You are on page 1of 161

‫‪http://www.shamela.

ws‬‬
‫مت إعداد هذا امللف آليا بواسطة املكتبة الشاملة‬

‫الكتاب‪ :‬أساليب اجلواب يف القرآن الكرمي‬


‫رسالة قدمها‪ :‬مهدي راضي عبد السادة الساعدي‬
‫إىل جملس كلية اآلداب يف جامعة بغداد‪ ،‬وهي جزء من متطلبات نيل درجة‬
‫املاجستري يف اللغة العربية وآداهبا‪.‬‬
‫إبشراف‪ :‬األستاذ الدكتور‪ :‬فائز طه عمر‬
‫‪1423‬هـ ‪2002 ...‬م‬
‫مصدر الكتاب‪ :‬ملفات ( ‪ )word‬رفعها (خمتار الديرة) يف موضوعه (حبوث‬
‫مهمة جداً) ‪ -‬ملتقى أهل احلديث‬
‫مالحظة‪[ :‬هذا الكتاب من كتب املستودع مبوقع املكتبة الشاملة]‬

‫أساليب اجلواب‬
‫يف القرآن الكرمي‬

‫رسالة قدمها‬
‫مهدي راضي عبد السادة الساعدي‬

‫إىل جملس كلية اآلداب يف جامعة بغداد‪ ،‬وهي جزء من متطلبات نيل درجة املاجستري يف اللغة العربية‬
‫وآداهبا‪.‬‬

‫إبشراف‬
‫األستاذ الدكتور‪ :‬فائز طه عمر‬
‫‪1423‬هـ ‪2002 ...‬م‬
‫(‪)/‬‬

‫اقرار املشرف‬
‫أشهد أن إعداد هذه الرسالة قد جرى حتت إشرايف يف قسم اللغة العربية العربية يف كلية اآلداب‬
‫جبامعة بغداد‪ ،‬وهي جزء من متطلبات درجة املاجستري يف اللغة العربية وآداهبا‪.‬‬

‫التوقيع‪:‬‬
‫املشرف‪ :‬أ‪ .‬د‪ :.‬فائز طه عمر‬
‫التاريخ‪:‬‬

‫بناء على التوصيات املتوافرة‪ ،‬أرشح هذه الرسالة للمناقشة‬

‫التوقيع‪:‬‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬عناد غزوان امساعيل‬
‫رئيس قسم اللغة العربية‬
‫التاريخ‪2002 / ... / ... :‬‬

‫(‪)/‬‬

‫اإلهداء‬

‫إىل ‪ ..‬منقذ األمة وهاديها وحمييها‬


‫إىل ‪ ..‬روح أيب اليت ال أشك يف أهنا معي‬
‫إىل ‪ ..‬أمي اليت مل تبخل علي بدموعها ودعائها‬
‫إىل ‪ ..‬روحي أخوي اللذين فقدهتما ومها يف أوج فتوهتما‬
‫إىل أفراد عائليت مجيعا الذين ينتظرون مين حرف الدال‬
‫إىل زوجيت العزيزة اليت صربت كثريا حىت حان وقت القطاف‬
‫إىل الذي ال أخبل عليه بروحي ‪ ...‬ولدي جعفر‬
‫إليكم مجيعا أهدي هذه الثمرة‬

‫مهدي‬

‫(‪)/‬‬

‫شكر وتقدير‬
‫من األمانة االعرتاف بفضل أصحاب الفضل الذين أسهموا إسهاما فاعال يف إيصال البحث إىل ما‬
‫يقوم ما اعوج‬
‫وصل إليه‪ ،‬شكرا جزيال للرجل الذي مل يبخل عليا بوقته الثمني وإرشاداته القيمة فكان ّ‬
‫من هذا البحث خبلق رفيع وبتواضع العلماء أستاذي الفاضل الدكتور فائز طه عمر‪.‬‬
‫كما أقدم وافر الشكر والتقدير إىل الدكتورة هدى حممد صاحل احلديثي ليت أفدت من توجيهاهتا‬
‫السديدة‪ ،‬وأتوجه ابلشكر واالمتنان إىل األستاذ الدكتور ماهر مهدي هالل الذي جعل البحث‬
‫يستقر على هذا العنوان‪.‬‬
‫وشكري اجلزيل لألستاذ الدكتور عناد غزوان الذي أفادين كثريا إبرشاداته املهمة يف أوىل خطوات‬
‫البحث‪.‬‬
‫إيل املساعدة وخصوصا األخ رعد كاظم‪،‬‬
‫كما أتوجه ابلشكر واالمتنان جلميع ألصدقاء الذين قدموا ّ‬
‫إيل كانت أمانة ثقيلة يف عنقي‪ ،‬وخاصة زوجيت‬
‫وكل احلب والتقدير لعائليت فردا فردا؛ الن نظراهتم ّ‬
‫اليت ساعدتين على مجيع مراحل البحث؛ وال أنسى أن أتوجه ابلشكر والتقدير إىل العاملني يف مكتبة‬
‫قسم اللغة العربية‪ ،‬ومكتبة كلية اآلداب‪ ،‬ومكتبة الدراسات العليا واملكتبة املركزية‪ ،‬ومكتبة كلية‬
‫العلوم اإلسالمية الذين يقدمون خدمات جليلة لبحث والباحثني‪.‬‬
‫وشكرا شكرا لكل من قدم يل شيئا يف سبيل إجناز هذا البحث ولو كان ذلك كلمة طيبة شد هبا من‬
‫عزمييت‪.‬‬
‫مع اعتذاري الشديد إىل كل من قصرت يف حقه طوال مدة هذا البحث‬

‫مهدي‬
‫(‪)/‬‬

‫املقدمة‬
‫احلمد هلل األول قبل االنشاء واالحياء‪ ،‬واآلخر بعد فناء األشياء‪ ،‬العليم الذي ال ينسى من ذكره‪ ،‬وال‬
‫ينقص من شكره‪ ،‬وال خييب من دعاه‪ ،‬وال يقطع رجاء من رجاه‪ ،‬اللهم صل على حممد عبدك‬
‫ورسولك‪ ،‬وأمينك وصفيك‪ ،‬وحبيبك‪ ،‬وخريتك من خلقك‪ ،‬وحافظ سرك‪ ،‬ومبلغ رساالتك‪ ،‬افضل‪،‬‬
‫وأحسن‪ ،‬وامجل‪ ،‬وأكمل‪ ،‬وأمنى‪ ،‬وأطيب‪ ،‬وأطهر‪ ،‬وأسىن‪ ،‬وأكثر ما صليت على أحد من عبادك‪،‬‬
‫وأنبيائك‪ ،‬ورسلك‪ ،‬وصفوتك‪ ،‬وأهل الكرامة عليك من خلقك‪ ،‬وعلى آله الطيبني الطاهرين الذين‬
‫أذهبت عنهم الرجس‪ ،‬وطهرهتم تطهريا‪ ،‬وعلى أصحابه املنتجبني امليامني الذين آزروا ونصروا حىت‬
‫أظهرت دينك‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فقد كانت الرغبة جتذبين بشدة إىل أن يكون حبثي يف مرحلة املاجستري متصال ابلقرآن الكرمي‪ ،‬وكان ما‬
‫أردت فلله احلمد والشكر على هذه املنة‪.‬‬
‫إن دراسة موضوع كهذا تتطلب جهدا ووقتا يفوق بكثري اجلهد والوقت الذين جيب أن يتوافرا يف‬
‫موضوع غريه‪ ،‬ويعود ذلك إىل خصوصية النص القرآين‪ ،‬أما أشراف أستاذي الدكتور فائز طه عمر‬
‫فقد كان له أبلغ األثر حىت وصل هذا البحث إىل ما وصل إليه‪.‬‬
‫لقد درس االستفهام يف القرآن الكرمي‪ ،‬وخصصت له دراسات عديدة لعل‬
‫من أمهها (أساليب االستفهام يف القرآن الكرمي) اليت قدمها عبد العليم فودة إىل كلية دار العلوم‬
‫ابلقاهرة عام ‪ 1953‬م‪ ،‬لنيل درجة املاجستري‪ ،‬وكذلك (أسلوب االستفهام يف القرآن الكرمي) لعبد‬
‫العزيز غامن محد‪ ،‬املقدمة إىل كلية الشريعة جبامعة بغداد عام ‪ 1985‬م لنيل درجة املاجستري‪ ،‬وكذلك‬
‫(التفسري البالغي لالستفهام يف القرآن احلكيم) لعبد العظيم إبراهيم املصغي‪.‬‬
‫أما اجلواب يف القرآن الكرمي فلم حيظ مبا حظي به االستفهام‪ ،‬وقد تعرض له بعض الباحثني إبشارات‬
‫موجزة أثناء حبثهم موضوع احلوار كما يف (احلوار يف القران الكرمي) إلمساعيل علي حممد السامرائي‪،‬‬
‫وهي دراسة مقدمة إىل كلية‬

‫(‪)1/1‬‬
‫الشريعة جبامعة بغداد عام ‪1989‬م لنيل درجة املاجستري‪ ،‬وكذلك (أسلوبية احلوار يف القران الكرمي)‬
‫اليت تقدم هبا رسول محود حسن الدوري إىل كلية اآلداب جبامعة بغداد عام ‪ 1995‬م لنيل درجة‬
‫الدكتوراه‪.‬‬
‫وملا كان احلوار الذي يقوم على السؤال واجلواب قد تناولته اكثر من دراسة‪ ،‬فقد اقتضى ذلك أن ال‬
‫أقف عنده كثريا يف هذا البحث خشية الوقوع يف التكرار‪.‬‬
‫وهنالك دراسات تعرضت للجواب مباشرة كما يف (أجوبة القرآن على أسئلة اإلنسان الثالثة‪ :‬من‬
‫أين؟ إىل أين؟ ملاذا؟) اليت قدمها عز الدين سعيد كشنيط اجلزائري إىل كلية العلوم اإلسالمية جبامعة‬
‫بغداد عام ‪1998‬م لنيل درجة املاجستري‪ ،‬وهي حبث موضوعي عقائدي حياول الباحث من خالهلا‬
‫توضيح اخلطوط اليت رمسها القرآن الكرمي لرحلة اإلنسان من الوالدة إىل ما بعد يوم القيامة‪ ،‬أو هي‬
‫ابألحرى حماولة لتقدمي وجهة النظر اإلسالمية من خالل القران الكرمي يف هذا املوضوع‪ ،‬وهنالك‬
‫دراسة أخرى هي (يسئلونك يف القرآن واجلواب عنها) اليت تقدم هبا حممد الشيخ حممد عثمان ركاب‬
‫إىل اجلامعة اإلسالمية ابملدينة املنورة عام ‪1406‬هـ لنيل درجة املاجستري‪ ،‬وهي كما يبدو من عنواهنا‬
‫قد تناولت جزءا يسريا من اجلواب القرآين‪ ،‬وهي اإلجابة عن الصيغة اليت تفتتح ابلفعل يسئلونك‪.‬‬
‫يتضح مما تقدم ان اجلواب يف القرآن الكرمي مل ينل القدر نفسه من االهتمام والدراسة الذي انله‬
‫االستفهام مع أن الغاية من االستفهام هي اجلواب‪.‬‬
‫وملا كان هذا البحث ذا صلة وثيقة ابلقرآن الكرمي‪ ،‬فان ذلك يعين عبئا ثقيال على كاهل الباحث‬
‫يتمثل يف ضرورة أتمل النص القرآين وفهمه ابلشكل الذي يفضي إىل األمن من التفسري اخلاطئ‪ ،‬وقد‬
‫اقتضى ذلك أن يعتمد البحث على مصادر متنوعة وكثرية ويف مقدمتها كتب التفسري اليت تكشف‬
‫الكثري من غوامض التنزيل‪ ،‬فقد اعتمد البحث على تفسري الكشاف للزخمشري الذي أغناه مؤلفه‬
‫ابلكثري من اللفتات البالغية‪ ،‬والنحوية‪ ،‬حبيث ال ميكن ملثل هذه الدراسة أن تستغين عن هذا‬
‫التفسري‪ ،‬وكذلك التفسري الكبري للفخر الرازي الذي متيز مؤلفه بعقلية فذة يف هذا اجملال‪ ،‬وهو يتوسع‬
‫كثريا يف تفسري النص القرآين يف حماولة منه لتناوله من مجيع‬

‫(‪)2/1‬‬

‫اجلوانب‪ ،‬وكذلك تفسري التحرير والتنوير للشيخ حممد الطاهر بن عاشور‪ ،‬وهو تفسري حديث أوىل‬
‫مؤلفه للبالغة واألسلوب جانبا كبريا‪.‬‬
‫وكانت هذه التفاسري الثالثة دائمة احلضور يف مجيع مراحل البحث‪ ،‬كما كان لكتب علوم القرآن‬
‫حضورها ككتاب الربهان يف علوم القرآن للزركشي‪ ،‬واإلتقان يف علوم القرآن للسيوطي‪.‬‬
‫أما كتب البالغة فكانت األقرب بسبب طبيعة موضوع البحث‪ ،‬وخباصة دالئل اإلعجاز‪ ،‬وأسرار‬
‫البالغة للشيخ عبد القاهر اجلرجاين‪ ،‬ومفتاح العلوم للسكاكي‪ ،‬والتلخيص واإليضاح للخطيب‬
‫القزويين‪ ،‬فضال عن العديد من كتب البالغة للمحدثني‪ ،‬وكان ال بد من االستعانة ببعض كتب‬
‫النحو‪ ،‬وخباصة يف الفصل األول‪ ،‬وكان كتاب مغين اللبيب عن كتب األعاريب البن هشام األنصاري‬
‫امسا على مسمى يف هذا املضمار‪ ،‬وكذلك الكتاب لسيبويه وغريها من كتب النحو‪ ،‬كما استعنت‬
‫بكتاب مشكل إعراب القرآن ملكي بن أيب طالب القيسي ملعرفة الوجه األعرايب يف بعض اآلايت‪،‬‬
‫وكذلك كتاب إيضاح الوقف واالبتداء أليب بكر االنباري الذي أفدت منه كثريا يف الفصل الثاين‪.‬‬
‫وكان حتديد اجلواب ـ لغواي ـ يتطلب الرجوع إىل معاجم اللغة اليت رجعت إىل أمهها‪ ،‬واستعرضت ما‬
‫جاء فيها عن اجلواب‪ ،‬وقد تطلب حتديد مفهوم اجلواب اصطالحا جولة يف كتب عديدة لعدم عثوري‬
‫على تعريف ميكن االعتماد عليه‪ ،‬ومنها بعض كتب األدب اليت أوردت مناذج من األجوبة‪ ،‬مثل أمايل‬
‫الزجاج‪ ،‬والعقد الفريد البن عبد ربه‪ ،‬واألمايل أليب علي القايل‪ ،‬واإلمتاع واملؤانسة للتوحيدي‪،‬‬
‫وكذلك كتاب اللمع أليب نصر السراج الطوسي الذي ذكر العديد من أجوبة املتصوفة‪ ،‬وبعض الكتب‬
‫اليت محلت عنوان األجوبة املسكتة وخباصة كتاب أيب عون الكاتب‪.‬‬
‫وكذلك بعض الكتب اليت ذكرت مصطلحا قريبا من اجلواب وهو املراجعة‪ ،‬إال أن هذه الكتب مجيعا‬
‫مل تقدم مفهوما للجواب‪ ،‬ومل جند أحدا تعرض هلذا املفهوم سوى أيب البقاء الكفوي يف كتابه‬
‫(الكليات)‪ ،‬ومل يشمل تعريفه مجيع أنواع اجلواب‪ ،‬وقد دعاين كل ذلك إىل االجتهاد يف وضع تعريف‬
‫مناسب للجواب‪ ،‬وهنالك كتاب‬

‫(‪)3/1‬‬

‫مل يرد ذكره كثريا يف هوامش البحث إال أنه أفادين كثريا‪ ،‬وهو كتاب (معجم املصطلحات البالغية‬
‫وتطورها) للدكتور امحد مطلوب‪ ،‬كما اعتمد البحث على كتب أخرى‪.‬‬
‫على أين قد حاولت قدر اإلمكان أن ال أكثر من املصادر واملراجع كي ال أثقل البحث هبا‪ ،‬وكان من‬
‫منهجي يف هذا البحث اين أذكر اآلية املباركة قيد الدرس‪ ،‬وأتبعها بشيء من أقوال املفسرين مع‬
‫الربط بينها وبني اآلايت اليت تشرتك معها مكونة أسلواب معينا يف اجلواب القرآين‪ ،‬مث حتديد أهم‬
‫السمات اليت ميزت هذا األسلوب من غريه‪ ،‬وحماولة أتشري أهم ما جيعل هذا األسلوب مناسبا يف‬
‫موضعه الذي ورد فيه‪ ،‬وقد تعامل البحث مع آايت اجلواب يف القرآن الكرمي على أساس النظم‬
‫فيها‪.‬‬
‫وقد قسم البحث على ثالثة فصول‪ :‬كان األول عن جواب السؤال الصريح‪ ،‬وكان الرتابط الشديد‬
‫بني السؤال واجلواب قد فرض نفسه حبيث كان تناول اجلواب فيه قد مت على أساس السؤال فكان‬
‫املبحث األول خمصصا للجواب عن االستفهام ابهلمزة اليت كانت اكثر أدوات االستفهام ورودا‪،‬‬
‫فكان اكثر أجوبة القرآن عنها‪ ،‬وأتتى بعدها (ما) االستفهامية من حيث الكثرة‪ ،‬وقد خصص هلا‬
‫املبحث الثاين‪ ،‬أما الثالث فكان عن أجوبة بقية أدوات االستفهام‪ ،‬وقد أحلق به اجلواب عن بعض‬
‫األلفاظ اليت تدل على االستفهام مثل يسألونك‪ ،‬ويستفتونك‪ ،‬ويستنبؤنك‪.‬‬
‫أما الفصل الثاين فكان عن جواب السؤال املقدر (الضمين) وقد كان اكثر تعقيدا وتشعبا من سابقه؛‬
‫ألن حتديد السؤال‪ ،‬واجلواب فيه يتم على أساس فهم املعىن‪ ،‬وقد التزمنا فيه التقسيم الذي وضعه‬
‫البالغيون لالستئناف البياين‪ ،‬فكان املبحث األول لإلجابة عن السبب مطلقا‪ ،‬وكان الثاين لإلجابة‬
‫عن السبب اخلاص‪ ،‬وكان الثالث لإلجابة عن (قال) املفصولة عما قبلها‪.‬‬
‫أما الفصل الثالث فكان عن فنون البيان اليت وردت يف اجلواب القرآين وهي التشبيه واالستعارة‪،‬‬
‫واجملاز املرسل‪ ،‬والعقلي‪ ،‬والكناية‪ ،‬وانتهى البحث خبامتة أبهم نتائج البحث‪.‬‬

‫(‪)4/1‬‬

‫وجتدر اإلشارة إىل أن البحث مل يتناول أجوبة أساليب الطلب األخرى كاألمر‪ ،‬والنداء‪ ،‬والنهي‪،‬‬
‫والعرض والتحضيض‪ ،‬والتمين والرتجي‪ ،‬مع وجود بعض األجوبة عنها‪ ،‬إذ من املعروف أن هلذه‬
‫األساليب بعض األجوبة‪ ،‬إال أن إطالق اسم اجلواب يف الرد على أساليب الطلب هذه هو إطالق‬
‫جمازي‪ ،‬وال ينطبق عليه مفهوم اجلواب الذي يسبق بسؤال ظاهر‪ ،‬أو مقدر هذا من جهة‪ ،‬اما اجلهة‬
‫الثانية فان الكثري من هذه األساليب كانت تتداخل يف ثنااي اجلواب عن السؤال الصريح واملقدر‪.‬‬
‫لقد استغرق العمل يف هذا البحث وقتا طويال بسبب سعته وتناثر أجزائه يف موضوعات عدة‪ ،‬وقد‬
‫تطلب ذلك جهدا مظنيا من اجل مل شتاته‪ ،‬وحصره وتقسيمه بشكل ميكن من اخلروج بنتائج طيبة‪،‬‬
‫وقد تطلب ذلك قراءة القرآن الكرمي أبمجعه اكثر من عشر مرات‪ ،‬واإلحبار يف أعماق النص القرآين‬
‫بقدر كبري من التأمل والتاين خشية اخلروج بنتيجة من النتائج اخلاطئة‪.‬‬
‫إن هذا ما أسعفنا به الوقت ال اجلهد‪ ،‬فان كنت قد أصبت فذلك بتوفيق من هللا تعاىل‪ ،‬وان كانت‬
‫األخرى‪ ،‬فإىل هللا املشتكى وعليه املعول‪.‬‬
‫وآخر دعواان ان احلمد هلل رب العاملني‬

‫(‪)5/1‬‬

‫التمهيد‬
‫وب‪ ،‬وجمَّ ٌ‬
‫وب‪.‬‬ ‫جيب َجمُ ٌ‬
‫ب)‪ ،‬واجلَْوب (قطعك الشي كما جياب اجليب‪ .‬يقال‪ٌ :‬‬ ‫(ج َو َ‬
‫اجلواب مشتق من َ‬
‫جتبت‬
‫وجبت املغازة‪ :‬أي قطعتها‪ ،‬وا ُ‬ ‫ب‪ :‬درعٌ تلبسه املرأة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫وب‪ .‬واجلَْو ُ‬
‫وكل جمّوف َوسطَهُ فهو َجمُ ٌ‬
‫الم والقميص‪ ،‬أي قطعتهُ‪ .‬واجلواب‪ :‬رديد الكالم‪ .‬تقول‪ :‬اساء مسعاً فأساء جابةً (‪ ،)1‬من أجاب‬ ‫الظَّ َ‬
‫جييب‪ ،‬ويقال‪ :‬هل عندك جابية خرب؟ أي‪ :‬خربٌ اثبت‪ .‬واجلميع‪ :‬اجلوائب‪ .‬ويقال اجلوائب‪ :‬الغرائب‬
‫من األخبار‪ ،‬وجابية خرب‪ ،‬أي حممولة من ارض اىل ارض بعيدة‪ ،‬أي‪ :‬قد جابت البالد (‪ .)2‬وقال‬
‫الص ْخ َر ِابل َْو ِاد) (‪ )3‬قال ال ّفراء‪:‬‬
‫ين َجابُوا َّ‬ ‫األزهري (ت ‪370‬هـ)‪( :‬قال هللا جل وعز) (وََثُ َ َّ ِ‬
‫ود الذ َ‬ ‫َ‬
‫جابوا اخرقوا الصخر فاختذوه بيواتً فارهني‪ ،‬وحنو ذلك (‪ )4‬مث يذكر ما جاء يف معجم العني‪ ،‬عن‬
‫اجلواب‪.‬‬
‫ومثل ((أساء مسعاً‬
‫أما الصاحب بن عباد (ت ‪385‬هـ) فيقول‪( :‬اجلواب‪ :‬رديد الكالم‪ ،‬أجاب جييب ٌ‬
‫فأساء جابةً)) و (إجابةً) وانه حلسن اجليبة واجلابة‪ :‬أي اجلواب (‪ )5‬أما امحد بن فارس (ت ‪395‬هـ)‬
‫فيقول عن (جوب)‪( :‬اجليم والواو والباء اصل واحد وهو خرق الشي‪ .‬يقال جبت األرض جوابً‪ ،‬فأان‬
‫وجواب ‪ ...‬واصل آخر‪ ،‬وهو مراجعة الكالم‪ ،‬يقال كلمة فاجابه جواابً‪ ،‬وقد جتاد جماوبة‪،‬‬
‫جائب ّ‬
‫واجملابة‪( :‬اجلواب) (‪.)6‬‬
‫ويقول الزخمشري (ت ‪528‬هـ) عن (جوب)‪( :‬جاب الثوب واجتابه‪ :‬قطعه‪ ،‬واستجاب هللا دعاءه‪،‬‬
‫ومن احلجاز‪ :‬جاب الفالة واجتاهبا‪ ،‬وجاب الظّالم) (‪.)7‬‬
‫ويقول صاحب (لسان العرب) عن (جوب)‪ :‬يف أمساء هللا اجمليب‪ ،‬وهو الذي يقابل الدعاء‪ ،‬والسؤال‬
‫ابلعطاء‪ ،‬والقبول سبحانه وتعاىل‪ ،‬وهو اسم فاعل من اجاب‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬جممع األمثال للميداين‪ ،101 :2 ،‬ويروي هذا املثل أيضاً‪ :‬أساء مسعاً فأساء إِجابةَ‪.‬‬
‫(‪ )2‬كتاب العني للفراهيدي‪.193 - 192 :6 ،‬‬
‫(‪ )3‬الفجر‪.)9( :‬‬
‫(‪ )4‬هتذيب اللغة‪ ،‬األزهري‪.128 :11 ،‬‬
‫(‪ )5‬احمليط يف اللغة‪ ،‬للصاحب إمساعيل بن عباد‪.201 :7 ،‬‬
‫(‪ )6‬معجم مقاييس اللغة ألمحد بن فارس‪.491 :1 ،‬‬
‫(‪ )7‬أساس البالغة‪ ،‬للزخمشري‪.139 :1 ،‬‬

‫(‪)1/1‬‬

‫جييب‪ ،‬اإلجابة‪ :‬رجع الكالم‪ ،‬تقول‪ :‬اجابه عن سؤاله‪ ،‬وقد أجابه إجابة‪ ،‬واجاابً وجابةً‪ ،‬واستجوبةً‪.‬‬
‫واستجابةً‪ ،‬واستجاب له‪ .‬ويف أمثال العرب (أساء مسعاً فأساء جابةً)‪ ،‬وجيوز ان يكون أي [اجلواب]‬
‫من جبت األرض إذا قطعتها ابلسري) (‪)1‬‬
‫إن استعراض ما جاء يف أهم املعاجم العربية عن األصل اللغوي للفظة (اجلواب) يوضح الكيفية اليت‬
‫تقلبت هبا هذه اللفظة حىت استقرت على معناها اللغوي املعروف أخرياً‪ ،‬ويظهر مما تقدم أن اجلواب ـ‬
‫لغوايً ـ مأخوذ من معىن قطع الشي (جبت األرض إذا قطعتها ابلسري)‪.‬وهذا املعىن هو األساس الذي‬
‫يقوم عليه مفهوم اجلواب – كما سيتضح فيما بعد – فاجلواب يقطع السبيل على السائل حبيث ال‬
‫يرتك له جماالً يف زايدة كالمه؛ خاصة انه حينما يسأل عن شي ما؛ فانه يطلب جواابً عن سؤاله‪ ،‬وبعد‬
‫حصوله على اجلواب ينتفي الغرض من الكالم‪.‬‬
‫أما يف القرآن الكرمي فقد وردت لفظة اجلواب وما اشتق منها (ثالاثً وأربعني مرة) (‪ )2‬منها اثنتان‬
‫وعشرون مرة مبعىن إجابة الناس لدعوة هللا تعاىل وأنبيائه ورسله لإلميان ابهلل‪ ،‬الواحد األحد‪ ،‬كما يف‬
‫اه ْم يُـ ْن ِف ُقو َن) (‪ .)3‬وقد‬ ‫ِ‬ ‫استَ َجابُوا لَِرّهبِِ ْم َوأَقَ ُاموا َّ‬ ‫قوله‪ِ :‬‬
‫ورى بَـ ْيـنَـ ُه ْم َوممَّا َرَزقـْنَ ُ‬
‫الصالةَ َوأ َْم ُرُه ْم ُش َ‬ ‫(والَّذي َن ْ‬
‫َ‬
‫نزلت هذه‬
‫اآلية (يف األنصار‪ :‬دعاهم هللا عز وجل لألميان به وطاعته فاستجابوا له ابن آمنوا‬
‫به وأطاعوه) (‪.)4‬‬
‫ك ِعب ِ‬
‫ادي َع ِّين فَِإِّين‬‫(وإِذَا َسأَلَ َ َ‬
‫ومنها (ثالث عشرة) مبعىن إجابة هللا تعاىل للدعاء كما يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫َّاع إِذَا َد َعان) (‪.)5‬‬
‫يب َد ْع َوةَ الد ِ‬ ‫قَ ِر ِ‬
‫يب أُج ُ‬
‫ٌ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لسان العرب البن منظور‪ .‬مادة (جوب)‪.276 - 275 :1 ،‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬املعجم الفهرس أللفاظ القرآن الكرمي حممد فؤاد عبد الباقي‪.186 - 185 :‬‬
‫(‪ )3‬الشورى‪ )38( :‬وينظر‪ :‬إبراهيم‪ )44( :‬واألحقاف‪ ،)31( ،)32( :‬واملائدة‪ )109( :‬وآل‬
‫عمران‪ .)172( :‬والرعد‪ )18( :‬حيث تكررت مرتني (استجابوا) و (يستجيبوا)‪ ،‬وفاطر‪)14( :‬‬
‫واإلسراء‪ ،)52( :‬واألنعام‪ ،)36( :‬والشورى‪ ،)47( ،)26( ،)16( :‬والبقرة‪ ،)186( :‬والقصص‪:‬‬
‫(‪ )65( ،)50‬واألنفال‪ ،)24( :‬واألعراف‪ ،)82( :‬والنمل‪ ،)56( :‬والعنكبوت‪.)29( ،)24( :‬‬
‫(‪ )4‬الكشاف‪ ،‬الزخمشري‪.228 :4 ،‬‬
‫(‪ )5‬البقرة‪ ،)186( :‬وينظر‪ :‬النمل‪ ،)62( :‬ويونس‪ ،)89( :‬وآل عمران‪ )195( :‬واألنفال‪،)9( :‬‬
‫ويوسف (‪ ،)34‬واألنبياء‪ ،)90( ،)88( ،)84( ،)76( :‬وغافر‪ ،)60( :‬وهود‪ )61( :‬والصافات‪:‬‬
‫(‪.)75‬‬

‫(‪)2/1‬‬

‫وجاءت لفظة اجلواب وما اشتق منها (ست مرات) مبعىن إجابة اآلهلة وغريها مما اختذه املشركون‬
‫ون َِّ‬
‫ضل ِممَّن ي ْدعُو ِمن ُد ِ‬
‫اَّلل َم ْن ال‬ ‫ْ‬ ‫(وَم ْن أَ َ ْ َ‬ ‫لدعاء هؤالء املشركني هلا‪ ،‬كما يف قوله جل وعال‪َ :‬‬
‫يب لَهُ إِ َىل يَـ ْوِم ال ِْقيَ َام ِة َو ُه ْم َع ْن ُد َعائِ ِه ْم غَافِلُو َن) (‪( .)1‬وإمنا قيل (من و (هم) ألنه اسند إليهم‬ ‫ِ‬
‫يَ ْستَج ُ‬
‫ما يسند إىل أويل العلم من االستجابة والغفلة‪ ،‬وألهنم كانوا يصفوهنا ابلتمييز جهالً وغباوة وجيوز أن‬
‫يريد‪ :‬كل معبود من دون هللا من اجلن واإلنس واألواثن‪ ،‬فغلب غري األواثن عليها) (‪ .)2‬وجاءت مرة‬
‫يل َعلَْي ُك ْم ِم ْن‬
‫واحدة مبعىن استجابة الناس لدعوة الشيطان كما يف قوله تبارك وتعاىل‪َ ... ( :‬وَما َكا َن ِ َ‬
‫ٍ‬
‫س ُك ْم ‪.)3( ) ...‬‬ ‫وم ِوين َولُ ُ‬
‫وموا أَنْـ ُف َ‬ ‫ُس ْلطَان إَِّال أَ ْن َد َع ْوتُ ُك ْم فَ ْ‬
‫استَ َج ْبـتُ ْم ِيل فَال تَـلُ ُ‬
‫ين‬ ‫وتبقى لدينا آية واحدة ال ينطبق عليها أي معىن من املعاين السابقة وهي يف قوله تعاىل‪( :‬وََثُ َ َّ ِ‬
‫ود الذ َ‬ ‫َ‬
‫الص ْخ َر ِابل َْو ِاد) (‪ )4‬فان (جابوا) معناه (قطعوا صخر اجلبال واختذوا فيها بيواتً) (‪ .)5‬يتضح‬ ‫َجابُوا َّ‬
‫أتت‪ ،‬ولو مرة واحدة‬ ‫من ذلك ان لفظة اجلواب وما اشتق منها قد خرجت إىل عدة ٍ‬
‫معان‪ ،‬إال أهنا مل ِ‬
‫لتدل على اجلواب الذي حنن بصدد البحث فيه‪ ،‬وهو اجلواب الذي أييت رداً على استفهام‪.‬‬
‫إن تتبع مفهوم اجلواب يبدو للوهلة األوىل هيناً وواضحاً ‪ ..‬ولكن سرعان ما تنجلى احلقيقة وهي أن‬
‫ما ذكر عن اجلواب ال يعدو أن يكون عبارة عن إشارات مقتضبة ال جيمعها علم معني أو كتاب‬
‫الباحث يف هذا املوضوع يطأُ أرضاً ب ْكراً َملْ يطأْها أح ٌد قبله‪ ،‬ففي كتب األدب العامة مل‬
‫َ‬ ‫واحد‪ ،‬وكأ َّ‬
‫َن‬
‫جن ْد إِالَّ نتفاً من األجوبة وأمثلة عليها؛ إذ جند أن ابن عبد ربه (ت ‪327‬هـ) يسمى ً‬
‫ابب من أبواب‬
‫كتابه (فرش كتاب اجملنبة يف األجوبة) ويصف اجلواابت ابهنا (أصعب الكالم كله مركبا‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬األحقاف‪ ،)5( :‬وينظر‪ :‬األعراف‪ ،)194( :‬وهود (‪ ،)14‬والكهف (‪ ،)62‬والقصص‪،)64( :‬‬
‫والرعد (‪.)14‬‬
‫(‪ )2‬الكشاف‪.196 - 295 :4 ،‬‬
‫(‪ )3‬إبراهيم ‪22‬‬
‫(‪ )4‬الفجر‪.)9( :‬‬
‫(‪ )5‬الكشاف‪.748 :4 ،‬‬

‫(‪)3/1‬‬

‫واعزه مطلباً‪ ،‬وأغمضه مذهباً‪ ،‬وأضيقه مسلكاً؛ الن صاحبه يعجل مناجاة الفكرة واستعمال القرحية؛‬
‫ّ‬
‫يروم يف بديهة؛ نقض ما أبرم يف رويةّ) (‪)1‬‬
‫ويقول بعد ذلك (أسرع الناس جواابً عند البديهة قريش مث بقية العرب‪ ،‬واحسن اجلواب كله ما كان‬
‫حاضراً مع إصابة معىن وإجياز لفظ) (‪ .)2‬ويفهم من ذلك انه يعين السؤال واجلواب الشفاهي الذي‬
‫يدور يف املخاطبات املختلفة‪ ،‬مث يذكر أمثلة عديدة من األجوبة‪ ،‬ومنها جواب عثمان بن عفان (رض)‬
‫مث حديث عمرو بن األهتم والزبرقان بن بدر مع النيب صلوات هللا وسالمه عليه‪ .‬مث جواب عقيل بن‬
‫أيب طالب ملعاوية وأصحابه‪ ،‬وجواب ابن عباس ملعاوية ‪ ..‬وهكذا‪ ،‬وهذه األجوبة كانت تقع ضمن‬
‫حوار يقوم على السؤال واجلواب‪ .‬وعلى املنوال نفسه ينسج أبو علي القايل (ت ‪356‬هـ) إذ يذكر‬
‫عنوان (مطلب حديث معاوية مع عبد هللا بن احلجر بن عبد املدان وما دار بينهما من سؤال وجواب‬
‫وغريب ذلك) ويبدأ بسؤال معاوية لعبد هللا عن قومه‪ ،‬وعن بعض قبائل العرب فيجيبه عبد هللا عن‬
‫مجيع أسئلته حىت يقول له معاوية‪( :‬أنت اعلم بقومك) (‪ ،)3‬ويورد يف موضع آخر حواراً لطيفاً بني‬
‫آيب عمرو بن العالء (ت ‪154‬هـ) ِ‬
‫واحد األعراب (‪ ،)4‬وهكذا ال تنفك مناذج أىب علي القايل اليت‬
‫يوردها عن أن تكون حماور ٍ‬
‫ات قائمة على السؤال واجلواب‪.‬‬
‫اما أبو حيان التوحيدي (ت ‪ 414‬هـ) فيذكر مسات اجلواب قائال‪(( :‬احسن اجلواب ما كان حاضراً‬
‫مع إصابة املعىن‪ ،‬وإجياز اللفظ‪ ،‬وبلوغ احلجة)) (‪ )5‬مث يذكر شرح ذلك بقوله‪(( :‬أما حضور اجلواب‬
‫فليكون الظفر عند احلاجة‪ ،‬وأما إجياز اللفظ فليكون صافياً من احلشو‪ ،‬وأما بلوغ احلجة فليكون‬
‫حسماً للمعارضة) (‪ )6‬وهذا الكالم يكاد يتطابق مع كالم ابن عبد ربه الذي ذكرانه عن مسات‬
‫اجلواب‪ ،‬ويورد التوحيدي مناذج عديدة منها‪( :‬نظر اثبت بن عبد هللا بن الزبري إىل أهل الشام‬
‫فشتمهم‪ ،‬فقال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬العقد الفريد‪ ،‬ابن عبد ربه‪.3 :4 ،‬‬
‫(‪ )2‬م‪ .‬ن‪.4:4 ،‬‬
‫(‪ )3‬األمايل‪ ،‬أبو علي القايل‪.159 :1 ،‬‬
‫(‪ )4‬م‪ .‬ن‪.16 :2 ،‬‬
‫(‪ )5‬اإلمتاع واملؤانسة‪ ،‬أبو حيان التوحيدي‪.163 :3 ،‬‬
‫(‪ )6‬اإلمتاع واملؤانسة‪ ،‬أبو حيان التوحيدي‪.163 :3 ،‬‬

‫(‪)4/1‬‬

‫له سعيد بن عثمان بن عفان‪ :‬أتشتمهم ألهنم قتلوا أابك؟ فقال‪ :‬صدقت‪ ،‬ولكن املهاجرين واألنصار‬
‫قتلوا أابك) (‪.)1‬‬
‫إن ما يالحظ على هذا اجلواب انه يعد من األجوبة املسكتة‪ ،‬إ ْذ ينقطع الكالم هبذا اجلواب‪ ،‬مع أن‬
‫اكثر النماذج اليت يذكرها التوحيدي تكون عبارة عن سؤال وجواب ويتطور الكالم بعد ذلك إىل‬
‫حوار يقوم على السؤال واجلواب‪ ،‬واحلوار ال يدخل ضمن جمال حبثنا‪ ،‬فال يتحقق معىن القطع فيه‬
‫حىت إذا اعتمد على السؤال واجلواب إذ يقوم احلوار على (املراجعة يف الكالم بني املتكلم وحماور له‪،‬‬
‫أو بني اكثر من ذلك‪ ،‬حيث يتعاقب األشخاص على اإلرسال والتلقي‪ ،‬وله موضوع معني‪ ،‬وهدف‬
‫حمدد) (‪.)2‬‬
‫وجند الزجاجي (ت ‪340‬هـ) يطلق أسم (األجوبة املسكتة) يف أماليه على األجوبة اليت ينقطع هبا‬
‫الكالم ويورد مثالني لذلك يقول يف األول منهما‪( :‬كانت رملة بنت عبد هللا بن معمر حتت هشام بن‬
‫سليمان بن عبد هللا‪ ،‬فجرى بينهما ذات يوم كالم فقال هلا‪ :‬أنت بغلةٌ ال تلدين فقالت له‪ :‬أيىب كرمي‬
‫أن خيالط لُ ْؤَمك) (‪ .)3‬ومن الواضح أن معىن القطع يتحقق هبذا اجلواب‪ ،‬إذ ال جمال للزايدة عليه‪.‬‬
‫واجلواب الذي يتحقق فيه هذا املعىن هو اجلواب الذي يدور عليه هذا البحث‪.‬‬
‫إن الزجاجي حينما يورد مصطلح (األجوبة املسكتة) فانه يدل على وجود أجوبة غري مسكتة‪ ،‬أي أن‬
‫السائل حينما يسمع اجلواب فانه يردف سؤاله األول بسؤال آخر‪ .‬الن اجلواب مل يكن جواابً اتماً‬
‫يعطي تصوراً كامالً عن املسألة‪ ،‬وخصوصاً إذا كان السائل خايل الذهن متاماً‪ ،‬أو حينما ال يتطابق‬
‫اجلواب مع ما يف ذهنه فيضطر إىل السؤال جمدداً‪.‬‬
‫وهنالك كتب محلت عنوان (األجوبة املسكتة) ولعل أمهها كتاب األجوبة املسكتة البن أىب عون‬
‫الكاتب (ت ‪322‬هـ) لتقدم مؤلفه زمنياً‪ ،‬وقد مجع فيه العديد من األجوبة وجعل كتابه يف َثانية‬
‫فصول‪ ،‬فذكر بعض أجوبة الفالسفة واحلكماء والزهاد واملتكلمني واألعراب والنساء‪ ،‬وبعضاً من‬
‫جواابت املدينيني واملخنثني وبعضاً‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬م‪ .‬ن‪.164 :3 ،‬‬
‫(‪ )2‬أسلوبية احلوار يف القرآن الكرمي‪ ،‬رسول محود حسن الدوري‪.9 :‬‬
‫(‪ )3‬أمايل الزجاجي‪ ،‬الزجاجي‪.141 :‬‬

‫(‪)5/1‬‬

‫من اجلواابت اهلزلية‪ .‬وهو مل يقدم مفهوماً للجواب املسكت‪ ،‬واكتفى إبيراد مناذج منه كما يف قوله‪:‬‬
‫واش إىل االسكندر برجل‪ ،‬فقال‪ :‬أحتب أن نقبل منك ما قلت فيه‪ ،‬على أن نقبل منه ما قال‬ ‫((وشى ٍ‬
‫فيك؟ قال‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬فكف عن الشر يكف عنك)) (‪ )1‬وابن أيب عون الكاتب هذا له مؤلفات‬
‫عديدة (‪ )2‬تدل على شخصية علمية هلا من االطالع والثقافة ما يؤهلها الن تنتظم يف سلك كتاب‬
‫القرن الرابع اهلجري‪ ،‬إالّ انه مع ذلك مل يقدم يف هذا الكتاب ما ميكن أن يعتمد عليه لإلفادة يف‬
‫ترسيخ مفهوم اجلواب‪ ،‬والبُ َّد ِم ْن أَ ْن يكون لديه مفهوم حمدد هلذا اجلواب إال انه مل يفصح عنه‪،‬‬
‫واكتفى إبيراد أمثلة عديدة وخمتلفة من األجوبة‪ ،‬ورمبا يعود ذلك اىل طبيعة التأليف الذي كان يسود‬
‫عصره‪.‬‬
‫وهنالك كتب أخرى محلت عنوان (األجوبة املسكتة) مثل (األجوبة املسكتة) أتليف‪ :‬علي عبد علي‬
‫اخلزاعي الذي مجع فيه عدداً كبرياً من األجوبة وأكثرها من العصر األموي والعباسي‪ ،‬وهو يعلق على‬
‫بعضها بتعليقات مقتضبة‪ ،‬ويكتفي بذكر املصادر اليت رجع إليها يف هناية الكتاب من دون أن يذكر يف‬
‫اهلامش اسم املصدر الذي نقل منه اجلواب ورقم الصفحة‪ .‬وكذلك احلال مع كتاب (األجوبة‬
‫املسكتة) الذي مجع فيه مؤلفه حممد سعيد العاين عدداً من األجوبة من الفرتات الزمنية اليت اعتمدها‬
‫سابقهُ وهو ال يشري إىل املصدر‪ ،‬ال يف اهلامش وال يف أخر الكتاب مع انه قد قضى اكثر من عشرين‬
‫سنة يف مجع هذه األجوبة كما جاء يف مقدمة كتابه (‪ .)3‬لقد خال هذان الكتاابن من تعريف (األجوبة‬
‫املسكتة) ومن البحث يف هذا املوضوع مطلقاً‪ ،‬واكتفى هذا املؤلفان برتتيب وتنسيق األجوبة بطريقة‬
‫ترضيهما‪.‬‬
‫ويذكر القلقشندي (ت ‪821‬هـ) شيئاً عن األجوبة إالّ انه يقصد هبا الرد على الرسائل ويقسمها‬
‫قسمني فمنها ما كان يف االبتداء ومنها ما كان جوااب على رسالة قد وصلت (‪ .)4‬وهو ال يذكر شيئاً‬
‫عن األجوبة اليت تكون رداً على استفهام‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬األجوبة املسكتة‪ ،‬ابن أيب عون الكاتب‪.35 :‬‬
‫(‪ )2‬م‪ .‬ن‪.14 - 13 :‬‬
‫(‪ )3‬األجوبة املسكتة‪.5 :‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬صبح األعشى يف صناعة اإلنشا‪ ،‬القلقشندي‪.447 :6 ،‬‬

‫(‪)6/1‬‬

‫وإذا كانت كتب األدب قد تعاملت مع اجلواب على هذا النحو الذي تكتفي فيه إبيراد مناذج من‬
‫األجوبة اليت ختدم غرضاً معيناً‪ ،‬فان كتباً أخرى تشاركها يف ذلك اذ وجدان ابن السراج الطوسي (ت‬
‫‪378‬هـ) يضع ألحد فصول كتابه عنواانً هو‪( :‬كتاب املسائل واختالف أقاويلهم يف األجوبة) يف‬
‫كتابه (اللمع) يف التصوف‪ ،‬ويذكر أمثلة متعددة من أجوبة كبار الصوفية على أسئلة عديدة‪ ،‬ومنها‬
‫مسألة (الفناء والبقاء) اليت يقول عنها‪( :‬الفناء والبقاء‪ :‬امسان ومها نعتان لعبد موحد يتعرض االرتقاء‬
‫يف توحيده من درجة العموم إىل درجة اخلصوص‪ ،‬ومعىن الفناء والبقاء يف أوائله‪ ،‬فناء اجلهل ببقاء‬
‫العلم‪ ،‬وفناء املعصية ببقاء الطاعة وفناء الغفلة ببقاء الذكر‪ ،‬وفناء رؤاي حركات العبد لبقاء رؤاي عناية‬
‫هللا يف سابق علمه) (‪ )1‬مث يذكر أهم أجوبة الصوفية ومنها جواب اجلنيد البغدادي إذ قال عن الفناء‬
‫والبقاء‪( :‬إذا فين الفناء عن أوصافه أدرك البقاء بتمامه) (‪ ،)2‬وجواب الشبلي الذي قال‪ :‬من فين‬
‫عن احلق ابحلق‪ ،‬لقيام احلق ابحلق فين عن الربوبية فضالً عن العبودية) (‪.)3‬‬
‫ويذكر بعد ذلك أجوبة عديدة عن هذه املسألة‪ ،‬وتتعدد األجوبة وختتلف من صويف إىل آخر‪ ،‬بيد أن‬
‫هذه األجوبة تتمحور حول البقاء هلل تعاىل والفناء للعبد‪ ،‬على أن هذا االختالف بينهم ال يعين‬
‫ابلضرورة إهنا أجوبة خاطئة‪ ،‬بل ميكن القول إن كل واحد من هؤالء املتصوفة يفهم البقاء والفناء‬
‫بطريقة قد تقرتب‪ ،‬أو تبتعد عن مفهومها لدى صويف آخر‪ ،‬الن التجربة الصوفية جتربة ذاتية‪.‬‬
‫وهنالك كتب تقوم أبكملها على السؤال واجلواب مثل كتاب (اهلوامل والشوامل) الذي سأل فيه أبو‬
‫حيان التوحيدي صاحبه مسكوبة مئةً ومخساً وسبعني مسألة يف شىت العلوم واملوضوعات‪ ،‬وكان‬
‫مسكويه جييبه عن مجيع مسائله (‪ ،)4‬وهو كسابقه من الكتب مل يقدم مفهوماً عن اجلواب‪ ،‬ومل يبحث‬
‫هذا املوضوع من قريب وال من بعيد‪.‬‬
‫__________‬
‫صر السراج‪.285 :‬‬
‫(‪ )1‬اللمع‪ .‬ابو نَ ْ‬
‫(‪ )2‬م‪ .‬ن‪.285 :‬‬
‫(‪ )3‬م‪ .‬ن‪.285 :‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬اهلوامل والشوامل‪ ،‬أليب حيان التوحيدي ومسكوية‪.‬‬

‫(‪)7/1‬‬

‫إن استعراض ما جاء يف هذه الكتب وذكر بعض النماذج منها يوضح الكيفية اليت كان عليها اجلواب‬
‫لدى هؤالء يف كتبهم‪ ،‬إالّ أن ذلك ال يعين عدم أمهية ذلك يف بناء مفهوم مقبول عن اجلواب‪ .‬ولعل‬
‫كتب علوم القرآن اكثر قرابً يف تناوهلا اجلواب‪ ،‬وخاصة يف القرآن الكرمي‪ ،‬إال أهنا مع ذلك مل تقدم‬
‫مفهوماً للجواب ميكن االعتماد عليه وكان الزركشي (ت ‪764‬هـ) يف كتابه (الربهان يف علوم القرآن)‬
‫اكثر من ذكر اجلواب وأمثلة عنه يف القرآن الكرمي‪ .‬ويقول عن اجلواب‪(( :‬األصل يف اجلواب أن‬
‫يكون مطابقاً للسؤال‪ ،‬إذا كان السؤال متوجهاً‪ ،‬وقد يعدل يف اجلواب عما يقتضيه السؤال تنبيها‬
‫على انه كان من حق السؤال أن يكون كذلك‪ ،‬ويسميه السكاكي (األسلوب احلكيم) (‪ ،)1‬وقد‬
‫جييء اجلواب اعم من السؤال للحاجة إليه يف السؤال وأغفله املتكلم‪ ،‬وقد جييء انقص لضرورة‬
‫احلال) (‪.)2‬‬
‫مث يفصل بعد ذلك ما ذكره إمجاالً هنا ويورد أمثلة من اآلايت القرآنية املباركة مث يذكر بعد ذلك ان‬
‫ت‬ ‫اصل اجلواب أن يعاد فيه نفس سؤال السائل‪ ،‬ليكون وفق السائل‪ .‬قال تعاىل‪( :‬قَالُوا أَإِنَّ َ‬
‫ك َألَنْ َ‬
‫ف ‪ )3( ) ...‬و (أان) يف جوابه عليه السالم هو (انت) يف سؤاهلم) (‪.)4‬‬
‫وس ُ‬
‫ال أ ََان يُ ُ‬
‫ف قَ َ‬
‫وس ُ‬
‫يُ ُ‬
‫ويسرتسل الزركشي فيذكر العديد من القواعد والفوائد ليؤكد حقيقة مفادها انه افضل من تناول‬
‫اجلواب من بني من كتبوا يف علوم القرآن‪.‬‬
‫وألمهية السؤال واجلواب قيل‪(( :‬العلم نصفان‪ :‬نصفه سؤال‪ ،‬ونصفه جواب)) (‪ )5‬اما السؤال او‬
‫االستفهام فقد درس دراسة وافية على أيدي النحويني‪ ،‬وقد خصصوا له ابابً امسعوه (ابب االستفهام)‬
‫يف اكثر كتب النحو‪ .‬فحددوا أدواته‪ .‬وكيفية استعماهلا‪ ،‬ومل يولوا اجلواب األمهية نفسها مع أن الغاية‬
‫من السؤال هي اجلواب واكتفوا إبشارات سريعة عنه خالل كالمهم على االستفهام‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مفتاح العلوم‪ ،‬السكاكي‪.553 :‬‬
‫(‪ )2‬الربهان يف علوم القرآن‪ ،‬الزركشي‪.46 :4 ،‬‬
‫(‪ )3‬يوسف‪.)90( :‬‬
‫(‪ )4‬الربهان يف علوم القرآن‪.46 :4 ،‬‬
‫(‪ )5‬اللمع‪.304 :‬‬

‫(‪)8/1‬‬

‫أن اجلواب ينقسم تبعاً للسؤال على قسمني‪ :‬جواب عن سؤال صريح‪ ،‬وجواب عن سؤال مقدر أو‬
‫(ضمين)‪ .‬وجواب السؤال الصريح‪ :‬هو اجلواب الذي أييت رداً على سؤال تظهر فيه إحدى أدوات‬
‫االستفهام‪ ،‬ويف بعض األحيان يكون اجلواب صرحياً‪ ،‬ولكن ال تظهر أداته بل تقدر‪ .‬كقوله تعاىل‪:‬‬
‫ِ‬ ‫(وجاء َّ ِ‬
‫ال نَـ َع ْم َوإِنَّ ُك ْم لَ ِم َن ال ُْم َق َّربِ َ‬
‫ني) (‪.)1‬‬ ‫َجراً إِ ْن ُكنَّا َْحن ُن الْغَالبِ َ‬
‫ني * قَ َ‬ ‫الس َح َرةُ ف ْر َع ْو َن قَالُوا إِ َّن لَنَا َأل ْ‬ ‫ََ َ‬
‫رد عليهم بقوله‬ ‫فقد حذفت اهلمزة قبل قوله (إن لنا ألجراً) (اعتماداً على القرائن بدليل أن فرعون َّ‬
‫((قال نعم)) (‪ .)2‬ومن ذلك قول عمر بن ايب ربيعة‪:‬‬
‫مث قالوا‪ :‬حتبها؟ قلت هبراً ‪ ...‬عدد الرمل واحلصى والرتاب (‪)3‬‬
‫(فقيل‪ :‬أراد‪ :‬أحتبها؟) (‪ .)4‬وتقسم أدوات االستفهام على حروف‪ ،‬وهي‪ :‬اهلمزة وهل‪ ،‬وأمساء‪ ،‬وهي‬
‫بقية أدوات االستفهام وينقسم االستفهام تبعاً لذلك على استفهام تصديق‪ ،‬واستفهام تصور (‪،)5‬‬
‫فاألداة هي اليت حتدد كيفية اإلجابة‪ ،‬فاهلمزة (ترد لطلب التصور حنو‪ :‬أ زي ٌد قائم أم عمرو؟ ولطلب‬
‫التصديق حنو‪ :‬أزي ٌد قائم؟ و (هل) خمتصة بطلب التصور حنو‪ :‬من جاءك؟ وما صنعت؟ وكم مالك؟‬
‫وأين بيتك؟ ومىت سفرك؟) (‪ )6‬ولعل كتاب سيبويه أول كتاب حنوي يشري إىل الفرق بني استفهام‬
‫ِ‬
‫س ِمها هبذين االمسني إذ يقول يف ابب (أم) إذا كان الكالم هبا مبنزلة (أيها)‬
‫التصديق والتصور وان مل يُ ّ‬
‫مدع أن عنده‬
‫أو (أيهم)‪(( - :‬وذلك قولك‪ :‬أزي ٌد عندك أم عمرو؟ وأزيداً لقيت أم ب ْشراً؟ فأنت اآلن ٍ‬
‫مدع أن املسؤول قد لقي أحدمها‪ ،‬أو‬
‫أحدمها ألنك إذا قلت‪( :‬أيهما عندك) و (أيهما لقيت) فأنت ٍ‬
‫عنده أحدمها‪ ،‬إالّ أن علمك قد استوى فيهما ال تدري أيهما هو)) (‪ .)7‬إن كالم سيبويه (ت‬
‫يقدر وجود (أيها) و أيهم) واحلاصل أن‬
‫‪180‬هـ) هنا منصب على استفهام التصور‪ ،‬ولذلك فانه ّ‬
‫السائل هنا حيمل يف ذهنه تصوراً ما‪ ،‬وليس خايل الذهن متاماً؛ أي انه يعلم بوجود‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬األعراف‪.)114 - 113( :‬‬
‫(‪ )2‬أساليب االستفهام يف القرآن الكرمي‪ ،‬السيد عبد العليم فودة‪.325 :‬‬
‫(‪ )3‬شرح ديوان عمر بن أيب ربيعة‪.64 :‬‬
‫(‪ )4‬مغين اللبيب‪.20 :‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬األشباه والنظائر السيوطي‪ ،6 - 5 :4 ،‬ومغين اللبيب‪.21 :‬‬
‫(‪ )6‬مغين اللبيب‪.21 :‬‬
‫(‪ )7‬الكتاب‪ ،‬سيبويه‪.170 - 169 :3 ،‬‬

‫(‪)9/1‬‬

‫شخص ما ولكنه يشك يف تعيينه‪ ،‬ولذلك يكون اجلواب ابلنص على وجود زيد او عمرو‪.‬‬
‫كما أشار سيبويه يف موضع آخر إىل االستفهام عن النسبة (التصديق) إ ْذ أن السائل يشك يف‬
‫مضمون اجلملة‪ ،‬أو يف نسبة املسند إىل املسند اليه‪ ،‬وان حاجته من املسؤول ان تكون اإلجابة عما‬
‫يسأل نفياً أو اثبااتً فيقول‪(( :‬تقول‪ :‬أ لقيت زيداً أو عمراً أو خالداً؟ و أ عندك زي ٌد أو خال ٌد أو‬
‫عمرو؟ كأنك قلت‪ :‬أعندك أحد من هؤالء؟ وذلك انك مل ت ّد ِع أن أحداً منهم َمثَّ‪ ،‬أال ترى انه إذا‬
‫أجابك قال‪( :‬ال)‪ .‬كما يقول‪ :‬إذا قلت‪ :‬أعندك أحد من هؤالء؟)) (‪ .)1‬كما ان سيبويه يستحسن‬
‫تقدمي االسم؛ أي املستفهم عنه وذلك يف استفهام التصور‪ ،‬أما يف استفهام التصديق فانه يستحسن‬
‫أتخري االسم‪ .‬أما الذي حيدد هذا التقدمي‪ .‬أو التأخري فهو السائل‪ ،‬أو املستفهم نفسه إذ أييت مبا‬
‫يشك فيه أو جيهله بعد أداة االستفهام مباشرة الن الغاية من السؤال هي احلصول على املعرفة‪.‬‬
‫وعلى هذه الشاكلة يكون حديث النحويني عن اجلواب عبارة عن إشارات موجزة يف خضم حديثهم‬
‫عن االستفهام‪ ،‬كما ان االرتباط الوثيق بني السؤال واجلواب جعل اجلواب يتبع السؤال يف األعراب‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫يقول ابن جين (ت ‪392‬هـ)‪(( :‬وأعراب اجلواب على أعراب السؤال ان ُرفِ َع َ‬
‫رفعت‪ ،‬وإ ْن نُص َ‬
‫نصبت‪ ،‬وإ ْن ُج َّر جررت‪ .‬يقول‪ :‬من هذا؟ فتقول‪ :‬زيد‪ ،‬فرتفع الن (من) مرفوعة ابالبتداء‪ ،‬وإذا قال‪:‬‬
‫َ‬
‫من ضربت؟ قلت‪ :‬زيداً‪ ،‬وإذا قال‪ :‬مبن مررت‪ :‬قلت‪ :‬بزيد‪ .‬فتايت حبرف اجلر الن حروف اجلر ال‬
‫تضمر)) (‪ )2‬ولعل يف هذه األمثلة اليت ذكرانها عن جواب السؤال الصريح عند النحاة كفاية‬
‫للتدليل على الكيفية اليت تناولوا هبا اجلواب‪.‬‬
‫أما البالغيون فان كالمهم يكاد يتطابق مع كالم النحويني فتقسيم أدوات االستفهام من حيث‬
‫التصور والتصديق نفسه‪ ،‬يقول السكاكي (ت ‪626‬هـ)‪(( :‬إن طلب التصور مرجعه إىل تفصيل‬
‫تفصل املفصل وإذا أتملت التصديق وجدته راجعاً إىل تفصيل اجململ أيضا‪ ،‬وهو طلب‬
‫اجململ‪ ،‬أو إىل ُ‬
‫تعني الثبوت‪ ،‬أو‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الكتاب‪.179 :3 :‬‬
‫(‪ )2‬اللمع يف العربية‪ .‬ابن جين‪.301 - 300 :‬‬

‫(‪)10/1‬‬

‫االنتفاء يف مقام الرتدد‪ ،‬واهلمزة من النوع األخري‪ ،‬تقول يف طلب التصديق هبا‪ :‬احصل االنطالق؟‪ ،‬و‬
‫(أزي ٌد منطلق؟)‪ .‬ويف طلب التصور هبا يف طرف املسند اليه‪( :‬أدبس يف اإلانء أم عسل؟ ويف طرف‬
‫املسند‪( :‬أيف اخلابية دبسك أم يف الزق؟)‪ ،‬فأنت يف األول تطلب تفصيل املسند إليه وهو املظروف‪،‬‬
‫ويف الثاين تفصيل املسند‪ ،‬وهو الظرف‪ ،‬و (هل) من النوع الثاين ال تطلب به إالّ التصديق كقولك‪:‬‬
‫(هل حصل االنطالق)‪ .‬و (هل زيد منطلق؟) (‪ )1‬ان العالقة اليت تربط بني التصور والتصديق‪،‬‬
‫واجلواب تكمن يف أن كيفية اجلواب تتحدد على أساس الفرق بني هذين االستفهامني‪ ،‬ولذلك فان‬
‫إدراك الفرق بينهما يعد أساساً تعتمد عليه صحة اجلواب‪ ،‬وقد حاول البالغيون وضع احلدود اليت‬
‫تربز الفرق بني كل من التصديق والتصور‪ ،‬فالتصديق (يكون عن نسبة تردد الذهن بني ثبوهتا أو‬
‫انتفائها‪ ،‬واالستفهام عن التصور يكون عند الرتدد يف تعيني أحد شيئني‪ ،‬فباالستفهام يعلم انه أحاط‬
‫العلم أبحدمها ال بعينه‪ ،‬مسندين أم مسنداً إليهما‪ ،‬أم من متعلقات اإلسناد) (‪)2‬‬
‫ومن الفروق األخرى بينهما ان االستفهام عن التصديق (حقه أن يؤتى بعده بـ (أم) املنقطعة دون‬
‫املتصلة‪ ،‬واالستفهام عن التصور‪ ،‬ما صلح أن يؤتى بعده بـ (ام) املتصلة دون املنقطعة) (‪.)3‬‬
‫ويظهر أن النحاة وان كانوا يدركون الفرق بني التصديق والتصور‪ ،‬إال ان هذين املصطلحني مل يظهرا‬
‫يف كتب النحو إالَّ بَـ ْعد ُمدَّة إذ (اعتمد النحاة املتأخرون هذا التقسيم ألدوات االستفهام ومنهم ابن‬
‫هشام) (‪.)4‬‬
‫أما جواب السؤال املقدر (الضمين)‪ ،‬فأنه اكثر تشعباً‪ ،‬واشد تعقيداً من جواب السؤال الصريح‪ ،‬ملا‬
‫فيه من ٍ‬
‫سعة‪ ،‬ولتناثر أجزائه يف عدة مواضع من موضوعات علم املعاين يف البالغة العربية‪ ،‬كما أن‬
‫هنالك تداخالً كبرياً يف هذا املوضوع بني‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مفتاح العلوم‪ .532 - 531 :‬وينظر‪ :‬اإليضاح‪ ،‬اخلطيب القزويين‪.137 - 136 :‬‬
‫(‪ )2‬شروح التلخيص‪ ،‬عروس األفراح‪.247 :2 ،‬‬
‫(‪ )3‬م ن‪.247 :2 ،‬‬
‫(‪ )4‬أساليب الطلب عند النحويني والبالغيني د‪ .‬قيس إمساعيل األوسي‪ ،318 :‬وينظر مغين اللبيب‪:‬‬
‫‪.20‬‬

‫(‪)11/1‬‬

‫البالغة والنحو‪ ،‬وذلك الن الوشائج اليت تربط علم املعاين ابلنحو كثرية حىت أن البعض قد طالب‬
‫بضمه إىل النحو (‪.)1‬‬
‫حصر جواب السؤال املقدر (الضمين) يف ثالثة مواضع من علم املعاين هي‪:‬‬
‫وميكن ُ‬
‫ينز َل غري السائل منزلة‬
‫‪1‬ـ يف أغراض اخلرب‪ :‬وذلك حينما خيرج الكالم عن (مقتضى الظاهر كأ ْن َّ‬
‫يلوح له ابخلرب؛ فيستشرف له استشراف املرتدد الطالب حنو‪َ ... ( :‬وال‬ ‫السائل إذا قدم إليه ما ِّ‬
‫ين ظَلَ ُموا إِ َّهنُ ْم ُمغْ َرقُو َن) (‪ )2‬وجتدر اإلشارة إىل أن للخرب غرضني مها‪( :‬إفادة‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُختَاط ْب ِين ِيف الذ َ‬
‫املخاطب‪ ،‬أما احملكم أو كونه عاملاً به‪ ،‬ويسمى األول‪ :‬فائدة اخلرب‪ ،‬والثاين‪ :‬الزمه) (‪ )3‬أو الزم فائدة‬
‫اخلرب‪ ،‬إ ْذ إن الزم الفائدة ال يقدم جديداً للمخاطب‪ ،‬وامنا يفيد أن املتكلم عامل ابحلكم‪ ،‬أو اخلرب‪.‬‬
‫وهنالك فرق واضح بني جميء الكالم على مقتضى الظاهر‪ ،‬وخروجه عن‬
‫مقتضى الظاهر (وذلك كما لو نزل غري السائل منزلة السائل‪ ،‬فالقي إليه الكالم مؤكداً‪ ،‬فالتأكيد‬
‫مقتضى احلال الذي هو السؤال تنزيالً‪ ،‬لكنه خالف مقتضى ظاهر احلال الذي هو عدم السؤال‬
‫حقيقة) (‪.)4‬‬
‫‪2‬ـ يف موضوع (الفصل والوصل)‪ :‬وذلك يف واحد من مواضع (الفصل) وهو ما يسمى بـ (شبه كمال‬
‫االتصال) أو االستئناف‪ ،‬إذ يقدر البالغيون وجود سؤال قبل هذا االستئناف‪ ،‬والغاية من وراء تقدير‬
‫هذا السؤال هي التنبيه على أمر غاية يف األمهية أال وهو مراعاة مستوى املخاطب‪ ،‬وذلك ابن يشعر‬
‫املتكلم بعدم وضوح األمر يف ذهب املخاطب‪ ،‬وكأنه يهم ابلسؤال فيجيبه املتكلم على سؤاله قبل أن‬
‫يصدر عنه أو يطلب منه ذلك شرط أن يقدر السؤال بشكل صحيح‪.‬‬
‫وقد قسم االستئناف على ثالثة اضرب (‪ :)5‬الن السؤال الذي تضمنته اجلملة األوىل اما عن سبب‬
‫احلكم فيها مطلقاً كقوله‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬التعبري البياين‪ ،‬د‪ .‬شفيع السيد‪ ،3 :‬وأساليب الطلب‪.357 - 354 :‬‬
‫(‪ )2‬هود‪.)26( :‬‬
‫(‪ )3‬التلخيص‪ .‬اخلطيب القزويين‪ ،43 - 42 :‬وينظر‪ :‬مفتاح العلوم‪ ،357 - 354 :‬واإليضاح‪:‬‬
‫‪.24‬‬
‫(‪ )4‬شروح التلخيص‪ ،‬حاشية الدسوقي‪.209 :1 ،‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬اإليضاح‪.160 - 159 :‬‬

‫(‪)12/1‬‬

‫طويل‬
‫سهر دائم وحزن ُ‬
‫عليل ‪ٌ ...‬‬
‫قال يل‪ :‬كيف أنت؟ قلت ٌ‬
‫ئ نَـ ْف ِسي إِ َّن‬
‫(وَما أُبَـ ِّر ُ‬
‫أي‪ :‬ما ابلك عليل؟ وما سبب علتك؟ واما عن سبب خاص له كقوله تعاىل‪َ :‬‬
‫وء ‪ )1( ) ...‬وهذا الضرب يقتضي أتكيد احلكم‪ .‬وأما عن غريمها‪ ،‬كقوله تعاىل‪( :‬‬ ‫النَّـ ْفس َأل ََّمارةٌ ِابلس ِ‬
‫َ َ‬
‫الم ‪ )2( ) ...‬كأنه قيل فماذا قال إبراهيم عليه السالم؟ فقيل‪ :‬قال‪ :‬سالم‪.‬‬ ‫ال َس ٌ‬
‫‪ ...‬قَالُوا َسالماً قَ َ‬
‫وهكذا يقدر السؤال تقديراً يف ثنااي الكالم وال يظهر أبداً‪ ،‬وهنا تكمن الدقة يف هذا املوضع الن‬
‫تقدير السؤال يعتمد على فهم املعىن بشكل عميق‪ ،‬وخاصة يف كالم رب العزة جل وعال‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ يف اإلجياز‪ :‬وذلك يف موضع احلذف منه‪ ،‬إذ احلذف نوعان‪ ،‬مها‬
‫حذف جزء من اجلملة وهو حذف املفردات‪ ،‬وحذف اجلمل‪ .‬وينقسم حذف اجلمل على‪ :‬حذف‬
‫اجلمل املفيدة‪ ،‬وحذف اجلمل غري املفيدة‪ ،‬مث ينقسم حذف اجلمل على أربعة اضرب‪ ،‬وما يهمنا هنا‬
‫هو الضرب األول منه وهو‪ :‬حذف السؤال املقدر‬
‫ويسمى (االستئناف) (‪.)3‬‬
‫ويقول ابن األثري (ت ‪ 637‬هـ) عنه‪( :‬ذلك ضرب من التأليف لطيف األمر‪ ،‬عجيب املغزى‪ ،‬وال جتد‬
‫ابابً من أبواب احلذوف احسن مأخذاً‪ ،‬وال أطرف خرباً)) (‪.)4‬‬
‫والواقع أن هذا املوضع ال خيتلف عن املوضع السابق‪ ،‬فهذا استئناف‪ ،‬وذاك استئناف أيضا إال اهنما‬
‫قد وردا يف موضعني خمتلفني عند البالغيني‪ ،‬وان كاان يتفقان يف املضمون‪.‬‬
‫وقد يرد السؤال املقدر يف ثنااي موضوعات أخرى مل يفرد هلا البالغيون مواضع خاصة‪ .‬ولكنها تتصل‬
‫ابلسؤال املقدر اتصاالً وثيقاً‪ ،‬ومنها كالمهم عن (إِ َّن) حينما يذكرون تلك الرواية املعروفة اليت وقعت‬
‫بني الكندي املتفلسف واملربد وال شك يف ان البالغيني قد أفادوا منها كثرياً يف هذا املوضوع ألهنا‬
‫قررت حكماً اخذوا به‪ ،‬وجعلوه من قواعدهم‪( :‬روى ابن األنباري‪ ،‬أن الكندي املتفلسف ركب إىل‬
‫املربد‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬يوسف‪)53( :‬‬
‫(‪ )2‬هود‪.69 :‬‬
‫(‪ )3‬ينتظر‪ :‬اجلامع الكبري يف صناعة املنظوم من الكالم واملنشور‪ ،‬ابن االثري‪.138 - 137 :‬‬
‫(‪ )4‬م‪ .‬ن‪.138 - 137 :‬‬

‫(‪)13/1‬‬

‫وقال‪ :‬إين أجد يف كالم العرب حشواً‪ ،‬فقال املربد‪ :‬يف أي موضع‪ ،‬فقال‪ :‬أجد العرب يقولون‪ :‬عبد‬
‫هللا قائم‪ ،‬مث يقولون‪ :‬إن عبد هللا قائم‪ ،‬مث يقولون‪ :‬إن عبد هللا لقائم‪ ،‬واملعىن واحد‪ ،‬فقال املربد‪ :‬بل‬
‫املعاين خمتلفة الختالف األلفاظ‪ ،‬فقوهلم‪ :‬عبد هللا قائم‪ ،‬إخبار عن قيامه‪ ،‬وقوهلم‪ :‬إن عبد هللا قائم‪،‬‬
‫جواب عن سؤال سائل‪ ،‬وقوهلم‪ :‬إن عبد هللا لقائم‪ ،‬جواب عن إنكار لقيامه فما أحار املتفلسف‬
‫جواابً) (‪.)1‬‬
‫اخلرب على ثالثة‬
‫وعلى هذا األساس يضع البالغيون القاعدة اآلتية‪ :‬ينقسيم ُ‬
‫أغراض هي (‪:)2‬‬
‫الغرض األول‪ :‬وهو خلو الكالم عن عدم مؤكد عند عدم اإلنكار ويسمى‬
‫ابتدائياً ألنه هو الواقع يف االبتداء‪ ،‬إذ األصل خلو الذهن‪.‬‬
‫الغرض الثاين‪ :‬وهو كونه مؤكداً استحساانً مع املرتدد الطالب‪ ،‬ويسمى طلبياً ألنه للطالب‪.‬‬
‫الغرض الثالث‪ :‬وهو كون الكالم مؤكداً وجوابً مع املنكر ويسمى إنكارايً لوقوعه يف مقابلة اإلنكار‪،‬‬
‫ويسمى إخراج الكالم عليها؛ أي على هذه الوجوه‪ ،‬وهو اخللو من التوكيد يف اإللقاء األول‪،‬‬
‫واالتصاف بتأكيد االستحسان يف اإللقاء الثاين‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬هناية اإلجياز يف دراية اإلعجاز الرازي‪ ،108 :‬وينظر‪ :‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬عبد القاهر اجلرجاين‪:‬‬
‫‪ 242‬ومفتاح العلوم‪ ،355 - 354 :‬والتبيان يف علم البيان‪ ،‬ابن الزملكاين‪ ،70 :‬واإليضاح‪.24 :‬‬
‫(‪ )2‬شروح التلخيص‪.208 - 207 :1 ،‬‬

‫(‪)14/1‬‬

‫وبتأكيد الوجوب يف اإللقاء الثالث إخراجاً على مقتضى الظاهر) (‪ .)1‬وهذا الكالم‪ ،‬وان كان افضل‬
‫يف ترتيبه‪ ،‬وتنسيقه مما جاء يف الرواية فانه ال خيرج عن كالم املربد‪ ،‬بل هو شرح له‪ ،‬واستنطاق‬
‫ملضامينه ال اكثر‪.‬‬
‫إن ما ميكن أن خنرج به من هذه الرواية وشرحها هو أن دخول (أن) على اجلملة يفيد وجود طلب‬
‫قبلها أو سؤال مقدر‪ ،‬ولذلك فاهنا تدخل على كالم (يرتد املخاطب يف ثبوته ونفيه‪ ،‬أما أن يقطع فيه‬
‫أبحد األمرين‪ ،‬فليس من شأهنا‪ ،‬ومن مث تراها تزداد حسناً إذا كان اخلرب يبعد مثله يف الظن) (‪.)2‬‬
‫وهنالك موضع آخر للسؤال املقدر يتعلق بلفظ (قال) يقول عبد لقاهر اجلرجاين (ت ‪471‬هـ)‬
‫((واعلم ان الذي تراه يف التنزيل من لفظ (قال) مفصوالً غري معطوف هذا هو التقدير فيه وهللا اعلم‬
‫ني *إِ ْذ َد َخلُوا َعلَْي ِه فَـ َقالُوا َسالماً قَ َ‬
‫ال‬ ‫ِ‬ ‫يث َ ِ ِ ِ‬ ‫(ه ْل أ ََات َك َح ِد ُ‬
‫يم ال ُْمك َْرم َ‬ ‫ض ْيف إبْـ َراه َ‬ ‫اعين مثل قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫س ِم ْنـ ُه ْم‬
‫ال أَال َأتْ ُكلُو َن * فَأ َْو َج َ‬
‫اء بِ ِع ْج ٍل َِمس ٍ‬
‫ني* فَـ َق َّربَهُ إِلَْي ِه ْم قَ َ‬ ‫سالم قَـوم م ْن َكرو َن * فَـرا َ ِ ِ ِ‬
‫غ إ َىل أ َْهله فَ َج َ‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ ٌْ ُ ُ‬
‫ف ‪ )3( ) ...‬جاء على ما يقع يف انفس املخلوقني من السؤال فلما كان يف العرف‬ ‫ِخي َفةً قَالُوا ال َختَ ْ‬
‫والعادة فيما بني املخلوقني إذا قيل هلم دخل قوم على فالن فقالوا‪ :‬كذا ان يقولوا‪ :‬فما قال هو؟‬
‫ويقول اجمليب‪ :‬قال كذا؛ اخرج الكالم ذلك املخرج الن الناس خوطبوا مبا يتعارفونه‪ ،‬وسلك ابللفظ‬
‫معهم املسك الذي يسلكونه)) (‪.)4‬‬
‫إن العرف اللغوي أو ما تعارف عليه الناس يف خطاهبم أيخذ مأخذه هنا لذلك يقدر سؤال بعد القول‬
‫األول‪ ،‬ويكون ما بعد (قال) الثانية مبثابة اجلواب عن (قال) األوىل‪ ،‬وكان هذا النوع الضرب الثالث‬
‫من اضرب االستئناف‪.‬‬
‫ويذكر الزركشي واحداً من مواضع السؤال املقدر فيقول‪(( :‬اعلم انك مىت رأيت (بلى) أو (نعم) بعد‬
‫كالم يتعلق هبما تعلق اجلواب‪ ،‬وليس قبلها ما يصلح أن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬شروح التلخيص ‪ /‬مواهب الفتاح‪ 207 :1 ،‬ـ ‪.208‬‬
‫(‪ )2‬التبيان يف علم البيان‪.63 :‬‬
‫(‪ )3‬الذارايت‪.)28 - 24( :‬‬
‫(‪ )4‬دالئل اإلعجاز‪ .244 :‬وينظر‪ :‬التبيان يف علم البيان‪.144 - 143 :‬‬

‫(‪)15/1‬‬

‫يكون جواابً له‪ ،‬فاعلم ان هناك سؤاالً مقدراً‪ .‬لفظه لفظ اجلواب‪ ،‬ولكنه اختصر وطوي ذكره‪ ،‬علما‬
‫ابملعىن)) (‪.)1‬‬
‫هذه هي املواضع اليت ذكر فيها السؤال املقدر‪ ،‬فيكون ما بعده مبثابة اجلواب له‪ ،‬وقد حددانها‬
‫بثالث نقاط‪ ،‬وحتدثنا عن املواضع األخرى عرضاً الن اإلشارات إليها كانت اقل‪ ،‬وهي حتتاج إىل‬
‫استنطاق النص وإمكانية أتويله‪.‬‬
‫إن الغاية من ذكر كل هذه النماذج عن جواب السؤال الصريح واملقدر هي الداللة على الكيفية اليت‬
‫مت تناول اجلواب هبا‪ ،‬وقد استوجب ذلك أن يتأخر تناول اجلواب (اصطالحاً) لإلفادة من كل ما‬
‫تقدم من مناذج وإشارات‪.‬‬
‫لقد أوردت بعض كتب البالغة شيئا عن السؤال واجلواب‪ ،‬فالرازي (ت ‪606‬هـ) حينما يتحدث عن‬
‫النظم يعد وجوهاً منه‪ ،‬فيقول‪( :‬الوجه الثامن عشر – يف السؤال واجلواب كقول الباخزري‪:‬‬
‫قد قلت‪ :‬هجرتين فماذا العلة؟ ‪ ...‬صدت ومتايلت وقالت‪ :‬قله) (‪)2‬‬
‫وهو هنا ال يتحدث بشكل مفصل عن السؤال واجلواب‪ ،‬بل يكتفي هبذه اللمحة اخلاطفة ويسايره يف‬
‫االجتاه نفسه رشيد الدين الوطواط (ت ‪573‬هـ) فيقول عن السؤال واجلواب‪(( :‬تكون هذه الصنعة‬
‫ابن يرد يف البيت الواحد أو البيتني سؤال وجوابه ‪ )3( ) ...‬مث يذكر بيت الباخرزي نفسه‪.‬‬
‫أما (املراجعة) مصطلحاً فاهنا تقرتب كثرياً من مفهوم السؤال واجلواب ويعرفها ابن أيب األصبع‬
‫املصري (ت ‪654‬هـ) بقوله‪ :‬هو ان حيكي املتكلم مراجعة يف القول وحماورة يف احلديث جرت بينه‬
‫وبني غريه‪ ،‬أو بني اثنني غريه أبوجز عبارة‪ ،‬وارشق سبك واسهل ألفاظ أما يف بيت واحد أو يف آبيات‬
‫أو مجلة واحدة) (‪ .)4‬أما ابن معصوم املدين (ت ‪1120‬هـ) فيقول عن املراجعة‪( :‬عبارة عن ان‬
‫حيكي املتكلم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الربهان يف علوم القرآن‪.264 :4 ،‬‬
‫(‪ )2‬هناية اإلجياز يف دراية اإلعجاز‪.149 :‬‬
‫(‪ )3‬حدائق السحر يف دقائق الشعر‪ ،‬رشيد الدين حممد العمري (الوطواط)‪.159 :‬‬
‫(‪ )4‬حترير التجرب‪ ،‬ابن أيب األصبع املصري‪.590 :‬‬

