Professional Documents
Culture Documents
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقدمــــــــــــة
1
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الـــــــــــــجزء االول
2
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما كان القانون الجنائي يهت ّم بالفعل اإلجرامي دون فاعله وتسليط العقوبة تبعا لجسامة
الفعل ،لم يتحقّق الح ّد من الظاهرة اإلجراميّة مثلما كان مأموال ،وإنّما بالعكس تفاقم اإلجرام وأخذ
الردع العام
مستمر ،لذلك ظهرت نظريّة تفريد العقاب إلى جانب الحفاظ على سياسة ّ
ّ تطور
في ّ
بالتحول من اإلعتداد بالفعل اإلجرامي إلى الفاعل من
ّ كمحاولة للح ّد من تزايد اإلجرام ،وذلك
خالل إستقراء شخصيّته حتى يتسنّى تسليط العقاب المناسب عليه .فاإلنسان ال يولد متّهما
بالسليقة ،وإنّما ّ
الظروف والمالبسات التي قد تحيط به هي التي قد تجعل منه متّهما ومح ّل مساءلة
عن أفعال أو أقوال إقترفها أو نسبت إليه ،وألجل ذلك واحتراما لذاته البشرية فهو يحتاج للحماية
القانونيّة حتى ال تداس كرامته ،وحتى تتوفّر له ك ّل الضمانات التي من شأنها أن تؤول في نهاية
المطاف إ ّما لتبرئة ساحته أو إلثبات إدانته وتوقيع العقاب عليه.1
فالعقوبة تعتبر الجزاء الذي يفرضه القانون ويحدّده على من يرتكب جريمة من الجرائم
الواردة به ،وهي في مصدرها ألم يح ّل بالمجرم نتيجة ما اقترفت يداه من إثم وما سبّبه للمجتمع
من إضرار ،كما أنّها تعتبر كر ّد فعل من جانب الهيئة اإلجتماعيّة ض ّد األفعال اإلجرامية
المرتكبة وح ّد للظاهرة اإلجراميّة ،
3
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل األول
ّفريد على مستوى التشريع
الت
المشرع عند
ّ التّفريد القانوني أو ما اصطلح عليه بالتّفريد التّشريعي هو ذلك الذي يراعيه
تدرجا في العقوبة ،بحسب ظروف الجرائم
النص الجنائي ّ
ّ يقررها في
ما ينشئ في العقوبات التي ّ
المقررة
ّ أخف من العقوبة العادية
ّ نص معيّن عقوبته أش ّد أو
والجناة ،فيفرض على القاضي تطبيق ّ
لنفس الفعل ،إذا وقع في ظروف معيّنة أو من جناة محدّدين ،كوجوب تشديد العقوبة إذا وقعت
الجريمة في ظرف معيّن ،أو كوجوب ترك النصوص الجنائيّة العا ّمة ،وتطبيق النصوص
الخاصة باألحداث ،إذا وقعت الجريمة من حدث في مراحل العمر التي حدّدها القانون.
4
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صة.
وظروف حاالت خا ّ
ويكون تخفيف العقوبة إ ّما تشريعيّا أو قضائيّا ،وعلى عكس أسباب تشديد العقوبة التي
نص ،فإنّه يرجع النّظر ألسباب التخفف إلى القاضي وحده -الفرع الثاني،-
يتعرض إليه ّ
ّ يجب أن
المشرع بنفسه في بعض الحاالت بعض أسباب التّخفيف -الفرع
ّ ّ
ولكن سلطته غير مطلقة فقد حدّد
األول.-
ّ
ولقائل أن يقول أنّه ال يمكن دراسة هذه األعذار مع األسباب المخفّفة من العقاب إذ أنّها ال
5
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تكتفي بتخفيفه ،ولكن وفي حقيقة األمر فإنّه ال تأثير لها على العقوبات التكميليّة ،وفي هاته الحالة
يكون مفعولها تخفيفيّا وال نافيا للعقوبة.
وهذه األعذار في القانون التونسي متعدّدة ولها خاصياتها كما أنّها تخضع إلى قواعد
أوجبها القانون.
6
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
7
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشرع العثور على المجرمين اآلخرين الذين لم ينلهم التتبّع ،وجريمة شهادة
ّ العملة ،إذ يريد
يخول للقاضي أن يمنح الحجج للمتقاضين.
الزور المدنية إذ ال ّ
8
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اإلغراء ،يمكن أن ال ينالهم إالّ عقاب بعشر سنوات سجن عوض عن السجن بقيّة العمر ،كما
تعرض الفصل 191إلى المغفل الذي يمسك قطعا من السكة المدلّسة ظانّا أنّها عادية ثم يكتشف
ّ
عيوبها فيستعملها للتّخفيف من خسارته ،ففي هذه الحالة ال يعاقب إالّ بخطيّة قدرها 6مرات قدر
مجموع القطع التي أرجعها للتّداول بين النّاس في حين ّ
أن األشخاص الذين يستعملون تلك الرقاع
المدلّسة يعاقبون عادة بالسجن بقيّة العمر.
الفرع الثاني :أسبـاب التخفيـف القضائيّـة
يتعرض الفصل 53م.ج .بفقراته العشرة إلى نظام ظروف التّخفيف .وتبسط الفقرة
ّ
األولى مفهوم هذا التخفيـف « إذا اقتضت أحوال الفعل الواقع ألجله التتبّـع ظهور ما يحمل على
ّ
يحط تخفيف العقاب ،وكان القانون غير مانع من ذلك ،فللمجلس مع بيان تلك األحوال بحكمه أن
العقــاب إلى مـا دون أدناه القانوني بالنّزول به إلى درجة وحتى درجتين في سلّم العقوبات
األصلية الواردة بالفصل .» 5
النص تتبيّن لنا شروط وآثار ظروف التخفيف.
ّ ومن خالل هذا
9
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ظروف الفعل -فتوبة الجاني مثال ال تعتبر قانونا ظرفا من ظروف التخفيف ،كما ّ
أن الضّرب
تعرض إليه المتّهم عند إستنطاقه ال يمكن اعتباره ظرفا متعلّقا بالفعل ،ولكن وفي التطبيق
الذي ّ
يأخذ القاضي بعين االعتبار ندم الجاني ليخفّف من العقوبة دون أن يعلّل قراره بذلك.
ثانيا :الجرائم التي يمكن التّخفيف فيها :
يمكن التخفيف في ك ّل أنواع الجرائم سواء كانت جنايات أو جنح أو مخالفات ،ومهما كانت
طبيعتها سياسية عادية أو عسكريّة.
المشرع بنفسه واعتبر أنّه ال
ّ تعرض إليها ّ
ولكن الفصل 53م.ج .يستثني الحاالت التي ّ
يمكن التّخفيف فيها ومثل ذلك الفصل 411من المجلّة التجارية في خصوص التّدليس في
الشيكات.5
يتعرض القانون
ّ أ ّما في ما يتعلّق بالمجرمين الذين يمكن لهم االنتفاع بظروف التّخفيف فلم
مرة.
ألول ّ
ي تحديـد فيمكـن أن يكونوا أحداثـا ،أو رشداء عائدين ،أو ّ
إلى أ ّ
يتعرض إلى حالة عقوبة اإلعدام ،فهل يمكن تطبيق ظروف التّخفيف إن
ّ المشرع ال
ّ ّ
ولكن
10
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشرع في
ّ تعرض إليه
كانت الجريمة تستدعي القتل ،في هذه الحالة نرجع إلى النظام العام الذي ّ
الفقرة األولى من الفصل 53أي يمكن للقاضي أن ينزل العقاب إلى درجة وحتى درجتين في سلم
العقوبات األصلية ،معنى ذلك أنّه يمكنه تسليط ال ّ
سجن لمدّة معيّنة .
11
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأحرى إن اعتبر هذه الظروف ،7ولكن وفي بعض الحاالت تكون هذه العقوبات التكميليّة
وجوبيّة :مثل ذلك الفصل 135م.ج .المتعلّق بشركات اإلجرام ،وفي هاته الحالة واعتبارا
للمبدأ الذي يريد أن يتبع الفرع األصل يقع إلغاء العقوبة التكميليّة ،إذ ّ
أن القاضي بتطبيقه
عوض العقوبة األصلية التي كانت تستوجب تطبيق العقوبة التكميليّة بعقوبة ّ
للظروف التخفيفيّة سي ّ
أخرى ال تستوجب هذه األخيرة ،وبذلك تسري آثار الظروف التخفيفيّة على األصل والفرع.
12
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموضوعيّة.
صــة
الفقـرة األولـى :ظــروف التشديــد الخا ّ
صة بالكتاب الثاني من المجلّة الجنائيّة
المشرع التّونسي على الظروف المشدّدة الخا ّ
ّ نص
ّ
في مواضع مختلفة ،وهذه الظروف إذا ما أضفناها إلى الجريمة فإنّها تشدّد عقوبتها أو تغيرها
صة
كليا إذ تصبح جريمة من نوع آخر ،فهي ترتبط بشخصيّة المجرم وتكتسي صبغة خا ّ
التعرف على
ّ باعتبارها ال تنطبق إالّ على جرائم معيّنة وفي حاالت خا ّ
صة ،كما أنّها تم ّكن من
دناءة المجرم ومدى خطورته وتأثير أفعاله على المجتمع.
لذلك نستنتج من الفصول القانونيّة المتعلّقة بالظروف الخا ّ
صة المشدّدة ّ
أن أسباب التشديد
الرابطة بين الجاني والضحيّة /1/أو صفة الجاني /2/أو وجود ظرف
فيها تعود لنوعيّة الصلة ّ
خاص به /3/
ّ نفسي
الرابطة بين الجاني والضحيّة :
صلة ّ
/1ال ّ
يبرز التشديد في هذه الحالــة من خالل عالقة الثقة /أ /وكذلك عالقـة التبعيّــة /ب./
13
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ ّما فيما يتعلّق بجريمة اإلهمال " "l'Abondonفيكون الحافظ أو الحارس متع ّهدا بحفظ
العاجز أو القاصر والقيام بشؤونه ،وقد اقتضى الفصل 212فقرة 2م.جّ .
أن العقاب يرتفع من
السجن بـ 3سنوات إلى 5سنوات وخطيّة قدرها ألف فرنك إذا كان المجرم أحد الوالدين أو كان
انسانا له سلطة على الصغير أو العاجز أو كان مؤتمنا على حراسته .كما يمكن أن يقصد
بالحارس ك ّل من تولّى العناية بهاته الضحيّة /أي قاصر أو عاجز /بموجب ّ
حق الحضانة أو من
ي.
له سلطة عليه كالوص ّ
كما يمكن أن ينتج ظرف التّشديد من عمليّة اإلستالء غير المشروعة التي يرتكبها صنف
14
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تتحول عملية
ّ ويرتفع العقاب في هاته الصورة من ثالث سنوات إلى عشر سنوات أي
مجرد جنحة إلى جناية وفق ما اقتضى ذلك الفصل 297من م.ج .ويضيف الفصل
ّ االستيالء من
156من م.ج .صنفا آخر من األشخاص الذين إذا ما ارتكبوا جريمة الخيانة تشدّد العقوبة في
شأنهم وهم المؤتمنون ذاتهم حيث ترفع العقوبة إلى 12عاما.
التطور الذي شهده القانون الفرنسي ،فيما يتعلّق
ّ ما يجب مالحظته في هذا اإلطار هو
باألصناف من األشخاص المعنيين بالتشديد في جريمة خيانة مؤتمن ،حيث حدّد قانون 1960
هاته األصناف وهم أساسا :الموظفين العموميين والوزاريين واألشخاص الذين يقومون بعرض
عمومي إليداع القيم أو األموال أو لرهنها والوسطاء في البورصة.
المشرع يحاول أن يحمي عالقة الثقة التي يمكن أن يستغلّها
ّ ويستنتج م ّما سبق ذكرهّ ،
أن
المشرع بعقاب أش ّد إالّ ّ
أن ذلك ال يقتصر على هذه العالقة فقط ّ الجاني للقيام بجرمة ،لذي أفرده
بل يتعدّاها إلى عالقة التبعيّة.
15
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقه القضاء من جهته اعتبر إهماال ،ترك الطفل من طرف األ ّم لدى شخص آخر مع
مؤرخ في 15ديسمبر .1965
بالرجوع ،لكن دون أن تفعل ذلك قرار تعقيبي ّ
إعالمه ّ
تصرفهم ذاك
ّ فهؤالء األشخاص يعتبرون مجرمين وتقوم في شأنهم المساءلة الجزائيّة ّ
ألن
أي التّرك والهجر كان بقصد اإلخالل بالواجب المحمول عليهم.
أ ّما بخصوص جريمة التمعش من الخناء ،الوارد ذكرها بالفصل 232من م.ج .والتي
يشدّد فيها العقاب وفق الفصل 233وتحديدا الصورة الرابعة من ثالثة سنوات سجن إلى خمسة
أعوام ومن خمسمائة إلى ألف دينار خطيّة ،إذا كان مرتكب الجريمة أحد أسالف الضحيّة أو
زوجا أو وليّا له ،وموجب التّشديد في هذا اإلطار هو ّ
أن الجاني إستغ ّل عالقته بالمجني عليه
ليدفعه إلى تعاطي الخناء والتمعّش من نشاطه.
16
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اقتضاه الفصل 219فقرة 3م.ج .من خمسة أعوام إلى إثنى عشر عاما إذا كان المعتدى عليه
خلفا للمعتدي.
سقوط
يقر تشديد العقوبة مهما كانت نسبة ال ّ
المشرع التونسي ّ
ّ وما يالحظ هنا ،هو ّ
أن
المنجرة عن هاته اإلعتداءات ،ومن ناحية أخرى يختلف عن نظيره الفرنسي الذي ال يعتبر عالقة
ّ
مجرد ركن في الجريمة.9
ّ القرابة ظرف تشديد وإنّما فقط
فإن العقوبة تشدّد أيضا عندما تتوفّر عالقة السلطة بين الجاني
إلى جانب عالقة القرابة ّ
والمجني عليه.
سلطــة :
/2عالقـــة ال ّ
أن الشخص الذي له سلطة على المجني عليه يرتكب جريمته بسهولةّ ،
ألن هذا يقصد بذلك ّ
سلطة فإنّه
األخير ال يخشى منه بل يعتبره مصدر حماية وأمان ،فإذا صدر االعتداء من ذي ال ّ
ّ
يستحق لذلك أقصى العقوبة.
ينص على أنّه »يعاقب
ّ وتبرز عالقة السلطة من خالل أحكام الفصل 301من م.ج ،الذي
سجن مدّة ثالثة أعوام وبخطيّة قدرها فرنكات 5000ك ّل من انتهز فرصة قلّة تجربة شخص
بال ّ
التصرف في أمواله ،واستغ ّل طيش أو حاجيات ذلك الشخص فحمله على اإلمضاء
ّ ليس له ّ
حق
صكوك المقيّدة ألمالكه ويرفع العقاب لخمسة أعوام سجنا
على رقعة ماليّة أو غيرها من ال ّ
ولفرنكات 10000خطيّة إذا كان المعتدى عليه موضوعا تحت رقابة أو سلطة المعتدي«.
مكرر
ّ المشرع التونسي العقاب على جرائم المواقعة موضوع الفصول 227
ّ كما شدّد
وأقر أن يكون العقاب ضعف المقدارالمستوجب ،إذا كان الفاعلون للجرائم
ّ مكرر،
و 228وّ 228
ي طبقة أو كانت لهم سلطة عليه أو
المشار إليها بالفصول المتقدّمة من أصول المجني عليه ،من أ ّ
كان معلميه أو خدمته أو أطباءه أو جراحيه أو أطباء لألسنان أو كان االعتداء بإعانة عدّة
أشخاص.
17
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
18
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
»العادة« خاضعا لسلطة قضاة الموضوع ،أ ّما مكان ارتكاب السرقة فيكون إ ّما مكان السكنى أو
مكان العمل.
أ ّما بخصوص الموظف العمومي أو من شابهه ،فيجب تحديد مفهومه الذي يختلف في
ّ
فالموظف العمومي حسب التعريف اإلداري القانون اإلداري عن مفهومه في القانون الجنائي ،
هو صنف من أصناف أعوان الوظيفة العموميّة ،فحسب قانون ّ 1983
فإن هؤالء األعوان
ينقسمون إلى موظفين وعملة وأعوان وقتيين وأعوان متعاقدين.11
وفيما يتعلّق بالتّعريف الجزائي ،فقد ورد في الفصل 82م.ج .بعد تنقيحه أنّه « يعتبر
ّ
موظفا عموميا تنطبق عليه أحكام هذا القانون ك ّل شخص تعهد إليه صالحيات السلطة العموميّة
أو يعمل لدى مصلحة أوجماعة محلّية أو ديوان أو مؤسسة عموميّة أو منشأة عموميّة أو غيرها
من الذوات التي تساهم في تسيير مرفق عام ،ويشبه بالموظف ك ّل من له صفة المأمور العمومي
ومن انتخب لنيابة مصلحة عموميّة أو من تنوبه العدالة للقيام بمأموريّة قضائيّة ».
والموظف العمومي يمكن أن يرتكب عدّة جرائم منها جريمة التدليس والرشوة وجرائم
تجاوز السلطة.
أن التّدليس
بالنّسبة لجريمة التدليس فقد اقتضت الفصول 172و 173و 174من م.جّ .
تغيير في الحقيقة بإحدى الوسائل المنصوص عليها قانونا وعن سوء نيّة ومن شأنه إحداث ضرر
سجن مدى الحياة وخطية قدرها ألف
خاص /بالغير ،وتكون عقوبته طبق الفصل 172ال ّ
ّ /عام أو
دينار ،ونشير هنا إلى التفرقة بين صنفين من التّدليس: 12
* التّدليس المادي :ويتمثّل في صنع ك ّل أو بعض كتب أو عقد مكذوب أو تغيير أو تبديل
ي وسيلة كانت سواء كان ذلك بوضع عالمة طابع مدلّس به أو إمضاء مدلّس أو
أصل كتب بأ ّ
كان بال ّ
شهادة زورا بمعرفة األشخاص وحالتهم.
* التّدليس الذهني :ويتمثّل عند تحرير العقود في قلب مادتها ،أو موضوعها ،وذلك بكتابة
19
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اتفاقات غير التي ذكرها أو أمالها الجانبان أو بأن يذكر أمورا باطلة بصفة كونها صحيحة ،وأنّها
وقعت لدى الموظف أو العدل أو أمورا معترفا بها والحال أنّه لم يقع االعتراف بها ،أو يتع ّمد
العدل أو الموظف عدم كتابة ما تلقاه من التّصريحات.
ّ
الموظف تطرق الفصل 83جديد إلى جريمة إرتشاء
ّ الرشوة فقد
أ ّما بخصوص جريمة ّ
العمومي وشبهه ،أي قبول الرشوة قبل مباشرة العمل المطلوب أو أثناءه وإتمام ذلك العمل وهو
للرشوة ،ويعاقب مرتكب هذه الجريمة بعشرة أعوام وبخطيّة قدرها ضعف قيمة األشياء
قابض ّ
التي قبلها أو ما ت ّم الوعد به ،على أن ال تق ّل الخطيّة عن عشرة آالف دينار .كما يمكن أن تقضي
المحكمة بنفس الحكم بحرمان المحكوم عليه من مباشرة الوظائف العموميّة ومن تسيير المرافق
العموميّة ونيابة المصالح العموميّة ،ويرفع هذا العقاب إلى ضعفه ،وذلك في صورة ما إذا
ّ
الموظف العمومي ،سواء كان ذلك الرشوة بسعي من ال ّ
شخص الذي انسحبت عليه صفة حصلت ّ
بسعي قبل قيامه بالعمل المطلوب أو بعده أو عند االمتناع عن انجاز أمر كان من الواجب القيام
به.13
هذه ّ
الظروف المشدّدة لجريمة الرشوة تطبق على فاعلها عندما يتوفّر ركن العلم ،أ ّما إذا
ّ
الموظف العمومي أو شبهه غير عالم عند قيامه بعمله أنّه ستقدّم له رشوة ،أي أنّه قام بعمله كان
فإن العقاب المستوجب يكون خمسة مجردا عن ك ّل غرض إالّ أنّه قبل ّ
الرشوة بعد اتمام العملّ ، ّ
أعوام سجن وبخطيّة قدرها خمسة آالف دينار.
المشرع التونسي قد رفع العقاب إلى عشرين عاما ،عندما يكون المرتشي
ّ والمالحظ ّ
أن
سجن بقيّة العمر سواء
قاضيا ،وذلك بمناسبة الحكم في جريمة تقتضي عقاب مرتكبها بالقتل أو بال ّ
لمضرته.
ّ الرشوة لمصلحة المتّهم أو
كان أخذ ّ
20
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ّ
الموظف على حرمة المسكن المشرع التونسي صورة اعتداء
ّ إلى جانب ذلك فقد أفرد
سجن مدّة عام وبخطيّة ينص على أنّه »يعاقب بال ّ
ّ خاص وهو الفصل 102م.ج ،الذيّ بنص
ّ
ّ
الموظف العمومي أو شبهه الذي بدون مراعاة الموجبات القانونيّة أو بدون قدرها ثالثمائة فرنك
لزوم ثابت يدخل مسكن إنسان بدون رضاه« وهاته الصورة ت ّم إقصاؤها من صورة الفصل
256م.ج .الذي تعلّق بجريمة انتهاك المسكن من قبل اإلنسان العادي والتي تكون عقوبتها
ّ
الموظف العمومي من صورة الفصل 256م.ج. المشرع إخراج
ّ سجن بثالث أشهر ،وقد تع ّمد
بال ّ
يبرر تشديد العقاب وذلك وعيا منه بخطورة االنتهاك الصادر م ّمن اكتسب صفة المو ّ
ظف وهو ما ّ
في شأنه وتحديد عقاب مدّته سنة سجنا عوضا عن ثالثة أشهر.
21
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن هذا التّعريف تنقصه الدقّة لذلك اجتهد الفقه وفقه القضاء في إبراز مفهوم
والمالحظ هو ّ
عرف فقه القضاء اإلضمار في القرار عدد 3466الصادر في 10 11 1963
اإلضمار ،إذ ّ
بأنّه » يستلزم سبق عزم المجرم على ارتكاب الجريمة والتفكير فيها وفي عواقبها والتصميم على
إقترافها ،ث ّم اإلقدام عليها وهو هادئ البال شاعر بخطورة ما هو مقدم على ارتكابه«و وهو نفس
المؤرخ في .14 1973-3-5
ّ التّعريف الوارد بالقرار
مستقر على هذا التعريف إذ وقع إقراره من طرف محكمة
ّ ويمكن القول ّ
أن فقه القضاء
التعقيب في .15 1994-12-28
يعرفون هذا الظرف بأنّه » ّ
التروي والتدبّر قبل اإلقدام على ارتكاب أ ّما الفقهاء فإنّهم ّ
الحادث ،والتّفكير في الجريمة تفكيرا هادئا ال يشوبه اضطرابا« ،كذلك بأنّه »عزم الجاني عزما
مبنيا على التفكير الناضج والملح في االعتداء على ذات الغير بوسائل اختارها بك ّل عناية
النجاح مشروعه«.16
أن سابقية القصد تفترض ّ
أن المشرع ،بالقول ّ
ّ ومن هذا المنطلق يمكن تبرير صرامة
الشخص الذي يتوفّر فيه هذا العنصر ،مجرم خطير من شأنه أن يهدّد األفراد والمجتمع ألنّه
شروع في تنفيذه ،ومن بين األمثلة التي ّ
مخططه اإلجرامي ويدرس جيّدا نتائجه قبل ال ّ يرسم مسبّقا
ينص »يعاقب بالقتل
ّ تشدّد فيها العقوبة في هاته الصورة نذكر صورة الفصل 201م.ج .الذي
ي وسيلـة كانــت« ،وكذلك صورة
اإلنسان الذي يرتكب عمدا مـــع سابقية القصـــد قتل نفس بـأ ّ
22
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قتل الفرع لألصل موضوع الفصل 203م.ج .وأيضا ارتباط القتل بجريمة أخرى الفصل 204
م.ج.
المشرع شدّد في العقاب ليصل إلى اإلعدام ،وذلك لما ينطوي عليه الجاني
ّ وما نالحظه ّ
أن
ألن نفسيته الشريرة ّ
خططت ودبّرت لهذا النّوع من المضمر من خطورة على المجتمع وذلك ّ
الجرائم ،والذي يعتبر من أبشع األنواع لما فيه من نتائج وخيمة إذ تزهق على إثره روح نفس
بشريّة.
سجن مدّة عشرين عاما
ينص »يعاقب بال ّ
ّ كما نذكر صورة الفصل 208م.ج .الذي
مرتكب الضّرب أو الجرح الواقع عمدا بدون قصد القتل ،والذي نتج عنه الموت ،ويرفع العقاب
إلى السجن بقيّة العمر في صورة سبق النيّة بالضّرب والجرح«.
صة
إلى جانب جرائم القتل التي تشدّد فيها العقوبة نذكر أيضا جرائم اإلعتداء بالعنف وخا ّ
المشرع اعتبر اإلضمار ظرف تشديد في الفقرة الثالثة من الفصل ، 218
ّ العنف الشديد ،ذلك ّ
أن
إذ يرفع العقاب لمدّة ثالثة أعوام وبخطيّة قدرها ثالثة أالف دينار في صورة تقدّم إضمار الفعل.
نص الفصل 127م.ج .على اإلضمار كظرف تشديد ترفع به العقوبة وذلك بالفقرة كما ّ
ّ
موظفا أو شبهه حال مباشرته لوظيفته أو بمناسبة مباشرتها الثانية منه ،ذلك ّ
أن كل إنسان يضرب
سجن لمدّة عام وبخطيّة قدرها ثالثمائة فرنك ،وإذا كان هناك سابقية قصد في ارتكاب
يعاقب بال ّ
العنف ّ
فإن العقوبة ترتفع إلى عشر سنوات سجن وخطيّة قدرها ألفا فرنك.
فإن مختلف ظروف التّشديد التي تكون ملتصقة بشخص الجاني أو
ومهما يكن من أمرّ ،
المكونة لظروف
ّ المجني عليه أو تلك التي لها عالقة بالجانب النفساني ،ليست هي الوحيدة
التّشديد الشخصيّة بل تنطوي الظروف العا ّمة المشدّدة تحت لوائها.
23
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
24
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
األول في ضرورة
شرط ّويستوجب العود توفّر ثالثة شروط أساسية لقيامه ،ويتمثّل ال ّ
وجود عقوبة نهائيّة صادرة عن محكمة في خصوص جنحة أو جناية معاقب عليها وفق قوانين
النص أن تفضي المحاكمة إلى عقوبة بالمعنى
ّ عادية ،وفي خصوص المحاكمة الجزائيّة يشترط
الضيّق وليس تدبيرا احترازيا ،فتدبير إعادة التربية المتّخذ في شأن القاصر الجانح ال يمثّل
الصورة األولى للعود ،وهاته المحاكمة الجزائيّة يجب أن تكون نهائيّة ومعنى ذلك ّ
أن آجال
قوة ما اتّصل به االستئناف أو االعتراض أو ّ
الطعن بالتعقيب قد انقضت ويحصل بالتالي على ّ
القضاء ،كما يجب صدور ا لحكم بمناسبة النظر في جريمة من صنف الجنايات أو الجنح وهو ما
يعني ّ
أن العود في مادّة المخالفات غير موجود في القانون التونسي عدى بعض الحاالت
25
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صة.
االستثنائيّة الواردة في نصوص خا ّ
ينص »يع ّد عائدا ك ّل من يرتكب
ّ أ ّما الشرط الثاني فيتعلّق بما جاء بالفصل 47م.ج .الذي
جريمة بعد عقابه بموجب أخرى.«...
صياغة يمكن القول ّ
أن هناك جريمة ثانية ارتكبت بعد األولى وتكون ومن خالل هذه ال ّ
ي شرط بالنسبة للجريمة الثانية على أنّه من مستقلّة عنها ،إالّ ّ
أن الفصل 47م.ج .لم يفترض أ ّ
البديهي أن نعتبر أنّه يجب توفّر نفس الشروط في الجريمة الثانية ،ألنّه ال يعقل أن ال يعتبر عائدا
من ارتكب مثال جريمة عسكريّة بحتة ثم جريمة عادية وأن يعتبر عائدا من ارتكب جريمة عادية
األول ثم جريمة عسكريّة.
في ّ
ومهما يكن من أمر فقد اعتبر فقهاء القانون أنّه يجب أن تكون الجريمة الثانية مستقلّة عن
الجريمة األول ى ،ومثال ذلك إن عوقب شخص بعقوبة أصلية مع منع اإلقامة وخالف هذه العقوبة
مرتين يعتبر عائدا.19
التكميليّة فال يعتبر عائدا ،ولكن إن خالف منع اإلقامة ّ
وبخصوص الشرط الثالث فإنّه يتعلّق بالمدّة الزمنيّة الفاصلة بين المحاكمة األولى
شرع التونسي أجل 5أعوام ليعتبر الجاني عائد وخارج هذه المدّة
والجريمة الثانية ،فقد حدّد الم ّ
ال يعتبر كذلك وهو المبدأ ،أ ّما اإلستثناء فيتمثّل في ّ
الترفيع في المدّة المذكورة إلى عشر سنوات
إذا كانت الجريمتان مستوجبتان للعقاب بالسجن لمدّة 10أعوام فما فوق.
األول أو من تاريخ إسقاطه أو من تاريخ
ويبتدئ أجل العود ،إ ّما من تاريخ قضاء العقاب ّ
سقوطه بمرور ّ
الزمن ،وال يبتدئ األجل منذ الحكم الصادر بالعقوبة األولى ،والمالحظ في هذا
المشرع التونسي اعتمد العود المؤقّت على خالف نظيره المصري ،وهذا العود
ّ اإلطار ّ
أن
المؤقت هو ما يشترط فيه وقوع الجريمة الجديدة خالل مدّة معيّنة ،على خالف العود المؤبّد وهو
ما ال يشترط فيه مدّة يجب وقوع الجريمة الجديدة في خاللها ،إذ يعتبر ال ّ
شخص عائدا ولو مضي
على الحكم السابق زمن طويل.
أن الشخص يعتبر عائدا إذا ما توفّرت شروط ذلك وعليه تتحقّق
ويستشف م ّما سبق ذكره ّ
ّ
المشرع.
ّ آثارا ها ّمة ضبطها
26
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشرع التّونسي قد اعتمد وجوبيّة التّشديد على العائد ،كما أ ّكدت العديد من
ّ والمالحظ ّ
أن
المؤرخ في 22ماي 1978الذي
ّ القرارات التعقيبيّة على ذلك ،ومنها القرار التعقيبي الجزائي
جاء فيه » ...وأفاد الفصل 50من نفس القانون أنّه في صورة العود ،ال يمكن أن يكون العقاب
دون األقصى المنصوص عليه ،وباقترافه الجريمة الجديدة موضوع قضيّة الحال فيع ّد عائدا على
معنى الفصل 47السالف الذّكر ،وتجب محاكمته وفقا للفصل 50المشار إليه ،20«...وهذا على
خالف بعض التّشاريع المقارنة من ذلك القانون المصري الذي جعل تشديد العقوبة في حالة العود
اختياريا للقاضي.
أ ّما في ما يتعلّق باآلثار الخا ّ
صة للعود ،فتتمثّل أساسا في ثالثة صور ،الصورة األولى
مرتين بالسجن أكثر من عام ،وفي هذه الصورة تخضع عقوبة
المكرر الذي عوقب ّ
ّ تتعلّق بالعائد
المرة الثالثة إلى أقصى العقوبات.
