You are on page 1of 203

‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المقدمــــــــــــة‬

‫‪1‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الـــــــــــــجزء االول‬

‫تفريد العقوبة على مستوى‬

‫التشريع وعند المحاكمة‬

‫‪2‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عندما كان القانون الجنائي يهت ّم بالفعل اإلجرامي دون فاعله وتسليط العقوبة تبعا لجسامة‬
‫الفعل‪ ،‬لم يتحقّق الح ّد من الظاهرة اإلجراميّة مثلما كان مأموال‪ ،‬وإنّما بالعكس تفاقم اإلجرام وأخذ‬
‫الردع العام‬
‫مستمر‪ ،‬لذلك ظهرت نظريّة تفريد العقاب إلى جانب الحفاظ على سياسة ّ‬
‫ّ‬ ‫تطور‬
‫في ّ‬
‫بالتحول من اإلعتداد بالفعل اإلجرامي إلى الفاعل من‬
‫ّ‬ ‫كمحاولة للح ّد من تزايد اإلجرام‪ ،‬وذلك‬
‫خالل إستقراء شخصيّته حتى يتسنّى تسليط العقاب المناسب عليه‪ .‬فاإلنسان ال يولد متّهما‬
‫بالسليقة‪ ،‬وإنّما ّ‬
‫الظروف والمالبسات التي قد تحيط به هي التي قد تجعل منه متّهما ومح ّل مساءلة‬
‫عن أفعال أو أقوال إقترفها أو نسبت إليه‪ ،‬وألجل ذلك واحتراما لذاته البشرية فهو يحتاج للحماية‬
‫القانونيّة حتى ال تداس كرامته‪ ،‬وحتى تتوفّر له ك ّل الضمانات التي من شأنها أن تؤول في نهاية‬
‫المطاف إ ّما لتبرئة ساحته أو إلثبات إدانته وتوقيع العقاب عليه‪.1‬‬

‫فالعقوبة تعتبر الجزاء الذي يفرضه القانون ويحدّده على من يرتكب جريمة من الجرائم‬
‫الواردة به‪ ،‬وهي في مصدرها ألم يح ّل بالمجرم نتيجة ما اقترفت يداه من إثم وما سبّبه للمجتمع‬
‫من إضرار ‪ ،‬كما أنّها تعتبر كر ّد فعل من جانب الهيئة اإلجتماعيّة ض ّد األفعال اإلجرامية‬
‫المرتكبة وح ّد للظاهرة اإلجراميّة ‪،‬‬

‫المشرع اعتمد عدّة مظاهر لتفريد العقوبة‪،‬‬


‫ّ‬ ‫وبتف ّحص التشريع العقابي التونسي نالحظ ّ‬
‫أن‬
‫األول‪-‬‬
‫ويمكن أن نميّز تيسيرا إلدراكها بين سبل تفريد العقاب على مستوى التشريع ‪-‬الفصل ّ‬
‫وعند المحاكمة ‪-‬الفصل الثاني‪.-‬‬

‫‪3‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل األول‬
‫ّفريد على مستوى التشريع‬
‫الت‬

‫المشرع عند‬
‫ّ‬ ‫التّفريد القانوني أو ما اصطلح عليه بالتّفريد التّشريعي هو ذلك الذي يراعيه‬
‫تدرجا في العقوبة‪ ،‬بحسب ظروف الجرائم‬
‫النص الجنائي ّ‬
‫ّ‬ ‫يقررها في‬
‫ما ينشئ في العقوبات التي ّ‬
‫المقررة‬
‫ّ‬ ‫أخف من العقوبة العادية‬
‫ّ‬ ‫نص معيّن عقوبته أش ّد أو‬
‫والجناة‪ ،‬فيفرض على القاضي تطبيق ّ‬
‫لنفس الفعل‪ ،‬إذا وقع في ظروف معيّنة أو من جناة محدّدين‪ ،‬كوجوب تشديد العقوبة إذا وقعت‬
‫الجريمة في ظرف معيّن‪ ،‬أو كوجوب ترك النصوص الجنائيّة العا ّمة‪ ،‬وتطبيق النصوص‬
‫الخاصة باألحداث‪ ،‬إذا وقعت الجريمة من حدث في مراحل العمر التي حدّدها القانون‪.‬‬

‫فإن التّفريد القانوني أو التّشريعي ال يقدم فائدة كبيرة باعتبار ّ‬


‫أن‬ ‫وعلى هذا األساس‪ّ ،‬‬
‫المشرع هو الذي يحدّد بعناية مصادر هذه التقنية وآثارها على المستوى الجزائي‪ ،‬وهو ما ال‬
‫ّ‬
‫يترك للقاضي دورا فعاال‪.‬‬
‫وقد عرف القانون التّونسي آليتين من تقنية التّفريد التّشريعي وتتمثّالن في ظروف التّشديد‬
‫األول‪.-‬‬
‫من جهة ‪-‬المبحث الثاني‪ -‬وفي ظروف التخفيف من جهة ثانية ‪-‬المبحث ّ‬

‫المبحث األول ‪ :‬التّفريد المتّصل بظروف الت ّخفيف‬


‫أسباب تخفيف العقاب هي حاالت يجب فيها على القاضي أو يجوز له أن يحكم من أجل‬
‫المقرر لها في القانون‪ ،‬أو أدني في مقدارها من الح ّد‬
‫ّ‬ ‫أخف في نوعها من العقوبة‬
‫ّ‬ ‫جريمة بعقوبة‬
‫نص عليه القانون‪ .‬وتقوم أسباب التّخفيف عا ّمة على علّة عا ّمة واحدة‪ ،‬وهي تقدير‬
‫األدنى الذي ّ‬
‫يقررها قد تكون أش ّد م ّما ينبغي‪ ،‬ث ّم إنّه ال يكفي لجعلها مالءمة لها‬ ‫المشرع ّ‬
‫أن العقوبة التي ّ‬ ‫ّ‬
‫الهبوط بها إلى حدّها األدنى‪ ،‬ولذلك وضعت القواعد التي تكفل تحقيق هذه المالءمة بتمكين‬
‫القاضي من الهبوط بها دون ذلك الحدّ‪ ،‬فعلّة أسباب التخفيف هي تحقيق المالءمة بين العقوبة‬

‫‪4‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫صة‪.‬‬
‫وظروف حاالت خا ّ‬
‫ويكون تخفيف العقوبة إ ّما تشريعيّا أو قضائيّا‪ ،‬وعلى عكس أسباب تشديد العقوبة التي‬
‫نص‪ ،‬فإنّه يرجع النّظر ألسباب التخفف إلى القاضي وحده ‪-‬الفرع الثاني‪،-‬‬
‫يتعرض إليه ّ‬
‫ّ‬ ‫يجب أن‬
‫المشرع بنفسه في بعض الحاالت بعض أسباب التّخفيف ‪-‬الفرع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ولكن سلطته غير مطلقة فقد حدّد‬
‫األول‪.-‬‬
‫ّ‬

‫األول ‪ :‬أسباب التخفيف التشريعيّة ‪ :‬األعذار القانونيّة‬


‫الفرع ّ‬
‫تعرض القانون الفرنسي إلى األعذار القانونيّة في الفصل ‪ 65‬من المجلّة الجنائيّة‪،‬‬
‫لقد ّ‬
‫نص » "‪ "Pas d'excuse sans texte‬خالفا للقانون‬
‫ّ‬ ‫واعتبر أنّه « ال عذر بدون‬
‫يتعرض إليها‪ ،‬ولكن ليس معنى ذلك أنّه ال مجال لها في تشريعنا‬
‫ّ‬ ‫التّونسي الذي لم يورد ّ‬
‫نص عا ّم‬
‫صة‪ ،‬أي فيما يتعلّق بالجريمة التي‬
‫تتعرض إليها ولكن بصفة خا ّ‬
‫ّ‬ ‫متفرقة‬
‫ّ‬ ‫الجزائي‪ ،‬إذ ّ‬
‫أن نصوصا‬
‫نص عليها الفصل المذكور فقط‪.‬‬
‫ّ‬

‫ويمكن تعريف األعذار القانونيّة بأنّها أسباب ّ‬


‫تعرض إليها القانون تبقى معها الجريمة‬
‫قائمة الذّات ولكن العقوبة في بعض األحيان تضمح ّل‪ ،‬وفي األخرى يقع التّخفيف فيها‪ ،‬ومن هنا‬
‫فرق فقه القانون بين األعذار المعفية من العقوبة واألعذار المخفّفة منها‪.2‬‬
‫فقد ّ‬

‫الفقـرة األولـى ‪ :‬األعـذار المعفيـة من العقوبـة‬


‫نص عليها القانون باعتبارها مانعة‬
‫األعذار القانونيّة المعفية من العقوبة هي األسباب التي ّ‬
‫من العقاب ‪ ،‬وأثر هذه الموانع مقتصر على رفع العقوبة عن المجرم رغم توفّر شروط المسؤوليّة‬
‫الجنائيّة وبقاء الفعل على أصله من التجريم‪.‬‬

‫ولقائل أن يقول أنّه ال يمكن دراسة هذه األعذار مع األسباب المخفّفة من العقاب إذ أنّها ال‬
‫‪5‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تكتفي بتخفيفه ‪ ،‬ولكن وفي حقيقة األمر فإنّه ال تأثير لها على العقوبات التكميليّة‪ ،‬وفي هاته الحالة‬
‫يكون مفعولها تخفيفيّا وال نافيا للعقوبة‪.‬‬
‫وهذه األعذار في القانون التونسي متعدّدة ولها خاصياتها كما أنّها تخضع إلى قواعد‬
‫أوجبها القانون‪.‬‬

‫* النّقطة األولى ‪ :‬تعدّد األعذار‬


‫تتعرض المجلّة الجنائيّة التونسية إلى سبعة أعذار ‪:‬‬
‫صة ّ‬ ‫زيادة على بعض القوانين الخا ّ‬
‫‪ -1‬الفصل ‪ : 80‬يعفى من العقوبات المستوجبة لمرتكبي االعتداءات على أمن الدّولة ك ّل‬
‫عرف أوال قبل كل تنفيذ بالفعل وقبل ابتداء ك ّل المحاكمات اإلدارية والمدنية‬
‫فرد من المجرمين ّ‬
‫بالمؤامرات واإلعتداءات أو أخبر بفاعليها أو مشاركيهم أو تسبّب بعد ابتداء المحاكمات في إلقاء‬
‫القبض عليهم‪.‬‬
‫‪ -2‬الفصل ‪ : 93‬ال عقاب على المرشى أو الواسطة الذي قبل ك ّل محاكمة يخبر من تلقاء‬
‫نفسه باإلرتشاء ويأتي في آن واحد بما يثبت ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬الفصل ‪- : 134‬في خصوص تكوين شركات اإلجرام‪ -‬يقع إعفاء ك ّل من أخبر ال ّ‬
‫سلط‬
‫على الوفاق وذلك قبل ابتداء ك ّل محاكمة‪.‬‬
‫عرف بها قبل‬ ‫ّ‬
‫والزور ‪ :‬يعفى ك ّل من ّ‬ ‫‪ -4‬الفصل ‪ : 192‬في خصوص جرائم التدليس‬
‫إتمامها وقبل المحاكمة ‪.‬‬
‫‪ -5‬الفصل ‪ : 242‬في خصوص شاهد الزور الذي يتراجع في شهادته وذلك قبل حصول‬
‫ضرر للمشهود عليه‪.‬‬
‫‪ -6‬الفصل ‪ 243‬فقرة ثانية ‪ :‬المتعلّق بك ّل شخص في قضيّة مدنية يتع ّمد الشهادة ّ‬
‫بالزور‬
‫ويمينا باطلة ثم يتراجع فيها قبل الحكم في القضيّة ‪.‬‬
‫‪ -7‬الفصل ‪ 234‬فقرة ثانية ‪ :‬المتعلّق باألطبّاء وأهل الخبرة الذين يفشون بأسرار المهنة‬

‫‪6‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫لكن في خصوص إسقاط جنين يرون فيه جناية‪.‬‬

‫صيات األعذار المعفية ‪:‬‬


‫* النقطة الثانية ‪ :‬خا ّ‬
‫تتمثّل هذه الخا ّ‬
‫صيات في اختالف هذه األعذار عن األسباب األخرى المعفية من العقاب‬
‫وعن أسباب التّخفيف منها‪ ،‬فهي تختلف إذن عن أسباب اإلباحة التي من مفعولها إعتبار الجريمة‬
‫مشروعة‪ ،‬إذ أنّه بالنسبة لألعذار المعفية تعتبر الجريمة قائمة الذّات‪ ،‬ولكن لتشجيع مقترفيها على‬
‫إعانة العدالة فإنّه يقع رفع العقوبة‪.‬‬
‫كما أنّه تختلف عن أسباب التّخفيف من العقوبة إذ أنّها تنفي العقوبة وال تخفّف منها فقط ‪.‬‬

‫* النقطة الثالثة ‪ :‬قواعد األعذار القانونيّة ‪:‬‬


‫أن هذه األعذار جاءت على سبيل الحصر وال يمكن أن نعتبر ّ‬
‫أن ك ّل‬ ‫‪ -‬القاعدة األولى هي ّ‬
‫وشاية مثال تعفى من العقوبة‪.‬‬
‫‪ -‬القاعدة الثانية وهي ّ‬
‫أن هذه األعذار جاءت إلعانة العدالة على اكتشاف بعض الجرائم‬
‫الخطيرة‪ ،‬فهي عفو يمنحه القانون في بعض األحيان ويكون هذا العفو في غالب األحيان مطلقا‪،‬‬
‫المشرع أنّه من الممكن تسليط العقوبات التكميليّة على‬
‫ّ‬ ‫إالّ أنّه في خصوص بعض الجرائم يعتبر‬
‫المنتفع بالعفو‪.‬‬
‫فمثال في خصوص الوشاية في شركات الجرائم يعتبر الفصل ‪ 135‬م‪.‬ج‪ .‬أنّه من الممكن‬
‫يتعرض إليها الفصل ‪ 5‬من المجلّة الجنائيّة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تطبيق العقوبات التكميليّة التي‬
‫‪ -‬القاعدة الثالثة وهي ّ‬
‫أن العفو يخضع لشرطين ‪:‬‬
‫* الشرط األول أن تكون الوشاية تلقائيّة وال أن يكون الباعث عليها عطايا أو وعود ‪.‬‬
‫فإن غالب النّصوص التي‬
‫* ثانيا أن تكون صالحة الكتشاف الجريمة أو المجرمين ‪ ،‬ولذا ّ‬
‫تتعرض إلى هذه األعذار تعتبرها معفية‪ ،‬إن وقعت قبل التتبّعات إالّ فيما يتعلّق بجريمة تزوير‬
‫ّ‬

‫‪7‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المشرع العثور على المجرمين اآلخرين الذين لم ينلهم التتبّع‪ ،‬وجريمة شهادة‬
‫ّ‬ ‫العملة‪ ،‬إذ يريد‬
‫يخول للقاضي أن يمنح الحجج للمتقاضين‪.‬‬
‫الزور المدنية إذ ال ّ‬

‫الفقـرة الثانيـة ‪ :‬األعــذار المخفّفــة للعقــاب‬


‫األعذار القانونيّة المخفّفة للعقاب هي الظروف المنصوص عليها في القانون والتي‬
‫أن األعذار المخفّفة ال تغيّر وصف الجريمة‪ ،‬وإن‬
‫الشراح ّ‬
‫ّ‬ ‫تستوجب تخفيف العقوبة‪ ،‬ويرى بعض‬
‫كانت تخفّف من مسؤوليّة المتّهم الشخصيّة وتوجب بالتالي تخفيف عقوبته بحكم القانون‪ ،‬على أنّه‬
‫المـشرع عقوبة‬
‫ّ‬ ‫بأن األعذار القانونيّة المخفّفة تغيّر وصف الجريمة‪ ،‬فإذا ّ‬
‫قرر‬ ‫هناك من يقول ّ‬
‫أن القانون قد نقّص من جسامة‬
‫فإن معنى ذلك ّ‬
‫جناحية معاقب عليها في األصل بعقوبة جنائيّة‪ّ ،‬‬
‫الجريمة في صورتها الجديدة المقترنة بالعذر واعتبرها بجسامة الجنحة‪ ،‬وليس بجسامة الجناية‪،‬‬
‫أن التخفيف الصادر مر ّكز على الجريمة نفسها ال على شخص مرتكبها‬
‫األول إذ ّ‬
‫الرأي ّ‬
‫وير ّجح ّ‬
‫يتعرض إلى نوعين‬
‫ّ‬ ‫وبالرجوع إلى القانون التونسي نراه‬
‫ّ‬ ‫وال عالقة له إذن بوصف الجريمة‪.3‬‬
‫صة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫السن وأعذار أخرى خا ّ‬ ‫من هذه األعذار المخفّفة عذر عام كصغر‬
‫ّ‬
‫السن‬ ‫النقطة األولى ‪ :‬العذر العام ‪ :‬صغر‬
‫تعرض الفصل ‪ 43‬م‪.‬ج‪ .‬إلى هذا العذر العام الذي ينتفع به المتّهمون الذين سنّهم أكثر‬
‫لقد ّ‬
‫من ‪ 13‬سنة وأق ّل من ‪ 18‬سنة‪.‬‬
‫يعوض ذلك العقاب بالسجن‬
‫فإذا كان العقاب المستوجب هو القتل أو السجن بقيّة العمر ّ‬
‫مدّة عشر أعوام ‪.‬‬
‫ّ‬
‫فيحط إلى نصفه على أن ال يتجاوز‬ ‫سجن لمدّة معيّنة‬
‫وإذا كان العقاب المستوجب هو ال ّ‬
‫العقاب المحكوم به ‪ 5‬سنوات‪.‬‬
‫صة‬
‫النقطة الثانية ‪ :‬األعذار الخا ّ‬
‫أن األشخاص الذين يثبتون أنّهم شاركوا في‬
‫نص الفصل ‪ 257‬م‪.‬ج‪ .‬في فقرته الثالثة ّ‬
‫لقد ّ‬
‫بقوة علنية‪ ،-‬بدافع التحريض أو‬
‫تلك االعتداءات‪- ،‬النهب المرتكب من طرف جماعة أو عصابة ّ‬

‫‪8‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫اإلغراء‪ ،‬يمكن أن ال ينالهم إالّ عقاب بعشر سنوات سجن عوض عن السجن بقيّة العمر‪ ،‬كما‬
‫تعرض الفصل ‪ 191‬إلى المغفل الذي يمسك قطعا من السكة المدلّسة ظانّا أنّها عادية ثم يكتشف‬
‫ّ‬
‫عيوبها فيستعملها للتّخفيف من خسارته‪ ،‬ففي هذه الحالة ال يعاقب إالّ بخطيّة قدرها ‪ 6‬مرات قدر‬
‫مجموع القطع التي أرجعها للتّداول بين النّاس في حين ّ‬
‫أن األشخاص الذين يستعملون تلك الرقاع‬
‫المدلّسة يعاقبون عادة بالسجن بقيّة العمر‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬أسبـاب التخفيـف القضائيّـة‬
‫يتعرض الفصل ‪ 53‬م‪.‬ج‪ .‬بفقراته العشرة إلى نظام ظروف التّخفيف ‪ .‬وتبسط الفقرة‬
‫ّ‬
‫األولى مفهوم هذا التخفيـف « إذا اقتضت أحوال الفعل الواقع ألجله التتبّـع ظهور ما يحمل على‬
‫ّ‬
‫يحط‬ ‫تخفيف العقاب‪ ،‬وكان القانون غير مانع من ذلك‪ ،‬فللمجلس مع بيان تلك األحوال بحكمه أن‬
‫العقــاب إلى مـا دون أدناه القانوني بالنّزول به إلى درجة وحتى درجتين في سلّم العقوبات‬
‫األصلية الواردة بالفصل ‪.» 5‬‬
‫النص تتبيّن لنا شروط وآثار ظروف التخفيف‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ومن خالل هذا‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬شـروط ظـروف التخفيـف‬


‫شرع ّ‬
‫فإن الظروف التخفيفيّة هي من‬ ‫يتعرض إليها الم ّ‬
‫ّ‬ ‫على خالف األعذار التخفيفيّة التي‬
‫يقررها بعد التثبّت من نوع األحوال التي تم ّكنه من التّخفيف‪ ،‬ثم‬
‫أنظار الحاكم وحده الذي ّ‬
‫الجريمة التي ستطبّق عليها وأخيرا الشخص الذي سينتفع بها‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬نــوع الظــروف ‪:‬‬


‫ّ‬
‫يرجع النّظر في هذه ّ‬
‫الظروف إلى القاضي وحده سواء كانت سابقة أومزامنة أو الحقة‬
‫للجريمة‪ ،‬وقد أعطى فقه القضاء الفرنسي سلطة مطلقة للقاضي‪ ،‬إذ اعتبر أنّه يمكن للقاضي‬
‫التّخفيف من العقوبة إذا الحظ وأنّه وقع ضرب المتّهم بمركز ال ّ‬
‫شرطة وهذه ظروف تبتعد عن‬
‫يتعرض إلى « أحوال الفعل » ‪-‬‬
‫ّ‬ ‫الجريمة‪ ،4‬إالّ أنّه في القانون التونسي ّ‬
‫فإن الفصل ‪ 53‬م‪.‬ج‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ظروف الفعل‪ -‬فتوبة الجاني مثال ال تعتبر قانونا ظرفا من ظروف التخفيف‪ ،‬كما ّ‬
‫أن الضّرب‬
‫تعرض إليه المتّهم عند إستنطاقه ال يمكن اعتباره ظرفا متعلّقا بالفعل‪ ،‬ولكن وفي التطبيق‬
‫الذي ّ‬
‫يأخذ القاضي بعين االعتبار ندم الجاني ليخفّف من العقوبة دون أن يعلّل قراره بذلك‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الجرائم التي يمكن التّخفيف فيها ‪:‬‬
‫يمكن التخفيف في ك ّل أنواع الجرائم سواء كانت جنايات أو جنح أو مخالفات‪ ،‬ومهما كانت‬
‫طبيعتها سياسية عادية أو عسكريّة‪.‬‬
‫المشرع بنفسه واعتبر أنّه ال‬
‫ّ‬ ‫تعرض إليها‬ ‫ّ‬
‫ولكن الفصل ‪ 53‬م‪.‬ج‪ .‬يستثني الحاالت التي ّ‬
‫يمكن التّخفيف فيها ومثل ذلك الفصل ‪ 411‬من المجلّة التجارية في خصوص التّدليس في‬
‫الشيكات‪.5‬‬
‫يتعرض القانون‬
‫ّ‬ ‫أ ّما في ما يتعلّق بالمجرمين الذين يمكن لهم االنتفاع بظروف التّخفيف فلم‬
‫مرة‪.‬‬
‫ألول ّ‬
‫ي تحديـد فيمكـن أن يكونوا أحداثـا‪ ،‬أو رشداء عائدين‪ ،‬أو ّ‬
‫إلى أ ّ‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬آثار ظـروف التّخفيـف‬


‫* النقطة األولى ‪ :‬آثارها على العقوبة األصلية‬
‫تتعرض الفقرات ‪ 3‬و‪ 4‬و‪ 6‬من الفصل ‪ 53‬م‪.‬ج‪ .‬إلى آثار ظروف‬
‫ّ‬ ‫في حدود الجناية‬
‫التّخفيف وهي ‪:‬‬
‫سجن بما ال يق ّل عن‬
‫‪ -‬إذا كان العقاب المستوجب هو السجن بقيّة العمر فيمكن تعويضه بال ّ‬
‫خمسة أعوام‪.‬‬
‫سجن بما ال‬
‫سجن مدّة عشرة أعوام فما فوق فتعويضه بال ّ‬
‫‪ -‬وإذا كان العقاب المستوجب ال ّ‬
‫يق ّل عن عامين‪.‬‬
‫‪ -‬وإذا كان السجن المستوجب أكثر من خمسة أعوام فال يمكن ّ‬
‫حطه ألق ّل من ‪ 6‬أشهر‪.‬‬

‫يتعرض إلى حالة عقوبة اإلعدام ‪ ،‬فهل يمكن تطبيق ظروف التّخفيف إن‬
‫ّ‬ ‫المشرع ال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ولكن‬

‫‪10‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المشرع في‬
‫ّ‬ ‫تعرض إليه‬
‫كانت الجريمة تستدعي القتل‪ ،‬في هذه الحالة نرجع إلى النظام العام الذي ّ‬
‫الفقرة األولى من الفصل ‪ 53‬أي يمكن للقاضي أن ينزل العقاب إلى درجة وحتى درجتين في سلم‬
‫العقوبات األصلية‪ ،‬معنى ذلك أنّه يمكنه تسليط ال ّ‬
‫سجن لمدّة معيّنة ‪.‬‬

‫تنص على نظام‬


‫ّ‬ ‫أ ّما في ما يتعلّق بالجنح‪ ،‬والمخالفات‪ّ ،‬‬
‫فإن الفقرة السابعة من الفصل ‪53‬‬
‫سجن المستوجب ‪ 5‬أعوام فما دونه فإنّه يمكن النّزول بالعقاب إلى يوم واحد‪،‬‬
‫التخفيف إذا كان ال ّ‬
‫سر أن يتجاوز مقدارها ضعف األقصى المعيّن للجريمة‪.6‬‬
‫بل ويسوغ أيضا تعويضه بخطية ال يتي ّ‬
‫المقرر يمكن أن يكون بالسجن والخطيّة‬
‫ّ‬ ‫يتفرع باختالف الحاالت إذ ّ‬
‫أن العقاب‬ ‫و ّ‬
‫لكن هذا النظام ّ‬
‫سجن وحده‪.‬‬
‫أو بالخطيّة وحدها أو بال ّ‬

‫سجن فقط‪ ،‬وأراد القاضي أن يسلّط خطية‬


‫تعرض النّص إلى عقوبة ال ّ‬
‫وفي صورة ما إذا ّ‬
‫فيطبق الفقرة الثامنة‪ ،‬أي ّ‬
‫أن هذه الخطية تكون بدينار على األقصى بالنسبة للمخالفات و‪500‬‬
‫مليم في مادة الجنح‪.‬‬
‫سجن والخطيّة‪ ،‬يمكن للقاضي تطبيقا للفقرة‬
‫النص إلى عقوبة ال ّ‬
‫ّ‬ ‫تعرض‬
‫وفي صورة ما إذا ّ‬
‫التاسعة إ ّما التخفيف من كليهما أو الحكم بأحدهما فقط‪ ،‬لكن بدون أن يتجاوز مقدار الخطيّة في‬
‫هاته الصورة ضعف األقصى المنصوص عليه للجريمة‪ .‬وأخيرا إذا كان العقاب المستوجب‬
‫قانونا هو العقاب المالي فقط فإنّه يسوغ ّ‬
‫حطه إلى مليم واحد مهما كانت المحكمة الناظرة في‬
‫القضيّة‪.‬‬
‫وتتعرض الفقرة الحادية عشرة من الفصل ‪ 53‬إلى صورة العود‪ ،‬إذ في هاته الحالة تكون‬
‫ّ‬
‫العقوبة على األق ّل ضعف األدنى المستوجب قانونا‪.‬‬
‫* النقطة الثانية ‪ :‬آثار ظروف التخفيف على العقوبات التّكميلية‬
‫العقوبات التّكميلية هي العقوبات التي يمكن للحاكم أن ّ‬
‫يقررها مع العقوبات األصلية ‪،‬‬
‫وبالتالي فبإمكان القاضي أن يتناساها حتى ولو لم يعتبر ظروف التّخفيف ‪ ،‬ومن باب أولى‬

‫‪11‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وأحرى إن اعتبر هذه الظروف‪ ،7‬ولكن وفي بعض الحاالت تكون هذه العقوبات التكميليّة‬
‫وجوبيّة ‪ :‬مثل ذلك الفصل ‪ 135‬م‪.‬ج‪ .‬المتعلّق بشركات اإلجرام ‪ ،‬وفي هاته الحالة واعتبارا‬
‫للمبدأ الذي يريد أن يتبع الفرع األصل يقع إلغاء العقوبة التكميليّة ‪ ،‬إذ ّ‬
‫أن القاضي بتطبيقه‬
‫عوض العقوبة األصلية التي كانت تستوجب تطبيق العقوبة التكميليّة بعقوبة‬ ‫ّ‬
‫للظروف التخفيفيّة سي ّ‬
‫أخرى ال تستوجب هذه األخيرة ‪ ،‬وبذلك تسري آثار الظروف التخفيفيّة على األصل والفرع‪.‬‬

‫تعرض كذلك إلى ظروف‬


‫تعرض القانون لظروف تخفيف العقوبة‪ ،‬فقد ّ‬
‫وباإلضافة إلى ّ‬
‫تشديدها‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬الت ّفريد المتّصل بظروف التشديد‬


‫المشرع من شأنها‬
‫ّ‬ ‫أقرها‬
‫في غياب تعريف تشريعي لظروف التشديد‪ ،‬اعتبرها الفقه أفعاال ّ‬
‫أن تؤدّي إلى الحكم بعقوبة أش ّد من التي كان من الممكن النطق بها في الظروف العادية‪ ،‬كما أنّها‬
‫تعتبر األفعال الموضوعيّة والشخصيّة التي تأثّر على مقدار العقوبة المستوجبة للجريمة وذلك‬
‫المكونة للجريمة تغيير العقوبة‬
‫ّ‬ ‫يتغليظها‪ ،‬فهي إذن ظروف طارئة ينتج عن اقترانها بأحد العناصر‬
‫المحدّدة لها‪.8‬‬
‫فإن التّفريد في اتّجاه التّشديد يتمثّل عادة في الحكم بأقصى العقاب‪ ،‬ذلك أنّه إذا‬
‫وبالتّالي ّ‬
‫توفّر ظرف من الظروف المشدّدة المحدّدة قانونا يكون القاضي مجبرا على تسليط العقوبة األشدّ‪،‬‬
‫دون أن يفقد سلطته التقديريّة في خصوص مدى توفّر ظروف التّشديد من عدمها‪ ،‬في إطار‬
‫سف والمغاالت‬
‫سلطة التقديريّة للقاضي للتع ّ‬
‫المشرع‪ ،‬لكي ال تؤدّى شساعة ال ّ‬
‫ّ‬ ‫أقرها‬
‫الحدود التي ّ‬
‫في تسليط العقاب على الجاني‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار فقد تكفّل الفقه وفي غياب تصنيف تشريعي باإلدالء بجملة من‬
‫التصنيفات‪ ،‬لع ّل أه ّمها والذي يبدو متالءما أكثر مع تشريعنا الوضعي يتمثّل في دراسة ظروف‬
‫للتطرق لظروف التشديد‬
‫ّ‬ ‫األول‪ -‬ثم تخصيص ‪-‬الفرع الثاني‪-‬‬
‫ّ‬ ‫التشديد الشخصيّة ‪-‬الفرع‬

‫‪12‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الموضوعيّة‪.‬‬

‫األول ‪ :‬ظـروف التشديـد الشخصيّـة‬


‫الفرع ّ‬
‫المشرع التّونسي لظروف التشديد الشخصيّة بالمجلّة الجنائيّة‪ ،‬وهي تلك‬
‫ّ‬ ‫تعرض‬
‫لقد ّ‬
‫المتعلّقة بشخص الجاني‪ ،‬أو المجني عليه‪ ،‬أو كالهما‪ ،‬بحيث ال تنصرف آثارها إالّ على من‬
‫تتوافر في شخصه هذه الظروف ‪ ،‬وبالتالي ال يمكن اعتبارها كأساس لتشديد العقوبة على غيره‬
‫م ّمن كانوا شركاء له في الجريمة أو مجني عليهم مثله فيها‪.‬‬
‫أن ظروف التّشديد الشخصيّة يمكن تقسيمها إلى ظروف مشدّدة‬
‫والجدير بالمالحظة ّ‬
‫صد الذي‬
‫صة‪ ،‬وهي التي ينحصر نطاقها في جريمة أو جرائم قليلة كسبق اإلضمار والتر ّ‬
‫خا ّ‬
‫يقتصر على جرائم القتل‪ ،‬الجرح أو الضّرب وغيرها ‪-‬الفقرة األولى‪ ،-‬وكذلك إلى ظروف مشدّدة‬
‫عا ّمة والتي يتّسع نطاقها لجميع الجرائم أو أغلبها‪ ،‬ومثال ذلك العود ‪-‬الفقرة الثانية‪.-‬‬

‫صــة‬
‫الفقـرة األولـى ‪ :‬ظــروف التشديــد الخا ّ‬
‫صة بالكتاب الثاني من المجلّة الجنائيّة‬
‫المشرع التّونسي على الظروف المشدّدة الخا ّ‬
‫ّ‬ ‫نص‬
‫ّ‬
‫في مواضع مختلفة‪ ،‬وهذه الظروف إذا ما أضفناها إلى الجريمة فإنّها تشدّد عقوبتها أو تغيرها‬
‫صة‬
‫كليا إذ تصبح جريمة من نوع آخر‪ ،‬فهي ترتبط بشخصيّة المجرم وتكتسي صبغة خا ّ‬
‫التعرف على‬
‫ّ‬ ‫باعتبارها ال تنطبق إالّ على جرائم معيّنة وفي حاالت خا ّ‬
‫صة‪ ،‬كما أنّها تم ّكن من‬
‫دناءة المجرم ومدى خطورته وتأثير أفعاله على المجتمع‪.‬‬
‫لذلك نستنتج من الفصول القانونيّة المتعلّقة بالظروف الخا ّ‬
‫صة المشدّدة ّ‬
‫أن أسباب التشديد‬
‫الرابطة بين الجاني والضحيّة ‪ /1/‬أو صفة الجاني ‪ /2/‬أو وجود ظرف‬
‫فيها تعود لنوعيّة الصلة ّ‬
‫خاص به ‪/3/‬‬
‫ّ‬ ‫نفسي‬
‫الرابطة بين الجاني والضحيّة ‪:‬‬
‫صلة ّ‬
‫‪ /1‬ال ّ‬
‫يبرز التشديد في هذه الحالــة من خالل عالقة الثقة ‪/‬أ‪ /‬وكذلك عالقـة التبعيّــة ‪/‬ب‪./‬‬

‫‪13‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أ ‪ -‬عالقــــــة الثقـــة ‪:‬‬


‫من الممكن أن يكون الجاني أحد األشخاص الذين يعهد إليهم بموجب الثقة شيئا أو شخصا‬
‫للقيام بحفظه‪ ،‬فيستغ ّل عنصر الثقة هذا ويرتكب جريمته خارقا بذلك رابطة الثقة‪ ،‬فيمثل هذا‬
‫الخرق سببا في تشديد العقوبة‪ ،‬وهذا الظرف المشدّد يقتضي بصورة ّأولية وجود عالقة ثقة سابقة‬
‫الرتكاب الجريمة بين الجاني والضحيّة‪ .‬ومثل هاته الصورة نجدها خصوصا في جريمة كسر‬
‫األختام وكذلك في جر يمة اإلهمال التي يمكن أن يرتكبها شخص عهد إليه بحفظ طفل قاصل أو‬
‫فرد عاجز وأيضا خيانة مؤتمن‪.‬‬
‫سم من خالل فعل‬
‫بالنسبة لكسر األختام ورد بشأنها الفصل ‪ 153‬م‪.‬ج‪ ،‬وهي جريمة تتج ّ‬
‫مادّي مرتكب من طرف حارس لألشياء‪ ،‬خارقا بذلك قرار السلطة اإلدارية أو القضائيّة والتي‬
‫منعت الدّخول لمحالّت أو رفع أشياء منقولة في صورة بحث عدلي أو تقييد مكاسب أو تأمين أو‬
‫ويتكون هذا الفعل المادّي بتع ّمد كسر أو رفع األختام‪ ،‬إذ يكفي وجودها حتى تتحقّق‬
‫ّ‬ ‫عقلة‪،‬‬
‫المقررة بالفصل‬
‫ّ‬ ‫الجريمة وإن لم يلحق أي أذى أو ضرر باألشخاص ‪ ،‬وترتفع بذلك العقوبة‬
‫‪ 153‬من م‪.‬ج‪ .‬من ‪ 3‬سنوات إلى خمس سنوات سجنا‪ ،‬ويجد هذا التشديد في العقوبة أساسه‬
‫وسنده في خرق الحارس لرابطة الثقة التي منح إيّاها وكان مطالبا باحترامها على الوجه األمثل ‪.‬‬

‫أ ّما فيما يتعلّق بجريمة اإلهمال "‪ "l'Abondon‬فيكون الحافظ أو الحارس متع ّهدا بحفظ‬
‫العاجز أو القاصر والقيام بشؤونه ‪ ،‬وقد اقتضى الفصل ‪ 212‬فقرة ‪ 2‬م‪.‬ج‪ّ .‬‬
‫أن العقاب يرتفع من‬
‫السجن بـ‪ 3‬سنوات إلى ‪ 5‬سنوات وخطيّة قدرها ألف فرنك إذا كان المجرم أحد الوالدين أو كان‬
‫انسانا له سلطة على الصغير أو العاجز أو كان مؤتمنا على حراسته‪ .‬كما يمكن أن يقصد‬
‫بالحارس ك ّل من تولّى العناية بهاته الضحيّة ‪/‬أي قاصر أو عاجز‪ /‬بموجب ّ‬
‫حق الحضانة أو من‬
‫ي‪.‬‬
‫له سلطة عليه كالوص ّ‬

‫كما يمكن أن ينتج ظرف التّشديد من عمليّة اإلستالء غير المشروعة التي يرتكبها صنف‬

‫‪14‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫صة بالضحيّة ‪ ،‬وتتعلّق هاته ال ّ‬


‫صورة بجريمة‬ ‫من األشخاص الذين تربطهم عالقة وطيدة وخا ّ‬
‫خيانة مؤتمن التي يقع فيها خرق واجب الثّقة من طرف الوكيـل أو المستخـدم أو الخـادم أو أجير‬
‫يومه لصاحب الشيء المختلس أو وليا أو وصيا أو ناظرا أو مقدما أو مؤتمنا أو مديرا عدليا أو‬
‫مديرا لوقف أو مستخدما به‪.‬‬

‫تتحول عملية‬
‫ّ‬ ‫ويرتفع العقاب في هاته الصورة من ثالث سنوات إلى عشر سنوات أي‬
‫مجرد جنحة إلى جناية وفق ما اقتضى ذلك الفصل ‪ 297‬من م‪.‬ج‪ .‬ويضيف الفصل‬
‫ّ‬ ‫االستيالء من‬
‫‪ 156‬من م‪.‬ج‪ .‬صنفا آخر من األشخاص الذين إذا ما ارتكبوا جريمة الخيانة تشدّد العقوبة في‬
‫شأنهم وهم المؤتمنون ذاتهم حيث ترفع العقوبة إلى ‪ 12‬عاما‪.‬‬
‫التطور الذي شهده القانون الفرنسي‪ ،‬فيما يتعلّق‬
‫ّ‬ ‫ما يجب مالحظته في هذا اإلطار هو‬
‫باألصناف من األشخاص المعنيين بالتشديد في جريمة خيانة مؤتمن‪ ،‬حيث حدّد قانون ‪1960‬‬
‫هاته األصناف وهم أساسا ‪ :‬الموظفين العموميين والوزاريين واألشخاص الذين يقومون بعرض‬
‫عمومي إليداع القيم أو األموال أو لرهنها والوسطاء في البورصة‪.‬‬
‫المشرع يحاول أن يحمي عالقة الثقة التي يمكن أن يستغلّها‬
‫ّ‬ ‫ويستنتج م ّما سبق ذكره‪ّ ،‬‬
‫أن‬
‫المشرع بعقاب أش ّد إالّ ّ‬
‫أن ذلك ال يقتصر على هذه العالقة فقط‬ ‫ّ‬ ‫الجاني للقيام بجرمة‪ ،‬لذي أفرده‬
‫بل يتعدّاها إلى عالقة التبعيّة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬عالقــــة التبعيّــة ‪:‬‬


‫المشرع التونسي العقوبة عندما تتوفّر عالقة التبعيّة بين الجاني والمجني عليه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يشدّد‬
‫ويترك أمر تحديدها بين ح ّد أدنى وأقصى إلى القاضي‪ ،‬الذي يراعي في ذلك مبدأ التفريد‪ ،‬ليجعل‬
‫العقوبة مالئمة مع ظروف المجرم الشخصيّة وحالته عند ارتكاب الجريمـة وبعد ارتكابها‪،‬‬
‫سم من خالل عالقة القرابة ‪ /1/‬وعالقة السلطة ‪./2/‬‬
‫وعالقة التبعيّة تتج ّ‬

‫‪15‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ /1‬عالقــة القرابـة ‪:‬‬


‫تمثّل عالقة القرابة ظرف تشديد في الجرائم المتعلّقة بإهمال طفل والتمعّش من الخناء‬
‫وكذلك جرائم االعتداء بالعنف‪.‬‬
‫نص الفصل ‪ 212‬فقرة ثانية على عقوبة تقدّر‬
‫ّ‬ ‫في ما يتعلّق بجريمة إهمال طفل‪ ،‬فقد‬
‫بخمس سنوات سجن وبخطيّة قدرها ‪ 200‬دينار في صورة إهمال الطفل من طرف وليّه‪،‬‬
‫وتضاعف العقوبة وفق ما اقتضته الفقرة ‪ 3‬من ذات الفصل إذا ترك الطفل أو هجر في مكان‬
‫غير آهل بالسكان‪ ،‬كما ترفّع العقوبة لتصل إلى إثني عشر عاما إذا نتج عن اإلهمال بقاء الطفل‬
‫مبتور األعضاء أو مكسورها أو إذا أصيب بعاهة بدنيّة أو عقلية‪ ،‬ويكون العقاب بالسجن مدى‬
‫نص عليه الفصل ‪ 213‬من م‪.‬ج‪.‬‬
‫الحياة إذا نتج عن ذلك الموت وفق ما ّ‬

‫فقه القضاء من جهته اعتبر إهماال‪ ،‬ترك الطفل من طرف األ ّم لدى شخص آخر مع‬
‫مؤرخ في ‪ 15‬ديسمبر ‪.1965‬‬
‫بالرجوع‪ ،‬لكن دون أن تفعل ذلك قرار تعقيبي ّ‬
‫إعالمه ّ‬
‫تصرفهم ذاك‬
‫ّ‬ ‫فهؤالء األشخاص يعتبرون مجرمين وتقوم في شأنهم المساءلة الجزائيّة ّ‬
‫ألن‬
‫أي التّرك والهجر كان بقصد اإلخالل بالواجب المحمول عليهم‪.‬‬

‫أ ّما بخصوص جريمة التمعش من الخناء‪ ،‬الوارد ذكرها بالفصل ‪ 232‬من م‪.‬ج‪ .‬والتي‬
‫يشدّد فيها العقاب وفق الفصل ‪ 233‬وتحديدا الصورة الرابعة من ثالثة سنوات سجن إلى خمسة‬
‫أعوام ومن خمسمائة إلى ألف دينار خطيّة‪ ،‬إذا كان مرتكب الجريمة أحد أسالف الضحيّة أو‬
‫زوجا أو وليّا له‪ ،‬وموجب التّشديد في هذا اإلطار هو ّ‬
‫أن الجاني إستغ ّل عالقته بالمجني عليه‬
‫ليدفعه إلى تعاطي الخناء والتمعّش من نشاطه‪.‬‬

‫ينجر عنه قطع‬


‫ّ‬ ‫كما تشدّد العقوبة في إطار جرائم العنف أو أعمال العنف اإلرادي الّذي‬
‫عضو من البدن أو جزء منه أو إنعدام النفع به أو تشويه بالوجه أو سقوط‪ ،‬فيرتفع العقاب وفق ما‬

‫‪16‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫اقتضاه الفصل ‪ 219‬فقرة ‪ 3‬م‪.‬ج‪ .‬من خمسة أعوام إلى إثنى عشر عاما إذا كان المعتدى عليه‬
‫خلفا للمعتدي‪.‬‬

‫سقوط‬
‫يقر تشديد العقوبة مهما كانت نسبة ال ّ‬
‫المشرع التونسي ّ‬
‫ّ‬ ‫وما يالحظ هنا‪ ،‬هو ّ‬
‫أن‬
‫المنجرة عن هاته اإلعتداءات‪ ،‬ومن ناحية أخرى يختلف عن نظيره الفرنسي الذي ال يعتبر عالقة‬
‫ّ‬
‫مجرد ركن في الجريمة‪.9‬‬
‫ّ‬ ‫القرابة ظرف تشديد وإنّما فقط‬
‫فإن العقوبة تشدّد أيضا عندما تتوفّر عالقة السلطة بين الجاني‬
‫إلى جانب عالقة القرابة ّ‬
‫والمجني عليه‪.‬‬
‫سلطــة ‪:‬‬
‫‪ /2‬عالقـــة ال ّ‬
‫أن الشخص الذي له سلطة على المجني عليه يرتكب جريمته بسهولة‪ّ ،‬‬
‫ألن هذا‬ ‫يقصد بذلك ّ‬
‫سلطة فإنّه‬
‫األخير ال يخشى منه بل يعتبره مصدر حماية وأمان‪ ،‬فإذا صدر االعتداء من ذي ال ّ‬
‫ّ‬
‫يستحق لذلك أقصى العقوبة‪.‬‬
‫ينص على أنّه »يعاقب‬
‫ّ‬ ‫وتبرز عالقة السلطة من خالل أحكام الفصل ‪ 301‬من م‪.‬ج‪ ،‬الذي‬
‫سجن مدّة ثالثة أعوام وبخطيّة قدرها فرنكات ‪ 5000‬ك ّل من انتهز فرصة قلّة تجربة شخص‬
‫بال ّ‬
‫التصرف في أمواله‪ ،‬واستغ ّل طيش أو حاجيات ذلك الشخص فحمله على اإلمضاء‬
‫ّ‬ ‫ليس له ّ‬
‫حق‬
‫صكوك المقيّدة ألمالكه ويرفع العقاب لخمسة أعوام سجنا‬
‫على رقعة ماليّة أو غيرها من ال ّ‬
‫ولفرنكات ‪ 10000‬خطيّة إذا كان المعتدى عليه موضوعا تحت رقابة أو سلطة المعتدي«‪.‬‬
‫مكرر‬
‫ّ‬ ‫المشرع التونسي العقاب على جرائم المواقعة موضوع الفصول ‪227‬‬
‫ّ‬ ‫كما شدّد‬
‫وأقر أن يكون العقاب ضعف المقدارالمستوجب‪ ،‬إذا كان الفاعلون للجرائم‬
‫ّ‬ ‫مكرر‪،‬‬
‫و‪ 228‬و‪ّ 228‬‬
‫ي طبقة أو كانت لهم سلطة عليه أو‬
‫المشار إليها بالفصول المتقدّمة من أصول المجني عليه‪ ،‬من أ ّ‬
‫كان معلميه أو خدمته أو أطباءه أو جراحيه أو أطباء لألسنان أو كان االعتداء بإعانة عدّة‬
‫أشخاص‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وفي هذا اإلطار الب ّد من التفرقة بين ال ّ‬


‫سلطة القانونيّة والفعلية ‪ ،‬فإذا كانت السلطة قانونية‪،‬‬
‫تتفرع عنها هذه السلطة‪ ،‬وعندئذ تقوم قرينة غير قابلة للدّحض على ّ‬
‫أن‬ ‫فيكفي إثبات الصفة التي ّ‬
‫سلطة‬
‫صاحب هذه الصفة له سلطة على المجني عليه وهو ما يكفي لتشديد العقوبة‪ ،‬أ ّما إذا كانت ال ّ‬
‫سلطة‪ ،‬وتع ّد هذه الظروف قرينة‬
‫فعلية فيجب إثبات مجموعة الظروف التي يستخلص منها هذه ال ّ‬
‫قابلة إلثبات العكس‪ ،‬ويجب لتشديد العقوبة أن يثبت الحكم توافر الظروف الواقعيّة التي تستخلص‬
‫منها هذه السلطة‪.10‬‬
‫ويمكن القول ّ‬
‫أن عالقة السلطة يمكن أن تشمل رجل الدّين والموظف‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه‬
‫المشرع التونسي‪ ،‬من خالل الفصل ‪ 233‬م‪.‬ج‪ .‬الذي شدّد في عقوبة من‬
‫ّ‬ ‫الفقه الفرنسي‪ ،‬وكذلك‬
‫سط في الخناء إذا كان الجاني من أرباب الشعائر وهو ما يشمل رجل الدّين‪.‬‬
‫يتو ّ‬
‫صلة الرابطة بين الجاني والضحيّة ليست المعيار الوحيد المعتمد من قبل‬ ‫والمالحظ ّ‬
‫أن ال ّ‬
‫المجرم‪ ،‬بل قد تكون صفة الجاني أساسا لتسليط العقوبة‬
‫ّ‬ ‫المشرع لتقدير العقوبة المالئمة للفعل‬
‫ّ‬
‫األش ّد عليه‪.‬‬
‫‪ /2‬صفـــة الجانـــي ‪:‬‬
‫تقتضي بعض المهن والوظائف أن يلتزم من ينتمي إليها سلوكا معيّنا ينبني غالبا على‬
‫سلوك وارتكب أفعاال من شأنها أن‬
‫عنصر الثقة والشرف ‪/‬شرف المهنة‪ ،/‬فإذا ما تعدّى هذا ال ّ‬
‫فإن ذلك يمثّل ظرفا لتشديد العقوبة‪.‬‬
‫تمس الضحيّة أو الوظيف ّ‬
‫ّ‬

‫ينص الفصل ‪ 263‬فقرة ‪ 2‬على ّ‬


‫أن السرقة الواقعة من أصحاب‬ ‫ّ‬ ‫بالنسبة لبعض المهن‪،‬‬
‫سكنى أو أصحاب المقاهي أو المحالّت المفتوحة للعموم‪،‬‬
‫الخانات أو الفنادق أو المحالّت المعدّة لل ّ‬
‫يعاقب مرتكبها بعشر سنوات سجن ونفس العقوبة تسلط على ‪:‬‬
‫‪ - 1‬مرتكب السرقة الواقعة من المستخدم أو الخادم لمخدومه أو لسيّده أو إلنسان موجود‬
‫بدار مخدومه أو سيّده‪.‬‬
‫‪ - 2‬مرتكب السرقة الذي يخدم عادة بالمسكن الّذي وقعت به السرقة‪ ،‬ويبقى تقدير‬

‫‪18‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫»العادة« خاضعا لسلطة قضاة الموضوع‪ ،‬أ ّما مكان ارتكاب السرقة فيكون إ ّما مكان السكنى أو‬
‫مكان العمل‪.‬‬

‫أ ّما بخصوص الموظف العمومي أو من شابهه‪ ،‬فيجب تحديد مفهومه الذي يختلف في‬
‫ّ‬
‫فالموظف العمومي حسب التعريف اإلداري‬ ‫القانون اإلداري عن مفهومه في القانون الجنائي ‪،‬‬
‫هو صنف من أصناف أعوان الوظيفة العموميّة‪ ،‬فحسب قانون ‪ّ 1983‬‬
‫فإن هؤالء األعوان‬
‫ينقسمون إلى موظفين وعملة وأعوان وقتيين وأعوان متعاقدين‪.11‬‬

‫وفيما يتعلّق بالتّعريف الجزائي‪ ،‬فقد ورد في الفصل ‪ 82‬م‪.‬ج‪ .‬بعد تنقيحه أنّه « يعتبر‬
‫ّ‬
‫موظفا عموميا تنطبق عليه أحكام هذا القانون ك ّل شخص تعهد إليه صالحيات السلطة العموميّة‬
‫أو يعمل لدى مصلحة أوجماعة محلّية أو ديوان أو مؤسسة عموميّة أو منشأة عموميّة أو غيرها‬
‫من الذوات التي تساهم في تسيير مرفق عام‪ ،‬ويشبه بالموظف ك ّل من له صفة المأمور العمومي‬
‫ومن انتخب لنيابة مصلحة عموميّة أو من تنوبه العدالة للقيام بمأموريّة قضائيّة »‪.‬‬
‫والموظف العمومي يمكن أن يرتكب عدّة جرائم منها جريمة التدليس والرشوة وجرائم‬
‫تجاوز السلطة‪.‬‬
‫أن التّدليس‬
‫بالنّسبة لجريمة التدليس فقد اقتضت الفصول ‪ 172‬و‪ 173‬و‪ 174‬من م‪.‬ج‪ّ .‬‬
‫تغيير في الحقيقة بإحدى الوسائل المنصوص عليها قانونا وعن سوء نيّة ومن شأنه إحداث ضرر‬
‫سجن مدى الحياة وخطية قدرها ألف‬
‫خاص‪ /‬بالغير‪ ،‬وتكون عقوبته طبق الفصل ‪ 172‬ال ّ‬
‫ّ‬ ‫‪/‬عام أو‬
‫دينار ‪ ،‬ونشير هنا إلى التفرقة بين صنفين من التّدليس‪: 12‬‬
‫* التّدليس المادي ‪ :‬ويتمثّل في صنع ك ّل أو بعض كتب أو عقد مكذوب أو تغيير أو تبديل‬
‫ي وسيلة كانت سواء كان ذلك بوضع عالمة طابع مدلّس به أو إمضاء مدلّس أو‬
‫أصل كتب بأ ّ‬
‫كان بال ّ‬
‫شهادة زورا بمعرفة األشخاص وحالتهم‪.‬‬
‫* التّدليس الذهني ‪ :‬ويتمثّل عند تحرير العقود في قلب مادتها‪ ،‬أو موضوعها‪ ،‬وذلك بكتابة‬

‫‪19‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫اتفاقات غير التي ذكرها أو أمالها الجانبان أو بأن يذكر أمورا باطلة بصفة كونها صحيحة‪ ،‬وأنّها‬
‫وقعت لدى الموظف أو العدل أو أمورا معترفا بها والحال أنّه لم يقع االعتراف بها‪ ،‬أو يتع ّمد‬
‫العدل أو الموظف عدم كتابة ما تلقاه من التّصريحات‪.‬‬

‫ّ‬
‫الموظف‬ ‫تطرق الفصل ‪ 83‬جديد إلى جريمة إرتشاء‬
‫ّ‬ ‫الرشوة فقد‬
‫أ ّما بخصوص جريمة ّ‬
‫العمومي وشبهه‪ ،‬أي قبول الرشوة قبل مباشرة العمل المطلوب أو أثناءه وإتمام ذلك العمل وهو‬
‫للرشوة‪ ،‬ويعاقب مرتكب هذه الجريمة بعشرة أعوام وبخطيّة قدرها ضعف قيمة األشياء‬
‫قابض ّ‬
‫التي قبلها أو ما ت ّم الوعد به‪ ،‬على أن ال تق ّل الخطيّة عن عشرة آالف دينار‪ .‬كما يمكن أن تقضي‬
‫المحكمة بنفس الحكم بحرمان المحكوم عليه من مباشرة الوظائف العموميّة ومن تسيير المرافق‬
‫العموميّة ونيابة المصالح العموميّة‪ ،‬ويرفع هذا العقاب إلى ضعفه‪ ،‬وذلك في صورة ما إذا‬
‫ّ‬
‫الموظف العمومي‪ ،‬سواء كان ذلك‬ ‫الرشوة بسعي من ال ّ‬
‫شخص الذي انسحبت عليه صفة‬ ‫حصلت ّ‬
‫بسعي قبل قيامه بالعمل المطلوب أو بعده أو عند االمتناع عن انجاز أمر كان من الواجب القيام‬
‫به‪.13‬‬
‫هذه ّ‬
‫الظروف المشدّدة لجريمة الرشوة تطبق على فاعلها عندما يتوفّر ركن العلم ‪ ،‬أ ّما إذا‬
‫ّ‬
‫الموظف العمومي أو شبهه غير عالم عند قيامه بعمله أنّه ستقدّم له رشوة‪ ،‬أي أنّه قام بعمله‬ ‫كان‬
‫فإن العقاب المستوجب يكون خمسة‬ ‫مجردا عن ك ّل غرض إالّ أنّه قبل ّ‬
‫الرشوة بعد اتمام العمل‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫أعوام سجن وبخطيّة قدرها خمسة آالف دينار‪.‬‬
‫المشرع التونسي قد رفع العقاب إلى عشرين عاما‪ ،‬عندما يكون المرتشي‬
‫ّ‬ ‫والمالحظ ّ‬
‫أن‬
‫سجن بقيّة العمر سواء‬
‫قاضيا‪ ،‬وذلك بمناسبة الحكم في جريمة تقتضي عقاب مرتكبها بالقتل أو بال ّ‬
‫لمضرته‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الرشوة لمصلحة المتّهم أو‬
‫كان أخذ ّ‬

‫سلطة وعدم القيام‬‫المشرع التونسي « بجرائم تجاوز ح ّد ال ّ‬


‫ّ‬ ‫إلى جانب ذلك فقد اهت ّم‬
‫ّ‬
‫الموظف العمومي لحدود سلطته بارتكابه لجرائم‬ ‫بواجبات وظيفة عموميّة »‪ ،‬ويظهر تجاوز‬

‫‪20‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الناس حال مباشرة‬


‫ّ‬ ‫االعتداء على أفراد الناس‪ ،‬وتتّخذ هذه الجرائم صورة التعدّي بالعنف على‬
‫المشرع عقاب جريمة‬
‫ّ‬ ‫نص عليه الفصل ‪ 101‬م‪.‬ج‪ .‬وقد شدّد‬
‫ّ‬ ‫الوظيفة أو بمناسبتها وهو ما‬
‫الفصل المذكور وذلك بتسليطه عقوبة بدنية تصل إلى خمس أعوام سجن وخطية قدرها خمسمائة‬
‫فرنك ‪ ،‬فبالنّظر للفصل ‪ 218‬نجد ّ‬
‫أن عقوبة العنف المرتكبة من عا ّمة الناس تقدّر بعام سجنا‬
‫وسمو هياكلها عن‬
‫ّ‬ ‫وبخطية قدرها ألف دينار‪ ،‬وعلّة التشديد في هذه الجريمة هو حفظ هبة الدّولة‬
‫مكرر المضاف‬ ‫ّ‬
‫موظفيها‪ ،‬أ ّما الفصل ‪ّ 101‬‬ ‫الممارسات الغير مسؤولة التي قد تصدر عن بعض‬
‫ّ‬
‫الموظف‬ ‫نص على أنّه يعاقب بال ّ‬
‫سجن مدّة ثمانية أعوام‬ ‫ّ‬ ‫بمقتضى قانون ‪ 2‬أوت ‪ 1999‬فقد‬
‫العمومي أو شبهه الذي يخضع شخصا للتعذيب وذلك حال مباشرته لوظيفه أو بمناسبة مباشرته‬
‫له‪.«...‬‬

‫ّ‬
‫الموظف على حرمة المسكن‬ ‫المشرع التونسي صورة اعتداء‬
‫ّ‬ ‫إلى جانب ذلك فقد أفرد‬
‫سجن مدّة عام وبخطيّة‬ ‫ينص على أنّه »يعاقب بال ّ‬
‫ّ‬ ‫خاص وهو الفصل ‪ 102‬م‪.‬ج‪ ،‬الذي‬‫ّ‬ ‫بنص‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الموظف العمومي أو شبهه الذي بدون مراعاة الموجبات القانونيّة أو بدون‬ ‫قدرها ثالثمائة فرنك‬
‫لزوم ثابت يدخل مسكن إنسان بدون رضاه« وهاته الصورة ت ّم إقصاؤها من صورة الفصل‬
‫‪ 256‬م‪.‬ج‪ .‬الذي تعلّق بجريمة انتهاك المسكن من قبل اإلنسان العادي والتي تكون عقوبتها‬
‫ّ‬
‫الموظف العمومي من صورة الفصل ‪ 256‬م‪.‬ج‪.‬‬ ‫المشرع إخراج‬
‫ّ‬ ‫سجن بثالث أشهر‪ ،‬وقد تع ّمد‬
‫بال ّ‬
‫يبرر تشديد العقاب‬ ‫وذلك وعيا منه بخطورة االنتهاك الصادر م ّمن اكتسب صفة المو ّ‬
‫ظف وهو ما ّ‬
‫في شأنه وتحديد عقاب مدّته سنة سجنا عوضا عن ثالثة أشهر‪.‬‬

‫ويستنتج مما سبق ذكره‪ّ ،‬‬


‫أن صفة الجاني والصلة الرابطة بينه وبين الضحيّة تشكل معيارا‬
‫المشرع اعتمد أسبابا أخرى من شأنها تغليظ‬
‫ّ‬ ‫هاما في تقدير العقوبة وأساسا لتشديدها ‪ ،‬على ّ‬
‫أن‬
‫عقوبة الجاني ومنها العنصر النفساني الذي أصبح يع ّد من أه ّم المعطيات التي يقع التركيز عليها‬
‫لتّسليط الجزاء وتفريده‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫خاص بالجاني ‪:‬‬


‫ّ‬ ‫‪ /3‬وجود ظرف نفسي‬
‫عرفها الفصل ‪202‬‬
‫سم هذا العنصر النفسي فيما يس ّمى باإلضمار أو سبق النيّة التي ّ‬
‫يتج ّ‬
‫م‪.‬ج‪ .‬بالقول ّ‬
‫أن »سابقيّة القصد هي النيّة الواقعة قبل مباشرة اإلعتداء على ذات الغير«‪ ،‬وهو‬
‫نفس التعريف تقريبا الوارد بالمجلّة الجنائيّة الفرنسيّة الوارد بالفصل ‪ 297‬م‪.‬ج‪ .‬القديم وبالفصل‬
‫‪ /132-72/‬جديد‪.‬‬

‫أن هذا التّعريف تنقصه الدقّة لذلك اجتهد الفقه وفقه القضاء في إبراز مفهوم‬
‫والمالحظ هو ّ‬
‫عرف فقه القضاء اإلضمار في القرار عدد ‪ 3466‬الصادر في ‪10 11 1963‬‬
‫اإلضمار‪ ،‬إذ ّ‬
‫بأنّه » يستلزم سبق عزم المجرم على ارتكاب الجريمة والتفكير فيها وفي عواقبها والتصميم على‬
‫إقترافها‪ ،‬ث ّم اإلقدام عليها وهو هادئ البال شاعر بخطورة ما هو مقدم على ارتكابه«و وهو نفس‬
‫المؤرخ في ‪.14 1973-3-5‬‬
‫ّ‬ ‫التّعريف الوارد بالقرار‬
‫مستقر على هذا التعريف إذ وقع إقراره من طرف محكمة‬
‫ّ‬ ‫ويمكن القول ّ‬
‫أن فقه القضاء‬
‫التعقيب في ‪.15 1994-12-28‬‬
‫يعرفون هذا الظرف بأنّه » ّ‬
‫التروي والتدبّر قبل اإلقدام على ارتكاب‬ ‫أ ّما الفقهاء فإنّهم ّ‬
‫الحادث‪ ،‬والتّفكير في الجريمة تفكيرا هادئا ال يشوبه اضطرابا«‪ ،‬كذلك بأنّه »عزم الجاني عزما‬
‫مبنيا على التفكير الناضج والملح في االعتداء على ذات الغير بوسائل اختارها بك ّل عناية‬
‫النجاح مشروعه«‪.16‬‬
‫أن سابقية القصد تفترض ّ‬
‫أن‬ ‫المشرع‪ ،‬بالقول ّ‬
‫ّ‬ ‫ومن هذا المنطلق يمكن تبرير صرامة‬
‫الشخص الذي يتوفّر فيه هذا العنصر ‪ ،‬مجرم خطير من شأنه أن يهدّد األفراد والمجتمع ألنّه‬
‫شروع في تنفيذه‪ ،‬ومن بين األمثلة التي‬ ‫ّ‬
‫مخططه اإلجرامي ويدرس جيّدا نتائجه قبل ال ّ‬ ‫يرسم مسبّقا‬
‫ينص »يعاقب بالقتل‬
‫ّ‬ ‫تشدّد فيها العقوبة في هاته الصورة نذكر صورة الفصل ‪ 201‬م‪.‬ج‪ .‬الذي‬
‫ي وسيلـة كانــت«‪ ،‬وكذلك صورة‬
‫اإلنسان الذي يرتكب عمدا مـــع سابقية القصـــد قتل نفس بـأ ّ‬

‫‪22‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫قتل الفرع لألصل موضوع الفصل ‪ 203‬م‪.‬ج‪ .‬وأيضا ارتباط القتل بجريمة أخرى الفصل ‪204‬‬
‫م‪.‬ج‪.‬‬
‫المشرع شدّد في العقاب ليصل إلى اإلعدام‪ ،‬وذلك لما ينطوي عليه الجاني‬
‫ّ‬ ‫وما نالحظه ّ‬
‫أن‬
‫ألن نفسيته الشريرة ّ‬
‫خططت ودبّرت لهذا النّوع من‬ ‫المضمر من خطورة على المجتمع وذلك ّ‬
‫الجرائم ‪ ،‬والذي يعتبر من أبشع األنواع لما فيه من نتائج وخيمة إذ تزهق على إثره روح نفس‬
‫بشريّة‪.‬‬
‫سجن مدّة عشرين عاما‬
‫ينص »يعاقب بال ّ‬
‫ّ‬ ‫كما نذكر صورة الفصل ‪ 208‬م‪.‬ج‪ .‬الذي‬
‫مرتكب الضّرب أو الجرح الواقع عمدا بدون قصد القتل‪ ،‬والذي نتج عنه الموت‪ ،‬ويرفع العقاب‬
‫إلى السجن بقيّة العمر في صورة سبق النيّة بالضّرب والجرح«‪.‬‬
‫صة‬
‫إلى جانب جرائم القتل التي تشدّد فيها العقوبة نذكر أيضا جرائم اإلعتداء بالعنف وخا ّ‬
‫المشرع اعتبر اإلضمار ظرف تشديد في الفقرة الثالثة من الفصل ‪، 218‬‬
‫ّ‬ ‫العنف الشديد‪ ،‬ذلك ّ‬
‫أن‬
‫إذ يرفع العقاب لمدّة ثالثة أعوام وبخطيّة قدرها ثالثة أالف دينار في صورة تقدّم إضمار الفعل‪.‬‬
‫نص الفصل ‪ 127‬م‪.‬ج‪ .‬على اإلضمار كظرف تشديد ترفع به العقوبة وذلك بالفقرة‬ ‫كما ّ‬
‫ّ‬
‫موظفا أو شبهه حال مباشرته لوظيفته أو بمناسبة مباشرتها‬ ‫الثانية منه‪ ،‬ذلك ّ‬
‫أن كل إنسان يضرب‬
‫سجن لمدّة عام وبخطيّة قدرها ثالثمائة فرنك‪ ،‬وإذا كان هناك سابقية قصد في ارتكاب‬
‫يعاقب بال ّ‬
‫العنف ّ‬
‫فإن العقوبة ترتفع إلى عشر سنوات سجن وخطيّة قدرها ألفا فرنك‪.‬‬
‫فإن مختلف ظروف التّشديد التي تكون ملتصقة بشخص الجاني أو‬
‫ومهما يكن من أمر‪ّ ،‬‬
‫المكونة لظروف‬
‫ّ‬ ‫المجني عليه أو تلك التي لها عالقة بالجانب النفساني‪ ،‬ليست هي الوحيدة‬
‫التّشديد الشخصيّة بل تنطوي الظروف العا ّمة المشدّدة تحت لوائها‪.‬‬

‫الفقرة الثانيـة ‪ :‬ظـروف التشـديد العا ّمـة ‪ :‬العــود‬


‫ظروف التّشديد العا ّمة هي تلك التي تتّسع لج ّل الجرائم ‪ ،‬ولم يعرف التّشريع التّونسي شأنه‬
‫في ذلك شأن القوانين المقارنة إالّ العود كظرف تشديد عام‪ ،‬وهو سبب عام لتشديد العقوبة في‬

‫‪23‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المشرع بقسم مستق ّل في المجلّة الجنائيّة‬


‫ّ‬ ‫الجنايات والجنح‪ ،‬ولكونه ظرفا مشدّدا عاما فقد أفرده‬
‫األول الوارد تحت عنوان »فيما يزيد الجرائم شدّة«‬
‫الرابع من الكتاب ّ‬
‫وهو القسم الثالث من الباب ّ‬
‫المشرع إلى شروط العود‬
‫ّ‬ ‫تعرض‬
‫وذلك في الفصول من ‪ 47‬إلى ‪ 52‬م‪.‬ج‪ ، .‬والتي من خاللها ّ‬
‫صور القريبة منه ‪./1/‬‬ ‫ّ‬
‫ولكن وقبل ذلك الب ّد من تمييزه عن ال ّ‬ ‫‪ /2/‬وكذلك إلى آثاره ‪/3/‬‬

‫صور القريبة منه ‪:‬‬


‫‪ - 1‬تمييز العود عن ال ّ‬
‫قد يقع الخلط بين العود وبعض المفاهيم التي وإن تشابهت معه فإنّها تختلف عنه من حيث‬
‫والتعود‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ال ّ‬
‫شروط واآلثار ومن بينها توارد الجرائم واالعتياد‬
‫بالنّسبة لتوارد الجرائم فتتوفّر كلما اقترفت عدّة جرائم في نفس الوقت أو بصفة متواردة‬
‫بدون أن تفصلها محاكمة‪ ،‬وبدون أن تكون هذه الجرائم مستقلّة عن بعضها البعض‪ .‬أ ّما العود‬
‫فيشترط توفّر عنصرين أساسيين هما سبق صدور حكم بات واقتراف جريمة ثانية مستقلّة تماما‬
‫عن األولى‪.17‬‬
‫بالتعود فإنّه يختلف عن العود من حيث الشروط واآلثار ‪ ،‬فالعود ال يشترط‬
‫ّ‬ ‫فيما يتعلّق‬
‫التعود ال يتوفّر إالّ إذا كانت‬
‫ّ‬ ‫لقيامه أن تكون الجريمة األولى مماثلة للجريمة الثانية في حين ّ‬
‫أن‬
‫التعود في اشتراط العود لوجود حكم‬
‫ّ‬ ‫األفعال المقترفة من نفس النّوع‪ .‬كما ّ‬
‫أن العود يختلف عن‬
‫التعود يكتفي بثبوت تعدّد األفعال ض ّد الجاني دون أن تفصل هذه‬
‫ّ‬ ‫سابق باإلدانة في حين ّ‬
‫أن‬
‫التعود ليس ظرف تشديد في حين ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫األفعال محاكمة‪ ،‬أما االختالف في اآلثار فيتمثّل في كون‬
‫العود هو كذلك‪ ،‬كما ّ‬
‫أن الفترة الزمنيّة الفاصلة بين المحاكمة األولى والجريمة الثانية محدّدة‬
‫فإن التقادم ال يبدأ في السريان إالّ من آخر فعل ّ‬
‫مكون له‬ ‫للتعود ‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫قانونا بالنسبة للعود‪ ،‬أ ّما بالنسبة‬
‫وهو ليس محدودا ‪.‬‬
‫تتكون من أفعال مادّية متعدّدة لو أخذ كل‬
‫ّ‬ ‫أ ّما بخصوص االعتياد فهي تلك الجريمة التي‬
‫تكررت ودلّت على ّ‬
‫تعود الفاعل‬ ‫منها منفردا لكان فعال مباحا وغير معاقب عليها قانونا ‪ ،‬أ ّما إذا ّ‬
‫ارتكابها فإنّها تصبح مستحقّة للعقاب‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫األول يكفي لتحقيقه وجود حكم‬


‫أن ّ‬ ‫ويكمن االختالف الجوهري بين العود واالعتياد‪ ،‬في ّ‬
‫قوة ما اتّصل به القضاء‪ ،‬في حين ّ‬
‫أن الثاني يفترض زيادة على الحكم السابق‬ ‫صل على ّ‬
‫سابق متح ّ‬
‫عامل نفسي وهو ميل تجاه اإلجرام‪ ،‬عالوة على خطورة الجاني اإلجراميّة ‪ ،‬وبذلك يكون المعتاد‬
‫أخطر من العائد وهو ما يستوجب تسليط عقوبة على المعتاد أش ّد من تلك المستوجبة للعائد‪.‬‬
‫صور القريبة منه فإنّه الب ّد من عرض‬
‫التعرض إلى العود وتمييزه عن بعض ال ّ‬
‫ّ‬ ‫إلى جانب‬
‫شروطه وآثاره‪.‬‬
‫‪ - 2‬شــروط العـــود ‪:‬‬
‫يمكن تعريف العود بأنّه ارتكاب شخص لجريمة بعد سبق الحكم عليه نهائيا في جريمة‬
‫أخرى‪ ،‬فهو يفرض إذن تعدّد جرائم المتّهم ‪ ،‬على أن يفصل بين الجريمتين حكم بات‪ ،‬ويوصف‬
‫ألن نطاقه يتّسع لج ّل الجرائم ‪ ،‬فهو سبب عام لتشديد العقوبة في‬
‫العود بكونه ظرف تشديد عام ّ‬
‫عرفه فقه القضاء التونسي بأنّه »يع ّد عائدا ك ّل من يرتكب جريمة بعد‬
‫الجنايات والجنح‪ ،‬وقد ّ‬
‫األول أو على إسقاطه أو‬
‫عقابه بموجب أخرى قبل أن تمضي خمسة أعوام على قضاء العقاب ّ‬
‫صورة ال يمكن أن يكون العقاب دون األقصى‬ ‫على سقوطه بمرور ّ‬
‫الزمن القانوني ‪ .‬وفي هذه ال ّ‬
‫المنصوص عليه بالفصل المنطبق على الجريمة الجديدة«‪.18‬‬

‫األول في ضرورة‬
‫شرط ّ‬‫ويستوجب العود توفّر ثالثة شروط أساسية لقيامه‪ ،‬ويتمثّل ال ّ‬
‫وجود عقوبة نهائيّة صادرة عن محكمة في خصوص جنحة أو جناية معاقب عليها وفق قوانين‬
‫النص أن تفضي المحاكمة إلى عقوبة بالمعنى‬
‫ّ‬ ‫عادية ‪ ،‬وفي خصوص المحاكمة الجزائيّة يشترط‬
‫الضيّق وليس تدبيرا احترازيا‪ ،‬فتدبير إعادة التربية المتّخذ في شأن القاصر الجانح ال يمثّل‬
‫الصورة األولى للعود‪ ،‬وهاته المحاكمة الجزائيّة يجب أن تكون نهائيّة ومعنى ذلك ّ‬
‫أن آجال‬
‫قوة ما اتّصل به‬ ‫االستئناف أو االعتراض أو ّ‬
‫الطعن بالتعقيب قد انقضت ويحصل بالتالي على ّ‬
‫القضاء ‪ ،‬كما يجب صدور ا لحكم بمناسبة النظر في جريمة من صنف الجنايات أو الجنح وهو ما‬
‫يعني ّ‬
‫أن العود في مادّة المخالفات غير موجود في القانون التونسي عدى بعض الحاالت‬

‫‪25‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫صة‪.‬‬
‫االستثنائيّة الواردة في نصوص خا ّ‬
‫ينص »يع ّد عائدا ك ّل من يرتكب‬
‫ّ‬ ‫أ ّما الشرط الثاني فيتعلّق بما جاء بالفصل ‪ 47‬م‪.‬ج‪ .‬الذي‬
‫جريمة بعد عقابه بموجب أخرى‪.«...‬‬
‫صياغة يمكن القول ّ‬
‫أن هناك جريمة ثانية ارتكبت بعد األولى وتكون‬ ‫ومن خالل هذه ال ّ‬
‫ي شرط بالنسبة للجريمة الثانية على أنّه من‬ ‫مستقلّة عنها‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن الفصل ‪ 47‬م‪.‬ج‪ .‬لم يفترض أ ّ‬
‫البديهي أن نعتبر أنّه يجب توفّر نفس الشروط في الجريمة الثانية‪ ،‬ألنّه ال يعقل أن ال يعتبر عائدا‬
‫من ارتكب مثال جريمة عسكريّة بحتة ثم جريمة عادية وأن يعتبر عائدا من ارتكب جريمة عادية‬
‫األول ثم جريمة عسكريّة‪.‬‬
‫في ّ‬
‫ومهما يكن من أمر فقد اعتبر فقهاء القانون أنّه يجب أن تكون الجريمة الثانية مستقلّة عن‬
‫الجريمة األول ى‪ ،‬ومثال ذلك إن عوقب شخص بعقوبة أصلية مع منع اإلقامة وخالف هذه العقوبة‬
‫مرتين يعتبر عائدا‪.19‬‬
‫التكميليّة فال يعتبر عائدا‪ ،‬ولكن إن خالف منع اإلقامة ّ‬
‫وبخصوص الشرط الثالث فإنّه يتعلّق بالمدّة الزمنيّة الفاصلة بين المحاكمة األولى‬
‫شرع التونسي أجل ‪ 5‬أعوام ليعتبر الجاني عائد وخارج هذه المدّة‬
‫والجريمة الثانية ‪ ،‬فقد حدّد الم ّ‬
‫ال يعتبر كذلك وهو المبدأ ‪ ،‬أ ّما اإلستثناء فيتمثّل في ّ‬
‫الترفيع في المدّة المذكورة إلى عشر سنوات‬
‫إذا كانت الجريمتان مستوجبتان للعقاب بالسجن لمدّة ‪ 10‬أعوام فما فوق‪.‬‬
‫األول أو من تاريخ إسقاطه أو من تاريخ‬
‫ويبتدئ أجل العود‪ ،‬إ ّما من تاريخ قضاء العقاب ّ‬
‫سقوطه بمرور ّ‬
‫الزمن‪ ،‬وال يبتدئ األجل منذ الحكم الصادر بالعقوبة األولى‪ ،‬والمالحظ في هذا‬
‫المشرع التونسي اعتمد العود المؤقّت على خالف نظيره المصري ‪ ،‬وهذا العود‬
‫ّ‬ ‫اإلطار ّ‬
‫أن‬
‫المؤقت هو ما يشترط فيه وقوع الجريمة الجديدة خالل مدّة معيّنة‪ ،‬على خالف العود المؤبّد وهو‬
‫ما ال يشترط فيه مدّة يجب وقوع الجريمة الجديدة في خاللها‪ ،‬إذ يعتبر ال ّ‬
‫شخص عائدا ولو مضي‬
‫على الحكم السابق زمن طويل‪.‬‬
‫أن الشخص يعتبر عائدا إذا ما توفّرت شروط ذلك وعليه تتحقّق‬
‫ويستشف م ّما سبق ذكره ّ‬
‫ّ‬
‫المشرع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫آثارا ها ّمة ضبطها‬

‫‪26‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ - 3‬آثــار العـــود ‪:‬‬


