You are on page 1of 156

‫كلية اآلداب‬

‫دائرة اللغة العربية‬

‫برنامج ماجستير اللغة العربية وآدابها‬

‫البنية اإليقاعية في شعر خليل مطران‪ :‬دراسة وصفية تحليلية‬

‫‪The rhythmic structure in the poetry of Khaleel Mutran:‬‬

‫‪A descriptive analytical study‬‬

‫إعداد الطالبة‪ :‬سناء يونس جابر‬

‫تاريخ المناقشة‪2017 /8/21 :‬م‬

‫أعضاء لجنة النقاش‪:‬‬

‫رئيسا) ‪......................................‬‬
‫( ً‬ ‫د‪ .‬محمود العطشان‬

‫عضوا) ‪.....................................‬‬
‫د‪ .‬عبد الكريم أبو خشان ( ً‬

‫عضوا) ‪......................................‬‬
‫( ً‬ ‫د‪ .‬موسى خوري‬

‫كماًل لدرجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها ‪ /‬جامعة‬


‫الرسالة است ً‬
‫قدمت هذه ّ‬
‫ّ‬
‫بيرزيت‬
‫اإلهداء‬

‫الحبيبين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الد َّي َ‬
‫صغيرا‪ ،‬إلى و َ‬
‫الشغف ُمذ رّبياني َ‬
‫السنا و ّ‬
‫إلى من أوَقدا ف ّي ّ‬

‫ِ‬
‫الحاضر‬ ‫إخوتي‪ُ ،‬رفقاء الحياة وأبطال ذكرياتي‪ :‬إلى "فادي" أستاذي في الحياة‪ ،‬والى "ياسر"‬ ‫إلى َ‬
‫أخا‬
‫دوما أخي "عمار"‪ ،‬والى "خليل" ً‬‫من رح ِم الغياب‪ ،‬والى من يرسم على وجوهنا البسمة ً‬ ‫ُحبًّا ْ‬
‫ِ‬ ‫وصديًقا‪ ،‬والى ِ"فداء" ًّ‬
‫الخالة‬ ‫الروح‪ .‬والى‬ ‫ووًّدا‪ ،‬والى "صفاء" تَو َ‬
‫أمة ّ‬ ‫أم ًًل ُ‬
‫اءة" َ‬
‫أما ثانية‪ ،‬والى "بر َ‬ ‫َ‬
‫الطيب‪ ،‬الذي‬
‫الجميلة "أم خلود – إنعام داغر‪ /‬سكرتيرة دائرة اللغة العربية وآدابها"‪ ،‬ذات القلب ّ‬
‫الفضل علي‪ -‬أهدي هذا‬
‫أصحاب َ‬‫ودع ٍم طيل َة سنوات دراستي ‪ ...‬إليهم ‪-‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫وس َند َ‬
‫غمرني بلطف َ‬
‫العمل المتواضع‪.‬‬

‫‌أ‬
‫شكر وعرفان‬

‫من علي من فضله حتّى‬ ‫الحمد هلل أن‬


‫ُ‬ ‫قال تعالى‪َ " :‬و َم ْن َي ْش ُك ْر َفِإَّن َما َي ْش ُك ُر لَِنْف ِس ِه" { لقمان‪،} 12 :‬‬
‫ّ ّ‬
‫أتقدم بجزيل الشكر واالمتنان إلى الدكتور المشرف محمود العطشان؛ لما‬ ‫ِ‬
‫أت ّم هذا البحث‪ .‬كما ّ‬

‫قدمه لي من نص ٍح وارشاد ووقت في سبيل إنجازه‪ ،‬والشكر الجزيل ألعضاء لجنة النقاش‪ :‬د‪ .‬عبد‬
‫ّ‬

‫الشكر ألساتذتي في دائرة‬ ‫الكريم أبو خشان و د‪ .‬موسى خوري ّ‬


‫لتفضلهما بقراءته والتعليق عليه‪ ،‬و ُ‬

‫أخص بالذكر األستاذ‬


‫ووهب لي من نفسه وقتًا ليبّل َغ العلم‪ ،‬و ّ‬
‫َ‬ ‫اللغة العربية‪ ،‬ولكل من عّلمني حرًفا‬

‫بعض المًلحظات حول البحث‪ ،‬وهللاَ أسأل التوفيق والسداد‪.‬‬


‫الشاعر محمود مرعي إلبدائه َ‬

‫‌ب‬
‫فهرست المحتويات‬

‫رقم‬ ‫العنوان‬

‫الصفحة‬

‫أ‬ ‫اإلهداء‬

‫ب‬ ‫شكر وعرفان‬

‫ج‬ ‫فهرست الموضوعات‬

‫هـ‬ ‫الملخص باللغة العربية‬

‫ز‬ ‫الملخص باللغة اإلنجليزية‬

‫‪9‬‬ ‫المقدمة‬

‫‪13‬‬ ‫تمهيد‬

‫‪19‬‬ ‫‪ .1‬اإليقاع والعروض وعًلقتهما بالداللة‬

‫‪20‬‬ ‫‪ 1.1‬ما بين اإليقاع والعروض‬

‫‪29‬‬ ‫‪ 1.2‬اإليقاع والداللة‬

‫‪41‬‬ ‫‪ .2‬اإليقاع الخارجي في شعر خليل مطران‬

‫‪41‬‬ ‫‪ 2.1‬تجليات األوزان في ديوان مطران‬

‫‪66‬‬ ‫‪ 2.2‬تجليات القافية ودالالتها في ديوان الخليل‬

‫‪80‬‬ ‫‪ 2.3‬الروي في أشعار خليل مطران ودالالته‬

‫‌ج‬
‫‪85‬‬ ‫‪ .3‬اإليقاع الداخلي في شعر خليل مطران‬

‫‪85‬‬ ‫فاعل " زحاف مبتعث في الخبب‬


‫ُ‬ ‫‪" 3.1‬‬

‫‪89‬‬ ‫‪ 3.2‬التصريع‬

‫‪94‬‬ ‫‪ 3.3‬التدوير‬

‫‪102‬‬ ‫‪ 3.4‬التكرار‬

‫‪114‬‬ ‫‪ .4‬مًلمح إيقاعية في شعر مطران القصصي‬

‫‪116‬‬ ‫‪ 4.1‬األوزان والقوافي في القصص الشعرية عند مطران‬

‫‪134‬‬ ‫‪ 4.2‬التضمين‬

‫‪138‬‬ ‫‪ 4.3‬التكرار صفة الزمة في شعر مطران القصصي‬

‫‪144‬‬ ‫الخاتمة‬

‫‪147‬‬ ‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫‌د‬
‫الملخص‬

‫عد اإليقاع بمفهومه الواسع بنية أساسية في العمل الشعري‪ ،‬وقد َبدت تجّلياتُها مختلفة من ٍ‬
‫زمن‬ ‫ُي ّ‬
‫مفهوما‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫كان اإليقاعُ‬
‫لتغير المقاييس النقدية التي تُحدد مفهوم الشعر؛ َفب ْع َد أن َ‬
‫بعا ّ‬‫إلى آخر ت ً‬
‫توس َع من بعد ذلك‬ ‫مقتَ ِ‬
‫ممثًل باألوزان والقوافي كما في ُحك ِم النقد القديم‪ ،‬فقد ّ‬
‫ص ًار على العروض ً‬
‫شامًل الحركة الداخلية للبيت الشعر ّي الناشئة من الزحافات والعلل‪ ،‬والتصريع والتدوير‪ ،‬والجرس‬
‫ً‬
‫البًلغية ممّثلة بالجناس والسجع والتكرار‬
‫ّ‬ ‫الموسيقي لألصوات اللغوية في النص‪ ،‬وبعض الظواهر‬
‫وكذلك التضاد والمقابلة‪ ،‬وهو ما تسعى هذه الدراسة إلى تبيانه في أشعار خليل مطران‪.‬‬

‫عند خليل مطران‪ ،‬متناولة في‬


‫المنهج الوصفي التحليلي في تَ ّبين البنية اإليقاعية َ‬
‫َ‬ ‫تعتمد الدراسة‬
‫قسمة اإليقاع من بعده إلى‬
‫وم ّ‬
‫مفهوم اإليقاع والعروض وعًلقتهما بالداللة‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫فصلها النظري األول‬
‫أفرَد له فصل يدرس األوزان‬‫فمختص باإليقاع الخارجي وهو العروض‪ ،‬وقد ِ‬
‫ّ‬ ‫األول‬
‫أما ّ‬‫قسمين‪ّ :‬‬
‫يوضح مدى االئتًلف‬
‫إحصائي ّ‬ ‫اعتمادا على منه ٍج‬
‫ً‬ ‫والقوافي والروي التي استعملها مطران‬
‫ّ‬
‫شاع استعماله عن العرب من قبله‪ ،‬ومن ثم الداللة المنشودة من كل‬
‫وبين ما َ‬
‫بينها َ‬
‫واالختًلف َ‬
‫ذلك‪.‬‬

‫فصل منفصل‪ ،‬وقسم إلى‬ ‫ٍ‬ ‫أما القسم اآلخر فيتناول اإليقاع الداخلي‪ ،‬وقد تناولته الباحثة في‬‫وّ‬
‫مع‬
‫فاعل " في شعر خليل مطران‪ ،‬والتصريع والتدوير والتكرار‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫مباحث أربعة‪ ،‬متناوًال التفعيلة "‬
‫إيقاعا في ذاتها أو التي تزيد من إيقاعية‬ ‫ِ‬
‫المنشئة‬ ‫اللغوية‬ ‫ِ‬
‫بعض األساليب‬ ‫ِ‬
‫مًلحظة عدم إغفال‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫تلك الظواهر‪ ،‬مثل‪ :‬التنغيم والمًلمح التمييزية لألصوات اللغوية واالشتقاق‬
‫النص إلى جانب َ‬
‫ّ‬
‫اللغوي والتقابل الصوري‪ ،‬أثناء التحليل‪.‬‬

‫فصًل‬
‫ً‬ ‫قسمي اإليقاع في شعر خليل مطران‪ ،‬فقد أضاَفت الباحثة‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫المتناولين‬ ‫إضاف ًة إلى الفصلين‬
‫جديدا ُبحك ِم تناوله‬ ‫نوعا‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫آخر يتناول اإليقاع في شعره القصصي على وجه الخصوص؛ العتباره ً‬
‫اإليقاعية خارجية كانت أو‬ ‫ِ‬
‫بعض مًلمحه‬ ‫تغي ًار الفتًا على‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫جنسا أدبيًّا ذا أصل نثري؛ ما يعني ّ‬‫ً‬
‫داخلية‪.‬‬
‫ّ‬

‫مجدًدا في بضعة مواضع‬


‫أن الشاعر خليل مطران بدا ّ‬ ‫تبي َن ّ‬
‫وبناء على ما تناولته الفصول‪ ،‬فقد ّ‬
‫ً‬
‫مهمشة‪،‬‬
‫الداخلي لإليقاع؛ وذلك بابتعاثه أوزًانا ُعّدت في ُحك ِم العرب ّ‬
‫على الصعيدين الخارجي و‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‌ه‬
‫الشعر‬ ‫ِ‬
‫بعض أشعاره‪ ،‬وبتنويعه في القوافي إلقحامه‬ ‫لنسق القصيدة العربية المعهودة في‬
‫َ‬ ‫واختراقه َ‬
‫ِ‬
‫مستعيضا عنهما‬
‫ً‬ ‫بعض حين‬‫ضحًيا بالوزن والقافية َ‬
‫اضا ما كانت تعرفها العرب كما اليوم‪ُ ،‬م ّ‬
‫أغر ً‬
‫عنده ِش ًا‬
‫عر موّق ًعا داخليًّا ال‬ ‫بالصور والبيان وحساسيته تجاه الوجود‪ ،‬ما يعني تدّفق الشعور َ‬
‫خارجيًّا‪ ،‬كما في شعره المنثور‪.‬‬

‫طع‬‫أن الشاعر لم يق َ‬ ‫ِ‬


‫غم وجود هذه المًلمح اإليقاعية المفترقة عن اإللف العربي للشعر‪ّ ،‬إال ّ‬
‫ور َ‬
‫كثير من أشعاره على ِ‬
‫نمط القدماء وأساليبهم‪ ،‬منطلًقا في ثورته‬ ‫نظم ًا‬
‫صلته بالموروث القديم‪ ،‬بل َ‬
‫من محطات التجديد في تاريخ الشعر العربي في عصور مختلفة‪.‬‬

‫‌و‬
Abstract

Rhythm in its broad‌ definition is considered as a basic structure in


literary work. Its manifestations differ from time to time based on the
critical variations‌ which define the concept of poetry. For a long time,
rhythm was restricted to metrics governed by certain criteria that were
set by old Arab poets. It, however, expanded to include the internal
movement of the‌ verse that is created through deviations, defects,
rotation, music, and some rhetorical phenomena as anaphylaxis,
assonance, repetition, opposites, synonyms.

This study uses the descriptive analytical‌ approach in showing the


rhythmic structure in Muttran's poetry. The study consists of four parts.
The first part is about the concepts of rhythm and meter and their
relation to indication.

Rhythm is divided into two parts; the first part "external rhythm",
known as metric. A section is devoted to this concept; this section looks
into poetic meters, rhymes, and the rhyming sounds that Muttran used
depending on a statistical approach that clarifies the similarities and
differences between him and what was once used by old Arabs poets,
and then the implication desired from all that.

The second part talks about the internal rhythm to which the researcher
has appointed a separate section; it is divided into four subjects, relating
to the internal movement, rotation, rhyme, and repetition. It highlights
some self-created rhythmic linguistic methods, which increases the
rhythm of the text in addition to phenomena like, toning, Distinguishing
features of linguistic voices, linguistic derivation, and visual encounters.

Based on the analysis, it appears that Khalil Mattran is a modernist on


both the external and internal levels of rhythm. He emphasizes the
measures that were marginalized by conventional poets. He breaks the
traditional layout of the Arabic poem in some of his poems and makes a
variety of rhymes to give poetic purposes that were not known to older
Arab poets. He replaces measures and rhymes by imagery and rhetoric

‫‌ز‬
that reflect his sensitivity to existence; a reflection of his flow of feelings
that come out as strong internal poetry.

Despite the presence of these new rhythmic features that differ from
the norm of older Arab poetry, the poet did not break his connection
with the ancient heritage. Rather, he wrote many of his poems following
the patterns and methods of the older generations. He based his
innovations on the modernization stages in the history of Arabic poetry
in different eras.

‫‌ح‬
‫المقدمة‬

‫كان متمثّ ًًل بالوزِن‬


‫الشعري‪ ،‬خارجيًّا َ‬
‫من الركائز الرئيسة التي يتّكئُ عليها العمل ّ‬ ‫ُي ُّ‬
‫عد اإليقاعُ َ‬
‫والقافية أو داخليًّا متمثّ ًًل بالتجانس والتنغيم والتكرار الصوتي وغيرها‪ ،‬إذ يسعى الشاعر إلى ِ‬
‫خلق‬
‫تختلج نفسه؛‬
‫ُ‬ ‫ومشاعر مختلفة‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫أفكار‬ ‫يستوعب ما يبثّه من‬
‫ُ‬ ‫تناغ ٍم بينهما – الداخلي والخارجي ‪-‬‬
‫الشعورّية‪.‬‬
‫بعا لحالته ّ‬ ‫ِ‬
‫مناخا نفسيًّا متقّلًبا ت ً‬
‫تغدو أشعاره ً‬
‫حتّى َ‬

‫شك يعنيه استمالة‬


‫فإن الشاعر ال ّ‬
‫بين الشاعر والمتلّقي‪ّ ،‬‬
‫طا تواصليًّا ما َ‬ ‫ألن القصيدةَ تُ ُّ‬
‫عد وسي ً‬ ‫و ّ‬
‫ناقًل شعوره إليهم‪ ،‬والفتًا نظرهم إلى القضايا التي‬
‫متلم ًسا حساسيتهم تجاهه ً‬
‫جمهوره إلى ما يكتبه ّ‬
‫ِ‬
‫النفس‬ ‫لشدة وقعه على‬
‫يز هذا األمر‪ّ ،‬‬ ‫اإليقاع دور في تعز ِ‬ ‫ِ‬
‫لتوظيف‬ ‫كان‬
‫ِ‬ ‫يتناولها في نصه؛ لذا َ‬
‫المتلقية‪.‬‬

‫جدًدا في آن‬
‫وم ّ‬ ‫وقد اقتصرت هذه الدراسة على تناول اإليقاع في ِ‬
‫كونه ُمقّلًدا ُ‬
‫شعر خليل مطران؛ َ‬
‫ًلع الباحثة‪ ،‬باستثناء‬
‫ط ِ‬ ‫حسب ا ّ‬
‫َ‬ ‫عنده‬ ‫ِ‬
‫وجود دراسة مستقّلة تناولت إيقاع الشعر َ‬ ‫معا‪ ،‬ولكو ِن عد ِم‬
‫ً‬
‫متنوعة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫متفرقة لهذا الموضوع في دراسات ّ‬
‫إشارات ّ‬
‫ِ‬
‫القصيدة وايقاعها‪ ،‬وكيفية‬ ‫بين موضوع‬ ‫ِ ٍ‬
‫وجود رابط ما َ‬ ‫حول‬
‫تكم ُن مشكلة الدراسة في الجدل القائم َ‬
‫و ُ‬
‫ِ‬
‫إمكانية‬ ‫اإليقاع ِخدم ًة للمعاني والدالالت التي يستدعيها في أبياته‪ ،‬وتعّق ِب‬ ‫ان‬
‫َ‬ ‫توظيف مطر َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫توظيف الوزِن الواحد لدالالت متنوعة‪ ،‬ومدى االئتًلف واالختًلف ما بينها‪ ،‬وكذا َ‬
‫بينها–‬
‫الدراسة إلى اإلجابة عن هذه األسئلة‪:‬‬
‫الدالالت‪ -‬وبين اإليقاع الداخلي للقصيدة‪ .‬وتسعى هذه ّ‬

‫بينهما وموضوعَ‬
‫ثم عًلقة َ‬ ‫ِن‬ ‫‪ -‬ما الفرق َ‬
‫بين الوز واإليقاع؟ وما عًلقتهما بالداللة؟ وهل ّ‬
‫عند مطران؟‬ ‫ِ‬
‫القصيدة َ‬

‫إيقاعية – خارجية وداخلية ‪ -‬على ما ُعَّد من ُحك ِم‬ ‫هل ا ْقتَضى ناموس التطور تغيير ٍ‬
‫ات‬ ‫‪ِ -‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫وخى‬ ‫ف تَ ّ‬
‫فكي َ‬
‫المقدس عند شعراء العرب القدامى في ديوان خليل مطران؟ وا ْن كان‪ْ ،‬‬ ‫ّ‬
‫توظيفها بما ال يأنفه اإللف العربي (عمود الشعر العربي)؟‬

‫ٍ‬
‫جنس أدبي نثري أن يتماهى‬ ‫ِ‬
‫بمكنة‬ ‫وهل‬
‫بإيقاع بعينه؟ ْ‬
‫ٍ‬ ‫شعره القصصي‬
‫ص مطران َ‬ ‫‪ -‬هل َخ ّ‬
‫بالزي الشعري الذي ألبسه إياه مطران؟‬

‫‪9‬‬
‫ِ‬
‫أشعار مطران‪،‬‬ ‫نماذج ُم َمِثّلة من‬
‫َ‬ ‫المنهج الوصفي التّحليلي‪ ،‬متوّقف ًة على‬
‫َ‬ ‫تعتمد هذه الدراسة‬
‫مسترشدة‬
‫ً‬ ‫اهر اإليقاعي َة فيها ومدى مواءمتها لمواضيعها المختلفة ولنفسية الشاعر‪،‬‬
‫مستبين ًة الظو َ‬
‫ِ‬
‫البادية في شعره؛ الستنتاج‬ ‫اإليقاعية‬ ‫ِ‬
‫لبعض الظواهر‬ ‫حصر‬
‫ًا‬ ‫بالمنهج اإلحصائي؛‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األحيان‬ ‫بعض‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫الدالالت المتوارية فيه‪.‬‬

‫كثير من الدراسات تناولت موضوع اإليقاع كونه قوام الشعر العربي‪ ،‬كما أن در ٍ‬
‫اسات‬ ‫أن ًا‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫شك ّ‬
‫وال ّ‬
‫اهر التّجديد عنده؛ كونه أحد رواد التجديد في‬ ‫كثيرة بحثت في ِ‬
‫شعر مطران وحّللته‪ُ ،‬متعّقبة ظو َ‬
‫ائق مختلفة في‬
‫مناهج وطر َ‬
‫َ‬ ‫الشعر المعاصر‪ ،‬على صعيد اللغة والصورة وكذا الموسيقى‪ُ ،‬متّبع ًة‬
‫بين كتب‪،‬‬
‫تنوعت هذه الدراسات َ‬
‫الضوء على مًلمح شعره من زوايا مختلفة‪ .‬وَقد ّ‬
‫َ‬ ‫تناولها‪ُ ،‬مسّلط ًة‬
‫محكمة‪.‬‬
‫وأطروحات لنيل درجة الدكتوراة أو الماجستير‪ ،‬وأبحاث ّ‬

‫أما الكتب التي عمدت إليها الباحثة في التحليل اإليقاعي فكثيرة‪ ،‬منها‪ :‬كتاب "معراج الشاعر‪:‬‬
‫ّ‬
‫فصًل لدراسة البنية‬
‫ً‬ ‫مقاربة أسلوبية لشعر طاهر رياض" للمؤلفة رحاب الخطيب‪ ،‬وقد عرضت فيه‬
‫ٍ‬
‫مستقص الداللة المنبعثة من التعاضدات‬ ‫نهج أسلوبي‬
‫العروضية المتبعة في أشعاره على ٍ‬
‫الموسيقية الداخلية والخارجية في َنماذج ممّثلة من ديوانه وتعالقها مع بعض القضايا اللغوية‪.‬‬
‫أنموذجا" للمؤلف المغربي خميس‬
‫ً‬ ‫وهناك كتاب "اإليقاع في الشعر العربي الحديث‪ :‬خليل حاوي‬
‫ِ‬
‫الحياة البدائية لإلنسان وحتى شعر التفعيلة‬ ‫تطور اإليقاع من ُذ‬
‫استقصى فيه مراحل ّ‬
‫الورتاني‪ ،‬وقد ْ‬
‫في العصر الحديث‪ ،‬ومن ثم عمد إلى استكناه الهيكلة اإليقاعية التي تتكئ عليها دواوين‬
‫تعمدها خدمة للموضوعات التي تناولها والدالالت‬ ‫التجديدية التي ّ‬
‫ّ‬ ‫متلم ًسا المواطن‬
‫الشاعر‪ّ ،‬‬
‫المنشودة منها‪ ،‬باإلضافة إلى كتابي "موسيقى الشعر" و "داللة األلفاظ" للمؤلف إبراهيم أنيس‪،‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬

‫وتحليًل فمتعددة‪ ،‬منها‪ :‬أطروحة دكتوراة للباحث‬


‫ً‬ ‫وأما األطروحات التي أفادت منها الباحثة هيكل ًة‬
‫عبد نور عمران بعنوان "البنية اإليقاعية في شعر الجواهري"‪ ،‬وقد تَ ّبي َن فيها أثر البيئة العراقية‬
‫اصًدا سمات‬ ‫على إيقاع شعر الجواهري‪ ،‬مستقصيا التشكًلت البنائية للبحور التي نظم عليها‪ ،‬ور ِ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫بعض األخطاء العروضية التي وقع فيها الشاعر‪ ،‬وتبيان‬ ‫الروي والقافية عنده‪ ،‬و ّ‬
‫معرًجا على‬ ‫ّ‬
‫أسباب ذلك‪ .‬وهناك أطروحة ماجستير بعنوان "اإليقاع في شعر أحمد شوقي‪ :‬دراسة أسلوبية"‬
‫لحسام أيوب‪ ،‬عرض فيها بعض مجاالت التطبيق األسلوبي في المستويات اللغوية األربعة‪،‬‬

‫‪10‬‬
‫أما "خليل مطران وشعره‬
‫بعد البنيات اإليقاعية الداخلية والخارجية في الشوقيات‪ّ ،‬‬
‫متعقبا من ُ‬
‫ً‬
‫القصصي" لنازك المازري‪ ،‬فهي أطروحة ماجستير أحصت فيها الباحثة القصص الشعرية التي‬
‫بناءها الدرامي ومضامينها وخصائصها‪ ،‬مشيرة إلى بعض اإلشارات‬
‫نظمها مطران‪ُ ،‬مبينة َ‬
‫اإليقاعية فيها‪.‬‬

‫إضاف ًة إلى الكتب واألطروحات تلك‪ ،‬فقد اعتمدت الباحثة بعض الدراسات المحكمة التي تناولت‬
‫قضية اإليقاع‪ ،‬مثل‪" :‬البنية اإليقاعية في جدارية محمود درويش" لعاطف أبو حمادة‪ ،‬و "مكونات‬
‫البنية اإليقاعية في القصيدة العربية القديمة" لعبد الفتاح لكرد‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫تأتلف هذه الدراسة من أربعة فصول مسبوقة بتمهيد ومقدمة‪ ،‬ويعقبها –الفصول– خاتمة‪ ،‬تناول‬
‫األول فبعنوان (ما‬
‫أما ّ‬‫اإليقاع والعروض وعًلقتهما بالداللة) وقد ُق ّس َم إلى مبحثين‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫الفصل األول (‬
‫بين اإليقاع والعروض) وقد تناول العًلقة بينهما والمًلمح التي ينماز بها األول عن اآلخر‪ ،‬وأما‬
‫فعنو َن بـ (اإليقاع والداللة) ويتقصى العًلقة الجدلية بينهما‪ ،‬متناوًال آراء النقاد‬
‫المبحث اآلخر ُ‬
‫حولها – قدماء ومحدثين‪.-‬‬

‫معتمدا الدراسة‬
‫ً‬ ‫أما الفصل الثاني فجاء بعنوان (اإليقاع الخارجي في شعر خليل مطران)‬
‫وّ‬
‫األول فبعنوان (تجلّيات األوزان في ديوان خليل‬
‫أما ّ‬‫مكونا من ثًلثة مباحث‪ّ :‬‬
‫ً‬ ‫اإلحصائية‪،‬‬
‫تبين فيه عدد البحور التي نظم عليها وعًلقتها بما هو شائع في الموروث الشعري‬
‫وقد ّ‬
‫مطران)‪ْ ،‬‬
‫اختص المبحث‬
‫ّ‬ ‫عند القدماء‪ ،‬ومواطن الخروج عن إيقاع الشعر العربي ودالالت ذلك‪ ،‬في حين‬ ‫َ‬
‫الثاني ‪-‬وعنوانه ( تجليات القافية ودالالتها في ديوان خليل مطران)‪ -‬بتبيان أقسام القافية و ِ‬
‫أسباب‬
‫أما المبحث‬ ‫من اآلخر‪ ،‬وعًلقة ذلك بالموروث الشعري‪ّ ،‬‬‫ظم على قسم منها أكبر َ‬
‫الن َ‬
‫تخير مطران ّ‬
‫ّ‬
‫مستبينا أسباب إيثار مطران رويًّا‬
‫ً‬ ‫األخير منه فكان بعنوان (الروي في أشعار مطران ودالالته)‬
‫معيًنا دو َن غيره في القصائد‪.‬‬
‫ّ‬

‫استكماال لإليقاع بصورته الكلية فقد استقل الفصل الثالث بعنوان (اإليقاع الداخلي في أشعار‬
‫ً‬ ‫و‬
‫مباحث أربعة موجزة‪ ،‬كان األول بعنوان ( ِ‬
‫"فاع ُل" زحاف مبتعث في الخبب)‬ ‫مكوًنا من‬
‫َ‬ ‫مطران) ّ‬
‫أساس شعر التفعيلة الحديث وكيفية‬
‫َ‬ ‫فاعل" التي ُعّدت‬
‫طا الضوء على التفعيلة المهمشة " ُ‬
‫مسل ً‬
‫تجليها عند مطران‪ ،‬في حين كان المبحث الثاني والثالث بعنواني (التصريع) و (التدوير) على‬

‫‪11‬‬
‫أما‬
‫عند مطران والداللة التي يرومها من توظيفه لهما‪ّ ،‬‬
‫اإليقاع الداخلي َ‬
‫َ‬ ‫التوالي‪ ،‬وكيفية تحقيقهما‬
‫سم بـ (التكرار)‪ ،‬وتناول صور تجلياته في أشعار مطران‬
‫فو َ‬
‫المبحث األخير من هذا الفصل ُ‬
‫وأسباب توظيفه له في مواضع دو َن غيرها‪.‬‬

‫جديدا‪ ،‬فقد‬
‫ً‬ ‫موضوعا‬
‫ً‬ ‫ألن مطران كتب نسب ًة الفتة من الشعر القصصي في ديوانه باعتباره‬
‫و ّ‬
‫إيقاعية في شعر مطران القصصي)‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬ ‫ُخصص الفصل األخير لدراسته تحت عنوان (مًلمح‬
‫كل مبحث بملمح إيقاعي خارجيًّا كان أو داخليًّا‪ ،‬أما األول فـ‬
‫استقل ّ‬
‫ّ‬ ‫أُوجز بثًلثة مباحث‪،‬‬
‫(األوزان والقوافي في القصص الشعرية عند مطران)‪ ،‬وقد أحصيت فيه القصص الشعرية التي‬
‫الضوء‬
‫نظمها مطران واألبحر التي جاءت عليها والدالالت المستفادة من ذلك‪ ،‬إضافة إلى تسليط ّ‬
‫عما هو مألوف وداللة هذا األمر‪ ،‬ودراسة‬
‫مغاير ّ‬
‫ًا‬ ‫شكًل‬
‫على هيكلة بعض القصائد التي انتحت ً‬
‫تجّليات القافية في القصص الشعرية وعًلقتها بمضمون القصة‪.‬‬

‫وأما الملمح اآلخر فبعنوان (التضمين) ور ِ‬


‫صد فيه بعض المواضع التي تكثر فيها هذه الظاهرة‬ ‫ُ‬
‫وتبيان عًلقة ذلك بالداللة ومدى موافقتها مع األحكام الشعرية القديمة‪ ،‬في حين ُوسم الملمح‬
‫األخير بـ (التك ارر صفة الزمة في شعر مطران القصصي)‪ ،‬إذ ُسلط فيه الضوء على كيفية‬
‫مستوى من اإليقاعية في هذا النوع من الشعر المعتمد على القصة ذات‬
‫ً‬ ‫تحقيق هذه الظاهرة‬
‫القوام النثري‪.‬‬

‫متلوة بقائمة المصادر‬


‫وقد تًَل هذا الفصل خاتمة فيها أهم النتائج التي استخلصتها الدراسة ّ‬
‫والمراجع التي اعتمدتها‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫تمهيد‪:‬‬

‫اإللمام بأطرافها دو َن التعريج على‬ ‫ن‬


‫اخر القر التّاسع عشر و ُ‬ ‫األدبية أو َ‬
‫ّ‬ ‫الصعب ُمطالعة الحركة‬
‫من ّ‬‫َ‬
‫مة أولئك الشاعر خليل مطران‬ ‫ضعف ألم بها‪ ،‬وفي مقد ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الذين نهضوا بها من‬ ‫روادها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫أهم ّ‬
‫ّ‬
‫(‪1872‬م– ‪ 1949‬م)‪ ،‬شاعر األقطار العر ّبية‪.‬‬

‫يذكر شوقي ضيف في كتابه "األدب العربي المعاصر في مصر" أثر عائلة خليل مطران في‬
‫أمها‪،-‬‬
‫عر ‪-‬التي ورثته بدروها عن ّ‬
‫الش َ‬
‫شخصيته الشعرية؛ إذ نشأ في بعلبك وارثًا عن أمه ّ‬
‫ّ‬ ‫تكوين‬
‫ِ‬
‫حب للشعر الثورَة على‬
‫الم ّ‬
‫وحنانا عميقين حتى آخر حياته‪ ،‬كما ورث عن أبيه ُ‬
‫ً‬ ‫مستشعر لها حبًّا‬
‫ًا‬
‫‪1‬‬
‫بعد‪.‬‬
‫ومن يمارسه ؛ فكان لهذه المعاني صدى واضح في أشعاره من ُ‬ ‫الظلم وبغضه َ‬

‫كثير من أشعار األدب العربي القديمة‪،‬‬


‫ظ ًا‬ ‫عند والديه فقد حف َ‬ ‫َّ ِ‬
‫الصغير بالميول الشعرية َ‬
‫ولشدة تأثّر ّ‬
‫بشكل دوري مأخوًذا بها‪ ،‬حتّى ّإنه ‪-‬كما يذكر أخوه ألبير مطران– كان وهو في‬‫ٍ‬ ‫فأخذ يلحنها‬
‫عال أبياتًا من شعر ابن الفارض أو أبي‬ ‫ٍ‬
‫بصوت ٍ‬ ‫ليًل‪ ،‬وهو ينشد‬ ‫ظ من ِ‬
‫نومه ً‬ ‫عامه الثامن "يستيق ُ‬
‫أخير‬
‫كثير مما يفعله‪ ،‬و ًا‬
‫تمام أو البحتري‪ ،‬وكانت أخته المسكينة التي تنام في نفس الحجرة تُعاني ًا‬
‫إن هذا يحدث لي دو َن إرادتي"‪.2‬‬
‫شكته إلى أبيه الذي زجره ‪ ...‬والطفل يقول‪َّ :‬‬

‫ونتيج ًة للذكاء الذي أبداه الشاعر في صغره‪ ،‬يذكر شوقي ضيف اهتمام والده بتعليمه فأرسله إلى‬
‫علوم اللغة‬
‫َ‬ ‫بعِدها إلى المدرسة البطريركية في بيروت ً‬
‫ناهًل‬ ‫ِ‬
‫تما دروسه فيها‪ ،‬لينتق َل من ْ‬ ‫زحلة ُم ًّ‬
‫اليازجية ممّثل ًة بـِ "إبراهيم اليازجي" و "خليل اليازجي"‪ ،‬إضافة إلى‬
‫ّ‬ ‫العربية فيها على يد األسرِة‬
‫حذقه اللغة الفرنسية فيها‪.3‬‬

‫ِ‬
‫حياته والبيئة‬ ‫مطلع‬ ‫بالشاعر‬
‫ألمت ّ‬
‫َ‬ ‫ظروف التي ّ‬ ‫تتبعه ال ّ‬
‫واألمر نفسه يذكره األستاذ أحمد درويش ب ّ‬
‫ط التقاء الثقافات المختلفة التي‬
‫يحتَها خطو ُ‬
‫بكرة أذكت قر َ‬ ‫أدبية م ّ‬
‫مشير إلى ذائقة ّ‬
‫ًا‬ ‫التي احتضنته‪،‬‬
‫نشأت عليها يقول‪" :‬وعندما أتم مطران مرحلته الدراسية األولى في سن السابع َة عشرةَ‪ ،‬واصل في‬

‫‪1‬‬
‫‌ضيف‪‌،‬شوقي‪‌،‬األدب العربي المعاصر في مصر‪‌،‬ط‌‪‌،10‬دار‌المعارف‪‌،‬القاهرة‪‌،‬د‌‪‌/‬ت‪‌،‬ص‌‪‌ .121‬‬
‫‪2‬‬
‫‌درويش‪‌،‬أحمد‪‌،‬خليل مطران‪ :‬المسيرة واإلبداع‪‌،‬ترجمة‪‌:‬رشا‌صالح‪‌،‬مراجعة‪‌:‬محمود‌البجالي‪‌،‬ط‌‪‌،1‬مؤسسة‌جائزة‌عبد‌العزيز‌‬
‫شعري‪‌،‬الكويت‪‌2010‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.29‬‬ ‫سعود‌البابطيْن‌لإلبداع‌ال ّ‬
‫‪3‬‬
‫‌ضيف‪‌،‬شوقي‪‌،‬األدب العربي المعاصر في مصر‪‌،‬ص‌‪‌ .121‬‬

‫‪13‬‬
‫كان يساعد في تدريس العربية‬
‫التركية في الوقت الذي َ‬
‫الكلية البطريركية دراس َة اإلنجليزية و ّ‬
‫نسية"‪.1‬‬
‫والفر ّ‬

‫ان العربية على ِيد األسرة اليازجية بعد التحاقه بالكلية البطريركية‪ ،‬كما يرى‬
‫إن استمرار تلّقف مطر َ‬
‫مظان األدب يستقيه من منبعه األصيل‪ ،‬كان له األثر البالغ في‬
‫ّ‬ ‫منير عشقوني‪ ،‬وانكفاءه على‬
‫حوا‪ ،‬واثارة روح التجديد عنده والنظر في‬ ‫ون ً‬
‫أدبا َ‬
‫األدبية وسًلمة سليقته العر ّبية ً‬
‫ّ‬ ‫صقل موهبته‬
‫الرومانسية‬ ‫تشربه من األدب الفرنسي متأثًّار بالحركة‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بي من ربقة القديم؛ لما ّ‬
‫ّ‬
‫تحرر الشعر العر‬
‫‪2‬‬
‫مكث الشاعر في فرنسا عامين (‪1890‬‬ ‫بعد أن َ‬
‫فيه ‪ .‬ويؤكد الكاتب سعيد منصور اتضاح ذلك َ‬
‫عاكفا على قراءة آثار كبار الشعراء واألدباء الفرنسيين‪ ،‬وفي طليعتهم "هيجو" و‬
‫ً‬ ‫– ‪ 1892‬م)‬
‫مستقر في مصر؛ إذ لم تسمح له التضاربات السياسية في بلده –‬
‫ًّا‬ ‫بعد ذلك‬
‫ليغادر فرنسا َ‬
‫َ‬ ‫"موسيه"‬
‫ع إليها‪.3‬‬
‫الرجو َ‬
‫بعلبك– ّ‬

‫يتلمس مفاصل التباين ما بين األدب الغربي‬ ‫أن هذه األمور مجتمعة هي التي جعلته ّ‬ ‫ويبدو ّ‬
‫تقانه العربي َة في‬
‫كثير منه وا ُ‬
‫ظه ًا‬‫الشعر العربي وحف ُ‬
‫َ‬ ‫فهض ُمه‬
‫استقر ذلك في ذهنه؛ ْ‬
‫ّ‬ ‫والعربي‪ ،‬حتّى‬
‫ّ‬
‫ضم الجديد ‪ -‬الذي نهله من‬‫أج َل ّ‬
‫يسير عليه َ‬
‫منهج ُ‬
‫ٍ‬ ‫ظل أسرٍة شاعرة ثائرة‪ ،‬جعله يفكر في تهيئة‬
‫هيكل قصائده تقليديًّا كما يظهر‬
‫ُ‬ ‫استقر في ذهنه‪ ،‬وان بدا‬
‫ّ‬ ‫األدب األوروبي‪ -‬إلى القديم الذي‬
‫للوهلة األولى‪.‬‬

‫أيت‬ ‫ولينّف َذ مطران مشروعه التجديدي‪ ،‬فقد بدا صريحا في مقد ِ‬


‫قائًل‪" :‬فر ُ‬
‫مة ديوانه َيدعو إلى ذلك ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ف البيضاء‪ ،‬كتَطر ِ‬
‫يس األقدا ِم في‬ ‫ِ‬
‫المألوف جمودا‪ ،‬وبدا لي تطريز األقًلم على الصح ِ‬ ‫الش ِ‬
‫عر‬ ‫في ّ‬
‫ّ ُ‬ ‫ً َ‬
‫الشباب‪،‬‬‫ائل ليالي ّ‬ ‫ِ‬
‫الصبا وأو َ‬
‫سائر ّأيام ّ‬
‫وقضيت َ‬
‫ُ‬ ‫رت طريقتَه‪ ،‬لجهلي حقيقته‪،‬‬
‫فأنك ُ‬
‫الصحراء‪َ ،‬‬
‫تيه ّ‬
‫تلك الفترة‪.‬‬
‫كان عهده َ‬ ‫ِ‬
‫الجمود الذي َ‬ ‫تحرِر ّ‬
‫الشعر من‬ ‫حيل إلى ّ‬
‫‪4‬‬
‫وأنا ال ألوي عليه ‪ّ ، "...‬‬
‫فكأنما ُي ُ‬

‫عدت إليه وقد نضج الفكر‪ ،‬واستقّلت لي‬ ‫التجديد م ِ‬


‫ستدرًكا‪ُ " :‬‬ ‫وضوحا في انتهاجه‬ ‫أكثر‬
‫ويبدو َ‬
‫َ ُ‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫لترضية نفسي حيث أتخلّى ‪ ...‬موافًقا‬ ‫عت أنظم ُه‬ ‫كيف ينبغي أن يكو َن ّ‬
‫الشعر‪ ،‬فشر ُ‬ ‫طريقة في َ‬
‫‪1‬‬
‫‌درويش‪‌،‬أحمد‪‌،‬خليل مطران‪ :‬المسيرة واإلبداع‪‌،‬ترجمة‪‌:‬رشا‌صالح‪‌،‬مراجعة‪‌:‬محمود‌البجالي‪‌،‬ط‌‪‌،1‬مؤسسة‌جائزة‌عبد‌العزيز‌‬
‫شعري‪‌،‬الكويت‪‌2010‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌ .41‬‬ ‫سعود‌البابطيْن‌لإلبداع‌ال ّ‬
‫‪2‬‬
‫‌عشقوني‪‌،‬منير‪‌،‬خليل مطران‪ :‬شاعر القطرين‪‌،‬ط‪‌،1‬دار‌المشرق‪‌،‬بيروت‪‌1991‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌/‌19‬انظر‌أيضًا‪‌:‬ضيف‪‌،‬شوقي‪‌،‬األدب‬
‫العربي المعاصر في مصر‪‌،‬ص‌‪‌ .121‬‬
‫‪3‬‬
‫‌منصور‪‌،‬سعيد‌حسين‪‌،‬الت ّجديد في شعر خليل مطران‪‌،‬ط‪‌،1‬الهيئة‌المصرية‌العا ّمة‌للتأليف‌والنّشر‪‌،‬اإلسكندريّة‪‌1970‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌/‌7‬‬
‫انظر‌أيضًا‪‌:‬ضيف‪‌،‬شوقي‪‌،‬األدب العربي المعاصر في مصر‪‌،‬ص‌‪‌ .122‬‬
‫‪4‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪،‬ط‪‌،3‬دار‌الكتاب‌العربي‪‌،‬بيروت‪‌1967‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.8‬‬

‫‪14‬‬
‫أحيانا على ِ‬
‫غير‬ ‫خدامها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫من الجرأة على األلفاظ والتّراكيب‪ ،‬ال أخشى است َ‬ ‫زماني فيما يقتضيه َ‬
‫وعد ِم‬
‫ذلك مع االحتفاظ َجهدي بأصول اللغة َ‬
‫من األساليب‪َ ،‬‬‫المطروق َ‬‫من االستعارات و َ‬
‫المألوف َ‬
‫علمه"‪.1‬‬ ‫ٍ ِ‬
‫التّفريط في شيء منها ّإال ما فاتَني ُ‬

‫ٍ‬
‫عصر بما يًلئمه من لغة وأساليب تعبيرية تتوافق‬ ‫كل‬
‫الشاعر باختصاص ّ‬
‫إيمان ّ‬
‫ُ‬ ‫سبق‬
‫مما َ‬
‫ويبدو ّ‬
‫قبًل بقد ِر ما يعني توظيفه‬
‫التقليديو َن ً‬
‫ّ‬ ‫أصله‬
‫عما ّ‬
‫العزوف ّ‬
‫َ‬ ‫بذاك‬
‫آل إليها‪ ،‬وال يعني َ‬
‫روف التي َ‬
‫ظ َ‬‫وال ّ‬
‫ًلئما‬ ‫امتدادا موّفًقا لِ ٍ‬ ‫وفق ما يهضم متطّلبات العصر اآلني‪ ،‬فيكو ُن‬
‫الشعر فيه ُم ً‬
‫ُ‬ ‫ف‬‫ظَ‬
‫عصر قديم ُو ّ‬ ‫ً ُ‬ ‫َ‬
‫مقدمته التي ابتدأ فيها‬
‫ان في ّ‬ ‫أن مطر َ‬
‫غم دعوته تلك ّإال أن الًلفت في األمر ّ‬ ‫الحتياجاته‪ .‬ور َ‬
‫جعية‬
‫تجاوز أساليب العرب القديمة وتراكيبهم اللغوية‪ ،‬فجاءت معظمها َس ّ‬
‫َ‬ ‫ديو َانه‪ ،‬لم يستطع‬
‫ِ‬
‫مفردات معجمهم‪.‬‬ ‫بين جمله‪ ،‬واستعماله‬
‫منتهجا بًلغتهم‪ ،‬حتّى في المساواة َ‬
‫ً‬ ‫إيقاعية‪،‬‬
‫ّ‬

‫صعيد آخر‪ ،‬فإن عمله في حقل التّرجمة "كان مدخًل رئيسا إلى معرفة المورد األساسي‬ ‫ٍ‬ ‫وعلى‬
‫متنوع ًة ومتعددة كانت النافذة المشرعة‬ ‫ٍ‬
‫تأليفا وتجديدا ترجمات ّ‬‫لثقافته الواسعة التي أعطت ثمارها ً‬
‫نلمس آثاراها‬
‫اعا جديدة وموضوعات عديدة ُ‬ ‫على اآلداب ال سيما األدب الفرنسي‪ ،‬فاستقى منها أنو ً‬
‫‪2‬‬
‫النوع من الشعر –‬
‫رد هذا ّ‬
‫كان و َ‬
‫خصوصا" ‪ .‬و َ‬
‫ً‬ ‫عموما وفي شعره القصصي والوجداني‬
‫ً‬ ‫في نتاجه‬
‫ضيقة عاجزة عن بلوغ ما‬ ‫ٍ‬
‫القصصي الوجداني‪ -‬في األدب العربي على شكل محاوالت محدودة ّ‬
‫النهضة‪.3‬‬
‫بعد ّ‬
‫صارت إليه َ‬

‫واضافة إلى اهتمامه بالشعر القصصي‪ ،‬يشير منير عشقوني إلى اهتمام خليل مطران كذلك‬
‫يتكيف والبيئ َة‬ ‫ٍ‬
‫مشج ًعا األدباء على كتابته‪ ،‬وتحويله إلى عمل ّ‬
‫ّ‬ ‫بالشعر المسرحي والنهوض به‪،‬‬
‫كان‬
‫جديدا كهذا‪ ،‬ولعله َ‬
‫ً‬ ‫فنا‬ ‫ٍ‬
‫فضل في تعريف العرب ًّ‬ ‫صاحب‬ ‫كان‬
‫العربية المنتشر فيها؛ ولذلك َ‬
‫َ‬
‫اء خوض شوقي هذا المضمار‪ .4‬ثُ ّم يورد شوقي ضيف في كتابه "األدب العربي‬
‫الدافع ور َ‬
‫ّ‬
‫إماما له في تمثّل الشعر‬
‫المعاصر في مصر" كيف اتّخذ الشاعر عزيز أباظة من شوقي ً‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ص‌‪‌ ..8‬‬
‫‪2‬‬
‫‌عشقوني‪‌،‬منير‪‌،‬خليل مطران‪ :‬شاعر القطرين‪‌،‬ص‌‪.29‬‬
‫‪3‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪.55‬‬
‫‪4‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌–‌31‬ص‌‪.32‬‬

‫‪15‬‬
‫‪1‬‬
‫امتدادا لما دعا إليه مطران‬
‫ً‬ ‫كان شوقي‬
‫فكأنما َ‬
‫بعا ُخطاه جارًيا على آثاره ‪ّ ،‬‬ ‫المسرحي‪ ،‬متّ ً‬
‫امتدادا للشاعر عزيز أباظة من بعده‪.‬‬
‫ً‬ ‫بخصوص هذا النوع من الشعر‪ ،‬ليكو َن بدوره‬

‫الشعرية –القصصية والمسرحية‪ -‬إلى‬ ‫زوف العرب عن مثل هذه األنواع ّ‬ ‫ويعزو شوقي ضيف ُع َ‬ ‫َ‬
‫ان إليها‬
‫الفردية‪ ،‬فكانت دعوةُ مطر َ‬ ‫وتمسكهم بوحدة البيت وغرقهم في‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫تقيدهم بحدود الوز والقافية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫القصة تعتمد‬
‫ّ‬ ‫الخًلق‪ ،‬وكون‬
‫ممزوجا بخياله ّ‬
‫ً‬ ‫مادته فيها من وقائع التّاريخ‬ ‫ًّ‬
‫مستمدا ّ‬ ‫ثورًة فكرّية‬
‫بالشاعر إذ‬ ‫كان حريًّا ّ‬
‫الشعر؛ ف َ‬
‫من ّ‬‫النثر َ‬
‫أقرب إلى ّ‬
‫اقعية والسرد التّقريري‪ ،‬فهي ُ‬
‫على كثير من الو ّ‬
‫تأمليًّا‪.2‬‬
‫بعدا وجدانيًّا ّ‬
‫ظف ُج ّل قدرته إلضفاء الروح الشاعرية عليها –القصة‪ ،-‬ومنحها ً‬
‫ذاك أن يو ّ‬
‫َ‬

‫طًلع الشاعر على أدب‬ ‫وبتتبع منير عشقوني أشعار خليل مطران‪ ،‬فإنه يرى ّ‬
‫أن من نتائج ا ّ‬
‫كبيرا‪ ،‬لذلك دعا إلى ضرورة أن تكو َن أبياتها متماسكة‬
‫اعتناء ً‬
‫ً‬ ‫الغرب اعتناءه بوحدة القصيدة‬
‫تصب في موضوع واحد وتتسلسل لبلوغ الغاية األساسية منها‪،3‬‬
‫ّ‬ ‫عضوية متآلفة‬
‫ّ‬ ‫متراصة في وحدة‬
‫ناظمه‬
‫ُ‬ ‫ليس‬
‫عر َ‬‫الش ُ‬
‫مقدمة ديوانه‪ ،‬إذ يقول‪" :‬هذا ّ‬
‫وهو بذلك يستند إلى اعتراف الشاعر نفسه في ّ‬
‫وشاتم أخاه ودابر المطلع وقاطع‬ ‫ظ ُر قائله إلى جمال البيت المفرد‪ ،‬ولو أنكر جاره‬ ‫ِ‬
‫بعبده ‪ ...‬وال ين ُ‬
‫َ‬
‫المقطع وخالف الختام‪ .‬بل ُينظر إلى جمال البيت في ذاته وفي موضعه‪ ،‬والى جملة القصيدة‬
‫في تركيبها وفي ترتيبها وفي تناسق معانيها وتوافقها"‪.4‬‬

‫عيب ضمنيًّا على شعراء العصر السير على خطى‬ ‫ِ‬


‫وي ُ‬
‫فالشاعر ينظر إلى القصيدة نظرًة شمولية‪ُ ،‬‬
‫شك‬
‫ذاك ّأنه وان بدا موافًقا لزمانهم‪ ،‬فهو بًل ّ‬
‫القدماء في استعباد ما سلكوه من هيكلة ألشعارهم؛ َ‬
‫ِ‬
‫بعض أجزائه‬ ‫النص الكّلي ال على‬ ‫الحكم يكو ُن على جمال ّ‬ ‫أن‬
‫ال يتوافق وروح العصر اآلن‪ ،‬كما ّ‬
‫َ‬
‫أبلغ ما فيه‪.‬‬
‫–أبياته– وان َبدت َ‬

‫النص‪ ،‬بل يتجاوزه إلى التحرر من قيود الوزن والقافية التي‬ ‫ِ‬
‫مقتصر عنده على وحدة ّ‬
‫ًا‬ ‫األمر‬
‫ُ‬ ‫وليس‬
‫اصفا شعره‪" :‬وال تحمله ضرو ارت الوزن أو القافية على غير‬ ‫شرعها األقدمو َن قبله‪ ،‬يقول و ً‬
‫دة بالوزن‬ ‫قصده"‪ .5‬وال يبدو قوُله ذاك من ض ٍ‬
‫مقي ً‬
‫ته العرب ّ‬
‫سلك ُ‬
‫عف في قدرته على نظم مثل ما َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬

‫‪1‬‬
‫‌شوقي‪‌،‬ضيف‪‌،‬األدب العربي المعاصر في مصر‪‌،‬ص‌‪‌ .82‬‬
‫‪2‬‬
‫‌عشقوني‪‌،‬منير‪‌،‬خليل مطران‪ :‬شاعر القطرين‪‌،‬ص‌‪‌ .55‬‬
‫‪3‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .90‬‬
‫‪4‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ص‌‪.9‬‬
‫‪5‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫ٍ‬
‫طاقات‬ ‫اعتاد عليه من قيود‪ ،‬وا ِ‬
‫مكان استيعابه‬ ‫كان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫كسر رتابة ما َ‬
‫من حاجة الشعر َ‬ ‫والقافية‪ ،‬بل ْ‬
‫استجدت في عصرهم بعد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اضيع لم يكن عهدها األقدمون؛ إذ ما كانت قد‬
‫ومو َ‬

‫هان ذلك –حسبما يرى منير عشقوني‪ -‬يتأتّى من نظ ِم الشاعر قصيدته الشهيرة "نيرون" وهي‬
‫وبر ُ‬
‫"ملحمة األدب العربي" كما في ُعرف النّقاد؛ وقد أظهر فيها الشاعر قدراته في البًلغة‬
‫الخًلق‪ ،‬وهي من أطول قصائد األدب العربي‪،‬‬
‫والفصاحة‪ ،‬وبلغ فيها درجات من الخيال المبدع ّ‬
‫تقيدت بوحدتي الوزن والقافية فقد‬
‫إذ بلغ عدد أبياتها ( ‪327‬بيتًا)‪ ،‬وهي ذات موضوع واحد‪ ،‬واذ ّ‬
‫وموضوعية في آن‪.1‬‬
‫ّ‬ ‫لغوية‬
‫بدا في بعض كلماتها شيء من الغرابة‪ ،‬فكانت ذات ثورة ّ‬

‫ِ‬
‫هجر‬ ‫بأنه ما دعا إلى‬ ‫وِ‬
‫احد‪ ،‬يعني ثقته ّ‬ ‫س عروضي‬ ‫فأن ينظم الشاعر (‪ 327‬بيتًا) على َنف ٍ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫بمثلها‪ ،‬فكان أجدى ِ‬
‫به أن يأتي بالجديد‬ ‫بعد أن هضمها وأتى‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫األوزان والقوافي المعهودة‪ّ ،‬إال َ‬
‫وهو‬ ‫ِ‬
‫الشعر‪َ ،‬‬‫سيما في موسيقى ّ‬‫مألوف ال ّ‬ ‫هو‬
‫عما َ‬
‫المناسب لعصره‪ ،‬وا ْن دعاهُ ذلك إلى الخروج ّ‬
‫جل ما تدور حوله هذه الدراسة وتسعى إلى تبيان مدى موافقة قصائد الشاعر لدعوته في مقدمة‬
‫ّ‬
‫ستوضح الفصول الًلحقة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ديوانه أو افتراقه عنها كما‬

‫‪1‬‬
‫‌عشقوني‪‌،‬منير‪‌،‬خليل مطران‪ :‬شاعر القطرين‪‌،‬ص‌‪‌ .62‬‬

‫‪17‬‬
‫اإليقاع والعروض وعالقتهما بالدًللة‪.‬‬

‫اإليقاع والعروض‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بين‬
‫‪ 1.1‬ما َ‬
‫‪ 1.2‬اإليقاع والداللة‪.‬‬

‫‪ .1‬اإليقاع والعروض وعالقتهما بالدًللة‪:‬‬

‫‪18‬‬
‫النثر‪َ ،‬فًل يكو ُن ِش ًا‬
‫عر ما َل ْم‬ ‫ِ‬
‫العمل الشعري‪ ،‬وهو سمة ينماز بها عن ّ‬ ‫عد اإليقاع ركيزًة رئيسة في‬ ‫ُي ّ‬
‫اء ُم‬
‫معاني تتو َ‬ ‫حامًل طيَّه‬
‫ً‬ ‫األسماع فقط‪ ،‬بل يتجاوزها‬
‫ِ‬ ‫تقتصر وظيفتُه على جذب‬
‫ُ‬ ‫يكن ُموّق ًعا‪ .‬وال‬
‫َ‬
‫شحن الشاعر به قصيدتَه‪.‬‬
‫َ‬ ‫النفسي الذي‬‫ناخ ّ‬ ‫الم َ‬
‫وُ‬

‫فإنه ‪-‬كما يذكر الناقد خميس الورتاني‪ -‬مفهوم واسع‬


‫ودا إلى اإليقاع في معناه المحسوس‪ّ ،‬‬
‫وع ً‬
‫َ‬
‫الطب ممثّ ًًل‬
‫ّ‬ ‫ممتزجا بالتخصصات المتنوعة األخرى؛ َف َ‬
‫هو حاضر في‬ ‫ً‬ ‫عر‬
‫الش َ‬
‫فضفاض‪ ،‬يتجاوز ّ‬
‫بيع ِة وظواهرها؛ فحرك ُة الكواكب منتظمة هو‬
‫ط َ‬ ‫مثًل‪ ،‬وكذا في ال ّ‬
‫الدموية ً‬
‫بإيقاع القلب والدورة ّ‬
‫ٍ‬
‫إيقاعات معّقدة وان لم نلحظ ُكنه نسيجها‬ ‫اإليقاع عينه‪ ،‬كما أن للريح والر ِ‬
‫عد وزقزقة العصافير‬ ‫ّ‬
‫زمنيتها‪ ،1‬وعلى ذلك فالكو ُن ُبني ُموّق ًعا‪.‬‬
‫وكذا ّ‬
‫َ‬

‫إناسية لها تعّلق بعميق علل الحركة في اإلنسان‪ ،‬ال سبيل له إلى‬
‫ّ‬ ‫ويبدو َّ‬
‫أن "اإليقاع ضرورة‬
‫نظر ألهمية مقولة الزمن في وعيه وال وعيه‪ ،‬وللعًلقة الحميمة المعقودة بين اإليقاع‬
‫تجاوزها؛ ًا‬
‫والزمن‪ ،‬ذلك أننا نسيطر على الزمن بتوقيعنا حياتنا بكل أنواع الوسائل التي أغلبها غير واع"‪.2‬‬

‫ِ‬
‫بجرس ألفاظه وانسجامها مع توالي المقاطع وتردد‬ ‫أما إبراهيم أنيس فيذكر أن إيقاع الشعر يتجسد‬
‫ّ‬
‫بعد قد ٍر ُم ّ‬
‫‪3‬‬
‫بينه –إيقاع‬
‫طا ما َ‬ ‫أن ثَ ّم راب ً‬
‫عين ‪ ،‬وعليه ُيستنتَ ُج من قوله وقول من سبقه ّ‬ ‫بعضها َ‬
‫الزمن وتكرار الحركة‪.‬‬ ‫الشعر‪ -‬وبين إيقاع الطبيع ِة من حول اإلنسان‪ِ ،‬‬
‫كائًنا في ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫ِ‬ ‫كتب ِ‬
‫احدة‬
‫ماهيته متباينة ليست و ً‬
‫حول ّ‬
‫اء َ‬ ‫وحديثها‪ ،‬واآلر ُ‬ ‫واإليقاع حاضر في ِ ّ‬
‫النقد العربي قديمها َ‬
‫مفهوم التماهي ما بين العروض واإليقاع‪ ،‬وبقي‬
‫ُ‬ ‫ورد–في بعض كتب النقد‪-‬‬‫وكان َ‬‫بين النّقاد‪َ .‬‬
‫ما َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫تطور دراسات‬
‫مع ّ‬ ‫أن ش ِهد اإليقاع من بعد َ‬
‫ذاك زحزح ًة َ‬ ‫طويًل‪ ،‬إلى ْ‬
‫ً‬ ‫زمانا‬
‫ادف ً‬‫سائدا ذا التر ُ‬
‫ً‬
‫ط هذا القرن وحتّى اآلن ‪َ .‬فما َج َ‬
‫‪4‬‬
‫العروض؟ وما صلتهما‬
‫وه ُر اإليقاع ؟ وما َ‬ ‫الشعر أواس َ‬
‫موسيقى ّ‬
‫ببعضهما؟ وما عًلقتهما بالداللة؟‪.‬‬

‫العروض‪:‬‬
‫بين اإليقاع و َ‬
‫‪ 1.1‬ما َ‬

‫‪1‬‬
‫‌الورتاني‪‌،‬خميس‪‌،‬اإليقاع في الشّعر العربي الحديث‪ :‬خليل حاوي نموذ ًجا‪‌،‬ط‪‌،1‬دار‌الحوار‌للنشر‌والتوزيع‪‌،‬سوريا‪‌2005‌،‬م‪‌،‬‬
‫ص‪.23‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‌أنيس‪‌،‬إبراهيم‪‌،‬موسيقى الشّعر‪‌،‬ط‌‪‌،3‬مكتبة‌األنجلو‌المصرية‪،‬مصر‪‌1965‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.9‌–‌8‬‬
‫‪4‬‬
‫‌الورتاني‪‌،‬خميس‪‌،‬اإليقاع في الشعر العربي الحديث‪ :‬خليل حاوي نموذ ًجا‪‌،‬ص‌‪.11‬‬

‫‪19‬‬
‫ظ ّأنه َمفهوم فطري‪َ ،‬يحصل في الذهن َبداه ًة‪ ،‬مؤثًّار‬ ‫لح ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالعودة إلى مسألة ّأولية مفهوم اإليقاع ُي َ‬
‫َ‬
‫فق ما يشعرها به وتحللها‪ ،‬ورغ َم إدراكها أثره‪ّ ،‬إال ّأنه‬
‫في الذات البشرية‪ ،‬إذ به تفهم األشياء َو َ‬
‫التفهم واإلفهام من حيث جوهره وماهيته‪ ،‬أي من حيث هو هو‪.1‬‬
‫يستعصي على ّ‬
‫ألجل مقاربة مفهوم اإليقاع في در ٍ‬
‫اسة تَروم أن تكو َن علمية‪ ،‬فإنه ُيفترض فيها أن تحتكم إلى‬ ‫و ِ‬

‫ونمط تقيس عليه‪ .‬وبناء على ذلك‪ ،‬يرى الورتاني أن ضبط اإليقاع يتأتى من اصطناع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫معيار‬
‫أن طبيعة‬ ‫مقاييس ووحدات تُ َّ‬
‫حدد فيها طبيعة المفهوم َوفًقا لمدى مواءمته أو مخالفته لها‪ّ ،‬إال ّ‬
‫أحيانا؛ فالسواد األعظم‬
‫ً‬ ‫وجودها‬
‫َ‬ ‫يحد من هذه المقاييس‪ ،‬ويمنع‬ ‫المفهوم واختًلفه ما بين النقاد ّ‬
‫َ‬
‫بينه والعروض‪ ،‬وبعضهم يع ّده طارًئا عليه‪ ،‬وآخرون يرون في اإليقاع ِجماع‬ ‫منهم يماهي ما ُ‬
‫متجاوز‬
‫ًا‬ ‫الصوتية الواجب على المبدع االلتزام بها‪ ،‬وفريق آخر يرى اإليقاع في المكتوب‬
‫الظواهر ّ‬
‫غير‬
‫إيقاعا َ‬
‫ً‬ ‫المسموع؛ فكان إلى جانب ذلك اإليقاعُ البصري‪ ،‬وبعضهم يرى في المعاني المتخيَّلة‬
‫ٍ‬
‫مقتصر على المرئي والمسموع فقط‪.2‬‬

‫وال يعني اختًلف اآلراء حول المفهوم ‪-‬فيما سبق‪ -‬انعدام جدوى دراساته‪ ،‬بل ُك ٌّل ينظر إلى‬
‫الزمن أو حتى االنتظام‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ك بالتكرار والحركة و ّ‬
‫در ُ‬
‫من ّأنه ُي َ‬
‫بًل ْ‬
‫قيل فيه َق ً‬
‫عما َ‬‫زاوية منه ليست ببعيدة ّ‬
‫كل أولئك‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫سبق ببعيد عن ّ‬
‫مما َ‬‫وليس ّ‬
‫َ‬

‫لوحدات ومعايير تقيسه تتجّلى في العروض‪ .‬ذاك‬ ‫ٍ‬ ‫تقنينا لإليقاع َوفًقا‬
‫أن أكثر تلك اآلراء ً‬
‫ويبدو ّ‬
‫ّأنه –العروض– كما يذكر إبراهيم أنيس متمثّل بانسجام المقاطع وتواليها خاضع ًة لنظا ٍم ُمعيَّن‪،‬‬
‫مع ما ُيسمع لتكوين‬ ‫ُّ‬
‫عجيبا‪ُ ،‬يفضي إلى َتوقع مقاطع الحقة تتّسق َ‬
‫ً‬ ‫انتباها‬
‫ً‬ ‫يثير‬
‫نغما ُ‬ ‫فتحدث ً‬
‫ُ‬
‫مقاطع‬
‫َ‬ ‫صَل ِة الحلقات ال تخرج إحداها عن مقاييس األخرى‪ ،‬لتنتهي بدورها بعدد من‬
‫سلسلة متّ ِ‬

‫سمى القافية‪.3‬‬
‫صوتية تُ ّ‬
‫ّ‬

‫ذاك ّأنه ألِف الشعر بأوزانه المعهودة‬


‫الشعر؛ َ‬ ‫التفت أرسطو إلى اإليقاع في ِ‬
‫النثر دو َن ّ‬ ‫وقديما‪ ،‬فقد َ‬
‫ً‬
‫‪4‬‬ ‫ِ‬
‫مستقصًيا الوزَن في ذلك ‪.‬‬ ‫بينه والنثر‪،‬‬ ‫فكان ِ‬
‫أداة للتفريق ما َ‬
‫اعتمد المحاكا َة ً‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫عند اليونانيين‪َ ،‬‬
‫َ‬

‫‪1‬‬
‫‌الورتاني‪‌،‬خميس‪‌،‬اإليقاع في الشعر العربي الحديث‪ :‬خليل حاوي نموذ ًجا‪‌،‬ص‌‪.25‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪.30‬‬
‫‪3‬‬
‫‌‌أنيس‪‌،‬إبراهيم‪‌،‬موسيقى الشعر‪‌،‬ص‌‪.13‬‬
‫‪4‬‬
‫‌أرسطو‌(‌‪‌322‬ق‪‌.‬م‌)‪‌،‬فنّ الشّعر‪‌،‬ترجمة‪‌:‬إبراهيم‌حمادة‪‌،‬د‌‪‌/‬ط‪‌،‬مكتبة‌األنجلو‌المصرية‪‌،‬مصر‪‌،‬د‌‪‌/‬ت‪‌،‬ص‌‪‌‌/‌57‬هالل‪‌،‬محمد‌‬
‫غنيمي‪‌،‬النّقد األدبي الحديث‪‌،‬د‌‪‌/‬ط‪‌،‬دار‌نهضة‌مصر‪‌،‬مدينة‌السادس‌من‌أكتوبر‪‌1997‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌ .50‬‬

‫‪20‬‬
‫الشعر"‪ ،‬فًل يعثر فيه إال على قوانين ومًلحظات‬
‫وبتتبع المًلحظات اإليقاعية في كتابه "فن ّ‬
‫ّ‬
‫ذاك العروض‪.1‬‬ ‫تتعلق باإليقاع اإلطاري متمثل ًة باألوزان والبحور‪َ ،‬‬
‫وهو إذ َ‬

‫العروض‬ ‫أن َ‬
‫أساسا فيه‪ّ ،‬إال ّ‬
‫يقدم طاق َة التّخييل ً‬
‫غم ّأنه ّ‬
‫للشعر‪ ،‬ر َ‬
‫وكذا األمر في تعريف ابن سينا ّ‬
‫ال موزونة متساوية ِ‬
‫وع َند‬ ‫يسمه بـ"كًلم مخيل مؤّلف من أقو ٍ‬‫بالوزن والقافية ِسمة ينماز بها‪ ،‬إذ ِ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫العرب ُمقّفاة"‪.2‬‬

‫فاألقوال الموزونة المتساوية هي إيقاعات إطارية بالضرورة‪ .‬وليست بحور الخليل ببعيدة عن‬
‫ذلك؛ كونها قوانين قياسية فيها ينتظم القول‪ ،‬إضافة إلى إيقاع التقفية المنتهية بها تلك األقوال ال‬
‫سيما في الشعر العربي‪.‬‬

‫مخي ًًل عنده فأمور تتعّلق بجهة المعنى واألسلوب‪ ،‬وجهة اللفظ والنظم‬
‫أما ما يجعل الكًلم ّ‬‫ّ‬
‫أن المحاكاة في األقاويل الشعرية قوامها النغم والوزن‬ ‫والوزن ‪ .‬وهو ُ‬
‫ذات ما يثبته ابن رشد في ّ‬
‫‪3‬‬

‫طبع بالمحاكاة واأللحان واألوزان ُهو السبب في وجود الصناعات‬


‫النفس بال ّ‬
‫والتشبيه‪" ،‬فالتذاذ ّ‬
‫طر الفائقة في ذلك"‪.4‬‬ ‫الشعرية وبخاصة عند ِ‬
‫الف َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬

‫أن "نسبة وزن القول إلى الحروف كنسبة‬ ‫وكذا يقرن ما بين اإليقاع ّ‬
‫الشعري والموسيقى‪ ،‬فيرى ّ‬ ‫َ‬
‫النغم ذات فواصل‪ ،‬ووزن‬
‫المفصل هو نقلة منتظمة على ّ‬ ‫فإن اإليقاع‬
‫النغم‪ّ .‬‬
‫فصل في ّ‬
‫ّ‬ ‫الم ّ‬
‫اإليقاع ُ‬
‫الشعر نقلة منتظمة على الحروف ذات فواصل"‪.5‬‬

‫أشار ابن‬
‫وكان َ‬
‫َ‬ ‫الشعري ّ‬
‫حد التّماهي‪،‬‬ ‫العروض ممتزج باإليقاع ّ‬
‫أن َ‬
‫كل ما مضى ّ‬‫والًلفت في ّ‬
‫ص ِ‬
‫ناعة‬ ‫جمعون على أنه ال َفرق بين ِ‬
‫فارس من قبل إلى ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬إن "أهل العروض م ِ‬
‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬

‫‪‌‬راجع‌الصفحات‌اآلتية‌من‌كتاب‌"‌فن‌الشعر‌"‌ألرسطو‌–‌مرجع‌سابق‌–‌التي‌تُجلّي‌مفهوم‌المالحظات‌اإليقاعية‌عنده‌كما‌ذُكر‪‌:‬‬
‫ص‌‪‌،56‬ص‌‪‌،57‬ص‌‪‌،79‬ص‌‪‌،80‬ص‌‪‌،81‬ص‌‪‌،82‬ص‌‪‌،89‬ص‌‪‌،203‬ص‌‪‌ .204‬‬
‫‪1‬‬
‫‌الورتاني‪‌،‬خميس‪‌،‬اإليقاع في الشعر العربي الحديث‪ :‬خليل حاوي نموذ ًجا‪‌،‬ص‌‪‌ .11‬‬
‫‪2‬‬
‫‌ابن‌سينا‪‌،‬فن الشعر من كتاب الشفاء‪‌،‬ترجمة‪‌:‬عبد‌الرحمن‌بدوي‪‌،‬د‌‪‌/‬ط‪‌،‬دار‌الثقافة‪‌،‬بيروت‪‌1973‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.161‬‬
‫‪3‬‬
‫‌الورتاني‪‌،‬خميس‪‌،‬اإليقاع في الشعر العربي الحديث‪ :‬خليل حاوي نموذ ًجا‪‌،‬ص‌‪‌ .41‬‬
‫‪4‬‬
‫‌ابن‌رشد‪‌،‬أبو‌الوليد‌(‌‪‌595‬هـ‌)‪‌،‬تلخيص كتاب أرسطوطاليس في الشعر ومعه جوامع الشّعر للفارابي‪‌،‬تحقيق‪‌:‬محمد‌سليم‌سالم‪‌،‬د‌‬
‫‪‌/‬ط‪‌،‬المجلس‌األعلى‌للشؤون‌اإلسالمية‪‌،‬لجنة‌إحياء‌التراث‌اإلسالمي‪‌،‬القاهرة‪‌1971‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.70‬‬
‫‪5‬‬
‫‌الفارابي‪‌،‬أبو‌نصر‪‌،‬محمد‌بن‌محمد‌(‌‪‌339‬هـ‌)‪‌،‬كتاب الموسيقى الكبير‪‌،‬تحقيق‪‌:‬غطاس‌عبد‌الملك‌خشبة‪‌،‬د‌‪‌/‬ط‪‌،‬دار‌الكتاب‌‬
‫العربي‪‌،‬القاهرة‪‌،‬د‌‪‌/‬ت‪‌،‬ص‌‪‌ .1085‬‬

‫‪21‬‬
‫قسم‬ ‫أن صناع َة اإليقاع تَ ِ‬ ‫ِ‬
‫روض وصناعة اإليقاع‪ّ .‬إال َّ‬
‫العروض تَ ُ‬
‫بالنغم‪ ،‬وصناعة َ‬
‫مان ّ‬‫الز َ‬
‫قس ُم ّ‬ ‫الع‬
‫َ‬
‫المسموعة"‪.1‬‬ ‫ِ‬
‫مان بالحروف َ‬
‫الز َ‬
‫ّ‬

‫فإنه –كما يرى الخطيب التبريزي‪-‬‬


‫ومقاييس في َد ْرك إيقاع الشعر‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫العروض وحدات‬ ‫يعتمد َ‬
‫ُ‬ ‫واذ‬
‫عرض‬ ‫أن ُس ّمي كذلك‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ألن الشعر ُي ُ‬ ‫ومن الممكن ْ‬
‫ف صحيحه من مكسوره‪َ ،‬‬ ‫عر ُ‬
‫ميزان له‪ ،‬به ُي َ‬
‫فاسدا‪.2‬‬
‫كان ً‬‫صحيحا وما خالفه َ‬
‫ً‬ ‫كان‬
‫عليه‪ ،‬فما وافقه َ‬

‫بينه والعروض‪،‬‬
‫شهد مفهوم اإليقاع زحزح ًة اقتضت التمييز ما َ‬
‫تطور الدراسات الشعرية‪ ،‬فقد َ‬
‫ومع ّ‬
‫َ‬
‫الصوتية الطويلة والقصيرة أو المنبورة وغير‬
‫ّ‬ ‫نظاما نظريًّا تتعاقب فيه المقاطع‬
‫ً‬ ‫فغدا األخير‬
‫ذاك اإلنجاز‬
‫ولعل َ‬
‫ّ‬ ‫النظام في الخطاب‪.3‬‬ ‫المنبورة‪ ،‬في حين يكون اإليقاع اإلنجاز الفعلي َ‬
‫لذاك ّ‬
‫الفاعلية التي تنقل إلى المتلّقي ذي‬
‫ّ‬ ‫اإليقاع "‬
‫َ‬ ‫الفعلي هو ما قصده كمال أبو ديب في تعريفه‬

‫حيوية متنامية تمنح التتابع الحركي وحدةً‬ ‫ّ‬ ‫عور بوجود حركة داخلية ذات‬ ‫الش َ‬
‫الحساسية المرهفة ّ‬
‫نغمي ًة عميقة"‪ .4‬فالحركة الداخلية في البيت الشعري المتتابعة بانتظام‪ ،‬تَنتُ ُج مما في تفعيًلته من‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫زحافات وعلل‪.‬‬

‫ِ‬
‫ناميا أكثر فأكثر‪ ،‬ليتسع اإليقاع شامًل‬ ‫ثُ ّم بدا من بعد ذلك يتّضح الفرق ما َ‬
‫بين المفهومين ً‬
‫ِ‬
‫القصيدة من ترديد وتكرار وتقطيع‪ .5‬وعليه‬ ‫العروض مضاًفا إليه التجاوبات الحاصلة في صلب‬

‫موسيقيان‪ّ ،‬أولهما الوزن َ‬


‫العروضي‪ ،‬وثانيهما اإليقاع"‪.6‬‬ ‫ّ‬ ‫يغدو للشعر "لونان‬

‫وقد فرق الباحث محمد فتوح أحمد بين مصطلحي الوزن ‪-‬الذي هو جوهر العروض– واإليقاع‪،‬‬
‫اآلخر يرتبط‬
‫ُ‬ ‫مثًل‪ ،‬فيما‬
‫ضمة ً‬
‫األول مرتبط بالصوت من حيث هو باء‪ ،‬أو الم‪ ،‬أو ّ‬ ‫أن ّ‬
‫ذاك ّ‬
‫َ‬
‫بخصائص الصوت السياقية كما النبر والمدى والتردد‪ ،‬وعليه ال ينحصر اإليقاع في المقاطع‬

‫‪1‬‬
‫الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كالمها‪‌،‬تعليق‪‌:‬‬
‫ّ‬ ‫‌ابن‌فارس‪‌،‬أبو‌الحسن‪‌،‬أحمد‌بن‌فارس‌(‌‪‌395‬هـ‌)‪‌،‬‬
‫أحمد‌حسن‌بسج‪‌،‬ط‌‪‌،1‬دار‌الكتب‌العلميّة‪‌،‬بيروت‪‌1997‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌ .212‬‬
‫‪2‬‬
‫‌التبريزي‪‌،‬الخطيب‪‌،‬الكافي في العروض والقوافي‪‌،‬تحقيق‪‌:‬الحسّاني‪‌،‬حسن‌عبد‌هللا‪‌،‬ط‌‪‌،3‬مكتبة‌الخانجي‪‌،‬القاهرة‪‌1994‌،‬م‪‌،‬‬
‫ص‪.17‬‬
‫‪3‬‬
‫‌الورتاني‪‌،‬خميس‪‌،‬اإليقاع في الشعر العربي الحديث‪ :‬خليل حاوي نموذ ًجا‪‌،‬ص‌‪.12‬‬
‫‪4‬‬
‫‌أبو‌ديب‪‌،‬كمال‪‌،‬في البنية اإليقاعيّة للشعر العربي‪ :‬نحو بديل جذري لعروض الخليل‪ ،‬ومقدّمة في علم اإليقاع المقارن‪‌،‬ط‌‪‌،2‬دار‌‬
‫العلم‌للماليين‪‌،‬بيروت‪‌1981‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌ .‌230‬‬
‫‪5‬‬
‫‌الورتاني‪‌،‬خميس‪‌،‬اإليقاع في الشعر العربي الحديث‪ :‬خليل حاوي نموذ ًجا‪‌،‬ص‌‪.12‬‬
‫‪6‬‬
‫‌عبد‌الحميد‪‌،‬محمد‪‌،‬في إيقاع شعرنا العربي وبيئته‪‌،‬ط‪‌،1‬دار‌الوفاء‌لنشر‌الطباعة‪‌،‬األردن‪‌2005‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.28‬‬

‫‪22‬‬
‫والحركات والسكنات المتكررة من بيت إلى آخر‪ ،‬بل يتجاوزها إلى وقع األصوات وما توحيه من‬
‫معين‪.1‬‬
‫معنى بتردد على نحو ّ‬

‫أما علوي الهاشمي‪ ،‬فيرى ّ‬


‫أن اإليقاع ذا الخط العمودي في النص يتقاطع مع خطوط النص‬
‫يحولها من‬
‫ّ‬ ‫األفقية األخرى‪ ،‬متمّثل ًة بالوزن واللغة واألصوات واألفكار‪ ،‬واذ يقوم باختراقها‪ّ ،‬‬
‫فإنه‬
‫جميع بنى‬ ‫يضم‬
‫ّ‬ ‫ٍّ‬
‫حيوي شامل‪،‬‬ ‫بين عن نظا ٍم‬
‫كمية فقط إلى ظواهر أسلوبية ت ُ‬
‫مجرد تراكمات ّ‬
‫ّ‬
‫دونما انعزال بعضها عن بعض‪ ،‬لتحقيق الفاعلية في إنتاج المعنى الكلي‬
‫القصيدة ومستوياتها َ‬
‫مجرد‬
‫حال تقاطعه مع تلك العناصر من ّ‬
‫يتحول َ‬
‫فيها‪ ،‬وتأثير اإليقاع هنا ليس ذا اتّجاه واحد‪ّ ،‬إنما ّ‬
‫لصور‪.2‬‬
‫من الفكر والرؤى وا ّ‬‫صوتية‪ ،‬إلى فضاء َ‬
‫ّ‬ ‫ظاهرة‬

‫فإن اللغة العربية من حيث هي لسان موّقعة بطبعها على مستوى جدول‬ ‫ٍ‬
‫ناحية أخرى‪َّ " ،‬‬ ‫ومن‬
‫هين ينقسم‬ ‫أساسا‪ ،‬ومعنى هذا َّ‬
‫أن جزًءا من مفرداتها غير ّ‬ ‫ً‬ ‫االستبدال ومرجع ذلك ّأنها اشتقاقية‬
‫إيقاعيا إلى مجموعة سمتها التماثل الصيغي‪ ،‬إذ نجد مجموعة اسم الفاعل‪ ،‬ومجموعة اسم‬ ‫ً‬
‫إيقاعيته‪ ،‬كما ّأنه بغياِبها يكو ُن‬
‫ّ‬ ‫النص يز ُيد من‬
‫بقوة في ّ‬
‫‪3‬‬
‫المفعول‪ ، "... ،‬فحضور هذه االشتقاقات ّ‬
‫خافت‪.‬‬
‫ً‬

‫إضافة إلى الصفة االشتقاقية للغة‪ ،‬فإن الظاهرة السجعية في النصوص اللغوية يجعلها شاعرية‬
‫أشار إليه ابن قدامة بقوله‪" :‬بنية الشعر‪ ،‬إنما هي التسجيع‬
‫أكثر مما لو لم تكن فيها‪ ،‬وهو ما َ‬
‫أدخل له في باب الشعر وأخرَج له عن مذهب‬
‫َ‬ ‫كان‬
‫اشتماال عليه‪َ ،‬‬
‫ً‬ ‫والتقفية‪ ،‬فكّلما كان الشعر أكثر‬
‫النثر"‪.4‬‬

‫ِ‬ ‫طور ِ‬
‫بعا للعصور التي ُيلقى‬
‫تغي ًار ت ً‬
‫الشعر ّ‬
‫تفرض على ّ‬ ‫سنة التّ ّ‬‫ويرى الكاتب محمد العلمي أن ّ‬
‫بدايته في صورِة ما هو عليه اآلن‪.5‬‬
‫طا لغويًّا اجتماعيًّا‪ ،‬فًل ُيعَق ُل أن تكو َن َ‬
‫كونه نشا ً‬
‫فيها؛ َ‬

‫التحول‬
‫ّ‬ ‫أن بداي َة‬
‫أي بعض النّقاد في ّ‬
‫أما جودت فخر الدين في كتابه " اإليقاع والزمان "‪ ،‬فيورد ر َ‬
‫ّ‬
‫كونه استعمل البحور واألوزان التي‬‫من الوزن إلى اإليقاع كانت تجّلت في قصائد أبي نواس؛ َ‬

‫‌أحمد‪‌،‬محمد‌فتوح‪‌،‬الحداثة الشعرية‪ :‬األصول والتجلّيات‪‌،‬د‌‪‌/‬ط‪‌،‬دار‌غريب‌للطباعة‌والنشر‌والتوزيع‪‌،‬القاهرة‪‌2006‌،‬م‪‌،‬‬


‫‪1‬‬

‫ص‪.424‬‬
‫‪2‬‬
‫‌الهاشمي‪‌،‬علوي‪‌،‬فلسفة اإليقاع في الشعر العربي‪‌،‬ط‌‪‌،1‬المؤسسة‌العربية‌للدراسات‌والنشر‪‌،‬بيروت‪‌2006‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.25‌–‌23‬‬
‫‪3‬‬
‫‌الورتاني‪‌،‬خميس‪‌،‬اإليقاع في الشعر العربي الحديث‪ :‬خليل حاوي نموذ ًجا‪‌،‬ص‌‪‌ .122‬‬
‫‪4‬‬
‫‌قدامة‌بن‌جعفر‪‌،‬نقد الشعر‪‌،‬تحقيق‪‌:‬محمد‌عبد‌المنعم‌خفاجي‪‌،‬د‌‪‌/‬ط‪‌،‬دار‌الكتب‌العلمية‪‌،‬بيروت‪‌،‬د‌‪‌/‬ت‪‌،‬ص‌‪.90‬‬
‫‪5‬‬
‫‌العلمي‪‌،‬محمد‪‌،‬العَروض والقافية‪ :‬دراسة في التأسيس واإلدراك‪‌،‬ط‌‪‌،1‬دار‌الثقافة‪‌،‬المغرب‪‌1983‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.30‬‬

‫‪23‬‬
‫خارجا عن إيقاع الشعر العربي الجاهلي‪،‬‬
‫ً‬ ‫تأسيسا إليقاع جديد‬
‫ً‬ ‫تئيا فيها‬
‫أهملها شعراء العرب‪ ،‬مر ً‬
‫‪1‬‬
‫عند أبي العتاهية الذي حاول التجديد في العروض من خًلل‬‫على وجه التّحديد ‪ .‬وكذا األمر َ‬
‫مبرر ذاك بقوله "أنا أكبر من‬
‫النظم على أوزان لم تعرف من قبل وعلى ما لم تستعمله العرب‪ً ،‬ا‬
‫أنغاما‬
‫ً‬ ‫منو ًعا فيها‪ُ ،‬مخّلًقا‬
‫وحاول الخروج عن القافية الموحدة مع بعض شعراء عصره ّ‬
‫َ‬ ‫العروض"‪،2‬‬
‫مختلفة‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫موت‬ ‫ِ‬ ‫حسبك مما تبت ِ‬


‫من َي ُ‬
‫أكثر القوت ل ْ‬
‫القوت ‪ ...‬ما َ‬
‫ُ‬ ‫غيه‬‫ُ َ ّ َْ َ‬

‫جاوز الكفافا ‪ِ ...‬‬


‫من اتّقى هللاَ َرجا وخافا‬ ‫قر فيما َ‬
‫الف ُ‬
‫َ‬

‫غنيك‬ ‫األر ِ‬
‫ض ال ُي َ‬ ‫فيك ‪َ ...‬ف ُك ُّل ما في ْ‬
‫يك َ‬‫غنيك ما ْ‬
‫كان ال ُي َ‬
‫إن َ‬‫ْ‬

‫فاء‪ ،‬باْلَقذى‪َ ،‬ل َي ْكُد ُر‪.3‬‬ ‫ِ‬


‫الص َ‬
‫إن ّ‬
‫بالقليل‪َ ،‬ي ْكثُُر ‪ّ ...‬‬ ‫القليل‪،‬‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫ّ‬

‫ويذكر إبراهيم أنيس أن هذا النوع من التنويع في القوافي ُيدعى "المزدوج"‪ ،‬وهو إيقاع مختلف عن‬

‫وجد فيه الشعراء العباسيون َ‬


‫منف ًسا لما يجول في صدورهم من المعاني واألخيلة‬ ‫وكان َ‬
‫َ‬ ‫المعهود‪،‬‬
‫دونما تكلف‪ ،‬إذ بمكنة الشاعر المتمرس أن ينظم على مثل ذلك آالًفا من األبيات دونما أن‬

‫يصيبه عنت‪ ،‬ودو َن أن يتعثّر بالمعاني ‪ .‬وتشير نازك المًلئكة إلى أن ّ‬


‫‪4‬‬
‫تطور الشكل اإليقاعي‬
‫الموشحات األندلسية‪ ،‬وهي نقلة تطورّية‬
‫ّ‬ ‫امنا لآلفاق الحضارية الجديدة‪ ،‬كما في‬
‫في الشعر كان مز ً‬
‫في الخروج عن سنن الشعر القديم فنوعت األوزان والقوافي في القصيدة الواحدة‪.5‬‬

‫وتَتَتَّبع نازك المًلئكة في كتابها "قضايا الشعر المعاصر" مراحل تلك النقلة التطورية في الشعر‪،‬‬
‫مشيرة إلى أن العرب مرت بقرون عجاف تحت نير الحكم العثماني‪ ،‬ضعفت على إثرها الحركة‬
‫بعد‬ ‫األدبية وتراجعت‪ ،‬إلى ِ‬
‫حين أن استيقظت مستعيدة مكانتها الحضارية والفكرية‪ ،‬ال سيما َ‬

