰ للكمال والسمو‪ .‬أما القواعد القانونية فتكون محددة املعنى ألنها تصدر في صورة‬
‫نصوص مكتوبة‪ ،‬وتعالج السلوك الخارجي للنسان وما يصاحبه من نوايا معينة‪ ،‬وهي تبين ما له‬
‫من حقوق وما عليه من واجبات‪)1( .‬‬

‫(جـ)‪ -‬من حيث النطاق‪ :‬مجال تطبيق القاعد األخالقية أوسع من مجال تطبيق القاعدة‬
‫القانونية‪ ،‬ألنها تستهدف أعمال الناس الباطنية ( النية والضمير) والظاهرة (السلوك الخارجي) على‬
‫السواء بينهما‪ .‬بينما ال تهتم القاعدة القانونية إال بالسلوك االجتماعي الخارجي‪ ،‬بمعنى أخر ال تهتم‬
‫إال بسلوك أو عالقة اإلنسان بغيره‪ .‬القاعدة القانونية جزاء مادي ملموس توقعه السلطة العامة‬
‫جبراﹰ‪ ،‬أما جزاء مخالفة قواعد املجامالت والعادات والتقاليد فهو معنوي‪ ،‬يتمثل في استهجان‬
‫واستنكار أفراد املجتمع ملن يخرج عن تلك القواعد‪.‬‬
‫مما تقدم يمكن تحديد عالقة كل من القاعدة القانونية والقاعدة األخالقية وتلخيصها في‬
‫الجدول التالي‪)2( :‬‬

‫ﹰ‬
‫إطالقا مثل البخل والحقد والنميمة والحسد‬ ‫قواعد أخالقية ال شأن للقانون بها‬ ‫انفصال القانون عن‬
‫والغيبة ‪.‬‬ ‫األخالق‬
‫ﹰ‬
‫إطالقا مثل قوانين الضرائب‪ ،‬نظام‬ ‫قواعد قانونية ال دخل لها بالقواعد األخالقية‬ ‫انفصال األخالق عن‬
‫الحالة املدنية – سجل املواليد والوفيات‪ -‬نظام الشهر العقاري‪.‬‬ ‫القانون‬
‫قواعد التقادم تسقط الدين على املدين في القانون املدني لكن القواعد األخالقية‬
‫تعارض القانون مع األخالق‬
‫تلزم املدين على الدفع ولو مرت مدة ‪ 15‬سنة كاملة‪.‬‬

‫(دـ)‪ -‬من حيث الجزاء‪ :‬يختلف الجزاء في القاعدة األخالقية عنه في القاعدة القانونية‪،‬‬
‫فالجزاء األساس ي في األخالق هو تأنيب الضمير أو استهجان الناس واستنكارهم للعمل غير األخالقي‬

‫(‪ )1‬سليمان مرقس‪ .‬املدخل للعلوم القانونية‪([ ،‬القاهرة) عالم الكتاب الحديث‪ ،‬دون طبعة‪ ،]1967 ،‬ص ‪.21‬‬
‫(‪ )2‬محمد الشرفي وعلي املزغني‪ ،‬مدخل لدراسة القانون ‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪ .109 -108‬حمدي عبد الرحمن‪ ،‬فكرة القانون‪:‬‬
‫بحث في تعريف القانون‪ -‬أهدافه‪ -‬أساسه‪ -‬نظرية القاعدة القانونية‪ -‬مصادرالقانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.49‬‬

‫‪17‬‬
‫لعدم وجود سلطة عليا تلزم األفراد باحترام القواعد األخالقية‪ .‬أما الجزاء في القاعدة القانونية‬
‫الوضعية فهو من طبيعة مادية محسوسة توقعه السلطة العامة في الدولة‪.‬‬

‫في القاعدة القانونية‬ ‫في القاعدة األخالقية‬ ‫الجزاء‬


‫عقوبة مادية محسوسة ( حبس‪ ،‬غرامة‪ ،‬مصادرة‪ ،‬إلزام‬ ‫تأنيب الضمير أو استهجان الناس‬
‫نوعه‬
‫بالتنفيذ العيني)‬ ‫واستنكارهم للعمل غير األخالقي‬
‫القاض ي التابع للسلطة القضائية هو الذي ينزل العقوبة‬ ‫الضمير يكون نفسه القاض ي الذي‬
‫الجهة التي‬
‫على الشخص الذي خالف القاعدة القانونية‬ ‫يوقع الجزاء صاحبه‬
‫توقعه‬
‫ثنائية الشخص والقاض ي‬ ‫وحدة الشخص والقاض ي (الضمير)‬
‫تحقيق مصالح الجماعة أو صيانة الحقوق الخاصة‬ ‫السمو بسلوك الناس نحو الكمال‬ ‫غايته‬
‫وقت توقيع‬
‫جزاء دنيوي مادي‬ ‫جزاء دنيوي معنوي‬
‫الجزاء‬

‫ثالثا‪ -‬تأثر القواعد القانونية بالقواعد األخالقية‪ :‬يتأثر القانون في الكثير من الحاالت‬
‫باألخالق‪ ،‬حيث تعتبر هذه األخيرة املنبع أو املصدر الذي تستمد منه القواعد القانونية الرامية إلى‬
‫تحقيق العدل‪ .‬وكلما تقدم املجتمع فإن تأثير القانون باألخالق يزداد اتساعاﹰ حيث يتبنى املشرع‬
‫العديد من القواعد األخالقية رغبة منه في الرقي باملجتمع نحو الكمال‪)1( .‬‬

‫فهناك الكثير من القواعد القانونية التي يرجع أصلها لألخالق‪ ،‬مثل وجوب الوفاء بالعهد‬
‫وتحريم القتل والسرقة‪ ،‬وعدم تعسف املالك في استعمال ملكه على نحو يضر باآلخرين‪ ،‬وحظر‬
‫احتكار السلع الغذائية أو رفع أسعارها‪ ،‬والتزام من يخطئ بتعويض املضرور بسبب هذا الخطأ‪ ،‬أو‬
‫جواز تدخل القاض ي للعادة التوازن االقتصادي للعقد‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬القاعدة القانونية والدين‬

‫كان الدين والقانون في املجتمعات البدائية ممتزجين لدرجة يصعب التفريق بينهما ويمكن‬
‫القول بأن املستوى الديني هو الطاغي‪ ،‬ألنه كان املحدد ملضمون القاعدة القانونية التي كانت تابعة‬
‫له وخاضعة ألحكامه‪ .‬لكن االمتزاج والتقارب بين القاعدتين القانونية والدينية أصبح في املجتمعات‬
‫الحديثة يتضاءل بصفة مطردة شأنه غي ذلك شأن التباعد الذي حصل بين القانون واألخالق‪)2( .‬‬

‫يستوجب البحث في عالقة القاعدة القانونية بالقواعد الدينية‪ ،‬تعريف الدين (أوال)‪ ،‬ثم تحديد‬
‫نقاط التميز بين القواعد الدينية و القواعد القانونية (ثانيا)‪ ،‬وفي األخير نبحث في إشكالية اعتبار‬
‫الدين مصدر اﹰ للقانونية القانونية (ثالثا)‪.‬‬

‫(‪ )1‬حمدي عبد الرحمن‪ ،‬فكرة القانون‪ :‬بحث في تعريف القانون‪ -‬أهدافه‪ -‬أساسه‪ -‬نظرية القاعدة القانونية‪ -‬مصادر القانون‪[ ،‬‬
‫املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫‪(2) Georges De Lagarde, Naissance de l’esprit laïque au déclin du mayen âge. Tomme 3, Paris, P.U.F., 1971,‬‬

‫‪p. 183.‬‬

‫‪18‬‬
‫أوال‪ -‬تعريف الدين‪ :‬يطلق الدين لغةﹰ للداللة على معان كثيرة‪ ،‬منها ما يتدين به اإلنسان من‬
‫إسالم أو غيره ويطلق على الطاعة كما أطلق على الجزاء واملكافأة(‪ .)1‬واصطالحاﹰ فالدين هو مجموعة‬
‫املبادئ التي تعتقد مجموعة من الناس أنها صادرت عن هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬وتصدر هذه املبادئ في‬
‫صورة أوامر بإتباع أنماط سلوك محددة أو نواه باجتناب أخرى‪ ،‬مع ربط هذه األوامر والنواهي‬
‫بعقاب يتم توقيعه على املخالف‪)2(.‬‬

‫والقواعد الدينية نوعان‪ ،‬األولى قواعد العبادات التي تستهدف ربط الصلة بين العبد وربه‬
‫وتهذيب النفس وإبعاد اإلنسان عن الرذيلة والسمو به نحو الفضيلة‪ .‬أما النوع الثاني فيتمثل في‬
‫قواعد املعامالت التي تبين األحكام املتعلقة بتعامل األفراد فيما بينهم‪ ،‬كالوفاء بالعهود وعدم قتل‬
‫النفس وتنظيم األسرة وامليراث‪)3( .‬‬

‫ثانيا‪ -‬التمييز بين القواعد القانونية والقواعد الدينية‪ :‬وإن اشتركت القواعد الدينية مع‬
‫القواعد القانونية في أن كل منهما يتعلق بتنظيم سلوك اإلنسان وتقويمه‪ ،‬إال أن هناك أكثر من‬
‫وجه اختالف بينهما‪.‬‬
‫(أ)‪ -‬من حيث النطاق‪ :‬الدين أوسع نطاقاﹰ من القانون ألنه يهتم باملعتقدات والحرص على‬
‫نقاء النفس اإلنسانية وسموها‪ ،‬وينظم عالقة اإلنسان بربه وعالقته بأقرانه‪ ،‬أما القانون فيقتصر‬
‫على القدر الالزم لحفظ النظام في املجتمع واستقرار املعامالت بين أفراده‪ .‬وعليه فإن غاية القانون‬
‫نفعية واقعية‪ .‬ومثال ذلك أن الدين يحرم الكذب بجميع صوره وأشكاله‪ ،‬بينما يقف القانون عند‬
‫منع صور معينة منه فقط مثل شهادة الزور أو القيام بعملية تزوير محررات رسمية‪)4( .‬‬

‫(ب)‪ -‬من حيث املقاصد‪ :‬تهتم القواعد الدينية بالبواعث والنوايا في حد ذاتها‪ ،‬ولو لم‬
‫تقترن بسلوك خارجي‪ ،‬فهي تدعو إلى املودة وتجنب الحقد نحو اآلخرين سواء ظهر هذا الحقد في‬
‫سلك خارجي أو ضل محبوسا في صدر صاحبه‪ .‬أما القاعدة القانونية فقد سبق أن ذكرنا أن‬
‫اهتمامها ينصب أساساﹰ على العالقات االجتماعية وما يرتبط بها من مظاهر السلوك الخارجي‪)5( .‬‬

‫(جـ)‪ -‬من حيث املصدر‪ :‬تتميز القواعد الدينية بأنها ذات مصدر ديني يتصف بالكمال‪ ،‬أما‬
‫مصدر القاعدة القانونية فهو بشري وضعي يتصف بالقصور والنقصان‪ ،‬لذا تتم عملية تعديل‬

‫(‪ )1‬رمضان أبو السعود وهشام محمد محمود زهران ‪ ،‬املدخل إلى القانون‪[ ،:‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫(‪ )2‬حمدي عبد الرحمن‪ ،‬مبادئ القانون‪ :‬نظرية القانون‪ -‬نظرية الحق‪( [ ،‬القاهرة)‪ :‬دار النهضة العربية‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،]2001 ،‬ص‬
‫‪.49‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪ )3‬محمد حسين منصور‪ ،‬مبادئ القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.106‬‬
‫(‪)4‬جان لوك أوبير‪ ،‬مدخل إلى علم الحقوق‪ ،‬ترجمة‪ :‬شفيق محسن‪( [ .‬بيروت)‪ :‬دار ومكتبة الهالل‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،]2010 ،‬ص ‪.30‬‬
‫عبد هللا مبروك النجار ‪ ،‬املدخل املعاصرلفقه القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫(‪ )5‬عبد املنعم فرج الصده‪ ،‬أصول القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.28‬‬

‫‪19‬‬
‫هذه القواعد أو إلغائها واستبدالها بأخرى جديدة كلما ظهر قصورها ونقصها وعدم فعاليتها في‬
‫تنظيم العالقات التي وضعت من أجل ضبطها‪)1( .‬‬

‫(د)‪ -‬من حيث الصياغة‪ :‬يحرص القانون على صياغة قواعده نصوصه صياغة واضحة‬
‫ملواجهة وتنظيم فروض محددة‪ .‬أما الدين غ‘ن أحكامه تصاغ في كثير من األحوال في إطار مبادئ‬
‫وأوامر عامة‪)2( .‬‬

‫(هـ)‪ -‬من حيث الجزاء‪ :‬تختلف القواعد الدينية عن القواعد األخالقية من حيث الجزاء‪.‬‬
‫فالجزاء على مخالفة أحكام الدين جزاء أخروي هو العذاب في الحياة اآلخرة‪ .‬أما الجزاء على‬
‫مخالفة القواعد األخالقية فهو كما سبق أن رأينا دنيوي معنوي يتمثل في استنكار الرأي العام‪ ،‬وأن‬
‫الجزاء على مخالفة قواعد القانون جزاء مادي تتولى السلطة العامة في الدولة توقيعه‪)3( . .‬‬

‫ويرى بعض فقهاء القانون الوضعي أنه من الخطأ القول بأن القواعد الدينية اإلسالمية‬
‫تتميز عن القواعد القانونية في أن الجزاء في األولى مؤجل لآلخرة وأنه في الثانية معجل في الدنيا يوقع‬
‫في الحال بواسطة السلطات العامة للدولة(‪ .)4‬ويستدلون على صحة رأيهم بقول هللا تعالى « أَلَ ْم َي َر ْوا‬
‫علَي ِْهم‬ ‫س ْل َنا ال َّ‬
‫س َما َء َ‬ ‫ض َما َل ْم نُ َم ِكن لَّ ُك ْم َوأ َ ْر َ‬ ‫َك ْم أ َ ْه َل ْك َنا ِمن َق ْب ِل ِهم ِمن َق ْر ٍن َّم َّكنَّا ُه ْم فِي األ َ ْر ِ‬
‫ار تَجْ ِري ِمن تَحْ تِ ِه ْم فَأ َ ْهلَ ْكنَا ُهم بِذُنُوبِ ِه ْم َوأَنشَأْنَا ِم ْن بَ ْع ِد ِه ْم قَ ْرنا آ َخ ِرينَ » ‪.‬‬
‫ِمد َْرارا َو َجعَ ْلنَا األ َ ْن َه َ‬
‫﴿ سورة األنعام آية‪﴾6 :‬‬

‫ثالثا‪ -‬الدين كمصدر للقواعد القانونية ‪ :‬في الدول الغربية هناك فصل تام وجامد بين‬
‫القانون والدين نتيجة التجربة التاريخية التي مرت بها هذه الدول‪ ،‬هذه التجربة تتمثل في فصل‬
‫الدين عن الدولة‪ .‬بمعنى انحصار الدين وعدم تدخله في القانون والسياسة واالقتصاد وسائر‬
‫الشؤون والقضايا االجتماعية التي تهم عموم املواطنين‪ ،‬وبقائه مهيمناﹸ على العالقة التي تربط‬
‫اإلنسان و بربه‪)5( .‬‬

‫لكن يمكن للدولة عن طريق البرملان أن تصدر قواعد قانونية تستمد أحكامها من القاعدة‬
‫الدينية‪ ،‬فيصبح الدين في هذه الحالة بمثابة املصدر املادي الذي يمنح املادة األولية للبرملان لكي‬
‫يصدر قاعدته القانونية الوضعية‪ ،‬وفي هذه الحالة تتحول القاعدة الدينية إلى قاعدة قانونية‬
‫وتكتسب جراء ذلك نوعين من الجزاء األول تختص الدولة بتنفيذه على الشخص املخالف ألحكامها‬

‫(‪)1‬عبد الرزاق الفحل وآخرون‪ ،‬املدخل لدراسة األنظمة‪ :‬نظرية القانون‪ -‬نظرية الحق‪( [ ،‬جدة)‪ :‬دار اآلفاق‪ ،‬الطبعة الثانية‪،]1993 ،‬‬
‫ص ‪.32‬‬
‫(‪ )2‬حمدي عبد الرحمن‪ ،‬مبادئ القانون‪ :‬نظرية القانون‪ -‬نظرية الحق‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫(‪ )3‬أنور سلطان ‪ ،‬املبادئ القانونية العامة ‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫(‪)4‬مصطفى محمد عرجاوي‪ « ،‬ضوابط القاعدة القانونية ومدى تميزها عن القواعد االجتماعية األخرى »‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫حمدي عبد الرحمن‪ ،‬فكرة القانون‪ :‬بحث في تعريف القانون‪ -‬أهدافه‪ -‬أساسه‪ -‬نظرية القاعدة القانونية‪ -‬مصادر القانون‪[ ،‬‬
‫املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.132‬‬
‫(‪ )5‬محمد حسين منصور‪ ،‬نظرية القانون‪::‬مفهوم وفلسفة وجوهر القانون‪ -‬طبيعة وخصائص القاعدة القانونية‪ -‬مصادر القانون‬
‫وتطبيقه‪( [ ،‬القاهرة)‪ :‬دار النهضة العربية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،]2001 ،‬ص ‪.319‬‬

‫‪20‬‬
‫في الحال (قاعدة قانونية)‪ ،‬والثاني يتم ينزله هللا سبحانه وتعالى يوم القيامة على املخالف ألوامره‬
‫ونواهيه (قاعدة دينية)‪)1( .‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬القاعدة القانونية في أنواعها‬

‫أدى تنوع العالقات االجتماعية في املجتمع وتعددها إلى تنوع القواعد القانونية التي تحكمها‬
‫وتتعدد بالتالي فروع القانون وتقسيماته من فروع تنتمي للقانون العام وأخرى للقانون الخاص‬
‫(املطلب األول)‪ .‬ومن جهة ثانية أدى تفاوت املصالح التي تحميها تلك القواعد في األهمية إلى تقسيم‬
‫مماثل لها من حيث درجة اإللزام‪ ،‬فظهرت القواعد اآلمرة والقواعد املكملة (املطلب الثاني)‪ .‬ومن‬
‫جهة ثالثة أدى اختلف صياغة القاعدة القانونية وإفراغ محتواها في شكل مكتوب ومدون‪ ،‬إلى‬
‫ظهور القاعدة القانونية الجامدة والقاعدة القانونية املرنة (املطلب الثالث)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬قواعد القانون العام وقواعد القانون الخاص‬

‫يعتبر تقسيم القانون إلى قانون عام وقانون خاص من أهم التقسيمات التي وضعها فقهاء‬
‫وشرح القانون‪ ،‬وهذا التقسيم التقليدي الذي يرجع إلى عهد القانون الروماني الزال مهيمناﹰ على‬
‫الفكر القانوني في معظم دول العالم(‪ .)2‬وعليه نتطرق إلى أساس التمييز بين قواعد القانون العام‬
‫وقواعد القانون الخاص (أوال)‪ ،‬ثم نعرض كل من فروع القانون العام والقانون الخاص (ثانيا)‪ ،‬وفي‬
‫األخير نحدد أهم اآلثار املترتبة عن تقسيم القانون إلى قانون عام قانون خاص (ثالثا)‪.‬‬
‫أوال‪ -‬أساس التمييز بين قواعد القانون العام وقواعد القانون الخاص‪ :‬إن الدولة بحكم‬
‫قيامها على املصالح األساسية للمجتمع تدخل في سبيل تحقيق هذه املصالح طرفاﹰ في العالقات‬
‫القانونية باعتبارها صاحبة سلطان وسيادة‪ ،‬فتكون هذه العالقات حينئذ خاضعة لقواعد القانون‬
‫العام ‪ .Droit Public‬كأن تنزع الدولة ( أو الوالية أو البلدية أو املؤسسات العامة اإلدارية) ملكية‬
‫قطعة أرض من صاحبها للمنفعة العامة‪ ،‬فتكون العالقة بينها وبين صاحب هذه األرض خاضعة‬
‫للقانون العام‪)3( .‬‬

‫وليس كل عالقة تكون فيها الدولة ( أو الوالية أو البلدية أو املؤسسات العامة اإلدارية) طرفاﹰ‬
‫فيها تعتبر من عالقات القانون العام‪ ،‬بل يلزم أن يكون تدخل الدولة ( أو الوالية أو البلدية أو‬

‫(‪ )1‬محمد الشرفي وعلي املزغني‪ ،‬مدخل لدراسة القانون ‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.110‬‬
‫‪(2) Gh. Eisenmann Droit Public Droit privé , R.D.P., 1952, p. 868..‬‬

‫(‪ )3‬عبد املنعم فرج الصده‪ ،‬أصول القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .38‬رمضان أبو السعود وهشام محمد محمود زهران ‪ ،‬املدخل إلى‬
‫القانون‪ :‬النظرية العامة للقاعدة القانونية‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.96‬‬

‫‪21‬‬
‫املؤسسات العامة اإلدارية) بوصفها صاحبة سلطة عامة‪ ،‬أي ذات سيادة لتحقيق املصلحة‬
‫العامة‪ ،‬ومن ثم فهي تستخدم امتيا ات تجعلها في مركز قانوني أقوى من الطرف اآلخر‪)1( .‬‬
‫ز‬
‫(أو‬ ‫أما القانون الخاص فيحكم العالقات بين األفراد العاديين أو بين األفراد والدولة‬
‫الوالية أو البلدية أو املؤسسات العامة اإلدارية) في الحاالت التي تظهر هذه األخيرة فيها كشخص‬
‫عادي تقف على قدم املساواة مع الطرف األخر أي ال تستخدم مزايا السلطة العامة‪ ،.‬وذلك كأن‬
‫تشتري إحدى الواليات بعض األشياء أو تبيع بعض األغراض‪ ،‬فالعالقات الناشئة عن هذه‬
‫التصرفات عالقات تحكمها قواعد القانون الخاص‪)2( .‬‬

‫شروط التطبيق (اجتماع الشرطين معاﹰ)‬


‫النتيجة‬ ‫القانون‬
‫الشرط املوضوعي‬ ‫الشرط الشكلي‬
‫عدم توازن‬
‫أن تستخدم الدولة أو الوالية أو البلدية أو‬ ‫كل العالقات التي تكون الدولة أو‬ ‫قواعد‬
‫بين أطراف‬
‫إحدى املؤسسات العامة اإلدارية امتيازات‬ ‫الوالية أو البلدية أو إحدى‬ ‫القانون‬
‫الرابط‬
‫السلطة العامة‬ ‫املؤسسات العامة اإلدارية طرفاﹰ فيها‬ ‫العام‬
‫القانونية‬
‫توازن بين‬ ‫أن ال تستخدم الدولة أو الوالية أو البلدية أو‬ ‫كل العالقات التي يكون فيها الفرد أو‬
‫قواعد‬
‫أطراف‬ ‫إحدى املؤسسات العامة اإلدارية الدولة أو‬ ‫تكون الدولة أو الوالية أو البلدية أو‬
‫القانون‬
‫الرابط‬ ‫الوالية أو البلدية أو إحدى املؤسسات العامة‬ ‫إحدى املؤسسات العامة اإلدارية‬
‫الخاص‬
‫القانونية‬ ‫اإلدارية امتيازات السلطة العامة‬ ‫ﹰ‬
‫طرفا فيها‬
‫ثانيا‪ -‬فروع كل من القانون العام القانون الخاص‪ :‬تتعدد وتتنوع فروع كل من القانون العام‬
‫والقانون الخاص‪.‬‬
‫(أ)‪ -‬بعض فروع القانون العام‪ :‬القواعد القانونية التي أجمع الفقه على أنها تنتمي للقانون‬
‫العام وهي‪:‬‬
‫تعريف الفرع القانوني‬ ‫تسمية الفرع القانوني‬
‫مجموعة القواعد القانونية التي تنظم عالقات الدول فيما بينها‪ ،‬أو بينها وبين املنظمات‬
‫القانون الدولي العام الدولية سواء وقت السلم أو أثناء الحرب ( قواعد االتفاقيات الدولية‪ ،‬التنظيم الدبلوماس ي‪،‬‬
‫قواعد الحياد والحرب ‪...‬إلخ)‬
‫مجموعة القواعد القانونية التي تحدد النظام السياس ي وتبين أساس الدولة وشكلها وتنظم‬
‫القانون الدستوري‬
‫عالقة السلطات العامة فيما بينها‪ ،‬وتحدد الحقوق والحريات املقررة للمواطن‪.‬‬
‫مجموعة القواعد القانونية التي تحدد التنظيم اإلداري للدولة وتحكم نشاط السلطة العامة‬
‫القانون الدستوري‬
‫( املركزية والالمركزية‪ ،‬النشاط اإلداري األموال العامة‪ ،‬املنازعات اإلدارية)‬
‫مجموعة القواعد القانونية التي تنظم امليزانية العامة والتي تحدد شكل النظام الجبائي والتي‬
‫القانون املالي‬
‫تضع قواعد الرقابة املالية وتنظم ما يسمى بالقضاء املالي‪.‬‬
‫مجموعة القواعد القانونية التي تنظم حق الدولة في العقاب وذلك ببيان األفعال التي تعتبر‬
‫جرائم ( السرقة‪ ،‬القتل‪ ،‬التزوير ‪ ،‬التخابر مع دولة أجنبية‪ )...‬والعقوبات املقررة لها (‬
‫القانون الجنائي‬
‫الحبس‪ ،‬السجن‪ ،‬املصادرة‪ ،‬الغرامة‪ ،)...‬واإلجراءات التي تتبع في القبض على مرتكبي الجرائم‬
‫ومحاكمتهم وتنفيذ العقوبات عليهم‪.‬‬

‫(‪ )1‬محمد حسين منصور‪ ،‬نظرية القانون ‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪..225 -224‬‬
‫(‪ )2‬سمير تناغو‪ ،‬النظرية العامة للقانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.554‬‬

‫‪22‬‬
‫(ب)‪ -‬بعض فروع القانون الخاص‪ :‬تتعد القواعد القانونية التي أجمع الفقه على أنها تنتمي‬
‫للقانون الخاص وهي‪:‬‬
‫تعريف الفرع القانوني‬ ‫تسمية الفرع القانوني‬
‫مجموعة القواعد القانونية التي تنظم الروابط املالية‪ ،‬أي الحقوق املالية وطرق اكتسابها‬
‫القانون املدني‬
‫ومضمونها وانتقالها وانقضائها‪.‬‬
‫مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العالقات التجارية أي التاجر واألعمال التجارية‬ ‫القانون التجاري‬
‫القانون البحري‬
‫مجموعة القواعد القانونية التي تنظيم املعامالت التجارية البحرية أو الجوية‪.‬‬
‫والجوي‬
‫مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العالقات القانونية بين العامل ورب العمل‪ ،‬وتحدد‬ ‫قانون العمل‬
‫والضمان االجتماعي مختلف التأمينات االجتماعية املقررة للعامل‪.‬‬
‫مجموعة القواعد القانونية التي تنظم اإلجراءات الواجب إتباعها أمام القضاء لحماية‬
‫قانون اإلجراءات‬
‫الحقوق املعتدى عليها أو املتنازع فيها‪ ،‬وذلك ببيان أنواع املحاكم وتشكيلها واختصاصاتها‬
‫املدنية واإلدارية‬
‫وإجراءات التقاض ي واألحكام القضائية وطرق الطعن فيها وتنفيذها‪.‬‬
‫مجموعة القواعد القانونية التي تبين القانون الواجب التطبيق على العالقات الدولية ذات‬ ‫القانون الدولي‬
‫العنصر األجنبي‪ ،‬ومدى اختصاص املحاكم الوطنية بنظر املنازعات املتعلقة بتلك العالقات‬ ‫الخاص‬

‫ثالثا‪ -‬أثر التفرقة بين قواعد القانون العام القانون الخاص‪ :‬يترتب على التفرقة بين قواعد‬
‫القانون العام وقواعد القانون الخاص نتائج عملية غاية في األهمية‪ ،‬حددها فقهاء القانون في‬
‫النقاط التالية‪)1( :‬‬

