You are on page 1of 73

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫جامعة الجزيرة‬
‫كلية التربية ‪ -‬حنتوب‬
‫قسم اللغة العربية والدراسات اإلسالمية‬

‫أثر الشعوبية في الشعر العباسي _ بشار بن برد أنموذجاً‬


‫دارسة أدبية نقدية‬
‫محمد الريح محمد دفع اهلل‬

‫بكالوريوس جامعة الجزيرة كلية التربية الحصاحيصا قسم اللغة العربية والدراسات‬
‫اإلسالمية‬
‫بحث تكميلي مقدم لنيل درجة ماجستير اآلداب‬
‫تخصص أدب ونقد‬

‫نوفمبر ‪2016‬م‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫أثر الشعوبية في الشعر العباسي _ بشار بن برد أنموذجاً‬
‫دارسة أدبية نقدية‬
‫محمد الريح محمد دفع اهلل‬
‫لجنة اإلشراف‪:‬‬

‫التوقيع‬ ‫الصفة‬ ‫االسم‬

‫المشرف أول ‪..................‬‬ ‫‪/1‬د‪.‬سيد أبو إدريس أبو عاقلة‬


‫المشرف الثاني ‪........................‬‬ ‫‪ /2‬د‪ .‬محمد الطيب الصديق‬

‫‪2‬‬
‫أثر الشعوبية في الشعر العباسي _ بشار بن برد أنموذجاً‬
‫دارسة أدبية نقدية‬

‫محمد الريح محمد دفع اهلل‬

‫لجنة االمتحان‬

‫التوقيع‬ ‫الصفة‬ ‫االسم‬


‫‪........................‬‬ ‫رئيساً‬ ‫‪ /1‬د‪ .‬سيد أبو إدريس‬
‫الممتحن الخارجي ‪........................‬‬ ‫‪/2‬د‪ .‬بركات محمد أحمد حمد النيل‬
‫‪........................‬‬ ‫الممتحن الداخلي‬ ‫‪/3‬د‪ .‬فوزي عبد الكريم‬

‫التاريخ‬

‫‪/17‬نوفمبر ‪2016/‬م‬
‫‪ /17‬صفر‪1438 /‬ه‬

‫‪3‬‬
‫ن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَ َعلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ‬
‫يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ ِم ْ‬

‫علِيمٌ خَبِيرٌ )‬
‫اللهَ َ‬
‫اللهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ َّ‬
‫أَ ْك َرمَكُمْ عِ ْندَ َّ‬
‫‪13‬‬

‫‪4‬‬
‫اإلهـــــــــــــداء‪:‬‬

‫إىل ملــــــــــــــــــــهم هـــــــــــــــذا العمل‬

‫إكراماً وتقديراً‬

‫إلـــــــــــــى والـــــــــــــدي و والـــــــــــــدتي‬

‫براً وإحساناً‬

‫إلــــــــــــــى زمــــــــــالئي وزمــــــــــيالتي‬

‫وفاء وتقديرا‬

‫أهـــــــــدي هذا العمل‬

‫ب‬

‫‪5‬‬
‫شــــــــــكر وتقديـــــــــــر‬

‫بعد شكري هلل سبحانه وتعاىل‬

‫أتوجه بالشكر اجلزيل لكل من أعانين يف كتابة هذا البحث‬

‫وأخص بالشكر أستاذي الفاضلني األستاذ حممد الطيب الصديق ‪،‬واألستاذ سيد أبو إدريس‬

‫تكرماً باإلشراف على حبثي ‪ ،‬ومل يبخال عليّ بالنصح واإلرشاد واملعونة‪.‬‬

‫‪6‬‬
2016

7
8
9
‫مقدمة ‪:‬‬

‫الحمد اهلل الذي بنعمته تتم الصالحات والصالة والسالم على سيد ولد آدم أجمعين سيدنا محمد وعلى‬

‫آله وأصحابه الطيبين الطاهرين أما بعد ‪.‬‬

‫فقد برزت نزعة الشعوبية في الشعر العباسي بصورة واضحة في عصريه األول والثاني ‪،‬هي كلمة‬

‫منسوبة إلى الشعوب األجنبية ‪ ،‬وكانت تقوم علي مفاخرة الشعوب من الفرس وغيرهم إنَّ الشعوبية فرقة‬

‫من الناس ذهبوا إلى تصغير شأن العرب وأنهم ال يرون لهم فضالً على غيرهم ‪،‬وأن جميع ما قالته‬

‫الشعوبية في مقام االستدالل في مدعاهم ‪ ،‬واقع في غير موقعه ‪ ،‬وقائم في غير محله ‪ ،‬فإن المدعى إنما هو‬

‫فضيلة الجنس فيما هو مناط الفضيلة بين أنواع بني آدم ‪ ،‬وهو أن سبب فضل جنس العرب ما اختصوا به‬

‫في عقولهم وألسنتهم ‪ ،‬وأخالقهم ‪ ،‬وأعمالهم وغير ذلك مما أسلفت و‪ ،‬بأتم وجه ‪ ،‬ليس المدعى أن الفضيلة‬

‫بنبوة حتى يقال إن أنبياء غير العرب أكثر من أنبيائهم ‪ ،‬وفي تقديري أن العرب بالطب والحكمة والذين‬

‫تميزوا بذلك أبي على بن سينا‪ ،‬ابن رشد وقد بلغا من الشهرة إلى حيث صار أعداؤهم في ذلك الوقت‬

‫يرغبون في معالجتهم إياهم كما يحكى أن بعض ملوك قسطلية كان قد اعتراه مرض االستسقاء فاشتهى أن‬

‫اللليفة على اإلذن في أن يذهب ويداويه‬ ‫تكون معالجته على يد األبطباء العرب ‪ ،‬وحصل من لط‬

‫المسلمون ‪ ،‬وهذا يدل علي أن العرب يتميزون بالحكمة والطب ‪ ،‬وبهذه الشهادة التي أدلى بها هذا الملك‬

‫برهان على أن العرب أصحاب حضارة ليس حيث ذهب بعض الشعوبيين إلى أن العرب رعاة وبدواً ليس‬

‫لهم حضارة ‪،‬واتبعت الدراسة في هذا الموضوع المنهج االستقرائي واالستنبابطي ‪ ،‬ويتكون الهيكل العام‬

‫للبحث من ثالثة فصول وستة مباحث ‪ ،‬تناولت الدراسة في الفصل األول مفهوم الشعوبية وتعريفها في‬

‫اللغة واالصطالح وحياة بشار بن برد ‪ ،‬وفي الفصل الثاني تناولت الفكر شعوبي والمطاعن الشعوبية ‪،‬‬

‫والفصل األخير أوردت أثر الشعوبية في الشعر العباسي والنفس الشعوبي في شعر بشار بن برد ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الفصـــــــل األول‬
‫مفهوم الشعوبية وحياة بشار بن برد‬

‫المبحث األول ‪ :‬تعريف الشعوبية ومظاهرها والذين ردوا عليها‬


‫المطلب األول‪ :‬تعريف الشعوبية لغة واصطالحا‪:‬‬
‫مظاهر الشعوبية‬ ‫المطلب الثاني ‪:‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬الذين ردوا على الشعوبية‬

‫المبحث الثاني‪ :‬حياة بشار‬


‫المطلب األول‪ :‬نسبه وحياته‬
‫المطلب الثاني‪ :‬وفاته‬

‫‪11‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف الشعوبية لغة اصطالحاً‪:‬‬

‫الشُّعوبي هو الذي يصغر شأن العرب ‪،‬وال يرى لهم فضالً على غيرهم ‪،‬وأما الذي في حديث‬
‫شعُوبُ أسلم ‪،‬فكانت تؤخذ منه الجزية فأمر عمر أن ال يؤخذ منه قال ابن األثير ‪:‬‬
‫مسروق أن رجل من ال ّ‬
‫‪1‬‬
‫شعَب قرية باليمامة ‪.‬‬
‫ب من القبائل واأل ْ‬
‫شعَ َ‬
‫أن الشّعبُ ما َت َ‬
‫شعُوبُ هنا العجم ووجهه َّ‬
‫ال ّ‬

‫شعَبَ انصلح ‪،‬قال ابن‬


‫شعَبُه شَعباً فأنْ َ‬
‫شعَبَهُ يَ ْ‬
‫شعَبَ عَنِّي ُفالَنٌ ‪ ،‬تَبَاعَدَ عنه َ‬
‫ُيشَاعبُ ‪ :‬يُفَارقُ أي يُفَارقُهُ ‪ ،‬ا ْن ْ‬
‫‪2‬‬
‫ِي ‪.‬‬
‫شعُوب ُّ‬
‫ب ‪ ،‬بلفظ الجمع على جيل العجم حتى قيل لمحتقر أمر العرب ُّ‬
‫الشعُو ُ‬
‫غلَبت ُّ‬
‫منظور‪ ، :‬وقد َ‬

‫والشعُوبيُّ محتقر أمر العرب وشِعبان بالكسر ماءُ لِبَني بكر بن كالب ‪ ،‬الشُّعبتان أكمةٌ لها قرنان ناتئان ‪،‬و‬
‫َّ‬
‫شعَبٌ الحق بطَريقهُ الفارق بينه وبين البابطل‬
‫شعَب باليمامة و ُم ْ‬
‫شعَب هو الطماع وال تكن أشْعب فتتعب األ ْ‬
‫أْ‬
‫‪3‬‬
‫‪،‬شُعيب من األنبياء ‪.‬‬

‫الشعُوبية ‪،‬بالضم فرقة تفضل العجم علي العرب وإنما نسب إلى الجمع ألنه صار علماً كاألنصار ويقال‬
‫ُّ‬
‫شعْبُ) ‪:‬هو النسب األول لعدنان و (القَبِيلةُ)‬
‫شعْبُ) ثم (قَبِيلَةٌ ) ثم (فَصِيلَةٌ) (فاَل ُ‬
‫أنساب العرب ست مراتب ( َ‬
‫ما أنقسم فيه أنساب الشعب و(ال ِعمَارةُ) ما انقسم فيه أنساب القبيلة و ‪(،‬البَطْنْ) ما انقسم فيه أنساب العمارة‬
‫‪(،‬الفَلْذُ) ما انقسم فيه أنساب البطن و(الفَصِيلةُ) ما انقسم فيه أنساب الفلذ ‪ ،‬فلزيمة شعب ‪،‬وكنانة قبيلة‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫وقريش عمارة ‪ ،‬وقصي بطن ‪،‬وهاشم فلذ والعباس فصيلة ‪.‬‬

‫الشَّعبُ‪ ،‬الجماعة الكبيرة ترجع ألب واحد ‪ ،‬وهو أوسع من القبيلة الجماعة من الناس تلضع لنظام‬
‫شعْبُ انفراج ما بين الرجلين و الشعاب بطريق مجرى الماء‬
‫إجماعي واحد والجماعة تتكلم لساناً واحداً وال ّ‬
‫تحت األرض ‪ ،‬شعبان هو الشهر الثامن من السنة القمرية و الشعبة فرقة من الشيء وفي التنزيل العزيز‬
‫‪6‬‬
‫قال ‪:‬تعالى (إلى ظل ذِي ثالث شُعب)‪ 5‬شعب ‪،‬وشعاب والشعب األصابع واألبطراف‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ابن منظور ‪ -‬لسنان العرب ج‪ 1‬دار الصادر بيروت (د‪ ،‬ط ) (د‪ ،‬ت) ص‪498‬‬
‫‪2‬‬
‫الزبيدي‪ -‬تاج العروس ج‪( 1‬د‪ ،‬ط) (د‪ ،‬ت) ص ‪632‬‬
‫‪3‬‬
‫الفيروز آبادي القاموس المحيط ج‪ 1‬مؤسسة الرسالة بيروت لبنان ط‪ 6‬تحقيق محمد عبد المنعم العرقوسي (د‪ ،‬ت) ص‪102‬‬
‫‪4‬‬
‫الفيومي – المصباح المنير ‪ -‬ج‪ 1‬المكتبة العلمية بيروت (د‪ ،‬ت) (د ‪ ،‬ط) ص‪314‬‬
‫‪5‬‬
‫سورة المرسالت اآلية (‪)33‬‬
‫‪6‬‬
‫ابراهيم مصطفى وأخرون المعجم الوسيط ج‪ 1‬المكتبة اإلسالمية للطباعة والنشر استانبول تركيا ط‪( 1‬د‪ ،‬ت) ص ‪483‬‬

‫‪12‬‬
‫الشعوبية اصطالحاً‬
‫هي نزعة كانت تقوم علي مفاخرة تلك الشعوب ‪،‬وفي مقدمتها الشعب الفارسي ‪ ،‬للعرب مفاخر تستمد‬
‫من حضارتهم ‪ ،‬وما كان العرب فيه من بداوة ‪،‬وحياة خشنة غليظة ‪،.‬نادى اإلسالم بقوة لهدم الفوارق‬
‫العصبية للقبائل ‪،‬والفوارق الجنسية للشعوب حتى يسود الوئام بين افراد األمة اإلسالمية ‪،‬فال عدناني ‪،‬وال‬
‫قحطاني ‪،‬وال عربي ‪ ،‬وال عجمي إنما هي أمة واحدة بتساوي أفرادها في جميع الحقوق ‪،‬وال تفاضل فيها إال‬
‫شعُوبًا وَقَبَائِلَ‬
‫ج َعلْنَاكُمْ ُ‬
‫خلَقْنَاكُم مِّن َذ َكرٍ وأنثى وَ َ‬
‫بالتقوى ‪،‬والعمل الصالح ‪،‬ويقول جل شأنه (يَا أ َُّيهَا النَّاسُ إِنَّا َ‬
‫‪1‬‬
‫لِ َتعَارَفُوا ۚ إِنَّ َأ ْك َر َمكُ ْم عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُ ْم ۚ إِنَّ اللَّهَ علي ٌم خَبِيرٌ)‬

‫‪،.‬ويقول الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪(:‬أيها الناس إنَّ ربكم واحد وإنَّ أباكم واحد كلكم آلدام وآدم خلق‬
‫‪2‬‬
‫من تراب ‪,‬أكرمكم عند اهلل أتقاكم وليس لعربي على عجمي فضل إال بالتقوى )‬

‫‪.‬وهذا بال ريب مثل أعلى ما أراده االسالم ألمته ‪,‬غير أنَّا ال نكاد نصل إلى عصر علي بن أبي بطالب‬
‫وما نشعب لعهده في صفين حتى نرى العصبيات القبلية تعود نزعة بين القبائل ‪،‬وكأنهم لم ينسوا حياتهم‬
‫القديمة بل لقد اضطرمت اضطرامآ تعهد ثائرته بطوال عصر بني أمية ‪.‬وقد مضى األمويون ينحرفون‬
‫عن جادة الدَّين في المعاملة مع الموالي فهم يرهقونهم بكثرة الضرائب ‪،‬وهم ال يسوُّون بينهم وبين العرب‬
‫‪3‬‬
‫في الحقوق إال ما كان من عمر بن عبد العزيز ولكن مدة حكمه كانت قصيرة ‪.‬‬

‫يقول ‪:‬ويراد بها النزعة العدائية للعرب ‪ ،‬وهي باإلبطالق الثاني مصدر صناعي ‪،‬والشُّعوبي في إبطالق أخر هو الذي‬
‫يسوِّي بين العربي وغيره ‪،‬وال يفضل العربي وقد اشتق من اآلية الكريمة ‪،‬وذلك ألن المسلمين من غير العرب دعوا‬
‫‪4‬‬
‫إلى التسوية وكان هذا شعارهم ‪،‬ثم توسع العرب فأبطلقوا الكلمة علي محتقر أمر العرب ‪.‬‬

‫وكانت هذه المعاملة السيئة للموالي قد مألتهم ضغينة وحقداً علي العرب ‪،‬أو بعبارة أدق علي الدولة األموية‬
‫‪,‬فشاركوا اللوارج والشيعة في الثورة عليها ‪،‬وأخذ فريق منهم يمثلهم إسماعيل بن يسار النسائي يفاخر العرب‬
‫بحضارة أمته الفارسية ‘وملوكها الساسانيين الذين غلبوا علي األرض وأعظم حقد الموالي الحفيظة الموجودة في‬
‫صدورهم ‪،‬والتفت منهم جماعات كثيرة حول أبي مسلم داعية العباسيين بلراسان ‪,‬وما لبثوا أن انتظموا في جيش‬
‫ضلم أدلوا به العباسيين من األمويين‪ ،‬وللفُرس من العرب إدارة نفذوا في أثنائها إلى مناصب الدولة العباسية‬
‫العليا ‪،‬بحيث كان منهم أكثر القواد ‪،‬وأكثر الوالة ‪,‬خاصة حين استولى على أزمة حكم البرامكة في عهد الرشيد‬
‫‪1‬‬
‫سورة الحجرات – اآلية ‪13‬‬
‫‪2‬‬
‫اخرجه البخاري فتح الباري في شرح صحيح البخاري ج‪ 6‬تحقيق ابن حجر دار النشر بيروت لبنان ص‪527‬‬
‫‪3‬‬
‫ضيف شوقي تاريخ األدب العربي ‪ 3‬العصر العباسي األول ‪ -‬ج ‪ - 1‬ط ‪ – 6‬دار المعارف مصر كرنيش النيل القاهرة ( د ت ) – ص ‪74‬‬
‫‪4‬‬
‫الوائلي أحمد ـ هوية التشيع ج‪ 1‬ص‪207‬‬

‫‪13‬‬
‫‪،‬وبنو سهل في عهد المأمون‪ ،‬وكان هذا التحول اللطير في مقاليد الحكم وما أصبح للفُرس من مكانة رفيعة في‬
‫‪1‬‬
‫المجتمع العباسي الجديد سبباً في بروز نزعة الشعوبية نسبة إلى الشعوب األعجمية ‪.‬‬

‫‪،‬وكان منهم معتدلون وقفوا عند حد التسوية بين العرب وغيرهم من الشعوب ‪,‬حسب تعاليم اإلسالم فال عربيًا يفضل‬
‫أعجمياً ‪ ،‬وال أعجمي يفضل عربياً‪ ،‬إذ ليس العروبة والعجمة ميزة في نفسها تُعلي من نفس صاحبها ‪،‬فالناس جميعاً‬
‫‪2‬‬
‫سواء وقد خلقوا من تراب ويعودون إلى التراب ‪.‬‬

‫وكان بجانب هؤالء المعتدلين المتطرفين الذين تجاوزوا التسوية بين العرب وغيرهم من الشعوب إلى اإلزراء‬
‫عليه م والنزول بهم دون مرتبة أو مراتب ‪,‬وهؤالء الذين تصدق عليهم كلمة الشعوبية إذ قدموا الشعب األجنبي‬
‫على العرب ‪,‬تنقصوا قدرهم‪ ،‬وصغروا شأنهم ‪3.‬‬

‫وظلت نيران الشعوبية مستعرة في هذا العصر علي نحو ما كانت مستعرة في العصر العباسي األول إذ‬
‫مضى كثيرون يشيدون بفضائل الشعوب القديمة وحضارتها‪ ،‬ومدنيتها ‪،‬وفى مقدمتها الفرس بسياساتهم ‪،‬وآدابهم‬
‫والروم بعلومهم وفلسفاتهم والهند بسحرها ومعارفها الرياضية وغير الرياضية ‪،‬وأنضم إلى هذه الدعوة كثيرون‬
‫من أبناء الشعوب األخرى من نبط ‪ ،‬وسريان وغيرهما منوهين جميعاً‪ ،‬لما كان بديارهم من علوم وفنون وعمارة و‬
‫كأنما ذهبت أدراج الرياح ورغم مناداة اإلسالم بهدم الفوارق الجنسية بين الشعوب ‪ ،‬كأنما كان هؤالء الشعوبيون‬
‫يبتغون أن يحدثوا صدعًا ال يلتئم وال يمكن الجمع بين أفراد األمة الواحدة ‪4‬‬

‫وقد لجّوا في تصوير ما كان عليه الجاهليون وعرب البوادي لعصرهم من العيش اللشن ‪،‬ومن الغلظة واألبطعمة‬
‫أنَّ العرب كانوا وال يزال كثيرون منهم بدواً ورعاة أغنام وإبل ‪،‬وأين هم من ملك األكاسرة‬ ‫اليابسة الجافة ‪ ،‬وكي‬
‫والقياصرة؟ ‪ ،‬وأين هم من الفرس والروم و حضارتهم ؟ وكان كثير من العلماء قد كتب في إفاضة عن مثالب‬
‫القبائل في القديم ‪ ،‬فاستغل هؤالء الشعوبيون ذلك ‪،‬وأخذوا منه أسلحة لدعوتهم ‪,‬وحتى فضائل العرب من مُثُل الكرم‪،‬‬
‫والشجاعة حاولوا بطمسها ناقضين لها نقضاً‪ ،‬وتصدى الجاحظ‪ ،‬وابن قتيبة لهذه النزعة اآلثمة وردوا عليها رداً‬
‫عنيفاً‪ ،‬ويتضح أنَّ ال تسوية بين الشعوب من نظرية اإلسالم أن اللطأ أن حمل القائلين بالتسوية على الشعوبيين أو‬
‫علي القول بالشعوبية إنما الشعوبيون هم الذين يعلون االعاجم على العرب وينادون بعدم التسوية حانقين حنقًا‬
‫شديدًا علي كل عربي ‪5.‬‬