سجن في ّ
ال ّ
صورة الثانية تتعلّق بالعود في جريمة السكر الواضح ،وهي إستثناء لعدم اعتبار العود
ال ّ
يتعرض إليها الفصل 317م.ج .وقد اعتبر
ّ في المخالفات ،إذ ّ
أن هذه الجريمة هي مخالفة
المقررة بالفصل
ّ الفصل 52أنّه إذا ارتكب السكر ّ
مرة ثانية فالعقاب يكون بأقصى العقوبات
وتكرر ارتكاب السكر فيما بعد يوجب العقاب بالسجن مدّة 6أشهر،
ّ / 317أي 15يوم سجن،/
تعرض إلى اآلثار العا ّمة للعود قد اعتبر ّ
أن هذا األثر ال ومن المالحظ ّ
أن الفصل 50م.ج .الذي ّ
يمنع من اعتماد الفصل 53عند االقتضاء أي الظروف التخفيفيّة ،وهنا تثار في التطبيق
27
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويعتبر الفصل 53في فقرته 11أنّه في صورة العود يرفع أدنى ك ّل العقوبات إلى
ّ
الحط نظريا من العقاب إلى 6 تعرضنا إليها يمكن
ضعفه ،أي بالنسبة إلى جريمة السرقة التي ّ
ّ
ولكن القاضي مجبورا على الحكم بسنة. أشهر سجن
تعرضت لمسألة العود ،إذ تض ّمنت أ ّما الصورة الثالثة فتتعلّق ببعض القوانين الخا ّ
صة التي ّ
على قواعد تشديد تختلف عن القاعدة العا ّمة الواردة بالفصل 50م.ج ،من ذلك إعتمدت بعض
القوانين قاعدة تشديد تقتصر على مضاعفة الح ّد األقصى من ذلك الفصل 14من أمر -12-2
ينص على »ك ّل من يستعمل مخبرا للتّحاليل الطبّية بدون أن يكون حامال
ّ 1948الذي
للتّراخيص المنصوص عليها بأمرنا هذا ...يعاقب بخطيّة تتراوح بين 10000و 30000فرنك
تكررت
وبالسجن مدّة تتواوح بين 6أيام وستة أشهر أو بإحدى العقوبتين فقط ،وفي حالة ما إذا ّ
المخالفة ّ
فإن األقصى يضاعف«.22
كما اعتمدت بعض القوانين األخرى على الترفيع في الح ّد األدنى ،مثال ذلك الفصل 67
28
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من مجلّة المرافعات والعقوبات العسكريّة الذي شدّد في عقوبة الفرار بالترفيع في حدّها األدنى
فر من قبل.23
وذلك إن سبق للمضنون فيه أن ّ
كما توجد بعض القوانين التي توجب توقيع العقاب األقصى في حالة العود ،ومثال ذلك
ينص على أنّه »يحكم دائما بأقصى مبلغ الخطيّة والسجن
ّ الفصل 230من مجلّة الغابات الذي
على المعاود الذي قام بالمخالفة المعاقب عليها طبقا للفصلين 228من هذه المجلّة أو النصوص
الصادرة بتنفيذها«.
صة التي تضيف عقوبة السجن في صورة العود إذ لوال
كذلك توجد بعض القوانين الخا ّ
نص عليه الفصل 10فقرة 2من ّ حالة العود لما كانت عقوبة السجن مستوجبة ،من ذلك ما
المؤرخ في 3ماي 1988المتعلّق بالمساجد من ّ
أن »ك ّل من يتع ّمد اإلخالل بهدوء ّ القانون
المساجد ...وعند العود يكون العقاب بالسجن وجوبيّا«.
استقر على القول ّ
بأن أساس التشديد ّ والمالحظ في هذا اإلطارّ ،
أن الفكر الجنائي اليوم قد
في العود هو خطورة الشخص وليست فكرة اإلثم المرتبطة باإلختيار ،نظرا ألنّه من الثابت ّ
أن
اإلرادة يصيبها الكثير من الوهن والضعف عند اإلعتياد على القيام بالفعل ،وال يمكن بالتالي
تفسير التّشديد على أساس جسامة الخطأ ،وقد وقع تعريف الخطورة اإلجرامية بأنّها »حالة نفسية
يحتمل من جانب صاحبها أن يكون مصدر جريمة مستقبليّة « ،24إضافة إلى أنّها »صفة تنشأ
نتيجة تفاعل عوامل شخصيّة وموضوعيّة«.
لقد حاولنا اإللمام في هذه الفقرة بمختلف آثار العود التي ال يمكن أن تبرز إالّ إذا اكتملت
أن العود يعتبر ظرف التشديد العام الوحيدّ ،
لكن ذلك ال يمنع الشروط القانونيّة المحدّدة له ،ذلك ّ
من وجود ظروف تشديد أخرى إلى جانبه ،والمتمثّلة أساسا في ظروف التّشديد الموضوعيّة أو
الماديّة.
الفرع الثاني :ظروف التشديد الموضوعيّة أو المادّية
إن ظروف التشديد الموضوعيّة أو المادّية هي تلك التي ال تتعلّق بشخص الجاني بل
ّ
بالجانب المادّي للجريمة ،أو باستعمال وسيلة معيّنة عند ارتكابها ،هذا وتختلف هذه الظروف عن
29
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الظروف ال ّ
شخصيّة من حيث اآلثار ،إذ يع ّم أثر الظروف المادية على ك ّل من ساهموا في
الجريمة المقترفة ،وذلك نظرا ّ
ألن هذه الظروف تكون الحقة بنفس الفعل اإلجرامي ،وقد
متفرقة من المجلّة الجنائية ،ونجدها إ ّما مرتبطة بماديات الفعل
ّ وردت هذه الظروف في مواقع
/الفقرة األولى /أو راجعة لوضعيّة الضحيّة /الفقرة الثانية./
الفقرة األولى :األسباب المرتبطة بماديات الفعـل
فإن ذلك يتولّد عنه تشديد العقوبة في ّ
حق إذا ما اقترن الفعل المجرم بأعمال ماديّة ّ ،
الجاني الذي يستعمل عديد الوسائل لتسهيل جريمته /أوال /كما يكون الظرف المكاني والزماني
مح ّل تقدير عند تسليط العقوبة /ثانيا /وكذلك الشأن بالنسبة القتران الجرائم /ثالثا./
30
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
متكففا وهو حامل ألسلحة ،أو آالت طبيعتها قاضية بالحصول على الوسائل الموصلة الرتكاب
سالح ،ويكفي ثبوت حمل
سرقات ،ويجب إذن أن يضبط المجرم وهو متلبس ،أي حامل لل ّ
ال ّ
أن المتكفّف
ومبرر ذلك ّ
ّ السالح لتشديد العقوبة دون حاجة لوجود تهديد أو استعمال للسالح،
المتسول /الحامل للسالح يمكن في ك ّل لحظة أن يستعمل السالح للوصول إلى غايته.
ّ /
المشرع حمل السالح في جريمة الفصل 233م.ج .ظرف تشديد سواء كان
ّ كما اعتبر
الحمل ظاهرا أو خفيا ،وفي هاته الصورة يرتفع العقاب من ثالثة إلى خمسة أعوام سجن
وبخطيّة من 500إلى 1000دينار.
المشرع التّونسي العقوبة في صورة العصيان الجماعي طبق الفصل 117م.ج،
ّ كما يشدّد
األول يتمثّل في مشاركة عشرة أشخاص على األق ّل دون
وهذه الجريمة تفترض وجود شرطينّ ،
شرط الثاني فيتمثّل في حمل ال ّ
سالح ،وفي أن يكون هذا االجتماع ناتجا عن اتفاق مسبّق ،أ ّما ال ّ
خصوص ذلك فإنّه الب ّد أن يكون شخصان على األق ّل من المشاركين مسلحين ،وترتفع لذلك
العقوبة إلى 6سنوات سجن.
كما ترفع العقوبة إلى ثالث أعوام سجن في جريمة التجمهر واالنتماء للجمع الذي من
شأنه ازعاج الراحة العا ّمة ،عندما يكون شخصان على األق ّل مسلّحين.
أ ّما في ما يتعلّق بهتك حرمة المسكن والملك موضوع الفصول 255وما يليه م.ج، .
تمس النظام العام والسكينة ،لذلك ّ
فإن حمل السالح من طرف شخص ّ فهاته الجرائم من شأنها أن
واحد يكفي لتشديد العقوبة.
المشرع التّونسي لم
ّ ويتّضح م ّما سبق ّ
أن السالح يعتبر من وسائل العنف ،والمالحظ ّ
أن
يعرف لفظ العنف رغم استعمال اللفظة في عدّة مناسبات بفصول المجلّة الجنائيّة وغيرها ،
سم في الضّرب والجرح طبق الفصول 218 ويمكن أن نستنتج من ذلك ّ
أن العنف يمكن أن يتج ّ
عرف العنف بكونه ك ّل اعتداء على الحرمة و 219و 220و 319م.ج .على ّ
أن الفقه قد ّ
القوة سواء المادّية أو المعنويّة والتي من شأنها إحداث اضطراب على
الجسديّة للضحيّة باستعمال ّ
31
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سم تشديد العقوبة باستعمال العنف في عديد الجرائم منها جريمة الفرار من السجن
ويتج ّ
موضوع الفصول 146إلى 149م.ج .إذ يرتفع العقاب من عام إلى عامين سجن بالنسبة
للشخص الذي يس ّهل فرار مسجون باستعمال العنف.
كما يرفع العقاب بالنسبة للسرقة الموصوفة باستعمال العنف إلى 20عاما سجنا إذا
سرقة أو ألقاربه.
ارتكبت السرقة باستعمال العنف الشديد أو التهديد به للواقع له ال ّ
أ ّما في ما يتعلّق بالفصل 219م.ج .فإنّه ّ
يقر الترفيع في العقوبة بحسب درجة خطورة
العنف ،ذلك أنّه إذا تسبّب عن أنواع العنف قطع عضو من البدن أو جزء منه او انعدام النفع به
مستمر ولم يتجاوز درجة السقوط أو العجز نسبة ، % 20
ّ أو تشويه بالوجه أو سقوط أو عجز
فالمجرم يعاقب بالسجن لمدّة خمسة سنوات ،ويكون العقاب بالسجن لمدّة 6سنوات إذا تجاوزت
درجة السقوط أو العجز الناتج عن االعتداءات المذكورة . % 20
إلى جانب ذلك وبموجب تنقيح الفصل 221م.جّ .
فإن العقاب يرفع إلى عشرين عاما إذا
صار الشخص خصيا أو مجبوبا بمقتضى العنف المرتكب ضدّه ،ويكون العقاب بالسجن بقيّة
العمر ،إذا نتج عن ذلك الموت.
إلى جانب هذه الجرائم التي عدّدناها على سبيل الذّكر فإنّه توجد عديد الجرائم األخرى
التي ترفع فيها العقوبة إذا ما وقع استعمال العنف ،لكن المه ّم ّ
أن تقدير وجود العنف من عدمه
أقرته محكمة التعقيب
يرجع لإلجتهاد المطلق لمحكمة الموضوع وذلك بشرط التعليل وهو ما ّ
بقولها » ّ
أن إكساء الفعلة ووصفها الحقيقي بناء على العناصر المجتمعة باألوراق من خصائص
محكمة الموضوع دون رقابة عليها من محكمة التعقيب ،فتقدير المواقعة بأنّها واقعة غصبا من
خصائص حاكم الموضوع على شرط التعليل المأخوذ من أوراق القضيّة«.26
إلى جانب وسائل العنف المشدّدة للعقاب توجد كذلك وسائل أق ّل عنفا .
32
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي نفس هذا اإلطار ،يكون المتّهم مرتكبا لجريمة استعمال اسم مدلّس إذا نسب لنفسه
إسما وهميّا أو إسما حقيقيّا ينتمي لشخص آخر ،وذلك بقصد التمويه والمغالطة ،أ ّما جريمة
تتكون من جملة األكاذيب المتعلّقة بعنصر الحالة المدنيّة أو
ّ استعمال صفة غير صحيحة فهي
الوضعيّة االجتماعيّة والمهنية للمتّهم ،ويبرز إستعمال هذه الوسائل كظرف مش ّدد في عدّة جرائم
نص عليها الفصل 171م.ج .المتعلّق بجريمة التكفّف إذا استعمل الجاني في التكفّف ّ منها ما
شهادة مدلّسة أو غير ذلك من األوراق المدلّسة المعدّة للتعريف باألشخاص.
نص الفصل 237م.ج .بأنّه »يكون العقاب بالسجن بقيّة العمر إذا ت ّم االختطاف أو
كذلك ّ
ي أو هويّة مزيّفة أو بأمر زيف صدوره عن السلطة العموميّة
تحويل الوجهة ...بواسطة ز ّ
.28«...
33
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ ّما في ما يتعلّق بالمح ّل المسكون ،فإنّه يعتد به كعنصر مشدّد للعقاب وهو ما يبرز من
خالل عدّة أمثلة وردت بالمجلّة الجنائيّة ،من ذلك اعتبار مح ّل الزوجيّة ظرف تشديد في جريمة
نص عليه الفصل 236م.ج .مع عدم انطباق ظروف التّخفيف الواردة بالفصل
ّ ّ
الزنا ،وهو ما
أن ّ
الزنا بمح ّل 53م.ج .في هذه الحالة ،وقد ساير فقه القضاء هذا التو ّجه التشريعي معتبرا » ّ
الزوجيّة ال يعتمد فيه الفصل 53القاضي بتأجيل العقاب ،وبذلك ّ
فإن اإلشارة في الحكم بعدم
إنطباقه مع إقرار الحكم االبتدائي القاضي بالعقاب مع تأجيله فيه تضارب يوجب النقض«.29
34
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ب -الظرف ّ
الزماني :
35
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعتبر زمان ارتكاب السلوك اإلجرامـي عنصرا ها ّما في تقدير العقوبة وذلك لداللته على
المجرم المرتكب ،فالجرم المقترف باللّيل يختلف عن الجرم
ّ خطورة الجاني وعلى جسامة الفعل
بالنّهار /ب /1كما ّ
أن حالة الحرب ليست كحالة السلم /ب /2إلى جانب وجود بعض الظروف
المشرع كظرف مشدّد /ب./3
ّ االستثنائية التي يعت ّد بها
أن ظرف اللّيل ال يؤدّي لوحده إلى تشديد العقوبة إذ الب ّد من إثبات ظروف
والمالحظ ّ
سرقة
أخرى ،كما هو الحال في السرقة الموصوفة الواردة بالفصل 260م.ج ، .فإذا ارتكبت ال ّ
مع توفّر هذه الظروف ّ
فإن العقوبة تكون بالسجن بقيّة العمر.
36
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقر الفصل 62م.ج .بأنّه يعاقب مرتكب االعتداء على أمن الدّولة الخارجي بال ّ
سجن كما ّ
المشرع نفس العقوبة على ك ّل تونسي أو
ّ مدّة إثني عشر عاما إذا وقع زمن الحرب ،كما حدّد
أجنبي يراسل في زمن الحرب وبدون إذن الحكومة راعيا أو أعوان دولة معادية أو يربط معهم
المقرر
ّ وبالرغم من التّحجير
ّ عالقات ،كذلك ك ّل من يقوم في زمن الحرب مباشرة أو بواسطة
بأعمال تجارية مع رعايا أو أعوان دولة معادية.
هذا وقد اعتبر الفصل 67م.م.ع.عّ .
أن جريمة الفرار إلى الداخل المرتكبة زمن الحرب
تكون عقوبتها أش ّد من تلك المرتكبة زمن ال ّ
سلم.
المشرع التّونسي الظروف االستثنائية كسبب في تشديد العقوبة .
ّ إلى جانب ذلك فقد اعتمد
37
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دون سابق علم من شأنها أن تجعله فريسة سهلة لعمليّة سرقة أو غير ذلك من االعتداءات.
كما يمكن أن يتعلّق الظرف االستثنائي بالكوارث الطبيعيّة مثل الزلزال والفيضان أو
الكوارث غير الطبيعيّة التي يلعب فيها اإلنسان دورا ها ّما مثل الهرج والحروب ،لذلك فإنّه يكفي
أن ترتكب الجريمة أثنائها ليتحقّق الظرف المشدّد.
وقد يتعلّق ّ
الظرف االستثنائي بالوضع الذي يوجد به اإلنسان ،كأن يكون مثال مح ّل إيقاف
من طرف شخص دون إذن قانوني ،وفي هذه الجريمة يكـون العنصر ال ّزمنـي مه ّما في تقديـر
نص عليه الفصلين 250و 251م.ج.
العقوبة المستوجبة لها طبق ما ّ
وقد يلعب ّ
الزمن دورا في تقدير العقوبة وذلك إذا تزامن الفعل اإلجرامي مع أفعال أخرى
وهو ما يس ّمى باالقتران.
- 3اإلقتـــــران :
يرتكب الجاني في هذه الحالة عدّة جرائم مختلفة من حيث ماهيتها إالّ أنّها مرتبطة ببعضها
زمنيا أو سببيا.
الزمني فيتمثّل في ما ّ
نص عليه الفصل 204م.ج .على أنّه »يعاقب قاتل بالنّسبة لالقتران ّ
النّفس عمدا بالقتل إذا كان وقوع قتل النفس إثر ارتكابه جريمة أخرى أو كان مصاحبا لها أو
سجن.«...
كانت أثره وكانت تلك الجريمة موجبة للعقاب بال ّ
38
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشرع التْونسي يشدّد العقاب عندما تتعلّق األفعال المجرمة بماديات الفعل ،وكذلك
ّ ّ
إن
تغلظ العقوبة بالنظر لألسباب الراجعة لوضعيّة الضحيّة.
39
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما تشدّد العقوبة في جريمة االعتداء على األخالق الحميدة المنصوص عليها بأمر 25
صة
المشرع في حماية القصر خا ّ
ّ أفريل 1940إذا ارتكبت ض ّد قاصر ،ومن ذلك تبرز رغبة
وأنّهم في ّ
سن حرجة تجعل منهم عرضة للوقوع في المهالك ،إذ قد يقع استغالل الطفل بأن يكون
سد في التجارة
ضحيّة تهريب أو ضحيّة استعماله كوسيلة تهريب ،وأبرز هذه الحاالت تتج ّ
جرم التشريع التونسي استعمال أو تداول المخدرات
باألطفال وكذلك في تهريب المخدرات ،وقد ّ
ورفع في العقاب إلى أقصاه إذا ارتكبت إحدى الجرائم المنصوص عليها بقانون المخدرات ض ّد
قاصر لم يبلغ 18عاما كاملة.
40
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقرر
ّ »يعاقب بالسجن مدّة ستة أعوام ك ّل من انخرط في عصابة أو شارك في وفاق من النوع
بالفصل 131م.ج .ومدّة العقوبة تكون إثنى عشر عاما ...في صورة إستخدام طفل أو عدّة
أطفال دون الثمانية عشر عاما لألعمال المبينة بالفصل 131من المجلّة«.35
ّ
الموظف من جرائم الثّلب وال ّ
شتم التي قد ترتكب المشرع عن حماية
ّ كما لم يسهى
ضدّه ،36إذ تمتاز العقوبات المسلّطة على من يرتكب جريمة الثّلب وال ّ
شتم ض ّد موظف عمومي
يتدرج العقاب
صصة لثلب الخواص ،ففي جريمة الثلب ّ
بالشدّة في العقاب مقارنة بالعقوبات المخ ّ
بحسب وضعيّة المجني عليه من حيث السلطة والنّفوذ اإلداري والعسكري ،ويبلغ العقاب أشدّه
عندما يستهدف النّظام العام والجيوش واإلدارات العموميّة.37
الفصل الثاني
التّفريد عند تسليط العقـاب
41
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتمثّل التّفريد عند تسليط العقاب في إعطاء القاضي سلطة تقديريّة واسعة الختيار العقوبة
المناسبة في نوعها ومقدارها للحالة المماثلة أمامه ،وهو ما يعرف بالتفريد القضائي ،إذ على
يقررها
المشرع عندما ينشئ في العقوبات التي ّ
ّ خالف التّفريد القانوني أو التشريعي الذي يراعيه
تدرجا في العقوبة بحسب ظروف الجرائم والجناة فيفرض على القاضي تطبيق
النص الجنائي ّ
ّ في
فإن التّفريد يكون قضائيا
المقررة لنفس الفعلّ ،
ّ أخف من العقوبة العادية
ّ نص معيّن عقوبته أش ّد أو
ّ
المشرع ،فرغم الجسامة
ّ حين يقوم القاضي على تطبيقه عند تقدير العقوبة بناء على تفويض من
الذاتية للجريمة الواحدة أيا كان سبب وقوعها وزمانها فالقتل قتل أياما كانت ظروف وقوعه ،إالّ
المشرع بعد أن يقدر جسامتها في صورة ح ّد أقصى وح ّد أدنى للعقاب يترك للقاضي أن
ّ ّ
أن
المشرع وبين ظروف وقوع الجريمة
ّ يوازن بين هذين الحدّين بين جسامة الجريمة كما قدّرها
وخطورة المجرم.
فإن القاضي يلعب دورا هاما في تفريد العقوبة حسب سلطته التّقديريّة
ومن هذا المنطلق ّ
المشرع ،إالّ ّ
أن هذا الدّور يتراجع في بعض األنواع من الجرائم ّ الواسعة واآلليات التي منحها له
التي تأخذ بعين االعتبار درجة جسامة الفعل المادّي االجرامي ،ودرجة مسؤوليّة الفاعل،
سها بالمسائل األمنية واالقتصادية واالجتماعيّة.
وخطورة الفعلة على المجتمع ،وم ّ
لذلك ورغم أه ّمية دور القاضي في تفريد العقوبة عند تسليط الجزاء /مبحث ّأولّ /
فإن هذا
الدّور يتراجع أمام أه ّمية بعض األفعال االجراميّة /مبحث ثاني./
42
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشرع التّونسي للقاضي بعض الوسائل التي تم ّكنه من تحديد العقوبة المالئمة
ّ منح
لشخص المجرم ،وظروف وقوع الجريمة ،وجسامة الفعل ،واشترط لذلك أن يت ّم ذكر األسباب
التي دعت إلى تمتيع الجاني بها.
فالعقوبة ال تحقّق الغاية المنشودة منها إالّ إذا وقع إختيار الجزاء المناسب لك ّل جريمة ،مما
المتضرر من الجريمة،
ّ يسمح بتحقيق مصلحة المجتمع في الحفاظ على أمنه وسالمته ،كما يمنح
الثقة واأل مان في تحقيق العدالة ،ويسمح من جهة أخرى بعقاب الجاني عقابا يكون ،مبدئيا،
متناسبا مع الجرم الذي إرتكبه.
43
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولقد ت ّم تقنين نظام تأجيل التّنفيذ في أغلب القوانين الوضعية منذ مطلع القرن ،19نظرا
مرة تحت ضغط ظروف إستثنائية سسة من فوائد على من زلّت بهم القدم ّ
ألول ّ لما توفّره هذه المؤ ّ
حرمتهم من تقدير نتائج أفعالهم ،وقد أحدث االجراء بفرنسا بقانون 26 3 1891وانتشر بعد
ذلك في ك ّل التشاريع وخا ّ
صة أوروبا .
ويهدف تأجيل التّنفيذ إلى تحقيق غايتين ،أما الغاية األولى فتتمثّل في حماية المجرم
سسة العقابية ومعاشرة من فيهم من المجرمين المعتادين أو الخطيرين
المبتدئ من دخول المؤ ّ
سجون.39
أن النظام الجماعي هو المطبق داخل ال ّ والتأثّر بهم خا ّ
صة ّ
فإن تأجيل التّنفيذ يع ّد فرصة للمحكوم عليه لتعديل سلوكه وتحسين خلقه
أ ّما بالنّسبة للثانيةّ ،
المشرع يفترض ّ
وأن بقاء المحكوم ّ والكف عن الجريمة للعود إلى حظيرة المجتمع ،ضرورة ّ
أن ّ
44
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليه مدّة خمسة أعوام دون اقتراف فعل إجرامي يش ّكل قرينة قويّة على توبته ومحو آثار حالة
الخطورة لديه.
إالّ أنّه ّ
بالرغم من مزايا هذا اإلجراء ،فقد وقع انتقاده من جهة خرق تأجيل التّنفيذ لمبدأ
أن العقوبة المستوجبة يفترض توقيعها على الك ّل ،إالّ أنّه بتطبيق هذا النظام
المساواة ،ذلك ّ
سيعاقب مجرمون وينتفع آخرون بتأجيل التنفيذ ،لكن مبدأ المساواة ال يش ّكل مانعا لمبدأ التّفريد بل
إن المساواة الحقيقية ال تكون إالّ بالتـّفريد ،ومن جهة أخرى يش ّجع المجرمين على ارتكاب
ّ
الجريمة إذ يعلمون أنّهم سينتفعون بتأجيل التنفيذ ّ
لكن هذا اإلجراء ال ينطبق بصفة آلية إذ من
يقرره القاضي رغم عدم خطورة الجاني.
الممكن أن ال ّ
وتجدر اإلشارة أنّه توجد طريقتان في تأجيل التّنفيذ ،تتمثّل األولى في وقف النطق بالعقاب
مع تحميل الجاني جملة من االلتزامات من شأنها أن تضمن إستقامته وعودته للجادة ،أ ّما
الطريقة الثانية فيت ّم فيها النطق بالعقاب مع األمر بوقف تنفيذه لفترة محدّدة ،واتجهت بعض
األنظمة الجنائيّة إلى تطوير هذه الطريقة الثانية التي تع ّد األكثر تقدّما بوضع المحكوم عليه تحت
تكرس الثّانية بشكلها
االختبار القضائي ،ويمكن تصنيف القانون التّونسي صلب األنظمة التي ّ
المشرع التّونسي صلب الفصل 53م.ج .على شروط منح تأجيل التّنفيذ.
ّ التّقليدي ،وقد ّ
نص
45
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صة قصيرة المدى تلعب دورا ها ّما في إفساد انتهت إليه الدراسات من ّ
أن عقوبة السجن وخا ّ
المجرمين المبتدئين ويضعف ك ّل أمل في إعادة إدماجهم بعد قضاء العقاب.40
46
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويعتبر من أه ّم المبادئ المعتمدة ،إقرار سلطة تقديرية مطلقة لمحاكم األصل في منح
ي متّهم المطالبة بتأجيل العقاب ولو توفّرت فيه
التأجيل من عدمه ،وكنتيجة لذلك ال يمكن أل ّ
الشروط الالّزمة ،وتبرز أه ّمية هذا المبدأ في منع األشخاص من االعتقاد ّ
أن تأجيل تنفيذ العقاب
استقر فقه القضاء
ّ أن الخطورة األولى ال تكلف شيئا ،كما ّ
حق لك ّل مجرم مبتدأ يذهب في اعتقاده ّ
بأن تأجيل التّنفيذ ال عالقة له بظروف التخفيف 43المنصوص عليه بنفس الفصل
على القول ّ
،53وبيّنت محكمة التعقيب في هذا الصدد أنّه من الممكن أن تقضي المحكمة بأقصى عقاب
وتأمر في نفس الوقت بتأجيل التّنفيذ ،كما بيّنت محكمة التّعقيب ّ
أن واجب انذار المحكوم عليه
بالتأجيل ،وتحذيره من مغبة العود في المدّة القانونية يعتبر إجراء غير جوهري وال يترتّب عن
اغفاله البطالن.44
47
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
48
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمالحظ ّ
أن إرساء هذه التقنية في العمل القضائي للمحاكم الجزائية كان خالل سنوات
، 1961-1960حيث صدر منشور عن وزارة العدل وقع فيه اإللماع إلى التّجنيح من خالل
التوجهات التي تضمنها ،والرامية إلى تجنيح بعض الجنايات البسيطة /مثال تفاهة قيمة المسروق
في السرقة الموصوفة /تقليصا للنفقات الكبيرة التي يتطلبّها البحث والتّحقيق في الجنايات،
وادخارا للوقت حتى يقع تجنّب العمل باإليقاف التحفّظي للمتّهم وذلك بالحرص على سرعة
الفصل في القضيّة.
أ ّما بفرنسا ّ
فإن ظهور التجنيح لدى المحاكم الفرنسية كان قبل ظهوره لدى نظيراتها
التّونسية ،وقد حاول رجال القضاء الفرنسيين إرجاع ذلك لعدّة اعتبارات منها خا ّ
صة قدم التقسيم
مستمر ،ثم تجنّب النفقات الكبيرة
ّ تطور وتغيّر
الثالثي للجرائم وعدم مالءمته للواقع الذي هو في ّ
التي ترافق تتبّع ومحاكمة الجنايات .
49
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صة وأنّه ّ
بالرجوع إلى فقه القضاء ،مما حال دون إفرادها بتعريف شامل وهو ضروري خا ّ
المعاجم العربيّة ال نجد تعريفا قانونيّا لكلمة تجنيح عدا ما ورد بالمعجم الوسيط» : 49جنح
المخالفة والجناية ،عدها جنحة« ،وهو نفس ما تضمنه المعجم الوجيز.
تطور مطرد ،بحيثأن هذه التّقنية منذ أن عرفت طريقتها إلى التّطبيق وهي في ّ
والمه ّم ّ
سس قضاءها وبالتالي أن المحاكم ال تتوانى في العمل بها كلّما ظهرت لها ّ
مبررات وأسباب تؤ ّ ّ
فإن القاضي حين ينزع للعمل بالتّجنيح فإنّه يبحث على
صار بذلك التّجنيح ذا أه ّمية كبرى ،وعليه ّ
تفريد العقوبة ،الذي يتحقّق بإحكام مالءمته وخطورة الفعل االجرامي وشخصيّة المجرم ،فبات
بذلك التّجنيح على صلة ثابتة بتفريد العقوبة.
بذلك تعدّدت صور التجنيح واختلفت طبيعته ،إذ أصبح ذي طبيعة مزدوجة ،بعد أن كان
قضائيا صارت له طبيعة قانونيّة ،حتى لو سبقت األولى الثانية من حيث النشأة.
50
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
51
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المتضرر في
ّ احتجاز ،أو نتج عن االعتداء جرح أو بتر عضو أو تشويه أوغيرها مما يجعل حياة
خطر /الفصل 228م.ج./.
-2اال عتداء بالعنف الشديد من الخلف على السلف ،أو الذي نتج عنه أحد األمور التالية،
درجة سقوط أو عجز تتجاوز العشرين في المائة ،أو تصير اإلنسان خصيا أو مجبوبا أو الموت
/الفصل 219فقرة ثانية وثالثة والفصل 221م.ج./
كما اقتضى الفصل 115م.ح.ط .أنّه »ال يجوز إجراء الوساطة إذا ارتكب ال ّ
طفل
جناية« .وبالتالي فإنّه حتى الجنايات التي تقبل التّجنيح ال يجوز إجراء الوساطة في شأنها ،وهو
بالمشرع لو جعل إجراء الوساطة
ّ أمر ال يستقيم على األق ّل من حيث المبدأ ،أو كان يحسن
اختياريا موكوال الجتهاد قاضي األطفال ،ومنعها في جرائم القتل كما هو ال ّ
شأن بالنسبة للتجنيح.
53
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تصور اقتراف الطفل لجرائم االعتداء على النظام العام الواردة بالفصول من 60إلى 80م.ج.
ّ
لما يتطلّبه هذا النوع من سعة إدراك وعلم بعدّة أمور سواء كان ذلك في مرحلة التحضير أو
التنفيذ إذ يصعب على الطفل اإللمام بها.
إن كان إقصاء مثل هذه الجنايات قائما على مقارنة طبيعتها .وسن الطفل وكافة قدراته
الذهنية والجسمانية ،فإنّه إقصاء يتدعم كذلك بالنظر إلى المحيط اإلجرامي لألطفال ،والذي من
سرقة الموصوفة أو جنايات إفرازاته ّ
أن معظم الجنايات التي يقترفها األطفال هي جنايات ال ّ
االعتداء بالعنف ال ّ
شديد وقليل جدا جنايات المواقعة واالعتداء بفعل الفاحشة.
54
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
55
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشرع التونسي ،على توفير بعض اآلليات التي تم ّكن قاضي تحقيق األطفال
ّ وقد عمل
من الوقوف على حقيقة شخصية الطفل ،ومن ذلك ما اقتضاه الفصل 76م.ح.ط .من أنّه »عند
إجر اء التحقيق أو في مرحلة المحاكمة يدعى للحضور خبير أو أكثر إلبداء رأيه شفاهيا أو كتابيا
في مسائل تتعلّق بالقضية أو بشخصيّة الطفل« ،هذا مع اإلشارة إلى ّ
أن مندوب حماية الطفولة
يعتبر الشخص الوحيد المؤ ّهل إلبداء ملحوظات حول شخصيّة الطفل ،نظرا للسلطات الواسعة
يمر بحاالت صعبة
خولها له الفصل 30م.ح.ط ،والمرتبطة شديد االرتباط بالطفل الذي ّ
التي ّ
56
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على معنى الفصل 20من نفس المجلّة فضال عما اقتضاه الفصل 87م.ح.ط .من أنّه »يقوم
قاضي األطفال مباشرة أو عن طريق أحد األشخاص المؤ ّهلين لذلك بجميع األعمال واألبحاث
الالزمة للتوصل إلى إظهار الحقيقة ومعرفة شخصية الطفل أو الوسائل المناسبة إلصالحه أو
حمايته«.
