Professional Documents
Culture Documents
رئيسا) ......................................
( ً د .محمود العطشان
عضوا) .....................................
د .عبد الكريم أبو خشان ( ً
عضوا) ......................................
( ً د .موسى خوري
الحبيبين. ِ
الد َّي َ
صغيرا ،إلى و َ
الشغف ُمذ رّبياني َ
السنا و ّ
إلى من أوَقدا ف ّي ّ
ِ
الحاضر إخوتيُ ،رفقاء الحياة وأبطال ذكرياتي :إلى "فادي" أستاذي في الحياة ،والى "ياسر" إلى َ
أخا
دوما أخي "عمار" ،والى "خليل" ًمن رح ِم الغياب ،والى من يرسم على وجوهنا البسمة ً ُحبًّا ْ
ِ وصديًقا ،والى ِ"فداء" ًّ
الخالة الروح .والى ووًّدا ،والى "صفاء" تَو َ
أمة ّ أم ًًل ُ
اءة" َ
أما ثانية ،والى "بر َ َ
الطيب ،الذي
الجميلة "أم خلود – إنعام داغر /سكرتيرة دائرة اللغة العربية وآدابها" ،ذات القلب ّ
الفضل علي -أهدي هذا
أصحاب َودع ٍم طيل َة سنوات دراستي ...إليهم - ٍ ٍ
ّ َ وس َند َ
غمرني بلطف َ
العمل المتواضع.
أ
شكر وعرفان
قدمه لي من نص ٍح وارشاد ووقت في سبيل إنجازه ،والشكر الجزيل ألعضاء لجنة النقاش :د .عبد
ّ
ب
فهرست المحتويات
رقم العنوان
الصفحة
أ اإلهداء
9 المقدمة
13 تمهيد
ج
85 .3اإليقاع الداخلي في شعر خليل مطران
89 3.2التصريع
94 3.3التدوير
102 3.4التكرار
134 4.2التضمين
144 الخاتمة
د
الملخص
عد اإليقاع بمفهومه الواسع بنية أساسية في العمل الشعري ،وقد َبدت تجّلياتُها مختلفة من ٍ
زمن ُي ّ
مفهوما ِ
ً كان اإليقاعُ
لتغير المقاييس النقدية التي تُحدد مفهوم الشعر؛ َفب ْع َد أن َ
بعا ّإلى آخر ت ً
توس َع من بعد ذلك مقتَ ِ
ممثًل باألوزان والقوافي كما في ُحك ِم النقد القديم ،فقد ّ
ص ًار على العروض ً
شامًل الحركة الداخلية للبيت الشعر ّي الناشئة من الزحافات والعلل ،والتصريع والتدوير ،والجرس
ً
البًلغية ممّثلة بالجناس والسجع والتكرار
ّ الموسيقي لألصوات اللغوية في النص ،وبعض الظواهر
وكذلك التضاد والمقابلة ،وهو ما تسعى هذه الدراسة إلى تبيانه في أشعار خليل مطران.
فصل منفصل ،وقسم إلى ٍ أما القسم اآلخر فيتناول اإليقاع الداخلي ،وقد تناولته الباحثة فيوّ
مع
فاعل " في شعر خليل مطران ،والتصريع والتدوير والتكرارَ ،
ُ مباحث أربعة ،متناوًال التفعيلة "
إيقاعا في ذاتها أو التي تزيد من إيقاعية ِ
المنشئة اللغوية ِ
بعض األساليب ِ
مًلحظة عدم إغفال
ً ّ
تلك الظواهر ،مثل :التنغيم والمًلمح التمييزية لألصوات اللغوية واالشتقاق
النص إلى جانب َ
ّ
اللغوي والتقابل الصوري ،أثناء التحليل.
فصًل
ً قسمي اإليقاع في شعر خليل مطران ،فقد أضاَفت الباحثة َّ ِ
المتناولين إضاف ًة إلى الفصلين
جديدا ُبحك ِم تناوله نوعا ِ
ً آخر يتناول اإليقاع في شعره القصصي على وجه الخصوص؛ العتباره ً
اإليقاعية خارجية كانت أو ِ
بعض مًلمحه تغي ًار الفتًا على ٍ
ّ جنسا أدبيًّا ذا أصل نثري؛ ما يعني ًّ
داخلية.
ّ
و
Abstract
Rhythm is divided into two parts; the first part "external rhythm",
known as metric. A section is devoted to this concept; this section looks
into poetic meters, rhymes, and the rhyming sounds that Muttran used
depending on a statistical approach that clarifies the similarities and
differences between him and what was once used by old Arabs poets,
and then the implication desired from all that.
The second part talks about the internal rhythm to which the researcher
has appointed a separate section; it is divided into four subjects, relating
to the internal movement, rotation, rhyme, and repetition. It highlights
some self-created rhythmic linguistic methods, which increases the
rhythm of the text in addition to phenomena like, toning, Distinguishing
features of linguistic voices, linguistic derivation, and visual encounters.
ز
that reflect his sensitivity to existence; a reflection of his flow of feelings
that come out as strong internal poetry.
Despite the presence of these new rhythmic features that differ from
the norm of older Arab poetry, the poet did not break his connection
with the ancient heritage. Rather, he wrote many of his poems following
the patterns and methods of the older generations. He based his
innovations on the modernization stages in the history of Arabic poetry
in different eras.
ح
المقدمة
جدًدا في آن
وم ّ وقد اقتصرت هذه الدراسة على تناول اإليقاع في ِ
كونه ُمقّلًدا ُ
شعر خليل مطران؛ َ
ًلع الباحثة ،باستثناء
ط ِ حسب ا ّ
َ عنده ِ
وجود دراسة مستقّلة تناولت إيقاع الشعر َ معا ،ولكو ِن عد ِم
ً
متنوعة. ٍ
متفرقة لهذا الموضوع في دراسات ّ
إشارات ّ
ِ
القصيدة وايقاعها ،وكيفية بين موضوع ِ ٍ
وجود رابط ما َ حول
تكم ُن مشكلة الدراسة في الجدل القائم َ
و ُ
ِ
إمكانية اإليقاع ِخدم ًة للمعاني والدالالت التي يستدعيها في أبياته ،وتعّق ِب ان
َ توظيف مطر َ
ٍ ِ
توظيف الوزِن الواحد لدالالت متنوعة ،ومدى االئتًلف واالختًلف ما بينها ،وكذا َ
بينها–
الدراسة إلى اإلجابة عن هذه األسئلة:
الدالالت -وبين اإليقاع الداخلي للقصيدة .وتسعى هذه ّ
بينهما وموضوعَ
ثم عًلقة َ ِن -ما الفرق َ
بين الوز واإليقاع؟ وما عًلقتهما بالداللة؟ وهل ّ
عند مطران؟ ِ
القصيدة َ
إيقاعية – خارجية وداخلية -على ما ُعَّد من ُحك ِم هل ا ْقتَضى ناموس التطور تغيير ٍ
ات ِ -
ّ ّ ُ
وخى ف تَ ّ
فكي َ
المقدس عند شعراء العرب القدامى في ديوان خليل مطران؟ وا ْن كانْ ، ّ
توظيفها بما ال يأنفه اإللف العربي (عمود الشعر العربي)؟
ٍ
جنس أدبي نثري أن يتماهى ِ
بمكنة وهل
بإيقاع بعينه؟ ْ
ٍ شعره القصصي
ص مطران َ -هل َخ ّ
بالزي الشعري الذي ألبسه إياه مطران؟
9
ِ
أشعار مطران، نماذج ُم َمِثّلة من
َ المنهج الوصفي التّحليلي ،متوّقف ًة على
َ تعتمد هذه الدراسة
مسترشدة
ً اهر اإليقاعي َة فيها ومدى مواءمتها لمواضيعها المختلفة ولنفسية الشاعر،
مستبين ًة الظو َ
ِ
البادية في شعره؛ الستنتاج اإليقاعية ِ
لبعض الظواهر حصر
ًا بالمنهج اإلحصائي؛
ِ ِ
األحيان بعض
ّ َ
الدالالت المتوارية فيه.
كثير من الدراسات تناولت موضوع اإليقاع كونه قوام الشعر العربي ،كما أن در ٍ
اسات أن ًا
ّ َ َ شك ّ
وال ّ
اهر التّجديد عنده؛ كونه أحد رواد التجديد في كثيرة بحثت في ِ
شعر مطران وحّللتهُ ،متعّقبة ظو َ
ائق مختلفة في
مناهج وطر َ
َ الشعر المعاصر ،على صعيد اللغة والصورة وكذا الموسيقىُ ،متّبع ًة
بين كتب،
تنوعت هذه الدراسات َ
الضوء على مًلمح شعره من زوايا مختلفة .وَقد ّ
َ تناولهاُ ،مسّلط ًة
محكمة.
وأطروحات لنيل درجة الدكتوراة أو الماجستير ،وأبحاث ّ
أما الكتب التي عمدت إليها الباحثة في التحليل اإليقاعي فكثيرة ،منها :كتاب "معراج الشاعر:
ّ
فصًل لدراسة البنية
ً مقاربة أسلوبية لشعر طاهر رياض" للمؤلفة رحاب الخطيب ،وقد عرضت فيه
ٍ
مستقص الداللة المنبعثة من التعاضدات نهج أسلوبي
العروضية المتبعة في أشعاره على ٍ
الموسيقية الداخلية والخارجية في َنماذج ممّثلة من ديوانه وتعالقها مع بعض القضايا اللغوية.
أنموذجا" للمؤلف المغربي خميس
ً وهناك كتاب "اإليقاع في الشعر العربي الحديث :خليل حاوي
ِ
الحياة البدائية لإلنسان وحتى شعر التفعيلة تطور اإليقاع من ُذ
استقصى فيه مراحل ّ
الورتاني ،وقد ْ
في العصر الحديث ،ومن ثم عمد إلى استكناه الهيكلة اإليقاعية التي تتكئ عليها دواوين
تعمدها خدمة للموضوعات التي تناولها والدالالت التجديدية التي ّ
ّ متلم ًسا المواطن
الشاعرّ ،
المنشودة منها ،باإلضافة إلى كتابي "موسيقى الشعر" و "داللة األلفاظ" للمؤلف إبراهيم أنيس،
وغيرهم.
10
أما "خليل مطران وشعره
بعد البنيات اإليقاعية الداخلية والخارجية في الشوقياتّ ،
متعقبا من ُ
ً
القصصي" لنازك المازري ،فهي أطروحة ماجستير أحصت فيها الباحثة القصص الشعرية التي
بناءها الدرامي ومضامينها وخصائصها ،مشيرة إلى بعض اإلشارات
نظمها مطرانُ ،مبينة َ
اإليقاعية فيها.
إضاف ًة إلى الكتب واألطروحات تلك ،فقد اعتمدت الباحثة بعض الدراسات المحكمة التي تناولت
قضية اإليقاع ،مثل" :البنية اإليقاعية في جدارية محمود درويش" لعاطف أبو حمادة ،و "مكونات
البنية اإليقاعية في القصيدة العربية القديمة" لعبد الفتاح لكرد ،وغيرها.
تأتلف هذه الدراسة من أربعة فصول مسبوقة بتمهيد ومقدمة ،ويعقبها –الفصول– خاتمة ،تناول
األول فبعنوان (ما
أما ّاإليقاع والعروض وعًلقتهما بالداللة) وقد ُق ّس َم إلى مبحثينّ ،
َ الفصل األول (
بين اإليقاع والعروض) وقد تناول العًلقة بينهما والمًلمح التي ينماز بها األول عن اآلخر ،وأما
فعنو َن بـ (اإليقاع والداللة) ويتقصى العًلقة الجدلية بينهما ،متناوًال آراء النقاد
المبحث اآلخر ُ
حولها – قدماء ومحدثين.-
معتمدا الدراسة
ً أما الفصل الثاني فجاء بعنوان (اإليقاع الخارجي في شعر خليل مطران)
وّ
األول فبعنوان (تجلّيات األوزان في ديوان خليل
أما ّمكونا من ثًلثة مباحثّ :
ً اإلحصائية،
تبين فيه عدد البحور التي نظم عليها وعًلقتها بما هو شائع في الموروث الشعري
وقد ّ
مطران)ْ ،
اختص المبحث
ّ عند القدماء ،ومواطن الخروج عن إيقاع الشعر العربي ودالالت ذلك ،في حين َ
الثاني -وعنوانه ( تجليات القافية ودالالتها في ديوان خليل مطران) -بتبيان أقسام القافية و ِ
أسباب
أما المبحث من اآلخر ،وعًلقة ذلك بالموروث الشعريّ ،ظم على قسم منها أكبر َ
الن َ
تخير مطران ّ
ّ
مستبينا أسباب إيثار مطران رويًّا
ً األخير منه فكان بعنوان (الروي في أشعار مطران ودالالته)
معيًنا دو َن غيره في القصائد.
ّ
استكماال لإليقاع بصورته الكلية فقد استقل الفصل الثالث بعنوان (اإليقاع الداخلي في أشعار
ً و
مباحث أربعة موجزة ،كان األول بعنوان ( ِ
"فاع ُل" زحاف مبتعث في الخبب) مكوًنا من
َ مطران) ّ
أساس شعر التفعيلة الحديث وكيفية
َ فاعل" التي ُعّدت
طا الضوء على التفعيلة المهمشة " ُ
مسل ً
تجليها عند مطران ،في حين كان المبحث الثاني والثالث بعنواني (التصريع) و (التدوير) على
11
أما
عند مطران والداللة التي يرومها من توظيفه لهماّ ،
اإليقاع الداخلي َ
َ التوالي ،وكيفية تحقيقهما
سم بـ (التكرار) ،وتناول صور تجلياته في أشعار مطران
فو َ
المبحث األخير من هذا الفصل ُ
وأسباب توظيفه له في مواضع دو َن غيرها.
جديدا ،فقد
ً موضوعا
ً ألن مطران كتب نسب ًة الفتة من الشعر القصصي في ديوانه باعتباره
و ّ
إيقاعية في شعر مطران القصصي) ،وقد
ّ ُخصص الفصل األخير لدراسته تحت عنوان (مًلمح
كل مبحث بملمح إيقاعي خارجيًّا كان أو داخليًّا ،أما األول فـ
استقل ّ
ّ أُوجز بثًلثة مباحث،
(األوزان والقوافي في القصص الشعرية عند مطران) ،وقد أحصيت فيه القصص الشعرية التي
الضوء
نظمها مطران واألبحر التي جاءت عليها والدالالت المستفادة من ذلك ،إضافة إلى تسليط ّ
عما هو مألوف وداللة هذا األمر ،ودراسة
مغاير ّ
ًا شكًل
على هيكلة بعض القصائد التي انتحت ً
تجّليات القافية في القصص الشعرية وعًلقتها بمضمون القصة.
12
تمهيد:
يذكر شوقي ضيف في كتابه "األدب العربي المعاصر في مصر" أثر عائلة خليل مطران في
أمها،-
عر -التي ورثته بدروها عن ّ
الش َ
شخصيته الشعرية؛ إذ نشأ في بعلبك وارثًا عن أمه ّ
ّ تكوين
ِ
حب للشعر الثورَة على
الم ّ
وحنانا عميقين حتى آخر حياته ،كما ورث عن أبيه ُ
ً مستشعر لها حبًّا
ًا
1
بعد.
ومن يمارسه ؛ فكان لهذه المعاني صدى واضح في أشعاره من ُ الظلم وبغضه َ
ونتيج ًة للذكاء الذي أبداه الشاعر في صغره ،يذكر شوقي ضيف اهتمام والده بتعليمه فأرسله إلى
علوم اللغة
َ بعِدها إلى المدرسة البطريركية في بيروت ً
ناهًل ِ
تما دروسه فيها ،لينتق َل من ْ زحلة ُم ًّ
اليازجية ممّثل ًة بـِ "إبراهيم اليازجي" و "خليل اليازجي" ،إضافة إلى
ّ العربية فيها على يد األسرِة
حذقه اللغة الفرنسية فيها.3
ِ
حياته والبيئة مطلع بالشاعر
ألمت ّ
َ ظروف التي ّ تتبعه ال ّ
واألمر نفسه يذكره األستاذ أحمد درويش ب ّ
ط التقاء الثقافات المختلفة التي
يحتَها خطو ُ
بكرة أذكت قر َ أدبية م ّ
مشير إلى ذائقة ّ
ًا التي احتضنته،
نشأت عليها يقول" :وعندما أتم مطران مرحلته الدراسية األولى في سن السابع َة عشرةَ ،واصل في
1
ضيف،شوقي،األدب العربي المعاصر في مصر،ط،10دارالمعارف،القاهرة،د/ت،ص .121
2
درويش،أحمد،خليل مطران :المسيرة واإلبداع،ترجمة:رشاصالح،مراجعة:محمودالبجالي،ط،1مؤسسةجائزةعبدالعزيز
شعري،الكويت2010،م،ص.29 سعودالبابطيْنلإلبداعال ّ
3
ضيف،شوقي،األدب العربي المعاصر في مصر،ص .121
13
كان يساعد في تدريس العربية
التركية في الوقت الذي َ
الكلية البطريركية دراس َة اإلنجليزية و ّ
نسية".1
والفر ّ
ان العربية على ِيد األسرة اليازجية بعد التحاقه بالكلية البطريركية ،كما يرى
إن استمرار تلّقف مطر َ
مظان األدب يستقيه من منبعه األصيل ،كان له األثر البالغ في
ّ منير عشقوني ،وانكفاءه على
حوا ،واثارة روح التجديد عنده والنظر في ون ً
أدبا َ
األدبية وسًلمة سليقته العر ّبية ً
ّ صقل موهبته
الرومانسية تشربه من األدب الفرنسي متأثًّار بالحركة ِ
ّ ّ بي من ربقة القديم؛ لما ّ
ّ
تحرر الشعر العر
2
مكث الشاعر في فرنسا عامين (1890 بعد أن َ
فيه .ويؤكد الكاتب سعيد منصور اتضاح ذلك َ
عاكفا على قراءة آثار كبار الشعراء واألدباء الفرنسيين ،وفي طليعتهم "هيجو" و
ً – 1892م)
مستقر في مصر؛ إذ لم تسمح له التضاربات السياسية في بلده –
ًّا بعد ذلك
ليغادر فرنسا َ
َ "موسيه"
ع إليها.3
الرجو َ
بعلبك– ّ
يتلمس مفاصل التباين ما بين األدب الغربي أن هذه األمور مجتمعة هي التي جعلته ّ ويبدو ّ
تقانه العربي َة في
كثير منه وا ُ
ظه ًاالشعر العربي وحف ُ
َ فهض ُمه
استقر ذلك في ذهنه؛ ْ
ّ والعربي ،حتّى
ّ
ضم الجديد -الذي نهله منأج َل ّ
يسير عليه َ
منهج ُ
ٍ ظل أسرٍة شاعرة ثائرة ،جعله يفكر في تهيئة
هيكل قصائده تقليديًّا كما يظهر
ُ استقر في ذهنه ،وان بدا
ّ األدب األوروبي -إلى القديم الذي
للوهلة األولى.
14
أحيانا على ِ
غير خدامها ِ ِ
ً من الجرأة على األلفاظ والتّراكيب ،ال أخشى است َ زماني فيما يقتضيه َ
وعد ِم
ذلك مع االحتفاظ َجهدي بأصول اللغة َ
من األساليبَ ،المطروق َمن االستعارات و َ
المألوف َ
علمه".1 ٍ ِ
التّفريط في شيء منها ّإال ما فاتَني ُ
ٍ
عصر بما يًلئمه من لغة وأساليب تعبيرية تتوافق كل
الشاعر باختصاص ّ
إيمان ّ
ُ سبق
مما َ
ويبدو ّ
قبًل بقد ِر ما يعني توظيفه
التقليديو َن ً
ّ أصله
عما ّ
العزوف ّ
َ بذاك
آل إليها ،وال يعني َ
روف التي َ
ظ َوال ّ
ًلئما امتدادا موّفًقا لِ ٍ وفق ما يهضم متطّلبات العصر اآلني ،فيكو ُن
الشعر فيه ُم ً
ُ فظَ
عصر قديم ُو ّ ً ُ َ
مقدمته التي ابتدأ فيها
ان في ّ أن مطر َ
غم دعوته تلك ّإال أن الًلفت في األمر ّ الحتياجاته .ور َ
جعية
تجاوز أساليب العرب القديمة وتراكيبهم اللغوية ،فجاءت معظمها َس ّ
َ ديو َانه ،لم يستطع
ِ
مفردات معجمهم. بين جمله ،واستعماله
منتهجا بًلغتهم ،حتّى في المساواة َ
ً إيقاعية،
ّ
صعيد آخر ،فإن عمله في حقل التّرجمة "كان مدخًل رئيسا إلى معرفة المورد األساسي ٍ وعلى
متنوع ًة ومتعددة كانت النافذة المشرعة ٍ
تأليفا وتجديدا ترجمات ّلثقافته الواسعة التي أعطت ثمارها ً
نلمس آثاراها
اعا جديدة وموضوعات عديدة ُ على اآلداب ال سيما األدب الفرنسي ،فاستقى منها أنو ً
2
النوع من الشعر –
رد هذا ّ
كان و َ
خصوصا" .و َ
ً عموما وفي شعره القصصي والوجداني
ً في نتاجه
ضيقة عاجزة عن بلوغ ما ٍ
القصصي الوجداني -في األدب العربي على شكل محاوالت محدودة ّ
النهضة.3
بعد ّ
صارت إليه َ
واضافة إلى اهتمامه بالشعر القصصي ،يشير منير عشقوني إلى اهتمام خليل مطران كذلك
يتكيف والبيئ َة ٍ
مشج ًعا األدباء على كتابته ،وتحويله إلى عمل ّ
ّ بالشعر المسرحي والنهوض به،
كان
جديدا كهذا ،ولعله َ
ً فنا ٍ
فضل في تعريف العرب ًّ صاحب كان
العربية المنتشر فيها؛ ولذلك َ
َ
اء خوض شوقي هذا المضمار .4ثُ ّم يورد شوقي ضيف في كتابه "األدب العربي
الدافع ور َ
ّ
إماما له في تمثّل الشعر
المعاصر في مصر" كيف اتّخذ الشاعر عزيز أباظة من شوقي ً
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ص ..8
2
عشقوني،منير،خليل مطران :شاعر القطرين،ص.29
3
المصدرالسابق،ص.55
4
المصدرالسابق،ص–31ص.32
15
1
امتدادا لما دعا إليه مطران
ً كان شوقي
فكأنما َ
بعا ُخطاه جارًيا على آثاره ّ ، المسرحي ،متّ ً
امتدادا للشاعر عزيز أباظة من بعده.
ً بخصوص هذا النوع من الشعر ،ليكو َن بدوره
الشعرية –القصصية والمسرحية -إلى زوف العرب عن مثل هذه األنواع ّ ويعزو شوقي ضيف ُع َ َ
ان إليها
الفردية ،فكانت دعوةُ مطر َ وتمسكهم بوحدة البيت وغرقهم في ن
ّ تقيدهم بحدود الوز والقافيةّ ، ّ
القصة تعتمد
ّ الخًلق ،وكون
ممزوجا بخياله ّ
ً مادته فيها من وقائع التّاريخ ًّ
مستمدا ّ ثورًة فكرّية
بالشاعر إذ كان حريًّا ّ
الشعر؛ ف َ
من ّالنثر َ
أقرب إلى ّ
اقعية والسرد التّقريري ،فهي ُ
على كثير من الو ّ
تأمليًّا.2
بعدا وجدانيًّا ّ
ظف ُج ّل قدرته إلضفاء الروح الشاعرية عليها –القصة ،-ومنحها ً
ذاك أن يو ّ
َ
طًلع الشاعر على أدب وبتتبع منير عشقوني أشعار خليل مطران ،فإنه يرى ّ
أن من نتائج ا ّ
كبيرا ،لذلك دعا إلى ضرورة أن تكو َن أبياتها متماسكة
اعتناء ً
ً الغرب اعتناءه بوحدة القصيدة
تصب في موضوع واحد وتتسلسل لبلوغ الغاية األساسية منها،3
ّ عضوية متآلفة
ّ متراصة في وحدة
ناظمه
ُ ليس
عر َالش ُ
مقدمة ديوانه ،إذ يقول" :هذا ّ
وهو بذلك يستند إلى اعتراف الشاعر نفسه في ّ
وشاتم أخاه ودابر المطلع وقاطع ظ ُر قائله إلى جمال البيت المفرد ،ولو أنكر جاره ِ
بعبده ...وال ين ُ
َ
المقطع وخالف الختام .بل ُينظر إلى جمال البيت في ذاته وفي موضعه ،والى جملة القصيدة
في تركيبها وفي ترتيبها وفي تناسق معانيها وتوافقها".4
النص ،بل يتجاوزه إلى التحرر من قيود الوزن والقافية التي ِ
مقتصر عنده على وحدة ّ
ًا األمر
ُ وليس
اصفا شعره" :وال تحمله ضرو ارت الوزن أو القافية على غير شرعها األقدمو َن قبله ،يقول و ً
دة بالوزن قصده" .5وال يبدو قوُله ذاك من ض ٍ
مقي ً
ته العرب ّ
سلك ُ
عف في قدرته على نظم مثل ما َ َ َ َ َ
1
شوقي،ضيف،األدب العربي المعاصر في مصر،ص .82
2
عشقوني،منير،خليل مطران :شاعر القطرين،ص .55
3
المصدرالسابق،ص .90
4
مطران،خليل،ديوان الخليل،ص.9
5
المصدرالسابقنفسه.
16
ٍ
طاقات اعتاد عليه من قيود ،وا ِ
مكان استيعابه كان ِ ِ
َ كسر رتابة ما َ
من حاجة الشعر َ والقافية ،بل ْ
استجدت في عصرهم بعد.
ّ اضيع لم يكن عهدها األقدمون؛ إذ ما كانت قد
ومو َ
هان ذلك –حسبما يرى منير عشقوني -يتأتّى من نظ ِم الشاعر قصيدته الشهيرة "نيرون" وهي
وبر ُ
"ملحمة األدب العربي" كما في ُعرف النّقاد؛ وقد أظهر فيها الشاعر قدراته في البًلغة
الخًلق ،وهي من أطول قصائد األدب العربي،
والفصاحة ،وبلغ فيها درجات من الخيال المبدع ّ
تقيدت بوحدتي الوزن والقافية فقد
إذ بلغ عدد أبياتها ( 327بيتًا) ،وهي ذات موضوع واحد ،واذ ّ
وموضوعية في آن.1
ّ لغوية
بدا في بعض كلماتها شيء من الغرابة ،فكانت ذات ثورة ّ
ِ
هجر بأنه ما دعا إلى وِ
احد ،يعني ثقته ّ س عروضي فأن ينظم الشاعر ( 327بيتًا) على َنف ٍ
ّ َ ْ
بمثلها ،فكان أجدى ِ
به أن يأتي بالجديد بعد أن هضمها وأتى
َ َ األوزان والقوافي المعهودةّ ،إال َ
وهو ِ
الشعرَ ،سيما في موسيقى ّمألوف ال ّ هو
عما َ
المناسب لعصره ،وا ْن دعاهُ ذلك إلى الخروج ّ
جل ما تدور حوله هذه الدراسة وتسعى إلى تبيان مدى موافقة قصائد الشاعر لدعوته في مقدمة
ّ
ستوضح الفصول الًلحقة.
ّ ديوانه أو افتراقه عنها كما
1
عشقوني،منير،خليل مطران :شاعر القطرين،ص .62
17
اإليقاع والعروض وعالقتهما بالدًللة.
اإليقاع والعروض.
ِ بين
1.1ما َ
1.2اإليقاع والداللة.
18
النثرَ ،فًل يكو ُن ِش ًا
عر ما َل ْم ِ
العمل الشعري ،وهو سمة ينماز بها عن ّ عد اإليقاع ركيزًة رئيسة في ُي ّ
اء ُم
معاني تتو َ حامًل طيَّه
ً األسماع فقط ،بل يتجاوزها
ِ تقتصر وظيفتُه على جذب
ُ يكن ُموّق ًعا .وال
َ
شحن الشاعر به قصيدتَه.
َ النفسي الذيناخ ّ الم َ
وُ
إناسية لها تعّلق بعميق علل الحركة في اإلنسان ،ال سبيل له إلى
ّ ويبدو َّ
أن "اإليقاع ضرورة
نظر ألهمية مقولة الزمن في وعيه وال وعيه ،وللعًلقة الحميمة المعقودة بين اإليقاع
تجاوزها؛ ًا
والزمن ،ذلك أننا نسيطر على الزمن بتوقيعنا حياتنا بكل أنواع الوسائل التي أغلبها غير واع".2
ِ
بجرس ألفاظه وانسجامها مع توالي المقاطع وتردد أما إبراهيم أنيس فيذكر أن إيقاع الشعر يتجسد
ّ
بعد قد ٍر ُم ّ
3
بينه –إيقاع
طا ما َ أن ثَ ّم راب ً
عين ،وعليه ُيستنتَ ُج من قوله وقول من سبقه ّ بعضها َ
الزمن وتكرار الحركة. الشعر -وبين إيقاع الطبيع ِة من حول اإلنسانِ ،
كائًنا في ّ َ َ
ِ كتب ِ
احدة
ماهيته متباينة ليست و ً
حول ّ
اء َ وحديثها ،واآلر ُ واإليقاع حاضر في ِ ّ
النقد العربي قديمها َ
مفهوم التماهي ما بين العروض واإليقاع ،وبقي
ُ ورد–في بعض كتب النقد-وكان َبين النّقادَ .
ما َ
َ
ِ
تطور دراسات
مع ّ أن ش ِهد اإليقاع من بعد َ
ذاك زحزح ًة َ طويًل ،إلى ْ
ً زمانا
ادف ًسائدا ذا التر ُ
ً
ط هذا القرن وحتّى اآلن َ .فما َج َ
4
العروض؟ وما صلتهما
وه ُر اإليقاع ؟ وما َ الشعر أواس َ
موسيقى ّ
ببعضهما؟ وما عًلقتهما بالداللة؟.
العروض:
بين اإليقاع و َ
1.1ما َ
1
الورتاني،خميس،اإليقاع في الشّعر العربي الحديث :خليل حاوي نموذ ًجا،ط،1دارالحوارللنشروالتوزيع،سوريا2005،م،
ص.23
2
المصدرالسابقنفسه.
3
أنيس،إبراهيم،موسيقى الشّعر،ط،3مكتبةاألنجلوالمصرية،مصر1965،م،ص.9–8
4
الورتاني،خميس،اإليقاع في الشعر العربي الحديث :خليل حاوي نموذ ًجا،ص.11
19
ظ ّأنه َمفهوم فطريَ ،يحصل في الذهن َبداه ًة ،مؤثًّار لح ُ ِ ِ
بالعودة إلى مسألة ّأولية مفهوم اإليقاع ُي َ
َ
فق ما يشعرها به وتحللها ،ورغ َم إدراكها أثرهّ ،إال ّأنه
في الذات البشرية ،إذ به تفهم األشياء َو َ
التفهم واإلفهام من حيث جوهره وماهيته ،أي من حيث هو هو.1
يستعصي على ّ
ألجل مقاربة مفهوم اإليقاع في در ٍ
اسة تَروم أن تكو َن علمية ،فإنه ُيفترض فيها أن تحتكم إلى و ِ
ونمط تقيس عليه .وبناء على ذلك ،يرى الورتاني أن ضبط اإليقاع يتأتى من اصطناع ٍ ٍ
معيار
أن طبيعة مقاييس ووحدات تُ َّ
حدد فيها طبيعة المفهوم َوفًقا لمدى مواءمته أو مخالفته لهاّ ،إال ّ
أحيانا؛ فالسواد األعظم
ً وجودها
َ يحد من هذه المقاييس ،ويمنع المفهوم واختًلفه ما بين النقاد ّ
َ
بينه والعروض ،وبعضهم يع ّده طارًئا عليه ،وآخرون يرون في اإليقاع ِجماع منهم يماهي ما ُ
متجاوز
ًا الصوتية الواجب على المبدع االلتزام بها ،وفريق آخر يرى اإليقاع في المكتوب
الظواهر ّ
غير
إيقاعا َ
ً المسموع؛ فكان إلى جانب ذلك اإليقاعُ البصري ،وبعضهم يرى في المعاني المتخيَّلة
ٍ
مقتصر على المرئي والمسموع فقط.2
وال يعني اختًلف اآلراء حول المفهوم -فيما سبق -انعدام جدوى دراساته ،بل ُك ٌّل ينظر إلى
الزمن أو حتى االنتظام، ِ ٍ ٍ
ك بالتكرار والحركة و ّ
در ُ
من ّأنه ُي َ
بًل ْ
قيل فيه َق ً
عما َزاوية منه ليست ببعيدة ّ
كل أولئك. ٍ
سبق ببعيد عن ّ
مما َوليس ّ
َ
لوحدات ومعايير تقيسه تتجّلى في العروض .ذاك ٍ تقنينا لإليقاع َوفًقا
أن أكثر تلك اآلراء ً
ويبدو ّ
ّأنه –العروض– كما يذكر إبراهيم أنيس متمثّل بانسجام المقاطع وتواليها خاضع ًة لنظا ٍم ُمعيَّن،
مع ما ُيسمع لتكوين ُّ
عجيباُ ،يفضي إلى َتوقع مقاطع الحقة تتّسق َ
ً انتباها
ً يثير
نغما ُ فتحدث ً
ُ
مقاطع
َ صَل ِة الحلقات ال تخرج إحداها عن مقاييس األخرى ،لتنتهي بدورها بعدد من
سلسلة متّ ِ
سمى القافية.3
صوتية تُ ّ
ّ
1
الورتاني،خميس،اإليقاع في الشعر العربي الحديث :خليل حاوي نموذ ًجا،ص.25
2
المصدرالسابق،ص.30
3
أنيس،إبراهيم،موسيقى الشعر،ص.13
4
أرسطو(322ق.م)،فنّ الشّعر،ترجمة:إبراهيمحمادة،د/ط،مكتبةاألنجلوالمصرية،مصر،د/ت،ص/57هالل،محمد
غنيمي،النّقد األدبي الحديث،د/ط،دارنهضةمصر،مدينةالسادسمنأكتوبر1997،م،ص .50
20
الشعر" ،فًل يعثر فيه إال على قوانين ومًلحظات
وبتتبع المًلحظات اإليقاعية في كتابه "فن ّ
ّ
ذاك العروض.1 تتعلق باإليقاع اإلطاري متمثل ًة باألوزان والبحورَ ،
وهو إذ َ
العروض أن َ
أساسا فيهّ ،إال ّ
يقدم طاق َة التّخييل ً
غم ّأنه ّ
للشعر ،ر َ
وكذا األمر في تعريف ابن سينا ّ
ال موزونة متساوية ِ
وع َند يسمه بـ"كًلم مخيل مؤّلف من أقو ٍبالوزن والقافية ِسمة ينماز بها ،إذ ِ
ّ
ِ
العرب ُمقّفاة".2
فاألقوال الموزونة المتساوية هي إيقاعات إطارية بالضرورة .وليست بحور الخليل ببعيدة عن
ذلك؛ كونها قوانين قياسية فيها ينتظم القول ،إضافة إلى إيقاع التقفية المنتهية بها تلك األقوال ال
سيما في الشعر العربي.
مخي ًًل عنده فأمور تتعّلق بجهة المعنى واألسلوب ،وجهة اللفظ والنظم
أما ما يجعل الكًلم ّّ
أن المحاكاة في األقاويل الشعرية قوامها النغم والوزن والوزن .وهو ُ
ذات ما يثبته ابن رشد في ّ
3
أن "نسبة وزن القول إلى الحروف كنسبة وكذا يقرن ما بين اإليقاع ّ
الشعري والموسيقى ،فيرى ّ َ
النغم ذات فواصل ،ووزن
المفصل هو نقلة منتظمة على ّ فإن اإليقاع
النغمّ .
فصل في ّ
ّ الم ّ
اإليقاع ُ
الشعر نقلة منتظمة على الحروف ذات فواصل".5
أشار ابن
وكان َ
َ الشعري ّ
حد التّماهي، العروض ممتزج باإليقاع ّ
أن َ
كل ما مضى ّوالًلفت في ّ
ص ِ
ناعة جمعون على أنه ال َفرق بين ِ
فارس من قبل إلى ذلك ،فقال :إن "أهل العروض م ِ
َ َ ّ ُ ّ
راجعالصفحاتاآلتيةمنكتاب"فنالشعر"ألرسطو–مرجعسابق–التيتُجلّيمفهومالمالحظاتاإليقاعيةعندهكماذُكر:
ص،56ص،57ص،79ص،80ص،81ص،82ص،89ص،203ص .204
1
الورتاني،خميس،اإليقاع في الشعر العربي الحديث :خليل حاوي نموذ ًجا،ص .11
2
ابنسينا،فن الشعر من كتاب الشفاء،ترجمة:عبدالرحمنبدوي،د/ط،دارالثقافة،بيروت1973،م،ص.161
3
الورتاني،خميس،اإليقاع في الشعر العربي الحديث :خليل حاوي نموذ ًجا،ص .41
4
ابنرشد،أبوالوليد(595هـ)،تلخيص كتاب أرسطوطاليس في الشعر ومعه جوامع الشّعر للفارابي،تحقيق:محمدسليمسالم،د
/ط،المجلساألعلىللشؤوناإلسالمية،لجنةإحياءالتراثاإلسالمي،القاهرة1971،م،ص.70
5
الفارابي،أبونصر،محمدبنمحمد(339هـ)،كتاب الموسيقى الكبير،تحقيق:غطاسعبدالملكخشبة،د/ط،دارالكتاب
العربي،القاهرة،د/ت،ص .1085
21
قسم أن صناع َة اإليقاع تَ ِ ِ
روض وصناعة اإليقاعّ .إال َّ
العروض تَ ُ
بالنغم ،وصناعة َ
مان ّالز َ
قس ُم ّ الع
َ
المسموعة".1 ِ
مان بالحروف َ
الز َ
ّ
بينه والعروض،
شهد مفهوم اإليقاع زحزح ًة اقتضت التمييز ما َ
تطور الدراسات الشعرية ،فقد َ
ومع ّ
َ
الصوتية الطويلة والقصيرة أو المنبورة وغير
ّ نظاما نظريًّا تتعاقب فيه المقاطع
ً فغدا األخير
ذاك اإلنجاز
ولعل َ
ّ النظام في الخطاب.3 المنبورة ،في حين يكون اإليقاع اإلنجاز الفعلي َ
لذاك ّ
الفاعلية التي تنقل إلى المتلّقي ذي
ّ اإليقاع "
َ الفعلي هو ما قصده كمال أبو ديب في تعريفه
حيوية متنامية تمنح التتابع الحركي وحدةً ّ عور بوجود حركة داخلية ذات الش َ
الحساسية المرهفة ّ
نغمي ًة عميقة" .4فالحركة الداخلية في البيت الشعري المتتابعة بانتظام ،تَنتُ ُج مما في تفعيًلته من
ّ
ٍ
زحافات وعلل.
