Professional Documents
Culture Documents
أساليب الجواب في القرآن الكريم
أساليب الجواب في القرآن الكريم
ws
مت إعداد هذا امللف آليا بواسطة املكتبة الشاملة
أساليب اجلواب
يف القرآن الكرمي
رسالة قدمها
مهدي راضي عبد السادة الساعدي
إىل جملس كلية اآلداب يف جامعة بغداد ،وهي جزء من متطلبات نيل درجة املاجستري يف اللغة العربية
وآداهبا.
إبشراف
األستاذ الدكتور :فائز طه عمر
1423هـ 2002 ...م
()/
اقرار املشرف
أشهد أن إعداد هذه الرسالة قد جرى حتت إشرايف يف قسم اللغة العربية العربية يف كلية اآلداب
جبامعة بغداد ،وهي جزء من متطلبات درجة املاجستري يف اللغة العربية وآداهبا.
التوقيع:
املشرف :أ .د :.فائز طه عمر
التاريخ:
التوقيع:
أ .د .عناد غزوان امساعيل
رئيس قسم اللغة العربية
التاريخ2002 / ... / ... :
()/
اإلهداء
مهدي
()/
شكر وتقدير
من األمانة االعرتاف بفضل أصحاب الفضل الذين أسهموا إسهاما فاعال يف إيصال البحث إىل ما
يقوم ما اعوج
وصل إليه ،شكرا جزيال للرجل الذي مل يبخل عليا بوقته الثمني وإرشاداته القيمة فكان ّ
من هذا البحث خبلق رفيع وبتواضع العلماء أستاذي الفاضل الدكتور فائز طه عمر.
كما أقدم وافر الشكر والتقدير إىل الدكتورة هدى حممد صاحل احلديثي ليت أفدت من توجيهاهتا
السديدة ،وأتوجه ابلشكر واالمتنان إىل األستاذ الدكتور ماهر مهدي هالل الذي جعل البحث
يستقر على هذا العنوان.
وشكري اجلزيل لألستاذ الدكتور عناد غزوان الذي أفادين كثريا إبرشاداته املهمة يف أوىل خطوات
البحث.
إيل املساعدة وخصوصا األخ رعد كاظم،
كما أتوجه ابلشكر واالمتنان جلميع ألصدقاء الذين قدموا ّ
إيل كانت أمانة ثقيلة يف عنقي ،وخاصة زوجيت
وكل احلب والتقدير لعائليت فردا فردا؛ الن نظراهتم ّ
اليت ساعدتين على مجيع مراحل البحث؛ وال أنسى أن أتوجه ابلشكر والتقدير إىل العاملني يف مكتبة
قسم اللغة العربية ،ومكتبة كلية اآلداب ،ومكتبة الدراسات العليا واملكتبة املركزية ،ومكتبة كلية
العلوم اإلسالمية الذين يقدمون خدمات جليلة لبحث والباحثني.
وشكرا شكرا لكل من قدم يل شيئا يف سبيل إجناز هذا البحث ولو كان ذلك كلمة طيبة شد هبا من
عزمييت.
مع اعتذاري الشديد إىل كل من قصرت يف حقه طوال مدة هذا البحث
مهدي
()/
املقدمة
احلمد هلل األول قبل االنشاء واالحياء ،واآلخر بعد فناء األشياء ،العليم الذي ال ينسى من ذكره ،وال
ينقص من شكره ،وال خييب من دعاه ،وال يقطع رجاء من رجاه ،اللهم صل على حممد عبدك
ورسولك ،وأمينك وصفيك ،وحبيبك ،وخريتك من خلقك ،وحافظ سرك ،ومبلغ رساالتك ،افضل،
وأحسن ،وامجل ،وأكمل ،وأمنى ،وأطيب ،وأطهر ،وأسىن ،وأكثر ما صليت على أحد من عبادك،
وأنبيائك ،ورسلك ،وصفوتك ،وأهل الكرامة عليك من خلقك ،وعلى آله الطيبني الطاهرين الذين
أذهبت عنهم الرجس ،وطهرهتم تطهريا ،وعلى أصحابه املنتجبني امليامني الذين آزروا ونصروا حىت
أظهرت دينك.
أما بعد:
فقد كانت الرغبة جتذبين بشدة إىل أن يكون حبثي يف مرحلة املاجستري متصال ابلقرآن الكرمي ،وكان ما
أردت فلله احلمد والشكر على هذه املنة.
إن دراسة موضوع كهذا تتطلب جهدا ووقتا يفوق بكثري اجلهد والوقت الذين جيب أن يتوافرا يف
موضوع غريه ،ويعود ذلك إىل خصوصية النص القرآين ،أما أشراف أستاذي الدكتور فائز طه عمر
فقد كان له أبلغ األثر حىت وصل هذا البحث إىل ما وصل إليه.
لقد درس االستفهام يف القرآن الكرمي ،وخصصت له دراسات عديدة لعل
من أمهها (أساليب االستفهام يف القرآن الكرمي) اليت قدمها عبد العليم فودة إىل كلية دار العلوم
ابلقاهرة عام 1953م ،لنيل درجة املاجستري ،وكذلك (أسلوب االستفهام يف القرآن الكرمي) لعبد
العزيز غامن محد ،املقدمة إىل كلية الشريعة جبامعة بغداد عام 1985م لنيل درجة املاجستري ،وكذلك
(التفسري البالغي لالستفهام يف القرآن احلكيم) لعبد العظيم إبراهيم املصغي.
أما اجلواب يف القرآن الكرمي فلم حيظ مبا حظي به االستفهام ،وقد تعرض له بعض الباحثني إبشارات
موجزة أثناء حبثهم موضوع احلوار كما يف (احلوار يف القران الكرمي) إلمساعيل علي حممد السامرائي،
وهي دراسة مقدمة إىل كلية
()1/1
الشريعة جبامعة بغداد عام 1989م لنيل درجة املاجستري ،وكذلك (أسلوبية احلوار يف القران الكرمي)
اليت تقدم هبا رسول محود حسن الدوري إىل كلية اآلداب جبامعة بغداد عام 1995م لنيل درجة
الدكتوراه.
وملا كان احلوار الذي يقوم على السؤال واجلواب قد تناولته اكثر من دراسة ،فقد اقتضى ذلك أن ال
أقف عنده كثريا يف هذا البحث خشية الوقوع يف التكرار.
وهنالك دراسات تعرضت للجواب مباشرة كما يف (أجوبة القرآن على أسئلة اإلنسان الثالثة :من
أين؟ إىل أين؟ ملاذا؟) اليت قدمها عز الدين سعيد كشنيط اجلزائري إىل كلية العلوم اإلسالمية جبامعة
بغداد عام 1998م لنيل درجة املاجستري ،وهي حبث موضوعي عقائدي حياول الباحث من خالهلا
توضيح اخلطوط اليت رمسها القرآن الكرمي لرحلة اإلنسان من الوالدة إىل ما بعد يوم القيامة ،أو هي
ابألحرى حماولة لتقدمي وجهة النظر اإلسالمية من خالل القران الكرمي يف هذا املوضوع ،وهنالك
دراسة أخرى هي (يسئلونك يف القرآن واجلواب عنها) اليت تقدم هبا حممد الشيخ حممد عثمان ركاب
إىل اجلامعة اإلسالمية ابملدينة املنورة عام 1406هـ لنيل درجة املاجستري ،وهي كما يبدو من عنواهنا
قد تناولت جزءا يسريا من اجلواب القرآين ،وهي اإلجابة عن الصيغة اليت تفتتح ابلفعل يسئلونك.
يتضح مما تقدم ان اجلواب يف القرآن الكرمي مل ينل القدر نفسه من االهتمام والدراسة الذي انله
االستفهام مع أن الغاية من االستفهام هي اجلواب.
وملا كان هذا البحث ذا صلة وثيقة ابلقرآن الكرمي ،فان ذلك يعين عبئا ثقيال على كاهل الباحث
يتمثل يف ضرورة أتمل النص القرآين وفهمه ابلشكل الذي يفضي إىل األمن من التفسري اخلاطئ ،وقد
اقتضى ذلك أن يعتمد البحث على مصادر متنوعة وكثرية ويف مقدمتها كتب التفسري اليت تكشف
الكثري من غوامض التنزيل ،فقد اعتمد البحث على تفسري الكشاف للزخمشري الذي أغناه مؤلفه
ابلكثري من اللفتات البالغية ،والنحوية ،حبيث ال ميكن ملثل هذه الدراسة أن تستغين عن هذا
التفسري ،وكذلك التفسري الكبري للفخر الرازي الذي متيز مؤلفه بعقلية فذة يف هذا اجملال ،وهو يتوسع
كثريا يف تفسري النص القرآين يف حماولة منه لتناوله من مجيع
()2/1
اجلوانب ،وكذلك تفسري التحرير والتنوير للشيخ حممد الطاهر بن عاشور ،وهو تفسري حديث أوىل
مؤلفه للبالغة واألسلوب جانبا كبريا.
وكانت هذه التفاسري الثالثة دائمة احلضور يف مجيع مراحل البحث ،كما كان لكتب علوم القرآن
حضورها ككتاب الربهان يف علوم القرآن للزركشي ،واإلتقان يف علوم القرآن للسيوطي.
أما كتب البالغة فكانت األقرب بسبب طبيعة موضوع البحث ،وخباصة دالئل اإلعجاز ،وأسرار
البالغة للشيخ عبد القاهر اجلرجاين ،ومفتاح العلوم للسكاكي ،والتلخيص واإليضاح للخطيب
القزويين ،فضال عن العديد من كتب البالغة للمحدثني ،وكان ال بد من االستعانة ببعض كتب
النحو ،وخباصة يف الفصل األول ،وكان كتاب مغين اللبيب عن كتب األعاريب البن هشام األنصاري
امسا على مسمى يف هذا املضمار ،وكذلك الكتاب لسيبويه وغريها من كتب النحو ،كما استعنت
بكتاب مشكل إعراب القرآن ملكي بن أيب طالب القيسي ملعرفة الوجه األعرايب يف بعض اآلايت،
وكذلك كتاب إيضاح الوقف واالبتداء أليب بكر االنباري الذي أفدت منه كثريا يف الفصل الثاين.
وكان حتديد اجلواب ـ لغواي ـ يتطلب الرجوع إىل معاجم اللغة اليت رجعت إىل أمهها ،واستعرضت ما
جاء فيها عن اجلواب ،وقد تطلب حتديد مفهوم اجلواب اصطالحا جولة يف كتب عديدة لعدم عثوري
على تعريف ميكن االعتماد عليه ،ومنها بعض كتب األدب اليت أوردت مناذج من األجوبة ،مثل أمايل
الزجاج ،والعقد الفريد البن عبد ربه ،واألمايل أليب علي القايل ،واإلمتاع واملؤانسة للتوحيدي،
وكذلك كتاب اللمع أليب نصر السراج الطوسي الذي ذكر العديد من أجوبة املتصوفة ،وبعض الكتب
اليت محلت عنوان األجوبة املسكتة وخباصة كتاب أيب عون الكاتب.
وكذلك بعض الكتب اليت ذكرت مصطلحا قريبا من اجلواب وهو املراجعة ،إال أن هذه الكتب مجيعا
مل تقدم مفهوما للجواب ،ومل جند أحدا تعرض هلذا املفهوم سوى أيب البقاء الكفوي يف كتابه
(الكليات) ،ومل يشمل تعريفه مجيع أنواع اجلواب ،وقد دعاين كل ذلك إىل االجتهاد يف وضع تعريف
مناسب للجواب ،وهنالك كتاب
()3/1
مل يرد ذكره كثريا يف هوامش البحث إال أنه أفادين كثريا ،وهو كتاب (معجم املصطلحات البالغية
وتطورها) للدكتور امحد مطلوب ،كما اعتمد البحث على كتب أخرى.
على أين قد حاولت قدر اإلمكان أن ال أكثر من املصادر واملراجع كي ال أثقل البحث هبا ،وكان من
منهجي يف هذا البحث اين أذكر اآلية املباركة قيد الدرس ،وأتبعها بشيء من أقوال املفسرين مع
الربط بينها وبني اآلايت اليت تشرتك معها مكونة أسلواب معينا يف اجلواب القرآين ،مث حتديد أهم
السمات اليت ميزت هذا األسلوب من غريه ،وحماولة أتشري أهم ما جيعل هذا األسلوب مناسبا يف
موضعه الذي ورد فيه ،وقد تعامل البحث مع آايت اجلواب يف القرآن الكرمي على أساس النظم
فيها.
وقد قسم البحث على ثالثة فصول :كان األول عن جواب السؤال الصريح ،وكان الرتابط الشديد
بني السؤال واجلواب قد فرض نفسه حبيث كان تناول اجلواب فيه قد مت على أساس السؤال فكان
املبحث األول خمصصا للجواب عن االستفهام ابهلمزة اليت كانت اكثر أدوات االستفهام ورودا،
فكان اكثر أجوبة القرآن عنها ،وأتتى بعدها (ما) االستفهامية من حيث الكثرة ،وقد خصص هلا
املبحث الثاين ،أما الثالث فكان عن أجوبة بقية أدوات االستفهام ،وقد أحلق به اجلواب عن بعض
األلفاظ اليت تدل على االستفهام مثل يسألونك ،ويستفتونك ،ويستنبؤنك.
أما الفصل الثاين فكان عن جواب السؤال املقدر (الضمين) وقد كان اكثر تعقيدا وتشعبا من سابقه؛
ألن حتديد السؤال ،واجلواب فيه يتم على أساس فهم املعىن ،وقد التزمنا فيه التقسيم الذي وضعه
البالغيون لالستئناف البياين ،فكان املبحث األول لإلجابة عن السبب مطلقا ،وكان الثاين لإلجابة
عن السبب اخلاص ،وكان الثالث لإلجابة عن (قال) املفصولة عما قبلها.
أما الفصل الثالث فكان عن فنون البيان اليت وردت يف اجلواب القرآين وهي التشبيه واالستعارة،
واجملاز املرسل ،والعقلي ،والكناية ،وانتهى البحث خبامتة أبهم نتائج البحث.
()4/1
وجتدر اإلشارة إىل أن البحث مل يتناول أجوبة أساليب الطلب األخرى كاألمر ،والنداء ،والنهي،
والعرض والتحضيض ،والتمين والرتجي ،مع وجود بعض األجوبة عنها ،إذ من املعروف أن هلذه
األساليب بعض األجوبة ،إال أن إطالق اسم اجلواب يف الرد على أساليب الطلب هذه هو إطالق
جمازي ،وال ينطبق عليه مفهوم اجلواب الذي يسبق بسؤال ظاهر ،أو مقدر هذا من جهة ،اما اجلهة
الثانية فان الكثري من هذه األساليب كانت تتداخل يف ثنااي اجلواب عن السؤال الصريح واملقدر.
لقد استغرق العمل يف هذا البحث وقتا طويال بسبب سعته وتناثر أجزائه يف موضوعات عدة ،وقد
تطلب ذلك جهدا مظنيا من اجل مل شتاته ،وحصره وتقسيمه بشكل ميكن من اخلروج بنتائج طيبة،
وقد تطلب ذلك قراءة القرآن الكرمي أبمجعه اكثر من عشر مرات ،واإلحبار يف أعماق النص القرآين
بقدر كبري من التأمل والتاين خشية اخلروج بنتيجة من النتائج اخلاطئة.
إن هذا ما أسعفنا به الوقت ال اجلهد ،فان كنت قد أصبت فذلك بتوفيق من هللا تعاىل ،وان كانت
األخرى ،فإىل هللا املشتكى وعليه املعول.
وآخر دعواان ان احلمد هلل رب العاملني
()5/1
التمهيد
وب ،وجمَّ ٌ
وب. جيب َجمُ ٌ
ب) ،واجلَْوب (قطعك الشي كما جياب اجليب .يقالٌ : (ج َو َ
اجلواب مشتق من َ
جتبت
وجبت املغازة :أي قطعتها ،وا ُ ب :درعٌ تلبسه املرأة. ٍ
ُ وب .واجلَْو ُ
وكل جمّوف َوسطَهُ فهو َجمُ ٌ
الم والقميص ،أي قطعتهُ .واجلواب :رديد الكالم .تقول :اساء مسعاً فأساء جابةً ( ،)1من أجاب الظَّ َ
جييب ،ويقال :هل عندك جابية خرب؟ أي :خربٌ اثبت .واجلميع :اجلوائب .ويقال اجلوائب :الغرائب
من األخبار ،وجابية خرب ،أي حممولة من ارض اىل ارض بعيدة ،أي :قد جابت البالد ( .)2وقال
الص ْخ َر ِابل َْو ِاد) ( )3قال ال ّفراء:
ين َجابُوا َّ األزهري (ت 370هـ)( :قال هللا جل وعز) (وََثُ َ َّ ِ
ود الذ َ َ
جابوا اخرقوا الصخر فاختذوه بيواتً فارهني ،وحنو ذلك ( )4مث يذكر ما جاء يف معجم العني ،عن
اجلواب.
ومثل ((أساء مسعاً
أما الصاحب بن عباد (ت 385هـ) فيقول( :اجلواب :رديد الكالم ،أجاب جييب ٌ
فأساء جابةً)) و (إجابةً) وانه حلسن اجليبة واجلابة :أي اجلواب ( )5أما امحد بن فارس (ت 395هـ)
فيقول عن (جوب)( :اجليم والواو والباء اصل واحد وهو خرق الشي .يقال جبت األرض جوابً ،فأان
وجواب ...واصل آخر ،وهو مراجعة الكالم ،يقال كلمة فاجابه جواابً ،وقد جتاد جماوبة،
جائب ّ
واجملابة( :اجلواب) (.)6
ويقول الزخمشري (ت 528هـ) عن (جوب)( :جاب الثوب واجتابه :قطعه ،واستجاب هللا دعاءه،
ومن احلجاز :جاب الفالة واجتاهبا ،وجاب الظّالم) (.)7
ويقول صاحب (لسان العرب) عن (جوب) :يف أمساء هللا اجمليب ،وهو الذي يقابل الدعاء ،والسؤال
ابلعطاء ،والقبول سبحانه وتعاىل ،وهو اسم فاعل من اجاب
__________
( )1ينظر :جممع األمثال للميداين ،101 :2 ،ويروي هذا املثل أيضاً :أساء مسعاً فأساء إِجابةَ.
( )2كتاب العني للفراهيدي.193 - 192 :6 ،
( )3الفجر.)9( :
( )4هتذيب اللغة ،األزهري.128 :11 ،
( )5احمليط يف اللغة ،للصاحب إمساعيل بن عباد.201 :7 ،
( )6معجم مقاييس اللغة ألمحد بن فارس.491 :1 ،
( )7أساس البالغة ،للزخمشري.139 :1 ،
()1/1
جييب ،اإلجابة :رجع الكالم ،تقول :اجابه عن سؤاله ،وقد أجابه إجابة ،واجاابً وجابةً ،واستجوبةً.
واستجابةً ،واستجاب له .ويف أمثال العرب (أساء مسعاً فأساء جابةً) ،وجيوز ان يكون أي [اجلواب]
من جبت األرض إذا قطعتها ابلسري) ()1
إن استعراض ما جاء يف أهم املعاجم العربية عن األصل اللغوي للفظة (اجلواب) يوضح الكيفية اليت
تقلبت هبا هذه اللفظة حىت استقرت على معناها اللغوي املعروف أخرياً ،ويظهر مما تقدم أن اجلواب ـ
لغوايً ـ مأخوذ من معىن قطع الشي (جبت األرض إذا قطعتها ابلسري).وهذا املعىن هو األساس الذي
يقوم عليه مفهوم اجلواب – كما سيتضح فيما بعد – فاجلواب يقطع السبيل على السائل حبيث ال
يرتك له جماالً يف زايدة كالمه؛ خاصة انه حينما يسأل عن شي ما؛ فانه يطلب جواابً عن سؤاله ،وبعد
حصوله على اجلواب ينتفي الغرض من الكالم.
أما يف القرآن الكرمي فقد وردت لفظة اجلواب وما اشتق منها (ثالاثً وأربعني مرة) ( )2منها اثنتان
وعشرون مرة مبعىن إجابة الناس لدعوة هللا تعاىل وأنبيائه ورسله لإلميان ابهلل ،الواحد األحد ،كما يف
اه ْم يُـ ْن ِف ُقو َن) ( .)3وقد ِ استَ َجابُوا لَِرّهبِِ ْم َوأَقَ ُاموا َّ قولهِ :
ورى بَـ ْيـنَـ ُه ْم َوممَّا َرَزقـْنَ ُ
الصالةَ َوأ َْم ُرُه ْم ُش َ (والَّذي َن ْ
َ
نزلت هذه
اآلية (يف األنصار :دعاهم هللا عز وجل لألميان به وطاعته فاستجابوا له ابن آمنوا
به وأطاعوه) (.)4
ك ِعب ِ
ادي َع ِّين فَِإِّين(وإِذَا َسأَلَ َ َ
ومنها (ثالث عشرة) مبعىن إجابة هللا تعاىل للدعاء كما يف قوله تعاىلَ :
َّاع إِذَا َد َعان) (.)5
يب َد ْع َوةَ الد ِ قَ ِر ِ
يب أُج ُ
ٌ
__________
( )1لسان العرب البن منظور .مادة (جوب).276 - 275 :1 ،
( )2ينظر :املعجم الفهرس أللفاظ القرآن الكرمي حممد فؤاد عبد الباقي.186 - 185 :
( )3الشورى )38( :وينظر :إبراهيم )44( :واألحقاف ،)31( ،)32( :واملائدة )109( :وآل
عمران .)172( :والرعد )18( :حيث تكررت مرتني (استجابوا) و (يستجيبوا) ،وفاطر)14( :
واإلسراء ،)52( :واألنعام ،)36( :والشورى ،)47( ،)26( ،)16( :والبقرة ،)186( :والقصص:
( )65( ،)50واألنفال ،)24( :واألعراف ،)82( :والنمل ،)56( :والعنكبوت.)29( ،)24( :
( )4الكشاف ،الزخمشري.228 :4 ،
( )5البقرة ،)186( :وينظر :النمل ،)62( :ويونس ،)89( :وآل عمران )195( :واألنفال،)9( :
ويوسف ( ،)34واألنبياء ،)90( ،)88( ،)84( ،)76( :وغافر ،)60( :وهود )61( :والصافات:
(.)75
()2/1
وجاءت لفظة اجلواب وما اشتق منها (ست مرات) مبعىن إجابة اآلهلة وغريها مما اختذه املشركون
ون َِّ
ضل ِممَّن ي ْدعُو ِمن ُد ِ
اَّلل َم ْن ال ْ (وَم ْن أَ َ ْ َ لدعاء هؤالء املشركني هلا ،كما يف قوله جل وعالَ :
يب لَهُ إِ َىل يَـ ْوِم ال ِْقيَ َام ِة َو ُه ْم َع ْن ُد َعائِ ِه ْم غَافِلُو َن) (( .)1وإمنا قيل (من و (هم) ألنه اسند إليهم ِ
يَ ْستَج ُ
ما يسند إىل أويل العلم من االستجابة والغفلة ،وألهنم كانوا يصفوهنا ابلتمييز جهالً وغباوة وجيوز أن
يريد :كل معبود من دون هللا من اجلن واإلنس واألواثن ،فغلب غري األواثن عليها) ( .)2وجاءت مرة
يل َعلَْي ُك ْم ِم ْن
واحدة مبعىن استجابة الناس لدعوة الشيطان كما يف قوله تبارك وتعاىلَ ... ( :وَما َكا َن ِ َ
ٍ
س ُك ْم .)3( ) ... وم ِوين َولُ ُ
وموا أَنْـ ُف َ ُس ْلطَان إَِّال أَ ْن َد َع ْوتُ ُك ْم فَ ْ
استَ َج ْبـتُ ْم ِيل فَال تَـلُ ُ
ين وتبقى لدينا آية واحدة ال ينطبق عليها أي معىن من املعاين السابقة وهي يف قوله تعاىل( :وََثُ َ َّ ِ
ود الذ َ َ
الص ْخ َر ِابل َْو ِاد) ( )4فان (جابوا) معناه (قطعوا صخر اجلبال واختذوا فيها بيواتً) ( .)5يتضح َجابُوا َّ
أتت ،ولو مرة واحدة من ذلك ان لفظة اجلواب وما اشتق منها قد خرجت إىل عدة ٍ
معان ،إال أهنا مل ِ
لتدل على اجلواب الذي حنن بصدد البحث فيه ،وهو اجلواب الذي أييت رداً على استفهام.
إن تتبع مفهوم اجلواب يبدو للوهلة األوىل هيناً وواضحاً ..ولكن سرعان ما تنجلى احلقيقة وهي أن
ما ذكر عن اجلواب ال يعدو أن يكون عبارة عن إشارات مقتضبة ال جيمعها علم معني أو كتاب
الباحث يف هذا املوضوع يطأُ أرضاً ب ْكراً َملْ يطأْها أح ٌد قبله ،ففي كتب األدب العامة مل
َ واحد ،وكأ َّ
َن
جن ْد إِالَّ نتفاً من األجوبة وأمثلة عليها؛ إذ جند أن ابن عبد ربه (ت 327هـ) يسمى ً
ابب من أبواب
كتابه (فرش كتاب اجملنبة يف األجوبة) ويصف اجلواابت ابهنا (أصعب الكالم كله مركبا،
__________
( )1األحقاف ،)5( :وينظر :األعراف ،)194( :وهود ( ،)14والكهف ( ،)62والقصص،)64( :
والرعد (.)14
( )2الكشاف.196 - 295 :4 ،
( )3إبراهيم 22
( )4الفجر.)9( :
( )5الكشاف.748 :4 ،
()3/1
واعزه مطلباً ،وأغمضه مذهباً ،وأضيقه مسلكاً؛ الن صاحبه يعجل مناجاة الفكرة واستعمال القرحية؛
ّ
يروم يف بديهة؛ نقض ما أبرم يف رويةّ) ()1
ويقول بعد ذلك (أسرع الناس جواابً عند البديهة قريش مث بقية العرب ،واحسن اجلواب كله ما كان
حاضراً مع إصابة معىن وإجياز لفظ) ( .)2ويفهم من ذلك انه يعين السؤال واجلواب الشفاهي الذي
يدور يف املخاطبات املختلفة ،مث يذكر أمثلة عديدة من األجوبة ،ومنها جواب عثمان بن عفان (رض)
مث حديث عمرو بن األهتم والزبرقان بن بدر مع النيب صلوات هللا وسالمه عليه .مث جواب عقيل بن
أيب طالب ملعاوية وأصحابه ،وجواب ابن عباس ملعاوية ..وهكذا ،وهذه األجوبة كانت تقع ضمن
حوار يقوم على السؤال واجلواب .وعلى املنوال نفسه ينسج أبو علي القايل (ت 356هـ) إذ يذكر
عنوان (مطلب حديث معاوية مع عبد هللا بن احلجر بن عبد املدان وما دار بينهما من سؤال وجواب
وغريب ذلك) ويبدأ بسؤال معاوية لعبد هللا عن قومه ،وعن بعض قبائل العرب فيجيبه عبد هللا عن
مجيع أسئلته حىت يقول له معاوية( :أنت اعلم بقومك) ( ،)3ويورد يف موضع آخر حواراً لطيفاً بني
آيب عمرو بن العالء (ت 154هـ) ِ
واحد األعراب ( ،)4وهكذا ال تنفك مناذج أىب علي القايل اليت
يوردها عن أن تكون حماور ٍ
ات قائمة على السؤال واجلواب.
اما أبو حيان التوحيدي (ت 414هـ) فيذكر مسات اجلواب قائال(( :احسن اجلواب ما كان حاضراً
مع إصابة املعىن ،وإجياز اللفظ ،وبلوغ احلجة)) ( )5مث يذكر شرح ذلك بقوله(( :أما حضور اجلواب
فليكون الظفر عند احلاجة ،وأما إجياز اللفظ فليكون صافياً من احلشو ،وأما بلوغ احلجة فليكون
حسماً للمعارضة) ( )6وهذا الكالم يكاد يتطابق مع كالم ابن عبد ربه الذي ذكرانه عن مسات
اجلواب ،ويورد التوحيدي مناذج عديدة منها( :نظر اثبت بن عبد هللا بن الزبري إىل أهل الشام
فشتمهم ،فقال
__________
( )1العقد الفريد ،ابن عبد ربه.3 :4 ،
( )2م .ن.4:4 ،
( )3األمايل ،أبو علي القايل.159 :1 ،
( )4م .ن.16 :2 ،
( )5اإلمتاع واملؤانسة ،أبو حيان التوحيدي.163 :3 ،
( )6اإلمتاع واملؤانسة ،أبو حيان التوحيدي.163 :3 ،
()4/1
له سعيد بن عثمان بن عفان :أتشتمهم ألهنم قتلوا أابك؟ فقال :صدقت ،ولكن املهاجرين واألنصار
قتلوا أابك) (.)1
إن ما يالحظ على هذا اجلواب انه يعد من األجوبة املسكتة ،إ ْذ ينقطع الكالم هبذا اجلواب ،مع أن
اكثر النماذج اليت يذكرها التوحيدي تكون عبارة عن سؤال وجواب ويتطور الكالم بعد ذلك إىل
حوار يقوم على السؤال واجلواب ،واحلوار ال يدخل ضمن جمال حبثنا ،فال يتحقق معىن القطع فيه
حىت إذا اعتمد على السؤال واجلواب إذ يقوم احلوار على (املراجعة يف الكالم بني املتكلم وحماور له،
أو بني اكثر من ذلك ،حيث يتعاقب األشخاص على اإلرسال والتلقي ،وله موضوع معني ،وهدف
حمدد) (.)2
وجند الزجاجي (ت 340هـ) يطلق أسم (األجوبة املسكتة) يف أماليه على األجوبة اليت ينقطع هبا
الكالم ويورد مثالني لذلك يقول يف األول منهما( :كانت رملة بنت عبد هللا بن معمر حتت هشام بن
سليمان بن عبد هللا ،فجرى بينهما ذات يوم كالم فقال هلا :أنت بغلةٌ ال تلدين فقالت له :أيىب كرمي
أن خيالط لُ ْؤَمك) ( .)3ومن الواضح أن معىن القطع يتحقق هبذا اجلواب ،إذ ال جمال للزايدة عليه.
واجلواب الذي يتحقق فيه هذا املعىن هو اجلواب الذي يدور عليه هذا البحث.
إن الزجاجي حينما يورد مصطلح (األجوبة املسكتة) فانه يدل على وجود أجوبة غري مسكتة ،أي أن
السائل حينما يسمع اجلواب فانه يردف سؤاله األول بسؤال آخر .الن اجلواب مل يكن جواابً اتماً
يعطي تصوراً كامالً عن املسألة ،وخصوصاً إذا كان السائل خايل الذهن متاماً ،أو حينما ال يتطابق
اجلواب مع ما يف ذهنه فيضطر إىل السؤال جمدداً.
وهنالك كتب محلت عنوان (األجوبة املسكتة) ولعل أمهها كتاب األجوبة املسكتة البن أىب عون
الكاتب (ت 322هـ) لتقدم مؤلفه زمنياً ،وقد مجع فيه العديد من األجوبة وجعل كتابه يف َثانية
فصول ،فذكر بعض أجوبة الفالسفة واحلكماء والزهاد واملتكلمني واألعراب والنساء ،وبعضاً من
جواابت املدينيني واملخنثني وبعضاً
__________
( )1م .ن.164 :3 ،
( )2أسلوبية احلوار يف القرآن الكرمي ،رسول محود حسن الدوري.9 :
( )3أمايل الزجاجي ،الزجاجي.141 :
()5/1
من اجلواابت اهلزلية .وهو مل يقدم مفهوماً للجواب املسكت ،واكتفى إبيراد مناذج منه كما يف قوله:
واش إىل االسكندر برجل ،فقال :أحتب أن نقبل منك ما قلت فيه ،على أن نقبل منه ما قال ((وشى ٍ
فيك؟ قال :ال .قال :فكف عن الشر يكف عنك)) ( )1وابن أيب عون الكاتب هذا له مؤلفات
عديدة ( )2تدل على شخصية علمية هلا من االطالع والثقافة ما يؤهلها الن تنتظم يف سلك كتاب
القرن الرابع اهلجري ،إالّ انه مع ذلك مل يقدم يف هذا الكتاب ما ميكن أن يعتمد عليه لإلفادة يف
ترسيخ مفهوم اجلواب ،والبُ َّد ِم ْن أَ ْن يكون لديه مفهوم حمدد هلذا اجلواب إال انه مل يفصح عنه،
واكتفى إبيراد أمثلة عديدة وخمتلفة من األجوبة ،ورمبا يعود ذلك اىل طبيعة التأليف الذي كان يسود
عصره.
وهنالك كتب أخرى محلت عنوان (األجوبة املسكتة) مثل (األجوبة املسكتة) أتليف :علي عبد علي
اخلزاعي الذي مجع فيه عدداً كبرياً من األجوبة وأكثرها من العصر األموي والعباسي ،وهو يعلق على
بعضها بتعليقات مقتضبة ،ويكتفي بذكر املصادر اليت رجع إليها يف هناية الكتاب من دون أن يذكر يف
اهلامش اسم املصدر الذي نقل منه اجلواب ورقم الصفحة .وكذلك احلال مع كتاب (األجوبة
املسكتة) الذي مجع فيه مؤلفه حممد سعيد العاين عدداً من األجوبة من الفرتات الزمنية اليت اعتمدها
سابقهُ وهو ال يشري إىل املصدر ،ال يف اهلامش وال يف أخر الكتاب مع انه قد قضى اكثر من عشرين
سنة يف مجع هذه األجوبة كما جاء يف مقدمة كتابه ( .)3لقد خال هذان الكتاابن من تعريف (األجوبة
املسكتة) ومن البحث يف هذا املوضوع مطلقاً ،واكتفى هذا املؤلفان برتتيب وتنسيق األجوبة بطريقة
ترضيهما.
ويذكر القلقشندي (ت 821هـ) شيئاً عن األجوبة إالّ انه يقصد هبا الرد على الرسائل ويقسمها
قسمني فمنها ما كان يف االبتداء ومنها ما كان جوااب على رسالة قد وصلت ( .)4وهو ال يذكر شيئاً
عن األجوبة اليت تكون رداً على استفهام.
__________
( )1األجوبة املسكتة ،ابن أيب عون الكاتب.35 :
( )2م .ن.14 - 13 :
( )3األجوبة املسكتة.5 :
( )4ينظر :صبح األعشى يف صناعة اإلنشا ،القلقشندي.447 :6 ،
()6/1
وإذا كانت كتب األدب قد تعاملت مع اجلواب على هذا النحو الذي تكتفي فيه إبيراد مناذج من
األجوبة اليت ختدم غرضاً معيناً ،فان كتباً أخرى تشاركها يف ذلك اذ وجدان ابن السراج الطوسي (ت
378هـ) يضع ألحد فصول كتابه عنواانً هو( :كتاب املسائل واختالف أقاويلهم يف األجوبة) يف
كتابه (اللمع) يف التصوف ،ويذكر أمثلة متعددة من أجوبة كبار الصوفية على أسئلة عديدة ،ومنها
مسألة (الفناء والبقاء) اليت يقول عنها( :الفناء والبقاء :امسان ومها نعتان لعبد موحد يتعرض االرتقاء
يف توحيده من درجة العموم إىل درجة اخلصوص ،ومعىن الفناء والبقاء يف أوائله ،فناء اجلهل ببقاء
العلم ،وفناء املعصية ببقاء الطاعة وفناء الغفلة ببقاء الذكر ،وفناء رؤاي حركات العبد لبقاء رؤاي عناية
هللا يف سابق علمه) ( )1مث يذكر أهم أجوبة الصوفية ومنها جواب اجلنيد البغدادي إذ قال عن الفناء
والبقاء( :إذا فين الفناء عن أوصافه أدرك البقاء بتمامه) ( ،)2وجواب الشبلي الذي قال :من فين
عن احلق ابحلق ،لقيام احلق ابحلق فين عن الربوبية فضالً عن العبودية) (.)3
ويذكر بعد ذلك أجوبة عديدة عن هذه املسألة ،وتتعدد األجوبة وختتلف من صويف إىل آخر ،بيد أن
هذه األجوبة تتمحور حول البقاء هلل تعاىل والفناء للعبد ،على أن هذا االختالف بينهم ال يعين
ابلضرورة إهنا أجوبة خاطئة ،بل ميكن القول إن كل واحد من هؤالء املتصوفة يفهم البقاء والفناء
بطريقة قد تقرتب ،أو تبتعد عن مفهومها لدى صويف آخر ،الن التجربة الصوفية جتربة ذاتية.
وهنالك كتب تقوم أبكملها على السؤال واجلواب مثل كتاب (اهلوامل والشوامل) الذي سأل فيه أبو
حيان التوحيدي صاحبه مسكوبة مئةً ومخساً وسبعني مسألة يف شىت العلوم واملوضوعات ،وكان
مسكويه جييبه عن مجيع مسائله ( ،)4وهو كسابقه من الكتب مل يقدم مفهوماً عن اجلواب ،ومل يبحث
هذا املوضوع من قريب وال من بعيد.
__________
صر السراج.285 :
( )1اللمع .ابو نَ ْ
( )2م .ن.285 :
( )3م .ن.285 :
( )4ينظر :اهلوامل والشوامل ،أليب حيان التوحيدي ومسكوية.
()7/1
إن استعراض ما جاء يف هذه الكتب وذكر بعض النماذج منها يوضح الكيفية اليت كان عليها اجلواب
لدى هؤالء يف كتبهم ،إالّ أن ذلك ال يعين عدم أمهية ذلك يف بناء مفهوم مقبول عن اجلواب .ولعل
كتب علوم القرآن اكثر قرابً يف تناوهلا اجلواب ،وخاصة يف القرآن الكرمي ،إال أهنا مع ذلك مل تقدم
مفهوماً للجواب ميكن االعتماد عليه وكان الزركشي (ت 764هـ) يف كتابه (الربهان يف علوم القرآن)
اكثر من ذكر اجلواب وأمثلة عنه يف القرآن الكرمي .ويقول عن اجلواب(( :األصل يف اجلواب أن
يكون مطابقاً للسؤال ،إذا كان السؤال متوجهاً ،وقد يعدل يف اجلواب عما يقتضيه السؤال تنبيها
على انه كان من حق السؤال أن يكون كذلك ،ويسميه السكاكي (األسلوب احلكيم) ( ،)1وقد
جييء اجلواب اعم من السؤال للحاجة إليه يف السؤال وأغفله املتكلم ،وقد جييء انقص لضرورة
احلال) (.)2
مث يفصل بعد ذلك ما ذكره إمجاالً هنا ويورد أمثلة من اآلايت القرآنية املباركة مث يذكر بعد ذلك ان
ت اصل اجلواب أن يعاد فيه نفس سؤال السائل ،ليكون وفق السائل .قال تعاىل( :قَالُوا أَإِنَّ َ
ك َألَنْ َ
ف )3( ) ...و (أان) يف جوابه عليه السالم هو (انت) يف سؤاهلم) (.)4
وس ُ
ال أ ََان يُ ُ
ف قَ َ
وس ُ
يُ ُ
ويسرتسل الزركشي فيذكر العديد من القواعد والفوائد ليؤكد حقيقة مفادها انه افضل من تناول
اجلواب من بني من كتبوا يف علوم القرآن.
وألمهية السؤال واجلواب قيل(( :العلم نصفان :نصفه سؤال ،ونصفه جواب)) ( )5اما السؤال او
االستفهام فقد درس دراسة وافية على أيدي النحويني ،وقد خصصوا له ابابً امسعوه (ابب االستفهام)
يف اكثر كتب النحو .فحددوا أدواته .وكيفية استعماهلا ،ومل يولوا اجلواب األمهية نفسها مع أن الغاية
من السؤال هي اجلواب واكتفوا إبشارات سريعة عنه خالل كالمهم على االستفهام.
__________
( )1ينظر :مفتاح العلوم ،السكاكي.553 :
( )2الربهان يف علوم القرآن ،الزركشي.46 :4 ،
( )3يوسف.)90( :
( )4الربهان يف علوم القرآن.46 :4 ،
( )5اللمع.304 :
()8/1
أن اجلواب ينقسم تبعاً للسؤال على قسمني :جواب عن سؤال صريح ،وجواب عن سؤال مقدر أو
(ضمين) .وجواب السؤال الصريح :هو اجلواب الذي أييت رداً على سؤال تظهر فيه إحدى أدوات
االستفهام ،ويف بعض األحيان يكون اجلواب صرحياً ،ولكن ال تظهر أداته بل تقدر .كقوله تعاىل:
ِ (وجاء َّ ِ
ال نَـ َع ْم َوإِنَّ ُك ْم لَ ِم َن ال ُْم َق َّربِ َ
ني) (.)1 َجراً إِ ْن ُكنَّا َْحن ُن الْغَالبِ َ
ني * قَ َ الس َح َرةُ ف ْر َع ْو َن قَالُوا إِ َّن لَنَا َأل ْ ََ َ
رد عليهم بقوله فقد حذفت اهلمزة قبل قوله (إن لنا ألجراً) (اعتماداً على القرائن بدليل أن فرعون َّ
((قال نعم)) ( .)2ومن ذلك قول عمر بن ايب ربيعة:
مث قالوا :حتبها؟ قلت هبراً ...عدد الرمل واحلصى والرتاب ()3
(فقيل :أراد :أحتبها؟) ( .)4وتقسم أدوات االستفهام على حروف ،وهي :اهلمزة وهل ،وأمساء ،وهي
بقية أدوات االستفهام وينقسم االستفهام تبعاً لذلك على استفهام تصديق ،واستفهام تصور (،)5
فاألداة هي اليت حتدد كيفية اإلجابة ،فاهلمزة (ترد لطلب التصور حنو :أ زي ٌد قائم أم عمرو؟ ولطلب
التصديق حنو :أزي ٌد قائم؟ و (هل) خمتصة بطلب التصور حنو :من جاءك؟ وما صنعت؟ وكم مالك؟
وأين بيتك؟ ومىت سفرك؟) ( )6ولعل كتاب سيبويه أول كتاب حنوي يشري إىل الفرق بني استفهام
ِ
س ِمها هبذين االمسني إذ يقول يف ابب (أم) إذا كان الكالم هبا مبنزلة (أيها)
التصديق والتصور وان مل يُ ّ
مدع أن عنده
أو (أيهم)(( - :وذلك قولك :أزي ٌد عندك أم عمرو؟ وأزيداً لقيت أم ب ْشراً؟ فأنت اآلن ٍ
مدع أن املسؤول قد لقي أحدمها ،أو
أحدمها ألنك إذا قلت( :أيهما عندك) و (أيهما لقيت) فأنت ٍ
عنده أحدمها ،إالّ أن علمك قد استوى فيهما ال تدري أيهما هو)) ( .)7إن كالم سيبويه (ت
يقدر وجود (أيها) و أيهم) واحلاصل أن
180هـ) هنا منصب على استفهام التصور ،ولذلك فانه ّ
السائل هنا حيمل يف ذهنه تصوراً ما ،وليس خايل الذهن متاماً؛ أي انه يعلم بوجود
__________
( )1األعراف.)114 - 113( :
( )2أساليب االستفهام يف القرآن الكرمي ،السيد عبد العليم فودة.325 :
( )3شرح ديوان عمر بن أيب ربيعة.64 :
( )4مغين اللبيب.20 :
( )5ينظر :األشباه والنظائر السيوطي ،6 - 5 :4 ،ومغين اللبيب.21 :
( )6مغين اللبيب.21 :
( )7الكتاب ،سيبويه.170 - 169 :3 ،
()9/1
شخص ما ولكنه يشك يف تعيينه ،ولذلك يكون اجلواب ابلنص على وجود زيد او عمرو.
كما أشار سيبويه يف موضع آخر إىل االستفهام عن النسبة (التصديق) إ ْذ أن السائل يشك يف
مضمون اجلملة ،أو يف نسبة املسند إىل املسند اليه ،وان حاجته من املسؤول ان تكون اإلجابة عما
يسأل نفياً أو اثبااتً فيقول(( :تقول :أ لقيت زيداً أو عمراً أو خالداً؟ و أ عندك زي ٌد أو خال ٌد أو
عمرو؟ كأنك قلت :أعندك أحد من هؤالء؟ وذلك انك مل ت ّد ِع أن أحداً منهم َمثَّ ،أال ترى انه إذا
أجابك قال( :ال) .كما يقول :إذا قلت :أعندك أحد من هؤالء؟)) ( .)1كما ان سيبويه يستحسن
تقدمي االسم؛ أي املستفهم عنه وذلك يف استفهام التصور ،أما يف استفهام التصديق فانه يستحسن
أتخري االسم .أما الذي حيدد هذا التقدمي .أو التأخري فهو السائل ،أو املستفهم نفسه إذ أييت مبا
يشك فيه أو جيهله بعد أداة االستفهام مباشرة الن الغاية من السؤال هي احلصول على املعرفة.
وعلى هذه الشاكلة يكون حديث النحويني عن اجلواب عبارة عن إشارات موجزة يف خضم حديثهم
عن االستفهام ،كما ان االرتباط الوثيق بني السؤال واجلواب جعل اجلواب يتبع السؤال يف األعراب
ب ِ يقول ابن جين (ت 392هـ)(( :وأعراب اجلواب على أعراب السؤال ان ُرفِ َع َ
رفعت ،وإ ْن نُص َ
نصبت ،وإ ْن ُج َّر جررت .يقول :من هذا؟ فتقول :زيد ،فرتفع الن (من) مرفوعة ابالبتداء ،وإذا قال:
َ
من ضربت؟ قلت :زيداً ،وإذا قال :مبن مررت :قلت :بزيد .فتايت حبرف اجلر الن حروف اجلر ال
تضمر)) ( )2ولعل يف هذه األمثلة اليت ذكرانها عن جواب السؤال الصريح عند النحاة كفاية
للتدليل على الكيفية اليت تناولوا هبا اجلواب.
أما البالغيون فان كالمهم يكاد يتطابق مع كالم النحويني فتقسيم أدوات االستفهام من حيث
التصور والتصديق نفسه ،يقول السكاكي (ت 626هـ)(( :إن طلب التصور مرجعه إىل تفصيل
تفصل املفصل وإذا أتملت التصديق وجدته راجعاً إىل تفصيل اجململ أيضا ،وهو طلب
اجململ ،أو إىل ُ
تعني الثبوت ،أو
__________
( )1الكتاب.179 :3 :
( )2اللمع يف العربية .ابن جين.301 - 300 :
()10/1
االنتفاء يف مقام الرتدد ،واهلمزة من النوع األخري ،تقول يف طلب التصديق هبا :احصل االنطالق؟ ،و
(أزي ٌد منطلق؟) .ويف طلب التصور هبا يف طرف املسند اليه( :أدبس يف اإلانء أم عسل؟ ويف طرف
املسند( :أيف اخلابية دبسك أم يف الزق؟) ،فأنت يف األول تطلب تفصيل املسند إليه وهو املظروف،
ويف الثاين تفصيل املسند ،وهو الظرف ،و (هل) من النوع الثاين ال تطلب به إالّ التصديق كقولك:
(هل حصل االنطالق) .و (هل زيد منطلق؟) ( )1ان العالقة اليت تربط بني التصور والتصديق،
واجلواب تكمن يف أن كيفية اجلواب تتحدد على أساس الفرق بني هذين االستفهامني ،ولذلك فان
إدراك الفرق بينهما يعد أساساً تعتمد عليه صحة اجلواب ،وقد حاول البالغيون وضع احلدود اليت
تربز الفرق بني كل من التصديق والتصور ،فالتصديق (يكون عن نسبة تردد الذهن بني ثبوهتا أو
انتفائها ،واالستفهام عن التصور يكون عند الرتدد يف تعيني أحد شيئني ،فباالستفهام يعلم انه أحاط
العلم أبحدمها ال بعينه ،مسندين أم مسنداً إليهما ،أم من متعلقات اإلسناد) ()2
ومن الفروق األخرى بينهما ان االستفهام عن التصديق (حقه أن يؤتى بعده بـ (أم) املنقطعة دون
املتصلة ،واالستفهام عن التصور ،ما صلح أن يؤتى بعده بـ (ام) املتصلة دون املنقطعة) (.)3
ويظهر أن النحاة وان كانوا يدركون الفرق بني التصديق والتصور ،إال ان هذين املصطلحني مل يظهرا
يف كتب النحو إالَّ بَـ ْعد ُمدَّة إذ (اعتمد النحاة املتأخرون هذا التقسيم ألدوات االستفهام ومنهم ابن
هشام) (.)4
أما جواب السؤال املقدر (الضمين) ،فأنه اكثر تشعباً ،واشد تعقيداً من جواب السؤال الصريح ،ملا
فيه من ٍ
سعة ،ولتناثر أجزائه يف عدة مواضع من موضوعات علم املعاين يف البالغة العربية ،كما أن
هنالك تداخالً كبرياً يف هذا املوضوع بني
__________
( )1مفتاح العلوم .532 - 531 :وينظر :اإليضاح ،اخلطيب القزويين.137 - 136 :
( )2شروح التلخيص ،عروس األفراح.247 :2 ،
( )3م ن.247 :2 ،
( )4أساليب الطلب عند النحويني والبالغيني د .قيس إمساعيل األوسي ،318 :وينظر مغين اللبيب:
.20
()11/1
البالغة والنحو ،وذلك الن الوشائج اليت تربط علم املعاين ابلنحو كثرية حىت أن البعض قد طالب
بضمه إىل النحو (.)1
حصر جواب السؤال املقدر (الضمين) يف ثالثة مواضع من علم املعاين هي:
وميكن ُ
ينز َل غري السائل منزلة
1ـ يف أغراض اخلرب :وذلك حينما خيرج الكالم عن (مقتضى الظاهر كأ ْن َّ
يلوح له ابخلرب؛ فيستشرف له استشراف املرتدد الطالب حنوَ ... ( :وال السائل إذا قدم إليه ما ِّ
ين ظَلَ ُموا إِ َّهنُ ْم ُمغْ َرقُو َن) ( )2وجتدر اإلشارة إىل أن للخرب غرضني مها( :إفادة َّ ِ ِ
ُختَاط ْب ِين ِيف الذ َ
املخاطب ،أما احملكم أو كونه عاملاً به ،ويسمى األول :فائدة اخلرب ،والثاين :الزمه) ( )3أو الزم فائدة
اخلرب ،إ ْذ إن الزم الفائدة ال يقدم جديداً للمخاطب ،وامنا يفيد أن املتكلم عامل ابحلكم ،أو اخلرب.
وهنالك فرق واضح بني جميء الكالم على مقتضى الظاهر ،وخروجه عن
مقتضى الظاهر (وذلك كما لو نزل غري السائل منزلة السائل ،فالقي إليه الكالم مؤكداً ،فالتأكيد
مقتضى احلال الذي هو السؤال تنزيالً ،لكنه خالف مقتضى ظاهر احلال الذي هو عدم السؤال
حقيقة) (.)4
2ـ يف موضوع (الفصل والوصل) :وذلك يف واحد من مواضع (الفصل) وهو ما يسمى بـ (شبه كمال
االتصال) أو االستئناف ،إذ يقدر البالغيون وجود سؤال قبل هذا االستئناف ،والغاية من وراء تقدير
هذا السؤال هي التنبيه على أمر غاية يف األمهية أال وهو مراعاة مستوى املخاطب ،وذلك ابن يشعر
املتكلم بعدم وضوح األمر يف ذهب املخاطب ،وكأنه يهم ابلسؤال فيجيبه املتكلم على سؤاله قبل أن
يصدر عنه أو يطلب منه ذلك شرط أن يقدر السؤال بشكل صحيح.
وقد قسم االستئناف على ثالثة اضرب ( :)5الن السؤال الذي تضمنته اجلملة األوىل اما عن سبب
احلكم فيها مطلقاً كقوله:
__________
( )1ينظر :التعبري البياين ،د .شفيع السيد ،3 :وأساليب الطلب.357 - 354 :
( )2هود.)26( :
( )3التلخيص .اخلطيب القزويين ،43 - 42 :وينظر :مفتاح العلوم ،357 - 354 :واإليضاح:
.24
( )4شروح التلخيص ،حاشية الدسوقي.209 :1 ،
( )5ينظر :اإليضاح.160 - 159 :
()12/1
طويل
سهر دائم وحزن ُ
عليل ٌ ...
قال يل :كيف أنت؟ قلت ٌ
ئ نَـ ْف ِسي إِ َّن
(وَما أُبَـ ِّر ُ
أي :ما ابلك عليل؟ وما سبب علتك؟ واما عن سبب خاص له كقوله تعاىلَ :
وء )1( ) ...وهذا الضرب يقتضي أتكيد احلكم .وأما عن غريمها ،كقوله تعاىل( : النَّـ ْفس َأل ََّمارةٌ ِابلس ِ
َ َ
الم )2( ) ...كأنه قيل فماذا قال إبراهيم عليه السالم؟ فقيل :قال :سالم. ال َس ٌ
...قَالُوا َسالماً قَ َ
وهكذا يقدر السؤال تقديراً يف ثنااي الكالم وال يظهر أبداً ،وهنا تكمن الدقة يف هذا املوضع الن
تقدير السؤال يعتمد على فهم املعىن بشكل عميق ،وخاصة يف كالم رب العزة جل وعال.
3ـ يف اإلجياز :وذلك يف موضع احلذف منه ،إذ احلذف نوعان ،مها
حذف جزء من اجلملة وهو حذف املفردات ،وحذف اجلمل .وينقسم حذف اجلمل على :حذف
اجلمل املفيدة ،وحذف اجلمل غري املفيدة ،مث ينقسم حذف اجلمل على أربعة اضرب ،وما يهمنا هنا
هو الضرب األول منه وهو :حذف السؤال املقدر
ويسمى (االستئناف) (.)3
ويقول ابن األثري (ت 637هـ) عنه( :ذلك ضرب من التأليف لطيف األمر ،عجيب املغزى ،وال جتد
ابابً من أبواب احلذوف احسن مأخذاً ،وال أطرف خرباً)) (.)4
والواقع أن هذا املوضع ال خيتلف عن املوضع السابق ،فهذا استئناف ،وذاك استئناف أيضا إال اهنما
قد وردا يف موضعني خمتلفني عند البالغيني ،وان كاان يتفقان يف املضمون.
وقد يرد السؤال املقدر يف ثنااي موضوعات أخرى مل يفرد هلا البالغيون مواضع خاصة .ولكنها تتصل
ابلسؤال املقدر اتصاالً وثيقاً ،ومنها كالمهم عن (إِ َّن) حينما يذكرون تلك الرواية املعروفة اليت وقعت
بني الكندي املتفلسف واملربد وال شك يف ان البالغيني قد أفادوا منها كثرياً يف هذا املوضوع ألهنا
قررت حكماً اخذوا به ،وجعلوه من قواعدهم( :روى ابن األنباري ،أن الكندي املتفلسف ركب إىل
املربد،
__________
( )1يوسف)53( :
( )2هود.69 :
( )3ينتظر :اجلامع الكبري يف صناعة املنظوم من الكالم واملنشور ،ابن االثري.138 - 137 :
( )4م .ن.138 - 137 :
()13/1
وقال :إين أجد يف كالم العرب حشواً ،فقال املربد :يف أي موضع ،فقال :أجد العرب يقولون :عبد
هللا قائم ،مث يقولون :إن عبد هللا قائم ،مث يقولون :إن عبد هللا لقائم ،واملعىن واحد ،فقال املربد :بل
املعاين خمتلفة الختالف األلفاظ ،فقوهلم :عبد هللا قائم ،إخبار عن قيامه ،وقوهلم :إن عبد هللا قائم،
جواب عن سؤال سائل ،وقوهلم :إن عبد هللا لقائم ،جواب عن إنكار لقيامه فما أحار املتفلسف
جواابً) (.)1
اخلرب على ثالثة
وعلى هذا األساس يضع البالغيون القاعدة اآلتية :ينقسيم ُ
أغراض هي (:)2
الغرض األول :وهو خلو الكالم عن عدم مؤكد عند عدم اإلنكار ويسمى
ابتدائياً ألنه هو الواقع يف االبتداء ،إذ األصل خلو الذهن.
الغرض الثاين :وهو كونه مؤكداً استحساانً مع املرتدد الطالب ،ويسمى طلبياً ألنه للطالب.
الغرض الثالث :وهو كون الكالم مؤكداً وجوابً مع املنكر ويسمى إنكارايً لوقوعه يف مقابلة اإلنكار،
ويسمى إخراج الكالم عليها؛ أي على هذه الوجوه ،وهو اخللو من التوكيد يف اإللقاء األول،
واالتصاف بتأكيد االستحسان يف اإللقاء الثاين،
__________
( )1هناية اإلجياز يف دراية اإلعجاز الرازي ،108 :وينظر :دالئل اإلعجاز ،عبد القاهر اجلرجاين:
242ومفتاح العلوم ،355 - 354 :والتبيان يف علم البيان ،ابن الزملكاين ،70 :واإليضاح.24 :
( )2شروح التلخيص.208 - 207 :1 ،
()14/1
وبتأكيد الوجوب يف اإللقاء الثالث إخراجاً على مقتضى الظاهر) ( .)1وهذا الكالم ،وان كان افضل
يف ترتيبه ،وتنسيقه مما جاء يف الرواية فانه ال خيرج عن كالم املربد ،بل هو شرح له ،واستنطاق
ملضامينه ال اكثر.