‫(‪)16/1‬‬

‫ما جرى بينه وبني غريه من سؤال وجواب‪ ،‬بعبارة رشيقة‪ ،‬وسبك لطيف يستحلي ذوقه السامع‪ ،‬أما‬
‫يف بيت واحد أو يف آبيات) (‪.)1‬‬
‫ويتضح من األبيات الشعرية اليت يوردها املصري‪ ،‬وأبن معصوم أمثلة عن املراجعة اهنا عبارة عن حوار‬
‫يقوم على السؤال واجلواب وال يتحقق فيها معىن القطع الذي جيب ان يتحقق يف اجلواب‪.‬‬
‫لقد أغفلت كتب (التعريفات واملعاجم) (‪ )2‬اإلشارة إىل اجلواب مصطلحاً ومل نعثر على مفهوم‬
‫اجلواب فيها ‪ ...‬إال أن الكفوي (ت ‪1094‬هـ) قد ذكر اجلواب فقال عنه‪( :‬اجلواب‪ :‬هو مشتق من‬
‫(جاب الفالة) إذا قطعها‪ ،‬ومسي اجلواب جواابً ألنه يتقطع به كالم اخلصم‪ ،‬وهو اترة يكون بـ (نعم)‬
‫واترة بـ (ال)؛ ويستعمل فيما يتحقق وجيزم وقوعه) (‪.)3‬‬
‫ومن الواضح أن الكفوي هنا قد انصرف اهتمامه إىل املعىن اللغوي‪ ،‬كما انه قد حدده بـ (نعم) و‬
‫(ال) أي انه يقتصر على جواب استفهام التصديق فقط‪ .‬ويهمل جواب استفهام التصور‪ ،‬ومن املعلوم‬
‫أن اجلواب ال ينحصر بـ (نعم) و (ال) فقط‪ ،‬بل هو أوسع من ذلك بكثري‪ ،‬إذ يتشعب ويتفرع حسب‬
‫طبيعة السؤال‪ ،‬كما ان السائل ليس خصماً دائماً‪ .‬وأمام هذا الفراغ كان البد للبحث من حماولة‬
‫وضع تعريف مناسب للجواب‪ ،‬هو يف حقيقته مأخوذ مما ذكران سابقاً فنقول‪ :‬اجلواب‪ :‬هو ما ينقطع‬
‫يسأل عنها‪ ،‬وال يتأَتَّى ذلك إالّ َبعد‬ ‫ِ‬ ‫صوله على ٍ‬‫السائل بـع َد ح ِ‬
‫للقضية اليت ُ‬ ‫تعليل أو حتليل‬ ‫ِ َْ ُ‬ ‫كالم‬
‫به ُ‬
‫السؤال وطب ِ‬
‫يعة اجلواب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َأتم ٍل ِ‬
‫ملاهية‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أنوار الربيع يف أنواع البديع‪ ،‬ابن معصوم املدين‪.305 :‬‬
‫(‪ )2‬ينظر على سبيل املثال ال احلصر‪ :‬كتاب التعريفات للشريف اجلرجاين‪ ،‬وكشاف اصطالحات‬
‫الفنون للتهانوي‪.‬‬
‫(‪ )3‬الكليات‪ ،‬الكفوي‪.172 :2 ،‬‬

‫(‪)17/1‬‬

‫الفصل األول‬
‫جواب السؤال الصريح‬
‫جواب السؤال الصريح هو اجلواب الذي أييت ردا على سؤال تظهر فيه إحدى أدوات االستفهام‪،‬‬
‫وقد يكون السؤال صرحياً‪ ،‬ولكن ال تظهر فيه أداة االستفهام بل تقدر‪.‬‬
‫لقد ذهب بعض العلماء إىل أن االستفهام يف القرآن الكرمي خيتلف عن االستفهام يف كالم البشر‪،‬‬
‫عز وجل ‪ -‬منفي عنه ذلك‪ ،‬ألنه تعاىل ال يستفهم خلقه عن‬
‫وذلك الن املُ ْست ْفهم غري عامل ‪ ..‬وهللا َّ‬
‫شي‪ ،‬فاالستفهام يف القرآن الكرمي غري حقيقي ألنه واقع ممن يعلم‪ ،‬ويستغين عن طلب الفهم‪ ،‬وامنا‬
‫خيرج االستفهام يف القرآن‪ ،‬خمرج التوبيخ والتقرير (‪.)1‬‬
‫وهذا الكالم ليس دقيقاً ألنه يعمم ذلك على مجيع االستفهام يف القرآن‪ ،‬إذ مل يصدر مجيعه عن هللا‬
‫تبارك وتعاىل‪ ،‬بل صدر عن طوائف خمتلفة من البشر منهم األنبياء ومنهم املؤمنون ومنهم الكفار‬
‫ومنهم اليهود وغريهم‪ ،‬وهذا االستفهام الصادر عن هؤالء منه كان حقيقيا ومنه ما كان خيرج إىل ٍ‬
‫معان‬
‫أخرى ‪ ..‬ومل خيرج االستفهام يف القرآن خمرج التوبيخ والتقرير فقط بل خرج إىل معان بالغية خمتلفة‪.‬‬
‫يقول السبكي‪( :‬واالستفهام طلب الفهم إذا كان السائل جاهالً‪ ،‬وقد يكون عاملاً وغرضه طلب فهم‬
‫آلخر غري فاهم) (‪.)2‬‬
‫وملا كان القرآن الكرمي قد ذكر العديد من القصص واحلوادث‪ ،‬فال بُ َّد ِم ْن أ ْن يذكر بعضاً من أساليب‬
‫االستفهام املستخدمة على السنة من جرت بينهم تلك القصص واحلوادث‪.‬‬
‫إن شدة االرتباط بني السؤال واجلواب تفرض علينا االهتمام ابلسؤال كثريا ألنه املقدمة واألساس‬
‫الذي يعتمد عليه اجلواب‪ ،‬ولذلك جلأان إىل تقسيم هذا الفصل حسب أدوات االستفهام‪ ،‬وقد بدأانه‬
‫ابهلمزة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الربهان يف علوم القرآن‪ ،327 :2 ،‬واإلتقان يف علوم القرآن‪ ،102 :2 ،‬ومغين اللبيب‪:‬‬
‫‪.18‬‬
‫(‪ )2‬شروح التلخيص ‪/‬عروس األفراح‪.308 - 307 :2 ،‬‬

‫(‪)18/1‬‬

‫املبحث األول‬
‫جواب اهلمزة‬
‫لكل أسلوب من أساليب العربية أدواته اليت متيزه من غريه‪ ،‬واالستفهام شأنه يف ذلك شأن األساليب‬
‫األخرى‪ ،‬له أدواته املعروفة‪ ،‬وتقع اهلمزة يف صدارة األدوات املستخدمة فيه‪.‬‬
‫يزول عنه إىل غريه‪ ،‬وليس‬
‫لقد أشار سيبويه إىل أمهية اهلمزة قائال‪(( :‬إهنا حرف االستفهام الذي ال ُ‬
‫(م ْن) و (مىت) و (هل) وحنوهن‪ ،‬حيث أمنوا‬
‫لالستفهام يف األصل غريه‪ ،‬وامنا تركوا األلف يف َ‬
‫االلتباس)) (‪)1‬‬
‫أما ابن هشام األنصاري فيقول عنها اهنا (أصل أدوات االستفهام) (‪ )2‬وقد عارض بعض النحاة هذا‬
‫الكالم‪ ،‬وجعلوا (هل) تشارك اهلمزة أصالتها يف االستفهام (‪ .)3‬وما يهمنا هنا إثبات أصالة اهلمزة يف‬
‫أسلوب االستفهام سواء يف القرآن أو يف غريه فهي (أم) هذا الباب أي االستفهام‪ ،‬ولعلنا جند‬
‫مصداق هذا الكالم يف القرآن الكرمي‪ ،‬وملا كان كتاب هللا هو القمة اليت ال ميكن الوصول إليها يف‬
‫جودة استخدامه أساليب العربية‪ ،‬فقد وجدان أن (اهلمزة اكثر أدوات االستفهام وروداً يف القرآن‬
‫الكرمي‪ ،‬فقد جاءت (‪ )562‬مرة‪ ،‬وملا كان االستفهام القرآين كله (‪ )1260‬أسلوابً كان االستفهام هبا‬
‫قريباً من نصف االستفهام القرآين مجيعه) (‪ .)4‬وتنفرد اهلمزة عن بقية أدوات االستفهام يف كوهنا‬
‫تستخدم لطلب التصديق ولطلب التصور (فاهلمزة ترد لطلب التصور حنو‪ :‬ازي ٌد قائم ام عمرو؟‬
‫ولطلب التصديق حنو‪ :‬أزي ٌد قائم؟ و (هل) خمتصة بطلب التصديق حنو‪ :‬هل قام زيد؟ وبقية األدوات‬
‫خمتصة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬كتاب سيبويه‪.100 - 99 :1 ،‬‬
‫(‪ )2‬مغين اللبيب‪.19 ،‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬أساليب الطلب عند النحويني والبالغيني‪.322 - 321 :‬‬
‫(‪ )4‬أساليب استفهام يف القرآن الكرمي‪.9 ،‬‬

‫(‪)19/1‬‬

‫بطلب التصور‪ ،‬حنو‪ :‬من جاءك؟ وما صنعت؟ وكم مالك؟ وأين بيتك؟ ومىت سفرك؟) (‪.)1‬‬
‫وللتفريق بني هذين االستفهامني يقول السبكي‪( :‬االستفهام عن (التصديق) يكون عن نسبة تردد‬
‫الذهن بني ثبوهتا وانتفائها‪ ،‬واالستفهام عن التصور يكون عند الرتدد يف تعيني أحد شيئني‪،‬‬
‫فباالستفهام يعلم انه احاط العلم أبحدمها ال بعينه مسندين أم مسنداً إليهما‪ ،‬أم من متعلقات‬
‫اإلسناد) (‪.)2‬‬
‫وتبدو أمهية إدراك الفرق بني هذين النوعني من االستفهام من كون اجلواب يعتمد بشكل أساس على‬
‫فهم السؤال وأدراك ما طلب عنه الفهم‪ ،‬ولذلك حاول البالغيون إظهار الفروق بينهما يقول‬
‫السبكي‪(( :‬االستفهام عن التصديق حقه أن يؤتى بعده بـ (أم) املنقطعة‪ ،‬دون املتصلة‪ ،‬واالستفهام‬
‫ماصلُ َح ان يؤتى بعده بـ (أم) املتصلة دون املنقطعة)) (‪.)3‬‬
‫عن التصور َ‬
‫ومل يكن النحاة ليرتكوا كالمهم عن االستفهام خالياً من التفريق بني هذين النوعني من االستفهام (إذ‬
‫اعتمد النحاة املتأخرون هذا التقسيم ألدوات االستفهام ومنهم ابن هشام) (‪ .)4‬لقد توزعت إجابة‬
‫اهلمزة على قسمني‪ ،‬فمنه ما طلب به التصور ومنه ما طلب به التصديق وقد اتضح أن جواب ما‬
‫طلب به التصديق كان اكثر من الضعف قياساً إىل ما طلب به التصور يف جواب القرآن ‪ ..‬ومبا أن‬
‫التصديق يكون عن نسبة تردد الذهن بني ثبوهتا وانتفائها‪ ،‬فان الذهن يبحث عن نسبة املسند إىل‬
‫املسند إليه‪ ،‬أو عن مضمون اجلملة‪ ،‬على العكس من استفهام التصور حني يكون الذهن قد حدد‬
‫نسبة املسند إىل املسند إليه‪ ،‬ولكنه يطلب تعيني املفرد (‪.)5‬‬
‫ومع أن اهلمزة هي (أم) ابب االستفهام وهي األداة الوحيدة من بني أدوات االستفهام اليت أييت هبا‬
‫االستفهام عن التصديق‪ ،‬وعن التصور‪ ،‬إالّ أن الالفت‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مغين اللبيب‪ .21 ،‬وينظر‪ :‬مفتاح العلوم‪ ،532 ،531 ،‬واإليضاح ‪.136 - 79‬‬
‫(‪ )2‬شروح التلخيص ‪/‬عروس األفراح‪.247 :2 ،‬‬
‫(‪ )3‬م‪ .‬ن‪.247 :2،‬‬
‫(‪ )4‬أساليب الطلب‪ ،318 :‬وينظر‪ :‬مغين اللبيب‪.20 :‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬كتاب سيبويه‪ ،179 ،175 ،170 ،169 :3 ،‬ودالئل اإلعجاز‪.167 :‬‬

‫(‪)20/1‬‬

‫للنظر هو أن االستفهام هبا كثرياً ما كان خيرج ألغراض بالغية‪ ،‬فال أييت جواب هلا‪.‬‬
‫لقد استخدم القرآن الكرمي اإلجابة مبدوء ًة ابلفعل بزمنية املاضي واملضارع‪ ،‬وكذلك اإلجابة ابالسم‬
‫َخ َذ َّ ِ‬
‫اَّللُ ميثَا َق النَّبِيِّ َ‬
‫ني لَ َما آتَـ ْيـتُ ُك ْم‬ ‫(وإِ ْذ أ َ‬ ‫واحلرف‪ ،‬ومن استخدامه اجلواب املبدوء ابملاضي قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ول م ِ ِ‬ ‫اب و ِحك ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫َخ ْذ ُْمت َعلَى‬ ‫ال أَ أَقـ َْر ْرُْمت َوأ َ‬ ‫ص ّد ٌق ل َما َم َع ُك ْم لَتُـ ْؤمنُ َّن بِه َولَتَـ ْن ُ‬
‫ص ُرنَّهُ قَ َ‬ ‫اء ُك ْم َر ُس ٌ ُ َ‬ ‫م ْن كتَ ٍ َ َ‬
‫ْمة ُمثَّ َج َ‬
‫ال فَا ْشه ُدوا وأ ََان مع ُكم ِمن َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين) (‪.)1‬‬ ‫الشاهد َ‬ ‫ص ِري قَالُوا أَقـ َْر ْرَان قَ َ َ َ َ َ ْ َ‬ ‫ذَل ُك ْم إِ ْ‬
‫ويبدو أن التطابق بني السؤال واجلواب حاصل إذ جاء السؤال ابلفعل املاضي واجلواب كذلك وقد‬
‫قيل‪(( :‬اصل اجلواب أن يعاد فيه نفس سؤال السائل‪ ،‬ليكون وفق السائل)) (‪.)2‬‬
‫لقد جاء االستفهام هنا لطلب التصديق‪ ،‬ولذلك جاء اجلواب بتعيني املفرد‪ ،‬وكان ذلك إبعادة الفعل‬
‫نفسه ليكون ذلك ابلغ يف اإلقرار‪.‬‬
‫وسى إِ َىل قَـ ْوِم ِه غَ ْ‬
‫ضبَا َن‬ ‫وقد أييت اجلواب مفتتحاً ابلفعل املاضي املنفي كقوله تبارك وتعاىل‪( :‬فَـ َر َج َع ُم َ‬
‫ب ِم ْن‬ ‫ال َعلَْي ُك ُم ال َْع ْه ُد أ َْم أ ََر ْد ُْمت أَ ْن َِحي َّل َعلَْي ُك ْم غَ َ‬
‫سناً أَ فَطَ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫أِ‬
‫ضٌ‬ ‫ال َاي قَـ ْوم أََملْ يَع ْد ُك ْم َرب ُك ْم َو ْعداً َح َ‬
‫َسفاً قَ َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ْكنَا ولَ ِكنَّا ُِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫محّلْنَا أ َْوَزاراً م ْن ِزينَة الْ َق ْوم فَـ َق َذفْـنَ َ‬
‫اها‬ ‫َربّ ُك ْم فَأَ ْخلَ ْفتُ ْم َم ْوعدي * قَالُوا َما أَ ْخلَ ْفنَا َم ْوع َد َك ِمبَل َ‬
‫الس ِام ِري) (‪ .)3‬لقد تكرر االستفهام من موسى – عليه السالم – (أملْ يعدكم أَ فَطال‪،‬‬ ‫ك أَلْ َقى َّ‬ ‫فَ َك َذلِ َ‬
‫أم أردمت) لعظم ما اقرتفه قومه من جرمية ابختاذهم العجل إِهلاً‪ ،‬ولذلك جاء جواهبم بنفي التهمة عن‬
‫أنفسهم واالستفهام هنا لطلب التصديق بدليل وجود (أم) املتصلة‪.‬‬
‫(اي‬
‫ومثلما جاءت األجوبة عن أسئلة مثبتة‪ ،‬فقد جاءت عن أسئلة منفية كما يف قوله تبارك وتعاىل‪َ :‬‬
‫اء يَـ ْوِم ُك ْم َه َذا قَالُوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آايِيت َويُـ ْنذ ُرونَ ُك ْم ل َق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س أََملْ َأيْت ُك ْم ُر ُس ٌل م ْن ُك ْم يَـ ُقصو َن َعلَْي ُك ْم َ‬
‫شر ا ْجلِ ِن و ِْ‬
‫األنْ ِ‬ ‫َم ْع َ َ ّ َ‬
‫َش ِه ْد َان َعلَى أَنْـ ُف ِسنَا َوغَ َّرْهتُ ُم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬آل عمران‪.)81( :‬‬
‫(‪ )2‬الربهان يف علوم القرآن‪.46 :4 ،‬‬
‫(‪ )3‬طه‪.)87 - 86( :‬‬
‫(‪)21/1‬‬

‫ك فِينَا‬ ‫ال أََملْ نُـ َربِّ َ‬


‫ين) (‪ )1‬وقوله تبارك وتعاىل‪( :‬قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫ا ْحلَيَاةُ الدنْـيَا َو َش ِه ُدوا َعلَى أَنْـ ُفس ِه ْم أَهنُ ْم َكانُوا َكاف ِر َ‬
‫ْت وأَنْ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال فَـ َع ْلتُـ َها إِذاً‬‫ين * قَ َ‬ ‫ِ‬
‫ت م َن الْ َكاف ِر َ‬ ‫ك ال ِيت فَـ َعل َ َ‬ ‫ت فِينَا ِم ْن ُع ُم ِر َك ِسنِنيَ * َوفَـ َعل َ‬
‫ْت فَـ ْعلَتَ َ َّ‬ ‫َوليداً َولَبِثْ َ‬
‫ني) (‪ )2‬واالستفهام هنا لإلنكار وأييت منفياً بـ (مل) ألنه يستفهم به عن أمور عظيمة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوأ ََان م َن الضَّالّ َ‬
‫والتطابق بني السؤال واجلواب واضح يف هذا األسلوب‪.‬‬
‫أما اجلواب ابلفعل املضارع فكان اقل وروداً من الفعل املاضي بنسبة تزيد على النصف كما يف قوله‬
‫ال َسنُـ َقتِّ ُل‬ ‫ض وي َذر َك و ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ك قَ َ‬
‫آهلَتَ َ‬ ‫وسى َوقَـ ْوَمهُ ليُـ ْفس ُدوا ِيف ْاأل َْر ِ َ َ َ َ‬
‫ال ال َْم َألُ م ْن قَـ ْوم ف ْر َع ْو َن أَتَ َذ ُر ُم َ‬
‫(وقَ َ‬
‫تعاىل‪َ :‬‬
‫اه ُرو َن) (‪ )3‬ومهزة االستفهام إذا (وقع بعدها املضارع‬ ‫أَبـناءهم ونَستحيِي نِساءهم وإِ َّان فَـوقَـهم قَ ِ‬
‫َْ َ ُ ْ َ ْ َ ْ َ َ ُ ْ َ ْ ُ ْ‬
‫متصالً هبا أو منفصالً منها ابلعاطف فالغالب أن تكون اهلمزة معه إلنكار الواقع) (‪ )4‬ومل أيت‬
‫االستفهام هنا لإلنكار فقط بل انه (مستعمل يف اإلغراء إبهالك موسى وقومه واإلنكار على اإلبطاء‬
‫ابتالفهم) (‪.)5‬‬
‫ت َاي َويْـلَ َىت أَ أَلِ ُد َوأ ََان َع ُجوٌز َو َه َذا بَـ ْعلِي‬‫وقد أييت اجلواب على صيغة سؤال كما يف قوله تعاىل‪( :‬قَالَ ْ‬
‫اَّلل وبـرَكاتُهُ َعلَْي ُكم أ َْهل الْبـ ْي ِ‬‫اَّلل ر ْمح ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫شيء ع ِجيب * قَالُوا أَتَـعجبِ ِ‬
‫ت إِنَّهُ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ت َّ َ َ َ‬ ‫ني م ْن أ َْم ِر َّ َ َ‬
‫َْ َ‬ ‫َش ْيخاً إِ َّن َه َذا لَ َ ْ ٌ َ ٌ‬
‫محي ٌد َِجمي ٌد) (‪ )6‬فالسؤال جاء ابلفعل املضارع واجلواب الذي جاء بصيغة سؤال قد جاء ابملضارع‬ ‫َِ‬
‫أيضا‪ ،‬ومعىن كالم املالئكة (اهنم تعجبوا من تعجبها) (‪ )7‬وقوهلا (إن هذا الشي عجيب) دال على‬
‫قوة إنكارها ولذلك أكدته بـ (ان) و (الالم) (وجواب املالئكة إايها‪ :‬جبملة (أتعجبني من أمر هللا)‬
‫إنكار لتعجبها ألنه تعجب مراد منه االستبعاد) (‪.)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬األنعام‪.)130( :‬‬
‫(‪ )2‬الشعراء‪.)20( :‬‬
‫(‪ )3‬األعراف‪.)127( :‬‬
‫(‪ )4‬أساليب االستفهام‪.16 ،‬‬
‫(‪ )5‬تفسري التحرير والتنوير‪.58 :8 ،‬‬
‫(‪ )6‬هود‪.)73 - 72( :‬‬
‫(‪ )7‬التفسري الكبري‪.28 :17 ،‬‬
‫(‪ )8‬التحرير والتنوير‪.121 :12 ،‬‬
‫(‪)22/1‬‬

‫ض أَإِ َّان‬ ‫ضلَلْنَا ِيف ْاأل َْر ِ‬ ‫(وقَالُوا أَإِذَا َ‬ ‫وقد أييت االستفهام اإلنكاري حممال جبملة من املؤكدات كقوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ت الَّ ِذي ُوّكِ َل بِ ُك ْم ُمثَّ إِ َىل َربِّ ُك ْم‬
‫ك الْمو ِ‬ ‫ِ ِ ِِ ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬
‫لَفي َخل ٍْق َجديد بَ ْل ُه ْم بِل َقاء َرّهب ْم َكاف ُرو َن * قُ ْل يَـتَـ َوفَّا ُك ْم َملَ ُ َ ْ‬
‫تُـ ْر َج ُعو َن) (‪ .)1‬فهؤالء يشكون يف احلياة بعد املوت ولذلك يكررون االستفهام بقوهلم (إذا ضللنا) و‬
‫(ءاان لفي خلق جديد)‪ ،‬وجميء (ان) و (الالم) كلها مؤكدات لتظهر مدى شكهم يف هذا األمر‪.‬‬
‫ومبا أن شك هؤالء هبذا املستوى من القوة فقد جاء اجلواب من هللا تبارك وتعاىل على لسان نبيه عليه‬
‫الصالة والسالم ليفند هذا الشك ولذلك قال (يتوفاكم ملك املوت) (فذكره لتذكريهم ابملوت وهم‬
‫ال ينكرون ذلك ولكنهم أهلتهم احلياة الدنيا) (‪.)2‬‬
‫وعامةً َّ‬
‫فان اإلجابة ابلفعل املضارع كثرياً ما أتيت رداً على سؤال تكثر فيه املؤكدات ويفيد املضارع فيه‬
‫زمين احلال واالستقبال وكثريا ما يكون عن أمور خارقة للعادة‪ ،‬وأييت يف اآلايت املكية‪ .‬ومن أساليب‬
‫(وقَالُوا أَإِ َذا ُكنَّا ِعظَاماً َوُرفَااتً أَإِ َّان‬
‫القرآن الكرمي يف اجلواب استخدام فعل األمر ‪ ..‬كما يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ارةً أ َْو َح ِديداً) (‪.)3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لَ َم ْبـ ُعوثُو َن َخلْقاً َجديداً* قُ ْل ُكونُوا ح َج َ‬
‫(وقوله (كونوا حجارة أو حديداً) ليس املراد منه األمر بل املراد أنكم لو كنتم كذلك ملا أعجزمت هللا‬
‫تعاىل عن اإلعادة) (‪ .)4‬ومع ذلك فان اجلواب قد خرج خمرج فعل األمر (وقريبة ذلك مقابلة فعل‬
‫(كنا) يف مقاهلم بقوله (كونوا) ومقابلة (عظاماً ورفااتً) يف مقاهلم بقوله (حجارة أو حديدا)) (‪.. )5‬‬
‫آاب ُؤَان أَإِ َّان لَ ُم ْخ َر ُجو َن* لََق ْد ُو ِع ْد َان‬
‫ين َك َف ُروا أَإِذَا ُكنَّا تُـ َراابً َو َ‬
‫ويف السياق نفسه أييت قوله تعاىل‪( :‬وقَ َ َّ ِ‬
‫ال الذ َ‬ ‫َ‬
‫ف َكا َن َعاقِبَةُ‬ ‫ض فَانْظُُروا َك ْي َ‬ ‫ريوا ِيف ْاأل َْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه َذا َْحنن وآاب ُؤَان ِمن قَـبل إِ ْن ه َذا إَِّال أ ِ‬
‫ني* قُ ْل س ُ‬ ‫ري ْاأل ََّول َ‬
‫َساط ُ‬
‫َ‬ ‫ْ ُْ َ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ني) (‪ )6‬والالفت للنظر يف هذه اآلية‬ ‫ال ُْم ْج ِرم َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬السجدة‪.)11 - 10( :‬‬
‫(‪ )2‬التحرير والتنوير‪.220 :21 ،‬‬
‫(‪ )3‬اإلسراء‪.)50 - 49( :‬‬
‫(‪ )4‬التفسري الكبري‪.225 :20 ،‬‬
‫(‪ )5‬التحرير والتنوير‪.124 :15 ،‬‬
‫(‪ )6‬النمل‪.)69( :‬‬
‫(‪)23/1‬‬

‫وسابقتها تكرر االستفهام (وتكرير حرف االستفهام إبدخاله على إذا وان مجيعاً إنكار على إنكار‬
‫وجحود عقيب جحود ودليل على كفر مبالغ فيه) (‪.)1‬‬
‫ومن ذلك يبدو أن اجلواب بفعل األمر أييت رداً على استفهام إنكاري كما ان احملور الذي يدور عليه‬
‫ال لَِقوِم ِه أ ََأتْتُو َن الْ َف ِ‬
‫شةَ‬
‫اح َ‬ ‫(ولُوطاً إِ ْذ قَ َ ْ‬ ‫هذا االستفهام هو الشك يف احلياة بعد املوت‪ .‬أما قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫س ِاء بَ ْل أَنْـتُ ْم قَـ ْوٌم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َش ْه َوةً م ْن ُدون النّ َ‬ ‫الر َج َ‬ ‫ما سبـ َق ُكم ِهبا ِمن أ ٍ ِ‬
‫َحد م َن ال َْعالَ ِم َ‬
‫ني* إِنَّ ُك ْم لَتَأْتُو َن ِّ‬ ‫َ ََ ْ َ ْ َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّرو َن) (‪ )2‬فهذا‬ ‫س يَـتَطَه ُ‬‫وه ْم م ْن قَـ ْريَت ُك ْم إِهنُ ْم أ َُان ٌ‬
‫اب قَـ ْومه إَِّال أَ ْن قَالُوا أَ ْخ ِر ُج ُ‬
‫ُم ْس ِرفُو َن* َوَما َكا َن َج َو َ‬
‫لوط عليه السالم ولو كان موجهاً إليه لقالوا (اخرج) كما انه مل يكن عن‬ ‫اجلواب مل يكن موجهاً إىل ٍ‬
‫االستفهام اإلنكاري املوجه إليهم من نبيهم ‪ ..‬بل كان ذلك الكالم ردهم على رسالة لوط عليه‬
‫السالم أبمجعها‪ .‬ولذلك فان هذه اآلية واآلايت الثالث املشاكلة هلا (‪ )3‬ال تدخل ضمن فعل األمر‬
‫الذي جاء جواابً على االستفهام ابهلمزة‪.‬‬
‫ومن الواضح ان اإلجابة بفعل األمر اقل بكثري من اإلجابة ابلفعلني املاضي واملضارع‪ ،‬وقد يكون مرد‬
‫ذلك إىل أن فعل األمر يتعلق بزمين احلال واالستقبال أي أن الفعل غري واقع عند زمن االستفهام‬
‫على العكس من املاضي الذي وقع وانتهى واملضارع الذي حيصل يف الزمن الذي يطلب به االستفهام‬
‫‪ ..‬ومبا أن االستفهام أما أن يكون عن نسبة تردد الذهن بني ثباهتا وانتفائها أو يكون عند الرتدد يف‬
‫تعيني أحد شيئني واجلواب يكون أما إبثبات تلك النسبة أو نفيها وأما يكون بتعيني أحد الشيئني فان‬
‫هذا ميكن البت به يف املاضي واملضارع أما يف األمر أي املستقبل فال ميكن اجلزم به يف الغالب ألنه مل‬
‫يتحقق وقوعه بعد‪.‬‬
‫ومن أساليب اجلواب عن اهلمزة يف القرآن الكرمي ابتداء اجلواب ابالسم ‪ ..‬كما يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫ت أ َْهلَ ْكتَـ ُه ْم ِم ْن قَـ ْب ُل‬
‫ب لَ ْو ِش ْئ َ‬
‫ال َر ِّ‬ ‫ني َر ُجالً لِ ِمي َقاتِنَا فَـلَ َّما أ َ‬
‫َخ َذ ْهتُ ُم َّ‬
‫الر ْج َفةُ قَ َ‬ ‫ِ‬
‫وسى قَـ ْوَمهُ َس ْبع َ‬‫ار ُم َ‬ ‫(وا ْختَ َ‬
‫َ‬
‫َوإِ َّاي ِ ِ‬
‫ي أَ ُهتْل ُكنَا مبَا فَـ َع َل الس َف َهاءُ‬
‫َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسري الكشاف‪.158 - 157 :3 ،‬‬
‫(‪ )2‬األعراف‪.82 - 81 :‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬سورة النحل‪ :‬اآلية (‪ , )56‬والعنكبوت اآلية (‪ .)29‬والعنكبوت اآلية (‪ .)24‬واآلايت‬
‫الثالث األول كانت يف حق لوط عليه السالم‪ ،‬أما الرابعة فكانت يف حق إبراهيم عليه الصالة‬
‫والسالم‪.‬‬

‫(‪)24/1‬‬

‫شاء أَنْ ِ‬ ‫ِمنَّا إِ ْن ِه َي إَِّال فِ ْتـنَـتُ َ‬


‫ري‬
‫ت َخ ْ ُ‬ ‫ت َوليـنَا فَا ْغ ِف ْر لَنَا َو ْارمحَْنَا َوأَنْ َ‬ ‫شاءُ َو َهتْ ِدي َم ْن تَ َ ُ َ‬ ‫ضل ِهبَا َم ْن تَ َ‬ ‫ك تُ ِ‬
‫ُص ِ ِ‬
‫يب به َم ْن أَ َشاءُ‬
‫ِ‬
‫ال َع َذ ِايب أ ُ‬ ‫ك قَ َ‬ ‫سنَةً َوِيف ْاآل ِخ َرةِ إِ َّان ُه ْد َان إِلَْي َ‬ ‫ِِ‬
‫ب لَنَا ِيف َهذه الدنْـيَا َح َ‬ ‫ين* َوا ْكتُ ْ‬
‫ِ‬
‫الْغَاف ِر َ‬
‫ين ُه ْم ِِبايتِنَا يُـ ْؤِمنُو َن) (‪.)1‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ‬ ‫َوَر ْمحَِيت َو ِس َع ْ‬
‫الزَكاةَ َوالذ َ‬ ‫سأَ ْكتُـبُـ َها للَّذ َ‬
‫ين يَـتَّـ ُقو َن َويُـ ْؤتُو َن َّ‬
‫ت ُك َّل َش ْيء فَ َ‬
‫(املراد من العذاب هنا عذاب الدنيا الن الكالم جواب لقول موسى (أهتلكنا مبا فعل السفهاء منا‪،‬‬
‫واإلهالك عذاب) (‪ )2‬وال خيفى ما يف تقدمي (عذايب) على الفعل (اصيب) من اهتمام‪ ،‬وأتكيد هذا‬
‫العذاب اإلهلي‪.‬‬
‫وقد أييت اجلواب مفتتحاً بـ (سبحانك) كما يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫ون ا َِّ‬
‫ني ِمن ُد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْت لِلن ِ َِّ‬ ‫ال َّ ِ‬
‫ك َما‬
‫ال ُس ْب َحانَ َ‬ ‫َّلل قَ َ‬ ‫َّاس اخت ُذ ِوين َوأ ُّم َي إِ َهلَْ ِ ْ‬ ‫ت قُـل َ‬ ‫يسى ابْ َن َم ْرَميَ أَأَنْ َ‬
‫اَّللُ َاي ع َ‬ ‫(وإِ ْذ قَ َ‬
‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬
‫ت قُـلْتُهُ فَـ َق ْد َعل ْمتَهُ تَـ ْعلَ ُم َما ِيف نَـ ْف ِسي َوال أَ ْعلَ ُم َما ِيف نَـ ْف ِس َ‬
‫س ِيل ِحبَ ٍّق إِ ْن ُك ْن ُ‬ ‫يَ ُكو ُن ِيل أَ ْن أَقُ َ‬
‫ول َما لَْي َ‬
‫وب) (‪.)3‬‬ ‫ت َع َّال ُم الْغُيُ ِ‬ ‫إِنَّ َ‬
‫ك أَنْ َ‬
‫االستفهام موجه من الباري عز وجل على سبيل اإلنكار (‪ .)4‬ومل يسارع عيسى عليه السالم إىل نفي‬
‫هذا االهتام فلم يقل (ال) أو (كال) (بل فوض ذلك إىل علمه احمليط ابلكل فقال (ان كنت قلته فقد‬
‫علمته) وهذا مبالغة يف األدب ويف إظهار الذل واملسكنة يف حضرة اجلالل وتفويض األمور ابلكلية‬
‫إىل احلق سبحانه) (‪ .)5‬مع انه عليه السالم يعلم انه مل يقل ذلك إال انه (بعد هذه التسبيحة الطويلة‬
‫جيرؤ على اإلثبات والتقرير فيما قاله وفيما مل يقله فيثبت انه مل يقل هلم إال أن يعلن عبوديتهم هلل‬
‫ويدعوهم إىل عبادته) (‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬األعراف‪.)156 - 155( :‬‬
‫(‪ )2‬التحرير والتنوير‪.129 :9 :‬‬
‫(‪ )3‬املائدة‪.)116( :‬‬
‫(‪ )4‬التفسري الكبري‪.134 :12 ،‬‬
‫(‪ )5‬م‪ .‬ن‪.134 :12 :‬‬
‫(‪ )6‬يف ظالل القرآن‪.1001 :7 ،‬‬

‫(‪)25/1‬‬

‫ول لِلْمالئِ َك ِة أَهؤ ِ‬


‫الء إِ َّاي ُك ْم َكانُوا‬ ‫ِ‬
‫َُ‬ ‫ش ُرُه ْم َمجيعاً ُمثَّ يَـ ُق ُ َ‬ ‫(ويَـ ْوَم َْحي ُ‬
‫ويف السياق نفسه يردد قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ت َولِيـنَا ِم ْن ُدوهنِِ ْم بَ ْل َكانُوا يَـ ْعبُ ُدو َن ا ْجلِ َّن أَ ْكثَـ ُرُه ْم هبِِ ْم ُم ْؤِمنُو َن) (‪.)1‬‬
‫ك أَنْ َ‬‫يَـ ْعبُ ُدو َن* قَالُوا ُس ْب َحانَ َ‬
‫ادي هؤ ِ‬
‫الء أ َْم‬ ‫ضلَلْتُ ْم ِعبَ ِ َ ُ‬ ‫ول أَأَنْـتُ ْم أَ ْ‬ ‫ون َِّ‬
‫اَّلل فَـيَـ ُق ُ‬ ‫شرُهم وما يـ ْعب ُدو َن ِمن ُد ِ‬
‫ْ‬ ‫(ويَـ ْوَم َْحي ُ ُ ْ َ َ َ ُ‬ ‫وقوله تبارك وتعاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫َّخ َذ ِمن دونِ َ ِ ِ‬
‫َّعتَـ ُه ْم‬
‫ك م ْن أ َْوليَاءَ َولَك ْن َمتـ ْ‬ ‫ك َما َكا َن يَـ ْنـبَ ِغي لَنَا أَ ْن نَـت ِ ْ ُ‬ ‫يل* قَالُوا ُس ْب َحانَ َ‬ ‫ضلوا َّ ِ‬
‫السب َ‬ ‫ُه ْم َ‬
‫سوا ال ِّذ ْك َر َوَكانُوا قَـ ْوماً بُوراً) (‪ )2‬وما يالحظ على هذه اآلايت ان االستفهام فيها‬ ‫آاب َء ُه ْم َح َّىت نَ ُ‬
‫َو َ‬
‫صادر عن هللا تعاىل على سبيل اإلنكار وتدور حول موضوع عبادة الناس هؤالء املخاطبني ويبتدئ‬
‫اجلواب بقوهلم سبحانك وهو (منصوب على املصدر والتسبيح التنزيه هلل من السوء فهو يؤدي عن‬
‫نسبحك تسبيحاً أي‪ :‬ننزهك من السوء تنزيهاً ونربئك منه) (‪ )3‬مث إجابة الباري عز وجل أبدب‬
‫رفيع‪ ،‬وذلك بنفي هذه التهمة عن أنفسهم ‪ ..‬كما ان هذا السؤال واجلواب هو مما حيدث يف يوم‬
‫القيامة‪.‬‬
‫واحلق أن االهتام يف هذه اآلايت مل يكن موجهاً إىل املخاطبني به‪ ،‬بل إىل الكفرة الذين اختذوا أولياء‬
‫من دون هللا ولذلك وجه هللا تعاىل هذا االستفهام (توبيخاً للكفرة وتبكيتاً هلم‪ ،‬وهذا ما يسمى يف‬
‫البالغة (جماراة اخلصم) (‪ .)4‬ومن األساليب األخرى يف اجلواب جند أن القرآن الكرمي يستخدم‬
‫اإلجابة ابحلرف ومن ذلك استخدامه (نعم) لإلجابة هبا على استفهام التصديق كما يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫ال نَـ َع ْم َوإِنَّ ُك ْم إِذاً لَ ِم َن‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ني* قَ َ‬ ‫الس َح َرةُ قَالُوا لف ْر َع ْو َن أَإِ َّن لَنَا َألَ ْجراً إِ ْن ُكنَّا َْحن ُن الْغَالبِ َ‬
‫اء َّ‬
‫(فَـلَ َّما َج َ‬
‫ني) (‪.)5‬‬‫ال ُْم َق َّربِ َ‬
‫ال نَـ َع ْم َوإِنَّ ُك ْم لَ ِم َن‬ ‫ِ‬ ‫وقوله تعاىل‪( :‬وجاء َّ ِ‬
‫ني* قَ َ‬ ‫َجراً إِ ْن ُكنَّا َْحن ُن الْغَالبِ َ‬
‫الس َح َرةُ ف ْر َع ْو َن قَالُوا إِ َّن لَنَا َأل ْ‬ ‫ََ َ‬
‫ني) (‪ .)6‬وقد حذفت اهلمزة هنا (اعتمادا على‬ ‫ال ُْم َق َّربِ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سبأ؛ (‪.)41‬‬
‫(‪ )2‬الفرقان‪.)18( :‬‬
‫(‪ )3‬مشكل أعراب القرآن‪.86 :1 ،‬‬
‫(‪ )4‬من إعجاز البيان يف القرآن – االستفهام‪.272 ،‬‬
‫(‪ )5‬الشعراء‪.)41( :‬‬
‫(‪ )6‬األعراف‪.)114 - 113( :‬‬

‫(‪)26/1‬‬

‫جل شانه‪( :‬أَإِ َذا ِم ْتـنَا َوُكنَّا تُـ َراابً‬


‫رد عليهم بقوله ((قال نعم))) (‪ .)1‬وقال َّ‬ ‫ان فرعو َن َّ‬ ‫القرائن بدليل َّ‬
‫و ِعظَاماً أَإِ َّان لَمبـعوثُو َن* أَوآاب ُؤَان ْاأل ََّولُو َن* قُل نَـعم وأَنْـتم د ِ‬
‫اخ ُرو َن) (‪.)2‬‬ ‫ْ َْ َ ُْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ‬
‫وما يالحظ على هذا األسلوب يف اجلواب كثرة ورود أدوات االستفهام يف السؤال الواحد وان‬
‫السؤال أييت أبسلوب الشرط وجوابه أما اجلواب فيأيت مبدوءاً بـ (نعم) وأتيت بعدها مجلة حالية‬
‫مسبوقة بـ (واو) احلال‪.‬‬
‫ت الَّ ِذي َك َف َر ِِبايتِنَا‬ ‫ومثلما جاء اجلواب بـ (نعم) فقد جاء اجلواب بـ (كال) كقوله عز وجل‪( :‬أَفَـ َرأَيْ َ‬
‫ول َوَمنُد لَهُ ِم َن‬ ‫ب َما يَـ ُق ُ‬ ‫الر ْمحَ ِن َع ْهداً* َك َّال َسنَكْتُ ُ‬ ‫ب أَِم َّاختَ َذ ِع ْن َد َّ‬ ‫َّ‬
‫ني َماالً َوَولَداً* أَطلَ َع الْغَْي َ‬
‫ال َألُوتَ َ َّ‬
‫َوقَ َ‬
‫اب َم ّداً) (‪.)3‬‬ ‫ال َْع َذ ِ‬
‫اه ْم ِممَّا يَـ ْعلَ ُمو َن) (‪ )4‬ويف‬ ‫ِ‬
‫ويف قوله تعاىل‪( :‬أَيَط َْم ُع ُكل ْام ِر ٍئ م ْنـ ُه ْم أَ ْن يُ ْد َخ َل َجنَّةَ نَعِ ٍيم* َك َّال إِ َّان َخلَ ْقنَ ُ‬
‫سا ُن يَـ ْوَمئِ ٍذ أَيْ َن ال َْم َفر* َك َّال ال َوَزَر) (‪.)5‬‬ ‫قوله تعاىل‪( :‬يـ ُق ُ ِ‬
‫ول ْاألنْ َ‬ ‫َ‬
‫اءلُو َن* َع ِن النـَّبَِأ ال َْع ِظ ِيم* الَّ ِذي ُه ْم فِ ِيه ُخمْتَلِ ُفو َن* َك َّال َسيَـ ْعلَ ُمو َن* ُمثَّ َك َّال‬ ‫سَ‬
‫(ع َّم يَـتَ َ‬
‫ويف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫َسيَـ ْعلَ ُمو َن) (‪.)6‬‬
‫َّاصيَ ِة) (‪.)7‬لقد (وردت (كالّ) يف‬
‫اَّلل يـرى* َك َّال لَئِن َمل يـ ْنـتَ ِه لَنَس َفعاً ِابلن ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َن ََّ َ َ‬‫ويف قوله تعاىل‪( :‬أََملْ يَـ ْعلَ ْم ِأب َّ‬
‫القرآن ثالاث وثالثني مرة‪ ،‬منها مخس مرات مسبوقة ابستفهام‪ ،‬والباقيات جاءت فيهن مسبوقة‬
‫إبخبار‪ ،‬أو بطلب غري االستفهام) (‪ .)8‬وقد نقل ابن هشام خالفات النحاة الشديدة يف (كال)‬
‫فمنهم من قال إهنا مرَّكبة‪ ،‬ومنهم من قال إهنا بسيطةٌ ومنهم من قال إهنا حرف معناه الردع‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أساليب االستفهام‪.325 :‬‬
‫(‪ )2‬الصافات‪.)18 - 16( :‬‬
‫(‪ )3‬مرمي‪.)79 - 77( :‬‬
‫(‪ )4‬املعارج‪.)39 - 38( :‬‬
‫(‪ )5‬القيامة‪.)11 - 10( :‬‬
‫(‪ )6‬النبأ‪.)5 - 1( :‬‬
‫(‪ )7‬العلق‪)15 - 14( :‬‬
‫(‪ )8‬من إعجاز البيان يف القرآن – االستفهام‪ ،)272( :‬وينظر مغين اللبيب‪.250 :‬‬

‫(‪)27/1‬‬

‫والزجر‪ ،‬ومنهم من قال إهنا مبعىن (حقاً) ومنهم من قال إهنا تكون مبعىن (أال) االستفتاحية ومنهم من‬
‫قال إهنا تكون حرف جواب مبنزلة أي ونعم ‪ ..‬وابن هشام يرجح أن تكون استفتاحية مبعىن (أال) النه‬
‫اكثر اطراداً (‪ .)1‬وتشرتك مجيع هذه اآلايت يف كوهنا موجهة إىل الكفار وان جواهبا بعد ان افتتح بـ‬
‫(كال) فانه جواب للمستقبل أي انه مل يقع بعد وانه سيقع ولكن وقوعه سيكون يوم القيامة إذن‬
‫فهذه (اآلايت اليت وليت فيها (كال) أسلوب استفهام‪ ،‬وقد جاءت كلها للردع والزجر ال لالجياب أو‬
‫النفي‪ ،‬فهي ليست حرف جواب لالستفهام – كما قال النحاة) (‪.)2‬‬
‫ومن أساليب اجلواب ابحلرف يف القرآن الكرمي أن جياب عن االستفهام املنفي بـ (بلى) كما يف قوله‬
‫اب ِمبَا‬‫ال فَ ُذوقُوا ال َْع َذ َ‬ ‫س َه َذا ِاب ْحلَ ِّق قَالُوا بَـلَى َوَربِّنَا قَ َ‬ ‫(ولَ ْو تَـ َرى إِ ْذ ُوقِ ُفوا َعلَى َرّهبِِ ْم قَ َ‬
‫ال أَلَْي َ‬ ‫تعاىل‪َ :‬‬
‫ُك ْنـتُ ْم تَ ْك ُف ُرو َن) (‪.)3‬‬
‫وها فُتِ َح ْ‬ ‫وقوله تعاىل‪( :‬و ِس َ َّ ِ‬
‫ال َهلُ ْم َخ َزنَـتُـ َها أََملْ‬ ‫ت أَبْـ َو ُاهبَا َوقَ َ‬ ‫َّم ُزَمراً َح َّىت إِذَا َجاءُ َ‬ ‫ِ‬
‫ين َك َف ُروا إ َىل َج َهن َ‬ ‫يق الذ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ت َكل َمةُ‬ ‫اء يَـ ْوم ُك ْم َه َذا قَالُوا بَـلَى َولَ ِك ْن َح َّق ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أيْتِ ُكم ر ُسل ِم ْن ُكم يَـ ْتـلُو َن َعلَْي ُكم ِ ِ‬
‫آايت َربّ ُك ْم َويُـ ْنذ ُرونَ ُك ْم ل َق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ ُ ٌ ْ‬
‫ِ‬ ‫ال َْع َذ ِ‬
‫ين) (‪.)4‬‬ ‫اب َعلَى الْ َكاف ِر َ‬
‫ين إَِّال ِيف‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وقوله تعاىل‪( :‬قَالُوا أَوَمل تَ ُ ِ‬
‫ك َأتْتي ُك ْم ُر ُسلُ ُك ْم ِابلْبَـيّنَات قَالُوا بَـلَى قَالُوا فَا ْد ُعوا َوَما ُد َعاءُ الْ َكاف ِر َ‬ ‫َْ‬
‫الل) (‪.)5‬‬ ‫ض ٍ‬ ‫َ‬
‫س َه َذا ِاب ْحلَ ِّق قَالُوا بَـلَى َوَربِّنَا قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫وقوله تعاىل‪( :‬ويـوم يـعر َّ ِ‬
‫ال فَ ُذوقُوا‬ ‫ين َك َف ُروا َعلَى النَّار أَلَْي َ‬ ‫ض الذ َ‬ ‫ََ ْ َ ُ َْ ُ‬
‫اب ِمبَا ُك ْنـتُ ْم تَ ْك ُف ُرو َن) (‪.)6‬‬
‫الْ َع َذ َ‬
‫ِ‬
‫صتُ ْم َو ْارتَـ ْبـتُ ْم َوغَ َّرتْ ُك ُم‬ ‫وهنُ ْم أََملْ نَ ُك ْن َم َع ُك ْم قَالُوا بَـلَى َولَكنَّ ُك ْم فَـتَـ ْنـتُ ْم أَنْـ ُف َ‬
‫س ُك ْم َوتَـ َربَّ ْ‬ ‫اد َ‬‫وقال تعاىل‪( :‬يُـنَ ُ‬
‫ِ‬ ‫ْاألَم ِاين ح َّىت جاء أَمر َِّ‬
‫ور) (‪.)7‬‬ ‫اَّلل َوغَ َّرُك ْم ِاب ََّّلل الْغَ ُر ُ‬ ‫َ َ َ َ ُْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مغين اللبيب‪.250 - 249 :‬‬
‫(‪ )2‬من إعجاز الببان يف القرآن – االستفهام‪ .273 :‬وينظر‪ :‬مغين اللبيب‪.251 - 249 :‬‬
‫(‪ )3‬األتعام‪.)30( :‬‬
‫(‪ )4‬الزمر‪.)71( :‬‬
‫(‪ )5‬غافر‪.)50( :‬‬
‫(‪ )6‬األحقاف‪.)34( :‬‬
‫(‪ )7‬احلديد‪.)14( :‬‬

‫(‪)28/1‬‬

‫ج َسأَ َهلُ ْم َخ َزنَـتُـ َها أََملْ َأيْتِ ُك ْم نَ ِذ ٌير* قَالُوا بَـلَى قَ ْد‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اد متََيَّـ ُز م َن الْغَيْظ ُكلَّ َما أُلْق َي ف َ‬
‫يها فَـ ْو ٌ‬ ‫وقوله تعاىل‪( :‬تَ َك ُ‬
‫ٍ‬
‫الل َكبِ ٍري) (‪.)1‬‬ ‫ض ٍ‬ ‫اَّللُ ِم ْن َش ْيء إِ ْن أَنْـتُ ْم إَِّال ِيف َ‬
‫اء َان نَ ِذ ٌير فَ َك َّذبْـنَا َوقُـلْنَا َما نَـ َّز َل َّ‬
‫َج َ‬
‫إن ما يلحظ على هذه اآلايت اهنا تدور مجيعاً حول إثبات وحدانية هللا تبارك وتعاىل وعن البعث‬
‫وحساب القيامة فالسؤال واجلواب هنا يقعان يوم القيامة ولعل أمهية السؤال املطروح يف هذه اآلايت‬
‫هي اليت دعت إىل أن يكون منفياً وان جياب عنه بـ (بلى) دون غريها ألهنا احلرف الوحيد الذي‬
‫يصلح للجواب يف ذلك احلال‪ .‬والسؤال هنا موجه اىل الكفار وأتيت إجابتهم لإلقرار مبا ارتكبوا من‬
‫الكفر والعصيان‪.‬‬
‫ال بَـلَى َولَ ِك ْن لِيَط َْمئِ َّن‬ ‫ال أ ََوَملْ تُـ ْؤِم ْن قَ َ‬
‫ف ُحتْيِي ال َْم ْوتَى قَ َ‬
‫ب أَِرِين َك ْي َ‬ ‫يم َر ِّ‬
‫أما قوله تعاىل‪( :‬وإِ ْذ قَ َ ِ ِ‬
‫ال إبْـ َراه ُ‬ ‫َ‬
‫قَـلِْيب ‪(( .)2( ) ...‬بلى) إجياب ملا بعد النفي معناه بلى آمنت) (‪.)3‬‬
‫ك ِم ْن بَِين‬ ‫(وإِ ْذ أَ َخ َذ َرب َ‬
‫واآلية هنا دالة على قدرة هللا تعاىل على اإلحياء بعد املوت‪ .‬أما قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ت بَِربِّ ُك ْم قَالُوا بَـلَى ‪( .)4( ) ...‬ومجلة قالوا‬ ‫آد َم ِم ْن ظُ ُهوِرِه ْم ذُ ِّريَّـتَـ ُه ْم َوأَ ْش َه َد ُه ْم َعلَى أَنْـ ُف ِس ِه ْم أَلَ ْس ُ‬
‫َ‬
‫بلى جواب عن استفهام تقريري وفصلت ألهنا جاءت على طريقة احملاورة) (‪ )5‬وهذه اآلية تدور‬
‫أيضاً حوا إثبات الوحدانية هلل تعاىل وعدم االشراك به واالعرتاف ابحلياة بعد املوت‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َحيس ِ‬
‫س ِّو َ‬
‫ي بَـنَانَهُ) (‪ )6‬وهذه اآلية‬ ‫سا ُن أَل ْن َْجن َم َع عظَ َامهُ* بَـلَى قَاد ِر َ‬
‫ين َعلَى أَ ْن نُ َ‬ ‫ب ْاألنْ َ‬
‫وقال تعاىل‪( :‬أ َْ َ ُ‬
‫ال خترج عن اإلطار الذي تدور فيه اآلايت السابقة فهي يف جمال إثبات قدرة هللا تعاىل على إحياء‬
‫املوتى‪ .‬وهذا مما يعزز اليقني يف (أن القرآن يستخدم األلفاظ أو العبارات استخداماً معيناً يف مواقف‬
‫معينة‪ ،‬فيضفي عليها هذا االستخدام إحياء يضاف إىل معناها املعجمي‪ ،‬وجيعلها أتىب أن حيل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬امللك‪.)9 - 8( :‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪.)260( :‬‬
‫(‪ )3‬الكشاف‪.391 :1 :‬‬
‫(‪ )4‬األعراف‪.)172( :‬‬
‫(‪ )5‬التحرير والتنوير‪.168 :9 ،‬‬
‫(‪ )6‬القيامة‪.)4 - 3( :‬‬

‫(‪)29/1‬‬

‫حملها غريها‪ ،‬أو يؤدي نفس معناها‪ ،‬كان (بلى) ال جتود إال يف االعرتاف أبمر خطري ذي شان عظيم‬
‫كاأللوهية والقدرة على البعث وبدء اخللق وما إىل ذلك) (‪.)1‬‬
‫ومن أساليب اجلواب األخرى ابحلرف استخدام احلرف (بل) كما يف قوله تعاىل‪( :‬قَالُوا أ ِ‬
‫َج ْئـتَـنَا ِاب ْحلَ ِّق‬
‫ض الَّ ِذي فَطََرُه َّن َوأ ََان َعلَى ذَلِ ُك ْم ِم َن‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫ال بَ ْل َرب ُك ْم َرب َّ َ َ‬
‫ني* قَ َ‬ ‫ت ِمن َّ ِ‬
‫الالعبِ َ‬ ‫أ َْم أَنْ َ َ‬
‫ين) (‪.)2‬‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫الشاهد َ‬
‫(وجاء هو يف جواهبم ابإلضراب عن قوهلم (أم أنت من الالعبني) إلبطال أن يكون من الالعبني‬
‫واثبات ان رهبم هو الرب الذي خلق السماوات) (‪.)3‬‬
‫وه ْم إِ ْن َكانُوا‬ ‫ِ‬ ‫ِِِ ِ ِ‬ ‫وقال تعاىل‪( :‬قَالُوا أَأَنْ َ‬
‫اسأَلُ ُ‬
‫ريُه ْم َه َذا فَ ْ‬
‫ال بَ ْل فَـ َعلَهُ َكب ُ‬
‫يم* قَ َ‬‫ْت َه َذا ِبهلَتنَا َاي إبْـ َراه ُ‬ ‫ت فَـ َعل َ‬
‫ريُه ْم) ابطال الن يكون هو الفاعل لذلك نفى أن يكون فعل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يَـ ْنط ُقو َن) (‪( .)4‬وقوله تعاىل (بَ ْل فَـ َعلَهُ َكب ُ‬
‫ذلك الن (بل) تقتضي نفي ما دل على كالمهم من استفهام)‪)5( .‬‬
‫ِ‬ ‫ض ِع ُفوا أ َْ‬ ‫ال الَّ ِذين استَك ِ ِ‬
‫ص َد ْد َان ُك ْم َع ِن ا ْهلَُدى بَـ ْع َد إ ْذ َج َ‬
‫اء ُك ْم بَ ْل‬ ‫َحن ُن َ‬ ‫استُ ْ‬‫ين ْ‬ ‫ْربُوا للَّذ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫وقال تعاىل‪( :‬قَ َ‬
‫ض ِع ُفوا لِلَّ ِذين استكْربوا بل مكْر اللَّي ِل والنـَّها ِر إِ ْذ َأتْمرونَـنا أَ ْن نَ ْك ُفر ِاب َِّ‬
‫َّلل‬ ‫استُ ْ‬ ‫ُك ْنـتُم ُْجم ِرِمني* وقَ َ َّ ِ‬
‫َ‬ ‫ُُ َ‬ ‫َ ْ َ َُ َ ْ َ ُ ْ َ َ‬ ‫ين ْ‬ ‫ال الذ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫‪.)6( ) ...‬‬
‫إن هذا السؤال واجلواب مما يقع يوم القيامة إذ حياول الذين استكربوا التربَؤ من الذين استضعفوا‬
‫وكل يتهم اآلخر حىت ينجو من العذاب ورد عليهم املستضعفون (فأبطلوا إضراهبم إبضراهبم كأهنم‬
‫قالوا‪ :‬ما كان اإلجرام من جهتنا بل من جهة مكرهم لنا دائبا ليال وهنارا ومحلكم إايان على الشرك‬
‫واختاذ األنداد) (‪)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬من إعجاز البيان يف القرآن – االستفهام‪.269 :‬‬
‫(‪ )2‬األنبياء‪.)56( :‬‬
‫(‪ )3‬التحرير والتنوير‪.96 :7 ،‬‬
‫(‪ )4‬األنبياء‪.)63 - 62( :‬‬
‫(‪ )5‬التحرير والتنوير‪.100 :17 ،‬‬
‫(‪ )6‬سبأ‪.)33( :‬‬
‫(‪ )7‬الكشاف‪.291:1 ،‬‬

‫(‪)30/1‬‬

‫ويظهر أن هذا األسلوب يتضمن توجيه اهتام معني إىل املخاطب ويرد املخاطب إببطال هذا االهتام‬
‫ويكون االستعالء واضحا يف السؤال ويكون االستفهام هنا لطلب التصديق‪.‬‬
‫السماو ِ‬ ‫اَّلل َش ٌّ ِ‬ ‫ت رسلُهم أَِيف َِّ‬
‫ض‬‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫ك فَاط ِر َّ َ َ‬ ‫وقد أييت اجلواب منفيا كما يف قوله تعاىل‪( :‬قَالَ ْ ُ ُ ُ ْ‬
‫ش ٌر ِمثْـلُنَا تُ ِري ُدو َن أَ ْن‬
‫س ّم ًى قَالُوا إِ ْن أَنْـتُ ْم إَِّال بَ َ‬
‫َج ٍل ُم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يَ ْدعُوُك ْم ليَـغْف َر لَ ُك ْم م ْن ذُنُوبِ ُك ْم َويُـ َؤ ّخ َرُك ْم إِ َىل أ َ‬
‫وان بِس ْلطَ ٍ‬
‫ان ُمبِ ٍ‬
‫ني) (‪)1‬‬ ‫آاب ُؤَان فَأْتُ َ ُ‬ ‫وان َع َّما َكا َن يَـ ْعبُ ُد َ‬
‫صد َ‬ ‫تَ ُ‬
‫وجاء اجلواب هنا أبسلوب القصر‪ ،‬إ ْذ تقدمه النفي بـ (أن) اليت هي مبعىن (ما) هنا مث األداة (إال)‪.‬‬
‫ك ْاأل َْرذَلُو َن* قَا َل َوَما ِعلْ ِمي ِمبَا َكانُوا يَـ ْع َملُو َن) (‪ .)2‬لقد جاء‬ ‫ك َواتَّـبَـ َع َ‬ ‫وقوله تعاىل‪( :‬قَالُوا أَنُـ ْؤِم ُن لَ َ‬
‫اجلواب استفهاما بـ (ما)‪ ،‬وقد أوكل حساهبم إىل الباري عز وجل وهذه اآلايت وهنالك آايت غريها‬
‫كانت قليلة وال تشكل أسلواب له خصائصه املميزة حبيث ميكن حتديد اخلطوط الرئيسة هلذا األسلوب‬
‫ومتييزه من غريه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬إبراهيم‪.)10( :‬‬
‫(‪ )2‬الشعراء ‪.113 - 112‬‬

‫(‪)31/1‬‬
‫املبحث الثاين‬
‫جواب ما االستفهامية‬
‫أتيت اإلجابة عن (ما) اتلية للهمزة‪ ،‬يف كثرة االستفهام هبا يف القرآن الكرمي‪.‬‬
‫(وهي اكثر أدوات االستفهام ورودا يف القرآن بعد اهلمزة‪ ،‬فجاءت (‪ )186‬مرة)‪)1( .‬‬
‫و (ما) يستفهم هبا (عن اجلنس) (‪ )2‬كما يستفهم هبا عن (الصفات واحلقيقة واملاهية) (‪ )3‬لقد‬
‫تعددت أساليب اإلجابة عن االستفهام بـ (ما)‪ ،‬ومن ذلك اإلجابة ابلفعل املاضي كما يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رب فَبِ َم تُـبَ ِّ‬ ‫سِ ِ‬
‫ني) (‪.)4‬‬‫ش ْرَان َك ِاب ْحلَ ِّق فَال تَ ُك ْن م َن الْ َقانِط َ‬
‫ش ُرو َن* قَالُوا بَ َّ‬ ‫ال أَبَ َّ ِ‬
‫ش ْرمتُُوين َعلَى أَ ْن َم َّ َ‬
‫ين الْك َُ‬ ‫(قَ َ‬
‫واالستفهام ابهلمزة يف (أبشرمتوين) لإلنكار أما االستفهام بـ (ما) يف قوله (فبم تبشرون) للتعجب‬
‫ولذلك فاالستفهام هنا لإلنكار مع التعجب‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ني* إِ ْذ قَ َ‬
‫ال‬ ‫يم ُر ْش َدهُ م ْن قَـ ْب ُل َوُكنَّا بِه َعال ِم َ‬ ‫(ولََق ْد آتَـ ْيـنَا إبْـ َراه َ‬
‫ومن اإلجابة ابلفعل املاضي قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِألَبِ ِيه وقَـ ْوِم ِه َما َه ِذهِ التَّماثِ َّ‬
‫ين) (‪.)5‬‬ ‫آاب َء َان َهلَا َعابد َ‬ ‫يل ال ِيت أَنْـتُ ْم َهلَا َعاك ُفو َن* قَالُوا َو َج ْد َان َ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ص ُروا بِ ِه فَـ َقبَ ْ‬ ‫ِ‬
‫ضةً م ْن أَثَ ِر‬
‫ت قَـ ْب َ‬
‫ضُ‬ ‫ت ِمبَا َملْ يَـبْ ُ‬
‫ص ْر ُ‬
‫ال بَ ُ‬ ‫ك َاي َسام ِري* قَ َ‬ ‫ال فَ َما َخطْبُ َ‬ ‫وقوله تعاىل‪( :‬قَ َ‬
‫ت ِيل نَـ ْف ِسي) (‪.)6‬‬ ‫ول فَـنَـبَ ْذ ُهتَا َوَك َذلِ َ‬
‫ك َس َّولَ ْ‬ ‫الر ُس ِ‬
‫َّ‬
‫إن ما يالحظ هنا أن االستفهام الوارد يف هذه اآلايت مجيعا لألنبياء‪ ،‬وهو يف اآلية األوىل موجه‬
‫للمالئكة‪ ،‬ويف اآليتني الثانية والثالثة موجه ألانس قد ضلوا عن الطريق القومي‪ ،‬وملا كان االستفهام‬
‫موجها إىل املخاطب مباشرة فان املخاطب حينما جييب أييت ابلفاعل ضمريا إما متصال وإما منفصال‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أساليب االستفهام‪.123 :‬‬
‫(‪ )2‬مفتاح العلوم‪.533 :‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬شروح التلخيص‪.281 - 273:2 ،‬‬
‫(‪ )4‬احلجر‪.)55( :‬‬
‫(‪ )5‬األنبياء‪.)53 - 51( :‬‬
‫(‪ )6‬طه‪.)96( :‬‬

‫(‪)32/1‬‬
‫وكما أجاب القرآن الكرمي ابلفعل املاضي فانه قد أجاب ابلفعل املضارع كما يف قوله تعاىل‪( :‬أ َْم ُك ْنـتُ ْم‬
‫آابئِ َ‬
‫ك‬ ‫ال لِبَنِ ِيه َما تَـ ْعبُ ُدو َن ِم ْن بَـ ْع ِدي قَالُوا نَـ ْعبُ ُد إِ َهلَ َ‬
‫ك َوإِلَهَ َ‬ ‫ت إِ ْذ قَ َ‬‫وب ال َْم ْو ُ‬ ‫اء إِ ْذ َح َ‬
‫ض َر يَـ ْع ُق َ‬ ‫ُش َه َد َ‬
‫احداً َوَْحن ُن لَهُ ُم ْسلِ ُمو َن) (‪ .)1‬واالستفهام موجه هنا من يعقوب عليه‬ ‫اعيل وإِسحا َق إِ َهلاً و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫يم َوإِ ْمسَ َ َ ْ َ‬ ‫إبْـ َراه َ‬
‫السالم ألبنائه إذ يسأهلم (أي شيء تعبدون) (‪ .)2‬ويرى عبد العليم فوده أن هذا االستفهام استفهام‬
‫حقيقي (‪ ،)3‬وهذا الكالم ال يصمد عند التحقق منه فمن املعلوم انه يف االستفهام احلقيقي يكون‬
‫املستفهم غري عامل‪ ،‬بينما جند ان يعقوب عليه السالم قد أوصى بنيه هبذه الوصية والدليل على ذلك‬
‫ِ‬ ‫صى ِهبا إِبـر ِاه ِ ِ‬
‫ين فَال‬ ‫ين إِ َّن ا ََّّللَ ْ‬
‫اصطََفى لَ ُك ُم ال ّد َ‬ ‫وب َاي بَِ َّ‬
‫يم بَنيه َويَـ ْع ُق ُ‬
‫(وَو َّ َ ْ َ ُ‬ ‫قوله تعاىل يف اآلية اليت قبلها‪َ :‬‬
‫متَُوتُ َّن إَِّال َوأَنْـتُ ْم ُم ْسلِ ُمو َن) (‪.)4‬‬
‫ال َملْ أَ ُك ْن‬
‫ين* قَ َ‬ ‫ك أ ََّال تَ ُكو َن مع َّ ِ ِ‬ ‫ومن اإلجابة ابلفعل املضارع قوله تعاىل‪( :‬قَ َ ِ ِ‬
‫الساجد َ‬ ‫ََ‬ ‫يس َما لَ َ‬ ‫ال َاي إبل ُ‬
‫ال ِمن َمحٍَأ مسنُ ٍ‬
‫صل َ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َس ُج َد لِبَ َ‬ ‫ِ‬
‫ون) (‪ )5‬االستفهام موجه من هللا تعاىل إلبليس وهو‬ ‫ْص ْ َ ْ‬ ‫ش ٍر َخلَ ْقتَهُ م ْن َ‬ ‫أل ْ‬
‫(استفهام توبيخ) (‪ )6‬وقد جاء االستفهام منفيا بـ (اال) وطابقه اجلواب فجاء منفيا ومؤكدا ابلالم‬
‫أيضا‪ .‬وتطابق السؤال مع اجلواب كان واضحا يف اآليتني اللتني ذكرانمها‪ ،‬إذ (قيل‪ :‬اصل اجلواب أن‬
‫يعاد فيه نفس سؤال السائل‪ ،‬ليكون وفق السائل) (‪ ،)7‬وقد أعيد السؤال يف اإلجابتني السابقتني‪.‬‬
‫َّاس يَ ْس ُقو َن َوَو َج َد ِم ْن ُدوهنِِ ُم ْام َرأَتَ ْ ِ‬
‫ني‬ ‫اء َم ْديَ َن َو َج َد َعلَْي ِه أ َُّمةً ِم َن الن ِ‬
‫(ولَ َّما َوَر َد َم َ‬
‫وقال تبارك وتعاىل‪َ :‬‬
‫ري) (‪ )8‬إن االستفهام يف‬ ‫ِ‬
‫وان َش ْي ٌخ َكب ٌ‬ ‫ص ِد َر ِّ‬
‫الر َعاءُ َوأَبُ َ‬ ‫ال َما َخطْبُ ُك َما قَالَتَا ال نَ ْس ِقي َح َّىت يُ ْ‬ ‫ود ِ‬
‫ان قَ َ‬ ‫تَ ُذ َ‬
‫هذه اآلية املباركة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.)133( :‬‬
‫(‪ )2‬الكشاف‪.314:1 ،‬‬
‫(‪ )3‬أساليب االستفهام يف القرآن الكرمي‪.123 :‬‬
‫(‪ )4‬البقرة‪.)132( :‬‬
‫(‪ )5‬احلجر‪)33( :‬‬
‫(‪ )6‬التحرير والتنوير‪.46:14 ،‬‬
‫(‪ )7‬الربهان يف علوم القرآن‪.46:4 ،‬‬
‫(‪ )8‬القصص‪.)23( :‬‬

‫(‪)33/1‬‬
‫لطلب التصور‪ ،‬أو تعيني املفرد‪ ،‬أي أن السائل كان خايل الذهن إذ إن موسى عليه السالم قد‬
‫(سأهلما عن سبب الذايد فقالتا‪ :‬السبب يف ذلك اان امرأاتن ضعيفتان مسرتواتن ال نقدر على‬
‫مساجلة الرجال ومزامحتهم فالبد لنا من أتخري السقي إىل أن يفرغوا‪ ،‬وما لنا رجل يقوم بذلك وأبوان‬
‫شيخ قد أضعفه الكرب فال يصلح للقيام به‪ ،‬ابلتا اليه عذرمها يف توليهما السقي ابنفسهما) (‪.)1‬‬
‫إذن فقد تركز اجلواب على كشف السبب الذي دعامها إىل ممارسة هذا العمل‪ .‬ومما يالحظ على‬
‫استعمال (ما) هنا واإلجابة عنها ابلفعل املضارع أن االستفهام كان صادرا عن هللا تعاىل وعن أنبيائه‬
‫عليهم السالم‪ .‬ومل تكن األسئلة حمصورة يف غرض واحد‪ ،‬بل توزعت على أغراض خمتلفة‪ ،‬ومقاصد‬
‫متعددة‪ .‬وكانت األجوبة أجوية تفصيلية وليست خمتصرة‪ .‬ومل يكن هنالك رابط معني يربط املخاطبني‬
‫أو من وجهت إليهم األسئلة ففي اآلية األوىل كانوا أبناء يعقوب عليه السالم ويف الثانية كان (إبليس)‬
‫ويف الثالثة ابنيت شعيب عليه السالم ‪..‬‬
‫ش َر) (‪ )2‬فابن‬ ‫احةٌ لِلْبَ َ‬
‫ش ِر* َعلَْيـ َها تِ ْس َعةَ َع َ‬ ‫ِ‬ ‫(وَما أَ ْد َر َ‬
‫اك َما َس َق ُر* ال تُـ ْبقي َوال تَ َذ ُر* لََّو َ‬ ‫اما قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫احلاجب يقول عن أسلوب (ما أدراك)‪( :‬جميء االستفهام يف هذا اجملال لتعظيم ذكر القضية) (‪ )3‬إذن‬
‫فاالستفهام هنا ليس حقيقياً وامنا خرج لغرض بالغي يناسب هول ذلك املشهد الذي يصور جهنم‪،‬‬
‫أما اجلواب فانه قد جاء مفتتحاً بـ (ال) النافية اليت أفاد نفيها احلال واالستقبال لتتناسب مع هذا اجلو‬
‫الذي يرمسه القرآن الكرمي‪ .‬وال تقف السورة عند هذا احلد يف عرض هذا املشهد وامنا تكمله‬
‫ك نُط ِْع ُم‬ ‫ك ِمن الْم ِ‬
‫ني* َوَملْ نَ ُ‬ ‫(ما َسلَ َك ُك ْم ِيف َس َق َر* قَالُوا َملْ نَ ُ َ ُ َ‬
‫صلّ َ‬ ‫ابستفهام آخر وجبوابه يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اخلَائِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني) (‪.)4‬‬‫ب بِيَـ ْوم ال ّدي ِن* َح َّىت أ ََات َان الْيَق ُ‬
‫ني* َوُكنَّا نُ َك ّذ ُ‬
‫ضَ‬ ‫وض َم َع ْ‬
‫*وُكنَّا َخنُ ُ‬ ‫ال ِْم ْسك َ‬
‫ني َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الكشاف‪.171:3 ،‬‬
‫(‪ )2‬املدثر‪.)30 - 27( :‬‬
‫(‪ )3‬امايل ابن احلاجب‪.111 :1 :‬‬
‫(‪ )4‬املدثر‪.)47 - 42( :‬‬

‫(‪)34/1‬‬

‫َّت هبم إىل انر جهنم‬


‫االستفهام هنا للتوبيخ والتحسري (‪ ،)1‬وقد ذكر هؤالء اجملرمون أربعة أسباب أَد ْ‬
‫(ويف األفعال املضارعة يف قوله (مل نك‪ ،‬وخنوض‪ ،‬ونكذب) إيذان ابن ذلك ديدهنم ومتجدد منهم‬
‫طول حياهتم) (‪.)2‬‬
‫ومن الواضح أن اإلطناب يسري جنباً إىل جنب عند اإلجابة عن (ما) االستفهامية‪ ،‬كما هو احلال يف‬
‫اآلايت اليت سبقت هاتني اآليتني فاجلواب أييت على حن ٍو مفصل وليس موجزاً ولعل اإلطناب‬
‫والتفصيل أَلْيَ ُق ما يكو ُن يف مقام احلسرة والندم على ما فات هؤالء اجملرمني من نعيم اجلنة بسبب ما‬
‫ارتكبت أيديهم‪.‬‬
‫َّاس َما‬‫ول الس َف َهاءُ ِم َن الن ِ‬
‫(سيَـ ُق ُ‬
‫ومن أساليب اإلجابة عن (ما) اإلجابة ابالسم كما يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫صر ٍ‬
‫اط ُم ْستَ ِق ٍيم)‬ ‫ِِ‬
‫َّلل الْم ْش ِر ُق والْمغْ ِرب يـ ْه ِدي من ي َ ِ ِ‬ ‫ِ ِ َّ‬
‫شاءُ إ َىل َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫َوَّال ُه ْم َع ْن ق ْبـلَت ِه ُم ال ِيت َكانُوا َعلَْيـ َها قُ ْل َّ َ‬
‫(‪.)3‬‬
‫لعزةِ إِ ْذ (إن اجلهات كلها هلل ُملكاً َوَملِكا فال‬ ‫مأمور هبذا اجلواب من ِّ‬
‫رب ا َّ‬ ‫فالنَّيب صلَّى َّ‬
‫اَّللُ عليه وسلم ٌ‬
‫يستحق شي منها لذاته ان يكون قبلةً‪ ،‬بل امنا تصري قبلةً الن هللا تعاىل جعلها قبلة) (‪ ،)4‬واالستفهام‬
‫مل يقع بعد‪ ،‬بل انه سيقع يف املستقبل القريب بدليل وجود السني اليت تفيد االستقبال يف قوله تعاىل‬
‫(سيقول السفهاء) وما ذلك االّ َّ‬
‫ألن (اجلواب العتيد قبل احلاجة إليه اقطع للخصم وارد لشغبه) (‪.)5‬‬
‫وعلى هذه الشاكلة جاءت أسئلة فرعون ملوسى عليه السالم اليت استخدمت فيها (ما) أدا ًة للسؤال‬
‫ال فَ َما َاب ُل القرون‬
‫وكان اجلواب ابالسم كما يف قوله تعاىل‪( :‬قَ َ‬

‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُوىل* قَ َ ِ‬


‫ال ع ْل ُم َها ع ْن َد َرِّيب ِيف كتَاب ال يَضل َرِّيب َوال يَـ ْن َ‬
‫سى) (‪.)6‬‬ ‫ْاأل َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الكشاف‪.655 :4 ،‬‬
‫(‪ )2‬التحرير والتنوير‪.29:326 ،‬‬
‫(‪ )3‬البقرة‪.)142( :‬‬
‫(‪ )4‬التفسري الكبري‪.104 :4 ،‬‬
‫(‪ )5‬الكشاف‪.317 :1 ،‬‬
‫(‪ )6‬طه‪.)52 - 51( :‬‬