‫(‪ -)1‬ملا كانت قواعد القانون العام تهدف إلى تحقيق الصالح العام للمجتمع كانت أحكامها‬
‫جميعها قواعد آمرة‪ ،‬بمعنى ال يجوز لألفراد أن يخرجوا عليها أو يتفقوا على مخالفتها‪ .‬بينما يتضمن‬
‫القانون الخاص كثيراﹰ من القواعد املكملة‪ ،‬وهي التي يجوز لألفراد أن يتفقوا على مخالفتها‪ ،‬ألنها‬
‫تتعلق بمصالح خاصة بهم‪.‬‬
‫(‪ -)2‬تمنح قواعد القانون العام الدولة ( والوالية والبلدية واملؤسسات العمومية اإلدارية) في‬
‫سبيل تحقيق املصلحة العامة‪ ،‬سلطات وامتيازات ال تمنحها قواعد القانون الخاص لألفراد‪ .‬ﹰ‬
‫فمثال‬
‫تستطيع الدولة في سبيل أداء وظيفتها أن تتخذ أساليب قهرية مثل التنفيذ اإلداري املباشر دون‬
‫االلتجاء إلى القضاء‪ ،‬واالستيالء املؤقت‪ ،‬ونزع امللكية للمنفعة العامة‪.‬‬
‫(‪3‬ـ)‪ -‬إن ملكية الدولة لألشياء املخصصة لتحقيق املصلحة العامة تختلف في نظامها‬
‫القانوني عن امللكية الخاصة لألفراد‪ ،‬ويطلق على األشياء اململوكة للدولة ملكية عامة اصطالح‬
‫األموال العامة‪ ،‬وهذه األموال ال يجوز بحسب األصل التصرف فيها أو حجزها أو تملكها بالتقادم‪،‬‬

‫(‪ )1‬إسماعيل عبد النبي شاهين‪ .‬املدخل لدراسة العلوم القانونية‪ .‬القسم األول‪ :‬نظرية القانون‪([ ،‬القاهرة)‪ :‬دون دار نشر‪ -‬دون‬
‫طبعة‪ ،]2006 ،‬ص ص ‪ .70 -69‬عبد املنعم فرج الصده‪ ،‬أصول القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪ .42 -40‬سمير تناغو‪ ،‬النظرية‬
‫العامة للقانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪ .557 -555‬حسن كيره‪ ،‬حسين ‪ ،‬املدخل للقانون‪[ ،.‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪.63 - 62‬‬
‫علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪.100 -98‬‬

‫‪23‬‬
‫على خالف األموال الخاصة اململوكة للدولة أو لألفراد التي يجوز بالنسبة لها ما سبق ذكره ( أي‬
‫التصرف فيها بالبيع أو بالرهن أو بالتأجير‪ ،‬حجزها وبيعها باملزاد العلني واكتسابها بالتقادم)‪.‬‬
‫(‪ -)4‬ملا كانت قواعد القانون العام تهدف إلى تحقيق الصالح العام للمجتمع كانت أحكامها‬
‫جميعها قواعد آمرة‪ ،‬بمعنى ال يجوز لألفراد أن يخرجوا عليها أو يتفقوا على مخالفتها‪ .‬بينما يتضمن‬
‫القانون الخاص كثيراﹰ من القواعد املكملة‪ ،‬وهي التي يجوز لألفراد أن يتفقوا على مخالفتها‪ ،‬ألنها‬
‫تتعلق بمصالح خاصة بهم‪.‬‬
‫(‪ -)5‬العالقات التي تكون الدولة طرفاﹰ فيها تنظمها قواعد القانون العام‪ ،‬فعالقة الدولة‬
‫بموظفيها تخضع لقواعد قانون الوظيفة العامة وهي تختلف عن القواعد التي تنظم عالقة‬
‫األشخاص مع رب عملهم في القطاع الخاص التي تخضع لقواعد القانون الخاص التي تنتمي ملا‬
‫املسمى بقانون العمل‪ .‬كما أن العقود التي تبرمها الدولة تسري في شأنها قواعد تختلف عن تلك التي‬
‫تخضع لها العقود التي تنظمها قواعد القانون الخاص‪ .‬فللدارة مثالﹰ حق إلغاء العقد أو تعديل‬
‫شروطه إذا اقتضت املصلحة العامة ذلك‪ ،‬في حين أن مثل هذه االمتيازات ال تتقرر وال تمنح‬
‫للمتعاقد في نطاق القانون الخاص‪.‬‬
‫(‪ -)6‬ترتب على اختالف قواعد القانون العام عن قواعد القانون الخاص أن خصصت‬
‫الكثير من الدول ( فرنسا‪ ،‬الجزائر‪ ،‬مصر‪ ،‬املغرب‪ )...‬جهة قضاء مستقلة عن القضاء العادي ‪-‬‬
‫الذي يفصل في املنازعات والخصومات التي تثور بين األفراد‪ -‬تسمى بالقضاء اإلداري‪ .‬الذي يختص‬
‫بالفصل في املنازعات التي تكون الدولة طرفاﹰ فيها‪ ،‬مثل منازعات العقود اإلدارية ومنازعات‬
‫املسؤولية اإلدارية ‪...‬إلخ‬

‫املطلب الثاني‪ :‬القواعد اآلمرة والقواعد املكملة‬

‫تختلف املسائل التي يتولى القانون تنظيمها وتتفاوت أهميتها بالنسبة لتحقيق النظام‬
‫واستقرار العالقات داخل املجتمع‪ ،‬فاملسائل الهامة وضع لها املشرع قواعد قانونية ال يمكن‬
‫لألفراد استبعاد أحكامها أو االتفاق بينهم على مخالفة أحكامها‪ ،‬يسميها الفقه القواعد القانونية‬
‫اآلمرة أو الناهية ‪ .Règles impératives‬أما املسائل العادية والبسيطة ‪ -‬والتي ال تعني نظام‬
‫املجتمع بل تهم مباشرة مصالح شخصية‪ -‬فترك القانون ألصحابها تنظيمها‪ ،‬لكن يتدخل القانون‬
‫بغرض مساعدة ذوي الشأن في تنظيم عالقاتهم بصفة تفصيلية عن طريق قواعد قانونية استقر‬
‫الفقه على تسميتها بالقواعد القانونية املكملة ‪ .Règles interprétatives ou supplétives‬وعليه‬
‫سنحدد مفهوم كل من القواعد القانونية اآلمرة واملكملة (أوال)‪ ،‬ثم نبحث في معيار التمييز‬
‫والتفرقة بينهما (ثانيا)‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫أوال‪ -‬مفهوم القواعد القانونية اآلمرة واملكملة‪ :‬عرف شراح القانون القاعدة القانونية اآلمرة‬
‫بأنها « تلك القواعد القانونية التي ال يجوز لألفراد االتفاق على مخالفتها أو االتفاق على عكسها »‬
‫(‪.)1‬‬
‫باستقراء ألفاظ هذا التعريف وتحليلها نصل إلى النتائج التالية‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ -‬القاعدة اآلمرة سواء تضمنت أمراﹰ أو نهياﹰ تكون مطلقة في إلزامها للمخاطبين بأحكامها‪ ،‬حيث‬
‫تكون قاعدة مطلقة التطبيق‪ ،‬تنعدم حرية األفراد فما يتعلق بكل ما يمسها بالتعديل أو التغيير أو‬
‫االستبعاد‬
‫‪ -‬العلة من وراء انعدام حرية األفراد في تعديل أو تغيير أو استبعاد أحكام القاعدة اآلمرة ‪ ،‬ترجع‬
‫إلى أن ما تتناوله بالتنظيم وثيق الصلة باملصالح العليا للمجتمع وال تنحصر في املصالح الخاصة‬
‫باملخاطبين بها فحسب‪.‬‬

‫أما القاعدة القانونية املكملة أو املفسرة كما يطلق عليها أحياناﹰ فهي « تلك القواعد‬
‫القانونية التي يجوز لألفراد االتفاق على ما يخالف حكمها‪ ،‬ألن هن هذه القواعد لم يضعها املشرع‬
‫إال لتكملة إرادة األفراد عند إغفالها االتفاق على حكم رابطة أو مسألة معينة‪ ،‬وعلى ذلك إذا‬
‫نهضت اإلرادة ونظمت هذه الرابطة أو املسألة وجب إتباع حكم هذه اإلرادة » (‪.)2‬‬
‫باستقراء البناء اللغوي لهذا التعريف وتحليله نصل إلى النتائج التالية‪)3( :‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ -‬القاعدة املكملة سواء تضمنت أمراﹰ أو نهياﹰ تكون نسبية في إلزامها للمخاطبين بأحكامها‪،‬‬
‫حيث تكون قاعدة نسبية التطبيق‪ ،‬تقوم في وجودها حرية األفراد فما يتعلق بكل ما يمسها‬
‫بالتعديل أو التغيير أو االستبعاد‪.‬‬
‫‪ -‬تسترجع القاعدة القانونية إلزاميتا املطلقة للمخاطبين بأحكامها إذا لم تنهض إرادتهم‬
‫بوضع أحكام تنظم املسائل التي نظمتها هذه القاعدة‪.‬‬
‫‪ -‬العلة من وراء قيام حرية األفراد في تعديل أو تغيير أو استبعاد أحكام القاعدة املكملة‪،‬‬
‫ترجع إلى أن ما تتناوله بالتنظيم منقطع الصلة باملصالح العليا للمجتمع ويحصر في املصالح‬
‫الخاصة باملخاطبين بها فحسب‪.‬‬

‫وعليه فإن معيار التفرقة بين هذين النوعين من القواعد القانونية هو مدى جواز اتفاق‬
‫األطراف على مخالفة حكم القاعدة‪ .‬فإن كان محظوراﹰ على األطراف االتفاق على ما يخالف حكم‬

‫(‪ )1‬حسن كيره‪ ،‬املدخل للقانون‪[ .‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.42‬‬


‫(‪ )2‬حسن كيره‪ ،‬املدخل للقانون‪[ .‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .42‬أنور سلطان‪ ،‬املبادئ القانونية العامة‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫(‪ )3‬مروة محمد عبد الغني‪ « .‬فكرة النظام العام واآلداب وتطبيقاتهما في القانون األمريكي مقارنة بالقانون املصري »‪ [ ،‬مجلة‬
‫البحوث القانونية واالقتصادية‪ ،‬كلية الحقوق جامعة اإلسكندرية‪ .‬املجلد ‪ ،2‬العدد ‪ ،2‬السنة ‪ ،]2017‬ص ‪.13‬‬

‫‪25‬‬
‫القاعدة القانونية تعد قاعدة آمرة‪ .‬وإذا كان مباحاﹰ لألطراف االتفاق على خالف ما تأتي به القاعدة‬
‫فهي قاعدة مكملة‪)1( .‬‬

‫مالحظة‪ :‬يلحق بعض الفقه إلى هاتين الطائفتين نوع ثالث من القواعد القانونية وهو القواعد‬
‫نصف اآلمرة‪ ،‬وهي التي يجوز االتفاق على مخالفتها بالزيادة ملصلحة أحد الطرفين دون جواز‬
‫مخالفتها باالنتقاص من مصالحه‪ .‬وذلك حال غالبية قواعد قانون العمل وقانون حماية‬
‫املستهلك‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬معيار التمييز بين القواعد القانونية اآلمرة واملكملة‪ :‬سبق وأن أشرنا إلى أن فيصل‬
‫التفرقة بين القواعد اآلمرة والقواعد املكملة هو تعلقها باملصالح العليا للمجتمع‪ .‬ومجوع املصالح‬
‫العليا للمجتمع هو النظام العام واآلداب‪ .‬فحين تتعلق القاعدة القانونية بالنظام العام واآلداب‬
‫تعتبر قاعدة آمرة‪ ،‬وحيث تتعلق باملصلحة الخاصة لألفراد تعتبر قاعدة مكملة‪.‬‬
‫لكن كيف يمكن الوصول إلى معرفة طبيعة القاعدة القانونية‪ ،‬وهل هي آمرة أو مكملة ؟‬
‫اتفق الفقه إلى أن هناك طريقان للوصول إلى ذلك‪ :‬يستند الطريق األول إلى صياغة النص‪ ،‬والثاني‬
‫إلى مضمون النص ومعناه‪.‬‬
‫(أ)‪ -‬معيار صياغة النص أو املعيار اللفظي(‪ :)2‬يعتمد هذا املعيار على اللجوء إلى عبارات‬
‫النص ذاتها‪ ،‬واأللفاظ املستخدمة في صياغته‪ .‬فهذه األلفاظ بوضوح وبال لبس على ما إذا كانت‬
‫القاعدة آمرة أو مكملة‪ ..‬فإذا تبين من األلفاظ أنه ال خيار لألفراد في تطبيق القاعدة القانونية أو‬
‫استبعادها‪ ،‬كنا أمام قاعدة آمرة‪ ،‬ومثال ذلك نص املادة ‪ 92‬من القانون املدني التي جرى نصها على‬
‫أن «‪ ...‬التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة باطل ولو كان ذلك برضاه ‪ ،»...‬أما املادة ‪ 107‬من‬
‫القانون املدني فإنها تبطل االتفاق الحاصل بين الشخص والغير والذي يجيز لهم التصرف في تركته‬
‫وهو على قيد الحياة حيث نصت أحكامها «‪ ...‬ويقع باطالﹰ كل اتفاق على خالف ذلك ‪.»...‬‬
‫أو‬ ‫أما إذا اتضح من ألفاظ النص أنه يمنح الخيار للمخاطبين في تطبيق أحكامه‬
‫استبعادها‪ ،‬فالقاعدة التي يتضمنها ذلك النص هي قاعدة قانونية مكملة‪ .‬ومثال ذلك نص املادة‬
‫ﹰ‬
‫مستحقا في الوقت الذي يقع فيه‬ ‫‪ 388‬من القانون املدني التي تنص على أنه «‪ ...‬يكون ثمن املبيع‬
‫تسليم املبيع ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقض ي بخالف ذلك ‪ .»...‬أو نص املادة ‪ 387‬من القانون‬
‫املدني التي تنص على أنه «‪ ...‬يدفع ثمن البيع في مكان التسليم املبيع ما لم يوجد اتفاق أو عرف‬
‫يقض ي بخالف ذك ‪.»...‬‬

‫(‪ )1‬مروة محمد عبد الغني‪ « .‬فكرة النظام العام واآلداب وتطبيقاتهما في القانون األمريكي مقارنة بالقانون املصري »‪ [ ،‬املرجع‬
‫السابق]‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫(‪ )2‬حسن كيره‪ ،‬املدخل للقانون‪[ .‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .47‬أنور سلطان‪ ،‬املبادئ القانونية العامة‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .54‬علي‬
‫فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪.139 -135‬‬

‫‪26‬‬
‫ويتميز هذا املعيار بأنه من طبيعة مادية ألنه يعتمد في الداللة على طبيعة القواعد القانونية‬
‫على ش يء ملموس وهو عبارة النص ذاتها واأللفاظ املكونة لها‪ ،‬وال يعتد بالغرض أو الهدف من‬
‫تقرير أو وضع القاعدة القانونية‪ .‬لكن الواقع يثبت وجود العديد من القواعد القانونية ال تفصح‬
‫ألفاضها عن طبيعتها اآلمرة أو املكملة‪ ،‬وهنا تتجلى أهمية املعيار الثاني والذي يعتمد على فكرة‬
‫النظام العام واآلداب‪.‬‬
‫(ب)‪ -‬معيار النظام العام واآلداب(‪ :)1‬في بعض الحاالت يصعب أو يستحيل تمييز القاعدة‬
‫القانونية بشكل مباشر اعتماداﹰ على ألفاظها‪ ،‬وعليه ال مفر من اللجوء إلى معيار النظام العام‬
‫واآلداب من أجل التوصل إلى تبيين مدى جواز ومشروعية االتفاق على خالف ما تقرره القاعدة‬
‫القانونية من أحكام‪ .‬ومن هذه الحاالت نص املادة ‪ 25‬من القانون املدني التي تنص على أنه يعتمد‬
‫هذا املعيار على «‪ ...‬تبدأ شخصية اإلنسان بتمام والدته حياﹰ وتنتهي بوفاته ‪ .»...‬وفي مثل هذه‬
‫الحاالت يتولى القاض ي تحديد طبيعة القاعدة القانونية فيما إذا كانت آمرة أو مكملة مستنداﹰ في‬
‫ذلك إلى فكرة النظام العام‪ .‬وعليه تكون القاعدة القانونية آمرة إذا تعلق الحكم الذي تضمنه‬
‫بالنظام العام‪ ،‬فكون قاعدة مكملة إذا كانت ال تعنى بالنظام العام‪ .‬ونشير إلى أن املادة ‪ 97‬من‬
‫القانون املدني نصت صراحة على بطالن كل عقد يكون مخالفﹰا للنظام العام‪.‬‬
‫ويسمي الفقع النظام واآلداب العامة باملعيار املعنوي أو املوضوعي أو املرن‪ ،‬وللملام به‬
‫نتعرض له بالتعريف (ب‪ ،)1-‬ثم نبين خصائصه (ب‪ ،)2-‬ثم نحدد مجاالته (ب‪.)3-‬‬
‫(ب‪ -)1-‬تعريف النظام العام‪ :‬من أهم املصطلحات القانونية التي صعب على الفقه تعريفه‬
‫مصطلح النظام العام‪ ،‬وذلك ألن مضمونه يقوم على فكرة نسبية تتغير في الزمان واملكان‪ ،‬إال أن‬
‫جانب من الفقه تصدى لهذه الصعوبة وعرف النظام العام بأنه « مجموعة األسس التي يقصد بها‬
‫املحافظة على حسن سير املصالح العامة في الدولة‪ ،‬وضمان األمن واألخالق في املعامالت بين‬
‫األفراد بحيث ال يجوز لألفراد استبعادها في اتفاقاتهم »‪)2( .‬‬

‫ويظهر من هذا التعريف بأن فكرة النظام العام تدور عدماﹰ ووجودا مع مصالح املجتمع ‪-‬‬
‫أو‬ ‫املتعددة سواء كانت السياسية أو االجتماعية أو االقتصادية أو الثقافية أو الدبلوماسية‬
‫األمنية‪ ،-‬حيث تكون القاعدة القانونية آمرة متى تعلقت أحكامها بعالقات ومسائل تهم املصلحة‬
‫العامة‪ .‬على أن هذه املصالح ليست في مرتبة واحدة‪ ،‬فتأتي على رأسها املصالح السياسية واألمنية‬
‫ألن هذه األخيرة تتعلق باستمرارية الدولة وبقاء شخصيتها القانونية على املستوى الدولي‪)3( .‬‬

‫(‪ )1‬حسن كيره‪ ،‬حسين ‪ ،‬املدخل للقانون‪[ ،.‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .47‬أنور سلطان‪ ،‬املبادئ القانونية العامة‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص‬
‫‪ .54‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪.139 -135‬‬
‫(‪ )2‬عبد الحي حجازي‪ ،‬نظرية االلتزامات‪([ ،‬الكويت)‪ :‬مطبوعات جامعة الكويت‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،]1982 ،‬ص ‪ .341‬مشار‬
‫إليه في‪ :‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫(‪ )3‬محمد الشرفي وعلي املزغني‪ ،‬مدخل لدراسة القانون ‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.71‬‬

‫‪27‬‬
‫(ب‪ -)2-‬خصائص النظام العام‪ :‬يعتبر مفهوم النظام العام من املفاهيم النسبية ألنه من‬
‫جهة أولى يتعلق أساسا بمفهوم املصلحة العامة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو‬
‫أدبية‪ ،‬وأنه ملا كانت فكرة املصلحة العامة قابلة للتغير من دولة إلى أخرى‪ ،‬ومن زمن ألخر في نفس‬
‫الدولة‪ ،‬فإن فكرة النظام العام تعتبر تبعاﹰ لهذه الفكرة متغيرة ونسبية‪ ،‬فمثالﹰ تعدد الزوجات ال‬
‫يعتبر مخالفاﹰ للنظام العام في الجزائر في حين يعتبر كذلك في غيرها من الدول مثل فرنسا وأملانيا‬
‫وسائر الدول الغربية‪ .‬وفي املقابل يعد زواج املثليين غير مخالف للنظام العام في بعض الواليات‬
‫األمريكية وهولندا ويعد كذلك في الدول العربية واإلسالمية‪ .‬وترتد النسبية من جهة ثانية إلى أن‬
‫القضاء وسع من مفهوم النظام العام‪ ،‬فخلق النظام العام االقتصادي واملالي والدبلوماس ي‪ ،‬األمر‬
‫الذي دعا بعض الفقه إلى القول بأن « دائرة النظام العام تتسع لتشمل كل ما يؤدي إلى حماية‬
‫الطبقات العاملة والتنمية االقتصادية والخطة العامة وغير ذلك »‪)1( .‬‬

‫(ب‪ -)3-‬مجاالت النظام العام‪ :‬تتعدد مجاالت النظام العام وتختلف أهميتها من دولة إلى‬
‫أخرى‪ ،‬إال أن الفقه حصرها في املجاالت التالية‪)2( :‬‬

‫‪ -‬النظام العام السياس ي ‪ :Ordre public politique‬ويشمل ثالثة مسائل هي‪ ،‬حماية‬
‫الدولة ( كل النصوص القانونية التي تتعلق بتنظيم الدولة واملرافق العمومية سواء تمثلت في‬
‫الدستور أو قانون الوالية أو قانون البلدية وقوانين املالية والعقوبات واإلجراءات الجزائية تعتبر‬
‫من القواعد اآلمرة)‪ .‬حماية العائلة ( كل النصوص القانونية املتعلقة باألحوال الشخصية السيما‬
‫قواعد الحالة املدنية الزواج الطالق امليراث واملواريث والوصية تعتبر من القواعد اآلمرة)‪ .‬حماية‬
‫اآلداب ( كل النصوص القانونية التي تتعلق باألفعال املخلة بالحياء والكسب غير املشروع من قمار‬
‫ويناصيب وتعامل في األعضاء البشرية تعتبر من القواعد اآلمرة)‪.‬‬
‫‪ -‬النظام العام االقتصادي ‪ :Ordre public économique‬يتعلق باملسائل املتصلة‬
‫باالقتصاد الوطني‪ ،‬مثل قواعد حرية الصناعة والتجارة وحرية املنافسة وحرية األسعار ومنع‬
‫االحتكار والتركيز االقتصادي‪.‬‬
‫‪ -‬النظام العام االقتصادي ‪ Ordre public de économique protection‬النظام العام‬
‫ﹰ‬
‫واجتماعيا‪،‬‬ ‫االجتماعي ‪ :Ordre public de social‬يهدف إلى حماية الفئات الضعيفة اقتصادياﹰ‬
‫مثل املقاوالت الصغيرة والعمال واملستهلكين‪ .‬كما تعتبر قواعد الحد األدنى لألجور وحقوق الضمان‬
‫االجتماعي من طبيعة آمرة‪.‬‬

‫مالحظة‪ :‬إذا لم يتفق األطراف على ما يخالف أحكامه القاعدة املكملة أو في حالة سكوتهم أو عدولهم عن‬
‫استبعادها‪ ،‬فهذا يعني ضمنيا قبولهم لحكمها ولتنظيمها النموذجي‪ .‬ألن هذه القواعد تسهل إبرام التصرفات‪،‬‬
‫وألنها تغني األفراد عن البحث عن الحلول الدقيقة املتعلقة باملسائل املتصلة بتصرفاتهم القانونية ‪.‬‬

‫(‪)1‬سمير تناغو‪ ،‬النظرية العامة للقانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.91‬‬


‫(‪ .)2‬أنور سلطان‪ ،‬املبادئ القانونية العامة‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .58‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.145‬‬

‫‪28‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬القواعد الجامدة والقواعد املرنة‬

‫تقسيم القاعدة القانونية إلى قاعدة مرنة وأخرى جامدة يكمن في صياغة املشرع أللفاظ‬
‫هذه القاعدة‪ ،‬فإذا جاءت الصياغة بعدم التحديد القانوني الدقيق وعدم وضوح الحل في القاعدة‬
‫ﹰ‬
‫وواضحا فهي قاعدة‬ ‫فهي قاعدة قانونية مرنة (أوال)‪ ،‬وإذا جاءت الصياغة محددة تحديداﹰ ﹰ‬
‫كافيا‬
‫جامدة (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ -‬القواعد القانونية املرنة‪ :‬هي تلك تلك القاعدة التي يكون فيها عنصري الفرض والحل‬
‫ﹰ‬
‫دقيقا‪ ،‬فتأتي عباراتها مرنة لتسع جميع االحتماالت والوقائع‪ .‬وأكثر القواعد‬ ‫غير محددين تحديداﹰ‬
‫انطباقا على هذه الصورة قواعد القانون الجنائي‪ .‬فاملشرع يحدد الجريمة ويحدد الحد األدنى‬‫ﹰ‬
‫واألقص ى للعقوبة‪)1( .‬‬

‫كما أن العديد من قواعد القانون املدني صيغت ألفاظها من طرف املشرع بطريقة مرنة‪،‬‬
‫فاملادة ‪ 107‬التي نصت على أنه « ‪ ...‬غير أنه إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع‬
‫ﹰ‬
‫مرهقا‬ ‫ﹰ‬
‫ستحيال‪ ،‬صار‬ ‫توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ االلتزام التعاقدي‪ ،‬وإن لم يصبح م‬
‫للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة‪ ،‬جاز للقاض ي تبعاﹰ للظروف وبعد مراعاة ملصلحة أن يرد‬
‫االلتزام املرهق إلى الحد املعقول‪ ،‬ويقع باطال كل اتفاق على خالف ذلك »‪ .‬فاملشرع أطلق يد‬
‫القاض ي في العقد فجاءت عبارات « حادث استثنائي»‪ « ،‬رد االلتزام إلى الحد املعقول»‪ ،‬فكل هذه‬
‫املصطلحات فضفاضة ومرنة‪ ،‬ألن القاض ي ليس له معيار يلجأ إليه للتعرف عن الحادث الفجائي‬
‫العام وعما إذا أصبح تنفيذ االلتزام مرهقاﹰ للمدين‪)2( .‬‬

‫ثانيا‪ -‬القواعد القانونية الجامدة‪ :‬هي تلك تلك القاعدة التي يكون فيها عنصري الفرض‬
‫تحديدا دقيقاﹰ‪ ،‬فتأتي عباراتها محددة بطريقتين هما‪:‬‬
‫ﹰ‬ ‫والحل محددين‬
‫‪ ‬التحديد الرقمي‪ :‬ومن أمثلة القاعدة القانونية الجامدة املحددة تحديداﹰ رقمياﹰ‬
‫نص املادة ‪ 40‬من القانون املدني التي نصت على أن « ‪ ...‬سن الرشد تسعة عشر (‪ )19‬سنة كاملة »‪.‬‬
‫‪ ‬التحديد على سبيل الحصر‪ :‬ومن أمثلة القاعدة القانونية الجامدة املحددة على‬
‫سبيل الحصر نص املادة ‪ 49‬من القانون املدني التي نصت على أن « األشخاص االعتبارية هي‪:‬‬
‫الدولة‪ ،‬الوالية‪ ،‬البلدية‪ ،‬املؤسسات العمومية ذات الطابع اإلداري‪ ،‬الشركات املدنية والتجارية‪،‬‬
‫الجمعيات واملؤسسات‪ ،‬الوقف‪ ،‬كل مجموعة من أشخاص أو أموال يمنحها القانون شخصية‬
‫قانونية »‪.‬‬

‫(‪ )1‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.141‬‬


‫(‪ )2‬سعيد سعد عبد السالم ‪ ،‬املدخل في نظرية القانون‪([ ،‬القاهرة)‪ :‬مطبعة الوالء الحديثة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،]2007 ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪29‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬مصادرالقاعدة القانونية‬
‫عناصرالفصل الثاني‬

‫املبحث األول‪ :‬املصادرالرسمية للقاعدة القانونية‬


‫املطلب األول‪ :‬املصادراألصلية (التشريع)‬

‫‪30‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬املصادراالحتياطية (مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ -‬العرف‪ -‬مبادئ‬
‫القانون الطبيعي وقواعد العدالة)‬
‫املبحث الثاني‪ :‬املصادرالتفسيرية للقاعدة القانونية‬
‫املطلب األول‪ :‬القضاء (االجتهاد القضائي)‬
‫املطلب الثاني‪ :‬الفقه‬

‫املصدر (‪ )1‬هو وسيلة إخراج القاعدة القانونية إلى األفراد‪ ،‬أو الطريق املعتمد الذي تنفذ‬
‫منه قاعدة من قواعد السلوك إلى دائرة القانون الوضعي وتكتسب بمرورها منه عنصر اإللزام‪ ،‬أي‬
‫أنها تصبح ملزمة لجميع األشخاص وعلى القضاء تطبيق أحكامها على القضايا والخصومات التي‬
‫ينظر فيها‪ .‬وبديهي أن القانون هو الذي يحدد الطرق التي تمر بها القاعدة حتى تنتقل من قواعد‬
‫السلوك العادي إلى نطاق القانون الوضعي‪ .‬بل أنه ال يورد هذه الطرق فقط وإنما يوردها على سبيل‬
‫الحصر والترتيب‪ ،‬ويحدد القوة اإللزامية لكل منها‪)2.‬‬

