Professional Documents
Culture Documents
D8b7d982d8aad8b5d8a7d8af D8a7d984
D8b7d982d8aad8b5d8a7d8af D8a7d984
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
المؤتمر .العالمي الثالث لالقتصاد اإلسالمي /جامعة أم القرى 5
المعاصر منذ منتصف السبعينات تقريبا .ولم يقتصر تقديم الخدمات المصرفية
اإلسالمية على المصارف اإلسالمية وحدها وإنما سارعت إلي ذلك أيضا
وبأشكال مختلفة الكثير من المصارف التقليدية على المستويين المحلى
والدولي.
أى أن أهم ما يميز المرحلة الماضية من تطور العمل المصرفي اإلسالمي
هو حداثة العهد بالصيرفة اإلسالمية فى شكلها المعاصر وكونها ال تزال تشكل
أرضا خصبة لمزيد من التطور واإلنتشار من ناحية ،وتعدد مداخل المصارف
التقليدية وصوال إلي حلبة هذا العمل المصرفي ،مع إختالف مدلوالت
وإنعكاسات كل مدخل منها ،من ناحية أخرى.
ومن هنا تأتي أهمية ما نقوم به من إستعراض لهذه المداخل المتعددة
وإخضاعها للمراجعة والتقويم بغرض التعرف على ما صاحبها من تحديات
ومصاعب ليمكن تذليلها في المرحلة القادمة حتى تأتى العملية التطويرية
المنشودة في مكانها وزمانها الصحيحين .ولذلك فإن مجال البحث في هذه
الورقة كما يدل عليها عنوانها هو تقويم تطور العمل المصرفي اإلسالمي من
خالل إنشاء فروع أو نوافذ إسالمية في البنوك التجارية التقليدية .آخذين في
اإلعتبار أن محاولة التقييم هنا ال تمتد بأى حال من األحوال إلي تقييم العمل
المصرفي اإلسالمي نفسه وإنما تنسحب فقط على تقييم المداخل إلي تقديمه
من خالل نوافذ او فروع إسالمية لمصارف تقليدية بطبيعة نشأتها األولى.
ولكي تأتى عملية المراجعة والتقييم صحيحة البد لنا من أن نعرض فيما
8 تقويم المؤسسات التطبيقية لالقتصاد اإلسالمي :النوافذ اإلسالمية للمصارف التقليدية
إستقاللها السياسى منذ الخمسينيات من القرن الماضى ،بينما تمثلت الثانية في
ظاهرة الطفرة النفطية خالل عقد السبعينيات وماصاحبها من إنتعاش اقتصادي ،
مع تعاظم الثروات لدى األفراد والمؤسسات في المنطقة .وبترافق هاتين
الظاهرتين برزت الرغبة والحاجة إلي إحياء ثقافتنا وتراثنا اإلسالمي ،فتتابعت
الخطوات من اإلحياء النظرى للنظام اإلقتصادى اإلسالمي إلي التطبيق العملى
لهذا النظام متمثال في نظامه المصرفي الالربوى في المقام األول .وما أن
بدأت العجلة تدور حتي تسارعت في دورانها فتزايد عدد المصارف والمؤسسات
المالية اإلسالمية وإتسعتـ السوق ،كما سبقت اإلشارة ،وأصبح العمل المصرفي
اإلسالمي جزءا اليستهان به بل ال يمكن تجاهله في الصناعة المصرفية والمالية
العالمية.
تصنيف مؤسسات الصيرفة اإلسالمية
كان من الطبيعي ان تتعدد المستويات التي تم على أساسها تطبيق
الصيرفة اإلسالمية بحسب الظروف الزمانية والمكانية لكل حالة على حدة ،
وهو األمر الذي يمكن معه تصنيف هذه المؤسسات بشىء من التبسيط إلي
األنواع الخمس التالية :
مبادرات ريادية
كان من بين المبادرات المبكرة والتي كان أهم ما يميزها أنها كانت
ذات طابع محلى نجد تجربتين إحداهما ذات طابع إجتماعى واألخرى ذات طابع
10 تقويم المؤسسات التطبيقية لالقتصاد اإلسالمي :النوافذ اإلسالمية للمصارف التقليدية
تجارى .اما التجربة األولىـ ذات الطابع اإلجتماعي فكانت في مصر حيث ظهر
بنك ناصر اإلجتماعى الذي انشىء في عام 1963م والذي يشار إليه أحيانا بانه
اول بنك إسالمى نظرا لعدم تعامله بالربا .إال أن الكثيرين يعترضون على هذا
الوصف ويفضلون منحه لمصرف دبى اإلسالمي الذي أنشىء في عام 1975م
على أسس مصرفية تجارية.