‫(‪)35/1‬‬
‫السماو ِ‬ ‫وقوله تعاىل‪( :‬قَ َ ِ‬
‫ض َوَما بَـ ْيـنَـ ُه َما إِ ْن ُك ْنـتُ ْم‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫ال َرب َّ َ َ‬ ‫ال ف ْر َع ْو ُن َوَما َرب ال َْعالَ ِم َ‬
‫ني* قَ َ‬
‫ِ‬
‫ني) (‪ )1‬وملّا كانت (ما) للسؤال عن اجلنس والصفة فانه (ال جواب البتة لقول فرعون وما رب‬ ‫ُموقنِ َ‬
‫العاملني إال ما قاله موسى عليه السالم وهو انه رب السماوات واألرض وما بينهما) (‪ )2‬فالستفهام‬
‫ٍ‬
‫طاغية متعنت وصل به احلال إىل أ ْن ي ّد َعي الربوبية ولذلك جاء‬ ‫هنالك لإلنكار‪ ،‬فهو صادر من‬
‫اجلواب مفصالً ودقيقاً‪ ،‬كما أن موسى عليه السالم قد أورد من الصفات اإلهلية لرب العاملني ما‬
‫يثبت لفرعون بطالن ربوبيته فاهلل تعاىل ال يضل وال ينسى وهو رب السموات واألرض وما بينهما‬
‫وشتان ما بني هذه الصفات العظيمة وصفات عبد ضعيف حقري من عبيد هللا كفرعون‪ .‬ومن أساليب‬
‫ال َرب ُك ْم قَالُوا ا ْحلَ َّق َو ُه َو‬
‫ما أن أتيت مصحوبة ابسم اإلشارة (ذا) كما يف قوله تعاىل‪ ... ( :‬قَالُوا َماذَا قَ َ‬
‫ري) (‪ .)3‬وقد حذف الفعل والفاعل من اجلواب هنا فاصل اجلواب‪(( :‬قال ربنا احلقَّ) حىت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َْعلي الْ َكب ُ‬
‫تتم املطابقة واملشاكلة بني السؤال واجلواب إال أن بالغة القرآن اكتفت هنا ابملفعول به فقط طلباً‬
‫لالختصار ‪ ..‬فان املوقف هنا ال يسمح ابلشرح والتفصيل فقوهلم (احلق) (أي القول احلق وهو اإلذن‬
‫ابلشفاعة ملن ارتضى) (‪ .)4‬وهذا مما يقع يف يوم القيامة‪.‬‬
‫اك َما ِس ِّج ٌ‬
‫ني *‬ ‫(وَما أَ ْد َر َ‬
‫ومن األساليب املميزة يف جواب (ما) جواب (ما ادراك)‪ .‬كما يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫وم) (‪.)6‬‬ ‫ِ‬ ‫كِتاب مرقُوم) (‪ .)5‬وقوله تعاىل‪( :‬وما أَ ْدر َ ِ ِ‬
‫اب َم ْرقُ ٌ‬
‫اك َما علّيو َن* كتَ ٌ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ ٌ َْ ٌ‬
‫ِ‬
‫اك َما ال َْع َقبَةُ* فَك‬ ‫(وَما أَ ْد َر َ‬
‫ب) (‪ .)7‬وقوله تعاىل‪َ :‬‬ ‫اك َما الطَّا ِر ُق* الن ْ‬
‫َّج ُم الثَّاق ُ‬ ‫(وَما أَ ْد َر َ‬
‫وقوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ام ِيف يَـ ْوٍم ِذي َم ْسغَبَ ٍة) (‪ )8‬وقوله تعاىل‪:‬‬ ‫َرقَـبَة* أ َْو إِط َْع ٌ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الشعراء‪.)24 - 23( :‬‬
‫(‪ )2‬التفسري الكبري‪.128 :24 ،‬‬
‫(‪ )3‬سبأ‪.)23( :‬‬
‫(‪ )4‬الكشاف‪.288 :3 ،‬‬
‫(‪ )5‬املطففني‪.)9 - 8( :‬‬
‫(‪ )6‬املطففني‪.)20 - 19( :‬‬
‫(‪ )7‬الطارق‪.)3 - 2( :‬‬
‫(‪ )8‬البلد (‪.)14 - 12‬‬

‫(‪)36/1‬‬
‫ص َدةٌ* ِيف َع َم ٍد‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اك ما ا ْحلطَمةُ* َانر َِّ‬
‫اَّلل ال ُْموقَ َدةُ* الَِّيت تَطَّل ُع َعلَى ْاألَفْئ َدة* إِ َّهنَا َعلَْي ِه ْم ُم ْؤ َ‬ ‫(وَما أَ ْد َر َ َ ُ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫َّدة) (‪.)1‬‬
‫ممَُد َ‬
‫ويقول الكفوي (ت ‪1049‬هـ) عن هذا األسلوب ((كل شي يف القرآن (وما أدراك) فقد اخرب به‪،‬‬
‫وذلك ان (ما) يف املوضعني لالستفهام اإلنكاري‪ ،‬لكن يف (ما يدريك) إلنكار ونفي لإلدراك يف احلال‬
‫واملستقبل‪ ،‬فإذا نفى هللا ذلك يف املستقبل ومل يفسره‪ ،‬ويف (ما أدراك) إنكار ونفي لتحقق اإلدراك يف‬
‫املاضي وال ينايف حتققه يف احلال أو املستقبل فأدرى هللا إبخباره وتفسريه) (‪.)2‬‬
‫إذن فهذا األسلوب القرآين ال خيرج عن التهويل الذي يراد به التخويف وانه ال يراد به التخويف‬
‫فقط‪ ،‬بل تعظيم األمر وتضخيمه‪ ،‬والفيصل يف هذا التحديد هو‬
‫اآلية نفسها مبا تعكس من املعىن وتضفي من الظالل على أسلوب (ما أدراك)‪.‬‬
‫ومن أساليب اإلجابة عن (ما) اإلجابة بظرف الزمان‪ ،‬ومنها اإلجابة عن (ما أدراك) كما يف قوله‬
‫س َشيئاً و ْاألَمر يـومئِ ٍذ َِِّ‬ ‫ك نَـ ْف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّلل) (‪ .)3‬وقوله‬ ‫س لنَـ ْف ٍ ْ َ ْ ُ َ ْ َ‬ ‫اك َما يَـ ْو ُم ال ّدي ِن* يَـ ْوَم ال متَْل ُ ٌ‬ ‫(مثَّ َما أَ ْد َر َ‬
‫تعاىل‪ُ :‬‬
‫ال َكال ِْع ْه ِن‬
‫وث* َوتَ ُكو ُن ا ْجلِبَ ُ‬ ‫اش الْم ْبـثُ ِ‬
‫اك َما الْ َقا ِر َعةُ* يَـ ْوَم يَ ُكو ُن الن ُ‬
‫َّاس َكالْ َف َر ِ َ‬ ‫(ما الْ َقا ِر َعةُ* َوَما أَ ْد َر َ‬
‫تعاىل‪َ :‬‬
‫ال َْم ْنـ ُف ِ‬
‫وش) (‪ )4‬والسبب يف كون اجلواب هنا ظرفاً للزمان هو أن االستفهام كان عن حتديد زمن معني‬
‫أو عن صفة هذا الزمن فيأيت اجلواب مفتتحاً ابلظرف ومصوراً لصفته‪.‬‬
‫ومن أساليب اجلواب عن (ما) اإلجابة ابلضمري كما يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫ال ِهي َعصاي أَتَـوَّكأُ َعلَيـها وأَهش ِهبا َعلَى غَنَ ِمي وِ ِ‬ ‫ْك بِيَ ِمينِ َ‬
‫(وَما تِل َ‬
‫يها َمآ ِر ُ‬
‫ب‬ ‫يل ف َ‬
‫ََ‬ ‫وسى* قَ َ َ َ َ َ ْ َ َ ُ َ‬ ‫ك َاي ُم َ‬ ‫َ‬
‫أُ ْخ َرى) (‪ .. )5‬ومن أجوبة موسى عليه السالم أيضاً قوله‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬اهلمزة‪.)9 - 5( :‬‬
‫(‪ )2‬الكليات‪.182 - 181 :4 ،‬‬
‫(‪ )3‬االنفطار‪.)19 - 18( :‬‬
‫(‪ )4‬القارعة‪.)5 - 3( :‬‬
‫(‪ )5‬طه‪.)18 - 17( :‬‬

‫(‪)37/1‬‬
‫ِ‬
‫ب لِ َ ْرت َ‬
‫ضى) (‪)1‬‬ ‫ال ُه ْم أُوالء َعلَى أَثَ ِري َو َع ِجل ُ‬
‫ْت إِلَْي َ‬
‫ك َر ِّ‬ ‫وسى* قَ َ‬ ‫ك َع ْن قَـ ْوِم َ‬
‫ك َاي ُم َ‬ ‫(وَما أَ ْع َجلَ َ‬
‫تعاىل‪َ :‬‬
‫وما مييز االستفهام هنا انه صادر عن رب العزة سبحانه وتعاىل‪ ،‬ولذلك فهو استفهام غري حقيقي الن‬
‫هللا تعاىل عامل بكل شي‪ .‬ومل يكن االستفهام هنا مما يتعلق ابآلخرة‪ ،‬وامنا كان املراد منه صقل شخصية‬
‫موسى عليه السالم (‪ .)2‬أما اجلواب فقد جاء مفصالً ومبدوءاً ابلضمري‪ ،‬وكان يف اآلية األوىل ضمرياً‬
‫عن العصا يف قوله تعاىل (وما تلك) وعن الكاف ابلتحديد‪ .‬ويف اآلية الثانية ضمرياً عن (قومك) وكان‬
‫التطابق واضحاً بني اجلواب والسؤال يف اآلية األوىل أما يف الثانية فإضافة إىل التطابق جند ذكر‬
‫السبب يف عجلته الن االستفهام كان لإلنكار‪.‬‬
‫ال َما‬
‫وقد يكون االستفهام صادراً عن هللا تعاىل ولكن على سبيل التوبيخ كما يف قوله تعاىل‪( :‬قَ َ‬
‫ني) (‪ .)3‬فاالستفهام هنا‬ ‫ري ِم ْنهُ َخلَ ْقتَ ِين ِم ْن َان ٍر َو َخلَ ْقتَهُ ِم ْن ِط ٍ‬
‫ال أ ََان َخ ٌْ‬ ‫ك أ ََّال تَ ْس ُج َد إِ ْذ أ ََم ْرتُ َ‬
‫ك قَ َ‬ ‫َمنَـ َع َ‬
‫عن سبب امتناع إبليس عن السجود آلدم عليه السالم وجاء اجلواب مفتتحاً بـ (اان) الدالة على‬
‫التفخيم والكرب موضحاً يف جوابه سبب تفضيل نفسه على آدم أبنه خملوق من انرـ وهي اشرف من‬
‫الطني على حد زعمه ـ‪.‬‬
‫ال فَ َما َخطْبُ ُك ْم أَيـ َها ال ُْم ْر َسلُو َن*‬ ‫وقد جاء اجلواب ابلضمري عن استفهام حقيقي كما يف قوله تعاىل‪( :‬قَ َ‬
‫َّرَان إِ َّهنَا لَ ِم َن الْغَابِ ِري َن)‬ ‫وهم أ ْ ِ‬ ‫قَالُوا إِ َّان أُر ِسلْنا إِ َىل قَـوٍم ُْجم ِرِمني* إَِّال َ ٍ‬
‫ني* إَِّال ْام َرأَتَهُ قَد ْ‬
‫َمجَع َ‬ ‫آل لُوط إِ َّان لَ ُمنَج ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬
‫(‪.)4‬‬
‫ِ‬ ‫ال فَما َخطْب ُكم أَيـها الْمرسلُو َن* قَالُوا إِ َّان أُر ِسلْنَا إِ َىل قَـوٍم ُْجم ِرِم ِ ِ‬
‫ني* لنُـ ْرس َل َعلَْي ِه ْم ح َج َ‬
‫ارةً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫وقوله تعاىل‪( :‬قَ َ َ ُ ْ َ ُ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك لِلْمس ِرفِني* فَأَ ْخرجنا من َكا َن فِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍِ‬
‫ت‬ ‫يها غَ ْري بـ ْي ٍ‬
‫ني* فَ َما َو َج ْد َان ف َ َ َ‬ ‫يها م َن ال ُْم ْؤمنِ َ‬
‫َ‬ ‫َ َْ َ ْ‬ ‫س َّوَمةً ع ْن َد َربِّ َ ُ ْ َ‬ ‫م ْن طني* ُم َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم) (‪ )5‬واالستفهام هنا‬ ‫اب ْاألَل َ‬ ‫يها آيَةً للَّذ َ‬
‫ين َخيَافُو َن ال َْع َذ َ‬ ‫م َن ال ُْم ْسل ِم َ‬
‫ني* َوتَـ َرْكنَا ف َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬طه‪.)84 - 83( :‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬التفسري الكبري‪.98 :22 ،26 :22 :‬‬
‫(‪ )3‬األعراف‪.)12( :‬‬
‫(‪ )4‬احلجر‪.)60 - 57( :‬‬
‫(‪ )5‬الذارايت‪.)37 - 031( :‬‬

‫(‪)38/1‬‬
‫صادر من إبراهيم اخلليل عليه السالم وهو موجه إىل املالئكة أما اجلواب فقد افتتح بـ (اان) املشددة‬
‫الدالة على االختصاص حىت مييزوا أنفسهم والغرض الذي أرسلوا من اجله ـ وهو انزل العقاب بقوم‬
‫لوط ـ وملا كان االستفهام هنا حقيقيا وهو عن األمر الذي جاء هبؤالء املالئكة ـ وهو أمر عظيم ـ فقد‬
‫جاء اجلواب مسهبا وتفصيليا حبيث مل يرتكوا جماال آخر لالستفهام إذ جاء جواهبم عن األمر برمته‪.‬‬

‫(‪)39/1‬‬

‫املبحث الثالث‬
‫أجوبة بقية أدوات االستفهام‬
‫لقد آثرت أن امجع أجوبة بقية أدوات االستفهام يف مبحث واحد ألهنا ال تصل يف عددها إىل ما‬
‫وصلت إليه أجوبة (اهلمزة أو (ما)‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ َم ْن‪:‬‬
‫(م ْن) يف صدارة هذه األدوات يف الكثرة‪ ،‬إذ إهنا من (اكثر األدوات ورودا بعد اهلمزة و (ما)‪،‬‬
‫وتقع َ‬
‫فقد جاءت يف القرآن (‪ )103‬مرات)‪)1( .‬‬
‫ويرى سيبويه أن (من) للسؤال عن الناس‪ )2( .‬بينما يرى السكاكي أهنا للسؤال عن اجلنس من ذوي‬
‫العلم‪ )3( .‬أما اخلطيب القزويين فانه خيالف السكاكي ويرى أن األظهر فيها أن تكون سؤاال عما‬
‫يشخص ويعني املسؤول عنه من بني ذوي العلم‪)4( .‬‬
‫واحلق أن كالم اخلطيب القزويين اكثر دقة من كالم السكاكي‪ ،‬ومما يؤيد ذلك االستخدام القرآين كما‬
‫سيتضح بعد قليل‪.‬‬
‫(م ْن) للسؤال عن الفاعل ألمر عظيم ال يتصف به سوى رب العزة تبارك وتعاىل‪ ،‬إذ ال‬ ‫لقد جاءت َ‬
‫ميكن أن يشك شاك يف أن يصفه هبذه األفعال اجلليلة كما يف قوله تعاىل‪( :‬قُ ْل َم ْن يُـنَ ِّجي ُك ْم ِم ْن‬
‫اَّللُ يُـنَ ِّجي ُك ْم‬ ‫ضرعاً و ُخ ْفيةً لَئِن أ َْجنَ َاان ِمن ه ِذهِ لَنَ ُكونَ َّن ِمن َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين* قُ ِل َّ‬ ‫الشاك ِر َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْرب َوالْبَ ْح ِر تَ ْدعُونَهُ تَ َ َ َ ْ‬ ‫ظُلُ َمات ال َِّ‬
‫ب ُمثَّ أَنْـتُ ْم تُ ْش ِرُكو َن) (‪.)5‬‬ ‫ِم ْنـ َها َوِم ْن ُك ِل َك ْر ٍ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ِج ا ْحلَ َّي م َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َماء َو ْاأل َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫ار َوَم ْن خيُْر ُ‬
‫صَ‬ ‫س ْم َع َو ْاألَبْ َ‬
‫ك ال َّ‬‫ض أ ََّم ْن ميَْل ُ‬ ‫وقوله تعاىل‪( :‬قُ ْل َم ْن يَـ ْرُزقُ ُك ْم م َن َّ‬
‫ت وخيُْرِج الْميِ َ ِ‬
‫سيَـ ُقولُو َن َّ‬
‫اَّللُ فَـ ُق ْل أَفَال تَـتَّـ ُقو َن) (‪)6‬‬ ‫ِ‬
‫ت م َن ا ْحلَ ِّي َوَم ْن يُ َدبُّر ْاأل َْم َر فَ َ‬ ‫ال َْميِّ ِ َ ُ َ ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أساليب االستفهام يف القرآن الكرمي‪.113 :‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الكتاب‪.233 ،228 :4 ،‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬مفتاح العلوم‪.535 :‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬اإليضاح‪ ،139 :‬وشروح التلخيص‪.283 - 282:2 ،‬‬
‫(‪ )5‬األنعام‪.)64( :‬‬
‫(‪ )6‬يونس‪.)31( :‬‬

‫(‪)40/1‬‬

‫ََّن‬ ‫س َوالْ َق َم َر لَيَـ ُقولُ َّن َّ‬


‫اَّللُ فَأ َّ‬ ‫َّر َّ‬ ‫السماو ِ‬ ‫وقوله تعاىل ِ‬
‫الش ْم َ‬ ‫ض َو َسخ َ‬
‫ات َو ْاأل َْر َ‬ ‫(ولَئ ْن َسأَلْتَـ ُه ْم َم ْن َخلَ َق َّ َ َ‬
‫َ‬
‫يُـ ْؤفَ ُكو َن) (‪.)1‬‬
‫ض ِم ْن بَـ ْع ِد َم ْوِهتَا لَيَـ ُقولُ َّن َّ‬ ‫السم ِاء ماء فَأ ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّللُ قُ ِل‬ ‫َحيَا بِه ْاأل َْر َ‬ ‫(ولَئِ ْن َسأَلْتَـ ُه ْم َم ْن نَـ َّز َل م َن َّ َ َ ً ْ‬ ‫وقوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ا ْحلم ُد َِِّ‬
‫َّلل بَ ْل أَ ْكثَـ ُرُه ْم ال يَـ ْع ِقلُو َن) (‪)2‬‬ ‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫اَّلل علَى ب َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ش ٍر م ْن َش ْيء قُ ْل َم ْن أَنْـ َز َل الْكتَ َ‬
‫اب‬ ‫اَّللَ َح َّق قَ ْد ِره إِ ْذ قَالُوا َما أَنْـ َز َل َُّ َ َ‬
‫(وَما قَ َد ُروا َّ‬ ‫وقوله تعاىل‪َ :‬‬
‫وهنَا َوُختُْفو َن َكثِرياً َوعُلِّ ْمتُ ْم َما َملْ تَـ ْعلَ ُموا‬
‫يس تُـ ْب ُد َ‬ ‫ِ‬ ‫دى لِلن ِ‬
‫َّاس َجتْ َعلُونَهُ قَـ َراط َ‬ ‫وسى نُوراً َو ُه ً‬
‫الَّ ِذي ج ِ‬
‫اء بِه ُم َ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬
‫اَّللُ ُمثَّ َذ ْرُه ْم ِيف َخ ْوض ِه ْم يَـل َْعبُو َن) (‪.)3‬‬
‫آاب ُؤُك ْم قُ ِل َّ‬ ‫أَنْـتُ ْم َوال َ‬
‫وهكذا تسري هذه اآلايت املباركة فاإلجابة ـ وهي تعيني الفاعل ـ أما أن أتيت بلسان من خوطبوا هبذا‬
‫االستفهام وهم املشركون‪ ،‬واما أن أتيت بلسان من وجه االستفهام وهو النيب الكرمي (ص) حيث أيمره‬
‫هللا تبارك وتعاىل بتوجيه السؤال ومن مث اإلجابة عليه‪ .‬ومما يالحظ على هذا األسلوب القرآين أن‬
‫سياقه يتضمن جميء أداة االستفهام (من) متبوعة ابلفعل الذي حيدد زمنه استنادا إىل الغرض املراد من‬
‫اآلية الكرمية‪ .‬ومثلما استفهم عن هذه األمور العظيمة ابلفعل بزمنيه املاضي واملضارع‪ ،‬فقد استفهم‬
‫َّ ِ ِِ ِ‬ ‫ض قُ ِل َّ‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬
‫اَّللُ قُ ْل أَفَاختَ ْذ ُْمت م ْن ُدونه أ َْوليَ َ‬
‫اء ال‬ ‫ابالسم كما يف قوله تعاىل‪( :‬قُ ْل َم ْن َرب َّ َ َ‬
‫ور أ َْم‬
‫ات َوالن ُ‬ ‫ري أ َْم َه ْل تَ ْستَ ِوي الظلُ َم ُ‬ ‫ِ‬ ‫ميَْلِ ُكو َن ِألَنْـ ُف ِس ِه ْم نَـ ْفعاً َوال َ‬
‫ض ّراً قُ ْل َه ْل يَ ْستَ ِوي ْاألَ ْع َمى َوالْبَص ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ْق علَي ِهم قُ ِل َّ ِ‬ ‫اء َخلَ ُقوا َك َخل ِْق ِه فَـتَ َ‬ ‫ِِ‬
‫َّار) (‪.)4‬‬ ‫اَّللُ َخال ُق ُك ِّل َش ْيء َو ُه َو ال َْواح ُد الْ َقه ُ‬ ‫اخلَل ُ َ ْ ْ‬ ‫شابَهَ ْ‬ ‫َج َعلُوا ََّّلل ُش َرَك َ‬
‫ض قُل َِِّ‬ ‫وقد أييت االسم جمرورا يف السياق نفسه كما يف قوله تعاىل‪( :‬قُل لِمن ما ِيف َّ ِ‬
‫َّلل‬ ‫الس َم َاوات َو ْاأل َْر ِ ْ‬ ‫ْ َْ َ‬
‫ِ‬ ‫الر ْمحَةَ لَيجمعنَّ ُكم إِ َىل يـوِم ال ِْقيام ِة ال ري ِ ِ َّ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ين َخس ُروا أَنْـ ُف َ‬
‫س ُه ْم فَـ ُه ْم ال‬ ‫ب فيه الذ َ‬ ‫ب َعلَى نَـ ْفسه َّ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ َْ َ‬ ‫َكتَ َ‬
‫يُـ ْؤِمنُو َن) (‪ .)5‬والتطابق‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬العنكبوت‪.)61( :‬‬
‫(‪ )2‬العنكبوت‪.)63( :‬‬
‫(‪ )3‬األنعام‪.)91( :‬‬
‫(‪ )4‬الرعد (‪.)16‬‬
‫(‪ )5‬األنعام‪.)12( :‬‬

‫(‪)41/1‬‬

‫واضح بني اجلواب والسؤال يف هذه اآلايت مجيعا‪ .‬وسواء استفهم ابلفعل أو ابالسم ومت تعيني الفاعل‬
‫فأن هذه اآلايت املباركة ال خترج عن دائرة احلجاج مع املشركني واليهود‪ ،‬وكامنا وظيفة (من) الغالبة‬
‫عليها هي استخدامها يف احملاججة واجلدال بني النيب األكرم (ص) واملشركني وجند هنا أن اجلواب‬
‫يبدأ دائما ابالسم‪ ،‬ومل جند يف هذا األسلوب جوااب قد بدأ ابلفعل‪ ،‬وهذا األسلوب غايته إثبات‬
‫الوحدانية هلل تعاىل وتنزيهه عن ان يشارك يف هذه الصفة وليس أدل على ذلك من تالحق االستفهام‬
‫بـ (من) يف قوله تعاىل‪( :‬قُل لِم ِن ْاألَرض ومن فِيها إِ ْن ُك ْنـتم تَـعلَمو َن* سيـ ُقولُو َن َِِّ‬
‫َّلل قُ ْل أَفَال تَ َذ َّك ُرو َن*‬ ‫ََ‬ ‫ُْ ْ ُ‬ ‫ْ ُ ََ ْ َ‬ ‫ْ َ‬
‫َّلل قُل أَفَال تَـتَّـ ُقو َن* قُل من بِي ِدهِ‬ ‫ش الْع ِظ ِيم* سيـ ُقولُو َن َِِّ‬ ‫السماو ِ‬
‫ْ َْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫الس ْب ِع َوَرب ال َْع ْر ِ َ‬
‫ات َّ‬ ‫قُ ْل َم ْن َرب َّ َ َ‬
‫ََّن تُ ْس َح ُرو َن) (‪.)1‬‬ ‫وت ُك ِل َشي ٍء وهو ُِجيري وال ُجيار علَي ِه إِ ْن ُك ْنـتم تَـعلَمو َن* سيـ ُقولُو َن َِِّ‬
‫َّلل قُ ْل فَأ َّ‬ ‫ََ‬ ‫ُْ ْ ُ‬ ‫َملَ ُك ُ ّ ْ َ ُ َ ُ َ َ ُ َ ْ‬
‫ونظل يف دائرة اجلدال هذه فنجد تغريا يف طريف اجلدال وينعكس األمر هنا فيصبح فرعون هو الذي‬
‫ٍ‬
‫ال َربـنَا الَّ ِذي أَ ْعطَى ُك َّل َش ْيء َخ ْل َقهُ‬ ‫وسى* قَ َ‬ ‫ال فَ َم ْن َرب ُك َما َاي ُم َ‬
‫يستفهم بـ (من) كما يف قوله تعاىل‪( :‬قَ َ‬
‫ُمثَّ َه َدى) (‪ )2‬فبعد أن كان هذا االستفهام أييت من هللا تعاىل او نبيه الكرمي جند أن ملحدا مثل فرعون‬
‫يطرحه على نيب هللا موسى عليه السالم فيجيبه وقد (استدل على إثبات الصانع أبحوال املخلوقات)‬
‫(‪ .)3‬فهذا فيه إنكار للواقع مع التعنت ولذلك جاء اجلواب متضمنا صفتني هلل تعاىل ال ميكن‬
‫إنكارمها إذ إن هللا تبارك وتعاىل هو املعطي‪ ،‬وكل شيء يف الوجود ملك له‪ ،‬مث انه هو جل جالله‬
‫الذي يهدي‪ ،‬ويف تقدمي اإلعطاء على اهلداية حكمة واضحة وتدرج يف اجلدال من اجل الوصول إىل‬
‫احلقيقة وإذا خرجنا من دائرة اجلدال إىل أسلوب آخر جند أن (من) قد استخدمت لطلب التعيني‬
‫يسى ِم ْنـ ُه ُم‬ ‫أيضاً ولكن هذه املرة ليس تعيني هللا تبارك وتعاىل‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‪( :‬فَـلَ َّما أَح َّ ِ‬
‫سع َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫اَّلل آمنَّا ِاب َِّ‬
‫َّلل َوا ْش َه ْد ِأب ََّان ُم ْسل ُمو َن) (‪.)4‬‬ ‫ال ا ْحلوا ِريو َن َْحنن أَنْص ِ‬ ‫ال من أَنْصا ِري إِ َىل َِّ‬
‫ار َّ َ‬ ‫ُ َُ‬ ‫اَّلل قَ َ ََ‬ ‫الْ ُك ْف َر قَ َ َ ْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬املؤمنون‪.9 - 084 :‬‬
‫(‪ )2‬طه‪.50 - 049 :‬‬
‫(‪ )3‬التفسري الكبري‪.64:22 ،‬‬
‫(‪ )4‬آل عمران‪.)52( :‬‬

‫(‪)42/1‬‬

‫وقد جاء اجلواب مفتتحاً ابلضمري (حنن) حىت يشخص احلواريون أنفسهم ومييزوها من غريهم الن‬
‫االستفهام مل يكن عن النصرة وامنا كان عن املناصرين‪ .‬ويظهر أن االستفهام قد وقع بعد ما يئس‬
‫عيسى عليه السالم من إميان قومه أي أن ذلك قد قع بعد اجلدال واملناظرة مع بين إسرائيل‪.‬‬
‫(وإِ ْذ أ َ‬
‫َس َّر‬ ‫ويف أسلوب آخر جند انه قد (ين ّكر الفعل التايل هلا ويتعجب من فاعله) (‪ )1‬كقوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ض فَـلَ َّما‬‫ض َع ْن بَـ ْع ٍ‬
‫ضهُ َوأَ ْع َر َ‬ ‫اَّللُ َعلَْي ِه َع َّر َ‬
‫ف بَـ ْع َ‬ ‫َت بِ ِه َوأَظ َْه َرهُ َّ‬
‫اج ِه َح ِديثاً فَـلَ َّما نَـبَّأ ْ‬
‫ض أَ ْزو ِ‬
‫النَِّيب إِ َىل بَـ ْع ِ َ‬
‫ري) (‪.)2‬‬ ‫ال نَـبَّأَِين ال َْعلِيم ْ ِ‬ ‫نَـبَّأ ََها بِ ِه قَالَ ْ‬
‫ت َم ْن أَنْـبَأ َ‬
‫اخلَب ُ‬ ‫َك َه َذا قَ َ َ ُ‬
‫فبعد أن كان اجلواب يبدأ ابالسم عند االستفهام بـ (من) جنده هنا يبدأ ابلفعل‪ .‬لقد اتضح مما سبق‬
‫(م ْن) يراد هبا تعيني الفاعل ولذلك كان اجلواب يفتتح هبذا الفاعل او ما يدل عليه ‪ ...‬اما هنا‬
‫أن َ‬
‫فان املطلوب التعيني ايضاً ولكنه طلب يف حال تعجب واستغراب ن ولذلك جاء بناء اجلملة معتمداً‬
‫على البدء ابلفعل ومن مث الفاعل أي جاء اجلواب مجلةً فعلية لتدلل على التجدد واحلدوث الن هللا‬
‫تعاىل هو الذي يطلع نبيه صلوات هللا عليه على ما يشاء من الغيب‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ َه ْل‪:‬‬
‫(م ْن) حسب التقسيم املعروف ألدوات االستفهام‬
‫لقد كان من املتوقع أن تتقدم (هل) على (ما) و َ‬
‫(‪ ،)3‬إال أهنا قد احتلت هذا املكان املتأخر نسبياً ألهنا اقل منهما يف االستفهام القرآين وهي مع‬
‫ذلك (اكثر األدوات وروداً يف القرآن بعد اهلمزة وما ومن فقد جاءت ‪ 93‬مرة) (‪ .)4‬وأتيت‬
‫خصوصية (هل) من كوهنا ال يطلب هبا إال (التصديق) وهو (التصديق اإلجيايب دون التصور‪ ،‬ودون‬
‫التصديق السليب) (‪ ،)5‬إذ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أساليب االستفهام‪)115( :‬‬
‫(‪ )2‬التحرمي‪.)3( :‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬مفتاح العلوم ‪ ،532 - 531‬واإليضاح ‪.136‬‬
‫(‪ )4‬أساليب االستفهام يف القرآن الكرمي‪.101 :‬‬
‫(‪ )5‬مغين اللبيب‪ ،456 :‬وينظر‪ :‬مفتاح العلوم‪.532 - 531 :‬‬

‫(‪)43/1‬‬

‫إن اهلمزة ترد لطلب التصديق والتصور أما بقية أمساء االستفهام فال يطلب هبا إالّ التصور‪.‬‬
‫إذن فالسائل يستفهم عن نسبة املسند إليه حينما يستخدم (هل) أداةً لسؤاله؛ ومبعىن آخر فان‬
‫السائل حيمل يف ذهنه تصوراً ما إالّ انه حينما يستفهم فانه يطلب إثبات ذلك التصور أونفيه‪ ،‬ولذلك‬
‫فاهنا جياب عنها بـ (نعم) او (ال) (‪.)1‬‬
‫ومع أن (هل) اكثر أدوات االستفهام وروداً بعد (اهلمزة) و (ما) و (من) يف االستفهام القرآين‪ ،‬إال أن‬
‫النسبة األكرب منها كانت خترج ألغراض بالغية فال يتبعها جواب البتة‪ .‬وقد جاءت اإلجابة عن (هل)‬
‫اب النَّا ِر أَ ْن قَ ْد َو َج ْد َان َما َو َع َد َان َربـنَا َح ّقاً فَـ َه ْل‬ ‫ِ‬
‫َص َح َ‬
‫اب ا ْجلَنَّة أ ْ‬
‫َص َح ُ‬ ‫(وَان َدى أ ْ‬ ‫بـ (نعم) يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫وج ْد ُْمت ما وع َد رب ُكم ح ّقاً قَالُوا نَـعم فَأَذَّ َن م َؤ ِذّ ٌن بـيـنـهم أَ ْن لَعنةُ َِّ‬
‫ني) (‪.)2‬‬ ‫اَّلل َعلَى الظَّال ِم َ‬ ‫ُ َْ َ ُ ْ َْ‬ ‫َْ‬ ‫ََ َ ََ َ ْ َ‬
‫فـ (نعم) هنا قد أثبتت ما جاء يف السؤال‪ ،‬ولكن بدالً من إعادة اجلملة اليت استفهم هبا برمتها جاءت‬
‫(نعم) عوضاً عنها‪.‬‬
‫لقد أحصيت عدد املرات اليت أجيب فيها بـ (نعم) يف القرآن الكرمي فوجدهتا قد وردت ثالث مرات‬
‫‪ ..‬واحدة منها كان االستفهام فيها بـ (هل) وهي‬
‫َجراً إِ ْن ُكنَّا َْحن ُن‬ ‫ِِ‬
‫الس َح َرةُ قَالُوا لف ْر َع ْو َن أَإِ َّن لَنَا َأل ْ‬
‫اآلية اليت ذكرت أما اآليتان األخراين فهما (فَـلَ َّما َجاءَ َّ‬
‫ِ‬
‫ني) (‪.)3‬‬ ‫ال نَـ َع ْم َوإِنَّ ُك ْم إِذاً لَ ِم َن ال ُْم َق َّربِ َ‬ ‫الْغَالبِ َ‬
‫ني* قَ َ‬
‫اخ ُرو َن)‬‫وقوله تعاىل‪( :‬أَإِذَا ِم ْتـنا وُكنَّا تُـراابً و ِعظَاماً أَإِ َّان لَمبـعوثُو َن* أَوآاب ُؤَان ْاأل ََّولُو َن* قُل نَـعم وأَنْـتم د ِ‬
‫ْ َْ َ ُْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫(‪ .)4‬وهنالك آية رابعة هي قوله تعاىل‪:‬‬
‫ِ‬
‫ال نَـ َع ْم َوإِنَّ ُك ْم لَ ِم َن ال ُْم َق َّربِ َ‬
‫ني) (‪ )5‬فاالستفهام يف هذه‬ ‫َجراً إِ ْن ُكنَّا َْحن ُن الْغَالبِ َ‬
‫ني* قَ َ‬ ‫( ‪ ...‬قَالُوا إِ َّن لَنَا َأل ْ‬
‫اآلية قد حذفت أداته وهي اهلمزة‪ ،‬إذن فهذه اآلايت‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬شرح ابن عقيل‪.231 :1 ،‬‬
‫(‪ )2‬األعراف‪.)44( :‬‬
‫(‪ )3‬الشعراء‪.)42 - 41( :‬‬
‫(‪ )4‬الصافات‪.)18 - 16( :‬‬
‫(‪ )5‬األعراف‪.)114 - 113( :‬‬

‫(‪)44/1‬‬

‫مجيعاً قد أجيب فيها بـ (نعم) عن االستفهام بـ (هل) ما عدا اآلية الثانية والرابعة فقد أجيب بنعم‬
‫وكان االستفهام فيهما ابهلمزة‪ .‬أما اإلجابة عن هل بـ (ال) فلم ترد أي منها يف القرآن الكرمي مطلقاً‪.‬‬
‫كما وردت اإلجابة عن (هل) ابلفعل املضارع املنفي كما يف قوله تعاىل‪( :‬أََملْ تَـ َر إِ َىل ال َْم ِأل ِم ْن بَِين‬
‫ِ ِ‬ ‫يل َِّ‬‫ث لَنَا َملِكاً نُـ َقاتِ ْل ِيف َسبِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫إِ ْسرائيل ِم ْن بَـ ْع ِد ُم َ ِ‬
‫ب‬
‫س ْيـتُ ْم إ ْن ُكت َ‬‫ال َه ْل َع َ‬ ‫اَّلل قَ َ‬ ‫وسى إ ْذ قَالُوا لنَِ ٍّ‬
‫يب َهلُُم ابْـ َع ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال أ ََّال تُـ َقاتلُوا قَالُوا َوَما لَنَا أ ََّال نُـ َقات َل ِيف َسب ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َوقَ ْد أُ ْخ ِر ْجنَا م ْن د َاي ِرَان َوأَبْـنَائنَا فَـلَ َّما ُكت َ‬
‫ب‬ ‫يل َّ‬ ‫َعلَْي ُك ُم الْقتَ ُ‬
‫ِ‬ ‫ال تَـولَّوا إَِّال قَلِيالً ِم ْنـهم و َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني) (‪.)1‬‬ ‫يم ِابلظَّال ِم َ‬‫اَّللُ َعل ٌ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َعلَْي ِه ُم الْقتَ ُ َ ْ‬
‫وقوهلم (مالنا ان ال) فان (ان) زائدة يف موضع نصب على حذف اخلَافض تقديره وما لنا يف أن ال‬
‫نقاتل (‪ .)2‬أما االستفهام يف هذه اآلية فقد أراد به (التقرير وتثبت ان املتوقع كائن وانه صائب يف‬
‫توقعه) (‪ .)3‬والن االستفهام قد خرج هذا املخرج جند ان جواب هؤالء قد اختذ صيغة تتناسب مع‬
‫هذا االستفهام‪.‬‬
‫ِ‬ ‫كما أجيب عن (هل) بفعل األمر كما يف قوله تعاىل‪( :‬إِ ْذ قَ َ‬
‫ال ا ْحلََوا ِريو َن َاي ع َ‬
‫يسى ابْ َن َم ْرَميَ َه ْل‬
‫ني) (‪ )4‬ويفيد كالم‬ ‫ِ‬
‫اَّللَ إِ ْن ُك ْنـتُ ْم ُم ْؤمنِ َ‬
‫ال اتَّـ ُقوا َّ‬ ‫الس َم ِاء قَ َ‬
‫ك أَ ْن يُـنَـ ِّز َل َعلَْيـنَا َمائِ َد ًة ِم َن َّ‬
‫يع َرب َ‬ ‫ِ‬
‫يَ ْستَط ُ‬
‫الزخمشري أن احلواريني كانوا شاكني يف قدرة هللا تعاىل ولذلك سألوا هذا السؤال (‪ )5‬وهذا يتعارض‬
‫ِ‬
‫آمنَّا َوا ْش َه ْد‬‫ني أَ ْن آمنُوا ِيب َوبَِر ُس ِويل قَالُوا َ‬ ‫ت إِ َىل ا ْحلََوا ِريِّ َ‬
‫(وإِ ْذ أ َْو َح ْي ُ‬
‫مع قوله تعاىل يف اآلية اليت قبلها َ‬
‫ِأبَنَّـنَا ُم ْسلِ ُمو َن) (‪ )6‬كما ان هللا سبحانه وتعاىل حينما أمرهم فامنا كان أمره (لتصري التقوى سبباً‬
‫حلصول هذا املطلوب) (‪ .)7‬وجند ابن هشام يقرر َّ‬
‫أن العرب تعرب ابلفعل عن أمور أحدها (القدرة‬
‫عليه) ويستشهد هبذه اآلية وآايت أخرى (‪.)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.)246( :‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬مشكل أعراب القرآن ‪ ،134 :1‬وينظر‪ :‬مغين اللبيب‪.51 :‬‬
‫(‪ )3‬الكشاف‪.378 :1 ،‬‬
‫(‪ )4‬املائدة‪.)112( :‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬الكشاف‪.654 :1 ،‬‬
‫(‪ )6‬املائدة‪.)111( :‬‬
‫(‪ )7‬التفسري الكبري‪.13 :12 ،‬‬
‫(‪ )8‬ينظر‪ :‬مغين اللبيب‪.904 - 902 :‬‬

‫(‪)45/1‬‬

‫ويؤيد ذلك انه قد قري (هل تستطيع ربك؛ أي هل تستطيع سؤال ربك واملعىن‪ :‬هل تسأله ذلك من‬
‫غري صارف يصرفك عن سؤاله) (‪ .)1‬كما ان عيسى عليه السالم قد أمرهم (مبالزمة التقوى وعدم‬
‫تزلزل األميان ولذلك جاء بـ (ان) املفيدة للشك ابألميان ليعلم الداعي إىل ذلك السؤال خشية أن‬
‫يكون) (‪ .)2‬إذن فاستخدام (هل) يف هذا االستفهام ال يفيد الشك وإمنا يفيد التمين‪)3( .‬‬
‫وكما أجيب عن (هل) ابلفعل فقد أجيب عنها ابالسم كما يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫ََّن تُـ ْؤفَ ُكو َن) (‪ .)4‬وقوله‬ ‫ْق ُمثَّ يُِعي ُدهُ فَأ َّ‬ ‫ْق ُمثَّ يُِعي ُدهُ قُ ِل َّ‬
‫اَّللُ يَـ ْبدأُ ْ‬
‫اخلَل َ‬ ‫(قُ ْل َه ْل ِم ْن ُش َرَكائِ ُك ْم َم ْن يَـ ْبدأُ ْ‬
‫اخلَل َ‬
‫ِ‬ ‫تعاىل‪( :‬قُل هل ِمن ُشرَكائِ ُكم من يـ ْه ِدي إِ َىل ا ْحل ِّق قُ ِل َّ ِ ِ‬
‫ْح ِّق أَفَ َم ْن يَـ ْهدي إِ َىل ا ْحلَ ِّق أ َ‬
‫َحق أَ ْن‬ ‫اَّللُ يَـ ْهدي لل َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ ْ َ ْ َْ َ‬
‫ف َحتْ ُك ُمو َن) (‪.)5‬‬ ‫يُـتـَّبَ َع أ ََّم ْن ال يَ ِه ِّدي إَِّال أَ ْن يُـ ْه َدى فَ َما لَ ُك ْم َك ْي َ‬
‫ويالحظ هنا أن النيب صلى هللا عليه وسلم مأمور بطرح هذا االستفهام على املشركني ومن مث اإلجابة‬
‫عليه ‪ ..‬ومن الثابت (أن االستدالل على وجود الصانع ابخللق أوال مث اهلداية اثنيا‪ ،‬عادة مطرودة يف‬
‫القرآن) (‪.)6‬‬
‫واالستفهام يف هاتني اآليتني (إنكار وتقرير إبنكار ذلك) (‪ .)7‬وقد استفهم بـ (هل) هنا عن مضمون‬
‫اجلملة االمسية مع (أن األصل يف (هل) وغريها من أدوات االستفهام أن ال يليها إال الفعل‪ ،‬إال اهنم‬
‫توسعوا فيها فاستعملوها مع اجلملة االمسية) (‪ .)8‬وملا كان االستفهام هنا عن االسم‪ ،‬فقد جاءت‬
‫عز وجل أي ان اجلواب قد طابق السؤال من حيث االمسية‪.‬‬
‫اإلجابة بتعيني ذلك االسم وهو الباري ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الكشاف‪ ،654 :1 ،‬وينظر‪ :‬مغين اللبيب‪.905 - 904 :‬‬
‫(‪ )2‬التحرير والتنوير‪.106 :7 ،‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬أساليب االستفهام يف القرآن الكرمي‪.107 - 106 ،‬‬
‫(‪ )4‬يونس‪.)34( :‬‬
‫(‪ )5‬يونس‪.)35( :‬‬
‫(‪ )6‬التفسري الكبري‪.89 :17 ،‬‬
‫(‪ )7‬التحرير والتنوير‪.361 :11 ،‬‬
‫(‪ )8‬أساليب الطلب عند النحويني والبالغيني‪.370 - 369 :‬‬

‫(‪)46/1‬‬

‫َّم َه ِل‬ ‫وكما استخدمت هل لالستفهام فقد استخدمت لغريه كما يف قوله تعاىل‪( :‬يـوَم نَـ ُق ُ ِ‬
‫ول جلََهن َ‬ ‫َْ‬
‫ول هل ِمن م ِز ٍ‬ ‫ِ‬
‫يد) (‪ )1‬لقد ذهب العديد من النحاة واملفسرين إىل انه قد يرد االستفهام بـ‬ ‫ْامتَألْت َوتَـ ُق ُ َ ْ ْ َ‬
‫(هل) ولكنه خيرج إىل معىن غري االستفهام وقد أفادت (هل) هنا معىن آخر غري الذي وضعت له يف‬
‫األصل (‪ ،)2‬أي أن (هل) األوىل قد خرجت إىل معىن (قد) فأكدت (هل) الثانية هذا األمر‪ ،‬قال‬
‫أبو بكر بن األنباري (ت ‪ 327‬هـ) عنها اهنا ((تفيد معىن (قد) عند بعض الناس والتأويل‪ :‬قد‬
‫امتألت‪ ،‬فقالت جهنم مؤكدة لقول هللا عز وجل (هل من مزيد)‪ .‬أي‪ :‬ما من مزيد اي رب فـ (هل)‬
‫الثانية معناها اجلحد) (‪.)3‬‬
‫األنْس ِ‬
‫ِ‬
‫ان‬ ‫(ه ْل أَتَى َعلَى ْ َ‬
‫وقد تكرر هذا االستخدام يف موضع آخر من القرآن الكرمي يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ني ِم َن الد ْ‬
‫َّه ِر َملْ يَ ُك ْن َش ْيئاًَم ْذ ُكوراً) (‪.)4‬‬ ‫حٌ‬
‫ِ‬
‫إذ إن معناها (أقد أتى؟ على التقرير والتقريب مجيعاً أي‪ :‬أتى على اإلنسان قبل زمان قريب) (‪.)5‬‬
‫أَّن‪-:‬‬
‫‪ 3‬ـ َّ‬
‫(جاءت يف القرآن َثاين وعشرين مرة) (‪ )6‬وهي خترج إىل اكثر من معىن‪ .‬قال سيبويه عنها‪(( :‬تكون‬
‫يف معىن كيف وأين)) (‪ .)7‬وقال آخرون إهنا مبعىن (من أين) (‪ ،)8‬وهلا معىن آخر هو (مىت) (‪)9‬‬
‫وكان من الواجب أن تتأخر عن هذا‬
‫الرتتيب إال أن كثرة األجوبة عنها جعلها تتقدم إىل هنا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ق‪.)30( :‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬معاين القرآن‪ ،‬الفراء‪ ،164 :1 ،‬وجماز القرآن‪ ،‬أبو عبيدة‪ ،287 :1 ،‬واألضداد يف‬
‫اللغة‪ ،‬ابن األنباري‪ ،193 :‬والكشاف‪ ،389 :4 ،‬وأساليب الطلب عند النحويني والبالغيني‪:‬‬
‫‪.373 - 371‬‬
‫(‪ )3‬األضداد يف اللغة‪.193 :‬‬
‫(‪ )4‬الدهر‪.)1( :‬‬
‫(‪ )5‬الكشاف‪.665 :4 ،‬‬
‫(‪ )6‬أساليب االستفهام‪.155 :‬‬
‫(‪ )7‬كتاب سيبويه‪.235 :4 ،‬‬
‫(‪ )8‬ينظر‪ :‬الربهان يف علوم القرآن‪.249 :4 ،‬‬
‫(‪ )9‬م‪ .‬ن‪.249 :4 ،‬‬

‫(‪)47/1‬‬

‫وكثرياً ما كانت (أَّن) أتيت ألغراض بالغية معينة‪ ،‬وال أييت جواب عنها ن وكان هذه مسة اجتمعت‬
‫عليها أدوات االستفهام يف القرآن الكرمي‪ .‬وجتدر اإلشارة إىل انه كان هنالك توازن نسيب من حيث‬
‫(أَّن)‬
‫ابتداء من ّ‬
‫عدد االستفهام واجلواب يف األدوات السابقة اال ان هذا التوازن خيتل اختالالً كبرياً ً‬
‫حبيث يرد االستفهام عدة مرات وال يذكر له جواب‪.‬‬
‫أما األسلوب الغالب على (أَّن) فهو التعجب الشديد واستبعاد وقوع فعل مل يقع بعد واكثر ما كان‬
‫ََّن يَ ُكو ُن ِيل‬
‫ب أ َّ‬‫ال َر ِّ‬‫ذلك يقع يف والدات األنبياء قد ولدوا عن طريق اإلعجاز كما يف قوله تعاىل‪( :‬قَ َ‬
‫ََّن‬
‫ب أ َّ‬‫ت َر ِّ‬ ‫شاءُ) (‪ .)1‬وقوله تعاىل‪( :‬قَالَ ْ‬ ‫ك َّ‬
‫اَّللُ يَـ ْف َع ُل َما يَ َ‬ ‫ال َك َذلِ َ‬
‫رب َو ْام َرأَِيت َعاقِ ٌر قَ َ‬ ‫غُالم وقَ ْد بـلَغَِ ِ‬
‫ين الْك َُ‬ ‫ٌَ َ َ‬
‫ضى أ َْمراً فَِإ َّمنَا يَـ ُق ُ‬
‫شاءُ إِذَا قَ َ‬ ‫ال َك َذلِ ِ‬
‫ول لَهُ ُك ْن فَـيَ ُكو ُن)‬ ‫ك َّ‬
‫اَّللُ خيَْلُ ُق َما يَ َ‬ ‫ش ٌر قَ َ‬ ‫س ْس ِين بَ َ‬ ‫يَ ُكو ُن ِيل َولَ ٌد َوَملْ ميَْ َ‬
‫ت ِم َن الْ ِك َِرب ِعتِيّاً* قَ َ‬
‫ال‬ ‫ت ْام َرأَِيت َعاقِراً َوقَ ْد بَـلَغْ ُ‬ ‫الم وَكانَ ِ‬
‫ََّن يَ ُكو ُن ِيل غُ ٌ َ‬ ‫ب أ َّ‬ ‫ال َر ِّ‬‫(‪ .)2‬وقوله تعاىل‪( :‬قَ َ‬
‫ك َش ْيئاً) (‪ .)3‬وكانت اآليتان األوىل والثالثة‬ ‫ك ِم ْن قَـ ْب ُل َوَملْ تَ ُ‬‫ني َوقَ ْد َخلَ ْقتُ َ‬‫ك ُه َو َعلَ َّي َهِّ ٌ‬ ‫ال َرب َ‬ ‫ك قَ َ‬‫َك َذلِ َ‬
‫تتعلقان بوالدة حيىي ابن زكراي عليهما السالم‪ ،‬أما الثانية فكانت عن والدة املسيح عيسى بن مرمي‬
‫عليهما السالم‪ ،‬وقد افتتح اجلواب بـ (كذلك) يف هذه اآلايت النه كان جواابً عن أمر واحد يدعو‬
‫إىل العجب وهو الوالدة بطريق معجز (أي يفعل هللا ما يشاء من األفعال العجيبة مثل ذلك الفعل‬
‫وهو خلق الولد) (‪ )4‬وقد جاءت الكاف يف (كذلك) (يف موقع نصب على تقدير‪ :‬يفعل هللا ما‬
‫يشاء وفعالً مثل ذلك) (‪.)5‬‬
‫ومع أن اجلواب عن أمر متشابه‪ ،‬فقد اختلفت تكملة اجلواب بعد قوله (كذلك) فكانت مع زكراي –‬
‫عليه السالم – (قال كذلك هللا يفعل ما يشاء)‪ .‬اما مع مرمي ـ عليها السالم ـ (كذلك هللا خيلق ما‬
‫يشاء) ولعل السبب يف قوله (يفعل) يف اآلية األوىل ان هذا الفعل املعجز قد وقع بعد ان دعا زكراي ـ‬
‫عليه السالم ربَّهُ ابن يهبه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬آل عمران‪.)40( :‬‬
‫(‪ )2‬آل عمران‪.)47( :‬‬
‫(‪ )3‬مرمي‪.)9 - 8( :‬‬
‫(‪ )4‬الكشاف‪.428 :1 ،‬‬
‫(‪ )5‬مشكل أعراب القرآن‪.159 :1 ،‬‬

‫(‪)48/1‬‬

‫الولد ـ أي انه قد جاء بعد حصول الطلب والباري ـ عز وجل ـ إ ْن أعطى يف هذا احلال فبكرم منه‪،‬‬
‫وإ ْن منَ َع فذلك ملصلحة قد خفيت عن عباده‪ .‬اما مع مرمي – عليها السالم – فان احلال خيتلف‬
‫حيث إن تلك الوالدة ـ املعجزة ـ مل تكن بطلب منها‪ ،‬وامنا كانت أبمر من هللا تبارك وتعاىل‪ .‬أي َّ‬
‫كأن‬
‫تلك الوالدة ال ختتلف يف شي من غريها اذا ما قيست بقدرة الباري جلت قدرته مع اهنا مل تكن انجتة‬
‫ََّن يَ ُكو ُن ِيل‬ ‫ت أ َّ‬‫عن اجتماع رجل وامرأة‪ .‬ولعل مما يؤيد هذا الكالم قوله تعاىل على لسان مرمي (قَالَ ْ‬
‫ني َولِنَ ْج َعلَهُ آيَةً لِلن ِ‬
‫َّاس َوَر ْمحَةً ِمنَّا‬ ‫ال رب ِ‬
‫ك ُه َو َعلَ َّي َهِّ ٌ‬ ‫َك ب ِغيّاً* قَ َ ِ ِ‬
‫ال َك َذلك قَ َ َ‬ ‫ش ٌر َوَملْ أ ُ َ‬ ‫س ْس ِين بَ َ‬‫غُال ٌم َوَملْ ميَْ َ‬
‫ضيّاً) (‪.)1‬‬ ‫وَكا َن أ َْمراً م ْق ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س ٍن‬ ‫ِ ٍ‬
‫كما استفهم بـ (أَّن) عن أمر معجز آخر وذلك يف قوله جلت قدرته‪( :‬فَـتَـ َقبَّـلَ َها َرهبَا ب َقبُول َح َ‬
‫ََّن‬
‫ال َاي َم ْرَميُ أ َّ‬‫اب َو َج َد ِعنْ َد َها ِر ْزقاً قَ َ‬ ‫ِ‬
‫سناً َوَك َّفلَ َها َزَك ِرَّاي ُكلَّ َما َد َخ َل َعلَْيـ َها َزَك ِرَّاي الْم ْح َر َ‬
‫َوأَنْـبَـتَـ َها نَـبَااتً َح َ‬
‫اب) (‪ )2‬وينصب االستفهام يف هذه‬ ‫شاءُ بِغَ ِْري ِحس ٍ‬ ‫ت هو ِمن ِع ْن ِد َِّ‬
‫اَّلل إِ َّن َّ‬
‫اَّللَ يَـ ْرُز ُق َم ْن يَ َ‬ ‫لَك َه َذا قَالَ ْ ُ َ ْ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫اآلية عن اجلهة اليت أييت منها هذا الرزق أي (من أين لك هذا الرزق الذي ال يشبه أرزاق الدنيا وهو‬
‫آت يف غري حينه واألبواب مغلقة عليك ال سبيل للداخل إليك) (‪ .)3‬فالسائل منكر ومتعجب‬ ‫ٍ‬
‫(أَّن) وقد جاء اجلواب بتعيني اجلهة اليت جاء منها ذلك الرزق‬
‫لوقوع هذا األمر ولذلك استفهم بـ ّ‬
‫(قالت هو من عند هللا) وقد قيل عنها (عليها السالم) اهنا (تكلمت وهي صغرية كما تكلم عيسى‬
‫وهو يف املهد) (‪.)4‬‬
‫وتبقى لدينا آية واحدة رمبا شكلت أسلوابً قائماً بذاته وهي قوله جل وعال‪:‬‬
‫اَّللُ ِمائَةَ‬ ‫ََّن ُْحييِي َه ِذهِ َّ‬
‫اَّللُ بَـ ْع َد َم ْوِهتَا فَأ ََماتَهُ َّ‬ ‫ال أ َّ‬ ‫(أَو َكالَّ ِذي م َّر َعلَى قَـري ٍة و ِهي َخا ِويةٌ َعلَى ُعر ِ‬
‫وش َها قَ َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ت مائَةَ َع ٍام فَانْظُْر إِ َىل طَ َعام َ‬
‫ك‬ ‫ال بَ ْل لَبِثْ َ‬
‫ض يَـ ْوم قَ َ‬ ‫ال لَبِثْ ُ‬
‫ت يَـ ْوماً أ َْو بَـ ْع َ‬ ‫ت قَ َ‬ ‫ال َك ْم لَبِثْ َ‬
‫َع ٍام ُمثَّ بَـ َعثَهُ قَ َ‬
‫َّاس وانْظُر إِ َىل ال ِْعظَ ِام َكي َ ِ‬ ‫ك َمل يـتسنَّ ْه وانْظُر إِ َىل ِمحا ِر َك ولِنجعلَ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫وها‬
‫ْس َ‬ ‫ف نُـ ْنش ُزَها ُمثَّ نَك ُ‬ ‫ْ‬ ‫ك آيَةً للن ِ َ ْ‬ ‫َ َ َ َْ‬ ‫َو َش َراب َ ْ َ َ َ َ ْ‬
‫اَّللَ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير) (‪.)5‬‬ ‫َن َّ‬ ‫ال أَ ْعلَ ُم أ َّ‬
‫ني لَهُ قَ َ‬
‫َحلْماً فَـلَ َّما تَـبَ َّ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مرمي‪)21 - 20( :‬‬
‫(‪ )2‬آل عمران‪.)37( :‬‬
‫(‪ )3‬الكشاف‪.427 :1 ،‬‬
‫(‪ )4‬م‪ .‬ن‪.427 :1 ،‬‬
‫(‪ )5‬البقرة‪.)259( :‬‬

‫(‪)49/1‬‬

‫فاالستفهام قد جاء عن أمر معجز أيضاً وهو عن الكيفية اليت حييي هبا هللا تعاىل هذه القرية‪ ،‬فماذا‬
‫كان اجلواب؟ مل يكن اجلواب هنا لفظياً‪ ،‬بل جاء عملياً‪ ،‬إ ْذ تضمن اإلماتة ومن مث اإلحياء ومن مث‬
‫روية إحياء احلمار‪ ،‬ومع ورود االستفهام بـ (كم) عن الزمن الذي استغرقته تلك اإلماتة ومن مث‬
‫اإلجابة اخلاطئة وتصحيحها‪ ،‬إالّ أن ذلك مل يكن هو املطلوب‪ ،‬بل كانت هذه الواقعة مبجملها جواابً‬
‫عن االستفهام بـ (أَّن) الوارد يف صدر اآلية املباركة‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ مىت‪:‬‬
‫وقد (وردت يف القرآن تسع مرات) (‪ .)1‬اما معناها فهي أتيت مبعىن (أي حني) أو (يف أي زمان)‬
‫(‪.)2‬‬
‫إذن فهي للسؤال عن تعيني الزمن‪ ،‬ومل ترد هلا إال ثالثة أجوبة يف اجلواب القرآين‪.‬‬
‫لقد جاءت على لسان املشركني فقد استفهموا هبا عن الزمن الذي يكون فيه يوم القيامة وذلك يف‬
‫اء‬ ‫ِ‬ ‫ك لِنَـ ْف ِسي َ‬
‫ض ّراً َوال نَـ ْفعاً إ َّال َما َش َ‬ ‫ني* قُ ْل ال أ َْملِ ُ‬‫قوله تعاىل‪( :‬ويـ ُقولُو َن مىت ه َذا الْو ْع ُد إِ ْن ُك ْنـتُم ِ ِ‬
‫صادق َ‬
‫ْ َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫ََ‬
‫اعةً َوال يَ ْستَـ ْق ِد ُمو َن) (‪ .)3‬وقوله جل شانه‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫اَّللُ لِ ُك ِل أ َُّم ٍة أ َ ِ‬
‫َجلُ ُه ْم فَال يَ ْستَأْخ ُرو َن َس َ‬
‫اء أ َ‬
‫َج ٌل إ َذا َج َ‬ ‫َّ ّ‬
‫ض الَّ ِذي تَ ْستَـ ْع ِجلُو َن)‬ ‫سى أَ ْن يَ ُكو َن َرِد َ‬
‫ف لَ ُك ْم بَـ ْع ُ‬ ‫ني* قُ ْل َع َ‬
‫(ويـ ُقولُو َن مىت ه َذا الْو ْع ُد إِ ْن ُك ْنـتُم ِ ِ‬
‫صادق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫ََ‬
‫(‪.)4‬‬
‫ومما يالحظ على استخدامها هنا أهنا أتيت متبوعة ابلشرط‪ ،‬وهم حينما يستفهمون هبا يف هذا اجملال‬
‫امنا يكون ذلك منهم على سبيل االستبعاد والتكذيب والسخرية وقد جاء اجلواب خمتلفاً يف كل آية‬
‫مع ان السؤال كان واحداً يف اآليتني‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أساليب االستفهام‪.148 :‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الكتاب ‪.220 - 219 ،217 :1 ،235 - 233 :4‬‬
‫(‪ )3‬يونس‪.)49( :‬‬
‫(‪ )4‬النمل‪.)72 - 71( :‬‬

‫(‪)50/1‬‬

‫كليتهما‪ ،‬فهو يف األوىل تضمن رداً بليغاً على هؤالء الشاكني هبذا الوعد‪ ،‬فالنيب األكرم ال يعلم‬
‫الغيب‪ ،‬بل األمر كله بيد هللا تبارك وتعاىل‪ .‬اما اآلية الثانية فقد افتتح اجلواب فيها بعسى (وعسى‬
‫ولعل وسوف يف وعد امللوك ووعيدهم يدل على صدق األمر وح ِّده ومما ال جمال للشك بعده) (‪.)1‬‬
‫وقد جاء اجلواب عن هذين املوعدين من هللا تبارك وتعاىل على لسان نبيه أي انه مأمور هبذه اإلجابة‪،‬‬
‫ومل تكن منه ولذلك افتتح اجلواب بفعل األمر (قل)‪.‬‬
‫وال يقتصر االستفهام بـ (مىت) على املشركني وحدهم‪ ،‬بل استفهم هبا املؤمنون كما يف قوله تعاىل‪( :‬أ َْم‬
‫ْساءُ َوالض ََّّراءُ َوُزلْ ِزلُوا َح َّىت‬ ‫ين َخلَ ْوا ِم ْن قَـ ْبلِ ُك ْم َم َّ‬
‫س ْتـ ُه ُم الْبَأ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َحس ْبـتُ ْم أَ ْن تَ ْد ُخلُوا ا ْجلَنَّةَ َولَ َّما َأيْت ُك ْم َمثَ ُل الذ َ‬
‫اَّلل أَال إِ َّن نَصر َِّ‬ ‫ول والَّ ِذين آمنوا معه مىت نَصر َِّ‬
‫يب) (‪.)2‬‬ ‫اَّلل قَ ِر ٌ‬ ‫َْ‬ ‫الر ُس ُ َ َ َ ُ َ َ ُ َ َ ْ ُ‬ ‫ول َّ‬ ‫يَـ ُق َ‬
‫ويف هذه اآلية إشكال من انحيتني األوىل‪ :‬كيف يليق ابلرسول أن يستفهم هكذا وهو قاطع بصحة‬
‫وعد هللا؟ والثانية‪ :‬حتديد جهة اجلواب‪ ،‬أو ممن صدر هذا اجلواب؟ (‪.)3‬‬
‫إالّ أن ما يهمنا هو اجلواب‪ ،‬وان كان األرجح ان االستفهام قد خرج لغرض الدعاء‪ ،‬وان اجلواب‬
‫صادر عن هللا تعاىل‪ ،‬فاجلواب قد جاء مطابقاً للسؤال هنا بتحديد قرب زمن نصر هللا تعاىل‪ .‬اما‬
‫تصدير اجلواب بـ (اال) فان ذلك قد أفاد (التحقيق من جهة تركيبها من اهلمزة وال ‪ ...‬ولكوهنا هبذا‬
‫املنصب من التحقيق ال تكاد تقع اجلملة بعدها االّ مصدرة بنحو ما يتلقى به القسم) (‪.)4‬‬
‫ولذلك تطابق هنا اجلواب مع السؤال على العكس من اآليتني السابقتني‪ ،‬إ ْذ ملْ حيصل هذا التطابق‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ اي‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الكشاف‪.158 :3 ،‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪.)214( :‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬التفسري الكبري‪.23 - 20 :6 ،‬‬
‫(‪ )4‬مغين اللبيب‪.96 :‬‬

‫(‪)51/1‬‬

‫(وردت يف القرآن ‪ 58‬مرة) (‪ .)1‬ويقول املربد عنها‪(( :‬اعلم ان (أاي) تقع على شي هي بعضه‪ .‬ال‬
‫تكون إالّ على ذلك يف االستفهام‪ ،‬وذلك قولك‪ :‬أي اخوتك زيد‪ ،‬فقد علمت زيداً أحدمها‪ ،‬ومل تدر‬
‫أيهما هو)) (‪ .)2‬وهي (للسؤال عما مييز أحد املتشاركني يف امر يعمهما) (‪.)3‬‬
‫وملا كان املشركون ال يؤمنون بوحدانية هللا عز وجل ويشركون به ابختاذهم األصنام آهلة‪ ،‬فقد انسب‬
‫اَّلل َش ِهي ٌد بـي ِين وبـيـن ُكم وأ ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُوح َي‬ ‫َْ َ َْ َ ْ َ‬ ‫ادةً قُ ِل َُّ‬ ‫ان يستفهم بـ (أي) يف قوله جل شأنه (قُ ْل أَي َش ْيء أَ ْك َُ‬
‫رب َش َه َ‬
‫َن مع َِّ‬
‫اَّلل ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫آهلَةً أُ ْخ َرى قُ ْل ال أَ ْش َه ُد قُ ْل إِ َّمنَا ُه َو‬ ‫يل َه َذا الْ ُق ْرآ ُن ألُنْذ َرُك ْم بِه َوَم ْن بَـلَ َغ أَإِنَّ ُك ْم لَتَ ْش َه ُدو َن أ َّ َ َ‬
‫إِ ََّ‬
‫اح ٌد َوإِنَِّين بَ ِريءٌ ِممَّا تُ ْش ِرُكو َن) (‪.)4‬‬ ‫إِلَهٌ و ِ‬
‫َ‬
‫واملصطفى األكرم (ص) مأمور بطرح السؤال ومن مث اإلجابة عليه يف واحد من أساليب اجلدل‬
‫العقلي مع املشركني‪ ،‬وملا كان الغرض من السؤال التعيني فقد ص ِّد َر اجلواب بتحديد وتعيني ذلك‬
‫صدر اجلواب بلفظ اجلاللة‬ ‫وهو هللا تبارك وتعاىل‪ ،‬وقد أفادت (أي) تعظيم ما أضيفت إليه ولذلك ِّ‬
‫ليكون داللة على تعظيمه‪ .‬وكما استخدمت (أي) للتمييز بني املتشاركني نزوالً إىل مستوى عقول‬
‫املشركني يف اجلدال فقد استخدمت لغرض التمييز ايضا‪ ،‬ولكن على مستوى آخر‪ ،‬وذلك يف قوله‬
‫يت ِم َن ا ْجلِ ِّن أ ََان آتِ َ‬
‫يك‬ ‫ال ِع ْف ِر ٌ‬ ‫ني* قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َاي أَيـ َها ال َْم َألُ أَي ُك ْم َأيْتِ ِيين بِ َع ْرش َها قَـ ْب َل أَ ْن َأيْتُ ِوين ُم ْسل ِم َ‬
‫تعاىل‪( :‬قَ َ‬
‫يك بِ ِه قَـ ْب َل‬
‫اب أ ََان آتِ َ‬ ‫ْكتَ ِ‬‫ال الَّ ِذي ِع ْن َدهُ ِعلْم ِمن ال ِ‬ ‫ني* قَ َ‬ ‫ك وإِِين علَي ِه لََق ِو ٌّ ِ‬
‫ي أَم ٌ‬
‫ِ‬ ‫بِ ِه قَـبل أَ ْن تَـ ُق ِ‬
‫ٌ َ‬ ‫وم م ْن َم َقام َ َ ّ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬
‫ض ِل َرِّيب ليَـ ْبـلُ َوِين أَأَ ْش ُك ُر أ َْم أَ ْك ُف ُر َوَم ْن‬ ‫ِ‬
‫ال َه َذا م ْن فَ ْ‬ ‫ِ‬
‫ك فَـلَ َّما َرآهُ ُم ْستَ ِق ّراً ع ْن َدهُ قَ َ‬ ‫ك طَ ْرفُ َ‬ ‫أَ ْن يَـ ْرتَ َّد إِلَْي َ‬
‫ين َك ِرميٌ) (‪.)5‬‬ ‫َش َك َر فَِإ َّمنَا يَ ْش ُك ُر لِنَـ ْف ِس ِه َوَم ْن َك َف َر فَِإ َّن َرِّيب غَ ِ ٌّ‬
‫لقد أضيفت ((أي)) إىل ضمري اجلماعة من املخاطبني (كم) وهي لطلب حتديد الشخص مع تعيني‬
‫الزمن ـ أي انه سباق مع الزمن فاألسرع من بينهم هو الذي يتوىل إحضار العرش‪ .‬وما مييز االستفهام‬
‫يف هذه اآلية ورود إجابتني‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أساليب االستفهام‪.161 :‬‬
‫(‪ )2‬املقتضب‪.294 :2 ،‬‬
‫(‪ )3‬مفتاح العلوم‪.535 :‬‬
‫(‪ )4‬األنعام‪.)19( :‬‬
‫(‪ )5‬النمل‪.)40 - 38( :‬‬

‫(‪)52/1‬‬

‫منفصلتني عنه‪ ،‬وكل إجابة من اإلجابتني قد تطابقت مع السؤال يف حتديد الشخص أوالً‪ ،‬ومن مث‬
‫تعيني مقدار الزمن‪ ،‬فأفتتح اجلواب ابلضمري (اان) ومن مث تعيني الزمن‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ َك ْم‪:‬‬
‫(جاءت يف القرآن يف واحد وعشرين موضعاً‪ :‬وليها املاضي يف َثانية عشر موضعاً‪ ،‬ويف موضعني منها‬
‫وليها التمييز جمروراً مبن وبعده املاضي ويف موضع وليها التمييز كذلك فاملضارع (‪ )1‬وهي لالستفهام‬
‫عن العدد‪ ،‬ومن شروطها ان تتصدر الكالم‪ ،‬وهي أتيت لإلخبار كما أتيت لالستفهام‪ ،‬واألوىل ال جواب‬
‫اه ْم‬‫ك بَـ َعثْـنَ ُ‬‫(وَك َذلِ َ‬‫هلا (‪ .)2‬لقد جاءت (كم) متبوعة ابلفعل املاضي كما يف قوله سبحانه وتعاىل‪َ :‬‬
‫ض يَـ ْوٍم قَالُوا َرب ُك ْم أَ ْعلَ ُم ِمبَا لَبِثْـتُ ْم‬ ‫ِ‬
‫ال قَائِ ٌل م ْنـ ُه ْم َك ْم لَبِثْـتُ ْم قَالُوا لَبِثْـنَا يَـ ْوماً أ َْو بَـ ْع َ‬ ‫اءلُوا بَـ ْيـنَـ ُه ْم قَ َ‬
‫سَ‬
‫ِ‬
‫ليَـتَ َ‬
‫ف َوال‬ ‫َح َد ُك ْم بَِوِرقِ ُك ْم َه ِذهِ إِ َىل ال َْم ِدينَ ِة فَـلْيَـ ْنظُْر أَيـ َها أَ ْزَكى طَ َعاماً فَـلْيَأْتِ ُك ْم بِ ِر ْز ٍق ِم ْنهُ َولْيَـتَـلَطَّ ْ‬ ‫فَابْـ َعثُوا أ َ‬
‫ِ‬
‫َحداً) (‪.)3‬‬ ‫يُ ْشع َر َّن بِ ُك ْم أ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ين) (‪)4‬‬ ‫فاسأَل ال َْعا ّد َ‬ ‫ض يَـ ْوم ْ‬ ‫ني* قَالُوا لَبِثْـنَا يَـ ْوماً أ َْو بَـ ْع َ‬ ‫ض َع َد َد سنِ َ‬ ‫ال َك ْم لَبِثْـتُ ْم ِيف ْاأل َْر ِ‬ ‫وقوله تعاىل‪( :‬قَ َ‬
‫ََّن ُْحييِي َه ِذهِ َّ‬
‫اَّللُ بَـ ْع َد َم ْوِهتَا‬ ‫ال أ َّ‬‫وش َها قَ َ‬ ‫وقوله جل وعال‪( :‬أَو َكالَّ ِذي م َّر َعلَى قَـري ٍة و ِهي َخا ِويةٌ َعلَى عُر ِ‬
‫ُ‬ ‫َْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫اَّللُ ِمائَةَ َع ٍام ُمثَّ بَـ َعثَهُ قَ َ‬
‫ت مائَةَ َع ٍام فَانْظُْر‬ ‫ال بَ ْل لَبِثْ َ‬ ‫ض يَـ ْوم قَ َ‬ ‫ت يَـ ْوماً أ َْو بَـ ْع َ‬ ‫ال لَبِثْ ُ‬‫ت قَ َ‬ ‫ال َك ْم لَبِثْ َ‬ ‫فَأ ََماتَهُ َّ‬
‫ِ‬
‫ف نُـ ْن ِش ُزَها ُمثَّ‬ ‫َّاس َوانْظُْر إِ َىل ال ِْعظَ ِام َك ْي َ‬ ‫ك آيَةً لِلن ِ‬ ‫سنَّ ْه َوانْظُْر إِ َىل محَا ِر َك َولِنَ ْج َعلَ َ‬ ‫ك َملْ يَـتَ َ‬ ‫ك َو َش َرابِ َ‬ ‫إِ َىل طَ َع ِام َ‬
‫اَّللَ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير) (‪.)5‬‬
‫َن َّ‬‫ال أَ ْعلَ ُم أ َّ‬
‫ني لَهُ قَ َ‬
‫وها َحلْماً فَـلَ َّما تَـبَ َّ َ‬
‫ْس َ‬
‫نَك ُ‬
‫هذه هي اآلايت اليت جاءت فيها (كم) استفهامية‪ ،‬وجاء بعدها جواب هلا‪ .‬وهي يف اآليتني األوىل‬
‫والثالثة قد استفهم هبا عن أمر معجز‪ ،‬أما اآلية الثانية فان االستفهام هبا مما يقع يوم القيامة‪ ،‬ان‬
‫االستفهام يف هذه اآلايت مجيعاً جاء عن عدد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أساليب االستفهام‪.157 :‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الكتاب‪ .228 :4 ،175 - 156 :2 ،‬ومغين اللبيب‪ ،243 :‬ومفتاح العلوم‪.537 :‬‬
‫(‪ )3‬الكهف‪.)19( :‬‬
‫(‪ )4‬املؤمنون‪.)113( :‬‬
‫(‪ )5‬البقرة‪.)259( :‬‬

‫(‪)53/1‬‬

‫معني من السنني‪ ،‬وكان االستفهام فيها بصيغة واحدة‪ ،‬وملا كان االستفهام هبذا احلال فقد جاء‬
‫اجلواب واحداً عنه يف مجيع اآلايت‪ ،‬ومما ميكن مالحظته على اجلواب يف هذه اآلايت املباركة انه‬
‫جواب خاطئ فيها مجيعاً‪ ،‬اذ بينما كانت املدة ـ وهي عدد أعوام املوت ـ طويلةً كانت اإلجابة حتدد‬
‫بيوم أو بعض يوم وقد حدد القرآن الكرمي اإلجابة الصحيحة يف موضع آخر فذكر عدد األعوام اليت‬
‫سر اإلعجاز يف احلادثتني يكمن‬
‫مر على القرية الن َّ‬
‫انمها أصحاب الكهف وعدد أعوام اماتة الذي َّ‬
‫يف طول تلك املدة‪.‬‬
‫أما اآلية الثالثة فلم حيدد القرن الكرمي اإلجابة الصحيحة فيها الن ال فائدة من ذكر عدد السنني اليت‬
‫مرت على موت هؤالء املشركني حىت يوم القيامة‪.‬‬
‫ف‪:‬‬
‫‪ 7‬ـ َك ْي َ‬
‫(جاءت يف القرآن ثالاثً وَثانني مرة) (‪ .)1‬أما عملها فهو ان تكون استفهاما وهو الغالب فيها أو أن‬
‫تكون شرطاً (‪ ،)2‬وأتيت مبعىن (أي حال) (‪.)3‬‬
‫ف نُ َكلِّ ُم َم ْن‬
‫ت إِلَْي ِه قَالُوا َك ْي َ‬
‫ار ْ‬
‫لقد جاءت (كيف) متبوعة ابلفعل املضارع كما يف قوله تعاىل‪( :‬فَأَ َش َ‬
‫اب َو َج َعلَ ِين نَبِيّاً) (‪.)4‬‬ ‫ِ‬ ‫ال إِِين عب ُد َِّ‬ ‫ِ‬
‫آاتِينَ الْكتَ َ‬
‫اَّلل َ‬ ‫صبِيّاً* قَ َ ّ َ ْ‬
‫َكا َن ِيف ال َْم ْهد َ‬
‫لقد سألوا عن كيفية التكلم مع طفل يف املهد‪ ،‬وكان ذلك موجهاً ملرمي عليها السالم من بين إسرائيل‪،‬‬
‫ولكن اإلجابة مل أتت من الذي وجه إليه السؤال وهي ـ مرمي ـ بل جاء ممن قصد ابلسؤال وهو عيسى‬
‫ـ عليه السالم ـ وهذا مما مييز هذا األسلوب القرآين يف اجلواب‪ ،‬ومبا ان هنالك اختالالً مثل هذا قد‬
‫حصل بني السائلني والطرف اجمليب فكان األبلغ إالّ يتطابق اجلواب مع السؤال حني مل يبني الكيفية‬
‫اليت يتكلم هبا وهو يف املهد – وهي املقصودة ابلسؤال – بل ذكر ما هو ابعد من ذلك وهو‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أساليب االستفهام‪،147 :‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬مغين اللبيب‪.271 - 270 :‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الكتاب‪.233 :4 ،128 :2 ،‬‬
‫(‪ )4‬مرمي‪.)30 - 29( :‬‬

