You are on page 1of 4

‫محاضرة‪6-‬‬

‫مفهوم البيروقراطية‬
‫على الرغم من أن العالم االمريكي ((تشارلز كولي)) ‪ C. H Cooley‬كان أول من استخدم مفهوم الجماعة‬
‫‪Primary Group‬في كتابه (التنظيم االجتماعي) ‪Social Organization‬الذي أصدره عام ‪ .9191‬أال أن‬
‫((كولي)) لم يقم بصياغة مفهوم الجماعة الثانوية ‪ Secondary Group‬وقد ذكر القليل حول هذا المفهوم‪.‬‬
‫ومن ثم قام علماء االجتماع بصياغة مفاهيم أخرى تناسب وطبيعة الجماعة الثانوية‪ ،‬منها مفهوما ً التنظيم‬
‫‪Organization‬والبيروقراطية‪Bureaucracy.‬‬
‫ويشير المعنى اللغوي للمصطلح (البيروقراطية) الى سلطة المكتب أو (االدارة عن طريق الموظفين)‬
‫‪ ،‬ولكنها في االستخدام الشائع تنطوي على بعض المعاني السلبية‪ .‬ويرجع ذيوع وانتشار هذا المصطلح في‬
‫العلوم االجتماعية الى التعريف الكالسيكي الذي قدمه العالم االلماني ((ماكس فيبر)) ‪ Max Weber‬لهذا‬
‫المفهوم‪ ،‬وا لذي لم يشر فيه الى اي مضامين سلبية‪ ،‬وانما كان يقصد به االشارة الى نموذج مثالي للتنظيم‬
‫البيروقراطي له خصائص محددة‪ .‬فالبيروقراطية هي أحد أنماط التنظيم المعقد‪ ،‬فكل تنظيم كبير الحجم يتطلب‬
‫نظاما ً دقيقا ً من حيث تقسيم العمل‪ ،‬إذ أن التخصص وتقسيم العمل يؤديان الى زيادة المهارة والكفاية في‬
‫العمل‪ .‬ويطلق اسم (البيروقراطية)على هذا البناء الذي يوجه وينسق مجهودات كثير من االفراد الذين يؤدون‬
‫اعماالً كثيرة ومتنوعة ‪.‬‬
‫وتعد البيروقراطية أحد أنماط التنظيم التي يتزايد انتشارها في المجتمع الحديث وخاصة في‬
‫المجتمعات الصناعية‪ ،‬وذلك على الرغم من أن كثيرا ً من الناس يميلون الى استخدام كلمة البيروقراطية‬
‫لإلشارة الى التنظيمات الحكومية فقط‪ ،‬أو الى الروتين أو التعقيدات المكتبية‪.‬‬
‫وقد يكون التنظيم البيروقراطي نمطا ً من التنظيم يهدف الى المنفعة وتحقيق الربح‪ ،‬أو تنظيما ً يؤدي‬
‫خدمة اجتماعية معينة‪ ،‬ولكنه عادة يكون تنظيما ً كبير الحجم‪ ،‬ويتضمن مستويات متعددة ومتدرجة للسلطة‬
‫ال هرميا ً وتكون القواعد المكتوبة بمثابة العمود الفقري في هذا النمط من التنظيم‪ ،‬كما نجد أن هناك‬
‫تأخذ شك ً‬
‫فصالً بين الملكية واالدارة‪ ،‬ويتم اختيار العاملين في هذا التنظيم على أساس الكفاءة والخبرة‪ ،‬وذلك كما‬
‫سوف يتضح من خصائص التنظيمات البيروقراطية‪.‬‬
‫ويرتبط مفهوم البيروقراطية ارتباطا ً وثيقا ً بمفهوم دعم البيروقراطية أو التحول نحو‬
‫البيروقراطية ‪ Bureaucratization.‬ويستخدم هذا المفهوم األخير لتحليل قواعد النظام وإجراءاته الداخلية‬
‫التي يحترمها أعضاء التنظيم‪ .‬وقد وضع ((بالو)) ‪ P. M Blau‬و ((سكوت)) ‪ W. R Scott‬مفهوم التحول‬
‫نحو البيروقراطية لإلشارة الى تلك المجهودات التي تهدف الى الحفاظ على التنظيم أكثر مما تهدف الى‬
‫أنجاز اهدافه‪.‬‬
‫وإذا كان مفهوم البيروقراطية يستخدم لتحليل العمليات االدارية في التنظيمات فأن مفهوم دعم‬
‫البيروقراطية أو التحول نحو البيروقراطية يشير الى العملية التي يكتسب عن طريقها التنظيم الرسمي‬
‫خصائص البيروقراطية بصورة مستمرة‪ .‬ويتمثل المظهر الرئيسي لهذه العملية في الصياغة الصورية‬
‫للقواعد واالجراءات‪ .‬ومن المالحظ أن دعم البيروقراطية له درجات ومستويات متفاوتة في التنظيمات‪.‬‬
‫ويعتبر مفهوم التحول نحو البيروقراطية من المفهومات الهامة التي أثرت الدراسات التنظيمية ‪.‬‬