مبادرات جماعية حكومية
وتتمثل هذه في إنشاء بنك التنمية اإلسالمي الذي أنشئ في عام
1975م بمشاركة عدد من الدول اإلسالمية ،بغرض المساهمة في برامج
التنمية االقتصادية في الدول األعضاء وتشجيعـ العمل المصرفي اإلسالمي فيها.
مبادرات خاصة ذات طابع دولي
من أهم هذه المبادرات إنشاء مجموعتي دلة البركة ( )1969ودار
المال اإلسالمي
( ، )1981حيث قامت مجموعة دلة البركة بتأسيس شركة دلة لالستثمار
والتنمية في عام 1982م كذراع مالي لها ،مارست أنشطتها في العديد من
الدول األخرى مثل الواليات المتحدة األمريكية.
أما مجموعة دار المال اإلسالمي ،والتي اتخذت من سويسرا مقراً لمكتب
األمناء المشرفين على أنشطة فروعها المنتشرة في العديد من دول العالم ،فإن
إهتماماتها ال تقتصر على ممارسة وتطوير العمل المصرفى اإلسالمى وإنما تمتد
لتشمل مجمل العمل المالى اإلسالمى شاملة خدمات اإلستثمار اإلسالمية على
المؤتمر العالمي الثالث لالقتصاد اإلسالمي /جامعة أم القرى 11
كاملة أو شقيقة لبنوك تقليدية ،أو مجرد فتح فروع إسالمية لبنوك
تقليدية.
استجابات تجارية لمصارف تقليدية
كان من الطبيعي أن تلحظ المصارف التقليدية ،المحلية منها والعالمية
،النمو المتسارع لفرص العمل المصرفي اإلسالمي .وهو النمو الذى لم يكن
قاصرا على الدول العربية وإنما إمتد أيضا إلى الكثير من الدول األخرى وخاصة
الدول اإلسالمية .غير أن معدالت هذا النمو فى الدول الخليجية تحديدا كانت
أكبر منها فى الدول األخرى .وهو األمر الذى يمكن إرجاعه إلى الظروف
اإلقتصادية المواتية التى أفرزتها فترة الطفرة البترولية فى هذه الدول وما
صاحبها من صحوة إسالمية إنتشرت سريعا بين دول المنطقة .فلقد أفرزت هذه
التطورات شريحة سوقية كبيرة ومتنامية من العمالء الراغبين في إيداع
أموالهم في البنوك دون أخذ الفوائد الربوية عليها ،في وقت لم يكن هناك
الكثير من المصارف اإلسالمية او لم تكن الثقة في كفاءتها قد إكتملت بعد.
األمر الذي فتح شهية هذه المصارف التقليدية الستغالل هذه الفرص السوقية
الواعدة بأرباح هائلة نظراً لضخامة األموال المتاحة في هذه األسواق وانخفاض
كلفتها .ومن ثم أقدمت هذه المصارف على ممارسة العمل المصرفي اإلسالمي
بأشكال مختلفة مع التركيز على أصحاب الثروات الكبيرة في المنطقة العربية.
وتشمل هذه الفئة من المصارف التقليدية أكبرها على المستوى العالمي
مثل Citibankاألمريكي ABN-Amro،الهولندي ،ومجموعة ANZ
المؤتمر العالمي الثالث لالقتصاد اإلسالمي /جامعة أم القرى 13
المصارف تسعى حثيثاً الجتذاب وتعبئة هذه الموارد من خالل تقديم الخدمات
المصرفية اإلسالمية ،كل بطريقته وباألسلوب الذى يتناسب مع إستراتيجية
عمله وأهدافه .وهو األمر الذي كان له إنعكاساته ليس فقط على طبيعة وشكل
المدخل الذي إعتمده كل مصرف منها في دخوله إلي مجال الصيرفة اإلسالمية
،وإنما أيضا على مواقف الكثيرين من علماء الشريعة والمصرفيين اإلسالميين ،
والكثير من الجمهور والعمالء المحتملين أيضا.
غير أنه من اإلنصاف القول بأن هنالك من البنوك التقليدية ،خاصة في
منطقة الخليج ،من أراد الدخول إلي ميادين العمل المصرفي اإلسالمي في
األساس ليس إلعتبارات تجارية وحسب وإنما بغرض عقائدي أيضا ،ولكن
بطريقة تدريجية يتم من خاللها التدرج في "أسلمة" كل أنشطة المصرف
طبقا لخطة موضوعة سلفا ،كما سنبين بعد قليل.