‫صة‪.‬‬
‫لقد حدّدت الفصول ‪ 50‬و‪ 52‬م‪.‬ج‪ .‬نوعين من اآلثار للعود ‪ :‬آثار عا ّمة وآثار خا ّ‬
‫بالنسبة لآلثار العا ّمة واعتمادا على الفصل ‪ 50‬م‪.‬ج‪ .‬فإنّه في صورة العود‪ ،‬ال يكون‬
‫العقاب دون األقصى المنصوص عليه بالفصل المنطبق على الجريمة الجديدة وال أكثر من‬
‫سرقة البسيطة تعاقب مثال بخمسة سنين وهي أقصى العقوبة‬
‫ضعف ذلك المقدار‪ ،‬ومثال ذلك ال ّ‬
‫وفي صورة العود يجب أن يكون العقاب بين ‪ 5‬و‪ 10‬سنوات سجن‪.‬‬

‫المشرع التّونسي قد اعتمد وجوبيّة التّشديد على العائد‪ ،‬كما أ ّكدت العديد من‬
‫ّ‬ ‫والمالحظ ّ‬
‫أن‬
‫المؤرخ في ‪ 22‬ماي ‪ 1978‬الذي‬
‫ّ‬ ‫القرارات التعقيبيّة على ذلك‪ ،‬ومنها القرار التعقيبي الجزائي‬
‫جاء فيه »‪ ...‬وأفاد الفصل ‪ 50‬من نفس القانون أنّه في صورة العود‪ ،‬ال يمكن أن يكون العقاب‬
‫دون األقصى المنصوص عليه‪ ،‬وباقترافه الجريمة الجديدة موضوع قضيّة الحال فيع ّد عائدا على‬
‫معنى الفصل ‪ 47‬السالف الذّكر‪ ،‬وتجب محاكمته وفقا للفصل ‪ 50‬المشار إليه‪ ،20«...‬وهذا على‬
‫خالف بعض التّشاريع المقارنة من ذلك القانون المصري الذي جعل تشديد العقوبة في حالة العود‬
‫اختياريا للقاضي‪.‬‬
‫أ ّما في ما يتعلّق باآلثار الخا ّ‬
‫صة للعود‪ ،‬فتتمثّل أساسا في ثالثة صور‪ ،‬الصورة األولى‬
‫مرتين بالسجن أكثر من عام‪ ،‬وفي هذه الصورة تخضع عقوبة‬
‫المكرر الذي عوقب ّ‬
‫ّ‬ ‫تتعلّق بالعائد‬
‫المرة الثالثة إلى أقصى العقوبات‪.‬‬
‫سجن في ّ‬
‫ال ّ‬
‫صورة الثانية تتعلّق بالعود في جريمة السكر الواضح‪ ،‬وهي إستثناء لعدم اعتبار العود‬
‫ال ّ‬
‫يتعرض إليها الفصل ‪ 317‬م‪.‬ج‪ .‬وقد اعتبر‬
‫ّ‬ ‫في المخالفات ‪ ،‬إذ ّ‬
‫أن هذه الجريمة هي مخالفة‬
‫المقررة بالفصل‬
‫ّ‬ ‫الفصل ‪ 52‬أنّه إذا ارتكب السكر ّ‬
‫مرة ثانية فالعقاب يكون بأقصى العقوبات‬
‫وتكرر ارتكاب السكر فيما بعد يوجب العقاب بالسجن مدّة ‪ 6‬أشهر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪/ 317‬أي ‪ 15‬يوم سجن‪،/‬‬
‫تعرض إلى اآلثار العا ّمة للعود قد اعتبر ّ‬
‫أن هذا األثر ال‬ ‫ومن المالحظ ّ‬
‫أن الفصل ‪ 50‬م‪.‬ج‪ .‬الذي ّ‬
‫يمنع من اعتماد الفصل ‪ 53‬عند االقتضاء أي الظروف التخفيفيّة‪ ،‬وهنا تثار في التطبيق‬

‫‪27‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫صعوبتان ‪ :‬الصعوبة األولى تتعلّق ّ‬


‫بالرتبة في االعتبار ‪ ،‬فهل يجب اعتبار قواعد العود ثم‬
‫الظروف التخفيفيّة أو العكس‪ ،‬ولهذه الرتبة نتائج مختلفة‪ ،‬فمثال بالنسبة للسرقة ‪ :‬لو اعتبر‬
‫القاضي العود ث ّم ظروف التخفيف لكانت العقوبة ّأوال بعشر سنوات ث ّم واعتمادا على الفصل ‪53‬‬
‫ّ‬
‫الحط من هذه العقوبة إلى ‪ 6‬أشهر‪.21‬‬ ‫‪/‬الفقرة السادسة‪ /‬يمكن‬
‫أ ّما إذا اعتمد القاضي على الظروف التخفيفيّة قبل العود ‪ :‬فالسرقة الثانية التي تستوجب ‪5‬‬
‫ّ‬
‫الحط بها إلى يوم سجن أو إلى خطيّة عمال بالفصل ‪ 53‬فقرة ‪ ،7‬فلو طبقنا من بعد‬ ‫سنين يمكن‬
‫قواعد العود ليصبح العقاب يومين سجن‪.‬‬
‫يتعرض فقه القضاء التونسي إلى هذه الصعوبة‪ ،‬ولكن في فرنسا ومنذ القرن التاسع‬
‫ّ‬ ‫لم‬
‫عشر اعتبرت المحاكم أنّه يجب تقديم قواعد العود على الظروف التخفيفيّة‪ ،‬إذ أنّها تشريعيّة‬
‫بخالف هذه األخيرة التي هي عدليّة ‪/‬جنائي ‪ 24‬جانفي ‪ - 1967‬دالوز ‪./I - 357 - 1367‬‬

‫ويعتبر الفصل ‪ 53‬في فقرته ‪ 11‬أنّه في صورة العود يرفع أدنى ك ّل العقوبات إلى‬
‫ّ‬
‫الحط نظريا من العقاب إلى ‪6‬‬ ‫تعرضنا إليها يمكن‬
‫ضعفه‪ ،‬أي بالنسبة إلى جريمة السرقة التي ّ‬
‫ّ‬
‫ولكن القاضي مجبورا على الحكم بسنة‪.‬‬ ‫أشهر سجن‬

‫تعرضت لمسألة العود‪ ،‬إذ تض ّمنت‬ ‫أ ّما الصورة الثالثة فتتعلّق ببعض القوانين الخا ّ‬
‫صة التي ّ‬
‫على قواعد تشديد تختلف عن القاعدة العا ّمة الواردة بالفصل ‪ 50‬م‪.‬ج‪ ،‬من ذلك إعتمدت بعض‬
‫القوانين قاعدة تشديد تقتصر على مضاعفة الح ّد األقصى من ذلك الفصل ‪ 14‬من أمر ‪-12-2‬‬
‫ينص على »ك ّل من يستعمل مخبرا للتّحاليل الطبّية بدون أن يكون حامال‬
‫ّ‬ ‫‪ 1948‬الذي‬
‫للتّراخيص المنصوص عليها بأمرنا هذا ‪ ...‬يعاقب بخطيّة تتراوح بين ‪ 10000‬و‪ 30000‬فرنك‬
‫تكررت‬
‫وبالسجن مدّة تتواوح بين ‪ 6‬أيام وستة أشهر أو بإحدى العقوبتين فقط‪ ،‬وفي حالة ما إذا ّ‬
‫المخالفة ّ‬
‫فإن األقصى يضاعف«‪.22‬‬
‫كما اعتمدت بعض القوانين األخرى على الترفيع في الح ّد األدنى‪ ،‬مثال ذلك الفصل ‪67‬‬

‫‪28‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫من مجلّة المرافعات والعقوبات العسكريّة الذي شدّد في عقوبة الفرار بالترفيع في حدّها األدنى‬
‫فر من قبل‪.23‬‬
‫وذلك إن سبق للمضنون فيه أن ّ‬
‫كما توجد بعض القوانين التي توجب توقيع العقاب األقصى في حالة العود‪ ،‬ومثال ذلك‬
‫ينص على أنّه »يحكم دائما بأقصى مبلغ الخطيّة والسجن‬
‫ّ‬ ‫الفصل ‪ 230‬من مجلّة الغابات الذي‬
‫على المعاود الذي قام بالمخالفة المعاقب عليها طبقا للفصلين ‪ 228‬من هذه المجلّة أو النصوص‬
‫الصادرة بتنفيذها«‪.‬‬
‫صة التي تضيف عقوبة السجن في صورة العود إذ لوال‬
‫كذلك توجد بعض القوانين الخا ّ‬
‫نص عليه الفصل ‪ 10‬فقرة ‪ 2‬من‬ ‫ّ‬ ‫حالة العود لما كانت عقوبة السجن مستوجبة‪ ،‬من ذلك ما‬
‫المؤرخ في ‪ 3‬ماي ‪ 1988‬المتعلّق بالمساجد من ّ‬
‫أن »ك ّل من يتع ّمد اإلخالل بهدوء‬ ‫ّ‬ ‫القانون‬
‫المساجد ‪ ...‬وعند العود يكون العقاب بالسجن وجوبيّا«‪.‬‬
‫استقر على القول ّ‬
‫بأن أساس التشديد‬ ‫ّ‬ ‫والمالحظ في هذا اإلطار‪ّ ،‬‬
‫أن الفكر الجنائي اليوم قد‬
‫في العود هو خطورة الشخص وليست فكرة اإلثم المرتبطة باإلختيار‪ ،‬نظرا ألنّه من الثابت ّ‬
‫أن‬
‫اإلرادة يصيبها الكثير من الوهن والضعف عند اإلعتياد على القيام بالفعل‪ ،‬وال يمكن بالتالي‬
‫تفسير التّشديد على أساس جسامة الخطأ‪ ،‬وقد وقع تعريف الخطورة اإلجرامية بأنّها »حالة نفسية‬
‫يحتمل من جانب صاحبها أن يكون مصدر جريمة مستقبليّة «‪ ،24‬إضافة إلى أنّها »صفة تنشأ‬
‫نتيجة تفاعل عوامل شخصيّة وموضوعيّة«‪.‬‬
‫لقد حاولنا اإللمام في هذه الفقرة بمختلف آثار العود التي ال يمكن أن تبرز إالّ إذا اكتملت‬
‫أن العود يعتبر ظرف التشديد العام الوحيد‪ّ ،‬‬
‫لكن ذلك ال يمنع‬ ‫الشروط القانونيّة المحدّدة له‪ ،‬ذلك ّ‬
‫من وجود ظروف تشديد أخرى إلى جانبه‪ ،‬والمتمثّلة أساسا في ظروف التّشديد الموضوعيّة أو‬
‫الماديّة‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬ظروف التشديد الموضوعيّة أو المادّية‬
‫إن ظروف التشديد الموضوعيّة أو المادّية هي تلك التي ال تتعلّق بشخص الجاني بل‬
‫ّ‬
‫بالجانب المادّي للجريمة‪ ،‬أو باستعمال وسيلة معيّنة عند ارتكابها‪ ،‬هذا وتختلف هذه الظروف عن‬

‫‪29‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الظروف ال ّ‬
‫شخصيّة من حيث اآلثار‪ ،‬إذ يع ّم أثر الظروف المادية على ك ّل من ساهموا في‬
‫الجريمة المقترفة ‪ ،‬وذلك نظرا ّ‬
‫ألن هذه الظروف تكون الحقة بنفس الفعل اإلجرامي ‪ ،‬وقد‬
‫متفرقة من المجلّة الجنائية ‪ ،‬ونجدها إ ّما مرتبطة بماديات الفعل‬
‫ّ‬ ‫وردت هذه الظروف في مواقع‬
‫‪/‬الفقرة األولى‪ /‬أو راجعة لوضعيّة الضحيّة ‪/‬الفقرة الثانية‪./‬‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬األسباب المرتبطة بماديات الفعـل‬
‫فإن ذلك يتولّد عنه تشديد العقوبة في ّ‬
‫حق‬ ‫إذا ما اقترن الفعل المجرم بأعمال ماديّة ‪ّ ،‬‬
‫الجاني الذي يستعمل عديد الوسائل لتسهيل جريمته ‪/‬أوال‪ /‬كما يكون الظرف المكاني والزماني‬
‫مح ّل تقدير عند تسليط العقوبة ‪/‬ثانيا‪ /‬وكذلك الشأن بالنسبة القتران الجرائم ‪/‬ثالثا‪./‬‬

‫‪ - 1‬الوسيلـــة المستعملــة ‪:‬‬


‫إن الجاني ال يتوانى عن استعمال أيّة وسيلة يعتقد أنّها المثلى لتحقيق النّتيجة اإلجرامية‬
‫ّ‬
‫كالتسور والخلع وغيرها‪ ،‬وذلك‬
‫ّ‬ ‫التي يرمي إليها‪ ،‬فقد يلجأ الجاني أحيانا الستعمال عدّة وسائل‬
‫سرقة‪ ،‬فاستعمال هذه الوسائل في تنفيذ الجريمة يغيّر من وصفها القانوني إذ‬
‫صة في جريمة ال ّ‬
‫خا ّ‬
‫مجردة إلى سرقة موصوفة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تتحول من سرقة‬
‫ّ‬
‫المشرع كذلك ّ‬
‫أن االستعمال الفعلي لوسائل العنف بمناسبة ارتكاب الجرائم‬ ‫ّ‬ ‫ولقد اعتبر‬
‫ظرفا مشددا ‪/‬أ‪ /‬وكذلك الشأن بالنسبة للوسائل أق ّل عنف ‪/‬ب‪./‬‬
‫أ ‪ -‬وسائل العنف ‪:‬‬
‫أن حمل السالح يمثّل في عديد الجرائم ظرف تشديد للعقوبة ‪،‬‬
‫المشرع التّونسي ّ‬
‫ّ‬ ‫لقد اعتبر‬
‫وبالرغم من غياب تعريف تشريعي عام للفظ السالح من شأنه أن يشمل ك ّل الجرائم ّ‬
‫فإن هاته‬ ‫ّ‬
‫سبب يمكن أن يقتصر‬
‫الوسيلة تبقى دائما ذات خطورة ونتائج سلبيّة إذا ما استعملت ‪ ،‬ولهذا ال ّ‬
‫مجرد حمل دون اشتراط إستعماله ‪ ،‬ومعيار التفرقة في التشديد يكمن في‬
‫ّ‬ ‫تشديد العقوبة على‬
‫ضرورة أو عدم ضرورة أن يكون السالح محموال من طرف الفاعل األصلي للجريمة ‪.‬‬
‫كما ورد بالفصل ‪ 171‬م‪.‬ج‪ .‬في فقرته الثانية ّ‬
‫أن العقاب يرفع إلى عام سجن لمن يوجد‬

‫‪30‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫متكففا وهو حامل ألسلحة‪ ،‬أو آالت طبيعتها قاضية بالحصول على الوسائل الموصلة الرتكاب‬
‫سالح‪ ،‬ويكفي ثبوت حمل‬
‫سرقات‪ ،‬ويجب إذن أن يضبط المجرم وهو متلبس‪ ،‬أي حامل لل ّ‬
‫ال ّ‬
‫أن المتكفّف‬
‫ومبرر ذلك ّ‬
‫ّ‬ ‫السالح لتشديد العقوبة دون حاجة لوجود تهديد أو استعمال للسالح‪،‬‬
‫المتسول‪ /‬الحامل للسالح يمكن في ك ّل لحظة أن يستعمل السالح للوصول إلى غايته‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪/‬‬

‫المشرع حمل السالح في جريمة الفصل ‪ 233‬م‪.‬ج‪ .‬ظرف تشديد سواء كان‬
‫ّ‬ ‫كما اعتبر‬
‫الحمل ظاهرا أو خفيا ‪ ،‬وفي هاته الصورة يرتفع العقاب من ثالثة إلى خمسة أعوام سجن‬
‫وبخطيّة من ‪ 500‬إلى ‪ 1000‬دينار‪.‬‬
‫المشرع التّونسي العقوبة في صورة العصيان الجماعي طبق الفصل ‪ 117‬م‪.‬ج‪،‬‬
‫ّ‬ ‫كما يشدّد‬
‫األول يتمثّل في مشاركة عشرة أشخاص على األق ّل دون‬
‫وهذه الجريمة تفترض وجود شرطين‪ّ ،‬‬
‫شرط الثاني فيتمثّل في حمل ال ّ‬
‫سالح‪ ،‬وفي‬ ‫أن يكون هذا االجتماع ناتجا عن اتفاق مسبّق‪ ،‬أ ّما ال ّ‬
‫خصوص ذلك فإنّه الب ّد أن يكون شخصان على األق ّل من المشاركين مسلحين‪ ،‬وترتفع لذلك‬
‫العقوبة إلى ‪ 6‬سنوات سجن‪.‬‬
‫كما ترفع العقوبة إلى ثالث أعوام سجن في جريمة التجمهر واالنتماء للجمع الذي من‬
‫شأنه ازعاج الراحة العا ّمة‪ ،‬عندما يكون شخصان على األق ّل مسلّحين‪.‬‬
‫أ ّما في ما يتعلّق بهتك حرمة المسكن والملك موضوع الفصول ‪ 255‬وما يليه م‪.‬ج‪، .‬‬
‫تمس النظام العام والسكينة‪ ،‬لذلك ّ‬
‫فإن حمل السالح من طرف شخص‬ ‫ّ‬ ‫فهاته الجرائم من شأنها أن‬
‫واحد يكفي لتشديد العقوبة‪.‬‬
‫المشرع التّونسي لم‬
‫ّ‬ ‫ويتّضح م ّما سبق ّ‬
‫أن السالح يعتبر من وسائل العنف‪ ،‬والمالحظ ّ‬
‫أن‬
‫يعرف لفظ العنف رغم استعمال اللفظة في عدّة مناسبات بفصول المجلّة الجنائيّة وغيرها ‪،‬‬
‫سم في الضّرب والجرح طبق الفصول ‪218‬‬ ‫ويمكن أن نستنتج من ذلك ّ‬
‫أن العنف يمكن أن يتج ّ‬
‫عرف العنف بكونه ك ّل اعتداء على الحرمة‬ ‫و‪ 219‬و‪ 220‬و‪ 319‬م‪.‬ج‪ .‬على ّ‬
‫أن الفقه قد ّ‬
‫القوة سواء المادّية أو المعنويّة والتي من شأنها إحداث اضطراب على‬
‫الجسديّة للضحيّة باستعمال ّ‬

‫‪31‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫السير العادي ألعضاء الجسم‪.25‬‬

‫سم تشديد العقوبة باستعمال العنف في عديد الجرائم منها جريمة الفرار من السجن‬
‫ويتج ّ‬
‫موضوع الفصول ‪ 146‬إلى ‪ 149‬م‪.‬ج‪ .‬إذ يرتفع العقاب من عام إلى عامين سجن بالنسبة‬
‫للشخص الذي يس ّهل فرار مسجون باستعمال العنف‪.‬‬
‫كما يرفع العقاب بالنسبة للسرقة الموصوفة باستعمال العنف إلى ‪ 20‬عاما سجنا إذا‬
‫سرقة أو ألقاربه‪.‬‬
‫ارتكبت السرقة باستعمال العنف الشديد أو التهديد به للواقع له ال ّ‬
‫أ ّما في ما يتعلّق بالفصل ‪ 219‬م‪.‬ج‪ .‬فإنّه ّ‬
‫يقر الترفيع في العقوبة بحسب درجة خطورة‬
‫العنف‪ ،‬ذلك أنّه إذا تسبّب عن أنواع العنف قطع عضو من البدن أو جزء منه او انعدام النفع به‬
‫مستمر ولم يتجاوز درجة السقوط أو العجز نسبة ‪، % 20‬‬
‫ّ‬ ‫أو تشويه بالوجه أو سقوط أو عجز‬
‫فالمجرم يعاقب بالسجن لمدّة خمسة سنوات ‪ ،‬ويكون العقاب بالسجن لمدّة ‪ 6‬سنوات إذا تجاوزت‬
‫درجة السقوط أو العجز الناتج عن االعتداءات المذكورة ‪. % 20‬‬
‫إلى جانب ذلك وبموجب تنقيح الفصل ‪ 221‬م‪.‬ج‪ّ .‬‬
‫فإن العقاب يرفع إلى عشرين عاما إذا‬
‫صار الشخص خصيا أو مجبوبا بمقتضى العنف المرتكب ضدّه‪ ،‬ويكون العقاب بالسجن بقيّة‬
‫العمر ‪ ،‬إذا نتج عن ذلك الموت‪.‬‬
‫إلى جانب هذه الجرائم التي عدّدناها على سبيل الذّكر فإنّه توجد عديد الجرائم األخرى‬
‫التي ترفع فيها العقوبة إذا ما وقع استعمال العنف‪ ،‬لكن المه ّم ّ‬
‫أن تقدير وجود العنف من عدمه‬
‫أقرته محكمة التعقيب‬
‫يرجع لإلجتهاد المطلق لمحكمة الموضوع وذلك بشرط التعليل وهو ما ّ‬
‫بقولها » ّ‬
‫أن إكساء الفعلة ووصفها الحقيقي بناء على العناصر المجتمعة باألوراق من خصائص‬
‫محكمة الموضوع دون رقابة عليها من محكمة التعقيب‪ ،‬فتقدير المواقعة بأنّها واقعة غصبا من‬
‫خصائص حاكم الموضوع على شرط التعليل المأخوذ من أوراق القضيّة«‪.26‬‬
‫إلى جانب وسائل العنف المشدّدة للعقاب توجد كذلك وسائل أق ّل عنفا ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ب ‪ -‬الوسائل األق ّل عنفا ‪:‬‬


‫تبرز هذه الوسائل األق ّل عنفا من خالل عديد األفعال المادّية‪ ،‬نذكر منها تع ّدد الفاعلين إذ‬
‫الب ّد من التفرقة بين الفاعلين األصليين والمشاركين ‪ ،‬فهؤالء هم الذين يهيئون أو ييسرون‬
‫الرتكاب الجريمة‪ ،‬ويظهر ذلك من خالل جريمة العصيان ‪ ،‬إذ يرتفع العقاب إلى ‪ 10‬سنوات إذا‬
‫كانت الجريمة مرتكبة من أكثر من ‪ 10‬أشخاص‪ ،‬كذلك الجرائم المرتكبة ض ّد الممتلكات إذ ّ‬
‫أن‬
‫تعدّد األشخاص في جريمة السرقة مثال يجعل منها ظرف تشديد ويرتفع العقاب إلى ‪ 12‬عاما‬
‫طبق الفصل ‪ 262‬م‪.‬ج‪.‬‬

‫ونخص جريمة االغتصاب والمواقعة واالعتداء بفعل‬


‫ّ‬ ‫وأيضا في الجرائم األخالقية‪،‬‬
‫تسور والخلع واستعمال‬
‫الفاحشة ‪ .‬ومن بين الجرائم التي ترفع فيها العقوبة نذكر أيضا استعمال ال ّ‬
‫مفاتيح مفتعلة في جريمة السرقة‪ ،‬إذ تعتبر هذه الوسائل ها ّمة في تغليظ العقوبة‪ ،‬وهي الواردة‬
‫بالفصول ‪ 262‬و‪ 271‬و‪ 272‬م‪.‬ج‪ .‬كذلك بالنسبة لكسر األختام وجعل منافذ تحت األرض‪.27‬‬

‫وفي نفس هذا اإلطار‪ ،‬يكون المتّهم مرتكبا لجريمة استعمال اسم مدلّس إذا نسب لنفسه‬
‫إسما وهميّا أو إسما حقيقيّا ينتمي لشخص آخر‪ ،‬وذلك بقصد التمويه والمغالطة‪ ،‬أ ّما جريمة‬
‫تتكون من جملة األكاذيب المتعلّقة بعنصر الحالة المدنيّة أو‬
‫ّ‬ ‫استعمال صفة غير صحيحة فهي‬
‫الوضعيّة االجتماعيّة والمهنية للمتّهم ‪ ،‬ويبرز إستعمال هذه الوسائل كظرف مش ّدد في عدّة جرائم‬
‫نص عليها الفصل ‪ 171‬م‪.‬ج‪ .‬المتعلّق بجريمة التكفّف إذا استعمل الجاني في التكفّف‬ ‫ّ‬ ‫منها ما‬
‫شهادة مدلّسة أو غير ذلك من األوراق المدلّسة المعدّة للتعريف باألشخاص‪.‬‬

‫نص الفصل ‪ 237‬م‪.‬ج‪ .‬بأنّه »يكون العقاب بالسجن بقيّة العمر إذا ت ّم االختطاف أو‬
‫كذلك ّ‬
‫ي أو هويّة مزيّفة أو بأمر زيف صدوره عن السلطة العموميّة‬
‫تحويل الوجهة‪ ...‬بواسطة ز ّ‬
‫‪.28«...‬‬

‫‪33‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المشرع على الوسائل المستعملة لتقدير العقاب الجزائي ‪ ،‬فإنّه اعتبر‬


‫ّ‬ ‫إلى جانب إعتماد‬
‫أيضا مكان وزمان ارتكاب الجريمة كعنصر معتبر في تغليظ العقوبة‪.‬‬
‫‪ - 2‬ظــروف الزمــان والمكــان ‪:‬‬
‫المشرع التونسي زمن ارتكاب الفعلة ومكانها كمعيار لتقدير العقوبة‪ ،‬ومن خالل‬
‫ّ‬ ‫يعتمد‬
‫فاألول هو ذلك‬
‫ّ‬ ‫الفصول الواردة بالمجلّة الجنائيّة يمكن استنتاج ظرفين لتشديد الفعل المجرم ‪.‬‬
‫المتعلّق بمكان ارتكاب الجريمة ‪/‬أ‪ /‬أ ّما الثاني فهو زمن ارتكابها ‪/‬ب‪./‬‬
‫أ ‪ -‬الظرف المكاني ‪:‬‬
‫المشرع التونسي العقاب على ك ّل من يعتدي على مح ّل مسكون أو مع ّد لل ّ‬
‫سكنى‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لقد شدّد‬
‫المشرع على حماية بعض‬
‫ّ‬ ‫صة مثل قاعة الجلسة‪ ،‬هذا ولم يسهى‬
‫وكذلك بعض األماكن الخا ّ‬
‫األماكن العا ّمة‪.‬‬

‫أ ّما في ما يتعلّق بالمح ّل المسكون‪ ،‬فإنّه يعتد به كعنصر مشدّد للعقاب وهو ما يبرز من‬
‫خالل عدّة أمثلة وردت بالمجلّة الجنائيّة‪ ،‬من ذلك اعتبار مح ّل الزوجيّة ظرف تشديد في جريمة‬
‫نص عليه الفصل ‪ 236‬م‪.‬ج‪ .‬مع عدم انطباق ظروف التّخفيف الواردة بالفصل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الزنا‪ ،‬وهو ما‬
‫أن ّ‬
‫الزنا بمح ّل‬ ‫‪ 53‬م‪.‬ج‪ .‬في هذه الحالة‪ ،‬وقد ساير فقه القضاء هذا التو ّجه التشريعي معتبرا » ّ‬
‫الزوجيّة ال يعتمد فيه الفصل ‪ 53‬القاضي بتأجيل العقاب‪ ،‬وبذلك ّ‬
‫فإن اإلشارة في الحكم بعدم‬
‫إنطباقه مع إقرار الحكم االبتدائي القاضي بالعقاب مع تأجيله فيه تضارب يوجب النقض«‪.29‬‬

‫كما اعتبر الفصل ‪ 171‬م‪.‬ج‪ .‬والمتعلّق بجريمة التكفّف‪ّ ،‬‬


‫أن العقاب يرتفع من ‪ 6‬أشهر إلى‬
‫عام سجنا إذا دخل الجاني لمسكن دون إذن صاحبه‪ ،‬كذلك الشأن بالنسبة للجريمة المنصوص‬
‫عليها بالفصل ‪ 260‬م‪.‬ج‪ .‬إذ يكون السجن بقيّة العمر إذا كانت السرقة مقترفة بمح ّل مسكون‪.‬‬

‫المشرع التونسي يحرص على ضمان طمأنينة واستقرار الشخص‬


‫ّ‬ ‫ومن خالل ما تقدّم ّ‬
‫فإن‬

‫‪34‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫صة مثل قاعة الجلسة إذ‬


‫في المكان الذي يقيم فيه ‪ ،‬كذلك هو الشأن بالنسبة لبعض األماكن الخا ّ‬
‫ّ‬
‫لموظف من النظام العدلي ‪،‬‬ ‫نص الفصل ‪ 126‬م‪.‬ج‪ .‬أنّه »إذا كان انتهاك الحرمة واقعا بالجلسة‬
‫ّ‬
‫سجن مدّة عامين‪.«...‬‬
‫فالعقاب يكون بال ّ‬
‫سالح‬
‫وتعرض نفس الفصل إلى الصورة التي يجتمع فيها ظرف المكان أي الجلسة وال ّ‬
‫وتصل العقوبة في هذه الحالة إلى اإلعدام‪.‬‬

‫المشرع كظرف مشدّد‪ ،‬نذكر المالعب والمنشآت‬


‫ّ‬ ‫أ ّما بالنسبة لألماكن العا ّمة التي يعتمدها‬
‫المؤرخ في ‪» 1994‬أنّه يعاقب بالسجن مدّة عام‬
‫ّ‬ ‫ينص الفصل ‪ 50‬من القانون‬
‫ّ‬ ‫الرياضية إذ‬
‫وبخطيّة قدرها خمسمائة دينار من يتع ّمد إحداث جروح أو ضرب أو غير ذلك من أنواع العنف‬
‫الرياضية على حكم المباراة أو‬
‫المنصوص عليه بالفصل ‪ 319‬م‪.‬ج‪ .‬داخل المالعب والمنشآت ّ‬
‫سجن مدّة ‪ 3‬أعوام وبخطيّة قدرها ألف دينار إذا‬
‫مدرب‪ ...‬ويكون العقاب بال ّ‬
‫مساعديه أو مسيّر أو ّ‬
‫كان الصنف من النوع المنصوص عليه بالفصل ‪ 218‬م‪.‬ج‪.30«.‬‬

‫المشرع في العقوبات المستوجبة للجرائم المرتكبة ببعض وسائل النقل مثل‬


‫ّ‬ ‫هذا وقد شدّد‬
‫سفن ‪ ،‬كما تعتمد كظرف مشدّد المساجد وذلك من خالل الفصل ‪ 11‬من قانون عدد ‪ 52‬لسنة‬ ‫ال ّ‬
‫‪ 1992‬الّذي يحدّد أقصى العقوبات إذا ارتكبت جريمة المخ ّدرات بالمساجد‪ ،‬ويكمن في هذا‬
‫مجرد وضع آلة انفجارية‬
‫ّ‬ ‫يجرم‬
‫السياق أيضا الطريق العام ونذكر هنا الفصل ‪ 306‬م‪.‬ج‪ .‬الذي ّ‬
‫بالطريق العام لقصد جنائي ويحدّد عقوبة ‪ 12‬سنة سجنا‪ ،‬وذلك لما تنطوي عليه هذه الفعلة من‬
‫خطورة على أرواح الناس وممتلكاتهم‪.‬‬
‫المشرع بنفس الشدّة إذا ارتكب الجاني فعلته في‬
‫ّ‬ ‫إلى جانب الظرف المكاني فقد تعامل‬
‫زمن معيّن‪.‬‬

‫ب ‪ -‬الظرف ّ‬
‫الزماني ‪:‬‬

‫‪35‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يعتبر زمان ارتكاب السلوك اإلجرامـي عنصرا ها ّما في تقدير العقوبة وذلك لداللته على‬
‫المجرم المرتكب‪ ،‬فالجرم المقترف باللّيل يختلف عن الجرم‬
‫ّ‬ ‫خطورة الجاني وعلى جسامة الفعل‬
‫بالنّهار ‪/‬ب‪ /1‬كما ّ‬
‫أن حالة الحرب ليست كحالة السلم ‪/‬ب‪ /2‬إلى جانب وجود بعض الظروف‬
‫المشرع كظرف مشدّد ‪/‬ب‪./3‬‬
‫ّ‬ ‫االستثنائية التي يعت ّد بها‬

‫ب ‪ -1‬ظرف اللّيل ‪:‬‬


‫أن »اللّيل هو ّ‬
‫الزمن الذي‬ ‫يعرف التشريع الليل‪ ،‬وقد اعتبرت محكمة النقض المصرية ّ‬
‫لم ّ‬
‫يبتدأ مع الغسق وينتهي بظهور الصباح‪ ،‬ألنّه يتخلّل زوال الشمس وإقبال الليل فترة من ّ‬
‫الزمن‬
‫تس ّمى بالسفق‪ ،‬ويتخلّل زوال اللّيل وطلوع الشمس فترة أخرى تس ّمى الفجر‪ ،‬وال يمكن اعتبار‬
‫هاتين الفترتين من الليل‪ ،‬هما من النهار لوجود الحركة فيهما‪ ،‬ولما كان القصد من جعل الليل‬
‫ظرفا مشدّدا هو حم اية الناس أثناء راحتهم في منازلهم وفي الفترتين المذكورتين يكون الضوء‬
‫موجودا والناس خارج منازلهم يغدون ويروحون فال مح ّل لوضع حماية سببها معدوم ‪ ،‬فالسرقة‬
‫التي تقع قبل طلوع الشمس تعتبر واقعة نهارا«‪.31‬‬

‫أن ظرف اللّيل ال يؤدّي لوحده إلى تشديد العقوبة إذ الب ّد من إثبات ظروف‬
‫والمالحظ ّ‬
‫سرقة‬
‫أخرى‪ ،‬كما هو الحال في السرقة الموصوفة الواردة بالفصل ‪ 260‬م‪.‬ج‪ ، .‬فإذا ارتكبت ال ّ‬
‫مع توفّر هذه الظروف ّ‬
‫فإن العقوبة تكون بالسجن بقيّة العمر‪.‬‬

‫بالقوة‪ ،‬وذلك في الفصل‬


‫ّ‬ ‫المشرع لظرف اللّيل في جريمة افتكاك حوز‬
‫ّ‬ ‫تعرض‬
‫هذا وقد ّ‬
‫بالرغم عن‬ ‫يستقر بمح ّل مع ّد لل ّ‬
‫سكنى وذلك ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ 257‬م‪.‬ج‪ .‬إذ تصبح عقوبة اإلنسان الذي يدخل أو‬
‫إرادة صاحبه ليال السجن مدّة ستّة أشهر عوضا عن ثالثة أشهر‪.‬‬
‫وإن كان ظرف اللّيل ين ّم عن خطورة الجاني وعزمه على السير في طريق الجريمة ‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫يمس فردا معيّنا بل المجتمع بأسره‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ظرف الحرب يعتبر أخطر ألنّه ال‬

‫‪36‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ب ‪ -2‬ظرف الحرب ‪:‬‬


‫إن التشديد في حالة الحرب منطقي‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ألن الجريمة الواقعة زمن الحرب تؤدّي إلى‬ ‫ّ‬
‫قوة مقاومتها وإفساد خطط دفاعها‪.‬‬
‫الرعب في نفوس األ ّمة وإضعاف ّ‬
‫إيقاع ّ‬

‫وقد حدّد الفصل ‪ 60‬م‪.‬ج‪ .‬عقوبة القتل لك ّل تونسي في زمن الحرب ّ‬


‫يحرض عساكر أو‬
‫بحارة على االلتحاق بخدمة دولة أجنبيّة أو يس ّهل لهم الوسائل إلى ذلك‪ ،‬أو يجنّد جنودا لحساب‬
‫دولة في حرب مع البالد التونسيّة أو يتّصل بدولة أجنبيّة أو بأعوانها ليساعدها في اعتداءاتها‬
‫على البالد التونسيّة ‪.‬‬

‫أقر الفصل ‪ 62‬م‪.‬ج‪ .‬بأنّه يعاقب مرتكب االعتداء على أمن الدّولة الخارجي بال ّ‬
‫سجن‬ ‫كما ّ‬
‫المشرع نفس العقوبة على ك ّل تونسي أو‬
‫ّ‬ ‫مدّة إثني عشر عاما إذا وقع زمن الحرب‪ ،‬كما حدّد‬
‫أجنبي يراسل في زمن الحرب وبدون إذن الحكومة راعيا أو أعوان دولة معادية أو يربط معهم‬
‫المقرر‬
‫ّ‬ ‫وبالرغم من التّحجير‬
‫ّ‬ ‫عالقات ‪ ،‬كذلك ك ّل من يقوم في زمن الحرب مباشرة أو بواسطة‬
‫بأعمال تجارية مع رعايا أو أعوان دولة معادية‪.‬‬
‫هذا وقد اعتبر الفصل ‪ 67‬م‪.‬م‪.‬ع‪.‬ع‪ّ .‬‬
‫أن جريمة الفرار إلى الداخل المرتكبة زمن الحرب‬
‫تكون عقوبتها أش ّد من تلك المرتكبة زمن ال ّ‬
‫سلم‪.‬‬
‫المشرع التّونسي الظروف االستثنائية كسبب في تشديد العقوبة ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إلى جانب ذلك فقد اعتمد‬

‫ب ‪ -3‬الظروف االستثنائية ‪:‬‬


‫سرقة‬ ‫نص الفصل ‪ 263‬م‪.‬ج‪ .‬على أنّه »يعاقب بال ّ‬
‫سجن مدّة عشرة أعوام ‪ّ :‬أوال مرتكب ال ّ‬ ‫ّ‬
‫الواقعة أثناء حريق‪ ،‬أو بعد انفجار أو طغيان الماء أو غرق أو حادث بالس ّكة الحديديّة أو ثورة أو‬
‫هيجان أو غير ذلك من أنواع الهرج‪ّ ،«...‬‬
‫إن هذه الظروف االستثنائية التي قد تصادف اإلنسان‬

‫‪37‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫دون سابق علم من شأنها أن تجعله فريسة سهلة لعمليّة سرقة أو غير ذلك من االعتداءات‪.‬‬

‫كما يمكن أن يتعلّق الظرف االستثنائي بالكوارث الطبيعيّة مثل الزلزال والفيضان أو‬
‫الكوارث غير الطبيعيّة التي يلعب فيها اإلنسان دورا ها ّما مثل الهرج والحروب ‪ ،‬لذلك فإنّه يكفي‬
‫أن ترتكب الجريمة أثنائها ليتحقّق الظرف المشدّد‪.‬‬

‫وقد يتعلّق ّ‬
‫الظرف االستثنائي بالوضع الذي يوجد به اإلنسان‪ ،‬كأن يكون مثال مح ّل إيقاف‬
‫من طرف شخص دون إذن قانوني‪ ،‬وفي هذه الجريمة يكـون العنصر ال ّزمنـي مه ّما في تقديـر‬
‫نص عليه الفصلين ‪ 250‬و‪ 251‬م‪.‬ج‪.‬‬
‫العقوبة المستوجبة لها طبق ما ّ‬
‫وقد يلعب ّ‬
‫الزمن دورا في تقدير العقوبة وذلك إذا تزامن الفعل اإلجرامي مع أفعال أخرى‬
‫وهو ما يس ّمى باالقتران‪.‬‬

‫‪ - 3‬اإلقتـــــران ‪:‬‬
‫يرتكب الجاني في هذه الحالة عدّة جرائم مختلفة من حيث ماهيتها إالّ أنّها مرتبطة ببعضها‬
‫زمنيا أو سببيا‪.‬‬
‫الزمني فيتمثّل في ما ّ‬
‫نص عليه الفصل ‪ 204‬م‪.‬ج‪ .‬على أنّه »يعاقب قاتل‬ ‫بالنّسبة لالقتران ّ‬
‫النّفس عمدا بالقتل إذا كان وقوع قتل النفس إثر ارتكابه جريمة أخرى أو كان مصاحبا لها أو‬
‫سجن‪.«...‬‬
‫كانت أثره وكانت تلك الجريمة موجبة للعقاب بال ّ‬

‫المشرع التونسي ظرفا مشدّدا في جريمة القتل‪ ،‬يتوفّر‬


‫ّ‬ ‫ونالحظ ّ‬
‫أن التزامن الذي اعتبره‬
‫بمجرد سبق أو مصاحبة أو مالحقة جريمة أخرى لعملية القتل مستوجبة لعقاب بالسجن‪ّ .‬‬
‫إن‬ ‫ّ‬
‫الزمني هو معتبر في تقدير العقوبة في حالة االقتران ّ‬
‫الزمني بين الجرائم ‪ ،‬وذلك خالفا‬ ‫العنصر ّ‬
‫الرابطة الغائية كعنصر معتبر في‬
‫سببي الذي يستند على ّ‬
‫لما هو عليه الحال بالنسبة لالقتران ال ّ‬

‫‪38‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المشرع بالفصل ‪ 204‬م‪.‬ج‪ .‬على صورة ارتباط جريمة القتل بجريمة‬


‫ّ‬ ‫نص‬
‫ّ‬ ‫تشديد العقاب‪ .‬إذ‬
‫أخرى وذلك بقوله »‪ ...‬أو كان القصد من قتل النّفس االستعداد إليقاع تلك الجريمة أو تسهيل‬
‫صل لفرار أو لعدم عقاب فاعليها أو مشاركيهم«‪.‬‬
‫إيقاعها أو للتو ّ‬

‫فعلة التّشديد تكمن في ردع الجاني الذي يعتدي على أكثر من ّ‬


‫حق محمي من القانون‪،‬‬
‫وذلك بارتكابه ألكثر من جريمة متّخذا إحداها وسيلة لتحقيق األخرى‪.‬‬

‫المشرع يميل إلى االعتداد بالنيّة في ارتكاب‬


‫ّ‬ ‫ونالحظ من خالل الفصل ‪ 204‬م‪.‬ج‪ّ .‬‬
‫أن‬
‫الرابطة الغائية بين الجريمتين‬ ‫الجريمة األخرى كظرف مشدّد‪ ،‬إذ ّ‬
‫أن العبرة من التشديد هي ّ‬
‫وتوفّر القصد المكثّف لدى الجاني ‪ ،‬وهو ما توحي به عبارة االستعداد الواردة بالفصل ‪204‬‬
‫مجرد العزم دون التنفيذ الفعلي‪ ،‬فالنيّة التي‬
‫ّ‬ ‫والتي تشمل التحضير والنيّة أي االقتصار على‬
‫مجرد جريمة بل هي ظرف مشدّد للعقوبة ‪ ،‬إذ بتوفّرها يصبح الجاني‬
‫ّ‬ ‫المشرع ال تش ّكل‬
‫ّ‬ ‫يقصدها‬
‫مستحقّا ألعلى العقوبات وهي عقوبة اإلعدام‪.32‬‬

‫المشرع التْونسي يشدّد العقاب عندما تتعلّق األفعال المجرمة بماديات الفعل‪ ،‬وكذلك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إن‬
‫تغلظ العقوبة بالنظر لألسباب الراجعة لوضعيّة الضحيّة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬األسباب المتعلّقة بوضعيّة أو صفة الضحيّة‬


‫تش ّكل صفة المجني عليه معيارا ها ّما في تقدير العقوبة وأساسا لتشديدها‪ ،‬وتبرز رغبة‬
‫المشرع في حماية المجني عليه من خالل العديد من الجرائم التي سيقع ذكرها‪ .‬ذلك أنّه تشدّد‬
‫ّ‬
‫لسن المجني عليها فإذا كان سنّها فوق الخمسة عشر عاما‬
‫ّ‬ ‫العقوبة في جريمة االغتصاب وفقا‬
‫ودون العشرين سنة كاملة‪ ،‬العقاب يكون لمدّة خمسة أعوام ويرفع العقاب إلى ‪ 6‬أعوام إذا لم‬
‫تتجاوز الضحيّة الخمسة عشر عاما‪ ،‬وتطبق عقوبة اإلعدام على ك ّل من واقع أنثى سنّها دون‬

‫‪39‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫العشرة أعوام كاملة ولو بدون استعمال العنف‪.33‬‬

‫نص الفصل ‪228‬‬


‫ّ‬ ‫إلى جانب ذلك فإنّه تشدّد العقوبة في جرائم االعتداء بالفواحش‪ ،‬إذ‬
‫م‪.‬ج‪ .‬أنّه يرفع العقاب إلى إثني عشر عاما إذا كان المجني عليه في جريمة االعتداء بفعل الفاحشة‬
‫دون الثمانية عشر عاما كاملة‪.‬‬

‫أ ّما في ما يتعلّق بجريمة التو ّ‬


‫سط في الخناء المنصوص عليها بالفصل ‪ 232‬م‪.‬ج‪ ،‬فهي‬
‫سجن من عام إلى ثالثة أعوام وبخطيّة من مائة‬
‫عبارة عن جنحة يستهدف مرتكبها إلى عقاب بال ّ‬
‫دينار إلى خمسمائة دينار‪ ،‬على ّ‬
‫أن العقاب يصبح من ثالثة سنوات إلى خمس سنوات كما ترتفع‬
‫الخطيّة من خمسمائة إلى ألف دينار إذا ارتكبت الجريمة ض ّد قاصر‪ ،‬وهو ما ّ‬
‫نص عليه الفصل‬
‫‪ 233‬م‪.‬ج‪34.‬‬

‫كما تشدّد العقوبة في جريمة االعتداء على األخالق الحميدة المنصوص عليها بأمر ‪25‬‬
‫صة‬
‫المشرع في حماية القصر خا ّ‬
‫ّ‬ ‫أفريل ‪ 1940‬إذا ارتكبت ض ّد قاصر‪ ،‬ومن ذلك تبرز رغبة‬
‫وأنّهم في ّ‬
‫سن حرجة تجعل منهم عرضة للوقوع في المهالك‪ ،‬إذ قد يقع استغالل الطفل بأن يكون‬
‫سد في التجارة‬
‫ضحيّة تهريب أو ضحيّة استعماله كوسيلة تهريب‪ ،‬وأبرز هذه الحاالت تتج ّ‬
‫جرم التشريع التونسي استعمال أو تداول المخدرات‬
‫باألطفال وكذلك في تهريب المخدرات ‪ ،‬وقد ّ‬
‫ورفع في العقاب إلى أقصاه إذا ارتكبت إحدى الجرائم المنصوص عليها بقانون المخدرات ض ّد‬
‫قاصر لم يبلغ ‪ 18‬عاما كاملة‪.‬‬

‫نص الفصل ‪ 19‬م‪.‬ح‪.‬ط‪.‬‬


‫ّ‬ ‫المشرع الستغالل الطفل في اإلجرام المنظم‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬ ‫تعرض‬
‫كما ّ‬
‫صب‬
‫على منع استغالل الطفل في مختلف أشكال اإلجرام المنظم بما في ذلك زرع أفكار التع ّ‬
‫والكراهية فيه وتحريضه على القيام بأعمال العنف والترويع ونص الفصل ‪ 132‬م‪.‬ج‪ .‬من أنّه‬

‫‪40‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المقرر‬
‫ّ‬ ‫»يعاقب بالسجن مدّة ستة أعوام ك ّل من انخرط في عصابة أو شارك في وفاق من النوع‬
‫بالفصل ‪ 131‬م‪.‬ج‪ .‬ومدّة العقوبة تكون إثنى عشر عاما ‪ ...‬في صورة إستخدام طفل أو عدّة‬
‫أطفال دون الثمانية عشر عاما لألعمال المبينة بالفصل ‪ 131‬من المجلّة«‪.35‬‬

‫المشرع التونسي بحماية الموظف العمومي أو شبهه من االعتداءات التي‬


‫ّ‬ ‫كما اهت ّم‬
‫تستهدف سالمته البدنيّة‪ ،‬من ذلك ما اقتضاه الفصل ‪ 127‬م‪.‬ج‪ .‬الذي يحدّد عقوبة ك ّل من يعتدي‬
‫على موظف عمومي أو شبهه بضرب خفيف من النوع المنصوص عليه بالفصل ‪ 319‬م‪.‬ج‪.‬‬
‫ّ‬
‫الموظف أو شبهه‬ ‫بالسجن مدّة عام وبخطيّة قدرها ‪ 300‬فرنك‪ ،‬أ ّما إذا كان االعتداء على‬
‫سجن‬ ‫بالضّرب الشديد أي من النّوع المنصوص عليه بالفصل ‪ 218‬م‪.‬ج‪ّ .‬‬
‫فإن العقوبة تكون بال ّ‬
‫لمدّة خمسة أعوام وبخطيّة قدرها ألف فرنك‪.‬‬

‫ّ‬
‫الموظف من جرائم الثّلب وال ّ‬
‫شتم التي قد ترتكب‬ ‫المشرع عن حماية‬
‫ّ‬ ‫كما لم يسهى‬
‫ضدّه‪ ،36‬إذ تمتاز العقوبات المسلّطة على من يرتكب جريمة الثّلب وال ّ‬
‫شتم ض ّد موظف عمومي‬
‫يتدرج العقاب‬
‫صصة لثلب الخواص ‪ ،‬ففي جريمة الثلب ّ‬
‫بالشدّة في العقاب مقارنة بالعقوبات المخ ّ‬
‫بحسب وضعيّة المجني عليه من حيث السلطة والنّفوذ اإلداري والعسكري‪ ،‬ويبلغ العقاب أشدّه‬
‫عندما يستهدف النّظام العام والجيوش واإلدارات العموميّة‪.37‬‬

‫فإن حاالت التفريد القانوني منصوص عليها بدقّة صلب التشريع‪،‬‬


‫ومهما يكن من أمر ّ‬
‫ي سلطة تقديريّة في تطبيقها على خالف حاالت التّفريد القضائي‪.‬‬
‫وليس للقاضي أ ّ‬

‫الفصل الثاني‬
‫التّفريد عند تسليط العقـاب‬

‫‪41‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يتمثّل التّفريد عند تسليط العقاب في إعطاء القاضي سلطة تقديريّة واسعة الختيار العقوبة‬
‫المناسبة في نوعها ومقدارها للحالة المماثلة أمامه‪ ،‬وهو ما يعرف بالتفريد القضائي‪ ،‬إذ على‬
‫يقررها‬
‫المشرع عندما ينشئ في العقوبات التي ّ‬
‫ّ‬ ‫خالف التّفريد القانوني أو التشريعي الذي يراعيه‬
‫تدرجا في العقوبة بحسب ظروف الجرائم والجناة فيفرض على القاضي تطبيق‬
‫النص الجنائي ّ‬
‫ّ‬ ‫في‬
‫فإن التّفريد يكون قضائيا‬
‫المقررة لنفس الفعل‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫أخف من العقوبة العادية‬
‫ّ‬ ‫نص معيّن عقوبته أش ّد أو‬
‫ّ‬
‫المشرع ‪ ،‬فرغم الجسامة‬
‫ّ‬ ‫حين يقوم القاضي على تطبيقه عند تقدير العقوبة بناء على تفويض من‬
‫الذاتية للجريمة الواحدة أيا كان سبب وقوعها وزمانها فالقتل قتل أياما كانت ظروف وقوعه‪ ،‬إالّ‬
‫المشرع بعد أن يقدر جسامتها في صورة ح ّد أقصى وح ّد أدنى للعقاب يترك للقاضي أن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن‬
‫المشرع وبين ظروف وقوع الجريمة‬
‫ّ‬ ‫يوازن بين هذين الحدّين بين جسامة الجريمة كما قدّرها‬
‫وخطورة المجرم‪.‬‬

‫فإن القاضي يلعب دورا هاما في تفريد العقوبة حسب سلطته التّقديريّة‬
‫ومن هذا المنطلق ّ‬
‫المشرع ‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن هذا الدّور يتراجع في بعض األنواع من الجرائم‬ ‫ّ‬ ‫الواسعة واآلليات التي منحها له‬
‫التي تأخذ بعين االعتبار درجة جسامة الفعل المادّي االجرامي‪ ،‬ودرجة مسؤوليّة الفاعل‪،‬‬
‫سها بالمسائل األمنية واالقتصادية واالجتماعيّة‪.‬‬
‫وخطورة الفعلة على المجتمع‪ ،‬وم ّ‬

‫لذلك ورغم أه ّمية دور القاضي في تفريد العقوبة عند تسليط الجزاء ‪/‬مبحث ّأول‪ّ /‬‬
‫فإن هذا‬
‫الدّور يتراجع أمام أه ّمية بعض األفعال االجراميّة ‪/‬مبحث ثاني‪./‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬دور القاضـي في التّفريــد‬

‫‪42‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المشرع التّونسي للقاضي بعض الوسائل التي تم ّكنه من تحديد العقوبة المالئمة‬
‫ّ‬ ‫منح‬
‫لشخص المجرم‪ ،‬وظروف وقوع الجريمة‪ ،‬وجسامة الفعل‪ ،‬واشترط لذلك أن يت ّم ذكر األسباب‬
‫التي دعت إلى تمتيع الجاني بها‪.‬‬

‫فالعقوبة ال تحقّق الغاية المنشودة منها إالّ إذا وقع إختيار الجزاء المناسب لك ّل جريمة‪ ،‬مما‬
‫المتضرر من الجريمة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يسمح بتحقيق مصلحة المجتمع في الحفاظ على أمنه وسالمته‪ ،‬كما يمنح‬
‫الثقة واأل مان في تحقيق العدالة‪ ،‬ويسمح من جهة أخرى بعقاب الجاني عقابا يكون‪ ،‬مبدئيا‪،‬‬
‫متناسبا مع الجرم الذي إرتكبه‪.‬‬

‫التدرج بالعقاب من العقوبات‬


‫ّ‬ ‫المشرع التونسي للقاضي الجزائي‬
‫ّ‬ ‫خول‬
‫وفي هذا اإلطار فقد ّ‬
‫األول‪ /‬أو إذا توفّرت شروط العقوبات البديلة فإنّه يقع‬
‫األصلية إلى العقوبات التكميلية ‪/‬الفرع ّ‬
‫تطبيقها ‪/‬الفرع الثاني‪./‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬اختيـار العقوبـة األصليــة‬


‫ّ‬
‫إن معظم الفقهاء اليوم‪ ،‬يرجحون فكرة منح القاضي السلطة التقديريّة المطلقة في اختيار‬
‫فتتدرج هذه العقوبات من‬
‫ّ‬ ‫المشرع يحدّد مسبقا عقاب ك ّل جريمة على حدة‬
‫ّ‬ ‫نوع العقوبة‪ ،‬ذلك ّ‬
‫أن‬
‫سجن مدى الحياة‪ ،‬إلى السجن لمدّة معيّنة‪ ،‬إلى العمل لفائدة المصلحة العا ّمة ث ّم إلى‬
‫اإلعدام‪ ،‬إلى ال ّ‬
‫فالمشرع يضع عدّة عقوبات مختلفة من حيث الطبيعة حتى يمكن للقاضي الحكم بالعقوبة‬
‫ّ‬ ‫الخطيّة‪،‬‬
‫التي تتماشى مع مالبسات ك ّل جريمة على حدة ومع شخصيّة المجرم وحالته النفسيّة والذهنية‪،‬‬
‫المشرع التونسي للقاضي سلطة تحديد العقوبة وتفريدها عند‬
‫ّ‬ ‫وحتى يتحقّق ذلك الهدف فقد منح‬
‫تسليط العقاب‪ ،‬ومن مظاهر ذلك إمكانية إعفاء المحكوم عليه من قضاء المدّة المحكوم بها وذلك‬
‫بواسطة تأجيل التنفيذ ‪/‬الفقرة األولى‪ /‬كما يمكن للقاضي إدراج بعض الجرائم من صنف ما إلى‬
‫صنف آخر اعتمادا على تقنية التجنيح ‪/‬الفقرة الثانية‪ /‬وله كذلك أن يحكم بتدبير احترازي أصلي‬

‫‪43‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أو مضاف لعقوبة تقليديّة ‪/‬الفقرة الثالثة‪./‬‬


‫الفقرة األولى ‪ :‬التّفريد بواسطة تأجيـل التنفيـذ‬
‫يعرف تأجيل التنفيذ بأنّه »تعليق تنفيذ العقوبة من طرف القاضي على شرط عدم العود‬
‫ّ‬
‫خالل مدّة معيّنة يضبطها القانون‪ ،‬إزاء متّهم ثبتت إدانته أثناء المحاكمة‪ .38‬وإذا انقضت تلك‬
‫المدّة دون أن يرتكب المستفيد بتأجيل العقاب خاللها جريمة جديدة ّ‬
‫فإن الحكم الصادر ضدّه يسقط‬
‫واعتبر كأن لم يكن ‪.‬‬

‫ولقد ت ّم تقنين نظام تأجيل التّنفيذ في أغلب القوانين الوضعية منذ مطلع القرن ‪ ،19‬نظرا‬
‫مرة تحت ضغط ظروف إستثنائية‬ ‫سسة من فوائد على من زلّت بهم القدم ّ‬
‫ألول ّ‬ ‫لما توفّره هذه المؤ ّ‬
‫حرمتهم من تقدير نتائج أفعالهم‪ ،‬وقد أحدث االجراء بفرنسا بقانون ‪ 26 3 1891‬وانتشر بعد‬
‫ذلك في ك ّل التشاريع وخا ّ‬
‫صة أوروبا ‪.‬‬

‫تنص المجلّة الجنائية التونسية الصادرة سنة ‪ 1913‬على تأجيل‬


‫ّ‬ ‫المشرع التّونسي فلم‬
‫ّ‬ ‫أ ّما‬
‫التّنفيذ في البداية‪ ،‬ويعتبر الفصل ‪ 175‬من م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬الصادرة سنة ‪ 1922‬أول ّ‬
‫نص وضع نموذجا‬
‫تمهيديّا لنظام إسعاف المحكوم عليهم غير الموقوفين بتأجيل التنفيذ إلى أن تد ّخل المش ّرع سنة‬
‫‪ 1923‬لينقّح الفصل ‪ 53‬من م‪.‬ج‪ .‬ويدخل الفقرات المتعلّقة بتأجيل التنفيذ‪.‬‬

‫ويهدف تأجيل التّنفيذ إلى تحقيق غايتين‪ ،‬أما الغاية األولى فتتمثّل في حماية المجرم‬
‫سسة العقابية ومعاشرة من فيهم من المجرمين المعتادين أو الخطيرين‬
‫المبتدئ من دخول المؤ ّ‬
‫سجون‪.39‬‬
‫أن النظام الجماعي هو المطبق داخل ال ّ‬ ‫والتأثّر بهم خا ّ‬
‫صة ّ‬

‫فإن تأجيل التّنفيذ يع ّد فرصة للمحكوم عليه لتعديل سلوكه وتحسين خلقه‬
‫أ ّما بالنّسبة للثانية‪ّ ،‬‬
‫المشرع يفترض ّ‬
‫وأن بقاء المحكوم‬ ‫ّ‬ ‫والكف عن الجريمة للعود إلى حظيرة المجتمع ‪ ،‬ضرورة ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬

‫‪44‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عليه مدّة خمسة أعوام دون اقتراف فعل إجرامي يش ّكل قرينة قويّة على توبته ومحو آثار حالة‬
‫الخطورة لديه‪.‬‬

‫إالّ أنّه ّ‬
‫بالرغم من مزايا هذا اإلجراء‪ ،‬فقد وقع انتقاده من جهة خرق تأجيل التّنفيذ لمبدأ‬
‫أن العقوبة المستوجبة يفترض توقيعها على الك ّل‪ ،‬إالّ أنّه بتطبيق هذا النظام‬
‫المساواة‪ ،‬ذلك ّ‬
‫سيعاقب مجرمون وينتفع آخرون بتأجيل التنفيذ‪ ،‬لكن مبدأ المساواة ال يش ّكل مانعا لمبدأ التّفريد بل‬
‫إن المساواة الحقيقية ال تكون إالّ بالتـّفريد ‪ ،‬ومن جهة أخرى يش ّجع المجرمين على ارتكاب‬
‫ّ‬
‫الجريمة إذ يعلمون أنّهم سينتفعون بتأجيل التنفيذ ّ‬
‫لكن هذا اإلجراء ال ينطبق بصفة آلية إذ من‬
‫يقرره القاضي رغم عدم خطورة الجاني‪.‬‬
‫الممكن أن ال ّ‬

‫وتجدر اإلشارة أنّه توجد طريقتان في تأجيل التّنفيذ‪ ،‬تتمثّل األولى في وقف النطق بالعقاب‬
‫مع تحميل الجاني جملة من االلتزامات من شأنها أن تضمن إستقامته وعودته للجادة‪ ،‬أ ّما‬
‫الطريقة الثانية فيت ّم فيها النطق بالعقاب مع األمر بوقف تنفيذه لفترة محدّدة‪ ،‬واتجهت بعض‬
‫األنظمة الجنائيّة إلى تطوير هذه الطريقة الثانية التي تع ّد األكثر تقدّما بوضع المحكوم عليه تحت‬
‫تكرس الثّانية بشكلها‬
‫االختبار القضائي‪ ،‬ويمكن تصنيف القانون التّونسي صلب األنظمة التي ّ‬
‫المشرع التّونسي صلب الفصل ‪ 53‬م‪.‬ج‪ .‬على شروط منح تأجيل التّنفيذ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التّقليدي ‪ ،‬وقد ّ‬
‫نص‬

‫‪ - 1‬شروط تأجيل التنفيذ ‪:‬‬


‫صت الفقرة ‪ 12‬من الفصل ‪ 53‬م‪.‬ج‪ .‬على شروط إجراء تأجيل تنفيذ العقوبة‪ ،‬سواء فيما‬
‫ن ّ‬
‫يخص األشخاص الذين يتمتّعون بهذا اإلجراء أو الجرائم التي يمكن أن يمنح فيها الت ّأجيل ‪.‬‬
‫ّ‬

‫شروط المتعلّقة باألشخاص المنتفعين بالتّأجيل ‪:‬‬


‫أ ‪ -‬ال ّ‬
‫سبب في ذلك إلى ما‬
‫يقتصر تأجيل تنفيذ العقاب على المجرمين المبتدئين ‪ ،‬ويرجع ال ّ‬

‫‪45‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫صة قصيرة المدى تلعب دورا ها ّما في إفساد‬ ‫انتهت إليه الدراسات من ّ‬
‫أن عقوبة السجن وخا ّ‬
‫المجرمين المبتدئين ويضعف ك ّل أمل في إعادة إدماجهم بعد قضاء العقاب‪.40‬‬

‫سالفة الذّكر ما مفاده أنّه ال ينتفع بالتأجيل إالّ من لم يصدر‬


‫المشرع بالفقرة ‪ 12‬ال ّ‬
‫ّ‬ ‫نص‬
‫وقد ّ‬
‫النص أنّه يمكن‬
‫ّ‬ ‫ويستشف من هذا‬
‫ّ‬ ‫في شأنه حكم سابق على المتّهم بال ّ‬
‫سجن في جريمة أو جنحة‪،‬‬
‫أن يكون المتّهم قد حكم عليه بخطية أو بتدبير أمن من أجل مخالفة وال يمنعه ذلك من تأجيل‬
‫العقوبة‪.‬‬

‫شروط المتعلّقة بالجرائم ‪:‬‬


‫ب ‪ -‬ال ّ‬
‫مبدئيا يمكن القول ّ‬
‫أن ك ّل الجرائم يمكن منح التأجيل فيها ما لم يرد ّ‬
‫نص قانوني مانع‪ ،‬إذ‬
‫يتعرض فيها‬
‫ّ‬ ‫جاء بالفقرة ‪ 12‬من الفصل ‪ 53‬م‪.‬ج‪ .‬من أنّه »للحاكم في جميع ال ّ‬
‫صور التي ال‬
‫القانون أن يأمر بتأجيل تنفيذ العقوبة«‪ ،‬وتدخل في باب الجرائم المستثناة من تأجيل العقوبة تقريبا‬
‫بالنص وهي الشيكات بدون‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحط من العقاب الوارد‬ ‫نفس الجرائم التي ال يمكن فيها للمحكمة‬
‫رصيد‪ ،‬ونالحظ في هذه الصورة أنّه إذا ت ّمت التّسوية من خالل خالص أصل الشيك‬
‫و المصاريف في اآلجال القانونية أن تمنح المحاكم تأجيل التنفيذ‪ ،‬كذلك من بين الجرائم التي ال‬
‫يمكن للمحكمة منح تأجيل التنفيذ جرائم تدليس الشيكات أو قبولها ‪ ،‬وجرائم المخدرات وجريمة‬
‫الزوجات‪ ،‬وجريمة ّ‬
‫الزنا بمح ّل الزوجية‪،‬‬ ‫التزوج على خالف الصيغ القانونيّة‪ ،41‬وجريمة تعدّد ّ‬
‫كما ورد بالفقرة ‪ 12‬من الفصل المذكور من م‪.‬ج‪ّ .‬‬
‫أن »التأجيل ال يمكن منعه في النوازل الجنائية‬
‫إالّ إذا كان أدنى العقوبة المحكوم بها مع تطبيق ظروف التّخفيف ال تتجاوز عامين سجنا«‪.‬‬

‫صور‬ ‫المشرع وضع االستثناءات السابقة من مبادئ جواز منح التأجيل ّ‬


‫ألن ك ّل ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويبدو ّ‬
‫أن‬
‫أن الجاني رغم كونه مبتدئ‪ ،‬فإنّه قد أقدم على فعل جسيم يعكس درجة عالية‬
‫المذكورة تد ّل على ّ‬
‫من الخطورة في شخصيته تستوجب أن يكون العقاب في مواجهتها رادعا ونافذا‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫شروط المتعلّقة بمرجع النّظر الحكمي ‪:‬‬


‫ج ‪ -‬ال ّ‬
‫صة بمنح التّأجيل‪ ،‬وذلك بالقول ّ‬
‫أن لجميع المحاكم العدلية‬ ‫المشرع المحاكم المخت ّ‬
‫ّ‬ ‫لقد حدّد‬
‫ّ‬
‫الحق في االسعاف بالتأجيل من عدمه في القضايا المعروضة عليه‪.‬‬
‫ويرى األستاذ الفرشيشي ّ‬
‫أن عبارة المحاكم العدلية تحتوي ضرورة المحاكم اإلستثنائية‬
‫العسكرية منها والسياسية إضافة إلى محاكم الحق العام‪ ،42‬مع العلم أنّه وقع إلغاء المحاكم‬
‫السياسيّة‪.‬‬

‫‪ - 2‬مبـادئ تأجيـل التنفيــذ ‪:‬‬


‫إستقر فقه القضاء على جملة من المبادئ لتطبيق الفقرة ‪ 12‬من الفصل ‪ 53‬م‪.‬ج‪ .‬المتعلّقة‬
‫ّ‬
‫بتأجيل التنفيذ‪.‬‬

‫ويعتبر من أه ّم المبادئ المعتمدة‪ ،‬إقرار سلطة تقديرية مطلقة لمحاكم األصل في منح‬
‫ي متّهم المطالبة بتأجيل العقاب ولو توفّرت فيه‬
‫التأجيل من عدمه‪ ،‬وكنتيجة لذلك ال يمكن أل ّ‬
‫الشروط الالّزمة ‪ ،‬وتبرز أه ّمية هذا المبدأ في منع األشخاص من االعتقاد ّ‬
‫أن تأجيل تنفيذ العقاب‬
‫استقر فقه القضاء‬
‫ّ‬ ‫أن الخطورة األولى ال تكلف شيئا‪ ،‬كما‬ ‫ّ‬
‫حق لك ّل مجرم مبتدأ يذهب في اعتقاده ّ‬
‫بأن تأجيل التّنفيذ ال عالقة له بظروف التخفيف‪ 43‬المنصوص عليه بنفس الفصل‬
‫على القول ّ‬
‫‪ ،53‬وبيّنت محكمة التعقيب في هذا الصدد أنّه من الممكن أن تقضي المحكمة بأقصى عقاب‬
‫وتأمر في نفس الوقت بتأجيل التّنفيذ‪ ،‬كما بيّنت محكمة التّعقيب ّ‬
‫أن واجب انذار المحكوم عليه‬
‫بالتأجيل‪ ،‬وتحذيره من مغبة العود في المدّة القانونية يعتبر إجراء غير جوهري وال يترتّب عن‬
‫اغفاله البطالن‪.44‬‬

‫استقر عليها فقه قضاء محكمة التّعقيب‪ ،‬نوعا من‬


‫ّ‬ ‫ويستروح من المبادىء السابقة التي‬

‫‪47‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫االحتشام في التطبيق الحرفي ألحكام الفقرة ‪ 12‬من الفصل ‪ 53‬م‪.‬ح‪ ،.‬إالّ ّ‬


‫أن هذا ال يمنع اجتهاد‬
‫المحاكم في إقرار امكانية التأجيل الجزئي للعقاب‪ ،‬فقد ذهبت بعض محاكم األصل في بعض‬
‫للحرية دون البعض اآلخر ‪ ،‬مثال ذلك‬
‫ّ‬ ‫القضايا إلى منح تأجيل التنفيذ في بعض العقاب السالب‬
‫الحكم الجناحي الصادر عن المحكمة االبتدائيّة بتونس بتاريخ ‪ 3 4 1996‬والتي قضت فيه‬
‫للحرية واسعافه في نفس الوقت بتأجيل التنفيذ في حدود مقدار معيّن وقد أيّدت‬
‫ّ‬ ‫بعقوبة سالبة‬
‫موقفها بالقول »أن تناسب العقوبة مع درجة المسؤوليّة وظروف الجاني النفسية واالجتماعية‬
‫والعائلية يقتضي أن تكون هذه األخيرة قابلة للتجزئة ما لم يتض ّمن الحكم عقوبة اإلعدام«‪.45‬‬
‫وقد أيدت محكمة التعقيب هذا االتّجاه في قرارات سابقة قائلة بأنّه ما دام ال يوجد ّ‬
‫نص يمنع مثل‬
‫هذا االجراء فال بأس من القيام به‪.46‬‬

‫المشرع الفرنسي قد أخذ بالتأجيل الجزئي منذ صدور القانون المؤرخ‬


‫ّ‬ ‫وتجدر اإلشارة ّ‬
‫أن‬
‫في ‪ 17‬جويلية ‪.1970‬‬

‫ويذهب األستاذ الفرشيشي إلى ّ‬


‫أن قرارات التأجيل الجزئي للعقاب‪ ،‬هي قرارات جريئة‬
‫ومتماشية مع ضرورات نظرية التفريد القضائي واالستجابة لخصوصية ك ّل وضعية إجرامية‬
‫على حدة‪ ،‬ولكنّه يرى أنّه من الواجب أن يقتصر إجراء التأجيل على المحكوم عليهم الموقوفين‬
‫أن تأجيل التّنفيذ وضع أساسا لتفادي اآلثار ال ّ‬
‫سلبية لعقوبة‬ ‫دون غيرهم ‪ ،‬ويدعم رأيه بالقول ّ‬
‫السجن قصيرة المدى‪ ،‬وأنّه ال يمكن تحقيق هذه الغاية بالنسبة لمن هم بحالة سراح‪ ،‬ولكن بالنسبة‬
‫للموقوفين فإنّه من المستساغ استخدام هذه الحيلة كي ال يحرموا من مزايا التأجيل لما تبقى من‬
‫المدّة‪.47‬‬
‫أن مبدأ تأجيل التّنفيذ يعتمده القاضي كآلية من آليات تفريد‬
‫والمالحظ في هذا اإلطار ّ‬
‫العقوبة إلى جانب بعض اآلليات األخرى مثل التجنيح‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬التفريـد بتقنيـة التجنيــح‬


‫المشرع أن يحدّد‬
‫ّ‬ ‫تطور السلوك اإلجرامي تكاثرت الوضعيات واختلفت فكان على‬
‫أمام ّ‬
‫أنواع العقوبات‪ ،‬وكان التقسيم الثالثي المؤسس على سلم الجرائم والمتمثّل حسب الفصل ‪122‬‬
‫م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬في الجنايات والجنح والمخالفات‪ ،‬كما حدّدت الفصول من ‪ 123‬إلى ‪ 127‬م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬خطورة‬
‫صة‪ ،‬وفي هذا اإلطار يشكل التّجنيح‬
‫الجريمة من صرامة وشدّة في العقوبة وكذلك المحكمة المخت ّ‬
‫ر ّد فعل القاضي ض ّد صرامة القانون ويتمثّل التجنيح حسب األستاذ ‪ Chavanne‬في أن يت ّم‬
‫التتبّع من طرف النيابة العمومية وبتأييد من حاكم التحقيق لجريمة هي في األصل من صنف‬
‫الجنايات على أنّها من قبيل الجنح‪ ،48‬فهي إذن عملية قانونية قضائيّة تتمثّل في إعادة تصنيف‬
‫جريمة تندرج ضمن صنف الجنايات وإخضاعها للقواعد القانونيّة المتعلّقة بالجنح‪.‬‬

‫والمالحظ ّ‬
‫أن إرساء هذه التقنية في العمل القضائي للمحاكم الجزائية كان خالل سنوات‬
‫‪ ، 1961-1960‬حيث صدر منشور عن وزارة العدل وقع فيه اإللماع إلى التّجنيح من خالل‬
‫التوجهات التي تضمنها‪ ،‬والرامية إلى تجنيح بعض الجنايات البسيطة ‪/‬مثال تفاهة قيمة المسروق‬
‫في السرقة الموصوفة‪ /‬تقليصا للنفقات الكبيرة التي يتطلبّها البحث والتّحقيق في الجنايات‪،‬‬
‫وادخارا للوقت حتى يقع تجنّب العمل باإليقاف التحفّظي للمتّهم وذلك بالحرص على سرعة‬
‫الفصل في القضيّة‪.‬‬

‫أ ّما بفرنسا ّ‬
‫فإن ظهور التجنيح لدى المحاكم الفرنسية كان قبل ظهوره لدى نظيراتها‬
‫التّونسية‪ ،‬وقد حاول رجال القضاء الفرنسيين إرجاع ذلك لعدّة اعتبارات منها خا ّ‬
‫صة قدم التقسيم‬
‫مستمر‪ ،‬ثم تجنّب النفقات الكبيرة‬
‫ّ‬ ‫تطور وتغيّر‬
‫الثالثي للجرائم وعدم مالءمته للواقع الذي هو في ّ‬
‫التي ترافق تتبّع ومحاكمة الجنايات ‪.‬‬

‫سسة أنّها لم تلق التأييد الكامل من الفقه وبعض‬ ‫إال ّ‬


‫أن ما يجلب االنتباه بخصوص هذه المؤ ّ‬

‫‪49‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫صة وأنّه ّ‬
‫بالرجوع إلى‬ ‫فقه القضاء‪ ،‬مما حال دون إفرادها بتعريف شامل وهو ضروري خا ّ‬
‫المعاجم العربيّة ال نجد تعريفا قانونيّا لكلمة تجنيح عدا ما ورد بالمعجم الوسيط‪» : 49‬جنح‬
‫المخالفة والجناية‪ ،‬عدها جنحة«‪ ،‬وهو نفس ما تضمنه المعجم الوجيز‪.‬‬

‫سسة لوجود من حاول تعريفها‪ ،‬إذ اعتبر‬ ‫ّ‬


‫لكن ذلك ال يعني تجاهل الفقه لهذه المؤ ّ‬
‫أن التّجنيح هو تلك العمليّة التي يقوم فيها أحد ممثّلي النّيابة بتتبّع‪،‬‬
‫‪ّ Chavanne Albert‬‬
‫بموافقة قاضي التّحقيق والمجلس‪ ،‬فعل قامت من خالله جريمة يصفها القانون بالجناية‪ ،‬كما لو‬
‫مجرد جنحة‪.50‬‬
‫ّ‬ ‫كان‬

‫تطور مطرد‪ ،‬بحيث‬‫أن هذه التّقنية منذ أن عرفت طريقتها إلى التّطبيق وهي في ّ‬
‫والمه ّم ّ‬
‫سس قضاءها وبالتالي‬ ‫أن المحاكم ال تتوانى في العمل بها كلّما ظهرت لها ّ‬
‫مبررات وأسباب تؤ ّ‬ ‫ّ‬
‫فإن القاضي حين ينزع للعمل بالتّجنيح فإنّه يبحث على‬
‫صار بذلك التّجنيح ذا أه ّمية كبرى‪ ،‬وعليه ّ‬
‫تفريد العقوبة‪ ،‬الذي يتحقّق بإحكام مالءمته وخطورة الفعل االجرامي وشخصيّة المجرم‪ ،‬فبات‬
‫بذلك التّجنيح على صلة ثابتة بتفريد العقوبة‪.‬‬

‫واستمر على ذلك إلى حين صدور القانون‬


‫ّ‬ ‫أن التّجنيح كان منذ نشأته قضائيّا‪،‬‬
‫والمالحظ ّ‬
‫المؤرخ في ‪ 9‬نوفمبر ‪ ،1995‬والذي أشار بفصله ‪ 69‬منه إلمكانية‬
‫ّ‬ ‫عدد ‪ 92‬لسنة ‪1995‬‬
‫صت على التّجنيح بصفة صريحة‬
‫التّجنيح‪ ،‬لكن ذلك لم يكن شأن بعض التّشريعات األخرى التي ن ّ‬
‫ومنها التّشريع اللّيبي والتّشريع البلجيكي‪.‬‬

‫بذلك تعدّدت صور التجنيح واختلفت طبيعته ‪ ،‬إذ أصبح ذي طبيعة مزدوجة‪ ،‬بعد أن كان‬
‫قضائيا صارت له طبيعة قانونيّة‪ ،‬حتى لو سبقت األولى الثانية من حيث النشأة‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫صورة األولى ‪ :‬التّجنيح القانوني ‪Correctionnalisation légale :‬‬


‫ال ّ‬
‫اقتضى الفصل ‪ 69‬من مجلّة حماية الطفل أنّه »يمكن تجنيح ك ّل الجنايات ما عدا جرائم‬
‫المس منها ‪ ،‬وشخصيّة‬
‫ّ‬ ‫القتل‪ ،‬ويراعي في ذلك نوع الجريمة‪ ،‬وخطورتها‪ ،‬والمصلحة الواقع‬
‫الطفل وظروف الواقعة«‪.‬‬

‫المشرع لم يعمل على جعل تجنيح الجنايات التي‬


‫ّ‬ ‫المالحظ من خالل هذا الفصل‪ّ ،‬‬
‫أن‬
‫يقترفها األطفال أمرا وجوبيا‪ ،‬والحال أنّه لو فعل لكانت له ّ‬
‫مبررات ذلك ومنها حداثة ّ‬
‫سن الطفل‬
‫ومحاولة التركيز على إصالحه ورعايته قبل زجره‪ ،‬لكن يبدو ّ‬
‫أن األسباب التي جعلته يقلع عن‬
‫وجوبية التجنيح ويكتفي بجعله اختياريا كانت أقوى وأه ّم‪ ،‬ومن هذه األسباب ما اقتضاه الفصل‬
‫ينص أنّه »ال يجوز إجراء الوساطة إذا إرتكب الطفل جناية«‪ ،‬وبالتالي فإنّه‬
‫ّ‬ ‫‪ 115‬م‪.‬ح‪.‬ط‪ .‬الذي‬
‫ال يستقيم منطقيّا جعل التّجنيح وجوبيا من ناحية في بعض الجنايات ‪ ،‬ثم منع الوساطة في ك ّل‬
‫الجنايات بدون إستثناء من ناحية أخرى ‪ .‬إلى جانب ذلك ّ‬
‫فإن نطاق التجنيح القانوني يمت ّد إلى‬
‫الجرائم التي لها صبغة الجناية‪ ،‬ما عدى جرائم القتل‪ ،‬والجرائم التي يتطلّب قيامها توفّر بعض‬
‫صفات التي ال توجد مبدئيا في الطفل كصفة الموظف العمومي‪ ،‬ويمكن أن تشمل ‪:‬‬
‫ال ّ‬
‫ّأوال ‪ :‬بعض الجنايات في جرائم االعتداء على النظام العام ‪:‬‬
‫‪ -1‬جرائم االعتداء على النّظام العام من الفصل ‪ 60‬إلى ‪ 80‬م‪.‬ج‪ .‬وذلك سواء كانت هذه‬
‫الجرائم تهدف إلى االعتداء على أمن الدّولة الخارجي أو الدّاخلي‪.‬‬
‫‪ -2‬العصيان الواقع من أكثر من عشرة أشخاص وكان شخصان على األق ّل منهم مسلّحين‬
‫الفصل ‪ 117‬م‪.‬ج‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬بعض الجنايات في جرائم االعتداء على األشخاص‬