إن ما ميكن أن خنرج به من هذه الرواية وشرحها هو أن دخول (أن) على اجلملة يفيد وجود طلب
قبلها أو سؤال مقدر ،ولذلك فاهنا تدخل على كالم (يرتد املخاطب يف ثبوته ونفيه ،أما أن يقطع فيه
أبحد األمرين ،فليس من شأهنا ،ومن مث تراها تزداد حسناً إذا كان اخلرب يبعد مثله يف الظن) (.)2
وهنالك موضع آخر للسؤال املقدر يتعلق بلفظ (قال) يقول عبد لقاهر اجلرجاين (ت 471هـ)
((واعلم ان الذي تراه يف التنزيل من لفظ (قال) مفصوالً غري معطوف هذا هو التقدير فيه وهللا اعلم
ني *إِ ْذ َد َخلُوا َعلَْي ِه فَـ َقالُوا َسالماً قَ َ
ال ِ يث َ ِ ِ ِ (ه ْل أ ََات َك َح ِد ُ
يم ال ُْمك َْرم َ ض ْيف إبْـ َراه َ اعين مثل قوله تعاىلَ :
س ِم ْنـ ُه ْم
ال أَال َأتْ ُكلُو َن * فَأ َْو َج َ
اء بِ ِع ْج ٍل َِمس ٍ
ني* فَـ َق َّربَهُ إِلَْي ِه ْم قَ َ سالم قَـوم م ْن َكرو َن * فَـرا َ ِ ِ ِ
غ إ َىل أ َْهله فَ َج َ َ َ ٌ ٌْ ُ ُ
ف )3( ) ...جاء على ما يقع يف انفس املخلوقني من السؤال فلما كان يف العرف ِخي َفةً قَالُوا ال َختَ ْ
والعادة فيما بني املخلوقني إذا قيل هلم دخل قوم على فالن فقالوا :كذا ان يقولوا :فما قال هو؟
ويقول اجمليب :قال كذا؛ اخرج الكالم ذلك املخرج الن الناس خوطبوا مبا يتعارفونه ،وسلك ابللفظ
معهم املسك الذي يسلكونه)) (.)4
إن العرف اللغوي أو ما تعارف عليه الناس يف خطاهبم أيخذ مأخذه هنا لذلك يقدر سؤال بعد القول
األول ،ويكون ما بعد (قال) الثانية مبثابة اجلواب عن (قال) األوىل ،وكان هذا النوع الضرب الثالث
من اضرب االستئناف.
ويذكر الزركشي واحداً من مواضع السؤال املقدر فيقول(( :اعلم انك مىت رأيت (بلى) أو (نعم) بعد
كالم يتعلق هبما تعلق اجلواب ،وليس قبلها ما يصلح أن
__________
( )1شروح التلخيص /مواهب الفتاح 207 :1 ،ـ .208
( )2التبيان يف علم البيان.63 :
( )3الذارايت.)28 - 24( :
( )4دالئل اإلعجاز .244 :وينظر :التبيان يف علم البيان.144 - 143 :
()15/1
يكون جواابً له ،فاعلم ان هناك سؤاالً مقدراً .لفظه لفظ اجلواب ،ولكنه اختصر وطوي ذكره ،علما
ابملعىن)) (.)1
هذه هي املواضع اليت ذكر فيها السؤال املقدر ،فيكون ما بعده مبثابة اجلواب له ،وقد حددانها
بثالث نقاط ،وحتدثنا عن املواضع األخرى عرضاً الن اإلشارات إليها كانت اقل ،وهي حتتاج إىل
استنطاق النص وإمكانية أتويله.
إن الغاية من ذكر كل هذه النماذج عن جواب السؤال الصريح واملقدر هي الداللة على الكيفية اليت
مت تناول اجلواب هبا ،وقد استوجب ذلك أن يتأخر تناول اجلواب (اصطالحاً) لإلفادة من كل ما
تقدم من مناذج وإشارات.
لقد أوردت بعض كتب البالغة شيئا عن السؤال واجلواب ،فالرازي (ت 606هـ) حينما يتحدث عن
النظم يعد وجوهاً منه ،فيقول( :الوجه الثامن عشر – يف السؤال واجلواب كقول الباخزري:
قد قلت :هجرتين فماذا العلة؟ ...صدت ومتايلت وقالت :قله) ()2
وهو هنا ال يتحدث بشكل مفصل عن السؤال واجلواب ،بل يكتفي هبذه اللمحة اخلاطفة ويسايره يف
االجتاه نفسه رشيد الدين الوطواط (ت 573هـ) فيقول عن السؤال واجلواب(( :تكون هذه الصنعة
ابن يرد يف البيت الواحد أو البيتني سؤال وجوابه )3( ) ...مث يذكر بيت الباخرزي نفسه.
أما (املراجعة) مصطلحاً فاهنا تقرتب كثرياً من مفهوم السؤال واجلواب ويعرفها ابن أيب األصبع
املصري (ت 654هـ) بقوله :هو ان حيكي املتكلم مراجعة يف القول وحماورة يف احلديث جرت بينه
وبني غريه ،أو بني اثنني غريه أبوجز عبارة ،وارشق سبك واسهل ألفاظ أما يف بيت واحد أو يف آبيات
أو مجلة واحدة) ( .)4أما ابن معصوم املدين (ت 1120هـ) فيقول عن املراجعة( :عبارة عن ان
حيكي املتكلم
__________
( )1الربهان يف علوم القرآن.264 :4 ،
( )2هناية اإلجياز يف دراية اإلعجاز.149 :
( )3حدائق السحر يف دقائق الشعر ،رشيد الدين حممد العمري (الوطواط).159 :
( )4حترير التجرب ،ابن أيب األصبع املصري.590 :
()16/1
ما جرى بينه وبني غريه من سؤال وجواب ،بعبارة رشيقة ،وسبك لطيف يستحلي ذوقه السامع ،أما
يف بيت واحد أو يف آبيات) (.)1
ويتضح من األبيات الشعرية اليت يوردها املصري ،وأبن معصوم أمثلة عن املراجعة اهنا عبارة عن حوار
يقوم على السؤال واجلواب وال يتحقق فيها معىن القطع الذي جيب ان يتحقق يف اجلواب.
لقد أغفلت كتب (التعريفات واملعاجم) ( )2اإلشارة إىل اجلواب مصطلحاً ومل نعثر على مفهوم
اجلواب فيها ...إال أن الكفوي (ت 1094هـ) قد ذكر اجلواب فقال عنه( :اجلواب :هو مشتق من
(جاب الفالة) إذا قطعها ،ومسي اجلواب جواابً ألنه يتقطع به كالم اخلصم ،وهو اترة يكون بـ (نعم)
واترة بـ (ال)؛ ويستعمل فيما يتحقق وجيزم وقوعه) (.)3
ومن الواضح أن الكفوي هنا قد انصرف اهتمامه إىل املعىن اللغوي ،كما انه قد حدده بـ (نعم) و
(ال) أي انه يقتصر على جواب استفهام التصديق فقط .ويهمل جواب استفهام التصور ،ومن املعلوم
أن اجلواب ال ينحصر بـ (نعم) و (ال) فقط ،بل هو أوسع من ذلك بكثري ،إذ يتشعب ويتفرع حسب
طبيعة السؤال ،كما ان السائل ليس خصماً دائماً .وأمام هذا الفراغ كان البد للبحث من حماولة
وضع تعريف مناسب للجواب ،هو يف حقيقته مأخوذ مما ذكران سابقاً فنقول :اجلواب :هو ما ينقطع
يسأل عنها ،وال يتأَتَّى ذلك إالّ َبعد ِ صوله على ٍالسائل بـع َد ح ِ
للقضية اليت ُ تعليل أو حتليل ِ َْ ُ كالم
به ُ
السؤال وطب ِ
يعة اجلواب. ِ َأتم ٍل ِ
ملاهية
__________
( )1أنوار الربيع يف أنواع البديع ،ابن معصوم املدين.305 :
( )2ينظر على سبيل املثال ال احلصر :كتاب التعريفات للشريف اجلرجاين ،وكشاف اصطالحات
الفنون للتهانوي.
( )3الكليات ،الكفوي.172 :2 ،
()17/1
الفصل األول
جواب السؤال الصريح
جواب السؤال الصريح هو اجلواب الذي أييت ردا على سؤال تظهر فيه إحدى أدوات االستفهام،
وقد يكون السؤال صرحياً ،ولكن ال تظهر فيه أداة االستفهام بل تقدر.
لقد ذهب بعض العلماء إىل أن االستفهام يف القرآن الكرمي خيتلف عن االستفهام يف كالم البشر،
عز وجل -منفي عنه ذلك ،ألنه تعاىل ال يستفهم خلقه عن
وذلك الن املُ ْست ْفهم غري عامل ..وهللا َّ
شي ،فاالستفهام يف القرآن الكرمي غري حقيقي ألنه واقع ممن يعلم ،ويستغين عن طلب الفهم ،وامنا
خيرج االستفهام يف القرآن ،خمرج التوبيخ والتقرير (.)1
وهذا الكالم ليس دقيقاً ألنه يعمم ذلك على مجيع االستفهام يف القرآن ،إذ مل يصدر مجيعه عن هللا
تبارك وتعاىل ،بل صدر عن طوائف خمتلفة من البشر منهم األنبياء ومنهم املؤمنون ومنهم الكفار
ومنهم اليهود وغريهم ،وهذا االستفهام الصادر عن هؤالء منه كان حقيقيا ومنه ما كان خيرج إىل ٍ
معان
أخرى ..ومل خيرج االستفهام يف القرآن خمرج التوبيخ والتقرير فقط بل خرج إىل معان بالغية خمتلفة.
يقول السبكي( :واالستفهام طلب الفهم إذا كان السائل جاهالً ،وقد يكون عاملاً وغرضه طلب فهم
آلخر غري فاهم) (.)2
وملا كان القرآن الكرمي قد ذكر العديد من القصص واحلوادث ،فال بُ َّد ِم ْن أ ْن يذكر بعضاً من أساليب
االستفهام املستخدمة على السنة من جرت بينهم تلك القصص واحلوادث.
إن شدة االرتباط بني السؤال واجلواب تفرض علينا االهتمام ابلسؤال كثريا ألنه املقدمة واألساس
الذي يعتمد عليه اجلواب ،ولذلك جلأان إىل تقسيم هذا الفصل حسب أدوات االستفهام ،وقد بدأانه
ابهلمزة.
__________
( )1ينظر :الربهان يف علوم القرآن ،327 :2 ،واإلتقان يف علوم القرآن ،102 :2 ،ومغين اللبيب:
.18
( )2شروح التلخيص /عروس األفراح.308 - 307 :2 ،
()18/1
املبحث األول
جواب اهلمزة
لكل أسلوب من أساليب العربية أدواته اليت متيزه من غريه ،واالستفهام شأنه يف ذلك شأن األساليب
األخرى ،له أدواته املعروفة ،وتقع اهلمزة يف صدارة األدوات املستخدمة فيه.
يزول عنه إىل غريه ،وليس
لقد أشار سيبويه إىل أمهية اهلمزة قائال(( :إهنا حرف االستفهام الذي ال ُ
(م ْن) و (مىت) و (هل) وحنوهن ،حيث أمنوا
لالستفهام يف األصل غريه ،وامنا تركوا األلف يف َ
االلتباس)) ()1
أما ابن هشام األنصاري فيقول عنها اهنا (أصل أدوات االستفهام) ( )2وقد عارض بعض النحاة هذا
الكالم ،وجعلوا (هل) تشارك اهلمزة أصالتها يف االستفهام ( .)3وما يهمنا هنا إثبات أصالة اهلمزة يف
أسلوب االستفهام سواء يف القرآن أو يف غريه فهي (أم) هذا الباب أي االستفهام ،ولعلنا جند
مصداق هذا الكالم يف القرآن الكرمي ،وملا كان كتاب هللا هو القمة اليت ال ميكن الوصول إليها يف
جودة استخدامه أساليب العربية ،فقد وجدان أن (اهلمزة اكثر أدوات االستفهام وروداً يف القرآن
الكرمي ،فقد جاءت ( )562مرة ،وملا كان االستفهام القرآين كله ( )1260أسلوابً كان االستفهام هبا
قريباً من نصف االستفهام القرآين مجيعه) ( .)4وتنفرد اهلمزة عن بقية أدوات االستفهام يف كوهنا
تستخدم لطلب التصديق ولطلب التصور (فاهلمزة ترد لطلب التصور حنو :ازي ٌد قائم ام عمرو؟
ولطلب التصديق حنو :أزي ٌد قائم؟ و (هل) خمتصة بطلب التصديق حنو :هل قام زيد؟ وبقية األدوات
خمتصة
__________
( )1كتاب سيبويه.100 - 99 :1 ،
( )2مغين اللبيب.19 ،
( )3ينظر :أساليب الطلب عند النحويني والبالغيني.322 - 321 :
( )4أساليب استفهام يف القرآن الكرمي.9 ،
()19/1
بطلب التصور ،حنو :من جاءك؟ وما صنعت؟ وكم مالك؟ وأين بيتك؟ ومىت سفرك؟) (.)1
وللتفريق بني هذين االستفهامني يقول السبكي( :االستفهام عن (التصديق) يكون عن نسبة تردد
الذهن بني ثبوهتا وانتفائها ،واالستفهام عن التصور يكون عند الرتدد يف تعيني أحد شيئني،
فباالستفهام يعلم انه احاط العلم أبحدمها ال بعينه مسندين أم مسنداً إليهما ،أم من متعلقات
اإلسناد) (.)2
وتبدو أمهية إدراك الفرق بني هذين النوعني من االستفهام من كون اجلواب يعتمد بشكل أساس على
فهم السؤال وأدراك ما طلب عنه الفهم ،ولذلك حاول البالغيون إظهار الفروق بينهما يقول
السبكي(( :االستفهام عن التصديق حقه أن يؤتى بعده بـ (أم) املنقطعة ،دون املتصلة ،واالستفهام
ماصلُ َح ان يؤتى بعده بـ (أم) املتصلة دون املنقطعة)) (.)3
عن التصور َ
ومل يكن النحاة ليرتكوا كالمهم عن االستفهام خالياً من التفريق بني هذين النوعني من االستفهام (إذ
اعتمد النحاة املتأخرون هذا التقسيم ألدوات االستفهام ومنهم ابن هشام) ( .)4لقد توزعت إجابة
اهلمزة على قسمني ،فمنه ما طلب به التصور ومنه ما طلب به التصديق وقد اتضح أن جواب ما
طلب به التصديق كان اكثر من الضعف قياساً إىل ما طلب به التصور يف جواب القرآن ..ومبا أن
التصديق يكون عن نسبة تردد الذهن بني ثبوهتا وانتفائها ،فان الذهن يبحث عن نسبة املسند إىل
املسند إليه ،أو عن مضمون اجلملة ،على العكس من استفهام التصور حني يكون الذهن قد حدد
نسبة املسند إىل املسند إليه ،ولكنه يطلب تعيني املفرد (.)5
ومع أن اهلمزة هي (أم) ابب االستفهام وهي األداة الوحيدة من بني أدوات االستفهام اليت أييت هبا
االستفهام عن التصديق ،وعن التصور ،إالّ أن الالفت
__________
( )1مغين اللبيب .21 ،وينظر :مفتاح العلوم ،532 ،531 ،واإليضاح .136 - 79
( )2شروح التلخيص /عروس األفراح.247 :2 ،
( )3م .ن.247 :2،
( )4أساليب الطلب ،318 :وينظر :مغين اللبيب.20 :
( )5ينظر :كتاب سيبويه ،179 ،175 ،170 ،169 :3 ،ودالئل اإلعجاز.167 :
()20/1
للنظر هو أن االستفهام هبا كثرياً ما كان خيرج ألغراض بالغية ،فال أييت جواب هلا.
لقد استخدم القرآن الكرمي اإلجابة مبدوء ًة ابلفعل بزمنية املاضي واملضارع ،وكذلك اإلجابة ابالسم
َخ َذ َّ ِ
اَّللُ ميثَا َق النَّبِيِّ َ
ني لَ َما آتَـ ْيـتُ ُك ْم (وإِ ْذ أ َ واحلرف ،ومن استخدامه اجلواب املبدوء ابملاضي قوله تعاىلَ :
ِ ِ ول م ِ ِ اب و ِحك ٍ ِ ِ
َخ ْذ ُْمت َعلَى ال أَ أَقـ َْر ْرُْمت َوأ َ ص ّد ٌق ل َما َم َع ُك ْم لَتُـ ْؤمنُ َّن بِه َولَتَـ ْن ُ
ص ُرنَّهُ قَ َ اء ُك ْم َر ُس ٌ ُ َ م ْن كتَ ٍ َ َ
ْمة ُمثَّ َج َ
ال فَا ْشه ُدوا وأ ََان مع ُكم ِمن َّ ِ ِ ِ
ين) (.)1 الشاهد َ ص ِري قَالُوا أَقـ َْر ْرَان قَ َ َ َ َ َ ْ َ ذَل ُك ْم إِ ْ
ويبدو أن التطابق بني السؤال واجلواب حاصل إذ جاء السؤال ابلفعل املاضي واجلواب كذلك وقد
قيل(( :اصل اجلواب أن يعاد فيه نفس سؤال السائل ،ليكون وفق السائل)) (.)2
لقد جاء االستفهام هنا لطلب التصديق ،ولذلك جاء اجلواب بتعيني املفرد ،وكان ذلك إبعادة الفعل
نفسه ليكون ذلك ابلغ يف اإلقرار.
وسى إِ َىل قَـ ْوِم ِه غَ ْ
ضبَا َن وقد أييت اجلواب مفتتحاً ابلفعل املاضي املنفي كقوله تبارك وتعاىل( :فَـ َر َج َع ُم َ
ب ِم ْن ال َعلَْي ُك ُم ال َْع ْه ُد أ َْم أ ََر ْد ُْمت أَ ْن َِحي َّل َعلَْي ُك ْم غَ َ
سناً أَ فَطَ َ ِ ِ أِ
ضٌ ال َاي قَـ ْوم أََملْ يَع ْد ُك ْم َرب ُك ْم َو ْعداً َح َ
َسفاً قَ َ
ِ ِ ِ ْكنَا ولَ ِكنَّا ُِ ِ ِ ِِ ِ
محّلْنَا أ َْوَزاراً م ْن ِزينَة الْ َق ْوم فَـ َق َذفْـنَ َ
اها َربّ ُك ْم فَأَ ْخلَ ْفتُ ْم َم ْوعدي * قَالُوا َما أَ ْخلَ ْفنَا َم ْوع َد َك ِمبَل َ
الس ِام ِري) ( .)3لقد تكرر االستفهام من موسى – عليه السالم – (أملْ يعدكم أَ فَطال، ك أَلْ َقى َّ فَ َك َذلِ َ
أم أردمت) لعظم ما اقرتفه قومه من جرمية ابختاذهم العجل إِهلاً ،ولذلك جاء جواهبم بنفي التهمة عن
أنفسهم واالستفهام هنا لطلب التصديق بدليل وجود (أم) املتصلة.
(اي
ومثلما جاءت األجوبة عن أسئلة مثبتة ،فقد جاءت عن أسئلة منفية كما يف قوله تبارك وتعاىلَ :
اء يَـ ْوِم ُك ْم َه َذا قَالُوا ِ ِ
آايِيت َويُـ ْنذ ُرونَ ُك ْم ل َق َ
ِ ِ
س أََملْ َأيْت ُك ْم ُر ُس ٌل م ْن ُك ْم يَـ ُقصو َن َعلَْي ُك ْم َ
شر ا ْجلِ ِن و ِْ
األنْ ِ َم ْع َ َ ّ َ
َش ِه ْد َان َعلَى أَنْـ ُف ِسنَا َوغَ َّرْهتُ ُم
__________
( )1آل عمران.)81( :
( )2الربهان يف علوم القرآن.46 :4 ،
( )3طه.)87 - 86( :
()21/1
ض أَإِ َّان ضلَلْنَا ِيف ْاأل َْر ِ (وقَالُوا أَإِذَا َ وقد أييت االستفهام اإلنكاري حممال جبملة من املؤكدات كقوله تعاىلَ :
ت الَّ ِذي ُوّكِ َل بِ ُك ْم ُمثَّ إِ َىل َربِّ ُك ْم
ك الْمو ِ ِ ِ ِِ ِ ٍِ ِ
لَفي َخل ٍْق َجديد بَ ْل ُه ْم بِل َقاء َرّهب ْم َكاف ُرو َن * قُ ْل يَـتَـ َوفَّا ُك ْم َملَ ُ َ ْ
تُـ ْر َج ُعو َن) ( .)1فهؤالء يشكون يف احلياة بعد املوت ولذلك يكررون االستفهام بقوهلم (إذا ضللنا) و
(ءاان لفي خلق جديد) ،وجميء (ان) و (الالم) كلها مؤكدات لتظهر مدى شكهم يف هذا األمر.
ومبا أن شك هؤالء هبذا املستوى من القوة فقد جاء اجلواب من هللا تبارك وتعاىل على لسان نبيه عليه
الصالة والسالم ليفند هذا الشك ولذلك قال (يتوفاكم ملك املوت) (فذكره لتذكريهم ابملوت وهم
ال ينكرون ذلك ولكنهم أهلتهم احلياة الدنيا) (.)2
وعامةً َّ
فان اإلجابة ابلفعل املضارع كثرياً ما أتيت رداً على سؤال تكثر فيه املؤكدات ويفيد املضارع فيه
زمين احلال واالستقبال وكثريا ما يكون عن أمور خارقة للعادة ،وأييت يف اآلايت املكية .ومن أساليب
(وقَالُوا أَإِ َذا ُكنَّا ِعظَاماً َوُرفَااتً أَإِ َّان
القرآن الكرمي يف اجلواب استخدام فعل األمر ..كما يف قوله تعاىلَ :
ارةً أ َْو َح ِديداً) (.)3 ِ ِ
لَ َم ْبـ ُعوثُو َن َخلْقاً َجديداً* قُ ْل ُكونُوا ح َج َ
(وقوله (كونوا حجارة أو حديداً) ليس املراد منه األمر بل املراد أنكم لو كنتم كذلك ملا أعجزمت هللا
تعاىل عن اإلعادة) ( .)4ومع ذلك فان اجلواب قد خرج خمرج فعل األمر (وقريبة ذلك مقابلة فعل
(كنا) يف مقاهلم بقوله (كونوا) ومقابلة (عظاماً ورفااتً) يف مقاهلم بقوله (حجارة أو حديدا)) (.. )5
آاب ُؤَان أَإِ َّان لَ ُم ْخ َر ُجو َن* لََق ْد ُو ِع ْد َان
ين َك َف ُروا أَإِذَا ُكنَّا تُـ َراابً َو َ
ويف السياق نفسه أييت قوله تعاىل( :وقَ َ َّ ِ
ال الذ َ َ
ف َكا َن َعاقِبَةُ ض فَانْظُُروا َك ْي َ ريوا ِيف ْاأل َْر ِ ِ ِ ه َذا َْحنن وآاب ُؤَان ِمن قَـبل إِ ْن ه َذا إَِّال أ ِ
ني* قُ ْل س ُ ري ْاأل ََّول َ
َساط ُ
َ ْ ُْ َ َُ َ َ
ِ
ني) ( )6والالفت للنظر يف هذه اآلية ال ُْم ْج ِرم َ
__________
( )1السجدة.)11 - 10( :
( )2التحرير والتنوير.220 :21 ،
( )3اإلسراء.)50 - 49( :
( )4التفسري الكبري.225 :20 ،
( )5التحرير والتنوير.124 :15 ،
( )6النمل.)69( :
()23/1
وسابقتها تكرر االستفهام (وتكرير حرف االستفهام إبدخاله على إذا وان مجيعاً إنكار على إنكار
وجحود عقيب جحود ودليل على كفر مبالغ فيه) (.)1
ومن ذلك يبدو أن اجلواب بفعل األمر أييت رداً على استفهام إنكاري كما ان احملور الذي يدور عليه
ال لَِقوِم ِه أ ََأتْتُو َن الْ َف ِ
شةَ
اح َ (ولُوطاً إِ ْذ قَ َ ْ هذا االستفهام هو الشك يف احلياة بعد املوت .أما قوله تعاىلَ :
س ِاء بَ ْل أَنْـتُ ْم قَـ ْوٌم ِ ِ ِ
ال َش ْه َوةً م ْن ُدون النّ َ الر َج َ ما سبـ َق ُكم ِهبا ِمن أ ٍ ِ
َحد م َن ال َْعالَ ِم َ
ني* إِنَّ ُك ْم لَتَأْتُو َن ِّ َ ََ ْ َ ْ َ
َّ ِ ِ ِ ِ
َّرو َن) ( )2فهذا س يَـتَطَه ُوه ْم م ْن قَـ ْريَت ُك ْم إِهنُ ْم أ َُان ٌ
اب قَـ ْومه إَِّال أَ ْن قَالُوا أَ ْخ ِر ُج ُ
ُم ْس ِرفُو َن* َوَما َكا َن َج َو َ
لوط عليه السالم ولو كان موجهاً إليه لقالوا (اخرج) كما انه مل يكن عن اجلواب مل يكن موجهاً إىل ٍ
االستفهام اإلنكاري املوجه إليهم من نبيهم ..بل كان ذلك الكالم ردهم على رسالة لوط عليه
السالم أبمجعها .ولذلك فان هذه اآلية واآلايت الثالث املشاكلة هلا ( )3ال تدخل ضمن فعل األمر
الذي جاء جواابً على االستفهام ابهلمزة.
ومن الواضح ان اإلجابة بفعل األمر اقل بكثري من اإلجابة ابلفعلني املاضي واملضارع ،وقد يكون مرد
ذلك إىل أن فعل األمر يتعلق بزمين احلال واالستقبال أي أن الفعل غري واقع عند زمن االستفهام
على العكس من املاضي الذي وقع وانتهى واملضارع الذي حيصل يف الزمن الذي يطلب به االستفهام
..ومبا أن االستفهام أما أن يكون عن نسبة تردد الذهن بني ثباهتا وانتفائها أو يكون عند الرتدد يف
تعيني أحد شيئني واجلواب يكون أما إبثبات تلك النسبة أو نفيها وأما يكون بتعيني أحد الشيئني فان
هذا ميكن البت به يف املاضي واملضارع أما يف األمر أي املستقبل فال ميكن اجلزم به يف الغالب ألنه مل
يتحقق وقوعه بعد.
ومن أساليب اجلواب عن اهلمزة يف القرآن الكرمي ابتداء اجلواب ابالسم ..كما يف قوله تعاىل:
ت أ َْهلَ ْكتَـ ُه ْم ِم ْن قَـ ْب ُل
ب لَ ْو ِش ْئ َ
ال َر ِّ ني َر ُجالً لِ ِمي َقاتِنَا فَـلَ َّما أ َ
َخ َذ ْهتُ ُم َّ
الر ْج َفةُ قَ َ ِ
وسى قَـ ْوَمهُ َس ْبع َار ُم َ (وا ْختَ َ
َ
َوإِ َّاي ِ ِ
ي أَ ُهتْل ُكنَا مبَا فَـ َع َل الس َف َهاءُ
َ
__________
( )1تفسري الكشاف.158 - 157 :3 ،
( )2األعراف.82 - 81 :
( )3ينظر :سورة النحل :اآلية ( , )56والعنكبوت اآلية ( .)29والعنكبوت اآلية ( .)24واآلايت
الثالث األول كانت يف حق لوط عليه السالم ،أما الرابعة فكانت يف حق إبراهيم عليه الصالة
والسالم.
()24/1
()25/1
()26/1
()27/1
والزجر ،ومنهم من قال إهنا مبعىن (حقاً) ومنهم من قال إهنا تكون مبعىن (أال) االستفتاحية ومنهم من
قال إهنا تكون حرف جواب مبنزلة أي ونعم ..وابن هشام يرجح أن تكون استفتاحية مبعىن (أال) النه
اكثر اطراداً ( .)1وتشرتك مجيع هذه اآلايت يف كوهنا موجهة إىل الكفار وان جواهبا بعد ان افتتح بـ
(كال) فانه جواب للمستقبل أي انه مل يقع بعد وانه سيقع ولكن وقوعه سيكون يوم القيامة إذن
فهذه (اآلايت اليت وليت فيها (كال) أسلوب استفهام ،وقد جاءت كلها للردع والزجر ال لالجياب أو
النفي ،فهي ليست حرف جواب لالستفهام – كما قال النحاة) (.)2
ومن أساليب اجلواب ابحلرف يف القرآن الكرمي أن جياب عن االستفهام املنفي بـ (بلى) كما يف قوله
اب ِمبَاال فَ ُذوقُوا ال َْع َذ َ س َه َذا ِاب ْحلَ ِّق قَالُوا بَـلَى َوَربِّنَا قَ َ (ولَ ْو تَـ َرى إِ ْذ ُوقِ ُفوا َعلَى َرّهبِِ ْم قَ َ
ال أَلَْي َ تعاىلَ :
ُك ْنـتُ ْم تَ ْك ُف ُرو َن) (.)3
وها فُتِ َح ْ وقوله تعاىل( :و ِس َ َّ ِ
ال َهلُ ْم َخ َزنَـتُـ َها أََملْ ت أَبْـ َو ُاهبَا َوقَ َ َّم ُزَمراً َح َّىت إِذَا َجاءُ َ ِ
ين َك َف ُروا إ َىل َج َهن َ يق الذ َ َ
ِ
ت َكل َمةُ اء يَـ ْوم ُك ْم َه َذا قَالُوا بَـلَى َولَ ِك ْن َح َّق ْ ِ ِ ِ أيْتِ ُكم ر ُسل ِم ْن ُكم يَـ ْتـلُو َن َعلَْي ُكم ِ ِ
آايت َربّ ُك ْم َويُـ ْنذ ُرونَ ُك ْم ل َق َ ْ َ َ ْ ُ ٌ ْ
ِ ال َْع َذ ِ
ين) (.)4 اب َعلَى الْ َكاف ِر َ
ين إَِّال ِيف ِ ِ ِ وقوله تعاىل( :قَالُوا أَوَمل تَ ُ ِ
ك َأتْتي ُك ْم ُر ُسلُ ُك ْم ِابلْبَـيّنَات قَالُوا بَـلَى قَالُوا فَا ْد ُعوا َوَما ُد َعاءُ الْ َكاف ِر َ َْ
الل) (.)5 ض ٍ َ
س َه َذا ِاب ْحلَ ِّق قَالُوا بَـلَى َوَربِّنَا قَ َ ِ وقوله تعاىل( :ويـوم يـعر َّ ِ
ال فَ ُذوقُوا ين َك َف ُروا َعلَى النَّار أَلَْي َ ض الذ َ ََ ْ َ ُ َْ ُ
اب ِمبَا ُك ْنـتُ ْم تَ ْك ُف ُرو َن) (.)6
الْ َع َذ َ
ِ
صتُ ْم َو ْارتَـ ْبـتُ ْم َوغَ َّرتْ ُك ُم وهنُ ْم أََملْ نَ ُك ْن َم َع ُك ْم قَالُوا بَـلَى َولَكنَّ ُك ْم فَـتَـ ْنـتُ ْم أَنْـ ُف َ
س ُك ْم َوتَـ َربَّ ْ اد َوقال تعاىل( :يُـنَ ُ
ِ ْاألَم ِاين ح َّىت جاء أَمر َِّ
ور) (.)7 اَّلل َوغَ َّرُك ْم ِاب ََّّلل الْغَ ُر ُ َ َ َ َ ُْ
__________
( )1ينظر :مغين اللبيب.250 - 249 :
( )2من إعجاز الببان يف القرآن – االستفهام .273 :وينظر :مغين اللبيب.251 - 249 :
( )3األتعام.)30( :
( )4الزمر.)71( :
( )5غافر.)50( :
( )6األحقاف.)34( :
( )7احلديد.)14( :
()28/1
ج َسأَ َهلُ ْم َخ َزنَـتُـ َها أََملْ َأيْتِ ُك ْم نَ ِذ ٌير* قَالُوا بَـلَى قَ ْد ِ ِ ِ ِ
اد متََيَّـ ُز م َن الْغَيْظ ُكلَّ َما أُلْق َي ف َ
يها فَـ ْو ٌ وقوله تعاىل( :تَ َك ُ
ٍ
الل َكبِ ٍري) (.)1 ض ٍ اَّللُ ِم ْن َش ْيء إِ ْن أَنْـتُ ْم إَِّال ِيف َ
اء َان نَ ِذ ٌير فَ َك َّذبْـنَا َوقُـلْنَا َما نَـ َّز َل َّ
َج َ
إن ما يلحظ على هذه اآلايت اهنا تدور مجيعاً حول إثبات وحدانية هللا تبارك وتعاىل وعن البعث
وحساب القيامة فالسؤال واجلواب هنا يقعان يوم القيامة ولعل أمهية السؤال املطروح يف هذه اآلايت
هي اليت دعت إىل أن يكون منفياً وان جياب عنه بـ (بلى) دون غريها ألهنا احلرف الوحيد الذي
يصلح للجواب يف ذلك احلال .والسؤال هنا موجه اىل الكفار وأتيت إجابتهم لإلقرار مبا ارتكبوا من
الكفر والعصيان.
ال بَـلَى َولَ ِك ْن لِيَط َْمئِ َّن ال أ ََوَملْ تُـ ْؤِم ْن قَ َ
ف ُحتْيِي ال َْم ْوتَى قَ َ
ب أَِرِين َك ْي َ يم َر ِّ
أما قوله تعاىل( :وإِ ْذ قَ َ ِ ِ
ال إبْـ َراه ُ َ
قَـلِْيب (( .)2( ) ...بلى) إجياب ملا بعد النفي معناه بلى آمنت) (.)3
ك ِم ْن بَِين (وإِ ْذ أَ َخ َذ َرب َ
واآلية هنا دالة على قدرة هللا تعاىل على اإلحياء بعد املوت .أما قوله تعاىلَ :
ت بَِربِّ ُك ْم قَالُوا بَـلَى ( .)4( ) ...ومجلة قالوا آد َم ِم ْن ظُ ُهوِرِه ْم ذُ ِّريَّـتَـ ُه ْم َوأَ ْش َه َد ُه ْم َعلَى أَنْـ ُف ِس ِه ْم أَلَ ْس ُ
َ
بلى جواب عن استفهام تقريري وفصلت ألهنا جاءت على طريقة احملاورة) ( )5وهذه اآلية تدور
أيضاً حوا إثبات الوحدانية هلل تعاىل وعدم االشراك به واالعرتاف ابحلياة بعد املوت.
ِ ِ َّ َحيس ِ
س ِّو َ
ي بَـنَانَهُ) ( )6وهذه اآلية سا ُن أَل ْن َْجن َم َع عظَ َامهُ* بَـلَى قَاد ِر َ
ين َعلَى أَ ْن نُ َ ب ْاألنْ َ
وقال تعاىل( :أ َْ َ ُ
ال خترج عن اإلطار الذي تدور فيه اآلايت السابقة فهي يف جمال إثبات قدرة هللا تعاىل على إحياء
املوتى .وهذا مما يعزز اليقني يف (أن القرآن يستخدم األلفاظ أو العبارات استخداماً معيناً يف مواقف
معينة ،فيضفي عليها هذا االستخدام إحياء يضاف إىل معناها املعجمي ،وجيعلها أتىب أن حيل
__________
( )1امللك.)9 - 8( :
( )2البقرة.)260( :
( )3الكشاف.391 :1 :
( )4األعراف.)172( :
( )5التحرير والتنوير.168 :9 ،
( )6القيامة.)4 - 3( :
()29/1
حملها غريها ،أو يؤدي نفس معناها ،كان (بلى) ال جتود إال يف االعرتاف أبمر خطري ذي شان عظيم
كاأللوهية والقدرة على البعث وبدء اخللق وما إىل ذلك) (.)1
ومن أساليب اجلواب األخرى ابحلرف استخدام احلرف (بل) كما يف قوله تعاىل( :قَالُوا أ ِ
َج ْئـتَـنَا ِاب ْحلَ ِّق
ض الَّ ِذي فَطََرُه َّن َوأ ََان َعلَى ذَلِ ُك ْم ِم َن السماو ِ
ات َو ْاأل َْر ِ ال بَ ْل َرب ُك ْم َرب َّ َ َ
ني* قَ َ ت ِمن َّ ِ
الالعبِ َ أ َْم أَنْ َ َ
ين) (.)2 َّ ِ ِ
الشاهد َ
(وجاء هو يف جواهبم ابإلضراب عن قوهلم (أم أنت من الالعبني) إلبطال أن يكون من الالعبني
واثبات ان رهبم هو الرب الذي خلق السماوات) (.)3
وه ْم إِ ْن َكانُوا ِ ِِِ ِ ِ وقال تعاىل( :قَالُوا أَأَنْ َ
اسأَلُ ُ
ريُه ْم َه َذا فَ ْ
ال بَ ْل فَـ َعلَهُ َكب ُ
يم* قَ َْت َه َذا ِبهلَتنَا َاي إبْـ َراه ُ ت فَـ َعل َ
ريُه ْم) ابطال الن يكون هو الفاعل لذلك نفى أن يكون فعل ِ ِ
يَـ ْنط ُقو َن) (( .)4وقوله تعاىل (بَ ْل فَـ َعلَهُ َكب ُ
ذلك الن (بل) تقتضي نفي ما دل على كالمهم من استفهام))5( .
ِ ض ِع ُفوا أ َْ ال الَّ ِذين استَك ِ ِ
ص َد ْد َان ُك ْم َع ِن ا ْهلَُدى بَـ ْع َد إ ْذ َج َ
اء ُك ْم بَ ْل َحن ُن َ استُ ْين ْ ْربُوا للَّذ َ َ ْ َ وقال تعاىل( :قَ َ
ض ِع ُفوا لِلَّ ِذين استكْربوا بل مكْر اللَّي ِل والنـَّها ِر إِ ْذ َأتْمرونَـنا أَ ْن نَ ْك ُفر ِاب َِّ
َّلل استُ ْ ُك ْنـتُم ُْجم ِرِمني* وقَ َ َّ ِ
َ ُُ َ َ ْ َ َُ َ ْ َ ُ ْ َ َ ين ْ ال الذ َ َ َ ْ
.)6( ) ...
إن هذا السؤال واجلواب مما يقع يوم القيامة إذ حياول الذين استكربوا التربَؤ من الذين استضعفوا
وكل يتهم اآلخر حىت ينجو من العذاب ورد عليهم املستضعفون (فأبطلوا إضراهبم إبضراهبم كأهنم
قالوا :ما كان اإلجرام من جهتنا بل من جهة مكرهم لنا دائبا ليال وهنارا ومحلكم إايان على الشرك
واختاذ األنداد) ()7
__________
( )1من إعجاز البيان يف القرآن – االستفهام.269 :
( )2األنبياء.)56( :
( )3التحرير والتنوير.96 :7 ،
( )4األنبياء.)63 - 62( :
( )5التحرير والتنوير.100 :17 ،
( )6سبأ.)33( :
( )7الكشاف.291:1 ،
()30/1
ويظهر أن هذا األسلوب يتضمن توجيه اهتام معني إىل املخاطب ويرد املخاطب إببطال هذا االهتام
ويكون االستعالء واضحا يف السؤال ويكون االستفهام هنا لطلب التصديق.
السماو ِ اَّلل َش ٌّ ِ ت رسلُهم أَِيف َِّ
ضات َو ْاأل َْر ِ ك فَاط ِر َّ َ َ وقد أييت اجلواب منفيا كما يف قوله تعاىل( :قَالَ ْ ُ ُ ُ ْ
ش ٌر ِمثْـلُنَا تُ ِري ُدو َن أَ ْن
س ّم ًى قَالُوا إِ ْن أَنْـتُ ْم إَِّال بَ َ
َج ٍل ُم َ
ِ ِ ِ ِ
يَ ْدعُوُك ْم ليَـغْف َر لَ ُك ْم م ْن ذُنُوبِ ُك ْم َويُـ َؤ ّخ َرُك ْم إِ َىل أ َ
وان بِس ْلطَ ٍ
ان ُمبِ ٍ
ني) ()1 آاب ُؤَان فَأْتُ َ ُ وان َع َّما َكا َن يَـ ْعبُ ُد َ
صد َ تَ ُ
وجاء اجلواب هنا أبسلوب القصر ،إ ْذ تقدمه النفي بـ (أن) اليت هي مبعىن (ما) هنا مث األداة (إال).
ك ْاأل َْرذَلُو َن* قَا َل َوَما ِعلْ ِمي ِمبَا َكانُوا يَـ ْع َملُو َن) ( .)2لقد جاء ك َواتَّـبَـ َع َ وقوله تعاىل( :قَالُوا أَنُـ ْؤِم ُن لَ َ
اجلواب استفهاما بـ (ما) ،وقد أوكل حساهبم إىل الباري عز وجل وهذه اآلايت وهنالك آايت غريها
كانت قليلة وال تشكل أسلواب له خصائصه املميزة حبيث ميكن حتديد اخلطوط الرئيسة هلذا األسلوب
ومتييزه من غريه.
__________
( )1إبراهيم.)10( :
( )2الشعراء .113 - 112
()31/1
املبحث الثاين
جواب ما االستفهامية
أتيت اإلجابة عن (ما) اتلية للهمزة ،يف كثرة االستفهام هبا يف القرآن الكرمي.
(وهي اكثر أدوات االستفهام ورودا يف القرآن بعد اهلمزة ،فجاءت ( )186مرة))1( .
و (ما) يستفهم هبا (عن اجلنس) ( )2كما يستفهم هبا عن (الصفات واحلقيقة واملاهية) ( )3لقد
تعددت أساليب اإلجابة عن االستفهام بـ (ما) ،ومن ذلك اإلجابة ابلفعل املاضي كما يف قوله تعاىل:
ِ ِ رب فَبِ َم تُـبَ ِّ سِ ِ
ني) (.)4ش ْرَان َك ِاب ْحلَ ِّق فَال تَ ُك ْن م َن الْ َقانِط َ
ش ُرو َن* قَالُوا بَ َّ ال أَبَ َّ ِ
ش ْرمتُُوين َعلَى أَ ْن َم َّ َ
ين الْك َُ (قَ َ
واالستفهام ابهلمزة يف (أبشرمتوين) لإلنكار أما االستفهام بـ (ما) يف قوله (فبم تبشرون) للتعجب
ولذلك فاالستفهام هنا لإلنكار مع التعجب.
ِ ِ ِ ِ ِ
ني* إِ ْذ قَ َ
ال يم ُر ْش َدهُ م ْن قَـ ْب ُل َوُكنَّا بِه َعال ِم َ (ولََق ْد آتَـ ْيـنَا إبْـ َراه َ
ومن اإلجابة ابلفعل املاضي قوله تعاىلَ :
ِِ ِ ِألَبِ ِيه وقَـ ْوِم ِه َما َه ِذهِ التَّماثِ َّ
ين) (.)5 آاب َء َان َهلَا َعابد َ يل ال ِيت أَنْـتُ ْم َهلَا َعاك ُفو َن* قَالُوا َو َج ْد َان َ
َ ُ َ
ِ ص ُروا بِ ِه فَـ َقبَ ْ ِ
ضةً م ْن أَثَ ِر
ت قَـ ْب َ
ضُ ت ِمبَا َملْ يَـبْ ُ
ص ْر ُ
ال بَ ُ ك َاي َسام ِري* قَ َ ال فَ َما َخطْبُ َ وقوله تعاىل( :قَ َ
ت ِيل نَـ ْف ِسي) (.)6 ول فَـنَـبَ ْذ ُهتَا َوَك َذلِ َ
ك َس َّولَ ْ الر ُس ِ
َّ
إن ما يالحظ هنا أن االستفهام الوارد يف هذه اآلايت مجيعا لألنبياء ،وهو يف اآلية األوىل موجه
للمالئكة ،ويف اآليتني الثانية والثالثة موجه ألانس قد ضلوا عن الطريق القومي ،وملا كان االستفهام
موجها إىل املخاطب مباشرة فان املخاطب حينما جييب أييت ابلفاعل ضمريا إما متصال وإما منفصال.
__________
( )1أساليب االستفهام.123 :
( )2مفتاح العلوم.533 :
( )3ينظر :شروح التلخيص.281 - 273:2 ،
( )4احلجر.)55( :
( )5األنبياء.)53 - 51( :
( )6طه.)96( :
()32/1
وكما أجاب القرآن الكرمي ابلفعل املاضي فانه قد أجاب ابلفعل املضارع كما يف قوله تعاىل( :أ َْم ُك ْنـتُ ْم
آابئِ َ
ك ال لِبَنِ ِيه َما تَـ ْعبُ ُدو َن ِم ْن بَـ ْع ِدي قَالُوا نَـ ْعبُ ُد إِ َهلَ َ
ك َوإِلَهَ َ ت إِ ْذ قَ َوب ال َْم ْو ُ اء إِ ْذ َح َ
ض َر يَـ ْع ُق َ ُش َه َد َ
احداً َوَْحن ُن لَهُ ُم ْسلِ ُمو َن) ( .)1واالستفهام موجه هنا من يعقوب عليه اعيل وإِسحا َق إِ َهلاً و ِ ِ ِ ِ
َ يم َوإِ ْمسَ َ َ ْ َ إبْـ َراه َ
السالم ألبنائه إذ يسأهلم (أي شيء تعبدون) ( .)2ويرى عبد العليم فوده أن هذا االستفهام استفهام
حقيقي ( ،)3وهذا الكالم ال يصمد عند التحقق منه فمن املعلوم انه يف االستفهام احلقيقي يكون
املستفهم غري عامل ،بينما جند ان يعقوب عليه السالم قد أوصى بنيه هبذه الوصية والدليل على ذلك
ِ صى ِهبا إِبـر ِاه ِ ِ
ين فَال ين إِ َّن ا ََّّللَ ْ
اصطََفى لَ ُك ُم ال ّد َ وب َاي بَِ َّ
يم بَنيه َويَـ ْع ُق ُ
(وَو َّ َ ْ َ ُ قوله تعاىل يف اآلية اليت قبلهاَ :
متَُوتُ َّن إَِّال َوأَنْـتُ ْم ُم ْسلِ ُمو َن) (.)4
ال َملْ أَ ُك ْن
ين* قَ َ ك أ ََّال تَ ُكو َن مع َّ ِ ِ ومن اإلجابة ابلفعل املضارع قوله تعاىل( :قَ َ ِ ِ
الساجد َ ََ يس َما لَ َ ال َاي إبل ُ
ال ِمن َمحٍَأ مسنُ ٍ
صل َ ٍ ِ َس ُج َد لِبَ َ ِ
ون) ( )5االستفهام موجه من هللا تعاىل إلبليس وهو ْص ْ َ ْ ش ٍر َخلَ ْقتَهُ م ْن َ أل ْ
(استفهام توبيخ) ( )6وقد جاء االستفهام منفيا بـ (اال) وطابقه اجلواب فجاء منفيا ومؤكدا ابلالم
أيضا .وتطابق السؤال مع اجلواب كان واضحا يف اآليتني اللتني ذكرانمها ،إذ (قيل :اصل اجلواب أن
يعاد فيه نفس سؤال السائل ،ليكون وفق السائل) ( ،)7وقد أعيد السؤال يف اإلجابتني السابقتني.
َّاس يَ ْس ُقو َن َوَو َج َد ِم ْن ُدوهنِِ ُم ْام َرأَتَ ْ ِ
ني اء َم ْديَ َن َو َج َد َعلَْي ِه أ َُّمةً ِم َن الن ِ
(ولَ َّما َوَر َد َم َ
وقال تبارك وتعاىلَ :
ري) ( )8إن االستفهام يف ِ
وان َش ْي ٌخ َكب ٌ ص ِد َر ِّ
الر َعاءُ َوأَبُ َ ال َما َخطْبُ ُك َما قَالَتَا ال نَ ْس ِقي َح َّىت يُ ْ ود ِ
ان قَ َ تَ ُذ َ
هذه اآلية املباركة
__________
( )1البقرة.)133( :
( )2الكشاف.314:1 ،
( )3أساليب االستفهام يف القرآن الكرمي.123 :
( )4البقرة.)132( :
( )5احلجر)33( :
( )6التحرير والتنوير.46:14 ،
( )7الربهان يف علوم القرآن.46:4 ،
( )8القصص.)23( :
()33/1
لطلب التصور ،أو تعيني املفرد ،أي أن السائل كان خايل الذهن إذ إن موسى عليه السالم قد
(سأهلما عن سبب الذايد فقالتا :السبب يف ذلك اان امرأاتن ضعيفتان مسرتواتن ال نقدر على
مساجلة الرجال ومزامحتهم فالبد لنا من أتخري السقي إىل أن يفرغوا ،وما لنا رجل يقوم بذلك وأبوان
شيخ قد أضعفه الكرب فال يصلح للقيام به ،ابلتا اليه عذرمها يف توليهما السقي ابنفسهما) (.)1
إذن فقد تركز اجلواب على كشف السبب الذي دعامها إىل ممارسة هذا العمل .ومما يالحظ على
استعمال (ما) هنا واإلجابة عنها ابلفعل املضارع أن االستفهام كان صادرا عن هللا تعاىل وعن أنبيائه
عليهم السالم .ومل تكن األسئلة حمصورة يف غرض واحد ،بل توزعت على أغراض خمتلفة ،ومقاصد
متعددة .وكانت األجوبة أجوية تفصيلية وليست خمتصرة .ومل يكن هنالك رابط معني يربط املخاطبني
أو من وجهت إليهم األسئلة ففي اآلية األوىل كانوا أبناء يعقوب عليه السالم ويف الثانية كان (إبليس)
ويف الثالثة ابنيت شعيب عليه السالم ..
ش َر) ( )2فابن احةٌ لِلْبَ َ
ش ِر* َعلَْيـ َها تِ ْس َعةَ َع َ ِ (وَما أَ ْد َر َ
اك َما َس َق ُر* ال تُـ ْبقي َوال تَ َذ ُر* لََّو َ اما قوله تعاىلَ :
احلاجب يقول عن أسلوب (ما أدراك)( :جميء االستفهام يف هذا اجملال لتعظيم ذكر القضية) ( )3إذن
فاالستفهام هنا ليس حقيقياً وامنا خرج لغرض بالغي يناسب هول ذلك املشهد الذي يصور جهنم،
أما اجلواب فانه قد جاء مفتتحاً بـ (ال) النافية اليت أفاد نفيها احلال واالستقبال لتتناسب مع هذا اجلو
الذي يرمسه القرآن الكرمي .وال تقف السورة عند هذا احلد يف عرض هذا املشهد وامنا تكمله
ك نُط ِْع ُم ك ِمن الْم ِ
ني* َوَملْ نَ ُ (ما َسلَ َك ُك ْم ِيف َس َق َر* قَالُوا َملْ نَ ُ َ ُ َ
صلّ َ ابستفهام آخر وجبوابه يف قوله تعاىلَ :
ِ ِ ِ ِ اخلَائِ ِ ِ
ني) (.)4ب بِيَـ ْوم ال ّدي ِن* َح َّىت أ ََات َان الْيَق ُ
ني* َوُكنَّا نُ َك ّذ ُ
ضَ وض َم َع ْ
*وُكنَّا َخنُ ُ ال ِْم ْسك َ
ني َ
__________
( )1الكشاف.171:3 ،
( )2املدثر.)30 - 27( :
( )3امايل ابن احلاجب.111 :1 :
( )4املدثر.)47 - 42( :
()34/1
()35/1
السماو ِ وقوله تعاىل( :قَ َ ِ
ض َوَما بَـ ْيـنَـ ُه َما إِ ْن ُك ْنـتُ ْم
ات َو ْاأل َْر ِ ال َرب َّ َ َ ال ف ْر َع ْو ُن َوَما َرب ال َْعالَ ِم َ
ني* قَ َ
ِ
ني) ( )1وملّا كانت (ما) للسؤال عن اجلنس والصفة فانه (ال جواب البتة لقول فرعون وما رب ُموقنِ َ
العاملني إال ما قاله موسى عليه السالم وهو انه رب السماوات واألرض وما بينهما) ( )2فالستفهام
ٍ
طاغية متعنت وصل به احلال إىل أ ْن ي ّد َعي الربوبية ولذلك جاء هنالك لإلنكار ،فهو صادر من
اجلواب مفصالً ودقيقاً ،كما أن موسى عليه السالم قد أورد من الصفات اإلهلية لرب العاملني ما
يثبت لفرعون بطالن ربوبيته فاهلل تعاىل ال يضل وال ينسى وهو رب السموات واألرض وما بينهما
وشتان ما بني هذه الصفات العظيمة وصفات عبد ضعيف حقري من عبيد هللا كفرعون .ومن أساليب
ال َرب ُك ْم قَالُوا ا ْحلَ َّق َو ُه َو
ما أن أتيت مصحوبة ابسم اإلشارة (ذا) كما يف قوله تعاىل ... ( :قَالُوا َماذَا قَ َ
ري) ( .)3وقد حذف الفعل والفاعل من اجلواب هنا فاصل اجلواب(( :قال ربنا احلقَّ) حىت ِ ِ
ال َْعلي الْ َكب ُ
تتم املطابقة واملشاكلة بني السؤال واجلواب إال أن بالغة القرآن اكتفت هنا ابملفعول به فقط طلباً
لالختصار ..فان املوقف هنا ال يسمح ابلشرح والتفصيل فقوهلم (احلق) (أي القول احلق وهو اإلذن
ابلشفاعة ملن ارتضى) ( .)4وهذا مما يقع يف يوم القيامة.
اك َما ِس ِّج ٌ
ني * (وَما أَ ْد َر َ
ومن األساليب املميزة يف جواب (ما) جواب (ما ادراك) .كما يف قوله تعاىلَ :
وم) (.)6 ِ كِتاب مرقُوم) ( .)5وقوله تعاىل( :وما أَ ْدر َ ِ ِ
اب َم ْرقُ ٌ
اك َما علّيو َن* كتَ ٌ ََ َ َ ٌ َْ ٌ
ِ
اك َما ال َْع َقبَةُ* فَك (وَما أَ ْد َر َ
ب) ( .)7وقوله تعاىلَ : اك َما الطَّا ِر ُق* الن ْ
َّج ُم الثَّاق ُ (وَما أَ ْد َر َ
وقوله تعاىلَ :
ام ِيف يَـ ْوٍم ِذي َم ْسغَبَ ٍة) ( )8وقوله تعاىل: َرقَـبَة* أ َْو إِط َْع ٌ
__________
( )1الشعراء.)24 - 23( :
( )2التفسري الكبري.128 :24 ،
( )3سبأ.)23( :
( )4الكشاف.288 :3 ،
( )5املطففني.)9 - 8( :
( )6املطففني.)20 - 19( :
( )7الطارق.)3 - 2( :
( )8البلد (.)14 - 12
()36/1
ص َدةٌ* ِيف َع َم ٍد ِ ِ ِ اك ما ا ْحلطَمةُ* َانر َِّ
اَّلل ال ُْموقَ َدةُ* الَِّيت تَطَّل ُع َعلَى ْاألَفْئ َدة* إِ َّهنَا َعلَْي ِه ْم ُم ْؤ َ (وَما أَ ْد َر َ َ ُ َ ُ َ
ٍ
َّدة) (.)1
ممَُد َ
ويقول الكفوي (ت 1049هـ) عن هذا األسلوب ((كل شي يف القرآن (وما أدراك) فقد اخرب به،
وذلك ان (ما) يف املوضعني لالستفهام اإلنكاري ،لكن يف (ما يدريك) إلنكار ونفي لإلدراك يف احلال
واملستقبل ،فإذا نفى هللا ذلك يف املستقبل ومل يفسره ،ويف (ما أدراك) إنكار ونفي لتحقق اإلدراك يف
املاضي وال ينايف حتققه يف احلال أو املستقبل فأدرى هللا إبخباره وتفسريه) (.)2
إذن فهذا األسلوب القرآين ال خيرج عن التهويل الذي يراد به التخويف وانه ال يراد به التخويف
فقط ،بل تعظيم األمر وتضخيمه ،والفيصل يف هذا التحديد هو
اآلية نفسها مبا تعكس من املعىن وتضفي من الظالل على أسلوب (ما أدراك).
ومن أساليب اإلجابة عن (ما) اإلجابة بظرف الزمان ،ومنها اإلجابة عن (ما أدراك) كما يف قوله
س َشيئاً و ْاألَمر يـومئِ ٍذ َِِّ ك نَـ ْف ِ ِ ِ
َّلل) ( .)3وقوله س لنَـ ْف ٍ ْ َ ْ ُ َ ْ َ اك َما يَـ ْو ُم ال ّدي ِن* يَـ ْوَم ال متَْل ُ ٌ (مثَّ َما أَ ْد َر َ
تعاىلُ :
ال َكال ِْع ْه ِن
وث* َوتَ ُكو ُن ا ْجلِبَ ُ اش الْم ْبـثُ ِ
اك َما الْ َقا ِر َعةُ* يَـ ْوَم يَ ُكو ُن الن ُ
َّاس َكالْ َف َر ِ َ (ما الْ َقا ِر َعةُ* َوَما أَ ْد َر َ
تعاىلَ :
ال َْم ْنـ ُف ِ
وش) ( )4والسبب يف كون اجلواب هنا ظرفاً للزمان هو أن االستفهام كان عن حتديد زمن معني
أو عن صفة هذا الزمن فيأيت اجلواب مفتتحاً ابلظرف ومصوراً لصفته.