57
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فبات بذلك التجني ح عامال على إحكام نجاعة السياسة الزجرية في الدولة ،لما رمي في
تطور
الغالب من األحيان إلى عقلنة تطبيق العقوبة وذلك باالرتكاز على عنصرين إثنين ّأولهما ّ
النمو االجتماعي لديه وثانيهما التّقليص من الهوة الحاصلة بين القانون
ّ وعلو نسبة
ّ الرأي العام
ّ
الجنائي /التقسيم الثالثي للجرائم /والواقع.53
58
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صة ّ
وأن أ ّما في ما يتعلّق بتجنّب العمل باإليقاف التحفّظي ،فهو تجنّب يحسن لو يتحقّق ،خا ّ
اإليقاف التحفّظي وسيلته استثنائيّة ال يلتجىء إليها قاضي التّحقيق إالّ في حدود ضيّقة ،إذ ال يمكن
إيقاف المظنون فيه تحفظيا إالّ في الجنايات والجنح المتلبّس بها ،وكذلك كلّما ظهرت قرائن
قويّة تستلزم اإليقاف باعتباره وسيلة أمن يتالفى معها اقتراف جرائم جديدة ،أو ضمانا لتنفيذ
العقوبة ،أو طريقة توفّر سالمة سير البحث ،ثم وحتى في مادّة الجنايات والجنح المتلبّس بها ّ
فإن
59
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اإللتجاء إلى اإليقاف التحفّظي ليس آليا ،إذ يمكن لحاكم التحقيق أن يبقى المتّهم بحالة سراح ولو
شبهة ال تتوفّر فيها قرائن قويّة
أن األفعال المنسوبة لذي ال ّ تعلّقت به جناية ،خا ّ
صة إذا تبيّن له ّ
أن الجناية قائمة ولكنّه ارتأى تجنيحها.
تستلزم اإليقاف ،أو ّ
أ -حالة الفعل اإلجرامي الذي ال يقبل سوى وصف قانوني واحد :
ذلك بأن تقوم من الفعلة جريمة السرقة الموصوفة مثال أو الخيانة الموصوفة ،والبين ّ
أن
مثل هاته الجريمة التي لها صبغة الجناية ال تقوم إالّ بتضافر بعض الظروف التي تشدد في
غض النظر عن تلك الظروف المشدّدة حتى يقوم الوصف الجناحي للفعلة
ّ العقاب ،فيقع
التسور وحاكم التحقيق أراد تجنيح
ّ اإلجرامية ،فمثال شخص يقوم بسرقة في الليل باستعمال
الفعلة ،فعليه اعتبار التهمة المنسوبة للمظنون فيه من قبيل جريمة الفصل 264م.ج ، .ولن
بغض النظر عن عنصري الزمن /الليل /والطريقة /باستعمال
ّ صل إلى تلك النتيجة إالّ
يتو ّ
التسور./
ّ
كذلك الشأن بالنسبة للخيانة التي تعتبر جنحة حسب الفقرة األولى من الفصل 297م.ج،
تتحول إلى جناية حسب مقتضيات الفقرة الثانية من نفس الفصل ،إذا كان مرتكبها وكيال أو
ّ لكنّها
مستخدما أو خادما أو أجير يومه لصاحب ال ّ
شيء أو وصيا أو ناظرا أو مقدما أو مؤتمنا أو مديرا
60
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
61
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عرضة لالستئناف لدى دائرة االتهام التي قد ال ترى وجاهته ،ثم وفرضا أنّه لم يقع االستئناف ،
ملف القضية ،من إرجاع األمور إلى نصابها،
ّ ّ
فإن ذلك ال يمنع المحكمة الجناحية المحال عليها
وبذلك يثبت أنّه لترسيخ التجنيح كآلية في العمل القضائي للمحاكم الزجرية يجب تأييد جميع
األول أو الثاني أو قبل ذلك ،في الجهات التي لها النظر في القضيّة سواء كان ذلك لدى ّ
الطور ّ
مرحلة التحقيق.
فإن دور القاضي في التّفريد يبرز أيضا من خالل تطبيق التدابير
إلى جانب تقنية التجنيح ّ
االحترازية أو ما يعرف بالعقوبات التكميلية.
62
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالحرية :
ّ سة
أ -التدابير الما ّ
وهي االقصاء والتشغيل اإلصالحي ومنع اإلقامة والمراقبة اإلداريّة .
* االقصـــــــــــاء :
يع ّد االقصاء جزاء تكميليا تطبقه المحاكم على المجرمين ويقضّي بمؤسسة يعينها وزير
ّ
الحق ويعرف الفصل 1من قانون 1973-12-8االقصاء بأنّه »عقوبة تكميلية ته ّم
ّ الداخلية،
العا ّم مدّتها غير محدودة وتقضي بمؤسسة شغل يعينها وزير الداخلية«.
ويتأسس االقصاء كتدبير احترازي على فكرة الخطورة اإلجرامية ،ويستشف ذلك من
63
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشرع االقصاء
ّ المؤرخ في ، 8 12 1973ومنه جعل
ّ ّ
المنظمة له الواردة بالقانون األحكام
حرية توقيع هذا الجزاء من عدمه ،وهو مؤشر على
كعقوبة تكميلية جوازية بحيث يبقى للقاضي ّ
ارتباط االقصاء بالحالة الخطرة وبالصبغة الوقائية للتدبير ومن الشروط الموضوعية الالّزمة
لتوقيع االقصاء ،وهذا التدبير يسلط ض ّد فئة معيّنة من المجرمين وهم من اعتادوا االجرام.56
64
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ّ ،
ألن الهدف من هذا التدبير هو حماية المجتمع من الخطورة التي يشكلها المفرج عنهم الخطيرين
هذا من جهة ،واستئصالهم من المحيط االجتماعي والمكان الذي دفعهم إلى ارتكاب الجريمة
قوي نزعة االجرام لمنعهم من العود من جهة أخرى ،إذ ّ
أن ارتياد هذه األماكن من شأنها أن ت ّ
لديهم وتع ّمق حالة الخطورة عندهم.57
65
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ج -التّدابير الما ّ
سة باالعتبار :
وتتمثّل في نشر أو تعليق مضامين األحكام :
سة باالعتبار في بعض الحاالت جبرا مدنيا الغرض منه ارجاع الحالة
وتكون التدابير الما ّ
إلى ما كانت عليه ،وقد ورد بالفصل 45م.إ.جّ .
أن »للمحكمة في صورة القضاء بالغرم أن
تأذن بنشر الحكم كالّ أو بعضا بجريدة أو عدّة جرائد يعينها الحكم ويكون ذلك على نفقة المحكوم
عليه وتعيّن بالحكم مصاريف النشر«.
فمبدئيا ونظرا لصرامة وشدّة جزاء المصادرة أو الحجز العام فال يمكن اعتبارها عقوبة
تكميلية أو تدبير احترازي مستتر يهدف إلى إزالة حالة الخطورة ،إالّ ّ
أن ذلك ال يمنع من اعتبار
المصادرة كعقوبة تكميلية عندما تكون غايتها إزالة الخطورة االجرامية للجاني ،وتكون كوسيلة
وقائية ض ّد إمكانية العود ،ويظهر ذلك في بعض الجرائم الخطيرة مثل جرائم االعتداء على أمن
66
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدولة ،حيث يلعب العنصر المالي دورا أساسيا في ارتكاب الفعل اإلجرامي.
نص عليها
ّ المشرع التونسي على عقوبة مصادرة المكاسب في الصور التي
ّ نص
ّ وقد
أن توقيع مثل هذه العقوبات ال يكون إالّ بالنسبة للجرائم الخطيرة وذلك
سر ّ
القانون ،وهو ما يف ّ
الحق المسلّط عليه.
ّ بالنظر إلى أه ّمية
الخاص :
ّ أ -الحجز
الخاص بالقول »يؤخذ لخزينة الدولة ما حصل من
ّ عرف الفصل 28م.ج .الحجز
ّ
الجريمة أو اآلالت التي استعملت أو يمكن استعمالها في الجريمة«.
ويمكن للقاضي أن يحكم بحجز تلك األشياء بقطع النظر عن مالكها ،كما ينسحب الحجز
على ك ّل ما كان صنعه أو استعماله أو حيازته أو بيعه ممنوعا ،أي عندما يكون موضوع الحجز
جريمة في ح ّد ذاته ،فالحجز يسلط على األشياء التي لها ارتباط بالجريمة كأن تكون موضوع
مكرر م.ت ، /.أو مبلغ الرشوة 96/م.ج ،/.أو المخدرات
ّ الجريمة كالشيك المدلس 411/
/الفصل 25من قانون ،/18 5 1992أو العملة المزيّفة /الفصل 189م.ج ،/.أو الوثيقة
المزيّفة /الفصل 200م.ج ،/.أو عندما تكون الوسيلة التي ارتكبت بواسطتها الجريمة كالسالح
المستخدم في االعتداء على حياة الغير ،أو سالمته البدنية ،أو عندما تكون ثمرة الجريمة كالمال
المتأتّي من جريمة المخدرات.58
وجدير بالمالحظة ّ
أن أغلب صور الحجز تع ّد تدبيرا وقائيا ،الهدف منه منع تداول أشياء
خطيرة محرمة قانونيا أو عندما تكون أداة الجريمة أو مثبتة لها.59
67
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن جزاء غلق المح ّل ليس إالّ تدبيرا احترازيا لتأسسه على حالة خطورة،
وعليه يتبيّن ّ
ومثال ذلك توجب شروط حفظ الصحة ضرورة احترامها من قبل التاجر وهي تشكل تدبيرا وقائيا
من إمكانية نشوء وضعية خطرة عند مخالفة التشريع بممارسة العمل المعيّن.
ينطوي نظام العقوبات البديلة على تخويل القانون للقاضي سلطة إحالل عقوبة معيّنة مح ّل
68
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عقوبة من نوع آخر يمكن الحكم بها على مجرم ما ،فالعقوبة التي يمكن الحكم بها والعقوبة التي
يجوز أن يحلها القاضي محلّها ال تعتبران مختلفان ،وإنّما تعتبر األولى أصلية والثانية بديلة ،
فالقاضي يحدّد ّأوال العقوبة األصلية سواء كان ذلك في ذهنه عند إعداده للحكم أو في منطوق
الحكم ذاته وذلك على ضوء ظروف الجريمة ومالبساتها وظروف المجرم ،ثم ينتقل بعد ذلك إلى
استبدال العقوبة األصلية بالعقوبة البديلة العتقاده بمالءمة العقوبة البديلة أكثر من العقوبة
األصلي ة ،سواء بالنظر لحالة المجرم الشخصية أو بالنظر للجريمة المرتكبة أو حتى لصالح
المجتمع.
ولقد اتّفق ك ّل من التّشريع المقارن والتشريع التونسي على اعتماد عقوبة الخطية كعقوبة
بديلة لعقوبة السجن /الفقرة األولى ، /غير ّ
أن هذه العقوبة قد تبقى قاصرة بمفردها على لعب دور
العقوبة البديلة المناسبة في بعض أنماط من الجرائم ،لذلك ظهر نوع جديد من العقوبات البديلة
في عديد القوانين المقارنة ،وهي عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة التي عرفت نجاحا باهرا في
وتكرسها ضمن
ّ تنص على هذه العقوبة
ّ التشاريع التي اعتمدتها ،مما جعل ك ّل القوانين تقريبا
نظامها الجنائي ،وهو ما قام به القانون التّونسي الذي أدرج بموجب القانون عدد 89لسنة
مكرر
ّ المؤرخ في 2أوت 1999فصلين جديدين للمجلّة الجنائيّة هما الفصالن 15
ّ 1999
و 15ثالثا والتي بمقتضاهما أدخل نظام عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة /الفقرة الثانية./
وتتفرع الخطيّة إلى عدّة أنواع فقد تكون خطيّة جبائيّة أو إدارية أو مدنية أو تأديبية ،وك ّل
ّ
69
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبذلك ّ
فإن الخطيّة المقصودة هنا كبديل هي كما يطلق عليها الخطيّة الجزائيّة وهي العقوبة
النص.
ّ نص تجريمي لقاء ارتكاب جريمة معيّنة بنفس
يقررها القانون الجنائي في ّ
التي ّ
وتعتبر الخطيّة هي المجال األكثر مالءمة إلعمال التّفريد إذ كما يقول :
: V.VanHonsté 63المساواة الحقيقية في القانون الجنائي هي المعاملة غير المتساوية
70
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ألناس غير متساويين وهذا يص ّح على الخطيّة أكثر مما يصح على العقوبات األخرى«.
وهذا الرأي ينطبق على الخطيّة بمفهومها التقليدي وذلك إذا نظر القاضي إلى الخطيّة
فإن عمليّة التّفريد هنا تصبح
كعقوبة بديلة يراد بها إعفاء المجرم من معاناة السجن وآثاره ّ ،
حاجة مل ّحة بالنّسبة للقاضي الذي عليه أن يوقع هذه العقوبة بعد مالئمتها مع عديد العناصر التي
بالملف حول ظروف الجريمة وشخصيّة المجرم.
ّ يجب أن تتوفّر له
71
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشرع التونسي لم يبيّن على سبيل الحصر األسباب التي يرجع لها القاضي
ّ والمالحظ ّ
أن
للتّخفيف من العقاب ،وقد أورد فقه القضاء في بعض القرارات التعقيبيّة ّ
أن »ظروف التخفيف
شعور باطني ناشئ عن أحوال توجب التخفيف راجع الجتهاد قاضي األساس المطلق ،يستخلصها
من ك ّل األسباب التي تضيفها جسامة العمل االجرامي ماديا أو مسؤوليّة مرتكبه شخصيّا ،ومن
تلك الظروف وأكثرها شيوعا حسن ماضي المتّهم وحداثة سنّه والبواعث التي دفعته الرتكاب
فعله واستفزاز المجني عليه للجاني«.64
وبالقياس مع هذا التعريف لظروف التخفيف ،يمكن القول ّ
بأن القاضي إذا ما تراءى له
تطبيق الخطيّة كعقوبة بديلة ،ورأى وجوب مالءمتها مع وقائع القضيّة فإنّه يمكن القول ّ
أن
ظروف التخفيف التي يمكن أن يعتمدها القاضي هي حالة المتّهم المادية وظروف عمله وأعبائه
العائلية.
لمشرع التّونسي للقاضي زيادة على ذلك بأن ينزل بالخطيّة إذا ما حكم بها إلى
وقد سمح ا ّ
صت عليه الفقرة 10من الفصل 53بأنّه »إذا كان العقاب المستوجب
الح ّد األدنى ،وهو ما ن ّ
قانونا هو العقاب المالي فقط ،فإنّه يسوغ ّ
حطه إلى فرنك واحد مهما كانت المحكمة القاضية في
النازلة« ،رغم ذلك ّ
فإن هذه الوسيلة في تفريد عقوبة الخطيّة تبقى غامضة على عكس الوسيلة
الثانية المتوفّرة في التشريع التّونسي وهي إيقاف تنفيذ الخطيّة.
المشرع القاضي أن يأذن في الحكم الذي يصدره بعدم تنفيذ الخطيّة ،وجاء ذلك
ّ وقد م ّكن
صت على أنّه » :والحكم بالعقاب ولو بالخطيّة مع
بصريح الفقرة 19من الفصل 53التي ن ّ
اإلسعاف بتوقيف التنفيذ ليس من الواجب ترسيمه بمضامين صحائف السوابق العدلية التي تسلم
للخصوم.«...
فللقاضي الجزائي إذن أن يوقف تنفيذ عقوبة الخطيّة إذا ما رأى أنّه يوجد دوافع لذلك
يقدرها في نطاق ما يتمتّع به من سلطة في تفريد العقوبة.
72
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن التّشريع التّونسي يتّفق حول إيقاف تنفيذ العقوبة مع العديد من القوانين
والمالحظ ّ
المقارنة ،كالقانون الفرنسي والقانون النرويجي والقانون التركي والتشاريع المصرية والمغربية
والكويتية.
على خالف التشاريع األخرى التي رفضت وقف تنفيذ عقوبة الخطيّة على أساس ّ
أن نظام
تقرر في األصل لتالفي سلبيات تنفيذ العقوبة السجنيّة قصيرة المدّة ،وتنفيذ عقوبة
وقف التنفيذ قد ّ
الخطيّة ال تشوبه مثل هذه السلبيات ،ومن بين القوانين التي رفضت هذا النظام بالنسبة لعقوبة
الخطية القانون األلماني والبولوني والعراقي .
فإلى جانب وسائل التفريد الموجودة في التشريع التونسي ،عرفت القوانين المقارنة وسائل
تنوعا تهدف إلى تحقيق التناسب بين مقدار الخطيّة المحكوم به وظروف المحكوم
أخرى أكثر ّ
المجرد والجامد التي هي عليه في نظامها القديم.
ّ عليه ،وبالتالي إخراج الخطية من طابعها
73
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بدفعها.65
إلى جانب هذه الطريقة استحدثت القوانين المقارنة طرق أخرى لتفريد الخطيّة ّأولها
تجزئة مبلغ الخطيّة ،وتتمثّل التجزئة في تقسيط المبلغ األصلي للخطيّة على عدّة أقساط تدفع على
فترات متباعدة بحسب ظروف المحكوم عليه.
والتّقسيط هنا يجب أن يكون قضائيا ،أي أن يصدر عن الهيئة القضائيّة التي قضت بعقوبة
الخطيّة ،وإذا رأى القاضي إمكانية منح المحكوم عليه تجزئة الخطيّة فعليه أن يحدّد مبالغ هذه
األقساط بالنّسبة إلى دخل المحكوم عليه وأعبائه العائليّة ،وعليه كذلك أن يحدّد مواعيد دفعها.
وهذه التّجزئة تمنح للمحكوم عليه ألسباب خطيرة ذات طابع طبّي أو أسري أو مهني أو
اجتماعي ،وهو ما جاء به تنقيح 11جويلية 1975للفصل 41م.ج فرنسيّة ،وأه ّمية هذا التنقيح
أنّه منح مه ّمة التقسيط للقاضي بعد أن كانت بيد القباضات الماليّة.
ونظرا لنجاعة هذه الطريقة في تفريد عقوبة الخطيّة فقد اعتمدتها عديد التّشاريع المقارنة،
من ذلك ّ
أن التشريع الهولندي سمح بأن يمنح المحكوم عليه بتجزئة مبلغها وذلك بقرار من النيابة
74
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العموميّة.
سعة
ومن الطرق األخرى المعتمدة في تفريد عقوبة الخطية نجد طريقة مطبقة بصفة مو ّ
في القوانين المقارنة وهي مهلة الدّفع " "Le délais de paiementحيث يمنح المحكوم
عليه وقتا معيّنا ،يسمى »مهلة« ،يتم ّكن خاللها من جمع األموال والمبالغ المطالب بدفعها.
إلى جانب هذه الوسائل في تفريد عقوبة الخطيّة وهي األكثر انتشارا في تشاريع العالم،
المشرع
ّ نص على ذلك
توجد وسائل أخرى كتأجيل النطق بعقوبة الخطيّة أو اإلعفاء منها مثلما ّ
الفرنسي منذ تنقيح 06 08 1975قصد »إعطاء أه ّمية لدور القاضي أمام تعدّد الجنح قليلة
األه ّمية والعقوبات السجنية قصيرة المدّة وكذلك الخطايا وتمكينه من خيار واسع للتد ّخل بحسب
ظروف القضية وشخصيّة الفاعل«.67
ولألسف ال نجد أثرا لهذه الوسائل الحديثة في التفريد في القانون التونسي ،وال حتى في
القوانين العربية ،التي مازالت تعتمد الخطيّة بمفهومها التقليدي الذي ال يهت ّم بالوضع المالي
يستخف بها.
ّ يفرق بين الفقير الذي قد تردعه هذه العقوبة ،والغني الذي
للجاني ،وال ّ
75
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذن تكتسي الخطية أه ّمية بالغة وهي تحت ّل اليوم مرتبة متقدّمة في سلم العقوبات البديلة
صة بالنّسبة للقو انين المقارنة ،التي ما فتئت تحاول إكساء هذه العقوبة طابع العقوبة البديلة
خا ّ
شك ّ
أن عقوبة الخطية تمتاز بعدّة المجدية بإدخال عديد التحويرات على نظامها القانوني ،وال ّ
بالربح على الخزينة العا ّمة وال تكلف الدولة مصاريف ،كما أنّها تالئم العقاب
مزايا ،فهي تعود ّ
على الجرائم البسيطة إلى جانب أنّها لم تبتعد عن طابعها الزجري والردعي ،وهي تعتبر خير
صة ألنّها تقي المنحرفين المبتدئين فساد األخالق بسبب
للحرية خا ّ
ّ بديل عن العقوبة السالبة
سجن مدّة قصيرة.
تنجر عن بقاءهم بال ّ
ّ سجون وتبعدهم عن المساوئ التي يمكن أن
اكتضاظ ال ّ
الردعي يكاد يكون إلى جانب االنتقادات األخرى التي و ّجهت لهذه العقوبة وهي ّ
أن أثرها ّ
منعدما بالنّسبة لفئة من الجناة تستخف بها ألنّها ال تمثّل شيئا بالنّسبة لما يملكونه من ثروات ،في
حين أنّها ذات أثر ردعي هام بالنسبة لفئة قليلة الدّخل التي تتأثّر بانتقاص أ ّ
ي مبلغ من دخلها
76
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحدود.
هذه االنتقادات التي و ّجهت لعقوبة الخطيّة تفسر لجوء المشرعين في العالم إلى البحث عن
عقوبات بديلة أخرى ،ومحاولة إثراء سلم هذه العقوبات حتى تتوفّر للقاضي فرصة أكبر للموازنة
بين تلك العقوبات البديلة ،واختيار األنسب منها حسب نوع الجريمة وشخصيّة المجرم للوصول
للحرية.
ّ سالبة
إلى الهدف المنشود ،وهو االبتعاد أكثر عن العقوبة ال ّ
سياسة ّ
الزجرية الحديثة أصبحت غايتها جعل عقوبة السجن ال تحت ّل المرتبة على ّ
أن ال ّ
األولى في سلم العقوبات وذلك بتعويضها بعقوبات بديلة ،ذلك ّ
أن تسليط عقوبة بديلة على الفاعل،
سجن وجدرانه بل تتواصل روابط
يجعله ال ينفصل عن المجتمع ويعزل عنه داخل قضبان ال ّ
االتصال به ،إضافة إلى أنّه يواصل العيش بين ذويه وفي محيطه ،وال يفقد عمله ،فال يشعر
سجن.
بالعزلة والنبذ كما هو األمر بالنسبة لعقوبة ال ّ
أن تسليط عقوبة بديلة يخفّف العبء على السجون من حيث عدد المساجين وتقليص
كما ّ
تكاليف اإلقامة بها الباهضة ،إلى جانب حماية المحكوم عليه من التكييف السلبي مع الحياة داخل
سجن من مساوئ ناتجة عن إختالط مجرمي الصدفة والمجرمين المبتدئين مع معتادي اإلجرام.
ال ّ
77
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سجن والتي
وبذلك فقد أعلن هذا القانون عن ميالد عقوبة أصليّة وبديلة عن عقوبة ال ّ
عرفت صدى على المستوى العالمي ،حيث نادى اتّحاد الوزراء بأروبا المنعقد في مارس 1976
بتعويض العقوبات القاضية بالسجن لمدّة قصيرة بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة.
وينظر لهذه العقوبة على أنّها بديل وقليل التكلفة ألحكام الحبس قصيرة األجل ،ووسيلة
جديدة للتّحويل تستهدف جعل المجرم على صلة أوثق بالمواطنين المحتاجين إلى المساعدة
والدعم.
ويمكن تعريف هذه العقوبة بأنّها عقوبة تتمثّل في إلزام المحكوم عليه بالقيام بعمل مجاني
لفائدة المجموعة الوطنية ممثلة في إحدى الجماعات العموميّة أو الجمعيات المر ّخص لها في
78
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذلك.69
والمتمعّن في النّظام القانوني لعقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة يكشف عن ّ
تفرد هذه
شروط التي ال توجد في العقوبات األخرى ،وهذه ال ّ
شروط تكون أحيانا مشتركة العقوبة ببعض ال ّ
سجن /أ /أو كبديل لتنفيذ العقوبات
عندما تعتمد عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة سواء كبديل لل ّ
صة بها /ب /على أنّه وإن كانت هذه العقوبة صيغة األخيرة تنفرد بشروط خا ّ المالية إالّ ّ
أن هذه ال ّ
البديلة األنجع إالّ أنّها ليست الوحيدة /ج./
وكذلك اتّجهت ج ّل التّشريعات المقارنة إلى إقرار عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة
كعقوبة بديلة تعالج الجرائم ذات الخطورة البسيطة ،والتي ال تأثير على المجتمع إذا ما وقع
79
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سجن فيها ،أ ّما الجرائم التي على درجة من الخطورة فال يمكن استبدال العقاب
إقصاء عقوبة ال ّ
سجن العقوبة الوحيدة والواجبة التّطبيق.
فيها بعقوبة بديلة وتبقى عقوبة ال ّ
والغاية من إقرار عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة هي معالجة االنحراف البسيط "La
"petite délinquanceأي المتعلّق بالجرائم ذات الخطورة البسيطة ،مما يقصي مبدئيّا
المشرع التونسي ذلك صراحة بموجب قانون
ّ كرس
الجنايات من مجال تطبيق هذه العقوبة ،وقد ّ
مكرر جديد فقرة ثانية» :ويحكم بهذه العقوبة في جميع
ّ نص الفصل 15
ّ 2أوت 1999إذ
المخالفات وفي الجنح التي يقضي فيها بعقوبة سجن ال تتجاوز المدّة المذكورة أعاله«.
80
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ّ
وتتوزع هذه الجنح إلى األصناف التالية » :جرائم االعتداء على األشخاص ،جرائم
حوادث ّ
الطرقات ،الجرائم الرياضيّة ،جرائم االعتداء على األموال واألمالك ،جرائم االعتداء
على األخالق الحميدة ،الجرائم اإلجتماعية ،الجرائم االقتصاديّة والمالية ،الجرائم البيئيّة والجرائم
العمرانية«.
المشرع قام بتعداد
ّ ويستنتج من هذه القائمة أنّها حصرية وال يمكن تجاوزها ،حيث ّ
أن
الجرائم التي يباح للمحكمة أن تستبدل فيها عقوبة السجن بالعقوبة البديلة ،وهذه الجرائم وردت
على سبيل الحصر ال الذّكر مغلقا بذلك باب االجتهاد ،وبالتالي يمنع على القاضي النّطق بهذه
العقوبة فيما يتعلّق بك ّل جنحة غير التي وردت من ضمن ما وقع تعداده صلب الفصل المذكور.
وقد ذهب البعض 70أنّه إذا كانت التهمة متعلّقة بجنحة لم ترد في القائمة ،فإنّه رغم ذلك
مكرر جديد وإنّما
يبقى االجتهاد ممكنا للمحكمة وذلك ال على أساس الفقرة الثانية من الفصل ّ 15
على أساس الفقرة األولى منه ،التي اعتبرها أصحاب هذه الفكرة قد أعادت للقاضي سلطته
صت هذه الفقرة على ما يلي :
التقديريّة في تطبيق عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة وقد ن ّ
سجن النّافذ لمدّة أقصاها ستّة أشهر أن تستبدل بنفس الحكم تلك العقوبة
»للمحكمة إذا قضت بال ّ
بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة«.
ّ
بالحق العام أن الجنح توصف كذلك وصفا موضوعيا وتصنّف كاآلتي :جنح تتعلّق
غير ّ
ّ
الحق العام أساسا ،ذلك ّ
أن وجنح سياسية وجنح عسكريّة ،ومبدئيّا تسلّط العقوبة البديلة على جنح
صنف من الجنح ّأوال
سجن في ذلك ال ّ
الهدف من وراء إقرارها هو وضعها كبديل عن عقوبة ال ّ
وبالذات.
والمالحظ ّ
أن الغاية من وراء تكريس العقوبات البديلة بصفة عا ّمة واختيار عقوبة العمل
لفائدة المصلحة العا ّمة هو التقليص أكثر ما يمكن في عدد األحكام القاضية بالسجن لمدّة قصيرة،
81
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالعقوبة إذن الب ّد أن تكون قصيرة المدّة حتى يجوز الحكم بتعويضها بعقوبة بديلة ،وقد حدّد
مكرر جديد مدّة العقوبة بستّة أشهر ،وهذه المدّة المشترطة
ّ المشرع التّونسي بالفصل 15
ّ
ينص عليها الفصل المجرم للفعلة المرتكبة ،ومن
ّ المقصود منها المدّة المحكوم بها ال المدّة التي
المشرع التّونسي قد اقتضى أن تكون العقوبة ال تتجاوز مدّتها 6أشهر
ّ ناحية أخرى نالحظ ّ
أن
شرط المتعلّق بمدّة العقوبة.71
سجن نافذ ،وهو شرط إضافي لل ّ
82
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن القانون التونسي اشترط ضمن الفصل 15ثالثا جديد من المجلّة الجنائيّة أن ال
من ذلك ّ
صة ّ
أن عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة قد وقع يكون المتّهم عائدا ،وهذا يعتبر طبيعيّا خا ّ
حصر مجال انطباقهـا في جميـع المخالفـات والجنح البسيطة الّتي ال تش ّكل خطورة على المجتمع،
ّ
يستحق عقابا سجنيا لردعه بما وال تبرز نزعة إجرامية متأصلة في مرتكبهـا في حين ّ
أن العائد
أن الخطورة اإلجرامية متوفّـرة لديـه.
ّ
83
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا البحث حول شخصيّة المتّهم وظروفه االجتماعيّة هو شرط أساسي في التّشريع
أن البحث عن شخصيّة المتّهم يقصي ومنذ البداية
االنقليزي والبلجيكي واألمريكي ،والمالحظ ّ
المتّهمين من أجل جرائم المخدّرات ،المتّهمين من أجل جرائم جنسيّة ،كذلك المتّهمين المصابين
بأمراض عقلية أو الذين يعانون من اضطرابات نفسية ،فهؤالء يقع إقصاؤهم منذ البداية من
ميدان تطبيق عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة.
الملف يبقى للقاضي مطلق االجتهاد حول العمل بالعقوبة من عدمه ،وإذا ما
ّ وبتوفّر هذا
اختار تسليط هذه العقوبة وتأ ّكد من توفّر شروطها انتقل إلى مرحلة التصريح والنطق بها.
ويمكن تقسيم هذه اإلجراءات إلى اجراءات شكلية ته ّم سير جلسة الحكم /1/وإجراءات
تخص منطوق الحكم القاضي بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة ./2/
ّ موضوعيّة
84
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يجب أن يكون المتّهم حاضرا أمام المحكمة بالجلسة حتى يقع التصريح بعقوبة العمل
نص على ذلك صراحة الفصل
ّ لفائدة المصلحة العا ّمة ،كما ال يمكن أن ينيب عنه محاميا ،وقد
15جديد من قانون 2أوت .1999
واشتراط الحضور بالجلسة يعتبر إجراء وشكلية أساسية للمرور لبقية اإلجراءات
األخري ،والغرض األساسي من ذلك هو أن تتأ ّكد المحكمة من ّ
أن المتّهم قد ندم عن فعلته ولديه
استعداد إلصالح ما اقترفه في ّ
حق مجتمعه.
-وجوب موافقة المتّهم على قضاء عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة :
ال يمكن للمحكمة النّطق بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة إذا رفض المتّهم أداء العمل
لذلك الب ّد من موافقته على أن يقع تسليط تلك العقوبة عليه .ولذلك يجب على المحكمة أن تعلم
نص عليه الفصل 15ثالثا /جديد /في
ّ المتّهم الحاضر بالجلسة بحقّه في رفض العمل وهو ما
فقرته الثانية أنّه »على المحكمة قبل التّصريح بالحكم إعالم المتّهم الحاضر بالجلسة بحقّه في
رفض العمل وتسجيل جوابه«.
ّ
الحق في أن يرفض تنفيذ عقوبته أن رئيس الجلسة مطالب بالتنبيه على المتّهم ّ
بأن له ذلك ّ
ي جواب ،وهذا التّنبيه يجب أن يقع تثبيته
في شكل عمل لفائدة المصلحة العا ّمة قبل أن يتلقى منه أ ّ
في محضر جلسة.