من أنشأ فروعا إسالمية متخصصة ،ومنها من كان قد عقد العزمـ على تحويل
فروعه تدريجيا إلي فروع إسالمية ،ومنها من إختار تحويل األنشطة تدريجيا
بدال من تحويل الفروع ،ومنها من إفتتح "نوافذ إسالمية" في فروعه كلها أو
بعضها ومنها من كان يقوم ببيع منتجاته اإلسالمية جنبا إلي جنب مع منتجاته
التقليدية .وفيما يلي نستعرض معا كل مدخل من هذه المداخل على حده.
مصارف تبيع منتجات إسالمية
ال شك أن هذه هي أبسط وأسرع مدخل إلي العمل المصرفي اإلسالمي
لجأت إليه المصارف التقليدية التي كان هدفها في األساس تجاريا صرفاً ،حيث
رأت في تقديم المنتجات والخدمات المصرفية اإلسالمية مجرد إضافة إلي
تشكيلة منتجاتها تتيح لها إستغالل الفرص السوقية المتاحة بين العمالء
الراغبين في التعامل المصرفي اإلسالمي .ويقع ضمن هذه الفئة الكثير من
المصارف التقليدية على المستويين اإلقليمي والدوليـ ،التى بدأت بتطوير بعض
صناديق اإلستثمار اإلسالمية أو تقديم عمليات تمويل إسالمية كبيرة الحجم ،
ثم تلك التي لجأت فيما بعد إلي فتح نوافذ او وحدات متخصصة في العمل
المصرفي اإلسالمي.
في مقابل المدخلين السابقين واللذان كان دافعهما تجاريا بحتا ،كانت
هناك بعض المصارف التقليدية التى أراد القائمون عليها أسلمة مجمل أعمالها
متجاوزين بذلك األهداف التجارية البحتة .وكان مدخل هذه الفئة من
المصارف لتحقيق هدفها هو الدخول فى عملية تحول تدريجية من خالل إنشاء
إدارة مستقلة للخدمات المصرفية اإلسالمية ،يديرها خبراء ومتخصصون في
الصيرفة اإلسالمية ،كإدارة رئيسية من إدارات المصرف .ومن ثم أخذت هذه
اإلدارة على عاتقها مهمة وضع الخطط اإلستراتيجية للعمل مبتدئة بتحويل
بعض الفروع التقليدية إلي فروع إسالمية كاملة مع إنشاء فروع إسالمية
جديدة في مواقع مختارة بعناية لضمان أكبر قدر من فرص النجاح في ظل
إزدواجية "مقننة" لتقديم الخدمات المصرفية اإلسالمية والتقليدية معا .ومن
أجل مزيد من الضمان لسالمة التطبيق وإكتساب المزيد من ثقة الجمهور ،
قامت إدارات الصيرفة اإلسالمية فى هذه المصارف بتشكيل هيئات مستقلة
للرقابة الشرعية على أعمالها تضم بين أعضائها عددا من كبار العلماء الذين
يجمعون بين المعرفة الشرعية والمعرفة اإلقتصادية ،األمر الذى كان له آثار
محمودة على سرعة نمو العمل المصرفي اإلسالمي وقدرته على التنافس
التجارى مع العمل المصرفي التقليدي .ومن األمثلة على هذه الفئة من
المصارف نجد ما يلي :
البنك األهلى التجارى السعودى الذى يعتبر من أكبر البنوك -
العاملة في منطقة الخليج العربىـ والشرقـ األوسط.
المؤتمر العالمي الثالث لالقتصاد اإلسالمي /جامعة أم القرى 19
بنك مصر الذى إفتتح فروعا إسالمية ولكن ليس بغرض التحول -
الكامل نحو الصيرفة اإلسالمية لباقى فروعه أو أعماله
ولقد بدأت العديد من المصارف فى كل من ماليزيا والباكستان ومصر
باألخذ بهذا التوجه نحو إفتتاح فروع إسالمية لها ‘ كما ان هناك مطالبة قوية
بتبنى هذا المدخل فى دولة الكويت وغيرها من الدول.