‫(‪)54/1‬‬

‫صابِراً‬ ‫صِرب َعلَى َما َملْ ُِحت ْط بِ ِه ُخ ْرباً* قَ َ ِ ِ‬


‫اء َّ‬
‫اَّللُ َ‬ ‫ال َستَج ُدِين إ ْن َش َ‬ ‫ف تَ ْ ُ‬
‫(وَك ْي َ‬
‫تكرميه ابلنبوة‪ .‬اما قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ك أ َْمراً) (‪.)1‬‬ ‫وال أَ ْع ِ‬
‫صي لَ َ‬ ‫َ‬
‫فقد جاءت (كيف) متبوعة بفعل مضارع ميتد زمنه إىل املستقبل ولذلك جاء اجلواب مفتتحاً ابلسني‬
‫اليت تفيد االستقبال وجاء اجلواب مطابقاً للسؤال‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ َّأاي َن‪:‬‬
‫(وردت يف القرآن يف ستة مواضع كلها مكي) (‪ .)2‬وأتيت على أهنا ظرف زمان مبعىن (مىت) (‪.)3‬‬
‫وهنالك فرق بينها وبني (مىت) فهذه تستعمل يف املاضي ويف املستقبل أما (أاين) فاهنا خمتصة‬
‫ابملستقبل (‪ .)4‬ومما يؤيد ذلك استخدام القرآن الكرمي هلاتني األداتني‪.‬‬
‫اها قُ ْل‬ ‫الس َ ِ‬
‫ك َع ِن َّ‬
‫اعة أ ََّاي َن ُم ْر َس َ‬ ‫واآلية الوحيدة اليت ورد فيها جواب عن (ااين) يف قوله تعاىل‪( :‬يَ ْسأَلونَ َ‬
‫ض ال َأتْتِي ُك ْم إَِّال بَـغْتَةً يَ ْسأَلونَ َ‬ ‫السماو ِ‬ ‫يها لَِوقْتِ َها إَِّال ُه َو ثَـ ُقلَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫إِ َّمنَا ِعل ِ‬
‫ك‬ ‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫ت ِيف َّ َ َ‬ ‫ْم َها ع ْن َد َرِّيب ال ُجيَلّ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َولَك َّن أَ ْكثَـ َر الن ِ‬
‫َّاس ال يَـ ْعلَ ُمو َن) (‪.)5‬‬ ‫ْم َها ع ْن َد َّ‬ ‫ك َحف ٌّي َع ْنـ َها قُ ْل إِ َّمنَا عل ُ‬‫َكأَنَّ َ‬
‫واالستفهام هنا عن شي مل يقع بعد‪ ،‬بل انه سيقع يف املستقبل وهو يوم القيامة‪ .‬فاالستفهام جاء‬
‫لطلب حتديد زمن قيام الساعة‪ .‬وجاء اجلواب مفتتحاً بفعل األمر (قل) الن ذلك من أنباء الغيب اليت‬
‫خص هللا تعاىل ذاته هبا فقط والنيب (ص) مأمور هبذه اإلجابة من ربه‪ ،‬ولذلك مل يطابق السؤال‬
‫اجلواب يف هذه اآلية‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ أَيْ َن‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الكهف‪.)69 - 68( :‬‬
‫(‪ )2‬أساليب االستفهام‪.144 :‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الكتاب‪ ،235 :4 ،‬ومفتاح العلوم ‪.537‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬شرح الكافية‪ ،‬للرضي االسرتاابدي‪.116 :2 ،‬‬
‫(‪ )5‬األعراف‪.)187( :‬‬

‫(‪)55/1‬‬

‫(وردت يف القرآن عشر مرات‪ ،‬وكل أساليبها مكي) (‪ .)1‬وأتيت مبعىن (أي مكان) (‪ ،)2‬واكثر ما‬
‫كانت ترد يف القرآن الكرمي مستخدمة لبيان أحوال املشركني يف احلياة اآلخرة‪ ،‬وقد ورد هلا جواب يف‬
‫ين َح َّق َعلَْي ِه ُم الْ َق ْو ُل َربَّـنَا‬ ‫ول أَين ُشرَكائِي الَّ ِذين ُك ْنـتُم تَـ ْزعُمو َن* قَ َ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال الذ َ‬ ‫(ويَـ ْوَم يُـنَادي ِه ْم فَـيَـ ُق ُ ْ َ َ َ َ ْ ُ‬ ‫قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ك َما َكانُوا إِ َّاي َان يَـ ْعبُ ُدو َن) (‪ .)3‬وواضح هنا أن‬ ‫ربأْ َان إِلَْي َ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ين أَ ْغ َويْـنَا أَ ْغ َويْـنَ ُ‬
‫اه ْم َك َما غَ َويْـنَا تَ ََّ‬ ‫َه ُؤالء الذ َ‬
‫((املراد ان غيَّنا ابختياران فكذا غيهم ابختيارهم‪ ،‬يعين أن إغواءان ما اجلأهم اىل الغواية‪ ،‬بل كانوا‬
‫خمتارين ابألقدام على تلك العقائد األعمال)) (‪.)4‬‬
‫وكان املفروض أن أييت اجلواب من هؤالء لتعيني مكاهنم حسب مقتضى السؤال ولكنهم سارعوا إىل‬
‫نفي التهمة عن أنفسهم بدالً من االكتفاء ابجلواب عما هو مطلوب منهم فنفي االهتام أهم من‬
‫اإلجابة بتعيني مكاهنم الن االستفهام صادر من ّعالم الغيوب سبحانه وتعاىل لفضح هؤالء املشركني‪،‬‬
‫ولذلك كان من املناسب ان ال يطابق اجلواب هذا االستفهام‪.‬‬
‫ب ِِبايتِِه أُولَئِ َ‬ ‫وضمن السياق نفسه جاء قوله تعاىل‪( :‬فَمن أَظْلَم ِممَّ ِن افْ َرتى َعلَى َِّ ِ‬
‫ك‬ ‫اَّلل َكذابً أ َْو َك َّذ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ‬
‫اَّللِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء ْهتُ ْم ُر ُسلُنَا يَـتَـ َوفَّـ ْو َهنُ ْم قَالُوا أَيْ َن َما ُك ْنـتُ ْم تَ ْد ُعو َن م ْن ُدون َّ‬ ‫ِ‬ ‫صيبـهم ِمن ال ِ‬
‫ْكتَ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب َح َّىت إ َذا َج َ‬ ‫يَـنَا ُهلُ ْم نَ ُ ُ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫ين) (‪ )5‬والفرق بني هذا االستفهام واالستفهام‬ ‫ضلوا َعنَّا َو َش ِه ُدوا َعلَى أَنْـ ُفس ِه ْم أَهنُ ْم َكانُوا َكاف ِر َ‬‫قَالُوا َ‬
‫يف اآلية السابقة كونه وجه يف هذه اآلية إىل املشركني الذين اختذوا من دون هللا آهلة بينما كان يف اآلية‬
‫السابقة موجهاً إىل املعبودين من دون هللا تعاىل‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ ألفاظ دلت على االستفهام‪:‬‬
‫مثلما استخدم القرآن الكرمي أدوات االستفهام وذكر أجوبتها‪ ،‬فانه استخدم ألفاظا دلت على‬
‫االستفهام وهي ليست من جنس أدوات االستفهام املعروفة اليت تناولناها يف هذا الفصل‪ .‬ومن هذه‬
‫ك َع ِن‬
‫األلفاظ (يسألونك) كما يف قوله تعاىل‪( :‬يَ ْسأَلونَ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أساليب االستفهام‪.145 :‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الكتاب‪.213 :3 ،220– 219 :1 ،233 :4 ،‬‬
‫(‪ )3‬القصص‪.)63 - 62( :‬‬
‫(‪ )4‬التفسري الكبري‪.47 :25 ،‬‬
‫(‪ )5‬األعراف‪.)37( :‬‬

‫(‪)56/1‬‬

‫وت ِم ْن ظُ ُهوِرَها َولَ ِك َّن الِْربَّ َم ِن اتَّـ َقى‬


‫س الِْرب ِأبَ ْن َأتْتُوا الْبُـيُ َ‬ ‫يت لِلن ِ‬
‫َّاس َوا ْحلَ ِّج َولَْي َ‬ ‫ْاأل َِهلَّ ِة قُ ْل ِه َي َم َواقِ ُ‬
‫وت ِم ْن أَبْـ َو ِاهبَا َواتَّـ ُقوا َّ‬
‫اَّللَ لَ َعلَّ ُك ْم تُـ ْفلِ ُحو َن) (‪.)1‬‬ ‫َوأْتُوا الْبُـيُ َ‬
‫ومن املعروف (ان األصل يف اجلواب ان يكون مطابقاً للسؤال‪ ،‬اذا كان موجهاً‪ ،‬وقد يعدل يف اجلواب‬
‫كما يقتضيه السؤال تبنيها على انه كان حق السؤال ان يكون كذلك) (‪ .)2‬وهذا العدول يف اجلواب‬
‫هو ما يسمى بـ (أسلوب احلكيم) (‪.)3‬‬
‫يل َِّ‬
‫اَّلل َوُك ْف ٌر بِ ِه‬ ‫ص ٌّد َع ْن َسبِ ِ‬ ‫ال فِ ِيه قُل قِتَ ٌ ِ ِ‬ ‫الش ْه ِر ا ْحلَر ِام قِتَ ٍ‬
‫ال فيه َكبِريٌ َو َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ك َع ِن َّ‬ ‫وقوله تعاىل‪( :‬يَ ْسأَلونَ َ‬
‫رب ِم َن الْ َق ْت ِل َوال يَـ َزالُو َن يُـ َقاتِلُونَ ُك ْم َح َّىت‬ ‫والْمس ِج ِد ا ْحلر ِام وإِ ْخراج أَ ْهلِ ِه ِم ْنهُ أَ ْكرب ِع ْن َد َِّ ِ‬
‫اَّلل َوالْف ْتـنَةُ أَ ْك َُ‬ ‫َُ‬ ‫ََ َ َ ُ‬ ‫َ َْ‬
‫ت أَ ْع َما ُهلُ ْم‬ ‫ك َحبِطَ ْ‬ ‫ت َو ُه َو َكافِ ٌر فَأُولَئِ َ‬ ‫اعوا َوَم ْن يَـ ْرتَ ِد ْد ِم ْن ُك ْم َع ْن ِدينِ ِه فَـيَ ُم ْ‬ ‫استَطَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يَـ ُردوُك ْم َع ْن دينِ ُك ْم إِن ْ‬
‫يها َخالِ ُدو َن) (‪.)4‬‬ ‫ِ‬
‫اب النَّا ِر ُه ْم ف َ‬ ‫َص َح ُ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ِيف الدنْـيَا َو ْاآل ِخ َرةِ َوأُولَئِ َ‬
‫رب ِم ْن‬ ‫ري َوَمنَافِ ُع لِلن ِ ِ‬
‫َّاس َوإ َْثُُه َما أَ ْك َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلَ ْم ِر َوال َْم ْيس ِر قُ ْل في ِه َما إِ ْمثٌ َكب ٌ‬ ‫ك َع ِن ْ‬ ‫وقوله تبارك وتعاىل‪( :‬يَ ْسأَلونَ َ‬
‫ايت لَ َعلَّ ُك ْم تَـتَـ َف َّك ُرو َن) (‪.)5‬‬‫اَّلل لَ ُكم ْاآل ِ‬
‫ني َُّ ُ‬ ‫ك يُـبَِّ ُ‬ ‫ك َما َذا يُـ ْن ِف ُقو َن قُ ِل ال َْع ْف َو َك َذلِ َ‬‫نَـ ْف ِع ِه َما َويَ ْسأَلونَ َ‬
‫وه ْم فَِإ ْخ َوانُ ُك ْم‬ ‫ِ‬
‫ري َوإِ ْن ُختَالطُ ُ‬ ‫الح َهلُ ْم َخ ٌْ‬
‫ص ٌ‬ ‫ك َع ِن الْيَـتَ َامى قُ ْل إِ ْ‬ ‫وقوله تعاىل‪(ِ :‬يف الدنْـيَا َو ْاآل ِخ َرةِ َويَ ْسأَلونَ َ‬
‫اَّلل يـعلَم الْم ْف ِس َد ِمن الْم ِ‬
‫صل ِح َولَ ْو َشاءَ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫َو َُّ َ ْ ُ ُ‬

‫ِ‬ ‫اَّللُ ال ْعنَـتَ ُك ْم إِ َّن َّ‬


‫اَّللَ َع ِز ٌيز َحك ٌ‬
‫يم) (‪.)6‬‬ ‫َّ‬
‫وه َّن‬
‫يض َوال تَـ ْق َربُ ُ‬ ‫اء ِيف ال َْم ِح ِ‬
‫سَ‬
‫ِ‬
‫َذى فَا ْعتَ ِزلُوا النّ َ‬
‫يض قُ ْل ُه َو أ ً‬ ‫ك َع ِن ال َْم ِح ِ‬ ‫(ويَ ْسأَلونَ َ‬ ‫وقوله جل شانه‪َ :‬‬
‫ين) (‪.)7‬‬ ‫َّوابِ َ ِ‬
‫ني َوُحيب ال ُْمتَطَ ِّه ِر َ‬ ‫اَّللَ ُِحيب التـ َّ‬
‫اَّللُ إِ َّن َّ‬
‫ث أ ََم َرُك ُم َّ‬‫وه َّن ِم ْن َح ْي ُ‬
‫َح َّىت يَط ُْه ْر َن فَِإذَا تَطَه َّْر َن فَأْتُ ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.)189( :‬‬
‫(‪ )2‬الربهان يف علوم القرآن ‪.42 :4‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬مفتاح العلوم‪ ،553 :‬والتبيان يف البيان‪.241 :‬‬
‫(‪ )4‬البقرة‪.)217( :‬‬
‫(‪ )5‬البقرة‪.)219( :‬‬
‫(‪ )6‬البقرة‪.)220( :‬‬
‫(‪ )7‬البقرة‪.)222( :‬‬

‫(‪)57/1‬‬

‫ني تُـ َعلِّ ُم َ‬ ‫ات وما علَّمتم ِمن ا ْجلوار ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وهنُ َّن‬ ‫ِح ُم َكلّبِ َ‬ ‫ِ‬
‫ك َماذَا أُح َّل َهلُ ْم قُ ْل أُح َّل لَ ُك ُم الطَّيّبَ ُ َ َ َ ْ ُ ْ َ ََ‬ ‫وقوله تعاىل‪( :‬يَ ْسأَلونَ َ‬
‫يع ا ْحلِس ِ‬ ‫اَّلل فَ ُكلُوا ِممَّا أَمسكْن علَي ُكم واذْ ُكروا اسم َِّ‬
‫اَّلل َعلَْي ِه َواتَّـ ُقوا َّ‬
‫اَّللَ إِ َّن َّ‬ ‫ِ‬
‫اب)‬ ‫اَّللَ َس ِر ُ َ‬ ‫ْ َ َ َ ْ ْ َ ُ َْ‬ ‫ممَّا َعلَّ َم ُك ُم َُّ‬
‫(‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫َصلِحوا ذَ َ ِ‬ ‫الر ُس ِ‬ ‫ال َِِّ‬ ‫ك َع ِن ْاألَنْـ َف ِ‬
‫يعوا‬
‫ات بَـ ْين ُك ْم َوأَط ُ‬ ‫ول فَاتَّـ ُقوا ا ََّّللَ َوأ ْ ُ‬ ‫َّلل َو َّ‬ ‫ال قُ ِل ْاألَنْـ َف ُ‬ ‫وقوله تعاىل‪( :‬يَ ْسأَلونَ َ‬
‫ِ‬
‫ني) (‪.)2‬‬ ‫اَّللَ َوَر ُسولَهُ إِ ْن ُك ْنـتُ ْم ُم ْؤمنِ َ‬
‫َّ‬
‫وأتيت خصوصية هذه اجملموعة من اآلايت يف كون األسئلة فيها قد صدرت من املسلمني موجهةً إىل‬
‫النيب الكرمي صلوات هللا وسالمه عليه‪ ،‬وهي أسئلة عن أمور تتعلق ابلشريعة اإلسالمية حالهلا‬
‫وحرامها‪ ،‬وهي مدنية أبمجعها‪ ،‬كما افتتح اجلواب فيها مجيعاً بفعل األمر (قل) أي أن اجلواب صادر‬
‫عن هللا سبحانه وتعاىل وقد أمر النيب عليه الصالة والسالم بنقل ذلك اجلواب إليهم‪.‬‬
‫واالستفهام يف هذه اآلايت مجيعاً استفهام حقيقي أي أن السائل غري عامل عما يسأل عنه‪.‬‬
‫والسؤال ضرابن (جديل وتعليمي‪ ،‬وحق األول مطابقة اجلواب من غري زايدة وال نقصان والثاين حقه‬
‫ان يتحرى اجمليب األصوب كالطبيب الرفيق يتوخى ما فيه شفاء العليل طلبه ام ال) (‪.)3‬‬
‫وهذه اجملموعة من األسئلة تعليمية وليست جدلية والغرض منها طلب الفهم‪.‬‬
‫وكما استخدم الفعل (يسئلونك) للسؤال عن أمور الشريعة من املسلمني‪ ،‬فقد ورد يف القرآن الكرمي‬
‫ِ‬ ‫ك َع ْن ِذي الْ َق ْرنَ ْ ِ‬
‫ني قُ ْل َسأَتْـلُو َعلَْي ُك ْم م ْنهُ‬ ‫(ويَ ْسأَلونَ َ‬
‫عن لسان اليهود (‪ .)4‬كما يف قوله تبارك وتعاىل‪َ :‬‬
‫وح قُ ِل‬
‫ك َع ِن الر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِذ ْكراً* إِ َّان َم َّكنَّا لَهُ ِيف ْاأل َْر ِ‬
‫ض َوآتَـ ْيـنَاهُ م ْن ُك ِّل َش ْيء َسبَباً) (‪ )5‬وقوله تعاىل‪َ :‬‬
‫(ويَ ْسأَلونَ َ‬
‫وح ِم ْن أ َْم ِر َرِّيب َوَما أُوتِيتُ ْم ِم َن ال ِْعل ِْم إَِّال قَلِيالً) (‪.)6‬‬
‫الر ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬املائدة‪.)4( :‬‬
‫(‪ )2‬األنفال‪.)1( :‬‬
‫(‪ )3‬التبيان يف البيان‪.243 :‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬تفسري اجلاللني‪.382،399 :‬‬
‫(‪ )5‬الكهف‪.)84 - 83( :‬‬
‫(‪ )6‬اإلسراء‪.)85( :‬‬

‫(‪)58/1‬‬

‫وخيتلف االستفهام يف هاتني اآليتني عن اآلايت السابقة كوهنما مل يطرحا من اجل طلب العلم‪ .‬وامنا‬
‫لغرض تعجيز النيب (ص) عن اإلجابة ‪ ..‬ومع ذلك فقد ورد اجلواب عن ذي القرنني بسرد قصته‪،‬‬
‫وكان هذا اجلواب أطول األجوبة يف القرآن الكرمي على اإلطالق‪ ،‬إ ْذ جاء هذا اجلواب يف ست عشرة‬
‫آية مباركة وبسبب طول هذا اجلواب مل نورده كامالً‪ .‬أما سؤاهلم عن الروح فان جوابه مل يتضمن‬
‫الكشف عن كنه الروح الن ذلك من أنباء الغيب اليت مل يكشفها هللا تعاىل‪ ،‬والن الغرض مل يكن‬
‫طلب العلم‪ ،‬وامنا كان غرض هؤالء اجلدل ابلباطل‪.‬‬
‫ومثلما أورد القرآن الكرمي أسئلة اليهود فقد أورد أسئلة املشركني (‪ )1‬يف السياق نفسه‪ ،‬وذلك يف‬
‫ك َع ِن‬‫ال فَـ ُق ْل يَـنْ ِس ُف َها َرِّيب نَ ْسفاً) (‪ .)2‬وقوله تبارك وتعاىل‪( :‬يَ ْسأَلونَ َ‬ ‫ك َع ِن ا ْجلِبَ ِ‬ ‫(ويَ ْسأَلونَ َ‬
‫قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫اها) (‪.)3‬‬ ‫ت ِم ْن ِذ ْك َر َاها* إِ َىل َربِّ َ‬
‫ك ُم ْنـتَـ َه َ‬ ‫يم أَنْ َ‬ ‫اع ِة أ ََّاي َن مرس ِ‬
‫اها* ف َ‬ ‫ُْ َ َ‬ ‫الس َ‬
‫َّ‬
‫واالستفهام الذي يطرحه املشركون امنا يطرحونه على سبيل السخرية واالستهزاء وقد جاء اجلواب يف‬
‫اآلية األوىل غري مستأنف على العكس من األجوبة األخرى اليت كانت مجيعها مستأنفة بل جاء‬
‫مفتتحاً بفعل األمر متصال ابلفاء (فقل)‪ ،‬وملا كان املشركون يطرحون ذلك على سبيل السخرية أبمر‬
‫هو من عالمات قيام الساعة فقد شاءت البالغة القرآنية ان نرتك الفصل إىل الوصل ابلفاء الن ذلك‬
‫أسرع يف الرد على هؤالء اجملرمني ولذلك (أكد ينسفها ريب نسفا) إلثبات انه حقيقة ال استعارة) (‪.)4‬‬
‫أما اآلية الثانية فقد جاء اجلواب فيها (إىل ربك منتهاها) غري مفتتح بفعل األمر قل الن هللا تعاىل ال‬
‫يشاء ان يذكر وقتها أي ان (منتهى علمها مل يؤت أحداً من خلقه) (‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬لباب النقول يف أسباب النزول للسيوطي‪.783 ،422 :‬‬
‫(‪ )2‬طه‪.)105( :‬‬
‫(‪ )3‬النازعات‪.)44 - 42( :‬‬
‫(‪ )4‬التحرير والتنوير‪.307 :16 ،‬‬
‫(‪ )5‬الكشاف‪.699 :4 ،‬‬

‫(‪)59/1‬‬

‫وقريب من هذا األسلوب جند استخداماً أخر للفعل يف االستفهام فجاء الفعل ماضياً يف االستفهام‬
‫َّاع إِذَا َد َع ِ‬ ‫ك ِعب ِ‬
‫ادي َع ِّين فَِإِّين قَ ِر ِ‬
‫ان‬ ‫يب َد ْع َوةَ الد ِ‬
‫يب أُج ُ‬
‫ٌ‬ ‫(وإِذَا َسأَلَ َ َ‬ ‫كما يف قوله جل وعال‪َ :‬‬
‫فَـلْيَ ْستَ ِجيبُوا ِيل َولْيُـ ْؤِمنُوا ِيب لَ َعلَّ ُه ْم يَـ ْر ُش ُدو َن) (‪.)1‬‬
‫لقد جاء االستفهام على هيئة الشرط وجوابه ومل يتصدر اجلواب فعل األمر (قل) أي انه جاء غري‬
‫صل بني اجلواب والسؤال ابلفاء وهذا (متثيل حلاله يف سهولة أجابته ملن دعاه وسرعة‬
‫مستأنف بل َو َ‬
‫إجناحه حاجةَ من سأله حبال من قرب مكانه) (‪ .)2‬وهنالك فعل أخر استفهم به يف أسلوب قريب‬
‫س ِاء قُ ِل‬ ‫ِ‬
‫ك ِيف النّ َ‬ ‫(ويَ ْستَـ ْفتُونَ َ‬
‫من أسلوب (يسألونك) وذلك يف الفعل (يستفتونك) كما يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ب َهلُ َّن‬ ‫ِ‬
‫وهنُ َّن َما ُكت َ‬ ‫س ِاء َّ‬
‫الالِيت ال تُـ ْؤتُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫اَّللُ يُـ ْفتي ُك ْم في ِه َّن َوَما يُـ ْتـلَى َعلَْي ُك ْم ِيف الْكتَاب ِيف يَـتَ َامى النّ َ‬
‫وموا لِ ْليَـتَ َامى ِابل ِْق ْس ِط َوَما تَـ ْف َعلُوا ِم ْن َخ ٍْري‬ ‫ِ‬ ‫ضع ِف ِ‬
‫ني م َن الْ ِولْ َدان َوأَ ْن تَـ ُق ُ‬
‫وه َّن َوال ُْم ْستَ ْ َ َ‬
‫ِ‬
‫َوتَـ ْرغَبُو َن أَ ْن تَـ ْنك ُح ُ‬
‫اَّللَ َكا َن بِ ِه َعلِيماً) (‪.)3‬‬ ‫فَِإ َّن َّ‬
‫ف‬
‫ص ُ‬ ‫ت فَـلَ َها نِ ْ‬ ‫س لَهُ َولَ ٌد َولَهُ أُ ْخ ٌ‬ ‫ك لَْي َ‬ ‫اَّللُ يُـ ْفتِي ُك ْم ِيف الْ َكاللَ ِة إِ ِن ْام ُرٌؤ َهلَ َ‬
‫ك قُ ِل َّ‬ ‫وقوله تعاىل‪( :‬يَ ْستَـ ْفتُونَ َ‬
‫ان ِممَّا تَـ َر َك َوإِ ْن َكانُوا إِ ْخ َو ًة ِر َجاالً‬
‫ني فَـلَهما الثـلُثَ ِ‬
‫َما تَـ َر َك َو ُه َو يَ ِرثُـ َها إِ ْن َملْ يَ ُك ْن َهلَا َولَ ٌد فَِإ ْن َكانَـتَا اثْـنَـتَ ْ ِ ُ َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ضلوا و َّ ِ‬ ‫اَّلل لَ ُكم أَ ْن تَ ِ‬ ‫لذ َك ِر ِمثْ ُل َح ِّ‬
‫ظ ْاألُنْـثَـيَ ْ ِ‬ ‫َونِساء فَلِ َّ‬
‫يم) (‪.)4‬‬ ‫اَّللُ ب ُك ِّل َش ْيء َعل ٌ‬ ‫َ‬ ‫ني َُّ ْ‬ ‫ني يُـبَِّ ُ‬ ‫ًَ‬
‫واإلفتاء إظهار ما أشكل‪ ،‬واصله من الفىت وهو الشاب الذي قوي وكمل فاملعىن كأنه يقوي ببيانه ما‬
‫أشكل ويصري قوايً متيناً) (‪.)5‬‬
‫وهااتن اآليتان طلب من املؤمنني إليضاح ما خفي عليهم من أمور الشريعة ومها ال ختتلفان عن‬
‫أسلوب (يسئلونك) ولكنهما هنا عن أمور اقرب إىل الفقه منها إىل أحكام شرعية عامة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.)186( :‬‬
‫(‪ )2‬الكشاف‪.337 :1 ،‬‬
‫(‪ )3‬النساء‪.)127( :‬‬
‫(‪ )4‬النساء‪.)176( :‬‬
‫(‪ )5‬التفسري الكبري‪.62 :11 ،‬‬

‫(‪)60/1‬‬

‫َح ٌّق ُه َو قُ ْل‬


‫كأَ‬‫(ويَ ْستَـ ْنبِئُونَ َ‬
‫وتبقى آية واحدة ميكن احلاقها هبذا الصنف من اآلايت وهي قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ِ ِ‬
‫ين) (‪ .)1‬ويف هذه اآلية املباركة (حكاية من أفانني تكذيبهم‪ ،‬فمرة‬ ‫إِي َوَرِّيب إِنَّهُ َحلَ ٌّق َوَما أَنْـتُ ْم مبُْعج ِز َ‬
‫يتظاهرون ابستبطاء الوعد استخفافا به ومرة يقبلون على الرسول يف صورة املستفهم الطالب‬
‫فيسألونه أهذا العذاب اخلالد أي عذاب اآلخرة حق) (‪)2‬‬
‫وقد جاء االستفهام لطلب اإلنباء منه عليه الصالة والسالم عن البعث والنشور الهنم كانوا شاكني يف‬
‫ذلك مجلةً وتفصيالً‪ ،‬وملا كان هؤالء املشركون هبذا املستوى فقد جاء اجلواب حممالً أبنواع املؤكدات‬
‫وأوهلا قوله (أي) واثنيها القسم (وريب)‪ ،‬واثلثهما (إ ّن) ورابعها (الالم) وخامسها النفي بـ (ما)‬
‫وسادسها جميء حرف اجلر الزائد يف قوله (مبعجزين)‪ .‬ولعل هذا احلشد من املؤكدات انسب ما يكون‬
‫هلذا اجلواب الن اقتناع هؤالء ابلبعث واحلياة اآلخرة هو الباب إىل إثبات وحدانية هللا تبارك وتعاىل‬
‫واليت متتلء جوانب القرآن الكرمي يف الداللة عليها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬يونس‪.)53( :‬‬
‫(‪ )2‬التحرير والتنوير‪.195 :11 ،‬‬

‫(‪)61/1‬‬
‫الفصل الثاين‬
‫جواب السؤال املقدر‬
‫لقد حبث البالغيون السؤال املقدر يف موضع (الفصل والوصل)‪،‬وأطلقوا على جواب هذا السؤال‬
‫اسم االستئناف‪ ،‬وقد ترتب على ذلك أن جيد الباحث يف هذا املوضوع مصاعب ليست ابليسرية الن‬
‫هذا املوضوع اعين (الفصل والوصل) من املوضوعات الدقيقة يف علم املعاين‪.‬‬
‫ولعل ذلك مما دفع الشيخ عبد القاهر اجلرجاين إىل أن يقول عنه‪(( :‬واعلم انه ما من علم من علوم‬
‫البالغة أنت تقول انه فيه خفي غامض‪ ،‬ودقيق صعب‪ ،‬إالّ وعلم هذا الباب اغمض‪ ،‬وأخفى‪ ،‬وأدق‪،‬‬
‫واصعب)) (‪ .)1‬وقد يكون هذا األمر هو الذي دفع الكثريين إىل أن يقصروا البالغة على معرفة‬
‫الفصل والوصل‪.)2( .‬‬
‫ورمبا يكون مرد ذلك إىل (أن علم الفصل والوصل يتوقف على معرفة ما جيب لكل واحد من‬
‫اجلملتني وذلك يتوقف على مجيع األبواب املاضية من أحوال املسند‪ ،‬واملسند إليه وغري ذلك فإذا‬
‫توقف إحدى اجلملتني على غري هذا الباب توقف العلم حبال اجلملتني معاً عليه ضرورةً وان ما توقف‬
‫عليه اجلزء توقف عليه الكل) (‪.)3‬‬
‫ونستطيع أن ندرك العالقة بني االستئناف والسؤال واجلواب من خالل تعريف االستئناف وهو‬
‫(االتيان بعد متام كالم بقول يفهم منه جواب سؤال مقدر) (‪ .)4‬ويقول ابن هشام االنصاري عنه‬
‫(وخيص البيانيون االستئناف مبا كان جواابً لسؤال مقدر) (‪.)5‬‬
‫وجتدر اإلشارة هنا إىل أن هنالك فرقاً بني االستئناف البياين واالستئناف النحوي‪ ،‬فالبياين هو ما‬
‫ذكرانه‪ ،‬أما النحوي فان النحاة يعربون عن اجلملة االبتدائية بـ (املستأنفة) (‪ .)6‬أي ان النحاة ال‬
‫يقدرون وجود سؤال قبل اجلملة املستأنفة حنوايً‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬دالئل اإلعجاز‪.237 :‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬البيان والتبيني‪ .1:88 ،‬ومفتاح العلوم‪ ،462 :‬وشروح التلخيص ‪/‬عروس األفراح ‪.2 :3‬‬
‫(‪ )3‬شروح التلخيص ‪/‬عروس األفراح‪.1 - 2 :3 ،‬‬
‫(‪ )4‬األقصى القريب‪ ،‬التنوخي‪.68 :‬‬
‫(‪ )5‬مغين اللبيب‪.500 :‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬مغين اللبيب‪ ،501 - 500 :‬اذ حبث ذلك عند كالمه على اجلمل اليت ال حمل هلا من‬
‫األعراب‪ .‬وحاشية الدسوقي على مغين اللبيب ‪ ،52 :2‬وجامع الدروس العربية‪ ،‬الغاليين ‪.289 :3‬‬
‫(‪)63/1‬‬

‫كما أن هنالك فرقاً بني الفصل أو االستئناف منه على وجه اخلصوص‪ ،‬وبني القطع فقد يكون‬
‫هنالك فصل وذلك لفقدان التشريك وهو نوعان‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أن يكون للكالم السابق حكم ال تريد أن تشرك فيه فتفصل ويسمى قطعاً‪ ،‬وهو ـ أي‬
‫القطع ـ أما احتياطاً أو وجوابً‪.‬‬
‫واثنيهما‪ :‬أن يكون الكالم السابق كاملورد للسؤال فيقطع ليكون جواابً له ويسمى استئنافاً) (‪.)1‬‬
‫واالستئناف منه ما يكون إبعادة اسم أو صفة ومنه ما يكون ابلتوكيد‪ ،‬وقد يكون االستئناف مبا ليس‬
‫فيه إعادة اسم وال صفة (‪ ،)2‬وقد أضاف شراح التلخيص البدل وعطف البيان (‪ )3‬بقي أن نذكر‬
‫أن البالغيني املتأخرين قد قسموا االستئناف على ثالثة اضرب (‪:)4‬‬
‫الن السؤال الذي تضمنته اجلملة األوىل اما عن سبب احلكم فيها مطلقاً كقول الشاعر‪:‬‬
‫دائم وحز ٌن طويل‬
‫سهر ٌ‬‫عليل ‪ٌ ...‬‬
‫قال يل‪ :‬كيف انت؟ قلت‪ٌ :‬‬
‫أي ما ابلك عليالً؟ وما سبب علتك؟‪.‬‬
‫واما عن سبب خاص له كقوله تعاىل‪( :‬وما أُبـ ِرئ نَـ ْف ِسي إِ َّن النَّـ ْفس َأل ََّمارةٌ ِابلس ِ‬
‫وء ‪.)5( ) ...‬‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َّ ُ‬
‫الم ‪ )6( ) ...‬كأنه قيل‪ :‬فماذا قال إبراهيم عليه‬
‫ال َس ٌ‬
‫واما عن غريمها كقوله‪ ... ( :‬قَالُوا َسالماً قَ َ‬
‫السالم؟ فقيل‪ :‬قال‪ :‬سالم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مفتاح العلوم‪ ،463 :‬وشروح التلخيص‪ ،50 :3 ،‬والتبيان يف البيان‪.104 :‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬دالئل اإلعجاز ‪ ،236– 234‬والتبيان يف البيان‪ ،109 - 106 ،‬واألقصى القريب‪:‬‬
‫‪.68‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬شروح التلخيص‪.31 :3 ،‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬التلخيص‪ ،186 :‬وشروح التلخيص‪.57 :3 ،‬‬
‫(‪ )5‬يوسف‪.)53( :‬‬
‫(‪ )6‬هود‪.)69( :‬‬

‫(‪)64/1‬‬
‫وال مناص من أن نذكر أن االستئناف ال ينحصر عند البالغيني يف موضوع (الفصل والوصل) فقط‪،‬‬
‫وامنا جاء يف مواضع أخرى كما يف أغراض اخلرب‪( :‬وذلك حينما خيرج الكالم عن مقتضى الظاهر كأ ْن‬
‫ينزل غري السائل منزلة السائل إذا قدم إليه ما يلوح ابخلري فيستشرف له استشراف املرتدد الطالب)‬
‫(‪.)1‬‬
‫واملوضع اآلخر الذي ذكر االستئناف فيه هو (اإلجياز) وذلك يف موضع احلذف منه‪ ،‬فهنالك قسم‬
‫من اجلمل غري املقيدة حتذف والضرب األول منها هو‪ :‬حذف السؤال املقدر ويسمى (االستئناف)‬
‫(‪.)2‬‬
‫والواقع أن االستئناف حيثما يرد يف موضوعات علم املعاين من البالغة ال خيتلف يف املضمون وذلك‬
‫الن هنالك تداخال يف بعض هذه املوضوعات مع البعض اآلخر‪.‬‬
‫وسيكون تناول جواب السؤال املقدر مستندا إىل تقسيم البالغيني له على ثالثة أنواع‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬التخليص‪ ،43 - 42 :‬وينظر‪ :‬مفتاح العلوم‪.357 - 354 :‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬املثل السائر‪ ،281 - 290 :3 :‬وينظر اجلامع الكبري يف صناعة املنشور من الكالم‬
‫واملنظوم‪.138 - 137 :‬‬

‫(‪)65/1‬‬

‫املبحث األول‬
‫اجلواب عن سبب احلكم مطلقاً‬
‫ملّا كانت اللغة وسيلة التخاطب بني البشر فالبد من ان تركن إىل ثوابت معينة ال ميكن االستغناء عنها‬
‫فتكون بذلك القواعد األساسية ألية لغة من لغات البشر املختلفة‪ ،‬ومن بني هذه الثوابت اليت ال‬
‫ّ‬
‫سبيل إىل إنكارها أن املتحدث حينما خياطب فرداً أو مجاعة يضع يف ذهنه ضرورة إيصال أفكار‬
‫معينة‪ ،‬وقد تتفاوت هذه األفكار بني البساطة والتعقيد‪ ،‬وملا كان على املتحدث أن يراعي مستوى‬
‫السامعني وأقدارهم فانه يدرك حبسه اإلنساين الذي فطره هللا عليه أن املخاطب حباجة إىل املزيد من‬
‫إحياء فيقدر هذا السؤال الذي يف ذهن‬
‫اإليضاح يف مواضع معينة من خطابه؛ أي كأنه يسمع السؤال ً‬
‫املخاطب يف أثناء كالمه‪ ،‬ومن مث جييب عليه اإلجابة املناسبة‪ ،‬وهو بذلك يطبق ـ من غري شعور ـ‬
‫تعريف بالغة الكالم الذي استقر عليه أخرياً وهو (مطابقة الكالم ملقتضى احلال مع فصاحته) (‪.)1‬‬
‫وملا كان القرآن الكرمي قد نزل بلغة العرب وكان اخلطاب فيه موجهاً إىل بين البشر فقد كان البد من‬
‫أن يضم بني دفتيه كمية كبرية من االستئناف البياين خاصة انه قد تعرض ألشد املوضوعات أمهية‪،‬‬
‫كإثبات وجود الباري عز وجل واإلميان ابليوم اآلخر‪ ،‬وما فيه من حساب وعقاب وثواب وغري ذلك‬
‫من املوضوعات اليت جاءت يف هذا الكتاب املقدس‪.‬‬
‫لقد تفنن القرآن الكرمي يف استخدامه االستئناف البياين فجاء به بصور خمتلفة ختدم الغرض الذي‬
‫جاءت من اجله‪ .‬فقد جاءت اإلجابة عن السبب املطلق مفتتحة ابلفعل املاضي متبوعاً ابلفاعل وهو‬
‫ين َك َف ُروا َس َواءٌ َعلَْي ِه ْم أَأَنْ َذ ْرَهتُ ْم أ َْم َملْ تُـ ْن ِذ ْرُه ْم ال‬ ‫َّ ِ‬
‫هللا تبارك وتعاىل‪ ،‬كما يف قوله تقدست أمساؤه‪( :‬إِ َّن الذ َ‬
‫يم) (‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫اب َعظ ٌ‬ ‫ش َاوةٌ َوَهلُ ْم َع َذ ٌ‬ ‫صا ِرِه ْم ِغ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫يُـ ْؤِمنُو َن* َختَ َم َّ‬
‫اَّللُ َعلَى قُـلُوهب ْم َو َعلَى مسَْع ِه ْم َو َعلَى أَبْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬التلخيص‪.33 :‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪.)7 - 6( :‬‬

‫(‪)66/1‬‬

‫فاآلية الثانية هنا (جارية جمرى التعليل للحكم السابق يف قوله تعاىل ((سواء عليهم أأنذرهتم أم مل‬
‫تنذرهم ال يؤمنون)) وبيان لسببه يف الواقع ليدفع بذلك تعجب املتعجبني من استواء اإلنذار وعدمه‬
‫عندهم ومن عدم نفوذ اإلميان إىل نفوسهم مع وضوح الداللة) (‪.)1‬‬
‫اس َهلُ َّن َعلِ َم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ث إِ َىل نِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّللُ أَنَّ ُك ْم‬ ‫اس لَ ُك ْم َوأَنْـتُ ْم لبَ ٌ‬
‫سائ ُك ْم ُه َّن لبَ ٌ‬ ‫َ‬ ‫الرفَ ُ‬ ‫وقوله تعاىل‪( :‬أُح َّل لَ ُك ْم لَْيـلَةَ ِّ‬
‫الصيَ ِام َّ‬
‫ب َّ‬ ‫ِ‬
‫اَّللُ لَ ُك ْم ‪) ...‬‬ ‫وه َّن َوابْـتَـغُوا َما َكتَ َ‬ ‫اب َعلَْي ُك ْم َو َع َفا َع ْن ُك ْم فَ ْاآل َن َابش ُر ُ‬ ‫ُك ْنـتُ ْم َختْتَانُو َن أَنْـ ُف َ‬
‫س ُك ْم فَـتَ َ‬
‫(‪.)2‬‬
‫ك‬‫ات َوأُولَئِ َ‬‫ري ُ‬ ‫ك َهلُُم ْ‬
‫اخلَ ْ َ‬ ‫اه ُدوا ِأب َْم َواهلِِ ْم َوأَنْـ ُف ِس ِه ْم َوأُولَئِ َ‬
‫آمنُوا َم َعهُ َج َ‬
‫ين َ‬
‫الرس ُ َّ ِ‬
‫ول َوالذ َ‬
‫ِ‬
‫وقوله تعاىل (لَك ِن َّ ُ‬
‫ِ‬ ‫يها ذَلِ َ‬ ‫َّات َجتْ ِري ِمن َحتْتِها ْاأل َْهنَار َخالِ ِد ِ‬ ‫اَّلل َهلُم جن ٍ‬ ‫ِ‬
‫يم) (‪.)3‬‬ ‫ك الْ َف ْوُز ال َْعظ ُ‬ ‫ين ف َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َع َّد َُّ ْ َ‬ ‫ُه ُم ال ُْم ْفل ُحو َن* أ َ‬
‫واالستئناف البياين جاء جواابً عن (سؤال ينشأ عن اإلخبار بـ (أولئك هلم اخلريات) (‪.)4‬‬
‫رب العزة سبحانه وتعاىل عن أمور عظيمة ال يقوم هبا إال‬ ‫لقد عربت هذه اآلايت اليت كان الفاعل فيها َّ‬
‫هو تعاىل فهي أما تقرر حقيقة نفسية خطرية يكشفها هللا تعاىل وتكون هي السبب يف عدم إمياهنم‪ ،‬أو‬
‫انه يقرر حكما شرعيا أو يكون ذلك وعداً لعباده الصاحلني حبسن العاقبة‪.‬‬
‫ورمبا ال أييت الفاعل ظاهراً بعد الفعل املاضي بل أييت ضمرياً متصالً كما يف قوله تعاىل‪ ... ( :‬فَـلَ َّما‬
‫ِ ِ‬ ‫ف َجنَو َ ِ‬ ‫جاءهُ وقَ َّ ِ‬
‫ني) (‪.)5‬‬ ‫ت م َن الْ َق ْوم الظَّال ِم َ‬ ‫ال ال َختَ ْ ْ‬ ‫ص قَ َ‬ ‫ص َ‬ ‫ص َعلَْيه الْ َق َ‬ ‫ََ َ‬
‫اها َع ْن نَـ ْف ِس ِه قَ ْد َشغَ َف َها ُحبّاً إِ َّان لَنَـ َر َاها‬ ‫ال نِ ْس َوةٌ ِيف ال َْم ِدينَ ِة ْام َرأ ُ‬
‫َت ال َْع ِزي ِز تُـ َرا ِو ُد فَـتَ َ‬ ‫(وقَ َ‬‫أو كقوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ني) (‪.)6‬‬ ‫الل ُمبِ ٍ‬
‫ض ٍ‬ ‫ِيف َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬التحرير والتنوير‪.254 :1 ،‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪.)187( :‬‬
‫(‪ )3‬التوبة‪.)89 - 88( :‬‬
‫(‪ )4‬التحرير والتنوير‪.291 :10 ،‬‬
‫(‪ )5‬القصص‪.)25( :‬‬
‫(‪ )6‬يوسف‪.)30( :‬‬

‫(‪)67/1‬‬

‫اء َما َكانُوا يَـ ْع َملُو َن* َّاختَ ُذوا أ َْميَ َاهنُ ْم ُجنَّةً فَ َ‬
‫صدوا َع ْن‬ ‫ِ ِ َّ‬ ‫َع َّد َّ‬
‫اَّللُ َهلُ ْم َع َذاابً َشديداً إهنُ ْم َس َ‬ ‫وقوله تعاىل‪( :‬أ َ‬
‫سبِ ِ ِ‬
‫ني) (‪)1‬‬ ‫اب ُم ِه ٌ‬
‫يل ا ََّّلل فَـلَ ُه ْم َع َذ ٌ‬ ‫َ‬
‫اء َما َكانُوا يَـ ْع َملُو َن) (‪.)2‬‬ ‫يل َِّ ِ َّ‬‫صدوا َع ْن َسبِ ِ‬ ‫وقوله تعاىل عن املنافقني‪َّ :‬‬
‫اَّلل إهنُ ْم َس َ‬ ‫(اختَ ُذوا أ َْميَ َاهنُ ْم ُجنَّةً فَ َ‬
‫لقد كان االستئناف يف هذه اآلايت بقوله تعاىل‪( :‬جنوت من القوم الظاملني)‪( ،‬قد شغفها حباً) (اختذوا‬
‫أمياهنم ُجنة)‪ ،‬وهذه اجلمل كانت أسباابً وراء وقوع النتائج املرتتبة عليها اذ كل (مجلة كان مضموهنا‬
‫علة لليت قبلها تكون أيضاً استئنافاً بيانيا فاالستئناف البياين اعم من التعليل) (‪.)3‬‬
‫ضا َن الَّ ِذي أُنْ ِز َل فِ ِيه‬ ‫وقد أييت االستئناف البياين مفتتحاً ابلفعل املضارع كما يف قوله تعاىل‪َ ( :‬ش ْه ُر َرَم َ‬
‫ص ْمهُ َوَم ْن َكا َن َم ِريضاً أ َْو‬ ‫الش ْه َر فَـلْيَ ُ‬‫ان فَ َم ْن َش ِه َد ِمنْ ُك ُم َّ‬
‫ات ِمن ا ْهلَُدى والْ ُفرقَ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫َّاس وبـيِنَ ٍ‬
‫دى للن ِ َ َ ّ‬
‫الْ ُقرآ ُن ه ِ‬
‫ْ ُ ً‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُخر يُ ِري ُد َّ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ربوا َّ‬
‫اَّللَ‬ ‫اَّللُ ب ُك ُم الْيُ ْس َر َوال يُ ِري ُد ب ُك ُم ال ُْع ْس َر َولتُكْملُوا الْع َّدةَ َولتُ َكُِّ‬ ‫َعلَى َس َف ٍر فَع َّدةٌ م ْن أ ََّايم أ َ َ‬
‫َعلَى َما َه َدا ُك ْم َولَ َعلَّ ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن) (‪ .)4‬والفاعل هنا هللا سبحانه وتعاىل قد جاء ظاهراً‪ ،‬وقد أييت‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫الفعل مضارعاً ولكن الفاعل ضمري متصل كما يف قوله تعاىل‪ِ َ :‬‬
‫ومونَ ُك ْم‬ ‫سُ‬ ‫(وإ ْذ َجنَّْيـنَا ُك ْم م ْن آل ف ْر َع ْو َن يَ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يم) (‪ .)5‬وقوله تعاىل‪:‬‬ ‫اء ُك ْم َوِيف ذَل ُك ْم بَالءٌ م ْن َربّ ُك ْم َعظ ٌ‬ ‫سَ‬ ‫اء ُك ْم َويَ ْستَ ْحيُو َن ن َ‬‫وء ال َْع َذاب يُ َذ ّحبُو َن أَبْـنَ َ‬ ‫ُس َ‬
‫لس ِ‬‫ْذفِ ِيه ِيف الْيَ ِّم فَـ ْليُـل ِْق ِه الْيَم ِاب َّ‬
‫وت فَاق ِ‬
‫ْذ ِف ِيه ِيف التَّاب ِ‬
‫َن اق ِ‬ ‫ك ما يوحى* أ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْخ ْذهُ‬‫اح ِل َأي ُ‬ ‫ُ‬ ‫(إِ ْذ أ َْو َح ْيـنَا إِ َىل أ ُّم َ َ ُ َ‬
‫(وَم ْن أَظْلَ ُم ِممَّ ِن‬ ‫ِ ِ‬
‫صنَ َع َعلَى َع ْي ِين) (‪ .)6‬وقوله تعاىل‪َ :‬‬ ‫ك َحمَبَّةً م ِّين َولتُ ْ‬ ‫ت َعلَْي َ‬ ‫َع ُد ٌّو ِيل َو َع ُد ٌّو لَهُ َوأَلْ َق ْي ُ‬
‫ب‬ ‫افْ َرتى َعلَى َِّ ِ‬
‫اَّلل الْ َكذ َ‬ ‫َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬اجملادلة‪.)16 - 15( :‬‬
‫(‪ )2‬املنافقون‪.)2( :‬‬
‫(‪ )3‬التحرير والتنوير‪.221 :11 ،‬‬
‫(‪ )4‬البقرة‪.)185( :‬‬
‫(‪ )5‬البقرة‪.)49( :‬‬
‫(‪ )6‬طه (‪.)39 - 38‬‬

‫(‪)68/1‬‬

‫اَّللُ ُمتِم‬ ‫اَّلل ال يـه ِدي الْ َقوم الظَّالِ ِمني* ي ِري ُدو َن لِيط ِْفئوا نُور ا َِّ‬
‫َّلل ِأبَفْـ َو ِاه ِه ْم َو َّ‬ ‫األ ْس ِ‬‫و ُهو ي ْد َعى إِ َىل ِْ‬
‫ُ ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َْ‬ ‫الم َو َُّ َ ْ‬ ‫َ َ ُ‬
‫نُوِرهِ َولَ ْو َك ِرَه الْ َكافِ ُرو َن) (‪.)1‬‬
‫والفاعل الذي جاء ضمرياً متصالً ينتمي إىل املشركني‪ ،‬فاآليتان األوىل والثانية كان الفاعل فيهما‬
‫فرعون وجنوده أما الثالثة ففيها (استئناف بياين انشئ عن اإلخبار عنهم أبهنم افرتوا على هللا الكذب‬
‫يف اهنم يدعون إىل اإلسالم النه يثري سؤال سائل عما دعاهم إىل هذا االفرتاء) (‪ .)2‬واجلواب اهنم‬
‫يريدون إطفاء نور هللا تعاىل‪.‬‬
‫ت ال َْم َو ِ َ‬
‫ايل‬ ‫(وإِِّين ِخ ْف ُ‬ ‫وعلى النقيض من ذلك قد يكون الفاعل واحداً من األنبياء كما يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫اج َعلْهُ َر ِّ‬
‫ب‬ ‫وب َو ْ‬ ‫آل يَـ ْع ُق َ‬‫ث ِم ْن ِ‬ ‫ك َولِيّاً* يَ ِرثُِين َويَ ِر ُ‬ ‫ب ِيل ِم ْن لَ ُدنْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن َوَرائي َوَكانَت ْام َرأَِيت َعاقراً فَـ َه ْ‬
‫ِ‬
‫ضيّاً) (‪ .)3‬فقوله (يرثين) بيان للعلة أو السبب الذي طلب الولد من اجله‪ ،‬والذي طلب ذلك هو‬ ‫رِ‬
‫َ‬
‫زكراي (عليه السالم)‪.‬‬
‫ض ِل ِم ْن ُك ْم َو َّ‬
‫الس َع ِة أَ ْن يُـ ْؤتُوا‬ ‫(وال َأيْتَ ِل أُولُو الْ َف ْ‬
‫وقد يكون الفاعل مجاعة من املؤمنني كما يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ص َف ُحوا أَال ُِحتبو َن أَ ْن يَـ ْغ ِف َر َّ‬ ‫يل َِّ‬ ‫ين ِيف َسبِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُويل الْ ُقرىب والْم ِ‬
‫اَّللُ لَ ُك ْم َو َّ‬
‫اَّللُ‬ ‫اَّلل َولْيَـ ْع ُفوا َولْيَ ْ‬ ‫ني َوال ُْم َهاج ِر َ‬
‫ساك َ‬ ‫أ ِ َْ َ َ َ‬
‫يم) (‪.)4‬‬ ‫غَ ُف ِ‬
‫ور َرح ٌ‬‫ٌ‬
‫سائل يسأل‪ :‬وما الداعي لألنفاق على هؤالء؟ فيأتيه اجلواب لبيان السبب وهو الغفران من هللا‬ ‫ب ٍ‬ ‫فَـ ُر َّ‬
‫تعاىل وقد جاء ذلك بطريقة العرض فافتتح اجلواب أبداة العرض (أال)‪.‬‬
‫وقد أييت الفعل فعل أمر وهو اندر هنا كما يف قوله تعاىل‪( :‬اي أَيـها الَّ ِذين آمنوا ُكونُوا قَـ َّو ِامني َِِّ‬
‫َّلل‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ َ‬
‫ب لِلتَّـ ْق َوى َواتَّـ ُقوا َّ‬
‫اَّللَ إِ َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫اَّللَ‬ ‫ُش َه َدا َء ِابلْق ْسط َوال َْجي ِرَمنَّ ُك ْم َشنَآ ُن قَـ ْوم َعلَى أ ََّال تَـ ْعدلُوا ا ْعدلُوا ُه َو أَقـ َْر ُ‬
‫ري ِمبَا تَـ ْع َملُو َن) (‪.)5‬ويف هذه اآلية استئنافان بيانيان اذ ان هللا تعاىل قد (هناهم أوال أن حتملهم‬ ‫ِ‬
‫َخب ٌ‬
‫البغضاء على‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الصف‪.)8 - 7( :‬‬
‫(‪ )2‬التحرير والتنوير‪.189 :28 ،‬‬
‫(‪ )3‬مرمي‪.)6 - 5( :‬‬
‫(‪ )4‬النور‪.)22( :‬‬
‫(‪ )5‬املائدة‪.)8 :‬‬

‫(‪)69/1‬‬

‫ترك العدل‪ ،‬مث استأنف فصرح هلم ابألمر ابلعدل أتكيداً وتشديداً‪ ،‬مث استئناف فذكر هلم وجه األمر‬
‫ابلعدل وهو قوله – هو اقرب للتقوى أي العدل اقرب إىل التقوى وادخل يف مناسبتها) (‪.)1‬‬
‫وما دمنا مع األفعال فيجدر بنا أن نذكر نوعاً آخر من األفعال اليت افتتح هبا االستئناف وهي‬
‫ص َر‬ ‫ال الَّ ِذي ا ْش َ ِ ِ‬
‫رتاهُ م ْن م ْ‬ ‫َ‬ ‫(وقَ َ‬
‫األفعال املاضية اجلامدة واكثر ما جاء منها (عسى) كما يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫َّخ َذهُ َولَداً ‪.)2( ) ...‬‬ ‫ِالمرأَتِِه أَ ْك ِرِمي مثْـواهُ َعسى أَ ْن يـ ْنـ َفعنَا أَو نَـت ِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫ََ َ‬ ‫َْ‬
‫ك ال تَـ ْقتُـلُوهُ َعسى أَ ْن يـ ْنـ َفعنَا أَو نَـت ِ‬
‫َّخ َذهُ َولَداً‬ ‫ني ِيل َولَ َ‬ ‫ت َع ْ ٍ‬ ‫َت فِ ْر َع ْو َن قُـ َّر ُ‬ ‫وقوله تعاىل‪( :‬وقَالَ ِ‬
‫ت ْام َرأ ُ‬
‫َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك َم َقاماً‬‫ك َرب َ‬ ‫سى أَ ْن يَـ ْبـ َعثَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(وم َن اللَّْي ِل فَـتَـ َه َّج ْد بِه َانفلَةً لَ َ‬
‫ك َع َ‬ ‫َو ُه ْم ال يَ ْش ُع ُرو َن) (‪ .)3‬وقوله تعاىل‪َ :‬‬
‫َْحم ُموداً) (‪ .)4‬والفعل (عسى) وما بعده ((تعليل لتخصيص ابجياب التهجد عليه‪ ،‬والرجاء من هللا‬
‫وعد‪ ،‬فاملعىن‪ :‬ليبعثك ربك مقاماً حمموداً)) (‪ .)5‬لقد وردت (عسى) يف القرآن على وجهني (أحدمها‬
‫أن يقع بعدها أن والفعل‪ ،‬فاملفهوم من كالمهم اهنا حينئذ اتمة‪ ،‬وقال ابن مالك‪ :‬عندي اهنا انقصة‬
‫أبداً‪ ،‬وان وصلتها سدَّت مسد اجلزأين كما يف (أ ِ‬
‫َّاس أَ ْن يُ ْ َ‬
‫رتُكوا ‪ .)7( ))6( ) ...‬وجاء‬ ‫ب الن ُ‬‫َحس َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآن الكرمي هبا على هذا الوجه يف (ستة عشر) موضعاً (‪.)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الكشاف‪.598 :1 :‬‬
‫(‪ )2‬يوسف‪.)21( :‬‬
‫(‪ )3‬القصص‪.)9( :‬‬
‫(‪ )4‬اإلسراء‪.)79( :‬‬
‫(‪ )5‬التحرير والتنوير‪.185 :15 ،‬‬
‫(‪ )6‬العنكبوت‪.)2( :‬‬
‫(‪ )7‬ينظر‪ :‬االتقان يف علوم القرآن‪ ،215 :1 ،‬ومغين اللبيب‪.202 :‬‬
‫(‪ )8‬ينظر‪ ،‬املعجم املفهرس أللفاظ القرآن الكرمي‪.462 - 461 ،‬‬

‫(‪)70/1‬‬

‫أما استعماهلا على الوجه الثاين فاهنا‪( :‬رافعة السم صريح بعده فعل مضارع مقرون ابن‪ ،‬واألشهر يف‬
‫ماض انقص مبنزلة قرب من أن يفعل وحذف اجلار توسعاً‪ ،‬وهو رأي سيبويه‬ ‫إعراهبا حينئذ أهنا فعل ٍ‬
‫اَّللُ أَ ْن َأيْتِيَ ِين‬
‫سى َّ‬ ‫يل َع َ‬
‫ت لَ ُكم أَنْـ ُفس ُكم أ َْمراً فَ َ ِ‬
‫ص ْربٌ َمج ٌ‬ ‫ال بَ ْل َس َّولَ ْ ْ ُ ْ‬ ‫واملربد (‪ .)1‬كما يف قوله تعاىل‪( :‬قَ َ‬
‫صوحاً‬ ‫مجيعاً إِنَّه هو الْعلِيم ا ْحل ِكيم) (‪ .)2‬وقوله تعاىل‪( :‬اي أَيـها الَّ ِذين آمنوا تُوبوا إِ َىل َِّ‬ ‫هبِِم َِ‬
‫اَّلل تَـ ْوبَةً نَ ُ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َُ َ ُ َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ار يَـ ْوَم ال خيُْ ِزي َّ‬
‫اَّللُ النِ َّ‬
‫َّيب‬ ‫سى َرب ُك ْم أَ ْن يُ َك ّف َر َع ْن ُك ْم َسيِّئَات ُك ْم َويُ ْدخلَ ُك ْم َجنَّات َجتْ ِري م ْن َحتْت َها ْاأل َْهنَ ُ‬ ‫َع َ‬
‫ك َعلَى ُك ِّل‬ ‫ورَان َوا ْغ ِف ْر لَنَا إِنَّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫والَّ ِذين آمنُوا معهُ نُورهم يسعى ب ْ ِ‬
‫ني أَيْدي ِه ْم َو ِأب َْميَاهن ْم يَـ ُقولُو َن َربَّـنَا أ َْمت ْم لَنَا نُ َ‬
‫َ َ َ َ َ ُُ ْ َ ْ َ َ َ‬
‫َش ْي ٍء قَ ِد ٌير) (‪ .)3‬ولإلجابة بـ (عسى) وجهان (أحدمها‪ :‬أن يكون على ما جرت به عادة اجلبابرة من‬
‫اإلجابة بعسى ولعل‪ ،‬ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبث‪ .‬والثاين‪ :‬ان جييء به تعليماً للعباد وجوب‬
‫الرتجيح بني اخلوف والرجاء) (‪ )4‬والزخمشري يرجح هنا الوجه الثاين (‪.)5‬‬
‫وقد وردت (عسى) متبوعة ابسم صريح يف (أربعة عشر) موضعاً يف القرآن الكرمي (‪.)6‬‬
‫ومثلما جاءت اإلجابة عن السؤال املقدر ابلفعل فقد جاءت اإلجابة ابالسم كما يف قوله تعاىل‪( :‬ال‬
‫س الْ ِم َه ُ‬ ‫اهم َج َهن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ك تَـ َقل َّ ِ‬
‫اد) (‪ )7‬فقد يتبادر إىل‬ ‫َّم َوب ْئ َ‬ ‫ين َك َف ُروا ِيف الْبالد* َمتَاعٌ قَل ٌ‬
‫يل ُمثَّ َمأ َْو ُ ْ ُ‬ ‫ب الذ َ‬‫ُ‬ ‫يَـغَُّرنَّ َ‬
‫ذهن املخاطب السؤال عن السبب يف هذا النهي فيأيت اجلواب ابن ذلك (متاع قليل) وقد رفع‬
‫االسم على إضمار مبتدأ أي هو متاع او ذلك متاع وحنوه) (‪ )8‬ويف السياق نفسه أييت قوله‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬اإلتقان‪ ،215 :1 ،‬وكتاب سيبويه ‪ ،158 - 157 :3‬واملقتضب للمربد‪- 68 :3 ،‬‬
‫‪ ،70‬ومغين اللبيب ‪ ،202‬وحاشية الشهاب على تفسري البيضاوي ‪402 - 401 :1‬‬
‫(‪ )2‬يوسف‪.)83( :‬‬
‫(‪ )3‬التحرمي‪.)8( :‬‬
‫(‪ )4‬الكشاف‪.570 :4 :‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬م‪ .‬ن‪.570 :4 ،‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬املعجم املفهرس أللفاظ القرآن الكرمي؛ ‪.462 - 461‬‬
‫(‪ )7‬آل عمران‪.)197 - 196( :‬‬
‫(‪ )8‬مشكل إعراب القرآن‪.185:1 ،‬‬

‫(‪)71/1‬‬

‫ب ال يُـ ْفلِ ُحو َن* َمتَاعٌ ِيف الدنْـيَا ُمثَّ إِلَْيـنَا َم ْرِج ُع ُه ْم ُمثَّ نُ ِذي ُق ُه ُم‬ ‫تعاىل‪( :‬قُل إِ َّن الَّ ِذين يـ ْف َرتو َن َعلَى َِّ ِ‬
‫اَّلل الْ َكذ َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫الشدي َد ِمبَا َكانُوا يَ ْك ُف ُرو َن) (‪)1‬‬
‫اب َّ‬
‫ال َْع َذ َ‬
‫إذ يقدر سؤال هنا هو‪ :‬ما السبب يف عدم فالح هؤالء؟ فيكون اجلواب ان هللا ميتعهم قليال يف الدنيا‬
‫مث يعذهبم يف اآلخرة‪.‬‬
‫اها* َوا ْجلِبَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ض بَـ ْع َد ذَلِ َ‬
‫ال‬ ‫اها* أَ ْخ َر َج م ْنـ َها َم َ‬
‫اء َها َوَم ْر َع َ‬ ‫ك َد َح َ‬ ‫(و ْاأل َْر َ‬
‫وقد يرد االسم منصواب كما يف قوله‪َ :‬‬
‫اها* َمتَاعاً لَ ُك ْم َوِألَنْـ َع ِام ُك ْم) (‪ .)2‬فقوله تعاىل (متاعا لكم) أي انه قد (فعل ذلك متتيعا لكم‬ ‫أ َْر َس َ‬
‫(وألنعامكم) الن منفعة ذلك التمهيد واصله إليهم واىل أنعامهم)‪)3( .‬‬
‫وقوله تعاىل (متاعاً لكم وألنعامكم) (نصب على املصدر) (‪ )4‬وعلى الشاكلة نفسها ورد قوله جل‬
‫ضباً* َوَزيْـتُوانً َوَخنْالً*‬ ‫يها َحبّاً* َو ِعنَباً َوقَ ْ‬ ‫ِ‬
‫ض َش ّقاً* فَأَنْـبَـ ْتـنَا ف َ‬
‫صبّاً* ُمثَّ َش َق ْقنَا ْاأل َْر َ‬
‫اء َ‬ ‫شأنه‪( :‬أ ََّان َ‬
‫صبَـ ْبـنَا ال َْم َ‬
‫َو َح َدائِ َق غُلْباً* َوفَاكِ َهةً َوأ َّابً* َمتَاعاً لَ ُك ْم َوِألَنْـ َع ِام ُك ْم) (‪ .)5‬فقوله (متاعاً لكم والنعامكم) جواب‬
‫لسؤال مقدر انشئ عن بيان السبب يف تعداد هذه النعم‪( ،‬وقوله (متاعاً لكم) نصب على املصدر‪.‬‬
‫(‪)6‬‬
‫س َح ٍر* نِ ْع َمةً ِم ْن ِع ْن ِد َان َك َذلِ َ‬
‫ك‬ ‫اه ْم ب َ‬
‫آل لُ ٍ‬
‫وط َجنَّْيـنَ ُ ِ‬ ‫اما قوله تبارك وتعاىل‪( :‬إِ َّان أَرسلْنَا َعلَْي ِهم ح ِ‬
‫اصباً إَِّال َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ‬
‫َْجن ِزي َم ْن َش َك َر) (‪ )7‬فرمبا أثري سؤال عن سبب جناة هؤالء فقط؟ فيكون اجلواب‪ :‬ان جناهتم كانت‬
‫نعمة من هللا تعاىل عليهم‪ .‬وقوله (نعمة من عندان) (مفعول من اجله وجيوز يف الكالم الرفع على‬
‫تقدير تلك نعمة) (‪.)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬يونس‪.)70 - 069 :‬‬
‫(‪ )2‬النازعات‪.)33 - 30( :‬‬
‫(‪ )3‬الكشاف‪.697 - 4 ،‬‬
‫(‪ )4‬مشكل إعراب القرآن‪.799:2 ،‬‬
‫(‪ )5‬عبس‪.)31 - 25( :‬‬
‫(‪ )6‬مشكل إعراب القرآن‪.802:2 ،‬‬
‫(‪ )7‬القمر‪.)35 - 34( :‬‬
‫(‪ )8‬مشكل إعراب القرآن‪.701:2 ،‬‬

‫(‪)72/1‬‬

‫ف َعلَْي ِه ْم َوال ُه ْم َْحي َزنُو َن* أُولَئِ َ‬ ‫َّ ِ‬


‫ك‬ ‫استَـ َق ُاموا فَال َخ ْو ٌ‬ ‫ين قَالُوا َربـنَا َّ‬
‫اَّللُ ُمثَّ ْ‬ ‫وكذلك قوله تعاىل‪( :‬إِ َّن الذ َ‬
‫اء ِمبَا َكانُوا يَـ ْع َملُو َن) (‪ )1‬فأن وصف أولئك ابهنم أصحاب اجلنة واهنم‬ ‫أَصحاب ا ْجلن َِّة َخالِ ِد ِ‬
‫يها َج َز ً‬
‫ين ف َ‬‫َ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫خالدون فيها مما حيرك املخاطب إىل أن يسأل ما السبب الذي جعل هؤالء هبذه املنزلة؟ واجلواب‪ :‬ان‬
‫خلود هؤالء املؤمنني كان جزاء هلم على أعماهلم الصاحلة يف احلياة الدنيا‪ .‬و (جزاء) أيضا مفعول‬
‫ألجله‪ .‬ومما يالحظ على اآليتني األخريتني اهنما كانتا يف شأن املؤمنني أما اآلايت السابقة هلما فقد‬
‫كانت خطاابً للكفار‪ ،‬لذلك فان الباري يسوق السبب (مفعوال ألجله) حىت تتضح نعمته اليت خيص‬
‫هبا املؤمنني‪ ،‬كما يالحظ على هاتني اآليتني ان فيهما استئنافني يف كل آية منهما‪.‬‬
‫وجتدر اإلشارة إىل ان السؤال املقدر يف (سبب احلكم املطلق) يقدر بـ (ما) اليت هي لطلب التصور‬
‫دائما‪ ،)2( ،‬ولذلك أتيت اإلجابة عن هذا السؤال املقدر ابلتعيني‪.‬‬
‫اب ص ْنع َِّ‬
‫اَّلل الَّ ِذي أَتْـ َق َن ُك َّل‬ ‫سبُـ َها َج ِام َدةً َو ِه َي متَُر َم َّر َّ‬ ‫(وتَـ َرى ا ْجلِبَ َ‬
‫الس َح ِ ُ َ‬ ‫ال َحتْ َ‬ ‫اما قوله جلت قدرته‪َ :‬‬
‫ري ِمبَا تَـ ْف َعلُو َن) (‪.)3‬‬‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َش ْيء إِنَّهُ َخب ٌ‬
‫فقوله (صنع هللا) (من املصادر املؤكدة كقوله ـ وعد هللا ـ و ـ صبغة هللا ـ إال أن مؤكده حمذوف) (‪.)4‬‬
‫إذ إن الفصل لفقدان التغاير نوعان أوهلما‪ :‬أن ينزل منزلة التوكيد املعنوي‪ )5( ،‬وهذا مما جاء يف هذه‬
‫اآلية املباركة فهو قد (نصب على املصدر النه تعاىل ملا قال‪( :‬وهي متر مر السحاب) دل على انه‬
‫تعاىل صنع ذلك فعمل يف صنع هللا)‪)6( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬األحقاف‪.)14 - 13( :‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬شروح التلخيص‪ /‬عروس األفراح‪.60 - 59:3 ،‬‬
‫(‪ )3‬النمل‪.)88( :‬‬
‫(‪ )4‬الكشاف‪.162:3 ،‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬التبيان يف البيان‪ ،‬للطييب‪.106 :‬‬
‫(‪ )6‬مشكل إعراب القرآن‪.540:2 ،‬‬

‫(‪)73/1‬‬

‫ولإلجابة ابجلار واجملرور أو (شبه اجلملة) نصيب يف اإلجابة على السؤال املقدر كما يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫س ُه ْم َوَما يَ ْش ُع ُرو َن* ِيف قُـلُوهبِِ ْم َم َر ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ادعُو َن َّ َّ ِ‬ ‫(خيَ ِ‬
‫اد ُه ُم َّ‬
‫اَّللُ َم َرضاً‬ ‫ض فَـ َز َ‬ ‫آمنُوا َوَما خيَْ َدعُو َن إ َّال أَنْـ ُف َ‬
‫ين َ‬‫اَّللَ َوالذ َ‬ ‫ُ‬
‫ْذبُو َن) (‪.)1‬‬ ‫وَهلم َع َذاب أَلِيم ِمبَا َكانُوا يك ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ ٌ‬ ‫َ ُْ‬
‫فقوله تعاىل (يف قلوهبم مرض ‪( ) ..‬استئناف حمض لعد مساويهم)‪ )2( .‬فاملخاطب قد خيطر يف ذهنه‬
‫السؤال عن السبب يف هذه املخادعة القبيحة فيتم الوقف على قوله (وما يشعرون) النه وقف حسن‬
‫(‪ ،)3‬مث أييت اجلواب املفتتح حبرف اجلر وقد (قدم الظرف وهو (يف قلوهبم) لالهتمام الن القلوب‬
‫هي حمل الفكرة يف اخلداع فلما كان املسؤول عنه هو متعلقها كان هو املهتم به يف اجلواب)‪)4( .‬‬
‫ت بَـيِّنَا ٌ‬ ‫َّاس لَلَّ ِذي بِب َّكةَ مباركاً وهدى لِلْعالَ ِم ِ ِ‬‫ض َع لِلن ِ‬
‫توِ‬ ‫ٍ‬
‫ت‬ ‫آاي ٌ‬‫ني* فيه َ‬ ‫َ َُ َ َ ُ ً َ َ‬ ‫وكذلك قوله تعاىل‪( :‬إِ َّن أ ََّو َل بَـ ْي ُ‬
‫اع إِلَْي ِه َسبِيالً َوَم ْن َك َف َر فَِإ َّن‬ ‫َّاس ِحج الْبـ ْي ِ‬
‫ت َم ِن ْ‬
‫استَطَ َ‬
‫م َقام إِبـر ِاهيم ومن د َخلَه َكا َن آ ِمناً وَِِّ‬
‫َّلل َعلَى الن ِ‬ ‫َ ُ َْ َ ََ ْ َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ني) (‪.)5‬‬ ‫ين َع ِن ال َْعالَ ِم َ‬
‫اَّللَ غَ ِ ٌّ‬
‫َّ‬
‫ات) ((استئناف‪ ،‬ثناء على هذا البيت مبا حف به من املنقب واملزااي فغري‬ ‫ت بَـيِّنَ ٌ‬ ‫آاي ٌ‬ ‫ِِ‬
‫فان قوله (فيه َ‬
‫األسلوب لالهتمام‪ ،‬ولذلك مل جتعل اجلملة حاال‪ ،‬فتعطف على احلالني قبلها)) (‪.)6‬‬
‫وهنالك استئناف اخر يف قوله (مقام إبراهيم) فان الوقف على قوله (فيه آايت بينات) وقف حسن‬
‫(‪ ،)7‬كما ان ذلك مما حيرك السامع إىل أن يسأل عن كنه هذه اآلايت‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.)10( :‬‬
‫(‪ )2‬التحرير والتنوير‪.278:2 ،‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬إيضاح الوقف واالبتداء‪ ،‬أليب بكر بن األنباري‪.497:1 ،‬‬
‫(‪ )4‬التحرير والتنوير‪.279:1 ،‬‬
‫(‪ )5‬آل عمران‪.)97 - 96( :‬‬
‫(‪ )6‬التحرير والتنوير‪.16:4 ،‬‬
‫(‪ )7‬ينظر‪ :‬إيضاح الوقف واالبتداء‪.580:2 ،‬‬

‫(‪)74/1‬‬

‫إن حرف اجلر (يف) له عدة معان أحدها‪ :‬الظرفية‪ ،‬وهي اما مكانية‪ ،‬واما زمانية (‪ ،)1‬ومل خترج هااتن‬
‫اآليتان عن الظرفية املكانية‪ ،‬ولكن األوىل (يف قلوهبم مرض) كانت ظرفا مكانيا معنواي ـ إذا جاز‬
‫التعبري ـ بينما الثانية (فيه آايت بنيات) كان ظرفا مكانيا حقيقياً‪.‬‬
‫اق* إِ َىل‬ ‫لس ِ‬ ‫السا ُق ِاب َّ‬ ‫ت َّ‬ ‫وقد أييت حرف اجلر (إىل) يف بداية االستئناف البياين كما يف قوله تعاىل‪( :‬والْتَـ َّف ِ‬
‫َ‬
‫ون َِّ‬
‫اَّلل أ َْوَاثانً َوَختْلُ ُقو َن إِفْكاً إِ َّن‬ ‫ك يـومئِ ٍذ الْمسا ُق) (‪ .)2‬وقوله جلت قدرته‪( :‬إِ َّمنَا تَـ ْعب ُدو َن ِمن ُد ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َربّ َ َ ْ َ َ َ‬
‫الر ْز َق َوا ْعبُ ُدوهُ َوا ْش ُك ُروا لَهُ إِلَْي ِه‬ ‫اَّلل ال ميَْلِ ُكو َن لَ ُكم ِر ْزقاً فَابـتـغُوا ِع ْن َد َِّ‬
‫اَّلل ِّ‬ ‫ون َِّ‬‫الَّ ِذين تَـ ْعب ُدو َن ِمن ُد ِ‬
‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫تُـ ْر َج ُعو َن) (‪.)3‬‬
‫فان مجلة (إليه ترجعون) (تعليل لألمر بعبادته وشكره‪ ،‬أي النه الذي جيازي على ذلك ثوااب وعلى‬
‫ضده عقاابً‪ ،‬إذ إىل هللا ال إىل غريه مرجعكم بعد املوت‪ ،‬ويف هذا ادماج تعليل العبادة إبثبات البعث)‬
‫(‪.)4‬‬
‫اَّلل َعلِيم بِ َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫ك ُك ْف ُرهُ إِلَْيـنَا َم ْرج ُع ُه ْم فَـنُـنَـبّئُـ ُه ْم ِمبَا َعملُوا إِ َّن ََّ ٌ‬
‫(وَم ْن َك َف َر فَال َْحي ُزنْ َ‬
‫وكذلك قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫الص ُدوِر) (‪ )5‬فان مجلة (إلينا مرجعهم) (واقعة موقع التعليل للنهي) (‪.)6‬‬
‫إن حرف اجلر (إىل) له عدة معان أحدها‪ :‬انتهاء الغاية الزمانية ‪ ...‬أو املكانية (‪ ،)7‬وقد كانت (إىل)‬
‫يف هذه اآلايت تدل على انتهاء الغاية الزمانية والزمان الذي ينتهي اليه يف هذه اآلايت مجيعا هو يوم‬
‫القيامة‪.‬‬
‫اعةُ‬ ‫ومن األحرف اليت استخدمت يف بداية االستئناف (الم اجلر) كما يف قوله تعاىل‪( :‬قُل َِِّ‬
‫َّلل َّ‬
‫الش َف َ‬ ‫ْ‬
‫ض ُمثَّ إِلَْي ِه‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫ْك َّ َ َ‬
‫َِ‬
‫مجيعاً لَهُ ُمل ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مغىن اللبيب‪.223 :‬‬
‫(‪ )2‬القيامة‪.)30 - 29( :‬‬
‫(‪ )3‬العنكبوت‪.)17( :‬‬
‫(‪ )4‬التحرير والتنوير‪.226:20 ،‬‬
‫(‪ )5‬لقمان‪.)23( :‬‬
‫(‪ )6‬التحرير والتنوير‪.178:21 ،‬‬
‫(‪ )7‬ينظر‪ :‬مغين اللبيب‪.104 :‬‬