ومن أساليب اجلواب عن (ما) اإلجابة ابلضمري كما يف قوله تعاىل:
ال ِهي َعصاي أَتَـوَّكأُ َعلَيـها وأَهش ِهبا َعلَى غَنَ ِمي وِ ِ ْك بِيَ ِمينِ َ
(وَما تِل َ
يها َمآ ِر ُ
ب يل ف َ
ََ وسى* قَ َ َ َ َ َ ْ َ َ ُ َ ك َاي ُم َ َ
أُ ْخ َرى) ( .. )5ومن أجوبة موسى عليه السالم أيضاً قوله
__________
( )1اهلمزة.)9 - 5( :
( )2الكليات.182 - 181 :4 ،
( )3االنفطار.)19 - 18( :
( )4القارعة.)5 - 3( :
( )5طه.)18 - 17( :
()37/1
ِ
ب لِ َ ْرت َ
ضى) ()1 ال ُه ْم أُوالء َعلَى أَثَ ِري َو َع ِجل ُ
ْت إِلَْي َ
ك َر ِّ وسى* قَ َ ك َع ْن قَـ ْوِم َ
ك َاي ُم َ (وَما أَ ْع َجلَ َ
تعاىلَ :
وما مييز االستفهام هنا انه صادر عن رب العزة سبحانه وتعاىل ،ولذلك فهو استفهام غري حقيقي الن
هللا تعاىل عامل بكل شي .ومل يكن االستفهام هنا مما يتعلق ابآلخرة ،وامنا كان املراد منه صقل شخصية
موسى عليه السالم ( .)2أما اجلواب فقد جاء مفصالً ومبدوءاً ابلضمري ،وكان يف اآلية األوىل ضمرياً
عن العصا يف قوله تعاىل (وما تلك) وعن الكاف ابلتحديد .ويف اآلية الثانية ضمرياً عن (قومك) وكان
التطابق واضحاً بني اجلواب والسؤال يف اآلية األوىل أما يف الثانية فإضافة إىل التطابق جند ذكر
السبب يف عجلته الن االستفهام كان لإلنكار.
ال َما
وقد يكون االستفهام صادراً عن هللا تعاىل ولكن على سبيل التوبيخ كما يف قوله تعاىل( :قَ َ
ني) ( .)3فاالستفهام هنا ري ِم ْنهُ َخلَ ْقتَ ِين ِم ْن َان ٍر َو َخلَ ْقتَهُ ِم ْن ِط ٍ
ال أ ََان َخ ٌْ ك أ ََّال تَ ْس ُج َد إِ ْذ أ ََم ْرتُ َ
ك قَ َ َمنَـ َع َ
عن سبب امتناع إبليس عن السجود آلدم عليه السالم وجاء اجلواب مفتتحاً بـ (اان) الدالة على
التفخيم والكرب موضحاً يف جوابه سبب تفضيل نفسه على آدم أبنه خملوق من انرـ وهي اشرف من
الطني على حد زعمه ـ.
ال فَ َما َخطْبُ ُك ْم أَيـ َها ال ُْم ْر َسلُو َن* وقد جاء اجلواب ابلضمري عن استفهام حقيقي كما يف قوله تعاىل( :قَ َ
َّرَان إِ َّهنَا لَ ِم َن الْغَابِ ِري َن) وهم أ ْ ِ قَالُوا إِ َّان أُر ِسلْنا إِ َىل قَـوٍم ُْجم ِرِمني* إَِّال َ ٍ
ني* إَِّال ْام َرأَتَهُ قَد ْ
َمجَع َ آل لُوط إِ َّان لَ ُمنَج ُ ْ َ ْ ْ َ
(.)4
ِ ال فَما َخطْب ُكم أَيـها الْمرسلُو َن* قَالُوا إِ َّان أُر ِسلْنَا إِ َىل قَـوٍم ُْجم ِرِم ِ ِ
ني* لنُـ ْرس َل َعلَْي ِه ْم ح َج َ
ارةً َ ْ ْ وقوله تعاىل( :قَ َ َ ُ ْ َ ُ ْ َ
ِ ِ ك لِلْمس ِرفِني* فَأَ ْخرجنا من َكا َن فِ ِ ِ ِ ٍِ
ت يها غَ ْري بـ ْي ٍ
ني* فَ َما َو َج ْد َان ف َ َ َ يها م َن ال ُْم ْؤمنِ َ
َ َ َْ َ ْ س َّوَمةً ع ْن َد َربِّ َ ُ ْ َ م ْن طني* ُم َ
ِ ِِ ِ ِ ِ
يم) ( )5واالستفهام هنا اب ْاألَل َ يها آيَةً للَّذ َ
ين َخيَافُو َن ال َْع َذ َ م َن ال ُْم ْسل ِم َ
ني* َوتَـ َرْكنَا ف َ
__________
( )1طه.)84 - 83( :
( )2ينظر :التفسري الكبري.98 :22 ،26 :22 :
( )3األعراف.)12( :
( )4احلجر.)60 - 57( :
( )5الذارايت.)37 - 031( :
()38/1
صادر من إبراهيم اخلليل عليه السالم وهو موجه إىل املالئكة أما اجلواب فقد افتتح بـ (اان) املشددة
الدالة على االختصاص حىت مييزوا أنفسهم والغرض الذي أرسلوا من اجله ـ وهو انزل العقاب بقوم
لوط ـ وملا كان االستفهام هنا حقيقيا وهو عن األمر الذي جاء هبؤالء املالئكة ـ وهو أمر عظيم ـ فقد
جاء اجلواب مسهبا وتفصيليا حبيث مل يرتكوا جماال آخر لالستفهام إذ جاء جواهبم عن األمر برمته.
()39/1
املبحث الثالث
أجوبة بقية أدوات االستفهام
لقد آثرت أن امجع أجوبة بقية أدوات االستفهام يف مبحث واحد ألهنا ال تصل يف عددها إىل ما
وصلت إليه أجوبة (اهلمزة أو (ما).
1ـ َم ْن:
(م ْن) يف صدارة هذه األدوات يف الكثرة ،إذ إهنا من (اكثر األدوات ورودا بعد اهلمزة و (ما)،
وتقع َ
فقد جاءت يف القرآن ( )103مرات))1( .
ويرى سيبويه أن (من) للسؤال عن الناس )2( .بينما يرى السكاكي أهنا للسؤال عن اجلنس من ذوي
العلم )3( .أما اخلطيب القزويين فانه خيالف السكاكي ويرى أن األظهر فيها أن تكون سؤاال عما
يشخص ويعني املسؤول عنه من بني ذوي العلم)4( .
واحلق أن كالم اخلطيب القزويين اكثر دقة من كالم السكاكي ،ومما يؤيد ذلك االستخدام القرآين كما
سيتضح بعد قليل.
(م ْن) للسؤال عن الفاعل ألمر عظيم ال يتصف به سوى رب العزة تبارك وتعاىل ،إذ ال لقد جاءت َ
ميكن أن يشك شاك يف أن يصفه هبذه األفعال اجلليلة كما يف قوله تعاىل( :قُ ْل َم ْن يُـنَ ِّجي ُك ْم ِم ْن
اَّللُ يُـنَ ِّجي ُك ْم ضرعاً و ُخ ْفيةً لَئِن أ َْجنَ َاان ِمن ه ِذهِ لَنَ ُكونَ َّن ِمن َّ ِ ِ
ين* قُ ِل َّ الشاك ِر َ َ ْ َ ْرب َوالْبَ ْح ِر تَ ْدعُونَهُ تَ َ َ َ ْ ظُلُ َمات ال َِّ
ب ُمثَّ أَنْـتُ ْم تُ ْش ِرُكو َن) (.)5 ِم ْنـ َها َوِم ْن ُك ِل َك ْر ٍ
ّ
ِ
ِج ا ْحلَ َّي م َن ِ ِ
الس َماء َو ْاأل َْر ِ ِ
ار َوَم ْن خيُْر ُ
صَ س ْم َع َو ْاألَبْ َ
ك ال َّض أ ََّم ْن ميَْل ُ وقوله تعاىل( :قُ ْل َم ْن يَـ ْرُزقُ ُك ْم م َن َّ
ت وخيُْرِج الْميِ َ ِ
سيَـ ُقولُو َن َّ
اَّللُ فَـ ُق ْل أَفَال تَـتَّـ ُقو َن) ()6 ِ
ت م َن ا ْحلَ ِّي َوَم ْن يُ َدبُّر ْاأل َْم َر فَ َ ال َْميِّ ِ َ ُ َ ّ
__________
( )1أساليب االستفهام يف القرآن الكرمي.113 :
( )2ينظر :الكتاب.233 ،228 :4 ،
( )3ينظر :مفتاح العلوم.535 :
( )4ينظر :اإليضاح ،139 :وشروح التلخيص.283 - 282:2 ،
( )5األنعام.)64( :
( )6يونس.)31( :
()40/1
()41/1
واضح بني اجلواب والسؤال يف هذه اآلايت مجيعا .وسواء استفهم ابلفعل أو ابالسم ومت تعيني الفاعل
فأن هذه اآلايت املباركة ال خترج عن دائرة احلجاج مع املشركني واليهود ،وكامنا وظيفة (من) الغالبة
عليها هي استخدامها يف احملاججة واجلدال بني النيب األكرم (ص) واملشركني وجند هنا أن اجلواب
يبدأ دائما ابالسم ،ومل جند يف هذا األسلوب جوااب قد بدأ ابلفعل ،وهذا األسلوب غايته إثبات
الوحدانية هلل تعاىل وتنزيهه عن ان يشارك يف هذه الصفة وليس أدل على ذلك من تالحق االستفهام
بـ (من) يف قوله تعاىل( :قُل لِم ِن ْاألَرض ومن فِيها إِ ْن ُك ْنـتم تَـعلَمو َن* سيـ ُقولُو َن َِِّ
َّلل قُ ْل أَفَال تَ َذ َّك ُرو َن* ََ ُْ ْ ُ ْ ُ ََ ْ َ ْ َ
َّلل قُل أَفَال تَـتَّـ ُقو َن* قُل من بِي ِدهِ ش الْع ِظ ِيم* سيـ ُقولُو َن َِِّ السماو ِ
ْ َْ َ ْ ََ الس ْب ِع َوَرب ال َْع ْر ِ َ
ات َّ قُ ْل َم ْن َرب َّ َ َ
ََّن تُ ْس َح ُرو َن) (.)1 وت ُك ِل َشي ٍء وهو ُِجيري وال ُجيار علَي ِه إِ ْن ُك ْنـتم تَـعلَمو َن* سيـ ُقولُو َن َِِّ
َّلل قُ ْل فَأ َّ ََ ُْ ْ ُ َملَ ُك ُ ّ ْ َ ُ َ ُ َ َ ُ َ ْ
ونظل يف دائرة اجلدال هذه فنجد تغريا يف طريف اجلدال وينعكس األمر هنا فيصبح فرعون هو الذي
ٍ
ال َربـنَا الَّ ِذي أَ ْعطَى ُك َّل َش ْيء َخ ْل َقهُ وسى* قَ َ ال فَ َم ْن َرب ُك َما َاي ُم َ
يستفهم بـ (من) كما يف قوله تعاىل( :قَ َ
ُمثَّ َه َدى) ( )2فبعد أن كان هذا االستفهام أييت من هللا تعاىل او نبيه الكرمي جند أن ملحدا مثل فرعون
يطرحه على نيب هللا موسى عليه السالم فيجيبه وقد (استدل على إثبات الصانع أبحوال املخلوقات)
( .)3فهذا فيه إنكار للواقع مع التعنت ولذلك جاء اجلواب متضمنا صفتني هلل تعاىل ال ميكن
إنكارمها إذ إن هللا تبارك وتعاىل هو املعطي ،وكل شيء يف الوجود ملك له ،مث انه هو جل جالله
الذي يهدي ،ويف تقدمي اإلعطاء على اهلداية حكمة واضحة وتدرج يف اجلدال من اجل الوصول إىل
احلقيقة وإذا خرجنا من دائرة اجلدال إىل أسلوب آخر جند أن (من) قد استخدمت لطلب التعيني
يسى ِم ْنـ ُه ُم أيضاً ولكن هذه املرة ليس تعيني هللا تبارك وتعاىل ،كما يف قوله تعاىل( :فَـلَ َّما أَح َّ ِ
سع َ َ
ِ اَّلل آمنَّا ِاب َِّ
َّلل َوا ْش َه ْد ِأب ََّان ُم ْسل ُمو َن) (.)4 ال ا ْحلوا ِريو َن َْحنن أَنْص ِ ال من أَنْصا ِري إِ َىل َِّ
ار َّ َ ُ َُ اَّلل قَ َ ََ الْ ُك ْف َر قَ َ َ ْ َ
__________
( )1املؤمنون.9 - 084 :
( )2طه.50 - 049 :
( )3التفسري الكبري.64:22 ،
( )4آل عمران.)52( :
()42/1
وقد جاء اجلواب مفتتحاً ابلضمري (حنن) حىت يشخص احلواريون أنفسهم ومييزوها من غريهم الن
االستفهام مل يكن عن النصرة وامنا كان عن املناصرين .ويظهر أن االستفهام قد وقع بعد ما يئس
عيسى عليه السالم من إميان قومه أي أن ذلك قد قع بعد اجلدال واملناظرة مع بين إسرائيل.
(وإِ ْذ أ َ
َس َّر ويف أسلوب آخر جند انه قد (ين ّكر الفعل التايل هلا ويتعجب من فاعله) ( )1كقوله تعاىلَ :
ض فَـلَ َّماض َع ْن بَـ ْع ٍ
ضهُ َوأَ ْع َر َ اَّللُ َعلَْي ِه َع َّر َ
ف بَـ ْع َ َت بِ ِه َوأَظ َْه َرهُ َّ
اج ِه َح ِديثاً فَـلَ َّما نَـبَّأ ْ
ض أَ ْزو ِ
النَِّيب إِ َىل بَـ ْع ِ َ
ري) (.)2 ال نَـبَّأَِين ال َْعلِيم ْ ِ نَـبَّأ ََها بِ ِه قَالَ ْ
ت َم ْن أَنْـبَأ َ
اخلَب ُ َك َه َذا قَ َ َ ُ
فبعد أن كان اجلواب يبدأ ابالسم عند االستفهام بـ (من) جنده هنا يبدأ ابلفعل .لقد اتضح مما سبق
(م ْن) يراد هبا تعيني الفاعل ولذلك كان اجلواب يفتتح هبذا الفاعل او ما يدل عليه ...اما هنا
أن َ
فان املطلوب التعيني ايضاً ولكنه طلب يف حال تعجب واستغراب ن ولذلك جاء بناء اجلملة معتمداً
على البدء ابلفعل ومن مث الفاعل أي جاء اجلواب مجلةً فعلية لتدلل على التجدد واحلدوث الن هللا
تعاىل هو الذي يطلع نبيه صلوات هللا عليه على ما يشاء من الغيب.
2ـ َه ْل:
(م ْن) حسب التقسيم املعروف ألدوات االستفهام
لقد كان من املتوقع أن تتقدم (هل) على (ما) و َ
( ،)3إال أهنا قد احتلت هذا املكان املتأخر نسبياً ألهنا اقل منهما يف االستفهام القرآين وهي مع
ذلك (اكثر األدوات وروداً يف القرآن بعد اهلمزة وما ومن فقد جاءت 93مرة) ( .)4وأتيت
خصوصية (هل) من كوهنا ال يطلب هبا إال (التصديق) وهو (التصديق اإلجيايب دون التصور ،ودون
التصديق السليب) ( ،)5إذ
__________
( )1أساليب االستفهام)115( :
( )2التحرمي.)3( :
( )3ينظر :مفتاح العلوم ،532 - 531واإليضاح .136
( )4أساليب االستفهام يف القرآن الكرمي.101 :
( )5مغين اللبيب ،456 :وينظر :مفتاح العلوم.532 - 531 :
()43/1
إن اهلمزة ترد لطلب التصديق والتصور أما بقية أمساء االستفهام فال يطلب هبا إالّ التصور.
إذن فالسائل يستفهم عن نسبة املسند إليه حينما يستخدم (هل) أداةً لسؤاله؛ ومبعىن آخر فان
السائل حيمل يف ذهنه تصوراً ما إالّ انه حينما يستفهم فانه يطلب إثبات ذلك التصور أونفيه ،ولذلك
فاهنا جياب عنها بـ (نعم) او (ال) (.)1
ومع أن (هل) اكثر أدوات االستفهام وروداً بعد (اهلمزة) و (ما) و (من) يف االستفهام القرآين ،إال أن
النسبة األكرب منها كانت خترج ألغراض بالغية فال يتبعها جواب البتة .وقد جاءت اإلجابة عن (هل)
اب النَّا ِر أَ ْن قَ ْد َو َج ْد َان َما َو َع َد َان َربـنَا َح ّقاً فَـ َه ْل ِ
َص َح َ
اب ا ْجلَنَّة أ ْ
َص َح ُ (وَان َدى أ ْ بـ (نعم) يف قوله تعاىلَ :
ِ وج ْد ُْمت ما وع َد رب ُكم ح ّقاً قَالُوا نَـعم فَأَذَّ َن م َؤ ِذّ ٌن بـيـنـهم أَ ْن لَعنةُ َِّ
ني) (.)2 اَّلل َعلَى الظَّال ِم َ ُ َْ َ ُ ْ َْ َْ ََ َ ََ َ ْ َ
فـ (نعم) هنا قد أثبتت ما جاء يف السؤال ،ولكن بدالً من إعادة اجلملة اليت استفهم هبا برمتها جاءت
(نعم) عوضاً عنها.
لقد أحصيت عدد املرات اليت أجيب فيها بـ (نعم) يف القرآن الكرمي فوجدهتا قد وردت ثالث مرات
..واحدة منها كان االستفهام فيها بـ (هل) وهي
َجراً إِ ْن ُكنَّا َْحن ُن ِِ
الس َح َرةُ قَالُوا لف ْر َع ْو َن أَإِ َّن لَنَا َأل ْ
اآلية اليت ذكرت أما اآليتان األخراين فهما (فَـلَ َّما َجاءَ َّ
ِ
ني) (.)3 ال نَـ َع ْم َوإِنَّ ُك ْم إِذاً لَ ِم َن ال ُْم َق َّربِ َ الْغَالبِ َ
ني* قَ َ
اخ ُرو َن)وقوله تعاىل( :أَإِذَا ِم ْتـنا وُكنَّا تُـراابً و ِعظَاماً أَإِ َّان لَمبـعوثُو َن* أَوآاب ُؤَان ْاأل ََّولُو َن* قُل نَـعم وأَنْـتم د ِ
ْ َْ َ ُْ َ َ َ َْ ُ َ َ َ َ
( .)4وهنالك آية رابعة هي قوله تعاىل:
ِ
ال نَـ َع ْم َوإِنَّ ُك ْم لَ ِم َن ال ُْم َق َّربِ َ
ني) ( )5فاالستفهام يف هذه َجراً إِ ْن ُكنَّا َْحن ُن الْغَالبِ َ
ني* قَ َ ( ...قَالُوا إِ َّن لَنَا َأل ْ
اآلية قد حذفت أداته وهي اهلمزة ،إذن فهذه اآلايت
__________
( )1ينظر :شرح ابن عقيل.231 :1 ،
( )2األعراف.)44( :
( )3الشعراء.)42 - 41( :
( )4الصافات.)18 - 16( :
( )5األعراف.)114 - 113( :
()44/1
مجيعاً قد أجيب فيها بـ (نعم) عن االستفهام بـ (هل) ما عدا اآلية الثانية والرابعة فقد أجيب بنعم
وكان االستفهام فيهما ابهلمزة .أما اإلجابة عن هل بـ (ال) فلم ترد أي منها يف القرآن الكرمي مطلقاً.
كما وردت اإلجابة عن (هل) ابلفعل املضارع املنفي كما يف قوله تعاىل( :أََملْ تَـ َر إِ َىل ال َْم ِأل ِم ْن بَِين
ِ ِ يل َِّث لَنَا َملِكاً نُـ َقاتِ ْل ِيف َسبِ ِ ِ إِ ْسرائيل ِم ْن بَـ ْع ِد ُم َ ِ
ب
س ْيـتُ ْم إ ْن ُكت َال َه ْل َع َ اَّلل قَ َ وسى إ ْذ قَالُوا لنَِ ٍّ
يب َهلُُم ابْـ َع ْ َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ال أ ََّال تُـ َقاتلُوا قَالُوا َوَما لَنَا أ ََّال نُـ َقات َل ِيف َسب ِ ِ
اَّلل َوقَ ْد أُ ْخ ِر ْجنَا م ْن د َاي ِرَان َوأَبْـنَائنَا فَـلَ َّما ُكت َ
ب يل َّ َعلَْي ُك ُم الْقتَ ُ
ِ ال تَـولَّوا إَِّال قَلِيالً ِم ْنـهم و َّ ِ ِ
ني) (.)1 يم ِابلظَّال ِم َاَّللُ َعل ٌ ُْ َ َعلَْي ِه ُم الْقتَ ُ َ ْ
وقوهلم (مالنا ان ال) فان (ان) زائدة يف موضع نصب على حذف اخلَافض تقديره وما لنا يف أن ال
نقاتل ( .)2أما االستفهام يف هذه اآلية فقد أراد به (التقرير وتثبت ان املتوقع كائن وانه صائب يف
توقعه) ( .)3والن االستفهام قد خرج هذا املخرج جند ان جواب هؤالء قد اختذ صيغة تتناسب مع
هذا االستفهام.
ِ كما أجيب عن (هل) بفعل األمر كما يف قوله تعاىل( :إِ ْذ قَ َ
ال ا ْحلََوا ِريو َن َاي ع َ
يسى ابْ َن َم ْرَميَ َه ْل
ني) ( )4ويفيد كالم ِ
اَّللَ إِ ْن ُك ْنـتُ ْم ُم ْؤمنِ َ
ال اتَّـ ُقوا َّ الس َم ِاء قَ َ
ك أَ ْن يُـنَـ ِّز َل َعلَْيـنَا َمائِ َد ًة ِم َن َّ
يع َرب َ ِ
يَ ْستَط ُ
الزخمشري أن احلواريني كانوا شاكني يف قدرة هللا تعاىل ولذلك سألوا هذا السؤال ( )5وهذا يتعارض
ِ
آمنَّا َوا ْش َه ْدني أَ ْن آمنُوا ِيب َوبَِر ُس ِويل قَالُوا َ ت إِ َىل ا ْحلََوا ِريِّ َ
(وإِ ْذ أ َْو َح ْي ُ
مع قوله تعاىل يف اآلية اليت قبلها َ
ِأبَنَّـنَا ُم ْسلِ ُمو َن) ( )6كما ان هللا سبحانه وتعاىل حينما أمرهم فامنا كان أمره (لتصري التقوى سبباً
حلصول هذا املطلوب) ( .)7وجند ابن هشام يقرر َّ
أن العرب تعرب ابلفعل عن أمور أحدها (القدرة
عليه) ويستشهد هبذه اآلية وآايت أخرى (.)8
__________
( )1البقرة.)246( :
( )2ينظر :مشكل أعراب القرآن ،134 :1وينظر :مغين اللبيب.51 :
( )3الكشاف.378 :1 ،
( )4املائدة.)112( :
( )5ينظر :الكشاف.654 :1 ،
( )6املائدة.)111( :
( )7التفسري الكبري.13 :12 ،
( )8ينظر :مغين اللبيب.904 - 902 :
()45/1
ويؤيد ذلك انه قد قري (هل تستطيع ربك؛ أي هل تستطيع سؤال ربك واملعىن :هل تسأله ذلك من
غري صارف يصرفك عن سؤاله) ( .)1كما ان عيسى عليه السالم قد أمرهم (مبالزمة التقوى وعدم
تزلزل األميان ولذلك جاء بـ (ان) املفيدة للشك ابألميان ليعلم الداعي إىل ذلك السؤال خشية أن
يكون) ( .)2إذن فاستخدام (هل) يف هذا االستفهام ال يفيد الشك وإمنا يفيد التمين)3( .
وكما أجيب عن (هل) ابلفعل فقد أجيب عنها ابالسم كما يف قوله تعاىل:
ََّن تُـ ْؤفَ ُكو َن) ( .)4وقوله ْق ُمثَّ يُِعي ُدهُ فَأ َّ ْق ُمثَّ يُِعي ُدهُ قُ ِل َّ
اَّللُ يَـ ْبدأُ ْ
اخلَل َ (قُ ْل َه ْل ِم ْن ُش َرَكائِ ُك ْم َم ْن يَـ ْبدأُ ْ
اخلَل َ
ِ تعاىل( :قُل هل ِمن ُشرَكائِ ُكم من يـ ْه ِدي إِ َىل ا ْحل ِّق قُ ِل َّ ِ ِ
ْح ِّق أَفَ َم ْن يَـ ْهدي إِ َىل ا ْحلَ ِّق أ َ
َحق أَ ْن اَّللُ يَـ ْهدي لل َ َ ْ َ ْ ْ َ ْ َْ َ
ف َحتْ ُك ُمو َن) (.)5 يُـتـَّبَ َع أ ََّم ْن ال يَ ِه ِّدي إَِّال أَ ْن يُـ ْه َدى فَ َما لَ ُك ْم َك ْي َ
ويالحظ هنا أن النيب صلى هللا عليه وسلم مأمور بطرح هذا االستفهام على املشركني ومن مث اإلجابة
عليه ..ومن الثابت (أن االستدالل على وجود الصانع ابخللق أوال مث اهلداية اثنيا ،عادة مطرودة يف
القرآن) (.)6
واالستفهام يف هاتني اآليتني (إنكار وتقرير إبنكار ذلك) ( .)7وقد استفهم بـ (هل) هنا عن مضمون
اجلملة االمسية مع (أن األصل يف (هل) وغريها من أدوات االستفهام أن ال يليها إال الفعل ،إال اهنم
توسعوا فيها فاستعملوها مع اجلملة االمسية) ( .)8وملا كان االستفهام هنا عن االسم ،فقد جاءت
عز وجل أي ان اجلواب قد طابق السؤال من حيث االمسية.
اإلجابة بتعيني ذلك االسم وهو الباري ّ
__________
( )1الكشاف ،654 :1 ،وينظر :مغين اللبيب.905 - 904 :
( )2التحرير والتنوير.106 :7 ،
( )3ينظر :أساليب االستفهام يف القرآن الكرمي.107 - 106 ،
( )4يونس.)34( :
( )5يونس.)35( :
( )6التفسري الكبري.89 :17 ،
( )7التحرير والتنوير.361 :11 ،
( )8أساليب الطلب عند النحويني والبالغيني.370 - 369 :
()46/1
َّم َه ِل وكما استخدمت هل لالستفهام فقد استخدمت لغريه كما يف قوله تعاىل( :يـوَم نَـ ُق ُ ِ
ول جلََهن َ َْ
ول هل ِمن م ِز ٍ ِ
يد) ( )1لقد ذهب العديد من النحاة واملفسرين إىل انه قد يرد االستفهام بـ ْامتَألْت َوتَـ ُق ُ َ ْ ْ َ
(هل) ولكنه خيرج إىل معىن غري االستفهام وقد أفادت (هل) هنا معىن آخر غري الذي وضعت له يف
األصل ( ،)2أي أن (هل) األوىل قد خرجت إىل معىن (قد) فأكدت (هل) الثانية هذا األمر ،قال
أبو بكر بن األنباري (ت 327هـ) عنها اهنا ((تفيد معىن (قد) عند بعض الناس والتأويل :قد
امتألت ،فقالت جهنم مؤكدة لقول هللا عز وجل (هل من مزيد) .أي :ما من مزيد اي رب فـ (هل)
الثانية معناها اجلحد) (.)3
األنْس ِ
ِ
ان (ه ْل أَتَى َعلَى ْ َ
وقد تكرر هذا االستخدام يف موضع آخر من القرآن الكرمي يف قوله تعاىلَ :
ني ِم َن الد ْ
َّه ِر َملْ يَ ُك ْن َش ْيئاًَم ْذ ُكوراً) (.)4 حٌ
ِ
إذ إن معناها (أقد أتى؟ على التقرير والتقريب مجيعاً أي :أتى على اإلنسان قبل زمان قريب) (.)5
أَّن-:
3ـ َّ
(جاءت يف القرآن َثاين وعشرين مرة) ( )6وهي خترج إىل اكثر من معىن .قال سيبويه عنها(( :تكون
يف معىن كيف وأين)) ( .)7وقال آخرون إهنا مبعىن (من أين) ( ،)8وهلا معىن آخر هو (مىت) ()9
وكان من الواجب أن تتأخر عن هذا
الرتتيب إال أن كثرة األجوبة عنها جعلها تتقدم إىل هنا.
__________
( )1ق.)30( :
( )2ينظر :معاين القرآن ،الفراء ،164 :1 ،وجماز القرآن ،أبو عبيدة ،287 :1 ،واألضداد يف
اللغة ،ابن األنباري ،193 :والكشاف ،389 :4 ،وأساليب الطلب عند النحويني والبالغيني:
.373 - 371
( )3األضداد يف اللغة.193 :
( )4الدهر.)1( :
( )5الكشاف.665 :4 ،
( )6أساليب االستفهام.155 :
( )7كتاب سيبويه.235 :4 ،
( )8ينظر :الربهان يف علوم القرآن.249 :4 ،
( )9م .ن.249 :4 ،
()47/1
وكثرياً ما كانت (أَّن) أتيت ألغراض بالغية معينة ،وال أييت جواب عنها ن وكان هذه مسة اجتمعت
عليها أدوات االستفهام يف القرآن الكرمي .وجتدر اإلشارة إىل انه كان هنالك توازن نسيب من حيث
(أَّن)
ابتداء من ّ
عدد االستفهام واجلواب يف األدوات السابقة اال ان هذا التوازن خيتل اختالالً كبرياً ً
حبيث يرد االستفهام عدة مرات وال يذكر له جواب.
أما األسلوب الغالب على (أَّن) فهو التعجب الشديد واستبعاد وقوع فعل مل يقع بعد واكثر ما كان
ََّن يَ ُكو ُن ِيل
ب أ َّال َر ِّذلك يقع يف والدات األنبياء قد ولدوا عن طريق اإلعجاز كما يف قوله تعاىل( :قَ َ
ََّن
ب أ َّت َر ِّ شاءُ) ( .)1وقوله تعاىل( :قَالَ ْ ك َّ
اَّللُ يَـ ْف َع ُل َما يَ َ ال َك َذلِ َ
رب َو ْام َرأَِيت َعاقِ ٌر قَ َ غُالم وقَ ْد بـلَغَِ ِ
ين الْك َُ ٌَ َ َ
ضى أ َْمراً فَِإ َّمنَا يَـ ُق ُ
شاءُ إِذَا قَ َ ال َك َذلِ ِ
ول لَهُ ُك ْن فَـيَ ُكو ُن) ك َّ
اَّللُ خيَْلُ ُق َما يَ َ ش ٌر قَ َ س ْس ِين بَ َ يَ ُكو ُن ِيل َولَ ٌد َوَملْ ميَْ َ
ت ِم َن الْ ِك َِرب ِعتِيّاً* قَ َ
ال ت ْام َرأَِيت َعاقِراً َوقَ ْد بَـلَغْ ُ الم وَكانَ ِ
ََّن يَ ُكو ُن ِيل غُ ٌ َ ب أ َّ ال َر ِّ( .)2وقوله تعاىل( :قَ َ
ك َش ْيئاً) ( .)3وكانت اآليتان األوىل والثالثة ك ِم ْن قَـ ْب ُل َوَملْ تَ ُني َوقَ ْد َخلَ ْقتُ َك ُه َو َعلَ َّي َهِّ ٌ ال َرب َ ك قَ ََك َذلِ َ
تتعلقان بوالدة حيىي ابن زكراي عليهما السالم ،أما الثانية فكانت عن والدة املسيح عيسى بن مرمي
عليهما السالم ،وقد افتتح اجلواب بـ (كذلك) يف هذه اآلايت النه كان جواابً عن أمر واحد يدعو
إىل العجب وهو الوالدة بطريق معجز (أي يفعل هللا ما يشاء من األفعال العجيبة مثل ذلك الفعل
وهو خلق الولد) ( )4وقد جاءت الكاف يف (كذلك) (يف موقع نصب على تقدير :يفعل هللا ما
يشاء وفعالً مثل ذلك) (.)5
ومع أن اجلواب عن أمر متشابه ،فقد اختلفت تكملة اجلواب بعد قوله (كذلك) فكانت مع زكراي –
عليه السالم – (قال كذلك هللا يفعل ما يشاء) .اما مع مرمي ـ عليها السالم ـ (كذلك هللا خيلق ما
يشاء) ولعل السبب يف قوله (يفعل) يف اآلية األوىل ان هذا الفعل املعجز قد وقع بعد ان دعا زكراي ـ
عليه السالم ربَّهُ ابن يهبه
__________
( )1آل عمران.)40( :
( )2آل عمران.)47( :
( )3مرمي.)9 - 8( :
( )4الكشاف.428 :1 ،
( )5مشكل أعراب القرآن.159 :1 ،
()48/1
الولد ـ أي انه قد جاء بعد حصول الطلب والباري ـ عز وجل ـ إ ْن أعطى يف هذا احلال فبكرم منه،
وإ ْن منَ َع فذلك ملصلحة قد خفيت عن عباده .اما مع مرمي – عليها السالم – فان احلال خيتلف
حيث إن تلك الوالدة ـ املعجزة ـ مل تكن بطلب منها ،وامنا كانت أبمر من هللا تبارك وتعاىل .أي َّ
كأن
تلك الوالدة ال ختتلف يف شي من غريها اذا ما قيست بقدرة الباري جلت قدرته مع اهنا مل تكن انجتة
ََّن يَ ُكو ُن ِيل ت أ َّعن اجتماع رجل وامرأة .ولعل مما يؤيد هذا الكالم قوله تعاىل على لسان مرمي (قَالَ ْ
ني َولِنَ ْج َعلَهُ آيَةً لِلن ِ
َّاس َوَر ْمحَةً ِمنَّا ال رب ِ
ك ُه َو َعلَ َّي َهِّ ٌ َك ب ِغيّاً* قَ َ ِ ِ
ال َك َذلك قَ َ َ ش ٌر َوَملْ أ ُ َ س ْس ِين بَ َغُال ٌم َوَملْ ميَْ َ
ضيّاً) (.)1 وَكا َن أ َْمراً م ْق ِ
َ َ
س ٍن ِ ٍ
كما استفهم بـ (أَّن) عن أمر معجز آخر وذلك يف قوله جلت قدرته( :فَـتَـ َقبَّـلَ َها َرهبَا ب َقبُول َح َ
ََّن
ال َاي َم ْرَميُ أ َّاب َو َج َد ِعنْ َد َها ِر ْزقاً قَ َ ِ
سناً َوَك َّفلَ َها َزَك ِرَّاي ُكلَّ َما َد َخ َل َعلَْيـ َها َزَك ِرَّاي الْم ْح َر َ
َوأَنْـبَـتَـ َها نَـبَااتً َح َ
اب) ( )2وينصب االستفهام يف هذه شاءُ بِغَ ِْري ِحس ٍ ت هو ِمن ِع ْن ِد َِّ
اَّلل إِ َّن َّ
اَّللَ يَـ ْرُز ُق َم ْن يَ َ لَك َه َذا قَالَ ْ ُ َ ْ
ِ
َ
اآلية عن اجلهة اليت أييت منها هذا الرزق أي (من أين لك هذا الرزق الذي ال يشبه أرزاق الدنيا وهو
آت يف غري حينه واألبواب مغلقة عليك ال سبيل للداخل إليك) ( .)3فالسائل منكر ومتعجب ٍ
(أَّن) وقد جاء اجلواب بتعيني اجلهة اليت جاء منها ذلك الرزق
لوقوع هذا األمر ولذلك استفهم بـ ّ
(قالت هو من عند هللا) وقد قيل عنها (عليها السالم) اهنا (تكلمت وهي صغرية كما تكلم عيسى
وهو يف املهد) (.)4
وتبقى لدينا آية واحدة رمبا شكلت أسلوابً قائماً بذاته وهي قوله جل وعال:
اَّللُ ِمائَةَ ََّن ُْحييِي َه ِذهِ َّ
اَّللُ بَـ ْع َد َم ْوِهتَا فَأ ََماتَهُ َّ ال أ َّ (أَو َكالَّ ِذي م َّر َعلَى قَـري ٍة و ِهي َخا ِويةٌ َعلَى ُعر ِ
وش َها قَ َ ُ َْ َ َ َ َ ْ
ِ ِ ٍ
ت مائَةَ َع ٍام فَانْظُْر إِ َىل طَ َعام َ
ك ال بَ ْل لَبِثْ َ
ض يَـ ْوم قَ َ ال لَبِثْ ُ
ت يَـ ْوماً أ َْو بَـ ْع َ ت قَ َ ال َك ْم لَبِثْ َ
َع ٍام ُمثَّ بَـ َعثَهُ قَ َ
َّاس وانْظُر إِ َىل ال ِْعظَ ِام َكي َ ِ ك َمل يـتسنَّ ْه وانْظُر إِ َىل ِمحا ِر َك ولِنجعلَ َ ِ ِ
وها
ْس َ ف نُـ ْنش ُزَها ُمثَّ نَك ُ ْ ك آيَةً للن ِ َ ْ َ َ َ َْ َو َش َراب َ ْ َ َ َ َ ْ
اَّللَ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير) (.)5 َن َّ ال أَ ْعلَ ُم أ َّ
ني لَهُ قَ َ
َحلْماً فَـلَ َّما تَـبَ َّ َ
__________
( )1مرمي)21 - 20( :
( )2آل عمران.)37( :
( )3الكشاف.427 :1 ،
( )4م .ن.427 :1 ،
( )5البقرة.)259( :
()49/1
فاالستفهام قد جاء عن أمر معجز أيضاً وهو عن الكيفية اليت حييي هبا هللا تعاىل هذه القرية ،فماذا
كان اجلواب؟ مل يكن اجلواب هنا لفظياً ،بل جاء عملياً ،إ ْذ تضمن اإلماتة ومن مث اإلحياء ومن مث
روية إحياء احلمار ،ومع ورود االستفهام بـ (كم) عن الزمن الذي استغرقته تلك اإلماتة ومن مث
اإلجابة اخلاطئة وتصحيحها ،إالّ أن ذلك مل يكن هو املطلوب ،بل كانت هذه الواقعة مبجملها جواابً
عن االستفهام بـ (أَّن) الوارد يف صدر اآلية املباركة.
4ـ مىت:
وقد (وردت يف القرآن تسع مرات) ( .)1اما معناها فهي أتيت مبعىن (أي حني) أو (يف أي زمان)
(.)2
إذن فهي للسؤال عن تعيني الزمن ،ومل ترد هلا إال ثالثة أجوبة يف اجلواب القرآين.
لقد جاءت على لسان املشركني فقد استفهموا هبا عن الزمن الذي يكون فيه يوم القيامة وذلك يف
اء ِ ك لِنَـ ْف ِسي َ
ض ّراً َوال نَـ ْفعاً إ َّال َما َش َ ني* قُ ْل ال أ َْملِ ُقوله تعاىل( :ويـ ُقولُو َن مىت ه َذا الْو ْع ُد إِ ْن ُك ْنـتُم ِ ِ
صادق َ
ْ َ ََ َ َ ََ
اعةً َوال يَ ْستَـ ْق ِد ُمو َن) ( .)3وقوله جل شانه: ِ اَّللُ لِ ُك ِل أ َُّم ٍة أ َ ِ
َجلُ ُه ْم فَال يَ ْستَأْخ ُرو َن َس َ
اء أ َ
َج ٌل إ َذا َج َ َّ ّ
ض الَّ ِذي تَ ْستَـ ْع ِجلُو َن) سى أَ ْن يَ ُكو َن َرِد َ
ف لَ ُك ْم بَـ ْع ُ ني* قُ ْل َع َ
(ويـ ُقولُو َن مىت ه َذا الْو ْع ُد إِ ْن ُك ْنـتُم ِ ِ
صادق َ ْ َ ََ َ َ ََ
(.)4
ومما يالحظ على استخدامها هنا أهنا أتيت متبوعة ابلشرط ،وهم حينما يستفهمون هبا يف هذا اجملال
امنا يكون ذلك منهم على سبيل االستبعاد والتكذيب والسخرية وقد جاء اجلواب خمتلفاً يف كل آية
مع ان السؤال كان واحداً يف اآليتني
__________
( )1أساليب االستفهام.148 :
( )2ينظر :الكتاب .220 - 219 ،217 :1 ،235 - 233 :4
( )3يونس.)49( :
( )4النمل.)72 - 71( :
()50/1
كليتهما ،فهو يف األوىل تضمن رداً بليغاً على هؤالء الشاكني هبذا الوعد ،فالنيب األكرم ال يعلم
الغيب ،بل األمر كله بيد هللا تبارك وتعاىل .اما اآلية الثانية فقد افتتح اجلواب فيها بعسى (وعسى
ولعل وسوف يف وعد امللوك ووعيدهم يدل على صدق األمر وح ِّده ومما ال جمال للشك بعده) (.)1
وقد جاء اجلواب عن هذين املوعدين من هللا تبارك وتعاىل على لسان نبيه أي انه مأمور هبذه اإلجابة،
ومل تكن منه ولذلك افتتح اجلواب بفعل األمر (قل).
وال يقتصر االستفهام بـ (مىت) على املشركني وحدهم ،بل استفهم هبا املؤمنون كما يف قوله تعاىل( :أ َْم
ْساءُ َوالض ََّّراءُ َوُزلْ ِزلُوا َح َّىت ين َخلَ ْوا ِم ْن قَـ ْبلِ ُك ْم َم َّ
س ْتـ ُه ُم الْبَأ َ
َّ ِ ِ ِ
َحس ْبـتُ ْم أَ ْن تَ ْد ُخلُوا ا ْجلَنَّةَ َولَ َّما َأيْت ُك ْم َمثَ ُل الذ َ
اَّلل أَال إِ َّن نَصر َِّ ول والَّ ِذين آمنوا معه مىت نَصر َِّ
يب) (.)2 اَّلل قَ ِر ٌ َْ الر ُس ُ َ َ َ ُ َ َ ُ َ َ ْ ُ ول َّ يَـ ُق َ
ويف هذه اآلية إشكال من انحيتني األوىل :كيف يليق ابلرسول أن يستفهم هكذا وهو قاطع بصحة
وعد هللا؟ والثانية :حتديد جهة اجلواب ،أو ممن صدر هذا اجلواب؟ (.)3
إالّ أن ما يهمنا هو اجلواب ،وان كان األرجح ان االستفهام قد خرج لغرض الدعاء ،وان اجلواب
صادر عن هللا تعاىل ،فاجلواب قد جاء مطابقاً للسؤال هنا بتحديد قرب زمن نصر هللا تعاىل .اما
تصدير اجلواب بـ (اال) فان ذلك قد أفاد (التحقيق من جهة تركيبها من اهلمزة وال ...ولكوهنا هبذا
املنصب من التحقيق ال تكاد تقع اجلملة بعدها االّ مصدرة بنحو ما يتلقى به القسم) (.)4
ولذلك تطابق هنا اجلواب مع السؤال على العكس من اآليتني السابقتني ،إ ْذ ملْ حيصل هذا التطابق.
5ـ اي:
__________
( )1الكشاف.158 :3 ،
( )2البقرة.)214( :
( )3ينظر :التفسري الكبري.23 - 20 :6 ،
( )4مغين اللبيب.96 :
()51/1
(وردت يف القرآن 58مرة) ( .)1ويقول املربد عنها(( :اعلم ان (أاي) تقع على شي هي بعضه .ال
تكون إالّ على ذلك يف االستفهام ،وذلك قولك :أي اخوتك زيد ،فقد علمت زيداً أحدمها ،ومل تدر
أيهما هو)) ( .)2وهي (للسؤال عما مييز أحد املتشاركني يف امر يعمهما) (.)3
وملا كان املشركون ال يؤمنون بوحدانية هللا عز وجل ويشركون به ابختاذهم األصنام آهلة ،فقد انسب
اَّلل َش ِهي ٌد بـي ِين وبـيـن ُكم وأ ِ ٍ
ُوح َي َْ َ َْ َ ْ َ ادةً قُ ِل َُّ ان يستفهم بـ (أي) يف قوله جل شأنه (قُ ْل أَي َش ْيء أَ ْك َُ
رب َش َه َ
َن مع َِّ
اَّلل ِ ِ ِ ِ
آهلَةً أُ ْخ َرى قُ ْل ال أَ ْش َه ُد قُ ْل إِ َّمنَا ُه َو يل َه َذا الْ ُق ْرآ ُن ألُنْذ َرُك ْم بِه َوَم ْن بَـلَ َغ أَإِنَّ ُك ْم لَتَ ْش َه ُدو َن أ َّ َ َ
إِ ََّ
اح ٌد َوإِنَِّين بَ ِريءٌ ِممَّا تُ ْش ِرُكو َن) (.)4 إِلَهٌ و ِ
َ
واملصطفى األكرم (ص) مأمور بطرح السؤال ومن مث اإلجابة عليه يف واحد من أساليب اجلدل
العقلي مع املشركني ،وملا كان الغرض من السؤال التعيني فقد ص ِّد َر اجلواب بتحديد وتعيني ذلك
صدر اجلواب بلفظ اجلاللة وهو هللا تبارك وتعاىل ،وقد أفادت (أي) تعظيم ما أضيفت إليه ولذلك ِّ
ليكون داللة على تعظيمه .وكما استخدمت (أي) للتمييز بني املتشاركني نزوالً إىل مستوى عقول
املشركني يف اجلدال فقد استخدمت لغرض التمييز ايضا ،ولكن على مستوى آخر ،وذلك يف قوله
يت ِم َن ا ْجلِ ِّن أ ََان آتِ َ
يك ال ِع ْف ِر ٌ ني* قَ َ ِ ِ
ال َاي أَيـ َها ال َْم َألُ أَي ُك ْم َأيْتِ ِيين بِ َع ْرش َها قَـ ْب َل أَ ْن َأيْتُ ِوين ُم ْسل ِم َ
تعاىل( :قَ َ
يك بِ ِه قَـ ْب َل
اب أ ََان آتِ َ ْكتَ ِال الَّ ِذي ِع ْن َدهُ ِعلْم ِمن ال ِ ني* قَ َ ك وإِِين علَي ِه لََق ِو ٌّ ِ
ي أَم ٌ
ِ بِ ِه قَـبل أَ ْن تَـ ُق ِ
ٌ َ وم م ْن َم َقام َ َ ّ َ ْ َ َْ
ِ
ض ِل َرِّيب ليَـ ْبـلُ َوِين أَأَ ْش ُك ُر أ َْم أَ ْك ُف ُر َوَم ْن ِ
ال َه َذا م ْن فَ ْ ِ
ك فَـلَ َّما َرآهُ ُم ْستَ ِق ّراً ع ْن َدهُ قَ َ ك طَ ْرفُ َ أَ ْن يَـ ْرتَ َّد إِلَْي َ
ين َك ِرميٌ) (.)5 َش َك َر فَِإ َّمنَا يَ ْش ُك ُر لِنَـ ْف ِس ِه َوَم ْن َك َف َر فَِإ َّن َرِّيب غَ ِ ٌّ
لقد أضيفت ((أي)) إىل ضمري اجلماعة من املخاطبني (كم) وهي لطلب حتديد الشخص مع تعيني
الزمن ـ أي انه سباق مع الزمن فاألسرع من بينهم هو الذي يتوىل إحضار العرش .وما مييز االستفهام
يف هذه اآلية ورود إجابتني
__________
( )1أساليب االستفهام.161 :
( )2املقتضب.294 :2 ،
( )3مفتاح العلوم.535 :
( )4األنعام.)19( :
( )5النمل.)40 - 38( :
()52/1
منفصلتني عنه ،وكل إجابة من اإلجابتني قد تطابقت مع السؤال يف حتديد الشخص أوالً ،ومن مث
تعيني مقدار الزمن ،فأفتتح اجلواب ابلضمري (اان) ومن مث تعيني الزمن.
6ـ َك ْم:
(جاءت يف القرآن يف واحد وعشرين موضعاً :وليها املاضي يف َثانية عشر موضعاً ،ويف موضعني منها
وليها التمييز جمروراً مبن وبعده املاضي ويف موضع وليها التمييز كذلك فاملضارع ( )1وهي لالستفهام
عن العدد ،ومن شروطها ان تتصدر الكالم ،وهي أتيت لإلخبار كما أتيت لالستفهام ،واألوىل ال جواب
اه ْمك بَـ َعثْـنَ ُ(وَك َذلِ َهلا ( .)2لقد جاءت (كم) متبوعة ابلفعل املاضي كما يف قوله سبحانه وتعاىلَ :
ض يَـ ْوٍم قَالُوا َرب ُك ْم أَ ْعلَ ُم ِمبَا لَبِثْـتُ ْم ِ
ال قَائِ ٌل م ْنـ ُه ْم َك ْم لَبِثْـتُ ْم قَالُوا لَبِثْـنَا يَـ ْوماً أ َْو بَـ ْع َ اءلُوا بَـ ْيـنَـ ُه ْم قَ َ
سَ
ِ
ليَـتَ َ
ف َوال َح َد ُك ْم بَِوِرقِ ُك ْم َه ِذهِ إِ َىل ال َْم ِدينَ ِة فَـلْيَـ ْنظُْر أَيـ َها أَ ْزَكى طَ َعاماً فَـلْيَأْتِ ُك ْم بِ ِر ْز ٍق ِم ْنهُ َولْيَـتَـلَطَّ ْ فَابْـ َعثُوا أ َ
ِ
َحداً) (.)3 يُ ْشع َر َّن بِ ُك ْم أ َ
ِ ِ ٍ ِ
ين) ()4 فاسأَل ال َْعا ّد َ ض يَـ ْوم ْ ني* قَالُوا لَبِثْـنَا يَـ ْوماً أ َْو بَـ ْع َ ض َع َد َد سنِ َ ال َك ْم لَبِثْـتُ ْم ِيف ْاأل َْر ِ وقوله تعاىل( :قَ َ
ََّن ُْحييِي َه ِذهِ َّ
اَّللُ بَـ ْع َد َم ْوِهتَا ال أ َّوش َها قَ َ وقوله جل وعال( :أَو َكالَّ ِذي م َّر َعلَى قَـري ٍة و ِهي َخا ِويةٌ َعلَى عُر ِ
ُ َْ َ َ َ َ ْ
ِ ٍ اَّللُ ِمائَةَ َع ٍام ُمثَّ بَـ َعثَهُ قَ َ
ت مائَةَ َع ٍام فَانْظُْر ال بَ ْل لَبِثْ َ ض يَـ ْوم قَ َ ت يَـ ْوماً أ َْو بَـ ْع َ ال لَبِثْ ُت قَ َ ال َك ْم لَبِثْ َ فَأ ََماتَهُ َّ
ِ
ف نُـ ْن ِش ُزَها ُمثَّ َّاس َوانْظُْر إِ َىل ال ِْعظَ ِام َك ْي َ ك آيَةً لِلن ِ سنَّ ْه َوانْظُْر إِ َىل محَا ِر َك َولِنَ ْج َعلَ َ ك َملْ يَـتَ َ ك َو َش َرابِ َ إِ َىل طَ َع ِام َ
اَّللَ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير) (.)5
َن َّال أَ ْعلَ ُم أ َّ
ني لَهُ قَ َ
وها َحلْماً فَـلَ َّما تَـبَ َّ َ
ْس َ
نَك ُ
هذه هي اآلايت اليت جاءت فيها (كم) استفهامية ،وجاء بعدها جواب هلا .وهي يف اآليتني األوىل
والثالثة قد استفهم هبا عن أمر معجز ،أما اآلية الثانية فان االستفهام هبا مما يقع يوم القيامة ،ان
االستفهام يف هذه اآلايت مجيعاً جاء عن عدد
__________
( )1أساليب االستفهام.157 :
( )2ينظر :الكتاب .228 :4 ،175 - 156 :2 ،ومغين اللبيب ،243 :ومفتاح العلوم.537 :
( )3الكهف.)19( :
( )4املؤمنون.)113( :
( )5البقرة.)259( :
()53/1
معني من السنني ،وكان االستفهام فيها بصيغة واحدة ،وملا كان االستفهام هبذا احلال فقد جاء
اجلواب واحداً عنه يف مجيع اآلايت ،ومما ميكن مالحظته على اجلواب يف هذه اآلايت املباركة انه
جواب خاطئ فيها مجيعاً ،اذ بينما كانت املدة ـ وهي عدد أعوام املوت ـ طويلةً كانت اإلجابة حتدد
بيوم أو بعض يوم وقد حدد القرآن الكرمي اإلجابة الصحيحة يف موضع آخر فذكر عدد األعوام اليت
سر اإلعجاز يف احلادثتني يكمن
مر على القرية الن َّ
انمها أصحاب الكهف وعدد أعوام اماتة الذي َّ
يف طول تلك املدة.
أما اآلية الثالثة فلم حيدد القرن الكرمي اإلجابة الصحيحة فيها الن ال فائدة من ذكر عدد السنني اليت
مرت على موت هؤالء املشركني حىت يوم القيامة.
ف:
7ـ َك ْي َ
(جاءت يف القرآن ثالاثً وَثانني مرة) ( .)1أما عملها فهو ان تكون استفهاما وهو الغالب فيها أو أن
تكون شرطاً ( ،)2وأتيت مبعىن (أي حال) (.)3
ف نُ َكلِّ ُم َم ْن
ت إِلَْي ِه قَالُوا َك ْي َ
ار ْ
لقد جاءت (كيف) متبوعة ابلفعل املضارع كما يف قوله تعاىل( :فَأَ َش َ
اب َو َج َعلَ ِين نَبِيّاً) (.)4 ِ ال إِِين عب ُد َِّ ِ
آاتِينَ الْكتَ َ
اَّلل َ صبِيّاً* قَ َ ّ َ ْ
َكا َن ِيف ال َْم ْهد َ
لقد سألوا عن كيفية التكلم مع طفل يف املهد ،وكان ذلك موجهاً ملرمي عليها السالم من بين إسرائيل،
ولكن اإلجابة مل أتت من الذي وجه إليه السؤال وهي ـ مرمي ـ بل جاء ممن قصد ابلسؤال وهو عيسى
ـ عليه السالم ـ وهذا مما مييز هذا األسلوب القرآين يف اجلواب ،ومبا ان هنالك اختالالً مثل هذا قد
حصل بني السائلني والطرف اجمليب فكان األبلغ إالّ يتطابق اجلواب مع السؤال حني مل يبني الكيفية
اليت يتكلم هبا وهو يف املهد – وهي املقصودة ابلسؤال – بل ذكر ما هو ابعد من ذلك وهو
__________
( )1أساليب االستفهام،147 :
( )2ينظر :مغين اللبيب.271 - 270 :
( )3ينظر :الكتاب.233 :4 ،128 :2 ،
( )4مرمي.)30 - 29( :
()54/1
()55/1
(وردت يف القرآن عشر مرات ،وكل أساليبها مكي) ( .)1وأتيت مبعىن (أي مكان) ( ،)2واكثر ما
كانت ترد يف القرآن الكرمي مستخدمة لبيان أحوال املشركني يف احلياة اآلخرة ،وقد ورد هلا جواب يف
ين َح َّق َعلَْي ِه ُم الْ َق ْو ُل َربَّـنَا ول أَين ُشرَكائِي الَّ ِذين ُك ْنـتُم تَـ ْزعُمو َن* قَ َ َّ ِ ِ
ال الذ َ (ويَـ ْوَم يُـنَادي ِه ْم فَـيَـ ُق ُ ْ َ َ َ َ ْ ُ قوله تعاىلَ :
ك َما َكانُوا إِ َّاي َان يَـ ْعبُ ُدو َن) ( .)3وواضح هنا أن ربأْ َان إِلَْي َ ِ َّ ِ
ين أَ ْغ َويْـنَا أَ ْغ َويْـنَ ُ
اه ْم َك َما غَ َويْـنَا تَ ََّ َه ُؤالء الذ َ
((املراد ان غيَّنا ابختياران فكذا غيهم ابختيارهم ،يعين أن إغواءان ما اجلأهم اىل الغواية ،بل كانوا
خمتارين ابألقدام على تلك العقائد األعمال)) (.)4
وكان املفروض أن أييت اجلواب من هؤالء لتعيني مكاهنم حسب مقتضى السؤال ولكنهم سارعوا إىل
نفي التهمة عن أنفسهم بدالً من االكتفاء ابجلواب عما هو مطلوب منهم فنفي االهتام أهم من
اإلجابة بتعيني مكاهنم الن االستفهام صادر من ّعالم الغيوب سبحانه وتعاىل لفضح هؤالء املشركني،
ولذلك كان من املناسب ان ال يطابق اجلواب هذا االستفهام.