‫وقد تكفلت املادة األولى من القانون املدني الجزائري بتحديد هذه املصادر‪ ،‬ونصت على أنه‬
‫« يسري القانون على جميع املسائل التي تتناولها نصوصه في لفظها أو فحواها‪ .‬وإذا لم يوجد نص‬
‫تشريعي‪ ،‬حكم القاض ي بمقتض ى مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فإذا لم يوجد فبمقتض ى العرف‪ .‬فإذا‬
‫لم يوجد فبمقتض ى مبادئ القانون الطبيعي والعدالة »‪ .‬إلى جانب هذه املصادر الرسمية‪ ،‬توجد‬
‫مصادر تفسيرية للقاعدة القانونية ال تقل أهمية عنها وتتمثل في كل من القضاء والفقه‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬املصادرالرسمية للقاعدة القانونية‬

‫(‪ )1‬يقصد باملصدر في هذا املقام املنبع الذي تخرج منه القاعدة القانونية‪ ،‬فهو حصيلة اإلجابة على السؤال التالي‪ :‬من أين تأتي القاعدة‬
‫القانونية؟ وتختلف اإلجابة عن هذا السؤال باختالف مقصد السائل‪ ،‬فقد يكون مقصده تحديد املصدر ال من زاوية تاريخية وذلك‬
‫بالبحث عن الجذور التاريخية ‪ Historique‬التي تستند إليها القاعدة القانونية‪ ،‬متى وكيف نشأت‪ ،‬ومراحل تطورها‪ ،‬كيف وصلت إلينا‬
‫في صورتها الحالية‪ .‬وقد يكون املقصد البحث عن املصدر االجتماعي ‪ Sociologique‬وهنا ينصرف جهد الباحث إلى تقص ي املعطيات‬
‫والعناصر االجتماعية املختلفة التي أدت إلى خلق القاعدة القانونية‪ .‬وقد يكون املقصد تحديد املصدر عن طريق البحث عن الوسيلة‬
‫الشكلية ‪ Formel‬التي تخرج بها القاعدة القاعدة القانونية لتفرض وجودها الملزم على أفراد المجتمع ومؤسساته‪ ،‬بمعنى أخر ما هو الطريق‬
‫الرسمي الذي تمر به قاعدة السلوك االجتماعي لكي تدخل في عداد قواعد القانون الوضعي‪ .‬في هذا المعنى‪ :‬حمدي عبد الرحمن‪ ،‬فكرة‬
‫القانون‪ :‬بحث في تعريف القانون‪ -‬أهدافه‪ -‬أساسه‪ -‬نظرية القاعدة القانونية‪ -‬مصادر القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪-133‬‬
‫‪.134‬‬
‫(‪ )2‬أحمد محمد الرفاعي‪ ،‬املدخل للعلوم القانونية (نظرية القانون)‪[ ،‬محاضرات ألقيت خالل املوسم الجامعي ‪ ،2008 -2007‬كلية‬
‫الحقوق جامعة بنها]‪ ،‬ص ‪.112‬‬

‫‪31‬‬
‫على ضوء التحديد الذي نصت عليه املادة األولى من القانون املدني الجزائري ملصادر‬
‫القانون‪ ،‬قسم الفقه املصادر الرسمية إلى مصادر أصلية مصادر احتياطية‪ ،‬وقصر األول على‬
‫التشريع (املطلب األول)‪ ،‬وأسبغ الوصف الثاني على املصادر الثالثة األخرى املتمثلة في مبادئ‬
‫الشريعة اإلسالمية ثم العرف ثم قواعد القانون الطبيعي وقواعد العدالة (املطلب الثاني)‪.‬‬

‫مصادرالقانون واردة على سبيل الحصروالتدرج‬

‫املطلب األول‪ :‬املصادراألصلية‪ -‬التشريع‪-‬‬

‫املقصود بالتشريع « وضع القواعد القانونية بواسطة السلطة العامة املختصة بذلك في‬
‫صورة مكتوبة‪ ،‬أو هي قيام هذه السلطة بصياغة القاعدة القانونية صياغة فنية مكتوبة وإعطائها‬
‫قوة االلزام في العمل»(‪ ،)1‬أو هو « قيام السلطة املختصة في الدولة بوضع قواعد جبرية مكتوبة‬
‫تنظم املجتمع‪ ،‬وذلك في حدود اختصاصها‪ ،‬وفقاﹰ للجراءات املقررة لذلك»(‪.)2‬‬
‫والتشريع بهذا املعنى يتضمن قاعدة قانونية (أوال)‪ ،‬وأن تكون تلك القاعدة مكتوبة (ثانيا)‪،‬‬
‫وأن تصدر تلك القاعدة القانونية املكتوبة عن سلطة عامة مختصة وفقاﹰ للجراءات املطلوبة‬
‫(ثالثا)‪)3( .‬‬

‫أوال‪ -‬التشريع يضع قاعدة قانونية‪ :‬معنى ذلك أن التشريع يضع قواعد ملزمة للسلوك تكون‬
‫عامة ومجردة‪ ،‬توجه إلى كل املواطنين أو إلى طائفة غير محددة من األفراد بخطاب موجه إليهم‬
‫بصفاتهم ال بذاتهم‪ .‬ولذلك ال يعتبر تشريعاﹰ أو قاعدة تشريعية األمر الذي يصدر عن سلطة عامة‬

‫(‪ )1‬حسن كيره‪ ،‬حسين ‪ ،‬املدخل للقانون‪[ ،.‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.288‬‬
‫(‪)2‬سمير تناغو‪ ،‬النظرية العامة للقانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.293‬‬
‫(‪ )3‬أحمد محمد الرفاعي‪ ،‬املدخل للعلوم القانونية (نظرية القانون)‪ ،‬ص ص ‪.119 -117‬‬

‫‪32‬‬
‫مختصة في الدولة خاصاﹰ بشخص معين بذاته أو متعلقاﹰ برابطة أو واقعة معينة بذاتها‪ .‬ألن مثل‬
‫هذا األمر – بالرغم من صدوره عن سلطة عامة مختصة بإصداره‪ -‬ال يضع قاعدة عامة ومجردة‬
‫للسلوك‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬التشريع يتضمن قاعدة قانونية مكتوبة‪ :‬يصدر التشريع في صورة مكتوبة وتنزل‬
‫أحكامه في وثيقة رسمية‪ .‬وصدور التشريع في صورة مكتوبة يضمن له خصائص كثيرة جعلته يتفوق‬
‫عن سائر مصادر القانون خاصة العرف‪.)1( .‬‬
‫‪ ‬خاصية الوضوح‪ :‬تسمح الكتابة بجعل القاعدة التشريعية ثابتة ومحددة‬
‫وواضحة األمر الذي ينفي عليها الغموض واإلبهام وال يدع مجاال للشك حول إثبات وجودها أو‬
‫تاريخ نشأتها‪ ،‬وتحديد نطاق سريانها املكاني والزمني بشكل يقيني‪.‬‬
‫‪ ‬خاصية التطور واملواكبة‪ :‬تسمح كتابة التشريع للقانون بالتطور ومسايرة‬
‫حاجات الجماعة وتنفي عنه صفة الجمود والتخلف‪ ،‬ألن املشرع يستطيع أن يعدل التشريع‬
‫ﹰ‬
‫جديدا بعبارات مكتوبة تتفق مع املستجدات وحاجات الجماعة‪.‬‬ ‫املكتوب أو يلغيه أو يصدر تشريعاﹰ‬
‫‪ ‬خاصية األمن القانوني‪ :‬تسمح كتابة التشريع للقانون للمخاطبين بأحكامه سواء‬
‫من املواطنين أو املقيمين على إقليم الدولة أو األجانب خاصة املستثمرين منهم باإلطالع على‬
‫أحكامها لحظة صدورها‪ ،‬ذلك أن القواعد التشريعية استلزم القانون نشرها في الجريدة الرسمية‪.‬‬
‫وبهذا ينعدم الجهل بالقانون وال يمكن ألي شخص أن يحتج بعدم علمه بمضمون القاعدة‬
‫القانونية ونطاق سريانها الزماني أو املكاني‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬التشريع يضع قاعدة قانونية‪ :‬بمعنى أن الذي يتولى وضع التشريع أي كتابته بألفاظ‬
‫فنية قانونية دقيقة محدده سلطة عامة مختصة بذلك‪ ،‬وال يحق ألي جهة أو سلطة غير مختصة‬
‫ﹰ‬
‫أساسا السلطة التشريعية التي تتولى‬ ‫وضع التشريع ‪ .‬وهذه السلطة املختصة بإصدار التشريع هي‬
‫وضع التشريع العادي‪ ،‬ولكن إذا كانت مهمة وضع التشريع موكولة للسلطة التشريعية‪ ،‬فإن ذلك‬
‫ليس الشكل الوحيد إلصدار التشريع‪ .‬فالتشريع قد يصدر ﹰ‬
‫أيضا عن السلطة التنفيذية ممثلة في‬
‫رئيس الجمهورية وهو ما يسمى بالتشريع الفرعي أو التنظيم‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك فإن هناك ما يسمى بالدستور أو ما يسمى بالتشريع األساس ي وهو يأتي في‬
‫قمة الهرم التشريعي (املطلب األول)‪ ،‬حيث يعلو الدستور على كل من التشريع العادي الذي يصدر‬
‫املجلس الشعبي الوطني ((املطلب الثاني) والتشريع الفرعي الذي يصدر عن السلطة التنفيذية‬
‫(املطلب الثالث)‪)2( .‬‬

‫الفرع األول‪ :‬التشريع األساس ي (الدستور ‪) La constitution‬‬

‫(‪)1‬سمير تناغو‪ ،‬النظرية العامة للقانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .293‬عبد املنعم فرج الصده‪ ،‬أصول القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص‬
‫ص ‪.86 -84‬‬
‫(‪ )2‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.212‬‬

‫‪33‬‬
‫ويقصد به مجموعة القواعد التي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها والتي تبين حقوق‬
‫األفراد األساسية وحرياتهم ‪ .‬وهو يمثل قمة التشريعات بمعنى أنه يعلو على جميع التشريعات وهذا‬
‫يقتض ى أنه يجب أن تصدر جميع التشريعات في إطاره وال تخالفه وإال كانت باطلة وغير دستورية‪)1(.‬‬

‫تختلف طريقة وضع الدستور من دولة إلى أخرى ومن نظام حكم إلى آخر ‪.‬وهناك أربعة‬
‫طرق أساسية لوضع الدستور هي‪)2( :‬‬

‫‪ ‬طريقة املنحة‪ :‬وفيها يقوم الحاكم بإصدار الدستور فى صورة منحة منه إلى الشعب ‪.‬وهو‬
‫تعبير عن نظام الحكم املطلق الذي يملك فيه الحاكم (امللك) كل ش يء‪ ،‬ولكن وتحت ضغط شعبي‬
‫ونزوال على إرادة الشعب فإن الحاكم يتنازل عن جزء من سلطاته وبعد أن كان حكمه مطلقا فإنه‬ ‫ﹰ‬
‫ينتقل إلى تقييد حكمه فيتصالح مع شعبه بإصدار أو بمنح الدستور لهم ومثال ذلك دستور فرنسا‬
‫لسنة ‪.1814‬‬
‫‪ ‬طريقة التعاقد‪ :‬وهى عبارة عن اتفاق أو تعاقد بين إرادة الحاكم وممثلي الشعب‪ ،‬ومثالها‬
‫دستور فرنسا الصادر عام ‪ 1830‬وأحدثها دستور الكويت الصادر سنة ‪.1962‬‬
‫‪ ‬طريقة الجمعية التأسيسية‪ :‬وهى تمثل الطريقة الديمقراطية في إصدار الدستور‪ ،‬ويتم‬
‫عن طريق جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب‪ ،‬تكون مهمتها وضع الدستور فقط أي تنتخب لهذا‬
‫الغرض وحده وينتهي وجودها بانتهاء مهمتها‪ ،‬وقد تكون هذه الجمعية هي ذاتها البرملان الذي يباشر‬
‫بصفة مؤقتة وظيفة الجمعية التأسيسية‪ ،‬فيجمع بذلك بين الوظيفة التأسيسية والتشريعية في‬
‫نفس الوقت‪ .‬ولعل وضع الدستور عن طريق جمعية تأسيسية منتخبة لهذا الغرض وحده أفضل‬
‫من وضعه عن طريق جمعية تأسيسية تباشر في نفس الوقت السلطة التشريعية العادية‪ ،‬وذلك‬
‫حتى ال يقع أي لبس حول الطبيعة التأسيسية للعمل الذي تقوم به السلطة التي تضع الدستور ‪.‬‬
‫وهذه إحدى الطرق الديمقراطية في وضع الدساتير‪ .‬حيث أن وجود جمعية تأسيسية منتخبة من‬
‫الشعب لتتولى وضع الدستور يعنى أن الجمعية إنما تعبر عن إرادة الشعب عند وضعها للدستور‪.‬‬
‫ومثال هذه الطريقة دساتير الواليات املتحدة األمريكية والدستور الفيدرالي للواليات املتحدة‬
‫األمريكية عام ‪ 1778‬ودساتير فرنسا لعام ‪.1875 ،1791،1848‬‬
‫‪ ‬طريقة االستفتاء‪ :‬وذلك بطرح الدستور على الشعب في استفتاء عام‪ ،‬بعد وضعه من قبل‬
‫لجنة خاصة أو أحد األفراد املعينين من قبل الحكومة‪ ،‬ومثال هذه الطريقة مصر الدائم عام‬
‫‪ 1971‬بطريق االستفتاء الشعبي العام يوم ‪ 11‬سبتمبر سنة ‪ 1971‬حيث حصل على موافقة األمة‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة أن املادة ‪ 7‬من الدستور تنص على أن « الشعب مصدر كل سلطة‪ ،‬والسيادة‬
‫الوطنية ملك للشعب وحده »‪ .‬وتضيف املادة ‪ 8‬من الدستور بأن «السلطة التأسيسية ملك‬
‫للشعب‪ .‬يمارس الشعب سيادته بواسطة املؤسسات الدستورية التي يختارها‪ .‬يمارس الشعب هذه‬

‫(‪ )1‬عبد الحي حجازي‪ ،‬محاضرات في املدخل لدراسة العلوم القانونية‪ .‬الجزء األول‪ :‬نظرية القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.163‬‬
‫(‪)2‬سمير تناغو‪ ،‬النظرية العامة للقانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .232‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪-213‬‬
‫‪ ..214‬حمدي عبد الرحمن‪ ،‬فكرة القانون ‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪.139 -138‬‬

‫‪34‬‬
‫السيادة أيضاﹰ عن طريق االستفتاء وبواسطة ممثليه املنتخبين‪ .‬لرئيس الجمهورية أن يلتجأ إلى إرادة‬
‫الشعب مباشرة »‪ .‬وعليه أثبتت الخبرة الدستورية الجزائرية بأن رئيس الجمهورية هو الذي يبادر‬
‫بوضع دستور جديد عن طريق تعيين مجموعة من الكفاءات الوطنية يقوموا بإعداد مشروع‬
‫الدستور‪ ،‬الذي يطرح بعدئذ لالستفتاء الشعبي املباشر‪ ،‬وعليه فإن املصادقة الشعبية عن طريق‬
‫االستفتاء هي التي تعطي الدستور قوة القانون امللزم‪)1( .‬‬

‫أما عن تعديل الدستور فإن املؤسس الدستوري أجازه وبين شروطه واإلجراءات الواجب أن‬
‫يحترمها‪ ،‬وهذا على النحو التالي‪:‬‬
‫الجهة التي‬
‫شروط‬
‫إجراءات التعديل‬ ‫تبادر‬
‫التعديل‬
‫بالتعديل‬
‫املادة ‪ 208‬من الدستور‪:‬‬
‫يقدم رئيس الجمهورية مشروع تعديل الدستور‪.‬‬
‫‪ ‬يقوم املجلس الشعبي الوطني ومجلس األمة بالتصويت عليه حسب الشروط نفسها التي‬
‫أن ال‬ ‫تطبق على النص التشريعي‪.‬‬
‫يخالف‬ ‫‪ ‬يعرض التعديل الذي قدمه رئيس الجمهورية وحاز موافقة البرملان بغرفتيه في أجل (‪ )50‬يوما‬
‫التعديل‬ ‫لالستفتاء الشعبي‪.‬‬ ‫التعديل‬
‫األحكام‬
‫يجب أن يوافق عليه الشعب وفي الحالة املعاكسة يعد الغ ﹰيا‪.‬‬ ‫بمبادرة‬
‫التي‬
‫املادة ‪ 210‬من الدستور‪:‬‬ ‫رئيس‬
‫قررتها‬
‫يقدم رئيس الجمهورية مشروع تعديل الدستور‪.‬‬ ‫الجمهورية‬
‫املادة‬
‫‪ 212‬من‬ ‫‪ ‬أن ال يمس مشروع التعديل باملبادئ العامة التي تحكم املجتمع الجزائري‪ ،‬وحقوق اإلنسان‬
‫الدستور‬ ‫واملواطن وحرياتهما‪ ،‬وال يمس بأي كيفية التوازنات األساسية للسلطات واملؤسسات الدستورية‪.‬‬
‫‪ ‬أن يعلل املجلس الدستوري رأيه بقبول مشروع التعديل‪.‬‬
‫‪ ‬يعرض أن يحرز مشروع التعديل على موافقة ثالثة أرباع ¾ أعضاء غرفتي البرملان‪ ،‬ثم يتم‬
‫إصداره من طرف رئيس الجمهورية‪.‬‬
‫أن ال‬ ‫املادة ‪ 211‬من الدستور‪:‬‬
‫يخالف‬ ‫يقدم ثالثة أرباع ¾ أعضاء غرفتي البرملان املجتمعتين معاﹰ مشروع تعديل الدستور‪.‬‬
‫التعديل‬ ‫يعرض رئيس الجمهورية املشروع على االستفتاء الشعبي والذي يصدره في حالة املوافقة عليه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫األحكام‬ ‫التعديل‬
‫التي‬ ‫بمبادرة‬
‫قررتها‬ ‫النواب‬
‫املادة‬
‫‪ 212‬من‬
‫الدستور‬

‫الفرع الثاني‪ :‬املعاهدات الدولية (‪) Les traités internationaux‬‬

‫املعاهدات عبارة عن اتفاقيات تعقدها الدول فيما بينها بغرض تنظيم عالقة قانونية دولية‬
‫وتحديد القواعد التي تخضع لها هذه العالقة‪ .‬وقد اعترف املؤسس الدستوري للمعاهدات‬

‫(‪ )1‬عمار بوضياف‪ ،‬املدخل إلى العلوم القانونية‪([ ،‬الجزائر)‪ :‬دار هومة‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،]2000 ،‬ص ‪.114‬‬

‫‪35‬‬
‫املصادق عليها من قبل رئيس الجمهورية حسب الشروط املنصوص عليها في املادة ‪ 149‬من‬
‫الدستور بدرجة السمو على التشريع العادي ( أي الصادر عن البرملان) وهذا حسب ما قررته املادة‬
‫‪ 150‬التي نصت على أن « املعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية‪ ،‬حسب الشروط‬
‫املنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون »‪ .‬غير أن مرتبتها الرفيعة هذه ودرجة إلزام أحكامها‬
‫ال تحصنها ضد رقابة املجلس الدستوري‪ ،‬وهذا ما قررته املادة ‪ 168‬من الدستور التي نصت على أن‬
‫« ‪ ...‬يفصل املجلس الدستوري برأي في دستورية املعاهدات والقوانين والتنظيمات‪.» .‬‬
‫وقد أعطى القانون الجزائري للمعاهدات الدولية قوة ومرتبة تفوق قوة ومرتبة التشريعات‬
‫العادية الصادرة عن البرملان‪ ،‬وذلك نظراﹰ لاللتزام الدولي الذي تفرضه أحكامها على الدولة‬
‫الجزائرية باحترام ما ورد فيها من قواعد تبعاﹰ ملبادئ القانون الدولي‪ .‬فاملعاهدة الدولية بعدان‪ :‬البعد‬
‫وبعدا ﹰ‬
‫دوليا باعتبارها تتضمن التزامات بين دول‬ ‫ﹰ‬ ‫ﹰ‬
‫وطنيا‬ ‫الوطني باعتبارها تصبح بعد إبرامها قا ﹰ‬
‫نونا‬
‫يترتب على املصادقين عليا احترامها توافقاﹰ مع قواعد القانون الدولي العام‪)1( .‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬التشريع العادي (التشريع ‪) La loi‬‬

‫التشريع العادي هو التشريع الحقيقي باملعنى الفني لهذا االصطالح ويطلق عليه بالقانون‬
‫وإطالق اسم القانون على التشريع هو من قبيل إطالق الكل على الجزء لتبيان أهمية الجزء‪.‬‬
‫فالقانون يشمل التشريع والعرق ومبادئ العدالة‪ ،‬والذي يبرر إطالق الكل على الجزء هو أن‬
‫القاعدة التشريعية العادية أكثر أهمية وعددا من القواعد األخرى التي يكون مصدرها كل من‬
‫العرف أو القضاء‪ )2( .‬ويعرف الفقه التشريع العادي بأنه « مجموعة من القواعد القانونية العامة‬
‫واملجردة الصادرة عن السلطة التشريعية في شكل مكتوب‪ ،‬وفقاﹰ لألصول واإلجراءات والقواعد التي‬
‫حددها الدستور»‪)3( .‬‬

‫أوال‪ -‬السلطة التي لها حق سن التشريع العادي‪ :‬في الجزائر يمارس السلطة التشريعية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫برملان مكون من غرفتين‪ ،‬حيث نصت املادة ‪ 112‬من الدستور على أنه « تمارس ّ‬
‫شريعية‬ ‫السلطة الت‬
‫األمة‪ .‬وله ّ‬
‫الوطني ومجلس ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الش ّ‬ ‫برملان ّ‬
‫السيادة في إعداد‬ ‫عبي‬ ‫يتكون من غرفتين‪ ،‬وهما املجلس‬
‫والتصويت عليه »‪ .‬ويتم تعيين أعضاء الغرفة السفلي للبرملان واملتمثلة في املجلس الشعبي‬‫القانون ّ‬
‫الوطني عن طريق االقتراع العام املباشر والسري‪ ،‬أما الغرفة العليا للبرملان واملتمثلة في مجلس‬
‫األمة فيتم تعيين أعضائها عن طريق االقتراع غير املباشر والسري من بين ومن طرف أعضاء‬
‫املجالس الشعبية البلدية وأعضاء املجالس الشعبية الوالئية‪ ،‬ومن ثلث آخر معين من قبل رئيس‬

‫(‪ )1‬محمد العوجي‪ ،‬القاعدة القانونية في القانون املدني‪([ ،‬بيروت)‪ :‬مؤسسة بحسون ‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،]1992 ،‬ص ‪.52‬‬
‫(‪)2‬سمير تناغو‪ ،‬النظرية العامة للقانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.309‬‬
‫محسن خليل‪ ،‬القانون الدستوري واألنظمة السياسية‪([ ،‬اإلسكندرية)‪ :‬منشأة املعارف‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،]1974 ،‬ص ‪.359‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪36‬‬
‫الجمهورية من بين الشخصيات والكفاءات الوطنية في املجاالت العلمية والثقافية واملهنية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬مرحلة سن التشريع العادي‪ :‬ال ينشأ التشريع العادي من فراغ بل ال بد من جهة –‬
‫أشخاص أو هيئة‪ -‬تتولى تقدمه (ثانيا‪ )1-‬حتى تتم دراسته وفحصه (ثانيا‪ )2-‬و مناقشته واملصادقة‬
‫عليه (ثانيا‪ ،)3-‬ثم إصداره (ثانيا‪ ،)4-‬ثم نشره ليتم العلم بأحكامه (ثانيا‪.)5-‬‬
‫(ثانيا‪ - )1-‬املبادرة بالتشريع العادي‪ :‬ويعود للدستور أمر تحديد من يخول له دستورياﹰ حق‬
‫املبادرة بالتشريع‪ .‬وبالعودة لنص املادة ‪ 136‬من الدستور نجدها قد نصت على أنه « ّ‬
‫لكل من الوزير‬
‫والن ّواب وأعضاء مجلس األمة ّ‬
‫حق املبادرة بالقوانين‪ .‬تكون اقتراحات القوانين قابلة‬ ‫األول ّ‬

‫ﹰ‬
‫عضوا في مجلس األمة في املسائل‬ ‫للمناقشة‪ ،‬إذا ّقدمها عشرون (‪ )20‬نائباﹰ أو عشرون (‪)20‬‬
‫املنصوص عليها في املادة ‪ 137‬أدناه‪ .‬تعرض مشاريع القوانين على مجلس الوزراء‪ ،‬بعد رأي مجلس‬
‫ّ‬
‫الوطني أو مكتب مجلس‬ ‫ّالدولة‪ّ ،‬ثم يودعها الوزير األول‪ ،‬حسب الحالة‪ ،‬مكتب املجلس ّ‬
‫الش ّ‬
‫عبي‬
‫األمة»‪.‬‬
‫بتحليل أحكام هذا النص الدستوري ال يرتقى الشك إلى أن املبادرة حق دستوري مخول‬
‫للسلطتين التشريعية والتنفيذية‪ ،‬على أن تحال مشاريع القوانين أوالﹰ على مجلس الدولة باعتباره‬
‫هيئة مشورة في مجال التشريع ليتداول بشأن املشروع املرفوع إليه‪ ،‬ثم يعرض املشروع على مجلس‬
‫الوز اء تحت رئاسة رئيس الجمهورية‪)1( .‬‬
‫ر‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن السلطة التنفيذية يمكن لها أن تعترض على كل مشروع يقدمه نواب‬
‫البرملان إذا كان يدخل في سياق املادة ‪ 139‬من الدستور التي نص على أنه « ال ُي َقبل اقتراح أ ّي‬
‫ّ‬
‫العمومية‪ ،‬أو زيادة ّالنفقات العموم ـ ّـيـة‪ ،‬إال إذا كان‬
‫ّ‬ ‫قانون‪ ،‬مضمونه أو نتيجته تخفيض املوارد‬
‫مالية في فصل آخر من ا ّلنفقات‬ ‫مرفوقا بتدابير تستهدف ّالزيادة في إيرادات ّالدولة‪ ،‬أو توفير مبالغ ّ‬
‫ﹰ‬
‫ّ‬
‫العمومية تساوي على ّ‬
‫األقل املبالغ املقترح إنفاقها »‪.‬‬
‫(ثانيا‪ -)2-‬دراسة وفحص التشريع العادي‪ :‬تعرض مشاريع القوانين من طرف الوزير األول‬
‫على مكتب املجلس الشعبي الوطني مرفقة بعرض األسباب‪ .‬كما تودع اقتراحات القوانين املقدمة‬
‫من عشرون (‪ )20‬نائباﹰ على األقل مدعمة ببيان األسباب وبتوقيعات أصحابها أمام نفس املكتب‪.‬‬
‫ويتولى مكتب املجلس إحالة املشروع أو االقتراح إلى اللجنة الدائمة أو املؤقتة التي تتولى دراسته‬
‫وفحصه بعد سماع ممثل الحكومة أو مندوب أصحاب االقتراح‪ ،‬ويحق لهم االستعانة بالخبرات من‬
‫خارج املجلس‪)2( .‬‬

‫(ثانيا‪ -)3-‬مرحلة املناقشة والتصويت‪ :‬سواء كانت الجهة املبادرة بمشروع التشريع العادي‬
‫متمثلة في الوزير األول أو عشرون (‪ )20‬نائباﹰ في الغرفة السفلى أو عشرون (‪ )20‬عضواﹰ من الغرفة‬

‫(‪ )1‬عمار بوضياف‪ ،‬املدخل إلى العلوم القانونية‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .120‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص‬
‫‪.213‬‬
‫(‪ )2‬عمار بوضياف‪ ،‬املدخل إلى العلوم القانونية‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.121‬‬