‫‪ -1‬االعتداء بفعل الفاحشة على شخص ذكرا كان أو أنثى بدون رضاه‪ ،‬أو كان ّ‬
‫سن‬
‫المجني عليه دون الثمانية عشر عاما كاملة‪ ،‬أو صاحب االعتداء إستعمال سالح أو تهديد أو‬

‫‪51‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المتضرر في‬
‫ّ‬ ‫احتجاز‪ ،‬أو نتج عن االعتداء جرح أو بتر عضو أو تشويه أوغيرها مما يجعل حياة‬
‫خطر ‪/‬الفصل ‪ 228‬م‪.‬ج‪./.‬‬
‫‪ -2‬اال عتداء بالعنف الشديد من الخلف على السلف‪ ،‬أو الذي نتج عنه أحد األمور التالية‪،‬‬
‫درجة سقوط أو عجز تتجاوز العشرين في المائة‪ ،‬أو تصير اإلنسان خصيا أو مجبوبا أو الموت‬
‫‪/‬الفصل ‪ 219‬فقرة ثانية وثالثة والفصل ‪ 221‬م‪.‬ج‪./‬‬

‫ثالثا ‪ :‬بعض الجنايات في جرائم اإلعتداء على الملك ‪:‬‬


‫‪ - 1‬اإلضرار بملك الغير من عقارات ومنقوالت بما يصير ص ّحة الشيء أو وجوده في‬
‫خطر‪ ،‬وذلك بقصد التشفّي من موظف عمومي بسبب أمر من عالئق وظيفته‪ ،‬أو من شاهد بسبب‬
‫شهادته ‪/‬الفصول ‪ 304‬و‪ 305‬م‪.‬ج‪ ،/.‬أو كان اإلضرار أو االفساد باستعمال آلة إنفجارية‪ ،‬أو‬
‫مجرد وضع هذه اآللة االنفجارية بالطريق العام‪ ،‬أو بمح ّل مسكون وذلك لقصد جنائي‬
‫ّ‬ ‫حتى‬
‫‪/‬الفصل ‪ 306‬م‪.‬ج‪./.‬‬
‫‪ - 2‬أخذ إمضاء أو كتب أو عقد أو رسم أو غيرها من المكاتيب المضمنة لإللتزام‪ ،‬أو‬
‫القوة أوالعنف أو الجبر أو بالتهديد‬
‫القاضية به‪ ،‬أو بتفويت أو إبراء‪ ،‬وذلك بالحيلة أو باستعمال ّ‬
‫بالكتابة أو بالقول‪ ،‬سواء وجه ذلك للمأخوذ منه أولغيره ‪/‬الفصل ‪ 283‬م‪.‬ج‪. /.‬‬

‫رابعا ‪ :‬بعض الجنايات الواردة بمجلّة المرافعات والعقوبات العسكرية ‪:‬‬


‫أن الجرائم الواردة بمجلّة المرافعات والعقوبات العسكرية ال ته ّم إالّ العسكريين‪،‬‬
‫األصل ّ‬
‫إالّ أنّها تض ّمنت بعض األحكام ا ّ‬
‫لزجرية التي تمت ّد للمدنيين بحيث جاءت ببعض الجرائم التي لها‬
‫صبغة الجناية والتي يستهدف الردع فيها أشخاص من غير العسكريين وهي ‪:‬‬
‫قوة عسكرية مقاتلة ‪ ،‬بالعنف الشديد على عسكري جريح أو‬
‫‪ -1‬االعتداء في منطقة أعمال ّ‬
‫مريض ال يقدر على الدفاع عن نفسه ‪/‬الفصل ‪ 85‬م‪.‬م‪.‬ع‪.‬ع‪./‬‬
‫سلب‬
‫قوة عسكرية‪ ،‬ويكون العسكري المستهدف لل ّ‬
‫‪ -2‬سلب عسكري بمنطقة أعمال ّ‬
‫‪52‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫شديد النّاتج عنه تعكير الحالة‬


‫جريحا‪ ،‬مريضا أو ميتا سواء كان ذلك باستعمال االعتداء بالعنف ال ّ‬
‫الص ّحية للعسكري الجريح أو المريض‪ ،‬أو بدونه ‪/‬الفصل ‪ 99‬م‪.‬م‪.‬ع‪.‬ع‪./.‬‬

‫‪ - 1‬حدود مبدأ التجنيح القانوني ‪:‬‬


‫ّأول هذه الحدود ما أورده الفصل ‪ ، 69‬حين استثني جرائم القتل من امكانية التجنيح ثم ما‬
‫اقتضاه الفصل ‪ ، 115‬وهي حدود أوردتها مجلة حماية ّ‬
‫الطفل‪ ،‬هذا إضافة إلى الحدود األخرى‬
‫سن الطفل وقلّة معارفه‪.‬‬ ‫التي يمكن الخروج بها من طبيعة بعض الجنايات بالنّظر خا ّ‬
‫صة لحداثة ّ‬

‫أ ‪ -‬الحدود الواردة بمجلّة حماية الطفل ‪:‬‬


‫استثني الفصل ‪ 69‬من هذه المجلّة جرائم القتل نظرا للخطورة التي تنطوي عليها وخا ّ‬
‫صة‬
‫المشرع التّونسي رأى في اتيان الطفل لجناية القتل‪ ،‬تجاوزه‬
‫ّ‬ ‫منها التي لها صبغة جنائيّة‪ ،‬ولربّما‬
‫مرحلة الطفل المهدّد وأصبح طفال جانحا‪ ،‬وبالتّالي فإنّه في مثل هذه الحالة ال داعي العتماد‬
‫الوسائل والتّدابير الوقائية في شأنه وتحتم زجره‪ ،‬سواء باإلصالحية أو بالردع دون العمل على‬
‫تمتيعه بالتجنيح في هذا الصنف من الجنايات‪.‬‬

‫كما اقتضى الفصل ‪ 115‬م‪.‬ح‪.‬ط‪ .‬أنّه »ال يجوز إجراء الوساطة إذا ارتكب ال ّ‬
‫طفل‬
‫جناية«‪ .‬وبالتالي فإنّه حتى الجنايات التي تقبل التّجنيح ال يجوز إجراء الوساطة في شأنها‪ ،‬وهو‬
‫بالمشرع لو جعل إجراء الوساطة‬
‫ّ‬ ‫أمر ال يستقيم على األق ّل من حيث المبدأ ‪ ،‬أو كان يحسن‬
‫اختياريا موكوال الجتهاد قاضي األطفال ‪ ،‬ومنعها في جرائم القتل كما هو ال ّ‬
‫شأن بالنسبة للتجنيح‪.‬‬

‫ب ‪ -‬الحدود المرتبطة بطبيعة بعض الجرائم ‪:‬‬


‫سابق إيرادها‪ ،‬والتي أجاز الفصل ‪ 69‬تجنيحها‪ ،‬يتّضح ّ‬
‫أن العديد‬ ‫بالرجوع إلى الجنايات ال ّ‬
‫ّ‬
‫تصور اقترافها من قبل أطفال حتى لو كانت لهم سوابق إجرامية ‪ ،‬إذ يصعب‬
‫ّ‬ ‫منها ال يمكن‬

‫‪53‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تصور اقتراف الطفل لجرائم االعتداء على النظام العام الواردة بالفصول من ‪ 60‬إلى ‪ 80‬م‪.‬ج‪.‬‬
‫ّ‬
‫لما يتطلّبه هذا النوع من سعة إدراك وعلم بعدّة أمور سواء كان ذلك في مرحلة التحضير أو‬
‫التنفيذ إذ يصعب على الطفل اإللمام بها‪.‬‬
‫إن كان إقصاء مثل هذه الجنايات قائما على مقارنة طبيعتها‪ .‬وسن الطفل وكافة قدراته‬
‫الذهنية والجسمانية‪ ،‬فإنّه إقصاء يتدعم كذلك بالنظر إلى المحيط اإلجرامي لألطفال‪ ،‬والذي من‬
‫سرقة الموصوفة أو جنايات‬ ‫إفرازاته ّ‬
‫أن معظم الجنايات التي يقترفها األطفال هي جنايات ال ّ‬
‫االعتداء بالعنف ال ّ‬
‫شديد وقليل جدا جنايات المواقعة واالعتداء بفعل الفاحشة‪.‬‬

‫‪ - 2‬المعاييــر القانونيــة للتجنيــح ‪:‬‬


‫أورد الفصل ‪ 69‬عدّة معايير للتّجنيح إذ اقتضى »‪ ...‬ويراعى في ذلك نوع الجريمة‪،‬‬
‫المس منها‪ ،‬وشخصية الطفل ‪ ،‬وظروف الواقعة«‪ .‬وهي ترد إلى‬
‫ّ‬ ‫وخطورتها والمصلحة الواقع‬
‫صنفين ‪ ،‬معايير موضوعيّة متصلة بالواقعة اإلجرامية ومعايير شخصية متّصلة بشخصية الطفل‬
‫وظروفه‪.‬‬

‫أ ‪ -‬المعايير الموضوعية ‪:‬‬


‫المس منها‪ ،‬وهي كلّها أمور‬
‫ّ‬ ‫وهي المتّصلة بنوع الجريمة وخطورتها والمصلحة الواقع‬
‫ترجع مثلما أورد آخر الفصل الذي جاء بها لظروف الواقعة‪.‬‬
‫‪ - 1‬نـــوع الجريمــة ‪:‬‬
‫يقصد بنوع الجريمة أن تكون من جرائم االعتداء على األمن العام الخارجي أو الدّاخلي ‪،‬‬
‫أو أن تكون من جرائم االعتداء على النّاس باستثناء جرائم القتل‪ ،‬أو أن تكون كذلك من جرائم‬
‫االعتداء على الملك‪ ،‬أو أخيرا من الجرائم العسكرية‪.‬‬
‫المشرع التونسي‪ ،‬حين أشار على قاضي تحقيق األطفال أو محكمة األطفال‬
‫ّ‬ ‫والواضح ّ‬
‫أن‬
‫بأن يأخذ بعين االعتبار نوع الجريمة حين تجنيحها لها‪ ،‬أراد اإلشارة إلى كون التّجنيح ال يسلط‬

‫‪54‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫بصفة متساوية على ك ّل أنواع الجرائم التي قد تكون متفاوتة الخطورة‪.‬‬

‫‪ - 2‬خطورة الجريمة ‪:‬‬


‫قد تلقى العديد من الجرائم في انضوائها تحت وصف قانوني واحد بحيث تكون لها صبغة‬
‫المشرع مبدئيا من الجرائم الخطيرة‬
‫ّ‬ ‫الجناية‪ ،‬لكنها رغم ذلك ّ‬
‫فإن خطورتها تختلف حتى لوعدها‬
‫حين أضفى عليها الوصف الجنائي‪.‬‬
‫بحيث أنّه على قاضي تحقيق األطفال أو محكمة األطفال تقدير خطورة كل جريمة لها‬
‫صبغة الجناية على حدة‪ ،‬ويستعين في ذلك باألعمال التحضيرية التي قام بها الطفل وباألدوات‬
‫التي استعملها والطريقة التي انتهجها في اقترافها‪.‬‬

‫وقد أ ّكدت ج ّل الدّراسات ال ّ‬


‫سيكولوجية والنّفسية لألطفال المجرمين‪ ،‬أنّه يمكن انطالقا من‬
‫أداة الجريمة والطريقة التي ارتكبت وفقها‪ ،‬أن نأخذ فكرة على شخصية الطفل واتجاه تركيبته‬
‫سيكولوجيّة والنفسية ‪.‬‬
‫ال ّ‬

‫المس منها ‪:‬‬


‫ّ‬ ‫‪ - 3‬المصلحة الواقع‬
‫المس من بعض المصالح سواء كان ذلك بصفة‬
‫ّ‬ ‫إن ك ّل الجرائم بمختلف أنواعها تستهدف‬
‫مباشرة أو غير مباشرة‪ ،‬والمصلحة قد تكون عامة أو خاصة‪ ،‬هذا فضال عن امكانية أن تستهدف‬
‫تمس‬
‫ّ‬ ‫المس من المصلحتين معا‪ ،‬كجريمة محاولة إرشاء الموظف العمومي التي‬
‫ّ‬ ‫الجريمة الواحدة‬
‫في نفس الوقت من مصلحة المجتمع العا ّمة ومن مصلحة ذلك الموظف الخاصة‪ ،‬فالمه ّم أنّه على‬
‫القاضي حين تعهده بالجريمة إحكام تقدير هذه المصلحة ليتوصل لمعرفة تعارضها وإمكانية‬
‫التجنيح من عدمه ‪.‬‬

‫المس منها‪ ،‬األضرار المترتّبة عن الجريمة بحسب ما‬


‫ّ‬ ‫كما تدخل في تقدير المصلحة الواقع‬

‫‪55‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سرقة الموصوفة ويقوم‬


‫للمتضررين من الجريمة ‪ ،‬مثال طفل يقترف ال ّ‬
‫ّ‬ ‫إذا كانت أه ّميتها بالنسبة‬
‫باالستالء على شيء أو أشياء تافهة القيمة بالنسبة للغير لكنها بالنسبة ألصحابها هي من األه ّمية‬
‫بمكان‪.‬‬

‫ب ‪ -‬المعايير الشخصيّة ‪:‬‬


‫اكتفى الفصل ‪ 69‬بذكر عبارة »شخصية الطفل«‪ ،‬وكأنّه أراد االقتصار على المعايير‬
‫المتّصلة بشخصيّة الطفل دون تلك التي تتجاوزها لتمت ّد لبيئته وخاصياتها مثال‪ .‬إذ أورد إيميل‬
‫قارسون ‪ Emil Garçon‬أنّه »من األسباب الغالبة‪ ...‬الماضي الحسن للمجرم‪ ،‬التربية التي‬
‫تعرض لها ‪ ،‬عمره‪ ،‬ندمه‪ ،‬الدوافع الشريفة التي دفعته إلى ارتكاب الجريمة‪ ،‬المشاعر التي‬
‫ّ‬
‫تسلّطت عليه‪ ،‬شوائبه البدنية أو العقلية‪ ،‬حالته السيكوباتية‪ ،‬تأثّره بالبيئة‪ ،‬خضوعه لسيطرة‬
‫شريك‪ ،‬بؤسه ال ّ‬
‫شديد‪ ،...‬ضالة الضّرر الحاصل أو إمكانية إصالحه‪ ،‬موقف المجني‬
‫عليه‪ ،51«...‬وهي كلّها أمور ال تتوقّف بالضرورة على شخصية الطفل‪ ،‬بل تتجاوزها إلى بيئته‬
‫اإلجتماعيّة ووسطه والمؤثرات الخارجيّة التي سلطت عليه‪ ،‬إالّ أنّه بالنظر إلى المالبسات العا ّمة‬
‫التي صاحبت صدور م‪.‬ح‪.‬ط‪ .‬خاصة تلك المتصلة بضرورة النّهوض باإلنسان‪ ،‬وضمان توازنه‬
‫النّفساني واالجتماعي ‪ ،‬يبدأ مع مرحلة الطفولة وذلك سعيا لتأصيل منحي تنمية الموارد البشرية‬
‫كتوجيه سياسي عام للدّولة‪.‬‬

‫المشرع التونسي‪ ،‬على توفير بعض اآلليات التي تم ّكن قاضي تحقيق األطفال‬
‫ّ‬ ‫وقد عمل‬
‫من الوقوف على حقيقة شخصية الطفل‪ ،‬ومن ذلك ما اقتضاه الفصل ‪ 76‬م‪.‬ح‪.‬ط‪ .‬من أنّه »عند‬
‫إجر اء التحقيق أو في مرحلة المحاكمة يدعى للحضور خبير أو أكثر إلبداء رأيه شفاهيا أو كتابيا‬
‫في مسائل تتعلّق بالقضية أو بشخصيّة الطفل«‪ ،‬هذا مع اإلشارة إلى ّ‬
‫أن مندوب حماية الطفولة‬
‫يعتبر الشخص الوحيد المؤ ّهل إلبداء ملحوظات حول شخصيّة الطفل‪ ،‬نظرا للسلطات الواسعة‬
‫يمر بحاالت صعبة‬
‫خولها له الفصل ‪ 30‬م‪.‬ح‪.‬ط‪ ،‬والمرتبطة شديد االرتباط بالطفل الذي ّ‬
‫التي ّ‬

‫‪56‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫على معنى الفصل ‪ 20‬من نفس المجلّة فضال عما اقتضاه الفصل ‪ 87‬م‪.‬ح‪.‬ط‪ .‬من أنّه »يقوم‬
‫قاضي األطفال مباشرة أو عن طريق أحد األشخاص المؤ ّهلين لذلك بجميع األعمال واألبحاث‬
‫الالزمة للتوصل إلى إظهار الحقيقة ومعرفة شخصية الطفل أو الوسائل المناسبة إلصالحه أو‬
‫حمايته«‪.‬‬

‫صورة الثانية ‪ :‬التجنيح القضائي ‪Correctionnalisation judiciaire‬‬


‫ال ّ‬
‫يعتبر التجنيح القضائي هو األساس والمبدأ ‪ ،‬أ ّما التجنيح القانوني فهو اإلستثناء وذلك لقدم‬
‫األول في الظهور والبروز بالنسبة للثاني‪ ،‬ويكون التجنيح القضائي وفق طريقتين‪.52‬‬
‫ّ‬

‫ففي األولى يكون التّجنيح سابقا »‪ «Correctionnalisation à-priori‬بمعنى‬


‫أنّه يقع قبل صدور قرار المحكمة‪ ،‬فهو نتاج أعمال التتبّع أو التحقيق التي يتوالّها إ ّما النيابة‬
‫العموميّة أو حاكم التحقيق باالعتماد على مالبسات وظروف المجرم والجريمة‪ ،‬وهي الطريقة‬
‫المتبعة سواء في النظام القضائي التونسي أو الفرنسي‪ ،‬أ ّما في الثانية ّ‬
‫فإن التجنيح يكون الحقا‬
‫»‪ «Correctionnalisation à-posteriori‬وهي طريقة تتطلّب تد ّخل النيابة‬
‫العمومية‪ ،‬لكنّه تدخل يقع بعد صدور الحكم بترك ال ّ‬
‫سبيل عن القضاء الجالس‪ ،‬بحيث ّ‬
‫أن النيابة‬
‫تقوم بتتبّع الواقع تبرئته تحت وصف آخر الذي يكون هنا جناحي‪ ،‬كأن يقع الحكم بعدم سماع‬
‫فتقرر النيابة إعادة تتبّعه من أجل التحيّل ‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن هذه القاعدة لم‬ ‫دعوى ّ‬
‫الزور في شأن شخص ّ‬
‫تعد متالئمة والقانون الجزائي التونسي الحالي والذي أورد بالفصل ‪ 132‬م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬الواقع إضافته‬
‫المؤرخة في ‪ 22‬نوفمبر ‪ 1993‬أنّه »ال يمكن تتبّع من حكم‬
‫ّ‬ ‫بالقانون عدد ‪ 14‬لسنة ‪1993‬‬
‫ببرائته من جديد ألجل نفس األفعال ولو تحت وصف قانوني آخر«‪ .‬وحتى عند إمكان العمل بهذه‬
‫الطريقة الثانية فإنّها سرعان ما تالشت بوقوع االستغناء عنها نظرا لتعارضها وقاعدة اتّصال‬
‫القضاء‪ ،‬إذ ال يمكن أن يصدر حكم اتصل به القضاء تجاه شخص ثم يبقى هذا األخير مح ّل تتبّع‬
‫جديد‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ - 1‬أسباب التجنيح القضائي ‪:‬‬


‫الزجرية‬ ‫شك‪ ،‬في كون وراء العمل بالتّجنيح رغبة في إحكام نجاعة ال ّ‬
‫سياسة ّ‬ ‫ليس هناك ّ‬
‫وتفريد العقوبة‪.‬‬

‫أن الدافع األساسي للتّجنيح هو‬


‫‪ّ Crisenouy‬‬ ‫ففي ما يتعلّق باألولى فقد الحظ كريزنو‬
‫ذلك التّباعد والتباين اللذين صارا يطبعان العالقة بين صرامة القواعد الجزائية وحقيقة المجتمع‬
‫أن التّجنيح سواء كان‬
‫أقر ّ‬
‫المو ّجهة إليه‪ ،‬وهو نفس ما ذهب إليه شافان ‪ Chavanne‬حين ّ‬
‫قانونيا أو قضائيا ‪ّ ،‬‬
‫فإن الهدف منه هو إصالح ذلك التقسيم الثالثي للجرائم حين يؤدّي تطبيقه إلى‬
‫نتائج غير مالئمة وتكون في الغالب قاسية‪ ،‬ذلك ّ‬
‫أن هذا التقسيم يؤدّي في الغالب إلى تجاوز‬
‫صة مبدأ شخصيّة العقوبة‪.‬‬
‫المبادىء الزجريّة المتعارف عليها وخا ّ‬

‫فبات بذلك التجني ح عامال على إحكام نجاعة السياسة الزجرية في الدولة‪ ،‬لما رمي في‬
‫تطور‬
‫الغالب من األحيان إلى عقلنة تطبيق العقوبة وذلك باالرتكاز على عنصرين إثنين ّأولهما ّ‬
‫النمو االجتماعي لديه وثانيهما التّقليص من الهوة الحاصلة بين القانون‬
‫ّ‬ ‫وعلو نسبة‬
‫ّ‬ ‫الرأي العام‬
‫ّ‬
‫الجنائي ‪/‬التقسيم الثالثي للجرائم‪ /‬والواقع‪.53‬‬

‫أ ّما بالنسبة لتفريد العقوبة‪ّ ،‬‬


‫فإن القضاء ومن خالل تقنية التجنيح كان يبحث عن حسن‬
‫تفريد العقوبة ‪ ،‬كما أنّه يعتبر آلية من آلياته تضاف إلى تشديد العقاب أو تخفيفه‪ ،‬ويتّضح ذلك‬
‫بصفة جلية من خالل المعايير التي يعمل بها القضاء في تجنيحه للجنايات أو تلك التي جاء بها‬
‫الفصل ‪ 69‬م‪.‬ح‪.‬ط‪ ،‬بحيث ّ‬
‫أن تفريد العقوبة يقتضي أساسا النظر إلى المعطيات الشخصية للفعل‬
‫اإلجرامي وهي تلك المتعلّقة بشخص المجرم ومثال ذلك الماضي الحسن للمجرم ‪ ،‬التربية ّ‬
‫الرديئة‬
‫تعرض لها‪ ،‬البواعث الشريفة ‪ ،‬السن ‪ ،‬الجنس‪ ،‬صفاته الخلقيّة‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫التي ّ‬

‫‪58‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يبرر التجنيح الذي تأتيه‬ ‫وما يالحظ في هذا المستوى ّ‬


‫أن سبب تفريد العقوبة إن كان ّ‬
‫المحاكم القضائية التي يرجع لها تقدير العقوبة وتسليطها ‪ ،‬فكيف يمكن والحالة تلك تبرير التّجنيح‬
‫من طرف سلطات البحث والتحقيق التي ال تبحث مبدئيا إالّ في إسناد التّهمة من عدمه للمتّهم ؟‬

‫سس على إمكانية الحديث عن تفريد‬


‫كمبرر للتجنيح في ذلك الطور‪ ،‬يتأ ّ‬
‫ّ‬ ‫سبب‬ ‫ّ‬
‫إن قيام ذلك ال ّ‬
‫أن وظائف البحث والتحقيق يقوم بها قضاة ‪ ،‬وبالتّالي يكونون‬
‫العقوبة قبل صدور الحكم‪ ،‬ناهيك ّ‬
‫على علم بالعقاب المستوجب للجرائم الذي من خالله يقع إضفاء الوصف القانوني الصحيح‬
‫أن مثل ذلك المتّهم في مثل‬
‫عليها‪ ،‬فحين يتنحون عن وصف جنائي آلخر جناحي ‪ ،‬فذلك ليقينهم ّ‬
‫مجرد عقاب جناحي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تلك األحوال يمكن زجره فردعه بواسطة‬

‫صة‪ ،‬تتمثّل أساسا في اقتصاد‬


‫إلى جانب هذه األسباب العا ّمة للتجنيح هناك أسباب خا ّ‬
‫النفقات وتجنّب العمل باإليقاف التحفّظي وكذلك التقليص من مدّته قدر اإلمكان‪ ،‬فبالنّسبة القتصاد‬
‫النفقات فإنّه ال يخفى على أحد الكم الهائل للنفقات الذي يتطلّبه تتبّع الجنايات والمحاكمة فيها‪،‬‬
‫بدءا من البحث والتحقيق بمختلف درجاته وصوال إلى المحاكمة ‪ ،‬فكان بذلك التجنيح وسيلة من‬
‫الحد من هذه النّفقات والتّقليص منها‪ .‬فإن أتته النيابة العموميّة فإنّها لن تكون ملزمة بفتح بحث‬
‫ملف‬
‫ّ‬ ‫وأن التحقيق في المادة الجناحية إختياري ‪ ،‬أ ّما إن أتاه حاكم التحقيق ّ‬
‫فإن‬ ‫في الغرض علما ّ‬
‫صة دون حاجة إلحالته على دائرة االتّهام‪ ...‬إلخ‪.54‬‬
‫القضية سيعهد للمحكمة الجناحية المخت ّ‬

‫صة ّ‬
‫وأن‬ ‫أ ّما في ما يتعلّق بتجنّب العمل باإليقاف التحفّظي‪ ،‬فهو تجنّب يحسن لو يتحقّق‪ ،‬خا ّ‬
‫اإليقاف التحفّظي وسيلته استثنائيّة ال يلتجىء إليها قاضي التّحقيق إالّ في حدود ضيّقة‪ ،‬إذ ال يمكن‬
‫إيقاف المظنون فيه تحفظيا إالّ في الجنايات والجنح المتلبّس بها ‪ ،‬وكذلك كلّما ظهرت قرائن‬
‫قويّة تستلزم اإليقاف باعتباره وسيلة أمن يتالفى معها اقتراف جرائم جديدة‪ ،‬أو ضمانا لتنفيذ‬
‫العقوبة‪ ،‬أو طريقة توفّر سالمة سير البحث‪ ،‬ثم وحتى في مادّة الجنايات والجنح المتلبّس بها ّ‬
‫فإن‬

‫‪59‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫اإللتجاء إلى اإليقاف التحفّظي ليس آليا‪ ،‬إذ يمكن لحاكم التحقيق أن يبقى المتّهم بحالة سراح ولو‬
‫شبهة ال تتوفّر فيها قرائن قويّة‬
‫أن األفعال المنسوبة لذي ال ّ‬ ‫تعلّقت به جناية‪ ،‬خا ّ‬
‫صة إذا تبيّن له ّ‬
‫أن الجناية قائمة ولكنّه ارتأى تجنيحها‪.‬‬
‫تستلزم اإليقاف‪ ،‬أو ّ‬

‫‪ - 2‬آليـــات التجنيــح القضائـــي ‪:‬‬


‫التجنيح هو تلك العملية التي تؤدّي إلى معاقبة المتّهم من أجل جنحة والحال ّ‬
‫أن الفعلة التي‬
‫اقترفها تكون جناية‪ ،‬فقاضي التحقيق أو ممثّل النيابة العمومية عليه تحديد الواقعة التي يريد‬
‫فإن األمر يتعلّق بحالة واقعية‪ ،‬ويصعب الخروج بقاعدة تع ّمم فيرجع إليها‬
‫تجنيحها‪ ،‬وبالتالي ّ‬
‫قاضي التحقيق وغيره ويبقى الحال أن تؤخذ كل واقعة على حدة‪ ،‬فآليات التجنيح تختلف بحسب‬
‫ما إذا تعلّق األمر بفعل إجرامي ال يقبل سوى وصف قانوني واحد أو يقبل العديد منها‪.‬‬

‫أ ‪ -‬حالة الفعل اإلجرامي الذي ال يقبل سوى وصف قانوني واحد ‪:‬‬
‫ذلك بأن تقوم من الفعلة جريمة السرقة الموصوفة مثال أو الخيانة الموصوفة ‪ ،‬والبين ّ‬
‫أن‬
‫مثل هاته الجريمة التي لها صبغة الجناية ال تقوم إالّ بتضافر بعض الظروف التي تشدد في‬
‫غض النظر عن تلك الظروف المشدّدة حتى يقوم الوصف الجناحي للفعلة‬
‫ّ‬ ‫العقاب ‪ ،‬فيقع‬
‫التسور وحاكم التحقيق أراد تجنيح‬
‫ّ‬ ‫اإلجرامية ‪ ،‬فمثال شخص يقوم بسرقة في الليل باستعمال‬
‫الفعلة‪ ،‬فعليه اعتبار التهمة المنسوبة للمظنون فيه من قبيل جريمة الفصل ‪ 264‬م‪.‬ج‪ ، .‬ولن‬
‫بغض النظر عن عنصري الزمن ‪/‬الليل‪ /‬والطريقة ‪/‬باستعمال‬
‫ّ‬ ‫صل إلى تلك النتيجة إالّ‬
‫يتو ّ‬
‫التسور‪./‬‬
‫ّ‬

‫كذلك الشأن بالنسبة للخيانة التي تعتبر جنحة حسب الفقرة األولى من الفصل ‪ 297‬م‪.‬ج‪،‬‬
‫تتحول إلى جناية حسب مقتضيات الفقرة الثانية من نفس الفصل‪ ،‬إذا كان مرتكبها وكيال أو‬
‫ّ‬ ‫لكنّها‬
‫مستخدما أو خادما أو أجير يومه لصاحب ال ّ‬
‫شيء أو وصيا أو ناظرا أو مقدما أو مؤتمنا أو مديرا‬

‫‪60‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فإن التجنيح في مثل هذه الحالة يتطلّب غض‬


‫عدليا أو مدير الوقف أو مستخدما به ‪ ،‬وبالتالي ّ‬
‫النظر عن تلك الظروف المشددة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬حالة الفعل اإلجرامي الذي يقبل أكثر من وصف قانوني ‪:‬‬


‫ّ‬
‫إن التجنيح في هذه الصورة يقوم على أحكام الفصلين ‪ 54‬و‪ 55‬م‪.‬ج‪ ،‬اقتضى الفصل ‪54‬‬
‫المقرر للجريمة التي تستوجب أكبر عقاب‬
‫ّ‬ ‫أنّه »إذا تكون من الفعل الواحد عدّة جرائم ‪ ،‬فالعقاب‬
‫هو الذي يقع الحكم به وحده«‪.‬‬

‫واقتضى الفصل ‪ 55‬م‪.‬ج‪ّ .‬‬


‫أن »الجرائم الواقعة لمقصد واحد ولها ارتباط ببعضها بعضا‬
‫بحيث يصير مجموعها قابال للتجزئة تعتبر جريمة واحدة توجب العقاب المنصوص عليه ألش ّد‬
‫جريمة منها«‪.‬‬

‫تعرضا لوضعيات مختلفة ‪ ،‬لكنّها على األق ّل تلتقي في كون‬ ‫والمالحظ ّ‬


‫أن هذين الفصلين ّ‬
‫المتّهم أو الجاني يسلط عليه عقاب الجريمة المستوجبة ألشدّه‪ .‬ومن المعلوم لكي نستطيع الحديث‬
‫عن التجنيح في مثل هذه الحاالت يجب أن يكون هناك توارد بين جناية وجنحة‪ ،‬لكن ورغم ذلك‬
‫يقرران ّ‬
‫أن العقاب الذي يجب‬ ‫قد ال يستقيم العمل بالتجنيح ‪ ،‬ناهيك ّ‬
‫أن الفصلين المذكورين أعاله ّ‬
‫المقرر إلحدى تلك الجرائم ‪ ،‬وبالتالي سيقع تطبيق العقاب‬
‫ّ‬ ‫تسليطه في مثل تلك الحاالت هو األش ّد‬
‫المقرر للجناية ‪ ،‬إالّ أنّه ال يخفى ّ‬
‫أن ممثل النيابة العموميّة أو قاضي التحقيق يستطيع رغم ذلك‬ ‫ّ‬
‫المكونة للجناية وال يبرز سوى‬
‫ّ‬ ‫العمل بالتّجنيح ‪ ،‬وفي هذه الحالة عليه غض النّظر عن العناصر‬
‫المكونة لجريمة يصفها القانون بجنحة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األركان‬

‫تتعرض لعدّة عقبات‪ ،‬منها بالخصوص ّ‬


‫أن حاكم‬ ‫ّ‬ ‫والمالحظ ّ‬
‫أن عملية التجنيح هذه قد‬
‫التحقيق إن غض عن الجناية بحيث ال يعمل على بيان سوى أركان الجنحة‪ّ ،‬‬
‫فإن قراره قد يكون‬

‫‪61‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عرضة لالستئناف لدى دائرة االتهام التي قد ال ترى وجاهته‪ ،‬ثم وفرضا أنّه لم يقع االستئناف ‪،‬‬
‫ملف القضية‪ ،‬من إرجاع األمور إلى نصابها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فإن ذلك ال يمنع المحكمة الجناحية المحال عليها‬
‫وبذلك يثبت أنّه لترسيخ التجنيح كآلية في العمل القضائي للمحاكم الزجرية يجب تأييد جميع‬
‫األول أو الثاني أو قبل ذلك‪ ،‬في‬ ‫الجهات التي لها النظر في القضيّة سواء كان ذلك لدى ّ‬
‫الطور ّ‬
‫مرحلة التحقيق‪.‬‬
‫فإن دور القاضي في التّفريد يبرز أيضا من خالل تطبيق التدابير‬
‫إلى جانب تقنية التجنيح ّ‬
‫االحترازية أو ما يعرف بالعقوبات التكميلية‪.‬‬

‫الفقـرة الثالثـة ‪ :‬التدابيـــر اإلحترازيـــة‬


‫لم تعد حماية المجتمع ضد خطر الجريمة قاصرة على قمع الجريمة وردع الجاني‪ ،‬ولكن‬
‫امت ّد إلى استئصال الخطورة اإلجرامية لدى الجاني‪ ،‬وأصبحت التدابير االحترازية هي وسيلة‬
‫المشرع في ذلك‪ ،‬فالتدابير االحترازية هي الصورة الثانية للجزاء الجنائي في السياسة الجنائيّة‬
‫ّ‬
‫المعاصرة‪.‬‬
‫ينص عليها القانون ويطبقها القاضي‬
‫ّ‬ ‫ويمكن تعريفها بأنّها مجموعة من االجراءات التي‬
‫لمواجهة الخطورة الكامنة في شخص الجاني ‪ ،‬بقصد إزالة هذه الخطورة عن المجتمع واستئصال‬
‫عوامل وأسباب اإلجرام لدى الجاني وذلك بقصد التأهيل االجتماعي له‪.55‬‬

‫ومن هذا التّعريف يتبيّن لنا ّ‬


‫أن أساس فرض التدابير هو الخطورة اإلجرامية فالهدف من‬
‫التدابير هي وظيفة نفعية هدفها حماية المجتمع من خطورة الجاني خالفا لوظيفة العقوبة التي هي‬
‫تطرق إلى بعض التدابير االحترازية‬
‫المشرع ّ‬
‫ّ‬ ‫لردع ‪ .‬وتجدر اإلشارة ّ‬
‫أن‬ ‫وظيفة أخالقية جوهرها ا ّ‬
‫صلب الفصل الخامس من المجلّة الجنائيّة في ‪/‬فقرته ب‪ /‬وأطلق عليها اسم العقوبات التكميلية‪.‬‬

‫الردع بينما‬ ‫والحقيقة أنّها ليست عقوبات بمفهومها التقليدي باعتبار ّ‬


‫أن العقوبة تستهدف ّ‬

‫‪62‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المشرع إلى تدابير أخرى وردت بنصوص‬


‫ّ‬ ‫تعرض‬
‫تهدف التدابير إلى التأهيل واإلصالح ‪ ،‬كما ّ‬
‫صة نذكر منها على سبيل الذكر التدابير الواردة بالمجلة التجارية والتي تض ّمنتها الفصول‬
‫خا ّ‬
‫مكرر والتي توجب على القاضي توقيع إضافة إلى العقوبة األصلية تحجير‬
‫ّ‬ ‫‪ 411‬و‪411‬‬
‫استعمال صيغ الشيكات والتدابير الواردة بقانون ‪ 1992-5-18‬المتعلّقة بالمخدرات‪ ،‬والتدابير‬
‫الواردة بقانون ‪ 1992-12-7‬المتعلّقة بحماية المستهلك‪ ،‬والتدابير الواردة بمجلّة حماية الطفل‬
‫الصادرة في ‪.1995-11-9‬‬
‫وبالرجوع إلى الفصل ‪ 5‬م‪.‬ج‪ .‬يمكن تقسيم هذه التدابير إلى تدابير شخصية ‪ /1/‬وتدابير‬
‫ّ‬
‫عينية ‪./2/‬‬

‫‪ - 1‬التّدابيــر الشخصيــة ‪:‬‬


‫سة‬
‫سة بالحقوق ‪/‬ب‪ /‬وتدابير ما ّ‬
‫بالحرية ‪/‬أ‪ /‬وتدابير ما ّ‬
‫ّ‬ ‫سة‬
‫تقسم بدورها إلى تدابير ما ّ‬
‫باالعتبار ‪/‬ج‪./‬‬

‫بالحرية ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫سة‬
‫أ ‪ -‬التدابير الما ّ‬
‫وهي االقصاء والتشغيل اإلصالحي ومنع اإلقامة والمراقبة اإلداريّة ‪.‬‬

‫* االقصـــــــــــاء ‪:‬‬
‫يع ّد االقصاء جزاء تكميليا تطبقه المحاكم على المجرمين ويقضّي بمؤسسة يعينها وزير‬
‫ّ‬
‫الحق‬ ‫ويعرف الفصل ‪ 1‬من قانون ‪ 1973-12-8‬االقصاء بأنّه »عقوبة تكميلية ته ّم‬
‫ّ‬ ‫الداخلية‪،‬‬
‫العا ّم مدّتها غير محدودة وتقضي بمؤسسة شغل يعينها وزير الداخلية«‪.‬‬

‫ويتأسس االقصاء كتدبير احترازي على فكرة الخطورة اإلجرامية‪ ،‬ويستشف ذلك من‬
‫‪63‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المشرع االقصاء‬
‫ّ‬ ‫المؤرخ في ‪ ، 8 12 1973‬ومنه جعل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المنظمة له الواردة بالقانون‬ ‫األحكام‬
‫حرية توقيع هذا الجزاء من عدمه‪ ،‬وهو مؤشر على‬
‫كعقوبة تكميلية جوازية بحيث يبقى للقاضي ّ‬
‫ارتباط االقصاء بالحالة الخطرة وبالصبغة الوقائية للتدبير ومن الشروط الموضوعية الالّزمة‬
‫لتوقيع االقصاء‪ ،‬وهذا التدبير يسلط ض ّد فئة معيّنة من المجرمين وهم من اعتادوا االجرام‪.56‬‬

‫واستثنى الفصل ‪ 5‬من قانون ‪ 1973‬النّساء واألشخاص الذين تجاوزوا ّ‬


‫سن الستين عاما‬
‫أو لم يبلغوا ّ‬
‫سن العشرين ‪ ،‬ولكن لماذا وقع اعفاء النساء من عقوبة االقصاء ؟ قد يعود ذلك إلى‬
‫يتصور‬
‫ّ‬ ‫خصائص المجتمع التونسي حيث ّ‬
‫أن النساء ال يشكلن خطورة كبيرة على المجتمع وال‬
‫امكانية اصرارهن على الجريمة‪.‬‬

‫* التشغيـــل االصالحــي ‪:‬‬


‫يعرف التشغيل اإلصالحي بأنّه تدبير يتمثّل في اجبار المحكوم عليه القيام ببعض األشغال‬
‫ّ‬
‫لمدّة معيّنة بإحدى الحضائر الدولية بغير مقابل حسب ما جاء بالفصل األول من مرسوم ‪1962‬‬
‫المشرع قام بالغائه بالقانون عدد ‪ 9‬لسنة‬
‫ّ‬ ‫إالّ أنّه لم يعد لهذا الجزاء سوى أه ّمية تاريخية ‪ ،‬ذلك ّ‬
‫أن‬
‫المؤرخ في ‪ ،23 01 1995‬وت ّم تبرير هذا االلغاء بحرص الدولة على دعم‬
‫ّ‬ ‫‪1995‬‬
‫بحرية الفرد‬ ‫الحريات الفردية والحفاظ على كرامة اإلنسان إذ ّ‬
‫أن في التشغيل اإلصالحي مساس ّ‬ ‫ّ‬
‫في اختيار منهج السلوك وأسلوب الحياة الذي يرتضيه ‪.‬‬

‫* منــع اإلقامــــة ‪:‬‬


‫يتمثّل هذا التدبير في التحجير على المحكوم عليه أن يوجد في أماكن أو جهات معيّنة مبيّنة‬
‫صور المنصوص عليها قانونا‪ ،‬دون أن تتجاوز مدّة اإلبعاد عشرين عاما وذلك‬
‫في الحكم وفي ال ّ‬
‫ي سبب آخر ‪/‬الفصل ‪ 22‬م‪.‬ج‪ ،/.‬ونالحظ ّ‬
‫أن ما‬ ‫بعد اإلفراج عنه أي بعد انتهاء العقوبة أو أل ّ‬
‫يبرر اخضاع المحكوم عليه عند انتهاء العقوبة إلى منع اإلقامة أو اإلبعاد هي الخطورة اإلجرامية‬
‫ّ‬

‫‪64‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ّ ،‬‬
‫ألن الهدف من هذا التدبير هو حماية المجتمع من الخطورة التي يشكلها المفرج عنهم الخطيرين‬
‫هذا من جهة ‪ ،‬واستئصالهم من المحيط االجتماعي والمكان الذي دفعهم إلى ارتكاب الجريمة‬
‫قوي نزعة االجرام‬ ‫لمنعهم من العود من جهة أخرى‪ ،‬إذ ّ‬
‫أن ارتياد هذه األماكن من شأنها أن ت ّ‬
‫لديهم وتع ّمق حالة الخطورة عندهم‪.57‬‬

‫* المراقبــــة اإلداريــة ‪:‬‬


‫سم هذا التدبير في منح اإلدارة ّ‬
‫حق تعيين إقامة المحكوم عليهم عند انقضاء مدّة عقابهم‬ ‫يتج ّ‬
‫ّ‬
‫والحق في تغييرها إن رأت مصلحة في ذلك‪ ،‬وال يسوغ للمحكوم عليه مبارحة المكان الذي‬
‫حدّدت إقامته به بدون رخصة ‪/‬الفصل ‪ 23‬و‪ 24‬م‪.‬ج‪ ،/.‬وتتولّى الشرطة المراقبة واالشراف‬
‫حريته في‬
‫على النحو الذي يحول دون ارتكاب الجريمة وذلك بفرض مجموعة من القيود على ّ‬
‫الحركة والتنقّل‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التّدابير الما ّ‬
‫سة بالحقوق ‪:‬‬
‫سة بالحقوق بالفقرة ‪ 7‬من الفصل الخامس من م‪.‬ج‪ .‬وهو‬
‫المشرع إلى التدابير الما ّ‬
‫ّ‬ ‫تعرض‬
‫ّ‬
‫يمس حقوق المحكوم عليهم وامتيازاتهم‪ ،‬وهي على الشكل اآلتي ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫جزاء تفريدي‬
‫‪ ...‬الحرمان من مباشرة الحقوق واالمتيازات اآلتية ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الوظائف العموميّة أو بعض الحرف مثل محام أو مأمور عمومي أو طبيب أو‬
‫بيطري‪ ...‬إلخ ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬حمل سالح وكل األوسمة الشرفية الرسمية‪.‬‬
‫ج‪ّ -‬‬
‫حق اإلقتراع‪.‬‬
‫صور إلى وقاية المجتمع من خطر‬
‫ويهدف الحرمان من الحقوق واالمتيازات في أغلب ال ّ‬
‫العود للجريمة‪ ،‬وهو ما يصير سلب الحقوق تدبيرا احترازيا يرتكز على الخطورة اإلجرامية‬
‫وللقاضي سلطة تقديرية واسعة في توقيع هذا التدبير‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ج ‪ -‬التّدابير الما ّ‬
‫سة باالعتبار ‪:‬‬
‫وتتمثّل في نشر أو تعليق مضامين األحكام ‪:‬‬
‫سة باالعتبار في بعض الحاالت جبرا مدنيا الغرض منه ارجاع الحالة‬
‫وتكون التدابير الما ّ‬
‫إلى ما كانت عليه‪ ،‬وقد ورد بالفصل ‪ 45‬م‪.‬إ‪.‬ج‪ّ .‬‬
‫أن »للمحكمة في صورة القضاء بالغرم أن‬
‫تأذن بنشر الحكم كالّ أو بعضا بجريدة أو عدّة جرائد يعينها الحكم ويكون ذلك على نفقة المحكوم‬
‫عليه وتعيّن بالحكم مصاريف النشر«‪.‬‬

‫أن نشر األحكام يعد بمثابة العقوبة التكميليّة نظرا لتوفّر‬


‫وفي هذا اإلطار يمكن القول‪ّ ،‬‬
‫خصائص العقوبة والمتمثّلة في الطابع الفاضح‪ ،‬وكذلك ما يلحق المحكوم عليه من سوء السمعة‬
‫بمركزه األدبي ومساس بشرفه واعتباره ‪ ،‬وما يلحقه من تأثير على وضعه المادي يجعل منها‬
‫عقوبة تكميلية تتّسم بطابعها الردعي‪ ،‬مما جعل بعض الفقهاء يعتبر ّ‬
‫أن نشر مضامين األحكام ال‬
‫يدخل في إطار التدابير االحترازية‪.‬‬

‫‪ - 2‬العقوبات التكميلية العينية ‪:‬‬


‫تشتمل العقوبات التكميلية العينية على المصادرة والحجز الخاص وغلق المح ّل وهي‬
‫تمس الجاني في ثروته‬
‫ّ‬ ‫تمس مال المحكوم عليه‪ ،‬وهي ال تقع مباشرة على الشخص وإنّما‬
‫ّ‬ ‫عقوبات‬
‫المشرع المصادرة كعقوبة تكميلية إالّ ّ‬
‫أن طبيعتها القانونية تثير العديد من‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،‬ورغم اعتبار‬
‫التساؤالت ‪.‬‬

‫فمبدئيا ونظرا لصرامة وشدّة جزاء المصادرة أو الحجز العام فال يمكن اعتبارها عقوبة‬
‫تكميلية أو تدبير احترازي مستتر يهدف إلى إزالة حالة الخطورة‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن ذلك ال يمنع من اعتبار‬
‫المصادرة كعقوبة تكميلية عندما تكون غايتها إزالة الخطورة االجرامية للجاني‪ ،‬وتكون كوسيلة‬
‫وقائية ض ّد إمكانية العود‪ ،‬ويظهر ذلك في بعض الجرائم الخطيرة مثل جرائم االعتداء على أمن‬

‫‪66‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الدولة‪ ،‬حيث يلعب العنصر المالي دورا أساسيا في ارتكاب الفعل اإلجرامي‪.‬‬
‫نص عليها‬
‫ّ‬ ‫المشرع التونسي على عقوبة مصادرة المكاسب في الصور التي‬
‫ّ‬ ‫نص‬
‫ّ‬ ‫وقد‬
‫أن توقيع مثل هذه العقوبات ال يكون إالّ بالنسبة للجرائم الخطيرة وذلك‬
‫سر ّ‬
‫القانون‪ ،‬وهو ما يف ّ‬
‫الحق المسلّط عليه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بالنظر إلى أه ّمية‬
‫الخاص ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫أ ‪ -‬الحجز‬
‫الخاص بالقول »يؤخذ لخزينة الدولة ما حصل من‬
‫ّ‬ ‫عرف الفصل ‪ 28‬م‪.‬ج‪ .‬الحجز‬
‫ّ‬
‫الجريمة أو اآلالت التي استعملت أو يمكن استعمالها في الجريمة«‪.‬‬

‫ويمكن للقاضي أن يحكم بحجز تلك األشياء بقطع النظر عن مالكها‪ ،‬كما ينسحب الحجز‬
‫على ك ّل ما كان صنعه أو استعماله أو حيازته أو بيعه ممنوعا‪ ،‬أي عندما يكون موضوع الحجز‬
‫جريمة في ح ّد ذاته ‪ ،‬فالحجز يسلط على األشياء التي لها ارتباط بالجريمة كأن تكون موضوع‬
‫مكرر م‪.‬ت‪ ، /.‬أو مبلغ الرشوة ‪ 96/‬م‪.‬ج‪ ،/.‬أو المخدرات‬
‫ّ‬ ‫الجريمة كالشيك المدلس ‪411/‬‬
‫‪/‬الفصل ‪ 25‬من قانون ‪ ،/18 5 1992‬أو العملة المزيّفة ‪/‬الفصل ‪ 189‬م‪.‬ج‪ ،/.‬أو الوثيقة‬
‫المزيّفة ‪/‬الفصل ‪ 200‬م‪.‬ج‪ ،/.‬أو عندما تكون الوسيلة التي ارتكبت بواسطتها الجريمة كالسالح‬
‫المستخدم في االعتداء على حياة الغير‪ ،‬أو سالمته البدنية ‪ ،‬أو عندما تكون ثمرة الجريمة كالمال‬
‫المتأتّي من جريمة المخدرات‪.58‬‬

‫وجدير بالمالحظة ّ‬
‫أن أغلب صور الحجز تع ّد تدبيرا وقائيا‪ ،‬الهدف منه منع تداول أشياء‬
‫خطيرة محرمة قانونيا أو عندما تكون أداة الجريمة أو مثبتة لها‪.59‬‬

‫ب ‪ -‬غلق المح ّل ‪:‬‬


‫يع ّد غلق المح ّل عقوبة تكميلية الغرض منه منع صاحبه من مباشرة عمله في المح ّل الذي‬
‫المشرع التونسي هذا‬
‫ّ‬ ‫مكونا لها‪ ،‬وقد تبنّى‬
‫اقترفت فيه الجريمة أو يكون المح ّل ذاته عنصرا ّ‬

‫‪67‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫صة‪ ،‬ويتمثّل في ما إذا كانت الجريمة وقعت بالمح ّل‬


‫الجزاء في العديد من النصوص الزجرية الخا ّ‬
‫وكان عامال مسهال في ارتكابها‪ ،‬فالخطورة تكون موضوعية في هذه الصورة باعتبارها سلطت‬
‫على المح ّل ذاته ال شخص الجاني‪.‬‬

‫وقد أ ّكدت ج ّل التشاريع على ّ‬


‫أن غلق المح ّل كجزاء يعود إما لكونه يشكل وكرا لتجميع‬
‫بعض المجرمين ‪ ،‬أو كجزاء ‪ ،‬أو كمخالفة تحجير مهني‪ ،‬أو بخرق مقتضيات بعض األحكام‬
‫الوقائية‪.‬‬

‫وفي أغلب الصور ّ‬


‫فإن الغرض من غلق المح ّل إزالة نشاط يشكل خطرا على المجتمع‪،‬‬
‫فغلق المح ّل هو تدبير اختياري يرجع تقديره إلى القاضي وإذا حكم بغلقه بسبب أفعال ّ‬
‫تكون‬
‫جريمة أو أفعال مخلّة باآلداب فإنّه يتو ّجب منع المحكوم عليه من أن يزاول فيه العمل الذي‬
‫ارتكبت في إطاره الجريمة‪.60‬‬

‫أن جزاء غلق المح ّل ليس إالّ تدبيرا احترازيا لتأسسه على حالة خطورة‪،‬‬
‫وعليه يتبيّن ّ‬
‫ومثال ذلك توجب شروط حفظ الصحة ضرورة احترامها من قبل التاجر وهي تشكل تدبيرا وقائيا‬
‫من إمكانية نشوء وضعية خطرة عند مخالفة التشريع بممارسة العمل المعيّن‪.‬‬

‫والمالحظ في هذا اإلطار ّ‬


‫أن منح القاضي السلطة التقديرية المطلقة في اختيار العقوبة‪ ،‬ال‬
‫يقتصر على العقوبات األصلية بل يمت ّد كذلك إلى العقوبات البديلة‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬اختيــار العقوبــة البديلــة‬

‫ينطوي نظام العقوبات البديلة على تخويل القانون للقاضي سلطة إحالل عقوبة معيّنة مح ّل‬

‫‪68‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عقوبة من نوع آخر يمكن الحكم بها على مجرم ما‪ ،‬فالعقوبة التي يمكن الحكم بها والعقوبة التي‬
‫يجوز أن يحلها القاضي محلّها ال تعتبران مختلفان ‪ ،‬وإنّما تعتبر األولى أصلية والثانية بديلة ‪،‬‬
‫فالقاضي يحدّد ّأوال العقوبة األصلية سواء كان ذلك في ذهنه عند إعداده للحكم أو في منطوق‬
‫الحكم ذاته وذلك على ضوء ظروف الجريمة ومالبساتها وظروف المجرم‪ ،‬ثم ينتقل بعد ذلك إلى‬
‫استبدال العقوبة األصلية بالعقوبة البديلة العتقاده بمالءمة العقوبة البديلة أكثر من العقوبة‬
‫األصلي ة‪ ،‬سواء بالنظر لحالة المجرم الشخصية أو بالنظر للجريمة المرتكبة أو حتى لصالح‬
‫المجتمع‪.‬‬

‫ولقد اتّفق ك ّل من التّشريع المقارن والتشريع التونسي على اعتماد عقوبة الخطية كعقوبة‬
‫بديلة لعقوبة السجن ‪/‬الفقرة األولى‪ ، /‬غير ّ‬
‫أن هذه العقوبة قد تبقى قاصرة بمفردها على لعب دور‬
‫العقوبة البديلة المناسبة في بعض أنماط من الجرائم‪ ،‬لذلك ظهر نوع جديد من العقوبات البديلة‬
‫في عديد القوانين المقارنة‪ ،‬وهي عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة التي عرفت نجاحا باهرا في‬
‫وتكرسها ضمن‬
‫ّ‬ ‫تنص على هذه العقوبة‬
‫ّ‬ ‫التشاريع التي اعتمدتها‪ ،‬مما جعل ك ّل القوانين تقريبا‬
‫نظامها الجنائي‪ ،‬وهو ما قام به القانون التّونسي الذي أدرج بموجب القانون عدد ‪ 89‬لسنة‬
‫مكرر‬
‫ّ‬ ‫المؤرخ في ‪ 2‬أوت ‪ 1999‬فصلين جديدين للمجلّة الجنائيّة هما الفصالن ‪15‬‬
‫ّ‬ ‫‪1999‬‬
‫و‪ 15‬ثالثا والتي بمقتضاهما أدخل نظام عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة ‪/‬الفقرة الثانية‪./‬‬

‫الفقــرة األولــى ‪ :‬تفريـــد الخطيّـــة‬


‫تعتبر الخطيّة أقدم بديل لعقوبة السجن‪ ،‬وما يميّز عقوبة الخطيّة هو إعتمادها من طرف‬
‫ج ّل التشريعات تقريبا كعقوبة أصلية ومستقلّة بذاتها من جهة‪ ،‬وكعقوبة بديلة عن عقوبة السجن‬
‫من جهة أخرى‪.‬‬

‫وتتفرع الخطيّة إلى عدّة أنواع فقد تكون خطيّة جبائيّة أو إدارية أو مدنية أو تأديبية‪ ،‬وك ّل‬
‫ّ‬

‫‪69‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يقررها القانون الجنائي العام‬


‫هذه المفاهيم تختلف في محتواها ونظامها عن الخطيّة كعقوبة ّ‬
‫ويعتمدها كعقوبة أصلية مستقلّة بذاتها وفي بعض األحيان كعقوبة بديلة عن عقوبة ال ّ‬
‫سجن‪.‬‬

‫وبذلك ّ‬
‫فإن الخطيّة المقصودة هنا كبديل هي كما يطلق عليها الخطيّة الجزائيّة وهي العقوبة‬
‫النص‪.‬‬
‫ّ‬ ‫نص تجريمي لقاء ارتكاب جريمة معيّنة بنفس‬
‫يقررها القانون الجنائي في ّ‬
‫التي ّ‬

‫أن جميعها تتمثّل في‬


‫وما يجمع بين الخطيّة الجزائية واألنواع األخرى من الخطايا هو ّ‬
‫المشرع التونسي لم‬
‫ّ‬ ‫مبلغ من المال يتح ّمله شخص لقاء ارتكابه فعل ممنوع قانونا‪ ،‬والمالحظ ّ‬
‫أن‬
‫عرفها الفقه تعاريف مختلفة من ذلك ّ‬
‫أن »الخطيّة هي مبلغ من المال تقضي‬ ‫يعرف الخطيّة وقد ّ‬
‫ّ‬
‫المحكمة باقتطاعه من ثروة المحكوم عليه وتد ّخله في ملكية الدولة«‪.61‬‬
‫وكذلك بأنّها »إلزام بأداء مبلغ مالي تسلّطه محكمة زجرية أو منتصبة بصفتها تلك على‬
‫نص سابق الوضع قد ورد فيه لفظ يعاقب‪ ،‬وكان‬ ‫ّ‬ ‫المشرع جريمة بمقتضى‬
‫ّ‬ ‫مقترف فعل يعتبره‬
‫التع ّهد بالنظر والحكم فيه طبق مجلّة اإلجراءات الجزائيّة والنصوص المهت ّمة بها«‪.62‬‬

‫ومن خالل مجمل هذه التّعاريف نالحظ ّ‬


‫أن الخطيّة تخضع للمبادئ العا ّمة للعقوبات‪ ،‬وهي‬
‫األول من م‪.‬ج‪ .‬أنّه »ال يعاقب أحد‬
‫األول وحسب الفصل ّ‬ ‫مبدأ الشرعية ومبدأ القضائيّة ‪ ،‬ويعني ّ‬
‫نص ‪ّ ،‬‬
‫فإن الخطيّة‬ ‫ّ‬ ‫نص من قانون سابق الوضع«‪ ،‬وباعتبار أنّه ال عقوبة بدون‬ ‫ّ‬ ‫إالّ بمقتضى‬
‫نص سابق الوضع‪ .‬أ ّما المبدأ الثاني فيعني ّ‬
‫أن العقوبة ال‬ ‫ّ‬ ‫بوصفها عقوبة ال تكون إالّ بمقتضى‬
‫توقع إال بناء على حكم قضائي بإدانة مرتكب الجريمة ‪ ،‬والخطيّة تخضع لهذا المبدأ إذ ال يمكن‬
‫أن يسلطها إالّ قاضي له الصفة‪.‬‬

‫وتعتبر الخطيّة هي المجال األكثر مالءمة إلعمال التّفريد إذ كما يقول ‪:‬‬
‫‪ : V.VanHonsté 63‬المساواة الحقيقية في القانون الجنائي هي المعاملة غير المتساوية‬

‫‪70‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ألناس غير متساويين وهذا يص ّح على الخطيّة أكثر مما يصح على العقوبات األخرى«‪.‬‬

‫وهذا الرأي ينطبق على الخطيّة بمفهومها التقليدي وذلك إذا نظر القاضي إلى الخطيّة‬
‫فإن عمليّة التّفريد هنا تصبح‬
‫كعقوبة بديلة يراد بها إعفاء المجرم من معاناة السجن وآثاره ‪ّ ،‬‬
‫حاجة مل ّحة بالنّسبة للقاضي الذي عليه أن يوقع هذه العقوبة بعد مالئمتها مع عديد العناصر التي‬
‫بالملف حول ظروف الجريمة وشخصيّة المجرم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يجب أن تتوفّر له‬

‫فإن النظام القانوني التّقليدي للخطية كعقوبة مستقلّة أو تكميلية لل ّ‬


‫سجن ال يسمح‬ ‫ولذلك ّ‬
‫كرسوا هذه العقوبة بوصفها‬
‫باعتماده كنظام للخطيّة كعقوبة بديلة‪ ،‬وهو ما دعا المشرعين الذين ّ‬
‫الجديد إلى تسهيل عملية القاضي في التفريد‪ ،‬وذلك باقرار عدّة وسائل‪.‬‬

‫ينص على العديد من أشكال التفريد‬


‫ّ‬ ‫سياق ّ‬
‫أن القانون التونسي‪ ،‬ولئن لم‬ ‫والمالحظ في هذا ال ّ‬
‫في عقوبة الخطيّة مثلما فعلت بعض القوانين المقارنة ‪/‬أ‪ /‬فإنّه يلتقي معها في التّنصيص على‬
‫البعض منها ‪/‬ب‪./‬‬

‫أ ‪ -‬تفريد عقوبة الخطيّة عن طريق ظروف التخفيف ‪:‬‬


‫يلتقي القانون التّونسي مع العديد من القوانين المقارنة في التنصيص على إمكانية إعمال‬
‫ظروف التّخفيف من طرف القاضي الجزائي حتى يستطيع تسليط عقوبة الخطيّة حسب القضيّة‬
‫يخص عقوبة الخطيّة‬
‫ّ‬ ‫أن ظروف التخفيف التي جاء بها القانون التّونسي فيما‬
‫التي أمامه‪ ،‬والواقع ّ‬
‫األول عام ويمكن أن ينطبق على جميع العقوبات وهو الفصل ‪53‬‬
‫تنحصر في فصلين قانونيين ‪ّ ،‬‬
‫م‪.‬ج‪ .‬فقرة أولى‪ ،‬والثاني خاص وهو الفقرة ‪ 19‬من نفس الفصل‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المشرع التونسي لم يبيّن على سبيل الحصر األسباب التي يرجع لها القاضي‬
‫ّ‬ ‫والمالحظ ّ‬
‫أن‬
‫للتّخفيف من العقاب‪ ،‬وقد أورد فقه القضاء في بعض القرارات التعقيبيّة ّ‬
‫أن »ظروف التخفيف‬
‫شعور باطني ناشئ عن أحوال توجب التخفيف راجع الجتهاد قاضي األساس المطلق‪ ،‬يستخلصها‬
‫من ك ّل األسباب التي تضيفها جسامة العمل االجرامي ماديا أو مسؤوليّة مرتكبه شخصيّا‪ ،‬ومن‬
‫تلك الظروف وأكثرها شيوعا حسن ماضي المتّهم وحداثة سنّه والبواعث التي دفعته الرتكاب‬
‫فعله واستفزاز المجني عليه للجاني«‪.64‬‬
‫وبالقياس مع هذا التعريف لظروف التخفيف‪ ،‬يمكن القول ّ‬
‫بأن القاضي إذا ما تراءى له‬
‫تطبيق الخطيّة كعقوبة بديلة‪ ،‬ورأى وجوب مالءمتها مع وقائع القضيّة فإنّه يمكن القول ّ‬
‫أن‬
‫ظروف التخفيف التي يمكن أن يعتمدها القاضي هي حالة المتّهم المادية وظروف عمله وأعبائه‬
‫العائلية‪.‬‬

‫لمشرع التّونسي للقاضي زيادة على ذلك بأن ينزل بالخطيّة إذا ما حكم بها إلى‬
‫وقد سمح ا ّ‬
‫صت عليه الفقرة ‪ 10‬من الفصل ‪ 53‬بأنّه »إذا كان العقاب المستوجب‬
‫الح ّد األدنى‪ ،‬وهو ما ن ّ‬
‫قانونا هو العقاب المالي فقط‪ ،‬فإنّه يسوغ ّ‬
‫حطه إلى فرنك واحد مهما كانت المحكمة القاضية في‬
‫النازلة«‪ ،‬رغم ذلك ّ‬
‫فإن هذه الوسيلة في تفريد عقوبة الخطيّة تبقى غامضة على عكس الوسيلة‬
‫الثانية المتوفّرة في التشريع التّونسي وهي إيقاف تنفيذ الخطيّة‪.‬‬

‫المشرع القاضي أن يأذن في الحكم الذي يصدره بعدم تنفيذ الخطيّة‪ ،‬وجاء ذلك‬
‫ّ‬ ‫وقد م ّكن‬
‫صت على أنّه ‪» :‬والحكم بالعقاب ولو بالخطيّة مع‬
‫بصريح الفقرة ‪ 19‬من الفصل ‪ 53‬التي ن ّ‬
‫اإلسعاف بتوقيف التنفيذ ليس من الواجب ترسيمه بمضامين صحائف السوابق العدلية التي تسلم‬
‫للخصوم‪.«...‬‬
‫فللقاضي الجزائي إذن أن يوقف تنفيذ عقوبة الخطيّة إذا ما رأى أنّه يوجد دوافع لذلك‬
‫يقدرها في نطاق ما يتمتّع به من سلطة في تفريد العقوبة‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أن التّشريع التّونسي يتّفق حول إيقاف تنفيذ العقوبة مع العديد من القوانين‬
‫والمالحظ ّ‬
‫المقارنة‪ ،‬كالقانون الفرنسي والقانون النرويجي والقانون التركي والتشاريع المصرية والمغربية‬
‫والكويتية‪.‬‬
‫على خالف التشاريع األخرى التي رفضت وقف تنفيذ عقوبة الخطيّة على أساس ّ‬
‫أن نظام‬
‫تقرر في األصل لتالفي سلبيات تنفيذ العقوبة السجنيّة قصيرة المدّة‪ ،‬وتنفيذ عقوبة‬
‫وقف التنفيذ قد ّ‬
‫الخطيّة ال تشوبه مثل هذه السلبيات‪ ،‬ومن بين القوانين التي رفضت هذا النظام بالنسبة لعقوبة‬
‫الخطية القانون األلماني والبولوني والعراقي ‪.‬‬

‫ب ‪ -‬وسائل التّفريد المستحدثة للخطيّة كعقوبة بديلة ‪:‬‬


‫للحرية إلى‬
‫ّ‬ ‫سالبة‬ ‫ّ‬
‫تفطنت عديد التشاريع التي اعتمدت الخطيّة كعقوبة بديلة عن العقوبة ال ّ‬
‫ّ‬
‫أن نظامها القانوني التقليدي ال يتماشى مع صبغتها الجديدة وال يش ّجع القاضي على انتقائها‬
‫كعقوبة بديلة‪ ،‬لذلك حاولت استحداث طرق أخرى لتفريد هذه العقوبة وجعلها بالفعل عقوبة بديلة‬
‫تجنّب المحكوم بها مساوئ السجن وآثاره السلبيّة‪.‬‬

‫فإلى جانب وسائل التفريد الموجودة في التشريع التونسي‪ ،‬عرفت القوانين المقارنة وسائل‬
‫تنوعا تهدف إلى تحقيق التناسب بين مقدار الخطيّة المحكوم به وظروف المحكوم‬
‫أخرى أكثر ّ‬
‫المجرد والجامد التي هي عليه في نظامها القديم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عليه‪ ،‬وبالتالي إخراج الخطية من طابعها‬

‫المشرع الفرنسي عندما نقّح الفصل ‪ 41‬م‪.‬ج‪.‬ف‪ .‬بقانون‬


‫ّ‬ ‫نص عليه‬
‫ّ‬ ‫وأولى هذه األساليب‬
‫‪ 11‬جويلية ‪ ، 1975‬حيث م ّكن القاضي من تحديد مقدار الخطية مع األخذ بعين االعتبار‬
‫ظروف الجريمة من جهة ومداخيل المحكوم عليه وأعباءه من جهة أخرى‪ .‬كما م ّكن القانون‬
‫الفرنسي القاضي من أن يغيّر في مقدار الخطيّة خالل فترة تنفيذها أي عندما يقوم المحكوم عليه‬

‫‪73‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫بدفعها‪.65‬‬

‫المشرع السويسري للقاضي من‬


‫ّ‬ ‫ومن أه ّم وسائل التفريد في عقوبة الخطية‪ ،‬ما منحه‬
‫سويسري ‪» :‬على‬
‫سلطة في تحديد مقدار الخطيّة حين جاء بالفصل ‪ 2-48‬من قانون العقوبات ال ّ‬
‫القاضي أن يحدّد مبلغ الخطيّة بمقتضى مركز المحكوم عليه المالي بحيث ّ‬
‫أن الخسارة التي‬
‫يتح ّملها المحكوم عليه نفسه تكون مطابقة لخطئه‪ ،‬ولتقدير مركز المحكوم عليه على القاضي أن‬
‫صة العناصر التالية ‪ :‬الدخل ورأس المال والحالة المدنية واألعباء‬
‫يأخذ بعين االعتبار بصورة خا ّ‬
‫العائلية والمهنة والربح المهني والعمر والحالة الص ّحية«‪.66‬‬

‫إلى جانب هذه الطريقة استحدثت القوانين المقارنة طرق أخرى لتفريد الخطيّة ّأولها‬
‫تجزئة مبلغ الخطيّة‪ ،‬وتتمثّل التجزئة في تقسيط المبلغ األصلي للخطيّة على عدّة أقساط تدفع على‬
‫فترات متباعدة بحسب ظروف المحكوم عليه‪.‬‬

‫والتّقسيط هنا يجب أن يكون قضائيا‪ ،‬أي أن يصدر عن الهيئة القضائيّة التي قضت بعقوبة‬
‫الخطيّة‪ ،‬وإذا رأى القاضي إمكانية منح المحكوم عليه تجزئة الخطيّة فعليه أن يحدّد مبالغ هذه‬
‫األقساط بالنّسبة إلى دخل المحكوم عليه وأعبائه العائليّة ‪ ،‬وعليه كذلك أن يحدّد مواعيد دفعها‪.‬‬

‫وهذه التّجزئة تمنح للمحكوم عليه ألسباب خطيرة ذات طابع طبّي أو أسري أو مهني أو‬
‫اجتماعي‪ ،‬وهو ما جاء به تنقيح ‪ 11‬جويلية ‪ 1975‬للفصل ‪ 41‬م‪.‬ج فرنسيّة‪ ،‬وأه ّمية هذا التنقيح‬
‫أنّه منح مه ّمة التقسيط للقاضي بعد أن كانت بيد القباضات الماليّة‪.‬‬

‫ونظرا لنجاعة هذه الطريقة في تفريد عقوبة الخطيّة فقد اعتمدتها عديد التّشاريع المقارنة‪،‬‬
‫من ذلك ّ‬
‫أن التشريع الهولندي سمح بأن يمنح المحكوم عليه بتجزئة مبلغها وذلك بقرار من النيابة‬

‫‪74‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫العموميّة‪.‬‬

‫سعة‬
‫ومن الطرق األخرى المعتمدة في تفريد عقوبة الخطية نجد طريقة مطبقة بصفة مو ّ‬
‫في القوانين المقارنة وهي مهلة الدّفع "‪ "Le délais de paiement‬حيث يمنح المحكوم‬
‫عليه وقتا معيّنا‪ ،‬يسمى »مهلة«‪ ،‬يتم ّكن خاللها من جمع األموال والمبالغ المطالب بدفعها‪.‬‬

‫واعتماد بعض التّشاريع لهذه الطريقة يفسر ّ‬


‫بأن إمهال المحكوم عليه للدفع في مدّة معيّنة‬
‫يقوي األثر الزجري لهذه العقوبة‪ ،‬ذلك ّ‬
‫أن المحكوم عليه مرتبط بموعد معيّن لدفعها‬ ‫من شأنه أن ّ‬
‫وهو ما يجعله حريصا على ذلك وإالّ استهدف للجبر بالسجن ‪ ،‬ون ّ‬
‫صت عديد التّشاريع علـى هذا‬
‫نص هذا األخير في‬
‫األسلوب من ذلك التشريع األرجنتيني واإليطالي والهولندي واأللماني‪ ،‬حيث ّ‬
‫الفصل ‪ 42‬من قانون العقوبات على أنّه ‪» :‬للمحكمة إعتمادا على الوضعية ال ّ‬
‫شخصية والمالية‬
‫للمحكوم عليه أن تمكنه من مهلة لدفع الخطيّة‪.«...‬‬

‫إلى جانب هذه الوسائل في تفريد عقوبة الخطيّة وهي األكثر انتشارا في تشاريع العالم‪،‬‬
‫المشرع‬
‫ّ‬ ‫نص على ذلك‬
‫توجد وسائل أخرى كتأجيل النطق بعقوبة الخطيّة أو اإلعفاء منها مثلما ّ‬
‫الفرنسي منذ تنقيح ‪ 06 08 1975‬قصد »إعطاء أه ّمية لدور القاضي أمام تعدّد الجنح قليلة‬
‫األه ّمية والعقوبات السجنية قصيرة المدّة وكذلك الخطايا وتمكينه من خيار واسع للتد ّخل بحسب‬
‫ظروف القضية وشخصيّة الفاعل«‪.67‬‬

‫ولألسف ال نجد أثرا لهذه الوسائل الحديثة في التفريد في القانون التونسي‪ ،‬وال حتى في‬
‫القوانين العربية‪ ،‬التي مازالت تعتمد الخطيّة بمفهومها التقليدي الذي ال يهت ّم بالوضع المالي‬
‫يستخف بها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يفرق بين الفقير الذي قد تردعه هذه العقوبة‪ ،‬والغني الذي‬
‫للجاني‪ ،‬وال ّ‬

‫‪75‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المشرع المصري الذي سمح بالمادة‬


‫ّ‬ ‫ولكن مع ذلك ّ‬
‫فإن من بين التشاريع العربية‪ ،‬نجد‬
‫‪ 509‬اجراءات من خصم مدّة اإليقاف التحفّظي من الخطية قياسا على حذفها من العقوبة‬
‫صت تلك المادّة على أنّه »إذا حبس شخص احتياطيا ولم يحكم عليه إالّ بغرامة‬
‫السجنية‪ ،‬وقد ن ّ‬
‫وجب أن ينقص منها عند التنفيذ عشرة قروش عن ك ّل يوم من أيّام الحبس المذكور«‪.68‬‬

‫إذن تكتسي الخطية أه ّمية بالغة وهي تحت ّل اليوم مرتبة متقدّمة في سلم العقوبات البديلة‬
‫صة بالنّسبة للقو انين المقارنة‪ ،‬التي ما فتئت تحاول إكساء هذه العقوبة طابع العقوبة البديلة‬
‫خا ّ‬
‫شك ّ‬
‫أن عقوبة الخطية تمتاز بعدّة‬ ‫المجدية بإدخال عديد التحويرات على نظامها القانوني‪ ،‬وال ّ‬
‫بالربح على الخزينة العا ّمة وال تكلف الدولة مصاريف‪ ،‬كما أنّها تالئم العقاب‬
‫مزايا ‪ ،‬فهي تعود ّ‬
‫على الجرائم البسيطة إلى جانب أنّها لم تبتعد عن طابعها الزجري والردعي‪ ،‬وهي تعتبر خير‬
‫صة ألنّها تقي المنحرفين المبتدئين فساد األخالق بسبب‬
‫للحرية خا ّ‬
‫ّ‬ ‫بديل عن العقوبة السالبة‬
‫سجن مدّة قصيرة‪.‬‬
‫تنجر عن بقاءهم بال ّ‬
‫ّ‬ ‫سجون وتبعدهم عن المساوئ التي يمكن أن‬
‫اكتضاظ ال ّ‬

‫ولكن رغم هذه الميزات ّ‬


‫فإن عقوبة الخطية تنطوي على عدّة عيوب تجعل اللجوء إليها‬
‫كعقوبة بديلة غير مش ّجع‪ ،‬ذلك أنّه في عديد الدّول التي اعتمدتها وحتى بعد التغييرات التي‬
‫أدخلتها على نظامها القانوني بقيت هذه العقوبة سيفا مسلّطا على المحكوم عليه ‪ ،‬ذلك أنّه في‬
‫صورة عدم الوفاء بها بسبب عسره تنقلب إلى إكراه بدني يتمثّل في الجبر بال ّ‬
‫سجن كعقاب‬
‫شك ّ‬
‫أن لذلك العقاب آثار وخيمة على المحكوم عليه كان القصــد من وراء إقرار‬ ‫احتياطي وال ّ‬
‫الخطيــة كبديل هو تجنيبه إيّاه‪.‬‬

‫الردعي يكاد يكون‬ ‫إلى جانب االنتقادات األخرى التي و ّجهت لهذه العقوبة وهي ّ‬
‫أن أثرها ّ‬
‫منعدما بالنّسبة لفئة من الجناة تستخف بها ألنّها ال تمثّل شيئا بالنّسبة لما يملكونه من ثروات‪ ،‬في‬
‫حين أنّها ذات أثر ردعي هام بالنسبة لفئة قليلة الدّخل التي تتأثّر بانتقاص أ ّ‬
‫ي مبلغ من دخلها‬

‫‪76‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المحدود‪.‬‬

‫هذه االنتقادات التي و ّجهت لعقوبة الخطيّة تفسر لجوء المشرعين في العالم إلى البحث عن‬
‫عقوبات بديلة أخرى‪ ،‬ومحاولة إثراء سلم هذه العقوبات حتى تتوفّر للقاضي فرصة أكبر للموازنة‬
‫بين تلك العقوبات البديلة‪ ،‬واختيار األنسب منها حسب نوع الجريمة وشخصيّة المجرم للوصول‬
‫للحرية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫سالبة‬
‫إلى الهدف المنشود‪ ،‬وهو االبتعاد أكثر عن العقوبة ال ّ‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة‬


‫ّ‬
‫إن تغيير النظرة إلى وظيفة العقوبة من الردع واإلنتقام من المذنب إلى إصالحه وتأهيله‬
‫وإعادة إدماجه في المجتمع‪ ،‬نتج عنه حصر حاالت تسليط نوع معيّن من العقوبات ‪/‬اإلعدام ‪،‬‬
‫النّفي‪ /...‬كما نتج عنه أن صار السجن يحت ّل مرتبة أولى في سلم العقوبات وفي ج ّل التشريعات‬
‫الحرية ‪ ،‬وفي‬
‫ّ‬ ‫الجنائيّة‪ ،‬باعتباره يحفظ المحكوم عليه في كرامته ويقتصر دوره على حرمانه من‬
‫ذات الوقت يعالجه ويصلحه ويؤ ّهله لالندماج من جديد في المجتمع‪.‬‬