ب ِِبايتِِه أُولَئِ َ وضمن السياق نفسه جاء قوله تعاىل( :فَمن أَظْلَم ِممَّ ِن افْ َرتى َعلَى َِّ ِ
ك اَّلل َكذابً أ َْو َك َّذ َ َ َْ ُ
اَّللِ ِ ِ
اء ْهتُ ْم ُر ُسلُنَا يَـتَـ َوفَّـ ْو َهنُ ْم قَالُوا أَيْ َن َما ُك ْنـتُ ْم تَ ْد ُعو َن م ْن ُدون َّ ِ صيبـهم ِمن ال ِ
ْكتَ ِ ِ
اب َح َّىت إ َذا َج َ يَـنَا ُهلُ ْم نَ ُ ُ ْ َ
ِ ِ َّ
ين) ( )5والفرق بني هذا االستفهام واالستفهام ضلوا َعنَّا َو َش ِه ُدوا َعلَى أَنْـ ُفس ِه ْم أَهنُ ْم َكانُوا َكاف ِر َقَالُوا َ
يف اآلية السابقة كونه وجه يف هذه اآلية إىل املشركني الذين اختذوا من دون هللا آهلة بينما كان يف اآلية
السابقة موجهاً إىل املعبودين من دون هللا تعاىل.
10ـ ألفاظ دلت على االستفهام:
مثلما استخدم القرآن الكرمي أدوات االستفهام وذكر أجوبتها ،فانه استخدم ألفاظا دلت على
االستفهام وهي ليست من جنس أدوات االستفهام املعروفة اليت تناولناها يف هذا الفصل .ومن هذه
ك َع ِن
األلفاظ (يسألونك) كما يف قوله تعاىل( :يَ ْسأَلونَ َ
__________
( )1أساليب االستفهام.145 :
( )2ينظر :الكتاب.213 :3 ،220– 219 :1 ،233 :4 ،
( )3القصص.)63 - 62( :
( )4التفسري الكبري.47 :25 ،
( )5األعراف.)37( :
()56/1
()57/1
ني تُـ َعلِّ ُم َ ات وما علَّمتم ِمن ا ْجلوار ِ ِ ِ ِ
وهنُ َّن ِح ُم َكلّبِ َ ِ
ك َماذَا أُح َّل َهلُ ْم قُ ْل أُح َّل لَ ُك ُم الطَّيّبَ ُ َ َ َ ْ ُ ْ َ ََ وقوله تعاىل( :يَ ْسأَلونَ َ
يع ا ْحلِس ِ اَّلل فَ ُكلُوا ِممَّا أَمسكْن علَي ُكم واذْ ُكروا اسم َِّ
اَّلل َعلَْي ِه َواتَّـ ُقوا َّ
اَّللَ إِ َّن َّ ِ
اب) اَّللَ َس ِر ُ َ ْ َ َ َ ْ ْ َ ُ َْ ممَّا َعلَّ َم ُك ُم َُّ
(.)1
ِ َصلِحوا ذَ َ ِ الر ُس ِ ال َِِّ ك َع ِن ْاألَنْـ َف ِ
يعوا
ات بَـ ْين ُك ْم َوأَط ُ ول فَاتَّـ ُقوا ا ََّّللَ َوأ ْ ُ َّلل َو َّ ال قُ ِل ْاألَنْـ َف ُ وقوله تعاىل( :يَ ْسأَلونَ َ
ِ
ني) (.)2 اَّللَ َوَر ُسولَهُ إِ ْن ُك ْنـتُ ْم ُم ْؤمنِ َ
َّ
وأتيت خصوصية هذه اجملموعة من اآلايت يف كون األسئلة فيها قد صدرت من املسلمني موجهةً إىل
النيب الكرمي صلوات هللا وسالمه عليه ،وهي أسئلة عن أمور تتعلق ابلشريعة اإلسالمية حالهلا
وحرامها ،وهي مدنية أبمجعها ،كما افتتح اجلواب فيها مجيعاً بفعل األمر (قل) أي أن اجلواب صادر
عن هللا سبحانه وتعاىل وقد أمر النيب عليه الصالة والسالم بنقل ذلك اجلواب إليهم.
واالستفهام يف هذه اآلايت مجيعاً استفهام حقيقي أي أن السائل غري عامل عما يسأل عنه.
والسؤال ضرابن (جديل وتعليمي ،وحق األول مطابقة اجلواب من غري زايدة وال نقصان والثاين حقه
ان يتحرى اجمليب األصوب كالطبيب الرفيق يتوخى ما فيه شفاء العليل طلبه ام ال) (.)3
وهذه اجملموعة من األسئلة تعليمية وليست جدلية والغرض منها طلب الفهم.
وكما استخدم الفعل (يسئلونك) للسؤال عن أمور الشريعة من املسلمني ،فقد ورد يف القرآن الكرمي
ِ ك َع ْن ِذي الْ َق ْرنَ ْ ِ
ني قُ ْل َسأَتْـلُو َعلَْي ُك ْم م ْنهُ (ويَ ْسأَلونَ َ
عن لسان اليهود ( .)4كما يف قوله تبارك وتعاىلَ :
وح قُ ِل
ك َع ِن الر ِ ٍ ِ ِذ ْكراً* إِ َّان َم َّكنَّا لَهُ ِيف ْاأل َْر ِ
ض َوآتَـ ْيـنَاهُ م ْن ُك ِّل َش ْيء َسبَباً) ( )5وقوله تعاىلَ :
(ويَ ْسأَلونَ َ
وح ِم ْن أ َْم ِر َرِّيب َوَما أُوتِيتُ ْم ِم َن ال ِْعل ِْم إَِّال قَلِيالً) (.)6
الر ُ
__________
( )1املائدة.)4( :
( )2األنفال.)1( :
( )3التبيان يف البيان.243 :
( )4ينظر :تفسري اجلاللني.382،399 :
( )5الكهف.)84 - 83( :
( )6اإلسراء.)85( :
()58/1
وخيتلف االستفهام يف هاتني اآليتني عن اآلايت السابقة كوهنما مل يطرحا من اجل طلب العلم .وامنا
لغرض تعجيز النيب (ص) عن اإلجابة ..ومع ذلك فقد ورد اجلواب عن ذي القرنني بسرد قصته،
وكان هذا اجلواب أطول األجوبة يف القرآن الكرمي على اإلطالق ،إ ْذ جاء هذا اجلواب يف ست عشرة
آية مباركة وبسبب طول هذا اجلواب مل نورده كامالً .أما سؤاهلم عن الروح فان جوابه مل يتضمن
الكشف عن كنه الروح الن ذلك من أنباء الغيب اليت مل يكشفها هللا تعاىل ،والن الغرض مل يكن
طلب العلم ،وامنا كان غرض هؤالء اجلدل ابلباطل.
ومثلما أورد القرآن الكرمي أسئلة اليهود فقد أورد أسئلة املشركني ( )1يف السياق نفسه ،وذلك يف
ك َع ِنال فَـ ُق ْل يَـنْ ِس ُف َها َرِّيب نَ ْسفاً) ( .)2وقوله تبارك وتعاىل( :يَ ْسأَلونَ َ ك َع ِن ا ْجلِبَ ِ (ويَ ْسأَلونَ َ
قوله تعاىلَ :
اها) (.)3 ت ِم ْن ِذ ْك َر َاها* إِ َىل َربِّ َ
ك ُم ْنـتَـ َه َ يم أَنْ َ اع ِة أ ََّاي َن مرس ِ
اها* ف َ ُْ َ َ الس َ
َّ
واالستفهام الذي يطرحه املشركون امنا يطرحونه على سبيل السخرية واالستهزاء وقد جاء اجلواب يف
اآلية األوىل غري مستأنف على العكس من األجوبة األخرى اليت كانت مجيعها مستأنفة بل جاء
مفتتحاً بفعل األمر متصال ابلفاء (فقل) ،وملا كان املشركون يطرحون ذلك على سبيل السخرية أبمر
هو من عالمات قيام الساعة فقد شاءت البالغة القرآنية ان نرتك الفصل إىل الوصل ابلفاء الن ذلك
أسرع يف الرد على هؤالء اجملرمني ولذلك (أكد ينسفها ريب نسفا) إلثبات انه حقيقة ال استعارة) (.)4
أما اآلية الثانية فقد جاء اجلواب فيها (إىل ربك منتهاها) غري مفتتح بفعل األمر قل الن هللا تعاىل ال
يشاء ان يذكر وقتها أي ان (منتهى علمها مل يؤت أحداً من خلقه) (.)5
__________
( )1ينظر :لباب النقول يف أسباب النزول للسيوطي.783 ،422 :
( )2طه.)105( :
( )3النازعات.)44 - 42( :
( )4التحرير والتنوير.307 :16 ،
( )5الكشاف.699 :4 ،
()59/1
وقريب من هذا األسلوب جند استخداماً أخر للفعل يف االستفهام فجاء الفعل ماضياً يف االستفهام
َّاع إِذَا َد َع ِ ك ِعب ِ
ادي َع ِّين فَِإِّين قَ ِر ِ
ان يب َد ْع َوةَ الد ِ
يب أُج ُ
ٌ (وإِذَا َسأَلَ َ َ كما يف قوله جل وعالَ :
فَـلْيَ ْستَ ِجيبُوا ِيل َولْيُـ ْؤِمنُوا ِيب لَ َعلَّ ُه ْم يَـ ْر ُش ُدو َن) (.)1
لقد جاء االستفهام على هيئة الشرط وجوابه ومل يتصدر اجلواب فعل األمر (قل) أي انه جاء غري
صل بني اجلواب والسؤال ابلفاء وهذا (متثيل حلاله يف سهولة أجابته ملن دعاه وسرعة
مستأنف بل َو َ
إجناحه حاجةَ من سأله حبال من قرب مكانه) ( .)2وهنالك فعل أخر استفهم به يف أسلوب قريب
س ِاء قُ ِل ِ
ك ِيف النّ َ (ويَ ْستَـ ْفتُونَ َ
من أسلوب (يسألونك) وذلك يف الفعل (يستفتونك) كما يف قوله تعاىلَ :
ب َهلُ َّن ِ
وهنُ َّن َما ُكت َ س ِاء َّ
الالِيت ال تُـ ْؤتُ َ ِ ِ ِ َّ ِ ِ
اَّللُ يُـ ْفتي ُك ْم في ِه َّن َوَما يُـ ْتـلَى َعلَْي ُك ْم ِيف الْكتَاب ِيف يَـتَ َامى النّ َ
وموا لِ ْليَـتَ َامى ِابل ِْق ْس ِط َوَما تَـ ْف َعلُوا ِم ْن َخ ٍْري ِ ضع ِف ِ
ني م َن الْ ِولْ َدان َوأَ ْن تَـ ُق ُ
وه َّن َوال ُْم ْستَ ْ َ َ
ِ
َوتَـ ْرغَبُو َن أَ ْن تَـ ْنك ُح ُ
اَّللَ َكا َن بِ ِه َعلِيماً) (.)3 فَِإ َّن َّ
ف
ص ُ ت فَـلَ َها نِ ْ س لَهُ َولَ ٌد َولَهُ أُ ْخ ٌ ك لَْي َ اَّللُ يُـ ْفتِي ُك ْم ِيف الْ َكاللَ ِة إِ ِن ْام ُرٌؤ َهلَ َ
ك قُ ِل َّ وقوله تعاىل( :يَ ْستَـ ْفتُونَ َ
ان ِممَّا تَـ َر َك َوإِ ْن َكانُوا إِ ْخ َو ًة ِر َجاالً
ني فَـلَهما الثـلُثَ ِ
َما تَـ َر َك َو ُه َو يَ ِرثُـ َها إِ ْن َملْ يَ ُك ْن َهلَا َولَ ٌد فَِإ ْن َكانَـتَا اثْـنَـتَ ْ ِ ُ َ
ٍ ِ ضلوا و َّ ِ اَّلل لَ ُكم أَ ْن تَ ِ لذ َك ِر ِمثْ ُل َح ِّ
ظ ْاألُنْـثَـيَ ْ ِ َونِساء فَلِ َّ
يم) (.)4 اَّللُ ب ُك ِّل َش ْيء َعل ٌ َ ني َُّ ْ ني يُـبَِّ ُ ًَ
واإلفتاء إظهار ما أشكل ،واصله من الفىت وهو الشاب الذي قوي وكمل فاملعىن كأنه يقوي ببيانه ما
أشكل ويصري قوايً متيناً) (.)5
وهااتن اآليتان طلب من املؤمنني إليضاح ما خفي عليهم من أمور الشريعة ومها ال ختتلفان عن
أسلوب (يسئلونك) ولكنهما هنا عن أمور اقرب إىل الفقه منها إىل أحكام شرعية عامة.
__________
( )1البقرة.)186( :
( )2الكشاف.337 :1 ،
( )3النساء.)127( :
( )4النساء.)176( :
( )5التفسري الكبري.62 :11 ،
()60/1
()61/1
الفصل الثاين
جواب السؤال املقدر
لقد حبث البالغيون السؤال املقدر يف موضع (الفصل والوصل)،وأطلقوا على جواب هذا السؤال
اسم االستئناف ،وقد ترتب على ذلك أن جيد الباحث يف هذا املوضوع مصاعب ليست ابليسرية الن
هذا املوضوع اعين (الفصل والوصل) من املوضوعات الدقيقة يف علم املعاين.
ولعل ذلك مما دفع الشيخ عبد القاهر اجلرجاين إىل أن يقول عنه(( :واعلم انه ما من علم من علوم
البالغة أنت تقول انه فيه خفي غامض ،ودقيق صعب ،إالّ وعلم هذا الباب اغمض ،وأخفى ،وأدق،
واصعب)) ( .)1وقد يكون هذا األمر هو الذي دفع الكثريين إىل أن يقصروا البالغة على معرفة
الفصل والوصل.)2( .
ورمبا يكون مرد ذلك إىل (أن علم الفصل والوصل يتوقف على معرفة ما جيب لكل واحد من
اجلملتني وذلك يتوقف على مجيع األبواب املاضية من أحوال املسند ،واملسند إليه وغري ذلك فإذا
توقف إحدى اجلملتني على غري هذا الباب توقف العلم حبال اجلملتني معاً عليه ضرورةً وان ما توقف
عليه اجلزء توقف عليه الكل) (.)3
ونستطيع أن ندرك العالقة بني االستئناف والسؤال واجلواب من خالل تعريف االستئناف وهو
(االتيان بعد متام كالم بقول يفهم منه جواب سؤال مقدر) ( .)4ويقول ابن هشام االنصاري عنه
(وخيص البيانيون االستئناف مبا كان جواابً لسؤال مقدر) (.)5
وجتدر اإلشارة هنا إىل أن هنالك فرقاً بني االستئناف البياين واالستئناف النحوي ،فالبياين هو ما
ذكرانه ،أما النحوي فان النحاة يعربون عن اجلملة االبتدائية بـ (املستأنفة) ( .)6أي ان النحاة ال
يقدرون وجود سؤال قبل اجلملة املستأنفة حنوايً.
__________
( )1دالئل اإلعجاز.237 :
( )2ينظر :البيان والتبيني .1:88 ،ومفتاح العلوم ،462 :وشروح التلخيص /عروس األفراح .2 :3
( )3شروح التلخيص /عروس األفراح.1 - 2 :3 ،
( )4األقصى القريب ،التنوخي.68 :
( )5مغين اللبيب.500 :
( )6ينظر :مغين اللبيب ،501 - 500 :اذ حبث ذلك عند كالمه على اجلمل اليت ال حمل هلا من
األعراب .وحاشية الدسوقي على مغين اللبيب ،52 :2وجامع الدروس العربية ،الغاليين .289 :3
()63/1
كما أن هنالك فرقاً بني الفصل أو االستئناف منه على وجه اخلصوص ،وبني القطع فقد يكون
هنالك فصل وذلك لفقدان التشريك وهو نوعان:
أحدمها :أن يكون للكالم السابق حكم ال تريد أن تشرك فيه فتفصل ويسمى قطعاً ،وهو ـ أي
القطع ـ أما احتياطاً أو وجوابً.
واثنيهما :أن يكون الكالم السابق كاملورد للسؤال فيقطع ليكون جواابً له ويسمى استئنافاً) (.)1
واالستئناف منه ما يكون إبعادة اسم أو صفة ومنه ما يكون ابلتوكيد ،وقد يكون االستئناف مبا ليس
فيه إعادة اسم وال صفة ( ،)2وقد أضاف شراح التلخيص البدل وعطف البيان ( )3بقي أن نذكر
أن البالغيني املتأخرين قد قسموا االستئناف على ثالثة اضرب (:)4
الن السؤال الذي تضمنته اجلملة األوىل اما عن سبب احلكم فيها مطلقاً كقول الشاعر:
دائم وحز ٌن طويل
سهر ٌعليل ٌ ...
قال يل :كيف انت؟ قلتٌ :
أي ما ابلك عليالً؟ وما سبب علتك؟.
واما عن سبب خاص له كقوله تعاىل( :وما أُبـ ِرئ نَـ ْف ِسي إِ َّن النَّـ ْفس َأل ََّمارةٌ ِابلس ِ
وء .)5( ) ... َ َ َ َ َّ ُ
الم )6( ) ...كأنه قيل :فماذا قال إبراهيم عليه
ال َس ٌ
واما عن غريمها كقوله ... ( :قَالُوا َسالماً قَ َ
السالم؟ فقيل :قال :سالم.
__________
( )1ينظر :مفتاح العلوم ،463 :وشروح التلخيص ،50 :3 ،والتبيان يف البيان.104 :
( )2ينظر :دالئل اإلعجاز ،236– 234والتبيان يف البيان ،109 - 106 ،واألقصى القريب:
.68
( )3ينظر :شروح التلخيص.31 :3 ،
( )4ينظر :التلخيص ،186 :وشروح التلخيص.57 :3 ،
( )5يوسف.)53( :
( )6هود.)69( :
()64/1
وال مناص من أن نذكر أن االستئناف ال ينحصر عند البالغيني يف موضوع (الفصل والوصل) فقط،
وامنا جاء يف مواضع أخرى كما يف أغراض اخلرب( :وذلك حينما خيرج الكالم عن مقتضى الظاهر كأ ْن
ينزل غري السائل منزلة السائل إذا قدم إليه ما يلوح ابخلري فيستشرف له استشراف املرتدد الطالب)
(.)1
واملوضع اآلخر الذي ذكر االستئناف فيه هو (اإلجياز) وذلك يف موضع احلذف منه ،فهنالك قسم
من اجلمل غري املقيدة حتذف والضرب األول منها هو :حذف السؤال املقدر ويسمى (االستئناف)
(.)2
والواقع أن االستئناف حيثما يرد يف موضوعات علم املعاين من البالغة ال خيتلف يف املضمون وذلك
الن هنالك تداخال يف بعض هذه املوضوعات مع البعض اآلخر.
وسيكون تناول جواب السؤال املقدر مستندا إىل تقسيم البالغيني له على ثالثة أنواع.
__________
( )1التخليص ،43 - 42 :وينظر :مفتاح العلوم.357 - 354 :
( )2ينظر :املثل السائر ،281 - 290 :3 :وينظر اجلامع الكبري يف صناعة املنشور من الكالم
واملنظوم.138 - 137 :
()65/1
املبحث األول
اجلواب عن سبب احلكم مطلقاً
ملّا كانت اللغة وسيلة التخاطب بني البشر فالبد من ان تركن إىل ثوابت معينة ال ميكن االستغناء عنها
فتكون بذلك القواعد األساسية ألية لغة من لغات البشر املختلفة ،ومن بني هذه الثوابت اليت ال
ّ
سبيل إىل إنكارها أن املتحدث حينما خياطب فرداً أو مجاعة يضع يف ذهنه ضرورة إيصال أفكار
معينة ،وقد تتفاوت هذه األفكار بني البساطة والتعقيد ،وملا كان على املتحدث أن يراعي مستوى
السامعني وأقدارهم فانه يدرك حبسه اإلنساين الذي فطره هللا عليه أن املخاطب حباجة إىل املزيد من
إحياء فيقدر هذا السؤال الذي يف ذهن
اإليضاح يف مواضع معينة من خطابه؛ أي كأنه يسمع السؤال ً
املخاطب يف أثناء كالمه ،ومن مث جييب عليه اإلجابة املناسبة ،وهو بذلك يطبق ـ من غري شعور ـ
تعريف بالغة الكالم الذي استقر عليه أخرياً وهو (مطابقة الكالم ملقتضى احلال مع فصاحته) (.)1
وملا كان القرآن الكرمي قد نزل بلغة العرب وكان اخلطاب فيه موجهاً إىل بين البشر فقد كان البد من
أن يضم بني دفتيه كمية كبرية من االستئناف البياين خاصة انه قد تعرض ألشد املوضوعات أمهية،
كإثبات وجود الباري عز وجل واإلميان ابليوم اآلخر ،وما فيه من حساب وعقاب وثواب وغري ذلك
من املوضوعات اليت جاءت يف هذا الكتاب املقدس.
لقد تفنن القرآن الكرمي يف استخدامه االستئناف البياين فجاء به بصور خمتلفة ختدم الغرض الذي
جاءت من اجله .فقد جاءت اإلجابة عن السبب املطلق مفتتحة ابلفعل املاضي متبوعاً ابلفاعل وهو
ين َك َف ُروا َس َواءٌ َعلَْي ِه ْم أَأَنْ َذ ْرَهتُ ْم أ َْم َملْ تُـ ْن ِذ ْرُه ْم ال َّ ِ
هللا تبارك وتعاىل ،كما يف قوله تقدست أمساؤه( :إِ َّن الذ َ
يم) (.)2 ِ
اب َعظ ٌ ش َاوةٌ َوَهلُ ْم َع َذ ٌ صا ِرِه ْم ِغ َ ِ ِِ يُـ ْؤِمنُو َن* َختَ َم َّ
اَّللُ َعلَى قُـلُوهب ْم َو َعلَى مسَْع ِه ْم َو َعلَى أَبْ َ
__________
( )1التلخيص.33 :
( )2البقرة.)7 - 6( :
()66/1
فاآلية الثانية هنا (جارية جمرى التعليل للحكم السابق يف قوله تعاىل ((سواء عليهم أأنذرهتم أم مل
تنذرهم ال يؤمنون)) وبيان لسببه يف الواقع ليدفع بذلك تعجب املتعجبني من استواء اإلنذار وعدمه
عندهم ومن عدم نفوذ اإلميان إىل نفوسهم مع وضوح الداللة) (.)1
اس َهلُ َّن َعلِ َم َّ ِ ِ ث إِ َىل نِ ِ ِ
اَّللُ أَنَّ ُك ْم اس لَ ُك ْم َوأَنْـتُ ْم لبَ ٌ
سائ ُك ْم ُه َّن لبَ ٌ َ الرفَ ُ وقوله تعاىل( :أُح َّل لَ ُك ْم لَْيـلَةَ ِّ
الصيَ ِام َّ
ب َّ ِ
اَّللُ لَ ُك ْم ) ... وه َّن َوابْـتَـغُوا َما َكتَ َ اب َعلَْي ُك ْم َو َع َفا َع ْن ُك ْم فَ ْاآل َن َابش ُر ُ ُك ْنـتُ ْم َختْتَانُو َن أَنْـ ُف َ
س ُك ْم فَـتَ َ
(.)2
كات َوأُولَئِ َري ُ ك َهلُُم ْ
اخلَ ْ َ اه ُدوا ِأب َْم َواهلِِ ْم َوأَنْـ ُف ِس ِه ْم َوأُولَئِ َ
آمنُوا َم َعهُ َج َ
ين َ
الرس ُ َّ ِ
ول َوالذ َ
ِ
وقوله تعاىل (لَك ِن َّ ُ
ِ يها ذَلِ َ َّات َجتْ ِري ِمن َحتْتِها ْاأل َْهنَار َخالِ ِد ِ اَّلل َهلُم جن ٍ ِ
يم) (.)3 ك الْ َف ْوُز ال َْعظ ُ ين ف َ َ ُ ْ َ َع َّد َُّ ْ َ ُه ُم ال ُْم ْفل ُحو َن* أ َ
واالستئناف البياين جاء جواابً عن (سؤال ينشأ عن اإلخبار بـ (أولئك هلم اخلريات) (.)4
رب العزة سبحانه وتعاىل عن أمور عظيمة ال يقوم هبا إال لقد عربت هذه اآلايت اليت كان الفاعل فيها َّ
هو تعاىل فهي أما تقرر حقيقة نفسية خطرية يكشفها هللا تعاىل وتكون هي السبب يف عدم إمياهنم ،أو
انه يقرر حكما شرعيا أو يكون ذلك وعداً لعباده الصاحلني حبسن العاقبة.
ورمبا ال أييت الفاعل ظاهراً بعد الفعل املاضي بل أييت ضمرياً متصالً كما يف قوله تعاىل ... ( :فَـلَ َّما
ِ ِ ف َجنَو َ ِ جاءهُ وقَ َّ ِ
ني) (.)5 ت م َن الْ َق ْوم الظَّال ِم َ ال ال َختَ ْ ْ ص قَ َ ص َ ص َعلَْيه الْ َق َ ََ َ
اها َع ْن نَـ ْف ِس ِه قَ ْد َشغَ َف َها ُحبّاً إِ َّان لَنَـ َر َاها ال نِ ْس َوةٌ ِيف ال َْم ِدينَ ِة ْام َرأ ُ
َت ال َْع ِزي ِز تُـ َرا ِو ُد فَـتَ َ (وقَ َأو كقوله تعاىلَ :
ني) (.)6 الل ُمبِ ٍ
ض ٍ ِيف َ
__________
( )1التحرير والتنوير.254 :1 ،
( )2البقرة.)187( :
( )3التوبة.)89 - 88( :
( )4التحرير والتنوير.291 :10 ،
( )5القصص.)25( :
( )6يوسف.)30( :
()67/1
اء َما َكانُوا يَـ ْع َملُو َن* َّاختَ ُذوا أ َْميَ َاهنُ ْم ُجنَّةً فَ َ
صدوا َع ْن ِ ِ َّ َع َّد َّ
اَّللُ َهلُ ْم َع َذاابً َشديداً إهنُ ْم َس َ وقوله تعاىل( :أ َ
سبِ ِ ِ
ني) ()1 اب ُم ِه ٌ
يل ا ََّّلل فَـلَ ُه ْم َع َذ ٌ َ
اء َما َكانُوا يَـ ْع َملُو َن) (.)2 يل َِّ ِ َّصدوا َع ْن َسبِ ِ وقوله تعاىل عن املنافقنيَّ :
اَّلل إهنُ ْم َس َ (اختَ ُذوا أ َْميَ َاهنُ ْم ُجنَّةً فَ َ
لقد كان االستئناف يف هذه اآلايت بقوله تعاىل( :جنوت من القوم الظاملني)( ،قد شغفها حباً) (اختذوا
أمياهنم ُجنة) ،وهذه اجلمل كانت أسباابً وراء وقوع النتائج املرتتبة عليها اذ كل (مجلة كان مضموهنا
علة لليت قبلها تكون أيضاً استئنافاً بيانيا فاالستئناف البياين اعم من التعليل) (.)3
ضا َن الَّ ِذي أُنْ ِز َل فِ ِيه وقد أييت االستئناف البياين مفتتحاً ابلفعل املضارع كما يف قوله تعاىلَ ( :ش ْه ُر َرَم َ
ص ْمهُ َوَم ْن َكا َن َم ِريضاً أ َْو الش ْه َر فَـلْيَ ُان فَ َم ْن َش ِه َد ِمنْ ُك ُم َّ
ات ِمن ا ْهلَُدى والْ ُفرقَ ِ
َ ْ َ
َّاس وبـيِنَ ٍ
دى للن ِ َ َ ّ
الْ ُقرآ ُن ه ِ
ْ ُ ً
ِ ِ ِ ِ ِ ُخر يُ ِري ُد َّ ِ ٍ ِ ِ
ربوا َّ
اَّللَ اَّللُ ب ُك ُم الْيُ ْس َر َوال يُ ِري ُد ب ُك ُم ال ُْع ْس َر َولتُكْملُوا الْع َّدةَ َولتُ َكُِّ َعلَى َس َف ٍر فَع َّدةٌ م ْن أ ََّايم أ َ َ
َعلَى َما َه َدا ُك ْم َولَ َعلَّ ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن) ( .)4والفاعل هنا هللا سبحانه وتعاىل قد جاء ظاهراً ،وقد أييت
ِ ِ ِ الفعل مضارعاً ولكن الفاعل ضمري متصل كما يف قوله تعاىلِ َ :
ومونَ ُك ْم سُ (وإ ْذ َجنَّْيـنَا ُك ْم م ْن آل ف ْر َع ْو َن يَ ُ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
يم) ( .)5وقوله تعاىل: اء ُك ْم َوِيف ذَل ُك ْم بَالءٌ م ْن َربّ ُك ْم َعظ ٌ سَ اء ُك ْم َويَ ْستَ ْحيُو َن ن َوء ال َْع َذاب يُ َذ ّحبُو َن أَبْـنَ َ ُس َ
لس ِْذفِ ِيه ِيف الْيَ ِّم فَـ ْليُـل ِْق ِه الْيَم ِاب َّ
وت فَاق ِ
ْذ ِف ِيه ِيف التَّاب ِ
َن اق ِ ك ما يوحى* أ ِ ِ
ْخ ْذهُاح ِل َأي ُ ُ (إِ ْذ أ َْو َح ْيـنَا إِ َىل أ ُّم َ َ ُ َ
(وَم ْن أَظْلَ ُم ِممَّ ِن ِ ِ
صنَ َع َعلَى َع ْي ِين) ( .)6وقوله تعاىلَ : ك َحمَبَّةً م ِّين َولتُ ْ ت َعلَْي َ َع ُد ٌّو ِيل َو َع ُد ٌّو لَهُ َوأَلْ َق ْي ُ
ب افْ َرتى َعلَى َِّ ِ
اَّلل الْ َكذ َ َ
__________
( )1اجملادلة.)16 - 15( :
( )2املنافقون.)2( :
( )3التحرير والتنوير.221 :11 ،
( )4البقرة.)185( :
( )5البقرة.)49( :
( )6طه (.)39 - 38
()68/1
اَّللُ ُمتِم اَّلل ال يـه ِدي الْ َقوم الظَّالِ ِمني* ي ِري ُدو َن لِيط ِْفئوا نُور ا َِّ
َّلل ِأبَفْـ َو ِاه ِه ْم َو َّ األ ْس ِو ُهو ي ْد َعى إِ َىل ِْ
ُ ُ َ َ ُ َْ الم َو َُّ َ ْ َ َ ُ
نُوِرهِ َولَ ْو َك ِرَه الْ َكافِ ُرو َن) (.)1
والفاعل الذي جاء ضمرياً متصالً ينتمي إىل املشركني ،فاآليتان األوىل والثانية كان الفاعل فيهما
فرعون وجنوده أما الثالثة ففيها (استئناف بياين انشئ عن اإلخبار عنهم أبهنم افرتوا على هللا الكذب
يف اهنم يدعون إىل اإلسالم النه يثري سؤال سائل عما دعاهم إىل هذا االفرتاء) ( .)2واجلواب اهنم
يريدون إطفاء نور هللا تعاىل.
ت ال َْم َو ِ َ
ايل (وإِِّين ِخ ْف ُ وعلى النقيض من ذلك قد يكون الفاعل واحداً من األنبياء كما يف قوله تعاىلَ :
اج َعلْهُ َر ِّ
ب وب َو ْ آل يَـ ْع ُق َث ِم ْن ِ ك َولِيّاً* يَ ِرثُِين َويَ ِر ُ ب ِيل ِم ْن لَ ُدنْ َ ِ ِ
م ْن َوَرائي َوَكانَت ْام َرأَِيت َعاقراً فَـ َه ْ
ِ
ضيّاً) ( .)3فقوله (يرثين) بيان للعلة أو السبب الذي طلب الولد من اجله ،والذي طلب ذلك هو رِ
َ
زكراي (عليه السالم).
ض ِل ِم ْن ُك ْم َو َّ
الس َع ِة أَ ْن يُـ ْؤتُوا (وال َأيْتَ ِل أُولُو الْ َف ْ
وقد يكون الفاعل مجاعة من املؤمنني كما يف قوله تعاىلَ :
ص َف ُحوا أَال ُِحتبو َن أَ ْن يَـ ْغ ِف َر َّ يل َِّ ين ِيف َسبِ ِ ِ ُويل الْ ُقرىب والْم ِ
اَّللُ لَ ُك ْم َو َّ
اَّللُ اَّلل َولْيَـ ْع ُفوا َولْيَ ْ ني َوال ُْم َهاج ِر َ
ساك َ أ ِ َْ َ َ َ
يم) (.)4 غَ ُف ِ
ور َرح ٌٌ
سائل يسأل :وما الداعي لألنفاق على هؤالء؟ فيأتيه اجلواب لبيان السبب وهو الغفران من هللا ب ٍ فَـ ُر َّ
تعاىل وقد جاء ذلك بطريقة العرض فافتتح اجلواب أبداة العرض (أال).
وقد أييت الفعل فعل أمر وهو اندر هنا كما يف قوله تعاىل( :اي أَيـها الَّ ِذين آمنوا ُكونُوا قَـ َّو ِامني َِِّ
َّلل َ َ َُ َ َ
ب لِلتَّـ ْق َوى َواتَّـ ُقوا َّ
اَّللَ إِ َّن َّ ِ ِ ٍ ِ ِ
اَّللَ ُش َه َدا َء ِابلْق ْسط َوال َْجي ِرَمنَّ ُك ْم َشنَآ ُن قَـ ْوم َعلَى أ ََّال تَـ ْعدلُوا ا ْعدلُوا ُه َو أَقـ َْر ُ
ري ِمبَا تَـ ْع َملُو َن) (.)5ويف هذه اآلية استئنافان بيانيان اذ ان هللا تعاىل قد (هناهم أوال أن حتملهم ِ
َخب ٌ
البغضاء على
__________
( )1الصف.)8 - 7( :
( )2التحرير والتنوير.189 :28 ،
( )3مرمي.)6 - 5( :
( )4النور.)22( :
( )5املائدة.)8 :
()69/1
ترك العدل ،مث استأنف فصرح هلم ابألمر ابلعدل أتكيداً وتشديداً ،مث استئناف فذكر هلم وجه األمر
ابلعدل وهو قوله – هو اقرب للتقوى أي العدل اقرب إىل التقوى وادخل يف مناسبتها) (.)1
وما دمنا مع األفعال فيجدر بنا أن نذكر نوعاً آخر من األفعال اليت افتتح هبا االستئناف وهي
ص َر ال الَّ ِذي ا ْش َ ِ ِ
رتاهُ م ْن م ْ َ (وقَ َ
األفعال املاضية اجلامدة واكثر ما جاء منها (عسى) كما يف قوله تعاىلَ :
َّخ َذهُ َولَداً .)2( ) ... ِالمرأَتِِه أَ ْك ِرِمي مثْـواهُ َعسى أَ ْن يـ ْنـ َفعنَا أَو نَـت ِ
َ َ ْ ََ َ َْ
ك ال تَـ ْقتُـلُوهُ َعسى أَ ْن يـ ْنـ َفعنَا أَو نَـت ِ
َّخ َذهُ َولَداً ني ِيل َولَ َ ت َع ْ ٍ َت فِ ْر َع ْو َن قُـ َّر ُ وقوله تعاىل( :وقَالَ ِ
ت ْام َرأ ُ
َ َ ْ َ َ
ك َم َقاماًك َرب َ سى أَ ْن يَـ ْبـ َعثَ َ ِ ِ ِ
(وم َن اللَّْي ِل فَـتَـ َه َّج ْد بِه َانفلَةً لَ َ
ك َع َ َو ُه ْم ال يَ ْش ُع ُرو َن) ( .)3وقوله تعاىلَ :
َْحم ُموداً) ( .)4والفعل (عسى) وما بعده ((تعليل لتخصيص ابجياب التهجد عليه ،والرجاء من هللا
وعد ،فاملعىن :ليبعثك ربك مقاماً حمموداً)) ( .)5لقد وردت (عسى) يف القرآن على وجهني (أحدمها
أن يقع بعدها أن والفعل ،فاملفهوم من كالمهم اهنا حينئذ اتمة ،وقال ابن مالك :عندي اهنا انقصة
أبداً ،وان وصلتها سدَّت مسد اجلزأين كما يف (أ ِ
َّاس أَ ْن يُ ْ َ
رتُكوا .)7( ))6( ) ...وجاء ب الن َُحس َ
َ َ
القرآن الكرمي هبا على هذا الوجه يف (ستة عشر) موضعاً (.)8
__________
( )1الكشاف.598 :1 :
( )2يوسف.)21( :
( )3القصص.)9( :
( )4اإلسراء.)79( :
( )5التحرير والتنوير.185 :15 ،
( )6العنكبوت.)2( :
( )7ينظر :االتقان يف علوم القرآن ،215 :1 ،ومغين اللبيب.202 :
( )8ينظر ،املعجم املفهرس أللفاظ القرآن الكرمي.462 - 461 ،
()70/1
أما استعماهلا على الوجه الثاين فاهنا( :رافعة السم صريح بعده فعل مضارع مقرون ابن ،واألشهر يف
ماض انقص مبنزلة قرب من أن يفعل وحذف اجلار توسعاً ،وهو رأي سيبويه إعراهبا حينئذ أهنا فعل ٍ
اَّللُ أَ ْن َأيْتِيَ ِين
سى َّ يل َع َ
ت لَ ُكم أَنْـ ُفس ُكم أ َْمراً فَ َ ِ
ص ْربٌ َمج ٌ ال بَ ْل َس َّولَ ْ ْ ُ ْ واملربد ( .)1كما يف قوله تعاىل( :قَ َ
صوحاً مجيعاً إِنَّه هو الْعلِيم ا ْحل ِكيم) ( .)2وقوله تعاىل( :اي أَيـها الَّ ِذين آمنوا تُوبوا إِ َىل َِّ هبِِم َِ
اَّلل تَـ ْوبَةً نَ ُ َ َُ ُ َ َ ُ َُ َ ُ َ ُ ْ
ِ ِ ٍ ِ ِ ِ
ار يَـ ْوَم ال خيُْ ِزي َّ
اَّللُ النِ َّ
َّيب سى َرب ُك ْم أَ ْن يُ َك ّف َر َع ْن ُك ْم َسيِّئَات ُك ْم َويُ ْدخلَ ُك ْم َجنَّات َجتْ ِري م ْن َحتْت َها ْاأل َْهنَ ُ َع َ
ك َعلَى ُك ِّل ورَان َوا ْغ ِف ْر لَنَا إِنَّ َ ِ ِِ والَّ ِذين آمنُوا معهُ نُورهم يسعى ب ْ ِ
ني أَيْدي ِه ْم َو ِأب َْميَاهن ْم يَـ ُقولُو َن َربَّـنَا أ َْمت ْم لَنَا نُ َ
َ َ َ َ َ ُُ ْ َ ْ َ َ َ
َش ْي ٍء قَ ِد ٌير) ( .)3ولإلجابة بـ (عسى) وجهان (أحدمها :أن يكون على ما جرت به عادة اجلبابرة من
اإلجابة بعسى ولعل ،ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبث .والثاين :ان جييء به تعليماً للعباد وجوب
الرتجيح بني اخلوف والرجاء) ( )4والزخمشري يرجح هنا الوجه الثاين (.)5
وقد وردت (عسى) متبوعة ابسم صريح يف (أربعة عشر) موضعاً يف القرآن الكرمي (.)6
ومثلما جاءت اإلجابة عن السؤال املقدر ابلفعل فقد جاءت اإلجابة ابالسم كما يف قوله تعاىل( :ال
س الْ ِم َه ُ اهم َج َهن ِ ِ ِ ِ ك تَـ َقل َّ ِ
اد) ( )7فقد يتبادر إىل َّم َوب ْئ َ ين َك َف ُروا ِيف الْبالد* َمتَاعٌ قَل ٌ
يل ُمثَّ َمأ َْو ُ ْ ُ ب الذ َُ يَـغَُّرنَّ َ
ذهن املخاطب السؤال عن السبب يف هذا النهي فيأيت اجلواب ابن ذلك (متاع قليل) وقد رفع
االسم على إضمار مبتدأ أي هو متاع او ذلك متاع وحنوه) ( )8ويف السياق نفسه أييت قوله
__________
( )1ينظر :اإلتقان ،215 :1 ،وكتاب سيبويه ،158 - 157 :3واملقتضب للمربد- 68 :3 ،
،70ومغين اللبيب ،202وحاشية الشهاب على تفسري البيضاوي 402 - 401 :1
( )2يوسف.)83( :
( )3التحرمي.)8( :
( )4الكشاف.570 :4 :
( )5ينظر :م .ن.570 :4 ،
( )6ينظر :املعجم املفهرس أللفاظ القرآن الكرمي؛ .462 - 461
( )7آل عمران.)197 - 196( :
( )8مشكل إعراب القرآن.185:1 ،
()71/1
ب ال يُـ ْفلِ ُحو َن* َمتَاعٌ ِيف الدنْـيَا ُمثَّ إِلَْيـنَا َم ْرِج ُع ُه ْم ُمثَّ نُ ِذي ُق ُه ُم تعاىل( :قُل إِ َّن الَّ ِذين يـ ْف َرتو َن َعلَى َِّ ِ
اَّلل الْ َكذ َ ََ ُ ْ
ِ
الشدي َد ِمبَا َكانُوا يَ ْك ُف ُرو َن) ()1
اب َّ
ال َْع َذ َ
إذ يقدر سؤال هنا هو :ما السبب يف عدم فالح هؤالء؟ فيكون اجلواب ان هللا ميتعهم قليال يف الدنيا
مث يعذهبم يف اآلخرة.
اها* َوا ْجلِبَ َ ِ ض بَـ ْع َد ذَلِ َ
ال اها* أَ ْخ َر َج م ْنـ َها َم َ
اء َها َوَم ْر َع َ ك َد َح َ (و ْاأل َْر َ
وقد يرد االسم منصواب كما يف قولهَ :
اها* َمتَاعاً لَ ُك ْم َوِألَنْـ َع ِام ُك ْم) ( .)2فقوله تعاىل (متاعا لكم) أي انه قد (فعل ذلك متتيعا لكم أ َْر َس َ
(وألنعامكم) الن منفعة ذلك التمهيد واصله إليهم واىل أنعامهم))3( .
وقوله تعاىل (متاعاً لكم وألنعامكم) (نصب على املصدر) ( )4وعلى الشاكلة نفسها ورد قوله جل
ضباً* َوَزيْـتُوانً َوَخنْالً* يها َحبّاً* َو ِعنَباً َوقَ ْ ِ
ض َش ّقاً* فَأَنْـبَـ ْتـنَا ف َ
صبّاً* ُمثَّ َش َق ْقنَا ْاأل َْر َ
اء َ شأنه( :أ ََّان َ
صبَـ ْبـنَا ال َْم َ
َو َح َدائِ َق غُلْباً* َوفَاكِ َهةً َوأ َّابً* َمتَاعاً لَ ُك ْم َوِألَنْـ َع ِام ُك ْم) ( .)5فقوله (متاعاً لكم والنعامكم) جواب
لسؤال مقدر انشئ عن بيان السبب يف تعداد هذه النعم( ،وقوله (متاعاً لكم) نصب على املصدر.
()6
س َح ٍر* نِ ْع َمةً ِم ْن ِع ْن ِد َان َك َذلِ َ
ك اه ْم ب َ
آل لُ ٍ
وط َجنَّْيـنَ ُ ِ اما قوله تبارك وتعاىل( :إِ َّان أَرسلْنَا َعلَْي ِهم ح ِ
اصباً إَِّال َ ْ َ َْ
َْجن ِزي َم ْن َش َك َر) ( )7فرمبا أثري سؤال عن سبب جناة هؤالء فقط؟ فيكون اجلواب :ان جناهتم كانت
نعمة من هللا تعاىل عليهم .وقوله (نعمة من عندان) (مفعول من اجله وجيوز يف الكالم الرفع على
تقدير تلك نعمة) (.)8
__________
( )1يونس.)70 - 069 :
( )2النازعات.)33 - 30( :
( )3الكشاف.697 - 4 ،
( )4مشكل إعراب القرآن.799:2 ،
( )5عبس.)31 - 25( :
( )6مشكل إعراب القرآن.802:2 ،
( )7القمر.)35 - 34( :
( )8مشكل إعراب القرآن.701:2 ،
()72/1
()73/1
ولإلجابة ابجلار واجملرور أو (شبه اجلملة) نصيب يف اإلجابة على السؤال املقدر كما يف قوله تعاىل:
س ُه ْم َوَما يَ ْش ُع ُرو َن* ِيف قُـلُوهبِِ ْم َم َر ٌ ِ ادعُو َن َّ َّ ِ (خيَ ِ
اد ُه ُم َّ
اَّللُ َم َرضاً ض فَـ َز َ آمنُوا َوَما خيَْ َدعُو َن إ َّال أَنْـ ُف َ
ين َاَّللَ َوالذ َ ُ
ْذبُو َن) (.)1 وَهلم َع َذاب أَلِيم ِمبَا َكانُوا يك ِ
َ ٌ ٌ َ ُْ
فقوله تعاىل (يف قلوهبم مرض ( ) ..استئناف حمض لعد مساويهم) )2( .فاملخاطب قد خيطر يف ذهنه
السؤال عن السبب يف هذه املخادعة القبيحة فيتم الوقف على قوله (وما يشعرون) النه وقف حسن
( ،)3مث أييت اجلواب املفتتح حبرف اجلر وقد (قدم الظرف وهو (يف قلوهبم) لالهتمام الن القلوب
هي حمل الفكرة يف اخلداع فلما كان املسؤول عنه هو متعلقها كان هو املهتم به يف اجلواب))4( .
ت بَـيِّنَا ٌ َّاس لَلَّ ِذي بِب َّكةَ مباركاً وهدى لِلْعالَ ِم ِ ِض َع لِلن ِ
توِ ٍ
ت آاي ٌني* فيه َ َ َُ َ َ ُ ً َ َ وكذلك قوله تعاىل( :إِ َّن أ ََّو َل بَـ ْي ُ
اع إِلَْي ِه َسبِيالً َوَم ْن َك َف َر فَِإ َّن َّاس ِحج الْبـ ْي ِ
ت َم ِن ْ
استَطَ َ
م َقام إِبـر ِاهيم ومن د َخلَه َكا َن آ ِمناً وَِِّ
َّلل َعلَى الن ِ َ ُ َْ َ ََ ْ َ ُ
َ َ
ني) (.)5 ين َع ِن ال َْعالَ ِم َ
اَّللَ غَ ِ ٌّ
َّ
ات) ((استئناف ،ثناء على هذا البيت مبا حف به من املنقب واملزااي فغري ت بَـيِّنَ ٌ آاي ٌ ِِ
فان قوله (فيه َ
األسلوب لالهتمام ،ولذلك مل جتعل اجلملة حاال ،فتعطف على احلالني قبلها)) (.)6
وهنالك استئناف اخر يف قوله (مقام إبراهيم) فان الوقف على قوله (فيه آايت بينات) وقف حسن
( ،)7كما ان ذلك مما حيرك السامع إىل أن يسأل عن كنه هذه اآلايت.
__________
( )1البقرة.)10( :
( )2التحرير والتنوير.278:2 ،
( )3ينظر :إيضاح الوقف واالبتداء ،أليب بكر بن األنباري.497:1 ،
( )4التحرير والتنوير.279:1 ،
( )5آل عمران.)97 - 96( :
( )6التحرير والتنوير.16:4 ،
( )7ينظر :إيضاح الوقف واالبتداء.580:2 ،
()74/1
إن حرف اجلر (يف) له عدة معان أحدها :الظرفية ،وهي اما مكانية ،واما زمانية ( ،)1ومل خترج هااتن
اآليتان عن الظرفية املكانية ،ولكن األوىل (يف قلوهبم مرض) كانت ظرفا مكانيا معنواي ـ إذا جاز
التعبري ـ بينما الثانية (فيه آايت بنيات) كان ظرفا مكانيا حقيقياً.
اق* إِ َىل لس ِ السا ُق ِاب َّ ت َّ وقد أييت حرف اجلر (إىل) يف بداية االستئناف البياين كما يف قوله تعاىل( :والْتَـ َّف ِ
َ
ون َِّ
اَّلل أ َْوَاثانً َوَختْلُ ُقو َن إِفْكاً إِ َّن ك يـومئِ ٍذ الْمسا ُق) ( .)2وقوله جلت قدرته( :إِ َّمنَا تَـ ْعب ُدو َن ِمن ُد ِ ِ
ْ ُ َربّ َ َ ْ َ َ َ
الر ْز َق َوا ْعبُ ُدوهُ َوا ْش ُك ُروا لَهُ إِلَْي ِه اَّلل ال ميَْلِ ُكو َن لَ ُكم ِر ْزقاً فَابـتـغُوا ِع ْن َد َِّ
اَّلل ِّ ون َِّالَّ ِذين تَـ ْعب ُدو َن ِمن ُد ِ
َْ ْ ْ َ ُ
تُـ ْر َج ُعو َن) (.)3
فان مجلة (إليه ترجعون) (تعليل لألمر بعبادته وشكره ،أي النه الذي جيازي على ذلك ثوااب وعلى
ضده عقاابً ،إذ إىل هللا ال إىل غريه مرجعكم بعد املوت ،ويف هذا ادماج تعليل العبادة إبثبات البعث)
(.)4
اَّلل َعلِيم بِ َذ ِ ِ ِ ِ
ات ك ُك ْف ُرهُ إِلَْيـنَا َم ْرج ُع ُه ْم فَـنُـنَـبّئُـ ُه ْم ِمبَا َعملُوا إِ َّن ََّ ٌ
(وَم ْن َك َف َر فَال َْحي ُزنْ َ
وكذلك قوله تعاىلَ :
الص ُدوِر) ( )5فان مجلة (إلينا مرجعهم) (واقعة موقع التعليل للنهي) (.)6
إن حرف اجلر (إىل) له عدة معان أحدها :انتهاء الغاية الزمانية ...أو املكانية ( ،)7وقد كانت (إىل)
يف هذه اآلايت تدل على انتهاء الغاية الزمانية والزمان الذي ينتهي اليه يف هذه اآلايت مجيعا هو يوم
القيامة.
اعةُ ومن األحرف اليت استخدمت يف بداية االستئناف (الم اجلر) كما يف قوله تعاىل( :قُل َِِّ
َّلل َّ
الش َف َ ْ
ض ُمثَّ إِلَْي ِه السماو ِ
ات َو ْاأل َْر ِ ْك َّ َ َ
َِ
مجيعاً لَهُ ُمل ُ
__________
( )1ينظر :مغىن اللبيب.223 :
( )2القيامة.)30 - 29( :
( )3العنكبوت.)17( :
( )4التحرير والتنوير.226:20 ،
( )5لقمان.)23( :
( )6التحرير والتنوير.178:21 ،
( )7ينظر :مغين اللبيب.104 :
()75/1
تُـ ْر َج ُعو َن) ( )1وقوله (له ملك السماوات) (تقرير لقوله ـ هلل الشفاعة مجيعا ـ النه إذا كان له امللك
كله والشفاعة من امللك كان مالكا هلا) (.)2
َمس ْع َما َهلُ ْم ِم ْن ُدونِِه
صر بِ ِه وأ ِْ
ات و ْاألَر ِ ِ
ض أَبْ ْ َ
اَّلل أَ ْعلَم ِمبَا لَبِثُوا لَهُ غَْيب َّ ِ
الس َم َاو َ ْ ُ وقوله جل وعال( :قُ ِل َُّ ُ
ِِ ِ
َحداً) (.)3 يل َوال يُ ْش ِر ُك ِيف ُحكْمه أ َ
م ْن َوٍِّ
إن حلرف اجلر (الالم) عدة معان ومنها (التمليك) ( )4والالم يف هاتني اآليتني قد وردت يف هذا
املعىن.
ومن األجوبة اليت ابتدأت ابالسم أن أييت اسم اإلشارة يف صدارة االستئناف البياين كما يف قوله
ري ِمبَا ك أَ ْزَكى َهلُم إِ َّن َّ ِ وج ُه ْم َذلِ َ تقدست أمساؤه( :قُل لِ ْلم ْؤِمنِني يـغُضوا ِمن أَب ِ
اَّللَ َخب ٌ ْ صا ِره ْم َوَْحي َفظُوا فُـ ُر َ ْ َْ ْ ُ ََ
صنَـ ُعو َن) (.)5 يَ ْ
اح
ْت فَال ُجنَ َ ت ِممَّ ْن َع َزل َشاءُ َوَم ِن ابْـتَـغَْي َ ك َم ْن تَ َ شاءُ ِم ْنـ ُه َّن َوتُـ ْؤ ِوي إِلَْي َوقوله جل شأنه( :تُـ ْرِجي َم ْن تَ َ
اَّللُ يَـ ْعلَ ُم َما ِيف قُـلُوبِ ُك ْم َوَكا َن
ني ِمبَا آتَـ ْيـتَـ ُه َّن ُكل ُه َّن َو َّ
ضَْ ك َذلِ َ
ك أَ ْد ََّن أَ ْن تَـ َق َّر أَ ْعيُـنُـ ُه َّن َوال َْحي َز َّن َويَـ ْر َ َعلَْي َ
اَّللُ َعلِيماً َحلِيماً) ()6 َّ
ٍ ِ وت النِ ِ ِ َّ ِ
َّيب إ َّال أَ ْن يُـ ْؤذَ َن لَ ُك ْم إ َىل طَ َعام غَ ْ َ
ري آمنُوا ال تَ ْد ُخلُوا بُـيُ َ ّ ين َ (اي أَيـ َها الذ َ وقوله تبارك وتعاىلَ :
يث إِ َّن ذَلِ ُك ْم َكا َن
ني ِحل ِد ٍ ِِ ِ ِ ِ ِ ِ
ين إِ َانهُ َولَك ْن إِذَا ُدعيتُ ْم فَا ْد ُخلُوا فَِإذَا طَع ْمتُ ْم فَانْـتَش ُروا َوال ُم ْستَأْنس َ َ َانظ ِر َ
َلوه َّن ِم ْن َوَر ِاء
اسأ ُ وه َّن َمتَاعاً فَ ْ
ِ
اَّللُ ال يَ ْستَ ْحيِي م َن ا ْحلَ ِّق َوإِذَا َسأَلْتُ ُم ُ َّيب فَـيَ ْستَ ْحيِي ِم ْن ُك ْم َو َّ يُـ ْؤ ِذي النِ َّ
اجهُ ِم ْن ِ ول َِّ
اَّلل َوال أَ ْن تَـ ْنك ُحوا أَ ْزَو َ اب َذلِ ُك ْم أَط َْه ُر لُِقلُوبِ ُك ْم َوقُـلُوهبِِ َّن َوَما َكا َن لَ ُك ْم أَ ْن تُـ ْؤذُوا َر ُس َ ِح َج ٍ
اَّلل َع ِظيماً) (.)7 بـع ِدهِ أَبداً إِ َّن ذَلِ ُكم َكا َن ِع ْن َد َِّ
ْ َْ َ
__________
( )1الزمر.)44( :
( )2الكشاف.400:3 ،
( )3الكهف.)26( :
( )4ينظر :مغين اللبيب.275 :
( )5النور.)30( :
( )6األحزاب.)51( :
( )7األحزاب.)53( :
()76/1
()77/1
استَ َحبوا ا ْحلَيَاةَ ك ِأب ََّهنُ ُم ْ ين) ( .)1ومجلة (ذَلِ َ ِ ِ
اَّللَ ال يَـ ْهدي الْ َق ْوَم الْ َكاف ِر َ َن َّ ا ْحلَيَاةَ الدنْـيَا َعلَى ْاآل ِخ َرةِ َوأ َّ
الدنْـيَا َعلَى ْاآل ِخ َرةِ) (واقعة موقع التعليل فلذلك فصلت عن اليت قبلها واشارة ذلك اىل مضمون
ف إِذَا تَـ َوفَّـ ْتـ ُه ُم ال َْمالئِ َكةُ ِ ضب ِمن َِّ
يم) ( .)2وقوله تعاىل( :فَ َك ْي َ اب َعظ ٌ اَّلل َوَهلُ ْم َع َذ ٌ قوله (فَـ َعلَْي ِه ْم غَ َ ٌ َ
ط أَ ْع َما َهلُ ْم) ()3 َحبَ َ اَّللَ َوَك ِرُهوا ِر ْ
ض َوانَهُ فَأ ْ ط َّ َس َخ َ ك ِأب ََّهنُ ُم اتَّـبَـ ُعوا َما أ ْوه ُه ْم َوأَ ْد َاب َرُه ْم* َذلِ َ
ض ِربُو َن ُو ُج َ
يَ ْ
ِ ِ
اب النَّا ِر* الء لَ َع َّذ َهبُ ْم ِيف الدنْـيَا َوَهلُ ْم ِيف ْاآلخ َرة َع َذ ُ اَّللُ َعلَْي ِه ُم ا ْجلَ َ
ب َّ (ولَ ْوال أَ ْن َكتَ َ
وقوله تبارك وتعاىلَ :
اب) )4( .وقوله جل شأنه اَّللَ َش ِدي ُد ال ِْع َق ِ شا ِّق َّ
اَّللَ فَِإ َّن َّ اَّللَ َوَر ُسولَهُ َوَم ْن يُ َ ك ِأب ََّهنُ ْم َشاقوا َّذَلِ َ
ك ِأب ََّهنُ ْم قَـ ْوٌم ال يَـ ْف َق ُهو َن) (.)5 (ألَنْـتم أَ َشد ر ْهبةً ِيف ص ُدوِرِهم ِمن َِّ
اَّلل ذَلِ َ ُ ْ َ ََ َ ُْ
ك ِأب ََّهنُ ْماء َما َكانُوا يَـ ْع َملُو َن* َذلِ َ يل َِّ ِ َّ صدوا َع ْن َسبِ ِ وقوله جلت قدرتهَّ :
(اختَ ُذوا أَْميَ َاهنُ ْم ُجنَّةً فَ َ
اَّلل إهنُ ْم َس َ
آمنُوا ُمثَّ َك َف ُروا فَطُبِ َع َعلَى قُـلُوهبِِ ْم فَـ ُه ْم ال يَـ ْف َق ُهو َن) (.)6 َ
يم* ذَلِ َ وقوله جل وعال( :أََمل أيْتِ ُكم نَـبأُ الَّ ِذين َك َفروا ِمن قَـبل فَ َذاقُوا واب َل أَم ِرِهم وَهلم ع َذ ِ
ك ِأبَنَّهُ اب أَل ٌ َ َ ْ ْ َ ُْ َ ٌ َ ُ ْ ُْ َْ ْ َ
محي ٌد) (.)7 ين َِاَّللُ غَ ِ ٌّ
اَّللُ َو َّ ش ٌر يَـ ْه ُدونَـنَا فَ َك َف ُروا َوتَـ َولَّ ْوا َو ْ
استَـ ْغ َىن َّ ات فَـ َقالُوا أَبَ َ ت َأتْتِي ِهم رسلُ ُهم ِابلْبـيِنَ ِ َكانَ ْ
ْ ُ ُ ْ َّ
فاخلطاب يف هذه اآلايت عن مجاعة الغائبني وهم من املشركني واليهود واملنافقني وقد جاء االستئناف
استَ َحبوا ا ْحلَيَاةَ الدنْـيَا َعلَى ْاآل ِخ َرةِ). ك ِأب ََّهنُ ُم ْيف اآلية ( )107من سورة (النحل) يف قوله (ذَلِ َ
ك ِأب ََّهنُ ْم قَـ ْوٌم ال يَـ ْف َق ُهو َن) ويف اآلية ( )3من سورة ويف اآلية ( )4من سورة (احلشر) يف قوله (ذَلِ َ
آمنُوا ُمثَّ َك َف ُروا) وذلك (املنافقون) يف قوله (ذَلِ َ
ك ِأب ََّهنُ ْم َ
__________
( )1النحل.)107 - 106( :
( )2التحرير والتنوير.296:14 ،
( )3حممد.)28 - 27( :
( )4احلشر.)4 - 03 :
( )5احلشر.)13( :
( )6املنافقون.)3 - 2( :
( )7التغابن.)6 - 5( :
()78/1
هنا (اشارة اىل قوله (ساء ما كانوا يعملون) أي ذلك القول شاهد عليهم أبهنم أسوء الناس أعماال).