ِ
ناميا أكثر فأكثر ،ليتسع اإليقاع شامًل ثُ ّم بدا من بعد ذلك يتّضح الفرق ما َ
بين المفهومين ً
ِ
القصيدة من ترديد وتكرار وتقطيع .5وعليه العروض مضاًفا إليه التجاوبات الحاصلة في صلب
وقد فرق الباحث محمد فتوح أحمد بين مصطلحي الوزن -الذي هو جوهر العروض– واإليقاع،
اآلخر يرتبط
ُ مثًل ،فيما
ضمة ً
األول مرتبط بالصوت من حيث هو باء ،أو الم ،أو ّ أن ّ
ذاك ّ
َ
بخصائص الصوت السياقية كما النبر والمدى والتردد ،وعليه ال ينحصر اإليقاع في المقاطع
1
الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كالمها،تعليق:
ّ ابنفارس،أبوالحسن،أحمدبنفارس(395هـ)،
أحمدحسنبسج،ط،1دارالكتبالعلميّة،بيروت1997،م،ص .212
2
التبريزي،الخطيب،الكافي في العروض والقوافي،تحقيق:الحسّاني،حسنعبدهللا،ط،3مكتبةالخانجي،القاهرة1994،م،
ص.17
3
الورتاني،خميس،اإليقاع في الشعر العربي الحديث :خليل حاوي نموذ ًجا،ص.12
4
أبوديب،كمال،في البنية اإليقاعيّة للشعر العربي :نحو بديل جذري لعروض الخليل ،ومقدّمة في علم اإليقاع المقارن،ط،2دار
العلمللماليين،بيروت1981،م،ص .230
5
الورتاني،خميس،اإليقاع في الشعر العربي الحديث :خليل حاوي نموذ ًجا،ص.12
6
عبدالحميد،محمد،في إيقاع شعرنا العربي وبيئته،ط،1دارالوفاءلنشرالطباعة،األردن2005،م،ص.28
22
والحركات والسكنات المتكررة من بيت إلى آخر ،بل يتجاوزها إلى وقع األصوات وما توحيه من
معين.1
معنى بتردد على نحو ّ
فإن اللغة العربية من حيث هي لسان موّقعة بطبعها على مستوى جدول ٍ
ناحية أخرىَّ " ، ومن
هين ينقسم أساسا ،ومعنى هذا َّ
أن جزًءا من مفرداتها غير ّ ً االستبدال ومرجع ذلك ّأنها اشتقاقية
إيقاعيا إلى مجموعة سمتها التماثل الصيغي ،إذ نجد مجموعة اسم الفاعل ،ومجموعة اسم ً
إيقاعيته ،كما ّأنه بغياِبها يكو ُن
ّ النص يز ُيد من
بقوة في ّ
3
المفعول ، "... ،فحضور هذه االشتقاقات ّ
خافت.
ً
إضافة إلى الصفة االشتقاقية للغة ،فإن الظاهرة السجعية في النصوص اللغوية يجعلها شاعرية
أشار إليه ابن قدامة بقوله" :بنية الشعر ،إنما هي التسجيع
أكثر مما لو لم تكن فيها ،وهو ما َ
أدخل له في باب الشعر وأخرَج له عن مذهب
َ كان
اشتماال عليهَ ،
ً والتقفية ،فكّلما كان الشعر أكثر
النثر".4
ِ طور ِ
بعا للعصور التي ُيلقى
تغي ًار ت ً
الشعر ّ
تفرض على ّ سنة التّ ّويرى الكاتب محمد العلمي أن ّ
بدايته في صورِة ما هو عليه اآلن.5
طا لغويًّا اجتماعيًّا ،فًل ُيعَق ُل أن تكو َن َ
كونه نشا ً
فيها؛ َ
التحول
ّ أن بداي َة
أي بعض النّقاد في ّ
أما جودت فخر الدين في كتابه " اإليقاع والزمان " ،فيورد ر َ
ّ
كونه استعمل البحور واألوزان التيمن الوزن إلى اإليقاع كانت تجّلت في قصائد أبي نواس؛ َ
ص.424
2
الهاشمي،علوي،فلسفة اإليقاع في الشعر العربي،ط،1المؤسسةالعربيةللدراساتوالنشر،بيروت2006،م،ص.25–23
3
الورتاني،خميس،اإليقاع في الشعر العربي الحديث :خليل حاوي نموذ ًجا،ص .122
4
قدامةبنجعفر،نقد الشعر،تحقيق:محمدعبدالمنعمخفاجي،د/ط،دارالكتبالعلمية،بيروت،د/ت،ص.90
5
العلمي،محمد،العَروض والقافية :دراسة في التأسيس واإلدراك،ط،1دارالثقافة،المغرب1983،م،ص.30
23
خارجا عن إيقاع الشعر العربي الجاهلي،
ً تأسيسا إليقاع جديد
ً تئيا فيها
أهملها شعراء العرب ،مر ً
1
عند أبي العتاهية الذي حاول التجديد في العروض من خًللعلى وجه التّحديد .وكذا األمر َ
مبرر ذاك بقوله "أنا أكبر من
النظم على أوزان لم تعرف من قبل وعلى ما لم تستعمله العربً ،ا
أنغاما
ً منو ًعا فيهاُ ،مخّلًقا
وحاول الخروج عن القافية الموحدة مع بعض شعراء عصره ّ
َ العروض"،2
مختلفة ،يقول:
غنيك األر ِ
ض ال ُي َ فيك َ ...ف ُك ُّل ما في ْ
يك َغنيك ما ْ
كان ال ُي َ
إن َْ
ويذكر إبراهيم أنيس أن هذا النوع من التنويع في القوافي ُيدعى "المزدوج" ،وهو إيقاع مختلف عن
وتَتَتَّبع نازك المًلئكة في كتابها "قضايا الشعر المعاصر" مراحل تلك النقلة التطورية في الشعر،
مشيرة إلى أن العرب مرت بقرون عجاف تحت نير الحكم العثماني ،ضعفت على إثرها الحركة
بعد األدبية وتراجعت ،إلى ِ
حين أن استيقظت مستعيدة مكانتها الحضارية والفكرية ،ال سيما َ
1
فخرالدّين،جودت،اإليقاع والزّ مان،ط،1دارالمناهلللطباعةوالنشروالتوزيع،بيروت1995،م،ص .33
2
األصفهاني،أبوالفرجعليبنالحسين(356هـ)،األغاني،د/ط،تحقيق:إبراهيمالسعافين،إحسانعباس،بكرعباس،دار
صادر،بيروت،ط،2008،3ج،4ص.13
3
أبوالعتاهية،إسماعيلبنالقاسم(210هـ)،ديوان أبي العتاهية،د/ط،تحقيق:كرمالبستاني،داربيروتللطباعةوالنشر،
بيروت1986،م،ص .493
4
أنيس،إبراهيم،موسيقى الشعر،ص.281–280
5
نازكالمالئكة،قضايا الشعر المعاصر،ط،3منشوراتمكتبةالنهضة،القاهرة1967،م،مقدّمةالكتاب،ص .11
24
طًلعها على أدب الغرب ،فكانت أولى الظواهر التجديدية من هذا القبيل عند شعراء المهجر،
اّ
أمثال :إيليا أبو ماضي ،جبران خليل جبران ،فوزي المعلوف.1
طويًل،
ً اعتقاد الوزِن ظاهرة موسيقية الزمة للشعر لم ُيدم فإن ِ
جملة نازك األخيرةَّ ، وتعقيبا على
َ ً
المض ّحي بالوزِن والقوافي من ُ
بعد أبقاه في دائرة الشعرّ ،إال َّأنه ُ ذاك َّ
أن وجود الشعر المنثور َ
استعاض عنهما -الوزن والقافية– بالصور والخيال واإليقاع الداخلي المرافق لألساليب اللغوية،
َ
تتابعا في الصور،
صوتية بل إنه يشمل كذلك ً ّ مقاطع
َ انتظاما يقتصر على
تتابعا و ً
يعد اإليقاع ً فلم ُ
سليما للكلمات في سياقاتها المناسبة بحيث تُفاجئ المتلّقي مستميل ًة شعوره نحو ما يريد
وتوظيفا ً
ً
الشاعر.
ِ
نتوّقع حدوثه
كان ما َإن آثار اإليقاع "تنبع من َتوُّقعنا سواء َ
وفي هذا السياق يقول أ.أ ريتشاردزّ :
خاص سواء كانت هذه المقاطع أصواتًا ّ يحدث بالفعل أو ال يحدث ...فتتابع المقاطع على نحو
لتقبل تتابع جديد من هذا النمط دو َن غيره".4
يهيئ الذهن ّ
صور للحركات الكًلمية ّ
ًا أو
أن الشاعر يعمد إلى تهيئة ذهن متلقيه إلى عدد من التتابعات
هذا يعني بحسب أ.أ ريتشاردز ّ
معنى نتيجته
أن االنتقال من تتابع إلى آخر ُيوّلد كذلك ً
معين يوجهه الشاعر ،كما ّ
يتوّلد منها أثر ّ
أن المعنى الذي يدركه المتلّقي من
وخًلصة القول يتأتى من ّ
َ تغير مجرى التوّقع َ
عند المتلّقي. ّ
النص قد يصدر من التتابعات اللغوية وغير اللغوية التي يوظفها الشاعر ضمن إطار إيقاعي،
1
نازكالمالئكة،قضايا الشعر المعاصر،ص.11
2
المصدرالسابق،ص.14
3
المصدرالسابقنفسه.
4
أ.أريشتاردز،مبادئ النقد األدبي،ترجمة:محمدمصطفىبدوي،ط،1المجلساألعلىللثقافة،القاهرة2005،م،ص.185
25
منشئا داللة ما ،ولعل
ً أيضا عن مخالفة هذا التراتب اإليقاعي وتغيير النمط إلى آخر
وقد ينشأ ً
انتقاال من إيقاع إلى إيقاع آخر!.
ً هذا يعني في جوهره
إن النثر الغنائي المنتظم كما يقول ريتشاردز ُيحيلنا إلى توقعات غامضة أثناء استم اررية
حتى ّ
من األلفاظ والتراكيب
كثير َ
قراءته ،فقد نشعر -حتى وصولنا اللفظة األخيرة في القطعة -أن ًا
فعًل في النص ،يقول :إن هذه التراكيب "من شأنها
هو وارد ً
مكان ما َ
َ كان لها إمكانية الحلول
َ
فليس ما
كان توّقعنا هذا مصدره مجرد العادة أو روتين التأثير الحسيَ .
إشباع توّقعنا ،طالما َ
هو واحد
نتوّقعه في الواقع هو هذا الصوت أو ذاك ،وال هو هذا النوع من الصوت أو ذاك ،بل َ
عدة آالف من أنواع الصوت".1
من ّ
إمكان
َ الشعرِاء
الكبرى في مفهوم اإليقاع كما يورد خميس الورتاني ،فتتجّلى في ت ّبني ّ النقل ُة ُ
أما ّ ّ
الشعر الحديث؛ وذاك َبّين في بنية ّ
َ السمعي، ِ
الجانب ِ
الجانب المرئي في الشعر كما تحققه فيُّ
ّ ّ
ِ
الجانب ضم هذا
اما ُّ ِ كو َن توزيعه الفضائي
كان لز ً
مغاير لما تراك َم في ذاكرتنا من مفهو ٍم للشعر ،ف َ
ًا
أنسب من باألول الش ِ ِ إلى ِ
فكان إلحاقه ّ
عر الرئيسة ،أي إلى اإليقاع أو إلى التّخييل َ ، أركان ّ أحد
َ
إلحاقه باألخير منهما.3
أما سبب كون الشعر الحديث ذا إيقا ٍع مغاير عن المألوف؛ فعائد إلى طبيعة البيئة التي كان
وّ
فيها ،فالشعر في العصور القديمة "كان ينظم ليلقى في جمع ،ومن هنا غلب عليه نوع من
لونا من التنغيم السحري الذي يخلق وحدة نغمية تجعل من األيسر على الجمع
الخطابية يستلزم ً
جماعيا يتفق مع طبيعة إنشائه ووظيفة
ً المشترك في التلّقي أن يتذوق العمل الشعري تذوًقا
1
المصدرالسابق،ص .187
2
المصدرالسابقنفسه.
اعلىاألوزانوالقوافيوصارمنالممكن
َ الميعداإليقاعمقتصر
ً هذايعنياعتماداإليقاعوالخيالبنىأساسيةفيالشعر،ول ّم
ض ّمالشكلالكتابيللشعرتحتَ بنداإليقاعباعتبارهظاهرةمنظواهرهوليستحتبندالخيال.تحليلهبصريًّا،فقد ُ
3
الورتاني،خميس،اإليقاع في الشعر العربي الحديث :خليل حاوي نموذ ًجا،ص .12
26
جميعا ،الشاعر
ً اإلنشاء ...فالبحر المتكرر والقافية الملتزمة قوالب من الواقع يلتزمون بها
والمتلقون".1
كان الصوت سريع الزوال ،و "ال يوجد إال عندما يكون في طريقه إلى انعدام الوجود" 5على
ولما َ
ّ
بعد فترة زمنية
ثم طريقة إليقافه واإلمساك به سمعيا ،فحرك ُة الصوت َ
فليس ّ
حد تعبير والتر.أونجَ ،
ّ
ويسجل السكو َن إلى جانبها كذلك.6
ّ يسجل الحركة
تصير صمتًا ،وهذا بخًلف اإلبصار الذي ّ
ُ
1
عياد،شكري،موسيقى الشعر العربي،ط،2دارالمعرفة،القاهرة1928،م،ص.22
2
المصدرالسابق،ص .22–21
3
المصدرالسابق،ص.23
4
أونج،والتر،الشفاهية والكتابية،ترجمة:حسنالبنّاعزالدين،د/ط،عالمالمعرفة،الكويت1994،م،ص.73
5
المصدرالسابق،ص .74
6
المصدرالسابقنفسه .
27
األولى أو مسجوعة ،أو في عبارات وصفية أو أخرى قائمة على الصيغة ،أو في وحدات
موضوعية ثابتة".1
1
أونج،والتر،الشفاهية والكتابية،ص.77
2
المصدرالسابق،ص .78
3
المصدرالسابق،ص .80
4
المصدرالسابق،ص .81
5
المصدرالسابق،ص .91
هناكفصلكاملبعنوان"بعضالدينامياتالنفسيةللشف اهية"فيكتاب"الشفاهيةوالكتابية"يتناولفيهوالترج.أونجهذهالمالمح
النفسيةبإسهابأكثر،يمكنمراجعةص129–73منالكتابللتعرفعليها.
6
الماكري،محمد،الشكل والخطاب :مدخل لتحليل ظاهراتي،ط،1المركزالثقافيالعربي،بيروت1991،م،ص .185
28
ِ
بداية القرن الثاني الشعر – "حتى
الفنين – الموسيقى و ّ
بين ّ
استمرت هذه العًلقة الوثيقة ما َ
ّ وقد
نهائيا في القرن الخامس
ً كل فن في االنفصال عن اآلخر ،وستتبلور القطيعة عشر إذ سيشرع ّ
عشر".1
األخير
َ أن
العروض ،و ّ
من َمجاال َ
ً أن اإليقاعَ أرح ُب
بات ّبيًنا من كل ما سبق ّ
وخًلص ُة القول ،أنه َ
الشعر،
أبيات ّ
ُ ذاك ّأن ُه يمثّل جزًءا منه متمثّ ًًل باألوزان اإلطارّية التي تتّكئُ عليها
َفرع عنه؛ َ
ِ
الناتجة التموجات الصوتية الداخلية
يتجاوز ذلك إلى ُّ الروي والقافيةّ ،إال ّ
أن اإليقاع ّ إضاف ًة إلى
صد ظواهروبعض سماتها ،ور ِ
ِ من الزحافات والعلل ،وتت ّبع المقاطع الصوتية :قصيرها وطويلها،
َ َ
ِ
باالعتبار ًّ
ممتدا آخ ًذا ص ،وتتابع الصور البيانية، ِ
الن ّ
اللغوية الكائنة في ّ
ّ التّكرار واالشتقاقات
ٍ
معان تتسق إيقاعا بصريًّا ُيفضي إلى
ً تشكل
كونها ّ
الشعر الحديث؛ َالكتابي َة في ّ
ّ المساحات
بينها
اص ما َإيقاعية تتر ّ
ّ احداّ ،إنما في جوهره ِبنى
ليس و ً النص .واإليقاعُ في حقيقته َ
ومتطّلبات ّ
يكن
أفصح بما لم ُ
النص بمدلوالته و َ ّ نطق
َ لخْل ِق ُك ٍّل واحد ،إذ كلما تعاضدت ما َ
بينها واتّفقت
إيقاع بما عنده.
كل ٍ ضن ُّ ِ
حص َل إذا ما ّ
لُي ّ
الدًللة:
اإليقاع و ّ
ُ 1.2
1
الورتاني،خميس،اإليقاع في الشعر العربي الحديث :خليل حاوي نموذ ًجا،ص .34
2
المصدرالسابق،ص.35
29
الجدل أن ِ
المسألة ِفرًقا ،ولم يبتّوا فيها َق ْوًال ،كما َّ ومحدثين انقسموا في هذه
َ قدماء ُ
َ أن النّق َاد
الحقيق ُة ّ
قديما وما زالت، حول اإليقاع والداللة ذو ٍ
النقدي َة ً
ّ المعنى واللفظ التي َشغلت الساح َة بقضية َ
ّ صلة َ
يقف
كان َمن ُ
الداللة أنصارهما ،وكذا َ
كان لإليقاع و ّ
فكذا َ
أنصارهَ ،
ُ لك ٍّل –اللفظ والمعنى–
كان ُولما َ ّ
طا. بين ُهما َو َس ً
َ
طويل
الفخر كما َعروض ال ّ
الجّد و َ ِ
لمقاصد ِ يض الرصينة مًلئمة ويرى -
أن األعار َالقرطاجنيّ -
ّ
الشجن
لغرضي ّ الرمل ففيها من الرّق ِة والحنان ما يجعلها مًلئمة
أما عروض المديد و ّ والبسيط ،و ّ
ّ
لك األعار ِ
يض التي يكون شأن النظم فتنظم في ِس ِ المقاصد التي تحتاج جزال َة ّ أما
ُ ُ واالكتئاب ،و ّ
طويل والكامل.4
الكًلم فيها ج ًزال كما عروض ال ّ
1
فخرالدّين،جودت،شكل القصيدة العربية في النقد العربي حت ّى القرن الثامن هجري،ط،1منشوراتداراآلداب،بيروت1984،
م،ص.144–143
2
المصدرالسابق،ص.29
3
القرطاجنّي،حازم(684هـ)،منهاج البُلغاء وسراج األدباء،تحقيق:محمدالحبيبابنالخوجة،ط،3دارالكتابالعربي،
تونس2008،م،ص.182
4
المصدرالسابق،ص.183
30
أن استعراض ِ
ض ًحا ّ
مو ّ
تنب َه "إبراهيم أنيس" إلى هذه المسألة في كتابه "موسيقى الشعر" َ
وقد ّ
معين؛ فًل ٍ بتخير الشاعر وزًنا دو َن غيره في ِ
غرض ّ كاد ُيشعر ّ
القصائد القديمة ومواضيعها ال َي ُ
ويتغزلو َن ويتفاخرون في ّ
كل ّ بين الوزِن والموضوع ،فكان الشعراء يمدحو َن
تجمع ما َ
ُ عًلق َة
قات التي قيلت كّلها في موضوٍع و ٍ
احد البحور الشائعة عندهم ،ويكفي لذلك مًلحظةُ أن المعلّ ِ
ّ
سماهُ صاحب
إن ما ّ
طويل والبسيط والخفيف والكامل والوافر ،حتّى ّمن ال ّ
تقر ًيبا ُنظمت َ
جاء على ما جاءت عليه المعّلقات من بحور.1 ِ
فضليات بالمراثي َ
الم ُّ
أن
بينها ،فيبدو ّ
غم تقارب موضوعاتها فيما َ عقيبا على َّ
أن المعّلقات ُنظمت على أكثر من بحر ر َ وتَ ً
أن المعّلقة المتعددة الموضوعات
ذاك ّ ٍ
اعتبار رئيس وحيد في انتقاء الموضوع؛ َ الوزَن َ
ليس ذا
ذاك
فمقدمتها الغز ّلية إذ َ
مثًلّ ،
طويل ً البحر ذاته ،فإن ُنظمت المعلقة على ال ِّ تتوزع على
داخليًّا ّ
طويل ،ووصف الراحلة والرحلة سيكون على البحر ذاته ،وكذا المدح إذا ما ِ
أنش َد ستكو ُن على ال ّ
ُ
ِ
المشبعة بالحكمة كذلك؛ ما يعني ُمكن َة البحر الطويل ئيسا فيها ،باإلضاَف ِة إلى خاتمتها
غرضا ر ًً
بقية البحور.
األمر في ّ
وكذا ُ قبل إنها ال تناسبهَ ،
قيل من ُ
اض متعددة َ التعبير عن أغر ٍ
ٍ
عند النّقاد العرب – كما يرى جابر عصفور - بين الوزن والغرض َ
ولعل منشأَ اعتقاد عًلقة ما َ َّ
غرض بوزٍن في أشعارهم2؛
ٍ كل ِ مر ٌّتد إلى تأثّرهم
خصوا ّ كونهم – اليونانيين – ّاليونانية؛ َ
ّ بالفلسفة
هو ن ُّ
أن الوزَ البطولي َالشعر" فقال" :والتّجربة تدلنا على ّ
"فن ّ
فقد ذكر أرسطو ذلك في كتابه ّ
لبدت
عدة أوزان َ
استخدم في المحاكاة القصصية وزًنا آخر أو ّ
َ أن ام أًر
أنسب األوزان للمًلحم ،ولو ّ
أما الوزن األيامبي والوزن الرباعي الجاري ألن الوزن البطولي هو ْ ن
األرز واألوسع ّ ... نافرة ّ
(التروكي) فمليئان بالحركة :فأحدهما أنسب للرقص ،واآلخر أنسب للفعل".3
يخصو َن ُك َّل
ّ ويقول ابن سينا" :اليونان كانت لهم أغراض محددة يقولو َن فيها ّ
الشعر ،وكانوا
أما ابن رشد فقد عّق َب على 4
غرض بوزن على حدة ،وكانوا ُيسمو َن َّ ٍن
ٍ
كل وز باسم على حدة" ّ ، ّ
1
أنيس،إبراهيم،موسيقى الشعر،ص.177
2
عصفور،جابر،مفهوم الشعر :دراسات في التراث النقدي،ط،5الهيئةالمصريةالعامةللكتاب،القاهرة1995،م،ص.327
3
أرسطو،فن الشعر،ص .203
4
ابنسينا(427هـ)،فن الشعر من كتاب الشفاء.ص .156
31
مما يعسر وجودها في أشعار العرب ،أو تكون غير
قول أرسطو السابق بقوله" :وأمثل ُة هذه ّ
موجودة فيها ،إذ أعاريضهم قليلة القدرة".1
شعرا،
تعمل ً
َ أن
أردت ْ
َ موردا قوَله" :واذا
ً فق أبو هًلل العسكر ّي (395هـ) َ
مع هذا الرأي ويتّ ُ
أخطرها على قلبك ،واطلب لها وزنا يتأتى ِ
فيه فكرك ،و ِ فأحضر المعاني التي تر ُيد نظمها في ِ
َ ً ّ ْ َ
أن اشتراك الشعراء في الموضوع ال يعني بالضرو ِرة ِ
مًلحظة َّ مع 4 ِ
إيرادها ،وقافي ًة تحتَمُلها" َ ،
الخنساء بها
ُ اكهم في العاطفة حسبما يرى إبراهيم أنيس؛ فالحال النفسية التي كانت ترثي اشتر َ
أن اختًلف الشعور يختلف شك مغايرة عن ِ
حال أصحاب المراثي من القدماء؛ ما يعني ّ أخاها ال َّ
تناول.5
الم َآخر في الموضوع ُ امل أخرى وا ْن و َ
افق َ باختًلف قائل القصيدة ويتأثر بعو َ
1
ابنرشد،تلخيص كتاب أرسطوطاليس في الشعر ومعه جوامع الشّعر للفارابي،ص .192
2
عمران،عبدنورداود،البنية اإليقاعية في شعر الجواهري ( رسالة دكتوراة )،جامعةالكوفة2008،م،ص .26
3
ابنطباطبا،محمد أحمد العلوي ( 322هـ ) عيار الشّعر،ت:عبّاسعبدالساتر،ط،2دارالكتبالعلمية،بيروت2005،م،
ص .11
4
أبوهالل،الحسنبنعبدهللاالعسكري(395هـ)،كتاب الصّناعتين :الكتابة والشعر،تحقيق:عليالبجاوي،محمدإبراهيم،ط،1
دارإحياءالكتبالعربية،القاهرة1952،م،ص .139
5
أنيس،إبراهيم،موسيقى الشعر،ص .177
32
مادة
يستمد إيقاعه من ّ
ّ أن الشعر هنا
النحوية والداللية؛ ما يشير إلى ّ
ّ تنفصل عن العًلقات
الصياغة ذاتها – اللغة -التي ال ينفصل فيها مبنى عن معنى.1
تبعا
داخل القصيدة ً
َ خصائص للوزن تسبقهّ ،إنما يكتسبها
َ وبناء على الرأي السابق ،فإنه ال
شكلها؛ ما ي ِ
مك ُن القول إن النظام اإليقاعي للقصيدة يتمايز عن الوزن؛ "فالوزن للعًلقات التي تُ ّ
ُ
المجرد لكل بحر محض تصور ذهني شبيه بمفهوم الجوهر عند الفًلسفة ،ال نواجهه في
عرضا أو أكثر من أعراضه فحسب ...إنه شيء غير موجود بالفعل ،وان
ً القصيدة ،بل نواجه
موجودا بالقوة في أذهان من يتمسكون بفكرة النموذج الثابت للوزن ،قد نقول إن هذه القصيدة
ً كان
َ
أو تلك من بحر الطويل أو من بحر البسيط أو غيرهما ،لكننا نضطر إلى افتراض مجموعة من
الزحافات والعلل كي نجبر القصائد على أن تحشر في قالب البحر".2
أما الباحث محمد صالح الضالع في كتابه "األسلوبية الصوتية" فيطرح فكرة ذات صلة بما طرحه
ّ
مجردة موجودة في ذهن الشاعر ،أو
وبحوره أشياء ّ
َ جابر عصفور ،فيقول" :إن الوزن العروضي
مستندا في ذلك إلى نتائج أبحاث تجاربه على بعض األبيات من الشعر
ً في موهبة المتذوق"،3
صوتيا ،فلم تكشف له عن حقيقة اإليقاع العروضي ،فاختار على إثر ذلك اسم
ً الهولندي وتحليلها
"خرافة العروض "عنو ًانا لبحثه.4
1
عصفور،جابر،مفهوم الشعر :دراسات في التراث النقدي،ص.334–333
2
المصدرالسابق،ص .334
3
الضالع،محمدصالح،األسلوبية الصوتية،د/ط،دارغريبللطباعةوالنشروالتوزيع،القاهرة2002،م،ص .187
4
المصدرالسابقنفسه .
5
أبوحمادة،عاطف،البنية اإليقاعية في جدارية محمود درويش،مجلةجامعةالقدسالمفتوحةللدراساتواألبحاث،ع،25
2011م،ص .60
33
اإليقاع هو الذي يقودني إلى الكتابة ،واذا لم يكن هناك من إيقاع ،ومهما كانت عندي أفكار أو
حدوس أو صور ،فهي ما لم تتحول ذبذبات موسيقية ال أستطيع أن أكتبّ .إنني أبدأ من اللحظة
الموسيقية إ ًذا".1
ِ
حيًلن إلى ذاك ّأنهما تُ ِ ومما يشير إلى كون
النبر" َ ،
اإليقاع ُمنتج معنى ظاه َرتا "التنغيم" و " ّ
ِ
ّ
ٍ
انفعاالت استفهامية أو بين حيرة أو غضب أو ٍ
متنوع ًة ما َ
معان داّلة على أحوال القائل وهيئاته ّ
وكان أشار ابن سينا إلى ذلك بقوله" :ومن أحوال النغم :النبرات ،وهي هيئات في
َ استنكارية،
النغم مدية ،غير حرفيةُ ،يبتدأ بها تارة ،وتخلل الكًلم تارة ،وتعقب النهاية تارة ،وربما تكثر في
الكًلم ،وربما تقل .ويكون فيها إشارات نحو األغراض ...وربما أعطيت هذه النبرات بالحدة
1
وازن،عبده،دفاتر محمود درويش،لقاءصحفي،جريدةالحياة2008/8/10،م،منشورعلىاإلنترنت.
2
الورتاني،خميس،اإليقاع في الشعر العربي الحديث :خليل حاوي نموذ ًجا،ص.28
يقصدبالتنغيم"رفعالصوتوخفضهفيأثناءالكالم،للداللةعلىالمعانيالمختلفةللجملةالواحدة"/عبدالتواب،رمضان،
المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي،ط،3مكتبةالخانجي،القاهرة1997،م،ص.106
بر"قوةالتل ّفظالنسبيةالتيتُعطىللصائتفيكلمقطعمنمقاطعالكلمة،فالمقطعقويالنبريأخذطاقةكالميةأكثرمن
ّ يقصدبال ّن
المقطعضعيفالنبر،ويكونالصوتأشدوأعلىوأطول"/الخولي،محمدعلي،مدخل إلى علم اللغة،د/ط،دارالفالحللنشر
والتوزيع،األردن1993،م،ص.46
34
والثقل هيئات تصير بها دالة على أحوال أخرى من أحوال القائل أنه متحير أو غضبان ،أو
تصير به مستدرجة للمقول معه بتهديد أو تضرع أو غير ذلك .وربما صارت المعاني مختلفة
استفهاما ،واالستفهام تعجبا ،وغير ذلك .وقد تورد
ً باختًلفها ،مثل أن النبرة قد تجعل الخبر
للداللة على األوزان والمعادلة؛ وعلى أن هذا الشرط ،وهذا جزاء .1"...
يحيل إلى داللة عر المعاصر فإن اإليقاع الكتابي الذي يتّكئ على ِ
وفي ازوية أخرىَّ ،
ُ الش ُ
بعضه ّ
نصه عناي ًة بصرّية الستنباط ما ق ِ
معينة بحسب ما ُيفضيه الشاعر على الور ،إذ تُولى قراءة ّ
إنشاد الشعر
َ كونهم أوَلوا
يؤديه اإليقاع الكتابي فيه ،وهو إيقاع ُمستحدث لم يرافق الشعراء القدماء َ
مرتب ًة سابقة على كتابته.
1
ابنسينا،أبوعليالحسينبنعبدهللا(428هـ)،الشفاء،تحقيق:أحمدفؤاداألهواني،د/ط،المطبعةاألميرية،القاهرة1958،
م،ص .198
هالل،محمدغنيمي،النّقد األدبي الحديث،ص .446
2
35
يجربه القدماء ٍ ِ أما محمد صابر فيرى أن إيقاع
الفراغ ،ولم ّ
ط مع َاع الخ ّمتأت من صر ِ
ّ الصفحة
تقيدوا بحدود المكان – الوزن -عند كتابتهم النص ذهنيًّا فمارسوها في إطار مقفل ،على
كونهم ّ
َ
اطمأن إليها
ّ عكس الشاعر المعاصر الذي يحاول زعزعة البنية المكانية الشعرّية الموروثة التي
المتلقي ،فيدفعه نحو الشك واالضطراب ليلفته إلى البحث عن الداللة الناشئة من ذلك.1
إيقاعا ِ
بحسب تأديته لها ،فًل ّبد ّأنها تُنشئ يرصعها الشاعر
ً ألن لتلك التفضية المكانية دالالت ّ
و ّ
ِ
تفضية الشاعر اآلخر وكّلها تشير بدورها إلى دالالت مختلفة تحيل إيقاع
ِ مختلفا عن
ً عنده
عند كليهما.
بالضرورة إلى أحوال شعورّية مختلفة َ
يوحدو َن ما بين اإليقاع والمعنى دو َن تغليب ّأول على آخر "ت .س .إليوت"،
الذين ّ
َ ومن النّقاد
أمكن أن نجد بين ًّ
مستقًل عن معناه ،وا ّال شيئا
مبينا عن ذلك بقوله" :وموسيقى الشعر ليست ً ً
َ
اآلثار المنظومة الرائع من الشعر الموسيقي الذي ال معنى له ،وأعترف ّأنني لم أقع على مثل هذا
أحيانا ،فما هو في الواقع ّإال اختًلف في
ً أما ما نجده من األنماط الشاذة
الشعرّ .
من ّاللون َ
حركنا موسيقاها ّأوًال ،ويصلنا معناها بطريقة
فثمة قصائد تُ ّ
الدرجة بين النغم والشعر ومعناهّ ،
تلقائية ،وهناك قصائد أخرى ُيثيرنا معناها ّأوًال ،وتصلنا موسيقاها بطريقة ال شعورّية".2
أن ظاهرة ُّ ِ
تلون األغراض الشعرية على بحر واحد فيما سبق تناوله تُعزى إلى ظو َ
اهر ويبدو َّ
إيقاعية حّققها اإلنشاد فيما مضى بتجسيده ِ
الحّدة والهبوط والتنغيم والنبر على نحو تام ،بحيث ُ
يوج ُه القارئ والمستمع
نحو ماّ ، معينة ُم ِّ
تلبسة بالغرض؛ فاإلنشاد على ٍ تُشير إلى حالة شعورّية ّ
1
عبيد،محمدصابر،القصيدة العربية الحديثة بينَ البنية الداللية والبنية اإليقاعية،د/ط،منشوراتاتحادالكتابالعرب،دمشق،
2001م،ص .52–51
2
خوري،منح،الشعر بين نقاد ثالثة :ت .س .إليوت ،أرشيبالد ماكليش ،أي .أي .ريتشاردز،ط،1دارالثقافة،بيروت،
1966م،ص .24
36
وجههما –القارئ والمستمع– إلى
معينة ،وكذا الداللة النابعة من البنية الفكرّية قد تُ ّ
إلى داللة ّ
كل تلك الظواهر.
معين ،باستحقاقه َّ
بإيقاع ّ
ٍ اإلنشا ِد
ورصد لبنية ِ
الفكر والموضوِع ٍ بحر بوزن دو َن غيره؛ فقد نبعت من استقرٍاء
أما ظاهرة اختصاص ٍ وّ
ِ
فصار الوزُن من ْ
بعُد ُيشير َ حده بالغرض باعتماد نسبة الشيوع والتكرار؛
ثم ّ ّأوًال وادراك وزِنه ً
تالياّ ،
قبل يشير إليه؛ وهو ما يعني جدلية التعاقب ما بين بعد أن كان الغرض من ُ إلى الغرضَ ،
صار ساِبًقا.
تاليا َ
كان ً كان ساِبًقا َغدا ً
تاليا ،وما َ اإليقاع والداللة؛ فما َ
ِ
تفكيك بناه فقطّ ،إنما يجب على وليس إدراك داللة النص وانجاز قراءة فاعلة له بمقتَ ِ
ص ٍر على ّ ُ َ
ملما بالظروف المتعلقة بالنص – اللغوية وغير اللغوية ،-وأن ساعي اإلدراك ذاك أن يكون ًّ
النص بكمون ما فيه. يجتهد بتعقب إشاراته لي ِ
نط َق َّ ُ
بعا ِ
عما يجول في نفسه ت ً
بإيقاع ّ
ٍ واذ يصدر الشعر عن مؤلفه المبدع؛ فإنه يقصد به التعبير
فإن قصيدته تنتظم على نغمة
للتجربة التي يمر بها .ومن وجهة نظر الباحثة نبيلة بلعبديّ ،
خاصة متوائمة ومشاعره؛ بحيث تستميل آذان السامعين نحوها ،وهذا يعني أن على الشاعر
ِ
متناسًبا والموضوع الذي يتحدث عنه؛ آخ ًذا باالعتبار أن ليجسد كل ذلك،
انتقاء اإليقاع المناسب ّ
مجرد زينة مضافة إلى النص الشعري ،وانما ينصهر مع عناصره األخرى لتكثيفاإليقاع ليس ّ
َ
الداللة مجتمعة.2
1
عصفور،جابر،مفهوم الشعر :دراسات في التراث النقدي،ص .232
2
بلعبدي،نبيلة ،البنية اإليقاعية الداخلية في قصيدتي " كيف أعملي وحيلتي " و " وحدة الغزال " ألبي مدين بن سهلة،مجلة
الحكمةللدراساتاألدبيةواللغوية–مؤسسةكنوز،الجزائر2015،م،ع،32ص.156
37
حاضر في شعره ،كما تمثلت سهولة أبي العتاهية في أشعاره ،وكل ذلك يأتي متوافًقا مع
ًا
معيًنا ،وقافي ًة مناسبة،1
طرحا لمواضيعهم مستدعي ًة وزًنا ّ
ً الموسيقى النفسية التي يختارونها
مثًل من ِ
شعر جرير في قوله: ويضرب لذلك ً
ص ِل أقرانا ِ ِ ولو ِ
الو ْ
طعوا من حبال َ
عت ما بانا ...وَق ّ
طوو ُ ط ْالخلي ُ
بان َ
" َ
2
ف َخْل ِق هللاِ إنسانا" وه َّن ْ
أض َع ُ
يصرعن ذا الّل ِب حتى ال حر ِ
اك به ُ ...