‫‪1‬‬
‫ضيف شوقي – تاريخ األدب العربي العصر العباسي األول ج‪3‬ط‪ 6‬مصر القاهرة ص‪75‬‬
‫‪2‬‬
‫ضيف شوقي– المرجع السابق ص‪75‬‬
‫‪3‬‬
‫ضيف شوقي المرجع السابق ص‪76‬‬
‫‪4‬‬
‫شوقي ضيف ‪ -‬تاريخ األدب العربي العصر العباسي الثاني ج‪ 4‬دار المعارف مصر القاهرة ط‪( 2‬د‪،‬ت) ص‪97‬‬
‫‪5‬‬
‫صيف شوقي تاريخ األدب العربي العصر العباسي الثاني ج‪ – 4‬ط ‪ 2‬ص ‪100‬‬

‫‪14‬‬
‫الشعوبية حركة ثقافية حضارية مناهضة للعرب ‪،‬وكان العراق هو المسرح الذي ظهرت عليه ‪،‬‬
‫وترعرعت فيه ‪،‬ألنَّه كان ملتقى العنصر العربي الغالب بالعنصر الفارسي المغلوب ‪،‬هي حركة بدأت في‬
‫‪1‬‬
‫الثاني من القرن األول الهجري ‪.‬‬ ‫النص‬

‫في هذا الحديث ومما ساعد الشعوبيون في علو كعبهم‬ ‫وفي رأيَّ الشلصي أوافق الدكتور شوقي ضي‬
‫علي العرب والتطاول عليهم بيئة العراق ومجاورتها للشعوب األجنبية‪.‬‬

‫إنَّ لفظ الشعوبية مأخوذ من الشُّعوب ‪:‬جمع شعب‪ ،‬وهو جيل الناس ‪ ,‬وهو أوسع من القبيلة وأشمل ‪.‬قال‬
‫‪:‬الزبير بن بكار الشَّعب "ثم القبيلة ‪،‬ثم العمارة ‪،‬ثم البطن ‪،‬ثم الفلذ ثم‪ ،‬الفصيلة" ‪ ،.‬وعلى هذا فالعرب‬
‫‪،‬والروم شعب والفرس شعب وهكذا وقد ذهب قوم إلى أنها مأخوذة من الشعوب في قوله تعالي ‪ ):‬يأيها‬
‫الناس إنَّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ‪ )....‬إنَّ المراد بالشعوب بطون العجم ‪،‬‬
‫وبالقبائل قبائل العرب وهو تفسير في نظرنا غير صحيح ‪،‬وأوضح دليل على ذلك أن العرب لم تكن تفهمه‬
‫حين نزلت اآلية فقد نقل الينا الطبري آراء كثير من الصحابة والتابعين في تفسير اآلية كلها تدور حول أن‬
‫المراد بالشعوب النسب البعيد او البطون ‪،‬والقبائل دون ذلك‪ ،‬والذي يظهر أن تفسير الشعوب بالعجم‬
‫والقبائل بالعرب تفسير شعوبي وضعه أعجمي ‪ ،‬واستطرد منه إلى القول بأنَّ العجم أفضل من العرب ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫ألن اهلل قدمهم في الذكر ‪.‬‬
‫َّ‬

‫قال ابن قتيبة ‪ :‬بلغني أنَّ رجالً من العجم احتج بقول اهلل عز وجل ‪ :‬يأيها الناس – اآلية وقال ‪ :‬الشعوب‬
‫من العجم والقبائل من العرب والمقدم أفضل من المؤخر قد كنت أرى أهل التسوية يحتجون بهذه اآلية‬
‫‪،‬وقد غلطوا من وجهين‪ :‬أحداهما إنَّ تقديم الذكر ال يوجب تقديم الفضل قال جل شأنه (يا معشر الجن‬
‫)‪3.‬‬
‫واإلنس‬

‫فقدم الجَّن علي اإلنس‪ ،‬واإلنس أفضل من الجَّن والوجه اآلخر‪ :‬إنَّ العجم ليست بالشَّعب أولى من العرب‬
‫وكل قوم كثروا‪ ،‬وأن شعبوا فقد صاروا شعوباً ‪.‬ومن الجائز أن يكون اسم الشعوبية مأخوذ من الشعوب بعد‬
‫أن فسرت اآلية بهذا التفسير ولكنه يكون مرتكزاً على أساس خطأ‪ ،‬واألرجح أنَّ اسم الشعوبية لم يستلدم‬
‫‪4‬‬
‫إال في العصر العباسي ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عطوان حسين – الزندقة والشعوبية في العصر العباسي – ج‪ 1‬دار الجيل بيروت‬
‫‪2‬‬
‫أمين أحمد ضحى اإلسالم ج‪ 1‬مكتبة األسرة بيروت ط‪1997 2‬م ص‪73‬‬
‫‪3‬‬
‫سورة الرحمن اآلية (‪)33‬‬
‫‪4‬‬
‫أمين أحمد ضحى اإلسالم –ج‪ -1‬ط ‪ 2‬مكتبة األسرة بيروت ص ‪73‬‬

‫‪15‬‬
‫كان أبو عمرو ضرار بن عمرو كوفياً معتزالً وكان من بني غطفان يرى رأي الشعوبية ‪،‬محال أن‬
‫يكون عربي شعوبياً ‪،‬ومات وهو ابن سبعين سنة ‪،‬وقيل لشريح القاضي ‪ :‬أيهما أبطيب اللوزينق ‪ ،‬أو‬
‫‪1‬‬
‫الجوزينق ؟ فقال ال أحكم عن غائب ‪.‬‬

‫إن هذه النزعة التي تحاول مساواة العرب أو تحقيرهم لم تتلذ شكالً قوياً واضحاً يصح أن يطلق علي‬
‫َّ‬
‫معتنقيه اسم الشعوبية إال في العصر العباسي أما قبل ذلك فقد كانت نزعة خفية ال تستطيع الظهور ‪،‬وإذا‬
‫ظهرت أخمدت والحاجة إلى االسم إنما تكون بعد أن يتلذ المبدأ شكل عقيدة عامة أو حزباً الثاني ‪ :‬إنَّا لم‬
‫نر من أبطلق هذا االسم علي هذه النزعة في العصر األموي نعم إنَّ األصفهاني في األغاني قال ‪:‬إنَّ‬
‫إسماعيل بن يسار كان شعوبياً ولكن من الواضح أنَّ األصفهاني وهو قد عاب إسماعيل باالسم الذي‬
‫يستحقه لما رفع شأن العجم ‪،‬وتغنى بشعره في ذلك أمام هشام بن عبد الملك وليس المعنى أنَّ إسماعيل بن‬
‫يسار عرف بذلك االسم في عصره‪ ،‬وذلك كما عدوا سلمان الفارسي متصوفاً مع أن قائالً لم يقل بأنَّ اسم‬
‫الصوفية عرف على عهد سلمان وكذلك روى عن مسروق ‪(:‬أنَّ رجالً من الشعوب أسلم فكانت تؤخذ منه‬
‫‪2‬‬
‫أال تؤخذ منه )‪.‬‬
‫الجزية فأمر عمر َّ‬

‫ومسروق تابعي كان في العصر األموي ‪ ،‬وقد فسر ابن األثير الشعوب في هذا القول بالعجم قال في اللسان‬
‫‪(:‬يجوز أن يكون جمع الشعوبي –وهو الذي يصغَّر شأن العرب –كقولهم اليهود‪ ،‬والمجوس‪ ،‬في جمع‬
‫اليهودي والمجوسي ) ‪،‬ونحن نستبعد التفسير الثاني ألنَّه صادر عن المتأخرين ‪،‬وقد فسروه بما عرفوه بعد‬
‫عصر مسروق ‪،‬والذي نراه أنَّ مسروقاً أراد أن رجالً من الشعوب األخرى غير العرب أسلم ‪،‬وإذن ال‬
‫يكون في ذلك دليل ‪.‬وقد يستأنس –على ما نقول بأنًّ أكثر أسماء المذاهب التي وضعت في صدر الدولة‬
‫األموية لم تكن فيها النسبة كاللوارج ‪،‬والشيعة ‪،‬والمرجئة والمعتزلة‪ ،‬ولم تعرف هذه النسبة إال في آخر‬
‫العهد األموي ‪،‬أو صدر العصر العباسي كالجهمية ‪ ،‬والقدرية ‪ ،‬واللرمية ‪ ،‬والشعوبية ‪ ،‬وأقدم ما وصلنا‬
‫‪3‬‬
‫من الكتب التي استعملت لفظ الشعوبية كتاب "البيان والتبيين"‪ .‬للجاحظ‬

‫ونجح العباسيون في إنشاء دولتهم ‪ ،‬واستلدموا الموالي‪ ،‬واستعملوهم في المراكز المهمة ‪ ،‬وأسندوا إلى‬
‫بعضهم مسؤولية الحكم‪ ،‬وأبطلقوا لهم العنان ‪،‬وأحسوا بذواتهم ‪ ،‬وتسلطت عليهم النزعة ‪ ،‬القومية فقويت‬
‫‪4‬‬
‫حركة الشعوبية بينهم ‪ ،‬وتصاعد خطرها عليهم ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ابن عبد ربه – العقد الفريد ج‪ 3‬ص‪53‬‬
‫‪2‬‬
‫أمين أحمد – ضحى اإلسالم ج‪1‬مكتبة األسرة بيروت ص‪74‬‬
‫‪3‬‬
‫أمين أحمد – المرجع السابق ج‪– 1‬ص‪74‬‬
‫‪4‬‬
‫عطوان حسين ‪ -‬المرجع السابق – دار الجيل بيروت ص‪149‬‬

‫‪16‬‬
‫المطلب الثاني مظاهر الشعوبية‬

‫أما في مظاهر الشعوبية كان هنالك مضمار افتلار بين الشعوب قدم النعمان بن المنذر على كسرى‬
‫وعنده وفود الهند والروم والصين فذكروا ملوكهم وبالدهم بما ذكروا ‪ ،.‬فافتلر النعمان بالعرب ‪،‬وفضلهم‬
‫على جميع األمم ‪ ،‬ولم يستثن فارساً وال غيرها فقال ‪:‬كسرى وقد أخذته عزة الملك يا نعمان لقد فكرت في‬
‫أمر العرب وغيرهم من األمم ونظرت في حال من يقدم علي من وفود األمم ‪ ،‬فوجدت للروم حظاً في‬
‫اجتماع ألفتها‪ ،‬وعظم سلطانها‪ ،‬وكثرة مدائنها‪ ،‬ووثيق بنيانها ‪،‬وأنَّ لهم ديناً بين حاللها ‪،‬وحرامها ويرد‬
‫سفيهها ‪،‬ويقوِّم جاهلها ‪،‬ورأيت للهند نحواً من ذلك في حكمتها ‪،‬وبطبعها مع كثرة أنهار بالدها ‪،‬وثمارها‬
‫‪1‬‬
‫‪،‬وعجيب صناعتها ‪،‬وبطيب أشجارها ‪،‬ودقيق حسابها‪ ،‬وكثرة عددها ‪.‬‬

‫‪ ،‬وكذلك الصين في اجتماعها ‪،‬وكثرة صناعات أيديها‪ ،‬وفروسيتها ‪،‬وهمتها في آلة الحرب ‪،‬وصناعة‬
‫والثمار‬ ‫الحديد‪ ،‬و أنَّ لها ملكاً يجمعها‪ ،‬وترك على ما بهم من سوء الحال في المعاش وقلة الري‬
‫والحصون وهاهم رأس عمارة الدنيا من المساكن والمالبس لهم ملوك تضم قواصيهم ‪ ،‬وتدبر أُمرهم ‪،‬ولم‬
‫أرَ في العرب شيئا من خصال اللير في أمر دين وال دنيا وال حزم وال قوة مع أنَّ ما يدل علي مهانتها‬
‫وذلتها وصغر همتها محلتهم التي هم بها من الوحوش النافرة والطير الحائرة يقتلون أوالدهم من الفاقة ‪،‬‬
‫ويأكل بعضهم بعضاً من الحاجة فقد خرجوا من مطاعم الدنيا ومالبسها ومشاربها ولهوها ولذاتها فأفضل‬
‫بطعام ظفر به ناعمهم لحوم اإلبل التي تعافها كثير من السباع لثقلها وسوء بطعمها وإن قرى أحدهم ضيفاً‬
‫عدها مكرمة وإنَّ أبطعم أكلة عدها غنيمة تنطق بذلك أشعارهم ‪،‬وتفتلر بذلك رجالهم ما خال من هذه‬
‫‪2‬‬
‫التنوخية التي أسس ‪،‬جد اجتماعها وشد مملكتها من عدوها فجرى لها ذلك إلي يومنا هذا‬

‫ذهبت فرقة من الناس إلى أنَّ ال فضل بجنس العرب علي جنس العجم ‪،‬وهؤالء يسمون الشعوبية‬
‫النتصارهم للشعوب التي هي مغايرة للقبائل كما قيل القبائل للعرب‪ ،‬والشعوب للعجم ‪ ،‬ومن الناس من‬
‫‪3‬‬
‫يفضَّل بعض أنواع العجم علي العرب ‪.‬‬

‫وأما العرب في حكمة ألسنتهم فإنَّ اهلل تعالي أعطاهم في أشعارهم ورونق كالمهم ‪،‬وحسنه ورنة قوافيه‬
‫مع معرفتهم باألشياء ‪،‬وضربهم لألمثال وابالغهم في صفات ما ليس في ألسنة األجناس‪ ،‬ثم خيلهم أفضل‬

‫‪1‬‬
‫األلوسي البغدادي محمود شكري – بلوغ األرب في معرفة أحوال العرب ج‪ 1‬دارالكتب العلمية بيروت ط‪1314 1‬ه ص‪147‬‬
‫‪2‬‬
‫األلوسي البغدادي محمود شكري – المصدر السابق – ج‪ 1‬ط‪ 1‬ص‪148‬‬
‫‪3‬‬
‫ابن تيمية – اقتضاء الصراط المستقيم ج‪ 1‬تحقيق محمد حامد الفقهي – مطبعة السنه المحمدية القاهرة ط‪ 2‬ص‪149‬‬

‫‪17‬‬
‫النساء‪ ،‬ولباسهم أفضل اللباس ‪،‬ومعادنهم الذهب ‪،‬والفضة ‪،‬وحجارة جبالهم الجزع‬ ‫الليل‪ ،‬ونساؤهم أعط‬
‫‪1‬‬
‫‪،‬ومطاياهم التي ال يبلغ علي مثلها سفن ‪،‬وال يقطع بمثلها بلد قفر‪.‬‬

‫‪ ،‬وأما دينها وشريعتها ‪ ،‬فإنهم متمسكون به حتى يبلغ أحدهم من تمسكه بدينه أنَّ لهم أشهراً حرماً ‪،‬وبلدًا‬
‫محرماً‪ ،‬وبيتاً محبوباً ينسكون فيه مناسكهم ‪،‬ويذبحون فيه ذبائحهم ‪،‬فيلقى الرجل قاتل أبيه ‪،‬وأخيه ‪،‬وهو‬
‫قادر على أخذ ثأره وإدراك غمته منه فيعجزه كرمه ‪،‬ويمنعه دينه عن تناوله بأذى‪ ،‬وأما وفاؤها فإنَّ أحدهم‬
‫يلحظ اللحظة‪ ،‬ويؤمي اإليماءْ فهي عقدة ‪ ،‬ولت ‪،‬و ال يحلها خروج نفسه ‪ ،‬وإنَّ أحدهم يدفع عوداً من‬
‫األرض فيكون رهن اً بدينه فال يغلق رهنه وال تلفر ذمته ‪ ،‬وإنَّ أحدهم ليبلغه رجل استجار به وعسى أن‬
‫يكون نائياً عن داره فيصاب فال يرقى‪ ،‬حتى يفنى تلك القبيلة أو تفنى قبيلته لما أخفر من جواره ‪،‬وإن يلجأ‬
‫إليهم المجرم المحدث من غير معرفة وال قرابة فتكون نفوسهم دون نفسه وأموالهم دون‪ ،‬ماله أما قولك ‪:‬‬
‫أيها الملك يُئدون أوالدهم فإنَّ ما يفعله من يفعله منهم باإلناث أنفة من العار ‪،‬وغيرة من األزواج ‪،‬أما‬
‫قولك ‪ :‬أفضل بطعامهم لحوم اإلبل على ما وصفت منها فما تركوا ما دونها إال احتقاراً لها فعملوا إلى أجلها‬
‫وأفضلها ‪،‬وأرقها ألبانًا ‪،‬وأقلها قائلة ‪،‬وأحالها مضغًا ‪2.‬‬

‫ذكر بن عبد ربه في العقد الفريد أن العرب كانوا يقولون ال يقطع الصالة إال ثالثة حمار ‪ ،‬أو كلب أو‬
‫مولى ‪،‬وكانوا ال يكنون المولى وال يمشون معه في الص ‪، ،‬وال ويؤاكلونه بل فإذا أشركوه في الطعام‬
‫خصصوا له مكاناَ ليعرف أنه مولى‪ ،‬وكانت األمة ال تلطب من أبيها ‪،‬وأخيها ‪ ،‬وإنما من موالها‪ ،‬كانت‬
‫‪3‬‬
‫العرب في الحرب يركبون الليل والموالي يسيرون علي أقدامهم‬

‫‪1‬‬
‫األلوسي البغدادي محمود شكري‪ -‬بلوغ األرب في معرفة أحوال العرب ج‪ 1‬ط‪ 1‬دار الكتب العلمية بيروت ص‪14‬‬
‫‪2‬‬
‫األلوسي البغدادي محمود شكري ‪ -‬المرجع السابق ج‪ 1‬ط‪ 1‬ص‪15‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد نبيه حجاب – مظاهر الشعوبية ‪ -‬ج‪ 1‬دار المعارف مصر ص‪51‬‬

‫‪18‬‬
‫المطلب الثالث ‪:‬الذين ردوا على الشعوبية‬

‫قال ابن ‪ :‬قتيبة ‪:‬أما أهل التسوية فإن منهم قوماً أخذوا ظاهر بعض الكتاب والحديث فقضوا به ‪،‬ولم‬
‫يفتشوا عن معناه ‪،‬فذهبوا إلى قولة تعالى ) يأيها الناس إنَّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل‬
‫‪1‬‬
‫لتعارفوا ‪)....‬‬

‫وقوله (إنَّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم( إلى قول النبي صلى اهلل عليه وسلم في خطبته في‬
‫حجة الوداع ‪:‬أيّها الناس إنَّ اهلل قد أذهب عنكم نلوة الجاهلية وتفاخرها باآلباء ليس لعربي علي عجمي‬
‫فلر إال بالتقوى كلكم آلدم وآدم خلق من تراب ‪.‬وقوله‪ :‬المؤمنون تتكافا دماؤهم ‪،‬ويسعى بذمتهم أدناهم‬
‫‪،‬وهم يد علي من سواهم ‪ .‬وإنَّما المعنى في هذا أنَّ الناس كلهم مؤمنون سواء في بطريق األحكام والمنزلة‬
‫‪2‬‬
‫من عند اهلل عز وجل والدار االخرة ‪) .‬‬

‫‪،‬وال‬ ‫لو كان الناس كلهم سواء في أمور الدنيا ليس ألحد فضل إال بأمر اآلخرة لم يكن في الدنيا شري‬
‫مشروف‪ ،‬وال فاضل ‪،‬وال مفضول فما معنى قوله صلى اهلل عليه وسلم (إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه‬
‫)وقوله ‪(:‬أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم ) في قوله في قيس بن عاصم هذا ( سيد الوبر ) وكانت العرب‬
‫تقول‪ :‬ال يزال الناس بلير ما تباينوا فإذا تساووا هلكوا تقول ‪:‬ال يزالون بلير ما كان فيهم أشراف ‪،‬وأخيار‬
‫يستوى‬ ‫فإذا جملوا كلهم جمله واحدة هلكوا‪ ،‬وإذا ذمت العرب قوما فقالو ‪:‬سواسية أسنان الحمار ‪.‬وكي‬
‫الناس في فضلهم والرجل الواحد ال تستوي في نفسه أعضاؤه وال تتكافا مفاصله ولكن لبعضها الفضل‬
‫على بعض وللرأس الفضل على جميع البدن بالعقل والحواس اللمس وقالوا ‪ :‬القلب أمير الجسد ومن‬
‫‪3‬‬
‫االعضاء خادمة ومنها ملدومة ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫سورة الحجرات اآلية ‪ - 13‬الحجرات اآلية ‪10‬‬
‫‪2‬‬
‫ابن عبد ربه األندلسي العقد الفريد ج‪ 3‬دار الكتب العلمية بيروت ط‪ 1‬تحقيق عبد الحميد الترحيني ‪1983‬م ‪356‬‬
‫‪3‬ا بن عبد ربه األندلسي المصدر السابق ج‪ 3‬ص ‪356‬‬