مصارف شقت طريقها إلى التحول دفعة واحدة
هذه الفئة من المصارف رغبت فى التحول إلى الصيرفة اإلسالمية دفعة
واحدة إيمانا منها بأن هذا الطريق هو الطريق األصوب واألسرعـ واألكثر جدارة
إلكتساب ثقة العمالء فى سالمة التطبيق .ولعله مما ساعد هذه المصارف على
تحقيق أهدافها فى هذا الخصوص هو الصغر النسبى لحجمها السوقى وما صاحب
ذلك من سهولة نسبية أيضا فى إعادة تاهيل العاملين بها لقيادة دفة العمل فى
شكله الجديد .ومن األمثلة على هذه الفئة من المصارف نذكر ما يلى :
بنك الشارقة الوطنى ،فى دولة اإلمارات العربية المتحدة ،الذى أتم -
بالفعل عملية التحول المنشودة
بنك الجزيرة فى المملكة العربية السعودية ،الذى قطع شوطا طيبا -
فى إتجاه التحول
ومن الجدير بالذكر أنه قد صــاحب إنتشار الصــيرفة اإلســالمية تزايدا
مطــردا في الحركة الفكرية المرتبطة بها تجســدت بوضــوح في إنشــاء أقســام
20 تقويم المؤسسات التطبيقية لالقتصاد اإلسالمي :النوافذ اإلسالمية للمصارف التقليدية
-4د .سعيد بن سعد المرطان " :ضوابط تقديم الخدمات المصرفية 4
سبقت اإلشارة .وهى التجربة التي يسعدني العودة لإلشارة إليها بالنسبة لكل
عنصر من عناصر النجاح المطلوب توفرها إلنجاح عملية إفتتاح نوافذ إسالمية
فى البنوك التقليدية بإعتبارها مثال يمكن اإلحتذاء به في هذا المضمار ،بل وفى
إمكانية اإلستفادة منه في مجال "أسلمة" مصرف قائم بتحويله كامال من
مصرف تقليدي إلى مصرف إسالمي طبقا لخطة موضوعة تنتهج التدرج في
التطبيق دون التضحية باإلتزام الشرعي.
ففي هذه التجربة كان أهم مايشغل تفكير القائمين على إدارة الخدمات
اإلسالمية منذ البداية هو ضرورةـ إقناع العاملين في البنك من اإلدارة
والموظفين ،والمتعاملين معه من العمالء والجمهور بأن العمل في اإلدارة
وفروعها وسياساتها وأموالها كلها تقوم على مبادىء الشريعة اإلسالمية
وتطبيقاتها بكل دقة ووضوح ،ولقد تحقق ذلك لإلدارة من خالل عدد من
اإلجراءات نوردها فيما يلى :
ضمان اإلستقاللية المالية والمحاسبية لإلدارة
اإللتزام الكامل بالشريعةـ اإلسالمية في كل أنشطة اإلدارة
ومنتجاتها وسياساتها وبرامج تدريب موظفيها من خالل التعاقد والتعاون مع
عدد من المراكز الإستشارية المتخصصة
إنشاء هيئة شرعية مستقلة لمراقبة التطبيق ،تجتمع بصفة دورية
مرة كل شهر للنظر فى ما يعن لها من موضوعات ووضعـ التوصيات الالزمة
للتنفيذ
28 تقويم المؤسسات التطبيقية لالقتصاد اإلسالمي :النوافذ اإلسالمية للمصارف التقليدية
تعيين مراقب شرعي داخلي لمتابعة التطبيق العملي بصورة يومية.
هذه األمور جميعا كان لها مردودها اإليجابي والسريع في خلق الصورة
اإلنطباعية الصحيحة عن العمل المصرفي اإلسالمي الذي تم تقديمه من خالل
الفروع اإلسالمية لهذا البنك التقليدي.
ج) اإلعداد المناسب للكوادر البشرية
ال شك أن توفر العنصر البشري المناسب ،جنبا إلي جنب مع التقنية
المتطورة ،يعتبر أحد أهم عناصر النجاح ألي عمل كان .والعمل المصرفي
اإلسالمي ليس إستثناءاً من ذلك .فإلى أي مدى أظهرت المرحلة الماضية توفر
هذا العنصر للعمل المصرفي اإلسالمي من خالل نوافذ إسالمية لمصارف
تقليدية ؟
عودة مرة أخرى إلى تجربة البنك األهلى التجارى السعودى كتجربة
بارزة في هذا المضمار ،نقول أن توفير وتدريب الكوادر البشرية المناسبة
لممارسة العمل المصرفي اإلسالمي كان يمثل أحد الشواغل الرئيسية لإلدارة
خاصة وأن العاملين في الفروع التي كان يتم تحويلها إلى العمل المصرفي
اإلسالمي كانوا في معظمهم غير مؤهلين لذلك .األمر الذي تطلب جهدا ووقتا
كبيرين إلعداد البرامج التدريبية المناسبة ووضعـ الخطط الالزمة لتدريب كل
العاملين في اإلدارة والفروع على مراحل ودورات مختلفة المحتوى والمستوى.