()1
ت َأتْتِي ِهم رسلُ ُهم ِابلْبـيِنَ ِ
ات .)2( ) ... ْ ُ ُ ْ َّ ويف اآلية ( )6من سورة التغابن يف قوله (ذَلِ َ
ك ِأبَنَّهُ َكانَ ْ
أما النظم الذي اعتمدته هذه اآلايت مجيعا فهو أن أييت اسم اإلشارة (ذلك) متبوعاً بـ (أبهنم) ومن مث
فعل ماض ما عدا اآلية ( )13من سورة احلشر اذ جاء بعد (أبهنم) اسم ،وقريب من هذا السياق
ك َج َزاءَُس َوأَ الَّ ِذي َكانُوا يَـ ْع َملُو َن* ذَلِ َ ِ
ين َك َف ُروا َع َذاابً َشديداً َولَنَ ْج ِزيَـنـ ُ
َّه ْم أ ْ
ِ َّ ِ
جاء قوله تعاىل( :فَـلَنُذي َق َّن الذ َ
ْد َج َزاءً ِمبَا َكانُوا ِِبايتِنَا َْجي َح ُدو َن) )3( .إذ جاء بعد اسم اإلشارة اسم اخلُل ِ
يها َد ُار ْ ِ أَ ْع َد ِاء َِّ
َّار َهلُ ْم ف َ
اَّلل الن ُ
أيضا و (ذلك) يف هذه اآلية (إشارة اىل األسوأ ،وجيب أن يكون التقدير :أسوأ جزاء الذين كانوا
يعملون ،حىت تستقيم هذه اإلشارة) (.)4
وقد اختلف النظم القرآين يف آايت أخرى ،فلم يكن اخلطاب فيها موجها للمؤمنني وال للمشركني
َّاس َوذَلِ َ
ك يَـ ْوٌم اب ْاآل ِخ َرةِ ذَلِ َ
ك يَـ ْوٌم َْجم ُموعٌ لَهُ الن ُ اف َع َذ َك َآليَةً لِ َم ْن َخ َ كقوله تعاىل( :إِ َّن ِيف ذَلِ َ
َم ْش ُهو ٌد) ( )5فإلشارة (ذلك) وما بعدها بيان لعذاب اآلخرة وموعده اذ للسامع أن يسأل عن موعد
ذلك العذاب فيأتيه اجلواب ابن ذلك يوم جيمع الناس يف يوم القيامة .وكقوله تبارك وتعاىل:
اه َّن َس ْب َع ضُ ك تَـ ْق ِد ُير ال َْع ِزي ِز ال َْعلِ ِيم) ( ،)6وقوله جلت قدرته (فَـ َق َ س َجتْ ِري لِ ُم ْستَـ َق ٍّر َهلَا ذَلِ َ (و َّ
الش ْم ُ َ
ٍ
يح َو ِح ْفظاً ذَلِ َ
ك تَـ ْق ِد ُير ال َْع ِزي ِز السماء الدنْـيَا ِمبَ َ ِ
صاب َ ني َوأ َْو َحى ِيف ُك ِّل َمسَاء أ َْم َرَها َوَزيَّـنَّا َّ َ َ
َمسَاو ٍ
ات ِيف يَـ ْوَم ْ ِ َ
ال َْعلِ ِيم))7( .
__________
( )1الكشاف.539:4 ،
( )2م .ن.547:4 ،
( )3فصلت.)28 - 27( :
( )4الكشاف.198:4 ،
( )5هود.)103( :
( )6يس.)38( :
( )7فصلت.)12( :
()79/1
()80/1
أما (الكاف) الداخلة على (ذلك) فهي امسية جارة مرادفة لـ (مثل) ( )1أي أهنا تفيد التشبيه .ومثلما
جاءت (كذلك) لتصف ما جيازى به الكافرون فقد وردت لتصف حال املؤمنني وجزاء هللا تعاىل هلم
كس َح ٍر* نِ ْع َمةً ِم ْن ِع ْن ِد َان َك َذلِ َ وط َجنَّْيـنَ ُ ِ
اه ْم ب َ
آل لُ ٍ كما يف قوله تعاىل( :إِ َّان أَرسلْنَا َعلَْي ِهم ح ِ
اصباً إَِّال َ ْ َ َْ
َْجن ِزي َم ْن َش َك َر) ( )2وهي ال ختتلف من حيث النظم عن اآلايت اليت تسبقها ،ونعود إىل الكاف
الداخلة على (ذلك) من حيث اإلعراب فنجد اهنا (يف موضع نصب نعت ملصدر حمذوف) (.)3
َّ ِ
ري
آمنُوا ال تَ ْد ُخلُوا بُـيُواتً غَ ْ َ ين َ (اي أَيـ َها الذ َ ومن أمساء اإلشارة األخرى (ذلكم) كما يف قوله تعاىلَ :
سلِّ ُموا َعلَى أ َْهلِ َها ذَلِ ُك ْم َخ ْريٌ لَ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تَ َذ َّك ُرو َن) ()4
سوا َوتُ َ
ِ ِ
بُـيُوت ُك ْم َح َّىت تَ ْستَأْن ُ
لصالةِ ِمن يـوِم ا ْجلمع ِة فَاسعوا إِ َىل ِذ ْك ِر َِّ ي لِ َّ ِ َّ ِ
اَّلل َوذَ ُروا ْ َ ْ ُُ َ َ َ ْ آمنُوا إِذَا نُود َ ين َ(اي أَيـ َها الذ َ وقوله تبارك وتعاىلَ :
الْبَـ ْي َع َذلِ ُك ْم َخ ْريٌ لَ ُك ْم إِ ْن ُك ْنـتُ ْم تَـ ْعلَ ُمو َن) (.)5
واخلطاب يف اآليتني موجه للمؤمنني حىت اهنما قد افتتحا بـ (اي أيها الذين آمنوا) وهو خطاب حمبب
إىل نفوس املؤمنني ولذلك فأنه يتبع إما أبمر أو هني من هللا تبارك وتعاىل هلم ،وملا كان اخلطاب موجها
إىل مجاعة املؤمنني فقد أضيف (ميم اجلمع) إىل اسم اإلشارة (ذلك) .وقد جاء بعده اسم التفضيل
(خري) الن ذلك أمر واشارة للمؤمنني.
سا ُك ْم َك َما نَ ِسيتُ ْم يل الْيَـ ْوَم نَـ ْن َ
اما الكفار فان خطاهبم خيتلف من حيث النظم كما يف قوله تعاىلِ :
(وق َ
َ
ت َِّ
اَّلل ُه ُزواً َوغَ َّرتْ ُك ُم ص ِرين* ذَلِ ُكم ِأبَنَّ ُكم َّاختَ ْذ ُْمت آاي ِ ِ ِ لَِق ِ
َ ُ ْ َّار َوَما لَ ُك ْم م ْن َان َ اء يَـ ْوم ُك ْم َه َذا َوَمأ َْوا ُك ُم الن ُ
َ
ِ
ا ْحلَيَاةُ الدنْـيَا فَالْيَـ ْوَم ال خيَُْر ُجو َن م ْنـ َها َوال ُه ْم يُ ْستَـ ْعتَـبُو َن) (.)6
__________
( )1ينظر :مغين اللبيب.238 :
( )2القمر.)35 - 34( :
( )3مشكل إعراب القرآن.99:1 ،
( )4النور.)27( :
( )5اجلمعة.)9( :
( )6اجلاثية.)35 - 34( :
()81/1
إذ مل أيت بعد اسم اإلشارة (ذلكم) اسم تفضيل ،بل جاء اجلار واجملرور (ابنكم) .أما السؤال الضمين
فيقدر على النحو اآليت :ما ابل هؤالء قد خوطبوا هبذا اخلطاب الغليط؟ وما السبب الذي استوجبوا
من اجله ان يدخلوا النار؟ فيكون اجلواب إبيضاح السبب الذي من اجله استحقوا ذلك.
ال ال
وقد جاء اسم اإلشارة (ذلك) وقد اتصل به الضمري (ما) يف خطاب املثىن كما يف قوله تعاىل( :قَ َ
ت ِملَّةَ قَـ ْوٍم ال
ام تُـ ْرَزقَانِِه إَِّال نَـبَّأْتُ ُك َما بِتَأْ ِويلِ ِه قَـ ْب َل أَ ْن َأيْتِيَ ُك َما َذلِ ُك َما ِممَّا َعلَّ َم ِين َرِّيب إِِّين تَـ َرْك ُ
َأيْتِي ُك َما طَ َع ٌ
َّلل َو ُه ْم ِاب ْآل ِخ َرةِ ُه ْم َكافِ ُرو َن) (.)1 يـ ْؤِمنو َن ِاب َِّ
ُ ُ
فجملة (ذلكما مما علمين ريب) (استئناف بياين ،الن وعده بتأويل الرؤاي يف وقت قريب يثري عجب
السائلني عن قوة علمه وعن الطريقة اليت حصل هبا هذا العلم) (.)2
__________
( )1يوسف.)37( :
( )2التحرير والتنوير.271:12 ،
()82/1
املبحث الثاين
اجلواب عن السبب اخلاص
هذا هو النوع الثاين من أنواع اإلجابة ابالستئناف ،وال يسمى جوااب عن سبب خاص إال إذا جاء
مصحوابً مبؤكد من املؤكدات ،وهو هبذا خيتلف عن اإلجابة عن السبب العام الذي أييت خالياً من
التأكيد ..والسبب يف ذلك ان املقام هنا مقام فيه تردد من املخاطب (ويدل على ان املقام مقام
الرتدد التأكيد يف اجلواب وهلذا نقول (هذا الضرب) أي هذا النوع من السؤال املقدر "يقتضي أتكيد
احلكم" (.)1
ومن الثابت أن الكالم اخلربي ثالثة أنواع هي( )2( :ابتدائي) وذلك حني يكون الذهن خالياً ،و
(طليب) وتؤكد هذه اجلملة استحساان مع املرتدد الطالب و (إنكاري) وهو كون الكالم مؤكدا وجواب
مع املنكر.
ويسمى إخراج الكالم عليها أي (على هذه الوجوه وهو اخللو من االتأكيد يف اإللقاء األول
واالتصاف بتأكيد االستحسان يف اإللقاء الثاين وبتأكيد الوجوب يف اإللقاء الثالث ("إخراجاً على
مقتضى الظاهر")) (.)3
واهم مؤكد يستخدم هنا هو (إن) املكسورة اهلمزة ذات النون املشددة وهي أتيت على وجهني (:)4
أحدمها :أن تكون حرف توكيد ،تنصب االسم وترفع اخلرب.
اثنيهما :أن تكون حرف جواب مبعىن نعم.
ولئن كانت هذه هي الطريقة اليت تعامل هبا النحاة مع (إن) فان للبالغيني شاانً آخر يف التعامل معها،
فعبد القاهر اجلرجاين قد كشف النقاب عن وجوه استعماالهتا على حنو مل يسبقه إليه أحد إذ بني
الفروق يف كيفية ربطها للجمل قائال( :انك ترى اجلملة إذا هي دخلت ترتبط مبا قبلها ،وأتتلف معه،
وتتحدد به ،حىت كأن الكالميني قد افرغا افراغا واحدا ،وكأن أحدمها قد سبك يف اآلخر) ()5
__________
( )1مواهب الفتاح/شروح التلخيص.59:3 ،
( )2م .ن.208 - 207:1 ،
( )3مواهب الفتاح /شروح التلخيص.208:1 ،
( )4ينظر :مغين اللبيب.55 :
( )5دالئل اإلعجاز.304 :
()83/1
اما املزية الثانية هلا فهي (انك ترى لضمري األمر الشأن معها من احلسن واللطف ماال تراه إذا هي مل
تدخل عليه بل تراه ال يصلح حيث يصلح إال هبا) (.)1
أما املزية الثالثة فهي (انك تراها هتيء الفكرة وتصلحها الن يكون هلا حكم املبتدأ ،اعين ان تكون
حمداث عنها حبديث من بعدها) (.)2
واملزية الرابعة هلا( :اهنا تغين إذا كانت فيها ـ يقصد ان يف اجلملة ـ عن اخلرب يف بعض الكالم) (.)3
وال ينسى عبد القاهر اجلرجاين أن يشري إىل عملها الواضح يف التأكيد قائال( :مث ان األصل الذي
ينبغي أن يكون عليه البناء هو الذي دون يف الكتب من اهنا للتأكيد) (.)4
وهذه املسألة ترتبط ابملخاطب ارتباطا وثيقا فهي تستخدم مع املخاطب (إذا كان له ظن يف اخلالف
وعقد قلب على نفي ما ثبت أو إثبات ما تنفي ولذلك تراها تزداد حسناً اذا كان اخلرب أبمر يبعد
مثله يف الظن وبشيء قد جرت عادة الناس خبالفه) (.)5
ومن عملها يف التأكيد ان (يدعى على املخاطب ظن مل يظنه ولكن يراد التهكم به) (.)6
وينبغي أن ال هنمل التفاتة عبد القاهر يف هذا اجملال من انه يتوجب (إذا قيل) اهنا جواب سائل ان
يشرتط فيه أن يكون للسائل ظن يف املسئول عنه على خالف ما انت جتيبه به فاما ان جيعل جمرد
اجلواب أصال فيه فال ،النه يؤدي إىل أن ال
__________
( )1دالئل اإلعجاز.305 :
( )2م .ن.307 :
( )3م .ن.308:
( )4م .ن.311 :
( )5م .ن.311 :
( )6دالئل اإلعجاز .312 - 311 :وينظر :مواهب الفتاح /شروح التلخيص.208:1 ،
()84/1
يستقيم لنا اذا قال الرجل :كيف زيد؟ نقول :صاحل ،إذا قال أين هو؟ أن تقول :يف الدار .وان ال
يصح حىت تقول :انه صاحل وانه يف الدار .وذلك ما ال يقوله أحد) (.)1
فالسائل هنا خايل الذهن ويطلب اإلجابة عن سؤاله ولذلك يكون اجلواب بتعيني املسؤول عنه أي ان
االستفهام هنا استفهام تصور ،فالسائل إذن ليس له ظن خيالف اجلواب أو انه ليس منكرا حىت يؤكد
اجلواب له بـ (إن) .وعليه فان اإلتيان ابملؤكد يف هذه احلالة ليس من البالغة يف شيء إذ يصبح التعبري
هنا تعبريا خاطئاً وال يقول به احد ممن لديه اطالع على أصول كالم العرب.
ويبدو مما تقدم ان عبد القاهر اجلرجاين بعقليته الفذة قد قام بعملية استقراء ألسلوب التعبري العريب
حىت خرج هبذه النتائج الدقيقة اليت أمهلها غريه ،وبسبب من ذلك وجدان ان البالغيني ممن حبثوا
موضوع َّ
(إن) بعده مل ايتوا جبديد ،بل تلقوا كالمه ابلشرح واالختصار (.)2
لقد تعامل القرآن الكرمي مع (إ ّن) تعامالً الفتاً للنظر على حنو ال ميكن جتاوزه او جتاهله ،بل ميكننا
القول إهنا تستحق حبثاً مستقالً قائماً بذاته من اجل الوقوف على دقة استعماهلا وأساليب ذلك
االستعمال.
لقد وردت (إن) يف القرآن الكرمي بكثرة وخاصة حينما ترد يف مقدمة الكالم املستأنف ،ومن ذلك
ْك فِ ِيه ِ جميئها مصحوبة بـ (الم التوكيد) كما يف قوله تعاىلِ َّ َّ :
َّر لَ ُك ُم الْبَ ْح َر لتَ ْج ِر َ
ي الْ ُفل ُ (اَّللُ الذي َسخ َ
مجيعاً ِم ْنهُ إِ َّن
ض َِ السماو ِ
ات َوَما ِيف ْاأل َْر ِ َّر لَ ُك ْم َما ِيف َّ َ َ ِأب َْم ِرهِ َولِتَـ ْبـتَـغُوا ِم ْن فَ ْ ِ ِ َّ
ضله َولَ َعل ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن* َو َسخ َ
ايت لَِق ْوٍم يَـتَـ َف َّك ُرو َن) (.)3 ك َآل ٍ ِيف ذَلِ َ
آايتِِه أَ ْن َخلَ َق لَ ُك ْم ِ ِ اب ُمثَّ إِذَا أَنْـتُ ْم بَ َآايتِِه أَ ْن َخلَ َق ُك ْم ِم ْن تُـر ٍ وقوله جل شأنهِ :
ش ٌر تَـ ْنـتَش ُرو َن* َوم ْن َ َ (وم ْن َ َ
ِم ْن أَنْـ ُف ِس ُك ْم أَ ْزَواجاً لِتَ ْس ُكنُوا إِلَْيـ َها
__________
( )1دالئل اإلعجاز.312 :
( )2ينظر على سبيل املثال :هناية اإلجياز .182 - 178 :والتبيان يف علم البيان،64 - 61 :
وأصول البالغة :لالمام العالمة .كمال الدين ميثم البحراين.113 - 111 ،
( )3اجلاثية.)13 - 12( :
()85/1
ايت لَِق ْوٍم يَـتَـ َف َّك ُرو َن) (.)1 َو َج َع َل بَـ ْيـنَ ُك ْم َم َو َّدةً َوَر ْمحَةً إِ َّن ِيف ذَلِ َ
ك َآل ٍ
ايت لَِق ْوٍم يَـتَـ َف َّك ُرو َن). وما يهمنا هنا هو الصيغة اليت تتكرر ابلكيفية ذاهتا يف قوله تعاىل (إِ َّن ِيف ذَلِ َ
ك َآل ٍ
إذ ترد (إن) وأتيت بعدها الم التوكيد ،وقد تكررت هذه الصيغة بكثرة يف ذيل آايت عديدة وجميء
(إن) هنا (إما جملرد االهتمام ابخلرب ،واما لتنزيل املشركني يف تركهم االعتبار بذلك منزلة من ينكر ان
يف ذلك عربة) ( .)2والذي منيل إليه هو االحتمال الثاين يف هذا الكالم ،وما يعزز ذلك ان اخلطاب
يف هذه اجملموعة من اآلايت خطاب للمشركني كما هو واضح من نوعية اخلطاب وسياق اآلايت يف
تلك السور ،والشيء اآلخر ان هذه اآلايت كثرياً ما تكون مسبوقة ِبايت يذكر هللا تبارك وتعاىل فيها
بعضا من آايته الدالة على عظيم قدرته ونفوذ أمره وسلطانه يف خملوقاته ،مث أييت الكالم يف ذيل هذه
اآلايت مؤكداً بـ (ان) والالم الن هؤالء وان مل ينكروا بعض هذه اآلايت ينزهلم التعبري القرآين منزلة
املنكر.
لقد أكدت هذه اآلايت صفة (التفكر) وقد جاءت بصيغة املضارع الن من ال يفكر يف خلق هللا
تغيب هذه اآلايت عن ذهنه ،فهي مبنزلة الدعوة هلؤالء من اجل إعادة النظر واعمال العقل يف هذه
األمور بشكل مستمر ،ولعل يف استخدام صيغة (يتفكرون) دون (يفكرون) تنبيها للمبالغة يف
التفكري.
ِِ ِ
ار ويف آايت أخر جند صيغة أخرى كما يف قوله تعاىل( :أََملْ يَـ َرْوا أ ََّان َج َعلْنَا اللَّْي َل ليَ ْس ُكنُوا فيه َوالنـ َ
َّه َ
ايت لَِق ْوٍم يُـ ْؤِمنُو َن) (.)3
ك َآل ٍ صراً إِ َّن ِيف َذلِ َ
م ْب ِ
ُ
اَّللُ ِم َن النَّا ِر إِ َّن ِيف
اب قَـ ْوِم ِه إَِّال أَ ْن قَالُوا اقْـتُـلُوهُ أ َْو َح ِّرقُوهُ فَأ َْجنَاهُ َّ
ويف قوله تبارك وتعاىل( :فَ َما َكا َن َج َو َ
ايت لَِق ْوٍم يُـ ْؤِمنُو َن) (.)4
ك َآل ٍ ذَلِ َ
فالصيغة اليت تتكرر هنا هي (إن يف ذلك آلايت لقوم يؤمنون) وما يربطها ابآلايت السابقة ان
اخلطاب فيها موجه للمشركني أيضا إال أن اآلايت اليت قبل هذه قد ختمت ابلفعل املضارع
(يتفكرون) وهنا ختمت ابلفعل (يؤمنون) وقد يكون مرد
__________
( )1الروم .)21 - 20( :وينظر :سورة الرعد ،)3( :وسورة الزمر.)42( :
( )2التحرير والتنوير.264:18 ،
( )3النمل.)86( :
( )4العنكبوت .)24( :وتنظر :سورة احلل.)79( :
()86/1
ذلك إىل أن اآلايت اليت سبقت قد جاءت بعد ان ذكرت قبلها آايت تؤكد وتعدد بعضا مما خلق هللا
تعاىل اما هذه اآلايت فقد سبقت ِبايت تشري إىل احلياة اآلخرة فكان األنسب ان ختتم بفعل اإلميان
بتلك احلياة اليت كان املشركون ينكروهنا.
ان ما جيمع هذا النمط من اآلايت وهذه الصيغ اليت تتكرر مع اختالف يوجبه السياق والغرض هو
كوهنا –أي هذه الصيغ -قد جاءت يف موقع الفاصلة القرآنية فكانت فواصل دقيقة تزيد يف دقة
التعبري القرآين حبيث لو طرحت من ذيل هذه اآلايت الختل املعىن ولو ابدلت حلصل االختالل ذاته.
اب وَزرعٌ وَِخن ٍِ ات وجن ٌ ِ ومن ذلك قوله تعاىل( :وِيف ْاألَر ِ ِ
ري َّات م ْن أَ ْعنَ َ ْ َ ٌ
يل ص ْنـ َوا ٌن َوغَ ْ ُ ض قطَ ٌع ُمتَ َجا ِوَر ٌ َ َ ْ َ
ٍ ِ
ايت ل َق ْوم يَـ ْع ِقلُو َن) (.)1 ِ ان يس َقى ِمبَ ٍاء و ِ
ك َآل ٍض ِيف ْاألُ ُك ِل إِ َّن ِيف ذَل َ
ض َها َعلَى بَـ ْع ٍض ُل بَـ ْع َاح ٍد َونُـ َف ِّ َ
ِ ٍ
ص ْنـ َو ُ ْ
وقد ختمت هذه اآلية ابلفعل املضارع (يعقلون) (ففي هذه اللفتات اليت يوجه إليها القرآن ما يثري
العقول أو ينبه االفهام لذلك ختمت اآلية ابلفاصلة (ان يف ذلك آلايت لقوم يعقلون) (.)2
الس َم ِاء َماءً فَـيُ ْحيِي
ْرب َق َخ ْوفاً َوطَ َمعاً َويُـنَـ ِّز ُل ِم َن َّ ويف السياق ذاته يرد قوله تعاىل( :وِمن ِِ
آايته يُ ِري ُك ُم ال َ ْ
َ ْ َ
ٍ
ايت لَِق ْوم يَـ ْع ِقلُو َن) (.)3 ض بَـ ْع َد َم ْوِهتَا إِ َّن ِيف َذلِ َ
ك َآل ٍ ِ
بِه ْاألَ ْر َ
ايت لَِق ْوٍم يَـ ْع ِقلُو َن) ان
ك َآل ٍ ومن بني ما ميكن اإلشارة إليه يف اآلايت اليت ختتم بقوله تعاىل (إِ َّن ِيف َذلِ َ
الباري عز وجل يذكر آية من آايت خلقه البديع على وجه التفصيل والبد من أن تسبق هذه اآلية
ِبايت قبلها دالة على القدرة العظيمة اليت ينفرد هبا احلق سبحانه.
ولو حذف الفعل (يعقلون) ووضع بدال عنه (يؤمنون) أو (يسمعون) او (يدركون) او حىت (يتفكرون)
لفقدت هذه اآلايت جانباً كبرياً من قوهتا التعبريية.
__________
( )1الرعد.)4( :
( )2الفاصلة القرآنية ،د .عبد الفتاح الشني.85 :
( )3الروم.)24( :
()87/1
ساكِنِ ِه ْم إِ َّن ِيف ذَلِ َ اما قوله جال وعال( :أَوَمل يـ ْه ِد َهلُم َكم أ َْهلَكْنَا ِمن قَـ ْبلِ ِهم ِمن الْ ُقر ِ
ك شو َن ِيف َم َ
ون ميَْ ُ ْ َ ُ ْ ْ ْ ََْ
َآل ٍ
ايت أَفَال يَ ْس َم ُعو َن) ()1
فاالختالف هنا قد جاء يف (أفال يسمعون) فحصل تغيري يف الصيغة اليت تكررت يف اآلايت السابقة،
ايت لَِق ْوٍم يَـ ْع ِقلُو َن) ()2؟
ك َآل ٍ وقد يتبادر اىل الذهن :مل مل ختتم هذه اآلية بقوله (إِ َّن ِيف َذلِ َ
إن اخلطاب هنا موجه للمشركني كما يف اآلايت السابقة وقوله"(( :القرون" عاد وَثود وقوم لوط
(ميشون يف مساكنهم) يعين أهل مكة ميرون يف متاجرهم على دايرهم وبالدهم)) ( )3فال مبد ان
يسمعوا أبخبار هؤالء ،ولكنهم مل يعتربوا بتلك األقوام البائدة فختمت اآلية بقوله (افال يسمعون)
على سبيل االستفهام اإلنكاري ليكون ذلك ابلغ يف دعوهتم ووعظهم.
ومثلما وردت صيغة (ان يف ذلك الايت ) ...فقد وردت صيغة قرآنية مباركة أخرى قريبة منها وهي
يها ِم ْن ُك ِّل َزْو ٍج َك ِر ٍمي* إِ َّنِ (ان يف ذلك آلية) ،كما يف قوله جل شأنه (أ ََوَملْ يَـ َرْوا إِ َىل ْاأل َْر ِ
ض َك ْم أَنْـبَـ ْتـنَا ف َ
ِ ِيف ذَلِ َ
ك َآليَةً َوَما َكا َن أَ ْكثَـ ُرُه ْم ُم ْؤمنِ َ
ني) (.)4
وقوله"(( :ان يف" انبات تلك الصفات (الية) على ان منبتها قادر على إحياء املوتى ،وقد علم هللا ان
أكثرهم مطبوع على قلوهبم غري مرجو إمياهنم) (.)5
ني* وال ص ِد ٍيق َِ ِِ ِ
َن لَنَا َك َّرةً مح ٍيم* فَـلَ ْو أ َّ َضلَّنَا إَِّال ال ُْم ْج ِرُمو َن* فَ َما لَنَا م ْن َشافع َ َ َ (وَما أ َ وكذلك قوله تعاىلَ :
ِ ني* إِ َّن ِيف َذلِ َ ِ ِ
ني) (.)6وقوله تبارك وتعاىل( :فَأ َْجنَْيـنَاهُ ك َآليَةً َوَما َكا َن أَ ْكثَـ ُرُه ْم ُم ْؤمنِ َ فَـنَ ُكو َن م َن ال ُْم ْؤمنِ َ
َوَم ْن َم َعه
ني* إِ َّن ِيف َذلِ َ
ك َآليَةً َوَما َكا َن ِ ِ ِيف الْ ُفل ِ
ْك ال َْم ْش ُحون* ُمثَّ أَ ْغ َرقـْنَا بَـ ْع ُد الْبَاق َ
__________
( )1السجدة.)26( :
( )2وقد ورد ذلك أيضا يف سورة الروم اآلية ( )23وسورة يونس اآلية (.)67
( )3الكشاف.246:3 ،
( )4الشعراء.)8 - 7( :
( )5الكشاف.105:3 ،
( )6الشعراء.)102 - 99( :
()88/1
ِ
أَ ْكثَـ ُرُه ْم ُم ْؤمنِ َ
ني) (.)1
وهذه اآلايت مجيعها مكية فهي من سورة الشعراء وهي من السور اليت نزلت يف مكة سوى مخس
آايت من آخرها نزلت ابملدينة )2( .إذن فاخلطاب هنا موجه للمشركني أي اهنم قوم منكرون ولذلك
جاءت الصيغة القرآنية (إِ َّن ِيف َذلِ َ
ك َآليَةً )3( ) ...مفتتحة بـ (ان) مع الم التوكيد ،وفائدة هذه
الالم( :توكيد مضمون اجلملة وهلذا زحلقوها يف ابب (ان) عن صدر اجلملة كراهية ابتداء الكالم
مبؤكدين) (.)4
ولقد كانت هذه الصيغة ترد يف آية مستقلة بنفسها متبوعة ِبية أخرى كانت ترد بعدها مباشرة يف
ك َهلو الْع ِزيز َّ ِ
يم) فقوله ("وان ربك هلو العزيز" يف الرح ُ (وإِ َّن َربَّ َ َُ َ ُ مجيع هذه اآلايت وهي قوله تعاىلَ :
انتقامه من الكفرة "الرحيم ملن اتب وآمن وعمل صاحلا") ()5
ك َآليَةًض ِاب ْحلَِّق إِ َّن ِيف ذَلِ َ السماو ِ
ات َو ْاأل َْر َ اَّللُ َّ َ َ (خلَ َق َّوقد يعرتي هذه الصيغة تغيري كما يف قوله تعاىلَ :
لِل ِ
ني) (.)6 ْم ْؤمنِ َ
ُ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
يل *ارةً م ْن س ّج ٍ ني* فَ َج َعلْنَا َعاليَـ َها َسافلَ َها َوأ َْمطَ ْرَان َعلَْي ِه ْم ح َج َ
الص ْي َحةُ ُم ْش ِرق َ
َخ َذ ْهتُ ُم َّ
وقوله تعاىل( :فَأ َ
ك َآليةً لِل ِ ِ ايت لِلْمتَـوِِّمسني* وإِ َّهنَا لَبِسبِ ٍ ِ إِ َّن ِيف ذَلِ َ
ني) (.)7 ْم ْؤمنِ َ يل ُمق ٍيم* إِ َّن ِيف ذَل َ َ ُ َ َُ َ َ
ك َآل ٍ
فالصيغة هنا قد أصبحت (ان يف ذلك آلية للمؤمنني) ،فاآلية هنا لقوم خمصوصني وهم الذين يؤمنون
هبا .وجتدر اإلشارة هنا إىل أن اآلايت اليت ذكرانها من سورة احلجر قد تكررت فيها الصيغتان (ان يف
ذلك آلايت) و (ان يف ذلك آلية) والسر يف ذلك ان ((يف مجع "آايت" إشارة إىل ما قص هللا تعاىل
من حديث لوط،
__________
( )1الشعراء.)121 - 119( :
( )2ينظر :االتقان يف علوم القرآن.12:1 ،
( )3وقد تكررت هذه الصيغة ذاهتا يف سورة الشعراء ،اآلية ( ،)74واآلية ( )190منها.
( )4مغين اللبيب.30 :
( )5الكشاف.105:3 ،
( )6العنكبوت.)44( :
( )7احلجر.)77 - 73( :
()89/1
وضيف إبراهيم ،وتعرض قوم لوط هلم طمعا فيهم ،وما كان من أمرهم اخرا من اهالك الكفار ،وقلب
املدينة على من فيها .)1( ) ...
ك َآليةً لِل ِِ اما يف قوله تعاىل (وإِ َّهنَا لَبِسبِ ٍ ِ
ْم ْؤمنِ َ
ني) فان (تلك املدينة املقلوبة اثبتة يل ُمق ٍيم* إِ َّن ِيف َذل َ َ ُ َ َ
اآلاثر ،مقيمة للنظار ،فهي مبرأى العيون ،لبقاء آاثرها ،وهذه واحدة من تلك اآلايت ،فلذلك جاء
عقبها (ان يف ذلك آلية للمؤمنني) (.)2
َحيَا بِ ِه اَّلل أَنْـز َل ِمن َّ ِ
الس َماء َماءً فَأ ْ (و َُّ َ َ وقد أتيت الصيغة نفسها تؤكد صفة السمع كما يف قوله تعاىلَ :
ك َآليَةً لَِق ْوٍم يَ ْس َم ُعو َن) (.)3
ض بَـ ْع َد َم ْوِهتَا إِ َّن ِيف َذلِ َ
ْاأل َْر َ
ك َآليَةً لَِق ْوٍم يَ ْس َم ُعو َن) (مستأنفة ،والتأكيد بـ (ان) والم االبتداء الن من مل يهتدوا فجملة (إِ َّن ِيف ذَلِ َ
بذلك اىل الوحدانية ينكرون ان القوم الذين يسمعون ذلك قد علموا داللته على الوحدانية ،أي
ينكرون صالحية ذلك االستدالل) (.)4
ويف هذه اآلية تقريع وتوبيخ ملن ينكر احلياة بعد املوت ،فاهلل تعاىل الذي حييي االرض امليتة ابملاء
قادر على إحياء املوتى (وهذا أمر من الوضوح مبكان حىت ان من يسمعه يعرتف به ،فهذا امر ال
ك َآليَةً لَِق ْوٍم يَ ْس َم ُعو َن)) (.)5
حيتاج اىل اكثر من السماع ،لذلك جاءت الفاصلة (إِ َّن ِيف ذَلِ َ
وهكذا جند هذه الصيغة القرآنية تتكرر وحينما ختتلف فان ذلك االختالف يوجبه الغرض الذي
تساق من اجله تلك اآلايت ( .)6اما الفرق بني آية وآايت فان
(كلمة (آية) حينما استعملها القرآن الكرمي مفردة كانت يف موضع يليق فيه االفراد ،وحينما جاء هبا
يف التعبري مجعا كانت يف حمل يطلبه لفظ اجلمع) (.)7
__________
( )1صفاء الكلمة ،د .عبد الفتاح الشني.133 - 132 ،
( )2م .ن.133 :
( )3النحل.)65( :
( )4التحرير والتنوير.198:14 ،
( )5الفاصلة القرآنية.79 :
( )6ينظر :سورة البقرة ،248 :وسورة هود ،103 :وسورة النحل ،69 ،67 ،11 :وسورة النمل:
،52وسورة العنكبوت ،44 :وسورة سبأ.9 :
( )7صفاء الكلمة.136 :
()90/1
وال يتقيد القرآن الكرمي هباتني الصيغتني ،بل هنالك صيغ عديدة منها جميء (إن) متبوعة بلفظ اجلاللة
وف ح َذر الْمو ِ ِ ِ ِ َّ ِ
ت ين َخ َر ُجوا م ْن د َاي ِره ْم َو ُه ْم أُلُ ٌ َ َ َ ْ وبعده الم التوكيد ،كما يف قوله تعاىل( :أََملْ تَـ َر إِ َىل الذ َ
َّاس َولَ ِك َّن أَ ْكثَـ َر الن ِ
َّاس ال يَ ْش ُك ُرو َن) (.)1 ض ٍل َعلَى الن ِ اه ْم إِ َّن َّ
اَّللَ لَ ُذو فَ ْ َحيَ ُ ال َهلُُم َّ
اَّللُ ُموتُوا ُمثَّ أ ْ فَـ َق َ
َّهار م ْب ِ ِِ ِ وقوله تعاىلِ َّ :
ض ٍل َعلَى الن ِ
َّاس صراً إِ َّن َّ
اَّللَ لَ ُذو فَ ْ (اَّللُ الَّذي َج َع َل لَ ُك ُم اللَّْي َل لتَ ْس ُكنُوا فيه َوالنـ َ َ ُ
َّاس ال يَ ْش ُك ُرو َن) (.)2 َولَ ِك َّن أَ ْكثَـ َر الن ِ
والوقف على قوله (والنهار مبصرا) حسن ( ،)3مث يبدأ الكالم بقوله :ان هللا ...الن مجلة (ان هللا
لذو فضل على الناس) يف موضع التعليل ملا قبلها .اما سبب التنكري يف قوله (لذو فضل) فهو (ان
جيعل فضال ال يوازيه فضل وذلك امنا يستوي ابالضافة) ( .)4وقد تفتتح اجلملة بـ (ان) متبوعة بلفظ
وها اجلاللة وبعدها الالم مع صفات الغفران والرمحة كما يف قوله تعاىل( :وإِ ْن تَـعدوا نِعمةَ َِّ
ص َ اَّلل ال ُحتْ ُ َ ُ َْ
اَّلل لَغَ ُف ِ
يم) ( .)5ويف تقدمي املغفرة على الرمحة ما ال خيفى من الدقة يف التعبري (وهذا التقدمي ور َرح ٌإِ َّن ََّ ٌ
اوىل ابلطبع ،الن املغفرة سالمة ،والرمحة غنيمة والسالمة تطلب قبل الغنيمة) (.)6
ولالر ُس ُ
َّاس َويَ ُكو َن َّ اء َعلَى الن ِ ِ (وَك َذلِ َ
ك َج َعلْنَا ُك ْم أ َُّمةً َو َسطاً لتَ ُكونُوا ُش َه َد َ وقريب من ذلك قولهَ :
ب َعلَى َع ِقبَـ ْي ِه ِ الرس َ ِ ِ َعلَْي ُك ْم َش ِهيداً َوَما َج َعلْنَا ال ِْق ْبـلَةَ الَِّيت ُك ْن َ
ول ممَّ ْن يَـ ْنـ َقل ُ ت َعلَْيـ َها إَِّال لنَـ ْعلَ َم َم ْن يَـتَّبِ ُع َّ ُ
َّاس لَرُؤ ٌ ِ يع إِميَانَ ُك ْم إِ َّن َّ ِ اَّلل وما َكا َن َّ ِ ِ َّ ِ وإِ ْن َكانَ ْ ِ
يم)
وف َرح ٌ اَّللَ ابلن ِ َ اَّللُ ليُض َ ريًة إَِّال َعلَى الذ َ
ين َه َدى َُّ َ َ ت لَ َكب َ َ
(.)7
__________
( )1البقرة .243 :وينظر :سورة يونس ،اآلية (.)60
( )2غافر.)61( :
( )3ينظر :إيضاح الوقف واالبتداء.872:2 ،
( )4الكشاف.434:3 ،
( )5النحل.)18( :
( )6صفاء الكلمة.227 :
( )7البقرة .)143( :وينظر :سورة احلج ،اآلية ( .)60وسورة فاطر ،اآلية (.)34
()91/1
وقد حيدث اختالف يف هذه الصيغة فرتد صفات مضادة ملا سبق تؤكد قوة هللا تعاىل وعقابه ،بل
ي َع ِز ٌيز) (.)1 اَّللَ َح َّق قَ ْد ِرهِ إِ َّن َّ
اَّللَ لََق ِو ٌّ (ما قَ َد ُروا َّ
وسرعة ذلك العقاب االهلي كقوله تبارك وتعاىلَ :
اد) (.)2 ك لَبِال ِْمرص ِ اب* إِ َّن َربَّ َ
ط َع َذ ٍ ك َس ْو َ ب َعلَْي ِه ْم َرب َ ص َّ
ْ َ وقوله تعاىل( :فَ َ
ص َل َما ِيف الص ُدوِر* إِ َّن َرَّهبُ ْم هبِِ ْم يَـ ْوَمئِ ٍذ َخلَبِريٌ) وقوله جل شأنه( :أَفَال يَـ ْعلَ ُم إِذَا بُـ ْعثِ َر َما ِيف الْ ُقبُوِر* َو ُح ِّ
(.)3
واخلطاب يف هذه اآلايت القوام يتوزعون ما بني املنكر وبني من ينزل منزلة ولذلك جاء التأكيد بـ
(ان) والالم.
ك إَِّال
ال لَ َ
(ما يُـ َق ُ
وقد جتمع اآلية الواحدة صفتني متناقضتني كاملغفرة والعقاب ومن ذلك قوله تعاىلَ :
اب أَلِ ٍيم) ( .)4ويتبادر اىل الذهن الول وهلة ك لَ ُذو َمغْ ِفرةٍ َوذُو ِع َق ٍ يل لِلر ُس ِل ِم ْن قَـ ْبلِ َ
ك إِ َّن َربَّ َ ِ
َ َما قَ ْد ق َ
ان قوله (ان ربك لذو مغفرة وذو عقاب اليم) هو مما قد قيل للرسل السابقني ،اال انه عند التحقيق
يظهر ان هذه اجلملة مستأنفة وهي ليست مما قيل للرسل يف العصور السابقة (أي ما يقول لك كفار
قومك (اال) مثل ما قال للرسل كفار قومهم من الكلمات املؤذية واملطاعن يف الكتب املنزلة) ()5
وعند ذلك جيب الوقف عند قوله تعاىل (للرسل من قبلك) ومن مث االبتداء بقوله (ان ربك ) ...
صلِ ُحو َن* أَال إِ َّهنُ ْم يل َهلُ ْم ال تُـ ْف ِس ُدوا ِيف ْاأل َْر ِ
ض قَالُوا إِ َّمنَا َْحن ُن ُم ْ وهي بذلك شبيهة بقوله تعاىلِ ِ :
(وإ َذا ق َ
َ
ُه ُم ال ُْم ْف ِس ُدو َن َولَ ِك ْن ال يَ ْش ُع ُرو َن) (.)6
__________
( )1احلج ،)74( :واآلية ( )40من السورة نفسها.
( )2الفجر.)14 - 13( :
( )3العادايت.)11 - 9( :
( )4فصلت .)43( :وتنظر :سورة االعراف ،اآلية (.)167
( )5الكشاف.45 ،3 ،
( )6البقرة )11 - 10( :وتنظر :اآلايت 15 - 14 - 13 :من سورة البقرة حيث اسقط فيها
العاطف وهو (الواو).
()92/1
فقوله (اال اهنم هم املفسدون) (كالم مستأنف وهو اخبار عن هللا تعاىل فلو اتى بـ (الواو) لكان
اخبارا عن اليهود ابهنم وصفوا انفسهم ابهنم مفسدون فيختل املعىن) ( .)1اذن ففي هذه يتوجب
اسقاط الواو الن وجوده خيل ابملعىن.
ومع ذلك فأنه (جيوز ان يكون ما يقول لك هللا اال مثل ما قال للرسل من
قبلك ،واملقول هو قوله تعاىل – ان ربك لذو مغفرة وذو عقاب اليم) (.)2
ار وقد يرد بعد (إن) املتوبعة ابالم اسم هو ليس لفظ اجلاللة كما يف قوله تعاىل( :وما َكا َن ْ ِ
است ْغ َف ُ ََ
ِ ِ َّلل تَ ََّ ِ ِ ِ إِبـر ِاهيم ِألبِ ِيه إَِّال عن مو ِع َدةٍ وع َدها إِ َّايه فَـلَ َّما تَـب َّني لَه أَنَّه ع ُد ٌّو َِِّ
يم) ربأَ م ْنهُ إ َّن إبْـ َراه َ
يم َأل ََّواهٌ َحل ٌ ََ ُ ُ َ َ ْ َْ َ َ َ ُ َْ َ
( )3فاملوقف على قوله (عدو هلل تربأ منه) وقف اتم ( ،)4مث يستأنف الكالم بقوله (ان ابراهيم الداه
حليم) وهو مبثابة التعليل لكالم السابق عليه .وقد أييت االسم معرفاً بـ (ال) اجلنس وذلك حينما
الش ْمس َوالْ َق َم َر َدائِبَ ْ ِ
ني َّر لَ ُك ُم َّ َ (و َسخ َ يكون احلديث عن بعض صفات االنسان كما يف قوله تعاىلَ :
ص َ ِ ِ ت َِّ آات ُك ْم ِم ْن ُك ِّل َما َسأَلْتُ ُموهُ َوإِ ْن تَـعُدوا نِ ْع َم َ
وها إ َّن ْاألنْ َ
سا َن اَّلل ال ُحتْ ُ ار* َو َ َّر لَ ُك ُم اللَّْي َل َوالنـ َ
َّه َ َو َسخ َ
ار) (.)5 وم َك َّف ٌ
لَظَلُ ٌ
فجملة (("ان االنسان لظلوم كفار" أتكيد ملعىن االستفهام اإلنكاري املستعمل يف حتقيق تبديل نعمة
هللا كفرا ،فلذلك فصلت)) (.)6
وتتعدد الصفات واالمساء الواردة بعد (ان) متبوعة ابلالم يف نظم قرآين ذي الوان متعددة جتمعها دقة
التعبري ومجال التصوير ( .)7ومثلما ورد االسم بعد (إن) فقد احتل اسم االشارة حيزاً ال ميكن
ت َاي
التغاضي عنه كما يف قوله جل شانه( :قَالَ ْ
__________
( )1حسن التوسل اىل صناعة الرتسل شهاب الدين حممود احلليب .107 - 106 ،وينظر .دالئل
االعجاز ،238 :ومفتاح العلوم.475 :
( )2الكشاف.455:3 ،
( )3التوبة .)114( :وتنظر :سورة هود ،اآلية.)75( :
( )4ايضاح الوقف واالبتداء.699 :2 ،
( )5ابراهيم .)34( :وتنظر :سورة احلج ،اآلية ( ،)66وسورة الزخرف ،اآلية (.)15
( )6التحرير والتنوير.237 :13 ،
( )7وتنظر على سبيل املثال :سورة املطففني ،اآلية ( .)22وسورة العادايت ،اآلية ( ،)6وسورة
لقمان اآلية ( )13وسورة غافر ،اآلية ( ،)59وسورة الطور ،اآلية ( ،)7وسورة الربوج اآلية (،)12
وسورة الليل اآلية ( )4وسورة الفجر ،اآلية ( ،)54وسورة ابراهيم ،اآلية (.)22
()93/1
()94/1
()95/1
يف هذه احلالة اذن هو استفهام تصديق ،إ ْذ إِ َّن التصديق هو (ان حيكم على ما تصوره بثبوت شي له
او انتفاء شي عنه) ( .)1وجتدر االشارة اىل ان لَْبساً يرد هنا وهو ان صاحب التلخيص ومن تبعه يف
شروح التلخيص يقررون انه من املستحسن االتيان ابملؤكد مع الطالب املرتدد بينما يشرتط عبد
القاهر اجلرجاين االتيان ابملؤكد الن للمخاطب ظنا يف املسؤول عنه على خالف ما انت جتيبه به
اللبس اذا علمنا (ان الظن يف كالم الشيخ عبد القاهر شرط يف التأكيد أبن خاصة
ُ ( .)2ويدفع هذا
الهنا كالعلم يف التأكيد خبالف غريها فال يشرتط يف التأكيد به ظن اخلالف وعليه حيمل كالم القوم
ورد هذا اجلمع بقوله (إِ َّهنُ ْم ُمغْ َرقُو َن) ( )3فانه مؤكد ابن مع ان نوحاً مل يكن ظاانً
وحينئذ فال تنايف َّ
لعدم غرقهم بل مرتدداً فاحلق اهنما طريقتان متقابلتان) (.)4
اما عن السبب يف تركيز الكالم على (إن) فقط اداة للتوكيد مع املرتدد الطالب فذلك الهنا اهم
مؤكد يدفع به الرتدد الذي حيمله املخاطب ،وقد جاء االستخدام القرآين معززاً هذه احلقيقة .لقد
احتلت ان حيزاً الفتاً للنظر يف البالغة القرآنية ا ْذ استخدمت بكثرة ومن ذلك جميئها متبوعة بلفظ
اَّلل َو ِع ْن َد
ف ي ُكو ُن لِلْم ْش ِركِني عه ٌد ِع ْن َد َِّ
ُ َ َْ اجلاللة واييت بعده فعل مضارع كما يف قوله تبارك وتعاىلَ ( :ك ْي َ َ
ِ رسولِ ِه إَِّال الَّ ِذين َعاه ْد ُْمت ِع ْن َد الْمس ِج ِد ا ْحلر ِام فَما استَـ َقاموا لَ ُكم فَ ِ
اَّللَ ُِحيب ال ُْمتَّق َ
ني) يموا َهلُ ْم إِ َّن َّ
استَق ُ
ْ ْ ََ َ ْ ُ َْ َ َ َُ
( .)5ومجلة (ان هللا جيب املتقني) هنا (تعليل لالمر ابالستقامة .وموقع أن اوهلا لالهتمام وهو مؤذن
ابلتعليل الن (ان) يف مثل هذا تغين غناء (فاء) وقد انبأ ذلك التعليل ان االستقامة هلم من التقوى
واال مل تكن مناسبة لالخبار ابن هللا حيب املتقني عقب االمر ابالستقامة هلم) (.)6
__________
( )1االقصى الغريب.3 :
( )2ينظر :شروح التلخيص.205 :1 ،
( )3هود )37( :ونص اآلية هو( :واصنع الفلك ابعيننا وال ختاطبين يف الذين ظلموا اهنم مغرقون).
( )4شروح التلخيص /حاشية الدسوقي.205 :1 ،
( )5التوبة.)7( :
( )6التحرير والتنوير.123 :10 ،
()96/1
ِ َح ِسنُوا إِ َّن َّ وقوله تعاىل( :وأَنْ ِف ُقوا ِيف سبِ ِ ِ
اَّلل وال تُـ ْل ُقوا ِأبَي ِدي ُكم إِ َىل التـ ْ ِ
اَّللَ ُِحيب ال ُْم ْحسنِ َ
ني) َّهلُ َكة َوأ ْ ْ ْ يل َّ َ َ َ
(.)1
اح ُك ْم بَـ ْيـنَـ ُه ْم أ َْو أَ ْع ِر ْ
ض َع ْنـ ُه ْم ت فَِإ ْن َجاءُ َ
وك فَ ْ َكالُو َن لِلس ْح ِ
ب أ ََّّاعو َن لِلْ َك ِذ ِ
(مس ُ
وقوله جلت قدرتهَ :
ِِ اح ُك ْم بَـ ْيـنَـ ُه ْم ِابل ِْق ْس ِط إِ َّن َّ
ني)اَّللَ ُِحيب ال ُْم ْقسط َ وك َش ْيئاً َوإِ ْن َح َك ْم َ
ت فَ ْ ضر َ َوإِ ْن تُـ ْع ِر ْ
ض َع ْنـ ُه ْم فَـلَ ْن يَ ُ
(.)2
واخلطاب يف هذه اآلايت موجه للمؤمنني ،وهم وان كانوا غري مرتددين يف حمبة هللا تعاىل لالحسان او
للقسط اال ان اخلطاب القرآين ينزهلم هذه املنزلة لغرض بالغي حىت يكون االرشاد والوعظ ابلغ يف
نفوسهم كي حيبوا ما حيبه هللا ويكرهون ما يكرهه تعاىل (.)3
ومثلما جاءت (ان) عقب االمر معللة له ،فقد جاءت عقب االمر او النهي تنفي فعال مضارعاً عن
ين يُـ َقاتِلُونَ ُك ْم َوال تَـ ْعتَ ُدوا إِ َّن َّ
اَّللَ ال يل َِّ َّ ِ (وقَاتِلُوا ِيف َسبِ ِ
اَّلل الذ َ هللا تبارك وتعاىل كما يف قوله جل وعالَ :
ين) (.)4 ِ ِ
ُحيب ال ُْم ْعتَد َ
وقوله جل شانه( :ربَّـنا إِنَّك ج ِامع الن ِ ِ ٍ
اد) (.)5 اَّللَ ال خيُْلِ ُ
ف ال ِْم َيع َ ب فِ ِيه إِ َّن َّ َّاس ليَـ ْوم ال َريْ َ ََ َ َ ُ
فجملة (ان هللا ال خيلف امليعاد) (تعليل لتفي الريب أي الن هللا وعد جبمع الناس له ،فال خيلف
ذلك ،واملعىن :ان هللا الخيلف خربه ،وامليعاد هنا اسم مكان) (.)6
وعلى هذا السياق تسري هذه اآلايت ( ،)7فكثرياً ما يكون اخلطاب موجها للنيب (ص) فيها ،أو
للمؤمنني وقد خيرج عن ذلك قليالً ،واكثر هذه اآلايت تكون من اآلايت املدنية.