‫سياسة ّ‬
‫الزجرية الحديثة أصبحت غايتها جعل عقوبة السجن ال تحت ّل المرتبة‬ ‫على ّ‬
‫أن ال ّ‬
‫األولى في سلم العقوبات وذلك بتعويضها بعقوبات بديلة‪ ،‬ذلك ّ‬
‫أن تسليط عقوبة بديلة على الفاعل‪،‬‬
‫سجن وجدرانه بل تتواصل روابط‬
‫يجعله ال ينفصل عن المجتمع ويعزل عنه داخل قضبان ال ّ‬
‫االتصال به‪ ،‬إضافة إلى أنّه يواصل العيش بين ذويه وفي محيطه‪ ،‬وال يفقد عمله‪ ،‬فال يشعر‬
‫سجن‪.‬‬
‫بالعزلة والنبذ كما هو األمر بالنسبة لعقوبة ال ّ‬

‫أن تسليط عقوبة بديلة يخفّف العبء على السجون من حيث عدد المساجين وتقليص‬
‫كما ّ‬
‫تكاليف اإلقامة بها الباهضة‪ ،‬إلى جانب حماية المحكوم عليه من التكييف السلبي مع الحياة داخل‬
‫سجن من مساوئ ناتجة عن إختالط مجرمي الصدفة والمجرمين المبتدئين مع معتادي اإلجرام‪.‬‬
‫ال ّ‬

‫‪77‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سجن قصيرة األمد إلتجأت التشريعات إلى وضع عقوبات‬


‫كذلك ولدرء مساوئ عقوبة ال ّ‬
‫بديلة وذلك بإثراء سلم العقوبات األصلية‪ ،‬وأه ّم العقوبات الّتي اتفقت ج ّل التّشريعات تقريبا على‬
‫إقرارها هي عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة والتي وقع تكريسها في القانون التونسي بموجب‬
‫المؤرخ في ‪ 2‬أوت ‪ 1999‬والذي أضاف فصلين جديدين للمجلّة‬
‫ّ‬ ‫القانون عدد ‪ 89‬لسنة ‪1999‬‬
‫مكرر و‪ 15‬ثالثا كما أضيفت بمقتضى نفس القانون للفقرة »أ« من‬ ‫ّ‬ ‫الجنائيّة هما الفصالن ‪15‬‬
‫الفصل ‪ 5‬من المجلّة الجنائيّة فقرة رابعة ت ّم بموجبها إقرار عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة‬
‫كعقوبة أصليّة‪.‬‬

‫سجن والتي‬
‫وبذلك فقد أعلن هذا القانون عن ميالد عقوبة أصليّة وبديلة عن عقوبة ال ّ‬
‫عرفت صدى على المستوى العالمي‪ ،‬حيث نادى اتّحاد الوزراء بأروبا المنعقد في مارس ‪1976‬‬
‫بتعويض العقوبات القاضية بالسجن لمدّة قصيرة بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة‪.‬‬

‫أقرت هذه العقوبة‪ّ ،‬‬


‫أن العمل لفائدة المصلحة‬ ‫والمالحظ‪ ،‬ومن خالل مختلف القوانين التي ّ‬
‫العا ّمة يرتكز على إلتزام من المجرم بأداء عمل غير مدفوع األجر لمدّة يقع احتسابها بعدد من‬
‫سسة هدفها الصالح العام‪.‬‬
‫ساعات داخل مؤ ّ‬
‫ال ّ‬

‫وينظر لهذه العقوبة على أنّها بديل وقليل التكلفة ألحكام الحبس قصيرة األجل‪ ،‬ووسيلة‬
‫جديدة للتّحويل تستهدف جعل المجرم على صلة أوثق بالمواطنين المحتاجين إلى المساعدة‬
‫والدعم‪.‬‬

‫ويمكن تعريف هذه العقوبة بأنّها عقوبة تتمثّل في إلزام المحكوم عليه بالقيام بعمل مجاني‬
‫لفائدة المجموعة الوطنية ممثلة في إحدى الجماعات العموميّة أو الجمعيات المر ّخص لها في‬

‫‪78‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ذلك‪.69‬‬

‫والمتمعّن في النّظام القانوني لعقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة يكشف عن ّ‬
‫تفرد هذه‬
‫شروط التي ال توجد في العقوبات األخرى‪ ،‬وهذه ال ّ‬
‫شروط تكون أحيانا مشتركة‬ ‫العقوبة ببعض ال ّ‬
‫سجن ‪/‬أ‪ /‬أو كبديل لتنفيذ العقوبات‬
‫عندما تعتمد عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة سواء كبديل لل ّ‬
‫صة بها ‪/‬ب‪ /‬على أنّه وإن كانت هذه العقوبة‬ ‫صيغة األخيرة تنفرد بشروط خا ّ‬ ‫المالية إالّ ّ‬
‫أن هذه ال ّ‬
‫البديلة األنجع إالّ أنّها ليست الوحيدة ‪/‬ج‪./‬‬

‫أ ‪ -‬شروط عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة ‪:‬‬


‫‪/‬أوال‪ /‬وشروط عند النّطق بها ‪/‬ثانيا‪./‬‬
‫شروط إلى شروط قبل النّطق بالعقوبة ّ‬
‫تصنّف هذه ال ّ‬

‫ّأوال ‪ :‬شروط قبل النّطق بالعقوبة‬


‫تخص الجريمة المعاقب عنها والتي سيقع إبدال‬
‫ّ‬ ‫يمكن تقسيم هذه ال ّ‬
‫شروط إلى شروط‬
‫تخص المتّهم ‪./2/‬‬
‫ّ‬ ‫سجن فيها بالعقوبة البديلة ‪ /1/‬وشروط‬
‫عقوبة ال ّ‬

‫‪ - 1‬شروط تتعلّق بالجريمة ‪:‬‬


‫ّ‬
‫إن الهدف من وراء إقرار العقوبات البديلة هو وقاية صنف من المجرمين م ّمن زلت بهم‬
‫خاص وال لنزعة‬
‫ّ‬ ‫سجن‪ ،‬مع االقتناع ّ‬
‫بأن ارتكابهم الجريمة كان تحت ظرف‬ ‫شر عقوبة ال ّ‬
‫القدم ّ‬
‫إجراميّة متأصلة فيهم‪.‬‬

‫وكذلك اتّجهت ج ّل التّشريعات المقارنة إلى إقرار عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة‬
‫كعقوبة بديلة تعالج الجرائم ذات الخطورة البسيطة‪ ،‬والتي ال تأثير على المجتمع إذا ما وقع‬

‫‪79‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سجن فيها‪ ،‬أ ّما الجرائم التي على درجة من الخطورة فال يمكن استبدال العقاب‬
‫إقصاء عقوبة ال ّ‬
‫سجن العقوبة الوحيدة والواجبة التّطبيق‪.‬‬
‫فيها بعقوبة بديلة وتبقى عقوبة ال ّ‬

‫والغاية من إقرار عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة هي معالجة االنحراف البسيط ‪"La‬‬
‫"‪petite délinquance‬أي المتعلّق بالجرائم ذات الخطورة البسيطة‪ ،‬مما يقصي مبدئيّا‬
‫المشرع التونسي ذلك صراحة بموجب قانون‬
‫ّ‬ ‫كرس‬
‫الجنايات من مجال تطبيق هذه العقوبة‪ ،‬وقد ّ‬
‫مكرر جديد فقرة ثانية‪» :‬ويحكم بهذه العقوبة في جميع‬
‫ّ‬ ‫نص الفصل ‪15‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 2‬أوت ‪ 1999‬إذ‬
‫المخالفات وفي الجنح التي يقضي فيها بعقوبة سجن ال تتجاوز المدّة المذكورة أعاله«‪.‬‬

‫وقد اعتمدت ج ّل التشريعات هذا المبدأ‪ ،‬غير ّ‬


‫أن ذلك لم يمنع البعض منها من اعتماد هذه‬
‫العقوبة في الجنايات لكن تحت صيغة مختلفة‪ ،‬حيث أنّه إذا اعتمدت عقوبة العمل لفائدة المصلحة‬
‫العا ّمة كعقوبة أصلية وبديلة عن عقوبة السجن فال يمكن أن تكون كذلك إالّ بالنسبة للجنح‬
‫والمخالفات ‪ ،‬أ ّما إذا وقع اعتمادها كشرط من شروط تأجيل تنفيذ العقاب فإنّه يمكن اعتمادها في‬
‫نص عليه قانون ‪ 10‬جوان ‪ 1983‬الفرنسي والفصل ‪56‬‬ ‫هذه الحالة بالنسبة للجنايات ‪ ،‬وهو ما ّ‬
‫من المجلّة الجنائيّة أللمانيا الفدرالية‪ ،‬أ ّما في غير هذه الحالة فال تكون هذه العقوبة إالّ في الجنح‬
‫نص عليه الفصل ‪ 43‬من المجلّة الجنائيّة الفرنسية والفصل ‪ 15‬من القانون‬
‫والمخالفات وهو ما ّ‬
‫الجنائي اإلنڤليزي ‪.‬‬

‫نص صراحة عند تنقيح بعض فصول المجلّة الجنائيّة‬


‫المشرع التّونسي الذي ّ‬
‫ّ‬ ‫وكذلك فعل‬
‫بموجب القانون عدد ‪ 89‬الصادر في ‪ 2‬أوت ‪ 1999‬والمحدث لعقوبة العمل لفائدة المصلحة‬
‫مكرر فقرة ثانية ‪ :‬ويحكم بهذه العقوبة في جميع المخالفات والجنح التي‬
‫العا ّمة في الفصل ‪ّ 15‬‬
‫يقضي فيها بعقوبة سجن ال تتجاوز المدّة المذكورة أعاله«‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ‬
‫وتتوزع هذه الجنح إلى األصناف التالية ‪» :‬جرائم االعتداء على األشخاص ‪ ،‬جرائم‬
‫حوادث ّ‬
‫الطرقات ‪ ،‬الجرائم الرياضيّة ‪ ،‬جرائم االعتداء على األموال واألمالك‪ ،‬جرائم االعتداء‬
‫على األخالق الحميدة‪ ،‬الجرائم اإلجتماعية‪ ،‬الجرائم االقتصاديّة والمالية‪ ،‬الجرائم البيئيّة والجرائم‬
‫العمرانية«‪.‬‬
‫المشرع قام بتعداد‬
‫ّ‬ ‫ويستنتج من هذه القائمة أنّها حصرية وال يمكن تجاوزها‪ ،‬حيث ّ‬
‫أن‬
‫الجرائم التي يباح للمحكمة أن تستبدل فيها عقوبة السجن بالعقوبة البديلة‪ ،‬وهذه الجرائم وردت‬
‫على سبيل الحصر ال الذّكر مغلقا بذلك باب االجتهاد‪ ،‬وبالتالي يمنع على القاضي النّطق بهذه‬
‫العقوبة فيما يتعلّق بك ّل جنحة غير التي وردت من ضمن ما وقع تعداده صلب الفصل المذكور‪.‬‬

‫وقد ذهب البعض‪ 70‬أنّه إذا كانت التهمة متعلّقة بجنحة لم ترد في القائمة‪ ،‬فإنّه رغم ذلك‬
‫مكرر جديد وإنّما‬
‫يبقى االجتهاد ممكنا للمحكمة وذلك ال على أساس الفقرة الثانية من الفصل ‪ّ 15‬‬
‫على أساس الفقرة األولى منه‪ ،‬التي اعتبرها أصحاب هذه الفكرة قد أعادت للقاضي سلطته‬
‫صت هذه الفقرة على ما يلي ‪:‬‬
‫التقديريّة في تطبيق عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة وقد ن ّ‬
‫سجن النّافذ لمدّة أقصاها ستّة أشهر أن تستبدل بنفس الحكم تلك العقوبة‬
‫»للمحكمة إذا قضت بال ّ‬
‫بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة«‪.‬‬

‫ّ‬
‫بالحق العام‬ ‫أن الجنح توصف كذلك وصفا موضوعيا وتصنّف كاآلتي ‪ :‬جنح تتعلّق‬
‫غير ّ‬
‫ّ‬
‫الحق العام أساسا ‪ ،‬ذلك ّ‬
‫أن‬ ‫وجنح سياسية وجنح عسكريّة‪ ،‬ومبدئيّا تسلّط العقوبة البديلة على جنح‬
‫صنف من الجنح ّأوال‬
‫سجن في ذلك ال ّ‬
‫الهدف من وراء إقرارها هو وضعها كبديل عن عقوبة ال ّ‬
‫وبالذات‪.‬‬
‫والمالحظ ّ‬
‫أن الغاية من وراء تكريس العقوبات البديلة بصفة عا ّمة واختيار عقوبة العمل‬
‫لفائدة المصلحة العا ّمة هو التقليص أكثر ما يمكن في عدد األحكام القاضية بالسجن لمدّة قصيرة‪،‬‬

‫‪81‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فالعقوبة إذن الب ّد أن تكون قصيرة المدّة حتى يجوز الحكم بتعويضها بعقوبة بديلة‪ ،‬وقد حدّد‬
‫مكرر جديد مدّة العقوبة بستّة أشهر‪ ،‬وهذه المدّة المشترطة‬
‫ّ‬ ‫المشرع التّونسي بالفصل ‪15‬‬
‫ّ‬
‫ينص عليها الفصل المجرم للفعلة المرتكبة‪ ،‬ومن‬
‫ّ‬ ‫المقصود منها المدّة المحكوم بها ال المدّة التي‬
‫المشرع التّونسي قد اقتضى أن تكون العقوبة ال تتجاوز مدّتها ‪ 6‬أشهر‬
‫ّ‬ ‫ناحية أخرى نالحظ ّ‬
‫أن‬
‫شرط المتعلّق بمدّة العقوبة‪.71‬‬
‫سجن نافذ‪ ،‬وهو شرط إضافي لل ّ‬

‫المشرع تؤ ّكد حرصه على تجنيب أكثر عدد ممكن من المحكوم‬


‫ّ‬ ‫وهذه المدّة التي وضعها‬
‫سجني للمدّة‬ ‫سجون ومرارتها‪ ،‬خصوصا ّ‬
‫أن أغلب الجرائم التي يحكم فيها بالعقاب ال ّ‬ ‫عليهم ال ّ‬
‫المذكورة هي جرائم بسيطة‪.‬‬

‫تخص المجرم ‪:‬‬


‫ّ‬ ‫‪ - 2‬شروط‬
‫سن المتّهم ‪ :‬مبدئيّا ال يطبق القانون الجنائي إالّ على الراشدين جزائيا ومن المتعارف‬
‫‪ّ -‬‬
‫الرشد الجزائي هو ‪ 18‬عاما‪ ،‬أ ّما دون ذلك فالمتّهم يكون طفال وتطبق عليه القواعد‬
‫سن ّ‬‫أن ّ‬
‫عليه ّ‬
‫صة باألحداث ‪ ،‬فهل ّ‬
‫أن عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة تخضع لهذا المبدأ ؟‬ ‫الخا ّ‬

‫بالنّسبة للتّشريع التّونسي ّ‬


‫فإن قانون ‪ 2‬أوت ‪ 1999‬الزم الصمت بخصوص هذه النقطة‪،‬‬
‫أن البعض اعتبر أنّه‬ ‫أن هذه العقوبة ال تطبق إالّ بالنّسبة ّ‬
‫للراشدين‪ ،‬غير ّ‬ ‫سر على ّ‬
‫صمت يف ّ‬
‫وهذا ال ّ‬
‫ال مانع من اعتمادها بالنسبة لألطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ‪ 16‬و‪ 18‬سنة باعتبار ّ‬
‫وأن‬
‫شغل المعمول بها والمصادق عليها هي ستّة عشر سنة‪،‬‬
‫السن األدنى للتّشغيل وحسب قوانين ال ّ‬
‫ّ‬
‫أن مجلّة الطفل قد تولّت حماية هذه الفئة بما فيه الكفاية من خالل ال ّ‬
‫سماح لقاضي األطفال من‬ ‫ولو ّ‬
‫اتّخاذ عديد التّدابير والتي تكون الغاية منها حماية هذا الطفل الجانح‪ ،‬وهذه التّدابير ال تبتعد كثيرا‬
‫في فلسفتها وأهدافها عن أهداف وغايات هذه العقوبة‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫للمشرع الفرنسي فقد اعتبر ّ‬


‫أن هذه العقوبة تنطبق كذلك على القاصر الذي‬ ‫ّ‬ ‫أ ّما بالنّسبة‬
‫يكرس الهدف الرئيسي من سنّه لهذه العقوبة‬
‫يتراوح سنّه بين ‪ 16‬و‪ 18‬عاما‪ ،‬وهو بذلك ّ‬
‫والمتمثّل في إنقاذ الشبّان وخا ّ‬
‫صة الذين زلت بهم القدم وحمايتهم من االنغماس في عالم اإلجرام‬
‫وذلك بتجنيبهم السجن‪.72‬‬

‫‪ -‬السج ّل العدلي للمتّهم ‪:‬‬


‫إن روح هذه العقوبة هو أنّها مو ّجهة إلى اإلنحراف الخفيف الذي ال يشكل خطورة‬
‫ّ‬
‫صل النزعة‬
‫إجرامية كبرى في مرتكبه‪ ،‬ومن بين العناصر التي تعتمدها المحكمة لتقدير مدى تأ ّ‬
‫اإلجرامية في المتّهم سجلّه العدلي ونقاوة سوابقه العدلية‪ ،‬فعقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة‬
‫ورغم ما تحتويه من صفات العقوبة من ردع وزجر للمجرم إالّ أنّها تعتبر امتيازا لمن سيحكم‬
‫شر السجون وقسوتها ولذلك اشترطت عديد القوانين أن ال يكون المتّهم‬
‫عليها بها‪ ،‬امتيازا يحميه ّ‬
‫عائدا ‪.‬‬

‫أن القانون التونسي اشترط ضمن الفصل ‪ 15‬ثالثا جديد من المجلّة الجنائيّة أن ال‬
‫من ذلك ّ‬
‫صة ّ‬
‫أن عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة قد وقع‬ ‫يكون المتّهم عائدا‪ ،‬وهذا يعتبر طبيعيّا خا ّ‬
‫حصر مجال انطباقهـا في جميـع المخالفـات والجنح البسيطة الّتي ال تش ّكل خطورة على المجتمع‪،‬‬
‫ّ‬
‫يستحق عقابا سجنيا لردعه بما‬ ‫وال تبرز نزعة إجرامية متأصلة في مرتكبهـا في حين ّ‬
‫أن العائد‬
‫أن الخطورة اإلجرامية متوفّـرة لديـه‪.‬‬
‫ّ‬

‫ملف شخصيّة المتّهم ‪:‬‬


‫‪ّ -‬‬
‫إلتجأت عديد التّشاريع المقارنة إلى األبحاث االجتماعية والنّفسية حول المتّهم‪ ،‬واشترطت‬
‫ملف متكامل‬
‫ّ‬ ‫أن يتوفّر للمحكمة قبل اتّخاذ قرارها بالنطق بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة‬
‫حول شخصيّة المتّهم يرتكز على بحث إجتماعي ونفساني يرشد المحكمة حول إمكانية خضوع‬

‫‪83‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المتّهم وقابليّته للحكم عليه بتلك العقوبة‪ ،‬ضرورة ّ‬


‫أن هذه العقوبة هي عقوبة اجتماعيّة باألساس‬
‫تقوم على االحتكاك المباشر بين المتّهم والمجتمع عند تنفيذها‪.‬‬

‫وهذا البحث حول شخصيّة المتّهم وظروفه االجتماعيّة هو شرط أساسي في التّشريع‬
‫أن البحث عن شخصيّة المتّهم يقصي ومنذ البداية‬
‫االنقليزي والبلجيكي واألمريكي‪ ،‬والمالحظ ّ‬
‫المتّهمين من أجل جرائم المخدّرات ‪ ،‬المتّهمين من أجل جرائم جنسيّة‪ ،‬كذلك المتّهمين المصابين‬
‫بأمراض عقلية أو الذين يعانون من اضطرابات نفسية‪ ،‬فهؤالء يقع إقصاؤهم منذ البداية من‬
‫ميدان تطبيق عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة‪.‬‬

‫الملف يبقى للقاضي مطلق االجتهاد حول العمل بالعقوبة من عدمه‪ ،‬وإذا ما‬
‫ّ‬ ‫وبتوفّر هذا‬
‫اختار تسليط هذه العقوبة وتأ ّكد من توفّر شروطها انتقل إلى مرحلة التصريح والنطق بها‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬شروط عند النّطق بالعقوبة ‪:‬‬


‫خاص منها أثناء‬
‫ّ‬ ‫تلعب المحكمة دورا ها ّما في تحقيق هذه الشروط ألنّها تقوم على مجهود‬
‫جلسة الحكم التي ستتّجه فيها نحو النطق بهذه العقوبة ‪ ،‬ذلك ّ‬
‫أن هذه الجلسة تحتوي على إجراءات‬
‫صة ال يمكن تجاوزها‪.‬‬
‫خا ّ‬

‫ويمكن تقسيم هذه اإلجراءات إلى اجراءات شكلية ته ّم سير جلسة الحكم ‪ /1/‬وإجراءات‬
‫تخص منطوق الحكم القاضي بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة ‪./2/‬‬
‫ّ‬ ‫موضوعيّة‬

‫‪ - 1‬اجراءات جلسة الحكم ‪:‬‬


‫تمر جلسة الحكم باالجراءات التالية ‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬وجوب حضور المتّهم بالجلسة وتعبيره عن ندمه ‪:‬‬

‫‪84‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يجب أن يكون المتّهم حاضرا أمام المحكمة بالجلسة حتى يقع التصريح بعقوبة العمل‬
‫نص على ذلك صراحة الفصل‬
‫ّ‬ ‫لفائدة المصلحة العا ّمة‪ ،‬كما ال يمكن أن ينيب عنه محاميا‪ ،‬وقد‬
‫‪ 15‬جديد من قانون ‪ 2‬أوت ‪.1999‬‬
‫واشتراط الحضور بالجلسة يعتبر إجراء وشكلية أساسية للمرور لبقية اإلجراءات‬
‫األخري‪ ،‬والغرض األساسي من ذلك هو أن تتأ ّكد المحكمة من ّ‬
‫أن المتّهم قد ندم عن فعلته ولديه‬
‫استعداد إلصالح ما اقترفه في ّ‬
‫حق مجتمعه‪.‬‬

‫‪ -‬وجوب موافقة المتّهم على قضاء عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة ‪:‬‬
‫ال يمكن للمحكمة النّطق بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة إذا رفض المتّهم أداء العمل‬
‫لذلك الب ّد من موافقته على أن يقع تسليط تلك العقوبة عليه‪ .‬ولذلك يجب على المحكمة أن تعلم‬
‫نص عليه الفصل ‪ 15‬ثالثا ‪/‬جديد‪ /‬في‬
‫ّ‬ ‫المتّهم الحاضر بالجلسة بحقّه في رفض العمل وهو ما‬
‫فقرته الثانية أنّه »على المحكمة قبل التّصريح بالحكم إعالم المتّهم الحاضر بالجلسة بحقّه في‬
‫رفض العمل وتسجيل جوابه«‪.‬‬
‫ّ‬
‫الحق في أن يرفض تنفيذ عقوبته‬ ‫أن رئيس الجلسة مطالب بالتنبيه على المتّهم ّ‬
‫بأن له‬ ‫ذلك ّ‬
‫ي جواب‪ ،‬وهذا التّنبيه يجب أن يقع تثبيته‬
‫في شكل عمل لفائدة المصلحة العا ّمة قبل أن يتلقى منه أ ّ‬
‫في محضر جلسة‪.‬‬

‫أن جواب المتّهم ال يمكن أن يتّخذ إالّ إحدى ال ّ‬


‫صورتين على ضوءها يتح ّدد‬ ‫والمالحظ ّ‬
‫التّصريح أو عدم التّصريح بالعقوبة البديلة ‪ ،‬فإ ّما أن يرفض المتّهم العمل وإنّما أن يقبله ‪ ،‬ففيما‬
‫فإن ذلك مرتبط بخصوصيّة العقوبة التي تعتبر عمل يقوم به المتّهم لفائدة‬
‫الرفض ّ‬ ‫ّ‬
‫بحق ّ‬ ‫يتعلّق‬
‫المجموعة وال يمكن إخضاع شخص لعمل دون رضاه‪.73‬‬

‫الرفض صريحا‪ ،‬فالجواب الغامض أو سكوت المتّهم أو ّ‬


‫الرفض الصادر‬ ‫ويجب أن يكون ّ‬

‫‪85‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عنه بعد التصريح بالحكم ال يمنع القاضي من أن يحكم عليه بالخدمة لفائدة المصلحة العا ّمة‪ ،‬وفي‬
‫ستعوضها عقوبة العمل لفائدة‬
‫ّ‬ ‫تصرح بالعقوبة المستبدلة التي كانت‬
‫ّ‬ ‫صورة الرفض ّ‬
‫فإن المحكمة‬
‫صت عليه الفقرة الثالثة من الفصل ‪ 15‬ثالثا جديد‪.‬‬
‫المصلحة العا ّمة وهو ما ن ّ‬

‫فإن ذلك يعتبر ضروريا حتى تتم ّكن‬


‫أ ّما بالنّسبة لصورة قبول المتّهم بالعقوبة البديلة ّ‬
‫المحكمة من التّصريح بها‪ ،‬فمن الناحية القانونيّة يبرز اشتراط موافقة المتّهم المسبقة انخراط ج ّل‬
‫شاقة أو التّشغيل اإلجباري‬
‫البلدان في االتّفاقيات العالمية التي تمنع إخضاع اإلنسان لألشغال ال ّ‬
‫تكريسا لحرمة الذات البشريّة وعدم إمكانية إرغامها على إتيان عمل ال ترضاه‪.‬‬

‫كما أنّه ومن النّاحية النّفسانية ّ‬


‫فإن موافقة المحكوم عليه ضرورية ّ‬
‫ألن العقوبة البديلة لن‬
‫تحقّق البعد اإلصالحي المرجو منها إذا ت ّم القيام بها بدون مراعاة إرادة الجاني‪ ،‬فال يمكن أن ينفذ‬
‫المحكوم عليه عمال للصالح العام وأن تتحقّق نتيجة إيجابية من خالل هذا العمل للمجتمع إذا ما‬
‫كان رغما عن إرادته‪.‬‬
‫والمالحظ أنّه ونظرا لخصوصيّة عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة‪ ،‬فإنّه يمكن اعتبار‬
‫حق المتّهم في اختيار العقوبة بعد إدانته هو كسب جديد في مجال حقوق اإلنسان وميزة من‬
‫أن ّ‬
‫ّ‬
‫سياسة الجنائيّة الحديثة‪.‬‬
‫مميّزات ال ّ‬
‫‪ - 2‬إجراءات منطوق الحكم ‪:‬‬
‫لقد ضبطت ج ّل التشاريع مدّة دنيا ومدّة قصوى تحسب بالساعات لتنفيذ عقوبة العمل لفائدة‬
‫نص التشريع الفرنسي أن تكون مدّة الخدمة بالنّسبة للجنح تتراوح بين‬
‫ّ‬ ‫المصلحة العا ّمة ‪ ،‬وقد‬
‫أربعين ومائة وأربعين ساعة طبق الفصل ‪ 8- 131‬م‪.‬ج‪.‬ف‪ ،‬أ ّما بالنّسبة للمخالفات ّ‬
‫فإن المدّة في‬
‫المشرع‬
‫ّ‬ ‫أدناها وأقصاها تنخفظ إلى النّصف فتتراوح بين عشرين ومائة وعشرين ساعة‪ ،‬غير ّ‬
‫أن‬
‫سلطة المشرفة على تنفيذ‬
‫الفرنسي لم يحدّد ما يعادل يوم سجن من ساعة عمل وترك ذلك لل ّ‬
‫العقوبة‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أ ّما بالنّسبة للتّشريع التّونسي فإنّه لم يضع حدّا أدنى من ال ّ‬


‫ساعات لكنّه وضع بالفصل ‪15‬‬
‫مكرر جديد م‪.‬ج حدّا أقصى يقدّر بـ ‪ 300‬ساعة عمل‪ ،‬ويقع احتساب هذه المدّة على أساس‬
‫ّ‬
‫ساعتين عن ك ّل يوم سجن‪.‬‬

‫نص »تتولى‬
‫المشرع أجال لتنفيذ هذه العقوبة بالفصل ‪ 15‬ثالثا جديد م‪.‬ج الذي ّ‬
‫ّ‬ ‫كما حدّد‬
‫المحكمة ضبط األجل الذي يجب أن ينجز فيه العمل على أن ال يتجاوز هذ األجل ‪ 18‬شهرا من‬
‫المشرع الفرنسي لتنفيذ هذه العقوبة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تاريخ صدور الحكم«‪ ،‬وهو نفس األجل الذي ضربه‬
‫ينص على هذا األجل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والمالحظ ّ‬
‫أن الحكم الناطق بهذه العقوبة يجب أن‬
‫إلى جانب ذلك ّ‬
‫فإن عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة تعتمد كعقوبة بديلة عند تنفيذ‬
‫العقوبات المالية‪.‬‬

‫ب ‪ -‬عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة كبديل عن تنفيذ العقوبات المالية‪:‬‬
‫صل إلى تنفيذ العقوبات المالية‬ ‫ّ‬
‫إن ممارسة عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة قصد التو ّ‬
‫يستوجب توفّر جملة من الشروط ّ‬
‫نص عليها قانون ‪ 2‬أوت ‪ 1999‬وذلك بتنقيحه للفصل ‪343‬‬
‫ونص على ما يلي‪» :‬تستخلص الخطيّة والمصاريف‬
‫ّ‬ ‫م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬الذي أصبح الفصل ‪ 343‬جديد‬
‫لصندوق الدولة من مكاسب المحكوم عليه وعند االقتضاء عن طريق الجبر بالسجن أو العمل‬
‫لفائدة المصلحة العا ّمة بطلب من المعني باألمر يقدّم للنيابة العموميّة«‪.‬‬
‫المشرع التّونسي قد تو ّ‬
‫سع في تطبيق عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة‬ ‫ّ‬ ‫والمالحظ ّ‬
‫أن‬
‫للحرية بل تعدّت إلى العقوبات المالية‪ ،‬مثلما ذهب إليه‬
‫ّ‬ ‫حيث لم تشمل فقط ميدان العقوبات السالبة‬
‫المشرع األلماني من خالل قانون ‪ 8 12 1984‬حيث يمكن إستبدال الجبر بالسجن بالعمل‬
‫ّ‬
‫لفائدة المصلحة العا ّمة إذا اتّضح عدم قدرة المحكوم عليه على خالص الخطيّة الماليّة ‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫كرست ج ّل التّشاريع الجزائيّة إجراءات الجبر بال ّ‬


‫سجن‪ ،‬باعتبارها إحدى الوسائل التي‬ ‫وقد ّ‬
‫تتّخذ لتنفيذ األحكام الجزائ ّ‬
‫ي ّّة الصادرة بتسليط عقوبات أو خطايا مالية لم يقم المحكوم عليهم‬
‫باستخالصها لدى القباضات المالية في اآلجال وحسب اإلجراءات الجاري بها العمل‪.‬‬

‫المشرع لجملة من الشروط لتطبيق عقوبة العمل لفائدة المصلحة‬


‫ّ‬ ‫ويمكن القول أنّه بتكريس‬
‫العا ّمة كعقوبة بديلة عن تنفيذ العقوبات المالية‪ ،‬فإنّه عكس اتّجاهه في تيسير العمل بهذا النّوع من‬
‫أن ذلك قد يح ّد من دور القاضي في تفريد العقوبة‪.‬‬‫اآلليات الحديثة لتنفيذ العقوبات المالية إالّ ّ‬
‫ولئن كان العمل للصالح العام‪ ،‬العقوبة البديلة األنجع فإنّها ليست الوحيدة‪.‬‬

‫سجن ‪:‬‬
‫ج ‪ -‬البدائل الحديثة لعقوبة ال ّ‬
‫تعتبر الغاية األساسية من تحديد العقوبة من طرف القاضي هو تفريدها وجعلها مالئمة‬
‫لشخصيّة المجرم وظروفه ‪ ،‬ولئن كانت عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة آلية ها ّمة في التفريد‬
‫التصور الدولي لموضوع العقوبات البديلة على أنواعها‬
‫ّ‬ ‫إالّ أنّها ليست الوحيدة‪ ،‬ذلك ّ‬
‫أن اختالف‬
‫سمها الفقه‪ 74‬إلى ‪:‬‬
‫صعب حصرها في فئات معيّنة وقد ق ّ‬
‫صار معه من ال ّ‬
‫للحرية‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬بدائل مقيّدة‬
‫‪ -‬بدائل متضمنة لحرمان من بعض الحقوق‬
‫‪ -‬بدائل ذات طابع أدبي ومجتمعي‬
‫‪ -‬بدائل ذات طابع مالي واقتصادي‬
‫والمالحظ في هذا اإلطار ّ‬
‫أن بعض البدائل يمكن إدراجها في أكثر من فئة كأن يكون في‬
‫للحرية ومتض ّمنا لحرمان من بعض الحقوق ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫آن واحد مقيّدا‬
‫للحرية ‪ :‬يذكر األستاذ رضا المزغنّي »أنّها ال تبتعد عن العقوبة‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬ومن البدائل المقيّدة‬
‫السجنية وإنّما تختلف عنها في تفاديه اآلثار السلبيّة لهذه العقوبة أو الح ّد منها ‪ :‬ال ّ‬
‫سجن في نهاية‬
‫األسبوع ‪/‬المعمول به في ألمانيا‪ /‬أو بالنهار فقط أو باللّيل فقط ‪/‬نيوز يالندا‪ /‬أو لفترات معيّنة في‬

‫‪88‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫بمقر العمل‪ ،‬وذلك بوضع سوار بمعصم‬


‫ّ‬ ‫أوقات الفراغ ‪/‬بلجيكا‪» ،«/‬االعتقال بمح ّل السكنى أو‬
‫المجرم أو رجله مع وصله بجهاز مراقبة إلكتروني ‪/‬الواليات المتّحدة وبريطانيا‪ ،«/‬وقف تنفيذ‬
‫ي واالبتعاد‬
‫العقوبة أي تحذير المجرمين ذوي الخطورة المحدودة بوجوب إلتزامهم بالسلوك السو ّ‬
‫عن االنحراف ‪ ،‬فال يلغي الحكم بالعقوبة الموقوف تنفيذها إالّ إذا لم يرتكب المجرم جريمة أخرى‬
‫في فترة معيّنة‪ ،‬وهو بديل معمول به في ج ّل التشريعات الجنائيّة خا ّ‬
‫صة في الجرائم البسيطة‬
‫وبالنسبة للمبتدئين‪» ،‬المراقبة« ‪ :‬إخضاع المحكوم عليه إلشراف ذي طابع إداري عادة ‪:‬‬
‫سسة أخرى يقع تحديدها‪.‬‬
‫كالحضور دوريا أمام الشرطة أو أيّة مؤ ّ‬

‫‪ -‬أ ّما البدائل المتض ّمنة لحرمان من بعض الحقوق ‪ :‬يبيّن الفقه أمثلة لها كحجز جواز‬
‫لحرية التنقّل ‪ ،‬حجز رخصة السياقة أو الصيد أوحمل السالح لفترة معيّنة وغلق‬
‫السفر‪ :‬هو قيد ّ‬
‫المح ّل‪ ،‬وهي بدائل موجودة في ج ّل التشريعات كعقوبة تكميليّة وفي فرنسا هي عقوبة بديلة‪،‬‬
‫كذلك إلغاء الوضع المهني كا لتشطيب على محام من الهيئة المهنية التي ينتمي إليها أو إيقافه عن‬
‫العمل لفترة معيّنة‪.‬‬

‫‪ -‬وفي خصوص البدائل ذات الطابع األدبي أو المجتمعي ‪ :‬نجد تو ّجه اللّوم والتحذير‬
‫والتوبيخ العام‪ ،‬يو ّجه بالنسبة لألطفال أو في المخالفات البسيطة للمبتدئين ‪ ،‬كما يندرج ضمن هذا‬
‫التقسيم العالج في برنامج مجتمعي في صورة اإلدمان على المسكرات أو المخدرات‪ ،‬حيث يودع‬
‫المجرم بمأوى عالجي عوضا عن توقيع عقوبة السجن‪ ،‬ومن أمثلة هذا النوع من البدائل خدمة‬
‫المجتمع‪.‬‬

‫‪ -‬أخيرا البدائل ذات الطابع المالي أو االقتصادي ‪ :‬الغرامات التقليديّة أي الخطيّة الغرامية‬
‫اليوميّة التي أتى بها القانون الفرنسي لسنة ‪ ، 1983‬ويحدّد مبلغ الغرامة اليومية على أساس‬
‫الوضع المادي للمحكوم عليه‪ ،‬فتحتسب إعتمادا على الدخل اليومي للفرد وتلزم المحكوم عليه بأن‬

‫‪89‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يدفع المقدار اليومي للغرامة ثم يدفع المبلغ الجملي في نهاية المدّة المحكوم بها‪.‬‬
‫يعرض المحكوم عليه نفسه لعقوبة سجنية عن طريق‬
‫وإذا لم يت ّم أداء النوعين من الغرامة ّ‬
‫سجن‪ ،‬لكن في فرنسا عدم الدّفع للغرامة اليومية يقتضي عقابا بنصف المدّة المحكوم بها‬
‫الجبر بال ّ‬
‫خالفا للغرامة التقليديّة‪.‬‬

‫ومن األمثلة أيضا مصادرة الممتلكات واألموال والتعويض الجزائي‪ ،‬وذلك بالزام المجرم‬
‫بدفع تعويض للضحيّة ال يصرف لصندوق الدولة كما هو الحال بالنسبة للغرامة التقليديّة‬
‫‪/‬الخطيّة‪./‬‬

‫أن معظم هذه العقوبات البديلة بمفهومها الواسع متوفّرة في القانون التونسي ‪،‬‬
‫والمالحظ ّ‬
‫من ذلك العالج ضمن برنامج اجتماعي ص ّحي ونفساني وكذلك تلقي تكوين مفيد للمجرم‪ ،‬ويكون‬
‫للقاضي دورا فعاال في تفريد مثل هذه العقوبات‪ ،‬فبالنسبة للعالج ضمن برنامج اجتماعي يقصد‬
‫به إسعاف المجرم ومساعدته للخروج من حالة اإلدمان التي يعيشها ومواصلة الحياة بصفة‬
‫مرضية وعادية‪ ،‬وحتى ينجح العالج الب ّد أن تتشارك فيه عديد الجهات المخت ّ‬
‫صة ‪/‬االجتماعيّة‬
‫خاص به يودع فيه المجرم ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والنفسانية والطبية‪ /‬ويت ّم العالج بمأوى‬

‫ومن شروط الحكم بالعالج ضمن برنامج نفساني اجتماعي وص ّحي‪ ،‬هو التأ ّكد من ّ‬
‫أن‬
‫وبتصرفاته وأفعاله ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫سة لذلك العالج وهو أمر مرتبط بحالة المريض المذنب‬
‫المجرم في حاجة ما ّ‬
‫لذا يجب أن تتوفّر عالقة سببيّة واضحة بين االنحراف وشخصيّة المجرم وحياته وما يحيط بها‬
‫من مشاكل‪ .‬على أنّه يجب أن يقدّم المتّهم نفسه مطلبا في ذلك يعبّر من خالله عن حاجته الما ّ‬
‫سة‬
‫يقر المتّهم ّ‬
‫بأن لديه مشكل في ذاته يجعله ينحرف‪.‬‬ ‫للعالج المطلوب ‪ ،‬وفي نفس الوقت ّ‬

‫مكرر من القانون عدد‬


‫أقر القانون التونسي هذا العالج كعقوبة بديلة في الفصل ‪ّ 19‬‬
‫وقد ّ‬

‫‪90‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المؤرخ في ‪ 18‬ماي ‪ 1992‬والمتعلّق بالمخدّرات حينما ّ‬


‫نص أنّه »للمحكمة أن‬ ‫ّ‬ ‫‪ 52‬لسنة ‪1992‬‬
‫تكتفي باخضاع الطفل في جرائم االستهالك أو المسك لغاية االستهالك للعالج الطبّي الذي‬
‫يخلّصه من التس ّمم أو للعالج الطبّي النفساني الذي يمنعه من ّ‬
‫الرجوع إلى ميدان المخدّرات أو‬
‫ي من التدابير المنصوص عليها بالفصل ‪ 59‬من مجلّة حماية‬
‫للعالج الطبّي اإلجتماعي أو أل ّ‬
‫الطفل«‪.‬‬

‫أ ّما الفصل ‪ 18‬من نفس القانون ‪ ،‬فقد جاء به »أنّه يمكن للمحكمة المتع ّهدة بالقضيّة في‬
‫صورة الحكم بإدانة المدمن على تعاطي المخدرات وفق مقتضيات الفصل ‪ 4‬من هذا القانون‬
‫المختص«‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إخضاع المحكوم عليه للعالج من التس ّمم لفترة يحدّدها الطبيب‬

‫وهكذا يالحظ ّ‬
‫أن القضاء بإخضاع المحكوم عليه للعالج يستوجب مساعدة من مراكز‬
‫البحث اإلجتماعي والطبّي والنفساني ‪ ،‬إذ تأذن المحكمة المتع ّهدة بالقضيّة ألحد المراكز‬
‫ّ‬
‫يستحق‬ ‫اإلجتماعيّة والنفسانية والطبية باجراء بحث حول المتّهم على أساسه تختار ما إذا كان‬
‫سجن‪.75‬‬
‫العالج أم ال ولهذا البحث أه ّمية بالغة في إصدار الحكم وتسليط عقوبة العالج البديلة لل ّ‬

‫أ ّما فيما يتعلّق بتلقّي تكوين فيقصد بذلك ضرورة أن يحظى المجرم بالعمل التربوي‬
‫والتكويني وذلك ضمن برامج تعليمية وتثقيفيّة وتربويّة واجتماعيّة وأخالقية تراعي فيها طبيعة‬
‫الجنحة المرتكبة وجوبا‪.‬‬

‫ويتنوع مضمون التكوين ويأخذ بعين االعتبار إضافة إلى طبيعة الجنحة ّ‬
‫سن وميوالت‬ ‫ّ‬
‫وأخالق المجرم‪ ،‬فيلقي مثال مرتكبي الجرائم األخالقية تكوين أخالقي وجنسي ‪ ،‬وهو يهدف‬
‫أساسا إلى تهذيب أخالق الفاعل في المستقبل وذلك بإسداء دروس له تدمجه في المجتمع وتنمي‬
‫تصرفاته وتركز هذه الدروس على أن يتح ّمل المجرم عبء أفعاله‬
‫ّ‬ ‫شخصيّته وتصقلها‪ ،‬كما تهذب‬

‫‪91‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ومسؤوليته ع نها وإمكانية تغيير سيرته ‪ ،‬وينتظر حسب هذه العقوبة مجهودات جبارة من المجرم‬
‫علما ّ‬
‫وأن هناك نوعين من التكوين إحداهما تعليمي بحت والثاني إصالحي وتوعوي ‪ ،‬ويمكن أن‬
‫ينتفع بها المجرم ضمن مجموعة أو بصفة فرديّة‪ ،‬على ّ‬
‫أن هذا التكوين يجب أن يشمل مرتكبي‬
‫الجنح الضارة بالضحيّة شخصا مدنيا ‪/‬العنف ‪ ،‬السرقة‪ّ . /‬‬
‫إن الشروط والمعيار األساسي لتسليط‬
‫هذه العقوبة البديلة هو إرادة الفاعل ومدى تح ّملها لمسؤوليّة أفعاله واستعداده لتغييرها‪.‬‬
‫ويرجى من هذه العقوبة تعميمها على جميع المجرمين ال فقط على اإلجرام الخفيف أو‬
‫المجرمين المبتدئين ‪ ،‬لما فيها من مزايا وفوائد خصوصا منها تحسيس المجرم بمسؤوليّته وبنتائج‬
‫المجرمة‪ ،‬ويؤمل كذلك أن تشمل المجرمين العائدين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تصرفاته‬
‫ّ‬
‫أن القاضي الجزائي التونسي يتمتّع ّ‬
‫بحرية واسعة في خصوص‬ ‫من خالل ما تقدّم نستنتج ّ‬
‫تحديد العقوبة واختيارها ‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن هذه السلطة نجدها مقيّدة في حاالت بعناصر تشريعيّة مفروضة‬
‫ونص عليها القانون ‪ ،‬وبالتالي ال تبقى له السلطة التقديريّة الواسعة في اإلختيار أو‬
‫ّ‬ ‫على القاضي‬
‫التحديد‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬حدود دور القاضي في التفريد‬
‫إن العقوبة ال تحقّق الغاية المنشودة منها إالّ إذا وقع اختيار العقوبة المناسبة لك ّل مخالف‬
‫ّ‬
‫للقانون الجنائي‪ ،‬وهو ما معناه أن ينفرد ك ّل مخالف بالعقوبة التي تتماشى مع مدى خطورة‬
‫األفعال التي ارتكبها وكذلك التي تتالءم مع شخصيّته وظروفه االجتماعيّة والتربويّة وحتى‬
‫ماضيه العدلي ‪.‬‬
‫والقاضي الجزائي وفي إطار سلطته التقديريّة هو المر ّ‬
‫شح أكثر من غيره لتحديد العقوبة‬
‫المناسبة باعتباره الناطق بها في نهاية المطاف بعد أن تتج ّمع لديه ك ّل المعطيات والبيانات حول‬
‫الجريمة والمتّهم سواء أمدته بها الجهات المخت ّ‬
‫صة أو التي قام بتجميعها بنفسه‪.‬‬

‫المشرع ووضع‬
‫ّ‬ ‫أن هذه السلطة التقديريّة للقاضي الجزائي تصبح مقيّدة ‪ ،‬إذا تد ّخل‬
‫على ّ‬
‫عناصر لتحديد العقاب ال يمكن للقاضي خرقها ‪ ،‬ويفقد ك ّل اختيار ‪ ،‬ذلك ّ‬
‫أن العناصر التشريعيّة‬

‫‪92‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وجوبيّة وال تخضع للسلطة التقديريّة للقاضي ‪ ،‬وهاته العناصر التشريعيّة ال تشمل فقط الحاالت‬
‫للحرية بل يندرج في نطاقها أيضا الحاالت المتعلّقة بالعقوبات الماليّة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المتعلّقة بالعقوبات السالبة‬
‫لذلك ّ‬
‫فإن محدوديّة دور القاضي في تفريد العقوبة يبرز من خالل القيود التشريعيّة الملزمة‬
‫للحرية ‪/‬الفرع األول‪ /‬وكذلك القيود التشريعيّة المتّصلة بالعقوبات‬
‫ّ‬ ‫المتّصلة بالعقوبات السالبة‬
‫المالية ‪/‬الفرع الثاني‪./‬‬

‫للحرية‬
‫ّ‬ ‫األول ‪ :‬القيود التشريعيّة المتّصلة بالعقوبات السالبة‬
‫الفرع ّ‬

‫إن تقدير العقوبة وتفريدها يتطلّب عمال ذهنيا جبارا من جانب القاضي الجزائي في إطار‬
‫ّ‬
‫المشرع ‪ ،‬على ّ‬
‫أن هذه السلطة‬ ‫ّ‬ ‫سلطة التقديريّة التي منحه إيّاها‬
‫ال ّ‬
‫تصبح مقيّدة في إطار بعض الجرائم ذات الطابع الخصوصي والتي تتميّز بخطورتها على‬
‫المجتمع وعلى اإلقتصاد وعلى الشخص الذي ارتكبها‪ ،‬ولع ّل من أبرزها جرائم المخدّرات التي‬
‫تعتبر من أش ّد الجرائم ضراوة على المجتمع اإلنساني‪ ،‬ففيها تعدّي على النّفس والمال والدين‬
‫صها‬
‫واألخالق وتكون عنصرا منتجا لجرائم أخرى يكون المجتمع في غنى عنها‪ ،‬لذلك فقد خ ّ‬
‫المشرع باهتمام شديد من حيث التقنين ومن حيث اجراءات تطبيقها ومكافحتها نظرا لطبيعتها‬
‫ّ‬
‫فإن سلطة القاضي الجزائي‬ ‫ّ‬
‫الحق العام ‪/‬الفقرة األولى‪ /‬إلى جانب ذلك ّ‬ ‫المختلفة عن سائر جرائم‬
‫تكون مقيّدة لتفريد العقوبة في جرائم ال ّ‬
‫شيك التي لها خطورة ها ّمة على اإلقتصاد وعلى المجتمع‬
‫‪/‬الفقرة الثانية‪./‬‬

‫الفقـرة األولى ‪ :‬خصوصيّـة جرائـم المخــدّرات‬


‫المؤرخ‬
‫ّ‬ ‫األول من القانون عدد ‪ 52‬لسنة ‪92‬‬
‫المشرع التونسي المخدّرات بالفصل ّ‬
‫ّ‬ ‫عرف‬
‫ّ‬
‫في ‪ 18‬ماي ‪ 1992‬كالتالي ‪» :‬تعتبر مخدرات وتخضع لتطبيق هذا القانون جميع المواد‬
‫المدرجة بالجدول »ب« الملحق بهذا القانون سواء كانت طبيعيّة أو مر ّكبة مهما كان نوعها أو‬

‫‪93‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫نموها أو تركيبها الكيميائي«‪.‬‬


‫ي مرحلة من ّ‬
‫شكلها وفي أ ّ‬

‫والمالحظ أنّه يصعب تعريف وضبط مادّة المخدرات لتعدّد أنواعها وأصنافها فقد ذهب‬
‫ومتنوعة ومن‬
‫ّ‬ ‫أغلب شراح القانون والفقهاء إلى التنصيص على ّ‬
‫أن المواد المخدّرة متعدّدة‬
‫فصائل كثيرة ويصعب تحديد إطارها ‪ ،‬األمر الذي يستوجب ذكر إسمها على سبيل الحصر مثل‬
‫المشرع التّونسي عند صياغة‬
‫ّ‬ ‫األفيون والخشخاش والتكروري ‪ ،...‬وهذا االتّجاه لم ينحني عنه‬
‫القانون المذكور‪.‬‬
‫لمشرع التونسي حتم على القاضي بيان نوع المخدّر الواقع محاكمة‬ ‫ومن هذا المنطلق ّ‬
‫فإن ا ّ‬
‫الجاني من أجله حتى تتم ّكن محكمة التعقيب من مراقبة ما إذا كانت المادة من المواد المعتبرة‬
‫مخدرة والمدرجة بالجدول »ب« أم ال‪ ،‬وكلّما اتّضح أنّها لم تكن من ضمن ما وجد بتلك القائمة‬
‫إال وتحتم على القاضي الحكم بعدم سماع الدّعوى‪ ،‬حتى ولئن ثبت ّ‬
‫أن تعاطيها يسبّب اإلدمان‬
‫ويلحق الضّرر بص ّحة من تناولها‪ ،‬ولذلك ّ‬
‫فإن قانون المخدّرات يتميّز بقواعده اآلمرة التي ال‬
‫تترك الخيار للقاضي في تحديد العقوبة وتفريدها وفق معطيات وخصوصيات ك ّل قضيّة ‪.‬‬
‫ومن مظاهر تقييد سلطة القاضي في تقدير العقوبات المحكوم بها في جرائم المخدّرات هو‬
‫المشرع لتطبيق ظروف التخفيف فيها ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫منع‬

‫فتاريخيا وفي عهد الحماية لم يكن التّشريع المتعلّق بالمخدرات زجري ‪ ،‬ولكن منذ‬
‫نص الفصل ‪ 108‬من‬
‫بقوة هذا الدّاء ‪ ،‬إذ ّ‬
‫االستقالل عرفت بالدنا عدّة نصوص قانونيّة ضربت ّ‬
‫المؤرخ في ‪ 26‬جويلية ‪ 1969‬على أنّه ال تنطبق ظروف‬
‫ّ‬ ‫القانون عدد ‪ 54‬لسنة ‪1969‬‬
‫التخفيف وال تأجيل العقوبة في خصوص جرائم المخدّرات ‪ ،‬وقد أخذ هذا القانون بمقتضيات‬
‫المؤرخ في ‪18‬‬
‫ّ‬ ‫قانون ‪ ،1958‬وقد دعّم هذا اإلتّجاه القانون الجديد الخاص بجرائم المخدرات‬
‫نص على ما يلي ‪» :‬ال تنطبق أحكام الفصل ‪ 53‬من م‪.‬ج‪.‬‬
‫ماي ‪ 1992‬بالفصل الثاني عشر الذي ّ‬
‫على الجرائم المنصوص عليها بهذا القانون«‪ .‬وقد دأبت محكمة التعقيب على حسن تطبيق‬

‫‪94‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫القانون ‪ ،‬ففي قرارين نقضت محكمة التعقيب حكمين ‪ ،‬قضايا بتأجيل التنفيذ لصالح بعض‬
‫المتّهمين في جرائم المخدّرات‪.76‬‬

‫المشرع التونسي ورغم أنّه أولى مرتكب هذه الجريمة اهتماما كبيرا من خالل‬
‫ّ‬ ‫ونستنتج ّ‬
‫أن‬
‫التدابير العالجيّة بالنسبة للمستهلكين المبتدئين بحيث يقع اللّجوء للعقوبة بالسجن عند الضرورة‬
‫صة إذا‬ ‫القصوى‪ ،‬إالّ أنّه قيّد سلطة القاضي بمنعه من تطبيق ظروف التخفيف في ك ّل ال ّ‬
‫صور وخا ّ‬
‫لمجرد حب االستطالع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بمحض الصدفة أو‬
‫ّ‬ ‫مرة أو‬
‫ألول ّ‬
‫كان مرتكب الجريمة قد أخطأ ّ‬

‫صة صلب قانون المخدّرات قصد‬


‫المشرع التونسي األجانب بأحكام آمرة وخا ّ‬
‫ّ‬ ‫خص‬
‫ّ‬ ‫كما‬
‫حماية البالد من رعايا بعض الدّول الذين يتسبّبون في انتشار المخدّرات داخلها ‪ ،‬فهم يفدون‬
‫يقرر عقابا لهذه‬
‫صة إذا كان قانونهم الوطني ال ّ‬
‫وبحوزتهم مواد مخدّرة الستهالكهم الشخصي خا ّ‬
‫المقررة قانونا وهي طردهم وترحيلهم بعد قضاء‬
‫ّ‬ ‫يتعرضون للعقوبة‬
‫ّ‬ ‫الفعلة‪ ،‬ومتى وقع ضبطهم‬
‫المشرع عقابا لمن‬
‫ّ‬ ‫العقوبة ثم تحجير دخول البالد التونسية عليهم مدّة ‪ 10‬سنوات‪ ،‬وقد رتّب‬
‫يخالف ذلك بالسجن من عام إلى خمسة أعوام وبالخطيّة من ألف إلى خمسة آالف دينار مع جعل‬
‫المحاولة موجبة للعقاب‪.77‬‬

‫المشرع التونسي قد شدّد في العقوبات المتعلّقة بجرائم المخدّرات‬


‫ّ‬ ‫ومهما يكن من أمر ّ‬
‫فإن‬
‫‪ ،‬وهذه العقوبة تزداد شدّة في صورة العود أو إذا تعلّقت الجريمة مثال بقاصر أو إذا ارتكبت من‬
‫صت الفقرة ‪ 3‬من الفصل ‪11‬‬
‫طرف األشخاص المعهود إليهم مكافحة ومعاينة هذه الجرائم إذ ن ّ‬
‫من قانون ‪ 1992‬على ما يلي ‪ » :‬إذا ارتكبها أحد األشخاص الذين عهد إليهم القانون مكافحة‬
‫ومعاينة جرائم المخدّرات أو البحث فيها«‪ ،‬كما يظهر التشديد في العقوبة في عدم تطبيق أحكام‬
‫الفصل ‪ 53‬من المجلّة الجنائيّة المتعلّق بظروف التخفيف‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المشرع التونسي سلطة القاضي الجزائي في تحديد العقوبة األصلية إالّ أنّه ترك‬
‫ّ‬ ‫ولئن قيد‬
‫حرية إختيار العقوبات التكميليّة والتصريح بها‪ ،‬إذ رأت في ذلك منفعة أو مصلحة عا ّمة‬
‫للمحكمة ّ‬
‫يقتضيها الوضع االجتماعي العام للبالد‪ ،‬فقد أورد الفصل ‪ 15‬من القانون عدد ‪ 52‬لسنة ‪1992‬‬
‫أن المحكمة مخيّرة في عدم اإلذن بنشر مل ّخص األحكام بالصحف اليومية أو تعليقها باألماكن‬
‫ّ‬
‫ينجر عن ذلك محاسبة أو جزاء لها إذ األمر يرجع لسلطتها التقديريّة في تكييف‬
‫ّ‬ ‫العموميّة دون أن‬
‫وتوقيع العقاب الالّزم على الجناة‪.‬‬

‫كما يمكن للمحكمة عمال بأحكام الفصل ‪ 16‬من نفس القانون أن تأذن إلى جانب العقوبات‬
‫األصلية بفرض المراقبة اإلدارية على المحكوم عليه لمدّة عشر سنوات وبحرمانه لمدّة تتراوح‬
‫بين خمسة وعشرة أعوام من مباشرة بعض الحقوق مثال ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬الوظائف العموميّة‬
‫سالح‬
‫‪ - 2‬حمل ال ّ‬
‫‪ - 3‬الحقوق المدنية والسياسيّة‪.‬‬
‫إلى جانب جرائم المخدرات التي تقيّد فيها سلطة القاضي في تفريد العقوبة توجد كذلك‬
‫الجرائم المتعلّقة بالشيكات‪.‬‬

‫الفقـرة الثانيـة ‪ :‬خصوصيّــة ال ّ‬


‫شيكـــات‬
‫تعتبر الجرائم المتعلّقة بالشيكات من أخطر الجرائم على االقتصاد وعلى المجتمع ‪ ،‬ومثال‬
‫المشرع التّونسي العقاب على‬
‫ّ‬ ‫ذلك جريمة إصدار شيك بدون رصيد أو تزويره ‪ ،‬وقد شدّد‬
‫مرتكبي هذه الجرائم حتى يحافظ على عنصر الثقة بين الت ّجار أو بينهم وعامة الناس وكذلك‬
‫الحفاظ على إستقرار المعامالت وحسن سير االقتصاد‪.‬‬

‫حرية القاضي في تقدير العقوبة وتفريدها‬ ‫ّ‬


‫المنظم للشيكات قد قيّد ّ‬ ‫والمالحظ ّ‬
‫أن التشريع‬

‫‪96‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫صة بالعقوبات السالبة‬


‫وذلك بأن وضع قواعد آمرة ووجوبية ملزمة للقاضي سواء كانت الخا ّ‬
‫للحرية أو المالية‪ ،‬ويسترجع القاضي سلطته التقديريّة فيما يتعلّق بالعقوبات التكميليّة وذلك ما‬
‫ّ‬
‫المؤرخ في ‪ 3‬أفريل ‪1996‬‬
‫ّ‬ ‫اقتضاه الفصل ‪ 411‬رابعا المنقّح بالقانون عدد ‪ 28‬لسنة ‪1996‬‬
‫أن »للمحكمة أن تسلّط ما تراه من العقوبات التكميليّة المنصوص عليها بالفصل‬
‫نص على ّ‬
‫والذي ّ‬
‫‪ 5‬من المجلّة الجنائيّة لمدّة ال تتجاوز الخمسة أعوام«‪.78‬‬

‫المشرع في منع‬
‫ّ‬ ‫كما أنّه ولمجابهة ومقاومة هذه الجرائم المتعلّقة بميدان الشيكات تو ّ‬
‫سع‬
‫انطباق ظروف التخفيف وذلك بتنقيح الفصل ‪ 411‬م‪.‬ت‪ .‬بمتقضى القانون عدد ‪ 82‬لسنة ‪1985‬‬
‫ينص على ما يلي ‪» :‬ال ينطبق‬‫ّ‬ ‫المؤرخ في ‪ 11‬أوت ‪ 1985‬وأصبح الفصل ‪ 411‬فقرة رابعة‬ ‫ّ‬
‫الفصل ‪ 53‬من المجلّة الجنائيّة على من تع ّمد تزييف أو تزوير شيك وعلى من تسلّم شيكا مزيّفا‬
‫أو مزورا مع علمه بذلك‪ ،‬باستثناء األصول والفروع واألزواج‪ ،‬كما ال تنطبق أحكامه ابتداء من‬
‫الفقرة األولى إلى العاشرة بدخول الغاية على الجرائم موضوع الفصل ‪.«411‬‬
‫والحكم بالخطيّة في الجنح المنصوص عليها بالفصلين ‪ 411‬و‪ 411‬فقرة ثالثة من هذا‬
‫القانون ال يمنح فيها تأجيل التنفيذ ‪ ،‬وهذه المقتضيات وقع أخذها عن التشريعات الغربية ‪/‬القضاء‬
‫الفرنسي بتاريخ ‪ 14 6 1845‬الفصل ‪ 66‬الذي وقع تنقيحه بمقتضى قانـون‬
‫‪ ،28 5 1947‬الـذي وقع إلغائه بمقتضى قانون ‪./1951‬‬

‫وقد أحسنت محكمة التعقيب تطبيقها ‪ ،‬ففي مرحلة قامت بمنع تأجيل التنفيذ‪ ،79‬وفي‬
‫والردع وذلك بجعل التزوير في مادة الشيكات جريمة مستقلّة‬
‫ّ‬ ‫مرحلة ثانية زادت في ّ‬
‫الزجر‬
‫بالرغم من بطالن الورقة التجارية لعدم‬
‫بذاتها‪ ،‬فهذا التزوير يمكن مقاضاة من قام به وتتبّعه ّ‬
‫نص عليها الفصل ‪ 346‬م‪.‬ت‪ .‬أو رغم عرضها بعد المدّة‬
‫ّ‬ ‫احتوائها التنصيصات الالّزمة التي‬
‫المحدّد بالفصل ‪ 372‬م‪.‬ت‪.80.‬‬

‫‪97‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫نص الفصل ‪ 411‬فقرة ‪ 4‬على أنّه يمكن لألصول والفروع واألزواج أن يتمتّعوا‬
‫ّ‬ ‫ولقد‬
‫بظروف التخفيف في حالة تزوير أو تزييف شيك ‪ ،‬وذلك لصلة القرابة التي تربط بين الجاني‬
‫صت الفقرة نفسها على عدم انطباق الفقرات ‪ 1‬إلى ‪ 10‬من الفصل ‪ 53‬على‬
‫والمتضرر‪ ،‬كما ن ّ‬
‫ّ‬
‫الجرائم موضوع الفصل ‪ ،411‬وهاته الجرائم هي إصدار شيك بدون رصيد أو ذو رصيد ناقص‬
‫وقبول شيك صادر في األحوال المبيّنة آنفا مع علمه بذلك ‪.‬‬

‫فالقاضي ال يمكنه في هاته الحالة منح ظروف التخفيف في حالة التزوير أو التّزييف أو‬
‫الرصيد ويمنع عليه منح تأجيل التّنفيذ بالنسبة لمن قام‬ ‫ّ‬
‫صك بدون رصيد أو ناقص ّ‬ ‫إصدار‬
‫ّ‬
‫صك بدون رصيد أو ناقص‬ ‫بتزييف أو تزوير شيك‪ ،‬لكن يمكن له ذلك بالنسبة لمن أصدر‬
‫ي حالة تطبيق ظروف التّخفيف أو منح تأجيل التّنفيذ بالنسبة‬
‫الرصيد‪ ،‬والقاضي ال يمكن له في أ ّ‬
‫ّ‬
‫للمجرم العائد ‪ ،‬وقد عرف الفصل ‪ 411‬خامسا من م‪.‬ت‪ .‬العائد بأنه ‪» :‬يع ّد عائدا على معنى هذا‬
‫القانون من يرتكب جريمة واردة بهذا القسم بعد عقابه بموجب أخرى واردة به بقطع النّظر عن‬
‫األول أو على سقوطه بمرور ّ‬
‫الزمن أو‬ ‫صنفها وقبل أن يمضي خمسة أعوام على قضاء العقاب ّ‬
‫إسقاطه بعفو«‪.‬‬

‫نص على ما يلي ‪:‬‬


‫ّ‬ ‫ث ّم في فقرته األخيرة منع تطبيق ظروف التخفيف وتأجيل التنفيذ إذ‬
‫»المحكوم عليه العائد ال تنطبق عليه أحكام الفصل ‪ 53‬من المجلّة الجنائيّة«‪ .‬إلى جانب ذلك فقد‬
‫حرية‬
‫المشرع التونسي في العقاب السجني على مرتكب الجرائم المذكورة مقيّدا بذلك ّ‬
‫ّ‬ ‫شدّد‬
‫أن العقاب المسلّط يكون بخمسة سنوات مهما كان مبلغ‬
‫القاضي في تحديد العقوبة وتفريدها ‪ ،‬إذ ّ‬
‫نص على ذلك الفصل ‪ 411‬من م‪.‬ت‪ .‬بعد تنقيحه‬
‫الشيك أي حتى وإن كان مبلغا نقديا تافها‪ .‬وقد ّ‬
‫المؤرخ في ‪ 3‬أفريل ‪.1996‬‬
‫ّ‬ ‫بالقانون‬

‫المشرع على القاضي ض ّم العقوبات في هذه الجرائم إالّ إذا تجاوز مجموع‬
‫ّ‬ ‫كما منع‬

‫‪98‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫العقوبات المحكوم بها عشرين عاما سجنا ‪ ،‬ففي هذه الحالة يمكن للمحكمة أن تض ّم العقوبات غير‬
‫ينجر عن الض ّم النّزول بمجموع العقوبات إلى أق ّل من عشرين عام سجنا ‪ ،‬وذلك‬
‫ّ‬ ‫أنّه ال يجب أن‬
‫وفق مقتضيات الفصل ‪ 411‬من م‪.‬ت‪ .‬رابعا‪.‬‬

‫صكوك أو إصدارها بدون‬


‫فإن ظاهرة تزييف وتزوير ال ّ‬ ‫ّ‬
‫والزجر ّ‬ ‫وبالرغم من هذه القساوة‬
‫ّ‬
‫المشرع التد ّخل إليجاد صيغة أخرى في الزجر إليقاف هذا‬
‫ّ‬ ‫رصيد تتكاثر يوما بعد يوم‪ ،‬وعلى‬
‫التيار الذي ينهك اقتصادنا‪ .‬ولئن كان هذا هو الشأن بالنسبة للقيود التشريعيّة المتّصلة بالعقوبات‬
‫للحرية فكيف يكون بالنسبة للعقوبات المالية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫السالبة‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬القيود التشريعيّة المتّصلة بالعقوبات المالية‬

‫يجد القاضي نفسه ‪ ،‬عند محاكمته لمرتكبي بعض الجرائم‪ ،‬مقيّدا بنصوص حدّدت تجريم‬
‫وقررت لها عقوبات ثابتة بصورة ال تقبل التعديل‪ ،‬بحيث ال يكون للقاضي دور‬
‫بعض األفعال ّ‬
‫النص سلفا‪ ،‬وال مجال هنا الجتهاده ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فيها سوى تطبيقها والنطق بحكم يتض ّمن العقاب الذي حدّده‬
‫المشرع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مجرد امتداد لدور‬
‫ّ‬ ‫وبالتالي يكون دوره في مكافحة الجريمة في هذا النطاق‬
‫ويظهر تحديد سلطة القاضي أساسا في نطاق الجرائم الصرفيّة ‪/‬الفقرة األولى‪ /‬وكذلك‬
‫الجرائم الغابية ‪/‬الفقرة الثانية‪ /‬وأيضا عند توارد الجرائم ‪/‬الفقرة الثالثة‪ /‬والمالحظ ّ‬
‫أن هذا التحديد‬
‫والتقييد يه ّم أساسا العقوبات المالية بدرجة أولى‪.‬‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬التحديد في نطاق الجرائم الصرفيّة‬
‫تطرح الجرائم الصرفية إشكاال على مستوى تعريفها‪ ،‬ذلك ّ‬
‫أن البالد التونسيّة تنتهج حاليا‬
‫سمت في عديد القوانين التي تش ّجع االستثمار وتخفض‬
‫وتحررا‪ ،‬تج ّ‬
‫ّ‬ ‫سياسة اقتصاديّة أكثر انفتاحا‬
‫القيود الجبائيّة والمالية والڤمرڤيّة قصد تدعيم االقتصاد على مواجهة المنافسة في السوق الداخلية‬
‫المؤرخ‬
‫ّ‬ ‫والخارجيّة ‪ ،‬ومن بين هذه القوانين نذكر على سبيل المثال القانون عدد ‪ 81‬لسنة ‪1992‬‬

‫‪99‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الحرة وكذلك القانون عدد ‪ 51‬لسنة ‪1987‬‬


‫ّ‬ ‫في ‪ 3‬أوت ‪ 1992‬المتعلّق بالمناطق اإلقتصادية‬
‫المؤرخ في ‪ 2‬أوت ‪ 1987‬المتعلّق بمجلّة االستثمارات الصناعيّة ‪ ،‬وقد وقع تحرير الدينار‬
‫ّ‬
‫بمقتضى قرار رئاسي بتاريخ ‪ 27‬ديسمبر ‪ 1992‬والذي دخل حيّز التنفيذ في ‪ 6‬جانفي ‪.1993‬‬

‫عرفها‬
‫صرف تخضع إلى تراتيب معيّنة ّ‬ ‫سياق إلى ّ‬
‫أن عمليات ال ّ‬ ‫وتجدر اإلشارة في هذا ال ّ‬
‫األول من هذا‬
‫الفصل ‪ 5‬من القانون عدد ‪ 18‬لسنة ‪ 1976‬بكونها جملة أو جميع أحكام الجزء ّ‬
‫القانون‪ ،‬وكذلك جميع األوامر والقرار ات والمناشير التي يصدرها وزير المالية ومحافظ البنك‬
‫المركزي لتطبيق هذه األحكام‪ ،‬وقد دأب هذا األخير على إصدار مناشير صرف تضبط شروط‬
‫صرف‪ ،‬ورتّب الفصل ‪ 23‬من مجلّة ال ّ‬
‫صرف والتجارة الخارجيّة عن ك ّل‬ ‫وكيفية تطبيق تراتيب ال ّ‬
‫صرف جريمة أو محاولة جريمة حسب ظروف ومالبسات ك ّل مخالفة‪ ،‬لكنّه لم‬
‫مخالفة لتراتيب ال ّ‬
‫األول‬ ‫يحدّد مفهوم هذه الجريمة ولم تتو ّل بقيّة فصول المجلّة وخا ّ‬
‫صة العنوان السابع من الجزء ّ‬
‫صص لزجر الجرائم الصرفيّة تعريفها‪ ،‬لذلك يتّجه ّ‬
‫الرجوع إلى الواجبات والتحجيرات‬ ‫منه المخ ّ‬
‫صرف لتعريفها بكونها ك ّل مخالفة لتلك الواجبات أو لتلك‬
‫المنصوص عليها بتراتيب ال ّ‬
‫التحجيرات‪ ،81‬إالّ ّ‬
‫أن هذا التعريف يعتبر غير دقيق من حيث كونه واسعا جدّا وال يضع حدودا‬
‫واضحة تميّز هذه الجرائم عن بقيّة الجرائم في ميادين أخرى‪ ،‬وهو ما أثار جدال حول الطبيعة‬
‫القانونيّة لهذه الجرائم‪ ،‬فقد اعتبر األستاذ »فيني« "‪ "Vinie‬الجرائم الصرفيّة من ضمن جرائم‬
‫أن إحالة الفصل ‪ 29‬من مجلّة ال ّ‬
‫صرف‬ ‫الحق العام وينطبق عليها قانون العقوبات العام‪ ،‬إالّ ّ‬
‫ّ‬
‫موضوع زجر الجرائم الصرفيّة إلى أحكام العنوان ‪ 13‬من مجلّة الڤمارق أثار تساؤال حول مدى‬
‫اعتبار هذه الجرائم جرائم ڤمرڤية ‪ .‬وقد طرح هذا اإلشكال على فقه القضاء الفرنسي فأجابت‬
‫بأن الجرائم المتعلّقة بالتشريع المالي ليست جرائم ڤمرڤية غير ّ‬
‫أن‬ ‫محكمة التعقيب الفرنسية ّ‬
‫المجرمة يمكن أن تش ّكل في نفس الوقت جرائم صرفية وقمرقية ‪.82‬‬
‫ّ‬ ‫األفعال‬
‫فإن الثابت ّ‬
‫أن الجرائم الصرفية هي جرائم‬ ‫وتنوعت ّ‬
‫ّ‬ ‫إالّ أنّه مهما تعدّدت األوصاف‬
‫اقتصادية باعتبارها مرتبطة بالسياسة النقدية التي هي من قوام النظام العام االقتصادي للدولة‪،‬‬

‫‪100‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تطور الواقع والحاالت التطبيقيّة‪ ،‬وهي‬


‫وتعتبر التراتيب الصرفية كثيرة الحركة فهي تتأقلم مع ّ‬
‫حرر كلّما انفتح االقتصاد على الخارج‬
‫كذلك مرآة ينعكس عليها الواقع االقتصادي للبالد حيث تت ّ‬
‫وعلى السلطة األخذ بإجراءات للوقاية من إختالل التوازن المالي‪.‬‬

‫وبين هذا التو ّجه أو ذاك يتغيّر النظام العام االقتصادي ويتغيّر معه القانون الجنائي‬
‫المجرمة‪ ،‬ذلك ّ‬
‫أن الجرائم في هذا الميدان تعتبر جرائم‬ ‫ّ‬ ‫االقتصادي فتتغيّر بالتالي قائمة األفعال‬
‫اصطناعيّة وطارئة وظرفيّة تزول بزوال أسبابها وذلك مقابلة مع الجرائم الطبيعيّة التي تدوم‬
‫المشرع يحاول اإلحاطة‬
‫ّ‬ ‫باعتبارها جرائم ك ّل األزمان وك ّل البلدان كالسرقة والقتل‪ ،‬ولذلك ّ‬
‫فإن‬
‫بك ّل ما من شأنه أن يؤدّي إلى ارتكاب جرائم صرفيّة لمحاولة الح ّد من صنف هذه الجرائم‬
‫وبالتالي المجرمين من جهة والمحافظة على التوازن االقتصادي والمالي للبالد من جهة أخرى‪.‬‬

‫والمالحظ أنّه من أه ّم خصوصيات التجريم في مادّة الصرف هو إقرار المسؤوليّة الجنائيّة‬


‫شخص المعنوي مثلها مثل ال ّ‬
‫شخص الطبيعي ووضعت قواعد لزجرها بغية الح ّد من الجرائم‬ ‫لل ّ‬
‫المشرع التونسي بالمسؤوليّة الجزائيّة بالنسبة للشخص المعنوي كاستثناء ‪ ،‬إذ‬
‫ّ‬ ‫أقر‬
‫الصرفيّة‪ ،‬وقد ّ‬
‫حق تراتيب‬‫نص صلب الفصل ‪ 33‬من مجلّة الصرف على ما يلي ‪» :‬إذا كانت الجرائم في ّ‬ ‫ّ‬
‫متصرفي أو مديري ذات معنويّة أو من‬ ‫ّ‬ ‫الصرف مرتكبة من طرف أعضاء مجلس اإلدارة أو‬
‫متصرفا باسم ولحساب ال ّذات المعنوية فإنّه بقطع النّظر عن التتبّعات القائمة ض ّد‬
‫ّ‬ ‫طرف أحدهم‬
‫هؤالء يمكن أن يقع تتبّع الذّات المعنوية نفسها وأن تسلّط عليها العقوبات المالية المنصوص عليها‬
‫المشرع إلى التشديد في مستوى‬
‫ّ‬ ‫بهذا القانون«‪ ،‬كما تبرز خصوصيات الجرائم الصرفيّة في اتّجاه‬
‫الزجر وتقييد سلطة القاضي في تحديد وتفريد العقوبة ‪ ،‬ويبرز ذلك من خالل سيطرة اإلدارة على‬
‫تنوع الجزاءات ‪./2/‬‬
‫الدّعوى العموميّة ‪ /1/‬وعلى ّ‬

‫‪ - 1‬سيطرة اإلدارة المالية على الدّعوى العموميّة ‪:‬‬

‫‪101‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أن الدّعوى العموميّة منوطة بعهدة النيابة العموميّة إالّ ّ‬


‫أن تراتيب الصرف أحدثت‬ ‫األصل ّ‬
‫عدّة استثناءات لهذه القاعدة حيث أسندت إثارة الدّعوى العموميّة ومباشرتها إلى اإلدارة المالية‬
‫صيتين هما العمومية وعدم إمكانية التنازل عنها‬
‫‪/‬أ‪ ،/‬لذلك وإن كانت الدّعوى العموميّة تتميّز بخا ّ‬
‫صة للجرائم االقتصاديّة عا ّمة والصرفية خاصة‬ ‫بعد رفعها أمام القضاء‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن الطبيعة الخا ّ‬
‫سم مع النظام القانوني الذي اختاره‬
‫المشرع إدخال مرونة على النظام العام تتج ّ‬
‫ّ‬ ‫فرضت على‬
‫لممارسة الدّعوى العموميّة وذلك بإقراره ّ‬
‫لحق التصالح ‪/‬ب‪./‬‬

‫ّ‬
‫حــق التتبّــع الجزائــي ‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫صرفي اإلدارة المالية من إثارة الدّعوى العموميّة ومباشرتها وذلك نظرا‬
‫المشرع ال ّ‬
‫ّ‬ ‫م ّكن‬
‫إلى ّ‬
‫أن المصلحة المقصودة من تلك الحماية هي مصلحة اإلدارة‪ ،‬كما أن المقصد من التجريم‬
‫والردع وإنّما إعادة التوازن االقتصادي إلى الحالة التي كان عليها قبل‬
‫ّ‬ ‫ليس الهدف منه ّ‬
‫الزجر‬
‫حصول الجريمة‪ ،‬لذلك تحرص اإلدارة ضمن طلباتها الكتابية المقدّمة للمحكمة على العقوبات‬
‫المالية أكثر من العقوبات البدنية ‪ ،‬فالقاعدة هي ّ‬
‫أن إجراءات التتبّع في المادة الجزائية تخضع إلى‬
‫مجموعة من االجراءات والضوابط التي حدّدها الدّستور وم‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬التي تهدف إلى ضمان التحقيق‬
‫من جهة وحقوق الدّفاع من جهة أخرى‪.83‬‬