‫‪37‬‬
‫العليا‪ ،‬فإنه يعرض على املجلس الشعبي الوطني ملناقشته ثم يمر ملرحلة التصويت‪ .‬وحسب نص‬
‫املادة ‪ 138‬من الدستور فإن التشريع العادي يجب أن يحصل على أغلبية أعضائه( ‪)1 +%50‬‬
‫الحاضرين أما التشريع العادي العضوي فيجب أن يحصل على األغلبية املطلقة ( ¾ )من أصوات‬
‫الحاضرين أثناء القيام بعملية التصويت‪.‬‬
‫(ثانيا‪ -)4-‬مرحلة اإلصدار ‪ :‬بعد مناقشة مشروع التشريع العادي والتصويت عليه من طرف‬
‫غرفتي البرملان وحيازته النسبة التي اشترطها الدستور‪ ،‬يقوم مكتب املجلس الشعبي الوطني بإرساله‬
‫إلى رئيس الجمهورية إلصداره‪ .‬ويتم اإلصدار بأن يوقع رئيس الجمهورية على املشروع الذي صوت‬
‫عليه البرملان وفق األصول الدستورية ويصدر أمره إلى السلطة التنفيذية بتنفيذه واحترام أحكامه‪.‬‬
‫قانونا نافذاﹰ‪ .‬وتوقيع رئيس الجمهورية بتنفيذ التشريع‬
‫ﹰ‬ ‫وبتمام اإلصدار يصبح املشروع التشريع‬
‫موجه إلى السلطة التنفيذية نظراﹰ ألن هذه السلطة تتلقى أوامرها من قائدها املتمثل في رئيس‬
‫ﹰ‬
‫تشريعيا‬ ‫الجمهورية‪ ،‬لذا يعد إصدار التشريع عمل تنفيذي تقوم به السلطة التنفيذية وليس عمالﹰ‬
‫تقوم به السلطة التشريعية‪)1( .‬‬

‫(ثانيا‪ -)5-‬مرحلة النشر‪ :‬ال يكفي إصدار التشريع العادي ليصبح نافذاﹰ في مواجهة السلطة‬
‫التنفيذية بل يجب زيادة على ذلك نشره ليتحقق علم الجمهور بأحكامه ومقتضياته‪ .‬ويعتبر النشر‬
‫تصرفﹰا ماديﹰا بموجبه يعلم رئيس الجمهورية ‪ -‬وهو رئيس السلطة التنفيذية‪ -‬الكافة بالقانون‪ ،‬ويتم‬
‫النشر في جريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‪)2( .‬‬

‫وإذا تم نشر القانون على النحو السابق افترض علم الكافة بأحكامه وأصبح واجب‬
‫التطبيق‪ ،‬وهذا ما بينته املادة ‪ 4‬من القانون املدني التي نصت على أنه « تطبق القوانين في تراب‬
‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداء من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية‪ .‬غير أن‬
‫التشريع ال يكون نافذ املفعول بالجزائر العاصمة إال بعد مض ي يوم كامل من تاريخ نشره وفي‬
‫النواحي األخرى في نطاق كل دائرة بعد مض ي يوم كامل من تاريخ وصول الجريدة الرسمية إلى مقر‬
‫الدائرة ويشهد على ذلك تاريخ ختم الدائرة املوضوع على الجريدة »‪.‬‬
‫مما تقدم فإن التشريع يصبح نافذاﹰ في ذاته بمجرد إصداره من طرف رئيس الجمهورية‪،‬‬
‫ولكنه ال يكون ملزماﹰ إال بعد نشره ومض ي مدة يوم كامل على وصول الجريدة الرسمية إلى مقر‬
‫الدائرة‪ .‬والتفرقة بين النفاذ واإللزام تظهر أهميتها عندما تحول قوة قاهرة دون وصول الجريدة‬

‫(‪ )1‬لم يحدد الدستور الجزائري لرئيس الجمهورية مدة زمنية معينة ليصدر خاللها التشريع الذي صوت عليه البرملان‪ ،‬بخالف الحال في‬
‫الدستور الفرنس ي الذي ألزم رئيس الجمهورية في مادته ‪ 15‬بإصدار التشريع في مدة ‪ 15‬ﹰ‬
‫يوما تاريخ إرسال التشريع إلى الحكومة ‪Yvaine‬‬
‫‪Buffelan-Lanore et Virginie Larribau-Terneyre, Droit civil. Introduction. op.cit,, p. 3‬‬ ‫‪.‬‬
‫(‪)2‬سمير تناغو‪ ،‬النظرية العامة للقانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .314‬وعليه فإن النشر في الجريدة الرسمية هو السبيل الوحيد إلعالم‬
‫الناس بالتشريع‪ ،‬فال تغني عنه وسيلة أخرى مثل اللصق على الجدران أو التوزيع على األفراد‪ .‬حتى لو كان املطالب بتطبيق القانون‬
‫يعمل برئاسة الجمهورية وهو املختص بعرض القوانين وإرسالها للطبع في الجريدة الرسمية‪ ،‬فمثل هذا املوظف ال يؤخذ بالتشريع ملجرد‬
‫علمه به فعالﹰ قبل نشره في الجريدة الرسمية‪ .‬عبد الحي حجازي‪ ،‬محاضرات في املدخل لدراسة العلوم القانونية‪ .‬الجزء األول‪ :‬نظرية‬
‫القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.163‬‬

‫‪38‬‬
‫الرسمية إلى أحد املخاطبين بحكم التشريع‪ ،‬ففي هذه الحالة ال يكون التشريع ملزماﹰ له‪ ،‬رغم أنه‬
‫أصبح نافذاﹰ في ذاته وملزماﹰ بالنسبة لألشخاص اآلخرين الذين لم تحل القوة القاهرة دون وصول‬
‫الجريدة الرسمية إليهم‪)1( .‬‬

‫اإللزام‬ ‫النفاذ‬ ‫نوع اإلجراء‬


‫ملزماﹰللسلطة التنفيذية فقط‬ ‫التشريع نافذ في مواجهة السلطة التنفيذية‬ ‫اإلصدار‬
‫ملزما لكل أشخاص القانون الطبيعية واملعنوية ( الخاضعة‬ ‫التشريع نافذ في مواجهة كل أشخاص القانون‬
‫ألحكام القانون الخاص والقانون العام) بعد مرور يوم كامل على‬ ‫الطبيعية واملعنوية ( الخاضعة ألحكام القانون‬ ‫النشر‬
‫وصول الجريدة الرسمية إلى مقر الدائرة‬ ‫الخاص والقانون العام)‬

‫حاالت عدم تطبيق التشريع رغم نشره‪ :‬تتعدد الحاالت التي يتم فيها إصدار التشريع من‬
‫طرف رئيس الجمهورية ونشره في الجريدة الرسمية لكن يظل غير ملزم للمخاطبين بأحكامه‪ ،‬ويمكن‬
‫حصر هذه الحاالت في‪)2( :‬‬

‫(أ)‪ -‬حالة القوة القاهرة‪ :‬ومفادها أنه إذا حالت ظروف قاهرة دون وصول الجريدة الرسمية‬
‫إلى إقليم معين فإن املقيمين في هذا اإلقليم ال يلزمون بالتشريع الذي تم نشره في الجريدة الرسمية‪.‬‬
‫ومن قبيل الظروف القاهرة أن يتعرض أحد أقاليم الدولة الحتالل قوات أجنبية‪ ،‬أو ينقطع به‬
‫االتصال عن سائر األقاليم األخرى بسبب ثورة انفصالية‪ ،‬أو بسبب تعرضه لكارثة‪ ،‬كالفيضان‪ ،‬أو‬
‫زلزال‪ ،‬أو وباب‪ ،‬يقض ي األمر معه فرض حصار حوله يمنع الدخول إليه أو الخروج منه‪ .‬ففي مثل‬
‫هذه الظروف يصبح مؤكداﹰ عدم تحقق العلم بالتشريع وبالتالي يصبح تطبيقه على مواطني اإلقليم‬
‫ﹰ‬
‫مجافيا للعدل‪.‬‬ ‫أمراﹰ‬
‫(ب)‪ -‬حالة عدم توزيع الجريدة الرسمية‪ :‬ومناط هذا االستثناء يتمثل في معرفة هل مجرد‬
‫النشر في الجريدة الرسمية يعتبر قرينة على علم املواطنين بالقانون‪ ،‬أم أنه فضالﹰ عن مجرد النشر‬
‫يجب أن تتم عملية توزيع الجريدة الرسمية ؟ ال يكفي في الجزائر نشر القانون في الجريدة الرسمية‬
‫ليصبح التشريع ملزمﹰا‪ ،‬بل يجب فوق ذلك توافر شرطين إضافيين هما‪:‬‬
‫(‪ -)1‬وصول الجريدة الرسمية ملقر الدائرة‪ )2( .‬مرور ‪ 24‬ساعة على وصولها ملقر الدائرة‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬التشريع الفرعي (التنظيم )‬

‫ال يكفي لتسيير شؤون املجتمع وإشباع الحاجات العامة سن التشريع األساس ي والتشريع‬
‫العادي‪ ،‬بل يجب فضالﹰ على ذلك إصدار التنظيم الذي يعتبر تشريعات فرعية تسنه السلطة‬

‫(‪ )1‬أحمد محمد الرفاعي‪ ،‬املدخل للعلوم القانونية (نظرية القانون)‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.131‬‬
‫(‪)2‬حمدي عبد الرحمن‪ ،‬فكرة القانون ‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪.152 -151‬‬

‫‪39‬‬
‫التنفيذية بمقتض ى االختصاص املمنوح لها من طرف الدستور‪ .‬وينقسم هذا التشريع إلى ثالثة‬
‫أقسام هي‪)1( :‬‬

‫أوال‪ -‬اللوائح التنفيذية ‪ : les règlements d’application‬ال يعالج التشريع العادي عند‬
‫وضعه دقائق وصغائر املسألة التي ينظمها‪ ،‬بل يتركها للوائح التنفيذية التي تصدرها السلطة‬
‫التنفيذية كونها أقدر من غيرها على معرفة ما يجب إصداره من لوائح وكيف تنظم دقائق املسائل‬
‫وجزئياتها‪ .‬ويعود اختصاص إصدار اللوائح التنظيمية في الجزائر إلى الوزير األول وهذا ما قررته‬
‫ّ ّ‬
‫نظيمي الذي‬ ‫املادة ‪ 143‬من الدستور التي جرى نصها على أن « يندرج تطبيق القوانين في املجال ّالت‬
‫يعود للوزير األول »‪.‬‬
‫وطاملا أن التشريع العادي هو األصل واللوائح التنفيذية هي الفرع‪ ،‬وجب أن يساير الثاني‬
‫األول في مقصده ومضمونه‪ ،‬فإن حاد عنه عد غير شرعي أو غير قانوني وتعين األمر معه طلب‬
‫إلغاءه لتجاوزه للسلطة‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬اللوائح املستقلة ‪ :les règlements autonomes‬وتسمى باللوائح املستقلة أو القائمة‬
‫بذاتها‪ ،‬ألنها ال تستند إلى قانون عهد إليها أمر تنفيذه‪ .‬ويعود اختصاص إصدار هذا النوع من‬
‫اللوائح في النظام القانوني الجزائري إلى رئيس الجمهورية‪ ،‬حيث منحه الدستور اختصاص التشريع‬
‫في غير املسائل املحددة على سبيل الحصر والتي يختص بها البرملان‪ ،‬وهذا ما قررته املادة ‪ 143‬من‬
‫نظيمية في املسائل غير‬‫السلطة ّالت ّ‬ ‫الجمهورية ّ‬
‫ّ‬ ‫الدستور التي تنص على أن « يمارس رئيس‬
‫املخصصة للقانون »‪.‬‬‫ّ‬
‫ثالثا‪ -‬اللوائح الضبط‪ :‬وتتضمنا القواعد الالزمة للمحافظة على األمن والسكينة والصحة‬
‫أو‬ ‫العامة‪ ،‬ومن أمثلتها لوائح املظاهرات واملسيرات واملتعلقة بالباعة أو املصورين املتجولين‪،‬‬
‫بتنظيم األسواق األسبوعية وحركة السير واملركبات‪ .‬ويصدر هذه اللوائح على املستوى املحلي كل‬
‫من رئيس املجلس الشعبي البلدي ووالي الوالية‪.‬‬
‫في النظام القانوني الجزائري هناك تقسيم أخر للتشريع الفرعي يتماش ى مع الجهة التي تقوم‬
‫بإصداره‪ ،‬حيث نجد على قمته املراسيم ‪ les décrets‬التي يصدرها كل من رئيس الجمهورية‬
‫(وتسمى باملراسيم الرئاسية) والوزير األول (وتسمى باملراسيم التنفيذية)‪ ،‬ثم القرارات ‪les arrêtés‬‬
‫التي يصدرها الوزراء والوالة ورؤساء املجالس الشعبية البلدية ومدراء املؤسسات العمومية‬
‫اإلدارية‪ ،‬ثم املقرارات ذات األثر التنظيمي ‪les décisions à effet réglementaire des autorités‬‬
‫‪ administratives indépendantes‬التي تصدرها الهيئات اإلدارية املستقلة‪ ،‬ثم املناشير ‪les‬‬
‫‪ circulaires‬التي تصدرها السلطات العليا لألعوان املرؤوسين والتي تبين لهم كيفيات القيام‬
‫بمهامهم وتحسن عالقة املرفق العمومي باملواطنين‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬املصادراالحتياطية‬

‫(‪ )1‬عمار بوضياف‪ ،‬املدخل إلى العلوم القانونية‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .134‬عبد املنعم فرج الصده‪ ،‬أصول القانون‪[ ،‬املرجع‬
‫السابق]‪ ،‬ص ص ‪.86 -84‬‬

‫‪40‬‬
‫تتعدد املصادر االحتياطية للقانون وحصرتها املادة األولى من القانون املدني في املبادئ‬
‫العامة للشريعة اإلسالمية (الفرع األول)‪ ،‬العرف (الفرع الثاني)‪ ،‬قواعد القانون الطبيعي وقواعد‬
‫العدالة (الفرع الثالث)‪)1( .‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مبادئ الشريعة اإلسالمية‬


‫‪Principes de droit musulman‬‬

‫من األديان ما ال يقتصر على تنظيم عالقة اإلنسان بخالقه‪ ،‬أو عالقته بنفسه‪ ،‬يل يتناول‬
‫ﹰ‬
‫أيضا عالقته بغيره‪ ،‬أي ينظم معامالته مع بني جنسه‪ .‬وبذا تتناول أحكامه بجانب العقائد مسائل‬
‫املعامالت‪ ،‬كالدين اإلسالمي والدين اليهودي‪ .‬أما الدين املسيحي فقد اتجه أساساﹰ إلى كل ما يتعلق‬
‫بالعقيدة ولم يتناول من املعامالت إال النذر اليسير‪)2( .‬‬

‫(أ)‪ -‬تعريف الشريعة اإلسالمية‪ :‬ويقصد بالشريعة اإلسالمية ما شرعه هللا سبحانه وتعالى‬
‫لعباده من األحكام على لسان محمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬سواء أكان ذلك عن طريق القرآن أو عن‬
‫طريق السنة القولية‪ ،‬أو الفعلية‪ ،‬أو التقريرية‪ .‬وتحتوي هذه األحكام على الجانب الدنيوي والجانب‬
‫األخروي‪ ،‬وعلى جانب العبادات واملعامالت‪ ،‬وعلى أحكام تفصيلية وأخرى عامة‪)3( .‬‬

‫(ب)‪ -‬تعريف مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ :‬يقصد بها املبادئ الكلية للشريعة التي ال تختلف‬
‫باختالف املذاهب‪ ،‬بمعنى أنها املسائل التي ليست محل خالف بين الفقهاء (‪)4‬‬

‫(جـ)‪ -‬املصدر املزدوج مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ :‬على غرار العديد من تشريعات البالد‬
‫العربية فإن مبادئ الشريعة اإلسالمية يختلف مركزها كمصدر من مصادر القانون الجزائري تبعاﹰ‬
‫للظروف اآلتية‪:‬‬
‫(جـ‪ -)1-‬مبادئ الشريعة اإلسالمية مصدر أصلي للقانون في الجزائر‪ :‬تعتبر الشريعة‬
‫ﹰ‬
‫تاريخيا لبعض أحكام القانون الجزائري‪ ،‬فقد أخذ املشرع الوضعي الجزائري‬ ‫اإلسالمية مصدراﹰ‬
‫بعض أحكام القوانين التي وضعها من مبادئ الشريعة اإلسالمية كقانون امليراث‪ ،‬وقانون الوقف‪،‬‬
‫وقانون األسرة أو األحوال الشخصية‪ .‬ولقد ترتب على صدور هذه القوانين أن صار التشريع هو‬
‫املصدر األصلي فيما صدرت هذه القوانين لتنظيمه وانكمش بنفس القدر نطاق الشريعة اإلسالمية‬

‫(‪ )1‬على خالف موقف املشرع الجزائري الذي يسبق مبادئ الشريعة اإلسالمية على العرف‪ ،‬فإن املشرع املصري يجعل األولوية للعرف‬
‫على حساب مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ .‬أحمد محمد الرفاعي‪ ،‬املدخل للعلوم القانونية[ نظرية القانون]‪ ،‬ص ‪.131‬‬
‫(‪ )2‬أنور سلطان ‪ ،‬املبادئ القانونية العامة ‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪.126 -125‬‬
‫(‪ )3‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.242‬‬
‫(‪ )4‬علي علي سليمان‪ « .‬الشريعة اإلسالمية كمصدر للقانون طبقاﹰ للقانون الجزائري »‪ [ ،‬مجلة الفكر القانوني‪ ،‬العدد ‪ ،]1‬ص ‪.121‬‬
‫حسن كيره‪ ،‬حسين ‪ ،‬املدخل للقانون‪[ .‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .299‬بينما يرى بعض الفقه أنه حتى وإن وجد مثل هذا االختالف فإن‬
‫القاض ي ال يتقيد بمذهب محدد‪ ،‬بل يستطيع أن يأخذ ما يراه أكثر مالئمة للتطبيق‪ ،‬وله الرجوع إلى آراء تخرج عن نطاق املذاهب األربعة‬
‫املشهورة‪ .‬من هذا الرأي‪ :‬حمدي عبد الرحمن‪ ،‬مبادئ القانون‪ :‬نظرية القانون‪ -‬نظرية الحق‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.107‬‬

‫‪41‬‬
‫ﹰ‬
‫خاصا‪ ،‬إذ لقد اقتصرت واليتها على ما بقى من مسائل األحوال الشخصية‬ ‫ﹰ‬
‫أصليا‬ ‫باعتبارها مصدراﹰ‬
‫وهو قليل جداﹰ‪)1( .‬‬

‫فأحكام هذه القوانين مأخوذة من املبادئ العامة للشريعة اإلسالمية‪ ،‬ومن ثم وجب الرجوع‬
‫في تفسيرها إلى فقه الشريعة اإلسالمية عند غموض نصها‪ ،‬لكن يطبقها القاض ي ال باعتبارها مبادئ‬
‫دينية بل باعتبارها قواعد قانونية تتضمن أحكاماﹰ أخذها املشرع من القاعدة الدينية وأدمجها في‬
‫القاعدة القانونية الوضعية (‪)2‬‬

‫(جـ‪ -)2-‬مبادئ الشريعة اإلسالمية مصدر احتياطي للقانون في الجزائر‪ :‬عندما يعرض على‬
‫القاض ي مسألة ال يجد في التشريع يجب عليه أن يلجأ إلى مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬يبحث فيها عن‬
‫حل لتلك املسألة‪ ،‬وذلك وفقاﹰ ألحكام املادة ‪ 4‬من القانون املدني الجزائري‪ .‬ويطبق القاض ي مبدأ من‬
‫مبادئ الشريعة اإلسالمية وينزل أحكامه على املسألة ويفصل فيها‪ ،‬هذا التطبيق يجعل الشريعة في‬
‫هذه الحالة مصدر احتياطي للقانون‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬العرف‬


‫‪La Coutume‬‬

‫يعتبر كل من التشريع والعرف مصدرين للقانون الوضعي الجزائري‪ ،‬لكن في التشريع يبدو‬
‫ﹰ‬
‫محددا في وثيقة‪ ،‬هذا هو القانون املكتوب‪ .‬أما في‬ ‫ﹰ‬
‫رسميا‬ ‫القانون على أنه إرادة الدولة اتخذت شكالﹰ‬
‫العرف فيتكون القانون تلقائياﹰ وبصورة ذاتية من خالل أفعال أو سلوك يمارسها بعض األشخاص‬
‫أول األمر ثم يمارسها بعد ذلك أشخاص آخرون عندما يدركون فائدتها‪ ،‬وهكذا يعم العمل بهذه‬
‫األفعال حتى تصبح موحدة ومستقرة وتأخذ طابع اإللزام‪)3( .‬‬

‫والبحث في العرف كمصدر من مصادر القانون الوضعي الجزائري يلجأ إليه القاض ي لحل‬
‫النزاعات املعروضة عليه‪ ،‬في حالة عدم وجود قاعدة تشريعية أو غياب مبدأ من مبادئ الشريعة‬
‫اإلسالمية يحكمها‪ ،‬سنتطرق إلى تعريف العرف (أ)‪ ،‬ثم بيان عناصره (ب)‪ ،‬ثم تمييزه عن العادة‬
‫(جـ)‪ ،‬وفي نعالج مسألة تطبيق القاعدة العرفية (د)‪.‬‬
‫(أ)‪ -‬تعريف العرف‪ :‬قد يحدث أن يسلك شخص مسلكاﹰ ﹰ‬
‫معينا إزاء مناسبة معينة ويقلده‬
‫غيره في هذا السلوك حين تعرض له نفس املناسبة‪ ،‬وهكذا حتى يعتاد الناس هذا السلوك ثم يصبح‬

‫(‪)1‬عبد الحي حجازي‪ ،‬محاضرات في املدخل لدراسة العلوم القانونية‪ .‬الجزء األول‪ :‬نظرية القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪199‬‬
‫(‪ )2‬وبمطالعة التقنين املدني الجزائري نجد أنه يحتوي على أحكام قانونية كثيرة استمدها من الفقه اإلسالمي‪ ،‬منها‪ :‬اإلثبات بالكتابة و‬
‫الشهود في عقود الدائنية‪ ،‬االلتزام بالعقود ‪،‬حسن النية في تنفيذ العقود ‪،‬اإلثراء غير املشروع ‪،‬التزامات املدين باملحافظة على الوديعة‪،‬‬
‫التعسف في استعمال الحق‪.‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.245‬‬
‫(‪ )3‬أنور سلطان ‪ ،‬املبادئ القانونية العامة ‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.139‬‬

‫‪42‬‬
‫في أذهانهم أن هذا السلوك أمر ال خيار فيه حينئذ يتكون العرف‪ .‬وعليه يرى جانب من الفقه بأن‬
‫العرف « هو اعتياد الناس على سلوك معين في ناحية من نواحي حياتهم االجتماعية‪ ،‬بحيث تنشأ‬
‫منه قاعدة يسود االعتقاد بأنها ملزمة»(‪ .)1‬أما الجانب الفقهي الثاني فيرى بأن العرف « هو إطراد‬
‫مقترنا بإحساسهم بوجود جزاء قانوني يكفل احترام‬‫ﹰ‬ ‫العمل بين الناس وفقاﹰ لسلوك كعين‪ ،‬إطراداﹰ‬
‫هذا السلوك»(‪ .)2‬ويضيف الجانب الفقهي الثالث بأن العرف هو « عادة متكررة في الزمان تطبق في‬
‫إقليم معين تستلهم وتستمد قوتها امللزمة من موافقة وقبول من يمارسونها ويطبقونها»(‪.)3‬‬
‫بهذا يتضح أن للعرف معنيان‪ :‬األول يدل على القاعدة القانونية غير املكتوبة التي تنشأ من‬
‫إطراد سلوك الناس في مسألة معينة على وجه معين‪ ،‬هذا املعنى ينصب على اعتبار العرف مصدر‬
‫من مصادر القانون‪ .‬والثاني فيعني القاعدة غير املكتوبة في حد ذاتها التي تولدت من هذا املصدر‪،‬‬
‫وهذا املعنى ينصب على النتيجة‪)4( .‬‬

‫(أ)‪ -‬أركان العرف‪ :‬العرف باعتباره مصدراﹰ من مصادر القانون الوضعي الجزائري بما هو‬
‫تكرار احترام الجماعة بصفة عامة ومستمرة وموحدة‪ ،‬لقاعدة من قواعد السلوك مع االعتقاد في‬
‫إلزامية هذه القاعدة‪ .‬جعل الفقه يجمع بأنه يتشكل من عنصرين أساسيين هما‪ :‬الركن املادي‬
‫املتمثل في السلوك الذي يمارسه األفراد مدة زمنية معينة والركن املعنوي الذي يكمن في الشعور‬
‫بإلزام تلك العادة املتبعة‪)5( .‬‬

‫‪ .I‬الركن املادي ‪ :‬يعني اعتياد األفراد على نوع من السلوك في خصوص أمر من أمور‬
‫حي اتهم االجتماعية‪ .‬حيث تنشأ بينهم عادة نتيجة إتباعهم لسلوك معين واطراد العمل به‪ .‬فهي عادة‬
‫ال تفرضها سلطة معينة كما هو الحال بالنسبة للتشريع‪ ،‬وال توحي بها جهة معينة كما هي الحال‬
‫ﹰ‬
‫وتلقائيا وبطريقة بطيئة من‬ ‫بالنسبة إلى القواعد التي استقر عليها القضاء أو الفقه‪ ،‬بل تنشأ فطرياﹰ‬
‫وقائع وأعمال وسلوكيات متبعة في مجتمع معين‪ ،‬والتي تصبح عادة دون تدخل صريح وال حتى قبول‬
‫ضمني من طرف املشرع‪)6( .‬‬

‫يجمع الفقه في العادة الذي يطرد تطبيقها من طرف األفراد والتي تشكل الركن املادي‬
‫للعرف‪ ،‬أن تستوفي الشروط التالية‪:‬‬
‫‪ - )1‬العادة قديمة‪ :‬وهي من مستلزمات االطراد‪ ،‬فال يقال أن الناس قد أطردوا على‬
‫سلوك محدد إال إذا كانت قد مضت مدة طويلة على إتباعهم هذا السلوك واعتيادهم عليه‪ .‬لكن‬
‫هل هناك مدة معينة يجب مرورها حتى يمكن القول بأن هذا االعتياد أو االطراد قديم؟ يجمع‬

‫(‪)1‬حسن كيره‪ ،‬حسين ‪ ،‬املدخل للقانون‪[ ،.‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.272‬‬


‫(‪ )2‬أحمد محمد الرفاعي‪ ،‬املدخل للعلوم القانونية (نظرية القانون)‪ ،‬ص ‪.165‬‬
‫‪(3) Jean-Louis Gazzaniga, « Rédaction des coutumes et codification ». Droits, n° 26, Année 1998, p. 71.‬‬

‫(‪ )4‬عبد املنعم فرج الصده‪ ،‬أصول القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪(5) Yvaine Buffelan-Lanore et Virginie Larribau-Terneyre, Droit civil. Introduction- op.cit, p. 32.‬‬

‫(‪ )6‬عبد الكريم الطالب ‪ ،‬الوجيز في املبادئ األساسية للقانون والحق( نظرية القانون ونظرية الحق) ‪([ ،‬مراكش)‪ :‬مكتبة املعرفة‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،]2005 ،‬ص ‪.53‬‬

‫‪43‬‬
‫الفقه بأنه ليس هناك حد أدنى يجب أن تبلغه هذه املدة‪ ،‬واألمر متروك تقديره للقاض ي الذي يقرر‬
‫ما إذا كان السلوك املتبع قد استقر في املجتمع أو أنه عبارة نزوة عابرة‪ .‬ألن املدة تختلف من عادة‬
‫إلى أخرى بحسب طبيعة املعامالت التي تنشأ منها العادات‪ ،‬فالعادات الزراعية تحتاج في تكوينها إلى‬
‫مدة أطول مما تحتاج إليه العادات التجارية‪)1( .‬‬

‫‪ - )2‬العادة عامة‪ :‬ال يعني شرط عمومية تطبيق السلوك أن يعمل به كل أفراد‬
‫املجتمع ألن هذا األمر لم يتحقق إال في الجماعات القديمة وقت أن كان عدد أفرادها قليل‪ ،‬أما اآلن‬
‫وقد اتسعت الجماعة وتعقدت وتنوعت عناصرها فإن االعتياد يكفي فيه أن يقتصر على فئة أو‬
‫أو املالك‬ ‫طائفة غير محددة بذاتها من الجماعة كالصناعيين أو املزارعين أو التجار أو البحارة‬
‫أو املستأجرين‪ .‬وتعتبر العادة عامة حتى لو سار عليها شخص واحد طاملا أنه غير معين بذاته‪ ،‬فمثالﹰ‬
‫حين يعتاد رئيس الجمهورية إصدار قرار معين في مناسبة معينة‪ ،‬فإن العادة باعتبارها ركناﹰ من‬
‫أركان العرف تقوم متى توافرت لها بقية الشروط (القدم والثبات)‪)2( .‬‬