‫(‪)75/1‬‬

‫تُـ ْر َج ُعو َن) (‪ )1‬وقوله (له ملك السماوات) (تقرير لقوله ـ هلل الشفاعة مجيعا ـ النه إذا كان له امللك‬
‫كله والشفاعة من امللك كان مالكا هلا) (‪.)2‬‬
‫َمس ْع َما َهلُ ْم ِم ْن ُدونِِه‬
‫صر بِ ِه وأ ِْ‬
‫ات و ْاألَر ِ ِ‬
‫ض أَبْ ْ َ‬
‫اَّلل أَ ْعلَم ِمبَا لَبِثُوا لَهُ غَْيب َّ ِ‬
‫الس َم َاو َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫وقوله جل وعال‪( :‬قُ ِل َُّ ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َحداً) (‪.)3‬‬ ‫يل َوال يُ ْش ِر ُك ِيف ُحكْمه أ َ‬
‫م ْن َوٍِّ‬
‫إن حلرف اجلر (الالم) عدة معان ومنها (التمليك) (‪ )4‬والالم يف هاتني اآليتني قد وردت يف هذا‬
‫املعىن‪.‬‬
‫ومن األجوبة اليت ابتدأت ابالسم أن أييت اسم اإلشارة يف صدارة االستئناف البياين كما يف قوله‬
‫ري ِمبَا‬ ‫ك أَ ْزَكى َهلُم إِ َّن َّ ِ‬ ‫وج ُه ْم َذلِ َ‬ ‫تقدست أمساؤه‪( :‬قُل لِ ْلم ْؤِمنِني يـغُضوا ِمن أَب ِ‬
‫اَّللَ َخب ٌ‬ ‫ْ‬ ‫صا ِره ْم َوَْحي َفظُوا فُـ ُر َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫ْ ُ ََ‬
‫صنَـ ُعو َن) (‪.)5‬‬ ‫يَ ْ‬
‫اح‬
‫ْت فَال ُجنَ َ‬ ‫ت ِممَّ ْن َع َزل َ‬‫شاءُ َوَم ِن ابْـتَـغَْي َ‬ ‫ك َم ْن تَ َ‬ ‫شاءُ ِم ْنـ ُه َّن َوتُـ ْؤ ِوي إِلَْي َ‬‫وقوله جل شأنه‪( :‬تُـ ْرِجي َم ْن تَ َ‬
‫اَّللُ يَـ ْعلَ ُم َما ِيف قُـلُوبِ ُك ْم َوَكا َن‬
‫ني ِمبَا آتَـ ْيـتَـ ُه َّن ُكل ُه َّن َو َّ‬
‫ضَْ‬ ‫ك َذلِ َ‬
‫ك أَ ْد ََّن أَ ْن تَـ َق َّر أَ ْعيُـنُـ ُه َّن َوال َْحي َز َّن َويَـ ْر َ‬ ‫َعلَْي َ‬
‫اَّللُ َعلِيماً َحلِيماً) (‪)6‬‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وت النِ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّيب إ َّال أَ ْن يُـ ْؤذَ َن لَ ُك ْم إ َىل طَ َعام غَ ْ َ‬
‫ري‬ ‫آمنُوا ال تَ ْد ُخلُوا بُـيُ َ ّ‬ ‫ين َ‬ ‫(اي أَيـ َها الذ َ‬ ‫وقوله تبارك وتعاىل‪َ :‬‬
‫يث إِ َّن ذَلِ ُك ْم َكا َن‬
‫ني ِحل ِد ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين إِ َانهُ َولَك ْن إِذَا ُدعيتُ ْم فَا ْد ُخلُوا فَِإذَا طَع ْمتُ ْم فَانْـتَش ُروا َوال ُم ْستَأْنس َ َ‬ ‫َانظ ِر َ‬
‫َلوه َّن ِم ْن َوَر ِاء‬
‫اسأ ُ‬ ‫وه َّن َمتَاعاً فَ ْ‬
‫ِ‬
‫اَّللُ ال يَ ْستَ ْحيِي م َن ا ْحلَ ِّق َوإِذَا َسأَلْتُ ُم ُ‬ ‫َّيب فَـيَ ْستَ ْحيِي ِم ْن ُك ْم َو َّ‬ ‫يُـ ْؤ ِذي النِ َّ‬
‫اجهُ ِم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ول َِّ‬
‫اَّلل َوال أَ ْن تَـ ْنك ُحوا أَ ْزَو َ‬ ‫اب َذلِ ُك ْم أَط َْه ُر لُِقلُوبِ ُك ْم َوقُـلُوهبِِ َّن َوَما َكا َن لَ ُك ْم أَ ْن تُـ ْؤذُوا َر ُس َ‬ ‫ِح َج ٍ‬
‫اَّلل َع ِظيماً) (‪.)7‬‬ ‫بـع ِدهِ أَبداً إِ َّن ذَلِ ُكم َكا َن ِع ْن َد َِّ‬
‫ْ‬ ‫َْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الزمر‪.)44( :‬‬
‫(‪ )2‬الكشاف‪.400:3 ،‬‬
‫(‪ )3‬الكهف‪.)26( :‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬مغين اللبيب‪.275 :‬‬
‫(‪ )5‬النور‪.)30( :‬‬
‫(‪ )6‬األحزاب‪.)51( :‬‬
‫(‪ )7‬األحزاب‪.)53( :‬‬

‫(‪)76/1‬‬

‫ك َخري لِلَّ ِذين ي ِري ُدو َن وجه َِّ‬


‫اَّلل َوأُولَئِ َ‬ ‫السبِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقوله تعاىل‪( :‬فَ ِ‬
‫ك‬ ‫َ َْ‬ ‫يل ذَل َ ٌْ َ ُ‬ ‫ني َوابْ َن َّ‬ ‫آت ذَا الْ ُق ْرَىب َح َّقهُ َوال ِْم ْسك َ‬
‫ُه ُم الْ ُم ْفلِ ُحو َن) (‪.)1‬‬
‫ري‬
‫ك َخ ٌْ‬ ‫ص َدقَةً َذلِ َ‬ ‫ني يَ َد ْي َْجن َوا ُك ْم َ‬
‫الرس َ ِ‬
‫ول فَـ َق ّد ُموا بَ ْ َ‬ ‫آمنُوا إِ َذا َان َج ْيـتُ ُم َّ ُ‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫(اي أَيـ َها الذ َ‬‫وقوله جل شأنه‪َ :‬‬
‫اَّلل غَ ُف ِ‬
‫يم) (‪.)2‬‬ ‫ور َرح ٌ‬ ‫لَ ُك ْم َوأَط َْه ُر فَِإ ْن َملْ َِجت ُدوا فَِإ َّن ََّ ٌ‬
‫ك‬‫واملواضع اليت فيها استئناف بياين يف هذه اآلايت يف قوله تعاىل يف اآلية (‪ )30‬من سورة النور (ذَلِ َ‬
‫ك أَ ْد ََّن أَ ْن تَـ َق َّر أَ ْعيُـنُـ ُه َّن) ويف اآلية (‪ )38‬من سورة‬ ‫أَ ْزَكى َهلُ ْم) ويف اآلية (‪ )51‬من سورة األحزاب (ذَلِ َ‬
‫ري لَ ُك ْم َوأَط َْه ُر)‪.‬‬ ‫اَّلل)‪ .‬ويف اآلية (‪ )12‬من سورة اجملادلة ( َذلِ َ‬ ‫ك َخري لِلَّ ِذين ي ِري ُدو َن وجه َِّ‬ ‫ِ‬
‫ك َخ ٌْ‬ ‫َ َْ‬ ‫الروم ( َذل َ ٌْ َ ُ‬
‫وما يالحظ على االستئناف يف هذه اآلايت ان اسم اإلشارة فيها متبوع ابسم تفضيل وأييت بعده اسم‬
‫جمرور ابلباء‪ .‬وقد اختلفت ذلك يف اآلية (‪ )51‬من سورة األحزاب (ذَلِ َ‬
‫ك أَ ْد ََّن أَ ْن تَـ َق َّر أَ ْعيُـنُـ ُه َّن)‬
‫ني َعلَْي ِه َّن ِم ْن َجالبِيبِ ِه َّن َذلِ َ‬ ‫ك ونِ ِ ِ‬ ‫وقوله تعاىل (اي أَيـ َها النَِّيب قُل ِألَ ْزو ِ‬
‫ك أَ ْد ََّن‬ ‫ني يُ ْدنِ َ‬
‫ساء ال ُْم ْؤمنِ َ‬ ‫اج َ ِ‬
‫ك َوبَـنَات َ َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اَّللُ غَ ُفوراً َرحيماً) (‪.)3‬‬ ‫أَ ْن يُـ ْع َرفْ َن فَال يُـ ْؤ َذيْ َن َوَكا َن َّ‬
‫إذ ورد بعد اسم التفضيل فعل مضارع مسبوق بـ (أن) واخلطاب يف هذه اآلايت مجيعا كان موجها‬
‫للمؤمنني من اجل هتذيب أخالقهم‪ ،‬ولذلك كان اسم اإلشارة وما بعده يف هذه اآلايت التعليل أو‬
‫بيان السبب وراء هذه األوامروالنواهي‬
‫من رب العزة هلم‪.‬‬
‫ومثلما كان اخلطاب موجها للمؤمنني فقد جاء اخلطاب القرآين موجها ـ ولكن على حنو غري مباشر ـ‬
‫ِِ‬
‫(م ْن َك َف َر ِاب ََّّلل م ْن بَـ ْع ِد إِميَانِِه إَِّال َم ْن أُ ْك ِرَه َوقَـلْبُهُ‬
‫للكفار واملشركني من الناس كما يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ك ِأب ََّهنُ ُم‬ ‫يم* َذلِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ضب ِمن َِّ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ب َعظ ٌ‬ ‫اَّلل َوَهلُ ْم َع َذا ٌ‬ ‫ص ْدراً فَـ َعلَْي ِه ْم غَ َ ٌ َ‬‫ُمط َْمئ ٌّن ِاب ْألميَان َولَك ْن َم ْن َش َر َح ِابلْ ُك ْف ِر َ‬
‫استَ َحبوا‬‫ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الروم‪.)38( :‬‬
‫(‪ )2‬اجملادلة‪.)12( :‬‬
‫(‪ )3‬األحزاب‪.)59( :‬‬

‫(‪)77/1‬‬

‫استَ َحبوا ا ْحلَيَاةَ‬ ‫ك ِأب ََّهنُ ُم ْ‬ ‫ين) (‪ .)1‬ومجلة (ذَلِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّللَ ال يَـ ْهدي الْ َق ْوَم الْ َكاف ِر َ‬ ‫َن َّ‬ ‫ا ْحلَيَاةَ الدنْـيَا َعلَى ْاآل ِخ َرةِ َوأ َّ‬
‫الدنْـيَا َعلَى ْاآل ِخ َرةِ) (واقعة موقع التعليل فلذلك فصلت عن اليت قبلها واشارة ذلك اىل مضمون‬
‫ف إِذَا تَـ َوفَّـ ْتـ ُه ُم ال َْمالئِ َكةُ‬ ‫ِ‬ ‫ضب ِمن َِّ‬
‫يم) (‪ .)2‬وقوله تعاىل‪( :‬فَ َك ْي َ‬ ‫اب َعظ ٌ‬ ‫اَّلل َوَهلُ ْم َع َذ ٌ‬ ‫قوله (فَـ َعلَْي ِه ْم غَ َ ٌ َ‬
‫ط أَ ْع َما َهلُ ْم) (‪)3‬‬ ‫َحبَ َ‬ ‫اَّللَ َوَك ِرُهوا ِر ْ‬
‫ض َوانَهُ فَأ ْ‬ ‫ط َّ‬ ‫َس َخ َ‬ ‫ك ِأب ََّهنُ ُم اتَّـبَـ ُعوا َما أ ْ‬‫وه ُه ْم َوأَ ْد َاب َرُه ْم* َذلِ َ‬
‫ض ِربُو َن ُو ُج َ‬
‫يَ ْ‬
‫ِ ِ‬
‫اب النَّا ِر*‬ ‫الء لَ َع َّذ َهبُ ْم ِيف الدنْـيَا َوَهلُ ْم ِيف ْاآلخ َرة َع َذ ُ‬ ‫اَّللُ َعلَْي ِه ُم ا ْجلَ َ‬
‫ب َّ‬ ‫(ولَ ْوال أَ ْن َكتَ َ‬
‫وقوله تبارك وتعاىل‪َ :‬‬
‫اب)‪ )4( .‬وقوله جل شأنه‬ ‫اَّللَ َش ِدي ُد ال ِْع َق ِ‬ ‫شا ِّق َّ‬
‫اَّللَ فَِإ َّن َّ‬ ‫اَّللَ َوَر ُسولَهُ َوَم ْن يُ َ‬ ‫ك ِأب ََّهنُ ْم َشاقوا َّ‬‫ذَلِ َ‬
‫ك ِأب ََّهنُ ْم قَـ ْوٌم ال يَـ ْف َق ُهو َن) (‪.)5‬‬ ‫(ألَنْـتم أَ َشد ر ْهبةً ِيف ص ُدوِرِهم ِمن َِّ‬
‫اَّلل ذَلِ َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ ُْ‬
‫ك ِأب ََّهنُ ْم‬‫اء َما َكانُوا يَـ ْع َملُو َن* َذلِ َ‬ ‫يل َِّ ِ َّ‬ ‫صدوا َع ْن َسبِ ِ‬ ‫وقوله جلت قدرته‪َّ :‬‬
‫(اختَ ُذوا أَْميَ َاهنُ ْم ُجنَّةً فَ َ‬
‫اَّلل إهنُ ْم َس َ‬
‫آمنُوا ُمثَّ َك َف ُروا فَطُبِ َع َعلَى قُـلُوهبِِ ْم فَـ ُه ْم ال يَـ ْف َق ُهو َن) (‪.)6‬‬ ‫َ‬
‫يم* ذَلِ َ‬ ‫وقوله جل وعال‪( :‬أََمل أيْتِ ُكم نَـبأُ الَّ ِذين َك َفروا ِمن قَـبل فَ َذاقُوا واب َل أَم ِرِهم وَهلم ع َذ ِ‬
‫ك ِأبَنَّهُ‬ ‫اب أَل ٌ‬ ‫َ َ ْ ْ َ ُْ َ ٌ‬ ‫َ ُ ْ ُْ‬ ‫َْ ْ َ‬
‫محي ٌد) (‪.)7‬‬ ‫ين َِ‬‫اَّللُ غَ ِ ٌّ‬
‫اَّللُ َو َّ‬ ‫ش ٌر يَـ ْه ُدونَـنَا فَ َك َف ُروا َوتَـ َولَّ ْوا َو ْ‬
‫استَـ ْغ َىن َّ‬ ‫ات فَـ َقالُوا أَبَ َ‬ ‫ت َأتْتِي ِهم رسلُ ُهم ِابلْبـيِنَ ِ‬ ‫َكانَ ْ‬
‫ْ ُ ُ ْ َّ‬
‫فاخلطاب يف هذه اآلايت عن مجاعة الغائبني وهم من املشركني واليهود واملنافقني وقد جاء االستئناف‬
‫استَ َحبوا ا ْحلَيَاةَ الدنْـيَا َعلَى ْاآل ِخ َرةِ)‪.‬‬ ‫ك ِأب ََّهنُ ُم ْ‬‫يف اآلية (‪ )107‬من سورة (النحل) يف قوله (ذَلِ َ‬
‫ك ِأب ََّهنُ ْم قَـ ْوٌم ال يَـ ْف َق ُهو َن) ويف اآلية (‪ )3‬من سورة‬ ‫ويف اآلية (‪ )4‬من سورة (احلشر) يف قوله (ذَلِ َ‬
‫آمنُوا ُمثَّ َك َف ُروا) وذلك‬ ‫(املنافقون) يف قوله (ذَلِ َ‬
‫ك ِأب ََّهنُ ْم َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النحل‪.)107 - 106( :‬‬
‫(‪ )2‬التحرير والتنوير‪.296:14 ،‬‬
‫(‪ )3‬حممد‪.)28 - 27( :‬‬
‫(‪ )4‬احلشر‪.)4 - 03 :‬‬
‫(‪ )5‬احلشر‪.)13( :‬‬
‫(‪ )6‬املنافقون‪.)3 - 2( :‬‬
‫(‪ )7‬التغابن‪.)6 - 5( :‬‬

‫(‪)78/1‬‬

‫هنا (اشارة اىل قوله (ساء ما كانوا يعملون) أي ذلك القول شاهد عليهم أبهنم أسوء الناس أعماال)‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ت َأتْتِي ِهم رسلُ ُهم ِابلْبـيِنَ ِ‬
‫ات ‪.)2( ) ...‬‬ ‫ْ ُ ُ ْ َّ‬ ‫ويف اآلية (‪ )6‬من سورة التغابن يف قوله (ذَلِ َ‬
‫ك ِأبَنَّهُ َكانَ ْ‬
‫أما النظم الذي اعتمدته هذه اآلايت مجيعا فهو أن أييت اسم اإلشارة (ذلك) متبوعاً بـ (أبهنم) ومن مث‬
‫فعل ماض ما عدا اآلية (‪ )13‬من سورة احلشر اذ جاء بعد (أبهنم) اسم‪ ،‬وقريب من هذا السياق‬
‫ك َج َزاءُ‬‫َس َوأَ الَّ ِذي َكانُوا يَـ ْع َملُو َن* ذَلِ َ‬ ‫ِ‬
‫ين َك َف ُروا َع َذاابً َشديداً َولَنَ ْج ِزيَـنـ ُ‬
‫َّه ْم أ ْ‬
‫ِ َّ ِ‬
‫جاء قوله تعاىل‪( :‬فَـلَنُذي َق َّن الذ َ‬
‫ْد َج َزاءً ِمبَا َكانُوا ِِبايتِنَا َْجي َح ُدو َن)‪ )3( .‬إذ جاء بعد اسم اإلشارة اسم‬ ‫اخلُل ِ‬
‫يها َد ُار ْ‬ ‫ِ‬ ‫أَ ْع َد ِاء َِّ‬
‫َّار َهلُ ْم ف َ‬
‫اَّلل الن ُ‬
‫أيضا و (ذلك) يف هذه اآلية (إشارة اىل األسوأ‪ ،‬وجيب أن يكون التقدير‪ :‬أسوأ جزاء الذين كانوا‬
‫يعملون‪ ،‬حىت تستقيم هذه اإلشارة) (‪.)4‬‬
‫وقد اختلف النظم القرآين يف آايت أخرى‪ ،‬فلم يكن اخلطاب فيها موجها للمؤمنني وال للمشركني‬
‫َّاس َوذَلِ َ‬
‫ك يَـ ْوٌم‬ ‫اب ْاآل ِخ َرةِ ذَلِ َ‬
‫ك يَـ ْوٌم َْجم ُموعٌ لَهُ الن ُ‬ ‫اف َع َذ َ‬‫ك َآليَةً لِ َم ْن َخ َ‬ ‫كقوله تعاىل‪( :‬إِ َّن ِيف ذَلِ َ‬
‫َم ْش ُهو ٌد) (‪ )5‬فإلشارة (ذلك) وما بعدها بيان لعذاب اآلخرة وموعده اذ للسامع أن يسأل عن موعد‬
‫ذلك العذاب فيأتيه اجلواب ابن ذلك يوم جيمع الناس يف يوم القيامة‪ .‬وكقوله تبارك وتعاىل‪:‬‬
‫اه َّن َس ْب َع‬ ‫ضُ‬ ‫ك تَـ ْق ِد ُير ال َْع ِزي ِز ال َْعلِ ِيم) (‪ ،)6‬وقوله جلت قدرته (فَـ َق َ‬ ‫س َجتْ ِري لِ ُم ْستَـ َق ٍّر َهلَا ذَلِ َ‬ ‫(و َّ‬
‫الش ْم ُ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫يح َو ِح ْفظاً ذَلِ َ‬
‫ك تَـ ْق ِد ُير ال َْع ِزي ِز‬ ‫السماء الدنْـيَا ِمبَ َ ِ‬
‫صاب َ‬ ‫ني َوأ َْو َحى ِيف ُك ِّل َمسَاء أ َْم َرَها َوَزيَّـنَّا َّ َ َ‬
‫َمسَاو ٍ‬
‫ات ِيف يَـ ْوَم ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ال َْعلِ ِيم)‪)7( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الكشاف‪.539:4 ،‬‬
‫(‪ )2‬م‪ .‬ن‪.547:4 ،‬‬
‫(‪ )3‬فصلت‪.)28 - 27( :‬‬
‫(‪ )4‬الكشاف‪.198:4 ،‬‬
‫(‪ )5‬هود‪.)103( :‬‬
‫(‪ )6‬يس‪.)38( :‬‬
‫(‪ )7‬فصلت‪.)12( :‬‬

‫(‪)79/1‬‬

‫ك تَـ ْق ِد ُير ال َْع ِزي ِز ال َْعلِ ِيم)‪.‬‬


‫وقد اشرتكت اآليتان يف كون االستئناف البياين فيهما واحدا وهو قوله ( َذلِ َ‬
‫وما يالحظ على هذه اآلايت الثالث هو ان ما بعد اسم اإلشارة قد ورد امسأ واإلشارة الواردة يف‬
‫هذه اآلايت هي إشارة إىل بعض من مظاهر قدرته املطلقة جل شأنه‪.‬‬
‫ومل يرد االستئناف مفتتحا ابسم اإلشارة (تلك) فقط فقد جاء مفتتحا بـ (كذلك) كما يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫آايتِِه لَ َعلَّ ُك ْم تَـ ْع ِقلُو َن) (‪.)1‬‬ ‫ك ُْحييِي َّ‬
‫اَّللُ ال َْم ْوتَى َويُ ِري ُك ْم َ‬ ‫ض َها َك َذلِ َ‬
‫ض ِربوهُ بِبـ ْع ِ‬
‫(فَـ ُقلْنَا ا ْ ُ َ‬
‫ات فَ َما َكانُوا لِيُـ ْؤِمنُوا ِمبَا َك َّذبُوا بِ ِه ِم ْن‬‫وهم ِابلْبـيِنَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫(مثَّ بَـ َعثْـنَا م ْن بَـ ْعده ُر ُسالً إِ َىل قَـ ْوم ِه ْم فَ َجاءُ ُ ْ َ ّ‬ ‫وقوله تعاىل‪ُ :‬‬
‫ين) (‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫وب ال ُْم ْعتَد َ‬ ‫ك نَطْبَ ُع َعلَى قُـلُ ِ‬ ‫قَـ ْب ُل َك َذلِ َ‬
‫ِ‬ ‫َّم َك َذلِ َ‬ ‫وقوله تبارك وتعاىل‪( :‬ومن يـ ُقل ِم ْنـهم إِِّين إِلَهٌ ِمن ُدونِِه فَ َذلِ َ ِ‬
‫ني) (‪)3‬‬ ‫ك َْجن ِزي الظَّال ِم َ‬ ‫ك َْجن ِزيه َج َهن َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ ْ َ ْ ُ ْ‬
‫ف َع ْنـ ُه ْم ِم ْن َع َذ ِاهبَا‬‫ضى َعلَْي ِه ْم فَـيَ ُموتُوا َوال ُخيََّف ُ‬ ‫َّم ال يُـ ْق َ‬ ‫ين َك َف ُروا َهلُ ْم َان ُر َج َهن َ‬
‫وقوله جل وعال‪ِ َّ :‬‬
‫(والذ َ‬‫َ‬
‫ك َْجن ِزي ُك َّل َك ُفوٍر) (‪.)4‬‬ ‫َك َذلِ َ‬
‫ومواضع االستئناف البياين يف هذه اآلايت قد جاء بعد (كذلك) وما يالحظ هنا ان االستئناف قد‬
‫ورد يف ذيل هذه اآلايت وكان مبنزلة (الفواصل) هلا وان (كذلك) أتيت متبوعة بفعل مضارع‪ ،‬وهذه‬
‫اآلايت تصف جزاء الكافرين الذين جيازيهم رهبم وان هذا اجلزاء مستمر أي أن الفعل املضارع هنا قد‬
‫أفاد احلال واالستقبال‪ ،‬وان هذا اجلزاء متحقق ملن اقرتف ما يوجبه عليه عدل هللا تعاىل وانه مصري‬
‫كل من يقرتفه يف املستقبل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.)73( :‬‬
‫(‪ )2‬يونس‪.)74( :‬‬
‫(‪ )3‬األنبياء‪.)29( :‬‬
‫(‪ )4‬فاطر‪.)36( :‬‬

‫(‪)80/1‬‬
‫أما (الكاف) الداخلة على (ذلك) فهي امسية جارة مرادفة لـ (مثل) (‪ )1‬أي أهنا تفيد التشبيه‪ .‬ومثلما‬
‫جاءت (كذلك) لتصف ما جيازى به الكافرون فقد وردت لتصف حال املؤمنني وجزاء هللا تعاىل هلم‬
‫ك‬‫س َح ٍر* نِ ْع َمةً ِم ْن ِع ْن ِد َان َك َذلِ َ‬ ‫وط َجنَّْيـنَ ُ ِ‬
‫اه ْم ب َ‬
‫آل لُ ٍ‬ ‫كما يف قوله تعاىل‪( :‬إِ َّان أَرسلْنَا َعلَْي ِهم ح ِ‬
‫اصباً إَِّال َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ‬
‫َْجن ِزي َم ْن َش َك َر) (‪ )2‬وهي ال ختتلف من حيث النظم عن اآلايت اليت تسبقها‪ ،‬ونعود إىل الكاف‬
‫الداخلة على (ذلك) من حيث اإلعراب فنجد اهنا (يف موضع نصب نعت ملصدر حمذوف) (‪.)3‬‬
‫َّ ِ‬
‫ري‬
‫آمنُوا ال تَ ْد ُخلُوا بُـيُواتً غَ ْ َ‬ ‫ين َ‬ ‫(اي أَيـ َها الذ َ‬ ‫ومن أمساء اإلشارة األخرى (ذلكم) كما يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫سلِّ ُموا َعلَى أ َْهلِ َها ذَلِ ُك ْم َخ ْريٌ لَ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تَ َذ َّك ُرو َن) (‪)4‬‬
‫سوا َوتُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بُـيُوت ُك ْم َح َّىت تَ ْستَأْن ُ‬
‫لصالةِ ِمن يـوِم ا ْجلمع ِة فَاسعوا إِ َىل ِذ ْك ِر َِّ‬ ‫ي لِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اَّلل َوذَ ُروا‬ ‫ْ َ ْ ُُ َ َ َ ْ‬ ‫آمنُوا إِذَا نُود َ‬ ‫ين َ‬‫(اي أَيـ َها الذ َ‬ ‫وقوله تبارك وتعاىل‪َ :‬‬
‫الْبَـ ْي َع َذلِ ُك ْم َخ ْريٌ لَ ُك ْم إِ ْن ُك ْنـتُ ْم تَـ ْعلَ ُمو َن) (‪.)5‬‬
‫واخلطاب يف اآليتني موجه للمؤمنني حىت اهنما قد افتتحا بـ (اي أيها الذين آمنوا) وهو خطاب حمبب‬
‫إىل نفوس املؤمنني ولذلك فأنه يتبع إما أبمر أو هني من هللا تبارك وتعاىل هلم‪ ،‬وملا كان اخلطاب موجها‬
‫إىل مجاعة املؤمنني فقد أضيف (ميم اجلمع) إىل اسم اإلشارة (ذلك)‪ .‬وقد جاء بعده اسم التفضيل‬
‫(خري) الن ذلك أمر واشارة للمؤمنني‪.‬‬
‫سا ُك ْم َك َما نَ ِسيتُ ْم‬ ‫يل الْيَـ ْوَم نَـ ْن َ‬
‫اما الكفار فان خطاهبم خيتلف من حيث النظم كما يف قوله تعاىل‪ِ :‬‬
‫(وق َ‬
‫َ‬
‫ت َِّ‬
‫اَّلل ُه ُزواً َوغَ َّرتْ ُك ُم‬ ‫ص ِرين* ذَلِ ُكم ِأبَنَّ ُكم َّاختَ ْذ ُْمت آاي ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫لَِق ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّار َوَما لَ ُك ْم م ْن َان َ‬ ‫اء يَـ ْوم ُك ْم َه َذا َوَمأ َْوا ُك ُم الن ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ا ْحلَيَاةُ الدنْـيَا فَالْيَـ ْوَم ال خيَُْر ُجو َن م ْنـ َها َوال ُه ْم يُ ْستَـ ْعتَـبُو َن) (‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مغين اللبيب‪.238 :‬‬
‫(‪ )2‬القمر‪.)35 - 34( :‬‬
‫(‪ )3‬مشكل إعراب القرآن‪.99:1 ،‬‬
‫(‪ )4‬النور‪.)27( :‬‬
‫(‪ )5‬اجلمعة‪.)9( :‬‬
‫(‪ )6‬اجلاثية‪.)35 - 34( :‬‬

‫(‪)81/1‬‬
‫إذ مل أيت بعد اسم اإلشارة (ذلكم) اسم تفضيل‪ ،‬بل جاء اجلار واجملرور (ابنكم)‪ .‬أما السؤال الضمين‬
‫فيقدر على النحو اآليت‪ :‬ما ابل هؤالء قد خوطبوا هبذا اخلطاب الغليط؟ وما السبب الذي استوجبوا‬
‫من اجله ان يدخلوا النار؟ فيكون اجلواب إبيضاح السبب الذي من اجله استحقوا ذلك‪.‬‬
‫ال ال‬
‫وقد جاء اسم اإلشارة (ذلك) وقد اتصل به الضمري (ما) يف خطاب املثىن كما يف قوله تعاىل‪( :‬قَ َ‬
‫ت ِملَّةَ قَـ ْوٍم ال‬
‫ام تُـ ْرَزقَانِِه إَِّال نَـبَّأْتُ ُك َما بِتَأْ ِويلِ ِه قَـ ْب َل أَ ْن َأيْتِيَ ُك َما َذلِ ُك َما ِممَّا َعلَّ َم ِين َرِّيب إِِّين تَـ َرْك ُ‬
‫َأيْتِي ُك َما طَ َع ٌ‬
‫َّلل َو ُه ْم ِاب ْآل ِخ َرةِ ُه ْم َكافِ ُرو َن) (‪.)1‬‬ ‫يـ ْؤِمنو َن ِاب َِّ‬
‫ُ ُ‬
‫فجملة (ذلكما مما علمين ريب) (استئناف بياين‪ ،‬الن وعده بتأويل الرؤاي يف وقت قريب يثري عجب‬
‫السائلني عن قوة علمه وعن الطريقة اليت حصل هبا هذا العلم) (‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬يوسف‪.)37( :‬‬
‫(‪ )2‬التحرير والتنوير‪.271:12 ،‬‬

‫(‪)82/1‬‬

‫املبحث الثاين‬
‫اجلواب عن السبب اخلاص‬
‫هذا هو النوع الثاين من أنواع اإلجابة ابالستئناف‪ ،‬وال يسمى جوااب عن سبب خاص إال إذا جاء‬
‫مصحوابً مبؤكد من املؤكدات‪ ،‬وهو هبذا خيتلف عن اإلجابة عن السبب العام الذي أييت خالياً من‬
‫التأكيد ‪ ..‬والسبب يف ذلك ان املقام هنا مقام فيه تردد من املخاطب (ويدل على ان املقام مقام‬
‫الرتدد التأكيد يف اجلواب وهلذا نقول (هذا الضرب) أي هذا النوع من السؤال املقدر "يقتضي أتكيد‬
‫احلكم" (‪.)1‬‬
‫ومن الثابت أن الكالم اخلربي ثالثة أنواع هي‪( )2( :‬ابتدائي) وذلك حني يكون الذهن خالياً‪ ،‬و‬
‫(طليب) وتؤكد هذه اجلملة استحساان مع املرتدد الطالب و (إنكاري) وهو كون الكالم مؤكدا وجواب‬
‫مع املنكر‪.‬‬
‫ويسمى إخراج الكالم عليها أي (على هذه الوجوه وهو اخللو من االتأكيد يف اإللقاء األول‬
‫واالتصاف بتأكيد االستحسان يف اإللقاء الثاين وبتأكيد الوجوب يف اإللقاء الثالث ("إخراجاً على‬
‫مقتضى الظاهر")) (‪.)3‬‬
‫واهم مؤكد يستخدم هنا هو (إن) املكسورة اهلمزة ذات النون املشددة وهي أتيت على وجهني (‪:)4‬‬
‫أحدمها‪ :‬أن تكون حرف توكيد‪ ،‬تنصب االسم وترفع اخلرب‪.‬‬
‫اثنيهما‪ :‬أن تكون حرف جواب مبعىن نعم‪.‬‬
‫ولئن كانت هذه هي الطريقة اليت تعامل هبا النحاة مع (إن) فان للبالغيني شاانً آخر يف التعامل معها‪،‬‬
‫فعبد القاهر اجلرجاين قد كشف النقاب عن وجوه استعماالهتا على حنو مل يسبقه إليه أحد إذ بني‬
‫الفروق يف كيفية ربطها للجمل قائال‪( :‬انك ترى اجلملة إذا هي دخلت ترتبط مبا قبلها‪ ،‬وأتتلف معه‪،‬‬
‫وتتحدد به‪ ،‬حىت كأن الكالميني قد افرغا افراغا واحدا‪ ،‬وكأن أحدمها قد سبك يف اآلخر) (‪)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مواهب الفتاح‪/‬شروح التلخيص‪.59:3 ،‬‬
‫(‪ )2‬م‪ .‬ن‪.208 - 207:1 ،‬‬
‫(‪ )3‬مواهب الفتاح ‪/‬شروح التلخيص‪.208:1 ،‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬مغين اللبيب‪.55 :‬‬
‫(‪ )5‬دالئل اإلعجاز‪.304 :‬‬

‫(‪)83/1‬‬

‫اما املزية الثانية هلا فهي (انك ترى لضمري األمر الشأن معها من احلسن واللطف ماال تراه إذا هي مل‬
‫تدخل عليه بل تراه ال يصلح حيث يصلح إال هبا) (‪.)1‬‬
‫أما املزية الثالثة فهي (انك تراها هتيء الفكرة وتصلحها الن يكون هلا حكم املبتدأ‪ ،‬اعين ان تكون‬
‫حمداث عنها حبديث من بعدها) (‪.)2‬‬
‫واملزية الرابعة هلا‪( :‬اهنا تغين إذا كانت فيها ـ يقصد ان يف اجلملة ـ عن اخلرب يف بعض الكالم) (‪.)3‬‬
‫وال ينسى عبد القاهر اجلرجاين أن يشري إىل عملها الواضح يف التأكيد قائال‪( :‬مث ان األصل الذي‬
‫ينبغي أن يكون عليه البناء هو الذي دون يف الكتب من اهنا للتأكيد) (‪.)4‬‬
‫وهذه املسألة ترتبط ابملخاطب ارتباطا وثيقا فهي تستخدم مع املخاطب (إذا كان له ظن يف اخلالف‬
‫وعقد قلب على نفي ما ثبت أو إثبات ما تنفي ولذلك تراها تزداد حسناً اذا كان اخلرب أبمر يبعد‬
‫مثله يف الظن وبشيء قد جرت عادة الناس خبالفه) (‪.)5‬‬
‫ومن عملها يف التأكيد ان (يدعى على املخاطب ظن مل يظنه ولكن يراد التهكم به) (‪.)6‬‬
‫وينبغي أن ال هنمل التفاتة عبد القاهر يف هذا اجملال من انه يتوجب (إذا قيل) اهنا جواب سائل ان‬
‫يشرتط فيه أن يكون للسائل ظن يف املسئول عنه على خالف ما انت جتيبه به فاما ان جيعل جمرد‬
‫اجلواب أصال فيه فال‪ ،‬النه يؤدي إىل أن ال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬دالئل اإلعجاز‪.305 :‬‬
‫(‪ )2‬م‪ .‬ن‪.307 :‬‬
‫(‪ )3‬م‪ .‬ن‪.308:‬‬
‫(‪ )4‬م‪ .‬ن‪.311 :‬‬
‫(‪ )5‬م‪ .‬ن‪.311 :‬‬
‫(‪ )6‬دالئل اإلعجاز‪ .312 - 311 :‬وينظر‪ :‬مواهب الفتاح ‪/‬شروح التلخيص‪.208:1 ،‬‬

‫(‪)84/1‬‬

‫يستقيم لنا اذا قال الرجل‪ :‬كيف زيد؟ نقول‪ :‬صاحل‪ ،‬إذا قال أين هو؟ أن تقول‪ :‬يف الدار‪ .‬وان ال‬
‫يصح حىت تقول‪ :‬انه صاحل وانه يف الدار‪ .‬وذلك ما ال يقوله أحد) (‪.)1‬‬
‫فالسائل هنا خايل الذهن ويطلب اإلجابة عن سؤاله ولذلك يكون اجلواب بتعيني املسؤول عنه أي ان‬
‫االستفهام هنا استفهام تصور‪ ،‬فالسائل إذن ليس له ظن خيالف اجلواب أو انه ليس منكرا حىت يؤكد‬
‫اجلواب له بـ (إن)‪ .‬وعليه فان اإلتيان ابملؤكد يف هذه احلالة ليس من البالغة يف شيء إذ يصبح التعبري‬
‫هنا تعبريا خاطئاً وال يقول به احد ممن لديه اطالع على أصول كالم العرب‪.‬‬
‫ويبدو مما تقدم ان عبد القاهر اجلرجاين بعقليته الفذة قد قام بعملية استقراء ألسلوب التعبري العريب‬
‫حىت خرج هبذه النتائج الدقيقة اليت أمهلها غريه‪ ،‬وبسبب من ذلك وجدان ان البالغيني ممن حبثوا‬
‫موضوع َّ‬
‫(إن) بعده مل ايتوا جبديد‪ ،‬بل تلقوا كالمه ابلشرح واالختصار (‪.)2‬‬
‫لقد تعامل القرآن الكرمي مع (إ ّن) تعامالً الفتاً للنظر على حنو ال ميكن جتاوزه او جتاهله‪ ،‬بل ميكننا‬
‫القول إهنا تستحق حبثاً مستقالً قائماً بذاته من اجل الوقوف على دقة استعماهلا وأساليب ذلك‬
‫االستعمال‪.‬‬
‫لقد وردت (إن) يف القرآن الكرمي بكثرة وخاصة حينما ترد يف مقدمة الكالم املستأنف‪ ،‬ومن ذلك‬
‫ْك فِ ِيه‬ ‫ِ‬ ‫جميئها مصحوبة بـ (الم التوكيد) كما يف قوله تعاىل‪ِ َّ َّ :‬‬
‫َّر لَ ُك ُم الْبَ ْح َر لتَ ْج ِر َ‬
‫ي الْ ُفل ُ‬ ‫(اَّللُ الذي َسخ َ‬
‫مجيعاً ِم ْنهُ إِ َّن‬
‫ض َِ‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َوَما ِيف ْاأل َْر ِ‬ ‫َّر لَ ُك ْم َما ِيف َّ َ َ‬ ‫ِأب َْم ِرهِ َولِتَـ ْبـتَـغُوا ِم ْن فَ ْ ِ ِ َّ‬
‫ضله َولَ َعل ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن* َو َسخ َ‬
‫ايت لَِق ْوٍم يَـتَـ َف َّك ُرو َن) (‪.)3‬‬ ‫ك َآل ٍ‬ ‫ِيف ذَلِ َ‬
‫آايتِِه أَ ْن َخلَ َق لَ ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب ُمثَّ إِذَا أَنْـتُ ْم بَ َ‬‫آايتِِه أَ ْن َخلَ َق ُك ْم ِم ْن تُـر ٍ‬ ‫وقوله جل شأنه‪ِ :‬‬
‫ش ٌر تَـ ْنـتَش ُرو َن* َوم ْن َ‬ ‫َ‬ ‫(وم ْن َ‬ ‫َ‬
‫ِم ْن أَنْـ ُف ِس ُك ْم أَ ْزَواجاً لِتَ ْس ُكنُوا إِلَْيـ َها‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬دالئل اإلعجاز‪.312 :‬‬
‫(‪ )2‬ينظر على سبيل املثال‪ :‬هناية اإلجياز‪ .182 - 178 :‬والتبيان يف علم البيان‪،64 - 61 :‬‬
‫وأصول البالغة‪ :‬لالمام العالمة‪ .‬كمال الدين ميثم البحراين‪.113 - 111 ،‬‬
‫(‪ )3‬اجلاثية‪.)13 - 12( :‬‬

‫(‪)85/1‬‬

‫ايت لَِق ْوٍم يَـتَـ َف َّك ُرو َن) (‪.)1‬‬ ‫َو َج َع َل بَـ ْيـنَ ُك ْم َم َو َّدةً َوَر ْمحَةً إِ َّن ِيف ذَلِ َ‬
‫ك َآل ٍ‬
‫ايت لَِق ْوٍم يَـتَـ َف َّك ُرو َن)‪.‬‬ ‫وما يهمنا هنا هو الصيغة اليت تتكرر ابلكيفية ذاهتا يف قوله تعاىل (إِ َّن ِيف ذَلِ َ‬
‫ك َآل ٍ‬
‫إذ ترد (إن) وأتيت بعدها الم التوكيد‪ ،‬وقد تكررت هذه الصيغة بكثرة يف ذيل آايت عديدة وجميء‬
‫(إن) هنا (إما جملرد االهتمام ابخلرب‪ ،‬واما لتنزيل املشركني يف تركهم االعتبار بذلك منزلة من ينكر ان‬
‫يف ذلك عربة) (‪ .)2‬والذي منيل إليه هو االحتمال الثاين يف هذا الكالم‪ ،‬وما يعزز ذلك ان اخلطاب‬
‫يف هذه اجملموعة من اآلايت خطاب للمشركني كما هو واضح من نوعية اخلطاب وسياق اآلايت يف‬
‫تلك السور‪ ،‬والشيء اآلخر ان هذه اآلايت كثرياً ما تكون مسبوقة ِبايت يذكر هللا تبارك وتعاىل فيها‬
‫بعضا من آايته الدالة على عظيم قدرته ونفوذ أمره وسلطانه يف خملوقاته‪ ،‬مث أييت الكالم يف ذيل هذه‬
‫اآلايت مؤكداً بـ (ان) والالم الن هؤالء وان مل ينكروا بعض هذه اآلايت ينزهلم التعبري القرآين منزلة‬
‫املنكر‪.‬‬
‫لقد أكدت هذه اآلايت صفة (التفكر) وقد جاءت بصيغة املضارع الن من ال يفكر يف خلق هللا‬
‫تغيب هذه اآلايت عن ذهنه‪ ،‬فهي مبنزلة الدعوة هلؤالء من اجل إعادة النظر واعمال العقل يف هذه‬
‫األمور بشكل مستمر‪ ،‬ولعل يف استخدام صيغة (يتفكرون) دون (يفكرون) تنبيها للمبالغة يف‬
‫التفكري‪.‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ار‬ ‫ويف آايت أخر جند صيغة أخرى كما يف قوله تعاىل‪( :‬أََملْ يَـ َرْوا أ ََّان َج َعلْنَا اللَّْي َل ليَ ْس ُكنُوا فيه َوالنـ َ‬
‫َّه َ‬
‫ايت لَِق ْوٍم يُـ ْؤِمنُو َن) (‪.)3‬‬
‫ك َآل ٍ‬ ‫صراً إِ َّن ِيف َذلِ َ‬
‫م ْب ِ‬
‫ُ‬
‫اَّللُ ِم َن النَّا ِر إِ َّن ِيف‬
‫اب قَـ ْوِم ِه إَِّال أَ ْن قَالُوا اقْـتُـلُوهُ أ َْو َح ِّرقُوهُ فَأ َْجنَاهُ َّ‬
‫ويف قوله تبارك وتعاىل‪( :‬فَ َما َكا َن َج َو َ‬
‫ايت لَِق ْوٍم يُـ ْؤِمنُو َن) (‪.)4‬‬
‫ك َآل ٍ‬ ‫ذَلِ َ‬
‫فالصيغة اليت تتكرر هنا هي (إن يف ذلك آلايت لقوم يؤمنون) وما يربطها ابآلايت السابقة ان‬
‫اخلطاب فيها موجه للمشركني أيضا إال أن اآلايت اليت قبل هذه قد ختمت ابلفعل املضارع‬
‫(يتفكرون) وهنا ختمت ابلفعل (يؤمنون) وقد يكون مرد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الروم‪ .)21 - 20( :‬وينظر‪ :‬سورة الرعد‪ ،)3( :‬وسورة الزمر‪.)42( :‬‬
‫(‪ )2‬التحرير والتنوير‪.264:18 ،‬‬
‫(‪ )3‬النمل‪.)86( :‬‬
‫(‪ )4‬العنكبوت‪ .)24( :‬وتنظر‪ :‬سورة احلل‪.)79( :‬‬

‫(‪)86/1‬‬

‫ذلك إىل أن اآلايت اليت سبقت قد جاءت بعد ان ذكرت قبلها آايت تؤكد وتعدد بعضا مما خلق هللا‬
‫تعاىل اما هذه اآلايت فقد سبقت ِبايت تشري إىل احلياة اآلخرة فكان األنسب ان ختتم بفعل اإلميان‬
‫بتلك احلياة اليت كان املشركون ينكروهنا‪.‬‬
‫ان ما جيمع هذا النمط من اآلايت وهذه الصيغ اليت تتكرر مع اختالف يوجبه السياق والغرض هو‬
‫كوهنا –أي هذه الصيغ‪ -‬قد جاءت يف موقع الفاصلة القرآنية فكانت فواصل دقيقة تزيد يف دقة‬
‫التعبري القرآين حبيث لو طرحت من ذيل هذه اآلايت الختل املعىن ولو ابدلت حلصل االختالل ذاته‪.‬‬
‫اب وَزرعٌ وَِخن ِ‬‫ٍ‬ ‫ات وجن ٌ ِ‬ ‫ومن ذلك قوله تعاىل‪( :‬وِيف ْاألَر ِ ِ‬
‫ري‬ ‫َّات م ْن أَ ْعنَ َ ْ َ ٌ‬
‫يل ص ْنـ َوا ٌن َوغَ ْ ُ‬ ‫ض قطَ ٌع ُمتَ َجا ِوَر ٌ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ايت ل َق ْوم يَـ ْع ِقلُو َن) (‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ان يس َقى ِمبَ ٍاء و ِ‬
‫ك َآل ٍ‬‫ض ِيف ْاألُ ُك ِل إِ َّن ِيف ذَل َ‬
‫ض َها َعلَى بَـ ْع ٍ‬‫ض ُل بَـ ْع َ‬‫اح ٍد َونُـ َف ِّ‬ ‫َ‬
‫ِ ٍ‬
‫ص ْنـ َو ُ ْ‬
‫وقد ختمت هذه اآلية ابلفعل املضارع (يعقلون) (ففي هذه اللفتات اليت يوجه إليها القرآن ما يثري‬
‫العقول أو ينبه االفهام لذلك ختمت اآلية ابلفاصلة (ان يف ذلك آلايت لقوم يعقلون) (‪.)2‬‬
‫الس َم ِاء َماءً فَـيُ ْحيِي‬
‫ْرب َق َخ ْوفاً َوطَ َمعاً َويُـنَـ ِّز ُل ِم َن َّ‬ ‫ويف السياق ذاته يرد قوله تعاىل‪( :‬وِمن ِِ‬
‫آايته يُ ِري ُك ُم ال َ ْ‬
‫َ ْ َ‬
‫ٍ‬
‫ايت لَِق ْوم يَـ ْع ِقلُو َن) (‪.)3‬‬ ‫ض بَـ ْع َد َم ْوِهتَا إِ َّن ِيف َذلِ َ‬
‫ك َآل ٍ‬ ‫ِ‬
‫بِه ْاألَ ْر َ‬
‫ايت لَِق ْوٍم يَـ ْع ِقلُو َن) ان‬
‫ك َآل ٍ‬ ‫ومن بني ما ميكن اإلشارة إليه يف اآلايت اليت ختتم بقوله تعاىل (إِ َّن ِيف َذلِ َ‬
‫الباري عز وجل يذكر آية من آايت خلقه البديع على وجه التفصيل والبد من أن تسبق هذه اآلية‬
‫ِبايت قبلها دالة على القدرة العظيمة اليت ينفرد هبا احلق سبحانه‪.‬‬
‫ولو حذف الفعل (يعقلون) ووضع بدال عنه (يؤمنون) أو (يسمعون) او (يدركون) او حىت (يتفكرون)‬
‫لفقدت هذه اآلايت جانباً كبرياً من قوهتا التعبريية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الرعد‪.)4( :‬‬
‫(‪ )2‬الفاصلة القرآنية‪ ،‬د‪ .‬عبد الفتاح الشني‪.85 :‬‬
‫(‪ )3‬الروم‪.)24( :‬‬

‫(‪)87/1‬‬

‫ساكِنِ ِه ْم إِ َّن ِيف ذَلِ َ‬ ‫اما قوله جال وعال‪( :‬أَوَمل يـ ْه ِد َهلُم َكم أ َْهلَكْنَا ِمن قَـ ْبلِ ِهم ِمن الْ ُقر ِ‬
‫ك‬ ‫شو َن ِيف َم َ‬
‫ون ميَْ ُ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ََْ‬
‫َآل ٍ‬
‫ايت أَفَال يَ ْس َم ُعو َن) (‪)1‬‬
‫فاالختالف هنا قد جاء يف (أفال يسمعون) فحصل تغيري يف الصيغة اليت تكررت يف اآلايت السابقة‪،‬‬
‫ايت لَِق ْوٍم يَـ ْع ِقلُو َن) (‪)2‬؟‬
‫ك َآل ٍ‬ ‫وقد يتبادر اىل الذهن‪ :‬مل مل ختتم هذه اآلية بقوله (إِ َّن ِيف َذلِ َ‬
‫إن اخلطاب هنا موجه للمشركني كما يف اآلايت السابقة وقوله‪"(( :‬القرون" عاد وَثود وقوم لوط‬
‫(ميشون يف مساكنهم) يعين أهل مكة ميرون يف متاجرهم على دايرهم وبالدهم)) (‪ )3‬فال مبد ان‬
‫يسمعوا أبخبار هؤالء‪ ،‬ولكنهم مل يعتربوا بتلك األقوام البائدة فختمت اآلية بقوله (افال يسمعون)‬
‫على سبيل االستفهام اإلنكاري ليكون ذلك ابلغ يف دعوهتم ووعظهم‪.‬‬
‫ومثلما وردت صيغة (ان يف ذلك الايت ‪ ) ...‬فقد وردت صيغة قرآنية مباركة أخرى قريبة منها وهي‬
‫يها ِم ْن ُك ِّل َزْو ٍج َك ِر ٍمي* إِ َّن‬‫ِ‬ ‫(ان يف ذلك آلية)‪ ،‬كما يف قوله جل شأنه (أ ََوَملْ يَـ َرْوا إِ َىل ْاأل َْر ِ‬
‫ض َك ْم أَنْـبَـ ْتـنَا ف َ‬
‫ِ‬ ‫ِيف ذَلِ َ‬
‫ك َآليَةً َوَما َكا َن أَ ْكثَـ ُرُه ْم ُم ْؤمنِ َ‬
‫ني) (‪.)4‬‬
‫وقوله‪"(( :‬ان يف" انبات تلك الصفات (الية) على ان منبتها قادر على إحياء املوتى‪ ،‬وقد علم هللا ان‬
‫أكثرهم مطبوع على قلوهبم غري مرجو إمياهنم) (‪.)5‬‬
‫ني* وال ص ِد ٍيق َِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َن لَنَا َك َّرةً‬ ‫مح ٍيم* فَـلَ ْو أ َّ‬ ‫َضلَّنَا إَِّال ال ُْم ْج ِرُمو َن* فَ َما لَنَا م ْن َشافع َ َ َ‬ ‫(وَما أ َ‬ ‫وكذلك قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ني* إِ َّن ِيف َذلِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني) (‪.)6‬وقوله تبارك وتعاىل‪( :‬فَأ َْجنَْيـنَاهُ‬ ‫ك َآليَةً َوَما َكا َن أَ ْكثَـ ُرُه ْم ُم ْؤمنِ َ‬ ‫فَـنَ ُكو َن م َن ال ُْم ْؤمنِ َ‬
‫َوَم ْن َم َعه‬
‫ني* إِ َّن ِيف َذلِ َ‬
‫ك َآليَةً َوَما َكا َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِيف الْ ُفل ِ‬
‫ْك ال َْم ْش ُحون* ُمثَّ أَ ْغ َرقـْنَا بَـ ْع ُد الْبَاق َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬السجدة‪.)26( :‬‬
‫(‪ )2‬وقد ورد ذلك أيضا يف سورة الروم اآلية (‪ )23‬وسورة يونس اآلية (‪.)67‬‬
‫(‪ )3‬الكشاف‪.246:3 ،‬‬
‫(‪ )4‬الشعراء‪.)8 - 7( :‬‬
‫(‪ )5‬الكشاف‪.105:3 ،‬‬
‫(‪ )6‬الشعراء‪.)102 - 99( :‬‬

‫(‪)88/1‬‬

‫ِ‬
‫أَ ْكثَـ ُرُه ْم ُم ْؤمنِ َ‬
‫ني) (‪.)1‬‬
‫وهذه اآلايت مجيعها مكية فهي من سورة الشعراء وهي من السور اليت نزلت يف مكة سوى مخس‬
‫آايت من آخرها نزلت ابملدينة‪ )2( .‬إذن فاخلطاب هنا موجه للمشركني أي اهنم قوم منكرون ولذلك‬
‫جاءت الصيغة القرآنية (إِ َّن ِيف َذلِ َ‬
‫ك َآليَةً ‪ )3( ) ...‬مفتتحة بـ (ان) مع الم التوكيد‪ ،‬وفائدة هذه‬
‫الالم‪( :‬توكيد مضمون اجلملة وهلذا زحلقوها يف ابب (ان) عن صدر اجلملة كراهية ابتداء الكالم‬
‫مبؤكدين) (‪.)4‬‬
‫ولقد كانت هذه الصيغة ترد يف آية مستقلة بنفسها متبوعة ِبية أخرى كانت ترد بعدها مباشرة يف‬
‫ك َهلو الْع ِزيز َّ ِ‬
‫يم) فقوله ("وان ربك هلو العزيز" يف‬ ‫الرح ُ‬ ‫(وإِ َّن َربَّ َ َُ َ ُ‬ ‫مجيع هذه اآلايت وهي قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫انتقامه من الكفرة "الرحيم ملن اتب وآمن وعمل صاحلا") (‪)5‬‬
‫ك َآليَةً‬‫ض ِاب ْحلَِّق إِ َّن ِيف ذَلِ َ‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر َ‬ ‫اَّللُ َّ َ َ‬ ‫(خلَ َق َّ‬‫وقد يعرتي هذه الصيغة تغيري كما يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫لِل ِ‬
‫ني) (‪.)6‬‬ ‫ْم ْؤمنِ َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يل *‬‫ارةً م ْن س ّج ٍ‬ ‫ني* فَ َج َعلْنَا َعاليَـ َها َسافلَ َها َوأ َْمطَ ْرَان َعلَْي ِه ْم ح َج َ‬
‫الص ْي َحةُ ُم ْش ِرق َ‬
‫َخ َذ ْهتُ ُم َّ‬
‫وقوله تعاىل‪( :‬فَأ َ‬
‫ك َآليةً لِل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ايت لِلْمتَـوِِّمسني* وإِ َّهنَا لَبِسبِ ٍ ِ‬ ‫إِ َّن ِيف ذَلِ َ‬
‫ني) (‪.)7‬‬ ‫ْم ْؤمنِ َ‬ ‫يل ُمق ٍيم* إِ َّن ِيف ذَل َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َُ َ َ‬
‫ك َآل ٍ‬
‫فالصيغة هنا قد أصبحت (ان يف ذلك آلية للمؤمنني)‪ ،‬فاآلية هنا لقوم خمصوصني وهم الذين يؤمنون‬
‫هبا‪ .‬وجتدر اإلشارة هنا إىل أن اآلايت اليت ذكرانها من سورة احلجر قد تكررت فيها الصيغتان (ان يف‬
‫ذلك آلايت) و (ان يف ذلك آلية) والسر يف ذلك ان ((يف مجع "آايت" إشارة إىل ما قص هللا تعاىل‬
‫من حديث لوط‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الشعراء‪.)121 - 119( :‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬االتقان يف علوم القرآن‪.12:1 ،‬‬
‫(‪ )3‬وقد تكررت هذه الصيغة ذاهتا يف سورة الشعراء‪ ،‬اآلية (‪ ،)74‬واآلية (‪ )190‬منها‪.‬‬
‫(‪ )4‬مغين اللبيب‪.30 :‬‬
‫(‪ )5‬الكشاف‪.105:3 ،‬‬
‫(‪ )6‬العنكبوت‪.)44( :‬‬
‫(‪ )7‬احلجر‪.)77 - 73( :‬‬

‫(‪)89/1‬‬

‫وضيف إبراهيم‪ ،‬وتعرض قوم لوط هلم طمعا فيهم‪ ،‬وما كان من أمرهم اخرا من اهالك الكفار‪ ،‬وقلب‬
‫املدينة على من فيها ‪.)1( ) ...‬‬
‫ك َآليةً لِل ِ‬‫ِ‬ ‫اما يف قوله تعاىل (وإِ َّهنَا لَبِسبِ ٍ ِ‬
‫ْم ْؤمنِ َ‬
‫ني) فان (تلك املدينة املقلوبة اثبتة‬ ‫يل ُمق ٍيم* إِ َّن ِيف َذل َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اآلاثر‪ ،‬مقيمة للنظار‪ ،‬فهي مبرأى العيون‪ ،‬لبقاء آاثرها‪ ،‬وهذه واحدة من تلك اآلايت‪ ،‬فلذلك جاء‬
‫عقبها (ان يف ذلك آلية للمؤمنني) (‪.)2‬‬
‫َحيَا بِ ِه‬ ‫اَّلل أَنْـز َل ِمن َّ ِ‬
‫الس َماء َماءً فَأ ْ‬ ‫(و َُّ َ َ‬ ‫وقد أتيت الصيغة نفسها تؤكد صفة السمع كما يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ك َآليَةً لَِق ْوٍم يَ ْس َم ُعو َن) (‪.)3‬‬
‫ض بَـ ْع َد َم ْوِهتَا إِ َّن ِيف َذلِ َ‬
‫ْاأل َْر َ‬
‫ك َآليَةً لَِق ْوٍم يَ ْس َم ُعو َن) (مستأنفة‪ ،‬والتأكيد بـ (ان) والم االبتداء الن من مل يهتدوا‬ ‫فجملة (إِ َّن ِيف ذَلِ َ‬
‫بذلك اىل الوحدانية ينكرون ان القوم الذين يسمعون ذلك قد علموا داللته على الوحدانية‪ ،‬أي‬
‫ينكرون صالحية ذلك االستدالل) (‪.)4‬‬
‫ويف هذه اآلية تقريع وتوبيخ ملن ينكر احلياة بعد املوت‪ ،‬فاهلل تعاىل الذي حييي االرض امليتة ابملاء‬
‫قادر على إحياء املوتى (وهذا أمر من الوضوح مبكان حىت ان من يسمعه يعرتف به‪ ،‬فهذا امر ال‬
‫ك َآليَةً لَِق ْوٍم يَ ْس َم ُعو َن)) (‪.)5‬‬
‫حيتاج اىل اكثر من السماع‪ ،‬لذلك جاءت الفاصلة (إِ َّن ِيف ذَلِ َ‬
‫وهكذا جند هذه الصيغة القرآنية تتكرر وحينما ختتلف فان ذلك االختالف يوجبه الغرض الذي‬
‫تساق من اجله تلك اآلايت (‪ .)6‬اما الفرق بني آية وآايت فان‬
‫(كلمة (آية) حينما استعملها القرآن الكرمي مفردة كانت يف موضع يليق فيه االفراد‪ ،‬وحينما جاء هبا‬
‫يف التعبري مجعا كانت يف حمل يطلبه لفظ اجلمع) (‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صفاء الكلمة‪ ،‬د‪ .‬عبد الفتاح الشني‪.133 - 132 ،‬‬
‫(‪ )2‬م‪ .‬ن‪.133 :‬‬
‫(‪ )3‬النحل‪.)65( :‬‬
‫(‪ )4‬التحرير والتنوير‪.198:14 ،‬‬
‫(‪ )5‬الفاصلة القرآنية‪.79 :‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬سورة البقرة‪ ،248 :‬وسورة هود‪ ،103 :‬وسورة النحل‪ ،69 ،67 ،11 :‬وسورة النمل‪:‬‬
‫‪ ،52‬وسورة العنكبوت‪ ،44 :‬وسورة سبأ‪.9 :‬‬
‫(‪ )7‬صفاء الكلمة‪.136 :‬‬

‫(‪)90/1‬‬

‫وال يتقيد القرآن الكرمي هباتني الصيغتني‪ ،‬بل هنالك صيغ عديدة منها جميء (إن) متبوعة بلفظ اجلاللة‬
‫وف ح َذر الْمو ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ت‬ ‫ين َخ َر ُجوا م ْن د َاي ِره ْم َو ُه ْم أُلُ ٌ َ َ َ ْ‬ ‫وبعده الم التوكيد‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‪( :‬أََملْ تَـ َر إِ َىل الذ َ‬
‫َّاس َولَ ِك َّن أَ ْكثَـ َر الن ِ‬
‫َّاس ال يَ ْش ُك ُرو َن) (‪.)1‬‬ ‫ض ٍل َعلَى الن ِ‬ ‫اه ْم إِ َّن َّ‬
‫اَّللَ لَ ُذو فَ ْ‬ ‫َحيَ ُ‬ ‫ال َهلُُم َّ‬
‫اَّللُ ُموتُوا ُمثَّ أ ْ‬ ‫فَـ َق َ‬
‫َّهار م ْب ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫وقوله تعاىل‪ِ َّ :‬‬
‫ض ٍل َعلَى الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫صراً إِ َّن َّ‬
‫اَّللَ لَ ُذو فَ ْ‬ ‫(اَّللُ الَّذي َج َع َل لَ ُك ُم اللَّْي َل لتَ ْس ُكنُوا فيه َوالنـ َ َ ُ‬
‫َّاس ال يَ ْش ُك ُرو َن) (‪.)2‬‬ ‫َولَ ِك َّن أَ ْكثَـ َر الن ِ‬
‫والوقف على قوله (والنهار مبصرا) حسن (‪ ،)3‬مث يبدأ الكالم بقوله‪ :‬ان هللا ‪ ...‬الن مجلة (ان هللا‬
‫لذو فضل على الناس) يف موضع التعليل ملا قبلها‪ .‬اما سبب التنكري يف قوله (لذو فضل) فهو (ان‬
‫جيعل فضال ال يوازيه فضل وذلك امنا يستوي ابالضافة) (‪ .)4‬وقد تفتتح اجلملة بـ (ان) متبوعة بلفظ‬
‫وها‬ ‫اجلاللة وبعدها الالم مع صفات الغفران والرمحة كما يف قوله تعاىل‪( :‬وإِ ْن تَـعدوا نِعمةَ َِّ‬
‫ص َ‬ ‫اَّلل ال ُحتْ ُ‬ ‫َ ُ َْ‬
‫اَّلل لَغَ ُف ِ‬
‫يم) (‪ .)5‬ويف تقدمي املغفرة على الرمحة ما ال خيفى من الدقة يف التعبري (وهذا التقدمي‬ ‫ور َرح ٌ‬‫إِ َّن ََّ ٌ‬
‫اوىل ابلطبع‪ ،‬الن املغفرة سالمة‪ ،‬والرمحة غنيمة والسالمة تطلب قبل الغنيمة) (‪.)6‬‬
‫ول‬‫الر ُس ُ‬
‫َّاس َويَ ُكو َن َّ‬ ‫اء َعلَى الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫(وَك َذلِ َ‬
‫ك َج َعلْنَا ُك ْم أ َُّمةً َو َسطاً لتَ ُكونُوا ُش َه َد َ‬ ‫وقريب من ذلك قوله‪َ :‬‬
‫ب َعلَى َع ِقبَـ ْي ِه‬ ‫ِ‬ ‫الرس َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َعلَْي ُك ْم َش ِهيداً َوَما َج َعلْنَا ال ِْق ْبـلَةَ الَِّيت ُك ْن َ‬
‫ول ممَّ ْن يَـ ْنـ َقل ُ‬ ‫ت َعلَْيـ َها إَِّال لنَـ ْعلَ َم َم ْن يَـتَّبِ ُع َّ ُ‬
‫َّاس لَرُؤ ٌ ِ‬ ‫يع إِميَانَ ُك ْم إِ َّن َّ ِ‬ ‫اَّلل وما َكا َن َّ ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫وإِ ْن َكانَ ْ ِ‬
‫يم)‬
‫وف َرح ٌ‬ ‫اَّللَ ابلن ِ َ‬ ‫اَّللُ ليُض َ‬ ‫ريًة إَِّال َعلَى الذ َ‬
‫ين َه َدى َُّ َ َ‬ ‫ت لَ َكب َ‬ ‫َ‬
‫(‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪ .243 :‬وينظر‪ :‬سورة يونس‪ ،‬اآلية (‪.)60‬‬
‫(‪ )2‬غافر‪.)61( :‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬إيضاح الوقف واالبتداء‪.872:2 ،‬‬
‫(‪ )4‬الكشاف‪.434:3 ،‬‬
‫(‪ )5‬النحل‪.)18( :‬‬
‫(‪ )6‬صفاء الكلمة‪.227 :‬‬
‫(‪ )7‬البقرة‪ .)143( :‬وينظر‪ :‬سورة احلج‪ ،‬اآلية (‪ .)60‬وسورة فاطر‪ ،‬اآلية (‪.)34‬‬

‫(‪)91/1‬‬

‫وقد حيدث اختالف يف هذه الصيغة فرتد صفات مضادة ملا سبق تؤكد قوة هللا تعاىل وعقابه‪ ،‬بل‬
‫ي َع ِز ٌيز) (‪.)1‬‬ ‫اَّللَ َح َّق قَ ْد ِرهِ إِ َّن َّ‬
‫اَّللَ لََق ِو ٌّ‬ ‫(ما قَ َد ُروا َّ‬
‫وسرعة ذلك العقاب االهلي كقوله تبارك وتعاىل‪َ :‬‬
‫اد) (‪.)2‬‬ ‫ك لَبِال ِْمرص ِ‬ ‫اب* إِ َّن َربَّ َ‬
‫ط َع َذ ٍ‬ ‫ك َس ْو َ‬ ‫ب َعلَْي ِه ْم َرب َ‬ ‫ص َّ‬
‫ْ َ‬ ‫وقوله تعاىل‪( :‬فَ َ‬
‫ص َل َما ِيف الص ُدوِر* إِ َّن َرَّهبُ ْم هبِِ ْم يَـ ْوَمئِ ٍذ َخلَبِريٌ)‬ ‫وقوله جل شأنه‪( :‬أَفَال يَـ ْعلَ ُم إِذَا بُـ ْعثِ َر َما ِيف الْ ُقبُوِر* َو ُح ِّ‬
‫(‪.)3‬‬
‫واخلطاب يف هذه اآلايت القوام يتوزعون ما بني املنكر وبني من ينزل منزلة ولذلك جاء التأكيد بـ‬
‫(ان) والالم‪.‬‬
‫ك إَِّال‬
‫ال لَ َ‬
‫(ما يُـ َق ُ‬
‫وقد جتمع اآلية الواحدة صفتني متناقضتني كاملغفرة والعقاب ومن ذلك قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫اب أَلِ ٍيم) (‪ .)4‬ويتبادر اىل الذهن الول وهلة‬ ‫ك لَ ُذو َمغْ ِفرةٍ َوذُو ِع َق ٍ‬ ‫يل لِلر ُس ِل ِم ْن قَـ ْبلِ َ‬
‫ك إِ َّن َربَّ َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َما قَ ْد ق َ‬
‫ان قوله (ان ربك لذو مغفرة وذو عقاب اليم) هو مما قد قيل للرسل السابقني‪ ،‬اال انه عند التحقيق‬
‫يظهر ان هذه اجلملة مستأنفة وهي ليست مما قيل للرسل يف العصور السابقة (أي ما يقول لك كفار‬
‫قومك (اال) مثل ما قال للرسل كفار قومهم من الكلمات املؤذية واملطاعن يف الكتب املنزلة) (‪)5‬‬
‫وعند ذلك جيب الوقف عند قوله تعاىل (للرسل من قبلك) ومن مث االبتداء بقوله (ان ربك ‪) ...‬‬
‫صلِ ُحو َن* أَال إِ َّهنُ ْم‬ ‫يل َهلُ ْم ال تُـ ْف ِس ُدوا ِيف ْاأل َْر ِ‬
‫ض قَالُوا إِ َّمنَا َْحن ُن ُم ْ‬ ‫وهي بذلك شبيهة بقوله تعاىل‪ِ ِ :‬‬
‫(وإ َذا ق َ‬
‫َ‬
‫ُه ُم ال ُْم ْف ِس ُدو َن َولَ ِك ْن ال يَ ْش ُع ُرو َن) (‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬احلج‪ ،)74( :‬واآلية (‪ )40‬من السورة نفسها‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفجر‪.)14 - 13( :‬‬
‫(‪ )3‬العادايت‪.)11 - 9( :‬‬
‫(‪ )4‬فصلت‪ .)43( :‬وتنظر‪ :‬سورة االعراف‪ ،‬اآلية (‪.)167‬‬
‫(‪ )5‬الكشاف‪.45 ،3 ،‬‬
‫(‪ )6‬البقرة‪ )11 - 10( :‬وتنظر‪ :‬اآلايت‪ 15 - 14 - 13 :‬من سورة البقرة حيث اسقط فيها‬
‫العاطف وهو (الواو)‪.‬‬

‫(‪)92/1‬‬

‫فقوله (اال اهنم هم املفسدون) (كالم مستأنف وهو اخبار عن هللا تعاىل فلو اتى بـ (الواو) لكان‬
‫اخبارا عن اليهود ابهنم وصفوا انفسهم ابهنم مفسدون فيختل املعىن) (‪ .)1‬اذن ففي هذه يتوجب‬
‫اسقاط الواو الن وجوده خيل ابملعىن‪.‬‬
‫ومع ذلك فأنه (جيوز ان يكون ما يقول لك هللا اال مثل ما قال للرسل من‬
‫قبلك‪ ،‬واملقول هو قوله تعاىل – ان ربك لذو مغفرة وذو عقاب اليم) (‪.)2‬‬
‫ار‬ ‫وقد يرد بعد (إن) املتوبعة ابالم اسم هو ليس لفظ اجلاللة كما يف قوله تعاىل‪( :‬وما َكا َن ْ ِ‬
‫است ْغ َف ُ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّلل تَ ََّ ِ ِ ِ‬ ‫إِبـر ِاهيم ِألبِ ِيه إَِّال عن مو ِع َدةٍ وع َدها إِ َّايه فَـلَ َّما تَـب َّني لَه أَنَّه ع ُد ٌّو َِِّ‬
‫يم)‬ ‫ربأَ م ْنهُ إ َّن إبْـ َراه َ‬
‫يم َأل ََّواهٌ َحل ٌ‬ ‫ََ ُ ُ َ‬ ‫َ ْ َْ َ َ َ ُ‬ ‫َْ َ‬
‫(‪ )3‬فاملوقف على قوله (عدو هلل تربأ منه) وقف اتم (‪ ،)4‬مث يستأنف الكالم بقوله (ان ابراهيم الداه‬
‫حليم) وهو مبثابة التعليل لكالم السابق عليه‪ .‬وقد أييت االسم معرفاً بـ (ال) اجلنس وذلك حينما‬
‫الش ْمس َوالْ َق َم َر َدائِبَ ْ ِ‬
‫ني‬ ‫َّر لَ ُك ُم َّ َ‬ ‫(و َسخ َ‬ ‫يكون احلديث عن بعض صفات االنسان كما يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ص َ ِ ِ‬ ‫ت َِّ‬ ‫آات ُك ْم ِم ْن ُك ِّل َما َسأَلْتُ ُموهُ َوإِ ْن تَـعُدوا نِ ْع َم َ‬
‫وها إ َّن ْاألنْ َ‬
‫سا َن‬ ‫اَّلل ال ُحتْ ُ‬ ‫ار* َو َ‬ ‫َّر لَ ُك ُم اللَّْي َل َوالنـ َ‬
‫َّه َ‬ ‫َو َسخ َ‬
‫ار) (‪.)5‬‬ ‫وم َك َّف ٌ‬
‫لَظَلُ ٌ‬
‫فجملة (("ان االنسان لظلوم كفار" أتكيد ملعىن االستفهام اإلنكاري املستعمل يف حتقيق تبديل نعمة‬
‫هللا كفرا‪ ،‬فلذلك فصلت)) (‪.)6‬‬
‫وتتعدد الصفات واالمساء الواردة بعد (ان) متبوعة ابلالم يف نظم قرآين ذي الوان متعددة جتمعها دقة‬
‫التعبري ومجال التصوير (‪ .)7‬ومثلما ورد االسم بعد (إن) فقد احتل اسم االشارة حيزاً ال ميكن‬
‫ت َاي‬
‫التغاضي عنه كما يف قوله جل شانه‪( :‬قَالَ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬حسن التوسل اىل صناعة الرتسل شهاب الدين حممود احلليب‪ .107 - 106 ،‬وينظر‪ .‬دالئل‬
‫االعجاز‪ ،238 :‬ومفتاح العلوم‪.475 :‬‬
‫(‪ )2‬الكشاف‪.455:3 ،‬‬
‫(‪ )3‬التوبة‪ .)114( :‬وتنظر‪ :‬سورة هود‪ ،‬اآلية‪.)75( :‬‬
‫(‪ )4‬ايضاح الوقف واالبتداء‪.699 :2 ،‬‬
‫(‪ )5‬ابراهيم‪ .)34( :‬وتنظر‪ :‬سورة احلج‪ ،‬اآلية (‪ ،)66‬وسورة الزخرف‪ ،‬اآلية (‪.)15‬‬
‫(‪ )6‬التحرير والتنوير‪.237 :13 ،‬‬
‫(‪ )7‬وتنظر على سبيل املثال‪ :‬سورة املطففني‪ ،‬اآلية (‪ .)22‬وسورة العادايت‪ ،‬اآلية (‪ ،)6‬وسورة‬
‫لقمان اآلية (‪ )13‬وسورة غافر‪ ،‬اآلية (‪ ،)59‬وسورة الطور‪ ،‬اآلية (‪ ،)7‬وسورة الربوج اآلية (‪،)12‬‬
‫وسورة الليل اآلية (‪ )4‬وسورة الفجر‪ ،‬اآلية (‪ ،)54‬وسورة ابراهيم‪ ،‬اآلية (‪.)22‬‬

‫(‪)93/1‬‬

‫َج َع َل ْاآل ِهلَةَ إِ َهلاً‬


‫يب) (‪ .)1‬وقوله تعاىل‪( :‬أ َ‬
‫ِ‬ ‫َويْـلَ َىت أَأَلِ ُد َوأ ََان َع ُجوٌز َو َه َذا بَـ ْعلِي َش ْيخاً إِ َّن َه َذا لَ َ‬
‫ش ْيءٌ َعج ٌ‬
‫شوا واصِربوا َعلَى ِ‬
‫آهلَتِ ُك ْم إِ َّن َه َذا لَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫احداً إِ َّن َه َذا لَ َ‬ ‫وِ‬
‫ش ْيءٌ‬ ‫اب* َوانْطَلَ َق ال َْم َألُ م ْنـ ُه ْم أَن ْام ُ َ ْ ُ‬
‫ش ْيءٌ ُع َج ٌ‬ ‫َ‬
‫اد) (‪ .)2‬وقوله (ان هذا الشي عجاب "أي بليغ يف العجب") (‪ .)3‬وقوله (ان هذا لشي يراد) أي‬ ‫يُـ َر ُ‬
‫(ان هذا االمر لشي من نوائب الدهر يراد بنا فال انفكاك لنا منه‪ :‬وان دينكم لشي يراد‪ ،‬أي‪ :‬يطلب‬
‫ليؤخذ منكم وتغلبوا عليه) (‪.)4‬‬
‫وجتدر االشارة اىل ان اسم االشارة يف هذه اآلايت مجيعاً أييت بعد ان يقص القرآن حداثً معيناً مث‬
‫تكون هذه االشارة اىل ذلك احلدث القريب أي ان االشارة هنا اىل شي معنوي وليس مادايً‪.‬‬
‫ومثلما وردت (إن) غري متصلة ابي ضمري‪ ،‬فقد وردت (إن) متصلة ببعض الضمائر متبوعة ابلالم‪.‬‬
‫ومن ذلك اتصاهلا ابلضمري (ان) فتصبح (إ ّان) مشددة وهو صادر عن مجاعة من املتكلمني كما يف‬
‫اعنَا ِع ْن َدهُ إِ َّان إِذاً لَظَالِ ُمو َن) (‪ .)5‬وقوله تعاىل‪:‬‬
‫ْخ َذ إَِّال َم ْن َو َج ْد َان َمتَ َ‬
‫ال معاذَ َِّ‬
‫اَّلل أَ ْن ََن ُ‬ ‫قوله تعاىل‪( :‬قَ َ َ َ‬
‫وهم أ ْ ِ‬ ‫(قَالُوا إِ َّان أُر ِسلْنا إِ َىل قَـوٍم ُْجم ِرِمني* إَِّال َ ٍ‬
‫ني) (‪.)6‬‬ ‫َمجَع َ‬ ‫آل لُوط إِ َّان لَ ُمنَج ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬
‫ع لَنَا‬ ‫وقد يتصل الضمري (ان) بـ (ان) وال يدغم معها (اننا) كما يف قوله تعاىل‪( :‬وقَالُوا ايَيـها َّ ِ‬
‫الساح ُر ا ْد ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ك ِمبَا َع ِه َد ِع ْن َد َك إِنـَّنَا لَ ُم ْهتَ ُدو َن) (‪.)7‬‬‫َربَّ َ‬
‫ول لَ ُكم ِع ْن ِدي َخزائِن َِّ‬
‫اَّلل َوال أَ ْعلَ ُم‬ ‫َ ُ‬ ‫(وال أَقُ ُ ْ‬
‫ووردت (ان) وقد اتصل هبا ايء املتكلم كما يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ك وال أَقُ ُ ِ ِ‬
‫ول للَّذ َ‬
‫ين تَـ ْز َد ِري‬ ‫ول إِِّين َملَ ٌ َ‬ ‫ب َوال أَقُ ُ‬ ‫الْغَْي َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬هود‪.)72( :‬‬
‫(‪ )2‬ص‪ )6 - 5( :‬وتنظر‪ :‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية (‪ ،)123‬وسورة الشعراء‪ ،‬اآلية (‪ ،)54‬وسورة‬
‫النمل اآلية (‪ )16‬وسورة الروم‪ ،‬اآلية (‪ )51‬وسورة ص‪ ،‬اآلية (‪ )54‬وسورة ص‪ ،‬اآلية (‪.)64‬‬
‫(‪ )3‬الكشاف‪.73 :4 ،‬‬
‫(‪ )4‬م‪ .‬ن‪.73 :4 .‬‬
‫(‪ )5‬يوسف‪.)79( :‬‬
‫(‪ )6‬احلجر‪ )59 - 58( :‬وتنظر‪ :‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية (‪ )106‬وسورة الصافات‪ ،‬اآلية (‪.)31‬‬
‫(‪ )7‬الزخرف‪.)49( :‬‬

‫(‪)94/1‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أَ ْعيُـنُ ُك ْم لَ ْن يُـ ْؤتِيَـ ُه ُم َّ‬


‫ني) (‪ .)1‬وقوله تبارك وتعاىل‪:‬‬ ‫اَّللُ أَ ْعلَ ُم ِمبَا ِيف أَنْـ ُفس ِه ْم إِِّين إِذاً لَ ِم َن الظَّال ِم َ‬
‫اَّللُ َخ ْرياً َّ‬
‫ون* إِِّين إِذاً لَِفي‬
‫اعتُـهم َش ْيئاً وال يـ ْن ِق ُذ ِ‬ ‫الر ْمحَ ُن بِ ُ‬ ‫َخت ُذ ِمن ُدونِِه ِ‬
‫آهلَةً إِ ْن يُ ِر ْد ِن َّ‬ ‫(أَأ َِّ‬
‫َ ُ‬ ‫ض ٍّر ال تُـ ْغ ِن َع ِّين َش َف َ ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫ني) (‪.)2‬‬ ‫الل ُمبِ ٍ‬‫ض ٍ‬ ‫َ‬
‫(إن) وما بعدها من اجلملة واقعة موقع جواب الشرط‪.‬‬ ‫وجتدر االشارة هنا اىل أ ّن َّ‬
‫ِِ‬ ‫واتصلت (ان) كذلك ابلضمري (هم) متبوعة ابلالم كما يف قوله تعاىل‪( :‬وقَ َ َّ ِ‬
‫آمنُوا‬ ‫ين َك َف ُروا للَّذ َ‬
‫ين َ‬ ‫ال الذ َ‬ ‫َ‬
‫اذبُو َن) (‪ .)3‬وقوله‬ ‫اتَّبِعوا سبِيلَنَا ولْنَح ِمل َخطَااي ُكم وما ُهم ِحب ِاملِني ِمن َخطَااي ُهم ِمن َشي ٍء إِ َّهنُم لَ َك ِ‬
‫َ ْ ْ ْ ْ‬ ‫ُ َ َ ْ ْ َ ْ ََ ْ َ َ ْ‬
‫الس ْم ِع لَ َم ْع ُزولُو َن) (‪.)4‬‬ ‫يعو َن* إِ َّهنُ ْم َع ِن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(وَما يَـ ْنـبَغي َهلُ ْم َوَما يَ ْستَط ُ‬ ‫جل شانه‪َ :‬‬
‫لقد تعاملنا فيما مضى من هذا املبحث مع القسم األول من اإلجابة عن السبب اخلاص إ ْذ يؤكد‬
‫الكالم هنا الن املخاطب اما منكر او ينزل منزلة املنكر ولذلك اكد اخلطاب ابكثر من مؤكد واحد‬
‫من اجل ازالة ذلك اإلنكار اما القسم الثاين منه فيؤكد مبؤكد واحد (أي اذا كان املخاطب مرتدداً يف‬
‫املخرب به حسن ان يقوى مبؤكد واحد) (‪.)5‬‬
‫ويضع عبد القاهر اجلرجاين شرطا لـ (ان) حينما تكون جواابً لسؤال هو (ان يكون للسائل ظن يف‬
‫املسئول عنه على خالف ما انت جتيبه فاما ان جيعل جمرد اجلواب فيه أصال فال) (‪.)6‬‬
‫أي ان الطالب او السائل هنا ليس خايل الذهن متاماً بل (حضر يف ذهنه طرفا احلكم وحتري يف ان‬
‫احلكم بينهما وقوع النسبة او ال وقوعها) (‪ .)7‬فاالستفهام‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬هود‪.)31( :‬‬
‫(‪ )2‬يس‪.)24 - 23( :‬‬
‫(‪ )3‬العنكبوت‪.)12( :‬‬
‫(‪ )4‬الشعراء‪.)212 - 211( :‬‬
‫(‪ )5‬شروح التلخيص ‪/‬عروس االفراح‪.205 :1 ،‬‬
‫(‪ )6‬دالئل االعجاز‪.312 :‬‬
‫(‪ )7‬شروح التلخيص ‪ /‬خمتصر العالمة سعد الدين التفتازاين‪.205 :1 ،‬‬