85
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عنه بعد التصريح بالحكم ال يمنع القاضي من أن يحكم عليه بالخدمة لفائدة المصلحة العا ّمة ،وفي
ستعوضها عقوبة العمل لفائدة
ّ تصرح بالعقوبة المستبدلة التي كانت
ّ صورة الرفض ّ
فإن المحكمة
صت عليه الفقرة الثالثة من الفصل 15ثالثا جديد.
المصلحة العا ّمة وهو ما ن ّ
86
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نص »تتولى
المشرع أجال لتنفيذ هذه العقوبة بالفصل 15ثالثا جديد م.ج الذي ّ
ّ كما حدّد
المحكمة ضبط األجل الذي يجب أن ينجز فيه العمل على أن ال يتجاوز هذ األجل 18شهرا من
المشرع الفرنسي لتنفيذ هذه العقوبة،
ّ تاريخ صدور الحكم« ،وهو نفس األجل الذي ضربه
ينص على هذا األجل.
ّ والمالحظ ّ
أن الحكم الناطق بهذه العقوبة يجب أن
إلى جانب ذلك ّ
فإن عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة تعتمد كعقوبة بديلة عند تنفيذ
العقوبات المالية.
ب -عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة كبديل عن تنفيذ العقوبات المالية:
صل إلى تنفيذ العقوبات المالية ّ
إن ممارسة عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة قصد التو ّ
يستوجب توفّر جملة من الشروط ّ
نص عليها قانون 2أوت 1999وذلك بتنقيحه للفصل 343
ونص على ما يلي» :تستخلص الخطيّة والمصاريف
ّ م.إ.ج .الذي أصبح الفصل 343جديد
لصندوق الدولة من مكاسب المحكوم عليه وعند االقتضاء عن طريق الجبر بالسجن أو العمل
لفائدة المصلحة العا ّمة بطلب من المعني باألمر يقدّم للنيابة العموميّة«.
المشرع التّونسي قد تو ّ
سع في تطبيق عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة ّ والمالحظ ّ
أن
للحرية بل تعدّت إلى العقوبات المالية ،مثلما ذهب إليه
ّ حيث لم تشمل فقط ميدان العقوبات السالبة
المشرع األلماني من خالل قانون 8 12 1984حيث يمكن إستبدال الجبر بالسجن بالعمل
ّ
لفائدة المصلحة العا ّمة إذا اتّضح عدم قدرة المحكوم عليه على خالص الخطيّة الماليّة .
87
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سجن :
ج -البدائل الحديثة لعقوبة ال ّ
تعتبر الغاية األساسية من تحديد العقوبة من طرف القاضي هو تفريدها وجعلها مالئمة
لشخصيّة المجرم وظروفه ،ولئن كانت عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة آلية ها ّمة في التفريد
التصور الدولي لموضوع العقوبات البديلة على أنواعها
ّ إالّ أنّها ليست الوحيدة ،ذلك ّ
أن اختالف
سمها الفقه 74إلى :
صعب حصرها في فئات معيّنة وقد ق ّ
صار معه من ال ّ
للحرية
ّ -بدائل مقيّدة
-بدائل متضمنة لحرمان من بعض الحقوق
-بدائل ذات طابع أدبي ومجتمعي
-بدائل ذات طابع مالي واقتصادي
والمالحظ في هذا اإلطار ّ
أن بعض البدائل يمكن إدراجها في أكثر من فئة كأن يكون في
للحرية ومتض ّمنا لحرمان من بعض الحقوق .
ّ آن واحد مقيّدا
للحرية :يذكر األستاذ رضا المزغنّي »أنّها ال تبتعد عن العقوبة
ّ -ومن البدائل المقيّدة
السجنية وإنّما تختلف عنها في تفاديه اآلثار السلبيّة لهذه العقوبة أو الح ّد منها :ال ّ
سجن في نهاية
األسبوع /المعمول به في ألمانيا /أو بالنهار فقط أو باللّيل فقط /نيوز يالندا /أو لفترات معيّنة في
88
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-أ ّما البدائل المتض ّمنة لحرمان من بعض الحقوق :يبيّن الفقه أمثلة لها كحجز جواز
لحرية التنقّل ،حجز رخصة السياقة أو الصيد أوحمل السالح لفترة معيّنة وغلق
السفر :هو قيد ّ
المح ّل ،وهي بدائل موجودة في ج ّل التشريعات كعقوبة تكميليّة وفي فرنسا هي عقوبة بديلة،
كذلك إلغاء الوضع المهني كا لتشطيب على محام من الهيئة المهنية التي ينتمي إليها أو إيقافه عن
العمل لفترة معيّنة.
-وفي خصوص البدائل ذات الطابع األدبي أو المجتمعي :نجد تو ّجه اللّوم والتحذير
والتوبيخ العام ،يو ّجه بالنسبة لألطفال أو في المخالفات البسيطة للمبتدئين ،كما يندرج ضمن هذا
التقسيم العالج في برنامج مجتمعي في صورة اإلدمان على المسكرات أو المخدرات ،حيث يودع
المجرم بمأوى عالجي عوضا عن توقيع عقوبة السجن ،ومن أمثلة هذا النوع من البدائل خدمة
المجتمع.
-أخيرا البدائل ذات الطابع المالي أو االقتصادي :الغرامات التقليديّة أي الخطيّة الغرامية
اليوميّة التي أتى بها القانون الفرنسي لسنة ، 1983ويحدّد مبلغ الغرامة اليومية على أساس
الوضع المادي للمحكوم عليه ،فتحتسب إعتمادا على الدخل اليومي للفرد وتلزم المحكوم عليه بأن
89
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يدفع المقدار اليومي للغرامة ثم يدفع المبلغ الجملي في نهاية المدّة المحكوم بها.
يعرض المحكوم عليه نفسه لعقوبة سجنية عن طريق
وإذا لم يت ّم أداء النوعين من الغرامة ّ
سجن ،لكن في فرنسا عدم الدّفع للغرامة اليومية يقتضي عقابا بنصف المدّة المحكوم بها
الجبر بال ّ
خالفا للغرامة التقليديّة.
ومن األمثلة أيضا مصادرة الممتلكات واألموال والتعويض الجزائي ،وذلك بالزام المجرم
بدفع تعويض للضحيّة ال يصرف لصندوق الدولة كما هو الحال بالنسبة للغرامة التقليديّة
/الخطيّة./
أن معظم هذه العقوبات البديلة بمفهومها الواسع متوفّرة في القانون التونسي ،
والمالحظ ّ
من ذلك العالج ضمن برنامج اجتماعي ص ّحي ونفساني وكذلك تلقي تكوين مفيد للمجرم ،ويكون
للقاضي دورا فعاال في تفريد مثل هذه العقوبات ،فبالنسبة للعالج ضمن برنامج اجتماعي يقصد
به إسعاف المجرم ومساعدته للخروج من حالة اإلدمان التي يعيشها ومواصلة الحياة بصفة
مرضية وعادية ،وحتى ينجح العالج الب ّد أن تتشارك فيه عديد الجهات المخت ّ
صة /االجتماعيّة
خاص به يودع فيه المجرم .
ّ والنفسانية والطبية /ويت ّم العالج بمأوى
ومن شروط الحكم بالعالج ضمن برنامج نفساني اجتماعي وص ّحي ،هو التأ ّكد من ّ
أن
وبتصرفاته وأفعاله ،
ّ سة لذلك العالج وهو أمر مرتبط بحالة المريض المذنب
المجرم في حاجة ما ّ
لذا يجب أن تتوفّر عالقة سببيّة واضحة بين االنحراف وشخصيّة المجرم وحياته وما يحيط بها
من مشاكل .على أنّه يجب أن يقدّم المتّهم نفسه مطلبا في ذلك يعبّر من خالله عن حاجته الما ّ
سة
يقر المتّهم ّ
بأن لديه مشكل في ذاته يجعله ينحرف. للعالج المطلوب ،وفي نفس الوقت ّ
90
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ ّما الفصل 18من نفس القانون ،فقد جاء به »أنّه يمكن للمحكمة المتع ّهدة بالقضيّة في
صورة الحكم بإدانة المدمن على تعاطي المخدرات وفق مقتضيات الفصل 4من هذا القانون
المختص«.
ّ إخضاع المحكوم عليه للعالج من التس ّمم لفترة يحدّدها الطبيب
وهكذا يالحظ ّ
أن القضاء بإخضاع المحكوم عليه للعالج يستوجب مساعدة من مراكز
البحث اإلجتماعي والطبّي والنفساني ،إذ تأذن المحكمة المتع ّهدة بالقضيّة ألحد المراكز
ّ
يستحق اإلجتماعيّة والنفسانية والطبية باجراء بحث حول المتّهم على أساسه تختار ما إذا كان
سجن.75
العالج أم ال ولهذا البحث أه ّمية بالغة في إصدار الحكم وتسليط عقوبة العالج البديلة لل ّ
أ ّما فيما يتعلّق بتلقّي تكوين فيقصد بذلك ضرورة أن يحظى المجرم بالعمل التربوي
والتكويني وذلك ضمن برامج تعليمية وتثقيفيّة وتربويّة واجتماعيّة وأخالقية تراعي فيها طبيعة
الجنحة المرتكبة وجوبا.
ويتنوع مضمون التكوين ويأخذ بعين االعتبار إضافة إلى طبيعة الجنحة ّ
سن وميوالت ّ
وأخالق المجرم ،فيلقي مثال مرتكبي الجرائم األخالقية تكوين أخالقي وجنسي ،وهو يهدف
أساسا إلى تهذيب أخالق الفاعل في المستقبل وذلك بإسداء دروس له تدمجه في المجتمع وتنمي
تصرفاته وتركز هذه الدروس على أن يتح ّمل المجرم عبء أفعاله
ّ شخصيّته وتصقلها ،كما تهذب
91
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومسؤوليته ع نها وإمكانية تغيير سيرته ،وينتظر حسب هذه العقوبة مجهودات جبارة من المجرم
علما ّ
وأن هناك نوعين من التكوين إحداهما تعليمي بحت والثاني إصالحي وتوعوي ،ويمكن أن
ينتفع بها المجرم ضمن مجموعة أو بصفة فرديّة ،على ّ
أن هذا التكوين يجب أن يشمل مرتكبي
الجنح الضارة بالضحيّة شخصا مدنيا /العنف ،السرقةّ . /
إن الشروط والمعيار األساسي لتسليط
هذه العقوبة البديلة هو إرادة الفاعل ومدى تح ّملها لمسؤوليّة أفعاله واستعداده لتغييرها.
ويرجى من هذه العقوبة تعميمها على جميع المجرمين ال فقط على اإلجرام الخفيف أو
المجرمين المبتدئين ،لما فيها من مزايا وفوائد خصوصا منها تحسيس المجرم بمسؤوليّته وبنتائج
المجرمة ،ويؤمل كذلك أن تشمل المجرمين العائدين.
ّ تصرفاته
ّ
أن القاضي الجزائي التونسي يتمتّع ّ
بحرية واسعة في خصوص من خالل ما تقدّم نستنتج ّ
تحديد العقوبة واختيارها ،إالّ ّ
أن هذه السلطة نجدها مقيّدة في حاالت بعناصر تشريعيّة مفروضة
ونص عليها القانون ،وبالتالي ال تبقى له السلطة التقديريّة الواسعة في اإلختيار أو
ّ على القاضي
التحديد.
المبحث الثاني :حدود دور القاضي في التفريد
إن العقوبة ال تحقّق الغاية المنشودة منها إالّ إذا وقع اختيار العقوبة المناسبة لك ّل مخالف
ّ
للقانون الجنائي ،وهو ما معناه أن ينفرد ك ّل مخالف بالعقوبة التي تتماشى مع مدى خطورة
األفعال التي ارتكبها وكذلك التي تتالءم مع شخصيّته وظروفه االجتماعيّة والتربويّة وحتى
ماضيه العدلي .
والقاضي الجزائي وفي إطار سلطته التقديريّة هو المر ّ
شح أكثر من غيره لتحديد العقوبة
المناسبة باعتباره الناطق بها في نهاية المطاف بعد أن تتج ّمع لديه ك ّل المعطيات والبيانات حول
الجريمة والمتّهم سواء أمدته بها الجهات المخت ّ
صة أو التي قام بتجميعها بنفسه.
المشرع ووضع
ّ أن هذه السلطة التقديريّة للقاضي الجزائي تصبح مقيّدة ،إذا تد ّخل
على ّ
عناصر لتحديد العقاب ال يمكن للقاضي خرقها ،ويفقد ك ّل اختيار ،ذلك ّ
أن العناصر التشريعيّة
92
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجوبيّة وال تخضع للسلطة التقديريّة للقاضي ،وهاته العناصر التشريعيّة ال تشمل فقط الحاالت
للحرية بل يندرج في نطاقها أيضا الحاالت المتعلّقة بالعقوبات الماليّة.
ّ المتعلّقة بالعقوبات السالبة
لذلك ّ
فإن محدوديّة دور القاضي في تفريد العقوبة يبرز من خالل القيود التشريعيّة الملزمة
للحرية /الفرع األول /وكذلك القيود التشريعيّة المتّصلة بالعقوبات
ّ المتّصلة بالعقوبات السالبة
المالية /الفرع الثاني./
للحرية
ّ األول :القيود التشريعيّة المتّصلة بالعقوبات السالبة
الفرع ّ
إن تقدير العقوبة وتفريدها يتطلّب عمال ذهنيا جبارا من جانب القاضي الجزائي في إطار
ّ
المشرع ،على ّ
أن هذه السلطة ّ سلطة التقديريّة التي منحه إيّاها
ال ّ
تصبح مقيّدة في إطار بعض الجرائم ذات الطابع الخصوصي والتي تتميّز بخطورتها على
المجتمع وعلى اإلقتصاد وعلى الشخص الذي ارتكبها ،ولع ّل من أبرزها جرائم المخدّرات التي
تعتبر من أش ّد الجرائم ضراوة على المجتمع اإلنساني ،ففيها تعدّي على النّفس والمال والدين
صها
واألخالق وتكون عنصرا منتجا لجرائم أخرى يكون المجتمع في غنى عنها ،لذلك فقد خ ّ
المشرع باهتمام شديد من حيث التقنين ومن حيث اجراءات تطبيقها ومكافحتها نظرا لطبيعتها
ّ
فإن سلطة القاضي الجزائي ّ
الحق العام /الفقرة األولى /إلى جانب ذلك ّ المختلفة عن سائر جرائم
تكون مقيّدة لتفريد العقوبة في جرائم ال ّ
شيك التي لها خطورة ها ّمة على اإلقتصاد وعلى المجتمع
/الفقرة الثانية./
93
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمالحظ أنّه يصعب تعريف وضبط مادّة المخدرات لتعدّد أنواعها وأصنافها فقد ذهب
ومتنوعة ومن
ّ أغلب شراح القانون والفقهاء إلى التنصيص على ّ
أن المواد المخدّرة متعدّدة
فصائل كثيرة ويصعب تحديد إطارها ،األمر الذي يستوجب ذكر إسمها على سبيل الحصر مثل
المشرع التّونسي عند صياغة
ّ األفيون والخشخاش والتكروري ،...وهذا االتّجاه لم ينحني عنه
القانون المذكور.
لمشرع التونسي حتم على القاضي بيان نوع المخدّر الواقع محاكمة ومن هذا المنطلق ّ
فإن ا ّ
الجاني من أجله حتى تتم ّكن محكمة التعقيب من مراقبة ما إذا كانت المادة من المواد المعتبرة
مخدرة والمدرجة بالجدول »ب« أم ال ،وكلّما اتّضح أنّها لم تكن من ضمن ما وجد بتلك القائمة
إال وتحتم على القاضي الحكم بعدم سماع الدّعوى ،حتى ولئن ثبت ّ
أن تعاطيها يسبّب اإلدمان
ويلحق الضّرر بص ّحة من تناولها ،ولذلك ّ
فإن قانون المخدّرات يتميّز بقواعده اآلمرة التي ال
تترك الخيار للقاضي في تحديد العقوبة وتفريدها وفق معطيات وخصوصيات ك ّل قضيّة .
ومن مظاهر تقييد سلطة القاضي في تقدير العقوبات المحكوم بها في جرائم المخدّرات هو
المشرع لتطبيق ظروف التخفيف فيها .
ّ منع
فتاريخيا وفي عهد الحماية لم يكن التّشريع المتعلّق بالمخدرات زجري ،ولكن منذ
نص الفصل 108من
بقوة هذا الدّاء ،إذ ّ
االستقالل عرفت بالدنا عدّة نصوص قانونيّة ضربت ّ
المؤرخ في 26جويلية 1969على أنّه ال تنطبق ظروف
ّ القانون عدد 54لسنة 1969
التخفيف وال تأجيل العقوبة في خصوص جرائم المخدّرات ،وقد أخذ هذا القانون بمقتضيات
المؤرخ في 18
ّ قانون ،1958وقد دعّم هذا اإلتّجاه القانون الجديد الخاص بجرائم المخدرات
نص على ما يلي » :ال تنطبق أحكام الفصل 53من م.ج.
ماي 1992بالفصل الثاني عشر الذي ّ
على الجرائم المنصوص عليها بهذا القانون« .وقد دأبت محكمة التعقيب على حسن تطبيق
94
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القانون ،ففي قرارين نقضت محكمة التعقيب حكمين ،قضايا بتأجيل التنفيذ لصالح بعض
المتّهمين في جرائم المخدّرات.76
المشرع التونسي ورغم أنّه أولى مرتكب هذه الجريمة اهتماما كبيرا من خالل
ّ ونستنتج ّ
أن
التدابير العالجيّة بالنسبة للمستهلكين المبتدئين بحيث يقع اللّجوء للعقوبة بالسجن عند الضرورة
صة إذا القصوى ،إالّ أنّه قيّد سلطة القاضي بمنعه من تطبيق ظروف التخفيف في ك ّل ال ّ
صور وخا ّ
لمجرد حب االستطالع.
ّ بمحض الصدفة أو
ّ مرة أو
ألول ّ
كان مرتكب الجريمة قد أخطأ ّ
95
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشرع التونسي سلطة القاضي الجزائي في تحديد العقوبة األصلية إالّ أنّه ترك
ّ ولئن قيد
حرية إختيار العقوبات التكميليّة والتصريح بها ،إذ رأت في ذلك منفعة أو مصلحة عا ّمة
للمحكمة ّ
يقتضيها الوضع االجتماعي العام للبالد ،فقد أورد الفصل 15من القانون عدد 52لسنة 1992
أن المحكمة مخيّرة في عدم اإلذن بنشر مل ّخص األحكام بالصحف اليومية أو تعليقها باألماكن
ّ
ينجر عن ذلك محاسبة أو جزاء لها إذ األمر يرجع لسلطتها التقديريّة في تكييف
ّ العموميّة دون أن
وتوقيع العقاب الالّزم على الجناة.
كما يمكن للمحكمة عمال بأحكام الفصل 16من نفس القانون أن تأذن إلى جانب العقوبات
األصلية بفرض المراقبة اإلدارية على المحكوم عليه لمدّة عشر سنوات وبحرمانه لمدّة تتراوح
بين خمسة وعشرة أعوام من مباشرة بعض الحقوق مثال ذلك:
-1الوظائف العموميّة
سالح
- 2حمل ال ّ
- 3الحقوق المدنية والسياسيّة.
إلى جانب جرائم المخدرات التي تقيّد فيها سلطة القاضي في تفريد العقوبة توجد كذلك
الجرائم المتعلّقة بالشيكات.
96
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشرع في منع
ّ كما أنّه ولمجابهة ومقاومة هذه الجرائم المتعلّقة بميدان الشيكات تو ّ
سع
انطباق ظروف التخفيف وذلك بتنقيح الفصل 411م.ت .بمتقضى القانون عدد 82لسنة 1985
ينص على ما يلي » :ال ينطبقّ المؤرخ في 11أوت 1985وأصبح الفصل 411فقرة رابعة ّ
الفصل 53من المجلّة الجنائيّة على من تع ّمد تزييف أو تزوير شيك وعلى من تسلّم شيكا مزيّفا
أو مزورا مع علمه بذلك ،باستثناء األصول والفروع واألزواج ،كما ال تنطبق أحكامه ابتداء من
الفقرة األولى إلى العاشرة بدخول الغاية على الجرائم موضوع الفصل .«411
والحكم بالخطيّة في الجنح المنصوص عليها بالفصلين 411و 411فقرة ثالثة من هذا
القانون ال يمنح فيها تأجيل التنفيذ ،وهذه المقتضيات وقع أخذها عن التشريعات الغربية /القضاء
الفرنسي بتاريخ 14 6 1845الفصل 66الذي وقع تنقيحه بمقتضى قانـون
،28 5 1947الـذي وقع إلغائه بمقتضى قانون ./1951
وقد أحسنت محكمة التعقيب تطبيقها ،ففي مرحلة قامت بمنع تأجيل التنفيذ ،79وفي
والردع وذلك بجعل التزوير في مادة الشيكات جريمة مستقلّة
ّ مرحلة ثانية زادت في ّ
الزجر
بالرغم من بطالن الورقة التجارية لعدم
بذاتها ،فهذا التزوير يمكن مقاضاة من قام به وتتبّعه ّ
نص عليها الفصل 346م.ت .أو رغم عرضها بعد المدّة
ّ احتوائها التنصيصات الالّزمة التي
المحدّد بالفصل 372م.ت.80.
97
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نص الفصل 411فقرة 4على أنّه يمكن لألصول والفروع واألزواج أن يتمتّعوا
ّ ولقد
بظروف التخفيف في حالة تزوير أو تزييف شيك ،وذلك لصلة القرابة التي تربط بين الجاني
صت الفقرة نفسها على عدم انطباق الفقرات 1إلى 10من الفصل 53على
والمتضرر ،كما ن ّ
ّ
الجرائم موضوع الفصل ،411وهاته الجرائم هي إصدار شيك بدون رصيد أو ذو رصيد ناقص
وقبول شيك صادر في األحوال المبيّنة آنفا مع علمه بذلك .
فالقاضي ال يمكنه في هاته الحالة منح ظروف التخفيف في حالة التزوير أو التّزييف أو
الرصيد ويمنع عليه منح تأجيل التّنفيذ بالنسبة لمن قام ّ
صك بدون رصيد أو ناقص ّ إصدار
ّ
صك بدون رصيد أو ناقص بتزييف أو تزوير شيك ،لكن يمكن له ذلك بالنسبة لمن أصدر
ي حالة تطبيق ظروف التّخفيف أو منح تأجيل التّنفيذ بالنسبة
الرصيد ،والقاضي ال يمكن له في أ ّ
ّ
للمجرم العائد ،وقد عرف الفصل 411خامسا من م.ت .العائد بأنه » :يع ّد عائدا على معنى هذا
القانون من يرتكب جريمة واردة بهذا القسم بعد عقابه بموجب أخرى واردة به بقطع النّظر عن
األول أو على سقوطه بمرور ّ
الزمن أو صنفها وقبل أن يمضي خمسة أعوام على قضاء العقاب ّ
إسقاطه بعفو«.
المشرع على القاضي ض ّم العقوبات في هذه الجرائم إالّ إذا تجاوز مجموع
ّ كما منع
98
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العقوبات المحكوم بها عشرين عاما سجنا ،ففي هذه الحالة يمكن للمحكمة أن تض ّم العقوبات غير
ينجر عن الض ّم النّزول بمجموع العقوبات إلى أق ّل من عشرين عام سجنا ،وذلك
ّ أنّه ال يجب أن
وفق مقتضيات الفصل 411من م.ت .رابعا.
يجد القاضي نفسه ،عند محاكمته لمرتكبي بعض الجرائم ،مقيّدا بنصوص حدّدت تجريم
وقررت لها عقوبات ثابتة بصورة ال تقبل التعديل ،بحيث ال يكون للقاضي دور
بعض األفعال ّ
النص سلفا ،وال مجال هنا الجتهاده ،
ّ فيها سوى تطبيقها والنطق بحكم يتض ّمن العقاب الذي حدّده
المشرع.
ّ مجرد امتداد لدور
ّ وبالتالي يكون دوره في مكافحة الجريمة في هذا النطاق
ويظهر تحديد سلطة القاضي أساسا في نطاق الجرائم الصرفيّة /الفقرة األولى /وكذلك
الجرائم الغابية /الفقرة الثانية /وأيضا عند توارد الجرائم /الفقرة الثالثة /والمالحظ ّ
أن هذا التحديد
والتقييد يه ّم أساسا العقوبات المالية بدرجة أولى.
الفقرة األولى :التحديد في نطاق الجرائم الصرفيّة
تطرح الجرائم الصرفية إشكاال على مستوى تعريفها ،ذلك ّ
أن البالد التونسيّة تنتهج حاليا
سمت في عديد القوانين التي تش ّجع االستثمار وتخفض
وتحررا ،تج ّ
ّ سياسة اقتصاديّة أكثر انفتاحا
القيود الجبائيّة والمالية والڤمرڤيّة قصد تدعيم االقتصاد على مواجهة المنافسة في السوق الداخلية
المؤرخ
ّ والخارجيّة ،ومن بين هذه القوانين نذكر على سبيل المثال القانون عدد 81لسنة 1992
99
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عرفها
صرف تخضع إلى تراتيب معيّنة ّ سياق إلى ّ
أن عمليات ال ّ وتجدر اإلشارة في هذا ال ّ
األول من هذا
الفصل 5من القانون عدد 18لسنة 1976بكونها جملة أو جميع أحكام الجزء ّ
القانون ،وكذلك جميع األوامر والقرار ات والمناشير التي يصدرها وزير المالية ومحافظ البنك
المركزي لتطبيق هذه األحكام ،وقد دأب هذا األخير على إصدار مناشير صرف تضبط شروط
صرف ،ورتّب الفصل 23من مجلّة ال ّ
صرف والتجارة الخارجيّة عن ك ّل وكيفية تطبيق تراتيب ال ّ
صرف جريمة أو محاولة جريمة حسب ظروف ومالبسات ك ّل مخالفة ،لكنّه لم
مخالفة لتراتيب ال ّ
األول يحدّد مفهوم هذه الجريمة ولم تتو ّل بقيّة فصول المجلّة وخا ّ
صة العنوان السابع من الجزء ّ
صص لزجر الجرائم الصرفيّة تعريفها ،لذلك يتّجه ّ
الرجوع إلى الواجبات والتحجيرات منه المخ ّ
صرف لتعريفها بكونها ك ّل مخالفة لتلك الواجبات أو لتلك
المنصوص عليها بتراتيب ال ّ
التحجيرات ،81إالّ ّ
أن هذا التعريف يعتبر غير دقيق من حيث كونه واسعا جدّا وال يضع حدودا
واضحة تميّز هذه الجرائم عن بقيّة الجرائم في ميادين أخرى ،وهو ما أثار جدال حول الطبيعة
القانونيّة لهذه الجرائم ،فقد اعتبر األستاذ »فيني« " "Vinieالجرائم الصرفيّة من ضمن جرائم
أن إحالة الفصل 29من مجلّة ال ّ
صرف الحق العام وينطبق عليها قانون العقوبات العام ،إالّ ّ
ّ
موضوع زجر الجرائم الصرفيّة إلى أحكام العنوان 13من مجلّة الڤمارق أثار تساؤال حول مدى
اعتبار هذه الجرائم جرائم ڤمرڤية .وقد طرح هذا اإلشكال على فقه القضاء الفرنسي فأجابت
بأن الجرائم المتعلّقة بالتشريع المالي ليست جرائم ڤمرڤية غير ّ
أن محكمة التعقيب الفرنسية ّ
المجرمة يمكن أن تش ّكل في نفس الوقت جرائم صرفية وقمرقية .82
ّ األفعال
فإن الثابت ّ
أن الجرائم الصرفية هي جرائم وتنوعت ّ
ّ إالّ أنّه مهما تعدّدت األوصاف
اقتصادية باعتبارها مرتبطة بالسياسة النقدية التي هي من قوام النظام العام االقتصادي للدولة،
100
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبين هذا التو ّجه أو ذاك يتغيّر النظام العام االقتصادي ويتغيّر معه القانون الجنائي
المجرمة ،ذلك ّ
أن الجرائم في هذا الميدان تعتبر جرائم ّ االقتصادي فتتغيّر بالتالي قائمة األفعال
اصطناعيّة وطارئة وظرفيّة تزول بزوال أسبابها وذلك مقابلة مع الجرائم الطبيعيّة التي تدوم
المشرع يحاول اإلحاطة
ّ باعتبارها جرائم ك ّل األزمان وك ّل البلدان كالسرقة والقتل ،ولذلك ّ
فإن
بك ّل ما من شأنه أن يؤدّي إلى ارتكاب جرائم صرفيّة لمحاولة الح ّد من صنف هذه الجرائم
وبالتالي المجرمين من جهة والمحافظة على التوازن االقتصادي والمالي للبالد من جهة أخرى.
101
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ّ
حــق التتبّــع الجزائــي : أ-
صرفي اإلدارة المالية من إثارة الدّعوى العموميّة ومباشرتها وذلك نظرا
المشرع ال ّ
ّ م ّكن
إلى ّ
أن المصلحة المقصودة من تلك الحماية هي مصلحة اإلدارة ،كما أن المقصد من التجريم
والردع وإنّما إعادة التوازن االقتصادي إلى الحالة التي كان عليها قبل
ّ ليس الهدف منه ّ
الزجر
حصول الجريمة ،لذلك تحرص اإلدارة ضمن طلباتها الكتابية المقدّمة للمحكمة على العقوبات
المالية أكثر من العقوبات البدنية ،فالقاعدة هي ّ
أن إجراءات التتبّع في المادة الجزائية تخضع إلى
مجموعة من االجراءات والضوابط التي حدّدها الدّستور وم.إ.ج .التي تهدف إلى ضمان التحقيق
من جهة وحقوق الدّفاع من جهة أخرى.83
المشرع يمكن
ّ صة منها المادّية جعلت
صة للجرائم الصرفيّة وخا ّ إالّ ّ
أن الطبيعة الخا ّ
اإلدارة المالية من إجراء األبحاث ومعاينات ويضفي على أعمالها قدسيّة ،فقد م ّكن الفصل 24
من مجلّة ال ّ
صرف أعوان وزارة المالية والبنك المركزي من اختصاص أصلي بمعاينة الجرائم
الصرفية وتحرير التقارير فيها ،ويجب اإلشارة إلى تمتّع هؤالء األعوان بصفة الضابطة العدلية
حسب الفصل 10م.إ.ج .وكذلك يتمتّعون بصفة الضابطة اإلدارية حسب مقتضيات الفصل 46
تعرضت المجلّة الصرفيّة إلى أه ّم الوسائل التي يستعملها أعوان اإلدارة
من أمر ،1977كما ّ
صة.
صتها بأحكام خا ّ
المالية للكشف عن الجرائم الصرفيّة وخ ّ
102
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما اعتبر الفصل 202من م.د .الذي أحال عليه الفصل 29من م.صّ .
أن التقارير التي
يحررها أعوان القمارق واألعوان المحلفون باإلدارات األخرى ال تخضع لموجب التأكيد العدلي،
ّ
فهي ح ّجة رسمية في ح ّد ذاتها ،فهذه المحاضر تتمتّع بمصداقية مصدرها القانون وتشكل قرينة
المشرع الصرفي على اعتماد هذه المحاضر حتى
ّ على إدانة المتّهم ،عالوة على ذلك إصرار
المحرر من طرف أعوان
ّ ولو كانت معيبة من خالل الفصل 212م.د .فإذا تض ّمن المحضر
المحرر عمال إجرائيا فإنّه ال يمكن التم ّ
سك بهذا ّ اإلدارة المالية عيبا شكليا أو إذا خالف العون
الخلل لطلب بطالن المحضر ،لكن هذا ال يعني تمتّع هذه المحاضر ّ
بقوة ثبوتية مطلقة ألنّه يمكن
دحضها إ ّما بتقديم ح ّجة معاكسة أو القيام بدعوى الزور.
أن الفصل 27م.ص .علّق إثارة الدّعوى العموميّة على شكاية من جانب اإلدارة
كما ّ
الحرية المطلقة في إثارة الدّعوى العموميّة من عدمها؟ أي هل يمكن
ّ المالية لكن هل لهذه اإلدارة
للنيابة العموميّة في غياب قيام اإلدارة المالية بذلك أن تثير الدّعوى العموميّة ؟
103
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
104
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واسعة في هذا المجال واعتبره بعض الفقهاء بمثابة إجراء زجري تسلطه اإلدارة على المخالف
والهدف منه تجنب المحاكمة الجزائية والعقاب الجزائي.85
وتجدر اإلشارة ّ
أن الصلح كي ينتج آثاره البد من توفر عدّة شروط ،وهي شروط تتميّز
بالطابع السلطوي لإلدارة ،كما أن الصلح ال ينتفع به إالّ المخالف في صورة وجود مشاركين في
الجريمة الصرفيّة ،وإلى جانب إمكانية التصالح وتحقيق غايات التشريع الصرفي منها ردع
تتنوع الجزاءات.