‫‪ - )3‬العادة ثابتة‪ :‬واملقصود بالثبات االستقرار على مضمون املسلك أو العادة يعنى أن‬
‫يجرى الناس على إتباع مسلك معين دون انقطاع وبشكل واضح ظاهر للعيان ‪ ٠‬وال يؤثر في ثباتها‬
‫خروج بعض ىاألشخاص عليها في فترات متباعدة‪ ،‬فيكفى أتباعها من قبل الغالبية بانتظام معين‪)3(.‬‬

‫‪ )4‬هل يستلزم عدم مخالفة العادة للنظام واآلداب العامة‪ :‬تلك هي األمور التي يجب‬
‫توافرها فى االعتياد حتى يتوافر الركن األول للعرف ولكن البعض يضيف إلى ذلك أنه ال يكفى توافر‬
‫العموم والقدم والثبات‪ ،‬وإنما يجب أن يكون هذا املسلك أو اإلطراد غير مخالف للنظام العام‬
‫واآلداب‪ ،‬بمعنى أال يكون في إتباع هذا السلوك مساسا باألسس الرئيسية التي يقوم عليها املجتمع‪،‬‬
‫يستوي في ذلك أن يكون العرف إقليميا أو محليا أو مهنيا أو حتى شامال ‪ .‬يتطلب البعض هذا‬
‫الشرط فقط إذا كان العرف محليا أو مهنيا أو طائفيا حيث قد يتصادم مثل هذا العرف مع ما‬
‫يستقر في الجماعة من قواعد متعلقة بالنظام العام واآلداب‪ .‬أما إذا شمل إطراد العمل بالسلوك‬
‫جميع مناطق وفئات املجتمع‪ ،‬فمفترض في السلوك أنه مطابق وموافق للنظام واآلداب العامة‪)4(.‬‬

‫‪ .II‬الركن املادي ‪ :‬ال يكفي لقيام العرف أن تكون العادة بالشروط التي ذكرناها‪ ،‬بل يجب‬
‫كذلك أن يتوفر الركن املعنوي للعرف‪ ،‬بمعنى أن يتولد االعتقاد لدى الناس بأن هذه العادة ملزمة‬
‫باعتبارها قاعدة قانونية لها جزاء مادي توقعه السلطة العامة جبرﹰا على من يخالفها‪ ،‬شأنها في ذلك‬
‫شأن القاعدة التشريعية سواء بسواء‪)5 ( .‬‬

‫(‪ )1‬أحمد محمد الرفاعي‪ ،‬املدخل للعلوم القانونية (نظرية القانون)‪ ،‬ص ‪.169‬‬
‫(‪)2‬حسن كيره‪ ،‬حسين ‪ ،‬املدخل للقانون‪[ ،.‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.275‬‬
‫(‪ )3‬عبد املنعم فرج الصده‪ ،‬أصول القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.127‬‬
‫(‪ )4‬عبد الكريم الطالب ‪ ،‬الوجيزفي املبادئ األساسية للقانون والحق( نظرية القانون ونظرية الحق) ‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫(‪)5‬سمير تناغو‪ ،‬النظرية العامة للقانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.430‬‬

‫‪44‬‬
‫ﹰ‬
‫محققا‪ .‬ولذلك‬ ‫ويتكون هذا االعتقاد تدريجيا‪ ،‬حتى يأتي الوقت الوقت الذي يصبح فيه أمراﹰ‬
‫فإنه في مرحلة من مراحل هذا التكوين قد يختلف رأي الفقه وتتضارب أحكام املحاكم في أن عادة‬
‫معينة قد أصبحت عرفاﹰ‪ ،‬كما أن البعض يراها مجرد غادة ال ترتقي إلى مرتبة العرف ثم يعود بعد‬
‫ذلك فيعتبرها عرفاﹰ‪ .‬فإذا جاء الوقت الذي يسود االعتقاد فيه بأن هذه العادة أصبحت ملزمة‬
‫صارت عرفاﹰ ال سبيل إلى الجدال فيه وفي إلزامه‪)1 ( .‬‬

‫الخالصة‪ :‬إذا توافر ركنا العرف على النحو املتقدم‪ ،‬فإننا نكون بصدد قاعدة قانونية ملزمة‪،‬‬
‫وإن كانت تأتي في مرتبة تالية على القاعدة التشريعية املكتوبة وعلى مبادئ الشريعة اإلسالمية ‪.‬‬
‫وقد يكون العرف وطنياﹰ أو محلياﹰ أو ﹰ‬
‫مهنيا يخص األشخاص املنتمين ملهنة محددة ‪.‬‬

‫(جـ)‪ -‬تمييز العرف عن العادة‪ :‬الذي يميز العرف عن العادة بالشرح الذي عرضناه هو‬
‫الركن املعنوي‪ ،‬فطاملا لم يقم في ذهن الناس اعتقاد بأن عادة معينة أصبحت ملزمة‪ ،‬فإن هذه‬
‫العادة ال تعتبر عرفاﹰ‪ ،‬وال تكون قانوناﹰ ﹰ‬
‫ملزما‪ .‬ويرتب الفقه عن التمييز بين القاعدة العرفية والعادة‬
‫عدة نتائج عملية نوجزها على النحو ا التالي‪)2 ( :‬‬

‫‪ )1‬من حيث افتراض العلم بالقانون‪ :‬القاعدة العرفية قاعدة قانونية ما يفرض على‬
‫الكافة وعلى القاض ي العلم بها إذ ال يعذر أحد بجهله للقانون‪ .‬والقاض ي الذي يرفض الفصل في‬
‫نزاع مبني على قاعدة عرفية يكون قد ارتكب جريمة إنكار العدالة‪.‬أما العادة هي مجرد وقائع ال‬
‫يفترض علم الناس بها وال القاض ي بها‪.‬‬
‫‪ )2‬من حيث الخضوع لرقابة املحكمة العليا‪ :‬يخضع القاض ي عند تطبيقه للقاعدة‬
‫العرفية كقانون مطبق على النزاع املعروض عليه لرقابة املحكمة العليا‪ ،‬ألن القاض ي كأصل عام‬
‫يخضع في تطبيقه للقانون (التشريع‪ ،‬مبادئ الشريعة‪ ،‬العرف‪ ،‬مبادئ القانون الطبيعي وقواعد‬
‫العدالة) لهذه الرقابة حماية ملصالح األفراد وتحقيقاﹰ للعدالة‪ .‬أما العادة فإن القاض ي حر في‬
‫االعتداد بها واستخالصها‪ ،‬إذ يجوز له قبولها أو استبعادها‪ ،‬ألن كل الوقائع تدخل في صميم‬
‫السلطة التقديرية الواسعة للقاض ي‪.‬‬
‫‪ )3‬من حيث اإلثبات‪:‬ملا كان العرف قاعدة قانونية فإن عبء إثباته ال يقع على من يتمسك‬
‫به وحده‪ ،‬وإنما على املحكمة نفسها التي لها الحق في أن تثبت وجوده من تلقاء نفسها‪ ،‬وأن تطبقه‬
‫ولو لم يطلب األطراف ذلك‪ .‬وقد مكن القضاء األطراف واملحكمة عند إثباتها للعرف من عدد من‬

‫(‪ )1‬عبد املنعم فرج الصده‪ ،‬أصول القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.129‬‬
‫(‪ )2‬عبد املنعم فرج الصده‪ ،‬أصول القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪ .132 -.129‬عبد الكريم الطالب‪ ،‬الوجيز في املبادئ األساسية‬
‫للقانون والحق‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪ .58 -56‬حمدي عبد الرحمن‪ ،‬فكرة القانون‪[ ، :‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪.206 -205‬‬
‫حمدي عبد الرحمن‪ ،‬مبادئ القانون‪ :‬نظرية القانون‪ -‬نظرية الحق‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪.102 -101‬‬

‫‪45‬‬
‫وسائل اإلثبات منها‪ :‬الدفاتر والسجالت التي دونت فيها األعراف‪ -‬شهادة الشهود‪ -‬الخبر‪ -‬الشهادات‬
‫التي تصدرا غرفة التجارة أو النقابات املهنية‪ .‬أما العادة فهي مجرد واقعة وال يقع عبء إثبات‬
‫وجودها إال على من يتمسك بها‪.‬‬
‫(د)‪ -‬تطبيق العرف‪ :‬الوظيفة األساسية للعرف هي تكملة النقص املوجود في التشريع أو‬
‫غياب مبدأ من املبادئ العامة للشريعة اإلسالمية‪ ،‬وعلى هذا النحو يأتي العرف في املرتبة الثالثة‬
‫بعد التشريع ومبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فإذا لم يجد القاض ي قاعدة تشريعية أو مبدأ ﹰ‬
‫عاما‬
‫يطبقه على النزاع املعروض عليه التجأ إلى العرف‪ ،‬وهذه حالة العرف املكمل للتشريع (‪ .)1‬يضاف‬
‫إلى ذلك أن املشرع قد يتعرض ملسألة معينة ويعالجها‪ ،‬لكنه يستعين في القاعدة التي يضعها‬
‫بالعرف لتحقيق أغراض مختلفة‪ ،‬كتنظيم هذه املسألة من أساسها‪ ،‬أو تحديد بعض املعايير املرنة‬
‫في شأنها‪ ،‬أو تفسير نية املتعاقدين‪ ،‬وهذه حالة العرف املفسر للتشريع (‪ .)2‬كما أن املشرع قد يرى‬
‫في بعض الحاالت أن القاعدة العرفية أكثر مالئمة من القاعدة التشريعية‪ ،‬فيضع هذه األخيرة‬
‫ولكنه يجعل للقاعدة العرفية األفضلية عليها إن وجدت‪ ،‬وهذا ما يثير البحث في حالة العرف‬
‫املخالف للتشريع‪)3( .‬‬
‫‪ )1‬العرف املكمل للتشريع‪ :‬ال يمكن تطبيق القاعدة العرفية في حالة وجود نص‬
‫تشريعي ينظم املسألة موضوع النزاع‪ ،‬بل حتى في حالة عدم وجود نص تشريعي ال يرجع القاض ي إلى‬
‫العرف إال في حالة إغفال مبادئ الشريعة اإلسالمية للمسألة موضوع الخالف‪ ،‬وذلك لكونها‬
‫املصدر االحتياطي األول فتتقدم على العرف من حيث التطبيق‪ .‬من هنا يظهر أن العرف له دور‬
‫تكميلي للتشريع‪ ،‬فحين يغفل هذا األخير تنظيم مسألة ما أو تنظيم جزء منها يرجع القاض ي إلى‬
‫«‬ ‫مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فإن لم يجد حكما يلجأ إلى العرف‪ .‬ويضيف بعض الفقه بأنه‬
‫يتعين على القاض ي أن يكمل ما في التشريع من نقص باالستعانة بالقواعد العرفية‪ ،‬فالدور الذي‬
‫يقوم ب العرف في تكميل التشريع يفترض نقصاﹰ في التشريع أي عدم وجود قاعدة تشريعية تحكم‬
‫الحالة املعروضة»‪)1(.‬‬

‫الخالصة‪ :‬مما تقدم يتضح جلياﹰ بأن القاعدة التشريعية أسمى مرتبة من القاعدة‬
‫العرفية‪ ،‬لذا ال يمكن للقاعدة العرفية أن تخالف قاعدة تشريعية أعلى منها‪ ،‬وباملقابل‬
‫يمكن للقاعدة التشريعية أن تخالف القاعدة العرفية بل ولها أن تلغيها‪.‬‬

‫(‪ )1‬حبيب إبراهيم الخليلي‪ ،‬املدخل للعلوم القانونية‪ [ .‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .106‬ويرجع سبب نشوء العرف املكمل للتشريع إلى‬
‫ضغط الحياة االجتماعية التي تجعل التشريع يوماﹰ بعد يوم عاجزاﹰ عن تلبية ومسايرة متطلبات الحياة االجتماعية املتطورة بشكل‬
‫شديد االطراد والتعقيد‪ .‬عبد الكريم الطالب ‪ ،‬الوجيز في املبادئ األساسية للقانون والحق( نظرية القانون ونظرية الحق) ‪ [ ،‬املرجع‬
‫السابق]‪ ،‬ص ‪.80‬‬

‫‪46‬‬
‫‪ )2‬العرف املساعد للتشريع‪ :‬في هذه الحالة لسنا بصدد نقص في التشريع يكمله‬
‫العرف‪ ،‬وإنما بصدد تشريع يمدنا بنصوص تنظم مسألة ما يحتاج القاض ي عند تطبيقها إلى‬
‫االستعانة بالعرف‪ ،‬لذا سمي العرف في ذا الحالة بالعرف املساعد أو املعاون‪)1( .‬‬

‫ويكون للعرف املساعد للتشريع وظائف عديدة منها (‪( :)2‬أ) تفسير نية املشرع وهذا ما نصت‬
‫عليه املادة ‪ 365‬من القانون املدني « إذا عين في عقد البيع مقدار املبيع كان البائع مسؤوالﹰ عما‬
‫نقص منه بحسب ما يقص ي بع العرف‪ .»...‬ففي هذا النص يتضح بأن املشرع نظم املسألة املتعلقة‬
‫بنقص الش يء املبيع وحمل البائع املسؤولية‪ ،‬لكنه املشرع فضل إحالة تحديد مقدار هذه املسؤولية‬
‫إلى العرف الذي يفسر نية املشرع‪( .‬ب) قد يكون العرف أكثر مالئمة في تنظيم املصالح الخاصة‬
‫لألفراد من القاعدة التشريعية‪ ،‬فقد يترك املشرع لألفراد تنظيم بعض املسائل غير أن إغفال‬
‫تنظيمهم لها وارد في الكثير من الحاالت‪ ،‬لذا ينظم املشرع املسألة ويحيل كذلك إلى العرف‪ ،‬وها ما‬
‫نصت عليه املادة ‪ 1/387‬من القانون املدني التي تنص على أنه « يدفع ثمن البيع في مكان التسليم‬
‫ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقض ي بغير ذلك‪.»...‬‬
‫‪ )3‬مدى قدرة العرف على مخالفة التشريع أو إلغائه‪ :‬أشرنا فيما سبق إلى أن العرف‬
‫احتياطيا‪ ،‬ال يلجأ إليه القاض ي إال في حالة غياب التشريع أو عدم وجود مبدأ من‬
‫ﹰ‬ ‫يعد مصدراﹰ‬
‫مبادئ الشريعة اإلسالمية تحكم النزاع املعروض عليه‪ .‬ويترتب على هذا القول أنه ال يجوز للعرف‬
‫مخالفة القواعد التشريعية‪ ،‬غير أن بعض الفقه يميز حالتين في هذا الخصوص‪:‬‬
‫الحالة األولى‪ :‬مخالفة العرف للقاعدة التشريعية املكملة‪ :‬انتهينا في محاضراتنا‬
‫السابقة إلى أن القاعدة املكملة هي التي تضع تنظيم نموذجي ملسائل محددة وتسمح‬
‫لألفراد بوضع تنظيمهم الخاص لهذه املسائل حتى ولو كان مخالفاﹰ لتنظيم القاعدة‬
‫املكملة‪ .‬وملا كان األمر كذلك فمن باب أولى يجوز أن يخالف القاعدة املكملة‪ ،‬وهذا ما‬
‫قررته املادة ‪ 388‬من القانون املدني التي تنص على أنه « يكون ثمن املبيع مستحقاﹰ في‬
‫الوقت الذي يقع فيه تسليم املبيع ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقض ي بخالف ذلك»‪.‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬مخالفة العرف للقاعدة القانونية اآلمرة‪ :‬يحصل في الحياة العملية‬
‫أن تتنازع قاعدة عرفية في قانون خاص مثل القانون التجاري أو قانون العمل مع‬
‫قاعدة آمرة تنتمي للشريعة العامة أي للقانون املدني‪ .‬حيث يتقدم تطبيق العرف‬
‫التجاري أو العمالي على القاعدة اآلمرة املنصوص عليها في القانون املدني‪ .‬ويجد هذا‬
‫التطبيق أساسه في قاعدة أن « الخاص يقيد العام » (‪ )3‬والتي تعني عدم تطبيق‬
‫القواعد العامة املنصوص عليها في القانون املدني في حالة وجود قواعد قانونية في‬
‫القانون الخاص التي تتكفل بتنظيم املسألة موضوع النزاع‪ ،‬وعليه فإن القواعد العامة‬

‫(‪ )1‬حبيب إبراهيم الخليلي‪ ،‬املدخل للعلوم القانونية‪ [ .‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.107‬‬
‫(‪ )2‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.259‬‬
‫(‪ )3‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.263‬‬

‫‪47‬‬
‫ال تطبق إال في حالة عدم وجود قاعدة خاصة‪ .‬وفي هذا الشأن نصت املادة ‪ 77‬من‬
‫القانون املدني على أنه « ال يجوز لشخص أن يتعاقد مع نفسه باسم من ينوب عنه‬
‫سواء أكان التعاقد لحسابه أو لحساب شخص آخر دون ترخيص من األصيل‪ ،‬على أنه‬
‫يجوز لألصيل في هذه الحالة أن يجيز التعاقد‪ ،‬كل ذلك مع مراعاة ما يخالفه مما‬
‫يقض ي به القانون وقواعد التجارة»‪ .‬وعليه فإن القاعدة اآلمرة في القانون املدني تمنع‬
‫الشخص من أن يتعاقد مع نفسه وتسمح بذلك في حالة موافقة األصيل‪ ،‬ما لم توجد‬
‫قاعدة عرفية تجارية التي يمكن لها أن تجيز التعاقد دون شرط اإلجازة من األصيل‪.‬‬
‫وكذلك ما نصت عليه املادة ‪ 449‬من القانون املدني بقولها أنه « ال تنطبق مقتضيات‬
‫هذا الفصل على الشركات التجارية إال فيما ال يخالف القوانين التجارية والعرف‬
‫التجاري »‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة‬

‫تعتبر مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة املصدر االحتياطي الثالث واألخير الذي‬
‫نصت عليه املادة األولى من القانون املدني الجزائري‪ ،‬وهكذا ال يرجع القاض ي إلي هذه املصادر ‪-‬‬
‫مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة‪ -‬إال في حالة نظره في نزاع ال يوجد بشأنه قاعدة تشريعية‬
‫ولم يتناوله مبدأ من مبادئ الشريعة اإلسالمية ولم تنظمه قاعدة عرفية‪.‬‬
‫لكن ماذا تعني مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة (ثانيا)‪ ،‬وما املقصود بإحالة القاض ي‬
‫إلى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة (ثالثا)‪ ،‬وما هي التطبيقات القضائية ملبادئ القانون‬
‫الطبيعي وقواعد العدالة (رابعا)‪ ،‬وقبل هذا ملاذا اعتبرت مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة‬
‫مصدر من مصادر القانون الوضعي الجزائري (أوال)‪.‬‬
‫أوال‪ -‬الحكمة من اعتبار مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة مصدر للقانون‬
‫الوضعي الجزائري‪ :‬يرجع الفقه سبب جعل مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة مصدر من‬
‫مصادر التشريع إلى سببين هما‪)1 ( :‬‬

‫من جهة أولى إلى عدم كفاية املصدر الرسمي املتمثل في التشريع واملصدرين االحتياطيين‬
‫املتمثلين في املبادئ العامة للشريعة اإلسالمية والعرف على تنظيم كل املسائل التي تتعلق‬
‫بتعقيدات الحياة االجتماعية وتطورها وانفتاح املجتمع الجزائري على سائر املجتمعات نتيجة‬
‫العوملة‪ .‬مما خالق مجموعة من املسائل التي استعصت على القانون مواكبتها السريعة بالتنظيم‬
‫والتأطير القانوني‪ ،‬األمر الذي يمنع العدالة الخاصة في اقتضاء الحقوق الفردية ويمس بالسلم‬
‫األهلي داخل املجتمع‪.‬‬

‫(‪ )1‬عبد املنعم فرج الصده‪ ،‬أصول القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .149‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.262‬‬

‫‪48‬‬
‫ومن جهة ثانية وأمام عدم كفاية املصادر السابقة فإن هناك واجب يقع على القاض ي‬
‫يتمثل في إلزامية فصله في النزاع الذي يعرض عليه‪ ،‬وفي حالة احتجاجه بعدم وجود القواعد‬
‫القانونية التي تحكم النزاع فأنه يعتبر مرتكبا لجريمة إنكار العدالة‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬معنى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة‪ :‬القانون الطبيعي مفهوم متغير‬
‫ومتطور بقي قاصراﹰ على املبادئ العامة التي تتقاسمها الشعوب والتي يهتدي بها املشرع عند وضعه‬
‫للقانون‪ .‬وذهب جانب من الفقه املعاصر إلى أن القانون الطبيعي هو « مجموعة القواعد أو املبادئ‬
‫التي يستخلصها العقل البشري من الطبيعة لتنظيم الروابط االجتماعية باعتبارها املثل األعلى‬
‫الذي يهتدي به املشرع الوضعي حتى يقترب من الكمال‪ ،» .‬أما قواعد العدالة فهي « شعور كامن‬
‫في النفس يكشف عنه العقل السليم ويهدف إلى إيتاء كل ذي حق حفه‪ ،‬أي تحقيق املساواة بين‬
‫الحاالت املتماثلة مع مراعاة ظروفها ومالبساتها »‪ .‬والسبب في إقران العدالة بقواعد القانون‬
‫الطبيعي يرجع إلى أن هذا القانون عبارة عن املبادئ التي تكون املثل األعلى الذي ال يتغير‪،‬‬
‫فهي مشتركة بين جميع األمم‪ ،‬ويجب على املشرع في كل بلد وفي كل زمان أن يترسمها ويعمل‬
‫على هداها‪ .‬أما العدالة فهي التي تتكفل بتطبيق هذه املبادئ في حلول تراعى فيها ظروف كل‬
‫حالة على حدة‪)1( .‬‬

‫ويخلص مما تقدم إلى أن مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة ال تعتبر مصدراﹰ رسمياﹰ‬
‫للقاعدة القانونية باملعنى الصحيح‪ ،‬فهي ال تمد القاض ي بقاعدة مجردة وعامة كما هو شأن‬
‫التشريع أو العرف أو مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وإنما تلهمه إلى حل يطبقه على النزاع املعروض‬
‫عليه إذا لم يجد قاعدة في هذه املصادر‪)2 ( .‬‬

‫ثالثا‪ -‬املقصود بإحالة القاض ي إلى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة‪ :‬رأينا أن‬
‫املادة األولى من القانون املدني الجزائري تحيل القاض ي إلى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة‬
‫إذا لم يجد نصاﹰ في التشريع وال قاعدة في الشريعة اإلسالمية أو في العرف‪ .‬وقد اتضح أن هذه‬
‫املبادئ والقواعد هي في الحقيقة مصادر مادية أو موضوعية يستعين بها املشرع لتحديد القاعدة‬
‫القانونية‪ ،‬وليست بمصادر رسمية يطبقا القاض ي على النزاع املعروض عليه‪ ،‬أنها ال تمنح القاض ي‬
‫ضابط يقيني لحل النزاع املعروض عليه‪ ،‬وإنما هي تلزمه أن يجتهد رأيه حتى يقطع عليه سبيل‬
‫ارتكاب جريمة إنكار العدالة‪( .‬ومن ثم فإن إحالة القاض ي إلى هذه املبادئ والقواعد إنما يقصد بها‬
‫تكليفه بأن يجتهد برأيه للوصول إلى حل يطبقه على املسألة املعروضة أمامه طاملا لم يجد نصاﹰ في‬
‫التشريع وال في مبادئ الشريعة اإلسالمية أو في العرف‪ .‬ويرتب الفقه على هذه اإلحالة نتيجتين‬
‫رئيسيتين هما‪)3( :‬‬

‫(‪ )1‬إسماعيل عبد النبي شاهين‪ .‬املدخل لدراسة العلوم القانونية‪ .‬القسم األول‪ :‬نظرية القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.197‬‬
‫(‪ )2‬عبد املنعم فرج الصده‪ ،‬أصول القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.152‬‬
‫(‪ )3‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.263‬‬

‫‪49‬‬
‫النتيجة األولى‪ :‬عندما يقوم القاض ي بعملية االجتهاد على أساس قواعد ومبادئ‬
‫القانون الطبيعي والعدالة فإنه ال يقرر أو يضع قاعدة عامة ومجرة‪ ،‬وإنما يجتهد للوصول إلى حل‬
‫يراعي فيه جانب العدالة التي ينظر فيها إلى ظروف كل حالة بعينها‪.‬‬
‫النتيجة الثانية‪ :‬استلهام القاض ي ملبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة إنما‬
‫يقتصر على حالة عدم وجود حكم في التشريع أو في مبادئ الشريعة اإلسالمية أو في العرف‪ .‬فإذا‬
‫وجد حكم في أي من هذه املصادر وجب على القاض ي أن يطبقه‪ ،‬حتى لو بدا له حكما ظاملاﹰ ترفضه‬
‫وتأباه العدالة‪ .‬كما أن غموض النص التشريعي أو إبهامه ال يبيح للقاض ي أن يعدل عنه إلى هذه‬
‫املبادئ والقواعد‪ ،‬بل يجب عليه أن يعمل على تجلية النص للوصول إلى الحكم الذي يقرره عن‬
‫طريق التفسير‪.‬‬
‫رابعا‪ -‬التطبيقات القضائية ملبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة‪ :‬رجعت املحاكم إلى‬
‫القانون الطبيعي وقواعد العدالة وطبقتها في أحوال مختلفة نذكر منها‪)1( :‬‬

‫‪ -1‬التعسف في استعمال الحق‪ :‬استطاع القضاء أن يقرر مسؤولية صاحب الحق‬


‫إذا هو تعسف في استعمال حقه وترتب على فعله هذا إضرار بالغير‪ .‬فاملالك الذي يقيم جداراﹰ عاليا‬
‫في ملكه‪ ،‬به يحجب الهواء والنور عن جاره‪ ،‬أو رب العمل الذي يفصل العامل دون أن يرتكب خطأﹰ‬
‫أو تقصيراﹰ في عمله مما يلحق الضرر املؤكد بالعامل املفصول‪ .‬فرد القضاء نظرية التعسف في‬
‫استعمال الحق إلى قواعد العدالة‪.‬‬
‫‪ -2‬مسؤولية عديم التمييز‪ :‬اعتبرت املحاكم – قبل تنظيم املسألة من طرف املشرع‪-‬‬
‫أن مسؤولية عديم التمييز حالة غير منصوص عليها في القانون‪ ،‬إال أن قواعد العدالة تقض ي بقيام‬
‫مسؤولية املجنون عما أحدثه من أضرار بالغير‪.‬‬
‫وأمام قلة الحاالت التي طبق فيها القضاء قواعد القانون الطبيعي ومبادئ العدالة انتهى كل‬
‫من جيني ‪ Gény‬وكابتان ‪ Capitant‬وبالنيول ‪ Planiol‬إلى أن هناك ضرورة في حصر القانون‬
‫الطبيعي في بعض املبادئ العامة السامية واملثالية‪ ،‬عوض النظرة املوسعة التي كان يحظى بها هذا‬
‫القانون في القرون الوسطى‪ .‬عندما كان يقترح حلوالﹼ أزلية ملؤسسات قانونية مختلفة ودقيقة‬
‫كالنفقة بين األقارب‪ ،‬أو الزواج‪ ،‬أو امللكية‪ .‬واقترح هؤالء الفقهاء نظرة مختصرة للقانون الطبيعي‬
‫أو الوفاء‬ ‫متمثلة في اختزاله في بعض املبادئ‪ ،‬كمفهوم العدالة‪ ،‬واحترام الذات البشرية‪،‬‬
‫بالعهود‪ ،‬أو احترام امللكية العامة‪)2( .‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬املصادرالتفسيرية للقاعدة القانونية‬

‫(‪)1‬إسماعيل عبد النبي شاهين‪ .‬املدخل لدراسة العلوم القانونية‪ .‬القسم األول‪ :‬نظرية القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.196‬‬
‫(‪ )2‬محمد بقيق ‪ ،‬مدخل عام لدراسة القانون‪ :‬مفهوم القانون‪ -‬أساس القانون‪ -‬مصادر القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪-134‬‬
‫‪.135‬‬