‫‪1‬‬
‫‌فخر‌الدّين‪‌،‬جودت‪‌،‬اإليقاع والزّ مان‪‌،‬ط‌‪‌،1‬دار‌المناهل‌للطباعة‌والنشر‌والتوزيع‪‌،‬بيروت‪‌1995‌،‬م‪‌‌،‬ص‌‪‌ .33‬‬
‫‪2‬‬
‫‌األصفهاني‪‌،‬أبو‌الفرج‌علي‌بن‌الحسين‌(‌‪‌356‬هـ‌)‪‌،‬األغاني‪‌،‬د‌‪‌/‬ط‪‌،‬تحقيق‪‌:‬إبراهيم‌السعافين‪‌،‬إحسان‌عباس‪‌،‬بكر‌عباس‪‌،‬دار‌‬
‫صادر‪‌،‬بيروت‪‌،‬ط‌‪‌،2008‌،3‬ج‌‪‌،4‬ص‌‪.13‬‬
‫‪3‬‬
‫‌أبو‌العتاهية‪‌،‬إسماعيل‌بن‌القاسم‌(‌‪‌210‬هـ‌)‪‌،‬ديوان أبي العتاهية‪‌،‬د‌‪‌/‬ط‪‌،‬تحقيق‪‌:‬كرم‌البستاني‪‌،‬دار‌بيروت‌للطباعة‌والنشر‪‌،‬‬
‫بيروت‪‌1986‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌ .493‬‬
‫‪4‬‬
‫‌أنيس‪‌،‬إبراهيم‪‌،‬موسيقى الشعر‪‌،‬ص‌‪.281‌–‌280‬‬
‫‪5‬‬
‫‌نازك‌المالئكة‪‌،‬قضايا الشعر المعاصر‪‌،‬ط‌‪‌،3‬منشورات‌مكتبة‌النهضة‪‌،‬القاهرة‪‌1967‌،‬م‪‌،‬مقدّمة‌الكتاب‪‌،‬ص‌‪‌ .11‬‬

‫‪24‬‬
‫طًلعها على أدب الغرب‪ ،‬فكانت أولى الظواهر التجديدية من هذا القبيل عند شعراء المهجر‪،‬‬
‫اّ‬
‫أمثال‪ :‬إيليا أبو ماضي‪ ،‬جبران خليل جبران‪ ،‬فوزي المعلوف‪.1‬‬

‫متقدمة ومرحلة تطورية‬


‫ثم نشأت من بعد ذلك حركة الشعر الحر عام ‪ 1947‬م‪ ،‬وهي تعد قفزة ّ‬
‫مه َد لميًلد هذا الشعر المبني على أسس‬
‫ّ‬ ‫لعروض الشعر العربي‪ .‬وترى نازك المًلئكة ّ‬
‫أن ما ّ‬
‫النهضة الحديثة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫خاصة في العروض متمثل بإرهاصات التجديد في األسلوب والشكل منذ فجر ّ‬
‫ّ‬
‫سواء كانت من شعراء المهجر في أمريكا أو ممن هم في جمعية "أبولو"‪ .2‬وتتخذ هذه الجمعية‬
‫أساسا لها في الشعر؛ فحركة الشعر الحر هذه تدعو "إلى الحرية في اختيار األوزان‬
‫من التفعيلة ً‬
‫بأن الوزن ظاهرة موسيقية ال يتخّلى‬
‫اعتقادا منها َّ‬
‫ً‬ ‫العروضية ال التحرر منها أو التحريف فيها‬
‫نثرا"‪.3‬‬
‫عنها الشعر إال ويستحيل ً‬

‫طويًل‪،‬‬
‫ً‬ ‫اعتقاد الوزِن ظاهرة موسيقية الزمة للشعر لم ُيدم‬ ‫فإن‬ ‫ِ‬
‫جملة نازك األخيرة‪َّ ،‬‬ ‫وتعقيبا على‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫المض ّحي بالوزِن والقوافي من ُ‬
‫بعد أبقاه في دائرة الشعر‪ّ ،‬إال َّأنه‬ ‫ُ‬ ‫ذاك َّ‬
‫أن وجود الشعر المنثور‬ ‫َ‬
‫استعاض عنهما ‪-‬الوزن والقافية– بالصور والخيال واإليقاع الداخلي المرافق لألساليب اللغوية‪،‬‬
‫َ‬
‫تتابعا في الصور‪،‬‬
‫صوتية بل إنه يشمل كذلك ً‬ ‫ّ‬ ‫مقاطع‬
‫َ‬ ‫انتظاما يقتصر على‬
‫تتابعا و ً‬
‫يعد اإليقاع ً‬ ‫فلم ُ‬
‫سليما للكلمات في سياقاتها المناسبة بحيث تُفاجئ المتلّقي مستميل ًة شعوره نحو ما يريد‬
‫وتوظيفا ً‬
‫ً‬
‫الشاعر‪.‬‬

‫ِ‬
‫نتوّقع حدوثه‬
‫كان ما َ‬‫إن آثار اإليقاع "تنبع من َتوُّقعنا سواء َ‬
‫وفي هذا السياق يقول أ‪.‬أ ريتشاردز‪ّ :‬‬
‫خاص سواء كانت هذه المقاطع أصواتًا‬ ‫ّ‬ ‫يحدث بالفعل أو ال يحدث ‪ ...‬فتتابع المقاطع على نحو‬
‫لتقبل تتابع جديد من هذا النمط دو َن غيره"‪.4‬‬
‫يهيئ الذهن ّ‬
‫صور للحركات الكًلمية ّ‬
‫ًا‬ ‫أو‬

‫أن الشاعر يعمد إلى تهيئة ذهن متلقيه إلى عدد من التتابعات‬
‫هذا يعني بحسب أ‪.‬أ ريتشاردز ّ‬
‫معنى نتيجته‬
‫أن االنتقال من تتابع إلى آخر ُيوّلد كذلك ً‬
‫معين يوجهه الشاعر‪ ،‬كما ّ‬
‫يتوّلد منها أثر ّ‬
‫أن المعنى الذي يدركه المتلّقي من‬
‫وخًلصة القول يتأتى من ّ‬
‫َ‬ ‫تغير مجرى التوّقع َ‬
‫عند المتلّقي‪.‬‬ ‫ّ‬
‫النص قد يصدر من التتابعات اللغوية وغير اللغوية التي يوظفها الشاعر ضمن إطار إيقاعي‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‌نازك‌المالئكة‪‌،‬قضايا الشعر المعاصر‪‌،‬ص‌‪.11‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪.14‬‬
‫‪3‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‌أ‪.‬أ‌ريشتاردز‪‌،‬مبادئ النقد األدبي‪‌،‬ترجمة‪‌:‬محمد‌مصطفى‌بدوي‪‌،‬ط‌‪‌،1‬المجلس‌األعلى‌للثقافة‪‌،‬القاهرة‪2005‌،‬م‪‌‌،‬ص‌‪.185‬‬

‫‪25‬‬
‫منشئا داللة ما‪ ،‬ولعل‬
‫ً‬ ‫أيضا عن مخالفة هذا التراتب اإليقاعي وتغيير النمط إلى آخر‬
‫وقد ينشأ ً‬
‫انتقاال من إيقاع إلى إيقاع آخر!‪.‬‬
‫ً‬ ‫هذا يعني في جوهره‬

‫إن النثر الغنائي المنتظم كما يقول ريتشاردز ُيحيلنا إلى توقعات غامضة أثناء استم اررية‬
‫حتى ّ‬
‫من األلفاظ والتراكيب‬
‫كثير َ‬
‫قراءته‪ ،‬فقد نشعر ‪ -‬حتى وصولنا اللفظة األخيرة في القطعة ‪ -‬أن ًا‬
‫فعًل في النص‪ ،‬يقول‪ :‬إن هذه التراكيب "من شأنها‬
‫هو وارد ً‬
‫مكان ما َ‬
‫َ‬ ‫كان لها إمكانية الحلول‬
‫َ‬
‫فليس ما‬
‫كان توّقعنا هذا مصدره مجرد العادة أو روتين التأثير الحسي‪َ .‬‬
‫إشباع توّقعنا‪ ،‬طالما َ‬
‫هو واحد‬
‫نتوّقعه في الواقع هو هذا الصوت أو ذاك‪ ،‬وال هو هذا النوع من الصوت أو ذاك‪ ،‬بل َ‬
‫عدة آالف من أنواع الصوت"‪.1‬‬
‫من ّ‬

‫عزٍل عن السياق الذي يرد فيه‪" ،‬فًل توجد كلمة‬


‫تأثير بم ِ‬
‫ينتج ًا‬
‫الصوت أو اللفظ ال ُ‬
‫َ‬ ‫كما َّ‬
‫أن هذا‬
‫لكل كلمة مجال‬
‫قبيحة أو جميلة في ذاتها أو من طبيعتها أن تبعث على اللذة أو عدمها‪ ،‬ولكن ّ‬
‫من التأثيرات الممكنة يختلف طبًقا للظروف التي توجد فيها"‪.2‬‬

‫إمكان‬
‫َ‬ ‫الشعرِاء‬
‫الكبرى في مفهوم اإليقاع كما يورد خميس الورتاني‪ ،‬فتتجّلى في ت ّبني ّ‬ ‫النقل ُة ُ‬
‫أما ّ‬ ‫ّ‬
‫الشعر الحديث؛‬ ‫وذاك َبّين في بنية ّ‬
‫َ‬ ‫السمعي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الجانب‬ ‫ِ‬
‫الجانب المرئي في الشعر كما‬ ‫تحققه في‬‫ُّ‬
‫ّ ّ‬
‫ِ‬
‫الجانب‬ ‫ضم هذا‬
‫اما ُّ‬ ‫ِ‬ ‫كو َن توزيعه الفضائي‬
‫كان لز ً‬
‫مغاير لما تراك َم في ذاكرتنا من مفهو ٍم للشعر‪ ،‬ف َ‬
‫ًا‬
‫أنسب من‬ ‫باألول‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬ ‫إلى ِ‬
‫فكان إلحاقه ّ‬
‫عر الرئيسة‪ ،‬أي إلى اإليقاع أو إلى التّخييل ‪َ ،‬‬ ‫أركان ّ‬ ‫أحد‬
‫‪‬‬
‫َ‬
‫إلحاقه باألخير منهما‪.3‬‬

‫أما سبب كون الشعر الحديث ذا إيقا ٍع مغاير عن المألوف؛ فعائد إلى طبيعة البيئة التي كان‬
‫وّ‬
‫فيها‪ ،‬فالشعر في العصور القديمة "كان ينظم ليلقى في جمع‪ ،‬ومن هنا غلب عليه نوع من‬
‫لونا من التنغيم السحري الذي يخلق وحدة نغمية تجعل من األيسر على الجمع‬
‫الخطابية يستلزم ً‬
‫جماعيا يتفق مع طبيعة إنشائه ووظيفة‬
‫ً‬ ‫المشترك في التلّقي أن يتذوق العمل الشعري تذوًقا‬

‫‪1‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .187‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪.‬‬
‫ا‌على‌األوزان‌والقوافي‌وصار‌من‌الممكن‌‬
‫َ‬ ‫ا‌لم‌يعد‌اإليقاع‌مقتصر‬
‫ً‬ ‫‪‌‬هذا‌يعني‌اعتماد‌اإليقاع‌والخيال‌بنى‌أساسية‌في‌الشعر‪‌،‬ول ّم‬
‫ض ّم‌الشكل‌الكتابي‌للشعر‌تحتَ ‌بند‌اإليقاع‌باعتباره‌ظاهرة‌من‌ظواهره‌وليس‌تحت‌بند‌الخيال‪.‬‬‫تحليله‌بصريًّا‪‌،‬فقد‌ ُ‬
‫‪3‬‬
‫‌الورتاني‪‌،‬خميس‪‌،‬اإليقاع في الشعر العربي الحديث‪ :‬خليل حاوي نموذ ًجا‪‌،‬ص‪‌ .12‬‬

‫‪26‬‬
‫جميعا‪ ،‬الشاعر‬
‫ً‬ ‫اإلنشاء ‪ ...‬فالبحر المتكرر والقافية الملتزمة قوالب من الواقع يلتزمون بها‬
‫والمتلقون"‪.1‬‬

‫متطلبات العصر وروحه؛ إذ يدفع الشاعر‬


‫ّ‬ ‫أما الشعر الحر كما يقول – شكري عياد‪ -‬فيتواءم مع‬
‫الب الشعر القديم‪ ،‬وباحثًا عن خصائص جديدة ينماز بها عن‬
‫افضا قو َ‬
‫إلى إثبات فرديته‪ ،‬ر ً‬
‫السلف‪ ،‬فينفر من النموذج الموروث؛ فصفة النفور تلك سمة من سمات عصره الباحث عن‬
‫خاص ٍ‬
‫قادر‬ ‫أن لجأ إلى صنع نغ ٍم ّ‬
‫فكان ْ‬
‫‪2‬‬
‫الحرية بعيًدا عن كل قيد يعيق مجاله الفكري والروحي ؛ َ‬
‫كان غر ًيبا عن ثقافتنا لفترة طويلة‪.3‬‬
‫على أن يألف التراث الشعري األوروبي الذي َ‬

‫كان ضرورًة الزمة للثقافة الشفهية التي‬


‫الشعر القديم بإيقاعه المألوف َ‬
‫َ‬ ‫أما "والتر‪ .‬أونج" َفيرى َّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫حروف مكتوبة وال تمتلك أدنى‬ ‫ُّ‬
‫يعد جزًءا منها‪ ،‬تلك الثقافة التي ليس بمكنتها تقييد الشعر في‬
‫تستحيل –الكلمات‪-‬‬ ‫حضور سمعيًّا ال بصريًّا‪ ،‬إذ‬
‫ًا‬ ‫فكان حضور الكلمات عندها‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫معرفة عن ذلك‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫بالمكنة استعادتها مرة أخرى أو تذكرها دو َن أن يكو َن للعينين دور في البحث عنها‪.4‬‬ ‫أصواتًا‬

‫كان الصوت سريع الزوال‪ ،‬و "ال يوجد إال عندما يكون في طريقه إلى انعدام الوجود"‪ 5‬على‬
‫ولما َ‬
‫ّ‬
‫بعد فترة زمنية‬
‫ثم طريقة إليقافه واإلمساك به سمعيا‪ ،‬فحرك ُة الصوت َ‬
‫فليس ّ‬
‫حد تعبير والتر‪.‬أونج‪َ ،‬‬
‫ّ‬
‫ويسجل السكو َن إلى جانبها كذلك‪.6‬‬
‫ّ‬ ‫يسجل الحركة‬
‫تصير صمتًا‪ ،‬وهذا بخًلف اإلبصار الذي ّ‬
‫ُ‬

‫تذكرها والحصول عليها فيما بعد‪،‬‬ ‫النصوص حاليًّا توثّق في ٍ‬


‫هيئة مكتوبة حتّى يسهل ّ‬ ‫ِ‬ ‫إن معظم‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫تحل مشكلة االحتفاظ‬
‫أما في الثقافة الشفهية َفـعليك "لكي ّ‬
‫بما في ذلك النصوص الشعرية‪ّ ،‬‬
‫فعال‪ ،‬أن تقوم بعملية التفكير نفسها داخل أنماط‬
‫المعبر عنه لفظيًّا واستعادته على نحو ّ‬
‫ّ‬ ‫بالتفكير‬
‫إما في‬
‫للتذكر‪ ،‬صيغت بصورة قابلة للتكرار الشفهي وينبغي أن يأتي تفكيرك إلى الوجود ّ‬
‫حافزة ّ‬
‫أنماط ثقيلة اإليقاع‪ ،‬متوازنة‪ ،‬أو في جمل متكررة أو متعارضة؛ أو في كلمات متجانسة الحروف‬

‫‪1‬‬
‫‌عياد‪‌،‬شكري‪‌،‬موسيقى الشعر العربي‪‌،‬ط‌‪‌،2‬دار‌المعرفة‪‌،‬القاهرة‪‌1928‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.22‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .22‌–‌21‬‬
‫‪3‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪.23‬‬
‫‪4‬‬
‫‌أونج‪‌،‬والتر‪‌،‬الشفاهية والكتابية‪‌،‬ترجمة‪‌:‬حسن‌البنّا‌عز‌الدين‪‌،‬د‪‌/‬ط‪‌،‬عالم‌المعرفة‪‌،‬الكويت‪‌1994‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.73‬‬
‫‪5‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .74‬‬
‫‪6‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪‌ .‬‬

‫‪27‬‬
‫األولى أو مسجوعة‪ ،‬أو في عبارات وصفية أو أخرى قائمة على الصيغة‪ ،‬أو في وحدات‬
‫موضوعية ثابتة"‪.1‬‬

‫اإليقاعية ال تأتي مصادفة في الثقافة الشفاهية‪،‬‬


‫ّ‬ ‫أن وجود مثل هذه الصيغ‬
‫ويوضح والتر‪ .‬أونج ّ‬
‫ّ‬
‫المادة التي يستحيل وجودها إذا ما تخّلت‬
‫تلك ّ‬ ‫المادة الفكرّية نفسها‪َ ،‬‬
‫وتشكل ّ‬ ‫دائما ّ‬
‫بل ّإنها موجوة ً‬
‫عن هذه الصيغ المكو ِ‬
‫نة منها‪.2‬‬ ‫ُ ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سيما‬ ‫من حديثه السابق‪ ،‬يتّضح لدى والتر‪ .‬أونج َّأنه َ‬
‫ليس بالمكنة إغفال البنية اإليقاعية ال ّ‬
‫الخارجية – العروض والقوافي –في الشعر القديم‪ ،‬ودورها الفاعل الًلزم في إنتاج العمل الشعري‪،‬‬
‫التعسف في إصدار األحكام‬ ‫ِ‬
‫وليس من العدل تجاهل وجود مثل هذه البنى في الشعر القديم و ّ‬ ‫َ‬
‫النقدية عليه إلسرافه في توظيفها‪ ،‬فًل يمكن إسقاط مقاييس النقد للشعر البصري على الشعر‬
‫ّ‬
‫الشعر القديم ثقافة يتّكئُ عليها الشعراء من بعد‪ ،‬فًل َّ‬
‫شك ّأنهم تأثروا بوجود‬ ‫كان ّ‬
‫ولما َ‬
‫السمعي‪ّ ،‬‬
‫الصيغ اإليقاعية فيه وان لم يدركوا ذلك‪.‬‬
‫مثل هذه ّ‬

‫قديما‪ ،‬مثل‪" :‬عطف‬


‫بعضا من المًلمح الشفهية المتّكئ عليها الفكر العربي ً‬
‫ويذكر والتر‪ .‬أونج ً‬
‫الجمل دو َن تداخلها"‪ ،3‬و " األسلوب التجميعي في مقابل التحليلي"‪ 4‬و "التوازن"‪ 5‬وغيرها من‬
‫ملحة في الحضارات الشفاهية‪.‬‬
‫الديناميات التي بدت ضرورة ّ‬

‫اإليقاعية من قبل اختراع الكتابة كانت‬


‫ّ‬ ‫بين اللغة‬ ‫ويبدو –كما يقول محمد الماكري‪ّ -‬‬
‫أن العًلق َة ما َ‬
‫ٍ‬
‫كان‬
‫ولرّبما َ‬
‫عر البدائي في وقت واحد‪ُ ،‬‬ ‫الش َ‬
‫ذاك ّأنها ولدت و ّ‬ ‫قرُن بموسيقى ّ‬
‫بدائية من نوٍع ما‪َ ،‬‬ ‫تُ َ‬
‫المتجسد بالقفزات واإليحاءات والكلمات المنطوقة والصرخات التي‬
‫ّ‬ ‫اإليقاع الجسدي البدائي‬
‫الرقص والموسيقى‪.6‬‬
‫األب المشترك للشعر و ّ‬
‫تصدرها العصي والحجارة َ‬

‫‪1‬‬
‫‌أونج‪‌،‬والتر‪‌،‬الشفاهية والكتابية‌‪‌،‬ص‌‪.77‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .78‬‬
‫‪3‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .80‬‬
‫‪4‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .81‬‬
‫‪5‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .91‬‬
‫‪‌‬هناك‌فصل‌كامل‌بعنوان‌"بعض‌الديناميات‌النفسية‌للشف اهية"‌في‌‌كتاب‌"‌الشفاهية‌والكتابية"‌يتناول‌فيه‌والترج‪‌.‬أونج‌هذه‌المالمح‌‬
‫النفسية‌بإسهاب‌أكثر‪‌،‬يمكن‌مراجعة‌ص‌‪‌129‌–‌73‬من‌الكتاب‌للتعرف‌عليها‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫‌الماكري‪‌،‬محمد‪‌،‬الشكل والخطاب‪ :‬مدخل لتحليل ظاهراتي‪‌،‬ط‪‌،1‬المركز‌الثقافي‌العربي‪‌،‬بيروت‪‌1991‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌ .185‬‬

‫‪28‬‬
‫ِ‬
‫بداية القرن الثاني‬ ‫الشعر – "حتى‬
‫الفنين – الموسيقى و ّ‬
‫بين ّ‬
‫استمرت هذه العًلقة الوثيقة ما َ‬
‫ّ‬ ‫وقد‬
‫نهائيا في القرن الخامس‬
‫ً‬ ‫كل فن في االنفصال عن اآلخر‪ ،‬وستتبلور القطيعة‬ ‫عشر إذ سيشرع ّ‬
‫عشر"‪.1‬‬

‫التطور التقني الذي شهدته الموسيقى؛ إذ‬


‫ّ‬ ‫فيحيله – الورتاني ‪ -‬إلى‬
‫ذاك االنفصال ُ‬
‫وأما أسباب َ‬
‫أصبحت تحتكم إلى آآلالت لم تكن من قبل‪ ،‬فاستُحدثت أصوات ما كانت منجزة‪ ،‬إضاف ًة إلى‬
‫ٍ‬
‫تقطيعات جديدة وتوزيعات مختلفة لألزمان‪ ،‬وفي جهة مقابلة فقد شهد الشعر باعتباره ًّ‬
‫فنا كًلميًّا‬
‫يعوض ما أحدثته اآلالت في‬
‫فاضطر إلى إيجاد منحى جمالي ّ‬ ‫ّ‬ ‫طباعة‪،‬‬
‫يخي ًة باخت ار ِع ال ّ‬
‫نقل ًة تار ّ‬
‫ٍ‬
‫إيقاعات جديدة في‬ ‫ِ‬
‫لتحقيق‬ ‫جديدا‬ ‫خلق الصور والمجازات واالستعارات َمنف ًذا‬
‫ً‬ ‫فكان ُ‬ ‫َ‬ ‫الموسيقا‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بنسبة أعلى من ذي قبل‪.2‬‬ ‫الشعري‪،‬‬
‫النص ّ‬
‫ّ‬

‫األخير‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫العروض‪ ،‬و ّ‬
‫من َ‬‫مجاال َ‬
‫ً‬ ‫أن اإليقاعَ أرح ُب‬
‫بات ّبيًنا من كل ما سبق ّ‬
‫وخًلص ُة القول‪ ،‬أنه َ‬
‫الشعر‪،‬‬
‫أبيات ّ‬
‫ُ‬ ‫ذاك ّأن ُه يمثّل جزًءا منه متمثّ ًًل باألوزان اإلطارّية التي تتّكئُ عليها‬
‫َفرع عنه؛ َ‬
‫ِ‬
‫الناتجة‬ ‫التموجات الصوتية الداخلية‬
‫يتجاوز ذلك إلى ّ‬‫ُ‬ ‫الروي والقافية‪ّ ،‬إال ّ‬
‫أن اإليقاع‬ ‫ّ‬ ‫إضاف ًة إلى‬
‫صد ظواهر‬‫وبعض سماتها‪ ،‬ور ِ‬
‫ِ‬ ‫من الزحافات والعلل‪ ،‬وتت ّبع المقاطع الصوتية‪ :‬قصيرها وطويلها‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫باالعتبار‬ ‫ًّ‬
‫ممتدا آخ ًذا‬ ‫ص‪ ،‬وتتابع الصور البيانية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الن ّ‬
‫اللغوية الكائنة في ّ‬
‫ّ‬ ‫التّكرار واالشتقاقات‬
‫ٍ‬
‫معان تتسق‬ ‫إيقاعا بصريًّا ُيفضي إلى‬
‫ً‬ ‫تشكل‬
‫كونها ّ‬
‫الشعر الحديث؛ َ‬‫الكتابي َة في ّ‬
‫ّ‬ ‫المساحات‬
‫بينها‬
‫اص ما َ‬‫إيقاعية تتر ّ‬
‫ّ‬ ‫احدا‪ّ ،‬إنما في جوهره ِبنى‬
‫ليس و ً‬ ‫النص‪ .‬واإليقاعُ في حقيقته َ‬
‫ومتطّلبات ّ‬
‫يكن‬
‫أفصح بما لم ُ‬
‫النص بمدلوالته و َ‬ ‫ّ‬ ‫نطق‬
‫َ‬ ‫لخْل ِق ُك ٍّل واحد‪ ،‬إذ كلما تعاضدت ما َ‬
‫بينها واتّفقت‬
‫إيقاع بما عنده‪.‬‬
‫كل ٍ‬ ‫ضن ُّ‬ ‫ِ‬
‫حص َل إذا ما ّ‬
‫لُي ّ‬

‫الدًللة‪:‬‬
‫اإليقاع و ّ‬
‫ُ‬ ‫‪1.2‬‬

‫تطوره وعًلقته بالعروض‪ ،‬ففي هذا الفصل‬


‫وتتب ِع ّ‬ ‫ِ‬
‫جوهره ّ‬ ‫عرف على اإليقاع واستكناه‬ ‫عد التّ ّ‬
‫َب َ‬
‫معنى؟ وهل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لإليقاع في ذاته ً‬
‫ِ‬ ‫النص‪ :‬فهل‬
‫كيفية تجّليه فيه فيما َي ْخد ُم المعاني التي يؤديها ّ‬
‫توضيح ّ‬
‫المعاني تنشأ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫أن َ‬‫تتلب ُسها ُقّدت على َمقاسها‪ ،‬أم ّ‬
‫معان ّ‬ ‫كبير منه‬
‫تشكل جزًءا ًا‬
‫الشعرّية التي ّ‬‫لألوزان ّ‬
‫باعا؟‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قبًل ثُ َم يأتي اإليقاعُ ت ً‬
‫ً‬

‫‪1‬‬
‫‌الورتاني‪‌،‬خميس‪‌،‬اإليقاع في الشعر العربي الحديث‪ :‬خليل حاوي نموذ ًجا‪‌،‬ص‌‪‌ .34‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪.35‬‬

‫‪29‬‬
‫الجدل‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫المسألة ِفرًقا‪ ،‬ولم يبتّوا فيها َق ْوًال‪ ،‬كما َّ‬ ‫ومحدثين انقسموا في هذه‬
‫َ‬ ‫قدماء ُ‬
‫َ‬ ‫أن النّق َاد‬
‫الحقيق ُة ّ‬
‫قديما وما زالت‪،‬‬ ‫حول اإليقاع والداللة ذو ٍ‬
‫النقدي َة ً‬
‫ّ‬ ‫المعنى واللفظ التي َشغلت الساح َة‬ ‫بقضية َ‬
‫ّ‬ ‫صلة‬ ‫َ‬
‫يقف‬
‫كان َمن ُ‬
‫الداللة أنصارهما‪ ،‬وكذا َ‬
‫كان لإليقاع و ّ‬
‫فكذا َ‬
‫أنصاره‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫لك ٍّل –اللفظ والمعنى–‬
‫كان ُ‬‫ولما َ‬ ‫ّ‬
‫طا‪.‬‬ ‫بين ُهما َو َس ً‬
‫َ‬

‫عي َة الوجود السابق‬


‫ان شر ّ‬
‫القرطاجني –كما يذكر جودت فخر الدين‪ -‬قد أعطى األوز َ‬
‫ّ‬ ‫فها هو حازم‬
‫نصه الذي يكتبه‪ ،‬وهي بوجودها ذاك شبيهة‬
‫بخصائص مستقّلة عن الشاعر أو ّ‬
‫َ‬ ‫للقصيدة‪ ،‬متمتّع ًة‬
‫َ‬
‫أداة للتواصل‪.1‬‬
‫عمن يستعملها ً‬
‫غنى ّ‬
‫بوجود اللغة الكائنة في ً‬

‫فإنه يجعل لألوزان‬


‫القرطاجني البنية اإليقاعية عن البنية الداللية واللغوية في القصيدة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫وبفصل‬
‫الشاعر؛ أي ّأنه جعل من‬‫يجسدها ّ‬ ‫ِ‬
‫بناء على األغراض والمواقف االنفعالية التي ّ‬ ‫يما مسبقة ً‬‫قً‬
‫فاضل‬
‫ُ‬ ‫يصلح ألوز ٍ‬
‫ان أخرى‪ ،‬وهو بذلك ُي‬ ‫ُ‬ ‫يصلح في بعضها ألغر ٍ‬
‫اض ال‬ ‫ُ‬ ‫الب جاهزة ما‬
‫األوزان قو َ‬
‫قصير أو‬
‫ًا‬ ‫طويًل أو‬ ‫أن يكو َن‬ ‫‪2‬‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫الشعر من ْ‬
‫روض ّ‬
‫بعا لتلك المعاني ‪ .‬يقول‪ " :‬ال يخلو َع ُ‬
‫فيما بينها ت ً‬
‫صير‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أما الَق ُ‬‫فيحتاج إلى الحشو‪ ،‬و ّ‬
‫ُ‬ ‫المعاني‬
‫يفضل مقداره عن َ‬‫طويل فكثي ًار ما ُ‬‫فأما ال ّ‬
‫طا‪ّ ،‬‬ ‫توس ً‬
‫ُم ّ‬
‫فكثير‬
‫ًا‬ ‫ط‬ ‫ِ‬
‫المتوس ُ‬ ‫أما‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ‬
‫ّ‬ ‫ويقص ُر عنها‪ ،‬فيحتاج إلى االختصار والحذف‪ ،‬و ّ‬
‫ُ‬ ‫المعاني‬
‫يضيق عن َ‬ ‫فكثير ما‬
‫ًا‬
‫ِ‬
‫لمقادير األوزان"‪.3‬‬ ‫ما تَقع ِ‬
‫فيه عبارات المعاني مساوية‬ ‫ُ‬

‫طويل‬
‫الفخر كما َعروض ال ّ‬
‫الجّد و َ‬ ‫ِ‬
‫لمقاصد ِ‬ ‫يض الرصينة مًلئمة‬ ‫ويرى ‪-‬‬
‫أن األعار َ‬‫القرطاجني‪ّ -‬‬
‫ّ‬
‫الشجن‬
‫لغرضي ّ‬ ‫الرمل ففيها من الرّق ِة والحنان ما يجعلها مًلئمة‬
‫أما عروض المديد و ّ‬ ‫والبسيط‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬
‫لك األعار ِ‬
‫يض التي يكون شأن‬ ‫النظم فتنظم في ِس ِ‬ ‫المقاصد التي تحتاج جزال َة ّ‬ ‫أما‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫واالكتئاب‪ ،‬و ّ‬
‫طويل والكامل‪.4‬‬
‫الكًلم فيها ج ًزال كما عروض ال ّ‬

‫أن َقص َره جزال َة المقصد على أعار ِ‬


‫يض‬ ‫بادئ األمر‪ّ ،‬إال ّ ْ‬
‫َ‬ ‫منطقية‬
‫ّ‬ ‫القرطاجني‬
‫ّ‬ ‫واذ تبدو ُمقاربات‬

‫ًلم الجزل ال يكو ُن في أعار َ‬


‫يض‬ ‫الك َ‬
‫أن َ‬
‫ذاك ّ‬
‫اضح؛ َ‬
‫غير و ٍ‬‫مجحفا –ربما‪ -‬أو َ‬
‫ً‬ ‫الطويل والكامل يبدو‬
‫غير أعاريض الطويل والكامل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مقاصد الرّقة أو الشجن بجزالة في ِ‬ ‫دو َن أخرى‪ّ ،‬إنما ْقد ُي َّ‬
‫عبر عن‬

‫‪1‬‬
‫‌فخر‌الدّين‪‌،‬جودت‪‌،‬شكل القصيدة العربية في النقد العربي حت ّى القرن الثامن هجري‪‌،‬ط‪‌،1‬منشورات‌دار‌اآلداب‪‌،‬بيروت‪‌1984‌،‬‬
‫م‪‌،‬ص‌‪.‌144‌–‌143‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪.29‬‬
‫‪3‬‬
‫‌القرطاجنّي‪‌،‬حازم‌(‌‪‌684‬هـ‌)‪‌،‬منهاج البُلغاء وسراج األدباء‪‌،‬تحقيق‪‌:‬محمد‌الحبيب‌ابن‌الخوجة‪‌،‬ط‌‪‌،3‬دار‌الكتاب‌العربي‪‌،‬‬
‫تونس‪‌2008‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.182‬‬
‫‪4‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪.183‬‬

‫‪30‬‬
‫أن استعراض‬ ‫ِ‬
‫ض ًحا ّ‬
‫مو ّ‬
‫تنب َه "إبراهيم أنيس" إلى هذه المسألة في كتابه "موسيقى الشعر" َ‬
‫وقد ّ‬
‫معين؛ فًل‬ ‫ٍ‬ ‫بتخير الشاعر وزًنا دو َن غيره في‬ ‫ِ‬
‫غرض ّ‬ ‫كاد ُيشعر ّ‬
‫القصائد القديمة ومواضيعها ال َي ُ‬
‫ويتغزلو َن ويتفاخرون في ّ‬
‫كل‬ ‫ّ‬ ‫بين الوزِن والموضوع‪ ،‬فكان الشعراء يمدحو َن‬
‫تجمع ما َ‬
‫ُ‬ ‫عًلق َة‬
‫قات التي قيلت كّلها في موضوٍع و ٍ‬
‫احد‬ ‫البحور الشائعة عندهم‪ ،‬ويكفي لذلك مًلحظةُ أن المعلّ ِ‬
‫ّ‬
‫سماهُ صاحب‬
‫إن ما ّ‬
‫طويل والبسيط والخفيف والكامل والوافر‪ ،‬حتّى ّ‬‫من ال ّ‬
‫تقر ًيبا ُنظمت َ‬
‫جاء على ما جاءت عليه المعّلقات من بحور‪.1‬‬ ‫ِ‬
‫فضليات بالمراثي َ‬
‫الم ّ‬‫ُ‬

‫أن‬
‫بينها‪ ،‬فيبدو ّ‬
‫غم تقارب موضوعاتها فيما َ‬ ‫عقيبا على َّ‬
‫أن المعّلقات ُنظمت على أكثر من بحر ر َ‬ ‫وتَ ً‬
‫أن المعّلقة المتعددة الموضوعات‬
‫ذاك ّ‬ ‫ٍ‬
‫اعتبار رئيس وحيد في انتقاء الموضوع؛ َ‬ ‫الوزَن َ‬
‫ليس ذا‬
‫ذاك‬
‫فمقدمتها الغز ّلية إذ َ‬
‫مثًل‪ّ ،‬‬
‫طويل ً‬ ‫البحر ذاته‪ ،‬فإن ُنظمت المعلقة على ال ّ‬‫ِ‬ ‫تتوزع على‬
‫داخليًّا ّ‬
‫طويل‪ ،‬ووصف الراحلة والرحلة سيكون على البحر ذاته‪ ،‬وكذا المدح إذا ما ِ‬
‫أنش َد‬ ‫ستكو ُن على ال ّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫المشبعة بالحكمة كذلك؛ ما يعني ُمكن َة البحر الطويل‬ ‫ئيسا فيها‪ ،‬باإلضاَف ِة إلى خاتمتها‬
‫غرضا ر ً‬‫ً‬
‫بقية البحور‪.‬‬
‫األمر في ّ‬
‫وكذا ُ‬ ‫قبل إنها ال تناسبه‪َ ،‬‬
‫قيل من ُ‬
‫اض متعددة َ‬ ‫التعبير عن أغر ٍ‬

‫ٍ‬
‫عند النّقاد العرب – كما يرى جابر عصفور ‪-‬‬ ‫بين الوزن والغرض َ‬
‫ولعل منشأَ اعتقاد عًلقة ما َ‬ ‫َّ‬
‫غرض بوزٍن في أشعارهم‪2‬؛‬
‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫ِ‬ ‫مر ٌّتد إلى تأثّرهم‬
‫خصوا ّ‬ ‫كونهم – اليونانيين – ّ‬‫اليونانية؛ َ‬
‫ّ‬ ‫بالفلسفة‬
‫هو‬ ‫ن‬ ‫ُّ‬
‫أن الوزَ البطولي َ‬‫الشعر" فقال‪" :‬والتّجربة تدلنا على ّ‬
‫"فن ّ‬
‫فقد ذكر أرسطو ذلك في كتابه ّ‬
‫لبدت‬
‫عدة أوزان َ‬
‫استخدم في المحاكاة القصصية وزًنا آخر أو ّ‬
‫َ‬ ‫أن ام أًر‬
‫أنسب األوزان للمًلحم‪ ،‬ولو ّ‬
‫أما الوزن األيامبي والوزن الرباعي الجاري‬ ‫ألن الوزن البطولي هو ْ ن‬
‫األرز واألوسع ‪ّ ...‬‬ ‫نافرة ّ‬
‫(التروكي) فمليئان بالحركة‪ :‬فأحدهما أنسب للرقص‪ ،‬واآلخر أنسب للفعل"‪.3‬‬

‫يخصو َن ُك َّل‬
‫ّ‬ ‫ويقول ابن سينا‪" :‬اليونان كانت لهم أغراض محددة يقولو َن فيها ّ‬
‫الشعر‪ ،‬وكانوا‬
‫أما ابن رشد فقد عّق َب على‬ ‫‪4‬‬
‫غرض بوزن على حدة‪ ،‬وكانوا ُيسمو َن َّ ٍن‬
‫ٍ‬
‫كل وز باسم على حدة" ‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬

‫‪1‬‬
‫‌أنيس‪‌،‬إبراهيم‪‌،‬موسيقى الشعر‪‌،‬ص‌‪.177‬‬
‫‪2‬‬
‫‌عصفور‪‌،‬جابر‪‌،‬مفهوم الشعر‪ :‬دراسات في التراث النقدي‪‌،‬ط‌‪‌،5‬الهيئة‌المصرية‌العامة‌للكتاب‪‌،‬القاهرة‪‌1995‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.327‬‬
‫‪3‬‬
‫‌أرسطو‪‌،‬فن الشعر‪‌،‬ص‌‪‌ .203‬‬
‫‪4‬‬
‫‌ابن‌سينا‌(‌‪‌427‬هـ‌)‪‌،‬فن الشعر من كتاب الشفاء‪‌‌.‬ص‌‪‌ .156‬‬

‫‪31‬‬
‫مما يعسر وجودها في أشعار العرب‪ ،‬أو تكون غير‬
‫قول أرسطو السابق بقوله‪" :‬وأمثل ُة هذه ّ‬
‫موجودة فيها‪ ،‬إذ أعاريضهم قليلة القدرة"‪.1‬‬

‫الشعرية القائمة على المنطق‬


‫القرطاجني ّ‬
‫ّ‬ ‫فإن نظرة‬
‫ومن وجهة نظر الباحث عبد نور عمران‪ّ ،‬‬
‫لغنائية هذا‬ ‫ٍ‬
‫اعتبار‬ ‫حملته على قولبة الشعر العربي وتجميده دو َن‬
‫ّ‬ ‫وسطوة العقل الفلسفي ْقد َ‬
‫الشعر وخصائصه المستمدة من البيئة التي نشأ فيها‪ ،‬و ّأنه شعر قد استُعمل البحر الواحد منه في‬
‫ذاك كائن في الزحافات والعلل والموسيقا الداخلية النابعة من الجملة أو‬
‫وتعويل َ‬
‫ُ‬ ‫أغر ٍ‬
‫اض متعددة‪،‬‬
‫االنفعالية والشعورية عند الشاعر‪.2‬‬
‫ّ‬ ‫حل الحال‬
‫الكلمة أو الحرف في القصيدة؛ ما يسهم في ّ‬
‫ِ‬ ‫المعنى سابق للوزن في‬
‫أن‬
‫ذاك ّ‬
‫الشعر؛ َ‬
‫صناعة ّ‬ ‫ابن طباطبا العلوي (‪322‬هـ) فيرى ّ‬
‫أن َ‬ ‫أما ُ‬
‫ظا‬
‫بعد لف ً‬ ‫ثر ّأوًال‪ُ ،‬م ًّ‬
‫عدا له من ُ‬ ‫روم في ذهنه َن ًا‬
‫الم َ‬
‫المعنى َ‬
‫يمخض َ‬‫قصيدة ما‪ّ ،‬‬
‫ً‬ ‫عند بنائه‬
‫الشاعر َ‬
‫يطابقه‪ ،‬وقوافي توافقه‪ ،‬ووزنا يسلس ِ‬
‫عليه قوَل ُه‪.3‬‬ ‫ً ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫شعرا‪،‬‬
‫تعمل ً‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫أردت ْ‬
‫َ‬ ‫موردا قوَله‪" :‬واذا‬
‫ً‬ ‫فق أبو هًلل العسكر ّي (‪395‬هـ) َ‬
‫مع هذا الرأي‬ ‫ويتّ ُ‬
‫أخطرها على قلبك‪ ،‬واطلب لها وزنا يتأتى ِ‬
‫فيه‬ ‫فكرك‪ ،‬و ِ‬ ‫فأحضر المعاني التي تر ُيد نظمها في ِ‬
‫َ ً ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫أن اشتراك الشعراء في الموضوع ال يعني بالضرو ِرة‬ ‫ِ‬
‫مًلحظة َّ‬ ‫مع‬ ‫‪4‬‬ ‫ِ‬
‫إيرادها‪ ،‬وقافي ًة تحتَمُلها" ‪َ ،‬‬
‫الخنساء بها‬
‫ُ‬ ‫اكهم في العاطفة حسبما يرى إبراهيم أنيس؛ فالحال النفسية التي كانت ترثي‬ ‫اشتر َ‬
‫أن اختًلف الشعور يختلف‬ ‫شك مغايرة عن ِ‬
‫حال أصحاب المراثي من القدماء؛ ما يعني ّ‬ ‫أخاها ال َّ‬
‫تناول‪.5‬‬
‫الم َ‬‫آخر في الموضوع ُ‬ ‫امل أخرى وا ْن و َ‬
‫افق َ‬ ‫باختًلف قائل القصيدة ويتأثر بعو َ‬

‫أن الوزَن ال يمكن أن يفهم ِ‬


‫مفترًقا عن التجربة الشعورّية‪،‬‬ ‫فإن جابر عصفور يرى ّ‬‫وبتتبع ما سبق؛ ّ‬
‫الصوت‬ ‫ِ‬
‫لغوية ال ينفص ُل ّ‬
‫مجردة‪ ،‬بل عناصر ّ‬ ‫صوتية ّ‬
‫ّ‬ ‫عناصر‬
‫َ‬ ‫الشعر ليست‬
‫أن لغ َة ّ‬
‫إضاف ًة إلى ّ‬
‫الشعر أو يش ّكلها‬
‫تشكل ّ‬‫أن بنية الداللة التي ّ‬
‫من األحوال؛ ما يعني ّ‬ ‫فيها عن المعنى في أي ٍ‬
‫حال َ‬
‫صوتية ال‬
‫ّ‬ ‫ذاك يؤّلف الكلمات في عًلقات‬
‫وهو إذ َ‬
‫محددا‪َ ،‬‬
‫ً‬ ‫نظاما‬
‫ً‬ ‫الشعر تفرض على الوزن نفسه‬
‫ّ‬

‫‪1‬‬
‫‌ابن‌رشد‪‌،‬تلخيص كتاب أرسطوطاليس في الشعر ومعه جوامع الشّعر للفارابي‪‌،‬ص‌‪‌ .192‬‬
‫‪2‬‬
‫‌عمران‪‌،‬عبد‌نور‌داود‪‌،‬البنية اإليقاعية في شعر الجواهري ( رسالة دكتوراة )‪‌،‬جامعة‌الكوفة‪‌2008‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌ .26‬‬
‫‪3‬‬
‫‌ابن‌طباطبا‪‌،‬محمد أحمد العلوي ( ‪ 322‬هـ ) عيار الشّعر‪‌،‬ت‪‌:‬عبّاس‌عبد‌الساتر‪‌،‬ط‌‪‌،2‬دار‌الكتب‌العلمية‪‌،‬بيروت‪‌2005‌،‬م‪‌،‬‬
‫ص‪‌ .11‬‬
‫‪4‬‬
‫‌أبو‌هالل‪‌،‬الحسن‌بن‌عبد‌هللا‌العسكري‌(‌‪‌395‬هـ‌)‪‌،‬كتاب الصّناعتين‪ :‬الكتابة والشعر‪‌،‬تحقيق‪‌:‬علي‌البجاوي‪‌،‬محمد‌إبراهيم‪‌،‬ط‪‌،1‬‬
‫دار‌إحياء‌الكتب‌العربية‪‌،‬القاهرة‪‌1952‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌ .139‬‬
‫‪5‬‬
‫‌أنيس‪‌،‬إبراهيم‪‌،‬موسيقى الشعر‪‌،‬ص‌‪‌ .177‬‬

‫‪32‬‬
‫مادة‬
‫يستمد إيقاعه من ّ‬
‫ّ‬ ‫أن الشعر هنا‬
‫النحوية والداللية؛ ما يشير إلى ّ‬
‫ّ‬ ‫تنفصل عن العًلقات‬
‫الصياغة ذاتها – اللغة ‪ -‬التي ال ينفصل فيها مبنى عن معنى‪.1‬‬

‫تبعا‬
‫داخل القصيدة ً‬
‫َ‬ ‫خصائص للوزن تسبقه‪ّ ،‬إنما يكتسبها‬
‫َ‬ ‫وبناء على الرأي السابق‪ ،‬فإنه ال‬
‫شكلها؛ ما ي ِ‬
‫مك ُن القول إن النظام اإليقاعي للقصيدة يتمايز عن الوزن؛ "فالوزن‬ ‫للعًلقات التي تُ ّ‬
‫ُ‬
‫المجرد لكل بحر محض تصور ذهني شبيه بمفهوم الجوهر عند الفًلسفة‪ ،‬ال نواجهه في‬
‫عرضا أو أكثر من أعراضه فحسب ‪ ...‬إنه شيء غير موجود بالفعل‪ ،‬وان‬
‫ً‬ ‫القصيدة‪ ،‬بل نواجه‬
‫موجودا بالقوة في أذهان من يتمسكون بفكرة النموذج الثابت للوزن‪ ،‬قد نقول إن هذه القصيدة‬
‫ً‬ ‫كان‬
‫َ‬
‫أو تلك من بحر الطويل أو من بحر البسيط أو غيرهما‪ ،‬لكننا نضطر إلى افتراض مجموعة من‬
‫الزحافات والعلل كي نجبر القصائد على أن تحشر في قالب البحر"‪.2‬‬

‫أما الباحث محمد صالح الضالع في كتابه "األسلوبية الصوتية" فيطرح فكرة ذات صلة بما طرحه‬
‫ّ‬
‫مجردة موجودة في ذهن الشاعر‪ ،‬أو‬
‫وبحوره أشياء ّ‬
‫َ‬ ‫جابر عصفور‪ ،‬فيقول‪" :‬إن الوزن العروضي‬
‫مستندا في ذلك إلى نتائج أبحاث تجاربه على بعض األبيات من الشعر‬
‫ً‬ ‫في موهبة المتذوق"‪،3‬‬
‫صوتيا‪ ،‬فلم تكشف له عن حقيقة اإليقاع العروضي‪ ،‬فاختار على إثر ذلك اسم‬
‫ً‬ ‫الهولندي وتحليلها‬
‫"خرافة العروض "عنو ًانا لبحثه‪.4‬‬

‫أن العروض‬ ‫بحق اإليقاع اإلطاري للشعر‪َ ،‬‬


‫ذاك ّ‬ ‫مجحفا ّ‬
‫ً‬ ‫لكنه –محمد صالح‪ -‬بهذا العنوان َبدا‬
‫ّ‬
‫فهو بنية حاضرة‬
‫ك في حينها إلى حد ال يمكن إغفاله؛ َ‬
‫فيدر ُ‬
‫معين‪َ ،‬‬‫نسق ّ‬‫يتخّلق بتخّلق اللغة على ٍ‬
‫جوهر و ِ‬
‫احًدا‪ ،‬وقد يحصل أن يتطابق‬ ‫ًا‬ ‫مجسدة‬ ‫بقوة في النص الشعري‪ ،‬تبدو بأعر ٍ‬
‫اض متباينة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المعنوي ماديًّا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫العرض مع جوهره في بعض الحاالت؛ فيستحيل‬

‫تتفوق على غيرها‬


‫فإنها عًلوةً على ذلك ّ‬
‫مكمل ًة لبنيتها الفكرّية‪ّ ،‬‬
‫واذ تبدو البنية اإليقاعية للقصيدة ّ‬
‫أن ما يقود القصيدة إلى‬
‫ذاك ّ‬
‫المكونة للقصيدة برأي الباحث عاطف أبو حمادة؛ َ‬ ‫ّ‬ ‫من البنى‬
‫التشكل هو اإليقاع عينه‪ ،5‬وهو ما أشار إليه محمود درويش أثناء مقابلة له بقوله‪" :‬‬
‫االكتمال و ّ‬

‫‪1‬‬
‫‌عصفور‪‌،‬جابر‪‌،‬مفهوم الشعر‪ :‬دراسات في التراث النقدي‪‌،‬ص‌‪.334‌–‌333‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .334‬‬
‫‪3‬‬
‫‌الضالع‪‌،‬محمد‌صالح‪‌،‬األسلوبية الصوتية‪‌،‬د‌‪‌/‬ط‪‌،‬دار‌غريب‌للطباعة‌والنشر‌والتوزيع‪‌،‬القاهرة‪‌2002‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌ .187‬‬
‫‪4‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪‌ .‬‬
‫‪5‬‬
‫‌أبو‌حمادة‪‌،‬عاطف‪‌،‬البنية اإليقاعية في جدارية محمود درويش‪‌،‬مجلة‌‌جامعة‌القدس‌المفتوحة‌للدراسات‌واألبحاث‪‌،‬ع‌‪‌،25‬‬
‫‪2011‬م‪‌،‬ص‌‪‌ .60‬‬

‫‪33‬‬
‫اإليقاع هو الذي يقودني إلى الكتابة‪ ،‬واذا لم يكن هناك من إيقاع‪ ،‬ومهما كانت عندي أفكار أو‬
‫حدوس أو صور‪ ،‬فهي ما لم تتحول ذبذبات موسيقية ال أستطيع أن أكتب‪ّ .‬إنني أبدأ من اللحظة‬
‫الموسيقية إ ًذا"‪.1‬‬

‫معها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وب ِ‬


‫عامل َ‬
‫سيقع في َحيرة التّ ُ‬
‫ُ‬ ‫النصوص وتحليلها‬‫الباحث في داللة ّ‬
‫َ‬ ‫موجب اآلراء السابقة‪ ،‬فإن‬
‫بمعنى‬ ‫فًل َيدري ّأيهما كائن زمنيًّا‪ :‬هل قراءة ّ‬
‫النص ورصد ظواهره اإليقاعية أم الفهم والتأويل؟ َ‬
‫وتشكل المعنى‬
‫ّ‬ ‫المتحكم في كيفية إنجاز القراءة‬
‫ّ‬ ‫هو‬
‫النص َ‬ ‫اإليقاعية في ّ‬
‫ّ‬ ‫هل تعيين الوقائع‬
‫يوجه القارئ كي ال يرصد من الظواهر‬
‫األولي ّ‬
‫وفهمه ّ‬
‫َ‬ ‫ص‬‫الن ّ‬
‫اءة ّ‬‫أن قر َ‬
‫واالنفعال الحاصل منها أم ّ‬
‫اإليقاعية إال ما يوافق فهمه؟‬
‫ّ‬

‫القضية تبدو شائكة‪ ،‬إذ يرى الورتاني أنه ال يمكن مقاربة ّ‬


‫نص ما دونما فهم‬ ‫ّ‬ ‫أن هذه‬
‫والظاهر ّ‬
‫يقوي هذا‬ ‫ِ‬
‫المقصد الذي يسعى إليه مؤلفه من خًلله؛ ما يعني رصد ما ّ‬‫الغرض الذي ينتمي إليه و َ‬
‫المعنى؛ األمر الذي‬
‫النص؛ أي ّأنه ليس بالمكنة إدراك اإليقاع في غياب عن َ‬
‫الفهم الذي دخل به ّ‬
‫لك‬ ‫بعا للداللة الممنوحة للنص‪ ،‬ورغم كون‬ ‫ِ‬
‫أن ذ َ‬
‫نتاج معنى؛ إال ّ‬
‫اإليقاع هنا َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫وج ًها ت ً‬
‫جعل اإليقاع ُم ّ‬
‫َ‬
‫تؤخ ُذ باالعتبار قد‬
‫اإليقاعية التي َ‬
‫ّ‬ ‫فبعض الظواهر‬
‫ُ‬ ‫ال ُيلغي في اآلن ذاته أن يكو َن ُم ِنت َج َمعنى؛‬
‫ِ‬
‫األولي‬
‫الفهم ّ‬
‫تكن – الظواهر – متوافقة و َ‬‫كونها لم ُ‬
‫مرًة أخرى؛ َ‬ ‫تُجبر القارئ على إعادة قراءة ّ‬
‫النص ّ‬
‫مكن القارئ من‬
‫له‪ ،‬لتؤول وظيفتها هنا إلى وضع المعاني الرئيسة في أماكنها المناسبة بما ُي ّ‬
‫إدراكها بطريقة يسيرة وأكثر إثارة النتباهه‪ ،‬بما قد ال يكون في حال غاب اإليقاع‪.2‬‬

‫ِ‬
‫حيًلن إلى‬ ‫ذاك ّأنهما تُ‬ ‫ِ‬ ‫ومما يشير إلى كون‬
‫النبر" ‪َ ،‬‬
‫اإليقاع ُمنتج معنى ظاه َرتا "التنغيم" و " ّ‬
‫ِ‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫انفعاالت استفهامية أو‬ ‫بين حيرة أو غضب أو‬ ‫ٍ‬
‫متنوع ًة ما َ‬
‫معان داّلة على أحوال القائل وهيئاته ّ‬
‫وكان أشار ابن سينا إلى ذلك بقوله‪" :‬ومن أحوال النغم‪ :‬النبرات‪ ،‬وهي هيئات في‬
‫َ‬ ‫استنكارية‪،‬‬
‫النغم مدية‪ ،‬غير حرفية‪ُ ،‬يبتدأ بها تارة‪ ،‬وتخلل الكًلم تارة‪ ،‬وتعقب النهاية تارة‪ ،‬وربما تكثر في‬
‫الكًلم‪ ،‬وربما تقل‪ .‬ويكون فيها إشارات نحو األغراض ‪ ...‬وربما أعطيت هذه النبرات بالحدة‬

‫‪1‬‬
‫‌وازن‪‌،‬عبده‪‌،‬دفاتر محمود درويش‪‌،‬لقاء‌صحفي‪‌،‬جريدة‌الحياة‪‌2008‌/8‌/‌10‌،‬م‪‌،‬منشور‌على‌اإلنترنت‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‌الورتاني‪‌،‬خميس‪‌،‬اإليقاع في الشعر العربي الحديث‪ :‬خليل حاوي نموذ ًجا‪‌،‬ص‌‪.28‬‬
‫‪ ‌‬يقصد‌بالتنغيم‌"‌رفع‌الصوت‌وخفضه‌في‌أثناء‌الكالم‪‌،‬للداللة‌على‌المعاني‌المختلفة‌للجملة‌الواحدة‌"‌‪‌/‬عبد‌التواب‪‌،‬رمضان‪‌،‬‬
‫المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي‪‌،‬ط‌‪‌،3‬مكتبة‌الخانجي‪‌،‬القاهرة‪‌1997‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.106‬‬
‫بر‌"‌قوة‌التل ّفظ‌النسبية‌التي‌تُعطى‌للصائت‌في‌كل‌مقطع‌من‌مقاطع‌الكلمة‪‌،‬فالمقطع‌قوي‌النبر‌يأخذ‌طاقة‌كالمية‌أكثر‌من‌‬
‫ّ‬ ‫‪‌‬يقصد‌بال ّن‬
‫المقطع‌ضعيف‌النبر‪‌،‬ويكون‌الصوت‌أشد‌وأعلى‌وأطول"‌‪‌/‬الخولي‪‌،‬محمد‌علي‪‌،‬مدخل إلى علم اللغة‪‌،‬د‪‌/‬ط‪‌،‬دار‌الفالح‌للنشر‌‬
‫والتوزيع‪‌،‬األردن‪‌1993‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.46‬‬

‫‪34‬‬
‫والثقل هيئات تصير بها دالة على أحوال أخرى من أحوال القائل أنه متحير أو غضبان‪ ،‬أو‬
‫تصير به مستدرجة للمقول معه بتهديد أو تضرع أو غير ذلك‪ .‬وربما صارت المعاني مختلفة‬
‫استفهاما‪ ،‬واالستفهام تعجبا‪ ،‬وغير ذلك‪ .‬وقد تورد‬
‫ً‬ ‫باختًلفها‪ ،‬مثل أن النبرة قد تجعل الخبر‬
‫للداللة على األوزان والمعادلة؛ وعلى أن هذا الشرط‪ ،‬وهذا جزاء ‪.1"...‬‬

‫ًلع ٍب في ُنطقهما قد‬


‫أي تَ ُ‬
‫فإن َّ‬
‫واذ تدخل هاتان الظاهرتان الصوتيتان ضمن اإليقاع الداخلي‪ّ ،‬‬
‫الداللة‬
‫بينهما و ّ‬
‫ًلحما ما َ‬
‫أن ثَ ّم ت ً‬
‫العكس كذلك‪ ،‬ما َيعني ّ‬
‫ُيحيل المعنى من اإليجاب إلى السلب و ُ‬
‫ِ‬
‫تستحيًلن‬ ‫المعنى‪ ،‬ما يعني ّأنهما‬
‫كبير في َ‬
‫فيفا عليهما ُيعطي َفرًقا ًا‬
‫ط ً‬ ‫تغيير َ‬
‫إن ًا‬ ‫الصادرة عنهما‪ ،‬إذ ّ‬
‫اإليقاع معنى كما قد ِ‬
‫ينت ُج‬ ‫إنتاج‬ ‫ِ‬
‫إمكان‬ ‫من الفكرِة السابقة في‬ ‫ٍ‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عزز َ‬
‫أداتي توجيه له‪ ،‬وهو ما ُي ّ‬
‫إيقاعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫المعنى‬
‫َ‬

‫فإن ترصد المعنى أثناء القراءة الصامتة ِ‬


‫يوج ُب تمثّل‬ ‫هرا‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫تتعين الظاهرتان َج ً‬
‫وحتّى إن لم ّ‬
‫إلقاء كما يقول محمد‬
‫مسا أو ً‬ ‫كونها –الموسيقى– ال تفترق عن ّ‬
‫الشعر َه ً‬ ‫الموسيقى في األبيات؛ َ‬
‫غنيمي‪.2‬‬

‫يحيل إلى داللة‬ ‫عر المعاصر‬ ‫فإن اإليقاع الكتابي الذي يتّكئ على ِ‬
‫وفي ازوية أخرى‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الش ُ‬
‫بعضه ّ‬
‫نصه عناي ًة بصرّية الستنباط ما‬ ‫ق‬ ‫ِ‬
‫معينة بحسب ما ُيفضيه الشاعر على الور ‪ ،‬إذ تُولى قراءة ّ‬
‫إنشاد الشعر‬
‫َ‬ ‫كونهم أوَلوا‬
‫يؤديه اإليقاع الكتابي فيه‪ ،‬وهو إيقاع ُمستحدث لم يرافق الشعراء القدماء َ‬
‫مرتب ًة سابقة على كتابته‪.‬‬

‫لنفس ِه أفضية بصرّية‬


‫وتشير الباحثة وسيلة بوسيس إلى هذه القضية‪ ،‬موضحة أن الشعر خلق ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫طي للغة‪ ،‬في توق منه إلى خلق منافذ وآليات تمكنه من خرق قانون‬
‫تنزعُ إلى خلخلة البعد الخ ّ‬
‫متجاوز نواميس الجماليات القائمة‪ ،‬مشتَ ِرًكا مع فن الرسم في تحديد المعنى‪ .3‬فكأنما‬
‫ًا‬ ‫المألوف‪،‬‬
‫معين ُيضفي داللة تتضافر مع الداللة الكلية‬
‫النص على فضاء الصفحة في هيئة رس ٍم ّ‬
‫توزيع ّ‬
‫النابعة من اللغة نفسها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‌ابن‌سينا‪،‬أبو‌علي‌الحسين‌بن‌عبد‌هللا‌(‌‪‌428‬هـ‌)‪‌،‬الشفاء‪‌،‬تحقيق‪‌:‬أحمد‌فؤاد‌األهواني‪‌،‬د‪‌/‬ط‪‌،‬المطبعة‌األميرية‪‌،‬القاهرة‪‌1958‌،‬‬
‫م‪‌،‬ص‌‪‌ ‌.198‬‬
‫‌هالل‪‌،‬محمد‌غنيمي‪‌،‬النّقد األدبي الحديث‪‌،‬ص‌‪‌ .446‬‬
‫‪2‬‬

‫‪‌،‬مجلة‌العلوم‌اإلنسانية‪‌،‬ع‌‪‌2012‌،38‬م‪‌،‬ص‌‪‌ .41‬‬‫ّ‬ ‫‌بوسيس‪‌،‬وسيلة‪‌،‬في الشعرية البصرية‪ :‬مفاهيم وتجلّيات ( بحث محكم )‬


‫‪3‬‬

‫‪35‬‬
‫يجربه القدماء‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫أما محمد صابر فيرى أن إيقاع‬
‫الفراغ‪ ،‬ولم ّ‬
‫ط مع َ‬‫اع الخ ّ‬‫متأت من صر ِ‬
‫ّ‬ ‫الصفحة‬
‫تقيدوا بحدود المكان – الوزن ‪ -‬عند كتابتهم النص ذهنيًّا فمارسوها في إطار مقفل‪ ،‬على‬
‫كونهم ّ‬
‫َ‬
‫اطمأن إليها‬
‫ّ‬ ‫عكس الشاعر المعاصر الذي يحاول زعزعة البنية المكانية الشعرّية الموروثة التي‬
‫المتلقي‪ ،‬فيدفعه نحو الشك واالضطراب ليلفته إلى البحث عن الداللة الناشئة من ذلك‪.1‬‬

‫إيقاعا‬ ‫ِ‬
‫بحسب تأديته لها‪ ،‬فًل ّبد ّأنها تُنشئ‬ ‫يرصعها الشاعر‬
‫ً‬ ‫ألن لتلك التفضية المكانية دالالت ّ‬
‫و ّ‬
‫ِ‬
‫تفضية الشاعر اآلخر وكّلها تشير بدورها إلى دالالت مختلفة تحيل‬ ‫إيقاع‬
‫ِ‬ ‫مختلفا عن‬
‫ً‬ ‫عنده‬
‫عند كليهما‪.‬‬
‫بالضرورة إلى أحوال شعورّية مختلفة َ‬

‫يوحدو َن ما بين اإليقاع والمعنى دو َن تغليب ّأول على آخر "ت‪ .‬س‪ .‬إليوت"‪،‬‬
‫الذين ّ‬
‫َ‬ ‫ومن النّقاد‬
‫أمكن أن نجد بين‬ ‫ًّ‬
‫مستقًل عن معناه‪ ،‬وا ّال‬ ‫شيئا‬
‫مبينا عن ذلك بقوله‪" :‬وموسيقى الشعر ليست ً‬ ‫ً‬
‫َ‬
‫اآلثار المنظومة الرائع من الشعر الموسيقي الذي ال معنى له‪ ،‬وأعترف ّأنني لم أقع على مثل هذا‬
‫أحيانا‪ ،‬فما هو في الواقع ّإال اختًلف في‬
‫ً‬ ‫أما ما نجده من األنماط الشاذة‬
‫الشعر‪ّ .‬‬
‫من ّ‬‫اللون َ‬
‫حركنا موسيقاها ّأوًال‪ ،‬ويصلنا معناها بطريقة‬
‫فثمة قصائد تُ ّ‬
‫الدرجة بين النغم والشعر ومعناه‪ّ ،‬‬
‫تلقائية‪ ،‬وهناك قصائد أخرى ُيثيرنا معناها ّأوًال‪ ،‬وتصلنا موسيقاها بطريقة ال شعورّية"‪.2‬‬

‫الداللة‪ ،‬و ّأال ساِب َق فيهما على الحق‪ ،‬فهما‬


‫اإليقاع و ّ‬ ‫بين‬
‫اق ما َ‬ ‫ِ‬ ‫بات ِّبيًنا‬
‫ِ‬ ‫كل ما سبق ّأال افتر َ‬
‫من ّ‬ ‫َ‬
‫إن ما ُيحّقق إنجاز قراءة فاعلة للنص الشعري يكمن في تعاضد‬ ‫ثم ّ‬‫الًلحقان في آن‪ّ .‬‬ ‫السابقان‬
‫ذاك ّأنها كّلها منجزُة معنى‪ ،‬مع‬ ‫ٍ‬
‫بناه وتفاعلها‪ ،‬بحيث ال يمكن إغفال واحد فيها عن آخر؛ َ‬
‫أن اإليقاع كائن منها باعتباره بنية مستقّلة‪ ،‬وكذا كائن فيها –الِبنى‪ -‬باعتباره ظاهرة‬
‫مًلحظة ّ‬
‫المشكل لهذه البنى‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مرافقة لبعضها؛ إذ ُه َو‬

‫أن ظاهرة ُّ ِ‬
‫تلون األغراض الشعرية على بحر واحد فيما سبق تناوله تُعزى إلى ظو َ‬
‫اهر‬ ‫ويبدو َّ‬
‫إيقاعية حّققها اإلنشاد فيما مضى بتجسيده ِ‬
‫الحّدة والهبوط والتنغيم والنبر على نحو تام‪ ،‬بحيث‬ ‫ُ‬
‫يوج ُه القارئ والمستمع‬
‫نحو ما‪ّ ،‬‬ ‫معينة ُم ِّ‬
‫تلبسة بالغرض؛ فاإلنشاد على ٍ‬ ‫تُشير إلى حالة شعورّية ّ‬

‫‪1‬‬
‫‌عبيد‪‌،‬محمد‌صابر‪‌،‬القصيدة العربية الحديثة بينَ البنية الداللية والبنية اإليقاعية‪‌،‬د‌‪‌/‬ط‪‌،‬منشورات‌اتحاد‌الكتاب‌العرب‪‌،‬دمشق‪‌،‬‬
‫‪‌2001‬م‪‌،‬ص‌‪‌ .52‌–‌51‬‬
‫‪2‬‬
‫‌خوري‪‌،‬منح‪‌،‬الشعر بين نقاد ثالثة ‪ :‬ت ‪ .‬س ‪ .‬إليوت ‪ ،‬أرشيبالد ماكليش ‪ ،‬أي‪ .‬أي ‪ .‬ريتشاردز‪‌،‬ط‌‪‌،1‬دار‌الثقافة‪‌،‬بيروت‪‌،‬‬
‫‪1966‬م‪‌،‬ص‌‪‌ .24‬‬

‫‪36‬‬
‫وجههما –القارئ والمستمع– إلى‬
‫معينة‪ ،‬وكذا الداللة النابعة من البنية الفكرّية قد تُ ّ‬
‫إلى داللة ّ‬
‫كل تلك الظواهر‪.‬‬
‫معين‪ ،‬باستحقاقه َّ‬
‫بإيقاع ّ‬
‫ٍ‬ ‫اإلنشا ِد‬

‫ورصد لبنية ِ‬
‫الفكر والموضوِع‬ ‫ٍ‬ ‫بحر بوزن دو َن غيره؛ فقد نبعت من استقرٍاء‬
‫أما ظاهرة اختصاص ٍ‬ ‫وّ‬
‫ِ‬
‫فصار الوزُن من ْ‬
‫بعُد ُيشير‬ ‫َ‬ ‫حده بالغرض باعتماد نسبة الشيوع والتكرار؛‬
‫ثم ّ‬ ‫ّأوًال وادراك وزِنه ً‬
‫تاليا‪ّ ،‬‬
‫قبل يشير إليه؛ وهو ما يعني جدلية التعاقب ما بين‬ ‫بعد أن كان الغرض من ُ‬ ‫إلى الغرض‪َ ،‬‬
‫صار ساِبًقا‪.‬‬
‫تاليا َ‬
‫كان ً‬ ‫كان ساِبًقا َغدا ً‬
‫تاليا‪ ،‬وما َ‬ ‫اإليقاع والداللة؛ فما َ‬

‫ِ‬
‫تفكيك بناه فقط‪ّ ،‬إنما يجب على‬ ‫وليس إدراك داللة النص وانجاز قراءة فاعلة له بمقتَ ِ‬
‫ص ٍر على‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ملما بالظروف المتعلقة بالنص – اللغوية وغير اللغوية‪ ،-‬وأن‬ ‫ساعي اإلدراك ذاك أن يكون ًّ‬
‫النص بكمون ما فيه‪.‬‬ ‫يجتهد بتعقب إشاراته لي ِ‬
‫نط َق َّ‬ ‫ُ‬

‫مبد ِع ِه ومتلّقيه‪ ،‬متمّثل ًة ِ‬


‫بنقل رسالة من‬ ‫َ‬
‫شك أن كل عمل شعري يشير إلى وجود ٍ‬
‫صلة ما بين ِ‬
‫فًل َّ ّ‬
‫ُ‬
‫عبر وسيط نوعي ُيدعى القصيدة؛‬ ‫نوٍع خاص ذات محتوى قيمي ّ‬
‫معين يرسلها المبدع إلى المتلّقي َ‬
‫"ولكي يتم توصيل القيم التي تنطوي عليها القصيدة‪ ،‬ينبغي أن يسلم كًل الطرفين بأهمية الفعل‬
‫الذي يجمعهما‪ ،‬والذي دفع الشاعر إلى اإلبداع وفرض على المتلقي االستجابة في عملية‬
‫التلقي"‪.1‬‬

‫بعا‬ ‫ِ‬
‫عما يجول في نفسه ت ً‬
‫بإيقاع ّ‬
‫ٍ‬ ‫واذ يصدر الشعر عن مؤلفه المبدع؛ فإنه يقصد به التعبير‬
‫فإن قصيدته تنتظم على نغمة‬
‫للتجربة التي يمر بها‪ .‬ومن وجهة نظر الباحثة نبيلة بلعبدي‪ّ ،‬‬
‫خاصة متوائمة ومشاعره؛ بحيث تستميل آذان السامعين نحوها‪ ،‬وهذا يعني أن على الشاعر‬
‫ِ‬
‫متناسًبا والموضوع الذي يتحدث عنه؛ آخ ًذا باالعتبار أن‬ ‫ليجسد كل ذلك‪،‬‬
‫انتقاء اإليقاع المناسب ّ‬
‫مجرد زينة مضافة إلى النص الشعري‪ ،‬وانما ينصهر مع عناصره األخرى لتكثيف‬‫اإليقاع ليس ّ‬
‫َ‬
‫الداللة مجتمعة‪.2‬‬

‫تنطبع بطبعه وذوقه وشخصيته الفنية‪،‬‬


‫ُ‬ ‫ويرى أحمد الشايب أن القصيدة التي يكتبها الشاعر‬
‫المتنبي متجّلي ًة في شعره‪ ،‬ورّقة جرير واضحة في النسيب‪ ،‬و كذا كان جمال البحتري‬
‫ّ‬ ‫قوة‬
‫فكانت ّ‬

‫‪1‬‬
‫‌عصفور‪‌،‬جابر‪‌،‬مفهوم الشعر‪ :‬دراسات في التراث النقدي‪‌،‬ص‌‪‌ .232‬‬
‫‪2‬‬
‫‌بلعبدي‪‌،‬نبيلة‪ ‌،‬البنية اإليقاعية الداخلية في قصيدتي " كيف أعملي وحيلتي " و " وحدة الغزال " ألبي مدين بن سهلة‪‌،‬مجلة‌‬
‫الحكمة‌للدراسات‌األدبية‌واللغوية‌–‌مؤسسة‌كنوز‪‌،‬الجزائر‪‌2015‌،‬م‪‌،‬ع‌‪‌،32‬ص‌‪.156‬‬

‫‪37‬‬
‫حاضر في شعره‪ ،‬كما تمثلت سهولة أبي العتاهية في أشعاره‪ ،‬وكل ذلك يأتي متوافًقا مع‬
‫ًا‬
‫معيًنا‪ ،‬وقافي ًة مناسبة‪،1‬‬
‫طرحا لمواضيعهم مستدعي ًة وزًنا ّ‬
‫ً‬ ‫الموسيقى النفسية التي يختارونها‬
‫مثًل من ِ‬
‫شعر جرير في قوله‪:‬‬ ‫ويضرب لذلك ً‬

‫ص ِل أقرانا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ولو ِ‬
‫الو ْ‬
‫طعوا من حبال َ‬
‫عت ما بانا ‪ ...‬وَق ّ‬
‫طوو ُ‬ ‫ط ْ‬‫الخلي ُ‬
‫بان َ‬
‫" َ‬

‫دارا‪ ،‬وال الجير ِ‬


‫ان جيرانا‬ ‫المنازل إ ْذ ال َن ْبتَغي َب َد ًال ‪ ...‬بالّد ِار ً‬
‫َ‬ ‫حي‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫من أس ِ‬
‫باب ُدنيانا‬ ‫ِ‬ ‫بار َك هللاُ في ُّ‬
‫باب دنياك ْ ْ‬
‫أس ُ‬‫ط َع ْت ‪ْ ...‬‬
‫الدنيا إذا انَق َ‬ ‫ال َ‬

‫ط ْرِفها َح َور ‪َ ...‬ق َتْل َننا ثُ َّم ْلم ُي َ‬


‫حيين َق ْتًلنا‬ ‫العيو َن التي في َ‬
‫إن ُ‬‫َّ‬

‫‪2‬‬
‫ف َخْل ِق هللاِ إنسانا"‬ ‫وه َّن ْ‬
‫أض َع ُ‬
‫يصرعن ذا الّل ِب حتى ال حر ِ‬
‫اك به ‪ُ ...‬‬
‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ََْ َ‬

‫هو عاطفة الشاعر الرقيقة بادي ًة في األسف‬


‫َفمصدر موسيقى األبيات السابقة من وجهة نظره َ‬
‫طا بالوفاء وادراك ما في الجمال من روعة‪ ،‬كل ذلك استدعى هذا الوزن الغنائي والقافية‬
‫مختل ً‬
‫المطلقة ورقة العبارات في األبيات‪.3‬‬

‫أن‬
‫شك ّ‬ ‫ِ‬
‫عناصر الخطاب ال سيما المتلقي والنص الذي يقرؤه‪ ،‬فًل َّ‬ ‫بين‬
‫تفاعًل ما َ‬ ‫ثم‬ ‫و َّ‬
‫ً‬ ‫هناك ّ‬
‫َ‬ ‫ألن‬
‫شخص وآخر‪ ،‬العتماد ذلك على ثقافته ومدى علمه‬ ‫ٍ‬ ‫بين‬
‫مختلفا ما َ‬
‫ً‬ ‫استجًلء داللته سيكو ُن‬
‫ٍ‬
‫تبي َنه سيختلف‬
‫أن ّ‬ ‫النص الشعري فًل َّ‬
‫شك ّ‬ ‫كان اإليقاع ذا صلة ب ّ‬
‫ولما َ‬
‫طًلعه‪ّ ،‬‬ ‫بالمضمون َ‬
‫وسع َة ا ّ‬
‫تبعا لتلك العوامل‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫من فرد إلى آخر ً‬

‫منتميا‬ ‫كان‬ ‫ٍ‬


‫ً‬ ‫حال َ‬
‫فإن قدرَة المتلّقي على استكناه الجوهر اإليقاعي للنص يتزايد َ‬
‫ومن جهة أخرى‪ّ ،‬‬
‫صيغ بها والفضاء الثقافي الذي عاش فيه‪ ،‬فقدرته على رصد اإليقاع وتحسسه‬ ‫َ‬ ‫إلى اللغة التي‬
‫أكبر ممن يضعف انتماؤه للغة ذاتها؛ فتستعصي عليه الملكة اللسانية وال يجيش فيه الحس‬

‫‪1‬‬
‫‌الشايب‪‌،‬أحمد‪‌،‬األسلوب‪ :‬دراسة بالغ ّية تحليليّة ألصول األساليب األدبيّة‪‌،‬ط‌‪‌،8‬مكتبة‌النهضة‌المصريّة‪‌،‬مصر‪‌1991‌،‬م‪‌،‬‬
‫ص‪‌ .72‬‬
‫‪2‬‬
‫‌الصاوي‪‌،‬محمد‌إسماعيل‪‌،‬شرح ديوان جرير‪‌،‬ط‌‪‌،1‬مطبعة‌الصاوي‪‌1353‌،‬هـ‪‌،‬ص‌‪.596‌–‌593‬‬
‫‪3‬‬
‫‌الشايب‪‌،‬أحمد‪‌،‬األسلوب‪ :‬دراسة بالغ ّية تحليليّة ألصول األساليب األدبيّة‪‌،‬ص‌‪.72‬‬

‫‪38‬‬
‫الوجداني اإليقاعي كما عند الشخص المنتمي؛ "فاإليقاع الشعري يتبع خصائص اللغة التي ُيقال‬
‫فيها الشعر"‪.1‬‬

‫صار جزًءا‬ ‫ِ‬ ‫وعلى ذلك‪ ،‬لم يكن صاحب الذوق والطبع اللغوي‬
‫بمحتاج إلى دراسة اإليقاع إذا ما َ‬
‫ٍ‬
‫غن بطبعه عن معر ِ‬
‫فة األوزان‪،‬‬ ‫مستَ ٍ‬ ‫ِ‬
‫من فطرته بخًلف المفتقر لذلك‪ ،‬يقول ابن رشيق‪" :‬والمطبوعُ ْ‬
‫طبع محتاج إلى معرفة‬‫الضعيف ال ّ‬ ‫ِ‬
‫وأسمائها وعللها؛ لنبو ذوقه عن المزاحف منها والمستكره‪ ،‬و ّ‬
‫شيء من ذلك يعينه على ما يحاوله من هذا الشأن"‪ .2‬هذا يعني أنه تقع على عاتق المتلقي‬
‫وذوقيا وفنيًّا‬
‫ًّ‬ ‫تعمًقا ثقافيًّا‬
‫مسؤولية استشفاف ما يكتنزه النص من داللة‪ ،‬وتتضمن مسؤوليته تلك ُّ‬
‫ولسانيًّا وايقاعيًّا‪.‬‬

‫وماد ِة‬ ‫ِ‬


‫عاتق مؤّلفها ّ‬
‫ِ‬
‫تشفاف المعاني الشعرّية تقع – إضاف ًة إلى متلقيها‪ -‬على‬ ‫اس‬
‫مسؤولي َة ْ‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫كما ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذلك في‬‫يف يتجّلى َ‬ ‫جميع ِبناها‪َ ،‬‬
‫فك َ‬ ‫ِ‬ ‫إفصاحها عن احتماالت الداللة بتضافر‬ ‫الكتابة نفسها‪ ،‬ومدى‬
‫نهج ُه اإليقاعي والداللة المروم َة منه‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫استكناه المتلّقي َ‬
‫مادته في سبيل ْ‬
‫ف ّ‬ ‫وكيف وظ َ‬
‫َ‬ ‫أشعار مطران‪،‬‬
‫باعا؟ هذا ما ستجيب عنه الفصول الًلحقة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ت ً‬

‫‪1‬‬
‫‌فخر‌الدّين‪‌،‬جودة‪‌،‬شكل القصيدة العربية في النقد العربي حت ّى القرن الثامن هجري‪‌،‬ص‌‪.147‬‬
‫‪2‬‬
‫‌ابن‌رشيق‪‌،‬أبو‌علي‪‌،‬القيرواني‌(‌‪‌456‬هـ‌)‪‌،‬العمدة في محاسن الشعر‪ ،‬وآدابه‪ ،‬ونقده‪‌،‬تحقيق‪‌:‬محمد‌محيي‌الدين‌عبد‌الحمبد‪‌،‬ط‌‬
‫‪‌،5‬دار‌الجيل‌للنشر‌والتوزيع‌والطباعة‪‌،‬سوريا‪‌1981‌،‬م‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪.134‬‬

‫‪39‬‬
‫‪ .2‬اإليقاع الخارجي في شعر خليل مطران‪.‬‬
‫البحور الشعرية في ديوان خليل مطران‪.‬‬ ‫‪2.1‬‬
‫تجّليات القافية ودالالتها في ديوان خليل مطران‪.‬‬ ‫‪2.2‬‬
‫الروي في أشعار خليل مطران ودالالته‪.‬‬ ‫‪2.3‬‬

‫‪40‬‬
‫‪ .2‬اإليقاع الخارجي في شعر خليل مطران‪.‬‬

‫هيكًل لقصائده‪ ،‬وهو متمثّل‬


‫ً‬ ‫تخيره مطران‬
‫يقصد باإليقاع الخارجي اإلطار الموسيقي الذي ّ‬
‫فإن‬
‫تنوع وزني‪ّ ،‬‬‫كان ديوانه ذا ّ‬
‫ولما َ‬
‫باألوزان التي نظم عليها والقوافي التي تتكئ عليها أبياته‪ّ ،‬‬
‫تلك المشاعر‬
‫ذاك التّغاير‪ ،‬أو لربما ظهرت َ‬
‫ذلك يحيل إلى أحوال شعورّية مختلفة اقتضت َ‬
‫من أحواله‪.‬‬
‫حاال ْ‬
‫كل إطار ً‬
‫موسيقية ّبرانية‪ ،‬فمثّ َل ُّ‬
‫ّ‬ ‫الجوانية لديه على هيئة ٍ‬
‫أطر‬ ‫ّ‬

‫كان مطران قد دعا إلى ضرورة تجاوز الموروث اللغوي والشعري دونما انقطاع عنه ِبما‬
‫واذا َ‬
‫ِ‬
‫تنظيرهُ‬
‫ُ‬ ‫افق‬
‫بيان ما و َ‬
‫الفصل ُ‬ ‫يخدم متطلبات العصر اآلني كما صرح بداي َة ديوانه‪ ،‬ففي هذا‬
‫بعض ما‬
‫قديما أم أنه ابتعث َ‬
‫تطبيَقه من ناحية إيقاعية؛ فهل ارتكز نظمه على البحور الشائعة ً‬
‫متقدمة‪ ،‬وهل حافظ البحر عنده على هيئته المعهودة‪ ،‬أم اقتضى‬
‫مهم ًشا فأواله مكان ًة ّ‬
‫كان ّ‬‫َ‬
‫أبحر بذاتها‬
‫ًا‬ ‫بعض النّق ِاد في اختصاصه‬
‫َ‬ ‫افق‬
‫وكيفا؟ وهل و َ‬
‫ً‬ ‫كما‬
‫استعماله بعض التجاوزات ًّ‬
‫كل ذلك؛ فما‬
‫كان ُّ‬
‫فإن َ‬
‫بعض حين؟ ْ‬ ‫معينة دو َن غيرها؛ فارتأى المبنى سابًقا للمعنى َ‬
‫ألغراض ّ‬
‫الم يطمح الشاعر فيما عمد إليه؟‬
‫الدالالت المنبعثة منه‪ ،‬وا َ‬

‫بينا‬
‫فإن هذا الفصل في مجمله يستند على الدراسة اإلحصائية‪ُ ،‬م ً‬
‫لإلجابة عن كل هذه األسئلة‪ّ ،‬‬
‫عدد األبحر التي نظم عليها الشاعر في ديوانه‪ ،‬وكذا أبيات كل قصيدة‪ ،‬ومن ثم إحصاء للقوافي‬

‫الروي)‪َ ،‬‬
‫أجل تيسير استيضاح داللة النتائج المرومة‪ ،‬وتفصيلها لمقاربة رؤية مطران‬ ‫ّ‬ ‫المستعملة (‬
‫اإليقاعية‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪ 2.1‬تجّليات األوزان في ديوان خليل مطران‪.‬‬

‫بين قصيرٍة وطويلة‪ ،‬مع اعتماد ما‬‫وسبعين منظومة ما َ‬


‫‪‬‬
‫َ‬ ‫يأتلف ديوان الخليل من خمسمئة وسبع‬
‫الش ِ‬
‫عر‬ ‫نادا إلى قول الباقًلني‪" :‬وأَق ُّل ّ‬ ‫كان مكونا منها من بيتين وصاعدا فهو منظومة‪ ،‬وذاك ِ‬
‫است ً‬‫َ ْ‬ ‫ً‬ ‫َ ًّ‬

‫‪‬‬
‫أوثر ‌استعمال ‌كلمة ‌"منظومة" ‌هنا ‌في ‌اإلحصاء ‌إشارة ً ‌إلى ‌ك ّل ‌مقطوعة ‌نظمها ‌الشاعر ‌بصرف ‌النظر ‌عن ‌طولها‪‌ ،‬إذ ّ‬
‫‌إن ‌له‌‬ ‫‌ َ‬
‫ت ‌طويلة‌‬ ‫ّ‬
‫ن‌قد‌أشير‌إليها‌في‌الفهرست‪‌،‬كما‌أن ‌هناك‌مقطوعا ٍ‬ ‫مقطوعات‌قصيرة‌بأعدا ٍد ‌كبيرة‌ال‌يمكن‌تجاهلها‌في‌الدّيوان‪‌،‬ولَم‌يَ ُك‬
‫كانَت‌ ُجعلت‌مقدّمة‌لقصائد‌كان‌يهديها‌إلى‌صحبه‌وبينهما‌– ‌القصيدتين‌– ‌بون‌في‌البحر‌والغرض‪‌،‬وقد‌سجّلتا‌في‌الفهرست‌قصيدة‌‬
‫‌المنظومات‌الطويلة‌قد‌ترد‌بمصطلح‌"‌القصيدة‌"‌في‌‬
‫ِ‬ ‫ّ‬
‫‌مالحظة‌أن‬ ‫‌القصيدة‌الرئيسة‌غير‌أبيات‌اإلهداء‌التي‌تسبقها‪‌.‬م َع‬
‫ُ‬ ‫واحدة‪‌،‬رغم ّ‬
‫‌أن‬ ‫َ‬
‫ثنايا‌الدراسة‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫ِ‬
‫بيتان فصاعًدا‪ ،‬والى ذلك ذهب أكثر أهل صناعة العر ّبية من أهل اإلسًلم"‪ ،1‬وتلك المنظومات‬
‫فق ما يبين الجدول اآلتي‪:‬‬
‫موزعة على بحور مختلفة َو َ‬
‫ّ‬

‫النسبة المئوية‬ ‫عدد‬ ‫اسم البحر‬ ‫النسبة‬ ‫عدد‬ ‫اسم البحر‬


‫المنظومات‬ ‫المئوية‬ ‫المنظومات‬
‫‪0.866551‬‬ ‫‪5‬‬ ‫مشطور الرجز‬ ‫‪22.70364‬‬ ‫‪131‬‬ ‫الكامل‬

‫‪5.372617‬‬ ‫‪31‬‬ ‫الوافر‬ ‫‪7.97227‬‬ ‫‪46‬‬ ‫مجزوء الكامل‬


‫‪1.039861‬‬ ‫‪6‬‬ ‫مجزوء الوافر‬ ‫‪0.17331‬‬ ‫‪1‬‬ ‫منهوك الكامل‬

‫‪0.17331‬‬ ‫‪1‬‬ ‫المحدث‬ ‫‪12.99827‬‬ ‫‪75‬‬ ‫الخفيف‬


‫‪3‬‬ ‫مشطور‬ ‫‪6‬‬ ‫مجزوء الخفيف‬
‫‪0.519931‬‬ ‫المحدث‬ ‫‪1.039861‬‬

‫‪4.506066‬‬ ‫‪26‬‬ ‫المجتث‬ ‫‪7.62565‬‬ ‫‪44‬‬ ‫البسيط‬


‫‪4.159445‬‬ ‫‪24‬‬ ‫المتقارب‬ ‫‪0.17331‬‬ ‫‪1‬‬ ‫مخّلع البسيط‬
‫‪1.559792‬‬ ‫‪9‬‬ ‫المنسرح‬ ‫‪11.09185‬‬ ‫‪64‬‬ ‫الطويل‬
‫‪0.17331‬‬ ‫‪1‬‬ ‫المديد‬ ‫‪8.145581‬‬ ‫‪47‬‬ ‫السريع‬
‫‪0.17331‬‬ ‫‪1‬‬ ‫الهزج‬ ‫‪0.17331‬‬ ‫‪1‬‬ ‫السريع‬
‫مشطور ّ‬
‫‪2.426343‬‬ ‫‪14‬‬ ‫الًلحق‬ ‫‪2.426343‬‬ ‫‪14‬‬ ‫الرمل‬

‫‪0.34662‬‬ ‫‪2‬‬ ‫قصائد ممزوجة‬ ‫‪1.559792‬‬ ‫‪9‬‬ ‫مجزوء الرمل‬


‫‪0.17331‬‬ ‫‪1‬‬ ‫شعر منثور‬ ‫‪1.559792‬‬ ‫‪9‬‬ ‫الرجز‬
‫‪%100‬‬ ‫‪577‬‬ ‫المجموع‬ ‫‪0.866551‬‬ ‫‪5‬‬ ‫مجزوء الرجز‬