األفراد وحماية النظام العام االقتصادي ّ
105
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ ّما بالنسبة للحجز فقد ورد الفصل 36الذي جاء فيه »بقطع النّظر عن العقوبات الواردة
بالفصل ّ 35
فإن المحكمة مطالبة بأن تأمر بحجز ما هو موضوع الجريمة« ،ويعني ذلك حجز
المنقوالت والعقارات موضوع الجريمة سواء تمثّلت هذه الجريمة في عملية محجرة ،أو عدم
القيام بتصريح ،أو بإيداع ،أو إحالة إلى البنك المركزي التونسي ،ويعتبر عقوبة تكميليّة وجوبيّة
حسب الفصل 36ذو طبيعة عينيّة ألنّه يتعلّق بالجريمة وال يتأثر بمالك المال سواء كان حسن
النيّة أم ال ،وهنا تبرز نزعة التشديد باعتبار ّ
أن الجرائم الصرفيّة هي جرائم مادّية.
106
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويقصد بالحجز في الجرائم الصرفية المصادرة التي تقتضي نقل ملكيّة المال موضوع
الجريمة عن طريق نزعه من المحكوم عليه جبرا بغير مقابل وإضافته إلى ملكيّة الدّولة التي
يمكنها بيعه عن طريق بتّة عموميّة ،وهو خالفا للمعنى المتداول للحجز كوسيلة احتياطيّة ،أ ّما
نص عليها الفصل 36ثانيا »في صورة ما إذا لم يباشر
بالنسبة للعقوبات المالية التعويضيّة ،فقد ّ
تحقّق حجز موضوع الجريمة أو لم يقع تقديمه من طرف مرتكب الجريمة ،فعلى المحكمة أن
تصرح عوض الحجز بعقوبة مالية يساوي مبلغها قيمة ما هو موضوع الجريمة مضاف إليها
ّ
الربح غير شرعي الذي حقّقه أو كان ينوي تحقيقه مرتكبو الجريمة«.
ّ
أن آحكام المجلّة الڤمرڤية تحدّد العقوبات المالية التي عادة ما
ويستخلص من ك ّل ما تقدّم ّ
تحسب بالنظر لقيمة البضائع التي هي موضوع النزاع ،والقاضي ليس له سلطة تخفيف هاته
الخاص ،فالفصل
ّ العقوبات وإذا ما قام بذلك ّ
فإن المسؤوليّة تحمل عليه بصورة شخصيّة وباسمه
الخاص.
ّ 241من م.د .ال يقف عند منع تطبيق ظروف التخفيف فقط بل يحمل المسؤوليّة باسمه
وإلى جانب الجرائم الصرفيّة التي تقيّد فيها سلطة القاضي في تفريد العقوبة توجد كذلك
الجرائم الغابيّة.
وأحكام مجلّة الغابات تمنع التحطيم والتدمير للثروة الغابية /الفصل 80م.غ /.وتكسير
األشجار واستغالل الخفاف بدون سبب شرعي /فصل 83م.غ ،/.وإيقاد النار بالغابة /فصل
المتعرض لها بمجلّة الغابات تعاقب بخطيّة والسجن أو بالخطيّة
ّ 100م.غ ،/.فك ّل هاته الجرائم
107
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقط.86
نص عليهاّ ومجلّة الغابات تمنع صراحة على القاضي تطبيق ظروف التخفيف التي
أن الفصول 53و 54و 55من المجلّةينص على ّ
ّ الفصل 53من م.ج ، .فالفصل 189م.غ.
الجنائيّة ال يمكن تطبيقها بالنسبة للعقوبات الواردة بمجلّة الغابات ،وقد ن ّ
صت الفقرة الثانية من
الفصل 189م.غ .على ّ
أن هاته الفصول /53،54،55/تطبّق بالنسبة للعقوبات المنصوص
عليها بالمجلّة الجنائيّة والتي ترجع لها مجلّة الغابات.
وبالموازنة لهاته اإلمكانية الممنوحة للقاضي من الحكم أو عدم الحكم بالسجنّ ،
فإن
المشرع قد سلب له ك ّل سلطة في التخفيف من العقوبة المنصوص عليها بمجلّة الغابات ،وذلك
ّ
باستثناء العقوبات المنصوص عليها بالمجلّة الجنائيّة والتي يرجع لها قانون الغابات ،كما ال يمكن
للقاضي تخفيف عقوبة الخطيّة المنصوص عليها بمجلّة الغابات وهذا الموقف يتماشى مع أحكام
تنص على ما يلي
ّ أن الفقرة 16من الفصل 53م.ج .المتعلّقة بتأجيل التنفيذ
المجلّة الجنائيّة ذلك ّ
» :توقيف تنفيذ العقاب ال يشمل دفع مصاريف النازلة ومقدار غرم الضّرر والخطايا المحكوم
بها في الجرائم التي ته ّم صندوق الدولة والغابات الدولية«.
108
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى جانب هذه الميادين التي ال تنطبق فيها ظروف التخفيف والتي منع فيها القاضي من
سلطته التقديريّة في تحديد وتفريد العقاب ،فإن هاته السلطة تواجه أيضا تضييقات تشريعية في
مجال توارد الجرائم والعقوبات.
وتعدد الجرائم يعتبر كذلك الخاصية األساسية للتوارد الحقيقي على أن هاته الجرائم واجب
أن تكون متباينة وهو العنصر األساسي الذي يفرق التعدد الحقيقي عن بعض المفاهيم المجاروة،
109
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صــوري
ثانيــا :التــوارد ال ّ
التّوارد ال ّ
صوري أو المعنوي هو عبارة عن نشاط إجرامي واحد يقع تحت طائلة عدّة
المشرع التونسي لهاته الحالة في الفصل 54م.ج .الذي ينص »:إذا تكون
ّ فصول ،وقد تعرض
من الفعل الواحد عدة جرائم فالعقاب المقرر للجريمة التي تستوجب أكبر عقاب هو الذي يقع
الحكم به وحده«.
هذا الفصل يتعرض لحالة ما إذا خرق فعل إجرامي واحد عدّة نصوص تجريم ،والتوارد
الصوري للجرائم يمكن أن يفترض كذلك تواجد جريمة واحدة بالرغم من تعدد األفعال المادية إذا
ما اتضح اتجاه نية الجاني إلى تحقيق قصد جنائي واحد ال غير ،وهاته الفرضية وقع إعتمادها
نص على أن » :الجرائم الواقعة لمقصد واحد
ّ المشرع في الفصل 55من م.ج .إذ
ّ من طرف
ولها إرتباط ببعضها بعضا بحيث يصير مجموعها غير قابل للتجزئة تعتبر جريمة واحدة توجب
العقاب المنصوص عليه ألشد جريمة منها«.
والمالحظ في هذا اإلطار أن تعدد الجرائم وتكاثرها يحدث للمجتمع ضررا أخطر من
الجريمة الواحدة البسيطة ،وكذلك هذا التكاثر يوضح خاصية الفساد األخالقي عند الجناة،
وللمج تمع أن يدافع عن نفسه وذلك بعقاب هؤالء المنحرفين بعقوبة تكون قاسية ذلك أن من قام
بعدّة جرائم مختلفة ومتباينة ومتواردة يستحق أقصى وأش ّد من العقوبة المحكوم بها على من قام
بجريمة واحدة ،والقانون التونسي تعرض لهاته الحالة فتبنّى حال يعتبر مبدئي في حالة توارد
110
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويتمثل الحل في مسألة ضم العقوبات التي تطرح أساسا بالنسبة للتوارد الحقيقي أي عندما
يرتكب المتهم عدّة جرائم متباينة لم يصدر في شأنها حكم نهائي ،أ ّما التوارد الصوري فإن
العقوبة األشد هي التي يحكم بها القاضي ،إذ أن الفصل 55من م.ج .يوجب تطبيق العقاب
المنصوص عليه ألشد جريمة ،وهذا التضييق التّشريعي في خصوص تطبيق العقوبة األشد يحد
من السلطة التقديرية للقاضي الذي ليس له إال أن يطبق النّص.88
ولقد نص الفصل 56من م.ج .المتعلق بالتوارد الحقيقي على مبدأ وإستثناء ،أ ّما المبدأ
فهو يقضي بأن ال تضم العقوبات إلى بعضها وبالتالي يعاقب المتهم ألجل كل جريمة واحدة
بانفرادها وال يفرق هذا الفصل بين الجنايات والجنح والمخالفات وال بين العقوبات األصلية
والعقوبات التكميلية.
أ ّما اإلستثناء الوارد بنفس الفصل 56م.ج .فهو يجسم اآللية القانونية التي تمكن القاضي
الجزائي من تقديم العقوبة وتفريدها إذ أن له وحده سلطة إعتماد ضم العقوبات وهو المؤهل
لدراسة درجة خطورة الجاني وحالته اإلجتماعية وظروف الجريمة ،وقد جاء بالقرار التعقيبي
الجزائي أنّه » :من المقرر فقها وقانونا أن القضاء بالض ّم في الجرائم المتعدّدة يعتبر من المسائل
الموضوعيّة التي يعود تقديرها لقاضي الموضوع دون معقب عليه ما دام حكمه معلّال«.89
وض ّم العقوبات يدخل في إطار التخفيف على المتهم كلما اقتنع وجدان القاضي الجزائي
بجدوى ذلك ،على أن تعرض جميع جرائمه على محكمة واحدة وأن يحكم بالعقوبة البدنية األشد،
وقد سار فقه القضاء في هذا اإلتجاه وذلك من خالل القراران التعقيبيان اآلتي نصهما :
111
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على المعاقب من أجل عدّة جرائم عند تقرير عقابه عن كل جريمة من عديد الجرائم المنسوبة
إليه ،وذلك يستلزم طبعا عرض كل الجرائم مع بعضها بعضا في وقت واحد على محكمة واحدة
ألنه إذا لم تعرض مع بعضها على محكمة واحدة ال يمكن الض ّم ،لتعذر إعتبار الضم كالتخفيف
في تقدير العقاب المضموم إليه حسبما إقتضاه الفصل 56المذكور«.90
فنص على »:أن ض ّم العقوبات لبعضها مبناه التخفيف على
ّ أ ّما القرار التعقيبي الثاني
المحكوم عليه من أجل عدّة جرائم اقترفها ،ومؤداه اندماج كل العقوبات البدنية المضمومة
لبعضها المحكوم بها على الجاني في الجرائم المتباينة التي اقترفها وبالتالي تصبح معها العقوبة
البدنية ألكثر مدة المحكوم بها لجريمة ما من تلك الجرائم هي المتعيّن تنفيذها عليه وحدها«.91
وعلى خالف مقتضيات الفصل 56من م.ج .التي تجعل من الض ّم قاعدة إختيارية للقاضي
فإن هناك حاالت يكون فيها عدم الضّم وجوبي ،أي العودة إلى تقييد السلطة التقديرية للقاضي
المشرع التونسي نص بالفصل 57من م.ج .على
ّ ويكون ذلك في نطاق العقوبات المالية ذلك أن
ما يلي » :العقوبات المالية ال تضم لبعضها بعضا«.
وبالتالي فقد حدّد التشريع من سلطة القاضي في تفريد العقوبة المالية بأن منع إمكانية ضم
العقوبات المالية لبعضها وهذا المنع يعتبر وجوبيا ال يمكن للقاضي إعمال سلطته التقديرية فيه،
كما منعه في بعض العقوبات التكميلية عمال بمقتضياة الفصل 58من م.ج .الذي ينص على أن
»العقاب بمنع اإلقامة وبالمراقبة اإلدارية ال يضم بعضه لبعض«.
112
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزء الثاني
ّ
إن الهدف األساسي الذي يرمي إليه تحديد العقوبة من طرف القاضي هو تقريرها ،ومن
المشرع هم الذين
ّ ث ّمة اتّخاذ الجزاء المناسب لها ،ويمكن تبرير ذلك بالقول ّ
أن القضاة على خالف
يحتكون مباشرة بمرتكبي األفعال اإلجراميّة ويجمعون بين أيديهم أوفر نصيب من المعلومات عن
ّ
الظروف الشخصيّة لك ّل متّهم قصد اختيار الجزاء المناسب لألفعال المرتكبة ومدّتها ،والتي
ترتكز دون ّ
شك على قناعاته بالغرض األساسي من العقوبة وهو تأهيل المحكوم عليه وإصالحه،
ويبقى ذلك رهين إعتماد طريقة مناسبة في التّنفيذ.
فإن تفريد العقاب عند تنفيذ الجزاء يتمثّل أساسا في إعفاء المحكوم عليه جزئيّا أو
وعليه ّ
كليا من قضاء المدّة المحكوم بها ،وذلك كلّما اتّضح للقاضي أو لإلدارة العقابيّة ّ
أن الجاني لم يعد
ّ
البت األول ،/لذلك فإنّه من الضّروري أن يواصل القاضي بعد
خطرا على النّظام العا ّم /الفصل ّ
في النّزاع النّظر في كيفية تنفيذ الجزاء ومدى تأثيره على المحكوم عليه.1
113
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن تنفيذ الجزاء مرتبط وثيق اإلرتباط بمرحلة توقيع الجزاء ،الّذي يقوم على
ويمكن القول ّ
دراسة ظروف المتّهم وتحديد التّدبير المالئم له ،لذلك فإنّه من الواجب توحيد ال ّ
سلطة القائمة بهما
المشرع صلب األمر عدد 1876
ّ للتّواصل وتكريسا للمنحى التأهيلي واإلصالحي الذي تبنّاه
سجون.2
الخاص بال ّ
ّ المؤرخ في 1988-11-4المتعلّق بالنّظام
ّ
والمالحظ ّ
أن نجاح تجربة قضاء األحداث في تونس ،كان بمثابة مقدّمة لألخذ بنظام
أن مضمون ما يتّخذه قاضي التد ّخل القضائي في تنفيذ الجزاء المتّخذ ض ّد ّ
الرشد ،ضرورة ّ
األحداث صلب عملية التّنفيذ من أساليب وتدابير إصالحية هي ذاتها المطلوبة في عمليّة تنفيذ
العقوبات عموما.
114
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ّل
الفصل األو
ّنفيذي
ّفريد الت
آليات الت
وتكمن أه ّمية التّفريد التّنفيذي في أنّه يمثّل طريقا للوصول إلى اإلنسان بعيدا عن
المجردة التي يقتضيها مبدأ المساواة بين الجميع أمام القانون ،والتي
ّ التّقسيمات القانونيّة العا ّمة أو
ي اهتمام بمميّزاته وخصوصياته التي تفرزها طبيعته تتّجه إلى المذنب بصفة عا ّمة دون أ ّ
البشريّة ،والتي الب ّد من إيالئها األه ّمية التي تستحقّها حتى يح ّقق العقاب غايته في اإلصالح.
وهو ما يقتضي إدخال التعديالت الالّزمة على أساليب وآليات التّنفيذ المتّخذة أو على
المستمرة على عمليّة التّنفيذ التي ّ
تخول إضافة عناصر ّ الرقابة
الجزاء المحكوم به ،وذلك بواسطة ّ
المستقرة على حال.
ّ جديدة تكمل ما سبقت معرفته عن شخصيّة الفرد غير
وفي هذا اإلطار ظهرت عدّة آليات تفريديّة يمارسها قاضي التنفيذ ،وهي يمكن أن تكون
األول /أو آليات في اتّجاه إلغاء العقوبة /المبحث الثاني/ ّ
الحط من العقوبة /المبحث ّ آليات في اتّجاه
وكذلك آليات رقابة مسلّطة على ّ
الطفل /المبحث الثالث./
ّ
الحط من العقوبة األول :آليات في اتّجاه
المبحث ّ
115
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلئن كان القاضي يقوم بتفريد العقوبة في مرحلة المحاكمة إالّ أنّه ال يستطيع في ذلك الحيز
الزمن إالّ الوقوف على جسامة الفعل المرتكب والخطورة اإلجراميّة للمتّهم ،وال
البسيط من ّ
يمكنه البتّة معرفة التأثير الّذي سيحدثه الجزاء على الفرد كما ال يمكنه تحديد األسلوب المناسب
لمعاملته أثناء فترة التّنفيذ ّ
ألن ذلك يت ّم اكتشافه تباعا أثناء هذه المرحلة.
تطور األفكار العقابية واتّجاهها أساسا نحو اإلهتمام بالفرد وإعادة بنائه
ّ إالّ أنّه بحكم
اجتماعيا ،لم تعد كال من مرحلة التطبيق ومرحلة التّنفيذ تحتوي نشاطا متجانسا ال يمكنها الخروج
أن مرحلة المحاكمة أصبحت تض ّم إلى جانب التّطبيق بعض عناصر من نشاط التّنفيذ عنه ،ذلك ّ
سسة التي سيجرى فيها وذلك استجابة لمقتضيات التّفريد والمعاملة من ذلك مثال تحديد نوع المؤ ّ
التّنفيذ.4
كما أصبحت مرحلة التّنفيذ تض ّم بعض عناصر التّطبيق وذلك بحكم ضرورات التّفريد
تطور شخصيّة المحكوم عليه وأسلوب المعاملة الّذي يطبق
ّ التّنفيذي الذي يقتضي التّالؤم بين
يتنوع
عليه ،لذا بات من الضّروري إدخال تعديالت على العقوبة المحكوم بها ،فالعقوبة الواحدة ّ
تنوع أساليب تنفيذها ،كما ّ
أن مدّة العقوبة التي ينطق بها القاضي لم تعد محدّدة مضمونها بقدر ّ
سراح ال ّ
شرطي /الفرع األول /وكذلك عن طريق العفو الخاص بصفة نهائيّة وذلك بفعل أنظمة ال ّ
/الفرع الثاني./
سراح الشرطي من أه ّم وسائل تفريد الجزاء في فترة التّنفيذ ،ويتمثّل هذا اإلجراء
يع ّد ال ّ
في تعليق الجزاء الجنائي قبل إنقضاء ك ّل مدّته المحكوم بها ،متى تحقّقت بعض الشروط والتزم
116
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكوم عليه باحترام ما يفرض من إجراءات خالل المدّة المتبقّية من ذلك الجزاء.5
سراح الشرطي للمبتدئين إالّ بعد قضاء نصف العقوبة دون أن تق ّل عن ثالثة
كما ال يمنح ال ّ
أشهر ،أ ّما بالنّسبة لذوي ال ّ
سوابق العدلية ّ
فإن مدّة العقاب المقضاة ال يجـب أن تقـ ّل عن ثلثـي
تخص إالّ
ّ سابقة ال المـدّة المحكوم بها أو تنزل عن ستّة أشهر ،والجدير بمالحظته ّ
أن األحكام ال ّ
فإن مدّة االختبار سجن المؤقّت ،أ ّما المحكوم عليه بال ّ
سجن المؤبّد ّ المجرمين المحكوم عليهم بال ّ
بالنسبة إليهم ال يجب أن تق ّل عن 15عاما 354/م.إ.ج./.
المشرع من الشروط المتعلّقة بقضاء جزء معيّن من المدّة المحكوم بها إالّ
ّ ولم يستثن
شرطي ،أو الّذي يبلغ عشرين المحكوم عليه الذي بلغ ستّين عاما كاملة من تاريخ طلب ال ّ
سراح ال ّ
سنة كاملة في نفس التّاريخ أو كان مصابا بسقوط خطير أو مرض عضال /الفصل 355م.إ.ج/.
ّ
السن أو إصابتهم بمرض يقلص من حالة ،ويعود ذلك إلى ضعفهم النّاتج عن تقدّمهم في
117
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخطورة لديهم ومن إمكانية تأهيلهم لحداثة سنّهم التي تس ّهل عمليّة تأهيلهم وتكييفهم بسرعة مع
المجتمع .
سراح الشرطي ّ
فإن وزير العدل وحقوق اإلنسان تختص بمنح ال ّ
ّ أ ّما من حيث الجهة التي
سراح ال ّ
شرطي بعد أخذ رأي صة بإصدار قرار في خصوص ال ّ يمثّل السلطة اإلداريّة المخت ّ
المؤرخ في 3 1969 12ّ اللّجنة ،والتي تتر ّكب حسب ما جاء به القانون عدد 86 69
على النّحو التالي :مدير األمن أو من يمثّله رئيس ،رئيس إدارة ال ّ
سجون ،نائب عن وزير
ّ
والطفولة ،نائب عن وزير الدّفاع بالنّسبة للقضايا المحكوم فيها العدل ،نائب عن وزير ال ّ
شباب
من طرف المحكمة العسكريّة.
118
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
119
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخاص
ّ الفرع الثاني :التّفريد بواسطة العفو
ّ
الحط من مدّته أو إبداله بعقاب الخاص بأنّه »إسقاط العقاب المحكوم به أو
ّ يعرف العفو
الخاص
ّ نص عليه القانون« على معنى الفصل 371من م.إ.ج .ويعتبر العفو
ّ أخف منه
ّ آخر
وسيلة من وسائل التّفريد أثناء تحديد وتنفيذ الجزاء ،بل يع ّد تكملة ضروريّة لتأجيل التّنفيذ
شرطي ،هذا فضال على أنّه يلعب دور هذه الوسيلة األخيرة.8 وظروف التّخفيف أو ال ّ
سراح ال ّ
120
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سالفة الذّكر ،وكذلك التّخفيف من شدّة بعض األحكام الجزائيّة متى إقتضت
القانونيّة للوسائل ال ّ
سياسة الجزائيّة استبعاد الشدّة.
ال ّ
إالّ ّ
أن إقراره بالتّشريعات الجنائيّة الخا ّ
صة وتكريسه في ج ّل القوانين يبقى ضروريا وذلك
لتدارك األخطاء القضائيّة ،وثانيا للتّخفيف من صرامة العقوبة وتحقيق توازن بين العدل
والرحمة ،وأخير تشجيع المحكوم عليه على إصالح حاله .10وقد تبنّى المشرع التونسي العفو
ّ
الخاص وضمنه بالفصول 371إلى 375من م.إ.ج .وت ّم حصر ّ
حق ممارسة العفو إلى رئيس ّ
الجمهورية الذي يمارسه شخصيّا ودون إمكان تفويضه ،ويعتبر إحتكار ّ
حق منح العفو من
ينص على أنّه »لرئيس
ّ طرف رئيس الجمهوريّة تطبيقا لمقتضيات الفصل 48من ال ّدستور الذي
الخاص« ويتّخذ رئيس الجمهورية ّ
حق العفو بناء على تقرير من وزير ّ الجمهورية ّ
حق منح العفو
العدل وحقوق اإلنسان الذي يأخذ برأي لجنة العفو.
ّ
الحط من مدّته الخاص ّ :أولها إسقاط الجزاء المحكوم به ،وثانيها
ّ وتوجد ثالثة أنواع للعفو
أخف منه على شرط أن يكون الجزاء
ّ أو تنقيص جزء منه ،وثالثها إبدال الجزاء المحكوم به بآخر
الجديد منصوصا عليه قانونا 371/م.إ.ج ،/.ونظرا القتضاب النّصوص القانونيّة المتعلّقة بالعفو،
121
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقد رجع رجال القانون ألحكام قوانين العفو العام ليستخلصوا شروط العفو /الفقرة األولى/
واآلثار التي ينتجها /الفقرة الثانية./
الخـــاص
ّ الفقــرة األولــى :شــروط العفــو
يمكن تقسيم شروط العفو إلي نوعين :شروط أصليّة وأخرى شكليّة.
أ ّما الشروط األصليّة فتتمثّل في ضرورة أن يتعلّق العفو بعقوبات صدرت في شأنها
محاكمات باتّة ،بحيث يكون العقاب المحكوم به قد صدر بموجب حكم اتّصل به القضاء وغير
ّ
بالطرق العادية أو غير العادية ،إالّ ّ
أن عبارة المحاكمات الباتّة المنصوص عليها قابل ّ
للطعن
بالفصل 373غير مناسبة ،إذ األمر يتعلّق في الحقيقة بأحكام نهائيّة ال يمكن ّ
الطعن فيها
ي طريقة من ّ
الطرق مطلقا، باالعتراض أو باالستئناف فقط وليست أحكاما ال يمكن الطعن فيها بأ ّ
وعليه فإنّه ال يجوز لرئيس الجمهوريّة النّظر في مطالب العفو المقدّمة من المحكوم عليهم إذا لم
يستوفوا بعد طرق ّ
الطعن المتاحة لهم.11
الخاص ال يمنح إال متى كان العقاب المحكوم به واجب النّفاذّ ،
ألن تأجيل ّ كما ّ
أن العفو
الخاص وكذلك ال ّ
شأن بالنسبة للعقوبة التي ت ّم قضاؤها والتي سقطت ّ التّنفيذ يحول دون منح العفو
الخاص ينسحب على
ّ الزمن ،وعليه فإنّه وباستثناء تلك الحاالت السالفة ال ّذكر ّ ،
فإن العفو بمرور ّ
سجن أو بالخطيّة إالّ إذا ت ّم خالصها فال ترجع /الفصل
ك ّل العقوبات سواء كانت باإلعدام أو بال ّ
374م.إ.ج./.
أ ّما بالنّسبة للتّدابير االحترازيّة فهي مستثناة من ميدان العفو باعتبارها تتّخذ في مواجهة
األشخاص الخطيرين ،بينما يت ّم العفو ألسباب أجنبيّة عن مسألة الخطورة.
122
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرط الثاني فيتمثّل في توفّر جملة من األسباب الوجيهة التي تبرر إسعاف المحكوم
أ ّما ال ّ
بالرغم من عدم التّنصيص عليه
سلوك ّ
عليه بإجراء العفو ،ويمكن أن نذكر من بينها شرط حسن ال ّ
قانونا ،فقد جرى العمل على اعتماده من قبل لجنة العفو ،ويتّفق هذا ال ّ
شرط مع وظيفة اإلصالح
ّ
للحط من مدّة العقوبة وإسقاط ما بقي منها اعتبارا لحسن سياسة الجنائيّة الحديثة
تقررها ال ّ
التي ّ
صة في أوامر العفو الموسميّة التي تصدر بمناسبة األعياد
سلوك المحكوم عليه ،ويظهر ذلك خا ّ
الوطنيّة والدينيّة.12
كما يمكن أن يمنح العفو بصفة آلية دون التوقّف على تقديم المطلب من المحكوم عليه أو
من غيره إذا تعلّق الحكم باإلعدام /الفصل 342من م.إ.ج ،/.أ ّما من حيث محتوى مطلب العفو
فيجب أن يحتوي على اسم المستفيد منه بشكل صريح ،ولو كان العفو ذا طابع عام ،أي عندما
يتعلّق بالمساجين الّذين تقترحهم اإلدارة السجنيّة إلطالق سراحهم بمناسبة األعياد الوطنيّة
والدينيّة.
وأ ّما من حيث قرار العفو فإنّه إذا صدر فال يمكن ّ
الطعن فيه سواء كان سلبيا أو إيجابيا
حق في فرض تسليط العقاب بل الدّولة هي صاحبة ال ّ
حق أن المحكوم عليه ليس صاحب ّ
باعتبار ّ
الحق يعود للهيئة اإلجتماعيّة التي توقّعه أو تعدل عنه بما يتّفق مع
ّ في توقيعه ،كما ّ
أن هذا
المصلحة اإلجتماعيّة.
123
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخــاص
ّ الفقـرة الثانيـة :آثـــار العفــو
الخاص تبقى معتبرة من
ّ نص الفصل 375من م.إ.جّ .
أن المحاكمات التي شملها العفو ّ
سوابق العدلية ،وتحسب في صورة العود وعند النّظر في إمكانية تأجيل التّنفيذ إذا ارتكب
ال ّ
المتضرر في المطالبة بالتّعويض.
ّ جريمة جديدة ،كما ال يؤثّر العفو الخاص على ّ
حق
الخاص يقتصر أثره على إسقاط العقوبة األصلية ،وتبعا لذلك ال تسقط
ّ وعليه ّ
فإن العفو
ينص أمر العفو على خالف ذلك.
ّ التدابير االحترازيّة كالحرمان من بعض الحقوق ما لم
سجن دون كما ّ
أن اإلسقاط قد يشمل العقوبة أو جزء منها كأن يقتصر العفو على ال ّ
شأن في أوامر العفو الجماعيّة التي تصدر بمناسبة ّ
يحط من مدّة العقوبة كما هو ال ّ الخطيّة ،أو
األعياد الدينيّة.
لم تعد العقوبة وسيلة لإلذالل واالنتقام ،وإنّما أصبحت وسيلة للنّجاة م ّما وقع التردّي فيه
من انحراف بفضل توفّر األساليب المستحدثة في المعاملة العقابيّة ،كما لم يعد أحد يجادل أه ّمية
وسمو مداركه ،وأيّا كان الهدفّ الهدف اإلصالحي للعقوبة فمراعاته تعكس اتّساع آفاق اإلنسان
فإن تأهيل الجاني وإعادة تربيته يجب أن يراعى في مرحلة التّنفيذ كلّما كانت طبيعة
من العقوبة ّ ،
العقوبة تحتمل ذلك ،وعليه تأ ّكد التّكامل بين كل من مرحلة التتبّع والمحاكمة ومرحلة تنفيذ العقاب
المحكوم به.
أن التّفريد التّنفيذي يرتكز على معاملة المحكوم عليه معاملة إصالحية كفيلة
شك ّ
وما من ّ
المشرع
ّ فإن بتيسير اندماجه في المجتمع وقطع ّ
الطريق بينه وبين شتّى مظاهر االنحراف ،لذلك ّ
التونسي قد وضع آليات ها ّمة تؤدّي إلى إلغاء العقوبة قصد مساعدة الجاني للتأقلم من جديد مع
محيطه واإلندماج في المجتمع كعنصر فاعل ،وهذه اآلليات تتميّز بخصوصيتها ومراعاتها لعدّة
عوامل إيجابيّة الب ّد أن تتوفّر حتى ينتفع بها المعني باألمر.13
124
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومبدئيّا ال تلغى العقوبة إالّ بتنفيذها إذ أنّها تمثّل ر ّد فعل المجتمع على انتهاك حرمة أفراده
سياسة الجنائيّة ال ترتكز في ك ّل ولكن التّشاريع الحديثة تعتبر ّ
أن ال ّ ّ والمس بنظامه األخالقي ،
ّ
الردع .فللعفو أحيانا بعض المصالح التي تجعل منه ضرورة.
الحاالت على ّ
ّ
بالطفولة يسعى إلى تكريس خاص
ّ المشرع التونسي إلى تكريس نظام جزائي
ّ لذلك اتّجه
المشرع التونسي نظاما
ّ خص
ّ للحرية /الفقرة األولى /كما
ّ الطابع االستثنائي للعقوبات السالبة
جزائيّا مفردا بالنّسبة لحالة موت المتّهم /الفقرة الثانية./
125
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ّ
السن من األسباب الطبيعيّة التي تد ّل على فقدان اإلدراك واإلرادة والقدرة ويعتبر صغر
ينص الفصل 38من المجلّة الجنائيّة على أنّه »ال
ّ على التّمييز عند اإلنسان ،وفي هذا ال ّ
صدد
يعاقب من ال يتجاوز سنّه ثالثة عشر عاما كاملة عند ارتكابه للجريمة« ،ويؤخذ من عبارات هذا
ّ
السن قرينة مطلقة على عدم مسؤوليّته المشرع التّونسي جعل في جانب ّ
الطفل في هاته ّ الفصل ّ
أن
عن الجرم الصادر عنه ،وقد تأ ّكد ذلك من خالل مجلّة حماية ّ
الطفل بالفصل 68منها والذي جاء
فيه »يتمتّع ّ
الطفل الذي لم يتجاوز سنّه ثالثة عشر عاما بقرينة غير قابلة للدّحض على عدم قدرته
على خرق القوانين الجزائيّة«.