‫‪50‬‬
‫إلى جانب املصادر الرسمية التي ذكرتها املادة األولى من القانون املدني‪ -‬التشريع‪ ،‬واملبادئ‬
‫العامة للشريعة اإلسالمية‪ ،‬والعرف ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة‪ -‬هناك مصدران‬
‫تفسيريان هما القضاء والفقه‪ .‬ويراد باملصدر التفسيري املرجع الذي يساعد على تجلية وتوضيح ما‬
‫في القاعدة القانونية من غموض وإزالة ما فيها من إبهام‪ )1( .‬ألن تطبيق القاعدة القانونية من‬
‫مصادرها الرسمية يسبقها مرحلة مهمة هي تفسير القاعدة القانونية‪ ،‬والجهة املنوط بها القيام‬
‫بعملية التفسير‪ ،‬هي الفقه والقضاء‪ ،‬على أن دورهما يقتصر أصالﹰ على تفسير النصوص القانونية‪،‬‬
‫ﹰ‬
‫رسميا للقانون خاصة وأن تفسيرهما ال يلزم أحد في النظام القانوني‬ ‫فال يعتبران إذن مصدراﹰ‬
‫الجزائري‪ .‬لذا اعتبر بعض الباحثين أن الفقه والقضاء من مصادر إلقناع‪ ،‬ال من مصادر القانون‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وعلى الرغم من أن الفقه والقضاء ليسا سوى مصدرين تفسيريين إال أنهما يؤديان دوراﹰ‬
‫ﹰ‬
‫هاما‪ ،‬ألن القضاء يعتبر املظهر العملي للقانون‪ ،‬بينما يعد الفقه املظهر العلمي له‪ .‬ولذا سنتناول‬
‫كل منهما في مطلب مستقل‪ ،‬نخصص (املطلب األول) لدراسة القضاء‪ ،‬ونعرض للفقه في (املطلب‬
‫الثاني)‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬القضاء‬

‫في القانون األنجلو سكسوني فلسفة القانون‬ ‫‪jurisprudence‬‬ ‫يراد بمصطلح القضاء‬
‫أو النظرية العامة للقانون‪ ،‬وفي الجزائر وفرنسا فإن معنى هذا املصطلح مغاير تماماﹰ لذلك حيث‬
‫يراد به « مجموعة األحكام الصادرة عن القضاء خالل فترة زمنية محددة‪ ،‬في مادة معينة (القضاء‬
‫العقاري‪ ،‬قضاء املسؤولية املدنية) أو في فرع من فروع القانون (القضاء املدني‪ ،‬القضاء اإلداري‪،‬‬
‫القضاء الجنائي) أو في كل فروع القانون»‪)3( .‬‬

‫وإذا كانت وظيفة القاض ي الفصل في املنازعات املعروضة عليه‪ ،‬بتطبيق القواعد التشريعية‬
‫فإن لم يجد فمبادئ الشريعة اإلسالمية فإن لم يجد فالعرف فإن لم يجد فقواعد القانون‬
‫الطبيعي ومبادئ العدالة‪ .‬والقاض ي في قيامه بهذه الوظيفة ال يخلق القاعدة القانونية ولكنه يبحث‬
‫عنها ثم يطبقها‪ .‬لذلك يعبر عن هذا الوضع بأن وظيفة القاض ي هي إعمال وتطبيق حكم القانون‬
‫وليس إنشائه‪ .‬ومع ذلك فقد ثار التساؤل ملعرفة ما إذا كان القاض ي يلتزم بهذه القاعدة بصفة‬
‫مطلقة أم ال؟ ومثار هذا التساؤل هو أن القاض ي قد يجد نفسه أمام نزاع ال يجد له قاعدة قانونية‬
‫تحكمه وفقاﹰ للمصادر القانونية الرسمية السابق بيانها‪ ،‬وقد يجد نفسه أمام قاعدة قانونية‬

‫(‪ )1‬غالب علي الداودي ‪ ،‬املدخل إلى علم القانون‪([ ،‬عمان)‪ :‬دار وائل للنشر‪ ،‬الطبعة السابعة‪ ،]2004 ،‬ص ‪.179‬‬
‫(‪ )2‬أحمد السعيد الزقرد ‪ ،‬املدخل للعلوم القانونية‪ .‬الكتاب األول‪ :‬نظرية القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪.320 -319‬‬
‫‪(3) J. Puigelier, Temps et création jurisprudentielle. Bruxelles, Bruylant, 2012, p. 35.‬‬

‫كما يطلق القضاء على مجموعة املحاكم في بلد معين‪ ،‬هذه املحاكم هي التي تتولى تطبيق القواعد العامة واملجردة على ما يعرض عليها‬
‫من منازعات‪ .‬السعيد الزقرد ‪ ،‬املدخل للعلوم القانونية‪ .‬الكتاب األول‪ :‬نظرية القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .320‬غالب علي‬
‫الداودي ‪ ،‬املدخل إلى علم القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.321‬‬

‫‪51‬‬
‫غامضة وغير محددة املعنى‪ .‬فهل يمتنع القاض ي عن الفصل في النزاع بحجة عدم وجود القاعدة‬
‫القانونية أصالﹰ أو لغموضها‪ ،‬خاصة وأنه ملزم بالبت في النزاعات وال يجوز له التخلي عن هذه‬
‫الوظيفة وإال اعتبر مرتكباﹰ لجريمة إنكار العدالة ؟‬
‫اإلجابة على هذه األسئلة تختلف بين الدول التابعة للنظام األنجلوسكسوني ( مثل بريطانيا‪،‬‬
‫أستراليا‪ ،‬جنوب إفريقيا‪ ،‬نيوزيلندا) الذي يأخذ بالسابقة القضائية‪،‬والدول التابعة للنظام الالتيني‬
‫الجرماني ( مثل أملانيا فرنسا‪ ،‬الجزائر‪ ،‬مصر)‪.‬‬
‫‪Anglo-saxon‬‬ ‫ﹰ‬
‫رسميا للقانون في النظام األنجلوسكسوني‬ ‫أوال‪ -‬القضاء مصدر ﹰا‬
‫(بريطانيا نموذجاﹰ)‪ :‬القانون في البلدان التي أخذت بالنظام األنجلوسكسوني قانون غير مكتوب من‬
‫جهة‪ ،‬ويعتد بقاعدة السابقة القضائية ‪ la règle du précédent‬من ناحية أخرى(‪ .)1‬وعليه يعتبر‬
‫ﹰ‬
‫استثنائيا‪ .‬فالقانون‬ ‫رسميا من مصادر القانون‪ ،‬بينما يكون التشريع مصدراﹰ‬
‫ﹰ‬ ‫القضاء مصدراﹰ‬
‫اإلنجليزي تكون من خالل األحكام التي كان القضاء يصدرها‪ ،‬وملعرفة مضمون ومحتوى هذا‬
‫القانون وجب الرجوع إلى هذه األحكام واستخالصها منه‪ .‬ومازال التشريع كمصدر رسمي للقانون في‬
‫ﹰ‬
‫استثنائيا ال يلجأ إليه إال بقصد تكملة أو تعديل القانون الذي تكون‬ ‫بريطانيا إلى يومنا هذا حدثاﹰ‬
‫قضائيا ﹰ‬
‫بحتا‪)2( .‬‬ ‫ﹰ‬ ‫ﹰ‬
‫تكوينا‬
‫لذلك يلتزم القاض ي اإلنجليزي عند فصله في دعوى مرفوعة إليه بأن يبحث في السوابق‬
‫القضائية التي فصلت في دعوى مماثلة للدعوى التي ينظر فيها‪ ،‬وله االستعانة بكتب الفقهاء التي‬
‫تهديه إليها‪ .‬وتعتبر السوابق القضائية ملزمة إذا كانت الحكم صادراﹰ من مجلس اللوردات (محكمة‬
‫عليا)‪ ،‬فيلزم كل املحاكم الدنيا وال يجوز تعديله إال بتشريع الحق‪ .‬وليس على املتقاض ي إال أن‬
‫يبحث عن سابقة قضائية ملزمة فتحكم لصالحه املحكمة من أو جلسة‪ ،‬وليس من الالزم أن تكون‬
‫هذه السابقة قد أصبحت قضاءﹰ مستقراﹰ عليه حتى تعتبر حجة‪ ،‬بل يكفي أن يصدر الحكم واحد‬
‫فيعتبر سابقة قضائية‪)3( .‬‬

‫(‪ )1‬ويقصد بالسابقة القضائية أن املحاكم الدنيا تكون مقيدة بأحكام املحاكم األعلى درجة منها‪ ،‬وتكون املحاكم العليا مقيدة باألحكام‬
‫التي صدرت عنها‪ ،‬مما يجعل للحكم القضائي قوة إلزامية في العمل‪ .‬ويجب العمل بالسابقة القضائية في كل القضايا املماثلة‪ ،‬وال يصح‬
‫إلغاء العمل بها إال بقانون يقره البرملان‪ ،‬فالسوابق القضائية هي املصدر الرسمي األول للقانون في البالد األنجلوسكسونية‪ ،‬أما التشريع‬
‫مكمال للسوابق القضائية‪ .‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬الهامش ‪ ،4‬ص ‪ .269‬حسن كيره‪،‬‬ ‫ﹰ‬ ‫فال يعتبر إال مصدراﹰ‬
‫املدخل للقانون‪[ .‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .215‬أو هي القيمة التي يقررها النظام القضائي للقرارات القطعية الصادرة من املحاكم ذات‬
‫االختصاص فيما يعرض عليها من قضايا‪ ،‬وأثر تلك األحكام في الدعاوى املماثلة التي ترفع أمام القضاء فيما بعد‪ ،‬فهل يعتبر القضاة‬
‫أنفسهم ملزمين عند حدوث دعوى جديدة بإتباع القرارات التي سبق وأن أقروها في قضايا سابقة مماثلة للدعاوى الجديدة بالوقائع‬
‫األساسية ومشابهة لها في التكوين‪ .‬عبد الرحمن البزاز‪ « .‬السوابق القضائية»‪ [ ،‬مجلة القضاء‪ .‬العدد ‪ ،1‬السنة ‪ ،]1945‬ص ‪.37‬‬
‫(‪ )2‬عبد هللا مبروك النجار ‪ ،‬أصول القواعد القانونية دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي‪([ ،‬القاهرة)‪ :‬دون دار نشر‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪ ،]2006‬ص ‪.425‬‬
‫(‪ )3‬عبد هللا مبروك النجار ‪ ،‬أصول القواعد القانونية دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي‪ [ .‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.426‬‬

‫‪52‬‬
‫ﹰ‬
‫رسميا للقانون في النظام الالتيني الجرماني ‪Latino-‬‬ ‫ثانيا‪ -‬مدة اعتبار القضاء مصدر ﹰا‬
‫‪( germanique‬الجزائرنموذجاﹰ)‪ :‬القانون في البلدان التي أخذت بالنظام الالتيني الجرماني يهيمن‬
‫عليه التشريع ووظيفة القاص ي تطبيق القانون ال غير‪ .‬وال يخرج القاض ي عن هذه الوظيفة حتى ولو‬
‫قام بتفسير النص التشريعي كونه غامضاﹰ أو ناقصاﹰ‪ ،‬ألن دوره هنا يقف عند البحث عن املعنى‬
‫الحقيقي للحكم الذي تضمنته القاعدة القانونية‪.‬‬
‫ﹰ‬
‫رسميا للقانون إلى اتجاهين‪ ،‬األول‬ ‫لكن الفقه انقسم حيل مدى اعتبار القضاء مصدرﹰا‬
‫ينكر عليه ذلك‪ ،‬والثاني يقر له بهذا الدور‪.‬‬
‫ﹰ‬
‫رسميا للقانون‪ :‬ويرجع الفقه هذا األمر‬ ‫(أوال)‪ -‬االتجاه الر افض العتبار القضاء مصدر ﹰا‬
‫إلى الحجج التالية‪:‬‬
‫‪ )1‬مبدأ الفصل بين السلطات‪ :‬فكل سلطة لها وظيفتها وال يجوز لسلطة أن تعتدي على‬
‫سلطة أخرى وتمارس جزء من وظيفتها‪ .‬أما السلطة التنفيذية فوظيفتها تنفيذ القوانين الصادرة‬
‫عن السلطة التشريعية وإدارة املرافق العمومية‪ ،‬وفيما يتعلق بوظيفة السلطة التشريعية فهي‬
‫كممثلة عن للشعب تسن التشريعات التي تضبط وتنظم املعامالت القانونية في املجتمع‪ ،‬أما‬
‫السلطة القضائية فمهمتها الفصل في املنازعات التي تنظر فيها عن طريق إنزال أحكام القانون‬
‫عليها‪ ،‬وليست مؤهلة أو مختصة بإنشاء القوانين التي تبقى في االختصاص املحجوز للسلطة‬
‫التشريعية‪)1( .‬‬

‫‪ )2‬األحكام القضائية ال تحوز خاصية العمومية والتجريد‪ :‬بخالف القواعد القانونية‬


‫التشريعية أو العرفية فإن األحكام الصادرة عن املحاكم ال تحوز خاصية العمومية والتجريد‪ ،‬ألنها‬
‫تصدر بمناسبة نظر القضاء في نزاع محدد والذي يكون قائماﹰ بين شخصين وأكثر ومن ثم فإن‬
‫الحل الذي يهتدي إليه القاض ي يعني تلك الحالة دون غيرها‪ ،‬وال يمكن بأي حال من األحوال اعتبار‬
‫هذا الحل بمثابة قاعدة قانونية‪)2(.‬‬

‫‪ )3‬الحجية النسبية للش يء املقض ي به‪ :‬طبقا للمادة ‪ 1/338‬من القانون املدني فإنه ال‬
‫يكون للحكم الصادر في نزاع محدد حجية إال في مواجهة نفس األطراف وبالنسبة لنفس النزاع‬
‫ولنفس السبب‪ .‬وعليه يمكن للمحكمة العليا من باب أولى أن تتراجع على القضاء الذي استقرت‬
‫عليه في وقت سابق‪ ،‬لذا فإن قضاة املحاكم الدنيا غير ملزمين قانوناﹰ بإتباع أحكام املحكمة العليا‪،‬‬
‫وإذا حصل أن احترموا هذه األحكام فذلك بسبب القيمة األدبية لهذه األحكام وليس لالعتبارات‬
‫القانونية‪ .‬ويرى بعض الباحثين أن دور املحكمة العليا في توحيد االجتهاد القضائي في البالد والذي‬
‫نصت عليه املادة ‪ 2/179‬من دستور سنة ‪ 2020‬بقولها « ‪ ...‬تضمن املحكمة العليا ومجلس الدولة‬
‫توحيد االجتهاد القضائي في جميع أنحاء البالد‪ ،‬ويسهران على احترام الدستور‪ ،» ...‬ال يمكن تفسيره‬

‫(‪ )1‬سمير تناغو‪ ،‬النظرية العامة للقانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.494‬‬
‫(‪ )2‬غالب علي الداودي ‪ ،‬املدخل إلى علم القانون‪[ ، ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.181‬‬

‫‪53‬‬
‫على أن القضاء مصدر للقانون بل الغرض منه تحقيق نوع من املساواة والعدالة واالستقرار‬
‫بتوحيد األحكام القضائية الصادر بصدد قضايا متماثلة‪)1( .‬‬

‫ﹰ‬
‫رسميا للقانون(‪ :)2‬يرجع الفقه اعتبار القضاء‬ ‫(ثانيا)‪ -‬االتجاه الذي يعتبر القضاء مصدر اﹰ‬
‫مصدر رسمي للقانون ‪ -‬أي أنه مصدر لوضع القواعد القانونية من خالل األحكام التي يصدرها‬
‫أو الفرعية‪-‬‬ ‫والتي ال تتخذ شكل املواد التي تفرغ فيها القواعد التشريعية الرئيسية أو العادية‬
‫إلى أن تفسير هم ألحكام املادة ‪ 2/179‬من دستور سنة ‪ ،2020‬والتي تعني أن هناك إلزام على‬
‫املحاكم الدنيا بأن تتبع االجتهاد القضائي الصادر عن مجلس الدولة واملحكمة العليا حتى يتحقق‬
‫توحيد تطبيق القانون على كل اإلقليم الوطني‪ .‬ولقد نقضت املحكمة العليا في العديد من قراراتها‬
‫القرارات املطعون فيها بالنقص متى خالف اجتهادها السابق املتعلق بنفس املسألة‪ .‬فقد انتهت في‬
‫قرارها املؤرخ في ‪ 30‬مارس ‪ 1994‬في امللف رقم ‪ 107398‬إلى أنه « ‪ ...‬سبق للمحكمة العليا أن نقضت‬
‫عدة قرارات كانت ألغت أحكاما بنفس الطريقة وقد استقر قضائها على أن محضر مفتش العمل‬
‫يغني عن اللجوء إلى الطرق الودية األخرى‪ ،‬ومع ذلك القرار املطعون فيه خالف ما هو مستقر‬
‫عليه قضائيا‪ ،‬ما يعرضه للنقض إلساءة تطبيق القانون‪)3(.» ...‬‬

‫وما يعزز هذا الرأي أن الدستور الجزائري الصادر سنة ‪ 2020‬أزال الشك في مدى إتباع‬
‫املحاكم الدنيا لالجتهاد القضائي الصادر عن املحاكم العليا في املنازعات التي تتماثل وقائعها‪،‬‬
‫ويتجلى هذا األمر في إلزامه للقضاة أثناء ممارستهم ملهامهم القضائية بتطبيق القرارات التي‬
‫تصدرها املحكمة الدستورية‪ ،‬حيث نصت املادة ‪ 171‬منه على أنه « يلتزم القاض ي في ممارسة‬
‫وظيفته بتطبيق املعاهدات املصادق عليها‪ ،‬وقوانين الجمهورية وكذا قرارات املحكمة الدستورية»‪.‬‬
‫وعليه فإن القرارات التي تصدرها املحكمة الدستورية بمناسبة نظرها في املنازعات الدستورية تعتبر‬
‫بمثابة قاعدة قانونية عامة ومجردة وعلى قضاة املحاكم الدنيا االلتزام بها وتطبيقها في القضايا التي‬
‫تعرض عليهم‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬الفقه ‪La doctrine‬‬

‫(‪ )1‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.273‬‬


‫(‪ )2‬يرى العالمة الفرنس ي جيني ‪ Gény‬أنه مع وجود نقص ال شك فيه في التشريع‪ ،‬فال يوجد نقص بالنسبة للشخص الذي يطبق‬
‫القانون‪ ،‬وانطالقاﹰ من نفس الفكرة فإن القاض ي الذي يرفض الحكم تحت ادعاء سكوت أو غموض أو نقص التشريع يمكن أن يوجه‬
‫إليه اتهام ارتكاب جريمة إنكار العدالة‪ .‬وعليه فإن على القاض ي – حسب نظرية جيني ‪ Gény‬عن « البحث العلمي الحر»‪ -‬أن يكمل‬
‫النقص في التشريع عن طريق القيام بمجهود عقلي هو الب حث العلمي الحر‪ ،‬بحيث يصل في النهاية إلى الحل القانوني الواجب التطبيق‬
‫« دور‬ ‫على ضوء نفس األفكار التي كان سيراعيها املشرع لو أنه تصدى بنفسه لحل النزاع‪ .‬في هذا املعنى‪ :‬وجدي عبد الصمد‪.‬‬
‫القاض ي في تطبيق وخلق القانون»‪ [ ،‬مجلة القانون واالقتصاد‪ ،‬جامعة القاهرة‪ .‬العدد املزدوج ‪ ،10 -9‬السنة الخامسة والخمسون]‪،‬‬
‫ص ‪.105‬‬
‫(‪ )3‬مشار إليه في‪ :‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬هامش ‪ ،3‬ص ‪.278‬‬

‫‪54‬‬
‫الفقه لغةﹰ هو الفهم‪ ،‬واصطالحاﹰ يقصد به « مجموعة اآلراء التي يبديها شراح القانون‬
‫وأساتذته‪ ،‬سواء أكان ذلك في مؤلفاتهم القانونية‪ ،‬أم في أبحاثهم‪ ،‬أم في فتاواهم‪ ،‬أم في تعليقاتهم‬
‫على أحكام القضاء»‪)1(.‬‬

‫أما الفقه في اصطالح فقهاء الشريعة فهو « العلم باألحكام الشرعية العملية املكتسب من‬
‫األدلة التفصيلية‪ ،‬أي مصادر التشريع وهي الكتاب والسنة واإلجماع والقياس‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫األدلة املعتبرة في استنباط األحكام»‪)2(.‬‬

‫ويقوم الفقه بدور كبير في استنباط األحكام من مصادرها وتحليلها‪ ،‬كما يقوم الفقهاء بشرح‬
‫القوانين وبيان شروط تطبيقها وضوابطها‪ .‬وللفقه دور في التأصيل وبيان االتجاه العام للتشريع‬
‫والقضاء‪ ،‬كما أن الفقهاء يستنبطون املبادئ العامة من القواعد التفصيلية‪ ،‬ويعتبر الفقه هو‬
‫العلمي للقانون‪)3( .‬‬

‫ويرى جانب من الباحثين أن الفقه يتميز عن القضاء بخاصيتين اثنتين هما الحرية والتنوع‪:.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫أ‪ -‬الحرية‪ :‬في حين ال يصدر القضاء أحكامه وقراراته إال بمناسبة الفصل في القضايا‬
‫املطروحة عليه‪ ،‬فإن الفقه يدلي بقناعاته وأفكاره متى شاء‪ ،‬وبالطريقة التي يريدها‪ ،‬وفي حريته في‬
‫طرح األسئلة واإلجابة عليها بخالف القاض ي الذي يجب أن يقف عند حدود طلبات أطراف النزاع‪.‬‬
‫ب‪ -‬التنوع‪ :‬تتميز تدخالت الفقه بتنوعها وتعددها‪ ،‬هذا ما يزيد في ثرائها‪ .‬وتأخذ األعمال‬
‫الفقهية شكل الكتب واملؤلفات واملراجع والتعاليق على األحكام والقرارات القضائية واملقاالت‬
‫واملحاضرات واملداخالت‪ .‬ويمكن تصنيف املؤلفات الفقهية إلى صنفين‪ :‬األعمال العلمية‪ ،‬التي‬
‫تحاول قدر املستطاع إعطاء صورة موضوعية عن املادة القانونية‪ ،‬في وقت ما وفي بلد ما‪ ،‬وهو‬
‫الشأن بالنسبة للمؤلفات والكتب‪ .‬أما األعمال املوجهة‪ ،‬فهي تلعب دوراﹰ كبيراﹰ في تطوير املادة‬
‫القانونية‪ ،‬ألنها تحاول الدفاع عن رأي معين تجاه مسألة ما‪ ،‬نذكر منها خاصة األطروحات‪،‬‬
‫واملذكرات‪ ،‬واملقاالت القانونية‪.‬‬
‫ﹰ‬
‫رسميا للقانون لكنه يعتبر مصدر يستأنس به‬ ‫في القانون الجزائري ال يعتبر الفقه مصدراﹰ‬
‫القاض ي في استخالص القواعد القانونية وتقص ي مفهومها‪ ،‬وكثيراﹰ ما يرجع القاض ي إليه ليستوحي‬
‫منه حكمه‪ .‬كما أن الفقه بدوره يقوم بالتعليق على أحكام القضاء فيبين للقاض ي طريق الصواب‪،‬‬

‫(‪ )1‬عبد الحي حجازي‪ ،‬محاضرات في املدخل لدراسة العلوم القانونية‪ .‬الجزء األول‪ :‬نظرية القانون‪ [،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.277‬‬
‫(‪ )2‬عبد هللا مبروك النجار ‪ ،‬أصول القواعد القانونية دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي‪ [ .‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.420‬‬
‫(‪ )3‬عبد املنعم فرج الصده‪ ،‬أصول القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.195‬‬
‫(‪ )4‬محمد بقيق ‪ ،‬مدخل عام لدراسة القانون‪ :‬مفهوم القانون‪ -‬أساس القانون‪ -‬مصادر القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪-227‬‬
‫‪.228‬‬

‫‪55‬‬
‫ويجنبه االنزالق إلى مواطن الزلل والخطأ‪ .‬ويعود للفقه كذلك شرح القوانين وإظهار ما فيها من‬
‫قصور أو نقص‪ ،‬وهذا يساعد املشرع في تدارك ما يعرض من قصور عند التشريع أو تعديله‪)1(.‬‬

‫على أن الفقه في بالدنا ما يزال في طور التكوين ومرحلة النشوء والتشكيل‪ ،‬وبالتالي ال يزال‬
‫أثره محدوداﹰ‪ ،‬ذلك أن املؤلفين قليلوا العدد‪ ،‬وأن األبحاث الفقهية نادرة‪ .‬ثم إن هذه األعمال على‬
‫قلتها‪ ،‬هي إما ملتصقة بالنصوص القانونية ومحاذية لها لدرجة أنها تبدو وكأنها مجرد أعمال تقنية‬
‫بحت جردت من روح الجرأة واإلبداع‪ ،‬أو أنها اختارت التحديث فآل بها األمر إلى التصادم مع‬
‫القضاء ذي النزعة املحافظة الغالبة‪)2( .‬‬

‫لكن هذا الوضع ال يصدق على العديد من الدول األوروبية التي الفقه له سلطة مرتبطة‬
‫فقهيا شائعﹰا‪ ،‬دون التأكد والتروي‬
‫ﹰ‬ ‫بقيمته عند تو افرها‪ ،‬ألنه ال يحق ألي كان أن يخالف رأياﹰ‬
‫والتبصر‪ .‬كما يمكن لرأي فقيه واحد‪ ،‬إذا ما تحلى بصفات الوجاهة والسداد أن يصبح سلطة‬
‫كما هو الحال مع زعيم املدرسة القاعدية النمساوية كلسن ‪Kelsen‬‬ ‫ﹰ‬
‫ومرجعا في املادة القانونية ‪-‬‬
‫الذي نظر ملؤسسة املحكمة الدستورية والذي أخذت بها العديد من الدول األوروبية‪ ،‬أو الفقيه‬
‫الفرنس ي روبير ‪ Roubier‬الذي قدم مقاربة لحل إشكالية التنازع الزمني للقوانين والتي ألهمت‬
‫العديد من املشرعين الذين قننوها في صلب القوانين املدنية‪ . -‬تلعب هذه السلطة الفقهية دوراﹰ‬
‫أدبيا ﹰ‬
‫ثابتا تجاه الجامعات‪ ،‬إذ هي تساعد على إرساء تقاليد علمية يحترم بموجبها الباحث آراء‬ ‫ﹰ‬
‫السابقين‪)3( .‬‬

‫(‪ )1‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪ .284 -283‬عبد هللا مبروك النجار ‪ ،‬أصول القواعد القانونية دراسة‬
‫مقارنة بالفقه اإلسالمي‪ [ .‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪.420 - 419‬‬
‫(‪ )2‬محمد الشرفي وعلي املزغني‪ ،‬مدخل لدراسة القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.467‬‬
‫‪(3) Yvaine Buffelan-Lanore et Virginie Larribau-Terneyre, Droit civil. Introduction- Biens- Personnes-‬‬

‫‪Famille. cit, p. 25.‬‬

‫‪56‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬نطاق تطبيق القاعدة القانونية‬
‫عناصرالفصل الثالث‬

‫املبحث األول‪ :‬تطبيق القاعدة القانونية من حيث األشخاص‬


‫املطلب األول‪ :‬قاعدة ال عذربجهل القانون‬
‫املطلب الثاني‪ :‬شروط تطبيق قاعدة ال عذربجهل القانون‬
‫املطلب الثالث‪ :‬قاعدة ال عذربجهل القانون والغلط في القانون‬
‫املبحث الثاني‪ :‬تطبيق القاعدة القانونية من حيث املكان‬
‫املطلب األول‪ :‬املبادئ املنظمة للتطبيق القانون مكانيا‬
‫املطلب الثاني‪ :‬موقف املشرع الجزائري‬
‫املبحث الثالث‪ :‬تطبيق القاعدة القانونية من حيث الزمان‬
‫املطلب األول‪ :‬سريان القاعدة القانونية‬
‫املطلب الثاني‪ :‬تنازع القوانين‬

‫إذا كانت غاية القانون هي تنظيم املجتمع وضمان أمن األفراد واستقرار املؤسسات‪ ،‬فإن‬
‫ﹰ‬
‫مرهونا بالتطبيق الفعلي والصارم للقواعد القانونية‪ .‬على أن‬ ‫تحقيق تلك الغاية يبقى معلقاﹰ و‬
‫تطبيق القواعد القانونية ليس باألمر الهين‪ ،‬باعتبار القيود التي تفرضها على الحريات املعترف بها‬
‫لألفراد من جهة‪ ،‬واألوضاع الخاصة التي يمر بها للنسان والتي تدفعه لالنحراف من جهة ثانية‪ .‬إلى‬