‫المشرع يمكن‬
‫ّ‬ ‫صة منها المادّية جعلت‬
‫صة للجرائم الصرفيّة وخا ّ‬ ‫إالّ ّ‬
‫أن الطبيعة الخا ّ‬
‫اإلدارة المالية من إجراء األبحاث ومعاينات ويضفي على أعمالها قدسيّة‪ ،‬فقد م ّكن الفصل ‪24‬‬
‫من مجلّة ال ّ‬
‫صرف أعوان وزارة المالية والبنك المركزي من اختصاص أصلي بمعاينة الجرائم‬
‫الصرفية وتحرير التقارير فيها‪ ،‬ويجب اإلشارة إلى تمتّع هؤالء األعوان بصفة الضابطة العدلية‬
‫حسب الفصل ‪ 10‬م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬وكذلك يتمتّعون بصفة الضابطة اإلدارية حسب مقتضيات الفصل ‪46‬‬
‫تعرضت المجلّة الصرفيّة إلى أه ّم الوسائل التي يستعملها أعوان اإلدارة‬
‫من أمر ‪ ،1977‬كما ّ‬
‫صة‪.‬‬
‫صتها بأحكام خا ّ‬
‫المالية للكشف عن الجرائم الصرفيّة وخ ّ‬

‫‪102‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫خول لألشخاص المؤ ّهلين لمعاينة الجرائم الصرفيّة للقيام بزيارات‬


‫فالفصل ‪ 25‬من م‪.‬ص‪ّ .‬‬
‫سكنى حسب الشروط الواردة بمجلّة الديوانة الفصل ‪ ، 53‬مع اخضاعها إلى عدّة‬
‫إلى محالت ال ّ‬
‫الحريات الفردية المضمونة دستوريا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫شروط حرصا على حماية‬

‫كما اعتبر الفصل ‪ 202‬من م‪.‬د‪ .‬الذي أحال عليه الفصل ‪ 29‬من م‪.‬ص‪ّ .‬‬
‫أن التقارير التي‬
‫يحررها أعوان القمارق واألعوان المحلفون باإلدارات األخرى ال تخضع لموجب التأكيد العدلي‪،‬‬
‫ّ‬
‫فهي ح ّجة رسمية في ح ّد ذاتها‪ ،‬فهذه المحاضر تتمتّع بمصداقية مصدرها القانون وتشكل قرينة‬
‫المشرع الصرفي على اعتماد هذه المحاضر حتى‬
‫ّ‬ ‫على إدانة المتّهم ‪ ،‬عالوة على ذلك إصرار‬
‫المحرر من طرف أعوان‬
‫ّ‬ ‫ولو كانت معيبة من خالل الفصل ‪ 212‬م‪.‬د‪ .‬فإذا تض ّمن المحضر‬
‫المحرر عمال إجرائيا فإنّه ال يمكن التم ّ‬
‫سك بهذا‬ ‫ّ‬ ‫اإلدارة المالية عيبا شكليا أو إذا خالف العون‬
‫الخلل لطلب بطالن المحضر‪ ،‬لكن هذا ال يعني تمتّع هذه المحاضر ّ‬
‫بقوة ثبوتية مطلقة ألنّه يمكن‬
‫دحضها إ ّما بتقديم ح ّجة معاكسة أو القيام بدعوى الزور‪.‬‬

‫أن الفصل ‪ 27‬م‪.‬ص‪ .‬علّق إثارة الدّعوى العموميّة على شكاية من جانب اإلدارة‬
‫كما ّ‬
‫الحرية المطلقة في إثارة الدّعوى العموميّة من عدمها؟ أي هل يمكن‬
‫ّ‬ ‫المالية لكن هل لهذه اإلدارة‬
‫للنيابة العموميّة في غياب قيام اإلدارة المالية بذلك أن تثير الدّعوى العموميّة ؟‬

‫الرأي األول يعتبر ّ‬


‫أن الدّعوى العموميّة الصرفية ملك لإلدارة باعتبارها الجهة المسؤوليّة‬ ‫ّ‬
‫خول لإلدارة‬
‫عن البحث عن الجرائم الصرفيّة وذلك باالستناد إلى الفصل ‪ 30‬من م‪.‬ص‪ ،‬الذي ّ‬
‫إمكانية تجاوز النيابة العموميّة وعرض القضيّة على المحكمة مباشرة ‪.‬‬

‫أن النيابة تتمتّع باختصاص أصلي في مجال إثارة الدّعوى ‪ .‬كما‬


‫أ ّما الرأي الثاني فيعتبر ّ‬

‫‪103‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أن الدّعوى العموميّة تتوقّف على الشكاية‪ .‬وهي ّأول خطوة‬


‫نص على ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن الفصل ‪ 29‬م‪.‬ص‪.‬‬
‫صرف والنيابة العموميّة هي المؤ ّهلة لتلقّي الشكايات ‪ ،‬وبالتالي وحدها تملك‬
‫للتتبّع في مادّة ال ّ‬
‫تقدير مالءمة التتبّع من عدمه‪.‬‬

‫الرأي الثالث فإنّه ينادي بازدواجية إثارة الدّعوى العموميّة في جرائم ال ّ‬


‫صرف إستنادا‬ ‫أ ّما ّ‬
‫تعرض إلى دعوتين واحدة تقوم بها النيابة العموميّة‬
‫إلى مقتضيات الفصل ‪ 221‬م‪.‬د‪ ،‬الذي ّ‬
‫وأخرى تقوم بها اإلدارة المالية‪ ،‬وكال الجهتين يتمتّعان باختصاص أصلي في إثارة الدّعوى‬
‫العموميّة الصرفية‪.‬‬

‫فإن اإلدارة المالية تتولّى‬


‫وخالصة ذلك أنّه كلّما تعلّق األمر بجريمة صرفيّة محضة ّ‬
‫بمفردها التتبّع وإثارة الدّعوى العموميّة دون مشاركة النيابة العموميّة‪ ،‬أ ّما إذا كانت جريمة‬
‫مزدوجة تحتمل مؤاخذة صرفية وأخرى مؤاخذة القانون العام ّ‬
‫فإن اإلدارة المالية تنسحب لفائدة‬
‫النيابة العموميّة الفصل ‪ 34‬م‪.‬ص‪ .‬وهذا ما أ ّكدته أيضا محكمة التعقيب بالقول ّ‬
‫أن »للنيابة‬
‫ّ‬
‫الحق مقتصر على إدارة‬ ‫حق ّ‬
‫الطعن باإلستئناف في القضايا الڤمرڤية والقول ّ‬
‫بأن هذا‬ ‫العموميّة ّ‬
‫الڤمارق دون غيرها مردود بما أورده الفصل ‪ 217‬م‪.‬د‪.84«.‬‬
‫كما تسعى اإلدارة إلى تجنب الدخول في خصومة جزائية مع المتهم وتفضل التّسوية‬
‫المشرع من حق التصالح‪.‬‬
‫ّ‬ ‫العملية للنّزاع لما فيها من فوائد عملية ومادية لذلك مكنها‬

‫ب ‪ -‬حق التصالح ‪:‬‬


‫ّ‬
‫الزجر في المخالفات الصرفية ال يتجه إلى تحقيق أهداف الردع العام بقدر ما يهدف إلى‬
‫جبر األضرار التي أصابت التوازن اإلقتصادي‪ ،‬لذلك فإن إصابة الذمة المالية للمخالف باعتبارها‬
‫المشرع‬
‫ّ‬ ‫انتفعت من الجريمة يعتبر الهدف األساسي للسياسة الزجرية‪ ،‬وحتى يتحقق ذلك مكن‬
‫اإلدارة المالية من حق التصالح مع االمخالف بخصوص الدعوى العمومية ومكنها من صالحيات‬

‫‪104‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫واسعة في هذا المجال واعتبره بعض الفقهاء بمثابة إجراء زجري تسلطه اإلدارة على المخالف‬
‫والهدف منه تجنب المحاكمة الجزائية والعقاب الجزائي‪.85‬‬
‫وتجدر اإلشارة ّ‬
‫أن الصلح كي ينتج آثاره البد من توفر عدّة شروط‪ ،‬وهي شروط تتميّز‬
‫بالطابع السلطوي لإلدارة‪ ،‬كما أن الصلح ال ينتفع به إالّ المخالف في صورة وجود مشاركين في‬
‫الجريمة الصرفيّة ‪ ،‬وإلى جانب إمكانية التصالح وتحقيق غايات التشريع الصرفي منها ردع‬
‫تتنوع الجزاءات‪.‬‬
‫األفراد وحماية النظام العام االقتصادي ّ‬

‫تنـــوع الجـــزاءات ‪:‬‬


‫ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫تتنوع الجزاءات في الجرائم الصرفيّة وذلك لردع األفراد وحماية النظام العام االقتصادي‪،‬‬
‫ّ‬
‫وتتعلّق أساسا بالجانب الجزائي واإلداري والمدني‪ ،‬وسيقع التركيز على الجانب الجزائي الذي‬
‫يه ّمنا بدرجة أولى والذي يتميّز بتقييد سلطة القاضي في تفريد العقوبة‪ ،‬وفي اآلن نفسه تشديدها‬
‫المشرع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫من طرف‬

‫‪ -‬خصوصيّة العقوبة الجزائيّة ‪:‬‬


‫تتمثّل العقوبة الجزائيّة في الجرائم الصرفيّة حسب الفصلين ‪ 35‬و‪ 36‬من م‪.‬ص‪ .‬في‬
‫السجن والخطيّة والحجز والخطيّة التعويضيّة عند تعذّر الحجز‪.‬‬
‫في ما يتعلّق بالعقوبة السجنية ّ‬
‫فإن االتجاه التشديدي صلب الفصل ‪ 35‬من م‪.‬ص‪ .‬يبرز من‬
‫سجن إلى شهر واحد والح ّد األقصى ‪ 5‬سنوات‪ ،‬ويضيف الفصل‬
‫خالل الترفيع في الح ّد األدنى لل ّ‬
‫‪ 35‬إلى العقاب المستوجب للمجرم العائد ويرتفع إلى ‪ 10‬سنوات دون امكانية تطبيق الفصل ‪53‬‬
‫ألن العود يمثّل قرينة على خطورة المجرم وعلى إقصاء الدولة‪ ،‬وفي غير‬
‫من م‪.‬ج‪ ،‬وذلك ّ‬
‫صور العود يمكن للمحكمة أن تطبّق ظروف التخفيف بخصوص العقوبات البدنية خالفا للخطيّة‬
‫التي يحجر تعديلها أو تجاوزها‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تنص على ح ّد أدنى وأقصى للخطيّة‪ ،‬على ّ‬


‫أن‬ ‫ّ‬ ‫أ ّما في ما يتعلّق بالخطيّة ّ‬
‫فإن القاعدة العا ّمة‬
‫الحق العام بطبيعتها المزدوجة‪ ،‬فهي تمثّل في نفس الوقت‬
‫ّ‬ ‫الخطيّة الصرفية تتميّز عن خطايا‬
‫عقوبة جزائيّة من حيث كونها تنفذ على المحكوم عليه باإلكراه البدني حسب الفصل ‪ 253‬من‬
‫مجلّة ڤمرڤية إذا لم يقم بتسديدها ‪ ،‬وهي كذلك تعويض مدني للضّرر الحاصل بخزينة الدولة من‬
‫حيث كونها تقاس اعتمادا على قيمة المبلغ موضوع الجريمة‪ .‬من ذلك ّ‬
‫أن الفصل ‪ 35‬من م‪.‬ص‬
‫نص »تقدّر هذه الخطيّة على وجه يتناسب مع الضّرر وال يلزم أن يكون المحكوم عليه قد استفاد‬
‫ّ‬
‫من الجريمة«‪.‬‬

‫صة تكون نسبية إذ يمكن‬


‫صرفي خا ّ‬ ‫كما ّ‬
‫أن الخطيّة في قانون العقوبات االقتصادي وال ّ‬
‫استخالصها من المخالف من الغرامات المدنية حسب الفصل ‪ 36‬م‪.‬ڤمرڤية‪ ،‬وهي تمتاز بصبغة‬
‫قارة ال يمكن للقاضي تعديلها‪ ،‬أو تفريدها عمال بالفصل ‪ 241‬م‪.‬ڤمرڤية بموجب إحالة من الفصل‬
‫ّ‬
‫‪ 29‬م‪.‬ص‪ .‬وهي تقدّر بمقتضى قانون بحسب الفائدة التي تحقّقت أو يراد تحقيقها من الجريمة ‪،‬‬
‫وحدودها القصوى ترتفع بكثير عن الحدود الواردة في القانون العام ‪ ،‬فهي تساوي ‪ 5‬أضعاف‬
‫قيمة المبلغ الذي قامت عليه الجريمة وح ّد أدنى ال يق ّل عن ‪ 150‬د وح ّد أقصى ال يزيد عن ‪300‬‬
‫ألف دينار‪.‬‬

‫أ ّما بالنسبة للحجز فقد ورد الفصل ‪ 36‬الذي جاء فيه »بقطع النّظر عن العقوبات الواردة‬
‫بالفصل ‪ّ 35‬‬
‫فإن المحكمة مطالبة بأن تأمر بحجز ما هو موضوع الجريمة«‪ ،‬ويعني ذلك حجز‬
‫المنقوالت والعقارات موضوع الجريمة سواء تمثّلت هذه الجريمة في عملية محجرة‪ ،‬أو عدم‬
‫القيام بتصريح‪ ،‬أو بإيداع‪ ،‬أو إحالة إلى البنك المركزي التونسي‪ ،‬ويعتبر عقوبة تكميليّة وجوبيّة‬
‫حسب الفصل ‪ 36‬ذو طبيعة عينيّة ألنّه يتعلّق بالجريمة وال يتأثر بمالك المال سواء كان حسن‬
‫النيّة أم ال‪ ،‬وهنا تبرز نزعة التشديد باعتبار ّ‬
‫أن الجرائم الصرفيّة هي جرائم مادّية‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ويقصد بالحجز في الجرائم الصرفية المصادرة التي تقتضي نقل ملكيّة المال موضوع‬
‫الجريمة عن طريق نزعه من المحكوم عليه جبرا بغير مقابل وإضافته إلى ملكيّة الدّولة التي‬
‫يمكنها بيعه عن طريق بتّة عموميّة‪ ،‬وهو خالفا للمعنى المتداول للحجز كوسيلة احتياطيّة‪ ،‬أ ّما‬
‫نص عليها الفصل ‪ 36‬ثانيا »في صورة ما إذا لم يباشر‬
‫بالنسبة للعقوبات المالية التعويضيّة ‪ ،‬فقد ّ‬
‫تحقّق حجز موضوع الجريمة أو لم يقع تقديمه من طرف مرتكب الجريمة ‪ ،‬فعلى المحكمة أن‬
‫تصرح عوض الحجز بعقوبة مالية يساوي مبلغها قيمة ما هو موضوع الجريمة مضاف إليها‬
‫ّ‬
‫الربح غير شرعي الذي حقّقه أو كان ينوي تحقيقه مرتكبو الجريمة«‪.‬‬
‫ّ‬

‫أن آحكام المجلّة الڤمرڤية تحدّد العقوبات المالية التي عادة ما‬
‫ويستخلص من ك ّل ما تقدّم ّ‬
‫تحسب بالنظر لقيمة البضائع التي هي موضوع النزاع‪ ،‬والقاضي ليس له سلطة تخفيف هاته‬
‫الخاص ‪ ،‬فالفصل‬
‫ّ‬ ‫العقوبات وإذا ما قام بذلك ّ‬
‫فإن المسؤوليّة تحمل عليه بصورة شخصيّة وباسمه‬
‫الخاص‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 241‬من م‪.‬د‪ .‬ال يقف عند منع تطبيق ظروف التخفيف فقط بل يحمل المسؤوليّة باسمه‬
‫وإلى جانب الجرائم الصرفيّة التي تقيّد فيها سلطة القاضي في تفريد العقوبة توجد كذلك‬
‫الجرائم الغابيّة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬التحديد في نطاق جرائم الغابــات‬


‫المؤرخ في ‪4‬‬
‫ّ‬ ‫وقع إصدار مجلّة الغابات التونسيّة بمقتضى القانون عدد ‪ 60‬لسنة ‪1966‬‬
‫نص على أحكام تتعلّق ببعض األراضي والغابات وذلك بهدف تأمينها‬ ‫ّ‬ ‫جويلية ‪ 1966‬والذي‬
‫وحسن استغاللها‪.‬‬

‫وأحكام مجلّة الغابات تمنع التحطيم والتدمير للثروة الغابية ‪/‬الفصل ‪ 80‬م‪.‬غ‪ /.‬وتكسير‬
‫األشجار واستغالل الخفاف بدون سبب شرعي ‪/‬فصل ‪ 83‬م‪.‬غ‪ ،/.‬وإيقاد النار بالغابة ‪/‬فصل‬
‫المتعرض لها بمجلّة الغابات تعاقب بخطيّة والسجن أو بالخطيّة‬
‫ّ‬ ‫‪ 100‬م‪.‬غ‪ ،/.‬فك ّل هاته الجرائم‬

‫‪107‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فقط‪.86‬‬

‫نص عليها‬‫ّ‬ ‫ومجلّة الغابات تمنع صراحة على القاضي تطبيق ظروف التخفيف التي‬
‫أن الفصول ‪ 53‬و‪ 54‬و‪ 55‬من المجلّة‬‫ينص على ّ‬
‫ّ‬ ‫الفصل ‪ 53‬من م‪.‬ج‪ ، .‬فالفصل ‪ 189‬م‪.‬غ‪.‬‬
‫الجنائيّة ال يمكن تطبيقها بالنسبة للعقوبات الواردة بمجلّة الغابات ‪ ،‬وقد ن ّ‬
‫صت الفقرة الثانية من‬
‫الفصل ‪ 189‬م‪.‬غ‪ .‬على ّ‬
‫أن هاته الفصول ‪ /53،54،55/‬تطبّق بالنسبة للعقوبات المنصوص‬
‫عليها بالمجلّة الجنائيّة والتي ترجع لها مجلّة الغابات‪.‬‬

‫فإن مجلّة الغابات ن ّ‬


‫صت أساسا على العقوبات المالية‪ ،‬أ ّما عقوبة‬ ‫وبتعداد الجرائم الغابية‪ّ ،‬‬
‫صة‪ ،‬وأنّه كما وقع ذكر‬
‫يصرح بها خا ّ‬
‫ّ‬ ‫سجن فهي اختيارية يمكن للقاضي أن يحكم بها أو أن ال‬
‫ال ّ‬
‫فإن مجلّة الغابات ترجع عقوبة بعض الجرائم إلى المجلّة الجنائيّة من ذلك مثال الفصل‬
‫ذلك آنفا ّ‬
‫‪ 100‬م‪.‬غ‪ .‬يرجع للفصل ‪ 307‬من م‪.‬ج‪ ،‬الفصل ‪ 101‬م‪.‬غ‪ .‬يرجع للفصل ‪ 315‬فقرة ‪ 1‬م‪.‬ج‪.‬‬
‫الفصل ‪ 121‬م‪.‬غ‪ .‬يرجع للفصول ‪ 116‬إلى ‪ 190‬من م‪.‬ج‪ .‬فالفصل ‪ 100‬من م‪.‬غ‪ .‬يتعلّق بإيقاد‬
‫النار بالغابة‪ ،‬الفصل ‪ 101‬م‪.‬غ‪ .‬يتعلّق باالستقرار الالّشرعي بالغابة ‪ ،‬الفصل ‪ 121‬م‪.‬غ‪ .‬يتعلّق‬
‫باالعتداء ض ّد مهندسي وأعوان الغابات‪.‬‬

‫وبالموازنة لهاته اإلمكانية الممنوحة للقاضي من الحكم أو عدم الحكم بالسجن‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫المشرع قد سلب له ك ّل سلطة في التخفيف من العقوبة المنصوص عليها بمجلّة الغابات ‪ ،‬وذلك‬
‫ّ‬
‫باستثناء العقوبات المنصوص عليها بالمجلّة الجنائيّة والتي يرجع لها قانون الغابات‪ ،‬كما ال يمكن‬
‫للقاضي تخفيف عقوبة الخطيّة المنصوص عليها بمجلّة الغابات وهذا الموقف يتماشى مع أحكام‬
‫تنص على ما يلي‬
‫ّ‬ ‫أن الفقرة ‪ 16‬من الفصل ‪ 53‬م‪.‬ج‪ .‬المتعلّقة بتأجيل التنفيذ‬
‫المجلّة الجنائيّة ذلك ّ‬
‫‪» :‬توقيف تنفيذ العقاب ال يشمل دفع مصاريف النازلة ومقدار غرم الضّرر والخطايا المحكوم‬
‫بها في الجرائم التي ته ّم صندوق الدولة والغابات الدولية«‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫إلى جانب هذه الميادين التي ال تنطبق فيها ظروف التخفيف والتي منع فيها القاضي من‬
‫سلطته التقديريّة في تحديد وتفريد العقاب‪ ،‬فإن هاته السلطة تواجه أيضا تضييقات تشريعية في‬
‫مجال توارد الجرائم والعقوبات‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة ‪ :‬حالـة تـوارد الجرائـم والعقوبـات‬


‫المشرع‬
‫ّ‬ ‫بالرجوع ألحكام المجلة الجنائية المتعلقة بتوارد الجرائم والعقوبات نالحظ وأن‬
‫التونسي قد تبنّى طريقتين لتوارد الجرائم‪ ،‬التوارد الحقيقي والتوارد الصوري‪ ،‬وبالتالي فإن‬
‫القاضي يتخذ موقفين مختلفين حسب ما يمليه عليه القانون ولذلك البد من تحديد وتعريف هذين‬
‫المفهومين‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬التـــوارد الحقيقــي‬


‫نص الفصل ‪ 56‬م‪.‬ج‪ .‬في تعريفه للتوارد الحقيقي على ما يلي »كل إنسان إرتكب عدّة‬
‫ّ‬
‫جرائم متباينة يعاقب الجل كل واحدة بانفرادها وال تضم العقوبات لبعضها إال إذا حكم الحاكم‬
‫بخالف ذلك«‪.‬‬

‫فالتّوارد الحقيقي أو المادي هو عبارة عن مجموعة من الجرائم المتعددة المرتكبة في آن‬


‫واحد أو في أوقات متتالية دون أن يفصل بينها حكم نهائي‪ ،‬فتوالي الجرائم وعدم الفصل فيها‬
‫يعتبر شرط أساسي لمفهوم التعدد الحقيقي للجرائم‪ ،‬ذلك إذا ما وقع الفصل في البعض من هذه‬
‫الجرائم بحكم نهائي نصبح أمام حالة العود‪.87‬‬

‫وتعدد الجرائم يعتبر كذلك الخاصية األساسية للتوارد الحقيقي على أن هاته الجرائم واجب‬
‫أن تكون متباينة وهو العنصر األساسي الذي يفرق التعدد الحقيقي عن بعض المفاهيم المجاروة‪،‬‬

‫‪109‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ذلك أن في التوارد الحقيقي ّ‬


‫فإن مختلف الجرائم التي وقع التتبّع من أجلها يمكن أن تكون مختلفة‬
‫وكذلك وقائعها ‪ ،‬وتحديد الوقائع مختلف من واقعة إلى أخرى على خالف جرائم اإلعتياد الذي‬
‫يوجب تواجد نفس الوقائع ونفس الجريمة‪ ،‬ومفهوم التوارد الحقيقي للجرائم يختلف عن التوارد‬
‫الصوري‪.‬‬

‫صــوري‬
‫ثانيــا ‪ :‬التــوارد ال ّ‬
‫التّوارد ال ّ‬
‫صوري أو المعنوي هو عبارة عن نشاط إجرامي واحد يقع تحت طائلة عدّة‬
‫المشرع التونسي لهاته الحالة في الفصل ‪ 54‬م‪.‬ج‪ .‬الذي ينص ‪»:‬إذا تكون‬
‫ّ‬ ‫فصول‪ ،‬وقد تعرض‬
‫من الفعل الواحد عدة جرائم فالعقاب المقرر للجريمة التي تستوجب أكبر عقاب هو الذي يقع‬
‫الحكم به وحده«‪.‬‬

‫هذا الفصل يتعرض لحالة ما إذا خرق فعل إجرامي واحد عدّة نصوص تجريم‪ ،‬والتوارد‬
‫الصوري للجرائم يمكن أن يفترض كذلك تواجد جريمة واحدة بالرغم من تعدد األفعال المادية إذا‬
‫ما اتضح اتجاه نية الجاني إلى تحقيق قصد جنائي واحد ال غير‪ ،‬وهاته الفرضية وقع إعتمادها‬
‫نص على أن ‪» :‬الجرائم الواقعة لمقصد واحد‬
‫ّ‬ ‫المشرع في الفصل ‪ 55‬من م‪.‬ج‪ .‬إذ‬
‫ّ‬ ‫من طرف‬
‫ولها إرتباط ببعضها بعضا بحيث يصير مجموعها غير قابل للتجزئة تعتبر جريمة واحدة توجب‬
‫العقاب المنصوص عليه ألشد جريمة منها«‪.‬‬

‫والمالحظ في هذا اإلطار أن تعدد الجرائم وتكاثرها يحدث للمجتمع ضررا أخطر من‬
‫الجريمة الواحدة البسيطة‪ ،‬وكذلك هذا التكاثر يوضح خاصية الفساد األخالقي عند الجناة‪،‬‬
‫وللمج تمع أن يدافع عن نفسه وذلك بعقاب هؤالء المنحرفين بعقوبة تكون قاسية ذلك أن من قام‬
‫بعدّة جرائم مختلفة ومتباينة ومتواردة يستحق أقصى وأش ّد من العقوبة المحكوم بها على من قام‬
‫بجريمة واحدة‪ ،‬والقانون التونسي تعرض لهاته الحالة فتبنّى حال يعتبر مبدئي في حالة توارد‬

‫‪110‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الجرائم وحال آخر إستثنائي تركه لتقدير القاضي‪.‬‬

‫ويتمثل الحل في مسألة ضم العقوبات التي تطرح أساسا بالنسبة للتوارد الحقيقي أي عندما‬
‫يرتكب المتهم عدّة جرائم متباينة لم يصدر في شأنها حكم نهائي‪ ،‬أ ّما التوارد الصوري فإن‬
‫العقوبة األشد هي التي يحكم بها القاضي‪ ،‬إذ أن الفصل ‪ 55‬من م‪.‬ج‪ .‬يوجب تطبيق العقاب‬
‫المنصوص عليه ألشد جريمة‪ ،‬وهذا التضييق التّشريعي في خصوص تطبيق العقوبة األشد يحد‬
‫من السلطة التقديرية للقاضي الذي ليس له إال أن يطبق النّص‪.88‬‬

‫ولقد نص الفصل ‪ 56‬من م‪.‬ج‪ .‬المتعلق بالتوارد الحقيقي على مبدأ وإستثناء‪ ،‬أ ّما المبدأ‬
‫فهو يقضي بأن ال تضم العقوبات إلى بعضها وبالتالي يعاقب المتهم ألجل كل جريمة واحدة‬
‫بانفرادها وال يفرق هذا الفصل بين الجنايات والجنح والمخالفات وال بين العقوبات األصلية‬
‫والعقوبات التكميلية‪.‬‬

‫أ ّما اإلستثناء الوارد بنفس الفصل ‪ 56‬م‪.‬ج‪ .‬فهو يجسم اآللية القانونية التي تمكن القاضي‬
‫الجزائي من تقديم العقوبة وتفريدها إذ أن له وحده سلطة إعتماد ضم العقوبات وهو المؤهل‬
‫لدراسة درجة خطورة الجاني وحالته اإلجتماعية وظروف الجريمة‪ ،‬وقد جاء بالقرار التعقيبي‬
‫الجزائي أنّه ‪» :‬من المقرر فقها وقانونا أن القضاء بالض ّم في الجرائم المتعدّدة يعتبر من المسائل‬
‫الموضوعيّة التي يعود تقديرها لقاضي الموضوع دون معقب عليه ما دام حكمه معلّال«‪.89‬‬
‫وض ّم العقوبات يدخل في إطار التخفيف على المتهم كلما اقتنع وجدان القاضي الجزائي‬
‫بجدوى ذلك‪ ،‬على أن تعرض جميع جرائمه على محكمة واحدة وأن يحكم بالعقوبة البدنية األشد‪،‬‬
‫وقد سار فقه القضاء في هذا اإلتجاه وذلك من خالل القراران التعقيبيان اآلتي نصهما ‪:‬‬

‫األول نص على ‪»:‬أن ض ّم العقوبات لبعضها مبناه التخفيف في العقاب‬


‫القرار التعقيبي ّ‬

‫‪111‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫على المعاقب من أجل عدّة جرائم عند تقرير عقابه عن كل جريمة من عديد الجرائم المنسوبة‬
‫إليه‪ ،‬وذلك يستلزم طبعا عرض كل الجرائم مع بعضها بعضا في وقت واحد على محكمة واحدة‬
‫ألنه إذا لم تعرض مع بعضها على محكمة واحدة ال يمكن الض ّم‪ ،‬لتعذر إعتبار الضم كالتخفيف‬
‫في تقدير العقاب المضموم إليه حسبما إقتضاه الفصل ‪ 56‬المذكور«‪.90‬‬
‫فنص على ‪»:‬أن ض ّم العقوبات لبعضها مبناه التخفيف على‬
‫ّ‬ ‫أ ّما القرار التعقيبي الثاني‬
‫المحكوم عليه من أجل عدّة جرائم اقترفها‪ ،‬ومؤداه اندماج كل العقوبات البدنية المضمومة‬
‫لبعضها المحكوم بها على الجاني في الجرائم المتباينة التي اقترفها وبالتالي تصبح معها العقوبة‬
‫البدنية ألكثر مدة المحكوم بها لجريمة ما من تلك الجرائم هي المتعيّن تنفيذها عليه وحدها«‪.91‬‬

‫وعلى خالف مقتضيات الفصل ‪ 56‬من م‪.‬ج‪ .‬التي تجعل من الض ّم قاعدة إختيارية للقاضي‬
‫فإن هناك حاالت يكون فيها عدم الضّم وجوبي‪ ،‬أي العودة إلى تقييد السلطة التقديرية للقاضي‬
‫المشرع التونسي نص بالفصل ‪ 57‬من م‪.‬ج‪ .‬على‬
‫ّ‬ ‫ويكون ذلك في نطاق العقوبات المالية ذلك أن‬
‫ما يلي ‪» :‬العقوبات المالية ال تضم لبعضها بعضا«‪.‬‬

‫وبالتالي فقد حدّد التشريع من سلطة القاضي في تفريد العقوبة المالية بأن منع إمكانية ضم‬
‫العقوبات المالية لبعضها وهذا المنع يعتبر وجوبيا ال يمكن للقاضي إعمال سلطته التقديرية فيه‪،‬‬
‫كما منعه في بعض العقوبات التكميلية عمال بمقتضياة الفصل ‪ 58‬من م‪.‬ج‪ .‬الذي ينص على أن‬
‫»العقاب بمنع اإلقامة وبالمراقبة اإلدارية ال يضم بعضه لبعض«‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الجزء الثاني‬

‫تفريد العقوبة في مرحلة التنفيذ‬

‫ّ‬
‫إن الهدف األساسي الذي يرمي إليه تحديد العقوبة من طرف القاضي هو تقريرها ‪ ،‬ومن‬
‫المشرع هم الذين‬
‫ّ‬ ‫ث ّمة اتّخاذ الجزاء المناسب لها‪ ،‬ويمكن تبرير ذلك بالقول ّ‬
‫أن القضاة على خالف‬
‫يحتكون مباشرة بمرتكبي األفعال اإلجراميّة ويجمعون بين أيديهم أوفر نصيب من المعلومات عن‬
‫ّ‬
‫الظروف الشخصيّة لك ّل متّهم قصد اختيار الجزاء المناسب لألفعال المرتكبة ومدّتها ‪ ،‬والتي‬
‫ترتكز دون ّ‬
‫شك على قناعاته بالغرض األساسي من العقوبة وهو تأهيل المحكوم عليه وإصالحه‪،‬‬
‫ويبقى ذلك رهين إعتماد طريقة مناسبة في التّنفيذ‪.‬‬

‫فإن تفريد العقاب عند تنفيذ الجزاء يتمثّل أساسا في إعفاء المحكوم عليه جزئيّا أو‬
‫وعليه ّ‬
‫كليا من قضاء المدّة المحكوم بها‪ ،‬وذلك كلّما اتّضح للقاضي أو لإلدارة العقابيّة ّ‬
‫أن الجاني لم يعد‬
‫ّ‬
‫البت‬ ‫األول‪ ،/‬لذلك فإنّه من الضّروري أن يواصل القاضي بعد‬
‫خطرا على النّظام العا ّم ‪/‬الفصل ّ‬
‫في النّزاع النّظر في كيفية تنفيذ الجزاء ومدى تأثيره على المحكوم عليه‪.1‬‬

‫أقر بضرورة مواصلة القاضي القيام بعمليّة التّنفيذ من‬


‫المشرع التّونسي ّ‬
‫ّ‬ ‫وتجدر اإلشارة ّ‬
‫أن‬
‫المشرع اعتمد هذا الح ّل في خصوص قاضي األسرة وقاضي‬
‫ّ‬ ‫أن‬ ‫خالل مجلّة حماية ّ‬
‫الطفل ‪ ،‬ذلك ّ‬
‫األطفال الذي يتعدّى نظره مجال النّطق بالجزاء ليشمل متابعة تنفيذ ك ّل األحكام والتّدابير التي ت ّم‬
‫الطفل‪ ،‬ومراجعتها وتعديلها حسبما يطرأ من تغييرات على سلوك‬ ‫اتّخاذها‪ ،‬أو التي أذن بها إزاء ّ‬
‫ّ‬
‫الطفل الجانح‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أن تنفيذ الجزاء مرتبط وثيق اإلرتباط بمرحلة توقيع الجزاء‪ ،‬الّذي يقوم على‬
‫ويمكن القول ّ‬
‫دراسة ظروف المتّهم وتحديد التّدبير المالئم له‪ ،‬لذلك فإنّه من الواجب توحيد ال ّ‬
‫سلطة القائمة بهما‬
‫المشرع صلب األمر عدد ‪1876‬‬
‫ّ‬ ‫للتّواصل وتكريسا للمنحى التأهيلي واإلصالحي الذي تبنّاه‬
‫سجون‪.2‬‬
‫الخاص بال ّ‬
‫ّ‬ ‫المؤرخ في ‪ 1988-11-4‬المتعلّق بالنّظام‬
‫ّ‬

‫والمالحظ ّ‬
‫أن نجاح تجربة قضاء األحداث في تونس‪ ،‬كان بمثابة مقدّمة لألخذ بنظام‬
‫أن مضمون ما يتّخذه قاضي‬ ‫التد ّخل القضائي في تنفيذ الجزاء المتّخذ ض ّد ّ‬
‫الرشد‪ ،‬ضرورة ّ‬
‫األحداث صلب عملية التّنفيذ من أساليب وتدابير إصالحية هي ذاتها المطلوبة في عمليّة تنفيذ‬
‫العقوبات عموما‪.‬‬

‫المؤرخ في ‪ 31‬جويلية ‪ 2000‬المتعلّق‬


‫ّ‬ ‫وعليه وبموجب القانون عدد ‪ 77‬لسنة ‪2000‬‬
‫المشرع التّونسي بإرساء مؤ ّ‬
‫سسة‬ ‫ّ‬ ‫بتنقيح وإتمام بعض الفصول من مجلّة اإلجراءات الجزائيّة قام‬
‫قاضي تنفيذ العقوبات ‪/‬الفصل الثاني‪ ،/‬كما وقع الحقا تدعيم صالحيات هذا القاضي بمقتضى‬
‫القانون عدد ‪ 92‬الصادر في ‪.29 10 2002‬‬

‫‪114‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّل‬
‫الفصل األو‬
‫ّنفيذي‬
‫ّفريد الت‬
‫آليات الت‬

‫يمثّل التّفريد التّنفيذي كنه ال ّ‬


‫سياسة العقابيّة الحديثة‪ ،‬وهو يش ّكل امتدادا للتّفريد القضائي‪،‬‬
‫فهما صنوان متالزمان يتّحدان في الهدف وهو التّأهيل وضروري أن يتّحدا من حيث السلطة التي‬
‫تمارسهما ضمانا للتّواصل والنّجاعة‪ ،‬فالقاضي هو ضامن لتحقيق أهداف السياسة العقابيّة وال‬
‫يمكنه ذلك إالّ بالتّفريد التّنفيذي الذي يرمي إلى إصالح الجاني‪.3‬‬

‫وتكمن أه ّمية التّفريد التّنفيذي في أنّه يمثّل طريقا للوصول إلى اإلنسان بعيدا عن‬
‫المجردة التي يقتضيها مبدأ المساواة بين الجميع أمام القانون‪ ،‬والتي‬
‫ّ‬ ‫التّقسيمات القانونيّة العا ّمة أو‬
‫ي اهتمام بمميّزاته وخصوصياته التي تفرزها طبيعته‬ ‫تتّجه إلى المذنب بصفة عا ّمة دون أ ّ‬
‫البشريّة‪ ،‬والتي الب ّد من إيالئها األه ّمية التي تستحقّها حتى يح ّقق العقاب غايته في اإلصالح‪.‬‬

‫وهو ما يقتضي إدخال التعديالت الالّزمة على أساليب وآليات التّنفيذ المتّخذة أو على‬
‫المستمرة على عمليّة التّنفيذ التي ّ‬
‫تخول إضافة عناصر‬ ‫ّ‬ ‫الرقابة‬
‫الجزاء المحكوم به‪ ،‬وذلك بواسطة ّ‬
‫المستقرة على حال‪.‬‬
‫ّ‬ ‫جديدة تكمل ما سبقت معرفته عن شخصيّة الفرد غير‬

‫وفي هذا اإلطار ظهرت عدّة آليات تفريديّة يمارسها قاضي التنفيذ‪ ،‬وهي يمكن أن تكون‬
‫األول‪ /‬أو آليات في اتّجاه إلغاء العقوبة ‪/‬المبحث الثاني‪/‬‬ ‫ّ‬
‫الحط من العقوبة ‪/‬المبحث ّ‬ ‫آليات في اتّجاه‬
‫وكذلك آليات رقابة مسلّطة على ّ‬
‫الطفل ‪/‬المبحث الثالث‪./‬‬
‫ّ‬
‫الحط من العقوبة‬ ‫األول ‪ :‬آليات في اتّجاه‬
‫المبحث ّ‬

‫لتطور شخصيّة المحكوم عليه أثناء هذه المرحلة‪،‬‬


‫ّ‬ ‫يعود امتداد التّفريد إلى مرحلة التنفيذ‬

‫‪115‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فلئن كان القاضي يقوم بتفريد العقوبة في مرحلة المحاكمة إالّ أنّه ال يستطيع في ذلك الحيز‬
‫الزمن إالّ الوقوف على جسامة الفعل المرتكب والخطورة اإلجراميّة للمتّهم ‪ ،‬وال‬
‫البسيط من ّ‬
‫يمكنه البتّة معرفة التأثير الّذي سيحدثه الجزاء على الفرد كما ال يمكنه تحديد األسلوب المناسب‬
‫لمعاملته أثناء فترة التّنفيذ ّ‬
‫ألن ذلك يت ّم اكتشافه تباعا أثناء هذه المرحلة‪.‬‬

‫تطور األفكار العقابية واتّجاهها أساسا نحو اإلهتمام بالفرد وإعادة بنائه‬
‫ّ‬ ‫إالّ أنّه بحكم‬
‫اجتماعيا‪ ،‬لم تعد كال من مرحلة التطبيق ومرحلة التّنفيذ تحتوي نشاطا متجانسا ال يمكنها الخروج‬
‫أن مرحلة المحاكمة أصبحت تض ّم إلى جانب التّطبيق بعض عناصر من نشاط التّنفيذ‬ ‫عنه‪ ،‬ذلك ّ‬
‫سسة التي سيجرى فيها‬ ‫وذلك استجابة لمقتضيات التّفريد والمعاملة من ذلك مثال تحديد نوع المؤ ّ‬
‫التّنفيذ‪.4‬‬

‫كما أصبحت مرحلة التّنفيذ تض ّم بعض عناصر التّطبيق وذلك بحكم ضرورات التّفريد‬
‫تطور شخصيّة المحكوم عليه وأسلوب المعاملة الّذي يطبق‬
‫ّ‬ ‫التّنفيذي الذي يقتضي التّالؤم بين‬
‫يتنوع‬
‫عليه‪ ،‬لذا بات من الضّروري إدخال تعديالت على العقوبة المحكوم بها‪ ،‬فالعقوبة الواحدة ّ‬
‫تنوع أساليب تنفيذها‪ ،‬كما ّ‬
‫أن مدّة العقوبة التي ينطق بها القاضي لم تعد محدّدة‬ ‫مضمونها بقدر ّ‬
‫سراح ال ّ‬
‫شرطي ‪/‬الفرع األول‪ /‬وكذلك عن طريق العفو الخاص‬ ‫بصفة نهائيّة وذلك بفعل أنظمة ال ّ‬
‫‪/‬الفرع الثاني‪./‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬التّفريد بواسطة ال ّ‬


‫سراح ال ّ‬
‫شرطي‬

‫سراح الشرطي من أه ّم وسائل تفريد الجزاء في فترة التّنفيذ ‪ ،‬ويتمثّل هذا اإلجراء‬
‫يع ّد ال ّ‬
‫في تعليق الجزاء الجنائي قبل إنقضاء ك ّل مدّته المحكوم بها‪ ،‬متى تحقّقت بعض الشروط والتزم‬

‫‪116‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المحكوم عليه باحترام ما يفرض من إجراءات خالل المدّة المتبقّية من ذلك الجزاء‪.5‬‬

‫تعرضت إليه الفصول‬


‫وقد وقع إنشاء هذا اإلجراء بفرنسا عام ‪ ، 1885‬وفي تونس فقد ّ‬
‫تطرق إلى‬
‫ّ‬ ‫المؤرخ في ‪ 12 3 1969‬الّذي‬
‫ّ‬ ‫‪ 353‬إلى ‪ 360‬م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬والقانون عدد ‪69 86‬‬
‫سجين الذي ثبت ّ‬
‫أن خطورته اإلجرامية قد‬ ‫سراح الشرطي لل ّ‬
‫شروطه وآثاره ومآله‪ ،‬ويمنح ال ّ‬
‫سراح ال ّ‬
‫شرطي في وضع ح ّد لتنفيذ الجزاء عندما يستوفي هذا‬ ‫انخفظت أو زالت‪ ،‬ويساهم ال ّ‬
‫سمة في التّأهيل واإلصالح في مدّة أق ّل من تلك التي ت ّم‬
‫األخير الغرض من العقوبة والمتج ّ‬
‫تحديدها في حكم القاضي ‪.‬‬

‫سالفة الذّكر‪ ،‬أنّه يمكن أن يتمتّع‬


‫وتجدر اإلشارة وانطالقا من الفصول الواردة بم‪.‬إ‪.‬ج ال ّ‬
‫سراح الشرطي ك ّل أنواع المجرمين المبتدئين كانوا أو عائدين‪ ،‬ومهما كانت مدّة العقاب السالب‬
‫بال ّ‬
‫للحرية مؤبّدة أو مؤقّتة‪.‬‬
‫ّ‬

‫سراح الشرطي للمبتدئين إالّ بعد قضاء نصف العقوبة دون أن تق ّل عن ثالثة‬
‫كما ال يمنح ال ّ‬
‫أشهر‪ ،‬أ ّما بالنّسبة لذوي ال ّ‬
‫سوابق العدلية ّ‬
‫فإن مدّة العقاب المقضاة ال يجـب أن تقـ ّل عن ثلثـي‬
‫تخص إالّ‬
‫ّ‬ ‫سابقة ال‬ ‫المـدّة المحكوم بها أو تنزل عن ستّة أشهر ‪ ،‬والجدير بمالحظته ّ‬
‫أن األحكام ال ّ‬
‫فإن مدّة االختبار‬ ‫سجن المؤقّت ‪ ،‬أ ّما المحكوم عليه بال ّ‬
‫سجن المؤبّد ّ‬ ‫المجرمين المحكوم عليهم بال ّ‬
‫بالنسبة إليهم ال يجب أن تق ّل عن ‪ 15‬عاما ‪ 354/‬م‪.‬إ‪.‬ج‪./.‬‬

‫المشرع من الشروط المتعلّقة بقضاء جزء معيّن من المدّة المحكوم بها إالّ‬
‫ّ‬ ‫ولم يستثن‬
‫شرطي‪ ،‬أو الّذي يبلغ عشرين‬ ‫المحكوم عليه الذي بلغ ستّين عاما كاملة من تاريخ طلب ال ّ‬
‫سراح ال ّ‬
‫سنة كاملة في نفس التّاريخ أو كان مصابا بسقوط خطير أو مرض عضال ‪/‬الفصل ‪ 355‬م‪.‬إ‪.‬ج‪/.‬‬
‫ّ‬
‫السن أو إصابتهم بمرض يقلص من حالة‬ ‫‪ ،‬ويعود ذلك إلى ضعفهم النّاتج عن تقدّمهم في‬

‫‪117‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الخطورة لديهم ومن إمكانية تأهيلهم لحداثة سنّهم التي تس ّهل عمليّة تأهيلهم وتكييفهم بسرعة مع‬
‫المجتمع ‪.‬‬

‫سراح الشرطي ّ‬
‫فإن وزير العدل وحقوق اإلنسان‬ ‫تختص بمنح ال ّ‬
‫ّ‬ ‫أ ّما من حيث الجهة التي‬
‫سراح ال ّ‬
‫شرطي بعد أخذ رأي‬ ‫صة بإصدار قرار في خصوص ال ّ‬ ‫يمثّل السلطة اإلداريّة المخت ّ‬
‫المؤرخ في ‪3 1969 12‬‬‫ّ‬ ‫اللّجنة‪ ،‬والتي تتر ّكب حسب ما جاء به القانون عدد ‪86 69‬‬
‫على النّحو التالي ‪ :‬مدير األمن أو من يمثّله رئيس‪ ،‬رئيس إدارة ال ّ‬
‫سجون ‪ ،‬نائب عن وزير‬
‫ّ‬
‫والطفولة ‪ ،‬نائب عن وزير الدّفاع بالنّسبة للقضايا المحكوم فيها‬ ‫العدل‪ ،‬نائب عن وزير ال ّ‬
‫شباب‬
‫من طرف المحكمة العسكريّة‪.‬‬

‫فيحرر من طرف المحكوم عليه الّذي يو ّجهه إلى رئيس إدارة‬


‫ّ‬ ‫سراح‬
‫أ ّما بالنسبة لمطلب ال ّ‬
‫سراح ال ّ‬
‫شرطي للمحكوم‬ ‫سجون نفسها‪ ،‬التي يمكن لها أن تقترح ال ّ‬
‫سجون‪ ،‬أو من طرف إدارة ال ّ‬
‫ال ّ‬
‫سلوك وزوال حالة الخطورة أو انخفاظها إلى‬
‫عليهم الذين برهنوا أثناء قضاء العقاب على حسن ال ّ‬
‫درجة يصيرها غير قادرة على إتمام العقاب أو التدبير إلى نهاية المدّة المحكوم بها‪.‬‬

‫وبعد تكوين الملفّات يتولّى رئيس إدارة ال ّ‬


‫سجون إحضار قائمة في أسماء المحكوم عليهم‬
‫سراح‬ ‫الّذين تتوفّر فيهم ال ّ‬
‫شروط ويقدّمها لمدير األمن الوطني ‪ ،‬ويعين هذا األخير موعدًا لجلسة ال ّ‬
‫ال ّ‬
‫شرطي‪.6‬‬

‫الرئيس مر ّجحا‪ ،‬وتجتمع هذه اللّجنة‬


‫وتقرر اللّجنة ما تراه بأغلبيّة األصوات ويكون صوت ّ‬
‫ّ‬
‫سراح ال ّ‬
‫شرطي أو‬ ‫مرة في ك ّل ثالثة أشهر باستدعاء من رئيسها ويمكنها أن ّ‬
‫تقرر قبول مطالب ال ّ‬ ‫ّ‬
‫تأجيل النّظر فيها أو رفضها بصفة نهائيّة‪.‬‬
‫ي المدّة‬
‫صادر بالعقوبة ولو بعد مض ّ‬
‫شرطي على الحكم ال ّ‬ ‫والمالحظ أنّه ال مفعول لل ّ‬
‫سراح ال ّ‬

‫‪118‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سوابق العدلية ويمكن اإلعتماد عليها في العود واإلقصاء‪ ،‬كما‬


‫بملف ال ّ‬
‫ّ‬ ‫التجريبيّة‪ ،‬فتبقى العقوبة‬
‫يمكن أن تفرض على المنتفع بهذا اإلجراء عدّة التزامات إضافيّة يجب أن يحترمها في مدّة‬
‫سراح على المتمتّع به ‪:‬‬
‫سراح فعمال بالفصل ‪ 357‬يمكن أن يفرض قرار ال ّ‬
‫ال ّ‬
‫‪ -‬إ ّما اإلقامة المحروسة إذا لم يكن محكوم عليه »بتحجير اإلقامة« أو المراقبة اإلداريّة‪.‬‬
‫صة‪.‬‬
‫سسة خا ّ‬
‫‪ -‬أو وضعه وجوبا بمصلحة عموميّة أو بمؤ ّ‬
‫‪ -‬أو إخضاعه في آن واحد إلى الوسيلتين المشار إليهما‪.‬‬

‫سسة أو بالمصلحة عن مدّة‬


‫ويجب أن ال تزيد مدّة اإلقامة المحروسة أو الوضع بالمؤ ّ‬
‫سراح‪.‬‬
‫العقاب الباقية التي ت ّم قضاؤها وقت ال ّ‬

‫سراح النّهائي وذلك‬ ‫سراح ال ّ‬


‫شرطي حالتان إ ّما نقض اإلجراء‪ ،‬أو ال ّ‬ ‫ويمكن أن ينتج عن ال ّ‬
‫بسبب سلوك المعني باألمر‪.‬‬

‫صورة الفصل ‪ 359‬م‪.‬إ‪.‬ج‪ ،‬ولقد‬


‫تعرض إلى هذه ال ّ‬ ‫في ما يتعلّق بنقض قرار ال ّ‬
‫سراح‪ ،‬فقد ّ‬
‫مجرد‬
‫ّ‬ ‫تساءل فقهاء القانون عن ّ‬
‫الطبيعة القانونيّة التي يكتسيها قرار النّقض فهل هو عقوبة أم‬
‫سراح هو‬ ‫ي ؟‪ 7‬ولقد فضّل فقه القضاء الفرنسي الح ّل الثّاني معتبرا ّ‬
‫أن نقض قرار ال ّ‬ ‫إجراء إدار ّ‬
‫إجراء إداري يُخضع المحكوم عليه من جديد إلى العقوبة التي كان يقضيها ‪ ،‬ولقد بيّن الفصل‬
‫سراح ‪:‬‬
‫‪ 359‬ثالثة حاالت ينقض فيها قرار ال ّ‬
‫‪ّ -‬أوال ‪ :‬إذا حكم من جديد على المتمتّع بال ّ‬
‫سراح الشرطي‪ ،‬وهو أكبر دليل على انحرافه ‪،‬‬
‫ّ‬
‫الظن واألقرب للمنطق أن تكون عقوبة‬ ‫النص لم يبيّن نوع الجريمة المقترفة واألغلب على‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ولكن‬
‫سراح وأسباب نقضه‪.‬‬
‫للحرية فتتساوى بذلك أسباب ال ّ‬
‫ّ‬ ‫سالبة أو محدّدة‬
‫المشرع كيفية سوء‬
‫ّ‬ ‫سراح ما يد ّل على سوء سيرته‪ ،‬ولم يبيّن‬
‫‪ -‬ثانيا ‪ :‬إذا أظهر المنتفع بال ّ‬
‫سيرة وذلك لكي يجبر المعني باألمر على االتزان وعدم اإلنحياد ‪.‬‬
‫ال ّ‬

‫‪119‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -‬ثالثا ‪ :‬إذا خالف ال ّ‬


‫شروط التي وضعت لسراحه‪.‬‬
‫يقرر النّقض وزير‬ ‫وتخضع اإلجراءات إلى نفس إجراءات اتّخاذ قرار ال ّ‬
‫سراح‪ ،‬أي أنّه ّ‬
‫سراح ال ّ‬
‫شرطي‪.‬‬ ‫العدل وحقوق اإلنسان بعد أخذ رأ لجنة ال ّ‬

‫ينص عليه قرار اإللغاء ‪ ،‬الك ّل أو‬


‫ّ‬ ‫وفي صورة النّقض يقضي المحكوم عليه ‪ ،‬وحسبما‬
‫البعض من مدّة العقاب التي لم يبتدأ قضاؤها وقت اإلفراج عنه‪ ،‬ويت ّم قضاء ذلك عند االقتضاء‬
‫أن المدّة الّتي قضّاها في اإليقاف التحفّظي‬
‫في آن واحد مع العقاب الجديد الذي استوجبه على ّ‬
‫تخصم من مدّة تنفيذ العقاب‪.‬‬

‫شرطي قبل انتهاء‬ ‫سراح النّهائي فإنّه في صورة ما إذا لم يلغ ال ّ‬


‫سراح ال ّ‬ ‫أ ّما بخصوص ال ّ‬
‫سراح يصبح نهائيّا‪ ،‬وفي‬ ‫مدّة العقاب التي لم يت ّم قضاؤها وقت اإلفراج عن المحكوم عليه ّ‬
‫فإن ال ّ‬
‫سراح ال ّ‬
‫شرطي‪.‬‬ ‫هذه الحالة يعتبر العقاب قد ت ّم قضاؤه من تاريخ ال ّ‬
‫سراح الشرطي يعتبر آلية من آليات التّفريد التنفيذي والذي يؤدّي‬ ‫ومهما يكن من أمر ّ‬
‫فإن ال ّ‬
‫الخاص‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إلى التّخفيض من مدّة العقوبة إلى جانب العفو‬

‫الخاص‬
‫ّ‬ ‫الفرع الثاني ‪ :‬التّفريد بواسطة العفو‬

‫ّ‬
‫الحط من مدّته أو إبداله بعقاب‬ ‫الخاص بأنّه »إسقاط العقاب المحكوم به أو‬
‫ّ‬ ‫يعرف العفو‬
‫الخاص‬
‫ّ‬ ‫نص عليه القانون« على معنى الفصل ‪ 371‬من م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬ويعتبر العفو‬
‫ّ‬ ‫أخف منه‬
‫ّ‬ ‫آخر‬
‫وسيلة من وسائل التّفريد أثناء تحديد وتنفيذ الجزاء‪ ،‬بل يع ّد تكملة ضروريّة لتأجيل التّنفيذ‬
‫شرطي ‪ ،‬هذا فضال على أنّه يلعب دور هذه الوسيلة األخيرة‪.8‬‬ ‫وظروف التّخفيف أو ال ّ‬
‫سراح ال ّ‬

‫تطور المجتمع إذ أنّه يمكن تدارك أحد ال ّ‬


‫شروط‬ ‫ّ‬ ‫الخاص مع‬
‫ّ‬ ‫وقد برزت أه ّمية العفو‬

‫‪120‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سالفة الذّكر‪ ،‬وكذلك التّخفيف من شدّة بعض األحكام الجزائيّة متى إقتضت‬
‫القانونيّة للوسائل ال ّ‬
‫سياسة الجزائيّة استبعاد الشدّة‪.‬‬
‫ال ّ‬

‫الخاص مح ّل انتقـادات عديـدة من قبل الفقهاء‪ 9‬باعتبار أنّـه يدخل شــيء‬


‫ّ‬ ‫ولـقد كـان العفـو‬
‫يخص حتمية تسليط الجزاء واستكمـال تطبيقه إلى انتهــاء المدّة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الشــك والضبابيّة فيما‬ ‫من‬
‫سلــط من جهة ومبــدأ‬ ‫المحكـوم بهـا‪ ،‬كمـا ّ‬
‫أن هذا اإلجراء فيه مساس بمبــادئ الفصل بين ال ّ‬
‫ّ‬
‫حــق‬ ‫شرعيّــة العقوبــات من جهة أخرى‪ ،‬وقد ذهـــب بعضهــم إلى القول بأنّــه يمكــن منح‬
‫الخاص إلى القاضي كما هو الحال في بعض القوانين المقارنة التي تعرف ما يس ّمى »العفو‬
‫ّ‬ ‫العفو‬
‫للمتضرر أو لمن يمثّله أو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحق‬ ‫القضائي« (‪ ، )Le pardon judiciaire‬كما أنّه يمنح هذا‬
‫المتضرر‪./‬‬
‫ّ‬ ‫يخلفه كما هو الحال في القوانين المقارنة والذي يعرف بما يس ّمى ‪/‬صفح الفريق‬

‫إالّ ّ‬
‫أن إقراره بالتّشريعات الجنائيّة الخا ّ‬
‫صة وتكريسه في ج ّل القوانين يبقى ضروريا وذلك‬
‫لتدارك األخطاء القضائيّة ‪ ،‬وثانيا للتّخفيف من صرامة العقوبة وتحقيق توازن بين العدل‬
‫والرحمة‪ ،‬وأخير تشجيع المحكوم عليه على إصالح حاله‪ .10‬وقد تبنّى المشرع التونسي العفو‬
‫ّ‬
‫الخاص وضمنه بالفصول ‪ 371‬إلى ‪ 375‬من م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬وت ّم حصر ّ‬
‫حق ممارسة العفو إلى رئيس‬ ‫ّ‬
‫الجمهورية الذي يمارسه شخصيّا ودون إمكان تفويضه ‪ ،‬ويعتبر إحتكار ّ‬
‫حق منح العفو من‬
‫ينص على أنّه »لرئيس‬
‫ّ‬ ‫طرف رئيس الجمهوريّة تطبيقا لمقتضيات الفصل ‪ 48‬من ال ّدستور الذي‬
‫الخاص« ويتّخذ رئيس الجمهورية ّ‬
‫حق العفو بناء على تقرير من وزير‬ ‫ّ‬ ‫الجمهورية ّ‬
‫حق منح العفو‬
‫العدل وحقوق اإلنسان الذي يأخذ برأي لجنة العفو‪.‬‬

‫ّ‬
‫الحط من مدّته‬ ‫الخاص ‪ّ :‬أولها إسقاط الجزاء المحكوم به‪ ،‬وثانيها‬
‫ّ‬ ‫وتوجد ثالثة أنواع للعفو‬
‫أخف منه على شرط أن يكون الجزاء‬
‫ّ‬ ‫أو تنقيص جزء منه‪ ،‬وثالثها إبدال الجزاء المحكوم به بآخر‬
‫الجديد منصوصا عليه قانونا ‪371/‬م‪.‬إ‪.‬ج‪ ،/.‬ونظرا القتضاب النّصوص القانونيّة المتعلّقة بالعفو‪،‬‬

‫‪121‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فقد رجع رجال القانون ألحكام قوانين العفو العام ليستخلصوا شروط العفو ‪/‬الفقرة األولى‪/‬‬
‫واآلثار التي ينتجها ‪/‬الفقرة الثانية‪./‬‬

‫الخـــاص‬
‫ّ‬ ‫الفقــرة األولــى ‪ :‬شــروط العفــو‬
‫يمكن تقسيم شروط العفو إلي نوعين ‪ :‬شروط أصليّة وأخرى شكليّة‪.‬‬
‫أ ّما الشروط األصليّة فتتمثّل في ضرورة أن يتعلّق العفو بعقوبات صدرت في شأنها‬
‫محاكمات باتّة ‪ ،‬بحيث يكون العقاب المحكوم به قد صدر بموجب حكم اتّصل به القضاء وغير‬
‫ّ‬
‫بالطرق العادية أو غير العادية‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن عبارة المحاكمات الباتّة المنصوص عليها‬ ‫قابل ّ‬
‫للطعن‬
‫بالفصل ‪ 373‬غير مناسبة‪ ،‬إذ األمر يتعلّق في الحقيقة بأحكام نهائيّة ال يمكن ّ‬
‫الطعن فيها‬
‫ي طريقة من ّ‬
‫الطرق مطلقا‪،‬‬ ‫باالعتراض أو باالستئناف فقط وليست أحكاما ال يمكن الطعن فيها بأ ّ‬
‫وعليه فإنّه ال يجوز لرئيس الجمهوريّة النّظر في مطالب العفو المقدّمة من المحكوم عليهم إذا لم‬
‫يستوفوا بعد طرق ّ‬
‫الطعن المتاحة لهم‪.11‬‬

‫الخاص ال يمنح إال متى كان العقاب المحكوم به واجب النّفاذ‪ّ ،‬‬
‫ألن تأجيل‬ ‫ّ‬ ‫كما ّ‬
‫أن العفو‬
‫الخاص وكذلك ال ّ‬
‫شأن بالنسبة للعقوبة التي ت ّم قضاؤها والتي سقطت‬ ‫ّ‬ ‫التّنفيذ يحول دون منح العفو‬
‫الخاص ينسحب على‬
‫ّ‬ ‫الزمن‪ ،‬وعليه فإنّه وباستثناء تلك الحاالت السالفة ال ّذكر ‪ّ ،‬‬
‫فإن العفو‬ ‫بمرور ّ‬
‫سجن أو بالخطيّة إالّ إذا ت ّم خالصها فال ترجع ‪/‬الفصل‬
‫ك ّل العقوبات سواء كانت باإلعدام أو بال ّ‬
‫‪ 374‬م‪.‬إ‪.‬ج‪./.‬‬

‫أ ّما بالنّسبة للتّدابير االحترازيّة فهي مستثناة من ميدان العفو باعتبارها تتّخذ في مواجهة‬
‫األشخاص الخطيرين‪ ،‬بينما يت ّم العفو ألسباب أجنبيّة عن مسألة الخطورة‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫شرط الثاني فيتمثّل في توفّر جملة من األسباب الوجيهة التي تبرر إسعاف المحكوم‬
‫أ ّما ال ّ‬
‫بالرغم من عدم التّنصيص عليه‬
‫سلوك ّ‬
‫عليه بإجراء العفو‪ ،‬ويمكن أن نذكر من بينها شرط حسن ال ّ‬
‫قانونا‪ ،‬فقد جرى العمل على اعتماده من قبل لجنة العفو‪ ،‬ويتّفق هذا ال ّ‬
‫شرط مع وظيفة اإلصالح‬
‫ّ‬
‫للحط من مدّة العقوبة وإسقاط ما بقي منها اعتبارا لحسن‬ ‫سياسة الجنائيّة الحديثة‬
‫تقررها ال ّ‬
‫التي ّ‬
‫صة في أوامر العفو الموسميّة التي تصدر بمناسبة األعياد‬
‫سلوك المحكوم عليه‪ ،‬ويظهر ذلك خا ّ‬
‫الوطنيّة والدينيّة‪.12‬‬

‫الخاص‪ ،‬فتتمثّل في ضرورة قيام المحكوم‬


‫ّ‬ ‫أ ّما في خصوص ال ّ‬
‫شروط الشكليّة لمنح العفو‬
‫سجن الّتي تقوم بإحالته على‬
‫عليه بتقديم مطلب العفو مباشرة أو عن طريق وكيله إلى إدارة ال ّ‬
‫سجن من تلقاء نفسها تمتيع‬
‫لجنة العفو بوزارة العدل وحقوق اإلنسان‪ ،‬ويمكن أن تقترح إدارة ال ّ‬
‫سلوك‪.‬‬ ‫الخاص وذلك في إطار المكافأة الّتي ّ‬
‫تقرر للمساجين حسني ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫المحكوم عليه بالعفو‬

‫كما يمكن أن يمنح العفو بصفة آلية دون التوقّف على تقديم المطلب من المحكوم عليه أو‬
‫من غيره إذا تعلّق الحكم باإلعدام ‪/‬الفصل ‪ 342‬من م‪.‬إ‪.‬ج‪ ،/.‬أ ّما من حيث محتوى مطلب العفو‬
‫فيجب أن يحتوي على اسم المستفيد منه بشكل صريح‪ ،‬ولو كان العفو ذا طابع عام‪ ،‬أي عندما‬
‫يتعلّق بالمساجين الّذين تقترحهم اإلدارة السجنيّة إلطالق سراحهم بمناسبة األعياد الوطنيّة‬
‫والدينيّة‪.‬‬

‫وأ ّما من حيث قرار العفو فإنّه إذا صدر فال يمكن ّ‬
‫الطعن فيه سواء كان سلبيا أو إيجابيا‬
‫حق في فرض تسليط العقاب بل الدّولة هي صاحبة ال ّ‬
‫حق‬ ‫أن المحكوم عليه ليس صاحب ّ‬
‫باعتبار ّ‬
‫الحق يعود للهيئة اإلجتماعيّة التي توقّعه أو تعدل عنه بما يتّفق مع‬
‫ّ‬ ‫في توقيعه‪ ،‬كما ّ‬
‫أن هذا‬
‫المصلحة اإلجتماعيّة‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الخــاص‬
‫ّ‬ ‫الفقـرة الثانيـة ‪ :‬آثـــار العفــو‬
‫الخاص تبقى معتبرة من‬
‫ّ‬ ‫نص الفصل ‪ 375‬من م‪.‬إ‪.‬ج‪ّ .‬‬
‫أن المحاكمات التي شملها العفو‬ ‫ّ‬
‫سوابق العدلية‪ ،‬وتحسب في صورة العود وعند النّظر في إمكانية تأجيل التّنفيذ إذا ارتكب‬
‫ال ّ‬
‫المتضرر في المطالبة بالتّعويض‪.‬‬
‫ّ‬ ‫جريمة جديدة‪ ،‬كما ال يؤثّر العفو الخاص على ّ‬
‫حق‬
‫الخاص يقتصر أثره على إسقاط العقوبة األصلية‪ ،‬وتبعا لذلك ال تسقط‬
‫ّ‬ ‫وعليه ّ‬
‫فإن العفو‬
‫ينص أمر العفو على خالف ذلك‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التدابير االحترازيّة كالحرمان من بعض الحقوق ما لم‬
‫سجن دون‬ ‫كما ّ‬
‫أن اإلسقاط قد يشمل العقوبة أو جزء منها كأن يقتصر العفو على ال ّ‬
‫شأن في أوامر العفو الجماعيّة التي تصدر بمناسبة‬ ‫ّ‬
‫يحط من مدّة العقوبة كما هو ال ّ‬ ‫الخطيّة‪ ،‬أو‬
‫األعياد الدينيّة‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬آليات في اتّجاه إلغاء العقوبة‬

‫لم تعد العقوبة وسيلة لإلذالل واالنتقام‪ ،‬وإنّما أصبحت وسيلة للنّجاة م ّما وقع التردّي فيه‬
‫من انحراف بفضل توفّر األساليب المستحدثة في المعاملة العقابيّة‪ ،‬كما لم يعد أحد يجادل أه ّمية‬
‫وسمو مداركه‪ ،‬وأيّا كان الهدف‬‫ّ‬ ‫الهدف اإلصالحي للعقوبة فمراعاته تعكس اتّساع آفاق اإلنسان‬
‫فإن تأهيل الجاني وإعادة تربيته يجب أن يراعى في مرحلة التّنفيذ كلّما كانت طبيعة‬
‫من العقوبة ‪ّ ،‬‬
‫العقوبة تحتمل ذلك‪ ،‬وعليه تأ ّكد التّكامل بين كل من مرحلة التتبّع والمحاكمة ومرحلة تنفيذ العقاب‬
‫المحكوم به‪.‬‬
‫أن التّفريد التّنفيذي يرتكز على معاملة المحكوم عليه معاملة إصالحية كفيلة‬
‫شك ّ‬
‫وما من ّ‬
‫المشرع‬
‫ّ‬ ‫فإن‬ ‫بتيسير اندماجه في المجتمع وقطع ّ‬
‫الطريق بينه وبين شتّى مظاهر االنحراف ‪ ،‬لذلك ّ‬
‫التونسي قد وضع آليات ها ّمة تؤدّي إلى إلغاء العقوبة قصد مساعدة الجاني للتأقلم من جديد مع‬
‫محيطه واإلندماج في المجتمع كعنصر فاعل‪ ،‬وهذه اآلليات تتميّز بخصوصيتها ومراعاتها لعدّة‬
‫عوامل إيجابيّة الب ّد أن تتوفّر حتى ينتفع بها المعني باألمر‪.13‬‬

‫‪124‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ومبدئيّا ال تلغى العقوبة إالّ بتنفيذها إذ أنّها تمثّل ر ّد فعل المجتمع على انتهاك حرمة أفراده‬
‫سياسة الجنائيّة ال ترتكز في ك ّل‬ ‫ولكن التّشاريع الحديثة تعتبر ّ‬
‫أن ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫والمس بنظامه األخالقي ‪،‬‬
‫ّ‬
‫الردع‪ .‬فللعفو أحيانا بعض المصالح التي تجعل منه ضرورة‪.‬‬
‫الحاالت على ّ‬

‫وعلى خالف المبدأ الّذي وقع ذكره تلغى العقوبة في بعض ال ّ‬


‫صور بعدم تنفيذها ‪ ،‬وذلك‬
‫في خصوص العقوبات المسلّطة على ّ‬
‫الطفل ‪ ،‬وفي صورة موت المتّهم ‪/‬الفرع ّ‬
‫األول‪ /‬كما تلغى‬
‫صادر فيها وذلك في صورة استرداد الحقوق ‪/‬الفرع الثاني‪./‬‬
‫العقوبة أحيانا بمحو الحكم ال ّ‬

‫األول ‪ :‬األسبـاب القانونيّـة لإللغــاء‬


‫الفرع ّ‬

‫ي‬ ‫لئن كان مفهوم العقوبة الجزائيّة بوصفها ر ّد فعل المجموعة ض ّد ال ّ‬


‫سلوك اإلجرامي أل ّ‬
‫شخص ‪ ،‬يتناقض ومفهوم ّ‬
‫الطفل الذي هو ذلك الكائن البشري الذي ال يعي تمام الوعي بما يصدر‬
‫عنه من أفعال مخالفة للقانون ‪ ،‬فإنّه قد يصدر عن ذلك ّ‬
‫الطفل ما من شأنه أن يعبّر عن خطورة‬
‫بالغة وجب التصدّي لها لحماية المجموعة البشريّة‪.‬‬

‫ّ‬
‫بالطفولة يسعى إلى تكريس‬ ‫خاص‬
‫ّ‬ ‫المشرع التونسي إلى تكريس نظام جزائي‬
‫ّ‬ ‫لذلك اتّجه‬
‫المشرع التونسي نظاما‬
‫ّ‬ ‫خص‬
‫ّ‬ ‫للحرية ‪/‬الفقرة األولى‪ /‬كما‬
‫ّ‬ ‫الطابع االستثنائي للعقوبات السالبة‬
‫جزائيّا مفردا بالنّسبة لحالة موت المتّهم ‪/‬الفقرة الثانية‪./‬‬

‫الفقـرة األولـى ‪ :‬إعفــاء ّ‬


‫الطفــل مـن العقــاب‬
‫الطفل على معنى الفصل الثالث من مجلّة حماية ّ‬
‫الطفل التونسيّة ‪» :‬هو ك ّل إنسان عمره‬ ‫ّ‬
‫صة‪ ،‬وهو نفس التّعريف‬
‫الرشد بمقتضى أحكام خا ّ‬
‫سن ّ‬‫أق ّل من ثمانية عشر عاما‪ ،‬ما لم يبلغ ّ‬

‫‪125‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الوارد باتّفاقية األمم المتّحدة لحقوق ّ‬


‫الطفل‪.14‬‬

‫ّ‬
‫السن من األسباب الطبيعيّة التي تد ّل على فقدان اإلدراك واإلرادة والقدرة‬ ‫ويعتبر صغر‬
‫ينص الفصل ‪ 38‬من المجلّة الجنائيّة على أنّه »ال‬
‫ّ‬ ‫على التّمييز عند اإلنسان‪ ،‬وفي هذا ال ّ‬
‫صدد‬
‫يعاقب من ال يتجاوز سنّه ثالثة عشر عاما كاملة عند ارتكابه للجريمة«‪ ،‬ويؤخذ من عبارات هذا‬
‫ّ‬
‫السن قرينة مطلقة على عدم مسؤوليّته‬ ‫المشرع التّونسي جعل في جانب ّ‬
‫الطفل في هاته‬ ‫ّ‬ ‫الفصل ّ‬
‫أن‬
‫عن الجرم الصادر عنه‪ ،‬وقد تأ ّكد ذلك من خالل مجلّة حماية ّ‬
‫الطفل بالفصل ‪ 68‬منها والذي جاء‬
‫فيه »يتمتّع ّ‬
‫الطفل الذي لم يتجاوز سنّه ثالثة عشر عاما بقرينة غير قابلة للدّحض على عدم قدرته‬
‫على خرق القوانين الجزائيّة«‪.‬‬

‫أقر نزعا للتّجريم مطلقا بالنّسبة ّ‬


‫للطفل الذي لم يتجاوز‬ ‫المشرع التونسي ّ‬
‫ّ‬ ‫وكما يبدو ّ‬
‫فإن‬
‫سن ثالثة عشر عاما‪ .‬فهو طوال هذه الفترة يتمتّع بقرينة قاطعة تعفيه من تح ّمل‬
‫ّ‬
‫فإن معاملة ّ‬
‫الطفل في هذه المرحلة‬ ‫المسؤوليّةالجزائيّة ومن تسليط العقوبات القانونيّة عليه‪ ،‬لذلك ّ‬
‫سسة اجتماعيّة‬ ‫ترجع بالنّظر إلى عائلته وأهله ال ّ‬
‫ساهرين على تربيته ونشأته‪ ،‬ال للمحكمة أو لمؤ ّ‬
‫ّ‬
‫فالطفل يكون حقيقة غير مسؤول جزائيّا‪ ،‬حيث ال‬ ‫أو إستشفائيّة باعتبار ّ‬
‫أن مسؤوليّته منعدمة‪،15‬‬
‫يمكنه تح ّمل فعل لم يفقه كنهه‪ ،‬وهناك أيضا صورة الفصل ‪ 78‬من مجلّة حماية ّ‬
‫الطفل الذي جاء‬
‫سجن‪ ،‬األطفال الذين سنّهم بين الثالثة عشر‬ ‫به » ّ‬
‫أن المحاولة في مادّة الجنح ال يعاقب عليها بال ّ‬
‫سجني رغم تجاوزه ّ‬
‫سن‬ ‫والخمسة عشر عاما«‪ .‬وفي هذه الصورة يعفى الطفل من العقاب ال ّ‬
‫الثالثة عشر عاما وارتكابه فعال إجراميا يعاقب عليه عادة‪.‬‬

‫أن أحكام الفصل ‪ 106‬من مجلّة حماية ّ‬


‫الطفل‬ ‫صدد أن نشير إلى ّ‬
‫كما ال يفوتنا في هذا ال ّ‬
‫سجن«‪ ،‬وفي‬‫أن »طلب التّعقيب يوقف التنفيذ إذا كان الحكم صادرا بعقاب بال ّ‬
‫ينص على ّ‬
‫ّ‬ ‫الذي‬
‫أن هذا الفصل تض ّمن‬ ‫المشرع ال يعفي ّ‬
‫الطفل من العقاب بصفة مطلقة إالّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫صورة رغم ّ‬
‫أن‬ ‫هذه ال ّ‬

‫‪126‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سن الثالثة عشر‪ ،‬وهي صورة ّ‬


‫الطعن‬ ‫إعفاء مؤقّتا من تطبيق العقوبة السجنيّة ّ‬
‫للطفل الذي تجاوز ّ‬
‫أن ّ‬
‫الطعن‬ ‫سجن‪ ،‬وهو ما يمثّل استثناء للقاعدة العا ّمة التي مفادها ّ‬
‫بالتّعقيب في الحكم القاضي بال ّ‬
‫بالتّعقيب ال يوقف تنفيذ العقوبة كما ّ‬
‫أن آلية الوساطة التي من أبرز آثارها على معنى الفصل‬
‫الطفل من التتبّعات تمثّل أيضا حماية لمصلحة ّ‬
‫الطفل حيث‬ ‫الطفل إعفاء ّ‬
‫‪ 113‬من مجلّة حماية ّ‬
‫يقع إسعافه بعفو من العقاب‪.16‬‬

‫المشرع التونسي ميّز كذلك‬


‫ّ‬ ‫فإن‬ ‫ّ‬
‫بالطفل ّ‬ ‫إلى جانب هذه األحكام الخصوصيّة المتعلّقة‬
‫خاص‪.‬‬
‫ّ‬ ‫صورة موت المتّهم بنظام‬

‫الفقـرة الثانيـة ‪ :‬اإللغــاء بمــوت المتّهــم‬


‫أن الدّعوى العموميّة تهدف لتسليط العقوبة على المتّهم‪ّ ،‬‬
‫فإن إثارة‬ ‫إذا كان من البديهي ّ‬
‫بمجرد وفاة المتّهم‬
‫ّ‬ ‫الدّعوى العموميّة أو مواصلة تتبّعها أو تسليط العقاب يكون بدون جدوى‬
‫أن المسؤوليّة الجزائيّة هي مسؤوليّة شخصيّة‪ ،‬إضافة إلى ّ‬
‫أن الغاية من تسليط العقاب‬ ‫صة ّ‬
‫وخا ّ‬
‫هو تنفيذه على شخص المتّهم من جهة ومنعه من العودة لل ّ‬
‫سلوك اإلجرامي ومحاولة إصالحه من‬
‫جهة أخرى‪ ،‬إالّ أنّه بوفاة المتّهم تسقط ك ّل تكاليفه الشخصيّة فضال على أنّه لم يعد يخشى بعد‬
‫وفاته من عودته لإلجرام‪. 17‬‬

‫والمالحظ ّ‬
‫أن التشاريع القديمة كانت تواصل إثارة الدّعوى وتتبّعها وذلك بتحميل أفراد‬
‫عائلة المتّهم المتوفّى وورثته مسؤوليّة الفعل اإلجرامي الذي ارتكبه قبل وفاته‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن التشاريع‬
‫أن المسؤوليّة الجزائيّة شخصيّة والعقوبة كذلك‪ ،‬وال يمكن بالتّالي أن تلحق إالّ‬
‫أقرت مبدأ ّ‬
‫الحديثة ّ‬
‫بالمتّهم الذي إرتكب الفعل اإلجرامي‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أن موت المتّهم يضع حدّا للدّعوى العموميّة ‪ ،‬فإذا توفّي المتّهم بعد ارتكابه‬
‫ونتيجة ذلك ّ‬
‫فإن هذه األخيرة تتّخذ قرارا في‬
‫للجريمة وقبل إثارة الدّعوى العموميّة من قبل النّيابة العموميّة ّ‬
‫حفظ تلك التّهمة في شأن المتّهم‪.‬‬
‫أ ّما إذا حصلت الوفاة بعد إثارة الدّعوى العموميّة وأثناء المحاكمة ّ‬
‫فإن المحكمة المتع ّهدة‬
‫بالقضيّة تقضي بانقضاء الدّعوى العموميّة بموجب الوفاة‪ ،‬ونفس ال ّ‬
‫شيء إذا كانت القضيّة من‬
‫أنظار حاكم التّحقيق‪ ،‬ففي هذه الحالة وفي صورة وفاة المتّهم أثناء إجراءات التّحقيق فإنّه يتّخذ‬
‫قرارا في حفظ التّهمة وانقضاء الدّعوى العموميّة بموجب الوفاة‪.18‬‬
‫أ ّما تأثير الوفاة على الدّعوى العموميّة وعلى تسليط العقاب فإنّه يقع تفريد المتّهم المتوفّي‬
‫بانقضاء الدّعوى أو إلغاء العقوبة في شأنه‪ ،‬أ ّما إذا تعدّد المتّهمون في نفس الدّعوى وذلك بوجود‬
‫فإن الدّعوى العموميّة تواصل سيرها ّ‬
‫الطبيعي‬ ‫فاعلين أصليين أخرين أو مشاركين في الجريمة ّ‬
‫بالنسبة لهم كما يقع تسليط العقاب في شأنهم‪.‬‬