‫ثًلثية‬
‫بعض منظومات الشاعر التي جاءت على هيئة مثلثّات‪ ،‬تتحد كل أشطر ّ‬
‫أن َ‬‫مع مًلحظة ّ‬
‫أدق‪،‬‬
‫ألزم تعيين البحر الذي نظمت عليه على نحو ّ‬
‫أشطرها أبياتًا؛ ما َ‬
‫ُ‬ ‫فيها بقافية واحدة‪ُ ،‬عّدت‬
‫ضرب من الحلوى‪:‬‬ ‫ِ‬
‫نحو قوله في وصف " الفالوذج "‪ ،‬وهو َ‬

‫الهًلل‬
‫ْ‬ ‫قد‬
‫مقدودة في الكوب ّ‬
‫َ‬ ‫قال ‪...‬‬
‫البرتُ ْ‬
‫فالوذج ُ‬
‫ِ‬ ‫من‬
‫اء ْ‬
‫صفر ُ‬
‫َ‬

‫‪1‬‬
‫‌الباقالني‪‌،‬أبو‌بكر‌محمد‌بن‌الطيّب‪‌،‬إعجاز القرآن‪‌،‬تحقيق‌السيد‌أحمد‌الصقر‪‌،‬ط‌‪‌،4‬دار‌المعارف‪‌،‬القاهرة‪‌1977‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.54‬‬

‫‪42‬‬
‫دالل‬ ‫ِ ِ‬
‫عن ْ‬ ‫ترتَ ُّج في موضعها ْ‬
‫‪1‬‬

‫موزع على التفعيًلت‪ ( :‬مستفعلن ‪ /‬مستفعلن‬ ‫شطر فيها ّ‬‫ٍ‬ ‫وكل‬


‫السريع ّ‬
‫فالمنظومة هذه على البحر ّ‬
‫اك‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البح ُر إذ ذ َ‬
‫شطر بيتًا‪ ،‬لينتق َل ْ‬ ‫كل‬
‫ليصير ّ‬
‫َ‬ ‫بالمكنة اصطفافها كلها عموديًّا‪،‬‬ ‫ًلن )‪ّ ،‬إال ّأنه‬
‫‪ /‬فاع ْ‬
‫كل‬ ‫ٍ‬
‫أمر ّ‬‫أن كل بيت اكتفى بثًلث تفعيًلت منه‪ .‬وكذا ُ‬ ‫ذاك ّ‬
‫التام إلى مشطوره؛ َ‬ ‫من السريع ّ‬
‫كان منها على ٍ‬
‫بحر‬ ‫ٍ‬
‫النهج‪ ،‬فما َ‬ ‫مسدسات على هذا ّ‬ ‫مخمسات أو ّ‬‫تشكلت من مرّبعات أو ّ‬ ‫منظومة ّ‬
‫التغير السابق أن يكو َن على المنهوك‪،‬‬
‫كان منها على المجزوء غدا به ّ‬
‫مشطورا‪ ،‬وما َ‬
‫ً‬ ‫صار‬
‫تام َ‬
‫ّ‬
‫تم اإلحصاء‪.‬‬
‫وعلى ذلك ّ‬

‫تنو ًعا‬ ‫ِ‬


‫األبحر جميعها ّإال قليًل؛ ما َيعني ّ‬ ‫نظم على‬
‫أن الشاعر َ‬‫تبين بيانات الجدول ّ‬
‫ويبدو من ّ‬
‫استطاع من هذه البحور؛ في‬
‫َ‬ ‫من اإلحاطة ما‬
‫العروضية وتمكن شاعريته َ‬
‫ّ‬ ‫الفتًا في بنية ديوانه‬
‫عما‬ ‫ٍ‬
‫فليس لقصر رؤيته ّ‬
‫إثبات منه –ربما– ّأنه إذا ما صدر منه بعض تجاوزات عروضية َ‬
‫ٍ‬
‫رؤية يروم تحقيقها مواكب ًة لسنة التطور من عصر إلى‬ ‫ِ‬
‫تبيان‬ ‫قصد‬
‫اعتادت عليه العرب‪ ،‬واّنما ْ‬
‫آخر‪.‬‬

‫متصد ًار أشعاره‪ ،‬يعقبه الخفيف‬ ‫كان‬


‫أن الكامل َ‬
‫ستنتج ّ‬ ‫وبتعّقب ِ‬
‫ّ‬ ‫فإنه ُي ُ‬
‫نسب البحور المنظو ِم عليها‪ّ ،‬‬
‫فالطويل فالسريع فالبسيط فمجزوء الكامل‪ ،‬فالوافر فالمجتث فالمتقارب‪ ،‬فال ّرمل والًلحق على‬
‫النظم على مخلع البسيط والهزج والمحدث؛ إذ‬ ‫ٍ‬
‫قل ّ‬‫كان ُم َّ‬
‫ثم المنسرح‪ ،‬وقد َ‬
‫درجة سواء‪ ،‬ومن ّ‬
‫نحو ال يذكر‪ ،‬كما ظهرت المجزوءات من األبحر عنده في ٍ‬
‫نسب ثانوية عدا‬ ‫تناولهما على ٍ‬
‫ُ‬
‫نظما عن‬ ‫بعض ٍ‬ ‫ِ‬
‫غض ً‬ ‫أبحر رئيسة‪ ،‬في حين أنه ّ‬ ‫متقد ًما على‬
‫مجزوء الكامل الذي بدا شيوعه ّ‬
‫البحر المقتضب والمضارع‪ ،‬وظهرت المواشجة الوزنية عنده في منظومتين‪ ،‬والشعر المنثور مرة‬
‫تبيانه‬
‫عهد شيوعه عند العرب وهو الًلحق وسيأتي ُ‬
‫واحدة‪ .‬والًلفت في ذلك نظمه على بحر لم ُي َ‬
‫الحًقا‪.‬‬

‫كل ٍ‬
‫بحر ُنظم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫و َّ‬
‫قصر وطول‪ ،‬فقد أحصت الباحثة عدد أبيات ّ‬ ‫ألن منظومات الشاعر تتراوح بين‬
‫لتصدر البحر‪ّ ،‬إنما مجموع أبيات منظوماته كلها هو ما‬ ‫ٍ‬
‫بكاف‬ ‫عدد المنظومات‬
‫ّ‬ ‫فليس ُ‬
‫عليه‪َ ،‬‬
‫يحيل إلى ذلك كما يوضح الجدول اآلتي‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪‌ .253‬‬
‫‪‌‬انظر‌المنظومات‌اآلتية‪‌:‬ص‌‪‌،‌30‬ص‌‪‌،88‬ص‌‪‌،202‬ص‌‪‌242‬من‌الجزء‌الثاني‌من‌الديوان‪‌ ‌.‬‬

‫‪43‬‬
‫النسبة‬ ‫عدد األبيات‬ ‫اسم البحر‬ ‫النسبة المئوية‬ ‫عدد‬ ‫اسم البحر‬
‫المئوية‬ ‫األبيات‬

‫‪1.415853‬‬ ‫‪229‬‬ ‫مشطور الرجز‬ ‫‪27.50093‬‬ ‫‪4448‬‬ ‫الكامل‬


‫‪4.000247‬‬ ‫‪647‬‬ ‫الوافر‬ ‫‪8.253988‬‬ ‫‪1335‬‬ ‫مجزوء الكامل‬

‫‪0.834673‬‬ ‫‪135‬‬ ‫مجزوء الوافر‬ ‫‪0.432793‬‬ ‫‪70‬‬ ‫منهوك الكامل‬

‫‪0.012366‬‬ ‫‪2‬‬ ‫المحدث‬ ‫‪16.43997‬‬ ‫‪2659‬‬ ‫الخفيف‬


‫‪22‬‬ ‫مشطور‬ ‫‪190‬‬ ‫مجزوء‬
‫‪0.136021‬‬ ‫المحدث‬ ‫‪1.174725‬‬ ‫الخفيف‬
‫‪3.542723‬‬ ‫‪573‬‬ ‫المجتث‬ ‫‪9.002102‬‬ ‫‪1456‬‬ ‫البسيط‬

‫‪2.992457‬‬ ‫‪484‬‬ ‫المتقارب‬ ‫‪0.012366‬‬ ‫‪2‬‬ ‫مخّلع البسيط‬


‫‪1.218004‬‬ ‫‪197‬‬ ‫المنسرح‬ ‫‪10.72709‬‬ ‫‪1735‬‬ ‫الطويل‬
‫‪0.3586‬‬ ‫‪58‬‬ ‫المديد‬ ‫‪5.045134‬‬ ‫‪816‬‬ ‫السريع‬
‫‪7‬‬ ‫الهزج‬ ‫‪15‬‬ ‫مشطور‬
‫‪0.043279‬‬ ‫‪0.092741‬‬ ‫لسريع‬
‫اّ‬
‫‪2.077408‬‬ ‫‪336‬‬ ‫الًلحق‬ ‫‪3.586002‬‬ ‫‪580‬‬ ‫الرمل‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫قصائد‬ ‫‪43‬‬ ‫مجزوء الرمل‬
‫ممزوجة‬ ‫‪27.50093‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫شعر منثور‬ ‫‪8.253988‬‬ ‫‪216‬‬ ‫الرجز‬
‫‪%100‬‬ ‫‪16660‬‬ ‫المجموع‬ ‫‪0.432793‬‬ ‫‪405‬‬ ‫مجزوء الرجز‬

‫ٍ‬
‫منظومات على هيئة مثلثات ومربعات ومخمسات‪ ،‬لم تتفق‬ ‫ثم‬
‫أن َّ‬ ‫ِ‬
‫بعين االعتبار َّ‬ ‫ِ‬
‫األخذ‬ ‫مع‬
‫َ‬
‫تشكلها ال‬
‫طر في ّ‬‫الش َ‬
‫موحدة‪ ،‬غير داخلة في هذا اإلحصاء‪ ،‬العتمادها ّ‬
‫أشطرها على قافية ّ‬
‫منفردة على أساس أشطرها ال البيت‪ ،‬نحو‪:‬‬
‫ً‬ ‫فأوثر إحصاؤها‬
‫البيت‪َ ،‬‬

‫‪44‬‬
‫النسبة المئوية‬ ‫عدد األشطر‬ ‫البحر‬

‫‪21.38365‬‬ ‫‪306‬‬ ‫الكامل‬


‫‪12.36897‬‬ ‫‪177‬‬ ‫الخفيف‬

‫‪1.048218‬‬ ‫‪15‬‬ ‫السريع‬


‫‪6.289308‬‬ ‫‪90‬‬ ‫الرجز‬

‫‪39.83229‬‬ ‫‪570‬‬ ‫الطويل‬


‫‪17.61006‬‬ ‫‪252‬‬ ‫المجتث‬
‫مشطور المحدث ‪21‬‬
‫‪1.467505‬‬
‫‪1431‬‬ ‫المجموع‬
‫‪100 %‬‬

‫بينها ونسب َة شيوع البحور تراثيًّا كما تشير‬


‫ثم مقاربة ما َ‬ ‫ظ َّ‬
‫أن ّ‬ ‫وبتعّقب نسب النظم جميعها‪ُ ،‬يلح ُ‬
‫إحصائيا رجو ًعا إلى الموروث الشعري‪ .‬فإبراهيم أنيس في كتابه‬
‫ً‬ ‫بعض الدراسات التي تناولت ذلك‬
‫كتب مختارات الشعر العربي "الجمهرة" و "المفضليات"‬ ‫وجد باعتماده‬
‫"موسيقى الشعر" َ‬
‫و"األغاني" وبعض الدواوين حتى أوائل العصر الرابع الهجري‪ّ ،‬‬
‫أن البحور األساسية حسب‬
‫شيوعها تترتب على النحو اآلتي‪ :‬الطويل‪ ،‬الكامل‪ ،‬البسيط‪ ،‬الوافر‪ ،‬الخفيف‪ ،‬في حين تذبذبت‬
‫معين وقد يأنف النظم‬
‫بين قلة وكثرة‪ ،‬قد يأنس إليها شاعر ّ‬
‫بحور الرمل‪ ،‬والمتقارب والسريع‪َ ،‬‬
‫عليها شاعر آخر‪ ،‬فكانت ذات نسب متقاربة ال يفضل فيها واحد على آخر‪.1‬‬

‫الخفيف حتى غدا سابًقا للطويل وقد كان تاليا له‪ ،‬فأتى في المر ِ‬
‫تبة‬ ‫ً‬ ‫ِ ّ‬ ‫تقدم‬ ‫ِ‬
‫األمر ّ‬ ‫والًلفت في هذا‬
‫استأنس خليل مطران للبحر الخفيف في‬
‫َ‬ ‫قضية ا ِ‬
‫لبحر وغرضه‪ ،‬فقد‬ ‫ودا إلى ّ‬ ‫وع ً‬
‫بعد الكامل‪َ .‬‬
‫الثانية َ‬
‫يخرج في تناوله عن‬
‫معظم مرثياته الواردة في الديوان إلى جانب البحر الكامل الذي ْلم ُ‬
‫اختص مطران الخفيف لغرض‬
‫َّ‬ ‫كونه يصلح لكثير من األغراض‪ .‬فهل‬
‫قديما َ‬
‫استعماالت العرب ً‬
‫هو دو َن غيره؟‪.‬‬
‫فلم َ‬
‫الرثاء‪ ،‬وا ْن كان ذلك كذلك؛ َ‬

‫‪1‬‬
‫‌أنيس‪‌،‬إبراهيم‪‌،‬موسيقى الشعر‪‌،‬ص‌‪.192‌–‌191‬‬

‫‪45‬‬
‫أن أغراض الشجو واالكتئاب تليق بها األعاريض الرقيقة‪ ،‬وال يخلو كًلم‬
‫ورد في "منهاج البلغاء" ّ‬
‫َ‬
‫أج َل أن تُحاكي الحال الشاجية‬
‫فتصف ُح هذه األعاريض عن الفخامة والقوة َ‬
‫َ‬ ‫رقيق من ضعف ولين‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بما يناسبها من تأليف ووزن‪َ ،‬‬
‫فكانت األعاريض المًلئمة لهذا الغرض المديد والرمل‪.1‬‬

‫أن الخفيف يجنح بنغمه نحو الفخامة إذا ما قيس بالسريع والمنسرح‪،‬‬
‫أورَد المجذوب في "المرشد" ّ‬
‫و َ‬
‫سر فخامته نسب ًة للبحور األولى فمر ّتد إلى وضوح‬ ‫وهو دو َن الطويل والبسيط في ذلك‪ ،‬و ّ‬
‫أما ّ‬
‫نغماته وتفعيًلته‪ ،‬و ّأنه شبيه بالمديد ( فعًلتن ‪ /‬فاعلن ‪ /‬فعًلتن ) والمديد شبيه به؛ ففيهما‬
‫الرمل‪،‬‬
‫من المتقارب و ّ‬
‫الخفيف في بنيته العميقة مزيج َ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫صًلبة غير موجودة في المنسرح‪ ،‬كما ّ‬
‫نحو‪:2‬‬

‫فاعًلتن ‪ /‬مستفعلن فا ‪ /‬عًلتن‬

‫( فا فعولن ‪ /‬فا فا فعولن ‪ /‬فعولن ) * ‪2‬‬

‫معتدال ذا جلجلة‬
‫ً‬ ‫وهذا يضفي إليه منخوليا‪ ‬الرمل وتدفق المتقارب وتًلحق تفعيًلته‪ ،‬فيكون قويًّا‬
‫بادية‪.3‬‬

‫ولما كانت موسيقا الرمل خفيفة رشيقة متأصلة فيها "المنخوليا"‪ ،‬كما يقول المجذوب‪ ،‬فقد جعلته‬ ‫ّ‬
‫بين الرمل والخفيف ما بينهما من ٍ‬
‫نسب‬ ‫كان ما َ‬
‫‪4‬‬
‫صالحا ًّ‬
‫جدا للترانيم الرقيقة والتأمل الحزين ‪ .‬ولما َ‬ ‫ً‬
‫أن األخير ذو أنّ ٍة‬
‫فإن األغراض التي صلح فيها الرمل يصلح أن يؤديها الخفيف‪ّ ،‬إال ّ‬
‫وتقارب‪ّ ،‬‬
‫حقا عم َد خليل مطران إلى اعتماد هذا‬ ‫أن السؤال الذي يطرح نفسه‪ ،‬هل ًّ‬
‫األول‪ّ .‬إال ّ‬
‫َ‬ ‫أخف من ّ‬
‫فلم شهدت مراثي‬ ‫كان كذلك َ‬‫مدركا لها؟ وا ْن َ‬
‫ً‬ ‫كان‬
‫البحر العتبار كل تلك الخصائص له؟ وهل َ‬
‫ثم لماذا لم‬ ‫ق‬
‫قصائد ذات ّأنات أفخم وأر ّ على غير الخفيف كما الكامل الذي استعمله؟ ّ‬
‫َ‬ ‫العرب‬
‫ائما أكثر لمراثيه؟‪.‬‬
‫نظم عليه؛ ما يجعله مو ً‬ ‫يتخير "الرمل" كو َن صوت األنين فيه أقوى ّ‬
‫مما َ‬ ‫ّ‬

‫‪1‬‬
‫‌القرطاجني‪‌،‬حازم‪‌،‬منهاج البلغاء‪‌،‬ص‌‪.183‬‬
‫‪2‬‬
‫‌الطيب‪‌،‬عبد‌هللا‪‌،‬المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها‪‌،‬ط‌‪‌،2‬مطبعة‌حكومة‌الكويت‪‌،‬الكويت‪‌1989‌،‬م‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪‌ .238‬‬
‫‪‬‬
‫صد‌"‌بالمنخوليا‌"‌الجنون‪‌،‬إنّما‌"‌ضربٌ ‌عاطفي‌حزين‌في‌غير‌ما‌كآبة‌ومن‌غير‌ما‌وجع‌وال‌فجيعة‪‌،‬وقد‌استعمل‌اإلنجليز‌‬‫‌ال‌يق َ‬
‫مصطلح‌ال‌(‌‪‌)‌Melacholy‬في‌بَدء‌العصور‌الحديثة‪‌،‬وكانت‌(المنخوليا)‌مودّة‌عاطفيّة‌بينَ ‌األدباء‌على‌عهد‌شكسبير"‌‪‌/‬المرجع‌‬
‫السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .156‬‬
‫‪3‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .238‬‬
‫‪4‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪.158‬‬

‫‪46‬‬
‫ان خليل مط ارن يجده قد أولى نسب ًة كبيرة من منظوماته‬
‫المتأمل ديو َ‬
‫ّ‬ ‫إن‬
‫من وجهة نظر الباحثة ف ّ‬
‫لغرض المناسبات كما التهنئة بمولود أو بالزفاف أو بتولية أشخاص مناصب ذات مكانة وكذا‬
‫األم التي احتضنت الشاعر من بعد عودته من فرنسا‬
‫مصر كانت ّ‬ ‫َ‬ ‫التعازي المتمثلة بمرثياته‪ ،‬و ّ‬
‫ألن‬
‫فإن هذه الظروف‬
‫بعد مًلحقة العثمانيين له‪ّ ،‬‬
‫فاستقر فيها كرها ال رغب ًة منه َ‬
‫َّ‬ ‫اطنا منها‬
‫وآل إليها مو ً‬
‫َ‬
‫طبع المجامل‪ ،‬ما جعله يبدد طاقاته في نظم قصائد المناسبات‬
‫التقية‪ ،‬وال ّ‬
‫نوعا من ّ‬
‫فرضت عليه " ً‬
‫متصنعة قليلة القمح كثيرة‬
‫ّ‬ ‫التي لم تستطع أن تمحو من نفسه شعور الغربة‪ ،‬بل جاءت متكّلفة‬
‫الزوان"‪.1‬‬

‫كان يتكّلف العاطفة والبكاء على المرثي‪ ،‬أو لم‬


‫ان في مراثيه – وليس جميعها– َ‬
‫أن مطر َ‬
‫هذا يعني ّ‬
‫يختلف بالضرورة‬
‫ُ‬ ‫يز أو قريب‬ ‫ٍ‬
‫لحبيب أو عز ٍ‬ ‫عاطفي واحدة‪ ،‬فرثاؤه‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫صدق‬ ‫تكن مراثيه على درجة‬
‫ْ‬
‫ّ‬
‫شعرا‪ ،‬فاألولى تصدر من حرقته الداخلية‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫عن ر ِ‬
‫يقول فيه ً‬ ‫استدعاه المجتمع أن َ‬
‫آخر ْ‬
‫شخص َ‬ ‫ثاء‬
‫در نزوًال ألمر الواجب‪.‬‬ ‫ومشاعره الفياضة تجاهه واألخرى ْ‬
‫تص ُ‬

‫جاهز‬
‫ًا‬ ‫قالبا‬ ‫ٍ‬
‫مسبق‪ ،‬وجعله ً‬
‫عن قصد َ‬ ‫تفترض تخي َُّر مطران البحر الخفيف ْ‬
‫ُ‬ ‫فإن الباحثة‬
‫ومن هنا ّ‬
‫كان الخفيف ذا ّأن ٍة‬
‫ولما َ‬
‫آن مفاجئ‪ّ .‬‬ ‫أي ٍ‬ ‫الشعر إذا ما أ ِ‬
‫ُلزَم قوله في ِّ‬
‫لهذه المناسبة فًل يرتج ِ‬
‫عليه ِّ‬ ‫َ‬
‫بعضها متكلفة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العاطفة التي بدت في ِ‬ ‫ِ‬
‫التعبير عن‬ ‫األنسب لمقا ِم‬ ‫كان‬
‫َ‬ ‫خفيفة مقارن ًة بغيره‪ ،‬فقد َ‬
‫الناس‪ ،‬وليسهل عليهم حفظ ما‬
‫لمسمع ّ‬
‫ِ‬ ‫طرب ونغم ظاهران فقد كان المًلئم‬‫كان في الخفيف َ‬ ‫ولما َ‬
‫ّ‬
‫ثقيل المسمع‪،‬‬
‫كان َ‬‫أسهل مما لو َ‬
‫َ‬ ‫ظ‬
‫عر ذا اإليقاع الغنائي ُيحف ُ‬
‫الش َ‬
‫أن ّ‬‫ذاك ّ‬
‫ثي‪َ ،‬‬ ‫بثّه تجاه هذا المر‬
‫ّ‬
‫رد جميله لهم‪.‬‬
‫فيتناقل الناس ّ‬

‫يتحكم في استعماله َوفق‬


‫فإن خليل مطران ّ‬ ‫ٍ‬
‫بين جزالة وطًلوة – رّقة ‪ّ ،-‬‬
‫ألن الخفيف يتراوح ما َ‬
‫و ّ‬
‫وبناء على األفكار التي يحاول‬
‫ً‬ ‫الرثاء‬
‫مقام ّ‬
‫سبما يتطّل ُب ُ‬
‫اللغوية التي يقرر صبها فيه َح َ‬
‫ّ‬ ‫البنية‬
‫هو في "رثاء للمشير‬ ‫ِ‬
‫عنده على درجات‪ ،‬فها َ‬‫البحر َ‬ ‫تجسيدها فيما ينظم؛ فكانت الصفتان في‬
‫ويبدو‬
‫وكان أكبر قائد عثماني في حرب الترك واليونان– ُيغّل ُب الجزال َة على الرّقة‪َ ،‬‬
‫أدهم باشا" ‪َ -‬‬
‫باكيا‪ ،‬يقول مطلع القصيدة وعدتها ثمانية ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫رِاثيا ِ‬
‫أبيات من الخفيف‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫أكثر من كوِنه راثًيا ً‬
‫َ‬ ‫ماد ًحا‬ ‫ً‬

‫‪1‬‬
‫‌عشقوني‪‌،‬منير‪‌،‬خليل مطران‪ :‬شاعر القطرين‪‌،‬ص‌‪.17‬‬

‫‪47‬‬
‫‪1‬‬
‫حج ْل‬
‫الم ّ‬ ‫ُّ‬ ‫أيُّها ِ‬
‫األغ ُّر ُ‬
‫هر َك َ‬
‫الفار ُس الشجاعُ تَ َرَّج ْل ‪َ ...‬ق ْد َكبا ُم ُ‬

‫كان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫مماهيا صفاته بصفات مهره؛ فإن َ‬
‫ً‬ ‫الترجل‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫نحو‬
‫الشجاعة داعيه َ‬ ‫بالفروسية و ّ‬
‫ّ‬ ‫فها هو يصفه‬
‫الفرس من صفا ِت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صفات‬ ‫أن‬
‫ذاك ّ‬
‫قصد فيها صفات المرثي‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫فإنما‬ ‫ِ‬
‫للمهر ّ‬ ‫المحج َل‬
‫ّ‬ ‫األغ ّر‬
‫ذكر َ‬ ‫َ‬
‫وصف الفارس ويبدأ‬ ‫ان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ثي " أدهم " يجعلهما واحًدا متّحًدا‪ .‬ثم يدع مطر ُ‬‫اسم المر ِ‬
‫ّ‬ ‫إن َ‬ ‫فارسها‪ ،‬حتّى ّ‬
‫الفخار‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫نحو المعالي و َ‬
‫طا َ‬‫قطع أشوا ً‬
‫بعد أن َ‬
‫بالمهر الذي كبا َ‬

‫عج ْل‬ ‫الف ِ‬ ‫كل يو ٍم ‪ ...‬في ِط ٍ‬ ‫خب ِ‬‫َشَّد ما َّ‬


‫خار ُم ّ‬ ‫من َ‬
‫ًلب َ‬ ‫موجًفا َّ‬

‫حم ْل‬ ‫اكَلتاه ‪َ ...‬فهوى رِازحا ِ‬


‫به ما تَ َّ‬ ‫د ِميت ِ ِ ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫بالركاب ش ُ‬
‫ّ‬ ‫َ َ‬

‫أن تَ َسّف ْل‬ ‫ُه ِزَل ْت سوُق ُه إلى ْ‬


‫أن تَ ّثن ْت ‪َ ...‬وَدنا عنُق ُه إلى ْ‬
‫‪2‬‬ ‫ِ‬
‫ضاح ًكا َيتَهّل ْل‬ ‫كان‬ ‫ٍ‬ ‫ِِ‬
‫نجم َسعد ‪ ...‬طاَلما َ‬
‫وخبا من َجبينه ُ‬
‫َ‬

‫ينثن عن الوصول‬ ‫أمر شريف لم ِ‬‫لرو ِم ٍ‬


‫كان ْ‬
‫بالدماء َ‬
‫طخه ّ‬ ‫أن تل ّ‬
‫ذاك ّ‬
‫عز؛ َ‬ ‫وت ّ‬‫َف ُه َو إن فني فموته َم ُ‬
‫من الخشوع‪ ،‬فاألقدام التي‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مشهد َ‬
‫الشموخ من بعد الموت إلى َ‬ ‫حول هذا ّ‬ ‫إليه‪ ،‬إضاَف ًة إلى ّأنه ُي ّ‬
‫ِ‬
‫درجة أن‬ ‫شامخا إلى‬ ‫الرأس الذي بدا‬
‫ً‬ ‫هو ّ‬
‫اعا ها هي اآلن تضعف وتَنثني‪ ،‬وها َ‬ ‫تسير سر ً‬
‫كانت ُ‬
‫األرض‬
‫َ‬ ‫األسفل فيخبو‪ ،‬فثني السيقان األربع للمهر وهبوطه‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫العنق إلى‬ ‫النجم فيه يدنو مع دنو‬ ‫ُيرى‬
‫ُ‬
‫إن الشاعر هنا‬‫كانت صفة موته‪َّ .‬‬
‫ساج خاشع‪ ،‬وكذا َ‬ ‫سجود ٍ‬‫ٍ‬ ‫لألسفل ّإنما يدل على‬ ‫أس‬
‫َ‬ ‫وتدّليه الر َ‬
‫الفارس ومهره‪ ،‬فموت المهر هو ذاته موت الفارس‪ ،‬إذ إنه ِ‬
‫يفص ُح عن ذلك‬ ‫ِ‬ ‫بين‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫تقابًل ما َ‬
‫يعقُد ً‬
‫بقوله‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫أمثل‬
‫ومجدهُ بك ْ‬
‫ُ‬ ‫العمر حثًّا ‪ ...‬فتًَلشى‬
‫َ‬ ‫حت تُرِه ُق‬
‫هكذا ُر َ‬

‫وصفه من قبل في‬ ‫ِ‬


‫كان َ‬
‫رحت " يحيلها الشاعر إلى المرثي الحقيقي‪ ،‬بخًلف من َ‬ ‫فالتاء في " َ‬
‫بين الفارس‬ ‫ِ ِ‬
‫مشهد موت الفارس كمشهد موت فرسه‪ ،‬ثُ ّم ّإنه يماهي َ‬
‫َ‬ ‫يجعل‬
‫األبيات – المهر – ف ُ‬
‫والخيل عموما في قوله‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫تح ّو ْل‬ ‫َلم يِب ْت في الثّرى فتى الخ ِ‬
‫هوة َف َ‬
‫ص ً‬ ‫ُفق َ‬
‫لكن ‪ ...‬آثَ َر األ َ‬
‫يل ْ‬ ‫ْ َ‬
‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،2‬ص‌‪‌ .146‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪‌ .‬‬
‫‪3‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪‌ .‬‬

‫‪48‬‬
‫أدهم حقيقيًّا‪،‬‬ ‫يات في الثرى ْقد‬ ‫منه إلى َّ‬ ‫ٍ‬
‫صار َ‬‫َ‬ ‫الب َ‬
‫ض َ‬
‫أن " األدهم " الفارس الذي رَف َ‬ ‫إشارة ُ‬
‫في َ‬
‫ِ‬
‫الفرس وهي أعلى ركابه‪ ،‬في تجسيد لإلباء والشموخ‬ ‫لتتجس َد روحه في صهوة‬ ‫ِ‬
‫األساف َل‬ ‫فض‬
‫َّ‬ ‫ير ُ‬
‫كان عليه هذا الفارس‪.‬‬
‫الذي َ‬

‫ِ‬
‫قر بتسكينها‬ ‫تنهِده‪َ ،‬‬
‫فك ّأنما ُي ُ‬ ‫الشاعر وبكائه أو ّ‬ ‫المسكنة امتداد يوحي ِ‬
‫بأنين ّ‬ ‫ّ‬ ‫القافية‬ ‫ليس في‬
‫كما ّأنه َ‬
‫أن استعًلء طرف‬ ‫ِ‬
‫صفات الممدو ِح ويحسمها وهو أمر يتوافق مع الفضاء الكلي للقصيدة‪ ،‬كما ّ‬
‫اك الفضاء الخاشع الممزوج‬ ‫السكو ُن‪ ،‬يو ُ‬
‫افق ذ َ‬ ‫امتد ّ‬
‫المسكن وثباته ما ّ‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫نطق الًل ِم‬ ‫حال‬
‫اللسان َ‬
‫بالر ِ‬
‫فعة والعلو‪.‬‬

‫األنين جليًّا‬
‫ُ‬ ‫أما في رثائه أم صديقه الحميم والعالم االقتصادي الدكتور يوسف نحاس بك‪ ،‬فقد بدا‬
‫ّ‬
‫مطلع قصيدته –‬ ‫َ‬ ‫أكثر وبدا فيها أقرب إلى البكاء من المدح رغم توافر العنصرين فيها‪ ،‬يقول‬
‫وعدتها خمسة وعشرون بيتًا ‪:-‬‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫أبين‬ ‫أي حسرٍة أن تَبيني ‪ ...‬وأَراني في موِق ِ‬
‫ف التّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َح ْس َرة ُّ َ ْ َ ْ‬

‫النفسية التي يعيرها َّأم صديقه‪،‬‬ ‫عن المشاعر‬ ‫الكلمة األولى له في القصيدة ي ِ‬
‫فص ُح‬ ‫ِ‬ ‫فالشاعر منذ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫الحسرَة‬ ‫طا‬ ‫ِ‬
‫تبيان شعوره‪ ،‬راب ً‬ ‫لحاح منه في‬
‫وا ٍ‬ ‫ف على غياِبها‬ ‫م ِبديا حزنه في مشهِد تَكرِار األس ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ً‬
‫ذاك َّ‬ ‫ِ ٍ‬
‫حيل إلى‬
‫أن استفهامه ُي ُ‬ ‫"أي حسرة" في دالَلة منه على تضخيم األلم‪َ ،‬‬ ‫باستفها ٍم استنكاري ّ‬
‫تأبينها‬
‫حضوره َ‬
‫َ‬ ‫ويكاد ينكره‪ ،‬إال أن‬
‫ُ‬ ‫يتعج ُب من إق اررِه بغياِبها‬
‫وكأنما ّ‬
‫كبير‪ّ ،‬‬
‫حدا ًا‬ ‫تعظيم تلك الحس ِرة ًّ‬
‫غيبها‪ ،‬ثم يكمل‪:‬‬
‫يلمس الواقع الذي ّ‬
‫يجعله ُ‬

‫العيو ِن‬ ‫بل و ِ ِ‬


‫الصفات ُ‬
‫ّ‬ ‫خرَي ِة ُّ‬
‫الن ِ‬ ‫الحي ِاة و ِمن س ِ‬ ‫ِ‬
‫من هذه َ‬
‫ِ‬
‫آه ْ‬
‫ُ‬

‫أي ر ِ‬ ‫القبر رهينا ِ‬ ‫بت في ُ ِ‬


‫رب َة اْلَق ِ ِ‬
‫هين‬ ‫به و ُّ‬ ‫ظْل َمة ِ َ ً‬ ‫صر! ّ‬ ‫َّ‬

‫علي ّأال تَبيني‬ ‫سائ ٍ‬


‫ًلت ‪َ ...‬و َعزيز َّ‬ ‫ال تُجيبين أدمعي ِ‬
‫َ ُ‬
‫‪3‬‬
‫إن تَ ْس َمعيني‬ ‫ِ َّ‬ ‫أَفما تَسمعين إن ِ‬
‫شاد َي ِّ‬
‫روب ْ‬
‫عر َوُك ْنت الط َ‬
‫الش َ‬ ‫َْ َ ْ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،2‬ص‌‪‌ .146‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪ ،‬ج‪‌،3‬ص‌‪‌ .192‬‬
‫‪3‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪‌ .‬‬

‫‪49‬‬
‫تنهيد ٍة موجعة‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫مجس َدهُ في‬
‫عنده ّ‬
‫عور َ‬
‫الش ُ‬
‫يتضخ ُم ّ‬
‫ّ‬ ‫الفقدان‪،‬‬
‫الشاعر مشاعر ألمه على ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫بعد وص ِ‬
‫ََْ ْ‬
‫انع َك َس على‬ ‫ناقًل حسه إلى المسامع باسم الفعل ِ‬
‫"آه"‪ ،‬غير مستَ ِ ٍ‬
‫الموقف‪ ،‬بل ّإنه َ‬
‫هول َ‬
‫شرف فَقط َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ً ّ‬
‫ال‬
‫أن هذه "اآله" امتَّدت طو َ‬‫ظ ِة َّ‬
‫مًلح َ‬
‫َ‬ ‫باتها التي أحالته إلى هذا الحدث‪َ .‬م َع‬ ‫ِ‬
‫الحياة وتقّل ِ‬ ‫رؤيِته في‬
‫َ‬
‫أن ُي ِّبد َد‬ ‫بش ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الشعري‪،‬‬
‫طر‪ ،‬فلم يشأ ْ‬ ‫شطر َ‬
‫ًا‬ ‫وصَلت‬
‫فطال َنفسه باستعماله تقنية التّدوير التي َ‬
‫َ‬ ‫بيته ّ‬
‫وقوف فيها وال راحة‪.‬‬
‫َ‬ ‫أشطره جمل ًة شعرّي ًة واحدة ال‬
‫ُ‬ ‫فبد ْت‬
‫حاال‪َ ،‬‬
‫عور ً‬
‫الش َ‬
‫ّ‬

‫ِ‬
‫لحضورها وا ْن َبدت‬ ‫وتأكيدا‬ ‫تحب ًبا واستئناسا ِ‬
‫بذكرها‬ ‫الفقيدة ُّ‬ ‫ناديا‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫بعده‪ُ ،‬م ً‬‫األمر في البيت َ‬ ‫ُ‬ ‫وكذا‬
‫َ‬
‫أي‬
‫فغدت رهين َة قبر‪ ،‬و ُّ‬
‫كانت مالك َة قصر‪َ ،‬‬‫أن َ‬
‫بعد ْ‬
‫جبا مآَلها َ‬
‫ال يبكيها ُمستَ ْع ً‬
‫غائبة‪ّ ،‬إال ّأنه ما ز َ‬
‫من َب ْعُد وَق ْد َّ‬
‫عز‬ ‫بين ما كانت عليه وما صار ْت إليه‪ .‬ثم يبكي ًّ‬ ‫ِ‬ ‫ح ٍ‬
‫حقا ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫المفارَق َة َ‬
‫َ‬ ‫جسُد‬
‫بسة هذه التي تُ ّ‬
‫ُ َ‬
‫الشعر‬
‫ماعها إنشاده ّ‬ ‫عاتبا عدم س ِ‬‫ِ‬ ‫ليخاطبها في ْ ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أمامه ُم ً َ َ َ‬ ‫وكأنها َ‬
‫مش َهد ّ‬ ‫َ‬ ‫حضورها‪،‬‬ ‫عد ِم‬
‫أمر َ‬
‫عليه ُ‬
‫فحش َد‬
‫صديقه‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غياب ّأم‬ ‫فكرَة‬
‫الشاعر ال يقبل َ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫تفعل‪ ،‬وتطرب إذ تفعل‪ .‬ويبدو ّ‬ ‫قبل َ‬‫وكانت من ُ‬
‫َ‬
‫عين‬
‫تجيبين ‪ /‬تَ ْس َم َ‬
‫َ‬ ‫طب (‬
‫أفعال المخا َ‬
‫َ‬ ‫تبدد فكرَة الغياب‪ ،‬فنداؤها من قبل‪ ،‬واستعماله‬
‫تقنيات متعددة ّ‬
‫ط َبها‪.‬‬
‫ط ْيَفها وخا َ‬
‫حضر َ‬
‫استَ َ‬
‫فكأنما ْ‬ ‫بقربِها ْ‬
‫منه‪ّ ،‬‬ ‫‪ /‬تَ ْس َمعيني ) َيشي ْ‬

‫ذلك القافية التي ارتآها مًلئم ًة لرثائه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يجده يبكي ًّ‬‫اعر ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬ ‫والم ْن ِ‬
‫عن َ‬ ‫حقا‪ ،‬تُفص ُح ْ‬ ‫ألبيات ّ‬ ‫ص ُت‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫وش َجن‪ ،‬فإذا ما أُشبعت‬ ‫مكسورة‪ ،‬وفي النو ِن ما فيها من ُغّنة َ‬
‫َ‬ ‫ونا‬
‫اختار رويَّها ن ً‬
‫فاختارها ُمطلقة و َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الروي‬
‫ّ‬ ‫قبل هذا‬‫إن ما َ‬ ‫بل ّ‬
‫ذاك فَقط‪ْ ،‬‬
‫وليس َ‬‫ال أبيات القصيدة‪َ ،‬‬ ‫شجوا يمتَُّد طو َ‬
‫تزداد ً‬
‫ُ‬ ‫بك ْس ٍر ّ‬
‫فإنها‬ ‫َ‬
‫حيب الذي بدا منه‪ ،‬ويمكن‬ ‫الن ِ‬ ‫ِ‬
‫وطول ّ‬ ‫األن ِة‬ ‫ِ‬
‫من ازدياد ّ‬ ‫مد‪ ،‬ما يعض ُد ْ‬
‫ِ‬
‫طع طويل ممثّل بحرف ّ‬ ‫مق َ‬
‫هين ‪ /‬تَبيني ‪ /‬تَسمعيني ) ومدى تباي ِن ِ‬
‫أنينها َم َع‬ ‫التأبين ‪ /‬العيو ِن ‪َ /‬ر ِ‬
‫ِ‬ ‫تلمس ذلك من الكلمات (‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ّ‬
‫أقل‬ ‫حجل ‪ /‬مع َّجل ‪ /‬تحمل ‪ /‬تسَّفل ‪ /‬يتهَّلل ) التي تشي ٍ‬ ‫ِ‬
‫بغنة ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ ََ َ ْ‬ ‫بًل ( ُم َّ ْ ُ َ ْ َ ّ‬ ‫القصيدة َق ً‬ ‫الكلمات في‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫يشير إلى ّأنه في األولى َبدا ماد ًحا وفي األخرى ً‬
‫باكيا‪.‬‬ ‫أقصر‪ ،‬ما ُ‬
‫وطول َنَفس َ‬

‫استعجابا من أال‬ ‫يذكر الشاعر من بعد صفات الفقيدة‪ ،‬وي ِ‬


‫حشُد كمي ًة من االستفها ِم المكرر؛‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ثُ ّم ُ ُ‬
‫مثًل‪:‬‬
‫يقول ً‬
‫من ُمثُل‪ُ :‬‬
‫أحد يجاريها فيما كانت عليه ْ‬
‫َ‬
‫‪1‬‬
‫وبعدها للقر ِ‬
‫ين؟‬ ‫ِ‬
‫ام التًلقي َ‬
‫وفاءك ّأي َ‬
‫أي َزو ٍج وَف ْت َ‬
‫ُّ‬

‫وقوله‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‌خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‪‌،3‬ص‌‪.192‬‬

‫‪50‬‬
‫‪1‬‬
‫ِ‬
‫البنين؟!‬ ‫بين‬
‫المثال َ‬
‫َ‬ ‫أم َب ّر ْت َكِب ِّرِك ٍ‬
‫بابن ‪َ ...‬ج َعَل ْت ُه‬ ‫أي ٍّ‬
‫ُّ‬

‫أمهات‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫زوجات َّ‬
‫كن أو ّ‬
‫ِ‬
‫بالنساء األخريات‬ ‫نفس ِه تَعريض‬ ‫ِ‬
‫الوقت ِ‬ ‫االستفها ِم تعظيم ِ‬
‫لشأنها‪ ،‬وفي‬ ‫ِ‬ ‫ففي‬
‫وبرها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المرحومة ِّ‬ ‫بشيء أمام وف ِ‬
‫اء‬ ‫ٍ‬ ‫ذاك‬ ‫اجهن ٍّ‬ ‫أنه َّن مهما بَلغن من ٍ‬
‫وفاء ألزو َّ‬
‫َ‬ ‫فليس َ‬‫ائهن‪َ ،‬‬
‫وبر بأبن ّ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬

‫ثُ ّم ينهي رثاءه بقوله‪:‬‬

‫الخلد في قرٍار ِ‬
‫مكين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من هللا وْلتَ ْغ َن ْم به َ‬
‫بالرضى َ‬
‫َفْلتَُف ْز ّ‬
‫‪2‬‬
‫لك ِّل َقْل ٍب َحز ِ‬
‫ين‬ ‫النعي ِم عليها ‪َ ...‬خ ْي ُر َسْلوى ُ‬
‫َوْل َي ُك ْن في األسى ّ‬

‫فوز بنعي ِم اآلخرة‪ ،‬وفي فعلي ا ِ‬


‫ألمر ساكنين (فْلتَُف ْز ‪َ /‬وْل َي ُكن)‬ ‫متمنًيا لها ًا‬
‫بالدعاء ّ‬
‫يختم لها ّ‬
‫ّإنه هنا ُ‬
‫ال‬ ‫ِ‬ ‫تَطييب ّ ِ‬
‫قلبه ما ز َ‬ ‫أن َ‬ ‫تلك المكان ُة التي آلت إليها إال ّ‬
‫اءهُ َ‬‫أن عز َ‬
‫غم ّ‬
‫للنفس وتسكين من حزنها‪ .‬ور َ‬
‫ين"‬‫"قلب َحز ِ‬ ‫ِ‬
‫القصيدة ِبـ ٍ‬ ‫إنهاء‬ ‫خيره‬
‫َ‬ ‫مد ًة أطول‪ ،‬لت ّ‬
‫ينقل عاطفتَ ُه ّ‬
‫إبداع الشاعر أن َ‬
‫حز ًينا‪ ،‬ولعله من ِ‬
‫ِ‬
‫لألنين الذي‬ ‫تجسيدا أقوى‬ ‫ولعل في ذلك‬
‫دويا فيها‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫تسمعه اآلذان ويبقى صداهُ م ً‬
‫ذاك ّأنه آخر ما َ‬
‫َ‬
‫غلب على القصيدة‪.‬‬
‫َ‬

‫يجعل شجنه‬ ‫اإليقاعية وتوظيفها بما‬ ‫ِ‬


‫مستغ ًًّل سمتَ ُه‬ ‫ان في مراثيه على الخفيف‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫وهكذا يمضي مطر ُ‬
‫المدح‪.‬‬ ‫عظيما وأخرى ً‬
‫قليًل مغلًّبا عليه َ‬ ‫ً‬ ‫تارًة‬

‫بع عشرَة منظومة بمجموِع ثًلثمئة وستة وستين بيتًا‪ ،‬فقد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نظم عليه الشاعر أر َ‬
‫أما الًلح ُق الذي َ‬
‫ّ‬
‫النظ ِم عليه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ورود ِه ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عن الخليل وقّلة ّ‬ ‫عد ِم‬
‫غم َ‬‫المحدث والهزج والمنسرح‪ ،‬ر َ‬ ‫َ‬ ‫متقد ًما على‬
‫جعَله ّ‬
‫يأتلف شطره‬ ‫والًلحق كما ورد في "منهاج البلغاء" شبيه بالمخلَّع إال أنه عَّد عروضا قائما ِ‬
‫بذاته‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ ُ َ ً‬
‫ساعيتين‪ ،3‬وتقديره‪:‬‬
‫من تفعيلتين تُ ّ‬

‫( ُم ْستَْف ِعًلتُ ْن ‪ُ /‬م ْستَْف ِعًلتُ ْن ) = ‪ - -‬ب‪ - - / - -‬ب ‪- -‬‬

‫أي تفعيلته " مستفعًلتن " مع صورها " مستعًلتن ‪ /‬متفعًلتن "‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان‌الخليل‪‌،‬ص‌‪‌ .193‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪‌ .‬‬
‫‪3‬‬
‫‌القرطاجنّي‪‌،‬حازم‪‌،‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪‌،‬ص‌‪‌ .214‬‬

‫‪51‬‬
‫وأما ما يفرق بينه وبين المخّل ِع فكائن في أنه – الًلحق – "يوجد ِ‬
‫فيه ِ‬
‫ساكن ال يوجد في مخّل ِع‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُُ‬ ‫ّ‬
‫كان‬ ‫‪1‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫الًلحق وال يقبُله" ؛ ولذا َ‬ ‫وجُد في هذا‬
‫ويوجُد في مخل ِع البسيط ساكن ال ي َ‬
‫َ‬ ‫البسيط وال يقبله‪،‬‬
‫قول بعض األندلسيين‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫وزًنا قائما بذاته‪ِ .‬‬
‫طاجني عليه َ‬ ‫ويورُد القر ّ‬ ‫ً‬
‫‪2‬‬
‫اضيهم الجفو ُن‬
‫زت حيًّا ‪ ...‬أمضى مو ُ‬
‫إن ُف َ‬
‫وحي َعّني ْ‬
‫ِ‬
‫ّ‬

‫الساك ُن الموجود في الًلحق من دو ِن المخّلع فيذكر محمود مرعي في كتابه "العروض‬ ‫ِ‬ ‫أما‬
‫وّ‬
‫أن تَكو َن في‬
‫الضرب؛ فمحال ْ‬
‫الزاخر" أنه "السين الساكن" في " ُم ْستَفعًلتُن" إذ تأتي في العروض و ّ‬
‫حال إتيانه في‬ ‫ِ‬
‫الم ُ‬ ‫الساكن في المخّل ِع َ‬
‫ُ‬ ‫أما‬
‫المخّلع ألنه يقابلها الًلم المتحركة في "فاعُل ْن"‪ ،‬و ّ‬
‫ويمكن‬ ‫الًلحق فهو النون الساكنة في ِ‬
‫"فاعُلن" إذ يقابلها التاء المتحركة في " ُمستفعًلتُ ْن"‪،3‬‬
‫ُ‬
‫توضيح ذلك وفق ما يأتي‪:‬‬

‫مخلع البسيط‪ :‬مستَْف ِعُلن ‪ِ /‬‬


‫فاعُل ْن ‪َ /‬فعوُلن‬ ‫ُْ ْ‬

‫‪--:‬ب‪-/-‬ب‪/-‬ب‪--‬‬ ‫تقطيعه‬

‫ِ‬
‫أن يكو َن الحًقا لتكو َن تفعيًلتُه‪ُ ( :‬م ْستفعًلتُن ‪ُ /‬متَفعًلتُ ْن) ّإال أنه شاعَ‬
‫التقطيع بمكنته ْ‬
‫ُ‬ ‫وهذا‬
‫غير الممكن أن تُبقيها على‬ ‫صور أخرى‪ ،‬فمن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أما وجود (مستفعًلتن مستفعًلتن) في‬ ‫للمخلع‪ّ ،‬‬
‫المخلع‪ ،‬نحو‪:‬‬

‫فعًلتُن ‪ُ /‬م ْستَْف ِعًلتُن‪:‬‬


‫الًلحق‪ :‬مستَ ِ‬
‫ُْ‬
‫ِ‬

‫تقطيعه‪ - - :‬ب ‪ - - / - -‬ب ‪- -‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فإن الباحث َة ترى ّ‬
‫مجرَد‬ ‫بين البحرين‪َّ ،‬‬ ‫فيصًل ما َ‬ ‫ً‬ ‫روض‬ ‫الع‬
‫الضرب و َ‬
‫مستفعًلتُن" في ّ‬‫كانت " ْ‬
‫ْ‬ ‫ولما‬
‫ّ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن تَكو َن على الًلحق‪ ،‬وا ْن‬ ‫موضع واحد في قصيدة ما ُي ِلزُمها أحّقي َة ْ‬ ‫النحو في‬ ‫وجودها على هذا‬
‫إن ظهرت‬ ‫ِ‬ ‫بدت جل ِ‬
‫مشتركا ما بينها والمخّلع‪ ،‬شأنها في ذلك شأن " ُمتَفاعلُن" التي ْ‬
‫ً‬ ‫أبياتها الباقية‬ ‫ُّ‬
‫كانت‬
‫مثًل‪ ،‬وعلى ذلك َ‬
‫الرجز ً‬
‫عية النسبة إلى الكامل ال ّ‬
‫كان لها شر ّ‬
‫مرة واحدة في قصيدة طويلة َ‬
‫ّ‬
‫الديوان‪.‬‬
‫نسبة القصائد في ّ‬

‫‪1‬‬
‫‌القرطاجنّي‪‌،‬حازم‪‌،‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪‌،‬ص‌‪.230‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .214‬‬
‫‪3‬‬
‫‌مرعي‪‌،‬محمود‪‌،‬العروض الزاخر واحتماالت الدوائر‪،‬ط‌‪‌،1‬سلسلة‌الثقافة‌(‌‪‌2004‌،)‌40‬م‪‌‌،‬ص‌‪.401‌–‌400‬‬

‫‪52‬‬
‫غير المطروق‬‫الًلحق ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشاع ُر إلى نظ ِم قصائده على‬ ‫هل َعم َد‬ ‫ّإال َّ‬
‫نفس ُه‪ْ :‬‬
‫يطرُح َ‬
‫ال الذي َ‬ ‫أن السؤ َ‬
‫ِ‬
‫أبيات قصائده الطوال منظوم ًة‬ ‫فلم تبدو كثير من‬ ‫ومدرًكا ِ‬
‫ِ‬ ‫كثير ِ‬
‫كان كذلك‪َ ،‬‬ ‫فإن َ‬
‫فمكث ًار؟ ْ‬‫ُ‬ ‫قاصًدا‬ ‫ًا‬
‫اليسير من الًلحق؟‬
‫ُ‬ ‫زر‬
‫الن ُ‬
‫على المخّلع يتخّللها ّ‬

‫العروضية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫طول باعه في الثقافة‬
‫َ‬ ‫يؤكد‬
‫المتنوع عروضيًّا في ديوان خليل مطران ّ‬
‫ّ‬ ‫ظم‬
‫الن َ‬ ‫َّ‬
‫إن هذا ّ‬
‫روضا‬ ‫ًّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِِ‬
‫فإنها تأتيه –القصيدة‪ُ -‬كًل واحًدا‪َ :‬ع ً‬
‫نظمه القصيدة في لحظة شعورّية ما ّ‬ ‫حال‬
‫الشاعر َ‬
‫ُ‬ ‫و‬
‫أحيانا ‪ -‬فيعيد النظر‬
‫ً‬ ‫مكونة‪ ،‬دو َن إدراكه َ‬
‫بعض تجاوزاته فيها –‬ ‫ولغ ًة وصورًة َفتُخَل ُق في ذهنه ّ‬
‫كان قد تجاوزه‪.‬‬ ‫بعُد ِ‬
‫مدرًكا ما َ‬ ‫فيها من ْ‬

‫كثير منه‬
‫أن ًا‬ ‫غلب على شعره اإلنشاد – اإللقاء – و ّ‬
‫ّأنه قد َ‬ ‫المتتبع حياة مطران الشعرّية يجد‬‫و ّ‬
‫كان مع قصائده التي نظمت‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الصحب‪ ،‬وكذا َ‬ ‫مع ّ‬‫في جلسات َ‬ ‫تجاال‬
‫محافل‪ ،‬أو ار ً‬ ‫كان َق ْد أُلقي في‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫انفعالية‬
‫ّ‬ ‫وليد لحظة‬
‫كان َ‬‫بعضها َ‬‫أن َ‬ ‫على المخّلع؛ ما يعني َّ‬ ‫ئ لقارئها ّأنها‬
‫على الًلحق وان ُهّي َ‬
‫لينشد‪ ،‬وكلتا‬
‫نظم َ‬ ‫ِ‬ ‫غير َّ ٍ‬
‫مؤمل فيه على غير ما ينحوهُ الشاعر في قصائ َد طوال‪ ،‬وبعضها اآلخر َ‬ ‫َ‬
‫ومعظم ما فيه موافق‬
‫ُ‬ ‫ينظم على الًلحق‬
‫ُ‬ ‫الحالتين كما ترتئي الباحثة هما ما جعلتا الشاعر‬
‫عندهُ اإليقاعان‬
‫فتشابه َ‬
‫َ‬ ‫وليس السماع بمقياس ُّ‬
‫يعتد به للتفريق بينهما‪،‬‬ ‫فإيقاعهما مشترك‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫للمخّلع‪،‬‬
‫وكان أهداها إلى إحدى عقائل المجد من السيدات‬ ‫وكان ُّ‬
‫ظن ُه ّأنهما واحد‪ ،‬يقول في قصيدة "الزهر" َ‬
‫المحسنات في باريس‪:‬‬

‫ِ‬
‫األصيل‬ ‫ط َو ْت رَاي َة‬ ‫مس بالتّواري ‪ْ ...‬‬
‫وقد َ‬ ‫آ َذ َن ِت ّ‬
‫الش ُ‬
‫ِ‪1‬‬ ‫ِ‬
‫الدراري ‪ ...‬تَ ْشفي ِبألالئها َ‬
‫الغليل‬ ‫َوأَْقَبَل ْت ز َين ُة َّ‬

‫كونه األشهر من الًلحق‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫قصيدته تشير للوهلة األولى إلى ّأنها من مخّلع البسيط َ‬
‫َ‬ ‫مقد َم َة‬
‫إن ّ‬‫ّ‬
‫وتقطيع البيتين على هذا النحو يكون‪:‬‬

‫ب – ب‪ - / -‬ب ‪ / -‬ب ‪- -‬‬ ‫األول‪ - :‬ب ب ‪ - / -‬ب ‪ / -‬ب ‪- -‬‬


‫البيت ّ‬
‫‪ِ /‬‬
‫فاعُل ْن ‪َ /‬فعولن‬ ‫ُمتَْف ِعُل ْن‬ ‫‪ِ /‬‬
‫فاعُل ْن ‪َ /‬فعولُن‬ ‫ُم ْستَ ِعُلن‬

‫‪1‬‬
‫‌خليل‪‌،‬مطران‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪‌ .33‬‬

‫‪53‬‬
‫‪ - -‬ب‪ - / -‬ب ‪ / -‬ب ‪- -‬‬ ‫البيت الثاني‪ :‬ب ‪ -‬ب ‪ - / -‬ب ‪ / -‬ب ‪- -‬‬

‫مستَْف ِعُلن ‪ِ /‬‬


‫فاعُل ْن ‪َ /‬فعولن‬ ‫‪ِ /‬‬
‫فاعُل ْن ‪َ /‬فعولُن‬ ‫ُمتَْف ِعُلن‬
‫ُْ ْ‬

‫مس التي‬
‫الش ُ‬
‫فغارت ّ‬
‫ْ‬ ‫مكانها‬
‫مس في ألالئها وحّلت َ‬
‫الش َ‬
‫السيدة التي فاَقت ّ‬
‫وفي البيتين وصف لهذه ّ‬
‫ثم يكمل‪:‬‬
‫متفوقة عليها غير ما نألف‪ّ .‬‬
‫نألف وطّلت َش ْمس ّ‬

‫النجو ِم‬
‫لكنها رّب ُة ّ‬
‫ظًل ِم يبدو ‪ّ ...‬‬ ‫َكم َك ٍ‬
‫وكب في ال ّ‬ ‫ْ‬

‫وه ٍر حوَلها َنظي ِم‬ ‫َلها َجو ٍار ْ‬


‫منها َو ُج ْند ‪َ ...‬ك َج َ‬

‫النعي ِم‬
‫ور و ّ‬ ‫اؤها َع ْن َبر َوَنٌّد ‪ ...‬غذاؤها ّ‬
‫الن ُ‬ ‫َهو ُ‬

‫اللهو وال ّذه ِ‬


‫ول‬ ‫تَسرح م ْنشورة الر ِ‬
‫داء ‪ ...‬في مس َرِح ِ‬
‫َْ‬ ‫ْ َ ُ َ ََ ّ‬
‫ِ‪1‬‬ ‫خائض ًة أبحر اله ِ‬
‫ناء ‪ ...‬في نس ٍم ُكُّلها َقبول‬ ‫َ ْ َُ َ‬

‫األو ِل يبدو على المخّلع‪ ،‬وتقطيعه‪:‬‬


‫قبًل‪ ،‬كو َن ّ‬
‫والشاهد هنا هو البيت الثاني من األبيات ً‬

‫َك َج ْو َه ٍر َحوَلها َنظي ِم‬ ‫لها َجو ٍار ِم ْنها َو ُج ْند‬

‫ب – ب‪ / - -‬ب ‪ -‬ب ‪- -‬‬ ‫ب–ب‪--/--‬ب‪--‬‬

‫‪ُ /‬متَْف ِعًلتُ ْن‬ ‫ُمتَْف ِعًلتُ ْن‬ ‫ُمتَْف ِعًلتُ ْن ‪ُ /‬م ْستَْف ِعًلتُ ْن‬

‫بقي ِة األبيات‪ ،‬وما‬ ‫ِ‬


‫أن يكو َن ّإال على الًلحق‪ ،‬بخًلف ّ‬ ‫يمكن ْ‬
‫ُ‬ ‫األول من هذا البيت ال‬
‫فالشطر ّ‬
‫ّ‬
‫مساح ًة‬ ‫ِ‬
‫يعطيه‬ ‫قيد االلت از ِم بها‪ ،‬ما‬
‫َ‬ ‫ذاك يرمي عن كاهله َ‬ ‫عنده‪ ،‬وهو إذ َ‬
‫تنوع القوافي َ‬
‫ظ هنا ّ‬
‫لح ُ‬
‫ُي َ‬
‫لغوية الفتة‬ ‫ٍ‬
‫أن الشاعر ْقد وَق َع في محظورات ّ‬ ‫وحري ًة في اختيار الكلمات‪ّ ،‬إال ّ‬
‫أرحب في الوصف ّ‬
‫مًلءم ًة لقافيته‪ ،‬وكذلك كلمة "َقبول"؛ إذ َج َّرها‬
‫فج ّرها َ‬‫"النعي ِم" وهي معطوف على مرفوٍع َ‬
‫في كلمة ّ‬
‫وغلب عليه لغته‪ ،‬وكذلك عدوله عن اسم‬
‫َ‬ ‫كونها خبر "كلها"‪ ،‬فخانه اإليقاع ربما‬
‫وحّقها الرفع؛ َ‬
‫أج َل أن توافق إيقاع قوافيه‪.‬‬
‫المفعول في وصفه الجوهر المنظوم إلى الصفة المشبهة "نظيمِ" َ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪‌ .33‬‬

‫‪54‬‬
‫ِ‬
‫اللحظة فلم‬ ‫أن تَكو َن‬
‫وليدةَ‬
‫قصيدتُه َ‬
‫َ‬ ‫يقع في هذه األخطاء وهو من هو في اللغة‪ّ ،‬إال ْ‬‫فمثله ال ُ‬
‫تميل إلى اشتباهه بين إيقاعي المخلع والًلحق كو َن‬
‫وهو ما دعا الباحث َة إلى أن َ‬ ‫ُي ِع ْد فيها ن َ‬
‫ظ ًار‪َ ،‬‬
‫تنوع القافية يعضد ذلك؛ ما جعَل ُه يتحلل‬ ‫ِ‬
‫إن انتقاله إلى ّ‬
‫األخير بالكاد ظهر في أبياته األولى‪ ،‬ثُ َّم ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫من ِ‬
‫بعد إلى‬
‫عمد من ُ‬ ‫فقد َ‬‫ولئًل تحج َر عليه القول‪ْ ،‬‬ ‫الوصف دو َن ّ‬
‫التنبه إليه الحًقا‪ّ .‬‬ ‫آن ْ‬ ‫الشعر َ‬
‫قيود ّ‬
‫ِ‬
‫القافية‪ُ ،‬يختار من ذلك قوله‪:‬‬ ‫ِ‬
‫تسكين‬

‫غار‬
‫حسناء ال تَ ْ‬
‫َ‬ ‫أي‬
‫يور ‪ ...‬و ُّ‬
‫غادة َغ ُ‬
‫لكنها َ‬
‫ّ‬

‫ا ِ‬
‫نار‬
‫استَ ْ‬ ‫نظير ‪ ...‬ترى ً‬
‫غدير به ْ‬ ‫ساءها ُ‬
‫فرّبما َ‬
‫ُ‬

‫قيل‬ ‫ِ‬ ‫من يخل ْ ِ ِ‬


‫اغل الثّ ْ‬
‫الش ُ‬
‫هم ُه ّ‬
‫فو ُ‬
‫العناء ‪َ ...‬‬
‫من شاغل َ‬ ‫ْ َ ُ‬
‫‪1‬‬
‫ثيل‬ ‫ماء ‪ ...‬يا من ّ ِ‬
‫وض ِ‬‫َرسم ِك هذا في َح ِ‬
‫تنزهت َع ْن َم ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُْ‬

‫لضم‬
‫غير معتبر ٍّ‬ ‫ولربما األداء اللغوي هنا ينخفض عنده؛ ما ين ِ‬
‫فسك َن َ‬
‫الشعري‪ّ ،‬‬
‫عك ُس على أدائه ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫أن األبيات الثًلثة األولى فيما سبق تبدو على المخّلع‪،‬‬ ‫ِ‬
‫استقامة ِ‬
‫قافيته‪ ،‬كما ّ‬
‫َ‬ ‫أجل‬
‫وفتح وكسر‪َ ،‬‬‫ٍ‬
‫أن تُعتمد (مستفعًلتُن) وصورها في التقطيع‪ ،‬وينتفي‬
‫وجوب ْ‬
‫َ‬ ‫ليظهر رابعها على الًلحق؛ ما َيعني‬
‫ثم يستكمل الشاعر وصفه على هذا الصدد‪ ،‬وينهي‬
‫بًل‪ّ ،‬‬
‫كان اعتُ َبر ّأنه مخّلع البسيط َق ً‬
‫ذاك ما َ‬
‫إذ َ‬
‫القصيدة نحو‪:‬‬

‫قاء ‪َ ...‬كدمع ِة الو ِ‬


‫جد في الم ِ‬
‫سيل‬ ‫الش ِ‬ ‫َكَلمع ِة الس ِ‬
‫عد في ّ‬
‫َ‬ ‫ََْ َ‬ ‫َ ّ‬
‫ِ‪2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كاْلِب ِ‬
‫كر باْل ُح ْس ِن واْل َحياء ‪َ ...‬و َغ ّ‬
‫ضها طرَفها اْل َكحيل‬

‫ِ‬
‫للقافية قبلها في‬ ‫جرها موافَق ًة‬ ‫الشاهد في هذا الكلمة األخيرة من البيت األخير َ ِ‬
‫"الكحيل"‪ ،‬فقد ّ‬ ‫ُ‬ ‫و‬
‫بًل‪ ،‬وغلب اإليقاع عليه‬ ‫للطرف الكحيل‪ ،‬فوَقع في ما وقع ِ‬
‫فيه َق ً‬ ‫ِ‬ ‫صب نعتًا‬ ‫"الم ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫الن َ‬
‫وكان حّقها ّ‬
‫سيل" َ‬ ‫َ‬
‫لغته مرة أخرى‪.‬‬

‫ف طرائقه‬
‫كي ُ‬
‫أن الشاعر ُي ّ‬
‫اإليقاع في شعر أحمد شوقي‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫ويذكر الباحث حسام أيوب في دراسته‬
‫الجًئا إلى كثير من البدائل الصرفية –كما كلمة ( نظيم )‬ ‫ِ‬
‫الكتابة وفق ما يطلبه العروض‪ِ ،‬‬ ‫في‬
‫َ َ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪‌ .33‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‪‌ .34‬‬

‫‪55‬‬
‫في األبيات السابقة– والصوتية والتركيبية والمعجمية التي يتيحها له النظام اللغوي استجابة‬
‫اعد النحو‪ ،‬ما يجعله ُيخضع النظام اللغوي وفق رغباته؛‬ ‫لمتطلبات النظام العروضي وقد ينتهك قو َ‬
‫لغوية في‬ ‫ِ‬ ‫‪1‬‬
‫تخير مطران بدائل ّ‬ ‫كيف شاء ‪ .‬إ ّال ّأنه ال يبدو للباحثة ّ‬
‫نصه األدبي َ‬‫فيخلخل اللغة في ّ‬
‫وقع به ال ُي ُّ‬ ‫ِ‬ ‫النص السابق؛ إذ اختر َق النحو في ِ‬
‫النظام‬
‫ُ‬ ‫بديًل يمنحه‬
‫عد ً‬ ‫غير ما يجب‪ ،‬كو َن ما َ‬ ‫َ‬
‫اللغوي سوى العدول في الوزن من صيغة "مفعول" إلى "فعيل" كما تَ ّبين‪ ،‬في حين التجاوزات‬

‫النحوية‪ ،‬ربما تكو ُن بسبب النظم اآلني وعدم مراجعته َ‬


‫شعره‪.‬‬

‫سميت‬
‫فتاة ّ‬ ‫نظم على "الًلحق" قصيدته "لِيلي أو ليلى" وعدتها سبعة أبيات و ً‬
‫اصفا بها ً‬ ‫ومما َ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫مخلوط بصهب‪،‬‬ ‫باالسمين العربي والغربي‪ ،‬واتَّف َق ّأنها جمعت الصفتين من سو ٍاد في شعرها‬
‫فاألسود شعر شرقي والذهبي َشعر غربي‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫الفتاة شعر ‪ ...‬يقول ر ِ‬


‫ائيه‪ :‬ما أُحيلى‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫عنوان فخر‬

‫‪2‬‬
‫استطال ذيًل‬
‫َ‬ ‫أرس ْلت ُه‬
‫تاجا ‪ ...‬أو َ‬
‫إن َعَق َد ْت ُه استقام ً‬
‫ٍ‬
‫لوهلة ‪ -‬أنه نظم على المخّلع‪،‬‬ ‫خيل –‬
‫وي ّ‬
‫تبدو هنا روح الدعابة عند الشاعر في وصفه الشعر‪ُ ،‬‬
‫ليقول بعد ٍ‬
‫بيت آخر‪:‬‬ ‫َ‬

‫فيه ‪ ...‬والناس ِ‬
‫فيه حز ِ‬
‫بان َميًل‬ ‫لوناه حسن ال فرق ِ‬
‫ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُْ‬

‫قال َشرق إن َ‬
‫‪3‬‬
‫كان ليًل‬ ‫شمسا ‪ُ ...‬ي ُ‬
‫كان ً‬
‫قال َغرب إن َ‬
‫ُي ُ‬

‫‪1‬‬
‫‌أيوب‪‌،‬حسام‌محمد‪‌،‬اإليقاع في شعر أحمد شوقي‪ :‬دراسة أسلوبية ( رسالة ماجستير )‪ ،‬الجامعة‌األردنية‪‌1998‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌ .62‬‬
‫‌آخر‌لوجود‌مثل‌هذه‌األخطاء‌اللغويّة‌في‌قصيدته‪‌،‬إذ‌ربما‌عمد‌الشاعر‌"‌خليل‌مطران‌"‌إلى‌تسكين‌ج ّل‌قوافيها‌‬ ‫ً‬
‫ترى‌الباحثة‌تأويال َ‬ ‫‪‌‬‬
‫‌الخطأ‌هنا‌لعدم ‌تنقيح‌الناشر‌هذه‌الطبعةَ‌التي‌اعتمدتها‌الدراسة‪‌ ،‬ولذا‌‬
‫ِ‬ ‫‌بعضها‪‌،‬وعليه‌يستقيم‌األمر ‌عنده‌لغة‌ووزنًا‪‌،‬ولربما‌كانَ‬
‫ُ‬ ‫وليس‬
‫َ‬
‫فقد‌ارتأت‌الباحثة‌العودة‌إلى‌نسخٍ‌أخرى‌للتثبت‌من‌التشكيل‌السليم‌لهذه‌القصيدة‪‌،‬فرجعت‌إلى‌الطبعات‌اآلتية‪‌ :‬‬
‫‪ -‬مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان‌الخليل‪‌،‬ط‌‪‌،2‬مطبعة‌دار‌الهالل‪‌،‬مصر‪‌1949‌–‌1948‌،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان‌الخليل‪‌،‬د‌‪‌/‬ط‪‌،‬دار‌المعارف‌–‌دار‌الهالل‪.1949‌،‬‬
‫‪ -‬مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان‌الخليل‪‌،‬د‌‪‌/‬ط‪‌،‬مطبعة‌المعارف‪‌،‬مصر‪‌،‬د‌‪‌/‬ت‪.‬‬
‫وقد‌وافق‌التشكيل‌في‌الطبعتين‌األوليين‌التشكي َل ‌في‌الطبعة‌المعتمدة‌ف ي‌هذه‌الدراسة‪‌،‬في‌حين‌جاءت‌القصيدة‌في‌الطبعة‌األخيرة‌‬
‫تحت‌عنوان‌مغاير‌"‌النجمتان‌"‌وكذلك‌برواية‌مختلفة‌لبعض‌األبيات‌عن‌الطبعات‌األخرى‪‌،‬أ ّما‌عن‌التشكيل‌فقد‌اشتركت‌معها‌–‌‬
‫‌ولربما ‌أشكل ‌على‌‬
‫الطبعات ‌– ‌ في ‌تسكين ‌األبيات ‌المسكنة ‌فيها‪‌ ،‬في ‌حين ‌أبقت ‌على ‌األبيات ‌األخرى ‌دونما ‌تشكيل ‌ودونما ‌سكون‪ُ ،‬‬
‫ًّا‌كان؛‌فإن ‌النتيجةَ ‌تبقى‌على‌ما‌هي‪‌،‬وهي‌‬
‫ّ‬ ‫الناشر‌حقيقة‌خطئها‌إذا‌ما‌ش ّكلت‪‌،‬ف َسلَ َبها‌الحركات‌والسكون‌لئال‌يُثبتَ ‌الخطأ‌للشاعر‪‌.‬وأي‬
‫سِد‌عزو َفه‌عن‌التشبث‌بنظام‌‬ ‫ّ‬ ‫ج‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫‌‬ ‫نة‌في‌حقيقتها‌فهي‬
‫َ‬ ‫‌نظم‌القصيدةَ‌اآلني‪‌،‬وحتّى‌لو‌كانت‌قوافي‌القصيدة‌مس ّك‬ ‫اشتباه‌اإليقاعين‌عليه‌حا َل ِ‬
‫اإلعراب‌وااللتزام‌به‌حالَ‌النظم‌اآلني‪‌،‬ما‌يسلس‌عليه‌قولَ‌الشعر‌بشك ٍل‌أكبر‌مما‌لو‌التزم‌بالحركات‪‌ .‬‬
‫‪2‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،2‬ص‌‪‌ .265‬‬
‫‪3‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪‌ .‬‬

‫‪56‬‬
‫فينتفي كون القصيدة على المخلع‪ ،‬إذ تظهر في البيتين التفعيًلت ( ُم ْستَْف ِعًلتُ ْن ‪ُ /‬م ْستَْف ِعًلتُ ْن ‪/‬‬
‫ُم ْستَْف ِعًلتُ ْن ‪ُ /‬م ْستَْف ِعًلتُ ْن) و ( ُمتْفعًلتن ‪ُ /‬م ْستَْف ِعًلتُ ْن ‪ُ /‬متَْف ِعًلتُ ْن ‪ُ /‬م ْستَْف ِعًلتُ ْن) على التوالي‪ ،‬وال‬
‫بقدر ما أنها انفعال لحظة جادت به قريح ُة‬ ‫وترو واعمال فكر‪ِ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫نعة ّ‬ ‫صَ‬ ‫القصيدة َ‬
‫َ‬ ‫يبدو في هذه‬
‫مقطوع ٍة عابرة مباشرة‪ ،‬ليختمها بقوله‪:‬‬ ‫َ‬ ‫الشاعر في هيئة‬

‫كمسك ‪ِ ...‬هيل نضار ِ‬


‫عليه َهيًل‬ ‫ٍ‬ ‫عرها‬
‫َ ُ‬ ‫يا طفل ًة َش ُ‬
‫‪1‬‬ ‫شئت لِيلي أو ِ‬
‫شئت ليلى‬ ‫عت حسني ِهما َفكوني ‪ ...‬إن ِ‬
‫جم ِ‬
‫َُْ‬ ‫ََ‬
‫موش ٍ‬
‫حة سابقة‬ ‫نهج َّ‬
‫موشحة كانت ْقد نظمت على ِ‬ ‫وهي قصيدة ّ‬
‫‪2‬‬
‫ومثلها في ذلك قصيدة "الوردتان"‬
‫َ‬
‫تتمنى عليه أن‬
‫لها فأُعجبت بها آنسة شرقية من أوانس البيوتات المشهورة‪ ،‬فبدا للشاعر ّأنها ّ‬
‫يميزها سكون كل‬
‫تمنت‪ ،‬وهي كسابقتها في الوصف‪ ،‬إال أن ما ّ‬
‫ينظم فيها مثلها‪ ،‬فأجابها إلى ما ّ‬
‫ٍّ‬
‫مضطر‬ ‫غير‬
‫حري ًة في استرسال الوصف‪َ ،‬‬
‫قيد اإلعمال ومنحه ّ‬
‫جن َب الشاعر َ‬
‫المتنوعة؛ ما ّ‬
‫ّ‬ ‫قوافيها‬
‫يتروى النظر في مواضعها اإلعرابية‪ ،‬فجاءته عاجلة ساكنة على ٍ‬
‫إيقاع واحد‪.‬‬ ‫ألن ّ‬

‫مكتفيا فيها ببيتين‪:‬‬


‫ً‬ ‫ومن النتف التي نظمها على الًلحق‬
‫َ‬

‫شيء ‪ ...‬فيما نراه ِ‬


‫إليه ِ‬
‫هاد‬ ‫ٍ‬ ‫آم ْن ُت باهللِ‪ُ ،‬ك ُّل‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬

‫إن ِ‬ ‫ما ِب َي إدر ُ‬


‫‪3‬‬
‫يغو َعقلي يرش ْد فؤادي‬ ‫اك ُه ولكن ‪ْ ...‬‬

‫اصفا خضوعه التام واستسًلمه للو ِ‬


‫احد في هذا‬ ‫عرا‪ ،‬و ً‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫وهما تجسيد حال شعورية إيمانية َقّي َدها ش ً‬
‫شط ِ‬ ‫درْكه رؤي ًة وان َّ‬
‫القلب ُّ‬
‫يرده إلى حال الرشد واإليمان من‬ ‫شيئا‪ ،‬فإن َ‬
‫العقل ً‬
‫ُ‬ ‫به‬ ‫الكون‪ .‬وا ْن لم ُي ِ ُ‬
‫األول يحيل إلى اشتراك المخلع والًلحق به نحو ( ‪ - -‬ب ‪/ -‬‬
‫األول في شطره ّ‬
‫البيت ّ‬
‫جديد‪ .‬و ُ‬
‫اإلشكال يقع في شطره‬
‫َ‬ ‫‪ -‬ب ‪ / -‬ب ‪ ) - -‬أو ( ‪ - -‬ب ‪ / - -‬ب – ب ‪ّ ،) - -‬إال َّ‬
‫أن‬
‫الثاني‪ ،‬نحو‪:‬‬

‫فيما نراه ِ‬
‫إليه ِ‬
‫هاد‪ - - ( :‬ب – ‪ /‬ب ب – ‪ /‬ب ‪) - -‬‬ ‫ُ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،2‬ص‌‪‌ 265‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪.35‬‬
‫‪3‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ج‌‪‌،3‬ص‌‪‌ .328‬‬

‫‪57‬‬
‫طويًل‪ ،‬فيحول التقطيع إلى (‪-‬‬
‫ً‬ ‫المقطع‬ ‫ليستحيل‬ ‫ما يستوجب هنا مد الهاء في " ِ‬
‫إليه " واشباعها‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫وه َو ما‬
‫ليستقيم وزًنا‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫‪ -‬ب – ‪ - /‬ب – ‪ /‬ب ‪ ) - -‬أو ( ‪ - -‬ب – ‪ / -‬ب – ب ‪) - -‬‬
‫يقصر‪.‬‬ ‫جاد بهما الشاعر؛ َّ‬
‫فمد ما حّقه أن ّ‬ ‫أن هذين البيتين وليدا آن انفعالي َ‬
‫يشير إلى ّ‬
‫ُ‬

‫ومما يؤكد كو َن البيتين على التقطي ِع الثاني ( مستفعًلتن ‪ُ /‬متفعًلتن ) وليس على وزن المخلع‬
‫أن الثاني‬
‫افق شطره األول المخلع ّإال ّ‬
‫( مستفعُلن ‪ /‬فاعلن ‪ /‬فعولن ) هو البيت األخير وان و َ‬
‫ينفي أن يكو َن عليه‪ ،‬فتكون تفعيًلته‪ُ ( :‬م ْستَ ِعًلتُ ْن ‪ُ /‬متَْف ِعًلتُ ْن ‪ُ ...‬م ْستَْف ِعًلتُ ْن ‪ُ /‬م ْستَْف ِعًلتُ ْن ) َم َع‬
‫"إليه" في البيت السابق‪ ،‬وهو كذلك ما يعضد من قول‬ ‫كحال ِ‬ ‫ِ‬ ‫اك ُه "‬ ‫ِ‬
‫وجوب إشباع الضم في "إدر ُ‬
‫نفعالية دو َن أن‬ ‫ٍ‬ ‫الباحثة من َّ‬
‫حال نظمه في أوقات ا ّ‬ ‫اعتمد اإلنشاد أو التلحين َ‬ ‫َ‬ ‫أن الشاعر ربما‬
‫نظمه على‬ ‫ٍِ‬ ‫كان ِ‬
‫غير مدرك َ‬ ‫مدرًكا ْأم َ‬ ‫اء َ‬ ‫عناء فاشتبه عليه إيقاعُ البحرين‪ ،‬وسو َ‬ ‫ً‬ ‫يكّلف عقله‬
‫بأبيات قليلة غير مشترك فيها مع المخلع ينفي أن تنسب القصائد إلى‬ ‫ٍ‬ ‫وجوده‬ ‫الًلحق‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫َ‬
‫األخير‪.‬‬

‫ذاك ّأنه كما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫وال يقتَص ُر اإليقاع الذي يكتب عليه مطران على ما ألفته األذن العربية من أوزان‪َ ،‬‬
‫تباعا على تجّليات صور‬
‫انعك َس ً‬
‫امنا لذلك اإليقاع الكتابي؛ ما َ‬
‫عنده مز ً‬
‫كان َ‬ ‫اإلنشاد ًّ‬
‫حقا فقد َ‬ ‫َ‬ ‫أولى‬
‫وكان أهداها لمحمد عبد الهادي الجندي‪،‬‬
‫َ‬ ‫مثًل في قصيدة "القاضي العادل"‬
‫البحور عنده‪ ،‬يقول ً‬
‫فتيانا أوشكت التهم السياسية الملصقة بهم أن تودي بهم إلى القتل‪:‬‬
‫وكان أنقذ ً‬
‫َ‬

‫بالزهـ ـ ِ‬
‫ـور‬ ‫ّ‬ ‫ـكي َيب ـهـ ـ ُـر‬
‫ط ْيـف َمَل ٌّ‬
‫ـار َ‬
‫األزه َ‬
‫صَّب َـح ْ‬
‫َ‬

‫الب ِ‬
‫كور‬ ‫في ُ‬ ‫هب ْـت تَ ْخ ِـط ُر‬ ‫ِ‬
‫الخـلد ّ‬ ‫يا َلها ِب ْك ًا‬
‫ـر َكح ِ‬
‫ـور ُ‬

‫ط ـ ِـن‬
‫تاج ُق ْ‬
‫َ‬ ‫َقّل َد ْت َج ْبهتَها في َنس ٍق زاهي البي ـ ِ‬
‫ـاض‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫ُك َّل ُح ْس ـ ِـن‬ ‫الر ِ‬
‫ياض‬ ‫من َخ ْي ِر أْلو ِ‬
‫ان ّ‬ ‫ثوبها ْ‬
‫أعار ْت َ‬
‫َو َ‬

‫ِ‬
‫مخترًقا لنسق‬ ‫جديدا‬ ‫حو في ِ ِ‬ ‫الن ِ‬ ‫ِ‬
‫ثم َن َسًقا ً‬
‫أن َّ‬
‫حد ذاته إيقاع‪ ،‬كما يوحي ّ‬ ‫ّ‬ ‫إن كتاب َة القصيدة على هذا ّ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫ائتًلف مع مبنى القصيدة‬ ‫ين في كتابته في‬
‫كان اعتَ َم َد الشطر َ‬
‫العمودية المألوفة‪ ،‬وا ْن َ‬
‫ّ‬ ‫القصيدة‬
‫طويًل نصابه أربع‬ ‫األول‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫فكان ّ‬ ‫كل منهما‪َ ،‬‬ ‫االختًلف باد في َك ِّم التفعيًلت في ّ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫المعتاد‪ّ ،‬إال ّ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،2‬ص‌‪‌ .299‬‬

‫‪58‬‬
‫منقوصا‬
‫ً‬ ‫اآلخ ُر بتفعيَل ٍة واحدة‪ ،‬وعليه يكو ُن وزن الرمل خماسيًّا‬
‫اختُزل َ‬
‫تفعيًلت على الرمل‪ ،‬فيما ْ‬
‫منه تفعيلة‪.‬‬

‫موحدة‬
‫صدور كل بيتين بقافية ّ‬‫ِ‬ ‫إن األمر الًلفت هنا تن ّوع القوافي البادي في األبيات واتّفاق‬
‫ثم ّ‬
‫ّ‬
‫وصل األشطر ببعضها بتقنية التدوير‪ ،‬ما‬
‫َ‬ ‫تعمد الشاعر هذا المبنى ينفي‬‫أن ّ‬ ‫ذاك ّ‬
‫وكذا األَعجاز؛ َ‬
‫عروض البيت‪ ،‬وعليه يكو ُن وزن البيت األول‬
‫ُ‬ ‫اختل‬
‫َّ‬ ‫كل شطر‪ ،‬وا ّال‬
‫يعني ضرورة الوقف نهاي َة ّ‬
‫نحو‪:‬‬

‫باّل ُز ِ‬
‫هور‬ ‫كي ‪َ /‬ي ْبـ ـه ُر‬
‫هار طيف ‪َ /‬مَل ٌّ‬
‫األز ‪َ /‬‬
‫َّح ْ‬
‫صب َ‬
‫ِ‬
‫فاعًلتُ ْن‬ ‫فاعًلتُن ‪َ /‬ف ِعًلتُن ‪ِ /‬‬
‫فاعًل‬ ‫‪ِ /‬‬ ‫ِ‬
‫فاعًلتُ ْن‬
‫ْ‬ ‫ْ‬

‫المعنى؟‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وكيف َخ َد َم ُه في بيان َ‬
‫َ‬ ‫الشكل الجديد؟‬ ‫ان من هذا‬
‫فما الذي يرومه مطر ُ‬

‫يثنه عن أن‬ ‫كثير من قصائد مطران على مجزوءات البحور والمشطور منها لم ِ‬ ‫أن اتّكاء ٍ‬‫يبدو َّ‬
‫ْ‬
‫فاء‬ ‫ِ‬ ‫يشع ُر َّ‬
‫أن ثَ َّم اكت ً‬ ‫أن قارئها ُ‬
‫ِ‬
‫ظ في القصيدة ّ‬‫مكون ًة من تفعيَل ٍة واحدة‪ ،‬والمًلح ُ‬ ‫ِ‬
‫شطر أبياته ّ‬‫َ‬ ‫يجعل‬
‫َ‬
‫إن يقف القارئ‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬
‫لكن ما ْ‬
‫الرمل‪ْ ،‬‬
‫طر ذي التفعيًلت األربع وكأنّه مجزوء ّ‬ ‫انتهاء ّ‬ ‫في المعنى عن َد‬
‫اسِتزَاد ًة َعَل ْيه‪.‬‬ ‫فاجأ َّ‬
‫أن ثَ َّم ْ‬ ‫على المعنى حتّى ُي َ‬

‫ار‬ ‫وك َّ‬


‫أن ثَ ّم َقرًا‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫طر اآلخر‪َ ،‬‬ ‫اليتيمة في ّ‬ ‫إن الشاعر يعيد اختزال معنى الشطر األول في التفعيلة‬
‫أن التفعيلة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض من قراءة البيت عند انتهائه‪ّ ،‬إال ّ‬ ‫بداي ًة ُيخف ُ‬
‫النفس َ‬ ‫وجو ًابا في تشكيله ذاك‪ ،‬فطول ّ‬ ‫َ‬
‫الشطر قبلها‪ ،‬فعلى سبيل‬ ‫ِ‬ ‫كل ما َس َبقها في‬
‫مستعيد ًة ّ‬
‫َ‬ ‫مرًة أخرى‪،‬‬
‫النغ ِم ّ‬ ‫األخيرة تُعلي من ِ‬
‫شأن ّ‬
‫مصب ًحا على األزهار‪ّ ،‬إال َّ‬
‫أن‬ ‫بطيف مًلئكي أطل ِ‬
‫ببهائه‬ ‫ٍ‬ ‫المرحوم‬ ‫العادل‬ ‫صوُر القاضي‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫المثال‪ُ :‬ي ّ‬
‫ٍ‬
‫استعادة‬ ‫بالفعل ِ‬
‫قبله في‬ ‫ِ‬ ‫مرًة أخرى يجعله يتعّل ُق‬ ‫ذكر الشاعر "بالزهور" –الجار والمجرور‪ّ -‬‬ ‫َ‬
‫األول‪ ،‬ما يعني‬
‫طر ّ‬ ‫للصورِة التي فرغ منها‪ ،‬فالجار والمجرور هنا متعلقان بالفعل "يبهر" نهاي َة ّ‬
‫الش ِ‬
‫ِ‬
‫توكيده واستحضار الصو ِرة مرًة أخرى‪.‬‬ ‫مع‬
‫صال المعنى َ‬‫اتّ َ‬

‫ين وهي تخط ُر‬ ‫بالحور الع ِ‬


‫ِ‬ ‫هور لحظ َة استقباله‬
‫الز َ‬
‫صوُر ّ‬
‫وكذا األمر في البيت الثاني‪ّ ،‬إنه ُي ّ‬
‫إشارة إلى ِ‬
‫وقت انتظارها له‪ ،‬وهو مرًة‬ ‫ٍ‬
‫بعد الوقف فيقول "في البكور" في َ‬ ‫وتتراقص‪ ،‬إال أنه يستز ُيد َ‬
‫تباعا إلى فاعله‬ ‫ِ‬
‫ين بالفعل قبلهما "تخطر" الذي سيحيل ً‬ ‫أخرى يجعل الجار والمجرور هنا متعّلِّق ِ‬

‫‪59‬‬
‫ثم جعل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫للمعنى من بعد خفوت جوابه‪ّ ،‬‬ ‫استنهاض‬ ‫إعاد َة‬
‫الذي يسبقه "حور الخلد"‪ ،‬ما يعني َ‬
‫ٍ‬
‫معان‬ ‫جاء ًة المعنى السابق َمز ًيدا عليه‬
‫ُف َ‬ ‫يستعيد‬
‫ُ‬ ‫قار في "الجار والمجرور" الذي‬‫المعنى كّله ًّا‬
‫مرًة‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قطن" واعادة ر ِ‬
‫وكذا "تاج ِ‬
‫الممتد ّ‬
‫ّ‬ ‫استعادة للمعنى‬ ‫البيت الثالث‪ ،‬في‬ ‫بالفعل بداي َة‬ ‫بطها‬ ‫َ‬ ‫أخرى‪َ .‬‬
‫ِ‬
‫القصيدة كّلها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫التفعيلة األخيرة‪ ،‬وكذا األمر في‬ ‫وكأن ق ارره كائن في‬
‫أخرى‪ّ ،‬‬