‫‪19‬‬
‫قال ابن قتيبة ‪:‬ومن أعظم ما أدعت الشعوبية فلرهم على العرب بآدم عليه السالم ‪،‬وبقول النبي‬
‫‪1‬‬
‫عليه الصالة السالم ‪(:‬ال تفضلوني علي يونس بن متى )‪.‬‬

‫ثم فلرهم باألنبياء أجمعين ‪ ،‬وأنهم من العجم غير أربعة‪ :‬هود وصالح وإسماعيل ومحمد عليهم الصالة‬
‫والسالم ‪.‬و احتجوا بقول اهلل عز وجل (إنَّ اهلل اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين‬
‫‪2‬‬
‫ذرية بعضها من بعض واهلل سميع عليم )‬

‫ى هاجر ‪،‬وقال الشاعر‪:‬‬


‫ثم فلروا بإسحاق بن إبراهيم ‪ ،‬وأنَّه لسارة الحرة ‪،‬وأن إسماعيل ابن ألمة تسم ّ‬

‫وال خباء وال عك وهمـــــــدان‬ ‫في بلدة لم تصل عكل بها بطنبا‬

‫لكنها لبني األحرار أوبطان‬ ‫وال لجرم وال بهراء من وبطـــــــن‬

‫فما بها من بني الللناء إنسان‬ ‫أرض يبنى بها كسرى مساكنه‬

‫فبنو األحرار عندهم العجم وبنو الللناء عندهم العرب‪ ،‬ألنّهم من ولد هاجر وهى أمة‪ ،‬وقد غلطوا في هذا‬
‫التأويل ‪،‬وليس كل أمة يقال لها الللناء إنما الللناء من النتانة النتن أو هو نتن الريح‪ ،‬ويقال ‪:‬للن السقاء‬
‫إذا تغير ريحه ‪،‬فأمّا مثل هاجر التي بطهرها اهلل من كل دنس وارتضاها لللير فراشاً وللطيبين إسماعيل‬
‫‪3‬‬
‫ال عن مسلم أن يسميها للناء ؟‪.‬‬
‫أمًا ‪،‬وجعلها ساللة فهل يجوز لملحد فض ً‬

‫ما صارت إليه العجم من مذهب الشعوبية ‪،‬ما صار إليه الموالي من الفلر علي العرب ‪،‬وقد نجمت من‬
‫المو الي ناجمةٌ ‪،‬ونبتت منهم نابتة تزعم أنَّ المولى بواليةٍ قد صار عربياً لقوله صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪4‬‬
‫‪":‬مولى القوم منهم"‬

‫‪1‬‬
‫ا بن األثير – النهاية غريب األثر – ج‪ 2‬للجزري تحقيق طاهر أحمد الزاوي – المكتبة العلمية بيروت ‪1979‬م ص‪1203‬‬
‫‪2‬‬
‫سورة آل عمران اآلية (‪)33‬‬
‫‪3‬‬
‫ابن عبد ربه األندلسي – العقد الفريد ج‪ 3‬ط‪ 1‬ص‪357‬‬
‫‪4‬‬
‫الجاحظ – الرسائل السياسية ج‪ -1‬دار الهالل بيروت ص‪88‬‬

‫‪20‬‬
‫رد الشعوبية على ابن قتيبة‬

‫قال‪ :‬بعض من يرى رأي الشعوبية فيما يرد به على ابن قتيبة في تباين الناس وتفاضلهم والسيد‬
‫والمشروف‪،‬‬ ‫منهم والمسود ‪،.‬إننا نحن ال ننكر تباين الناس وال تفاضلهم وال السيد منهم والمسود والشري‬
‫ولكنا نزعم أن تفاضل الناس فيما بينهم ليس بآبائهم وال بأحسابهم ولكنه بأفعالهم وأخالقهم وشرف انفسهم‬
‫وبعد هممهم أال ترى أنَّه من كان دنيء الهمة ساقط المروءة لم يشرف ولو كان من بني هاشم في ذؤابتها‬
‫من‬ ‫‪،‬ومن أمية في أرومتها ‪،‬ومن قيس في أشرف بطن منها ‪،‬إنَّما الكريم من كرمت أفعاله والشري‬
‫شرفت همته وهو معنى حديث النبي عليه الصالة والسالم (إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه )وفي قوله في قيس‬
‫بن عاصم (هذا سيد أهل الوبر )‪،‬إنَّما قال فيه لسؤدده في قومه بالذب عن حريمه وبذله رفده ‪ :‬أال ترى أنَّ‬
‫عامر بن الطفيل كان في أشرف بطن قيس يقول ‪:‬‬

‫وإني وإن كنت ابن سيد عامر وفارسها المشهور في كل موكب‬

‫أبى اهلل أن أسمو بأم وال أب‬ ‫فما سودتني عامر عن وراثــــــة‬

‫أذاها وارمي من رماها بمنكب‬ ‫ولكنني أحمي حماها وأتقـــــي‬

‫وقال قيس بن ساعدة‪ :‬ألقضين بين العرب بقضية لم يقض بها أحد قبلي وال يردها أحد بعدي ‪ :‬أيما رجل‬
‫رمى رجله بمالمة دونها كرم فال كرم له‬

‫ومثله قول عائشة أم المؤمنين ‪ :‬كل كرم دونه لؤم فاللؤم أولى به ‪ ،‬وكل لؤم دونه كرم فالكرم أولى به‬
‫تعني بقولها ‪ ،‬أنَّ االشياء باإلنسان بطبائع نفسه وخصالها فاذا كرمت فال يضره لؤم أوليته وإن لومت فال‬
‫‪1‬‬
‫ينفعه كرم اوليته‪.‬‬

‫‪،‬لما كانت العرب يعتقدون أنَّ تميزهم يرجع في الدرجة األولى إلى بيئتهم ولما كان عصر الترجمة قد‬
‫واكب ظهور الشعوبية التي تعيب علي العرب تللفهم في شتى الميادين ‪ ،‬لم يشأ هؤالء العرب أن يقروا‬
‫‪2‬‬
‫بحاجتهم إلى معرفة ما لدى األمم األخرى من أدب ‪.‬‬

‫رد الجاحظ على الشعوبية قلنا ‪:‬ليس لكم فيما ذكرتم في هذه األشعار دليل على أنَّ العرب ال تقاتل بالليل‬
‫وقد يقاتلون بالليل والنهار من تحول دون ماله ‪ ،‬وهول الليل وربما تحاجز الفريقان وأنَّ كل واحد منهما‬

‫‪1‬‬
‫ابن عبد ربه االندلسي العقد الفريد ج‪ 3‬ط‪ 358 1‬ص‬
‫‪2‬‬
‫عباس احسان – مالمح يونانية في األدب العربي – ج‪ 1‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت ط‪1977 1‬م ص‪23‬‬

‫‪21‬‬
‫يرى األخر عياناً بياناً ويرى أن يقاتل إذا لزم األمر في أي وقت ‪،‬وهذا كثير والدليل على أنهم كانوا‬
‫يقاتلون بالليل قول سعد بن مالك في قتل كعب بن مزيقا الملك الغساني‬

‫أتَــــوْنََا َبعْ َد مَاِنمْنا دَبِيَبا‬ ‫سعْـــــدٍ‬


‫َولَيْل ُة تبع وخَمِيس َ‬

‫َد كَوكَ ِبهْم رُكُوبا‬


‫َركِبْنَا ح َّ‬ ‫سهُم َوَلكِــــــنْ‬
‫َفلَ ْم َنهْدأَ لِبَأ َ‬
‫‪1‬‬
‫ق الصَّليِبَا‬
‫حَل َ‬
‫ل ال َ‬
‫صُ‬‫ن يَفْ ِ‬
‫بطعْ ِ‬
‫َو َ‬ ‫ت مِنْهُ‬
‫ق ا ْلهَامَا ُ‬
‫ب تُ ْفَل ُ‬
‫ضرْ ٍ‬
‫بِ َ‬

‫وقال يشر بن أبى حازم ‪:‬‬

‫فَأَلفَاهُ ُم القَوْم رَوْبَى نِيَامَا‬ ‫ن ُمرٍ‬


‫فأمَّا َتمَي ُم تَمِيمُ بْ ُ‬

‫ويقول ‪:‬شربوا اللبن الرائب فسكروا منه وهو اللبن الذى قد اخرجت زبدته‬

‫وقال ‪:‬عياض السيدي ‪:‬‬

‫شهَقُ‬
‫ح َت ْ‬
‫ن بَيْنِ الجوانِ ِ‬
‫ال َء مِ ْ‬
‫جَ‬ ‫بِنَ ْ‬ ‫ن نَجُلْنَا لِابْن مَيْلَاَء نَحْرهُ‬
‫وَنَحْ ُ‬

‫َدقُ‬
‫يَأ ْرمَاحِنَا بالسُّبى مَوتٌ مُح َّ‬ ‫ن نَالَ أَخَاَهُ ُم‬
‫ويَوْمَ بَنى الدَّيَّا ِ‬
‫‪2‬‬
‫إيَا ٌد ُيزَجَّيهَا ال ُهمَا ُم مُحَرَّقُ‬ ‫َومِنَّا حُمَا ُة الجيشِ لَ ْيلَةَ أقْبَلَتــــــــــــْ‬

‫وقال أوس بن حجر ‪:‬‬

‫ظَلمَا‬
‫حَتَى إذَا مَا لَ ْيُلهُمُ أ َ‬ ‫بَاتُوا يُصِيب القَوْ ُم ضَيقاً َلهُمْ‬

‫ض َرمَا‬
‫ق النَّارِ أو أ ْ‬
‫حرِي ِ‬
‫مِثْل َ‬ ‫َقرَوْهُم شَهْبا ُء َم ْلمُومَـــــــــــة‬
‫‪3‬‬
‫خرَمضا‬
‫ك األ ْ‬
‫َد َ‬
‫ن مَثْوَى خ َّ‬
‫َوكَا َ‬ ‫ل مَانَجَـــــا‬
‫واهلل لوْلََا َق ْر ُز ٌ‬

‫وكان العرب اذا اجتمعوا للحرب استعدوا بالنهار‪ ،‬وأوقدوا بالليل قال عمرو بن كلثوم ذكره واقعة لهم‬
‫‪4‬‬
‫رَفَدْنَا فَ ْوقَ رَفْدِ الرَّافِديْنَا‬ ‫خزَازَى‬
‫ن غَ َداَةَ أوقِ َد في َ‬
‫وَنَحْ ُ‬

‫‪1‬‬
‫ديوان سعد بن مالك نقل عن الجاحظ من كتاب البيان والتبيين‬
‫‪2‬‬
‫ديوان المحسنين ج‪ 1‬ص ‪59‬‬
‫‪3‬‬
‫ديوان أوس بن حجر نقل عن الجاحظ من كتاب البيان والتبيين‬
‫‪4‬‬
‫الجاحظ البيان والتبيين ج‪ – 2‬ط‪1993 1‬م تحقيق حسن السندوبي دار إحياء العلوم بيروت لبنان ص ‪714‬‬

‫‪22‬‬
‫الركُب كانت قديمة أال أنَّ الركب الحديث لم تكن عند‬
‫وأما ذكرهم للركوب فقد أجمعوا على أنَّ ُّ‬
‫العرب إال أيام األزارقة ‪ ،‬وكانت العرب ال تعود أنفسها إذا أرادت الركوب‪ ،‬وأن تضع أرجلها في الركب‬
‫‪،‬و إنَّما كانت تتزر نزواً ‪،‬وقال عمر بن اللطاب رضى اهلل عنه ‪(:‬ال تلور قوى ما كان صاحبها ينزو‬
‫وينزع ) ويقول ال تنتكث قوته مادام ينزع في القوى وينزو في السرج من غير أن يستعين بالركب‬

‫وقال عمر‪ :‬الراحلة عقلة ‪،‬وإياكم والسِّمنة فأنَّها عقلةٌ‪ ،‬ولهذا قتل خالد بن سعيد بن العاص حين غشيه العدو‬
‫وأراد الركوب ولم يجد من يحمله ‪،‬ولذلك قال ‪:‬عمر (حين رأى المهاجرين واألنصار قد أخصبو ا وهمَّ‬
‫كثير منهم بمقاربة عيش العجم تمردوا واخشوشنوا واقطعوا الركب وأنزوا الليل نزوا) قال ‪ :‬أخفوا‬
‫تدع الركاب‬ ‫وانتعلوا فإنكم ال تدرون متى تكون الجفلة ‪.‬وكانت العرب ال تدع اتلاذ الركاب للرحيل فكي‬
‫بد منه كراهة أن يتكلوا علي بعض‬
‫للسرج‪ ،‬ولكنهم كانوا إن اتلذوا الركب فإنَّهم ال يستعملونها إال عندما ال َّ‬
‫‪1‬‬
‫ما يورثهم االسترخاء والتفنخ ويضاهئوا أصحاب الترفة والنعمة ‪.‬‬

‫قال ‪:‬األصمعي ‪:‬قال العمري كان عمر بن اللطاب رضى اهلل عنه يأخذ بيده اليمنى أذن فرسه اليسرى ‪،‬ثم‬
‫يجمع جراميزه ويثب فكأنما خلق على ظهر فرسه ‪،‬فعل مثل ذلك الوليد بن يزيد وهو يومئذ ولى عهد هشام‬
‫‪ ،‬ثم أقبل على مسلمة بن هشام فقال ‪:‬أبوك يحسن مثل هذا فقال ‪:‬مسلمة ‪:‬ألبي مئة عبد يحسن مثل هذا‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫فقال ‪:‬النائ لم ينصفه في الجواب ‪.‬‬

‫يقول إحسان عباس ‪ :‬أسطورة األحساب واألنساب ما عالقة األحساب ‪،‬واألنساب يوثبه الشعب علي‬
‫ظالميه ؟ أما الشعوبية التي يغيظها ‪،‬و يمزقها أن يقول العربي أنه عربي وهم دائما يلصصون الهجوم‬
‫‪3‬‬
‫علي الحجاج هذا البطل الذي أراد يحمي الكوفة من الغزو الفارسي الشعوبي‬

‫وزعم رجال مشيلتنا العرب أنَّه لم يقم أحد من ولد العباس بالملك إال وهو جامع ألسباب الفروسية ‪،‬وأمَّا‬
‫ما ذكروا في شأن رماح العرب فليس األمر في ذلك على ما يتوهمون ‪،‬وللرماح بطبقات فمنها النيزك‪،‬‬
‫ومنها المربوع ‪ ،‬ومنها الملموس ‪ ،‬ومنها التام ‪،‬ومنها اللطل وهو الذي يضطرب فى يد صاحبه إلفراط‬
‫بطوله ‪،‬فإذا أراد الرجل أن يلبر عن شره أسر صاحبه ذكره كما ذكر متمم بن نويرة أخاه مالكا فقال‬
‫‪(:‬كان يلرج في ليلة الصنبرة عليه الشملة الفلوت بين المزادتين النضوحتين علي الجمل الثفال معتقل‬
‫الرمح اللطل) قالوا له وأبيك إن هذا لهو الجاد وال يحمل الرمح اللطل منهم إال الشديد األيد ‪،‬المدل‬
‫بفضل قوته عليه الذي إذا رآه فارسي في تلك الهيئة هابه وحاد عنه فإن شدَّ عليه كان أشد الستلذائه له‬
‫فوته بأن يكون‬ ‫‪،‬والحال األخرى أن يلرج في بطلب بعقب الفارة فربما شد علي الفارسى المولى خي‬

‫‪1‬‬
‫الجاحظ ‪-‬البيان والتبيين ج‪ 2‬ط‪ 716 1‬ص‬
‫‪2‬‬
‫المصدر السابق ج‪ 2‬ص‪717‬‬
‫‪3‬‬
‫عباس إحسان ‪ -‬بدر شاكر الشياب دراسة وحياته وشعرة ج‪ 1‬دار الثقافة بيروت ط‪1978- 2‬م ص‪102‬‬

‫‪23‬‬
‫رمحه مربوعاً ‪،‬أو ملموساً وعند ذلك يستعملون النيازك‪ ،‬والنيزك أقصر الرماح ‪،‬وإذا كان الفارس‬
‫الهارب يفوت الفارس الطالب زجه بالنيزك ‪،‬وربما هاب ملالطته فيستعمل الزج دون الطعن صنيع ذؤاب‬
‫‪1‬‬
‫األسدي بعتبة بن الحارث بن شهاب‬

‫قال الشاعر‬

‫ال َقسْبِ قَدْ َرمَى ذِرَاعًا علي ال َعشْر‬ ‫ى‬


‫ن كُعُوبَهُ نَوَ َ‬
‫س َم َر خَطَّيَّا كَا َ‬
‫وَأ ْ‬

‫وقال اخر‪:‬‬

‫لمُوسِ‬
‫ن مَ ْ‬
‫َومُحَرَّبًا في مَازِ ٍ‬ ‫ض صَــــــارِماً‬
‫ح ِملُنِى وَأبْيَ َ‬
‫ك تَ ْ‬
‫هَاتِي َ‬

‫وقال اخر ‪:‬‬


‫‪2‬‬
‫بَوَا ِد ُر َمرْبُوعَاتُهَا وَبطِوَاُلهَا‬ ‫الرمَاحِ عليــــهم‬
‫بطرَافُ َّ‬
‫تَوَلُّوْا وَأ ْ‬

‫يعلم الناس‬ ‫إنَّ اليونان كان لديهم شعرهم اللاص بهم ‪،‬هو الذى يروى أن زوسموس اليوناني سئل كي‬
‫الشاعر وهو ليس بشاعر ‪،‬فأجاب كالمسن الذي يشحذ وال يقطع ‪،‬وحين يبتعد شبح الشعوبية ‪،‬يصبح‬
‫‪3‬‬
‫اإلقرار بحظ الشعوب األخرى من الشعر واألدب جملة أمرًا بطبيعيًا‬

‫إذا كان ابن قتيبة يرى أن الذين اعت نقوا ا الشعوبية (هم سفلة الناس وغوغاوهم فأنَّنا نؤكد أنهم من‬
‫ملتلفة األلوان‬ ‫بداياتهم األول ى حتى تنظيماتهم البابطنية ‪،‬وتشكيالتهم السرَّية ‪،‬والعلنية يمثلون بطوائ‬
‫‪،‬والنزعات فمنهم المتعصبون والمسرفون المثاليون‪ ،‬اللياليون ومنهم البله المغلفون واألغرار المندفعون‬
‫والمنفعيون والمتطرفون ومنهم الالدينيون المشككون ومنهم اللونة األفاكون الجائرون ‪،‬و حقيقة أخرى‬
‫أنَّ الجمعيات البابطنية ‪،‬والسرَّية بصفة عامة تكاد تكون في الواقع مؤامرة مطبوعة بالطابع األرستقرابطي‬
‫ولهذا نالحظ أنَّ الدعوات أو المذاهب التي ترمي الى أغراض ديمقرابطية ‪ ،‬وإنسانية معاً ال تميل مطلقا‬
‫هذه الدعوات التقوم علي‬ ‫إلى األساليب الغامضة أو المناهج السَّرية ‪،‬وذلك ما سنراه في دراستنا ملتل‬
‫تفصيل وتحليل ولكن يكفى أن نذكر اآلن علي سبيل المثال أنَّ موسوعة إخوان الصفاء الضلمة تؤكد في‬
‫عن أقنعتها الناعمة الكاذبة ‪،‬ولهذا كان من الشعوبية‬ ‫غموضها هذه الحقيقة التي تفضح نفسها وتكش‬

‫‪1‬‬
‫الجاحظ البيان والتبيين ج‪ 2‬ص‪717‬‬
‫‪2‬‬
‫الجاحظ المصدر السابق ج‪ 2‬ص ‪718‬‬
‫النتفنخ *القهر والذل وجراميزه *مجموع بدنه جسد وأعضاء المربوع *ماطوله أربع أزرع الصنبرة الباردة والقسب التمر اليوالفارة جمع فأر‬
‫*الهاربون ص‪718‬‬
‫‪3‬‬
‫عباس إحسان – مالمح يونانية في األدب العربي ج‪ 1‬المؤ سسة العربية للدراسات النشر بيروت لبنان ط‪1977 1‬م ص‪26‬‬