َ َ ّ ََْ َ
أن
شك ّ ِ
عناصر الخطاب ال سيما المتلقي والنص الذي يقرؤه ،فًل َّ بين
تفاعًل ما َ ثم و َّ
ً هناك ّ
َ ألن
شخص وآخر ،العتماد ذلك على ثقافته ومدى علمه ٍ بين
مختلفا ما َ
ً استجًلء داللته سيكو ُن
ٍ
تبي َنه سيختلف
أن ّ النص الشعري فًل َّ
شك ّ كان اإليقاع ذا صلة ب ّ
ولما َ
طًلعهّ ، بالمضمون َ
وسع َة ا ّ
تبعا لتلك العوامل. ٍ
من فرد إلى آخر ً
1
الشايب،أحمد،األسلوب :دراسة بالغ ّية تحليليّة ألصول األساليب األدبيّة،ط،8مكتبةالنهضةالمصريّة،مصر1991،م،
ص .72
2
الصاوي،محمدإسماعيل،شرح ديوان جرير،ط،1مطبعةالصاوي1353،هـ،ص.596–593
3
الشايب،أحمد،األسلوب :دراسة بالغ ّية تحليليّة ألصول األساليب األدبيّة،ص.72
38
الوجداني اإليقاعي كما عند الشخص المنتمي؛ "فاإليقاع الشعري يتبع خصائص اللغة التي ُيقال
فيها الشعر".1
صار جزًءا ِ وعلى ذلك ،لم يكن صاحب الذوق والطبع اللغوي
بمحتاج إلى دراسة اإليقاع إذا ما َ
ٍ
غن بطبعه عن معر ِ
فة األوزان، مستَ ٍ ِ
من فطرته بخًلف المفتقر لذلك ،يقول ابن رشيق" :والمطبوعُ ْ
طبع محتاج إلى معرفةالضعيف ال ّ ِ
وأسمائها وعللها؛ لنبو ذوقه عن المزاحف منها والمستكره ،و ّ
شيء من ذلك يعينه على ما يحاوله من هذا الشأن" .2هذا يعني أنه تقع على عاتق المتلقي
وذوقيا وفنيًّا
ًّ تعمًقا ثقافيًّا
مسؤولية استشفاف ما يكتنزه النص من داللة ،وتتضمن مسؤوليته تلك ُّ
ولسانيًّا وايقاعيًّا.
1
فخرالدّين،جودة،شكل القصيدة العربية في النقد العربي حت ّى القرن الثامن هجري،ص.147
2
ابنرشيق،أبوعلي،القيرواني(456هـ)،العمدة في محاسن الشعر ،وآدابه ،ونقده،تحقيق:محمدمحييالدينعبدالحمبد،ط
،5دارالجيلللنشروالتوزيعوالطباعة،سوريا1981،م،ج،1ص.134
39
.2اإليقاع الخارجي في شعر خليل مطران.
البحور الشعرية في ديوان خليل مطران. 2.1
تجّليات القافية ودالالتها في ديوان خليل مطران. 2.2
الروي في أشعار خليل مطران ودالالته. 2.3
40
.2اإليقاع الخارجي في شعر خليل مطران.
كان مطران قد دعا إلى ضرورة تجاوز الموروث اللغوي والشعري دونما انقطاع عنه ِبما
واذا َ
ِ
تنظيرهُ
ُ افق
بيان ما و َ
الفصل ُ يخدم متطلبات العصر اآلني كما صرح بداي َة ديوانه ،ففي هذا
بعض ما
قديما أم أنه ابتعث َ
تطبيَقه من ناحية إيقاعية؛ فهل ارتكز نظمه على البحور الشائعة ً
متقدمة ،وهل حافظ البحر عنده على هيئته المعهودة ،أم اقتضى
مهم ًشا فأواله مكان ًة ّ
كان َّ
أبحر بذاتها
ًا بعض النّق ِاد في اختصاصه
َ افق
وكيفا؟ وهل و َ
ً كما
استعماله بعض التجاوزات ًّ
كل ذلك؛ فما
كان ُّ
فإن َ
بعض حين؟ ْ معينة دو َن غيرها؛ فارتأى المبنى سابًقا للمعنى َ
ألغراض ّ
الم يطمح الشاعر فيما عمد إليه؟
الدالالت المنبعثة منه ،وا َ
بينا
فإن هذا الفصل في مجمله يستند على الدراسة اإلحصائيةُ ،م ً
لإلجابة عن كل هذه األسئلةّ ،
عدد األبحر التي نظم عليها الشاعر في ديوانه ،وكذا أبيات كل قصيدة ،ومن ثم إحصاء للقوافي
الروي)َ ،
أجل تيسير استيضاح داللة النتائج المرومة ،وتفصيلها لمقاربة رؤية مطران ّ المستعملة (
اإليقاعية.
ّ
أوثر استعمال كلمة "منظومة" هنا في اإلحصاء إشارة ً إلى ك ّل مقطوعة نظمها الشاعر بصرف النظر عن طولها ،إذ ّ
إن له َ
ت طويلة ّ
نقدأشيرإليهافيالفهرست،كماأن هناكمقطوعا ٍ مقطوعاتقصيرةبأعدا ٍد كبيرةاليمكنتجاهلهافيالدّيوان،ولَميَ ُك
كانَت ُجعلتمقدّمةلقصائدكانيهديهاإلىصحبهوبينهما– القصيدتين– بونفيالبحروالغرض،وقدسجّلتافيالفهرستقصيدة
المنظوماتالطويلةقدتردبمصطلح"القصيدة"في
ِ ّ
مالحظةأن القصيدةالرئيسةغيرأبياتاإلهداءالتيتسبقها.م َع
ُ واحدة،رغم ّ
أن َ
ثناياالدراسة.
41
ِ
بيتان فصاعًدا ،والى ذلك ذهب أكثر أهل صناعة العر ّبية من أهل اإلسًلم" ،1وتلك المنظومات
فق ما يبين الجدول اآلتي:
موزعة على بحور مختلفة َو َ
ّ
ثًلثية
بعض منظومات الشاعر التي جاءت على هيئة مثلثّات ،تتحد كل أشطر ّ
أن َمع مًلحظة ّ
أدق،
ألزم تعيين البحر الذي نظمت عليه على نحو ّ
أشطرها أبياتًا؛ ما َ
ُ فيها بقافية واحدةُ ،عّدت
ضرب من الحلوى: ِ
نحو قوله في وصف " الفالوذج " ،وهو َ
الهًلل
ْ قد
مقدودة في الكوب ّ
َ قال ...
البرتُ ْ
فالوذج ُ
ِ من
اء ْ
صفر ُ
َ
1
الباقالني،أبوبكرمحمدبنالطيّب،إعجاز القرآن،تحقيقالسيدأحمدالصقر،ط،4دارالمعارف،القاهرة1977،م،ص.54
42
دالل ِ ِ
عن ْ ترتَ ُّج في موضعها ْ
1
كل ٍ
بحر ُنظم ِ ٍ و َّ
قصر وطول ،فقد أحصت الباحثة عدد أبيات ّ ألن منظومات الشاعر تتراوح بين
لتصدر البحرّ ،إنما مجموع أبيات منظوماته كلها هو ما ٍ
بكاف عدد المنظومات
ّ فليس ُ
عليهَ ،
يحيل إلى ذلك كما يوضح الجدول اآلتي:
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،1ص .253
انظرالمنظوماتاآلتية:ص،30ص،88ص،202ص242منالجزءالثانيمنالديوان .
43
النسبة عدد األبيات اسم البحر النسبة المئوية عدد اسم البحر
المئوية األبيات
ٍ
منظومات على هيئة مثلثات ومربعات ومخمسات ،لم تتفق ثم
أن َّ ِ
بعين االعتبار َّ ِ
األخذ مع
َ
تشكلها ال
طر في ّالش َ
موحدة ،غير داخلة في هذا اإلحصاء ،العتمادها ّ
أشطرها على قافية ّ
منفردة على أساس أشطرها ال البيت ،نحو:
ً فأوثر إحصاؤها
البيتَ ،
44
النسبة المئوية عدد األشطر البحر
الخفيف حتى غدا سابًقا للطويل وقد كان تاليا له ،فأتى في المر ِ
تبة ً ِ ّ تقدم ِ
األمر ّ والًلفت في هذا
استأنس خليل مطران للبحر الخفيف في
َ قضية ا ِ
لبحر وغرضه ،فقد ودا إلى ّ وع ً
بعد الكاملَ .
الثانية َ
يخرج في تناوله عن
معظم مرثياته الواردة في الديوان إلى جانب البحر الكامل الذي ْلم ُ
اختص مطران الخفيف لغرض
َّ كونه يصلح لكثير من األغراض .فهل
قديما َ
استعماالت العرب ً
هو دو َن غيره؟.
فلم َ
الرثاء ،وا ْن كان ذلك كذلك؛ َ
1
أنيس،إبراهيم،موسيقى الشعر،ص.192–191
45
أن أغراض الشجو واالكتئاب تليق بها األعاريض الرقيقة ،وال يخلو كًلم
ورد في "منهاج البلغاء" ّ
َ
أج َل أن تُحاكي الحال الشاجية
فتصف ُح هذه األعاريض عن الفخامة والقوة َ
َ رقيق من ضعف ولين،
ٍ
بما يناسبها من تأليف ووزنَ ،
فكانت األعاريض المًلئمة لهذا الغرض المديد والرمل.1
أن الخفيف يجنح بنغمه نحو الفخامة إذا ما قيس بالسريع والمنسرح،
أورَد المجذوب في "المرشد" ّ
و َ
سر فخامته نسب ًة للبحور األولى فمر ّتد إلى وضوح وهو دو َن الطويل والبسيط في ذلك ،و ّ
أما ّ
نغماته وتفعيًلته ،و ّأنه شبيه بالمديد ( فعًلتن /فاعلن /فعًلتن ) والمديد شبيه به؛ ففيهما
الرمل،
من المتقارب و ّ
الخفيف في بنيته العميقة مزيج َ
َ أن
صًلبة غير موجودة في المنسرح ،كما ّ
نحو:2
معتدال ذا جلجلة
ً وهذا يضفي إليه منخوليا الرمل وتدفق المتقارب وتًلحق تفعيًلته ،فيكون قويًّا
بادية.3
ولما كانت موسيقا الرمل خفيفة رشيقة متأصلة فيها "المنخوليا" ،كما يقول المجذوب ،فقد جعلته ّ
بين الرمل والخفيف ما بينهما من ٍ
نسب كان ما َ
4
صالحا ًّ
جدا للترانيم الرقيقة والتأمل الحزين .ولما َ ً
أن األخير ذو أنّ ٍة
فإن األغراض التي صلح فيها الرمل يصلح أن يؤديها الخفيفّ ،إال ّ
وتقاربّ ،
حقا عم َد خليل مطران إلى اعتماد هذا أن السؤال الذي يطرح نفسه ،هل ًّ
األولّ .إال ّ
َ أخف من ّ
فلم شهدت مراثي كان كذلك َمدركا لها؟ وا ْن َ
ً كان
البحر العتبار كل تلك الخصائص له؟ وهل َ
ثم لماذا لم ق
قصائد ذات ّأنات أفخم وأر ّ على غير الخفيف كما الكامل الذي استعمله؟ ّ
َ العرب
ائما أكثر لمراثيه؟.
نظم عليه؛ ما يجعله مو ً يتخير "الرمل" كو َن صوت األنين فيه أقوى ّ
مما َ ّ
1
القرطاجني،حازم،منهاج البلغاء،ص.183
2
الطيب،عبدهللا،المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها،ط،2مطبعةحكومةالكويت،الكويت1989،م،ج،1ص .238
صد"بالمنخوليا"الجنون،إنّما"ضربٌ عاطفيحزينفيغيرماكآبةومنغيرماوجعوالفجيعة،وقداستعملاإلنجليزاليق َ
مصطلحال()Melacholyفيبَدءالعصورالحديثة،وكانت(المنخوليا)مودّةعاطفيّةبينَ األدباءعلىعهدشكسبير"/المرجع
السابق،ص .156
3
المصدرالسابق،ص .238
4
المصدرالسابق،ص.158
46
ان خليل مط ارن يجده قد أولى نسب ًة كبيرة من منظوماته
المتأمل ديو َ
ّ إن
من وجهة نظر الباحثة ف ّ
لغرض المناسبات كما التهنئة بمولود أو بالزفاف أو بتولية أشخاص مناصب ذات مكانة وكذا
األم التي احتضنت الشاعر من بعد عودته من فرنسا
مصر كانت ّ َ التعازي المتمثلة بمرثياته ،و ّ
ألن
فإن هذه الظروف
بعد مًلحقة العثمانيين لهّ ،
فاستقر فيها كرها ال رغب ًة منه َ
َّ اطنا منها
وآل إليها مو ً
َ
طبع المجامل ،ما جعله يبدد طاقاته في نظم قصائد المناسبات
التقية ،وال ّ
نوعا من ّ
فرضت عليه " ً
متصنعة قليلة القمح كثيرة
ّ التي لم تستطع أن تمحو من نفسه شعور الغربة ،بل جاءت متكّلفة
الزوان".1
جاهز
ًا قالبا ٍ
مسبق ،وجعله ً
عن قصد َ تفترض تخي َُّر مطران البحر الخفيف ْ
ُ فإن الباحثة
ومن هنا ّ
كان الخفيف ذا ّأن ٍة
ولما َ
آن مفاجئّ . أي ٍ الشعر إذا ما أ ِ
ُلزَم قوله في ِّ
لهذه المناسبة فًل يرتج ِ
عليه ِّ َ
بعضها متكلفة، ِ
العاطفة التي بدت في ِ ِ
التعبير عن األنسب لمقا ِم كان
َ خفيفة مقارن ًة بغيره ،فقد َ
الناس ،وليسهل عليهم حفظ ما
لمسمع ّ
ِ طرب ونغم ظاهران فقد كان المًلئمكان في الخفيف َ ولما َ
ّ
ثقيل المسمع،
كان َأسهل مما لو َ
َ ظ
عر ذا اإليقاع الغنائي ُيحف ُ
الش َ
أن ّذاك ّ
ثيَ ، بثّه تجاه هذا المر
ّ
رد جميله لهم.
فيتناقل الناس ّ
1
عشقوني،منير،خليل مطران :شاعر القطرين،ص.17
47
1
حج ْل
الم ّ ُّ أيُّها ِ
األغ ُّر ُ
هر َك َ
الفار ُس الشجاعُ تَ َرَّج ْل َ ...ق ْد َكبا ُم ُ
3
أمثل
ومجدهُ بك ْ
ُ العمر حثًّا ...فتًَلشى
َ حت تُرِه ُق
هكذا ُر َ
1
تح ّو ْل َلم يِب ْت في الثّرى فتى الخ ِ
هوة َف َ
ص ً ُفق َ
لكن ...آثَ َر األ َ
يل ْ ْ َ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،2ص .146
2
المصدرالسابقنفسه .
3
المصدرالسابقنفسه .
48
أدهم حقيقيًّا، يات في الثرى ْقد منه إلى َّ ٍ
صار ََ الب َ
ض َ
أن " األدهم " الفارس الذي رَف َ إشارة ُ
في َ
ِ
الفرس وهي أعلى ركابه ،في تجسيد لإلباء والشموخ لتتجس َد روحه في صهوة ِ
األساف َل فض
َّ ير ُ
كان عليه هذا الفارس.
الذي َ
ِ
قر بتسكينها تنهِدهَ ،
فك ّأنما ُي ُ الشاعر وبكائه أو ّ المسكنة امتداد يوحي ِ
بأنين ّ ّ القافية ليس في
كما ّأنه َ
أن استعًلء طرف ِ
صفات الممدو ِح ويحسمها وهو أمر يتوافق مع الفضاء الكلي للقصيدة ،كما ّ
اك الفضاء الخاشع الممزوج السكو ُن ،يو ُ
افق ذ َ امتد ّ
المسكن وثباته ما ّ
ّ ِ
نطق الًل ِم حال
اللسان َ
بالر ِ
فعة والعلو.
األنين جليًّا
ُ أما في رثائه أم صديقه الحميم والعالم االقتصادي الدكتور يوسف نحاس بك ،فقد بدا
ّ
مطلع قصيدته – َ أكثر وبدا فيها أقرب إلى البكاء من المدح رغم توافر العنصرين فيها ،يقول
وعدتها خمسة وعشرون بيتًا :-
ّ
2
أبين أي حسرٍة أن تَبيني ...وأَراني في موِق ِ
ف التّ ِ
َ َ َح ْس َرة ُّ َ ْ َ ْ
النفسية التي يعيرها َّأم صديقه، عن المشاعر الكلمة األولى له في القصيدة ي ِ
فص ُح ِ فالشاعر منذ
ّ ْ ُ
الحسرَة طا ِ
تبيان شعوره ،راب ً لحاح منه في
وا ٍ ف على غياِبها م ِبديا حزنه في مشهِد تَكرِار األس ِ
َ َ َ ُ ً
ذاك َّ ِ ٍ
حيل إلى
أن استفهامه ُي ُ "أي حسرة" في دالَلة منه على تضخيم األلمَ ، باستفها ٍم استنكاري ّ
تأبينها
حضوره َ
َ ويكاد ينكره ،إال أن
ُ يتعج ُب من إق اررِه بغياِبها
وكأنما ّ
كبيرّ ،
حدا ًا تعظيم تلك الحس ِرة ًّ
غيبها ،ثم يكمل:
يلمس الواقع الذي ّ
يجعله ُ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،2ص .146
2
المصدرالسابق ،ج،3ص .192
3
المصدرالسابقنفسه .
49
تنهيد ٍة موجعة
َ
ِ
مجس َدهُ في
عنده ّ
عور َ
الش ُ
يتضخ ُم ّ
ّ الفقدان،
الشاعر مشاعر ألمه على ُ ف ّ بعد وص ِ
ََْ ْ
انع َك َس على ناقًل حسه إلى المسامع باسم الفعل ِ
"آه" ،غير مستَ ِ ٍ
الموقف ،بل ّإنه َ
هول َ
شرف فَقط َ َ ُْ ً ّ
ال
أن هذه "اآله" امتَّدت طو َظ ِة َّ
مًلح َ
َ باتها التي أحالته إلى هذا الحدثَ .م َع ِ
الحياة وتقّل ِ رؤيِته في
َ
أن ُي ِّبد َد بش ٍ ِ ِ الشعري،
طر ،فلم يشأ ْ شطر َ
ًا وصَلت
فطال َنفسه باستعماله تقنية التّدوير التي َ
َ بيته ّ
وقوف فيها وال راحة.
َ أشطره جمل ًة شعرّي ًة واحدة ال
ُ فبد ْت
حاالَ ،
عور ً
الش َ
ّ
ِ
لحضورها وا ْن َبدت وتأكيدا تحب ًبا واستئناسا ِ
بذكرها الفقيدة ُّ ناديا ِ
ً ً َ بعدهُ ،م ًاألمر في البيت َ ُ وكذا
َ
أي
فغدت رهين َة قبر ،و ُّ
كانت مالك َة قصرَ ،أن َ
بعد ْ
جبا مآَلها َ
ال يبكيها ُمستَ ْع ً
غائبةّ ،إال ّأنه ما ز َ
من َب ْعُد وَق ْد َّ
عز بين ما كانت عليه وما صار ْت إليه .ثم يبكي ًّ ِ ح ٍ
حقا ْ ّ َ المفارَق َة َ
َ جسُد
بسة هذه التي تُ ّ
ُ َ
الشعر
ماعها إنشاده ّ عاتبا عدم س ِِ ليخاطبها في ْ ٍ
ِ ِ ِ
أمامه ُم ً َ َ َ وكأنها َ
مش َهد ّ َ حضورها، عد ِم
أمر َ
عليه ُ
فحش َد
صديقهَ ، ِ ِ
غياب ّأم فكرَة
الشاعر ال يقبل َ
َ أن
تفعل ،وتطرب إذ تفعل .ويبدو ّ قبل َوكانت من ُ
َ
عين
تجيبين /تَ ْس َم َ
َ طب (
أفعال المخا َ
َ تبدد فكرَة الغياب ،فنداؤها من قبل ،واستعماله
تقنيات متعددة ّ
ط َبها.
ط ْيَفها وخا َ
حضر َ
استَ َ
فكأنما ْ بقربِها ْ
منهّ ، /تَ ْس َمعيني ) َيشي ْ
ذلك القافية التي ارتآها مًلئم ًة لرثائه، ِ يجده يبكي ًّاعر ِ الش ِ ِ والم ْن ِ
عن َ حقا ،تُفص ُح ْ ألبيات ّ ص ُت ُ
ٍ
وش َجن ،فإذا ما أُشبعت مكسورة ،وفي النو ِن ما فيها من ُغّنة َ
َ ونا
اختار رويَّها ن ً
فاختارها ُمطلقة و َ
َ
ِ
الروي
ّ قبل هذاإن ما َ بل ّ
ذاك فَقطْ ،
وليس َال أبيات القصيدةَ ، شجوا يمتَُّد طو َ
تزداد ً
ُ بك ْس ٍر ّ
فإنها َ
حيب الذي بدا منه ،ويمكن الن ِ ِ
وطول ّ األن ِة ِ
من ازدياد ّ مد ،ما يعض ُد ْ
ِ
طع طويل ممثّل بحرف ّ مق َ
هين /تَبيني /تَسمعيني ) ومدى تباي ِن ِ
أنينها َم َع التأبين /العيو ِن َ /ر ِ
ِ تلمس ذلك من الكلمات (
ُ َ َْ ّ
أقل حجل /مع َّجل /تحمل /تسَّفل /يتهَّلل ) التي تشي ٍ ِ
بغنة ّ ّ َ َ َ ْ ََ َ ْ بًل ( ُم َّ ْ ُ َ ْ َ ّ القصيدة َق ً الكلمات في
ِ ِ ٍ
يشير إلى ّأنه في األولى َبدا ماد ًحا وفي األخرى ً
باكيا. أقصر ،ما ُ
وطول َنَفس َ
وقوله:
1
مطرانخليل،ديوان الخليل،ج،3ص.192
50
1
ِ
البنين؟! بين
المثال َ
َ أم َب ّر ْت َكِب ِّرِك ٍ
بابن َ ...ج َعَل ْت ُه أي ٍّ
ُّ
أمهات، ٍ
زوجات َّ
كن أو ّ
ِ
بالنساء األخريات نفس ِه تَعريض ِ
الوقت ِ االستفها ِم تعظيم ِ
لشأنها ،وفي ِ ففي
وبرها. ِ
المرحومة ِّ بشيء أمام وف ِ
اء ٍ ذاك اجهن ٍّ أنه َّن مهما بَلغن من ٍ
وفاء ألزو َّ
َ فليس َائهنَ ،
وبر بأبن ّ َ ُّ
الخلد في قرٍار ِ
مكين ِ ِ
من هللا وْلتَ ْغ َن ْم به َ
بالرضى َ
َفْلتَُف ْز ّ
2
لك ِّل َقْل ٍب َحز ِ
ين النعي ِم عليها َ ...خ ْي ُر َسْلوى ُ
َوْل َي ُك ْن في األسى ّ
بع عشرَة منظومة بمجموِع ثًلثمئة وستة وستين بيتًا ،فقد ِ ِ
نظم عليه الشاعر أر َ
أما الًلح ُق الذي َ
ّ
النظ ِم عليه. ِ ورود ِه ِ
ِ ِ ِ
عن الخليل وقّلة ّ عد ِم
غم َالمحدث والهزج والمنسرح ،ر َ َ متقد ًما على
جعَله ّ
يأتلف شطره والًلحق كما ورد في "منهاج البلغاء" شبيه بالمخلَّع إال أنه عَّد عروضا قائما ِ
بذاته
ُ ً ّ ُ َ ً
ساعيتين ،3وتقديره:
من تفعيلتين تُ ّ
أي تفعيلته " مستفعًلتن " مع صورها " مستعًلتن /متفعًلتن "
1
مطران،خليل،ديوانالخليل،ص .193
2
المصدرالسابقنفسه .
3
القرطاجنّي،حازم،منهاج البلغاء وسراج األدباء،ص .214
51
وأما ما يفرق بينه وبين المخّل ِع فكائن في أنه – الًلحق – "يوجد ِ
فيه ِ
ساكن ال يوجد في مخّل ِع ُ ّ َ ُُ ّ
كان 1
ِ ِ َّ ِ
الًلحق وال يقبُله" ؛ ولذا َ وجُد في هذا
ويوجُد في مخل ِع البسيط ساكن ال ي َ
َ البسيط وال يقبله،
قول بعض األندلسيين: ِ وزًنا قائما بذاتهِ .
طاجني عليه َ ويورُد القر ّ ً
2
اضيهم الجفو ُن
زت حيًّا ...أمضى مو ُ
إن ُف َ
وحي َعّني ْ
ِ
ّ
الساك ُن الموجود في الًلحق من دو ِن المخّلع فيذكر محمود مرعي في كتابه "العروض ِ أما
وّ
أن تَكو َن في
الضرب؛ فمحال ْ
الزاخر" أنه "السين الساكن" في " ُم ْستَفعًلتُن" إذ تأتي في العروض و ّ
حال إتيانه في ِ
الم ُ الساكن في المخّل ِع َ
ُ أما
المخّلع ألنه يقابلها الًلم المتحركة في "فاعُل ْن" ،و ّ
ويمكن الًلحق فهو النون الساكنة في ِ
"فاعُلن" إذ يقابلها التاء المتحركة في " ُمستفعًلتُ ْن"،3
ُ
توضيح ذلك وفق ما يأتي:
--:ب-/-ب/-ب-- تقطيعه
ِ
أن يكو َن الحًقا لتكو َن تفعيًلتُهُ ( :م ْستفعًلتُن ُ /متَفعًلتُ ْن) ّإال أنه شاعَ
التقطيع بمكنته ْ
ُ وهذا
غير الممكن أن تُبقيها على صور أخرى ،فمن ِ ٍ أما وجود (مستفعًلتن مستفعًلتن) في للمخلعّ ،
المخلع ،نحو:
ِ ِ
فإن الباحث َة ترى ّ
مجرَد بين البحرينَّ ، فيصًل ما َ ً روض الع
الضرب و َ
مستفعًلتُن" في ّكانت " ْ
ْ ولما
ّ
ٍ ِ ِ ِ
أن تَكو َن على الًلحق ،وا ْن موضع واحد في قصيدة ما ُي ِلزُمها أحّقي َة ْ النحو في وجودها على هذا
إن ظهرت ِ بدت جل ِ
مشتركا ما بينها والمخّلع ،شأنها في ذلك شأن " ُمتَفاعلُن" التي ْ
ً أبياتها الباقية ُّ
كانت
مثًل ،وعلى ذلك َ
الرجز ً
عية النسبة إلى الكامل ال ّ
كان لها شر ّ
مرة واحدة في قصيدة طويلة َ
ّ
الديوان.
نسبة القصائد في ّ
1
القرطاجنّي،حازم،منهاج البلغاء وسراج األدباء،ص.230
2
المصدرالسابق،ص .214
3
مرعي،محمود،العروض الزاخر واحتماالت الدوائر،ط،1سلسلةالثقافة(2004،)40م،ص.401–400
52
غير المطروقالًلحق ِ
ِ ِ
الشاع ُر إلى نظ ِم قصائده على هل َعم َد ّإال َّ
نفس ُهْ :
يطرُح َ
ال الذي َ أن السؤ َ
ِ
أبيات قصائده الطوال منظوم ًة فلم تبدو كثير من ومدرًكا ِ
ِ كثير ِ
كان كذلكَ ، فإن َ
فمكث ًار؟ ُْ قاصًدا ًا
اليسير من الًلحق؟
ُ زر
الن ُ
على المخّلع يتخّللها ّ
العروضية،
ّ طول باعه في الثقافة
َ يؤكد
المتنوع عروضيًّا في ديوان خليل مطران ّ
ّ ظم
الن َ َّ
إن هذا ّ
روضا ًّ ِ ِ ٍ ِِ
فإنها تأتيه –القصيدةُ -كًل واحًداَ :ع ً
نظمه القصيدة في لحظة شعورّية ما ّ حال
الشاعر َ
ُ و
أحيانا -فيعيد النظر
ً مكونة ،دو َن إدراكه َ
بعض تجاوزاته فيها – ولغ ًة وصورًة َفتُخَل ُق في ذهنه ّ
كان قد تجاوزه. بعُد ِ
مدرًكا ما َ فيها من ْ
كثير منه
أن ًا غلب على شعره اإلنشاد – اإللقاء – و ّ
ّأنه قد َ المتتبع حياة مطران الشعرّية يجدو ّ
كان مع قصائده التي نظمت ٍ ِ
الصحب ،وكذا َ مع ّفي جلسات َ تجاال
محافل ،أو ار ً كان َق ْد أُلقي في
َ َ
انفعالية
ّ وليد لحظة
كان َبعضها َأن َ على المخّلع؛ ما يعني َّ ئ لقارئها ّأنها
على الًلحق وان ُهّي َ
لينشد ،وكلتا
نظم َ ِ غير َّ ٍ
مؤمل فيه على غير ما ينحوهُ الشاعر في قصائ َد طوال ،وبعضها اآلخر َ َ
ومعظم ما فيه موافق
ُ ينظم على الًلحق
ُ الحالتين كما ترتئي الباحثة هما ما جعلتا الشاعر
عندهُ اإليقاعان
فتشابه َ
َ وليس السماع بمقياس ُّ
يعتد به للتفريق بينهما، فإيقاعهما مشتركَ ،
ُ للمخّلع،
وكان أهداها إلى إحدى عقائل المجد من السيدات وكان ُّ
ظن ُه ّأنهما واحد ،يقول في قصيدة "الزهر" َ
المحسنات في باريس:
ِ
األصيل ط َو ْت رَاي َة مس بالتّواري ْ ...
وقد َ آ َذ َن ِت ّ
الش ُ
ِ1 ِ
الدراري ...تَ ْشفي ِبألالئها َ
الغليل َوأَْقَبَل ْت ز َين ُة َّ
1
خليل،مطران،ديوان الخليل،ج،1ص .33
53
- -ب - / -ب / -ب - - البيت الثاني :ب -ب - / -ب / -ب - -
مس التي
الش ُ
فغارت ّ
ْ مكانها
مس في ألالئها وحّلت َ
الش َ
السيدة التي فاَقت ّ
وفي البيتين وصف لهذه ّ
ثم يكمل:
متفوقة عليها غير ما نألفّ .
نألف وطّلت َش ْمس ّ
النجو ِم
لكنها رّب ُة ّ
ظًل ِم يبدو ّ ... َكم َك ٍ
وكب في ال ّ ْ
النعي ِم
ور و ّ اؤها َع ْن َبر َوَنٌّد ...غذاؤها ّ
الن ُ َهو ُ
ُ /متَْف ِعًلتُ ْن ُمتَْف ِعًلتُ ْن ُمتَْف ِعًلتُ ْن ُ /م ْستَْف ِعًلتُ ْن
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،1ص .33
54
ِ
اللحظة فلم أن تَكو َن
وليدةَ
قصيدتُه َ
َ يقع في هذه األخطاء وهو من هو في اللغةّ ،إال ْفمثله ال ُ
تميل إلى اشتباهه بين إيقاعي المخلع والًلحق كو َن
وهو ما دعا الباحث َة إلى أن َ ُي ِع ْد فيها ن َ
ظ ًارَ ،
تنوع القافية يعضد ذلك؛ ما جعَل ُه يتحلل ِ
إن انتقاله إلى ّ
األخير بالكاد ظهر في أبياته األولى ،ثُ َّم ّ
ِ ِ من ِ
بعد إلى
عمد من ُ فقد َولئًل تحج َر عليه القولْ ، الوصف دو َن ّ
التنبه إليه الحًقاّ . آن ْ الشعر َ
قيود ّ
ِ
القافيةُ ،يختار من ذلك قوله: ِ
تسكين
غار
حسناء ال تَ ْ
َ أي
يور ...و ُّ
غادة َغ ُ
لكنها َ
ّ
ا ِ
نار
استَ ْ نظير ...ترى ً
غدير به ْ ساءها ُ
فرّبما َ
ُ
لضم
غير معتبر ٍّ ولربما األداء اللغوي هنا ينخفض عنده؛ ما ين ِ
فسك َن َ
الشعريّ ،
عك ُس على أدائه ّ َ ُ
أن األبيات الثًلثة األولى فيما سبق تبدو على المخّلع، ِ
استقامة ِ
قافيته ،كما ّ
َ أجل
وفتح وكسرَ ،ٍ
أن تُعتمد (مستفعًلتُن) وصورها في التقطيع ،وينتفي
وجوب ْ
َ ليظهر رابعها على الًلحق؛ ما َيعني
ثم يستكمل الشاعر وصفه على هذا الصدد ،وينهي
بًلّ ،
كان اعتُ َبر ّأنه مخّلع البسيط َق ً
ذاك ما َ
إذ َ
القصيدة نحو:
ِ
للقافية قبلها في جرها موافَق ًة الشاهد في هذا الكلمة األخيرة من البيت األخير َ ِ
"الكحيل" ،فقد ّ ُ و
بًل ،وغلب اإليقاع عليه للطرف الكحيل ،فوَقع في ما وقع ِ
فيه َق ً ِ صب نعتًا "الم ِ
َ َ الن َ
وكان حّقها ّ
سيل" َ َ
لغته مرة أخرى.
ف طرائقه
كي ُ
أن الشاعر ُي ّ
اإليقاع في شعر أحمد شوقيّ ،
َ ويذكر الباحث حسام أيوب في دراسته
الجًئا إلى كثير من البدائل الصرفية –كما كلمة ( نظيم ) ِ
الكتابة وفق ما يطلبه العروضِ ، في
َ َ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،1ص .33
2
المصدرالسابق،ص .34
55
في األبيات السابقة– والصوتية والتركيبية والمعجمية التي يتيحها له النظام اللغوي استجابة
اعد النحو ،ما يجعله ُيخضع النظام اللغوي وفق رغباته؛ لمتطلبات النظام العروضي وقد ينتهك قو َ
لغوية في ِ 1
تخير مطران بدائل ّ كيف شاء .إ ّال ّأنه ال يبدو للباحثة ّ
نصه األدبي َفيخلخل اللغة في ّ
وقع به ال ُي ُّ ِ النص السابق؛ إذ اختر َق النحو في ِ
النظام
ُ بديًل يمنحه
عد ً غير ما يجب ،كو َن ما َ َ
اللغوي سوى العدول في الوزن من صيغة "مفعول" إلى "فعيل" كما تَ ّبين ،في حين التجاوزات
سميت
فتاة ّ نظم على "الًلحق" قصيدته "لِيلي أو ليلى" وعدتها سبعة أبيات و ً
اصفا بها ً ومما َ
ّ
ٍ
مخلوط بصهب، باالسمين العربي والغربي ،واتَّف َق ّأنها جمعت الصفتين من سو ٍاد في شعرها
فاألسود شعر شرقي والذهبي َشعر غربي ،فقال:
2
استطال ذيًل
َ أرس ْلت ُه
تاجا ...أو َ
إن َعَق َد ْت ُه استقام ً
ٍ
لوهلة -أنه نظم على المخّلع، خيل –
وي ّ
تبدو هنا روح الدعابة عند الشاعر في وصفه الشعرُ ،
ليقول بعد ٍ
بيت آخر: َ
فيه ...والناس ِ
فيه حز ِ
بان َميًل لوناه حسن ال فرق ِ
ّ ُ َ ُ ُْ
قال َشرق إن َ
3
كان ليًل شمسا ُ ...ي ُ
كان ً
قال َغرب إن َ
ُي ُ
1
أيوب،حساممحمد،اإليقاع في شعر أحمد شوقي :دراسة أسلوبية ( رسالة ماجستير ) ،الجامعةاألردنية1998،م،ص .62
آخرلوجودمثلهذهاألخطاءاللغويّةفيقصيدته،إذربماعمدالشاعر"خليلمطران"إلىتسكينج ّلقوافيها ً
ترىالباحثةتأويال َ
الخطأهنالعدم تنقيحالناشرهذهالطبعةَالتياعتمدتهاالدراسة ،ولذا
ِ بعضها،وعليهيستقيماألمر عندهلغةووزنًا،ولربماكانَ
ُ وليس
َ
فقدارتأتالباحثةالعودةإلىنسخٍأخرىللتثبتمنالتشكيلالسليملهذهالقصيدة،فرجعتإلىالطبعاتاآلتية :
-مطران،خليل،ديوانالخليل،ط،2مطبعةدارالهالل،مصر1949–1948،م.
-مطران،خليل،ديوانالخليل،د/ط،دارالمعارف–دارالهالل.1949،
-مطران،خليل،ديوانالخليل،د/ط،مطبعةالمعارف،مصر،د/ت.