‫ِ‬
‫وتفعيًلته َك ًما‬ ‫ِ‬
‫البحر‬ ‫فتًلع َب في‬ ‫إن مطران هنا يص ِرح بر ِ‬
‫غبته في الخرو ِج من إسار القديم‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ َ ُّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫فيمجه اإللف العربي‪.‬‬ ‫الموش ِ‬
‫التغي َر مرة واحدة ّ‬
‫ظهر ّ‬ ‫لئًل ُي َ‬
‫حات ّ‬ ‫ّ‬ ‫شكًل قر ًيبا من‬
‫تخي َر ً‬
‫وك ًيفا‪ّ ،‬إال ّأنه ّ‬
‫َ‬
‫طرد وال معروف‪ ،‬في قصيدته "توت عنخ‬ ‫ذاك مرًة أخرى في ٍ‬
‫شكل آخر غير م ّ‬ ‫يعيد َ ّ‬ ‫ّإال ّأننا نجده ُ‬
‫نشيدا إثر إخراج جثة "توت عنخ آمون" والكنوز العجيبة التي كانت في قبره‪،‬‬ ‫لحنت ً‬ ‫آمون" َوَق ْد ّ‬
‫يقول فيها‪:‬‬

‫اجين من ِ‬ ‫ِ‬
‫أبناء " ار "‬ ‫توتانمو ْن " ‪ ...‬صاح ُب التّ ِ ْ‬
‫أنا " فرعون " أنا " َ‬
‫‪1‬‬
‫مصر في أعلى " ال ُذرى "‬ ‫أنا من ي ْك ِرم ِ‬
‫فيه العاَلمو ْن ‪...‬‬
‫َ‬ ‫َْ ُ ُ‬

‫التام منه فيما‬ ‫الرمل‪ّ ،‬إال َّ‬


‫أن األشطر الثًلثة األولى كانت على ّ‬ ‫أن البيتين على بحر ّ‬
‫الشاهد هنا ّ‬
‫و ّ‬
‫مجزوءا‪.‬‬
‫ً‬ ‫رمًل‬
‫تاما وغدا عجزه ً‬
‫رمًل ًّ‬
‫صدر البيت الثاني ً‬
‫ُ‬ ‫اجتُزئ البحر في ّ‬
‫الشطر األخير‪ ،‬فصار‬

‫ويكمل الشاعر‪:‬‬

‫ِ‬
‫وهًلل‬ ‫ترف ‪ ...‬بنجو ٍم‬
‫رَاية خضراء راحت ُّ‬

‫‪2‬‬
‫يشف ‪ ...‬ظّلها نور بدا لي‬
‫مصر ُّ‬ ‫ِ‬
‫خصب‬ ‫لونها عن‬
‫ُ‬
‫َ‬

‫يتًلعب بالوزِن كيفما شاء‪ ،‬فتارة يجعل الشطر طويًل عن صاحبه وتارة يجعلهما‬
‫ُ‬ ‫الشاعر هنا‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫ٍ‬
‫لوهلة أنها على الرمل‪ ،‬نحو‪:‬‬ ‫متساويين‪ ،‬ففي األشطر اليمنى من البيتين السابقين يلحظ‬

‫ترف‬
‫اء راحت ‪ُّ /‬‬
‫رَاية َخض ‪ /‬ر ُ‬
‫‪ /‬فعوُلن أو م ِ‬
‫تفع ْل‬ ‫‪ِ /‬‬
‫فاعًلتُن‬ ‫ِ‬
‫فاعًلتُن‬
‫ُ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،3‬ص‌‪‌ .166‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫فإنه‬
‫مع تقصير الشطر الثاني ّ‬ ‫ثم َ‬ ‫إن الشاعر يقحم في َع ِ‬
‫بقيته‪ّ ،‬‬
‫روض البيت تفعيل ًة مغايرة عن ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫بعده‪ ،‬يعيد التفعيلة المقحمة ذاتها في‬
‫حسب رغبته‪ ،‬وكذا يفعل في البيت الذي َ‬
‫َ‬ ‫الرمل‬
‫إيقاع ّ‬
‫َ‬ ‫يحور‬
‫ّ‬
‫يشف" فًل تنبو عن الذوق‪ ،‬ما يجعل المستمع يألفها بالتّكرار‪ ،‬فيبدو له اإليقاع مقبوال‪َ ،‬‬
‫وليس عنه‬ ‫" ُّ‬
‫ِ‬
‫أبيات القصيدة‪ .‬ولربما َخَلط تفعيًلت "المديد" بتفعيًلت "الرمل"‪ ،‬إذ‬ ‫بقي َة‬
‫يفعل ّ‬
‫وكذا ُ‬‫ببعيد أو شاذ‪َ .‬‬
‫ستحال إلى المديد‪ ،‬نحو‪:‬‬ ‫التقطيع السابق ُلي‬ ‫ِ‬
‫بالمكنة أن يغير‬
‫َ‬ ‫ُ‬

‫ترف‬
‫اء را‪ /‬حت ُّ‬
‫راية خض‪ /‬ر ُ‬
‫فاعلُن ‪ِ /‬‬
‫فاعًلتُن‬ ‫‪ِ /‬‬ ‫ِ‬
‫فاعًلتُ ْن‬
‫ْ‬

‫ولعل رؤيته المسبقة في‬


‫َّ‬ ‫بين إيقاعيهما‪.‬‬
‫وبين المديد والرمل تشابه وتقارب في التفعيًلت‪ ،‬فمزَج َ‬
‫فيتحكم ِ‬
‫فيه كيفما يشاء‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫العروض‬
‫من َ‬ ‫أن يكو َن فيها َ‬
‫أكبر َ‬ ‫شجعه على ْ‬ ‫ملحًنا َّ‬
‫شيدا ّ‬
‫يجع َل منه َن ً‬
‫أن َ‬ ‫ْ‬
‫تشكًلت التفعيًلت وتجّلياتها في حرّي ٍة ليست معهودة‪.‬‬
‫وينوع في ّ‬‫ِ‬
‫ّ‬

‫يضير‬ ‫ما َي ْعني ّأنه لن‬ ‫للعامة‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬


‫َ‬ ‫ثم ّإنه ُكت َب ّ‬
‫تلحين هذا النشيد‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫العروضي‬
‫إن الذي قد يخفي تًلعبه َ‬
‫أهل‬ ‫ِ‬ ‫مسمعهم تغيراته العروضية ما داموا يسمعونه مرنما منغما ال يظهر ِ‬
‫يلتفت إليه ُ‬
‫ُ‬ ‫ما قد‬ ‫فيه‬ ‫َ‬ ‫ًّ ّ ً‬ ‫ّ‬
‫االختصاص‪.‬‬

‫قصيدته "الفنون الجميلة"‪،‬‬


‫َ‬ ‫وذاك في‬
‫َ‬ ‫األول‪،‬‬
‫الرمل ّ‬
‫ذات ما فعله في مثال ّ‬
‫َ‬ ‫وعلى "الخفيف" ينت ِه ُج‬
‫َ‬
‫يقول فيها‪:‬‬

‫قلِب َي اْل ُم ْستَ ْ‬


‫كين‬ ‫باب في وادي‬ ‫ِم ْن َبقايا َّ‬
‫الش ِ‬

‫ظ َمأ ِم ْن ِسني ْـن‬


‫َ‬ ‫َزْه َرة في ُشحوبِها البـادي‬

‫فاستَوت ِ‬
‫ناظ َره‬ ‫ذادها َد ْه ُـرها َع ِن الـ ِـوْرِد‬
‫ْ َْ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬ ‫َلم تَ َزل ِ‬
‫ناضره‬ ‫الوْرِد‬ ‫ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫بعد ال ّذبول في َ‬
‫َو ْه َي َ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،4‬ص‌‪‌ .56‬‬

‫‪61‬‬
‫ِ‬
‫عليه أبيات‬ ‫ط ُر القصيدة هو ذاتُه اإليقاع الكتابي الذي ترتّبت‬
‫أش ُ‬ ‫إن الشكل الذي ترتبت عَل ِ‬
‫يه ْ‬ ‫َّ ْ‬ ‫ّ‬
‫ثم يأتي‬
‫الرمل من قبل‪ ،‬فتبدو األصوات والمعاني األولى طويلة ذات امتداد يخفى في النهاية‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫بكل ما قبَلها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وت مر ِتف ًعا‬
‫المعنى في تفعيًلت قليلة لها ربط ّ‬
‫قصير مختَ ًزال َ‬
‫ًا‬ ‫الص ُ‬
‫ّ‬

‫بعد انتهاء شبابه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫بين ُه َ‬
‫تقاب ًًل ما َ‬
‫الشباب‪ ،‬عاقًدا ُ‬
‫انقضاء ّ‬ ‫اصفا فترَة‬
‫الشاعر قصيدته و ً‬ ‫كتب ّ‬
‫لقد َ‬
‫استََق ّر ْت في وادي قلب الشاعر‬ ‫ِ‬
‫عمره كانت قد ْ‬
‫الزهرة الممّثلة َ‬
‫الزهرة التي تح ّد َث عنها‪ .‬هذه ّ‬
‫وّ‬
‫عمق‬
‫َ‬ ‫الزهرة يعني‬ ‫ادي ليكو َن َ‬
‫مكان ّ‬ ‫الضعيف‪ ،‬في إشا ٍرة منه إلى ذبولها‪ ،‬كما أن ّ‬
‫تخير الشاعر الو َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫بعدها عنه‪ ،‬إضاف ًة إلى عجزه عن تقدي ِم ما يبقيها في ٍ‬
‫حال حسنة بوصفه قلبه بـ " المستكين "‪،‬‬
‫سنين عديدة‪ّ ،‬إال ّأنها لم‬
‫َ‬ ‫فغ َدت شاحبة َعطشى َلم َتنل ِ‬
‫مورَدها ليساعدها على البقاء كما يجب‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫ال فيها بعض من َنضار‪.‬‬ ‫ط ِع األمل وما ز َ‬
‫تق َ‬

‫األول‪،‬‬ ‫الش ِ‬ ‫بشكل ذي نغمة مرتفعة بعد انقطاع الص ِ‬


‫ٍ‬
‫طر ّ‬ ‫وت في ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫إن التركيب "قلبي المستكين" يأتي‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫فهو "المضاف إليه" الذي ال ينقطع‬ ‫ّإال ّأنه يستعيد المعنى مرًة أخرى التصاله بالوادي من قبل َ‬
‫ِ‬
‫أن الكتاب َة تشي‬
‫غم ّ‬ ‫عن مضافه‪ ،‬وكذلك "ظمأ" مبتدأُ الجار والمجرور "في شحوبها" ّ‬
‫فثم اتّصال ر َ‬
‫إيقاع األشطر األخرى مغايرة عن إيقاع األولى‪.‬‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫بانتهاء الكًل ِم نهاي َة األشطر األولى‪ ،‬ال سيما ّ‬
‫طر األولى واضحة في كونها على الخفيف‪ ،‬وجميعها تقطيعها العروضي نحو ( ِ‬
‫فاعًلتُ ْن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫إن األش ُ َ‬ ‫ّ‬
‫اإلشكال كائن في األشطر األخرى‪ ،‬نحو‪:‬‬ ‫لن ‪َ /‬فعًل ) ّإال َّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫‪ُ /‬متْفع ْ‬

‫كين‪ - :‬ب ‪ / - -‬ب – ْْ أو – ب ‪ - / -‬ب ‪ْْ -‬‬


‫الم ْستَ ْ‬ ‫ِ‬
‫قلب َي ُ‬

‫نين‪ :‬ب ب ‪ / - -‬ب – ْْ أو ب ب ‪ - / -‬ب ‪ْْ -‬‬ ‫ِ‬


‫من س ْ‬‫ظ َمأ ْ‬
‫َ‬

‫فاستَوت ناظره‪ - :‬ب ‪ / - -‬ب – أو – ب ‪ - / -‬ب ‪-‬‬


‫ْ‬
‫لم تزل ِ‬
‫ناضره‪ - :‬ب ‪ / - -‬ب – أو – ب‪ - / -‬ب –‬ ‫ْ ْ‬

‫ان في األولى ال يمكنه أن يبقيه على‬ ‫إن استكمال التّقطيع في األشطر األخرى على ِ‬
‫نحو ما ك َ‬ ‫ّ‬
‫من األصوات يكون‬ ‫أن المتبقي َ‬
‫وكيفا‪ ،‬فإ ْذ تَظهر التفعيلة األولى "فاعًلتن" ّإال ّ‬
‫كما ً‬‫الخفيف ًّ‬
‫نحو آخر فإن التفعيًلت ستكون نحو" ِ‬
‫فاعُلن ‪ /‬فاعًل ْن"‪،‬‬ ‫حال تغيير التقطيع على ٍ‬ ‫"فعول"‪ ،‬وفي ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫آخر يقرب من أن يكو َن‬‫إيقاعا َ‬
‫ً‬ ‫األعجاز تنحو‬
‫َ‬ ‫واذ تكو ُن صدور األبيات كلّها على الخفيف ّ‬
‫فإن‬

‫‪62‬‬
‫يتًلعب في الخفيف ليخرجه على النحو الذي‬
‫ُ‬ ‫غير مألوف‪ّ ،‬إنه‬
‫المحدث‪ ،‬وذا إيقاع ُكّلي ُ‬
‫َ‬ ‫مشطور‬
‫َ‬
‫الزهرة‪:‬‬
‫وصف ّ‬ ‫مستكمًل‬
‫ً‬ ‫يوافق رغباته‪ ،‬وكذا يفعل بقيَّ َة ِ‬
‫أبيات القصيدة‪ ،‬يقول‬
‫َ‬ ‫ُ‬

‫الهوى‬ ‫ِ ِ‬ ‫الز ِ‬ ‫َلِبثَ ْت وهي ِ‬


‫في رياض َ‬ ‫هر‬‫آخ ُر ّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫سائ ُر القوى‬ ‫وأراها تقضي وفي ِ‬
‫اإلثر‬ ‫َ‬

‫من تعافيها‬ ‫حًل‬


‫اليأس بي ّ‬
‫كدت أمسي و ُ‬
‫ُ‬
‫‪1‬‬
‫آية فيها‬ ‫الجّلى‬ ‫ِ‬
‫فإذا للعناية ُ‬

‫مبنى لقصيدته‪ ،‬زهرته اآلن آخر من‬‫ف قرَار المعنى وجوابه في الهيئة التي ارتآها ً‬
‫ظُ‬‫ال يو ّ‬
‫فما ز َ‬
‫الحب‬
‫ّ‬ ‫استقرت في حقول‬
‫ّ‬ ‫أن هذه الزهرة‬ ‫في الزهور‪ ،‬في إشارٍة منه إلى مرحلة عمرّية ّ‬
‫متقدمة‪ّ ،‬إال ّ‬
‫فبعد أن باتت منتظرة وفيها شيء من نضار على شفا االختفاء‪ ،‬حتّى تعافت وغدا‬ ‫ِ‬
‫من بعد حين‪َ ،‬‬
‫نضارها آية غير متوّقعة تشي بذلك "إذا" الفجائية التي تنبئ بما هو غير متوّقع‪.‬‬

‫لمس‬
‫انعكاس شخصه في محطات مختلفة‪ ،‬إال أنه َ‬
‫ُ‬ ‫إن الشاعر يتماهى مع زهرته‪ ،‬وما هي إال‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫فالنبأ في نهاية قصيدته‪:‬‬
‫كان ذلك‪ّ ،‬‬
‫كيف َ‬
‫أما َ‬ ‫ِ ٍ‬
‫الحب من بعد يأس فتعافى‪ّ ،‬‬
‫شيئا من ّ‬‫ً‬

‫ِع ْش ِت من ِ‬
‫غاديه‬ ‫حي ْتها‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫تاة باللطف ّ‬
‫يا َف ً‬
‫‪2‬‬
‫َف َزهت ناديه‬ ‫أح َيتها‬ ‫ِ‬
‫ط َرة من نداك ْ‬
‫َق ْ‬

‫بالندى‬
‫فحيتها ّ‬ ‫َّ‬
‫تضن بالسقيا على الزهرة إذ رأتها ذابلة‪ّ ،‬‬ ‫سحاب ٍة لم‬
‫َ‬
‫تجّلت فتاة الشاعر في ِ‬
‫هيئة‬ ‫ُ‬
‫نفسه‪.‬‬
‫أح َيت الشاعر َ‬
‫ذاك ْ‬
‫وهي إ ْذ َ‬ ‫فأح َيتها‪،‬‬
‫ْ‬
‫َ‬

‫فإنه يوظفه‬
‫العروضي ّ‬ ‫الشاعر هنا يخرج صراح ًة عن تقاليد الشعر الموروثة‪ ،‬وفي ِّ‬
‫بث جديده َ‬ ‫َ‬ ‫إن‬
‫ّ‬
‫ورد عند‬ ‫فكان على ٍ‬ ‫مرًة أخرى‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫نحو مشابه‪ ،‬وقد َ‬ ‫يمجه اإللف‪َ ،‬‬‫لئًل ّ‬ ‫الموشح ّ‬
‫ّ‬ ‫من‬
‫في هيئة قريبة َ‬
‫صفي الدين ِ‬
‫الحّلي شيء من هذا في قوله‪:‬‬

‫َش َّق جيب الّل ِ‬


‫الساقو ْن‬
‫أيُّها ّ‬ ‫باح‬ ‫عن َن ْح ِر ّ‬
‫الص ْ‬ ‫يل ْ‬ ‫َ ُ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،4‬ص‌‪‌ .56‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫لؤلؤ َمكنو ْن‬ ‫األقاح‬ ‫جيب‬ ‫ِ‬
‫للطل في ِ‬
‫ْ‬ ‫وبدا ّ‬
‫َ‬
‫‪1‬‬
‫طائر ميمو ْن‬ ‫باح‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االصط ْ‬
‫َوَدعانا للذيذ ْ‬

‫طويًل على بحر الرمل‪،‬‬


‫ً‬ ‫ِ‬
‫أبياته أتى‬ ‫فالصدر –كما يشير إلى ذلك إبراهيم أنيس‪ -‬في كل ٍ‬
‫بيت من‬ ‫ُ‬
‫عهد ِ‬
‫ألهل‬ ‫وهو ما ال َ‬ ‫قصير على وزن (‬
‫فاعلن ‪ /‬مفعولْ )‪َ ،‬‬
‫ْ‬ ‫ًا‬ ‫في حين جاء العجز في كل منها‬
‫العروض به في أشعار العرب القديمة‪.2‬‬

‫ِ‬
‫بالموشحات لما ضمنته من ثورٍة شعرّية‪ ،‬وفيها بدا جليًّا ُ‬
‫عهد‬ ‫ّ‬ ‫كثير‬ ‫يبدو َّ‬
‫أن خليل مطران ْقد تأثَّر ًا‬
‫العصر قد يكو ُن له‬ ‫ٍ‬
‫عصر يًلئمها‪ ،‬فكذا هذا‬ ‫جديدا في‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫كانت ً‬ ‫التجديد‪ ،‬في تأكيد منه ربما أنه كما َ‬
‫فق ما يًلئمه‪.‬‬
‫جديده َو َ‬

‫وفي هذا السياق –التجديد والثورة الشعرية‪ -‬فقد ورد في ديوان خليل مطران قصيدة نثرّية واحدة‬
‫وشكًل‪ .‬والشعر المنثور‬
‫ً‬ ‫الشعري بكل ما فيه قافي ًة ووزًنا‬
‫يترسخ معنى الخروج عن القديم ّ‬
‫له‪ ،‬وفيها ّ‬
‫ِ‬
‫خاص‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بإيقاع‬
‫ٍ‬ ‫يهدف إلى االستغناء عن التقنية المألوفة في الوزِن والقافية‪ ،‬ويستَ ُ‬
‫عيض عنها‬ ‫" ُ‬
‫بعا لمدى العمق في التجربة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وضوحا وخفوتًا ت ً‬
‫ً‬ ‫ويتَفاوت‬
‫ينبجس من التّجربة الشعرية وينسجم معها‪َ ،‬‬
‫ُ‬
‫بينها في بنائه‬
‫وتبعا لمدى توفيق الشاعر في انتقاء مفردات مًلئمة‪ ،‬والتنسيق َ‬
‫واإلخًلص لها‪ً ،‬‬
‫‪3‬‬
‫عند مطران قصيدته "شعر منثور – كلمات أسف"‪ ،‬وقد أنشدت‬
‫ورد عليه َ‬
‫للجملة الشعرية" ‪ ،‬ومما َ‬
‫في ِ‬
‫حفل تأبين للشيخ إبراهيم اليازجي‪.‬‬

‫الموقف وفاجعة الموت ال ُيترّي ُث‬ ‫ِ‬


‫فهول َ‬
‫ُ‬ ‫برمته؛‬
‫يثور مطران صراح ًة على الشعر ّ‬‫القصيدة ُ‬
‫َ‬ ‫وفي‬
‫تخرج على‬ ‫ِ‬
‫النفس بما تشعر دونما قيد‪ ،‬كما على الزفرات الشعورّية أن ُ‬
‫جود ّ‬
‫عرا‪ّ ،‬إنما تَ ُ‬‫عندها ش ً‬
‫َ‬
‫ويصرح بذلك بقوله‪:‬‬
‫ّ‬ ‫سجيتها‪،‬‬
‫ّ‬

‫أطلِق عبرِاتك من ح ْك ِم الوْزِن ِ‬


‫وقيد القافية‬ ‫َ‬ ‫ْ ََ َ ْ ُ‬

‫‪1‬‬
‫‌صفي‌الدين‌الحلي‌(‌‪‌752‬هـ‌)‪‌،‬ديوان صفي الدين الحلي‪‌،‬د‌‪‌/‬ط‪‌،‬دار‌صادر‪‌،‬بيروت‪‌،‬د‪‌/‬ت‪‌،‬ص‌‪‌ .125‬‬
‫‪2‬‬
‫‌أنيس‪‌،‬إبراهيم‪‌،‬موسيقى الشعر‪‌،‬ص‌‪.225‬‬
‫‪3‬‬
‫‌توفيق‪‌،‬عباس‪‌،‬تجربة أمين الريحاني في الشعر المنثور‪‌،‬مجلة‌زانكو‪‌،‬ع‌‪‌،1‬مج‌‪‌1979‌،5‬م‪‌،‬ص‌‪.95‬‬

‫‪64‬‬
‫‪1‬‬
‫محبوس ًة في ِنظام‬
‫َ‬ ‫روضا وال‬
‫طعة َع ً‬
‫غير مق ّ‬ ‫ِ‬
‫ص ّع ْد َزَفرات َك َ‬
‫َو َ‬

‫مع‬
‫يص َّعُد بعاطفته في مزامنة َ‬
‫وهو ّ‬
‫أسفه على الفقيد بادي ًة قاسية في كلماته‪َ ،‬‬ ‫تبدو حرقة المشهد و َ‬
‫أحيانا‪،‬‬ ‫العروض فصل ما يجب أن يتّ ِ‬
‫ص َل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تصعيد تصريحاته في الثورة على القديم‪ّ ،‬إن ُه َيرى في‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫يصل بسرعة كما حال الشاعر النفسية اآلن‪،‬‬‫َ‬ ‫أن يكو َن مكثًّفا غير منقطع حتّى‬
‫يحتاج ْ‬
‫ُ‬ ‫الشعور‬
‫ُ‬ ‫و‬
‫حال الشاعر‬
‫قولبا في نظا ٍم أمًلهُ من لم يعيشوا َ‬ ‫أن تعبر عن عاطفتها ِش ًا‬
‫عر ُم ً‬ ‫الن ِ‬
‫فس على ْ‬ ‫جبار ّ‬‫َوا ُ‬
‫كان صادًقا وخرج عن سنن الشعر‬
‫عما يريد بصدق؛ لذا َ‬
‫عب ُر ّ‬
‫مقيًدا ال ُي ّ‬
‫حبيس نفسه ّ‬
‫َ‬ ‫اآلن‪ ،‬يجعله‬
‫وشكًل‪.‬‬
‫ً‬ ‫وزًنا وقافي ًة‬

‫يقول‪:‬‬

‫الموت وهو ِ‬
‫قاتل ِ‬
‫عام ْد‬ ‫ِ‬ ‫رت إلى‬
‫ظ َ‬‫قل َوَق ْد َن َ‬

‫توحيه إليك النفس لدى ِ‬


‫رؤية إثمه الرائع‬ ‫ِ‬ ‫ما‬
‫َ ّ ُ‬

‫النور‬
‫ظلمة والحياةُ و ّ‬
‫مام‪ُ .‬ه َو ال ّ‬ ‫ِ‬
‫ال عتَ َب على الح ْ‬
‫هو األصل األزلي األبدي‪ .‬والنور ِ‬
‫حادث زائل‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬

‫وينافيها‬ ‫ٍ‬ ‫فإذا أز َ ِق‬


‫يكافحها ُ‬
‫ُ‬ ‫فه َو‬
‫هر شار في ُد ُجّنة ُ‬
‫‪2‬‬
‫ثم يتًلشى فيها‬
‫فيتضاءل َّ‬ ‫سببه‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫إلى أن ينَقض َي َ‬

‫ببضعة أسطر‪ ،‬إنّه يأمرنا أن نقول للموت القاتل اآلثم ّأال‬ ‫ِ‬ ‫الوجودية‬ ‫يختَ ِزُل الشاعر هنا رؤيته‬
‫ّ‬
‫هو الباقي ظلم ًة‬ ‫لك ًّ‬ ‫ِ‬
‫ردا تجاه القدر‪ّ ،‬إنما َ‬ ‫عتاب على ما ليس بيدنا حيلة تجاهه وردعه‪ّ ،‬إننا ال نم ُ‬
‫َ‬
‫كنا‬
‫هنالك ّ‬
‫َ‬ ‫نكن إلى العدم‪،‬‬
‫حيث لم ُ‬
‫يردنا إلى ُ‬ ‫ونورا‪ ،‬حتّى َإن ُه األصل من قبل وجوِدنا‪ّ ،‬‬
‫إن الشاعر ّ‬ ‫ً‬
‫فإنه ال ُبّد‬ ‫ِ‬
‫ذات وجود‪ّ ،‬‬ ‫لمع وأزهر برقنا َ‬
‫وجودنا في النور إال حادث عرضي‪ ،‬حتى وان َ‬ ‫ُ‬ ‫وما‬
‫غارب‪.‬‬

‫الصور وتقنيات التشبيه والتشخيص والحوار‪ّ ،‬إنه يحاول أن‬ ‫ِ‬


‫الشاعر هنا يكثّف المعنى بحشد ّ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫منقوص وان غاب فيه الوزن والقافية‪ّ ،‬إنه‬ ‫غير‬
‫مكتمًل َ‬
‫ً‬ ‫ليقد َم المعنى‬
‫اللغوية ّ‬
‫ّ‬ ‫يستعيض بطاقاته‬
‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪‌ .294‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪‌ .‬‬

‫‪65‬‬
‫صور توّلدها الحياة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العقل والتّ ّ‬
‫من َ‬‫جسد المعنى الذي يرتئيه أمين الريحاني للشعر وهو‪" :‬أمواج َ‬
‫ُي ّ‬
‫كبيرًة أو صغيرة ‪ ،‬هائجة أو هادئة‪ ،‬محرقة أو باردة أو فاترة‪،‬‬
‫الموجة َ‬
‫َ‬ ‫الشعور فتجيء‬
‫ويدَف ُعها ّ‬
‫ممتلئا بالفلسفة‬
‫ً‬ ‫كان شعر مطران النثري‬
‫وكذا َ‬
‫‪1‬‬
‫ِّ‬
‫الحس والبيان" َ‬ ‫الدافع من قوة‬
‫بحسب ما في ّ‬‫ِ‬
‫ِ‬
‫حساب الوزن والقافية‪.‬‬ ‫اللغوية على‬ ‫مجسًدا شعوره باألساليب‬
‫ّ‬ ‫والخيال والصور البيانية‪ّ ،‬‬

‫‪ 2.2‬تجليات القافية ودًلًلتها في ديوان خليل مطران‪:‬‬

‫الش ِ‬
‫عر العربي‪ ،‬وَق ْد اجتهدوا‬ ‫ركنا من أركا ِن ّ‬
‫كونها ُعّدت ً‬‫ال يخفى اهتمام النّقاد بموضوع القافية َ‬
‫الزخم اإليقاعي‬ ‫غم ّ‬ ‫الكثيرون ًّ‬ ‫ِ‬
‫ور َ‬
‫بلغ التكّلف‪َ ،‬‬
‫حدا َ‬ ‫فخاض فيها َ‬ ‫َ‬ ‫مصطلح لها‬
‫ٍ‬ ‫تحديد‬ ‫أجل‬
‫في دراستها َ‬
‫بعا‬ ‫ِ‬ ‫مختلفا فيه على ِّ‬
‫وذاك ت ً‬
‫َ‬ ‫مر العصور‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أن االلتز َام بها َبدا‬
‫الذي تُضفيه على القصيدة ّإال ّ‬
‫ِ‬
‫لعصورنا‪ :‬فما القافية؟‬ ‫أن يصلح‬ ‫بالضرو ِرة ْ‬
‫مع األقدمين‪ ،‬لي َس ّ‬
‫صلح َ‬
‫َ‬ ‫إن ما‬
‫طور؛ إذ ّ‬ ‫ِ‬
‫لناموس الت ّ‬
‫جد َد على ِ‬
‫نحو ما‬ ‫أشعار مطران؟ وهل بدا فيها مقّلًِدا أم ّ‬
‫ِ‬ ‫يف تجّلت في‬
‫ووظيفتها؟ َوَك َ‬
‫َ‬ ‫وما َحُّدها‬
‫صرَح في ديوانه؟‬
‫ّ‬

‫تتكون منها‪ ،‬فاألخفش‬ ‫ِ‬


‫بعا للمقاطع التي ّ‬
‫وتوسعوا فيه ت ً‬
‫لقد اختلف القدماء في تحديد مفهوم القافية ّ‬
‫ألنها تقفو الكًلم"‪.2‬‬
‫قيل لها قافية ّ‬
‫يعرفها‪ّ " :‬أنها آخر كلمة في البيت‪ ،‬واّنما َ‬
‫في كتابه القوافي ّ‬
‫ِ‬ ‫بعض العر ِب في كونها مكونة من كلمتين‪ ،‬في حين عّدها آخرو َن البيت َّ‬
‫بدليل‬ ‫كله‪،3‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ َ‬ ‫يورد رأي‬
‫و ُ‬
‫حسان بن ثابت‪:‬‬ ‫ِ‬
‫قول ّ‬

‫تختلِ ُ‬ ‫ض ِر ُب َ‬
‫‪4‬‬
‫الدماء‬
‫ط ّ‬ ‫حين َ‬ ‫ون ْ‬
‫من َهجانا ‪َ ...‬‬
‫ونحك ُم بالقوافي ْ‬
‫ُ‬

‫ِ‬
‫األخير في البيت‪ .5‬ويرى‬ ‫الروي‬
‫ّ‬ ‫حرف‬
‫َ‬ ‫أطلق بعضهم القوافي على القصائد‪ ،‬وبعضهم َّ‬
‫عد القافي َة‬ ‫و َ‬
‫أن إطًلق القافية على الروي والبيت والقصيدة من ضرب المجاز َ‬
‫عند‬ ‫ابن رشيق في "العمدة" ّ‬
‫أن استعمالهم المصطلح على نحو ذلك كان على سبيل التواضع التواصلي عندهم‪.6‬‬
‫العرب‪ ،‬و ّ‬
‫مع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بين ِ‬
‫ساكن يليه َ‬ ‫من البيت إلى ّأول‬
‫حرف َ‬‫آخر ْ‬ ‫يف الخليل لها أنها "ما َ‬
‫أورد األخفش تعر َ‬
‫و َ‬

‫‪1‬‬
‫‌الناعوري‪‌،‬عيسى‪‌،‬أدب المهجر‪‌،‬ط‌‪‌،3‬دار‌المعارف‪‌1977‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.66‌–‌65‬‬
‫‪2‬‬
‫‌األخفش‪‌،‬أبو‌الحسن‪‌،‬سعيد‌بن‌مسعدة‌(‌‪‌830‬هـ‌)‪‌،‬كتاب القوافي‪‌،‬تحقيق‪‌:‬أحمد‌راتب‌النفاخ‪‌،‬ط‌‪‌،1‬دار‌األمانة‪‌،‬بيروت‪‌1974‌،‬م‪‌،‬‬
‫ص‌‪.3‬‬
‫‪3‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪.6‌–‌5‬‬
‫‪4‬‬
‫‌حسان‌بن‌ثابت‪‌،‬ديوان حسان بن ثابت‪‌،‬شرح‌وتعليق‪‌:‬عبد‌مهنّا‪‌،‬ط‌‪‌،3‬دار‌الكتب‌العلمية‪‌،‬بيروت‪‌1994‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.20‬‬
‫‪5‬‬
‫‌األخفش‪‌،‬كتاب القوافي‪‌،‬ص‌‪.6‬‬
‫‪6‬‬
‫‌ابن‌رشيق‪‌،‬العمدة في محاسن الشعر وآدابه‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪.154‬‬

‫‪66‬‬
‫حرِك الذي قبل الساكن"‪ ،1‬فيما أورد التنوخي في كتابه "القوافي" التعريف في رو ٍ‬
‫اية أخرى ّأنه‬ ‫المت ِّ‬
‫هو‬ ‫‪2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫"الساكنان ِ‬
‫األول منهما" ‪ ،‬وهذا األخير َ‬
‫الساكن ّ‬ ‫قبل‬
‫مع حركة ما َ‬
‫بينهما َ‬‫اآلخران من البيت وما َ‬
‫ما تعتمده الباحث ُة في دراستها‪.‬‬

‫أهل سما ٍع وانشاد‪ ،‬ولذا‬


‫كونهم َ‬
‫كتابة وق ارءة فقد عنوا بموسيقى اللغة؛ َ‬ ‫أهل‬ ‫ولما لم ِ‬
‫يكن العرب َ‬ ‫ّ‬
‫‪3‬‬
‫بعد‬
‫جني َ‬ ‫ليسهل حفظه وروايته ومن ثم تداوله ‪ .‬ويقول ابن ّ‬
‫َ‬ ‫في شعرهم‬ ‫أساسا‬
‫كانت القافية جزًءا ً‬
‫له أحفظ‪،‬‬
‫فس ُ‬
‫الن ُ‬
‫السجع في النثر واألمثال وسهولة حفظها لذلك "‪ ...‬وكذلك الشعر‪ّ ،‬‬ ‫حديثه عن ّ‬
‫ِ‬
‫القافية نهاي َة البيت‪ ،‬كمجيء‬ ‫وا ِ‬
‫ليه أسرع"‪ .4‬ويعلق الباحث عبد الفتاح لكرد على ذلك بأن مجيء‬
‫ِ‬
‫معينة‪ ،‬فالقافية هي الوقفة‬
‫سماعية ّ‬
‫ّ‬ ‫تتشوق لسماعها َ‬
‫عند فترة‬ ‫السجعة في النثر‪ ،‬ما يجعل األذن ّ‬
‫التي تترقبها النفس وترتاح عندها برهة من الزمن‪ ،‬لِتُعاد من جديد دورية الوزن واإليقاع‪ ،‬وهكذا‬
‫‪5‬‬
‫فإن القافي َة بلغت أهمي ًة قد ُيحكم من خًللها على البيت‬
‫حتى تنتهي القصيدة ‪ .‬وغير ذلك‪ّ ،‬‬
‫قصير من البيت‪ّ ،‬إال أن شبيب بن شيبة قال فيها‪" :‬وح ُّ‬
‫ظ‬ ‫ًا‬ ‫غم كونها جزًءا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫بجودته أو رداءته‪ ،‬ر َ‬
‫ظ سائر البيت"‪.6‬‬‫جود ِة القافية وان كانت كلمة واحدة‪ ،‬أرَف ُع من ح ِّ‬
‫َ‬

‫ظهر ْت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ويسر تداوله‪ ،‬وَل ّما َ‬ ‫الشعر‬
‫لحفظ ّ‬‫عينا‬
‫كانت َم ً‬
‫كان في القافية زخم موسيقي‪ ،‬فقد َ‬ ‫ولما َ‬
‫ّ‬
‫اجعا‬ ‫ولعل هذا أَ ْولى‬ ‫ِ‬
‫دو َن الحفظ‪َّ ،‬‬
‫القافي َة تر ً‬
‫َ‬ ‫بالكتابة‬ ‫الشعر‬
‫أيسر تقييد ّ‬
‫ك بدا َ‬
‫ور التّدوين‪ ،‬ال َش ّ‬
‫عص ُ‬
‫الشعر‬
‫اض ّ‬‫التزم بها أهل القديم؛ أل ّن أغر َ‬
‫أهميتها لدى البعض‪ ،‬فما عادوا التزموا بها كما َ‬ ‫في ّ‬
‫التبدل نصيب‪.‬‬
‫ذاك ّ‬‫بعض خصائصه وكان للقافية من َ‬ ‫ِ‬ ‫اختلفت‪ ،‬ما يعني ُّ‬
‫تبد َل‬

‫ِ‬
‫باعتماد‬ ‫لرويها إلى قسمين‪،‬‬ ‫تبعا ّ‬
‫تقس ُم ً‬
‫فإن القافية َ‬
‫وبحسب ما ورد في كتاب "موسيقى الشعر"؛ ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مقيدة‪ ،‬وعلى اآلخر تكون مطلقة ‪ّ .‬‬
‫األول تكو ُن ّ‬
‫‪7‬‬
‫أما القافية المقيدة فقليلة‬ ‫تسكينه وتحريكه‪ ،‬فعلى ّ‬
‫وجودها عند‬
‫َ‬ ‫الشيوع في الشعر العربي‪ ،‬ال تكاد تضمن نسبتها فيه بما يتجاوز الـ ‪ ،% 10‬كما َّ‬
‫أن‬
‫كان قد اتفق مع التقييد‬
‫إن الغناء في العصر العباسي َ‬
‫قليًل مقارنة بالعباسيين؛ إذ ّ‬
‫الجاهليين كان ً‬

‫‪1‬‬
‫‌األخفش‪‌،‬كتاب القوافي‪‌،‬ص‌‪.8‬‬
‫‪2‬‬
‫‌التنوخي‪‌،‬أبو‌يعلى‌عبد‌الباقي‌‪‌،‬كتاب القوافي‪‌،‬تحقيق‪‌:‬عوني‌عبد‌الرؤوف‪‌،‬ط‌‪‌،2‬مكتبة‌الخانجي‪‌،‬مصر‪‌1978‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.67‬‬
‫‪3‬‬
‫‌أنيس‪‌،‬إبراهيم‪‌،‬داللة األلفاظ‪‌،‬ط‌‪‌،5‬مكتبة‌األنجلو‌المصرية‪‌،‬مصر‪‌،1984‌،‬ص‌‪.198‬‬
‫‪4‬‬
‫‌ابن‌جنّي‪‌،‬أبو‌الفتح‌عثمان‌بن‌جني‌(‌‪‌293‬هـ‌)‪‌،‬الخصائص‪‌،‬تحقيق‪‌:‬محمد‌علي‌النجار‪‌،‬د‌‪‌/‬ط‪‌،‬دار‌الكتب‌المصرية‪‌،‬القاهرة‪‌،‬د‌‪‌/‬‬
‫ت‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪.216‬‬
‫‪5‬‬
‫مكونات البنية اإليقاعية في القصيدة العربية القديمة‪‌،‬حوليات‌اآلداب‌والعلوم‌االجتماعية‪‌،‬الكويت‪‌،‬مج‌‪‌،28‬‬
‫‌لكرد‪‌،‬عبد‌الفتاح‪ّ ‌،‬‬
‫رسالة‌‪‌2008‌،280‬م‪‌،‬ص‌‪‌ .50‬‬
‫‪6‬‬
‫‌الجاحظ‪‌،‬عمرو‌بن‌بحر‌(‌‪‌255‬هـ‌)‪‌،‬البيان والتبيين‪‌،‬د‌‪‌/‬ط‪‌،‬دار‌ومكتبة‌الهالل‪‌،‬بيروت‪‌1423‌،‬هـ‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪.111‬‬
‫‪7‬‬
‫‌أنيس‪‌،‬إبراهيم‪‌،‬موسيقى الشعر‪‌،‬ص‌‪.260‬‬

‫‪67‬‬
‫أما القافي ُة األخرى – المطلقة ‪ -‬فهي‬
‫وتيسير في اللحن‪ ،‬و ّ‬
‫ًا‬ ‫تطويعا‬
‫ً‬ ‫وانسجم‪ ،‬فيرى الملحن فيها‬
‫ٍ‬
‫حياد‬
‫َ‬ ‫بشكل ال‬ ‫اعونها‬
‫كبيرا‪ ،‬وير َ‬
‫اما ً‬ ‫الكثيرة الشائعة في أشعار العرب‪ ،‬وكانوا يلتزمو َن بها التز ً‬
‫عنه‪.1‬‬

‫أن القافية المطلقة أقوى في‬


‫المقيدة فيحيله إبراهيم أنيس إلى ّ‬
‫ّ‬ ‫أما إيثار العرب المطلقة دو َن‬
‫وّ‬
‫أقل‬
‫وت ّ‬‫الص ُ‬
‫يفجؤ السامع وينبو عن أذنه‪ ،‬ويأتيه ّ‬‫ُ‬ ‫الحياد عنها بالتسكين‬
‫السمع وأوضح‪ ،‬و ُ‬
‫ِ‬
‫للقصيدة وتطيله‪َّ ،‬‬ ‫‪2‬‬
‫المقيدةَ‬
‫فإن القافي َة ّ‬ ‫صعد النغم الموسيقي‬
‫وضوحا ‪" .‬واذا كانت القافي ُة المطلقة تُ ّ‬
‫ً‬
‫ويل أو قصير"‪ ،3‬كما تذكر‬ ‫ط ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مد َ‬
‫بعد ّ‬‫تعم ُل على كسر البنية االمتدادية لإليقاع وذلك بالوقف َ‬ ‫َ‬
‫الباحثة رحاب الخطيب أ ّن النغمة الصاعدة هنا ستكون أوضح إذا ما َ‬
‫كان نظام التقفية مقطعيًّا‬
‫المقطعية‬
‫ّ‬ ‫يدر ُس من زاويتين‪ ،‬التشكًلت‬
‫أساسيا َ‬
‫ً‬ ‫لحنا‬
‫يشكل في القصيدة ً‬
‫داخل نسق منتظم ما ّ‬
‫َ‬
‫للقافية من جهة وكذلك السمات الصوتية لتشكًلتها من ٍ‬
‫جهة أخرى‪.4‬‬ ‫ّ‬

‫المقيدة إذا ما قورنت بأشعار‬


‫أن نسب َة ّ‬
‫تأمل ديوانه يجد عنده النمطين‪ّ ،‬إال ّ‬
‫أما خليل مطران فالم ّ‬ ‫ّ‬
‫االستئناس بذلك يبدو في ديوانه‬
‫ُ‬ ‫وليس‬
‫اهتماما‪َ ،‬‬
‫ً‬ ‫الروي َ‬
‫عنده‬ ‫ّ‬ ‫تسكين‬
‫َ‬ ‫القدامى تبدو الفتة‪ ،‬إذ أولى‬
‫ينتهج‬ ‫يجعله‬
‫تسكين القوافي َ‬ ‫معيًنا؛ ألن‬
‫قصدية يروم بها هدًفا ّ‬ ‫هو ناتج عن‬ ‫ٍ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫عفو خاطر بقدر ما َ‬
‫آخر ِ‬
‫كًلمها‬ ‫وتقف في ِ‬ ‫الشعبية‪ّ ،‬إنها ال تولي الحركات اإلعرابية قيم ًة‬ ‫العامة في لغتها‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ما تنتهجه ّ‬
‫يلتزم ما تلتزم ِ‬ ‫وكذا ينحو بإيقاع قافيته؛ فًل ِ‬
‫الخاصة ويستوي الر ُ‬
‫فع والجر‬ ‫ّ‬ ‫به‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫على السكون‪َ ،‬‬
‫ينزل بشعره إلى مستوى‬
‫أن مطران ُ‬ ‫أن ذلك قد يلبس في الفهم لغويًّا ّإال َّ‬ ‫غم ّ‬‫عنده‪ .‬ور َ‬
‫النصب َ‬
‫ُ‬ ‫و‬
‫يستقطب في شعره شريح ًة أكبر ُّ‬
‫تمتد لتشمل‬ ‫الجمهور الشعبي‪ ،‬إنه ال يكتب للن ِ‬
‫خبة فقط بل‬
‫ُ‬ ‫ُُ ّ‬ ‫ّ‬
‫الطبقات المختلفة في المجتمع‪ ،‬إضاف ًة إلى وظيفتها السياقية في القصيدة‪ .‬يقول في قصيدة‬
‫ابين األجانب‪:‬‬
‫"صرح على النيل"‪ ،‬بناهُ أحد كبار المر َ‬

‫الص َم ْد‬
‫كم َك َع ْدل َو ْأن َت ّ‬
‫أح ْد ‪َ ...‬وح ُ‬
‫بأن َك َح ٌّق َ‬
‫دت ّ‬‫َش ِه ُ‬

‫ِ‬
‫حيم بشقوِة هذا ْ‬
‫البلد؟‬ ‫الر ُ‬
‫العليم ّ‬
‫ُ‬ ‫أنت‬
‫ضيت و َ‬
‫ففي َم َق َ‬

‫‪1‬‬
‫‌أنيس‪‌،‬إبراهيم‪‌،‬موسيقى الشعر‪.260‌،‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪.266‬‬
‫‪3‬‬
‫‌الخطيب‪‌،‬رحاب‪‌،‬معراج الشاعر‪ :‬مقاربة أسلوبيّة لشعر طاهر رياض‪‌،‬ط‪‌،1‬المؤسسة‌العربية‌للنشر‌والتوزيع‪‌،‬بيروت‪‌2005‌،‬م‪‌،‬‬
‫ص‌‪.37‌-‌36‬‬
‫‪4‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .37‬‬

‫‪68‬‬
‫به ِ‬
‫فاسدو َن أعوُذ بحولِ َك من َش ِّر خْل ٍق إذا ما َف َس ْد‬ ‫ِ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫أهل الفسوق محارَم أزواج ْ‬
‫السوق َ‬
‫ُمبيحو َن في ّ‬
‫‪1‬‬
‫الوَل ْد‬
‫هم و َ‬

‫قضية الربا‪ ،‬واألسوأ من ذلك أن يكون‬


‫مجتمعية أخًلقية وهي ّ‬
‫ّ‬ ‫قضية‬
‫الشاعر في أبياته يتناول ّ‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫ّ‬
‫بأجنبيته عنها‪ ،‬ليبني‬
‫ّ‬ ‫غير آبه‬
‫خيًل َ‬
‫مصر َد ً‬
‫َ‬ ‫المرابي أجنبيًّا عن البلد‪ ،‬فيجتاز بلده ويأتي إلى‬
‫الخاصة‬
‫العامة و ّ‬ ‫ّ‬ ‫يخص‬
‫ّ‬ ‫ألن هذا الموضوع‬‫غصة‪ .‬و ّ‬
‫النيل‪ ،‬ما أودعَ في قلب الشاعر ّ‬ ‫اء ّ‬ ‫قصرهُ إز َ‬
‫َ‬
‫مآل البَلد في‬ ‫ِ‬
‫بينها؛ فهو َيشكو إلى هللا َ‬
‫العامة ومما ْقد تتداوله ما َ‬
‫ّ‬ ‫فكأنه ابتدأ أبياته مما في لغة‬
‫كيف يكون‬ ‫ِ‬
‫أن َ‬ ‫يستعجب ْ‬
‫ُ‬ ‫أحد َع ْدل في قضائه صمد‪ّ ،‬إال ّأنه‬ ‫أن هللا َ‬‫يقر ّ‬
‫ذاك ّأنه ُّ‬
‫مشهد عتاب‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫بأن هللاَ عليم بما ال‬ ‫ِ‬
‫يقر ّ‬
‫رحمة هللا‪ّ ،‬إنه ضمنيًّا ُّ‬ ‫امنا مع‬
‫دال لها تز ً‬
‫القضاء على هذه البلد بالشقوة َع ً‬
‫صعبا على الشاعر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يعلم‪ ،‬وأن ذلك من فقه العدل الذي يبدو فهمه‬

‫مشه َده مترّقًبا‬ ‫يصور الشاعر صورَة صرِح المرابي جانب ّ ِ‬


‫مستحضر َ‬
‫ًا‬ ‫مقربها بآلية بديعة‬
‫النيل ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫امنا وذكر الحسد‪ ،‬وكًلهما –المرابي الملتصقة به صفة الربا ‪ ،‬والحسد‪ -‬يتّفقان‬
‫خيرات النيل متز ً‬
‫بين يدي الناس‪ ،‬وتلك مآرب المرابي في مصر‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫ِ‬
‫النعمة من ِ‬ ‫في زوال‬

‫كأن نو ِاف َذ ُجدرانه ‪ ...‬نواظر ال يعتريها َرَم ْد‬


‫َّ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قطر المياه وترمُق ُه بعيون َ‬
‫الحس ْد‬ ‫تَ ُعُّد على ّ‬
‫النيل َ‬

‫موظفا ما قد تلجأ إليه –العامة‪-‬‬


‫ً‬ ‫الصفة‪،‬‬
‫العامة من هذه ّ‬
‫قصيدته بما تستعيذ منه ّ‬
‫َ‬ ‫لذا فقد احتََفلت‬
‫تحيل إلى تلك‬ ‫فكانت بعض تراكيبه‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫شعبية من قراءة المعوذات درًءا للحسد‪َ ،‬‬
‫في ذاكرتها الجمعية ال ّ‬
‫خلق إذا ما فسد" مع تباينه عن آي ِة األصل "ومن َش ِر ِ‬
‫حاسٍد إذا‬ ‫شر ٍ‬ ‫المعوذات من مثل‪" :‬من ِّ‬
‫ْ ّ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ ُ‬
‫الحسِد في‬
‫َ‬ ‫وصفة‬ ‫الفساد‬ ‫صفة‬ ‫فيه‪:‬‬ ‫الصفتين‬ ‫إلى‬ ‫ة‬
‫ر‬ ‫اإلشا‬ ‫التقنية‬ ‫هذه‬ ‫من‬ ‫يبغي‬ ‫ه‬ ‫أن‬
‫ّ‬ ‫ذاك‬
‫َ‬ ‫؛‬‫‪2‬‬
‫َح َس ْد"‬
‫ِ ِ‬
‫باعا‪.‬‬
‫ستحضر ت ً‬ ‫الم‬ ‫النص الظاهر وأخرى في ّ‬
‫النص الغائب ُ‬ ‫آن‪ ،‬وذاك مرة في ّ‬

‫مبني ًة على‬ ‫ِ‬


‫فلما كانت اآليات ّ‬ ‫اصل آيات المعوذات‪ّ ،‬‬ ‫ف قوافيه على ذات ما قفلت به فو ُ‬ ‫ظَ‬‫ثم ّإنه و ّ‬‫ّ‬
‫ِ‬
‫ص َم ْد‪َ ،‬بَل ْد‪َ ،‬وَل ْد ‪ ...‬إلخ "‪ ،‬ما‬ ‫السكون‪ ،‬فكذا كانت قوافيه ساكنة بما فيها التّصريع نحو " َ‬
‫أح ْد‪َ ،‬‬ ‫ّ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،2‬ص‌‪.158‬‬
‫‪2‬‬
‫‌الفلق‌‪‌ .5‌/‬‬

‫‪69‬‬
‫ط موضوعه بالفضاء القافوي للمعوذات المستحضرة‪ ،‬فهو يستعيذ بذلك كّلًيا َه ً‬
‫يكًل‬ ‫يجعله يحي ُ‬
‫العامة في يومها‪.‬‬
‫أن هذا كثير مما تتداوله ّ‬ ‫ومعنى‪ ،‬وال َّ‬
‫شك ّ‬ ‫ً‬

‫المقيدة قصيدته "اليوبيل الذهبي" لجمعية المساعي الخيرية المارونية‪:‬‬ ‫ِ‬


‫ومن أمثلة قوافيه ّ‬

‫هاد‬ ‫سين عاما في ِ‬


‫الج ْ‬ ‫جاوَز ْت ‪َ ...‬خ ْم َ ً‬
‫حي الجماع َة َ‬
‫ِ‬
‫ّ‬

‫هاد‬ ‫ضاء و ِ‬
‫ين‪ :‬الم ِ‬
‫من سبيَل ِ‬ ‫تَرقى الم ِ‬
‫االجت ْ‬
‫ْ‬ ‫عارَج ْ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫حاد‬ ‫الو ِ‬
‫فاق واالتّ ْ‬ ‫َدّل ْت بقدوِتها على َف ِ‬
‫ضل ِ‬
‫َ‬

‫المد األلف‬ ‫ِ‬


‫مد‪ ،‬وحرف ّ‬ ‫الجمع فقد جاءت قافيتها مردفة مسبوَق ًة بحرف ّ‬
‫ستلقى على َمسمع َ‬
‫ألنها ُ‬
‫وّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫األنس َب لمقا ِم‬
‫َ‬ ‫قوية‪ ،‬بل تكاد تكو ُن األقوى من بين حروف المد جميعها‪َ ،‬‬
‫فكان‬ ‫ذو صفة امتدادية ّ‬
‫بين صامتين (ص ح ح ص) ما يمنح الشاعر‬ ‫السمع على امتداد؛ فهو واقع ما َ‬
‫اإلنشاد لوضو ِح ّ‬
‫الجمعي ِة الخيرّية‪ ،‬وبمسيرتها الطويلة في ذلك‬
‫ّ‬ ‫شاعر هنا يشيد بأعمال‬
‫إن ال َ‬
‫حرّي َة المد كيف شاء‪ّ .‬‬
‫مخاطبا الجمع‬
‫ً‬ ‫بالتحية‬
‫ّ‬ ‫وليس في معانيها ما يبدو غر ًيبا على العامة‪ ،‬ويبدؤها‬
‫عاما)‪َ ،‬‬ ‫(خمسين ً‬
‫َ‬
‫حي"‪ ،‬حتّى إنّه في تَعداد مآثرها يتبع أسلوب التكرار والتكثير مما هو مألوف في عرف العامة‪،‬‬
‫" ِ‬
‫ّ‬
‫يقول‪:‬‬

‫السهاد؟‬
‫المبرح و ْ‬
‫أشكت ُه من أل ِم ّ‬
‫ْ‬ ‫شاكيا‬
‫َك ْم ً‬

‫ساد؟‬ ‫الحشي َة و ِ‬
‫الو ْ‬ ‫ّ‬ ‫شارًدا َآو ْت وقد ‪ُ ...‬ح ِرَم‬
‫َكم ِ‬
‫ْ‬

‫أفاد؟‬
‫العالمين بما ْ‬
‫َ‬ ‫أفاد‬
‫قًل َ‬‫كم َّثقَف ْت َع ً‬

‫‪2‬‬
‫شاد؟‬
‫الر ْ‬ ‫من ّ ِ‬ ‫فرَّد ‪َ ...‬‬
‫الضًلل إلى ّ‬ ‫عالج ْت ُخلًُقا ُ‬
‫َ‬ ‫كم‬
‫ْ‬
‫يخاطب جمعا من الحضور يراعي ِ‬
‫فيه‬ ‫ِ‬ ‫العامة‪ ،‬ما َيعني أ ّنه‬ ‫عن‬ ‫وكل تلك المآثر ليست بغر ٍ‬
‫يبة‬
‫ً َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كل واحد منهم‬
‫خاصا ّ‬
‫فردا ًّ‬
‫فردا ً‬
‫الجمعية ً‬
‫ّ‬ ‫تلك‬
‫القائمين على َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫بذكر‬ ‫يبدأ‬
‫النخبة والشعب‪ ،‬حتّى ّإنه َ‬
‫ٍ‬
‫ببيت شعر ّي‪ ،‬فيذكر "داود" و "ابن الجميل" و "مسكاتًا" و "باخس" "وابن مر از" حتّى في ذكر‬
‫أسلوبا شعبيًّا يقرب من النثرّية‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫ً‬ ‫مناقبهم يتّبع‬
‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،4‬ص‌‪‌ .46‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪‌ .‬‬

‫‪70‬‬
‫الجو ْاد؟‬
‫الس ْم ِح َ‬ ‫داودا " بذكرى ّ‬
‫همة ّ‬ ‫ص" ً‬ ‫أأخ ُّ‬
‫ُ‬

‫أياد ؟‬
‫من ْ‬ ‫الجمّيل " ْ‬
‫أأخص باإلطراء ما " البن ُ‬
‫ُّ‬

‫جاد ؟‬ ‫ص " ُمسكاتًا " ومهما ي ُّ‬


‫ستجد هلل ْ‬ ‫أأخ ُّ‬
‫ُ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من أفاضلِها الم ْ‬
‫داد؟‬ ‫ابن " مر از " ْ‬
‫باخ َس " و َ‬
‫أأخص " ُ‬
‫ُّ‬

‫أأخص " ميا " وهي في ‪ ...‬علي ِائها ذات ِ‬


‫انفرْاد؟‬ ‫ُّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ّ‬

‫قصيدتَه هنا‬ ‫ِ‬


‫المتبصر‬ ‫عرا‪ ،‬ف‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫تحد َث بها ش ً‬ ‫سطي َة التي ّ‬‫تسكينه القافية اللغ َة الو ّ‬
‫ُ‬ ‫افق‬
‫ولربما هنا و َ‬
‫ِ‬
‫للقائمين على‬
‫َ‬ ‫دح‬
‫الم ِ‬
‫اجب َ‬
‫يلبي و َ‬ ‫اعاة ألحوال نفسه ومشاعره ِبَق ْد ِر ما ّ‬
‫يجدها غيرّية‪ ،‬لم يكتبها مر ً‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يمتاز‬
‫بعد الوقف لما ُ‬ ‫هزة َ‬
‫أن به ّ‬ ‫جاء ساكًنا ّإال ّ‬ ‫الروي المختار "الدال" وا ْن َ‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫ظ ّ‬ ‫المًلح ُ‬
‫الجمعية‪ .‬و َ‬
‫ّ‬
‫يذوب فيها‬ ‫الممتد الذي قبَله لدى وصوله الصامت هنا‬ ‫المد‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ذاك ّ‬ ‫إن َ‬
‫به من سمة جهرّية انفجارّية‪ّ ،‬‬
‫الجو ْاد ‪ /‬أي ْاد‬ ‫ِ‬
‫تلمس ذلك من خًلل مًلحظة النطق المتتابع لكلمات القافية ( َ‬ ‫مصد ًار دويًّا‪ ،‬يمكن ّ‬
‫داد ‪ِ /‬‬
‫انفرْاد )‪.‬‬ ‫ِ‬
‫جاد ‪ /‬الم ْ‬
‫‪ْ /‬‬

‫ومما ِ‬
‫يلف ُت االنتباه في قوافيه‪ ،‬تقصده الخروج عما ألفته القصيدة العربية‪ ،‬فنوع القوافي في ِ‬
‫شكل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ ّ‬ ‫ّ‬
‫أنماط عدة بعضها َقريب مما كان قد أتى ِ‬
‫به العباسيو َن في خرق النظام من قبل‪ ،‬وبعضها اتّخذ‬ ‫ٍ‬
‫ّ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫تنوٍع في قوافيه؟‬
‫الشاعر إلى ّ‬
‫ُ‬ ‫أن السؤال المطروح في هذا المقام‪َ :‬لم يلجأ‬
‫خاصا‪ّ .‬إال ّ‬
‫نحى ًّ‬
‫فيه َم ً‬
‫هل ألن مفردات قوافيه محدودة‪ ،‬فلم يعد بمقدوره استمرار النظم على ح ٍ‬
‫رف واحد؟ ْأم أن بغيته‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫يروم‬ ‫ٍ‬
‫بتنوع القوافي إلى معان ُ‬
‫المقدس في الشعر فقط؟ أم ّأنه يحيل ّ‬
‫الثورة على ما ُعّد من حكم ّ‬
‫إنشادها فيما ينظم؟‪.‬‬

‫ك أن مطران الناظم ملحمته "نيرون" على ٍ‬


‫قافية واحدة وعدة أبياتها ‪ 327‬بيتًا على الرمل‪،‬‬ ‫َ ّ‬ ‫ال ش َّ ّ‬
‫ليس سوى‬‫إن استرساله في هذه القصيدة َ‬ ‫مما ُيطعن في مخزون مفرداته ومعجمه الشعر ّي‪ّ ،‬‬ ‫ليس ّ‬
‫َ‬
‫األولو َن وزيادة‪ ،‬وال َّ‬ ‫تحد منه أنه ِ‬
‫ٍ‬
‫عصر‬
‫أن ال َ‬ ‫شك ّأنه يرى ّ‬ ‫يأتي بمثل ما أتى به ّ‬
‫َ‬
‫قادر على أن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المقدسات التي وضعها َم ْن قبَلنا على‬
‫الخاصة‪ ،‬فًل تحجر ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن يكو َن له سمته الشعرّية‬
‫بحاجة إلى ْ‬
‫متطلبات‬
‫ّ‬ ‫إن القدامى أجادوا أيَّما إجادة في تعابيرهم الشعرّية عن‬
‫بوح الشعراء المعاصرين‪ّ ،‬‬
‫فألنهم استطاعوا أن يتمّثلوا بيئتهم ومحيطهم وحياتهم فيها‬
‫عصرهم‪ ،‬واّنما كان ذلك كذلك‪ّ ،‬‬

‫‪71‬‬
‫وأغراضا ليست بالضرورة أن يرثها عنهم من بعدهم‪ ،‬فحتى يجيد الًلحق ما أجاد السابق ِ‬
‫عليه أن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ً َ‬
‫تغيير القوافي‬
‫َ‬ ‫عدة ذلك‬
‫آل إليه‪ ،‬فكان ّ‬
‫ذات ما تمّثله من حرّية توافق طباعه والعصر الذي َ‬
‫يتمثّ َل َ‬
‫قصد بها معان متعددة‪.‬‬
‫في هيئة أنماط عدة‪ ،‬التي قد ُي ُ‬

‫ومن تلك األنماط التي اتّبعها مطران في شعره‪ ،‬قصيدة " يوم البرميل "‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫ِق رو ِح‬
‫صار ز َّ‬ ‫بيح ‪ِ َ ...‬‬
‫كان برو ٍح َ‬ ‫برميلك ال ّذ ِ‬
‫َ‬ ‫لهفي على‬

‫اندَلقا ‪َ ...‬م ْحموُل ُه َو َم ْن تَقاوى ْانَفَلقا‬


‫ين حتّى َ‬
‫طُ‬ ‫َتنّف َخ الب ّ‬

‫‪1‬‬
‫ضي ِع‬ ‫اح َرًبا َ ِق‬ ‫يا عجبا لِ ِ‬
‫الم ّ‬
‫للع َر ُ‬ ‫ص َرِع ‪ ...‬و َ‬
‫ذاك ال َم ْ‬
‫هول َ‬ ‫َ ًَ‬
‫ظ هنا أن ال اطراد في القافية؛ إذ كل بيت ينتهي بقافية مغايرة عن الذي بعده‪ ،‬مع ِ‬
‫لفت‬ ‫المًلح ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫و َ‬
‫ظهر في‬ ‫ِ‬
‫ذاك كان قد َ‬
‫صرع‪ ،‬فيتّفق شط اره بذات الروي‪ ،‬ومن أمثال َ‬ ‫أن كل بيت ُم ّ‬‫االنتباه إلى ّ‬
‫أن‬
‫سبق توضيحه واصطلح ّأنه "المزدوج" ‪ ،‬والمًلحظ من األبيات ّ‬
‫‪‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫العصر العباسي‪ ،‬وهو ما‬

‫الشاعر يروي ّ‬
‫قصة انفجار هذا البرميل وتوابع ذلك‪ ،‬وقد استعمل بحر الرجز لغرضه‪.‬‬

‫يعد من أشكال التجديد‬


‫يوضح شوقي ضيف في كتابه "العصر العباسي األول"‪ّ ،‬‬
‫وهذا الشكل كما ّ‬
‫وعادة يكون على هذا البحر‪ ،‬وتنسب للوليد بن يزيد‬
‫ً‬ ‫في القوافي قد ظهر في العصر العباسي‪،‬‬
‫من استحدثه‬‫وقيل ّإنه ّأول ْ‬
‫منظومة على نحو هذا الطراز صاغ فيها خطبة من خطب الجمعة‪َ ،‬‬
‫بعد إذ ظهر الشعر التعليمي‪ ،‬فنظم عليه "إبان‬
‫اشتُهر هذا الضرب َ‬ ‫العباسيون من بعد‪ّ ،‬‬
‫ثم ْ‬ ‫ثم تًله ّ‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫بن عبد الحميد " كل ما صاغه من قصص وتاريخ وعلم ودين ‪.‬‬

‫إن له منظومة على مجزوء الرجز وهي "شهيد المروءة وشهيدة‬‫ثم ّ‬


‫وكذا انتهج مطران نهجهم‪ّ ،‬‬
‫تنوع القوافي‪ ،‬ليتيح له حرّية‬ ‫ِ‬ ‫وعدتها ‪ 187‬بيتًا‪ .‬وال َّبد ّ‬
‫السرد هو ما نحا به إلى ّ‬
‫طول ّ‬
‫أن َ‬ ‫الغرام" ّ‬
‫حسب ما ُتلزم القافية فًل تحجر‬
‫َ‬ ‫معينة‬
‫استرساال دونما اإلجبار على التقيد بكلمات ّ‬
‫ً‬ ‫في التعبير و‬
‫ذهب‬
‫َ‬ ‫عليه تعبيره‪ ،‬وله قصيدة بعنوان "رسالة مفاكهة" أرسلها إلى الصديق أسعد نقوال إذ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،4‬ص‌‪‌ .73‬‬
‫‪‌‬ورد‌ذكره‌ص‌‪‌24‬من‌هذا‌البحث‪‌ .‬‬
‫‪2‬‬
‫‌ضيف‪‌،‬شوقي‪‌،‬العصر العباسي األول‪‌،‬ط‌‪‌،8‬دار‌المعارف‪‌،‬القاهرة‪‌،‬د‌‪‌/‬ت‪‌،‬ص‌‪.197‌–‌196‬‬

‫‪72‬‬
‫الءمها هذا النوع من الشعر‪،‬‬ ‫ألن الرسال َة إلى ّ ِ‬
‫النثر أقرب فقد َ‬ ‫لًلصطياف مع أسرته في لبنان‪ ،‬و ّ‬
‫فكان ْت كما الرسائل اإلخوانية ّإال ّأنه ألزمها وزًنا‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫َ‬

‫الحاضر ‪ ...‬في قلِب َي‪ ،‬الغائب ْ‬


‫عن َنواظري‬ ‫ِ‬ ‫العز ِ‬
‫يز‬ ‫الصديق َ‬
‫إلى ّ‬

‫األنس وال ِج ِ‬
‫نان‬ ‫ِ‬ ‫بين ِر ِ‬
‫ياض‬ ‫السارِح المارِح في " ِ‬
‫لبنان" ‪َ ...‬‬ ‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫الشوافي‬
‫النسائم ّ‬ ‫الناشق‬
‫الصافي ‪ّ ...‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الشارب الماء القراح ّ‬

‫(القصة‬ ‫أصل نثري‬‫ٍ‬ ‫عر ذات‬‫جناس التي تمّثَلها ِش ًا‬ ‫مباشر خطابيًّا‪ ،‬ولما ِ‬
‫ّ‬ ‫كانت األ ُ‬
‫ّ َ‬ ‫ًا‬ ‫إن أسلوبه يبدو‬
‫ّ‬
‫منو َع َة القوافي‪ ،‬ذات وزٍن‬ ‫ِ‬ ‫فإنها ال بّد تُ ِ‬
‫فبدت ّ‬ ‫ظ على نثرّيتها مهما تَزّيت شاعرّية‪َ ،‬‬
‫حاف ُ‬ ‫ُ‬ ‫والرسالة)‪ّ ،‬‬
‫التنوع في ذاته‪ ،‬واّنما لمًلءمته‬ ‫ٍ‬
‫ليس ألجل ّ‬ ‫التنوع َ‬
‫قريب من النثر‪ .‬إذن فمطران الذي عمد إلى هذا ّ‬
‫أغراضا ما كانت قد شاعت عند األقدمين ف ِلزم أن يختار لها ما ِ‬
‫يناسُبها‪ ،‬ال أن يتمثّ َل ما ال‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫عصره‪.‬‬
‫َ‬ ‫يناسب‬
‫ُ‬

‫وينتقل إلى أخرى‬ ‫ومن مظاهر تنويعه القوافي تناوب قصيدة له على قافيتين‪ِ ،‬‬
‫فينظ ُم نصفها بقافية‬
‫ُ‬
‫غير في المعاني‬
‫تغير القوافي ت ّ‬
‫لك؟ وهل في ّ‬ ‫مع إبقائه البحر على حاله‪ ،‬فماذا يعني ذ َ‬
‫مغايرة َ‬
‫قصيد ِة "وداع لعام ‪ "1911‬في حفلة أقيمت ليل َة رأس‬
‫َ‬ ‫والمواضيع داخل القصيدة الواحدة؟ يقول في‬
‫السنة‪:‬‬

‫نخ ِل‬ ‫الح ْم َد ِم ْن َس َن ٍة ‪َ ...‬‬


‫ط َوْيناها وَل ْم َ‬
‫ِ‬
‫َأب ْيت َ‬

‫أخو ِاتها األ َُو ِل‬ ‫ِ‬


‫ض ْت َحوادثُها ‪ ...‬إلى َ‬
‫ض ْت َو َم َ‬
‫َم َ‬

‫ط ِل‬
‫فطال َمًدى ‪ ...‬وما َس َّر ْت وَل ْم َي ُ‬
‫َ‬ ‫ساء ْت‬ ‫ِ‬
‫بما َ‬
‫ِ‪2‬‬
‫مهل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َعلى َع َجل َوَن ْح َسُبها ‪ ...‬لما ثَُقَل ْت على َ‬

‫تظهر‬
‫ُ‬ ‫طال انقضاؤها‪ ،‬وهنا‬
‫َ‬ ‫وساء ْت حو ِادثُها حتّى‬
‫َ‬ ‫أن هذه السن َة كانت ثقيَل ًة على الشاعر‪،‬‬
‫يبدو ّ‬
‫من ِ‬
‫وقت السرور بدا قصي ًار‬ ‫طال‬ ‫ِ‬
‫النفسية تجاهها فانعكست رؤيتُه على أوقاتها‪ ،‬فما َ‬ ‫ّ‬ ‫حال الشاعر‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪‌ .168‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ج‌‪‌،2‬ص‌‪‌ .96‬‬

‫‪73‬‬
‫ٍ‬
‫شيء معها‪،‬‬ ‫كل‬ ‫ِ‬
‫جرفت ّ‬
‫بعد إذ وّلت َ‬
‫ثقيًل‪ ،‬حتّى إنها َ‬
‫ويًل ً‬
‫ط ً‬
‫أوقات السوء بدا َ‬ ‫قصر من‬‫وما ُ‬
‫الشاعر ذلك بقوله‪:‬‬
‫ويصور ّ‬
‫ّ‬

‫جب ِل‬ ‫ِ‬


‫السيل من َ‬
‫ط ّ‬ ‫توّلت و ْهي ِ‬
‫جارَفة ‪ُ ...‬هبو َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ِ‪1‬‬
‫ص ْخ ِر ِ‬
‫القاع واْل َو َحل‬ ‫ِ‬
‫ورمى مواقعه ‪ ...‬ب َ‬
‫طغى َ‬
‫َ‬

‫الكسر على الًلم– ِ‬


‫مناس َب ًة‬ ‫ِ‬ ‫إشباع‬ ‫ط ٍع طويل (ص ح ح) –باعتماد‬
‫ذات مق َ‬
‫ِ‬ ‫قافيتَه َ‬
‫الشاعر َ‬
‫وينتقي ّ‬
‫يصور نفس ُه‬ ‫الم َم ّكن تجسيد لألسى الذي بدا منها‪ّ ،‬إنه‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫للجو العا ِم ألبياته‪ ،‬حتّى في الكسر ُ‬
‫ّ‬
‫قبل ِ‬
‫قافيته‪،‬‬ ‫أن المقطعين القصيرين اللذين وصلهما من ِ‬
‫الكسيرة التي لم تأنس بحوادث السنة‪ ،‬كما ّ‬
‫النغمة مع الفتحة من ِ‬
‫قبل‬ ‫ِ‬ ‫غن َة ا ِ‬
‫تتصاعد ّ‬
‫َ‬ ‫عند الًلم‪ ،‬فما إن‬
‫أوجها َ‬ ‫نكساره تتصاعد لتص َل َ‬ ‫يجعل ّ‬
‫ُ‬
‫أضعف منها‪ ،‬ويمكن تمثّل ذلك من خًلل تلّفظ كلما ِت‬
‫َ‬ ‫مد ًة‬
‫تنصهر فيها وتستطيل ّ‬ ‫َ‬ ‫الكسرة حتّى‬
‫ذكر المآسي التي‬‫ط ِل ‪ /‬مه ِل ‪َ /‬ج َب ِل ‪ /‬مه ِل )‪ ،‬وهكذا يستمر الشاعر في ِ‬
‫قافيته‪َ ( :‬ن َخ ِل‪ /‬األ َُو ِل ‪َ /‬ي َ‬
‫ََ‬ ‫ََ‬
‫أبياته إلى أن يقول‪:‬‬ ‫خّلفتها هذه السنة بقي َة ِ‬
‫ّ‬

‫صدورنا ِب ْش ار‬
‫ِ‬ ‫ويا َس َن ًة لقيناها ‪ ...‬بملء‬

‫البشرى‬
‫البؤسا ‪ ...‬وهاتي آي َة ُ‬
‫أزيلي آي َة ُ‬

‫األدم َع الحم ار‬ ‫ألم ِبنا ‪ ...‬وأجرى‬ ‫ِ‬


‫إليك بما َّ‬
‫ُ‬
‫‪2‬‬
‫عد كدرتها ‪ُ ...‬دموعُ المقَل ِة َّ‬
‫الشكرى‬ ‫صُف َو َب َ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫لتَ ْ‬

‫قبًل‪ِ ،‬فتْل َك َس َنة وّل ْت‪،‬‬


‫تحد َث عنها ً‬
‫نفسها السن َة التي ّ‬
‫إن السن َة التي يذكرها الشاعر هنا ليست َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫البؤس‬ ‫ِ‬
‫فضاء‬ ‫فإنه ِ‬
‫يعقُد عليها آماَل ُه‪ ،‬فينتقل من‬ ‫وهذه سنة هّلت ( ‪ 1912‬م)‪ ،‬وا ْذ ّإنها في بدايتها ّ‬
‫تمحو ما خّلفته السنة‬ ‫ويتمنى عَليها أن‬ ‫مع األخرى‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫نفسي أبرح َ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫فضاء‬ ‫الذي خّلَفته األولى‪ ،‬إلى‬
‫بينهما‬ ‫ِ‬
‫قبَلها من سوء كما يتّضح في البيت الثاني من األبيات السابقة‪ ،‬حتّى ّإنه يعقُد مقابلة ما َ‬
‫فتتغي ُر الحال؛ ولذا فَق ْد عمد الشاعر إلى تغيير‬
‫ّ‬ ‫آثار السنة الماضية‬
‫آمًل أن تزيل السنة القادمة َ‬
‫ً‬
‫حال الكسر والغم إلى ٍ‬
‫حال من االنفراج‬ ‫قافيته بما يتًلءم والفضاء الذي انتقل إليه‪ّ ،‬إنه يخرج من ِ‬
‫َ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان‌الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،2‬ص‌‪‌ .97‌–‌96‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .98‌–‌97‬‬

‫‪74‬‬
‫رويها‬
‫اختار ّ‬
‫دونما عارض (ص ح ح) و َ‬ ‫مشب ٍع في أصله َ‬
‫مقطع مفتوح َ‬
‫ٍ‬ ‫واألمل‪ ،‬فانتقى قافيتَه ذات‬
‫صوت أبهج وأوضح من ذي قبل (را)‪ ،‬وفي األلف ِ‬
‫امتداد أقوى مما في َ‬
‫الكسر‪ ،‬وفي‬ ‫ٍ‬ ‫مفتوحا ذا‬
‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫ً‬
‫ولعل في ذلك إشارة إلى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫هو آت‪ّ ،‬‬ ‫الراء تَكرار وجلبة تنم َعن استهًلل وفرح معقود بأمل على ما َ‬
‫ٍ‬
‫كلمات مقّفاة‪ِ ( :‬بش ار ‪ُ /‬بشرى ‪ُ /‬حم ار ‪َ /‬شكرى)‪،‬‬ ‫المؤملة‬ ‫أنفاسه‬
‫ّ‬ ‫فجس َد َ‬‫االنشراح الذي يأمل إيجاده‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫قصيدته اآلخر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لفضاء‬ ‫فكانت مًلئمة‬
‫َ‬

‫النفسية‬
‫ّ‬ ‫وثنائية في الفضاءات‬
‫ّ‬ ‫ثنائية القافية عنده تعني ثنائية في الموضوع‬
‫أن ّ‬ ‫ف ّ‬ ‫ومن ُهنا ُي ْستَ َش ُّ‬
‫آناء‬
‫وعي منه َ‬‫دونما ٍ‬‫النظم أو َ‬ ‫عنده عن قصدية مسبقة من َقبل ّ‬‫اء نتج ذلك َ‬ ‫في قصيدته‪ ،‬سو َ‬
‫فإن اختراقه النسق‬ ‫كتابتها في ٍ‬
‫كان ّ‬
‫قصدية ذلك‪ -‬وأيًّا َ‬
‫ّ‬ ‫حالة شعورّية ما ‪-‬وا ْن كانت الباحثة ترتئي‬
‫معان تفيض بها نفس الشاعر فًل‬‫ٍ‬ ‫أجل الرغبة‪ ،‬بل ليحيل إلى‬
‫القديم ليس لرغبته في الثورة عليه َ‬
‫انتقاصا منه بل‬ ‫ليست‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫بات في مرأى الشاعر أن ضرورة تجاوزه َ‬
‫مقد ُس القديم‪ ،‬ألنه َ‬
‫سوُر حرَفه ّ‬
‫ُي ّ‬
‫ابتداء منه إلى ٍ‬
‫آفاق أرحب تتسع ما لم تتسعه في الماضي‪.‬‬

‫وكل‬
‫سمى بـ "المسمطات" وهي "قصائد تتأّلف من أدوار‪ّ ،‬‬
‫تنوعه القوافي نظمه ما ي ّ‬
‫ومما يلفت في ّ‬
‫ّ‬
‫الشطر‬
‫بعة شطور أو أكثر‪ ،‬وتتّفق شطور كل َدور في قافية واحدة ما َعدا ّ‬‫يتركب من أر ِ‬
‫دور ّ ُ‬
‫الشطور األخيرة في األدوار‬
‫مع ّ‬ ‫ِ‬
‫حد فيها َ‬
‫يستقل بقافية مغايرة‪ ،‬وفي الوقت نفسه يتّ ُ‬
‫ّ‬ ‫فإنه‬
‫األخير‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬
‫كان عدد أشطره في كل دور ثًلثة أشطر‪ ،‬فكانت أقل مما‬ ‫نظم ما َ‬‫َ‬ ‫ان‬
‫ر‬ ‫ط‬ ‫م‬ ‫َّ‬
‫أن‬ ‫إال‬
‫ّ‬ ‫‪،‬‬ ‫المختلفة"‬
‫ف في التعريف السابق‪.‬‬ ‫ُع ِّر َ‬

‫واألمثلة على ذلك كثيرة‪ُ ،‬يختار منها قصيدة "االقتران" التي أنشدت في حفلة زفاف كريمة آل‬
‫طنبة إلى الفاضل سليم بسترس بك المحامي‪ ،‬يقول فيها‪:‬‬

‫ِ‬
‫ميقات‬ ‫حس ِه إلى‬
‫ِ‬
‫عن ّ‬
‫نام ْ‬
‫ِ‬
‫كان ليل وآدم في ُسبات ‪َ ...‬‬
‫َ‬

‫أمر ِ‬
‫آت‬ ‫ِ‬
‫الظلمات ‪ ...‬خاشعات رجاء ٍ‬
‫َ‬ ‫هد ِأة‬
‫والبرايا في ْ‬

‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫عن آي َة‬
‫يتوّق َ‬

‫اجد ‪ ...‬من ب ٍ‬
‫عيد واألُْفق ٍ‬
‫جاث كعاِب ْد‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫هن َسو ِ ْ‬
‫الربى في مسوح َّ‬
‫و ُّ‬

‫‪1‬‬
‫‌ضيف‪‌،‬شوقي‪‌،‬العصر العباسي األول‪‌،‬ص‌‪.198‬‬

‫‪75‬‬
‫ونجوم الثرى سو ٍاه سو ِ‬
‫اهد ‪ ...‬ونجوم العلى رو ٍ‬
‫ان شواهد‬ ‫ُ ُ‬
‫ِ‬
‫ذاهًلت‬ ‫عن من َع ٍل‬
‫يتطّل َ‬

‫عود‬ ‫موح ًشا النفر ِ‬


‫اده في الس ِ‬ ‫الخلود ‪ِ ...‬‬
‫ِ‬ ‫آدما في‬
‫ّ‬ ‫ظ َر هللاُ ً‬
‫َن َ‬

‫النقص في المستز ِيد ‪ ...‬فرأى أن ُيتم ُه في الو ِ‬


‫جود‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُم ْستَز ًيدا و ّ ُ‬

‫يك ٍة في الحياة‬
‫ِ‪1‬‬
‫ٍ‬
‫بعروس شر َ‬

‫وحيدا‬ ‫ِ‬
‫كان ً‬‫بين آدم وحواء‪ ،‬إذ َ‬
‫وقصة االتّحاد األول ما َ‬
‫ّإن ُه يبدأ تهنئته باإلشارة إلى فلسفة الزواج‪ّ ،‬‬
‫سردية كل ٍ‬
‫دور يتمتّع بخصائص‬ ‫ٍ‬
‫لوحات شعورّية وأدو ٍار‬ ‫ويقدم ذلك في هيئة‬
‫ّ‬ ‫فآنسه هللا بأنثاه‪ّ ،‬‬
‫دور بعضا من ِ‬
‫األول‬
‫الدور ّ‬
‫اإليقاعية لقافية ّ‬
‫ّ‬ ‫السمة‬ ‫كل ٍ ً‬ ‫قافوية متباينة عن اآلخر‪ّ ،‬إال ّأنه ُيبقي في ّ‬
‫ّ‬
‫داخل‬ ‫تنوعات‬ ‫ويجعُلها خي ً ِ‬
‫َ‬ ‫تنوع قوافيها يريد أ ْن يقول ّإنها كّلها ّ‬
‫طا ناظ ًما لها كّلها‪ ،‬وكأنه في ّ‬ ‫َ‬
‫تنوع على المستوى الداخلي للقصيدة الواحدة‪.‬‬ ‫موضوع واحد‪ ،‬أو هو ّ‬

‫اضحا‪ ،‬هدوء المترّق ِب ًا‬


‫أمر بحذر‪ ،‬فالكل‬ ‫هدوءا و ً‬
‫ً‬ ‫شهِد‬
‫الم َ‬
‫األول على َ‬
‫الدور ّ‬ ‫ُيضفي الشاعر في ّ‬
‫مجسدا ذلك‪ :‬فالليل يصحبه هدوء‬ ‫اكيب ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫يحشد تر َ‬
‫ف ُ‬‫تقب سكين ًة‪،‬‬
‫الوحدة التي تر ُ‬
‫خاشع هادئ هدوء َ‬
‫حسه" تجسيد للهدوء حتّى‬
‫خلد إلى سباته؛ ففي قوله "نام عن ّ‬
‫النهار‪ ،‬وآدم َ‬
‫يقابله تغييب صخب ّ‬
‫حين‪ ،‬وفي التعبير "هدأة الظلمات" انعكاس للهدوء على الطبيعة من ِ‬
‫حول آدم فكانت خاشعة‬
‫جاءت قافيتُه مًلئم ًة لألم ِر الهادئ المترّقب‪ ،‬ممتدة واضحة‬
‫ْ‬ ‫ترتجي اآلي َة المترّقبة؛ و ِ‬
‫ألجل ذلك‬
‫متمثلة بألف المد ذي النغم المرتفع‪ ،‬الذي يأخذ في الخفوت لدى نطق التاء المكسورة‪ ،‬وهذا‬
‫من األلف‪ ،‬ما يضفي‬ ‫الهدوء مقتبس من سمة الهمس في التاء والكس ِرة التي تبدو َّ‬
‫أخف صوتًا َ‬
‫الن ِ‬
‫فس واستئناسها وحنوها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سكنة ّ‬‫لألمر المترّقب الذي يشير في جوهره إلى َ‬ ‫هذه الصفة المًلئمة‬
‫إلى زوجها واطمئنانها‪.‬‬

‫طر من‬ ‫ِ ِ‬
‫كل َش ٍ‬ ‫مسيطر على الموضوع فقد َّ‬
‫نهاية ّ‬
‫قار في َ‬
‫امتد واجتمع الهدوء ًّا‬ ‫ًا‬ ‫األمر‬
‫ُ‬ ‫وليبقى هذا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعض‬ ‫كل َدور‪ ،‬في إشارة إلى اتّحاد أجزاء الموضوع وارتدادها إلى َجوه ِر ّ‬
‫السكن وان بدا منها ُ‬ ‫ّ‬
‫طبيعية تترّقب‬ ‫ذاهًلت"‪ ،‬وهو وصف ٍ‬
‫حال لمظاهر‬ ‫ْ‬ ‫من َع ٍل‬
‫عن ْ‬
‫صخب‪ ،‬كما في الشطر "يتَطّل َ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪‌ .138‬‬

‫‪76‬‬
‫يك ٍة في‬ ‫ٍ‬
‫"بعروس شر َ‬ ‫الشطر األخير من الدور الذي بعده‬ ‫ٍ‬
‫حل آلدم‪ ،‬إلى أن يتم األمر في ّ‬
‫نزول ّ‬‫َ‬
‫وكذا سكنت‬ ‫تم الوجود واكتمل‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الحياة" وهي جملة تضمينية للشطر الذي قبلها‪ ،‬إذ بهذه الشريكة ّ‬
‫الروح للروح‪.‬‬

‫ٍ‬
‫لوحات‬ ‫يقدم‬ ‫بالكلية ِ‬
‫بقدر ما ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن الشاعر ال يبغي بتنويع القوافي الخروج عن الموضوع‬
‫يبدو ّ‬
‫األخير من أدوارها صلة لها أجمع‪ ،‬ومن ذلك قصائده‬
‫َ‬ ‫الشطر‬
‫فاختار ّ‬
‫َ‬ ‫ينظمها شيء مشترك‪،‬‬
‫طاهر" و "تهنئة بقران الصديق الوجيه جورج دياب" و "نشيد تًلمذة‬
‫طفل ال ّ‬
‫الشهيد" و "ال ّ‬
‫""الجنين ّ‬
‫بالزهر"‬
‫األرض ّ‬‫ُ‬ ‫المدرسة البطريركية" و "نشيد المرشدات اللبنانيات بزحلة" و "عروس فرشت لها‬
‫بيانها في‬
‫وجداني وسيأتي ُ‬ ‫أسلوب َقصصي‬ ‫ٍ‬ ‫بعض قصائده هذه ذات‬
‫أن َ‬ ‫وغيرها‪ ،‬ويمكن مًلحظة ّ‬
‫ّ‬
‫مًلئما لها هذا ا ّلنوع الشعري‪ ،‬فيقول مثًل في‬ ‫فكان‬
‫لحن‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫وبعضها أناشيد‪ ،‬نظمت ُلت ّ‬
‫ُ‬ ‫فصل الحق‪،‬‬
‫نشيد المرشدات اللبنانيات‪:‬‬

‫الع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫من َأد ٍب و ُ‬ ‫ِ‬


‫صر‬ ‫ط ْه ِر ‪ْ ...‬‬
‫ومن َذكاء في َبنات َ‬ ‫َخ ْي ُر الحلى ْ‬

‫ِ‬
‫البنات في ُربى ِ‬
‫لبنان‬ ‫ِحلى‬

‫الز ِ‬
‫ينات‬ ‫هللِ د ُّرهن من ِ‬
‫بنات ‪َ ...‬ج َم ْع َن ِم ْن َرو ِائ ِع ّ‬ ‫َ َُ ْ‬