__________
( )1البقرة.)195( :
( )2املائدة.)42( :
( )3تنظر :سورة البقرة ،اآلية )222( :وسورة املائدة ،اآلية ( .)13وسورة احلجرات اآلية (.)9
وسورة املمتحنة ،اآلية (.)8
( )4البقرة.)190( :
( )5آل عمران.)9( :
( )6التحرير والتنوير.171 :3 :
( )7تنظر :سورة النساء ،اآلية ( ،)36وسورة املائدة ،اآلية ( .)51وسورة املائدة اآلية ( ،)87وسورة
يونس ،اآلية ( ،)81وسورة الرعد ،اآلية ( ،)31وسورة احلج ،اآلية ( ،)38وسورة القصص ،اآلية
( ،)50وسورة القصص ،اآلية ( ،)77وسورة املنافقون ،اآلية (.)6
()97/1
الصال َة
ت َهلُُم َّ ت فِي ِه ْم فَأَقَ ْم َ
(وإِ َذا ُك ْن َ
وقلما أييت بعد لفظ اجلاللة الفعل ماضيا كما يف قوله تعاىلَ :
ِ ِ ِ ِ ك ولْيأْ ُخ ُذوا أ ِ ِ ِ
َسل َحتَـ ُه ْم فَِإ َذا َس َج ُدوا فَـلْيَ ُكونُوا م ْن َوَرائ ُك ْم َولْتَأْت طَائ َفةٌ أُ ْخ َرى َملْ ْ فَـ ْلتَـ ُق ْم طَائ َفةٌ م ْنـ ُه ْم َم َع َ َ َ
َسلِ َحتِ ُك ْم َّ ِ ْخ ُذوا ِح ْذرهم وأ ِ
َسل َحتَـ ُه ْم َو َّد الذ َ
ين َك َف ُروا لَ ْو تَـ ْغ ُفلُو َن َع ْن أ ْ َُ ْ َ ْ ك َولْيَأ ُ
صلوا َم َع َ صلوا فَـلْيُ َ يُ َ
ضىَذى ِم ْن َمطَ ٍر أ َْو ُك ْنـتُ ْم َم ْر َ ِ
اح َعلَْي ُك ْم إِ ْن َكا َن ب ُك ْم أ ً
ِ ِ ِِ
َوأ َْمت َعت ُك ْم فَـيَميلُو َن َعلَْي ُك ْم َم ْيـلَةً َواح َدةً َوال ُجنَ َ
اَّلل أ َ ِ ِ ِ ضعوا أ ِ
ين َع َذاابً ُم ِهيناً) (.)1 َع َّد ل ْل َكاف ِر َ َسل َحتَ ُك ْم َو ُخ ُذوا ح ْذ َرُك ْم إِ َّن ََّ
أَ ْن تَ َ ُ ْ
وهو اندر جداً ،اال ان الفعل املاضي الناقص كان قد احتل حيزاً جتدر االشارة اليه فقد ورد يف سورة
النساء فقط (ست عشرة) مرة وقد استاثرت هذه السورة ابعظم كمية من هذه الصيغة .كما يف قوله
ارى َح َّىت تَـ ْعلَ ُموا َما تَـ ُقولُو َن َوال ُجنُباً إَِّال َعابِ ِري َّ ِ
الصالةَ َوأَنْـتُ ْم ُس َك َ
آمنُوا ال تَـ ْق َربُوا َّ (اي أَيـ َها الذ َ
ين َ تعاىلَ :
ِ ِِ ضى أَو علَى س َف ٍر أَو جاء أ ِ ِ ِ َسبِ ٍ
اء
سَ الم ْستُ ُم النّ َ
َح ٌد م ْن ُك ْم م َن الْغَائط أ َْو َ يل َح َّىت تَـغْتَسلُوا َوإِ ْن ُك ْنـتُ ْم َم ْر َ ْ َ َ ْ َ َ َ
فَـلَم َِجت ُدوا ماء فَـتـي َّمموا ص ِعيداً طَيِباً فَامسحوا بِوج ِ
وه ُك ْم َوأَيْ ِدي ُك ْم إِ َّن َّ
اَّللَ َكا َن َع ُف ّواً غَ ُفوراً) (.)2 ّ ْ َ ُ ُُ َ ً ََ ُ َ ْ
لقد جاء ترتيب الصيغة هنا بتقدمي (ان) مث الفعل املاضي الناقص (كان) مث صفتني من صفات هللا
تبارك وتعاىل ،وهذه الصيغة الواردة يف ذيل اآلية (كناية عن الرتخيص والتيسري ،الن من كانت عادته
ان يعفو عن اخلطائني ويغفر هلم اثر ان يكون ميسراً غري معسر) (.)3
وقد ترد الصيغة مع صفيت الغفران والرمحة فتكون الصيغة (ان هللا كان غفوراً رحيما) ( .)4او اهنا ترد
مع صفيت العلم واحلكمة فتكون (ان هللا كان عليماً حكيماً) ()5
__________
( )1النساء.)102( :
( )2النساء.)43( :
( )3الكشاف.529 :1 ،
( )4تنظر :سورة النساء ،اآلية ( ،)23واآلية ( ،)106وسورة االحزاب ،اآلية (.)24
( )5تنظر :سورة النساء ،اآلية ( ،)11وسورة االحزاب ،اآلية ( ،)1وسورة الدهر ،اآلية (.)30
()98/1
وقد ترد صفات اخرى ( )1وحني ترد هااتن الصفتان فال تنافر بينهما بل تكوانن متناسبتني تكمل
ت َِّ
اَّلل واحلكمة إِ َّن َّ
اَّللَ َكا َن احدامها األخرى كما يف قوله تعاىل( :واذْ ُكر َن ما يـ ْتـلَى ِيف بـيوتِ ُك َّن ِمن آاي ِ
ْ َ ُُ َ ْ َ ُ
لَ ِطيفاً َخبِرياً) (.)2
فجملة (ان هللا كان لطيفاً خبرياً) هي (تعليل لالمر وتذييل للجملة السابقة والتعليل صاحل حملامل
االمر كلها الن اللطف يقتضي اسداء النفع بكيفية ال تشق على املسدى اليه) ( .)3وقد حيدث
َّ ِ
آمنُوا ال ين َ(اي أَيـ َها الذ َ تغيري يف هذه الصيغة فتايت بصفة واحدة ال صفتني كما يف قوله جل وعالَ :
س ُك ْم إِ َّن َّ اط ِل إَِّال أَ ْن تَ ُكو َن ِجتَارةً عن تَـر ٍ ِ
َأتْ ُكلُوا أَموالَ ُكم بـيـن ُكم ِابلْب ِ
اَّللَ َكا َن اض م ْن ُك ْم َوال تَـ ْقتُـلُوا أَنْـ ُف ََ َْ َ ْ َ ْ َْ َ ْ َ
بِ ُك ْم َرِحيماً) (.)4
وهذه الصيغة سواء جاءت بصفتني او صفة واحدة غالباً ما اتيت يف السور املدنية ،وغالباً ما يكون
اخلطاب فيها موجهاً للمؤمنني ،وجتدر االشارة اىل ان هنالك سؤاالً يقدح يف الذهن عند قراءة هذه
اآلايت وهو :ملا كانت صفات الباري عز وجل عني ذاته ،وهي صفات اثبتة غري قابلة للنقص او
التغيري البتة ،فلم عرب عن هذه الصفات يف هذه االايت ابلفعل املاضي حىت اصبحت الصيغة تدل يف
ظاهرها على املضي؟ ويف مقام اجلواب نقول كما قال صاحب (االتقان) إن (كان)( :فعل انقص
متصرف يرفع االسم وينصب اخلرب معناه يف االصل املضي واالنقطاع ...واتيت مبعىن الدوام
واالستمرار ...وعلى هذا املعىن تتخرج مجيع الصفات الذاتية املقرتنة بكان) (.)5
يضاف اىل ما تقدم ان هذه الصيغة كانت تسبق ـ يف االعم االغلب ـ أبحكام او تشريعات او أوامر
او نواهٍ مث تذيل هبذه الصيغة املباركة.
__________
( )1تنظر :سورة النساء ،اآلية (.)58( ،)56( ،)35( ،)34( ،)16
( )2االحزاب.)34( :
( )3التحرير والتنوير.19 :22 ،
( )4النساء .)29( :وتنظر :سورة النساء ،اآلية ( ،)86( ،)33( ،)32وسورة االحزاب ،اآلية (،)2
(.)55
( )5االتقان يف علوم القرآن.219 :1 ،
()99/1
واذا جتاوزان هذه الصيغة اىل صيغ اخرى فهنالك صيغة قريبة منها طاملا تكررت يف القرآن الكرمي إ ْذ
تفتتح هذه الصيغة بـ (ان) وبعدها لفظ اجلاللة متبوع بصفتني من صفات الباري عز وجل كصفيت
اخلِْن ِزي ِر َوَما أ ُِه َّل بِ ِه الغفران والرمحة ومن ذلك قوله جل شانه( :إِ َّمنَا َح َّرَم َعلَْي ُك ُم ال َْم ْيـتَةَ َوالد َ
َّم َو َحلْ َم ْ
اَّلل غَ ُف ِ ِ ٍ لِغَ ِري َِّ
يم) (.)1 ور َرح ٌ ري َاب ٍغ َوال َعاد فَال إِ ْمثَ َعلَْيه إِ َّن ََّ ٌ اَّلل فَ َم ِن ا ْ
ضطَُّر غَ ْ َ ْ
وتقدمي املغفرة على الرمحة اسلوب قرآين ابرز كثرياً ما ذيلت به آايت عديدة جاءت حبكم او تشريع
او نفي حكم سابق.
ويبدو ان التناسب يف الصفات االهلية اليت ترد فيها موقع الفاصلة الغرض منه التلويح اىل عظمة هذه
الصفات ويف اجلانب االخر حينما يكون اخلطاب هتديد او وعيد او وعد ال يقدر عليه اال هللا تعاىل
ايت َِّ آل فِر َعو َن والَّ ِذين ِمن قَـ ْبلِ ِهم َك َفروا ِِب ِ
اَّلل ْ ُ ب ِ ْ ْ َ َ ْ فتتناسب الصفتان مع الغرض كقوله تعاىلَ ( :ك َدأْ ِ
اب) (.)2 ي َش ِدي ُد ال ِْع َق ِ اَّللُ بِ ُذنُوهبِِ ْم إِ َّن َّ
اَّللَ قَ ِو ٌّ َخ َذ ُه ُم َّ
فَأ َ
(ما أَفَ َ
اء ويف الغرض نفسه قد ترد صفة واحدة تؤكد عقاب هللا تعاىل وشدته كما يف قوله جل شانهَ :
يل َك ْي الالسبِ ِ
ني َوابْ ِن َّ ول َولِ ِذي الْ ُق ْرَىب َوالْيَـتَ َامى َوال َْمساكِ ِ لر ُس ِاَّللُ َعلَى َر ُسولِ ِه ِم ْن أ َْه ِل الْ ُق َرى فَلِلَّ ِه َولِ ََّّ
َ
ِ
اَّللَ إِ َّن َّ
اَّللَ ول فَ ُخ ُذوهُ َوَما َهنَا ُك ْم َع ْنهُ فَانْـتَـ ُهوا َواتَّـ ُقوا َّ
الر ُس ُآات ُك ُم َّ ني ْاألَ ْغنِيَاء ِم ْن ُك ْم َوَما َ يَ ُكو َن ُدولَةً بَ ْ َ
اب) ( .)3اما اآلايت اليت تدلل على قدرة هللا تعاىل وعلمه واحاطته بكل ما يف هذا َش ِدي ُد ال ِْع َق ِ
ْق ُمثَّ َّ ف بَ َدأَ ْ ريوا ِيف ْاأل َْر ِ ِ
اَّللُ اخلَل َ ض فَانْظُُروا َك ْي َ الوجود فتايت بصفة واحدة كما يف قوله تعاىل( :قُ ْل س ُ
اَّللَ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير) (.)4
يُـ ْن ِش ُئ النَّ ْشأَةَ ْاآل ِخ َرةَ إِ َّن َّ
__________
( )1البقرة .)173( :وتنظر :سورة البقرة ،اآلية ( ،)199( ،)182وسورة آل عمران ،اآلية
( ،)155وسورة التوبة ،اآلية ( ،)99( ،)28( ،)5وسورة النور ،اآلية ( ،)62وسورة املمتحنة ،االية
(.)12
( )2االنفال ،)52( :وتنظر سورة ابراهيم ،اآلية ( ،)47وسورة احلديد ،اآلية (.)25
( )3احلشر .)6( :وتنظر :سورة املائدة ،اآلية (.)2
( )4العنكبوت .)20( :وتنظر :سورة البقرة ( ،)109آل عمران ( ،)165االنعام ( ،)19االنفال
( ،)75التوبة ( ،)115احلج ( ،)17لقمان ( ،)23فاطر ( ،)1اجملادلة (.)70
()100/1
ومل يقتصر جميء (ان) متبوعة بلفظ اجلاللة فقط ،بل وردت بعدها امساء خمتلفة منها صفات تدل على
املؤمنني واصحاب اجلنة ( ،)1او اتيت بعدها احد
صفات الكافرين او املنافقني ( .)2وقد ترد بعدها امساء خمتلفة (.)3
وقد اييت بعدها اسم اشارة ( .)4كما ورد بعدها االسم املوصول (.)5
__________
( )1تنظر :سورة احلج ( ،)42واالسراء (.)65
( )2تنظر :سورة النساء ( ،)145والتوبة ( ،)67ويوسف (.)5
( )3تنظر :سورة االعراف ( ،)183واحلج ( ،)1والعنكبوت (.)56
( )4تنظر :سورة االعراف ( ،)139واالحزاب ( ،)53والدهر (.)22
( )5تنظر :سورة يونس ( ،)76والنحل ( ،)104واحلج (.)73
()101/1
املبحث الثالث
جواب القول
مل يشر البالغيون عند تقسيم االستئناف ،اىل ان جواب القول هو القسم الثالث من اقسامه ،اال ان
االمثلة اليت ذكروها تدل على ذلك ،وقد اعتمدوا يف ذلك على ما بذله الشيخ عبد القاهر اجلرجاين
من جهود طيبة عند حبثه موضوع (الفصل والوصل) ومن ذلك تعامله مع الفعل (قال) حينما اييت
مفصوال عما قبله حىت اننا جنده يضع قاعدة لذلك بقوله(( :واعلم ان الذي تراه يف التنزيل من لفظ
قال مفصوالً غري معطوف ،هذا هو التقدير فيه وهللا اعلم)) (.)1
أي يقدر سؤال بعد القول األول ،مث يشرح ذلك قائال(( :فلما كان يف العرف والعادة فيما بني
املخلوقني اذا قيل هلم :دخل قوم على فالن فقالوا :كذا ،ان يقولوا :فما قال هو؟ ويقول اجمليب:
قال كذا؛ اخرج الكالم ذلك املخرج الن الناس خوطبوا مبا يتعارفونه ،وسلك ابللفظ املسلك الذي
يسلكونه) ( .)2مث اييت بعدة امثلة من القرآن الكرمي لتعزيز هذه القاعدة .وقد اتبعه يف ذلك من جاء
بعده ،فنجد ان ابن الزملكاين يتابعه يف ذلك كما اتبعه يف معظم كتابه (التبيان) فيقول( :اذا رايت
فض ْي ِ
يث َ (ه ْل أ ََات َك َح ِد ُ لفظ قال مفصوالً غري معطوف فاعلم ان هذا تقديره مثل قوله تعاىلَ :
الم قَـ ْوٌم ُم ْن َك ُرو َن* فَـ َراغَ إِ َىل أ َْهلِ ِه فَ َجاءَ بِ ِع ْج ٍل ني* إِ ْذ َد َخلُوا َعلَْي ِه فَـ َقالُوا َسالماً قَ َ ِ ِ ِ
ال َس ٌ يم ال ُْمك َْرم َ إبْـ َراه َ
الم َعلِ ٍيم) (.)4( )3 شروهُ بِغُ ٍ س ِم ْنـ ُه ْم ِخي َفةً قَالُوا ال َختَ ْ
ف َوبَ َّ ُ َِمس ٍ
ني* فَـ َق َّربَهُ إِلَْي ِه ْم قَ َ
ال أَال َأتْ ُكلُو َن* فَأ َْو َج َ
كما اتبعه اصحاب شروح التلخيص يف ذلك وجعلوا من هذه القاعدة القسم الثالث واالخري من
انواع االستئناف فنجد صاحب (مواهب الفتاح) يقول (واما ان يكون ذلك السؤال عن غريمها أي
عن غري السبب املطلق وعن غري السبب اخلاص بل عن حكم اخر يقتضي املقام السؤال عنه وذلك
حنو قوله تعاىل "قالوا سالما"
__________
( )1دالئل االعجاز.244 :
( )2م .ن.244 :
( )3التبيان يف علم البيان.143 :
( )4سورة الذارايت اآلايت من (.)28 - 24
()102/1
) ( .)1ومبا ان القرآن الكرمي قد نقل العديد من احلوادث والقصص وانواعا خمتلفة من اجلدل
واحلجاج ،فقد كان البد من ان حيفل هذا الكتاب الكرمي بكمية كبرية من االقوال.
ب َع ْن ِملَّ ِة
(وَم ْن يَـ ْرغَ ُومن ذلك ان أييت الفعل (قال) متبوعا ابلفعل املاضي كما يف قوله تعاىلَ :
الصاحلِِ َ
ني* إِ ْذ قَا َل لَهُ َربهُ اصطََف ْيـنَاهُ ِيف الدنْـيَا َوإِنَّهُ ِيف ْاآل ِخ َرةِ لَ ِم َن َّ ِ
سهُ َولََقد ْ
ِ إِبْـر ِاه ِ
يم إ َّال َم ْن َسفهَ نَـ ْف ََ َ
ِ ِ َسلِ ْم قَ َ
ني) (.)2 ب ال َْعالَم َ ت ل َر ِّ َسلَ ْم ُ
ال أ ْ أْ
ِ ك فِينا ولِيداً ولَبِثْ َ ِ ِ
ْت َوأَنْ َ
ت ك الَِّيت فَـ َعل َْت فَـ ْعلَتَ َ ت فينَا م ْن ُع ُم ِر َك سنِ َ
ني* َوفَـ َعل َ ِ
ال أََملْ نُـ َربّ َ َ َ َ وقوله تعاىل( :قَ َ
ِ ال فَـع ْلتـها إِذاً وأ ََان ِمن الضَّالِّني* فَـ َفرر ُ ِ ِ ِ
ب ِيل َرِّيب ُحكْماً ت م ْن ُك ْم لَ َّما خ ْفتُ ُك ْم فَـ َو َه َ َ َْ َ َ ين* قَ َ َ ُ َ م َن الْ َكاف ِر َ
ِ ِ
ني) ( )3واجلواب هنا مل يكن جوااب عن استفهام صريح ،بل هو رد على كالم َو َج َعلَ ِين م َن ال ُْم ْر َسل َ
املتحدث ولذلك فان اجلواب هنا أييت مفصوال كانه جواب استفهام الننا نقدر السؤال اآليت :وماذا
قال ابراهيم لربه؟ ويف املثال الثاين نقدر السؤال :وماذا قال موسى لفرعون؟ وملا كان كالم فرعون قد
افتتح ابستفهام انكاري فان كالم موسى عليه السالم كان جوااب له من جهتني االوىل :كونه ردا على
ذلك االستفهام االنكاري والثانية :كونه استئنافا بيانيا فيكون جوااب ايضا ،ولذلك افتتح موسى عليه
السالم كالمه بـ (اذاً) (فأن قلت( :اذاً) جواب وجزاء معاً والكالم وقع جواابً لفرعون فكيف وقع
جزاء؟
قلت :قول فرعون وفعلت فعلتك فيه معىن انك جازيت نعميت مبا فعلت ،فقال له موسى نعم فعلتها
جمازايً لك تسليماً لقوله الن نعمته كانت عنده جديرة أبن جتازى بنحو ذلك اجلزاء) (.)4
__________
( )1شروح التلخيص /مواهب الفتاح.60:3 ،
( )2البقرة.)131 - 130( :
( )3الشعراء.)21 - 18( :
( )4الكشاف.109:3 ،
()103/1
ك لِل َْمالئِ َك ِة ال َرب َ (وإِ ْذ قَ َوقد أييت الفعل مضارعاً النه يتحدث عما سيقع وذلك كما يف قوله تعاىلَ :
سبِّ ُح ِحبَ ْم ِد َك ض َخلِي َفةً قَالُوا أ ََجتْعل ِفيها من يـ ْف ِس ُد ِفيها ويس ِف ُ ِ إِِين ج ِ
اع ٌل ِيف ْاأل َْر ِ
اء َوَْحن ُن نُ َ
ك ال ّد َم َ َ ََ ْ َُ َ َْ ُ ّ َ
ال إِِّين أَ ْعلَ ُم َما ال تَـ ْعلَ ُمو َن) ()1
ك قَ َس لَ َ ِ
َونُـ َق ّد ُ
وقد جاء االستئناف البياين ردا على قول الباري عز وجل من املالئكة مصدرا هبمزة االستفهام
(وفصل اجلواب ومل يعطف ابلفاء او الواو جراي على طريقة متبعة يف القرآن الكرمي يف حكاية
احملاورات وهي طريقة عربية ـ وامنا حذفوا العاطف يف امثاله كراهية تكرير العاطف بتكرير افعال
القول ،فان احملاورة تقتضي االعادة يف الغالب فطردوا الباب ،فحذفوا العاطف يف اجلميع وهو كثري
يف التنزيل) (.)2
وهذا الكالم ال يعدو أن يكون شرحا للقاعدة اليت وضعها عبد القاهر اجلرجاين وقد اكثر الشيخ
حممد الطاهر بن عاشور (ت1973م) من االشارة اىل ذلك يف عدة مواضع من تفسريه)3( .
ْت ِم ْنـ ُه ْم نَـ ْفساًب إِِّين قَـتَـل ُال َر ِّ وقد جاء االستئناف البياين مفتتحا ابلفعل املضارع يف قوله تعاىل( :قَ َ
ص ِّدقُِين إِِّين أَ َخ ُ ِ ِ َخي هارو ُن هو أَفْ ِ ِ ِ ِ
اف أَ ْن ساانً فَأ َْرسلْهُ َمع َي ِر ْدءاً يُ َ ص ُح م ِّين ل َاف أَ ْن يَـ ْقتُـلُون* َوأ َ ُ ُ َ َ َخ ُ فَأ َ
صلُو َن إِلَْي ُك َما ِِبايتِنَا أَنْـتُ َما َوَم ِن يك وَْجنعل لَ ُكما س ْلطَاانً فَال ي ِ ِ ي َك ِّذب ِ
َ ض َد َك ِأبَخ َ َ َ ُ َ ُ شد َع ُال َسنَ ُ
ون* قَ َ ُ ُ
اتَّـبَـ َع ُك َما الْغَالِبُو َن) (.)4
ض ائْتِيَا طَ ْوعاً أ َْو َك ْرهاً قَالَتَا الس َم ِاء َو ِه َي ُد َخا ٌن فَـ َق َ
ال َهلَا َولِ ْأل َْر ِ استَـ َوى إِ َىل َّ
(مثَّ ْ
وقوله جلت قدرتهُ :
ِ
ني) (.)5 أَتَـ ْيـنَا طَائِع َ
وبعد ان نستبعد الفعل (قال) النه حكاية ملا دار من الكالم بني طرفني او اكثر جند ان الفعل املضارع
الذي يتصدر اجلواب كان زمنه يدل على احلال واالستقبال
__________
( )1البقرة.)30( :
( )2التحرير والتنوير.401:1 ،
( )3ينظر :م .ن.25:29 ،332:16 ،152:15 ،129:12 ،126:12 ،716:1 ،704:1:
وينظر :املنظور البالغي يف تفسري التحرير والتنوير.86 - 85 :
( )4القصص.)35 - 33( :
( )5فصلت.)11( :
()104/1
يف هذه االايت مجيعا ففي اآلية االوىل جند ان االفساد الذي اشار اليه املالئكة قد وقع من البشر يف
املاضي وما زال حىت االن ،بل ان عدد املفسدين يف االرض اكثر من عدد الصاحلني حىت أيذن هللا
أبمره.
ويف املثال الثاين جند ان هللا تعاىل قد اشار اىل انه سيشد عضد موسى هبارون عليهما السالم ومل تكن
تلك املساندة يف زمن فرعون فقط بل استمرت اىل ما بعد هالك فرعون وجنوده.
اما املثال الثالث فأن اتيان السماء واالرض الرادة هللا تعاىل مل تكن منحصرة يف الزمن املاضي فقط
أي اللحظة اليت وقع فيها فعل االتيان بل يستمر ذلك اخلضوع لالرادة االهلية اىل ما يشاء العزيز
احلكيم.
وجتدر االشارة اىل ان قول املالئكة يف اآلية االوىل قد جاء بصيغة االستفهام بسؤال صريح.
ارو ُن ِم ْن قَـ ْب ُل َاي قَـ ْوِم إِ َّمنَا
ال َهلُ ْم َه ُ(ولََق ْد قَ َ
وجاء الفعل املضارع مسبوقا بـ (لن) كما يف قوله تعاىلَ :
ني َح َّىت يَـ ْرِج َع إِلَْيـنَا ِ ِِ ِ فُتِْنـتُ ْم بِ ِه َوإِ َّن َربَّ ُك ُم َّ
يعوا أ َْم ِري* قَالُوا لَ ْن نَ ْربَ َح َعلَْيه َعاكف َ الر ْمحَ ُن فَاتَّبِعُ ِوين َوأَط ُ
وسى) (.)1 ُم َ
ِ
وان نَـتَّبِ ْع ُك ْم يُ ِري ُدو َن أَ ْن
وها ذَ ُر َ
ْخ ُذ َ ول ال ُْم َخلَّ ُفو َن إِذَا انْطَلَ ْقتُ ْم إِ َىل َمغَامنَ لِتَأ ُ
(سيَـ ُق ُ وقوله جلت قدرتهَ :
س ُدونَـنَا بَ ْل َكانُوا ال يَـ ْف َق ُهو َن ال َّ ِ وان َك َذلِ ُك ْم قَ َ يـب ِّدلُوا َكالم َِّ
اَّلل قُ ْل لَ ْن تَـتَّبِ ُع َ
سيَـ ُقولُو َن بَ ْل َحتْ ُ
اَّللُ م ْن قَـ ْب ُل فَ َ َ َُ
ِ
إَِّال قَليالً) ()2
وهذه اآلايت ال تشكل اسلواب يف اجلواب القرآين لقلتها .وجتدر االشارة إىل ان وجود عدد من
اآلايت اليت تفتتح ابلفعل املضارع قد ال يقابلها عدد مقارب من اآلايت اليت تفتتح ابلفعل املاضي او
ابلعكس اذ احملدد يف هذه املسألة عدد اآلايت حينما تشكل اسلواب له خصائص معينة.
(وقَالُوا
كما جاء فعل االمر موضع االستئناف البياين وهو قليل ايضا كما يف قول الباري عز وجلَ :
ني) (.)3 ْك أَمانِيـهم قُل هاتُوا بـرهانَ ُكم إِ ْن ُك ْنـتُم ِ ِ لَن ي ْد ُخل ا ْجلنَّةَ إَِّال من َكا َن ُهوداً أَو نَص ِ
صادق َ
ْ َ ارى تل َ َ ُ ْ ْ َ ُ ْ َ ْ ْ ََ َْ َْ َ َ
__________
( )1طه.)91 - 90( :
( )2الفتح.)15( :
( )3البقرة.)111( :
()105/1
()106/1
(وقَالُوا لَ ْوال
لقد كان الكالم املفتتح بـ (ان) موجها يف االكثر هنا للكفار واليهود كما يف قوله تعاىلَ :
اد ٌر َعلَى أَ ْن يُـنَـ ِّز َل آيَةً َولَ ِك َّن أَ ْكثَـ َرُه ْم ال يَـ ْعلَ ُمو َن) ( .)1وقوله جل اَّلل قَ ِ ِ ِ ِ
نُـ ِّز َل َعلَْيه آيَةٌ م ْن َربِّه قُ ْل إِ َّن ََّ
ش ِاء آاب َء َان َوا ََّّللُ أ ََم َرَان ِهبَا قُ ْل إِ َّن َّ
اَّللَ ال َأي ُْم ُر ِابلْ َف ْح َ شةً قَالُوا َو َج ْد َان َعلَْيـ َها َاح َشأنه( :وإِ َذا فَـعلُوا فَ ِ
َ َ
اَّلل َما ال تَـ ْعلَ ُمو َن) ()2 ِأَتَـ ُقولُو َن َعلَى َّ
اَّلل ي ِ ِ ِ ِ وقوله جلت قدرته( :ويـ ُق ُ َّ ِ
شاءُ
ضل َم ْن يَ َ ين َك َف ُروا لَ ْوال أُنْ ِز َل َعلَْيه آيَةٌ م ْن َربِّه قُ ْل إِ َّن ََّ ُ
ول الذ َ ََ
ِ ِ
ب) (.)3 َويَـ ْهدي إِلَْيه َم ْن أ ََان َ
ان املوضوع الذي تشرتك فيه هذه اآلايت مجيعاً هو اجلدل بني احلق متمثالً ابلنيب االكرم عليه الصالة
والسالم ،والباطل جببهاته املتعددة من الكافرين واليهود واملنافقني (وهذا اجلدل القرآين يفيد املتفكر
افادة اتمة وجييب عن مجيع التساؤالت اليت ميكن ان تشغل االنسان يف كل زمان ومكان ويورد
االجابة الشافية عنها) (.)4
وكان اجلدل واحدا من اهم االساليب للنصر على اجملادلني ابلباطل (فاملعروف ان اجلدل القرآين اما
ان يكون وعظيا ونصحا او اجالء للحقائق ،او تثبيتا القدام املؤمنني او انزاال للمسكنة ( )5واالمن
والطمأنينة يف قلوهبم ،او لدحض الباطل ابعالء كلمة احلق ،او لزجر اصحاب اهلوى عن اخلوض فيما
ليس هلم به علم وال هدى ،وما اىل ذلك من االغراض الرفيعة واملقاصد السامية) (.)6
لقد أكد االستئناف هنا بـ (ان) الن املخاطبني يف اآلية االوىل والثانية
والثالثة كانوا مرتددين يف املخرب عنه ،بل هم اقرب اىل االنكار ولكن الكالم معهم اكد بـ (ان) فقط.
__________
( )1االنعام.)37( :
( )2االعراف.)28( :
( )3الرعد.)27( :
( )4اجلدل يف القرآن :د .حسن الشرقاوي14 :
( )5م .ن.14 :
( )6كذا :وكان االوىل ان يقول :للسكينة.
()107/1
ت طَائَِفةٌ ِم ْن (وقَالَ ْونبقى مع اآلايت اليت تبدا بـ (ان) مسبوقة بفعل االمر (قل) كما يف قوله تعاىلَ :
آخ َرهُ لَ َعلَّ ُه ْم يَـ ْرِج ُعو َن* َوال تُـ ْؤِمنُوا
آمنوا ِابلَّ ِذي أُنْ ِز َل علَى الَّ ِذين آمنوا وجه النـَّها ِر وا ْك ُفروا ِ
َ َُ َ ْ َ َ َ ُ َ
ْكت ِ ِ
اب ُ أ َْه ِل ال ِ َ
َح ٌد ِمثْ َل َما أُوتِيتُ ْم أ َْو ُحيَاجوُك ْم ِع ْن َد َربِّ ُك ْم قُ ْل إِ َّن إَِّال لِمن تَبِع ِدين ُكم قُل إِ َّن ا ْهل َدى ه َدى َِّ
اَّلل أَ ْن يُـ ْؤتَى أ َ ُ ُ َْ َ َ ْ ْ
يم) (.)1 شاء و َّ ِ ِ ضل بِي ِد َِّ ِ ِ
اَّللُ َواس ٌع َعل ٌ اَّلل يُـ ْؤتيه َم ْن يَ َ ُ َ الْ َف ْ َ َ
الر ْز َق لِ َم ْن
ط ِّ ِ (وقَالُوا َْحن ُن أَ ْكثَـ ُر أ َْم َواالً َوأ َْوالداً َوَما َْحن ُن ِمبَُع َّذبِ َ
ني* قُ ْل إ َّن َرِّيب يَـ ْب ُ
سُ وقوله تبارك وتعاىلَ :
َّاس ال يَـ ْعلَ ُمو َن) (.)2 شاءُ َويَـ ْق ِد ُر َولَ ِك َّن أَ ْكثَـ َر الن ِ
يَ َ
وال خنرج هنا عن دائرة اجلدل بني النيب عليه الصالة والسالم مع اليهود او مع املشركني وهذا اجلدل
كان هادائ من طرف النيب االكرم غاية اهلدوء على الرغم من وسائل االستفزاز العديدة اليت
استخدمت ضده اذ ان القرآن الكرمي يعمد دائما اىل (ملس البداهة ،وايقاظ االحساس ،لينفذ منهما
مباشرة اىل البصرية ،ويتخطامها اىل الوجدان) (.)3
ويف املثال االول جند اليهود جيادلون ابلباطل على عادهتم يف (التلكؤ والرتدد واللجاج ،واستخدام
اجلدل اخلطايب الذي ال معىن له وال سند له من احلقيقة وال حيمل أي حجة مثبتة) ( )4لقد كانت
بداية اخلطاب يف اآليتني توجيه فعل امر من اهل انر جهنم وكان يف االوىل الصحاب اجلنة ويف الثانية
ملالك خازن انر جهنم ومبا ان من وجه اليهم اخلطاب على مرتبة اعلى فقد كان اخلطاب دعاءا من
هؤالء .وقد اكد الرد عليهم بـ (أن) يف احلالني الهنم قد انزلوا منزلة املنك ،والهنم يعلمون ان خلودهم
يف جهنم عقاب هلم من رب العاملني وال يناهلم يف ذلك
املوضع شيء من رمحته.
__________
( )1آل عمران.)73 - 72( :
( )2سبأ.)36 - 35( :
( )3التصوير الفين يف القرآن ،سيد قطب.185 :
( )4اجلدل يف القرآن.47 :
()108/1
اما الفرق بني هاتني اآليتني واآلايت اليت كان الرد فيها مفتتحا بـ (ان) مسبوقة بفعل االمر (قل) فأن
اخلطاب هنا موجه الهل اجلنة وخلازن انر جهنم واملقصود ابخلطاب هو هللا تعاىل ولكن اجلواب كان
حاضرا عند اهل اجلنة ومالك اما هناك فان اخلطاب كان موجها اىل النيب عليه الصالة والسالم وجاء
اجلواب موجها من هللا تعاىل على لسان نبيه الكرمي وكان ذلك يف معرض اجلدل بني احلق والباطل.
ومثلما استخدمت (ان) يف جواب القول فقد استخدمت (امنا) املركبة من (ان) مضافا اليها (ما).
اما استخدامها يف الكالم فأنه يتحدد اساسا يف كوهنا (جتيء خلرب ال جيهله املخاطب وال يدفع صحته،
او ملا ينزل هذه املنزلة) ( .)1وهي ختتلف عن (ان) (اليت يكون للمخاطب هبا ظن على خالف ما
يسمعه من املتكلم) ()2
و (امنا) تستخدم يف التوكيد ايضا وهذا ما يؤكده السكاكي بقوله( :ان كلمة (ان) ملا كانت لتاكيد
اثبات املسند للمسند اليه مث اتصلت هبا (ما) املؤكدة ال النافية على ما يظنه من الوقوف له بعلم
النحو ضاعفت أتكيدها) (.)3
لقد عرفنا ان (امنا) تستعمل يف حكم يكون معلوما للمخاطب ولذلك فاهنا (تستعمل يف كالم ال
يكون الغرض منه احلكم للعلم به وامنا يكون اهلدف التلويح به اىل معىن اخر على سبيل التعريض،
وهو احسن مواقع امنا) (.)4
وهذا االمر مما قرره عبد القاهر اجلرجاين بقوله( :مث اعلم انك اذا استقريت وجدهتا اقوى ماتكون
واعلق ماترى ابلقلب اذا كان اليراد ابلكالم بعدها نفس معناها ،ولكن التعريض ابمر هو مقتضاه)
(.)5
اما يف القرآن الكرمي فيغلب عليها (ان تكون مبثابة اجلواب عن سؤال يقتضيه السياق قبلها صرحيا او
ضمنا) ()6
__________
( )1دالئل االعجاز ،135 :و هناية االجياز ،182 :وينظر :مفتاح العلوم.516 :
( )2م .ن.312 :
( )3مفتاح العلوم.511 :
( )4املعاين يف ضوء اساليب القرآن.. 300 - 299 :
( )5دالئل االعجاز.333 :
( )6املعاين يف ضوء اساليب القرآن.301 :
()109/1
وعلى اساس القرائن املعنوية واللفظية يتحدد عملها يف كون املخاطب ال جيهل اخلرب او ان ينزل
منزلته.
لقد وردت (امنا) مسبوقة بفعل االمر (قل) موجهاً اىل النيب االعظم صلوات هللا وسالمه عليه من هللا
ْم ِع ْن َد ِ َّ ِ
ني* قُ ْل إمنَا الْعل ُ
تبارك وتعاىل كما يف قوله جل شانه( :ويـ ُقولُو َن مىت ه َذا الْو ْع ُد إِ ْن ُك ْنـتُم ِ ِ
صادق َ
ْ َ ََ َ َ ََ
ت ِم ْن َربِِّه قُ ْل إِ َّمنَا ْاآل ُ
ايت ِ
(وقَالُوا لَ ْوال أُنْ ِز َل َعلَْيه َ
آاي ٌ ني) ( .)1وقوله جل وعالَ :
َِّ
اَّلل َوإِ َّمنَا أ ََان نَ ِذ ٌير ُمبِ ٌ
ِع ْن َد َِّ
ني) (.)2 اَّلل َوإِ َّمنَا أ ََان نَ ِذ ٌير ُمبِ ٌ
وان إِلَي ِه وِيف آذَانِنا وقـْر وِمن بـينِنا وبـينِ َ ِ ٍِِ
اب
ك ح َج ٌ َ َ ٌ َ ْ َْ َ َ َْ (وقَالُوا قُـلُوبُـنَا ِيف أَكنَّة ممَّا تَ ْد ُع َ ْ َ وقول تعاىل شانه َ
يل أ ََّمنَا إِ َهل ُكم إِلَهٌ و ِ فَا ْعمل إِنَّـنا ع ِاملُو َن* قُل إِ َّمنَا أ ََان ب َ ِ
استَـغْ ِف ُروهُ ِ
يموا إِلَْيه َو ْ
اح ٌد فَ ِ
استَق ُ ْ ُ ْ َ وحى إِ ََّ
ش ٌر مثْـلُ ُك ْم يُ ََ ْ َْ َ َ
اجتَـبَـ ْيـتَـ َها قُ ْل إِ َّمنَا أَتَّبِ ُع َما ِِ ٍ وويل لِل ِ
(وإِ َذا َملْ َأتْهت ْم ِِبيَة قَالُوا لَ ْوال ْ
ني) ( )3وقوله تقدست امساؤهَ : ْم ْش ِرك َ ََْ ٌ ُ
دى َوَر ْمحَةٌ لَِق ْوٍم يُـ ْؤِمنُو َن) ( .)4ونعود يف هذه اآلايت يل ِم ْن رِّيب َه َذا بَ َ ِ ِ ِ
صائ ُر م ْن َربّ ُك ْم َو ُه ً وحى إِ ََّ َ يُ َ
املباركة اىل دائرة اجلدل بني احلق والباطل بني االميان ابهلل الواحد االحد واالشراك والكفر به اذ (مل
تقتصر حرب القريشيني للرسول صلى هللا عليه وسلم على استخدام األسلحة أبنواعها ،بل ايضا
استخدموا اسلوب احلرب النفسية واللجاج واحلجاج واجلدل املبطل) (.)5
لقد جاء اجلواب يف اآلية األوىل عن سؤال صريح ،بينما يف اآلايت الثالث االخرى جاء رداً على
سؤال ضمين تقديره بعد مساع قول املشركني بـ :وماذا قال هلم النيب صلوات هللا وسالمه عليه؟ فيكون
اجلواب هو االستئناف البياين الذي يفتتح بـ (امنا) مسبوقة بفعل االمر (قل) اذ القول هنا قول هللا
تبارك وتعاىل موجه اىل املشركني على لسان نبيه الكرمي ويف هذه اآلايت املباركة نعود مرة اخرى اىل
__________
( )1امللك.)26 - 25( :
( )2العنكبوت.)50( :
( )3فصلت.)6 - 5( :
( )4األعراف.)2 - 3( :
( )5اجلدل يف القرآن.67 :
()110/1
دائرة اجلدل والنقاش احملتدم واحلجج اليت تكون الغاية من ورائها هداية هؤالء املشركني ،ومن الالفت
للنظر ان اجلواب حينما يكون رداً على سؤال صريح او مقدر ،ويكون مفتتحاً بفعل االمر (قل)
حسب النظم القرآين وبـ (امنا) حسب السياق احلقيقي الذي دار فيه اجلدل قبل ان ينقله القرآن
الكرمي يكون دائماً مع املخاطبني الذين وقفوا موقف املعارضة والرفض لرسالة السماء.
ومبا ان (امنا) من االدوات اليت تستخدم يف اسلوب القصر ( ،)1فنجد اهنا تكون (اثبااتً ملا يذكر
بعدها ونفياً ملا سواه) (.)2
وسبب (افادة (امنا) معىن القصر هو تضمينه معىن ما وإال) ( )3وجتدر اإلشارة إىل أن (إمنا) يف
اآلايت املتقدمة قد تضمنت معىن (ما) و (إالّ) ففي اآلية األوىل تقدر بـ - :ما العلم اال عند هللا وما
اان اال نذير مبني وهكذا .كما ان (امنا) يف هذه اآلايت قد افادت التعريض ففي اآلية الرابعة جند أن
اجلواب (الذي امر الرسول صلى هللا عليه وسلم ابن جييب به وهو قوله (قل امنا اتبع ما يوحى إيل
من ريب) صاحل للمعنيني ،فاالتباع مستعمل يف معىن االقتصار والوقوف عند احلد ،أي ال اطلب آيةً
غري ما أوحى هللا يل) (.)4
ادقِني* قَ َ ِ َّ ِت ِمن َّ ِ ِِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ْم
ال إمنَا الْعل ُ الص َ اما قوله تعاىل( :قَالُوا أَج ْئـتَـنَا لتَأْف َكنَا َع ْن آهلَتنَا فَأْتنَا مبَا تَع ُد َان إِ ْن ُك ْن َ َ
ِع ْن َد َِّ
اَّلل َوأُبَـلِّغُ ُك ْم َما أ ُْر ِسل ُ
ْت بِ ِه َولَ ِك ِّين أ ََرا ُك ْم قَـ ْوماً َجتْ َهلُو َن) (.)5
وبعد ان كان اجلواب يفتتح بفعل االمر (قل) جنده هنا مفتتحاً ابلفعل (قال) متبوعاً بـ (امنا) الن
املتحدث هنا ليس النيب حممد صلى هللا عليه وسلم وامنا هو نيب هللا (هود) عليه السالم موجهاً
خطابه اىل قومه (ال علم عندي ابلوقت الذي
__________
( )1ينظر :مفتاح العلوم.510 :
( )2م .ن.510 :
( )3م .ن.510 :
( )4التحرير والتنوير.237 :9 ،
( )5االحقاف.)23 - 22( :
()111/1
يكون فيه تعذيبكم حكمة وصواابً امنا علم ذلك عند هللا ،فكيف ادعوه ابن أيتيكم بعذابه يف وقت
عاجل تقرتحونه انتم) ()1
وما يدور يف هذه اآلية املباركة يدخل ضمن اجلدل – ايضاً – وكانت (امنا) من افضل األدوات اليت
يفتتح هبا الرد على اجملادلني.
وقد خترج (امنا) قليالً عما اعتدان عليه فيكون اخلطاب فيها موجهاً للمؤمنني كما يف قوله تبارك
صبَ ِة ِ ِ ِ ِ
وسى فَـبَـغَى َعلَْي ِه ْم َوآتَـ ْيـنَاهُ م َن الْ ُكنُوِز َما إِ َّن َم َفاحتَهُ لَتَـنُوءُ ِابل ُْع ْ وتعاىل( :إِ َّن قَ ُ
ارو َن َكا َن م ْن قَـ ْوم ُم َ
َّار ْاآل ِخ َرَة َوال آات َك َّ
اَّللُ الد َ يما َ ِ
ني* َوابْـتَ ِغ ف َ
ِ
اَّللَ ال ُِحيب الْ َف ِرح َ ال لَهُ قَـ ْوُمهُ ال تَـ ْف َر ْح إِ َّن َّ ُويل الْ ُق َّوةِ إِ ْذ قَ َ
أِ
اَّللَ ال ُِحيب
ض إِ َّن َّ اد ِيف ْاأل َْر ِ
سَ اَّللُ إِلَْي َ
س َن َّ ك ِمن الدنْـيا وأ ِ تَـ ْنس نَ ِ
ك َوال تَـ ْب ِغ الْ َف َ َح ََحس ْن َك َما أ ْ صيبَ َ َ َ َ ْ َ
ِ ِ ِ ِ ِ
ك م ْن قَـ ْبله م َن الْ ُق ُرون َم ْن ُه َو اَّللَ قَ ْد أ َْهلَ َ َّ ِ ِ ٍ ِ ِ
ال إمنَا أُوتيتُهُ َعلَى علْم ع ْندي أ ََوَملْ يَـ ْعلَ ْم أَن َّ َّ ِ ين* قَ َ ِ ِ
ال ُْم ْفسد َ
َل َع ْن ذُنُوهبِِ ُم ال ُْم ْج ِرُمو َن) ( )2ان الذين نصحوا هبذا الكالم البد أَ َشد ِم ْنهُ قُـ َّوةً َوأَ ْكثَـ ُر مجَْعاً َوال يُ ْسأ ُ
من ان يكونوا من املؤمنني (وقيل ان القائل موسى عليه السالم) ( .)3ولذا فان (امنا) هنا مل خياطب
هبا املشركون او احد ممن سار على طريق الباطل وهذا هو الفرق بينها وبني (امنا) يف اآلايت اليت
صلِ ُحو َن) يل َهلُ ْم ال تُـ ْف ِس ُدوا ِيف ا ْأل َْر ِ
ض قَالُوا إِ َّمنَا َْحن ُن ُم ْ سبقتها .ومن ذلك ايضا قوله جل شانه ِ ِ
(وإذَا ق َ
َ
( )4فالنهي هنا موجه لليهود فجاء ردهم على هذا النهي مفتتحاً بـ (امنا) وقد (دخلت امنا لتدل على
اهنم حني ادعوا ألنفسهم اهنم مصلحون اظهروا اهنم يدعون من ذلك أمراً ظاهراً معلوماً ولذلك أكد
األمر يف تكذيبهم والرد عليهم فجمع بني (اال) الذي هو للتنبيه وبني (ان) الذي هو للتأكيد فقيل:
((اال اهنم هم املفسدون ولكن ال يشعرون)) (.)5
__________
( )1الكشاف.307 :4 ،
( )2القصص.)78 - 76( :
( )3الكشاف.191 :3 ،
( )4البقرة.)11( :
( )5دالئل االعجاز :336 :وينظر :هناية االجياز ،182 :ومفتاح العلوم ،517 :واملعاين يف ضوء
اساليب القرآن.296 :
()112/1
الفصل الثالث
البيان يف جواب القرآن
ليس من اليسري على الباحثني أن حييطوا إحاطة اتمة مبا امتاز به جواب القرآن من مزااي جتعله ينأى
اترة ،ويقرتب اترة أخرى من اجلواب الذي يدور يف خماطبات بين البشر.
لقد تنوع ذلك اجلواب من حيث اجلهة اليت صدر منها ،فهناك جواب للباري عز وجل ،وهنا جواب
للمالئكة ،وهناك جواب لألنبياء ،والرسل ،وللمؤمنني ،وإلبليس ،وللمشركني ،ومل يقتصر األمر على
ذلك فقط ،إذ للسماوات جواب ،ولألرض جواب ،ولنار جهنم جواب ،فأثرى هذا التنوع جواب
القرآن الكرمي ،فضال عن ما يتطلبه موقف اجلواب من تعدد يف أساليب اإلجابة حيددها نوع
االستفهام ،واحداث التأثري املطلوب يف املخاطب ،وما إىل ذلك ،يف نسيج يبدو متشعبا للوهلة
األوىل ،إال أنه ميكن أن خيتصر يف كونه صراعا بني األمر ابملعروف والنهي عن املنكر من جهة ،واألمر
ابملنكر والنهي عن املعروف من جهة أخرى يف نسيج ال ميكن أن يوصف إال أبنه معجز.
وال بد من اإلشارة إىل ان األجوبة مجيعا قد صيغت أبعلى مستوى من الدقة والبالغة ،وقد أوردها
القرآن الكرمي بشكل مؤثر وال فت للنظر ،حبيث جتعل قارئ هذا الكتاب العظيم يقف مرات ومرات
معها ،وتنقله إىل آفاق رحبة من التعبري املعجز ،والبيان األخاذ الذي يسحر العقول والقلوب معا.
أما احملور الذي يدور عليه هذا الفصل فهو فنون البيان اليت وظفها القرآن الكرمي يف أجوبته ،وحماولة
الوقوف على أهم خصائص ،ومميزات هذه الفنون يف اجلواب القرآين.
يعد علم البيان واحدا من علوم البالغة؛ إذ يشكل هو وعلم املعاين ،وعلم البديع العلوم الثالثة اليت
استقرت عليها البالغة العربية.
()113/1
وعلم البيان كما عرفه اخلطيب القزويين هو :علم يعرف به إيراد املعىن الواحد بطرق خمتلفة يف وضوح
الداللة عليه (.)1
إذن فعلم البيان يتعامل مع املعىن وليس املفردة فقط ،ومن هنا كانت فنون هذا العلم ذات قيمة
مجالية كبرية يف النص الذي تتوفر فيه ،شرط ان يكون ذلك التوفر موظفا ابلشكل الصحيح ،وملا كان
القرآن الكرمي ميثل قمة التعبري يف اللغة العربية ،فقد كان ال بد لعلم البيان من أن حيتل جانبا متميزا
يف مجالية اخلطاب القرآين.
لقد وردت فنون البيان مجيعها يف اجلواب القرآين ،ولكن بنسب متفاوتة ،وهذه الفنون هي احملور
الذي يدور حوله هذا الفصل.
__________
( )1التلخيص 235 :ـ .236
()114/1
1ـ التشبيه
حيتل التشبيه مركز الصدارة بني فنون علم البيان ،وقد قال عنه السكاكي ((إن التشبيه مستدع طرفني
مشبها ومشبها به ،واشرتاكا بينهما من جهة وافرتاقا من أخر مثل أن يشرتكا يف احلقيقة ،وخيتلفان يف
الصنعة)) (.)1
وقد قدم البالغيون تعريفات كثرية للتشبيه ـ لسنا بصدد ذكرها ـ إال أهنم مل يقدموا تعريفا جامعا مانعا
ميكن له أن يسلم من التعديل ،أو االعرتاض ( ،)2الذي ميكن أن خنرج به من كل ذلك هو أن
البالغيني يتفقون من حيث املضمون عل ماهيته ،وحدوده وجوهره الذي هو اتفاق شيئني يف أمر أو
أكثر مع اختالفهما يف أمور أخر ،ولكنهم خيتلفون يف الصيغة اليت يضعها كل منهم لتعريفه تعريفا غري
قابل للتغبري (.)3
أما كيفية التشبيه فان الشيء ((يشبه ابلشيء اترة يف صورته وشكله ،واترة يف حركته وفعله ،واترة يف
لونه وجنره ،واترة يف سوسه وطبعه ،وكل منهما متحد بذاته واقع من بعض جهاته)) (.)4
لقد ضم القرآن الكرمي بني دفتيه عددا كبريا من التشبيهات ،ومبختلف أنواع التشبيه املعروفة اليت
حققت وظائف التشبيه يف القرآن الكرمي ،وأمهها املبالغة والبيان ،واإلجياز (.)5
أما التشبيه يف اجلواب القرآين فقد كان قليال جدا ،إذ مل يرد إال يف مواضع معدودة كقوله تبارك
ِ
*وتَ ُكو ُن
اش ال َْم ْبـثُوث َ اك َما الْ َقا ِر َعةُ*يَـ ْوَم يَ ُكو ُن الن ُ
َّاس َكالْ َف َر ِ وتعاىل(( :الْ َقا ِر َعةُ * َماالْ َقا ِر َعةُ َ
*وَما أَ ْد َر َ
وش)) (.)6 ال َكالْ ِع ْه ِن ال َْم ْنـ ُف ِ
ا ْجلِبَ ُ
__________
( )1مفتاح العلوم.558 :
( )2ينظر :على سبيل املثال :املثل السائر ،153 :2 ،والتلخيص ،238 :واألقصى القريب،41 :
والتصوير البياين 101 :ـ ،102وعلم البيان ،د .عبد العزيز عتيق 61 :ـ .62
( )3ينظر :فن التشبيه.35 :1 ،
( )4اجلمان يف تشبيهات القرآن.3 :
( )5ينظر :املثل السائر.129 :2 ،
( )6القارعة 1( :ـ .)5
()115/1
وعند حتليل هذين التشبيهني جند أن املشبه هو الناس واجلبال ،واملشبه به هو الفراش املبثوث،
والعهن املنفوش ،وقد أقيم التشبيه على أساس تشبيه الناس ابلفراش املبثوث ،وتشبيه اجلبال
ابلصوف املنفوش ،وكان الطرفان حسيني يف كل تشبيه منهما الهنما مما يدرك حباسة البصر.
أما أداة التشبيه فهي الكاف يف التشبيهني (كالفراش ،كالعهن) ،أي أن التشبيه تشبيه مرسل ألن
األداة مذكورة ،أما من حيث وجه الشبه فقد شبه الناس (ابلفراش يف الكثرة ،واالنتشار ،والضعف،
والذلة ،والتطاير إىل الداعي كما يتطاير الفراش إىل النار ...وشبه اجلبال ابلعهن ،وهو الصوف
املصبغ ألواان؛ ألهنا ألوان ،وابملنفوش منه؛ لتفرق أجزائها)) ( ،)1ولذلك يعد هذا التشبيه تشبيها
مفصال ،حيث ذكر وجه الشبه ،أما الغرض الذي سيق التشبيهان ألجله فهو بيان حال املشبه ()2؛
أي بيان حال الناس ،واجلبال ،فهذا املشهد مما يقع يوم القيامة ،وتركيب التشبيه على هذا الشاكلة
خيدم الغرض الذي يبغيه القرآن الكرمي من تصوير مشاهد ذلك اليوم تصويرا يبعث على اخلوف،
والضآلة يف نفس اإلنسان جتاه عظمة القدرة اإلهلية ،وان ذلك مما يقع ال حمالة ،ألنه أمر قد قدره
احلق تبارك وتعاىل.
كما أن التشبيه هو أنسب فنون البيان لتصوير هذا املشهد ،فوجود املشبه ،واملشبه به يتيحان لذهن
املتلقي استحضارمها ،والقيام ابملقارنة بينهما ،والتأمل يف وجه الشبه بينهما حىت تكتمل الصورة
القرآنية املرسومة جبميع أبعادها.
ول اء َك ال ُْمنَافِ ُقونَـ َقالُوا نَ ْش َه ُد إِنَّ َ
ك لََر ُس ُ ِ
وقد يكون التشبيه تشبيها بليغا كما يف قوله جل شانه ((إذَا َج َ
ِ ِِ َِّ
صدوا َع ْن َسبِ ِ
يل ني لَ َكاذبُو َن * َّاختَ ُذوا أ َْميَ َاهنُ ْم ُجنَّةً فَ َ
اَّللُ يَ ْش َه ُد إِ َّن ال ُْمنَافق َ اَّللُ يَـ ْعلَ ُم إِنَّ َ
ك لََر ُسولُهُ َو َّ اَّلل َو َّ
اء َما َكانُوا يَـ ْع َملُو َن)) (.)3 َِّ ِ َّ
اَّلل إهنُ ْم َس َ
__________
( )1الكشاف 789 :4 ،ـ .790
( )2ينظر :مفتاح العلوم ،569 :والتصوير البياين ،140 :وعلم البيان ،د .عبد العزيز عتيق،106 :
وفنون التصوير البياين.139 :
( )3املنافقون1( :ـ)2
()116/1
فقد جاء املشبه ،وهو إميان هؤالء املنافقني ابجلنة وهي ((ما يسترت به ويتقى ،ومنه مسيت الدرع جنة))
( ،)1فالعالقة القائمة بني املشبه ،واملشبه به هي أهنم قد ((جعلوا أمياهنم كاجلُنة يتقى هبا ما يلحق من
أذى ،فلما شبهت األميان ابجلُنة على طريقة التشبيه البليغ اتبع ذلك بتشبيه احللف ابختاذ اجلنة أي
استعماهلا)) (.)2
لقد جاء املشبه وهو األميان عقليا ،وليس حسيا ،أما املشبه به ،وهو اجلنة ،فهو حسي ،وهو من
تشبيه املفرد ابملفرد ،وقد حذف وجه الشبه ،وأداته؛ فالتشبيه تشبيه مؤكد جممل ،وذلك مما حيقق
إجيازه ،وميكن أتويل وجه من خالل أتمل حال املشبه ،واملشبه به ،فقد شبهت أميان املنافقني ابجلنة،
أي أن هؤالء قد اختذوا أمياهنم وقاية ومحاية هلم من املسلمني ،فهم كلما أحسوا اخلطر املتمثل يف
افتضاح أمر كذهبم وخداعهم جلأوا إىل القسم ابألميان املغلظة ليدللوا على إمياهنم ظاهراي ،بينما
يضمرون عكس ذلك متاما.
إن هذا التشبيه قد وقع جزءا من اجلواب عن سؤال ضمين ينشأ من قوله تعاىل ((وهللا يشهد ان
املنافقون لكاذبون)) ،والسؤال :ما سبب وصفهم بصفة الكذب؟ فيكون اجلواب (اختذوا أمياهنم
جنة).
لقد قام اجلواب على أساس التشبيه ،ومل يكن كالما تقريراي مباشرا ،ألن الغاية من اليمني الذي حيلف
به املنافق اختاذه ستارا حيجب احلقيقة عن أذهان من يرون تصرفات هؤالء املنافقني ،فهم يعيشون مع
املسلمني ،ويتصرفون مثلهم ظاهرا ،بينما يضمرون الكفر يف أنفسهم ،فكان التشبيه البليغ اخلايل من
أداة التشبيه ،ووجه الشبه هو األقدر على تقدمي هذه احلقيقة يف إطار مشهد يصور هذا الواقع.