وقدوافقالتشكيلفيالطبعتيناألوليينالتشكي َل فيالطبعةالمعتمدةف يهذهالدراسة،فيحينجاءتالقصيدةفيالطبعةاألخيرة
تحتعنوانمغاير"النجمتان"وكذلكبروايةمختلفةلبعضاألبياتعنالطبعاتاألخرى،أ ّماعنالتشكيلفقداشتركتمعها–
ولربما أشكل على
الطبعات – في تسكين األبيات المسكنة فيها ،في حين أبقت على األبيات األخرى دونما تشكيل ودونما سكونُ ،
ًّاكان؛فإن النتيجةَ تبقىعلىماهي،وهي
ّ الناشرحقيقةخطئهاإذاماش ّكلت،ف َسلَ َبهاالحركاتوالسكونلئاليُثبتَ الخطأللشاعر.وأي
سِدعزو َفهعنالتشبثبنظام ّ ج ُ ت نةفيحقيقتهافهي
َ نظمالقصيدةَاآلني،وحتّىلوكانتقوافيالقصيدةمس ّك اشتباهاإليقاعينعليهحا َل ِ
اإلعرابوااللتزامبهحالَالنظماآلني،مايسلسعليهقولَالشعربشك ٍلأكبرممالوالتزمبالحركات .
2
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،2ص .265
3
المصدرالسابقنفسه .
56
فينتفي كون القصيدة على المخلع ،إذ تظهر في البيتين التفعيًلت ( ُم ْستَْف ِعًلتُ ْن ُ /م ْستَْف ِعًلتُ ْن /
ُم ْستَْف ِعًلتُ ْن ُ /م ْستَْف ِعًلتُ ْن) و ( ُمتْفعًلتن ُ /م ْستَْف ِعًلتُ ْن ُ /متَْف ِعًلتُ ْن ُ /م ْستَْف ِعًلتُ ْن) على التوالي ،وال
بقدر ما أنها انفعال لحظة جادت به قريح ُة وترو واعمال فكرِ ، ٍ ِ
نعة ّ صَ القصيدة َ
َ يبدو في هذه
مقطوع ٍة عابرة مباشرة ،ليختمها بقوله: َ الشاعر في هيئة
فيما نراه ِ
إليه ِ
هاد - - ( :ب – /ب ب – /ب ) - - ُ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،2ص 265
2
المصدرالسابق،ج،1ص.35
3
المصدرالسابق،ج،3ص .328
57
طويًل ،فيحول التقطيع إلى (-
ً المقطع ليستحيل ما يستوجب هنا مد الهاء في " ِ
إليه " واشباعها
ُ َ ّ
وه َو ما
ليستقيم وزًناُ ،
َ -ب – - /ب – /ب ) - -أو ( - -ب – / -ب – ب ) - -
يقصر. جاد بهما الشاعر؛ َّ
فمد ما حّقه أن ّ أن هذين البيتين وليدا آن انفعالي َ
يشير إلى ّ
ُ
ومما يؤكد كو َن البيتين على التقطي ِع الثاني ( مستفعًلتن ُ /متفعًلتن ) وليس على وزن المخلع
أن الثاني
افق شطره األول المخلع ّإال ّ
( مستفعُلن /فاعلن /فعولن ) هو البيت األخير وان و َ
ينفي أن يكو َن عليه ،فتكون تفعيًلتهُ ( :م ْستَ ِعًلتُ ْن ُ /متَْف ِعًلتُ ْن ُ ...م ْستَْف ِعًلتُ ْن ُ /م ْستَْف ِعًلتُ ْن ) َم َع
"إليه" في البيت السابق ،وهو كذلك ما يعضد من قول كحال ِ ِ اك ُه " ِ
وجوب إشباع الضم في "إدر ُ
نفعالية دو َن أن ٍ الباحثة من َّ
حال نظمه في أوقات ا ّ اعتمد اإلنشاد أو التلحين َ َ أن الشاعر ربما
نظمه على ٍِ كان ِ
غير مدرك َ مدرًكا ْأم َ اء َ عناء فاشتبه عليه إيقاعُ البحرين ،وسو َ ً يكّلف عقله
بأبيات قليلة غير مشترك فيها مع المخلع ينفي أن تنسب القصائد إلى ٍ وجوده الًلحقَّ ،
فإن
َ
األخير.
بالزهـ ـ ِ
ـور ّ ـكي َيب ـهـ ـ ُـر
ط ْيـف َمَل ٌّ
ـار َ
األزه َ
صَّب َـح ْ
َ
الب ِ
كور في ُ هب ْـت تَ ْخ ِـط ُر ِ
الخـلد ّ يا َلها ِب ْك ًا
ـر َكح ِ
ـور ُ
ط ـ ِـن
تاج ُق ْ
َ َقّل َد ْت َج ْبهتَها في َنس ٍق زاهي البي ـ ِ
ـاض َ َ
1
ُك َّل ُح ْس ـ ِـن الر ِ
ياض من َخ ْي ِر أْلو ِ
ان ّ ثوبها ْ
أعار ْت َ
َو َ
ِ
مخترًقا لنسق جديدا حو في ِ ِ الن ِ ِ
ثم َن َسًقا ً
أن َّ
حد ذاته إيقاع ،كما يوحي ّ ّ إن كتاب َة القصيدة على هذا ّ ّ
ٍ
ائتًلف مع مبنى القصيدة ين في كتابته في
كان اعتَ َم َد الشطر َ
العمودية المألوفة ،وا ْن َ
ّ القصيدة
طويًل نصابه أربع األول ِ ٍ
ً فكان ّ كل منهماَ ، االختًلف باد في َك ِّم التفعيًلت في ّ
َ أن
المعتادّ ،إال ّ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،2ص .299
58
منقوصا
ً اآلخ ُر بتفعيَل ٍة واحدة ،وعليه يكو ُن وزن الرمل خماسيًّا
اختُزل َ
تفعيًلت على الرمل ،فيما ْ
منه تفعيلة.
موحدة
صدور كل بيتين بقافية ِّ إن األمر الًلفت هنا تن ّوع القوافي البادي في األبيات واتّفاق
ثم ّ
ّ
وصل األشطر ببعضها بتقنية التدوير ،ما
َ تعمد الشاعر هذا المبنى ينفيأن ّ ذاك ّ
وكذا األَعجاز؛ َ
عروض البيت ،وعليه يكو ُن وزن البيت األول
ُ اختل
َّ كل شطر ،وا ّال
يعني ضرورة الوقف نهاي َة ّ
نحو:
باّل ُز ِ
هور كي َ /ي ْبـ ـه ُر
هار طيف َ /مَل ٌّ
األز َ /
َّح ْ
صب َ
ِ
فاعًلتُ ْن فاعًلتُن َ /ف ِعًلتُن ِ /
فاعًل ِ / ِ
فاعًلتُ ْن
ْ ْ
المعنى؟. ِ
وكيف َخ َد َم ُه في بيان َ
َ الشكل الجديد؟ ان من هذا
فما الذي يرومه مطر ُ
يثنه عن أن كثير من قصائد مطران على مجزوءات البحور والمشطور منها لم ِ أن اتّكاء ٍيبدو َّ
ْ
فاء ِ يشع ُر َّ
أن ثَ َّم اكت ً أن قارئها ُ
ِ
ظ في القصيدة ّمكون ًة من تفعيَل ٍة واحدة ،والمًلح ُ ِ
شطر أبياته َّ يجعل
َ
إن يقف القارئ ِ الش ِ ِ
لكن ما ْ
الرملْ ،
طر ذي التفعيًلت األربع وكأنّه مجزوء ّ انتهاء ّ في المعنى عن َد
اسِتزَاد ًة َعَل ْيه. فاجأ َّ
أن ثَ َّم ْ على المعنى حتّى ُي َ
59
ثم جعل ِ ِ ٍ
للمعنى من بعد خفوت جوابهّ ، استنهاض إعاد َة
الذي يسبقه "حور الخلد" ،ما يعني َ
ٍ
معان جاء ًة المعنى السابق َمز ًيدا عليه
ُف َ يستعيد
ُ قار في "الجار والمجرور" الذيالمعنى كّله ًّا
مرًة ِ ٍ ِ ِ قطن" واعادة ر ِ
وكذا "تاج ِ
الممتد ّ
ّ استعادة للمعنى البيت الثالث ،في بالفعل بداي َة بطها َ أخرىَ .
ِ
القصيدة كّلها. ِ
التفعيلة األخيرة ،وكذا األمر في وكأن ق ارره كائن في
أخرىّ ،
ِ
وتفعيًلته َك ًما ِ
البحر فتًلع َب في إن مطران هنا يص ِرح بر ِ
غبته في الخرو ِج من إسار القديم،
َ ُ َ ُّ َ ّ
فيمجه اإللف العربي. الموش ِ
التغي َر مرة واحدة ّ
ظهر ّ لئًل ُي َ
حات ّ ّ شكًل قر ًيبا من
تخي َر ً
وك ًيفاّ ،إال ّأنه ّ
َ
طرد وال معروف ،في قصيدته "توت عنخ ذاك مرًة أخرى في ٍ
شكل آخر غير م ّ يعيد َ ّ ّإال ّأننا نجده ُ
نشيدا إثر إخراج جثة "توت عنخ آمون" والكنوز العجيبة التي كانت في قبره، لحنت ً آمون" َوَق ْد ّ
يقول فيها:
اجين من ِ ِ
أبناء " ار " توتانمو ْن " ...صاح ُب التّ ِ ْ
أنا " فرعون " أنا " َ
1
مصر في أعلى " ال ُذرى " أنا من ي ْك ِرم ِ
فيه العاَلمو ْن ...
َ َْ ُ ُ
ويكمل الشاعر:
ِ
وهًلل ترف ...بنجو ٍم
رَاية خضراء راحت ُّ
2
يشف ...ظّلها نور بدا لي
مصر ُّ ِ
خصب لونها عن
ُ
َ
يتًلعب بالوزِن كيفما شاء ،فتارة يجعل الشطر طويًل عن صاحبه وتارة يجعلهما
ُ الشاعر هنا
َ َّ
إن
ٍ
لوهلة أنها على الرمل ،نحو: متساويين ،ففي األشطر اليمنى من البيتين السابقين يلحظ
ترف
اء راحت ُّ /
رَاية َخض /ر ُ
/فعوُلن أو م ِ
تفع ْل ِ /
فاعًلتُن ِ
فاعًلتُن
ُ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،3ص .166
2
المصدرالسابقنفسه.
60
فإنه
مع تقصير الشطر الثاني ّ ثم َ إن الشاعر يقحم في َع ِ
بقيتهّ ،
روض البيت تفعيل ًة مغايرة عن ّ ُ ّ
بعده ،يعيد التفعيلة المقحمة ذاتها في
حسب رغبته ،وكذا يفعل في البيت الذي َ
َ الرمل
إيقاع ّ
َ يحور
ّ
يشف" فًل تنبو عن الذوق ،ما يجعل المستمع يألفها بالتّكرار ،فيبدو له اإليقاع مقبوالَ ،
وليس عنه " ُّ
ِ
أبيات القصيدة .ولربما َخَلط تفعيًلت "المديد" بتفعيًلت "الرمل" ،إذ بقي َة
يفعل ّ
وكذا ُببعيد أو شاذَ .
ستحال إلى المديد ،نحو: التقطيع السابق ُلي ِ
بالمكنة أن يغير
َ ُ
ترف
اء را /حت ُّ
راية خض /ر ُ
فاعلُن ِ /
فاعًلتُن ِ / ِ
فاعًلتُ ْن
ْ
فاستَوت ِ
ناظ َره ذادها َد ْه ُـرها َع ِن الـ ِـوْرِد
ْ َْ َ
1 َلم تَ َزل ِ
ناضره الوْرِد ِ
ْ ْ بعد ال ّذبول في َ
َو ْه َي َ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،4ص .56
61
ِ
عليه أبيات ط ُر القصيدة هو ذاتُه اإليقاع الكتابي الذي ترتّبت
أش ُ إن الشكل الذي ترتبت عَل ِ
يه ْ َّ ْ ّ
ثم يأتي
الرمل من قبل ،فتبدو األصوات والمعاني األولى طويلة ذات امتداد يخفى في النهايةَّ ،
ِ
بكل ما قبَلها. ٍ وت مر ِتف ًعا
المعنى في تفعيًلت قليلة لها ربط ّ
قصير مختَ ًزال َ
ًا الص ُ
ّ
ان في األولى ال يمكنه أن يبقيه على إن استكمال التّقطيع في األشطر األخرى على ِ
نحو ما ك َ ّ
من األصوات يكون أن المتبقي َ
وكيفا ،فإ ْذ تَظهر التفعيلة األولى "فاعًلتن" ّإال ّ
كما ًالخفيف ًّ
نحو آخر فإن التفعيًلت ستكون نحو" ِ
فاعُلن /فاعًل ْن"، حال تغيير التقطيع على ٍ "فعول" ،وفي ِ
ّ ْ
آخر يقرب من أن يكو َنإيقاعا َ
ً األعجاز تنحو
َ واذ تكو ُن صدور األبيات كلّها على الخفيف ّ
فإن
62
يتًلعب في الخفيف ليخرجه على النحو الذي
ُ غير مألوفّ ،إنه
المحدث ،وذا إيقاع ُكّلي ُ
َ مشطور
َ
الزهرة:
وصف ّ مستكمًل
ً يوافق رغباته ،وكذا يفعل بقيَّ َة ِ
أبيات القصيدة ،يقول
َ ُ
مبنى لقصيدته ،زهرته اآلن آخر منف قرَار المعنى وجوابه في الهيئة التي ارتآها ً
ظُال يو ّ
فما ز َ
الحب
ّ استقرت في حقول
ّ أن هذه الزهرة في الزهور ،في إشارٍة منه إلى مرحلة عمرّية ّ
متقدمةّ ،إال ّ
فبعد أن باتت منتظرة وفيها شيء من نضار على شفا االختفاء ،حتّى تعافت وغدا ِ
من بعد حينَ ،
نضارها آية غير متوّقعة تشي بذلك "إذا" الفجائية التي تنبئ بما هو غير متوّقع.
لمس
انعكاس شخصه في محطات مختلفة ،إال أنه َ
ُ إن الشاعر يتماهى مع زهرته ،وما هي إال
ّ
َ
فالنبأ في نهاية قصيدته:
كان ذلكّ ،
كيف َ
أما َ ِ ٍ
الحب من بعد يأس فتعافىّ ،
شيئا من ًّ
ِع ْش ِت من ِ
غاديه حي ْتها ِ
ْ تاة باللطف ّ
يا َف ً
2
َف َزهت ناديه أح َيتها ِ
ط َرة من نداك ْ
َق ْ
بالندى
فحيتها ّ َّ
تضن بالسقيا على الزهرة إذ رأتها ذابلةّ ، سحاب ٍة لم
َ
تجّلت فتاة الشاعر في ِ
هيئة ُ
نفسه.
أح َيت الشاعر َ
ذاك ْ
وهي إ ْذ َ فأح َيتها،
ْ
َ
فإنه يوظفه
العروضي ّ الشاعر هنا يخرج صراح ًة عن تقاليد الشعر الموروثة ،وفي ِّ
بث جديده َ َ إن
ّ
ورد عند فكان على ٍ مرًة أخرىّ ، ٍ ٍ
نحو مشابه ،وقد َ يمجه اإللفَ ،لئًل ّ الموشح ّ
ّ من
في هيئة قريبة َ
صفي الدين ِ
الحّلي شيء من هذا في قوله:
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،4ص .56
2
المصدرالسابقنفسه.
63
لؤلؤ َمكنو ْن األقاح جيب ِ
للطل في ِ
ْ وبدا ّ
َ
1
طائر ميمو ْن باح ِ ِ
االصط ْ
َوَدعانا للذيذ ْ
ِ
بالموشحات لما ضمنته من ثورٍة شعرّية ،وفيها بدا جليًّا ُ
عهد ّ كثير يبدو َّ
أن خليل مطران ْقد تأثَّر ًا
العصر قد يكو ُن له ٍ
عصر يًلئمها ،فكذا هذا جديدا في ٍ
ُ كانت ً التجديد ،في تأكيد منه ربما أنه كما َ
فق ما يًلئمه.
جديده َو َ
وفي هذا السياق –التجديد والثورة الشعرية -فقد ورد في ديوان خليل مطران قصيدة نثرّية واحدة
وشكًل .والشعر المنثور
ً الشعري بكل ما فيه قافي ًة ووزًنا
يترسخ معنى الخروج عن القديم ّ
له ،وفيها ّ
ِ
خاص،
ّ بإيقاع
ٍ يهدف إلى االستغناء عن التقنية المألوفة في الوزِن والقافية ،ويستَ ُ
عيض عنها " ُ
بعا لمدى العمق في التجربة ِ ِ
وضوحا وخفوتًا ت ً
ً ويتَفاوت
ينبجس من التّجربة الشعرية وينسجم معهاَ ،
ُ
بينها في بنائه
وتبعا لمدى توفيق الشاعر في انتقاء مفردات مًلئمة ،والتنسيق َ
واإلخًلص لهاً ،
3
عند مطران قصيدته "شعر منثور – كلمات أسف" ،وقد أنشدت
ورد عليه َ
للجملة الشعرية" ،ومما َ
في ِ
حفل تأبين للشيخ إبراهيم اليازجي.
1
صفيالدينالحلي(752هـ)،ديوان صفي الدين الحلي،د/ط،دارصادر،بيروت،د/ت،ص .125
2
أنيس،إبراهيم،موسيقى الشعر،ص.225
3
توفيق،عباس،تجربة أمين الريحاني في الشعر المنثور،مجلةزانكو،ع،1مج1979،5م،ص.95
64
1
محبوس ًة في ِنظام
َ روضا وال
طعة َع ً
غير مق ّ ِ
ص ّع ْد َزَفرات َك َ
َو َ
مع
يص َّعُد بعاطفته في مزامنة َ
وهو ّ
أسفه على الفقيد بادي ًة قاسية في كلماتهَ ، تبدو حرقة المشهد و َ
أحيانا، العروض فصل ما يجب أن يتّ ِ
ص َل ِ ِ
تصعيد تصريحاته في الثورة على القديمّ ،إن ُه َيرى في
ً َ
يصل بسرعة كما حال الشاعر النفسية اآلن،َ أن يكو َن مكثًّفا غير منقطع حتّى
يحتاج ْ
ُ الشعور
ُ و
حال الشاعر
قولبا في نظا ٍم أمًلهُ من لم يعيشوا َ أن تعبر عن عاطفتها ِش ًا
عر ُم ً الن ِ
فس على ْ جبار َّوا ُ
كان صادًقا وخرج عن سنن الشعر
عما يريد بصدق؛ لذا َ
عب ُر ّ
مقيًدا ال ُي ّ
حبيس نفسه ّ
َ اآلن ،يجعله
وشكًل.
ً وزًنا وقافي ًة
يقول:
الموت وهو ِ
قاتل ِ
عام ْد ِ رت إلى
ظ َقل َوَق ْد َن َ
النور
ظلمة والحياةُ و ّ
مامُ .ه َو ال ّ ِ
ال عتَ َب على الح ْ
هو األصل األزلي األبدي .والنور ِ
حادث زائل ُّ ّ ْ ُ َ
ببضعة أسطر ،إنّه يأمرنا أن نقول للموت القاتل اآلثم ّأال ِ الوجودية يختَ ِزُل الشاعر هنا رؤيته
ّ
هو الباقي ظلم ًة لك ًّ ِ
ردا تجاه القدرّ ،إنما َ عتاب على ما ليس بيدنا حيلة تجاهه وردعهّ ،إننا ال نم ُ
َ
كنا
هنالك ّ
َ نكن إلى العدم،
حيث لم ُ
يردنا إلى ُ ونورا ،حتّى َإن ُه األصل من قبل وجوِدناّ ،
إن الشاعر ّ ً
فإنه ال ُبّد ِ
ذات وجودّ ، لمع وأزهر برقنا َ
وجودنا في النور إال حادث عرضي ،حتى وان َ ُ وما
غارب.
65
صور توّلدها الحياة، ِ
العقل والتّ ّ
من َجسد المعنى الذي يرتئيه أمين الريحاني للشعر وهو" :أمواج َ
ُي ّ
كبيرًة أو صغيرة ،هائجة أو هادئة ،محرقة أو باردة أو فاترة،
الموجة َ
َ الشعور فتجيء
ويدَف ُعها ّ
ممتلئا بالفلسفة
ً كان شعر مطران النثري
وكذا َ
1
ِّ
الحس والبيان" َ الدافع من قوة
بحسب ما في ِّ
ِ
حساب الوزن والقافية. اللغوية على مجسًدا شعوره باألساليب
ّ والخيال والصور البيانيةّ ،
الش ِ
عر العربي ،وَق ْد اجتهدوا ركنا من أركا ِن ّ
كونها ُعّدت ًال يخفى اهتمام النّقاد بموضوع القافية َ
الزخم اإليقاعي غم ّ الكثيرون ًّ ِ
ور َ
بلغ التكّلفَ ،
حدا َ فخاض فيها َ َ مصطلح لها
ٍ تحديد أجل
في دراستها َ
بعا ِ مختلفا فيه على ِّ
وذاك ت ً
َ مر العصور، ً أن االلتز َام بها َبدا
الذي تُضفيه على القصيدة ّإال ّ
ِ
لعصورنا :فما القافية؟ أن يصلح بالضرو ِرة ْ
مع األقدمين ،لي َس ّ
صلح َ
َ إن ما
طور؛ إذ ّ ِ
لناموس الت ّ
جد َد على ِ
نحو ما أشعار مطران؟ وهل بدا فيها مقّلًِدا أم ّ
ِ يف تجّلت في
ووظيفتها؟ َوَك َ
َ وما َحُّدها
صرَح في ديوانه؟
ّ
تختلِ ُ ض ِر ُب َ
4
الدماء
ط ّ حين َ ون ْ
من َهجانا َ ...
ونحك ُم بالقوافي ْ
ُ
ِ
األخير في البيت .5ويرى الروي
ّ حرف
َ أطلق بعضهم القوافي على القصائد ،وبعضهم َّ
عد القافي َة و َ
أن إطًلق القافية على الروي والبيت والقصيدة من ضرب المجاز َ
عند ابن رشيق في "العمدة" ّ
أن استعمالهم المصطلح على نحو ذلك كان على سبيل التواضع التواصلي عندهم.6
العرب ،و ّ
مع ٍ ٍ بين ِ
ساكن يليه َ من البيت إلى ّأول
حرف َآخر ْ يف الخليل لها أنها "ما َ
أورد األخفش تعر َ
و َ
1
الناعوري،عيسى،أدب المهجر،ط،3دارالمعارف1977،م،ص.66–65
2
األخفش،أبوالحسن،سعيدبنمسعدة(830هـ)،كتاب القوافي،تحقيق:أحمدراتبالنفاخ،ط،1داراألمانة،بيروت1974،م،
ص.3
3
المصدرالسابق،ص.6–5
4
حسانبنثابت،ديوان حسان بن ثابت،شرحوتعليق:عبدمهنّا،ط،3دارالكتبالعلمية،بيروت1994،م،ص.20
5
األخفش،كتاب القوافي،ص.6
6
ابنرشيق،العمدة في محاسن الشعر وآدابه،ج،1ص.154
66
حرِك الذي قبل الساكن" ،1فيما أورد التنوخي في كتابه "القوافي" التعريف في رو ٍ
اية أخرى ّأنه المت ِّ
هو 2 ِ ِ ِ "الساكنان ِ
األول منهما" ،وهذا األخير َ
الساكن ّ قبل
مع حركة ما َ
بينهما َاآلخران من البيت وما َ
ما تعتمده الباحث ُة في دراستها.
ِ
باعتماد لرويها إلى قسمين، تبعا ّ
تقس ُم ً
فإن القافية َ
وبحسب ما ورد في كتاب "موسيقى الشعر"؛ ّ
ِ ِ
مقيدة ،وعلى اآلخر تكون مطلقة ّ .
األول تكو ُن ّ
7
أما القافية المقيدة فقليلة تسكينه وتحريكه ،فعلى ّ
وجودها عند
َ الشيوع في الشعر العربي ،ال تكاد تضمن نسبتها فيه بما يتجاوز الـ ،% 10كما َّ
أن
كان قد اتفق مع التقييد
إن الغناء في العصر العباسي َ
قليًل مقارنة بالعباسيين؛ إذ ّ
الجاهليين كان ً
1
األخفش،كتاب القوافي،ص.8
2
التنوخي،أبويعلىعبدالباقي،كتاب القوافي،تحقيق:عونيعبدالرؤوف،ط،2مكتبةالخانجي،مصر1978،م،ص.67
3
أنيس،إبراهيم،داللة األلفاظ،ط،5مكتبةاألنجلوالمصرية،مصر،1984،ص.198
4
ابنجنّي،أبوالفتحعثمانبنجني(293هـ)،الخصائص،تحقيق:محمدعليالنجار،د/ط،دارالكتبالمصرية،القاهرة،د/
ت،ج،1ص.216
5
مكونات البنية اإليقاعية في القصيدة العربية القديمة،حولياتاآلدابوالعلوماالجتماعية،الكويت،مج،28
لكرد،عبدالفتاحّ ،
رسالة2008،280م،ص .50
6
الجاحظ،عمروبنبحر(255هـ)،البيان والتبيين،د/ط،دارومكتبةالهالل،بيروت1423،هـ،ج،1ص.111
7
أنيس،إبراهيم،موسيقى الشعر،ص.260
67
أما القافي ُة األخرى – المطلقة -فهي
وتيسير في اللحن ،و ّ
ًا تطويعا
ً وانسجم ،فيرى الملحن فيها
ٍ
حياد
َ بشكل ال اعونها
كبيرا ،وير َ
اما ً الكثيرة الشائعة في أشعار العرب ،وكانوا يلتزمو َن بها التز ً
عنه.1
الص َم ْد
كم َك َع ْدل َو ْأن َت ّ
أح ْد َ ...وح ُ
بأن َك َح ٌّق َ
دت َّش ِه ُ
ِ
حيم بشقوِة هذا ْ
البلد؟ الر ُ
العليم ّ
ُ أنت
ضيت و َ
ففي َم َق َ
1
أنيس،إبراهيم،موسيقى الشعر.260،
2
المصدرالسابق،ص.266
3
الخطيب،رحاب،معراج الشاعر :مقاربة أسلوبيّة لشعر طاهر رياض،ط،1المؤسسةالعربيةللنشروالتوزيع،بيروت2005،م،
ص.37-36
4
المصدرالسابق،ص .37
68
به ِ
فاسدو َن أعوُذ بحولِ َك من َش ِّر خْل ٍق إذا ما َف َس ْد ِ
ِ ِ
قطر المياه وترمُق ُه بعيون َ
الحس ْد تَ ُعُّد على ّ
النيل َ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،2ص.158
2
الفلق .5/
69
ط موضوعه بالفضاء القافوي للمعوذات المستحضرة ،فهو يستعيذ بذلك كّلًيا َه ً
يكًل يجعله يحي ُ
العامة في يومها.
أن هذا كثير مما تتداوله ّ ومعنى ،وال َّ
شك ّ ً
هاد ضاء و ِ
ين :الم ِ
من سبيَل ِ تَرقى الم ِ
االجت ْ
ْ عارَج ْ َ
1
حاد الو ِ
فاق واالتّ ْ َدّل ْت بقدوِتها على َف ِ
ضل ِ
َ
السهاد؟
المبرح و ْ
أشكت ُه من أل ِم ّ
ْ شاكيا
َك ْم ً
ساد؟ الحشي َة و ِ
الو ْ ّ شارًدا َآو ْت وقد ُ ...ح ِرَم
َكم ِ
ْ
أفاد؟
العالمين بما ْ
َ أفاد
قًل َكم َّثقَف ْت َع ً
2
شاد؟
الر ْ من ّ ِ فرَّد َ ...
الضًلل إلى ّ عالج ْت ُخلًُقا ُ
َ كم
ْ
يخاطب جمعا من الحضور يراعي ِ
فيه ِ العامة ،ما َيعني أ ّنه عن وكل تلك المآثر ليست بغر ٍ
يبة
ً َ ُ ّ َ َ
كل واحد منهم
خاصا ّ
فردا ًّ
فردا ً
الجمعية ً
ّ تلك
القائمين على َ
َ ِ
بذكر يبدأ
النخبة والشعب ،حتّى ّإنه َ
ٍ
ببيت شعر ّي ،فيذكر "داود" و "ابن الجميل" و "مسكاتًا" و "باخس" "وابن مر از" حتّى في ذكر
أسلوبا شعبيًّا يقرب من النثرّية ،يقول:
ً مناقبهم يتّبع
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،4ص .46
2
المصدرالسابقنفسه .
70
الجو ْاد؟
الس ْم ِح َ داودا " بذكرى ّ
همة ّ ص" ً أأخ ُّ
ُ
أياد ؟
من ْ الجمّيل " ْ
أأخص باإلطراء ما " البن ُ
ُّ
ِ ِ
من أفاضلِها الم ْ
داد؟ ابن " مر از " ْ
باخ َس " و َ
أأخص " ُ
ُّ
ومما ِ
يلف ُت االنتباه في قوافيه ،تقصده الخروج عما ألفته القصيدة العربية ،فنوع القوافي في ِ
شكل ّ ّ َ ّ ّ
أنماط عدة بعضها َقريب مما كان قد أتى ِ
به العباسيو َن في خرق النظام من قبل ،وبعضها اتّخذ ٍ
ّ َ ُ ّ
تنوٍع في قوافيه؟
الشاعر إلى ّ
ُ أن السؤال المطروح في هذا المقامَ :لم يلجأ
خاصاّ .إال ّ
نحى ًّ
فيه َم ً
هل ألن مفردات قوافيه محدودة ،فلم يعد بمقدوره استمرار النظم على ح ٍ
رف واحد؟ ْأم أن بغيته َ ّ
يروم ٍ
بتنوع القوافي إلى معان ُ
المقدس في الشعر فقط؟ أم ّأنه يحيل ّ
الثورة على ما ُعّد من حكم ّ
إنشادها فيما ينظم؟.
71
وأغراضا ليست بالضرورة أن يرثها عنهم من بعدهم ،فحتى يجيد الًلحق ما أجاد السابق ِ
عليه أن َ ُ ّ ُ َْ َ ْ ً َ
تغيير القوافي
َ عدة ذلك
آل إليه ،فكان ّ
ذات ما تمّثله من حرّية توافق طباعه والعصر الذي َ
يتمثّ َل َ
قصد بها معان متعددة.
في هيئة أنماط عدة ،التي قد ُي ُ
ومن تلك األنماط التي اتّبعها مطران في شعره ،قصيدة " يوم البرميل " ،يقول:
ِق رو ِح
صار ز َّ بيح ِ َ ...
كان برو ٍح َ برميلك ال ّذ ِ
َ لهفي على
1
ضي ِع اح َرًبا َ ِق يا عجبا لِ ِ
الم ّ
للع َر ُ ص َرِع ...و َ
ذاك ال َم ْ
هول َ َ ًَ
ظ هنا أن ال اطراد في القافية؛ إذ كل بيت ينتهي بقافية مغايرة عن الذي بعده ،مع ِ
لفت المًلح ُ
َ َ َ ْ و َ
ظهر في ِ
ذاك كان قد َ
صرع ،فيتّفق شط اره بذات الروي ،ومن أمثال َ أن كل بيت ُم ّاالنتباه إلى ّ
أن
سبق توضيحه واصطلح ّأنه "المزدوج" ،والمًلحظ من األبيات ّ
َ ِ
العصر العباسي ،وهو ما
الشاعر يروي ّ
قصة انفجار هذا البرميل وتوابع ذلك ،وقد استعمل بحر الرجز لغرضه.
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،4ص .73
وردذكرهص24منهذاالبحث .
2
ضيف،شوقي،العصر العباسي األول،ط،8دارالمعارف،القاهرة،د/ت،ص.197–196
72
الءمها هذا النوع من الشعر، ألن الرسال َة إلى ّ ِ
النثر أقرب فقد َ لًلصطياف مع أسرته في لبنان ،و ّ
فكان ْت كما الرسائل اإلخوانية ّإال ّأنه ألزمها وزًنا ،يقول:
َ
األنس وال ِج ِ
نان ِ بين ِر ِ
ياض السارِح المارِح في " ِ
لبنان" َ ... ّ
1
الشوافي
النسائم ّ الناشق
الصافي ّ ... ِ
َ الشارب الماء القراح ّ
(القصة أصل نثريٍ عر ذاتجناس التي تمّثَلها ِش ًا مباشر خطابيًّا ،ولما ِ
ّ كانت األ ُ
ّ َ ًا إن أسلوبه يبدو
ّ
منو َع َة القوافي ،ذات وزٍن ِ فإنها ال بّد تُ ِ
فبدت ّ ظ على نثرّيتها مهما تَزّيت شاعرّيةَ ،
حاف ُ ُ والرسالة)ّ ،
التنوع في ذاته ،واّنما لمًلءمته ٍ
ليس ألجل ّ التنوع َ
قريب من النثر .إذن فمطران الذي عمد إلى هذا ّ
أغراضا ما كانت قد شاعت عند األقدمين ف ِلزم أن يختار لها ما ِ
يناسُبها ،ال أن يتمثّ َل ما ال َ َ ً
عصره.
َ يناسب
ُ
وينتقل إلى أخرى ومن مظاهر تنويعه القوافي تناوب قصيدة له على قافيتينِ ،
فينظ ُم نصفها بقافية
ُ
غير في المعاني
تغير القوافي ت ّ
لك؟ وهل في ّ مع إبقائه البحر على حاله ،فماذا يعني ذ َ
مغايرة َ
قصيد ِة "وداع لعام "1911في حفلة أقيمت ليل َة رأس
َ والمواضيع داخل القصيدة الواحدة؟ يقول في
السنة:
ط ِل
فطال َمًدى ...وما َس َّر ْت وَل ْم َي ُ
َ ساء ْت ِ
بما َ
ِ2
مهل ِ ٍ
َعلى َع َجل َوَن ْح َسُبها ...لما ثَُقَل ْت على َ
تظهر
ُ طال انقضاؤها ،وهنا
َ وساء ْت حو ِادثُها حتّى
َ أن هذه السن َة كانت ثقيَل ًة على الشاعر،
يبدو ّ
من ِ
وقت السرور بدا قصي ًار طال ِ
النفسية تجاهها فانعكست رؤيتُه على أوقاتها ،فما َ ّ حال الشاعر
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،1ص .168
2
المصدرالسابق،ج،2ص .96
73
ٍ
شيء معها، كل ِ
جرفت ّ
بعد إذ وّلت َ
ثقيًل ،حتّى إنها َ
ويًل ً
ط ً
أوقات السوء بدا َ قصر منوما ُ
الشاعر ذلك بقوله:
ويصور ّ
ّ
صدورنا ِب ْش ار
ِ ويا َس َن ًة لقيناها ...بملء
البشرى
البؤسا ...وهاتي آي َة ُ
أزيلي آي َة ُ
1
مطران،خليل،ديوانالخليل،ج،2ص .97–96
2
المصدرالسابق،ص .98–97
74
رويها
اختار ّ
دونما عارض (ص ح ح) و َ مشب ٍع في أصله َ
مقطع مفتوح َ
ٍ واألمل ،فانتقى قافيتَه ذات
صوت أبهج وأوضح من ذي قبل (را) ،وفي األلف ِ
امتداد أقوى مما في َ
الكسر ،وفي ٍ مفتوحا ذا
َ َ ََ ً
ولعل في ذلك إشارة إلى ٍ ٍ ٍ ِ
هو آتّ ، الراء تَكرار وجلبة تنم َعن استهًلل وفرح معقود بأمل على ما َ
ٍ
كلمات مقّفاةِ ( :بش ار ُ /بشرى ُ /حم ار َ /شكرى)، المؤملة أنفاسه
ّ فجس َد َاالنشراح الذي يأمل إيجادهّ ،
ِ
قصيدته اآلخر. ِ
لفضاء فكانت مًلئمة
َ
النفسية
ّ وثنائية في الفضاءات
ّ ثنائية القافية عنده تعني ثنائية في الموضوع
أن ّ ف ّ ومن ُهنا ُي ْستَ َش ُّ
آناء
وعي منه َدونما ٍالنظم أو َ عنده عن قصدية مسبقة من َقبل ّاء نتج ذلك َ في قصيدته ،سو َ
فإن اختراقه النسق كتابتها في ٍ
كان ّ
قصدية ذلك -وأيًّا َ
ّ حالة شعورّية ما -وا ْن كانت الباحثة ترتئي
معان تفيض بها نفس الشاعر فًلٍ أجل الرغبة ،بل ليحيل إلى
القديم ليس لرغبته في الثورة عليه َ
انتقاصا منه بل ليست ِ
ً بات في مرأى الشاعر أن ضرورة تجاوزه َ
مقد ُس القديم ،ألنه َ
سوُر حرَفه ّ
ُي ّ
ابتداء منه إلى ٍ
آفاق أرحب تتسع ما لم تتسعه في الماضي.
وكل
سمى بـ "المسمطات" وهي "قصائد تتأّلف من أدوارّ ،
تنوعه القوافي نظمه ما ي ّ
ومما يلفت في ّ
ّ
الشطر
بعة شطور أو أكثر ،وتتّفق شطور كل َدور في قافية واحدة ما َعدا ّيتركب من أر ِ
دور ّ ُ
الشطور األخيرة في األدوار
مع ّ ِ
حد فيها َ
يستقل بقافية مغايرة ،وفي الوقت نفسه يتّ ُ
ّ فإنه
األخيرّ ،
1
كان عدد أشطره في كل دور ثًلثة أشطر ،فكانت أقل مما نظم ما ََ ان
ر ط م َّ
أن إال
ّ ، المختلفة"
ف في التعريف السابق. ُع ِّر َ
واألمثلة على ذلك كثيرةُ ،يختار منها قصيدة "االقتران" التي أنشدت في حفلة زفاف كريمة آل
طنبة إلى الفاضل سليم بسترس بك المحامي ،يقول فيها:
ِ
ميقات حس ِه إلى
ِ
عن ّ
نام ْ
ِ
كان ليل وآدم في ُسبات َ ...