‫(‪)95/1‬‬

‫يف هذه احلالة اذن هو استفهام تصديق‪ ،‬إ ْذ إِ َّن التصديق هو (ان حيكم على ما تصوره بثبوت شي له‬
‫او انتفاء شي عنه) (‪ .)1‬وجتدر االشارة اىل ان لَْبساً يرد هنا وهو ان صاحب التلخيص ومن تبعه يف‬
‫شروح التلخيص يقررون انه من املستحسن االتيان ابملؤكد مع الطالب املرتدد بينما يشرتط عبد‬
‫القاهر اجلرجاين االتيان ابملؤكد الن للمخاطب ظنا يف املسؤول عنه على خالف ما انت جتيبه به‬
‫اللبس اذا علمنا (ان الظن يف كالم الشيخ عبد القاهر شرط يف التأكيد أبن خاصة‬
‫ُ‬ ‫(‪ .)2‬ويدفع هذا‬
‫الهنا كالعلم يف التأكيد خبالف غريها فال يشرتط يف التأكيد به ظن اخلالف وعليه حيمل كالم القوم‬
‫ورد هذا اجلمع بقوله (إِ َّهنُ ْم ُمغْ َرقُو َن) (‪ )3‬فانه مؤكد ابن مع ان نوحاً مل يكن ظاانً‬
‫وحينئذ فال تنايف َّ‬
‫لعدم غرقهم بل مرتدداً فاحلق اهنما طريقتان متقابلتان) (‪.)4‬‬
‫اما عن السبب يف تركيز الكالم على (إن) فقط اداة للتوكيد مع املرتدد الطالب فذلك الهنا اهم‬
‫مؤكد يدفع به الرتدد الذي حيمله املخاطب‪ ،‬وقد جاء االستخدام القرآين معززاً هذه احلقيقة‪ .‬لقد‬
‫احتلت ان حيزاً الفتاً للنظر يف البالغة القرآنية ا ْذ استخدمت بكثرة ومن ذلك جميئها متبوعة بلفظ‬
‫اَّلل َو ِع ْن َد‬
‫ف ي ُكو ُن لِلْم ْش ِركِني عه ٌد ِع ْن َد َِّ‬
‫ُ َ َْ‬ ‫اجلاللة واييت بعده فعل مضارع كما يف قوله تبارك وتعاىل‪َ ( :‬ك ْي َ َ‬
‫ِ‬ ‫رسولِ ِه إَِّال الَّ ِذين َعاه ْد ُْمت ِع ْن َد الْمس ِج ِد ا ْحلر ِام فَما استَـ َقاموا لَ ُكم فَ ِ‬
‫اَّللَ ُِحيب ال ُْمتَّق َ‬
‫ني)‬ ‫يموا َهلُ ْم إِ َّن َّ‬
‫استَق ُ‬
‫ْ ْ‬ ‫ََ َ ْ ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ‬ ‫َُ‬
‫(‪ .)5‬ومجلة (ان هللا جيب املتقني) هنا (تعليل لالمر ابالستقامة‪ .‬وموقع أن اوهلا لالهتمام وهو مؤذن‬
‫ابلتعليل الن (ان) يف مثل هذا تغين غناء (فاء) وقد انبأ ذلك التعليل ان االستقامة هلم من التقوى‬
‫واال مل تكن مناسبة لالخبار ابن هللا حيب املتقني عقب االمر ابالستقامة هلم) (‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬االقصى الغريب‪.3 :‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬شروح التلخيص‪.205 :1 ،‬‬
‫(‪ )3‬هود‪ )37( :‬ونص اآلية هو‪( :‬واصنع الفلك ابعيننا وال ختاطبين يف الذين ظلموا اهنم مغرقون)‪.‬‬
‫(‪ )4‬شروح التلخيص ‪/‬حاشية الدسوقي‪.205 :1 ،‬‬
‫(‪ )5‬التوبة‪.)7( :‬‬
‫(‪ )6‬التحرير والتنوير‪.123 :10 ،‬‬

‫(‪)96/1‬‬

‫ِ‬ ‫َح ِسنُوا إِ َّن َّ‬ ‫وقوله تعاىل‪( :‬وأَنْ ِف ُقوا ِيف سبِ ِ ِ‬
‫اَّلل وال تُـ ْل ُقوا ِأبَي ِدي ُكم إِ َىل التـ ْ ِ‬
‫اَّللَ ُِحيب ال ُْم ْحسنِ َ‬
‫ني)‬ ‫َّهلُ َكة َوأ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫يل َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪.)1‬‬
‫اح ُك ْم بَـ ْيـنَـ ُه ْم أ َْو أَ ْع ِر ْ‬
‫ض َع ْنـ ُه ْم‬ ‫ت فَِإ ْن َجاءُ َ‬
‫وك فَ ْ‬ ‫َكالُو َن لِلس ْح ِ‬
‫ب أ َّ‬‫َّاعو َن لِلْ َك ِذ ِ‬
‫(مس ُ‬
‫وقوله جلت قدرته‪َ :‬‬
‫ِِ‬ ‫اح ُك ْم بَـ ْيـنَـ ُه ْم ِابل ِْق ْس ِط إِ َّن َّ‬
‫ني)‬‫اَّللَ ُِحيب ال ُْم ْقسط َ‬ ‫وك َش ْيئاً َوإِ ْن َح َك ْم َ‬
‫ت فَ ْ‬ ‫ضر َ‬ ‫َوإِ ْن تُـ ْع ِر ْ‬
‫ض َع ْنـ ُه ْم فَـلَ ْن يَ ُ‬
‫(‪.)2‬‬
‫واخلطاب يف هذه اآلايت موجه للمؤمنني‪ ،‬وهم وان كانوا غري مرتددين يف حمبة هللا تعاىل لالحسان او‬
‫للقسط اال ان اخلطاب القرآين ينزهلم هذه املنزلة لغرض بالغي حىت يكون االرشاد والوعظ ابلغ يف‬
‫نفوسهم كي حيبوا ما حيبه هللا ويكرهون ما يكرهه تعاىل (‪.)3‬‬
‫ومثلما جاءت (ان) عقب االمر معللة له‪ ،‬فقد جاءت عقب االمر او النهي تنفي فعال مضارعاً عن‬
‫ين يُـ َقاتِلُونَ ُك ْم َوال تَـ ْعتَ ُدوا إِ َّن َّ‬
‫اَّللَ ال‬ ‫يل َِّ َّ ِ‬ ‫(وقَاتِلُوا ِيف َسبِ ِ‬
‫اَّلل الذ َ‬ ‫هللا تبارك وتعاىل كما يف قوله جل وعال‪َ :‬‬
‫ين) (‪.)4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُحيب ال ُْم ْعتَد َ‬
‫وقوله جل شانه‪( :‬ربَّـنا إِنَّك ج ِامع الن ِ ِ ٍ‬
‫اد) (‪.)5‬‬ ‫اَّللَ ال خيُْلِ ُ‬
‫ف ال ِْم َيع َ‬ ‫ب فِ ِيه إِ َّن َّ‬ ‫َّاس ليَـ ْوم ال َريْ َ‬ ‫ََ َ َ ُ‬
‫فجملة (ان هللا ال خيلف امليعاد) (تعليل لتفي الريب أي الن هللا وعد جبمع الناس له‪ ،‬فال خيلف‬
‫ذلك‪ ،‬واملعىن‪ :‬ان هللا الخيلف خربه‪ ،‬وامليعاد هنا اسم مكان) (‪.)6‬‬
‫وعلى هذا السياق تسري هذه اآلايت (‪ ،)7‬فكثرياً ما يكون اخلطاب موجها للنيب (ص) فيها‪ ،‬أو‬
‫للمؤمنني وقد خيرج عن ذلك قليالً‪ ،‬واكثر هذه اآلايت تكون من اآلايت املدنية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.)195( :‬‬
‫(‪ )2‬املائدة‪.)42( :‬‬
‫(‪ )3‬تنظر‪ :‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪ )222( :‬وسورة املائدة‪ ،‬اآلية (‪ .)13‬وسورة احلجرات اآلية (‪.)9‬‬
‫وسورة املمتحنة‪ ،‬اآلية (‪.)8‬‬
‫(‪ )4‬البقرة‪.)190( :‬‬
‫(‪ )5‬آل عمران‪.)9( :‬‬
‫(‪ )6‬التحرير والتنوير‪.171 :3 :‬‬
‫(‪ )7‬تنظر‪ :‬سورة النساء‪ ،‬اآلية (‪ ،)36‬وسورة املائدة‪ ،‬اآلية (‪ .)51‬وسورة املائدة اآلية (‪ ،)87‬وسورة‬
‫يونس‪ ،‬اآلية (‪ ،)81‬وسورة الرعد‪ ،‬اآلية (‪ ،)31‬وسورة احلج‪ ،‬اآلية (‪ ،)38‬وسورة القصص‪ ،‬اآلية‬
‫(‪ ،)50‬وسورة القصص‪ ،‬اآلية (‪ ،)77‬وسورة املنافقون‪ ،‬اآلية (‪.)6‬‬

‫(‪)97/1‬‬

‫الصال َة‬
‫ت َهلُُم َّ‬ ‫ت فِي ِه ْم فَأَقَ ْم َ‬
‫(وإِ َذا ُك ْن َ‬
‫وقلما أييت بعد لفظ اجلاللة الفعل ماضيا كما يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك ولْيأْ ُخ ُذوا أ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َسل َحتَـ ُه ْم فَِإ َذا َس َج ُدوا فَـلْيَ ُكونُوا م ْن َوَرائ ُك ْم َولْتَأْت طَائ َفةٌ أُ ْخ َرى َملْ‬ ‫ْ‬ ‫فَـ ْلتَـ ُق ْم طَائ َفةٌ م ْنـ ُه ْم َم َع َ َ َ‬
‫َسلِ َحتِ ُك ْم‬ ‫َّ ِ‬ ‫ْخ ُذوا ِح ْذرهم وأ ِ‬
‫َسل َحتَـ ُه ْم َو َّد الذ َ‬
‫ين َك َف ُروا لَ ْو تَـ ْغ ُفلُو َن َع ْن أ ْ‬ ‫َُ ْ َ ْ‬ ‫ك َولْيَأ ُ‬
‫صلوا َم َع َ‬ ‫صلوا فَـلْيُ َ‬ ‫يُ َ‬
‫ضى‬‫َذى ِم ْن َمطَ ٍر أ َْو ُك ْنـتُ ْم َم ْر َ‬ ‫ِ‬
‫اح َعلَْي ُك ْم إِ ْن َكا َن ب ُك ْم أ ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َوأ َْمت َعت ُك ْم فَـيَميلُو َن َعلَْي ُك ْم َم ْيـلَةً َواح َدةً َوال ُجنَ َ‬
‫اَّلل أ َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضعوا أ ِ‬
‫ين َع َذاابً ُم ِهيناً) (‪.)1‬‬ ‫َع َّد ل ْل َكاف ِر َ‬ ‫َسل َحتَ ُك ْم َو ُخ ُذوا ح ْذ َرُك ْم إِ َّن ََّ‬
‫أَ ْن تَ َ ُ ْ‬
‫وهو اندر جداً‪ ،‬اال ان الفعل املاضي الناقص كان قد احتل حيزاً جتدر االشارة اليه فقد ورد يف سورة‬
‫النساء فقط (ست عشرة) مرة وقد استاثرت هذه السورة ابعظم كمية من هذه الصيغة‪ .‬كما يف قوله‬
‫ارى َح َّىت تَـ ْعلَ ُموا َما تَـ ُقولُو َن َوال ُجنُباً إَِّال َعابِ ِري‬ ‫َّ ِ‬
‫الصالةَ َوأَنْـتُ ْم ُس َك َ‬
‫آمنُوا ال تَـ ْق َربُوا َّ‬ ‫(اي أَيـ َها الذ َ‬
‫ين َ‬ ‫تعاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ضى أَو علَى س َف ٍر أَو جاء أ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َسبِ ٍ‬
‫اء‬
‫سَ‬ ‫الم ْستُ ُم النّ َ‬
‫َح ٌد م ْن ُك ْم م َن الْغَائط أ َْو َ‬ ‫يل َح َّىت تَـغْتَسلُوا َوإِ ْن ُك ْنـتُ ْم َم ْر َ ْ َ َ ْ َ َ َ‬
‫فَـلَم َِجت ُدوا ماء فَـتـي َّمموا ص ِعيداً طَيِباً فَامسحوا بِوج ِ‬
‫وه ُك ْم َوأَيْ ِدي ُك ْم إِ َّن َّ‬
‫اَّللَ َكا َن َع ُف ّواً غَ ُفوراً) (‪.)2‬‬ ‫ّ ْ َ ُ ُُ‬ ‫َ ً ََ ُ َ‬ ‫ْ‬
‫لقد جاء ترتيب الصيغة هنا بتقدمي (ان) مث الفعل املاضي الناقص (كان) مث صفتني من صفات هللا‬
‫تبارك وتعاىل‪ ،‬وهذه الصيغة الواردة يف ذيل اآلية (كناية عن الرتخيص والتيسري‪ ،‬الن من كانت عادته‬
‫ان يعفو عن اخلطائني ويغفر هلم اثر ان يكون ميسراً غري معسر) (‪.)3‬‬
‫وقد ترد الصيغة مع صفيت الغفران والرمحة فتكون الصيغة (ان هللا كان غفوراً رحيما) (‪ .)4‬او اهنا ترد‬
‫مع صفيت العلم واحلكمة فتكون (ان هللا كان عليماً حكيماً) (‪)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النساء‪.)102( :‬‬
‫(‪ )2‬النساء‪.)43( :‬‬
‫(‪ )3‬الكشاف‪.529 :1 ،‬‬
‫(‪ )4‬تنظر‪ :‬سورة النساء‪ ،‬اآلية (‪ ،)23‬واآلية (‪ ،)106‬وسورة االحزاب‪ ،‬اآلية (‪.)24‬‬
‫(‪ )5‬تنظر‪ :‬سورة النساء‪ ،‬اآلية (‪ ،)11‬وسورة االحزاب‪ ،‬اآلية (‪ ،)1‬وسورة الدهر‪ ،‬اآلية (‪.)30‬‬

‫(‪)98/1‬‬

‫وقد ترد صفات اخرى (‪ )1‬وحني ترد هااتن الصفتان فال تنافر بينهما بل تكوانن متناسبتني تكمل‬
‫ت َِّ‬
‫اَّلل واحلكمة إِ َّن َّ‬
‫اَّللَ َكا َن‬ ‫احدامها األخرى كما يف قوله تعاىل‪( :‬واذْ ُكر َن ما يـ ْتـلَى ِيف بـيوتِ ُك َّن ِمن آاي ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ُُ‬ ‫َ ْ َ ُ‬
‫لَ ِطيفاً َخبِرياً) (‪.)2‬‬
‫فجملة (ان هللا كان لطيفاً خبرياً) هي (تعليل لالمر وتذييل للجملة السابقة والتعليل صاحل حملامل‬
‫االمر كلها الن اللطف يقتضي اسداء النفع بكيفية ال تشق على املسدى اليه) (‪ .)3‬وقد حيدث‬
‫َّ ِ‬
‫آمنُوا ال‬ ‫ين َ‬‫(اي أَيـ َها الذ َ‬ ‫تغيري يف هذه الصيغة فتايت بصفة واحدة ال صفتني كما يف قوله جل وعال‪َ :‬‬
‫س ُك ْم إِ َّن َّ‬ ‫اط ِل إَِّال أَ ْن تَ ُكو َن ِجتَارةً عن تَـر ٍ ِ‬
‫َأتْ ُكلُوا أَموالَ ُكم بـيـن ُكم ِابلْب ِ‬
‫اَّللَ َكا َن‬ ‫اض م ْن ُك ْم َوال تَـ ْقتُـلُوا أَنْـ ُف َ‬‫َ َْ َ‬ ‫ْ َ ْ َْ َ ْ َ‬
‫بِ ُك ْم َرِحيماً) (‪.)4‬‬
‫وهذه الصيغة سواء جاءت بصفتني او صفة واحدة غالباً ما اتيت يف السور املدنية‪ ،‬وغالباً ما يكون‬
‫اخلطاب فيها موجهاً للمؤمنني‪ ،‬وجتدر االشارة اىل ان هنالك سؤاالً يقدح يف الذهن عند قراءة هذه‬
‫اآلايت وهو‪ :‬ملا كانت صفات الباري عز وجل عني ذاته‪ ،‬وهي صفات اثبتة غري قابلة للنقص او‬
‫التغيري البتة‪ ،‬فلم عرب عن هذه الصفات يف هذه االايت ابلفعل املاضي حىت اصبحت الصيغة تدل يف‬
‫ظاهرها على املضي؟ ويف مقام اجلواب نقول كما قال صاحب (االتقان) إن (كان)‪( :‬فعل انقص‬
‫متصرف يرفع االسم وينصب اخلرب معناه يف االصل املضي واالنقطاع ‪ ...‬واتيت مبعىن الدوام‬
‫واالستمرار ‪ ...‬وعلى هذا املعىن تتخرج مجيع الصفات الذاتية املقرتنة بكان) (‪.)5‬‬
‫يضاف اىل ما تقدم ان هذه الصيغة كانت تسبق ـ يف االعم االغلب ـ أبحكام او تشريعات او أوامر‬
‫او نواهٍ مث تذيل هبذه الصيغة املباركة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تنظر‪ :‬سورة النساء‪ ،‬اآلية (‪.)58( ،)56( ،)35( ،)34( ،)16‬‬
‫(‪ )2‬االحزاب‪.)34( :‬‬
‫(‪ )3‬التحرير والتنوير‪.19 :22 ،‬‬
‫(‪ )4‬النساء‪ .)29( :‬وتنظر‪ :‬سورة النساء‪ ،‬اآلية (‪ ،)86( ،)33( ،)32‬وسورة االحزاب‪ ،‬اآلية (‪،)2‬‬
‫(‪.)55‬‬
‫(‪ )5‬االتقان يف علوم القرآن‪.219 :1 ،‬‬

‫(‪)99/1‬‬

‫واذا جتاوزان هذه الصيغة اىل صيغ اخرى فهنالك صيغة قريبة منها طاملا تكررت يف القرآن الكرمي إ ْذ‬
‫تفتتح هذه الصيغة بـ (ان) وبعدها لفظ اجلاللة متبوع بصفتني من صفات الباري عز وجل كصفيت‬
‫اخلِْن ِزي ِر َوَما أ ُِه َّل بِ ِه‬ ‫الغفران والرمحة ومن ذلك قوله جل شانه‪( :‬إِ َّمنَا َح َّرَم َعلَْي ُك ُم ال َْم ْيـتَةَ َوالد َ‬
‫َّم َو َحلْ َم ْ‬
‫اَّلل غَ ُف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫لِغَ ِري َِّ‬
‫يم) (‪.)1‬‬ ‫ور َرح ٌ‬ ‫ري َاب ٍغ َوال َعاد فَال إِ ْمثَ َعلَْيه إِ َّن ََّ ٌ‬ ‫اَّلل فَ َم ِن ا ْ‬
‫ضطَُّر غَ ْ َ‬ ‫ْ‬
‫وتقدمي املغفرة على الرمحة اسلوب قرآين ابرز كثرياً ما ذيلت به آايت عديدة جاءت حبكم او تشريع‬
‫او نفي حكم سابق‪.‬‬
‫ويبدو ان التناسب يف الصفات االهلية اليت ترد فيها موقع الفاصلة الغرض منه التلويح اىل عظمة هذه‬
‫الصفات ويف اجلانب االخر حينما يكون اخلطاب هتديد او وعيد او وعد ال يقدر عليه اال هللا تعاىل‬
‫ايت َِّ‬ ‫آل فِر َعو َن والَّ ِذين ِمن قَـ ْبلِ ِهم َك َفروا ِِب ِ‬
‫اَّلل‬ ‫ْ ُ‬ ‫ب ِ ْ ْ َ َ ْ‬ ‫فتتناسب الصفتان مع الغرض كقوله تعاىل‪َ ( :‬ك َدأْ ِ‬
‫اب) (‪.)2‬‬ ‫ي َش ِدي ُد ال ِْع َق ِ‬ ‫اَّللُ بِ ُذنُوهبِِ ْم إِ َّن َّ‬
‫اَّللَ قَ ِو ٌّ‬ ‫َخ َذ ُه ُم َّ‬
‫فَأ َ‬
‫(ما أَفَ َ‬
‫اء‬ ‫ويف الغرض نفسه قد ترد صفة واحدة تؤكد عقاب هللا تعاىل وشدته كما يف قوله جل شانه‪َ :‬‬
‫يل َك ْي ال‬‫السبِ ِ‬
‫ني َوابْ ِن َّ‬ ‫ول َولِ ِذي الْ ُق ْرَىب َوالْيَـتَ َامى َوال َْمساكِ ِ‬ ‫لر ُس ِ‬‫اَّللُ َعلَى َر ُسولِ ِه ِم ْن أ َْه ِل الْ ُق َرى فَلِلَّ ِه َولِ َّ‬‫َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اَّللَ إِ َّن َّ‬
‫اَّللَ‬ ‫ول فَ ُخ ُذوهُ َوَما َهنَا ُك ْم َع ْنهُ فَانْـتَـ ُهوا َواتَّـ ُقوا َّ‬
‫الر ُس ُ‬‫آات ُك ُم َّ‬ ‫ني ْاألَ ْغنِيَاء ِم ْن ُك ْم َوَما َ‬ ‫يَ ُكو َن ُدولَةً بَ ْ َ‬
‫اب) (‪ .)3‬اما اآلايت اليت تدلل على قدرة هللا تعاىل وعلمه واحاطته بكل ما يف هذا‬ ‫َش ِدي ُد ال ِْع َق ِ‬
‫ْق ُمثَّ َّ‬ ‫ف بَ َدأَ ْ‬ ‫ريوا ِيف ْاأل َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّللُ‬ ‫اخلَل َ‬ ‫ض فَانْظُُروا َك ْي َ‬ ‫الوجود فتايت بصفة واحدة كما يف قوله تعاىل‪( :‬قُ ْل س ُ‬
‫اَّللَ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير) (‪.)4‬‬
‫يُـ ْن ِش ُئ النَّ ْشأَةَ ْاآل ِخ َرةَ إِ َّن َّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪ .)173( :‬وتنظر‪ :‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية (‪ ،)199( ،)182‬وسورة آل عمران‪ ،‬اآلية‬
‫(‪ ،)155‬وسورة التوبة‪ ،‬اآلية (‪ ،)99( ،)28( ،)5‬وسورة النور‪ ،‬اآلية (‪ ،)62‬وسورة املمتحنة‪ ،‬االية‬
‫(‪.)12‬‬
‫(‪ )2‬االنفال‪ ،)52( :‬وتنظر سورة ابراهيم‪ ،‬اآلية (‪ ،)47‬وسورة احلديد‪ ،‬اآلية (‪.)25‬‬
‫(‪ )3‬احلشر‪ .)6( :‬وتنظر‪ :‬سورة املائدة‪ ،‬اآلية (‪.)2‬‬
‫(‪ )4‬العنكبوت‪ .)20( :‬وتنظر‪ :‬سورة البقرة (‪ ،)109‬آل عمران (‪ ،)165‬االنعام (‪ ،)19‬االنفال‬
‫(‪ ،)75‬التوبة (‪ ،)115‬احلج (‪ ،)17‬لقمان (‪ ،)23‬فاطر (‪ ،)1‬اجملادلة (‪.)70‬‬

‫(‪)100/1‬‬

‫ومل يقتصر جميء (ان) متبوعة بلفظ اجلاللة فقط‪ ،‬بل وردت بعدها امساء خمتلفة منها صفات تدل على‬
‫املؤمنني واصحاب اجلنة (‪ ،)1‬او اتيت بعدها احد‬
‫صفات الكافرين او املنافقني (‪ .)2‬وقد ترد بعدها امساء خمتلفة (‪.)3‬‬
‫وقد اييت بعدها اسم اشارة (‪ .)4‬كما ورد بعدها االسم املوصول (‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تنظر‪ :‬سورة احلج (‪ ،)42‬واالسراء (‪.)65‬‬
‫(‪ )2‬تنظر‪ :‬سورة النساء (‪ ،)145‬والتوبة (‪ ،)67‬ويوسف (‪.)5‬‬
‫(‪ )3‬تنظر‪ :‬سورة االعراف (‪ ،)183‬واحلج (‪ ،)1‬والعنكبوت (‪.)56‬‬
‫(‪ )4‬تنظر‪ :‬سورة االعراف (‪ ،)139‬واالحزاب (‪ ،)53‬والدهر (‪.)22‬‬
‫(‪ )5‬تنظر‪ :‬سورة يونس (‪ ،)76‬والنحل (‪ ،)104‬واحلج (‪.)73‬‬

‫(‪)101/1‬‬
‫املبحث الثالث‬
‫جواب القول‬
‫مل يشر البالغيون عند تقسيم االستئناف‪ ،‬اىل ان جواب القول هو القسم الثالث من اقسامه‪ ،‬اال ان‬
‫االمثلة اليت ذكروها تدل على ذلك‪ ،‬وقد اعتمدوا يف ذلك على ما بذله الشيخ عبد القاهر اجلرجاين‬
‫من جهود طيبة عند حبثه موضوع (الفصل والوصل) ومن ذلك تعامله مع الفعل (قال) حينما اييت‬
‫مفصوال عما قبله حىت اننا جنده يضع قاعدة لذلك بقوله‪(( :‬واعلم ان الذي تراه يف التنزيل من لفظ‬
‫قال مفصوالً غري معطوف‪ ،‬هذا هو التقدير فيه وهللا اعلم)) (‪.)1‬‬
‫أي يقدر سؤال بعد القول األول‪ ،‬مث يشرح ذلك قائال‪(( :‬فلما كان يف العرف والعادة فيما بني‬
‫املخلوقني اذا قيل هلم‪ :‬دخل قوم على فالن فقالوا‪ :‬كذا‪ ،‬ان يقولوا‪ :‬فما قال هو؟ ويقول اجمليب‪:‬‬
‫قال كذا؛ اخرج الكالم ذلك املخرج الن الناس خوطبوا مبا يتعارفونه‪ ،‬وسلك ابللفظ املسلك الذي‬
‫يسلكونه) (‪ .)2‬مث اييت بعدة امثلة من القرآن الكرمي لتعزيز هذه القاعدة‪ .‬وقد اتبعه يف ذلك من جاء‬
‫بعده‪ ،‬فنجد ان ابن الزملكاين يتابعه يف ذلك كما اتبعه يف معظم كتابه (التبيان) فيقول‪( :‬اذا رايت‬
‫ف‬‫ض ْي ِ‬
‫يث َ‬ ‫(ه ْل أ ََات َك َح ِد ُ‬ ‫لفظ قال مفصوالً غري معطوف فاعلم ان هذا تقديره مثل قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫الم قَـ ْوٌم ُم ْن َك ُرو َن* فَـ َراغَ إِ َىل أ َْهلِ ِه فَ َجاءَ بِ ِع ْج ٍل‬ ‫ني* إِ ْذ َد َخلُوا َعلَْي ِه فَـ َقالُوا َسالماً قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ال َس ٌ‬ ‫يم ال ُْمك َْرم َ‬ ‫إبْـ َراه َ‬
‫الم َعلِ ٍيم) (‪.)4( )3‬‬ ‫شروهُ بِغُ ٍ‬ ‫س ِم ْنـ ُه ْم ِخي َفةً قَالُوا ال َختَ ْ‬
‫ف َوبَ َّ ُ‬ ‫َِمس ٍ‬
‫ني* فَـ َق َّربَهُ إِلَْي ِه ْم قَ َ‬
‫ال أَال َأتْ ُكلُو َن* فَأ َْو َج َ‬
‫كما اتبعه اصحاب شروح التلخيص يف ذلك وجعلوا من هذه القاعدة القسم الثالث واالخري من‬
‫انواع االستئناف فنجد صاحب (مواهب الفتاح) يقول (واما ان يكون ذلك السؤال عن غريمها أي‬
‫عن غري السبب املطلق وعن غري السبب اخلاص بل عن حكم اخر يقتضي املقام السؤال عنه وذلك‬
‫حنو قوله تعاىل "قالوا سالما"‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬دالئل االعجاز‪.244 :‬‬
‫(‪ )2‬م‪ .‬ن‪.244 :‬‬
‫(‪ )3‬التبيان يف علم البيان‪.143 :‬‬
‫(‪ )4‬سورة الذارايت اآلايت من (‪.)28 - 24‬‬

‫(‪)102/1‬‬
‫) (‪ .)1‬ومبا ان القرآن الكرمي قد نقل العديد من احلوادث والقصص وانواعا خمتلفة من اجلدل‬
‫واحلجاج‪ ،‬فقد كان البد من ان حيفل هذا الكتاب الكرمي بكمية كبرية من االقوال‪.‬‬
‫ب َع ْن ِملَّ ِة‬
‫(وَم ْن يَـ ْرغَ ُ‬‫ومن ذلك ان أييت الفعل (قال) متبوعا ابلفعل املاضي كما يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫الصاحلِِ َ‬
‫ني* إِ ْذ قَا َل لَهُ َربهُ‬ ‫اصطََف ْيـنَاهُ ِيف الدنْـيَا َوإِنَّهُ ِيف ْاآل ِخ َرةِ لَ ِم َن َّ‬ ‫ِ‬
‫سهُ َولََقد ْ‬
‫ِ‬ ‫إِبْـر ِاه ِ‬
‫يم إ َّال َم ْن َسفهَ نَـ ْف َ‬‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َسلِ ْم قَ َ‬
‫ني) (‪.)2‬‬ ‫ب ال َْعالَم َ‬ ‫ت ل َر ِّ‬ ‫َسلَ ْم ُ‬
‫ال أ ْ‬ ‫أْ‬
‫ِ‬ ‫ك فِينا ولِيداً ولَبِثْ َ ِ ِ‬
‫ْت َوأَنْ َ‬
‫ت‬ ‫ك الَِّيت فَـ َعل َ‬‫ْت فَـ ْعلَتَ َ‬ ‫ت فينَا م ْن ُع ُم ِر َك سنِ َ‬
‫ني* َوفَـ َعل َ‬ ‫ِ‬
‫ال أََملْ نُـ َربّ َ َ َ َ‬ ‫وقوله تعاىل‪( :‬قَ َ‬
‫ِ‬ ‫ال فَـع ْلتـها إِذاً وأ ََان ِمن الضَّالِّني* فَـ َفرر ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ِيل َرِّيب ُحكْماً‬ ‫ت م ْن ُك ْم لَ َّما خ ْفتُ ُك ْم فَـ َو َه َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ َ‬ ‫ين* قَ َ َ ُ َ‬ ‫م َن الْ َكاف ِر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني) (‪ )3‬واجلواب هنا مل يكن جوااب عن استفهام صريح‪ ،‬بل هو رد على كالم‬ ‫َو َج َعلَ ِين م َن ال ُْم ْر َسل َ‬
‫املتحدث ولذلك فان اجلواب هنا أييت مفصوال كانه جواب استفهام الننا نقدر السؤال اآليت‪ :‬وماذا‬
‫قال ابراهيم لربه؟ ويف املثال الثاين نقدر السؤال‪ :‬وماذا قال موسى لفرعون؟ وملا كان كالم فرعون قد‬
‫افتتح ابستفهام انكاري فان كالم موسى عليه السالم كان جوااب له من جهتني االوىل‪ :‬كونه ردا على‬
‫ذلك االستفهام االنكاري والثانية‪ :‬كونه استئنافا بيانيا فيكون جوااب ايضا‪ ،‬ولذلك افتتح موسى عليه‬
‫السالم كالمه بـ (اذاً) (فأن قلت‪( :‬اذاً) جواب وجزاء معاً والكالم وقع جواابً لفرعون فكيف وقع‬
‫جزاء؟‬
‫قلت‪ :‬قول فرعون وفعلت فعلتك فيه معىن انك جازيت نعميت مبا فعلت‪ ،‬فقال له موسى نعم فعلتها‬
‫جمازايً لك تسليماً لقوله الن نعمته كانت عنده جديرة أبن جتازى بنحو ذلك اجلزاء) (‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬شروح التلخيص ‪/‬مواهب الفتاح‪.60:3 ،‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪.)131 - 130( :‬‬
‫(‪ )3‬الشعراء‪.)21 - 18( :‬‬
‫(‪ )4‬الكشاف‪.109:3 ،‬‬

‫(‪)103/1‬‬

‫ك لِل َْمالئِ َك ِة‬ ‫ال َرب َ‬ ‫(وإِ ْذ قَ َ‬‫وقد أييت الفعل مضارعاً النه يتحدث عما سيقع وذلك كما يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫سبِّ ُح ِحبَ ْم ِد َك‬ ‫ض َخلِي َفةً قَالُوا أ ََجتْعل ِفيها من يـ ْف ِس ُد ِفيها ويس ِف ُ ِ‬ ‫إِِين ج ِ‬
‫اع ٌل ِيف ْاأل َْر ِ‬
‫اء َوَْحن ُن نُ َ‬
‫ك ال ّد َم َ‬ ‫َ ََ ْ‬ ‫َُ َ َْ ُ‬ ‫ّ َ‬
‫ال إِِّين أَ ْعلَ ُم َما ال تَـ ْعلَ ُمو َن) (‪)1‬‬
‫ك قَ َ‬‫س لَ َ‬ ‫ِ‬
‫َونُـ َق ّد ُ‬
‫وقد جاء االستئناف البياين ردا على قول الباري عز وجل من املالئكة مصدرا هبمزة االستفهام‬
‫(وفصل اجلواب ومل يعطف ابلفاء او الواو جراي على طريقة متبعة يف القرآن الكرمي يف حكاية‬
‫احملاورات وهي طريقة عربية ـ وامنا حذفوا العاطف يف امثاله كراهية تكرير العاطف بتكرير افعال‬
‫القول‪ ،‬فان احملاورة تقتضي االعادة يف الغالب فطردوا الباب‪ ،‬فحذفوا العاطف يف اجلميع وهو كثري‬
‫يف التنزيل) (‪.)2‬‬
‫وهذا الكالم ال يعدو أن يكون شرحا للقاعدة اليت وضعها عبد القاهر اجلرجاين وقد اكثر الشيخ‬
‫حممد الطاهر بن عاشور (ت‪1973‬م) من االشارة اىل ذلك يف عدة مواضع من تفسريه‪)3( .‬‬
‫ْت ِم ْنـ ُه ْم نَـ ْفساً‬‫ب إِِّين قَـتَـل ُ‬‫ال َر ِّ‬ ‫وقد جاء االستئناف البياين مفتتحا ابلفعل املضارع يف قوله تعاىل‪( :‬قَ َ‬
‫ص ِّدقُِين إِِّين أَ َخ ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َخي هارو ُن هو أَفْ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اف أَ ْن‬ ‫ساانً فَأ َْرسلْهُ َمع َي ِر ْدءاً يُ َ‬ ‫ص ُح م ِّين ل َ‬‫اف أَ ْن يَـ ْقتُـلُون* َوأ َ ُ ُ َ َ‬ ‫َخ ُ‬ ‫فَأ َ‬
‫صلُو َن إِلَْي ُك َما ِِبايتِنَا أَنْـتُ َما َوَم ِن‬ ‫يك وَْجنعل لَ ُكما س ْلطَاانً فَال ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي َك ِّذب ِ‬
‫َ‬ ‫ض َد َك ِأبَخ َ َ َ ُ َ ُ‬ ‫شد َع ُ‬‫ال َسنَ ُ‬
‫ون* قَ َ‬ ‫ُ ُ‬
‫اتَّـبَـ َع ُك َما الْغَالِبُو َن) (‪.)4‬‬
‫ض ائْتِيَا طَ ْوعاً أ َْو َك ْرهاً قَالَتَا‬ ‫الس َم ِاء َو ِه َي ُد َخا ٌن فَـ َق َ‬
‫ال َهلَا َولِ ْأل َْر ِ‬ ‫استَـ َوى إِ َىل َّ‬
‫(مثَّ ْ‬
‫وقوله جلت قدرته‪ُ :‬‬
‫ِ‬
‫ني) (‪.)5‬‬ ‫أَتَـ ْيـنَا طَائِع َ‬
‫وبعد ان نستبعد الفعل (قال) النه حكاية ملا دار من الكالم بني طرفني او اكثر جند ان الفعل املضارع‬
‫الذي يتصدر اجلواب كان زمنه يدل على احلال واالستقبال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.)30( :‬‬
‫(‪ )2‬التحرير والتنوير‪.401:1 ،‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬م‪ .‬ن‪.25:29 ،332:16 ،152:15 ،129:12 ،126:12 ،716:1 ،704:1:‬‬
‫وينظر‪ :‬املنظور البالغي يف تفسري التحرير والتنوير‪.86 - 85 :‬‬
‫(‪ )4‬القصص‪.)35 - 33( :‬‬
‫(‪ )5‬فصلت‪.)11( :‬‬

‫(‪)104/1‬‬

‫يف هذه االايت مجيعا ففي اآلية االوىل جند ان االفساد الذي اشار اليه املالئكة قد وقع من البشر يف‬
‫املاضي وما زال حىت االن‪ ،‬بل ان عدد املفسدين يف االرض اكثر من عدد الصاحلني حىت أيذن هللا‬
‫أبمره‪.‬‬
‫ويف املثال الثاين جند ان هللا تعاىل قد اشار اىل انه سيشد عضد موسى هبارون عليهما السالم ومل تكن‬
‫تلك املساندة يف زمن فرعون فقط بل استمرت اىل ما بعد هالك فرعون وجنوده‪.‬‬
‫اما املثال الثالث فأن اتيان السماء واالرض الرادة هللا تعاىل مل تكن منحصرة يف الزمن املاضي فقط‬
‫أي اللحظة اليت وقع فيها فعل االتيان بل يستمر ذلك اخلضوع لالرادة االهلية اىل ما يشاء العزيز‬
‫احلكيم‪.‬‬
‫وجتدر االشارة اىل ان قول املالئكة يف اآلية االوىل قد جاء بصيغة االستفهام بسؤال صريح‪.‬‬
‫ارو ُن ِم ْن قَـ ْب ُل َاي قَـ ْوِم إِ َّمنَا‬
‫ال َهلُ ْم َه ُ‬‫(ولََق ْد قَ َ‬
‫وجاء الفعل املضارع مسبوقا بـ (لن) كما يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ني َح َّىت يَـ ْرِج َع إِلَْيـنَا‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫فُتِْنـتُ ْم بِ ِه َوإِ َّن َربَّ ُك ُم َّ‬
‫يعوا أ َْم ِري* قَالُوا لَ ْن نَ ْربَ َح َعلَْيه َعاكف َ‬ ‫الر ْمحَ ُن فَاتَّبِعُ ِوين َوأَط ُ‬
‫وسى) (‪.)1‬‬ ‫ُم َ‬
‫ِ‬
‫وان نَـتَّبِ ْع ُك ْم يُ ِري ُدو َن أَ ْن‬
‫وها ذَ ُر َ‬
‫ْخ ُذ َ‬ ‫ول ال ُْم َخلَّ ُفو َن إِذَا انْطَلَ ْقتُ ْم إِ َىل َمغَامنَ لِتَأ ُ‬
‫(سيَـ ُق ُ‬ ‫وقوله جلت قدرته‪َ :‬‬
‫س ُدونَـنَا بَ ْل َكانُوا ال يَـ ْف َق ُهو َن‬ ‫ال َّ ِ‬ ‫وان َك َذلِ ُك ْم قَ َ‬ ‫يـب ِّدلُوا َكالم َِّ‬
‫اَّلل قُ ْل لَ ْن تَـتَّبِ ُع َ‬
‫سيَـ ُقولُو َن بَ ْل َحتْ ُ‬
‫اَّللُ م ْن قَـ ْب ُل فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬
‫ِ‬
‫إَِّال قَليالً) (‪)2‬‬
‫وهذه اآلايت ال تشكل اسلواب يف اجلواب القرآين لقلتها‪ .‬وجتدر االشارة إىل ان وجود عدد من‬
‫اآلايت اليت تفتتح ابلفعل املضارع قد ال يقابلها عدد مقارب من اآلايت اليت تفتتح ابلفعل املاضي او‬
‫ابلعكس اذ احملدد يف هذه املسألة عدد اآلايت حينما تشكل اسلواب له خصائص معينة‪.‬‬
‫(وقَالُوا‬
‫كما جاء فعل االمر موضع االستئناف البياين وهو قليل ايضا كما يف قول الباري عز وجل‪َ :‬‬
‫ني) (‪.)3‬‬ ‫ْك أَمانِيـهم قُل هاتُوا بـرهانَ ُكم إِ ْن ُك ْنـتُم ِ ِ‬ ‫لَن ي ْد ُخل ا ْجلنَّةَ إَِّال من َكا َن ُهوداً أَو نَص ِ‬
‫صادق َ‬
‫ْ َ‬ ‫ارى تل َ َ ُ ْ ْ َ ُ ْ َ ْ‬ ‫ْ ََ‬ ‫َْ‬ ‫َْ َ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬طه‪.)91 - 90( :‬‬
‫(‪ )2‬الفتح‪.)15( :‬‬
‫(‪ )3‬البقرة‪.)111( :‬‬

‫(‪)105/1‬‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وقوله جل وعال‪( :‬قَالُوا أَوَمل تَ ُ ِ‬


‫ك َأتْتي ُك ْم ُر ُسلُ ُك ْم ِابلْبَـيّنَات قَالُوا بَـلَى قَالُوا فَا ْد ُعوا َوَما ُد َعاءُ الْ َكاف ِر َ‬
‫ين‬ ‫َْ‬
‫ض ٍ‬
‫الل) (‪.)1‬‬ ‫إَِّال ِيف َ‬
‫احر َعلِيم* ي ِري ُد أَ ْن خيُْ ِرج ُكم ِمن أَر ِ‬
‫ض ُك ْم بِ ِس ْح ِرهِ فَ َما َذا‬ ‫ال لِلْم ِأل حولَه إِ َّن ه َذا لَ ِ‬
‫َ ْ ْ ْ‬ ‫س ٌ ٌ ُ‬ ‫وقول جل شأنه‪( :‬قَ َ َ َ ْ ُ َ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫َأت ُْم ُرو َن* قَالُوا أ َْرِج ْه َوأ َ‬
‫ين) (‪)2‬‬ ‫ث ِيف ال َْم َدائ ِن َحاش ِر َ‬
‫َخاهُ َوابْـ َع ْ‬
‫وما مييز استخدام فعل االمر يف هذه اآلايت انه كان موجهاً لليهود والكافرين ففي اآلية االوىل كان‬
‫اخلطاب موجهاً من هللا تعاىل على لسان نبيه عليه الصالة والسالم لليهود‪ ،‬ويف اآلية الثانية كان‬
‫اخلطاب موجهاً من املالئكة للكفار الذين ادخلوا اىل انر جهنم‪ ،‬ويف الثالثة كان موجهاً من مأل‬
‫فرعون لفرعون‪.‬‬
‫وكان الكالم موجهاً يف اآليتني االوىل والثانية جملموعة من املخاطبني بينما كان يف الثالثة موجهاً لفرد‬
‫واحد فقط‪.‬‬
‫ومثلما استخدم الفعل املاضي واملضارع واالمر فقد افتتح االستئناف البياين ابحلرف الذي يستخدم‬
‫للتأكيد وكانت (إن) صاحبة النصيب االوفر هنا‪ ،‬ومبا ان (ان) قد استخدمت يف النوع الثاين من‬
‫انواع االستئناف حينما يكون السؤال عن سبب خاص‪ ،‬فأهنا قد استخدمت هنا استخداماً قريباً من‬
‫ذلك عندما يكون املخاطب هبا ومبا بعدها من اجلملة اما منكراً او ينزل منزلة املنكر والذي حيدد‬
‫ذلك السياق واملخاطب نفسه وقرائن اخرى‪.‬‬
‫ان التعبري القرآين حينما يرد مؤكداً البد ان يكون هنالك موجب لذلك التأكيد واال ورد ذلك التعبري‬
‫خالياً من التأكيد اذا مل يكن هنالك حاجة اليه‪ .‬لقد استخدمت (إن) جواابً ورداً على قول سابق‪،‬‬
‫وليس شرطاً‪ ،‬ان يكون القول عبارة عن سؤال صريح‪ ،‬بل ان تفنن القرآن الكرمي يف ذلك االستخدام‬
‫يدعو للدهشة بسبب دقة التعبري وحسن االستخدام‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬غافر‪.)50( :‬‬
‫(‪ )2‬الشعراء‪.)36 - 34( :‬‬

‫(‪)106/1‬‬

‫(وقَالُوا لَ ْوال‬
‫لقد كان الكالم املفتتح بـ (ان) موجها يف االكثر هنا للكفار واليهود كما يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫اد ٌر َعلَى أَ ْن يُـنَـ ِّز َل آيَةً َولَ ِك َّن أَ ْكثَـ َرُه ْم ال يَـ ْعلَ ُمو َن) (‪ .)1‬وقوله جل‬ ‫اَّلل قَ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫نُـ ِّز َل َعلَْيه آيَةٌ م ْن َربِّه قُ ْل إِ َّن ََّ‬
‫ش ِاء‬ ‫آاب َء َان َوا ََّّللُ أ ََم َرَان ِهبَا قُ ْل إِ َّن َّ‬
‫اَّللَ ال َأي ُْم ُر ِابلْ َف ْح َ‬ ‫شةً قَالُوا َو َج ْد َان َعلَْيـ َها َ‬‫اح َ‬‫شأنه‪( :‬وإِ َذا فَـعلُوا فَ ِ‬
‫َ َ‬
‫اَّلل َما ال تَـ ْعلَ ُمو َن) (‪)2‬‬ ‫ِ‬‫أَتَـ ُقولُو َن َعلَى َّ‬
‫اَّلل ي ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫وقوله جلت قدرته‪( :‬ويـ ُق ُ َّ ِ‬
‫شاءُ‬
‫ضل َم ْن يَ َ‬ ‫ين َك َف ُروا لَ ْوال أُنْ ِز َل َعلَْيه آيَةٌ م ْن َربِّه قُ ْل إِ َّن ََّ ُ‬
‫ول الذ َ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب) (‪.)3‬‬ ‫َويَـ ْهدي إِلَْيه َم ْن أ ََان َ‬
‫ان املوضوع الذي تشرتك فيه هذه اآلايت مجيعاً هو اجلدل بني احلق متمثالً ابلنيب االكرم عليه الصالة‬
‫والسالم‪ ،‬والباطل جببهاته املتعددة من الكافرين واليهود واملنافقني (وهذا اجلدل القرآين يفيد املتفكر‬
‫افادة اتمة وجييب عن مجيع التساؤالت اليت ميكن ان تشغل االنسان يف كل زمان ومكان ويورد‬
‫االجابة الشافية عنها) (‪.)4‬‬
‫وكان اجلدل واحدا من اهم االساليب للنصر على اجملادلني ابلباطل (فاملعروف ان اجلدل القرآين اما‬
‫ان يكون وعظيا ونصحا او اجالء للحقائق‪ ،‬او تثبيتا القدام املؤمنني او انزاال للمسكنة (‪ )5‬واالمن‬
‫والطمأنينة يف قلوهبم‪ ،‬او لدحض الباطل ابعالء كلمة احلق‪ ،‬او لزجر اصحاب اهلوى عن اخلوض فيما‬
‫ليس هلم به علم وال هدى‪ ،‬وما اىل ذلك من االغراض الرفيعة واملقاصد السامية) (‪.)6‬‬
‫لقد أكد االستئناف هنا بـ (ان) الن املخاطبني يف اآلية االوىل والثانية‬

‫والثالثة كانوا مرتددين يف املخرب عنه‪ ،‬بل هم اقرب اىل االنكار ولكن الكالم معهم اكد بـ (ان) فقط‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬االنعام‪.)37( :‬‬
‫(‪ )2‬االعراف‪.)28( :‬‬
‫(‪ )3‬الرعد‪.)27( :‬‬
‫(‪ )4‬اجلدل يف القرآن‪ :‬د‪ .‬حسن الشرقاوي‪14 :‬‬
‫(‪ )5‬م‪ .‬ن‪.14 :‬‬
‫(‪ )6‬كذا‪ :‬وكان االوىل ان يقول‪ :‬للسكينة‪.‬‬

‫(‪)107/1‬‬

‫ت طَائَِفةٌ ِم ْن‬ ‫(وقَالَ ْ‬‫ونبقى مع اآلايت اليت تبدا بـ (ان) مسبوقة بفعل االمر (قل) كما يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫آخ َرهُ لَ َعلَّ ُه ْم يَـ ْرِج ُعو َن* َوال تُـ ْؤِمنُوا‬
‫آمنوا ِابلَّ ِذي أُنْ ِز َل علَى الَّ ِذين آمنوا وجه النـَّها ِر وا ْك ُفروا ِ‬
‫َ َُ َ ْ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ْكت ِ ِ‬
‫اب ُ‬ ‫أ َْه ِل ال ِ َ‬
‫َح ٌد ِمثْ َل َما أُوتِيتُ ْم أ َْو ُحيَاجوُك ْم ِع ْن َد َربِّ ُك ْم قُ ْل إِ َّن‬ ‫إَِّال لِمن تَبِع ِدين ُكم قُل إِ َّن ا ْهل َدى ه َدى َِّ‬
‫اَّلل أَ ْن يُـ ْؤتَى أ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َْ َ َ ْ ْ‬
‫يم) (‪.)1‬‬ ‫شاء و َّ ِ ِ‬ ‫ضل بِي ِد َِّ ِ ِ‬
‫اَّللُ َواس ٌع َعل ٌ‬ ‫اَّلل يُـ ْؤتيه َم ْن يَ َ ُ َ‬ ‫الْ َف ْ َ َ‬
‫الر ْز َق لِ َم ْن‬
‫ط ِّ‬ ‫ِ‬ ‫(وقَالُوا َْحن ُن أَ ْكثَـ ُر أ َْم َواالً َوأ َْوالداً َوَما َْحن ُن ِمبَُع َّذبِ َ‬
‫ني* قُ ْل إ َّن َرِّيب يَـ ْب ُ‬
‫سُ‬ ‫وقوله تبارك وتعاىل‪َ :‬‬
‫َّاس ال يَـ ْعلَ ُمو َن) (‪.)2‬‬ ‫شاءُ َويَـ ْق ِد ُر َولَ ِك َّن أَ ْكثَـ َر الن ِ‬
‫يَ َ‬
‫وال خنرج هنا عن دائرة اجلدل بني النيب عليه الصالة والسالم مع اليهود او مع املشركني وهذا اجلدل‬
‫كان هادائ من طرف النيب االكرم غاية اهلدوء على الرغم من وسائل االستفزاز العديدة اليت‬
‫استخدمت ضده اذ ان القرآن الكرمي يعمد دائما اىل (ملس البداهة‪ ،‬وايقاظ االحساس‪ ،‬لينفذ منهما‬
‫مباشرة اىل البصرية‪ ،‬ويتخطامها اىل الوجدان) (‪.)3‬‬
‫ويف املثال االول جند اليهود جيادلون ابلباطل على عادهتم يف (التلكؤ والرتدد واللجاج‪ ،‬واستخدام‬
‫اجلدل اخلطايب الذي ال معىن له وال سند له من احلقيقة وال حيمل أي حجة مثبتة) (‪ )4‬لقد كانت‬
‫بداية اخلطاب يف اآليتني توجيه فعل امر من اهل انر جهنم وكان يف االوىل الصحاب اجلنة ويف الثانية‬
‫ملالك خازن انر جهنم ومبا ان من وجه اليهم اخلطاب على مرتبة اعلى فقد كان اخلطاب دعاءا من‬
‫هؤالء‪ .‬وقد اكد الرد عليهم بـ (أن) يف احلالني الهنم قد انزلوا منزلة املنك‪ ،‬والهنم يعلمون ان خلودهم‬
‫يف جهنم عقاب هلم من رب العاملني وال يناهلم يف ذلك‬
‫املوضع شيء من رمحته‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬آل عمران‪.)73 - 72( :‬‬
‫(‪ )2‬سبأ‪.)36 - 35( :‬‬
‫(‪ )3‬التصوير الفين يف القرآن‪ ،‬سيد قطب‪.185 :‬‬
‫(‪ )4‬اجلدل يف القرآن‪.47 :‬‬

‫(‪)108/1‬‬

‫اما الفرق بني هاتني اآليتني واآلايت اليت كان الرد فيها مفتتحا بـ (ان) مسبوقة بفعل االمر (قل) فأن‬
‫اخلطاب هنا موجه الهل اجلنة وخلازن انر جهنم واملقصود ابخلطاب هو هللا تعاىل ولكن اجلواب كان‬
‫حاضرا عند اهل اجلنة ومالك اما هناك فان اخلطاب كان موجها اىل النيب عليه الصالة والسالم وجاء‬
‫اجلواب موجها من هللا تعاىل على لسان نبيه الكرمي وكان ذلك يف معرض اجلدل بني احلق والباطل‪.‬‬
‫ومثلما استخدمت (ان) يف جواب القول فقد استخدمت (امنا) املركبة من (ان) مضافا اليها (ما)‪.‬‬
‫اما استخدامها يف الكالم فأنه يتحدد اساسا يف كوهنا (جتيء خلرب ال جيهله املخاطب وال يدفع صحته‪،‬‬
‫او ملا ينزل هذه املنزلة) (‪ .)1‬وهي ختتلف عن (ان) (اليت يكون للمخاطب هبا ظن على خالف ما‬
‫يسمعه من املتكلم) (‪)2‬‬
‫و (امنا) تستخدم يف التوكيد ايضا وهذا ما يؤكده السكاكي بقوله‪( :‬ان كلمة (ان) ملا كانت لتاكيد‬
‫اثبات املسند للمسند اليه مث اتصلت هبا (ما) املؤكدة ال النافية على ما يظنه من الوقوف له بعلم‬
‫النحو ضاعفت أتكيدها) (‪.)3‬‬
‫لقد عرفنا ان (امنا) تستعمل يف حكم يكون معلوما للمخاطب ولذلك فاهنا (تستعمل يف كالم ال‬
‫يكون الغرض منه احلكم للعلم به وامنا يكون اهلدف التلويح به اىل معىن اخر على سبيل التعريض‪،‬‬
‫وهو احسن مواقع امنا) (‪.)4‬‬
‫وهذا االمر مما قرره عبد القاهر اجلرجاين بقوله‪( :‬مث اعلم انك اذا استقريت وجدهتا اقوى ماتكون‬
‫واعلق ماترى ابلقلب اذا كان اليراد ابلكالم بعدها نفس معناها‪ ،‬ولكن التعريض ابمر هو مقتضاه)‬
‫(‪.)5‬‬
‫اما يف القرآن الكرمي فيغلب عليها (ان تكون مبثابة اجلواب عن سؤال يقتضيه السياق قبلها صرحيا او‬
‫ضمنا) (‪)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬دالئل االعجاز‪ ،135 :‬و هناية االجياز‪ ،182 :‬وينظر‪ :‬مفتاح العلوم‪.516 :‬‬
‫(‪ )2‬م‪ .‬ن‪.312 :‬‬
‫(‪ )3‬مفتاح العلوم‪.511 :‬‬
‫(‪ )4‬املعاين يف ضوء اساليب القرآن‪.. 300 - 299 :‬‬
‫(‪ )5‬دالئل االعجاز‪.333 :‬‬
‫(‪ )6‬املعاين يف ضوء اساليب القرآن‪.301 :‬‬

‫(‪)109/1‬‬

‫وعلى اساس القرائن املعنوية واللفظية يتحدد عملها يف كون املخاطب ال جيهل اخلرب او ان ينزل‬
‫منزلته‪.‬‬
‫لقد وردت (امنا) مسبوقة بفعل االمر (قل) موجهاً اىل النيب االعظم صلوات هللا وسالمه عليه من هللا‬
‫ْم ِع ْن َد‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ني* قُ ْل إمنَا الْعل ُ‬
‫تبارك وتعاىل كما يف قوله جل شانه‪( :‬ويـ ُقولُو َن مىت ه َذا الْو ْع ُد إِ ْن ُك ْنـتُم ِ ِ‬
‫صادق َ‬
‫ْ َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫ََ‬
‫ت ِم ْن َربِِّه قُ ْل إِ َّمنَا ْاآل ُ‬
‫ايت‬ ‫ِ‬
‫(وقَالُوا لَ ْوال أُنْ ِز َل َعلَْيه َ‬
‫آاي ٌ‬ ‫ني) (‪ .)1‬وقوله جل وعال‪َ :‬‬
‫َِّ‬
‫اَّلل َوإِ َّمنَا أ ََان نَ ِذ ٌير ُمبِ ٌ‬
‫ِع ْن َد َِّ‬
‫ني) (‪.)2‬‬ ‫اَّلل َوإِ َّمنَا أ ََان نَ ِذ ٌير ُمبِ ٌ‬
‫وان إِلَي ِه وِيف آذَانِنا وقـْر وِمن بـينِنا وبـينِ َ ِ‬ ‫ٍِِ‬
‫اب‬
‫ك ح َج ٌ‬ ‫َ َ ٌ َ ْ َْ َ َ َْ‬ ‫(وقَالُوا قُـلُوبُـنَا ِيف أَكنَّة ممَّا تَ ْد ُع َ ْ َ‬ ‫وقول تعاىل شانه َ‬
‫يل أ ََّمنَا إِ َهل ُكم إِلَهٌ و ِ‬ ‫فَا ْعمل إِنَّـنا ع ِاملُو َن* قُل إِ َّمنَا أ ََان ب َ ِ‬
‫استَـغْ ِف ُروهُ‬ ‫ِ‬
‫يموا إِلَْيه َو ْ‬
‫اح ٌد فَ ِ‬
‫استَق ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫وحى إِ ََّ‬
‫ش ٌر مثْـلُ ُك ْم يُ َ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ َ‬
‫اجتَـبَـ ْيـتَـ َها قُ ْل إِ َّمنَا أَتَّبِ ُع َما‬ ‫ِِ ٍ‬ ‫وويل لِل ِ‬
‫(وإِ َذا َملْ َأتْهت ْم ِِبيَة قَالُوا لَ ْوال ْ‬
‫ني) (‪ )3‬وقوله تقدست امساؤه‪َ :‬‬ ‫ْم ْش ِرك َ‬ ‫ََْ ٌ ُ‬
‫دى َوَر ْمحَةٌ لَِق ْوٍم يُـ ْؤِمنُو َن) (‪ .)4‬ونعود يف هذه اآلايت‬ ‫يل ِم ْن رِّيب َه َذا بَ َ ِ ِ ِ‬
‫صائ ُر م ْن َربّ ُك ْم َو ُه ً‬ ‫وحى إِ ََّ َ‬ ‫يُ َ‬
‫املباركة اىل دائرة اجلدل بني احلق والباطل بني االميان ابهلل الواحد االحد واالشراك والكفر به اذ (مل‬
‫تقتصر حرب القريشيني للرسول صلى هللا عليه وسلم على استخدام األسلحة أبنواعها‪ ،‬بل ايضا‬
‫استخدموا اسلوب احلرب النفسية واللجاج واحلجاج واجلدل املبطل) (‪.)5‬‬
‫لقد جاء اجلواب يف اآلية األوىل عن سؤال صريح‪ ،‬بينما يف اآلايت الثالث االخرى جاء رداً على‬
‫سؤال ضمين تقديره بعد مساع قول املشركني بـ‪ :‬وماذا قال هلم النيب صلوات هللا وسالمه عليه؟ فيكون‬
‫اجلواب هو االستئناف البياين الذي يفتتح بـ (امنا) مسبوقة بفعل االمر (قل) اذ القول هنا قول هللا‬
‫تبارك وتعاىل موجه اىل املشركني على لسان نبيه الكرمي ويف هذه اآلايت املباركة نعود مرة اخرى اىل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬امللك‪.)26 - 25( :‬‬
‫(‪ )2‬العنكبوت‪.)50( :‬‬
‫(‪ )3‬فصلت‪.)6 - 5( :‬‬
‫(‪ )4‬األعراف‪.)2 - 3( :‬‬
‫(‪ )5‬اجلدل يف القرآن‪.67 :‬‬

‫(‪)110/1‬‬

‫دائرة اجلدل والنقاش احملتدم واحلجج اليت تكون الغاية من ورائها هداية هؤالء املشركني‪ ،‬ومن الالفت‬
‫للنظر ان اجلواب حينما يكون رداً على سؤال صريح او مقدر‪ ،‬ويكون مفتتحاً بفعل االمر (قل)‬
‫حسب النظم القرآين وبـ (امنا) حسب السياق احلقيقي الذي دار فيه اجلدل قبل ان ينقله القرآن‬
‫الكرمي يكون دائماً مع املخاطبني الذين وقفوا موقف املعارضة والرفض لرسالة السماء‪.‬‬
‫ومبا ان (امنا) من االدوات اليت تستخدم يف اسلوب القصر (‪ ،)1‬فنجد اهنا تكون (اثبااتً ملا يذكر‬
‫بعدها ونفياً ملا سواه) (‪.)2‬‬
‫وسبب (افادة (امنا) معىن القصر هو تضمينه معىن ما وإال) (‪ )3‬وجتدر اإلشارة إىل أن (إمنا) يف‬
‫اآلايت املتقدمة قد تضمنت معىن (ما) و (إالّ) ففي اآلية األوىل تقدر بـ‪ - :‬ما العلم اال عند هللا وما‬
‫اان اال نذير مبني وهكذا‪ .‬كما ان (امنا) يف هذه اآلايت قد افادت التعريض ففي اآلية الرابعة جند أن‬
‫اجلواب (الذي امر الرسول صلى هللا عليه وسلم ابن جييب به وهو قوله (قل امنا اتبع ما يوحى إيل‬
‫من ريب) صاحل للمعنيني‪ ،‬فاالتباع مستعمل يف معىن االقتصار والوقوف عند احلد‪ ،‬أي ال اطلب آيةً‬
‫غري ما أوحى هللا يل) (‪.)4‬‬
‫ادقِني* قَ َ ِ َّ ِ‬‫ت ِمن َّ ِ‬ ‫ِِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ْم‬
‫ال إمنَا الْعل ُ‬ ‫الص َ‬ ‫اما قوله تعاىل‪( :‬قَالُوا أَج ْئـتَـنَا لتَأْف َكنَا َع ْن آهلَتنَا فَأْتنَا مبَا تَع ُد َان إِ ْن ُك ْن َ َ‬
‫ِع ْن َد َِّ‬
‫اَّلل َوأُبَـلِّغُ ُك ْم َما أ ُْر ِسل ُ‬
‫ْت بِ ِه َولَ ِك ِّين أ ََرا ُك ْم قَـ ْوماً َجتْ َهلُو َن) (‪.)5‬‬
‫وبعد ان كان اجلواب يفتتح بفعل االمر (قل) جنده هنا مفتتحاً ابلفعل (قال) متبوعاً بـ (امنا) الن‬
‫املتحدث هنا ليس النيب حممد صلى هللا عليه وسلم وامنا هو نيب هللا (هود) عليه السالم موجهاً‬
‫خطابه اىل قومه (ال علم عندي ابلوقت الذي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مفتاح العلوم‪.510 :‬‬
‫(‪ )2‬م‪ .‬ن‪.510 :‬‬
‫(‪ )3‬م‪ .‬ن‪.510 :‬‬
‫(‪ )4‬التحرير والتنوير‪.237 :9 ،‬‬
‫(‪ )5‬االحقاف‪.)23 - 22( :‬‬

‫(‪)111/1‬‬

‫يكون فيه تعذيبكم حكمة وصواابً امنا علم ذلك عند هللا‪ ،‬فكيف ادعوه ابن أيتيكم بعذابه يف وقت‬
‫عاجل تقرتحونه انتم) (‪)1‬‬
‫وما يدور يف هذه اآلية املباركة يدخل ضمن اجلدل – ايضاً – وكانت (امنا) من افضل األدوات اليت‬
‫يفتتح هبا الرد على اجملادلني‪.‬‬
‫وقد خترج (امنا) قليالً عما اعتدان عليه فيكون اخلطاب فيها موجهاً للمؤمنني كما يف قوله تبارك‬
‫صبَ ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وسى فَـبَـغَى َعلَْي ِه ْم َوآتَـ ْيـنَاهُ م َن الْ ُكنُوِز َما إِ َّن َم َفاحتَهُ لَتَـنُوءُ ِابل ُْع ْ‬ ‫وتعاىل‪( :‬إِ َّن قَ ُ‬
‫ارو َن َكا َن م ْن قَـ ْوم ُم َ‬
‫َّار ْاآل ِخ َرَة َوال‬ ‫آات َك َّ‬
‫اَّللُ الد َ‬ ‫يما َ‬ ‫ِ‬
‫ني* َوابْـتَ ِغ ف َ‬
‫ِ‬
‫اَّللَ ال ُِحيب الْ َف ِرح َ‬ ‫ال لَهُ قَـ ْوُمهُ ال تَـ ْف َر ْح إِ َّن َّ‬ ‫ُويل الْ ُق َّوةِ إِ ْذ قَ َ‬
‫أِ‬
‫اَّللَ ال ُِحيب‬
‫ض إِ َّن َّ‬ ‫اد ِيف ْاأل َْر ِ‬
‫سَ‬ ‫اَّللُ إِلَْي َ‬
‫س َن َّ‬ ‫ك ِمن الدنْـيا وأ ِ‬ ‫تَـ ْنس نَ ِ‬
‫ك َوال تَـ ْب ِغ الْ َف َ‬ ‫َح َ‬‫َحس ْن َك َما أ ْ‬ ‫صيبَ َ َ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك م ْن قَـ ْبله م َن الْ ُق ُرون َم ْن ُه َو‬ ‫اَّللَ قَ ْد أ َْهلَ َ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال إمنَا أُوتيتُهُ َعلَى علْم ع ْندي أ ََوَملْ يَـ ْعلَ ْم أَن َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ين* قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ُْم ْفسد َ‬
‫َل َع ْن ذُنُوهبِِ ُم ال ُْم ْج ِرُمو َن) (‪ )2‬ان الذين نصحوا هبذا الكالم البد‬ ‫أَ َشد ِم ْنهُ قُـ َّوةً َوأَ ْكثَـ ُر مجَْعاً َوال يُ ْسأ ُ‬
‫من ان يكونوا من املؤمنني (وقيل ان القائل موسى عليه السالم) (‪ .)3‬ولذا فان (امنا) هنا مل خياطب‬
‫هبا املشركون او احد ممن سار على طريق الباطل وهذا هو الفرق بينها وبني (امنا) يف اآلايت اليت‬
‫صلِ ُحو َن)‬ ‫يل َهلُ ْم ال تُـ ْف ِس ُدوا ِيف ا ْأل َْر ِ‬
‫ض قَالُوا إِ َّمنَا َْحن ُن ُم ْ‬ ‫سبقتها‪ .‬ومن ذلك ايضا قوله جل شانه ِ ِ‬
‫(وإذَا ق َ‬
‫َ‬
‫(‪ )4‬فالنهي هنا موجه لليهود فجاء ردهم على هذا النهي مفتتحاً بـ (امنا) وقد (دخلت امنا لتدل على‬
‫اهنم حني ادعوا ألنفسهم اهنم مصلحون اظهروا اهنم يدعون من ذلك أمراً ظاهراً معلوماً ولذلك أكد‬
‫األمر يف تكذيبهم والرد عليهم فجمع بني (اال) الذي هو للتنبيه وبني (ان) الذي هو للتأكيد فقيل‪:‬‬
‫((اال اهنم هم املفسدون ولكن ال يشعرون)) (‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الكشاف‪.307 :4 ،‬‬
‫(‪ )2‬القصص‪.)78 - 76( :‬‬
‫(‪ )3‬الكشاف‪.191 :3 ،‬‬
‫(‪ )4‬البقرة‪.)11( :‬‬
‫(‪ )5‬دالئل االعجاز‪ :336 :‬وينظر‪ :‬هناية االجياز‪ ،182 :‬ومفتاح العلوم‪ ،517 :‬واملعاين يف ضوء‬
‫اساليب القرآن‪.296 :‬‬

‫(‪)112/1‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫البيان يف جواب القرآن‬
‫ليس من اليسري على الباحثني أن حييطوا إحاطة اتمة مبا امتاز به جواب القرآن من مزااي جتعله ينأى‬
‫اترة‪ ،‬ويقرتب اترة أخرى من اجلواب الذي يدور يف خماطبات بين البشر‪.‬‬
‫لقد تنوع ذلك اجلواب من حيث اجلهة اليت صدر منها‪ ،‬فهناك جواب للباري عز وجل‪ ،‬وهنا جواب‬
‫للمالئكة‪ ،‬وهناك جواب لألنبياء‪ ،‬والرسل‪ ،‬وللمؤمنني‪ ،‬وإلبليس‪ ،‬وللمشركني‪ ،‬ومل يقتصر األمر على‬
‫ذلك فقط‪ ،‬إذ للسماوات جواب‪ ،‬ولألرض جواب‪ ،‬ولنار جهنم جواب‪ ،‬فأثرى هذا التنوع جواب‬
‫القرآن الكرمي‪ ،‬فضال عن ما يتطلبه موقف اجلواب من تعدد يف أساليب اإلجابة حيددها نوع‬
‫االستفهام‪ ،‬واحداث التأثري املطلوب يف املخاطب‪ ،‬وما إىل ذلك‪ ،‬يف نسيج يبدو متشعبا للوهلة‬
‫األوىل‪ ،‬إال أنه ميكن أن خيتصر يف كونه صراعا بني األمر ابملعروف والنهي عن املنكر من جهة‪ ،‬واألمر‬
‫ابملنكر والنهي عن املعروف من جهة أخرى يف نسيج ال ميكن أن يوصف إال أبنه معجز‪.‬‬
‫وال بد من اإلشارة إىل ان األجوبة مجيعا قد صيغت أبعلى مستوى من الدقة والبالغة‪ ،‬وقد أوردها‬
‫القرآن الكرمي بشكل مؤثر وال فت للنظر‪ ،‬حبيث جتعل قارئ هذا الكتاب العظيم يقف مرات ومرات‬
‫معها‪ ،‬وتنقله إىل آفاق رحبة من التعبري املعجز‪ ،‬والبيان األخاذ الذي يسحر العقول والقلوب معا‪.‬‬
‫أما احملور الذي يدور عليه هذا الفصل فهو فنون البيان اليت وظفها القرآن الكرمي يف أجوبته‪ ،‬وحماولة‬
‫الوقوف على أهم خصائص‪ ،‬ومميزات هذه الفنون يف اجلواب القرآين‪.‬‬
‫يعد علم البيان واحدا من علوم البالغة؛ إذ يشكل هو وعلم املعاين‪ ،‬وعلم البديع العلوم الثالثة اليت‬
‫استقرت عليها البالغة العربية‪.‬‬

‫(‪)113/1‬‬

‫وعلم البيان كما عرفه اخلطيب القزويين هو‪ :‬علم يعرف به إيراد املعىن الواحد بطرق خمتلفة يف وضوح‬
‫الداللة عليه (‪.)1‬‬
‫إذن فعلم البيان يتعامل مع املعىن وليس املفردة فقط‪ ،‬ومن هنا كانت فنون هذا العلم ذات قيمة‬
‫مجالية كبرية يف النص الذي تتوفر فيه‪ ،‬شرط ان يكون ذلك التوفر موظفا ابلشكل الصحيح‪ ،‬وملا كان‬
‫القرآن الكرمي ميثل قمة التعبري يف اللغة العربية‪ ،‬فقد كان ال بد لعلم البيان من أن حيتل جانبا متميزا‬
‫يف مجالية اخلطاب القرآين‪.‬‬
‫لقد وردت فنون البيان مجيعها يف اجلواب القرآين‪ ،‬ولكن بنسب متفاوتة‪ ،‬وهذه الفنون هي احملور‬
‫الذي يدور حوله هذا الفصل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬التلخيص‪ 235 :‬ـ ‪.236‬‬

‫(‪)114/1‬‬
‫‪ 1‬ـ التشبيه‬
‫حيتل التشبيه مركز الصدارة بني فنون علم البيان‪ ،‬وقد قال عنه السكاكي ((إن التشبيه مستدع طرفني‬
‫مشبها ومشبها به‪ ،‬واشرتاكا بينهما من جهة وافرتاقا من أخر مثل أن يشرتكا يف احلقيقة‪ ،‬وخيتلفان يف‬
‫الصنعة)) (‪.)1‬‬
‫وقد قدم البالغيون تعريفات كثرية للتشبيه ـ لسنا بصدد ذكرها ـ إال أهنم مل يقدموا تعريفا جامعا مانعا‬
‫ميكن له أن يسلم من التعديل‪ ،‬أو االعرتاض (‪ ،)2‬الذي ميكن أن خنرج به من كل ذلك هو أن‬
‫البالغيني يتفقون من حيث املضمون عل ماهيته‪ ،‬وحدوده وجوهره الذي هو اتفاق شيئني يف أمر أو‬
‫أكثر مع اختالفهما يف أمور أخر‪ ،‬ولكنهم خيتلفون يف الصيغة اليت يضعها كل منهم لتعريفه تعريفا غري‬
‫قابل للتغبري (‪.)3‬‬
‫أما كيفية التشبيه فان الشيء ((يشبه ابلشيء اترة يف صورته وشكله‪ ،‬واترة يف حركته وفعله‪ ،‬واترة يف‬
‫لونه وجنره‪ ،‬واترة يف سوسه وطبعه‪ ،‬وكل منهما متحد بذاته واقع من بعض جهاته)) (‪.)4‬‬
‫لقد ضم القرآن الكرمي بني دفتيه عددا كبريا من التشبيهات‪ ،‬ومبختلف أنواع التشبيه املعروفة اليت‬
‫حققت وظائف التشبيه يف القرآن الكرمي‪ ،‬وأمهها املبالغة والبيان‪ ،‬واإلجياز (‪.)5‬‬
‫أما التشبيه يف اجلواب القرآين فقد كان قليال جدا‪ ،‬إذ مل يرد إال يف مواضع معدودة كقوله تبارك‬
‫ِ‬
‫*وتَ ُكو ُن‬
‫اش ال َْم ْبـثُوث َ‬ ‫اك َما الْ َقا ِر َعةُ*يَـ ْوَم يَ ُكو ُن الن ُ‬
‫َّاس َكالْ َف َر ِ‬ ‫وتعاىل‪(( :‬الْ َقا ِر َعةُ * َماالْ َقا ِر َعةُ َ‬
‫*وَما أَ ْد َر َ‬
‫وش)) (‪.)6‬‬ ‫ال َكالْ ِع ْه ِن ال َْم ْنـ ُف ِ‬
‫ا ْجلِبَ ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مفتاح العلوم‪.558 :‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬على سبيل املثال‪ :‬املثل السائر‪ ،153 :2 ،‬والتلخيص‪ ،238 :‬واألقصى القريب‪،41 :‬‬
‫والتصوير البياين‪ 101 :‬ـ ‪ ،102‬وعلم البيان‪ ،‬د‪ .‬عبد العزيز عتيق‪ 61 :‬ـ ‪.62‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬فن التشبيه‪.35 :1 ،‬‬
‫(‪ )4‬اجلمان يف تشبيهات القرآن‪.3 :‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬املثل السائر‪.129 :2 ،‬‬
‫(‪ )6‬القارعة‪ 1( :‬ـ ‪.)5‬‬

‫(‪)115/1‬‬
‫وعند حتليل هذين التشبيهني جند أن املشبه هو الناس واجلبال‪ ،‬واملشبه به هو الفراش املبثوث‪،‬‬
‫والعهن املنفوش‪ ،‬وقد أقيم التشبيه على أساس تشبيه الناس ابلفراش املبثوث‪ ،‬وتشبيه اجلبال‬
‫ابلصوف املنفوش‪ ،‬وكان الطرفان حسيني يف كل تشبيه منهما الهنما مما يدرك حباسة البصر‪.‬‬
‫أما أداة التشبيه فهي الكاف يف التشبيهني (كالفراش‪ ،‬كالعهن)‪ ،‬أي أن التشبيه تشبيه مرسل ألن‬
‫األداة مذكورة‪ ،‬أما من حيث وجه الشبه فقد شبه الناس (ابلفراش يف الكثرة‪ ،‬واالنتشار‪ ،‬والضعف‪،‬‬
‫والذلة‪ ،‬والتطاير إىل الداعي كما يتطاير الفراش إىل النار ‪ ...‬وشبه اجلبال ابلعهن‪ ،‬وهو الصوف‬
‫املصبغ ألواان؛ ألهنا ألوان‪ ،‬وابملنفوش منه؛ لتفرق أجزائها)) (‪ ،)1‬ولذلك يعد هذا التشبيه تشبيها‬
‫مفصال‪ ،‬حيث ذكر وجه الشبه‪ ،‬أما الغرض الذي سيق التشبيهان ألجله فهو بيان حال املشبه (‪)2‬؛‬
‫أي بيان حال الناس‪ ،‬واجلبال‪ ،‬فهذا املشهد مما يقع يوم القيامة‪ ،‬وتركيب التشبيه على هذا الشاكلة‬
‫خيدم الغرض الذي يبغيه القرآن الكرمي من تصوير مشاهد ذلك اليوم تصويرا يبعث على اخلوف‪،‬‬
‫والضآلة يف نفس اإلنسان جتاه عظمة القدرة اإلهلية‪ ،‬وان ذلك مما يقع ال حمالة‪ ،‬ألنه أمر قد قدره‬
‫احلق تبارك وتعاىل‪.‬‬
‫كما أن التشبيه هو أنسب فنون البيان لتصوير هذا املشهد‪ ،‬فوجود املشبه‪ ،‬واملشبه به يتيحان لذهن‬
‫املتلقي استحضارمها‪ ،‬والقيام ابملقارنة بينهما‪ ،‬والتأمل يف وجه الشبه بينهما حىت تكتمل الصورة‬
‫القرآنية املرسومة جبميع أبعادها‪.‬‬
‫ول‬ ‫اء َك ال ُْمنَافِ ُقونَـ َقالُوا نَ ْش َه ُد إِنَّ َ‬
‫ك لََر ُس ُ‬ ‫ِ‬
‫وقد يكون التشبيه تشبيها بليغا كما يف قوله جل شانه ((إذَا َج َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َِّ‬
‫صدوا َع ْن َسبِ ِ‬
‫يل‬ ‫ني لَ َكاذبُو َن * َّاختَ ُذوا أ َْميَ َاهنُ ْم ُجنَّةً فَ َ‬
‫اَّللُ يَ ْش َه ُد إِ َّن ال ُْمنَافق َ‬ ‫اَّللُ يَـ ْعلَ ُم إِنَّ َ‬
‫ك لََر ُسولُهُ َو َّ‬ ‫اَّلل َو َّ‬
‫اء َما َكانُوا يَـ ْع َملُو َن)) (‪.)3‬‬ ‫َِّ ِ َّ‬
‫اَّلل إهنُ ْم َس َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الكشاف‪ 789 :4 ،‬ـ ‪.790‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬مفتاح العلوم‪ ،569 :‬والتصوير البياين‪ ،140 :‬وعلم البيان‪ ،‬د‪ .‬عبد العزيز عتيق‪،106 :‬‬
‫وفنون التصوير البياين‪.139 :‬‬
‫(‪ )3‬املنافقون‪1( :‬ـ‪)2‬‬