‫كما أنّه ال تأثير لوفاة المتّهم وتفريده بالغاء العقوبة على الدّعوى المدنية باعتبار أنّه يمكن‬
‫للمتضرر مواصلة التتبّع في خصوص الجانب المدني ض ّد الورثة‪ ،‬كما يمكن أيضا مواصلة‬
‫ّ‬
‫التتبّع ض ّد المسؤول المدني إالّ أنّه ال يمكن النّظر في الدّعوى المدنيّة المو ّجهة ض ّد المسؤول‬
‫المدني أو ورثة المتّهم المتوفّي إال أمام القضاء المدني ‪ ،‬وذلك النعدام وجود دعوى عموميّة أمام‬
‫المحاكم الجزائيّة‪.19‬‬
‫صور المذكورة إللغاء العقوبة يمكن أن تختلف عن صورة استرداد‬ ‫والمالحظ ّ‬
‫أن هذه ال ّ‬
‫الحقوق‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬صـورة استـرداد الحقـوق‬

‫لقد شهدت أحكام استرداد الحقوق تعديال هاما بموجب القانون عدد ‪ 114‬لسنة ‪1993‬‬

‫‪128‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المؤرخ في ‪ 22‬نوفمبر ‪ ، 1993‬وذلك بهدف تدعيم تأهيل المحكوم عليه بعد قضاء مدّة العقاب‪،‬‬
‫ّ‬
‫وقد جاء هذا القانون ليضيف إلى األحكام القديمة المتعلّقة باالسترداد االختياري للحقوق ‪/‬الفقرة‬
‫ّ‬
‫الحق‬ ‫األولى‪ /‬أحكام جديدة تتعلّق باالسترداد اآللي لهذه الحقوق ‪/‬الفقرة الثانية‪ /‬كما ينتج عن هذا‬
‫سواء كان اختياري أو آلي آثار ها ّمة ‪/‬الفقرة الثالثة‪./‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬االستــرداد االختيــاري للحقــوق‬


‫المشرع التونسي االسترداد االختياري للحقوق ضمن الفصول من ‪ 367‬إلى ‪369‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نظم‬
‫من م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬واسترداد الحقوق يمنح من طرف لجنة العفو ومن شأنه أن يمحو الحكم باإلدانة ‪،‬‬
‫واآلثار القانونيّة المترتّبة عليه بالنسبة للمستقبل فقط بحيث يغدو المحكوم عليه في وضع شخص‬
‫لم يحكم عليه بعقوبة وذلك ابتداء من تاريخ حصوله على هذا التدبير ‪ ،‬فتعادله سمعته ووضعه‬
‫ي ّ‬
‫حق‪.20‬‬ ‫سابق لإلدانة دون أن يحرم من أ ّ‬
‫القانوني ال ّ‬

‫حق مسلم به عند توفّر شروطه بمحو‬


‫الخاص في كونه ّ‬
‫ّ‬ ‫ويختلف استرداد الحقوق عن العفو‬
‫المحاكمة ‪ ،‬كما يختلف عن العفو العام الذي يمحو العقوبة وآثارها في الماضي والحاضر‬
‫والمستقبل‪.21‬‬

‫‪ - 1‬شـــروط استــرداد الحقــوق ‪:‬‬


‫هناك شروط أصلية وشروط شكليّة‪.‬‬

‫أ ‪ -‬ال ّ‬
‫شــروط األصليّــة ‪:‬‬
‫شروط المتعلّقة بشخص المنتفع باالسترداد ‪ :‬استرداد الحقوق ال يمكن طلبه إالّ من‬
‫‪ -‬ال ّ‬
‫طرف المحكوم عليه أو ممثّله إذا كان محجورا ‪/‬الفصل ‪ 368‬م‪.‬إ‪.‬ج‪ ،/.‬والمحجور طبق أحكام‬
‫الفصل ‪ 169‬من مجلّة األحوال الشخصيّة هو القاصر والمجنون وضعيف العقل وال ّ‬
‫سفيه‪ ،‬وفي‬

‫‪129‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫صورة وفاة المحكوم عليه يمكن أن يقدّم ّ‬


‫الطلب من طرف زوجته أو أصوله أو فروعه قبل‬
‫ي عام من تاريخ الوفاة‪.‬‬
‫مض ّ‬

‫شروط المتعلّقة بالمحاكمات التي ّ‬


‫تعرض إليها المعني باألمر ‪ :‬يشترط ّأوال أن يكون‬ ‫‪ -‬ال ّ‬
‫تعرض إلى تنفيذ عقوبة بمعناها الضيّق‪ ،‬أي أنّه ال يمكن هذا اإلجراء في‬
‫المنتفع باالسترداد قد ّ‬
‫صورة ما إذا اتّخذ ضدّه تدبير وقائي‪.‬‬
‫كما أنّه يجب أن تنفّذ العقوبة فال استرداد في العقوبات المؤ ّجلة إالّ إذا وقع إلغاء التأجيل ‪،‬‬
‫كذلك يجب أن يكون العقاب جنائيّا أو جناحيا عمال بالفصل ‪ 367‬م‪.‬إ‪.‬ج‪ ، .‬وهذا العقاب هو‬
‫يقرره الحاكم‪ ،‬فمن انتفع بظروف التّخفيف إلى أن أصبحت‬
‫العقاب المستوجب ال العقاب الذي ّ‬
‫العقوبة يوما سجنا مثال عمال بالفقرة ‪ 7‬من الفصل ‪ 53‬م‪.‬ج‪ .‬ال يمكن طلب استرداد حقوقه‪ ،‬ولكن‬
‫ال يمكن االسترداد في المخالفات ألنّها تافهة وال يقع التّنصيص عليها بسج ّل ال ّ‬
‫سوابق‪.‬‬
‫كما أنّه الب ّد أن تكون العقوبة قد نفذت وذلك بصورة فعلية أو صوريّة‪ ،‬إذ ّ‬
‫يخول الفصل‬
‫حق االسترداد إلى من سقط عقابه بمرور ّ‬
‫الزمن أو صدور العفو‬ ‫‪ 367‬م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬في فقرته األولى ّ‬
‫بشأنه‪.‬‬

‫وإذا كان العقاب المحكوم به هو الخطيّة فالب ّد من دفعها أو إنقضاء مدّة الجبر بال ّ‬
‫سجن أو‬
‫سقوط العقاب بمرور ّ‬
‫الزمن‪.‬‬

‫يفرق بينها وبين العقوبات األصليّة ويجب منطقيّا‬


‫وفي خصوص العقوبات التكميليّة فلم ّ‬
‫اعتبار أنّه ال يمكن استرداد الحقوق إالّ إذا وقع تنفيذها‪ ،‬ولكن يمكن اعتبار ّ‬
‫أن استرداد الحقوق‬
‫من نتائجه محو آثار العقوبات األصليّة والحرمان من العقوبة الناتجة عن هذه العقوبات وبالتالي‬
‫تنفيذ العقوبة األصلية يكفي ‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫شروط المتعلّقة بالمدّة ‪:‬‬


‫‪ -‬ال ّ‬
‫يخول بعدها‬
‫المؤرخ في ‪ 29‬أكتوبر ‪ 1973‬أصبحت المدّة التي ّ‬
‫ّ‬ ‫اعتمادا على القانون‬
‫التمتّع باسترداد الحقوق بـ‪ 3‬سنوات بالنسبة للجنايات وسنة بالنّسبة للجنح‪.‬‬

‫وتبتدئ المدّة من تاريخ تنفيذ العقاب أو سقوطه بمرور ّ‬


‫الزمن أو صدور العفو بشأنه ‪،‬‬
‫وإذا كان العقاب المحكوم به هو الخطيّة ‪ّ ،‬‬
‫فإن األجل يجري إبتداء من يوم دفعها أو انقضاء مدّة‬
‫سجن أو سقوطها بمرور ّ‬
‫الزمن‪.‬‬ ‫الجبر بال ّ‬
‫ّ‬
‫فإن‬ ‫وإذا كان المحكوم عليه في حالة عود قانوني أو سبق أن تمتّع باسترداد الحقوق‬
‫األجل يرفع إلى ضعفه‪.‬‬

‫شروط المتعلّقة بسلوك المعني باألمر ‪:‬‬


‫‪ -‬ال ّ‬
‫لكي يتم ّكن المحكوم عليه من استرداد حقوقه فالب ّد أن يكون سلوكه حسنا ويثبت ذلك من‬
‫دفاتر مح ّل اإليقاف ومن البحث المجرى في شأن سلوكه بعد سراحه‪.‬‬

‫ب ‪ -‬ال ّ‬
‫شروط الشكلية ‪:‬‬
‫تجرى التحقيقات الالّزمة في شأن مطلب استرداد الحقوق من طرف وزارة العدل وحقوق‬
‫اإلنسان ولكن القرار األخير يصدر عن لجنة العفو التي يمكن ‪:‬‬
‫‪ -‬إ ّما أن ترفض المطلب‪ ،‬وفي هاته الحالة ال يقبل من المحكوم عليه مطلب جديد قبل‬
‫ي عام على ذلك‪.‬‬
‫مض ّ‬
‫سنتعرض لها بعد الحديث عن االسترداد اآللي‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬وإ ّما أن تقبل المطلب‪ ،‬وهنا تحصل آثار‬
‫للحقوق‪.‬‬

‫الفقـرة الثانيـة ‪ :‬االستــرداد اآللــي للحقــوق‬

‫‪131‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يعتبر هذا النّظام حديثا في التشريع التونسي باعتبار أنّه أضيف بمقتضى القانون عدد ‪14‬‬
‫المؤرخ في ‪ 22‬نوفمبر ‪ 1993‬والقاضي بأنّه تعاد حقوق المحكوم عليه بحكم‬
‫ّ‬ ‫لسنة ‪1993‬‬
‫بالنص‪ ،‬ولم تقع محاكمته من أجل جناية أو جنحة ‪ ،‬ذلك ّ‬
‫أن ك ّل‬ ‫ّ‬ ‫القانون إذا انقضت المهلة المحدّدة‬
‫حكم يقطع مجرى المدّة‪ ،‬وفي ذلك توجيه رشيد نحو ّ‬
‫حث المحكوم عليه على اتّباع سيرة حسنة‬
‫ألن هذا النـظام يفترض أن يكون المتمتّع به قد أصلح فعال‪. 22‬‬
‫بعد قضاء مدّة العقاب‪ّ ،‬‬

‫بقوة القانون ‪ ،‬أي دون أن يستوجب تقديم‬


‫ّ‬ ‫صيات االسترداد اآللي للحقوق أنّه يت ّم‬
‫من خا ّ‬
‫مجرد‬
‫ّ‬ ‫حقّا من حقوق المحكوم عليه وليس‬ ‫المحكوم عليه لطلب في الغرض‪ ،‬وهو بالتالي يمثّل‬
‫شروط تتعلّق أساسا بعدم‬
‫الحق إالّ بتوفّر جملة من ال ّ‬
‫ّ‬ ‫مخولة له‪ ،‬لكن ال يمكن أن ينتفع بهذا‬
‫إمكانية ّ‬
‫محاكمة هذا ال ّ‬
‫شخص من أجل جناية أو جنحة خالل اآلجال التالية ‪:‬‬
‫ي ثالثة أعوام من تاريخ دفعها أو قضاء مدّة‬
‫‪ - 1‬بخصوص العقاب بالخطيّة بعد مض ّ‬
‫سجن أو سقوطها بمرور ّ‬
‫الزمن‪.‬‬ ‫الجبر بال ّ‬
‫ي خمسة أعوام من تاريخ‬
‫سجن من أجل جنحة ‪ ،‬بعد مض ّ‬
‫‪ - 2‬في خصوص العقاب بال ّ‬
‫قضائه أو سقوطه بمرور ّ‬
‫الزمن‪.‬‬
‫ي عشرة أعوام من تاريخ قضائه‬
‫سجن من أجل جناية‪ ،‬بعد مض ّ‬
‫‪ - 3‬بخصوص العقاب بال ّ‬
‫أو سقوطه بمرور ّ‬
‫الزمن‪.‬‬

‫ويعتبر اإلسقاط الكلّي أو الجزئي للعقاب بمقتضى عفو بمثابة قضائه كلّيا أو جزئيّا‪،‬‬
‫والمالحظ ّ‬
‫أن آثار نظام استرداد الحقوق سواء كان آليا أو اختياريا هي واحدة‪.‬‬

‫الفقـرة الثالثـة ‪ :‬آثـار نظـام إستــرداد الحقــوق‬


‫ّ‬
‫أن ر ّد حقوق المحكوم عليه يمحو بالنسبة للمستقبل‬ ‫ينص الفصل ‪ 370‬من م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬‬
‫ّ‬
‫وينص على ذلك بالس ّجل العدلي‬
‫ّ‬ ‫يجر عنها من التحاجير‬
‫ّ‬ ‫العقوبات المحكوم بها‪ ،‬وما عسى أن‬

‫‪132‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ويجب أن ال تذكر تلك العقوبات بالمضامين المسلمة لطالبها‪.‬‬

‫معنى ذلك ّ‬
‫أن العقوبات تبقى بسج ّل ال ّ‬
‫سوابق ولكن تحذف من المضمون عدد ‪ 3‬وال يمكن‬
‫االعتماد عليها في العود واإلقصاء كما يمكن للمنتفع بر ّد حقوقه وأن ينتفع بتأجيل العقوبة‪.‬‬

‫ومن المنطقي أن تقتصر آثار استرداد الحقوق على الحقوق المدنيّة والسياسيّة من ذلك‬
‫ّ‬
‫موظف من عمله نتيجة إدانته بحكم‬ ‫استرجاع المحكوم عليه حقّه في اإلنتخاب ‪ ،‬أ ّما إذا فصل‬
‫ّ‬
‫الحق في طلب العودة‬ ‫ّ‬
‫الموظف‬ ‫يخول لهذا‬
‫فإن استرداد الحقوق ال ّ‬ ‫قضائي وتسليط عقوبة عليه ّ‬
‫إلى وظيفته‪.‬‬

‫كما أنّه يقع محو العقوبات األصلية والتكميليّة ولكن هذا المحو يكون بالنّسبة للمستقبل‬
‫فقط‪ ،‬معنى ذلك أنّه لو طلق المحكوم عليه مثال من أجل محاكمته فال أثر السترداد الحقوق على‬
‫هذا ّ‬
‫الطالق‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬المراقبة القضائيّة لتنفيذ العقوبات‬


‫المسلّطة على األطفال‬

‫صص‬
‫المشرع التونسي على غرار القوانين المقارنة العصريّة اعتماده خيار التخ ّ‬
‫ّ‬ ‫أ ّكد‬
‫نص الفصل‬
‫ّ‬ ‫القضائي في شؤون الطفولة وذلك على مستوى مختلف الجهات القضائيّة‪ ،23‬وقد‬
‫أن »القضاة الذين تتألّف منهم‬ ‫‪ 81‬من مجلّة حماية ّ‬
‫الطفل الصادرة في ‪ 9‬نوفمبر ‪ 1995‬على ّ‬
‫محاكم األطفال سواء على مستوى النّيابة العموميّة أو التّحقيق أو المحاكمة يجب أن يكونوا‬
‫صين في شؤون ّ‬
‫الطفولة«‪.‬‬ ‫مخت ّ‬

‫فقضاء األطفال ال يعني إالّ باألطفال دون غيرهم باعتبار ظروفهم الخا ّ‬
‫صة ‪ ،‬وهو تو ّجه‬
‫سنوات األخيرة بحثا عن مزيد النّجاعة في العمل القضائي وعن تحقيق‬
‫المشرع في ال ّ‬
‫ّ‬ ‫إعتمده‬
‫سرعة في الفصل دون مساس بالضّمانات األساسيّة ّ‬
‫للطفل باعتباره متّهما‪ ،‬لذلك فقد تض ّمنت‬ ‫ال ّ‬
‫مجلّة حماية ّ‬
‫الطفل جملة من األحكام التي تهت ّم بكيفيّة تنفيذ االجراءات والعقوبات الصادرة سواء‬
‫فإن قاضي األطفال يسهر على حسن‬‫الطفل‪ ،‬وفي ك ّل الحاالت ّ‬ ‫عن قاضي األطفال أو محكمة ّ‬
‫تطبيق هذه العقوبات واإلجراءات وتفريدها وفق خطورة الجريمة المرتكبة‪ ،‬وما تنطوي عليه‬
‫شخصيّة الطفل المرتكب لها من نفسيّة إجراميّة‪ ،‬وتركيبة سيكولوجيّة‪ ،‬وذلك لغاية بلوغ الهدف‬
‫اإلصالحي التي ترمي إليه العقوبة‪.24‬‬

‫صالحيات‬
‫سسة قاضي األطفال جملة من ال ّ‬
‫المشرع التونسي لمؤ ّ‬
‫ّ‬ ‫ولتحقيق ذلك‪ ،‬فقد منح‬
‫سواء عند إشرافه على تنفيذ التّدابير التربويّة ‪/‬الفقرة األولى‪ /‬أو عند تنفيذ العقوبات الجزائيّة‬
‫‪/‬الفقرة الثانية‪./‬‬

‫‪134‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬إشراف قاضي األطفال على تنفيذ التّدابير التربويّة‬


‫يقتضي التّأهيل تفريد المعاملة العقابيّة ‪ ،‬لكن هذا التّفريد التنفيذي ما هو إالّ امتداد للتّفريد‬
‫بمجرد النّطق بالحكم وإنّما يتواصل ويتدعّم‬
‫ّ‬ ‫ألن دور القاضي ممت ّد في ّ‬
‫الزمن‪ ،‬ال ينتهي‬ ‫القضائي‪ّ ،‬‬
‫أكثر خالل مرحلة التّنفيذ‪.‬‬

‫فعمل القضاء الحديث يقوم على دراسة ظروف المتّهم من جميع جوانبها النفسيّة‬
‫والعضويّة واإلجتماعيّة بغرض ضبط التّدبير المالئم لها‪.‬‬

‫فإن قاضي األطفال يقوم باإلشراف على ما اتّخذه من تدابير في شأن ّ‬


‫الطفل الجانح‪،‬‬ ‫لذلك ّ‬
‫وقد قام الفصل ‪99‬من م‪.‬ح‪.‬ط‪ .‬بتحديد قائمة التدابير التربويّة التي يمكن أن يتّخذها في صورة إذا‬
‫للطفل ثابتة‪ ،‬وجاء كذلك بالفصل ‪ 109‬من نفس المجلّة »‪...‬يتعيّن عليه‬
‫كانت األفعال المنسوبة ّ‬
‫صادرة بشأن الطفل بالتّعاون مع المصالح المعنية‪ ،«...‬وعليه ّ‬
‫فإن قاضي‬ ‫متابعة القرارات ال ّ‬
‫األطفال يمكنه إذا رأى ضرورة لذلك مراجعة وتعديل ما اتّخذه من قرارات ّ‬
‫‪/‬أوال‪ /‬كما منحه‬
‫الحرية المحروسة ‪/‬ثانيا‪./‬‬
‫ّ‬ ‫المشرع سلطة اإلشراف على األطفال الموضوعين تحت نظام‬
‫ّ‬

‫ّأوال ‪ :‬سلطة المراجعة والتعديل‬


‫صة معدّة‬
‫سسة عموميّة أو خا ّ‬ ‫لقد جاء بالفصل ‪ 99‬م‪.‬ح‪.‬ط أنّه يمكن وضع ّ‬
‫الطفل بمؤ ّ‬
‫للتربية والتّكوين المهني ومؤ ّهلة لهذا الغرض‪.‬‬

‫ويكون اللّجوء لهذه المؤ ّ‬


‫سسات في الحاالت التي يصعب فيها عالج الطفل داخل نظام‬
‫األسرة أو في بيئته الطبيعية لكونها غير صالحة لتهذيبه وتربيته‪ ،‬وتتبع هذه المؤسسات التربوية‬
‫ألن الغرض منها هو تقويم ّ‬
‫الطفل وتربيته‬ ‫سجون‪ّ ،‬‬
‫صا بالمعالجة بعيدا عن نظام ال ّ‬
‫نظاما خا ّ‬
‫وتنشئته تنشئة صالحة وتلقينه مبادئ العلوم وتعليمه مهنة مالئمة‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سسات اإلصالحية تدبيرا قاسيا ألنّه يحرمه من ّ‬


‫حريته ويفصله‬ ‫ويعتبر وضع ّ‬
‫الطفل بالمؤ ّ‬
‫ي وقت وبطلب من‬ ‫عن وسطه العائلي‪ ،‬لذلك م ّكن الفصل ‪ 111‬من م‪.‬ح‪.‬ط‪ .‬قاضي األطفال في أ ّ‬
‫ّ‬
‫الطفل أو والديه أو مقدّمه أو حاضنه أن يغيّر ما اتّخذه من القرارات الوقائيّة أو الجزائيّة ‪ ،‬إذا‬
‫كانت صادرة في غياب ّ‬
‫الطفل وصارت باتّة بانقضاء أجل االستئناف‪.‬‬

‫المشرع التونسي ومن خالل مجلّة حماية ّ‬


‫الطفل سعى إلى تكريس مبدأ‬ ‫ّ‬ ‫والمالحظ ّ‬
‫أن‬
‫متابعة ومراجعة القرارات المتّخذة إزاء األطفال‪ ،‬بالحرص على زيارة ّ‬
‫الطفل لإلطالع على‬
‫وخولت لقاضي‬
‫ّ‬ ‫وضعه ومدى قبوله الوسيلة المأذون بها كما م ّكنت الوالدين من زيارة ابنهما‪،‬‬
‫األطفال من تلقاء نفسه أو بطلب من النيابة العموميّة أو ّ‬
‫الطفل الجانح نفسه أو والديه أو حاضنه‬
‫صعوبات التنفيذيّة‪ ،‬باإلضافة إلى الواجب المحمول على قاضي األطفال في إعادة‬ ‫ّ‬
‫البت في ال ّ‬
‫مرة ك ّل ستّة أشهر على أقصى تقدير ومراجعة اإلجراء ‪ ،‬وهذا كلّه في‬
‫ملف الطفل ّ‬
‫ّ‬ ‫النّظر في‬
‫صة ّ‬
‫وأن الهدف من إيداع الطفل‬ ‫سبيل جعل التدبير المتّخذ في شأن ّ‬
‫الطفل ‪ 25‬مالئما لحالته‪ ،‬خا ّ‬
‫صة من خالل المجهود المبذول من‬
‫باإلصالحية على سبيل المثال هو تقويم سلوكه وإصالحه‪ ،‬خا ّ‬
‫قبل اإلطار التربوي والتّثقيفي التّابع لمراكز اإلصالح‪.‬‬

‫المؤرخ في ‪ 11‬ديسمبر ‪ 1995‬المتعلّق‬


‫ّ‬ ‫وقد جاء بالفصل الثالث من األمر عدد ‪2423‬‬
‫الخاص بمراكز إصالح األطفال المنحرفين أنّه »يت ّم بالتّعاون مع قاضي األحداث‬
‫ّ‬ ‫بالنّظام الدّاخلي‬
‫بالتدرج‪ ،‬إثر قضاء فترة مالحظة تشفع بدراسة حالة‬
‫ّ‬ ‫توجيه األحداث إلى مختلف هذه األنظمة‬
‫سلوكي والنّفساني والمهني«‪ .‬ويمثّل هذا الفصل تدعيما لصالحيات قاضي‬
‫تطوره ال ّ‬
‫الحدث لتقييم ّ‬
‫األطفال في متابعة ّ‬
‫الطفل المودع بمركز اإلصالح بمراقبة حالته السلوكيّة وأساليب التربية‬
‫المعتمدة ‪ ،‬وقد ذهب الفصل ‪ 39‬من نفس األمر إلى ح ّد تخويل قاضي األطفال مراجعة وتعديل‬
‫ينص على أنّه »يمكن أن تسلّط إدارة المركز بصفة وقتية‬
‫ّ‬ ‫العقوبات ذات الصبغة التأديبيّة حيث‬

‫‪136‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الرجوع من‬
‫وبإذن من قاضي األحداث ‪ ،‬على األطفال المخالفين في حاالت الفرار أو عدم ّ‬
‫الرخصة عقوبات تصنّف كاآلتي ‪:‬‬
‫ّ‬
‫الرخص ومن زيارتين متتاليتين ‪.‬‬
‫‪ -‬الحرمان من ّ‬
‫الرعاية المر ّكزة بعد موافقة اإلدارة‬
‫‪ -‬النّقلة من النظام المفتوح أو شبه المفتوح إلى نظام ّ‬
‫سجون واإلصالح‪ ،‬ولقاضي األحداث مراجعة وتعديل العقوبات المشار إليها بهذا‬
‫العامة لل ّ‬
‫الفصل«‪.‬‬
‫وال تت ّم آليتي المراجعة والتعديل بمعزل عن متابعة ومعاينة الحدث وجمع المعطيات‬
‫الكافية حول التجاوب مع وضعيّته الجديدة‪.‬‬

‫الحرية المحروسة‬
‫ّ‬ ‫ثانيا ‪ :‬سلطة اإلشراف على األطفال الموضوعين تحت نظام‬
‫الحرية المحروسة أسلوب عالجي يبقى ّ‬
‫الطفل بمقتضاه في بيئته الطبيعيّة متمتّعا‬ ‫ّ‬ ‫تعتبر‬
‫بحريته تحت رعاية ومالحظة شخص مكلّف بهذه المه ّمة‪ ،‬وهي وسيلة ترمي إلى مراقبة ّ‬
‫الطفل‬ ‫ّ‬
‫بالوسط الطبيعي الذي يعيش فيه سواء كان ذلك الوسط عائليّا ‪ ،‬مدرسيا أو اجتماعيّا‪ ،‬وهي تهدف‬
‫أيضا إلى معالجة ّ‬
‫الطفل الجانح بالتم ّكن من استبعاد اإليداع بالمراكز التربويّة ‪ ،‬لذلك فإنّها تمتاز‬
‫بعدم تعكير الحالة النفسيّة ّ‬
‫للطفل وتساعد على اكتشاف شخصيّته‪.26‬‬

‫أن المخالفات التي يرتكبها ّ‬


‫الطفل الذي بلغ سنّه ثالثة عشر‬ ‫وينص الفصل ‪ 73‬من م‪.‬ح‪.‬ط‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫الطفل‪ ،‬إالّ إذا رغب ّ‬
‫الطفل أو‬ ‫عاما »تحال على قاضي األطفال الذي ينظر فيها دون حضور ّ‬
‫مجرد توبيخ أو أن يحكم عليه‬
‫ّ‬ ‫وليّه في ذلك‪ ،‬وإذا ثبتت المخالفة جاز لقاضي األطفال أن يو ّجه‬
‫الحرية المحروسة كتدبير تربوي يمكن االلتجاء‬
‫ّ‬ ‫بالخطيّة إن كان له مال أو أن يضعه تحت نظام‬
‫إليه كبديل عن التّدابير األخرى وحصرها فقط في مادّة المخالفات وترك أمر األخذ بها‬
‫اختياريا«‪ ،‬وترتيبا على ذلك فإنّه ال يمكن أن تتجاوز مدّتها في هذه الحالة بلوغ ّ‬
‫الطفل ّ‬
‫سن‬
‫الثمانية عشر‪ ،‬إعتبارا وأنّها إحدى التدابير التربويّة األصليّة في مادّة المخالفات‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وقد جاء بالفصل ‪ 107‬من م‪.‬ح‪.‬ط‪ّ .‬‬


‫أن مه ّمة مراقبة األطفال الموضوعين تحت نظام‬
‫متطوعين‪ ،‬يتولّون منذ تعيينهم جمع‬
‫ّ‬ ‫قارين وإلى مندوبين‬
‫الحرية المحروسة يرجع إلى مندوبين ّ‬
‫ّ‬
‫كافّة المعلومات واإلرشادات حول وضعيّة ّ‬
‫الطفل النفسيّة والعائليّة واإلجتماعيّة واإلقتصاديّة‬
‫والدراسيّة‪.‬‬
‫والمالحظ ّ‬
‫أن قاضي األطفال يشرف على هؤالء المندوبين وله سلطة اختيارهم وتكليفهم‬
‫خاص في ذلك‪ ،‬واقتضى‬
‫ّ‬ ‫بمهامهم في ك ّل قضيّة سواء كان صلب ّ‬
‫نص الحكم أو بمقتضى قرار‬
‫الحرية المحروسة حادثة كشفت إخالال في‬
‫ّ‬ ‫الفصل ‪ 123‬من م‪.‬ح‪.‬ط‪ .‬أنّه إذا حصل أثناء مدّة‬
‫ّ‬
‫يعطل قيام المندوب‬ ‫المراقبة من طرف األبوين أو المقدّم أو الحاضن‪ ،‬أو حدث قصدا ما‬
‫بمأموريته ‪ ،‬جاز للمحكمة المتع ّهدة أن تحكم حسب الحالة على األبوين أو المقدّم أو الحاضن‬
‫بخطيّة تتراوح بين عشرة وخمسين دينارا‪.‬‬

‫سسة قاضي األطفال جملة من الصالحيات عند‬


‫المشرع التونسي لمؤ ّ‬
‫ّ‬ ‫وإلى جانب منح‬
‫إشرافه على تنفيذ التّدابير التربويّة ‪ ،‬فقد منحه كذلك صالحيات عند اإلشراف على تنفيذ العقوبات‬
‫الجزائيّة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬إشراف قاضي األطفال على تنفيذ العقوبات الجزائيّة‬


‫جاء بالفصل ‪ 43‬من م‪.‬ج‪ .‬أنّه »يقع تطبيق القانون الجنائي على المتّهمين الذين سنّهم أكثر‬
‫من ثالثة عشر عاما كاملة وأق ّل من ثمانية عشر كاملة«‪.27‬‬
‫وقد أ ّكد الفصل ‪ 99‬في فقرته الثانية أنّه يجوز تسليط عقاب جزائي على الطفل مع مراعاة‬
‫أحكام هذه المجلّة إذا تبيّن ّ‬
‫أن إصالحه يقتضي ذلك‪.‬‬

‫ويتبيّن من هذين الفصلين إمكانية تسليط العقوبة الجزائيّة ولكن تبقى هذه اإلمكانية‬

‫‪138‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫نص على أنّه »وبصفة استثنائيّة يمكن‬


‫ّ‬ ‫المشرع بالفصل ‪ /2/ 79‬م‪.‬ح‪.‬ط‪.‬‬
‫ّ‬ ‫صة ّ‬
‫وأن‬ ‫استثنائيّة خا ّ‬
‫لهما ‪/‬قاضي األطفال ومحكمة األطفال‪ /‬أن يسلّطا على ّ‬
‫الطفل الذي بلغ سنّه الخمسة عشر عاما‬
‫عقابا جزائيا‪.«...‬‬

‫فالقاعدة ‪ ،‬أال تسلط العقوبة الجزائيّة على ّ‬


‫الطفل الذي بلغ ‪ 13‬سنة من عمره ولم يتجاوز‬
‫أن المبدأ أالّ يلتجأ إلى تسليط العقوبة الجزائيّة على ّ‬
‫الطفل الذي بلغ ‪ 15‬سنة من‬ ‫‪ 15‬سنة كما ّ‬
‫عمره فاألولويّة تبقى لوسائل الوقاية واإلسعاف والمراقبة وللتّربية‪ ،‬ولكن إن إقتضى إصالحه‬
‫غير ذلك أمكن للقاضي في إطار استعمال سلطته التقديريّة تطبيق العقوبة الجزائيّة وال يكون له‬
‫تعرضت الفصول ‪-87-79‬‬ ‫وملف شخصيّة ّ‬
‫الطفل‪ ،‬وقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫لملف الواقعة‬
‫ّ‬ ‫ذلك إالّ بعد دراسة دقيقة‬
‫‪ 88‬إلى مختلف هذه الملفّات وهي تتض ّمن في مجملها تفاصيل ظروف ارتكاب الجريمة والوقائع‬
‫واإلرشادات عن حالة العائلة المادّية واألدبيّة وعن شخصيّة ّ‬
‫الطفل وسوابقه ومدى مواضبته‬
‫بالمدرسة وسيرته وظروف نشأته وتربيته ‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫وهذه العقوبة الجزائيّة التي يتمتّع قاضي األطفال بسلطة تقديريّة في توقيعها يمكن أن‬
‫‪/‬أوال‪ /‬أو عقوبة مالية ‪/‬ثانيا‪./‬‬
‫تكون عقوبة بدنيّة ّ‬

‫ّأوال ‪ :‬إمكانية تسليـط العقـاب البدنـي‬


‫يمكن لقاضي األطفال وفي إطار تفريد العقوبة أن يتّخذ في شأن الطفل الجانح تسليط‬
‫سسة‬ ‫أن إصالحه يقتضي ذلك‪ ،‬وفي هذا اإلطار ّ‬
‫فإن العقاب يقضي بمؤ ّ‬ ‫عقاب جزائي إذا تبيّن ّ‬
‫سجن ‪/‬الفصل ‪ 99‬من م‪.‬ح‪.‬ط‪ .28/.‬والمالحظ‬ ‫صة وعند التعذّر بجناح مخ ّ‬
‫صص لألطفال بال ّ‬ ‫مخت ّ‬
‫صة ّ‬
‫وأن الفصل ‪ 13‬من‬ ‫سجن ال يمكن أن يكون إالّ لمدّة قصيرة خا ّ‬ ‫أن إيداع ّ‬
‫الطفل الجانح بال ّ‬ ‫ّ‬
‫ينص على أنّه »ترمي أحكام هذه المجلّة قبل تد ّخل أجهزة العدالة الجزائيّة إلى إيجاد‬
‫ّ‬ ‫م‪.‬ح‪.‬ط‬
‫الحلول المالئمة لظاهرة انحراف األطفال باالعتماد على المبادئ اإلنسانية واإلنصاف ‪ ،‬وتعطى‬

‫‪139‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫األولوية للوسائل الوقائيّة والتربويّة ويجتنب قدر اإلمكان االلتجاء إلى اإلحتفاظ واإليقاف‬
‫صة منها العقوبات القصيرة المدّة«‪.‬‬
‫للحرية‪ ،‬وخا ّ‬
‫ّ‬ ‫التحفّظي وإلى العقوبات السالبة‬

‫ويبرز من ذلك ّ‬
‫الطابع االستثنائي للعقاب البدني الذي يلتجأ إليه قاضي األطفال إذا تبيّن له‬
‫أن إصالح ّ‬
‫الطفل ال يمكن أن يت ّم بإحدى التّدابير األخرى‪.‬‬ ‫ّ‬

‫حق ّ‬
‫الطفل أثناء تنفيذ الوسيلة الوقائيّة أو العقوبة من التمتّع بإجازة‬ ‫وأ ّكدت م‪.‬ح‪.‬ط‪ .‬على ّ‬
‫دوريّة ومحدودة المدّة تراعي في اسنادها مصلحته الفضلى وذلك على معنى أحكام الفصل ‪16‬‬
‫من المجلّة المذكورة ‪ ،‬والغاية من منح هذه اإلجازة ّ‬
‫للطفل هو ضمان حقّه في الحفاظ على‬
‫االتصال بوالديه ألنّه حسب ما أ ّكدته البحوث االجتماعيّة والنفسيّة يعتبر االنقطاع المفاجئ‬
‫للطفل عن والديه وعن أسرته تهديدا للحالة النفسيّة ّ‬
‫للطفل بما من شأنه أن يخلق لديه‬ ‫والمطول ّ‬
‫إحساسا بالنّقمة والغيض ورفض لسلطة األبوين بعد مغادرة ال ّ‬
‫سجن‪ ،‬وهو ما من شأنه أن يحدّد‬
‫الهدف اإلصالحي الذي يرمي إليه اتّخاذ مثل هذا اإلجراء في شأن ّ‬
‫الطفل‪.29‬‬

‫وباإلضافة إلى إمكانية تسليط العقاب البدني‪ّ ،‬‬


‫فإن قاضي األطفال يمكنه تعويض ذلك‬
‫المقررة إذا رأى ب ّد من ذلك بما يتالءم والمصلحة الفضلى‬
‫ّ‬ ‫باإلستفادة من عقوبة بديلة للعقوبة‬
‫ّ‬
‫للطفل‪.‬‬

‫وإلى جانب الخيار الممنوح لقاضي األطفال في تسليط عقاب بدني أو عقوبة بديلة ‪ ،‬فإنّه‬
‫يمكنه كذلك تسليط حكم بالخطيّة على الطفل الجانح‪.‬‬

‫ثانيـا ‪ :‬إمكانيـة تسليـط عقوبــة ماليّــة‬


‫المقررة‬
‫ّ‬ ‫تعرف الخطيّة بكونها إلزام المحكوم عليه بأن يدفع للخزينة العا ّمة للدّولة المبالغ‬

‫‪140‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫في الحكم‪ ،‬وقد اقتضى الفصل ‪ 73‬من م‪.‬ح‪.‬ط‪ .‬في فقرته الثانية أنّه‪» :‬إذا ثبتت المخالفة جاز‬
‫مجرد توبيخ أو أن يحكم عليه بالخطيّة إذا كان له مال أو أنّه‬
‫ّ‬ ‫لقاضي األطفال أن يو ّجه ّ‬
‫للطفل‬
‫الحرية المحروسة عند اإلقتضاء«‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يضعه تحت نظام‬

‫فإن الحكم بالخطيّة يبقى خيارا ممنوحا للقاضي في أن يسلّطه على الطفل إذا تبيّن له‬
‫لذلك ّ‬
‫أن الذ ّمة المالية لهذا األخير عامرة‪ ،‬ويكون ّ‬
‫الطفل قادرا على دفع المبالغ المحكوم بها عليه إلى‬ ‫ّ‬
‫صة تأكيدا لمبدأ شخصيّة العقوبة ‪ ،‬وفي جميع الحاالت فهذه‬
‫خزينة الدّولة من ذ ّمته المالية الخا ّ‬
‫الخطيّة ال يجب في صورة تنفيذها أن تلحق األذى بهذا ّ‬
‫الطفل‪ّ ،‬‬
‫ألن الهدف األساسي من هذه‬
‫العقوبة هو حثّه على اإلستقامة‪ ،‬وعدم العود إلى ال ّ‬
‫سلوك اإلجرامي‪.‬‬

‫شخصي ّ‬
‫للطفل‬ ‫باإلضافة إلى ذلك فإنّه يجب التّمييز بين الخطيّة التي تسلّط على المال ال ّ‬
‫المجرم الذي إرتكبه‬
‫ّ‬ ‫جراء الفعل‬
‫المتضرر من ّ‬
‫ّ‬ ‫الجانح‪ ،‬وبين التّعويض على األضرار التي لحقت‬
‫مكرر من مجلّة اإللتزامات‬
‫ّ‬ ‫الطفل‪ ،‬وذلك صلب دعوة مدنيّة مستقلّة ‪ ،‬حيث جاء بالفصل ‪93‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫لينظم مسؤوليّة األبوين‬ ‫والعقود بعد تنقيحه بقانون ‪ 9‬نوفمبر ‪ 1995‬وتحديدا بالفقرة األولى منه‬
‫للرقابة‪.‬‬ ‫الضار الصادر عن ّ‬
‫الطفل الخاضع ّ‬ ‫ّ‬ ‫أو من يح ّل محلّهما عن الفعل‬

‫المخول لقاضي األطفال بالحكم على ّ‬


‫الطفل بالخطيّة تشوبه جملة من‬ ‫ّ‬ ‫والمالحظ ّ‬
‫أن الخيار‬
‫ي جزاء‪ ،‬ضرورة ّ‬
‫أن‬ ‫معرض أل ّ‬ ‫فإن ّ‬
‫الطفل يكون غير ّ‬ ‫النّقائص ألنّه في صورة عدم دفع الخطيّة ّ‬
‫ينص »ال‬
‫ّ‬ ‫سجن ال تنطبق أحكامه على األطفال الجانحين‪ ،‬فالفصل ‪ 345‬من م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬‬
‫الجبر بال ّ‬
‫سجن ض ّد المحكوم عليهم الذين سنّهم دون الثمانية عشر عاما كاملة وقت‬
‫يسوغ إجراء الجبر بال ّ‬
‫ارتكابهم األفعال التي إستلزمت التتبّع«‪.‬‬

‫أن‬ ‫تمس هذه الخطيّة بمبدأ شخصيّة العقوبة إذا امتنع ّ‬


‫الطفل من دفعها ‪ ،‬ذلك ّ‬ ‫ّ‬ ‫كما يمكن أن‬

‫‪141‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ي الطفل يجد نفسه مجبرا على دفع معلومها عوضا عنه‪ .‬وهو ما يدعونا إلى التّساؤل عن‬ ‫ول ّ‬
‫الخاص‬
‫ّ‬ ‫الجدوى من الحكم بهذه العقوبة والتّساؤل حول إمكانية اإلستغناء عنها صلب التّشريع‬
‫ألن األحكام وجدت لتنفّذ‪.‬‬
‫باألطفال ّ‬

‫‪142‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الثاني‬
‫قاضي تنفيذ العقوبات‬

‫ّ‬
‫إن الهدف األساسي للعقوبة في التنظيمات الحديثة هو البعد اإلصالحي ‪ ،‬فمراعاته يعكس‬
‫وسمو مداركه‪ ،‬وأيّا كان الهدف من العقوبة‪ّ ،‬‬
‫فإن تأهيل الجاني وإعادة تربيته‬ ‫ّ‬ ‫اتّساع آفاق اإلنسان‬
‫يجب أن يراعى في مرحلة التّنفيذ كلّما كانت طبيعة العقوبة تحتمل ذلك‪ ،‬ومن هنا يتأ ّكد التّكامل‬
‫بين ك ّل من مرحلة التتبّع والمحاكمة ومرحلة تنفيذ العقاب المحكوم به‪.‬‬

‫ولتوفير ذلك الب ّد من اإلقرار برقابة القضاء على التنفيذ حتى تواصل الجهة القضائيّة التي‬
‫الروح القرارات التي تتّخذ أثناء مرحلة التنفيذ‪ ،‬فالغاية من العقوبة يضمن‬
‫أصدرت الحكم بنفس ّ‬
‫سلطة التي حدّدت مقدارها ونوعها وهو ما أدّى إلى‬
‫تحقيقها عندما تشرف على تنفيذها نفس ال ّ‬
‫سسة قاضي التّنفيذ الذي عرفه "‪ Jean Claude Soyer" 30‬بأنّه »قاضي‬
‫بروز مؤ ّ‬
‫للحرية تعمل من أجل إعادة إدماج المنحرف وهو أفضل‬
‫ّ‬ ‫مكلّف أساسا بجعل العقوبات ال ّ‬
‫سالبة‬
‫وسيلة لمواصلة تفريد العقوبة منذ تقريرها حتى انقضائها«‪.‬‬

‫للحريات األساسية‬
‫ّ‬ ‫مقررا ورقيبا وضامنا‬
‫سسة قاضي التنفيذ من القاضي ّ‬
‫وقد جعلت مؤ ّ‬
‫متجرد من دوره في المجتمع ‪ ،‬حيث تعهد لقاضي التنفيذ سلطات‬
‫ّ‬ ‫ومساهما في إرساء العدل وغير‬
‫ها ّمة فيما يتعلّق بتصنيف المجرمين وأشكال المعاملة الجنائيّة الفرديّة ومراقبة تنفيذها‪ ،‬فهو يلعب‬
‫دورا ها ّما في التّفريد التّنفيذي للعقاب‪ ،‬ويرتكز التّفريد التنفيذي على معاملة المحكوم عليه معاملة‬
‫إصالحيّة كفيلة بتيسير اندماجه في المجتمع وقطع ّ‬
‫الطريق بينه وبين شتّى مظاهر اإلنحراف‪.‬‬

‫سبب الرئيسي في اتّساع دور القضاء في مرحلة التّنفيذ‬ ‫وفي هذا اإلطار يؤ ّكد البعض ّ‬
‫أن ال ّ‬
‫سك بالهدف اإلصالحي للعقوبة ‪ ،‬فطالما تحدّد هذا الهدف بالعمل على إصالح‬
‫يعود إلى التم ّ‬

‫‪143‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ‬
‫الحق في متابعة‬ ‫الجاني وإعادة تأهيله كان من المنطقي أن يكون للقاضي الذي حكم بالعقوبة‬
‫تنفيذها حتى يكفل تحقيقها لنتائجها‪.‬‬

‫ونظام قاضي التّنفيذ يع ّد من أه ّم أشكال تد ّخل القضاء في مرحلة تنفيذ العقوبة في‬
‫السياسات الجنائيّة الحديثة حيث تح ّمست الكثير من الدّول الالّتينيّة ومن تأثر بها لنظام قضاء‬
‫التنفيذ‪ ،‬ويرجع ذلك إلى تأثّرها التاريخي بالقانون ّ‬
‫الروماني الذي كان يفرض على القاضي رقابة‬
‫سجون وزيارتها ومن بين هذه الدّول نجد إيطاليا الّتي أرست نظام قاضي اإلشراف على التنفيذ‬
‫ال ّ‬
‫سنة ‪.31 1930‬‬

‫كما استحدث قانون اإلجراءات الجنائيّة الفرنسي سنة ‪ 1958‬نظام »قاضي تطبيق‬
‫مرة في فرنسا منذ هذا التاريخ فقط‪ ،‬بل كانت له بعض‬
‫ألول ّ‬
‫العقوبات«‪ ،‬ولم يطبق هذا النظام ّ‬
‫وجربت فيها‬
‫ّ‬ ‫التطبيقات ال سيّما في مجال األحداث وفي بعض سجون البالغين التي أعيد تنظيمها‬
‫الوسائل العقابية الحديثة قبل إدخال هذا النّظام في قانون االجراءات بسنوات قليلة‪ ،‬على ّ‬
‫أن لهذا‬
‫القانون فضل تعميم نظام قاضي تطبيق العقوبات في كافة أنحاء فرنسا والتوسيع في اختصاصاته‬
‫سسة العقابية أو خارجها ‪ .‬ويع ّد التشريع‬ ‫في المسائل المتعلّقة بمعاملة ال ّ‬
‫سجناء سواء داخل المؤ ّ‬
‫سعت من صالحيات قاضي التنفيذ تحقيقا للتّفريد التنفيذي‪.‬‬
‫الفرنسي من أه ّم التشريعات التي و ّ‬

‫المشرع التونسي بمرحلة التّنفيذ ‪ ،‬فقد تج ّ‬


‫سد عبر العديد من المراحل ‪ :‬ففي‬ ‫ّ‬ ‫أ ّما اهتمام‬
‫صصت المجلّة الجنائيّة الصادرة في ‪ 9‬جويلية ‪ 1913‬بابها الثاني تحت عنوان »في‬
‫البداية خ ّ‬
‫العقوبات وتنفيذها«‪.‬‬
‫ث ّم جاءت مجلّة اإلجراءات الجزائيّة الصادرة بمقتضى القانون عدد ‪ 23‬لسنة ‪1968‬‬
‫صصت الكتاب الخامس منها »الجراءات التنفيذ«‪.‬‬
‫المؤرخ في ‪ 12‬جويلية ‪ 1968‬وخ ّ‬
‫ّ‬
‫صة المستقلّة والمتعلّقة بتنظيم االحتفاظ واإليقاف‬
‫هذا باإلضافة إلى بعض النّصوص الخا ّ‬

‫‪144‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المؤرخ في ‪ 26‬نوفمبر ‪ 1987‬والذي ت ّم تنقيحه بموجب‬


‫ّ‬ ‫التحفّظي بمقتضى القانون عدد ‪70‬‬
‫المؤرخ في ‪ 2‬أوت ‪ 1999‬المتعلّق بتنقيح وإتمام بعض األحكام‬
‫ّ‬ ‫القانون عدد ‪ 90‬لسنة ‪1999‬‬
‫من مجلّة اإلجراءات الجزائيّة‪.‬‬

‫كما صادقت الجمهوريّة التونسية على اتفاقية األمم المتّحدة الخا ّ‬


‫صة بمناهضة التعذيب‬
‫سجون وتأهيل‬
‫بمقتضى القانون عدد ‪ 79‬الصادر في ‪ 11‬جويلية ‪ 1988‬وعلى إثرها ت ّم تنظيم ال ّ‬
‫المؤرخ في ‪ 4‬نوفمبر ‪ 1988‬الذي جعل إصالح المحكوم‬
‫ّ‬ ‫المساجين بمقتضى األمر عدد ‪1876‬‬
‫سجون هي أماكن معدّة إليواء‬
‫عليهم في صدارة اهتماماته‪ ،‬حيث جاء في فصله ‪ 1‬فقرة ‪» 2‬ال ّ‬
‫سلطات القضائيّة ذات النّظر ‪ ،‬وذلك خا ّ‬
‫صة بهدف‬ ‫األشخاص المودعين لديها من طرف ال ّ‬
‫إصالحهم وتهذيبهم وتقويم سلوكهم وتأهيلهم لإلندماج من جديد في المجتمع«‪.32‬‬
‫إالّ ّ‬
‫أن هذا األمر لم يضمن بمفرده تحقيق هدف اإلصالح ألن النظام القانوني التونسي‬
‫سهر على بلوغ هذا الهدف في أسمى صوره ويتمثّل هذا الجهاز في قاضي‬
‫يفتقد الجهاز الكفيل بال ّ‬
‫تنفيذ العقوبات‪.‬‬

‫المشرع التونسي لهذه المسألة بإصداره في مرحلة أولى مجلّة حماية ّ‬


‫الطفل‬ ‫ّ‬ ‫وقد ّ‬
‫تفطن‬
‫والمؤرخ في ‪ 9‬نوفمبر ‪ ، 1995‬وقد أحدثت بمقتضى هذا‬
‫ّ‬ ‫بموجب القانون عدد ‪ 92‬لسنة ‪1995‬‬
‫المشرع لهذا‬
‫ّ‬ ‫سسة قضاء التنفيذ ‪ ،‬وقد أسند‬ ‫القانون ّ‬
‫خطة قاضي األطفال التي تع ّد نموذجا من مؤ ّ‬
‫القاضي دورا ها ّما يتجاوز النّطق بالحكم ليشمل مرحلة تنفيذه ‪ ،‬إذ ّ‬
‫أن من صالحياته مراجعة‬
‫صحيح الذي يضمن‬
‫الحكم ‪/‬ف ‪ 109‬م‪.‬ح‪.‬ط‪ /.‬واإلشراف على تنفيذه ‪ ،‬وكذلك توجيهه التوجيه ال ّ‬
‫هدف التّقويم والتهذيب‪.‬‬
‫المشرع التونسي مركزا نموذجيا لمالحظة األحداث بموجب القانون عدد ‪94‬‬
‫ّ‬ ‫لذلك أحدث‬
‫المؤرخ في ‪ 26‬أكتوبر ‪ ، 1992‬وهو مركز يحتضن األحداث المحالين عليه من‬
‫ّ‬ ‫لسنة ‪1992‬‬
‫قبل قضاء األحداث يتولى دراسة شخصيّتهم والطرق الكفيلة بإصالحهم ‪ ،‬وهذا المركز ملزم‬

‫‪145‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫بموافاة قاضي األطفال بالتّقارير المتض ّمنة آلراء أهل االختصاص حتى يتم ّكن من مواكبة حالة‬
‫ويقرر تبعا لذلك األساليب المالئمة لتقويمه وإصالحه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الحدث‬

‫وبعد نجاح تجربة األحداث في تونس ‪ ،‬التي كانت بمثابة المقدّمة لألخذ بنظام التد ّخل‬
‫ألن مضمون ما يتّخذه قاضي األحداث في‬
‫القضائي في تنفيذ الجزاء الجنائي المتّخذ ض ّد الرشد‪ّ ،‬‬
‫إطار عملية التنفيذ من أساليب ‪ ،‬وتدابير إصالحية وتقويميّة هي نفسها المطلوبة في عمليّة تنفيذ‬
‫العقوبات عموما تحقيقا لتفريدها‪.‬‬

‫الحريات‬
‫ّ‬ ‫المشرع التونسي بأه ّمية السلطة القضائيّة في ضمان الحقوق وتدعيم‬
‫ّ‬ ‫وإيمانا من‬
‫الحريات ‪ ،‬وإيالء القضاء الدّور اإليجابي في إرساء‬
‫ّ‬ ‫‪ ،‬وسعيا منه إلى تدعيم الدّيمراطية وضمان‬
‫المؤرخ في ‪3‬‬
‫ّ‬ ‫سسات‪ ،33‬جاء القانون عدد ‪ 51‬لسنة ‪2001‬‬
‫العدالة وتكريس دولة القانون والمؤ ّ‬
‫ماي ‪ 2001‬والمتعلّق بإلحاق إطارات أعوان ال ّ‬
‫سجون واإلصالح بوزارة العدل ‪ ،‬ليدعم الوالية‬
‫المشرع من خالل القانون‬
‫ّ‬ ‫القضائيّة على مرحلة تنفيذ العقوبات‪ ،‬وهو نفس التّوجيه الذي دعى‬
‫عدد ‪ 71‬لسنة ‪ 2000‬الصادر بتاريخ ‪ 31‬جويلية ‪ 2000‬والمتعلّق بتنقيح وإتمام بعض الفصول‬
‫من مجلّة اإلجراءات الجزائيّة إلرساء مؤ ّ‬
‫سسة قاضي تنفيذ العقوبات‪.‬‬

‫يخول قاضي تنفيذ العقوبات صالحيات ها ّمة تم ّكنه من تفريد العقوبة‬ ‫إالّ ّ‬
‫أن هذا القانون لم ّ‬
‫صة منها التشريع الفرنسي‪ ،‬وبدت سلطاته‬
‫في مرحلة تنفيذها‪ ،‬على غرار القوانين المقارنة وخا ّ‬
‫سسة وذلك بتدعيم صالحياته‬
‫المشرع التونسي على تطوير هذه المؤ ّ‬
‫ّ‬ ‫محدودة جدّا‪ ،‬لذلك عمل‬
‫بمقتضى القانون عدد ‪ 92‬الصادر في ‪ 29 10 2002‬والمتعلّق بتنقيح وإتمام مجلّة‬
‫اإلجراءات الجزائيّة لتدعيم صالحيات قاضي تنفيذ العقوبات‪.‬‬

‫سسة قاضي تنفيذ العقوبات‬ ‫أن مختلف التشريعات التي ّ‬


‫نظمت مؤ ّ‬ ‫والمالحظ في هذا اإلطار ّ‬

‫‪146‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫االول ‪ /‬إالّ‬
‫سجن وخارجه ‪/‬المبحث ّ‬
‫سلطات الها ّمة داخل ال ّ‬
‫قد اعترفت لهذا الجهاز بمجموعة من ال ّ‬
‫أنّها في المقابل قد قيّدت هذه الصالحيات بجملة من الحدود ‪/‬المبحث الثاني‪./‬‬

‫األول ‪ :‬دور قاضي التّنفيذ في تفريد العقوبة‬


‫المبحث ّ‬

‫لم يعد المجرم كما في الماضي عبارة على »تمثال« يضع القاضي على ظهره رقم فصل‬
‫سجان عليه رقم الغرفة التي أعدّها له‪ ،‬بل‬
‫القانون الجنائي المنطبق على الفعلة ‪ ،‬ثم يضع ال ّ‬
‫أصبح إنسانا قبل ك ّل شيء تراعى شخصيّته في تقدير العقوبة مثلما تراعى جسامة الفعلة التي‬
‫ارتكبها ‪ ،‬كما تراعى هذه الشخصيّة عند تنفيذ العقوبة‪ ،‬وذلك لغرض تأهيله وإعادة إدماجه في‬
‫للحرية االهتمام‬
‫ّ‬ ‫حضيرة المجتمع‪ 34‬فال ب ّد من إيالء شخصيّة الجاني المحكوم عليه بعقوبة سالبة‬
‫الالّزم تحقيقا لتفريد فعلي للعقوبة في مرحلة التنفيذ ‪ ،‬إذ من خاللها يت ّم الوصول إلى تقدير درجة‬
‫استعداده لإلصالح ومدى رغبته في االندماج من جديد داخل المجتمع‪.‬‬

‫أن »العدالة الجنائيّة ال يمكن أن تحقّق اليوم‬


‫وفي هذا اإلطار يقول "‪ّ "R. Charles‬‬
‫النّجاعة المطلوبة بدون معرفة شخصيّة الجاني ومحيطه اإلجتماعي«‪.35‬‬

‫فاإلحاطة بشخصيّة الجاني بقدر ما تكون ها ّمة في مرحلة النّطق بالعقوبة ‪ ،‬بقدر ما تحت ّل‬
‫مكانة متميّزة في مرحلة التّنفيذ ‪ ،‬إذ على ضوء ما تتطلّبه شخصيّة المحكوم عليه من عناية ‪،‬‬
‫يضبط قاضي التّنفيذ طريقة معاملته والبرنامج األنجع إلصالحه‪.‬‬

‫والمشرع التّونسي قد م ّهد لتأهيل المحكوم عليه بتكريسه صلب الفصل ‪ 54‬من م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪147‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ملف الشخصيّة الذي يعدّه حاكم التّحقيق بهدف مساعدة قضاة األصل في تحديد العقوبة في‬
‫ّ‬ ‫لفكرة‬
‫يتعرض‬
‫ّ‬ ‫أن قانون ‪ 31‬جويلية ‪ 2000‬لم‬ ‫صورة ثبوت اإلدانة باعتبار شخصيّة الجاني‪ ،...‬إالّ ّ‬
‫بصفة صريحة لضرورة إحاطة قاضي تنفيذ العقوبات بشخصيّة المحكوم عليه ‪ ،‬ويمكن استنتاج‬
‫ذلك بصفة ضمنيّة من خالل ما ورد بالفصل ‪ 342‬ثالثا من م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬فقرة ‪ 3‬حيث جاء فيه‬
‫»ويتولّى قاضي تنفيذ العقوبات مقابلة المساجين ّ‬
‫الراغبين في ذلك أو من يرغب في سماعهم‬
‫خاص«‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بمكتب‬

‫فإن قاضي التّنفيذ يمثّل أحد أفراد الجهاز القضائي ‪ ،‬لذلك ّ‬


‫فإن تد ّخله‬ ‫ومهما يكن من أمر ّ‬
‫سجني ليس قانونيا‬ ‫أثناء مرحلة التّنفيذ يكتسي أساسا بعدا إنسانيا واجتماعيّا ‪ّ ،‬‬
‫ألن »المشكل ال ّ‬
‫فحسب وإنّما أيضا إجتماعيّا وإنسانيّا«‪.36‬‬

‫وفي هذا اإلطار حرصت المؤتمرات الدّوليّة على تحديد سلطات قاضي التّنفيذ سواء داخل‬
‫سسة العقابية أو خارجها والّتي ترمي أساسا إلى إضفاء ّ‬
‫الطابع اإلنساني أو ما يس ّمى »أنسة‬ ‫المؤ ّ‬
‫العقوبة وتفريدها«‪.‬‬

‫سجون في مؤتمرها الذي عقد سنة ‪ّ 1931‬‬


‫أن‬ ‫قررت الجمعية الفرنسيّة العا ّمة لل ّ‬ ‫ولذلك فقد ّ‬
‫وإن ك ّل إجراء يتعلّق بهذا التّنفيذ يتعيّن أن‬
‫سلط القضائيّة ‪ّ ،‬‬ ‫»العقوبات يجب أن تنفّذ تحت رقابة ال ّ‬
‫يتّخذ بناء على قرار قضائي«‪.‬‬

‫فعمل قاضي التّنفيذ يجب أن ال ينقلب إلى القيام باجراءات شكليّة ومكتبيّة بل الب ّد من أن‬
‫يكون منتجا في الواقع ‪ ،‬وهنا تكمن خصوصيّة وحساسيّة مها ّمه وهو ما نالحظه من خالل قانون‬
‫سلطات والمهام لقاضي تنفيذ العقوبات ‪،‬‬
‫األول‪ /‬الذي منح جملة من ال ّ‬
‫‪ 31‬جويلية ‪/ 2000‬الفرع ّ‬
‫إالّ أنّه ونظرا لحداثة هذه المؤ ّ‬
‫سسة في بالدنا فقد أظهرت بعض النّقائص التي وقع تالفيها من‬

‫‪148‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المؤرخ في ‪ 29 10 2002‬والمتعلّق بتنقيح وإتمام مجلّة‬


‫ّ‬ ‫خالل ّ‬
‫سن القانون عدد ‪92‬‬
‫اإلجراءات الجزائيّة لتدعيم صالحيات قاضي تنفيذ العقوبات ‪ ،‬وقد أعطى هذا القانون الجديد‬
‫صالحيات الها ّمة لقاضي التّنفيذ تدعيما ألنسنــة العقوبة وتفريدها في مرحلة التّنفيذ‬
‫جملة من ال ّ‬
‫‪/‬الفرع الثاني‪./‬‬

‫سلطات الموكولة لقاضي تنفيذ العقوبات‬


‫األول ‪ :‬المهام وال ّ‬
‫الفرع ّ‬

‫لقد اتّسعت صالحيات قاضي التّنفيذ في بعض التّشريعات إلى الح ّد الذي جعلت منه الجهاز‬
‫يقرر بمفرده العديد من االجراءات المتعلّقة بمتابعة المحكوم عليه من‬
‫األه ّم في مرحلة التّنفيذ‪ّ ،‬‬
‫سسة العقابيّة‪.‬‬
‫حيث تفريد الجزاء ومراقبة تطبيقه واإلشراف على سير المؤ ّ‬

‫ومن هنا تبرز خصوصيّة المهام الّتي يضطلع بها قاضي تنفيذ العقوبات والتي ينفرد بها‬
‫عن القضاء العادي‪ ،‬فإذا كان القاضي يجري ال محالة تفريدا سابقا عن مرحلة الجزاء‪ ،‬إالّ أنّه ال‬
‫الزمن إالّ الوقوف على جسامة األفعال والخطورة اإلجرامية‬
‫يستطيع في ذلك الحيز البسيط من ّ‬
‫للمتّهم‪ ،‬وال يمكنه بحال معرفة مدى تأثير الجزاء على الفرد‪ ،‬وال األسلوب المناسب لشخصيّته‪،‬‬
‫وهنا تبرز أه ّمية التّفريد التنفيذي الذي يمثّل في الحقيقة طريقا للوصول إلى اإلنسان بعيدا عن‬
‫النمطيّة والتقسيمات العملية اليسيرة‪.37‬‬

‫المشرع‬
‫ّ‬ ‫وفي هذا االطار وتدعيما للسياسة الجنائيّة الحديثة وتكريسا لحقوق اإلنسان‪ ،‬قام‬
‫التّونسي بإرساء مؤ ّ‬
‫سسة قاضي تنفيذ العقوبات بمقتضى قانون ‪ 31‬جويلية ‪ ،2000‬وكان هذا‬
‫القانون رياديا في تدعيم التّفريد التّنفيذي وأنسنة العقوبات ‪ ،‬ويبرز ذلك من خالل جملة المها ّم‬

‫‪149‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫خوله لها من سلطات ها ّمة ‪/‬الفقرة‬


‫سسة ‪/‬الفقرة األولى‪ /‬وكذلك ما ّ‬
‫المشرع لهذه المؤ ّ‬
‫ّ‬ ‫التي أوكلها‬
‫الثانية‪./‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬المها ّم الموكولة لقاضي تنفيذ العقوبات‬


‫ّ‬
‫إن المعاملة العقابية الحديثة تفترض استقصاء ظروف المحكوم عليه وتحديد برنامج تنفيذ‬
‫أن العملين من نوع واحد ‪ ،‬فالتّفريد القضائي‬
‫التّدبير على النّحو المتماهي معها‪ ،‬ويعني ذلك ّ‬
‫ألن هدفهما واحد وهو تحقيق التّأهيل ‪ .‬فقاضي التنفيذ هو الجهاز‬
‫والتّفريد التّنفيذي شيء واحد ّ‬
‫الكفيل بدراسة حالة وظروف المحكوم عليه في مختلف جوانبها القانونيّة والشخصيّة‬
‫واإلجتماعيّة‪ ،‬وهو الّذي يحدّد قدراته البدنيّة والذهنيّة والثقافية‪ ،‬وعلى أساس ذلك يحاول وضع‬
‫موازنة بين حالة المحكوم عليه وقدراته من جهة‪ ،‬وهدف إعادة إدماجه في المجتمع من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬

‫ولبلوغ هذا المقصد يتحتّم اختيار طريقة في تنفيذ العقاب تكون متماشية مع شخصيّة ك ّل‬
‫المشرع التّونسي لقاضي‬
‫ّ‬ ‫محكوم عليه بحيث يقع مواجهتها بصورة منفردة ‪ ،‬وبناء عليه فقد أوكل‬
‫التعرف‬ ‫التّنفيذ مه ّمة مراقبة المحكوم عليهم ومالحظة سلوكهم أثناء التّنفيذ ّ‬
‫‪/‬أوال‪ /‬م ّما يمكنه من » ّ‬
‫سجين اإلنسان في محاولة‬‫صة اإلقتراب من ال ّ‬ ‫سجن وخا ّ‬
‫واإلطالع على ظروف عيشهم داخل ال ّ‬ ‫ّ‬
‫للتعرف على شخصيّته ومدى قابليّتها واستعدادها للتقويم والتّهذيب«‪ ،38‬باإلضافة إلى ذلك ّ‬
‫فإن‬ ‫ّ‬
‫سجناء ‪/‬ثانيا‪ /‬وكذلك مها ّم متّصلة بعالقته باإلدارة‬
‫قاضي التّنفيذ يقوم بمهام مرتبطة بعالقته مع ال ّ‬
‫السجنيّة ‪/‬ثالثا‪ ،/‬وكل ذلك تحقيقا للتّفريد التّنفيذي وتحقيقا ألنسنة العقوبات ‪.‬‬

‫ّأوال ‪ -‬مه ّمـــة المراقبــة‬


‫إن مه ّمة قاضي التنفيذ هي أشبه بمه ّمة الطبيب الذي يش ّخص حالة المريض الماثل أمامه‬
‫ّ‬
‫للوصول إلى تحديد العالج المناسب للحالة‪ ،‬وبذلك نلمس التقارب الكبير بين دور قاضي التّنفيذ‬

‫‪150‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ومه ّمة ّ‬
‫الطبيب المعالج‪ ،‬هذه المقاربة توضّح بجالء امتداد التّفريد إلى مرحلة تنفيذ العقوبة‪.39‬‬

‫ومن ّ‬
‫الطبيعي أن يفرز ذلك البحث في ال ّ‬
‫شخصيّة حالة مختلفة ومتنافرة أحيانا تقتضي من‬
‫يوزع مجهوداته وأن ينسق تد ّخالته ‪ ،‬بأن يو ّجهها نحو الشدّة أحيانا ونحو اللّين‬
‫قاضي التّنفيذ أن ّ‬
‫أحيانا أخرى حسبما تقتضيه شخصيّة ذلك المحكوم عليه بالذّات ومدى قابليّتها لإلصالح‬
‫والتّهذيب‪ ،‬فمه ّمة المراقبة التي يقوم بها قاضي التّنفيذ هي ذات طابع خصوصي‪ ،‬فهي ال تهدف‬
‫إلى التأ ّكد ّ‬
‫أن التّنفيذ يجري وفقا لما يقتضيه القانون وال تنصب على مدّة ال ّ‬
‫سجن‪ ،‬بل هي على‬
‫خالف ذلك تضمن توفير تفريد تنفيذي للعقوبات‪.‬‬

‫فقاضي التّنفيذ يعمل جاهدا على إخراج المحكوم عليه من المجموعة التي وضع معها‬
‫ليقترب منه كفرد مميّز ومستق ّل‪ ،‬وذلك بواسطة التّحاور معه في محاولة لفهم شخصيّته وتقدير‬
‫مدى مالئمة المعاملة التي تطبّق عليه بالذّات‪ ،‬وهو ما يساعده أن يكون عضوا صالحا في‬
‫سجن مدرسة لتعليم اإلجرام لتح ّل‬ ‫المجتمع‪ ،‬ويت ّم القضاء ولو بنسبة معيّنة على الفكرة القائلة ّ‬
‫بأن ال ّ‬
‫محلّها فكرة »ال ّ‬
‫سجن مدرسة لإلصالح والتّهذيب وتقويم ال ّ‬
‫سلوك«‪.‬‬

‫وتتنوع طريقة أدائه لمه ّمته باختالف‬


‫ّ‬ ‫وقارة وإنّما تختلف‬
‫ّ‬ ‫فمه ّمة قاضي التّنفيذ ليست ثابتة‬
‫صنف المحكوم عليهم‪ ،‬ذلك ّ‬
‫أن تفريد تنفيذ العقوبة يفترض أن يقع توزيع المساجين أوال حسب‬
‫سسة السجنيّة الواحدة‪ ،‬وهو ما‬
‫سسة سجنية‪ ،‬ث ّم إعادة ترتيب المساجين داخل المؤ ّ‬ ‫صنف ك ّل مؤ ّ‬
‫يعبّر عنه بالتّصنيف ‪ ،‬ويقع هذا التصنيف وفق معايير تحدّدها التّراتيب‪.‬‬

‫نص الفصل ‪ 3‬من القانون عدد ‪ 52‬لسنة ‪2001‬‬ ‫ففي ما يتعلّق بالتّشريع التونسي ‪ ،‬فقد ّ‬
‫سجون أنّه »تنقسم ال ّ‬
‫سجون إلى ثالثة أصناف ‪:‬‬ ‫المؤرخ في ‪ 14 5 2001‬والمتعلّق بنظام ال ّ‬
‫ّ‬
‫‪ -‬سجون اإليقاف وتأوي األشخاص الموقوفين تحفظيا‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫للحرية أو بعقوبة أش ّد ‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪ -‬سجون التنفيذ وتأوي األشخاص المحكوم عليهم بعقوبات سالبة‬
‫سجون شبه المفتوحة وتأوي األشخاص المحكوم عليهم من أجل الجنح والمؤ ّهلين في‬
‫‪ -‬ال ّ‬
‫العمل الفالحي‪.‬‬

‫نص الفصل السادس من نفس القانون »يقع تصنيف المساجين‬


‫ّ‬ ‫باإلضافة إلى ذلك فقد‬
‫ّ‬
‫والسن ونوع الجريمة والحالة الجزائيّة بحسب ما إذا كانوا‬ ‫بمجرد إيداعهم على أساس الجنس‬
‫ّ‬
‫مبتدئين أو عائدين«‪.‬‬

‫ومن خالل ذلك نالحظ ّ‬


‫أن تصنيف المساجين وتوزيعهم يراعى فيه األمور التالية ‪:‬‬
‫سسة تستقبل الجنسين‬ ‫‪ -‬يسجن النّساء في أماكن منفصلة عن ّ‬
‫الرجال‪ ،‬وفي حالة وجود مؤ ّ‬
‫لهن منفصلة كلّيا بصورة تمنع االختالط بينهما ‪.‬‬ ‫يتحتّم أن تكون األماكن المخ ّ‬
‫صصة ّ‬
‫ّ‬
‫تحفظيا ‪.‬‬ ‫‪ -‬يوضع المحكوم عليهم من المسجونين في أماكن مختلفة عن الموقوفين‬
‫‪ -‬يراعى في تصنيف المساجين نوع الجرائم التي ارتكبوها بحيث تراعى مدى جسامة‬
‫الجريمة المرتكبة ومدى خطورة الجاني اإلجرامية‪ ،‬لكي ال يختلط المجرم المحترف والعائد مع‬
‫صدفة والقليل الخطورة‪.‬‬
‫المجرم بال ّ‬
‫‪ -‬يفصل األطفال عن البالغين بصورة تمنع اختالطهم‪.‬‬

‫وهذه المعايير تساعد إلى ح ّد ما على حسن تطبيق البرامج العالجيّة وتسهيل عمليّة‬
‫التّأهيل‪ ،‬وهو ما يكسي معايير التّصنيف طابعا إنسانيا ويساعد على تفريد العقوبة‪ ،‬على أنّه كان‬
‫من الممكن األخذ بالتصنيف الذي يفصل بين المحكوم عليهم لمدّة طويلة والمحكوم عليهم لمدّة‬
‫قصيرة ‪ ،‬كما أنّه من الممكن مراعاة عامل شخصيّة المحكوم عليه في التّصنيف كما هو ال ّ‬
‫شأن‬
‫بالنسبة للقانون الفرنسي‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ومن هذا المنطلق فهل يلعب قاضي تنفيذ العقوبات في تشريعنا دورا في التّصنيف ؟‬

‫المؤرخ في ‪ 31‬جويلية‬
‫ّ‬ ‫سسة قاضي تنفيذ العقوبات‬ ‫ّ‬
‫المنظم لمؤ ّ‬ ‫بالرجوع إلى القانون‬
‫ّ‬
‫‪ 2000‬نالحظ أنّه ال دخل لقاضي التّنفيذ في تصنيف المساجين وترتيبهم داخل الوحدات‬
‫السجنية‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن له دور مراقبة تطبيق ذلك‪ ،‬إذ من الممكن أن يالحظ قاضي التنفيذ وأثناء مراقبته‬
‫لظروف تنفيذ العقوبة وجود شخص محكوم عليه من أجل ارتكاب جريمة إصدار شيك بدون‬
‫سجن مع سجين آخر محكوم عليه من أجل ارتكابه لجريمة قتل نفس‬
‫رصيد مودع بنفس غرفة ال ّ‬
‫بشريّة عمدا‪ ،‬وفي هذه الحالة فقد م ّكن التّشريع التّونسي للمحكوم عليه أيضا إمكانية رفع األمر‬
‫لقاضي التّنفيذ والذي عليه أن يبدي مالحظاته إلدارة ال ّ‬
‫سجن وعند اإلقتضاء أن يرفع تقريرا‬
‫مضار االختالط بين المحكوم عليهم وإيجاد‬
‫ّ‬ ‫لوزير العدل وحقوق اإلنسان‪ ،‬والغاية من ذلك تفادي‬
‫سجين تحقيقا للتّفريد التّنفيذي‪.‬‬
‫المعاملة األنسب لل ّ‬

‫وهذا الخيار للتّشريع التونسي يتقارب مع الخيار الفرنسي‪ ،‬ذلك أنّه رغم وجود مؤ ّ‬
‫سسة‬
‫سسة التي يجرى‬ ‫قاضي تطبيق العقوبات الفرنسي إالّ ّ‬
‫أن اإلدارة العقابية لها وحدها اختيار المؤ ّ‬
‫أن التّشريع الفرنسي قد بدى أكثر دقّة من التّشريع التّونسي بأن أضاف‬
‫فيها تنفيذ العقوبة‪ ،‬على ّ‬
‫»معيار شخصيّة المحكوم عليه« وذلك بالفصل ‪ 718‬م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬ف‪ .‬وهو ما يكسي معايير التّصنيف‬
‫طابعا إنسانيّا‪ ،‬تفريديـــا وينـزع عنها طابع العموميّة والتجريد ويساعد قاضي تطبيــق العقوبـــات‬
‫على تفريد المعاملة السجنيّة التي ترتكز على معرفة دقيقة بشخصيّة المحكوم عليه‪.40‬‬

‫أ ّما في التّشريع اإليطالي ّ‬


‫فإن قاضي الحكم أو قاضي اإلشراف يلعب دورا ها ّما في إمكانية‬
‫سسة التّنفيذ بالنسبة‬ ‫سسة التنفيذيّة‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن هذا الدّور ينحصر أساسا في تعيين مؤ ّ‬ ‫تحديد المؤ ّ‬
‫للمجرمين المحترفين والمحكوم عليهم بعقوبة مخفّفة أو بسبب علّة نفسية أو بُكم أو تعاطي‬
‫ص ّم‪.‬‬
‫المخدّرات أو ُ‬

‫‪153‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أن تنفيذ الجزاء يجب أن يهدف إلى تهذيب المحكوم عليه كلّما كان‬
‫وما يمكن استنتاجه هو ّ‬
‫ذلك ممكنا ‪ ،‬بواسطة تفريد التّنفيذ عن طريق األخذ بأسلوب معاملة مميّز يراعى فيه شخصيّة ك ّل‬
‫مسجون ودرجة الخطورة اإلجرامية لديه‪ ،‬وذلك بهدف إعادة البناء اإلجتماعي ومحاولة تشغيل‬
‫المحكوم عليه وتعليمه ‪ ،‬وبالتّالي إعادة إدماجه في حضيرة المجتمع وسلوك ّ‬
‫الطريق السليم‪.‬‬

‫ّ‬
‫وإن دور القاضي في المراقبة له األثر اإليجابي على تنفيذ العقاب‪» ،‬فالتصاق قاضي تنفيذ‬
‫سجين واطالعه علي مشاغله وفهم ّ‬
‫الظروف النفسية واإلجتماعيّة وغيرها لدى هذا‬ ‫العقوبات بال ّ‬
‫سعي إليجاد الحلول لها‪ ،‬أو تنبيه المشرفين على اإلدارة السجنية‪ ،‬يجعل بذلك حاالت‬
‫األخير ‪ ،‬وال ّ‬
‫سجن وحاالت االنتحار أو اإلضراب عن ّ‬
‫الطعام وما‬ ‫عدم االندماج في المجتمع بعد الخروج من ال ّ‬
‫التصرفات التي يلجأ إليها المساجين للتّعبير ع ّما يختلج داخلهم تضمح ّل شيئا‬
‫ّ‬ ‫إلى ذلك من‬
‫فشيئا«‪.41‬‬

‫ويكون بذلك قاضي التّنفيذ الدّعم المعنوي للمحكوم عليه الذي يلوذ له ويشتكيه همومه‬
‫حراسا مكلّفين بضبط‬ ‫ّ‬
‫موظفي اإلدارة العقابيّة‪ ،‬والذين ال يمكنه أن يرى فيهم سوى ّ‬ ‫بعيدا عن‬
‫سجن الحقيقي بالنسبة للمحكوم عليه‬
‫إن الس ّجان هو ال ّ‬ ‫النّظام والحفاظ على األمن داخل ال ّ‬
‫سجن‪ ،‬بل ّ‬
‫سؤال المطروح‬
‫‪Le surveillant est l'image même de la prison .‬وال ّ‬
‫ي قاضي يمكن له أن يقوم بدور قاضي تنفيذ العقوبات ؟‬ ‫يتمثّل في هل ّ‬
‫أن أ ّ‬