126
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمالحظ ّ
أن التشاريع القديمة كانت تواصل إثارة الدّعوى وتتبّعها وذلك بتحميل أفراد
عائلة المتّهم المتوفّى وورثته مسؤوليّة الفعل اإلجرامي الذي ارتكبه قبل وفاته ،إالّ ّ
أن التشاريع
أن المسؤوليّة الجزائيّة شخصيّة والعقوبة كذلك ،وال يمكن بالتّالي أن تلحق إالّ
أقرت مبدأ ّ
الحديثة ّ
بالمتّهم الذي إرتكب الفعل اإلجرامي.
127
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن موت المتّهم يضع حدّا للدّعوى العموميّة ،فإذا توفّي المتّهم بعد ارتكابه
ونتيجة ذلك ّ
فإن هذه األخيرة تتّخذ قرارا في
للجريمة وقبل إثارة الدّعوى العموميّة من قبل النّيابة العموميّة ّ
حفظ تلك التّهمة في شأن المتّهم.
أ ّما إذا حصلت الوفاة بعد إثارة الدّعوى العموميّة وأثناء المحاكمة ّ
فإن المحكمة المتع ّهدة
بالقضيّة تقضي بانقضاء الدّعوى العموميّة بموجب الوفاة ،ونفس ال ّ
شيء إذا كانت القضيّة من
أنظار حاكم التّحقيق ،ففي هذه الحالة وفي صورة وفاة المتّهم أثناء إجراءات التّحقيق فإنّه يتّخذ
قرارا في حفظ التّهمة وانقضاء الدّعوى العموميّة بموجب الوفاة.18
أ ّما تأثير الوفاة على الدّعوى العموميّة وعلى تسليط العقاب فإنّه يقع تفريد المتّهم المتوفّي
بانقضاء الدّعوى أو إلغاء العقوبة في شأنه ،أ ّما إذا تعدّد المتّهمون في نفس الدّعوى وذلك بوجود
فإن الدّعوى العموميّة تواصل سيرها ّ
الطبيعي فاعلين أصليين أخرين أو مشاركين في الجريمة ّ
بالنسبة لهم كما يقع تسليط العقاب في شأنهم.
كما أنّه ال تأثير لوفاة المتّهم وتفريده بالغاء العقوبة على الدّعوى المدنية باعتبار أنّه يمكن
للمتضرر مواصلة التتبّع في خصوص الجانب المدني ض ّد الورثة ،كما يمكن أيضا مواصلة
ّ
التتبّع ض ّد المسؤول المدني إالّ أنّه ال يمكن النّظر في الدّعوى المدنيّة المو ّجهة ض ّد المسؤول
المدني أو ورثة المتّهم المتوفّي إال أمام القضاء المدني ،وذلك النعدام وجود دعوى عموميّة أمام
المحاكم الجزائيّة.19
صور المذكورة إللغاء العقوبة يمكن أن تختلف عن صورة استرداد والمالحظ ّ
أن هذه ال ّ
الحقوق.
لقد شهدت أحكام استرداد الحقوق تعديال هاما بموجب القانون عدد 114لسنة 1993
128
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المؤرخ في 22نوفمبر ، 1993وذلك بهدف تدعيم تأهيل المحكوم عليه بعد قضاء مدّة العقاب،
ّ
وقد جاء هذا القانون ليضيف إلى األحكام القديمة المتعلّقة باالسترداد االختياري للحقوق /الفقرة
ّ
الحق األولى /أحكام جديدة تتعلّق باالسترداد اآللي لهذه الحقوق /الفقرة الثانية /كما ينتج عن هذا
سواء كان اختياري أو آلي آثار ها ّمة /الفقرة الثالثة./
أ -ال ّ
شــروط األصليّــة :
شروط المتعلّقة بشخص المنتفع باالسترداد :استرداد الحقوق ال يمكن طلبه إالّ من
-ال ّ
طرف المحكوم عليه أو ممثّله إذا كان محجورا /الفصل 368م.إ.ج ،/.والمحجور طبق أحكام
الفصل 169من مجلّة األحوال الشخصيّة هو القاصر والمجنون وضعيف العقل وال ّ
سفيه ،وفي
129
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإذا كان العقاب المحكوم به هو الخطيّة فالب ّد من دفعها أو إنقضاء مدّة الجبر بال ّ
سجن أو
سقوط العقاب بمرور ّ
الزمن.
130
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ب -ال ّ
شروط الشكلية :
تجرى التحقيقات الالّزمة في شأن مطلب استرداد الحقوق من طرف وزارة العدل وحقوق
اإلنسان ولكن القرار األخير يصدر عن لجنة العفو التي يمكن :
-إ ّما أن ترفض المطلب ،وفي هاته الحالة ال يقبل من المحكوم عليه مطلب جديد قبل
ي عام على ذلك.
مض ّ
سنتعرض لها بعد الحديث عن االسترداد اآللي
ّ -وإ ّما أن تقبل المطلب ،وهنا تحصل آثار
للحقوق.
131
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعتبر هذا النّظام حديثا في التشريع التونسي باعتبار أنّه أضيف بمقتضى القانون عدد 14
المؤرخ في 22نوفمبر 1993والقاضي بأنّه تعاد حقوق المحكوم عليه بحكم
ّ لسنة 1993
بالنص ،ولم تقع محاكمته من أجل جناية أو جنحة ،ذلك ّ
أن ك ّل ّ القانون إذا انقضت المهلة المحدّدة
حكم يقطع مجرى المدّة ،وفي ذلك توجيه رشيد نحو ّ
حث المحكوم عليه على اتّباع سيرة حسنة
ألن هذا النـظام يفترض أن يكون المتمتّع به قد أصلح فعال. 22
بعد قضاء مدّة العقابّ ،
ويعتبر اإلسقاط الكلّي أو الجزئي للعقاب بمقتضى عفو بمثابة قضائه كلّيا أو جزئيّا،
والمالحظ ّ
أن آثار نظام استرداد الحقوق سواء كان آليا أو اختياريا هي واحدة.
132
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معنى ذلك ّ
أن العقوبات تبقى بسج ّل ال ّ
سوابق ولكن تحذف من المضمون عدد 3وال يمكن
االعتماد عليها في العود واإلقصاء كما يمكن للمنتفع بر ّد حقوقه وأن ينتفع بتأجيل العقوبة.
ومن المنطقي أن تقتصر آثار استرداد الحقوق على الحقوق المدنيّة والسياسيّة من ذلك
ّ
موظف من عمله نتيجة إدانته بحكم استرجاع المحكوم عليه حقّه في اإلنتخاب ،أ ّما إذا فصل
ّ
الحق في طلب العودة ّ
الموظف يخول لهذا
فإن استرداد الحقوق ال ّ قضائي وتسليط عقوبة عليه ّ
إلى وظيفته.
كما أنّه يقع محو العقوبات األصلية والتكميليّة ولكن هذا المحو يكون بالنّسبة للمستقبل
فقط ،معنى ذلك أنّه لو طلق المحكوم عليه مثال من أجل محاكمته فال أثر السترداد الحقوق على
هذا ّ
الطالق.
133
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صص
المشرع التونسي على غرار القوانين المقارنة العصريّة اعتماده خيار التخ ّ
ّ أ ّكد
نص الفصل
ّ القضائي في شؤون الطفولة وذلك على مستوى مختلف الجهات القضائيّة ،23وقد
أن »القضاة الذين تتألّف منهم 81من مجلّة حماية ّ
الطفل الصادرة في 9نوفمبر 1995على ّ
محاكم األطفال سواء على مستوى النّيابة العموميّة أو التّحقيق أو المحاكمة يجب أن يكونوا
صين في شؤون ّ
الطفولة«. مخت ّ
فقضاء األطفال ال يعني إالّ باألطفال دون غيرهم باعتبار ظروفهم الخا ّ
صة ،وهو تو ّجه
سنوات األخيرة بحثا عن مزيد النّجاعة في العمل القضائي وعن تحقيق
المشرع في ال ّ
ّ إعتمده
سرعة في الفصل دون مساس بالضّمانات األساسيّة ّ
للطفل باعتباره متّهما ،لذلك فقد تض ّمنت ال ّ
مجلّة حماية ّ
الطفل جملة من األحكام التي تهت ّم بكيفيّة تنفيذ االجراءات والعقوبات الصادرة سواء
فإن قاضي األطفال يسهر على حسنالطفل ،وفي ك ّل الحاالت ّ عن قاضي األطفال أو محكمة ّ
تطبيق هذه العقوبات واإلجراءات وتفريدها وفق خطورة الجريمة المرتكبة ،وما تنطوي عليه
شخصيّة الطفل المرتكب لها من نفسيّة إجراميّة ،وتركيبة سيكولوجيّة ،وذلك لغاية بلوغ الهدف
اإلصالحي التي ترمي إليه العقوبة.24
صالحيات
سسة قاضي األطفال جملة من ال ّ
المشرع التونسي لمؤ ّ
ّ ولتحقيق ذلك ،فقد منح
سواء عند إشرافه على تنفيذ التّدابير التربويّة /الفقرة األولى /أو عند تنفيذ العقوبات الجزائيّة
/الفقرة الثانية./
134
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فعمل القضاء الحديث يقوم على دراسة ظروف المتّهم من جميع جوانبها النفسيّة
والعضويّة واإلجتماعيّة بغرض ضبط التّدبير المالئم لها.
135
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
136
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرجوع من
وبإذن من قاضي األحداث ،على األطفال المخالفين في حاالت الفرار أو عدم ّ
الرخصة عقوبات تصنّف كاآلتي :
ّ
الرخص ومن زيارتين متتاليتين .
-الحرمان من ّ
الرعاية المر ّكزة بعد موافقة اإلدارة
-النّقلة من النظام المفتوح أو شبه المفتوح إلى نظام ّ
سجون واإلصالح ،ولقاضي األحداث مراجعة وتعديل العقوبات المشار إليها بهذا
العامة لل ّ
الفصل«.
وال تت ّم آليتي المراجعة والتعديل بمعزل عن متابعة ومعاينة الحدث وجمع المعطيات
الكافية حول التجاوب مع وضعيّته الجديدة.
الحرية المحروسة
ّ ثانيا :سلطة اإلشراف على األطفال الموضوعين تحت نظام
الحرية المحروسة أسلوب عالجي يبقى ّ
الطفل بمقتضاه في بيئته الطبيعيّة متمتّعا ّ تعتبر
بحريته تحت رعاية ومالحظة شخص مكلّف بهذه المه ّمة ،وهي وسيلة ترمي إلى مراقبة ّ
الطفل ّ
بالوسط الطبيعي الذي يعيش فيه سواء كان ذلك الوسط عائليّا ،مدرسيا أو اجتماعيّا ،وهي تهدف
أيضا إلى معالجة ّ
الطفل الجانح بالتم ّكن من استبعاد اإليداع بالمراكز التربويّة ،لذلك فإنّها تمتاز
بعدم تعكير الحالة النفسيّة ّ
للطفل وتساعد على اكتشاف شخصيّته.26
137
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويتبيّن من هذين الفصلين إمكانية تسليط العقوبة الجزائيّة ولكن تبقى هذه اإلمكانية
138
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه العقوبة الجزائيّة التي يتمتّع قاضي األطفال بسلطة تقديريّة في توقيعها يمكن أن
/أوال /أو عقوبة مالية /ثانيا./
تكون عقوبة بدنيّة ّ
139
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
األولوية للوسائل الوقائيّة والتربويّة ويجتنب قدر اإلمكان االلتجاء إلى اإلحتفاظ واإليقاف
صة منها العقوبات القصيرة المدّة«.
للحرية ،وخا ّ
ّ التحفّظي وإلى العقوبات السالبة
ويبرز من ذلك ّ
الطابع االستثنائي للعقاب البدني الذي يلتجأ إليه قاضي األطفال إذا تبيّن له
أن إصالح ّ
الطفل ال يمكن أن يت ّم بإحدى التّدابير األخرى. ّ
حق ّ
الطفل أثناء تنفيذ الوسيلة الوقائيّة أو العقوبة من التمتّع بإجازة وأ ّكدت م.ح.ط .على ّ
دوريّة ومحدودة المدّة تراعي في اسنادها مصلحته الفضلى وذلك على معنى أحكام الفصل 16
من المجلّة المذكورة ،والغاية من منح هذه اإلجازة ّ
للطفل هو ضمان حقّه في الحفاظ على
االتصال بوالديه ألنّه حسب ما أ ّكدته البحوث االجتماعيّة والنفسيّة يعتبر االنقطاع المفاجئ
للطفل عن والديه وعن أسرته تهديدا للحالة النفسيّة ّ
للطفل بما من شأنه أن يخلق لديه والمطول ّ
إحساسا بالنّقمة والغيض ورفض لسلطة األبوين بعد مغادرة ال ّ
سجن ،وهو ما من شأنه أن يحدّد
الهدف اإلصالحي الذي يرمي إليه اتّخاذ مثل هذا اإلجراء في شأن ّ
الطفل.29
وإلى جانب الخيار الممنوح لقاضي األطفال في تسليط عقاب بدني أو عقوبة بديلة ،فإنّه
يمكنه كذلك تسليط حكم بالخطيّة على الطفل الجانح.
140
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الحكم ،وقد اقتضى الفصل 73من م.ح.ط .في فقرته الثانية أنّه» :إذا ثبتت المخالفة جاز
مجرد توبيخ أو أن يحكم عليه بالخطيّة إذا كان له مال أو أنّه
ّ لقاضي األطفال أن يو ّجه ّ
للطفل
الحرية المحروسة عند اإلقتضاء«.
ّ يضعه تحت نظام
فإن الحكم بالخطيّة يبقى خيارا ممنوحا للقاضي في أن يسلّطه على الطفل إذا تبيّن له
لذلك ّ
أن الذ ّمة المالية لهذا األخير عامرة ،ويكون ّ
الطفل قادرا على دفع المبالغ المحكوم بها عليه إلى ّ
صة تأكيدا لمبدأ شخصيّة العقوبة ،وفي جميع الحاالت فهذه
خزينة الدّولة من ذ ّمته المالية الخا ّ
الخطيّة ال يجب في صورة تنفيذها أن تلحق األذى بهذا ّ
الطفلّ ،
ألن الهدف األساسي من هذه
العقوبة هو حثّه على اإلستقامة ،وعدم العود إلى ال ّ
سلوك اإلجرامي.
شخصي ّ
للطفل باإلضافة إلى ذلك فإنّه يجب التّمييز بين الخطيّة التي تسلّط على المال ال ّ
المجرم الذي إرتكبه
ّ جراء الفعل
المتضرر من ّ
ّ الجانح ،وبين التّعويض على األضرار التي لحقت
مكرر من مجلّة اإللتزامات
ّ الطفل ،وذلك صلب دعوة مدنيّة مستقلّة ،حيث جاء بالفصل 93
ّ
ّ
لينظم مسؤوليّة األبوين والعقود بعد تنقيحه بقانون 9نوفمبر 1995وتحديدا بالفقرة األولى منه
للرقابة. الضار الصادر عن ّ
الطفل الخاضع ّ ّ أو من يح ّل محلّهما عن الفعل
141
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ي الطفل يجد نفسه مجبرا على دفع معلومها عوضا عنه .وهو ما يدعونا إلى التّساؤل عن ول ّ
الخاص
ّ الجدوى من الحكم بهذه العقوبة والتّساؤل حول إمكانية اإلستغناء عنها صلب التّشريع
ألن األحكام وجدت لتنفّذ.
باألطفال ّ
142
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الثاني
قاضي تنفيذ العقوبات
ّ
إن الهدف األساسي للعقوبة في التنظيمات الحديثة هو البعد اإلصالحي ،فمراعاته يعكس
وسمو مداركه ،وأيّا كان الهدف من العقوبةّ ،
فإن تأهيل الجاني وإعادة تربيته ّ اتّساع آفاق اإلنسان
يجب أن يراعى في مرحلة التّنفيذ كلّما كانت طبيعة العقوبة تحتمل ذلك ،ومن هنا يتأ ّكد التّكامل
بين ك ّل من مرحلة التتبّع والمحاكمة ومرحلة تنفيذ العقاب المحكوم به.
ولتوفير ذلك الب ّد من اإلقرار برقابة القضاء على التنفيذ حتى تواصل الجهة القضائيّة التي
الروح القرارات التي تتّخذ أثناء مرحلة التنفيذ ،فالغاية من العقوبة يضمن
أصدرت الحكم بنفس ّ
سلطة التي حدّدت مقدارها ونوعها وهو ما أدّى إلى
تحقيقها عندما تشرف على تنفيذها نفس ال ّ
سسة قاضي التّنفيذ الذي عرفه " Jean Claude Soyer" 30بأنّه »قاضي
بروز مؤ ّ
للحرية تعمل من أجل إعادة إدماج المنحرف وهو أفضل
ّ مكلّف أساسا بجعل العقوبات ال ّ
سالبة
وسيلة لمواصلة تفريد العقوبة منذ تقريرها حتى انقضائها«.
للحريات األساسية
ّ مقررا ورقيبا وضامنا
سسة قاضي التنفيذ من القاضي ّ
وقد جعلت مؤ ّ
متجرد من دوره في المجتمع ،حيث تعهد لقاضي التنفيذ سلطات
ّ ومساهما في إرساء العدل وغير
ها ّمة فيما يتعلّق بتصنيف المجرمين وأشكال المعاملة الجنائيّة الفرديّة ومراقبة تنفيذها ،فهو يلعب
دورا ها ّما في التّفريد التّنفيذي للعقاب ،ويرتكز التّفريد التنفيذي على معاملة المحكوم عليه معاملة
إصالحيّة كفيلة بتيسير اندماجه في المجتمع وقطع ّ
الطريق بينه وبين شتّى مظاهر اإلنحراف.
سبب الرئيسي في اتّساع دور القضاء في مرحلة التّنفيذ وفي هذا اإلطار يؤ ّكد البعض ّ
أن ال ّ
سك بالهدف اإلصالحي للعقوبة ،فطالما تحدّد هذا الهدف بالعمل على إصالح
يعود إلى التم ّ
143
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ّ
الحق في متابعة الجاني وإعادة تأهيله كان من المنطقي أن يكون للقاضي الذي حكم بالعقوبة
تنفيذها حتى يكفل تحقيقها لنتائجها.
ونظام قاضي التّنفيذ يع ّد من أه ّم أشكال تد ّخل القضاء في مرحلة تنفيذ العقوبة في
السياسات الجنائيّة الحديثة حيث تح ّمست الكثير من الدّول الالّتينيّة ومن تأثر بها لنظام قضاء
التنفيذ ،ويرجع ذلك إلى تأثّرها التاريخي بالقانون ّ
الروماني الذي كان يفرض على القاضي رقابة
سجون وزيارتها ومن بين هذه الدّول نجد إيطاليا الّتي أرست نظام قاضي اإلشراف على التنفيذ
ال ّ
سنة .31 1930
كما استحدث قانون اإلجراءات الجنائيّة الفرنسي سنة 1958نظام »قاضي تطبيق
مرة في فرنسا منذ هذا التاريخ فقط ،بل كانت له بعض
ألول ّ
العقوبات« ،ولم يطبق هذا النظام ّ
وجربت فيها
ّ التطبيقات ال سيّما في مجال األحداث وفي بعض سجون البالغين التي أعيد تنظيمها
الوسائل العقابية الحديثة قبل إدخال هذا النّظام في قانون االجراءات بسنوات قليلة ،على ّ
أن لهذا
القانون فضل تعميم نظام قاضي تطبيق العقوبات في كافة أنحاء فرنسا والتوسيع في اختصاصاته
سسة العقابية أو خارجها .ويع ّد التشريع في المسائل المتعلّقة بمعاملة ال ّ
سجناء سواء داخل المؤ ّ
سعت من صالحيات قاضي التنفيذ تحقيقا للتّفريد التنفيذي.
الفرنسي من أه ّم التشريعات التي و ّ
144
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
145
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بموافاة قاضي األطفال بالتّقارير المتض ّمنة آلراء أهل االختصاص حتى يتم ّكن من مواكبة حالة
ويقرر تبعا لذلك األساليب المالئمة لتقويمه وإصالحه.
ّ الحدث
وبعد نجاح تجربة األحداث في تونس ،التي كانت بمثابة المقدّمة لألخذ بنظام التد ّخل
ألن مضمون ما يتّخذه قاضي األحداث في
القضائي في تنفيذ الجزاء الجنائي المتّخذ ض ّد الرشدّ ،
إطار عملية التنفيذ من أساليب ،وتدابير إصالحية وتقويميّة هي نفسها المطلوبة في عمليّة تنفيذ
العقوبات عموما تحقيقا لتفريدها.
الحريات
ّ المشرع التونسي بأه ّمية السلطة القضائيّة في ضمان الحقوق وتدعيم
ّ وإيمانا من
الحريات ،وإيالء القضاء الدّور اإليجابي في إرساء
ّ ،وسعيا منه إلى تدعيم الدّيمراطية وضمان
المؤرخ في 3
ّ سسات ،33جاء القانون عدد 51لسنة 2001
العدالة وتكريس دولة القانون والمؤ ّ
ماي 2001والمتعلّق بإلحاق إطارات أعوان ال ّ
سجون واإلصالح بوزارة العدل ،ليدعم الوالية
المشرع من خالل القانون
ّ القضائيّة على مرحلة تنفيذ العقوبات ،وهو نفس التّوجيه الذي دعى
عدد 71لسنة 2000الصادر بتاريخ 31جويلية 2000والمتعلّق بتنقيح وإتمام بعض الفصول
من مجلّة اإلجراءات الجزائيّة إلرساء مؤ ّ
سسة قاضي تنفيذ العقوبات.
يخول قاضي تنفيذ العقوبات صالحيات ها ّمة تم ّكنه من تفريد العقوبة إالّ ّ
أن هذا القانون لم ّ
صة منها التشريع الفرنسي ،وبدت سلطاته
في مرحلة تنفيذها ،على غرار القوانين المقارنة وخا ّ
سسة وذلك بتدعيم صالحياته
المشرع التونسي على تطوير هذه المؤ ّ
ّ محدودة جدّا ،لذلك عمل
بمقتضى القانون عدد 92الصادر في 29 10 2002والمتعلّق بتنقيح وإتمام مجلّة
اإلجراءات الجزائيّة لتدعيم صالحيات قاضي تنفيذ العقوبات.
146
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
االول /إالّ
سجن وخارجه /المبحث ّ
سلطات الها ّمة داخل ال ّ
قد اعترفت لهذا الجهاز بمجموعة من ال ّ
أنّها في المقابل قد قيّدت هذه الصالحيات بجملة من الحدود /المبحث الثاني./
لم يعد المجرم كما في الماضي عبارة على »تمثال« يضع القاضي على ظهره رقم فصل
سجان عليه رقم الغرفة التي أعدّها له ،بل
القانون الجنائي المنطبق على الفعلة ،ثم يضع ال ّ
أصبح إنسانا قبل ك ّل شيء تراعى شخصيّته في تقدير العقوبة مثلما تراعى جسامة الفعلة التي
ارتكبها ،كما تراعى هذه الشخصيّة عند تنفيذ العقوبة ،وذلك لغرض تأهيله وإعادة إدماجه في
للحرية االهتمام
ّ حضيرة المجتمع 34فال ب ّد من إيالء شخصيّة الجاني المحكوم عليه بعقوبة سالبة
الالّزم تحقيقا لتفريد فعلي للعقوبة في مرحلة التنفيذ ،إذ من خاللها يت ّم الوصول إلى تقدير درجة
استعداده لإلصالح ومدى رغبته في االندماج من جديد داخل المجتمع.
فاإلحاطة بشخصيّة الجاني بقدر ما تكون ها ّمة في مرحلة النّطق بالعقوبة ،بقدر ما تحت ّل
مكانة متميّزة في مرحلة التّنفيذ ،إذ على ضوء ما تتطلّبه شخصيّة المحكوم عليه من عناية ،
يضبط قاضي التّنفيذ طريقة معاملته والبرنامج األنجع إلصالحه.
والمشرع التّونسي قد م ّهد لتأهيل المحكوم عليه بتكريسه صلب الفصل 54من م.إ.ج.
ّ
147
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملف الشخصيّة الذي يعدّه حاكم التّحقيق بهدف مساعدة قضاة األصل في تحديد العقوبة في
ّ لفكرة
يتعرض
ّ أن قانون 31جويلية 2000لم صورة ثبوت اإلدانة باعتبار شخصيّة الجاني ،...إالّ ّ
بصفة صريحة لضرورة إحاطة قاضي تنفيذ العقوبات بشخصيّة المحكوم عليه ،ويمكن استنتاج
ذلك بصفة ضمنيّة من خالل ما ورد بالفصل 342ثالثا من م.إ.ج .فقرة 3حيث جاء فيه
»ويتولّى قاضي تنفيذ العقوبات مقابلة المساجين ّ
الراغبين في ذلك أو من يرغب في سماعهم
خاص«.
ّ بمكتب
وفي هذا اإلطار حرصت المؤتمرات الدّوليّة على تحديد سلطات قاضي التّنفيذ سواء داخل
سسة العقابية أو خارجها والّتي ترمي أساسا إلى إضفاء ّ
الطابع اإلنساني أو ما يس ّمى »أنسة المؤ ّ
العقوبة وتفريدها«.
فعمل قاضي التّنفيذ يجب أن ال ينقلب إلى القيام باجراءات شكليّة ومكتبيّة بل الب ّد من أن
يكون منتجا في الواقع ،وهنا تكمن خصوصيّة وحساسيّة مها ّمه وهو ما نالحظه من خالل قانون
سلطات والمهام لقاضي تنفيذ العقوبات ،
األول /الذي منح جملة من ال ّ
31جويلية / 2000الفرع ّ
إالّ أنّه ونظرا لحداثة هذه المؤ ّ
سسة في بالدنا فقد أظهرت بعض النّقائص التي وقع تالفيها من
148
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد اتّسعت صالحيات قاضي التّنفيذ في بعض التّشريعات إلى الح ّد الذي جعلت منه الجهاز
يقرر بمفرده العديد من االجراءات المتعلّقة بمتابعة المحكوم عليه من
األه ّم في مرحلة التّنفيذّ ،
سسة العقابيّة.
حيث تفريد الجزاء ومراقبة تطبيقه واإلشراف على سير المؤ ّ
ومن هنا تبرز خصوصيّة المهام الّتي يضطلع بها قاضي تنفيذ العقوبات والتي ينفرد بها
عن القضاء العادي ،فإذا كان القاضي يجري ال محالة تفريدا سابقا عن مرحلة الجزاء ،إالّ أنّه ال
الزمن إالّ الوقوف على جسامة األفعال والخطورة اإلجرامية
يستطيع في ذلك الحيز البسيط من ّ
للمتّهم ،وال يمكنه بحال معرفة مدى تأثير الجزاء على الفرد ،وال األسلوب المناسب لشخصيّته،
وهنا تبرز أه ّمية التّفريد التنفيذي الذي يمثّل في الحقيقة طريقا للوصول إلى اإلنسان بعيدا عن
النمطيّة والتقسيمات العملية اليسيرة.37
المشرع
ّ وفي هذا االطار وتدعيما للسياسة الجنائيّة الحديثة وتكريسا لحقوق اإلنسان ،قام
التّونسي بإرساء مؤ ّ
سسة قاضي تنفيذ العقوبات بمقتضى قانون 31جويلية ،2000وكان هذا
القانون رياديا في تدعيم التّفريد التّنفيذي وأنسنة العقوبات ،ويبرز ذلك من خالل جملة المها ّم
149
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولبلوغ هذا المقصد يتحتّم اختيار طريقة في تنفيذ العقاب تكون متماشية مع شخصيّة ك ّل
المشرع التّونسي لقاضي
ّ محكوم عليه بحيث يقع مواجهتها بصورة منفردة ،وبناء عليه فقد أوكل
التعرف التّنفيذ مه ّمة مراقبة المحكوم عليهم ومالحظة سلوكهم أثناء التّنفيذ ّ
/أوال /م ّما يمكنه من » ّ
سجين اإلنسان في محاولةصة اإلقتراب من ال ّ سجن وخا ّ
واإلطالع على ظروف عيشهم داخل ال ّ ّ
للتعرف على شخصيّته ومدى قابليّتها واستعدادها للتقويم والتّهذيب« ،38باإلضافة إلى ذلك ّ
فإن ّ
سجناء /ثانيا /وكذلك مها ّم متّصلة بعالقته باإلدارة
قاضي التّنفيذ يقوم بمهام مرتبطة بعالقته مع ال ّ
السجنيّة /ثالثا ،/وكل ذلك تحقيقا للتّفريد التّنفيذي وتحقيقا ألنسنة العقوبات .
150
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومه ّمة ّ
الطبيب المعالج ،هذه المقاربة توضّح بجالء امتداد التّفريد إلى مرحلة تنفيذ العقوبة.39
ومن ّ
الطبيعي أن يفرز ذلك البحث في ال ّ
شخصيّة حالة مختلفة ومتنافرة أحيانا تقتضي من
يوزع مجهوداته وأن ينسق تد ّخالته ،بأن يو ّجهها نحو الشدّة أحيانا ونحو اللّين
قاضي التّنفيذ أن ّ
أحيانا أخرى حسبما تقتضيه شخصيّة ذلك المحكوم عليه بالذّات ومدى قابليّتها لإلصالح
والتّهذيب ،فمه ّمة المراقبة التي يقوم بها قاضي التّنفيذ هي ذات طابع خصوصي ،فهي ال تهدف
إلى التأ ّكد ّ
أن التّنفيذ يجري وفقا لما يقتضيه القانون وال تنصب على مدّة ال ّ
سجن ،بل هي على
خالف ذلك تضمن توفير تفريد تنفيذي للعقوبات.
فقاضي التّنفيذ يعمل جاهدا على إخراج المحكوم عليه من المجموعة التي وضع معها
ليقترب منه كفرد مميّز ومستق ّل ،وذلك بواسطة التّحاور معه في محاولة لفهم شخصيّته وتقدير
مدى مالئمة المعاملة التي تطبّق عليه بالذّات ،وهو ما يساعده أن يكون عضوا صالحا في
سجن مدرسة لتعليم اإلجرام لتح ّل المجتمع ،ويت ّم القضاء ولو بنسبة معيّنة على الفكرة القائلة ّ
بأن ال ّ
محلّها فكرة »ال ّ
سجن مدرسة لإلصالح والتّهذيب وتقويم ال ّ
سلوك«.
نص الفصل 3من القانون عدد 52لسنة 2001 ففي ما يتعلّق بالتّشريع التونسي ،فقد ّ
سجون أنّه »تنقسم ال ّ
سجون إلى ثالثة أصناف : المؤرخ في 14 5 2001والمتعلّق بنظام ال ّ
ّ
-سجون اإليقاف وتأوي األشخاص الموقوفين تحفظيا.
151
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه المعايير تساعد إلى ح ّد ما على حسن تطبيق البرامج العالجيّة وتسهيل عمليّة
التّأهيل ،وهو ما يكسي معايير التّصنيف طابعا إنسانيا ويساعد على تفريد العقوبة ،على أنّه كان
من الممكن األخذ بالتصنيف الذي يفصل بين المحكوم عليهم لمدّة طويلة والمحكوم عليهم لمدّة
قصيرة ،كما أنّه من الممكن مراعاة عامل شخصيّة المحكوم عليه في التّصنيف كما هو ال ّ
شأن
بالنسبة للقانون الفرنسي.
152
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن هذا المنطلق فهل يلعب قاضي تنفيذ العقوبات في تشريعنا دورا في التّصنيف ؟
المؤرخ في 31جويلية
ّ سسة قاضي تنفيذ العقوبات ّ
المنظم لمؤ ّ بالرجوع إلى القانون
ّ
2000نالحظ أنّه ال دخل لقاضي التّنفيذ في تصنيف المساجين وترتيبهم داخل الوحدات
السجنية ،إالّ ّ
أن له دور مراقبة تطبيق ذلك ،إذ من الممكن أن يالحظ قاضي التنفيذ وأثناء مراقبته
لظروف تنفيذ العقوبة وجود شخص محكوم عليه من أجل ارتكاب جريمة إصدار شيك بدون
سجن مع سجين آخر محكوم عليه من أجل ارتكابه لجريمة قتل نفس
رصيد مودع بنفس غرفة ال ّ
بشريّة عمدا ،وفي هذه الحالة فقد م ّكن التّشريع التّونسي للمحكوم عليه أيضا إمكانية رفع األمر
لقاضي التّنفيذ والذي عليه أن يبدي مالحظاته إلدارة ال ّ
سجن وعند اإلقتضاء أن يرفع تقريرا
مضار االختالط بين المحكوم عليهم وإيجاد
ّ لوزير العدل وحقوق اإلنسان ،والغاية من ذلك تفادي
سجين تحقيقا للتّفريد التّنفيذي.