‫‪24‬‬
‫أفراد وبطبقات علي مستويات من الذكاء و هنا أسهم مؤرخون في كل ما من شأنه أن يعين علي خلق‬
‫‪1‬‬
‫ودعم التيارات المنفصلة عن المنهج اإلسالمي في حقول الفكر االسالمية الملتلفة ‪.‬‬

‫لكن أقوى جبهة قامت عليها الشعوبية كانت اليهودية ‪،‬والفارسية علي أساس من العنصرية المشتركة بين‬
‫دعاوى شعب اهلل الملتار ومزاعم ارستقرابطية الدم الفارسي ‪ ،‬والحقيقة زعم الفرس أنَّهم من ولد إسحاق‬
‫ابن إبراهيم عليه السالم أمَّا العرب فهم من ولد إسماعيل ‪،‬وإسحاق هو ابن سارة ولهذا فهم أفضل من‬
‫‪2‬‬
‫العرب ألنهم بنو األحرار‪ ،‬أو بنو شعب اهلل الملتار‪ ،‬بينما العرب هم بنو الللناء‬

‫فإنَّ عامة من ارتاب باإلسالم إنما كان أول ذلك رأي الشعوبية ‪ ،‬والتمادي فيه ‪،‬وبطول الجدال المؤدي‬
‫إلى القتال‪ ،‬فإذا أبغض شيئاً أبغض أهله وإن أبغض تلك اللغة أبغض تلك الجزيرة وإذا أبغض تلك الجزيرة‬
‫أحبَّ من أبغض تلك الجزيرة‪ ،‬فال تزال الحاالت تنتقل به حتى ينسلخ من اإلسالم إذا كانت العرب هي التي‬
‫‪3‬‬
‫هم القدوة‪.‬‬ ‫جاءت به‪ ،‬وكانوا السل‬

‫‪1‬‬
‫محمود عبد القادر – الفكر اإلسالم المعارضة في القديم والحديث (د ‪،‬ط ) (د‪ ،‬ت) ص ‪7‬‬
‫‪2‬‬
‫محمود عبد القادر – المرجع السابق ص ‪8‬‬
‫‪3‬‬
‫الجاحظ – الحيوان – ج ‪ -2‬دار المعارف مصر ص‪158‬‬

‫‪25‬‬
‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫المطلب األول حياة بشار بن برد‬

‫هو بشار بن برد بن يرجوخ بن أزد كرد بن حسيس بن مهران بن إخشيد شهر داد بن نيوز بن ما‬
‫خرشيدا نماذ بن شهريار بن بنداد أدريوس بن يستاسب ‪،‬وكان يرجوخ من بطلارستان ‪،‬سباه المهلب بن‬
‫صفرة ‪،‬وجاء به إلى البصرة ‪،‬وجعله من قِن (العبد الذي ُمِلكَ هو أبوه ) امراته خيرة القشرية فولد عندها‬
‫ابنه برداً‪ ،‬فلما كب ر برد‪ ،‬زوجته خيرة ‪ ،‬ووهبته إلمرأة من بني عقيل‪ ،‬من قيس عيالن ‪ ،‬كانت متصلة بما‬
‫‪ ،‬فولدت له امرأته بشاراً فاعتقته العقيلية ألنه وُلد ضريراً ‪ .‬فانتسب إلى بني عقيل بالوالء‪ .‬ولقب بالمرعث‬
‫‪ ،‬وكني بأبي معاذ ‪.‬‬

‫كان يقول الشعر في العاشرة وتلشى الناس لسانه في الثانية عشر ويقول في هجاء اللليفة المهدي‬

‫ويلعب بالدبوق والصولجان‬ ‫خليفة يزني بعمــــــاته‬


‫‪1‬‬
‫ودس موسي في حر الليزران‬ ‫أبدلنا اهلل به غيــــــــــره‬

‫لقد كان بشار فاتكاً حسب تعبيره وجسورا حسب تعبير سلم اللاسر‪ ,‬لكنه يكن فاتكاً في الحرب وال جسوراً‬
‫على الجيوش‪ ،‬فذلك الشيء هو بعيداً عنه كل البعد ‪،‬لكنه كان فاتكاً على أعراض الناس جسوراً علي القول‬
‫الجارح البذيء اللادش للحياء مما يستحيون ‪،‬وليس العامة ‪،‬وهو لذلك قد فتح باباً في الشعر الشرير الذي‬
‫يجلد رهق الشباب بسوط ال يرحم ‪ ،‬ويشكك في عفة النساء ويزعزع مقامة الحرائر بأسلوب شيطاني الذي‬
‫دفع الملك العباسي المهدي أن يمنعه من هذا اللون من القول بل من الغزل كله ‪،‬لقد ولد بشار بن أعمى‬
‫وهو يذكر ذلك في شعره ‪،‬و يربط بين العمى والذكاء في قوله‬

‫َّن مَوئِالَ‬
‫ت عجيب الظ َّ‬
‫فَجئْ ُ‬ ‫ن ال َعمَى‬
‫ت جنيناً وال َذكَاء مِ ْ‬
‫عِمي ُ‬
‫‪2‬‬
‫رُويَّ عنه أنه قال الحمد هلل جئت أعمى حتى ال الذين أكرهم ‪.‬‬

‫مر بنا القول أن بشار كان متطرفاً في سلوكه ‪ ،‬وتصرفاته وحبه في كراهيته ‪ ،‬وبطرفه ‪ ،‬وعنفه ‪،‬‬
‫وعلمه ‪ ،‬وجهله ‪ ،‬وحكمته ‪ ،‬وشيلوخته ‪ ،‬وتهتكه ‪ ،‬وغالظته ‪ ،‬وفكاهته‪ ،‬بل يمكن أن ينطبق ذلك ايضاً‬

‫‪1‬‬
‫ناصر مهدي محمد – ديوان بشار بن برد – دار الكتب العلمية بيروت ص ‪3‬‬
‫‪2‬‬
‫الشكعة مصطفى – رحلة الشعر من األموية إلى العباسية – الدار المصرية اللبنانية القاهرة ط‪1997 1‬م ص‪586‬‬

‫‪26‬‬
‫على زندقته ‪ ،‬وإيمانه أن كل صفه من هذه الصفات لها صدى بل اصداء في أقواله وأفعاله بل يمكن أن‬
‫نضي ايضاً أنه كان متطرفاً في بناء شعره وصوغه ‪،‬فبينما نجد القصيدة الغراء الفريدة نجد أمامها‬
‫القصيدة القبيحة القميئة ولكن األمر الذي ال شك فيه بشار شاعرا كبيرا فرض نفسه علي دنيا الشعر‬
‫واألدب بالكثير الجيد القدير من قوله قد كان يذهب إلى أنه كان خطيباً شاعراً سجاعاً صاحب منثور‬
‫مزدوج والحق أن لدينا من النصوص ما يشهد بصدق القيرواني وبشار باإلضافة كان شعوبياً يفتلر‬
‫بفارسيته ويتيه بها‪ ،‬ثم ال يلبث أن يعتز بوالئه للعرب ‪ ،‬وبقيس بالذات التي منها عُقيل مواليه ‪،‬ولبشار‬
‫غزل فاسق في بعض شعره وهو في نفس الوقت في مرتبة عليا من الحكمة في نطاق القول وهو فاسد‬
‫‪1‬‬
‫العقيدة‪ ،‬زنديق ‪،‬دهري ‪ ،‬ثنوي‪.‬‬

‫ويعتبر بشار بن برد من اللطباء األمصار ‪ ،‬وشعرائهم والمولَّدين‪ ،‬وكنيته أبو معاذ ‪ ،‬وكان من أحد‬
‫موالي بني عقيل وكان مولي أم الظَّباء على ما يقول بني سدوس ‪ ،‬وعلى ما ذكره حماد عجرد ‪ ،‬فهو من‬
‫موالي بني سدوس ويقال إنه من أهل خراسان نازالً في بني عقيل ‪ ،‬وله مديح كثير في فرسان أهل‬
‫خراسان ورجاالتهم إذ يقول‬

‫ِكرَا ٍم َفرْعِي فِيهُ ُم نَاص ٌر َبسَقْ‬ ‫ن َد ْارَهُ ْم‬


‫خرَاسَا ُ‬
‫وإنِّي لمِنْ قَوْ ٍم ُ‬

‫وكان شاعراً راجزاً ‪ ،‬وسجاعاً خطيباً‪ ،‬وصاحب منثور مزدوج وله رسائل معروفة ‪ ،‬وأنشد عقبة بن رؤبة‬
‫‪ ،‬رجزاً يمتدحه به وبشار حاضر فأظهر بشار استحسان األرجوزة ‪ ،‬فقال له عقبة هذا بطراز يا أبا معاذ ال‬
‫سلْمِ‬
‫تحسنهُ فقال ‪ :‬ألمثلي يقال هذا الكالم ؟ أنا واهلل أرجز منك ومن ابيك ومن جَدّك ‪ ،‬ثم قرأ علي عقبة بن َ‬
‫بأرجوزته التي أولها ‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫ت َبعْدي‬
‫باهلل خَبًر كَ َي َ كُنْ َ‬ ‫الصمْدِ‬
‫ت َّ‬‫الحي بذا ِ‬
‫َّ‬ ‫ل‬
‫بطَل َ‬
‫يا َ‬

‫كان شاعراً مجيداً مفلقاً ‪ ،‬ظريفاً محسناً ‪،‬خدم الملوك وحضر مجالس الللفاء ‪ ،‬وأخذ فوائدهم ‪ ،‬وكان‬
‫يمدح المهدي ويحضر مجلسه ‪ ،‬وكان يأنس به ويدنيه ‪،‬ويجزل في العطايا ‪ ،‬وكان صاحب صوت حسن ‪،‬‬
‫ومنادمة وكان حضر المهدي في مجلسه مع جواريه بعث اليه ألجل المسامرة ‪ ،‬والمحادثة ‪ ،‬وكان بشار‬
‫يُعد من اللطباء ‪ ،‬والبلغاء ‪ ،‬والفصحاء ‪ ،‬وله قصائد وأشعار كثيرة فوشى به بعض من يبغضه إلى‬
‫المهدي‪ ،‬بأنه يدين بدين اللوارج فقتله المهدي وقيل للمهدي أنه يهجوك فقتله والذي صَح من األخبار في‬
‫‪3‬‬
‫قتل بشار أنه كان يمدح المهدي والمهدي ينعم عليه فرمي بالزندقة فقتله سنة ‪168‬ه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الشكعة مصطفي –رحلة الشعر من األموية الي العباسية – ص‪586‬‬
‫‪2‬‬
‫الجاحظ –البيان والتبيين ج‪ 1‬ص‪15‬‬
‫‪3‬‬
‫ابن المعتز –طبقات الشعراء ج‪ 1‬تحقيق عبدالستار أحمد دار المعارف القاهرة ‪1976‬م ص ‪50‬‬

‫‪27‬‬
‫نشأ بشار بن برد أعمى‪ ،‬زعم ا بن األعرابي أن العرب تسمي الغراب األعور ألنه يغمض أحدى عينيه ‪،‬‬
‫ويقتصر على النظر بإحداهما من قوة بصره‪ ،‬إنما سموه أعور لحدة بصره علي بطريق التفاؤل قال بشار‬
‫بن برد‪:‬‬

‫كما ظلم الناس الغراب بأعورا‬ ‫وقد ظلموه حين سموه سيداً‬

‫وقد تقدم عن ابن الهيثم أن الغراب يبصر من تحت األرض بقدر منقاره‪ ،‬وقالوا أخيل من الغراب أو‬
‫أزهى ‪ ،‬وأبكر فإنه أشد من الطير بكوراً‪ ،‬وقالوا ‪:‬‬

‫أبطأ من غراب نوح ‪ ،‬وذلك أن نوحاً عليه السالم أرسله لينظر هل غرقت البالد ويأتيه باللبر‪ ،‬فدعا عليه‬
‫فعقلت رجاله وخاف من الناس وقالوا ‪ :‬كأنهم كانوا غراباً واقعاً فيما ينقضي سريعاً فإن الغراب ‪ ،‬إذا وقع‬
‫ال يلبث أن يطير ‪ ،‬وقالوا الغراب أعرف بالتمر وذلك أن الغراب ال يأخذ إال األجود منه ‪،‬ولذلك يقال أجود‬
‫تمرة إذا وجدت شيئاً نفيساً وفي تقديري أن بشار يعير بجاحظ العينين‪ ،‬ولكنه صاحب خيال رائع جدًا‬
‫‪1‬‬
‫وصاحب لسان أحد من المهند ‪،‬يجيد الهجاء بصورٍ الفته للنظر وكذلك المدح وغيره ‪.‬‬

‫إ ن بشار بن بُرد أصله من بطلارستان من سبي المهلب بن صفره ‪ ،‬وهي ناهية كبيرة مشتملة علي بلدان‬
‫علي نهر جيحو ن وما وراء ‪ ،‬وكنيته أبو معاذ ولقبه المرعث ‪ ،‬وهو الذي في أُذنه رعاث ‪ ،‬جمع رعثة ‪،‬‬
‫وهي القربطة ‪ ،‬ولُقِّبَ بها ألنها كانت في صغره معلقه في أذنه ‪ ،‬وهو عقيليَّ بالوالء نسبه إلى عقيل بن‬
‫كعب بالتصغير وهي قبيلة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬أنه ولد علي الرقّ وأيضاً وأعتقته امرأة عقيليَّة ‪ ،‬ولد أكمه جاحظ‬
‫الحدقتين وقد تغشاهما لحم أحمر‪ ،‬وكان ضلمًا عظيم اللُلق والوجه مجدَّراً ‪ ،‬وهو في أول مرتبة المحدَّثين‬
‫من الشعراء المجيدين ‪ ،‬وقد نشأ بالبصرة ‪ ،‬ثم قدم بغداد ومدح المهدي بن المنصور العباسي ‪ ،‬رمي عنده‬
‫بالزندقة رُوي عنه كان يفضل النار علي األرض ‪ ،‬ويصوًّب رأي ابليس في امتناعه السجود آلدم عليه‬
‫السالم ونسب إليه قوله‬
‫‪2‬‬
‫والنار معبودة منذ كانت النار‬ ‫األرض مظلم ًة والنار مشرقة‬

‫فقد حدثنا الحسن بن سهل ‪ :‬اآلداب عشرة فثالثة شهرجانية ‪ ،‬وثالثة أنوشروانية وثالثة عربية ‪ ،‬و وأرْبَتْ‬
‫عليهن واحدة الشهرجانية ‪ ،‬ضرب العود ‪ ،‬لعب الشطرنج ‪ ،‬ولعب الصوَّالج ‪ ،‬وأما األنوشروانية ‪ ،‬الطب‬
‫‪ ،‬الهندسة ‪ ،‬الفروسية وأما العربية فالشعر والنسب ‪ ،‬وأيام الناس وأما الواحدة التي أرْبَتْ عليهن ‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫ص‪39‬‬ ‫الدميري ‪ -‬حياة الحيوان الكبرى –ج‪ 2‬ج‪1‬تحقيق إبراهيم صالح دار البشائر دمشق ‪2005‬م‬
‫‪2‬‬
‫البغدادي عبد القادر – خزانة االدب – ج‪1‬تحقيق عبد السالم محمد مكتبة الخانجي ص‪385‬‬

‫‪28‬‬
‫فمقطعات الحديث ‪ ،‬والسمر ‪ ،‬وما يتلقاه الناس بينهم في المجالس فحضر بشار بن برد فقال ‪ :‬ال تجعلوا‬
‫‪1‬‬
‫مجلسنا غنا ًء كله ‪ ،‬وال شعرًا كله ‪ ،‬وال سمرًا كله ‪ ،‬ولكن انتهبوه انتهاباً ‪.‬‬

‫أمامه رجل من الشطار ‪ ،‬وبشار ينشد فقال ‪ :‬أستر شعرك كما تستر عورتك !‬ ‫رُويَّ عن بشار أنه وق‬
‫فصفق بشار بيديه وغضب وقال‪ :‬من أنت ويلك ؟ فقال ‪ :‬أنا رجل من بأهله ‪،‬أخوالي سلول ‪،‬وأصهاري‬
‫عكل ‪،‬واسم أبي قرد ‪،‬ومولدي بأضاح ‪،‬منزلي بنهر بالل فضحك بشار ‪،‬وقال ‪ :‬أذهب ‪،‬ويحك ‪ ،‬فأنت‬
‫‪2‬‬
‫عتيق لؤمك ‪ ،‬وقد علم اهلل أنك استترت مني بحصون من حديد‪.‬‬

‫كان أبو معاذ مرحاً جداً قيل كانت بشار جالساً في دار المهدي ‘والناس يتنظرون اإلذن للدخول فقال‬
‫‪ ،‬عندما حضر قال‪ :‬ما عندكم في قول اهلل عز وجل (وأوحى ربك‬ ‫بعض موالي المهد ي ‪ ،‬وهو ابن بطري‬
‫‪3‬‬
‫إلى النحل أن أتلذ ي من الجبال بيوتاً) ‪.‬‬

‫فقال له بشار ‪ :‬النحل الذي يعرفه الناس ‪ ،‬قال‪ :‬هيهات يا أبا معاذ! ‪،‬النحل بنو هاشم (يلرج من بطونها‬
‫ألوانه فيه شفاء للناس )يعنى العلم ‪،‬فقال له بشار ‪ :‬أراني اهلل شرابك ‪،‬وبطعامك ما يلرج‬ ‫شراب ملتل‬
‫من بطون بني هاشم فقد أوسعتنا غثاثة فغضب وشتم بشار ‪،‬بلغ المهدي اللبر فدعاهما فسألهما عن القصة‬
‫‪4‬‬
‫فحدثة بشار فضحك حتى أمسك علي بطنه ‪.‬‬

‫يعتبر بشار بن برد من أول المحدثين ‪ ،‬آخر الملضرمين ‪ ،‬ممن لحق الدولتين األموية ‪ ،‬والعباسية عاشق‬
‫ويقوى‬ ‫سمع ‪ ،‬وشاعر جمع ‪،‬وشعر من ينفق عند الحجال ‪ ،‬عند فحول ‪ ،‬الرجال ‪،‬فهو يلين حتى يستضع‬
‫‪5‬‬
‫وقد بطال عمره ‪ ،‬وكثر شعره ‪ ،‬بطما بحره ‪،‬ونقب في البالد ذكره‪.‬‬ ‫حتى يستنك‬

‫قيل دخل المهدي أيام خالفته علي جماعة من جواريه وهن مجتمعات في حجرة بعضهن ‪،‬فجلس‬
‫عندهن يشرب ‪،‬فقلنَّ ‪:‬لو أذنت لبشار في الدخول علينا لنسامره ونحادثه ‪،‬وكان من أحسن الناس حديثاً‪،‬‬
‫وأظرفهم مجلساً ‪،‬وأكثرهم مرحاً فأمر به فأحضر‪ ،‬واجتمعن عليه‪ ،‬وجعل يسرد عليهنَّ من نوادره ومرحه‬
‫وينشدهنَّ عيون شعره ‪،‬فسررن بذلك سروراً ‪ ،‬شديداً ‪ ،‬وقلنَ له‪ :‬يا بشار ليتك أبونا فال نفارقك أبداً قال ‪:‬‬
‫‪6‬‬
‫نعم وأنا على دين كسرى فضحك منه المهدي وأمر له بجائزة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الحصري – زهر اآلداب وثمر األلباب –ج‪1‬دار الجيل بيروت ص‪64‬‬
‫‪2‬‬
‫البطليوسي – الحلل في شرح الجمل ‪-‬ج‪ 1‬تحقيق يحيى مراد دار الكتب العلمية ‪2001‬م ص‪24‬‬
‫‪3‬‬
‫سورة النحل اآلية (‪) 69، 68‬‬
‫‪4‬‬
‫ابن حمدون – التذكرة الحمدونية –ج‪ 1‬تحقيق احسان عباس دار الصادر بيروت ص‪367‬‬
‫‪5‬‬
‫القيرواني‪ -‬رسائل اإلنتقاد ج‪ 1‬دار األندلس الجديدة للطباعة والنشر ص‪3‬‬
‫‪6‬‬
‫ابن المعتز طبقات الشعراء ج‪ 1‬دار العارف القاهرة ص‪4‬‬