وفى هذا الخصوص كان التدريب يأخذ أشكاال متعددة فبينما كان بعضه
يتم داخليا كان البعض اآلخر يتم خارجيا ،أما البرامج التدريبية الداخلية
المؤتمر العالمي الثالث لالقتصاد اإلسالمي /جامعة أم القرى 29
مشكلة الحساسية التى تنشأ بين منسوبي البنك بشقية اإلسالمي
والتقليدي ،نظرا لما كانت تعنيه فكرة تحويل بنك تقليدى إلي بنك إسالمي
من شعور البعض من منسوبي القطاع المصرف التقليدي بعدم اإلطمئنان مقارنة
باإلرتياح الي كان يشعر به اآلخرون في قطاع الصيرفة اإلسالمية .األمر الذي
كان يؤدى أحيانا إلي الشعور بعدم وجود أرضية مشتركة تجمع الجميع في
بوتقة واحدة .وعلى الجانب اآلخر لم يكن العاملون في قطاع الصيرفة
اإلسالمية متحررون تماما من القلق الذي كان يساورهم بحكم كونهم األقل
عددا من حيث األفراد واألقل حجما من حيث نسبة مساهمتهم فى مجمل أعمال
البنك.
أما المشكلة األخرى فكانت تسويقية ،أساسها اإلحتكاك المتكرر
بين مسؤولي التسويق في الفروع اإلسالمية والتقليدية الذين كانوا غالبا ما
يتنافسون على إجتذاب نفس العمالء مع إختالف الرسالة التسويقية من ناحية ،
ومع ربط تقييم آداء الفروع بمدى النجاح فى إجتذاب العمالء وتعبئة الودائع
فى كل فرع.
فإلى أي مدى نجحت تجربة البنك األهلي في التغلب على هاتين
المشكلتين ؟
ال شك أن هذه الصعوبات كانت من بين األمور الشائكة في بداية األمر ،
غير أنه من أجل تقليص فرص حدوث مثل هذه المشاكل قامت الإدارة المعنية
فى البنك بالكثير من الخطوات والمبادرات لتحقيق هذا الهدف ،نذكر منها :
32 تقويم المؤسسات التطبيقية لالقتصاد اإلسالمي :النوافذ اإلسالمية للمصارف التقليدية
نظرا لصعوبة الفصل بين العمل المصرفي اإلسالمي الذى نشأ من النوافذ
والفروع اإلسالمية لمصارف تقليدية وبين ذلك الذى نشا من مصارف إسالمية
خالصة ،فإننا سنعرض هنا لتطور الصناعة المصرفية اإلسالمية للبنوك
والمؤسسات المالية اإلسالمية فقط ،معتمدين فى ذلك على البيانات التى قام
اإلتحاد الدولي للبنوك اإلسالمية بتجميعها حتى عام 1997م ، 5حيث توقف
تجميع هذه البيانات منذ ذلك التاريخ وتم حل هذا اإلتحاد وأنشىء مكانه
"المجلس العام للمصارف والمؤسسات المالية اإلسالمية" فى عام 2001م ،
ومقره مملكة البحرين ،وهو المجلس الذى تعكف أجهزته حاليا على إعادة
تجميع هذه البيانات من جديد.
لقد شهد سوق العمل المصرفي اإلسالمى على مستوى العالم تطورا هائال
عاما بعد عام منذ منتصف السبعينات حتى يومنا هذا ،بغض النظر عن المعيار
الذى يتم به قياس هذا التطور .والجدول التالى يشير بإيجاز إلى هذا التطور
فى قفزة واحدة من 1993م إلى عام 1997م ،مصحوبة بتقدير لما وصل إليه
الوضع فى عام 2001م.
للبنوك اإلسالمية
34 تقويم المؤسسات التطبيقية لالقتصاد اإلسالمي :النوافذ اإلسالمية للمصارف التقليدية
وهو األمر الذى يشير إلى نمو صناعة الصيرفة اإلسالمية بالمعدالت
التقريبية التالية خالل الفترتين المذكورتين :
المالية اإلسالمية
المؤتمر العالمي الثالث لالقتصاد اإلسالمي /جامعة أم القرى 35
تتفاوت هذه المعوقات بحسب الحالة من مصرف الى آخر كما أنها
تتفاوت أيضا في درجة أهميتها فيما بين المصارف التى تختار مجرد افتتاح
نوافذ اسالمية وتلك التى تختار تحويل فروع تقليدية الى فروع اسالمية
خاصة إذا ما كان الهدف هو خدمة قطاع األفراد الذى يتطلب التوسع فى شبكة
هذه الفروع المحوّلة وربما افتتاح فروع اسالمية جديدة .لذلك لعله يكون
مفيدا أن نستعرضها جميعا في هذا المقام تسجيال للتجربة ،وتعميما للمعرفة ،
خاصة فيما يتعلق بتحويل الفروع لإلستفادة منها فى المصارف الراغبة في اتباع
نفس النهج فى تقديم الخدمات المصرفية اإلسالمية مستقبال .وتتمثل هذه
المعوقات في التإلي :
معوقات إدارية
عدم وضوح الرؤية على مستوى البنك ككل عن خطط اإلدارة فيما
يتعلق بإقدامها على تقديم الصيرفة اإلسالمية ،خاصة فى حالة الرغبة فى
التوسع التدريجى فى هذا التوجه مستقبال .األمر الذى قد يؤدى الى غياب أو
محدودية مشاركة اإلدارات األخرى في صياغة هذا التوجه .األمر الذى يؤدى
بدوره الى بروزـ السلبيات التالية :
تواضع القناعات الشخصية عند بعض المسؤولين بسالمة هذا التوجه -
المزدوج للبنك
ظهور احتكاكات عملية تمتد ،كما سبقت االشارة ،لتشمل التنافس -
غير البناء بين القائمين على ادارة الفروع بشقيها االسالمي والتقليدي.