‫الغواني‬ ‫ِ‬
‫أجم َل ما تَ ْحلى به َ‬
‫َ‬
‫الزم ِن الع ِ‬ ‫ِ‬
‫تيد‬ ‫نور ّ َ َ‬ ‫ط ِن َ‬
‫الجديد ‪َ ...‬و ُه َّن ُ‬ ‫ُه َّن َر ُ‬
‫جاء اْل َو َ‬

‫ط ُع ُم ْش ِرًفا على األزمان‬


‫َي ْس َ‬

‫ضعن في اْلح ِ‬
‫ياة َمطَلبا‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َ‬ ‫ص ُعبا ‪َ ...‬وال ُي ْ َ‬
‫َيُق ْم َن بالواجب مهما َ‬
‫‪1‬‬
‫قوةُ العمر ِ‬
‫ان‬ ‫ِ ِ ُّ‬
‫به تَعز ّ‬
‫يستعمل مطران هنا المثلثّات دون المخمسات‪ ،‬كما أن سرع َة االنتقال إلى قافية جديدة ِ‬
‫فيه أكبر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫تمر في شطرين فتنتقل إلى األخرى‪،‬‬
‫تمر في أربعة أشطر بخًلف هذه التي ّ‬ ‫المخمسات التي ّ‬
‫ّ‬ ‫من‬
‫الرجز‪ ،‬البحر الرئيس في‬
‫ظم على بحر ّ‬ ‫ِ‬
‫المخمس إلى المزدوج‪ ،‬حتّى ّإنه ُن َ‬
‫ّ‬ ‫من‬
‫أقرب َ‬
‫النوع ُ‬
‫إن هذا ّ‬
‫ّ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،3‬ص‌‪‌ .139‬‬

‫‪77‬‬
‫يقدم لوحات‬
‫النثر‪ّ .‬إنه ّ‬ ‫ِ‬
‫جنس ّ‬ ‫أقل يقترب من أن يكو َن من‬
‫وكأنما مستوى الشاعرّية هنا ّ‬
‫المزدوج‪ّ ،‬‬
‫ط يعيده إلى‬
‫طا األخبار بخ ّ‬ ‫ٍ‬
‫وصف إلى آخر‪ ،‬راب ً‬ ‫منتقًل من‬
‫ً‬ ‫وصفية إخبارّية عن هؤالء المرشدات‪،‬‬
‫ّ‬
‫األول‪.‬‬
‫الدور ّ‬
‫ٍ‬
‫حد‬ ‫ِ‬ ‫بعض قصائده ي ِ‬
‫عم ُل عقَل ُه َّ‬ ‫ِ‬
‫نفسه ما ال ُي َلزْم‪ ،‬وتأتي قوافيه على ّ‬
‫الصنعة‪ ،‬فيلزم َ‬
‫حد ّ‬ ‫ُ‬ ‫كما ّأنه في‬
‫مثًل في قصيدته " بطاقة عاشق "‪:‬‬ ‫كبير من مواضع أحرف االتّحاد فيها‪ ،‬يقول ً‬

‫منا ِبطاقه‬
‫منى ‪َ ...‬يكو ُن ّ‬ ‫َل ْو َّ‬
‫أن ما نتَ ّ‬

‫ضيت ِبطاقه‬
‫أه َد ْي ُت َجّن َة َوْرٍد ‪َ ...‬وما َر ُ‬
‫ْ‬

‫مت هذي اْلِبطاقه‬ ‫لكنني ِم ْن ِدمائي ‪َ ...‬ن َ‬


‫‪1‬‬
‫ظ ُ‬ ‫ّ‬

‫وكأنه يتِّب ُع ما اتّبعه أبو العًلء في لزومياته ‪ ،‬وا ْن َ‬


‫‪2‬‬
‫ألزم‬
‫كان في قصيدته هذه يلزم قوافيه أكثر ما َ‬
‫يسمى‬
‫تحت ما ّ‬
‫معنى َ‬ ‫تختلف ً‬
‫ُ‬ ‫بالك ّلية ّإال ّأنها‬ ‫المعري قوافيه‪ ،‬حتّى ّإنها تكاد تكو ُن متطابقة ً‬
‫مبنى ُ‬ ‫ّ‬
‫أن "بطاقه" األولى أتت بمعنى القدرة واإلمكانية‪ ،‬واذ‬ ‫المقطوع ِة َق ً‬
‫بًل ّ‬ ‫َ‬ ‫ظهر في‬
‫التام‪ .‬فكما ي ُ‬
‫الجناس ّ‬
‫يكسر‬ ‫ار ّإال ّأنه‬
‫ثم تكرًا‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫أن ّ‬
‫يحس ُب ّ‬
‫فإنه َ‬
‫تتكرر الكلمة على مسمع المتلقي في البيت من بعدها‪ّ ،‬‬
‫أن معنى الثانية غير األولى وهكذا األخيرة غير الثانية‪ ،‬فهما تحمًلن‬ ‫عنصر توّقعه ِ‬
‫ليدر َك ّ‬ ‫َ‬
‫المعاني‪ :‬باقة الورد‪ ،‬و الورقة المكتوبة على التوالي‪.‬‬

‫مثًل‪:‬‬
‫بقية القصيدة‪ ،‬يقول ً‬
‫األمر نفسه في ّ‬
‫و ُ‬
‫وكأن َلم ‪ ...‬تُ ِ‬
‫ًلحظي َفأُالما‬ ‫ِ‬
‫الحظتني‪ْ ْ َ ،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫أعّفة ْأم َدالل ‪َ ...‬يز ُيدني آالما‬

‫أم ِقسمة ُق ِسمت لي ‪َ ...‬فَلم ِ‬


‫أص ْب ّإال ما ‪...3‬‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫ْ َْ‬

‫فمركبة من‬
‫أما األخيرة ّ‬
‫من اللوم وهي فعل‪ ،‬في حين الثانية اسم وهي جمع "ألم" ّ‬
‫الم" األولى َ‬‫فـ "فأ َ‬
‫أضمر صلة الموصول ليستقيم الوزن‬
‫َ‬ ‫أداة االستثناء "إال" واالسم الموصول "ما"‪ ،‬مع مًلحظة ّأنه‬
‫َ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان‌الخليل‪‌،‬ج‌‪‌ .342‌،4‬‬
‫‪2‬‬
‫‌ضيف‪‌،‬شوقي‪‌،‬الفن ومذاهبه في الشعر العربي‪‌،‬ط‌‪‌،12‬دار‌المعارف‪‌،‬مصر‪‌،‬د‌‪‌/‬ت‪‌،‬ص‌‪.398‌–‌397‬‬
‫‪3‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،4‬ص‌‪‌ .343‬‬

‫‪78‬‬
‫ولعل هذا اللو َن‬
‫ّ‬ ‫أص ْب إال ما ُق ِس َم لي أو ُقّدر لي"‪،‬‬
‫ولتتطابق القافية مع شبيهاتها‪ ،‬والتقدير "فلم ِ‬
‫ْ‬
‫الزجلي "العتابا" الذي تتوافق نهاية أشطره الثًلثة األولى بمبنى الكلمة األخيرة‬ ‫يْق ُر ُب من اللون ّ‬
‫استحضاره‬
‫ويتبع مطران هذا في مواضع عديدة في ديوانه؛ ما يعني ْ‬ ‫ُ‬ ‫مع تغايرها في المعنى‪،‬‬
‫فيها َ‬
‫إيقاعية أشعاره النخبوية‪ ،‬وهو ما يحيل إلى َس َعة ثقافته اإليقاعية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الثقافة اإليقاعية الشعبية إلى‬

‫ٍ‬
‫قصيدة أخرى‪:‬‬ ‫يقول في‬

‫اطئ‬ ‫ِ‬
‫من َخو ْ‬
‫الشواطئ ‪ ...‬يا َلها ْ‬
‫سات ّ‬
‫آن ُ‬
‫‪1‬‬
‫الخواطئ‬
‫بالسها ِم َ‬
‫لوبنا ‪ّ ...‬‬
‫أصاب ْت ُق َ‬
‫َ‬ ‫َق ْد‬

‫أيضا‪:‬‬
‫و ً‬

‫القلب أو َر ْق‬ ‫ِ‬


‫ُك ٌّل لديك رقيق ‪ ...‬إذا قسا ُ‬
‫‪2‬‬
‫عند ِك ْأوَر ْق‬
‫خر َ‬‫فالص ُ‬
‫وَليس في َ ِ‬
‫ذاك ب ْدع ‪ّ ...‬‬ ‫َ‬

‫كان على‬
‫كثير مما نظم َ‬ ‫إن ًا‬‫صل بموروث العرب‪ ،‬بل َّ‬ ‫الو َ‬
‫أن مطران لم يقطع َ‬ ‫سب َق ّ‬
‫مما َ‬
‫ُيستَنتَ ُج ّ‬
‫ِ‬
‫تعبيره‪ ،‬حتّى‬ ‫وحرّي َة‬ ‫لكن ُه ارتأى في ابتعاث المهم ِ‬
‫ش عندهم متنّف َس أقواله‪ّ ،‬‬ ‫نهج ما ساروا عليه‪ّ ،‬‬‫ِ‬
‫ّ‬
‫خاصة به وليست‬ ‫ِ‬ ‫بعض ٍ‬
‫وكأنما يبني لنفسه سمته الشعرّية ال ّ‬ ‫ديدا في األوزان ّ‬ ‫ينتهج َج ً‬‫ُ‬ ‫حين‬ ‫ّإنه َ‬
‫حيث إ َّن لهم ُح ّريَّتَهم وهو كذلك يرى ّ‬
‫حريته فيما ينظم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫من قبَل ُه ِم ْن‬‫ببعيدة عن سمات ْ‬

‫طى حدود‬ ‫الشعري‪ ،‬ما يجعله يتخ ّ‬ ‫حبا في المعجم ّ‬ ‫سعا ونطاًقا ر ً‬
‫ثم إن في تنويعه القوافي متّ ً‬
‫أج َل تنبيه المتلقي إلى‬ ‫الكلمات التي تلزمه بها القافية فينتقل إلى ما يروي تعبيره‪ ،‬و ْقد يكو ُن ّ‬
‫تنوعه َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫تتباي ُن‬
‫عدة أو على صعيد موضوٍع واحد َ‬ ‫انتقاال في مستوى التعبير على صعيد موضوعات ّ‬ ‫ً‬ ‫أن ثَ ّم‬
‫هوض بالمعنى‪َ ،‬فًل‬‫النص ومكوناته ل ّلن ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫جميع دو ّ‬
‫َ‬ ‫ف‬ ‫ظُ‬‫داخل القصيدة الواحدة‪ ،‬كما ّأنه يو ّ‬
‫َ‬ ‫دواخله‬
‫تتكاتف‬ ‫الكلية وصوره وموسيقاه‪ ،‬فكّلها‬ ‫األداء مع ِ‬
‫ِ‬ ‫معنى لقو ِ‬
‫ُ‬ ‫النص ّ‬ ‫ّ‬ ‫لغة‬ ‫َ‬ ‫افيه ما َلم تتضافر في‬
‫ِ‬
‫لكل جزٍء فيه وظيفته التي ال غنى‬ ‫ًّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دة ُكًل واحًدا‪ّ ،‬‬
‫مجس ً‬
‫لتأدية المعنى وكّلها تتّكئ على بعضها ّ‬
‫َ‬
‫عنه بها وال يكتمل دونها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان‌الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،3‬ص‌‪.330‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪.51‬‬

‫‪79‬‬
‫‪ 2.3‬الرو ّي في أشعار خليل مطران ودًلًلته‪:‬‬

‫لزوما في‬ ‫وهو كما يعرفه األخفش حرف تُبنى عليه القصيدة‪ ،‬ينتهي به كل بيت من ِ‬
‫أبياتها‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َْ‬
‫أن تأتي رويًّا‪ ،‬ما عدا الواو واأللف‬ ‫موضع واحد‪ .1‬ويمكن –حسب قوله‪ -‬لحروف المعجم جميعها‬ ‫ٍ‬
‫ْ َ‬
‫محرًكا‪ ،‬وألف االثنين واو‬
‫كان قبَلها ّ‬ ‫ِ‬
‫اإلضمار إذا ما َ‬ ‫والياء التي تأتي لإلطًلق‪ ،‬وهاء التّأنيث و‬
‫مضموما‪.2‬‬
‫ً‬ ‫كان قبلها‬
‫الجمع إذا ما َ‬

‫ويذكر عبد الرحمن المعمري أن الروي صوت تُنسب له القصائد‪ُ ،‬‬


‫فيقال القصيدة الًلمية أو‬
‫أن نسبة‬
‫بًل‪ ،‬إال ّ‬
‫ني َق ً‬ ‫الشعر باستثناء ما است‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫غم إمكانية ورود حروف المباني رويًّا في‬
‫َ‬ ‫الدالية‪ .3‬ور‬
‫َ‬
‫الشعر العربي‬
‫شيوعا في ّ‬‫ً‬ ‫بينها متباينة‪ ،‬كما ورد في كتاب "موسيقى الشعر"‪ ،‬فأكثرها‬
‫الشيوع فيما َ‬
‫الروي أربعة أقسام‪:5‬‬
‫ّ‬ ‫يندر ورود (الطاء)‪ .4‬وعلى إثر ذلك تُقسم حروف‬
‫(الراء) في حين ُ‬

‫ِ‬
‫اختًلف شيوعها في أشعار العرب‪ ،‬وهي‪ :‬الراء‪ ،‬والًلم‬ ‫غم‬
‫‪ -‬الحروف التي تأتي رويًّا بكثرة ر َ‬
‫والميم‪ ،‬والنون‪ ،‬والباء‪ ،‬والدال‪.‬‬
‫متوسطة الشيوع‪ ،‬وهي التاء والسين والقاف والكاف والهمزة والعين والحاء والفاء‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬حروف‬
‫والياء والجيم‪.‬‬
‫‪ -‬حروف قليلة الشيوع‪ ،‬وهي‪ :‬الضاد والطاء والهاء‪.‬‬
‫‪ -‬حروف يندر أن تأتي رويًّا‪ ،‬وهي‪ :‬الذال والثاء والغين والخاء والشين والصاد والزاي والظاء‬
‫والواو‪.‬‬

‫مع‬ ‫حرف ٍّ‬


‫روي َ‬ ‫اسِتقرِاء ما َن َ‬
‫ظ َم عليه مطران في دواوينه األربعة‪ ،‬يظهر ّأنه استعمل عشرين َ‬ ‫وبعد ْ‬
‫َ‬
‫فكانت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وصل إليه إبراهيم أنيس‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫الحركات عليها‪ ،‬لتظهر النتيجة قريبة مما‬ ‫تبدل‬
‫إمكانيات ّ‬
‫ّ‬ ‫كل‬
‫ّ‬
‫أكثَُر حروف الروي عنده هي المجموعة األولى‪ ،‬وهي ذات النتيجة التي خرج بها أحمد درويش‬
‫روي قصائده المستعملة‪.6‬‬ ‫في كتابه "خليل مطران‪ :‬المسيرة واإلبداع" بعد در ٍ‬
‫إحصائية ألحرف ّ‬
‫ّ‬ ‫اسة‬ ‫َ‬

‫‪1‬‬
‫‌األخفش‪‌،‬كتاب القوافي‪‌،‬ص‌‪‌ .15‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪.18‌–‌17‬‬
‫‪3‬‬
‫‌المعمري‪‌،‬عبد‌الرحمن‪‌،‬الوافي بح ِّّل الكافي في علمي العروض والقوافي‪‌،‬تحقيق‪‌:‬أحمد‌عفيفي‪‌،‬ط‪‌،2‬دار‌الكتب‌والوثائق‌القومية‪‌،‬‬
‫القاهرة‪‌2012‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.253‬‬
‫‪4‬‬
‫‌أنيس‪‌،‬إبراهيم‪ ،‬موسيقى الشعر‪‌،‬ص‌‪‌ .248‬‬
‫‪5‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪‌ .‬‬
‫‪6‬‬
‫‌درويش‪‌،‬أحمد‪ ،‬خليل مطران‪ :‬المسيرة واإلبداع‪‌،‬ص‌‪.143‌–‌142‬‬

‫‪80‬‬
‫الصوت أو خفته‪ِ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ويرى إبراهيم أنيس أن نسبة شيوع‬
‫بقدر‬ ‫عائدا إلى ثقل في ّ‬
‫ليس ً‬ ‫الروي أو قّلته َ‬
‫ّ‬
‫آخر كلمات اللغة‪ ،‬فالدال تجيء في كلمات اللغة بكثرة بَق ٍ‬
‫در يز ُيد‬ ‫ما ُيعزى ذلك إلى نسبة ورودها َ‬
‫ِ‬
‫العين والفاء‪ ،1‬وهكذا ‪. ...‬‬ ‫عن‬

‫عمد في مطوالته إلى أكثر‬


‫ظ ّأن ُه َ‬
‫ان حوشي الكلم أو ما هو غير مألوف‪ُ ،‬يًلح ُ‬‫جن َب مطر ُ‬
‫وليتَ ّ‬
‫شيوعا ليتسنى له استعمال ٍ‬
‫قدر أكبر من الكلمات التي يتيحها المعجم اللغوي له‬ ‫ً‬ ‫حروف الروي‬
‫روي‬
‫اختيار موّفًقا في جعله َّ‬
‫ًا‬ ‫كان "الراء" على سبيل المثال‬
‫الناس ولذا َ‬
‫مسمع ّ‬
‫ومما هي مألوفة ل ِ‬
‫غم ذلك فقد استنفد المألوف مما ينتهي به‬ ‫ٍ‬ ‫ن‬
‫ملحمته "نيرو " التي ألقاها على حشد من الناس‪ ،‬ور َ‬
‫السير على‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫اضا لقدرته على ّ‬
‫من كلمات‪ ،‬فعم َد إلى استعمال الغريب‪ .‬وقد لجأ إلى ذلك استعر ً‬
‫بمستطاع‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫نهج األقدمين‬
‫ِ‬

‫ِ‬
‫اإللف ِ‬ ‫ٍ‬
‫لفقر‬ ‫طولة كما "نيرون" بشيء يعجزه‪َ ،‬‬
‫وليس خروجه عن هذا‬ ‫وليس استرسال القافية في م ّ‬
‫َ‬
‫نظر لكثافة المعجم‬
‫ومع ذلك فقد اضطر إلى استعمال الكلمات غير المعهودة ًا‬
‫معجمه اللغوي‪َ ،‬‬
‫روي القصيدة‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫اللغوي الذي تطّلبه ّ‬
‫‪2‬‬
‫بالسّب ِة من نيرو َن أحرى‬
‫نصر ‪ُ ...‬ه َو ُّ‬
‫عب الذي آتاهُ ًا‬
‫الش ُ‬
‫ذلك ّ‬
‫َ‬

‫سكوت‬ ‫كان لوال‬ ‫ِ‬


‫ُ‬ ‫أن ذلك ما َ‬ ‫طغيان الملوك وهوان شعبهم عليهم‪ ،‬و ّ‬
‫َ‬ ‫يصور‬
‫ّ‬ ‫القصيدة‬ ‫وهو في‬
‫َ‬
‫غم ذلك‬
‫ش ومشى ر َ‬ ‫عاث بهم نيرون وب َ‬
‫طَ‬ ‫الشعب على الظلم ومساندة الظالم في غطرسته‪ ،‬حتّى َ‬
‫عاكسا‬ ‫ِ‬
‫استعباده شعبه ومآالت حرقه روما‪،‬‬ ‫أحداث‬ ‫يصور‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫مسهبا ّ‬
‫ً‬ ‫مختاال بينهم‪ ،‬فمضى الشاعر‬
‫ً‬
‫قومه‬ ‫من يعيد ما أعاده شعبه‪ ،‬فنيرون يمثّل كل حاكم متغطرس‬ ‫ِ‬
‫استخف َ‬
‫َّ‬ ‫كل ْ‬
‫كل ذلك على ّ‬
‫اصفا نيرون‪:‬‬
‫فأطاعوه فذّلوا‪ ،‬ومن مواضع استعماله الغريب و ً‬

‫بادنا ‪ ...‬ليس باألتَل ِع يمشي م ِ‬


‫دغين ر ً ِ‬
‫سبط ّار‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫هًل ً‬ ‫الص ِ َ‬
‫بارز ّ‬
‫َ‬
‫‪3‬‬
‫فاش َم َخ ّار‬ ‫َقزمة هم نصبوه عالِيا ‪ ...‬وجثَوا بين ِ‬
‫يديه ْ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ََ ُ ً‬ ‫َْ‬

‫‪1‬‬
‫‌أنيس‪‌،‬إبراهيم‪‌،‬موسيقى الشعر‪‌،‬ص‌‪‌ .248‬‬
‫‪2‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،3‬ص‌‪.50‬‬
‫‪3‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪‌ .‬‬

‫‪81‬‬
‫اشمخرا" فاألولى تعني (المسرع) واألخرى تعني (ت َكّبر)‪.1‬‬
‫ّ‬ ‫"مسبطرا" و "‬
‫ّ‬ ‫وموضع الشاهد كلمتا‬
‫غير ما هو مألوف‪ ،‬وَقد عمد إليهما الشاعر لمو ِ‬
‫افقة آخرهما الروي الذي تسير عليه‬ ‫وهما من ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫المطولة‪ .‬ومثل ذلك ورد في قصيدته "السيرة الخالدة" للشهيد أحمد لطفي بك وهو محا ٍم‬ ‫ّ‬ ‫القصيدة‬
‫يقول مطلعها‪:‬‬ ‫ِ‬
‫عرا‪ُ ،‬‬ ‫وقد ّأرَخ الشاعر سيرته الحافلة ش ً‬
‫مشهور‪ْ ،‬‬

‫ِ‬
‫األبطال؟!‬ ‫الش ِ‬
‫هداء و‬ ‫طِ‬
‫ال ‪ُ ...‬يودى َدم ُّ‬ ‫اله ّ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫أبسفك ماء اْل َم ْد َم ِع َ‬

‫الشر َق في ‪َ ...‬رُج ٍل ُيَفّدى ِم ْثُل ُه ِب ِرجال‬


‫ِ‪2‬‬
‫أحمد َق ْد َف َج ْع َت ّ‬
‫بين َ‬‫يا َ‬

‫ِ‬ ‫طول َنف ٍ‬


‫لقافيتها رويًّا‬ ‫تخير‬
‫وقد ّ‬
‫س ممتَّد‪ْ ،‬‬ ‫وعدد أبيات القصيدة مئة وأربعة وثمانو َن بيتًا؛ ما َيعني َ‬
‫ولئًل يجنح‬
‫الناس‪ّ ،‬‬
‫بين ّ‬
‫عند العرب لشيوع الكلمات التي يأتي عليها وإللفها َ‬
‫مما شاعَ استعماله َ‬
‫ّ‬
‫ليس في‬
‫أحيانا إلى استعمال ما َ‬
‫ً‬ ‫غم ذلك فقد اضطر‬
‫فكان الًلم‪ ،‬ور َ‬
‫تخير البعيد عن آذانهم‪َ ،‬‬
‫إلى ّ‬
‫قاموس العامة‪ ،‬ما يعني لزوم توضيح معناه‪ ،‬مثل قوله في وصفه ‪-‬أحمد لطفي‪:-‬‬

‫ِ‪3‬‬
‫ِ‬
‫بضوء ُذبال‬ ‫ذهن ِه ‪ِ ...‬بهدى ُش ٍ‬
‫موس أو‬ ‫ظ ُّل مْلتَ ِمسا إنارة ِ‬
‫وي َ ُ ً َ َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫دائم ‪ ...‬ب ِرئت م ِ‬
‫عانيه ِم َن اإلدغال‬
‫ِ‪4‬‬ ‫يعلو محياه ابِتسام ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ ُ ُّ ْ‬

‫ستصبح بها‪،5‬‬ ‫ِ‬


‫المشكاة التي ُي‬ ‫جمع ذبالة‪ ،‬وهي الفتيلة التي تسرج أو هو ما يوضع في‬ ‫والذبال‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واإلدغال يأتي في معنى الخداع‪.6‬‬

‫الروي الشائع‪ ،‬في حين يؤثر غير الشائع في المقطوعات‬


‫ّ‬ ‫مطوالته يستعمل‬
‫ان في ّ‬ ‫فإن مطر َ‬
‫وهكذا ّ‬
‫يتجنب تكّلف التعبير‬
‫ألن هذا ما يجعله ّ‬
‫القصار‪ ،‬أو في ثنايا قصائده التي ُي ّنوعُ في قوافيها‪ّ ،‬‬
‫روي "الضاد" يقول‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫بكلمات غير مألوفة‪ ،‬ومن ذلك مقطوعته من بيتين على ّ‬

‫من ِمْق َبضي‬


‫عان ما َف َّر ْ‬
‫يه ‪َ ...‬و َس ْر َ‬
‫العشي َة منك اْل ُج َن َ‬
‫ّ‬ ‫أخ ْذ ُت‬
‫َ‬
‫‪1‬‬
‫قرض‬ ‫َف ِ‬
‫لله أمري! أأعدى َيدي ‪ ...‬سخاء‪ ،‬سخاء َيِد الم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ً‬
‫‪1‬‬
‫‌ابن‌منظور‪‌،‬أبو‌الفضل‪‌،‬محمد‌بن‌مكرم‌بن‌علي‌(‌‪‌711‬هـ‌)‪‌،‬لسان العرب‪‌،‬ط‌‪‌،3‬دار‌صادر‪‌،‬بيروت‪‌1414‌،‬هـ‪‌،‬مادة‌(‌سبطر‌)‌‬
‫ومادة‌(‌شمخر‌)‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‪‌،3‬ص‌‪‌ .176‬‬
‫‪3‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .177‬‬
‫‪4‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪.178‬‬
‫‪5‬‬
‫‌ابن‌منظور‪‌،‬لسان العرب‪‌،‬مادة‌(‌ذبل‌)‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬مادة‌(‌دغل‌)‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫نادر كذلك‪ ،‬في هيئة َد ٍ‬
‫ور من المخمسات التي نظمها‪،‬‬ ‫عندهُ ًا‬ ‫الروي فقد َ‬
‫ظهر َ‬ ‫ّ‬ ‫أما ما َنُدر من‬
‫وّ‬
‫قصة "الجنين الشهيد"‪:‬‬
‫يقول في ّ‬

‫بالمًل ِم وأغلظا‬
‫فأنحى َعَليها َ‬
‫جيب تَل ُّمظا ‪ْ ...‬‬
‫فجاء ْت ُه تُ ُ‬
‫دعاها َ‬
‫ِ‬
‫الس َّم والّلظى‬
‫ف ُّ‬ ‫أن َج َر ْت منها الشؤو ُن تغيُّظا ‪َ ...‬‬
‫فثار " َجميل " َيْقذ ُ‬ ‫إلى ْ‬

‫الس ِّب ُم ْن َه ّل‬ ‫ِ‬


‫َعَليه بمدرٍار َ‬
‫‪2‬‬
‫من ّ‬

‫الروي؛ ما يعني اجتنابه النادر لفقر المعجم اللغوي‬


‫ّ‬ ‫وهي األبيات الوحيدة عنده التي قّفاها بهذا‬
‫َ‬
‫الروي الشائع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الذي ينتهي به‪ ،‬بعكس‬

‫أشعار‬
‫َ‬ ‫كثير من أشعاره وافقت‬
‫أن ًا‬ ‫عند خليل مطران‪ ،‬يستنتج ّ‬
‫وباستنفاد مًلمح اإليقاع الخارجي َ‬
‫وروي أشعاره‪.‬‬ ‫حيث البحور الشعرية المستعملة ونسبة شيوعها‪ ،‬وكذلك في قوافيه‬
‫قديما من ُ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫العرب ً‬
‫ولعله لم يستطع تجاوز ما حفظته ذاكرته من الشعر القديم حتّى ارتكزت بنيته الخارجية في‬
‫قديما‪ ،‬وبتغييره‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ذهنه‪َّ .‬‬
‫حاول أن يخرُج عن المألوف بنظمه على بحور قليلة الشيوع ً‬
‫َ‬ ‫مع ذلك‬
‫لكن ُه َ‬
‫مضيفا إليها صبغته الشعرية‪.‬‬
‫ً‬ ‫بالموشحات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫نحو ٍ‬
‫شبيه‬ ‫ِ‬
‫هيكلة قصائده على ٍ‬ ‫بعض‬
‫َ‬

‫لتغير الفضاءات‬ ‫ِ‬


‫بعا ّ‬ ‫النص الواحد أو ت ً‬
‫لتنوع الدالالت في ّ‬ ‫تبعا ّ‬
‫ثم ّإنه يعمد إلى تنويع القوافي ً‬ ‫ّ‬
‫الروي فيها فيو ّ‬
‫ظفه بما ال يأنفه المتلّقي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أما‬
‫العقلية‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬ ‫نع ِة‬
‫الص َ‬
‫حد ّ‬‫أحيانا َّ‬
‫ً‬ ‫ويلتزم فيها‬
‫ُ‬ ‫النفسية فيه‪،‬‬
‫ّ‬
‫كما اتّضح في المبحث السابق‪.‬‬

‫غم قلة هذه التجاوزات اإليقاعية في شعره مقارن ًة بأشعاره الملتزم بها‪ّ ،‬إال َّأنها تُ ْح َس ُب له على‬
‫ور َ‬
‫َ‬
‫التمسك‬
‫ّ‬ ‫دونما‬
‫أنظار من بعده إلى هذه القضية َ‬ ‫َ‬ ‫نطاق التجديد الشعري في عصره‪ ،‬أو أنها تلفت‬
‫ِ‬
‫خوف الخرو ِج عنه‪ ،‬فإن لم تتبلور فكرته في حينها فلربما يتناقلها الشعراء من بعده‪.‬‬ ‫بالقديم وبًل‬
‫تب ُليلقى على المسامع‪،‬‬‫معظم نتاجه الشعري ُك َ‬
‫َ‬ ‫عدم إكثارِه منها عائد – ربما ‪ -‬إلى ّ‬
‫أن‬ ‫عل َ‬ ‫َوَل ّ‬
‫ِ‬
‫موقف إلقائها‪.‬‬ ‫مع سياق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صنع ًة بصرّية التّفاقها َ‬
‫فقصائده في مجملها شفهية لم يولها َ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،4‬ص‌‪.48‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪‌ .237‬‬

‫‪83‬‬
‫‪ .3‬اإليقاع الداخلي في شعر خليل مطران‪.‬‬
‫ِ‬
‫‪ " 3.1‬فاع ُل " ِزحاف مبتَعث في َ‬
‫الخبب‪.‬‬
‫‪ 3.2‬التصريع‬
‫‪ 3.3‬التدوير‬
‫‪ 3.4‬التكرار‬

‫‪84‬‬
‫‪ .3‬اإليقاع الداخلي في شعر خليل مطران‪:‬‬

‫الشعر‬
‫عرا‪ ،‬فاإلطار الخارجي الموسيقي في ّ‬ ‫ِ‬ ‫ال يكتَفي أن تُقيد اللغة بوزٍن وقافية حتّى‬
‫تستحيل ش ً‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫المعنى الذي‬ ‫ال أخرى في ّ‬
‫النص نفسه ومع أداته – اللغة – ليستنط َق َ‬ ‫مع دو ّ‬
‫يتكاتف َ‬
‫َ‬ ‫ال ُبّد أن‬
‫ضمن ما يسمى‬
‫َ‬ ‫فإنه يسعى إلى توحيد الظاهر مع الباطن‬ ‫جلي؛ لذا ّ‬ ‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫يريده الشاعر‬
‫ّ‬
‫الموسيقى الداخلية‪َ ،‬فيصيران و ِ‬
‫احًدا ال يكو ُن األول دو َن اآلخر منهما‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬

‫النص الداخلية ترتكز على‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫كان البحر الشعري ًّ‬
‫فإن موسيقى ّ‬ ‫معينة ّ‬
‫كما متعاقًبا من تفعيًلت ّ‬ ‫فإذا َ‬
‫معينة‪.‬‬ ‫كيفية تجّلي هذا العدد داخل َقيد البحر‪ ،‬ألن للتفعيًلت ِ‬
‫روضية ّ‬
‫ّ‬ ‫اعد َع‬
‫صور تتبع قو َ‬
‫ًا‬ ‫داخ ًليا‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫العروضية‬
‫ّ‬ ‫الرخص‬ ‫تجاوز ّ‬
‫َ‬ ‫وهل‬‫رض عليه في تسيير حركة التّفعيلة‪َ ،‬‬ ‫تجاوز مطران ما ُف َ‬
‫َ‬ ‫فهل‬
‫َ‬
‫كان التّصريع من عداد ظواهر‬
‫ليعبر بحرّية تامة؟ واذا َ‬
‫له في الزحافات والعلل ّ‬
‫المسموحة ُ‬
‫عند الشعراء‬
‫كان َ‬
‫المعهود مما َ‬
‫َ‬ ‫فكيف تجّلى في أشعاره؟ وهل تجاوز في ذلك‬
‫َ‬ ‫الداخلية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الموسيقى‬
‫يخل بمبنى القصيدة على عكس ما شاع في‬ ‫مهما ال ّ‬ ‫عنصر ًّ‬
‫ًا‬ ‫بات التدوير عنده‬
‫القدماء؟ وهل َ‬
‫إيقاعا داخليًّا؟ هذا كّله ما‬
‫ً‬ ‫ظف مطران التّكرار في َس ْرِد ما نظمه ل ّ‬
‫يشكل به‬ ‫كيف يو ّ‬
‫السلف‪ ،‬ثم َ‬
‫الضوء عليه المباحث اآلتية‪.‬‬
‫ستُسّلط ّ‬

‫‪ِ " 3.1‬‬


‫فاع ُل " ِز ٌ‬
‫حاف مبتعث في الخبب‪:‬‬

‫ناتها وحر ِ‬
‫كاتها وكذلك حروفها‪،‬‬ ‫تتكون تفعيًلت البحور الشعرية من مقاطع تختلِف في عدد س َك ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫بعا لذلك االختًلف تجّليات صورّية متعددة‪ ،‬وقد قسم العروضيون المقاطع على نحو‬ ‫ِ‬
‫وكان لها ت ً‬
‫َ‬
‫ما يأتي‪:1‬‬

‫بعد ِه ساكن مثل (َل ْن)‪ ،‬وَق ْد يتبعه سبب خفيف‬


‫رف متحرك من ِ‬
‫ّ‬
‫السبب الخفيف‪ :‬وهو المكون من ح ٍ‬
‫َ‬
‫آخر في التفعيلة‪.‬‬

‫ثقيًل الجتماع المتحركين فيه‪.‬‬


‫بك)‪ ،‬وسمي ً‬
‫معا مثل ( َ‬
‫تحركين ً‬
‫السبب الثقيل‪ :‬وهو ما تألف من ُم ّ‬
‫الوتد المجموع‪ :‬وهو ما تكون من متحركين من ِ‬
‫بعدهما ساكن مثل (َقضى)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫‪1‬‬
‫‌أبو‌عمشة‪‌،‬عادل‪‌،‬العروض والقافية‪‌،‬ط‌‪‌،1‬مكتبة‌خالد‌بن‌الوليد‪‌،‬نابلس‪‌1986‌،‬م‪‌‌،‬ص‌‪.40‬‬

‫‪85‬‬
‫فرق َ‬
‫بين‬ ‫متحركين بينهما ساكن‪ ،‬وسمي مفروًقا ألن الساكن ّ‬
‫ّ‬ ‫الوتد المفروق‪ :‬وهو المؤتلف من‬
‫المتحركين فيه ( َح ْي ُث)‪.‬‬

‫الصغيرة‪ :‬وتتكون من ثًلثة حروف متحركة يتبعها ساكن‪ ،‬مثل (سمعوا)‪.‬‬


‫الفاصلة ّ‬

‫الفاصلة الكبيرة‪ :‬وتأتلف من أربعة حروف متحركة يتبعها ساكن‪ ،‬مثل ( َعلِ َمتا)‪.‬‬

‫يعرفه عادل أبو عمشة‪ ،‬تغيير يختص بثواني األسباب فقط‪ ،‬فًل يدخل على‬ ‫والزحاف كما ّ‬
‫وقد يكون في غيره‪ ،‬ودخوله على بيت من القصيدة ال يعني‬ ‫وعادة ما يحدث في الحشو‪ْ ،‬‬ ‫ً‬ ‫األوتاد‪،‬‬
‫ِ‬
‫بخًلف العّلة التي تتمثل في‬ ‫بقية التّفعيًلت‪،‬‬
‫بالضرورة أن ُيلتزم به في البيت الذي يليه‪ ،‬أو في ّ‬
‫اما في سائر األبيات إذا ما وقعت في‬
‫تغيير يط أر على تفاعيل األعاريض واألضرب‪ ،‬وتفرض التز ً‬
‫روض ٍ‬
‫بيت واحد أو ضربه‪.1‬‬ ‫ِ‬ ‫َع‬

‫يلفت االنتباه في هذا الموضوع هو قول الشاعر‪:‬‬


‫ومما ُ‬

‫األدنى‬
‫األعلى و ْ‬ ‫ٍ‬
‫صوص ‪َ ...‬ف ْرق في ْ‬ ‫ٍ‬
‫صوص ولُ‬‫بين ُل‬
‫ما َ‬
‫‪2‬‬
‫األدنى‬ ‫الموت اْل ُمزري ‪َ ...‬و ِكبا ِرِه ُم ّ‬ ‫غارِه ُم‬
‫ص ِ‬ ‫لِ ِ‬
‫ف ْ‬ ‫الش َر ُ‬ ‫ُ‬

‫وهما البيتان الوحيدان من جل ما نظمه الشاعر على المحدث ذي التفعيلة الرئيسة ( ِ‬


‫فاعُلن)‪ ،‬التي‬ ‫ّ‬
‫عدة‪ ،‬كما في البيتين السابقين نحو‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫بصور ّ‬ ‫تأتي‬

‫صوص ‪َ ...‬فرق ‪ِ /‬ف ْل ْ‬


‫أع ‪ /‬لى َو ْل ‪ْ /‬أدنى‬ ‫ٍ‬ ‫ما بيـْ ‪َ /‬ن ُلصو ‪ٍ /‬‬
‫ص َو ُل ‪/‬‬

‫‪--/‬‬ ‫‪--/‬‬ ‫‪--/‬‬ ‫‪- -‬‬ ‫‪/- -‬بب‪-/-‬بب‪--/‬‬

‫‪َ /‬ف ْعُل ْن‬ ‫‪َ /‬ف ْعُل ْن ‪َ /‬ف ْعُل ْن‬ ‫َف ْعُل ْن‬ ‫‪َ /‬ف ْعُلن‬ ‫‪ِ /‬‬
‫فاع ُل‬ ‫َف ْعُلن ‪َ /‬ف ِعُلن‬

‫وتذكر نازك المًلئكة في كتابها "قضايا الشعر المعاصر"‪ ،‬أن" ِ‬


‫فعلن" زحاف اعترى تفعيلة البحر‬
‫أصلح‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫فتجعًلن منه‬ ‫الرئيسة "فاعلن"‪ ،‬ويتميز هذا البحر – المحدث ‪ -‬بخفته وسرعة تفعيًلته‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وحدة إلى أخرى‪ ،‬بسبب ائتًلف‬ ‫النغم فيه يتنّقل من‬ ‫ن‬
‫لألغراض الخفيفة الظريفة دو َ غيرها‪ ،‬فكأن َ‬

‫‪1‬‬
‫‌أبو‌عمشة‪‌،‬عادل‪‌،‬العروض والقافية‪‌،‬ص‌‪‌ .49‌–‌47‬‬
‫‪2‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،4‬ص‌‪‌ .39‬‬

‫‪86‬‬
‫(َف ِعُل ْن) من ثًلثة متحركات تليها ساكن‪ ،‬وهو ما يسمى بالفاصلة الصغرى‪ ،‬فهذا التعاقب المتبوع‬
‫أحيانا‪.1‬‬
‫ً‬ ‫بساكن هو ما يضفي على النغم صف َة " ِ‬
‫ركض الخيل"‬ ‫َ‬

‫أن الشاعر العربي كان يضيق بهذا التقطيع في الخبب ( َف ِعلن )‬


‫توضح –نازك المًلئكة‪ّ -‬‬
‫و ّ‬
‫حول السبب الثقيل إلى‬ ‫في ّ‬
‫ين بين حين وآخر؛ ما يز ُيد من خفة البحر‪ُ ،‬‬‫الع ِ‬ ‫ِ‬
‫تسكين َ‬ ‫عمُد إلى‬
‫َفي َ‬
‫وتلوينا في تفعيًلت البحر الرتيبة‪ ،2‬وبذلك تتجّلى‬
‫ً‬ ‫ويعا‬
‫خفيف ويزول العناء‪ ،‬وهو ما ُيضفي تن ً‬
‫صور التفعيلة الرئيسة في بيت الشعر‪:‬‬

‫‪3‬‬ ‫فاعل ِ‬
‫فاعُل ْن َف ْعُل ْن َف ِعُل ْن‬ ‫في المتدارِك اْلوْزُن العجب ‪ِ ...‬‬
‫ُ‬ ‫ََُ‬ ‫ُ َ َ‬

‫للسابقين‬ ‫ظن أن ال َع ْه َد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َ‬ ‫مما ُي ّ‬
‫ان السابق ظهور تفعيلة "فاع ُل"‪ ،‬وهي ّ‬
‫الًلفت في بيت مطر َ‬
‫و ُ‬
‫أن َم ْن َقْبَلها‬ ‫ِ‬
‫كونها لم تهتد إلى ّ‬
‫سبق الوصول إليها؛ َ‬
‫إن نازك المًلئكة ّادعت َ‬
‫با ّلنظ ِم عليها‪ .‬حتّى ّ‬
‫ديث فإذا‬
‫الح ُ‬
‫ص ُر َ‬ ‫الع ْ‬
‫جاء َ‬
‫ثم َ‬
‫كانوا قد سبقوها إليها‪ ،‬تقول في كتابها "قضايا الشعر المعاصر"‪ّ " :‬‬
‫وليس في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فعُل ْن) إلى (فاع ُل)‪َ ،‬‬
‫نحول ( ْ‬
‫أسًلُفنا‪ ،‬ذلك ّأننا ّ‬‫ديدا‪ْ ،‬لم يقع فيه ْ‬
‫نويعا َج ً‬
‫نح ُن ُن ْحد ُث تَ ً‬
‫ْ‬
‫حرة كتبتها سنة ‪،1947‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ ِ‬
‫أت فيه من ُذ ّأول قصيدة ّ‬
‫الشعراء فيما أعلم َم ْن يرتَك ُب هذا سواي‪َ ،‬بد ُ‬
‫ضيت في ِه حتّى اآلن"‪ 4‬وقد بدا ذلك في قصيدتها "لعنة الزمن"‪ ،‬إذ تقول مطلعها‪:‬‬ ‫وم ُ‬ ‫َ‬

‫غرب لو َن ذبي ِح‬


‫كان ال َم ُ‬
‫َ‬
‫‪5‬‬
‫واألفق كآبة مجرو ِح‬

‫تقطيع البيت األول‪ ،‬نحو‪:‬‬


‫ِ‬ ‫حال‬
‫فالتفعيلة تتكرر مرتين َ‬

‫مغ ِر ُب ‪ْ /‬لو َن َذ ‪ /‬بي حي‬


‫كان ْل ‪ْ /‬‬
‫َ‬

‫‪-/ - -‬بب‪-/‬بب‪--/‬‬

‫‪َ /‬ف ْعُل ْن‬ ‫‪ِ /‬‬


‫فاع ُل‬ ‫‪ِ /‬‬
‫فاع ُل‬ ‫َف ْعُل ْن‬

‫‪1‬‬
‫‌نازك‌المالئكة‪‌،‬قضايا الشعر المعاصر‪‌،‬ص‌‪.110‌–‌109‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .110‬‬
‫‪3‬‬
‫‌مرعي‪‌،‬محمود‪‌،‬العروض الزاخر واحتماالت الدوائر‪‌،‬ص‌‪.337‬‬
‫‪4‬‬
‫‌نازك‌المالئكة‪‌،‬قضايا الشعر المعاصر‪‌،‬ص‌‪.111‬‬
‫‪5‬‬
‫‌نازك‌المالئكة‪‌،‬ديوان نازك المالئكة‪‌،‬د‌‪‌/‬ط‪‌،‬دار‌العودة‪‌،‬بيروت‪‌1997‌،‬م‪‌،‬مج‌‪‌،2‬ص‌‪.240‬‬

‫‪87‬‬
‫وقد تنبهت نازك إلى أن هذه التفعيلة دخيلة على ما هو متعارف عن المتدارك من ِ‬
‫بعد أن أنهت‬ ‫ّ‬
‫النظم‪ ،‬ما يعني ّأنها مستساغة في إيقاع‬
‫قصيدتها‪ ،‬ولم تكن قد شعرت بنبوها عن السمع آناء ّ‬
‫بقرب هذه التفعيلة من " ِ‬
‫فعلن" أو هي نفسها بالمعكوس‪ ،‬ما يعني ّأنهما‬ ‫الخبب‪ ،‬وقد بررت ذلك ِ‬
‫ّ‬
‫احدا‪.1‬‬
‫تمتلكان طوًال إيقاعيًّا و ً‬

‫عز الدين إسماعيل من بعد ذلك في كو ِن التفعيلتين متساويتين‪ ،‬شأنهما شأن‬


‫ثم عارضها ّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫دائرة‬ ‫فإن ًّ‬
‫كًل منها تبقى في‬ ‫(مفاعيلن) و(مستفعلن)‪ ،‬فإن تساوتا في الحركات والسكنات‪ّ ،‬‬
‫تحتل (مفاعيلن) الرجز‪ ،‬وال تحتل (مستفعلن) الهزج‪ ،‬وعلى ذلك فًل‬
‫ّ‬ ‫عروضها – بحرها – فًل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يمكن أن تكو َن (فاع ُل) في دائرِة الخبب‪ ،‬على ّ‬
‫حد قوله‪.2‬‬

‫أسبقية ُك ٍّل من مطران ونازك على اآلخر في امتثال ما هو غير شائع من‬
‫ّ‬ ‫بيان في‬
‫الحقيَق ُة ّأال َ‬
‫و َ‬
‫فإنه‬
‫موج ًها إلى نازك ّ‬
‫كان ّ‬
‫فقول عز الدين إسماعيل وان َ‬ ‫كان ُ‬
‫فاعل ‪ ،-‬وأيًّا َ‬
‫ُ‬ ‫صور هذه التفعيلة –‬
‫مثل هذه التفعيلة‬ ‫ِ‬
‫أن َ‬ ‫استَ َند في نقده لهما إلى ّ‬
‫وكان قد ْ‬
‫جاء به مطران‪َ ،‬‬‫يصُد ُق على ما َ‬
‫بالضرورة ْ‬
‫من سبق‪ّ ،‬إال ّأنه ونازك‪،‬‬
‫مما ال يمكن أن تأتي في حشو الخبب مطلًقا ولم يقف على ذلك عند ْ‬
‫من َس َبَقهم‪ ،‬إذ جاء في " المدهش"‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عند ْ‬
‫وردت وان بالقليل َ‬‫ألن (فاع ُل) ْقد َ‬
‫تعجًل الحكم‪ّ ،‬‬
‫اس َ‬‫قد ْ‬
‫بيت ٍ‬
‫شعر البن الجوزي تظهر فيه هذه التفعيلة‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫ُ‬
‫‪3‬‬
‫األه ُل إذا َر َجعوا ‪َ ...‬ع ْن َق ْب ِر َك ال تَ ْس َم ُع َكِذبا‬
‫ساك ْ‬‫َي ْن َ‬

‫( ‪ / - - / - -‬ب ب ‪ / -‬ب ب ‪ / - - ( ... ) -‬ب ب ‪ - / -‬ب ب ‪ /‬ب ب ‪) -‬‬

‫‪َ /‬ف ِعُل ْن )‬ ‫ِ‬


‫فاع ُل‬ ‫) ‪َ ( ...‬ف ْعُل ْن ‪َ /‬ف ِعُل ْن ‪/‬‬ ‫( فعُل ْن ‪َ /‬ف ْعُل ْن ‪َ /‬ف ِعُل ْن ‪َ /‬ف ِعُل ْن‬

‫عند أحمد شوقي وهو سابق عليهما‪ ،‬يقول من "نشيد الكشافة"‪:‬‬


‫وكذلك َ‬
‫‪4‬‬
‫الخ َير َوَن ْستَِب ُق ‪ ...‬ما َيرضى الخالِ ُق واْلخل ُق‬ ‫ِ‬
‫َن ْبتَد ُر َ‬

‫( ‪ -‬ب ب‪ / - - /‬ب ب ‪ /-‬ب ب ‪ / - - / - - ( ... ) -‬ب ب ‪ / -‬ب ب ‪) -‬‬

‫‪1‬‬
‫‌نازك‌المالئكة‪‌،‬قضايا الشعر المعاصر‪‌،‬ص‌‪‌ .112‬‬
‫‪2‬‬
‫‌إسماعيل‪‌،‬عز‌الدين‪‌،‬قضايا الشعر المعاصر‪ :‬قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية‪‌،‬ط‌‪‌،3‬دار‌الفكر‌العربي‪‌،‬القاهرة‪‌،‬د‌‪‌/‬ت‪‌،‬ص‌‬
‫‪.106‬‬
‫‪3‬‬
‫‌ابن‌الجوزي‪‌،‬جمال‌الدّين‌(‌‪‌597‬هـ‌)‪‌،‬المدهش‪‌،‬ط‌‪‌،2‬دار‌الكتب‌العلمية‪‌،‬بيروت‪‌1985‌،‬م‪‌‌،‬ص‌‪‌ .203‬‬
‫‪4‬‬
‫‌شوقي‪‌،‬أحمد‪‌،‬الشوقيات‪‌،‬مراجعة‪‌:‬يوسف‌الشيخ‌البقاعي‪‌،‬د‌‪‌/‬ط‪‌،‬دار‌الكتاب‌العربي‪‌،‬بيروت‪‌2008‌،‬م‪‌،‬ج‌‪‌،4‬ص‌‪‌ .237‬‬

‫‪88‬‬
‫( ِ‬
‫فاع ُل ‪َ /‬ف ْعُل ْن ‪َ /‬ف ِعُل ْن ‪َ /‬ف ِعُل ْن ) ‪َ ( ...‬ف ْعُل ْن ‪َ /‬ف ْعُل ْن ‪َ /‬ف ِعُل ْن ‪َ /‬ف ِعُل ْن )‬

‫موضع آخر‪ ،‬في قصيدة "النيل"‪:‬‬


‫ٍ‬ ‫عنده في‬
‫ووردت َ‬

‫ِ‬ ‫ناة ِ‬
‫جار ويرى ليس بجار ‪ِ ...‬أل ٍ‬
‫ٍ َُ‬
‫‪1‬‬
‫ووقار‬ ‫فيه‬ ‫َ‬

‫( ‪ / - -‬ب ب ‪ - / -‬ب ب ‪ ( ... ) - - /‬ب ب ‪ - / - - / -‬ب ب ‪) - - /‬‬

‫‪َ /‬ف ْعُلن )‬ ‫فاعل ‪َ /‬فعُلن ) ‪َ ( ...‬ف ِعُلن ‪َ /‬فعُلن ‪ِ /‬‬


‫فاع ُل‬ ‫( َفعُلن ‪َ /‬ف ِعُلن ‪ِ /‬‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬

‫وذلك ينفي أن يكون األسبقية فيها لنازك المًلئكة‪ ،‬وان كانت قليلة الشيوع فيما سبق نظمه على‬
‫التنبه إلى‬
‫فكان الفتًا ّ‬‫َ‬ ‫أما عن مطران‪،‬‬
‫مما يستساغ ورودها في هذا البحر‪ّ .‬‬‫الخبب‪ّ ،‬إال ّأنها ّ‬
‫فس ُهل تعيينها‪ّ ،‬إال ّأنه ال يمكن‬
‫كونها وردت في بيتين يتيمين له على الخبب‪َ ،‬‬
‫ورودها عنده؛ َ‬
‫لفت االنتباه إلى الحرّية في استعمال الرخص العروضية‬ ‫ِ‬
‫البت في كونه عمد إليها قاصًدا َ‬
‫ّ‬
‫جانب‬
‫َ‬ ‫معين لم يلفتاه إلى إقحامها‬
‫أن نظمه اآلني للبيتين وانشادهما على نحو ّ‬
‫المهمشة‪ ،‬أو ّ‬
‫عفو الخاطر! وأيًّا كان‪ ،‬فورودها عنده واقرار وجودها‬
‫التفعيًلت األخريات‪ ،‬ما جعلها مستساغة َ‬
‫العروضية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫في السابق‪ ،‬يفتح الباب على التوسع في استخدام الرخص‬

‫‪ 3.2‬التصريع‪:‬‬

‫يكرُر صوتًا فتألفه األذن‬


‫يعد التصريع ذا وقع إيقاعي على أذن المستمع وْق َت سماعه‪ ،‬أل ّنه ّ‬
‫ّ‬
‫الشعر‪.‬‬
‫من ّ‬‫أن ما تستمع إليه هو ضرب َ‬
‫وتتنبه إلى ّ‬
‫ّ‬

‫يع‬
‫جاء التّصر ُ‬ ‫الروي بأنه الخيط ّ‬
‫الناظم ألبيات القصيدة‪ ،‬فقد َ‬ ‫َّ‬ ‫يصف الباحث عبد نور عمران‬
‫مرتين في البيت الواحد؛ ما يخلق إلف ًة‬
‫النصف؛ أل ّنه يكرره ّ‬
‫الزمكاني إلى ّ‬
‫مختصر حضوره ّ‬
‫ًا‬
‫روي الضرب‪.2‬‬
‫روي العروض مع ّ‬ ‫إيقاعية تتأتّى ِ‬
‫من اتّفاق ّ‬ ‫ّ‬

‫أما األول فأن يستوي‬


‫وبديعي‪ّ ،‬‬
‫والتصريع كما جاء في "تحرير التحبير" نوعان‪َ :‬عروضي َ‬
‫لتستقيم‬
‫َ‬ ‫أن تكو َن َ‬
‫العروض ُغّيرت عن أصلها‬ ‫ط ْ‬‫مع ضربه َوزًنا واعرًابا وتقفي ًة‪َ ،‬شر َ‬
‫عروض البيت َ‬

‫‪1‬‬
‫‌شوقي‪‌،‬أحمد‪‌،‬الشوقيات‪‌،‬ج‌‪‌،4‬ص‌‪‌ .235‬‬
‫‪2‬‬
‫‌عمران‪‌،‬عبد‌نور‌داود‪‌،‬البنية اإليقاعية في شعر الجواهري‪‌،‬ص‌‪.221‬‬

‫‪89‬‬
‫الصدر مع الجزء األخير‬ ‫َ ن‬
‫مع وز الضرب‪ ،‬في حين البديعي يتأتى من استواء الجزء األخير في ّ‬
‫من العجز في الوزن واإلعراب والتقفية‪.1‬‬

‫إعًلنا لمجاوزته‬
‫ً‬ ‫إن دخول الشاعر في الوزن والقافية منذ البيت األول مبتدئه بالتصريع‪ّ ،‬‬
‫يعد‬ ‫ّ‬
‫ثم اتّفاًقا مع السامع على طبيعة المقطع الذي ستتناسل منه األعداد‬
‫يعقد بالتّصري ِع ّ‬
‫النثر‪ ،‬وكأنما ُ‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫وهو ما وصفه "محمد ّبنيس" على ّأنه في الشعر‪:‬‬
‫آخر األبيات ‪َ .‬‬ ‫الباقية من األصوات المتماثلة َ‬
‫ِ‬
‫وظيفته‪،‬‬ ‫من‬
‫ألكثر ْ‬
‫َ‬ ‫مؤدًيا‬ ‫"نطفته التي ينشأ بها ومن ُهنا َيكو ُن ّ‬
‫تسربه إلى االستهًلل واالنعطاف‪ّ ،‬‬
‫يستحوذ االستهًلل بدوره على القصيدة‪ ،‬وينشر سلطتَه عليها‪ ،‬فيما‬ ‫وباستحواذه على االستهًلل‪ْ ،‬‬
‫ْ‬
‫‪3‬‬
‫ال اإليقاع" ‪.‬‬ ‫هو ينشرها على سامعها – قارئها – وبهذا أيضا يكو ُن ًّ‬
‫من دو ّ‬
‫داال ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬

‫إن‬
‫تقليدا في بنية شعرهم فًل ُيتجاوز عنه‪ ،‬حتّى ّ‬
‫عند القدماء حتّى غدا ً‬
‫وللتصريع أهمية متقدمة َ‬
‫يع في‬
‫األول‪ ،‬يقول ابن رشيق‪ ..." :‬جعلوا التّصر َ‬
‫األصل عندهم في نظم الشعر تصريع البيت ّ‬‫َ‬
‫ويستأنف في‬
‫ْ‬
‫‪4‬‬
‫مهمات القصائد فيما يتأهبو َن له من الشعر‪ ،‬فدل ذلك على فضل التّصريع"‬
‫وهو دليل على‬
‫وقد كثر استعمالهم هذا حتى صرعوا في غير موضع التصريع‪َ ،‬‬ ‫موضع آخر‪ْ " :‬‬
‫مين "‪.5‬‬ ‫ِ‬
‫المتقد َ‬
‫ّ‬ ‫من‬
‫دل على التكّلف‪ّ ،‬إال َ‬
‫القصيدة َّ‬ ‫المادة‪ّ ،‬إال ّأنه إذا كثر في‬
‫طبع‪ ،‬وكثرة ّ‬‫قوة ال ّ‬
‫ّ‬

‫عنده سليق ًة على ما‬


‫يجيز كثرَة وروده لمن طبع على الشعر‪ ،‬ولمن يأتي َ‬
‫ابن رشيق ُ‬
‫أن َ‬‫هذا َيعني ّ‬
‫فإنه‬
‫كثير ّ‬
‫يعم َد الشاعر إليه ًا‬ ‫فطر عليه من بناء لغوي فيسعفه ما يكتنزه من معجم لغوي‪ّ ،‬‬
‫أما أن َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫أشعار مطران؟ وهل عم َد إليها‬ ‫كيف تجّلت هذه الظاهرة في‬ ‫ِ‬
‫في نظره متكّلف‪ ،‬ذو صنعة‪ .‬ف َ‬
‫ثم ائتًلف مع تناولها في‬
‫وعا أم متكّلًفا‪ ،‬وما الغاية التي يرومها من توظيفها في شعره؟ وهل ّ‬
‫مطب ً‬
‫مختلفا فيها؟‬
‫ً‬ ‫أمر‬
‫أشعار القدماء أم ّأنه انتحى ًا‬

‫نحو ما يربو عن ثًلثمئة‬


‫عنده َ‬
‫جسد هذه الظاهرة َ‬‫ان خليل مطران يجده قد ّ‬
‫المتأمل ديو َ‬
‫ّ‬ ‫إن‬
‫ّ‬
‫مرصع‬ ‫ِ‬
‫وهو ما يعني أكثر من نصف ما نظم‪ ،‬مع غير االلتفات إلى ما هو ّ‬
‫وخمسين قصيدة‪َ ،‬‬
‫القديم في تعيين‬
‫َ‬ ‫هج‬
‫الن َ‬
‫إن الشاعر هنا يتمثّل ّ‬
‫متنوعة القوافي‪ّ .‬‬
‫من المسمطات وكذلك القصائد ّ‬
‫‪1‬‬
‫‌ابن‌أبي‌اإلصبع‌العدواني‪‌،‬عبد العظيم بن الواحد ( ‪ 654‬هـ )‪ ،‬تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن‪‌،‬‬
‫تحقيق‪‌:‬محمد‌حنفي‪‌،‬د‌‪‌/‬ط‪‌،‬المجلس‌األعلى‌للشؤون‌اإلسالمية‪‌،‬الجمهورية‌العربية‌المتحدة‪‌،‬ص‌‪.305‬‬
‫‪2‬‬
‫‌فاوزي‪‌،‬محمد‪‌،‬الت ّصريع في الشعر العربي‪ :‬الجذور البنائيّة والقضايا النقدية ( بحث محكم )‪‌،‬مجلة‌كلية‌اآلداب‌الجديدة‪‌،‬المغرب‪‌،‬‬
‫‪‌2010‬م‪‌،‬مج‌‪‌،11‬ع‌‪‌،12‬ص‌‪.174‬‬
‫‪3‬‬
‫‌بنيس‪‌،‬محمد‪‌،‬الشعر العربي الحديث‪ :‬بنياته وإبداالتها‪‌،‬ط‌‪‌،1‬دار‌توبقال‪‌1991‌،‬م‪‌،‬ج‌‪‌‌،1‬ص‌‪.133‬‬
‫‪4‬‬
‫‌ابن‌رشيق‪‌،‬العمدة في محاسن الشعر وآدابه‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪.176‬‬
‫‪5‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪.174‬‬

‫‪90‬‬
‫شاعر‬ ‫كان‬
‫ولما َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫سمع المخاطب أو القارئ‪ّ .‬‬
‫َ‬ ‫ويلفت به‬
‫َ‬ ‫ينوه إليه‬
‫الجنس األدبي الذي يريد أن ّ‬
‫ِ‬
‫استمالة أذهان‬ ‫أجل‬
‫كان َ‬
‫أن استحضاره التّصريع في قصائده َ‬‫مناسبات وشاعر إنشاد‪ ،‬فًل ُبَّد ّ‬
‫ِ‬
‫إضفاء زخ ٍم‬ ‫الروي الذي ستؤول إليه أبيات القصيدة‪ ،‬والى‬ ‫الحضور إلى ما يلقي‪ ،‬والى تعيين‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫قصيدة "عرس قانا"‪ ،‬وقد أنشدها الليل َة األخيرة لزفاف‬ ‫مطلع‬ ‫إيقاعي يطرب مسمع المتلقي‪ .‬يقول‬
‫َ‬
‫الصديق إسكندر خوري إلى اآلنسة ماري‪ ،‬كريمة الوجيه جورج مدور‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫الد ْه ِر‬ ‫يا حسنها ساع ًة من العم ِر ‪َ ...‬فريدة في ِق ِ‬
‫ًلدة ّ‬
‫َ‬ ‫ًَ‬ ‫َ َ ُْ‬ ‫َُْ‬

‫( ‪ - -‬ب ‪ - / -‬ب – ب ‪ ( ... ) - - - /‬ب – ب ‪ - / -‬ب – ب‪) - - - /‬‬

‫ًلت ‪ُ /‬م ْستَْف ِع ْل )‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ًلت ‪ُ /‬م ْستَْفع ْل ) ‪ُ ( ...‬متَْفعُل ْن ‪َ /‬مْف ُع ُ‬
‫ِ‬
‫( ُم ْستَْفعُل ْن ‪َ /‬مْف ُع ُ‬
‫‪2‬‬
‫الد ِّر‬ ‫من َن ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫فائس ُ‬ ‫مال مالكة ‪ ...‬بم ْثلها ْ‬
‫َل ْم ُي ْزَه َي ْو ًما َج ُ‬

‫( ‪ - -‬ب ‪ - /-‬ب – ب ‪ - /‬ب ب ‪ ( ... ) -‬ب – ب ‪ - /-‬ب – ب‪) - - - /‬‬

‫ًلت ‪ُ /‬م ْستَْف ِع ْل )‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ًلت ‪ُ /‬م ْستَعُل ْن ) ‪ُ ( ...‬متَْفعُل ْن ‪َ /‬مْف ُع ُ‬
‫ِ‬
‫( ُم ْستَْفعُل ْن ‪َ /‬مْف ُع ُ‬

‫ِ‬
‫ألجل التّصريع‪ ،‬في حين‬ ‫افق ضرَبه‬ ‫ِ‬ ‫ظ هنا َّ‬
‫األول ليو َ‬
‫روض البيت ّ‬
‫أصاب ْت َع َ‬
‫َ‬ ‫ط ِع ْقد‬
‫أن عّل َة الَق ْ‬ ‫ُيْل َح ُ‬

‫عروض األبيات األخرى جّلها في القصيدة تتبع عروض البيت الثاني المغايرة عن ّ‬
‫األول‪ ،‬ما‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫ّ‬
‫أن ذلك ت ّم طَلًبا للتّصريع‪ ،‬وهو يعني حرص الشاعر على أن يبتدئ به‪.‬‬
‫يعني ّ‬

‫وكذلك في قصيدة "رثاء الشيخ سًلمة حجازي"‪ ،‬يقول‬


‫َ‬
‫‪3‬‬
‫النيًل‬
‫ونال ّ‬ ‫طِب َك التّمثيًل ‪َ ...‬ع َّم الِب َ‬ ‫ص ِ‬
‫أسى َ‬
‫ًلد ً‬ ‫فاج ُع َخ ْ‬ ‫اختَ َّ‬
‫ما ْ‬

‫( ‪ - -‬ب ‪ / -‬ب ب – ب ‪ - - ( ... ) - - - / -‬ب ‪ /-‬ب ب – ب ‪) - - - / -‬‬

‫‪ُ /‬م ْتفاعل )‬ ‫اعُلن ‪ /‬متَ ِ‬


‫فاعُل ْن‬ ‫ِ‬ ‫فاعُلن ‪ /‬متَ ِ‬
‫ِ‬
‫( ُم ْتف ْ ُ‬ ‫فاعُل ْن ‪ُ /‬م ْتفاعل )‬ ‫( ُم ْت ْ ُ‬
‫َّ‬
‫يا ُم ْحِيًيا َفنًّا‪َ ،‬و َم ْيتًا َ‬
‫‪1‬‬
‫قليًل‬
‫كان ً‬‫منه َ‬
‫دون ُه ‪ ...‬يا َل ْي َت َحظ َك ُ‬

‫‪‌‬هو‌العرس‌الذي‌أشير‌إليه‌في‌اإلنجيل‌وحوله‌السيّد‌المسيح‪‌،‬فيه‌الماء‌إلى‌الخمر‌‪‌/‬مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪‌ .288‬‬


‫‪1‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪‌ .‬‬
‫‪3‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ج‌‪‌‌،2‬ص‌‪‌ .200‬‬

‫‪91‬‬
‫( ‪ - -‬ب ‪ - - / -‬ب ‪ - - / -‬ب ‪ - - ( ... ) -‬ب ‪ /-‬ب ب – ب ‪ / -‬ب ب ‪) - -‬‬

‫فاعُل ْن ‪ُ /‬متَفا ِع ْل )‬
‫فاعُلن ‪ /‬متَ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫( ُم ْتفاعُل ْن ‪ُ /‬م ْتفاعُل ْن ‪ُ /‬م ْتفاعلن ) ‪ُ ( ...‬م ْت ْ ُ‬

‫أيضا قوله من "الخفيف" في قصيدة "الشكر المرفوع"‪:‬‬ ‫ِ‬


‫ومن أمثلة ذلك ً‬
‫‪2‬‬
‫ان‬ ‫نان ‪ ...‬وأ ِ‬
‫ُعّدت مدارُج األرجو ِ‬ ‫الع ِ‬
‫َ‬ ‫الورد في مراقي َ‬
‫ُن َثر ُ‬

‫فاعًلتن ) ‪َ ( ...‬ف ِعًلتُن‪ /‬متَْف ِعُلن‪ِ /‬‬


‫فاعًلتُ ْن )‬ ‫( َف ِعًلتُن‪ /‬متفعلن‪ِ /‬‬
‫ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫‪3‬‬
‫من مهر ِ‬
‫جان‬ ‫فوس ْ‬
‫الن َ‬
‫صباح ‪ ...‬ما َيروعُ ّ‬
‫ٍ‬ ‫كل‬
‫سماء َّ‬ ‫َهّيئي يا‬
‫ُ‬
‫فاعًلتُن‪ /‬متَْف ِعلُن‪َ /‬ف ِعًلتُن ) ‪ِ ( ...‬‬
‫فاعًلتُن‪ُ /‬متَْفعلن‪ /‬فاعًلتن )‬ ‫( ِ‬
‫ْ ُ ْ‬

‫مغاير –‬
‫ًا‬ ‫وفي كل ما مضى قد وافق العروض الضرب بًل ز ٍ‬
‫يادة أو نقصان في البيت األول‪،‬‬ ‫ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫العروضي‪ ،‬في حين‬‫ذاك التصريع َ‬‫العروض– عن عروض األبيات األخر في القصيدة وهو إذ َ‬
‫عدة منها قوله في قصيدة "حيفا" إذ أنشدها في حفلة‬ ‫ِ‬
‫ظهر عنده التصريع البديعي في مواض َع ّ‬
‫َ‬
‫حين زارها ‪ 1927‬م‪:‬‬
‫تكريمية له َ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ص ٍر ْ‬
‫‪4‬‬
‫أن َي َوّدا‬ ‫يؤدى ‪َ ...‬ه ْل َيفي م ْن ُمَق ّ‬
‫ف ّ‬ ‫الجميل َك ْي َ‬
‫َد ْي ُن هذا َ‬

‫( ‪ -‬ب ‪ /- -‬ب – ب ‪ / -‬ب ب ‪ - ( ... ) - -‬ب ‪ /- -‬ب – ب ‪ - /-‬ب ‪) - -‬‬

‫فاعًلتُن ‪ /‬متَْف ِعُلن‪ِ /‬‬


‫فاعًلتُ ْن )‬ ‫فاعًلتُن ‪ /‬متَْف ِعُلن ‪َ /‬ف ِعًلتُن ) ‪ِ ( ...‬‬
‫( ِ‬
‫ْ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ ْ‬

‫الضرب هنا بالكلية‪ ،‬إنما في ِ‬


‫الروي في الشطر ّ‬
‫األول موافًقا‬ ‫ّ‬ ‫بعضها‪ ،‬وجاء‬ ‫ّ ّ‬ ‫العروض َّ َ‬
‫ُ‬ ‫إذ لم توافق‬
‫وكان ألقاها في ٍ‬
‫حفل أقيم لجمع المبرات‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫للشطر اآلخر‪ ،‬ومنه مطلع قصيدة "دعوة للخير" َ‬
‫ّ‬

‫طرَة ِ‬ ‫ِ‬ ‫مهما ِتق ّل ثُماَل ُة اْلم ِ‬


‫تح ِرِم اْلم ْس َ‬
‫‪5‬‬
‫جود‬ ‫كين َق ْ َ‬ ‫وجود ‪ ...‬ال ْ‬ ‫َ‬

‫( ‪ - -‬ب ‪ /-‬ب ب – ب ‪ - - ( ... ) - - - /-‬ب ‪ - - /-‬ب ‪ /-‬ب ب ‪) - -‬‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،2‬ص‌‪.200‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .142‬‬
‫‪3‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ج‌‪‌،3‬ص‌‪‌ .239‬‬
‫‪5‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .225‬‬

‫‪92‬‬
‫فاعُلن ‪ /‬متَ ِ‬
‫فاع ْل )‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫( ُم ْتفاعُل ْن ‪ُ /‬متَفاعُل ْن ‪ُ /‬م ْتفاع ْل ) ‪ُ ( ...‬م ْتفاعلُ ْن ‪ُ /‬م ْت ْ ُ‬

‫تماما بل في أجزاء منه‪ ،‬فوافق‬ ‫ِ‬


‫رب ( ُمتَفاعل) ً‬
‫الض َ‬
‫العروض ( ُم ْتفاعل) ال يتطابق و ّ‬
‫أن َ‬‫ظ ّ‬
‫إذ ُيْل َح ُ‬
‫الروي‪ ،‬وكان التصريع بديعيًّا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الروي‬

‫ِ‬
‫سيما‬
‫آناء كتابة القصيدة‪ ،‬ال ّ‬
‫مدعاة إغواء لإللهام َ‬
‫َ‬ ‫يع كما يذكر عبد نور عمران‬ ‫وَق ْد يكو ُن التصر ُ‬
‫‪1‬‬
‫عند خليل مطران في‬
‫كان كذلك َ‬ ‫يعتمد الترّن َم في ال ّنظم‪ ،‬وللمتلّقي أثناء اإللقاء ‪ .‬ويبدو ّأنه َ‬
‫ُ‬ ‫لمن‬
‫الروي‬ ‫تخيره‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫مع ّ‬‫الموحد بسهولة أيسر‪َ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ذات اإليقاع‬
‫بعض قصائده‪ ،‬إذ بالترّنم يستدعي األبيات َ‬
‫مثًل في قصيدة "مقاطعة"‪ ،‬وقد‬
‫الفضاء النفسي الذي يضفيه على ما ينظم‪ ،‬يقول ً‬
‫َ‬ ‫يًلئم‬
‫ُ‬ ‫فق ما‬
‫َو َ‬
‫وسلط قانون المطبوعات على األفكار‪:‬‬
‫نظمها عندما بدئ اضطهاد األحرار‪ُ ،‬‬

‫أحرَارها ُح ًّار َف ُح ّار‬


‫يارها َب ْح ًار َوَب ّار ‪ ...‬وا ْقُتلوا ْ‬ ‫َش ِّردوا ْ‬
‫أخ َ‬
‫‪2‬‬
‫الش ُّر َش ار‬
‫ويبقى َ‬ ‫الد ِ‬ ‫ّإنما الصالِح يبقى صالِحا ‪ِ ...‬‬
‫هر ْ‬ ‫آخ َر ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ ُ‬

‫رب‬ ‫ِ‬
‫الض َ‬
‫العروض ّ‬‫العروضي بموافقة َ‬ ‫من اإليقا ِع متمثّل بالتصريع َ‬ ‫ظ في البيتين َحشد الفت َ‬‫لح ُ‬
‫ُي َ‬
‫اء مجهورة ذات امتداد‬ ‫الروي‬ ‫الروي‬ ‫فاعًلتُن ‪ِ /‬‬
‫تماما في المطلع ( ِ‬
‫فجاء ر ً‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فاعًلتُ ْن)‪ ،‬كما وافق‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫حال الثورة‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫صوتي ٍ‬
‫مجسدةً َ‬
‫ّ‬ ‫مدوية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يجعل التك اررية في الراء‬
‫ُ‬ ‫متأت من مد األلف‪ ،‬ما‬ ‫ّ‬ ‫عال‬
‫لصالح األخيار دو ًما عاشوا أو ماتوا‪ ،‬فتعداد الخيارات‬
‫ِ‬ ‫النتيج ُة‬
‫َ‬ ‫من المآل‪ ،‬ما دامت‬
‫وف َ‬ ‫الًلخ َ‬
‫و َ‬
‫للضحية موجود وان فعل اآلخر به ما فعل‪ .‬وكأن‬ ‫ّ‬ ‫الضمان‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫يقينا من ّ‬
‫بداية يوحي بالًلمباالة؛ ً‬
‫َ‬
‫احدا تلو‬ ‫ِ‬
‫األخيار أو فلتقتلوهم و ً‬
‫َ‬ ‫شردوا‬
‫من التخييرّية المعجزة‪ :‬فْلتُ ّ‬
‫الشاعر يقول مخاطًبا على نحو َ‬
‫دامت النتيجة ثابتة‪.‬‬
‫يفيدكم ذلك ما َ‬
‫اآلخر‪ ،‬فلن َ‬

‫ستعمًل‬
‫ً‬ ‫وذاك بالتعبير م‬
‫َ‬ ‫عارضا آنيًّا‪،‬‬
‫ً‬ ‫من أفعالِهم ًا‬
‫أمر طارًئا‬ ‫جعل ْ‬
‫التعبير إذ َ‬
‫َ‬ ‫وقد أجاد الشاعر‬
‫مستعمًل أسلوب قصر النصر‬
‫ً‬ ‫االسمية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أثبت دوام النتيجة بالجملة‬
‫الفعلية‪ ،‬في حين َ‬
‫ّ‬ ‫الجملة‬
‫الص ِال ُح‬ ‫ِ‬
‫الشر والسوء على األشرار‪ ،‬إذ قال‪ّ " :‬إنما ّ‬
‫صر نتيجة ّ‬
‫والرباح على فئة الصًلح‪ ،‬وكذلك َق ْ‬
‫كل هذه المعاني التخييرّية والًلمباالة تجاهها يًلئمها ذلك‬
‫إن ّ‬
‫شرا"‪ّ ،‬‬ ‫يبقى صالِ ًحا"‪" ،‬ويبقى ُّ‬
‫الشر ّ‬
‫داخلية أخرى‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫إيقاعات‬ ‫ف في المطَل ِع‬
‫ظَ‬‫الشاعر و ّ‬
‫َ‬ ‫الروي المفتوح‪ .‬إضاَف ًة إلى ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫االمتداد في‬

‫‪1‬‬
‫‌عمران‪‌،‬عبد‌نور‌داود‪‌،‬البنية اإليقاعية في شعر الجواهري‪‌،‬ص‌‪.221‬‬
‫‪2‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪ ،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،2‬ص‌‪‌ .9‬‬

‫‪93‬‬
‫شك َل‬
‫لغويا؛ ما ّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬
‫طر الثاني ّ‬ ‫ان ّ‬‫جاء موافًقا ميز َ‬
‫األول َ‬
‫الشطر ّ‬
‫من المعنى ووازنت المبنى‪ ،‬ف ّ‬
‫كثّفت َ‬
‫مع نظيرتها في الشطر اآلخر‪،‬‬
‫األول َ‬
‫داخلية متأتّية من مقابلة صيغة كل كلمة بالشطر ّ‬
‫ّ‬ ‫تقفي ًة‬
‫نحو ما يأتي‪:‬‬
‫َ‬

‫اقتلوا‬
‫وُ‬ ‫َش ِّردوا‬
‫أحرَارها‬ ‫أخيارها‬
‫َ‬
‫ُح ًّار‬ ‫َب ًّار‬
‫َو ُح ّار‬ ‫وب ْح ار‬
‫َ‬

‫ط ِر ِ‬
‫نفسها‪،‬‬ ‫ّإنها ذات صي ٍغ متطاِبقة ما يعني ِبني ًة إيقاعية ِ‬
‫الفتة‪ ،‬حتّى إن ذلك يظهر في األش ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫الشطر المقابل‪ ،‬وتكرار "الصالح" وتكرار "الشر"‪،‬‬ ‫الح ّر في ّ‬
‫مع البحر‪ ،‬وكذلك تَكرار ُ‬ ‫البر َ‬
‫بمقابلة ّ‬
‫ِ‬ ‫سار إلى ِ‬ ‫دهرّية‪ ،‬مضمونها ٍ‬
‫وبمكنتها أن تجري مجرى‬ ‫الدهر‪،‬‬‫آخر ّ‬ ‫ألن تكو َن حكم ًة ْ‬
‫صلُ ُح ْ‬
‫ّإنها تَ ْ‬
‫المصرع ُيحفظ‬ ‫استدعائها إذا ما حفظت‪ ،‬أل ّن المطلع‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫يع لسهوَلة ْ‬
‫ناس َبها التصر ُ‬
‫فلربما َ‬
‫األمثال‪ُ ،‬‬
‫القصيد ِة إذا ما ُذ ِكر‪.‬‬
‫َ‬ ‫لبقية أجزِاء‬ ‫المصرع‪ ،‬ويكو ُن َم ً‬
‫دعاة ّ‬ ‫ّ‬ ‫أسهل من ِ‬
‫غير‬

‫توظيف ِه التّصريع‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ألصق بالتراثيين في‬
‫كان َ‬
‫أن الشاع َر خليل مطران‪َ ،‬‬ ‫ماس َبق‪ُ ،‬يستنتَ ُج ّ‬
‫كل َ‬‫من ّ‬
‫اإلنشاد والقاء الشعر لديهم؛ كون ٍ‬
‫نسبة كبيرة مما نظم كانت في‬ ‫ِ‬ ‫نه َج‬ ‫ِ‬ ‫لموافقته في ٍ‬
‫َ‬ ‫كثير مما ينظ ْم ْ‬
‫ِ‬
‫استمالة أسماعهم‬ ‫حرص ُه على‬ ‫موضوع المناسبات‪ ،‬وقد ألقيت أمام ٍ‬
‫حشد من الجمهور‪ ،‬ما يعني‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫تذكر مطالع قصائده التي تجري مجرى الحكمة أو المدح أو الرثاء‬
‫نحو ما يلقي‪ ،‬وكذلك سهولة ّ‬
‫َ‬
‫ولربما حفظها‪ ،‬ما يعني حرصه على أن تُذكر وتجري على األلسنة‪ًّ ،‬‬
‫ردا لمعروفهم تجاهه‪ .‬كما‬
‫ظُف ُه موافَق ًة للمعنى الذي يريد طرحه على‬
‫بل يو ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أنه ال يكتفي ِ‬
‫إيقاعية بًل قيمة مضافة‪ْ ،‬‬
‫ّ‬ ‫به ز َين ًة‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫شطر ِ‬
‫يلقيه على المسامع‪.‬‬ ‫الناظم لها مذ ّأول ٍ‬
‫ط ّ َ‬ ‫مدار القصيدة‪ ،‬فيعلِ ُن َ‬
‫الخي َ‬ ‫ِ‬

‫‪ 3.3‬التدوير‪:‬‬

‫يخدم الداللة التي يرومها في‬


‫ُ‬ ‫الشاعر إيقاعيًّا بما‬
‫ُ‬ ‫ظفها‬
‫يعد التدوير من التقنيات الفنية التي يو ّ‬
‫ّ‬
‫اك‬ ‫ِ‬
‫ويعنى به حسبما ورد في "المعجم المفصل في علم العروض والقافية وفن الشعر" اشتر ُ‬ ‫النص‪ُ .‬‬ ‫ّ‬

‫‪94‬‬
‫أن‬
‫بعضها آخر الشطر األول وبعضها اآلخر بداي َة الشطر الثاني‪ ،‬أي ّ‬‫شطري البيت بكلمة يكو ُن ُ‬
‫يتم بجزٍء من هذه الكلمة‪.1‬‬
‫األول ُّ‬
‫الشطر ّ‬ ‫وزَن ّ‬

‫تصبح شرك ًة بين‬


‫ُ‬ ‫المدور أنه "الذي تحوي مكوناته الداخلية كلمة‬ ‫ّ‬ ‫عرف أحمد كشك البيت‬
‫وي ّ‬
‫ُ‬
‫عن‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫‪2‬‬
‫الشطر ُيفص ُح ْ‬
‫طر عن ّ‬ ‫استقًلل ّ‬
‫َ‬ ‫ألن‬
‫قسميه –أي شطريه– غير قابلة للتقسيم إنشاديًّا " ‪ّ ،‬‬
‫"ولكن بناء البحر الشعر ّي‬
‫ّ‬ ‫نغ ٍم جلي أثناء اإللقاء‪ ،‬وهو ذاته ما أوضحه د‪ .‬محمد حماسة بقوله‪:‬‬ ‫َ‬
‫ّ‬
‫كل ش ٍّق‬
‫يظهر ّ‬
‫َ‬ ‫في العربية يقوم أساسه على اعتبار وحدة البيت ذات شّقين‪ُ ،‬ي َّ‬
‫فض ُل في اإلنشاد أن‬
‫دور"‪.3‬‬ ‫ِ‬
‫الم ّ‬
‫على حدة حتّى مع وجود ُ‬

‫مصرع؛ ما يعني انفراد كل‬ ‫وما يؤكد هذا حسب قول – حماسة‪-‬هو عادة ابتداء القصيدة ٍ‬
‫ببيت‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اضع غير البيت األول في القصيدة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫شطر عن اآلخر في اإلنشاد ويأتي كذلك –التصريع‪ -‬في مو َ‬
‫ذلك يعني أن هذه األبيات المصرعة داخل القصيدة واجب فيها الوقوف على َعروضها وكذلك‬
‫الضرب‪ ،‬إذ سيحدث خلل في الوزن إذا ما عوملت معاملة المتصل‪.4‬‬
‫معاملتها ُنطًقا كما تعامل ّ‬
‫تكامًل‪،‬‬
‫ً‬ ‫الصوت والمعنى والشعور‪ ،‬محدثًا‬
‫جسد اتّحاد ّ‬
‫إيقاعية الفتة‪ُ ،‬ي ّ‬
‫ّ‬ ‫لذا بدا التدوير ظاهرة‬
‫موحدة‪.5‬‬
‫النص كتل ًة ّ‬
‫من ّ‬ ‫جاعًل َ‬
‫ً‬

‫فرضية‬
‫ّ‬ ‫بعض دراساته على التدوير في الشعر العربي‪ ،‬منطلًِقا من‬‫وقد أجرى الدكتور أحمد كشك َ‬
‫كبير‬
‫عددا ًا‬ ‫ِ‬
‫مستقرًئا ً‬ ‫بين التدوير والبحر الذي يكثر فيه‪ ،‬وتأويًلت ذلك‪،‬‬
‫هناك تواُفق ما َ‬
‫َ‬ ‫أنه ربما‬
‫اءم مع‬ ‫ٍ‬
‫بعض البحور وفي مقدمتها الخفيف تتو َ‬ ‫أن َ‬ ‫مفادها ّ‬
‫بنتيجة ُ‬
‫َ‬ ‫خارجا‬
‫ً‬ ‫الشعري‪،‬‬‫من الموروث ّ‬
‫تهدف إلى‬
‫ُ‬ ‫الشطر الثاني‪ ،‬فليست‬ ‫التدوير؛ أل ّنه من صفاتها انسياح الشطر األول في عًلقات ّ‬
‫ِ‬
‫المجزوءات منها‪ ،‬في حين يندر أن يكو َن‬ ‫ِ‬
‫حاصل في‬ ‫تماما‪ ،‬وذلك‬
‫الشطر ً‬ ‫اإلفصاح عن نغ ِم ّ‬
‫إيقاعه بالك ّلية‪.6‬‬ ‫القسيم‬ ‫تم‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أن ُي ّ‬
‫وذاك لحرصها ْ‬
‫َ‬ ‫طويل والكامل‪،‬‬
‫التدوير في بحور كما ال ّ‬

‫‪1‬‬
‫‌العبيدي‪‌،‬رشيد‌عبد‌الرحمن‪‌،‬معجم المصطلحات العروض ّية والقوافي‪‌،‬ط‌‪‌،1‬جامعة‌بغداد‪‌1986‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌/‌91‬انظر‌أيضًا‪‌:‬‬
‫الهاشمي‪‌،‬السيد‌أحمد‪‌،‬ميزان الذهب في صناعة شعر العرب‪‌،‬تعليق‪‌:‬عالء‌الدين‌عطية‪‌،‬ط‌‪‌،3‬مكتبة‌دار‌البيروتي‪‌2006‌،‬م‪‌‌،‬ص‌‬
‫‪‌ .35‬‬
‫‪2‬‬
‫‌كشك‪‌،‬أحمد‪‌،‬التدوير في الشعر‪ :‬دراسة في النحو والمعنى واإليقاع‪‌،‬ط‌‪‌،1‬كلية‌دار‌العلوم‪‌،‬جامعة‌القاهرة‪‌1989‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.7‬‬
‫‪3‬‬
‫‌عبد‌اللطيف‪‌،‬محمد‌حماسة‪‌،‬الجملة في الشعر العربي‪‌،‬ط‌‪‌،1‬مكتبة‌الخانجي‪‌،‬القاهرة‪‌1990‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌ .29‬‬
‫‪4‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌.31‌–‌30‬‬
‫‪5‬‬
‫‌لوحيشي‪‌،‬ناصر‪‌،‬أوزان الشّعر العربي بينَ المعيار النظري والواقع الشعري‪ :‬الشعر الجزائري في معجم " البابطين " أنموذ ًجا‬
‫تطبيقيًّا‪‌،‬ط‪‌،1‬عالم‌الكتب‌الحديث‪‌،‬األردن‪‌2011‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌ .243‬‬
‫‪6‬‬
‫‌كشك‪‌،‬أحمد‪‌،‬التدوير في الشعر‪ :‬دراسة في النحو والمعنى واإليقاع‪‌،‬ص‌‪.37‬‬

‫‪95‬‬
‫خد َم‬ ‫ِ‬
‫وكيف َ‬
‫َ‬ ‫الدال اإليقاعي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ان لهذا‬
‫كيفية توظيف مطر َ‬
‫ّ‬ ‫هو‬
‫الدراسة َ‬
‫أن ما ُيستقصد في هذه ّ‬ ‫ّإال ّ‬
‫بين استعماله له والنتائج التي خرج بها بحث‬
‫ائتًلف ما َ‬ ‫وهل ثَ ّم‬
‫المعنى الذي يبتغيه في قصائده‪َ ،‬‬
‫الدكتور أحمد كشك؟‬

‫بشكل الفت‪ ،‬بالِغة ذروتها‬


‫ٍ‬ ‫ان خليل مطران يشير إلى تجّلي ظاهرة التّ ِ‬
‫دوير عنده‬ ‫استقراء ديو ِ‬
‫إن ْ َ‬ ‫َّ‬
‫يكاد يخلو "خفيف"‬
‫سيما مجزوء الكامل؛ فًل ُ‬
‫ظ َم على الخفيف‪ ،‬وعلى مجزوءات البحور ال ّ‬‫فيما َن َ‬
‫نح ٍو قليل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعض البحور األخرى ومجزوءاتها على ْ‬ ‫عنده من ذلك‪ ،‬إضاف ًة إلى‬
‫أو "مجزوء الكامل" َ‬