((يف الدنْـيا و ْاآل ِخرةِ
ومن التشبيهات البليغة الواردة يف جواب القرآن الكرمي ،قوله تبارك وتعاىل ِ
َ َ َ
ري َوإِ ْن
الح َهلُ ْم َخ ٌْ
ص ٌ ك َع ِن الْيَـتَ َامى قُ ْل إِ ْ
َويَ ْسأَلونَ َ
__________
( )1التحرير والتنوير.236 :28 ،
( )2م .ن.236 :28 ،
()117/1
ِ اَّللُ ال ْعنَـتَ ُك ْم إِ َّن َّ اَّلل يـعلَم الْم ْف ِس َد ِمن الْم ِ ِ
اَّللَ َع ِز ٌيز َحك ٌ
يم)) اء َّصل ِح َولَ ْو َش َ
َ ُ ْ وه ْم فَِإ ْخ َوانُ ُك ْم َو َُّ َ ْ ُ ُ
ُختَالطُ ُ
(.)1
والتشبيه البليغ يف قوله تعاىل (وان ختالطوهم فاخوانكم ،) ...إذ حذفت اداة التشبيه ووجه الشبه،
فـ (أخوانكم) (خرب مبتدأ حمذوف تقديره تقديره أخوانكم ،وهو على معىن التشبيه البليغ) (.)2
فالصورة التشبيهية قائمة على تشبيه اليتامى ابالخوان ،وهذا التشبيه اقرب إىل أسلوب األمر؛ أي
أمر املؤمنني مبخالطة اليتامى مثلما خيالطون أخواهنم ،أما وجه الشبه الذي مل يصرح به فهو القرب
والتواد والرتاحم مع هؤالء اليتامى الذين يؤكد القرآن الكرمي دائما على احتضاهنم والرافة هبم بسبب
وضعهم اخلاص الناتج عن اليتم .لقد جاء التشبيه يف اجلواب القرآين بكيفية خاصة كما يف قوله
ك َّ
اَّللُ يَـ ْف َع ُل َما ال َك َذلِ َ
رب َو ْام َرأَِيت َعاقِ ٌر قَ َ ََّن ي ُكو ُن ِيل غُالم وقَ ْد بـلَغَِ ِ
ين الْك َُ
ٌَ َ َ ال َر ِّ
ب أ َّ َ جلت قدرته ((قَ َ
شاءُ)) (.)3 يَ َ
أي (كهذا الفعل العجيب ،وهو تقدير احلمل من شيخ هرم مل يسبق له ولد ،وامرأة عاقر كذلك)
شاءُ إِذَا ال َك َذلِ ِ ت َر ِّ
ك َّ
اَّللُ خيَْلُ ُق َما يَ َ ش ٌر قَ َس ْس ِين بَ َََّن يَ ُكو ُن ِيل َولَ ٌد َوَملْ ميَْ َ
ب أ َّ ( ،)4وقوله تعاىل ((قَالَ ْ
ول لَهُ ُك ْن فَـيَ ُكو ُن)) ( ،)5أي مثل ذلك اخللق املذكور ،خيلق ما يشاء) (،)6 ضى أ َْمراً فَِإ َّمنَا يَـ ُق ُ
قَ َ
والتشبيه هنا يف اإلجابة على استفهام زكراي ـ عليه السالم ـ ،يف اآلية األوىل (كذلك هللا يفعل ما
يشاء) ويف اإلجابة على استفهام مرمي ـ عليها السالم ـ يف اآلية الثانية (كذلك هللا خيلق ما يشاء).
ويعتمد على وجود الكاف للتشبيه ،وقد اتصلت ابسم اإلشارة (ذلك) الذي يشري إىل قدرة اخللق
املطلقة هلل تبارك وتعاىل ،وملا كان الباري عز وجل قد خلق
__________
( )1البقرة.)220( :
( )2التحرير والتنوير ،جـ / 2الكتاب الثاين.357 :
( )3آل عمران.)40( :
( )4التحرير والتنوير ،242 :3 ،وينظر :الكشاف.428 /1 :
( )5آل عمران.)47( :
( )6التحرير والتنوير.248 :3 ،
()118/1
من اخلالئق ما ال حيصي عددها إال هو تعاىل ،فقد استخدم اسم اإلشارة (ذلك) ليشري إىل جممل تلك
اخلالئق هبذه اإلشارة املوجزة اليت تتيح للمخاطب التفكري يف خملوقات هللا تعاىل ،وعدم التعجب من
خلق حيىي وعيسى ـ عليهما السالم ـ عن طريق املعجزة.
أما الكيفية اخلاصة اليت يقوم عليها هذان التشبيهان ،فهي يف تلك اإلشارة املوجزة إىل جممل القدرة
اإلهلية يف اخللق ،ولذا فان (كذلك) مل تستخدم يف هذا النوع من التشبيه إال للتدليل على أمور تقوم
عل خرق العادة ،وتعتمد اإلعجاز ،ولكنها ال تعد شيئا إذا ما قيست بقدرة البارئ عز وجل ،وكان
هذان التشبيهان واقعني يف جواب عن سؤال صريح اعتمد األداة (أَّن) اليت استفهم هبا عن كيفية
ذلك اخللق اخلارق للعادة والنواميس الطبيعية ،ومثلما احتوى جواب القران على التشبيه فقد احتوى
على (التمثيل) أيضا ،وقد حدده السكاكي مبا كان ((وجهه وصفا غري حقيقي ،وكان منتزعا من عدة
أمور)) ( ،)1إال أن اخلطيب القزويين ال يقول بغري احلقيقي شرطا للتشبيه التمثيلي بل يشرتط انتزاع
الوجه فيه من عدة أمور (.)2
اَّللُ ال يَـ ْه ِدي اَّلل الْ َك ِذب و ُهو ي ْد َعى إِ َىل ِْ
األ ْس ِ
الم َو َّ كما يف قوله تعاىل(( :ومن أَظْلَم ِممَّ ِن افْ َرتى علَى َِّ
َ َ َ ُ َ َ ََ ْ ُ
اَّللُ ُمتِم نُوِرهِ َولَ ْو َك ِرَه الْ َكافِ ُرو َن) (.)3 الْ َقوم الظَّالِ ِمني * ي ِري ُدو َن لِيط ِْفئوا نُور َِّ
اَّلل ِأبَفْـ َو ِاه ِه ْم َو َّ ُ ُ َ َ ُ َْ
لقد شبه حال هؤالء الظاملني (حبال من ينفخ يف نور الشمس بفيه ليطفئه (وهللا متم نوره) أي؛ متم
احلق ومبلغه غايته) ( ،)4لقد قام اجلواب على عالقة بني هيئتني فهؤالء (يريدون عوق ظهور اإلسالم
كمثل قوم يريدون إطفاء النور ،فهذا تشبيه اهليئة ابهليئة ،تشبيه املعقول ابحملسوس) (.)5
__________
( )1مفتاح العلوم.575 :
( )2ينظر :التلخيص ،247 :واإليضاح 254 :ـ .255
( )3الصف7( :ـ)8
( )4الكشاف.525 :4 ،
( )5التحرير والتنوير.190 :28 ،
()119/1
أما الغرض من هذا التمثيل فهو بيان حال هؤالء ،وإظهارهم بشكل يدعو إىل السخرية من فعلهم
ومن عقوهلم ألهنم يقفون هذا املوقف ،أمام قدرة الباري عز وجل ،وقد وقع التمثيل يف جواب سؤال
ضمين عام ،إذ ينشأ يف الذهن سؤال عن السبب يف عدم هداية هؤالء القوم الظاملني؟ فيكون اجلواب
أبهنم (يريدون ليطفئوا نور هللا أبفواههم .) ...
وتربز يف التمثيل قوة خاصة للبالغة القرآنية ألن التمثيل يبعث (املعىن إىل النفس بوضوح وجالء
مؤيدا ابلربهان ،وان أتى بعد استيفاء املعىن كان دليال على متكنه يف النفس ورسوخه يف الذهن وثبوته)
()1
أما مصدر هذه التشبيهات الواردة يف اجلواب القرآين فنالحظ أن ثالثة منها قد صدرت هنا عن
الباري عز وجل ،وهي تشبيه الناس ابلفراش املبثوث ،واجلبال ابلعهن املنفوش ،وهو تشبيه مرسل
بسبب ذكر أداة التشبيه ،وهو تشبيه جممل لعدم ذكر وجه الشبه ،أما التشبيه الثاين ،وهو عن تشبيه
إميان املنافقني ابجلنة ،فهو تشبيه بليغ لعدم ذكر أداة التشبيه ووجه الشبه ،وكان الغرض من هذا
التشبيه فضح هؤالء املنافقني.
أما التشبيه الثالث فكان تشبيها متثيليا يقوم على تشبيه هيئة هبيئة أخرى ،إذن فكل تشبيه كان يصب
يف هدف معني ،فقد كان التشبيه األول مما يصور
أهوال ،ومشاهد يوم القيامة ،وكان التشبيه الثاين يصور حال املنافقني ،وكان التشبيه الثالث يصور
واقع حال أعداء اإلسالم من الظاملني واملشركني ،ويتضح من ذلك ان التشبيه يف اجلواب القرآين مل
يركز على جانب واحد فقط ،بل ركز على جوانب عدة ،فكان كل تشبيه خيدم غرضا معينا ،كما ان
التشبيه األول قد وقع يف جواب سؤال صريح ،بينما كان التشبيهان الثاين والثالث واقعني يف جواب
سؤال مقدر.
وهناك تشببيه بليغ وقع يف جواب سؤال قد وجه إىل النيب صلوات هللا وسالمه عليه عن اليتامى،
وقد أمر ابإلجابة عليه من هللا تعاىل ،وهو تشبيه بليغ
__________
( )1التصوير البياين ،116 :وينظر :أسرار البالغة 101 :ـ .102
()120/1
لعدم ذكر أداة التشبيه ووجه الشبه ،وكان جوااب عن سؤال صريح موجه من املؤمنني.
أما التشبيهان األخريان فكاان صادرين عن املالئكة ،وكاان بكيفية خاصة ،وقد تركز على غرض واحد
هو دفع التعجب عن املستفهمني ،واالستدالل على قدرة اخللق املطلقة هلل تبارك وتعاىل ،وكان هذان
التشبيهان واقعني يف جواب سؤال صريح من زكراي ومرمي ـ عليهما السالم ـ.
وجتدر اإلشارة إىل أن التشبيه كان اقل فنون البيان ورودا يف اجلواب القرآين ،إذ مل يرق عدد
التشبيهات يف اجلواب القرآين إىل ما ورد من اجملازات ،واالستعارات فيه.
()121/1
2ـ االستعارة
تعد االستعارة جمازا يقوم على التشبيه ،إذ التشبيه (كاألصل يف االستعارة ،وهي شبيهة ابلفرع له ،أو
صورة مقتضبة من صوره) ( ،)1وعلى أساس هذه العالقة بني التشبيه واجملاز قال بعضهم ((زوج اجملاز
ابلتشبيه ،فتولد بينهما االستعارة ،فهي جماز عالقته املشاهبة)) (.)2
اما الكيفية اليت تقوم عليها االستعارة ،فيحددها عبد القاهر اجلرجاين أبن ((يكون للفظ اصل يف
الوضع اللغوي معروف تدل عليه الشواهد على انه اختص به حني وضع ،مث يستعمله الشاعر ،أو
غري الشاعر يف غري ذلك األصل ،وينقله إليه نقال غري الزم هناك كالعارية)) ( ،)3وقد عرف
السكاكي االستعارة بقوله ((هي ان تذكر أحد طريف التشبيه وتريد به الطرف اآلخر مدعيا دخول
املشبه يف جنس املشبه به داال على ذلك ابثباتك للمشبه ما خيص املشبه به)) ( ،)4واعتمادا على
هذا األساس فاان نوردها بعد التشبيه مباشرة.
لقد وقع اخلالف بني البالغيني حول االستعارة؛ أهي من اجملاز اللغوي ،أم العقلي ،إال أن أكثرهم يرى
أهنا من اجملاز اللغوي ( ،)5لقد ضم القرآن الكرمي عددا كبريا من االستعارات اليت أبرزت اجلانب
اجلمايل يف التعبري القرآين بشكل يدعو إىل اإلعجاب فكانت هذه االستعارات القرآنية ميداان رحبا
إلبراز جوانبها املتميزة عند املفسرين والباحثني ،ولذلك فانه ليس من الغريب أن يضم جواب
القرآن ،استعارات عديدة ،بل كانت االستعارة اكثر فنون البيان ورودا يف هذا اجلواب.
__________
( )1أسرار البالغة ،28 :وينظر :مفتاح العلوم ،593 :وهناية اإلجياز ،118 :وعلم البيان ،د .بدوي
طبانة ،126 :وعلم أساليب البيان ،د .غازي ميوت.238 :
( )2االتقان يف علوم القرآن.57 :2 ،
( )3أسرار البالغة.29 :
( )4مفتاح العلوم.599 :
( )5ينظر :هناية اإلجياز ،119 :ومفتاح العلوم 600 :ـ ،602والتصوير البياين ،163 :واجملاز يف
البالغة العربية ،د .مهدي صاحل السامرائي 120 :ـ 121
()122/1
لقد كان عدد االستعارات التصرحيية أكثر من االستعارات املكنية يف اجلواب القرآين ،كان ذلك على
حنو ليس كبريا بينهما ،واالستعارة التصرحيية :هي ما صرح فيها بلفظ املشبه به ،دون املشبه (.)1
ِ ك ِمن الْمصلِّني * وَمل نَ ُ ِ
*وُكنَّا ك نُطْع ُم ال ِْم ْسك َ
ني َ ((ما َسلَ َك ُك ْم ِيف َس َق َر * قَالُوا َملْ نَ ُ َ ُ َ َ َ ْ ومنه قوله تعاىل َ
ِ ِ ِ ِ اخلَائِ ِ
ب بِيَـ ْوم ال ّدي ِن * َح َّىت أ ََات َان الْيَق ُ
ني)) (.)2 *وُكنَّا نُ َك ّذ ُ
ني َ
ضَ وض َم َع ْ
َخنُ ُ
وجاءت االستعارة يف قوله (كنا خنوض مع اخلائضني) ،واصل اخلوض (الدخول يف املاء ،ويستعار
كثريا للمحادثة املتكررة ،وقد اشتهر اطالقه يف القرآن الكرمي على اجلدال واللجاج غري احملمود))
( ،)3وهذا مايتعلق ابملشبه به ،اما املشبه الذي طوي ذكره ،ومل يظهر يف اآلية املباركة ،فان املقصود
ابخلوض هو ((الشروع يف الباطل ،وما ال ينبغي)) ( ،)4إذن تقوم هذه االستعارة على تشبيه الكالم
الباطل لدى هؤالء اجملرمني ،ابخلوض يف املاء؛ أي كأهنم يسبحون مجيعا يف هذا املاء الذي هو الباطل،
ويريدون الوصول إىل الضفة األخرى حيث يصلون بذلك إىل هدفهم من وراء ذلك الباطل ،وهو
رفض دعوة احلق اليت وجهت إليهم لالميان ابهلل الواحد االحد ،وهذه االستعارة من تشبيه املعقول
ابحملسوس ،وهي استعارة تصرحيية تبعية ،وقد وقعت يف جواب سؤال صريح.
َّاس ما وَّالهم عن ِقبـلَتِ ِهم الَِّيت َكانُوا علَيـها قُل َِِّ
َّلل ال َْم ْش ِر ُق ِ
َ َْ ْ ول الس َف َهاءُ م َن الن ِ َ َ ُ ْ َ ْ ْ ُ ((سيَـ ُق ُ
أما قوله تعاىل َ
صر ٍ
اط ُم ْستَ ِق ٍيم)) ()5 والْم ْغ ِرب يـ ْه ِدي من ي َ ِ ِ
شاءُ إ َىل ََْ َ َ َ ُ َ
فقد جاءت االستعارة يف قوله تعاىل (يهدي من يشاء إىل صراط مستقيم) ،إذ كثر يف القرآن الكرمي
(التجوز بلفظ الطريق والطريقة والصراط عن املنهج واملسلك الذي يسلكه اإلنسان ،أوالدين
والشرعة اليت يسري عليها يف حياته)) (.)6
__________
( )1ينظر :مفتاح العلوم.604 :
( )2املدثر 42( :ـ .)47
( )3التحرير والتنوير.327 :29 ،
( )4الكشاف.655 :4 ،
( )5البقرة.)142( :
( )6أساليب اجملاز يف القرآن الكرمي.251 :
()123/1
وتعتمد هذه االستعارة على تشبيه الدين أو الشرعة ابلصراط ،وهو الطريق ،إذ املشبه معقول ،بينما
املشبه به حمسوس ،اما من حيث اعتبار ما يالئم املستعار فهذه استعارة مرشحة ،إذ ذكر معها مالئم
الصراط ،وهو صفة (املستقيم) ( ،)1وهذه االستعارة اصلية ألهنا جرت يف اسم جامد غري مشتق
وهو الصراط.
وملا كان التعبري القرآين قد اكثر من إطالق (الصراط) على الدين ،أو الشريعة ،أو املنهج ،فقد كثر
إطالق معىن الضالل ،وما يشتق منه على من مل يعتنق هذا الدين ،أو يسري على املنهج الذي يريده
ِ ِ ِ ِ
ج َسأَ َهلُ ْم َخ َزنَـتُـ َها اد متََيَّـ ُز م َن الْغَْيظ ُكلَّ َما أُلْق َي ف َ
يها فَـ ْو ٌ هللا تبارك وتعاىل ،كما يف قوله جلت قدرته ((تَ َك ُ
ٍ
ض ٍ
الل اَّللُ ِم ْن َش ْيء إِ ْن أَنْـتُ ْم إَِّال ِيف َ
اء َان نَ ِذ ٌير فَ َك َّذبْـنَا َوقُـلْنَا َما نَـ َّز َل َّ ِ ِ
أََملْ َأيْت ُك ْم نَذ ٌير * قَالُوا بَـلَى قَ ْد َج َ
َكبِ ٍري)) (.)2
ِ ِ ِ وقوله تبارك وتعاىل ((قَالُوا أَوَمل تَ ُ ِ
ك َأتْتي ُك ْم ُر ُسلُ ُك ْم ِابلْبَـيّنَات قَالُوا بَـلَى قَالُوا فَا ْد ُعوا َوَما ُد َعاءُ الْ َكاف ِر َ
ين َْ
الل)) (.)3 ض ٍ إَِّال ِيف َ
وهااتن االستعاراتن يف قوله (إال يف ضالل مبني) وقوله (إال يف ضالل) تقومان على تشبيه ترك السري
يف الطريق الصحيح ،اواملنهج الذي جيب ان يتبع بـ (الضالل) ،وتشرتك االستعاراتن يف كوهنما
واقعتني يف جواب سؤال صريح ،وقد وقعتا يف سؤال موجه من خزنة انر جهنم إىل الكافرين الذين
يلقون فيها ،إال أهنما يفرتقان يف كون االستعارة األوىل قد وقعت يف جواب الكافرين لسؤال خزنة
جهنم ،فوصفوا املنذرين هلم أبهنم يف ضالل مبني ،وهي استعارة غري صحيحة ـ إذا صح التعبري ـ إذ إن
من أنذروا هؤالء الكافرين مل يكونوا على ضالل ،بل كانوا على صراط مستقيم ،واهتام الكافرين هلم
بذلك ال يغري من مطابقة الواقع شيئا ،اما االستعارة الثانية فهي استعارة تطابق واقع هؤالء الكافرين
الذين تركوا دين احلق فكتب عليهم اخللود يف انر جهنم ،وقد وقعت هذه االستعارة الثانية يف رد
خزنة انر جهنم
__________
( )1ينظر :مفتاح العلوم.616 :
( )2امللك ( 8ـ .)9
( )3غافر (.)50
()124/1
()125/1
()126/1
()127/1
وقد وقعت يف جواب سؤال صريح بغض النظر عن الغرض الذي خرج إليه هذا االستفهام ألنه
استفهام صادر من هللا تبارك وتعاىل.
يل َِّ
اَّلل َوُك ْف ٌر بِ ِه ص ٌّد َع ْن َسبِ ِ ال فِ ِيه قُل قِتَ ٌ ِ ِ ِ الش ْه ِر ا ْحلَر ِام قِتَ ٍ
ك َع ِن َّ
ري َو َ
ال فيه َكب ٌ ْ َ وقوله جل وعال ((يَ ْسأَلونَ َ
رب ِم َن الْ َق ْت ِل َوال يَـ َزالُو َن يُـ َقاتِلُونَ ُك ْم َح َّىت والْمس ِج ِد ا ْحلر ِام وإِ ْخراج أ َْهلِ ِه ِم ْنهُ أَ ْكرب ِع ْن َد َِّ ِ
اَّلل َوالْف ْتـنَةُ أَ ْك َُ َُ ََ َ َ ُ َ َْ
ك َحبِطَ ْ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ت أَ ْع َما ُهلُ ْم ت َو ُه َو َكاف ٌر فَأُولَئ َ اعوا َوَم ْن يَـ ْرتَد ْد م ْن ُك ْم َع ْن دينه فَـيَ ُم ْ استَطَ ُ يَـ ُردوُك ْم َع ْن دين ُك ْم إِن ْ
يها َخالِ ُدو َن)) (.)1 ِ
اب النَّا ِر ُه ْم ف َ َص َح ُ كأ ْ ِيف الدنْـيَا َو ْاآل ِخ َرةِ َوأُولَئِ َ
َّاس َوإِ َْثُُه َما أَ ْك َربُ ِم ْن نَـ ْف ِع ِه َما
ري َوَمنَافِ ُع لِلن ِ ِ ِ ِ
اخلَ ْم ِر َوال َْم ْيس ِر قُ ْل في ِه َما إِ ْمثٌ َكب ٌ ك َع ِن ْ وقوله تعاىل ((يَ ْسأَلونَ َ
ايت لَ َعلَّ ُك ْم تَـتَـ َف َّك ُرو َن)) (.)2 اَّلل لَ ُكم ْاآل ِ
ني َُّ ُ ك يُـبَِّ ُك َماذَا يُـ ْن ِف ُقو َن قُ ِل ال َْع ْف َو َك َذلِ ََويَ ْسأَلونَ َ
وقد وقعت االستعارة يف اآلية األوىل يف قوله (قل قتال فيه كبري) ،ويف الثانية يف قوله (قل فيهما امث
كبري) ،وهي يف قوله (كبري) ابلتحديد فيها (والكبري يف األصل عظيم اجلثة من نوعه ،وهو جماز يف
القوي ،والكثري ،واملسن ،والفاحش ،وهو استعارة مبنية على تشبيه املعقول ابحملسوس ،شبه القوي يف
نوعه بعظيم اجلثة يف االفراد ،ألنه مألوف يف انه قوي ،وهو هنا العظيم يف املأمث بقرينة املقام مثل
تسمية الذنب ابلكبرية) (.)3
وقد وقعت هااتن االستعاراتن يف جواب سؤال صريح وجه من املؤمنني إىل النيب الكرمي ـ صلوات هللا
عليه وسالمه ـ ،وقد جاء اجلواب من هللا تعاىل
على لسان نبيه مفتتحا بفعل األمر (قل).
ب ال يُـ ْفلِ ُحو َن * َمتَا ٌ
ع ومن االستعارة املكنية ـ أيضا ـ قوله تعاىل ((قُل إِ َّن الَّ ِذين يـ ْف َرتو َن َعلَى َِّ ِ
اَّلل الْ َكذ َ ََ ُ ْ
ِ ِ ِ ِ
الشدي َد مبَا َكانُوا يَ ْك ُف ُرو َن)) ( )4وقوله تبارك وتعاىل: اب َّ ِيف الدنْـيَا ُمثَّ إِلَْيـنَا َم ْرج ُع ُه ْم ُمثَّ نُذي ُق ُه ُم ال َْع َذ َ
((ولَ ْو تَـ َرى إِ ْذ ُوقِ ُفوا
َ
__________
( )1البقرة.)217( :
( )2البقرة.)219( :
( )3التحرير والتنوير ،اجلزء الثاين /الكتاب الثاين.326 :
( )4يونس 69( :ـ .)70
()128/1
اب ِمبَا ُك ْنـتُ ْم تَ ْك ُف ُرو َن)) (.)1 س َه َذا ِاب ْحلَ ِّق قَالُوا بَـلَى َوَربِّنَا قَ َ
ال فَ ُذوقُوا ال َْع َذ َ َعلَى َرّهبِِ ْم قَ َ
ال أَلَْي َ
لقد وردت االستعارة يف اآلية األوىل يف قوله (مث نذيقهم العذاب الشديد) ،ويف اآلية الثانية يف قوله
(قال فذوقوا العذاب) ،فالتجوز هنا بلفظ (نذيقهم) عن االبتالء ومالبسة العذاب الشديد ( ،)2إذ
ان األصل يف االذاقة ان تكون ابلفم عن
طريق اللسان ،اما هنا فقد شبه تعذيب هؤالء ابالذاقة ،وقد بنيت هذه االستعارة على تشبيه
احملسوس ابحملسوس ،وقد وردت االستعاراتن يف جواب سؤال ضمين ،واالستعاراتن مكنيتان تبعيتان.
الر ْز َق لِ َم ْن يَ َ
شاءُ ط ِّسُ ِ ((وقَالُوا َْحن ُن أَ ْكثَـ ُر أ َْم َواالً َوأ َْوالداً َوَما َْحن ُن ِمبَُع َّذبِ َ
ني * قُ ْل إ َّن َرِّيب يَـ ْب ُ وقال تعاىل َ
َّاس ال يَـ ْعلَ ُمو َن)) (.)3 َويَـ ْق ِد ُر َولَ ِك َّن أَ ْكثَـ َر الن ِ
لقد وردت االستعارة يف (ان ريب يبسط الرزق ملن يشاء) ((وبسط الرزق تيسريه وتكثريه ،واستعري له
البسط ،وهو نشر الثوب وحنوه ،ألن املبسوط تكثر مساحة انتشاره)) ( ،)4إذن فهذه تعتمد على
تشبيه تكثري الرزق ببسط الثوب وغريه ،فيكون من تشبيه املعقول ابحملسوس ،فاهلل تعاىل قد شبه
تكثري الرزق ببسط الثوب ،أي مده ،فحذف املشبه به وأبقى شيئا من لوازمه ،وهو البسط،
واالستعارة هنا مكنية تبعية ،وهي واردة ضمن جواب عن سؤال مقدر ،إذ بعد تفاخر هؤالء أبمواهلم
وأوالدهم يتبادر إىل الذهن ،وماذا كان الرد على قول هؤالء؟ فيأيت اجلواب (قل هللا يبسط الرزق ملن
يشاء .) ...
يتضح مما تقدم ان االستعارة التصرحيية اكثر ورودا من االستعارة املكنية يف جواب القرآن الكرمي،
وكانت االستعارة اكثر فنون البيان ورودا يف هذا اجلواب ،وقد أضفت هذه االستعارات على املعىن
بعدا جديدا أكسبه قوة يف إيصال الفكرة من خالل عرض اجلواب مع مراعاة حتقيق التأثري املطلوب
يف نفس املخاطب من
__________
( )1االنعام.)30( :
( )2ينظر :أساليب اجملاز يف القرآن الكرمي.231 :
( )3سبأ 35( :ـ .)36
( )4التحرير والتنوير.214 :2 ،
()129/1
خالل التعبري البليغ ،وملا كانت هذه االستعارات قد وردت يف مواقف خمتلفة ،فقد كان ال بد من أن
تتسع الفجوة أو تضيق بني املشبه ،واملشبه به ،أو املستعار واملستعار له ،فقد جاءت بعض
االستعارات أبلغ من غريها ،كما يف استعارة اخلوض للكالم الباطل ،واستعارة الصراط املستقيم
للدين ،أو الشريعة ،واستعارة الضالل بعدم اتباع املنهج االهلي ،أو استعارة االذاقة للعذاب ،أو اخلتم
للمنع من رؤية احلق ،أو الثقب للنجم ،اليت هي من ((مبتكرات القرآن الكرمي ،ومل ترد يف لغة العرب
فبل القرآن)) (.)1
وحينما منعن النظر يف املستعار واملستعار له جند الكمية األكرب ،تقوم على كون املشبه عقليا ،أو
املشبه به حمسوسا ،وهذا يعين أن هذه االستعارات كانت ترمي إىل تصوير هذه األمور العقلية
وتشبيهها أبمور حسية من أجل تقريبها قدر اإلمكان من ذهن املخاطب مع احملافظة على مجال
األسلوب وقوة التعبري.
ولعل السبب يف كون االستعارة التصرحيية اكثر من املكنية هو ان االستعارة املكنية ابلغ من التصرحيية
( ،)2وقد يكون مرد ذلك إىل أن املسافة بني املشبه واملشبه به يف املكنية أبعد منها يف التصرحيية مما
يتطلب من املخاطب إعمال فكره من اجل الربط بني املشبه واملشبه به ،بينما الغاية من اجلواب هي
إيضاح املبهمات ،واإلجابة على األسئلة الكثرية الواردة يف القرآن الكرمي ،اليت كان بعضها يف
موضوعات دقيقة جدا ،وذلك يتطلب خطااب جيمع بني الوضوح ،والدقة من جهة ،وبني التأثري يف
النفس ،والبالغة العالية اليت تناسب املقام من جهة أخرى ،وجتدر اإلشارة إىل ان استعارة التبعية
كانت أكثر بكثري من االستعارة األصلية اليت تكون يف االسم اجلامد غري املشتق.
__________
( )1التحرير والتنوير.259 :30 ،
( )2ينظر :االتقان يف علوم القرآن.60 :2 ،
()130/1
3ـ اجملاز
إن كل لفظ وكل تركيب يف اللغة البد من أن حيمل على أحد حمملني :أما أن يكون حقيقة ،،واما أن
يكون جمازا ،كأن اللغة تنقسم نصفني مها :احلقيقة ،واجملاز وال اثلث هلما ،إذ ليس هنالك ما يقع
بينهما ،فالحيسب ألحد الطرفني ،أو ان يشرتكا فيه حبيث يضيع احلد الفاصل بينهما هذا بغض النظر
عما ينتقل من احلقيقة إىل اجملاز بوساطة احلكم ،أو اإلسناد يف (اجملاز العقلي).
لقد عرف عبد القاهر اجلرجاين اجملاز بقوله(( :هو كل كلمة أريد هبا غري ما وقعت له يف وضع واضعها
ملالحظة بني الثاين واألول)) (.)1
أما السكاكي فعرفه بقوله ((هو الكلمة املستعملة يف غري ما هي موضوعة له ابلتحقيق استعماال يف
الغري ابلنسبة إىل نوع حقيقتها مع قرينة مانعة من إرادة معناها يف ذلك النوع)) ( ،)2ويالحظ أن
السكاكي يشرتط وجود القرينة اليت متنع من إرادة املعىن احلقيقي ،وهذه القرينة أما أن تكون لفظية،
أو تكون حالية ،ومل خيرج تعريف اخلطيب القزويين عن تعريف السكاكي ،إذ عرف اجملاز بقوله ((هو
الكلمة املستعملة يف غري ما وضعت له يف اصطالح التخاطب على وجه يصح مع قرينة عدم
إرادته)) (.)3
ويتضح مما تقدم ((ان القول ابجملاز يفرتض ابلضرورة نوعا من التطور التارخيي يف تطور داللة اللغة كما
يفرتض أسبقية وأولية للداللة اليت تسمى (حقيقة) على الداللة اليت (جمازا) ،كما يفرتض ـ أيضا ـ
عالقة ما بني الداللة (احلقيقية) ،والداللة (اجملازية))) (.)4
__________
( )1أسرار البالغة.325 :
( )2مفتاح العلوم.589 :
( )3التلخيص.294 :
( )4اشكاليات القراءة وآليات التأويل ،نصر حامد أبو زيد.127 :
()131/1
أما اجملاز يف القرآن الكرمي فقد اختلف فيه ،فهنالك من نفى وجوده يف كتاب هللا ،وهنالك من توسع
فيه ،وهنالك من وقف موقفا وسطا (.)1
ومع وجود هذه اخلالفات ،فانه من غري املكن نفي وجود اجملاز يف القرآن الكرمي ((ولو سقط اجملاز
من القرآن سقط منه شطر حسن)) (.)2
وملا كان هذا الكتاب العظيم قد نزل بلغة العرب اليت حتفل ابلكثري من اجملاز ،فقد كان البد من أن
يضم هذا الكتاب شطرا كبريا منه.
وجتدر اإلشارة إىل أن التعبري القرآين قد آثر اجملاز يف جوانب كثرية منه على غريه وهو واحد من
األساليب املهمة اليت هتيئ اجلو املناسب للتأثري يف املخاطب.
__________
( )1ينظر اإلتقان يف علوم القرآن ،47 :2 ،وإشكاليات القراءة وآليات التأويل 121 :ـ ،147
واملنظور البالغي يف تفسري التحرير والتنوير 137 :ـ .138
( )2اإلتقان يف علوم القرآن.47 :2 ،
()132/1
أ ـ اجملاز املرسل
لقد عرب عنه السكاكي بقوله(( :اجملاز اللغوي الراجع إىل املعىن املفيد اخلايل من املبالغة يف التشبيه))
( ،)1ومعىن ذلك ((ان تعدى الكلمة عن مفهومها األصلي مبعونة القرينة إىل غريه ملالحظة بينهما،
ونوع تعلق)) (.)2
أما اخلطيب القزويين ،فاجملاز املرسل عنده ((ما كانت العالقة بني ما استعمل فيه وما وضع له مالبسة
غري التشبيه)) (.)3
وكل ذلك من أجل التفرقة بينه وبني االستعارة ،فقد جعل السكاكي ،واخلطيب القزويين عدم وجود
التشبيه من جهة ،ووجود القرينة من جهة أخرى األساس الذي يقوم عليه هذا اجملاز ،ولعل يف كالم
الدسوقي (ت 1110هـ) زايدة يف اإليضاح ،إذ يقول عن اجملاز املرسل(( :امنا مسي مرسال إلرساله عن
التقييد بعالقة واحدة خمصوصة ،بل ردد بني عالقات خبالف اجملاز االستعاري ،فانه مقيد بعالقة
واحدة هي املشاهبة)) (.)4
إذن فعالقات هذا اجملاز متعددة وغري حمصورة بعدد معني ،ويكفي للداللة على ذلك االطالع على
أي كتاب بالغي قدمي ،أو حديث تعرض لبحث اجملاز (.)5
ومن عالقات اجملاز املرسل الواردة يف اجلواب القرآين العالقة احمللية ،وذلك أبن يذكر احملل ،ويراد
احلال فيه كما يف قوله جل شأنه(( :فَأَ ْخ َر ْجنَا َم ْن
ِ َكا َن فِيها ِمن الْم ْؤِمنِني * فَما وج ْد َان فِيها غَري بـي ٍ ِ
ت م َن ال ُْم ْسل ِم َ
ني)) (.)6 َ َْ َ ْ َ ََ َ َ ُ
__________
( )1مفتاح العلوم.595 :
( )2م .ن.595 :
( )3التلخيص.295 :
( )4شروح التلخيص ،حاشية الدسوقي ،29 :4 ،وينظر :التصوير البياين ،88 :وأساليب اجملاز يف
القرآن الكرمي.281 :
( )5ينظر :التلخيص 297 :ـ ،299واإلتقان 47 :2 ،ـ ،53والتصوير البياين 88 :ـ ،99وعلم
البيان ،د .بدوي طبانة 153 :ـ ،157وعلم البيان ،د .عبد العزيز عتيق 158 :ـ .165
( )6الذارايت 35( :ـ .)36
()133/1
وقد جاء اجملاز يف قوله (بيت من املسلمني) ،إذ املقصود أهل ذلك البيت ،وليس البيت نفسه ،أي
أطلق احملل وأراد من حل فيه ،وقد ورد ذلك يف كالم املالئكة مع إبراهيم ـ عليه السالم ـ بعد أن
نفذوا أمر هللا تعاىل ابلقضاء على العصاة من قوم لوط عليه السالم ،وقد وقع هذا اجملاز املرسل يف
جواب سؤال ضمين تقديره :ومن هم أولئك املؤمنون الذين أخرجهم هللا تعاىل؟.
((وقَالُوا أَإِ َذا ُكنَّا ِعظَاماً َوُرفَااتً أَإِ َّان لَ َم ْبـ ُعوثُو َن َخلْقاً َج ِديداً* قُ ْل
ومن هذه العالقة ورد قوله جلت قدرته َ
سيَـ ُقولُو َن َم ْن يُِعي ُد َان قُ ِل الَّ ِذي فَطََرُك ْم أ ََّو َل ِ ِ ِ
ْرب ِيف ُ
ص ُدوِرُك ْم فَ َ ارةً أ َْو َحديداً* أ َْو َخلْقاً ممَّا يَك ُُ
ُكونُوا ح َج َ
سى أَ ْن يَ ُكو َن قَ ِريباً)) ( ،)1وقد جاء اجملاز سيُـ ْن ِغ ُ
ضو َن إِلَْي َ ٍ
وس ُه ْم َويَـ ُقولُو َن َم َىت ُه َو قُ ْل َع َ
ك ُرُؤ َ َم َّرة فَ َ
املرسل يف قوله (أو خلقا مما يكرب يف صدوركم) ،وكأن هللا تعاىل يقول هلؤالء ((افرضوا شيئا آخر أبعد
عن قبول احلياة من احلجر ،واحلديد حبيث يستبعد عقلكم كونه قابال للحياة)) ( ،)2وقد أطلق
الباري عز وجل كلمة (صدوركم) وأراد هبا (العقول) ،وملا كان الصدر يضم القلب الذي كثريا ما
يذكره القرآن الكرمي ،ويريد به العقل (،)3فقد حسن هذا اجملاز أي أنه قد ذكر احملل وأراد من حيل
فيه.
إن التعبري القرآين يؤثر استخدام احملل يف اآلية الكرمية جملاهبة هؤالء املشركني املنكرين حياهتم بعد
املوت حبيث ينقلهم إىل جو يفوق جمال اإلدراك احلسي والبديهيات اليت يعرفوهنا ،ليكون ذلك أبلغ
يف تبكيتهم ،وإشعارهم بضآلتهم أمام القدرة املطلقة خلالق السماوات واألرض.
ومن عالقات اجملاز املرسل اليت كان هلا نصيب يف اجلواب القرآين العالقة احلالية ،أي أن يذكر لفظ
((وِم َن اللَّْي ِل
احلال ويراد به احملل ،أي على العكس من العالقة السابقة ،ومنها قوله سبحانه تعاىلَ :
ك َم َقاماً َْحم ُموداً)) ( ،)4وقد جاء اجملاز املرسل يف قوله سى أَ ْن يَـ ْبـ َعثَ َ
ك َرب َ ِِ ِ
فَـتَـ َه َّج ْد به َانفلَةً لَك َع َ
(مقاما
__________
( )1اإلسراء ( 49ـ .)51
( )2التفسري الكبري.226 :20 ،
( )3ينظر :اإلتقان يف علوم القرآن.49 :2 ،:
( )4اإلسراء.)79( :
()134/1
حممودا) إذ وصف املقام أبنه حممود (وصف جمازي ،واحملمود من يقوم فيه) ( ،)1وقد ورد ذلك ضمن
جواب سؤال مقدر هو سؤال عن السبب مطلقا ،عن السبب يف أمر هللا تعاىل لنبيه صلوات هللا
وسالمه عليه ابلتهجد يف الليل؟
َّاس اب ْاآل ِخ َرةِ َذلِ َ
ك يَـ ْوٌم َْجم ُموعٌ لَهُ الن ُ ك َآليَةً لِ َم ْن َخ َ
اف َع َذ َ ومن العالقة نفسها قوله تعاىل ((إِ َّن ِيف َذلِ َ
ك يَـ ْوٌم َم ْش ُهو ٌد)) ( ،)2واجملاز يف قوله (ذلك يوم مشهود) إذ وصف اليوم (بصفة ما يقع فيه ،أي َو َذلِ َ
مشهود فيه على الناس أبعماهلم ،والشهود احلفظة ،والرسل ،واجلوارح ،واألرض ،ورب العاملني) (،)3
وقد جاء هذا اجملاز يف جواب سؤال ضمين عن سبب اخلوف يف ذلك اليوم؟ فيكون اجلواب أبن
(ذلك يوم جمموع له الناس وذلك يوم مشهود).
ومن عالقات اجملاز املرسل اجلزئية ،واملقصود هبا تسمية الشيء ابسم أجزائه ،كما يف قوله تعاىل:
اك َما ال َْع َقبَةُ * فَك َرقَـبَ ٍة)) ( )4فقد أطلق اسم الرقبة وأريد هبا جسم
((فَال اقـْتَ َح َم ال َْع َقبَةَ * َوَما أَ ْد َر َ
اإلنسان كامال ،واملراد بذلك عتق اململوك يف سبيل هللا ،وجاء هذا اجملاز يف جواب سؤال صريح
تصدرته أداة االستفهام (ما) ،ومبا أن االستفهام كان للتصور فان اجلواب جاء بتعيني املفرد.
يك َوَْجن َع ُل لَ ُك َما ُس ْلطَاانً فَال ض َد َك ِأب ِ
َخ َ شد َع ُ
ال َسنَ ُ
ومن هذه العالقة أيضا جاء قوله تبارك وتعاىل(( :قَ َ
صلُو َن إِلَْي ُك َما ِِبايتِنَا أَنْـتُ َما َوَم ِن اتَّـبَـ َع ُك َما الْغَالِبُو َن)) (.)5
يِ
َ
فقد ((عرب ابلعضد عن موسى ـ عليه السالم ـ جمازا وهو من اجملازات البليغة؛ ألن العضد هو حمل
القوة من اليد اليت يدافع هبا اإلنسان عن نفسه)) (.)6
__________
( )1التحرير والتنوير.185 /15 ،
( )2هود.)103( :
( )3أساليب اجملاز يف القرآن الكرمي.370 :
( )4البلد 11( :أ .)13
( )5القصص.)35( :
( )6أساليب اجملاز يف القرآن الكرمي.298 :
()135/1
وهذا اجملاز وارد ضمن جواب هللا تعاىل لدعاء موسى ـ عليه السالم ـ أبن جيعل معه أخاه هارون ـ عليه
السالم ـ يف دعوته لفرعون.
ومن عالقات اجملاز املرسل اليت كان هلا نصيب يف اجلواب القرآين إطالق الفعل واملراد مشارفته
ومقاربته وإرادته ،كما يف قوله جل وعال:
اَّللُ لِ ُك ِّل
اء َّ ِ ك لِنَـ ْف ِسي َ
ض ّراً َوال نَـ ْفعاً إ َّال َما َش َ ني * قُ ْل ال أ َْملِ ُ ((ويـ ُقولُو َن مىت ه َذا الْو ْع ُد إِ ْن ُك ْنـتُم ِ ِ
صادق َ ْ َ ََ َ َ ََ
اعةً َوال يَ ْستَـ ْق ِد ُمو َن)) ( )1أي (فإذا قرب جميئه) (،)2 ِ أ َُّم ٍة أ َ ِ
َجلُ ُه ْم فَال يَ ْستَأْخ ُرو َن َس َ
اء أ َ
َج ٌل إذَا َج َ
وهذا اجملاز واقع ضمن جواب سؤال صريح تصدرته أداة االستفهام (مىت) ،ومبا أن هللا تبارك وتعاىل
قد جعل ذلك الوقت من أمور الغيب اليت ال يعلمها إال هو سبحانه؛ فان اجلواب قد تضمن إشارة
إىل أن ذلك الوعد آت يف الوقت الذي حيدده هللا تعاىل.
__________
( )1يونس 48( :ـ .)49
( )2اإلتقان يف علوم القرآن.49 :2 ،
()136/1
ب ـ اجملاز العقلي
وقد أمساه عبد القاهر اجلرجاين (اجملاز احلكمي) ألنه ينشأ عن إسناد احلكم إىل غري فاعله احلقيقي،
وقد نبه على ذلك بقوله(( :وإذا كان معىن اللفظ موجودا على احلقيقة مل يكن اجملاز فيه نفسه ،وإذا
مل يكن اجملاز يف نفس اللفظ ال حمالة يف احلكم)) ( ،)1كما أطلق عليه أمساء أخرى.
أما السكاكي فعرفه بقوله(( :هو الكالم املفاد به خالف ما عند املتكلم من احلكم فيه لضرب من
التأويل إفادة للخالف ،ال بوساطة وضع)) (.)2
لقد جعل أكثر البالغيني اجملاز العقلي من مباحث علم البيان ((وآثر غريهم جعله من مباحث علم
املعاين)) ( ،)3ومن هؤالء اخلطيب القزويين يف اإليضاح.
وقد عده السكاكي من مباحث علم البيان ،ومل يعده من مباحث علم املعاين ،ومبا أن هذا اجملاز ـ أي
اجملاز العقلي ـ يقوم على التجوز يف اإلسناد ،فقد كان البد من أن حتدد العالقة يب املسند واملسند
إليه على أساس املالبسة بينهما ،وقد حدد البالغيون مالبسات شىت للفعل (.)4
أما أكثر عالقات اجملاز العقلي ورودا يف اجلواب القرآين ،فهي العالقة السببية ،وهي ما بين للفاعل
ول لَ ُكم ِع ْن ِدي َخزائِن َِّ
ب َوال اَّلل َوال أَ ْعلَ ُم الْغَْي َ َ ُ ((وال أَقُ ُ ْ واسند إىل السبب ،كما يف قوله تبارك وتعاىلَ :
اَّللُ أَ ْعلَ ُم ِمبَا ِيف أَنْـ ُف ِس ِه ْم إِِّين إِذاً ين تَـ ْز َد ِري أَ ْعيُـنُ ُك ْم لَ ْن يُـ ْؤتِيَـ ُه ُم َّ ك وال أَقُ ُ ِ ِ
اَّللُ َخ ْرياً َّ ول للَّذ َ ول إِِّين َملَ ٌ َ
أَقُ ُ
ِ
ني)) (.)5 لَ ِم َن الظَّال ِم َ
__________
( )1دالئل اإلعجاز.289 :
( )2مفتاح العلوم.627 :
( )3علم البيان ،د .بدوي طبانة.141 :
( )4ينظر :الكشاف ،161 :1واإليضاح ،28 :واإلتقان يف علوم القرآن ،47 :2وعلم البيان ،د.
بدوي طبانة 143ـ ،145والتصوير البياين 86ـ ،87وعلم البيان ،د .عبد العزيز عتيق 147 :ـ
،155والبالغة والتطبيق 341 :ـ .342
( )5هود.)31( :
()137/1
لقد جاءت اآلية املباركة جزءا من كالم رد به نيب هللا نوح (عليه السالم) على املأل الذين كفروا من
قومه ،فهي إذن جواب لسؤال نشأ عن قول هؤالء الكافرين ،وهو رد على جممل ما جادلوه به ،أما
اجملاز العقلي فقد جاء يف قوله (وال أقول للذي تزدري أعينكم ،) ...إذ أسند االزدراء لألعني ((وهو
من أفعال النفس جماز عقلي ألن األعني سبب االزدراء غالبا ،ألن االزدراء ينشأ من مشاهدة هذه
الصفات احلقرية عند الناظر)) (.)1
ك َما ك َم َّرةً أُ ْخ َرى * إِ ْذ أ َْو َح ْيـنَا إِ َىل أ ُِّم َ
((ولََق ْد َمنَـنَّا َعلَْي َ
ومن العالقة السببية ـ أيضا ـ جاء قوله تعاىلَ :
ْخ ْذهُ َع ُد ٌّو ِيل َو َع ُد ٌّو لَهُ َوأَلْ َق ْي ُ
ت اح ِل َأي ُ لس ِ
ْذفِ ِيه ِيف الْيَ ِّم فَـلْيُـل ِْق ِه الْيَم ِاب َّ
وت فَاق ِ
ْذفِ ِيه ِيف التَّاب ِ
َن اق ِيوحى* أ ِ
ُ ُ َ
صنَ َع َعلَى عَ ْي ِين)) (.)2 ِ ِ
ك َحمَبَّةً م ِّين َولتُ ْ
َعلَْي َ
وقد جاء اإلسناد اجملازي يف قوله (فليلقه اليم ابلساحل) ،فقد أسند اإللقاء إىل اليم بينما كان امللقي
احلقيقي هو هللا سبحانه وتعاىل ،إذ هو الذي أجناه من الغرق ،ووهب له احلياة من جديد حلكمة ابلغة
اقتضاها ذلك املوقف العظيم.
وقد ورد الفعل بصيغة األمر (فليلقه) من رب العزة تعاىل للداللة على أن الفاعل احلقيقي هو هللا
جلت قدرته ،وان جناة موسى (عليه السالم) مل تكن عن طريق الصدفة مطلقا.
وقد ورد هذا اجملاز يف جواب عن سؤال ضمين مطلق مفاده :ماذا أوحى هللا تبارك وتعاىل إىل أم
موسى (عليه السالم)؟ فيكون اجلواب (ان اقذفيه يف التابوت فاقذفيه يف اليم .) ...
ت ِمبَا َملْ
ص ْر ُ ك َاي َس ِام ِري* قَ َ
ال بَ ُ ال فَ َما َخطْبُ َ ومن العالقة السببية ت أيضا ـ جاء قوله تعاىل(( :قَ َ
ت ِيل نَـ ْف ِسي)) (.)3 ول فَـنَـبَ ْذ ُهتَا َوَك َذلِ َ
ك َس َّولَ ْ ضةً ِم ْن أَثَ ِر َّ
الر ُس ِ ت قَـ ْب َ
ضُص ُروا بِ ِه فَـ َقبَ ْ
يَـ ْب ُ
وقد ورد اإلسناد اجملازي يف قوله (وكذلك سولت يل نفسي) ،فالذي يسول للنفس وخيدعها هو
الشيطان الرجيم نفسه ،وليست النفس اإلنسانية ذاهتا ،وقد جاء
__________
( )1التحرير والتنوير.58 :12 ،
( )2طه 37( :ـ )39
( )3طه 95( :ـ .)96
()138/1
هذا اجملاز العقلي يف جواب السامري على سؤال نيب هللا موسى (عليه السالم) له عن سبب صنعه
العجل وعبادته ،وقد أدى ذلك األمر إىل أن يرتد عدد كبري من بين إسرائيل بعبادهتم العجل بعد
ذهاب نبيهم إىل ميقات ربه ،وترك أخاه هارون (عليه السالم) معهم ليحل حمله حىت يعود إليهم ،ومل
يستطع هارون (عليه السالم) الوقوف بوجه من عبد العجل منهم ،وملا كان السامري هو املسؤول
عن ضالل هؤالء فقد وجه إليه السؤال ،وهو سؤال صريح تصدرته أداة االستفهام (ما) وملا كانت
(ما) تستخدم يف استفهام التصور ،أي ادراك املفرد وتعيينه فقد جاء اجلواب ابلتعيني فاعرتف
السامري خبطئه ،وحدد السبب الذي دعاه إىل ذلك.
ول الْمنَافِ ُقو َن والْمنَافِ َق ُ ِ ِ
آمنُواين َ ات للَّذ َ َ ُ ومن العالقة السببية أيضا قوله تقدست أمساؤه(( :يَـ ْوَم يَـ ُق ُ ُ
ب َاب ِطنُهُ فِ ِيه سوٍر لَهُ َاب ٌ ِ ِ وان نَـ ْقتَبِس ِمن نُوِرُكم قِ ِ
ض ِر َ
ب بَـ ْيـنَـ ُه ْم ب ُ سوا نُوراً فَ ُ اء ُك ْم فَالْتَم ُ يل ْارج ُعوا َوَر َ
ْ َ ْ ْ انْظُُر َ
ِ ِ ِ ِ ِِ
صتُ ْم وهنُ ْم أََملْ نَ ُك ْن َم َع ُك ْم قَالُوا بَـلَى َولَكنَّ ُك ْم فَـتَـ ْنـتُ ْم أَنْـ ُف َ
س ُك ْم َوتَـ َربَّ ْ اد َ
اب* يُـنَ ُ
الر ْمحَةُ َوظَاه ُرهُ م ْن قبَله ال َْع َذ ُ
َّ
ِ وارتَـبـتم وغَ َّرتْ ُكم ْاألَم ِاين ح َّىت جاء أَمر َِّ
ور)) ()1 اَّلل َوغَ َّرُك ْم ِاب ََّّلل الْغَ ُر ُ َ ْ ُْْ َ ُ َ َ َ َ ُْ
وجاء اإلسناد اجملازي يف قوله (وغرتكم األماين) ،إذ ليست األماين هي اليت تغر اإلنسان ،وامنا هو
الشيطان ،وقد أكد هذه احلقيقة قوله بعد ذلك (حىت جاء أمر هللا وغركم ابهلل الغرور) وهو الشيطان
نفسه ( ،)2وقد ورد هذا اجملاز العقلي يف جواب سؤال صريح موجه من املنافقني واملنافقات للمؤمنني
يوم القيامة
ك َع ِن أما العالقة الزمانية فهي :فيما بين للفاعل ،وأسند إىل الزمان ،كما يف قوله تعاىل(( :يَ ْسأَلونَ َ
السماو ِ يها لَِوقْتِ َها إَِّال ُه َو ثَـ ُقلَ ْ ِ ِ ِ الس َ ِ
ض الات َو ْاأل َْر ِ ت ِيف َّ َ َ اها قُ ْل إِ َّمنَا عل ُْم َها ع ْن َد َرِّيب ال ُجيَلّ َ
اعة أ ََّاي َن ُم ْر َس َ َّ
ك ح ِف ٌّي ع ْنـها قُل إِ َّمنَا ِعلْمها ِع ْن َد َِّ
اَّلل َولَ ِك َّن أَ ْكثَـ َر الن ِ َأتْتِي ُك ْم إَِّال بَـ ْغتَةً يَ ْسأَلونَ َ
َّاس ال يَـ ْعلَ ُمو َن)) َُ ك َكأَنَّ َ َ َ َ ْ
()3
__________
( )1احلديد13( :ـ.)14
( )2ينظر :تفسري اجلاللني.716 :
( )3األعراف.)187( :
()139/1
فقد جاء التجوز يف اإلسناد يف قوله تعاىل (ثقلت فيه السموات واألرض) وقد ((وصف الساعة
ابلثقل ابعتبار ماهو مظروف يف وقتها من احلوادث ،فوصفها بذلك جماز عقلي والقرينة واضحة ،وهي
كون الثقل مبعىن الشدة ال يكون وصفا للزمان ،ولكنه وصف لألحداث فإذا أسند إىل الزمان،
فإسناده إليه يكون ابعتباره ظرفا لألحداث)) ( ،)1وهذا اإلسناد اجملازي واقع يف جواب سؤال
صريح.
ال الَّ ِذين استُ ْ ِ ِ ِ
ْر اللَّْي ِل َوالنـ َ
َّها ِر ْربوا بَ ْل َمك ُ استَك َُ ضع ُفوا للَّذ َ
ين ْ َ ْ ((وقَ َ
ومن العالقة الزمانية أيضا قوله تعاىل َ
الل ِيف أَ ْعنَ ِ ِ
اق اب َو َج َعلْنَا ْاألَ ْغ َ إِ ْذ َأت ُْم ُرونَـنَا أَ ْن نَ ْك ُف َر ِاب ََّّلل َوَْجن َع َل لَهُ أَنْ َداداً َوأ َ
َسروا النَّ َد َامةَ لَ َّما َرأ َُوا ال َْع َذ َ
ين َك َف ُروا َه ْل ُْجي َزْو َن إَِّال َما َكانُوا يَـ ْع َملُو َن)) (.)2 َّ ِ
الذ َ
لقد أسند املكر إىل الليل والنهار فكاان مها الفاعلني على سبيل اجملاز ،وقد قال الفراء (ت207هـ)
عن هذا اجملاز(( :املكر ليس لليل والنهار ،وامنا املعىن :بل مكركم ابلليل والنهار ،وقد جيوز أن
نضيف الفعل إىل الليل والنهار ،ويكوانن كالفاعلني ،ألن العرب تقول :هنارك صائم ،وليلك قائم ،مث
نضيف الفعل إىل الليل والنهار ،وهو يف املعىن لآلدميني ،كما تقول انم ليلك ،وعزم أمرك ،امنا عزمه
القوم ،فهذا مما يعرف معناه فتتسع به العرب)) (.)3
ْربوا لقد جاء هذا الكالم ردا على سؤال صريح من املستكربين يف قوله تعاىل(( :قَ َ َّ ِ
استَك َُ
ين ْ
ال الذ َ
ِ ِ ض ِع ُفوا أ َْ ِِ
ني)) ( ،)4مث افتتح اء ُك ْم بَ ْل ُك ْنـتُ ْم ُْجم ِرم َ
ص َد ْد َان ُك ْم َع ِن ا ْهلَُدى بَـ ْع َد إ ْذ َج َ
َحن ُن َ استُ ْ للَّذ َ
ين ْ
املستضعفون كالمهم يف اجلواب حبرف اإلضراب (بل) ومعىن اإلضراب هنا هو (اإلبطال) ( ،)5وهذا
اإلبطال يقابل (بل) الواردة يف كالم املستكربين ،وملا كان هذا الكالم واقعا يوم احلشر كما يتضح من
سياق اآليتني املباركتني ،وكان غرض املستكربين دفع التهمة عنهم يف اضالل املستضعفني ،فقد
انصب االهتمام على تعيني الفاعل واملسؤول عن صدهم عن
__________
( )1التحرير والتنوير.202 :9 ،:
( )2سبا.)33( :
( )3معاين القرآن.363 :2 ،
( )4سبا.)32( :
( )5ينظر :نغين اللبيب ،151 :واإلتقان.208 :1 ،
()140/1
اهلدى ،وذلك جبعل ((ليلهم وهنارهم ماكرين على اإلسناد اجملازي)) ( ،)1وملا كانه االستفهام قد ورد
للتصور أي ادراك املفرد وتعينه فقد حدد اجلواب هذا املفرد وعينه ليكون ذلك أقوى يف احلجة ورد
االهتام عن أنفسهم ضد املستضعفني.