المؤتمر العالمي الثالث لالقتصاد اإلسالمي /جامعة أم القرى 37
عدم مالئمة النظام المحاسبى المعمول به والقائم على أسس تقليدية -
مع متطلبات العمل المصرفي اإلسالمي
7
ثانيا :التحديات التي تواجه المصارف اإلسالمية عامة
-7منور إقبال " :التحديات التى تواجه العمل المصرفى اإلسالمى" ،ورقة 7
قائمة المراجع
-1دليل المصارف والمؤسسات المالية اإلسالمية جدة -االتحاد الدولي
للبنوك اإلسالمية 1997 ،م.
40 تقويم المؤسسات التطبيقية لالقتصاد اإلسالمي :النوافذ اإلسالمية للمصارف التقليدية
التحديات الصعبة التي كان البد له من مواجهتها والتغلب عليها لتبقى على
مصداقيتها وإستمرار ربحيتها ونموها ،وهى التحديات التي نورد أهمها فيما
يلى :
عدم وضوح أو ربما عدم وجود عالقة بين المصارف اإلسالمية أو
-2د .سعيد بن سعد المرطان ،ورقة بحثية بعنوان " :الفروع والنوافذ
اإلسالمية في المصارف التقليدية" ،ندوة حول التطبيقات االقتصادية
اإلسالمية المعاصرة ،الدار البيضاء ،مايو 1998م ،تحت اإلعداد للنشر
كورقة من األوراقـ العلمية التي يصدرها المعهد اإلسالمي للبحوث
والتدريب في البنك اإلسالمي للتنمية.
-3د .سعيد بن سعد المرطان ،ورقة بحثية بعنوان " ضوابط تقديم الخدمات
المصرفية اإلسالمية فى البنوك التقليدية :تجربة البنك األهلى التجارى
السعودى" ،ندوة من إعداد اللجنة اإلستشارية العليا للعمل على إسكتمال
تطبيق أحكام الشريعة اإلسالمية ،اللجنة اإلقتصادية ،دولة الكويت ،مايو
1999م.
-4منور إقبال وآخرين " ،التحديات التي تواجه العمل المصرفي اإلسالمي"،
ورقة عرضية رقم " ، "2المعهد اإلسالمي للبحوث والتدريب ،البنك
اإلسالمي للتنمية ،الطبعة األوليـ 1998 ،م.
المؤتمر العالمي الثالث لالقتصاد اإلسالمي /جامعة أم القرى 41
فيها ليس فقط من الناحية الفنية للعمل ولكن أيضا من حيث صدق القناعة لديها
بالعمل المصرفي اإلسالمي .صحيح أن المصارف اإلسالمية ال تدخر جهدا في
تحقيق ذلك ولكن الواقع يشير إلي النقص النسبى في المعروض منها مقارنة
بالطلب عليها.
إختالف معايير تطبيق المنتجات االسالمية
في الوقت الذي تم فيه الى حد كبير معالجة مشكلة محدودية المنتجات
الإسالمية من خالل تطوير العديد من منتجات التمويل واالستثمار االسالميين
فانه ال تزال تواجه المصارف الممارسة للعمل المصرفى االسالمي صعوبة أخرى
ال تقل أهمية ،أال وهى مشكلة تعدد طرق وقواعد تطبيقها فى الواقع العملي.
فمع تعدد المصارف اإلسالمية وإستخدامها لعدد من صيغ التمويل اإلسالمية ،
فإنها لم تتمكن حتي اآلن من توحيد قواعد تطبيقها ،فنجد بنوكا مختلفة تقدم
نفس صيغة التمويل ولكن بطرق مختلفة .األمر الذى قد يؤدى إلي كثير من
البلبلة والشك في أذهان المتعاملين مع المصارف اإلسالمية من حيث سالمة
التطبيق ومصداقيته .ولعل هذا اإلختالف يرجع فى المقام األول إلى األسباب
التالية :
.1إختالف هيئات الرقابة الشرعية فى المصارف اإلسالمية وما قد
يصاحبه من تفسيرات مختلفة لبعض األحكام الشرعية الفرعية تبعا لإلختالف
القائم بخصوصها بين المدارس الفقهية األربعة الرئيسية.