‫قديما من استقًللية الشطرين في اإلنشاد‬


‫اعتيد عليه ً‬‫َ‬ ‫ولم يكن مطران يقصد التدوير لخرِم ما‬ ‫ْ‬
‫وحشدها في ثنايا‬ ‫تكثيفها‬
‫فق رؤية داللية‪ ،‬يبتغي به َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫يعمده َو َ‬
‫كل منهما عن نغمه‪ ،‬بل ّإنه َ‬ ‫ليفص َح ٌّ‬
‫ليس‬
‫نصوصه‪ ،‬موافَق ًة والفلك الداللي للقصيدة ككل‪ ،‬واألمثلة على توظيفه له كثيرة في ديوانه َ‬
‫الموضع هنا إحصاءها‪ّ ،‬إنما استجًلء داللتها وكيفية توظيفها‪ ،‬ومن أمثلة ذلك قصيدته "إلى أب‬
‫ثاكل"‪ ،‬وقد نظمها على إثر فجع الجواد الوجيه جرجس براهمشا في ِب ِ‬
‫كر أوالده‪ ،‬فعظمت عليه‬
‫ِ‬
‫القصيدة أربعة وعشرو َن بيتًا من الكامل‬ ‫وعدة‬
‫الضريح‪ّ .‬‬
‫فعزاه الشاعر بها على ّ‬
‫المصيبة‪ّ ،‬‬
‫مدوًرا‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫عشر بيتًا ّ‬
‫المجزوء‪ ،‬وفيها سبع َة َ‬

‫داك‬ ‫تاك ‪ِ ...‬ب َج ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫ميع ما مَل َك ْت َي ْ‬ ‫إن تَ ْستَط ْع ْأنق ْذ َف ْ‬
‫ْ‬

‫تاك‬ ‫اس ِق ِه ‪ ...‬ما َق ّ‬


‫ط َرْت ُه ُمْقَل ْ‬ ‫روح َك و ْ‬
‫ِ‬
‫أنشْق ُه َ‬

‫ناك‬
‫شاء ْت ُم ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بء العين في الجفنين ما َ‬
‫اخبؤه َخ َ‬
‫وْ‬

‫أذاك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫من ْ‬ ‫اس َه ْر َعَل ْيه وال تُحاذ ْر في أذاهُ ْ‬
‫وْ‬

‫ماك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الس ْ‬
‫ص ْرًحا يقيه ُم َشّيًدا حتّى ّ‬
‫َوأق ْم َ‬
‫‪1‬‬ ‫ِ‬
‫وا ْب ُذ ْل حياتَ َك في فداهُ وال تض َّن بمقتَ ْ‬
‫ناك‬

‫أن َم ْن‬ ‫ِ ِ‬
‫ص كيفية االعتناء باألبناء‪ّ ،‬إال ّ‬ ‫بأسى ممزو ٍج بمواساة ولطائف ُتَل ّخ ُ‬
‫مشحونة ً‬
‫وهذه األبيات ْ‬
‫بنصائح‬ ‫إيقاعية مشحون ًة‬ ‫تحم ُل طيَّها َدَفقات‬ ‫ِ‬
‫يعنيه اآلن أضحى نائيا في ِعداد الغائبين‪ ،‬واألبيات ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪‌ .158‬‬

‫‪96‬‬
‫األول نصيحة ُم ْستَِقّلة‬ ‫شكل كل بي ٍت من ِ‬ ‫ِ‬ ‫إن تستَ ِط ْع"‪َّ ،‬‬
‫بعد ّ‬
‫ْ‬ ‫فكأنما ُي ّ ُ ّ َ ْ‬ ‫ألول " ْ‬
‫البيت ا ّ‬
‫َ‬ ‫تتبع‬
‫مشروطة ُ‬
‫ِ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الناِب ِع من عاطفة ّ‬
‫جياشة‪.‬‬ ‫المعنى ّ‬ ‫بع ِ‬
‫مق َ‬ ‫ممتدة تَشي ُ‬
‫بذاتها ُمتَ َج ّسدة في هيئة جملة شعرّية ّ‬

‫اآلخ ِر‬ ‫ِ‬ ‫مجزوء الكامل ال يتّ ِسع و ِ‬


‫ِ‬
‫األول ب َ‬
‫ساح ّ‬
‫منفردا للداللة مكتملة‪ ،‬فقد ْان َ‬ ‫ً‬ ‫احُدهما‬ ‫ُ‬ ‫كان َشط ار‬
‫وَل ّما َ‬
‫عند َحِّد القاف َي ِة التي أتت موافق ًة‬
‫إيقاعه الممتد َ‬
‫ُ‬ ‫فصل‪ ،‬ينتهي‬‫غير متَم ِ‬
‫ُ َ‬
‫مكتن ًاز دالل ًة شاملة في َب ْي ٍت ِ‬
‫ِ‬

‫صوت َح َنكي يخرج من أقصى اللسان‪،‬‬ ‫للفضاء المشحو ِن بتلك المعاني منت ِهي ًة بالكاف ُ‬
‫وه َو َ‬
‫بتنهيد ٍة خفيفة‬ ‫الردف من قبلِه على أقصى امتداد‪ ،‬يوحي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫مد ّ‬ ‫بعد ّ‬
‫مع صفته االنفجارّية َ‬
‫كينه َ‬
‫وتس ُ‬
‫ْ‬
‫س المصاحب لكل نصيحة‪.‬‬ ‫النَف ِ‬ ‫ِ‬
‫بطول ّ‬ ‫بعِد الوقف‪ ،‬تشي‬
‫من ْ‬

‫أغلب أبيات القصيدة من التدوير‪ ،‬أل ّنه –التدوير‪ -‬على‬ ‫ِ‬


‫المطَل ِع ما عليه ُ‬
‫الشاعر في َ‬
‫ُ‬ ‫ف‬
‫وَق ْد خاَل َ‬
‫ِ‬
‫لنصه ولكوِنه‬
‫ص ّرًعا َلفتًا ّ‬
‫البيت ُم َ‬
‫حرص على أن يبتدئ َ‬ ‫َ‬ ‫الشاعر هنا‬
‫ُ‬ ‫صريع‪ ،‬و‬‫مع التّ ْ‬
‫مفارقة َ‬
‫عًلقة َ‬
‫ِ‬
‫الحاضرين‪.‬‬ ‫أسماع‬ ‫ِ‬
‫استمالة‬ ‫من َه َج القدما ِء في‬
‫ِ‬ ‫ينتهج ْ‬
‫َ‬ ‫األم ُر أن‬
‫الضريح‪ ،‬فاستَ ْدعى ْ‬ ‫أنش َدهُ على ّ‬
‫َ‬

‫يقربها من النثرّية‪ ،‬إذ ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫المستطالة نغميًّا من تَخفيف إيقاع ٍّي ّ‬
‫المدوَرة ُ‬
‫ّ‬ ‫األبيات‬ ‫وال َيخفى ما في‬
‫احدا‪ ،‬واألمر هكذا مًلئم لمش ِ‬
‫هد‬ ‫ِ‬ ‫منف ِردة‪ ،‬فأضحت كلها‬ ‫ٍ‬ ‫طر و ِ‬
‫ُ‬ ‫إيقاعا و ً‬
‫ً‬ ‫بإيقاعات َ‬ ‫تنماز‬
‫ُ‬ ‫اضحة‬ ‫أش ُ َ‬
‫ْ‬
‫بعض مزايا النثرية هنا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫متلب ًسا َ‬
‫عر ّ‬ ‫الش ُ‬
‫فكان ّ‬
‫الطويل العميق‪َ ،‬‬ ‫فس‬ ‫صح المباشر ذي ّ‬
‫الن ِ‬
‫خطاب ّ‬

‫الصبا‬ ‫ِ‬
‫األمثلة األخرى التي َو ّ‬
‫ف فيها مطران هذه الظاهرة‪ ،‬قصيدة "بكاء" على فقيدة ّ‬‫ظَ‬ ‫ومن‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬
‫بعد أن بكاها وواسى أهلها‪:‬‬
‫بعض أبياتها َ‬ ‫والكمال المرحومة ماري سبع‪ُ ،‬‬
‫يقول في‬

‫الجماال‬ ‫ِ ِِ‬
‫لمرور َموكبها َ‬ ‫روس َف َوِّسعوا‬
‫الع ُ‬
‫هذي َ‬

‫طوف العاَلمو َن ِبها ا ْحِتفاال‬


‫يكتُها َي ُ‬
‫هذي أر َ‬

‫هذي صو ِافن ِع ّزها تمشي وتختال ِ‬


‫اختياال‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬

‫الرجاال؟‬
‫المسير؟ وما الذي ُيبكي ّ‬
‫ُ‬ ‫إيها إلى ْأي َن‬
‫ً‬

‫طاب ْت مآال‬ ‫صار ْت إلى ُّ‬


‫الن ْعمى وَق ْد َ‬ ‫اليوم َق ْد َ‬
‫َ‬

‫مهًدا ال ُيغالى‬ ‫صوغوا لِرْق َدتها من األز ِ‬


‫هار ْ‬

‫‪97‬‬
‫رب ِ‬‫عاض بالتُّ ِ‬
‫َغ ْبن على هذي العيو ِن تُ ُ‬
‫‪1‬‬
‫اكتحاال‬

‫ِ‬
‫دفقات‬ ‫حدا ُيو ِاف ُق‬
‫معها َنَف ُسه ًّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ستطيل َ‬
‫ُ‬ ‫وي‬
‫مع التدوير َ‬‫عندهُ تزداد َ‬
‫اإليقاعي َة للبيت الواحد َ‬
‫ّ‬ ‫الس َع َة‬
‫إن َ‬‫ّ‬
‫ِ‬
‫األبيات األولى‬ ‫ف بكثافة في‬ ‫ِ‬ ‫ظِ‬
‫فة في أشطرِه المتّ ِ‬ ‫الحس ِرة المو ّ‬
‫صَ‬ ‫الو ْ‬
‫بينها‪ّ ،‬إنه يعتَمُد َ‬
‫حدة فيما َ‬
‫َ‬
‫إن‬ ‫موكب الفقيد ِة وقد استَحال عرسا من الج ِ ِ‬‫ِ‬
‫ذك َرها من قبل‪ ،‬حتّى ّ‬ ‫كان َ‬
‫مال لمآث َر َ‬ ‫ْ َ ُْ ً َ َ‬ ‫ّ‬ ‫مشه َد‬
‫مصوًار َ‬ ‫ّ‬
‫أن مآلها إلى ِ‬
‫دار َخ ْير‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تختال إذ تمشي من وراء نعشها لعلمها ّ‬
‫ُ‬ ‫يل‬
‫اْل َخ َ‬

‫الشاعر‬ ‫فإن ّ‬ ‫األبيات حًّدا من الرتاب ِة ي ِ‬


‫ِ‬
‫إيقاعيتها الشعرية؛ ّ‬‫ّ‬ ‫فقدها‬ ‫َ ّ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ولئًل ُيضفي تَكرُار التّدوير على‬
‫ّ‬
‫باست ِ‬
‫عمال اس ِم اإلشارِة "هذي" ثًلثًا في تتاب ٍع‬ ‫جسدا ذلك ِ‬ ‫ِ‬
‫مطي ًة ُيغني بها أنغامه ُم ّ ً‬
‫يتّخذ من التكرار ّ‬
‫باعا تكثيف في‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫منه ت ً‬
‫يصد ُر ُ‬‫ُ‬ ‫نغم داخلي فإ ّنه‬
‫ّ‬ ‫الفت في أبيات متتالية‪ ،‬وكما ّأنه يصدر منها َ‬
‫االستفهام‬ ‫يعمُد‬ ‫للصفات التي يشير إليها الشاعر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫األنظار إليها‪ .‬ثُ ّم ّإنه َ‬
‫َ‬ ‫ويلف ُت‬ ‫ُ‬ ‫الداللة وحشد‬
‫نغم َة‬ ‫صدرها ٍ‬
‫بتأوه يستَقصي َ‬ ‫ّ‬ ‫أين" و"ما" ُم ّ َ‬‫تحس ًار على شبابها المفقود‪ ،‬وذلك باستعماله " َ‬ ‫متنو ًعا ُّ‬
‫ّ‬
‫الزحافات‬‫من ّ‬‫در الممكن َ‬ ‫إيقاعه باستنفاده الَق َ‬ ‫يمو َج‬ ‫يبلغ القافية‪ ،‬وكذلك ُي ِ‬
‫َ‬ ‫أن ّ‬‫حاو ُل ْ‬ ‫أسئلته إلى أن َ‬‫ْ‬
‫نح َو ما يأتي‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من التفعيَلة الرئيسة للكامل " ُمتَفاعُل ْن " وتغييره في تتابعها‪ْ ،‬‬
‫تشكلها َ‬
‫الممكن ّ‬ ‫والعلل‬

‫احِتفاال‬
‫طوف العاَلمو َن ِبها ْ‬
‫يكتُها َي ُ‬
‫هذي أر َ‬

‫( ‪ - -‬ب ‪ /-‬ب ب – ب ‪ - - /-‬ب ‪ /-‬ب ب – ب ‪) - -‬‬

‫فاعلُن‪ /‬متَ ِ‬
‫فاعًلتُن )‬ ‫ِ‬ ‫فاعُلن ‪ /‬متَ ِ‬
‫ِ‬
‫‪ُ /‬م ْت ْ ُ‬ ‫فاعلُ ْن‬ ‫ُ‬ ‫( ُم ْت ْ‬

‫اخِتياال‬ ‫ِ ِ‬
‫صواف ُن ع ِّزها تَ ْمشي وتَ ُ‬
‫ختال ْ‬ ‫هذي َ‬

‫( ‪ - -‬ب ‪ /-‬ب ب – ب ‪ - - /-‬ب ‪ - - /-‬ب ‪) - -‬‬

‫فاعُلن ‪ /‬م ْت ِ‬
‫فاعًلتُ ْن )‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫( ُم ْتفاعُل ْن‪ُ /‬متَفاعُل ْن ‪ُ /‬م ْت ْ ُ‬

‫طاب ْت َمآال‬
‫النعمى وَق ْد َ‬
‫صار ْت إلى ّ‬
‫وم َق ْد َ‬
‫اْل َي َ‬

‫( ‪ - -‬ب ‪ - - /-‬ب ‪ - - /-‬ب ‪ - - / -‬ب ‪) - -‬‬

‫فاعُلن‪ /‬م ْت ِ‬
‫فاعًلتُ ْن )‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫( ُم ْتفاعُل ْن‪ُ /‬م ْتفاعُل ْن‪ُ /‬م ْت ْ ُ‬
‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‪.260‬‬

‫‪98‬‬
‫مع‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ماو ًجا إيقاعيًّا‪َ ،‬‬
‫بع تَفعيًلت تتّسق في ترتيبات متباينة في األبيات ما ُيضفي تَ ُ‬ ‫تنوع أر ِ‬
‫فقد اعتَ َم َد ّ‬
‫مع التفعيلة الرئيسة‪ ،‬في تَواُف ٍق‬ ‫مًلح َ ِ‬
‫أض ُرُبها مقارن ًة َ‬
‫اعتم َد التّرفيل في أبياته‪ ،‬فاستطالت ُ‬
‫ظة َأنه َ‬
‫‪‬‬
‫َ‬
‫طول َنَف ٍ‬
‫س على الفضاء الكّلي للقصيدة بما يتواءم‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫تدويرها؛ ما أضفى‬ ‫مع االمتداد الناتج من‬
‫َ‬
‫المشه َد الذي يصفه الشاعر‪ ،‬نحو‪:‬‬
‫و َ‬

‫ص ح‪ /‬ص ح‪ /‬ص ح ح‪ /‬ص ح‪ /‬ص ح ح‪ /‬ص ح ص‪.‬‬ ‫متَ ِ‬


‫فاعًلتُن‬ ‫ُ‬
‫ص ح ص‪ /‬ص ح ح‪ /‬ص ح‪ /‬ص ح ح‪ /‬ص ح ص‪.‬‬ ‫م ْت ِ‬
‫فاعًلتُ ْن‬ ‫ُ‬
‫ص ح‪ /‬ص ح‪ /‬ص ح ح‪ /‬ص ح ‪ /‬ص ح ص‪.‬‬ ‫متَ ِ‬
‫فاعُلن‬ ‫ُ‬
‫ص ح ص‪ /‬ص ح ح‪ /‬ص ح‪ /‬ص ح ص‪.‬‬ ‫م ْت ِ‬
‫فاعُلن‬ ‫ُ‬
‫هناك تطابق في‬
‫َ‬ ‫أن التفعيًلت المرَفلة ذات أصوات أكثر من التفعيًلت الرئيسة‪ ،‬وان بدا‬
‫ظ ّ‬‫لح ْ‬
‫إذ ُي َ‬
‫أن األصوات التي تتكون منها المقاطع نفسها في المرفلة أكثر من‬ ‫ِ‬
‫عدد المقاطع في بعضها‪ّ ،‬إال ّ‬
‫تلك دونها‪.‬‬

‫أما في قصيدة " رثاء أحمد فتحي زغلول باشا" نابغة العلم واألدب‪ ،‬فقد كان فيها ثمانية عشر بيتًا‬
‫يقول فيها‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫مدوًار من أربعة وعشرين‪ُ ،‬‬
‫ّ‬

‫ظام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫جال الع ُ‬
‫الر ُ‬
‫هكذا ُي ْبك ُر ّ‬
‫ًلم ‪َ ...‬‬
‫الس ُ‬
‫ليك َّ‬
‫المغتَدي َع َ‬
‫أيُّها ُ‬

‫من ُعجِبها األهرُام‬ ‫ص َرِع َك " ّ‬ ‫ِِ ِ‬


‫ض ْت ْ‬
‫وغ ّ‬
‫يل " َ‬
‫الن ُ‬ ‫من َرْوعه ل َم ْ‬
‫غاض ْ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫أع ِّدُد و ّ‬ ‫ِِ‬
‫ًلم؟‬ ‫يء َكثير َي ِق ُّل فيه َ‬
‫الك ُ‬ ‫الش ُ‬ ‫أي ْأوصافه َ‬
‫ُّ‬

‫‪1‬‬
‫عام‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫وب ْي َن التّأبين َل ْم َي ْخ ُل ُ‬
‫بين إ ْكرامه وآمالنا فيه َ‬
‫َ‬

‫يغادرونها‬ ‫ظماء في هذه ُّ‬


‫الدنيا‬ ‫ِ‬
‫متحس ًار على َّ‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬
‫َيفتَِت ُح ّ‬
‫َ‬ ‫أن ال ُع َ َ‬ ‫ّ‬ ‫الفقيد‪،‬‬ ‫اع ُر رثاءه بالسًل ِم على‬
‫تحسرية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يوم التّأبين‪ ،‬ثُ ّم يحشُد من بعد ذلك دفق ًة ّ‬
‫ئما إللقائه َ‬
‫ص ّرًعا مًل ً‬
‫جاء ُم َ‬
‫ومبتدأ كًلمه َ‬
‫َ‬ ‫يعا‪،‬‬
‫َسر ً‬
‫الشاعر على‬ ‫امها‪ ،‬وي ِ‬
‫ص ُّر‬ ‫امتدادية تصور انعكاس الفجيعة على الطبيعة متمثل ًة بنيل مصر وأهر ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫من التدوير من ِ‬
‫أجل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ف َ‬ ‫وعروضيًّا؛ فيكثّ ُ‬
‫فصل بنيتها لغويًّا َ‬
‫َ‬ ‫افضا‬
‫بشكل متواصل ر ً‬ ‫تجّلي فكرته‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اع لها النيل واألهرام‬
‫مق الفجيعة إذ ر َ‬ ‫إيصالها‪ ،‬كما يظهر في البيت الثاني الذي ُيخِب ُر فيه ْ‬
‫عن ُع ِ‬

‫الترفيل‪‌:‬زيادة‌سبب‌خفيف‌"‌ت ُ ْن‌"‌على‌ما‌آخره‌وتد‌مجموع‪‌/‬مرعي‪‌،‬محمود‪‌،‬العروض الزاخر واحتماالت الدوائر‪‌،‬ص‌‪‌ .61‬‬


‫ِ‬ ‫‪‌‬‬
‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،2‬ص‌‪‌ .161‌-‌160‬‬

‫‪99‬‬
‫االستفهامية الداّل ِة على ٍ‬
‫كثير من‬ ‫ّ‬ ‫وكذلك البيت من بعده ذو النغمة‬
‫االمتداد‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫لك‬
‫الوصف ذ َ‬
‫َ‬ ‫فناسب‬
‫َ‬
‫القصيد ِة األخرى‪،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫أبيات‬ ‫صفاته التي يعجز كًلم الشاعر عن اإللمام بها‪ ،‬ويتّضح ذلك جليًّا في‬
‫إذ ِ‬
‫يسرد الشاعر فضائل المرثي على بًلده فيقول‪:‬‬

‫مصام‬
‫ُ‬ ‫الص‬
‫دون ُه َّ‬
‫أي وأعيى َ‬
‫الر ُ‬
‫التم َس ّ‬
‫صامها إذا َ‬
‫صم َ‬‫كان َ‬
‫َ‬

‫مقدام‬ ‫كان مقدامها إذا أعضل األمر فلم يضطلع ِ‬


‫به‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫قام‬
‫الم ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الفضائل في حال فحال وما اقتضاهُ َ‬
‫ُ‬ ‫شاء ِت‬
‫كان ما َ‬
‫َ‬

‫يام‬ ‫ِ نِ‬ ‫ِ‬


‫القوم هادئو َ ن ُ‬
‫الم َس َّهُد في التّحصيل و ُ‬
‫العامل ُ‬
‫ُ‬ ‫َفه َو‬

‫جام‬ ‫ِ ِ‬ ‫وهو ِ‬
‫روعة وفيه ْانس ُ‬
‫الدر له َ‬
‫الكات ُب الذي ينثُُر َّ‬ ‫ُ‬

‫إبهام‬
‫عب فًل ُش ْب َهة وال ُ‬ ‫وه َو العالِ ُم الذي ُي ْسلِ ُس َّ‬
‫الص َ‬ ‫ُ‬

‫األحكام‬
‫ُ‬ ‫الحكم ُة عنه وتؤثَُر‬
‫َ‬ ‫تؤخ ُذ‬
‫ص ُل الذي َ‬
‫الفي َ‬
‫وه َو ْ‬
‫ُ‬
‫‪1‬‬
‫اإللهام‬
‫ُ‬ ‫حظ ِه‬
‫يطرب السمع ويبدو في َل ِ‬ ‫ِ‬
‫وه َو المْق َو ُل الذي ِ ُ ّ ْ َ َ‬
‫ُ‬

‫تنوعت‬ ‫األبيات السابقة كتل ًة موحدة ذات فكرة سردية و ِ‬‫ِ‬


‫تصب في مآثر المرثي وان ّ‬ ‫ّ‬ ‫احدة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جل‬
‫تبدو ّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫تدادها عائد لمنبع معنوي واحد‪ ،‬وَق ْد َ‬
‫الءم التدوير‬ ‫كل بيت‪ ،‬فار ُ‬
‫متفرعة في ّ‬ ‫أفكار ّ‬ ‫ظت إلى‬ ‫وتش ّ‬
‫ظ ِ‬
‫رف‬ ‫اللغوية التي تخيَّرها في تعابيره‪ ،‬متمّثل ًة بال ّ‬ ‫األساليب‬
‫ائما و‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ثي‪ ،‬متو ً‬ ‫ّ‬
‫كثافة الحشد الوصفي للمر‬
‫عش ِق معنى إجرائيًّا شرطيًّا‪ ،‬فاتّخ َذ منه جمل ًة شعرّية كاملة‪ ،‬غير متمفصلة األركان‬ ‫الم ّ‬
‫الزمني ُ‬
‫ً‬
‫وحده بصلته‬ ‫ِ‬
‫سبيل إتمام الفك ِرة َّ‬
‫حد استغراقها‪ ،‬وكذلك اعتماده االسم الموصول الذي ّ‬ ‫الشرطية في‬
‫ّ‬
‫بعضا‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫انقطاع بينهما‪ّ ،‬إنما أخبار تَتَتالى من بعد بعضها ً‬
‫َ‬ ‫في التدوير‪ ،‬فًل‬

‫إضفاء لنغ ٍم على الجو اإلخباري ذاك‪ ،‬متمِثّ ًًل‬ ‫ً‬


‫ِ‬
‫األساليب‬ ‫ِ‬
‫بعض‬ ‫وكما َق ْب ًًل فقد تَخي ََّر الشاعر تَكرار‬
‫"كان" في األبيات الثًلثة األولى‪ ،‬وكذلك الضمير "هو" في األربع ِة الباقية‪ ،‬حتّى‬ ‫بالفعل الناقص َ‬
‫وذلك ّبين نحو‪:‬‬ ‫إيقاعا ولغ ًة‪،‬‬ ‫داخليا يتّ ِحُد‬ ‫نسًقا‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫تختلق مع االسم الموصول من بعدها َ‬ ‫ُ‬ ‫لكأنها‬
‫ّ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،2‬ص‌‪‌ .161‬‬

‫‪100‬‬
‫وهو ِ‬
‫الكات ُب الذي ينثر‬ ‫َُ‬

‫موحد ‪+‬‬
‫واو العطف ‪ +‬ضمير الفصل ‪ +‬اسم ‪ +‬اسم موصول ّ‬ ‫وه َو العالِ ُم الذي ُي ْسلِ ُس‬
‫ُ‬

‫فعل مضارع مرفوع‪.‬‬ ‫تؤخ ُذ‬


‫الفيص ُل الذي َ‬
‫َ‬ ‫وه َو‬
‫ُ‬

‫طرب‬ ‫ِ‬
‫قو ُل الذي ُي ُ‬
‫وه َو الم َ‬
‫ُ‬

‫صّبها في قالبه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫نصه في إطار إيقاعي داخلي إضاف ًة إلى البحر الذي َ‬
‫وكأن الشاعر ينتظ ُم لغ َة ّ‬
‫ّ‬
‫وليس في التّكرار إضفاء‬ ‫ِ‬ ‫ما يضفي حرك ًة نغمية تخفف من ِ‬
‫حدة النثرية المنبثقة من التدوير‪َ ،‬‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫كان دوام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كان قد تحّلى بها المرحوم‪ ،‬وكيف َ‬ ‫تأكيدا على الصفات التي َ‬
‫ً‬ ‫جسُد‬
‫إيقاعي فقط‪ّ ،‬إنما ُي ّ‬
‫ٌّ‬
‫حاله عليها‪ ،‬وذل َك ِّبين في استعمال الشاعر األسلوب االسمي ذا المعنى األدوم واألثبت دون‬
‫نقيضه الفعلي‪.‬‬

‫ويقول في مدح المرحوم "حبيب لطف هللا" في مرثية بلغ التدوير فيها أكثر من نصف أبياتها‪:‬‬

‫قل أمره ُكَّله واْلعْقل َخير في ُك ِل ٍ‬


‫حال ُمشي ار‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫بالع ْ َ ُ ُ َ ُ ْ‬ ‫ط َ‬
‫نا َ‬

‫بالح ْزِم َيغدو َقدي ار‬


‫ص َر‪ّ ،‬أنى َ‬
‫استَ ْب َ‬
‫عيف‪ ،‬إذا ْ‬
‫الض َ‬
‫زم ُه َعّل َم ّ‬
‫َح ُ‬
‫الدنيا ثَراء و ِ‬
‫ص ّح ًة َو ُسرو ار‬ ‫ً َ‬ ‫الح ِّ‬
‫ظ في ُّ‬ ‫من َ‬‫المنتَهى َ‬
‫َبَل َغ ُ‬
‫‪1‬‬ ‫ِ‬
‫األبناء َش ْم ًسا مضيئ ًة وُبدو ار‬ ‫ومن‬
‫َو َحياة مديدة َ‬

‫السردية والنثرّية‪ ،‬ما‬ ‫قر ُب من‬ ‫مآثر الفقيد في َنَف ٍ‬ ‫ِ‬


‫ّ‬ ‫طويل‪َ ،‬ي ُ‬
‫س َ‬ ‫القصيدة التي قبلها يحش ُد َ‬
‫َ‬ ‫ّإن ُه كما في‬
‫نض َجت أفكاره‬ ‫ظف التدوير إلتمام ِ‬
‫فكأنما َ‬
‫دونما انقطاع‪ّ ،‬‬ ‫مستقصيا الفكرَة َ‬
‫ً‬ ‫الشعرية‬
‫أبياته ّ‬ ‫َ‬ ‫َج َعَله يو ّ ُ‬
‫متأنية‪.‬‬
‫غير ّ‬ ‫ِ‬
‫فانبثََقت متدّفقة َ‬
‫َ‬

‫نظم نسبة كبيرًة منها على‬


‫دوير عنده بدا مكثًّفا الفتًا في مراثيه كما ظهر‪ ،‬وكان قد َ‬ ‫ويبدو َّ‬
‫أن التّ َ‬
‫ِ‬
‫لصفات المرثي فقد وافَقها بالمقابل‬ ‫شدا‬ ‫الخفيف والكامل ومجزوئه‪ ،‬وألن في الر ِ‬
‫ّ‬ ‫تكثيفا َو َح ً‬
‫ً‬ ‫ثاء‬ ‫ّ‬
‫شد للدالل ِة دونما‬
‫انقطاع وح ٍ‬
‫َ‬
‫حب يستقصي المآثر دو َن ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫تكثيف تقنية التدوير؛ ما يسمح بإيقا ٍع ر ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َُ‬
‫بعض‪ ،‬ويمكن التماس الفرق في وجود التدوير‬ ‫تمفص ِل أجزائها‪ ،‬بل تنفتح أشطرها ً‬
‫بعضا على ْ‬ ‫ُ‬
‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،2‬ص‌‪.273‬‬

‫‪101‬‬
‫تفوق‬
‫مكثفا في مراثي الخفيف مثًل وغيرها من القصائد المنظومة على البحر ذاته؛ إذ يظهر ّ‬
‫ً‬
‫التدوير في القصائد األولى على األخرى‪ ،‬وذلك كله مو ّ‬
‫ظف في سبيل تحقيق الفكرة التي يريدها‬
‫في نصوصه‪.‬‬

‫‪ 3.4‬ال ّتكرار‪:‬‬

‫ِ‬
‫اضع سابقة كيفية توظيف الشاعر التكرار مضفيا نغما إيقاعيًّا إلى جا ِ‬
‫نب‬ ‫ُ ً ً‬ ‫بضع مو َ‬
‫ِ‬ ‫تبين في‬
‫لقد َ‬

‫إيقاعية أخرى في نصوصه‪ ،‬ما ّ‬


‫رسخ داللة فكرته التي ينشدها متزامنة مع إيقاعيته‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ال‬
‫دو ّ‬
‫شك أن التكرار في النص ال ّشعري من ِ‬
‫شأنه أن "يغني المعنى ويرفعه إلى مرتبة األصالة؛‬ ‫ّ‬ ‫وال َّ ّ‬
‫ذلك إن استطاع الشاعر أن يسيطر عليه سيطرة كاملة ويستخدمه في موضعه‪ ،‬واال فليس أيسر‬
‫من أن يتحول هذا التكرار نفسه بالشعر إلى اللفظية المبتذلة‪ ،‬التي يمكن أن يقع فيها أولئك‬
‫الشعراء الذين ينقصهم الحس اللغوي"‪.1‬‬

‫احدة في بداية‬
‫يكرر الشاعر كلمة و ً‬ ‫فمثًل قد ّ‬
‫وللتكرار – كما تذكر نازك المًلئكة ‪ -‬ألوان عديدة؛ ً‬
‫كل مقطع‬ ‫‪2‬‬ ‫ٍ‬
‫يكرر عبارًة كاملة في بداية ّ‬
‫كل بيت في مجموعة من أبيات متتالية في القصيدة ‪ .‬وقد ّ‬
‫ّ‬
‫كامًل‪ .4‬ومما هو سائد في الشعر المعاصر تَكرار‬ ‫ط ًعا ً‬‫كرر مق َ‬
‫أيضا أن ُي ّ‬
‫ويحد ُث ً‬
‫ُ‬ ‫في القصيدة‪.3‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫فكرٍة ّ‬
‫معينة فيها ‪ .‬كما ُي َعُّد " َ‬ ‫معي ٍن ًا‬
‫‪5‬‬
‫ضرًبا‬ ‫معينة في القصيدة‪ ،‬ألجل خدمة َ‬
‫قصائد ّ‬
‫َ‬ ‫كثير في‬ ‫حرف ّ‬
‫حاصل في الضمائر التي تُحيل إلى أسماء ِ‬
‫بعينها ما‬ ‫من ضروب اإلحالة إلى سابق"‪ 6‬كما هو ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫يعني توكيدها مرتين‪.‬‬

‫بالضرورة أن يعني تَكرَار البناء المعجمي نفسه للكلمة إذ قد تكون‬


‫ليس ّ‬‫أن التّكرار َ‬
‫هذا يعني ّ‬
‫‪7‬‬
‫وضحه ابن األثير بقوله في التكرار هو "داللة‬
‫وهو ما ّ‬
‫هي نفسها األولى معنويًّا ‪َ ،‬‬ ‫الكلمة الثانية‬
‫َ‬

‫‪1‬‬
‫‌نازك‌المالئكة‪‌،‬قضايا الشعر المعاصر‪‌،‬ص‌‪‌ .231‌–‌230‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .231‬‬
‫‪3‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .233‬‬
‫‪4‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .236‬‬
‫‪5‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .239‬‬
‫‪6‬‬
‫ص ّية‪‌،‬د‌‪‌/‬ط‪‌،‬الهيئة‌المصريّة‌العا ّمة‌للكتاب‪‌1998‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.79‬‬
‫‌عبد‌المجيد‪‌،‬جميل‪‌،‬البديع بين البالغة العربيّة واللسانيّات الن ّ‬
‫‌الدغمان‪‌،‬محمد‌محمد‌مرسي‪‌،‬شعريّة الت ّكرار في المعلّقات‪‌،‬مجلة‌مركز‌الخدمة‌لالستشارات‌البحثية‌بكلية‌اآلداب‌جامعة‌المنوفية‪‌،‬‬
‫‪7‬‬

‫مصر‪‌2016‌،‬م‪‌،‬ع‌‪‌،52‬ص‌‪‌ .255‬‬

‫‪102‬‬
‫الزم فائدة‪ ،‬و "فائدة التكرير واإلعادة هي تحقق‬
‫َ‬ ‫ردًدا"‪ ،1‬فتكرار المعنى يأتي‬
‫المعنى ُم ّ‬
‫اللفظ على َ‬
‫َ‬
‫وتمكنه وتقريره"‪.2‬‬
‫الخبر ّ‬

‫النص التركيبية‬
‫ّ‬ ‫يمتد إلى بنى‬
‫وال يتوّقف التكرار على الكلمات فقط واستعماالتها السابقة‪ ،‬بل ّ‬
‫أن التكرار "يعيد توظيف النظام اللغوي في جاهزيته‪ ،‬ويحاول إعادة إنتاجه‬
‫والداللية‪ ،‬هذا يعني ّ‬
‫عن‬
‫عبر ْ‬ ‫طرح للتكرار يستمد قوته من فكرة مفادها َّ‬
‫أن األدب ُي ّ‬ ‫من خًلل نصوص جديدة‪ .‬وهذا ال ّ‬
‫متعددة تُ ِّ‬
‫كرسها تقاليد الكتابة"‪.3‬‬ ‫فكرة واحدة من خًلل أشكال ّ‬

‫النص األدبي‪،‬‬
‫داللية يستقيها المحلل لدى قراءته ّ‬ ‫وللتكرار كما ورد في "التحبير والتحرير" فوائد ّ‬
‫ِ‬
‫الوقت نفسه نقَل ُه إلى متلّقيه فتأخذه نشوة‬ ‫فالمتحدث يكرر ما يسترعي ويثير اهتمامه‪ ،‬محبًّا في‬
‫ِ‬
‫مستعجًبا‪.4‬‬ ‫مكرر ما قد سمع مسترنما‬
‫ًا‬ ‫المتأثر‪ ،‬وقد ينطلق‬

‫ويوضح صًلح فضل دور التكرار في تعزيز التواصل بالمتلّقي؛ بكونه وسيلة من وسائل‬
‫االتصال؛ أل َّن المتكلِّم – الشاعر – يسعى بجماليات قوله إلى التعبير عن ٍ‬
‫ذات تتأثّر في محيط‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫مخاطًبا‬ ‫تبعا للتغيرات تلك‬
‫وفكرا‪ ،‬ما ُيلزم الشاعر التجدد ً‬
‫شعور ً‬
‫ًا‬ ‫ذي حركة مستمرة‪ ،‬دائم التغير‬
‫لقصيدِت ِه أكبر قدر من الغنى الصوتي‪،‬‬
‫َ‬ ‫يضمن‬
‫َ‬ ‫لتستجيب له‪5‬؛ لذلك يحاول أن "‬
‫َ‬ ‫البيئ َة بلغتها؛‬
‫آمًنا‪ ،‬ولتحقيق ذلك يسعى الشاعر إلى‪ :‬اإلعًلء من شأن‬‫الذي يجعل طريَقها إلى الجمهور ِ‬

‫النص‬ ‫الصوتي ِّ‬


‫متفشًيا َع َبر ّ‬ ‫الصوتية‪ ،‬والعناية بكل ما يجعل هذا الثراء ّ‬
‫ّ‬ ‫اإليقاعية و‬
‫ّ‬ ‫الخصائص‬
‫الصياغة كّلها‪ :‬نظام التقفية‪ ،‬الوزن‪ ،‬التّكرار‪ ،‬التجنيس‪ ،‬حروف‬ ‫ِ‬
‫الشعر ّي‪ ،‬صاد ًار عن تفاصيل ّ‬
‫ّ‬
‫اللين"‪.6‬‬

‫‪1‬‬
‫ب الكاتب والشاعر‪‌،‬تحقيق‪‌:‬أحمد‌الحوفي‪‌،‬بدوي‌طبانة‪‌،‬‬ ‫‌ابن‌األثير‪‌،‬ضياء‌الدين‌نصر‌هللا‌بن‌محمد‌(‌‪‌637‬هـ)‪‌،‬المثل السائر في أد ِّ‬
‫د‌‪/‬ط‪‌،‬دار‌نهضة‌مصر‌للطباعة‌والنشر‌والتوزيع‪‌،‬القاهرة‪‌،‬ج‌‪‌،3‬ص‌‪.3‬‬
‫‪2‬‬
‫‌الجعيد‪‌،‬إبراهيم‌علي‪‌،‬خصائص بناء الجملة القرآنية ودالالتها البالغيّة في تفسير " التحرير والتنوير " ( رسالة دكتوراة )‪‌،‬‬
‫جامعة‌أم‌القرى‪‌،‬السعودية‪‌1999‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌ .104‬‬
‫‪3‬‬
‫النص من بنية المعنى إلى سيميائيّة الدّا ّل‪‌،‬ط‌‪‌،1‬الدار‌العربية‌للعلوم‌ناشرون‪‌،‬الجزائر‪‌2007‌،‬م‪‌،‬ص‌‬
‫ّ‬ ‫‌خمري‪‌،‬حسين‪‌،‬نظر ّية‬
‫‪‌ .275‬‬
‫‪4‬‬
‫‌السيد‪‌،‬عز‌الدين‌علي‪‌،‬التكرير بينَ المثير والتأثير‪‌،‬ط‌‪‌،2‬عالم‌الكتب‪‌،‬بيروت‪‌1986‌،‬م‪‌،‬ص‪.79‬‬
‫‪5‬‬
‫النص‪‌،‬د‪‌/‬ط‪‌،‬عالم‌المعرفة‪‌،‬الكويت‪‌1978‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌/189‬انظر‌أيضًا‪‌:‬المومني‪‌،‬سهام‌علي‌‬ ‫ّ‬ ‫‌فضل‪‌،‬صالح‪‌،‬بالغة الخطاب وعلم‬
‫سليمان‪‌،‬ظاهرة التكرار في شعر الرثاء حت ّى نهاية العصر األموي ( رسالة ماجستير )‪‌،‬جامعة‌اليرموك‪‌،‬األردن‪‌2009‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌ .38‬‬
‫شعر والتلقّي‪ :‬دراسات نقديّة‪‌،‬ط‌‪‌،1‬دار‌الشروق‪‌،‬األردن‪‌1997‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.67‬‬
‫‪6‬‬
‫‌العالق‪‌،‬علي‌جعفر‪‌،‬ال ّ‬

‫‪103‬‬
‫نصه يعتني بها أكثر مما سواها‪ ،‬وقد‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫معينة في ّ‬
‫اإللحاح على حاجة ّ‬
‫ِ‬ ‫الشاع ُر ُبغي َة‬ ‫ظُف ُه‬
‫وقد ُيو ّ‬
‫"يضع في أيدينا‬
‫ُ‬ ‫يكشف به عن نقطة حساسة في القصيدة‪ ،1‬والتكرار كما تقول نازك المًلئكة‪:‬‬
‫لع عليها"‪.2‬‬ ‫ِ‬ ‫مفتاحا للفك ِرة المتسّل ِ‬
‫ط ُ‬‫الشاعر‪ ،‬فيضيئها‪ ،‬بحيث ن ّ‬
‫أعماق ّ‬ ‫طة على‬ ‫ً‬

‫وبدر"‪ ،‬في إشارة‬ ‫ِ‬


‫ومن أمثلة توظيف مطران هذه الظاهرة‪ ،‬تك ارره ألسلوب الحصر في قصيدة "بدر َ‬
‫دره‪:‬‬
‫اصفا َب َ‬ ‫الب ِ‬
‫در الحقيقي‪ ،‬والبدر الفتاة اإلنسان‪ ،‬ووجه المفارقة واالئتًلف بينهما‪ ،‬يقول و ً‬ ‫إلى َ‬

‫تور‬ ‫حسناء لكن نفور ‪ٍ ...‬‬


‫الف ُ‬
‫باد َعَليها ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َْ ُ‬

‫سير‬ ‫ِ‬
‫كسر الجْف َن ّإال ‪ ...‬وَقْلب ٍ‬
‫ص ّب َك ُ‬
‫َ ُ َ‬ ‫ال تَ ُ َ‬

‫مور‬ ‫ٍ‬
‫وجْف ُن باك َي ُ‬
‫َوال تََب َّس ُم ّإال ‪َ ...‬‬
‫‪3‬‬
‫صور‬ ‫الح ِي‬ ‫َوال َتَلَّف ُت ّإال ‪ ...‬وجيرة‬
‫ُ‬ ‫َ َُ َ ّ‬

‫اء كل تلك‬ ‫الح ِ‬ ‫َّ‬


‫لميزات بالغة تملكها المحبوبة‪ ،‬وكأنه ُيحتّ ُم نتيج ًة إز َ‬
‫خصيصا ّ‬
‫ً‬ ‫صر هنا تَ‬ ‫إن في َ‬
‫كونها فاترة الوصال تجاهه‪ ،‬وما من‬ ‫حسرًة َ‬
‫القلب ْ‬
‫إن تَرمش حتّى يبكي ُ‬ ‫األفعال البادية منها‪ ،‬فما ْ‬
‫عين من تمنعه الوصال‪ ،‬وما من تَلُّف ٍت منها ّإال ورقاب الحي توّلي‬ ‫ٍ‬
‫بسمة منها ّإال يقابلها دمع في ِ‬
‫ِ‬
‫مضفًيا تأكيًدا على‬ ‫بين فعلها ورد الفعل من اآلخر‪،‬‬ ‫يؤكد بالح ِ ِ‬
‫صر س َم َة التًلزم َ‬ ‫َ‬ ‫نحوها‪ّ ،‬إنه ّ‬
‫نظرها َ‬
‫كبير فيمن‬
‫حدا ًا‬ ‫توغل أثر هذه األفعال ًّ‬
‫السمة وأنه ال يمكن ّأال يحدث ذلك في إشارة إلى ّ‬ ‫تلك ّ‬
‫َ‬
‫حوَلها‪.‬‬

‫ثم يكرر من ِ‬
‫بعد ذلك في مواضع أخرى من القصيدة أسلوب االستفهام بـ "أين"‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫ّ ُّ‬

‫دور؟‬ ‫ِ‬
‫يت َب ْد ًار ‪َ ...‬و ْأي َن م ْن َك اْلُب ُ‬
‫يا َب ْد ُر ُس ّم َ‬

‫نير؟‬ ‫ٍ‬
‫من ذي َحياة ُي ُ‬
‫نير ‪ْ ...‬‬
‫ماد ُم ًا‬
‫الج ُ‬
‫ْأي َن َ‬
‫‪4‬‬
‫عور؟‬ ‫ِ‬
‫الش ُ‬
‫منه ّ‬
‫باح ُة فيه ‪ ...‬و ْأي َن ُ‬
‫الص َ‬
‫ْأي َن ّ‬

‫‪1‬‬
‫‌نازك‌المالئكة‪‌،‬قضايا الشعر المعاصر‪‌،‬ص‌‪‌ .242‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .243‬‬
‫‪3‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‪‌،1‬ص‌‪‌ .23‬‬
‫‪4‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫موض ًحا‬
‫ّ‬ ‫بين البدر الحقيقي والبدر البشري‪،‬‬ ‫يستفهم الشاعر هنا بَق ْد ِر ما ّأنه َيعقُد َ‬
‫مقابَل ًة ما َ‬ ‫ُ‬ ‫ال‬
‫ان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بينهما‪ُ ،‬مل ًّحا على هذه الفكرة باالستفهام االستنكاري‪ ،‬فشتّ َ‬
‫باالستفهام صَف َة االستبعاد والتّباين َ‬
‫يشعر وآخر ال‬ ‫بين ٍ‬
‫بدر ُ‬ ‫ان َ‬‫وآخر ينير بها‪ ،‬وشتّ َ‬
‫در يبدو ُخ ًلوا من الحياة َ‬ ‫بين َب ٍ‬
‫وبدر‪َ ،‬‬ ‫بين َب ٍ‬
‫در َ‬ ‫ما َ‬
‫فكان تَك ارره‬ ‫عن المفار ِ‬
‫قة بينهما وأن البشري فيها ال ي ِ‬ ‫بين ِ‬
‫أي َبدر‪َ ،‬‬
‫مك ُن أن يضاهيه ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َي ْش ُعر‪ّ .‬إنه ُي ُ‬
‫ِ‬
‫للحبيبة الذي ال يعلو عليه البدر الحقيقي‪.‬‬ ‫االستفهام إعًلء ٍ‬
‫شأن‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫ِ‬
‫البحر‬ ‫إيقاع غنائي‪ ،‬على‬ ‫كل ذلك‪ ،‬تبدو قصيدة الشاعر طر ّبية نغمية‪ ،‬ذات‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬ ‫وباإلضافة إلى ّ‬
‫المجتث‪ ،‬بتفعيًلته الموضحة كما اآلتي‪:‬‬

‫دور؟‬ ‫ِ‬
‫يت َب ْد ًار ‪َ ...‬و ْأي َن م ْن َك اْلُب ُ‬
‫يا َب ْد ُر ُس ّم َ‬

‫( ‪ - -‬ب ‪ - /-‬ب ‪ ( ... ) - -‬ب – ب‪ - / -‬ب ‪) - -‬‬

‫فاعًلتُن ) ‪ ( ...‬متَْف ِعُلن‪ِ /‬‬


‫فاعًلتُ ْن )‬ ‫( مستَْف ِعُلن‪ِ /‬‬
‫ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ًْ ْ‬

‫بدال‬
‫يمتاز بخّفته وظرافته المتأتية من التفعيلة "فاعًلتن" ولو ُكررت تفعيلته األولى ً‬ ‫ُ‬ ‫البحر‬
‫ُ‬ ‫وهذا‬
‫منها لكان ضربا من الرجز تنتفي عنه تلك الظرافة‪ ،‬إذ قال فيه المجذوب‪" :‬وال أ ِ‬
‫ُنك ُر َّ‬
‫أن َل ُه َرنّ ًة‬ ‫َ‬ ‫َ َ ً َ ّ‬
‫عذبة‪ ،‬و ّأنه من األبح ِر ِ‬
‫القصار القليلة التي َي ْح ُس ُن فيها تَطويل الكًلم لإلطراب واإلمتاع"‪.1‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬

‫المتلب َس ِة في البحر‪ ،‬فقد أغنى مطران في قصيدته هذه من رصيد‬ ‫ّ‬


‫ِ‬
‫وبكل هذه المواصفات‬
‫ّ‬
‫ناول‪ ،‬وكذلك التّنغيم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫المتَ َ‬
‫الموضوِع ُ‬‫النص بتَكرار ُيطرب المسامع متًلئ ًما وظراف َة َ‬
‫إيقاعيته‪ ،‬إذ حفل ّ‬
‫داللية أقوى و َ‬
‫أشّد إذ‬ ‫ّ‬ ‫فاعلية‬
‫ّ‬ ‫النص غنائيًّا ذا‬
‫ّ‬ ‫جعل‬
‫َ‬ ‫الم َك ّرر؛ ما‬
‫الحاصل من أسلوب االستفهام ُ‬
‫حما بالداللة كما كانت الداللة ملتحمة فيه‪.‬‬
‫فكان اإليقاع ملت ً‬
‫بينها‪َ ،‬‬
‫تتسق الدوال فيما َ‬

‫ومن أمثلة التكرار‪ ،‬ما جاء في قصيدة "تهنئة زفاف"‪ ،‬وقد أنشدها في حفلة زفاف ابن عمه السيد‬
‫رشيد أسعد مط ارن إلى السيدة أليس‪ ،‬كريمة المرحوم خليل الزهار‪ ،‬وكانا قد أزمعا السفر إلى‬
‫بعلبك" مسقط رأس الشاعر‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫" ّ‬

‫أم ٍة ْأبرِار‬
‫من ّ‬
‫ام ًة ْ‬
‫وكر َ‬
‫محب ًة ‪َ ...‬‬
‫ك ّ‬ ‫َوَتَلّقيا في بعَل َب َّ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان‌الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪‌ .121‬‬

‫‪105‬‬
‫علبك وأهلها ‪َ ...‬أوال َوهم أهلي وِت َ‬
‫لك دياري؟‬ ‫ّإني ألهوى ب َّ‬

‫‪1‬‬
‫اإلعًلن واإلسرِار‬
‫ِ‬ ‫فإن ُهم ‪ُ ...‬س َمحاء في‬ ‫أحب ِفتيتَها ِ‬
‫الكر َام ّ‬ ‫و ُّ‬

‫غامر في بعلبك‪ ،‬ويكرر لفظها في ِ‬


‫البيت من بعد ذلك في إشارٍة إلى هواه‬ ‫ًا‬ ‫للزوجين ُحبًّا‬ ‫يتمنى‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّإنه ّ‬
‫فبات في‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫وهج َر منه َ‬‫ويحن إليه ّ‬ ‫ع فيه‬‫المكان الذي ترعر َ‬
‫َ‬ ‫يستَدعي‬
‫فإنه ْ‬
‫كررها ّ‬ ‫لها‪ ،‬والشاع ُر إذ ُي ّ‬
‫ذهنه ذكريات‪.‬‬

‫َّب الموضوع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إنه ي ِ‬


‫لكأنه غي َ‬
‫هو حاضر في وجدانه‪ ،‬حتّى ّ‬ ‫نصه كما َ‬
‫المكان في ّ‬ ‫حضور‬ ‫ص ّر على‬ ‫ّ ُ‬
‫يتحدث عن شوقه إلى بًلده‪ ،‬وهذا كائن في انتقاله من‬
‫ونسي نفسه فبدأ ّ‬ ‫يتحدث عنه‬
‫الرئيس الذي ّ‬
‫َ‬
‫(إني‪ /‬أهلي‪/‬‬
‫ضمائر المخاطب في قوله (تلّقيا) إلى ضمير المتكلم وهو ذات الشاعر في قوله ّ‬
‫يؤكد‬
‫لكنه ّ‬ ‫دياري) متمثلة بياء المتكلم‪ ،‬و قوله (أهوى ‪ّ /‬‬
‫أحب) متمثلة بضمير األنا الغائب‪ّ ،‬‬
‫رب اإلنكاري في‬
‫الض َ‬
‫حضوره من عمق الغياب باستعماله التوكيد إلى جانب التكرار‪ ،‬فاستعمل ّ‬
‫يظن‬ ‫ِ‬ ‫متمثًل بنون التوكيد والًلم المزحلقة‪ ،‬في َق ٍ‬
‫من ّ‬‫لشك ْ‬
‫طع منه ّ‬ ‫ً‬ ‫حبه ( ّإني ألهوى)‬
‫اإلفصاح عن ّ‬
‫ِ‬
‫ّأنها غابت عن ذهنه‪.‬‬

‫"بعلبك"‬
‫ّ‬ ‫مرتين بقوله‬
‫اإلفصاح المباشر ّ‬
‫ِ‬ ‫ثم ّإنه يطرب بذكر المكان‪ ،‬فيذكره مرًارا‪ ،‬مج ِّسًدا ذلك ب‬ ‫ّ‬
‫مرتين في قوله "أهلها" و "فتيتَها"‪.‬‬
‫تلك دياري"‪ ،‬واعادة ذكرها مضمرًة ّ‬ ‫واإلشا ِرة إليها ّ‬
‫مرًة أخرى في " َ‬
‫القوي في المقابل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫لحضور حنينه وشوقه‬ ‫قوي للمكان متز ً‬
‫امنا‬ ‫ٍ‬
‫حضور ّ‬ ‫بشد ٍة على‬
‫ّإن ُه ُيلِ ُّح ّ‬

‫أداة‬ ‫ويرى الباحث محمد الدغمان في دراسته "شعرية التكرار في المعلقات" ّ‬


‫أن التّكرار يمثّ ُل ً‬
‫ٍ‬
‫إنسان مأزوم يتعّلق‬ ‫النفسية على ٍ‬
‫نحو دقيق وتبيان ما يجري بالًلشعور من‬ ‫صور حال الشاعر‬
‫ّ‬ ‫تُ ّ‬
‫وعيه في لحظات المحنة واألزمات بكلمة أو موقف يسترعيها من ماضيه أو طرقت ذاكرته في‬
‫تطف َو إلى الوعي بين‬
‫هذه اللحظات‪ ،‬فكأنما تهبط من الًلشعور إ ْذ تبقى حبيسة فيه لفترة حتّى ُ‬
‫متردًدا صداها في األعماق‪.2‬‬ ‫ٍ‬
‫حين وآخر ّ‬

‫أفص َح عن مكنوناته ما إن‬ ‫ِ‬


‫وهكذا كانت بعلبك مستحوزة على فكر الشاعر مالك ًة عليه ُلبَّه ف َ‬
‫ٍ‬
‫ألح في قولها‪.‬‬
‫ص ّب شعوره كلمات شعرّية و ّ‬ ‫مسمع ُه ِر ُ‬
‫حال الزوجين إلى بلده‪ ،‬حتى َ‬ ‫َ‬ ‫وصل‬
‫َ‬
‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪.130‬‬
‫‌الدغمان‪‌،‬محمد‌محمد‌مرسي‪‌،‬شعريّة الت ّكرار في المعلّقات‪‌،‬ص‌‪‌/.263‬انظر‌أيضًا‪‌:‬السيد‪‌،‬عز‌الدين‌علي‪‌،‬التكرير بينَ المثير‬
‫‪2‬‬

‫والتأثير‪‌،‬ص‌‪.82‌–‌81‬‬

‫‪106‬‬
‫كأن" في قصيدة "وفاة الملكة فكتوريا" يقول فيها‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ومن أمثلة التكرار عنده تك ارره حرف التشبيه " ّ‬

‫كول‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬


‫وم تَ َرّحَل ْت ‪ ...‬عيال َعَليها نادب وثَ ُ‬
‫ع اْل َخلق َي َ‬
‫كأن ُجمو َ‬

‫من ناِب ٍت َو ُ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬


‫لول‬
‫ط ُ‬ ‫صور الحافًلت ِب َحشده ْم ‪ُ ...‬رسوم َخَل ْت ْ‬ ‫َّ‬
‫كأن الُق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سيل‬
‫الدموِع تَ ُ‬
‫به ّ‬‫اس نو ِمها ‪ ...‬وأنو َارها ش َ‬
‫جوم الليل ُح ّر ُ‬ ‫َك ًّ‬
‫أن ُن َ‬

‫جاجها ‪ ...‬لِتَ ْن ُ‬ ‫س بعد ِ‬


‫احت ِ‬
‫حول‬ ‫الح ْس ِن َك ْي َ‬
‫ف َي ُ‬ ‫حال ُ‬
‫ظ َر َ‬ ‫الش ْم ِ َ ْ َ‬
‫غ ّ‬ ‫َّ‬
‫كأن ُبزو َ‬

‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫بال ِرمال تَ ْع َتلي وتَ ُ‬
‫هيل‬ ‫الب ِّر َ‬
‫سار ْت ب َن ْعشها ‪ ...‬ج ُ‬ ‫َّ‬
‫كأن جنوَد َ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حار وَق ْد َم َش ْت ‪ِ ...‬به َج ِزعات واْلخ َ‬
‫أساطيل اْلِب ِ‬
‫‪1‬‬
‫هول‬
‫ض ُّم َم ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫كأن‬

‫كل‬
‫ابتداء ّ‬
‫ُ‬ ‫شك َل‬
‫وقد ّ‬
‫صور الشاعر َهول الفاجعة المتمثلة بموت الملكة‪ ،‬وآثار ذلك على األرجاء‪ْ ،‬‬‫ُي ّ‬
‫الداللة المنشودة‬ ‫ٍ‬
‫بيت من األبيات السابقة فيها باألداة "كأن" نسًقا معينا ِ‬
‫السامع بحثًا عن ّ‬
‫َ‬ ‫يستف ّز‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬
‫المشبه‬
‫ّ‬ ‫يشك في َّ‬
‫أن‬ ‫كأن" أداة تشبيه تستعمل "حيث يقوى الشبه حتّى يكاد الرائي ّ‬
‫من التّكرار‪ .‬و" ّ‬
‫المشبه به أو غيره"‪.2‬‬
‫ّ‬ ‫هو‬
‫َ‬

‫ِ‬
‫األمر عليه‪،‬‬ ‫تقًللية ردة فعل ك ّل مشبه على حدة لثَق ِل‬ ‫ِ‬
‫اس ّ‬ ‫صور ْ‬
‫يحاول أن ُي ّ‬
‫ُ‬ ‫األداة‬ ‫إنه بتكرار‬
‫ٍ‬
‫لوحة‬ ‫كل‬ ‫بحزِنها ّ‬ ‫ٍ‬
‫تتجم ُع أجزاؤها من ّ‬
‫ّ‬ ‫بعد لوح ًة كّلّية مليئة باألسى‬
‫لتشك َل من ُ‬ ‫لوحة ُ‬‫كل َ‬‫فتستقل ّ‬
‫ّ‬
‫وكذا‬ ‫تشبيهية جزئية‪ .‬فكثير من الخلق جزعوا لرحيلها حتى بدوا نادبين ثاكلين أو هم كذلك ًّ‬
‫حقا‪َ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األمر ٍ‬
‫باد أثره على الجماد؛ فالقصور العامرة الحافلة أقفرت وخلت ولم تعد فيها الحياةُ كما كانت‪،‬‬ ‫ُْ‬
‫ًّ‬
‫مس في‬‫الش َ‬ ‫إنسانا يبكي على فراقها أو تكاد تكون ذلك حقا‪ ،‬والحزُن َ‬
‫طال ّ‬ ‫ً‬ ‫حتّى نجوم الليل بدت‬
‫شجنا وترّن ًحا على المآل‪،‬‬
‫علوها‪ ،‬وبدا الجنود الذين حملوا نعشها ومشوا فيه كأنهم رمال متماوجة ً‬
‫ّ‬
‫وكذلك أساطيل البحار‪.‬‬

‫َّ‬
‫محط‬ ‫كأن" األولى كانت‬
‫وكأنما " ّ‬
‫فضاء جنائزيًّا حز ًينا تتّسق مكوناته‪ّ ،‬‬
‫ً‬ ‫شكل‬
‫ُك ّل هذه الصور ت ّ‬
‫فكل تلك التشبيهات إنما كانت ألجل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تناسل شبيهاتها من بعدها أو كأنها إيذان بتكرار األسى‪ّ ،‬‬
‫موحد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫أمر ّ‬
‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪ ،‬ديوان الخليل‪ ،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪‌ .134‌–‌133‬‬
‫‪2‬‬
‫‌السبكي‪‌،‬بهاء‌الدّين‌(‌‪‌773‬هـ)‪‌،‬عروس األفراح في شرح تلخيص المفتاح‪‌،‬تحقيق‪‌:‬عبد‌الحميد‌الهنداوي‪‌،‬ط‌‪‌،1‬المكتبة‌العصرية‪‌،‬‬
‫بيروت‪‌2003‌،‬م‪‌،‬ج‌‪‌‌،2‬ص‌‪.77‬‬

‫‪107‬‬
‫ومن تَك ارره الكلمة – الضمير‪ -‬قوُله في قصيدة "زفاف" اآلنسة نجًل سركيس إلى الدكتور رائف‬
‫اصفا العريس ووالده من قبل‪:‬‬
‫نده‪ ،‬و ً‬

‫أن تُرى َل ُه نجًل‬ ‫ِ‬


‫العلى ْ‬
‫همته ‪ ...‬على ُ‬
‫نجل "يعقوب" َح ُّق ّ‬
‫يا َ‬

‫قام ُه األعلى‬ ‫بلد ‪ ...‬ما ز ِ‬


‫أبوك أسرى الرجال في ٍ‬
‫ال فيه َم ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫فضًل‬
‫ً‬ ‫أنت بال ِحجى‬
‫من َ‬‫أنت ْ‬
‫ِ‬
‫أنت في الحمى َح َسًبا ‪ ...‬و َ‬
‫أنت ما َ‬
‫و َ‬

‫والًلفت في األبيات السابقة البيت األخير؛ إذ تكرر ضمير المخاطب "أنت" أربعا‪ ،‬وهو يشير ِ‬
‫به‬ ‫ً َُ‬
‫طيب الذكر‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫فه َو ابن "يعقوب" ّ‬
‫طبيب‪ ،‬في محاولة منه إلى إعًلء شأنه وذكره وعلو منزلته‪ُ ،‬‬
‫إلى ال ّ‬
‫بين القوم‪ ،‬وعلى‬
‫علي َ‬‫كان أبوه ذا مقا ٍم ٍ‬
‫فوعا كما كان‪ ،‬إذ َ‬ ‫الواجب على ابنه أن يبقي صيته مر ً‬
‫ّ‬
‫ابنه أن يكون مثله‪ ،‬فأعلى َقدره بتكرار الضمير ومن قبلِ ِه ما االستغراقية‪ ،‬إ ْذ وصل في حس ِ‬
‫به ًّ‬
‫حدا‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َُ َ‬
‫كرره في الشطر الثاني ومن قبله االسم الموصول " من " في إقرار منه إلى‬ ‫ال ُيضاهى‪ ،‬وكذلك ّ‬
‫الن ِ‬ ‫بين الناس‪ ،‬فهو في تك ارره " أنت " يْف ِ‬
‫ص ُح مباشرة ِ‬ ‫ّأنه أهل للفضل و ِ‬
‫جل المرتقب‬‫عن ّ‬ ‫َ‬ ‫العقل من ِ ّ‬
‫ين‬
‫يعرض بآخر َ‬
‫خاصه بتلك الفضائل‪ّ ،‬‬
‫يذكره ويشير إليه ّ‬
‫الذي ذكره في األبيات من قبل‪ ،‬وهو إذ ُ‬
‫ال يمكن أن يجاروه‪ ،‬لفضائله البينة من بعد‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫بالن ِ‬ ‫ِ‬
‫معتًل‬
‫مير ّ‬‫الض َ‬
‫فس تَشفي ّ‬ ‫وفيك َم ْع ِرَفة ‪ّ ...‬‬
‫ُّك ُبرء َ‬
‫طب َ‬

‫ِ‬
‫األمر تُن ِهه واذا ‪ُ ...‬وّل َ‬
‫‪2‬‬
‫من وّلى‬
‫أمر َكَف ْي َت ْ‬
‫يت ًا‬ ‫َ‬ ‫إن تَ َبدأ‬
‫ْ‬

‫هم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬


‫زمام األمور إذا ّ‬
‫ُك ّل هذه الميزات من مهارة في التخصص ومعرفة بالنفوس التي تشكو‪ ،‬وتوّليه َ‬
‫مكرًرا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أنت " ّ‬
‫أكده الشاعر بـ " َ‬
‫وهو ما ّ‬
‫شار إليه بالبنان‪َ ،‬‬
‫شخصا ُي ُ‬
‫ً‬ ‫لها فأنجزها‪ ،‬جعلت منه‬

‫ومن التّكرار قوله في رثاء " المرحوم يوسف سابا باشا "‪:‬‬
‫َ‬

‫الفضائل ِ‬
‫فيه واآلدابا‬ ‫‪...‬ع ِّز َ‬ ‫ف سابا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫يوس ُ‬
‫مات ُ‬
‫المعال َي‪َ ،‬‬
‫َع ّز َ‬
‫‪3‬‬
‫األنساب واألحسابا‬
‫َ‬ ‫الباس و‬
‫الندى ‪ ...‬و َ‬ ‫َع ِّز ْاإلمارَة و ِ‬
‫الو ازرَة و ّ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،3‬ص‌‪.21‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .35‬‬

‫‪108‬‬
‫ِ‬
‫بحسب‬ ‫مستهل أبياته فإنه ‪-‬‬ ‫عز"‪ ،‬وهو إذ يكرر البداي َة‬
‫مكرًار فيها الفعل " ّ‬
‫ّ‬ ‫هل الشاعر أبياته ّ‬
‫يستَ ّ‬
‫ْ‬
‫اشجا ينفي أن يكون التكرار فيها ر ً‬
‫تيبا ممًل‪،‬‬ ‫ما يرى الباحث موسى ربابعة ‪ -‬يشكل منها ً‬
‫بناء متو ً‬
‫تلح على‬ ‫ٍ‬ ‫إن في إعادة الفعل " ِّ‬
‫تجسيدا لرؤية ما ّ‬ ‫ً‬ ‫وعي أو دونه‪،‬‬‫صدر عن ٍ‬ ‫َ‬ ‫عز " وان‬ ‫بل ّ‬
‫الشاعر وتقلقه‪.1‬‬

‫ِ‬
‫المأساة وما‬ ‫هول‬ ‫ِ‬
‫تأكيد ِ‬ ‫ِ‬
‫الفجيعة بغياب الفقيد فألح الشاعر على‬ ‫إن هذا القلق يتمثل في حجم‬
‫وصاحبا للفضائل واآلداب‪ ،‬وأهًل للحسب‬
‫ً‬ ‫أهًل للمعالي‪،‬‬
‫كان ً‬
‫ثي من فراغ وراءه‪ ،‬فقد َ‬ ‫تركه المر‬
‫ّ‬
‫مضفيا على المعنوي والًلإنساني صف َة البشرّية‬
‫ً‬ ‫النفسية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مجسًدا حالته‬
‫يندبه الشاعر ّ‬
‫والنسب؛ ف ُ‬
‫جاعًل من المعالي والفضائل واآلداب واإلمارات والو ازرات واألحساب واألنساب‬
‫ً‬ ‫والتشخيص‪،‬‬
‫كان منحه له المرحوم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بالفضل الذي َ‬ ‫ويشعر‬ ‫عزى‪،‬‬
‫إنسانا ُي ّ‬
‫ً‬
‫ُ‬

‫شجية نابع ًة من المعنى المعجمي لِما يكرر مضاف ًة إلى موسيقى‬ ‫ثُم إنه بالتكرار ِ‬
‫يحد ُث نغم ًة‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫طلبي ِة المتمّث ِ‬
‫لة باألمر " َع ِّز " المشير إلى‬ ‫ِ‬ ‫البيت اإلطارّية‪ ،‬كما يقرن اإليقاع‬
‫اإلنشائية ال ّ ّ‬
‫ّ‬ ‫بالصيغة‬
‫الحدس بهذا الهاجس الذي يبغي الشاعر نقله إليه‪.‬‬
‫المرَء إلى االلتفات و َ‬
‫االلتماس؛ ما يدعو َ‬

‫معينة في قصيدته واستحضارها بقوة وان اختلفت‬ ‫ٍ‬ ‫وَقد يلجأُ ّ ِ‬


‫فية ّ‬‫صر ّ‬
‫الشاعر إلى تَوظيف صيغة َ‬ ‫َ ْ‬
‫جذورها المرتدة إليها أو معانيها المعجمية‪ ،‬يقول في قصيدة "شكر ألعيان بلدة قلقيل بفلسطين"‬
‫وقد أقاموا حفل ًة إلكرامه‪:‬‬

‫ِ‬
‫القلقيل‬ ‫صين َسًلم ‪َ ...‬على َبني‬ ‫ِ‬
‫الم ْخل َ‬
‫في ُ‬

‫قال ِ‬
‫وقيل‬ ‫غير ٍ‬
‫ماهم ‪ِ ...‬ب ِ‬ ‫ِ‬
‫ائنين ح ُ‬
‫الص َ‬
‫ّ‬

‫فعل َن ِ‬
‫بيل‬ ‫بك ِل ٍ‬ ‫ِ‬
‫داهم ‪ّ ُ ...‬‬
‫الكائدين ع ُ‬
‫َ‬

‫ِ‬
‫الوفاء الثّ ِ‬
‫قيل‬ ‫بء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحاملين خفاًقا ‪ ...‬ع َ‬
‫َ‬

‫البارزين السجايا ‪ٍ ِ ...‬‬


‫جه ج ِ‬
‫ميل‬ ‫بك ّل َو َ‬
‫ُ‬ ‫َ ّ‬

‫‪1‬‬
‫‌ربابعة‪‌،‬موسى‪‌،‬التكرار في الشعر الجاهلي‪ :‬دراسة أسلوبيّة‪ ،‬مجلة مؤتة للبحوث والدراسات‪‌،‬األردن‪‌1990‌،‬م‪‌،‬مج‌‪‌،5‬ع‌‪‌،1‬‬
‫ص‪‌ .183‬‬

‫‪109‬‬
‫ِ‪1‬‬
‫روب اْل َجميل‬
‫ض ُ‬ ‫العطايا ‪ ...‬فيها ُ‬
‫المانحين َ‬
‫َ‬

‫مذكر سالم يجعلها متوالفة صيغيًّا – وزنيًّا –‬


‫كرر الشاعر صيغة اسم الفاعل في هيئة جمع ّ‬‫ُي ّ‬
‫ٍ‬
‫وهو‬
‫كل منها‪ُ ،‬‬ ‫وايقاعيًّا رغم اختًلف جذرها المعجمي‪ ،‬وذلك حاصل بزيادة الياء والنون على ّ‬
‫يثِب ُت كل هذه الصفات الحميدة ِ‬
‫ألهل قلقيل‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ِ ِ‬
‫فألنهم المبادرون في اإلخًلص وكيد العدا وصو ِن العهد وكرِم ّ‬
‫الن ِ‬
‫فس‬ ‫اسم الفاعل ّ‬ ‫اختار َ‬
‫َ‬ ‫واّنما‬
‫داللة على ِ‬
‫ثبات الصفة ودوامها أكثر من الفعل المضارع الذي‬ ‫ٍ‬ ‫اختار االسم في‬ ‫والجود‪ ،‬كما ّأنه‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫أفعال طارئة‪ ،‬ولعّلها صفات متوارثة‬ ‫بالن ِ‬
‫فس من‬ ‫ألص َق ّ‬ ‫ِ‬
‫الصفات َ‬‫ُ‬ ‫ببعض الداللة‪ ،‬فكانت‬ ‫ُيضارعه‬
‫مؤم ًًل ذلك في قوله نهاي َة القصيدة‪:‬‬
‫متناقلة ما بينهم‪ّ ،‬‬
‫ِ‪2‬‬ ‫ودامت عًلهم ‪ ...‬فيها لِ ٍ‬
‫جيل َفجيل‬ ‫داموا‬
‫ْ ُ ُْ‬

‫كل صيغة من‬ ‫َّ‬ ‫ِِ‬


‫اإليقاع المتمثّل في تَعداد المزايا‪ّ ،‬إال ّأن ُه كثف الداللة في َجعله ّ‬
‫ِ‬ ‫غم ُسرَع ِة‬
‫ور َ‬
‫َ‬
‫بين‬
‫طا ما َ‬
‫الجمعية الواحدة – المخاطب ‪ ،-‬فخلقت ترُاب ً‬‫ّ‬ ‫الصيغ الحاملة مزايا متباينة تر ّتد للذات‬
‫ملحة يبغي الشاعر‬
‫ذلك يشير إلى فكرة ّ‬
‫وكل َ‬
‫األبيات‪ ،‬جعلها تتسق في هيئة إيقاعية متساوية‪ّ ،‬‬
‫لرد الشكر ألهل الفضل الذين أكرموه‪.‬‬
‫توكيدها‪ّ ،‬‬

‫النص لنظمه على البحر المجتث ذي اإليقاع‬


‫ّ‬ ‫ظ كذلك الخفة والطرب الذي يحتفل بهما‬ ‫ويلح ُ‬
‫النص وسهولة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القصير‪ ،‬إضاَف ًة إلى التّكرار الحاصل لغويًّا – صرفيًّا ‪ ،-‬وهو أدعى الستدعاء ّ‬
‫بعض‬
‫ُ‬ ‫شير‬
‫أدوم األثر‪ ،‬إذ تُ ُ‬
‫ظ ثناء الشاعر على البلدة ويبقيه َ‬
‫يحف ُ‬
‫حفظه وتداوله وروايته؛ ما َ‬
‫ورودها في اإلدراك الخارجي أو‬
‫الصور أو المعاني التي يتكرر ُ‬
‫أن " ّ‬
‫النفسية الحديثة إلى ّ‬
‫ّ‬ ‫الدراسات‬
‫ِ‬
‫ويرج ُع‬ ‫استدعاء من غيرها‪ .‬فالتّكرار هو من عوامل تثبيت المعلومات‪،‬‬ ‫أسهل‬ ‫في الذهن‪ ،‬تكو ُن‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ُّز من غيره"‪.3‬‬
‫المكرَر تمي ًا‬
‫ّ‬ ‫الشيء‬
‫َ‬ ‫أثر التّكرار إلى ّأن ُه َيز ُيد‬
‫ُ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪ ،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‪‌،3‬ص‌‪‌ .98‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪‌ .‬‬
‫‪3‬‬
‫‌مراد‪‌،‬يوسف‪ ،‬مبادئ علم النفس العام‪‌،‬ط‌‪‌،6‬دار‌المعارف‪‌،‬مصر‪‌،‬د‪‌/‬ت‪‌،‬ص‌‪‌ .250‬‬

‫‪110‬‬
‫وشكًل من أشكال التحسينات‬ ‫فية‬ ‫وألن هذا التكرار – كما يوضح سامي عبابنة ‪ِ ّ -‬‬
‫ً‬ ‫يشكل سمة زخر ّ‬ ‫ّ‬
‫شك إلى‬
‫النص فرادته‪ ،‬فإنها ستؤدي بًل ّ‬
‫كسب ّ‬‫في األسلوب وما ينتج عنها من فوائد داللية تُ ُ‬
‫خلف ُه مقصد الشاعر مما يريد إبًلغه لمتلّقيه‪.1‬‬
‫يكم ُن َ‬
‫وه َو أثَر ُ‬
‫لح في المتلّقي ُ‬
‫إنتاج أثر ُم ّ‬

‫مثًل في رثائه للمرحوم المعلم‬


‫يقول ً‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫يلح عليه‪ُ ،‬‬‫الشاعر إلى تَكرار جملة كاملة لمقصد ّ‬
‫يعمُد ّ‬
‫وَق ْد َ‬
‫خدم التدريس بالمدرسة البطريركية ببيروت مدى العمر‪:‬‬
‫صباغ‪ ،‬الذي َ‬
‫جبران ّ‬

‫ِ‬
‫األجيال‬ ‫يعتَُّز في‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ئ جيل ْ‬
‫صديقي‪ ،‬ويا إمامي‪ ،‬ويا ُمنش َ‬
‫يا َ‬

‫صال‬ ‫نمى ِ‬
‫به من ُنهى وحس ِن ِخ ِ‬ ‫حيا وما َّ‬
‫ُْ‬ ‫ً‬ ‫الم ّ‬
‫ذاك ُ‬
‫لس ُت أ ْنسى َ‬
‫ْ‬

‫أحب ِ‬
‫مثال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫منك في ّ‬
‫الشمائل ُمثّْل َن لنا َ‬
‫َ‬ ‫تلك‬
‫َل ْس ُت أنسى َ‬

‫ظ َعُّد آللي‬
‫كأن األلفا َ‬ ‫الن ِ‬
‫طق َّ‬ ‫طًلقة في ّ‬
‫تلك ال ّ‬
‫َل ْس ُت أنسى َ‬
‫‪2‬‬
‫من ِح ْك َم ٍة ور ٍ‬
‫أي عالي‬ ‫َلست ْأنسى تلك الدروس وما ِ‬
‫ض ّم َن ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬

‫كل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الشاعر على استدعاء ّ‬‫إلحاح ّ‬
‫َ‬ ‫يوضح‬
‫لست أنسى تلك" وتوابعها ّ‬
‫أن تكرار الجملة " ُ‬
‫من الواض ِح ّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫فيستحض ُر الذكريات‬ ‫ض فكرَة الغياب‪،‬‬ ‫وكأنه يرُف ُ‬
‫بقوة‪ّ ،‬‬
‫شمائل الفقيد التي ذكرها واثبات وجودها ّ‬
‫ٍ‬
‫تصديق منه على‬ ‫الدال على االستم اررية‪ ،‬في‬
‫ثم يكرر ذلك باستعمال المضارع الحاضر ّ‬ ‫أمامه‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫األجيال ال يغيب عن عقله‪ ،‬للشمائل التي تركها‬ ‫عدم استم اررية النسيان؛ فصديقه وامامه ومعلّم‬
‫ٍ‬
‫دروس‬ ‫ِ‬
‫اللسان ومتقن‬ ‫المحيا ودمث األخًلق وفصيح‬ ‫لبسام‬
‫ّ‬ ‫فكيف ّ‬
‫َ‬ ‫فتذكر فيه‪،‬‬
‫وخُلًقا ّ‬
‫خلفه َخْلًقا ُ‬
‫ِ‬
‫الشاعر أن ُينسى‪.‬‬ ‫رسخت في عقل‬

‫ِ‬
‫مر ذكرى على ذهن الشاعر فتعص ُ‬
‫ف ذاكرته وتنعشها ما‬ ‫كل هذه األمور تُختَ َزُل بكثافة لدى ّ‬
‫إن ّ‬ ‫ّ‬
‫يجعَلها مت ِقدة تتغّلب على نسيان الزمن الطويل بتجسيده في ذكرى أو موقف قصير ِ‬
‫به ُي ْستَرجع‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ما ال ُينسى‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫صباي أراه ‪ ...‬ب ِع َث اليوم ِ‬


‫خاط ًار في بالي‪.3‬‬ ‫ُك ُّل ما م َّر من ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬

‫‌عبابنة‪‌،‬سامي‌محمد‪‌،‬التفكير األسلوبي رؤية معاصرة في الت ّراث النّقدي والبالغي في ضَوء علم األسلوب الحديث‪‌،‬د‌‪‌/‬ط‪‌،‬عالم‌‬
‫‪1‬‬

‫الكتب‌الحديث‪‌،‬إربد‪‌2007‌،‬م‪‌،‬ص‪‌ .249‬‬
‫‪2‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،3‬ص‌‪.100‬‬
‫‪3‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪‌ .‬‬

‫‪111‬‬
‫الصبا كلّه‬
‫سن ّ‬‫ظرف نفسيًّا‪ ،‬فها هو ّ‬
‫اء ال ّ‬
‫الزمن بما يستشعره إز َ‬
‫آلي َة التح ّكم في ّ‬
‫يجسُد ّ‬
‫وهو بذلك ّ‬
‫لمح البصر‪.‬‬
‫يمر َ‬ ‫ٍ‬
‫خاطر ّ‬ ‫ط َّي‬
‫ص ُر َ‬
‫بما عاشه ُيختَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫داللية يتّكئ عليها في ٍ‬
‫كثير من‬ ‫ّ‬ ‫أن الشاع َر يتّخ ُذ من ظاهرِة التّكرار ً‬
‫أداة‬ ‫مما سبق‪ ،‬يلحظ ّ‬
‫استقرِاء ديوانه ّأنه و ّ‬
‫ظَفها بكثافة في مراثيه‪ ،‬فًل تكاد تخلو‬ ‫قصائده‪ ،‬ومما ُيستنتج من التحليل ومن ْ‬
‫يشد من قوامها المتكئ في بنيته العميقة على‬ ‫ِ‬
‫مر ّثية منها‪ ،‬حتّى ّإنها سمة تنماز بها‪ ،‬وهذا مما ّ‬
‫كل ذلك المر ّثية حتى وان َغ َدت‬
‫فًلزم ّ‬
‫َ‬ ‫إن فيهما هذا التكرار الًلفت‬
‫الندب أو النواح والبكاء‪ ،‬إذ ّ‬
‫مدحا‪.‬‬
‫في أكثرها ً‬

‫استحضار صفات المرثي ويشيد‬ ‫يلح على ْ‬ ‫واذ يندب الشاعر في التكرار فإنه في ِ‬
‫اآلن ذاته ّ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫ف التكرار طرًبا ليستميل‬
‫ظُ‬ ‫ويذكر صيته‪ .‬ومن جهة أخرى ّ‬
‫فإنه يو ّ‬ ‫أن تَ ْرَس َخ ُ‬
‫بفضائله من أجل ْ‬
‫وكذلك يطرب في ِ‬
‫حال ِ‬
‫ذكر‬ ‫غم متهافت ًة إلى حفظه وسهولة تداوله‪َ ،‬‬ ‫األسماع فتلتفت إليه ِ‬
‫َُ‬ ‫الن َ‬
‫ط ًة ّ‬
‫ملتق َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫نسًقا‬
‫بعلبك‪ ،‬فكأنه يتّخذ التكرار َ‬
‫ّ‬ ‫تبي َن من حنينه وشوقه لموطنه‬
‫حب فيكرر اسمه مرًارا‪ ،‬كما ّ‬
‫ما ُي ّ‬
‫بين الداللة إال به‪.‬‬
‫تكاد تَ ُ‬
‫ال ُ‬

‫بعض مًلمح اإليقاع الداخلي في أشعار خليل مطران كما التصريع والتكرار تعضد من فكرة‬ ‫إن َ‬ ‫ّ‬
‫وسياق إنشاده القصائد في المحافل‬ ‫اعتماد ِه ما اعتمدته الثقافة الشفاهية الر ِ‬
‫اسخة في ذهنه التفاقها‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َََ‬
‫والمجالس‪ ،‬فالتصريع‪ ،‬والتكرار ال سيما في التقفية الداخلية‪ ،‬وبعض األساليب اللغوية‪ ،‬سواء‬
‫ِ‬
‫استعادة‬‫هيأة الستمالة سمع المتلّقي وتيسير حفظها و‬
‫صيغا ُم ّ‬
‫ً‬ ‫عد‬
‫أدركها الشاعر أو لم يدركها‪ ،‬تُ ّ‬
‫فمثل هذه القصائد تعنيه أن تُردد‬
‫مدة‪ ،‬وهذا ما كان الفتًا في قصائد مدحه أو رثائه‪ُ ،‬‬
‫بعد ّ‬
‫تذكرها َ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ألسنة الناس‪.‬‬ ‫على‬

‫‪112‬‬
‫‪ .4‬مالمح إيقاعية في شعر مطران القصصي‪.‬‬
‫األوزان والقوافي في القصص الشعرية عند مطران‪.‬‬ ‫‪4.1‬‬
‫التّضمين‪.‬‬ ‫‪4.2‬‬
‫التكرار صفة الزمة في شعر مطران القصصي‪.‬‬ ‫‪4.3‬‬

‫‪113‬‬
‫إيقاعية في شعر مطران القصصي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪ .4‬مالمح‬

‫ِ‬
‫المتناولة مجموع ًة من األحداث‬ ‫القصة كما يعرفها محمد يوسف نجم‪ ،‬من الفنون النثرّية‬
‫تعد ّ‬‫ّ‬
‫المتعلقة بشخصيات مختلفة تتباين في أساليب عيشها وتصرفها في الحياة تؤثر وتتأثر فيمن‬
‫حولها‪.1‬‬

‫يفسر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫وسطها منتقًيا ما يمكن أن ّ‬ ‫القاص َ‬
‫ّ‬ ‫الحياة‪ ،‬إذ يقف‬ ‫فضاء‬ ‫مادتها من‬
‫وتستقي القصص ّ‬
‫وفق رؤيته التي يريد إيصالها إلى الناس‪.‬‬
‫الواقع من حوله فيخضعه بأدواته األدبية ويطوعه َ‬

‫الخاصة بها‪،‬‬ ‫ألن لها قوامه المتّكئ على عناصرها‬ ‫ٍ‬


‫أصل نثر ّي‪ ،‬و ّ‬ ‫القصة في بنيتها تر ُّتد إلى‬ ‫و َّ‬
‫ّ‬ ‫ألن ّ‬
‫استنادا على افتر ٍ‬
‫اض مسبق‬ ‫عرا‪ ،‬وذلك‬ ‫حال و ّ ِ‬ ‫إيقاعها في ِ‬‫ِ‬ ‫الفصل لدر ِ‬
‫ً‬ ‫ظَف ْت ش ً‬ ‫ُ‬ ‫اسة‬ ‫قل هذا َ ُ‬ ‫استَ ّ‬
‫فَق ْد ْ‬
‫تغيرات الفتة على المستوى اإليقاعي للشعر المعهود َ‬
‫حال توظيفها؛ إذ‬ ‫من ّأنه ال ُبَّد أن هناك ّ‬
‫بخصائص دو َن المماهاة ّ‬
‫الصرفة‬ ‫َ‬ ‫األول سيحتفظ‬
‫أن ّ‬‫مهما ُحوول تحويل الجنس النثري إليه ال ّبد ّ‬
‫ظَفه مطران في‬
‫وكيف و ّ‬
‫َ‬ ‫هو مستحدث أم قديم‪،‬‬‫الشعري‪ ،‬وهل َ‬‫الشعر‪ .‬فما القصص ّ‬ ‫في قوانين ّ‬
‫تمي َز إيقاعه على الصعيدين الداخلي والخارجي؟!‬
‫وكيف ّ‬
‫َ‬ ‫أشعاره‪،‬‬

‫حسب مفهومها األدبي الحديث كانت مًلزمة لوجود‬


‫َ‬ ‫يرى الباحث ميثم مهدي صالح ّ‬
‫أن القصة‬
‫عما جرى لإلنسان بحوادث‬ ‫ِ‬
‫إما ليخب َر ّ‬
‫اإلنسان‪ ،‬ونشأت معه عند إدراكه المحيط من حوله‪ّ ،‬‬
‫قدم الحياة‬
‫وليدة الحاضر‪ ،‬واّنما قديمة َ‬
‫َ‬ ‫عاشها‪ ،‬أو ليحقق التسلية لمستمعيه؛ فهي ليست‬
‫التطور كما هو حال كل شيء في الكون‪.2‬‬
‫ّ‬ ‫لسنة‬
‫لكنها َخضعت ّ‬
‫االجتماعية‪ّ ،‬‬

‫مع مرور‬
‫ونضوجا َ‬
‫ً‬ ‫تطوًار‬
‫ودا بذاته‪ّ ،‬إال ّأنها شهدت ّ‬
‫فنا منش ً‬ ‫القص َة قديما لم تكن ًّ‬
‫أن ّ‬ ‫وال َّ‬
‫شك ّ‬
‫ً‬
‫يجانب‬ ‫التعسف‬ ‫من‬
‫نفي وجودها عندهم ضرب َ‬ ‫قبل اإلسًلم‪ ،‬وال َّبد أن‬
‫الوقت في حياة العرب ما َ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ َ‬
‫الصواب؛ لوجود قصص وحكايات من الموروث‪ ،‬كقصص عنترة وأبي زيد الهًللي‪ ،‬وكذلك‬ ‫ّ‬
‫أن " بقايا القصص التي تطالعنا في المثل‬
‫قصص الحيوان الواردة في الشعر العربي بكثرة‪ ،‬كما ّ‬
‫السائر أو الخبر المنقطع أو األسطورة المحكية في الشعر أو الطقس الديني الذي يمارس في ظل‬

‫‪1‬‬
‫‌نجم‪‌،‬محمد‌يوسف‪‌،‬فن القصة‪‌،‬ط‌‪‌،5‬دار‌الثقافة‪‌،‬بيروت‪‌1966‌،‬م‪‌،‬ص‌‪.9‬‬
‫‪2‬‬
‫‌صالح‪‌،‬ميثم‌مهدي‪‌،‬البناء القصصي في القصيدة العربية‪ :‬دراسة تحليليّة في قصيدة أبي ذؤيب الهذلي‪‌،‬مجلة‌مركز‌دراسات‌‬
‫الكوفة‪‌،‬العراق‪‌2011‌،‬م‪‌،‬ع‌‪‌،4‬ص‌‪.287‬‬