َ
أمر ِ
آت ِ
الظلمات ...خاشعات رجاء ٍ
َ هد ِأة
والبرايا في ْ
ِ
اآليات عن آي َة
يتوّق َ
اجد ...من ب ٍ
عيد واألُْفق ٍ
جاث كعاِب ْد ُ ْ َ هن َسو ِ ْ
الربى في مسوح َّ
و ُّ
1
ضيف،شوقي،العصر العباسي األول،ص.198
75
ونجوم الثرى سو ٍاه سو ِ
اهد ...ونجوم العلى رو ٍ
ان شواهد ُ ُ
ِ
ذاهًلت عن من َع ٍل
يتطّل َ
يك ٍة في الحياة
ِ1
ٍ
بعروس شر َ
وحيدا ِ
كان ًبين آدم وحواء ،إذ َ
وقصة االتّحاد األول ما َ
ّإن ُه يبدأ تهنئته باإلشارة إلى فلسفة الزواجّ ،
سردية كل ٍ
دور يتمتّع بخصائص ٍ
لوحات شعورّية وأدو ٍار ويقدم ذلك في هيئة
ّ فآنسه هللا بأنثاهّ ،
دور بعضا من ِ
األول
الدور ّ
اإليقاعية لقافية ّ
ّ السمة كل ٍ ً قافوية متباينة عن اآلخرّ ،إال ّأنه ُيبقي في ّ
ّ
داخل تنوعات ويجعُلها خي ً ِ
َ تنوع قوافيها يريد أ ْن يقول ّإنها كّلها ّ
طا ناظ ًما لها كّلها ،وكأنه في ّ َ
تنوع على المستوى الداخلي للقصيدة الواحدة. موضوع واحد ،أو هو ّ
طر من ِ ِ
كل َش ٍ مسيطر على الموضوع فقد َّ
نهاية ّ
قار في َ
امتد واجتمع الهدوء ًّا ًا األمر
ُ وليبقى هذا
ِ ِ ِ
بعض كل َدور ،في إشارة إلى اتّحاد أجزاء الموضوع وارتدادها إلى َجوه ِر ّ
السكن وان بدا منها ُ ّ
طبيعية تترّقب ذاهًلت" ،وهو وصف ٍ
حال لمظاهر ْ من َع ٍل
عن ْ
صخب ،كما في الشطر "يتَطّل َ
ّ ُ َ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،1ص .138
76
يك ٍة في ٍ
"بعروس شر َ الشطر األخير من الدور الذي بعده ٍ
حل آلدم ،إلى أن يتم األمر في ّ
نزول َّ
وكذا سكنت تم الوجود واكتملَ ، ِ
الحياة" وهي جملة تضمينية للشطر الذي قبلها ،إذ بهذه الشريكة ّ
الروح للروح.
ٍ
لوحات يقدم بالكلية ِ
بقدر ما ّ ّ أن الشاعر ال يبغي بتنويع القوافي الخروج عن الموضوع
يبدو ّ
األخير من أدوارها صلة لها أجمع ،ومن ذلك قصائده
َ الشطر
فاختار ّ
َ ينظمها شيء مشترك،
طاهر" و "تهنئة بقران الصديق الوجيه جورج دياب" و "نشيد تًلمذة
طفل ال ّ
الشهيد" و "ال ّ
""الجنين ّ
بالزهر"
األرض ُّ المدرسة البطريركية" و "نشيد المرشدات اللبنانيات بزحلة" و "عروس فرشت لها
بيانها في
وجداني وسيأتي ُ أسلوب َقصصي ٍ بعض قصائده هذه ذات
أن َ وغيرها ،ويمكن مًلحظة ّ
ّ
مًلئما لها هذا ا ّلنوع الشعري ،فيقول مثًل في فكان
لحنَ ، ٍ
ً وبعضها أناشيد ،نظمت ُلت ّ
ُ فصل الحق،
نشيد المرشدات اللبنانيات:
ِ
البنات في ُربى ِ
لبنان ِحلى
الز ِ
ينات هللِ د ُّرهن من ِ
بنات َ ...ج َم ْع َن ِم ْن َرو ِائ ِع ّ َ َُ ْ
الغواني ِ
أجم َل ما تَ ْحلى به َ
َ
الزم ِن الع ِ ِ
تيد نور ّ َ َ ط ِن َ
الجديد َ ...و ُه َّن ُ ُه َّن َر ُ
جاء اْل َو َ
ضعن في اْلح ِ
ياة َمطَلبا ِ ِِ
َ ص ُعبا َ ...وال ُي ْ َ
َيُق ْم َن بالواجب مهما َ
1
قوةُ العمر ِ
ان ِ ِ ُّ
به تَعز ّ
يستعمل مطران هنا المثلثّات دون المخمسات ،كما أن سرع َة االنتقال إلى قافية جديدة ِ
فيه أكبر ّ ّ َ
تمر في شطرين فتنتقل إلى األخرى،
تمر في أربعة أشطر بخًلف هذه التي ّ المخمسات التي ّ
ّ من
الرجز ،البحر الرئيس في
ظم على بحر ّ ِ
المخمس إلى المزدوج ،حتّى ّإنه ُن َ
ّ من
أقرب َ
النوع ُ
إن هذا ّ
ّ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،3ص .139
77
يقدم لوحات
النثرّ .إنه ّ ِ
جنس ّ أقل يقترب من أن يكو َن من
وكأنما مستوى الشاعرّية هنا ّ
المزدوجّ ،
ط يعيده إلى
طا األخبار بخ ّ ٍ
وصف إلى آخر ،راب ً منتقًل من
ً وصفية إخبارّية عن هؤالء المرشدات،
ّ
األول.
الدور ّ
ٍ
حد ِ بعض قصائده ي ِ
عم ُل عقَل ُه َّ ِ
نفسه ما ال ُي َلزْم ،وتأتي قوافيه على ّ
الصنعة ،فيلزم َ
حد ّ ُ كما ّأنه في
مثًل في قصيدته " بطاقة عاشق ": كبير من مواضع أحرف االتّحاد فيها ،يقول ً
منا ِبطاقه
منى َ ...يكو ُن ّ َل ْو َّ
أن ما نتَ ّ
ضيت ِبطاقه
أه َد ْي ُت َجّن َة َوْرٍد َ ...وما َر ُ
ْ
مثًل:
بقية القصيدة ،يقول ً
األمر نفسه في ّ
و ُ
وكأن َلم ...تُ ِ
ًلحظي َفأُالما ِ
الحظتنيْ ْ َ ،
َ
ِ
أعّفة ْأم َدالل َ ...يز ُيدني آالما
فمركبة من
أما األخيرة ّ
من اللوم وهي فعل ،في حين الثانية اسم وهي جمع "ألم" ّ
الم" األولى َفـ "فأ َ
أضمر صلة الموصول ليستقيم الوزن
َ أداة االستثناء "إال" واالسم الموصول "ما" ،مع مًلحظة ّأنه
َ
1
مطران،خليل،ديوانالخليل،ج .342،4
2
ضيف،شوقي،الفن ومذاهبه في الشعر العربي،ط،12دارالمعارف،مصر،د/ت،ص.398–397
3
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،4ص .343
78
ولعل هذا اللو َن
ّ أص ْب إال ما ُق ِس َم لي أو ُقّدر لي"،
ولتتطابق القافية مع شبيهاتها ،والتقدير "فلم ِ
ْ
الزجلي "العتابا" الذي تتوافق نهاية أشطره الثًلثة األولى بمبنى الكلمة األخيرة يْق ُر ُب من اللون ّ
استحضاره
ويتبع مطران هذا في مواضع عديدة في ديوانه؛ ما يعني ْ ُ مع تغايرها في المعنى،
فيها َ
إيقاعية أشعاره النخبوية ،وهو ما يحيل إلى َس َعة ثقافته اإليقاعية.
ّ الثقافة اإليقاعية الشعبية إلى
ٍ
قصيدة أخرى: يقول في
اطئ ِ
من َخو ْ
الشواطئ ...يا َلها ْ
سات ّ
آن ُ
1
الخواطئ
بالسها ِم َ
لوبنا ّ ...
أصاب ْت ُق َ
َ َق ْد
أيضا:
و ً
كان على
كثير مما نظم َ إن ًاصل بموروث العرب ،بل َّ الو َ
أن مطران لم يقطع َ سب َق ّ
مما َ
ُيستَنتَ ُج ّ
ِ
تعبيره ،حتّى وحرّي َة لكن ُه ارتأى في ابتعاث المهم ِ
ش عندهم متنّف َس أقوالهّ ، نهج ما ساروا عليهّ ،ِ
ّ
خاصة به وليست ِ بعض ٍ
وكأنما يبني لنفسه سمته الشعرّية ال ّ ديدا في األوزان ّ ينتهج َج ًُ حين ّإنه َ
حيث إ َّن لهم ُح ّريَّتَهم وهو كذلك يرى ّ
حريته فيما ينظم. ُ من قبَل ُه ِم ْنببعيدة عن سمات ْ
طى حدود الشعري ،ما يجعله يتخ ّ حبا في المعجم ّ سعا ونطاًقا ر ً
ثم إن في تنويعه القوافي متّ ً
أج َل تنبيه المتلقي إلى الكلمات التي تلزمه بها القافية فينتقل إلى ما يروي تعبيره ،و ْقد يكو ُن ّ
تنوعه َ
ٍ ِ ٍ َّ
تتباي ُن
عدة أو على صعيد موضوٍع واحد َ انتقاال في مستوى التعبير على صعيد موضوعات ّ ً أن ثَ ّم
هوض بالمعنىَ ،فًلالنص ومكوناته ل ّلن ِ ِ
ّ ال ّ جميع دو ّ
َ ف ظُداخل القصيدة الواحدة ،كما ّأنه يو ّ
َ دواخله
تتكاتف الكلية وصوره وموسيقاه ،فكّلها األداء مع ِ
ِ معنى لقو ِ
ُ النص ّ ّ لغة َ افيه ما َلم تتضافر في
ِ
لكل جزٍء فيه وظيفته التي ال غنى ًّ ِ ِ ِ
دة ُكًل واحًداّ ،
مجس ً
لتأدية المعنى وكّلها تتّكئ على بعضها ّ
َ
عنه بها وال يكتمل دونها.
1
مطران،خليل،ديوانالخليل،ج،3ص.330
2
المصدرالسابق،ج،1ص.51
79
2.3الرو ّي في أشعار خليل مطران ودًلًلته:
لزوما في وهو كما يعرفه األخفش حرف تُبنى عليه القصيدة ،ينتهي به كل بيت من ِ
أبياتها
ً ّ َْ
أن تأتي رويًّا ،ما عدا الواو واأللف موضع واحد .1ويمكن –حسب قوله -لحروف المعجم جميعها ٍ
ْ َ
محرًكا ،وألف االثنين واو
كان قبَلها ّ ِ
اإلضمار إذا ما َ والياء التي تأتي لإلطًلق ،وهاء التّأنيث و
مضموما.2
ً كان قبلها
الجمع إذا ما َ
ِ
اختًلف شيوعها في أشعار العرب ،وهي :الراء ،والًلم غم
-الحروف التي تأتي رويًّا بكثرة ر َ
والميم ،والنون ،والباء ،والدال.
متوسطة الشيوع ،وهي التاء والسين والقاف والكاف والهمزة والعين والحاء والفاء
ّ -حروف
والياء والجيم.
-حروف قليلة الشيوع ،وهي :الضاد والطاء والهاء.
-حروف يندر أن تأتي رويًّا ،وهي :الذال والثاء والغين والخاء والشين والصاد والزاي والظاء
والواو.
1
األخفش،كتاب القوافي،ص .15
2
المصدرالسابق،ص.18–17
3
المعمري،عبدالرحمن،الوافي بح ِّّل الكافي في علمي العروض والقوافي،تحقيق:أحمدعفيفي،ط،2دارالكتبوالوثائقالقومية،
القاهرة2012،م،ص.253
4
أنيس،إبراهيم ،موسيقى الشعر،ص .248
5
المصدرالسابقنفسه .
6
درويش،أحمد ،خليل مطران :المسيرة واإلبداع،ص.143–142
80
الصوت أو خفتهِ ، ٍ ويرى إبراهيم أنيس أن نسبة شيوع
بقدر عائدا إلى ثقل في ّ
ليس ً الروي أو قّلته َ
ّ
آخر كلمات اللغة ،فالدال تجيء في كلمات اللغة بكثرة بَق ٍ
در يز ُيد ما ُيعزى ذلك إلى نسبة ورودها َ
ِ
العين والفاء ،1وهكذا . ... عن
ِ
اإللف ِ ٍ
لفقر طولة كما "نيرون" بشيء يعجزهَ ،
وليس خروجه عن هذا وليس استرسال القافية في م ّ
َ
نظر لكثافة المعجم
ومع ذلك فقد اضطر إلى استعمال الكلمات غير المعهودة ًا
معجمه اللغويَ ،
روي القصيدة ،يقول:
اللغوي الذي تطّلبه ّ
2
بالسّب ِة من نيرو َن أحرى
نصر ُ ...ه َو ُّ
عب الذي آتاهُ ًا
الش ُ
ذلك ّ
َ
1
أنيس،إبراهيم،موسيقى الشعر،ص .248
2
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،3ص.50
3
المصدرالسابقنفسه .
81
اشمخرا" فاألولى تعني (المسرع) واألخرى تعني (ت َكّبر).1
ّ "مسبطرا" و "
ّ وموضع الشاهد كلمتا
غير ما هو مألوف ،وَقد عمد إليهما الشاعر لمو ِ
افقة آخرهما الروي الذي تسير عليه وهما من ِ
ْ َ
المطولة .ومثل ذلك ورد في قصيدته "السيرة الخالدة" للشهيد أحمد لطفي بك وهو محا ٍم ّ القصيدة
يقول مطلعها: ِ
عراُ ، وقد ّأرَخ الشاعر سيرته الحافلة ش ً
مشهورْ ،
ِ
األبطال؟! الش ِ
هداء و طِ
ال ُ ...يودى َدم ُّ اله ّ ِ ِ ِ
ُ أبسفك ماء اْل َم ْد َم ِع َ
ِ3
ِ
بضوء ُذبال ذهن ِه ِ ...بهدى ُش ٍ
موس أو ظ ُّل مْلتَ ِمسا إنارة ِ
وي َ ُ ً َ َ َ
ُ
دائم ...ب ِرئت م ِ
عانيه ِم َن اإلدغال
ِ4 يعلو محياه ابِتسام ِ
َ ْ َ َ ُ ُّ ْ
82
نادر كذلك ،في هيئة َد ٍ
ور من المخمسات التي نظمها، عندهُ ًا الروي فقد َ
ظهر َ ّ أما ما َنُدر من
وّ
قصة "الجنين الشهيد":
يقول في ّ
بالمًل ِم وأغلظا
فأنحى َعَليها َ
جيب تَل ُّمظا ْ ...
فجاء ْت ُه تُ ُ
دعاها َ
ِ
الس َّم والّلظى
ف ُّ أن َج َر ْت منها الشؤو ُن تغيُّظا َ ...
فثار " َجميل " َيْقذ ُ إلى ْ
أشعار
َ كثير من أشعاره وافقت
أن ًا عند خليل مطران ،يستنتج ّ
وباستنفاد مًلمح اإليقاع الخارجي َ
وروي أشعاره. حيث البحور الشعرية المستعملة ونسبة شيوعها ،وكذلك في قوافيه
قديما من ُ ِ
ّ العرب ً
ولعله لم يستطع تجاوز ما حفظته ذاكرته من الشعر القديم حتّى ارتكزت بنيته الخارجية في
قديما ،وبتغييره ٍ ِ ذهنهَّ .
حاول أن يخرُج عن المألوف بنظمه على بحور قليلة الشيوع ً
َ مع ذلك
لكن ُه َ
مضيفا إليها صبغته الشعرية.
ً بالموشحات،
ّ نحو ٍ
شبيه ِ
هيكلة قصائده على ٍ بعض
َ
غم قلة هذه التجاوزات اإليقاعية في شعره مقارن ًة بأشعاره الملتزم بهاّ ،إال َّأنها تُ ْح َس ُب له على
ور َ
َ
التمسك
ّ دونما
أنظار من بعده إلى هذه القضية َ َ نطاق التجديد الشعري في عصره ،أو أنها تلفت
ِ
خوف الخرو ِج عنه ،فإن لم تتبلور فكرته في حينها فلربما يتناقلها الشعراء من بعده. بالقديم وبًل
تب ُليلقى على المسامع،معظم نتاجه الشعري ُك َ
َ عدم إكثارِه منها عائد – ربما -إلى ّ
أن عل َ َوَل ّ
ِ
موقف إلقائها. مع سياق ِ ِ
صنع ًة بصرّية التّفاقها َ
فقصائده في مجملها شفهية لم يولها َ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،4ص.48
2
المصدرالسابق،ج،1ص .237
83
.3اإليقاع الداخلي في شعر خليل مطران.
ِ
" 3.1فاع ُل " ِزحاف مبتَعث في َ
الخبب.
3.2التصريع
3.3التدوير
3.4التكرار
84
.3اإليقاع الداخلي في شعر خليل مطران:
الشعر
عرا ،فاإلطار الخارجي الموسيقي في ّ ِ ال يكتَفي أن تُقيد اللغة بوزٍن وقافية حتّى
تستحيل ش ً
َ
ِ
المعنى الذي ال أخرى في ّ
النص نفسه ومع أداته – اللغة – ليستنط َق َ مع دو ّ
يتكاتف َ
َ ال ُبّد أن
ضمن ما يسمى
َ فإنه يسعى إلى توحيد الظاهر مع الباطن جلي؛ لذا ّ ٍ
بشكل يريده الشاعر
ّ
الموسيقى الداخليةَ ،فيصيران و ِ
احًدا ال يكو ُن األول دو َن اآلخر منهما. َ ّ
النص الداخلية ترتكز على ٍ ِ كان البحر الشعري ًّ
فإن موسيقى ّ معينة ّ
كما متعاقًبا من تفعيًلت ّ فإذا َ
معينة. كيفية تجّلي هذا العدد داخل َقيد البحر ،ألن للتفعيًلت ِ
روضية ّ
ّ اعد َع
صور تتبع قو َ
ًا داخ ًليا ّ َ ّ
العروضية
ّ الرخص تجاوز ّ
َ وهلرض عليه في تسيير حركة التّفعيلةَ ، تجاوز مطران ما ُف َ
َ فهل
َ
كان التّصريع من عداد ظواهر
ليعبر بحرّية تامة؟ واذا َ
له في الزحافات والعلل ّ
المسموحة ُ
عند الشعراء
كان َ
المعهود مما َ
َ فكيف تجّلى في أشعاره؟ وهل تجاوز في ذلك
َ الداخلية،
ّ الموسيقى
يخل بمبنى القصيدة على عكس ما شاع في مهما ال ّ عنصر ًّ
ًا بات التدوير عنده
القدماء؟ وهل َ
إيقاعا داخليًّا؟ هذا كّله ما
ً ظف مطران التّكرار في َس ْرِد ما نظمه ل ّ
يشكل به كيف يو ّ
السلف ،ثم َ
الضوء عليه المباحث اآلتية.
ستُسّلط ّ
ناتها وحر ِ
كاتها وكذلك حروفها، تتكون تفعيًلت البحور الشعرية من مقاطع تختلِف في عدد س َك ِ
َ َ ُ ّ
بعا لذلك االختًلف تجّليات صورّية متعددة ،وقد قسم العروضيون المقاطع على نحو ِ
وكان لها ت ً
َ
ما يأتي:1
1
أبوعمشة،عادل،العروض والقافية،ط،1مكتبةخالدبنالوليد،نابلس1986،م،ص.40
85
فرق َ
بين متحركين بينهما ساكن ،وسمي مفروًقا ألن الساكن ّ
ّ الوتد المفروق :وهو المؤتلف من
المتحركين فيه ( َح ْي ُث).
الفاصلة الكبيرة :وتأتلف من أربعة حروف متحركة يتبعها ساكن ،مثل ( َعلِ َمتا).
يعرفه عادل أبو عمشة ،تغيير يختص بثواني األسباب فقط ،فًل يدخل على والزحاف كما ّ
وقد يكون في غيره ،ودخوله على بيت من القصيدة ال يعني وعادة ما يحدث في الحشوْ ، ً األوتاد،
ِ
بخًلف العّلة التي تتمثل في بقية التّفعيًلت،
بالضرورة أن ُيلتزم به في البيت الذي يليه ،أو في ّ
اما في سائر األبيات إذا ما وقعت في
تغيير يط أر على تفاعيل األعاريض واألضرب ،وتفرض التز ً
روض ٍ
بيت واحد أو ضربه.1 ِ َع
األدنى
األعلى و ْ ٍ
صوص َ ...ف ْرق في ْ ٍ
صوص ولُبين ُل
ما َ
2
األدنى الموت اْل ُمزري َ ...و ِكبا ِرِه ُم ّ غارِه ُم
ص ِ لِ ِ
ف ْ الش َر ُ ُ
َ /ف ْعُل ْن َ /ف ْعُل ْن َ /ف ْعُل ْن َف ْعُل ْن َ /ف ْعُلن ِ /
فاع ُل َف ْعُلن َ /ف ِعُلن
1
أبوعمشة،عادل،العروض والقافية،ص .49–47
2
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،4ص .39
86
(َف ِعُل ْن) من ثًلثة متحركات تليها ساكن ،وهو ما يسمى بالفاصلة الصغرى ،فهذا التعاقب المتبوع
أحيانا.1
ً بساكن هو ما يضفي على النغم صف َة " ِ
ركض الخيل" َ
3 فاعل ِ
فاعُل ْن َف ْعُل ْن َف ِعُل ْن في المتدارِك اْلوْزُن العجب ِ ...
ُ ََُ ُ َ َ
-/ - -بب-/بب--/
1
نازكالمالئكة،قضايا الشعر المعاصر،ص.110–109
2
المصدرالسابق،ص .110
3
مرعي،محمود،العروض الزاخر واحتماالت الدوائر،ص.337
4
نازكالمالئكة،قضايا الشعر المعاصر،ص.111
5
نازكالمالئكة،ديوان نازك المالئكة،د/ط،دارالعودة،بيروت1997،م،مج،2ص.240
87
وقد تنبهت نازك إلى أن هذه التفعيلة دخيلة على ما هو متعارف عن المتدارك من ِ
بعد أن أنهت ّ
النظم ،ما يعني ّأنها مستساغة في إيقاع
قصيدتها ،ولم تكن قد شعرت بنبوها عن السمع آناء ّ
بقرب هذه التفعيلة من " ِ
فعلن" أو هي نفسها بالمعكوس ،ما يعني ّأنهما الخبب ،وقد بررت ذلك ِ
ّ
احدا.1
تمتلكان طوًال إيقاعيًّا و ً
أسبقية ُك ٍّل من مطران ونازك على اآلخر في امتثال ما هو غير شائع من
ّ بيان في
الحقيَق ُة ّأال َ
و َ
فإنه
موج ًها إلى نازك ّ
كان ّ
فقول عز الدين إسماعيل وان َ كان ُ
فاعل ،-وأيًّا َ
ُ صور هذه التفعيلة –
مثل هذه التفعيلة ِ
أن َ استَ َند في نقده لهما إلى ّ
وكان قد ْ
جاء به مطرانَ ،يصُد ُق على ما َ
بالضرورة ْ
من سبقّ ،إال ّأنه ونازك،
مما ال يمكن أن تأتي في حشو الخبب مطلًقا ولم يقف على ذلك عند ْ
من َس َبَقهم ،إذ جاء في " المدهش" ِ ِ
عند ْ
وردت وان بالقليل َألن (فاع ُل) ْقد َ
تعجًل الحكمّ ،
اس َقد ْ
بيت ٍ
شعر البن الجوزي تظهر فيه هذه التفعيلة ،يقول: ُ
3
األه ُل إذا َر َجعوا َ ...ع ْن َق ْب ِر َك ال تَ ْس َم ُع َكِذبا
ساك َْي ْن َ
1
نازكالمالئكة،قضايا الشعر المعاصر،ص .112
2
إسماعيل،عزالدين،قضايا الشعر المعاصر :قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية،ط،3دارالفكرالعربي،القاهرة،د/ت،ص
.106
3
ابنالجوزي،جمالالدّين(597هـ)،المدهش،ط،2دارالكتبالعلمية،بيروت1985،م،ص .203
4
شوقي،أحمد،الشوقيات،مراجعة:يوسفالشيخالبقاعي،د/ط،دارالكتابالعربي،بيروت2008،م،ج،4ص .237
88
( ِ
فاع ُل َ /ف ْعُل ْن َ /ف ِعُل ْن َ /ف ِعُل ْن ) َ ( ...ف ْعُل ْن َ /ف ْعُل ْن َ /ف ِعُل ْن َ /ف ِعُل ْن )
ِ ناة ِ
جار ويرى ليس بجار ِ ...أل ٍ
ٍ َُ
1
ووقار فيه َ
وذلك ينفي أن يكون األسبقية فيها لنازك المًلئكة ،وان كانت قليلة الشيوع فيما سبق نظمه على
التنبه إلى
فكان الفتًا َّ أما عن مطران،
مما يستساغ ورودها في هذا البحرّ .الخببّ ،إال ّأنها ّ
فس ُهل تعيينهاّ ،إال ّأنه ال يمكن
كونها وردت في بيتين يتيمين له على الخببَ ،
ورودها عنده؛ َ
لفت االنتباه إلى الحرّية في استعمال الرخص العروضية ِ
البت في كونه عمد إليها قاصًدا َ
ّ
جانب
َ معين لم يلفتاه إلى إقحامها
أن نظمه اآلني للبيتين وانشادهما على نحو ّ
المهمشة ،أو ّ
عفو الخاطر! وأيًّا كان ،فورودها عنده واقرار وجودها
التفعيًلت األخريات ،ما جعلها مستساغة َ
العروضية.
ّ في السابق ،يفتح الباب على التوسع في استخدام الرخص
3.2التصريع:
يع
جاء التّصر ُ الروي بأنه الخيط ّ
الناظم ألبيات القصيدة ،فقد َ َّ يصف الباحث عبد نور عمران
مرتين في البيت الواحد؛ ما يخلق إلف ًة
النصف؛ أل ّنه يكرره ّ
الزمكاني إلى ّ
مختصر حضوره ّ
ًا
روي الضرب.2
روي العروض مع ّ إيقاعية تتأتّى ِ
من اتّفاق ّ ّ
1
شوقي،أحمد،الشوقيات،ج،4ص .235
2
عمران،عبدنورداود،البنية اإليقاعية في شعر الجواهري،ص.221
89
الصدر مع الجزء األخير َ ن
مع وز الضرب ،في حين البديعي يتأتى من استواء الجزء األخير في ّ
من العجز في الوزن واإلعراب والتقفية.1
إعًلنا لمجاوزته
ً إن دخول الشاعر في الوزن والقافية منذ البيت األول مبتدئه بالتصريعّ ،
يعد ّ
ثم اتّفاًقا مع السامع على طبيعة المقطع الذي ستتناسل منه األعداد
يعقد بالتّصري ِع ّ
النثر ،وكأنما ُ
ّ
2
وهو ما وصفه "محمد ّبنيس" على ّأنه في الشعر:
آخر األبيات َ . الباقية من األصوات المتماثلة َ
ِ
وظيفته، من
ألكثر ْ
َ مؤدًيا "نطفته التي ينشأ بها ومن ُهنا َيكو ُن ّ
تسربه إلى االستهًلل واالنعطافّ ،
يستحوذ االستهًلل بدوره على القصيدة ،وينشر سلطتَه عليها ،فيما وباستحواذه على االستهًللْ ،
ْ
3
ال اإليقاع" . هو ينشرها على سامعها – قارئها – وبهذا أيضا يكو ُن ًّ
من دو ّ
داال ْ ً َ
إن
تقليدا في بنية شعرهم فًل ُيتجاوز عنه ،حتّى ّ
عند القدماء حتّى غدا ً
وللتصريع أهمية متقدمة َ
يع في
األول ،يقول ابن رشيق ..." :جعلوا التّصر َ
األصل عندهم في نظم الشعر تصريع البيت َّ
ويستأنف في
ْ
4
مهمات القصائد فيما يتأهبو َن له من الشعر ،فدل ذلك على فضل التّصريع"
وهو دليل على
وقد كثر استعمالهم هذا حتى صرعوا في غير موضع التصريعَ ، موضع آخرْ " :
مين ".5 ِ
المتقد َ
ّ من
دل على التكّلفّ ،إال َ
القصيدة َّ المادةّ ،إال ّأنه إذا كثر في
طبع ،وكثرة ّقوة ال ّ
ّ
90
شاعر كان
ولما َ ِ
َ سمع المخاطب أو القارئّ .
َ ويلفت به
َ ينوه إليه
الجنس األدبي الذي يريد أن ّ
ِ
استمالة أذهان أجل
كان َ
أن استحضاره التّصريع في قصائده َمناسبات وشاعر إنشاد ،فًل ُبَّد ّ
ِ
إضفاء زخ ٍم الروي الذي ستؤول إليه أبيات القصيدة ،والى الحضور إلى ما يلقي ،والى تعيين
ّ
ِ
قصيدة "عرس قانا" ،وقد أنشدها الليل َة األخيرة لزفاف مطلع إيقاعي يطرب مسمع المتلقي .يقول
َ
الصديق إسكندر خوري إلى اآلنسة ماري ،كريمة الوجيه جورج مدور:
1
الد ْه ِر يا حسنها ساع ًة من العم ِر َ ...فريدة في ِق ِ
ًلدة ّ
َ ًَ َ َ ُْ َُْ
ِ
ألجل التّصريع ،في حين افق ضرَبه ِ ظ هنا َّ
األول ليو َ
روض البيت ّ
أصاب ْت َع َ
َ ط ِع ْقد
أن عّل َة الَق ْ ُيْل َح ُ
عروض األبيات األخرى جّلها في القصيدة تتبع عروض البيت الثاني المغايرة عن ّ
األول ،ما َ أن
ّ
أن ذلك ت ّم طَلًبا للتّصريع ،وهو يعني حرص الشاعر على أن يبتدئ به.
يعني ّ
91
( - -ب - - / -ب - - / -ب - - ( ... ) -ب /-ب ب – ب / -ب ب ) - -
فاعُل ْن ُ /متَفا ِع ْل )
فاعُلن /متَ ِ
ِ ِ ِ
( ُم ْتفاعُل ْن ُ /م ْتفاعُل ْن ُ /م ْتفاعلن ) ُ ( ...م ْت ْ ُ
مغاير –
ًا وفي كل ما مضى قد وافق العروض الضرب بًل ز ٍ
يادة أو نقصان في البيت األول، ّ َ َ ّ
العروضي ،في حينذاك التصريع َالعروض– عن عروض األبيات األخر في القصيدة وهو إذ َ
عدة منها قوله في قصيدة "حيفا" إذ أنشدها في حفلة ِ
ظهر عنده التصريع البديعي في مواض َع ّ
َ
حين زارها 1927م:
تكريمية له َ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،2ص.200
2
المصدرالسابق،ص .142
3
المصدرالسابقنفسه.
4
المصدرالسابق،ج،3ص .239
5
المصدرالسابق،ص .225
92
فاعُلن /متَ ِ
فاع ْل ) ِ ِ ِ ِ ِ
( ُم ْتفاعُل ْن ُ /متَفاعُل ْن ُ /م ْتفاع ْل ) ُ ( ...م ْتفاعلُ ْن ُ /م ْت ْ ُ
ِ
سيما
آناء كتابة القصيدة ،ال ّ
مدعاة إغواء لإللهام َ
َ يع كما يذكر عبد نور عمران وَق ْد يكو ُن التصر ُ
1
عند خليل مطران في
كان كذلك َ يعتمد الترّن َم في ال ّنظم ،وللمتلّقي أثناء اإللقاء .ويبدو ّأنه َ
ُ لمن
الروي تخيره ٍ ِ ِ
ّ مع ّالموحد بسهولة أيسرَ ،
ّ ذات اإليقاع
بعض قصائده ،إذ بالترّنم يستدعي األبيات َ
مثًل في قصيدة "مقاطعة" ،وقد
الفضاء النفسي الذي يضفيه على ما ينظم ،يقول ً
َ يًلئم
ُ فق ما
َو َ
وسلط قانون المطبوعات على األفكار:
نظمها عندما بدئ اضطهاد األحرارُ ،
رب ِ
الض َ
العروض ّالعروضي بموافقة َ من اإليقا ِع متمثّل بالتصريع َ ظ في البيتين َحشد الفت َلح ُ
ُي َ
اء مجهورة ذات امتداد الروي الروي فاعًلتُن ِ /
تماما في المطلع ( ِ
فجاء ر ً
َ ّ ّ فاعًلتُ ْن) ،كما وافق ْ َ ً
حال الثورة ِ ٍ صوتي ٍ
مجسدةً َ
ّ مدوية،
ّ يجعل التك اررية في الراء
ُ متأت من مد األلف ،ما ّ عال
لصالح األخيار دو ًما عاشوا أو ماتوا ،فتعداد الخيارات
ِ النتيج ُة
َ من المآل ،ما دامت
وف َ الًلخ َ
و َ
للضحية موجود وان فعل اآلخر به ما فعل .وكأن ّ الضمان
َ أن
يقينا من ّ
بداية يوحي بالًلمباالة؛ ً
َ
احدا تلو ِ
األخيار أو فلتقتلوهم و ً
َ شردوا
من التخييرّية المعجزة :فْلتُ ّ
الشاعر يقول مخاطًبا على نحو َ
دامت النتيجة ثابتة.
يفيدكم ذلك ما َ
اآلخر ،فلن َ
ستعمًل
ً وذاك بالتعبير م
َ عارضا آنيًّا،
ً من أفعالِهم ًا
أمر طارًئا جعل ْ
التعبير إذ َ
َ وقد أجاد الشاعر
مستعمًل أسلوب قصر النصر
ً االسمية،
ّ أثبت دوام النتيجة بالجملة
الفعلية ،في حين َ
ّ الجملة
الص ِال ُح ِ
الشر والسوء على األشرار ،إذ قالّ " :إنما ّ
صر نتيجة ّ
والرباح على فئة الصًلح ،وكذلك َق ْ
كل هذه المعاني التخييرّية والًلمباالة تجاهها يًلئمها ذلك
إن ّ
شرا"ّ ، يبقى صالِ ًحا"" ،ويبقى ُّ
الشر ّ
داخلية أخرى ٍ
ّ إيقاعات ف في المطَل ِع
ظَالشاعر و ّ
َ الروي المفتوح .إضاَف ًة إلى ّ
أن ّ االمتداد في
1
عمران،عبدنورداود،البنية اإليقاعية في شعر الجواهري،ص.221
2
مطران،خليل ،ديوان الخليل،ج،2ص .9
93
شك َل
لغويا؛ ما ّ الش ِ ِ
طر الثاني ّ ان ّجاء موافًقا ميز َ
األول َ
الشطر ّ
من المعنى ووازنت المبنى ،ف ّ
كثّفت َ
مع نظيرتها في الشطر اآلخر،
األول َ
داخلية متأتّية من مقابلة صيغة كل كلمة بالشطر ّ
ّ تقفي ًة
نحو ما يأتي:
َ
اقتلوا
وُ َش ِّردوا
أحرَارها أخيارها
َ
ُح ًّار َب ًّار
َو ُح ّار وب ْح ار
َ
ط ِر ِ
نفسها، ّإنها ذات صي ٍغ متطاِبقة ما يعني ِبني ًة إيقاعية ِ
الفتة ،حتّى إن ذلك يظهر في األش ُ ّ َ َ ُ ُ
الشطر المقابل ،وتكرار "الصالح" وتكرار "الشر"، الح ّر في ّ
مع البحر ،وكذلك تَكرار ُ البر َ
بمقابلة ّ
ِ سار إلى ِ دهرّية ،مضمونها ٍ
وبمكنتها أن تجري مجرى الدهر،آخر ّ ألن تكو َن حكم ًة ْ
صلُ ُح ْ
ّإنها تَ ْ
المصرع ُيحفظ استدعائها إذا ما حفظت ،أل ّن المطلع ِ
ّ يع لسهوَلة ْ
ناس َبها التصر ُ
فلربما َ
األمثالُ ،
القصيد ِة إذا ما ُذ ِكر.