‫‪57‬‬
‫جانب ذلك توجد اعتبارات موضوعية تعترض تطبيق القانون كأن يدعي الشخص جهله بالقانون‬
‫لعدم قدرته على القراءة والكتابة أو لعدم إطالعه عليه أو ألنه أجنبي‪)1( .‬‬

‫لكل هذه االعتبارات وضعت التشريعات املختلفة قواعد تحكم املسائل املرتبطة بتطبيق‬
‫القواعد القانونية‪ ،‬ويمكن حصر املسائل التي يثيرها تطبيق القاعدة القانونية في تطبيقها من حيث‬
‫األشخاص (املطلب األول)‪ ،‬وتطبيقها من حيث املكان (املطلب الثاني)‪ ،‬وتطبيقها من حيث‬
‫الزمان(املطلب الثالث)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬تطبيق القاعدة القانونية من حيث األشخاص‬

‫إذا أصبحت القاعدة القانونية واجبة التطبيق‪ ،‬افترض علم الكافة بها ووجب عليهم االلتزام‬
‫بأحكامها حتى ولو ثبت أنهم لم يعلموا بها بالفعل‪ ،‬وال يستطيع أحد أن يتملص من أحكامها‬
‫وتطبيقها بحجة أنه ال يعلمها‪ ،‬وهذا ما اصطلح على تسميته بمبدأ « عدم االعتذار بجهل القانون»‪.‬‬
‫وأصبح هذا املبدأ من القواعد املسلم بها في فقه القانون الوضعي‪.‬‬
‫وقد أحسن املؤسس الدستوري صنعاﹰ ﹰ‬
‫أوال حين رفع مبدأ عدم االعتذار بجهل القانون إلى‬
‫مرتبة القواعد الدستورية‪ ،‬وهو ما أكدته املادة ‪ 171‬من الدستور الجزائري لسنة ‪ 2020‬على أنه «‬
‫ال يعذر أحد بجهل القانون »‪.‬‬
‫وللملام بطريقة تطبيق القاعدة القانونية على األشخاص وبمعنى أخر بمبدأ « عدم االعتذار‬
‫بجهل القانون»‪ ،‬سنتطرق إلى مضمون هذا املبدأ (أوال)‪ ،‬ثم شروط تطبيقه(ثانيا)‪ ،‬ثم نبين مجال‬
‫تطبيقه (ثالثا)‪ ،‬وفي األخير نميزه عن الغلط في القانون (رابعا)‪.‬‬
‫أوال‪ -‬مضمون مبدأ ال عذر بجهل القانون‪ :‬ال يمكن ألي شخص أن يدفع تطبيق القاعدة‬
‫القانونية عليه مدعيا جهله لهذه القاعدة ولألحكام التي قررتها‪ ،‬وعليه فالجهل بالقانون ال يحول‬
‫ﹰ‬
‫قانونيا‬ ‫دون تطبيق أحكامه على من يجهله‪ .‬وعليه انتهى الفقه إلى أن الجهل بالقانون ال يعتبر عذراﹰ‬
‫يترتب عليه اإلعفاء من تطبيق األحكام القانونية‪)2( .‬‬

‫ويرجع الفقه مبر ات مبدأ ال عذر بجهل القانون إلى اعتبارين أساسيين هما ‪)3( :‬‬
‫ر‬
‫املساواة بين املواطنين‪ :‬إن عدم تطبيق مبدأ ال عذر بجهل القانون يفض ي إلى‬
‫الفوض ى واالضطراب‪ ،‬ألنه يسمح في النهاية إلى عدم تطبيق القانون على الفئة‬
‫التي تدعي عدم العلم به‪ .‬ويصبح وضع القانون في ذلك ضرباﹰ من العبث وهذا ما ال‬
‫يجوز أن يحصل‪ ،‬ألن القانون سيعجز عن أداء مهامه املتمثلة في صيانة النظام‬
‫العام وحفظ حقوق األفراد‪.‬‬

‫(‪ )1‬إسماعيل عبد النبي شاهين‪ .‬املدخل لدراسة العلوم القانونية‪ .‬القسم األول‪ :‬نظرية القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .151‬غالب‬
‫علي الداودي ‪ ،‬املدخل إلى علم القانون‪[ ، ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.187‬‬
‫(‪ )2‬حسن كيره‪ ،‬حسين ‪ ،‬املدخل للقانون‪[ ،.‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .316‬عمار بوضياف‪ ،‬املدخل إلى العلوم القانونية‪[ ،‬املرجع‬
‫السابق]‪ ،‬ص ‪.160‬‬
‫(‪ )3‬عبد املنعم فرج الصده‪ ،‬أصول القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.194‬‬

‫‪58‬‬
‫تحقيق املصلحة العامة‪ :‬يسمح تجاهل األخذ بمبدأ ال عذر بجهل القانون إلى‬
‫املساس املصلحة العامة‪ ،‬حيث تسود الفوض ى وتتزعزع الثقة في املعامالت‬
‫واملراكز القانونية‪ ،‬وتزيد املنازعات حول علم الناس بالقانون أو جهلهم بأحكامه‪،‬‬
‫مما يؤدي إلى املساس باالقتصاد الوطني ومن ثم باستمرارية الحياة داخل‬
‫املجتمع‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬شروط تطبيق مبدأ ال عذر بجهل القانون‪ :‬ال يمكن ألي شخص أن يدعي جهله‬
‫للقانون إال إذا كان القانون املراد تطبيق أحكامه على ذلك الشخص موجوداﹰ وساري النفاذ‪ .‬وملا‬
‫تنوعت القواعد القانونية من حيث املصدر (أ)‪ ،‬ومن حيث التصنيف (ب) وجب علينا تفصيل‬
‫شروط تطبيق هذا املبدأ‪.‬‬
‫‪ )1‬شروط تطبيق مبدأ ال عذر بجهل القانون على القواعد القانونية املختلفة‬
‫املصدر‪ :‬تتعدد مصادر القاعدة القانونية مما يستتبع تغير شروط تطبيق مبدأ ال عذال بجهل‬
‫القانون‪ .‬فإذا كنا أمام قاعدة قانونية من طبيعة تشريعية (تشريع أساس ي أو تشريع عادي‪،‬‬
‫أو تشريع فرعي) وجب أن يتم إصدارها من طرف رئيس الجمهورية في أجل ثالثين ( ‪ ) 30‬يوماﹰ ابتداء‬
‫من تاريخ تسلمه إياه‪ .‬ومن تاريخ توقيع رئيس الجمهورية ملرسوم اإلصدار تصبح القواعد القانونية‬
‫التشريعية نافذة‪ .‬ونشير إلى أن إجراء إصدار القواعد التشريعية يقتصر على قواعد التشريع‬
‫األساس ي والتشريع العادي‪ ،‬أما قواعد التشريع الفرعي – التنظيم‪ -‬وهي التي تصدرها السلطة‬
‫التنفيذية فال تخضع لهذا اإلجراء‪.‬‬
‫وال يكفي أن يقوم رئيس الجمهورية بإصدار القواعد التشريعية بل يجب نشرها في الجريدة‬
‫الرسمية وبعد مرور ‪ 24‬ساعة على وصولها ملقر الدائرة تصبح ملزمة وبالنتيجة ال يمكن للمخاطبين‬
‫بأحكامها االعتذار بجهل بأحكامها – مع مراعاة حالتي عدم النشر وعدم وصول الجريدة الرسمية‬
‫إلى منطقة من مناطق الوطن لقيام حالة القوة القاهرة‪)1(.-‬‬

‫أما إذا كانت القاعدة من طبيعة عرفية فعلى عكس القاعدة التشريعية ال تخضع للجرائي‬
‫ﹰ‬
‫وتلقائيا وذلك من خالل تكرار أفرار‬ ‫اإلصدار والنشر‪ ،‬ألنها قاعدة غير مكتوبة تنشأ تدريجياﹰ‬
‫الجماعة لسلوك معين معتقدين بإلزامية تطبيقه‪ .‬ومن ثم فمن اللحظة التي تنشأ فيها القاعدة‬
‫العرفية (توافر ركنيها املادي واملعنوي) تصبح ملزمة وال يمكن للمخاطبين بأحكامها االعتذار بجهل‬
‫أحكامها‪)2( .‬‬

‫أما إذا كانت القاعدة القانونية راجعة إلى مبدأ عام من مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فقد‬
‫أجمع علماء اإلسالم على أنه « ال يقبل في دار اإلسالم عذر الجهل بالحكم الشرعي‪ ،‬ألنه لو شرط‬
‫لصحة التكليف علم املكلف فعالﹰ بما كلف به ما استقام التكليف واتسع مجال االعتذار بالجهل‬

‫(‪ )1‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.295‬‬


‫(‪ )2‬عمار بوضياف‪ ،‬املدخل إلى العلوم القانونية‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.162‬‬

‫‪59‬‬
‫باألحكام الشرعية »‪ .‬ويتحقق العلم من طرف املكلف نفسه عند قيامه بالبحث عن الحكم الشرعي‬
‫أو بواسطة سؤال أهل الذكر والعلم عنه‪)1( .‬‬

‫أما إذا كانت القاعدة القانونية راجعة إلى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة فال يمكن‬
‫لألشخاص االعتذار بجهل مضمونها‪ ،‬ألن هذه القواعد أزلية وأبدية وتطبق في كل الدول وعلى كل‬
‫الشعوب‪)2( .‬‬

‫أما القاعدة القانونية القضائية فإن القاض ي هو الذي ينشئها‪ ،‬وعليه فإنها تصبح ملزمة من‬
‫تاريخ صدور الحكم القضائي الذي قررها وأنتجها‪.‬‬
‫‪ )2‬شروط تطبيق مبدأ ال عذر بجهل القانون على القواعد القانونية مهما كان نوعها‪:‬‬
‫تبينا لنا مما تقدم أن القواعد القانونية نوعان‪ ،‬األول قواعد قانونية آمرة وهي التي منع املشرع‬
‫االتفاق على مخالفة أحكامها لوثيق صلتها بالنظام العام‪ .‬والثاني قواعد قانونية مكملة وهي التي‬
‫أجاز املشرع لألشخاص االتفاق على شروط تخالف أحكامها لصلتها بمصالحهم الخاصة‪ .‬فهل‬
‫يطبق مبدأ ال عذر بجهل القانون على القواعد اآلمر والقواعد املكملة‪ ،‬أم يقتصر التطبيق على‬
‫النوع األول (القواعد اآلمرة) دون النوع الثاني (القواعد املكملة)؟ ذهب اتجاه فقهي مرجوج إلى أن‬
‫تطبيق مبدأ ال عذر بجهل القانون يقتصر على القواعد اآلمر دون القواعد املكملة‪ ،‬على أن االتجاه‬
‫الفقهي الراجح إلى أن املبدأ يعمل به في مواجهة القواعد اآلمر والقواعد املكملة على حد سواء‪)3( .‬‬

‫رابعا‪ -‬مدى اعتبار الغلط في القانون بمثابة استثناء على تطبيق مبدأ ال عذر بجهل‬
‫القانون‪ :‬تنص املادة ‪ 83‬من القانون املدني على أنه « يكون العقد قابال للبطال في القانون إذا‬
‫توفرت فيه شروط الغلط في الواقع طبقا للمادتين ‪ 81‬و ‪ 82‬ما لم يقض ي القانون بغير ذلك »‪ .‬فإذا‬
‫وقع أحد املتعاقدين في القانون الواجب التطبيق على التصرف الذي قام به يعتبر عند بعض الفقه‬
‫سبب لعدم تطبيق مبدأ ال عذر بجهل القانون‪ ،‬كأن يقوم الوارث ببيع نصيبه من التركة معتقدا أن‬
‫يرث ربعها ثم تبين له أنه يرث النصف‪)4(.‬‬

‫بينما يرى البعض األخر من الفقه إلى الغلط في القانون ال يمكن أن يرتقي إلى درجة‬
‫االستثناء على تطبيق مبدأ ال عذر بجهل القانون ألن املتعاقد الذي وقع في الغلط لم يطلب عدم‬
‫تطبيق القانون برمته‪ ،‬بل طلب أن يستبعد تطبيق القانون الذي هو موضوع الغلط وتطبيق‬
‫القانون الصحيح‪ .‬لذا « يجب أن يكون التمسك بالغلط في القانون يؤدي إلى تطبيق القانون ال إلى‬
‫استبعاده‪ ،‬فإذا كان القصد باالحتجاج بالغلط هو عدم تطبيقه أو التهرب من تطبيقه‪ ،‬فإنه يجب‬
‫امتناع التمسك به »(‪ .)5‬لذا فإن تمسك الوارث بإبطال العقد لتمسكه بالغلط في القانون‪ ،‬ال يعني‬

‫(‪ )1‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.295‬‬


‫(‪)2‬غالب علي الداودي ‪ ،‬املدخل إلى علم القانون‪[ ، ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.187‬‬
‫(‪ )3‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.301‬‬
‫(‪ )4‬سعيد سعد عبد السالم‪ ،‬املدخل في نظرية القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.334‬‬
‫(‪ )5‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬هامش ‪ ،5‬ص ‪.302‬‬

‫‪60‬‬
‫استبعاد تطبيق القانون بل تطبيق القانون الصحيح الذي يسمح له بطلب تعديل ثمن نصيبه في‬
‫التركة ليتماثل مع النصف ال الربع‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬تطبيق القاعدة القانونية من حيث املكان‬

‫هل يطبق القانون على كل املخاطبين به داخل إقليم الدولة التي وضعته سواء كانوا وطنيين‬
‫أو أجانب‪ ،‬وهذا ما يسميه الفقه بمبدأ إقليمية القانون (أوال)‪ .‬أم يقتصر تطبيق القانون على رعايا‬
‫الدولة فيطبق عليهم القانون أينما وجدوا حتى ولو كانوا يقيمون في دولة أخرى وعدم سريانه على‬
‫الجانب حتى ولو كانوا مقيمين على أرض الدولة التي وضعت القانون‪ ،‬وهذا ما يسميه الفقه بمبدأ‬
‫شخصية القانون (ثانيا)‪ .‬وأمام هذا الوضع ما هو املوقف الذي انتهجه املشرع الجزائري من هذه‬
‫املسألة (ثالثا)‪.‬‬
‫أوال‪ -‬مبدأ إقليمية القوانين ‪ :Principe de la territorialité‬يقصد بهذا املبدأ أن قانون‬
‫الدولة هو الذي يطبق على كل األشخاص املقيمين على أرضها‪ ،‬وعلى كل ما يقع من أحداث داخل‬
‫حدود إقليمها‪ ،‬وفي نفس الوقت ال يسري القانون على كل ما يقع خارج إقليم الدولة التي وضعته‪)1( .‬‬

‫فإذا قلنا أن قانون دولة ما إقليمي التطبيق‪ ،‬كان معنى هذا‪ ،‬أن هذا القانون وحده الذي‬
‫يسري ويطبق على كل ما يقع (من تصرفات قانونية أو من وقائع مادية) في أرض تلك الدولة وعلى‬
‫كل املقيمين على إقليمها سواء كانوا من املواطنين أو من األجانب‪ .‬و باملقابل ال يسري هذا القانون‬
‫على ما يقع (من تصرفات قانونية أو من وقائع مادية) خارج إقليم هذه الدولة‪ ،‬كما ال يسري على أي‬
‫مواطن من مواطنيها ال يقيم على إقليمها‪.‬‬
‫ويبرر الفقه مبدأ إقليمية القانون بما لكل دولة من سيادة تامة على إقليمها (البري والبحري‬
‫والجوي) بما عليه من أشخاص‪ ،‬ولها أن تفرض سلطانها وسيادتها لضمان احترام نظمها وقوانينها‬
‫وتوقيع الجزاء على من يخالف هذه النظم والقوانين‪)2( .‬‬

‫ثانيا‪ -‬مبدأ شخصية القوانين ‪ :Principe de la personnalité des lois‬يقصد بهذا املبدأ‬
‫أن قانون الدولة هو الذي يطبق على جميع األشخاص املنتمين إليها (أي مواطنيها) حتى ولو كانوا‬
‫يقيمون خارج حدود إقليمها‪ ،‬وال يطبق هذا القانون على األجانب ولو كانوا مقيمين على أرض هذه‬
‫الدولة التي وضعت القانون‪)3( .‬‬

‫ويبرر الفقه مبدأ شخصية القوانين‪ -‬على النحو السابق ذكره‪ -‬على أساس أن الدولة تمثل‬
‫جماعة من من األشخاص وضعت القوانين أصالﹰ من أجلهم ولصالحهم‪ ،‬ولذلك يجب أن يخضعوا‬

‫(‪)1‬حسن كيره‪ ،‬حسين ‪ ،‬املدخل للقانون‪[ ،.‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.325‬‬


‫(‪ )2‬عبد املنعم فرج الصده‪ ،‬أصول القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .122‬سمير تناغو‪ ،‬النظرية العامة للقانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص‬
‫‪ .655‬سعيد سعد عبد السالم‪ ،‬املدخل في نظرية القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.158‬‬
‫(‪)3‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.310‬‬

‫‪61‬‬
‫لهذه القوانين أينما وجدوا حتى ولو كانوا خارج إقليم الدولة الذي ال يمثل – وفق هذا املبدأ –‬
‫سوى محل إقامة للمواطنين‪)1( .‬‬

‫ثالثا‪ -‬موقف املشرع الجزائري ( املزاوجة بين مبدأ اإلقليمية والشخصية)‪ :‬ساير املشرع‬
‫الجزائري مسلك العديد من التشريعات املقارنة في تنظيمه للمسألة السريان املكاني للقانون‪ ،‬حيث‬
‫أخذا بكل من مبدأ إقليمية القانون إعماالﹰ ملبدأ السيادة على اإلقليم‪ ،‬وبمبدأ شخصية القانون‬
‫إعماال لسيادة الدولة على املواطنين‪.‬‬
‫أ‪ -‬القاعدة العامة‪ :‬أخذ املشرع الجزائري بمبدأ إقليمية القانون‪ :‬يستخلص ذلك من الفقرة‬
‫األولى من املادة ‪ 4‬من القانون املدني التي تنص على أنه « تطبق القوانين في تراب الجمهورية‬
‫الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداء من يوم نشرها في الجريدة الرسمية ‪ ..» ...‬وعليه فإن كل‬
‫القوانين الجزائرية تطبق على اإلقليم الوطني وعلى كل الوقائع والتصرفات التي تحصل عليه‬
‫وكذلك على كل األشخاص سواء كانوا مواطنين أو غير مواطنين املتواجدين داخل حدود إقليم‬
‫الجمهورية‪ .‬وهذا الحل تؤكده أيضاﹰ املادة ‪5‬من القانون املدني التي تنص على أنه «يخضع كل سكان‬
‫القطر الجزائري لقوانين الشرطة واألمن »‪ ..‬كما نصت املادة ‪3‬من قانون العقوبات التي تنص على‬
‫أنه « يطبق قانون العقوبات على كافة الجرائم التي ترتكب في أراض ي الجمهورية ‪..»...‬‬
‫وملبدأ إقليمية القانون تطبيقات عديدة في فروع القانون املختلفة‪ ،‬ففي مجال قانون‬
‫العقوبات‪ ،‬نجد أن األصل في تطبيقه هو مبدأ إقليمية القوانين‪ ،‬وقد نصت على ذلك املادة األولى‬
‫من هذا القانون بقولها أنه تسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب في القطر الجزائري جريمة‬
‫من الجرائم املنصوص عليها في هذا القانون‪ .‬وأما القانون الدستوري فال يجوز تطبيق قواعده‬
‫خارج إقليم الدولة‪ ،‬مع استثناء األجانب الذين يتمتعون ببعض الحقوق السياسية والعامة‪،‬‬
‫كالحق في االنتخاب والترشح في االنتخابات املحلية فقط‪ ،‬وحق تولي الوظائف العامة‪ .‬أما القانون‬
‫اإلداري والقانون املالي العام فيطبقان كذلك وفقاﹰ ملبدأ إقليمية حيث يسري القانون اإلداري على‬
‫كل نشاط تقوم به اإلدارة العامة أما القانون املالي العام فيسري على كل من يمارس نشاطاﹰ ﹰ‬
‫ماليا‬
‫على إقليم الدولة‪ ،‬سواء كان وطنياﹰ أو أجنبياﹰ‪ ،‬مع مالحظة وجود بعض االستثناءات الخاصة‬
‫ببعض اإلعفاءات الضريبية املقررة ملصلحة األجانب العتبا ات املعاملة باملثل أو املصلحة العامة‪)2( .‬‬
‫ر‬
‫ب‪ -‬االستثناء‪ :‬أخذ املشرع الجزائري بمبدأ شخصية القانون‪ :‬أخذ املشرع بمبدأ شخصية‬
‫القانون‪ ،‬حيث عنون الفصل الثاني من الباب األول من القانون املدني بتنازع القوانين من حيث‬
‫املكان‪ ،‬ومن الحاالت التي أخذ بها املشرع بهذا املبدأ العالقات التي يكون فيها أحد األطراف أ ﹰ‬
‫جنبيا أو‬
‫تكون الواقعة أو التصرف حصل في بلد أجنبي‪ .‬لذا فإن املسائل املتعلقة باألحوال الشخصية‬
‫تخضع ملبدأ شخصية القانون فتنص املادة ‪ 10‬من القانون املدني على أنه « يسري على الحالة‬
‫املدنية لألشخاص وأهليتهم قانون الدولة التي ينتمون إليه بجنسيتهم»‪..‬‬

‫(‪ )1‬سعيد سعد عبد السالم‪ ،‬املدخل في نظرية القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.336‬‬
‫(‪ )2‬أشرف جابر سيد ‪ ،‬دروس في مبادئ القانون‪([ ،‬القاهرة)‪ :‬دون دار نشر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،]2006 ،‬ص ‪.113‬‬

‫‪62‬‬
‫وما يجب مالحظته أن مبدأ شخصية القوانين ليس هو االستثناء الوحيد الذي يؤدي إلى‬
‫استبعاد مبدأ إقليمية القوانين‪ ،‬بل هناك استثناءات أخرى نذكر منها‪:‬‬
‫االستثناء الوارد في املادة املادة ‪ 588‬من قانون العقوبات والتي تسمح للقضاء‬
‫الجزائري بتطبيق القانون الجزائري على وقائع حدثت خارج اإلقليم الوطني وعلى أشخاص غير‬
‫جزائريين حيث نصت على أنه « كل أجنبي ارتكب خارج إقليم اإلقليم الجزائري بصفته فاعل أصلي‬
‫أو شريك جناية أو جنحة ضد سالمة الدولة الجزائرية أو تزييف النقود أو أوراق مصرفية وطنية‬
‫متداولة قانوناﹰ بالجزائر تجوز متابعته ومحاكمته وفقاﹰ ألحكام القانون الجزائري إذا ألقي القبض‬
‫عليه في الجزائر أو حصلت الحكومة على تسليمه»‪.‬‬
‫االستثناء الذي قرره العرف الدولي والقانون الدولي الدبلوماس ي‪ ،‬حيث استثنى رؤساء‬
‫الدول األجنبية املوجودين على إقليم الدولة والدبلوماسيين األجانب وأسرهم وأفراد السلك‬
‫الدبلوماس ي بوجه عام من الخضوع للقانون الوطني‪ ،‬وهو ما يعبر عليه الفقه بالحصانة‬
‫الدبلوماسية‪)1( .‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬تطبيق القاعدة القانونية من حيث الزمان‬

‫تثير إشكالية تطبيق القانون من حيث الزمان مسألتين كبيرتين‪ ،‬تتعلق املسألة األولى‬
‫بسريان القانون أي بطريقة دخول القاعدة القانونية مجال التطبيق عن طريق نشرها وإصدارها‬
‫وكذا إعدام أثرها بسحب قوتها امللزمة عن طريق إلغائها (أوال)‪ .‬أما املسألة الثانية فترتبط بتنازع‬
‫ﹰ‬
‫ونافذا ثم يتعرض لللغاء‪ ،‬ليحل‬ ‫القوانين من الناحية الزمنية‪ ،‬ذلك أن القانون يصدر ويظل سارياﹰ‬
‫محله قانون جديد ينظم ذات املراكز القانونية ونفس التصرفات القانونية التي كان يحكمها‬
‫القانون القديم‪ .‬وهنا يثور التساؤل عن الحد الزمني الفاصل بين تطبيق كل من القانون القديم‬
‫والقانون الجديد‪ ،‬وبعبارة أخرى يلزم تحديد الحاالت التي تخضع للقانون القديم والحاالت التي‬
‫تخضع للقانون الجديد (ثانيا)‪.‬‬
‫أوال‪ -‬سريان القانون‪ :‬يسري القانون من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية إلى لحظة إعدام‬
‫قوته امللزمة عن طريق إلغائه‪.‬‬
‫أ) بداية سريان القانون‪ :‬حسب املادة ‪ 4‬من القانون املدني التي نصت على أنه « تطبق‬
‫القوانين في تراب الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ابتداء من تاريخ نشرها في الجريدة‬
‫الرسمية‪ .‬غير أن التشريع ال يكون نافذ املفعول بالجزائر العاصمة إال بعد مض ي يوم كامل من‬
‫تاريخ نشره وفي النواحي األخرى في نطاق كل دائرة بعد مض ي يوم كامل من تاريخ وصول الجريدة‬
‫الرسمية إلى مقر الدائرة ويشهد على ذلك تاريخ ختم الدائرة املوضوع على الجريدة »‪ .‬فاألجل‬
‫املقدر لنفاذ التشريع هو يوم كامل‪ ،‬يبدأ احتسابه حسب املثال التالي‪ :‬وصلت الجريدة الرسمية إلى‬
‫مقر الدائرة على الساعة ‪ 90‬صباحاﹰ من يوم ‪ 01‬فيفري‪ ،‬يبدأ حساب اليوم الكامل ال من الساعة‬

‫(‪ )1‬علي صادق أبو هيف ‪ ،‬القانون الدبلوماس ي‪([ ،‬اإلسكندرية)‪ :‬منشأة املعارف‪ ،‬دون طبعة‪ ،]1975 ،‬ص ‪.124‬‬

‫‪63‬‬
‫‪ 90‬صباحﹰا بل من تمام الساعة الصفر من يوم ‪ 11‬فيفري ينتهي إلى غاية الساعة الصفر من يوم‬
‫‪ 21‬فيفري‪.‬‬
‫ويرد على القاعدة العامة لسريان القانون من الناحية الزمنية‪ ،‬استثناءات هامة نختصرها‬
‫على التوالي‪:‬‬
‫‪ -‬إذا حدد القانون تاريخ محدد أو أجالﹰ صريحة لنفاذه‪ ،‬كأن يتضمن بنداﹰ ينص على أنه‬
‫ﹰ‬
‫معلوما ليبدأ سريانه‪ .‬ومثال ذلك نص املادة ‪ 98‬من‬ ‫يدخل حيز النفاذ في أجل شهر أو يحدد تاريخاﹰ‬
‫القانون ‪ 11-83‬املؤرخ في ‪ 2‬جويلية ‪ 1983‬املتعلق بالتأمينات االجتماعية التي قضت أحكامها بأنه‬
‫« يدخل هذا القانون حيز التطبيق ابتداء من أول يناير سنة »‪1984.‬‬
‫‪ -‬قد يتم نشر القوانين في الجريدة الرسمية وتمض ي مدة يوم كامل على وصولها إلى‬
‫مقر الدائرة غير أنها ال تسري في مواجهة املخاطبين بأحكامها‪ ،‬ألنها اشترطت لتطبيقها صدور‬
‫املراسيم التنفيذية التي تحدد كيفيات التنفيذ‪ .‬فما لم تصدر هذه املراسيم ال يكون القوانين‬
‫سارية‪)1( .‬‬

‫ب) نهاية سريان القانون‪ :‬ينتهي سريان القانون بإلغائه‪ ،‬لكن ماذا نقصد باإللغاء (‪ ،)1‬وما‬
‫هي السلطة املختصة بذلك (‪ ،)2‬وما هي صور أو أشكال اإللغاء (‪.)3‬‬
‫‪ -1‬تعريف اإللغاء‪ :‬إلغاء لغة هو اإلبطال واملحو واإلسقاط‪ ،‬يقال‪ :‬ألغى الش يء أبطله‪ ،‬وألغى‬
‫من العد كذا أي أسقطه (‪ .)2‬وهو في االصطالح وقف العمل بالقاعدة القانونية وتجريدها من قوتها‬
‫امللزمة‪ .‬أو هو إنهاء سريانها ومنع العمل بها ابتداء من هذا اإللغاء‪)3( .‬‬