ومن العالقات األخرى يف اجملاز العقلي الواردة يف اجلواب القرآين (املكانية)؛ أي ما يبىن للفاعل
اه ُدوا ِأب َْم َواهلِِ ْم َوأَنْـ ُف ِس ِه ْم
آمنُوا َم َعهُ َج َ
ين َ
الرس ُ َّ ِ
ول َوالذ َ
ِ
ويسند إىل املكان كما يف قوله جل وعال(( :لَك ِن َّ ُ
َّات َجتْ ِري ِمن َحتْتِها ْاألَ ْهنَار َخالِ ِد ِ اَّلل َهلُم جن ٍ ِ ات َوأُولَئِ َ َوأُولَئِ َ
يها
ين ف َ َ ُ ْ َ َع َّد َُّ ْ َ ك ُه ُم ال ُْم ْفل ُحو َن * أ َ ري ُ ك َهلُُم ْ
اخلَ ْ َ
يم)) (.)2 ِ ذَلِ َ
ك الْ َف ْوُز ال َْعظ ُ
سى َرب ُك ْم أَ ْن يُ َك ِّف َر َع ْن ُك ْم وقوله تقدست أمساؤه(( :اي أَيـها الَّ ِذين آمنوا تُوبوا إِ َىل َِّ
صوحاً َع َ اَّلل تَـ ْوبَةً نَ ُ َ َُ ُ َ َ
ِ اَّللُ النِ َّ َّ ِ ِ ٍ ِ ِ
ورُه ْم
ين آ َمنُوا َم َعهُ نُ ُ َّيب َوالذ َ ار يَـ ْوَم ال خيُْ ِزي َّ َسيِّئَات ُك ْم َويُ ْدخلَ ُك ْم َجنَّات َجتْ ِري م ْن َحتْت َها ْاأل َْهنَ ُ
ك َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير)) (.)3 ورَان َوا ْغ ِف ْر لَنَا إِنَّ َ ِ ِِ يسعى ب ْ ِ
ني أَيْدي ِه ْم َو ِأب َْميَاهن ْم يَـ ُقولُو َن َربَّـنَا أ َْمت ْم لَنَا نُ َ
َ َْ َ َ
لقد جاء اجملاز العقلي يف قوله (جتري من حتتها األهنار) فقد ((أسند اجلري إىل النهر ،أي إىل غري
فاعله احلقيقي ،ألن النهر مكان جري املاء ،وهو ال جيري ،وامنا جيري ما فيه وهو املاء ،فاسناد اجلري
إىل النهر إسناد جمازي غري حقيقي ،وهو هلذا جماز عقلي عالقته"املكانية")) ( ،)4وهذا اإلسناد
اجملازي ـ أي جراين األهنار ـ من اجملازات اليت تكاد تكون حقيقية بسبب كثرة دورانه يف اللغة.
وكانت أقل عالقات اجملاز العقلي ورودا يف اجلواب القرآين هي (الفاعلية) :أي ما بين للمفعول واسند
للفاعل احلقيقي ،كما يف قوله تبارك وتعاىل:
آم َن ف يَـ ْل َق ْو َن غَيّاً* إَِّال َم ْن َات َ
ب َو َ س ْو َ الصال َة واتَّـبـعوا َّ ِ
الش َه َوات فَ َ اعوا َّ َ َ ُ َض ُ ْف أ َف ِم ْن بَـ ْع ِد ِه ْم َخل ٌ((فَ َخلَ َ
و َع ِمل ص ِ
احلاً فَأُولَئِ َ
ك يَ ْد ُخلُو َن ا ْجلَنَّةَ َوال َ َ َ
__________
( )1الكشاف.291 :3 ،
( )2التوبة 88( :ـ.)89
( )3التحرمي.)8( :
( )4علم البيان ،د .عبد العزيز عتيق ،151 :وينظر :علم البيان ،د .بدوي طبانة ،145 :والتصوير
البياين.86 :
()141/1
ب إِنَّهُ َكا َن َو ْع ُدهُ َمأْتِيّاً)) (.)1 َّات ع ْد ٍن الَِّيت وع َد َّ ِ
ادهُ ِابلْغَْي ِ
الر ْمحَ ُن عبَ َ ََ يُظْلَ ُمو َن َش ْيئاً* َجن ِ َ
وقد ورد التجوز يف اإلسناد يف قوله (انه كان وعدا مأتيا) أي ((آتيا ،فهو مبين للمفعول مسند
للفاعل على مذهب أهل البالغة ألن الوعد آت ومأيت)) (،)2أو لنقل بعبارة أخرى ان الوعد ال
يؤتى إليه ،بل هو الذي أييت ،وكيف ال أييت ذلك الوعد وهو وعد قد حدده هللا تبارك وتعاىل لعباده
الصاحلني.
وهذا اجملاز العقلي جاء جزءا من جواب عن سؤال ضمين ينشأ عن قوله (فاولئك يدخلون اجلنة وال
يظلمون شيئا) أي السؤال عن وصف تلك اجلنة ،فيكون اجلواب قوله تعاىل( :جنات عدن اليت وعد
الرمحن عباده ابلغيب انه كان وعده ماتيا).
يتضح مما تقدم أن العالقات اجملازية اليت تضمنها اجلواب القرآين كانت قليلة ،ومع ان عددها كان
متقاراب جدا يف اجملاز املرسل ،والعقلي ،إال أن عدد األجوبة اليت تضمنت جمازا عقليا كان أكثر من
األجوبة اليت تضمنت جمازا مرسال.
وجتدر اإلشارة إىل أن اجملاز قد لون التعبري القرآين أبلوان واضحة من التأثري يف املخاطبني به ،ويف
ذلك دليل واضح على أن للمجاز فضال يف االرتقاء ابلتعبري ونقله إىل مستوايت عالية تزيده مجاال
وأتثريا يف النفس ،ومن هنا تظهر أمهية قول القائل ((لعل مبحثا من مباحث البالغة العربية مل حيظ من
اهتمام العلماء ،وعنايتهم مبثل ما حظي مبحث " احلقيقة واجملاز ")) ( ،)3واألساس الذي يقوم عليه
هذا االهتمام هو ما يتضمنه اجملاز من قدرة هائلة على رفد اللغة ابلتطور واحليوية ،ولكي يسري هذا
االهتمام املتزايد من علماء البالغة مع أمهية اجملاز جندهم يتفقون على ((ان اجملاز والكناية أبلغ من
احلقيقة والتصريح)) ( ،)4على أن هذا اإلطالق فيه الكثري من عدم الدقة إذ ((لو كانت احلقيقة
دائما أبلغ من اجملاز
__________
( )1مرمي 59( :ـ .)61
( )2أساليب اجملاز يف القرىن الكرمي.161 :
( )3التصوير البياين.53 :
( )4التلخيص.346 :
()142/1
لكان كالم هللا سبحانه حقيقة كله ،من حيث أنه ابلغ الكالم ،ولكننا نرى احلقيقة واجملاز يتجاوران
جنبا جلنب يف القرآن الكرمي)) ()1
__________
( )1التصوير البياين.82 :
()143/1
4ـ الكناية
تقرتب الكناية من اجملاز يف كوهنا ال يراد هبا املعىن املصرح به ،بل يراد به معىن آخر ،أو هي كما يقول
عبد القاهر اجلرجاين عنها(( :ان يريد املتكلم إثبات معىن من املعاين ،فال يذكره ابللفظ املوضوع له يف
اللغة ،ولكن جييء إىل معىن هو اتليه وردفه يف الوجود فيومي به إليه وجيعله دليال عليه)) (.)1
أو هي كما يعرفها اخلطيب القزويين ((لفظ أريد به الزم معناه مع جواز إرادته معه)) ( ،)2وتقع
الكناية يف مرتبة أعلى من التصريح فقد ((أمجع اجلميع على ان الكناية أبلغ من اإلفصاح)) (،)3
وقسمت الكناية على أيدي البالغيني ثالثة أقسام هي :الكناية عن موصوف ،والكناية عن صفة،
والكناية عن نسبة (.)4
لقد وقع يف اجلواب القرآين عدد من الكناايت ،وكان أكثرها كناية عن موصوف ،ويعد ((الزخمشري
أول من أشار إىل هذا املوضوع فلم نقرأ إشارة واضحة عن الكناية عن موصوف فيما سبق)) (،)5
ومن ذلك قوله جل شأنه:
وه َّن َح َّىت يَط ُْه ْر َن فَِإ َذا
يض َوال تَـ ْق َربُ ُ اء ِيف ال َْم ِح ِ
سَ
ِ
َذى فَا ْعتَ ِزلُوا النّ َ
يض قُ ْل ُه َو أ ً ك َع ِن ال َْم ِح ِ ((ويَ ْسأَلونَ ََ
ين)) ( ،)6فقوله ((هو أذى َّوابِ َ ِ
ني َوُحيب ال ُْمتَطَ ِّه ِر َ اَّللَ ُِحيب التـ َّ
اَّللُ إِ َّن َّ
ث أ ََم َرُك ُم َّوه َّن ِم ْن َح ْي ُ
تَطَه َّْر َن فَأْتُ ُ
فاعتزلوا النساء ـ من حيث أمركم هللا ـ فآتوا حرثكم أَّن شئتم ـ من الكناايت اللطيفة والتعريضات
احلسنة ،وهذه وأشباهها يف كالم هللا آداب حسنة على املؤمنني أن يتعلموها ،ويتأدبوا هبا ويتكلفوا
مثلها يف حماوراهتم ومكاتباهتم)) ( ،)7وهكذا جاءت الكناية األوىل يف هذه اآلية املباركة (فاعتزلوا
النساء) كناية عن ترك جمامعة النساء ،والثانية (من حيث أمركم هللا) كناية عن موصوف أيضا وهو
موضع النكاح ،وقد جاءت هااتن
__________
( )1دالئل اإلعجاز.105 :
( )2التلخيص.337 :
( )3دالئل اإلعجاز ،109 :وينظر مفتاح العلوم ،649 :والتلخيص.346 :
( )4ينظر :مفتاح العلوم 639 :ـ ،646والتلخيص 339 :ـ .343
( )5الكناية أساليبها ومواقعها يف الشعر اجلاهلي ،حممد احلسن علي األمني امحد ،61 :وينظر:
الكشاف.520 ،434 :4 ،
( )6البقرة.)222( :
( )7الكشاف ،363 :1 ،وينظر :اإلتقان.60 :1 ،
()144/1
الكنايتان يف جواب سؤال صريح موجه من املؤمنني إىل نبيهم الكرمي ـ صلوات هللا وسالمه عليه ـ.
ِ ضلَلْتُم ِعب ِ ون َِّشرُهم وما يـ ْعب ُدو َن ِمن ُد ِ
ضلوا ادي َه ُؤالء أ َْم ُه ْم َ ول أَأَنْـتُ ْم أَ ْ ْ َ اَّلل فَـيَـ ُق ُ ْ ((ويَـ ْوَم َْحي ُ ُ ْ َ َ َ ُ وقال تعاىلَ :
ِ َّخ َذ ِمن دونِ َ ِ ِ
آاب َء ُه ْم َح َّىت
َّعتَـ ُه ْم َو َ
اء َولَك ْن َمتـ ْ
ك م ْن أ َْوليَ َ ك َما َكا َن يَـ ْنـبَ ِغي لَنَا أَ ْن نَـت ِ ْ ُ
يل* قَالُوا ُس ْب َحانَ َ سب َ
ال َّ ِ
سوا ال ِّذ ْك َر َوَكانُوا قَـ ْوماً بُوراً)) (.)1 نَ ُ
فاملسؤولون ال جييبون هنا صراحة عن السؤال ،وينفون عبادة الكفرة واملشركني هلم ،بل يلجأون إىل
طريق الكناية بقوهلم ((ما كان ينبغي لنا ) ..وهو ((كناية عن انتفاء طلبهم هذا االختاذ انتفاءا
شديدا ،أي نتربأ من ذلك ،ألن نفي (كان) وجعل املطلوب منفيا خربا عن (كان) أقوى يف النفي،
ولذلك يسمى جحودا)) (.)2
أما الغرض من اللجوء إىل الكناية مع ان املوقف يتطلب اإلجابة بشكل صريح فهو ان هللا تعاىل عامل
ابحلقيقة قبل أن ينطق هبا هؤالء ،ومن هنا فال أبس من الكناية عن ذلك ليكون أنسب يف تقديس
الباري عز وجل ،وأليق بتنزيهه عن املشاركة يف العبادة.
ِ ِ َّ َحيس ِ
س ِّو َ
ي بَـنَانَهُ)) (.)3والكناية سا ُن أَل ْن َْجن َم َع عظَ َامهُ * بَـلَى قَاد ِر َ
ين َعلَى أَ ْن نُ َ ب ْاألنْ َ
وقال تعاىل(( :أ َْ َ ُ
هنا واقعة يف قوله (بلى قادرين على أن نسوي بنانه) ،ومعىن ذلك ((بلى جنمعها وحنن قادرون على
أن نسوي أصابع يديه ورجليه)) (،)4
والتسوية املذكورة يف هذه اآلية املباركة ((كناية عن اخللق ألهنا تستلزمه فانه ما سوي إال وقد أعيد
خلقه)) ( ،)5وكان االنتقال يف هذه الكناية من الالزم إىل امللزوم حبيث مل تكثر الوسائط بينهما ،وهي
لذلك تعد كناية قريبة.
__________
( )1الفرقان 17( :ـ .)18
( )2التحرير والتنوير.339 :18 ،
( )3القيامة 3( :ـ .)4
( )4الكشاف 659 :4 ،ـ .660
( )5التحرير والتنوير.341 :29 ،
()145/1
اك َما َس َق ُر * ال تُـ ْب ِقي َوال تَ َذ ُر)) ( ،)1فالكناية هنا عن موصوف أي
((وَما أَ ْد َر َ
وقال تبارك وتعاىلَ :
((ال ترتك من يلقى فيها ،أي ال ترتكه غري مصلي بعذاهبا ،وهذه كناية عن إعادة حياته بعد إهالكه))
(.)2
َّاصيَ ِة)) (،)3
اَّلل يـرى* َك َّال لَئِن َمل يـ ْنـتَ ِه لَنَس َفعاً ِابلن ِ
ْ ْ َْ َن ََّ َ َب َوتَـ َو َّىل* أََملْ يَـ ْعلَ ْم ِأب َّ
ت إِ ْن َك َّذ َ
وقال تعاىل ((أ ََرأَيْ َ
والكناية يف قوله (لنسفعن ابلناصية) ،واملقصود ابلسفع هو ((القبض الشديد جبذب ،والناصية مقدم
شعر الرأس ،واألخذ من الناصية أخذ من ال يرتك له متكن من االنفالت ،فهو كناية عن أخذه إىل
العذاب ،وفيه إذالل ألهنم كانوا ال يقبضون على شعر أحد إال لضربه أو جره)) (.)4
وميكن أن تعد من الكناايت البعيدة لوجود عدة وسائط يف االنتقال من الالزم إىل امللزوم ،فالقبض
على مقدم شعر الرأس يستلزم وجود طرفني أحدمها قوي واآلخر ضعيف ،وينتقل من ذلك إىل كون
الطرف الضعيف مقصرا ،أو مذنبا يف أمر معني مما يؤدي إىل ضربه ،وسحبه إال أن العقوبة هنا ليست
ضراب أو سحبا جمردا بل كناية عن العذاب الذي أعده هللا تعاىل هلذا الكافر ،يتضح من حتليل هذه
الكناية أن بناءها هبذا التسلسل مل يكن الغرض منه سوى هتويل ،وتفخيم هذا املشهد الذي يرمسه
القرآن الكرمي ليكون أوقع يف القلب ،ولعل الغاية من ذلك تتضح إذا علمنا أن اخلطاب يف هذه اآلية
املباركة عن أمية بن خلف ( ،)5وهو أحد رؤوس الشرك املعروفني ،وتسمى هذه الكناية تلوحيا عند
أهل البالغة.
ضَس َّر النَِّيب إِ َىل بَـ ْع ِ((وإِ ْذ أ َ
وجاءت الكناية عن موصوف هو الباري ـ عز وجل ـ كما يف قوله تعاىلَ :
ت َم ْنض فَـلَ َّما نَـبَّأ ََها بِ ِه قَالَ ْ
ض َع ْن بَـ ْع ٍ
ضهُ َوأَ ْع َر َ اَّللُ َعلَْي ِه َع َّر َ
ف بَـ ْع َ َت بِ ِه َوأَظ َْه َرهُ َّ
اج ِه َح ِديثاً فَـلَ َّما نَـبَّأ ْ
أَ ْزو ِ
َ
ري)) (.)6 ِ
ال نَـبَّأَِين ال َْعليم ْ ِ أَنْـبَأ َ
اخلَب ُ َك َه َذا قَ َ َ ُ
__________
( )1املدثر 27(( :ـ .)28
( )2التحرير والتنوير ن .312 :29
( )3العلق 13( :ـ .)15
( )4التحرير والتنوير.450 :30 ،
( )5ينظر :الكشاف.778 :4 ،
( )6التحرمي.)3( :
()146/1
إذ عرب النيب صلوات هللا وسالمه عليه عن ربه ـ جل وعال ـ بصفتني مها (العليم اخلبري) ويف ذلك ما ال
خيفى من األدب والتواضع النبوي ،وهااتن الصفتان أنسب من غريمها يف هذا املوقف ،ووردت
الكناية يف جواب سؤال صريح ،وكان االستفهام للتصور ،أي طلب تعيني املفرد وادراكه؛ ولذلك
جاء اجلواب بتعيني ذلك املفرد وهو الباري (عز وجل) إذ إنه هو (تعاىل) الذي أطلعه على ذلك
احلديث.
ك تَـ ْق ِد ُير ال َْع ِزي ِز ال َْعلِ ِيم)) (.)1
س َجتْ ِري لِ ُم ْستَـ َق ٍّر َهلَا ذَلِ َ ((و َّ
الش ْم ُ وقال تعاىلَ :
لقد آثر التعبري القرآين أن يذكر صفتني من صفات هللا (تبارك وتعاىل) للداللة على أنه سبحانه وتعاىل
هو الذي يقدر هذا األمر العظيم ،وقد ورد ذلك يف سياق جواب عن سؤال ضمين مفاده :وأين
يكون مستقر الشمس أخريا؟ فيكون اجلواب أبن (ذلك تقدير العزيز العليم).
ني َوأ َْو َحى ِيف ُك ِّل َمسَ ٍاء أ َْم َرَها اه َّن س ْبع َمسَاو ٍ
ات ِيف يَـ ْوَم ْ ِ ضُ َ َ َ ومن ذلك ـ أيضا ـ قوله جلت قدرته ((فَـ َق َ
ك تَـ ْق ِد ُير ال َْع ِزي ِز ال َْعلِ ِيم)) ( ،)2إذ تكررت الكناية نفسها يف يح َو ِح ْفظاً ذَلِ َالسماء الدنْـيَا ِمبَ َ ِ
صاب َ َوَزيَّـنَّا َّ َ َ
قوله (ذلك تقدير العزيز العليم) ،وهي الكناية عن هللا تبارك تعاىل هباتني الصفتني املباركتني ،وجتدر
اإلشارة إىل أن اجتماع هاتني الصفتني يف اإلشارة إىل قدرته تعاىل فيهما من التناسب ما يفوق التعبري
عنه يف هذا املوضع أبية صفة أخرى ،إذ إن كل صفة من هاتني الصفتني ال حتقق الكمال املطلوب يف
موضع كهذا إال جبمعها مع الصفة الثانية.
وقد وقعت هذه الكناية يف جواب سؤال ضمين تقديره :ما الغاية من هذه السماوات وما تال ذلك
من اخللق؟ فيكون اجلواب أبن (ذلك تقدير العزيز العليم).
__________
( )1يس.)38( :
( )2فصلت.)12( :
()147/1
يب * قَالُوا ِ ت َاي َويْـلَ َىت أَأَلِ ُد َوأ ََان َع ُجوٌز َو َه َذا بَـ ْعلِي َش ْيخاً إِ َّن َه َذا لَ َ
ش ْيءٌ َعج ٌ وقال تبارك وتعاىل ((قَالَ ْ
محي ٌد َِجمي ٌد)) (.)1 ت إِنَّهُ َِ
اَّلل وبـرَكاتُهُ َعلَْي ُكم أ َْهل الْبـ ْي ِ اَّلل ر ْمح ُ ِ
ِ أَتَـعجبِ ِ
ْ َ َ ت َّ َ َ َ ني م ْن أ َْم ِر َّ َ َ
َْ َ
وقد جاءت الكناية يف جواب سؤال ضمين خاص ،ولكنه وقع يف ذيل اجلواب عن سؤال صريح ،أي
أن جواب السؤال الضمين كان جزءا من اجلواب عن االستفهام الذي تصدرته اهلمزة وقد ورد قوله
(انه محيد جميد) تعليال ملا ورد قبله؛ أي كأن السامع يريد أن يسأل عن سبب الرمحة والربكة ،من هللا
تعاىل ،فيأتيه اجلواب قبل سؤاله أبن السبب يف ذلك هو أن هللا سبحانه وتعاىل محيد جميد ((ويف
اختيار وصف احلميد من بني األمساء احلسىن كناية عن رضى هللا تعاىل على إبراهيم ـ عليه السالم ـ
وأهله)) ( ،)2ويف هذه الكناية من التشريف والتكرمي ما ال خيفى ،وهي مبثابة اجلزاء الدنيوي هلذا
النيب الكرمي.
أما الكناية عن الصفة فكانت أقل بكثري من الكناية عن املوصوف ،ومنها قوله تبارك وتعاىل:
اب َو َج َعلَِين نَبِيّاً* ِ ال إِِين عب ُد َِّ ِ ت إِلَي ِه قَالُوا َكي َ ِ
آاتِينَ الْكتَ َ اَّلل َ صبِيّاً*قَ َ ّ َ ْ ف نُ َكلّ ُم َم ْن َكا َن ِيف ال َْم ْهد َ ْ ار ْ ْ ((فَأَ َش َ
ت َحيّاً* َوبَـ ّراً بَِوالِ َدِيت َوَملْ َْجي َعل ِْين َجبَّاراً
الزَكاةِ َما ُد ْم ُ صالةِ َو َّص ِاين ِابل َّ ت َوأ َْو َ َو َج َعلَ ِين ُمبَ َ
اركاً أَيْ َن َما ُك ْن ُ
ث َحيّاً)) (.)3 وت َويَـ ْوَم أُبْـ َع ُ
ت َويَـ ْوَم أ َُم ُالم َعلَ َّي يَـ ْوَم ُولِ ْد ُ َش ِقيّاً* َو َّ
الس ُ
وجاءت الكناية عن الصفة يف قوله (والسالم علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا) ،وهي
((كناية عن تكرمي هللا عبده ابلثناء عليه يف املأل األعلى وابألمر بكرامته)) ( ،)4وقد وقعت هذه
الكناية يف جواب سؤال صريح ،إال أن هذا السؤال كان موجها إىل مرمي (عليها السالم) بينما كان
اجمليب هو ولدها عيسى
__________
( )1هود ( 72ـ .)73
( )2التحرير والتنوير.122 :12 ،
( )3مرمي 29( :ـ )33
( )4التحرير والتنوير.101 :16 ،:
()148/1
(عليه السالم) ،وقد وردت آية أخرى شبيهة هبذه اآلية املباركة يف حق نيب هللا حيىي (عليه السالم)
ث َحيّاً)) ( )1إال أن الفرق الم َعلَْي ِه يَـ ْوَم ُولِ َد َويَـ ْوَم ميَُ ُ
وت َويَـ ْوَم يُـ ْبـ َع ُ ((و َس ٌ
وذلك يف قوله جل وعالَ :
بينهما أن الكناية الثانية جاءت خالل سرد القرآن الكرمي قصة والدة النيب حيىي (عليه السالم) أي
أهنا صادرة عن الباري (عز وجل) بينما كانت الكناية األوىل على لسان النيب عيسى (عليه السالم)
ونقلها القرآن الكرمي يف سياق ما جرى عند والدته ،وكان تعبري املسيح (عليه السالم) عن تكرمي
نفسه هبذه الكناية ألنه يريد تربئة امه مرمي (عليها السالم) بسبب ظن السوء الذي ظنه قومها،
ولذلك فانه قدم هلذه الكناية بتعريف نفسه وتعداد صفاته.
يم ِألبِ ِيه إَِّال ومن الكناايت األخرى اليت جاءت عن تكرمي األنبياء قوله تعاىل(( :وما َكا َن استِغْ َف ِ ِ
ار إبْـ َراه َ
ْ ُ ََ
ِ َّلل تَ َّ ِ ِ ِ ِ ِِ ِ ٍ
يم)) ( ،)2وجاءت ربأَ م ْنهُ إ َّن إبْـ َراه َ
يم َأل ََّواهٌ َحل ٌ َع ْن َم ْوع َدة َو َع َد َها إِ َّايهُ فَـلَ َّما تَـبَ َّ َ
ني لَهُ أَنَّهُ َع ُد ٌّو َّ َ
الكناية يف قوله (إن إبراهيم ألواه حليم) وهي واقعة يف جواب سؤال ضمين خاص ،ووصف إبراهيم
(عليه السالم) أبنه أواه ((كناية عن الرأفة ورقة القلب والتضرع حني يوصف به من ليس به وجع ...
واتباع (األواه) بوصف (حليم) هنا ويف آايت كثرية قريبة على الكناية وإيذان مبثار التأوه عنده))
(.)3
ومبا أن الكناية واقعة يف جواب سؤال ضمين خاص ،فقد أكد اجلواب بـ (أن) مع الم التوكيد ،وقد
جاء اجلواب مبثابة التعليل ملا قبله ،وكان لتأوه إبراهيم (عليه السالم) ما يسوغه ،ألنه كان انجتا عن
حسرته لعدم إميان أبيه ،اما االنتقال من الالزم إىل امللزوم من خالل كون املوصوف (أواها) أي يكثر
من التأوه ،ومن املعلوم أن التأوه يصدر عن أمل معني مير به اإلنسان ،إال أن األمل هنا أمل نفسي ،وكثرته
تدل على رقة قلب هذا النيب الكرمي ،وهذه الكناية من الكناايت القريبة لقلة الوسائط بني الالزم
وامللزوم.
__________
( )1مرمي.)15( :
( )2التوبة ،)114( :وينظر :سورة هود ،اآلية (.)75
( )3التحرير والتنوير.46 :11 ،
()149/1
يتضح مما تقدم أن عدد الكناايت الواردة يف اجلواب القرآين كانت قليلة إذا ما قيست بفنون البيان
األخرى ،إال أهنا كانت اكثر من عدد التشبيهات الواردة فيه ،ومن الالفت للنظر أن الكناية عن
صفة يف جواب القرآن كانت عن صفة تكرمي ألحد األنبياء ،وجتدر اإلشارة إىل أن الكناية يف اجلواب
القرآين قد خلت من الكناية عن النسبة.
أما من حيث قرب الكناية أو بعدها فيقاس ذلك بقلة أو كثرة الوسائط بني الالزم وامللزوم ،وقد تبني
أن أكثر الكناايت الواردة يف هذا اجلواب كانت قريبة ،ولعل السبب يف ذلك أن الغرض من اجلواب
إفهام املخاطب عما يستفهم عنه ،وذلك يستلزم أن يكون اجلواب واضحا وقريبا من الفهم ،وقد ال
تؤدي الكناايت البعيدة جدا هذا الغرض ،وهذا ينطبق على مجيع فنون البيان اليت وردت يف جواب
القرآن الكرمي ،إذ ال يوجد يف هذه الفنون اليت وقعت يف هذا اجلواب القدر نفسه من العمق الذي
ميكن تلمسه يف هذه الفنون نفسها اليت وردت ضمن السرد القرآين.
()150/1
اخلامتة
احلمد هلل واحلمد حقه كما يستحقه محدا كثريا ،احلمد هلل الذي غمرين بفضله ،ومن علي ابمتام هذا
البحث الذي أرجو أن يكون خالصا لوجه الكرمي وبعد:
فإن القرآن الكرمي ـ هذا الكتاب الذي ال تنقضي عجائبه ـ جبملته جواب عما يدور يف رأس اإلنسان
من أسئلة يعرف أوهلا وجيهل آخرها.
• لقد تعدد اجمليبون يف القرآن الكرمي فهنالك أجوبة للباري عز وجل وألنبيائه ،وللمؤمنني،
وللمالئكة ،كما أن هنالك أجوبة لليهود واملنافقني واملشركني وإلبليس وغريهم.
• وردت أساليب كثرية جدا لالستفهام يف القرآن الكرمي ،وكان الكثري منها خيرج ألغراض بالغية فال
يرد جواب عنها.
• كانت اهلمزة أكثر أدوات االستفهام استخداما يف القرآن الكرمي ،وترتب على ذلك أن تكون أكثر
األجوبة يف السؤال الصريح عنها.
• إن النسبة األكرب من األجوبة الواردة عنها كانت عن استفهام التصور وبنسبة تزيد على الضعف
من أجوبة االستفهام عن التصديق.
• كان اجلواب املبدوء ابلفعل املاضي أكثر من ضعف اجلواب املبدوء ابلفعل املضارع فيها.
• غالبا ما كان اجلواب عنها املبدوء ابلفعل املضارع عن أمور خارقة للعادة
• كان اجلواب بـ (كال) عن اهلمزة موجها إىل الكفار دائما.
• وكان اجلواب بـ (نعم) عنها أييت متبوعا جبملة حالية ،ويكون عن سؤال أييت أبسلوب الشرط.
• وردت عدة أجوبة عنها بـ (بلى) وكانت تدور حول إثبات وحدانية الباري عز وجل.
• كان عدد األجوبة الواردة عن (ما) أييت ابملرتبة الثانية من حيث الكثرة بعد أجوبة اهلمزة.
()151/1
• أغلب األجوبة اليت افتتحت فيها ابلفعل املضارع كانت عن أسئلة صادرة عن هللا تعاىل وعن
أنبيائه ،وكانت األجوبة عنها أجوبة تفصيلية.
• كانت األجوبة عن (ما أدراك) ال خترج عن التهويل والتخويف على الرغم من تعدد املخاطبني هبا.
• غالبا ما كان اجلواب عن (من) يتضمن حتديد الفاعل ألمر عظيم ال يتصف يه سوى رب العزة،
وأكثر ما كانت اإلجابة هبا أتتى يف خضم اجلدال واحملاججة مع املشركني إلثبات الوحدانية هلل تعاىل.
• كانت الكمية األكرب من االستفهام بـ (هل) خترج ألغراض بالغية فال أييت جواب عنها.
• وردت عنها اإلجابة بـ (نعم) مرة واحدة ،ومل ترد عنها اإلجابة بـ (ال) مطلقا.
• كان األسلوب الغالب على (أَّن) التعجب الشديد ،واستبعاد وقوع أمر معني ،واألكثر ان أتيت
للسؤال عن أمور معجزة وكان جواهبا يتحدد بتعيني املسؤول عن ذلك األمر املعجز ،وهو هلل تعاىل.
• هناك ألفاظ دلت على االستفهام مثل (يسألونك ،ويستفتونك ،ويستنبئونك) وأكثرها صدر عن
املؤمنني للسؤال عن أمور تتعلق ابلشريعة اإلسالمية كما صدرت عن اليهود واملشركني بنسبة ضئيلة
جدا ،وكان اجلواب عنها يفتتح دائما بفعل األمر (قل)
• كان جواب السؤال املقدر يفوق عدد األجوبة عن السؤال الصريح.
• افتتح اجلواب عن السؤال املطلق بفعل ماض فاعله الباري عز وجل كثريا للتعبري عن أمور ال يقوم
هبا إال هو سبحانه وتعاىل.
• كان اجلواب املفتتح ابلفعل املضارع متنوعا يف فاعله وكان األكثر أن يكون الفاعل هو هللا تعاىل
حقيقة ،أو على سبيل اجملاز ،وقد يكون أحد األنبياء أو مجاعة املؤمنني.
()152/1
• تصدرت (عسى) اإلجابة عن السؤال املطلق كثريا ،وكانت أتتى متبوعة بـ (ان) مع فعل الغاية منها
التمين ألمر حمبب للنفس ،اما حينما أتتى متبوعة ابسم صريح فكثريا ما كانت ترد لغرض اللوم
والعتاب.
• كان االستئناف الذي يتصدره اسم اإلشارة (ذلك) يف السؤال عن السبب املطلق موجها للمؤمنني
من أجل تربيتهم ،وهتذيب أخالقهم ،أما اخلطاب به مع املشركني واملنافقني فكان مبثابة الكشف عن
األسباب احلقيقية اليت كانت وراء تصرفاهتم القبيحة.
• كانت اإلجابة عن السبب اخلاص أتيت مبؤكد واحد أو اكثر؛ ولذلك مسي سببا خاصا.
• جاء اجلواب عن السبب اخلاص مؤكدا بـ (ان) مع الم التوكيد ألن اخلطاب أما يكون موجها إىل
املنكر أو من ينزل منزلة املنكر ،واكثر ما كانت هذه الصيغة أتتى يف ذيل اآلايت اليت تدل على
عظمة القدرة اإلهلية.
• أكد الكالم بـ (ان) حيثما يكون املخاطب مرتددا يف املخرب عنه ،وال يكون خايل الذهن متاما ،بل
حيضر يف ذهنه طرفا احلكم ،إال أنه يطلب وقوع النسبة أو ال وقوعها بينهما ،أي أن االستفهام هنا
عن التصديق ،وقد ينزل املخاطب هبا منزلة املرتدد حينما يكون اخلطاب مع املؤمنني.
• كان جواب الفعل (قال) املفصول عما قبله يدور بني طرفني أو اكثر ،وقد اقتصران يف تناولنا على
الكالم الذي يتحقق فيه معىن القطع ،أي ينقطع الكالم بعد احلصول على اجلواب املطلوب ،وال
يستمر بسؤال وجواب جديد أو بصيغ طلبية أخرى.
• جميء الفعل بعد (قال) يف اجلواب مضارعا كان يفيد احلال واالستقبال غالبا.
• جاء االستئناف بعد (قال) يف اجلواب مفتتحا بـ (ان) املؤكدة كثريا ،وهي ال خترج عن عملها الذي
كانت عليه يف اإلجابة عن السبب اخلاص ،وأكثر ما كانت ترد هنا يف اجلدل بني أصحاب احلق
وأصحاب الباطل.
()153/1
• وردت (امنا) بعد (قال) يف اجلواب يف مواضع عديدة ،وكانت الغاية منها التلويح إىل أمر آخر على
سبيل التعريض ،ومبا أن (امنا) من أدوات القصر فقد استمرت على عملها يف مواضع عدة.
• إن فنون البيان اليت وردت ضمن اجلواب القرآين كانت قليلة ،إذا ما قيست بعددها الوارد يف
السرد القرآين.
• كان التشبيه اقل هذه الفنون يف جواب القرآن ،وكانت أهم وظائفه املبالغة والبيان واإلجياز ،وكانت
هذه التشبيهات قريبة لغرض تقريب بعض األمور من أذهان املخاطبني هبا.
• حظي اجملاز حبصة كبرية بني فنون البيان يف جواب القرآن الكرمي ،وكان عدد األجوبة اليت تضمنت
جمازا عقليا اقل من عدد األجوبة اليت تضمنت جمازا مرسال.
• من عالقات اجملاز املرسل الواردة يف جواب القرآن اجلزئية ،واحمللية ،واحلالية وإطالق الصفة وإرادة
املوصوف.
• من عالقات اجملاز العقلي الواردة يف جواب القرآن السببية ،والزمانية ،واملكانية ،والفاعلية.
• كانت االستعارة اكثر فنون البيان ورودا يف جواب القرآن ،وكانت الغاية منها تصوير األمور العقلية
وتشبيهها أبمور حسية ،وكانت نسبة االستعارة التصرحيية اكثر من املكنية كما كانت غالبية هذه
االستعارات قريبة بشكل ميكن من حتديد املستعار ،واملستعار منه ،ومل تصل يف عمقها إىل ما وصلت
إليه بعض االستعارات اليت أبدع القرآن الكرمي يف تركيبها.
• كان عدد الكناايت قليال يف اجلواب القرآين ،وهو مع ذلك كان أكثر من عدد التشبيهات فيه،
وكانت الكناية عن موصوف اكثر من الكناية عن صفة ،واليت كانت ترد للكناية عن صفة تكرمي
الحد األنبياء ،بينما مل ترد الكناية عن نسبة فيه ،وكانت الكناايت الواردة قريبة حبيث ال تتعدد
الوسائط بني الالزم وامللزوم.
()154/1
املصادر واملراجع
• القرآن الكرمي
• اإلتقان يف علوم القرآن :جالل الدين عبد الرمحن السيوطي (ت911هـ) ،دار املعرفة ،بريوت،
لبنان ،الطبعة الرابعة 1398هـ ـ 1978م.
• األجوبة املسكتة :ابن أيب عون الكاتب (ت322هـ) ،حتقيق وتعلقيق د .حممد عبد القادر ،القاهرة
1985م.
• األجوبة املسكتة ،علي عبد عيدان اخلزاعي ،مطبعة اآلداب يف النجف األشرف 1390هـ ـ
1970م.
• األجوبة املسكتة :حممد سعيد العاين ،مطبعة العاين ،بغداد .1985
• أساس البالغة :الزخمشري (ت538هـ) ،اهليئة املصرية اتلعامة للكتاب ،الطبعة الثالثة ،م.1985
• أساليب االستفهام يف القرآن الكرمي :السيد عبد لعليم فودة ،دار الشعب ،القاهرة 1953م.
• أساليب الطلب عند النحويني والبالغيني ،د .قيس امساعيل االوسي ،بيت احلكمة ،بغداد
1989م.
• أسرار البالغة :الشيخ االمام عبد القاهر اجلرجاين (ت471هـ) ،حتقيق :هـ .ريرت ،استانبول مطبعة
وزراة املعارف 1954 ،م.
• األشباه والنظائر :الشيخ العالمة جالل الدين السيوطي (ت911هـ) مطبعة دائرة املعارف
العثمانية ،الدكن ،الطبعة الثانية ـ 1395هـ.
• اشكاليات القراءة وآليات التأويل ،د .نصر حامد أبو زيد ،الناشر ،املركز الثقايف العريب ،الدار
البيضاء ،الطبعة الرابعة ـ 1996م.
• أصول البالغة ،االمام العالمة كمال الدين ميثم البحراين (ت679هـ) ،حتقيق د .عبد القادر
حسني ،نشر وتوزيع دار الثقافة ،الدوحة ،قطر ،الطبعة االوىل 1406هـ ـ 1986م.
• االضداد :حممد بن القاسم االنباري (ت327هـ) ،حتقيق حممد أبو الفضل ابراهيم ،الكويت
1960م.
()155/1
• االقصى القريب يف علم البيان :زين الدين أبو عبد هللا حممد مب حممد بن حممد بن عمر التنوخي
(ت749هـ) ،مطبعة السعادة ،مصر ،الطبعة االوىل 1327هـ.
• أنوار الربيع يف أنواع البديع :السيد علي صدر الدين بن معصوم املدين (ت1120هـ) ،حققه
وترجم لشعرائه :شاكر هادي شكر ،مطبعة النعمان ،النجف االشرف ،الطبعة االوىل 1388هـ ـ
1968م.
• األمايل :أبو علي امساعيل بن القاسم القايل البغدادي (ت356هـ) ،دار الكتب العلمية ،بريوت ـ
لبنان.
• أمايل الزجاجي :أبو القاسم عبد الرمحن اسحاق الزجاجي (ت340هـ) ،حتقيق وشرح :عبد السالم
حممد هارون ،دار اجليل ،بريوت ،لبنان ،الطبعة الثانية 1407هـ ـ 1978م.
• األمايل النحوية ((أمايل القرآن الكرمي)) :ابن احلاجب (ت464هـ) ،حتقيق :هادي حسن محودي،
مكتبة النهضة ،عامل الكتب ،بريوت ـ لبنان ،الطبعة األوىل 1405هـ ـ 1985م.
• االمتاع واملؤانسة :أبو حيان التوحيدي (ت414هـ) حتقيق :امحد أمني و أمحد الزين ،جلنة التأليف
والرتمجة والنشر ،القاهرة 1953م.
• اإليضاح يف علوم البالغة :اخلطيب القزويين (ت739هـ) دار الكتب ،بريوت ـ لبنان ،الطبعة األوىل
1405هـ ـ 1985م.
• ايضاح الوقف واالبتداء :أبو بكر حممد بن القاسم بن بشار االنباري النحوي (ت328هـ) ،حتقيق:
حميي الدين عبد الرمحن رمضان ،دمشق 1390هـ ـ 1971م.
• الربهان يف علوم القرآن :االمام بدر الدين حممد بن عبد هللا الزركشي (ت794هـ) حتقيق :حممد أبو
الفضل ابراهيم ،دار احياء الكتب العربية ،عيسى البايب احلليب وشركاؤه ،الطبعة األوىل 1376هـ ـ
1957م.
• البالغة والتطبيق :الدكتور امحد مطلوب ،والدكتور كامل حسن البصري ،بغداد ،الطبعة الثانية
1990م.
()156/1
• البيان والتبيني :أبو عثمان ،عمرو بن حبر اجلاحظ (ت255هـ) ،بتحقيق وشرح عبد السالم حممد
هارون ،الناشر :مكتبة اخلاجني ابلقاهرة ،الطبعة اخلامسة 1405هـ ـ 1985م.
• التبصرة والتذكرة :أبو عبد هللا بن علي بن اسحق الصيمري ،من حناة القرن الرابع اهلجري ،حتقيق،
د .فتحي امحد مصطفى علي الدين ،دار الفكر بدمشق ،الطبعة األوىل 1402هـ ـ 1982م.
• التبيان يف البيان :شرف الدين احلسني بن حممد بن عبد هللا (ت743هـ) حتقيق :د .توفيق الفيل،
وعبد اللطيف لطف هللا ،ذات السالسل للطباعة والنشر الكويت ،الطبعة األوىل 1986م.
• التبيان يف علم البيان املطلع على إعجاز القرآن :عبد الواحد عبد الكرمي الزملكاين ،حتقيق الدكتور
امحد مطلوب ،والدكتورة خدجية احلديثي ،مطبعة العاين ،بغداد ،الطبعة األوىل 1383هـ ـ 1964م.
• حترير التحبري (يف صناعة الشعر وبيان إعجاز القرآن) :ابن أيب اإلصبع املصري (ت654هـ) ،تقدمي
وحتقيق ،د .حفين حممد شرف ،جلنة احياء الرتاث اإلسالمي ،القاهرة 1383هـ.
• التصوير البياين :د .حفين حممد شرف ،الناشر :مكتبة الشاب مبصر ،الطبعة الثانية.
• التصوير الفين يف القرآن ،سيد قطب ،دار الشروق ،بريوت1982 ،م.
• تفسري التحرير والتنوير ،مساحة االمام االستاذ الشيخ حممد الطاهر بن عاشور ،الدار التونسية
للنشر ،تونس 1984م.
• تفسري اجلاللني ،تفسري االمامني اجلليلني ،العالمة جالل الدين بن امحد احمللي ،واحلرب جالل الدين
عبد الرمحن بن أيب بكر السيوطي ،مذيل بكتاب لباب النقول يف أسباب النزول للسيوطي ،املكتبة
الشعبية ،بريوت ،لبنان.
• التفسري الكبري للرازي :الفخر الرازي ،حممد بن عمر (ت606هـ) طبع ابملطبعة البهية مبصر،
الطبعة األوىل 1357هـ ـ 1938م.
()157/1
• تفسري الكشاف :أبو القاسم جار هللا حممود بن عمر بن حممد الزخمشري (ت538هـ) اجلزءان
االول والثاين ،دار الفكر ،بريوت ـ لبنان ،واجلزءان الثالث والرابع ،الناشر :دار الكتاب العريب،
بريوت ـ لبنان.
• التلخيص يف علوم البالغة ،اخلطيب القزويين ،جالل الدين حممد بن عبد الرمحن (ت739هـ)
ضبطه وشرحه االديب الكبري االستاذ عبد الرمحن الربقوقي ،املكتبة التجارية الكربى مبصر ،الطبعة
الثانية 1350هـ ـ 1932م.
• هتذيب اللغة :أبو نصور حممد بن امحد االزهري (ت370هـ) اجلزء احلادي عشر ،حتقيق ااستاذ:
حممد أبو الفضل ابراهيم ،مراجعة االستاذ :علي حممد البجاوي ،الدار املصرية للتأليف والرتمجة.
• جامع الدروس العربية :الشيخ مصطفى الغاليين ،املكتبة االهلية ،بريوت ،الطبعة اخلامسة
1371هـ ـ 1952م.
• اجلامع الكبري يف صناعة املنظوم من الكالم واملنثور :ضياء الدين بن االثري (ت637هـ) ،حتقيق:
الدكتور :مصطفى جواد ،والدكتور مجيل سعيد ،بغداد 1375هـ ـ 1956م.
• اجلدل يف القرآن :د .حسن الشرقاوي ،الناشر :منشأة املعارف االسكندرية (د .ت)
• اجلمان يف تشبيهات القرآن :أبو القاسم عبد هللا بن حممد بن احلسني بن انقيا البغدادي
(ت485هـ) ،حتقيق :عدانن حممد زرزور ،وحممد رضوان الداية ،املطبعة العصرية ابلكويت ،الطبعة
األوىل 1387هـ ـ 19968م.
• حاشية الدسوقي على مغين اللبيب ،مصطفى حممد عرفة الدسوقي ،القاهرة 1386هـ.
• حاشية الشهاب ،عناية القاضي ،وكفاية الراضي على تفسري البيضاوي ،دار صادر ،بريوت (د.
ت).
• حدائق السحر يف دقائق الشعر :رشيد الدين حممد العمري (الوطواط ت573هـ) ،نقله الول مرة
عل أصله الفارسي مع تعريب مقدماته وتوضيح حواشيه ابراهيم امني الشواريب ،مطبعة جلنة التأليف
والرتمجة والنشر ،القاهرة ،الطبعة األوىل 13 ...هـ ـ 1945م.
()158/1
• دالئل االعجاز :االمام عبد القاهر اجلرجاين (ت471هـ) ،تعليق وشرح حممد عبد املنعم خفاجي،
الناشر ،مكتب القاهرة ،مصر ،الطبعة األوىل 1385هـ.
• شرح ابن عقيل على الفية ابن مالك :ابن عقيل (ت768هـ) ،ومعه كتاب منة اجلليل بتحقيق
وشرح ابن عقيل ،حمليي الدين عبد احلميد ،املكتبة التجارية الكربى ،القاهرة ،الطبعة الرابعة عشر
1385هـ ـ 1965م.
• شروح التلخيص ،طبع مبطبعة عيسى البايب احلليب وشركاؤه مبصر.
• شرح ديوان عمر بن أيب ربيعة :شرحه وقدم له عبد علي مهنا ،دار الكتب العلمية ،بريوت ـ لبنان،
الطبعة األوىل 1406هـ ـ 1986م.
• شرح الكافية :رضي الدين االسرتابدي النحوي (ت686هـ) الشركة الصحافية العثمانية 1310
هـ.
• صبح ااعشى يف صناعة االنشا :أبو العباس أمحد بن علي القلقشندي (ت821هـ) ،نسخة مصورة
عن الطبعة األمريية ،املؤسسة ...العامة للتأليف والرتمجة والطباعة والنشر (د .ت).
• صفاء الكلمة :د .عبد الفتاح الشني ،دار املريخ ،الرايض 1403هـ ـ1983
• العقد الفريد :أبو عمر أمحد بن حممد بن عبد ربه األندلسي (ت327هـ) ،شرحه وضبطه وصححه
وعنون موضوعاته ورتب فهارسه :أمحد أمني ،وأمحد الزين ،وابراهيم األبياري ،مطبعة جلنة التأليف
والرتمجة والنشر ،القاهرة 1384هـ ـ 1983م.
• علم أساليب البيان :د .غازي ميوت ،دار األصالة للطباعة والنشر والتوزيع ،بريوت ـ لبنان ،الطبعة
األوىل 1403هـ ـ 1983م.
• علم البيان :د .بدوي طبانة ،مكتبة االجنلو املصرية ،الطبعة الثانية 1386هـ ـ 1967م.
• علم البيان :د .عبد العزيز عتيق ،دار النهضة ،بريوت 1972م.
• العني :أبو عبد الرمحن اخلليل بن أمحد الفراهيدي (ت175هـ) ،حتقيق :الدكتور مهدي املخزومي،
والدكتور ابراهيم السامرائي ،دار الرشيد للنشر ،وزارة الثقافة واالعالم ،اجلمهورية العراقية 1982م.
()159/1
• الفاصلة القرآنية :د .عبد الفتاح الشني ،دار املريخ للنشر ،الرايض1402 ،هـ ـ 1982م.
• فن التشبيه :علي اجلندي ،القاهرة ،الطبعة الثانية 1368هـ ـ 1966م.
• فنون التصوير البياين :د .توفيق الفيل ،منشورات ذات السالسل ،الكويت ،الطبعة األوىل
1407هـ ـ 1987م.
• يف ظالل القرآن :سيد قطب ،دار الشروق ،بريوت ،الطبعة الشرعية احلادية عشر 1405هـ ـ
1985م.
• كتاب سيبويه :أبو عثمان بن قنرب (ت180هـ) حتقيق وشرح ،عبد السالم حممد هارون ،اهليئة
املصرية االعامة للتأليف والنشر 1391هـ ـ 1971م.
• الكليات :أبو البقاء ايوب بن موسى احلسيين الكفوي (ت1094هـ) حتقيق :الدكتور عدانن
درويش وحممد املصري ،دار الكتب الثقافية ،دمشق 1975م
• الكناية أساليبها ومواقعها يف الشعر اجلاهلي :حممد احلسن علي األمني أمحد ،املكتبة الفيصلية،
بريوت 1405هـ ـ 1985م.
• لسان العرب :ابن نظور (ت711هـ) طبعة مصورة عن طبعة بوالق ،املؤسسة املصرية العامة
للتأليف واالنباء والنشر ،الدار املصرية للتأليف والرتمجة (د .ت).
• اللمع :أبو نصر السراج الطوسي (ت378هـ) حتقيق :الدكتور عبد احلليم حممود ،وطه عبد الباقي
سرور ،دار الكتب احلديثة مبصر ،ومكتبة املثىن ببغداد 1380هـ ـ 1960م.
• اللمع يف العربية :أبو الفتح عثمان بن جين (ت392هـ) ،حتقيق حامد املؤمن ،عامل الكتب ـ مكتبة
النهضة العربية ،بريوت ـ لبنان ،الطبعة الثانية 1405هـ ـ 1985م.
• املثل السائر يف أدب الكاتب والشاعر :ضياء الدين بن األثري (ت637هـ) قدمه وحققه وعلق
عليه :الدكتور امحد احلويف ،والدكتور بدوي طبانة ،مكتبة هنضة مصر ومطبعتها ،الطبعة األوىل
1380هـ ـ 1960م.
()160/1
• اجملاز يف البالغة العربية :د .مهدي صاحل السامرائي ،دار الدعوة ،محاة ،سورية ،الطبعة األوىل
1394هـ ـ 1974م.
• جماز القرآن :أبو عبيدة معمر بن املثىن التيمي (ت210هـ) عارضه ابصوله وعلق عليه د .حممد
فؤاد سزكني ،مكتبة اخلاجني ،دار الفكر ،الطبعة الثانية 1390هـ ـ 1970م.
• جممع األمثال :أبو الفضل أمحد مب حممد بن امحد بن ابراهيم امليداين (ت518هـ) ،حتقيق حممد أبو
الفضل ابراهيم ،دار اجليل ،بريوت ـ لبنان ،الطبعة الثانية 1407هـ ـ 1987م.
• احمليط يف اللغة :كايف الكفاة الصاحب امساعيل بن عباد (ت385هـ) حتقيق الشيخ حممد حسن آل
ايسني ،عامل الكتب ،بريوت ،الطبعة األوىل 1414هـ ـ 1994م.
• مشكل اعراب القرآن القرآن :أبو حممد مكي بن ايب طالب القيسي (ت437هـ) حتقيق :د .حامت
صاحل الضامن ،مؤسسة الرسالة ،بريوت ـ لبنان ،الطبعة الثانية 1405هـ ـ 1984م.
• املعاين يف ضوء أساليب القرآن .:عبد الفتاح الشني ،دار املعارف ،القاهرة ،الطبعة اللثالثة
1978م.
• معاين القرآن :أبو زكراي حيىي بن زايد الفراء (ت207هـ) ،اجلزء االول ،حتقيق :أمحد يوسف جنايت،
وحممد علي النجار ،مطبعة دار الكتب املصرية ،القاهرة 1374هـ ـ 1955م ،واجلزء الثاين حتقيق
ومراجعة االستاذ حممد علي النجار ،الدار املصرية للتأليف والرتمجة (د .ت) ،واجلزء الثالث حتقيق د.
عبد الفتاح امساعيل شليب ،اهليئة املصرية للكتاب 1972م.
• املعجم املفهرس أللفاظ القرآن الكرمي :وضعه حممد فؤاد عبد الباقي ،دار مطابع الشعب ،مصر
(د .ت).
• معجم مقاييس اللغة :أبو احلسن امحد بن فارس بن زكراي (ت395هـ) بتحقيق وضبط عبد السالم
حممد هارون ،دار احياء الكتب العربية ،عيسى البايب احلليب وشركاؤه ،القاهرة ،الطبعة األوىل
1366هـ.
()161/1
• مغين اللبيب عن كتب األعاريب :مجال الدين بن هشام االنصاري (ت761هـ) حققه وعلق عليه:
الدكتور مازن املبارك ،وحممد علي محد هللا ،دار الكتب ،بريوت الطبعة السادسة 1985م.
• مفتاح العلوم :أبو يعقوب يوسف بن ايب بكر بن حممد بن علي السكاكي (ت626هـ) ،حتقيق،
أكرم عثمان يوسف ،طبع مبطبعة الرسالة ،بغداد 1400هـ ـ 1981م.
• املقتضب :صنعة ايب العباس بن يزيد املربد (ت285هـ) حتقيق حممد عبد اخلالق عظيمة القاهرة
1386هـ.
• من إعجاز البيان يف القرآن ـ االستفهام :حممد شكري الفيومي ،دار القلم ،االمارات العربية ،ديب،
الطبعة األوىل 1407هـ ـ 1987م.
• هناية االجياز يف دراية االعجاز :فخر الدين لرازي حممد بن عمر (ت606هـ) حتقيق وتقدمي:
الدكتور ابراهيم السامرائي والدكتور حممد بركات محدي أبو علي ،دار الفكر للنشر والتوزيع عمان
1985م.
()162/1
الرسائل اجلامعية
• أساليب اجملاز يف القرآن الكرمي :امحد محد موسى اجلبوري ،اطروحة دكتوراه ،كلية اآلداب ،جامعة
بغداد 1989م.
• أسلوبية احلوار يف القرآن الكرمي :رسول محود حسن الدوري ،اطروحة دكتوراه ،كلية اآلداب،
جامعة بغداد 1995م.
• املنظور البالغي يف تفسري التحرير والتنوير :للشيخ حممد الطاهر بن عاشور (ت1973م) ،عبده
حممد صاحل احلكيمي ،اطروحة دكتوراه ـ كلية اآلداب ،جامعة بغداد 2000م.
()163/1
احملتوايت
املوضوع ...الصفحة
املقدمة ...أ ـ هـ
التمهيد 1 ...ـ 17
الفصل األول :جواب السؤال الصريح 18 ...ـ 62
املبحث األول :جواب اهلمزة 19 ...ـ 31
املبحث الثاين :جواب ما االستفهامية 32 ...ـ 39
املبحث الثالث :أجوبة أدوات االستفهام 40 ...ـ 62
1ـ من 40 ...
2ـ هل 44 ...
أَّن 48 ...
3ـ ّ
4ـ مىت 51 ...
5ـ أي 52 ...
6ـ كم 54 ...
7ـ كيف 55 ...
8ـ ااين 56 ...
9ـ أين 57 ...
10ـ ألفاظ دلت على االستفهام 58 ...
الفصل الثاين :جواب السؤال املقدر (الضمين) 63 ...ـ 112
املبحث األول :اجلواب عن سبب احلكم مطلقا 66 ...ـ 82
املبحث الثاين :اجلواب عن السبب اخلاص 83 ...ـ 101
املبحث الثالث :جواب القول 102 ...ـ 112
الفصل الثالث :البيان يف جواب القرآن 113 ...ـ
()164/1
150
1ـ التشبيه 115 ...ـ 121
2ـ االستعارة 122 ...ـ 130
3ـ اجملاز 131 ...ـ 143
أ ـ اجملاز املرسل 133 ...
ب ـ اجملاز العقلي 137 ...
4ـ الكناية 144 ...ـ 150
اخلامتة 151 ...ـ 154
املصادر واملراجع 155 ...ـ 163
()165/1