‫(‪)116/1‬‬
‫فقد جاء املشبه‪ ،‬وهو إميان هؤالء املنافقني ابجلنة وهي ((ما يسترت به ويتقى‪ ،‬ومنه مسيت الدرع جنة))‬
‫(‪ ،)1‬فالعالقة القائمة بني املشبه‪ ،‬واملشبه به هي أهنم قد ((جعلوا أمياهنم كاجلُنة يتقى هبا ما يلحق من‬
‫أذى‪ ،‬فلما شبهت األميان ابجلُنة على طريقة التشبيه البليغ اتبع ذلك بتشبيه احللف ابختاذ اجلنة أي‬
‫استعماهلا)) (‪.)2‬‬
‫لقد جاء املشبه وهو األميان عقليا‪ ،‬وليس حسيا‪ ،‬أما املشبه به‪ ،‬وهو اجلنة‪ ،‬فهو حسي‪ ،‬وهو من‬
‫تشبيه املفرد ابملفرد‪ ،‬وقد حذف وجه الشبه‪ ،‬وأداته؛ فالتشبيه تشبيه مؤكد جممل‪ ،‬وذلك مما حيقق‬
‫إجيازه‪ ،‬وميكن أتويل وجه من خالل أتمل حال املشبه‪ ،‬واملشبه به‪ ،‬فقد شبهت أميان املنافقني ابجلنة‪،‬‬
‫أي أن هؤالء قد اختذوا أمياهنم وقاية ومحاية هلم من املسلمني‪ ،‬فهم كلما أحسوا اخلطر املتمثل يف‬
‫افتضاح أمر كذهبم وخداعهم جلأوا إىل القسم ابألميان املغلظة ليدللوا على إمياهنم ظاهراي‪ ،‬بينما‬
‫يضمرون عكس ذلك متاما‪.‬‬
‫إن هذا التشبيه قد وقع جزءا من اجلواب عن سؤال ضمين ينشأ من قوله تعاىل ((وهللا يشهد ان‬
‫املنافقون لكاذبون))‪ ،‬والسؤال‪ :‬ما سبب وصفهم بصفة الكذب؟ فيكون اجلواب (اختذوا أمياهنم‬
‫جنة)‪.‬‬
‫لقد قام اجلواب على أساس التشبيه‪ ،‬ومل يكن كالما تقريراي مباشرا‪ ،‬ألن الغاية من اليمني الذي حيلف‬
‫به املنافق اختاذه ستارا حيجب احلقيقة عن أذهان من يرون تصرفات هؤالء املنافقني‪ ،‬فهم يعيشون مع‬
‫املسلمني‪ ،‬ويتصرفون مثلهم ظاهرا‪ ،‬بينما يضمرون الكفر يف أنفسهم‪ ،‬فكان التشبيه البليغ اخلايل من‬
‫أداة التشبيه‪ ،‬ووجه الشبه هو األقدر على تقدمي هذه احلقيقة يف إطار مشهد يصور هذا الواقع‪.‬‬
‫((يف الدنْـيا و ْاآل ِخرةِ‬
‫ومن التشبيهات البليغة الواردة يف جواب القرآن الكرمي‪ ،‬قوله تبارك وتعاىل ِ‬
‫َ َ َ‬
‫ري َوإِ ْن‬
‫الح َهلُ ْم َخ ٌْ‬
‫ص ٌ‬ ‫ك َع ِن الْيَـتَ َامى قُ ْل إِ ْ‬
‫َويَ ْسأَلونَ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬التحرير والتنوير‪.236 :28 ،‬‬
‫(‪ )2‬م‪ .‬ن‪.236 :28 ،‬‬

‫(‪)117/1‬‬

‫ِ‬ ‫اَّللُ ال ْعنَـتَ ُك ْم إِ َّن َّ‬ ‫اَّلل يـعلَم الْم ْف ِس َد ِمن الْم ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّللَ َع ِز ٌيز َحك ٌ‬
‫يم))‬ ‫اء َّ‬‫صل ِح َولَ ْو َش َ‬
‫َ ُ ْ‬ ‫وه ْم فَِإ ْخ َوانُ ُك ْم َو َُّ َ ْ ُ ُ‬
‫ُختَالطُ ُ‬
‫(‪.)1‬‬
‫والتشبيه البليغ يف قوله تعاىل (وان ختالطوهم فاخوانكم ‪ ،) ...‬إذ حذفت اداة التشبيه ووجه الشبه‪،‬‬
‫فـ (أخوانكم) (خرب مبتدأ حمذوف تقديره تقديره أخوانكم‪ ،‬وهو على معىن التشبيه البليغ) (‪.)2‬‬
‫فالصورة التشبيهية قائمة على تشبيه اليتامى ابالخوان‪ ،‬وهذا التشبيه اقرب إىل أسلوب األمر؛ أي‬
‫أمر املؤمنني مبخالطة اليتامى مثلما خيالطون أخواهنم‪ ،‬أما وجه الشبه الذي مل يصرح به فهو القرب‬
‫والتواد والرتاحم مع هؤالء اليتامى الذين يؤكد القرآن الكرمي دائما على احتضاهنم والرافة هبم بسبب‬
‫وضعهم اخلاص الناتج عن اليتم‪ .‬لقد جاء التشبيه يف اجلواب القرآين بكيفية خاصة كما يف قوله‬
‫ك َّ‬
‫اَّللُ يَـ ْف َع ُل َما‬ ‫ال َك َذلِ َ‬
‫رب َو ْام َرأَِيت َعاقِ ٌر قَ َ‬ ‫ََّن ي ُكو ُن ِيل غُالم وقَ ْد بـلَغَِ ِ‬
‫ين الْك َُ‬
‫ٌَ َ َ‬ ‫ال َر ِّ‬
‫ب أ َّ َ‬ ‫جلت قدرته ((قَ َ‬
‫شاءُ)) (‪.)3‬‬ ‫يَ َ‬
‫أي (كهذا الفعل العجيب‪ ،‬وهو تقدير احلمل من شيخ هرم مل يسبق له ولد‪ ،‬وامرأة عاقر كذلك)‬
‫شاءُ إِذَا‬ ‫ال َك َذلِ ِ‬ ‫ت َر ِّ‬
‫ك َّ‬
‫اَّللُ خيَْلُ ُق َما يَ َ‬ ‫ش ٌر قَ َ‬‫س ْس ِين بَ َ‬‫ََّن يَ ُكو ُن ِيل َولَ ٌد َوَملْ ميَْ َ‬
‫ب أ َّ‬ ‫(‪ ،)4‬وقوله تعاىل ((قَالَ ْ‬
‫ول لَهُ ُك ْن فَـيَ ُكو ُن)) (‪ ،)5‬أي مثل ذلك اخللق املذكور‪ ،‬خيلق ما يشاء) (‪،)6‬‬ ‫ضى أ َْمراً فَِإ َّمنَا يَـ ُق ُ‬
‫قَ َ‬
‫والتشبيه هنا يف اإلجابة على استفهام زكراي ـ عليه السالم ـ‪ ،‬يف اآلية األوىل (كذلك هللا يفعل ما‬
‫يشاء) ويف اإلجابة على استفهام مرمي ـ عليها السالم ـ يف اآلية الثانية (كذلك هللا خيلق ما يشاء)‪.‬‬
‫ويعتمد على وجود الكاف للتشبيه‪ ،‬وقد اتصلت ابسم اإلشارة (ذلك) الذي يشري إىل قدرة اخللق‬
‫املطلقة هلل تبارك وتعاىل‪ ،‬وملا كان الباري عز وجل قد خلق‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.)220( :‬‬
‫(‪ )2‬التحرير والتنوير‪ ،‬جـ ‪ / 2‬الكتاب الثاين‪.357 :‬‬
‫(‪ )3‬آل عمران‪.)40( :‬‬
‫(‪ )4‬التحرير والتنوير‪ ،242 :3 ،‬وينظر‪ :‬الكشاف‪.428 /1 :‬‬
‫(‪ )5‬آل عمران‪.)47( :‬‬
‫(‪ )6‬التحرير والتنوير‪.248 :3 ،‬‬

‫(‪)118/1‬‬

‫من اخلالئق ما ال حيصي عددها إال هو تعاىل‪ ،‬فقد استخدم اسم اإلشارة (ذلك) ليشري إىل جممل تلك‬
‫اخلالئق هبذه اإلشارة املوجزة اليت تتيح للمخاطب التفكري يف خملوقات هللا تعاىل‪ ،‬وعدم التعجب من‬
‫خلق حيىي وعيسى ـ عليهما السالم ـ عن طريق املعجزة‪.‬‬
‫أما الكيفية اخلاصة اليت يقوم عليها هذان التشبيهان‪ ،‬فهي يف تلك اإلشارة املوجزة إىل جممل القدرة‬
‫اإلهلية يف اخللق‪ ،‬ولذا فان (كذلك) مل تستخدم يف هذا النوع من التشبيه إال للتدليل على أمور تقوم‬
‫عل خرق العادة‪ ،‬وتعتمد اإلعجاز‪ ،‬ولكنها ال تعد شيئا إذا ما قيست بقدرة البارئ عز وجل‪ ،‬وكان‬
‫هذان التشبيهان واقعني يف جواب عن سؤال صريح اعتمد األداة (أَّن) اليت استفهم هبا عن كيفية‬
‫ذلك اخللق اخلارق للعادة والنواميس الطبيعية‪ ،‬ومثلما احتوى جواب القران على التشبيه فقد احتوى‬
‫على (التمثيل) أيضا‪ ،‬وقد حدده السكاكي مبا كان ((وجهه وصفا غري حقيقي‪ ،‬وكان منتزعا من عدة‬
‫أمور)) (‪ ،)1‬إال أن اخلطيب القزويين ال يقول بغري احلقيقي شرطا للتشبيه التمثيلي بل يشرتط انتزاع‬
‫الوجه فيه من عدة أمور (‪.)2‬‬
‫اَّللُ ال يَـ ْه ِدي‬ ‫اَّلل الْ َك ِذب و ُهو ي ْد َعى إِ َىل ِْ‬
‫األ ْس ِ‬
‫الم َو َّ‬ ‫كما يف قوله تعاىل‪(( :‬ومن أَظْلَم ِممَّ ِن افْ َرتى علَى َِّ‬
‫َ َ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ ْ ُ‬
‫اَّللُ ُمتِم نُوِرهِ َولَ ْو َك ِرَه الْ َكافِ ُرو َن) (‪.)3‬‬ ‫الْ َقوم الظَّالِ ِمني * ي ِري ُدو َن لِيط ِْفئوا نُور َِّ‬
‫اَّلل ِأبَفْـ َو ِاه ِه ْم َو َّ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َْ‬
‫لقد شبه حال هؤالء الظاملني (حبال من ينفخ يف نور الشمس بفيه ليطفئه (وهللا متم نوره) أي؛ متم‬
‫احلق ومبلغه غايته) (‪ ،)4‬لقد قام اجلواب على عالقة بني هيئتني فهؤالء (يريدون عوق ظهور اإلسالم‬
‫كمثل قوم يريدون إطفاء النور‪ ،‬فهذا تشبيه اهليئة ابهليئة‪ ،‬تشبيه املعقول ابحملسوس) (‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مفتاح العلوم‪.575 :‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬التلخيص‪ ،247 :‬واإليضاح‪ 254 :‬ـ ‪.255‬‬
‫(‪ )3‬الصف‪7( :‬ـ‪)8‬‬
‫(‪ )4‬الكشاف‪.525 :4 ،‬‬
‫(‪ )5‬التحرير والتنوير‪.190 :28 ،‬‬

‫(‪)119/1‬‬

‫أما الغرض من هذا التمثيل فهو بيان حال هؤالء‪ ،‬وإظهارهم بشكل يدعو إىل السخرية من فعلهم‬
‫ومن عقوهلم ألهنم يقفون هذا املوقف‪ ،‬أمام قدرة الباري عز وجل‪ ،‬وقد وقع التمثيل يف جواب سؤال‬
‫ضمين عام‪ ،‬إذ ينشأ يف الذهن سؤال عن السبب يف عدم هداية هؤالء القوم الظاملني؟ فيكون اجلواب‬
‫أبهنم (يريدون ليطفئوا نور هللا أبفواههم ‪.) ...‬‬
‫وتربز يف التمثيل قوة خاصة للبالغة القرآنية ألن التمثيل يبعث (املعىن إىل النفس بوضوح وجالء‬
‫مؤيدا ابلربهان‪ ،‬وان أتى بعد استيفاء املعىن كان دليال على متكنه يف النفس ورسوخه يف الذهن وثبوته)‬
‫(‪)1‬‬
‫أما مصدر هذه التشبيهات الواردة يف اجلواب القرآين فنالحظ أن ثالثة منها قد صدرت هنا عن‬
‫الباري عز وجل‪ ،‬وهي تشبيه الناس ابلفراش املبثوث‪ ،‬واجلبال ابلعهن املنفوش‪ ،‬وهو تشبيه مرسل‬
‫بسبب ذكر أداة التشبيه‪ ،‬وهو تشبيه جممل لعدم ذكر وجه الشبه‪ ،‬أما التشبيه الثاين‪ ،‬وهو عن تشبيه‬
‫إميان املنافقني ابجلنة‪ ،‬فهو تشبيه بليغ لعدم ذكر أداة التشبيه ووجه الشبه‪ ،‬وكان الغرض من هذا‬
‫التشبيه فضح هؤالء املنافقني‪.‬‬
‫أما التشبيه الثالث فكان تشبيها متثيليا يقوم على تشبيه هيئة هبيئة أخرى‪ ،‬إذن فكل تشبيه كان يصب‬
‫يف هدف معني‪ ،‬فقد كان التشبيه األول مما يصور‬
‫أهوال‪ ،‬ومشاهد يوم القيامة‪ ،‬وكان التشبيه الثاين يصور حال املنافقني‪ ،‬وكان التشبيه الثالث يصور‬
‫واقع حال أعداء اإلسالم من الظاملني واملشركني‪ ،‬ويتضح من ذلك ان التشبيه يف اجلواب القرآين مل‬
‫يركز على جانب واحد فقط‪ ،‬بل ركز على جوانب عدة‪ ،‬فكان كل تشبيه خيدم غرضا معينا‪ ،‬كما ان‬
‫التشبيه األول قد وقع يف جواب سؤال صريح‪ ،‬بينما كان التشبيهان الثاين والثالث واقعني يف جواب‬
‫سؤال مقدر‪.‬‬
‫وهناك تشببيه بليغ وقع يف جواب سؤال قد وجه إىل النيب صلوات هللا وسالمه عليه عن اليتامى‪،‬‬
‫وقد أمر ابإلجابة عليه من هللا تعاىل‪ ،‬وهو تشبيه بليغ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬التصوير البياين‪ ،116 :‬وينظر‪ :‬أسرار البالغة‪ 101 :‬ـ ‪.102‬‬

‫(‪)120/1‬‬

‫لعدم ذكر أداة التشبيه ووجه الشبه‪ ،‬وكان جوااب عن سؤال صريح موجه من املؤمنني‪.‬‬
‫أما التشبيهان األخريان فكاان صادرين عن املالئكة‪ ،‬وكاان بكيفية خاصة‪ ،‬وقد تركز على غرض واحد‬
‫هو دفع التعجب عن املستفهمني‪ ،‬واالستدالل على قدرة اخللق املطلقة هلل تبارك وتعاىل‪ ،‬وكان هذان‬
‫التشبيهان واقعني يف جواب سؤال صريح من زكراي ومرمي ـ عليهما السالم ـ‪.‬‬
‫وجتدر اإلشارة إىل أن التشبيه كان اقل فنون البيان ورودا يف اجلواب القرآين‪ ،‬إذ مل يرق عدد‬
‫التشبيهات يف اجلواب القرآين إىل ما ورد من اجملازات‪ ،‬واالستعارات فيه‪.‬‬

‫(‪)121/1‬‬

‫‪ 2‬ـ االستعارة‬
‫تعد االستعارة جمازا يقوم على التشبيه‪ ،‬إذ التشبيه (كاألصل يف االستعارة‪ ،‬وهي شبيهة ابلفرع له‪ ،‬أو‬
‫صورة مقتضبة من صوره) (‪ ،)1‬وعلى أساس هذه العالقة بني التشبيه واجملاز قال بعضهم ((زوج اجملاز‬
‫ابلتشبيه‪ ،‬فتولد بينهما االستعارة‪ ،‬فهي جماز عالقته املشاهبة)) (‪.)2‬‬
‫اما الكيفية اليت تقوم عليها االستعارة‪ ،‬فيحددها عبد القاهر اجلرجاين أبن ((يكون للفظ اصل يف‬
‫الوضع اللغوي معروف تدل عليه الشواهد على انه اختص به حني وضع‪ ،‬مث يستعمله الشاعر‪ ،‬أو‬
‫غري الشاعر يف غري ذلك األصل‪ ،‬وينقله إليه نقال غري الزم هناك كالعارية)) (‪ ،)3‬وقد عرف‬
‫السكاكي االستعارة بقوله ((هي ان تذكر أحد طريف التشبيه وتريد به الطرف اآلخر مدعيا دخول‬
‫املشبه يف جنس املشبه به داال على ذلك ابثباتك للمشبه ما خيص املشبه به)) (‪ ،)4‬واعتمادا على‬
‫هذا األساس فاان نوردها بعد التشبيه مباشرة‪.‬‬
‫لقد وقع اخلالف بني البالغيني حول االستعارة؛ أهي من اجملاز اللغوي‪ ،‬أم العقلي‪ ،‬إال أن أكثرهم يرى‬
‫أهنا من اجملاز اللغوي (‪ ،)5‬لقد ضم القرآن الكرمي عددا كبريا من االستعارات اليت أبرزت اجلانب‬
‫اجلمايل يف التعبري القرآين بشكل يدعو إىل اإلعجاب فكانت هذه االستعارات القرآنية ميداان رحبا‬
‫إلبراز جوانبها املتميزة عند املفسرين والباحثني‪ ،‬ولذلك فانه ليس من الغريب أن يضم جواب‬
‫القرآن‪ ،‬استعارات عديدة‪ ،‬بل كانت االستعارة اكثر فنون البيان ورودا يف هذا اجلواب‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أسرار البالغة‪ ،28 :‬وينظر‪ :‬مفتاح العلوم‪ ،593 :‬وهناية اإلجياز‪ ،118 :‬وعلم البيان‪ ،‬د‪ .‬بدوي‬
‫طبانة‪ ،126 :‬وعلم أساليب البيان‪ ،‬د‪ .‬غازي ميوت‪.238 :‬‬
‫(‪ )2‬االتقان يف علوم القرآن‪.57 :2 ،‬‬
‫(‪ )3‬أسرار البالغة‪.29 :‬‬
‫(‪ )4‬مفتاح العلوم‪.599 :‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬هناية اإلجياز‪ ،119 :‬ومفتاح العلوم‪ 600 :‬ـ ‪ ،602‬والتصوير البياين‪ ،163 :‬واجملاز يف‬
‫البالغة العربية‪ ،‬د‪ .‬مهدي صاحل السامرائي‪ 120 :‬ـ ‪121‬‬

‫(‪)122/1‬‬

‫لقد كان عدد االستعارات التصرحيية أكثر من االستعارات املكنية يف اجلواب القرآين‪ ،‬كان ذلك على‬
‫حنو ليس كبريا بينهما‪ ،‬واالستعارة التصرحيية‪ :‬هي ما صرح فيها بلفظ املشبه به‪ ،‬دون املشبه (‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫ك ِمن الْمصلِّني * وَمل نَ ُ ِ‬
‫*وُكنَّا‬ ‫ك نُطْع ُم ال ِْم ْسك َ‬
‫ني َ‬ ‫((ما َسلَ َك ُك ْم ِيف َس َق َر * قَالُوا َملْ نَ ُ َ ُ َ َ َ ْ‬ ‫ومنه قوله تعاىل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اخلَائِ ِ‬
‫ب بِيَـ ْوم ال ّدي ِن * َح َّىت أ ََات َان الْيَق ُ‬
‫ني)) (‪.)2‬‬ ‫*وُكنَّا نُ َك ّذ ُ‬
‫ني َ‬
‫ضَ‬ ‫وض َم َع ْ‬
‫َخنُ ُ‬
‫وجاءت االستعارة يف قوله (كنا خنوض مع اخلائضني)‪ ،‬واصل اخلوض (الدخول يف املاء‪ ،‬ويستعار‬
‫كثريا للمحادثة املتكررة‪ ،‬وقد اشتهر اطالقه يف القرآن الكرمي على اجلدال واللجاج غري احملمود))‬
‫(‪ ،)3‬وهذا مايتعلق ابملشبه به‪ ،‬اما املشبه الذي طوي ذكره‪ ،‬ومل يظهر يف اآلية املباركة‪ ،‬فان املقصود‬
‫ابخلوض هو ((الشروع يف الباطل‪ ،‬وما ال ينبغي)) (‪ ،)4‬إذن تقوم هذه االستعارة على تشبيه الكالم‬
‫الباطل لدى هؤالء اجملرمني‪ ،‬ابخلوض يف املاء؛ أي كأهنم يسبحون مجيعا يف هذا املاء الذي هو الباطل‪،‬‬
‫ويريدون الوصول إىل الضفة األخرى حيث يصلون بذلك إىل هدفهم من وراء ذلك الباطل‪ ،‬وهو‬
‫رفض دعوة احلق اليت وجهت إليهم لالميان ابهلل الواحد االحد‪ ،‬وهذه االستعارة من تشبيه املعقول‬
‫ابحملسوس‪ ،‬وهي استعارة تصرحيية تبعية‪ ،‬وقد وقعت يف جواب سؤال صريح‪.‬‬
‫َّاس ما وَّالهم عن ِقبـلَتِ ِهم الَِّيت َكانُوا علَيـها قُل َِِّ‬
‫َّلل ال َْم ْش ِر ُق‬ ‫ِ‬
‫َ َْ ْ‬ ‫ول الس َف َهاءُ م َن الن ِ َ َ ُ ْ َ ْ ْ ُ‬ ‫((سيَـ ُق ُ‬
‫أما قوله تعاىل َ‬
‫صر ٍ‬
‫اط ُم ْستَ ِق ٍيم)) (‪)5‬‬ ‫والْم ْغ ِرب يـ ْه ِدي من ي َ ِ ِ‬
‫شاءُ إ َىل َ‬‫َْ َ‬ ‫َ َ ُ َ‬
‫فقد جاءت االستعارة يف قوله تعاىل (يهدي من يشاء إىل صراط مستقيم)‪ ،‬إذ كثر يف القرآن الكرمي‬
‫(التجوز بلفظ الطريق والطريقة والصراط عن املنهج واملسلك الذي يسلكه اإلنسان‪ ،‬أوالدين‬
‫والشرعة اليت يسري عليها يف حياته)) (‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مفتاح العلوم‪.604 :‬‬
‫(‪ )2‬املدثر‪ 42( :‬ـ ‪.)47‬‬
‫(‪ )3‬التحرير والتنوير‪.327 :29 ،‬‬
‫(‪ )4‬الكشاف‪.655 :4 ،‬‬
‫(‪ )5‬البقرة‪.)142( :‬‬
‫(‪ )6‬أساليب اجملاز يف القرآن الكرمي‪.251 :‬‬

‫(‪)123/1‬‬

‫وتعتمد هذه االستعارة على تشبيه الدين أو الشرعة ابلصراط‪ ،‬وهو الطريق‪ ،‬إذ املشبه معقول‪ ،‬بينما‬
‫املشبه به حمسوس‪ ،‬اما من حيث اعتبار ما يالئم املستعار فهذه استعارة مرشحة‪ ،‬إذ ذكر معها مالئم‬
‫الصراط‪ ،‬وهو صفة (املستقيم) (‪ ،)1‬وهذه االستعارة اصلية ألهنا جرت يف اسم جامد غري مشتق‬
‫وهو الصراط‪.‬‬
‫وملا كان التعبري القرآين قد اكثر من إطالق (الصراط) على الدين‪ ،‬أو الشريعة‪ ،‬أو املنهج‪ ،‬فقد كثر‬
‫إطالق معىن الضالل‪ ،‬وما يشتق منه على من مل يعتنق هذا الدين‪ ،‬أو يسري على املنهج الذي يريده‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ج َسأَ َهلُ ْم َخ َزنَـتُـ َها‬ ‫اد متََيَّـ ُز م َن الْغَْيظ ُكلَّ َما أُلْق َي ف َ‬
‫يها فَـ ْو ٌ‬ ‫هللا تبارك وتعاىل‪ ،‬كما يف قوله جلت قدرته ((تَ َك ُ‬
‫ٍ‬
‫ض ٍ‬
‫الل‬ ‫اَّللُ ِم ْن َش ْيء إِ ْن أَنْـتُ ْم إَِّال ِيف َ‬
‫اء َان نَ ِذ ٌير فَ َك َّذبْـنَا َوقُـلْنَا َما نَـ َّز َل َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫أََملْ َأيْت ُك ْم نَذ ٌير * قَالُوا بَـلَى قَ ْد َج َ‬
‫َكبِ ٍري)) (‪.)2‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وقوله تبارك وتعاىل ((قَالُوا أَوَمل تَ ُ ِ‬
‫ك َأتْتي ُك ْم ُر ُسلُ ُك ْم ِابلْبَـيّنَات قَالُوا بَـلَى قَالُوا فَا ْد ُعوا َوَما ُد َعاءُ الْ َكاف ِر َ‬
‫ين‬ ‫َْ‬
‫الل)) (‪.)3‬‬ ‫ض ٍ‬ ‫إَِّال ِيف َ‬
‫وهااتن االستعاراتن يف قوله (إال يف ضالل مبني) وقوله (إال يف ضالل) تقومان على تشبيه ترك السري‬
‫يف الطريق الصحيح‪ ،‬اواملنهج الذي جيب ان يتبع بـ (الضالل)‪ ،‬وتشرتك االستعاراتن يف كوهنما‬
‫واقعتني يف جواب سؤال صريح‪ ،‬وقد وقعتا يف سؤال موجه من خزنة انر جهنم إىل الكافرين الذين‬
‫يلقون فيها‪ ،‬إال أهنما يفرتقان يف كون االستعارة األوىل قد وقعت يف جواب الكافرين لسؤال خزنة‬
‫جهنم‪ ،‬فوصفوا املنذرين هلم أبهنم يف ضالل مبني‪ ،‬وهي استعارة غري صحيحة ـ إذا صح التعبري ـ إذ إن‬
‫من أنذروا هؤالء الكافرين مل يكونوا على ضالل‪ ،‬بل كانوا على صراط مستقيم‪ ،‬واهتام الكافرين هلم‬
‫بذلك ال يغري من مطابقة الواقع شيئا‪ ،‬اما االستعارة الثانية فهي استعارة تطابق واقع هؤالء الكافرين‬
‫الذين تركوا دين احلق فكتب عليهم اخللود يف انر جهنم‪ ،‬وقد وقعت هذه االستعارة الثانية يف رد‬
‫خزنة انر جهنم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬مفتاح العلوم‪.616 :‬‬
‫(‪ )2‬امللك (‪ 8‬ـ ‪.)9‬‬
‫(‪ )3‬غافر (‪.)50‬‬

‫(‪)124/1‬‬

‫على جواب الكافرين‪ ،‬واالستعاراتن يف هاتني اآليتني املباركتني تصرحييتان تبعيتان‪.‬‬


‫س لَهُ‬ ‫ك لَْي َ‬ ‫اَّللُ يُـ ْفتِي ُك ْم ِيف الْ َكاللَ ِة إِ ِن ْام ُرٌؤ َهلَ َ‬
‫ك قُ ِل َّ‬ ‫ويقرتب من هذه االستعارة قوله تعاىل‪(( :‬يَ ْستَـ ْفتُونَ َ‬
‫ان ِممَّا‬
‫ني فَـلَهما الثـلُثَ ِ‬
‫ف َما تَـ َر َك َو ُه َو يَ ِرثُـ َها إِ ْن َملْ يَ ُك ْن َهلَا َولَ ٌد فَِإ ْن َكانَـتَا اثْـنَـتَ ْ ِ ُ َ‬ ‫ت فَـلَ َها نِ ْ‬
‫ص ُ‬ ‫َولَ ٌد َولَهُ أُ ْخ ٌ‬
‫اَّللُ بِ ُك ِّل َش ْي ٍء‬
‫ضلوا َو َّ‬ ‫اَّلل لَ ُكم أَ ْن تَ ِ‬
‫ني َُّ ْ‬ ‫ني يُـبَِّ ُ‬ ‫لذ َك ِر ِمثْ ُل َح ِّ‬
‫ظ ْاألُنْـثَـيَ ْ ِ‬ ‫تَـر َك َوإِ ْن َكانُوا إِ ْخ َوةً ِر َجاالً َونِساء فَلِ َّ‬
‫ًَ‬ ‫َ‬
‫يم)) (‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫َعل ٌ‬
‫فقوله (ان تضلوا) الذي وقعت فيه االستعارة يقوم على تشبيه ترك املنهج الذي يرمسه هللا تعاىل للناس‬
‫يف مسألة اإلرث بـ (الضالل)‪ ،‬إال أن اختالف هذه االستعارة عن سابقتها يكمن يف كوهنا واقعة يف‬
‫جواب سؤال صريح وهذا اجلواب صادر عن رب العزة سبحانه وتعاىل على لسان نبيه الكرمي‬
‫صلوات هللا وسالمه عليه‪ ،‬واالستعارة يف هذا اجلواب تصرحيية تبعية‪.‬‬
‫ضةً ِم ْن أَثَ ِر َّ‬
‫الر ُس ِ‬
‫ول‬ ‫ت قَـ ْب َ‬
‫ضُ‬‫ص ُروا بِ ِه فَـ َقبَ ْ‬
‫ت ِمبَا َملْ يَـ ْب ُ‬
‫ص ْر ُ‬ ‫ك َاي َس ِام ِري *قَ َ‬
‫ال بَ ُ‬ ‫ال فَ َما َخطْبُ َ‬ ‫وقال تعاىل ((قَ َ‬
‫ت ِيل نَـ ْف ِسي)) (‪ ،)2‬إذ وردت االستعارة يف قوله (بصرت مبا مل يبصروا به) وهذا‬ ‫ك َس َّولَ ْ‬ ‫فَـنَـبَ ْذ ُهتَا َوَك َذلِ َ‬
‫املعىن ال حيمل معناه على الرؤية البصرية احلقيقية‪ ،‬بل معناه (علمت مبا مل يعلموا) (‪ ،)3‬أو مبعىن آخر‬
‫((ملا كان املعىن هنا جليا عن أمر مرئي تعني محل اللفظ على اجملاز ابستعارة بصر الدالة على قوة‬
‫اإلبصار إىل معىن العلم القوي بعالقة‬

‫االطالق عن التقييد)) (‪.)4‬‬


‫إذن فقد شبه العلم بشيء معني ابلبصر (استعري لفظ (أبصرت) بدال من علمت‪ ،‬ألن التعبري‬
‫ابملستعار ابلغ ألن اإلبصار حمسوس والعلم معقول‪ ،‬ففيه زايدة يف البيان والظهور من هذه اجلهة)‬
‫(‪ ،)5‬وهذه االستعارة تصرحيية تبعية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النساء‪.)176( :‬‬
‫(‪ )2‬طه‪ 95( :‬ـ ‪.)96‬‬
‫(‪ )3‬تفسري اجلاللني‪.421 :‬‬
‫(‪ )4‬التحري والتنوير‪.295 :16 ،‬‬
‫(‪ )5‬أساليب اجملاز يف القرآن الكرمي‪.262 :‬‬

‫(‪)125/1‬‬

‫اجتَـبَـ ْيـتَـ َها قُ ْل إِ َّمنَا أَتَّبِ ُع َما‬ ‫ِِ ٍ‬


‫((وإِ َذا َملْ َأتْهت ْم ِِبيَة قَالُوا لَ ْوال ْ‬
‫ويقرتب من هذه االستعارة قوله جال وعال َ‬
‫دى َوَر ْمحَةٌ لَِق ْوٍم يُـ ْؤِمنُو َن)) (‪ )1‬إذ جاء (التجوز بلفظ‬ ‫يل ِم ْن رِّيب َه َذا بَ َ ِ ِ ِ‬
‫صائ ُر م ْن َربّ ُك ْم َو ُه ً‬ ‫وحى إِ ََّ َ‬
‫يُ َ‬
‫(البصائر) عن االستدالل والعلم واملعرفة) (‪ ،)2‬وهي من تشبيه احملسوس ابملعقول أيضا‪ ،‬كما اهنا‬
‫واقعة يف جواب سؤال ضمين تقديره‪ :‬وما الذي يوحى إليه؟ فيكون اجلواب (هذا بصائر من ربكم)‬
‫وهي استعارة تصرحيي تبعية‪.‬‬
‫ف ُحتْيِي ال َْم ْوتَى قَ َ‬ ‫ومن االستعارة التصرحيية ـ أيضا ـ جاء قوله تعاىل‪(( :‬وإِ ْذ قَ َ ِ ِ‬
‫ال‬ ‫ب أَِرِين َك ْي َ‬ ‫يم َر ِّ‬
‫ال إبْـ َراه ُ‬ ‫َ‬
‫ص ْرُه َّن إِلَْي َ‬ ‫ِ‬ ‫ال بَـلَى َولَ ِك ْن لِيَط َْمئِ َّن قَـلِْيب قَ َ‬ ‫أ ََوَملْ تُـ ْؤِم ْن قَ َ‬
‫اج َع ْل َعلَى ُك ِّل‬
‫ك ُمثَّ ْ‬ ‫ال فَ ُخ ْذ أ َْربَـ َعةً م َن الطَّ ِْري فَ ُ‬
‫يم)) (‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫اَّللَ َع ِز ٌيز َحك ٌ‬
‫َن َّ‬ ‫ك َس ْعياً َوا ْعلَ ْم أ َّ‬‫َجبَ ٍل ِم ْنـ ُه َّن ُج ْزءاً ُمثَّ ا ْدعُ ُه َّن َأيْتِينَ َ‬
‫فالسؤال هنا جاء بصيغة سؤال صريح من هللا تعاىل لعبده إبراهيم ـ عليه السالم ـ وأداته مهزة‬
‫االستفهام‪ ،‬وبغض النظر عن هذا السؤال فيما اذا كان املراد منه االستفهام احلقيقي‪ ،‬أو االستفهام‬
‫الذي خيرج لغرض آخر‪ ،‬فان اجلواب قد تضمن استعارة لطيفة يف قوله (ولكن ليطمئن قليب)‪ ،‬إذ أن‬
‫((حقيقة يطمئن يسكن‪ ،‬ومصدره االطمئنان‪ ،‬واسم املصدر الطمأنينة فهو حقيقة يف سكون‬
‫االجسام‪ ،‬واطالقه على استقرار العلم يف النفس وانتفاء معاجلة االستدالل اصله جماز بتشبيه الرتدد‬
‫وعالج االستدالل ابالضطراب واحلركة وشاع ذلك اجملاز حىت صار مساواي للحقيقة‪ ،‬يقال اطمأن‬
‫ابله‪ ،‬واطمأن قلبه)) (‪ ،)4‬وتقوم هذا االستعارة على تشبيه أمر عقلي وهو اطمئنان النفس ِبخر‬
‫حمسوس وهو سكون الشيء عن احلركة واالضطراب‪ ،‬وهي استعارة تبعية‪.‬‬
‫َّ ِ‬
‫ومن االستعارات اليت جتدر اإلشارة إليها يف جواب القرآن الكرمي قوله تقدست أمساؤه‪(( :‬إِ َّن الذ َ‬
‫ين‬
‫َك َف ُروا َس َواءٌ َعلَْي ِه ْم أَأَنْ َذ ْرَهتُ ْم أ َْم َملْ تُـ ْن ِذ ْرُه ْم ال يُـ ْؤِمنُو َن َ‬
‫*ختَ َم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬األعراف‪.)203( :‬‬
‫(‪ )2‬أساليب اجملاز يف القرآن الكرمي‪.262 :‬‬
‫(‪ )3‬البقرة‪.)260( :‬‬
‫(‪ )4‬التحرير والتنوير‪.39 :3 ،‬‬

‫(‪)126/1‬‬

‫يم)) (‪.)1‬‬ ‫ِ‬


‫اب َعظ ٌ‬ ‫صا ِرِه ْم ِغ َ‬
‫ش َاوةٌ َوَهلُ ْم َع َذ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫اَّللُ َعلَى قُـلُوهب ْم َو َعلَى مسَْع ِه ْم َو َعلَى أَبْ َ‬
‫َّ‬
‫وقد جاءت االستعارة يف قوله (ختم هللا على قلوهبم ‪ ) ...‬إذ ان اخلتم‬
‫((حيمل من رؤية احلق‪ ،‬وعدم اإلحساس به‪ ،‬فاملنع مشبه ‪ ...‬واخلتم مشبه به‪ ،‬ووجه الشبه احلرمان‬
‫من كل منهما من رؤية احلق‪ ،‬وعدم اإلحساس به ‪ ...‬وهي استعارة حمسوس ملعقول بوجه معقول‪،‬‬
‫واالستعارة تصرحيية تبعية جلرايهنا يف الفعل)) (‪ ،)2‬وهي واقعة يف جواب سؤال ضمين ينشأ عن سبب‬
‫وصف هؤالء أبهنم ال يؤمنون سواء أنذروا أم مل ينذروا؟ واجلواب عن ذلك هو اهنم قد (ختم هللا على‬
‫قلوهبم وعلى مسعهم ‪.) ...‬‬
‫أما االستعارة املكنية فكانت اقل ورودا من االستعارة التصرحيية يف اجلواب القرآين على ان التفاوت‬
‫بينهما مل يكن كبريا‪ ،‬واملقصود هبذه االستعارة‬
‫((أن يكون الطرف املذكور من طريف التشبيه هو املشبه (‪ ،)3‬أو بكلمة أدق ((هي ما حذف فيها‬
‫املشبه به‪ ،‬ورمز له بشيء من لوازمه)) (‪.)4‬‬
‫ب)) (‪ ،)5‬إذ جاءت‬ ‫ِ‬
‫َّج ُم الثَّاق ُ‬ ‫الس َم ِاء َوالطَّا ِر ِق * َوَما أَ ْد َر َ‬
‫اك َما الطَّا ِر ُق * الن ْ‬ ‫((و َّ‬
‫ومن ذلك قوله تعاىل َ‬
‫االستعارة يف قوله (النجم الثاقب)‪ ،‬فالثقب (خرق شيء ملتئم‪ ،‬وهو هنا مستعار لظهور النور يف‬
‫خالل ظلمة الليل‪ ،‬شبه النجم مبسمار أو حنوه‪ ،‬وظهور ضوئه بظهور ما يبدو من املسمار من خالل‬
‫اجلسم الذي يثقبه مثل لوح أو ثوب)) (‪.)6‬‬
‫إذن مل يشبه النجم هنا ابملسمار‪ ،‬أو أي شيء له القابلية على الثقب مباشرة‪ ،‬وامنا ذكر أحد لوازم‬
‫املسمار‪ ،‬وهو الثقب‪ ،‬ولذلك فهذه استعارة مكنية تبعية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪ 6( :‬ـ ‪ ،)7‬وينظر سورة يونس اآلية (‪ ،)74‬وسورة املنافقني اآلية (‪.)3‬‬
‫(‪ )2‬أساليب اجملاز يف القرآن الكرمي‪.257 :‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬مفتاح العلوم‪.604 :‬‬
‫(‪ )4‬علم أساليب البيان‪ ،250 :‬وينظر‪ :‬علم البيان د‪ .‬بدوي طبانة‪ ،178 :‬والتصوير البياين‪:‬‬
‫‪.167‬‬
‫(‪ )5‬الطارق‪1( :‬ـ‪.)3‬‬
‫(‪ )6‬التحرير والتنوير‪.259 :30 ،‬‬

‫(‪)127/1‬‬

‫وقد وقعت يف جواب سؤال صريح بغض النظر عن الغرض الذي خرج إليه هذا االستفهام ألنه‬
‫استفهام صادر من هللا تبارك وتعاىل‪.‬‬
‫يل َِّ‬
‫اَّلل َوُك ْف ٌر بِ ِه‬ ‫ص ٌّد َع ْن َسبِ ِ‬ ‫ال فِ ِيه قُل قِتَ ٌ ِ ِ ِ‬ ‫الش ْه ِر ا ْحلَر ِام قِتَ ٍ‬
‫ك َع ِن َّ‬
‫ري َو َ‬
‫ال فيه َكب ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وقوله جل وعال ((يَ ْسأَلونَ َ‬
‫رب ِم َن الْ َق ْت ِل َوال يَـ َزالُو َن يُـ َقاتِلُونَ ُك ْم َح َّىت‬ ‫والْمس ِج ِد ا ْحلر ِام وإِ ْخراج أ َْهلِ ِه ِم ْنهُ أَ ْكرب ِع ْن َد َِّ ِ‬
‫اَّلل َوالْف ْتـنَةُ أَ ْك َُ‬ ‫َُ‬ ‫ََ َ َ ُ‬ ‫َ َْ‬
‫ك َحبِطَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت أَ ْع َما ُهلُ ْم‬ ‫ت َو ُه َو َكاف ٌر فَأُولَئ َ‬ ‫اعوا َوَم ْن يَـ ْرتَد ْد م ْن ُك ْم َع ْن دينه فَـيَ ُم ْ‬ ‫استَطَ ُ‬ ‫يَـ ُردوُك ْم َع ْن دين ُك ْم إِن ْ‬
‫يها َخالِ ُدو َن)) (‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫اب النَّا ِر ُه ْم ف َ‬ ‫َص َح ُ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ِيف الدنْـيَا َو ْاآل ِخ َرةِ َوأُولَئِ َ‬
‫َّاس َوإِ َْثُُه َما أَ ْك َربُ ِم ْن نَـ ْف ِع ِه َما‬
‫ري َوَمنَافِ ُع لِلن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلَ ْم ِر َوال َْم ْيس ِر قُ ْل في ِه َما إِ ْمثٌ َكب ٌ‬ ‫ك َع ِن ْ‬ ‫وقوله تعاىل ((يَ ْسأَلونَ َ‬
‫ايت لَ َعلَّ ُك ْم تَـتَـ َف َّك ُرو َن)) (‪.)2‬‬ ‫اَّلل لَ ُكم ْاآل ِ‬
‫ني َُّ ُ‬ ‫ك يُـبَِّ ُ‬‫ك َماذَا يُـ ْن ِف ُقو َن قُ ِل ال َْع ْف َو َك َذلِ َ‬‫َويَ ْسأَلونَ َ‬
‫وقد وقعت االستعارة يف اآلية األوىل يف قوله (قل قتال فيه كبري)‪ ،‬ويف الثانية يف قوله (قل فيهما امث‬
‫كبري)‪ ،‬وهي يف قوله (كبري) ابلتحديد فيها (والكبري يف األصل عظيم اجلثة من نوعه‪ ،‬وهو جماز يف‬
‫القوي‪ ،‬والكثري‪ ،‬واملسن‪ ،‬والفاحش‪ ،‬وهو استعارة مبنية على تشبيه املعقول ابحملسوس‪ ،‬شبه القوي يف‬
‫نوعه بعظيم اجلثة يف االفراد‪ ،‬ألنه مألوف يف انه قوي‪ ،‬وهو هنا العظيم يف املأمث بقرينة املقام مثل‬
‫تسمية الذنب ابلكبرية) (‪.)3‬‬
‫وقد وقعت هااتن االستعاراتن يف جواب سؤال صريح وجه من املؤمنني إىل النيب الكرمي ـ صلوات هللا‬
‫عليه وسالمه ـ‪ ،‬وقد جاء اجلواب من هللا تعاىل‬
‫على لسان نبيه مفتتحا بفعل األمر (قل)‪.‬‬
‫ب ال يُـ ْفلِ ُحو َن * َمتَا ٌ‬
‫ع‬ ‫ومن االستعارة املكنية ـ أيضا ـ قوله تعاىل ((قُل إِ َّن الَّ ِذين يـ ْف َرتو َن َعلَى َِّ ِ‬
‫اَّلل الْ َكذ َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشدي َد مبَا َكانُوا يَ ْك ُف ُرو َن)) (‪ )4‬وقوله تبارك وتعاىل‪:‬‬ ‫اب َّ‬ ‫ِيف الدنْـيَا ُمثَّ إِلَْيـنَا َم ْرج ُع ُه ْم ُمثَّ نُذي ُق ُه ُم ال َْع َذ َ‬
‫((ولَ ْو تَـ َرى إِ ْذ ُوقِ ُفوا‬
‫َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البقرة‪.)217( :‬‬
‫(‪ )2‬البقرة‪.)219( :‬‬
‫(‪ )3‬التحرير والتنوير‪ ،‬اجلزء الثاين ‪ /‬الكتاب الثاين‪.326 :‬‬
‫(‪ )4‬يونس‪ 69( :‬ـ ‪.)70‬‬

‫(‪)128/1‬‬

‫اب ِمبَا ُك ْنـتُ ْم تَ ْك ُف ُرو َن)) (‪.)1‬‬ ‫س َه َذا ِاب ْحلَ ِّق قَالُوا بَـلَى َوَربِّنَا قَ َ‬
‫ال فَ ُذوقُوا ال َْع َذ َ‬ ‫َعلَى َرّهبِِ ْم قَ َ‬
‫ال أَلَْي َ‬
‫لقد وردت االستعارة يف اآلية األوىل يف قوله (مث نذيقهم العذاب الشديد)‪ ،‬ويف اآلية الثانية يف قوله‬
‫(قال فذوقوا العذاب)‪ ،‬فالتجوز هنا بلفظ (نذيقهم) عن االبتالء ومالبسة العذاب الشديد (‪ ،)2‬إذ‬
‫ان األصل يف االذاقة ان تكون ابلفم عن‬
‫طريق اللسان‪ ،‬اما هنا فقد شبه تعذيب هؤالء ابالذاقة‪ ،‬وقد بنيت هذه االستعارة على تشبيه‬
‫احملسوس ابحملسوس‪ ،‬وقد وردت االستعاراتن يف جواب سؤال ضمين‪ ،‬واالستعاراتن مكنيتان تبعيتان‪.‬‬
‫الر ْز َق لِ َم ْن يَ َ‬
‫شاءُ‬ ‫ط ِّ‬‫سُ‬ ‫ِ‬ ‫((وقَالُوا َْحن ُن أَ ْكثَـ ُر أ َْم َواالً َوأ َْوالداً َوَما َْحن ُن ِمبَُع َّذبِ َ‬
‫ني * قُ ْل إ َّن َرِّيب يَـ ْب ُ‬ ‫وقال تعاىل َ‬
‫َّاس ال يَـ ْعلَ ُمو َن)) (‪.)3‬‬ ‫َويَـ ْق ِد ُر َولَ ِك َّن أَ ْكثَـ َر الن ِ‬
‫لقد وردت االستعارة يف (ان ريب يبسط الرزق ملن يشاء) ((وبسط الرزق تيسريه وتكثريه‪ ،‬واستعري له‬
‫البسط‪ ،‬وهو نشر الثوب وحنوه‪ ،‬ألن املبسوط تكثر مساحة انتشاره)) (‪ ،)4‬إذن فهذه تعتمد على‬
‫تشبيه تكثري الرزق ببسط الثوب وغريه‪ ،‬فيكون من تشبيه املعقول ابحملسوس‪ ،‬فاهلل تعاىل قد شبه‬
‫تكثري الرزق ببسط الثوب‪ ،‬أي مده‪ ،‬فحذف املشبه به وأبقى شيئا من لوازمه‪ ،‬وهو البسط‪،‬‬
‫واالستعارة هنا مكنية تبعية‪ ،‬وهي واردة ضمن جواب عن سؤال مقدر‪ ،‬إذ بعد تفاخر هؤالء أبمواهلم‬
‫وأوالدهم يتبادر إىل الذهن‪ ،‬وماذا كان الرد على قول هؤالء؟ فيأيت اجلواب (قل هللا يبسط الرزق ملن‬
‫يشاء ‪.) ...‬‬
‫يتضح مما تقدم ان االستعارة التصرحيية اكثر ورودا من االستعارة املكنية يف جواب القرآن الكرمي‪،‬‬
‫وكانت االستعارة اكثر فنون البيان ورودا يف هذا اجلواب‪ ،‬وقد أضفت هذه االستعارات على املعىن‬
‫بعدا جديدا أكسبه قوة يف إيصال الفكرة من خالل عرض اجلواب مع مراعاة حتقيق التأثري املطلوب‬
‫يف نفس املخاطب من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬االنعام‪.)30( :‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬أساليب اجملاز يف القرآن الكرمي‪.231 :‬‬
‫(‪ )3‬سبأ‪ 35( :‬ـ ‪.)36‬‬
‫(‪ )4‬التحرير والتنوير‪.214 :2 ،‬‬

‫(‪)129/1‬‬

‫خالل التعبري البليغ‪ ،‬وملا كانت هذه االستعارات قد وردت يف مواقف خمتلفة‪ ،‬فقد كان ال بد من أن‬
‫تتسع الفجوة أو تضيق بني املشبه‪ ،‬واملشبه به‪ ،‬أو املستعار واملستعار له‪ ،‬فقد جاءت بعض‬
‫االستعارات أبلغ من غريها‪ ،‬كما يف استعارة اخلوض للكالم الباطل‪ ،‬واستعارة الصراط املستقيم‬
‫للدين‪ ،‬أو الشريعة‪ ،‬واستعارة الضالل بعدم اتباع املنهج االهلي‪ ،‬أو استعارة االذاقة للعذاب‪ ،‬أو اخلتم‬
‫للمنع من رؤية احلق‪ ،‬أو الثقب للنجم‪ ،‬اليت هي من ((مبتكرات القرآن الكرمي‪ ،‬ومل ترد يف لغة العرب‬
‫فبل القرآن)) (‪.)1‬‬
‫وحينما منعن النظر يف املستعار واملستعار له جند الكمية األكرب‪ ،‬تقوم على كون املشبه عقليا‪ ،‬أو‬
‫املشبه به حمسوسا‪ ،‬وهذا يعين أن هذه االستعارات كانت ترمي إىل تصوير هذه األمور العقلية‬
‫وتشبيهها أبمور حسية من أجل تقريبها قدر اإلمكان من ذهن املخاطب مع احملافظة على مجال‬
‫األسلوب وقوة التعبري‪.‬‬
‫ولعل السبب يف كون االستعارة التصرحيية اكثر من املكنية هو ان االستعارة املكنية ابلغ من التصرحيية‬
‫(‪ ،)2‬وقد يكون مرد ذلك إىل أن املسافة بني املشبه واملشبه به يف املكنية أبعد منها يف التصرحيية مما‬
‫يتطلب من املخاطب إعمال فكره من اجل الربط بني املشبه واملشبه به‪ ،‬بينما الغاية من اجلواب هي‬
‫إيضاح املبهمات‪ ،‬واإلجابة على األسئلة الكثرية الواردة يف القرآن الكرمي‪ ،‬اليت كان بعضها يف‬
‫موضوعات دقيقة جدا‪ ،‬وذلك يتطلب خطااب جيمع بني الوضوح‪ ،‬والدقة من جهة‪ ،‬وبني التأثري يف‬
‫النفس‪ ،‬والبالغة العالية اليت تناسب املقام من جهة أخرى‪ ،‬وجتدر اإلشارة إىل ان استعارة التبعية‬
‫كانت أكثر بكثري من االستعارة األصلية اليت تكون يف االسم اجلامد غري املشتق‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬التحرير والتنوير‪.259 :30 ،‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬االتقان يف علوم القرآن‪.60 :2 ،‬‬

‫(‪)130/1‬‬
‫‪ 3‬ـ اجملاز‬
‫إن كل لفظ وكل تركيب يف اللغة البد من أن حيمل على أحد حمملني‪ :‬أما أن يكون حقيقة‪ ،،‬واما أن‬
‫يكون جمازا‪ ،‬كأن اللغة تنقسم نصفني مها‪ :‬احلقيقة‪ ،‬واجملاز وال اثلث هلما‪ ،‬إذ ليس هنالك ما يقع‬
‫بينهما‪ ،‬فالحيسب ألحد الطرفني‪ ،‬أو ان يشرتكا فيه حبيث يضيع احلد الفاصل بينهما هذا بغض النظر‬
‫عما ينتقل من احلقيقة إىل اجملاز بوساطة احلكم‪ ،‬أو اإلسناد يف (اجملاز العقلي)‪.‬‬
‫لقد عرف عبد القاهر اجلرجاين اجملاز بقوله‪(( :‬هو كل كلمة أريد هبا غري ما وقعت له يف وضع واضعها‬
‫ملالحظة بني الثاين واألول)) (‪.)1‬‬
‫أما السكاكي فعرفه بقوله ((هو الكلمة املستعملة يف غري ما هي موضوعة له ابلتحقيق استعماال يف‬
‫الغري ابلنسبة إىل نوع حقيقتها مع قرينة مانعة من إرادة معناها يف ذلك النوع)) (‪ ،)2‬ويالحظ أن‬
‫السكاكي يشرتط وجود القرينة اليت متنع من إرادة املعىن احلقيقي‪ ،‬وهذه القرينة أما أن تكون لفظية‪،‬‬
‫أو تكون حالية‪ ،‬ومل خيرج تعريف اخلطيب القزويين عن تعريف السكاكي‪ ،‬إذ عرف اجملاز بقوله ((هو‬
‫الكلمة املستعملة يف غري ما وضعت له يف اصطالح التخاطب على وجه يصح مع قرينة عدم‬
‫إرادته)) (‪.)3‬‬
‫ويتضح مما تقدم ((ان القول ابجملاز يفرتض ابلضرورة نوعا من التطور التارخيي يف تطور داللة اللغة كما‬
‫يفرتض أسبقية وأولية للداللة اليت تسمى (حقيقة) على الداللة اليت (جمازا)‪ ،‬كما يفرتض ـ أيضا ـ‬
‫عالقة ما بني الداللة (احلقيقية)‪ ،‬والداللة (اجملازية))) (‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أسرار البالغة‪.325 :‬‬
‫(‪ )2‬مفتاح العلوم‪.589 :‬‬
‫(‪ )3‬التلخيص‪.294 :‬‬
‫(‪ )4‬اشكاليات القراءة وآليات التأويل‪ ،‬نصر حامد أبو زيد‪.127 :‬‬

‫(‪)131/1‬‬

‫أما اجملاز يف القرآن الكرمي فقد اختلف فيه‪ ،‬فهنالك من نفى وجوده يف كتاب هللا‪ ،‬وهنالك من توسع‬
‫فيه‪ ،‬وهنالك من وقف موقفا وسطا (‪.)1‬‬
‫ومع وجود هذه اخلالفات‪ ،‬فانه من غري املكن نفي وجود اجملاز يف القرآن الكرمي ((ولو سقط اجملاز‬
‫من القرآن سقط منه شطر حسن)) (‪.)2‬‬
‫وملا كان هذا الكتاب العظيم قد نزل بلغة العرب اليت حتفل ابلكثري من اجملاز‪ ،‬فقد كان البد من أن‬
‫يضم هذا الكتاب شطرا كبريا منه‪.‬‬
‫وجتدر اإلشارة إىل أن التعبري القرآين قد آثر اجملاز يف جوانب كثرية منه على غريه وهو واحد من‬
‫األساليب املهمة اليت هتيئ اجلو املناسب للتأثري يف املخاطب‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ينظر اإلتقان يف علوم القرآن‪ ،47 :2 ،‬وإشكاليات القراءة وآليات التأويل‪ 121 :‬ـ ‪،147‬‬
‫واملنظور البالغي يف تفسري التحرير والتنوير‪ 137 :‬ـ ‪.138‬‬
‫(‪ )2‬اإلتقان يف علوم القرآن‪.47 :2 ،‬‬

‫(‪)132/1‬‬

‫أ ـ اجملاز املرسل‬
‫لقد عرب عنه السكاكي بقوله‪(( :‬اجملاز اللغوي الراجع إىل املعىن املفيد اخلايل من املبالغة يف التشبيه))‬
‫(‪ ،)1‬ومعىن ذلك ((ان تعدى الكلمة عن مفهومها األصلي مبعونة القرينة إىل غريه ملالحظة بينهما‪،‬‬
‫ونوع تعلق)) (‪.)2‬‬
‫أما اخلطيب القزويين‪ ،‬فاجملاز املرسل عنده ((ما كانت العالقة بني ما استعمل فيه وما وضع له مالبسة‬
‫غري التشبيه)) (‪.)3‬‬
‫وكل ذلك من أجل التفرقة بينه وبني االستعارة‪ ،‬فقد جعل السكاكي‪ ،‬واخلطيب القزويين عدم وجود‬
‫التشبيه من جهة‪ ،‬ووجود القرينة من جهة أخرى األساس الذي يقوم عليه هذا اجملاز‪ ،‬ولعل يف كالم‬
‫الدسوقي (ت‪ 1110‬هـ) زايدة يف اإليضاح‪ ،‬إذ يقول عن اجملاز املرسل‪(( :‬امنا مسي مرسال إلرساله عن‬
‫التقييد بعالقة واحدة خمصوصة‪ ،‬بل ردد بني عالقات خبالف اجملاز االستعاري‪ ،‬فانه مقيد بعالقة‬
‫واحدة هي املشاهبة)) (‪.)4‬‬
‫إذن فعالقات هذا اجملاز متعددة وغري حمصورة بعدد معني‪ ،‬ويكفي للداللة على ذلك االطالع على‬
‫أي كتاب بالغي قدمي‪ ،‬أو حديث تعرض لبحث اجملاز (‪.)5‬‬
‫ومن عالقات اجملاز املرسل الواردة يف اجلواب القرآين العالقة احمللية‪ ،‬وذلك أبن يذكر احملل‪ ،‬ويراد‬
‫احلال فيه كما يف قوله جل شأنه‪(( :‬فَأَ ْخ َر ْجنَا َم ْن‬
‫ِ‬ ‫َكا َن فِيها ِمن الْم ْؤِمنِني * فَما وج ْد َان فِيها غَري بـي ٍ ِ‬
‫ت م َن ال ُْم ْسل ِم َ‬
‫ني)) (‪.)6‬‬ ‫َ َْ َ ْ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ َ ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مفتاح العلوم‪.595 :‬‬
‫(‪ )2‬م‪ .‬ن‪.595 :‬‬
‫(‪ )3‬التلخيص‪.295 :‬‬
‫(‪ )4‬شروح التلخيص‪ ،‬حاشية الدسوقي‪ ،29 :4 ،‬وينظر‪ :‬التصوير البياين‪ ،88 :‬وأساليب اجملاز يف‬
‫القرآن الكرمي‪.281 :‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬التلخيص‪ 297 :‬ـ ‪ ،299‬واإلتقان‪ 47 :2 ،‬ـ ‪ ،53‬والتصوير البياين‪ 88 :‬ـ ‪ ،99‬وعلم‬
‫البيان‪ ،‬د‪ .‬بدوي طبانة‪ 153 :‬ـ ‪ ،157‬وعلم البيان‪ ،‬د‪ .‬عبد العزيز عتيق‪ 158 :‬ـ ‪.165‬‬
‫(‪ )6‬الذارايت‪ 35( :‬ـ ‪.)36‬‬

‫(‪)133/1‬‬

‫وقد جاء اجملاز يف قوله (بيت من املسلمني)‪ ،‬إذ املقصود أهل ذلك البيت‪ ،‬وليس البيت نفسه‪ ،‬أي‬
‫أطلق احملل وأراد من حل فيه‪ ،‬وقد ورد ذلك يف كالم املالئكة مع إبراهيم ـ عليه السالم ـ بعد أن‬
‫نفذوا أمر هللا تعاىل ابلقضاء على العصاة من قوم لوط عليه السالم‪ ،‬وقد وقع هذا اجملاز املرسل يف‬
‫جواب سؤال ضمين تقديره‪ :‬ومن هم أولئك املؤمنون الذين أخرجهم هللا تعاىل؟‪.‬‬
‫((وقَالُوا أَإِ َذا ُكنَّا ِعظَاماً َوُرفَااتً أَإِ َّان لَ َم ْبـ ُعوثُو َن َخلْقاً َج ِديداً* قُ ْل‬
‫ومن هذه العالقة ورد قوله جلت قدرته َ‬
‫سيَـ ُقولُو َن َم ْن يُِعي ُد َان قُ ِل الَّ ِذي فَطََرُك ْم أ ََّو َل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْرب ِيف ُ‬
‫ص ُدوِرُك ْم فَ َ‬ ‫ارةً أ َْو َحديداً* أ َْو َخلْقاً ممَّا يَك ُُ‬
‫ُكونُوا ح َج َ‬
‫سى أَ ْن يَ ُكو َن قَ ِريباً)) (‪ ،)1‬وقد جاء اجملاز‬ ‫سيُـ ْن ِغ ُ‬
‫ضو َن إِلَْي َ‬ ‫ٍ‬
‫وس ُه ْم َويَـ ُقولُو َن َم َىت ُه َو قُ ْل َع َ‬
‫ك ُرُؤ َ‬ ‫َم َّرة فَ َ‬
‫املرسل يف قوله (أو خلقا مما يكرب يف صدوركم)‪ ،‬وكأن هللا تعاىل يقول هلؤالء ((افرضوا شيئا آخر أبعد‬
‫عن قبول احلياة من احلجر‪ ،‬واحلديد حبيث يستبعد عقلكم كونه قابال للحياة)) (‪ ،)2‬وقد أطلق‬
‫الباري عز وجل كلمة (صدوركم) وأراد هبا (العقول)‪ ،‬وملا كان الصدر يضم القلب الذي كثريا ما‬
‫يذكره القرآن الكرمي‪ ،‬ويريد به العقل (‪،)3‬فقد حسن هذا اجملاز أي أنه قد ذكر احملل وأراد من حيل‬
‫فيه‪.‬‬
‫إن التعبري القرآين يؤثر استخدام احملل يف اآلية الكرمية جملاهبة هؤالء املشركني املنكرين حياهتم بعد‬
‫املوت حبيث ينقلهم إىل جو يفوق جمال اإلدراك احلسي والبديهيات اليت يعرفوهنا‪ ،‬ليكون ذلك أبلغ‬
‫يف تبكيتهم‪ ،‬وإشعارهم بضآلتهم أمام القدرة املطلقة خلالق السماوات واألرض‪.‬‬
‫ومن عالقات اجملاز املرسل اليت كان هلا نصيب يف اجلواب القرآين العالقة احلالية‪ ،‬أي أن يذكر لفظ‬
‫((وِم َن اللَّْي ِل‬
‫احلال ويراد به احملل‪ ،‬أي على العكس من العالقة السابقة‪ ،‬ومنها قوله سبحانه تعاىل‪َ :‬‬
‫ك َم َقاماً َْحم ُموداً)) (‪ ،)4‬وقد جاء اجملاز املرسل يف قوله‬ ‫سى أَ ْن يَـ ْبـ َعثَ َ‬
‫ك َرب َ‬ ‫ِِ ِ‬
‫فَـتَـ َه َّج ْد به َانفلَةً لَك َع َ‬
‫(مقاما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬اإلسراء (‪ 49‬ـ ‪.)51‬‬
‫(‪ )2‬التفسري الكبري‪.226 :20 ،‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬اإلتقان يف علوم القرآن‪.49 :2 ،:‬‬
‫(‪ )4‬اإلسراء‪.)79( :‬‬

‫(‪)134/1‬‬

‫حممودا) إذ وصف املقام أبنه حممود (وصف جمازي‪ ،‬واحملمود من يقوم فيه) (‪ ،)1‬وقد ورد ذلك ضمن‬
‫جواب سؤال مقدر هو سؤال عن السبب مطلقا‪ ،‬عن السبب يف أمر هللا تعاىل لنبيه صلوات هللا‬
‫وسالمه عليه ابلتهجد يف الليل؟‬
‫َّاس‬ ‫اب ْاآل ِخ َرةِ َذلِ َ‬
‫ك يَـ ْوٌم َْجم ُموعٌ لَهُ الن ُ‬ ‫ك َآليَةً لِ َم ْن َخ َ‬
‫اف َع َذ َ‬ ‫ومن العالقة نفسها قوله تعاىل ((إِ َّن ِيف َذلِ َ‬
‫ك يَـ ْوٌم َم ْش ُهو ٌد)) (‪ ،)2‬واجملاز يف قوله (ذلك يوم مشهود) إذ وصف اليوم (بصفة ما يقع فيه‪ ،‬أي‬ ‫َو َذلِ َ‬
‫مشهود فيه على الناس أبعماهلم‪ ،‬والشهود احلفظة‪ ،‬والرسل‪ ،‬واجلوارح‪ ،‬واألرض‪ ،‬ورب العاملني) (‪،)3‬‬
‫وقد جاء هذا اجملاز يف جواب سؤال ضمين عن سبب اخلوف يف ذلك اليوم؟ فيكون اجلواب أبن‬
‫(ذلك يوم جمموع له الناس وذلك يوم مشهود)‪.‬‬
‫ومن عالقات اجملاز املرسل اجلزئية‪ ،‬واملقصود هبا تسمية الشيء ابسم أجزائه‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫اك َما ال َْع َقبَةُ * فَك َرقَـبَ ٍة)) (‪ )4‬فقد أطلق اسم الرقبة وأريد هبا جسم‬
‫((فَال اقـْتَ َح َم ال َْع َقبَةَ * َوَما أَ ْد َر َ‬
‫اإلنسان كامال‪ ،‬واملراد بذلك عتق اململوك يف سبيل هللا‪ ،‬وجاء هذا اجملاز يف جواب سؤال صريح‬
‫تصدرته أداة االستفهام (ما)‪ ،‬ومبا أن االستفهام كان للتصور فان اجلواب جاء بتعيني املفرد‪.‬‬
‫يك َوَْجن َع ُل لَ ُك َما ُس ْلطَاانً فَال‬ ‫ض َد َك ِأب ِ‬
‫َخ َ‬ ‫شد َع ُ‬
‫ال َسنَ ُ‬
‫ومن هذه العالقة أيضا جاء قوله تبارك وتعاىل‪(( :‬قَ َ‬
‫صلُو َن إِلَْي ُك َما ِِبايتِنَا أَنْـتُ َما َوَم ِن اتَّـبَـ َع ُك َما الْغَالِبُو َن)) (‪.)5‬‬
‫يِ‬
‫َ‬

‫فقد ((عرب ابلعضد عن موسى ـ عليه السالم ـ جمازا وهو من اجملازات البليغة؛ ألن العضد هو حمل‬
‫القوة من اليد اليت يدافع هبا اإلنسان عن نفسه)) (‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬التحرير والتنوير‪.185 /15 ،‬‬
‫(‪ )2‬هود‪.)103( :‬‬
‫(‪ )3‬أساليب اجملاز يف القرآن الكرمي‪.370 :‬‬
‫(‪ )4‬البلد‪ 11( :‬أ ‪.)13‬‬
‫(‪ )5‬القصص‪.)35( :‬‬
‫(‪ )6‬أساليب اجملاز يف القرآن الكرمي‪.298 :‬‬

‫(‪)135/1‬‬

‫وهذا اجملاز وارد ضمن جواب هللا تعاىل لدعاء موسى ـ عليه السالم ـ أبن جيعل معه أخاه هارون ـ عليه‬
‫السالم ـ يف دعوته لفرعون‪.‬‬
‫ومن عالقات اجملاز املرسل اليت كان هلا نصيب يف اجلواب القرآين إطالق الفعل واملراد مشارفته‬
‫ومقاربته وإرادته‪ ،‬كما يف قوله جل وعال‪:‬‬
‫اَّللُ لِ ُك ِّل‬
‫اء َّ‬ ‫ِ‬ ‫ك لِنَـ ْف ِسي َ‬
‫ض ّراً َوال نَـ ْفعاً إ َّال َما َش َ‬ ‫ني * قُ ْل ال أ َْملِ ُ‬ ‫((ويـ ُقولُو َن مىت ه َذا الْو ْع ُد إِ ْن ُك ْنـتُم ِ ِ‬
‫صادق َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫ََ‬
‫اعةً َوال يَ ْستَـ ْق ِد ُمو َن)) (‪ )1‬أي (فإذا قرب جميئه) (‪،)2‬‬ ‫ِ‬ ‫أ َُّم ٍة أ َ ِ‬
‫َجلُ ُه ْم فَال يَ ْستَأْخ ُرو َن َس َ‬
‫اء أ َ‬
‫َج ٌل إذَا َج َ‬
‫وهذا اجملاز واقع ضمن جواب سؤال صريح تصدرته أداة االستفهام (مىت)‪ ،‬ومبا أن هللا تبارك وتعاىل‬
‫قد جعل ذلك الوقت من أمور الغيب اليت ال يعلمها إال هو سبحانه؛ فان اجلواب قد تضمن إشارة‬
‫إىل أن ذلك الوعد آت يف الوقت الذي حيدده هللا تعاىل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬يونس‪ 48( :‬ـ ‪.)49‬‬
‫(‪ )2‬اإلتقان يف علوم القرآن‪.49 :2 ،‬‬

‫(‪)136/1‬‬
‫ب ـ اجملاز العقلي‬
‫وقد أمساه عبد القاهر اجلرجاين (اجملاز احلكمي) ألنه ينشأ عن إسناد احلكم إىل غري فاعله احلقيقي‪،‬‬
‫وقد نبه على ذلك بقوله‪(( :‬وإذا كان معىن اللفظ موجودا على احلقيقة مل يكن اجملاز فيه نفسه‪ ،‬وإذا‬
‫مل يكن اجملاز يف نفس اللفظ ال حمالة يف احلكم)) (‪ ،)1‬كما أطلق عليه أمساء أخرى‪.‬‬
‫أما السكاكي فعرفه بقوله‪(( :‬هو الكالم املفاد به خالف ما عند املتكلم من احلكم فيه لضرب من‬
‫التأويل إفادة للخالف‪ ،‬ال بوساطة وضع)) (‪.)2‬‬
‫لقد جعل أكثر البالغيني اجملاز العقلي من مباحث علم البيان ((وآثر غريهم جعله من مباحث علم‬
‫املعاين)) (‪ ،)3‬ومن هؤالء اخلطيب القزويين يف اإليضاح‪.‬‬
‫وقد عده السكاكي من مباحث علم البيان‪ ،‬ومل يعده من مباحث علم املعاين‪ ،‬ومبا أن هذا اجملاز ـ أي‬
‫اجملاز العقلي ـ يقوم على التجوز يف اإلسناد‪ ،‬فقد كان البد من أن حتدد العالقة يب املسند واملسند‬
‫إليه على أساس املالبسة بينهما‪ ،‬وقد حدد البالغيون مالبسات شىت للفعل (‪.)4‬‬
‫أما أكثر عالقات اجملاز العقلي ورودا يف اجلواب القرآين‪ ،‬فهي العالقة السببية‪ ،‬وهي ما بين للفاعل‬
‫ول لَ ُكم ِع ْن ِدي َخزائِن َِّ‬
‫ب َوال‬ ‫اَّلل َوال أَ ْعلَ ُم الْغَْي َ‬ ‫َ ُ‬ ‫((وال أَقُ ُ ْ‬ ‫واسند إىل السبب‪ ،‬كما يف قوله تبارك وتعاىل‪َ :‬‬
‫اَّللُ أَ ْعلَ ُم ِمبَا ِيف أَنْـ ُف ِس ِه ْم إِِّين إِذاً‬ ‫ين تَـ ْز َد ِري أَ ْعيُـنُ ُك ْم لَ ْن يُـ ْؤتِيَـ ُه ُم َّ‬ ‫ك وال أَقُ ُ ِ ِ‬
‫اَّللُ َخ ْرياً َّ‬ ‫ول للَّذ َ‬ ‫ول إِِّين َملَ ٌ َ‬
‫أَقُ ُ‬
‫ِ‬
‫ني)) (‪.)5‬‬ ‫لَ ِم َن الظَّال ِم َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬دالئل اإلعجاز‪.289 :‬‬
‫(‪ )2‬مفتاح العلوم‪.627 :‬‬
‫(‪ )3‬علم البيان‪ ،‬د‪ .‬بدوي طبانة‪.141 :‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬الكشاف ‪ ،161 :1‬واإليضاح‪ ،28 :‬واإلتقان يف علوم القرآن ‪ ،47 :2‬وعلم البيان‪ ،‬د‪.‬‬
‫بدوي طبانة ‪ 143‬ـ ‪ ،145‬والتصوير البياين ‪ 86‬ـ ‪ ،87‬وعلم البيان‪ ،‬د‪ .‬عبد العزيز عتيق‪ 147 :‬ـ‬
‫‪ ،155‬والبالغة والتطبيق‪ 341 :‬ـ ‪.342‬‬
‫(‪ )5‬هود‪.)31( :‬‬

‫(‪)137/1‬‬
‫لقد جاءت اآلية املباركة جزءا من كالم رد به نيب هللا نوح (عليه السالم) على املأل الذين كفروا من‬
‫قومه‪ ،‬فهي إذن جواب لسؤال نشأ عن قول هؤالء الكافرين‪ ،‬وهو رد على جممل ما جادلوه به‪ ،‬أما‬
‫اجملاز العقلي فقد جاء يف قوله (وال أقول للذي تزدري أعينكم ‪ ،) ...‬إذ أسند االزدراء لألعني ((وهو‬
‫من أفعال النفس جماز عقلي ألن األعني سبب االزدراء غالبا‪ ،‬ألن االزدراء ينشأ من مشاهدة هذه‬
‫الصفات احلقرية عند الناظر)) (‪.)1‬‬
‫ك َما‬ ‫ك َم َّرةً أُ ْخ َرى * إِ ْذ أ َْو َح ْيـنَا إِ َىل أ ُِّم َ‬
‫((ولََق ْد َمنَـنَّا َعلَْي َ‬
‫ومن العالقة السببية ـ أيضا ـ جاء قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ْخ ْذهُ َع ُد ٌّو ِيل َو َع ُد ٌّو لَهُ َوأَلْ َق ْي ُ‬
‫ت‬ ‫اح ِل َأي ُ‬ ‫لس ِ‬
‫ْذفِ ِيه ِيف الْيَ ِّم فَـلْيُـل ِْق ِه الْيَم ِاب َّ‬
‫وت فَاق ِ‬
‫ْذفِ ِيه ِيف التَّاب ِ‬
‫َن اق ِ‬‫يوحى* أ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫صنَ َع َعلَى عَ ْي ِين)) (‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َحمَبَّةً م ِّين َولتُ ْ‬
‫َعلَْي َ‬
‫وقد جاء اإلسناد اجملازي يف قوله (فليلقه اليم ابلساحل)‪ ،‬فقد أسند اإللقاء إىل اليم بينما كان امللقي‬
‫احلقيقي هو هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬إذ هو الذي أجناه من الغرق‪ ،‬ووهب له احلياة من جديد حلكمة ابلغة‬
‫اقتضاها ذلك املوقف العظيم‪.‬‬
‫وقد ورد الفعل بصيغة األمر (فليلقه) من رب العزة تعاىل للداللة على أن الفاعل احلقيقي هو هللا‬
‫جلت قدرته‪ ،‬وان جناة موسى (عليه السالم) مل تكن عن طريق الصدفة مطلقا‪.‬‬
‫وقد ورد هذا اجملاز يف جواب عن سؤال ضمين مطلق مفاده‪ :‬ماذا أوحى هللا تبارك وتعاىل إىل أم‬
‫موسى (عليه السالم)؟ فيكون اجلواب (ان اقذفيه يف التابوت فاقذفيه يف اليم ‪.) ...‬‬
‫ت ِمبَا َملْ‬
‫ص ْر ُ‬ ‫ك َاي َس ِام ِري* قَ َ‬
‫ال بَ ُ‬ ‫ال فَ َما َخطْبُ َ‬ ‫ومن العالقة السببية ت أيضا ـ جاء قوله تعاىل‪(( :‬قَ َ‬
‫ت ِيل نَـ ْف ِسي)) (‪.)3‬‬ ‫ول فَـنَـبَ ْذ ُهتَا َوَك َذلِ َ‬
‫ك َس َّولَ ْ‬ ‫ضةً ِم ْن أَثَ ِر َّ‬
‫الر ُس ِ‬ ‫ت قَـ ْب َ‬
‫ضُ‬‫ص ُروا بِ ِه فَـ َقبَ ْ‬
‫يَـ ْب ُ‬
‫وقد ورد اإلسناد اجملازي يف قوله (وكذلك سولت يل نفسي)‪ ،‬فالذي يسول للنفس وخيدعها هو‬
‫الشيطان الرجيم نفسه‪ ،‬وليست النفس اإلنسانية ذاهتا‪ ،‬وقد جاء‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬التحرير والتنوير‪.58 :12 ،‬‬
‫(‪ )2‬طه‪ 37( :‬ـ ‪)39‬‬
‫(‪ )3‬طه‪ 95( :‬ـ ‪.)96‬‬