‫‪29‬‬
‫المطلب الثاني وفاته‬

‫أن أجمع الرواة أنه مات مقتوالً بأمر من اللليفة المهدي حيث رماه الذندقة ‪،‬وحمله اللبر أن المهدي‬
‫حقن علي بشار لهجائه له ‪،‬و أخفى له في صدره كرهاً عظيماً ‪،‬وحين زار المهدي البصرة متفقداً أحوالها‬
‫‪،‬وصل إلى البطائح ‪،‬ومرّ بار بشار وكان أبو معاذ علي سطح بيته سكراناً ‪،‬فعلم بحضور المهدي ‪،‬وخاف‬
‫أنْ يراه علي حاله من السُكر فراح يؤذن فقال المهدي ‪:‬من هذا الذي يؤذن ؟ في غير الوقت فقالوا ‪:‬بشار‬
‫قال عليَّ به وحين مثل بين يديه قال ‪ :‬يا ذ نديق هذا من بذائك تؤذن غير الوقت ثكلتك أمك ثم أمر بصاحب‬
‫‪1‬‬
‫الزنادقة وهو ابن نهيك وقيل هو محمد بن عيسى بن حمدويه فأخرجه معه في زورق ‪.‬‬

‫وأمر الجالدين أن يضربوه مبرحاً ‪،‬وجعل بشار كلما وقع عليه صوت حَسْ وهي كلمة تقولها العرب عند‬
‫األلم ‪ ،‬جلد سبعين سوبطاً حتى مات ألقى من علي السفينة فحمله الموج إلى شابطي البصرة ‪،‬فحمله أهله‬
‫‪2‬‬
‫ودفنوه في عام ‪168‬ه‬

‫وقال آخر ‪ :‬عندما سمع المهدي بأن بشار قد هجاه فاغتاظ المهدي ‪،‬وانحدر إلى البصرة لينظر في أمرها‬
‫‪،‬فسمع آذان في ضحى النهار فقال ‪:‬انظروا ما هذا؟ ‪،‬وإذا به وهو بشار بن برد ‪،‬وهو سكران ‪،‬فقال له‪ :‬يا‬
‫زنديق عجب أنْ يكون هذا من غيرك ‪ ،‬ثم أمر به ‪ ،‬فضرب سبعين سوبطاً حتى أتلفه بها ‪ ،‬ألقي في السفينة‬
‫‪3‬‬
‫‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ناصر الدين محمد مهدي– ديوان بشار بن برد ج‪ 1‬دار الكتب العلمية بيروت ط‪ 1‬ص‪3‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع السابق ج‪ 1‬ص‪4‬‬
‫‪3‬‬
‫األبشيهي – المستطرف في كل مستطرف ج‪ 1‬دار مكتبة للطباعة والنشر بيروت ص ‪246‬‬

‫‪30‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫أصل الفكر الشعوبي ومطاعن الشعوبية‬

‫المبحث األول ‪ :‬أصل الفكر الشعوبي‬


‫المبحث الثاني ‪ :‬مطاعن الشعوبية‬

‫‪31‬‬
‫المبحث األول‬
‫أصل الفكر الشعوبي‬

‫معروف أنَّ جمهور الفرس قبل اإلسالم كانوا مجوساً زرادشتية الدين الذي ظهر في ديارهم حوالي‬
‫القرن السابع قبل الميالد وما وضعه لهم من تعاليم ضمُّنها كتابه (األفستا ) وفيه زعم أن للعالم‬ ‫منتص‬
‫إلهين هما (أهورا مزد) إله النور خالق كل خير ‪،‬و (أهرمن) إله الظلمة خالق كل شر‪ ،‬وأن وراء الحياة‬
‫الدنيا حياة أخرى يكون فيها حساب الشلص على أعماله فأما النعيم وإما الجحيم وأنَّ النار مقدسة بطاهرة‬
‫مما جعل اإليرانيين يقيمون لها المعابد في كل مكان‪ ،‬وظهر عندهم في القرن الثالث الميالدي داعٍ يسمى‬
‫ماني مزج في تعاليمه بين الزرادشتية والبوذية والنصرانية فأبقى من األولى إله والنور والظلمة‬
‫واستباحة الزواج بالبنات واألخوات وأخذ من الثانية عقيدة التناسخ ‪،‬وتحريم ذبح الحيوان و‪ ،‬الطيور وأخذ‬
‫من الثالثة الزهد والنُّسك ‪،‬وفرض علي أصحابه صلوات وأدعية كثيرة في أواخر القرن اللامس للميالد‬
‫‪1‬‬
‫ظهر في ايران داع جديد هو مزدك وكان ثنويًا يؤمن باله النور والظلمة وتقديس النار‪.‬‬

‫وقد مضى يدعو دعوة صارخة إلى العكوف علي اللذات والشهوات واإلمعان فيها ‪،‬وأحل النساء وأباح‬
‫األموال وجعلها شركة للناس ‪ ،‬وكان له ما كان من األتباع الكثيرين ‪،‬وقد عامل اإلسالم المسلمين‬
‫والمجوس معاملة أهل الكتب السماوية ‪،‬وبذلك صارت المجوسية حية قوية حتى العصر العباسي ومر بنا‬
‫ما كان من ثورات سنباذ ‪،‬واللرمية في خراسان ‪،‬وبطبرستان وهي ثورات كانت تستوحي هذه الملل‬
‫المجوسية ‪2.‬‬

‫وقيل أنَّ أول من قدم من دعاة بني العباس سنة تسعمائة بعثه محمد اإلمام علي بن عبد اهلل بن العباس بن‬
‫‪3‬‬
‫المطلب‬

‫تجدر اإلشارة إلى أن بيئة العراق قد عرفت بدور اللهو والمجون منذ العصر الجاهلي ‪ ،‬لقد كانت‬
‫الحيرة التي قامت الكوفة بالقرب منها تزخر بالحانات واألديرة وفنون اللهو والعبث ‪ ،‬وظل هذا شأنها حتى‬
‫العصر األموي ‪ ،‬بل أن الكوفة تعد الوارثة لها في هذا الجانب ‪،‬وإذا كان األمر كذلك كان من الطبيعي أن‬
‫ينعكس ذلك بوضوح ال علي حياة الناس بل علي حياة الشعراء وأن يظل اللهو في اضطراد مستمر حتى‬

‫‪1‬‬
‫ضيف شوقي تاريخ األدب العربي ج‪ 3‬دار المعارف مصر ص‪80‬‬
‫‪2‬‬
‫ضيف شوقي المرجع السابق ص ‪81‬‬
‫‪3‬‬
‫ابن العبري – تاريخ مختصر الدول ط‪ 1‬دار الكتب العلمية بيروت ‪1997‬م ص‪104‬‬

‫‪32‬‬
‫إذا ما بلغ أوائل العصر العباسي وجدناه يشكل ظاهرة كبرى اختلطت بالزندقة فأثرت تأثيراً كبيراً في‬
‫المجتمع اإلسالمي ولوَّنت أخالقياته بصنوف من العلل واالعوجاج ‪ .‬ولو تتبعنا الشعراء في هذا الطور من‬
‫خالل هذا الموضوع وجدنا جماعة من الشعراء يتجهون هذا االتجاه الجديد في الشعر ‪ ،‬غير أنَّ أشهرهم‬
‫في إقليم العراق كان األقيشر المغيرة بن عبد اهلل وفي الشام كان اللليفة بن يزيد ‪ ،‬وفي إقليم خراسان‬
‫وفارس كان قالب بن عبد القدوس المعروف بأبي هندي ‪ .‬فأما األقيشر فقد وصفه أبو الفرج بأنَّه كان خليعاً‬
‫ماجناً مدمناً شرب اللمر ‪،‬وكان قليل االهتمام باالتصال بالللفاء واألمراء ‪ ،‬إذ كان كل همه أن يحقق‬
‫نفسه‬ ‫رغبت ه في الشراب ‪،‬فإذا وجد ذلك هنيئاً بمدحه أحد زعماء القبائل في الكوفة اكتفى بذلك ‪ ،‬لم يكل‬
‫تدبيج القصائد وااللتجاء بها إلى اللالفة ‪ ،‬ومن العجب أنَّ يصدر هذا من شاعر مسلم ‪،‬واإلسالم ما زال‬
‫في قرنه األول ‪ ،‬ثم كان األقيشر ال يتورع عن اللمر وصفها بالتحدث عن ضياع ماله فيها يقول ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫ب *** قرع القواميز أفواه األباريق‬
‫أفنى تالدي وما جمعت من نش ٍ‬

‫فأما اللهو والمجون فقد وجد بسبب عوامل ملتلفة تضافرت علي اإلظهار في هذا الطور ‪،‬من ثم اتضح‬
‫تأثيره في بعض الشعراء الذين عرفوا به أو وقفوا شعرهم عليه ‪،‬وأهم هذه العوامل يتمثل في حياة الترف‬
‫التي عاشها قطاع كبير من األثرياء في هذا العصر ‪،‬وقد أدت حياة الترف هذه الى شيوع ظاهرة شرب‬
‫اللمر خاصة في مجتمع العراق وخراسان ‪،‬فاللمر في هذين اإلقليمين كان لها دور ال يلفى في حياة‬
‫الناس والشعراء وربما يرجع ذلك إلى أنَّ أهل العراق كانوا يحللون نوع من الشراب وهو النبيذ الذي‬
‫يسمى عند أهل الكوفة (نهر بطالوت ) استناداً إلى أكاد أجزم أنه موضوع ‪،‬وبناء علي هذا لم يكن هنالك‬
‫رجل يعيش بينهم وال يشرب النبيذ قال‪" :‬ابن عبد ربه عن رواته لم يكن أحدًا من الكوفيين يحرمه غير عبد‬
‫األمر عند نهر بطالوت هذا بل تعداه إلى أنواع اللمر ‪،‬وإلى‬ ‫اهلل بن ادريس ‪ ،‬وكان بذلك معيباً " لم يق‬
‫المجاهرة بها واإلدالل على شرابها في الشعر وقد ساعد على انتشار ظاهرة اللمر وجدوا دور الغناء‬
‫واللهو التي زخرت بها مدينة الكوفة وغيرها من الموابطن البعيدة عن األرض التي نشأ فيها اإلسالم ‪،‬ففي‬
‫الكوفة كانت هنالك دار عبد اهلل بن هالل وكانت له مغنيتان رائعتان ذكروا أن عمر بن أبي ربيعة قدم من‬
‫الحجاز من أجل أن يسمع إليهما كانت هنالك دور الغناء ووجد أيضاً هنالك دور للقَيان نتيجة لتجارة الرقيق‬
‫‪2‬‬
‫التي ظلت رائجة بطوال هذين القرنين األول ‪،‬والثاني للهجرة‪.‬‬

‫كما يعدُّ الفكر الشعوبي هو المرآ ة الحقيقية التي تعكس اللالف بين العرب و الشيعة هم الذين تشيعوا لعلي‬
‫وولوه وفضلوه على باقي الصحابة ورأوه أحق باللالفة من غيره ‪،‬وهذا ما يجمع عليه الشيعة بكل فرقهم‬
‫‪،‬وما ال يلتلفون فيه بل أظنه هو الذي يميزهم عن سواهم من المسلمين الذين يلتلفون في فضل على في‬

‫‪1‬‬
‫علي محمد عثمان – آداب اإلسالم في عهد النبوة والراشدين وبني امية ط‪ 2‬دار االوزاعي ‪,‬بيروت‪ ,‬لبنان ‪ –1986‬ص (‪.)538‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع السابق‬

‫‪33‬‬
‫كونه أفضل الصحابة ‪ ،‬لكنهم ال يرون ما يراه الشيعة في موضوع اللالفة فتفضيل علي والقول بانه احق‬
‫‪1‬‬
‫الصحابة باللالفة اذن هو األصل الذي تجتمع عليه فرق الشيعة‪.‬‬

‫و من الظواهر االجتماعية الواضحة في العصر العباسي كثرة الجواري وانتشارهن انتشاراً واسعاً‬
‫نتيجة كثرة الفتوحات العربية آنذاك من سبي الحروب ‪،‬وهنَّ بالتالي حق للفاتحين إذ يصرن ملك يمين لهم‬
‫وقد زاد في انتشارهن اشتغال النلاسين بتجارتهن فكانت لهنٌ أسواق خاصة بهن كسوق الرقيق في بغداد‬
‫‪،‬وقد كنَّ من جنسيات ملتلفة ‪ ،‬الروميات والفارسيات والتركيات والزنجيات ‪،‬قد كان كثير منهنَ يتمتعن‬
‫بجمال باهر مما جعلهن يغلبن على عقول الرجال ‪،‬وبالتالي جعل لهن مكاناً متميزاً في هذا العصر سواء‬
‫وكن‬
‫َّ‬ ‫في قصور اللالفة يغلبن أو بيوت العرب ‪،‬ومما سبق نفيد بأن الجواري كُنَّ مقدمات ومرغوباً فيهنَّ‬
‫ينتقلنَّ من زوج إلى آخر وقد يكون من هؤالء األزواج من هو عليه القوم وقد كنَّ كذلك حظايا الللفاء‬
‫وأمهات أوالدهم ‪،‬ويكفي للتدليل على ذلك أنَّ جميع الللفاء العباسيين كانوا من أمهات جوا ٍر ‪،‬وأوالد ثالثة‬
‫من الللفاء أبو العباس السفاح‪ ،‬والمهدي ‪،‬واألمين‪ ،‬من جوارٍ لم تكن الطبقة العليا فقط هي الطبقة الوحيدة‬
‫‪2‬‬
‫التي تهتم بالجواري ‪،‬بل كذلك العامة‬

‫‪،‬ومنهم الشعراء الذين أكثروا من ذكرهن في أشعارهم ‪،‬وقد ساهمنَ في موجة النجوم التي شاعت فيي هيذا‬
‫العصر عند بطائفة منهم إضافة إلى اقتران مشاهيرهم بأسماء الجواري منهم أبيو نيواس اليذي اقتيرن اسيمه‬
‫‪،‬وبشار بن برد بعبدة وال شك أن ألخالق الجواري‬ ‫بجنان جارية عبد الوهاب الثقفي ‪،‬و العباس بن األحن‬
‫يد بطويلة في تشجيع الشعراء على مالحقتهن والتغيزل بهين فيي إشياعة الغيزل المكشيوف اليذي شياع عليي‬
‫ألسنتهم ‪،‬كان لظهيور اإلسيالم أثير كبيير فيي حيياة العيرب والشيعوب األخيرى المجياورة لهيم بصيفة خاصية‬
‫الشعب الفارسي ‪،‬فقد أدى هذا الظهور إلى حدوث تصادم حاد ومتصل بين مبدأ التوحيد اإلسالمي والثنويية‬
‫اإليرانية ‪ ،‬كميا تسيبب هيذا الظهيور للدولية العربيية التيي نشيرت اإلسيالم وكانيت معاديية للشيعوب األجنبيية‬
‫‪،‬وأخضعت شعوباً أخرى فللقت منازعات بيين العيرب والميوالي وعمليت عليى ظهيور الشيعوبية وتغيذيتها‬
‫‪3‬‬
‫وتوسيعها واستطاعت من خالل تلك المنازعات أن تلعب دورًا بعيدًا مؤثراً في حياة هؤالء وأولئك ‪.‬‬

‫ذكرنا ما كان من الحركة الفكرية في العصر العباسي علي أسر االنقالب السياسي وتجمع الحقائق العلمية‬
‫والفلسفية والطبية ‪،‬والالهوتية ‪،‬والرياضية والفلكية واألدبية وتزاحمها في أذهان الناس ‪،‬وقد ظهرت بطائفة‬
‫تجهر بالزندقة وفيهم جماعة كبيرة من األدباء والشعراء مثل حماد عجرد ‪،‬وحفص بن أبي وردة ‪،‬وابن‬
‫المقفع ‪،‬يونس بن أبي فروة وعلي بن اللليل و حماد الراوية وبشار بن برد ‪،‬وغيرهم من الشعراء واألدباء‬

‫‪1‬‬
‫فرج اهلل أحمد– تاريخ جديد للتاريخ علي هامش الفرق اإلسالمية شبكة اإلمامين الحسنين للتراث اإلسالمي ص‪9‬‬
‫‪2‬‬
‫نصير أمل العالقات األسرية في شعر العصر العباسي في نهاية القرن الثالث هجري ط‪ 1‬دار اإلسراء عمان األردن ‪2005‬م ص‪51‬‬
‫‪3‬‬
‫السامرائي عبداهلل سلوم ‪ -‬الشعوبية حركة مضاد لإلسالم واألمة العرب دار المعارف‪ ,‬بيروت ص‪23‬‬

‫‪34‬‬
‫كانوا يجتمعون ويهجون بعضهم بعضاً وكثيراً ما كانوا يشتركون في أموالهم ‪،‬وأحوالهم كما يفعل‬
‫االشتراكيون اليوم فكان مطيع بن اياس ويحيى بن زياد الفارسي ‪،‬ابن المقفع يتنادون وال يفترقون وال‬
‫يستأثر أ حدهم على صاحبه بالمال وال بالملك ‪،‬وكانوا جميعاً يرمون بالزندقة وكان أولئك المتفلسفون‬
‫ينظرون إلى الدنيا من وجهها األسود فال يرون فيها حسناً وال يعترفون ألحد بفضيلة ‪،‬وذكروا أنَّ مطيع‬
‫بن أياس مر بيحيى بن حماد الراوية وهما يتحدثان ‪،‬فقال لهما ‪(:‬فيم أنتما ) قاال (في قذف المحصنات ) قال‬
‫أنَّ‬ ‫"أو في األرض محصنة تقذفانها ؟" ويرى هذا من جهة أخرى علي رأيهم في المرأة ويقول من المؤل‬
‫هؤالء الشعراء متفلسفة وهم إ نما كانوا أصحاب لهو وعبث ‪،‬وهو يبالغ أيضاً ‪:‬كانوا ينظرون من الدنيا من‬
‫‪1‬‬
‫وجهها األسود ‪،‬‬

‫ومن الشعوبية من دفع باإلسالم ثم أقرّ به عثمان بن عتبة بن أبى سفيان وأمه رومية نصرانية ‪،‬قال يقال‬
‫‪:‬إن عتبة بن سعيد كان قبطياً ‪،‬كان يلقب بالقبطي يقال ‪:‬إن عثمان بن عبد اهلل بن خالد كان ممن دفع‬
‫اإلسالم ثم أقرً به وممن دفع اإلسالم وهب بن عمرو بن صفوان وغيرهم ‪ ،‬وهنالك من الشعوبية من كانت‬
‫المجوسية أو النص رانية واليهودية والزندقة دينه ‪،‬حدثنا الهيثم بن عدي كانت النصرانية دينهم في ربيعة‬
‫وغسان وبعض قضاعة ‪،‬وكانت اليهودية في خيبر وبني كنانة‪ ،‬وكانت المجوسية في بني تميم وكان هالل‬
‫‪2‬‬
‫التميمي بالبحرين مجوسيًا كما كانت الزندقة ايضًا موجودة‪.‬‬

‫لعل مجتمعاً عربياً لم يعرف اللهو والمجون كما عرفها المجتمع العباسي في القرنين الثاني و الثالث ‪،‬فقد‬
‫عرف الناس في الكوفة و البصرة وبغداد بأثر الحضارة الفارسية المادية ‪،‬وما يطوى فيها من غناء وخمر‪،‬‬
‫وحقاً بدأت بطالئع ذلك في أواخر العصر األموي حين ظهر الوليد بن يزيد و حين أخذت الكوفة تسرف‬
‫علي نفسها في اللهو وما يتبعه ‪ ،‬لكن ذلك ال يقاس في شيء إلى ما كان في العصر العباسي الذي شعر فيه‬
‫الفرس بحريتهم التامة ‪ ،‬حتى لتأخذ شكل ثورة عاصفة علي جميع التقاليد العربية‪ ،‬ومضى أبناء هذه‬
‫الثورة يعيُّون كؤوس اللهو واللمر حتى الثمالة ‪ ،‬وانتشرت دورها في كل مكان‪ ،‬ولم تكن تزخر باللمر‬
‫والغناء وحدها كانت تزخر بالقيان والغلمان ‪ ،‬وساعد في اتساع هذه الموجة شيئان ‪ ،‬ظهور مذاهب شاكَّة‬
‫بللت األفكار وعلي راسها مذاهب الزنادقة والدهريين ‪،‬ثم انتشار دور القيان الالتي تعرضهن للبيع ‪،‬وكانت‬
‫عند ذلك فإنَّ أصحاب هذه الدور كانوا يتلذونهن للتسلية‬ ‫تثقفهن وتؤدبهن وتعلمهن الغناء وهي لم تق‬
‫وروادها وابتزاز أموالهم فكانت مألفاً للشعراء يلتلفون إليها وكانوا ينظمون فيهن أشعارهم ‪ ،‬وهنَّ يغنيهم‬
‫كن من أهم األسباب في إذاعة الشعر العباسي الحديث عند‬
‫فيها ‪،‬بينما هم يشربون ويصتفون ومن غير شك َّ‬