تحويلها إلي أوراق مالية يمكن تسييلها عند الحاجه .ومن ثم فإن عدم وجود
أسواق مالية متطورة في الكثير من الدول اإلسالمية يشكل بحد ذاته تحديا
كبيرا أمام المصارف اإلسالمية .أن تطوير مثل هذه األسواق يعتبر شرطا
ضروريا لقيام المصارف اإلسالمية بدورها في تجميع مدخرات المسلمين
وإستثمارها في المشاريع المتوسطة والطويلة األجل التي تحتاجها عملية
التنمية اإلقتصادية في الدول اإلسالمية.
ال شك أن الجهود التى بذلت من أجل تأسيس مركز إدارة السيولة ،
والشروعـ فى تنظيم وإنشاء السوق المالية اإلسالمية وهيئة التصنيف للبنوك
اإلسالمية والتى مقرها جميعا مملكة البحرين كما سبقت اإلشارة ،سيكون لها
إنشاء اهلل األثر المحمود فى التغلب على هذه الصعوبة والمساهمة الفعالة فى
تطوير مجمل العمل المصرفى اإلسالمى.
التخوف من عدم توفر الشفافية
لما كان مبدأ المشاركة في الربح هو األساس في صناعة الصيرفة
اإلسالمية ،فإن ذلك يستتبع بالضرورة أن يقوم التعامل بين كل األطراف
المشاركة في المشروع على أسس واضحة لإلفصاح والشفافية عن النتائج
المالية لهذا المشروع محل المشاركة .فقد يكون هناك نوع من التخوف أن
يلجأ "المضارب" مثال في عقد المضاربة اإلسالمية بممارسة نوع من األنشطة
غير المقبولة من صاحب رأس المال "رب المال" .أو أن يقوم "المضارب" بعدم
46 تقويم المؤسسات التطبيقية لالقتصاد اإلسالمي :النوافذ اإلسالمية للمصارف التقليدية
اإلفصاح السليم عن حجم األرباح التي يحققها المشروع وهو السلوك الذى
سيؤدى بالضرورة إلي تخفيض ربحية البنك اإلسالمي "رب المال" وإلي
إضعاف الثقة في النظام ككل.
وإدراكا ألهمية هذه المشكلة ،عندما يتعلق األمر بالمصرف كمضارب ،
تم تأسيس هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية اإلسالمية AAOIFI
فى مملكة البحرين بغرض وضع المعايير المحاسبية الالزمة لضمان سالمة
ممارسة العمل المصرفى اإلسالمى وشفافيته مقارنة بمثيالتها فى "إتفاقية
بازل" للبنوك التقليدية .ولحسن الطالع أخذت مؤسسة نقد البحرين وعدد من
المصارف الممارسة للصيرفة اإلسالمية فى الدول األخرى بتطبيق هذه
المعايير.
البطء فى توحيد المعايير المحاسبية
إن تطوير نظام محاسبى مناسب للعمل المصرفي اإلسالمي تتفق عليه
المصارف اإلسالمية يعتبر أمرا هاما من الناحية العملية لضمان سالمة كل من
نظم الرقابة الداخلية (داخل البنك) والرقابةـ الخارجية (المصارف
المركزية) .وعلى الرغم من قيام بنك التنمية اإلسالمي بالمشاركة مع عدد
من المؤسسات المهنية والمؤسسات المالية اإلسالمية بإنشاء "هيئة المحاسبة
والمراجعة للمؤسسات المالية اإلسالمية" التي مقرها البحرين ،وعلى الرغم
المؤتمر العالمي الثالث لالقتصاد اإلسالمي /جامعة أم القرى 47
من قيام مؤسسة النقد في دولة البحرين بتطوير نظام محاسبى خاص
بالمصارف اإلسالمية فيها ،فإنه يبدو أنه ال يوجد حتي االن إستعداد كاف من
المصارف اإلسالمية لتبنى مثل هذا النظام الموحد والعمل بمقتضاه.