‫النموذج المثالي للتنظيم البيروقراطي‬


‫وضع ((فيبر)) ما يسمى بالنموذ ج أو النمط المثالي أو الخالص للتنظيم البيروقراطي ‪ Ideal Type‬وهو‬
‫عبارة عن بناء عقلي يتم تكوينه على أساس مالحظة عدة سمات أو خصائص معينة في الواقع‪ .‬وهو نموذج‬
‫مثالي‪ ،‬ألنه عبارة عن فكرة قد شيدت بطريقة عقلية خالصة‪ ،‬ويصعب أن نجد لها نظيرا ً في الحياة الواقعية‪.‬‬
‫وقد كان الهدف من تكوين هذا النموذج المثالي أن نقارن به االفعال أو المواقف الواقعية التي نقوم بدراستها ‪.‬‬
‫والواقع أنه ال توجد نقطة محددة‪ ،‬يستطيع التنظيم البسيط أن يتحول عندها الى تنظيم بيروقراطي‬
‫معقد‪ ،‬أذ أن ذلك شيء نسبي‪ .‬اال أن ((فيبر)) قد حدد لنا عدة صفات أو خصائص جوهرية للبيروقراطية‪،‬‬
‫على النحو التالي‪:‬‬
‫أوالً‪ -‬تقسم وتوزع نشاطات التنظيم على االوضاع المختلفة فيه في ضوء القواعد أو القوانين أو التنظيمات‬
‫اإلدارية‪ ،‬بحيث يكون لكل موظف مجال محدد من االختصاصات الرسمية‪ .‬ويدرك الموظف أن هذه‬
‫االختصاصات هي واجباته الرسمية التي يلتزم بأدائها‪.‬‬
‫ثانيا ً‪ -‬البد من وجود قانون ينظم اصدار األوامر الى الموظفين كي يقوموا بواجباتهم الرسمية‪ ،‬وبحيث ينظم‬
‫العمل بصورة عامة‪ .‬وال شك أن هذه القوانين تعمل على التنسيق بين االنشطة المختلفة‪ ،‬كما تجعل العمليات‬
‫التي تتم داخل التنظيم مستمرة مهما حدث من ت غير في التنظيم مما يؤدي الى تحقيق االستقرار داخل التنظيم‪.‬‬
‫ثالثا ً‪ -‬تقوم السلطة العليا بتعيين االفراد الذين تتوافر لديهم المؤهالت والخبرة المناسبة عن طريق إجراء‬
‫اختبارات خاصة‪ ،‬ويستثنى من ذلك كبار الموظفين الذين تم انتخابهم للتعبير عن أرادة الناخبين‪.‬‬
‫رابعا ً‪-‬لك ل وضع أو وظيفة سلطة محددة‪ ،‬ولكنها تختلف عن بعضها البعض من حيث ما لها من سلطات‪،‬‬
‫وتترتب هذه الوظائف في شكل هرمي‪ ،‬فكل موظف يشغل وضعا ً إشرافيا ً يمارس سلطة على الموظفين الذين‬
‫يرأسهم‪ ،‬وهو بالتالي مسئول أمام رئيسه عن قراراته وأفعاله فضالً عن قرارات وأفعال مرؤوسيه‪ .‬ويتطلب‬
‫ذلك ضرورة توضيح مجال سلطة الرؤساء على مرؤوسيهم‪.‬‬
‫خامسا ً‪ -‬تفصل البيروقراطية بين الملكية واالدارة‪ ،‬وتفصل النشاط الرسمي للموظف عن حياته الخاصة‪ ،‬كما‬
‫تفصل األموال واألدوات العامة عن الممتلكات الخاصة للموظف‪.‬‬
‫سادسا ً‪-‬تتطلب البيروقراطية تدريبا ً متخصصاً‪ .‬وينط بق هذا االمر على المديرين التنفيذيين كما ينطبق على‬
‫الموظفين‪.‬‬
‫سابعا‪ -‬يتطلب أداء النشاط الرسمي قدرة الموظف الكاملة على أداء العمل‪ ،‬بغض النظر عن الوقت المحدد‬
‫له‪.‬‬
‫ثامنا ً‪ -‬يجب على الموظف اال يستغل وظيفته أو يتبادل الخدمات مع زمالئه من الموظفين‪ ،‬ألن معنى أداء‬
‫الوظ يفة هو أن يقبل الموظف القيام بالتزام خاص نحو االدارة في مقابل الحصول على مورد للرزق‪.‬‬
‫تاسعا ً‪ -‬يستمر الموظف مدى حياته في البيروقراطيات العامة والخاصة على السواء‪ ،‬غير أن هذا ال يشير‬
‫الى حق الموظف في ملكية وظيفته‪ ،‬كما يحصل الموظف على بعض االمتيازات القانونية التي تحميه من‬
‫النقل أو الفصل التعسفي‪ ،‬وعلى التعويض المالي المنتظم في صورة مرتب ومعاش للشيخوخة‪ .‬كما ان‬
‫الموظف ينتقل من الوظائف الدنيا االقل مرتبة الى الوظائف العليا‪ ،‬على أن تتم الترقية على أساس االقدمية‬
‫أو الدرجات التي يحصل عليها في االختبار ‪.‬‬