‫‪1‬‬
‫زيدان جرجي ‪-‬تاريخ آداب اللغة العربية – ج‪ 2‬بمراجعة وتعليق شوقي ضيف دار الهالل للطباعة والنشر ص‪60‬‬
‫‪2‬‬
‫الكلبي ‘ هاشم مثالب العرب ط‪ 1‬تحقبق نجاح الطائي دار الهدى بيروت ص‪56‬‬

‫‪35‬‬
‫بشار بن برد ومطيع بن إياس وأبي نوأس وأضربهم إذ كنَّ يحملنه معهم حين يُبَعْنَ فيدخلن به في دور‬
‫‪1‬‬
‫اللالوي ودور األشراف كما ينقلنه إلى األمصار اإلسالمية الالئي يرحلن إليها‬

‫األصل غير العربي لم يكن الشيعة الرواد والذين يلونهم من الموالي أو من أي عنصر غير عربي ‪،‬ومن‬
‫مؤلفو أو مفكرو الشيعة إزاء العروبة والعرب موفقًا جليالً في تكريم‬ ‫الشيعة إزاء العروبة لقد وق‬ ‫مواق‬
‫الفكر العربي واإلشادة بإسهامه في خدمة الشريعة اإلسالمية مبرهنين على أن اهلل تعالى كرم العرب‬
‫‪2‬‬
‫بحملهم للرسالة وجعل هذه اللغة الكريمة لغتهم‬

‫وهذا الجانب العابث من الحياة العباسية في جانب القيان وغنائهن واألغاني التي تغنين بها ‪،‬وأخبارهن‬
‫مع الشعراء الذين كانوا يلتلقون إلى دورهن وما نشأ بينهم وبين هؤالء القيان أو الجواري من حب‬
‫صوروه تصويراً ظريفاً في أشعار كن يتغنين بها ‪ ،‬وذاعت في كل مكان ‪،‬وقلما يلمع شاعر إال وله جاريه‬
‫أو جوارٍ يُذْعْنَ شعره ‪ ،‬فلمطيع بن إياس جواريه ‪،‬ولبشار جواريه األخرى ‪،‬واشتهر غير شاعر بجارية‬
‫بفوز ومحمود‬ ‫عليها شعره اشتهر أبو نواس بجنان واشتهر أبو العتاهية بعُتبة والعباس بن األحن‬ ‫وق‬
‫الوراق بسَكن ‪،‬وسعيد بن حُمير بفضل‪ ،‬وكان مسلم بن الوليد يُلقب بصريع الغواني‪،.‬وبطبيعي أن تكون‬
‫حياة هؤالء القيان والجواري حياة ماجنة ليس فيها بطهر إال شذوذاً ‪ ،‬وصور الجاحظ العلة في ذلك ‪ ،‬فقال‬
‫تسلم القينة من الفتنه أو يمكنها أن تكون عفيفة ‪ ،‬وإنما تكتسب األهواء وتتعلم األلسن واألخالف‬ ‫‪ :‬كي‬
‫بالمنشأة ‪ ،‬وهي إنما تنشأ من لدن مولدها إلى أوان وفاتها فيما يصدُّ عن ذكر اهلل من لهو الحديث وبين‬
‫الللعاء والمُجَّان ومن ال يُسَمع منه كلمة جد وال يرجع منه إلى تُقه والدين وال صيانة مروءة‪ ،‬وتروي‬
‫الحاذقة منهن أربعه أالف صوت أغنية يكون الصوت فيما بين البيتين إلي أربعة أبيات ‪،‬وعدد ما يدخل في‬
‫ذلك الشعر إذا ضُرب بعضه ببعض ‪ ،‬عشرة أالف بيت ليس فيها ذكر اهلل إال عن غفلة ‪ ،‬وال ترهيب من‬
‫‪3‬‬
‫عقاب وال ترغيب في ثواب ‪.‬‬

‫نتساءل ماهي عالقة الشعوبية بالتشيع ؟األمر الذي دفع مثل الدكتور أحمد أمين يقول ‪:‬أما التشيع فهو عش‬
‫الشعوبية الذي يأوون إليه ‪،‬وستارهم الذي يتسترون به إن رمي الشعوبية بالتشيع أمر يدعو إلى‬
‫االستغراب فليس هنالك أي عالقة بين الشعوبية والتشيع ‪،‬وسنحاول استقصاء األمور التي تكون عالمة أو‬
‫‪4‬‬
‫منشأ للشعوبية ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ن ومذاهبه في الشعر العربي – ط‪ 10‬دار المعارف مصر ص ‪100‬‬
‫ضيف شوقي – الف ّ‬
‫‪2‬‬
‫أمين احمد ‪ -‬ضحى االسالم ج‪ 1‬دار االسرة ‪ ،‬بيروت ص‪63‬‬
‫‪3‬‬
‫ضيف شوقي – المرجع السابق – ص ‪101‬‬
‫‪4‬‬
‫الوائلي أحمد هوية التشيع ط‪ 2‬ص‪210‬‬

‫‪36‬‬
‫إن مبدأ التوحيد الذي يعدُّ الركن األول من العقيدة اإلسالمية هو كما يقول محمد عبده "علم يبحث في‬
‫به وما يجب أن ينفى عنه ‪،‬والرسل‬ ‫وجود اهلل وما يجب أن يثبت له من صفات ما يجوز أن يوص‬
‫‪1‬‬
‫إلثبات رسالتهم وما يجب أن يكونوا عليه وما يجوز أن ينسب إليهم ‪،‬‬

‫وما يمتنع أن يلحق بهم لثنوية قوم قالوا صانع العالم اثنان ففاعل اللير نور ‪ ،‬وفاعل الشر ظلمة ‪،‬وهما‬
‫قديمان لم يزاال ‪،‬ولن يزاال ‪ ،‬قويين وسمعيين ‪ ،‬وبصريين ‪،‬وهما ملتلفان في النفس والصورة‪،‬‬
‫ومتضادات في الفعل والتدبير ‪،‬فجوهر النور فاضل حسن نير صاف نقي بطيب الريح حسن المنظر‬
‫‪،‬ونفسه نفس خيرة كريمة نافعة منها اللير واللذة والسرور والصالح وجوهر الظلمة علي ضد ذلك من‬
‫الكدر والنقص نتن الريح وقبح المنظر في رأيّ الشلصي هؤالء الثنوية يلوضون في بحار الظلم‬
‫‪،‬والظالم الدامس كما يقرون بجهلهم وينسون أن خالق كل شيء هو اهلل تعالى جل جالله هو األول‬
‫‪2‬‬
‫‪،‬والظاهر ‪،‬والبابطن ‪ ،‬وسع كل شيء علماً ‪.‬‬

‫وكان للديانات الفارسية األثر األكبر في إثارة هذا الوعي وذلك ألنَّ تلك الديانات أقوى مثل للذات اإليرانية‬
‫المجوسية وأن الدعوة إليها تنطوي علي وعي إيراني بين المجوس علي جهد مكافحة اإلسالم ‪،‬فقد ارتبط‬
‫التناقض الحضاري مع العرب بالطبيعة الفارسية ‪،‬وقد أضاف إليها عنصرية الفرس ذاتهم التي لم يغيرها‬
‫اإلسالم ‪،‬إيجابياً فأولئك العبيد الذين حررهم اإلسالم لم يندمجوا في الحياة الجديدة إنما حصل العكس تمامًا‬
‫كما قال ابن قتيبة ‪ :‬بدالً من أن يقودهم تحررهم نحو أخالق اإلسالم التي تعتبر جديدة عليهم إنما ارتدوا‬
‫‪3‬‬
‫خلفاء‬

‫وقد ذكر أبو الحسن أحمد بن يحيى في كتابة في الرد علي الشعوبية ‪،‬علالً كثيرة ‪ ،‬وذكر أنَّ من أختصه اهلل‬
‫تعالى من عباده ‪ ،‬واصطفاه إذا كان عن بطريق الثواب أم عن بطريق التفضيل ‪ ،‬قال ‪ :‬إنَّ زعم زاعم أنَّ‬
‫ذلك ثواب خرج من معقول كالم العرب ‪،‬مفهوم خطابها ‪،‬ألن ال يقال لمن أعطى األجير أجرته ووفى‬
‫العامل ثوابه ‪:‬قد اختص فالن فالناً بعطيته ‪،‬إنَّما يقال ذلك إذا تطوع عليه بالعطية بغير عمل ‪،‬منعها غيره‬
‫بغير جرم ‪،‬إنَّ زعموا أنه تفضيل قلنا لهم ‪:‬فإذا جاز أنّ يصرف اهلل عز وجل رحمته إلى بعض خلقه بغير‬
‫عمل استحقوها ‪،‬به َفلِمَ ال يجوز أنَّ يشرفهم بأنسابهم ‪،‬إن لم تكن األنساب من أعمالهم ‪،‬فإن قالوا ليس من‬
‫العدل أنَّ يشرفهم بغير أعمالهم ‪ ،‬قلنا لهم ‪ :‬رأيتكم إنَّ عارضكم مُعارض ‪،‬فزعم أنه ليس من العدل أن يمن‬
‫عليه م رحمته دون غيرهم بغير عمل كان منهم وبغير معصية كانت من غيرهم ‪،‬وماذا يكون الفصل بينكم‬

‫‪1‬‬
‫السامرائي عبد اهلل سلوم – الشعوبية حركة مضادة لإلسالم و األمة العربية ص‪24‬‬
‫‪2‬‬
‫أبن الجوزي تلبيس إبليس ط‪ 2‬دار اإلسراء عمان األردن ‪2005‬م ص‪37‬‬
‫‪3‬‬
‫المستشرق هاملتون جب – دراسات في الحضارة اإلسالمية – ص‪4‬‬

‫‪37‬‬
‫معاشر الشعوبية وبينه ‪،‬وقد أخبرنا اهلل عمن اصطفاه من خلقه فقال ‪( :‬إنَّ اهلل اصطفى آدم ونوحاً وآل‬
‫‪1‬‬
‫إبراهيم وآل عمران علي العالمين ذرية بعضها من بعض واهلل سميع عليم)‪.‬‬

‫دائماً يدل‬ ‫وفي رأيّ بصفتي باحث في هذا الشأن فإن شرف األنساب يحوي شرف األعمال ألن الشري‬
‫‪.‬‬ ‫العمل الشري‬

‫ورمى بعض المستشرقين العرب بالمادية ‪،‬و بصفات أخرى ‪،‬فقال أوليري ‪ :‬أن العربي الذي يعد مثالً أو‬
‫نموذجاً ‪،‬مادي ينظر إلى األشاء نظرة مادية ‪،‬ضعيفة ‪،‬ال يقومها إال بحسب ما تنتج من النفع ‪ ،‬يتملك‬
‫ال يميل كثيراً إلى ‪،‬وال يكترث بشيء إال بقدر ما‬ ‫الطمع مشاعره ‪ ،‬ليس لديه مجال للليال ‪،‬ال للعوابط‬
‫‪2‬‬
‫ينتجه من فائدة عملية يملؤه الشعور بالكرامة الشلصية حتى ليثور علي كل شكل من أشكال السلطة ‪.‬‬

‫وفي اعتقادي الشلصي أنا أوافق أوليري في حب العرب للسلطة ألن األعرابي يمكن أنَّ يحقد علي‬
‫صديقه ‪،‬و أخيه إذا فضل عليه في الوالء ‪،‬و ربما يؤدي الحقد إلى أنَّ يقتل األعرابي أخيه من أجل‬
‫السلطة ‪،‬وهذه الصفة مورثة عنا جد عن جد نحن العرب‪.‬‬

‫أن مشكلة المساواة بين العرب ‪،‬والموالي تسير في نطاق واحد اسمه الشعوبية‬ ‫يرى شوقي ضي‬
‫‪،‬وكان واضحاً أن الموالي يسبقون العرب في العلم ‪،‬إذ كان منهم أكثر العلماء في العصر العباسي وحده‬
‫‪،‬بل منذ العصر األموي ‪،‬وبطبعاً كانوا يسبقونهم في الزراعة ‪،‬والحرف الملتلة ‪ ،‬وهم اليوم يسبقونهم في‬
‫السياسة ‪،‬وأخذت الدولة تفيد فائدة واسعة من النظم (الساسانية ‪ ،‬القديمة) كما أخذت تنظم ترجمة الثقافات‬
‫األجنبية كما كان كثير من األدباء ‪ ،‬والكتاب ‪ ،‬والشعراء من الموالي بصفة خاصة الفرس ‪ ،‬إذ كان ابن‬
‫المقفع أكبر كتاب عصره وهو فارسياً ‪ ،‬وكذلك بشار بن برد زعيم المجددين في الشعر‪ ،‬وكذلك هيَأ لفتح‬
‫هذا الباب الكبير باب الشعوبية ‪ ،‬وواضح من اسمها أنها تبحث في فضائل الشعوب ‪ ،‬و أيهما يتقدم غيره‬
‫‪3‬‬
‫من األمم‪.‬‬

‫ووقفت الشعوبية بطويالً عند عادة اللطباء العرب من اتلاذ العصي والقوس في خطبهم مؤشرين بها في‬
‫الشرح و التوضيح لدى السامعين أثناء اللطبة ورد عليهم الجاحظ في بيانه مبيناً فوائد العصا ‪ ،‬ومن أقواله‬
‫في تلك العادة إن حمل العصا ‪ ،‬دليل علي التأهب لللطبة و التهيؤ لإلبطناب ‪ ،‬واإلبطالة وفي ذلك شيء‬
‫خاص في خطبة اللطباء العرب و مقصوره عليهم و منسوبة إليهم حتى إنهم ليذهبون في حوائجهم ‪،‬‬
‫اللاصرة بأيديهم إلفاً‪ ،‬وتوقعاً ‪،‬لبعض ما يوجب حملها و اإلشارة بها ‪ ،‬وكانوا يمدحون في اللطيب‬

‫‪1‬‬
‫المسعودي ‪ -‬مروج الذهب ج‪ 1‬تحقيق محمد محى الدين عبد الحميد ‪ -‬دار الفكر بيروت لبنان ص‪191‬‬
‫‪2‬‬
‫علي جواد – المفضل في تأريخ العرب قبل اإلسالم ج‪281 1‬‬
‫‪3‬‬
‫ضيف شوقي– الفن ومذاهبه في الشعر العربي ج‪ 1‬ط‪ 1‬ص‪96‬‬

‫‪38‬‬
‫الثبات‪ ،‬وحضور البديهة ‪ ،‬وقلة التلفت ‪ ،‬وكثرة الريق ‪ ،‬وجهارة الصوت ‪ ،‬قوته ‪ ،‬وكانوا يعيبون فيه‬
‫‪1‬‬
‫التنحنح و االرتعاش ‪،‬و التعثر في الكالم ‪،‬‬

‫وفي رأيّ الشلصي ‪ :‬أن العرب يتميزون عن الشعوب األخرى بميزات ال توجد في األمم األخرى ‪ ،‬وهي‬
‫‪ ،‬الشجاعة ‪ ،‬والكرم ‪ ،‬و الجود ‪ ،‬وعدم الغدر‪ ،‬إذ إنهم في المعارك كما رويَّ عنهم ‪ ،‬ال يأتون العدو غدراً ‪،‬‬
‫إنما يرون ذلك من سمات الجبناء‘ وقد ورد ذلك عند كثير من الكتاب العرب ‪.‬‬

‫عشنا دهراً في زمان قوامه الصراع الدائم بين دعوة الحق ‪،‬والدعوات المتطرفة إلى كل ما يثير األحرار‬
‫السيارة في‬ ‫‪،‬من نبذ للعروبة ‪ ،‬والعربية دعوة عارمة إلى الشعوبية ‪.،‬بلغت العامية ذروتها في الصح‬
‫مصرنا العزيزة ‪،‬واقع سجله التأريخ ‪،‬والتزال آثاره باقية في سجل ال يستطيع محوه في صفحة معروفة‬
‫متداولة مبني عليه ا ‪،‬وكان هذا األمر محزناً حقاً ‪،‬وعشنا كذلك في زمان دعا فيه بعض األفراد ممن‬
‫اضطرتهم الظروف أن يعدلوا مسارهم من اإللحاد الظاهر إلى الكتابة في مجال اإليمان بل في مجال‬
‫‪،‬واهلل أعلم بما صنعوا ‪،‬وكان هذا‬ ‫التصوف ‪،‬وتمجيد اإلسالم ‪،‬وإبطال اإلسالم ‪،‬يقولون عفا اهلل عما سل‬
‫قدرنا ‪،‬وهذا عصرنا الذي أظلتنا ظالله القاتمة السوداء ‪،‬وكانت فتنة هدمها الحق ‪،‬وقوض دعائهما الهشة‬
‫تقويضاً ‪ ،‬وآتى اهلل بنياتهم من قواعدها ‪،‬وكانت نفوسنا الشابة حينئذ تأسى القوم الذين بغوا وبثقوا أن تنتكس‬
‫‪2‬‬
‫الراية وتنصر دعوة سادتهم أعداء العروبة‪ ،‬والذين من صغار المستشرقين ومغرضيهم‬

‫فإذا كان عند العرب شهداء فإن للموالي شهداء ‪،‬وإذا نبغ العرب في قرض الشعر وبلغوا فيه غاية الجودة‬
‫فليحاول شهداء الموالي أن يكون شعرهم منافساً للعرب في الجودة ‪،‬وأن يتفوقوا عليه ‪،‬وإذا كان للعرب‬
‫ض عريق ومشرف ‪ ،‬وأدب يعتزون به ‪ ،‬فقد حاول العجم أن يتلمسوا أسباب القوة في تأريلهم ‪،‬ويبرزوا‬
‫ما ٍ‬
‫مشرفة يتفننون بها ويحاولون فيها التفوق على العرب ‪ ،‬وظهرت بداية هذا التنافس في‬ ‫ما فيه مواق‬
‫العصر األموي بصورة خافتة ‪،‬ألنهم يلشون بطش الللفاء يهابون سطوتهم فالدولة كان عربية صميمة‬
‫‪،‬وفي العصر العباسي ظهر ما يسمى الحركة الشعوبية التي تمثل الصراع والتنافس بين العرب وغيرهم‬
‫‪3‬‬
‫من الشعوب ‪.‬‬

‫ما جاء به العرب نتيجة‬ ‫وفي رأيّ الشلصي هذه الشعوبية ومطاعنها علي العرب وفكرها الذي يلال‬
‫للمعاملة السيئة التي كان يعاملها الللفاء األمويين للموالي مما أظهر الحركة الشعوبية بصورة واضحة في‬
‫الدولة العباسية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ضيف شوقي – تاريخ األدب العربي العصر الجاهلي ج‪ 1‬دار المعارف مصر ص‪416‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد عبد السالم – كناشة النوادر ج‪ 1‬مكتبة الخانجي ط‪1985 1‬م ص‪3‬‬
‫‪3‬‬
‫عمارة السيد أحمد – دراسة في نصوص العصر الجاهلي تحليل وتذوق –ج‪ 1‬مكتبة المتنبي للطباعة والنشر ص‪65‬‬

‫‪39‬‬
‫أن أكثر ما تعيبهم به الشعوبية قلة االهتمام بالمباني ‪،‬وأن معظمهم أهل خيام ‪،‬و إبل محبين للغارات‬
‫‪،‬وسفك الدماء ‪،‬وبطلب الثأر ‪،‬و السهم المصيب في الجواب استهدف للغض منهم باإلهمال في البوادي أنهم‬
‫جلبوا علي إبطعام الطعام ‪ ،‬إعداد القوة لمن يجتازهم من المتمردين ‪ ،‬والسالكين من أخالط الفرق الذين‬
‫يعيشون بالذكر بذلك في كل مكان يحلونه ‪،‬ويمرون به ‪،‬وذلك ال يتمكن في الحاضرة كما يتمكن في البادية‬
‫‪،‬وقد مألوا أشعارهم برفع النيران ‪ ،‬والضيفان ‪،‬واستداللهم بنباح الكالب ‪،‬ما أشبه ذلك من اللواص البادية‬
‫كألبان األغنام ‪،‬والصيد البري ‪،‬وغير ذلك ال يلزمهم‬ ‫‪،‬يتميز سكان البادية بتقديم أيسر ما تيسر للضي‬
‫‪1‬‬
‫التقيد بالتجمل الذي يلزم أهل الحاضرة ‪.‬‬