المعاملة األنسب لل ّ
وهذا الخيار للتّشريع التونسي يتقارب مع الخيار الفرنسي ،ذلك أنّه رغم وجود مؤ ّ
سسة
سسة التي يجرى قاضي تطبيق العقوبات الفرنسي إالّ ّ
أن اإلدارة العقابية لها وحدها اختيار المؤ ّ
أن التّشريع الفرنسي قد بدى أكثر دقّة من التّشريع التّونسي بأن أضاف
فيها تنفيذ العقوبة ،على ّ
»معيار شخصيّة المحكوم عليه« وذلك بالفصل 718م.إ.ج.ف .وهو ما يكسي معايير التّصنيف
طابعا إنسانيّا ،تفريديـــا وينـزع عنها طابع العموميّة والتجريد ويساعد قاضي تطبيــق العقوبـــات
على تفريد المعاملة السجنيّة التي ترتكز على معرفة دقيقة بشخصيّة المحكوم عليه.40
153
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن تنفيذ الجزاء يجب أن يهدف إلى تهذيب المحكوم عليه كلّما كان
وما يمكن استنتاجه هو ّ
ذلك ممكنا ،بواسطة تفريد التّنفيذ عن طريق األخذ بأسلوب معاملة مميّز يراعى فيه شخصيّة ك ّل
مسجون ودرجة الخطورة اإلجرامية لديه ،وذلك بهدف إعادة البناء اإلجتماعي ومحاولة تشغيل
المحكوم عليه وتعليمه ،وبالتّالي إعادة إدماجه في حضيرة المجتمع وسلوك ّ
الطريق السليم.
ّ
وإن دور القاضي في المراقبة له األثر اإليجابي على تنفيذ العقاب» ،فالتصاق قاضي تنفيذ
سجين واطالعه علي مشاغله وفهم ّ
الظروف النفسية واإلجتماعيّة وغيرها لدى هذا العقوبات بال ّ
سعي إليجاد الحلول لها ،أو تنبيه المشرفين على اإلدارة السجنية ،يجعل بذلك حاالت
األخير ،وال ّ
سجن وحاالت االنتحار أو اإلضراب عن ّ
الطعام وما عدم االندماج في المجتمع بعد الخروج من ال ّ
التصرفات التي يلجأ إليها المساجين للتّعبير ع ّما يختلج داخلهم تضمح ّل شيئا
ّ إلى ذلك من
فشيئا«.41
ويكون بذلك قاضي التّنفيذ الدّعم المعنوي للمحكوم عليه الذي يلوذ له ويشتكيه همومه
حراسا مكلّفين بضبط ّ
موظفي اإلدارة العقابيّة ،والذين ال يمكنه أن يرى فيهم سوى ّ بعيدا عن
سجن الحقيقي بالنسبة للمحكوم عليه
إن الس ّجان هو ال ّ النّظام والحفاظ على األمن داخل ال ّ
سجن ،بل ّ
سؤال المطروح
Le surveillant est l'image même de la prison .وال ّ
ي قاضي يمكن له أن يقوم بدور قاضي تنفيذ العقوبات ؟ يتمثّل في هل ّ
أن أ ّ
جاء بالفصل 342خامسا من القانون عدد 77لسنة » 2000يقوم بوظيفة قاضي تنفيذ
ويعوض في صورة غيابه أو تعذّر
ّ الرتبة الثّانية
العقوبات لدى المحكمة اإلبتدائيّة قاضي من ّ
مباشرته لوظائفه بأحد قضاة المحكمة يعيّنه رئيسها«.
154
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشرع التّونسي
ّ ومن خالل الفصل المذكور تبرز أه ّمية وظيفة قاضي التّنفيذ ،ذلك ّ
أن
الرتبة الثانية يملك من الخبرة عشر سنوات على األق ّل ،ألنّها مه ّمة ّ
الخطة لقاض من ّ أسند هذه
ح ّساسة ومتميّزة عن مهام بقيّة القضاة.
فقاضي التّنفيذ دوره فعّال ألنسنة أسلوب المعاملة وتفريد العقوبة ،فهو يأخذ بعين االعتبار
حالة المحكوم عليه في مختلف جوانبها القانونيّة والشخصيّة واالجتماعيّة ،ويحدّد قدراته البدنيّة
صة وأنّه يعتبر بمثابة ال ّ
سند المعنوي لمئات والذهنيّة والثقافية ،فمه ّمته إذن صعبة ودقيقة خا ّ
متفرغ لهذا الغرض فقط بل ّ
إن هذه الوظيفة تمارس إلى جانب ّ المساجين ،كما أنّه قاضي غير
سجون وظائفه القضائ ْيّة وهو ما قد يطرح إشكاال تطبيقيّا بالنّسبة للعناية بال ّ
سجناء في بعض ال ّ
الكبرى.
صعيد العملي قد يصعب على قاضي التّنفيذ تحقيق األهداف المرجوة دون
كما أنّه وعلى ال ّ
أن تتوفّر لديه هياكل مساعدة وإطارات فنّية مخت ّ
صة كاألطبّاء وعلماء النّفس والمرشدين
اإلجتماعيين ،وذلك بغاية الكشف عن شخصيّة المحكوم عليه ودرجة الخطورة اإلجرامية لديه
ومدى إمكانيات التّأهيل المتوفّرة في جانبه.
ففي فرنسا مثال يت ّم الكشف عن شخصيّة المحكوم عليه بتوجيهه إلى المركز الوطني
للتّوجيه ،والذي يعرف بمركز Fresnesوفيه يخضع المحكوم عليه للمالحظة الطبيّة
سجين
على ال ّ واالجتماعيّة والنفسيّة لفترة تدوم ثالثة أشهر ،كما يجري المركز المذكور
فحوصات عديدة مثل فحص جسدي عام ،وفحص نفسي وكذلك فحوصات في علم النّفس التّقني
صص لإلرشاد حول التو ّجه المهني المناسب للمسجون من حيث إمكانياته ومؤ ّهالته
والمخ ّ
صة.
الخا ّ
وباإلضافة إلى مه ّمة المراقبةّ ،
فإن قاضي التنفيذ يضطلع بمهام أخرى.
155
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سجنــاء :
ثانيا -مهـا ّم في خصـوص عالقتـه بال ّ
المشرع التونسي صلب قانون 31جويلية 2000المتعلّق بإرساء قاضي تنفيذ ّ نص
ّ لقد
سجن /أ/العقوبات على جملة هذه المها ّم الموكولة بعهدة قاضي التّنفيذ وهي تتمثّل في زيارة ال ّ
ومقابلة المساجين /ب./
سجن :
أ -مه ّمة زيارة ال ّ
يعمل قاضي تنفيذ العقوبات من خالل تد ّخله أثناء مرحلة تنفيذ العقوبة على تكوين إنسان
سلوك الحسن والكسب الحالل ،باعتبار
جديد ينبذ طريق اإلجرام واإلنحراف ،ويسعى نحو ال ّ
المشرع
ّ للحرية الفردية ولتحقيق ذلك م ّكنه
ّ قاضي التّنفيذ يمثّل ركيزة لل ّ
سلم االجتماعي وحاميا
التّونسي من مه ّمة زيارة ال ّ
سجن.
ّ
لإلطالع على أوضاع مرة في ال ّ
شهرين على األق ّل سجن ّ
»يزور قاضي تنفيذ العقوبات ال ّ
المساجين«.
وهذه ّ
الزيارة الميدانية تعتبر ناجعة وها ّمة ألنّها تساعد قاضي التنفيذ على المراقبة
156
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه المالحظة تجعل من قاضي التّنفيذ يحقّق غاية المراقبة وإمكانية ضمان حقوق
سجين وتفريد تنفيذ العقوبة ،ألنّه عن طريق الزيارة التي يقوم بها يمكن له الوقوف على الحالة
ال ّ
سجن لواجباتها تجاه المحكوم عليه ومدى احترامها
سجن ومالحظة مدى احترام إدارة ال ّ
الداخليّة لل ّ
للنّصوص والتّراتيب القانونيّة المنظمة للوحدات السجنيّة ،وعلى أساس تلك المالحظات يمكنه
التّفكير في القرارات التي سيتّخذها لتحقيق األهداف المرجوة.
157
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ي ّ
الحق في إصطحاب أ ّ سجن بمفرده دون أن يكون له فإن قاضي التّنفيذ يزور ال ّ
وبالتالي ّ
شخص معه بعنوان مساعد أو كاتب مثال ،على أنّه ولئن كان قاضي التّنفيذ معفى من الترخيص
سسات ّ
المنظمة للعمل داخل المؤ ّ سجن إالّ أنّه يجب أن يتقيّد بالتّراتيب والقوانين
المسبّق لزيارة ال ّ
سجن.
الجوال داخل ال ّ
العقابية ،فمثال ال يمكن له استعمال الهاتف ّ
سجن ّ
فإن قاضي التنفيذ يقوم بمه ّمة مقابلة المساجين داخل وباإلضافة إلى زيارة ال ّ
الوحدات السجنيّة أو خارجها.
المشرع التونسي قاضي التّنفيذ من خالل الفصل 342ثالثا فقرة ثالثة من
ّ لذلك فقد م ّكن
الراغبين في ذلك أو من يرغب هو في مقابلتهم مباشرة حيث جاء به
صالحية مقابلة المساجين ّ
»ويتولّى قاضي تنفيذ العقوبات مقابلة المساجين ّ
الراغبين في ذلك أو من يرغب في سماعهم
خاص«.
ّ بمكتب
158
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ّ
واطالعه وبالتالي ّ
فإن هذه المقابلة الغاية منها تدعيم مراقبة القاضي لظروف تنفيذ العقوبة
عن قرب على أوضاع المساجين ،كما تم ّكنه من اإللمام بمشاغلهم سواء داخل ال ّ
سجن وذلك
سجن
سسات العقابية ،أو خارج ال ّ ّ
باإلطالع على المعاملة التي يلقونها من قبل المشرفين على المؤ ّ
وذلك بمعرفة عالقتهم بأسرهم ومحيطهم اإلجتماعي.
ومن خالل ذلك تتوفّر لقاضي التّنفيذ معطيات كافية حول الوضع الحقيقي والفعلي
للمحكوم عليهم من حيث الجانب الص ّحي والنفسي وإمكانية رجوعهم للجادّة والتحلّي بال ّ
سلوك
المخولة له قانونا لتفعيل دوره اإلصالحي.
ّ القويم ،إذ ذلك يساعده على اتّخاذ التّدابير
أن مقابلة قاضي التّنفيذ للمحكوم عليهم يمكن أن تكون إ ّما برغبة من القاضي أو
والمالحظ ّ
سجين.
بطلب من ال ّ
159
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سسة ّ
المنظم لمؤ ّ أ ّما بالنّسبة للمقابلة التي أساسها طلب ال ّ
سجين ،فلم تحدّد أحكام القانون
سجين في اإلتّصال بقاضي التّنفيذ مما يبقي ك ّل الوسائل المتاحة
قاضي التنفيذ كيفية تبليغ رغبة ال ّ
مقبولة.
ويمكن بالتالي للمحكوم عليه أن يطلب مقابلة قاضي التنفيذ عن طريق مكتب العمل
سجن ،ويتولّى ممثّل المكتب تضمين اسم ال ّ
سجين ولقبه بالدّفتر المع ّد لذلك مع اإلجتماعي في ال ّ
سجين ذلك عن
وضع بصمة المحكوم عليه بالطرة وكذلك تاريخ تقديم الطلب،و كما يمكن لل ّ
سجن إليصالها إلى قاضي التّنفيذ أو طلب
طريق تقديم رسالة في ظرف مفتوح إلى إدارة ال ّ
المقابلة كذلك بواسطة عائلته.
سجن :
أ -تقرير طبيب ال ّ
سسة السجنية إعالم قاضي تنفيذ العقوبات كتابيا
المشرع التونسي على طبيب المؤ ّ
ّ أوجب
بالحاالت الخطرة التي تطرأ على الحالة الص ّحية لبعض المحكوم عليهم ،كما أوجب في نفس
160
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المؤرخ في 14
ّ األول من القانون عدد 52لسنة 2001
وتدعيما لذلك فقد جاء بالفصل ّ
سجون أنّه : ّ
والمتعلق بنظام ال ّ ماي 2001
والرعاية
ّ بالرعاية الص ّحية والنفسيّة وبالتّكوين والتعليم »يتمتّع ال ّ
سجين على هذا األساس ّ
الروابط العائليّة«.
االجتماعيّة مع العمل على الحفاظ على ّ
161
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سراح الشرطي.
صة إمكانية منح ال ّ
القرار المناسب بشأنه وخا ّ
المشرع التونسي لقاضي تنفيذ
ّ خول وإلى جانب اإل ّ
طالع على التّقارير الطبّية واالجتماعية ّ
ّ
اإلطالع على دفتر التأديب لما له من فائدة في تفعيل دور المراقبة. العقوبات ّ
حق
بّ -
اإلطالع على القرارات التأديبيّة :
سجن يخضعه ألنظمته التي تتميّز من حيث طبيعتها بنوع ّ
إن وجود المحكوم عليه في ال ّ
من الشدّة ،ودقّة التّطبيق حتى يستتبّ النّظام واألمن داخل المؤ ّ
سسة العقابيّةويعتاد المساجين على
الحياة النظاميّة الجادّة ،ولكن هذا ال يمنع المساجين من ارتكاب الكثير من المخالفات مثل تبادل
العنف فيما بينهم ،أو تعاطي مواد مخدّرة ،م ّما يستدعي مؤاخذتهم عن تلك األفعال التي تهدّد
سسة.
المقرر ضمن الئحة هذه المؤ ّ
ّ سجن طبقا للنّظام
استتباب األمن داخل ال ّ
162
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سجين المخالف
سجن االكتفاء بتوجيه إنذار أو توبيخ لل ّ
اإلجراء ألسباب ص ّحية ،ويمكن لمدير ال ّ
للرجوع إلى لجنة التّأديب.
دون حاجة ّ
سجين«.
ويح ّجر تسليط غير ما ذكر من العقوبات على ال ّ
ّ
الحق في العلم سجين عند مساءلته تأديبيا منحه القانون
وإلعطاء الضّمانات الكافية لل ّ
ّ
الحق في االعتراض على اإلجراء ّ
والحق في الدّفاع عن نفسه ،وكذلك بالمخالفة المنسوبة إليه
سجون واإلصالح.
التأديبي لدى اإلدارة العا ّمة لل ّ
ّ
اإلطالع على دفتر التأديب قاضي التنفيذ من مراقبة مدى احترام اآلجال كما يم ّكن
سجين المعاقب. صة بالنّسبة لعقوبة اإليداع بغرفة انفراديّة مع مدى متابعة ّ
الطبيب لل ّ الخا ّ
ومن ناحية أخرى يتسنّى لقاضي التنفيذ من خالل اإلطالع على دفتر التأديب معرفة سلوك
المساجين وفهم شخصيّتهم ،ويمكنه معرفة المساجين الذين نجحوا في تقويم سلوكهم وإرجاعهم
إلى الجادة ،ومن لم يحقّق ذلك ،وهو ما يساعده على اتّخاذ القرار المناسب في شأنهم سواء
سلب أو باإليجاب.
بال ّ
163
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بينما يختلف األمر في بعض األنظمة القضائيّة األخرى أين يتمتّع قاضي التّنفيذ بدور
إيجابي ،ففي بولونيا مثال ال يجوز توقيع أش ّد العقوبات وهو العزلة من شهر إلى ستّة أشهر ،إالّ
تختص محكمة تطبيق العقوبة بتوقيع
ّ بموافقة القاضي العقابي ،وكذلك ال ّ
شأن في ألمانيا حيث
سجين في العزلة
سجن أن يضع ال ّ
عقوبة العزل اإلنفرادي ،وأ ّما في الجزائر فيمكن لمدير ال ّ
االنفرادية على أن يخبر بذلك قاضي تطبيق األحكام الجزائيّة الذي له تغيير اإلجراء أو تأييده.
وبما ّ
أن معظم السياسات العقابية الحديثة قد وضعت في صدارة اهتماماتها هدف إصالح
سسة السجنيّة ،فإنّه يمكن في بعض
سجين ،وتقويم سلوكه ،من خالل تفريد معاملته داخل المؤ ّ
ال ّ
سماح لقاضي تنفيذ العقوبات بإلغاء غض النّظر عن معاقبة ال ّ
سجين المخالف ،أو ال ّ ّ الحاالت
عقاب تأديبي ال يستحقّه ال ّ
سجين إذا ما اقتضت ضرورات اإلصالح ذلك.
باإلضافة إلى ذلك ّ
فإن قاضي تنفيذ العقوبات يقوم بإعالم قاضي األسرة بأوضاع أطفال
السجينات.
164
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتّضح من خالل هذا الفصل أنّه بخالف العديد من البلدان التي ال تتيح لل ّ
سجينات اإلقامة
سجن ّ
إيداعهن ال ّ سسة السجنيةّ ،
فإن القانون التونسي يجيز لأل ّمهات عند ّ
أطفالهن داخل المؤ ّ مع
االحتفاظ باألبناء إلى بلوغ الثالثة من عمرهم ،وتخضع لنفس االجراءات السجينات الالّتي تضعن
المشرع إستغنى عما كان منصوص عليه
ّ صدد ّ
أن ّ
حبسهن ،ونالحظ في هذا ال ّ ّ
حملهن أثناء
بالفصل التّاسع من أمر 4نوفمبر 1988في خصوص إمكانية طلب تمديد المدّة التي يمكن أن
سسة السجنيّة ،حيث جاء بالفصل المذكور » ....ويمكن يبقى بها ّ
الطفل مع والدته داخل المؤ ّ
سجون واإلصالح« .وهذا التجديد جاء بطلب من األ ّم تمديد المدّة بعد موافقة اإلدارة العا ّمة لل ّ
ي اعتبار ،والتي
الطفل التي تجعل من مصلحة الطفل فوق أ ّ انسجاما مع مقتضيات مجلّة حماية ّ
أن هذا ّ
الطفل يعتبر طفال مهدّدا إذا عجز األبوين أو من يسهر على اعتبرت في فصلها العشرين ّ
والتشرد«.45
ّ تعرض ّ
الطفل لإلهمال رعاية ّ
الطفل عن اإلحاطة والتربية ،أو كذلك في صورة » ّ
165
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سن الثالثة لوالده أولشخص تختاره األم ،وعند التعذّر تتولّى إدارة ال ّ
سجن إعالم ّ
الطفل عند بلوغه ّ
المختص ترابيا لإلذن باإلجراء المناسب
ّ قاضي تنفيذ العقوبات الذي يعهد بذلك قاضي األسرة
تجاه الطفل.
سجين
ّأوال :سلطاته بخصوص الوضعيّة اإلجتماعيّة لل ّ
166
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرعاية اإلجتماعيّة
سجون وتحديدا في باب ّ ّ
المنظم لل ّ لذلك فقد ورد بقانون 14ماي 2001
سجين ورعايته أثناء إقامته سجين ضمن الفصول 37وما بعدهّ ،
أن العقوبة تهدف إلى تأهيل ال ّ لل ّ
سجن ،وتعديل اتّجاهاته وميوالته االنحرافية ،واستثمار طاقاته الفكريّة والبدنيّة ،بإعداده للحياة
بال ّ
الحرة ومساعدته على التعلّم بالنسبة لأل ّميين ،وتهذيب سلوكه وإعداده مهنيا ،وتعويده على
ّ
صلة بين التّعاون مع الغير ومتابعة حالته بعد اإلفراج عنه ،هذا باإلضافة إلى ال ّ
سهر على ربط ال ّ
سجين وعائلته ،ومساعدتهم على ح ّل مشاكلهم حفاظا على ّ
الروابط اإلجتماعيّة واألسريّة ، ال ّ
سجن تخصيص مكتب يس ّمى » :مكتب اإلرشاد
المشرع على إدارة ال ّ
ّ ولتحقيق هذا الهدف أوجب
سجين.
بالرعاية اإلجتماعية لل ّ
اإلجتماعي« يهت ّم ّ
أن هذا العمل الذي تقوم به اإلدارة السجنيّة يمثّل ركيزة أساسيّة لتحقيق السلم
والمالحظ ّ
سجين في حظيرة المجتمع والح ّد من خطورته اإلجراميّة ،وفي
االجتماعي ،وتسهيل اندماج ال ّ
المشرع التونسي صلب الفقرة األولى من الفصل 342رابعا من قانون 31
ّ نص
ّ هذا اإلطار
167
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سجن تحيل لقاضي تنفيذ العقوبات تقريرا سنويّا في نشاطها جويلية 2000على ّ
أن »إدارة ال ّ
اإلجتماعي«.
168
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتجدر اإلشارة أنّه يحمل على قاضي تنفيذ العقوبات عند أخذ قرار منح التّرخيص
بالخروج واجب الحيطة والحذر ،ويعني ذلك أنّه يجب عليه أن يدرس مطالب التّصاريح بالخروج
حالة بحالة ،بحسب نوع الجريمة وظروف الخروج مع أخذ الجانب األمني بعين اإلعتبار من
169
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشرع التونسي رغم أنّه قد جعل من إمكانية تمتّع المحكوم عليه برخصة
ّ والمالحظ ّ
أن
خروج لمدّة معيّنة خاضعة الجتهاد قاضي التّنفيذ ،إالّ أنّه اعتبر هذه الزيارات حقّا من حقوق
المؤرخ في 14ماي 2001المتعلّق بنظام
ّ المساجين طبق الفصل 18من القانون عدد 52
كرسه فإنّه لم ّ
الحق ليست مضمونة كما يجب ،فالمشروع ولئن ّ سجون ،غير ّ
أن ممارسة هذا ال ّ
سجين بهذا الحق .ولم
يتعرض لجزاء رفض تمتيع ال ّ
ّ يقر ضمانات ناجحة لممارسته ،فهو لم
يتض ّمن القانون المشارإليه إمكانية ّ
الطعن في قرار رفض منح رخصة الخروج ،وهي ثغرة كبيرة
وأن هناك بعض التّضارب بين القانون المتعلّق بتنظيم ال ّ
سجون الذي صة ّالب ّد من تالفيها ،خا ّ
سجن لزيارة األقارب المرضى ولحضور موكب جنازة حقّا من حقوق جعل ّ
حق الخروج من ال ّ
والرأي
ّ سجين ،وقانون 31جويلية 2000الذي ترك األمر خاضعا لتقدير القاضي،48
ال ّ
170
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باإلضافة إلى هذه المها ّم التي يقوم بها قاضي تنفيذ العقوبات فإنّه يقوم كذلك بمهام أخرى
مرتبطة بعالقته مع اإلدارة السجنيّة.
إن تو ّجه التّشريع التونسي في السنوات األخيرة نحو تدعيم منظومة حقوق اإلنسان في
ّ
اتّجاه مزيد الضّمانات للمساجين ،اقتضى تركيز مؤ ّ
سسة قاضي تنفيذ العقوبات ضمن التشريع
الجزائي في مرحلة أولى ث ّم تدعيمها في مرحلة ثانية.49
وتع ّد مؤ ّ
سسة قاضي تنفيذ العقوبات من أه ّم مكاسب الجهاز القضائي ،فقد جاءت لتطوير
مفهوم العدالة الجزائيّة بإعطاء وجود قانوني وفعلي لقضاء التنفيذ ،وذلك وفقا لما نهجته أغلب
التشريعات المتقدّمة.
والغاية من منح القضاء اإلشراف على تنفيذ العقوبات بعد أن كان دوره يقف عند طور
المشرع في وضع سياسة جنائيّة حديثة مبنية على مواصلة القاضي
ّ إصدار األحكام ،يعود لرغبة
متابعة التنفيذ إلدراك التفريد في مرحلة تنفيذ الجزاء ،وكذلك استبعاد فكرة اإلنتقام والعقاب ،
وتكريس فكرة المعالجة وتوفير حظوظ اإلصالح ،وإعادة االندماج في المجتمع حفاظا على
جميع عناصره وتدعيما لمبادئ التّكافل والتآزر والتّسامح .
المؤرخ في
ّ سسة قاضي تنفيذ العقوبات ،أسند القانون عدد 92لسنة 2002
وتدعيما لمؤ ّ
171
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
29أكتوبر 2002والمتعلّق بتدعيم صالحيات قاضي التّنفيذ ،صالحيات جديدة لها تدعم دورها
وتتمثّل بالخصوص في صالحية متابعة تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة /الفقرة األولى/
سراح الشرطي /الفقرة الثانية./
وكذلك صالحية منح ال ّ
الفقرة األولى :صالحية متابعة تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة
ت ّم إرساء عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة بموجب القانون عدد 89لسنة 1999
المؤرخ في 2أوت 1999والمتعلّق بتنقيح وإتمام بعض أحكام المجلّة الجنائيّة ،تمشيا مع
ّ
السياسة الجنائيّة الحديثة التي تهدف أساسا إلى الح ّد من ظاهرة اإلجرام ،وتمكين المحكوم عليه
من فرصة أكبر لإلصالح والعودة إلى الجادة واإلندماج في المجتمع.
وقد ت ّم إدراج هذه العقوبة ضمن العقوبات األصلية الواردة بالفقرة »أ« من الفصل 5من
المجلّة الجنائيّة ،تطبيقا لمبدأ شرعيّة الجرائم والعقوبات ،وبذلك تصبح عقوبة العمل لفائدة
بنص قانوني ،ويتسنّى للمحاكم اعتمادها وتطبيقها كعقوبة
ّ المقررة
ّ المصلحة العا ّمة من العقوبات
أصلية.50
المشرع صورة ثانية لعقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة ،باعتبارها وسيلة
ّ كما أضاف
المشرع في مرحلة أولى
ّ الستخالص الخطيّة حسب مقتضيات الفصل 343م.إ.ج .وقد أوكل
سجون تحت إشراف
سهر على تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة إلى إدارة ال ّ
مه ّمة ال ّ
النّيابة العموميّة ،ث ّم جاء قانون 29أكتوبر 2002ونقل هذه ال ّ
صالحيات لقاضي تنفيذ العقوبات
حسب أحكام الفصل 336فقرة 2م.إ.ج.
172
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشرع حدّد أجال متّسعا لتنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة وهو
ّ هذا مع العلم ّ
أن
ثمانية عشر شهرا بداية من تاريخ صدور الحكم عمال بمقتضيات الفصل 15ثالثا من المجلّة
المشرع
ّ الجنائيّة ،كما يتعيّن على قاضي تنفيذ العقوبات التثبّت من اختصاصه الترابي ذلك ّ
أن
مقر اإلقامة« كمقتضى مبدئي لعقد االختصاص التّرابي والهدف من ذلك هو الحرص
اعتمد » ّ
على بقاء المحكوم عليه ضمن محيطه األسري.
وعند تع ّهده يبادر قاضي تنفيذ العقوبات إلى إتمام عدّة أعمال حدّدها القانون ومن أه ّمها :
- 1العرض على الفحص الطبّي :
أن قاضي تنفيذ العقوبات يتولّى عرض المحكوم عليه على
اقتضى الفصل 336فقرة ثالثة ّ
وبالرجوع للفصل المذكور
ّ مكرر من المجلّة الجنائيّة ،
ّ الفحص الطبّي وفق أحكام الفصل 18
173
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن الغاية من عرض المحكوم عليه هي القيام بالعمل والتحقّق من سالمته من األمراض
يتّضح ّ
سجن دون سواه .إالّ أنّه
المعدية ،واشترط القانون أن يت ّم فحص المحكوم عليه من طرف طبيب ال ّ
ّ
الشك في وجود اختالل ذهني أو وفي بعض الحاالت التي تتيح ظروفها لقاضي تنفيذ العقوبات
مختص في األمراض
ّ اضطرابات نفسيّة لدى المحكوم عليه .وفي صورة عدم وجود طبيب
فإن قاضي تنفيذ العقوبات يتولّى عرض المحكوم عليه على
سسة السجنية ّ ،
العقلية والنفسيّة بالمؤ ّ
صائي بواسطة تسخير طبّي تحمل نفقته على وزارة العدل وحقوق اإلنسان ،اقتداء بما يت ّم
أخ ّ
العمل به في إطار العمل القضائي وكذلك في مراحل البحث من طرف قاضي التحقيق أو
مأموري الضابطة العدلية.
وإذا ما تأ ّكدت سالمة المحكوم عليه بدنيا وذهنيا وقدرته على العملّ ،
فإن قاضي تنفيذ
العقوبات يتولّى تحديد نوع العمل والمؤ ّ
سسة التي يقع توجيه المحكوم عليه إليها.
174
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سسة التي سيت ّم بها تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة ،اعتمادا على يتولّى تحديد المؤ ّ
القائمة المعدّة تطبيقا ألحكام الفصل 17من المجلّة الجنائيّة والتحقّق من توفير الحماية الكافية بها
ض ّد حوادث ال ّ
شغل والتغطية الص ّحية في حاالت اإلصابة بمرض مهني.
مكرر و 344م.إ.ج.
- 3إعالم المحكوم عليه بمقتضيات الفصلين ّ 336
يجب على قاضي تنفيذ العقوبات استدعاء المحكوم عليه ،وإعالمه شخصيا بمقتضيات
هذين الفصلين.
ويتعلّق الفصل 336مك ّرر م.إ.ج .بتحذير المحكوم عليه من مغبة االمتناع عن العمل أو
التغيّب بدون عذر شرعي ،والتي يترتّب عنها قضاء عقوبة ال ّ
سجن المحكوم بها كاملة دون خصم
.أ ّما الفصل 344م.إ.ج .فهو يتعلّق بتنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة عوضا عن الجبر
سجن.
بال ّ
175
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
176
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشرع لقاضي تنفيذ العقوبات لمجابهة المستجدّات التي قد تحدث أثناء تنفيذ
ّ خول
فقد ّ
عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة صالحية تعليق تنفيذها ،وذلك ألسباب ص ّحية أو عائليّة أو
سجن من أجل جريمة أخرى أو عند قضاء الواجب
مهنية أو عند إيداع المحكوم عليه بال ّ
العسكري.
ويمكن تعليق العقوبة من أجل تفريدها ومالءمتها مع ظروف المحكوم عليه ،بحيث ال يقع
التّنكيل به وتكليفه بما ال يطيق ،م ّما يسمح لعقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة أن تؤدّي الهدف
المرجو منها ،وهو إصالح المحكوم عليه وإعطائه فرصة جديدة لرجوعه إلى الجادّة.
ّ
177
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي نهاية تنفيذ العمل لفائدة المصلحة العا ّمة تسلّم المؤ ّ
سسة التي استفادت منه شهادة
لقاضي تنفيذ العقوبات ،تتض ّمن بصفة دقيقة تاريخ انتهاء العمل يوما وساعة إذ تترتّب على هذه
يحرر شهادة عدّة نتائج قانونيّة كبداية سريان أجل استرداد الحقوق ،وعلى ضوء هذه ال ّ
شهادة ّ ال ّ
قاضي تنفيذ العقوبات تقريرا في مآل التّنفيذ يحيله على وكيل الجمهورية ،عمال بأحكام الفصل
336فقرة رابعة من م.إ.ج .وهو إجراء وجوبي يقتضيه التّعامل البنّاء بين الجهازين القضائيين
ساهرين على حسن التنفيذ وكذلك حسن مسك دفاتر النّيابة العموميّة.
ال ّ
باإلضافة إلى دور قاضي التّنفيذ في متابعة تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة ،فقد
م ّكنه القانون الجديد من صالحية منح ال ّ
سراح الشرطي في حاالت محدّدة ،مع اإلبقاء على سلطة
االقتراح فقط في الحاالت الخارجة عن نظره.
سـراح ال ّ
شرطــي الفقرة الثانية :صالحيـة منـح ال ّ
سراح الشرطي من أه ّم القرارات في مرحلة تنفيذ العقوبات ،وعلى ذلك
يعتبر قرار منح ال ّ
سراح ال ّ
شرطي حتى يكون ذلك المشرع توفّر مقتضيات معيّنة لمنح ال ّ
سجين ال ّ ّ األساس اشترط
سجين مجدّدا داخل المجتمع في نطاق عملية
المشرع الهادفة إلى إدماج ال ّ
ّ القرار متماشيا مع غاية
إصالحه وتأهيله.