‫‪114‬‬
‫الدهر‬
‫وهي تجوز ّ‬ ‫مناسبة عابرة تحدد العمر الزمني الذي بقيت أيامه تحمل هذه األشًلء المتناثرة‬
‫َ‬
‫أياما عصيبة من أيامها"‪.1‬‬ ‫ق‬
‫الممتدة‪ ،‬فتستغر أجزاء متباعدة من حياتها وتقتطع ً‬
‫ّ‬ ‫طويل واألجيال‬
‫ال ّ‬

‫مر األيام‪ ،‬فإنها في‬


‫متد أثره َّ‬
‫ألنه – الشعر ‪ -‬مما ُي ّ‬
‫القصة في الشعر متحدة مع سياقه‪ ،‬و ّ‬
‫وتظهر ّ‬
‫تلمس ذلك من خًلل لوحات الصيد التي‬ ‫‪-‬رأي ميثم صالح‪ -‬كذلك يبقى أثرها فيه ًّ‬
‫ممتدا‪ ،‬ويمكن ّ‬
‫تضمنها الشعر الجاهلي ذات البعد القصصي التي ما زالت تُروى إلى اآلن‪ ،‬إضافة إلى ّ‬
‫أن‬
‫الفني‪ ،‬فهذا يعني أنهم ال ُبّد‬
‫الضرب ّ‬ ‫وهو إذ يتحداهم بهذا ّ‬ ‫متحدًيا فنو َن العرب‪َ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫جاء‬
‫آن الكريم َ‬ ‫القر َ‬
‫ص}‪ ،3‬وقوله‪{ :‬‬ ‫َحس َن اْلَقص ِ‬ ‫‪2‬‬ ‫كانوا على ٍ‬
‫َ‬ ‫ص َعَل ْي َك أ ْ َ‬
‫عهد به ‪ .‬وهذا ّبين في قوله تعالى‪َ { :‬ن ْح ُن َنُق ُّ‬
‫ص َل َعَّل ُه ْم َيتََف َّك ُرو َن}‪.4‬‬‫ص َ‬ ‫ِ‬
‫صص اْلَق َ‬ ‫َفا ْق ُ‬

‫كان‬
‫ص َق ْد َر ما َ‬ ‫ِ‬
‫ألجل الَق ّ ِ‬ ‫قصد‬ ‫ولكن ال َّبد ّ‬
‫أن الشعر القصصي فيما وصلنا من أشعار العرب لم ُي َ‬
‫تتبع هذا النهج اتّخذه طريًقا لتكثيف‬ ‫َّ‬
‫األمر ّ‬
‫ُ‬ ‫ف َس َنًدا لفكرة الشاعر المرومة‪ ،‬فإن اقتضى‬
‫يوظ ُ‬
‫المعنى‪.‬‬

‫موجودا في األدب العربي القديم‬


‫ً‬ ‫فهذا النوع من الشعر – كما يذكر عبد الرازق حميده ‪َ -‬‬
‫ليس‬
‫بقصة واحدة كاملة تتّبع أسلوب المًلحم‬
‫ظف ْر ّ‬
‫حيث اكتمال بنائه الفني‪َ ،‬فًل ُي َ‬
‫هو اآلن من ُ‬
‫على ما َ‬
‫توجد في ثنايا مديح أو فخر في إشارة إلى قصة‬‫كما في الشعر األوروبي قديمه وحديثه‪ ،‬لكن قد َ‬
‫حدثت مع الشاعر أو قبيلته‪ ،‬ولم َي ْعُد األمر ذلك‪.5‬‬

‫ومتأثر بأجناسهم األدبية‪ ،‬إضافة إلى‬


‫ًا‬ ‫ومتمكًنا من ثقافته‬
‫ّ‬ ‫لعا على أدب الغرب‬
‫طً‬ ‫كان مطران م ّ‬
‫ولما َ‬
‫كان األقدر على توظيف هذا الفن في الشعر‪،‬‬
‫ارتوائه من منابع األدب العربي الموروث‪ ،‬فقد َ‬
‫عارضا في القصيدة‪ ،‬فكان الشعر القصصي‪.‬‬
‫ً‬ ‫واستقًلله بذاته‪ ،‬دو َن ذكره‬

‫شعرِه القصصي كون در ٍ‬


‫اسات متعددة تناولته وحللت‬ ‫ِ‬
‫موضوعات ِ‬ ‫است ِ‬
‫قصاء‬ ‫وليس المقام هنا مقام ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫تخيره لهذا الجنس الشعر ّي أو‬
‫وء على اإليقاع الذي ّ‬
‫الض َ‬
‫ظفها‪ّ ،‬إال ّأنها لم تسّلط ّ‬
‫اض التي و ّ‬
‫األغر َ‬

‫‪1‬‬
‫‌القيسي‪‌،‬نوري‌حمودي‪‌،‬لمحات من الشعر القصصي في األدب العربي‪ ،‬د ‪/‬ط‪‌،‬منشورات‌دار‌الجاحظ‌للنشر‪‌1980‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌–‌10‬‬
‫‪‌ .11‬‬
‫‪2‬‬
‫‌صالح‪‌،‬ميثم‌مهدي‪‌،‬البناء القصصي في القصيدة العربية‪ :‬دراسة تحليليّة في قصيدة أبي ذؤيب الهذلي‪‌،‬ص‌‪.287‬‬
‫‪3‬‬
‫‌سورة‌يوسف‪.3‌:‬‬
‫‪4‬‬
‫‌سورة‌األعراف‪.176‌:‬‬
‫‪5‬‬
‫‌حميده‪‌،‬عبد‌الرازق‪‌،‬الشعر القصصي أو شعر المالحم‪‌،‬صحيفة‌دار‌العلوم‌(‌اإلصدار‌الثاني‌)‪‌1939‌،‬م‪‌،‬س‌‪‌،5‬ع‌‪‌،3‬ص‌‪.66‬‬

‫‪115‬‬
‫ِ‬
‫خصص هذا‬ ‫عامة دونما اإلشارِة إلى عّلتها وداللتها ‪ ،‬لذا ُ‬
‫سي ّ‬ ‫إيقاعية ّ‬ ‫اهر‬ ‫اكتفت ب ِ‬
‫ذكر ظو َ‬ ‫ّأنها َ‬
‫‪‬‬
‫ّ‬
‫قضية‬ ‫يخِد ُم‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫منحًيا ما قد تناولته الدراسات حوَله َخًل ما ْ‬
‫الفصل لدراسة إيقاع الشعر القصصي ّ‬
‫الداخلية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الخارجية و‬
‫ّ‬ ‫الدراسة المتمثلة بموسيقاه‬

‫عند مطران‪:‬‬
‫‪ 4.1‬األوزان والقوافي في القصص الشعرية َ‬

‫ع من الشعر‪ .‬فهل‬
‫تبين األوزان والقوافي التي أوثرت لتُجسد هذا النو َ‬
‫يهدف هذا المبحث إلى ّ‬
‫ِ‬
‫تخيرها مطران مستقصدها بعينها دو َن غيرها؟ وا ْن َ‬
‫كان‪ ،‬فما الذي دعاه لذلك؟ وما الخصائص‬
‫المطولة‬
‫ّ‬ ‫هل تكتفي القصص الشعرّية‬ ‫نظما له دو َن غيرها؟ ثم ْ‬ ‫تلك األوزان لتكو َن َ‬
‫أيسر ً‬ ‫أهلت َ‬ ‫التي ّ‬
‫الشكل؟ وا ْن كان‬
‫الشعر يجد في المواشجات الوز ّنية متنّف ًسا أرحب لهذا ّ‬
‫َ‬ ‫بوزٍن تعبيرٍّي واحد ْأم ّ‬
‫أن‬
‫ٍ‬
‫ناحية أخرى‪،‬‬ ‫متباينا عن اآلخر؟ ومن‬ ‫موضوعا‬ ‫ِ‬
‫القصيدة الواحدة‬ ‫كل وزٍن داخ َل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫كذلك‪ ،‬فهل ينحو ّ‬
‫ِ‬
‫حال القوافي التي ينماز بها الشعر عن النثر؟ وهل ستتأثر كو َن عماد هذا الشعر ّ‬
‫قصة في‬ ‫ما ُ‬
‫أصلها نثرّية؟‪.‬‬

‫ِ‬
‫من الَقصص الشعري؛ إذ بلغ مجموع ما نظمه أربعين ّ‬
‫قص ًة‬ ‫بأس به َ‬
‫عددا ال َ‬
‫لقد نظم مطران ً‬
‫شعرّية ذات موضوعات متغايرة‪ ،‬فبعضها تاريخي أو ملحمي كما قصائد ( ‪ )1870 – 180‬و‬
‫وجدانية كما في قصائد "نصيحة‬
‫ّ‬ ‫عاطفية‬
‫ّ‬ ‫"نيرون" و"السور الكبير في الصين"‪ ،‬وهناك موضوعات‬
‫لفتاة أهملت زينتها" وقصيدة "تبرئة" و "الحمامتان" و"غرام طفلين"‪ ،‬وهناك قصص اجتماعية من‬
‫مثل "الوردة والزنبقة" و "يوم البرميل"‪ ،‬باإلضافة إلى بعض القصص ذات المضمون الفلسفي كما‬
‫يان األوزان‬
‫الجدول اآلتي َب ُ‬
‫في قصائد "قضية بين القلب والعين" و "يوسف أفندي " وغيرها‪ ،‬وفي َ‬
‫التي نظمت عليها‪:‬‬

‫البحر‬ ‫اسم القصيدة‬ ‫البحر‬ ‫اسم القصيدة‬

‫الطويل‬ ‫الوردة والزنبقة‬ ‫الكامل‬ ‫‪1870 - 1806‬‬


‫الكامل‬ ‫فنجان قهوة‬ ‫الكامل‬ ‫المرأة الناظرة أو عين األم‬

‫‪‌‬هناك‌دراسة‌بعنوان‪‌"‌:‬خليل‌مطران‌وشعره‌القصصي‌"‌قدّمتها‌الباحثة‌نازك‌المارزي‌لنيل‌رسالة‌الماجستير‪‌،‬تناولت‌فيها‌مضامين‌‬
‫‌أن‌‬ ‫ّ‬
‫ة‌القصيرة‌المعروفة‌من‌شخصيات‌وأحداث‌وزمان‌ومكان‌‪‌...‬إلخ‪‌،‬إال ّ‬ ‫ص‬
‫القصص‌الشعرية‌عند‌خليل‌مطران‌واستيفاءه‌لعناصر‌الق ّ‬
‫ّى‌أسطرا‌متناثرة‌في‌ثنايا‌دراستها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‌يذكر‪‌،‬وكانت‌أشارت‌إليه‌إشارات‌عابرة‌ال‌تتعد‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫حظ‌إيقاع‌هذا‌الجنس‌الشعري‌فيها‌ال‌يكاد‬
‫ا‌ألغراضها‌غير‌‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َت‌القصص‌وفق‬
‫َ‬ ‫‪‌‬وردَ‌هذا‌الترتيب‌للقصائد‌في‌دراسة‌"‌خليل‌مطران‌وشعره‌القصصي‌"‪‌،‬إال‌أن‌الباحثة‌فيها‌صنف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مستقصية‌بحورها‌كما‌في‌هذه‌الدراسة‪‌،‬بالمكنةِ‌العودةِ‌إلى‪‌:‬جالل‌الدين‪‌،‬نازك‌المازري‪‌،‬خليل مطران وشعره القصصي ( رسالة‬
‫َ‬
‫ماجستير)‪‌،‬جامعة‌أم‌درمان‌اإلسالميّة‪‌1999‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌ .56‌–‌54‬‬

‫‪116‬‬
‫الًلحق‬ ‫الطفلة البويرية‬ ‫الكامل‬ ‫فاجعة في هزل‬
‫المتقارب‬ ‫فتاة الجبل األسود‬ ‫مجزوء‬ ‫قضية بين القلب والعين‬
‫الخفيف‬
‫الطويل‬ ‫الجنين الشهيد‬ ‫الخفيف‬ ‫يوسف أفندي‬
‫الكامل‬ ‫غرام طفلين‬ ‫نصيحة لحسناء أهملت زينتها الوافر‬
‫الوافر‬ ‫نابليون األول وجندي يموت‬ ‫الطويل‬ ‫زفاف أم جنازة‬
‫ممزوج‬ ‫نفحة الزهر‬ ‫المتقارب‬ ‫تبرئة‬
‫السريع‬ ‫حكاية عاشقين‬ ‫مجزوء‬ ‫لسحر‬
‫ًا‬ ‫إن من البيان‬
‫ّ‬
‫الكامل‬
‫السريع‬ ‫يوميات أدبية‬ ‫الكامل‬ ‫السور الكبير في الصين‬
‫ممزوج‬ ‫الطفًلن‬ ‫الكامل‬ ‫النرجسة‬
‫إلعانة طرابلس حين اعتدى البسيط‬ ‫البسيط‬ ‫شيخ أثينة‬
‫عليها الطليان‬
‫الوافر‬ ‫األمير في عكاظ‬ ‫المجتث‬ ‫الحمامتان‬
‫السريع‬ ‫فتاة جميلة بائسة‬ ‫مجزوء‬ ‫شهيد المروء وشهيدة الغرام‬
‫الرجز‬
‫الرمل‬ ‫نيرون‬ ‫مجزوء‬ ‫العصفور‬
‫الكامل‬
‫الكامل‬ ‫الكشاف‬ ‫الطويل‬ ‫وفاء‬
‫المديد‬ ‫تأبين الدكتور عيسى محمود‬ ‫الطويل‬ ‫العقاب‬
‫الكامل‬ ‫اللبن والدم‬ ‫الكامل‬ ‫مقتل بزرجمهر‬
‫الرجز‬ ‫يوم البرميل‬ ‫السريع‬ ‫الزهرة‬
‫الكامل‬ ‫بنت شيخ القبيلة‬ ‫المجتث‬ ‫صفقة خاسرة‬

‫عندهُ‬
‫البحر الكامل َ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫متنوعة لهذا القصص الشعري‪ّ ،‬إال ّ‬
‫بحور ّ‬
‫ًا‬ ‫طوع‬
‫أن خليل مطران قد ّ‬
‫يبدو ّ‬
‫اء الماضي من‬
‫لزم شعر ُ‬
‫لزوم الشاعر ما َ‬
‫وهو ما يعني َ‬‫ضمن اإلحصاء اآلنف‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫هو المسيطر‬
‫َ‬
‫أصبح "معبود‬
‫َ‬ ‫قال عنه إبراهيم أنيس إنه‬
‫النظ ِم عليه في موضوعات متعددة‪ ،‬حتّى َ‬ ‫ِ‬
‫استئثار ّ‬
‫‪1‬‬
‫متصد ًار في القديم والحديث‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حضوره قويًّا‬
‫ُ‬ ‫فكان‬
‫الشعراء" ‪َ ،‬‬

‫‪1‬‬
‫‌أنيس‪‌،‬إبراهيم‪‌،‬موسيقى الشعر‪‌،‬ص‌‪‌ .208‬‬

‫‪117‬‬
‫يعود إلى أسباب تتعّلق بالوزِن نفسه‬
‫أن استئثار النظ ِم على الكامل دو َن البحور األخرى ُ‬
‫ويبدو ّ‬

‫وأخرى بالشاعر أو البيئة من حوله‪ّ .‬‬


‫أما وزنه "فجزالة الكامل‪ ،‬وجهرة نبراته‪ ،‬وايقاعه الصاعد‬
‫ِ‬
‫استمالة الشعرِاء إليه"‪.1‬‬ ‫سببا في‬
‫كان ً‬
‫ذلك َ‬
‫كل َ‬ ‫وتنوعها‪ّ ،‬‬
‫الناتج من تًلحق حركاته‪ ،‬وكثرة أضربه ّ‬
‫تمكن التّراث الشعري من نفس الشاعر في صغره وحفظه ًا‬
‫كثير‬ ‫أن ّ‬ ‫أما من الناحية األخرى فيبدو ّ‬
‫وّ‬
‫المتصدر‬
‫ّ‬ ‫ظموا عليه –ومنه الكامل‬
‫ف ما ن َ‬
‫جعله يأَل ُ‬
‫من الموروث ودواوين الشعراء األقدمين‪ْ ،‬قد َ‬
‫َ‬
‫متقد ًما حتّى في الشعر القصصي‪.‬‬
‫وجعله عنده ّ‬
‫ورسخ‪َ ،‬‬
‫فتثب َت ذلك في ذهنه َ‬
‫‪ّ ،-‬‬

‫ِ‬
‫يستط ِع التخّلي‬ ‫فإنه في قصائده لم‬
‫ان دعوة إلى تجاوز الموروث‪ّ ،‬‬
‫إن بدا من مطر َ‬
‫هذا يعني أنه ْ‬
‫تش ّرَب ُه بسهولة‪ ،‬ويبدو ذلك من قصيدته "‪ "1870 - 1806‬و ْقد كتَبها في صباه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫عن اإللف الذي َ‬
‫تًلال من‬
‫استبقيته من منظومات كثيرة أقمت بها ً‬‫كل ما ْ‬
‫وهي ّ‬ ‫يقول عنها في تقديم قبلها‪" :‬‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫النظر عليها‬
‫جعلت أعيد ّ‬
‫ُ‬ ‫الض ِ‬
‫نين على كنوزه‪ .‬ثم‬ ‫حرص ّ‬
‫َ‬ ‫أحرص عليها‬
‫ُ‬ ‫ذاك‬
‫وكنت إذ َ‬
‫ُ‬ ‫طروس‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫‪2‬‬
‫أما عن عنوان القصيدة فالرقمان فيه"‬
‫تبق منها إال هذه " ‪ّ .‬‬
‫فأطرح منها صحيفة صحيفة حتى لم َ‬
‫ودخل برلين‪ ،‬والى‬
‫َ‬ ‫إشارة إلى السنة التي انتصر فيها نابليون األول على األلمان في معركة يانا‬

‫السنة التي انتصر فيها األلمان على نابليون وولجوا فيها باريس" ‪ُ ،‬‬
‫‪3‬‬
‫يقول فيها‪:‬‬

‫م َش ِت اْل ِجبال ِب ِهم وسال اْلوادي ‪ ...‬ومضوا ِمهادا ِسرَن فوق ِم ِ‬


‫هاد‬ ‫َ‬ ‫ً ْ‬ ‫ََ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ‬

‫الفناء الحادي‬
‫َ‬ ‫ولكن‬
‫كأن ُهم ‪ ...‬عيس ّ‬
‫عين ّ‬
‫متطو َ‬
‫ّ‬ ‫ُي ْحدى ب ِه ْم‬

‫كل فؤ ِاد‬ ‫ِ‬


‫وظل َيروعُ ّ‬
‫قاد َم َع ْهُدهُ ‪ ...‬فيها ّ‬
‫هلل َي ْوم َق ْد تَ َ‬
‫ِ‪4‬‬ ‫ِ‬ ‫ف ِلذ ِِ‬
‫َيوم تَ ِج ُّ‬
‫كل َجماد‬ ‫ويجري ُ‬
‫قلب ّ‬ ‫أنهارها ‪َ ...‬خ ْوًفا َ‬
‫كره ُ‬

‫ض معجمه اللغوي وأساليبه مما هو من‬ ‫بع ِ‬ ‫ِ‬


‫أن ْنزَع َة التّقليد بادية فيها لغويًّا وايقاعيًّا‪ ،‬ففي ْ‬
‫ويبدو ّ‬
‫َ‬
‫الشعراء‬
‫وهي عادةُ ّ‬ ‫ص ّرع‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الم َ‬
‫القديم‪ ،‬كما ( ُيحدى‪ ،‬عيس‪ ،‬الحدى )‪ ،‬إضاَف ًة إلى ابتدائه بالمطَل ِع ُ‬
‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫يصف فيها الشاعر مجريات وقائعها‬ ‫سردية‪،‬‬ ‫يخية‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫أن هذه القصيدة تار ّ‬ ‫ظ ّ‬ ‫قديما‪ .‬والمًلح ُ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫مضف ًيا سمات الشاعرية عليها من خًلل الصور والتشبيهات كما في‬ ‫شخصياتها‪،‬‬ ‫وكذلك‬
‫مكثّف َ‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫‌لوحيشي‪‌،‬ناصر‪‌،‬أوزان الشّعر العربي بينَ المعيار النظري والواقع الشعري‪ :‬الشعر الجزائري في معجم " البابطين " أنموذ ًجا‬
‫تطبيقيًّا‪‌،‬ص‌‪.187‬‬
‫‪2‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪.16‬‬
‫‪3‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫صوت الشاعر ًّ‬
‫ممتدا من البداية‬ ‫وت ّإال َ‬
‫ص َ‬‫قصيدته من الحوار فًل َ‬
‫َ‬ ‫البيتين األول والثاني‪ ،‬وتخلو‬
‫اصًفا‬ ‫ِ‬
‫األبيات كلها على النحو ذاته‪ ،‬يقول في أبيات و ِ‬ ‫بقي َة‬
‫الوصف ّ‬
‫يستمر في َ‬
‫ّ‬ ‫ثم‬
‫حتّى النهاية‪ّ ،‬‬
‫"نابليون"‪:‬‬

‫الزعام ِة ِ‬ ‫ِِ‬
‫باد‬ ‫كأن نابليو َن في إشرافه ‪َ ...‬عَلم على َعَل ِم ّ َ‬
‫َو َّ‬

‫قاد‬ ‫إشارة بيمينه ‪ ...‬والنصر بين يد ِ‬


‫يه كالمن ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُْ‬ ‫ّ ُ َ ََ‬ ‫اْل َم ْجُد َرْه ُن َ‬
‫صوص من أج ِ‬ ‫ِ‬ ‫فتهيأ األلمان ِ ِ‬
‫ساد‬ ‫ِ ْ ْ‬ ‫الم ْر‬
‫الستقباله ‪...‬كالحائط َ‬
‫ُ ْ‬ ‫َ ّ‬

‫ض ِج ِ‬
‫ياد‬ ‫ورْك ِ‬ ‫وعًل هتاف مازجته غماغم ‪ ...‬من س ِل ِ ٍ‬
‫أسل َحة َ‬
‫َّ ْ‬ ‫ََ ُ‬ ‫ََ ُ‬
‫ِ‪1‬‬ ‫ِ‬
‫جاوبات الع ْز ِ‬ ‫ٍ‬
‫ف باإلبعاد‬ ‫َ‬ ‫ظنُّها ‪ُ ...‬متَ‬
‫كاد تَ ُ‬
‫َوَرنين آالت تَ ُ‬

‫مكرر كلمة "علم"‬


‫ًا‬ ‫تجاوز في شموخه األعًلم األخر‪،‬‬ ‫كأنه عَلم‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫أمام جيشه ّ‬
‫ف نابليو َ َ‬ ‫فهو َيص ُ‬
‫ظهور من اآلخر وان كانا‬
‫ًا‬ ‫أشد‬
‫مضفيا داللة متزامنة مع اإليقاع الناشئ منها‪ ،‬فالعلم األول ّ‬
‫ً‬
‫شخصهما –‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫مرتدين ٍ‬
‫النصر له؛ إذ ّ‬ ‫كل من المجد و ّ‬ ‫ف استسًلم ّ‬
‫ثم يص ُ‬ ‫معجمي واحد‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫لبناء‬ ‫ّ‬
‫وكل رهن إشارته‪ ،‬ثم يصف من‬
‫يأتم ألمره ٌّ‬ ‫ِ‬
‫جنود نابليون ٌّ‬
‫كل منهما ّ‬ ‫جنودا من‬
‫ً‬ ‫الشاعر– فجعلهما‬
‫تعزف نغما َّ‬
‫موق ًعا‪.‬‬ ‫بعد ذلك استقبال جيشه له بالهتافات وآالت الحرب إذ‬
‫ُ ً‬
‫ِ‬
‫يمسك‬
‫ُ‬ ‫ّإنه يكرر أحرف العطف في إقرٍار منه على تماسك وحدة ّ‬
‫نصه؛ فاألحداث متتالية متعاقبة‬
‫ص الحدث‪ ،‬يتَضح ذلك من ابتدائه أبياته‬ ‫بعضا‪ ،‬وهو ما يًلئم أسلوبه السردي في َق ّ‬
‫بعضها ً‬
‫ُ‬
‫حرص ُه على‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫وكأن‪ /‬فتهيَّأ‪ /‬وعًل‪ /‬ورنين)‪ ،‬هذا يعني‬ ‫الشعرّية بأحرف العطف كما اآلتي‪( :‬‬
‫اللغوية ما يجعلها كتلة واحدة على خًلف‬
‫ّ‬ ‫فهيأ من التقنيات‬
‫وعية القصيدة ووحدتها‪ّ ،‬‬‫موض ّ‬
‫القص ِة الشعرّية هو ما جعله‬
‫ولعل موضوع ّ‬
‫ّ‬ ‫استقًللية البيت الواحد كما في األشعار القديمة‪،‬‬
‫يعتمد ذلك‪.‬‬

‫ويظهر األسلوب السردي كذلك‪ ،‬المتّكئ على الوصف في الدرجة األولى‪ ،‬في قصيدة "المرآة‬
‫ظ ُر‬ ‫ِ‬
‫حديقة الجيزة فتاةً صغيرة تن ُ‬ ‫الناظرة أو عين األم"‪ ،‬وقد نظمها على ِ‬
‫إثر رؤيته أثناء جلوسه في‬
‫شعرها‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫في عيني أمها وتصلح َ‬
‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪.16‬‬

‫‪119‬‬
‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫معاهد ح ِ‬
‫كمها‬ ‫ليك ٍة طاَف ْت‬
‫كم َ‬ ‫أصيًل ّ ِ‬
‫بالرياض تطوُفها ‪َ ...‬‬ ‫ً‬ ‫عاج ْت‬
‫َ‬

‫باس ِمها‬
‫ط ُب ْ‬
‫تخ ُ‬
‫األطيار ْ‬
‫ُ‬ ‫مال فأنشأ ْت ‪ ...‬في ْأي ِكها‬
‫الج ُ‬
‫أم َرها َ‬
‫ناء َّ‬
‫َح ْس ُ‬
‫ِ‬
‫كمها‬
‫ورَد ًة في ّ‬
‫حيا ْ‬
‫الم ّ‬
‫جيدها ‪َ ...‬ف َحكى ُ‬
‫دسي َ‬
‫سترت بأخضر سن ٍ‬
‫َ ََ ْ ْ َ َ ُ ْ ّ‬
‫‪1‬‬
‫جس ِمها؟‬ ‫ص ِن ْ‬
‫نضرةُ ْ‬ ‫للغ ْ‬
‫وه ْل ُ‬
‫صًنا َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫مايَل ْت في ثَوب َخ ٍّز مورِق ‪ُ ...‬غ ْ‬
‫َوتَ َ‬

‫وصف زّيها األخضر‬ ‫ثم‬ ‫ِ‬


‫َ‬ ‫فج َعل منها ملكة‪ّ ،‬‬
‫كان ْت عليها هذه الفتاة الصغيرة َ‬
‫ف الهيئة التي َ‬
‫ّإنه َيص ُ‬
‫من َحوِلها‬ ‫ط ِ‬ ‫ِ‬
‫بيعة ْ‬
‫مع جمال ال ّ َ‬
‫شبيه الحرير وكذلك مبسمها الوردي‪ ،‬حتّى إنها تماهت في جمالها َ‬
‫إيقاعا‬
‫ً‬ ‫النغم االستفهامي‬
‫ُ‬ ‫الغصن األخضر نضارتها‪ ،‬فأنشأ‬
‫ُ‬ ‫وتفوقت عليها‪ ،‬إ ْذ يستبعد أن يمتلِك‬
‫ّ‬
‫كما من حروف‬ ‫يحشد ًّ‬
‫ُ‬ ‫األمر نفسه في تتابع األوصاف‪،‬‬
‫داخليا إضافة إلى الداللة المرافقة له‪ .‬و ُ‬
‫ًّ‬
‫ًّ‬
‫ممتدا لغويًّا‬ ‫يجعل المعنى‬ ‫العطف التي يفتح بواسطتها أبيات ِ ِ‬
‫نصه بعضها على بعض ما َ‬
‫َ ّ‬ ‫َُ‬
‫ٍ‬
‫بتماسك واضح‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫بأخِذ ُذيولِها َوبَِل ْث ِمها‬


‫من َزْه َرٍة ‪َ ...‬ه ّم ْت ْ‬
‫فإذا َد َن ْت في َس ْي ِرها ْ‬

‫ِ‬
‫لضمها‬ ‫أو جاورت َفرعا رطيبا ِلينا ‪ ...‬أْلوى ِب ِمع َ ِ ِ‬
‫ومال ّ‬
‫ط فه َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َ ْ ْ ً َ ً ًّ‬
‫‪2‬‬ ‫ف أبصار بها في ِخزنها ‪ِ ...‬بح ِ‬
‫يائها َوَي ُش ْك َنها في َو ْه ِمها‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وتَ ُح ُّ ْ‬

‫وذاك للمعنى االختياري الذي يحيله حرف العطف "أو"‪،‬‬


‫َ‬ ‫يتم دون البيت ّ‬
‫األول‬ ‫فالبيت الثاني ال ّ‬
‫ُ‬
‫جاء "المعطوف" في الشطر األول من‬ ‫ِ‬
‫استقر نهاي َة البيت الثاني‪ ،‬في حين َ‬
‫ّ‬ ‫أل ّن "المعطوف عليه"‬
‫البيت الثاني‪ ،‬باإلضافة إلى "الفاء" التي تحيل إلى تعاقب الحدث على ِ‬
‫إثر حدث من قبله‪ ،‬واألمر‬
‫يستمر في السرد‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ثم‬
‫وتحف"‪ّ ،‬‬
‫نفسه في البيت األخير من األبيات السابقة " ّ‬
‫‪3‬‬
‫كلتاهما َجَل َس ْت تقاِب ُل َرْس َمها‬
‫ُ‬ ‫وكأنما ‪...‬‬ ‫َجَل َس ْت تُقاِب ُل أ َّ‬
‫ُمها ّ‬

‫ثم إنه يكرر الفعل "جلست" في سبيل تعزيز‬ ‫ِ‬


‫غدتا واحدة‪ّ ،‬‬
‫بين الفتاة واألم حتّى َ‬
‫ّإنه يماهي ما َ‬
‫األول هو‬
‫كان فاعل الفعل ّ‬
‫اإليقاع الداخلي‪ ،‬وكذلك إضفاء داللة تحيل إلى االتّحاد بينهما‪ ،‬فإن َ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪‌ .21‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪‌ .‬‬
‫‪3‬‬
‫‌المصدر‌السابق‌نفسه‪‌ .‬‬

‫‪120‬‬
‫يجم ُع بينهما االثنتين كما أشار إلى ذلك لفظ‬ ‫ِ‬ ‫الفتاة فقد أضحى فاعله من ِ‬
‫بعد ذلك واحًدا َ‬
‫ْ‬
‫"كلتاهما"‪.‬‬

‫ين فيها ووصفها‬ ‫أما في قصيدته " الجنين الشهيد " فهي قصة شهد الشاعر وقائعها ووقائع العاشَق ِ‬ ‫ّ‬
‫حول فتاة فًلحة فقيرة‬
‫عر على الطويل‪ ،‬وتدور أحداثها َ‬ ‫ظ َمها ِش ًا‬
‫بالحقيقية لتكو َن تذكرة وعبرة‪ ،‬ن َ‬
‫مصر وأقامت فيها غريب ًة عن ديارها‪ ،‬وكانت فائقة الجمال‪ ،‬ما جعَلها عرض ًة للفتن‪ ،‬يقول‪:‬‬‫َ‬ ‫نزلت‬

‫مال ال يقاس إلى ِ‬


‫ضج ٍ‬ ‫أتَ ْت مصر تستعصي بأعيِنها ّ ِ‬
‫مثل‬ ‫ُ ُ‬ ‫النجل ‪َ ...‬و َع ْر ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫ناضب َق ْح ِل‬
‫ٍ‬ ‫الذل ‪ ...‬جَلت ِطْفَل ًة عن م ِ‬
‫وط ٍن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫غر َيب ُة هذي الد ِار بادي ُة ّ‬

‫الن ِ‬ ‫ِ‬
‫خل‬ ‫يل باسَق َة ّ‬ ‫يث يروي ّ‬
‫الن ُ‬ ‫إلى َح ُ‬

‫وه ِّمها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫أمها ‪ ...‬سوى َ‬
‫ض ْعفها البادي عليها َ‬ ‫ثدي ّ‬
‫ًلحية ما َد َّرها ُ‬
‫َف ّ‬

‫من أهلِها َغ ْي َر ُي ْت ِمها‬


‫أح َرَز ْت ْ‬
‫وَلم تتناول من أبيها ِسوى ِ‬
‫اسمها ‪ ...‬وما ْ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ َْ ْ‬
‫ِ‪1‬‬ ‫أشقى اليتامى ِ‬
‫فاقُد ِّ‬
‫البر في األهل‬ ‫وْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫لوحات تعتمد خمس َة‬ ‫سردية في هيئة‬ ‫ويقدم دفقات‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫المخمسات‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫قصته الشعرّية أسلوب‬
‫ّإنه يتّب ُع في ّ‬
‫يتبع قافية واحدة في‬ ‫ٍ‬
‫أشطر شعرّية‪ ،‬تتفق فيها كل لوحة بقافية موحدة ما عدا الشطر األخير الذي َ‬
‫القصة‬
‫شمولية واحدة‪ ،‬ويجعل ّ‬
‫ّ‬ ‫للقصة كّلها إ ْذ يردها إلى فكرة‬
‫وه َو الخيط الناظم ّ‬
‫جميع اللوحات‪ُ ،‬‬
‫الشعرّية ذات َوحدة واحدة متماسكة وان بدت ذات ِبنى ّ‬
‫متفرقة‪.‬‬

‫أدق‪ ،‬فلجأ إلى ما يمكن أن يزيده حرية‬ ‫ٍ‬


‫بشكل ّ‬ ‫تنوع القوافي َيْفتح أفق الشاعر على التعبير‬
‫إن ّ‬ ‫ثم ّ‬
‫َّ‬
‫طردة في األشطر ألفكاره‪ ،‬فًل تحجر عليه القول بكلمات‬ ‫متجاوز ُحبس َة األوز ِ‬
‫ان الم ّ‬ ‫ًا‬ ‫في الكتابة‪،‬‬
‫هو تكرار صيغة‬ ‫النص َ‬ ‫ّ‬ ‫مًلئما لقصته الشعرية‪ ،‬ومما يزيد إيقاعية‬ ‫ً‬ ‫الشكل‬
‫ُ‬ ‫فكان هذا‬
‫محدودة‪َ ،‬‬
‫االستثناء وان تعددت في بنيتها وأدواتها المستعملة‪ّ ،‬إال ّأنها تضفي َز َخ ًما إيقاعيًّا بنائيًّا ومعنويًّا‪،‬‬
‫متمثّ ًًل في‪:‬‬

‫أمها سوى ضعفها‬


‫ثدي ّ‬
‫درها ُ‬
‫ما ّ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪‌ .223‬‬

‫‪121‬‬
‫اس ِمها‬ ‫ِ‬
‫من أبيها سوى ْ‬
‫تتناو ْل ْ‬
‫ْلم َ‬

‫غير ُي ْت ِمها‬ ‫ِ‬


‫أح َرزت من أهلها َ‬
‫وما ْ‬
‫الحياة الكر ِ‬
‫ِ‬
‫يمة‬ ‫الفتاة ْقد ُج ّرَدت من مبدأ‬
‫َ‬ ‫كل ذلك إصرار من الشاعر والحاح على فك ِرة ّ‬
‫أن‬ ‫وفي ّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫حصار لخياراتها‬
‫ًا‬ ‫يجسد‬
‫وي ْتم رغم وجود والديها‪ ،‬وكل ذلك ّ‬ ‫وضعف ُ‬ ‫يبق في عهدتها سوى َفْق ٍر َ‬
‫ولم َ‬
‫ْ‬
‫الخيارات التي جعلتها‬ ‫ِ‬
‫بعد نفاد َ‬
‫أن ترضخ َ‬ ‫ليس في يدها إال ْ‬
‫أن َ‬ ‫غامها على القبول بالواقع‪ ،‬و ْ‬
‫وار َ‬
‫ِ‬
‫لكسب قوتهم‪ ،‬إذ أُجبرت على العمل في الحانات‪،‬‬ ‫حبيسة ما يطلبه منها أهلها‪ ،‬فقد كانت وسيلتهم‬

‫فقاومت ذلك بداي ًة‪ ،‬إال ّأنها رضخت ثم انجرفت إلى هذا التيار المجنون‪ ،‬واتخذ لها والدها ً‬
‫اسما‬
‫وكيف تُراود الفتاة عن‬
‫َ‬ ‫يصور مطران من بعد ذلك ما يجري في الحانات‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ثم‬
‫مستعار "ليلى"‪ّ ،‬‬
‫ًا‬
‫لينال منها مرتادو الحانة‪ ،‬وكيف كانت تقاوم ذلك‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫نفسها َ‬

‫غي ار‬ ‫دعاها بليلى والِداها لِتُْن َك ار ‪ ...‬وهل كان صونا ِ‬


‫أن ُي ّ‬
‫السمها ْ‬
‫َْ َ َ ً ْ‬ ‫َ‬

‫ط ار‬
‫مال ُمَق ّ‬ ‫مثاال مصو ار ‪ ...‬تَصور من ِ‬
‫ماء الج ِ‬ ‫كانت ً‬
‫َ‬ ‫َ َّ ْ‬ ‫ّ‬ ‫على ّأنها ْ‬

‫المنى وِب ِه ُحّلي‬


‫َف َح ًّلهُ ما تَ ْهوى ُ‬
‫كل ساِب ٍل ‪َ ...‬ف ْينَفحها من مالِ ِه غير ِ‬
‫باخ ِل‬ ‫بمرأى ُح ْسِنها ُّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُي َس ُّر َ‬
‫سائ ِل ‪ ...‬يرُّد يدي ِه ال يفوز ِ‬
‫بنائ ِل‬ ‫من ِشّد ِة ِ‬
‫الفقر ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َُ َ ْ‬ ‫وك ْم ُمدق ٍع ْ‬
‫َ‬
‫ِ‪1‬‬
‫ِ‬
‫لإلنسان ّإال على َد ْخل‬ ‫جود‬
‫وال َ‬

‫ِ‬
‫مسار الّنظم‬ ‫طر أخير منها إلى‬ ‫كل َش ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫أشطر لنْقل الحدث بصوَرته الفتًا في ّ‬ ‫كل خمسة‬‫ف ّ‬‫ّإنه يكثّ ُ‬
‫إيقاعية متمثلة بالتنغيم المستقر‬
‫ّ‬ ‫بعض جماليات‬
‫رد َ‬ ‫وتشابك الموضوع ببعضه‪ ،‬ثم يضفي على الس ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن ُي َغّي ار!"‪ ،‬وكذلك بالمشاكلة‬ ‫ِ‬
‫السمها ْ‬
‫ونا ْ‬
‫صً‬‫كان َ‬
‫المستنكر فعل َة والديها بقوله " َو َه ْل َ‬
‫في االستفهام ُ‬
‫ونال‬
‫فتقر َب منها َ‬
‫أن جاء ذلك الفتى الوسيم واسمه "جميل"‪ّ ،‬‬ ‫و"تصوَر" إلى ْ‬
‫ّ‬ ‫مصورا"‬
‫االشتقاقية في " ّ‬
‫نال منها ما‬
‫ثم إنه َ‬‫ودها‪ ،‬وأوهمها أنه فتى أحًلمها وأنه سينقذها مما هي فيه‪ ،‬ووعدها بالزواج‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫لكن‬
‫ثم إنها انتظرته على أمل أن يعود ّ‬
‫وتركها في آالمها وفي أحشائها طفل ثم الذ بالفرار‪َ ،‬‬
‫أراد َ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪‌ .225‬‬

‫‪122‬‬
‫السم ومات‬
‫فجرعته ّ‬ ‫ظنونها خابت‪ ،‬فلم تجد ًّبدا سوى التخلص من جنينها الذي ظهر إلى الحياة‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫فقير دون أب‪ .‬يقول في أبيات ي ُ‬
‫صف فيها حو َار األم مع ابنها الذي قتلته‪:‬‬ ‫كي ال يعيش ًا‬

‫أمي ُم ْح ِسنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫السنا ‪ ...‬فُق ْل رِّب َي اغف ْر َ‬
‫ذنب ّ‬ ‫وج َه هللا في عاَل ِم ّ‬
‫فإن َتْل َق ْ‬
‫ْ‬

‫فعاق ْب ُه بتَ ْعذيِب ِه َلنا‬


‫شيئا ولكن أبي جنى ‪ ...‬عَلينا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َفما ا ْقتَ َرَف ْت ً‬

‫نار تبت ِ‬
‫ليه وال تُبلي‬ ‫أم ِط ْرهُ ًا ْ َ‬
‫وْ‬

‫أبوك ِب ُم ْذِن ِب‬ ‫َكَفرت بحبي في ْ ِ ِ‬


‫يابني ما َ‬
‫فو َك ْ‬
‫اشتداد تَ َغضبي ‪َ ...‬ف َع َ‬ ‫ْ ُ ُّ‬

‫أمي َزَن ْت حتّى َج َن ْت ما َج َن ْت ُه بي‬ ‫فقل‪ِ :‬‬


‫تني ال أبي ‪ ...‬و ّ‬ ‫رب أمي أهلك‬
‫َُ ْ ّ ّ َْ َ َ‬

‫تل باْلَق ْت ِل‬


‫اج ِزها الَق َ‬
‫شقاء و ْ‬ ‫ِ‬
‫َفزْدها ً‬

‫نين ِب ُس ّمها‬ ‫مشهد ُ ِ‬ ‫رأت ُشهب ال ّ ِ‬


‫منها اْل َج َ‬
‫ط ْت ْ‬
‫أسَق َ‬
‫ظْلمها ‪َ ...‬وَق ْد ْ‬ ‫ظلماء ْ َ َ‬ ‫َ ْ ُُ‬

‫من د ِم إ ْث ِمها‬ ‫الش ِ‬ ‫ط ِمها ‪ ...‬وأ ْ‬ ‫َفَلم تتساقط مغض ٍ‬


‫بات لِ َح ْ‬
‫مس ْ‬ ‫نور ّ‬
‫رب ُ‬
‫ُش َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ‬
‫‪1‬‬
‫ماء َوَي ْستَ ْحلي‬ ‫الضاري ّ‬
‫الد َ‬ ‫كما َيَل ُغ ّ‬

‫تزوج‬ ‫ِ‬
‫أديبا عاق ًًل قد ّ‬
‫أن فتًى ً‬‫الحق الظاهر" ومضمونها ّ‬
‫طاهر و ّ‬‫طفل ال ّ‬
‫واألمر ذاته في قصيدة "ال ّ‬
‫فشق ذلك على رئيس‬ ‫اجا شرعيًّا على المذهب المسيحي وهو خًلف المذهب الذي ينتمي إَليه‪ّ ،‬‬
‫زو ً‬
‫ينسب إلى ِ‬
‫عقد الزوا ِج‬ ‫المذهب‪ ،‬فأراد االنتقام منه‪ ،‬وبحث عن وسائل لذلك فاهتدى إلى أن ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫نقصا‪ ،‬وشرع يقلق الحكومة ويستثير الجمهور لًلنتفاض عليه؛ ما دعا الشاعر إلى االستشفاع‬
‫ً‬
‫ف بًلء ِ‬
‫عن الفتى‪ ،‬واستسمحه لوجود جنين‬ ‫ليك ّ‬
‫للرئيس بمراحم الدين الحقيقي الذي علمه المسيح ُ‬
‫ً‬
‫ثم نصر هللا‬ ‫ِ‬
‫إن أُق َّر بطًلن الزواج‪ ،‬فأصر الرئيس على موقفه‪ّ ،‬‬
‫سيلح ُق به العار الخالد ْ‬
‫َ‬ ‫بريء‬
‫غًلما في غاية الجمال‪ ،‬فنظم الشاعر هذه القصيدة‬
‫ً‬ ‫بعدله الفتى وأُثبتت صحة العقد‪ ،‬ورزق الفتى‬
‫يهنئه ويشير إلى قصته‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫ّ‬

‫ِ‬
‫األطيار‬ ‫لك يا وليد تَحي ُة األحرِار ‪َ ...‬كتَحي ِة الجن ِ‬
‫ات و‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ ُ ّ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪‌ .244‬‬

‫‪123‬‬
‫األس ِ‬
‫حار‬ ‫تُ ْهدى إلى َس َح ٍر َ‬
‫من ْ‬

‫بيع ُم َدّب ُج‬ ‫أقبْل َت‪ ،‬و ْجه َك بال ّ ِ‬


‫طْلق والر ُ‬
‫الوْق ُت َ‬
‫طهارة ْأبَل ُج ‪ ...‬و َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫يول ُنض ِار‬ ‫ِ‬
‫الش ْم ُس ساك َبة ُس َ‬
‫و ّ‬

‫ِ‬
‫مختلفة القوافي ّإال في أشطرها‬ ‫ٍ‬
‫لوحات شطرّية‬ ‫القصة في هيئة‬
‫يسرد ّ‬‫فإنه ُ‬‫بًل‪ّ ،‬‬‫األمر ذاتُ ُه كما َق ً‬
‫و ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مضفًيا‬ ‫التحية في موضع التشبيه‬‫ّ‬ ‫المقدمة بتكرار‬
‫مدب ًجا ّ‬‫وصفا للطفل الوليد‪ِّ ،‬‬
‫ً‬ ‫األخيرة‪ ،‬ويبتدئ هنا‬
‫ِ‬
‫بإثبات‬ ‫الجنة وبالحرية التي نالها‬ ‫ِ‬
‫التحية ممزوجة بقداسة ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن‬
‫مشير إلى ّ‬
‫ًا‬ ‫امنا مع الداللة‪،‬‬
‫إيقا ًعا متز ً‬
‫ملصًقا التحية األخرى باألطيار في إشارة إلى الحرية التي تشي بها في طيرانها‪،‬‬ ‫صحة العقد‪ِ ،‬‬
‫ّ‬
‫وكذلك في كث ٍ‬
‫يشير‬
‫ثم ُ‬ ‫القصة ذات النازع النثر ّي‪ّ .‬‬
‫ير من الصور التشبيهية المضفية شاعرّية على ّ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫مناوشات على بطًلن زواج أمه بأبيه‪:‬‬ ‫حقاق الحق‪ ،‬من ِ‬
‫بعد‬ ‫إلى قد ِرة هللا في تدبير أمر الصبي وا ِ‬

‫أمر ُقِّد ار‬


‫ألي ٍ‬ ‫أتيح وما درى ‪ُ ...‬‬
‫أحد األنا ِم ِّ‬ ‫لكن ُو ْلد َت كما َ‬
‫ْ‬

‫ِ‬
‫األعصار‬ ‫أُعددت من ُذ بدا ِ‬
‫ءة‬ ‫ْ َ‬

‫آخر في القو ِم أم عن ّأو ِل؟‬


‫فيك؟ أتنجلي ‪ ...‬عن ٍ‬ ‫ِ‬
‫الرحمن َ‬ ‫حكم ُة‬
‫ما َ‬
‫عن محج ٍم أم ِ‬
‫مقد ٍم مغو ِار؟‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬

‫طفل مغارٍة‬
‫كان َ‬
‫يوما‪ " ،‬فعيسى " َ‬ ‫ٍ‬
‫وت إلى مقا ِم إمارة ‪ً ...‬‬
‫َفَلئن َس َم َ‬
‫‪2‬‬
‫ِ‬
‫األبقار‬ ‫من‬ ‫ٍ‬
‫ضيع رائمة َ‬
‫ور َ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫حكمة هللا في قدره‪،‬‬ ‫مستعجبا من‬
‫ً‬ ‫تفهاما‬
‫اس ً‬ ‫ولكس ِر رتابتها فإ ّنه ينشئُ ْ‬
‫ْ‬ ‫بالسردية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مر‬
‫مستَ ًّا‬
‫ال ْ‬
‫ما ز َ‬
‫اسِتحضار‬ ‫ِ‬
‫ممتدا ذلك النغم حتى نهاية األشطر الثًلثة في الدور الثاني‪ ،‬وكذلك من خًلل ْ‬
‫فالطفل "عيسى" الذي استنكره قومه غدا‬
‫ُ‬ ‫بنية فكرّي ٍة عميقة‪،‬‬
‫حاال بحال في ٍ‬ ‫دينية مقاِب ًًل ً‬ ‫ٍ‬
‫شخصيات ّ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪‌ .261‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .262‬‬

‫‪124‬‬
‫بانيا‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إيقاعية متكاملة ً‬
‫ّ‬ ‫صور‬ ‫الفلسفية في‬
‫ّ‬ ‫األفكار‬ ‫بعض‬
‫َ‬ ‫مضفًيا‬ ‫ويمتد هكذا‬
‫ّ‬ ‫نبيًّا من بعد ذلك‪،‬‬
‫ضا‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫فضاء تعتمد مكوناته على ِ‬
‫بعضها َب ْع ً‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬

‫من َزرِعها‬ ‫ِ‬


‫أم ُه ْ‬
‫األرض تغذو َّ‬
‫األم تغذو طفلها من ضرعها ‪ ...‬و ُ‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬ ‫والكو ُن عيَل ُة راز ٍ‬
‫ِق غّف ِار‬ ‫َْ‬

‫ِ‬
‫الحياة على هذه األرض واستمرارها في هيئة تعاقبية تكاملية –‬ ‫متناغما لدورِة‬ ‫معنى‬
‫ً‬ ‫إنه يصور ً‬
‫طفل واألرض تغذي األم‪ ،‬وهللا يرزق هذا الكون‪ ،‬بما ِ‬
‫فيه األرض واألم‬ ‫إيقاعية‪ ،-‬فاألم تغذي ال ّ‬
‫ُ‬
‫فعل "تغذو" في إشارٍة إلى اعتماد اآلخر على من‬ ‫والطفل‪ ،‬ويصور ذلك في ٍ‬
‫مكرر َ‬
‫ًا‬ ‫تقابلية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫هيئة‬ ‫ّ‬
‫وممنوحا ما خًل هللا الذي يعتمد عليه الجميع في ذلك‪.‬‬ ‫نحا‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫وكل واحد يعد ما ً‬
‫قبله بهذا الفعل‪ّ ،‬‬

‫تنوع قوافيها‪ ،‬ما‬


‫لوب المزدو ِج في ّ‬
‫أس َ‬‫فإنه يتب ُع فيها ْ‬
‫شهيد المروءة وشهيدة الغرام" ّ‬
‫أما في قصيدة " ُ‬
‫من سابقاتها‪ ،‬وقد نظمها على مجزوء الرجز‪ ،‬وهو مما تتوافق كثير من‬ ‫يقربها من النثرّية أكثر ْ‬
‫تفعيًلته مع النثر‪ ،‬يقول فيها‪:‬‬

‫ِ‬
‫فاس َمحي‬
‫إن تُْفسحي ‪ ...‬لي بالكًل ِم ْ‬ ‫ِّ‬
‫سي َدتي ْ‬

‫الغرِاء‬ ‫ِ‬
‫نشرتَك ّ‬
‫ِ‬
‫ص على ُق ّراء ‪َ ...‬‬
‫ص ْ‬
‫أ ْق ُ‬

‫عر ‪ّ ...‬أيهما ال ْأدري‬ ‫ثر أو ِّ‬


‫بالش ِ‬ ‫بالن ِ‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬ ‫ِ‬
‫حادث ًة غريبه ‪ ...‬ما هي بالمكذوبه‬
‫َ‬

‫نثر ْأم‬
‫القصة ًا‬ ‫ِ‬
‫يحتار في سرد ّ‬
‫ُ‬ ‫كل بيت‪ ،‬حتّى ّإنه في البيت الثالث‬
‫يعا في ّ‬ ‫صير سر ً‬
‫يبدو اإليقاعُ َق ًا‬
‫لونين أدبيين بصراحة في هذه القصيدة‪،‬‬‫ِ‬ ‫بين‬
‫بينهما ويماهي َ‬‫شعرا‪ ،‬في إقرٍار منه ّأنه ُيمازُج َ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫األبيات‬ ‫جميع‬ ‫فتلونت القوافي ونظمت موافق ًة للنثر‪ ،‬واستقام الوزن على بح ٍر تتساوى ِ‬
‫فيه‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫بقافية شطريه إال أنه ِ‬
‫يص ُل بينها في المعنى ويربطها‬ ‫المنظومة‪ ،‬وان بدا فيها استقًلل كل ٍ‬
‫بيت‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫البيت قبلهما‪ ،‬ما يعني‬ ‫لغويًّا‪ ،‬فقد عّل َق الجار والمجرور "بالنثر أو بالشعر" بالفعل "أقصص" في‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌ .264‌،1‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .83‬‬

‫‪125‬‬
‫النص في أجزائه في سبيل تحقيق الوحدة العضوية والموضوعية في‬
‫ّ‬ ‫توحد‬
‫ّأنه ينشئ وشائج ّ‬
‫نصه‪ ،‬واألمر ذاته يتّبعه في قصيدة "فنجان قهوة"‪.1‬‬
‫ّ‬

‫بحر إلى آخر في القصيدة الواحدة فقد ظهر هذا عنده في قصيدتي‬ ‫ِ‬
‫صعيد التنقل من ٍ‬ ‫أما على‬
‫ّ‬
‫الزهر" و "طفًلن" واألولى أنشدها في حفل زفاف السيدة المهذبة الفاضلة أديل إلى حضرة‬
‫"نفحة ّ‬
‫الوجيه يوسف طعمه‪ ،‬يقول بدايتها‪:‬‬

‫البهاء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫المليكة في األزاه ْر ‪ ...‬ذات الجًللة و ْ‬
‫َ‬ ‫باس ِم‬
‫ْ‬

‫عاء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الد ْ‬
‫بيان شاع ْر ‪ ...‬أذكى التهاني و ّ‬
‫ُي ْهدي إليك ُ‬

‫تجديها ِف َك ار‬
‫انظريها تَ ِجديها َزَه ار ‪ ...‬وا ْقرئيها ِ‬
‫َ‬
‫‪2‬‬
‫ص َو ار‬ ‫ِ‬ ‫أشباه المنى في ُل ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫فجاء ْت ُ‬
‫طفها ‪ ...‬لب َس ْت ُح ْسًنا َ‬ ‫تْل َك ْ ُ ُ‬
‫ِ‬
‫مغاير‬
‫ًا‬ ‫األوَل ْين وزًنا‬
‫مختار للبيتين ّ‬
‫ًا‬ ‫يبدأُ أبياته األولى بمجزوء الكامل المرّفل ذي القافية ّ‬
‫المقيدة‪،‬‬ ‫ّإنه َ‬
‫نهاية‬
‫المبدوء فيها وكذلك فعل في َ‬‫ِ‬ ‫تحي ِة فقط‬
‫قص َرهما على ال ّ‬
‫وكان َ‬
‫ِ‬
‫بقية األبيات في القصيدة َ‬
‫عن ِ‬
‫ّ‬
‫القصيدة‪ ،‬فجعَلهما مبتدأ الكًل ِم وختامه وكأنهما ديباجة أو إشارة منه إلى أنهما ليستا الموضوع‬
‫وكأن البيتين مفتتح رسالة‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫تسكين قوافيهما‪،‬‬ ‫األساس في القصيدة‪ ،‬وهما تقربان من النثرية في‬
‫َ‬
‫منو ًعا في التفعيًلت‪ ،‬نحو‪:‬‬
‫بعضا من النثر ّ‬
‫عاطفية‪ ،‬فألبسهما ً‬
‫ّ‬

‫البهاء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫المليكة في األزاه ْر ‪ ...‬ذات الجًللة و ْ‬
‫َ‬ ‫باس ِم‬

‫فاعلُن‪ /‬متَ ِ‬
‫فاعًل ْن )‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫( ُم ْتفاعُل ْن‪ُ /‬متَفاعًلتُ ْن ) ‪ُ ( ...‬م ْت ْ ُ‬
‫إيقاع طربي وهو الرمل ( ِ‬
‫فاعًلتُ ْن‪َ /‬ف ِعًلتُ ْن‪/‬‬ ‫آخر ذي‬ ‫منتقًل إلى ٍ‬
‫ٍ‬ ‫بحر َ‬ ‫ً‬ ‫ثم يبدأ بالموضوع الرئيس‬
‫ّ‬
‫عن فضائلها وعجائبها‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫ِ‬
‫بعُد ْ‬
‫متحدثًا من ْ‬
‫ّ‬ ‫العروس بالزهرة‬
‫َ‬ ‫صوًار‬
‫َفعًل ) ُم ّ‬
‫ليس ي ْدري من يرى أشكاَلها ‪ ...‬ويرى أو َانها و ِ‬
‫الح َب ار‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬

‫منها َشَفًقا؟ ‪ ...‬أم َيرى في اْل َب ْع ِ‬


‫ض منها َس َح ار‬ ‫ض ْ‬‫البع ِ‬
‫َأيرى في َ‬
‫ْ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‪‌‌،1‬ص‌‪‌ .148‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .275‬‬

‫‪126‬‬
‫‪1‬‬
‫ط ار‬ ‫طرة سمحاء تَسمو ِ‬
‫الف َ‬ ‫ِ‬
‫ُ ْ‬ ‫الزهرةُ َخْلق َع َجب ‪ ...‬ف ْ َ‬
‫ّإنما ّ‬

‫ٍ‬
‫بشكل غير مباشر‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫صفات مشتركة بينهما‬ ‫ِ‬
‫العروس والزهرة في‬ ‫بين‬
‫الحاد ما َ‬
‫ّ‬ ‫ثم يشير إلى التشابه‬
‫ّ‬
‫يقول‪:‬‬

‫إن ُكّد ار‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِهي ْأن ُس ِ‬


‫له ْ‬
‫فو ُ‬
‫الص ُ‬
‫الم ْرء في َو ْح َشته ‪ ...‬وه َي ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫حبيب َه َج ار‬ ‫وِه َي الُقبَل ُة في َم ْرَشف ْ‬
‫من ‪ ...‬شاَق ُه َل ْث ُم‬

‫وجُدهُ ُم ْستَ ِع ار‬


‫ظى ْ‬
‫من تل ّ‬
‫فح ُة يستَشفي بها ‪ْ ...‬‬ ‫وِه َي ّ‬
‫الن َ‬

‫الع ِ‬ ‫َوِه َي التّ َ‬


‫‪2‬‬
‫ط َه ار‬
‫األحب األ ْ‬
‫ّ‬ ‫المهر‬
‫َ‬ ‫لمن ‪ ...‬آثَ َر‬
‫رس ْ‬ ‫حف ُة في ُ‬

‫بين الزهرة‬
‫من الشاعر على تأكيد الصفات المشتركة ما َ‬
‫هي" إلحاح َ‬ ‫إن في تَكرار ضمير المؤنث "‬‫ّ‬
‫َ‬
‫تصاعد ذلك التماهي في‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫العروس في آن‪ ،‬حتّى‬ ‫والعروس‪ ،‬كو َن الضمير ير ّتد إلى الزهرة والى‬
‫تلك‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫انتقال مباشرة من بعد َ‬ ‫ظ ِة‬
‫حقيقية‪ ،‬يقول في لح َ‬
‫ّ‬ ‫الحو ِار الذي بعده فغدت العروس زهرًة‬
‫األبيات‪:‬‬

‫هي ‪ ...‬و ِ‬
‫األمر‬ ‫الن ِ‬ ‫ِ‬
‫ات ّ‬
‫الوردةُ ذ ُ‬
‫قالت َ‬

‫الز ِ‬
‫هر‬‫في ّ‬

‫النور ‪ ...‬و ِ‬
‫القطر‬ ‫ِ‬
‫يا َوصيفاتي بنات ّ‬

‫ِ‬
‫الفجر‬ ‫في‬

‫الخ ّرِد ‪ّ ...‬‬


‫الز ِ‬
‫هر‬ ‫ِ‬
‫شمس البنات ُ‬
‫أختُنا ُ‬

‫ص ِر‬
‫الع ْ‬
‫في َ‬
‫ِ‬
‫الكاع ِب ‪ِ ...‬‬
‫البكر‬ ‫من َغٍد تَْب َرُح ِخ ْد َر‬
‫ْ‬
‫‪1‬‬
‫ط ْه ِر‬
‫في ُ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪‌ .275‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪‌ .276‬‬

‫‪127‬‬
‫طر ِ‬
‫ين في‬ ‫ِ‬ ‫غي ِر معهود‪ ،‬حتّى في شكله َخرق‬ ‫و ِ‬
‫الش َ‬
‫لنسق ّ‬ ‫إيقاع ْ‬
‫ٍ‬ ‫الًلف ُت هنا االنتقال المفاجئ إلى‬
‫ِ‬
‫لسان وردة‪ ،‬وانتقال من الصيغة‬ ‫أن هذا الكًلم حوار على‬
‫األبيات التي قبله‪ ،‬والًلفت كذلك ّ‬
‫السردية الوصفية إلى الحوارية الدرامية‪ ،‬فالموضوع مفاجئ ومثله الوزُن‪ ،‬الذي بدا كما الخارج ِ‬
‫عن‬
‫أما ِ‬
‫عن األبيات‪ ،‬فلها احتماالت أوزان مختلفة‪ ،‬نحو‪:‬‬ ‫المألوف‪ّ ،‬‬

‫النهي ‪ ...‬و ْاألم‪ِ /‬ر في الز ِ‬


‫هر‬ ‫ِ‬
‫ذات ّ‬
‫قاَلت اْل َوْرَدةُ ُ‬

‫( ِ‬
‫فاعًلتُ ْن‪َ /‬ف ِعًلتُ ْن‪ِ /‬‬
‫فاع ‪ ...‬التُ ْن‪َ /‬مفاعيلُ ْن )‬

‫ط‪ِ /‬ر في اْلَف ِ‬


‫جر‬ ‫الن ِ‬
‫ور ‪ ...‬واْلَق ْ‬ ‫ِ‬
‫يا َوصيفاتي بنات ّ‬

‫فاع ‪ ...‬التُ ْن‪َ /‬مفاعيُل ْن )‬ ‫فاعًلتُن‪ِ /‬‬


‫فاعًلتُ ْن‪ِ /‬‬ ‫( ِ‬
‫ْ‬

‫أو على النحو اآلتي‪:‬‬

‫الزه‪ِ /‬ر‬ ‫ال‪ِ /‬‬


‫أمر في ّ‬ ‫ِ‬
‫هي ‪ ...‬و ْ‬
‫الن ِ‬
‫ذات ّ‬
‫الورَدةُ ُ‬
‫قاَلت ْ‬

‫فاع التُن ‪َ /‬ف ْل‬ ‫فاعًلتُن‪َ /‬ف ِعًلتُن‪ِ /‬‬


‫فاعًل ‪ِ ...‬‬ ‫( ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬

‫ط ِر في اْلَف ْج ِر‬
‫ال‪ /‬ق ْ‬ ‫الن ِ‬ ‫ِ‬
‫ور ‪ ...‬و ْ‬ ‫يا َوصيفاتي بنات ّ‬

‫فاع التُ ْن‪َ /‬ف ْل‬ ‫فاعًلتُن‪ِ /‬‬


‫فاعًل ‪ِ ...‬‬ ‫فاعًلتُن‪ِ /‬‬
‫( ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬

‫ص ِر‬ ‫الخ َّرِد ‪ُّ ...‬‬ ‫ِ‬


‫الزْه‪ِ /‬ر في َ‬
‫الع ْ‬ ‫البنات ُ‬
‫أختُنا َش ْم ُس َ‬
‫ْ‬

‫فاع التُ ْن َف ْل )‬ ‫فاعًلتُن‪ِ /‬‬


‫فاعًل ‪ِ ...‬‬ ‫فاعًلتُن‪ِ /‬‬
‫( ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬

‫بين األشطر‬ ‫ظ ِة اس ِ‬
‫تعمال تقنية التّدوير ما َ‬ ‫مًلح َ ْ‬
‫َ‬ ‫مع‬
‫ط ٍع طويل‪َ ،‬‬
‫باعي َمزيد بمق َ‬
‫وهذا رمل ر ٌّ‬
‫الشعرية‪.‬‬

‫وهناك تقطيع آخر‪ ،‬نحو‪:‬‬

‫أم ِر‬ ‫ِ‬


‫هي ‪ ...‬وال‪ْ /‬‬
‫الن ِ‬
‫ذات ّ‬
‫الورَدةُ ُ‬
‫قاَلت ْ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان‌الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪‌ .277‌-276‬‬

‫‪128‬‬
‫فاع )‬ ‫فاعًلتُن‪َ /‬ف ِعًلتُن‪ِ /‬‬
‫فاعًل ‪ِ ...‬‬ ‫( ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬

‫الز ِ‬
‫هر‬‫في ّ‬

‫( ال‪َ /‬ف ْعًل )‬

‫ط ِر‬
‫ال‪َ /‬ق ْ‬ ‫الن ِ‬ ‫ِ‬
‫ور ‪ ...‬و ْ‬ ‫يا َوصيفاتي بنات ّ‬

‫فاع )‬
‫فاع ‪ ...‬ال ‪ِ /‬‬ ‫فاعًلتُن‪ِ /‬‬
‫فاعًلتُ ْن‪ِ /‬‬ ‫( ِ‬
‫ْ‬

‫في اْلَف ِ‬
‫جر‬

‫( ال‪ /‬ف ْعًل )‬

‫فاعًل‪ِ /‬‬
‫فاعًل ‪ /‬ف ْعًل )‬ ‫فاعًلتُن‪ِ /‬‬
‫فاعًلتُن‪ِ /‬‬
‫أي يكون التّقطيع‪ِ ( :‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬

‫بحور في قصيدته‪ ،‬فكأنما أتى في هذا‬ ‫ِ‬


‫الشاعر ّنوعَ اْل َ‬ ‫األول؛ َكو َن‬
‫قطيع ّ‬
‫أن الباحث َة تُرّج ُح التّ َ‬
‫ّإال ّ‬
‫هو‬ ‫ِ ِ‬
‫بين الرمل والهزج‪ ،‬وهذا الشكل من الشعر يسمى البند‪ ،‬واّلم يأت به الشاعر على ما َ‬ ‫بمزيج ما َ‬
‫معهود عنه‪.‬‬

‫ِ‬
‫التفعيلة المعاصر‪ .1‬ويعرفه عباس‬ ‫والبند كما ورد في كتاب "العروض الزاخر" سابق على شعر‬
‫عزاوي أنه ضرب من ضروب األدب العربي وجد للخروج من عمود الشعر التقليدي‪ ،‬فليس هو ذا‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫هو مما انتُزع منه هاتان الصفتان فيكون ً‬
‫نثرا‪ ،‬إنما ُهو حلقة ُوسطى‬ ‫يس َ‬ ‫وزن مقّفى ُلي َعّد ش ً‬
‫عرا‪ ،‬وَل َ‬
‫النثر اقتضته سنة التطور‪.2‬‬ ‫النظ ِم و ّ‬
‫بين ّ‬
‫ما َ‬

‫فتتصل نهايته ببدايته بالتتابع‪ ،3‬وترى نازك المًلئكة أن القاعدة‬


‫دوًرا‪ّ ،‬‬
‫البند ُيق أر ُم ّ‬
‫أن َ‬ ‫وأغَل ُب ِّ‬
‫الظن ّ‬
‫مستعمًل منها‬
‫ً‬ ‫العروضية للبند "هي ّأنه شعر حر‪ ،‬تتنوع أطوال أشطره ويرتكز إلى دائرة المجتلب‬
‫طة عامة لتفعيًلت البند وترتيبها‪.‬‬ ‫الرمل والهزج معا"‪ ،4‬ثم أوردت من ِ‬
‫بعد ذلك خ َ‬ ‫ً‬

‫‪1‬‬
‫‌مرعي‪‌،‬محمود‪‌،‬العروض الزاخر واحتماالت الدوائر‪‌،‬ص‌‪‌ .503‬‬
‫‪2‬‬
‫‌عزاوي‪‌،‬عباس‪‌،‬مخطوطة البنود العراقية‪‌،‬د‌‪‌/‬ط‪‌،‬مكتبة‌المخطوطات‪‌،‬بغداد‪‌،‬د‌‪‌/‬ت‪‌،‬مقدمة‌الكتاب‪‌.‬‬
‫‪3‬‬
‫‌خلوصي‪‌،‬صفاء‪‌،‬فن التقطيع الشعري والقافية‪‌،‬ط‌‪‌،5‬منشورات‌مكتبة‌المثنى‪‌،‬بغداد‪‌1977‌،‬م‪‌،‬ص‌‪‌ .395‬‬
‫‪4‬‬
‫‌نازك‌المالئكة‪‌،‬قضايا الشعر المعاصر‪‌،‬ص‌‪‌ .175‬‬

‫‪129‬‬
‫تقليد إيقاع آيات القرآن الكريم‪1‬؛ ففي‬ ‫أن اْلبند كان نوعا من ِ‬
‫ويبدو ‪-‬كما يرى محمود مرعي‪ً َ َ ْ َ َّ -‬‬
‫ٍ‬ ‫ات ثَِيب ٍ‬ ‫ات س ِائح ٍ‬ ‫ٍ ِ ٍ ِ ٍ ِ ٍ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫تفعيًلت من‬ ‫ار }‪ ،2‬سبع‬ ‫ات َوأ َْب َك ًا‬ ‫َّ‬ ‫اآلية‪ُ { :‬م ْسل َمات ُّم ْؤ ِم َنات َقانتَات تَائ َبات َعاب َد َ َ‬
‫َعه ْد ِإَل ْي ُكم ي َٰبِنيۤ ء َادم أَن الَّ تَ ْعُبُدوْا َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‬
‫طَ‬ ‫ٱلشي َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫وكذلك في اآلية { أََل ْم أ ْ َ‬
‫"فاعًلتن" والثامنة " َمفاعيلُ ْن "‪َ ،‬‬
‫ِإَّنه َل ُكم عدٌّو ُّمِبين }‪ ،3‬فهناك تفعيًلت سبع من "مفاعيلن" في حين الثامنة " ِ‬
‫فاعًلتُ ْن"‪ ،‬وغير ذلك‬ ‫ُ ْ َُ‬
‫مدر َج ًة‬ ‫موزونا‪ ،‬على ِ‬
‫نحو ما ذكرت ذلك نازك المًلئكة‪ِ ،‬‬ ‫ً‬ ‫ثر‬ ‫أن يكو َن َ‬
‫الب ْند ن ًا‬ ‫‪4‬‬
‫من اآليات ‪ .‬ويمكن ْ‬
‫وهو أشهر البنود وأظرفها عفوية‪.5‬‬
‫مثاال عليه البن الخلفة‪َ ،‬‬
‫ً‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يقول ابن خلفة‪" :‬أَ َه ْل تعَلم ْأم ال َّ‬


‫وجوى ْ‬
‫مات‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اما‬
‫للح ّب لذاذات‪ ،‬وَق ْد َي ْع ُذر ال يعذل من فيه غر ً‬ ‫أن ُ‬
‫ليدا‪،‬‬
‫اْل ُح ُّب َب ً‬ ‫قاالت‪َ ،‬ف َك ْم َق ْد َه َّذ َب‬
‫الم ْ‬ ‫من الّلو ِم زخاريف َ‬
‫ع َع ْن َك َ‬ ‫فذا َم ْذ َه ُب أرباب الكماالت‪َ ،‬ف َد ْ‬
‫النص‪َ " :‬وَلَق ْد‬ ‫لك اآلداب والَِف ِ‬ ‫فغدا في مس ِ‬
‫قبل إدراجها ّ‬ ‫رشيدا ‪ ، "...‬وقد قالت نازك المًلئكة َ‬ ‫ضل ً‬
‫‪‬‬
‫َ‬
‫البند أن يكتبوهُ كما يكتبو َن ّ‬ ‫ِ‬
‫وكأن ُه نثر‬ ‫النثر‪ ،‬بحيث يبدو َلنا حي َن ننظر إليه ّ‬ ‫الذين ينظمو َن َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫أل َ‬
‫اعتيادي"‪.6‬‬

‫ٍ‬
‫طويل في التجليات اإليقاعية‪ ،‬وذو نظرة استقصائية لمحطات‬ ‫باع‬
‫أن خليل مطران ذو ٍ‬
‫ويبدو ّ‬
‫القصة التي أوردها على‬
‫الخروج عن عمود الشعر العربي‪ ،‬فارتأى في "البند" قال ًبا للتعبير عن ّ‬
‫ألبس‬
‫ألنه َ‬ ‫بين النثر واإليقاع‪ّ ،‬‬
‫طا َ‬‫وهي األنسب كون هذا الشكل وسي ً‬ ‫َ‬
‫قصيدته‪،‬‬
‫َ‬ ‫لسان الزهرة في‬
‫الز ِ‬ ‫ِ‬
‫إيقاعها الشعري نحو ( في ّ‬
‫هر‪/‬‬ ‫اعتم َد تقفيات داخلّية ليرفع من‬
‫لكنه َ‬ ‫األدب النثري زيًّا شعريًّا‪ّ ،‬‬
‫القصة إلى أبيات من الرمل التام‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫جر‪ /‬في َ ِ‬
‫الف ِ‬
‫ثم يعود من بعد انتهاء ّ‬
‫العصر ‪ّ ،)...‬‬ ‫في َ‬
‫‪7‬‬
‫طق الذكي األذف ار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫الن َ‬
‫ذلك ّ‬
‫لما َسم َع ْت ‪َ ...‬‬
‫هار ّ‬
‫ُس َّرت ْاألز ُ‬
‫فاعًلتُن‪ِ /‬‬
‫فاعًل )‬ ‫فاعًلتُن‪ِ /‬‬
‫فاعًلتُن‪َ /‬ف ِعًل ) ‪ِ ( ...‬‬
‫فاعًلتُن‪ِ /‬‬
‫( ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫‪1‬‬
‫الكرى‬
‫ميًل في َ‬
‫أت ُحْل ًما َج ً‬ ‫واستََقر ْت ْليَلها ِ‬
‫هاجع ًة ‪َ ...‬ف َر ْ‬ ‫ْ ّ‬

‫‪1‬‬
‫‌مرعي‪‌،‬محمود‪‌،‬العروض الزاخر واحتماالت الدوائر‪‌،‬ص‌‪‌ .503‬‬
‫‪2‬‬
‫‌التحريم‌‪.5‌/‬‬
‫‪3‬‬
‫‌يس‌‪.60‌/‬‬
‫‪4‬‬
‫‌مرعي‌محمود‪‌،‬العروض الزاخر واحتماالت الدوائر‪‌،‬ص‌‪.503‬‬
‫‪5‬‬
‫‌نازك‌المالئكة‪‌،‬قضايا الشّعر المعاصر‪‌،‬ص‌‪.169‬‬
‫هذا‌النص‌ ُمرفَق‌ َحر ًفا‌كما‌ذكرتهُ‌نازك‌المالئكة‌في‌كتابها‌"‌قضايا‌الشعر‌المعاصر‌"‪‌/‬ص‌‪‌،170‬ولم‌تهتدِ‌الباحثة‌إلى‌مصدره‌‬
‫ّ‬ ‫‪‌‬‬
‫الرئيس‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫‌نازك‌المالئكة‪‌،‬قضايا الشّعر المعاصر‪‌،‬ص‌‪‌ .169‬‬
‫‪7‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪.277‬‬

‫‪130‬‬
‫فاعًلتُن‪ /‬ف ِ‬
‫اعًل )‬ ‫فاعًلتُن‪َ /‬ف ِعًل ) ‪َ ( ...‬ف ِعًلتُن‪ِ /‬‬
‫فاعًلتُن‪ِ /‬‬
‫( ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬

‫لسان الشخصيات نفسها‪ ،‬غدا‬ ‫كان الحديث على ِ‬ ‫السرد مرة أخرى‪ ،‬ف َ‬
‫بعد أن َ‬ ‫ظ هنا انتقاله إلى ّ‬
‫َوُيْل َح ُ‬
‫مكرر ما‬
‫ًا‬ ‫يخت ُم‬ ‫أبيات ِ‬
‫البند قبَلها‪ ،‬ثم ِ‬ ‫قليًل عن ِ‬
‫حدة النثرية ً‬
‫ّ‬ ‫من ّ‬‫اآلن الشاعر هو المتكلم‪ ،‬ما يخفف ْ‬
‫ٍ‬
‫أبيات على مجزوء الكامل‪ ،‬في إشا ٍرة منه إلى انتهاء القصيدة‪،‬‬ ‫قد ذكره في مفتتح القصيدة من‬
‫فَقَف َل بما بدأ‪.‬‬

‫وكان‬
‫بطلب من الشيخ سًلمة حجازي‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ظمه الشاعر‬ ‫فهي مونولوج تمثيلي َن َ‬ ‫أما قصيدة "طفًلن"‬
‫َ‬ ‫وّ‬
‫يلعبان مع ِ‬ ‫يغن ِ‬
‫بعضهما‪ ،‬وبعد االنتهاء من ذلك ذهبت‬ ‫ِ َ‬ ‫أن طفلين اثنين كانا‬
‫وقصتها ّ‬ ‫يه ِ‬
‫منفرًدا‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫فمنعا من اللقاء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رب بينهما حجاب ُ‬
‫ض َ‬ ‫الفتاة إلى غنى عيشها والطفل إلى فقره‪ ،‬وعندما كب ار ُ‬

‫يعود غنيًّا يقبل به أهل الفتاة بعد أن رفضوه‪ ،‬وفيًّا لحبه لها‬
‫ثم يسافر الفتى خارَج بًلده حتى َ‬‫ّ‬
‫برجل غني ِ‬
‫أنيق الملبس‪ ،‬رغ َم كلفها بحبيبها‬ ‫ٍ‬ ‫رغم غربته‪ ،‬في حين تُرغم هي من بعده على الزواج‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ثم ُيفاجأ بالخبر من‬‫فتمرض ويشتد عليها المرض وتموت‪ّ ،‬‬ ‫شديدا َ‬
‫ً‬ ‫تحزُن لذلك حزًنا‬
‫ثم َ‬
‫المسافر‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫بعد عودته ليلوم األهل على فعلتهم والمجتمع على سكوته إلكراهها على الزواج من ٍ‬
‫رجل ال‬ ‫َ‬
‫تحبه‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫ّ‬

‫بع َد ُج ْهٍد ُم ْج ِهِد‬


‫فاستََق ّار ْ‬
‫ِ‬ ‫ط ِ‬
‫فًلن حتّى تَعبا ‪ْ ...‬‬ ‫َل ِع َب ال ّ‬

‫العمِد‬
‫ذهبي َ‬
‫ِ‬ ‫ير‬ ‫َ‬ ‫نام ِت ال ّ‬
‫طفل ُة ْنو ًما ِّ‬
‫طيًبا ‪ ...‬في سر ٍ‬
‫َ‬
‫ّ‬

‫ط ارُف ُه باْل ِق َدِد‬


‫س َخ ًّاز ُم َو ّشى َع َجبا ‪ُ ...‬زّي َِن ْت أ ْ‬
‫م ْكتَ ٍ‬
‫ُ‬

‫نام َية في َج َسِد‬


‫ْتنجلي من كس ِرِه ريا الصبا ‪ ...‬د َّرة ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ ّ ّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫سام‬ ‫الم ْس ِف ِر ‪ُ ...‬نظ َم ْت ْ‬
‫من ُه الثنايا في ْابت ْ‬ ‫باح ُ‬
‫كالص ِ‬
‫ذات َو ْجه ّ‬
‫ُ‬

‫نام‬ ‫ِ‬
‫إيقاعا على شدو َم ْ‬
‫ً‬ ‫ثَ ْغ ُرها ُم ْرتَ ِجف كاْل َوتَ ِر ‪ُ ...‬ه َّز‬

‫دي َّ‬ ‫ٍ ِ‬
‫بين‬
‫الج ْ‬
‫اح ّ‬ ‫الش ْع ِر ّ‬
‫وض ُ‬ ‫غير ‪َ ...‬ع ْس َج ُّ‬
‫ص ْ‬‫َو َعلى َمْق َرَبة طْفل َ‬
‫مسكين َفقير ‪ ...‬خ ُشب ُكدر تَسوء ِ‬
‫ين‬
‫الناظر ْ‬
‫ُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ ْ‬ ‫مض َج ُع‬
‫َم ْهُدهُ ْ‬
‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‌مطران‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪.277‬‬

‫‪131‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لين‬ ‫من َحر ْير ‪ ...‬ال ِفر َ‬
‫اش فيه ُي ْعلى َفَي ْ‬ ‫طاء ْ‬
‫ماد‪ ،‬ال غ َ‬
‫ال ع َ‬
‫‪1‬‬
‫نين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طفل َة عنهم آم ْ‬
‫كاألجير ‪َ ...‬ي ْش َغ ُل ال ّ‬
‫ْ‬ ‫ذاك طْفل تَخذوهُ‬
‫َ‬

‫من‬ ‫األبيات السابقة –وهي على الرمل– َّ‬ ‫ِ‬


‫أسلوبا قر ًيبا َ‬
‫ً‬ ‫عمل فيها‬
‫استَ َ‬ ‫الشاعر ْ‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫من‬
‫ظ َ‬ ‫لح ُ‬
‫ُي َ‬
‫ِ‬
‫متعاقبة‪ ،‬كما‬ ‫دية‬
‫سر ّ‬
‫فجعل منهما لوحات ْ‬ ‫َ‬ ‫كل بيتين اثنين‪،‬‬‫تنوع القوافي في ّ‬ ‫الموشحات إضاَف ًة إلى ّ‬‫ّ‬
‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫هم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن تَصَل ْ‬‫الناس أن يتََف ّهموا الفكرَة و ْ‬ ‫من‬
‫عاطفية‪ ،‬وير ُيد َ‬
‫ّ‬ ‫تماعي ًة‬
‫اج ّ‬ ‫قضي ًة ْ‬
‫ّ‬ ‫يتناول فيها‬
‫ُ‬ ‫ّأنه‬
‫تس ِ‬
‫كين قوافيه‪،‬‬ ‫مستعمًل لغة سهلة الفهم‪ ،‬إضاف ًة إلى ّأنه أكثَ َر من ْ‬‫ً‬ ‫من أسلوبهم‪،‬‬ ‫فكان قر ًيبا ْ‬
‫يسير‪َ ،‬‬
‫آمنين)‪ ،‬فيجعلها‬ ‫لين‪/‬‬ ‫كما في‪ ( :‬صغير‪ /‬فقير‪ /‬حرير‪ /‬أجير‪ /‬ابِتسام‪ /‬منام‪ /‬الجبين‪ِ /‬‬
‫ْ‬ ‫ين‪َ /‬في ْ‬
‫الناظر ْ‬
‫ْ َ ْ ّ‬ ‫ْ ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫العامة في‬ ‫ِ‬
‫تسير عليه ّ‬‫أيضا مما ُ‬ ‫حال الوقف على مفاصل الكلم فيها‪ ،‬وهذا ً‬
‫قريبة من اللغة النثرية َ‬
‫كًلمها اليومي‪.‬‬

‫بين كًل ِم‬


‫الموشحات قد قربت َ‬
‫ّ‬ ‫شك َّ‬
‫أن‬ ‫الموشحات‪ " :‬فًل َّ‬
‫ّ‬ ‫يقول إبراهيم أنيس في حديثه عن‬
‫النظم‬
‫ذلك ّ‬
‫العامة تدريجيًّا حتّى نشأ عنها فيما َب ْعُد َ‬
‫ّ‬ ‫وقد تغلغلت فيها لغة‬
‫الخاصة‪ْ ،‬‬
‫ّ‬ ‫العامة ولغة‬
‫ّ‬
‫ببعيد إيقاعُ هذه األبيات عن الشكل الزجلي المعروف‬ ‫ٍ‬ ‫وليس‬ ‫بالزجل"‪،2‬‬
‫العامي الذي ُي ْدعى ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫تختلف عن قافية‬
‫ُ‬ ‫الصدور في أبيات القصيد ِة كّلها بقافية واحدة‬ ‫ِ‬
‫بالشروقي الذي تتّف ُق فيه قوافي ّ‬
‫ّ‬
‫الزجل اللبناني‪:‬‬
‫الموحدة كذلك‪ ،‬مثل قول الشاعر "موسى زَغ ْيب" أحد شعراء ّ‬
‫ّ‬ ‫األعجاز‬

‫صير َج ّذابي‬ ‫يح اْلمسا تاخ ْد ِك ِحل لِجفو ْن ‪ِ ...‬‬


‫هاك اْل ُعيو ِن‬ ‫َّ ِ‬
‫الخض ْر تَ ْت ْ‬
‫ُ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َكلف ْت ر ِ َ‬

‫عرِك اْل ِعّنابي‬ ‫طحو ْن ‪ْ ...‬وِت ِغ ّ‬


‫ط في ِه ْن ِخص ْل َش ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫تذوب ذهب َم ْ‬ ‫ْوبِ ْجر ْ‬
‫ان َعيني تجي ّ‬

‫لهابي‬
‫اق ّ‬
‫بأشو ْ‬ ‫ِ‬
‫ضمير اْل َهوى ْ‬ ‫الع ِشق ثورة َه َو ْس ِو ْجنو ْن ‪ ...‬قِّل ْك‬
‫وَلما اعتَبرتي ِ‬
‫ْ ّ ْ َْ‬
‫‪3‬‬
‫يجوِع الخابي‬ ‫ِ‬ ‫طمو ِح اْلَق ِم ْح َم ْي َج ّوِع ال ّ‬
‫طاحو ْن ‪ ...‬و ِ‬ ‫ِ‬
‫طمو ِح اْلع َن ْب َم ّ‬
‫آخ ْر ُ‬ ‫ْ‬ ‫آخ ْر ُ‬

‫وكذلك أبيات مطران في تسكين الَقوافي‪ ،‬وضروب‬


‫الزجل َ‬
‫ظ هنا اتّفاق كل من أبيات ّ‬
‫ويْل َح ُ‬
‫ُ‬
‫األبيات‪.‬‬

‫مشهد سفر الفتى‪ ،‬ومخاطبته الفتاة من قبل أن يذهب‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫ٍ‬


‫بأبيات شعرّية‬ ‫صور مطران‬
‫َ‬ ‫ثم ُي ّ‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،2‬ص‌‪‌ .61‬‬
‫‪2‬‬
‫‌أنيس‪‌،‬إبراهيم‪‌،‬موسيقى الشعر‪‌،‬ص‌‪.222‬‬
‫‪3‬‬
‫‌الموقع‌اإللكتروني‪.https://www.youtube.com/watch?v=GcY65q-8ueg‌:‬‬

‫‪132‬‬
‫ِ ًّ‬
‫الغر ْام‬ ‫السَف ِر ‪ ...‬شاكًيا َبثا ُ‬
‫له َل ْذعُ َ‬ ‫يستَأذنها في ّ‬
‫جاء ْ‬
‫َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مام‪:‬‬
‫من ُحزنه نو َح اْل َح ْ‬ ‫جائًدا باْل َم ْد َم ِع المنهم ِر ‪ً ...‬‬
‫نائحا ْ‬

‫ضاؤهُ ‪َ ...‬وما أنا ّإال لْل ُمنى ِب ُم َوِّد ِع‬ ‫ِ‬


‫" َوداع َعلى َقلبي َيع ُّز َق ُ‬

‫وم ْس َمعي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫من طيب اْلحياة َ‬
‫آي ْ‬
‫وم ْر َ‬
‫عادتي ‪َ ...‬‬
‫فارْق ُت ّإال َس َ‬
‫فراق‪َ ،‬وما َ‬

‫لوب َل ْم َي ِرّقوا ْ‬
‫ألد ُمعي‬ ‫لِ ِرّق ِة ٍ‬
‫حال حال ْبيني وب ْي َنها ‪ُ ...‬قساةُ ُق ٍ‬
‫ََ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫شيك ِب َم ْ‬
‫ط َمعي "‬ ‫ِ ِ‬ ‫رب ُكن عوني على ُ ِ‬‫ِ‬
‫ظْل ِم أهلها ‪َ ...‬وَي ّس ْر ل َي اْلَف ْوَز اْل َو َ‬ ‫َ‬ ‫َفيا ّ ْ َ ْ‬

‫بث‬
‫تضمنت ّ‬ ‫ِ‬
‫التنصيصين منها وهي التي‬ ‫المستوى اإليقاعي لما َ‬
‫بين‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫تغير ُ‬
‫ظ في األبيات ّ‬ ‫لح ُ‬
‫ُي َ‬
‫ِ‬
‫أبيات الرمل‪ ،‬إلى مستوى الحوار‬ ‫ِ‬
‫مستوى ّ‬
‫السرد على‬ ‫من ْ‬
‫نتقل الشاعر َ‬ ‫شكوى َ‬
‫الفتى لمحبوبته‪ ،‬فا َ‬
‫طويل‪ُ ،‬معلًِيا في ذلك السمة الدرامية في‬ ‫ِ‬
‫لسان الفتى على البحر ال ّ‬ ‫إذ جاءت األبيات على‬