َ لبقية أجزِاء المصرع ،ويكو ُن َم ً
دعاة ّ ّ أسهل من ِ
غير
توظيف ِه التّصريع،
ِ ألصق بالتراثيين في
كان َ
أن الشاع َر خليل مطرانَ ، ماس َبقُ ،يستنتَ ُج ّ
كل َمن ّ
اإلنشاد والقاء الشعر لديهم؛ كون ٍ
نسبة كبيرة مما نظم كانت في ِ نه َج ِ لموافقته في ٍ
َ كثير مما ينظ ْم ْ
ِ
استمالة أسماعهم حرص ُه على موضوع المناسبات ،وقد ألقيت أمام ٍ
حشد من الجمهور ،ما يعني
َ َ
تذكر مطالع قصائده التي تجري مجرى الحكمة أو المدح أو الرثاء
نحو ما يلقي ،وكذلك سهولة ّ
َ
ولربما حفظها ،ما يعني حرصه على أن تُذكر وتجري على األلسنةًّ ،
ردا لمعروفهم تجاهه .كما
ظُف ُه موافَق ًة للمعنى الذي يريد طرحه على
بل يو ّ ٍ أنه ال يكتفي ِ
إيقاعية بًل قيمة مضافةْ ،
ّ به ز َين ًة َ ّ
شطر ِ
يلقيه على المسامع. الناظم لها مذ ّأول ٍ
ط ّ َ مدار القصيدة ،فيعلِ ُن َ
الخي َ ِ
3.3التدوير:
94
أن
بعضها آخر الشطر األول وبعضها اآلخر بداي َة الشطر الثاني ،أي ّشطري البيت بكلمة يكو ُن ُ
يتم بجزٍء من هذه الكلمة.1
األول ُّ
الشطر ّ وزَن ّ
مصرع؛ ما يعني انفراد كل وما يؤكد هذا حسب قول – حماسة-هو عادة ابتداء القصيدة ٍ
ببيت
ّ ُ َ
اضع غير البيت األول في القصيدة، ٍ
شطر عن اآلخر في اإلنشاد ويأتي كذلك –التصريع -في مو َ
ذلك يعني أن هذه األبيات المصرعة داخل القصيدة واجب فيها الوقوف على َعروضها وكذلك
الضرب ،إذ سيحدث خلل في الوزن إذا ما عوملت معاملة المتصل.4
معاملتها ُنطًقا كما تعامل ّ
تكامًل،
ً الصوت والمعنى والشعور ،محدثًا
جسد اتّحاد ّ
إيقاعية الفتةُ ،ي ّ
ّ لذا بدا التدوير ظاهرة
موحدة.5
النص كتل ًة ّ
من ّ جاعًل َ
ً
فرضية
ّ بعض دراساته على التدوير في الشعر العربي ،منطلًِقا منوقد أجرى الدكتور أحمد كشك َ
كبير
عددا ًا ِ
مستقرًئا ً بين التدوير والبحر الذي يكثر فيه ،وتأويًلت ذلك،
هناك تواُفق ما َ
َ أنه ربما
اءم مع ٍ
بعض البحور وفي مقدمتها الخفيف تتو َ أن َ مفادها ّ
بنتيجة ُ
َ خارجا
ً الشعري،من الموروث ّ
تهدف إلى
ُ الشطر الثاني ،فليست التدوير؛ أل ّنه من صفاتها انسياح الشطر األول في عًلقات ّ
ِ
المجزوءات منها ،في حين يندر أن يكو َن ِ
حاصل في تماما ،وذلك
الشطر ً اإلفصاح عن نغ ِم ّ
إيقاعه بالك ّلية.6 القسيم تم ِ
َ ُ أن ُي ّ
وذاك لحرصها ْ
َ طويل والكامل،
التدوير في بحور كما ال ّ
1
العبيدي،رشيدعبدالرحمن،معجم المصطلحات العروض ّية والقوافي،ط،1جامعةبغداد1986،م،ص/91انظرأيضًا:
الهاشمي،السيدأحمد،ميزان الذهب في صناعة شعر العرب،تعليق:عالءالدينعطية،ط،3مكتبةدارالبيروتي2006،م،ص
.35
2
كشك،أحمد،التدوير في الشعر :دراسة في النحو والمعنى واإليقاع،ط،1كليةدارالعلوم،جامعةالقاهرة1989،م،ص.7
3
عبداللطيف،محمدحماسة،الجملة في الشعر العربي،ط،1مكتبةالخانجي،القاهرة1990،م،ص .29
4
المصدرالسابق،ص.31–30
5
لوحيشي،ناصر،أوزان الشّعر العربي بينَ المعيار النظري والواقع الشعري :الشعر الجزائري في معجم " البابطين " أنموذ ًجا
تطبيقيًّا،ط،1عالمالكتبالحديث،األردن2011،م،ص .243
6
كشك،أحمد،التدوير في الشعر :دراسة في النحو والمعنى واإليقاع،ص.37
95
خد َم ِ
وكيف َ
َ الدال اإليقاعي،
ّ ان لهذا
كيفية توظيف مطر َ
ّ هو
الدراسة َ
أن ما ُيستقصد في هذه ّ ّإال ّ
بين استعماله له والنتائج التي خرج بها بحث
ائتًلف ما َ وهل ثَ ّم
المعنى الذي يبتغيه في قصائدهَ ،
الدكتور أحمد كشك؟
ناك
شاء ْت ُم ْ ِ ِ
بء العين في الجفنين ما َ
اخبؤه َخ َ
وْ
أن َم ْن ِ ِ
ص كيفية االعتناء باألبناءّ ،إال ّ بأسى ممزو ٍج بمواساة ولطائف ُتَل ّخ ُ
مشحونة ً
وهذه األبيات ْ
بنصائح إيقاعية مشحون ًة تحم ُل طيَّها َدَفقات ِ
يعنيه اآلن أضحى نائيا في ِعداد الغائبين ،واألبيات ِ
َ ّ ُ ً
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،1ص .158
96
األول نصيحة ُم ْستَِقّلة شكل كل بي ٍت من ِ ِ إن تستَ ِط ْع"َّ ،
بعد ّ
ْ فكأنما ُي ّ ُ ّ َ ْ ألول " ْ
البيت ا ّ
َ تتبع
مشروطة ُ
ِ ٍ ٍ ِ ِ ِ
الناِب ِع من عاطفة ّ
جياشة. المعنى ّ بع ِ
مق َ ممتدة تَشي ُ
بذاتها ُمتَ َج ّسدة في هيئة جملة شعرّية ّ
صوت َح َنكي يخرج من أقصى اللسان، للفضاء المشحو ِن بتلك المعاني منت ِهي ًة بالكاف ُ
وه َو َ
بتنهيد ٍة خفيفة الردف من قبلِه على أقصى امتداد ،يوحي ِ ِ
َ مد ّ بعد ّ
مع صفته االنفجارّية َ
كينه َ
وتس ُ
ْ
س المصاحب لكل نصيحة. النَف ِ ِ
بطول ّ بعِد الوقف ،تشي
من ْ
الصبا ِ
األمثلة األخرى التي َو ّ
ف فيها مطران هذه الظاهرة ،قصيدة "بكاء" على فقيدة ّظَ ومن
َ
ِ ِ
بعد أن بكاها وواسى أهلها:
بعض أبياتها َ والكمال المرحومة ماري سبعُ ،
يقول في
الجماال ِ ِِ
لمرور َموكبها َ روس َف َوِّسعوا
الع ُ
هذي َ
الرجاال؟
المسير؟ وما الذي ُيبكي ّ
ُ إيها إلى ْأي َن
ً
97
رب ِعاض بالتُّ ِ
َغ ْبن على هذي العيو ِن تُ ُ
1
اكتحاال
ِ
دفقات حدا ُيو ِاف ُق
معها َنَف ُسه ًّ ِ ِ
ستطيل َ
ُ وي
مع التدوير َعندهُ تزداد َ
اإليقاعي َة للبيت الواحد َ
ّ الس َع َة
إن َّ
ِ
األبيات األولى ف بكثافة في ِ ظِ
فة في أشطرِه المتّ ِ الحس ِرة المو ّ
صَ الو ْ
بينهاّ ،إنه يعتَمُد َ
حدة فيما َ
َ
إن موكب الفقيد ِة وقد استَحال عرسا من الج ِ ِِ
ذك َرها من قبل ،حتّى ّ كان َ
مال لمآث َر َ ْ َ ُْ ً َ َ ّ مشه َد
مصوًار َ ّ
أن مآلها إلى ِ
دار َخ ْير. ِ
تختال إذ تمشي من وراء نعشها لعلمها ّ
ُ يل
اْل َخ َ
احِتفاال
طوف العاَلمو َن ِبها ْ
يكتُها َي ُ
هذي أر َ
فاعلُن /متَ ِ
فاعًلتُن ) ِ فاعُلن /متَ ِ
ِ
ُ /م ْت ْ ُ فاعلُ ْن ُ ( ُم ْت ْ
اخِتياال ِ ِ
صواف ُن ع ِّزها تَ ْمشي وتَ ُ
ختال ْ هذي َ
فاعُلن /م ْت ِ
فاعًلتُ ْن ) ِ ِ ِ
( ُم ْتفاعُل ْنُ /متَفاعُل ْن ُ /م ْت ْ ُ
طاب ْت َمآال
النعمى وَق ْد َ
صار ْت إلى ّ
وم َق ْد َ
اْل َي َ
فاعُلن /م ْت ِ
فاعًلتُ ْن ) ِ ِ ِ
( ُم ْتفاعُل ْنُ /م ْتفاعُل ْنُ /م ْت ْ ُ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،1ص.260
98
مع ٍ ِ
ماو ًجا إيقاعيًّاَ ،
بع تَفعيًلت تتّسق في ترتيبات متباينة في األبيات ما ُيضفي تَ ُ تنوع أر ِ
فقد اعتَ َم َد ّ
مع التفعيلة الرئيسة ،في تَواُف ٍق مًلح َ ِ
أض ُرُبها مقارن ًة َ
اعتم َد التّرفيل في أبياته ،فاستطالت ُ
ظة َأنه َ
َ
طول َنَف ٍ
س على الفضاء الكّلي للقصيدة بما يتواءم َ ِ
تدويرها؛ ما أضفى مع االمتداد الناتج من
َ
المشه َد الذي يصفه الشاعر ،نحو:
و َ
أما في قصيدة " رثاء أحمد فتحي زغلول باشا" نابغة العلم واألدب ،فقد كان فيها ثمانية عشر بيتًا
يقول فيها: ٍ
مدوًار من أربعة وعشرينُ ،
ّ
1
عام ِ ِ ِ ِِ
وب ْي َن التّأبين َل ْم َي ْخ ُل ُ
بين إ ْكرامه وآمالنا فيه َ
َ
99
االستفهامية الداّل ِة على ٍ
كثير من ّ وكذلك البيت من بعده ذو النغمة
االمتدادَ ،
ُ لك
الوصف ذ َ
َ فناسب
َ
القصيد ِة األخرى،
َ
ِ
أبيات صفاته التي يعجز كًلم الشاعر عن اإللمام بها ،ويتّضح ذلك جليًّا في
إذ ِ
يسرد الشاعر فضائل المرثي على بًلده فيقول:
مصام
ُ الص
دون ُه َّ
أي وأعيى َ
الر ُ
التم َس ّ
صامها إذا َ
صم َكان َ
َ
قام
الم ُ
ٍ ٍ
الفضائل في حال فحال وما اقتضاهُ َ
ُ شاء ِت
كان ما َ
َ
جام ِ ِ وهو ِ
روعة وفيه ْانس ُ
الدر له َ
الكات ُب الذي ينثُُر َّ ُ
إبهام
عب فًل ُش ْب َهة وال ُ وه َو العالِ ُم الذي ُي ْسلِ ُس َّ
الص َ ُ
األحكام
ُ الحكم ُة عنه وتؤثَُر
َ تؤخ ُذ
ص ُل الذي َ
الفي َ
وه َو ْ
ُ
1
اإللهام
ُ حظ ِه
يطرب السمع ويبدو في َل ِ ِ
وه َو المْق َو ُل الذي ِ ُ ّ ْ َ َ
ُ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،2ص .161
100
وهو ِ
الكات ُب الذي ينثر َُ
موحد +
واو العطف +ضمير الفصل +اسم +اسم موصول ّ وه َو العالِ ُم الذي ُي ْسلِ ُس
ُ
طرب ِ
قو ُل الذي ُي ُ
وه َو الم َ
ُ
ويقول في مدح المرحوم "حبيب لطف هللا" في مرثية بلغ التدوير فيها أكثر من نصف أبياتها:
101
تفوق
مكثفا في مراثي الخفيف مثًل وغيرها من القصائد المنظومة على البحر ذاته؛ إذ يظهر ّ
ً
التدوير في القصائد األولى على األخرى ،وذلك كله مو ّ
ظف في سبيل تحقيق الفكرة التي يريدها
في نصوصه.
3.4ال ّتكرار:
ِ
اضع سابقة كيفية توظيف الشاعر التكرار مضفيا نغما إيقاعيًّا إلى جا ِ
نب ُ ً ً بضع مو َ
ِ تبين في
لقد َ
احدة في بداية
يكرر الشاعر كلمة و ً فمثًل قد ّ
وللتكرار – كما تذكر نازك المًلئكة -ألوان عديدة؛ ً
كل مقطع 2 ٍ
يكرر عبارًة كاملة في بداية ّ
كل بيت في مجموعة من أبيات متتالية في القصيدة .وقد ّ
ّ
كامًل .4ومما هو سائد في الشعر المعاصر تَكرار ط ًعا ًكرر مق َ
أيضا أن ُي ّ
ويحد ُث ً
ُ في القصيدة.3
ِ ِ ٍ
فكرٍة ّ
معينة فيها .كما ُي َعُّد " َ معي ٍن ًا
5
ضرًبا معينة في القصيدة ،ألجل خدمة َ
قصائد ّ
َ كثير في حرف ّ
حاصل في الضمائر التي تُحيل إلى أسماء ِ
بعينها ما من ضروب اإلحالة إلى سابق" 6كما هو ِ
ُ ّ َ
يعني توكيدها مرتين.
1
نازكالمالئكة،قضايا الشعر المعاصر،ص .231–230
2
المصدرالسابق،ص .231
3
المصدرالسابق،ص .233
4
المصدرالسابق،ص .236
5
المصدرالسابق،ص .239
6
ص ّية،د/ط،الهيئةالمصريّةالعا ّمةللكتاب1998،م،ص.79
عبدالمجيد،جميل،البديع بين البالغة العربيّة واللسانيّات الن ّ
الدغمان،محمدمحمدمرسي،شعريّة الت ّكرار في المعلّقات،مجلةمركزالخدمةلالستشاراتالبحثيةبكليةاآلدابجامعةالمنوفية،
7
مصر2016،م،ع،52ص .255
102
الزم فائدة ،و "فائدة التكرير واإلعادة هي تحقق
َ ردًدا" ،1فتكرار المعنى يأتي
المعنى ُم ّ
اللفظ على َ
َ
وتمكنه وتقريره".2
الخبر ّ
النص التركيبية
ّ يمتد إلى بنى
وال يتوّقف التكرار على الكلمات فقط واستعماالتها السابقة ،بل ّ
أن التكرار "يعيد توظيف النظام اللغوي في جاهزيته ،ويحاول إعادة إنتاجه
والداللية ،هذا يعني ّ
عن
عبر ْ طرح للتكرار يستمد قوته من فكرة مفادها َّ
أن األدب ُي ّ من خًلل نصوص جديدة .وهذا ال ّ
متعددة تُ ِّ
كرسها تقاليد الكتابة".3 فكرة واحدة من خًلل أشكال ّ
النص األدبي،
داللية يستقيها المحلل لدى قراءته ّ وللتكرار كما ورد في "التحبير والتحرير" فوائد ّ
ِ
الوقت نفسه نقَل ُه إلى متلّقيه فتأخذه نشوة فالمتحدث يكرر ما يسترعي ويثير اهتمامه ،محبًّا في
ِ
مستعجًبا.4 مكرر ما قد سمع مسترنما
ًا المتأثر ،وقد ينطلق
ويوضح صًلح فضل دور التكرار في تعزيز التواصل بالمتلّقي؛ بكونه وسيلة من وسائل
االتصال؛ أل َّن المتكلِّم – الشاعر – يسعى بجماليات قوله إلى التعبير عن ٍ
ذات تتأثّر في محيط َ
ِ
مخاطًبا تبعا للتغيرات تلك
وفكرا ،ما ُيلزم الشاعر التجدد ً
شعور ً
ًا ذي حركة مستمرة ،دائم التغير
لقصيدِت ِه أكبر قدر من الغنى الصوتي،
َ يضمن
َ لتستجيب له5؛ لذلك يحاول أن "
َ البيئ َة بلغتها؛
آمًنا ،ولتحقيق ذلك يسعى الشاعر إلى :اإلعًلء من شأنالذي يجعل طريَقها إلى الجمهور ِ
1
ب الكاتب والشاعر،تحقيق:أحمدالحوفي،بدويطبانة، ابناألثير،ضياءالديننصرهللابنمحمد(637هـ)،المثل السائر في أد ِّ
د/ط،دارنهضةمصرللطباعةوالنشروالتوزيع،القاهرة،ج،3ص.3
2
الجعيد،إبراهيمعلي،خصائص بناء الجملة القرآنية ودالالتها البالغيّة في تفسير " التحرير والتنوير " ( رسالة دكتوراة )،
جامعةأمالقرى،السعودية1999،م،ص .104
3
النص من بنية المعنى إلى سيميائيّة الدّا ّل،ط،1الدارالعربيةللعلومناشرون،الجزائر2007،م،ص
ّ خمري،حسين،نظر ّية
.275
4
السيد،عزالدينعلي،التكرير بينَ المثير والتأثير،ط،2عالمالكتب،بيروت1986،م،ص.79
5
النص،د/ط،عالمالمعرفة،الكويت1978،م،ص/189انظرأيضًا:المومني،سهامعلي ّ فضل،صالح،بالغة الخطاب وعلم
سليمان،ظاهرة التكرار في شعر الرثاء حت ّى نهاية العصر األموي ( رسالة ماجستير )،جامعةاليرموك،األردن2009،م،ص .38
شعر والتلقّي :دراسات نقديّة،ط،1دارالشروق،األردن1997،م،ص.67
6
العالق،عليجعفر،ال ّ
103
نصه يعتني بها أكثر مما سواها ،وقد ٍ ِ
معينة في ّ
اإللحاح على حاجة ّ
ِ الشاع ُر ُبغي َة ظُف ُه
وقد ُيو ّ
"يضع في أيدينا
ُ يكشف به عن نقطة حساسة في القصيدة ،1والتكرار كما تقول نازك المًلئكة:
لع عليها".2 ِ مفتاحا للفك ِرة المتسّل ِ
ط ُالشاعر ،فيضيئها ،بحيث ن ّ
أعماق ّ طة على ً
سير ِ
كسر الجْف َن ّإال ...وَقْلب ٍ
ص ّب َك ُ
َ ُ َ ال تَ ُ َ
مور ٍ
وجْف ُن باك َي ُ
َوال تََب َّس ُم ّإال َ ...
3
صور الح ِي َوال َتَلَّف ُت ّإال ...وجيرة
ُ َ َُ َ ّ
ثم يكرر من ِ
بعد ذلك في مواضع أخرى من القصيدة أسلوب االستفهام بـ "أين" ،يقول: ّ ُّ
دور؟ ِ
يت َب ْد ًار َ ...و ْأي َن م ْن َك اْلُب ُ
يا َب ْد ُر ُس ّم َ
نير؟ ٍ
من ذي َحياة ُي ُ
نير ْ ...
ماد ُم ًا
الج ُ
ْأي َن َ
4
عور؟ ِ
الش ُ
منه ّ
باح ُة فيه ...و ْأي َن ُ
الص َ
ْأي َن ّ
1
نازكالمالئكة،قضايا الشعر المعاصر،ص .242
2
المصدرالسابق،ص .243
3
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،1ص .23
4
المصدرالسابقنفسه.
104
ِ ِ
موض ًحا
ّ بين البدر الحقيقي والبدر البشري، يستفهم الشاعر هنا بَق ْد ِر ما ّأنه َيعقُد َ
مقابَل ًة ما َ ُ ال
ان ِ ِ ِ
بينهماُ ،مل ًّحا على هذه الفكرة باالستفهام االستنكاري ،فشتّ َ
باالستفهام صَف َة االستبعاد والتّباين َ
يشعر وآخر ال بين ٍ
بدر ُ ان َوآخر ينير بها ،وشتّ َ
در يبدو ُخ ًلوا من الحياة َ بين َب ٍ
وبدرَ ، بين َب ٍ
در َ ما َ
فكان تَك ارره عن المفار ِ
قة بينهما وأن البشري فيها ال ي ِ بين ِ
أي َبدرَ ،
مك ُن أن يضاهيه ُّ ُ ّ َي ْش ُعرّ .إنه ُي ُ
ِ
للحبيبة الذي ال يعلو عليه البدر الحقيقي. االستفهام إعًلء ٍ
شأن َ َ
ِ
البحر إيقاع غنائي ،على كل ذلك ،تبدو قصيدة الشاعر طر ّبية نغمية ،ذات ِ
ٍ وباإلضافة إلى ّ
المجتث ،بتفعيًلته الموضحة كما اآلتي:
دور؟ ِ
يت َب ْد ًار َ ...و ْأي َن م ْن َك اْلُب ُ
يا َب ْد ُر ُس ّم َ
بدال
يمتاز بخّفته وظرافته المتأتية من التفعيلة "فاعًلتن" ولو ُكررت تفعيلته األولى ً ُ البحر
ُ وهذا
منها لكان ضربا من الرجز تنتفي عنه تلك الظرافة ،إذ قال فيه المجذوب" :وال أ ِ
ُنك ُر َّ
أن َل ُه َرنّ ًة َ َ َ ً َ ّ
عذبة ،و ّأنه من األبح ِر ِ
القصار القليلة التي َي ْح ُس ُن فيها تَطويل الكًلم لإلطراب واإلمتاع".1 ُ ُ َ
ومن أمثلة التكرار ،ما جاء في قصيدة "تهنئة زفاف" ،وقد أنشدها في حفلة زفاف ابن عمه السيد
رشيد أسعد مط ارن إلى السيدة أليس ،كريمة المرحوم خليل الزهار ،وكانا قد أزمعا السفر إلى
بعلبك" مسقط رأس الشاعر ،يقول:
" ّ
أم ٍة ْأبرِار
من ّ
ام ًة ْ
وكر َ
محب ًة َ ...
ك ّ َوَتَلّقيا في بعَل َب َّ
1
مطران،خليل،ديوانالخليل،ج،1ص .121
105
علبك وأهلها َ ...أوال َوهم أهلي وِت َ
لك دياري؟ ّإني ألهوى ب َّ
1
اإلعًلن واإلسرِار
ِ فإن ُهم ُ ...س َمحاء في أحب ِفتيتَها ِ
الكر َام ّ و ُّ
"بعلبك"
ّ مرتين بقوله
اإلفصاح المباشر ّ
ِ ثم ّإنه يطرب بذكر المكان ،فيذكره مرًارا ،مج ِّسًدا ذلك ب ّ
مرتين في قوله "أهلها" و "فتيتَها".
تلك دياري" ،واعادة ذكرها مضمرًة ّ واإلشا ِرة إليها ّ
مرًة أخرى في " َ
القوي في المقابل.
ّ ِ
لحضور حنينه وشوقه قوي للمكان متز ً
امنا ٍ
حضور ّ بشد ٍة على
ّإن ُه ُيلِ ُّح ّ
والتأثير،ص.82–81
106
كأن" في قصيدة "وفاة الملكة فكتوريا" يقول فيها: ِ
ومن أمثلة التكرار عنده تك ارره حرف التشبيه " ّ
ٍ ِ ِ ِ
بال ِرمال تَ ْع َتلي وتَ ُ
هيل الب ِّر َ
سار ْت ب َن ْعشها ...ج ُ َّ
كأن جنوَد َ
ِ ِ
حار وَق ْد َم َش ْت ِ ...به َج ِزعات واْلخ َ
أساطيل اْلِب ِ
1
هول
ض ُّم َم ُ َ َّ
كأن
كل
ابتداء ّ
ُ شك َل
وقد ّ
صور الشاعر َهول الفاجعة المتمثلة بموت الملكة ،وآثار ذلك على األرجاءْ ،ُي ّ
الداللة المنشودة ٍ
بيت من األبيات السابقة فيها باألداة "كأن" نسًقا معينا ِ
السامع بحثًا عن ّ
َ يستف ّز ًّ ّ
المشبه
ّ يشك في َّ
أن كأن" أداة تشبيه تستعمل "حيث يقوى الشبه حتّى يكاد الرائي ّ
من التّكرار .و" ّ
المشبه به أو غيره".2
ّ هو
َ
ِ
األمر عليه، تقًللية ردة فعل ك ّل مشبه على حدة لثَق ِل ِ
اس ّ صور ْ
يحاول أن ُي ّ
ُ األداة إنه بتكرار
ٍ
لوحة كل بحزِنها ّ ٍ
تتجم ُع أجزاؤها من ّ
ّ بعد لوح ًة كّلّية مليئة باألسى
لتشك َل من ُ لوحة ُكل َفتستقل ّ
ّ
وكذا تشبيهية جزئية .فكثير من الخلق جزعوا لرحيلها حتى بدوا نادبين ثاكلين أو هم كذلك ًّ
حقاَ ، ّ ّ ّ
األمر ٍ
باد أثره على الجماد؛ فالقصور العامرة الحافلة أقفرت وخلت ولم تعد فيها الحياةُ كما كانت، ُْ
ًّ
مس فيالش َ إنسانا يبكي على فراقها أو تكاد تكون ذلك حقا ،والحزُن َ
طال ّ ً حتّى نجوم الليل بدت
شجنا وترّن ًحا على المآل،
علوها ،وبدا الجنود الذين حملوا نعشها ومشوا فيه كأنهم رمال متماوجة ً
ّ
وكذلك أساطيل البحار.
َّ
محط كأن" األولى كانت
وكأنما " ّ
فضاء جنائزيًّا حز ًينا تتّسق مكوناتهّ ،
ً شكل
ُك ّل هذه الصور ت ّ
فكل تلك التشبيهات إنما كانت ألجل ِ ِ
تناسل شبيهاتها من بعدها أو كأنها إيذان بتكرار األسىّ ،
موحد. ٍ
أمر ّ
1
مطران،خليل ،ديوان الخليل ،ج،1ص .134–133
2
السبكي،بهاءالدّين(773هـ)،عروس األفراح في شرح تلخيص المفتاح،تحقيق:عبدالحميدالهنداوي،ط،1المكتبةالعصرية،
بيروت2003،م،ج،2ص.77
107
ومن تَك ارره الكلمة – الضمير -قوُله في قصيدة "زفاف" اآلنسة نجًل سركيس إلى الدكتور رائف
اصفا العريس ووالده من قبل:
نده ،و ً
والًلفت في األبيات السابقة البيت األخير؛ إذ تكرر ضمير المخاطب "أنت" أربعا ،وهو يشير ِ
به ً َُ
طيب الذكر، ٍ
فه َو ابن "يعقوب" ّ
طبيب ،في محاولة منه إلى إعًلء شأنه وذكره وعلو منزلتهُ ،
إلى ال ّ
بين القوم ،وعلى
علي َكان أبوه ذا مقا ٍم ٍ
فوعا كما كان ،إذ َ الواجب على ابنه أن يبقي صيته مر ً
ّ
ابنه أن يكون مثله ،فأعلى َقدره بتكرار الضمير ومن قبلِ ِه ما االستغراقية ،إ ْذ وصل في حس ِ
به ًّ
حدا َ َ َ ّ ّ َُ َ
كرره في الشطر الثاني ومن قبله االسم الموصول " من " في إقرار منه إلى ال ُيضاهى ،وكذلك ّ
الن ِ بين الناس ،فهو في تك ارره " أنت " يْف ِ
ص ُح مباشرة ِ ّأنه أهل للفضل و ِ
جل المرتقبعن ّ َ العقل من ِ ّ
ين
يعرض بآخر َ
خاصه بتلك الفضائلّ ،
يذكره ويشير إليه ّ
الذي ذكره في األبيات من قبل ،وهو إذ ُ
ال يمكن أن يجاروه ،لفضائله البينة من بعد ،يقول:
بالن ِ ِ
معتًل
مير ّالض َ
فس تَشفي ّ وفيك َم ْع ِرَفة ّ ...
ُّك ُبرء َ
طب َ
ِ
األمر تُن ِهه واذا ُ ...وّل َ
2
من وّلى
أمر َكَف ْي َت ْ
يت ًا َ إن تَ َبدأ
ْ
ومن التّكرار قوله في رثاء " المرحوم يوسف سابا باشا ":
َ
الفضائل ِ
فيه واآلدابا ...ع ِّز َ ف سابا ِ ِ
َ َ يوس ُ
مات ُ
المعال َيَ ،
َع ّز َ
3
األنساب واألحسابا
َ الباس و
الندى ...و َ َع ِّز ْاإلمارَة و ِ
الو ازرَة و ّ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،3ص.21
2
المصدرالسابقنفسه.
3
المصدرالسابق،ص .35
108
ِ
بحسب مستهل أبياته فإنه - عز" ،وهو إذ يكرر البداي َة
مكرًار فيها الفعل " ّ
ّ هل الشاعر أبياته ّ
يستَ ّ
ْ
اشجا ينفي أن يكون التكرار فيها ر ً
تيبا ممًل، ما يرى الباحث موسى ربابعة -يشكل منها ً
بناء متو ً
تلح على ٍ إن في إعادة الفعل " ِّ
تجسيدا لرؤية ما ّ ً وعي أو دونه،صدر عن ٍ َ عز " وان بل ّ
الشاعر وتقلقه.1
ِ
المأساة وما هول ِ
تأكيد ِ ِ
الفجيعة بغياب الفقيد فألح الشاعر على إن هذا القلق يتمثل في حجم
وصاحبا للفضائل واآلداب ،وأهًل للحسب
ً أهًل للمعالي،
كان ً
ثي من فراغ وراءه ،فقد َ تركه المر
ّ
مضفيا على المعنوي والًلإنساني صف َة البشرّية
ً النفسية،
ّ مجسًدا حالته
يندبه الشاعر ّ
والنسب؛ ف ُ
جاعًل من المعالي والفضائل واآلداب واإلمارات والو ازرات واألحساب واألنساب
ً والتشخيص،
كان منحه له المرحوم. ِ
بالفضل الذي َ ويشعر عزى،
إنسانا ُي ّ
ً
ُ
شجية نابع ًة من المعنى المعجمي لِما يكرر مضاف ًة إلى موسيقى ثُم إنه بالتكرار ِ
يحد ُث نغم ًة
ّ ّ ّ
طلبي ِة المتمّث ِ
لة باألمر " َع ِّز " المشير إلى ِ البيت اإلطارّية ،كما يقرن اإليقاع
اإلنشائية ال ّ ّ
ّ بالصيغة
الحدس بهذا الهاجس الذي يبغي الشاعر نقله إليه.
المرَء إلى االلتفات و َ
االلتماس؛ ما يدعو َ
ِ
القلقيل صين َسًلم َ ...على َبني ِ
الم ْخل َ
في ُ
قال ِ
وقيل غير ٍ
ماهم ِ ...ب ِ ِ
ائنين ح ُ
الص َ
ّ
فعل َن ِ
بيل بك ِل ٍ ِ
داهم ّ ُ ...
الكائدين ع ُ
َ
ِ
الوفاء الثّ ِ
قيل بء ِ ِ
الحاملين خفاًقا ...ع َ
َ
1
ربابعة،موسى،التكرار في الشعر الجاهلي :دراسة أسلوبيّة ،مجلة مؤتة للبحوث والدراسات،األردن1990،م،مج،5ع،1
ص .183
109
ِ1
روب اْل َجميل
ض ُ العطايا ...فيها ُ
المانحين َ
َ
1
مطران،خليل ،ديوان الخليل،ج،3ص .98
2
المصدرالسابقنفسه .
3
مراد،يوسف ،مبادئ علم النفس العام،ط،6دارالمعارف،مصر،د/ت،ص .250
110
وشكًل من أشكال التحسينات فية وألن هذا التكرار – كما يوضح سامي عبابنة ِ ّ -
ً يشكل سمة زخر ّ ّ
شك إلى
النص فرادته ،فإنها ستؤدي بًل ّ
كسب ّفي األسلوب وما ينتج عنها من فوائد داللية تُ ُ
خلف ُه مقصد الشاعر مما يريد إبًلغه لمتلّقيه.1
يكم ُن َ
وه َو أثَر ُ
لح في المتلّقي ُ
إنتاج أثر ُم ّ
ِ
األجيال يعتَُّز في ٍ ِ
ئ جيل ْ
صديقي ،ويا إمامي ،ويا ُمنش َ
يا َ
صال نمى ِ
به من ُنهى وحس ِن ِخ ِ حيا وما َّ
ُْ ً الم ّ
ذاك ُ
لس ُت أ ْنسى َ
ْ
أحب ِ
مثال ِ ِ
منك في ّ
الشمائل ُمثّْل َن لنا َ
َ تلك
َل ْس ُت أنسى َ
ظ َعُّد آللي
كأن األلفا َ الن ِ
طق َّ طًلقة في ّ
تلك ال ّ
َل ْس ُت أنسى َ
2
من ِح ْك َم ٍة ور ٍ
أي عالي َلست ْأنسى تلك الدروس وما ِ
ض ّم َن ْ
ُ َ َ ْ ُ
ِ
مر ذكرى على ذهن الشاعر فتعص ُ
ف ذاكرته وتنعشها ما كل هذه األمور تُختَ َزُل بكثافة لدى ّ
إن ّ ّ
يجعَلها مت ِقدة تتغّلب على نسيان الزمن الطويل بتجسيده في ذكرى أو موقف قصير ِ
به ُي ْستَرجع ّ ُ ّ َ
ما ال ُينسى ،يقول:
عبابنة،ساميمحمد،التفكير األسلوبي رؤية معاصرة في الت ّراث النّقدي والبالغي في ضَوء علم األسلوب الحديث،د/ط،عالم
1
الكتبالحديث،إربد2007،م،ص .249
2
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،3ص.100
3
المصدرالسابقنفسه .
111
الصبا كلّه
سن ّظرف نفسيًّا ،فها هو ّ
اء ال ّ
الزمن بما يستشعره إز َ
آلي َة التح ّكم في ّ
يجسُد ّ
وهو بذلك ّ
لمح البصر.
يمر َ ٍ
خاطر ّ ط َّي
ص ُر َ
بما عاشه ُيختَ َ
ِ ِ
داللية يتّكئ عليها في ٍ
كثير من ّ أن الشاع َر يتّخ ُذ من ظاهرِة التّكرار ً
أداة مما سبق ،يلحظ ّ
استقرِاء ديوانه ّأنه و ّ
ظَفها بكثافة في مراثيه ،فًل تكاد تخلو قصائده ،ومما ُيستنتج من التحليل ومن ْ
يشد من قوامها المتكئ في بنيته العميقة على ِ
مر ّثية منها ،حتّى ّإنها سمة تنماز بها ،وهذا مما ّ
كل ذلك المر ّثية حتى وان َغ َدت
فًلزم ّ
َ إن فيهما هذا التكرار الًلفت
الندب أو النواح والبكاء ،إذ ّ
مدحا.
في أكثرها ً
استحضار صفات المرثي ويشيد يلح على ْ واذ يندب الشاعر في التكرار فإنه في ِ
اآلن ذاته ّ
ّ
ٍ
ف التكرار طرًبا ليستميل
ظُ ويذكر صيته .ومن جهة أخرى ّ
فإنه يو ّ أن تَ ْرَس َخ ُ
بفضائله من أجل ْ
وكذلك يطرب في ِ
حال ِ
ذكر غم متهافت ًة إلى حفظه وسهولة تداولهَ ، األسماع فتلتفت إليه ِ
َُ الن َ
ط ًة ّ
ملتق َ ُ َ
نسًقا
بعلبك ،فكأنه يتّخذ التكرار َ
ّ تبي َن من حنينه وشوقه لموطنه
حب فيكرر اسمه مرًارا ،كما ّ
ما ُي ّ
بين الداللة إال به.
تكاد تَ ُ
ال ُ
بعض مًلمح اإليقاع الداخلي في أشعار خليل مطران كما التصريع والتكرار تعضد من فكرة إن َ ّ
وسياق إنشاده القصائد في المحافل اعتماد ِه ما اعتمدته الثقافة الشفاهية الر ِ
اسخة في ذهنه التفاقها ِ
َ َََ
والمجالس ،فالتصريع ،والتكرار ال سيما في التقفية الداخلية ،وبعض األساليب اللغوية ،سواء
ِ
استعادةهيأة الستمالة سمع المتلّقي وتيسير حفظها و
صيغا ُم ّ
ً عد
أدركها الشاعر أو لم يدركها ،تُ ّ
فمثل هذه القصائد تعنيه أن تُردد
مدة ،وهذا ما كان الفتًا في قصائد مدحه أو رثائهُ ،
بعد ّ
تذكرها َ
ّ
ِ
ألسنة الناس. على
112
.4مالمح إيقاعية في شعر مطران القصصي.
األوزان والقوافي في القصص الشعرية عند مطران. 4.1
التّضمين. 4.2
التكرار صفة الزمة في شعر مطران القصصي. 4.3
113
إيقاعية في شعر مطران القصصي:
ّ .4مالمح
ِ
المتناولة مجموع ًة من األحداث القصة كما يعرفها محمد يوسف نجم ،من الفنون النثرّية
تعد ّّ
المتعلقة بشخصيات مختلفة تتباين في أساليب عيشها وتصرفها في الحياة تؤثر وتتأثر فيمن
حولها.1
مع مرور
ونضوجا َ
ً تطوًار
ودا بذاتهّ ،إال ّأنها شهدت ّ
فنا منش ً القص َة قديما لم تكن ًّ
أن ّ وال َّ
شك ّ
ً
يجانب التعسف من
نفي وجودها عندهم ضرب َ قبل اإلسًلم ،وال َّبد أن
الوقت في حياة العرب ما َ
ُ ّ ّ َ
الصواب؛ لوجود قصص وحكايات من الموروث ،كقصص عنترة وأبي زيد الهًللي ،وكذلك ّ
أن " بقايا القصص التي تطالعنا في المثل
قصص الحيوان الواردة في الشعر العربي بكثرة ،كما ّ
السائر أو الخبر المنقطع أو األسطورة المحكية في الشعر أو الطقس الديني الذي يمارس في ظل
1
نجم،محمديوسف،فن القصة،ط،5دارالثقافة،بيروت1966،م،ص.9
2
صالح،ميثممهدي،البناء القصصي في القصيدة العربية :دراسة تحليليّة في قصيدة أبي ذؤيب الهذلي،مجلةمركزدراسات
الكوفة،العراق2011،م،ع،4ص.287
114
الدهر
وهي تجوز ّ مناسبة عابرة تحدد العمر الزمني الذي بقيت أيامه تحمل هذه األشًلء المتناثرة
َ
أياما عصيبة من أيامها".1 ق
الممتدة ،فتستغر أجزاء متباعدة من حياتها وتقتطع ً
ّ طويل واألجيال
ال ّ
كان
ص َق ْد َر ما َ ِ
ألجل الَق ّ ِ قصد ولكن ال َّبد ّ
أن الشعر القصصي فيما وصلنا من أشعار العرب لم ُي َ
تتبع هذا النهج اتّخذه طريًقا لتكثيف َّ
األمر ّ
ُ ف َس َنًدا لفكرة الشاعر المرومة ،فإن اقتضى
يوظ ُ
المعنى.