.8خالصة
لكل تجربة مهما كان نوعها جوانبها اإليجابية كما أن لها سلبياتها ،
وليست تجربة ممارسة البنوك التقليدية للعمل المصرفي اإلسالمي إستثناءً من
ذلك .وفيما يلي نورد أهم إيجابيات وسلبيات هذه الممارسة :
أظهرت التجربة نجاحاً طيباً في تحقيق أهدافها من حيث نمو عدد -
المصارف التقليدية التى أقدمت على ممارسة العمل المصرفى االسالمي على
المستويين االقليمي والدولي وسواءا من خالل نوافذ أو فروع اسالمية
متخصصة.
تشير تجربة تحويل الفروع التي تميًز بها البنك األهلى التجارى -
السعودى بأنه على الرغم من أن عدداً من الفروع التي تم تحويلها كان يقع في
مناطق نائية وكانت تحقق خسائر مالية قبل التحويل ،فإنه بحمد اهلل تم
تحويلها جميعاً من فروع خاسرة إلي فروع مربحة وذلك على الرغم من
صِغَر حجمها وحجم نشاطها في هذه المناطق النائية .وفى رأينا يرجع ذلك
إلى رغبة العمالء فى هذه المواقع للتعامل مع فروع إسالمية ،إضافة إلى حسن
المؤتمر العالمي الثالث لالقتصاد اإلسالمي /جامعة أم القرى 49
كان للتجربة دور كبير في توسيع رقعة العمل المصرفي اإلسالمي -
من خالل تحفيز المصارف التقليدية المنافسة إلي تقديم الخدمة ،ومن خالل
تنمية التعاون مع المصارف والمؤسسات المالية الدولية التي سعت من جانبها
إلي تطوير منتجات إسالمية جديدة .كما كان لهذه التجربة إضافة اليمكن
إغفالها في تنمية الوعى والمعرفة بالخدمات المصرفية اإلسالمية على المستوى
الدولى إلي جانب ماتقوم به المصارف والمؤسسات المالية اإلسالمية األخرى.
أظهرت التجربة أيضا حقيقة التحدى القائم أمام المصارف اإلسالمية -
50 تقويم المؤسسات التطبيقية لالقتصاد اإلسالمي :النوافذ اإلسالمية للمصارف التقليدية
الشكوك التى ربما ال تزال تساور بعض العمالء في مدى مصداقية -
العمل المصرفي اإلسالمي من خالل فروع إسالمية لبنك تقليدي.
.9خاتمة:
ويرى الباحث هنا أنه على الرغم من تعدد المداخل فإن الهدف يبقى
واحدا ،أال وهو رغبة هذه البنوك التقليدية فى تقديم الخدمات المصرفية
اإلسالمية للراغبين فيها .األمر الذى نراه قد ساعد بصورة إيجابية على زيادة
الوعى بالعمل المصرفى اإلسالمى وإنتشاره ونموه بمعدالت تفوق مثيالتها
للعمل المصرفى التقليدي .ساعد على ذلك ان من بين البنوك التقليدية التى
حرصت على الدخول إلى عالم الصيرفة اإلسالمية بنوكا ومؤسسات مالية تعتبر
هى األكبر على المستوى العالمى .وفى رأينا أن إيجابيات هذا التوجه ال تقتصر
فقط على زيادة الوعى واإلنتشار وإنما إمتد أيضا ليشمل جوانب التطوير
واإلبتكار ،مما ساعد على تحول مصارف تقليدية إلى مصارف إسالمية و/أو
إنشاء مصارف إسالمية إبتداءاً .وهذا ال يعنى البته أن تقوم البنوك بتقديم
خدماتها اإلسالمية كيفما كان او دون شروط وضوابط معينة .فالعمل
المصرفى االسالمى (باعتباره عمال عقائديا بالدرجة األولي) يتطلب بالضرورة
المؤتمر العالمي الثالث لالقتصاد اإلسالمي /جامعة أم القرى 53
وفى هذا الصدد يرى الباحث أن غالبية البنوك التى سعت إلى ممارسة
الصيرفة اإلسالمية قد حافظت على تطبيق هذه الشروط والضوابط ،األمر الذى
54 تقويم المؤسسات التطبيقية لالقتصاد اإلسالمي :النوافذ اإلسالمية للمصارف التقليدية
يدفعنا إلى اإلعتقاد بأن تجربة ممارسة المصارف التقليدية للعمل المصرفى
االسالمي من خالل نوافذ أو فروع اسالمية تعتبر تجربة ناجحة .فلقد أثمرت
هذه التجربة نتائج ايجابية ملموسة تمثلت فى نمو العمل المصرفى االسالمى ،
وفى التزايد المستمر لعدد المصارف الممارسة لهذا العمل وانتشارها فى كل
أنحاء العالم ،وذلك على الرغم من الصعوبات والمعوقات التي صادفت بعض
هذه المصارف فى ممارسة العمل المصرفى اإلسالمى من خالل بيئة مصرفية
تقليدية.