‫بالفتى متمّثلة بالحزِن ّ‬


‫الشديد والبكاء والشكوى‬ ‫حاال شعورّية حّلت َ‬
‫ذاته ً‬‫اآلن ِ‬ ‫القصيدة ِ‬
‫وناق ًًل في ِ‬
‫النفس‬ ‫ِ‬
‫طويل تصوير ّ‬ ‫البحر ال ّ‬
‫ُ‬ ‫فًلءم‬
‫البين الذي حّله أهل محبوبته بهما‪َ ،‬‬‫ورجاء هللا على ظل ِم َ‬
‫الشعر ّي المًلئم للشكوى والنو ِ‬
‫اح والمناجاة‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويجسد الشاعر حالة الفتى حتّى َّ‬


‫عينا وهو صوت‬‫روي قوافيه ً‬
‫تخي َر ّ‬
‫يقف في َحْلقه؛ إذ ّ‬
‫الكًلم ُ‬
‫َ‬ ‫كأن‬ ‫ّ‬
‫كسرا‪ ،‬ما زَاد مستوى الشاعرّية‬ ‫ِ‬
‫العين ً‬ ‫إشباع‬
‫ِ‬ ‫تنوع القوافي‪ ،‬مع‬
‫عن ّ‬‫دل ْ‬‫ردا إ ْذ َع َ‬
‫طً‬‫حلقي جعله م ّ‬
‫وذاك ّبين‬ ‫حل بالفتى لحظ َة الوداع‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫جسُد العويل والبكاء الذي ّ‬
‫الوجدانية في األبيات‪ ،‬وهو ما ُي ّ‬
‫ّ‬ ‫و‬
‫ط َمعي )‪.‬‬
‫سمعي‪ْ /‬أد ُمعي‪ /‬م ْ‬
‫مود ِع‪َ /‬م َ‬
‫في‪ّ ( :‬‬

‫مرًة أخرى‪،‬‬
‫الرمل ّ‬ ‫منتقًل إلى ِ‬
‫بحر ّ‬ ‫بعِد حديث الفتى مع محبوبته إلى الس ِ‬
‫رد‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫الشاعر من ْ َ‬
‫ُ‬ ‫عود‬
‫ثم َي ُ‬
‫َّ‬
‫بعد نبأ موت فتاته‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫مصوًار سفر الفتى وعودته وتلّقفه من ُ‬
‫ّ‬

‫تام‬ ‫قاتم ال ّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طْل َعة َيمشي في َق ْ‬ ‫ذاك اْل َخ َبر ‪َ ...‬‬
‫ص ْرَعة َ‬
‫من َ‬
‫َه َّب ْ‬

‫جو لِز ْام‪:‬‬


‫للش ِ‬
‫دو ّ‬ ‫طئا من ضع ِف ِه واْلخوِر ‪ِ ...‬‬
‫الش ُ‬
‫شادًيا و ّ‬ ‫ََ‬ ‫ُم ْب ً ْ َ ْ‬

‫ومخاَف ًة للعادي‬ ‫طني العز ُيز ْ ِ‬


‫أمًنا َلنا َ‬
‫لقد َعه ْدتُ َك َقْبَلها ‪ْ ...‬‬ ‫َ‬ ‫" َو َ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،2‬ص‌‪.63‌–‌62‬‬

‫‪133‬‬
‫ديع ُة ِتْل َك َش ْ‬
‫ط ُر ُفؤادي‬ ‫ديعتي ‪ْ ...‬أي َن اْل َو َ‬
‫ماك َو َ‬
‫ِ‬
‫اغتَ َرْب ُت َوفي ح َ‬
‫ّإني ْ‬

‫ِ‬ ‫من ْاألغو ِار و‬


‫األنجاد‬ ‫ِ‬
‫ًلص ًة ‪ ...‬فيها َ‬
‫ًلك خ َ‬
‫اجتَ َم َع ْت ُح َ‬
‫تْل َك اْلتي ْ‬
‫ِ‪1‬‬
‫االسِتشهاد‬ ‫ِ ٍ‬
‫ّأنى َس َم ْح َت ِبها تُباعُ َكسْل َعة ‪َ ...‬وتَ ُ‬
‫موت َغ ًّما َم ْو َت ْ‬

‫فأنش َد‬
‫للمجتمع وللوطن الذي يشبه محبوبته‪َ ،‬‬ ‫الفتى‬ ‫يكنه‬ ‫مشهِد ِ‬
‫الع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫تاب الذي ّ‬ ‫ّإنه ينتَق ُل إلى تصوير ْ َ‬
‫السرد إلى‬ ‫ِ ِ‬
‫من ّ‬
‫إيقاع األبيات الفتًا االنتقال َ‬
‫ِ‬ ‫من‬ ‫الشاعر‬
‫ُ‬ ‫فغي َر‬
‫بش َجن‪ّ ،‬‬‫ممشوجا َ‬
‫ً‬ ‫شدوا‬
‫العتاب ً‬ ‫َ‬
‫فخان‬
‫َ‬ ‫عنده محبوبته أمانة‬
‫طن الذي أودع َ‬ ‫الو َ‬
‫الرمل إلى الكامل‪ّ ،‬إنه يلوم َ‬
‫من ّ‬‫منتقًل َ‬
‫ً‬ ‫الحوار‪،‬‬
‫ِ‬
‫الماثل في " ّأنى" حتّى باعها‬ ‫ِ‬
‫البيت الرابع باالستفهام‬ ‫يظه ُر في‬ ‫ِ‬
‫تنكر عليه ذلك كما َ‬
‫ويس ُ‬
‫أمانته‪ْ ،‬‬
‫عنده وهي بذلك شهيدة قتلها زوجها‪ ،‬يقول‪:‬‬‫سْلع ًة لمن ال تَرغب فماتت َ‬

‫الج ًّلِد‬
‫صَل َة َ‬
‫ديع َة َن ْ‬
‫الخ َ‬
‫ِ‬
‫ذاك اْل َب ْع ُل ّإال قات ًًل ‪َ ...‬ج َع َل َ‬
‫كان َ‬
‫" َه ْل َ‬
‫‪2‬‬ ‫الشرع ليس محّلِ ًًل لف ِ‬
‫ساد؟‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫كان ّإال فاسًقا ب َزواجه ‪ ...‬و ّ ُ َ ُ َ‬
‫َه ْل َ‬

‫زوجها في َق ْتلِها؛ الذي ْلم‬ ‫ِ‬


‫تنكر فعل َة األهل موجها أصابع االتّها ِم إلى ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ًّ‬ ‫يس ُ‬ ‫االستفهام ْ‬
‫إذ بتك ارره ْ‬
‫ترغب ِ‬
‫به‪.‬‬

‫قل طريقته في في نظم القصص الشعري‪ ،‬وتبدو‬ ‫است ّ‬


‫كان قد ْ‬
‫الشاعر في القصائد السابقة َ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫يبدو ّ‬
‫العروضية عربيًّا وبالشعر الدرامي غربيًّا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بع َد ِ‬
‫أن اكتنزت بالثقافة‬ ‫الشعرّية هنا مكتملة ْ‬
‫شخصيته ّ‬
‫ّ‬
‫تمك َن من‬
‫كان ْقد ّ‬ ‫ِ‬
‫ويظهر ذلك جليًّا من خًلل المقارنة بقصيدته األولى " ‪ ،"1870 – 180‬إ ْذ ما َ‬
‫أقرب إلى الموروث‬ ‫نض َج ْت تجربته فجاءت َ‬‫البناء الدرامي بعد وكان قليل التجربة‪ ،‬ولم تكن ْقد َ‬
‫يدل ّأنه‬ ‫ِ‬
‫هيكلة القصيدة‪ ،‬وكتَ َب ما ُّ‬ ‫تمكنه الشعري فقد نأى عن التقليد في‬ ‫ِ‬
‫مرحلة ّ‬ ‫أما في‬
‫الشعري‪ّ ،‬‬
‫تخير الشكل المًلئ ِم لقصصه‪.‬‬
‫الخاص في ّ‬
‫ّ‬ ‫اعتمد أسلوبه‬
‫متمكن في الثقافتين العربية والغربية‪ ،‬و َ‬
‫ّ‬

‫‪ 4.2‬التضمين ‪:‬‬

‫وهو من تقنيات اإليقاع الداخلي في القصيدة‪ ،‬ويقصد به " تعّلق ِ‬


‫قافية البيت بما بعده‪ ،‬وهو عيب‬
‫يتم معناه إال بالذي يليه "‪ ،2‬ويتضح لسيد بحراوي‬ ‫ِ‬
‫عيوب القافية "‪ .1‬والبيت‬
‫المضمن‪ " :‬ما ال ّ‬
‫ّ‬ ‫من‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،2‬ص‌‪‌ .65‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪.66-‌56‬‬

‫‪134‬‬
‫عند نّقاد آخرين في‬
‫من معنى التضمين االصطًلحي أنه يرد في حدود عيوب القافية‪ ،‬وقد ورد َ‬
‫أطر أخرى‪3‬؛ إذ ذكره قدامة بن جعفر في بند " ِ‬
‫عيوب ائتًلف المعنى والوزن" فيذكر البيت‬
‫تمامه‬
‫أن يحتمل العروض َ‬
‫عن ْ‬
‫المضمن باسم المبتور‪ ،‬يقول في تعريفه‪" :‬وهو أن يطول المعنى ْ‬
‫من األقدمين دون‬
‫حكما َ‬
‫‪4‬‬
‫في بيت واحد‪ ،‬فيقطعه بالقافية‪ ،‬ويتمه في البيت الثاني" ‪ .‬هذا يعني ً‬
‫أن التضمين عيب في الشعر‪.5‬‬ ‫خًلف على ّ‬

‫سيما في شعره‬ ‫ِ‬


‫استعماله ال ّ‬ ‫إيقاعية َمعيبة في الشعر‪ ،‬فل َم ُيكثر مطران من ْ‬
‫ّ‬ ‫وبما أنه ظاهرة‬
‫يف ْيد َع ُم المعنى في‬ ‫خرجه من دائ ِرة المحظورات إلى المباحات في شعره؟ َ‬
‫وك َ‬ ‫القصصي؟ وهل ُي ِ‬
‫نصه ؟‬
‫ّ‬

‫كثر التّضمين عنده في قصيدة "الجنين الشهيد" التي تناولت قصة الفتاة الفقيرة التي عملت‬
‫لقد َ‬
‫يوضح فيها تشاور‬
‫في الحانات‪ ،‬فزَاد عن عشرة مواضع‪ ،‬ومن أمثلته ما ورد في المشهد الذي ّ‬
‫أمها وأبيها ألجل أن تعمل في الحانات‪:‬‬

‫إهابها‪:‬‬
‫جر ُ‬ ‫نور َف ٍ‬
‫من ِ‬
‫حيك لها ْ‬
‫شبابها ‪َ ...‬و َ‬
‫وقال أبوها ْيوَم تَ َّم ُ‬
‫َ‬

‫سابها‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬


‫مسعاها وَق َّل ا ْكت ُ‬
‫عذابها ‪ ...‬توف َر ْ‬
‫أيا َّأم ليلى َح ْس ُب ليلى ُ‬

‫الف ِ‬
‫ضل‬ ‫وأسأم تَكرار السؤ ِ‬
‫ال ذوي َ‬ ‫ْ َ ُ ّ‬

‫كاؤها‪:‬‬ ‫ِ‬
‫هاؤها ‪َ ...‬سخ ٌّي مآقيها َسريع ُب ُ‬
‫فقاَل ْت َلها ٌّأم َشديد َد ُ‬

‫ِ‬
‫داؤها ‪ ...‬و ْأنت َلنا دو َن األنا ِم دو ُ‬
‫اؤها‬ ‫ض َل ُ‬
‫أع َ‬
‫الحال ْ‬
‫ُ‬ ‫ُب َّني ُة هذي‬

‫ِ‪6‬‬
‫عون ِة واْل ِكْفل‬
‫للم َ‬
‫َ ِ‬
‫أغ َيرك نرجو َ‬

‫‪1‬‬
‫‌يعقوب‪‌،‬إميل‌بديع‪‌،‬ال ُمعجم المفصَّل في علم العَروض والقافية وفنون الشعر‪‌،‬ط‌‪‌،1‬دار‌الكتب‌العلمية‪‌،‬بيروت‪‌1991‌،‬م‪‌،‬ص‌‬
‫‪.195‬‬
‫‪2‬‬
‫‌الجوهري‪‌،‬أبو‌نصر‌إسماعيل‌بن‌حماد‌(‌‪‌393‬هـ‌)‪‌،‬الصحاح‪ :‬تاج اللغة وصحاح العربية‪‌،‬تحقيق‪‌:‬أحمد‌عبد‌الغفور‌عطار‪‌،‬ط‌‪‌،4‬‬
‫دار‌العلم‌للماليين‪‌،‬بيروت‪‌1987‌،‬م‪‌،‬مادة‌(‌ض‌م‌ن‌)‪‌ .‬‬
‫‪3‬‬
‫‌البحراوي‪‌،‬سيد‪‌،‬التضمين في العروض والشعر العربي‪‌،‬مجلة‌فصول‪‌،‬مصر‪‌،‬مج‌‪‌،7‬ع‌‪‌1987‌،4‌/‌3‬م‪‌،‬ص‌‪.91‬‬
‫‪4‬‬
‫‌قدامة‌بن‌جعفر‪‌،‬نقد الشعر‪‌،‬ص‌‪.209‬‬
‫‪5‬‬
‫‌البحراوي‪‌،‬سيد‪‌،‬التضمين في العروض والشعر العربي‪‌،‬ص‌‪.91‬‬
‫‪6‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‪.228‌–‌227‬‬

‫‪135‬‬
‫بمكن ِة‬
‫وليس َ‬‫قال ‪ /‬قالت ) َ‬
‫ٍ‬
‫متأت من مقول القول الذي يتبع الفعلين ( َ‬
‫أن التضمين ّ‬ ‫ومن اْلواضح ّ‬
‫َ‬
‫يمده إلى األبيات من بعده‪ ،‬في تتاب ٍع‬ ‫قالب ٍ‬
‫ِ‬
‫اضطر الشاعر إلى أن ّ‬
‫َّ‬ ‫ط به‪ ،‬ما‬
‫بيت واحد أن يحي َ‬
‫معنوي وتعالق لغوي‪ ،‬في إشارة إلى اتّحاد وحدة النص وا ِ‬
‫عتماد أجزائه على ِ‬
‫بعضها‪ ،‬وهو ما‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بعدما استمال "جميل" قلب‬ ‫ِ‬
‫يتطلبه البناء الدرامي للقصة الشعرّية‪ .‬ومنه كذلك في القصيدة نفسها َ‬
‫ِ‬
‫الفتاة ناحيتَه‪:‬‬

‫مند ِم‬
‫خوف َ‬
‫َ‬ ‫لكن أطاَل ْت ُخ َبرهُ‬
‫التبرِم ‪ ...‬و ْ‬
‫بع َد ّ‬
‫اإلقبال ْ‬
‫َ‬ ‫فأبد ْت َل ُه‬
‫َ‬

‫من الر ِ‬
‫يب مؤل ِم‬ ‫تظًل ِن في ُم ْش ٍق َ ّ‬
‫طموعُ‪ :‬إلى كم ‪ّ ...‬‬
‫النْف ُس ال ّ‬
‫فقاَل ْت لها ّ‬

‫ط ِل‬
‫الم ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نفيس العمر في الوعد و َ‬
‫ويْقضى ُ‬
‫ُ‬

‫أبدعا‬
‫أحب و َ‬
‫وجها َّ‬ ‫ٍ‬ ‫فلم َأر أهوى ْ‬
‫أطوعا ‪ ...‬فؤ ًادا‪ ،‬وال ً‬
‫من " جميل " و َ‬ ‫ْ‬
‫منك َّ‬
‫تطلعا‬ ‫لك يهدي قلبه واسمه معا ‪ ...‬فإن طال هذا المطل ِ‬
‫ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َُ َُ ً‬ ‫فتًى ُ‬

‫األص ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬


‫إلى امرأة تسموك بالجاه و ْ‬

‫تحوال ‪ ...‬إلى َغ ْي َ ٍرة‪ ،‬و َ‬


‫الغ ْي َرةُ انقلبت إلى‬ ‫ثم ّ‬‫الخوف ّ‬
‫ُ‬ ‫فخام َر " ليلى "‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬
‫مؤمًل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫غ ارمٍ‪ ،‬فما تلوي على ٍ‬
‫النزيه ّ‬
‫بالحب ّ‬
‫ّ‬ ‫ف‬
‫أحد وال ‪ ...‬تكاش ُ‬
‫َ‬
‫ِ‪1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكل‬
‫من ّ‬ ‫الجميل َ‬ ‫سوى ذل َك ّ‬
‫الغر‬

‫أما الثاني‬ ‫الشطر األخير من ِ‬


‫الدور األول على ما قبله‪ ،‬و ّ‬ ‫ِ‬ ‫األول فعطف‬‫أما ّ‬‫وفيها ثًلثة تضمينات ّ‬
‫أما التضمين األخير‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬
‫فتعلق الجار والمجرور "إلى امرأة ‪ "...‬بالفعل "تطّلعا" في الشطر قبله‪ ،‬و ّ‬
‫الجار‬ ‫بين‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫فوصل البيت الثاني من الدور الثالث بقافية البيت الثاني‪ ،‬كي يتم االتّصال ما َ‬
‫ُ‬
‫ومجروره‪.‬‬

‫ِ‬
‫يضفيه التضمين في الفعل " تطّلعا " في نفس المتلقي‪ ،‬إذ‬ ‫التشوق والتطّلع الذي‬ ‫ٍ‬
‫ببعيد‬ ‫وليس‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ثم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن ّ‬
‫مبهما له‪ ،‬فيفاجئه به في البيت الذي يليه‪ ،‬هذا يعني ّ‬
‫ً‬ ‫الشخص الذي يبدو‬ ‫يهيئه الستقبال ّ‬
‫عضوية؛ فًل يستقل بيت بذاته بل‬
‫ّ‬ ‫األبيات في بعضها وكذلك‬
‫َ‬ ‫وموضوعية تربط‬
‫ّ‬ ‫معنوية‬
‫ّ‬ ‫وحدة‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪.236‌–‌235‬‬

‫‪136‬‬
‫الدعوة إلى وحدة البيت في‬
‫َ‬ ‫مع األبيا ِت األخرى تأدي ًة للمعنى المروم‪ ،‬وهذا يناقض‬
‫يتعاضد َ‬
‫القصيدة القديمة واستقًلله والنظر إلى جماله بذاته‪.‬‬

‫مستبد‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وتجّلى التضمين أيضا في قصيدة "فنجان قهوة"‪ ،‬وهي حديث واقعة جرت في قصر ٍ‬
‫ملك‬ ‫ً‬
‫إذ أغرمت ابنته بأحد جنده‪ ،‬وقد منعهما من اللقاء‪ ،‬وا ّال حت َم عليهما الموت‪ ،‬لذا استعانت بامرٍأة‬
‫لقاء معه‪ ،‬يقول الشاعر‪:‬‬ ‫ِ‬
‫تؤم َن لها ً‬
‫القصر على أن ّ‬ ‫تعمل في‬

‫أنعما‬
‫أمطرْتها ُ‬
‫أزم َع ْته‪ ،‬و َ‬ ‫من ِ‬
‫أن تَ ْكتُما ‪ ...‬ما َ‬
‫ظئرها ْ‬ ‫توثقت ْ‬
‫فاس ْ‬ ‫ْ‬
‫و ِ‬
‫أم ٍر َعظي ٍم َ‬
‫أمرها‬ ‫النجوى إليها أنها ‪ ...‬ترجو على ْ‬
‫أسرت ّ‬
‫ّ‬
‫قالت‪ :‬فما هو ذاك يا موالتي ‪ ...‬قاَلت وَقد َش ِرَقت من العبر ِ‬
‫ات‪:‬‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ َ‬
‫‪1‬‬ ‫ان في ذاك ِ‬
‫اللقاء ِحمامي‬ ‫ظًل ِم ‪ ...‬ولو َّ‬
‫نح َ‬
‫تح َت ُج ِ‬
‫َ‬ ‫أن أراهُ ْ‬
‫ُه َو ْ‬

‫بشكل جلي من خًلل‬ ‫ٍ‬ ‫مشهُد الحوار ما بين األميرة والمرأة‪ ،‬ما ُي َج ِّسُد الحدث‬
‫َ‬ ‫ظ جليًّا‬
‫لح ُ‬
‫وي ّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بلسانها‪ ،‬إضاَف ًة إلى َّ‬ ‫وسماع أصو ِاتها‬ ‫ِ‬
‫أن مستوى النثرية مرتفع بحك ِم ّ‬
‫تنوع‬ ‫ِ‬ ‫تحضار الشخصيات‬ ‫اس‬
‫ْ‬
‫ليتم معنى البيت‬ ‫ضمين الذي اختر َق‬
‫ِ‬ ‫القوافي على ِ‬
‫العروضي ّ‬
‫ّ‬
‫النسق‬
‫َ‬ ‫المزدوج‪ ،‬وكذلك التّ‬
‫َ‬ ‫نمط‬
‫الثالث في البيت األخير كما ظهر‪.‬‬

‫ووظفه الشاعر كذلك في قصة "الطفل الطاهر والحق الظاهر" نحو قوله يخاطب الطفل‪:‬‬

‫ط ِرئه؟ فما ‪ِ ...‬هي شيمتي وأبوك ال يع ِ‬


‫نيه ما‬ ‫َ َْ‬ ‫َ َ‬ ‫ألبيك أُ ْ ُ ُ‬
‫َ‬ ‫ما لي وما‬

‫‪2‬‬
‫عنه ُم ْخِبرو األخبار‬ ‫ِ‬
‫يثنيه ُ‬

‫الشعر‪ ،‬فقد لجأ الشاعر هنا إلى خرق القو ِ‬


‫اعد‬ ‫مع الوزن الذي يحتّمه ّ‬ ‫ِ‬
‫ض َ‬ ‫يتعار ُ‬
‫َ‬ ‫ضمين‬ ‫ألن التّ‬
‫و ّ‬
‫ِ‬
‫البيت األ ّول‪،‬‬ ‫فجعل األول نهاي َة القافية في‬ ‫بين االسم الموصول وصلته؛‬
‫َ‬ ‫اللغوية‪ ،‬ففصل ما َ‬
‫أن ي ِخ َّل ذلك بالمعنى‪ ،‬وذلك في ِ‬
‫سبيل‬ ‫الدور السابق دو َن ْ ُ‬
‫وجعل األخرى بداي َة الشطر األخير من ّ‬
‫ات الشعر الضرورّية عنده‪ ،‬وكذلك‬ ‫تحقيق ِسمة الشاعرية دون اإلخًلل بالوزن إذ هو من متطلب ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫حرص ِه‬
‫ِ‬ ‫ظ ِة‬
‫مًلح َ‬
‫َ‬ ‫مع‬ ‫ِِ‬
‫جس َدها في أبياته السابقة‪َ ،‬‬
‫السمة النثرّية التي تقتضيها البنية الدرامية التي َّ‬
‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‪‌،،1‬ص‌‪.151‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪.262‬‬

‫‪137‬‬
‫فمرتين على االستفهام‪،‬‬
‫لك ّبين في تكرار "ما" أربع مرات‪ّ ،‬‬‫زخما إيقاعيًّا‪ ،‬وذ َ‬
‫مضفيا ً‬
‫ً‬ ‫على التكرار‬
‫ِ‬
‫للداللة في آن‪.‬‬ ‫اسما موصوًال وفي ذلك ِغًنى في الموسيقى واثراء‬
‫ومرة استعملت ً‬ ‫ومرًة على النفي ّ‬
‫ّ‬

‫‪ 4.3‬التكرار صفة ًلزمة في شعر مطران القصصي‬

‫الداخلية األخرى التي تجّلت في القصص الشعري‪ ،‬فكانت التكرار وقد ورد‬ ‫اإليقاعية‬ ‫أما ِ‬
‫السمة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف‬‫فكي َ‬ ‫ال أخرى في سبيل ّ‬
‫تصيد المعنى واستيضاحه‪ْ ،‬‬ ‫مع دو ّ‬
‫متعددة متعالًقا َ‬
‫من قبل في مواض َع ّ‬
‫تجّلى توظيفه في القصص الشعري عند مطران؟!‬

‫طويل – إذ يذكر خليل مطران‬


‫من ال ّ‬
‫اضحا في قصيدته "الوردة والزنبقة " ‪ -‬وهي َ‬
‫لقد بدا التكرُار و ً‬
‫يزوجوه منها؛‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫من األغنياء‪ ،‬ورفضا أن ّ‬
‫ألن أهله كانوا َ‬
‫أليف صباها‪ّ ،‬‬ ‫فيها حكاي َة فتاة أبع َد عنها ُ‬
‫له كت ًابا‪ ،‬يقول الشاعر على لسانه بعد أن وصله الكتاب‪:‬‬
‫ونها فقيرة‪ ،‬فكتبت ُ‬
‫َك َ‬

‫ِ‬
‫يعدل ‪ ...‬وارشاد ُكم عْقل ِلو الَقلب ِ‬
‫يعق ُل‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ًلمتُ ُك ْم َعدل َل ِو ُ‬
‫الح ُّب ُ‬ ‫َم َ‬
‫أشتَكي منه ِ‬
‫أعذ ُل‬ ‫يف على ما ْ‬ ‫الهوى َس ْه ًما‬
‫ْ‬ ‫فك َ‬
‫أصاب حشاشتي ‪َ ...‬‬
‫َ‬ ‫َرماني َ‬

‫حم ُل‬
‫فت الذي أتَ ّ‬
‫لخّف ُ‬
‫َذروني َو َشأني ّإن ُه ْلو َنفى األسى ‪َ ...‬مًلم َ‬

‫بيب المعل ُل‬


‫ط َ‬ ‫أنت َخ ُير تعّل ٍة ‪ ...‬لقلبي وَق ْد أعيى ال ّ‬
‫تاب َحبيبي َ‬
‫ك َ‬
‫ِ‬

‫الليل أْل َي ُل‬ ‫فًلح َك ْبد ِر ِّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ظًلم ّ ِ‬


‫التم و ُ‬ ‫ك عن وجه ُحّبه ‪َ ...‬‬
‫الش ّ‬ ‫كشْف َت َ َ‬
‫َ‬

‫ظني ِ‬
‫للعدى وهو ِ‬
‫غافل ‪َ ...‬على ِ‬
‫جوى َل ْي َس تَ ُ‬
‫غفل‬ ‫من ً‬
‫حين َعيني ْ‬ ‫َ‬ ‫هت َ ّ‬
‫ونب َ‬
‫ّ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فاب َتلوهُ بقات ٍل ‪َ ...‬‬
‫‪1‬‬
‫اء الذي بي أ ْقتَ ُل‬
‫الد ُ‬
‫من ا ّلداء و ّ‬ ‫أبانوهُ َعّني ْ‬

‫كتاب محبوبه‪ ،‬فارتفعت فيها سم ُة الدرامية‬


‫ف َ‬ ‫إن هذه األبيات السابقة على ِ‬
‫لسان الحبيب الذي تلّق َ‬ ‫ّ‬
‫السرد ساردان‪ :‬المحبوب وهو إحدى الشخصيات الرئيسة في القصة‪،‬‬
‫ألن الذي يتحكم في ّ‬
‫والشاعر الذي تجري أحداث القصة على لسانه وينقل ما تتحدثه الشخصيات‪ .‬ثم ّ‬
‫يصور الحبيب‬
‫لمات الحدث تر ّتد‬
‫فكل َم ّ‬
‫ذلك عليه‪ّ ،‬‬ ‫الحزِن الذي ْ‬
‫اعتراه إ ْث َر فراقه عن محبوبته‪ ،‬وأثر َ‬ ‫حجم األسى و ُ‬
‫َ‬
‫ياء المتكلم في قوله‪ ( :‬رماني‪ /‬حشاشتي‪ /‬أشتكي‪ /‬ذروني‪ /‬شأني‪َ /‬حبيبي‪/‬‬ ‫مكرر بذل َك َ‬
‫ًا‬ ‫إليه‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‌‪.134‬‬

‫‪138‬‬
‫وكل هذا في مواجهة تقابلية للطرف اآلخر متمثًل في أهله الذين حالوا‬ ‫عني‪ /‬بي ) ّ‬ ‫ظني‪َ /‬عيني‪ّ /‬‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ط ِب في ٍ‬
‫بينهم‪ ،‬يتضح ذلك في قوله (‬ ‫للمشهد الحوار ّي ما َ‬
‫َ‬ ‫نقل‬ ‫ضمائر المخا َ‬
‫َ‬ ‫فاستَعمل‬
‫وبينها‪ْ ،‬‬
‫بينه َ‬
‫نيع صنيعهم به في‬ ‫ٍ‬
‫إحالة منه إلى َش ِ‬ ‫ثم يكرر ذكرهم في هيئة الغائب في‬ ‫مًلمتكم‪ /‬إرشادكم) ّ‬
‫قتًل‬
‫أشد ً‬
‫وصار ّ‬
‫َ‬ ‫بعد إذ افترقا قد زاد‬
‫أن تعلقه بها وكلفه َ‬‫فابتلوه )‪ ،‬وما علموا ّ‬
‫عني ‪َ /‬‬ ‫قوله‪ ( :‬أبانوه ّ‬
‫مما قد فعلوه به‪.‬‬

‫شد األسى في َقْل ِب المحبوب‬


‫طويل‪ ،‬وا ْذ احتَ َ‬‫النفس ال ّ‬ ‫البحر الطويل من األعاريض الطويلة ذات ّ‬
‫و ُ‬
‫حبه‪ ،‬ولربما‬
‫الموجه ألهله إذ الموا ّ‬ ‫ِ‬
‫العتاب‬ ‫تًلئم كثاف َة‬
‫ّ‬ ‫ظًفا دَفقات شعورّية ُ‬
‫طويل مو ّ‬
‫فإنه استعمل ال ّ‬
‫حالة التصريع‪ ،‬أي في ِ‬
‫حالة‬ ‫طويل "يبلغ الثماني َة واألربعين في ِ‬ ‫فألن عدد حروف ال ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫كان كذلك َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫الضرب من نفس الوزن والقافية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بحور العر ّبية بحر على هذا‬ ‫بين‬
‫وليس َ‬ ‫َ‬ ‫العروض و ّ‬ ‫كون َ‬
‫طراز"‪.1‬‬
‫ال ّ‬

‫فاعليته‪ ،‬إذ‬
‫ّ‬ ‫ظف التّكرَار والمشاكلة باالشتقاق ليز َيد من‬ ‫فإنه يو ّ‬
‫نصه ّ‬‫إيقاعية ّ‬
‫ّ‬ ‫الشاعر من‬ ‫ولي ْعِلي‬
‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫ِ‬
‫المًلمة باالسم إلى‬ ‫عدل في وصف‬ ‫يعدل ) قد َ‬ ‫الحب ْ‬
‫ّ‬ ‫يرتقي بالداللة‪ ،‬ففي قوله‪ ( :‬مًلمتكم َعدل‪/‬‬
‫وكذلك األمر في ِ‬
‫حال اإلرشاد‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الحب‪َ ،‬‬
‫دائما في ّ‬‫عد َل ً‬ ‫وكأنه يشير إلى ّأال ْ‬
‫الحب‪ّ ،‬‬
‫الفعل في وصفه ّ‬
‫له التعّقل‬
‫وليت ُ‬
‫وعي وادراك‪َ ،‬‬ ‫ليس على ٍ‬ ‫القلب َ‬
‫َ‬ ‫العقل‪ ،‬فإ ّن‬
‫عين َ‬‫هو ُ‬ ‫درك أهله أن إرشاده َ‬
‫فإذ أ َ‬
‫الكتاب على ِ‬
‫نفسه في كل‬ ‫ِ‬ ‫وقع‬
‫لشدة ِ‬ ‫ٍ‬
‫تصوير منه ّ‬ ‫الليل أليل ) في‬
‫الدائم كذل َك اإلرشاد‪ ،‬وقوله ( ُ‬
‫التم في‬
‫مؤكًدا كبدر ّ‬
‫اضحا جليًّا ّ‬
‫حب محبوبته له و ً‬ ‫تأكيد ّ‬
‫هذا اإلغراق الظًلمي الذي عايشه‪ ،‬فبدا ُ‬
‫كل ما ُيسمعه قومه له من أال وفاق أو توافق في حبهما‪.‬‬
‫وجه الظًلم‪ ،‬في إشارة إلى تبديد ّ‬

‫فشب قلباهما‬ ‫ِ‬


‫طفلين ألفا بعضهما منذ صغرهما‪َّ ،‬‬ ‫قص َة‬
‫يذكر فيها ّ‬
‫قصيدته " غرام طفلين " ُ‬
‫َ‬ ‫وفي‬
‫مكان ليس ِ‬
‫فيه‬ ‫ٍ َ‬ ‫منهما في‬
‫كل ُ‬‫فاستَق ّر ٌّ‬
‫بينهما ْ‬ ‫النوى َ‬
‫حال َ‬ ‫على الهوى وكأنهما نفس واحدة‪ّ ،‬إال ّ‬
‫أن ّ‬
‫اسم الفتى يوسف‪ ،‬واسمها‬ ‫صاحبه‪ ،‬فبَل َغ بهما الجوى ًّ‬
‫وكان ُ‬
‫َ‬ ‫بينهما‪،‬‬
‫اسل َ‬
‫كبيرا‪ ،‬فحاوال التر ُ‬
‫حدا ً‬
‫عدة‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫ولكن الشاعر يذكر المحبوبة سلمى في مواضع ّ‬ ‫َسلمى‪ّ ،‬‬

‫ض ِ‬
‫بيان‬ ‫عنيا ِب ْ‬
‫بع ِ‬ ‫ليك ما َ‬
‫يوسف" ‪ ...‬وا َ‬
‫طت " َ‬
‫َكتَ َب الفتى "سلمى " وخ ّ‬

‫ويداي ْترتَ ِج ِ‬
‫فان‬ ‫َ‬ ‫فرَسمتُ ُه‬
‫اس ُمها ‪َ ...‬‬
‫من تَحّلى لي ْ‬
‫الفتى‪ :‬يا ْ‬
‫قال َ‬
‫َ‬

‫‪1‬‬
‫‌خلوصي‪‌،‬صفاء‪‌،‬فن التقطيع الشعري والقافية‪‌،‬ص‌‪.43‬‬

‫‪139‬‬
‫‪1‬‬
‫دون ُه وتراني‬ ‫ِ‬ ‫صوْرتُ ُه َّ‬
‫وكأن صورتَها َب َد ْت ‪ ...‬فيه أراها َ‬ ‫ّ‬

‫االسم يعيده‬ ‫أن هذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َ‬ ‫ذاك يعني ّ‬
‫أمامه‪َ ،‬‬
‫يستَحض ُرها ويراها ماثل ًة َ‬
‫اس َم المحبوبة فإنه ْ‬
‫ّإنه لدى كتابته ْ‬
‫مرة أخرى فيقول‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الكلف والهيام‪ ،‬ثم يستأنس ِ‬
‫بذكر المحبوبة ّ‬ ‫َ‬ ‫له‬
‫ُ‬

‫الع ِ‬
‫قيان‬ ‫كقًلئِد ِ‬
‫ِ‬ ‫وحروَف ُه ‪َ ...‬موصول ًة‬
‫اس َمها ُ‬
‫َسلمى‪ ،‬وما أحلى ْ‬

‫زم ُن التّنائي ِآذن بتَداني‬


‫النوى يا ُم ْن َيتي "سلمى" فهل ‪َ ...‬‬
‫طال ّ‬
‫َ‬

‫صير ِج ِ‬
‫نان‬ ‫ط ِر َق ْ‬ ‫ظ ٍة ‪ِ ...‬‬
‫ط َرتُ ُه َع ُ‬ ‫كالع ْ‬ ‫ميعها في َلْف َ‬
‫لوم َج ُ‬
‫الع ُ‬
‫"سْلمى" ُ‬
‫‪2‬‬ ‫النعيم م َّ‬
‫خلًدا ‪ُ ...‬يشرى َلدى إقبالِها ِبثَواني‬ ‫الحياةُ وما ّ ُ ُ‬
‫"سْلمى" َ‬
‫َ‬

‫فليس‬
‫القصة َ‬ ‫يذك ُر هذه ّ‬
‫وهو إذ ُ‬
‫الجانب العاطفي الرومانسي‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ينحو خليل مطران في قصيدته‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نفس ُه‬
‫طيًبا َ‬
‫من الغياب‪ُ ،‬م ّ‬ ‫حال النوى بينهما‪ّ ،‬إن ُه ْ‬
‫يستَحض ُر محبوبتَه َ‬ ‫يعك ُس فيها ّإال ُحّبه الذي َ‬
‫ويجسدها في‬‫ّ‬ ‫يشرُح انفعاالته وعاطفته‬
‫بعض قصصه ّ‬ ‫ِ‬ ‫اس ِمها‪ ،‬فكأنما هو في الشعر في‬‫كر ْ‬‫ِبذ ِ‬
‫شخصيات ما يكتبه‪.‬‬

‫السفر وبعد المكان‪ ،‬في حين‬


‫أن يوسف وسلمى في قصته هذه قد افترقا بسبب ّ‬ ‫والفارق يكمن في ّ‬
‫كثير من أسماء اإلناث في‬
‫أن ًا‬‫رض ُعضال‪ ،‬كما َّ‬ ‫غي َبها الموت على إ ْث ِر م ٍ‬
‫الحقيقية ّ‬
‫ّ‬ ‫محبوبته‬
‫َ‬
‫شخصية واحدة في‬
‫ّ‬ ‫الحب في أبهى صوره تر ّتد جميعها إلى‬‫ّ‬ ‫العاطفية التي يتجلّى فيها‬
‫ّ‬ ‫قصائده‬

‫ف أسماء متعددة فلصو ِن الوفاء و ّ‬


‫الحب ما‬ ‫شخصية المحبوبة‪ ،‬واّنما أخفاها خْل َ‬
‫ّ‬ ‫ذه ِن الشاعر‪،‬‬
‫آخر من الديوان‪:‬‬
‫بينهما‪ ،‬يقول في موضع َ‬

‫وكن ِت‬
‫العي ِن ُم ْذ ُك ْن ُت ْ‬
‫ونور ْ‬ ‫ِ‬
‫يا ُمنى اْلَقْلب َ‬

‫ص ْن ِت‬
‫نت َو ُ‬
‫ص ُ‬‫اس بما ُ‬
‫الن ُ‬ ‫أش ْأ أن َ‬
‫يعلم ّ‬ ‫َل ْم َ‬

‫ظ َن ْن ِت‬ ‫ليًلي وِه ْندي َو ُسعادي ْ‬


‫من َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬

‫‪1‬‬ ‫لكن المسمى هو ِ‬


‫أنت‬ ‫األسماء َّ ُ ّ َ‬
‫ُ‬ ‫تَ ْكثُُر‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،1‬ص‪.247‌–‌246‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ص‌‪.248‌–‌247‬‬

‫‪140‬‬
‫مصوًار‬ ‫ِ‬
‫بعض قصائده وقصصه الشعرية‬ ‫نفسه في‬ ‫ِ‬ ‫وهو ِ‬
‫ّ‬ ‫من الشاعر في ّأنه يقصُد َ‬
‫صريح َ‬
‫اعتراف َ‬‫َُ ْ‬
‫الحب والشوق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ما يعانيه من ألم ّ‬

‫حال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫العطف في قصيدة "شهيد المروء وشهيدة الغرام"‪َ ،‬‬
‫ومن أمثلة التكرار عنده‪ ،‬تك ارره حروف َ‬
‫االنتقام لها‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫َ‬ ‫هاجم محبوبته‪ ،‬فأراد‬
‫َ‬ ‫تصويره لقاء الفتى "أديب" في مواجهة الذئب الذي‬

‫بكب ٍر َغر ِ‬
‫يب‬ ‫ِ‬
‫سار َن ْح َو ال ّذيب ‪َ َ ...‬‬
‫َو َ‬

‫كاألسِد الرئ ِ‬
‫بال‬ ‫َي ْمشي َوال ُيبالي ‪ّ َ ْ ...‬‬

‫ط ُب في تَفاُق ْم‬
‫ظ ْم ‪ ...‬واْل َخ ْ‬
‫الروعُ في تَعا ُ‬
‫وّ‬

‫من ُه َعوى واض َ‬


‫ط َربا‬ ‫حتّى إذا ما ا ْقتَ َربا ‪ْ ...‬‬

‫اء‬
‫فامتَ َأل ْت ُعو َ‬
‫األصداء ‪ْ ...‬‬
‫َ‬ ‫َّه‬
‫ونب َ‬

‫ومدب ار‬ ‫ثُ َّم مشى ثُ ّم جرى ‪ُ ...‬م ْستَ ً‬


‫قبًل ُ‬
‫ول ذاك اْلموِق ِ‬
‫ف‬ ‫من ه ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َْ‬ ‫تخوف ‪َ ْ ...‬‬
‫الناس في ّ‬
‫و ُ‬

‫حينا َعلى تًَلقي ‪ ...‬ثُ َّم َعلى ا ْفِتر ِ‬


‫اق‬ ‫ً‬

‫انف ِ‬
‫كاك‬ ‫اشِت ِ‬
‫باك ‪ ...‬ثم على ِ‬ ‫ثم على ْ‬
‫َّ‬
‫ّ‬

‫ع‬ ‫ِ‬
‫ص َد ْ‬
‫صوتًا َ‬
‫هم في َهَل ْع ‪ ...‬إ ْذ َسمعا َ‬
‫وب ْينما ْ‬
‫َ‬

‫الس ِ‬
‫ندان‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫اآلذان ‪ ...‬كطرقة ّ‬ ‫فصك في‬

‫ِ‬
‫مرجرجا‬ ‫ثم عواء مزِعجا ‪َّ ...‬‬
‫مط ِرًدا‬ ‫َّ‬
‫ً‬
‫وأبصروا الذئب جرى ‪ ...‬إلى ٍ‬
‫بعيد ُمدِب ار‬ ‫َ‬
‫‪2‬‬
‫وهوى‬
‫طا َ‬ ‫ثم التوى ‪َ ...‬‬
‫وسار َش ْو ً‬ ‫ثم سجا َّ‬
‫َّ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،2‬ص‪.326‬‬
‫‪2‬‬
‫‌المصدر‌السابق‪‌،‬ج‪‌،1‬ص‌‪.85‌–‌84‬‬

‫‪141‬‬
‫ِ‬
‫من األدوات التي تُس ِه ُم في تماسك ّ‬
‫النص اللغوي وتعانق أجزائه فًل‬ ‫حروف العطف َ‬
‫َ‬ ‫شك َّ‬
‫أن‬ ‫ال َّ‬
‫الحد ِث بدّق ٍة‬
‫وير َ‬‫تص ِ‬
‫أج َل ْ‬
‫أن الشاعر هنا قد حشد منها ًّ ِ‬
‫كما الفتًا‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫نص‪ّ ،‬إال َّ‬
‫يكاد يخلو منها ّ‬
‫ُ‬
‫نحو‬ ‫ِ‬
‫ذلك تصويره الحركة التعاقبية للفتى إذ يمشي َ‬ ‫العين‪ .‬ومن َ‬ ‫وجعله حاض ًار مرأى َ‬‫متناهية‪َ ،‬‬
‫من بعُد إلى صورِة ال ّذ ِ‬
‫ئب الذي َعوى في‬ ‫الذئب في حض َرِة الجمهور‬
‫َ‬ ‫وينقل المتلقي ْ َ ْ‬
‫ُ‬ ‫المروع‪،‬‬
‫ّ‬
‫عد بالجري‪.‬‬
‫من َب ُ‬ ‫مشي ُه ْ‬
‫أتب َع َ‬
‫حينا‪ ،‬و َ‬
‫تحرك ببطء ً‬
‫ثم ّ‬ ‫ِ‬
‫األصداء على إثر مواجهة الفتى له‪ّ ،‬‬
‫بعد ذلك األحداث في شر ٍ‬
‫يط متسارع‪ ،‬فتارًة يلتقيان‪ ،‬وأخرى يفترقان‪ ،‬وتارًة‬ ‫وينُقل الشاعر من ِ‬

‫بين‬ ‫ِ‬ ‫يشتبكان وأخرى ّ‬


‫وذروة الحدث بينهما‪ ،‬في تعالق ما َ‬ ‫َ‬ ‫الصراع‬
‫مشهد ّ‬
‫َ‬ ‫يجسُد‬
‫فهو ّ‬‫ينفكان‪َ ،‬‬
‫أنذر صوت عوائه‬
‫ال الذئب متعاقبة‪ ،‬إذ َ‬
‫بعُد أحو َ‬
‫ويصف من ْ‬
‫ُ‬ ‫المشاهد بواسطة أحرف العطف‪،‬‬
‫القصة وتماسك‬ ‫بر يجري‬ ‫ِ‬
‫ماس َك الحبكة في ّ‬
‫مبتعدا عن القوم ما يعني ت ُ‬
‫ً‬ ‫ثم وّلى مد ًا‬
‫بنهاية السجال‪ّ ،‬‬
‫وتلوى على نفسه فسقط‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ثم ّإنه ضعف من بعد ذلك ّ‬
‫ضا‪ّ ،‬‬
‫بع ً‬
‫أحداثها برقاب بعضها ْ‬
‫بر الذي آل ِ‬
‫إليه كسرى‬ ‫أما في ملحمته "نيرون" فقد برع الشاعر في تصوير مشهِد التعالي و ِ‬
‫الك ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫جس َد ذلك في‬
‫أمته التي أوصلته إلى هذا إذ استخفها فأطاعته‪ ،‬وقد ّ‬
‫الذل والتمّلق من ّ‬
‫في مقابل ّ‬
‫ٍ‬
‫مشهد حوارٍّي َ‬
‫بينهما‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫ط ّار‬
‫اس ُ‬ ‫وبه ‪ ...‬يا َفقيد ِّ ِ‬
‫قال بي حسن فقاَلت‪ِ :‬‬
‫الن َ‬
‫الش ْبه‪ُ ،‬فْق َت ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬

‫حو ُسك ار‬


‫الص َ‬
‫عيد ّ‬ ‫ط ِرب ‪َ ...‬ف َ‬
‫أجاب ْت‪َ :‬وتُ ُ‬ ‫قال‪ّ :‬إني ُم ْ‬
‫َفتَ َرّقى‪َ ،‬‬

‫سم ُعم ار‬ ‫قال‪ :‬في التّ ِ‬


‫الر َ‬
‫صوير لي ‪ُ ...‬غ َرر‪ ،‬قاَل ْت‪َ :‬وتؤتي ّ‬ ‫َفتمادى‪َ ،‬‬

‫وت َن ْش ار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الم َ‬
‫قالت وتُحيي َ‬
‫به لي‪ْ ،‬‬
‫قال‪ :‬في التّمثيل ال ‪ ...‬ش َ‬
‫َفتَغالى‪َ ،‬‬

‫فأجاب ْت‪ّ :‬إنما تَ ْن ِظ ُم ُد ّار‬


‫َ‬
‫َفتَناهى‪ ،‬قال إني ِ‬
‫شاعر ‪...‬‬ ‫َ ّ‬
‫‪1‬‬
‫المْل ِك َو ْأزرى‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫َف َع َرْت ُه جّنة زَان ْت له ‪ُ ...‬خط ًة ْأدهى على ُ‬

‫تماس ِك‬
‫الشاعر بغي َة ُ‬
‫ُ‬ ‫ظ هيمنة حرف العطف "الفاء" بداي َة األبيات الشعرّية‪ ،‬الذي استعمله‬
‫ُيْل َح ً‬
‫المتتابع إذ تتّ ِ‬
‫ص ُل‬ ‫باعا‪ ،‬في تقريب لصورة الحوار‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ِ‬ ‫حرف ربط َيص ُل السابق بالًلحق ت ً‬
‫َ‬ ‫كونه‬
‫نصه؛ َ‬ ‫ّ‬

‫‪1‬‬
‫‌مطران‪‌،‬خليل‪‌،‬ديوان الخليل‪‌،‬ج‌‪‌،3‬ص‌‪‌ .58‬‬

‫‪142‬‬
‫أج َل إتما ِم المعنى وتًلحمه‪ ،‬وهي ُّ‬
‫تشد سمع المتلقي إلى استم اررية الحديث‬ ‫بينها َ‬
‫األبيات فيما َ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫صعد في األحداث وتسلسلها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وتوقه للوصول إلى المنتهى من بعد هذا التعاقب‪ ،‬إضاف ًة إلى الت ّ‬
‫الداخلية في استعماله األفعال المنتهية باأللف (ترقى‪/‬‬
‫ّ‬ ‫اعتَ َمد الشاعر أسلوب التقفية‬
‫فقد ْ‬
‫وغير ذلك ْ‬
‫الموت َنش ار ) ما ُيضفي على‬
‫َ‬ ‫الرسم ُعم ار ‪ /‬تحيي‬
‫َ‬ ‫وكذا التقفية في ( تؤتي‬
‫تمادى‪ /‬تغالى‪ /‬تناهى) َ‬
‫إيقاعية إضاف ًة إلى التكرار اللفظي بداي َة األبيات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫النص قيم ًة‬
‫ّ‬

‫افترض‬
‫َ‬ ‫مع ما‬
‫أن هذه المًلمح اإليقاعية في الشعر القصصي عند خليل مطران تتوافق َ‬ ‫يبدو َّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بعض المًلمح اإليقاعية‬ ‫فالقصة المر ّتدة إلى أصل نثري كانت ً‬
‫سببا في تغير‬ ‫ّ‬ ‫بداي َة هذا الفصل؛‬
‫األول فقد بدا هناك تغيير على هيكلة‬
‫أما على ّ‬ ‫المألوفة على الصعيدين الخارجي والداخلي‪ّ :‬‬
‫القصائد متمثلة في هيئة مسمطات مختلفة القوافي‪ ،‬وكذلك تنويع في القوافي واألوزان داخل‬
‫القصيدة الواحدة الختًلف مشاعر الشخصيات في القصة‪.‬‬

‫ِ‬
‫المشهد القصصي‬ ‫ِ‬
‫الستكمال‬ ‫ملحة‬ ‫ِ‬
‫كان التّضمين ضرورة ّ‬
‫أما على صعيد اإليقاع الداخلي‪ ،‬فقد َ‬
‫وّ‬
‫سيما في‬ ‫ِ‬
‫أن التكرار ال ّ‬
‫عيبا من عيوب القوافي‪ ،‬باإلضافة إلى ّ‬
‫في القصيدة وقد كان من قبل ً‬
‫ِ‬
‫بعض الرتابة‬ ‫ِ‬
‫ولكسر‬ ‫القصة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ملحة أو صيغة ضرورّية لتتبع حبكة ّ‬ ‫حروف العطف بدا حاج ًة ّ‬
‫النثرية‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬

‫الداللة‪ ،‬وامتثالها في استقراء الِبنى اإليقاعية‬


‫بين اإليقاع والعروض و ّ‬
‫تبين العًلقة ما َ‬
‫بعد محاولة ّ‬
‫َ‬
‫الداخلية بأقسامهما في ديوان الشاعر خليل مطران وتحليلها‪ ،‬فقد خلصت الدراسة إلى‬
‫ّ‬ ‫الخارجية و‬
‫ّ‬
‫النتائج اآلتية‪:‬‬

‫‪ -‬ال يمكن البت في أسبقية اإليقاع على الداللة أو العكس؛ لعًلقتهما الجدلية‪ ،‬فاإليقاع في‬
‫يصل التحديد‬
‫معين‪ ،‬وَف ُ‬
‫النص إلى إيقاع ّ‬ ‫توجه ّ‬ ‫ذاته م ٍ‬
‫فض إلى داللة‪ ،‬والداللة ذاتها قد ّ‬ ‫ُ‬
‫بالنص – أداته ‪،-‬‬
‫ّ‬ ‫ال المتعلقة‬
‫في ذا التعاقب‪ ،‬يعتمد على استقصاء جميع الدو ّ‬
‫النص‪.‬‬
‫المحمل به ّ‬
‫ّ‬ ‫للنهوض بالمعنى‬
‫وبالمرسل – الشاعر –‪ ،‬والمتلّقي ومتعّلقاتهما ّ‬

‫‪ -‬تُفضي الدراسات اإلحصائية للبحور الشعرية التي نظم عليها مطران إلى قربها من نسب‬
‫اثية‪ ،‬مع مًلحظة إيًلء "البحر الخفيف" مرتبة سابقة على "البحر‬
‫شيوع البحور التر ّ‬
‫يخيا‪.‬‬
‫المتصدرة تار ً‬
‫ّ‬ ‫طويل" وكًلهما من البحور‬
‫ال ّ‬

‫تعمًدا‪َّ ،‬‬
‫ألن‬ ‫‪ -‬يبدو اختصاص الشاعر البحر الخفيف بغرض الرثاء إلى جانب الكامل كان ّ‬
‫وقوة؛ ما يمنح مطران مرون َة التعبير في المراثي التي‬
‫بين خفة ّ‬
‫مما يتراوح إيقاعه َ‬
‫الخفيف ّ‬
‫َ‬
‫جاهز يسعفه‬
‫ًا‬ ‫قالبا شعرًّيا‬
‫غلب على بعضها عنصر التقية والمجاملة‪ ،‬إضاف ًة إلى جعله ً‬ ‫َ‬
‫شعرا‪ .‬ولكوِنه – البحر الخفيف ‪ -‬ذا‬
‫أي آن ُيطلب منه تأدية واجب العزاء والتأبين ً‬
‫في ّ‬
‫بين الناس؛ ما‬
‫وقع طربي ما يجعل القصائد التي نظمت عليه سهلة الحفظ والتداول َ‬ ‫ٍ‬
‫ضيفا في ديارهم‪.‬‬
‫شكرهُ فضَل ُهم في استقباله ً‬
‫ظ َ‬‫يحف ُ‬

‫متقدمة فيما نظمه متغلّبة على "مخلّع البسيط"‬


‫‪ْ -‬أولى خليل مطران "البحر الًلحق" مر َتب ًة ّ‬
‫النظ ِم واإلنشاد أو‬ ‫ِ‬
‫آناء ّ‬
‫األول عن الخليل‪ ،‬وذلك الشتباه إيقاعهما عليه َ‬ ‫عد ِم ورود ّ‬
‫غم َ‬
‫رَ‬
‫ظّنه أنه مخلع‬
‫وكان َ‬
‫فنظم على الًلحق َ‬ ‫ٍ‬
‫بينهما‪َ ،‬‬‫بفيصل دقيق َ‬ ‫وليس سماعُ اللحن‬
‫اإللقاء‪َ ،‬‬
‫البسيط‪.‬‬

‫يستغل الشاعر خليل مطران وقوفه على محطات التجديد في تاريخ الشعر العربي لُِي َم ِّك َن‬ ‫‪ْ -‬‬
‫نسق الشطرين الذي عهدته‬ ‫فاختر َق َ‬
‫َ‬ ‫ُح ّجته في الجديد الذي يرومه في الشعر المعاصر؛‬

‫‪144‬‬
‫وكيفا في توظيف التفعيًلت‬
‫كما ً‬‫مع تًلعبه ًّ‬
‫الموشحات َ‬
‫ّ‬ ‫القصيدة العربية ونظم في هيئة‬
‫ثم عمد إلى التجديد العروضي بإقحامه تفعيًلت غريبة عن البحر الذي‬ ‫في األبيات‪ّ ،‬‬
‫لحنه أو أنشده في‬
‫كرره أو ّ‬
‫مختلفا ال َينبو عن السمع إذا ما ّ‬
‫ً‬ ‫إيقاعا‬
‫ً‬ ‫يشكل‬
‫ينظم عليه‪ ،‬ما ّ‬
‫العامة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫حضرة ّ‬

‫سلك‬
‫َ‬ ‫ألنه‬
‫‪ -‬كانت قوافي مطران في معظمها مطلقة قريبة من نهج القدماء في ذلك؛ ّ‬
‫مًلءم ًة للسياق ولوضوح‬ ‫فس والص ِ‬
‫وت‬ ‫الن ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫امتداد ّ‬
‫َ‬ ‫طريقتهم في اإلنشاد واإللقاء؛ ما َيعني‬
‫متقدم؛ إذ ّإنه نزل‬ ‫ِ‬
‫بالنسبة لقوافيهم كانت الفتة على نحو ّ‬
‫َ‬ ‫المقيدة‬
‫ّ‬ ‫أن قوافيه‬
‫السمع‪ّ ،‬إال ّ‬
‫ّ‬
‫عاجية اللغة‪ ،‬فعمد إلى تسكين قوافيه موائمة وكًلم‬
‫ّ‬ ‫بلغته إلى مستوى الشعب ً‬
‫بعيدا عن‬

‫موضوعا يقرب من أن يكو َن ً‬


‫نثرا‪ ،‬وقربها من‬ ‫ً‬ ‫العامة ولقربها من اللغة النثرية إذا ما تناول‬
‫ّ‬
‫بعض ألوان الشعر الشعبي‪.‬‬

‫‪ُ -‬ي ّنوعُ مطران في قوافيه وكذلك بحوره على صعيد القصيدة الواحدة في تجسيد لفضاءات‬
‫النص الواحد‪ ،‬فثنائية القافية تعني ثنائية المشاعر وكذلك‬
‫نفسية أو فكرّية متباينة داخل ّ‬
‫ّ‬
‫البحور؛ فانتقاله من إيقاع وزٍن إلى آخر يفضي إلى انتقال من فضاء شعوري نفسي‬
‫إلى فضاء آخر‪.‬‬

‫مطوالته الشعرية‪،‬‬
‫فنظم على الشائع منها ّ‬‫َ‬ ‫روي أشعاره؛‬
‫تخيره ّ‬
‫كان مطران انتقائيًّا في ّ‬
‫َ‬ ‫‪-‬‬
‫يضطر إلى‬
‫ّ‬ ‫ونظم على النادر المقطوعات القصيرة وبعض النتف الشعرّية‪ ،‬حتّى ال‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫كلمات غريبة ينتهي بها هذا الروي‪ ،‬فيمجها إلف المستمع‪.‬‬ ‫استعمال‬

‫األول؛ وهذا مًلئم لنهجه في اإلنشاد‬ ‫‪ -‬تكاد تكون معظم أشعار مطران ُم ّ‬
‫صرعة البيت ّ‬
‫تهيئ الذهن‬
‫من اإليقاعية الداخلية التي ّ‬
‫نوعا َ‬
‫واستمالة الحضور إليه؛ إضاف ًة إلى إضفائه ً‬
‫وكان يلجأ في‬ ‫صرعة؛‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫وتذكرها بشكل أسرع مما لو لم تكن ُم ّ‬
‫إلى استحضار القصيدة ّ‬
‫مر الزمن فأغناها بإيقاعات متعددة‬
‫ذلك إلى المقطوعات التي يريد لها أن تُذكر على ّ‬
‫وكان التصريع من ضمنها‪.‬‬

‫‪ -‬يلجأ الشاعر إلى تقنية التّدوير في إلحاح منه على إيصال الفكرة والمعنى على حساب‬
‫اإليقاع‪ ،‬ما يقرب األبيات المدورة من األسلوب النثري؛ الذي يلجأ إليه مطران في‬

‫‪145‬‬
‫ألن في‬
‫سردياته الشعرّية‪ ،‬ال سيما في المراثي وفي البحر الخفيف على وجه التحديد‪ّ ،‬‬
‫وصفيا وطول نفس؛ فًلءم التدوير هذا السياق‪.‬‬
‫ً‬ ‫تكثيفا‬
‫المراثي ً‬

‫إلحاحا منه على فكرة يريد إيصالها أو استئناسا ِ‬


‫بذكر‬ ‫ً‬ ‫‪ -‬يعتمد الشاعر التكرار في أشعاره‬
‫ً‬
‫بعض نصوصه من النثر‪ ،‬فيغنيها‬‫السردية التي تقرب َ‬
‫ّ‬ ‫سر للرتابة‬
‫وك ًا‬ ‫ٍ‬
‫حبيب أو مكان‪َ ،‬‬
‫الشعرّية‪ ،‬ال سيما تكرار حروف‬
‫إيقاعا‪ ،‬مع مًلحظة ّأنه صفة مًلزمة لقصصه ّ‬
‫ً‬ ‫التكرار‬
‫بقوة فيها لتماسك وحدتها العضوية والموضوعية ولتحقيق مستوى‬
‫العطف التي تحضر ّ‬
‫امية فيها‪.‬‬
‫الدر ّ‬

‫خص مطران قصائد طويلة كاملة لغرض القصص الشعري على غير المعهود عند‬ ‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫معتمدا تسكينها في‬
‫ً‬ ‫القصة في أصلها جنس نثري فقد ّنوع في قوافيها‬
‫ألن ّ‬‫العرب‪ .‬و ّ‬
‫ونوع كذلك في بحورها في تجسيد منه للتغيرات النفسية الطارئة على‬
‫حاالت كثير‪ّ ،‬‬
‫شخصيات قصصه‪.‬‬

‫كان‬ ‫‪ -‬بات التّضمين تقنية إيقاعية ضرورية الكتمال المشهد القصصي المو ّ ِ‬
‫شعرا‪ ،‬وقد َ‬
‫ظف ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫أن هذا ينفي أن يكون كذلك في أشعار مطران‪ ،‬ألنه‬‫عيبا في عرف النقاد القدماء؛ ّإال ّ‬
‫ً‬
‫قديما على نحو‬
‫عمد إلى توظيف أغراض تًلئمها هذه الظاهرة‪ ،‬ما كان قد عرفها العرب ً‬
‫ما هي عليه اآلن‪.‬‬

‫‌‬

‫‌‬

‫‌‬

‫‌‬

‫‌‬

‫‌‬

‫‌‬

‫‌‬

‫‌‬

‫‪146‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫الكتب‪:‬‬

‫القرآن الكريم‪.‬‬

‫أ‪.‬أ ريشتاردز‪ ،‬مبادئ النقد األدبي‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد مصطفى بدوي‪ ،‬ط ‪ ،1‬المجلس األعلى‬
‫للثقافة‪ ،‬القاهرة‪2005 ،‬م‪.‬‬

‫ابن األثير‪ ،‬ضياء الدين نصر هللا بن محمد ( ‪ 637‬هـ)‪ ،‬المثل السائر في ِ‬
‫أدب الكاتب‬
‫والشاعر‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد الحوفي‪ ،‬بدوي طبانة‪ ،‬د ‪/‬ط‪ ،‬دار نهضة مصر للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫أحمد‪ ،‬محمد فتوح‪ ،‬الحداثة الشعرية‪ :‬األصول والتجّليات‪ ،‬د ‪ /‬ط‪ ،‬دار غريب للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ 2006 ،‬م‪.‬‬

‫األخفش‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬سعيد بن مسعدة ( ‪ 830‬هـ )‪ ،‬كتاب القوافي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد راتب النفاخ‪،‬‬
‫ط ‪ ،1‬دار األمانة‪ ،‬بيروت‪ 1974 ،‬م‪.‬‬

‫الشعر‪ ،‬ترجمة‪ :‬إبراهيم حمادة‪ ،‬د ‪ /‬ط‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرية‪،‬‬


‫فن ّ‬‫أرسطو ( ‪ 322‬ق‪ .‬م )‪ّ ،‬‬
‫مصر‪ ،‬د ‪ /‬ت‪.‬‬

‫إسماعيل‪ ،‬عز الدين‪ ،‬قضايا الشعر المعاصر‪ :‬قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية‪ ،‬ط ‪ ،3‬دار‬
‫الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د ‪ /‬ت‪.‬‬

‫ابن أبي اإلصبع العدواني‪ ،‬عبد العظيم بن الواحد ( ‪ 654‬هـ )‪ ،‬تحرير التحبير في صناعة‬
‫الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد حنفي‪ ،‬د ‪ /‬ط‪ ،‬المجلس األعلى للشؤون‬
‫اإلسًلمية‪ ،‬الجمهورية العربية المتحدة‪.‬‬

‫األصفهاني‪ ،‬أبو الفرج علي بن الحسين ( ‪ 356‬هـ )‪ ،‬األغاني‪ ،‬د ‪ /‬ط‪ ،‬تحقيق‪ :‬إبراهيم السعافين‪،‬‬
‫إحسان عباس‪ ،‬بكر عباس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪.2008 ،3‬‬

‫‪147‬‬
‫أنيس‪ ،‬إبراهيم‪:‬‬

‫دًللة األلفاظ‪ ،‬ط ‪ ،5‬مكتبة األنجلو المصرية‪ ،‬مصر‪.1984 ،‬‬

‫الشعر‪ ،‬ط ‪ ،3‬مكتبة األنجلو المصرية‪ ،‬مصر‪ 1965 ،‬م‪.‬‬


‫موسيقى ّ‬

‫البنا عز الدين‪ ،‬د‪ /‬ط‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪،‬‬


‫أونج‪ ،‬والتر‪ ،‬الشفاهية والكتابية‪ ،‬ترجمة‪ :‬حسن ّ‬
‫‪ 1994‬م‪.‬‬

‫لطيب‪ ،‬إعجاز القرآن‪ ،‬تحقيق السيد أحمد الصقر‪ ،‬ط ‪ ،4‬دار‬


‫الباقًلني‪ ،‬أبو بكر محمد بن ا ّ‬
‫المعارف‪ ،‬القاهرة‪ 1977 ،‬م‪.‬‬

‫بنيس‪ ،‬محمد‪ ،‬الشعر العربي الحديث‪ :‬بنياته وابداًلتها‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار توبقال‪ 1991 ،‬م‪.‬‬

‫الحساني‪ ،‬حسن عبد هللا‪ ،‬ط ‪،3‬‬


‫ّ‬ ‫التبريزي‪ ،‬الخطيب‪ ،‬الكافي في العروض والقوافي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪ 1994 ،‬م‪.‬‬

‫التنوخي‪ ،‬أبو يعلى عبد الباقي ‪ ،‬كتاب القوافي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عوني عبد الرؤوف‪ ،‬ط ‪ ،2‬مكتبة‬
‫الخانجي‪ ،‬مصر‪ 1978 ،‬م‪.‬‬

‫الجاحظ‪ ،‬عمرو بن بحر ( ‪ 255‬هـ )‪ ،‬البيان والتبيين‪ ،‬د ‪ /‬ط‪ ،‬دار ومكتبة الهًلل‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪ 1423‬هـ‪.‬‬

‫جني‪ ،‬أبو الفتح عثمان بن جني ( ‪ 293‬هـ )‪ ،‬الخصائص‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد علي النجار‪ ،‬د ‪/‬‬
‫ابن ّ‬
‫ط‪ ،‬دار الكتب المصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د ‪ /‬ت‪.‬‬

‫الدين ( ‪ 597‬هـ )‪ ،‬المدهش‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ 1985 ،‬م‪.‬‬
‫ابن الجوزي‪ ،‬جمال ّ‬

‫الجوهري‪ ،‬أبو نصر إسماعيل بن حماد ( ‪ 393‬هـ )‪ ،‬الصحاح‪ :‬تاج اللغة وصحاح العربية‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬أحمد عبد الغفور عطار‪ ،‬ط ‪ ،4‬دار العلم للمًليين‪ ،‬بيروت‪ 1987 ،‬م‪.‬‬

‫مهنا‪ ،‬ط ‪ ،3‬دار الكتب العلمية‪،‬‬


‫حسان بن ثابت‪ ،‬ديوان حسان بن ثابت‪ ،‬شرح وتعليق‪ :‬عبد ّ‬
‫بيروت‪ 1994 ،‬م‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫أسلوبية لشعر طاهر رياض‪ ،‬ط‪ ،1‬المؤسسة العربية‬
‫ّ‬ ‫الخطيب‪ ،‬رحاب‪ ،‬معراج الشاعر‪ :‬مقاربة‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ 2005 ،‬م‪.‬‬

‫خلوصي‪ ،‬صفاء‪ ،‬فن التقطيع الشعري والقافية‪ ،‬ط ‪ ،5‬منشورات مكتبة المثنى‪ ،‬بغداد‪ 1977 ،‬م‪.‬‬

‫ال‪ ،‬ط ‪ ،1‬الدار العربية للعلوم‬


‫الد ّ‬
‫سيميائية ّ‬
‫ّ‬ ‫النص من بنية المعنى إلى‬
‫نظرية ّ‬
‫ّ‬ ‫خمري‪ ،‬حسين‪،‬‬
‫ناشرون‪ ،‬الجزائر‪ 2007 ،‬م‪.‬‬

‫خوري‪ ،‬منح‪ ،‬الشعر بين نقاد ثالثة ‪ :‬ت ‪ .‬س ‪ .‬إليوت ‪ ،‬أرشيبالد ماكليش ‪ ،‬أي‪ .‬أي ‪.‬‬
‫ريتشاردز‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الثقافة‪ ،‬بيروت‪1966 ،‬م‪.‬‬

‫الخولي‪ ،‬محمد علي‪ ،‬مدخل إلى علم اللغة‪ ،‬د‪ /‬ط‪ ،‬دار الفًلح للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪1993 ،‬‬
‫م‪.‬‬

‫درويش‪ ،‬أحمد‪ ،‬خليل مطران‪ :‬المسيرة واإلبداع‪ ،‬ترجمة‪ :‬رشا صالح‪ ،‬مراجعة‪ :‬محمود البجالي‪،‬‬
‫الشعري‪ ،‬الكويت‪ 2010 ،‬م‪.‬‬
‫البابطين لإلبداع ّ‬
‫ْ‬ ‫ط ‪ ،1‬مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود‬

‫اإليقاعية للشعر العربي‪ :‬نحو بديل جذري لعروض الخليل‪ّ ،‬‬


‫ومقدمة‬ ‫ّ‬ ‫أبو ديب‪ ،‬كمال‪ ،‬في البنية‬
‫في علم اإليقاع المقارن‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار العلم للمًليين‪ ،‬بيروت‪ 1981 ،‬م‪.‬‬

‫الشعر‬
‫ابن رشد‪ ،‬أبو الوليد ( ‪ 595‬هـ )‪ ،‬تلخيص كتاب أرسطوطاليس في الشعر ومعه جوامع ّ‬
‫للفارابي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد سليم سالم‪ ،‬د ‪ /‬ط‪ ،‬المجلس األعلى للشؤون اإلسًلمية‪ ،‬لجنة إحياء‬
‫التراث اإلسًلمي‪ ،‬القاهرة‪ 1971 ،‬م‪.‬‬

‫ابن رشيق‪ ،‬أبو علي‪ ،‬القيرواني ( ‪ 456‬هـ )‪ ،‬العمدة في محاسن الشعر‪ ،‬وآدابه‪ ،‬ونقده‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫محمد محيي الدين عبد الحمبد‪ ،‬ط ‪ ،5‬دار الجيل للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬سوريا‪ 1981 ،‬م‪.‬‬

‫الدين ( ‪ 773‬هـ)‪ ،‬عروس األفراح في شرح تلخيص المفتاح‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الحميد‬
‫السبكي‪ ،‬بهاء ّ‬
‫الهنداوي‪ ،‬ط ‪ ،1‬المكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪ 2003 ،‬م‪.‬‬

‫بين المثير والتأثير‪ ،‬ط ‪ ،2‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪ 1986 ،‬م‪.‬‬


‫السيد‪ ،‬عز الدين علي‪ ،‬التكرير َ‬

‫ابن سينا‪ ،‬أبو علي الحسين بن عبد هللا ( ‪ 428‬هـ )‪:‬‬

‫‪149‬‬
‫فن الشعر من كتاب الشفاء‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬د ‪ /‬ط‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بيروت‪1973 ،‬‬
‫م‪.‬‬

‫الشفاء‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد فؤاد األهواني‪ ،‬د‪ /‬ط‪ ،‬المطبعة األميرية‪ ،‬القاهرة‪ 1958 ،‬م‪.‬‬

‫األدبية‪ ،‬ط ‪ ،8‬مكتبة النهضة‬


‫ّ‬ ‫تحليلية ألصول األساليب‬
‫ّ‬ ‫بالغية‬
‫ّ‬ ‫الشايب‪ ،‬أحمد‪ ،‬األسلوب‪ :‬دراسة‬
‫المصرّية‪ ،‬مصر‪ 1991 ،‬م‪.‬‬

‫شوقي‪ ،‬أحمد‪ ،‬الشوقيات‪ ،‬مراجعة‪ :‬يوسف الشيخ البقاعي‪ ،‬د ‪ /‬ط‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪ 2008‬م‪.‬‬

‫الصاوي‪ ،‬محمد إسماعيل‪ ،‬شرح ديوان جرير‪ ،‬ط ‪ ،1‬مطبعة الصاوي‪ 1353 ،‬هـ‪.‬‬

‫صفي الدين الحلي ( ‪ 752‬هـ )‪ ،‬ديوان صفي الدين الحلي‪ ،‬د ‪ /‬ط‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪ /‬ت‪.‬‬

‫الضالع‪ ،‬محمد صالح‪ ،‬األسلوبية الصوتية‪ ،‬د ‪ /‬ط‪ ،‬دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪ 2002‬م‪.‬‬

‫ضيف‪ ،‬شوقي‪:‬‬

‫األدب العربي المعاصر في مصر‪ ،‬ط ‪ ،10‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د ‪ /‬ت‪.‬‬

‫العصر العباسي األول‪ ،‬ط ‪ ،8‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د ‪ /‬ت‪.‬‬

‫الفن ومذاهبه في الشعر العربي‪ ،‬ط ‪ ،12‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د ‪ /‬ت‪.‬‬

‫عباس عبد الساتر‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار‬ ‫ابن طباطبا‪ ،‬محمد أحمد العلوي ( ‪ 322‬هـ )‪ ،‬عيار ّ‬
‫الشعر‪ ،‬ت‪ّ :‬‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ 2005 ،‬م‪.‬‬

‫الطيب‪ ،‬عبد هللا‪ ،‬المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها‪ ،‬ط ‪ ،2‬مطبعة حكومة الكويت‪،‬‬
‫الكويت‪ 1989 ،‬م‪.‬‬

‫عبد التواب‪ ،‬رمضان‪ ،‬المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي‪ ،‬ط ‪ ،3‬مكتبة الخانجي‪،‬‬
‫القاهرة‪ 1997 ،‬م‬

‫‪150‬‬
‫عبد الحميد‪ ،‬محمد‪ ،‬في إيقاع شعرنا العربي وبيئته‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الوفاء لنشر الطباعة‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫‪ 2005‬م‪.‬‬

‫عبد اللطيف‪ ،‬محمد حماسة‪ ،‬الجملة في الشعر العربي‪ ،‬ط ‪ ،1‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪1990 ،‬‬
‫م‪.‬‬

‫النصّية‪ ،‬د ‪ /‬ط‪ ،‬الهيئة المصرّية‬


‫اللسانيات ّ‬
‫ّ‬ ‫العربية و‬
‫ّ‬ ‫عبد المجيد‪ ،‬جميل‪ ،‬البديع بين البالغة‬
‫العامة للكتاب‪ 1998 ،‬م‪.‬‬
‫ّ‬

‫بين البنية الدًللية والبنية اإليقاعية‪ ،‬د ‪ /‬ط‪،‬‬


‫عبيد‪ ،‬محمد صابر‪ ،‬القصيدة العربية الحديثة َ‬
‫منشورات اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪ 2001 ،‬م‪.‬‬

‫أبو العتاهية‪ ،‬إسماعيل بن القاسم ( ‪ 210‬هـ )‪ ،‬ديوان أبي العتاهية‪ ،‬د ‪ /‬ط‪ ،‬تحقيق‪ :‬كرم‬
‫البستاني‪ ،‬دار بيروت للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ 1986 ،‬م‪.‬‬

‫عزاوي‪ ،‬عباس‪ ،‬مخطوطة البنود العراقية‪ ،‬د ‪ /‬ط‪ ،‬مكتبة االمخطوطات‪ ،‬بغداد‪ ،‬د ‪ /‬ت‪.‬‬

‫عشقوني‪ ،‬منير‪ ،‬خليل مطران‪ :‬شاعر القطرين‪ ،‬ط‪ ،1‬دار المشرق‪ ،‬بيروت‪ 1991 ،‬م‪.‬‬

‫عصفور‪ ،‬جابر‪ ،‬مفهوم الشعر‪ :‬دراسات في التراث النقدي‪ ،‬ط ‪ ،5‬الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ 1995 ،‬م‪.‬‬

‫نقدية‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الشروق‪ ،‬األردن‪ 1997 ،‬م‪.‬‬


‫الشعر والتلّقي‪ :‬دراسات ّ‬
‫العًلق‪ ،‬علي جعفر‪ّ ،‬‬

‫العروض والقافية‪ :‬دراسة في التأسيس واإلدراك‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الثقافة‪ ،‬المغرب‪،‬‬


‫العلمي‪ ،‬محمد‪َ ،‬‬
‫‪ 1983‬م‪.‬‬

‫أبو عمشة‪ ،‬عادل‪ ،‬العروض والقافية‪ ،‬ط ‪ ،1‬مكتبة خالد بن الوليد‪ ،‬نابلس‪ 1986 ،‬م‪.‬‬

‫عياد‪ ،‬شكري‪ ،‬موسيقى الشعر العربي‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار المعرفة‪ ،‬القاهرة‪ 1928 ،‬م‪.‬‬

‫الفارابي‪ ،‬أبو نصر‪ ،‬محمد بن محمد ( ‪ 339‬هـ )‪ ،‬كتاب الموسيقى الكبير‪ ،‬تحقيق‪ :‬غطاس عبد‬
‫الملك خشبة‪ ،‬د ‪ /‬ط‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د ‪ /‬ت‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫ابن فارس‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬أحمد بن فارس ( ‪ 395‬هـ )‪ ،‬الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها‬
‫ّ‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪1997 ،‬‬
‫ّ‬ ‫وسنن العرب في كالمها‪ ،‬تعليق‪ :‬أحمد حسين بسج‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الكتب‬
‫م‪.‬‬

‫البنائية والقضايا النقدية ( بحث محكم )‪،‬‬


‫ّ‬ ‫فاوزي‪ ،‬محمد‪ ،‬ال ّتصريع في الشعر العربي‪ :‬الجذور‬
‫مجلة كلية اآلداب الجديدة‪ ،‬المغرب‪ 2010 ،‬م‪ ،‬مج ‪ ،11‬ع ‪.12‬‬

‫الزمان‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار المناهل للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪،‬‬


‫الدين‪ ،‬جودت‪ ،‬اإليقاع و ّ‬
‫فخر ّ‬
‫‪ 1995‬م‪.‬‬

‫النص‪ ،‬د‪ /‬ط‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬الكويت‪ 1978 ،‬م‪.‬‬


‫فضل‪ ،‬صًلح‪ ،‬بالغة الخطاب وعلم ّ‬

‫قدامة بن جعفر‪ ،‬نقد الشعر‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد المنعم خفاجي‪ ،‬د ‪ /‬ط‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬د ‪ /‬ت‪.‬‬

‫البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد الحبيب ابن‬


‫القرطاجني‪ ،‬حازم ( ‪ 684‬هـ )‪ ،‬منهاج ُ‬
‫ّ‬
‫الخوجة‪ ،‬ط ‪ ،3‬دار الكتاب العربي‪ ،‬تونس‪ 2008 ،‬م‪.‬‬

‫القيسي‪ ،‬نوري حمودي‪ ،‬لمحات من الشعر القصصي في األدب العربي‪ ،‬د ‪/‬ط‪ ،‬منشورات دار‬
‫الجاحظ للنشر‪ 1980 ،‬م‪.‬‬

‫كشك‪ ،‬أحمد‪ ،‬التدوير في الشعر‪ :‬دراسة في النحو والمعنى واإليقاع‪ ،‬ط ‪ ،1‬كلية دار العلوم‪،‬‬
‫جامعة القاهرة‪ 1989 ،‬م‪.‬‬

‫الماكري‪ ،‬محمد‪ ،‬الشكل والخطاب‪ :‬مدخل لتحليل ظاهراتي‪ ،‬ط‪ ،1‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪ 1991‬م‪.‬‬

‫مرعي‪ ،‬محمود‪ ،‬العروض الزاخر واحتماًلت الدوائر‪،‬ط ‪ ،1‬سلسلة الثقافة ( ‪ 2004 ،) 40‬م‪.‬‬

‫مطران‪ ،‬خليل‪ ،‬ديوان الخليل‪،‬ط‪ ،3‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ 1967 ،‬م‪.‬‬

‫ِ‬
‫بحل الكافي في علمي العروض والقوافي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد عفيفي‪،‬‬
‫المعمري‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬الوافي ّ‬
‫ط‪ ،2‬دار الكتب والوثائق القومية‪ ،‬القاهرة‪ 2012 ،‬م‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫العامة للتأليف‬
‫ّ‬ ‫منصور‪ ،‬سعيد حسين‪ ،‬ال ّتجديد في شعر خليل مطران‪ ،‬ط‪ ،1‬الهيئة المصرية‬
‫النشر‪ ،‬اإلسكندرّية‪ 1970 ،‬م‪.‬‬
‫وّ‬

‫ابن منظور‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬محمد بن مكرم بن علي ( ‪ 711‬هـ )‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ط ‪ ،3‬دار‬
‫صادر‪ ،‬بيروت‪ 1414 ،‬هـ‪.‬‬

‫نازك المًلئكة‪:‬‬

‫ديوان نازك المالئكة‪ ،‬د ‪ /‬ط‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيروت‪ 1997 ،‬م‪.‬‬

‫قضايا الشعر المعاصر‪ ،‬ط ‪ ،3‬منشورات مكتبة النهضة‪ ،‬القاهرة‪ 1967 ،‬م‪.‬‬

‫الناعوري‪ ،‬عيسى‪ ،‬أدب المهجر‪ ،‬ط ‪ ،3‬دار المعارف‪ 1977 ،‬م‪.‬‬

‫نجم‪ ،‬محمد يوسف‪ ،‬فن القصة‪ ،‬ط ‪ ،5‬دار الثقافة‪ ،‬بيروت‪ 1966 ،‬م‪.‬‬

‫الهاشمي‪ ،‬السيد أحمد‪ ،‬ميزان الذهب في صناعة شعر العرب‪ ،‬تعليق‪ :‬عًلء الدين عطية‪ ،‬ط ‪،3‬‬
‫مكتبة دار البيروتي‪ 2006 ،‬م‪.‬‬

‫الهاشمي‪ ،‬علوي‪ ،‬فلسفة اإليقاع في الشعر العربي‪ ،‬ط ‪ ،1‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪،‬‬
‫بيروت‪ 2006 ،‬م‪.‬‬

‫أبو هًلل‪ ،‬الحسن بن عبد هللا العسكري ( ‪ 395‬هـ )‪ ،‬كتاب ّ‬


‫الصناعتين‪ :‬الكتابة والشعر‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬علي البجاوي‪ ،‬محمد إبراهيم‪ ،‬ط‪ ،1‬دار إحياء الكتب العربية‪ ،‬القاهرة‪ 1952 ،‬م‪.‬‬

‫هًلل‪ ،‬محمد غنيمي‪ ،‬الّنقد األدبي الحديث‪ ،‬د ‪ /‬ط‪ ،‬دار نهضة مصر‪ ،‬مدينة السادس من‬
‫أكتوبر‪ 1997 ،‬م‪.‬‬

‫نموذجا‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الحوار‬


‫ً‬ ‫الشعر العربي الحديث‪ :‬خليل حاوي‬
‫الورتاني‪ ،‬خميس‪ ،‬اإليقاع في ّ‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬سوريا‪ 2005 ،‬م‪.‬‬

‫العروض والقافية وفنون الشعر‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الكتب‬


‫المفصل في علم َ‬
‫ّ‬ ‫المعجم‬
‫يعقوب‪ ،‬إميل بديع‪ُ ،‬‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ 1991 ،‬م‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫المحكمة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الرسائل العلمية واألبحاث‬

‫أيوب‪ ،‬حسام محمد‪ ،‬اإليقاع في شعر أحمد شوقي‪ :‬دراسة أسلوبية ( رسالة ماجستير )‪،‬‬
‫الجامعة األردنية‪ 1998 ،‬م‪.‬‬

‫البحراوي‪ ،‬سيد‪ ،‬التضمين في العروض والشعر العربي‪ ،‬مجلة فصول‪ ،‬مصر‪ ،‬مج ‪ ،7‬ع ‪،4 / 3‬‬
‫‪ 1987‬م‪.‬‬

‫بلعبدي‪ ،‬نبيلة‪ ،‬البنية اإليقاعية الداخلية في قصيدتي " كيف أعملي وحيلتي " و " وحدة الغزال "‬
‫ألبي مدين بن سهلة‪ ،‬مجلة الحكمة للدراسات األدبية واللغوية – مؤسسة كنوز‪ ،‬الجزائر‪2015 ،‬‬
‫م‪.‬‬

‫بوسيس وسيلة‪ ،‬في الشعرية البصرية‪ :‬مفاهيم وتجّليات ( بحث محكم )‪ ،‬مجّلة العلوم اإلنسانية‪،‬‬
‫ع ‪ 2012 ،38‬م‪.‬‬

‫توفيق‪ ،‬عباس‪ ،‬تجربة أمين الريحاني في الشعر المنثور‪ ،‬مجلة زانكو‪ ،‬ع ‪ ،1‬مج ‪ 1979 ،5‬م‪.‬‬

‫البالغية في تفسير " التحرير‬


‫ّ‬ ‫الجعيد‪ ،‬إبراهيم علي‪ ،‬خصائص بناء الجملة القرآنية ودًلًلتها‬
‫والتنوير " ( رسالة دكتوراة )‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬السعودية‪ 1999 ،‬م‪.‬‬

‫جًلل الدين‪ ،‬نازك المازري‪ ،‬خليل مطران وشعره القصصي ( رسالة ماجستير)‪ ،‬جامعة أم درمان‬
‫اإلسًلمية‪ 1999 ،‬م‪.‬‬
‫ّ‬

‫أبو حمادة‪ ،‬عاطف‪ ،‬البنية اإليقاعية في جدارية محمود درويش‪ ،‬مجلة جامعة القدس المفتوحة‬
‫للدراسات واألبحاث‪ ،‬ع ‪2011 ،25‬م‪.‬‬

‫تحليلية في قصيدة أبي ذؤيب‬


‫ّ‬ ‫صالح‪ ،‬ميثم مهدي‪ ،‬البناء القصصي في القصيدة العربية‪ :‬دراسة‬
‫الهذلي‪ ،‬مجلة مركز دراسات الكوفة‪ ،‬العراق‪ 2011 ،‬م‪ ،‬ع ‪.4‬‬

‫‪154‬‬
‫عبد الرازق‪ ،‬حميده‪ ،‬الشعر القصصي أو شعر المالحم‪ ،‬صحيفة دار العلوم ( اإلصدار الثاني )‪،‬‬
‫‪ 1939‬م‪ ،‬س ‪ ،5‬ع ‪.3‬‬

‫شعرية ال ّتكرار في المعّلقات‪ ،‬مجلة مركز الخدمة لًلستشارات‬


‫ّ‬ ‫الدغمان‪ ،‬محمد محمد مرسي‪،‬‬
‫البحثية بكلية اآلداب جامعة المنوفية‪ ،‬مصر‪ 2016 ،‬م‪ ،‬ع ‪.52‬‬

‫أسلوبية‪ ،‬مجلة مؤتة للبحوث والدراسات‪،‬‬


‫ّ‬ ‫ربابعة‪ ،‬موسى‪ ،‬التكرار في الشعر الجاهلي‪ :‬دراسة‬
‫األردن‪ 1990 ،‬م‪ ،‬مج ‪ ،5‬ع ‪.1‬‬

‫عمران‪ ،‬عبد نور داود‪ ،‬البنية اإليقاعية في شعر الجواهري ( رسالة دكتوراة )‪ ،‬جامعة الكوفة‪،‬‬
‫‪ 2008‬م‪.‬‬

‫مكونات البنية اإليقاعية في القصيدة العربية القديمة‪ ،‬حوليات اآلداب والعلوم‬


‫لكرد‪ ،‬عبد الفتاح‪ّ ،‬‬
‫االجتماعية‪ ،‬الكويت‪ ،‬مج ‪ ،28‬رسالة ‪ 2008 ،280‬م‪.‬‬

‫المومني‪ ،‬سهام علي سليمان‪ ،‬ظاهرة التكرار في شعر الرثاء ح ّتى نهاية العصر األموي ( رسالة‬
‫ماجستير )‪ ،‬جامعة اليرموك‪ ،‬األردن‪ 2009 ،‬م‪.‬‬

‫اللقاءات الصحفية والمواقع اإللكترونية‪:‬‬

‫وازن‪ ،‬عبده‪ ،‬دفاتر محمود درويش‪ ،‬لقاء صحفي‪ ،‬جريدة الحياة‪ 2008 /8 / 10 ،‬م‪.‬‬

‫‪.https://www.youtube.com/watch?v=GcY65q-8ueg‬‬

‫‪155‬‬

You might also like