1
القيسي،نوريحمودي،لمحات من الشعر القصصي في األدب العربي ،د /ط،منشوراتدارالجاحظللنشر1980،م،ص–10
.11
2
صالح،ميثممهدي،البناء القصصي في القصيدة العربية :دراسة تحليليّة في قصيدة أبي ذؤيب الهذلي،ص.287
3
سورةيوسف.3:
4
سورةاألعراف.176:
5
حميده،عبدالرازق،الشعر القصصي أو شعر المالحم،صحيفةدارالعلوم(اإلصدارالثاني)1939،م،س،5ع،3ص.66
115
ِ
خصص هذا عامة دونما اإلشارِة إلى عّلتها وداللتها ،لذا ُ
سي ّ إيقاعية ّ اهر اكتفت ب ِ
ذكر ظو َ ّأنها َ
ّ
قضية يخِد ُم ِ
ّ منحًيا ما قد تناولته الدراسات حوَله َخًل ما ْ
الفصل لدراسة إيقاع الشعر القصصي ّ
الداخلية.
ّ الخارجية و
ّ الدراسة المتمثلة بموسيقاه
عند مطران:
4.1األوزان والقوافي في القصص الشعرية َ
ع من الشعر .فهل
تبين األوزان والقوافي التي أوثرت لتُجسد هذا النو َ
يهدف هذا المبحث إلى ّ
ِ
تخيرها مطران مستقصدها بعينها دو َن غيرها؟ وا ْن َ
كان ،فما الذي دعاه لذلك؟ وما الخصائص
المطولة
ّ هل تكتفي القصص الشعرّية نظما له دو َن غيرها؟ ثم ْ تلك األوزان لتكو َن َ
أيسر ً أهلت َ التي ّ
الشكل؟ وا ْن كان
الشعر يجد في المواشجات الوز ّنية متنّف ًسا أرحب لهذا ّ
َ بوزٍن تعبيرٍّي واحد ْأم ّ
أن
ٍ
ناحية أخرى، متباينا عن اآلخر؟ ومن موضوعا ِ
القصيدة الواحدة كل وزٍن داخ َل
ً ً كذلك ،فهل ينحو ّ
ِ
حال القوافي التي ينماز بها الشعر عن النثر؟ وهل ستتأثر كو َن عماد هذا الشعر ّ
قصة في ما ُ
أصلها نثرّية؟.
ِ
من الَقصص الشعري؛ إذ بلغ مجموع ما نظمه أربعين ّ
قص ًة بأس به َ
عددا ال َ
لقد نظم مطران ً
شعرّية ذات موضوعات متغايرة ،فبعضها تاريخي أو ملحمي كما قصائد ( )1870 – 180و
وجدانية كما في قصائد "نصيحة
ّ عاطفية
ّ "نيرون" و"السور الكبير في الصين" ،وهناك موضوعات
لفتاة أهملت زينتها" وقصيدة "تبرئة" و "الحمامتان" و"غرام طفلين" ،وهناك قصص اجتماعية من
مثل "الوردة والزنبقة" و "يوم البرميل" ،باإلضافة إلى بعض القصص ذات المضمون الفلسفي كما
يان األوزان
الجدول اآلتي َب ُ
في قصائد "قضية بين القلب والعين" و "يوسف أفندي " وغيرها ،وفي َ
التي نظمت عليها:
هناكدراسةبعنوان":خليلمطرانوشعرهالقصصي"قدّمتهاالباحثةنازكالمارزيلنيلرسالةالماجستير،تناولتفيهامضامين
أن ّ
ةالقصيرةالمعروفةمنشخصياتوأحداثوزمانومكان...إلخ،إال ّ ص
القصصالشعريةعندخليلمطرانواستيفاءهلعناصرالق ّ
ّىأسطرامتناثرةفيثنايادراستها.
ً ُيذكر،وكانتأشارتإليهإشاراتعابرةالتتعد
َ ّ
حظإيقاعهذاالجنسالشعريفيهااليكاد
األغراضهاغير
َ ً َتالقصصوفق
َ وردَهذاالترتيبللقصائدفيدراسة"خليلمطرانوشعرهالقصصي"،إالأنالباحثةفيهاصنف
ّ ّ
مستقصيةبحورهاكمافيهذهالدراسة،بالمكنةِالعودةِإلى:جاللالدين،نازكالمازري،خليل مطران وشعره القصصي ( رسالة
َ
ماجستير)،جامعةأمدرماناإلسالميّة1999،م،ص .56–54
116
الًلحق الطفلة البويرية الكامل فاجعة في هزل
المتقارب فتاة الجبل األسود مجزوء قضية بين القلب والعين
الخفيف
الطويل الجنين الشهيد الخفيف يوسف أفندي
الكامل غرام طفلين نصيحة لحسناء أهملت زينتها الوافر
الوافر نابليون األول وجندي يموت الطويل زفاف أم جنازة
ممزوج نفحة الزهر المتقارب تبرئة
السريع حكاية عاشقين مجزوء لسحر
ًا إن من البيان
ّ
الكامل
السريع يوميات أدبية الكامل السور الكبير في الصين
ممزوج الطفًلن الكامل النرجسة
إلعانة طرابلس حين اعتدى البسيط البسيط شيخ أثينة
عليها الطليان
الوافر األمير في عكاظ المجتث الحمامتان
السريع فتاة جميلة بائسة مجزوء شهيد المروء وشهيدة الغرام
الرجز
الرمل نيرون مجزوء العصفور
الكامل
الكامل الكشاف الطويل وفاء
المديد تأبين الدكتور عيسى محمود الطويل العقاب
الكامل اللبن والدم الكامل مقتل بزرجمهر
الرجز يوم البرميل السريع الزهرة
الكامل بنت شيخ القبيلة المجتث صفقة خاسرة
عندهُ
البحر الكامل َ
َ أن
متنوعة لهذا القصص الشعريّ ،إال ّ
بحور ّ
ًا طوع
أن خليل مطران قد ّ
يبدو ّ
اء الماضي من
لزم شعر ُ
لزوم الشاعر ما َ
وهو ما يعني َضمن اإلحصاء اآلنفُ ،
َ هو المسيطر
َ
أصبح "معبود
َ قال عنه إبراهيم أنيس إنه
النظ ِم عليه في موضوعات متعددة ،حتّى َ ِ
استئثار ّ
1
متصد ًار في القديم والحديث.
ّ حضوره قويًّا
ُ فكان
الشعراء" َ ،
1
أنيس،إبراهيم،موسيقى الشعر،ص .208
117
يعود إلى أسباب تتعّلق بالوزِن نفسه
أن استئثار النظ ِم على الكامل دو َن البحور األخرى ُ
ويبدو ّ
ِ
يستط ِع التخّلي فإنه في قصائده لم
ان دعوة إلى تجاوز الموروثّ ،
إن بدا من مطر َ
هذا يعني أنه ْ
تش ّرَب ُه بسهولة ،ويبدو ذلك من قصيدته " "1870 - 1806و ْقد كتَبها في صباه، ِ
عن اإللف الذي َ
تًلال من
استبقيته من منظومات كثيرة أقمت بها ًكل ما ْ
وهي ّ يقول عنها في تقديم قبلها" :
ُ
َ
النظر عليها
جعلت أعيد ّ
ُ الض ِ
نين على كنوزه .ثم حرص ّ
َ أحرص عليها
ُ ذاك
وكنت إذ َ
ُ طروس، ال ّ
2
أما عن عنوان القصيدة فالرقمان فيه"
تبق منها إال هذه " ّ .
فأطرح منها صحيفة صحيفة حتى لم َ
ودخل برلين ،والى
َ إشارة إلى السنة التي انتصر فيها نابليون األول على األلمان في معركة يانا
السنة التي انتصر فيها األلمان على نابليون وولجوا فيها باريس" ُ ،
3
يقول فيها:
الفناء الحادي
َ ولكن
كأن ُهم ...عيس ّ
عين ّ
متطو َ
ّ ُي ْحدى ب ِه ْم
118
صوت الشاعر ًّ
ممتدا من البداية وت ّإال َ
ص َقصيدته من الحوار فًل َ
َ البيتين األول والثاني ،وتخلو
اصًفا ِ
األبيات كلها على النحو ذاته ،يقول في أبيات و ِ بقي َة
الوصف ّ
يستمر في َ
ّ ثم
حتّى النهايةّ ،
"نابليون":
الزعام ِة ِ ِِ
باد كأن نابليو َن في إشرافه َ ...عَلم على َعَل ِم ّ َ
َو َّ
ض ِج ِ
ياد ورْك ِ وعًل هتاف مازجته غماغم ...من س ِل ِ ٍ
أسل َحة َ
َّ ْ ََ ُ ََ ُ
ِ1 ِ
جاوبات الع ْز ِ ٍ
ف باإلبعاد َ ظنُّها ُ ...متَ
كاد تَ ُ
َوَرنين آالت تَ ُ
ويظهر األسلوب السردي كذلك ،المتّكئ على الوصف في الدرجة األولى ،في قصيدة "المرآة
ظ ُر ِ
حديقة الجيزة فتاةً صغيرة تن ُ الناظرة أو عين األم" ،وقد نظمها على ِ
إثر رؤيته أثناء جلوسه في
شعرها ،يقول:
في عيني أمها وتصلح َ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،1ص.16
119
َ ُ
ِ
معاهد ح ِ
كمها ليك ٍة طاَف ْت
كم َ أصيًل ّ ِ
بالرياض تطوُفها َ ... ً عاج ْت
َ
باس ِمها
ط ُب ْ
تخ ُ
األطيار ْ
ُ مال فأنشأ ْت ...في ْأي ِكها
الج ُ
أم َرها َ
ناء َّ
َح ْس ُ
ِ
كمها
ورَد ًة في ّ
حيا ْ
الم ّ
جيدها َ ...ف َحكى ُ
دسي َ
سترت بأخضر سن ٍ
َ ََ ْ ْ َ َ ُ ْ ّ
1
جس ِمها؟ ص ِن ْ
نضرةُ ْ للغ ْ
وه ْل ُ
صًنا َ
ٍ ِ
مايَل ْت في ثَوب َخ ٍّز مورِق ُ ...غ ْ
َوتَ َ
ِ
لضمها أو جاورت َفرعا رطيبا ِلينا ...أْلوى ِب ِمع َ ِ ِ
ومال ّ
ط فه َ ْ ْ َ َ ْ ْ ً َ ً ًّ
2 ف أبصار بها في ِخزنها ِ ...بح ِ
يائها َوَي ُش ْك َنها في َو ْه ِمها َ َ وتَ ُح ُّ ْ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،1ص .21
2
المصدرالسابقنفسه .
3
المصدرالسابقنفسه .
120
يجم ُع بينهما االثنتين كما أشار إلى ذلك لفظ ِ الفتاة فقد أضحى فاعله من ِ
بعد ذلك واحًدا َ
ْ
"كلتاهما".
ين فيها ووصفها أما في قصيدته " الجنين الشهيد " فهي قصة شهد الشاعر وقائعها ووقائع العاشَق ِ ّ
حول فتاة فًلحة فقيرة
عر على الطويل ،وتدور أحداثها َ ظ َمها ِش ًا
بالحقيقية لتكو َن تذكرة وعبرة ،ن َ
مصر وأقامت فيها غريب ًة عن ديارها ،وكانت فائقة الجمال ،ما جعَلها عرض ًة للفتن ،يقول:َ نزلت
ناضب َق ْح ِل
ٍ الذل ...جَلت ِطْفَل ًة عن م ِ
وط ٍن ِ ِ
ْ َ َ ْ غر َيب ُة هذي الد ِار بادي ُة ّ
الن ِ ِ
خل يل باسَق َة ّ يث يروي ّ
الن ُ إلى َح ُ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،1ص .223
121
اس ِمها ِ
من أبيها سوى ْ
تتناو ْل ْ
ْلم َ
فقاومت ذلك بداي ًة ،إال ّأنها رضخت ثم انجرفت إلى هذا التيار المجنون ،واتخذ لها والدها ً
اسما
وكيف تُراود الفتاة عن
َ يصور مطران من بعد ذلك ما يجري في الحانات، ّ ثم
مستعار "ليلى"ّ ،
ًا
لينال منها مرتادو الحانة ،وكيف كانت تقاوم ذلك ،يقول:
نفسها َ
ط ار
مال ُمَق ّ مثاال مصو ار ...تَصور من ِ
ماء الج ِ كانت ً
َ َ َّ ْ ّ على ّأنها ْ
ِ
مسار الّنظم طر أخير منها إلى كل َش ٍ ِ ِ ِ ٍ ِ
أشطر لنْقل الحدث بصوَرته الفتًا في ّ كل خمسةف ّّإنه يكثّ ُ
إيقاعية متمثلة بالتنغيم المستقر
ّ بعض جماليات
رد َ وتشابك الموضوع ببعضه ،ثم يضفي على الس ِ
ّ ّ
أن ُي َغّي ار!" ،وكذلك بالمشاكلة ِ
السمها ْ
ونا ْ
صًكان َ
المستنكر فعل َة والديها بقوله " َو َه ْل َ
في االستفهام ُ
ونال
فتقر َب منها َ
أن جاء ذلك الفتى الوسيم واسمه "جميل"ّ ، و"تصوَر" إلى ْ
ّ مصورا"
االشتقاقية في " ّ
نال منها ما
ثم إنه َودها ،وأوهمها أنه فتى أحًلمها وأنه سينقذها مما هي فيه ،ووعدها بالزواجّ ،
ّ
لكن
ثم إنها انتظرته على أمل أن يعود ّ
وتركها في آالمها وفي أحشائها طفل ثم الذ بالفرارَ ،
أراد َ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،1ص .225
122
السم ومات
فجرعته ّ ظنونها خابت ،فلم تجد ًّبدا سوى التخلص من جنينها الذي ظهر إلى الحياةّ ،
ٍ
فقير دون أب .يقول في أبيات ي ُ
صف فيها حو َار األم مع ابنها الذي قتلته: كي ال يعيش ًا
نار تبت ِ
ليه وال تُبلي أم ِط ْرهُ ًا ْ َ
وْ
تزوج ِ
أديبا عاق ًًل قد ّ
أن فتًى ًالحق الظاهر" ومضمونها ّ
طاهر و ّطفل ال ّ
واألمر ذاته في قصيدة "ال ّ
فشق ذلك على رئيس اجا شرعيًّا على المذهب المسيحي وهو خًلف المذهب الذي ينتمي إَليهّ ،
زو ً
ينسب إلى ِ
عقد الزوا ِج المذهب ،فأراد االنتقام منه ،وبحث عن وسائل لذلك فاهتدى إلى أن ِ
َ ْ َ
نقصا ،وشرع يقلق الحكومة ويستثير الجمهور لًلنتفاض عليه؛ ما دعا الشاعر إلى االستشفاع
ً
ف بًلء ِ
عن الفتى ،واستسمحه لوجود جنين ليك ّ
للرئيس بمراحم الدين الحقيقي الذي علمه المسيح ُ
ً
ثم نصر هللا ِ
إن أُق َّر بطًلن الزواج ،فأصر الرئيس على موقفهّ ،
سيلح ُق به العار الخالد ْ
َ بريء
غًلما في غاية الجمال ،فنظم الشاعر هذه القصيدة
ً بعدله الفتى وأُثبتت صحة العقد ،ورزق الفتى
يهنئه ويشير إلى قصته ،يقول:
ّ
ِ
األطيار لك يا وليد تَحي ُة األحرِار َ ...كتَحي ِة الجن ِ
ات و ّ ّ َ َ ُ ّ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،1ص .244
123
األس ِ
حار تُ ْهدى إلى َس َح ٍر َ
من ْ
ِ
مختلفة القوافي ّإال في أشطرها ٍ
لوحات شطرّية القصة في هيئة
يسرد ّفإنه ُبًلّ ،األمر ذاتُ ُه كما َق ً
و ُ
ِ ِ
مضفًيا التحية في موضع التشبيهّ المقدمة بتكرار
مدب ًجا ّوصفا للطفل الوليدِّ ،
ً األخيرة ،ويبتدئ هنا
ِ
بإثبات الجنة وبالحرية التي نالها ِ
التحية ممزوجة بقداسة ّ ّ أن
مشير إلى ّ
ًا امنا مع الداللة،
إيقا ًعا متز ً
ملصًقا التحية األخرى باألطيار في إشارة إلى الحرية التي تشي بها في طيرانها، صحة العقدِ ،
ّ
وكذلك في كث ٍ
يشير
ثم ُ القصة ذات النازع النثر ّيّ .
ير من الصور التشبيهية المضفية شاعرّية على ّ َ
ٍ
مناوشات على بطًلن زواج أمه بأبيه: حقاق الحق ،من ِ
بعد إلى قد ِرة هللا في تدبير أمر الصبي وا ِ
ِ
األعصار أُعددت من ُذ بدا ِ
ءة ْ َ
طفل مغارٍة
كان َ
يوما " ،فعيسى " َ ٍ
وت إلى مقا ِم إمارة ً ...
َفَلئن َس َم َ
2
ِ
األبقار من ٍ
ضيع رائمة َ
ور ََ
ِ
حكمة هللا في قدره، مستعجبا من
ً تفهاما
اس ً ولكس ِر رتابتها فإ ّنه ينشئُ ْ
ْ بالسردية،
ّ مر
مستَ ًّا
ال ْ
ما ز َ
اسِتحضار ِ
ممتدا ذلك النغم حتى نهاية األشطر الثًلثة في الدور الثاني ،وكذلك من خًلل ْ
فالطفل "عيسى" الذي استنكره قومه غدا
ُ بنية فكرّي ٍة عميقة،
حاال بحال في ٍ دينية مقاِب ًًل ً ٍ
شخصيات ّ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،1ص .261
2
المصدرالسابق،ص .262
124
بانيا ٍ ِ ِ
إيقاعية متكاملة ً
ّ صور الفلسفية في
ّ األفكار بعض
َ مضفًيا ويمتد هكذا
ّ نبيًّا من بعد ذلك،
ضا ،يقول: فضاء تعتمد مكوناته على ِ
بعضها َب ْع ًْ ُ ً
ِ
الحياة على هذه األرض واستمرارها في هيئة تعاقبية تكاملية – متناغما لدورِة معنى
ً إنه يصور ً
طفل واألرض تغذي األم ،وهللا يرزق هذا الكون ،بما ِ
فيه األرض واألم إيقاعية ،-فاألم تغذي ال ّ
ُ
فعل "تغذو" في إشارٍة إلى اعتماد اآلخر على من والطفل ،ويصور ذلك في ٍ
مكرر َ
ًا تقابلية،
ّ هيئة ّ
وممنوحا ما خًل هللا الذي يعتمد عليه الجميع في ذلك. نحا ٍ
ً وكل واحد يعد ما ً
قبله بهذا الفعلّ ،
ِ
فاس َمحي
إن تُْفسحي ...لي بالكًل ِم ْ ِّ
سي َدتي ْ
الغرِاء ِ
نشرتَك ّ
ِ
ص على ُق ّراء َ ...
ص ْ
أ ْق ُ
نثر ْأم
القصة ًا ِ
يحتار في سرد ّ
ُ كل بيت ،حتّى ّإنه في البيت الثالث
يعا في ّ صير سر ً
يبدو اإليقاعُ َق ًا
لونين أدبيين بصراحة في هذه القصيدة،ِ بين
بينهما ويماهي َشعرا ،في إقرٍار منه ّأنه ُيمازُج َ
ً
ِ
األبيات جميع فتلونت القوافي ونظمت موافق ًة للنثر ،واستقام الوزن على بح ٍر تتساوى ِ
فيه
ُ ْ ُ ْ َ ّ
ِ
بقافية شطريه إال أنه ِ
يص ُل بينها في المعنى ويربطها المنظومة ،وان بدا فيها استقًلل كل ٍ
بيت
ّ ْ
ِ
البيت قبلهما ،ما يعني لغويًّا ،فقد عّل َق الجار والمجرور "بالنثر أو بالشعر" بالفعل "أقصص" في
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج .264،1
2
المصدرالسابق،ص .83
125
النص في أجزائه في سبيل تحقيق الوحدة العضوية والموضوعية في
ّ توحد
ّأنه ينشئ وشائج ّ
نصه ،واألمر ذاته يتّبعه في قصيدة "فنجان قهوة".1
ّ
بحر إلى آخر في القصيدة الواحدة فقد ظهر هذا عنده في قصيدتي ِ
صعيد التنقل من ٍ أما على
ّ
الزهر" و "طفًلن" واألولى أنشدها في حفل زفاف السيدة المهذبة الفاضلة أديل إلى حضرة
"نفحة ّ
الوجيه يوسف طعمه ،يقول بدايتها:
تجديها ِف َك ار
انظريها تَ ِجديها َزَه ار ...وا ْقرئيها ِ
َ
2
ص َو ار ِ أشباه المنى في ُل ْ ِ ِ
فجاء ْت ُ
طفها ...لب َس ْت ُح ْسًنا َ تْل َك ْ ُ ُ
ِ
مغاير
ًا األوَل ْين وزًنا
مختار للبيتين ّ
ًا يبدأُ أبياته األولى بمجزوء الكامل المرّفل ذي القافية ّ
المقيدة، ّإنه َ
نهاية
المبدوء فيها وكذلك فعل في َِ تحي ِة فقط
قص َرهما على ال ّ
وكان َ
ِ
بقية األبيات في القصيدة َ
عن ِ
ّ
القصيدة ،فجعَلهما مبتدأ الكًل ِم وختامه وكأنهما ديباجة أو إشارة منه إلى أنهما ليستا الموضوع
وكأن البيتين مفتتح رسالة
ّ ِ
تسكين قوافيهما، األساس في القصيدة ،وهما تقربان من النثرية في
َ
منو ًعا في التفعيًلت ،نحو:
بعضا من النثر ّ
عاطفية ،فألبسهما ً
ّ
فاعلُن /متَ ِ
فاعًل ْن ) ِ ِ ِ
( ُم ْتفاعُل ْنُ /متَفاعًلتُ ْن ) ُ ( ...م ْت ْ ُ
إيقاع طربي وهو الرمل ( ِ
فاعًلتُ ْنَ /ف ِعًلتُ ْن/ آخر ذي منتقًل إلى ٍ
ٍ بحر َ ً ثم يبدأ بالموضوع الرئيس
ّ
عن فضائلها وعجائبها ،يقول: ِ
بعُد ْ
متحدثًا من ْ
ّ العروس بالزهرة
َ صوًار
َفعًل ) ُم ّ
ليس ي ْدري من يرى أشكاَلها ...ويرى أو َانها و ِ
الح َب ار َ ْ َ َ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،1ص .148
2
المصدرالسابق،ص .275
126
1
ط ار طرة سمحاء تَسمو ِ
الف َ ِ
ُ ْ الزهرةُ َخْلق َع َجب ...ف ْ َ
ّإنما ّ
ٍ
بشكل غير مباشر، ٍ
صفات مشتركة بينهما ِ
العروس والزهرة في بين
الحاد ما َ
ّ ثم يشير إلى التشابه
ّ
يقول:
بين الزهرة
من الشاعر على تأكيد الصفات المشتركة ما َ
هي" إلحاح َ إن في تَكرار ضمير المؤنث "ّ
َ
تصاعد ذلك التماهي في
َ ِ
العروس في آن ،حتّى والعروس ،كو َن الضمير ير ّتد إلى الزهرة والى
تلك ِ ٍ
انتقال مباشرة من بعد َ ظ ِة
حقيقية ،يقول في لح َ
ّ الحو ِار الذي بعده فغدت العروس زهرًة
األبيات:
هي ...و ِ
األمر الن ِ ِ
ات ّ
الوردةُ ذ ُ
قالت َ
الز ِ
هرفي ّ
النور ...و ِ
القطر ِ
يا َوصيفاتي بنات ّ
ِ
الفجر في
ص ِر
الع ْ
في َ
ِ
الكاع ِب ِ ...
البكر من َغٍد تَْب َرُح ِخ ْد َر
ْ
1
ط ْه ِر
في ُ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،1ص .275
2
المصدرالسابق،ص .276
127
طر ِ
ين في ِ غي ِر معهود ،حتّى في شكله َخرق و ِ
الش َ
لنسق ّ إيقاع ْ
ٍ الًلف ُت هنا االنتقال المفاجئ إلى
ِ
لسان وردة ،وانتقال من الصيغة أن هذا الكًلم حوار على
األبيات التي قبله ،والًلفت كذلك ّ
السردية الوصفية إلى الحوارية الدرامية ،فالموضوع مفاجئ ومثله الوزُن ،الذي بدا كما الخارج ِ
عن
أما ِ
عن األبيات ،فلها احتماالت أوزان مختلفة ،نحو: المألوفّ ،
( ِ
فاعًلتُ ْنَ /ف ِعًلتُ ْنِ /
فاع ...التُ ْنَ /مفاعيلُ ْن )
ط ِر في اْلَف ْج ِر
ال /ق ْ الن ِ ِ
ور ...و ْ يا َوصيفاتي بنات ّ
بين األشطر ظ ِة اس ِ
تعمال تقنية التّدوير ما َ مًلح َ ْ
َ مع
ط ٍع طويلَ ،
باعي َمزيد بمق َ
وهذا رمل ر ٌّ
الشعرية.
1
مطران،خليل،ديوانالخليل،ج،1ص .277-276
128
فاع ) فاعًلتُنَ /ف ِعًلتُنِ /
فاعًل ِ ... ( ِ
ْ ْ
الز ِ
هرفي ّ
ط ِر
الَ /ق ْ الن ِ ِ
ور ...و ْ يا َوصيفاتي بنات ّ
فاع )
فاع ...ال ِ / فاعًلتُنِ /
فاعًلتُ ْنِ / ( ِ
ْ
في اْلَف ِ
جر
فاعًلِ /
فاعًل /ف ْعًل ) فاعًلتُنِ /
فاعًلتُنِ /
أي يكون التّقطيعِ ( :
ْ ْ ُ
ِ
التفعيلة المعاصر .1ويعرفه عباس والبند كما ورد في كتاب "العروض الزاخر" سابق على شعر
عزاوي أنه ضرب من ضروب األدب العربي وجد للخروج من عمود الشعر التقليدي ،فليس هو ذا
ِ ٍ
هو مما انتُزع منه هاتان الصفتان فيكون ً
نثرا ،إنما ُهو حلقة ُوسطى يس َ وزن مقّفى ُلي َعّد ش ً
عرا ،وَل َ
النثر اقتضته سنة التطور.2 النظ ِم و ّ
بين ّ
ما َ
1
مرعي،محمود،العروض الزاخر واحتماالت الدوائر،ص .503
2
عزاوي،عباس،مخطوطة البنود العراقية،د/ط،مكتبةالمخطوطات،بغداد،د/ت،مقدمةالكتاب.
3
خلوصي،صفاء،فن التقطيع الشعري والقافية،ط،5منشوراتمكتبةالمثنى،بغداد1977،م،ص .395
4
نازكالمالئكة،قضايا الشعر المعاصر،ص .175
129
تقليد إيقاع آيات القرآن الكريم1؛ ففي أن اْلبند كان نوعا من ِ
ويبدو -كما يرى محمود مرعيً َ َ ْ َ َّ -
ٍ ات ثَِيب ٍ ات س ِائح ٍ ٍ ِ ٍ ِ ٍ ِ ٍ ِ ٍ ِ
تفعيًلت من ار } ،2سبع ات َوأ َْب َك ًا َّ اآليةُ { :م ْسل َمات ُّم ْؤ ِم َنات َقانتَات تَائ َبات َعاب َد َ َ
َعه ْد ِإَل ْي ُكم ي َٰبِنيۤ ء َادم أَن الَّ تَ ْعُبُدوْا َّ ِ ِ
ان
طَ ٱلشي َ َ َ ْ وكذلك في اآلية { أََل ْم أ ْ َ
"فاعًلتن" والثامنة " َمفاعيلُ ْن "َ ،
ِإَّنه َل ُكم عدٌّو ُّمِبين } ،3فهناك تفعيًلت سبع من "مفاعيلن" في حين الثامنة " ِ
فاعًلتُ ْن" ،وغير ذلك ُ ْ َُ
مدر َج ًة موزونا ،على ِ
نحو ما ذكرت ذلك نازك المًلئكةِ ، ً ثر أن يكو َن َ
الب ْند ن ًا 4
من اآليات .ويمكن ْ
وهو أشهر البنود وأظرفها عفوية.5
مثاال عليه البن الخلفةَ ،
ً
ٍ
طويل في التجليات اإليقاعية ،وذو نظرة استقصائية لمحطات باع
أن خليل مطران ذو ٍ
ويبدو ّ
القصة التي أوردها على
الخروج عن عمود الشعر العربي ،فارتأى في "البند" قال ًبا للتعبير عن ّ
ألبس
ألنه َ بين النثر واإليقاعّ ،
طا َوهي األنسب كون هذا الشكل وسي ً َ
قصيدته،
َ لسان الزهرة في
الز ِ ِ
إيقاعها الشعري نحو ( في ّ
هر/ اعتم َد تقفيات داخلّية ليرفع من
لكنه َ األدب النثري زيًّا شعريًّاّ ،
القصة إلى أبيات من الرمل التام ،يقول: ِ ِ جر /في َ ِ
الف ِ
ثم يعود من بعد انتهاء ّ
العصر ّ ،)... في َ
7
طق الذكي األذف ار ِ ِ
ّ الن َ
ذلك ّ
لما َسم َع ْت َ ...
هار ّ
ُس َّرت ْاألز ُ
فاعًلتُنِ /
فاعًل ) فاعًلتُنِ /
فاعًلتُنَ /ف ِعًل ) ِ ( ...
فاعًلتُنِ /
( ِ
ْ ْ ْ ْ
1
الكرى
ميًل في َ
أت ُحْل ًما َج ً واستََقر ْت ْليَلها ِ
هاجع ًة َ ...ف َر ْ ْ ّ
1
مرعي،محمود،العروض الزاخر واحتماالت الدوائر،ص .503
2
التحريم.5/
3
يس.60/
4
مرعيمحمود،العروض الزاخر واحتماالت الدوائر،ص.503
5
نازكالمالئكة،قضايا الشّعر المعاصر،ص.169
هذاالنص ُمرفَق َحر ًفاكماذكرتهُنازكالمالئكةفيكتابها"قضاياالشعرالمعاصر"/ص،170ولمتهتدِالباحثةإلىمصدره
ّ
الرئيس.
6
نازكالمالئكة،قضايا الشّعر المعاصر،ص .169
7
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،1ص.277
130
فاعًلتُن /ف ِ
اعًل ) فاعًلتُنَ /ف ِعًل ) َ ( ...ف ِعًلتُنِ /
فاعًلتُنِ /
( ِ
ْ ْ ْ ْ
لسان الشخصيات نفسها ،غدا كان الحديث على ِ السرد مرة أخرى ،ف َ
بعد أن َ ظ هنا انتقاله إلى ّ
َوُيْل َح ُ
مكرر ما
ًا يخت ُم أبيات ِ
البند قبَلها ،ثم ِ قليًل عن ِ
حدة النثرية ً
ّ من ّاآلن الشاعر هو المتكلم ،ما يخفف ْ
ٍ
أبيات على مجزوء الكامل ،في إشا ٍرة منه إلى انتهاء القصيدة، قد ذكره في مفتتح القصيدة من
فَقَف َل بما بدأ.
وكان
بطلب من الشيخ سًلمة حجازيَ ، ٍ ظمه الشاعر فهي مونولوج تمثيلي َن َ أما قصيدة "طفًلن"
َ وّ
يلعبان مع ِ يغن ِ
بعضهما ،وبعد االنتهاء من ذلك ذهبت ِ َ أن طفلين اثنين كانا
وقصتها ّ يه ِ
منفرًداّ ، ّ
فمنعا من اللقاء. ِ
رب بينهما حجاب ُ
ض َ الفتاة إلى غنى عيشها والطفل إلى فقره ،وعندما كب ار ُ
يعود غنيًّا يقبل به أهل الفتاة بعد أن رفضوه ،وفيًّا لحبه لها
ثم يسافر الفتى خارَج بًلده حتى َّ
برجل غني ِ
أنيق الملبس ،رغ َم كلفها بحبيبها ٍ رغم غربته ،في حين تُرغم هي من بعده على الزواج
ّ َ
ثم ُيفاجأ بالخبر منفتمرض ويشتد عليها المرض وتموتّ ، شديدا َ
ً تحزُن لذلك حزًنا
ثم َ
المسافرّ ،
ِ
بعد عودته ليلوم األهل على فعلتهم والمجتمع على سكوته إلكراهها على الزواج من ٍ
رجل ال َ
تحبه ،يقول:
ّ
العمِد
ذهبي َ
ِ ير َ نام ِت ال ّ
طفل ُة ْنو ًما ِّ
طيًبا ...في سر ٍ
َ
ّ
نام ِ
إيقاعا على شدو َم ْ
ً ثَ ْغ ُرها ُم ْرتَ ِجف كاْل َوتَ ِر ُ ...ه َّز
دي َّ ٍ ِ
بين
الج ْ
اح ّ الش ْع ِر ّ
وض ُ غير َ ...ع ْس َج ُّ
ص َْو َعلى َمْق َرَبة طْفل َ
مسكين َفقير ...خ ُشب ُكدر تَسوء ِ
ين
الناظر ْ
ُ ّ ْ ُ ٍ ْ مض َج ُع
َم ْهُدهُ ْ
1
مطران،خليلمطران،ديوان الخليل،ج،1ص.277
131
ِ ِ ِ
لين من َحر ْير ...ال ِفر َ
اش فيه ُي ْعلى َفَي ْ طاء ْ
ماد ،ال غ َ
ال ع َ
1
نين ِ ِ ِ
طفل َة عنهم آم ْ
كاألجير َ ...ي ْش َغ ُل ال ّ
ْ ذاك طْفل تَخذوهُ
َ
لهابي
اق ّ
بأشو ْ ِ
ضمير اْل َهوى ْ الع ِشق ثورة َه َو ْس ِو ْجنو ْن ...قِّل ْك
وَلما اعتَبرتي ِ
ْ ّ ْ َْ
3
يجوِع الخابي ِ طمو ِح اْلَق ِم ْح َم ْي َج ّوِع ال ّ
طاحو ْن ...و ِ ِ
طمو ِح اْلع َن ْب َم ّ
آخ ْر ُ ْ آخ ْر ُ
132
ِ ًّ
الغر ْام السَف ِر ...شاكًيا َبثا ُ
له َل ْذعُ َ يستَأذنها في ّ
جاء ْ
َ
ِِ ِ ِ
مام:
من ُحزنه نو َح اْل َح ْ جائًدا باْل َم ْد َم ِع المنهم ِر ً ...
نائحا ْ
لوب َل ْم َي ِرّقوا ْ
ألد ُمعي لِ ِرّق ِة ٍ
حال حال ْبيني وب ْي َنها ُ ...قساةُ ُق ٍ
ََ َ
1
شيك ِب َم ْ
ط َمعي " ِ ِ رب ُكن عوني على ُ ِِ
ظْل ِم أهلها َ ...وَي ّس ْر ل َي اْلَف ْوَز اْل َو َ َ َفيا ّ ْ َ ْ
بث
تضمنت ّ ِ
التنصيصين منها وهي التي المستوى اإليقاعي لما َ
بين
ّ َ تغير ُ
ظ في األبيات ّ لح ُ
ُي َ
ِ
أبيات الرمل ،إلى مستوى الحوار ِ
مستوى ّ
السرد على من ْ
نتقل الشاعر َ شكوى َ
الفتى لمحبوبته ،فا َ
طويلُ ،معلًِيا في ذلك السمة الدرامية في ِ
لسان الفتى على البحر ال ّ إذ جاءت األبيات على
مرًة أخرى،
الرمل ّ منتقًل إلى ِ
بحر ّ بعِد حديث الفتى مع محبوبته إلى الس ِ
رد
ً ّ الشاعر من ْ َ
ُ عود
ثم َي ُ
َّ
بعد نبأ موت فتاته ،يقول:
مصوًار سفر الفتى وعودته وتلّقفه من ُ
ّ
تام قاتم ال ّ ِ
ِ ِ ِ
طْل َعة َيمشي في َق ْ ذاك اْل َخ َبر َ ...