‫وقد ذكر الجاحظ في معرض الحجج بين السودان والبيضان ‪،‬وعلى لسان الزنج قولهم للعرب من جهلكم‬
‫أنكم رأيتم ما لكم أكفاء في الجاهلية في نسائكم ‪،‬فلما جاء عدل اإلسالم رأيتم ذلك فاسداً وما بناء الرغبة‬
‫عنكم مع البادية منا مألي كثير ممن قد تزوج ورأس ‪،‬وساد ‪،‬منع كنفكم من العدو وفي هذا القول إشارة إلى‬
‫التزاوج بين العرب والزنج أي السودان المجلوبين من إفريقيا في الجاهلية ‪ ،‬وإلى انصراف العرب عنه‬
‫في اإلسالم ما خال البادية ‪،‬وذلك بسبب إقبالهم علي الزواج بالفارسيات ‪،‬و الروميات ‪،‬وبغيرهن على ما‬
‫يظهر بسبب الفتوح ‪ ،‬وتوسع أسواق النلاسة في هذا الوقت ‪،‬وإرتفاع المستوى االقتصادي للعرب في‬
‫االسالم عنه وفي الجاهلية مما مكنهم من التزوج باألجنبيات البيض الجميالت ‪،‬وتفضليهن على‬
‫‪2‬‬
‫السودانيات ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ابن سعيد األندلسي – نشوة الطرب في تاريخ الجاهلية والعرب ج‪ 1‬تحقيق نصرت عبد الرحمن ‪ -‬مكتبة األقصى عمان ط‪ 1‬ص‪83‬‬
‫‪2‬‬
‫علي جواد ‪ -‬المفضل في تاريخ العرب قبل اإلسالم ج‪ 7‬دار الساقي ط‪ 4‬ص‪312‬‬

‫‪40‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫مطاعن الشعوبية على العرب‬

‫وقالت الشعوبية ‪ :‬ومن يتعصب للعجمية القضيب لإليقاع ‪،‬والقناة للقار‪ ،‬والعصا للقتال‪ ،‬والقوس‬
‫للرمي‪ ،‬وليس بين الكالم وبين العصا سبب وال بينه وبين القوس نسب وهما إالَّ يشغال ويصرفا اللوابطر‬
‫ويعترضا الذهن أشبه‪ ،‬وليس في حملها ما يشحذ الذهن وال في اإلشارة بها يجلب اللفظ ‪،‬وقد زعم أصحاب‬
‫الغناء أن المغني إذا ضرب علي غنائه قصر عن المعنى الذي ال يضرب على غنائه وحمل العصا‬
‫بأخالق الفدادين أشبه ‪،‬وهو بجفاة األعراب ‪،‬وعُنجهية أهل البدو ومزاولة إقامة اإلبل علي بطريق أشكل‬
‫وبه أشبه قالوا ‪:‬اللطابة شيء في جمع األمم ‪،‬وبكل األجيال إليه أعظم الحاجة حتى أن الزنج مع الغثارة‬
‫‪،‬ومع فرط الغباوة ومع كالل الحد ومع غلظ الحس وفساد المزاج لتطيل اللطب وتفوق في ذلك جميع‬
‫العجم ‪،‬وإن كانت معانيها أجفى وأغلظ وألفاظها أخطا ‪،‬وأجهل وقد علمنا أن أخطب الناس الفرس وأخطب‬
‫الفرس أهل فارس أعذبهم كالما وأسهلهم ملرجاً ‪،‬وأحسنهم والء وأشدهم تحنكاً أفصحهم بالفارسية الدرية‬
‫‪،‬وباللغة الفهلوية أهل قصبة األهواز وقالوا‪ :‬ومن أحب أن يبلغ في صناعة البالغة ويعرف الغريب‬
‫ويتبحر في اللغة فليقرأ كتاب كاروند ومن أحتاج الى العقل واألدب والعلم بالمراتب واأللفاظ الكريمة‬
‫‪1‬‬
‫والمعاني الشريفة فلينظر الى سير الملوك‬

‫أنَّ يبدو الشعوبية في ذلك العصر كانوا متكاتفين يسعى كل منهم في صالح األخر ‪،‬ويتعاونون علي إقصاء‬
‫أي نفوذ معنوي للفكرة العربية عمن يرى فيه ميل إليها من الللفاء يناصرون أبا عبيدة ‪،‬حين رأوا‬
‫األصمعي وهو نصير الفكرة العربية يحتل مكانة لدى هارون الرشيد سعوا في إقصائه عن بطريق القدح‬
‫‪2‬‬
‫فيه لدى هارون وظلوا يلحّون عليه في ذلك حتى أسقطوه‪.‬‬

‫فهذه الفرس ورسائلها ‪،‬وخطابها ‪،‬ومعانيها ‪،‬وهذه يُونان ورسائلها وخطابها وحكامها ‪،‬وهذه كتبها في‬
‫النطق التي جعلتها الحكماء بها تعرف السقيم من الصحة ‪،‬واللطأ من الصواب ‪،‬وهذه كتب الهند في‬
‫حكامها وأسرارها وسيرها وعللها ‪،‬فمن قرأ هذه الكتب عرف غور تلك العقول ‪،‬و غرائب تلك الحكم‬
‫سقط علي جميع األمم من المعروفين بتدقيق‬ ‫وعرف أين البيان والبالغة وأين تكاملت تلك الصناعة ‪،‬فكي‬
‫المعاني ‪،‬وتليّر األلفاظ ‪،‬وتمييز األمور أن يشيدوا بالقنا والعصا ‪،‬و القضبان ‪،‬والقسي كال ‪،‬ولكنكم كنت‬
‫رعاة بين اإلبل والغنم فحملتم القنا في الحضر بفضل عادتكم لحملها في السفر ‪،‬وحملتموها في المدن‬

‫‪1‬‬
‫الجاحظ البيان والتبيين – ج‪ 3‬ط‪ 2‬القاهرة ‪ – 1932‬تحقيق حسن السندوبي *الفدادين ‪:‬الرعاة والفالحون *الغثارة ‪ :‬الغباوة ص‪10‬‬
‫‪2‬‬
‫اسماعيل عز الدين – في الشعر العباسي الرؤية والفن ط‪ 1‬دار المعارف مصر ‪1975‬م ص‪123‬‬

‫‪41‬‬
‫بفضل عادتكم لحملها الوبر‪ ،‬و حملتموها في السلم بفضل عادتكم لحملها في الحرب ‪،‬ولطول اعتيادكم‬
‫لملابطبة اإلبل ج فا كالمكم ‪،‬وغلظت ملارج أصواتكم حتى كأنكم إنما تلابطبون الصٌمان إذا كلمتم الجلساء‬
‫جل قتالكم بالعصى ‪،‬ولذلك فلر األعشى على سائر العرب فقال ‪:‬‬
‫‪،‬إنما كان ُّ‬

‫وال نُرامِى بالحجارة‬ ‫لسنا نقاتل بالعصـــى‬

‫خارج نهد الجُزارة‬ ‫إالعاللة او بُداهــــــة‬

‫وقالوا إن ما كانت رماحكم من ُمرّان وأسنتكم من قرون البقر وكنتم تركبون الليل في الحرب عراء ‪،‬فإن‬
‫كان الفرس ذا سرج فسرجه رحالة من أدم ٍ لم يكن ذا ركابٍ ‪،‬والركاب من أجود آالت الطاعن برمحه‬
‫‪1‬‬
‫محمالً‪ ،‬وأشد بطعنة ‪،‬‬ ‫‪،‬والضارب بسيفه وكان فارسكم يطعن بالقناة الصَّماء ‪،‬وقد علمنا أن الجوفاء أخ‬

‫هكذا استطاعت الحركة الشعوبية أن تسير في هدوء وابطمئنان قُدما نحو أهدافها البعيدة ‪،‬أن تحقيق هذه‬
‫األهداف آخر األمد ‪،‬حين تهيأت الظروف المادية إلنشاء دويالت فارسية ‪،‬القومية الطابع علي أنقاض‬
‫‪2‬‬
‫الدولة العربية اإلسالمية ‪.‬‬

‫خلفاء بني أمية ‪،‬وبني العباس‬ ‫ولقد اتفق المؤرخون الطبري ‪،‬و المسعودي وغيرهم على أن جميع سل‬
‫أنما كانوا يركبون بالحِلية اللفيفة من الفضة في المنابطق والسيوف واللُجم والسروج ؛ وأن أول خليفة‬
‫احدث الركوب بحلية الذهب هو ابن المعتز بن المتوكل ثامن الللفاء بعد الرشيد وهكذا كان حالهم في‬
‫مالبسهم فما ظنك في مشاربهم وبين ذلك بأتم من هذا اذا ضممت بطبيعة الدولة في البداوة والغضاضة‬
‫ويناسب هذا وقريب من ما ينقلونه كافه عن يحيى بن أكثم قاضي المأمون وصاحبه وأنه كان يعاقر اللمر‬
‫وأنه سكر ليلة مع شَربة فدفن في الريحان حتى أفاق ويبشرون علي لسانه ‪:‬‬

‫قد جار في حلمه من كان يسقني‬ ‫يا سيدي وأمر الناس كلهم‬

‫كما تراني سليب العقل والدين‬ ‫إني غفلت عن الساقي فصيرني‬

‫وحال بن أكثم والمأمون في ذلك من حال الرشيد ‪،‬وشرابهم إنما كان النبيذ لم يكن محظوراً عندهم وأما‬
‫السُكر فليس من شأنهم وصابته للمأمون أنما كانت خُلَّة في الدين ولقد ثبت أنه كان ينام معه في البيت ونقل‬
‫من الفضائل المأمون وحسن عشيرته أنه أنتبه ذات ليلة عطشان فقام يتحسس ويتلمس اإلناء ملافة أن‬
‫يوقظ يحيى بن أكثم ثبت أنهما كانا يصليان الصبح في جماعة فأين هذا من المعاقرة؟ وأيضاً كان يحيى بن‬

‫‪1‬‬
‫ص‪12 -11‬‬ ‫الجاحظ البيان والتبيين ‪-‬ج‪ 3‬ط‪ * 2‬المُرّان ‪:‬شجر تتخذ من فروعه رماح فيها صالبة ولدنة * األدم ‪:‬الجلد‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬اسماعيل عز الدين – في الشعر العباسي الرؤية والفن ط‪ 1‬ص ‪123‬‬

‫‪42‬‬
‫أكثم من عليةِ أهل الحديث وقد أثنى عليه أحمد بن حنبل وإسماعيل القاضي وأخرج عنه الترمذي في كتابة‬
‫‪1‬‬
‫الجامع‪.‬‬

‫فإن الليل حصون العرب ومنبت العز وسلم المجد ‪،‬وبها تدرك الثأر وعليها تصيد الوحش وكانوا‬
‫يؤرثونها علي األوالد باللبن يستدونها باألجنبية للمطلب والمهرب وقد كنى اهلل عليها كما فيها من اللير‬
‫فقال‪ :‬حكاية عن نبيه سليمان عليه السالم (إني أحببت حب اللير عن زكر ربي حتى توارت بالحجاب‬
‫‪2‬‬
‫)يعنى الليل ‪.‬‬

‫والوفاء بالعهد خلق عربي حافظوا عليه في جاهليتهم ‪،‬وبزلوا دونه أموالهم وأنفسهم وأبناءهم ‪،‬عرف لهم‬
‫ولسنا‬ ‫ذلك من جاورهم من األمم من الفرس ‪،‬والروم و حوادثهم في ذلك مأثورة حفظتها بطون الصح‬
‫بصدد أن نقتصها لما جاء اإلسالم أيد هذا الللق وأمر به أمراً حتماً ال هوادة فيه‪ ،‬قال تعالى في محكم‬
‫تنزيله (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئوالً) وإلى غير ذلك من اآليات القرآنية التي شددت في وجوب‬
‫الوفاء بالعهد ‪،‬و اعتبارها أساساً تقوم عليه الدولة اإلسالمية ‪،‬وعلي ذلك سار الللفاء الراشدون كما يعلم‬
‫من استقرأ تواريلهم وكذلك نحا بنو أمية ذلك المنحى ألنَّ العنصر العربي كان له مكان فيها بل يصح أن‬
‫يقال أنها كانت دولة عربية محضة لما جاءت الدولة العباسية وقد ظهرت علي أيدي عنصر غير عربي‬
‫ظهر منها ألول نشأتها حوادث متكررة تدل علي أنه ليس للعهود في نظرة خلفائها قيمة فقد قتل المنصور‬
‫في حياة السفاح بن هبيرة بعد أن أمن أماناً الشك فيه ‪،‬وكان الذي أشار بقتله أبو مسلم اللراساني الذي‬
‫‪3‬‬
‫يظنونه مشيد للدعوة العباسية وكانوا ال يحبون أن ينقذوا أمرًا دون مشورته‪.‬‬

‫يظن العجم أنهم هم األحرار من ولد إسحاق وإسحاق لسارة وهي حرة وإسماعيل لهاجر وهي أمة قالوا‬
‫‪:‬الللناء والللناء عند العرب اآلمة وكذلك يطعن الشعوبية في العرب فالويل الطويل لهؤالء والبعد‬
‫والثبور من هذه العداوة ألولياء اهلل فقد غلطوا في تأويلهم عن اللغة وليس كل أم عند العرب للناء إنما‬
‫الللناء هي اآلمة الممتهنة في رعي اإلبل وسقيها ‪،‬وجمع الحطب وحمله واستقاء الماء ‪،‬والحلب ‪،‬و أشباه‬
‫‪4‬‬
‫ذلك من اللدمة ‪.‬‬

‫وفي رأيَّ الشلصي أن العرب هم الذين ينادون بتفرقة العنصرية أكثر من الشعوب األخرى ألن ما زالت‬
‫هذه العنصرية تظهر في معاملة الناس حتى أبناء القطر الواحد يعانون من ذلك ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫حلْيَة ‪:‬القوم وأعاظمهم ص ‪357 -356‬‬
‫بن خلدون المقدمة ج‪ 1‬ط‪ 3‬دار النهضة مصر القاهرة ِ‬
‫‪2‬‬
‫كرد محمد علي ‪ -‬رسائل البلغاء ط‪ 2‬دار الكتب العربية الكبرى القاهرة ص‪ 274‬اآلية ‪ 32‬من سورة ص‬
‫‪3‬‬
‫الخضري الشيخ محمد – محاضرات تاريخ األمم اإلسالمية ط‪ 6‬دار المعرفة بيروت لبنان ‪2001‬م اآلية سورة اإلسراء (‪ )34‬ص‪424‬‬
‫‪4‬‬
‫كرد محمد علي – المرجع السابق ط‪ 2‬ص ‪276‬‬

‫‪43‬‬
‫في سنة سبع وسبعين كانت للحجاج حروب مع شبيب اللارجي وولى عنه الحجاج بعد قتل ذريع كان في‬
‫أصحابه حتى أحصى عددهم بالقضيب‪ ،‬فدخل الكوفة وتحصن في دار اإلمارة ‪،‬ودخل شبيب وأمة وزوجته‬
‫غزالة الكوفة عند الصباح ‪،‬كانت الغزالة من الشجاعة والفروسية بالوضع العظيم وكذلك أم شبيب ‪،‬وقد‬
‫كان عبد الملك حين بلغه خبر حرب الحجاج وتحصنه في دار اإلمارة بالكوفة من شبيب بعث من الشام‬
‫بعساكر كثيرة عليها سفيان بن األبرد الكلبي لقتال شبيب فقدم علي الحجاج بالكوفة فلرجوا إلى شبيب‬
‫‪،‬فحاربوه فانهزم شبيب ‪،‬وقتلت الغزالة وأمه ومضى شبيب في فوارس من أصحابه ‪،‬وأتبع سفيان في أهل‬
‫الشام فلحقه باألهواز فولَي شبيب ‪ ،‬فلما وصل إلى جسر دجيل نفر به فرسه وعليه الحديد الثقيل ومِغفَر‬
‫فألقاه في الماء ‪ ،‬فقال‪ :‬له بعض أصحابه أغرقاً أمير المؤمنين؟ قال‪ :‬ذلك تقدير العزيز العليم‪ ،‬فألقاه دجيل‬
‫ميتاً بشطه ‪ ,‬من يظن بالد العرب صحراء جرداء ال نبات فيها يلطئ والذين يظنون أن أهلها بدو ورحل‬
‫ال يقرون في مكان واحد ‪،‬وال يتصلون باألرض التي يسكنونها اتصاالً وثيقاً كأهل البالد الزراعية ‪،‬وإنما‬
‫‪1‬‬
‫يتربصون مواسم الغيث فيلرجون بكل مالهم من نساء و إبل يتطلبون المرعى‪.‬‬

‫في سنة اثنين وثمانين قتل الحجاج ابن القُرِّية للروجه مع ابن األشعث وإنشائه الكتب له ووضع الصدور‬
‫واللطب ‪ ،‬وكان ابن القُرِّية من البالغة والعلم والفصاحة بالموضع الموصوف‪ ،‬وقد أتينا علي خبر مقتله‬
‫‪2‬‬
‫‪ ،‬وما كان من كالمه مع الحجاج وقد كان صبراً‪.‬‬

‫وفي رأيَّ هكذا كان الشعوبيون يعيرون العرب بأنهم بدوا ورحل يرحلون من مكان إلى آخر يبحث عن‬
‫المراعي يحملون هم أنعامهم بين البلد والبلدين ونحن بصفتنا عرب ال ننكر هذا الشيء ألن ذلك جزء من‬
‫حياة أهلنا في البادية الجميلة ‪.‬‬

‫جاءت الوقائع بين األمين والمأمون فكان من نتيجتها ازدياد قوة العنصر اللراساني ألن قوة المأمون‬
‫ارتكزت عليه‪ ،‬وظهر البيت الطاهر وهو أول بيت من الموالي منح خراسان علي بطريقة االستقالل‪ ،‬وهو‬
‫الذي كان يزيد من قوة العناصر‪ ،‬وأن المأمون وأخاه كانا يميالن إلى االستكثار من األتراك الذين كانوا‬
‫يفدون علي بغداد بكثرة ‪،‬ويقدمهم ملوك ما وراء النهر وآل بطاهر من هؤالء الشبان من كان يشترى بالمال‬
‫هذه الدولة الكبيرة ووالئها ‪،‬ولم‬ ‫‪،‬ومنهم من كان ذا بيت عريق في قومه فقدم بغداد ليستزيد عزاً بحل‬
‫تزل هذه الوفود تتوارد توارداً مطرداً حتى كان زمن المعتصم ‪،‬وقد تألفت منها جيوش ظن اللليفة أن‬
‫العنصر‬ ‫يعتمد عليها في إقامة دولته‪ ،‬ويستغنى عن العرب وعصبيتهم ‪،‬وعن أبناء خراسان أيضاً‪ ،‬وضع‬
‫العربي ضعفاً شديداً فتفرق وعصائب وعاد الكثير منها إلى موابطنها في الفقر والصحراء والذين بالمدن لم‬

‫‪1‬‬
‫نصار حسين ‪ -‬نشأة الكتابة الفنية في األدب العربي ط‪ 1‬مكتبة الثقافة الدينية القاهرة ‪2002‬م ص‪17‬‬
‫‪2‬‬
‫المسعودي ـــ مروج الذهب ـــ ج‪ 3‬تحقيق محمد محى الدين عبد الحميد ـ دار الفكر بيروت لبنان ( د ت) ص‪147‬‬

‫‪44‬‬
‫ثقة الللفاء فاختل‬ ‫موالي خراسان لضع‬ ‫تبقَ لهم عصبيات يستندون في حياتهم إليها ‪،‬وكذلك ضع‬
‫التوازن بين عناصر الدولة ‪،‬ووجد غلمان األتراك أنفسهم منفردين بالملك مستأثرين به ‪،‬وليس أمام الللفاء‬
‫إال هم فاستحكم نفوذهم ‪،‬وصاروا هم اآلمرين حتى امتدت أيديهم إلى حياة الللفاء ‪،‬وإلى أموالهم ‪،‬وإلى كل‬
‫شيء ‪،‬عندهم وخضع الللفاء لهذه القوة التي لم يجدوا أمامهم ما يردها من العرب ‪،‬وال من األبناء‪،‬‬
‫العنصر الذي كان أول اللالفة شراً وأما هذا فهو نهاية الشرور‪ ،‬وكان تغلب هذا العنصر ولعبه برقاب‬
‫‪1‬‬
‫صول الللفاء وقلل من قيمة أقوالهم وأوامرهم‪.‬‬ ‫الللفاء من بني العباس ذات نتائج سيئة فإن أضع‬

‫الشعوبية علي العرب عند هذا الحد ‪،‬فقد زيفوا الشروح ‪،‬واختلقوا القصص ‪،‬وافتعلوا األخبار‬ ‫ولم تق‬
‫‪2‬‬
‫ونسبوها جميعاً للعرب لتشويه تاريلهم ‪،‬فكان ذلك أخطر على العرب من الحرب الظاهرة ‪.‬‬