‫جاء بالفصل ‪ 342‬خامسا من القانون عدد ‪ 77‬لسنة ‪» 2000‬يقوم بوظيفة قاضي تنفيذ‬
‫ويعوض في صورة غيابه أو تعذّر‬
‫ّ‬ ‫الرتبة الثّانية‬
‫العقوبات لدى المحكمة اإلبتدائيّة قاضي من ّ‬
‫مباشرته لوظائفه بأحد قضاة المحكمة يعيّنه رئيسها‪«.‬‬

‫‪154‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المشرع التّونسي‬
‫ّ‬ ‫ومن خالل الفصل المذكور تبرز أه ّمية وظيفة قاضي التّنفيذ ‪ ،‬ذلك ّ‬
‫أن‬
‫الرتبة الثانية يملك من الخبرة عشر سنوات على األق ّل‪ ،‬ألنّها مه ّمة‬ ‫ّ‬
‫الخطة لقاض من ّ‬ ‫أسند هذه‬
‫ح ّساسة ومتميّزة عن مهام بقيّة القضاة‪.‬‬

‫فقاضي التّنفيذ دوره فعّال ألنسنة أسلوب المعاملة وتفريد العقوبة‪ ،‬فهو يأخذ بعين االعتبار‬
‫حالة المحكوم عليه في مختلف جوانبها القانونيّة والشخصيّة واالجتماعيّة ‪ ،‬ويحدّد قدراته البدنيّة‬
‫صة وأنّه يعتبر بمثابة ال ّ‬
‫سند المعنوي لمئات‬ ‫والذهنيّة والثقافية ‪ ،‬فمه ّمته إذن صعبة ودقيقة خا ّ‬
‫متفرغ لهذا الغرض فقط بل ّ‬
‫إن هذه الوظيفة تمارس إلى جانب‬ ‫ّ‬ ‫المساجين ‪ ،‬كما أنّه قاضي غير‬
‫سجون‬ ‫وظائفه القضائ ْيّة وهو ما قد يطرح إشكاال تطبيقيّا بالنّسبة للعناية بال ّ‬
‫سجناء في بعض ال ّ‬
‫الكبرى‪.‬‬
‫صعيد العملي قد يصعب على قاضي التّنفيذ تحقيق األهداف المرجوة دون‬
‫كما أنّه وعلى ال ّ‬
‫أن تتوفّر لديه هياكل مساعدة وإطارات فنّية مخت ّ‬
‫صة كاألطبّاء وعلماء النّفس والمرشدين‬
‫اإلجتماعيين‪ ،‬وذلك بغاية الكشف عن شخصيّة المحكوم عليه ودرجة الخطورة اإلجرامية لديه‬
‫ومدى إمكانيات التّأهيل المتوفّرة في جانبه‪.‬‬

‫ففي فرنسا مثال يت ّم الكشف عن شخصيّة المحكوم عليه بتوجيهه إلى المركز الوطني‬
‫للتّوجيه ‪ ،‬والذي يعرف بمركز ‪ Fresnes‬وفيه يخضع المحكوم عليه للمالحظة الطبيّة‬
‫سجين‬
‫على ال ّ‬ ‫واالجتماعيّة والنفسيّة لفترة تدوم ثالثة أشهر‪ ،‬كما يجري المركز المذكور‬
‫فحوصات عديدة مثل فحص جسدي عام‪ ،‬وفحص نفسي وكذلك فحوصات في علم النّفس التّقني‬
‫صص لإلرشاد حول التو ّجه المهني المناسب للمسجون من حيث إمكانياته ومؤ ّهالته‬
‫والمخ ّ‬
‫صة‪.‬‬
‫الخا ّ‬
‫وباإلضافة إلى مه ّمة المراقبة‪ّ ،‬‬
‫فإن قاضي التنفيذ يضطلع بمهام أخرى‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سجنــاء ‪:‬‬
‫ثانيا ‪ -‬مهـا ّم في خصـوص عالقتـه بال ّ‬
‫المشرع التونسي صلب قانون ‪ 31‬جويلية ‪ 2000‬المتعلّق بإرساء قاضي تنفيذ‬ ‫ّ‬ ‫نص‬
‫ّ‬ ‫لقد‬
‫سجن ‪/‬أ‪/‬‬‫العقوبات على جملة هذه المها ّم الموكولة بعهدة قاضي التّنفيذ وهي تتمثّل في زيارة ال ّ‬
‫ومقابلة المساجين ‪/‬ب‪./‬‬

‫سجن ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬مه ّمة زيارة ال ّ‬
‫يعمل قاضي تنفيذ العقوبات من خالل تد ّخله أثناء مرحلة تنفيذ العقوبة على تكوين إنسان‬
‫سلوك الحسن والكسب الحالل‪ ،‬باعتبار‬
‫جديد ينبذ طريق اإلجرام واإلنحراف ‪ ،‬ويسعى نحو ال ّ‬
‫المشرع‬
‫ّ‬ ‫للحرية الفردية ولتحقيق ذلك م ّكنه‬
‫ّ‬ ‫قاضي التّنفيذ يمثّل ركيزة لل ّ‬
‫سلم االجتماعي وحاميا‬
‫التّونسي من مه ّمة زيارة ال ّ‬
‫سجن‪.‬‬

‫المؤرخ في ‪ 31‬جويلية ‪ 2000‬والمتعلّق بإرساء‬


‫ّ‬ ‫نص القانون عـ‪77‬ـدد لسنة ‪2000‬‬
‫إذ ّ‬
‫سسة قاضي تنفيذ العقوبات بالفصل ‪ 342‬ثالثا ‪:‬‬
‫مؤ ّ‬

‫ّ‬
‫لإلطالع على أوضاع‬ ‫مرة في ال ّ‬
‫شهرين على األق ّل‬ ‫سجن ّ‬
‫»يزور قاضي تنفيذ العقوبات ال ّ‬
‫المساجين«‪.‬‬

‫المشرع التونسي أوجب على قاضي التنفيذ زيارة‬


‫ّ‬ ‫النص ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫والمالحظ من خالل هذا‬
‫سجن‪ ،‬ونستنتج هذا الواجب‬ ‫ّ‬
‫لإلطالع على أوضاع المساجين عن قرب واكتشاف واقع ال ّ‬ ‫سجن‬
‫ال ّ‬
‫مجرد اإلمكانية من خالل صيغة المضارع التي وردت بالفصل المذكور في كلمة‬
‫ّ‬ ‫وليس‬
‫»يزور«‪.‬‬

‫وهذه ّ‬
‫الزيارة الميدانية تعتبر ناجعة وها ّمة ألنّها تساعد قاضي التنفيذ على المراقبة‬

‫‪156‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سجين ‪ ،‬وقدراته الذهنية والبدنية والثقافية ومدى تأقلمه مع المحيط‬


‫والمالحظة الدقيقة لشخصيّة ال ّ‬
‫الذي يعيش بداخله‪.‬‬

‫وهذه المالحظة تجعل من قاضي التّنفيذ يحقّق غاية المراقبة وإمكانية ضمان حقوق‬
‫سجين وتفريد تنفيذ العقوبة ‪ ،‬ألنّه عن طريق الزيارة التي يقوم بها يمكن له الوقوف على الحالة‬
‫ال ّ‬
‫سجن لواجباتها تجاه المحكوم عليه ومدى احترامها‬
‫سجن ومالحظة مدى احترام إدارة ال ّ‬
‫الداخليّة لل ّ‬
‫للنّصوص والتّراتيب القانونيّة المنظمة للوحدات السجنيّة ‪ ،‬وعلى أساس تلك المالحظات يمكنه‬
‫التّفكير في القرارات التي سيتّخذها لتحقيق األهداف المرجوة‪.‬‬

‫سجن قد عملت به معظم القوانين المقارنة من ذلك التّشريع اإليطالي حيث‬


‫وواجب زيارة ال ّ‬
‫صت المادّة السادسة من الالّئحة العقابية الصادرة في ‪ 18‬جوان ‪ 1931‬على زيارة القاضي‬
‫ن ّ‬
‫المشرف على التّنفيذ للمؤ ّ‬
‫سسات العقابية إلى جانب زيارة النّيابة العموميّة باعتبارها سلطة‬
‫إشراف‪.‬‬

‫سجن ويتّضح ذلك من خالل الفصلين‬


‫ولم يحد القانون الفرنسي عن العمل بواجب زيارة ال ّ‬
‫‪ 727‬م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬ف‪ .‬و‪ D176‬م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬ف‪.42.‬‬

‫الزيارة ال يخضع للتّرخيص المسبّق من‬


‫حق ّ‬‫أن قاضي التّنفيذ عند ممارسة ّ‬
‫والمالحظ ّ‬
‫سجون واإلصالح ‪ ،‬مثلما كان يقتضي ذلك الفصل ‪ 55‬من‬
‫طرف وزير الداخلية أو المدير العام لل ّ‬
‫الخاص‬
‫ّ‬ ‫المؤرخ في ‪ 4‬نوفمبر ‪ 1988‬والمتعلّق بالنـظام‬
‫ّ‬ ‫األمر عدد ‪ 1876‬لسنة ‪1988‬‬
‫المؤرخ في ‪ 14‬ماي ‪،2001‬‬
‫ّ‬ ‫سجون‪ ،‬والذي ت ّم إلغاؤه بمقتضى القانون عدد ‪ 2‬لسنة ‪2001‬‬‫بال ّ‬
‫ّ‬
‫اإلطالع على أوضاع المساجين‬ ‫ألن‬ ‫أن هذه ّ‬
‫الزيارة غير مرتبطة بوقت محدّد أو بيوم معيّن‪ّ ،‬‬ ‫كما ّ‬
‫يقتضي أن تت ّم الزيارة في ك ّل األوقات وكامل أيام األسبوع دون قيد أو شرط‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وهو ما أ ّكده القانون المذكور بالفصل ‪ 30‬والذي جاء فيه ‪:‬‬


‫سجن إالّ بترخيص من الوزير المكلّف بال ّ‬
‫سجون واإلصالح‬ ‫ي شخص زيارة ال ّ‬
‫»ال يمكن أل ّ‬
‫المخول لهم ذلك‬
‫ّ‬ ‫أو من اإلدارة المكلّفة بال ّ‬
‫سجون واإلصالح باستثناء والي الجهة والقضاة‬
‫قانونا«‪.‬‬

‫ي‬ ‫ّ‬
‫الحق في إصطحاب أ ّ‬ ‫سجن بمفرده دون أن يكون له‬ ‫فإن قاضي التّنفيذ يزور ال ّ‬
‫وبالتالي ّ‬
‫شخص معه بعنوان مساعد أو كاتب مثال‪ ،‬على أنّه ولئن كان قاضي التّنفيذ معفى من الترخيص‬
‫سسات‬ ‫ّ‬
‫المنظمة للعمل داخل المؤ ّ‬ ‫سجن إالّ أنّه يجب أن يتقيّد بالتّراتيب والقوانين‬
‫المسبّق لزيارة ال ّ‬
‫سجن‪.‬‬
‫الجوال داخل ال ّ‬
‫العقابية ‪ ،‬فمثال ال يمكن له استعمال الهاتف ّ‬
‫سجن ّ‬
‫فإن قاضي التنفيذ يقوم بمه ّمة مقابلة المساجين داخل‬ ‫وباإلضافة إلى زيارة ال ّ‬
‫الوحدات السجنيّة أو خارجها‪.‬‬

‫ب ‪ -‬مقابلة المساجين ‪:‬‬


‫ّ‬
‫إن حرص قاضي تنفيذ العقوبات على تفريد العقاب قصد الوصول إلى معرفة شخصيّة‬
‫سجن‪ ،‬مقابلة المساجين واالستماع‬
‫المحكوم عليه وإمكانية إصالحه يستوجب إلى جانب زيارة ال ّ‬
‫إليهم‪.‬‬

‫المشرع التونسي قاضي التّنفيذ من خالل الفصل ‪ 342‬ثالثا فقرة ثالثة من‬
‫ّ‬ ‫لذلك فقد م ّكن‬
‫الراغبين في ذلك أو من يرغب هو في مقابلتهم مباشرة حيث جاء به‬
‫صالحية مقابلة المساجين ّ‬
‫»ويتولّى قاضي تنفيذ العقوبات مقابلة المساجين ّ‬
‫الراغبين في ذلك أو من يرغب في سماعهم‬
‫خاص«‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بمكتب‬

‫‪158‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ‬
‫واطالعه‬ ‫وبالتالي ّ‬
‫فإن هذه المقابلة الغاية منها تدعيم مراقبة القاضي لظروف تنفيذ العقوبة‬
‫عن قرب على أوضاع المساجين‪ ،‬كما تم ّكنه من اإللمام بمشاغلهم سواء داخل ال ّ‬
‫سجن وذلك‬
‫سجن‬
‫سسات العقابية‪ ،‬أو خارج ال ّ‬ ‫ّ‬
‫باإلطالع على المعاملة التي يلقونها من قبل المشرفين على المؤ ّ‬
‫وذلك بمعرفة عالقتهم بأسرهم ومحيطهم اإلجتماعي‪.‬‬

‫ومن خالل ذلك تتوفّر لقاضي التّنفيذ معطيات كافية حول الوضع الحقيقي والفعلي‬
‫للمحكوم عليهم من حيث الجانب الص ّحي والنفسي وإمكانية رجوعهم للجادّة والتحلّي بال ّ‬
‫سلوك‬
‫المخولة له قانونا لتفعيل دوره اإلصالحي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫القويم‪ ،‬إذ ذلك يساعده على اتّخاذ التّدابير‬

‫أن مقابلة قاضي التّنفيذ للمحكوم عليهم يمكن أن تكون إ ّما برغبة من القاضي أو‬
‫والمالحظ ّ‬
‫سجين‪.‬‬
‫بطلب من ال ّ‬

‫المشرع التّونسي لم يحدّد المعايير‬


‫ّ‬ ‫ففي ما يتعلّق بالمقابلة التي أساسها رغبة القاضي‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫التي يمكن على أساسها لقاضي التّنفيذ أن يطلب مقابلة المساجين‪ ،‬ولم يذكر إن كان هؤالء من‬
‫العائدين أو المسجونين المبتدئين وال من حيث مدّةالعقاب أو نوعية الجريمة‪ ،‬على ّ‬
‫أن المه ّم أن‬
‫الظروف‬ ‫سجن ومقابلة المساجين ومحاولته معرفة ّ‬ ‫يقوم القاضي بدور إيجابي من خالل زيارته لل ّ‬
‫التي يعيشونها ومدى تحقيق البرامج التأهيلية ونجاعتها على المحكوم عليهم‪.‬‬

‫فإن التّراتيب والقوانين داخل الوحدات السجنيّةتفرض على القاضي أن‬


‫ومهما يكن من أمر ّ‬
‫سجن قبل ‪ 48‬ساعة‬
‫يحرر قائمة إسمية للمساجين الذي يرغب في مقابلتهم ويو ّجهها إلى إدارة ال ّ‬
‫ّ‬
‫على األق ّل من موعد الزيارة‪ ،43‬وهذا اإلعالم يعتبر ها ّما حتى تتم ّكن اإلدارة السجنية من إعداد‬
‫ملفّات ال ّ‬
‫سجناء المطلوب مقابلتهم والحرص على إبقائهم في وحداتهم السجنيّة إذ قد يت ّم نقلتهم إلى‬
‫سجن آخر أو يكون اليوم المحدّد للمقابلة مصادف ليوم زيارة أو جلسة بالمحكمة‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سسة‬ ‫ّ‬
‫المنظم لمؤ ّ‬ ‫أ ّما بالنّسبة للمقابلة التي أساسها طلب ال ّ‬
‫سجين‪ ،‬فلم تحدّد أحكام القانون‬
‫سجين في اإلتّصال بقاضي التّنفيذ مما يبقي ك ّل الوسائل المتاحة‬
‫قاضي التنفيذ كيفية تبليغ رغبة ال ّ‬
‫مقبولة‪.‬‬
‫ويمكن بالتالي للمحكوم عليه أن يطلب مقابلة قاضي التنفيذ عن طريق مكتب العمل‬
‫سجن‪ ،‬ويتولّى ممثّل المكتب تضمين اسم ال ّ‬
‫سجين ولقبه بالدّفتر المع ّد لذلك مع‬ ‫اإلجتماعي في ال ّ‬
‫سجين ذلك عن‬
‫وضع بصمة المحكوم عليه بالطرة وكذلك تاريخ تقديم الطلب‪،‬و كما يمكن لل ّ‬
‫سجن إليصالها إلى قاضي التّنفيذ أو طلب‬
‫طريق تقديم رسالة في ظرف مفتوح إلى إدارة ال ّ‬
‫المقابلة كذلك بواسطة عائلته‪.‬‬

‫وتبقى أه ّمية هذه المقابلة تكمن في االتّصال ال ّ‬


‫شخصي الذي يحصل بين قاضي تنفيذ‬
‫خاص يوضع على ذ ّمة القاضي ‪ ،‬وذلك حتى يتسنّى له‬
‫ّ‬ ‫العقوبات والسجين والتي تت ّم عادة بمكتب‬
‫معرفة شخصيّة المحكوم عليه والتثبّت من مدى انسجامه مع البرنامج اإلصالحي الخاضع له في‬
‫سجون‪.‬‬ ‫ّ‬
‫المنظم لل ّ‬ ‫الوحدة السجنيّة ومدى تطابق ظروف تنفيذ العقوبة وتفريدها مع القانون‬

‫ثالثا ‪ -‬مهام في خصوص عالقته مع اإلدارة السجنيّة‬


‫أوكل قانون ‪ 31‬جويلية ‪ 2000‬لقاضي تنفيذ العقوبات جملة من المها ّم التي تدخل في‬
‫سجن‪ ،‬وهي مهام يمكن حصرها في تلقّي قاضي تنفيذ العقوبات لتقرير‬ ‫إطار عالقته بإدارة ال ّ‬
‫ّ‬
‫االطالع على القرارات التأديبيّة ‪/‬ب‪ /‬وكذلك مه ّمة إعالم‬ ‫سجن ‪/‬أ‪ /‬باإلضافة إلى مه ّمة‬
‫طبيب ال ّ‬
‫قاضي األسرة بأوضاع أطفال السجينات ‪/‬ج‪./‬‬

‫سجن ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬تقرير طبيب ال ّ‬
‫سسة السجنية إعالم قاضي تنفيذ العقوبات كتابيا‬
‫المشرع التونسي على طبيب المؤ ّ‬
‫ّ‬ ‫أوجب‬
‫بالحاالت الخطرة التي تطرأ على الحالة الص ّحية لبعض المحكوم عليهم ‪ ،‬كما أوجب في نفس‬

‫‪160‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سجن أن يو ّجه لقاضي تنفيذ العقوبات تقريرا سنويا يتعلّق بالنّشاط‬


‫اإلطار على مدير ال ّ‬
‫االجتماعي‪.‬‬

‫شف ذلك من خالل الفصل ‪ 342‬رابعا من قانون ‪ 31‬جويلية ‪ 2000‬والمتعلّق‬


‫ويست ّ‬
‫بإرساء قاضي تنفيذ العقوبات الذي جاء فيه ‪:‬‬
‫سجن قاضي تنفيذ العقوبات كتابيا بالحاالت الخطرة التي يعانيها وتحيل إليه‬
‫»يعلم طبيب ال ّ‬
‫سجن تقريرا سنويا في نشاطها اإلجتماعي«‪.‬‬
‫إدارة ال ّ‬

‫سجن تتمثّل في‬


‫أن الجدوى من إجبارية تلقّي قاضي التنفيذ لتقرير طبيب ال ّ‬
‫والمالحظ ّ‬
‫سجين النفسيّة والجسديّة وذلك بحمايته وحماية بقيّة السجناء من‬
‫الحرص على مواكبة ص ّحة ال ّ‬
‫األمراض والعدوى ‪ ،‬بشكل يجعله قادرا على العودة إلى حضيرة المجتمع بدون مخلفات سلبيّة ‪،‬‬
‫وهي مسألة تستند إلى ضمان تحقيق أهداف السياسة العقابية وتحقيق التّفريد التنفيذي وضمان‬
‫سجين‪.‬‬
‫حقوق ال ّ‬

‫المؤرخ في ‪14‬‬
‫ّ‬ ‫األول من القانون عدد ‪ 52‬لسنة ‪2001‬‬
‫وتدعيما لذلك فقد جاء بالفصل ّ‬
‫سجون أنّه ‪:‬‬ ‫ّ‬
‫والمتعلق بنظام ال ّ‬ ‫ماي ‪2001‬‬
‫والرعاية‬
‫ّ‬ ‫بالرعاية الص ّحية والنفسيّة وبالتّكوين والتعليم‬ ‫»يتمتّع ال ّ‬
‫سجين على هذا األساس ّ‬
‫الروابط العائليّة«‪.‬‬
‫االجتماعيّة مع العمل على الحفاظ على ّ‬

‫المشرع التونسي بهدف ضمان حقوق‬


‫ّ‬ ‫وترتيبا على ذلك يتّضح التم ّ‬
‫شي الذي سار عليه‬
‫سجين هو جزء من العناية بحقوقه‬
‫للحرية ‪ ،‬فالعناية بص ّحة ال ّ‬
‫ّ‬ ‫سالبة‬
‫اإلنسان أثناء تنفيذ العقوبة ال ّ‬
‫الحق في أن تصان كرامته‪ّ ،‬‬
‫فاطالع قاضي التنفيذ على التقارير الطبّية واإلجتماعيّة‬ ‫ّ‬ ‫كإنسان له‬
‫سجن وفهم وضعيّته ‪ ،‬وبالتالي اتّخاذ‬ ‫فيه إحاطة بجميع ّ‬
‫الظروف الحياتية للمحكوم عليه داخل ال ّ‬

‫‪161‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سراح الشرطي‪.‬‬
‫صة إمكانية منح ال ّ‬
‫القرار المناسب بشأنه وخا ّ‬
‫المشرع التونسي لقاضي تنفيذ‬
‫ّ‬ ‫خول‬ ‫وإلى جانب اإل ّ‬
‫طالع على التّقارير الطبّية واالجتماعية ّ‬
‫ّ‬
‫اإلطالع على دفتر التأديب لما له من فائدة في تفعيل دور المراقبة‪.‬‬ ‫العقوبات ّ‬
‫حق‬

‫ب‪ّ -‬‬
‫اإلطالع على القرارات التأديبيّة ‪:‬‬
‫سجن يخضعه ألنظمته التي تتميّز من حيث طبيعتها بنوع‬ ‫ّ‬
‫إن وجود المحكوم عليه في ال ّ‬
‫من الشدّة‪ ،‬ودقّة التّطبيق حتى يستتبّ النّظام واألمن داخل المؤ ّ‬
‫سسة العقابيّةويعتاد المساجين على‬
‫الحياة النظاميّة الجادّة‪ ،‬ولكن هذا ال يمنع المساجين من ارتكاب الكثير من المخالفات مثل تبادل‬
‫العنف فيما بينهم‪ ،‬أو تعاطي مواد مخدّرة‪ ،‬م ّما يستدعي مؤاخذتهم عن تلك األفعال التي تهدّد‬
‫سسة‪.‬‬
‫المقرر ضمن الئحة هذه المؤ ّ‬
‫ّ‬ ‫سجن طبقا للنّظام‬
‫استتباب األمن داخل ال ّ‬

‫المؤرخ في ‪ 14‬ماي ‪2001‬‬


‫ّ‬ ‫ينص الفصل ‪ 22‬من القانون عدد ‪52‬‬
‫ّ‬ ‫وفي هذا اإلطار‬
‫سجين الذي يخ ّل بأحد الواجبات المبيّنة بالفصل ‪ 20‬من‬
‫يتعرض ال ّ‬ ‫والمتعلّق بنظام ال ّ‬
‫سجون ‪ّ » :‬‬
‫سجن أو يخ ّل باألمن به إلى إحدى العقوبات التأديبيّة التالية ‪:‬‬
‫يمس بحسن سير ال ّ‬
‫ّ‬ ‫هذا القانون أو‬
‫ّ‬
‫والطرود لمدّة معيّنة على أالّ تتجاوز خمسة عشر يوما‪.‬‬ ‫‪ -1‬الحرمان من تلقّي المؤونة‬
‫‪ -2‬الحرمان من زيارة ذويه له لمدّة معيّنة على أالّ تتجاوز خمسة عشر يوما ‪.‬‬
‫‪ -3‬الحرمان من تلقّي أدوات الكتابة والنشريات لمدّة معيّنة على أالّ تتجاوز خمسة عشر‬
‫يوما‪.‬‬
‫‪ -4‬الحرمان من ال ّ‬
‫شغل‬
‫‪ -5‬الحرمان من المكافأة‬
‫‪ -6‬الحرمان من اقتناء المواد من مغازة التّزويد بال ّ‬
‫سجن لمدّة ال تتجاوز سبعة أيام‪.‬‬
‫‪ -7‬اإليداع بغرفة انفراديّة تتوفّر فيها المرافق الص ّحية وذلك لمدّة أقصاها عشر أيّام ‪ ،‬بعد‬
‫سجن ‪ ،‬ويكون خاللها تحت رقابة ّ‬
‫الطبيب الذي يمكن له طلب مراجعة هذا‬ ‫أخذ رأي طبيب ال ّ‬

‫‪162‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سجين المخالف‬
‫سجن االكتفاء بتوجيه إنذار أو توبيخ لل ّ‬
‫اإلجراء ألسباب ص ّحية‪ ،‬ويمكن لمدير ال ّ‬
‫للرجوع إلى لجنة التّأديب‪.‬‬
‫دون حاجة ّ‬
‫سجين«‪.‬‬
‫ويح ّجر تسليط غير ما ذكر من العقوبات على ال ّ‬

‫ّ‬
‫الحق في العلم‬ ‫سجين عند مساءلته تأديبيا منحه القانون‬
‫وإلعطاء الضّمانات الكافية لل ّ‬
‫ّ‬
‫الحق في االعتراض على اإلجراء‬ ‫ّ‬
‫والحق في الدّفاع عن نفسه ‪ ،‬وكذلك‬ ‫بالمخالفة المنسوبة إليه‬
‫سجون واإلصالح‪.‬‬
‫التأديبي لدى اإلدارة العا ّمة لل ّ‬

‫سسة قاضي تنفيذ العقوبات بالفصل ‪ 342‬ثالثا قاضي التّنفيذ‬


‫المكرس لمؤ ّ‬
‫ّ‬ ‫وإن م ّكن القانون‬
‫الخاص بالتّأديب ‪ ،‬فذلك حتى ّ‬
‫يخول له مراقبة مدى احترام‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلطالع على الدّفتر‬ ‫من إمكانية‬
‫اإلدارة السجنيّة لإلجراءات القانونيّة ‪ ،‬كالتثبّت من تركيبة لجنة التأديب ‪ ،‬ومطابقة العقوبة‬
‫التأديبيّة للقائمة الحصرية المذكورة بالفصل ‪ 22‬أعاله‪ ،‬ومدى احترام حقوق الدّفاع في خصوص‬
‫الملف ور ّد التّهمة المنسوبة إليه ‪ ،‬بما يراه مناسبا من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلطالع على‬ ‫سجين المحال من‬‫تمكين ال ّ‬
‫دفوعات وأدلّة‪.44‬‬

‫ّ‬
‫اإلطالع على دفتر التأديب قاضي التنفيذ من مراقبة مدى احترام اآلجال‬ ‫كما يم ّكن‬
‫سجين المعاقب‪.‬‬ ‫صة بالنّسبة لعقوبة اإليداع بغرفة انفراديّة مع مدى متابعة ّ‬
‫الطبيب لل ّ‬ ‫الخا ّ‬

‫ومن ناحية أخرى يتسنّى لقاضي التنفيذ من خالل اإلطالع على دفتر التأديب معرفة سلوك‬
‫المساجين وفهم شخصيّتهم ‪ ،‬ويمكنه معرفة المساجين الذين نجحوا في تقويم سلوكهم وإرجاعهم‬
‫إلى الجادة‪ ،‬ومن لم يحقّق ذلك‪ ،‬وهو ما يساعده على اتّخاذ القرار المناسب في شأنهم سواء‬
‫سلب أو باإليجاب‪.‬‬
‫بال ّ‬

‫‪163‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الخاص بالتأديب« الواردة ضمن الفصل‬


‫ّ‬ ‫أن عبارة »وله أن ّ‬
‫يطلع على الدّفتر‬ ‫والمالحظ ّ‬
‫الخاص‬
‫ّ‬ ‫المشرع التونسي قد منح إمكانية اإلطالع على الدفتر‬
‫ّ‬ ‫‪ 342‬ثالثا من م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬يفهم منها ّ‬
‫أن‬
‫بالتأديب لقاضي التنفيذ‪ ،‬وهذا األمر يكون اختياريا منه وليس بأمر واجب ‪ ،‬فإن لجأ هذا األخير‬
‫ّ‬
‫محق أيضا‪ ،‬كما يعني ذلك ّ‬
‫أن القرارات التأديبيّة‬ ‫ّ‬
‫محق وإن عزف عن ذلك فهو‬ ‫ّ‬
‫وأطلع عليه فهو‬
‫تبقى من اختصاص اإلدارة السجنيّة دون سواها‪.‬‬

‫الخاص بالتأديب ال يعيب القرار‬


‫ّ‬ ‫وإن عدم ّ‬
‫إطالع قاضي تنفيذ العقوبات على الدّفتر‬ ‫ّ‬
‫المشرع الفرنسي من خالل الفصل ‪D 249‬‬
‫ّ‬ ‫كرسه‬
‫التأديبي وال يبطله ‪ ،‬وهو نفس الموقف الذي ّ‬
‫سجناء يه ّم النّظام الدّاخلي لل ّ‬
‫سجن وهو يكتسي بعدا إداريّا ال دخل‬ ‫م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬ف‪ّ .‬‬
‫ألن مجال تأديب ال ّ‬
‫للقضاء فيه‪.‬‬

‫بينما يختلف األمر في بعض األنظمة القضائيّة األخرى أين يتمتّع قاضي التّنفيذ بدور‬
‫إيجابي‪ ،‬ففي بولونيا مثال ال يجوز توقيع أش ّد العقوبات وهو العزلة من شهر إلى ستّة أشهر‪ ،‬إالّ‬
‫تختص محكمة تطبيق العقوبة بتوقيع‬
‫ّ‬ ‫بموافقة القاضي العقابي‪ ،‬وكذلك ال ّ‬
‫شأن في ألمانيا حيث‬
‫سجين في العزلة‬
‫سجن أن يضع ال ّ‬
‫عقوبة العزل اإلنفرادي ‪ ،‬وأ ّما في الجزائر فيمكن لمدير ال ّ‬
‫االنفرادية على أن يخبر بذلك قاضي تطبيق األحكام الجزائيّة الذي له تغيير اإلجراء أو تأييده‪.‬‬

‫وبما ّ‬
‫أن معظم السياسات العقابية الحديثة قد وضعت في صدارة اهتماماتها هدف إصالح‬
‫سسة السجنيّة ‪ ،‬فإنّه يمكن في بعض‬
‫سجين‪ ،‬وتقويم سلوكه ‪ ،‬من خالل تفريد معاملته داخل المؤ ّ‬
‫ال ّ‬
‫سماح لقاضي تنفيذ العقوبات بإلغاء‬ ‫غض النّظر عن معاقبة ال ّ‬
‫سجين المخالف ‪ ،‬أو ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحاالت‬
‫عقاب تأديبي ال يستحقّه ال ّ‬
‫سجين إذا ما اقتضت ضرورات اإلصالح ذلك‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك ّ‬
‫فإن قاضي تنفيذ العقوبات يقوم بإعالم قاضي األسرة بأوضاع أطفال‬
‫السجينات‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ج ‪ -‬إعالم قاضي األسرة بأوضاع أطفال السجينات ‪:‬‬


‫اقتضى الفصل التّاسع من قانون ‪ 14‬ماي ‪ 2001‬أنّه »يت ّم قبول األطفال المصاحبين‬
‫سن الثالثة من عمرهم‪ ،‬ويخضع لنفس النّظام‬
‫سجن إلى ّ‬ ‫ّ‬
‫إيداعهن بال ّ‬ ‫سجينات عند‬
‫أل ّمهاتهم ال ّ‬
‫سجن«‪.‬‬
‫األطفال المولودين خالل قضاء أ ّمهاتهم لعقوبة ال ّ‬

‫يتّضح من خالل هذا الفصل أنّه بخالف العديد من البلدان التي ال تتيح لل ّ‬
‫سجينات اإلقامة‬
‫سجن‬ ‫ّ‬
‫إيداعهن ال ّ‬ ‫سسة السجنية‪ّ ،‬‬
‫فإن القانون التونسي يجيز لأل ّمهات عند‬ ‫ّ‬
‫أطفالهن داخل المؤ ّ‬ ‫مع‬
‫االحتفاظ باألبناء إلى بلوغ الثالثة من عمرهم‪ ،‬وتخضع لنفس االجراءات السجينات الالّتي تضعن‬
‫المشرع إستغنى عما كان منصوص عليه‬
‫ّ‬ ‫صدد ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬
‫حبسهن ‪ ،‬ونالحظ في هذا ال ّ‬ ‫ّ‬
‫حملهن أثناء‬
‫بالفصل التّاسع من أمر ‪ 4‬نوفمبر ‪ 1988‬في خصوص إمكانية طلب تمديد المدّة التي يمكن أن‬
‫سسة السجنيّة ‪ ،‬حيث جاء بالفصل المذكور »‪ ....‬ويمكن‬ ‫يبقى بها ّ‬
‫الطفل مع والدته داخل المؤ ّ‬
‫سجون واإلصالح«‪ .‬وهذا التجديد جاء‬ ‫بطلب من األ ّم تمديد المدّة بعد موافقة اإلدارة العا ّمة لل ّ‬
‫ي اعتبار‪ ،‬والتي‬
‫الطفل التي تجعل من مصلحة الطفل فوق أ ّ‬ ‫انسجاما مع مقتضيات مجلّة حماية ّ‬
‫أن هذا ّ‬
‫الطفل يعتبر طفال مهدّدا إذا عجز األبوين أو من يسهر على‬ ‫اعتبرت في فصلها العشرين ّ‬
‫والتشرد«‪.45‬‬
‫ّ‬ ‫تعرض ّ‬
‫الطفل لإلهمال‬ ‫رعاية ّ‬
‫الطفل عن اإلحاطة والتربية‪ ،‬أو كذلك في صورة » ّ‬

‫سسة السجنية‪،‬‬ ‫يتعرض لهما ّ‬


‫الطفل طوال مدّة تواجده بالمؤ ّ‬ ‫ّ‬ ‫وهاتان الصورتان يمكن أن‬
‫الرعاية والعناية ‪ ،‬كما ّ‬
‫أن تواجد الطفل لمدّة‬ ‫باعتبار ّ‬
‫أن وضعيّة والدته تحول دون قيامها بواجب ّ‬
‫تفوق الثالث سنوات يحجب عنه إمكانية التّواصل مع المحيط الخارجي أين تنمو إمكانياته الذهنية‬
‫والبدنية‪.‬‬

‫لمشرع صلب قانون ‪ 14‬ماي ‪ ، 2001‬أنّه يت ّم وجوبا تسليم‬


‫لهذه األسباب فقد اقتضى ا ّ‬

‫‪165‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سن الثالثة لوالده أولشخص تختاره األم‪ ،‬وعند التعذّر تتولّى إدارة ال ّ‬
‫سجن إعالم‬ ‫ّ‬
‫الطفل عند بلوغه ّ‬
‫المختص ترابيا لإلذن باإلجراء المناسب‬
‫ّ‬ ‫قاضي تنفيذ العقوبات الذي يعهد بذلك قاضي األسرة‬
‫تجاه الطفل‪.‬‬

‫سسات رعاية‬ ‫صدد لقاضي األسرة أن يأذن بتسليم ّ‬


‫الطفل إلى إحدى مؤ ّ‬ ‫ويمكن في هذا ال ّ‬
‫سجن صلب الفصل التاسع من‬
‫مخولة إلدارة ال ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الطفولة إذا رأى بدا من ذلك‪ ،‬وهي إمكانية كانت‬
‫أمر ‪ ،1988‬وعلى هذا األساس ّ‬
‫فإن إعالم قاضي تنفيذ العقوبات بوضعية أبناء السجينات الذين‬
‫سجن‪ ،‬وإعالم قاضي التنفيذ لزميله قاضي األسرة‬
‫يمرون بمثل هذه المشاكل من قبل إدارة ال ّ‬
‫ّ‬
‫المشرع في مجال حقوق ّ‬
‫الطفل التي‬ ‫ّ‬ ‫سجينات ليتّخذ ما يراه صالحا‪ ،‬يحقّق إرادة‬
‫بوضعيّة أبناء ال ّ‬
‫الحرة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ترمي إلى المحافظة على أجيال الغد وتمكينهم من ظروف العيش‬

‫سلطات الموكولة لقاضي تنفيذ العقوبات‬


‫الفقرة الثانية ‪ :‬ال ّ‬
‫سجين من خالل تفريد‬
‫تطور الهدف من العقوبة وتو ّجهها أساسا نحو إصالح ال ّ‬
‫ّ‬ ‫بحكم‬
‫تنفيذها‪ ،‬أصبح من الضّروري تد ّخل القضاء أثناء مرحلة التنفيذ ‪ ،‬وقد وقع تدعيم هذا التد ّخل‬
‫سجين ويكتشف مواطن‬ ‫بإحداث جهاز قاضي التنفيذ الذي بعد أن يهت ّم بدراسة معالم شخصيّة ال ّ‬
‫الخلل فيها‪ ،‬يكون من اليسير عليه إقتراح أو اتّخاذ القرارات المناسبة التي تعدل من أسلوب تنفيذ‬
‫للحرية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫العقوبة السالبة‬

‫المشرع التونسي صلب قانون ‪ 31‬جويلية ‪ 2000‬لقاضي تنفيذ العقوبات‬


‫ّ‬ ‫لذلك فقد منح‬
‫سسة السجنيّة‬ ‫سلطات تتعلّق باألساس بتنظيم الوضعيّة اإلجتماعيّة لل ّ‬
‫سجين داخل المؤ ّ‬ ‫جملة من ال ّ‬
‫سجين بالعالم الخارجي ‪/‬ثانيا‪./‬‬
‫‪ّ /‬أوال‪ /‬وكذلك بعالقة ال ّ‬

‫سجين‬
‫ّأوال ‪ :‬سلطاته بخصوص الوضعيّة اإلجتماعيّة لل ّ‬

‫‪166‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سياسة العقابية الحديثة‬


‫سجين تعتبر تكريسا لثوابت ال ّ‬ ‫ّ‬
‫إن العناية بالوضعيّة اإلجتماعيّة لل ّ‬
‫القائمة على تفريد العقوبة وأنسنتها ‪ ،‬وذلك من خالل تأهيل المحكوم عليه وإعداده فكريا‬
‫وتصرفاته‪.46‬‬
‫ّ‬ ‫واجتماعيا‪ ،‬دون القطع مع العالم الخارجي المؤثّر على عقلية ال ّ‬
‫سجين‬

‫الرعاية اإلجتماعيّة‬
‫سجون وتحديدا في باب ّ‬ ‫ّ‬
‫المنظم لل ّ‬ ‫لذلك فقد ورد بقانون ‪14‬ماي ‪2001‬‬
‫سجين ورعايته أثناء إقامته‬ ‫سجين ضمن الفصول ‪ 37‬وما بعده‪ّ ،‬‬
‫أن العقوبة تهدف إلى تأهيل ال ّ‬ ‫لل ّ‬
‫سجن‪ ،‬وتعديل اتّجاهاته وميوالته االنحرافية‪ ،‬واستثمار طاقاته الفكريّة والبدنيّة‪ ،‬بإعداده للحياة‬
‫بال ّ‬
‫الحرة ومساعدته على التعلّم بالنسبة لأل ّميين ‪ ،‬وتهذيب سلوكه وإعداده مهنيا‪ ،‬وتعويده على‬
‫ّ‬
‫صلة بين‬ ‫التّعاون مع الغير ومتابعة حالته بعد اإلفراج عنه‪ ،‬هذا باإلضافة إلى ال ّ‬
‫سهر على ربط ال ّ‬
‫سجين وعائلته ‪ ،‬ومساعدتهم على ح ّل مشاكلهم حفاظا على ّ‬
‫الروابط اإلجتماعيّة واألسريّة ‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫سجن تخصيص مكتب يس ّمى ‪» :‬مكتب اإلرشاد‬
‫المشرع على إدارة ال ّ‬
‫ّ‬ ‫ولتحقيق هذا الهدف أوجب‬
‫سجين‪.‬‬
‫بالرعاية اإلجتماعية لل ّ‬
‫اإلجتماعي« يهت ّم ّ‬

‫المشرع لقاضي تنفيذ العقوبات‬


‫ّ‬ ‫الرعاية االجتماعيّة وتجسيدها واقعيا‪ ،‬أعطى‬
‫ولتدعيم مبدأ ّ‬
‫ساهر على حسن تنفيذ العقاب‪ ،‬وبالنّظر إلى ما يمكن أن يتح ّ‬
‫صل عليه من معلومات‬ ‫باعتباره ال ّ‬
‫سجين‪ ،‬سلطة تكليف اإلدارة السجنيّة بالقيام ببعض األعمال التي يرى من خاللها‬
‫عند مقابلة ال ّ‬
‫سعي إلى ح ّل البعض‬
‫سجين تجعله يقضي عقوبته دون ضغوطات نفسيّة‪ ،‬من ذلك ال ّ‬
‫راحة نفسيّة لل ّ‬
‫من المشاكل التي يمكن أن تعرض األبناء في دراستهم‪ ،‬أو عالقة ّ‬
‫الزوجة باألبناء أو في حياتها‬
‫اليوميّة‪.‬‬

‫أن هذا العمل الذي تقوم به اإلدارة السجنيّة يمثّل ركيزة أساسيّة لتحقيق السلم‬
‫والمالحظ ّ‬
‫سجين في حظيرة المجتمع والح ّد من خطورته اإلجراميّة‪ ،‬وفي‬
‫االجتماعي ‪ ،‬وتسهيل اندماج ال ّ‬
‫المشرع التونسي صلب الفقرة األولى من الفصل ‪ 342‬رابعا من قانون ‪31‬‬
‫ّ‬ ‫نص‬
‫ّ‬ ‫هذا اإلطار‬

‫‪167‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سجن تحيل لقاضي تنفيذ العقوبات تقريرا سنويّا في نشاطها‬ ‫جويلية ‪ 2000‬على ّ‬
‫أن »إدارة ال ّ‬
‫اإلجتماعي«‪.‬‬

‫سجين‪ ،‬وميوالته ويجعله‬ ‫ّ‬


‫وإن تمكين قاضي التنفيذ من التقرير يس ّهل على فهم شخصيّة ال ّ‬
‫التطورات التي‬
‫ّ‬ ‫صر مدى ارتداعه ورجوعه للجادّة‪ ،‬كما يجعله يواكب‬
‫يقدر عن دراسة وتب ّ‬
‫المشرع أن يجعل التّقارير‬
‫ّ‬ ‫سجناء ‪ .‬وربّما كان على‬
‫تحصل على الوضعيات اإلجتماعيّةوالعائليّة لل ّ‬
‫مرتين أو أكثر في السنة أو حتى بصفة شهرية‪ ،‬كي يتم ّكن قاضي التنفيذ من مطالبة اإلدارة‬
‫ّ‬
‫الرعاية اإلجتماعية قبل فوات أوان اتّخاذ مثل تلك‬
‫السجنيّة القيام باألعمال التي تقتضيها ّ‬
‫القرارات‪.‬‬

‫ومثل هذه التّقارير تعتبر ها ّمة لقاضي تنفيذ العقوبات ولل ّ‬


‫سجين أيضا‪ ،‬إذ على ضوئها‬
‫يمكن لقاضي التّنفيذ أن يتّخذ قرارات إيجابيّة تجاه المحكوم عليه مثل تمكينه من رخصة الخروج‪.‬‬

‫سجين بالعالم الخارجي ‪:‬‬


‫ثانيا ‪ -‬سلطاته بخصوص عالقة ال ّ‬
‫سجن‬
‫المشرع التونسي قاضي تنفيذ العقوبات من مه ّمة إسناد تراخيص الخروج من ال ّ‬
‫ّ‬ ‫م ّكن‬
‫للمحكوم عليهم‪ ،‬لما يلعبه هذا التنظيم من دور فعّال في تهذيب سلوك المساجين ‪ ،‬وكذلك ألنّه‬
‫صلة بين المحكوم عليه ومحيطه الخارجي أي المجتمع عا ّمة والعائلة‬
‫يعتبر أداة تساهم في حفظ ال ّ‬
‫صة‪.‬‬
‫خا ّ‬

‫سسة السجنيّةزمنا معيّنا يقع‬


‫وتخول تراخيص الخروج للمحكوم عليه التغيّب عن المؤ ّ‬
‫ّ‬
‫المشرع التونسي تراخيص الخروج بالفصل ‪ 342‬ثالثا‬
‫ّ‬ ‫احتسابه ضمن مدّة العقوبة ‪ ،‬وقد ّ‬
‫نظم‬
‫فقرة خامسة م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬الذي جاء فيه ما يلي ‪:‬‬
‫سسة‬
‫»ينظر قاضي تنفيذ العقوبات في منح المحكوم عليه تراخيص الخروج من المؤ ّ‬

‫‪168‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫السجنيّة وله أن يمنح هذه التّراخيص لزيارة ّ‬


‫الزوج أو أحد األصول أو الفروع عند المرض‬
‫ال ّ‬
‫شديد أو لحضور موكب جنازة أحد األقارب اآلتي ذكرهم ‪:‬‬
‫‪ّ -‬‬
‫الزوج أو أحد األصول أو الفروع‬
‫‪ -‬اإلخوة أو األعمام أو األخوال أو األصهار من الدّرجة األولى‬
‫ي الشرعي‪.‬‬
‫‪ -‬الول ّ‬
‫‪ -‬تنفيذ التّراخيص وفق التراتيب المعمول بها‪.‬‬
‫وتسند تراخيص الخروج بالنسبة للموقوفين تحفضّيا من قبل القاضي المتع ّهد بالقضيّة«‪.‬‬

‫ويتّضح من خالل هذا النّص ّ‬


‫أن منح تراخيص الخروج موكول لالختصاص المطلق‬
‫لقاضي تنفيذ العقوبات ماعدى حالة الموقوفين تحفّضيا ‪ ،‬وقرار منح الخروج يعتبر تدبيرا‬
‫استثنائيا ال يلتجأ إليه إالّ عند الضّرورة كما يفترض تحديده في ّ‬
‫الزمن‪.‬‬
‫المشرع حاالت التّراخيص بالخروج بصفة حصرية وتتمثّل في حاالت‬
‫ّ‬ ‫لذلك فقد أورد‬
‫النص األشخاص الذين‬
‫ّ‬ ‫المرض ال ّ‬
‫شديد وحضور موكب جنازة‪ ،‬ففي الحالة األولى فقد حدّد‬
‫ير ّخص بزيارتهم دون غيرهم من األفراد وهم ّ‬
‫الزوج أو أحد األصول أو الفروع‪ ،‬والمرض‬
‫الشديد يمكن أن نعتبره المرض الذي يتوقّع معه الموت‪.‬‬

‫المشرع التونسي كذلك قد حدّد‬


‫ّ‬ ‫أ ّما الحالة الثانية والمتعلّقة بحضور موكب الجنازة ّ‬
‫فإن‬
‫سجين على موكب دفنهم‪ ،‬وهي قائمة ال تختلف‬
‫قائمة األشخاص الذين من الممكن أن يحضر ال ّ‬
‫عن قائمة األقارب المذكورين بالفصل ‪ 78‬من أمر ‪ 4‬نوفمبر والمعدّدين بالفصل ‪ 48‬منه‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة أنّه يحمل على قاضي تنفيذ العقوبات عند أخذ قرار منح التّرخيص‬
‫بالخروج واجب الحيطة والحذر‪ ،‬ويعني ذلك أنّه يجب عليه أن يدرس مطالب التّصاريح بالخروج‬
‫حالة بحالة‪ ،‬بحسب نوع الجريمة وظروف الخروج مع أخذ الجانب األمني بعين اإلعتبار من‬

‫‪169‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سجين وتواجد المعتدى عليه بالمنطقة المر ّخص بزيارتها‪.‬‬


‫حيث المحيط وصعوبة مراس ال ّ‬
‫سسة السجنيّة يجب تنفيذه وفق التراتيب‬ ‫إلى جانب ذلك ّ‬
‫فإن قرار منح الخروج من المؤ ّ‬
‫أن التّرخيص ال يشمل إالّ الوالية الموجود بها ال ّ‬
‫سجين أو والية‬ ‫الجاري بها العمل ‪ ،‬ويعني ذلك ّ‬
‫مجاورة ‪ ،‬ويكون المحكوم عليه أثناء مدّة التّرخيص مرفوقا بعونين من أعوان الحراسة في ز ّ‬
‫ي‬
‫مدني‪ ،‬وتتع ّهد عائلته بإحضار وسيلة النّقل الالّزمة إليصاله وإرجاعه إلى ال ّ‬
‫سجن بمعيّة مرافقيه‬
‫المشرع التونسي قد تأثّر في هذا المجال بالقانون الفرنسي‪47‬‬
‫ّ‬ ‫شك ّ‬
‫أن‬ ‫الرخصة‪ ،‬وال ّ‬
‫عند انتهاء ّ‬
‫على معنى الفصل ‪ 722‬م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬ف‪ .‬الذي ضبط أسباب منح التّراخيص بالخروج بصفة أشمل م ّما‬
‫هي عليه في قانوننا‪.‬‬
‫وتهدف تراخيص الخروج إلعداد المحكوم عليه لإلندماج مجدّدا صلب المجتمع في‬
‫منظومة مالئمة العقوبة وتفريدها مع شخصيّته ‪ ،‬كما يمكن اعتماد هذه التّراخيص كوسيلة‬
‫نمو المسؤوليّة‬
‫سجين‪ ،‬وذلك بتقدير درجة ّ‬‫الختبار مدى نجاح البرنامج اإلصالحي المطبق على ال ّ‬
‫سسة‬ ‫سلوك خارج المؤ ّ‬ ‫لديه‪ .‬ويتحقّق ذلك بتقييد تصريح الخروج بشروط ته ّم حسن ال ّ‬
‫سيرة وال ّ‬
‫السجنيّة كمنع المسجون من زيارة أماكن معيّنة أو لقاء بعض األشخاص‪.‬‬

‫المشرع التونسي رغم أنّه قد جعل من إمكانية تمتّع المحكوم عليه برخصة‬
‫ّ‬ ‫والمالحظ ّ‬
‫أن‬
‫خروج لمدّة معيّنة خاضعة الجتهاد قاضي التّنفيذ‪ ،‬إالّ أنّه اعتبر هذه الزيارات حقّا من حقوق‬
‫المؤرخ في ‪ 14‬ماي ‪ 2001‬المتعلّق بنظام‬
‫ّ‬ ‫المساجين طبق الفصل ‪ 18‬من القانون عدد ‪52‬‬
‫كرسه فإنّه لم‬ ‫ّ‬
‫الحق ليست مضمونة كما يجب‪ ،‬فالمشروع ولئن ّ‬ ‫سجون ‪ ،‬غير ّ‬
‫أن ممارسة هذا‬ ‫ال ّ‬
‫سجين بهذا الحق‪ .‬ولم‬
‫يتعرض لجزاء رفض تمتيع ال ّ‬
‫ّ‬ ‫يقر ضمانات ناجحة لممارسته ‪ ،‬فهو لم‬
‫يتض ّمن القانون المشارإليه إمكانية ّ‬
‫الطعن في قرار رفض منح رخصة الخروج‪ ،‬وهي ثغرة كبيرة‬
‫وأن هناك بعض التّضارب بين القانون المتعلّق بتنظيم ال ّ‬
‫سجون الذي‬ ‫صة ّ‬‫الب ّد من تالفيها‪ ،‬خا ّ‬
‫سجن لزيارة األقارب المرضى ولحضور موكب جنازة حقّا من حقوق‬ ‫جعل ّ‬
‫حق الخروج من ال ّ‬
‫والرأي‬
‫ّ‬ ‫سجين‪ ،‬وقانون ‪ 31‬جويلية ‪ 2000‬الذي ترك األمر خاضعا لتقدير القاضي‪،48‬‬
‫ال ّ‬

‫‪170‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫حق للمحكوم عليه‪ ،‬لكنّه ّ‬


‫حق ال يمنح‬ ‫أن التّرخيص بالخروج من المؤ ّ‬
‫سسة السجنيّة ّ‬ ‫األرجح هو ّ‬
‫حق معلّق على شرط‪ ،‬وفي صورة نشأته فهو‬
‫إالّ بعد موافقة قاضي تنفيذ العقوبات عليه‪ ،‬فهو إذن ّ‬
‫ّ‬
‫الحق‪.‬‬ ‫سجن بهذا‬ ‫يولد جملة من اآلثار أه ّمها أنّه يمكن لل ّ‬
‫سجين مواجهة إدارة ال ّ‬

‫باإلضافة إلى هذه المها ّم التي يقوم بها قاضي تنفيذ العقوبات فإنّه يقوم كذلك بمهام أخرى‬
‫مرتبطة بعالقته مع اإلدارة السجنيّة‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬الصالحيات الجديدة لقاضي تنفيذ العقوبات‬

‫إن تو ّجه التّشريع التونسي في السنوات األخيرة نحو تدعيم منظومة حقوق اإلنسان في‬
‫ّ‬
‫اتّجاه مزيد الضّمانات للمساجين‪ ،‬اقتضى تركيز مؤ ّ‬
‫سسة قاضي تنفيذ العقوبات ضمن التشريع‬
‫الجزائي في مرحلة أولى ث ّم تدعيمها في مرحلة ثانية‪.49‬‬

‫وتع ّد مؤ ّ‬
‫سسة قاضي تنفيذ العقوبات من أه ّم مكاسب الجهاز القضائي ‪ ،‬فقد جاءت لتطوير‬
‫مفهوم العدالة الجزائيّة بإعطاء وجود قانوني وفعلي لقضاء التنفيذ‪ ،‬وذلك وفقا لما نهجته أغلب‬
‫التشريعات المتقدّمة‪.‬‬

‫والغاية من منح القضاء اإلشراف على تنفيذ العقوبات بعد أن كان دوره يقف عند طور‬
‫المشرع في وضع سياسة جنائيّة حديثة مبنية على مواصلة القاضي‬
‫ّ‬ ‫إصدار األحكام ‪ ،‬يعود لرغبة‬
‫متابعة التنفيذ إلدراك التفريد في مرحلة تنفيذ الجزاء‪ ،‬وكذلك استبعاد فكرة اإلنتقام والعقاب ‪،‬‬
‫وتكريس فكرة المعالجة وتوفير حظوظ اإلصالح ‪ ،‬وإعادة االندماج في المجتمع حفاظا على‬
‫جميع عناصره وتدعيما لمبادئ التّكافل والتآزر والتّسامح ‪.‬‬
‫المؤرخ في‬
‫ّ‬ ‫سسة قاضي تنفيذ العقوبات ‪ ،‬أسند القانون عدد ‪ 92‬لسنة ‪2002‬‬
‫وتدعيما لمؤ ّ‬

‫‪171‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 29‬أكتوبر ‪ 2002‬والمتعلّق بتدعيم صالحيات قاضي التّنفيذ‪ ،‬صالحيات جديدة لها تدعم دورها‬
‫وتتمثّل بالخصوص في صالحية متابعة تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة ‪/‬الفقرة األولى‪/‬‬
‫سراح الشرطي ‪/‬الفقرة الثانية‪./‬‬
‫وكذلك صالحية منح ال ّ‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬صالحية متابعة تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة‬
‫ت ّم إرساء عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة بموجب القانون عدد ‪ 89‬لسنة ‪1999‬‬
‫المؤرخ في ‪ 2‬أوت ‪ 1999‬والمتعلّق بتنقيح وإتمام بعض أحكام المجلّة الجنائيّة‪ ،‬تمشيا مع‬
‫ّ‬
‫السياسة الجنائيّة الحديثة التي تهدف أساسا إلى الح ّد من ظاهرة اإلجرام‪ ،‬وتمكين المحكوم عليه‬
‫من فرصة أكبر لإلصالح والعودة إلى الجادة واإلندماج في المجتمع‪.‬‬

‫وقد ت ّم إدراج هذه العقوبة ضمن العقوبات األصلية الواردة بالفقرة »أ« من الفصل ‪ 5‬من‬
‫المجلّة الجنائيّة ‪ ،‬تطبيقا لمبدأ شرعيّة الجرائم والعقوبات ‪ ،‬وبذلك تصبح عقوبة العمل لفائدة‬
‫بنص قانوني‪ ،‬ويتسنّى للمحاكم اعتمادها وتطبيقها كعقوبة‬
‫ّ‬ ‫المقررة‬
‫ّ‬ ‫المصلحة العا ّمة من العقوبات‬
‫أصلية‪.50‬‬

‫المشرع صورة ثانية لعقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة‪ ،‬باعتبارها وسيلة‬
‫ّ‬ ‫كما أضاف‬
‫المشرع في مرحلة أولى‬
‫ّ‬ ‫الستخالص الخطيّة حسب مقتضيات الفصل ‪ 343‬م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬وقد أوكل‬
‫سجون تحت إشراف‬
‫سهر على تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة إلى إدارة ال ّ‬
‫مه ّمة ال ّ‬
‫النّيابة العموميّة‪ ،‬ث ّم جاء قانون ‪ 29‬أكتوبر ‪ 2002‬ونقل هذه ال ّ‬
‫صالحيات لقاضي تنفيذ العقوبات‬
‫حسب أحكام الفصل ‪ 336‬فقرة ‪ 2‬م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬‬

‫صالحيات الجديدة ‪ ،‬يتّجه إبراز دور‬


‫والستجالء أه ّمية التّجديد التّشريعي بخصوص هذه ال ّ‬
‫قاضي التّنفيذ من خالل األعمال المستلزمة لتأطير العقوبة البديلة ّ‬
‫‪/‬أوال‪ ، /‬ث ّم دراسة دوره من‬

‫‪172‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫خالل متابعة تنفيذ العقوبة البديلة ‪/‬ثانيا‪./‬‬

‫ّأوال ‪ -‬األعمال المستلزمة لتأطير العقوبة البديلة‬


‫نص القانون الجديد على هذه األعمال صراحة ويجب على قاضي تنفيذ العقوبات عند‬
‫لقد ّ‬
‫أن النّيابة العموميّة هي التي تضطلع بمه ّمة تنفيذ األحكام الجزائيّة‬
‫بالملف القيام بها‪ ،‬ذلك ّ‬
‫ّ‬ ‫تع ّهده‬
‫عمال بمقتضيات الفصلين ‪ 20‬و‪ 336‬م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬وعلى ذلك األساس ّ‬
‫فإن مه ّمة قاضي تنفيذ العقوبات‬
‫الملف‬
‫ّ‬ ‫تبدأ بعد وضع الحكم القاضي بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة موضع التّنفيذ ‪ ،‬وإحالة‬
‫عليه من طرف النّيابة العموميّة‪.‬‬

‫الملف لقاضي تنفيذ‬


‫ّ‬ ‫المشرع لم يحدّد أجال لتوجيه‬
‫ّ‬ ‫وما يمكن مالحظته في هذا اإلطار ّ‬
‫أن‬
‫العقوبات من طرف وكيل الجمهوريّة ‪ ،‬وترك ذلك األمر لحرص هذا األخير بصفته يسهر على‬
‫حسن تطبيق القانون الجنائي‪.‬‬

‫المشرع حدّد أجال متّسعا لتنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة وهو‬
‫ّ‬ ‫هذا مع العلم ّ‬
‫أن‬
‫ثمانية عشر شهرا بداية من تاريخ صدور الحكم عمال بمقتضيات الفصل ‪ 15‬ثالثا من المجلّة‬
‫المشرع‬
‫ّ‬ ‫الجنائيّة ‪ ،‬كما يتعيّن على قاضي تنفيذ العقوبات التثبّت من اختصاصه الترابي ذلك ّ‬
‫أن‬
‫مقر اإلقامة« كمقتضى مبدئي لعقد االختصاص التّرابي والهدف من ذلك هو الحرص‬
‫اعتمد » ّ‬
‫على بقاء المحكوم عليه ضمن محيطه األسري‪.‬‬

‫وعند تع ّهده يبادر قاضي تنفيذ العقوبات إلى إتمام عدّة أعمال حدّدها القانون ومن أه ّمها ‪:‬‬
‫‪ - 1‬العرض على الفحص الطبّي ‪:‬‬
‫أن قاضي تنفيذ العقوبات يتولّى عرض المحكوم عليه على‬
‫اقتضى الفصل ‪ 336‬فقرة ثالثة ّ‬
‫وبالرجوع للفصل المذكور‬
‫ّ‬ ‫مكرر من المجلّة الجنائيّة ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الفحص الطبّي وفق أحكام الفصل ‪18‬‬

‫‪173‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أن الغاية من عرض المحكوم عليه هي القيام بالعمل والتحقّق من سالمته من األمراض‬
‫يتّضح ّ‬
‫سجن دون سواه‪ .‬إالّ أنّه‬
‫المعدية‪ ،‬واشترط القانون أن يت ّم فحص المحكوم عليه من طرف طبيب ال ّ‬
‫ّ‬
‫الشك في وجود اختالل ذهني أو‬ ‫وفي بعض الحاالت التي تتيح ظروفها لقاضي تنفيذ العقوبات‬
‫مختص في األمراض‬
‫ّ‬ ‫اضطرابات نفسيّة لدى المحكوم عليه‪ .‬وفي صورة عدم وجود طبيب‬
‫فإن قاضي تنفيذ العقوبات يتولّى عرض المحكوم عليه على‬
‫سسة السجنية ‪ّ ،‬‬
‫العقلية والنفسيّة بالمؤ ّ‬
‫صائي بواسطة تسخير طبّي تحمل نفقته على وزارة العدل وحقوق اإلنسان‪ ،‬اقتداء بما يت ّم‬
‫أخ ّ‬
‫العمل به في إطار العمل القضائي وكذلك في مراحل البحث من طرف قاضي التحقيق أو‬
‫مأموري الضابطة العدلية‪.‬‬

‫وقد يثور التّساؤل عندما يظهر بعد الفحص الطبّي ّ‬


‫أن المحكوم عليه مصاب بأمراض‬
‫معدية أو أنّه غير قادر بدنيا أو ذهنيا على العمل ؟‬

‫ينص على ما‬


‫ّ‬ ‫إن الجواب عن هذا التّساؤل نجده صلب الفصل ‪ 336‬فقرة ‪ 5‬م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬الذي‬
‫ّ‬
‫يلي ‪» :‬يمكن لقاضي تنفيذ العقوبات إحالة األصل على المحكمة التي أصدرت الحكم للنّظر في‬
‫اإلشكال التنفيذي عمال بأحكام الفصل ‪ 340‬م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬كما يمكنه تعليق تنفيذ عقوبة العمل لفائدة‬
‫تعرضه لمرض وذلك إلى‬ ‫المصلحة العا ّمة إذا ما طرأ عائق مؤقّت تمثّل في إصابة ال ّ‬
‫شخص أو ّ‬
‫حين شفائه«‪.‬‬

‫وإذا ما تأ ّكدت سالمة المحكوم عليه بدنيا وذهنيا وقدرته على العمل‪ّ ،‬‬
‫فإن قاضي تنفيذ‬
‫العقوبات يتولّى تحديد نوع العمل والمؤ ّ‬
‫سسة التي يقع توجيه المحكوم عليه إليها‪.‬‬

‫سسة المستقبلة ‪:‬‬


‫‪ - 2‬تحديد المؤ ّ‬
‫اقتضى الفصل ‪ 336‬فقرة ثالثة من مجلّة االجراءات الجزائيّة ّ‬
‫أن قاضي تنفيذ العقوبات‬

‫‪174‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سسة التي سيت ّم بها تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة‪ ،‬اعتمادا على‬ ‫يتولّى تحديد المؤ ّ‬
‫القائمة المعدّة تطبيقا ألحكام الفصل ‪ 17‬من المجلّة الجنائيّة والتحقّق من توفير الحماية الكافية بها‬
‫ض ّد حوادث ال ّ‬
‫شغل والتغطية الص ّحية في حاالت اإلصابة بمرض مهني‪.‬‬

‫سسات العموميّة‬ ‫وبالرجوع إلى الفصل ‪ 17‬المشار إليه‪ ،‬يتّضح ّ‬


‫أن هذه القائمة تشمل المؤ ّ‬ ‫ّ‬
‫أو الجماعات المحلّية أو الجمعيات الخيريّة واإلسعافيّة أو الجمعيات ذات المصلحة القوميّة‬
‫والجمعيات التي يكون موضوعها المحافظة على البيئة‪.‬‬
‫سجن تستند إلى قائمة أعدّتها الوالية‪ ،‬تتض ّمن أسماء بعض‬ ‫وتجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫أن إدارة ال ّ‬
‫سادة‬
‫يتعرف ال ّ‬
‫ّ‬ ‫المؤسسات ‪ ،‬وحيث ال مانع من اعتماد هذه القائمة في مرحلة أولى إلى حين أن‬
‫سسات التي تتوفّر فيها ال ّ‬
‫شروط القانونيّة‪ ، 51‬ومن‬ ‫قضاة تنفيذ العقوبة على عدد أكبر من المؤ ّ‬
‫المفروض أيضا أن تتولّى المؤ ّ‬
‫سسة التي تستفيد من العمل لفائدة المصلحة العا ّمة إعالم قاضي‬
‫شخص المكلّف من قبلها بال ّ‬
‫سهر على إنجاز العمل من طرف المحكوم‬ ‫تنفيذ العقوبات بهويّة ال ّ‬
‫أن هذا ال ّ‬
‫شخص سيكون المخاطب للقاضي وهمزة الوصل‬ ‫عليه‪ ،‬ومراقبة حضوره وغيابه ‪ ،‬إذ ّ‬
‫بينه وبين المحكوم عليه‪.‬‬

‫مكرر و‪ 344‬م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬‬
‫‪ - 3‬إعالم المحكوم عليه بمقتضيات الفصلين ‪ّ 336‬‬
‫يجب على قاضي تنفيذ العقوبات استدعاء المحكوم عليه‪ ،‬وإعالمه شخصيا بمقتضيات‬
‫هذين الفصلين‪.‬‬

‫ويتعلّق الفصل ‪ 336‬مك ّرر م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬بتحذير المحكوم عليه من مغبة االمتناع عن العمل أو‬
‫التغيّب بدون عذر شرعي‪ ،‬والتي يترتّب عنها قضاء عقوبة ال ّ‬
‫سجن المحكوم بها كاملة دون خصم‬
‫‪ .‬أ ّما الفصل ‪ 344‬م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬فهو يتعلّق بتنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة عوضا عن الجبر‬
‫سجن‪.‬‬
‫بال ّ‬

‫‪175‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ - 4‬تحديد العمل ومدّته وجدول أوقاته ‪:‬‬


‫لم يضبط الفصل ‪ 336‬م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬المعيار الذي يجب تو ّخيه من طرف قاضي تنفيذ العقوبات‬
‫صدد‪ ،‬ومن الوجاهة بمكان أن يحاول قاضي تنفيذ العقوبات التّوفيق في اختيار العمل‬
‫في هذا ال ّ‬
‫شغل المتوفّرة لدى المؤ ّ‬
‫سسة المستفيدة ومن‬ ‫بين مؤ ّهالت المحكوم عليه‪ ،‬ورغبته ‪ ،‬وبين مواطن ال ّ‬
‫جهة أخرى فقد ضبطت المدّة الدّنيا والمدّة القصوى لك ّل عقوبة ‪ ،‬وهي تحسب بال ّ‬
‫ساعات بمعدّل‬
‫ساعتي عمل عن ك ّل يوم سجن على أن ال يتجاوز ‪ 300‬ساعة‪.‬‬
‫والمالحظ ّ‬
‫أن مشموالت قاضي تنفيذ العقوبات ال تقتصر على القيام بما ذكر من أعمال‬
‫وإنّما تش ّكل تلك األعمال المنطلق لعالقة القاضي بال ّ‬
‫شخص المعني بها‪ ،‬فتكون من أوكد مه ّماته‬
‫سند المعنوي بالنّصح والتّوجيه‪ ،‬وتذليل ال ّ‬
‫صعوبات‬ ‫متابعة تنفيذ المحكوم عليه لتع ّهداته وتوفير ال ّ‬
‫والعوائق التي قد تطرأ‪ ،‬وكذلك التيقّن من جدّية التّنفيذ واتّخاذ ما يلزم في صورة إخالل المحكوم‬
‫عليه بواجباته إخالال فادحا يفقده المصداقية‪.‬‬

‫ثانيا ‪ -‬متابعة تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة‬


‫إقتضى الفصل ‪ 336‬فقرة رابعة ما يلي ‪» :‬يتولّى قاضي تنفيذ العقوبات متابعة تنفيذ‬
‫سسة المعنيّة«‪.‬‬
‫المحكوم عليه لعقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة لدى المؤ ّ‬

‫وتتمثّل هذه المتابعة في زيارة قاضي تنفيذ العقوبات المحكوم عليه في ّ‬


‫مقر عمله سواء‬
‫ي مدني‪.‬‬
‫سجن الذي يستحسن أن يكون في ز ّ‬
‫بنفسه أو بمساعدة أحد أعوان ال ّ‬

‫سسة المستقبلة في شخص العون‬


‫كما يت ّم إعالم قاضي تنفيذ العقوبات من طرف المؤ ّ‬
‫المكلّف بمتابعة المحكوم عليه‪ ،‬أو من طرف عون ال ّ‬
‫سجون ‪ ،‬بك ّل ما يطرأ من طرف المحكوم‬
‫يتضرر منها بمناسبة مباشرته للعمل‬
‫ّ‬ ‫عليه لواجباته ولك ّل األحداث التي يتسبّب فيها هذا األخير أو‬

‫‪176‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وكذلك حول انضباطه في الحضور‪.‬‬

‫مكرر م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬تتعلّق‬


‫ّ‬ ‫ينص عليها الفصل ‪336‬‬
‫ّ‬ ‫وتجدر اإلشارة ّ‬
‫أن هناك ثالثة فرضيات‬
‫بتغيّب المحكوم عليه عن العمل بدون عذر شرعي ‪:‬‬
‫‪ -‬الفرضية األولى هي الغياب لمدّة يوم واحد‪.‬‬
‫‪ -‬الفرضية الثانية هي الغياب لمدّة يومين‪.‬‬
‫وفي هاته الصورتين يت ّم تعويض يوم العمل بضعفه‪.‬‬
‫مبرر‪ ،‬وفي هاته الحالة‬ ‫‪ -‬الفرضيّة الثالثة تتمثّل في غياب المحكوم عليه ّ‬
‫للمرة الثالثة بدون ّ‬
‫فإنّه يقضي عقوبة ال ّ‬
‫سجن المستبدلة كاملة وبدون خصم‪.‬‬

‫المشرع لقاضي تنفيذ العقوبات لمجابهة المستجدّات التي قد تحدث أثناء تنفيذ‬
‫ّ‬ ‫خول‬
‫فقد ّ‬
‫عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة صالحية تعليق تنفيذها ‪ ،‬وذلك ألسباب ص ّحية أو عائليّة أو‬
‫سجن من أجل جريمة أخرى أو عند قضاء الواجب‬
‫مهنية أو عند إيداع المحكوم عليه بال ّ‬
‫العسكري‪.‬‬

‫ويمكن تعليق العقوبة من أجل تفريدها ومالءمتها مع ظروف المحكوم عليه‪ ،‬بحيث ال يقع‬
‫التّنكيل به وتكليفه بما ال يطيق‪ ،‬م ّما يسمح لعقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة أن تؤدّي الهدف‬
‫المرجو منها‪ ،‬وهو إصالح المحكوم عليه وإعطائه فرصة جديدة لرجوعه إلى الجادّة‪.‬‬
‫ّ‬

‫أقر قانون ‪ 2‬أوت ‪ 1999‬جزاء لعدم االلتزام بالعمل لفائدة المصلحة‬


‫وفي المقابل فقد ّ‬
‫للمرة الثالثة بدون عذر شرعي‬
‫ّ‬ ‫العا ّمة‪ ،‬كامتناع المحكوم عليه من تنفيذ العمل أو انقطاعه عنه‬
‫يتمثّل في تسليط العقوبة المستبدلة أي أنّه يقضي عقوبة ال ّ‬
‫سجن المحكوم بها كاملة دون خصم‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وفي نهاية تنفيذ العمل لفائدة المصلحة العا ّمة تسلّم المؤ ّ‬
‫سسة التي استفادت منه شهادة‬
‫لقاضي تنفيذ العقوبات‪ ،‬تتض ّمن بصفة دقيقة تاريخ انتهاء العمل يوما وساعة إذ تترتّب على هذه‬
‫يحرر‬ ‫شهادة عدّة نتائج قانونيّة كبداية سريان أجل استرداد الحقوق‪ ،‬وعلى ضوء هذه ال ّ‬
‫شهادة ّ‬ ‫ال ّ‬
‫قاضي تنفيذ العقوبات تقريرا في مآل التّنفيذ يحيله على وكيل الجمهورية ‪ ،‬عمال بأحكام الفصل‬
‫‪ 336‬فقرة رابعة من م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬وهو إجراء وجوبي يقتضيه التّعامل البنّاء بين الجهازين القضائيين‬
‫ساهرين على حسن التنفيذ وكذلك حسن مسك دفاتر النّيابة العموميّة‪.‬‬
‫ال ّ‬

‫باإلضافة إلى دور قاضي التّنفيذ في متابعة تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة‪ ،‬فقد‬
‫م ّكنه القانون الجديد من صالحية منح ال ّ‬
‫سراح الشرطي في حاالت محدّدة‪ ،‬مع اإلبقاء على سلطة‬
‫االقتراح فقط في الحاالت الخارجة عن نظره‪.‬‬

‫سـراح ال ّ‬
‫شرطــي‬ ‫الفقرة الثانية ‪ :‬صالحيـة منـح ال ّ‬
‫سراح الشرطي من أه ّم القرارات في مرحلة تنفيذ العقوبات ‪ ،‬وعلى ذلك‬
‫يعتبر قرار منح ال ّ‬
‫سراح ال ّ‬
‫شرطي حتى يكون ذلك‬ ‫المشرع توفّر مقتضيات معيّنة لمنح ال ّ‬
‫سجين ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫األساس اشترط‬
‫سجين مجدّدا داخل المجتمع في نطاق عملية‬
‫المشرع الهادفة إلى إدماج ال ّ‬
‫ّ‬ ‫القرار متماشيا مع غاية‬
‫إصالحه وتأهيله‪.‬‬

‫المشرع جملة من ال ّ‬
‫شروط الشكلية والموضوعيّة لضمان نجاعة قرار منح‬ ‫ّ‬ ‫أقر‬
‫هذا وقد ّ‬
‫سراح ال ّ‬
‫شرطي‪ ،‬وقد حصر إضافة إلى ذلك نطاق منحه من قبل قاضي تنفيذ العقوبات في الجنح‬ ‫ال ّ‬
‫فقط‪ ،‬على أن يكون العقاب المحكوم به ال يتعدّى الثمانية أشهر ‪ ،‬واضعا آليات معيّنة والتي من‬
‫ملف للمقترح‬
‫ّ‬ ‫شأنها أن تساعد قاضي تنفيذ العقوبات على أخذ القرار المالئم ‪ ،‬تتمحور في تكوين‬
‫األول‪ /‬تحت عنوان اإلطار القانوني‬
‫سنتطرق إليه في ‪/‬الجزء ّ‬
‫ّ‬ ‫سراح الشرطي‪ ،‬وهو ما‬
‫تمتيعه بال ّ‬
‫سراح‬ ‫سراح ال ّ‬
‫شرطي‪ ،‬ويُقصد به مجال اختصاص قاضي تنفيذ العقوبات في ميدان ال ّ‬ ‫لمنح ال ّ‬

‫‪178‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫التعرض في ‪/‬جزء ثاني‪ /‬إلى‬


‫ّ‬ ‫الشرطي وال ّ‬
‫شروط الشكلية والموضوعيّة ألخذ القرار‪ ،‬على أن يقع‬
‫شرطي من حيث ّ‬
‫الطعن والتنفيذ‬ ‫سراح ال ّ‬
‫صادر عن قاضي تنفيذ العقوبات لمنح ال ّ‬
‫مآل القرار ال ّ‬
‫والرجوع فيه‪.‬‬
‫ّ‬

‫ّأوال ‪ :‬اإلطار القانوني لمجال تد ّخل قاضي تنفيذ العقوبات في ال ّ‬


‫سراح ال ّ‬
‫شرطي‬
‫المؤرخ في ‪ 29‬أكتوبر ‪ 2002‬والمتعلّق بتنقيح‬
‫ّ‬ ‫ضبط القانون عدد ‪ 92‬لسنة ‪2002‬‬
‫وإتمام مجلّة اإلجراءات الجزائيّة لتدعيم صالحيات قاضي تنفيذ العقوبات‪ ،‬شروطا شكلية وأخرى‬
‫شرطي من قبل قاضي التّنفيذ‪ ،‬وجاءت بذلك لتبرز المالمح الجديدة‬
‫سراح ال ّ‬
‫موضوعيّة لمنح ال ّ‬
‫سراح الشرطي مسندة لقاضي تنفيذ العقوبات مهام أخذ القرار بعد أن كان دوره يقتصر‬
‫سسة ال ّ‬
‫لمؤ ّ‬
‫سراح ال ّ‬
‫شرطي‪.52‬‬ ‫على اقتراح تمتيع بعض المساجين بال ّ‬

‫سراح ال ّ‬
‫شرطي‬ ‫وعلى ذلك األساس أصبحت صالحيات قاضي تنفيذ العقوبات في ميدان ال ّ‬
‫إتّخاذ القرار في وضعيات معيّنة مع اإلقتراح في بقيّة الوضعيات‪.‬‬
‫المشرع مجال تد ّخل قاضي تنفيذ العقوبات‪ ،‬ووضع آليات شكليّة تتمثّل في تكوين‬
‫ّ‬ ‫وقد حدّد‬
‫سجن عن‬
‫سجين برهن بسيرته داخل ال ّ‬ ‫ملف يتعلّق بالمعنى على ضوء أوراقه يتحقّق من ّ‬
‫أن ال ّ‬ ‫ّ‬
‫أن سراحه مفيدا للمجتمع‪ ،‬كما حدّد مجال تد ّخله الحكمي إعتمادا على مدّة‬
‫ارتداعه أو ظهر ّ‬
‫العقاب ونوع الجريمة‪ ،‬مع احترام ال ّ‬
‫شروط المنصوص عليها بالفصول ‪ 353‬و‪ 354‬و‪ 355‬من‬
‫م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬‬

‫‪ -1‬مجال تد ّخل قاضي تنفيذ العقوبات ‪:‬‬


‫أن قاضي تنفيذ العقوبات يتولّى مراقبة ظروف‬
‫مكرر من م‪.‬إ‪.‬ج‪ّ .‬‬
‫نص الفصل ‪ّ 342‬‬
‫ّ‬ ‫لقد‬
‫سسات السجنيّة الكائنة بمرجع النّظر التّرابي‬
‫للحرية‪ ،‬المقضاة بالمؤ ّ‬
‫ّ‬ ‫سالبة‬
‫تنفيذ العقوبات ال ّ‬
‫نص في الفقرة الثانية من نفس الفصل تمكينه من اقتراح تمتيع‬
‫الراجع لها بالنظر‪ ،‬كما ّ‬
‫للمحكمة ّ‬

‫‪179‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يختص بالنّظر إالّ في ما‬


‫ّ‬ ‫أن قاضي التّنفيذ ال‬
‫سراح الشرطي‪ ،‬وهذا يعني ّ‬
‫بعض المساجين بال ّ‬
‫يخص المساجين المودعين بالوحدات السجنيّة الكائنة بمرجع النّظر التّرابي للمحكمة التي ينتمي‬
‫ّ‬
‫إليها‪ ،‬فاختصاصه الترابي يتعلّق بمكان الوحدة السجنيّة المودع بها المحكوم عليه‪.‬‬

‫الطبيعة العملية وما يقتضيه القرار المتعلّق‬


‫النص نفسه‪ ،‬ومن ّ‬
‫ّ‬ ‫ويستم ّد هذا االستنتاج من‬
‫شرطي من رجوع إلى مدير الوحدة السجنيّة للحصول على البيانات المتعلّقة‬ ‫سراح ال ّ‬‫بمنح ال ّ‬
‫سجين‪.‬‬
‫بمتابعة ال ّ‬

‫إالّ أنّه يمكن طرح سؤال في حالة نقلة ال ّ‬


‫سجين من وحدة سجنيّة إلى أخرى توجد خارج‬
‫مرجع نظر المحكمة التي ينتمي إليها القاضي‪ ،‬وذلك أثناء نظر هذا األخير في طلب سراح‬
‫الملف لفائدة قاضي تنفيذ العقوبات الذي سيرجع له بالنّظر ال ّ‬
‫سجين بحكم‬ ‫ّ‬ ‫شرطي‪ ،‬فهل يتخلّى عن‬
‫الملف بحكم تع ّهده بالموضوع قبل النّقلة ؟ أم يرفض النّظر ؟‬
‫ّ‬ ‫نقلته ؟ أم يواصل النّظر في‬

‫الملف باعتبار ّ‬
‫أن ك ّل‬ ‫ّ‬ ‫الرأي الغالب هو أن يرفض قاضي تنفيذ العقوبات النّظر في‬
‫إن ّ‬‫ّ‬
‫يخول له‬
‫أن القانون لم ّ‬ ‫سراح الشرطي‪ ،‬سينجم عنه صعوبة في التّنفيذ ‪ ،‬كما ّ‬ ‫قرار سيتّخذه بمنح ال ّ‬
‫أن قاضي التّنفيذ عليه التحقّق من عدم نقلة ال ّ‬
‫سجين أو‬ ‫تعهيد زميله بالنظر‪ ،‬وقد تجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫تغيير وضعيّته الجزائيّة‪.53‬‬

‫وباإلضافة إلى االختصاص التّرابي ّ‬


‫فإن القانون عدد ‪ 92‬قد حدّد مجال تد ّخله الحكمي‬
‫مانحا إيّاه أخذ القرار في وضعيات معيّنة‪ ،‬وذلك حسب نوعيّة الجريمة ‪/‬جنحة‪ /‬ومدّة العقاب‬
‫المحكوم به ‪/‬ال يزيد عن ثمانية أشهر‪ ،/‬وفي غير مثل تلك الحاالت تبقى له صالحية اقتراح تمتيع‬
‫سراح ال ّ‬
‫شرطي‪.‬‬ ‫سجين بال ّ‬
‫ال ّ‬

‫‪180‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫نص ّ‬
‫أن قاضي تنفيذ العقوبات‬ ‫مكرر في فقرته الثانية والذي لم يقع تنقيحه ّ‬
‫فالفصل ‪ّ 342‬‬
‫يقترح تمتيع بعض المساجين وفق ال ّ‬
‫شروط المنصوص عليها بالفصول ‪ 353‬و‪ 354‬و‪ 355‬من‬
‫م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬‬

‫أ ّما الفقرة الثالثة والتي أضيفت بمقتضى القانون عدد ‪ 92‬لسنة ‪ 2002‬فقد م ّكنت قاضي‬
‫شرطي ‪ ،‬بخصوص‬ ‫تنفيذ العقوبات من صالحية ثانية تتمثّل في اتّخاذ القرار المانح لل ّ‬
‫سراح ال ّ‬
‫الوضعيات المتعلّقة بالمساجين المحكوم عليهم في جنح وال تتجاوز مدّة العقوبة الثمانية أشهر‪،‬‬
‫سراح الشرطي إالّ في اإلطار المذكور المبيّن بالفقرة‬
‫فقاضي التنفيذ ال يمكنه بذلك أخذ قرار بال ّ‬
‫مكرر من م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬‬
‫الثالثة من الفصل ‪ّ 347‬‬

‫سراح ال ّ‬
‫شرطي‪ ،‬في‬ ‫وهنا لسائل أن يسأل هل يمكن لقاضي تنفيذ العقوبات أخذ قرار بال ّ‬
‫المشرع على ذكر الجنح دون‬
‫ّ‬ ‫عقوبة مودع فيها السجين من أجل مخالفة وذلك أمام اقتصار‬
‫سع في التّفسير‪ ،‬وال مجال بذلك‬
‫الرأي أنّه في مادّة االجراءات الجزائيّة ال يجوز التو ّ‬
‫المخالفات ؟ ّ‬
‫أن يمنح قاضي التنفيذ السراح الشرطي في المخالفات ‪ ،‬هذا إضافة إلى ّ‬
‫أن أقصى العقاب في‬
‫تكون‬
‫سجن لمدّة ال تفوق ‪ 15‬يوما‪ ،‬وهي فترة قصيرة ال يمكن بأيّة حال أن ي ّ‬ ‫المخالفات هو ال ّ‬
‫سجين قد رجع إلى‬ ‫ملف يتعلّق بال ّ‬
‫سجين‪ ،‬كما أنّها فترة غير كافية لمعرفة ما إذا كان ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫أثناءها‬
‫سلوك القويم‪.‬‬
‫ال ّ‬

‫‪ - 2‬االجراءات الشكلية ‪:‬‬


‫سراح‬ ‫مكرر في فقرته الخامسة ّ‬
‫أن قاضي تنفيذ العقوبات يمنح ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫نص الفصل ‪342‬‬
‫ّ‬ ‫لقد‬
‫ال ّ‬
‫شرطي من تلقاء نفسه أو بطلب من المحكوم عليه‪ ،‬أو من أحد أصوله أو فروعه أو القرين أو‬
‫سجن محدّدا بذلك كيفية تع ّهد قاضي التنفيذ‪.‬‬
‫ي الشرعي‪ ،‬أو بناء على اقتراح من مدير ال ّ‬
‫الول ّ‬

‫‪181‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سع فيه‪،‬‬ ‫المشرع ولئن حدّد مصادر ّ‬


‫الطلب فإنّه تو ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويتّضح من دراسة هذا الفصل ّ‬
‫أن‬
‫شرطي في صورة عدم تقدّم ّ‬
‫الطلب من المحكوم‬ ‫سراح ال ّ‬
‫وغايته في ذلك تيسير سبل االنتفاع بال ّ‬
‫سراح الشرطي من تلقاء نفسه‪ّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫المشرع لقاضي تنفيذ العقوبات منح ال ّ‬
‫ّ‬ ‫خول‬
‫عليه نفسه وإن ّ‬
‫سجين ‪ ،‬فقاضي‬
‫المشرع في تركيز العالقة بين قاضي تنفيذ العقوبات وال ّ‬
‫ّ‬ ‫ذلك يعود إلى رغبة‬
‫سجناء ومعرفته بوضعياتهم قد يتبيّن له‬
‫سجن ومقابلته لل ّ‬
‫المتكررة لل ّ‬
‫ّ‬ ‫تنفيذ العقوبات وبحكم زياراته‬
‫المشرع صالحية التع ّهد‬
‫ّ‬ ‫شرطي‪ ،‬لذا منحه‬ ‫أن سجينا ما قد تتوفّر فيه شروط االنتفاع بال ّ‬
‫سراح ال ّ‬ ‫ّ‬
‫من تلقاء نفسه‪ ،‬وذلك دون انتظار ورود طلب عليه من المعني أو عائلته ‪ ،‬وهو ما يع ّد تأكيدا‬
‫المشرع في تقريب قاضي التّنفيذ من‬
‫ّ‬ ‫سراح ال ّ‬
‫شرطي ورغبة‬ ‫على صالحياته بخصوص منح ال ّ‬
‫سجين ومزيد تفعيل دوره‪.54‬‬
‫ال ّ‬

‫وإضافة إلى ذلك يتع ّهد قاضي تنفيذ العقوبات بالنّظر في إمكانية إسناد ال ّ‬
‫سراح ال ّ‬
‫شرطي‪،‬‬
‫ي ال ّ‬
‫شرعي‪ ،‬وذلك بحكم‬ ‫سجين نفسه أو أحد أصوله أو فروعه أو القرين أو الول ّ‬
‫بناء على طلب ال ّ‬
‫سجين ومعرفته له ‪.‬‬
‫سجن اعتمادا على مباشرته يوميا لل ّ‬
‫سجين‪ ،‬أو مدير ال ّ‬
‫عالقة القرابة بال ّ‬

‫سراح الشرطي على المجتمع ‪ ،‬فقد اشترط الفصل ‪ 342‬في‬


‫واعتبارا لتأثير قرار منح ال ّ‬
‫ملف يتعلّق بال ّ‬
‫سجين المحكوم عليه يتض ّمن العديد من األوراق والوثائق‬ ‫ّ‬ ‫فقرته السادسة تكوين‬
‫والتّقارير التي من شأنها أن تساعد قاضي التنفيذ على أخذ القرار الصائب‪ ،‬وتم ّكن في مرحلة ثانة‬
‫سليم باعتبار أنّه ال يمكن لها أخذ أ ّ‬
‫ي قرار‬ ‫دائرة االتّهام عند ّ‬
‫الطعن في القرار‪ ،‬من أخذ القرار ال ّ‬
‫سجين‪.‬‬
‫ملف متكامل يشمل معلومات أساسية عن ال ّ‬
‫إيجابي في غياب ّ‬

‫األول تمكين قاضي التنفيذ‬


‫الملف أمر أساسي‪ ،‬وإعداده يعود إلى أمرين‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫وبذلك فإ ّن تكوين‬
‫من أخذ القرار بعد أن توفّرت لديه جميع المعطيات الالّزمة عن شخصيّة ال ّ‬
‫سجين ‪ ،‬كتوفّر‬

‫‪182‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ال ّ‬
‫شروط الموضوعيّة ‪/‬جنحة‪ ،‬عقاب ال يتجاوز ‪ 8‬أشهر ‪ ،‬مبتدأ‪ ،‬عائد‪ /‬ثم العناصر التقديريّة‬
‫والمتمثّلة في سلوكه داخل ال ّ‬
‫سجن أو ظهور ما يفيد سراحه ‪/‬حالته الص ّحية والنفسيّة‬
‫للملف ‪ ،‬والتي جاءت على سبيل‬
‫ّ‬ ‫المشرع وجوب إضافتها‬
‫ّ‬ ‫واالجتماعيّة‪ /...‬والوثائق التي اشترط‬
‫سجن‬‫الذّكر ال الحصر ويفهم ذلك من عبارة »يتض ّمن أساسا« وهي المذ ّكرة الصادرة عن إدارة ال ّ‬
‫مستقرة‬
‫ّ‬ ‫والتي تحتوي على االرشادات المتعلّقة بالوضعية الجزائيّة لل ّ‬
‫سجين ‪ ،‬والتي يجب أن تكون‬
‫صادر ضدّه أصبح باتا وغير قابل ّ‬
‫للطعن ‪ ،‬كما أنّه غير موقوف في قضيّة‬ ‫نهائيّا أي ّ‬
‫أن الحكم ال ّ‬
‫أخرى‪.‬‬

‫والمذكرة الصادرة عن إدارة السجن الب ّد أن تشمل أيضا سلوك المعني داخل ال ّ‬
‫سجن‪،‬‬
‫سجن التي قضاها أصبحت كافية‬ ‫وعلى ضوئها يتبيّن للقاضي ارتداع المعني حقّا‪ّ ،‬‬
‫وأن فترة ال ّ‬
‫ويمكن إعادة إدماجه بالمجتمع ‪ ،‬ولم يبق فائدة بالتّالي من بقائه بال ّ‬
‫سجن‪.‬‬

‫الملف على ارشادات تتعلّق بحالة ال ّ‬


‫سجين الص ّحية والنفسيّة ومدى استعداده‬ ‫ّ‬ ‫كما يحتوي‬
‫صل عليها القاضي من مختلف مكاتب إدارة‬
‫لالندماج في المجتمع‪ ،‬وهي معلومات يمكن أن يتح ّ‬
‫سجن‪ ،‬التّقارير الطبية الصادرة عن المستشفيات في صورة‬
‫سجن ‪/‬المكتب اإلجتماعي‪ ،‬طبيب ال ّ‬
‫ال ّ‬
‫سجن‪ /‬وبصورة عا ّمة جميع التّقارير التي يتلقاها قاضي‬
‫سجين المعالجة خارج ال ّ‬
‫اقتضاء حالة ال ّ‬
‫سجن في إطار عالقة التّكامل والتعاون بينه وبين إدارة ال ّ‬
‫سجن‪ ،‬والتي‬ ‫تنفيذ العقوبات من إدارة ال ّ‬
‫المشرع نسخة‬
‫ّ‬ ‫ستضفي حتما إلى تد ّخالته صبغة النّجاعة والفاعلية‪ ،‬ومن أه ّم الوثائق التي ذكرها‬
‫سجين‪ ،‬فهذه الوثيقة ستوضّح لقاضي تنفيذ العقوبات‬
‫الحكم المتض ّمن للعقوبة التي بصدد قضائها ال ّ‬
‫سجين هي من قبيل الجنح أو الجنايات‪ ،‬كما ستم ّكنه من‬
‫إن كانت الجريمة التي أودع من أجلها ال ّ‬
‫ّ‬
‫والظروف التي أتى فيها الفعل‪ ،‬فالوثائق‬ ‫التثبّت من مدّة الحكم وتعطيه فكرة عن شخصيّة الجاني‬
‫الملف ستساعد القاضي على أخذ القرار بعد تقدير الخطورة التي يمكن أن تنجم عن‬
‫ّ‬ ‫تكون‬
‫التي ّ‬
‫المشرع على‬
‫ّ‬ ‫سراح على المجتمع وتقدير تلك الخطورة هو الذي دفع‬
‫إطالق سراحه‪ ،‬وأثر ذلك ال ّ‬

‫‪183‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الرأي قبل أخذ القرار‪.‬‬


‫الملف على وكيل الجمهوريّة إلبداء ّ‬
‫ّ‬ ‫وجوب عرض‬

‫ولئن كان رأي وكيل الجمهورية بوصفه ممثّال للهيئة االجتماعية وال ّ‬
‫ساهر على تنفيذ‬
‫الملف عليه أمر إجرائي‬
‫ّ‬ ‫األحكام استشاري وغير ملزم لقاضي تنفيذ العقوبات‪ّ ،‬‬
‫فإن مسألة عرض‬
‫يقتضيه القانون‪.‬‬
‫سراح الشرطي ‪:‬‬
‫‪ - 3‬الشروط التقديريّة والموضوعيّة ألخذ قرار ال ّ‬
‫سراح ال ّ‬
‫شرطي هو من أه ّم القرارات في مرحلة التنفيذ ‪ ،‬ولذلك ضبط‬ ‫شك ّ‬
‫أن قرار ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫شرطي وذلك بضرورة احترام ال ّ‬
‫شروط‬ ‫سراح ال ّ‬
‫الفصل ‪342‬من م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬شروطا لمنح ال ّ‬
‫المنصوص عليها بالفصلين ‪ 353‬و‪ 354‬من م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬مع استثناء المحكوم عليهم الذين بلغوا الستّين‬
‫عاما أو الذين لم يبلغوا ّ‬
‫سن العشرين أو إذا كان المحكوم عليه مصاب بسقوط خطير أو مرض‬
‫عضال‪ ،‬وهي استثناءات وردت بالفصل ‪ 355‬من م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬فقاضي تنفيذ العقوبات وبعد تأ ّكده من‬
‫الملف المتعلّق بالمحكوم به ‪ ،‬في مدى توفّر ال ّ‬
‫شروط في شأنه‬ ‫ّ‬ ‫مجال اختصاصه ينظر على ضوء‬
‫سجن عن ارتداعه أو إذا ما ظهر سراحه مفيدا‬
‫سجين برهن بسيرته داخل ال ّ‬ ‫وهي التحقّق من ّ‬
‫أن ال ّ‬
‫للمجتمع‪.55‬‬

‫ملف ضافي‬
‫ّ‬ ‫وال يمكن لقاضي تنفيذ العقوبات التحقّق من توفّر ذلك إالّ إذا تح ّ‬
‫صل على‬
‫متكررة ليساعده ذلك على معرفة شخصيّة‬
‫ّ‬ ‫سجن‬
‫البيانات عن المحكوم عليه‪ ،‬وكانت زياراته لل ّ‬
‫صور التي تخرج عن‬ ‫سجين‪ ،‬ويكون تقديره لقرار منحه السراح ال ّ‬
‫شرطي أو إقتراحه في ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫نظره تتّسم بالواقعيّة‪.‬‬

‫سراح‬ ‫ويفهم من صياغة الفصل ‪ 342‬من م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬أنّه إذا تبيّن عدم جدوى تمتع ال ّ‬
‫سجين بال ّ‬
‫ال ّ‬
‫شرطي فللقاضي رفض المطلب وذلك في نطاق سلطته التقديريّة واجتهاده المبني على أوراق‬
‫الرابعة أعاد ما ورد بالفصل‬
‫مكرر في فقرته ّ‬ ‫الملف الذي كونه في الغرض‪ ،‬كما ّ‬
‫أن الفصل ‪ّ 342‬‬ ‫ّ‬

‫‪184‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫شرطي للمحكوم عليه إالّ بعد قضاء نصف العقاب‬ ‫‪ 354‬من م‪.‬أ‪.‬ج‪ .‬بأنّه ال يمكن منح ال ّ‬
‫سراح ال ّ‬
‫يكونه قاضي‬
‫الملف الذي ّ‬
‫ّ‬ ‫بالنسبة للمبتدئ أو ثلثي العقاب بالنسبة للعائد ‪ ،‬وهنا نعود لنذكر بأه ّمية‬
‫التنفيذ والذي سيرشد القاضي عن وضعيّة السجين إن كان عائدا أو مبتدئا‪.‬‬

‫المشرع لذلك تنقسم إلى صنفين األولى تقديريّة والثانية موضوعيّة‬


‫ّ‬ ‫والشروط التي وضعها‬
‫المشرع ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫شروط التقديريّة تعتمد باألساس على اجتهاد القاضي وفق اآلليات التي م ّكنه منها‬‫‪ .‬فال ّ‬
‫شروط الموضوعيّة فهي متعلّقة بشرط المدّة الواجب قضاؤها من قبل المحكوم عليه‪.‬‬ ‫أ ّما ال ّ‬
‫سراح ال ّ‬
‫شرطي من قبل قاضي تنفيذ العقوبات‬ ‫ثانيا ‪ -‬مآل قرار منح ال ّ‬
‫شرطي من قبل قاضي تنفيذ العقوبات يتولّى وكيل‬
‫سراح ال ّ‬
‫على إثر أخذ القرار بال ّ‬
‫الجمهوريّة إما تنفيذ ذلك القرار أو ّ‬
‫الطعن فيه باالستئناف‪.‬‬

‫سجن ّ‬
‫فإن هذا األخير يكون‬ ‫سراح الشرطي وخروج المحكوم عليه من ال ّ‬
‫وفي صورة منح ال ّ‬
‫في فترة تجربة طيلة المدّة المحكوم بها‪ ،‬والمتبقّية والتي كان من المفروض أن يقضيها بال ّ‬
‫سجن‪،‬‬
‫وهي فترة ال يمكن أن تفوق األربعة أشهر بأيّة حال بالنسبة للمبتدئ وشهرين وعشرة أيام بالنسبة‬
‫للعائد‪.‬‬

‫سراح الشرطي جريمة في فترة التّجربة المذكورة‬


‫وإذا ما ارتكب المحكوم عليه المتمتّع بال ّ‬
‫سراح‬
‫الرجوع في ال ّ‬ ‫أو خالف ال ّ‬
‫شروط التي وضعها قاضي تنفيذ العقوبات لسراحه‪ ،‬جاز للقاضي ّ‬
‫ال ّ‬
‫شرطي وذلك بناء على طلب من وكيل الجمهورية‪.‬‬
‫سنتطرق في هذا الجزء الثاني إلى ّ‬
‫الطعن في القرار ث ّم تنفيذه لننتهي‬ ‫ّ‬ ‫وعلى ضوء ما تقدّم‬
‫الرجوع في القرار‪.‬‬
‫إلى مسألة ّ‬

‫سراح الشرطي الصادر عن قاضي تنفيذ العقوبات‬ ‫‪ّ -1‬‬


‫الطعن في قرار ال ّ‬

‫‪185‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫حق ّ‬
‫الطعن في القرار‬ ‫لقد منح القانون عدد ‪ 92‬لسنة ‪ 2002‬لوكيل الجمهوريّة فقط ّ‬
‫سراح الشرطي ‪ ،‬بحسب ما يراه من خالل‬
‫الصادر عن قاضي تنفيذ العقوبات بخصوص منح ال ّ‬
‫سراح الشرطي‪.‬‬
‫سجين وجدارته بال ّ‬
‫تقييمه لمدى مالئمة القرار مع وضع ال ّ‬

‫الطعن يوقف التنفيذ ‪ ،‬وعلى أساس أحكام الفصل‬ ‫بأن ّ‬


‫مكرر ّ‬‫ّ‬ ‫كما بين الفصل ‪342‬‬
‫سراح ّ‬
‫الطعن في‬ ‫المذكور فإنّه ال يمكن للمحكوم عليه أو األشخاص الذين قدّموا مطلبا عنه في ال ّ‬
‫الرفض الصادر عن قاضي تنفيذ العقوبات‪.‬‬
‫قرار ّ‬

‫الرفض إالّ أنّه البأس من‬


‫ص القانون على ما يفيد إعالم المحكوم عليه بقرار ّ‬
‫ولئن لم ين ّ‬
‫سجين على علم بوضعيّته وبمآل ّ‬
‫الطلب المقدّم في شأنه وفي صورة‬ ‫إعالمه به وذلك حتى يكون ال ّ‬
‫شرطي الصادر عن قاضي التنفيذ ّ‬
‫فإن وكيل الجمهوريّة‬ ‫طعن النّيابة العموميّة في قرار ال ّ‬
‫سراح ال ّ‬
‫الملف فإنّه يكون في‬
‫ّ‬ ‫الملف على دائرة االتّهام‪ ،‬ولئن لم يحدّد القانون آجاال إلحالة‬
‫ّ‬ ‫يتولى إحالة‬
‫أسرع وقت ممكن حفاظا على حقوق المحكوم عليه‪ ،‬وتنظر دائرة االتّهام في طلب ّ‬
‫الطعن في‬
‫بالملف والهدف من ذلك هو اإلسراع بالنّظر حفاظا‬
‫ّ‬ ‫أجل أقصاه ثمانية أيام من تاريخ اتّصالها‬
‫على حقوق المحكوم عليه‪.‬‬

‫‪ - 2‬التّنفيـــــذ ‪:‬‬
‫أن وكيل الجمهوريّة ينفّذ القرارات الصادرة عن‬
‫مكرر في فقرته ‪ّ 12‬‬
‫جاء بالفصل ‪ّ 342‬‬
‫قاضي تنفيذ العقوبات ‪ ،‬وهو ما يعني أنّه على إثر أخذ القرار المانح لل ّ‬
‫سراح ال ّ‬
‫شرطي يتولى‬
‫قاضي التنفيذ إحالة ذلك القرار على وكيل الجمهوريّة ليتولّى تنفيذه وإحالته على إدارة ال ّ‬
‫سجن‬
‫النّزيل به المحكوم عليه‪.‬‬

‫فالنّيابة العموميّة مسؤولة من تاريخ إمضاء قاضي التنفيذ على قرار ال ّ‬


‫سراح ال ّ‬
‫شرطي فيما‬

‫‪186‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سجن أو ّ‬
‫الطعن فيه باالستئناف‪ ،‬وإذا بيّن‬ ‫يتعلّق بتنفيذ ذلك القرار ‪ ،‬إ ّما بإحالته على إدارة ال ّ‬
‫ساهرة على التنفيذ في ّ‬
‫الطور االبتدائي فإنّه لم يحدّد تلك الجهة عند صدور قرار‬ ‫القانون الجهة ال ّ‬
‫دائرة اإلتّهام بتأييد ال ّ‬
‫سراح ال ّ‬
‫شرطي‪.‬‬

‫شرطي أمام‬ ‫سؤال مطروحا حول الجهة التي ستتكفّل بتنفيذ قرار ال ّ‬
‫سراح ال ّ‬ ‫وهنا يبقى ال ّ‬
‫ف على وكيل الجمهورية لينفّذ القرار الصادر‬
‫النص على هذه المسألة ‪ ،‬فهل يحال المل ّ‬
‫ّ‬ ‫سكوت‬
‫عن قاضي تنفيذ العقوبات والمؤيّد من دائرة االتّهام أم يتع ّهد بذلك الوكيل العام لدى محكمة‬
‫االستئناف ؟ وخالصة القول ّ‬
‫أن أمر التنفيذ هو من عالئق وكيل الجمهورية فهو الذي يقوم بإحالته‬
‫سجن ويسهر على تنفيذه ‪ ،‬وال دخل لقاضي تنفيذ العقوبات في ذلك‪ ،‬إذ يقف نظره‬
‫على إدارة ال ّ‬
‫عند ح ّد اتّخاذ القرار‪.‬‬

‫سراح الشرطي ‪:‬‬


‫الرجوع في قرار ال ّ‬
‫‪ّ -3‬‬
‫سراح الشرطي لقاضي تنفذ العقوبات‬
‫الرجوع في ال ّ‬
‫المشرع على إعطاء صالحية ّ‬
‫ّ‬ ‫حرص‬
‫الرجوع فيه‪.‬‬ ‫‪ ،‬فهو مؤ ّهل وفق الفصل ‪ّ 342‬‬
‫مكرر فقرة عاشرة إللغائه أو ّ‬
‫سراح ال ّ‬
‫شرطي تعود إلى الجهة المانحة إياه‪ ،‬فإن كان القرار‬ ‫وبذلك ّ‬
‫فإن مسألة إلغاء ال ّ‬
‫صادرا عن وزير العدل وحقوق اإلنسان يبقى هذا األخير صاحب النّظر التّخاذ قرار ّ‬
‫الرجوع‬
‫سراح‬
‫الرجوع فيه ‪ ،‬فقرار ال ّ‬ ‫فيه‪ ،‬وإذا كان صادرا من قاضي التنفيذ ّ‬
‫فإن هذا األخير يمكنه ّ‬
‫شرطي يمنح للمحكوم‬ ‫شرطي قابل للمراجعة ومرتبط بسلوك المتمتّع به بعد سراحه ‪ ،‬فال ّ‬
‫سراح ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سسة السجنيّة ورغبة في إدماجه بالمجتمع‪ .56‬فإذا تبيّن أنّه غير‬
‫عليه جزاء استقامته داخل المؤ ّ‬
‫قادر على االندماج داخل المجتمع ‪ ،‬بات من الضّروري إلغاء السراح المذكور‪ ،‬وقد أجاز القانون‬
‫سراح الشرطي بموجب قرار بعد طلب يتقدّم به وكيل‬
‫الرجوع في ال ّ‬
‫لقاضي تنفيذ العقوبات ّ‬
‫الجمهوريّة في الغرض‪ ،‬وقرار المراجعة يكون إثر صدور الحكم عمال بأحكام الفصل ‪ 342‬فقرة‬
‫عاشرة‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المشرع ترك سلطة تقديريّة‬


‫ّ‬ ‫سراح الشرطي « ّ‬
‫أن‬ ‫الرجوع في ال ّ‬
‫ويفهم من عبارة »جاز ّ‬
‫لقاضي تنفيذ العقوبات ‪ ،‬إذ قد يدان المتمتّع بال ّ‬
‫سراح الشرطي في مخالفات بسيطة أو في جنح‬
‫بالمرة عدم نجاح المسرح في إندماجه بالمجتمع وعدم قدرته للعودة للجادة‬
‫ّ‬ ‫غير قصديّة ال تعني‬
‫سراح الشرطي ينبني على عدم قدرة واضحة للمسرح على‬
‫الرجوع في ال ّ‬ ‫وعليه ّ‬
‫فإن أساس قرار ّ‬
‫اإلندماج في المجتمع‪ ،‬ويتبيّن ذلك من خالل األفعال الجديدة التي ارتكبها وحوكم من أجلها كما‬
‫صت نفس الفقرة بأنّه يجوز لقاضي تنفيذ العقوبات أن يرجع في ال ّ‬
‫سراح الشرطي إذا خالف‬ ‫ن ّ‬
‫المتمتّع به الشروط التي وضعت لسراحه‪.‬‬

‫سراح ال ّ‬
‫شرطي أن يقرنه بشروط‬ ‫النص ّ‬
‫أن لقاضي تنفيذ العقوبات عند منحه ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويتّضح من‬
‫وهي المنصوص عليها بالفصل ‪ 357‬من م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬والمتعلّقة باإلقامة المحروسة أو المراقبة‬
‫صة‪.‬‬
‫سسة عموميّة أو خا ّ‬
‫اإلداريّة أو الوضع بمؤ ّ‬

‫مكرر في فقرته ‪ 11‬لوكيل‬


‫ّ‬ ‫شرطي م ّكن الفصل ‪342‬‬
‫سراح ال ّ‬
‫الرجوع في ال ّ‬
‫وفي إطار ّ‬
‫الجمهوريّة في حالة التأ ّكد اإلذن بإيقاف المعني تحفظيا من قبل وكيل الجمهوريّة ‪ .‬إالّ أنّه ونظرا‬
‫لوظيف وكيل الجمهوريّة والذي يسهر على حسن تطبيق القانون‪ ،‬م ّكنه من التد ّخل في الحاالت‬
‫التي قد تنجم عنها صعوبات نتيجة االختصاص مثال‪.‬‬

‫يء‬
‫سلوك الس ّ‬
‫شرطي إلى ال ّ‬ ‫سياق‪ ،‬هل يمكن اعتبار رجوع المتمت ّع بال ّ‬
‫سراح ال ّ‬ ‫وفي هذا ال ّ‬
‫الذي قد يؤدّي من جديد إلى االنحراف ‪ ،‬أن يعتبر وكيل الجمهوريّة ذلك األمر من قبيل حاالت‬
‫التأ ّكد ويأذن بإيقافه وتقديمه لقاضي تنفيذ العقوبات ؟‬

‫سراح ال ّ‬
‫شرطي من قبل قاضي‬ ‫المشرع ذلك بالفصل المتعلّق ّ‬
‫بالرجوع في ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ولئن لم يبرز‬

‫‪188‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تنفيذ العقوبات ‪ ،‬فإنّه يمكن أن نستم ّد األمر من الفصل ‪ 358‬من م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬والذي أعطى ال ّ‬
‫صالحية‬
‫سراح ال ّ‬
‫شرطي في حالة ما إذا ظهر ما يد ّل على‬ ‫بالرجوع في ال ّ‬
‫لوزير العدل وحقوق اإلنسان ّ‬
‫شرطي هي الوقاية من الجريمة ومكافحة‬ ‫سراح ال ّ‬
‫سراح‪ ،‬فالغاية من ال ّ‬
‫سوء سيرة المتمتـّع بال ّ‬
‫االنحراف باألساس‪ ،‬فهو عبارة عن قانون وقائي من العود‪ ،‬وعليه فإنّه يكفي أن يظهر من سلوك‬
‫يء ودون لزوم لصدور حكم أن يطلب وكيل الجمهوريّة‬ ‫سلوك الس ّ‬
‫المعني ما من شأنه عودته لل ّ‬
‫شرطي‪. 57‬‬‫سراح ال ّ‬
‫الرجوع في ال ّ‬
‫من قاضي تنفيذ العقوبات ّ‬

‫المشرع في ّ‬
‫الزمن ‪ ،‬وذلك في المدّة‬ ‫ّ‬ ‫سراح ال ّ‬
‫شرطي حدّد نطاقه‬ ‫والمالحظ ّ‬
‫أن إلغاء قرار ال ّ‬
‫سجن‪،‬‬ ‫المتبقّية من الحكم والتي كان من المفروض أن يقضيها المتمتّع بال ّ‬
‫سراح الشرطي في ال ّ‬
‫سراح يصبح نهائي عند انتهاء مدّة العقاب المحكوم بها‪.‬‬ ‫وبذلك ّ‬
‫فإن ال ّ‬

‫سجن‬ ‫سراح ال ّ‬
‫شرطي من آثاره إيداع المعني مجدّدا بال ّ‬ ‫بالرجوع في ال ّ‬
‫صادر ّ‬
‫والقرار ال ّ‬
‫الرجوع‬ ‫بموجب القرار الذي سيصدره قاضي تنفيذ العقوبات في الغرض‪ ،‬مع مالحظة ّ‬
‫أن قرار ّ‬
‫شرطي غير قابل ّ‬
‫للطعن‪.‬‬ ‫سراح ال ّ‬
‫الرجوع في ال ّ‬
‫أو عدم ّ‬

‫سراح الشرطي الب ّد أن يتض ّمن المدّة التي سيقضيها المعني بال ّ‬
‫سجن‬ ‫الرجوع في ال ّ‬
‫وقرار ّ‬
‫وهي إ ّما أن تكون كامل المدّة المتبقّية أو جزء منها حسب ما جاء بالفصل ‪ 360‬من م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬حدود دور قاضي التنفيذ في تفريد العقوبة‬

‫سسة قاضي تنفيذ العقوبات في القانون التونسي يع ّد لبنة جديدة في صرح‬ ‫ّ‬
‫إن إرساء مؤ ّ‬
‫القضاء التونسي ‪ ،‬يعكس تطور نظرة مجتمعنا إلى العقوبة ويبرز هدف الدّولة في إصالح‬
‫سجين ودعم حقوقه وضمان حرمته البدنيّة وكرامته‪.58‬‬
‫ال ّ‬

‫‪189‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المشرع اليوم لتدعيم صالحيات قاضي تنفيذ العقوبات بعد سنتين فقط من‬
‫ّ‬ ‫وإن لفي تد ّخل‬
‫ّ‬
‫سسة‪ ،‬لتأكيد على تفعيل دور القاضي في التنفيذ الجزائي ‪ .‬إالّ ّ‬
‫أن المها ّم الموكولة‬ ‫تكريس هذه المؤ ّ‬
‫لهذا القاضي مازالت في حاجة لمزيد من البحث‪ ،‬سواء قصد حل اإلشكاالت التطبيقيّة التي‬
‫يطرحها التّشريع الحالي أو قصد توسيع مجال تد ّخله ‪ ،‬وذلك بمزيد تنظيم هذه المؤ ّ‬
‫سسة وإقرار‬
‫جملة من األحكام التي تعطي القاضي دورا تقريريّا إزاء مراقبة تنفيذ العقوبة كإحداث هياكل‬
‫سجين‪.‬‬
‫مساعدة تسانده وتساعده على كشف شخصيّة ال ّ‬

‫أن التفريد التنفيذي ما هو إالّ دعامة للتّفريد القضائي‪ ،‬وذلك بأن يسمح للتّفريد‬
‫والمالحظ ّ‬
‫يمس‬
‫ّ‬ ‫النّسبي الذي ت ّم في مرحلة المحاكمة أن يصبح تفريدا كامال أثناء التّنفيذ ومثل هذا األمر ال‬
‫أقر اإلدانة ‪ ،‬ومن المحتمل أن يكون قاضي الحكم قد أدخل‬ ‫من المضمون األساسي للحكم الّذي ّ‬
‫في حسابه عند إصداره للعقوبة‪ ،‬ما سيجري من تعديالت أثناء مرحلة التّنفيذ بحكم ما ستفرزه‬
‫العوامل المستقبلية من تغييرات في شخص الجاني تقتضي تغيير الجزاء ‪.‬‬

‫شيء المقضي به طالما أنّه لم يقصي إدانة‬


‫س بح ّجية ال ّ‬
‫فقاضي تنفيذ العقوبات ال يم ّ‬
‫مجرد تعديل للجزاء‬
‫ّ‬ ‫المحكوم عليه التي تأ ّكدت أثناء مرحلة الحكم‪ ،‬وإنّما اقتصر تد ّخله على‬
‫اقتضته ضرورات التّفريد‪.‬‬

‫وتأسيسا على ذلك‪ ،‬ترتّب عن ال ّ‬


‫سماح للقاضي باقتحام مرحلة تنفيذ العقوبة وتمتيعه‬
‫سجنية أو خارجها تصل إلى درجة اتّخاذ‬
‫سسة ال ّ‬
‫صالحيات سواء داخل المؤ ّ‬
‫بمجموعة من ال ّ‬
‫القرار ‪ ،‬العديد من االشكاالت التي حدّدت من دور قاضي التنفيذ في تفريد العقوبة‪ ،‬ذلك ّ‬
‫أن تسمية‬
‫»قاضي التنفيذ« في ح ّد ذاتها تبرز اإلشكاالت التي يمكن أن ينتجها إحداث هذه المؤ ّ‬
‫سسة ‪ ،‬فمن‬
‫سلطة القضائيّة ‪ ،‬ومن جهة أخرى نجد لفظ »التّنفيذ« ‪ ،‬الذي يعكس‬
‫جهة نجد قاضي ينتمي إلى ال ّ‬
‫المرحلة التنفيذيّة التي جرى العمل على احتكارها من طرف السلطة التنفيذيّة‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن تو ّجه‬

‫‪190‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫التشريعات الحديثة نحو تفريد العقوبة في مرحلة تنفيذها‪ ،‬اقتضى هذا اإلندماج بين ما هو قضائي‬
‫وما هو تنفيذي ‪ ،‬األمر الّذي نتجت عنه العديد من اإلشكاالت التي ته ّم االختصاص من ناحية‬
‫‪/‬الفرع األول‪ /‬والقرارات المتّخذة من طرف قاضي التنفيذ من ناحية أخرى ‪/‬الفرع الثاني‪./‬‬

‫األول ‪ :‬الحـدود المتعلّقــة باالختصــاص‬


‫الفرع ّ‬

‫سسة العقابية لإلشراف على عمليّة التنفيذ والتّخاذ بعض‬


‫ترتّب عن دخول القاضي إلى المؤ ّ‬
‫سجن ‪ ،‬جملة من اإلشكاالت تتعلّق‬ ‫القرارات التي ته ّم كيفية قضاء المحكوم عليه لعقوبته داخل ال ّ‬
‫أساسا بالتّنازع في االختصاص بين قاضي التّنفيذ وأعوان اإلدارة السجنية ‪/‬الفقرة األولى‪ /‬وذلك‬
‫بتعلّة ّ‬
‫أن القاضي ال تؤ ّهله ثقافته القانونيّة للمساهمة في التّنفيذ ّ‬
‫ألن هذه المرحلة تثير مسائل فنّية‬
‫صص القضاء‪ ،‬كما يمكن أن تحدث بعض اإلشكاالت المتعلّقة باالختصاص‬
‫وتهذيبيّة بعيدة عن تخ ّ‬
‫في إطار عالقة قاضي تنفيذ العقوبات مع وكيل الجمهوريّة ‪/‬الفقرة الثانية‪ /‬وهي العالقة التي‬
‫المشرع بمناسبة إحداث القانون الجديد المتعلّق بتدعيم صالحيات قاضي تنفيذ العقوبات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فرضها‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬عالقة قاضي تنفيذ العقوبات باإلدارة السجنيّة‬


‫سسة السجنيّة ينجم عنه بالضّرورة التّنازع‬
‫إن تد ّخل قاضي تنفيذ العقوبات في سير المؤ ّ‬
‫ّ‬
‫بين صالحياته وصالحيات أعوان اإلدارة السجنيّة ‪ ،‬الذين قد ال يرتاحون لوجود قاض فيها‬
‫ينازعهم في سلطاتهم ويح ّد من نفوذهم‪.59‬‬
‫أن ك ّل ما يه ّم االجراءات والقرارات المتّخذة تجاه المحكوم عليه تندرج‬
‫الرغم من ّ‬
‫فعلى ّ‬
‫ضمن اختصاصات الجهة القضائيّة‪ ،‬في حين تندرج القرارات ذات ّ‬
‫الطبيعة التنظيميّة الداخلية‬
‫ألن نظام التغذية والنّوم والعمل‬
‫ضمن اختصاص الجهة اإلداريّة‪ ،‬يبقى اإلشكال قائما دائما نظرا ّ‬
‫تطور شخصيّة المحكوم عليه‬
‫سسة ‪ ،‬له تأثير كبير على ّ‬
‫وأوقات الفراغ وتغيير الدّرجة داخل المؤ ّ‬
‫نحو اإلصالح‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الرابعة من الفصل ‪ 342‬ثالثا من م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬على أنّه ‪:‬‬


‫صت الفقرة ّ‬
‫وعلى ذلك األساس فقد ن ّ‬
‫الرعاية‬
‫سجن القيام ببعض األعمال التي تقتضيها ّ‬
‫»لقاضي تنفيذ العقوبات أن يطلب من إدارة ال ّ‬
‫سجين«‪.‬‬
‫االجتماعيّة لل ّ‬

‫الرعاية االجتماعيّة والمقصود منها الب ّد من ّ‬


‫الرجوع إلى الفصل ‪ 58‬من أمر‬ ‫ولمعرفة ّ‬
‫‪ 1988‬والفصل ‪ 37‬من قانون ‪ 14‬ماي ‪ 2001‬ويمكن حصرها في النّقاط التالية ‪:‬‬
‫سجين‬
‫سلوك االنحرافي لل ّ‬
‫‪ -‬تعديل ال ّ‬
‫الحرة وتدريبه مهنيّا ومساعدته على‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬صقل طاقاته الفكريّة والبدنيّة وذلك بإعداده للحياة‬
‫التعلّم وتهذيب سلوكه‪.‬‬
‫‪ -‬متابعة حالته عند اإلفراج عنه وتسهيل اندماجه في محيطه األصلي بالتنسيق مع الهياكل‬
‫صة المعنية‪.‬‬
‫المخت ّ‬

‫الرعاية االجتماعيّة من خالل ما‬


‫وتطبيقا لذلك‪ ،‬فقد يالحظ قاضي تنفيذ العقوبات نقصا في ّ‬
‫تجمع لديه من معلومات في نطاق الزيارات التي قام بها‪ ،‬لبعض المساجين فيطلب من اإلدارة‬
‫لرياضيّة‬
‫السجنيّة القيام ببعض األعمال مثل تمكين بعض المحكوم عليهم من ممارسة األنشطة ا ّ‬
‫صلة بينهم وعائلتهم ‪.‬‬
‫أو ربط ال ّ‬

‫سؤال في هذا اإلطار عن مدى إلزاميّة طلب قاضي التنفيذ لإلدارة العقابية ؟‬
‫ويطرح ال ّ‬
‫مجرد إقتراح ‪ ،‬وبالتالي يمكن‬
‫ّ‬ ‫أن طلب قاضي التّنفيذ هو طلب ملزم أم هو‬
‫بمعنى آخر هل ّ‬
‫لإلدارة السجنيّة عدم تنفيذه؟‬

‫بالرجوع إلى مقترح لجنة ال ّ‬


‫شؤون السياسيّة والعالقات الخارجيّة حول تعويض عبارة »أن‬ ‫ّ‬

‫‪192‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يطلب من« الواردة بالفقرة الرابعة من الفصل ‪ 342‬ثالثا م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬بعبارة »أن يأيذن« نالحظ أنّه‬
‫جاء في ر ّد وزارة العدل وحقوق اإلنسان على هذا المقترح ما يلي ‪ّ » :‬‬
‫إن استعمال عبارة »أن‬
‫يطلب من« تؤ ّكد عالقة التّعاون التي ستقوم بين المؤ ّ‬
‫سسة السجنيّة وقاضي تنفيذ العقوبات‬
‫سجين‪ ،‬في حين ّ‬
‫أن عبارة أن يأذن‬ ‫الروابط األسريّة لل ّ‬
‫ومساهمة هذا األخير في الحفاظ على ّ‬
‫المقترحة تقتضي إجرائيّا وجود مطلب مسبّق من جهة معيّنة‪ ،‬إضافة إلى ّ‬
‫أن قاضي تنفيذ‬
‫سجون واإلصالح«‪.60‬‬
‫العقوبات ليست له صالحيات اإلشراف اإلداري على إدارة ال ّ‬

‫ي صبغة إلزاميّة‬ ‫مجرد اقتراحات ليست لها أ ّ‬


‫ّ‬ ‫ويفهم م ّما تقدّم أن طلبات قاضي التّنفيذ هي‬
‫سسة العقابيّة‪.‬‬‫أن قاضي التّنفيذ ليست له أيّة سلطة إشراف على المؤ ّ‬
‫تجاه اإلدارة باعتبار ّ‬

‫المشرع يكون بذلك قد أسند‬


‫ّ‬ ‫وقد انتقد جملة من الفقهاء هذا الموقف التشريعي‪ ،‬باعتبار ّ‬
‫أن‬
‫ي تغيير حقيقي‬
‫لقاضي تنفيــذ العقوبات صالحيات شكليّــة ال ترتقي إلى درجة إمكانية إحداث أ ّ‬
‫سجين‪ ،‬أو تفعيل الغاية التّفريديّة للمراقبة‪.61‬‬
‫في وضعيّة ال ّ‬

‫المشرع التونسي قد رفض أيّة عالقة تبعيّة بين قاضي التنفيذ‬


‫ّ‬ ‫إالّ أنّه يمكن تبرير ذلك ّ‬
‫بأن‬
‫ي تد ّخل من قبل القاضي في التّسيير اإلداري للمؤ ّ‬
‫سسة السجنية ‪،‬‬ ‫واإلدارة العقابية ‪ ،‬وكذلك أ ّ‬
‫سع فيها‪.‬‬
‫مفضّال تحديد اختصاصات قاضي التنفيذ على وجه الحصر بحيث ال يمكن التو ّ‬

‫المشرع الفرنسي بالفصل ‪ D116‬م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬ف‪ .‬فقد وضع الح ّد الفاصل بين اختصاصات‬
‫ّ‬ ‫أ ّما‬
‫اإلدارة وقاضي تطبيق العقوبات ‪ ،‬بحيث ال يمكنه الحلول مح ّل المدير الجهوي أو مدير المؤ ّ‬
‫سسة‬
‫سهر على تفريد تنفيذ‬ ‫السجنيّة في ك ّل ما يه ّم تنظيم ال ّ‬
‫سجون أو إدارتها‪ ،‬بل تنحصر مه ّمته في ال ّ‬
‫العقوبة‪ ،‬وذلك بمراقبة ظروف تنفيذها وتحديد أه ّم أساليب المعاملة الجزائيّة‪.62‬‬
‫ي عالقة تبعية بين قاضي التّنفيذ واإلدارة العقابيّة ‪ ،‬فإنّه‬
‫المشرع التونسي أ ّ‬
‫ّ‬ ‫ولئن رفض‬

‫‪193‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سعى نحو تكريس مبدأ التّكامل بينهما وذلك بمقتضى ما ورد بالفصل ‪ 336‬فقرة ثانية من قانون‬
‫نص على أن »يتولّى‬
‫‪ 29‬أكتوبر ‪ 2002‬والمتعلّق بتدعيم صالحيات قاضي تنفيذ العقوبات الذي ّ‬
‫قاضي تنفيذ العقوبات التّابع له ّ‬
‫مقر إقامة المحكوم عليه بمتابعة تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة‬
‫سجون وتحت إشراف النّيابة العموميّة« ‪.‬‬
‫العا ّمة بمساعدة مصالح ال ّ‬

‫أن هذا الفصل يؤ ّكد على واجب التّعاون بين الجهازين القضائي واإلداري لتنفيذ‬
‫والمالحظ ّ‬
‫عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة‪ ،‬إالّ أنّه ال يخلو من بعض اإلشكاالت التّطبيقيّة ضرورة ّ‬
‫أن‬
‫المشرع لم يحدّد مدى هذه المساعدة وكيفيّتها‪.‬‬
‫ّ‬

‫أ ّما في القانون الفرنسي ّ‬


‫فإن قاضي تطبيق العقوبات يعمل بمساعدة لجنة المراقبة ومساعدة‬
‫سجنية‪ ،‬لكنّها تعمل تحت إشراف قاضي التّطبيق‬
‫سسة ال ّ‬
‫المسرحين وهي لجنة تابعة إداريّا للمؤ ّ‬
‫ومن أه ّم مهامها مساعدة المسرحين على الحصول على عمل أو تربّص مهني ومساعدة قاضي‬
‫تطبيق العقوبات في تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة‪.63‬‬
‫باإلضافة إلى هذه االشكاالت التي تطرح في عالقة قاضي تنفيذ العقوبات مع اإلدارة‬
‫السجنيّة‪ ،‬فإنّه تطرح اشكاالت ها ّمة في عالقة قاضي التنفيذ بوكيل الجمهوريّة ‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬عالقة قاضي تنفذ العقوبات بوكيل الجمهوريّة‬


‫ينص الفصل ‪ 336‬من م‪.‬إ‪.‬ج‪ .‬على أنّه »يتتبّع تنفيذ الحكم ممثّل النابة العموميّة والخصوم‬
‫ّ‬
‫أن مه ّمة تنفيذ الحكم الجزائي ترجع إلى هيكل النّيابة العموميّة‪،‬‬
‫صه« ويفهم من ذلك ّ‬
‫ك ّل فيما يخ ّ‬
‫أ ّما قاضي تنفيذ العقوبات فهو مكلّف بمتابعة التّنفيذ وال ّ‬
‫سهر على تفريد العقوبة الجزائيّة‪.‬‬
‫أن النّيابة العموميّة‬
‫على أنّه ال يمكن القول بانقطاع أيّة عالقة بين هذين الجهازين ‪ ،‬ذلك ّ‬
‫ّ‬
‫اإلطالع على ك ّل ما يطرأ على‬ ‫بوصفها المشرفة على تنفيذ األحكام الجزائيّة محمولة على‬
‫المؤرخ في‬
‫ّ‬ ‫التنفيذ‪،‬وتدعمت هذه العالقة بصدور القانون عدد ‪ 92‬لسنة ‪2002‬‬

‫‪194‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 29 10 2002‬والمتعلّق بتدعيم صالحيات قاضي تنفيذ العقوبات وذلك بإسناد هذا األخير‬
‫سراح الشرطي غير ّ‬
‫أن اإلشكال‬ ‫مه ّمة مراقبة تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة ومنح ال ّ‬
‫المطروح يتمثّل في طبيعة العالقة ّ‬
‫الرابطة بين الجهازين ؟‬

‫باإلطالع على القانون المتعلّق بتدعيم صالحيات قاضي تنفيذ العقوبات يبدو رأي وكيل‬
‫ّ‬
‫الجمهوريّة بالنسبة لقاضي التنفيذ تارة استشاريا وتارة ملزما‪.‬‬

‫فإن قانون ‪ 29‬أكتوبر ‪2002‬‬ ‫فبالنّسبة لمراقبة عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة‪ّ ،‬‬
‫يشترط الحصول على موافقة وكيل الجمهوريّة قبل أن يتولّى قاضي تنفيذ العقوبات تحديد العمل‬
‫الذي سيقوم به المحكوم عليه ومدّته ‪ ،‬وكذلك قبل أن يقوم بتعديل التّدابير المت ّخذة تجاه المحكوم‬
‫عليه أو أيضا في صورة تعليق تنفيذ العقوبة‪ ،‬وعليه ّ‬
‫فإن رأي وكيل الجمهوريّة في هذه الحالة‬
‫ملزم تجاه قاضي تنفيذ العقوبات أو على األق ّل ّ‬
‫فإن هذا األخير مقيّدا بموافقة وكيل الجمهوريّة ‪.‬‬

‫المشرع يشترط أخذ رأي وكيل الجمهوريّة قبل‬


‫ّ‬ ‫سراح الشرطي‪ّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫أ ّما بخصوص منح ال ّ‬
‫سراح الشرطي أو أن يرجع فيه‪ ،‬لكن ال شيء يد ّل على ّ‬
‫أن‬ ‫أن يمنح قاضي تنفيذ العقوبات ال ّ‬
‫هذاالرأي ملزم بالنّسبة له‪ ،‬وفي هذا اإلطار نتساءل عن الدّاعي من وراء إستشارة وكيل‬
‫ّ‬
‫سراح ال ّ‬
‫شرطي فقد كان يكفي إعالم وكيل الجمهوريّة بقرارات قاضي تنفيذ‬ ‫الجمهوريّة قبل منح ال ّ‬
‫العقوبات حتى يمارس حقّه في ّ‬
‫الطعن‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار قد تفرض بعض القوانين المقارنة على قاضي التّنفيذ وقبل اتّخاذ بعض‬
‫القرارات أخذ رأي ممثّل النّيابة العموميّة كما قد تفرض إعالم هذا األخير ببعض القرارات ‪.‬‬
‫المشرع أن يأخذ قاضي تطبيق العقوبات رأي وكيل الجمهوريّة قبل أخذ‬
‫ّ‬ ‫فمثال بفرنسا يشترط‬
‫قرار تجزئة العقوبة أو تعليقها فصل ‪ 720‬فقرة أولى من م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬ف‪ ،‬ولئن كان هذا اإلجراء‬

‫‪195‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وجوبيا فإن رأى وكيل الجمهوريّة غير ملزم بالنسبة لقاضي تطبيق العقوبات ‪ ،‬كما يفرض‬
‫المشرع الفرنسي أن يقع إعالم وكيل الجمهوريّة بقرارات قاضي تطبيق العقوبات في ك ّل‬
‫ّ‬
‫الحاالت التي ال يأخذ فيها هذا األخير رأي لجنة تطبيق العقوبات‪.64‬‬

‫أن موقف التّشريع التونسي المتمثّل في اشتراط‬


‫ومهما يكن من أمر فإنّه يمكن القول ّ‬
‫بالمرة‪ ،‬فقد كان الهدف من وراء إشراف‬
‫ّ‬ ‫الحصول على موافقة وكيل الجمهوريّة ال يبدو وجيها‬
‫قاضي تنفيذ العقوبات على تنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العا ّمة والعمل على جعل هذه‬
‫العقوبة تتماشى مع خصوصيات ك ّل شخصيّة‪ ،‬بحيث يقوم قاضي تنفيذ العقوبات باختيار العمل‬
‫الذي يتكافئ مع القدرات البدنّة للمحكوم عليه‪ ،‬ويقوم بتعديله إن لزم األمر‪ ،‬وهو إذن »المؤ ّهل‬
‫أكثر من غيره لمالءمة العمل مع مؤ ّهالت المحكوم عليه ‪ ،‬فلماذا يت ّم الح ّد من صالحيات قاضي‬
‫تنفيذ العقوبات باشتراط موافقة وكيل الجمهوريّة ‪ ،‬وما هو الح ّل في صورة عدم الموافقة‬
‫تقرر‬ ‫مجرد ّ‬
‫اطالع وكيل الجمهوريّة على ما ّ‬ ‫ّ‬ ‫وإصرار قاضي التّنفيذ على موقفه ؟ وقد كان يكفي‬
‫حتى يأذن بال ّ‬
‫شروع في التنفيذ«‪.65‬‬

‫أ ّما في ما يتعلّق باشتراط موافقة وكيل الجمهوريّة في صورة تعليق العقوبة ‪ ،‬فهي‬
‫وأن أسباب التّعليق محدّدة مسبّقا بحيث ال يمكن لقاضي تنفيذ‬
‫صة ّ‬‫األخرى تبدو غير ضروريّة خا ّ‬
‫سع فيها‪.‬‬
‫العقوبات أن يتو ّ‬

‫وما يمكن استنتاجه هو ّ‬


‫أن عالقة قاضي تنفيذ العقوبات بوكيل الجمهوريّة وإن كانت‬
‫ضروريّة ومفترضة‪ ،‬إالّ أنّه ال يجب أن تصل إلى درجة الح ّد من صالحيات قاضي التّنفيذ‪،‬‬
‫باإلضافة إلى اإلشكاالت التي تطرحها مسألة االختصاص وتوزيع الصالحيات هناك إشكاالت‬
‫ته ّم طبيعة القرارات المتّخذة من طرف قاضي التنفيذ وطرق ّ‬
‫الطعن فيها‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬الحدود المتعلّقة بقرارات قاضي التّنفيذ‬

‫سسة قاضي تنفيذ العقوبات لهذا الجهاز اتّخاذ‬


‫خولت معظم التّشريعات التي أحدثت مؤ ّ‬
‫ّ‬
‫التعرض إليها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫جملة من القرارات التي سبق‬

‫الحق إشكاال تمثّل في صعوبة تحديد طبيعة واحدة للقرارات الصادرة عن‬
‫ّ‬ ‫وقد أثار هذا‬
‫سسة ‪،‬‬
‫قاضي التنفيذ تحقيقا لتفريد العقوبة ‪/‬الفقرة األولى ‪ /‬ويعود ذلك إلى خصوصيّة هذه المؤ ّ‬
‫وهو ما نتجت عنه صعوبة أخرى تتعلّق بطرق ّ‬
‫الطعن ض ّد قرارات قاضي التّنفيذ ‪/‬الفقرة الثانية‪./‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬الطبيعة القانونيّة لقرارات قاضي التّنفيذ‬


‫أثارت مسألة الطبيعة القانونيّة لقرارات قاضي التنفيذ جدال كبيرا وها ّما بين الفقهاء‪ ،‬نتج‬
‫سبل التي اتّبعها هؤالء للوصول إلى تحديد هذه ّ‬
‫الطبيعة‪.66‬‬ ‫تنوع ال ّ‬
‫عنه ّ‬

‫ويتمحور هذا الجدل حول ما إذا كانت القرارات التي يتّخذها قاضي تنفيذ العقوبات لها‬
‫صبغة قضائيّة أم ذات طبيعة إداريّة ؟‬

‫المختص بالنّظر‬
‫ّ‬ ‫سبيل لمعرفة الجهاز القضائي‬
‫سر ال ّ‬ ‫والمالحظ ّ‬
‫أن تحديد طبيعة القرار يي ّ‬
‫في النّزاعات التي تثيرها أو تثار بشأنها‪.‬‬

‫واإلشكال المطروح في هذا اإلطار لم يكن موضع جدل بالنّسبة لبعض التشريعات التي‬
‫أسندت لقاضي التّنفيذ اختصاصات معيّنة اعتبرتها إ ّما قضائيّة أو إداريّة‪ ،‬مثل التّشريع البرتغالي‬
‫الذي لم يسند لمحكمة تنفيذ العقوبات غير بعض اإلختصاصات التي إعتبرها قضائيّة‪ ،‬والتّشريع‬
‫خص المحكمة العقابيّة‬
‫ّ‬ ‫خص القاضي العقابي بالقرارات ذات الطابع اإلداري‪ ،‬بينما‬
‫ّ‬ ‫البولوني الذي‬

‫‪197‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أن هذا اإلشكال بقي على حاله في التّشريعات التي لم تحدّد‬


‫بالقرارات ذات الطابع القضائي‪ .‬على ّ‬
‫صادرة عن قاضي التّنفيذ ومثال ذلك فرنسا‪ .‬ولقد اختلفت اإلتّجاهات في تكييف‬
‫طبيعة القرارات ال ّ‬
‫قرارات هذا القاضي ويُمكن التّفريق بين ثالثة إتّجاهات ‪:‬‬

‫‪ - 1‬الطبيعة اإلداريّة لقرارات قضاء التّنفيذ ‪:‬‬


‫بمجرد النطق بالحكم‪ ،‬أ ّما فيما‬
‫ّ‬ ‫أن العمل القضائي ينتهي‬ ‫يالحظ الفقهاء المتبنّين لهذا ّ‬
‫الرأي ّ‬
‫يتعلّق بتنفيذه فيع ّد عمال إداريا ‪ ،‬وبالتالي ّ‬
‫فإن قاضي التّنفيذ يصدر قرارات إداريّة ‪ ،‬ذلك أنّه ال‬
‫يفض منازعة بل له أن يلتجأ إلى اتّخاذ القرارات من تلقاء نفسه وهو ما يجعلها ذات صبغة‬
‫إداريّة ‪ ،‬فضال ّ‬
‫وأن اختصاصاته كانت تدخل أصال في اختصاصات اإلدارة العقابيّة‪.‬‬

‫‪ّ -2‬‬
‫الطبيعة القضائيّة لقرارات قاضي التّنفيذ ‪:‬‬
‫صادرة عن قاضي التّنفيذ لو اعتبرت إداريّة‪ .‬لكان‬ ‫الرأي ّ‬
‫أن األعمال ال ّ‬ ‫يرى أصحاب هذا ّ‬
‫معناه أال يكون هناك سوى المسؤوليّة األدبيّة لمن يقوم بهذا العمل‪ ،‬حيث ال طرق ّ‬
‫للطعن ‪ ،‬وال‬
‫رقابة رئاسيّة‪ .‬ولن يستطيع قاضي التّنفيذ أن يضيف شيئا جديدا إذا لم يكن له سوى الوظائف‬
‫سلطة القضائية سوف‬ ‫اإلداريّة ‪ .‬فينبغي لوظائف القاضي أن تتمتّع بال ّ‬
‫صفة القضائيّة ولكن هذه ال ّ‬
‫صة ال تتقيّد بالشكلية وال حجيّة األحكام‪.67‬‬
‫تكون من طبيعة خا ّ‬

‫خاص لقرارات قضاء التّنفيذ ‪:‬‬


‫ّ‬ ‫‪ - 3‬طبيعة من نوع‬
‫يقر أصحاب هذا اإلتّجاه بطبيعة واحدة لقرارات قاضي التّنفيذ‪ ،‬بل إنّهم يحاولون البحث‬
‫ال ّ‬
‫على معيار يمكن اإلستناد إليه لضبط هذه ّ‬
‫الطبيعة‪.‬‬

‫على أنّه لم يقع االتّفاق على معيار واحد‪ ،‬بل تعدّدت المعايير المقترحة ومن أه ّمها معيار‬
‫سة بطبيعة العقوبة ‪ ،‬وهو المعيار الذي اعتمدته محكمة التّنـازع الفرنسيّـة منذ‬
‫القرارات الما ّ‬

‫‪198‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫صادر في ‪ 22‬فيفري ‪ 1960‬المعروف بــــ ‪ Arrêt Dame Fergeau :‬حيث‬


‫قرارهـا ال ّ‬
‫بأن الفصل في النّزاعات المتعلّقة بطبيعة العقوبة المحكوم بها وحدودها يعود للقضاء‬
‫أقرت ّ‬
‫ّ‬
‫صادر في ‪9‬‬ ‫العدلي دون سواه‪ .‬وفي نفس اإلتّجاه ّ‬
‫أقر مجلس الدّولة الفرنسي بموجب قراره ال ّ‬
‫ّ‬
‫بالحط من العقوبة وعلى‬ ‫نوفمبر ‪ 1990‬المعروف بـ ‪ Arrêt Théron :‬بشأن قرار قضى‬
‫هذا األساس وقع التّفريق بين التدابير التي تمثّل شكال من أشكال المعالجة السجنية والتي يمكن‬
‫تمس مباشرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الطعن فيها لدى المحكمة اإلداريّة ‪ ،‬وبالتالي تعتبر قرارات إداريّة ‪ ،‬والتّدابير التي‬
‫الطعن فيها إلى القضاء العدلي وبالتالي تعتبر قرارات قضائيّة‪.68‬‬ ‫العقوبة والتي يعود ّ‬

‫ونظرا لصعوبة تحديد طبيعة قرارات قاضي التّنفيذ‪ ،‬فقد اعتبرها بعض الفقهاء أنّها‬
‫خاص ‪ Sui-Generis‬وليست قرارات قضائيّة وليست كذلك قرارات‬
‫ّ‬ ‫قرارات من نوع‬
‫إداريّة‪.69‬‬

‫أ ّما في القانون التونسي‪ّ ،‬‬


‫فإن قاضي تنفيذ العقوبات يصدر قرارين إثنين وهما قرار منح‬
‫التّرخيص بالخروج وقرار منح ال ّ‬
‫سراح ال ّ‬
‫شرطي‪.‬‬
‫فما هي طبيعة هذه القرارات وكيف يمكن تكييفها ؟‬

‫في ما يتعلّق بقرار منح التّراخيص بالخروج فإنّه يصعب تحديد الطبيعة القانونيّة له‪ ،‬ذلك‬
‫أن مثل هذا القرار ال يتعلّق بطبيعة العقوبة وال يمسها ‪ ،‬وال يمكن بالتّالي إعتباره قرارا قضائيّا‪،‬‬
‫ّ‬
‫كما يصعب اعتبار هذا القرار إداريّا ‪ ،‬ولعل ما يؤيّد ذلك ّ‬
‫أن مجلس الدّولة الفرنسي ‪ ،‬وبعد أن‬
‫صة بالمعاملة العقابيّة تع ّد قرارات إداريّة تراجع ورفض النّظر في مثل‬ ‫اعتبر ّ‬
‫أن القرارات الخا ّ‬
‫مؤرخ في ‪ 8‬ديسمبر ‪ ./1967‬لذلك فقد‬
‫ّ‬ ‫هذه القرارات لعدم اإلختصاص ‪/‬مجلس الدّولة قرار‬
‫أن قرارات قاضي تطبيق العقوبات في فرنسا والمر ّخصة بالخروج هي‬
‫اعتبر ‪ّ Hourcade‬‬
‫قرارات ما قبل قضائيّة ‪.Décisions pré-juridictionnelles 70‬‬
‫‪199‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أن منح التّرخيص بالخروج هو قرار‬ ‫إالّ ّ‬


‫أن الدّكتور عبد العظيم مرسي وزير اعتبر ّ‬
‫ي نزاع‪،‬‬
‫سلطة الوالئيّة يثبت مجالها حين يمارس القاضي ‪ ،‬بعيدا عن أ ّ‬ ‫والئي‪ ،‬باعتبار ّ‬
‫أن »ال ّ‬
‫الرقابة دون تقرير ّ‬
‫حق في خصومة بين األطراف‪...‬‬ ‫سلطات اإلثبات أو الحماية أو الوصاية أو ّ‬
‫وهي ليست موضعا ّ‬
‫للطعن ‪ ،‬فقط يمكن تعديلها أو سحبها«‪.71‬‬

‫الرأي األخير‪ ،‬هو األقرب لتحديد الطبيعة القانونيّة لقرار منح التّرخيص‬
‫ويبدو هذا ّ‬
‫صة ّ‬
‫وأن هذا األخير ينظر فيها من خالل سلطته‬ ‫بالخروج الذي يصدره قاضي تنفيذ العقوبات خا ّ‬
‫ينظم أي طريقة ّ‬
‫للطعن في مثل هذه القرارات‪.‬‬ ‫المشرع لم ّ‬
‫ّ‬ ‫التقديريّة‪ ،‬وباعتبار ّ‬
‫أن‬

‫أن هذا القرار ال يثير إشكاال يذكر‪ ،‬فال‬ ‫سراح ال ّ‬


‫شرطي‪ ،‬يبدو ّ‬ ‫أ ّما بالنسبة لقرار منح ال ّ‬
‫فيحوله من سالب‬
‫ّ‬ ‫يمس من طبيعة الجزاء المحكوم به‬
‫ّ‬ ‫سراح ال ّ‬
‫شرطي‬ ‫يختلف إثنان ّ‬
‫أن قرار منح ال ّ‬
‫للحرية إلى مقيّد لها‪.‬‬
‫ّ‬

‫المشرع‬
‫ّ‬ ‫الرأي هو ّ‬
‫أن‬ ‫وبالتالي يص ّح اعتبار هذا القرار قرارا قضائيّا‪ ،‬ولع ّل ما يؤيّد هذا ّ‬
‫كرس من خالل قانون توسيع صالحيات قاضي تنفيذ العقوبات طريقة قضائيّة ّ‬
‫للطعن في‬ ‫التونسي ّ‬
‫سراح ال ّ‬
‫شرطي‪.‬‬ ‫قرار منح ال ّ‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬طرق ّ‬


‫الطعن في قرارات قاضي تنفيذ العقوبات‬
‫ثار الجدل بين الفقهاء حول مدى قابليّة قرارات قاضي التّنفيذ ّ‬
‫للطعن‪ ،‬فهناك من اقتـرح‬
‫تكليف قاضي مستشـار لتطبيق العقوبات يهت ّم أساسا بالتّنسيق بين أعمال القضاة من هذا ال ّ‬
‫صنف‬
‫للطعن‪ ،72‬وذلك بسبب ّ‬
‫الطبيعة المزدوجة لقرارات‬ ‫في الجهة الواحدة‪ ،‬عوضا عن إنشاء درجة ّ‬
‫يختص بالنّظر في هذه ّ‬
‫الطعون‪ ،‬هذا فضال‬ ‫ّ‬ ‫قاضي التّنفيذ ‪ ،‬م ّما يصعب معه تحديد الجهاز الذي‬

‫‪200‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عن خصوصيّة المها ّم التي يضطلع بها قاضي التنفيذ‪ ،‬والتي ينفرد بها عن القضاء العادي‪،‬‬
‫وتكمن هذه الخصوصيّة في كون هذه المها ّم تكتسي بعدا إنسانيّا‪ ،‬اجتماعيّا وتربويا‪ ،‬يعكس‬
‫سسة على تفريد العقوبة أثناء تنفيذها‪.‬‬
‫حرص هذه المؤ ّ‬
‫شق آخر من الفقهاء إلى إمكانية ّ‬
‫الطعن في قرارات قاضي التّنفيذ وذلك‬ ‫في المقابل ذهب ّ‬
‫حسب نوعيّة وطبيعة القرار الذي يتّخذه‪.73‬‬

‫فإن أغلب التّشاريع اتّفقت على ّ‬


‫أن قرارات‬ ‫وفي هذا اإلطار ورغم اإلختالف الفقهي ّ‬
‫قاضي تنفيذ العقوبة قابلة ّ‬
‫للطعن لدى جهة قضائيّة باالستئناف والتعقيب وذلك مثل التّشريع‬
‫ّ‬
‫الطعن بمنح هذه الصالحية للنّيابة‬ ‫أقر التّشريع الفرنسي إمكانية‬
‫البرتغالي واأللماني‪ .‬كما ّ‬
‫العموميّة وذلك أمام جهازين قضائيين مختلفين هما المحكمة الجناحيّة ودائرة االتّهام‪.74‬‬

‫بالنّسبة ّ‬
‫للطعن أمام المحكمة الجناح ْيّة فقد ّ‬
‫نص الفصل ‪ 733‬فقرة أولى من م‪.‬إ‪.‬ج‪.‬ف‪ .‬على‬
‫أنّه يمكن لوكيل الجمهوريّة أن يطعن في القرارات الصادرة عن قاضي تطبيق العقوبات‬
‫والمتمثّلة في القرارات التالية ‪:‬‬
‫‪ -‬تعليق تنفيذ العقوبة أو تجزئتها‬
‫سجن أو التّمتيع بنظام شبه الحريّة‬
‫‪ -‬الوضع خارج ال ّ‬
‫‪ -‬الترخيص بالخروج‬
‫سراح ال ّ‬
‫شرطي ‪.‬‬ ‫‪ -‬ال ّ‬

‫ويمكن لممثّل النيابة العموميّة أن يطعن في بعض القرارات األخرى ناسبا إليها خرق‬
‫سراح الشرطي‪ ،‬ويت ّم تعهيد المحكمة الجناحيّة ‪/‬التابع لها مكان‬
‫الرجوع في ال ّ‬
‫القانون ‪ ،‬من ذلك ّ‬
‫سجن المحكوم عليه أو مكان إقامته‪ /‬بموجب عريضة يرفعها وكيل الجمهورية في ظرف ‪24‬‬
‫ساعة إذا كان حاضرا أي إذا صدر قرار عن لجنة تطبيق العقوبات أو من تاريخ إعالمه في‬

‫‪201‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الحاالت األخرى ‪ ،‬ويعلّق هذا الطعن تنفيذ قرارات قاضي تطبيق العقوبات وال تقبل القرارات‬
‫صادرة عن المحكمة الجناحيّة ّ‬
‫الطعن إال بالتعقيب‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ّ‬
‫بالطعن أمام دائرة اإلتّهام فإنّه يمكن لوكيل الجمهوريّة أن يطعن في‬ ‫أ ّما في ما يتعلّق‬
‫قرارات قاضي تطبيق العقوبات أمام دائرة االتّهام ‪ ،‬كلّما تعلّقت هذه القرارات بمحكوم عليه من‬
‫أجل ‪ :‬جريمة قتل قاصر سنّه خمسة عشر سنة والمسبوق أو المصاحب باالعتداء بالفاحشة أو‬
‫بممارسة التّعذيب أو بأعمال وحشية‪ ،‬وكذلك المحكوم عليه من أجل االغتصاب ومختلف‬
‫االعتداءات الجنسيّة األخرى‪.‬‬

‫ّ‬
‫بالطعن في‬ ‫فإن التّشريع الفرنسي لم ّ‬
‫يقر باختصاص القضاء اإلداري‬ ‫إلى جانب ذلك ّ‬
‫أن فقه القضاء قبل مثل هذا ّ‬
‫الطعن من ذلك أنّه ّ‬
‫أقر مسؤوليّة‬ ‫قرارات قاضي تطبيق العقوبات‪ .‬إالّ ّ‬
‫سجون وأ ّكد اختصاص القضاء اإلداري بالنّظر في التّعويض عن األضرار‬
‫المرفق العام لل ّ‬
‫النّاجمة عن قرار ات قاضي تطبيق العقوبات مثال ذلك تعويض أرملة سجين قتل بمناسبة خروجه‬
‫سجن بعد التّرخيص له من طرف قاضي تطبيق العقوبات ‪.‬‬
‫من ال ّ‬

‫المشرع في إطار القانون عدد ‪ 92‬لسنة ‪2002‬‬


‫ّ‬ ‫أ ّما بالنّسبة للقانون التّونسي فقد ّ‬
‫خول‬
‫المؤرخ في ‪ 29 10 2002‬والمتعلّق بتدعيم صالحيات قاضي تنفيذ العقوبات سلطة منح‬ ‫ّ‬
‫شرطي لقاضي التّنفيذ وإمكانية ّ‬
‫الطعن في مثل هذا القرار ‪.‬‬ ‫سراح ال ّ‬
‫ال ّ‬

‫أن ‪» :‬القرار الصادر عن قاضي تنفيذ‬ ‫مكرر فقرة ثامنة على ّ‬


‫ّ‬ ‫نص الفصل ‪342‬‬ ‫ّ‬ ‫فقد‬
‫شرطي‪ /‬قابل ّ‬
‫للطعن لدى دائرة اإلتّهام من قبل وكيل الجمهوريّة في أجل‬ ‫سراح ال ّ‬
‫العقوبات ‪/‬منح ال ّ‬
‫ّ‬
‫والطعن يوقف تنفيذ القرار«‪.‬‬ ‫أربعة أيام من تاريخ إطالعه عليه‬

‫فإن‬ ‫ّ‬
‫بالطعن وعليه ّ‬ ‫سراح ال ّ‬
‫شرطي هو المقصود‬ ‫ويفهم من الفصل المذكور ّ‬
‫أن قرار منح ال ّ‬

‫‪202‬‬
‫تفريد العقوبة في المادة الجزائية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫بالرجوع في ذلك غير قابل ّ‬


‫للطعن‪.‬‬ ‫القرار القاضي ّ‬

‫صة بالنّظر في ّ‬
‫الطعن المق ّدم ض ّد قرار قاضي تنفيذ‬ ‫أن دائرة اإلتّهام هي المخت ّ‬
‫كما ّ‬
‫العقوبات‪ ،‬والتي يجب أن يتّبعها قاضي التّنفيذ ترابيا بناء على أنّه يزور الوحدات السجنيّة التابعة‬
‫لدائرة مرجع نظره‪.‬‬

‫الطعن فهي وكيل الجمهوريّة وبذلك فقد أقصى‬ ‫صة برفع ّ‬ ‫والمالحظ ّ‬
‫أن الجهة المخت ّ‬
‫التّشريع التّونسي وكذلك الفرنسي إمكانية ال ّ‬
‫طعن المثار من طرف المحكوم عليه ‪ ،‬وقد انتقد عديد‬
‫الفقهاء هذا اإلقصاء إذ أنّه يجعل وكيل الجمهوريّة الجهاز الوحيد الضّامن لمصالح المحكوم عليه‬
‫وذلك حين يخرق القاضي القانون على حساب هذا األخير‪.75‬‬

‫سبب فقد قبل فقه القضاء الفرنسي في بعض المناسبات ّ‬


‫الطعن المرفوع من قبل‬ ‫لذلك ال ّ‬
‫المحكوم عليه ض ّد قرارات قاضي تطبيق العقوبات ‪ ،‬فقد قبلت المحكمة الجناحيّة بمرسيليا في‬
‫المؤرخ في ‪ 21‬نوفمبر ‪ّ 1994‬‬
‫الطعن المثار من قبل المحكوم عليه ض ّد قرار قاضي‬ ‫ّ‬ ‫قرارها‬
‫الحرية المحروسة في حال أنّه طلب تمتيعه بال ّ‬
‫سراح‬ ‫ّ‬ ‫تطبيق العقوبات الذي تمتّع بمقتضاه بنظام‬
‫ال ّ‬
‫شرطي‪.‬‬

‫المؤرخ‬
‫ّ‬ ‫وفي نفس اإلتّجاه وفي قراراتها ال ّ‬
‫صادرة في ‪ 27‬أفريل ‪ 1994‬وكذلك قرارها‬
‫حق المحكوم عليه في ّ‬
‫الطعن في‬ ‫ّ‬ ‫أقرت محكمة التّعقيب الفرنسيّة‬
‫في ‪ 10‬أفريل ‪ّ ،1996‬‬
‫صادرة عن قاضي تطبيق العقوبات‪.76‬‬
‫القرارات ال ّ‬

‫‪203‬‬

You might also like