المشرع جملة من ال ّ
شروط الشكلية والموضوعيّة لضمان نجاعة قرار منح ّ أقر
هذا وقد ّ
سراح ال ّ
شرطي ،وقد حصر إضافة إلى ذلك نطاق منحه من قبل قاضي تنفيذ العقوبات في الجنح ال ّ
فقط ،على أن يكون العقاب المحكوم به ال يتعدّى الثمانية أشهر ،واضعا آليات معيّنة والتي من
ملف للمقترح
ّ شأنها أن تساعد قاضي تنفيذ العقوبات على أخذ القرار المالئم ،تتمحور في تكوين
األول /تحت عنوان اإلطار القانوني
سنتطرق إليه في /الجزء ّ
ّ سراح الشرطي ،وهو ما
تمتيعه بال ّ
سراح سراح ال ّ
شرطي ،ويُقصد به مجال اختصاص قاضي تنفيذ العقوبات في ميدان ال ّ لمنح ال ّ
178
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سراح ال ّ
شرطي وعلى ذلك األساس أصبحت صالحيات قاضي تنفيذ العقوبات في ميدان ال ّ
إتّخاذ القرار في وضعيات معيّنة مع اإلقتراح في بقيّة الوضعيات.
المشرع مجال تد ّخل قاضي تنفيذ العقوبات ،ووضع آليات شكليّة تتمثّل في تكوين
ّ وقد حدّد
سجن عن
سجين برهن بسيرته داخل ال ّ ملف يتعلّق بالمعنى على ضوء أوراقه يتحقّق من ّ
أن ال ّ ّ
أن سراحه مفيدا للمجتمع ،كما حدّد مجال تد ّخله الحكمي إعتمادا على مدّة
ارتداعه أو ظهر ّ
العقاب ونوع الجريمة ،مع احترام ال ّ
شروط المنصوص عليها بالفصول 353و 354و 355من
م.إ.ج.
179
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الملف باعتبار ّ
أن ك ّل ّ الرأي الغالب هو أن يرفض قاضي تنفيذ العقوبات النّظر في
إن ّّ
يخول له
أن القانون لم ّ سراح الشرطي ،سينجم عنه صعوبة في التّنفيذ ،كما ّ قرار سيتّخذه بمنح ال ّ
أن قاضي التّنفيذ عليه التحقّق من عدم نقلة ال ّ
سجين أو تعهيد زميله بالنظر ،وقد تجدر اإلشارة إلى ّ
تغيير وضعيّته الجزائيّة.53
180
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نص ّ
أن قاضي تنفيذ العقوبات مكرر في فقرته الثانية والذي لم يقع تنقيحه ّ
فالفصل ّ 342
يقترح تمتيع بعض المساجين وفق ال ّ
شروط المنصوص عليها بالفصول 353و 354و 355من
م.إ.ج.
أ ّما الفقرة الثالثة والتي أضيفت بمقتضى القانون عدد 92لسنة 2002فقد م ّكنت قاضي
شرطي ،بخصوص تنفيذ العقوبات من صالحية ثانية تتمثّل في اتّخاذ القرار المانح لل ّ
سراح ال ّ
الوضعيات المتعلّقة بالمساجين المحكوم عليهم في جنح وال تتجاوز مدّة العقوبة الثمانية أشهر،
سراح الشرطي إالّ في اإلطار المذكور المبيّن بالفقرة
فقاضي التنفيذ ال يمكنه بذلك أخذ قرار بال ّ
مكرر من م.إ.ج.
الثالثة من الفصل ّ 347
سراح ال ّ
شرطي ،في وهنا لسائل أن يسأل هل يمكن لقاضي تنفيذ العقوبات أخذ قرار بال ّ
المشرع على ذكر الجنح دون
ّ عقوبة مودع فيها السجين من أجل مخالفة وذلك أمام اقتصار
سع في التّفسير ،وال مجال بذلك
الرأي أنّه في مادّة االجراءات الجزائيّة ال يجوز التو ّ
المخالفات ؟ ّ
أن يمنح قاضي التنفيذ السراح الشرطي في المخالفات ،هذا إضافة إلى ّ
أن أقصى العقاب في
تكون
سجن لمدّة ال تفوق 15يوما ،وهي فترة قصيرة ال يمكن بأيّة حال أن ي ّ المخالفات هو ال ّ
سجين قد رجع إلى ملف يتعلّق بال ّ
سجين ،كما أنّها فترة غير كافية لمعرفة ما إذا كان ال ّ ّ أثناءها
سلوك القويم.
ال ّ
181
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإضافة إلى ذلك يتع ّهد قاضي تنفيذ العقوبات بالنّظر في إمكانية إسناد ال ّ
سراح ال ّ
شرطي،
ي ال ّ
شرعي ،وذلك بحكم سجين نفسه أو أحد أصوله أو فروعه أو القرين أو الول ّ
بناء على طلب ال ّ
سجين ومعرفته له .
سجن اعتمادا على مباشرته يوميا لل ّ
سجين ،أو مدير ال ّ
عالقة القرابة بال ّ
182
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ال ّ
شروط الموضوعيّة /جنحة ،عقاب ال يتجاوز 8أشهر ،مبتدأ ،عائد /ثم العناصر التقديريّة
والمتمثّلة في سلوكه داخل ال ّ
سجن أو ظهور ما يفيد سراحه /حالته الص ّحية والنفسيّة
للملف ،والتي جاءت على سبيل
ّ المشرع وجوب إضافتها
ّ واالجتماعيّة /...والوثائق التي اشترط
سجنالذّكر ال الحصر ويفهم ذلك من عبارة »يتض ّمن أساسا« وهي المذ ّكرة الصادرة عن إدارة ال ّ
مستقرة
ّ والتي تحتوي على االرشادات المتعلّقة بالوضعية الجزائيّة لل ّ
سجين ،والتي يجب أن تكون
صادر ضدّه أصبح باتا وغير قابل ّ
للطعن ،كما أنّه غير موقوف في قضيّة نهائيّا أي ّ
أن الحكم ال ّ
أخرى.
والمذكرة الصادرة عن إدارة السجن الب ّد أن تشمل أيضا سلوك المعني داخل ال ّ
سجن،
سجن التي قضاها أصبحت كافية وعلى ضوئها يتبيّن للقاضي ارتداع المعني حقّاّ ،
وأن فترة ال ّ
ويمكن إعادة إدماجه بالمجتمع ،ولم يبق فائدة بالتّالي من بقائه بال ّ
سجن.
183
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولئن كان رأي وكيل الجمهورية بوصفه ممثّال للهيئة االجتماعية وال ّ
ساهر على تنفيذ
الملف عليه أمر إجرائي
ّ األحكام استشاري وغير ملزم لقاضي تنفيذ العقوباتّ ،
فإن مسألة عرض
يقتضيه القانون.
سراح الشرطي :
- 3الشروط التقديريّة والموضوعيّة ألخذ قرار ال ّ
سراح ال ّ
شرطي هو من أه ّم القرارات في مرحلة التنفيذ ،ولذلك ضبط شك ّ
أن قرار ال ّ ال ّ
شرطي وذلك بضرورة احترام ال ّ
شروط سراح ال ّ
الفصل 342من م.إ.ج .شروطا لمنح ال ّ
المنصوص عليها بالفصلين 353و 354من م.إ.ج.مع استثناء المحكوم عليهم الذين بلغوا الستّين
عاما أو الذين لم يبلغوا ّ
سن العشرين أو إذا كان المحكوم عليه مصاب بسقوط خطير أو مرض
عضال ،وهي استثناءات وردت بالفصل 355من م.إ.ج .فقاضي تنفيذ العقوبات وبعد تأ ّكده من
الملف المتعلّق بالمحكوم به ،في مدى توفّر ال ّ
شروط في شأنه ّ مجال اختصاصه ينظر على ضوء
سجن عن ارتداعه أو إذا ما ظهر سراحه مفيدا
سجين برهن بسيرته داخل ال ّ وهي التحقّق من ّ
أن ال ّ
للمجتمع.55
ملف ضافي
ّ وال يمكن لقاضي تنفيذ العقوبات التحقّق من توفّر ذلك إالّ إذا تح ّ
صل على
متكررة ليساعده ذلك على معرفة شخصيّة
ّ سجن
البيانات عن المحكوم عليه ،وكانت زياراته لل ّ
صور التي تخرج عن سجين ،ويكون تقديره لقرار منحه السراح ال ّ
شرطي أو إقتراحه في ال ّ ال ّ
نظره تتّسم بالواقعيّة.
سراح ويفهم من صياغة الفصل 342من م.إ.ج .أنّه إذا تبيّن عدم جدوى تمتع ال ّ
سجين بال ّ
ال ّ
شرطي فللقاضي رفض المطلب وذلك في نطاق سلطته التقديريّة واجتهاده المبني على أوراق
الرابعة أعاد ما ورد بالفصل
مكرر في فقرته ّ الملف الذي كونه في الغرض ،كما ّ
أن الفصل ّ 342 ّ
184
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرطي للمحكوم عليه إالّ بعد قضاء نصف العقاب 354من م.أ.ج .بأنّه ال يمكن منح ال ّ
سراح ال ّ
يكونه قاضي
الملف الذي ّ
ّ بالنسبة للمبتدئ أو ثلثي العقاب بالنسبة للعائد ،وهنا نعود لنذكر بأه ّمية
التنفيذ والذي سيرشد القاضي عن وضعيّة السجين إن كان عائدا أو مبتدئا.
سجن ّ
فإن هذا األخير يكون سراح الشرطي وخروج المحكوم عليه من ال ّ
وفي صورة منح ال ّ
في فترة تجربة طيلة المدّة المحكوم بها ،والمتبقّية والتي كان من المفروض أن يقضيها بال ّ
سجن،
وهي فترة ال يمكن أن تفوق األربعة أشهر بأيّة حال بالنسبة للمبتدئ وشهرين وعشرة أيام بالنسبة
للعائد.
185
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حق ّ
الطعن في القرار لقد منح القانون عدد 92لسنة 2002لوكيل الجمهوريّة فقط ّ
سراح الشرطي ،بحسب ما يراه من خالل
الصادر عن قاضي تنفيذ العقوبات بخصوص منح ال ّ
سراح الشرطي.
سجين وجدارته بال ّ
تقييمه لمدى مالئمة القرار مع وضع ال ّ
- 2التّنفيـــــذ :
أن وكيل الجمهوريّة ينفّذ القرارات الصادرة عن
مكرر في فقرته ّ 12
جاء بالفصل ّ 342
قاضي تنفيذ العقوبات ،وهو ما يعني أنّه على إثر أخذ القرار المانح لل ّ
سراح ال ّ
شرطي يتولى
قاضي التنفيذ إحالة ذلك القرار على وكيل الجمهوريّة ليتولّى تنفيذه وإحالته على إدارة ال ّ
سجن
النّزيل به المحكوم عليه.
186
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سجن أو ّ
الطعن فيه باالستئناف ،وإذا بيّن يتعلّق بتنفيذ ذلك القرار ،إ ّما بإحالته على إدارة ال ّ
ساهرة على التنفيذ في ّ
الطور االبتدائي فإنّه لم يحدّد تلك الجهة عند صدور قرار القانون الجهة ال ّ
دائرة اإلتّهام بتأييد ال ّ
سراح ال ّ
شرطي.
شرطي أمام سؤال مطروحا حول الجهة التي ستتكفّل بتنفيذ قرار ال ّ
سراح ال ّ وهنا يبقى ال ّ
ف على وكيل الجمهورية لينفّذ القرار الصادر
النص على هذه المسألة ،فهل يحال المل ّ
ّ سكوت
عن قاضي تنفيذ العقوبات والمؤيّد من دائرة االتّهام أم يتع ّهد بذلك الوكيل العام لدى محكمة
االستئناف ؟ وخالصة القول ّ
أن أمر التنفيذ هو من عالئق وكيل الجمهورية فهو الذي يقوم بإحالته
سجن ويسهر على تنفيذه ،وال دخل لقاضي تنفيذ العقوبات في ذلك ،إذ يقف نظره
على إدارة ال ّ
عند ح ّد اتّخاذ القرار.
187
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سراح ال ّ
شرطي أن يقرنه بشروط النص ّ
أن لقاضي تنفيذ العقوبات عند منحه ال ّ ّ ويتّضح من
وهي المنصوص عليها بالفصل 357من م.إ.ج .والمتعلّقة باإلقامة المحروسة أو المراقبة
صة.
سسة عموميّة أو خا ّ
اإلداريّة أو الوضع بمؤ ّ
يء
سلوك الس ّ
شرطي إلى ال ّ سياق ،هل يمكن اعتبار رجوع المتمت ّع بال ّ
سراح ال ّ وفي هذا ال ّ
الذي قد يؤدّي من جديد إلى االنحراف ،أن يعتبر وكيل الجمهوريّة ذلك األمر من قبيل حاالت
التأ ّكد ويأذن بإيقافه وتقديمه لقاضي تنفيذ العقوبات ؟
سراح ال ّ
شرطي من قبل قاضي المشرع ذلك بالفصل المتعلّق ّ
بالرجوع في ال ّ ّ ولئن لم يبرز
188
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تنفيذ العقوبات ،فإنّه يمكن أن نستم ّد األمر من الفصل 358من م.إ.ج .والذي أعطى ال ّ
صالحية
سراح ال ّ
شرطي في حالة ما إذا ظهر ما يد ّل على بالرجوع في ال ّ
لوزير العدل وحقوق اإلنسان ّ
شرطي هي الوقاية من الجريمة ومكافحة سراح ال ّ
سراح ،فالغاية من ال ّ
سوء سيرة المتمتـّع بال ّ
االنحراف باألساس ،فهو عبارة عن قانون وقائي من العود ،وعليه فإنّه يكفي أن يظهر من سلوك
يء ودون لزوم لصدور حكم أن يطلب وكيل الجمهوريّة سلوك الس ّ
المعني ما من شأنه عودته لل ّ
شرطي. 57سراح ال ّ
الرجوع في ال ّ
من قاضي تنفيذ العقوبات ّ
المشرع في ّ
الزمن ،وذلك في المدّة ّ سراح ال ّ
شرطي حدّد نطاقه والمالحظ ّ
أن إلغاء قرار ال ّ
سجن، المتبقّية من الحكم والتي كان من المفروض أن يقضيها المتمتّع بال ّ
سراح الشرطي في ال ّ
سراح يصبح نهائي عند انتهاء مدّة العقاب المحكوم بها. وبذلك ّ
فإن ال ّ
سجن سراح ال ّ
شرطي من آثاره إيداع المعني مجدّدا بال ّ بالرجوع في ال ّ
صادر ّ
والقرار ال ّ
الرجوع بموجب القرار الذي سيصدره قاضي تنفيذ العقوبات في الغرض ،مع مالحظة ّ
أن قرار ّ
شرطي غير قابل ّ
للطعن. سراح ال ّ
الرجوع في ال ّ
أو عدم ّ
سراح الشرطي الب ّد أن يتض ّمن المدّة التي سيقضيها المعني بال ّ
سجن الرجوع في ال ّ
وقرار ّ
وهي إ ّما أن تكون كامل المدّة المتبقّية أو جزء منها حسب ما جاء بالفصل 360من م.إ.ج.
المبحث الثاني :حدود دور قاضي التنفيذ في تفريد العقوبة
سسة قاضي تنفيذ العقوبات في القانون التونسي يع ّد لبنة جديدة في صرح ّ
إن إرساء مؤ ّ
القضاء التونسي ،يعكس تطور نظرة مجتمعنا إلى العقوبة ويبرز هدف الدّولة في إصالح
سجين ودعم حقوقه وضمان حرمته البدنيّة وكرامته.58
ال ّ
189
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشرع اليوم لتدعيم صالحيات قاضي تنفيذ العقوبات بعد سنتين فقط من
ّ وإن لفي تد ّخل
ّ
سسة ،لتأكيد على تفعيل دور القاضي في التنفيذ الجزائي .إالّ ّ
أن المها ّم الموكولة تكريس هذه المؤ ّ
لهذا القاضي مازالت في حاجة لمزيد من البحث ،سواء قصد حل اإلشكاالت التطبيقيّة التي
يطرحها التّشريع الحالي أو قصد توسيع مجال تد ّخله ،وذلك بمزيد تنظيم هذه المؤ ّ
سسة وإقرار
جملة من األحكام التي تعطي القاضي دورا تقريريّا إزاء مراقبة تنفيذ العقوبة كإحداث هياكل
سجين.
مساعدة تسانده وتساعده على كشف شخصيّة ال ّ
أن التفريد التنفيذي ما هو إالّ دعامة للتّفريد القضائي ،وذلك بأن يسمح للتّفريد
والمالحظ ّ
يمس
ّ النّسبي الذي ت ّم في مرحلة المحاكمة أن يصبح تفريدا كامال أثناء التّنفيذ ومثل هذا األمر ال
أقر اإلدانة ،ومن المحتمل أن يكون قاضي الحكم قد أدخل من المضمون األساسي للحكم الّذي ّ
في حسابه عند إصداره للعقوبة ،ما سيجري من تعديالت أثناء مرحلة التّنفيذ بحكم ما ستفرزه
العوامل المستقبلية من تغييرات في شخص الجاني تقتضي تغيير الجزاء .
190
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التشريعات الحديثة نحو تفريد العقوبة في مرحلة تنفيذها ،اقتضى هذا اإلندماج بين ما هو قضائي
وما هو تنفيذي ،األمر الّذي نتجت عنه العديد من اإلشكاالت التي ته ّم االختصاص من ناحية
/الفرع األول /والقرارات المتّخذة من طرف قاضي التنفيذ من ناحية أخرى /الفرع الثاني./
191
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سؤال في هذا اإلطار عن مدى إلزاميّة طلب قاضي التنفيذ لإلدارة العقابية ؟
ويطرح ال ّ
مجرد إقتراح ،وبالتالي يمكن
ّ أن طلب قاضي التّنفيذ هو طلب ملزم أم هو
بمعنى آخر هل ّ
لإلدارة السجنيّة عدم تنفيذه؟
192
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يطلب من« الواردة بالفقرة الرابعة من الفصل 342ثالثا م.إ.ج .بعبارة »أن يأيذن« نالحظ أنّه
جاء في ر ّد وزارة العدل وحقوق اإلنسان على هذا المقترح ما يلي ّ » :
إن استعمال عبارة »أن
يطلب من« تؤ ّكد عالقة التّعاون التي ستقوم بين المؤ ّ
سسة السجنيّة وقاضي تنفيذ العقوبات
سجين ،في حين ّ
أن عبارة أن يأذن الروابط األسريّة لل ّ
ومساهمة هذا األخير في الحفاظ على ّ
المقترحة تقتضي إجرائيّا وجود مطلب مسبّق من جهة معيّنة ،إضافة إلى ّ
أن قاضي تنفيذ
سجون واإلصالح«.60
العقوبات ليست له صالحيات اإلشراف اإلداري على إدارة ال ّ
المشرع الفرنسي بالفصل D116م.إ.ج.ف .فقد وضع الح ّد الفاصل بين اختصاصات
ّ أ ّما
اإلدارة وقاضي تطبيق العقوبات ،بحيث ال يمكنه الحلول مح ّل المدير الجهوي أو مدير المؤ ّ
سسة
سهر على تفريد تنفيذ السجنيّة في ك ّل ما يه ّم تنظيم ال ّ
سجون أو إدارتها ،بل تنحصر مه ّمته في ال ّ
العقوبة ،وذلك بمراقبة ظروف تنفيذها وتحديد أه ّم أساليب المعاملة الجزائيّة.62
ي عالقة تبعية بين قاضي التّنفيذ واإلدارة العقابيّة ،فإنّه
المشرع التونسي أ ّ
ّ ولئن رفض
193
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سعى نحو تكريس مبدأ التّكامل بينهما وذلك بمقتضى ما ورد بالفصل 336فقرة ثانية من قانون
نص على أن »يتولّى
29أكتوبر 2002والمتعلّق بتدعيم صالحيات قاضي تنفيذ العقوبات الذي ّ
قاضي تنفيذ العقوبات التّابع له ّ
مقر إقامة المحكوم عليه بمتابعة تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة
سجون وتحت إشراف النّيابة العموميّة« .
العا ّمة بمساعدة مصالح ال ّ
أن هذا الفصل يؤ ّكد على واجب التّعاون بين الجهازين القضائي واإلداري لتنفيذ
والمالحظ ّ
عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة ،إالّ أنّه ال يخلو من بعض اإلشكاالت التّطبيقيّة ضرورة ّ
أن
المشرع لم يحدّد مدى هذه المساعدة وكيفيّتها.
ّ
194
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
29 10 2002والمتعلّق بتدعيم صالحيات قاضي تنفيذ العقوبات وذلك بإسناد هذا األخير
سراح الشرطي غير ّ
أن اإلشكال مه ّمة مراقبة تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة ومنح ال ّ
المطروح يتمثّل في طبيعة العالقة ّ
الرابطة بين الجهازين ؟
باإلطالع على القانون المتعلّق بتدعيم صالحيات قاضي تنفيذ العقوبات يبدو رأي وكيل
ّ
الجمهوريّة بالنسبة لقاضي التنفيذ تارة استشاريا وتارة ملزما.
فإن قانون 29أكتوبر 2002 فبالنّسبة لمراقبة عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمةّ ،
يشترط الحصول على موافقة وكيل الجمهوريّة قبل أن يتولّى قاضي تنفيذ العقوبات تحديد العمل
الذي سيقوم به المحكوم عليه ومدّته ،وكذلك قبل أن يقوم بتعديل التّدابير المت ّخذة تجاه المحكوم
عليه أو أيضا في صورة تعليق تنفيذ العقوبة ،وعليه ّ
فإن رأي وكيل الجمهوريّة في هذه الحالة
ملزم تجاه قاضي تنفيذ العقوبات أو على األق ّل ّ
فإن هذا األخير مقيّدا بموافقة وكيل الجمهوريّة .
وفي هذا اإلطار قد تفرض بعض القوانين المقارنة على قاضي التّنفيذ وقبل اتّخاذ بعض
القرارات أخذ رأي ممثّل النّيابة العموميّة كما قد تفرض إعالم هذا األخير ببعض القرارات .
المشرع أن يأخذ قاضي تطبيق العقوبات رأي وكيل الجمهوريّة قبل أخذ
ّ فمثال بفرنسا يشترط
قرار تجزئة العقوبة أو تعليقها فصل 720فقرة أولى من م.إ.ج.ف ،ولئن كان هذا اإلجراء
195
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجوبيا فإن رأى وكيل الجمهوريّة غير ملزم بالنسبة لقاضي تطبيق العقوبات ،كما يفرض
المشرع الفرنسي أن يقع إعالم وكيل الجمهوريّة بقرارات قاضي تطبيق العقوبات في ك ّل
ّ
الحاالت التي ال يأخذ فيها هذا األخير رأي لجنة تطبيق العقوبات.64
أ ّما في ما يتعلّق باشتراط موافقة وكيل الجمهوريّة في صورة تعليق العقوبة ،فهي
وأن أسباب التّعليق محدّدة مسبّقا بحيث ال يمكن لقاضي تنفيذ
صة ّاألخرى تبدو غير ضروريّة خا ّ
سع فيها.
العقوبات أن يتو ّ
196
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحق إشكاال تمثّل في صعوبة تحديد طبيعة واحدة للقرارات الصادرة عن
ّ وقد أثار هذا
سسة ،
قاضي التنفيذ تحقيقا لتفريد العقوبة /الفقرة األولى /ويعود ذلك إلى خصوصيّة هذه المؤ ّ
وهو ما نتجت عنه صعوبة أخرى تتعلّق بطرق ّ
الطعن ض ّد قرارات قاضي التّنفيذ /الفقرة الثانية./
ويتمحور هذا الجدل حول ما إذا كانت القرارات التي يتّخذها قاضي تنفيذ العقوبات لها
صبغة قضائيّة أم ذات طبيعة إداريّة ؟
المختص بالنّظر
ّ سبيل لمعرفة الجهاز القضائي
سر ال ّ والمالحظ ّ
أن تحديد طبيعة القرار يي ّ
في النّزاعات التي تثيرها أو تثار بشأنها.
واإلشكال المطروح في هذا اإلطار لم يكن موضع جدل بالنّسبة لبعض التشريعات التي
أسندت لقاضي التّنفيذ اختصاصات معيّنة اعتبرتها إ ّما قضائيّة أو إداريّة ،مثل التّشريع البرتغالي
الذي لم يسند لمحكمة تنفيذ العقوبات غير بعض اإلختصاصات التي إعتبرها قضائيّة ،والتّشريع
خص المحكمة العقابيّة
ّ خص القاضي العقابي بالقرارات ذات الطابع اإلداري ،بينما
ّ البولوني الذي
197
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ّ -2
الطبيعة القضائيّة لقرارات قاضي التّنفيذ :
صادرة عن قاضي التّنفيذ لو اعتبرت إداريّة .لكان الرأي ّ
أن األعمال ال ّ يرى أصحاب هذا ّ
معناه أال يكون هناك سوى المسؤوليّة األدبيّة لمن يقوم بهذا العمل ،حيث ال طرق ّ
للطعن ،وال
رقابة رئاسيّة .ولن يستطيع قاضي التّنفيذ أن يضيف شيئا جديدا إذا لم يكن له سوى الوظائف
سلطة القضائية سوف اإلداريّة .فينبغي لوظائف القاضي أن تتمتّع بال ّ
صفة القضائيّة ولكن هذه ال ّ
صة ال تتقيّد بالشكلية وال حجيّة األحكام.67
تكون من طبيعة خا ّ
على أنّه لم يقع االتّفاق على معيار واحد ،بل تعدّدت المعايير المقترحة ومن أه ّمها معيار
سة بطبيعة العقوبة ،وهو المعيار الذي اعتمدته محكمة التّنـازع الفرنسيّـة منذ
القرارات الما ّ
198
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونظرا لصعوبة تحديد طبيعة قرارات قاضي التّنفيذ ،فقد اعتبرها بعض الفقهاء أنّها
خاص Sui-Generisوليست قرارات قضائيّة وليست كذلك قرارات
ّ قرارات من نوع
إداريّة.69
في ما يتعلّق بقرار منح التّراخيص بالخروج فإنّه يصعب تحديد الطبيعة القانونيّة له ،ذلك
أن مثل هذا القرار ال يتعلّق بطبيعة العقوبة وال يمسها ،وال يمكن بالتّالي إعتباره قرارا قضائيّا،
ّ
كما يصعب اعتبار هذا القرار إداريّا ،ولعل ما يؤيّد ذلك ّ
أن مجلس الدّولة الفرنسي ،وبعد أن
صة بالمعاملة العقابيّة تع ّد قرارات إداريّة تراجع ورفض النّظر في مثل اعتبر ّ
أن القرارات الخا ّ
مؤرخ في 8ديسمبر ./1967لذلك فقد
ّ هذه القرارات لعدم اإلختصاص /مجلس الدّولة قرار
أن قرارات قاضي تطبيق العقوبات في فرنسا والمر ّخصة بالخروج هي
اعتبر ّ Hourcade
قرارات ما قبل قضائيّة .Décisions pré-juridictionnelles 70
199
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرأي األخير ،هو األقرب لتحديد الطبيعة القانونيّة لقرار منح التّرخيص
ويبدو هذا ّ
صة ّ
وأن هذا األخير ينظر فيها من خالل سلطته بالخروج الذي يصدره قاضي تنفيذ العقوبات خا ّ
ينظم أي طريقة ّ
للطعن في مثل هذه القرارات. المشرع لم ّ
ّ التقديريّة ،وباعتبار ّ
أن
المشرع
ّ الرأي هو ّ
أن وبالتالي يص ّح اعتبار هذا القرار قرارا قضائيّا ،ولع ّل ما يؤيّد هذا ّ
كرس من خالل قانون توسيع صالحيات قاضي تنفيذ العقوبات طريقة قضائيّة ّ
للطعن في التونسي ّ
سراح ال ّ
شرطي. قرار منح ال ّ
200
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن خصوصيّة المها ّم التي يضطلع بها قاضي التنفيذ ،والتي ينفرد بها عن القضاء العادي،
وتكمن هذه الخصوصيّة في كون هذه المها ّم تكتسي بعدا إنسانيّا ،اجتماعيّا وتربويا ،يعكس
سسة على تفريد العقوبة أثناء تنفيذها.
حرص هذه المؤ ّ
شق آخر من الفقهاء إلى إمكانية ّ
الطعن في قرارات قاضي التّنفيذ وذلك في المقابل ذهب ّ
حسب نوعيّة وطبيعة القرار الذي يتّخذه.73
بالنّسبة ّ
للطعن أمام المحكمة الجناح ْيّة فقد ّ
نص الفصل 733فقرة أولى من م.إ.ج.ف .على
أنّه يمكن لوكيل الجمهوريّة أن يطعن في القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات
والمتمثّلة في القرارات التالية :
-تعليق تنفيذ العقوبة أو تجزئتها
سجن أو التّمتيع بنظام شبه الحريّة
-الوضع خارج ال ّ
-الترخيص بالخروج
سراح ال ّ
شرطي . -ال ّ
ويمكن لممثّل النيابة العموميّة أن يطعن في بعض القرارات األخرى ناسبا إليها خرق
سراح الشرطي ،ويت ّم تعهيد المحكمة الجناحيّة /التابع لها مكان
الرجوع في ال ّ
القانون ،من ذلك ّ
سجن المحكوم عليه أو مكان إقامته /بموجب عريضة يرفعها وكيل الجمهورية في ظرف 24
ساعة إذا كان حاضرا أي إذا صدر قرار عن لجنة تطبيق العقوبات أو من تاريخ إعالمه في
201
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحاالت األخرى ،ويعلّق هذا الطعن تنفيذ قرارات قاضي تطبيق العقوبات وال تقبل القرارات
صادرة عن المحكمة الجناحيّة ّ
الطعن إال بالتعقيب. ال ّ
ّ
بالطعن أمام دائرة اإلتّهام فإنّه يمكن لوكيل الجمهوريّة أن يطعن في أ ّما في ما يتعلّق
قرارات قاضي تطبيق العقوبات أمام دائرة االتّهام ،كلّما تعلّقت هذه القرارات بمحكوم عليه من
أجل :جريمة قتل قاصر سنّه خمسة عشر سنة والمسبوق أو المصاحب باالعتداء بالفاحشة أو
بممارسة التّعذيب أو بأعمال وحشية ،وكذلك المحكوم عليه من أجل االغتصاب ومختلف
االعتداءات الجنسيّة األخرى.
ّ
بالطعن في فإن التّشريع الفرنسي لم ّ
يقر باختصاص القضاء اإلداري إلى جانب ذلك ّ
أن فقه القضاء قبل مثل هذا ّ
الطعن من ذلك أنّه ّ
أقر مسؤوليّة قرارات قاضي تطبيق العقوبات .إالّ ّ
سجون وأ ّكد اختصاص القضاء اإلداري بالنّظر في التّعويض عن األضرار
المرفق العام لل ّ
النّاجمة عن قرار ات قاضي تطبيق العقوبات مثال ذلك تعويض أرملة سجين قتل بمناسبة خروجه
سجن بعد التّرخيص له من طرف قاضي تطبيق العقوبات .
من ال ّ
فإن ّ
بالطعن وعليه ّ سراح ال ّ
شرطي هو المقصود ويفهم من الفصل المذكور ّ
أن قرار منح ال ّ
202
تفريد العقوبة في المادة الجزائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صة بالنّظر في ّ
الطعن المق ّدم ض ّد قرار قاضي تنفيذ أن دائرة اإلتّهام هي المخت ّ
كما ّ
العقوبات ،والتي يجب أن يتّبعها قاضي التّنفيذ ترابيا بناء على أنّه يزور الوحدات السجنيّة التابعة
لدائرة مرجع نظره.
الطعن فهي وكيل الجمهوريّة وبذلك فقد أقصى صة برفع ّ والمالحظ ّ
أن الجهة المخت ّ
التّشريع التّونسي وكذلك الفرنسي إمكانية ال ّ
طعن المثار من طرف المحكوم عليه ،وقد انتقد عديد
الفقهاء هذا اإلقصاء إذ أنّه يجعل وكيل الجمهوريّة الجهاز الوحيد الضّامن لمصالح المحكوم عليه
وذلك حين يخرق القاضي القانون على حساب هذا األخير.75
المؤرخ
ّ وفي نفس اإلتّجاه وفي قراراتها ال ّ
صادرة في 27أفريل 1994وكذلك قرارها
حق المحكوم عليه في ّ
الطعن في ّ أقرت محكمة التّعقيب الفرنسيّة
في 10أفريل ّ ،1996
صادرة عن قاضي تطبيق العقوبات.76
القرارات ال ّ
203