‫ويميز الفقه بين إلغاء القانون وإبطاله‪ ،‬فإن كان كالهما يتحد في الغاية وهي إنهاء سريانه‬
‫ﹰ‬
‫مستقبال‪ ،‬غير أن اإلبطال يلحق القانون لكونه غير صحيح‪ ،‬بينما اإللغاء ينصرف إلى القانون الذي‬
‫أو‬ ‫نشأ صحيحاﹰ‪ ،‬لكن طرأت أوضاع جديد من طبيعة سياسية أو اجتماعية أو سياسية‬
‫اقتصادية جعلت أحكامه ال تنسجم وهذه األوضاع‪ ،‬أو أن املبررات التي أدت لسنه قد زالت فلم‬
‫نعد في حاجة إلى األحكام التي نص عليها‪.‬‬
‫‪ -2‬السلطة املختصة باإللغاء‪ :‬إن السلطة التي تملك إلغاء القانون هي ذات السلطة التي‬
‫سنته ووضعته أو سلطة أعلى منها‪ ،‬بمعنى أن التشريع األساس ي –أي الدستور‪ -‬ال يمكن أن يلغى إال‬
‫بتشريع أساس ي أخر‪ ،‬والتشريع العادي ال يلغي إال بتشريع عادي أو بنص دستوري من باب أولى‪ .‬أما‬
‫أو بتشريع‬ ‫التشريع الفرعي – التنظيم‪ -‬فيلغى بتشريع فرعي أخر ومن باب أولى بتشريع عادي‬
‫أساس ي‪ ،‬والعكس غير صحيح‪)4( .‬‬

‫(‪)1‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.316‬‬


‫(‪ )2‬عبد هللا مبروك النجار ‪ ،‬أصول القواعد القانونية دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي‪ [ .‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.430‬‬
‫(‪)3‬حسن كيره‪ ،‬حسين ‪ ،‬املدخل للقانون‪[ ،.‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.331‬‬
‫(‪ )4‬أحمد السعيد الزقرد ‪ ،‬املدخل للعلوم القانونية‪ .‬الكتاب األول‪ :‬نظرية القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .166‬إسماعيل عبد النبي‬
‫شاهين‪ .‬املدخل لدراسة العلوم القانونية‪ .‬القسم األول‪ :‬نظرية القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.222‬‬

‫‪64‬‬
‫وتجب اإلشارة إلى أن إلغاء املصادر االحتياطية يكون عن طريق التشريع‪ ،‬فإذا كانت مسألة‬
‫تنظمها مبادئ الشريعة اإلسالمية أو قاعدة عرفية‪ ،‬وألغاها املشرع فإن العمل بها ينتهي ويحل‬
‫محلها التشريع‪ ،‬حتى ولو كان التشريع الجديد الذي حل محلها قد أخذ بنفس الحل واألحكام‬
‫الواردة فيها‪ .‬أما القاعدة العرفية قد يتم أيضا إلغاءه بعرف جديد‪)1( .‬‬

‫‪ -3‬صور اإللغاء‪ :‬ينقسم اإللغاء إلى إلغاء صريح‪ ،‬وإلغاء ضمني‪ ،‬وقد نصت على أنواع اإللغاء‬
‫املادة ‪ 2‬من القانون املدني التي قضت بأنه « وال يجوز إلغاء القانون إال بقانون الحق ينص صراحة‬
‫على هذا اإللغاء‪ .‬وقد يكون اإللغاء ضمنياﹰ‪ ،‬إذا تضمن القانون الجديد نصاﹰ يتعارض مع نص‬
‫القانون القديم أو نظم من جديد موضوعاﹰ سبق أن قرر قواعده ذلك القانون القديم»‪.‬‬
‫أ‪ -‬اإللغاء الصريح‪ :‬نكون أمام حالة اإللغاء الصريح إذا صدرت قاعدة قانونية‬
‫جديدة تنص صراحة على هذا اإللغاء‪ ،‬كما هو الحال مع املادة ‪ 1064‬من قانون اإلجراءات‬
‫املدنية واإلدارية التي قررت أحكامها بأنه « تلغى بمجرد سريان مفعول هذا القانون‪ ،‬أحكام‬
‫األمر رقم ‪ 154-66‬املؤرخ في ‪ 8‬يونيو سنة ‪ 1966‬واملتضمن قانون اإلجراءات املدنية املعدل‬
‫واملتمم»‪ .‬وقد يعين القانون الجديد ما يلغيه من قواعد القانون القديم على سبيل التخصيص‬
‫كما هو الحال مع املادة ‪ 66‬من القانون رقم ‪ 20- 40‬املحدد للقواعد املطبقة على املمارسة‬
‫التجارية والتي قررت أحكامها بأنه « تلغى جميع األحكام الواردة في األبواب الرابع والخامس‬
‫والسادس من األمر رقم ‪ 60 -59‬املؤرخ في ‪ 52‬يناير سنة ‪ 5991‬واملتعلق باملنافسة»‪ .‬وقد ال‬
‫ينص القانون الجديد على إلغاء أحكام معينة من القانون القديم‪ ،‬وإنما يقض ي بأنها ال تطبق‬
‫مستقبالﹰ‪ ،‬كما هو الحال مع املادة ‪ 02‬من املرسوم التشريعي ‪ 30 -39‬التي قررت أحكامها بأنه «‬
‫ال تطبق املواد ‪ 905 -574- 374 -274 -174‬وكذا املواد من ‪ 415‬إلى ‪ 735‬من األمر ‪85 -57‬‬
‫املؤرخ في ‪ 62‬سبتمبر سنة ‪ ،5991‬بعد صدور هذا املرسوم التشريعي»‪.‬‬

‫مالحظة هامة‪ :‬قد يكون سريان القانون وتطبيقه مقترناﹰ بأجل محدد‪ ،‬بحيث يتوقف‬
‫العمل به بانقضاء املدة املحددة لسريانه‪ .‬وهذا ما يسميه الفقه بالتشريع املؤقت‪،‬‬
‫وكثيراﹰ ما يلجأ إلى هذا النوع من التشريع ملواجهة ظروف استثنائية ‪.‬‬

‫ب‪ -‬اإللغاء الضمني‪ :‬يكون اإللغاء ضمنيا عندما يخلو نص القانون الجديد من‬
‫عبارة صريحة تقض ي بإلغاء القانون القديم‪ ،‬وإنما يستخلص إلغاؤه من موقف املشرع(‪.)2‬‬
‫ويأخذ اإللغاء الضمني صورتين هما‪ ،‬تعارض أحكام القانون الجديد مع أحكام القانون القديم‬
‫(‪ ،)1‬أو صدور قانون جديد ينظم وضعا سبق تنظيمه بالقانون القديم (‪.)2‬‬

‫(‪)1‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.319‬‬


‫(‪)2‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.321‬‬

‫‪65‬‬
‫‪ -1‬تعارض أحكام القانون الجديد مع أحكام القانون القديم‪ :‬قد يكون هذا التعارض كليا‬
‫ففي هذه الحالة فإن القانون القديم قد تم إلغاؤه ضمنيا‪ .‬وقد يكون التعارض جزئيا‪ ،‬بحيث‬
‫يقتصر التعارض على بعض القواعد دون األخرى‪ ،‬ففي هذه الحالة فإن اإللغاء ال يمس إال القواعد‬
‫محل التعارض فقط‪)1( .‬‬

‫وما يجب مالحظته أن التعارض بين نصين قانونيين األول قديم والثاني جديد‪ ،‬يمكن أن‬
‫يكون بين بين نص قانوني عام ونص قانوني خاص‪ ،‬وهنا يميز الفقه بين حالتين (‪:)2‬‬
‫الحالة األول وتتمثل في تعارض قانون خاص جديد مع قانون عام قديم‪ :‬إذا تضمن‬
‫القانون الخاص ‪ -‬وهو الذي ينظم مسألة محددة فقط‪ -‬أحكاما خاصة بينما يتناول القانون‬
‫القديم أحكام عامة تنظم كل املسائل‪ ،‬فإن النص القانوني الخاص وهو الجديد ال يلغي النص‬
‫القانوني العام القديم كليا‪ ،‬وإنما يكون اإللغاء في حدود األحكام الخاصة املتعارضة مع النص‬
‫العام‪ .‬ومثال هذه الحالة ما نصت عليه املادة ‪ 384‬من القانون املدني – وهي القانون العام القديم‪-‬‬
‫بقولها « يجوز للمتعاقدين بمقتض ى اتفاق خاص أن يزيدا في الضمان أو ينقصا منه وأن يسقطا‬
‫هذا الضمان‪ ،»...‬بينما تنص املادة ‪ 13‬من القانون ‪ 03-09‬املتعلق بحماية املستهلك وقمع الغش –‬
‫وهي القانون الجديد الخاص‪ -‬على أنه « يستفيد كل مقتني ألي منتوج سواء كان جهازا أو أداة أو آلة‬
‫أو عتادا أو مركبة أو أي مادة تجهيزية من الضمان بقوة القانون ‪ ...‬ويعتبر باطال كل شرط مخالف‬
‫لهذه املادة ‪ .»...‬ويتبين التناقض بين النصين القانونيين‪ ،‬غير أن هذا ال يعني أن النص الجديد يلغي‬
‫النص القديم‪ ،‬بل يبقى النص القديم ساري النفاذ ويطبق على كل البيوع التي ال تخضع ألحكام‬
‫القانون الجديد‪.‬‬
‫الحالة الثانية وتتمثل في تعارض قانون عام جديد مع قانون خاص قديم‪ :‬القاعدة في هذه‬
‫الحالة أن القانون العام ال يلغي القانون الخاص‪ ،‬ومن ثمة فإن النص الخاص القديم يبقى ساري‬
‫النفاذ باعتباره استثناء من القانون العام الجديد‪.‬‬
‫‪ -2‬تنظيم جديد ملوضوع سبق تنظيمه‪ :‬قد يقوم املشرع بإصدار قانون جديد ينظم بالكامل‬
‫نفس املوضوع أو مسألة من املسائل التي كان القانون القديم ينظمها‪ ،‬اعتبر ذلك أن القانون‬
‫القديم قد تم إلغاءه جملة وتفصيال‪ ،‬ولو انتفى التعارض بين نصوص القانون القديم ونصوص‬
‫القانون الجديد‪)3( .‬‬

‫مالحظة هامة‪ :‬العرف وعدم استعمال وتطبيق التشريع أو إهماله لفترة‬


‫طويلة من الزمن ال يلغي التشريع على اإلطالق‪ ،‬ألن العرف أدنى مرتبة من‬
‫التشريع وهو وإن كان يكمل التشريع فإنه ال يلغيه‪.‬‬

‫(‪ )1‬إسماعيل عبد النبي شاهين‪ .‬املدخل لدراسة العلوم القانونية‪ .‬القسم األول‪ :‬نظرية القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.226‬‬
‫(‪ )2‬عبد هللا مبروك النجار ‪ ،‬أصول القواعد القانونية دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي‪ [ .‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪..343‬‬
‫(‪ )3‬عبد هللا مبروك النجار ‪ ،‬أصول القواعد القانونية دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي‪ [ .‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪..345‬‬

‫‪66‬‬
‫ثانيا‪ -‬تنازع القوانين‪ :‬يحتمل أن يتنازع قانونين متعاقبين زمنيا وينظمان نفس املوضوع‬
‫ويلغي القانون الالحق القانون السابق‪ ،‬لكن يثور نزاع يتعلق بتحديد اللحظة الزمنية التي ينتهي‬
‫فيها تطبيق القانون والتي يبدأ فيها تطبيق القانون الجديد‪ .‬هذه املسألة يسميها الفقه بتنازع‬
‫القوانين‪ ،‬ويحكمها كقاعدة عامة مبدأ عدم رجعية القوانين (‪ )1‬ومبدأ األثر الفوري للقانون‬
‫الجديد (‪.)2‬‬
‫‪ -1‬مبدأ عدم رجعية القوانين‪ :‬يقتض ي تحديد املقصود بهذا املبدأ بيان مفهومه (أ)‪ ،‬ثم‬
‫االستثناءات الواردة عليه (ب)‪.‬‬
‫أ‪ -‬مفهوم مبدأ عدم رجعية القوانين‪ :‬يقصد بهذا املبدأ أن القانون ال يجوز أن يسري على‬
‫املاض ي‪ ،‬فالقانون الجديد ال يجوز أن يسري على الوقائع والتصرفات التي اكتملت قبل نفاذه‪ ،‬بل‬
‫تظل تلك الوقائع والتصرفات محكومة بالقانون الذي تمت في ظله‪ ،‬وال يجوز للقانون الجديد أن‬
‫يتعرض لها سواء من حيث تكوينها أو من حيث اآلثار املتعلقة بها سواء بالتقييد أو التعديل أو‬
‫اإللغاء‪)1( .‬‬

‫وإذا لم يكن هناك قانون قديم ينظم موضوع معين‪ ،‬وصدر قانون جديد ينظمه فإن‬
‫نصوص القانون الجديد ال يمكن لها أن تحكم الوقائع والتصرفات املتعلقة بهذا املوضوع‬
‫ألن القانون الجديد ال ينسحب على املاض ي بل يقتصر على حكم املستقبل أي على تنظيم ما‬
‫يقع ابتداء من يوم نفاذها‪)2( .‬‬

‫ب‪ -‬االستثناءات الواردة على تطبيق مبدأ األثر الفوري للقوانين‪ :‬يمكن في حاالت محددة‬
‫أن يطبق القانون الجديد على املاض ي أي بأثر رجعي‪ ،‬وقد حدد الفقه هذه الحاالت في‪)3(:‬‬

‫‪ ‬القانون الذي ينص صراحة على تطبيقه بأثر رجعي‪ :‬مبدأ عدم رجعية القوانين يقيد‬
‫القاص ي ال املشرع‪ ،‬فاملشرع دائماﹰ ‪ -‬إذا دعت املصلحة العامة – أن ينص في القانون الجديد على‬
‫ي‪ ،‬على أن يكون النص على سريان القانون بأثر رجعي صريحاﹰ‪)4( .‬‬
‫انسحاب أثره على املاض‬
‫‪ ‬التشريعات الجنائية األصلح للمتهم‪ :‬األصل أن القوانين الجنائية ليس لها أثر رجعي‪،‬‬
‫وقد نص الدستور الجزائري لسنة ‪ 2020‬في صلب مادته ‪ 43‬على أن « ال إدانة إال بمقتض ى قانون‬
‫صادر قبل ارتكاب الفعل املجرم » ملا في هذا من ضمان للحرية الشخصية‪ ،‬بحيث ال يجوز أن‬
‫يصدر تشريع يقرر عقوبات على أفعال كانت مباحة في تاريخ ارتكابها‪ ،‬وإال كان ذلك انحرافاﹰ بهذا‬
‫املبدأ يوجه ضد األفراد الذين وجد من أجل حمايتهم‪)5( .‬‬

‫(‪)1‬حسن كيره‪ ،‬حسين ‪ ،‬املدخل للقانون‪[ ،.‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.340‬‬


‫(‪)2‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.327‬‬
‫(‪ )3‬أحمد السعيد الزقرد ‪ ،‬املدخل للعلوم القانونية‪ .‬الكتاب األول‪ :‬نظرية القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪.231 -229‬‬
‫(‪ )4‬وبديهي أن على املشرع أال يس ئ استعمال هذا الحق‪ ،‬وأال يلجأ إليه إال إذا دعت الضرورة واملصلحة العامة إلى ذلك‪ .‬أنور سلطان ‪،‬‬
‫املبادئ القانونية العامة ‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.180‬‬
‫(‪ )5‬سمير تناغو‪ ،‬النظرية العامة للقانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.686‬‬

‫‪67‬‬
‫إال أنه استثناء من هذا األصل تطبق القوانين بأثر رجعي كلما كانت أصلح للمتهم‪ ،‬بأن كانت‬
‫تخفف من العقوبة أو تبيح الفعل وتخرجه من نطاق التجريم‪ ،‬ألنه ليس في ذلك مساس‬
‫بالحرية الشخصية بل العكس هو الحاصل‪ .‬ويميز الفقه بين حالة تخفيف العقوبة وحالة‬
‫إباحة الفعل‪)1( :‬‬

‫حالة تخفيف العقوبة‪ :‬يستفيد املتهم من تخفيف العقوبة الذي نص عليه التشريع‬
‫الجديد متى صدر هذا األخير قبل صدور الحكم النهائي على املتهم‪ .‬واملقصود بالحكم‬
‫النهائي الحكم الذي استنفذ جميع طرق الطعن فيه‪ ،‬عندها ال يمكن للمتهم االستفادة من‬
‫تخفيف العقوبة احتراماﹰ لحجية الحكم‪.‬‬
‫حالة إباحة الفعل‪ :‬إذا أخرج التشريع الجديد الفعل املجرم الذي ارتكبه الجاني من‬
‫نطاق املنع والحظر الذي نص عليه القانون القديم إلى نطاق اإلباحة‪ ،‬فإنه يسري بأثر‬
‫رجعي‪ ،‬يستوي في ذلك أن يكون التشريع الجديد صادراﹰ قبل أو بعد صدور الحكم النهائي‬
‫ضد الجاني‪ .‬فإذا صدر التشريع الجديد قبل الحكم النهائي‪ ،‬فإن املحكمة تحكم بالبراءة‪،‬‬
‫أما إذا صدر هذا التشريع يعد الحكم النهائي فإن تنفيذ الحكم على املحكوم عليه يقف‬
‫وتنتهي آثاره الجنائية‪.‬‬
‫‪ ‬القوانين التفسيرية‪ :‬يمكن أن يصدر املشرع قانون جديد يفسر حكم أو بعض األحكام‬
‫الصادرة في القانون السابق دون أن يضيف عليها أحكام جديدة‪ ،‬فإن هذا القانون يسمى بالقانون‬
‫التفسيري ويكون تطبيقه بأثر رجعي إلى تاريخ القانون الذي صدرت لتفسيره‪ .‬ويرى الفقه بأن‬
‫القوانين التفسيرية تشرع لحسم خالف يتعلق بالقانون األصلي‪ ،‬ومن ثم تكون القوانين املفسرة‬
‫موضحة ومكملة ملضمون القوانين األصلية‪)2( .‬‬

‫‪ ‬القوانين املتعلقة بالنظام واآلداب العامة‪ :‬إذا كان القانون الجديد متعلقاﹰ بالنظام‬
‫العام فإنه يسري على املاض ي ولو مس بحق مكتسب حتى يتمكن من تحقيق أهدافه الذي صدر‬
‫من أجلها‪ .‬فمثالﹰ إذا صدر قانون جديد يرفع سن الرشد من ‪ 18‬سنة إلى ‪ 21‬سنة‪ ،‬فإنه يسري على‬
‫األشخاص الذين بلغوا سن ‪ 18‬سنة في ظل القانون القديم ولم يبلغوا بعد سن ‪ 21‬سنة وقت نفاذ‬
‫القانون الجديد‪ ،‬فيعتبرون قصراﹰ بعد نفاذ هذا القانون‪ .‬على أن التصرفات التي عقدها هؤالء‬
‫األشخاص قبل صدور القانون الجديد تظل صحيحة ومرتبة آلثارها القانونية‪ ،‬ألنها صدرت من‬
‫أشخاص اعتبرهم القانون القديم كاملي األهلية وقت إبرامها‪)3( .‬‬

‫املبدأ‪ :‬املادة ‪ 2‬من القانون املدني‬


‫(‪ )1‬محمد سعيد جعفور ‪ ،‬مدخل إلى العلوم القانونية‪ .‬الجزء األول‪ :‬الوجيز في نظرية القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪.260 -259‬‬
‫أنور سلطان ‪ ،‬املبادئ القانونية العامة ‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .180‬محمد بقيق ‪ ،‬مدخل عام لدراسة القانون‪ :‬مفهوم القانون‪-‬‬
‫‪.182‬ن الجديد‬ ‫القديمالسابق]‪ ،‬ص‬
‫القانو‬ ‫أساس القانون‪ -‬مصادرالقانون‪،‬‬
‫القانو [ناملرجع‬
‫(‪ )2‬إسماعيل عبد النبي شاهين‪ .‬املدخل لدراسة العلوم القانونية‪ .‬القسم األول‪ :‬نظرية القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.237‬‬
‫(‪ )3‬محمد سعيد جعفور ‪ ،‬مدخل إلى العلوم القانونية‪ .‬الجزء األول‪ :‬الوجيز في نظرية القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .261‬أنور‬
‫سلطان ‪ ،‬املبادئ القانونية العامة ‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .181‬السريان الزمني‪ :‬يطبق القانون القديم إلى غاية إصدار‬
‫القانون الجديد الذي يعوضه‬
‫‪68‬‬ ‫االستثناء‪:‬‬
‫له أثر مباشر وليس له أثر رجعي‬ ‫القانون الجديد‬

‫له أثر مباشر وله كذلك أثر رجعي‬ ‫القانون الجديد‬

‫‪ -2‬مبدأ األثر الفوري للقانون الجديد‪ :‬ال يكفي مبدأ عدم رجعية القوانين ملعالجة مختلف‬
‫حاالت التنازع خاصة في املسائل التي تنشأ في ظل القانون القديم وتنتج أثارها في ظل القانون‬
‫الجديد‪ .‬وعليه نتعرض إلى أن القانون الجديد يسري على املراكز القانونية الجارية (أ)‪ ،‬ثم نتناول‬
‫االستثناء الوارد على هذا املبدأ (ب)‪.‬‬
‫أ‪ -‬مفهوم مبدأ األثر الفوري للقوانين‪ :‬يراد باألثر الفوري أو املباشر للقانون التطبيق‬
‫الفوري للقانون الجديد‪ ،‬بحيث يسري القانون الجديد على ما يقع بعد نفاذه ولو كان ذلك ناتجا‬
‫على واقعة أو وضع قانوني سابق عن دخول هذا القانون حيز التنفيذ‪ .‬وتخضع لسلطان القانون‬
‫الجديد األوضاع أو املراكز القانونية التي تنشأ بعد نفاذه ولو بدأ تكوينها قبل ذلك‪ ،‬وتلك التي لم‬
‫ترتب أثارها بعد‪)1( .‬‬

‫ب‪ -‬مجال تطبيق هذا املبدأ األثر الفوري للقوانين‪ :‬يقتصر األثر الفوري للقانون الجديد‬
‫على املراكز القانونية الجارية أي التي لم تنشأ ولم تنقض ي‪ ،‬ولم ترتب أثارها في ظل قانون واحد‬
‫سواء أكان قانونا قديما أو قانونا جديدا‪ .‬لكن ماذا لو أن املراكز القانونية نشأت في ظل القانون‬
‫القديم ورتبت آثارها في ظل القانون الجديد (‪ ،)1‬أو املراكز القانونية التي اكتمل تكوينها وبدأت‬
‫ترتب أثارها في ظل القانون القديم واستمرت في ظل القانون الجديد (‪.)2‬‬
‫‪ -1‬القوانين املتعلقة بتكوين أو انقضاء املراكز القانونية‪:‬‬
‫‪ ‬فيما يتعلق بتكوين أو انقضاء املراكز القانونية‪ :‬نجد أن بعض املراكز القانونية تتكون‬
‫وتنقض ي في لحظة واحدة‪ ،‬وبعضها يستغرق تكوينه أو انقضائه فترة معينة من الزمن قد تطول أو‬
‫تقصر‪ .‬ومن أمثلة النوع األول‪ :‬مركز املضرور حيث ينشأ له الحق في التعويض في ذات اللحظة التي‬

‫(‪)1‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪.329‬‬

‫‪69‬‬
‫وقع فيها الفعل الضار‪ ،‬أو مركز الوارث حيث ينشأ حقه في اإلرث لحظة وفاة املورث‪ .‬أما النوع الثاني‬
‫فمن أمثلته مركز املوص ى له الذي يتطلب وصية صحيحة وموت املوص ي‪ ،‬والتقادم املكسب الذي‬
‫يتطلب حيازة مستمرة وهادئة وواضحة فترة زمنية حددها املشرع بخمسة عشر ‪ 15‬سنة كاملة‪،‬‬
‫حيث ال ينشأ املركز القانوني للموص ى له وللحائز إال بانقضاء املدد التي يتطلبها القانون في هذه‬
‫األمثلة‪.‬‬
‫فإذا كانت املراكز القانونية قد تكونت وانقضت – حسب املفهوم السابق‪ -‬في ظل القانون‬
‫القديم فإن القانون الجديد ال يسري عليها‪ ،‬فإذا تصرف شخص في ظل قانون يعتبره كامل األهلية‬
‫– ‪ 19‬سنة‪ -‬فإن العقود التي أبرمها في ظل هذا القانون تعتبر صحيحة حتى ولو صدر قانون جديد‬
‫يرفع سن الرشد عما هو عليه –أكثر من ‪ 19‬سنة‪.-‬‬
‫‪ ‬وفيما يتعلق بانقضاء املراكز القانونية‪ :‬فإنما انقض ى منها في ظل القانون القديم ال‬
‫يسري عليه القانون الجديد وإال اعتبر ذا أثر رجعي‪ .‬فإذا طلق شخص زوجته بإرادته املنفردة في ظل‬
‫قانون يجيز ذلك ثم صدر قانون بعد ذلك يقيد الطالق باستلزام وقوعه أمام املحكمة‪ ،‬فإن هذا‬
‫القانون ال يسري على ما انقض ى من روابط زوجية في ظل القانون القديم‪.‬‬
‫‪ ‬فيما يتعلق بتوفير بعض العناصر الالزمة لتكوين أو انقضاء املركز القانوني‪ :‬يجب في‬
‫أو‬ ‫القانون الجديد أال يمس ما توافر من هذه العناصر ‪ ،‬أما العناصر التي لم يتم تكوينها‬
‫انقضائها فإنها تخضع للقانون الجديد دون أن يعتبر هذا سرينا للقانون على املاض ي‪ .‬ومثل ذلك‬
‫املركز القانوني الناش ئ عن الوصية الذي يتكون من عنصرين‪( :‬األول) وصية صحيحة‪ ،‬و(الثاني)‬
‫وفاة املوص ى‪ .‬فإذا أجاز القانون القديم الوصية في حدود نصف التركة وقام املوص ي بتحرير‬
‫الوصية بهذا املبلغ‪ ،‬ثم توفي وصدر قانون جديد ال يجيز الوصية إال في حدود ثلث التركة‪ ،‬ففي هذه‬
‫الحالة فإن العنصر الثاني تحقق بموت الوص ي أما العنصر األول فلم يتحقق ألن القانون الجديد‬
‫استلزم إنقاص مبلغ الوصية إلى الحد الذي قرره‪.‬‬
‫‪ -2‬االستثناء استمرار سريان القانون القديم على املراكز القانونية العقدية‪ :‬املراكز‬
‫القانونية العقدية تخضع آثارها املستقبلية للقانون القديم‪ ،‬حيث يستمر سريانه رغم وجود قانون‬
‫جديد‪ ،‬وهذا ما يسميه الفقه األثر الفوري للقوانين‪ :‬يراد‪ .‬ومثال ذلك نص املادة ‪ 20‬من املرسوم‬
‫التشريعي ‪ 03 -93‬املتعلق بالنشاط العقاري والتي قررت بأن يظل تجديد عقود اإليجار املبرمة قبل‬
‫صدور هذا املرسوم التشريعي خاضعا للتشريع السابق املطبق على هذه العقود‪.‬‬
‫غير أن الفقه يحدد ثالثة صور تعتبر استثناء من تطبيق مبدأ األثر الفوري للقوانين‪ ،‬تتمثل‬
‫في‪)1( :‬‬

‫العقود ذات النظام القانون (عقود الزواج وعقود العمل)‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫(‪ )1‬أحمد السعيد الزقرد ‪ ،‬املدخل للعلوم القانونية‪ .‬الكتاب األول‪ :‬نظرية القانون‪[ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪ .235‬علي فياللي‪ ،‬مقدمة في‬
‫القانون‪ [ ،‬املرجع السابق]‪ ،‬ص ص ‪ . 350 -346‬عبد هللا مبروك النجار ‪ ،‬أصول القواعد القانونية دراسة مقارنة بالفقه اإلسالمي‪[ .‬‬
‫املرجع السابق]‪ ،‬ص ‪..349‬‬

‫‪70‬‬
‫يقيد مبدأ األثر الفوري للقوانين بالنظام العام‪ ،‬وعليه كل شرط للمتعاقدين يخالف‬ ‫‪-‬‬
‫النظام العام املستقبلي ال يخضع للقانون القديم بل للقانون الجديد الذي يعتبره غير‬
‫مشروع‪.‬‬
‫وجود قاعدة قانونية أمرة يستبعد تطبيق مبدأ األثر الفوري للقوانين ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪71‬‬

You might also like