‫(‪)138/1‬‬
‫هذا اجملاز العقلي يف جواب السامري على سؤال نيب هللا موسى (عليه السالم) له عن سبب صنعه‬
‫العجل وعبادته‪ ،‬وقد أدى ذلك األمر إىل أن يرتد عدد كبري من بين إسرائيل بعبادهتم العجل بعد‬
‫ذهاب نبيهم إىل ميقات ربه‪ ،‬وترك أخاه هارون (عليه السالم) معهم ليحل حمله حىت يعود إليهم‪ ،‬ومل‬
‫يستطع هارون (عليه السالم) الوقوف بوجه من عبد العجل منهم‪ ،‬وملا كان السامري هو املسؤول‬
‫عن ضالل هؤالء فقد وجه إليه السؤال‪ ،‬وهو سؤال صريح تصدرته أداة االستفهام (ما) وملا كانت‬
‫(ما) تستخدم يف استفهام التصور‪ ،‬أي ادراك املفرد وتعيينه فقد جاء اجلواب ابلتعيني فاعرتف‬
‫السامري خبطئه‪ ،‬وحدد السبب الذي دعاه إىل ذلك‪.‬‬
‫ول الْمنَافِ ُقو َن والْمنَافِ َق ُ ِ ِ‬
‫آمنُوا‬‫ين َ‬ ‫ات للَّذ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ومن العالقة السببية أيضا قوله تقدست أمساؤه‪(( :‬يَـ ْوَم يَـ ُق ُ ُ‬
‫ب َاب ِطنُهُ فِ ِيه‬ ‫سوٍر لَهُ َاب ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وان نَـ ْقتَبِس ِمن نُوِرُكم قِ ِ‬
‫ض ِر َ‬
‫ب بَـ ْيـنَـ ُه ْم ب ُ‬ ‫سوا نُوراً فَ ُ‬ ‫اء ُك ْم فَالْتَم ُ‬ ‫يل ْارج ُعوا َوَر َ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫انْظُُر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِِ‬
‫صتُ ْم‬ ‫وهنُ ْم أََملْ نَ ُك ْن َم َع ُك ْم قَالُوا بَـلَى َولَكنَّ ُك ْم فَـتَـ ْنـتُ ْم أَنْـ ُف َ‬
‫س ُك ْم َوتَـ َربَّ ْ‬ ‫اد َ‬
‫اب* يُـنَ ُ‬
‫الر ْمحَةُ َوظَاه ُرهُ م ْن قبَله ال َْع َذ ُ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫وارتَـبـتم وغَ َّرتْ ُكم ْاألَم ِاين ح َّىت جاء أَمر َِّ‬
‫ور)) (‪)1‬‬ ‫اَّلل َوغَ َّرُك ْم ِاب ََّّلل الْغَ ُر ُ‬ ‫َ ْ ُْْ َ ُ َ َ َ َ ُْ‬
‫وجاء اإلسناد اجملازي يف قوله (وغرتكم األماين)‪ ،‬إذ ليست األماين هي اليت تغر اإلنسان‪ ،‬وامنا هو‬
‫الشيطان‪ ،‬وقد أكد هذه احلقيقة قوله بعد ذلك (حىت جاء أمر هللا وغركم ابهلل الغرور) وهو الشيطان‬
‫نفسه (‪ ،)2‬وقد ورد هذا اجملاز العقلي يف جواب سؤال صريح موجه من املنافقني واملنافقات للمؤمنني‬
‫يوم القيامة‬
‫ك َع ِن‬ ‫أما العالقة الزمانية فهي‪ :‬فيما بين للفاعل‪ ،‬وأسند إىل الزمان‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‪(( :‬يَ ْسأَلونَ َ‬
‫السماو ِ‬ ‫يها لَِوقْتِ َها إَِّال ُه َو ثَـ ُقلَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس َ ِ‬
‫ض ال‬‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫ت ِيف َّ َ َ‬ ‫اها قُ ْل إِ َّمنَا عل ُْم َها ع ْن َد َرِّيب ال ُجيَلّ َ‬
‫اعة أ ََّاي َن ُم ْر َس َ‬ ‫َّ‬
‫ك ح ِف ٌّي ع ْنـها قُل إِ َّمنَا ِعلْمها ِع ْن َد َِّ‬
‫اَّلل َولَ ِك َّن أَ ْكثَـ َر الن ِ‬ ‫َأتْتِي ُك ْم إَِّال بَـ ْغتَةً يَ ْسأَلونَ َ‬
‫َّاس ال يَـ ْعلَ ُمو َن))‬ ‫َُ‬ ‫ك َكأَنَّ َ َ َ َ ْ‬
‫(‪)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬احلديد‪13( :‬ـ‪.)14‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬تفسري اجلاللني‪.716 :‬‬
‫(‪ )3‬األعراف‪.)187( :‬‬

‫(‪)139/1‬‬
‫فقد جاء التجوز يف اإلسناد يف قوله تعاىل (ثقلت فيه السموات واألرض) وقد ((وصف الساعة‬
‫ابلثقل ابعتبار ماهو مظروف يف وقتها من احلوادث‪ ،‬فوصفها بذلك جماز عقلي والقرينة واضحة‪ ،‬وهي‬
‫كون الثقل مبعىن الشدة ال يكون وصفا للزمان‪ ،‬ولكنه وصف لألحداث فإذا أسند إىل الزمان‪،‬‬
‫فإسناده إليه يكون ابعتباره ظرفا لألحداث)) (‪ ،)1‬وهذا اإلسناد اجملازي واقع يف جواب سؤال‬
‫صريح‪.‬‬
‫ال الَّ ِذين استُ ْ ِ ِ ِ‬
‫ْر اللَّْي ِل َوالنـ َ‬
‫َّها ِر‬ ‫ْربوا بَ ْل َمك ُ‬ ‫استَك َُ‬ ‫ضع ُفوا للَّذ َ‬
‫ين ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫((وقَ َ‬
‫ومن العالقة الزمانية أيضا قوله تعاىل َ‬
‫الل ِيف أَ ْعنَ ِ‬ ‫ِ‬
‫اق‬ ‫اب َو َج َعلْنَا ْاألَ ْغ َ‬ ‫إِ ْذ َأت ُْم ُرونَـنَا أَ ْن نَ ْك ُف َر ِاب ََّّلل َوَْجن َع َل لَهُ أَنْ َداداً َوأ َ‬
‫َسروا النَّ َد َامةَ لَ َّما َرأ َُوا ال َْع َذ َ‬
‫ين َك َف ُروا َه ْل ُْجي َزْو َن إَِّال َما َكانُوا يَـ ْع َملُو َن)) (‪.)2‬‬ ‫َّ ِ‬
‫الذ َ‬
‫لقد أسند املكر إىل الليل والنهار فكاان مها الفاعلني على سبيل اجملاز‪ ،‬وقد قال الفراء (ت‪207‬هـ)‬
‫عن هذا اجملاز‪(( :‬املكر ليس لليل والنهار‪ ،‬وامنا املعىن‪ :‬بل مكركم ابلليل والنهار‪ ،‬وقد جيوز أن‬
‫نضيف الفعل إىل الليل والنهار‪ ،‬ويكوانن كالفاعلني‪ ،‬ألن العرب تقول‪ :‬هنارك صائم‪ ،‬وليلك قائم‪ ،‬مث‬
‫نضيف الفعل إىل الليل والنهار‪ ،‬وهو يف املعىن لآلدميني‪ ،‬كما تقول انم ليلك‪ ،‬وعزم أمرك‪ ،‬امنا عزمه‬
‫القوم‪ ،‬فهذا مما يعرف معناه فتتسع به العرب)) (‪.)3‬‬
‫ْربوا‬ ‫لقد جاء هذا الكالم ردا على سؤال صريح من املستكربين يف قوله تعاىل‪(( :‬قَ َ َّ ِ‬
‫استَك َُ‬
‫ين ْ‬
‫ال الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض ِع ُفوا أ َْ‬ ‫ِِ‬
‫ني)) (‪ ،)4‬مث افتتح‬ ‫اء ُك ْم بَ ْل ُك ْنـتُ ْم ُْجم ِرم َ‬
‫ص َد ْد َان ُك ْم َع ِن ا ْهلَُدى بَـ ْع َد إ ْذ َج َ‬
‫َحن ُن َ‬ ‫استُ ْ‬ ‫للَّذ َ‬
‫ين ْ‬
‫املستضعفون كالمهم يف اجلواب حبرف اإلضراب (بل) ومعىن اإلضراب هنا هو (اإلبطال) (‪ ،)5‬وهذا‬
‫اإلبطال يقابل (بل) الواردة يف كالم املستكربين‪ ،‬وملا كان هذا الكالم واقعا يوم احلشر كما يتضح من‬
‫سياق اآليتني املباركتني‪ ،‬وكان غرض املستكربين دفع التهمة عنهم يف اضالل املستضعفني‪ ،‬فقد‬
‫انصب االهتمام على تعيني الفاعل واملسؤول عن صدهم عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬التحرير والتنوير‪.202 :9 ،:‬‬
‫(‪ )2‬سبا‪.)33( :‬‬
‫(‪ )3‬معاين القرآن‪.363 :2 ،‬‬
‫(‪ )4‬سبا‪.)32( :‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬نغين اللبيب‪ ،151 :‬واإلتقان‪.208 :1 ،‬‬

‫(‪)140/1‬‬
‫اهلدى‪ ،‬وذلك جبعل ((ليلهم وهنارهم ماكرين على اإلسناد اجملازي)) (‪ ،)1‬وملا كانه االستفهام قد ورد‬
‫للتصور أي ادراك املفرد وتعينه فقد حدد اجلواب هذا املفرد وعينه ليكون ذلك أقوى يف احلجة ورد‬
‫االهتام عن أنفسهم ضد املستضعفني‪.‬‬
‫ومن العالقات األخرى يف اجملاز العقلي الواردة يف اجلواب القرآين (املكانية)؛ أي ما يبىن للفاعل‬
‫اه ُدوا ِأب َْم َواهلِِ ْم َوأَنْـ ُف ِس ِه ْم‬
‫آمنُوا َم َعهُ َج َ‬
‫ين َ‬
‫الرس ُ َّ ِ‬
‫ول َوالذ َ‬
‫ِ‬
‫ويسند إىل املكان كما يف قوله جل وعال‪(( :‬لَك ِن َّ ُ‬
‫َّات َجتْ ِري ِمن َحتْتِها ْاألَ ْهنَار َخالِ ِد ِ‬ ‫اَّلل َهلُم جن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ات َوأُولَئِ َ‬ ‫َوأُولَئِ َ‬
‫يها‬
‫ين ف َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َع َّد َُّ ْ َ‬ ‫ك ُه ُم ال ُْم ْفل ُحو َن * أ َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ك َهلُُم ْ‬
‫اخلَ ْ َ‬
‫يم)) (‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ذَلِ َ‬
‫ك الْ َف ْوُز ال َْعظ ُ‬
‫سى َرب ُك ْم أَ ْن يُ َك ِّف َر َع ْن ُك ْم‬ ‫وقوله تقدست أمساؤه‪(( :‬اي أَيـها الَّ ِذين آمنوا تُوبوا إِ َىل َِّ‬
‫صوحاً َع َ‬ ‫اَّلل تَـ ْوبَةً نَ ُ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫اَّللُ النِ َّ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورُه ْم‬
‫ين آ َمنُوا َم َعهُ نُ ُ‬ ‫َّيب َوالذ َ‬ ‫ار يَـ ْوَم ال خيُْ ِزي َّ‬ ‫َسيِّئَات ُك ْم َويُ ْدخلَ ُك ْم َجنَّات َجتْ ِري م ْن َحتْت َها ْاأل َْهنَ ُ‬
‫ك َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير)) (‪.)3‬‬ ‫ورَان َوا ْغ ِف ْر لَنَا إِنَّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫يسعى ب ْ ِ‬
‫ني أَيْدي ِه ْم َو ِأب َْميَاهن ْم يَـ ُقولُو َن َربَّـنَا أ َْمت ْم لَنَا نُ َ‬
‫َ َْ َ َ‬
‫لقد جاء اجملاز العقلي يف قوله (جتري من حتتها األهنار) فقد ((أسند اجلري إىل النهر‪ ،‬أي إىل غري‬
‫فاعله احلقيقي‪ ،‬ألن النهر مكان جري املاء‪ ،‬وهو ال جيري‪ ،‬وامنا جيري ما فيه وهو املاء‪ ،‬فاسناد اجلري‬
‫إىل النهر إسناد جمازي غري حقيقي‪ ،‬وهو هلذا جماز عقلي عالقته"املكانية")) (‪ ،)4‬وهذا اإلسناد‬
‫اجملازي ـ أي جراين األهنار ـ من اجملازات اليت تكاد تكون حقيقية بسبب كثرة دورانه يف اللغة‪.‬‬
‫وكانت أقل عالقات اجملاز العقلي ورودا يف اجلواب القرآين هي (الفاعلية)‪ :‬أي ما بين للمفعول واسند‬
‫للفاعل احلقيقي‪ ،‬كما يف قوله تبارك وتعاىل‪:‬‬
‫آم َن‬ ‫ف يَـ ْل َق ْو َن غَيّاً* إَِّال َم ْن َات َ‬
‫ب َو َ‬ ‫س ْو َ‬ ‫الصال َة واتَّـبـعوا َّ ِ‬
‫الش َه َوات فَ َ‬ ‫اعوا َّ َ َ ُ‬ ‫َض ُ‬ ‫ْف أ َ‬‫ف ِم ْن بَـ ْع ِد ِه ْم َخل ٌ‬‫((فَ َخلَ َ‬
‫و َع ِمل ص ِ‬
‫احلاً فَأُولَئِ َ‬
‫ك يَ ْد ُخلُو َن ا ْجلَنَّةَ َوال‬ ‫َ َ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الكشاف‪.291 :3 ،‬‬
‫(‪ )2‬التوبة‪ 88( :‬ـ‪.)89‬‬
‫(‪ )3‬التحرمي‪.)8( :‬‬
‫(‪ )4‬علم البيان‪ ،‬د‪ .‬عبد العزيز عتيق‪ ،151 :‬وينظر‪ :‬علم البيان‪ ،‬د‪ .‬بدوي طبانة‪ ،145 :‬والتصوير‬
‫البياين‪.86 :‬‬

‫(‪)141/1‬‬
‫ب إِنَّهُ َكا َن َو ْع ُدهُ َمأْتِيّاً)) (‪.)1‬‬ ‫َّات ع ْد ٍن الَِّيت وع َد َّ ِ‬
‫ادهُ ِابلْغَْي ِ‬
‫الر ْمحَ ُن عبَ َ‬ ‫ََ‬ ‫يُظْلَ ُمو َن َش ْيئاً* َجن ِ َ‬
‫وقد ورد التجوز يف اإلسناد يف قوله (انه كان وعدا مأتيا) أي ((آتيا‪ ،‬فهو مبين للمفعول مسند‬
‫للفاعل على مذهب أهل البالغة ألن الوعد آت ومأيت)) (‪،)2‬أو لنقل بعبارة أخرى ان الوعد ال‬
‫يؤتى إليه‪ ،‬بل هو الذي أييت‪ ،‬وكيف ال أييت ذلك الوعد وهو وعد قد حدده هللا تبارك وتعاىل لعباده‬
‫الصاحلني‪.‬‬
‫وهذا اجملاز العقلي جاء جزءا من جواب عن سؤال ضمين ينشأ عن قوله (فاولئك يدخلون اجلنة وال‬
‫يظلمون شيئا) أي السؤال عن وصف تلك اجلنة‪ ،‬فيكون اجلواب قوله تعاىل‪( :‬جنات عدن اليت وعد‬
‫الرمحن عباده ابلغيب انه كان وعده ماتيا)‪.‬‬
‫يتضح مما تقدم أن العالقات اجملازية اليت تضمنها اجلواب القرآين كانت قليلة‪ ،‬ومع ان عددها كان‬
‫متقاراب جدا يف اجملاز املرسل‪ ،‬والعقلي‪ ،‬إال أن عدد األجوبة اليت تضمنت جمازا عقليا كان أكثر من‬
‫األجوبة اليت تضمنت جمازا مرسال‪.‬‬
‫وجتدر اإلشارة إىل أن اجملاز قد لون التعبري القرآين أبلوان واضحة من التأثري يف املخاطبني به‪ ،‬ويف‬
‫ذلك دليل واضح على أن للمجاز فضال يف االرتقاء ابلتعبري ونقله إىل مستوايت عالية تزيده مجاال‬
‫وأتثريا يف النفس‪ ،‬ومن هنا تظهر أمهية قول القائل ((لعل مبحثا من مباحث البالغة العربية مل حيظ من‬
‫اهتمام العلماء‪ ،‬وعنايتهم مبثل ما حظي مبحث " احلقيقة واجملاز ")) (‪ ،)3‬واألساس الذي يقوم عليه‬
‫هذا االهتمام هو ما يتضمنه اجملاز من قدرة هائلة على رفد اللغة ابلتطور واحليوية‪ ،‬ولكي يسري هذا‬
‫االهتمام املتزايد من علماء البالغة مع أمهية اجملاز جندهم يتفقون على ((ان اجملاز والكناية أبلغ من‬
‫احلقيقة والتصريح)) (‪ ،)4‬على أن هذا اإلطالق فيه الكثري من عدم الدقة إذ ((لو كانت احلقيقة‬
‫دائما أبلغ من اجملاز‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مرمي‪ 59( :‬ـ ‪.)61‬‬
‫(‪ )2‬أساليب اجملاز يف القرىن الكرمي‪.161 :‬‬
‫(‪ )3‬التصوير البياين‪.53 :‬‬
‫(‪ )4‬التلخيص‪.346 :‬‬

‫(‪)142/1‬‬
‫لكان كالم هللا سبحانه حقيقة كله‪ ،‬من حيث أنه ابلغ الكالم‪ ،‬ولكننا نرى احلقيقة واجملاز يتجاوران‬
‫جنبا جلنب يف القرآن الكرمي)) (‪)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬التصوير البياين‪.82 :‬‬

‫(‪)143/1‬‬

‫‪ 4‬ـ الكناية‬
‫تقرتب الكناية من اجملاز يف كوهنا ال يراد هبا املعىن املصرح به‪ ،‬بل يراد به معىن آخر‪ ،‬أو هي كما يقول‬
‫عبد القاهر اجلرجاين عنها‪(( :‬ان يريد املتكلم إثبات معىن من املعاين‪ ،‬فال يذكره ابللفظ املوضوع له يف‬
‫اللغة‪ ،‬ولكن جييء إىل معىن هو اتليه وردفه يف الوجود فيومي به إليه وجيعله دليال عليه)) (‪.)1‬‬
‫أو هي كما يعرفها اخلطيب القزويين ((لفظ أريد به الزم معناه مع جواز إرادته معه)) (‪ ،)2‬وتقع‬
‫الكناية يف مرتبة أعلى من التصريح فقد ((أمجع اجلميع على ان الكناية أبلغ من اإلفصاح)) (‪،)3‬‬
‫وقسمت الكناية على أيدي البالغيني ثالثة أقسام هي‪ :‬الكناية عن موصوف‪ ،‬والكناية عن صفة‪،‬‬
‫والكناية عن نسبة (‪.)4‬‬
‫لقد وقع يف اجلواب القرآين عدد من الكناايت‪ ،‬وكان أكثرها كناية عن موصوف‪ ،‬ويعد ((الزخمشري‬
‫أول من أشار إىل هذا املوضوع فلم نقرأ إشارة واضحة عن الكناية عن موصوف فيما سبق)) (‪،)5‬‬
‫ومن ذلك قوله جل شأنه‪:‬‬
‫وه َّن َح َّىت يَط ُْه ْر َن فَِإ َذا‬
‫يض َوال تَـ ْق َربُ ُ‬ ‫اء ِيف ال َْم ِح ِ‬
‫سَ‬
‫ِ‬
‫َذى فَا ْعتَ ِزلُوا النّ َ‬
‫يض قُ ْل ُه َو أ ً‬ ‫ك َع ِن ال َْم ِح ِ‬ ‫((ويَ ْسأَلونَ َ‬‫َ‬
‫ين)) (‪ ،)6‬فقوله ((هو أذى‬ ‫َّوابِ َ ِ‬
‫ني َوُحيب ال ُْمتَطَ ِّه ِر َ‬ ‫اَّللَ ُِحيب التـ َّ‬
‫اَّللُ إِ َّن َّ‬
‫ث أ ََم َرُك ُم َّ‬‫وه َّن ِم ْن َح ْي ُ‬
‫تَطَه َّْر َن فَأْتُ ُ‬
‫فاعتزلوا النساء ـ من حيث أمركم هللا ـ فآتوا حرثكم أَّن شئتم ـ من الكناايت اللطيفة والتعريضات‬
‫احلسنة‪ ،‬وهذه وأشباهها يف كالم هللا آداب حسنة على املؤمنني أن يتعلموها‪ ،‬ويتأدبوا هبا ويتكلفوا‬
‫مثلها يف حماوراهتم ومكاتباهتم)) (‪ ،)7‬وهكذا جاءت الكناية األوىل يف هذه اآلية املباركة (فاعتزلوا‬
‫النساء) كناية عن ترك جمامعة النساء‪ ،‬والثانية (من حيث أمركم هللا) كناية عن موصوف أيضا وهو‬
‫موضع النكاح‪ ،‬وقد جاءت هااتن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬دالئل اإلعجاز‪.105 :‬‬
‫(‪ )2‬التلخيص‪.337 :‬‬
‫(‪ )3‬دالئل اإلعجاز‪ ،109 :‬وينظر مفتاح العلوم‪ ،649 :‬والتلخيص‪.346 :‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬مفتاح العلوم‪ 639 :‬ـ ‪ ،646‬والتلخيص‪ 339 :‬ـ ‪.343‬‬
‫(‪ )5‬الكناية أساليبها ومواقعها يف الشعر اجلاهلي‪ ،‬حممد احلسن علي األمني امحد‪ ،61 :‬وينظر‪:‬‬
‫الكشاف‪.520 ،434 :4 ،‬‬
‫(‪ )6‬البقرة‪.)222( :‬‬
‫(‪ )7‬الكشاف‪ ،363 :1 ،‬وينظر‪ :‬اإلتقان‪.60 :1 ،‬‬

‫(‪)144/1‬‬

‫الكنايتان يف جواب سؤال صريح موجه من املؤمنني إىل نبيهم الكرمي ـ صلوات هللا وسالمه عليه ـ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ضلَلْتُم ِعب ِ‬ ‫ون َِّ‬‫شرُهم وما يـ ْعب ُدو َن ِمن ُد ِ‬
‫ضلوا‬ ‫ادي َه ُؤالء أ َْم ُه ْم َ‬ ‫ول أَأَنْـتُ ْم أَ ْ ْ َ‬ ‫اَّلل فَـيَـ ُق ُ‬ ‫ْ‬ ‫((ويَـ ْوَم َْحي ُ ُ ْ َ َ َ ُ‬ ‫وقال تعاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫َّخ َذ ِمن دونِ َ ِ ِ‬
‫آاب َء ُه ْم َح َّىت‬
‫َّعتَـ ُه ْم َو َ‬
‫اء َولَك ْن َمتـ ْ‬
‫ك م ْن أ َْوليَ َ‬ ‫ك َما َكا َن يَـ ْنـبَ ِغي لَنَا أَ ْن نَـت ِ ْ ُ‬
‫يل* قَالُوا ُس ْب َحانَ َ‬ ‫سب َ‬
‫ال َّ ِ‬
‫سوا ال ِّذ ْك َر َوَكانُوا قَـ ْوماً بُوراً)) (‪.)1‬‬ ‫نَ ُ‬
‫فاملسؤولون ال جييبون هنا صراحة عن السؤال‪ ،‬وينفون عبادة الكفرة واملشركني هلم‪ ،‬بل يلجأون إىل‬
‫طريق الكناية بقوهلم ((ما كان ينبغي لنا ‪ ) ..‬وهو ((كناية عن انتفاء طلبهم هذا االختاذ انتفاءا‬
‫شديدا‪ ،‬أي نتربأ من ذلك‪ ،‬ألن نفي (كان) وجعل املطلوب منفيا خربا عن (كان) أقوى يف النفي‪،‬‬
‫ولذلك يسمى جحودا)) (‪.)2‬‬
‫أما الغرض من اللجوء إىل الكناية مع ان املوقف يتطلب اإلجابة بشكل صريح فهو ان هللا تعاىل عامل‬
‫ابحلقيقة قبل أن ينطق هبا هؤالء‪ ،‬ومن هنا فال أبس من الكناية عن ذلك ليكون أنسب يف تقديس‬
‫الباري عز وجل‪ ،‬وأليق بتنزيهه عن املشاركة يف العبادة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َحيس ِ‬
‫س ِّو َ‬
‫ي بَـنَانَهُ)) (‪.)3‬والكناية‬ ‫سا ُن أَل ْن َْجن َم َع عظَ َامهُ * بَـلَى قَاد ِر َ‬
‫ين َعلَى أَ ْن نُ َ‬ ‫ب ْاألنْ َ‬
‫وقال تعاىل‪(( :‬أ َْ َ ُ‬
‫هنا واقعة يف قوله (بلى قادرين على أن نسوي بنانه)‪ ،‬ومعىن ذلك ((بلى جنمعها وحنن قادرون على‬
‫أن نسوي أصابع يديه ورجليه)) (‪،)4‬‬
‫والتسوية املذكورة يف هذه اآلية املباركة ((كناية عن اخللق ألهنا تستلزمه فانه ما سوي إال وقد أعيد‬
‫خلقه)) (‪ ،)5‬وكان االنتقال يف هذه الكناية من الالزم إىل امللزوم حبيث مل تكثر الوسائط بينهما‪ ،‬وهي‬
‫لذلك تعد كناية قريبة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الفرقان‪ 17( :‬ـ ‪.)18‬‬
‫(‪ )2‬التحرير والتنوير‪.339 :18 ،‬‬
‫(‪ )3‬القيامة‪ 3( :‬ـ ‪.)4‬‬
‫(‪ )4‬الكشاف‪ 659 :4 ،‬ـ ‪.660‬‬
‫(‪ )5‬التحرير والتنوير‪.341 :29 ،‬‬

‫(‪)145/1‬‬

‫اك َما َس َق ُر * ال تُـ ْب ِقي َوال تَ َذ ُر)) (‪ ،)1‬فالكناية هنا عن موصوف أي‬
‫((وَما أَ ْد َر َ‬
‫وقال تبارك وتعاىل‪َ :‬‬
‫((ال ترتك من يلقى فيها‪ ،‬أي ال ترتكه غري مصلي بعذاهبا‪ ،‬وهذه كناية عن إعادة حياته بعد إهالكه))‬
‫(‪.)2‬‬
‫َّاصيَ ِة)) (‪،)3‬‬
‫اَّلل يـرى* َك َّال لَئِن َمل يـ ْنـتَ ِه لَنَس َفعاً ِابلن ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َن ََّ َ َ‬‫ب َوتَـ َو َّىل* أََملْ يَـ ْعلَ ْم ِأب َّ‬
‫ت إِ ْن َك َّذ َ‬
‫وقال تعاىل ((أ ََرأَيْ َ‬
‫والكناية يف قوله (لنسفعن ابلناصية)‪ ،‬واملقصود ابلسفع هو ((القبض الشديد جبذب‪ ،‬والناصية مقدم‬
‫شعر الرأس‪ ،‬واألخذ من الناصية أخذ من ال يرتك له متكن من االنفالت‪ ،‬فهو كناية عن أخذه إىل‬
‫العذاب‪ ،‬وفيه إذالل ألهنم كانوا ال يقبضون على شعر أحد إال لضربه أو جره)) (‪.)4‬‬
‫وميكن أن تعد من الكناايت البعيدة لوجود عدة وسائط يف االنتقال من الالزم إىل امللزوم‪ ،‬فالقبض‬
‫على مقدم شعر الرأس يستلزم وجود طرفني أحدمها قوي واآلخر ضعيف‪ ،‬وينتقل من ذلك إىل كون‬
‫الطرف الضعيف مقصرا‪ ،‬أو مذنبا يف أمر معني مما يؤدي إىل ضربه‪ ،‬وسحبه إال أن العقوبة هنا ليست‬
‫ضراب أو سحبا جمردا بل كناية عن العذاب الذي أعده هللا تعاىل هلذا الكافر‪ ،‬يتضح من حتليل هذه‬
‫الكناية أن بناءها هبذا التسلسل مل يكن الغرض منه سوى هتويل‪ ،‬وتفخيم هذا املشهد الذي يرمسه‬
‫القرآن الكرمي ليكون أوقع يف القلب‪ ،‬ولعل الغاية من ذلك تتضح إذا علمنا أن اخلطاب يف هذه اآلية‬
‫املباركة عن أمية بن خلف (‪ ،)5‬وهو أحد رؤوس الشرك املعروفني‪ ،‬وتسمى هذه الكناية تلوحيا عند‬
‫أهل البالغة‪.‬‬
‫ض‬‫َس َّر النَِّيب إِ َىل بَـ ْع ِ‬‫((وإِ ْذ أ َ‬
‫وجاءت الكناية عن موصوف هو الباري ـ عز وجل ـ كما يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ت َم ْن‬‫ض فَـلَ َّما نَـبَّأ ََها بِ ِه قَالَ ْ‬
‫ض َع ْن بَـ ْع ٍ‬
‫ضهُ َوأَ ْع َر َ‬ ‫اَّللُ َعلَْي ِه َع َّر َ‬
‫ف بَـ ْع َ‬ ‫َت بِ ِه َوأَظ َْه َرهُ َّ‬
‫اج ِه َح ِديثاً فَـلَ َّما نَـبَّأ ْ‬
‫أَ ْزو ِ‬
‫َ‬
‫ري)) (‪.)6‬‬ ‫ِ‬
‫ال نَـبَّأَِين ال َْعليم ْ ِ‬ ‫أَنْـبَأ َ‬
‫اخلَب ُ‬ ‫َك َه َذا قَ َ َ ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬املدثر‪ 27(( :‬ـ ‪.)28‬‬
‫(‪ )2‬التحرير والتنوير ن ‪.312 :29‬‬
‫(‪ )3‬العلق‪ 13( :‬ـ ‪.)15‬‬
‫(‪ )4‬التحرير والتنوير‪.450 :30 ،‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬الكشاف‪.778 :4 ،‬‬
‫(‪ )6‬التحرمي‪.)3( :‬‬

‫(‪)146/1‬‬

‫إذ عرب النيب صلوات هللا وسالمه عليه عن ربه ـ جل وعال ـ بصفتني مها (العليم اخلبري) ويف ذلك ما ال‬
‫خيفى من األدب والتواضع النبوي‪ ،‬وهااتن الصفتان أنسب من غريمها يف هذا املوقف‪ ،‬ووردت‬
‫الكناية يف جواب سؤال صريح‪ ،‬وكان االستفهام للتصور‪ ،‬أي طلب تعيني املفرد وادراكه؛ ولذلك‬
‫جاء اجلواب بتعيني ذلك املفرد وهو الباري (عز وجل) إذ إنه هو (تعاىل) الذي أطلعه على ذلك‬
‫احلديث‪.‬‬
‫ك تَـ ْق ِد ُير ال َْع ِزي ِز ال َْعلِ ِيم)) (‪.)1‬‬
‫س َجتْ ِري لِ ُم ْستَـ َق ٍّر َهلَا ذَلِ َ‬ ‫((و َّ‬
‫الش ْم ُ‬ ‫وقال تعاىل‪َ :‬‬
‫لقد آثر التعبري القرآين أن يذكر صفتني من صفات هللا (تبارك وتعاىل) للداللة على أنه سبحانه وتعاىل‬
‫هو الذي يقدر هذا األمر العظيم‪ ،‬وقد ورد ذلك يف سياق جواب عن سؤال ضمين مفاده‪ :‬وأين‬
‫يكون مستقر الشمس أخريا؟ فيكون اجلواب أبن (ذلك تقدير العزيز العليم)‪.‬‬
‫ني َوأ َْو َحى ِيف ُك ِّل َمسَ ٍاء أ َْم َرَها‬ ‫اه َّن س ْبع َمسَاو ٍ‬
‫ات ِيف يَـ ْوَم ْ ِ‬ ‫ضُ َ َ َ‬ ‫ومن ذلك ـ أيضا ـ قوله جلت قدرته ((فَـ َق َ‬
‫ك تَـ ْق ِد ُير ال َْع ِزي ِز ال َْعلِ ِيم)) (‪ ،)2‬إذ تكررت الكناية نفسها يف‬ ‫يح َو ِح ْفظاً ذَلِ َ‬‫السماء الدنْـيَا ِمبَ َ ِ‬
‫صاب َ‬ ‫َوَزيَّـنَّا َّ َ َ‬
‫قوله (ذلك تقدير العزيز العليم)‪ ،‬وهي الكناية عن هللا تبارك تعاىل هباتني الصفتني املباركتني‪ ،‬وجتدر‬
‫اإلشارة إىل أن اجتماع هاتني الصفتني يف اإلشارة إىل قدرته تعاىل فيهما من التناسب ما يفوق التعبري‬
‫عنه يف هذا املوضع أبية صفة أخرى‪ ،‬إذ إن كل صفة من هاتني الصفتني ال حتقق الكمال املطلوب يف‬
‫موضع كهذا إال جبمعها مع الصفة الثانية‪.‬‬
‫وقد وقعت هذه الكناية يف جواب سؤال ضمين تقديره‪ :‬ما الغاية من هذه السماوات وما تال ذلك‬
‫من اخللق؟ فيكون اجلواب أبن (ذلك تقدير العزيز العليم)‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬يس‪.)38( :‬‬
‫(‪ )2‬فصلت‪.)12( :‬‬

‫(‪)147/1‬‬

‫يب * قَالُوا‬ ‫ِ‬ ‫ت َاي َويْـلَ َىت أَأَلِ ُد َوأ ََان َع ُجوٌز َو َه َذا بَـ ْعلِي َش ْيخاً إِ َّن َه َذا لَ َ‬
‫ش ْيءٌ َعج ٌ‬ ‫وقال تبارك وتعاىل ((قَالَ ْ‬
‫محي ٌد َِجمي ٌد)) (‪.)1‬‬ ‫ت إِنَّهُ َِ‬
‫اَّلل وبـرَكاتُهُ َعلَْي ُكم أ َْهل الْبـ ْي ِ‬ ‫اَّلل ر ْمح ُ ِ‬
‫ِ‬ ‫أَتَـعجبِ ِ‬
‫ْ َ َ‬ ‫ت َّ َ َ َ‬ ‫ني م ْن أ َْم ِر َّ َ َ‬
‫َْ َ‬
‫وقد جاءت الكناية يف جواب سؤال ضمين خاص‪ ،‬ولكنه وقع يف ذيل اجلواب عن سؤال صريح‪ ،‬أي‬
‫أن جواب السؤال الضمين كان جزءا من اجلواب عن االستفهام الذي تصدرته اهلمزة وقد ورد قوله‬
‫(انه محيد جميد) تعليال ملا ورد قبله؛ أي كأن السامع يريد أن يسأل عن سبب الرمحة والربكة‪ ،‬من هللا‬
‫تعاىل‪ ،‬فيأتيه اجلواب قبل سؤاله أبن السبب يف ذلك هو أن هللا سبحانه وتعاىل محيد جميد ((ويف‬
‫اختيار وصف احلميد من بني األمساء احلسىن كناية عن رضى هللا تعاىل على إبراهيم ـ عليه السالم ـ‬
‫وأهله)) (‪ ،)2‬ويف هذه الكناية من التشريف والتكرمي ما ال خيفى‪ ،‬وهي مبثابة اجلزاء الدنيوي هلذا‬
‫النيب الكرمي‪.‬‬
‫أما الكناية عن الصفة فكانت أقل بكثري من الكناية عن املوصوف‪ ،‬ومنها قوله تبارك وتعاىل‪:‬‬
‫اب َو َج َعلَِين نَبِيّاً*‬ ‫ِ‬ ‫ال إِِين عب ُد َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ت إِلَي ِه قَالُوا َكي َ ِ‬
‫آاتِينَ الْكتَ َ‬ ‫اَّلل َ‬ ‫صبِيّاً*قَ َ ّ َ ْ‬ ‫ف نُ َكلّ ُم َم ْن َكا َن ِيف ال َْم ْهد َ‬ ‫ْ‬ ‫ار ْ ْ‬ ‫((فَأَ َش َ‬
‫ت َحيّاً* َوبَـ ّراً بَِوالِ َدِيت َوَملْ َْجي َعل ِْين َجبَّاراً‬
‫الزَكاةِ َما ُد ْم ُ‬ ‫صالةِ َو َّ‬‫ص ِاين ِابل َّ‬ ‫ت َوأ َْو َ‬ ‫َو َج َعلَ ِين ُمبَ َ‬
‫اركاً أَيْ َن َما ُك ْن ُ‬
‫ث َحيّاً)) (‪.)3‬‬ ‫وت َويَـ ْوَم أُبْـ َع ُ‬
‫ت َويَـ ْوَم أ َُم ُ‬‫الم َعلَ َّي يَـ ْوَم ُولِ ْد ُ‬ ‫َش ِقيّاً* َو َّ‬
‫الس ُ‬

‫وجاءت الكناية عن الصفة يف قوله (والسالم علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا)‪ ،‬وهي‬
‫((كناية عن تكرمي هللا عبده ابلثناء عليه يف املأل األعلى وابألمر بكرامته)) (‪ ،)4‬وقد وقعت هذه‬
‫الكناية يف جواب سؤال صريح‪ ،‬إال أن هذا السؤال كان موجها إىل مرمي (عليها السالم) بينما كان‬
‫اجمليب هو ولدها عيسى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬هود (‪ 72‬ـ ‪.)73‬‬
‫(‪ )2‬التحرير والتنوير‪.122 :12 ،‬‬
‫(‪ )3‬مرمي‪ 29( :‬ـ ‪)33‬‬
‫(‪ )4‬التحرير والتنوير‪.101 :16 ،:‬‬

‫(‪)148/1‬‬

‫(عليه السالم)‪ ،‬وقد وردت آية أخرى شبيهة هبذه اآلية املباركة يف حق نيب هللا حيىي (عليه السالم)‬
‫ث َحيّاً)) (‪ )1‬إال أن الفرق‬ ‫الم َعلَْي ِه يَـ ْوَم ُولِ َد َويَـ ْوَم ميَُ ُ‬
‫وت َويَـ ْوَم يُـ ْبـ َع ُ‬ ‫((و َس ٌ‬
‫وذلك يف قوله جل وعال‪َ :‬‬
‫بينهما أن الكناية الثانية جاءت خالل سرد القرآن الكرمي قصة والدة النيب حيىي (عليه السالم) أي‬
‫أهنا صادرة عن الباري (عز وجل) بينما كانت الكناية األوىل على لسان النيب عيسى (عليه السالم)‬
‫ونقلها القرآن الكرمي يف سياق ما جرى عند والدته‪ ،‬وكان تعبري املسيح (عليه السالم) عن تكرمي‬
‫نفسه هبذه الكناية ألنه يريد تربئة امه مرمي (عليها السالم) بسبب ظن السوء الذي ظنه قومها‪،‬‬
‫ولذلك فانه قدم هلذه الكناية بتعريف نفسه وتعداد صفاته‪.‬‬
‫يم ِألبِ ِيه إَِّال‬ ‫ومن الكناايت األخرى اليت جاءت عن تكرمي األنبياء قوله تعاىل‪(( :‬وما َكا َن استِغْ َف ِ ِ‬
‫ار إبْـ َراه َ‬
‫ْ ُ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬ ‫َّلل تَ َّ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫يم)) (‪ ،)2‬وجاءت‬ ‫ربأَ م ْنهُ إ َّن إبْـ َراه َ‬
‫يم َأل ََّواهٌ َحل ٌ‬ ‫َع ْن َم ْوع َدة َو َع َد َها إِ َّايهُ فَـلَ َّما تَـبَ َّ َ‬
‫ني لَهُ أَنَّهُ َع ُد ٌّو َّ َ‬
‫الكناية يف قوله (إن إبراهيم ألواه حليم) وهي واقعة يف جواب سؤال ضمين خاص‪ ،‬ووصف إبراهيم‬
‫(عليه السالم) أبنه أواه ((كناية عن الرأفة ورقة القلب والتضرع حني يوصف به من ليس به وجع ‪...‬‬
‫واتباع (األواه) بوصف (حليم) هنا ويف آايت كثرية قريبة على الكناية وإيذان مبثار التأوه عنده))‬
‫(‪.)3‬‬

‫ومبا أن الكناية واقعة يف جواب سؤال ضمين خاص‪ ،‬فقد أكد اجلواب بـ (أن) مع الم التوكيد‪ ،‬وقد‬
‫جاء اجلواب مبثابة التعليل ملا قبله‪ ،‬وكان لتأوه إبراهيم (عليه السالم) ما يسوغه‪ ،‬ألنه كان انجتا عن‬
‫حسرته لعدم إميان أبيه‪ ،‬اما االنتقال من الالزم إىل امللزوم من خالل كون املوصوف (أواها) أي يكثر‬
‫من التأوه‪ ،‬ومن املعلوم أن التأوه يصدر عن أمل معني مير به اإلنسان‪ ،‬إال أن األمل هنا أمل نفسي‪ ،‬وكثرته‬
‫تدل على رقة قلب هذا النيب الكرمي‪ ،‬وهذه الكناية من الكناايت القريبة لقلة الوسائط بني الالزم‬
‫وامللزوم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مرمي‪.)15( :‬‬
‫(‪ )2‬التوبة‪ ،)114( :‬وينظر‪ :‬سورة هود‪ ،‬اآلية (‪.)75‬‬
‫(‪ )3‬التحرير والتنوير‪.46 :11 ،‬‬

‫(‪)149/1‬‬

‫يتضح مما تقدم أن عدد الكناايت الواردة يف اجلواب القرآين كانت قليلة إذا ما قيست بفنون البيان‬
‫األخرى‪ ،‬إال أهنا كانت اكثر من عدد التشبيهات الواردة فيه‪ ،‬ومن الالفت للنظر أن الكناية عن‬
‫صفة يف جواب القرآن كانت عن صفة تكرمي ألحد األنبياء‪ ،‬وجتدر اإلشارة إىل أن الكناية يف اجلواب‬
‫القرآين قد خلت من الكناية عن النسبة‪.‬‬
‫أما من حيث قرب الكناية أو بعدها فيقاس ذلك بقلة أو كثرة الوسائط بني الالزم وامللزوم‪ ،‬وقد تبني‬
‫أن أكثر الكناايت الواردة يف هذا اجلواب كانت قريبة‪ ،‬ولعل السبب يف ذلك أن الغرض من اجلواب‬
‫إفهام املخاطب عما يستفهم عنه‪ ،‬وذلك يستلزم أن يكون اجلواب واضحا وقريبا من الفهم‪ ،‬وقد ال‬
‫تؤدي الكناايت البعيدة جدا هذا الغرض‪ ،‬وهذا ينطبق على مجيع فنون البيان اليت وردت يف جواب‬
‫القرآن الكرمي‪ ،‬إذ ال يوجد يف هذه الفنون اليت وقعت يف هذا اجلواب القدر نفسه من العمق الذي‬
‫ميكن تلمسه يف هذه الفنون نفسها اليت وردت ضمن السرد القرآين‪.‬‬

‫(‪)150/1‬‬

‫اخلامتة‬
‫احلمد هلل واحلمد حقه كما يستحقه محدا كثريا‪ ،‬احلمد هلل الذي غمرين بفضله‪ ،‬ومن علي ابمتام هذا‬
‫البحث الذي أرجو أن يكون خالصا لوجه الكرمي وبعد‪:‬‬
‫فإن القرآن الكرمي ـ هذا الكتاب الذي ال تنقضي عجائبه ـ جبملته جواب عما يدور يف رأس اإلنسان‬
‫من أسئلة يعرف أوهلا وجيهل آخرها‪.‬‬
‫• لقد تعدد اجمليبون يف القرآن الكرمي فهنالك أجوبة للباري عز وجل وألنبيائه‪ ،‬وللمؤمنني‪،‬‬
‫وللمالئكة‪ ،‬كما أن هنالك أجوبة لليهود واملنافقني واملشركني وإلبليس وغريهم‪.‬‬
‫• وردت أساليب كثرية جدا لالستفهام يف القرآن الكرمي‪ ،‬وكان الكثري منها خيرج ألغراض بالغية فال‬
‫يرد جواب عنها‪.‬‬
‫• كانت اهلمزة أكثر أدوات االستفهام استخداما يف القرآن الكرمي‪ ،‬وترتب على ذلك أن تكون أكثر‬
‫األجوبة يف السؤال الصريح عنها‪.‬‬
‫• إن النسبة األكرب من األجوبة الواردة عنها كانت عن استفهام التصور وبنسبة تزيد على الضعف‬
‫من أجوبة االستفهام عن التصديق‪.‬‬
‫• كان اجلواب املبدوء ابلفعل املاضي أكثر من ضعف اجلواب املبدوء ابلفعل املضارع فيها‪.‬‬
‫• غالبا ما كان اجلواب عنها املبدوء ابلفعل املضارع عن أمور خارقة للعادة‬
‫• كان اجلواب بـ (كال) عن اهلمزة موجها إىل الكفار دائما‪.‬‬
‫• وكان اجلواب بـ (نعم) عنها أييت متبوعا جبملة حالية‪ ،‬ويكون عن سؤال أييت أبسلوب الشرط‪.‬‬
‫• وردت عدة أجوبة عنها بـ (بلى) وكانت تدور حول إثبات وحدانية الباري عز وجل‪.‬‬

‫• كان عدد األجوبة الواردة عن (ما) أييت ابملرتبة الثانية من حيث الكثرة بعد أجوبة اهلمزة‪.‬‬

‫(‪)151/1‬‬

‫• أغلب األجوبة اليت افتتحت فيها ابلفعل املضارع كانت عن أسئلة صادرة عن هللا تعاىل وعن‬
‫أنبيائه‪ ،‬وكانت األجوبة عنها أجوبة تفصيلية‪.‬‬
‫• كانت األجوبة عن (ما أدراك) ال خترج عن التهويل والتخويف على الرغم من تعدد املخاطبني هبا‪.‬‬
‫• غالبا ما كان اجلواب عن (من) يتضمن حتديد الفاعل ألمر عظيم ال يتصف يه سوى رب العزة‪،‬‬
‫وأكثر ما كانت اإلجابة هبا أتتى يف خضم اجلدال واحملاججة مع املشركني إلثبات الوحدانية هلل تعاىل‪.‬‬
‫• كانت الكمية األكرب من االستفهام بـ (هل) خترج ألغراض بالغية فال أييت جواب عنها‪.‬‬
‫• وردت عنها اإلجابة بـ (نعم) مرة واحدة‪ ،‬ومل ترد عنها اإلجابة بـ (ال) مطلقا‪.‬‬
‫• كان األسلوب الغالب على (أَّن) التعجب الشديد‪ ،‬واستبعاد وقوع أمر معني‪ ،‬واألكثر ان أتيت‬
‫للسؤال عن أمور معجزة وكان جواهبا يتحدد بتعيني املسؤول عن ذلك األمر املعجز‪ ،‬وهو هلل تعاىل‪.‬‬
‫• هناك ألفاظ دلت على االستفهام مثل (يسألونك‪ ،‬ويستفتونك‪ ،‬ويستنبئونك) وأكثرها صدر عن‬
‫املؤمنني للسؤال عن أمور تتعلق ابلشريعة اإلسالمية كما صدرت عن اليهود واملشركني بنسبة ضئيلة‬
‫جدا‪ ،‬وكان اجلواب عنها يفتتح دائما بفعل األمر (قل)‬
‫• كان جواب السؤال املقدر يفوق عدد األجوبة عن السؤال الصريح‪.‬‬
‫• افتتح اجلواب عن السؤال املطلق بفعل ماض فاعله الباري عز وجل كثريا للتعبري عن أمور ال يقوم‬
‫هبا إال هو سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫• كان اجلواب املفتتح ابلفعل املضارع متنوعا يف فاعله وكان األكثر أن يكون الفاعل هو هللا تعاىل‬
‫حقيقة‪ ،‬أو على سبيل اجملاز‪ ،‬وقد يكون أحد األنبياء أو مجاعة املؤمنني‪.‬‬

‫(‪)152/1‬‬

‫• تصدرت (عسى) اإلجابة عن السؤال املطلق كثريا‪ ،‬وكانت أتتى متبوعة بـ (ان) مع فعل الغاية منها‬
‫التمين ألمر حمبب للنفس‪ ،‬اما حينما أتتى متبوعة ابسم صريح فكثريا ما كانت ترد لغرض اللوم‬
‫والعتاب‪.‬‬
‫• كان االستئناف الذي يتصدره اسم اإلشارة (ذلك) يف السؤال عن السبب املطلق موجها للمؤمنني‬
‫من أجل تربيتهم‪ ،‬وهتذيب أخالقهم‪ ،‬أما اخلطاب به مع املشركني واملنافقني فكان مبثابة الكشف عن‬
‫األسباب احلقيقية اليت كانت وراء تصرفاهتم القبيحة‪.‬‬
‫• كانت اإلجابة عن السبب اخلاص أتيت مبؤكد واحد أو اكثر؛ ولذلك مسي سببا خاصا‪.‬‬
‫• جاء اجلواب عن السبب اخلاص مؤكدا بـ (ان) مع الم التوكيد ألن اخلطاب أما يكون موجها إىل‬
‫املنكر أو من ينزل منزلة املنكر‪ ،‬واكثر ما كانت هذه الصيغة أتتى يف ذيل اآلايت اليت تدل على‬
‫عظمة القدرة اإلهلية‪.‬‬
‫• أكد الكالم بـ (ان) حيثما يكون املخاطب مرتددا يف املخرب عنه‪ ،‬وال يكون خايل الذهن متاما‪ ،‬بل‬
‫حيضر يف ذهنه طرفا احلكم‪ ،‬إال أنه يطلب وقوع النسبة أو ال وقوعها بينهما‪ ،‬أي أن االستفهام هنا‬
‫عن التصديق‪ ،‬وقد ينزل املخاطب هبا منزلة املرتدد حينما يكون اخلطاب مع املؤمنني‪.‬‬
‫• كان جواب الفعل (قال) املفصول عما قبله يدور بني طرفني أو اكثر‪ ،‬وقد اقتصران يف تناولنا على‬
‫الكالم الذي يتحقق فيه معىن القطع‪ ،‬أي ينقطع الكالم بعد احلصول على اجلواب املطلوب‪ ،‬وال‬
‫يستمر بسؤال وجواب جديد أو بصيغ طلبية أخرى‪.‬‬
‫• جميء الفعل بعد (قال) يف اجلواب مضارعا كان يفيد احلال واالستقبال غالبا‪.‬‬
‫• جاء االستئناف بعد (قال) يف اجلواب مفتتحا بـ (ان) املؤكدة كثريا‪ ،‬وهي ال خترج عن عملها الذي‬
‫كانت عليه يف اإلجابة عن السبب اخلاص‪ ،‬وأكثر ما كانت ترد هنا يف اجلدل بني أصحاب احلق‬
‫وأصحاب الباطل‪.‬‬
‫(‪)153/1‬‬

‫• وردت (امنا) بعد (قال) يف اجلواب يف مواضع عديدة‪ ،‬وكانت الغاية منها التلويح إىل أمر آخر على‬
‫سبيل التعريض‪ ،‬ومبا أن (امنا) من أدوات القصر فقد استمرت على عملها يف مواضع عدة‪.‬‬
‫• إن فنون البيان اليت وردت ضمن اجلواب القرآين كانت قليلة‪ ،‬إذا ما قيست بعددها الوارد يف‬
‫السرد القرآين‪.‬‬
‫• كان التشبيه اقل هذه الفنون يف جواب القرآن‪ ،‬وكانت أهم وظائفه املبالغة والبيان واإلجياز‪ ،‬وكانت‬
‫هذه التشبيهات قريبة لغرض تقريب بعض األمور من أذهان املخاطبني هبا‪.‬‬
‫• حظي اجملاز حبصة كبرية بني فنون البيان يف جواب القرآن الكرمي‪ ،‬وكان عدد األجوبة اليت تضمنت‬
‫جمازا عقليا اقل من عدد األجوبة اليت تضمنت جمازا مرسال‪.‬‬
‫• من عالقات اجملاز املرسل الواردة يف جواب القرآن اجلزئية‪ ،‬واحمللية‪ ،‬واحلالية وإطالق الصفة وإرادة‬
‫املوصوف‪.‬‬
‫• من عالقات اجملاز العقلي الواردة يف جواب القرآن السببية‪ ،‬والزمانية‪ ،‬واملكانية‪ ،‬والفاعلية‪.‬‬
‫• كانت االستعارة اكثر فنون البيان ورودا يف جواب القرآن‪ ،‬وكانت الغاية منها تصوير األمور العقلية‬
‫وتشبيهها أبمور حسية‪ ،‬وكانت نسبة االستعارة التصرحيية اكثر من املكنية كما كانت غالبية هذه‬
‫االستعارات قريبة بشكل ميكن من حتديد املستعار‪ ،‬واملستعار منه‪ ،‬ومل تصل يف عمقها إىل ما وصلت‬
‫إليه بعض االستعارات اليت أبدع القرآن الكرمي يف تركيبها‪.‬‬
‫• كان عدد الكناايت قليال يف اجلواب القرآين‪ ،‬وهو مع ذلك كان أكثر من عدد التشبيهات فيه‪،‬‬
‫وكانت الكناية عن موصوف اكثر من الكناية عن صفة‪ ،‬واليت كانت ترد للكناية عن صفة تكرمي‬
‫الحد األنبياء‪ ،‬بينما مل ترد الكناية عن نسبة فيه‪ ،‬وكانت الكناايت الواردة قريبة حبيث ال تتعدد‬
‫الوسائط بني الالزم وامللزوم‪.‬‬

‫(‪)154/1‬‬

‫املصادر واملراجع‬
‫• القرآن الكرمي‬
‫• اإلتقان يف علوم القرآن‪ :‬جالل الدين عبد الرمحن السيوطي (ت‪911‬هـ)‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪1398‬هـ ـ ‪1978‬م‪.‬‬
‫• األجوبة املسكتة‪ :‬ابن أيب عون الكاتب (ت‪322‬هـ)‪ ،‬حتقيق وتعلقيق د‪ .‬حممد عبد القادر‪ ،‬القاهرة‬
‫‪ 1985‬م‪.‬‬
‫• األجوبة املسكتة‪ ،‬علي عبد عيدان اخلزاعي‪ ،‬مطبعة اآلداب يف النجف األشرف ‪1390‬هـ ـ‬
‫‪1970‬م‪.‬‬
‫• األجوبة املسكتة‪ :‬حممد سعيد العاين‪ ،‬مطبعة العاين‪ ،‬بغداد ‪.1985‬‬
‫• أساس البالغة‪ :‬الزخمشري (ت‪538‬هـ)‪ ،‬اهليئة املصرية اتلعامة للكتاب‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬م‪.1985‬‬
‫• أساليب االستفهام يف القرآن الكرمي‪ :‬السيد عبد لعليم فودة‪ ،‬دار الشعب‪ ،‬القاهرة ‪1953‬م‪.‬‬
‫• أساليب الطلب عند النحويني والبالغيني‪ ،‬د‪ .‬قيس امساعيل االوسي‪ ،‬بيت احلكمة‪ ،‬بغداد‬
‫‪1989‬م‪.‬‬
‫• أسرار البالغة‪ :‬الشيخ االمام عبد القاهر اجلرجاين (ت‪471‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬هـ‪ .‬ريرت‪ ،‬استانبول مطبعة‬
‫وزراة املعارف‪ 1954 ،‬م‪.‬‬
‫• األشباه والنظائر‪ :‬الشيخ العالمة جالل الدين السيوطي (ت‪911‬هـ) مطبعة دائرة املعارف‬
‫العثمانية‪ ،‬الدكن‪ ،‬الطبعة الثانية ـ ‪1395‬هـ‪.‬‬
‫• اشكاليات القراءة وآليات التأويل‪ ،‬د‪ .‬نصر حامد أبو زيد‪ ،‬الناشر‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬الطبعة الرابعة ـ ‪1996‬م‪.‬‬
‫• أصول البالغة‪ ،‬االمام العالمة كمال الدين ميثم البحراين (ت‪679‬هـ)‪ ،‬حتقيق د‪ .‬عبد القادر‬
‫حسني‪ ،‬نشر وتوزيع دار الثقافة‪ ،‬الدوحة‪ ،‬قطر‪ ،‬الطبعة االوىل ‪ 1406‬هـ ـ ‪ 1986‬م‪.‬‬
‫• االضداد‪ :‬حممد بن القاسم االنباري (ت‪327‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد أبو الفضل ابراهيم‪ ،‬الكويت‬
‫‪1960‬م‪.‬‬

‫(‪)155/1‬‬

‫• االقصى القريب يف علم البيان‪ :‬زين الدين أبو عبد هللا حممد مب حممد بن حممد بن عمر التنوخي‬
‫(ت‪749‬هـ)‪ ،‬مطبعة السعادة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة االوىل ‪ 1327‬هـ‪.‬‬
‫• أنوار الربيع يف أنواع البديع‪ :‬السيد علي صدر الدين بن معصوم املدين (ت‪1120‬هـ)‪ ،‬حققه‬
‫وترجم لشعرائه‪ :‬شاكر هادي شكر‪ ،‬مطبعة النعمان‪ ،‬النجف االشرف‪ ،‬الطبعة االوىل ‪1388‬هـ ـ‬
‫‪1968‬م‪.‬‬
‫• األمايل‪ :‬أبو علي امساعيل بن القاسم القايل البغدادي (ت‪356‬هـ)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ـ‬
‫لبنان‪.‬‬
‫• أمايل الزجاجي‪ :‬أبو القاسم عبد الرمحن اسحاق الزجاجي (ت‪340‬هـ)‪ ،‬حتقيق وشرح‪ :‬عبد السالم‬
‫حممد هارون‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1407‬هـ ـ ‪1978‬م‪.‬‬
‫• األمايل النحوية ((أمايل القرآن الكرمي))‪ :‬ابن احلاجب (ت‪464‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬هادي حسن محودي‪،‬‬
‫مكتبة النهضة‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1405‬هـ ـ ‪1985‬م‪.‬‬
‫• االمتاع واملؤانسة‪ :‬أبو حيان التوحيدي (ت‪414‬هـ) حتقيق‪ :‬امحد أمني و أمحد الزين‪ ،‬جلنة التأليف‬
‫والرتمجة والنشر‪ ،‬القاهرة ‪1953‬م‪.‬‬
‫• اإليضاح يف علوم البالغة‪ :‬اخلطيب القزويين (ت‪739‬هـ) دار الكتب‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪1405‬هـ ـ ‪1985‬م‪.‬‬
‫• ايضاح الوقف واالبتداء‪ :‬أبو بكر حممد بن القاسم بن بشار االنباري النحوي (ت‪328‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫حميي الدين عبد الرمحن رمضان‪ ،‬دمشق ‪1390‬هـ ـ ‪1971‬م‪.‬‬
‫• الربهان يف علوم القرآن‪ :‬االمام بدر الدين حممد بن عبد هللا الزركشي (ت‪794‬هـ) حتقيق‪ :‬حممد أبو‬
‫الفضل ابراهيم‪ ،‬دار احياء الكتب العربية‪ ،‬عيسى البايب احلليب وشركاؤه‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1376‬هـ ـ‬
‫‪1957‬م‪.‬‬
‫• البالغة والتطبيق‪ :‬الدكتور امحد مطلوب‪ ،‬والدكتور كامل حسن البصري‪ ،‬بغداد‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪ 1990‬م‪.‬‬

‫(‪)156/1‬‬

‫• البيان والتبيني‪ :‬أبو عثمان‪ ،‬عمرو بن حبر اجلاحظ (ت‪255‬هـ)‪ ،‬بتحقيق وشرح عبد السالم حممد‬
‫هارون‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة اخلاجني ابلقاهرة‪ ،‬الطبعة اخلامسة ‪1405‬هـ ـ ‪1985‬م‪.‬‬
‫• التبصرة والتذكرة‪ :‬أبو عبد هللا بن علي بن اسحق الصيمري‪ ،‬من حناة القرن الرابع اهلجري‪ ،‬حتقيق‪،‬‬
‫د‪ .‬فتحي امحد مصطفى علي الدين‪ ،‬دار الفكر بدمشق‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1402‬هـ ـ ‪1982‬م‪.‬‬
‫• التبيان يف البيان‪ :‬شرف الدين احلسني بن حممد بن عبد هللا (ت‪743‬هـ) حتقيق‪ :‬د‪ .‬توفيق الفيل‪،‬‬
‫وعبد اللطيف لطف هللا‪ ،‬ذات السالسل للطباعة والنشر الكويت‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1986‬م‪.‬‬
‫• التبيان يف علم البيان املطلع على إعجاز القرآن‪ :‬عبد الواحد عبد الكرمي الزملكاين‪ ،‬حتقيق الدكتور‬
‫امحد مطلوب‪ ،‬والدكتورة خدجية احلديثي‪ ،‬مطبعة العاين‪ ،‬بغداد‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1383‬هـ ـ ‪ 1964‬م‪.‬‬
‫• حترير التحبري (يف صناعة الشعر وبيان إعجاز القرآن)‪ :‬ابن أيب اإلصبع املصري (ت‪654‬هـ)‪ ،‬تقدمي‬
‫وحتقيق‪ ،‬د‪ .‬حفين حممد شرف‪ ،‬جلنة احياء الرتاث اإلسالمي‪ ،‬القاهرة ‪1383‬هـ‪.‬‬
‫• التصوير البياين‪ :‬د‪ .‬حفين حممد شرف‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الشاب مبصر‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫• التصوير الفين يف القرآن‪ ،‬سيد قطب‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬بريوت‪1982 ،‬م‪.‬‬
‫• تفسري التحرير والتنوير‪ ،‬مساحة االمام االستاذ الشيخ حممد الطاهر بن عاشور‪ ،‬الدار التونسية‬
‫للنشر‪ ،‬تونس ‪1984‬م‪.‬‬
‫• تفسري اجلاللني‪ ،‬تفسري االمامني اجلليلني‪ ،‬العالمة جالل الدين بن امحد احمللي‪ ،‬واحلرب جالل الدين‬
‫عبد الرمحن بن أيب بكر السيوطي‪ ،‬مذيل بكتاب لباب النقول يف أسباب النزول للسيوطي‪ ،‬املكتبة‬
‫الشعبية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫• التفسري الكبري للرازي‪ :‬الفخر الرازي‪ ،‬حممد بن عمر (ت‪606‬هـ) طبع ابملطبعة البهية مبصر‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪1357‬هـ ـ ‪1938‬م‪.‬‬

‫(‪)157/1‬‬

‫• تفسري الكشاف‪ :‬أبو القاسم جار هللا حممود بن عمر بن حممد الزخمشري (ت‪538‬هـ) اجلزءان‬
‫االول والثاين‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬واجلزءان الثالث والرابع‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتاب العريب‪،‬‬
‫بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫• التلخيص يف علوم البالغة‪ ،‬اخلطيب القزويين‪ ،‬جالل الدين حممد بن عبد الرمحن (ت‪739‬هـ)‬
‫ضبطه وشرحه االديب الكبري االستاذ عبد الرمحن الربقوقي‪ ،‬املكتبة التجارية الكربى مبصر‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪1350‬هـ ـ ‪1932‬م‪.‬‬
‫• هتذيب اللغة‪ :‬أبو نصور حممد بن امحد االزهري (ت‪370‬هـ) اجلزء احلادي عشر‪ ،‬حتقيق ااستاذ‪:‬‬
‫حممد أبو الفضل ابراهيم‪ ،‬مراجعة االستاذ‪ :‬علي حممد البجاوي‪ ،‬الدار املصرية للتأليف والرتمجة‪.‬‬
‫• جامع الدروس العربية‪ :‬الشيخ مصطفى الغاليين‪ ،‬املكتبة االهلية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة اخلامسة‬
‫‪1371‬هـ ـ ‪1952‬م‪.‬‬
‫• اجلامع الكبري يف صناعة املنظوم من الكالم واملنثور‪ :‬ضياء الدين بن االثري (ت‪637‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫الدكتور‪ :‬مصطفى جواد‪ ،‬والدكتور مجيل سعيد‪ ،‬بغداد ‪1375‬هـ ـ ‪1956‬م‪.‬‬
‫• اجلدل يف القرآن‪ :‬د‪ .‬حسن الشرقاوي‪ ،‬الناشر‪ :‬منشأة املعارف االسكندرية (د‪ .‬ت)‬
‫• اجلمان يف تشبيهات القرآن‪ :‬أبو القاسم عبد هللا بن حممد بن احلسني بن انقيا البغدادي‬
‫(ت‪485‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬عدانن حممد زرزور‪ ،‬وحممد رضوان الداية‪ ،‬املطبعة العصرية ابلكويت‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪1387‬هـ ـ ‪19968‬م‪.‬‬
‫• حاشية الدسوقي على مغين اللبيب‪ ،‬مصطفى حممد عرفة الدسوقي‪ ،‬القاهرة ‪1386‬هـ‪.‬‬
‫• حاشية الشهاب‪ ،‬عناية القاضي‪ ،‬وكفاية الراضي على تفسري البيضاوي‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت (د‪.‬‬
‫ت)‪.‬‬
‫• حدائق السحر يف دقائق الشعر‪ :‬رشيد الدين حممد العمري (الوطواط ت‪573‬هـ)‪ ،‬نقله الول مرة‬
‫عل أصله الفارسي مع تعريب مقدماته وتوضيح حواشيه ابراهيم امني الشواريب‪ ،‬مطبعة جلنة التأليف‬
‫والرتمجة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل ‪13 ...‬هـ ـ ‪1945‬م‪.‬‬

‫(‪)158/1‬‬

‫• دالئل االعجاز‪ :‬االمام عبد القاهر اجلرجاين (ت‪471‬هـ)‪ ،‬تعليق وشرح حممد عبد املنعم خفاجي‪،‬‬
‫الناشر‪ ،‬مكتب القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1385‬هـ‪.‬‬
‫• شرح ابن عقيل على الفية ابن مالك‪ :‬ابن عقيل (ت‪768‬هـ)‪ ،‬ومعه كتاب منة اجلليل بتحقيق‬
‫وشرح ابن عقيل‪ ،‬حمليي الدين عبد احلميد‪ ،‬املكتبة التجارية الكربى‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الرابعة عشر‬
‫‪1385‬هـ ـ ‪ 1965‬م‪.‬‬
‫• شروح التلخيص‪ ،‬طبع مبطبعة عيسى البايب احلليب وشركاؤه مبصر‪.‬‬
‫• شرح ديوان عمر بن أيب ربيعة‪ :‬شرحه وقدم له عبد علي مهنا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪ 1406‬هـ ـ ‪1986‬م‪.‬‬
‫• شرح الكافية‪ :‬رضي الدين االسرتابدي النحوي (ت‪686‬هـ) الشركة الصحافية العثمانية ‪1310‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫• صبح ااعشى يف صناعة االنشا‪ :‬أبو العباس أمحد بن علي القلقشندي (ت‪821‬هـ)‪ ،‬نسخة مصورة‬
‫عن الطبعة األمريية‪ ،‬املؤسسة ‪ ...‬العامة للتأليف والرتمجة والطباعة والنشر (د‪ .‬ت)‪.‬‬
‫• صفاء الكلمة‪ :‬د‪ .‬عبد الفتاح الشني‪ ،‬دار املريخ‪ ،‬الرايض ‪1403‬هـ ـ‪1983‬‬
‫• العقد الفريد‪ :‬أبو عمر أمحد بن حممد بن عبد ربه األندلسي (ت‪327‬هـ)‪ ،‬شرحه وضبطه وصححه‬
‫وعنون موضوعاته ورتب فهارسه‪ :‬أمحد أمني‪ ،‬وأمحد الزين‪ ،‬وابراهيم األبياري‪ ،‬مطبعة جلنة التأليف‬
‫والرتمجة والنشر‪ ،‬القاهرة ‪1384‬هـ ـ ‪1983‬م‪.‬‬
‫• علم أساليب البيان‪ :‬د‪ .‬غازي ميوت‪ ،‬دار األصالة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪1403‬هـ ـ ‪1983‬م‪.‬‬
‫• علم البيان‪ :‬د‪ .‬بدوي طبانة‪ ،‬مكتبة االجنلو املصرية‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1386‬هـ ـ ‪1967‬م‪.‬‬
‫• علم البيان‪ :‬د‪ .‬عبد العزيز عتيق‪ ،‬دار النهضة‪ ،‬بريوت ‪ 1972‬م‪.‬‬
‫• العني‪ :‬أبو عبد الرمحن اخلليل بن أمحد الفراهيدي (ت‪175‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬الدكتور مهدي املخزومي‪،‬‬
‫والدكتور ابراهيم السامرائي‪ ،‬دار الرشيد للنشر‪ ،‬وزارة الثقافة واالعالم‪ ،‬اجلمهورية العراقية ‪ 1982‬م‪.‬‬

‫(‪)159/1‬‬

‫• الفاصلة القرآنية‪ :‬د‪ .‬عبد الفتاح الشني‪ ،‬دار املريخ للنشر‪ ،‬الرايض‪1402 ،‬هـ ـ ‪ 1982‬م‪.‬‬
‫• فن التشبيه‪ :‬علي اجلندي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1368‬هـ ـ ‪1966‬م‪.‬‬
‫• فنون التصوير البياين‪ :‬د‪ .‬توفيق الفيل‪ ،‬منشورات ذات السالسل‪ ،‬الكويت‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪1407‬هـ ـ ‪ 1987‬م‪.‬‬
‫• يف ظالل القرآن‪ :‬سيد قطب‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة الشرعية احلادية عشر ‪1405‬هـ ـ‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫• كتاب سيبويه‪ :‬أبو عثمان بن قنرب (ت‪180‬هـ) حتقيق وشرح‪ ،‬عبد السالم حممد هارون‪ ،‬اهليئة‬
‫املصرية االعامة للتأليف والنشر ‪1391‬هـ ـ ‪1971‬م‪.‬‬
‫• الكليات‪ :‬أبو البقاء ايوب بن موسى احلسيين الكفوي (ت‪1094‬هـ) حتقيق‪ :‬الدكتور عدانن‬
‫درويش وحممد املصري‪ ،‬دار الكتب الثقافية‪ ،‬دمشق ‪1975‬م‬
‫• الكناية أساليبها ومواقعها يف الشعر اجلاهلي‪ :‬حممد احلسن علي األمني أمحد‪ ،‬املكتبة الفيصلية‪،‬‬
‫بريوت ‪1405‬هـ ـ ‪1985‬م‪.‬‬
‫• لسان العرب‪ :‬ابن نظور (ت‪711‬هـ) طبعة مصورة عن طبعة بوالق‪ ،‬املؤسسة املصرية العامة‬
‫للتأليف واالنباء والنشر‪ ،‬الدار املصرية للتأليف والرتمجة (د‪ .‬ت)‪.‬‬
‫• اللمع‪ :‬أبو نصر السراج الطوسي (ت‪378‬هـ) حتقيق‪ :‬الدكتور عبد احلليم حممود‪ ،‬وطه عبد الباقي‬
‫سرور‪ ،‬دار الكتب احلديثة مبصر‪ ،‬ومكتبة املثىن ببغداد ‪1380‬هـ ـ ‪ 1960‬م‪.‬‬
‫• اللمع يف العربية‪ :‬أبو الفتح عثمان بن جين (ت‪392‬هـ)‪ ،‬حتقيق حامد املؤمن‪ ،‬عامل الكتب ـ مكتبة‬
‫النهضة العربية‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1405‬هـ ـ ‪ 1985‬م‪.‬‬
‫• املثل السائر يف أدب الكاتب والشاعر‪ :‬ضياء الدين بن األثري (ت‪637‬هـ) قدمه وحققه وعلق‬
‫عليه‪ :‬الدكتور امحد احلويف‪ ،‬والدكتور بدوي طبانة‪ ،‬مكتبة هنضة مصر ومطبعتها‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪1380‬هـ ـ ‪ 1960‬م‪.‬‬

‫(‪)160/1‬‬

‫• اجملاز يف البالغة العربية‪ :‬د‪ .‬مهدي صاحل السامرائي‪ ،‬دار الدعوة‪ ،‬محاة‪ ،‬سورية‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪1394‬هـ ـ ‪1974‬م‪.‬‬
‫• جماز القرآن‪ :‬أبو عبيدة معمر بن املثىن التيمي (ت‪210‬هـ) عارضه ابصوله وعلق عليه د‪ .‬حممد‬
‫فؤاد سزكني‪ ،‬مكتبة اخلاجني‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1390‬هـ ـ ‪ 1970‬م‪.‬‬
‫• جممع األمثال‪ :‬أبو الفضل أمحد مب حممد بن امحد بن ابراهيم امليداين (ت‪518‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد أبو‬
‫الفضل ابراهيم‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1407‬هـ ـ ‪1987‬م‪.‬‬
‫• احمليط يف اللغة‪ :‬كايف الكفاة الصاحب امساعيل بن عباد (ت‪385‬هـ) حتقيق الشيخ حممد حسن آل‬
‫ايسني‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1414‬هـ ـ ‪1994‬م‪.‬‬
‫• مشكل اعراب القرآن القرآن‪ :‬أبو حممد مكي بن ايب طالب القيسي (ت‪437‬هـ) حتقيق‪ :‬د‪ .‬حامت‬
‫صاحل الضامن‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1405‬هـ ـ ‪1984‬م‪.‬‬
‫• املعاين يف ضوء أساليب القرآن‪ .:‬عبد الفتاح الشني‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة اللثالثة‬
‫‪1978‬م‪.‬‬
‫• معاين القرآن‪ :‬أبو زكراي حيىي بن زايد الفراء (ت‪207‬هـ)‪ ،‬اجلزء االول‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد يوسف جنايت‪،‬‬
‫وحممد علي النجار‪ ،‬مطبعة دار الكتب املصرية‪ ،‬القاهرة ‪1374‬هـ ـ ‪1955‬م‪ ،‬واجلزء الثاين حتقيق‬
‫ومراجعة االستاذ حممد علي النجار‪ ،‬الدار املصرية للتأليف والرتمجة (د‪ .‬ت)‪ ،‬واجلزء الثالث حتقيق د‪.‬‬
‫عبد الفتاح امساعيل شليب‪ ،‬اهليئة املصرية للكتاب ‪1972‬م‪.‬‬
‫• املعجم املفهرس أللفاظ القرآن الكرمي‪ :‬وضعه حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار مطابع الشعب‪ ،‬مصر‬
‫(د‪ .‬ت)‪.‬‬
‫• معجم مقاييس اللغة‪ :‬أبو احلسن امحد بن فارس بن زكراي (ت‪395‬هـ) بتحقيق وضبط عبد السالم‬
‫حممد هارون‪ ،‬دار احياء الكتب العربية‪ ،‬عيسى البايب احلليب وشركاؤه‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪1366‬هـ‪.‬‬

‫(‪)161/1‬‬

‫• مغين اللبيب عن كتب األعاريب‪ :‬مجال الدين بن هشام االنصاري (ت‪761‬هـ) حققه وعلق عليه‪:‬‬
‫الدكتور مازن املبارك‪ ،‬وحممد علي محد هللا‪ ،‬دار الكتب‪ ،‬بريوت الطبعة السادسة ‪1985‬م‪.‬‬
‫• مفتاح العلوم‪ :‬أبو يعقوب يوسف بن ايب بكر بن حممد بن علي السكاكي (ت‪626‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪،‬‬
‫أكرم عثمان يوسف‪ ،‬طبع مبطبعة الرسالة‪ ،‬بغداد ‪1400‬هـ ـ ‪1981‬م‪.‬‬
‫• املقتضب‪ :‬صنعة ايب العباس بن يزيد املربد (ت‪285‬هـ) حتقيق حممد عبد اخلالق عظيمة القاهرة‬
‫‪1386‬هـ‪.‬‬
‫• من إعجاز البيان يف القرآن ـ االستفهام‪ :‬حممد شكري الفيومي‪ ،‬دار القلم‪ ،‬االمارات العربية‪ ،‬ديب‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪1407‬هـ ـ ‪1987‬م‪.‬‬
‫• هناية االجياز يف دراية االعجاز‪ :‬فخر الدين لرازي حممد بن عمر (ت‪606‬هـ) حتقيق وتقدمي‪:‬‬
‫الدكتور ابراهيم السامرائي والدكتور حممد بركات محدي أبو علي‪ ،‬دار الفكر للنشر والتوزيع عمان‬
‫‪1985‬م‪.‬‬

‫(‪)162/1‬‬

‫الرسائل اجلامعية‬
‫• أساليب اجملاز يف القرآن الكرمي‪ :‬امحد محد موسى اجلبوري‪ ،‬اطروحة دكتوراه‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة‬
‫بغداد ‪1989‬م‪.‬‬
‫• أسلوبية احلوار يف القرآن الكرمي‪ :‬رسول محود حسن الدوري‪ ،‬اطروحة دكتوراه‪ ،‬كلية اآلداب‪،‬‬
‫جامعة بغداد ‪1995‬م‪.‬‬
‫• املنظور البالغي يف تفسري التحرير والتنوير‪ :‬للشيخ حممد الطاهر بن عاشور (ت‪1973‬م)‪ ،‬عبده‬
‫حممد صاحل احلكيمي‪ ،‬اطروحة دكتوراه ـ كلية اآلداب‪ ،‬جامعة بغداد ‪2000‬م‪.‬‬

‫(‪)163/1‬‬

‫احملتوايت‬
‫املوضوع ‪ ...‬الصفحة‬
‫املقدمة ‪ ...‬أ ـ هـ‬
‫التمهيد ‪ 1 ...‬ـ ‪17‬‬
‫الفصل األول‪ :‬جواب السؤال الصريح ‪ 18 ...‬ـ ‪62‬‬
‫املبحث األول‪ :‬جواب اهلمزة ‪ 19 ...‬ـ ‪31‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬جواب ما االستفهامية ‪ 32 ...‬ـ ‪39‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬أجوبة أدوات االستفهام ‪ 40 ...‬ـ ‪62‬‬
‫‪ 1‬ـ من ‪40 ...‬‬
‫‪ 2‬ـ هل ‪44 ...‬‬
‫أَّن ‪48 ...‬‬
‫‪3‬ـ ّ‬
‫‪ 4‬ـ مىت ‪51 ...‬‬
‫‪ 5‬ـ أي ‪52 ...‬‬
‫‪ 6‬ـ كم ‪54 ...‬‬
‫‪ 7‬ـ كيف ‪55 ...‬‬
‫‪ 8‬ـ ااين ‪56 ...‬‬
‫‪ 9‬ـ أين ‪57 ...‬‬
‫‪ 10‬ـ ألفاظ دلت على االستفهام ‪58 ...‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬جواب السؤال املقدر (الضمين) ‪ 63 ...‬ـ ‪112‬‬
‫املبحث األول‪ :‬اجلواب عن سبب احلكم مطلقا ‪ 66 ...‬ـ ‪82‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬اجلواب عن السبب اخلاص ‪ 83 ...‬ـ ‪101‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬جواب القول ‪ 102 ...‬ـ ‪112‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬البيان يف جواب القرآن ‪ 113 ...‬ـ‬

‫(‪)164/1‬‬

‫‪150‬‬
‫‪ 1‬ـ التشبيه ‪ 115 ...‬ـ ‪121‬‬
‫‪ 2‬ـ االستعارة ‪ 122 ...‬ـ ‪130‬‬
‫‪ 3‬ـ اجملاز ‪ 131 ...‬ـ ‪143‬‬
‫أ ـ اجملاز املرسل ‪133 ...‬‬
‫ب ـ اجملاز العقلي ‪137 ...‬‬
‫‪ 4‬ـ الكناية ‪ 144 ...‬ـ ‪150‬‬
‫اخلامتة ‪ 151 ...‬ـ ‪154‬‬
‫املصادر واملراجع ‪ 155 ...‬ـ ‪163‬‬

‫(‪)165/1‬‬

You might also like