‫ويتضح مما سبق‪ ،‬بعض الخصائص أو الصفات التي ضمنها ((فيبر)) نموذجه المثالي للتنظيم‬
‫البيروقراطي‪ ،‬والتي تشير الى خصائص التنظيمات الكبيرة الحجم والتي تتلخص في ضرورة وجود درجة‬
‫عالية من التخصص ‪ Specialization‬وبناء هرمي للسلطة يوضح واجبات ومسؤوليات الموظف أثناء أدائه‬
‫للعمل‪ ،‬ونسق غير شخصي للعالقات بين أعضاء التنظيم‪ ،‬وتحديد العضوية وفقا ً للمقدرة والخبرة الفنية‪،‬‬
‫والفصل بين الملكية واالدارة داخل التنظيم‪ ،‬وبين الدخل الخاص والمرتب الذي يحصل عليه الفرد بصورة‬
‫رسمية‪ ،‬واالعتماد على القواعد الرسمية المكتوبة‪.‬‬
‫ونجد أن تحليالت ((فيبر)) للبيروق راطية تعد من أهم مالمح النظريات الكالسيكية في دراسة‬
‫التنظيمات‪ .‬وما زالت هذه التحليالت تلفت نظر كثير من العلماء االجتماعيين‪ ،‬وال تزال تعمل موجها ً نظريا ً‬
‫لكثير من البحوث حتى اليوم‪ .‬وقد ظلت نظرية ((فيبر)) عن البيروقراطية تمثل اإلطار النظري االساسي‬
‫للتحليل عند كثير من المشتغلين في ميدان علم االجتماع الصناعي بوجه خاص‪ .‬ونجد أن هناك كثيرا ً من‬
‫اإلسهامات العلمية التي قدمها بعض الباحثين الذين تأثروا بمفاهيم ((فيبر)) مثل ((روبرت دبن)) ‪R.‬‬
‫‪Dubbin‬و ((ولبرت مور)) ‪ W. Moore‬و((الفن جولدنر)) ‪ A. Gouldner.‬ومنذ الخمسينيات من القرن‬
‫العشرين بدأ يتضح من االختبار االمبيريقي لنظرية ((فيبر)) أنها تحتاج الى تعديالت‪ .‬وقد تم هذا‪ ،‬وأكدت‬
‫الدراسات العديدة وبخاصة في االنثروبولوجيا وعلم النفس االجتماعي سالمة تلك التعديالت‪.‬‬
‫والواقع أن صياغة ((فيبر)) لنموذجه المثالي تهتم بجانب واحد فقط من الواقع التنظيمي‪ ،‬ذلك هو‬
‫التنظيم الرسمي‪ ،‬والطابع العقلي للسلوك االداري‪ .‬وقد أهمل ((فيبر)) دراسة التنظيم غير الرسمي الذي كان‬
‫محل اهتمام حركة العالقات االنسانية‪.‬‬
‫وال شك أن ((فيبر)) قد أدرك هذا القصور في نموذجه المثالي والحاجة الماسة لمقارنة ما هو مثالي‬
‫بما هو واقعي‪ ،‬فذلك من شأنه أن يجعلنا نفهم جوانب الواقع التنظيمي العديدة‪ ،‬والشديدة التداخل فيما بينها‪.‬‬
‫وقد كشفت كثير من الدراسات االجتماعية‪ ،‬عن أن سلوك األفراد داخل التنظيمات ال يتحدد دائما ً عن طريق‬
‫االوامر والتعليمات الصادرة إليهم من الرؤساء‪ .‬وذلك على عكس ما ذهب اليه ((فيبر)) في نموذجه المثالي‬
‫حيث ذهب الى ان الرسميات ‪ Formalities‬هي عبارة عن التصرفات بناء على نسق مستقر نسبيا ً من‬
‫القواعد واللوائح هي التي تحكم وتنظم قرارات الفرد وأعماله‪ ،‬وتعتبر وسيلة لتأكيد أمكانية حساب السلوك‬
‫المتوقع في البيروقراطية وتحقق أعلى درجات الترشيد االنساني‪Human Rationality.‬‬
‫كما كشفت كثير من الدراسات االجت ماعية عن وجود التناقض بين المتطلبات الرسمية وما يجري‬
‫بصورة عملية داخل التنظيمات‪ .‬أذ أن المفروض طبقا ً لنموذج ((فيبر)) أن يقوم الرؤساء باألشراف على‬
‫المرؤوسين بصورة ال تهتم بمشكالتهم الشخصية وال تتأثر بالعالقات الشخصية والعاطفية وأن يتخذوا في‬
‫عالقاتهم اتجاها ً ال شخصيا ً أو موضوعياً‪ .‬وهذا عكس ما تبين من كثير من الدراسات االجتماعية‪ ،‬حيث‬
‫وجد أن هناك نمطا ً من االشراف يهتم بحل مشكالت العمال الشخصية ويتأثر إشرافهم بالعالقات الشخصية‬
‫والعاطفية التي تنشأ بينهم وبين المرؤوسين‪.‬‬

You might also like