ص ْرَعة َ
من َ
َه َّب ْ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،2ص.63–62
133
ديع ُة ِتْل َك َش ْ
ط ُر ُفؤادي ديعتي ْ ...أي َن اْل َو َ
ماك َو َ
ِ
اغتَ َرْب ُت َوفي ح َ
ّإني ْ
فأنش َد
للمجتمع وللوطن الذي يشبه محبوبتهَ ، الفتى يكنه مشهِد ِ
الع ِ ِ ِ
ِ تاب الذي ّ ّإنه ينتَق ُل إلى تصوير ْ َ
السرد إلى ِ ِ
من ّ
إيقاع األبيات الفتًا االنتقال َ
ِ من الشاعر
ُ فغي َر
بش َجنّ ،ممشوجا َ
ً شدوا
العتاب ً َ
فخان
َ عنده محبوبته أمانة
طن الذي أودع َ الو َ
الرمل إلى الكاملّ ،إنه يلوم َ
من ّمنتقًل َ
ً الحوار،
ِ
الماثل في " ّأنى" حتّى باعها ِ
البيت الرابع باالستفهام يظه ُر في ِ
تنكر عليه ذلك كما َ
ويس ُ
أمانتهْ ،
عنده وهي بذلك شهيدة قتلها زوجها ،يقول:سْلع ًة لمن ال تَرغب فماتت َ
الج ًّلِد
صَل َة َ
ديع َة َن ْ
الخ َ
ِ
ذاك اْل َب ْع ُل ّإال قات ًًل َ ...ج َع َل َ
كان َ
" َه ْل َ
2 الشرع ليس محّلِ ًًل لف ِ
ساد؟ ِ ِ ِِ
كان ّإال فاسًقا ب َزواجه ...و ّ ُ َ ُ َ
َه ْل َ
4.2التضمين :
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،2ص .65
2
المصدرالسابق،ص.66-56
134
عند نّقاد آخرين في
من معنى التضمين االصطًلحي أنه يرد في حدود عيوب القافية ،وقد ورد َ
أطر أخرى3؛ إذ ذكره قدامة بن جعفر في بند " ِ
عيوب ائتًلف المعنى والوزن" فيذكر البيت
تمامه
أن يحتمل العروض َ
عن ْ
المضمن باسم المبتور ،يقول في تعريفه" :وهو أن يطول المعنى ْ
من األقدمين دون
حكما َ
4
في بيت واحد ،فيقطعه بالقافية ،ويتمه في البيت الثاني" .هذا يعني ً
أن التضمين عيب في الشعر.5 خًلف على ّ
كثر التّضمين عنده في قصيدة "الجنين الشهيد" التي تناولت قصة الفتاة الفقيرة التي عملت
لقد َ
يوضح فيها تشاور
في الحانات ،فزَاد عن عشرة مواضع ،ومن أمثلته ما ورد في المشهد الذي ّ
أمها وأبيها ألجل أن تعمل في الحانات:
إهابها:
جر ُ نور َف ٍ
من ِ
حيك لها ْ
شبابها َ ...و َ
وقال أبوها ْيوَم تَ َّم ُ
َ
الف ِ
ضل وأسأم تَكرار السؤ ِ
ال ذوي َ ْ َ ُ ّ
كاؤها: ِ
هاؤها َ ...سخ ٌّي مآقيها َسريع ُب ُ
فقاَل ْت َلها ٌّأم َشديد َد ُ
ِ
داؤها ...و ْأنت َلنا دو َن األنا ِم دو ُ
اؤها ض َل ُ
أع َ
الحال ْ
ُ ُب َّني ُة هذي
ِ6
عون ِة واْل ِكْفل
للم َ
َ ِ
أغ َيرك نرجو َ
1
يعقوب،إميلبديع،ال ُمعجم المفصَّل في علم العَروض والقافية وفنون الشعر،ط،1دارالكتبالعلمية،بيروت1991،م،ص
.195
2
الجوهري،أبونصرإسماعيلبنحماد(393هـ)،الصحاح :تاج اللغة وصحاح العربية،تحقيق:أحمدعبدالغفورعطار،ط،4
دارالعلمللماليين،بيروت1987،م،مادة(ضمن) .
3
البحراوي،سيد،التضمين في العروض والشعر العربي،مجلةفصول،مصر،مج،7ع1987،4/3م،ص.91
4
قدامةبنجعفر،نقد الشعر،ص.209
5
البحراوي،سيد،التضمين في العروض والشعر العربي،ص.91
6
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،1ص.228–227
135
بمكن ِة
وليس َقال /قالت ) َ
ٍ
متأت من مقول القول الذي يتبع الفعلين ( َ
أن التضمين ّ ومن اْلواضح ّ
َ
يمده إلى األبيات من بعده ،في تتاب ٍع قالب ٍ
ِ
اضطر الشاعر إلى أن ّ
َّ ط به ،ما
بيت واحد أن يحي َ
معنوي وتعالق لغوي ،في إشارة إلى اتّحاد وحدة النص وا ِ
عتماد أجزائه على ِ
بعضها ،وهو ما ّ ّ
بعدما استمال "جميل" قلب ِ
يتطلبه البناء الدرامي للقصة الشعرّية .ومنه كذلك في القصيدة نفسها َ
ِ
الفتاة ناحيتَه:
مند ِم
خوف َ
َ لكن أطاَل ْت ُخ َبرهُ
التبرِم ...و ْ
بع َد ّ
اإلقبال ْ
َ فأبد ْت َل ُه
َ
من الر ِ
يب مؤل ِم تظًل ِن في ُم ْش ٍق َ ّ
طموعُ :إلى كم ّ ...
النْف ُس ال ّ
فقاَل ْت لها ّ
ط ِل
الم ْ ِ ِ
نفيس العمر في الوعد و َ
ويْقضى ُ
ُ
أبدعا
أحب و َ
وجها َّ ٍ فلم َأر أهوى ْ
أطوعا ...فؤ ًادا ،وال ً
من " جميل " و َ ْ
منك َّ
تطلعا لك يهدي قلبه واسمه معا ...فإن طال هذا المطل ِ
ِ
َ ُ َ ْ َُ َُ ً فتًى ُ
ِ
يضفيه التضمين في الفعل " تطّلعا " في نفس المتلقي ،إذ التشوق والتطّلع الذي ٍ
ببعيد وليس
ّ َ
ثم ِ ِ
أن ّ
مبهما له ،فيفاجئه به في البيت الذي يليه ،هذا يعني ّ
ً الشخص الذي يبدو يهيئه الستقبال ّ
عضوية؛ فًل يستقل بيت بذاته بل
ّ األبيات في بعضها وكذلك
َ وموضوعية تربط
ّ معنوية
ّ وحدة
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،1ص.236–235
136
الدعوة إلى وحدة البيت في
َ مع األبيا ِت األخرى تأدي ًة للمعنى المروم ،وهذا يناقض
يتعاضد َ
القصيدة القديمة واستقًلله والنظر إلى جماله بذاته.
مستبد،
ّ وتجّلى التضمين أيضا في قصيدة "فنجان قهوة" ،وهي حديث واقعة جرت في قصر ٍ
ملك ً
إذ أغرمت ابنته بأحد جنده ،وقد منعهما من اللقاء ،وا ّال حت َم عليهما الموت ،لذا استعانت بامرٍأة
لقاء معه ،يقول الشاعر: ِ
تؤم َن لها ً
القصر على أن ّ تعمل في
أنعما
أمطرْتها ُ
أزم َع ْته ،و َ من ِ
أن تَ ْكتُما ...ما َ
ظئرها ْ توثقت ْ
فاس ْ ْ
و ِ
أم ٍر َعظي ٍم َ
أمرها النجوى إليها أنها ...ترجو على ْ
أسرت ّ
ّ
قالت :فما هو ذاك يا موالتي ...قاَلت وَقد َش ِرَقت من العبر ِ
ات: ْ َ َ ْ ْ َ َ
1 ان في ذاك ِ
اللقاء ِحمامي ظًل ِم ...ولو َّ
نح َ
تح َت ُج ِ
َ أن أراهُ ْ
ُه َو ْ
بشكل جلي من خًلل ٍ مشهُد الحوار ما بين األميرة والمرأة ،ما ُي َج ِّسُد الحدث
َ ظ جليًّا
لح ُ
وي ّ
ُ
ِ
بلسانها ،إضاَف ًة إلى َّ وسماع أصو ِاتها ِ
أن مستوى النثرية مرتفع بحك ِم ّ
تنوع ِ تحضار الشخصيات اس
ْ
ليتم معنى البيت ضمين الذي اختر َق
ِ القوافي على ِ
العروضي ّ
ّ
النسق
َ المزدوج ،وكذلك التّ
َ نمط
الثالث في البيت األخير كما ظهر.
ووظفه الشاعر كذلك في قصة "الطفل الطاهر والحق الظاهر" نحو قوله يخاطب الطفل:
2
عنه ُم ْخِبرو األخبار ِ
يثنيه ُ
137
فمرتين على االستفهام،
لك ّبين في تكرار "ما" أربع مراتّ ،زخما إيقاعيًّا ،وذ َ
مضفيا ً
ً على التكرار
ِ
للداللة في آن. اسما موصوًال وفي ذلك ِغًنى في الموسيقى واثراء
ومرة استعملت ً ومرًة على النفي ّ
ّ
الداخلية األخرى التي تجّلت في القصص الشعري ،فكانت التكرار وقد ورد اإليقاعية أما ِ
السمة
ّ ّ ّ
ِ ِ
ففكي َ ال أخرى في سبيل ّ
تصيد المعنى واستيضاحهْ ، مع دو ّ
متعددة متعالًقا َ
من قبل في مواض َع ّ
تجّلى توظيفه في القصص الشعري عند مطران؟!
ِ
يعدل ...وارشاد ُكم عْقل ِلو الَقلب ِ
يعق ُل ُ ُ َ ًلمتُ ُك ْم َعدل َل ِو ُ
الح ُّب ُ َم َ
أشتَكي منه ِ
أعذ ُل يف على ما ْ الهوى َس ْه ًما
ْ فك َ
أصاب حشاشتي َ ...
َ َرماني َ
حم ُل
فت الذي أتَ ّ
لخّف ُ
َذروني َو َشأني ّإن ُه ْلو َنفى األسى َ ...مًلم َ
ظني ِ
للعدى وهو ِ
غافل َ ...على ِ
جوى َل ْي َس تَ ُ
غفل من ً
حين َعيني ْ َ هت َ ّ
ونب َ
ّ
ِ ِ
فاب َتلوهُ بقات ٍل َ ...
1
اء الذي بي أ ْقتَ ُل
الد ُ
من ا ّلداء و ّ أبانوهُ َعّني ْ
138
وكل هذا في مواجهة تقابلية للطرف اآلخر متمثًل في أهله الذين حالوا عني /بي ) ّ ظنيَ /عينيّ / ّ
ِ ط ِب في ٍ
بينهم ،يتضح ذلك في قوله ( للمشهد الحوار ّي ما َ
َ نقل ضمائر المخا َ
َ فاستَعمل
وبينهاْ ،
بينه َ
نيع صنيعهم به في ٍ
إحالة منه إلى َش ِ ثم يكرر ذكرهم في هيئة الغائب في مًلمتكم /إرشادكم) ّ
قتًل
أشد ً
وصار ّ
َ بعد إذ افترقا قد زاد
أن تعلقه بها وكلفه َفابتلوه ) ،وما علموا ّ
عني َ / قوله ( :أبانوه ّ
مما قد فعلوه به.
فاعليته ،إذ
ّ ظف التّكرَار والمشاكلة باالشتقاق ليز َيد من فإنه يو ّ
نصه ّإيقاعية ّ
ّ الشاعر من ولي ْعِلي
ُ ُ َ
ِ
المًلمة باالسم إلى عدل في وصف يعدل ) قد َ الحب ْ
ّ يرتقي بالداللة ،ففي قوله ( :مًلمتكم َعدل/
وكذلك األمر في ِ
حال اإلرشاد ِ
ُ الحبَ ،
دائما في ّعد َل ً وكأنه يشير إلى ّأال ْ
الحبّ ،
الفعل في وصفه ّ
له التعّقل
وليت ُ
وعي وادراكَ ، ليس على ٍ القلب َ
َ العقل ،فإ ّن
عين َهو ُ درك أهله أن إرشاده َ
فإذ أ َ
الكتاب على ِ
نفسه في كل ِ وقع
لشدة ِ ٍ
تصوير منه ّ الليل أليل ) في
الدائم كذل َك اإلرشاد ،وقوله ( ُ
التم في
مؤكًدا كبدر ّ
اضحا جليًّا ّ
حب محبوبته له و ً تأكيد ّ
هذا اإلغراق الظًلمي الذي عايشه ،فبدا ُ
كل ما ُيسمعه قومه له من أال وفاق أو توافق في حبهما.
وجه الظًلم ،في إشارة إلى تبديد ّ
ض ِ
بيان عنيا ِب ْ
بع ِ ليك ما َ
يوسف" ...وا َ
طت " َ
َكتَ َب الفتى "سلمى " وخ ّ
ويداي ْترتَ ِج ِ
فان َ فرَسمتُ ُه
اس ُمها َ ...
من تَحّلى لي ْ
الفتى :يا ْ
قال َ
َ
1
خلوصي،صفاء،فن التقطيع الشعري والقافية،ص.43
139
1
دون ُه وتراني ِ صوْرتُ ُه َّ
وكأن صورتَها َب َد ْت ...فيه أراها َ ّ
الع ِ
قيان كقًلئِد ِ
ِ وحروَف ُه َ ...موصول ًة
اس َمها ُ
َسلمى ،وما أحلى ْ
صير ِج ِ
نان ط ِر َق ْ ظ ٍة ِ ...
ط َرتُ ُه َع ُ كالع ْ ميعها في َلْف َ
لوم َج ُ
الع ُ
"سْلمى" ُ
2 النعيم م َّ
خلًدا ُ ...يشرى َلدى إقبالِها ِبثَواني الحياةُ وما ّ ُ ُ
"سْلمى" َ
َ
فليس
القصة َ يذك ُر هذه ّ
وهو إذ ُ
الجانب العاطفي الرومانسيَ ، َ ينحو خليل مطران في قصيدته
ِ ِ
نفس ُه
طيًبا َ
من الغيابُ ،م ّ حال النوى بينهماّ ،إن ُه ْ
يستَحض ُر محبوبتَه َ يعك ُس فيها ّإال ُحّبه الذي َ
ويجسدها فيّ يشرُح انفعاالته وعاطفته
بعض قصصه ّ ِ اس ِمها ،فكأنما هو في الشعر فيكر ِْبذ ِ
شخصيات ما يكتبه.
وكن ِت
العي ِن ُم ْذ ُك ْن ُت ْ
ونور ْ ِ
يا ُمنى اْلَقْلب َ
ص ْن ِت
نت َو ُ
ص ُاس بما ُ
الن ُ أش ْأ أن َ
يعلم ّ َل ْم َ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،1ص.247–246
2
المصدرالسابق،ص.248–247
140
مصوًار ِ
بعض قصائده وقصصه الشعرية نفسه في ِ وهو ِ
ّ من الشاعر في ّأنه يقصُد َ
صريح َ
اعتراف ََُ ْ
الحب والشوق. ِ
ما يعانيه من ألم ّ
بكب ٍر َغر ِ
يب ِ
سار َن ْح َو ال ّذيب َ َ ...
َو َ
كاألسِد الرئ ِ
بال َي ْمشي َوال ُيبالي ّ َ ْ ...
ط ُب في تَفاُق ْم
ظ ْم ...واْل َخ ْ
الروعُ في تَعا ُ
وّ
اء
فامتَ َأل ْت ُعو َ
األصداء ْ ...
َ َّه
ونب َ
انف ِ
كاك اشِت ِ
باك ...ثم على ِ ثم على ْ
َّ
ّ
ع ِ
ص َد ْ
صوتًا َ
هم في َهَل ْع ...إ ْذ َسمعا َ
وب ْينما ْ
َ
الس ِ
ندان ِ ِ ِ َّ
اآلذان ...كطرقة ّ فصك في
ِ
مرجرجا ثم عواء مزِعجا َّ ...
مط ِرًدا َّ
ً
وأبصروا الذئب جرى ...إلى ٍ
بعيد ُمدِب ار َ
2
وهوى
طا َ ثم التوى َ ...
وسار َش ْو ً ثم سجا َّ
َّ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،2ص.326
2
المصدرالسابق،ج،1ص.85–84
141
ِ
من األدوات التي تُس ِه ُم في تماسك ّ
النص اللغوي وتعانق أجزائه فًل حروف العطف َ
َ شك َّ
أن ال َّ
الحد ِث بدّق ٍة
وير َتص ِ
أج َل ْ
أن الشاعر هنا قد حشد منها ًّ ِ
كما الفتًاَ ، َ نصّ ،إال َّ
يكاد يخلو منها ّ
ُ
نحو ِ
ذلك تصويره الحركة التعاقبية للفتى إذ يمشي َ العين .ومن َ وجعله حاض ًار مرأى َمتناهيةَ ،
من بعُد إلى صورِة ال ّذ ِ
ئب الذي َعوى في الذئب في حض َرِة الجمهور
َ وينقل المتلقي ْ َ ْ
ُ المروع،
ّ
عد بالجري.
من َب ُ مشي ُه ْ
أتب َع َ
حينا ،و َ
تحرك ببطء ً
ثم ّ ِ
األصداء على إثر مواجهة الفتى لهّ ،
بعد ذلك األحداث في شر ٍ
يط متسارع ،فتارًة يلتقيان ،وأخرى يفترقان ،وتارًة وينُقل الشاعر من ِ
ط ّار
اس ُ وبه ...يا َفقيد ِّ ِ
قال بي حسن فقاَلتِ :
الن َ
الش ْبهُ ،فْق َت ّ َ ْ ُْ َ
تماس ِك
الشاعر بغي َة ُ
ُ ظ هيمنة حرف العطف "الفاء" بداي َة األبيات الشعرّية ،الذي استعمله
ُيْل َح ً
المتتابع إذ تتّ ِ
ص ُل باعا ،في تقريب لصورة الحوار ِ ِ ٍ ِ
ِ حرف ربط َيص ُل السابق بالًلحق ت ً
َ كونه
نصه؛ َ ّ
1
مطران،خليل،ديوان الخليل،ج،3ص .58
142
أج َل إتما ِم المعنى وتًلحمه ،وهي ُّ
تشد سمع المتلقي إلى استم اررية الحديث بينها َ
األبيات فيما َ
ُ
َ
صعد في األحداث وتسلسلها. ِ
وتوقه للوصول إلى المنتهى من بعد هذا التعاقب ،إضاف ًة إلى الت ّ
الداخلية في استعماله األفعال المنتهية باأللف (ترقى/
ّ اعتَ َمد الشاعر أسلوب التقفية
فقد ْ
وغير ذلك ْ
الموت َنش ار ) ما ُيضفي على
َ الرسم ُعم ار /تحيي
َ وكذا التقفية في ( تؤتي
تمادى /تغالى /تناهى) َ
إيقاعية إضاف ًة إلى التكرار اللفظي بداي َة األبيات.
ّ النص قيم ًة
ّ
افترض
َ مع ما
أن هذه المًلمح اإليقاعية في الشعر القصصي عند خليل مطران تتوافق َ يبدو َّ
ِ ٍ
بعض المًلمح اإليقاعية فالقصة المر ّتدة إلى أصل نثري كانت ً
سببا في تغير ّ بداي َة هذا الفصل؛
األول فقد بدا هناك تغيير على هيكلة
أما على ّ المألوفة على الصعيدين الخارجي والداخليّ :
القصائد متمثلة في هيئة مسمطات مختلفة القوافي ،وكذلك تنويع في القوافي واألوزان داخل
القصيدة الواحدة الختًلف مشاعر الشخصيات في القصة.
ِ
المشهد القصصي ِ
الستكمال ملحة ِ
كان التّضمين ضرورة ّ
أما على صعيد اإليقاع الداخلي ،فقد َ
وّ
سيما في ِ
أن التكرار ال ّ
عيبا من عيوب القوافي ،باإلضافة إلى ّ
في القصيدة وقد كان من قبل ً
ِ
بعض الرتابة ِ
ولكسر القصة، ِ
ملحة أو صيغة ضرورّية لتتبع حبكة ّ حروف العطف بدا حاج ًة ّ
النثرية.
143
الخاتمة:
-ال يمكن البت في أسبقية اإليقاع على الداللة أو العكس؛ لعًلقتهما الجدلية ،فاإليقاع في
يصل التحديد
معين ،وَف ُ
النص إلى إيقاع ّ توجه ّ ذاته م ٍ
فض إلى داللة ،والداللة ذاتها قد ّ ُ
بالنص – أداته ،-
ّ ال المتعلقة
في ذا التعاقب ،يعتمد على استقصاء جميع الدو ّ
النص.
المحمل به ّ
ّ للنهوض بالمعنى
وبالمرسل – الشاعر – ،والمتلّقي ومتعّلقاتهما ّ
-تُفضي الدراسات اإلحصائية للبحور الشعرية التي نظم عليها مطران إلى قربها من نسب
اثية ،مع مًلحظة إيًلء "البحر الخفيف" مرتبة سابقة على "البحر
شيوع البحور التر ّ
يخيا.
المتصدرة تار ً
ّ طويل" وكًلهما من البحور
ال ّ
تعمًداَّ ،
ألن -يبدو اختصاص الشاعر البحر الخفيف بغرض الرثاء إلى جانب الكامل كان ّ
وقوة؛ ما يمنح مطران مرون َة التعبير في المراثي التي
بين خفة ّ
مما يتراوح إيقاعه َ
الخفيف ّ
َ
جاهز يسعفه
ًا قالبا شعرًّيا
غلب على بعضها عنصر التقية والمجاملة ،إضاف ًة إلى جعله ً َ
شعرا .ولكوِنه – البحر الخفيف -ذا
أي آن ُيطلب منه تأدية واجب العزاء والتأبين ً
في ّ
بين الناس؛ ما
وقع طربي ما يجعل القصائد التي نظمت عليه سهلة الحفظ والتداول َ ٍ
ضيفا في ديارهم.
شكرهُ فضَل ُهم في استقباله ً
ظ َيحف ُ
يستغل الشاعر خليل مطران وقوفه على محطات التجديد في تاريخ الشعر العربي لُِي َم ِّك َن ْ -
نسق الشطرين الذي عهدته فاختر َق َ
َ ُح ّجته في الجديد الذي يرومه في الشعر المعاصر؛
144
وكيفا في توظيف التفعيًلت
كما ًمع تًلعبه ًّ
الموشحات َ
ّ القصيدة العربية ونظم في هيئة
ثم عمد إلى التجديد العروضي بإقحامه تفعيًلت غريبة عن البحر الذي في األبياتّ ،
لحنه أو أنشده في
كرره أو ّ
مختلفا ال َينبو عن السمع إذا ما ّ
ً إيقاعا
ً يشكل
ينظم عليه ،ما ّ
العامة. ِ
حضرة ّ
سلك
َ ألنه
-كانت قوافي مطران في معظمها مطلقة قريبة من نهج القدماء في ذلك؛ ّ
مًلءم ًة للسياق ولوضوح فس والص ِ
وت الن ِ
َ ّ امتداد ّ
َ طريقتهم في اإلنشاد واإللقاء؛ ما َيعني
متقدم؛ إذ ّإنه نزل ِ
بالنسبة لقوافيهم كانت الفتة على نحو ّ
َ المقيدة
ّ أن قوافيه
السمعّ ،إال ّ
ّ
عاجية اللغة ،فعمد إلى تسكين قوافيه موائمة وكًلم
ّ بلغته إلى مستوى الشعب ً
بعيدا عن
ُ -ي ّنوعُ مطران في قوافيه وكذلك بحوره على صعيد القصيدة الواحدة في تجسيد لفضاءات
النص الواحد ،فثنائية القافية تعني ثنائية المشاعر وكذلك
نفسية أو فكرّية متباينة داخل ّ
ّ
البحور؛ فانتقاله من إيقاع وزٍن إلى آخر يفضي إلى انتقال من فضاء شعوري نفسي
إلى فضاء آخر.
مطوالته الشعرية،
فنظم على الشائع منها َّ روي أشعاره؛
تخيره ّ
كان مطران انتقائيًّا في ّ
َ -
يضطر إلى
ّ ونظم على النادر المقطوعات القصيرة وبعض النتف الشعرّية ،حتّى ال
َ
ٍ
كلمات غريبة ينتهي بها هذا الروي ،فيمجها إلف المستمع. استعمال
األول؛ وهذا مًلئم لنهجه في اإلنشاد -تكاد تكون معظم أشعار مطران ُم ّ
صرعة البيت ّ
تهيئ الذهن
من اإليقاعية الداخلية التي ّ
نوعا َ
واستمالة الحضور إليه؛ إضاف ًة إلى إضفائه ً
وكان يلجأ في صرعة؛ ٍ
َ وتذكرها بشكل أسرع مما لو لم تكن ُم ّ
إلى استحضار القصيدة ّ
مر الزمن فأغناها بإيقاعات متعددة
ذلك إلى المقطوعات التي يريد لها أن تُذكر على ّ
وكان التصريع من ضمنها.
-يلجأ الشاعر إلى تقنية التّدوير في إلحاح منه على إيصال الفكرة والمعنى على حساب
اإليقاع ،ما يقرب األبيات المدورة من األسلوب النثري؛ الذي يلجأ إليه مطران في
145
ألن في
سردياته الشعرّية ،ال سيما في المراثي وفي البحر الخفيف على وجه التحديدّ ،
وصفيا وطول نفس؛ فًلءم التدوير هذا السياق.
ً تكثيفا
المراثي ً
خص مطران قصائد طويلة كاملة لغرض القصص الشعري على غير المعهود عند ّ -
معتمدا تسكينها في
ً القصة في أصلها جنس نثري فقد ّنوع في قوافيها
ألن ّالعرب .و ّ
ونوع كذلك في بحورها في تجسيد منه للتغيرات النفسية الطارئة على
حاالت كثيرّ ،
شخصيات قصصه.
كان -بات التّضمين تقنية إيقاعية ضرورية الكتمال المشهد القصصي المو ّ ِ
شعرا ،وقد َ
ظف ً ّ َ
أن هذا ينفي أن يكون كذلك في أشعار مطران ،ألنهعيبا في عرف النقاد القدماء؛ ّإال ّ
ً
قديما على نحو
عمد إلى توظيف أغراض تًلئمها هذه الظاهرة ،ما كان قد عرفها العرب ً
ما هي عليه اآلن.
146
قائمة المصادر والمراجع:
الكتب:
القرآن الكريم.
أ.أ ريشتاردز ،مبادئ النقد األدبي ،ترجمة :محمد مصطفى بدوي ،ط ،1المجلس األعلى
للثقافة ،القاهرة2005 ،م.
ابن األثير ،ضياء الدين نصر هللا بن محمد ( 637هـ) ،المثل السائر في ِ
أدب الكاتب
والشاعر ،تحقيق :أحمد الحوفي ،بدوي طبانة ،د /ط ،دار نهضة مصر للطباعة والنشر
والتوزيع ،القاهرة.
أحمد ،محمد فتوح ،الحداثة الشعرية :األصول والتجّليات ،د /ط ،دار غريب للطباعة والنشر
والتوزيع ،القاهرة 2006 ،م.
األخفش ،أبو الحسن ،سعيد بن مسعدة ( 830هـ ) ،كتاب القوافي ،تحقيق :أحمد راتب النفاخ،
ط ،1دار األمانة ،بيروت 1974 ،م.
إسماعيل ،عز الدين ،قضايا الشعر المعاصر :قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية ،ط ،3دار
الفكر العربي ،القاهرة ،د /ت.
ابن أبي اإلصبع العدواني ،عبد العظيم بن الواحد ( 654هـ ) ،تحرير التحبير في صناعة
الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن ،تحقيق :محمد حنفي ،د /ط ،المجلس األعلى للشؤون
اإلسًلمية ،الجمهورية العربية المتحدة.
األصفهاني ،أبو الفرج علي بن الحسين ( 356هـ ) ،األغاني ،د /ط ،تحقيق :إبراهيم السعافين،
إحسان عباس ،بكر عباس ،دار صادر ،بيروت ،ط .2008 ،3
147
أنيس ،إبراهيم:
بنيس ،محمد ،الشعر العربي الحديث :بنياته وابداًلتها ،ط ،1دار توبقال 1991 ،م.
التنوخي ،أبو يعلى عبد الباقي ،كتاب القوافي ،تحقيق :عوني عبد الرؤوف ،ط ،2مكتبة
الخانجي ،مصر 1978 ،م.
الجاحظ ،عمرو بن بحر ( 255هـ ) ،البيان والتبيين ،د /ط ،دار ومكتبة الهًلل ،بيروت،
1423هـ.
جني ،أبو الفتح عثمان بن جني ( 293هـ ) ،الخصائص ،تحقيق :محمد علي النجار ،د /
ابن ّ
ط ،دار الكتب المصرية ،القاهرة ،د /ت.
الدين ( 597هـ ) ،المدهش ،ط ،2دار الكتب العلمية ،بيروت 1985 ،م.
ابن الجوزي ،جمال ّ
الجوهري ،أبو نصر إسماعيل بن حماد ( 393هـ ) ،الصحاح :تاج اللغة وصحاح العربية،
تحقيق :أحمد عبد الغفور عطار ،ط ،4دار العلم للمًليين ،بيروت 1987 ،م.
148
أسلوبية لشعر طاهر رياض ،ط ،1المؤسسة العربية
ّ الخطيب ،رحاب ،معراج الشاعر :مقاربة
للنشر والتوزيع ،بيروت 2005 ،م.
خلوصي ،صفاء ،فن التقطيع الشعري والقافية ،ط ،5منشورات مكتبة المثنى ،بغداد 1977 ،م.
خوري ،منح ،الشعر بين نقاد ثالثة :ت .س .إليوت ،أرشيبالد ماكليش ،أي .أي .
ريتشاردز ،ط ،1دار الثقافة ،بيروت1966 ،م.
الخولي ،محمد علي ،مدخل إلى علم اللغة ،د /ط ،دار الفًلح للنشر والتوزيع ،األردن1993 ،
م.
درويش ،أحمد ،خليل مطران :المسيرة واإلبداع ،ترجمة :رشا صالح ،مراجعة :محمود البجالي،
الشعري ،الكويت 2010 ،م.
البابطين لإلبداع ّ
ْ ط ،1مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود
الشعر
ابن رشد ،أبو الوليد ( 595هـ ) ،تلخيص كتاب أرسطوطاليس في الشعر ومعه جوامع ّ
للفارابي ،تحقيق :محمد سليم سالم ،د /ط ،المجلس األعلى للشؤون اإلسًلمية ،لجنة إحياء
التراث اإلسًلمي ،القاهرة 1971 ،م.
ابن رشيق ،أبو علي ،القيرواني ( 456هـ ) ،العمدة في محاسن الشعر ،وآدابه ،ونقده ،تحقيق:
محمد محيي الدين عبد الحمبد ،ط ،5دار الجيل للنشر والتوزيع والطباعة ،سوريا 1981 ،م.
الدين ( 773هـ) ،عروس األفراح في شرح تلخيص المفتاح ،تحقيق :عبد الحميد
السبكي ،بهاء ّ
الهنداوي ،ط ،1المكتبة العصرية ،بيروت 2003 ،م.
149
فن الشعر من كتاب الشفاء ،ترجمة :عبد الرحمن بدوي ،د /ط ،دار الثقافة ،بيروت1973 ،
م.
الشفاء ،تحقيق :أحمد فؤاد األهواني ،د /ط ،المطبعة األميرية ،القاهرة 1958 ،م.
شوقي ،أحمد ،الشوقيات ،مراجعة :يوسف الشيخ البقاعي ،د /ط ،دار الكتاب العربي ،بيروت،
2008م.
الصاوي ،محمد إسماعيل ،شرح ديوان جرير ،ط ،1مطبعة الصاوي 1353 ،هـ.
صفي الدين الحلي ( 752هـ ) ،ديوان صفي الدين الحلي ،د /ط ،دار صادر ،بيروت ،د /ت.
الضالع ،محمد صالح ،األسلوبية الصوتية ،د /ط ،دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع ،القاهرة،
2002م.
ضيف ،شوقي:
األدب العربي المعاصر في مصر ،ط ،10دار المعارف ،القاهرة ،د /ت.
الفن ومذاهبه في الشعر العربي ،ط ،12دار المعارف ،القاهرة ،د /ت.
عباس عبد الساتر ،ط ،2دار ابن طباطبا ،محمد أحمد العلوي ( 322هـ ) ،عيار ّ
الشعر ،تّ :
الكتب العلمية ،بيروت 2005 ،م.
الطيب ،عبد هللا ،المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها ،ط ،2مطبعة حكومة الكويت،
الكويت 1989 ،م.
عبد التواب ،رمضان ،المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي ،ط ،3مكتبة الخانجي،
القاهرة 1997 ،م
150
عبد الحميد ،محمد ،في إيقاع شعرنا العربي وبيئته ،ط ،1دار الوفاء لنشر الطباعة ،األردن،
2005م.
عبد اللطيف ،محمد حماسة ،الجملة في الشعر العربي ،ط ،1مكتبة الخانجي ،القاهرة1990 ،
م.
أبو العتاهية ،إسماعيل بن القاسم ( 210هـ ) ،ديوان أبي العتاهية ،د /ط ،تحقيق :كرم
البستاني ،دار بيروت للطباعة والنشر ،بيروت 1986 ،م.
عزاوي ،عباس ،مخطوطة البنود العراقية ،د /ط ،مكتبة االمخطوطات ،بغداد ،د /ت.
عشقوني ،منير ،خليل مطران :شاعر القطرين ،ط ،1دار المشرق ،بيروت 1991 ،م.
عصفور ،جابر ،مفهوم الشعر :دراسات في التراث النقدي ،ط ،5الهيئة المصرية العامة
للكتاب ،القاهرة 1995 ،م.
أبو عمشة ،عادل ،العروض والقافية ،ط ،1مكتبة خالد بن الوليد ،نابلس 1986 ،م.
عياد ،شكري ،موسيقى الشعر العربي ،ط ،2دار المعرفة ،القاهرة 1928 ،م.
الفارابي ،أبو نصر ،محمد بن محمد ( 339هـ ) ،كتاب الموسيقى الكبير ،تحقيق :غطاس عبد
الملك خشبة ،د /ط ،دار الكتاب العربي ،القاهرة ،د /ت.
151
ابن فارس ،أبو الحسن ،أحمد بن فارس ( 395هـ ) ،الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها
ّ
العلمية ،بيروت1997 ،
ّ وسنن العرب في كالمها ،تعليق :أحمد حسين بسج ،ط ،1دار الكتب
م.
قدامة بن جعفر ،نقد الشعر ،تحقيق :محمد عبد المنعم خفاجي ،د /ط ،دار الكتب العلمية،
بيروت ،د /ت.
القيسي ،نوري حمودي ،لمحات من الشعر القصصي في األدب العربي ،د /ط ،منشورات دار
الجاحظ للنشر 1980 ،م.
كشك ،أحمد ،التدوير في الشعر :دراسة في النحو والمعنى واإليقاع ،ط ،1كلية دار العلوم،
جامعة القاهرة 1989 ،م.
الماكري ،محمد ،الشكل والخطاب :مدخل لتحليل ظاهراتي ،ط ،1المركز الثقافي العربي ،بيروت،
1991م.
مرعي ،محمود ،العروض الزاخر واحتماًلت الدوائر،ط ،1سلسلة الثقافة ( 2004 ،) 40م.
مطران ،خليل ،ديوان الخليل،ط ،3دار الكتاب العربي ،بيروت 1967 ،م.
ِ
بحل الكافي في علمي العروض والقوافي ،تحقيق :أحمد عفيفي،
المعمري ،عبد الرحمن ،الوافي ّ
ط ،2دار الكتب والوثائق القومية ،القاهرة 2012 ،م.
152
العامة للتأليف
ّ منصور ،سعيد حسين ،ال ّتجديد في شعر خليل مطران ،ط ،1الهيئة المصرية
النشر ،اإلسكندرّية 1970 ،م.
وّ
ابن منظور ،أبو الفضل ،محمد بن مكرم بن علي ( 711هـ ) ،لسان العرب ،ط ،3دار
صادر ،بيروت 1414 ،هـ.
نازك المًلئكة:
ديوان نازك المالئكة ،د /ط ،دار العودة ،بيروت 1997 ،م.
قضايا الشعر المعاصر ،ط ،3منشورات مكتبة النهضة ،القاهرة 1967 ،م.
نجم ،محمد يوسف ،فن القصة ،ط ،5دار الثقافة ،بيروت 1966 ،م.
الهاشمي ،السيد أحمد ،ميزان الذهب في صناعة شعر العرب ،تعليق :عًلء الدين عطية ،ط ،3
مكتبة دار البيروتي 2006 ،م.
الهاشمي ،علوي ،فلسفة اإليقاع في الشعر العربي ،ط ،1المؤسسة العربية للدراسات والنشر،
بيروت 2006 ،م.
هًلل ،محمد غنيمي ،الّنقد األدبي الحديث ،د /ط ،دار نهضة مصر ،مدينة السادس من
أكتوبر 1997 ،م.
153
المحكمة:
ّ الرسائل العلمية واألبحاث
أيوب ،حسام محمد ،اإليقاع في شعر أحمد شوقي :دراسة أسلوبية ( رسالة ماجستير )،
الجامعة األردنية 1998 ،م.
البحراوي ،سيد ،التضمين في العروض والشعر العربي ،مجلة فصول ،مصر ،مج ،7ع ،4 / 3
1987م.
بلعبدي ،نبيلة ،البنية اإليقاعية الداخلية في قصيدتي " كيف أعملي وحيلتي " و " وحدة الغزال "
ألبي مدين بن سهلة ،مجلة الحكمة للدراسات األدبية واللغوية – مؤسسة كنوز ،الجزائر2015 ،
م.
بوسيس وسيلة ،في الشعرية البصرية :مفاهيم وتجّليات ( بحث محكم ) ،مجّلة العلوم اإلنسانية،
ع 2012 ،38م.
توفيق ،عباس ،تجربة أمين الريحاني في الشعر المنثور ،مجلة زانكو ،ع ،1مج 1979 ،5م.
جًلل الدين ،نازك المازري ،خليل مطران وشعره القصصي ( رسالة ماجستير) ،جامعة أم درمان
اإلسًلمية 1999 ،م.
ّ
أبو حمادة ،عاطف ،البنية اإليقاعية في جدارية محمود درويش ،مجلة جامعة القدس المفتوحة
للدراسات واألبحاث ،ع 2011 ،25م.
154
عبد الرازق ،حميده ،الشعر القصصي أو شعر المالحم ،صحيفة دار العلوم ( اإلصدار الثاني )،
1939م ،س ،5ع .3
عمران ،عبد نور داود ،البنية اإليقاعية في شعر الجواهري ( رسالة دكتوراة ) ،جامعة الكوفة،
2008م.
المومني ،سهام علي سليمان ،ظاهرة التكرار في شعر الرثاء ح ّتى نهاية العصر األموي ( رسالة
ماجستير ) ،جامعة اليرموك ،األردن 2009 ،م.
وازن ،عبده ،دفاتر محمود درويش ،لقاء صحفي ،جريدة الحياة 2008 /8 / 10 ،م.
.https://www.youtube.com/watch?v=GcY65q-8ueg
155