‫وابن القُرِّية القائل‪ :‬الناس ثالثة عاقل‪ ،‬وأحمق‪ ،‬وفاجر؛ فأما العاقل فإن الدين شريعته ‪ ،‬والحلم بطبيعته ‪،‬‬
‫والرأي الحسن سجيته ‪ ،‬وإن نطق أصاب ‪،‬وإن كلم أجاب ‪ ،‬وإن سمع العلم وعى ‪،‬وإن سمع الفقه روى‪،‬‬
‫وأمَّا األحمق فإن تكلم عجل ‪،‬وإن حُدث ذهل ‪ ،‬وإن حمل علي القبيح حمل ‪ ،‬وأمَّا الفاجر فإن استأمنته خانك‬
‫‪3‬‬
‫علّم لم يعلم ‪ ،‬وإن حدث لم يصدق وإن فقه لم يفقه ‪.‬‬
‫‪ ،‬وإن صاحبته شانك ‪ ،‬وإن استكلم لم يكتم‪ ،‬وإن ُ‬

‫وذكر المدائني أنَّ الحجاج لم يكن يظهر لندمائه أمنة بشاشة وال سماحة في الللق إال في يوم دخلت عليه‬
‫ليلي األخيلية فقال ‪ :‬لها لقد بلغني أنك مررت بقبر توبة بن الحُميِّر وعدلت عنه ‪ ،‬فواهلل ما وفيت له ولو‬
‫كان هو بمكانك ‪،‬وأنتِ بمكانه ما عدل عنك ‪ ،‬قالت ‪ :‬أصلح اهلل األمير لي عذر قال ‪ :‬ما هو ؟ قالت أني‬
‫سمعته يقول ‪:‬‬

‫ولو أنَّ ليلى األخيلية سلّمت ** عليَّ وفوقي جندل وصفائح‬

‫لسلّمت تسليم البشاشة او زقًا ** إليها صدّى من جانب القبر‬

‫وكان معه نسوة سمعن قوله فكرهت أن أكذبه فاستحسن الحجاج قولها وقضى حوائجها وانبسط في‬
‫محادثتها فلم ترَ منه بشاشة وأريحية كما في مثل ذلك اليوم ‪،.‬وذكر حماد الراوية غير هذا الوجه وهو أن‬
‫عليها وقد اجتازوا بقبر توبة أن تنزل وتأتي القبر وتسلم عليه تكذبه حيث يقول ذُكر القبر‬ ‫زوج ليلى حل‬
‫ودمعها على صدرها كغز السحاب فقالت ‪ :‬السالم عليك يا تَوْبة فلم تتم النداء حتى انفرج القبر عن‬
‫‪4‬‬
‫بطائر كالحمامة البيضاء فضرب صدرها فوقعت ميتة فأخذوا في جهازها وكفنها ودفنت إلى جانب قبره ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الخضري الشيخ محمد محاضرات تاريخ األمم اإلسالمية الدولة العباسية ط‪ 6‬ص‪417‬‬
‫‪2‬‬
‫أمين أحمد ‪ -‬ضحى االسالم ج‪ 1‬ص‪70‬‬
‫‪3‬‬
‫المسعودي – مروج الذهب – ج ‪ – 3‬دار الفكر بيروت ص ‪148‬‬
‫‪4‬‬
‫المسعودي – المرجع السابق ص ‪149-‬‬

‫‪45‬‬
‫إذ عملت الشعوبية على عرقلة أنساب العرب زاعمين أنهم كانوا ينكحُون نساءهم في غاراتهم بال عقد‬
‫‪1‬‬
‫نكاح ‪،‬فأختلطت أنسابهم وأصولهم وأنكروا كل الصفات الللقية الكريمة‪.‬‬

‫ربما كانت االنتصارات التي حققها العرب في فتوحاتهم والثراء الذي أصابوه نتيجتها سبباً في‬
‫شعور االست عالء الذي أحس به العرب إذ رأوا في أنفسهم الجنس الفاتح السيد‪ ،‬وأن ما سواهم من األجناس‬
‫خُلق لكي يكون في خدمتهم ‪،‬وليقوم بشؤون حياتهم اليومية حتى يتفرغ هذا الجنس الفاتح لجالئل األمور‬
‫من قضايا السياسة والحرب ‪،‬وقد ساد هذا الشعور بطوال عصر بني أمية بما أبداه بنو أمية من تعصب‬
‫للعرق العربي ‪،‬ومن معاملة الموالي معاملة دون مستوى معاملة العرب فكانوا إذا حاربوا مع العرب‬
‫حاربوا مشاه ثم ال ينالهم من الفيء والغنائم إال النزر اليسير ‪،‬وكان ال يسمح لهم بسكنى األمصار ومن‬
‫‪2‬‬
‫أسلم منهم لم تسقط عنه الجزية ‪.،‬‬

‫وقد سرى هذا التعصب العرقي من الساسة إلى من يسوسون‪ ،‬فكان العربي ال يسمح لمولى يتقدمه في‬
‫موكب ‪،‬وكان ال يناديه بكنيته ألن الكنية فيها تعظيم للمنادى ‪،‬وإذا عاد العربي من السوق فرأى أحد‬
‫الموالي كلفه بأن يحمل عنه ما شراه ‪،‬وربما وقر في أذهان العرب أنَّ الموالي جنس أدنى ال يحق له أن‬
‫يتساوى بالعرب في ما أوجبه الشرع من مساواة ‪،‬فقد روى صاحب األغاني أنَّ أحد الموالي خطب أحدى‬
‫بنات بنى سليم و تزو جها فركب محمد بن بشير اللارجي إلى المدينة ‪،‬وعليها يومئذ ابراهيم بن هشام‬
‫يشكو إليه‪ ،‬ذلك فضربه مائتي سوط ‪،‬وحلق رأسه ولحيته ‪،‬وفرق بينه وبين زوجته وقال محمد بن بشير ‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫ولم ترث الحكمة بعيد ‪.‬‬ ‫ال‬
‫قضيت بسنة وحكمت عد ً‬

‫عابوا بدوية العرب وفصاحتهم ‪،‬وبالغتهم ‪،‬وما كانوا يستعينون به أثناء اللطابة من االتكاء علي أبطراف‬
‫‪4‬‬
‫العصي واإلشارة بالقضبان والقنا ‪،‬وسلروا من آالتهم في الحرب ‪.‬‬

‫إنَّ بدا وة الطبع التي كثر الكالم في ذمها ‪،‬و تجريحها لم تكن إال في كالم الشعوبية ‪،‬وهم قوم أرادوا الغض‬
‫تنكر على رجل مثلي أن يظل بدوي في‬ ‫من شمائل العربية ‪،‬ولوال ذلك الهجوم لبقيت من المحامد ‪ ،‬فكي‬
‫زمن توارت فيه الصراحة ‪ ،‬وكثرة فيه تنمق األحاديث ال بد من خالف بيني وبينك لتجد البحوث األدبية ‪،‬‬
‫المقدس في حياة العقل ‪ ،‬والوجدان ‪ ،‬فإذا صدرك فهذا الحقيقة ‪،‬واكتفيت‬ ‫والفلسفية ‪ ،‬وقوداً يحيى به الله‬

‫‪1‬‬
‫عطوان حسين– الزندقة والشعوبية في العصر العباسي األول ‪ -‬ص ‪159‬‬
‫‪2‬‬
‫فوزي أمين وآخر في األدب العباسي – دار المعرفة الجامعية شرق السويس ‪ 2006‬ص ‪37‬‬
‫‪3‬‬
‫فوزي أمين المرجع السابق ص ‪37‬‬
‫‪ 2‬عطوان حسين الزندقة والشعوبية في العصر العباسي األول ص‪160‬‬

‫‪46‬‬
‫الذي يقول ‪ :‬إن صحراء تشكو الظمأ وإن البحر يشكو الري وإن اللير في امتزاج‬ ‫بمحاورة الرجل اللطي‬
‫‪1‬‬
‫شاء‪.‬‬ ‫شئت وكي‬ ‫البحر بالصحراء إن كان ذلك ما يرضيك فشرق في محادثة ‪،‬وغرب كي‬

‫وعن الشعوبية وصلتها بنحل الشعر ‪ ،‬تحدث الدكتور بطه حسين عن نشأة الشعوبية ‪،‬بعد دخول الموالي‬
‫في اإلسالم ‪ ،‬وموقفهم من األحزاب السياسية منذ قيام الدولة األموية ‪،‬واستقاللهم اللصومات السياسية‬
‫التي كانت بين هذه األحزاب ليعيشوا من جهة ‪ ،‬ويلرجوا من الرق أو من حياة الوالء إلى حياة األحرار‬
‫‪،‬و السادة من جهة أخرى ‪ ،‬ثم ليشفوا ما في صدورهم من غل ‪ ،‬وينفسوا علي أنفسهم ما كانوا يضمرون‬
‫من ضغينة للعرب من جهة ثالثة ثم ضرب أمثلة من حقد الموالي المغوليين ‪ ،‬علي العرب الغالبين ‪ ،‬أعقب‬
‫ذلك بأن الشا عر من الموالي كان يكفيه عندما يحاول االفتلار ‪ ،‬أن يثبت أن العرب أنفسهم كانوا قبل أن‬
‫يتيح لهم اإلسالم هذا التغلب يعترفون بفضل الفرس ‪،‬وتقدمهم ‪ ،‬يقولون في ذلك الشعر يتقربون به إليهم ‪،‬‬
‫ويبتغون به الثواب عندهم ‪،‬وال سيما الحوادث التاريلية ‪،‬واألسابطير تعين علي ذلك ‪ ،‬يضرب أمثلة علي‬
‫سلطان الفرس قبل اإلسالم بسيطرتهم علي العراق ‪،‬واحتاللهم اليمن بعد إخراجهم الحبش ‪،‬منها وكان بين‬
‫‪2‬‬
‫العرب والفرس من وقائع تبعية ملوك الحيرة لهم ‪.‬‬

‫يرى الجاحظ أن رسالة فلر السودان علي البيضان كرسالة الترك تصور لنا الحركة الشعوبية تصويراً‬
‫واضحاً‪ ،‬أن هذه الشعوب تحاول أن تثبت وجودها‪ ،‬وتميُزها ‪ ،‬وفضائلها‪ ،‬ومأثرها‪ ،‬وتفوقها علي العرب ‪،‬‬
‫هكذا دائماً الشعوب األجنبية تحاول زرع العنصرية في أفكار الناس ‪ ،‬كما تحاول أيضًا في النقص من شأن‬
‫‪3‬‬
‫العرب في شتى ميادين الحياة الفكرية ‪ ،‬والسياسية‪ ،‬واإلجتماعية‪.‬‬

‫ويوجه الجاحظ في الكالم في مقدمة الرسالة إلى شلص لم يذكر اسمه سأله أن يكتب كتاباً في مفاخر‬
‫السودان فيلبي الجاحظ بطلبه ‪ ،‬ويؤل هذه الرسالة التي يبدي فيها عطفاً وظاهراً علي السودان ألنه كان‬
‫أسود اللون يميل إليهم بصلة القرابة ‪،‬وهو يرد اوالً الرجال العظام الذين أنجبهم السودان‪ ،‬وذكر منهم‬
‫لقمان الحكيم ‪ ،‬ومنهم بالل الحبشي رضي اهلل عنه‪ ،‬ومنهم المقداد الذي عاش في عهد النبي صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وثمة سبب أخر لكثرة السودان‪ ،‬وهو ترامي أصفاهم فإذا كان البيضان يسكنون بالد فارس ‪،‬‬
‫والروم‪ ،‬وخراسان‪ ،‬فالسودان يملئون بالد الزنج والحبشة ‪،‬والنوبة‪ ،‬والهند ‪،‬ثم إن العرب يعدون السودان‬
‫‪4‬‬
‫ألن لونهم أقرب إليهم من البيضان‪.‬‬

‫أن األقوال ‪،‬و األخبار التي تبين فضائل الفرس‪ ،‬والنصارى‪ ،‬واليهود تلفي خلفها شعوبية متنكرة‪ ،‬حاقدة‪،‬‬
‫دافنة‪ ،‬علي العرب والنيل منهم‪ ،‬ومن أديباتهم‪ ،‬وثقافاتهم وعقيدتهم ‪،‬ونحن نعلم أن الجاحظ حمل علي‬
‫الشعوبية التي تبغض العرب ‪،‬وتكيد لهم‪ ،‬وتحاول تشويه دينهم ‪ ،‬وتزوير تأريلهم‪ ،‬بالدس‪ ،‬والنحل‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫سيد أحمد أنور – المعارك األدبية ج‪ 1‬مكتبة األنجلو المصرية ط‪1983 1‬م ص‪701‬‬
‫‪2‬‬
‫الجندي علي ‪-‬في تاريخ االدب الجاهلي ج‪1‬مكتبة دار التراث ط‪1991 1‬م ص‪230‬‬
‫‪3‬‬
‫الجاحظ – الرسائل السياسية ج‪1‬مكتبة دار الهالل بيروت ص‪51‬‬
‫‪4‬‬
‫الجاحظ – الرسائل السياسية ج‪1‬ص‪51‬‬

‫‪47‬‬
‫صاحب المحاسن‪ ،‬واألضداد‪ ،‬ومن‬ ‫عن موق‬ ‫الجاحظ من النصارى ‪،‬واليهود يلتل‬ ‫والتوليد‪ ،‬وموق‬
‫يقرأ رسالة النصارى يتضح له بجالء أن أبا عثمان لم يكن راضياً عنهم‪ ،‬وال عن الفرس‪ ،‬والذين هم حملة‬
‫‪1‬‬
‫لواء الشعوبية‪.‬‬

‫المسود‪ ،‬وال الشري‬ ‫قال ابن قتيبة ‪ :‬إننا نحن ال ننكر تباين الناس ‪،‬وال تفاضلهم‪ ،‬وال السيد منهم وال‬
‫‪،‬وال المشروف ‪ ،‬ولكننا نزعم أن تفاضل الناس فيما بينهم ليس بآبائهم ‪ ،‬وال بأحسابهم ‪ ،‬ولكنه بأفعالهم‪،‬‬
‫وأخالقهم‪ ،‬وشرف أنفسهم ‪ ،‬وبُعد هممهم‪ ،‬أال ترى من كان دنئ الهمة‪ ،‬ساقط المروءة ‪ ،‬لم يشرف ‪ ،‬وإن‬
‫كان من بني هاشم‪ ،‬ذؤابتها‪ ،‬ومن أمية في أرومتها‪ ،‬ومن قيس أشرف بطن منها‪ ،‬إنما الكريم من كرمت‬
‫من شرفت همتهُ‪ ،‬وهو معنى حديث النبي صلى اهلل عليه وسلم(إذا أتاكم كريم قوم‬ ‫أفعاله و الشري‬
‫فأكرموه)‪ ،‬وقوله في قيس بن قاسم ‪(:‬هذا سيد أهل الوبر ) إنما قيل فيه ذلك لسؤدده في قومه عن حريمهم‪،‬‬
‫وبزله رفده لهم ‪ :،‬أال تراء أن عامر بن بطفيل كان في أشرف بطن في قيس ‪:‬‬

‫أبا اهلل أن أسمو بأمٍ وال أبِ‬ ‫فما سودتني عامرٍ عن وراث ٍة‬

‫وقال قس بن ساعدة ألق ضين بين العرب بقضية لم يقضي بها أحداً من قبل وال يرددها أحداً بعدي‪ ،‬أيما‬
‫ال بمالمة دونها كرم فال لؤم عليه وأيما رجل أدعى كرمًا دونه لؤم فال كرم له ‪ ،‬مثله قول أم‬
‫رجل رمى رج ً‬
‫المؤمنين عائشة رضي اهلل عنها كل كرم دونه لؤم فاللؤم أولى به ‪ ،‬وكل لؤم دونه كرم فالكرم أولى به ‪،‬‬
‫وهي تعني بقولها‪ ،‬أن أولى األشياء باإلنسان بطبائع نفسه ‪،‬وخصالها ‪،‬فاذا كرمت فال يضره لؤم أوّليته ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وإن لؤمت فال ينفعه كرم أوليته‬

‫‪ ،‬وفي أيام الحفل كما فعل الحارث بن حلزة في بطويلته ‪،‬وهي‬ ‫رُويَّ أن العرب ال يطيلون إال في المواق‬
‫أقرب دليل علي الشعر القصصي ‪ ،‬ومنزلته ‪،‬و أسبابه عندهم ‪ ،‬وسياتي الكالم عن سببها في موضعه ‪ ،‬ثم‬
‫أن بطبيعة لغتهم تأبى اإلبطالة إلى أكثر ما تبعث عليه الحاجة المفاخرة ‪،‬والمقارعة ألن البالغة فيها مبنية‬
‫على الحذف ‪،‬أو اإلشارة ‪،‬واإليجاز ‪،‬و االكتفاء من المعنى باللمحة الدالة ‪،‬ومن القصة بالمثل المعروف‬
‫‪3‬‬
‫وسيقا بفهم بعضهم عن بعض ‪،‬ثم يتفاخرون علي هذه السنة‬

‫‪1‬‬
‫الجاحظ‪ -‬المحاسن واألضداد ج‪1‬مكتبة دار الهالل بيروت ص‪15‬‬
‫‪2‬‬
‫ابن عبد ربه – العقد الفريد ج‪1404 3‬ه ص ‪358‬‬
‫‪3‬‬
‫الرافعي‪-‬مصطفى صادق تاريخ آداب العرب ج‪ 3‬دار الكتاب للطباعة والنشر ص ‪96‬‬

‫‪48‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫أثر الشعوبية في الشعر وبشار بن برد أنموذجاً‬
‫المبحث األول ‪ :‬النفس الشعوبيَّ في الشعر العباسي‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬النفس الشعوبيَّ في شعر بشار‬

‫‪49‬‬
‫المبحث األول‬
‫النفس الشعوبيَّ في الشعر العباسي‬

‫وممن يسلكون في شعراء الشعوبية أبو يعقوب اللريمي ‪،‬ولم يكون جاداً في تعصبه لدى العرب‬
‫‪،‬وخصومتهم ‪،‬إنما كان يطلب التسوية بينهم و بين غيرهم من الشعوب ‪،‬لذلك ينبغي أن يتنحى عن جماعة‬
‫الشعوبيين ‪،‬وأدخل فيهم أبو نواس ‪،‬شعوبيته إنما ترجع إلى شغفه باللمر وعكوفه على المجون‬
‫‪،‬واحتجاجه بالحضارات األجنبية وما وجه إليها سبيالً ويجعلها غاية الغايات في حياته وقد مضى يصور‬
‫ذلك بدعوته إلى االنصراف عن الحياة المتبدية اللشنة ‪ ،‬وما يتصل بها بكاء األبطالل ‪،‬الوقوف برسم‬
‫الديار إلى الحياة الناعمة المترفة ‪،‬ويتصل بها من نشوة باللمر والغلو في الشراب ‪،‬و اإلغراء في اللذات‬
‫‪1‬‬
‫‪،‬وله في ذلك أشعار كثيرة وهو يقول مذريًا من شأن العرب‬

‫لطُوبْ‬
‫عهْد جِدَ َتهَا ال ُ‬
‫وَتَ ْبكِي َ‬ ‫ب‬
‫ل َتسِفَيَهَا الجَنُو ْ‬
‫دَع األبطْال ُ‬

‫ب ِبهَا النَجِيَّبَ ُة وَالنَجِيـَّـبْ‬


‫تَلِ ُ‬ ‫ب الوَجَنَاء أرَّضَاً‬
‫ل ِلرَاكِ ْ‬
‫خِ‬‫وَ َ‬

‫وَأكْ َث ُر صَيَّدَهَا ضَبْ ٌع وَذِيـــبْ‬ ‫ح‬


‫بطلْــــــــ ٌ‬
‫شرٌ َو َ‬
‫عَ‬‫بِال ٌد نَبْ َتهَا ُ‬

‫شهُم جَدِيَّـــــب‬
‫وَالعَ ّيشًَا وَعَ ْي َ‬ ‫عرَابْ َلهْــ َواً‬
‫َولَاَتَأخُ ْذ عَنْ األ ْ‬

‫ش بَيْنَهُم غَرِيـَّـب‬
‫ق العَيْ َ‬
‫رَقِ ْي َ‬ ‫شرَبُهَا الرَّجَــال‬
‫ع األلْبَانْ َي ْ‬
‫دَ ْ‬
‫‪2‬‬
‫ك حُوُب‬
‫ج َفمَا في َذِل َ‬
‫حرَ ُ‬
‫َولََا تُ ْ‬ ‫ل عليه‬
‫ب قَ ِب َ‬
‫حلِيْ ُ‬
‫ب ال َ‬
‫إ َذاَ رَأ ْ‬

‫لهوه ثم يرجع كرة أخرى علي التحقير من شأن العرب وحياتهم إذ‬ ‫وهكذا يمضى أبو نواس في وص‬
‫يقول ‪:‬‬

‫حلِيْب‬
‫ن ال َ‬
‫وَهَذَا العَيْشَ لَا اللَبَ ْ‬ ‫ال خَيْ َم البَوَادِيّ‬
‫ش َ‬‫فَهَذَا العَيْ َ‬
‫‪3‬‬
‫ن الـــــــــ ِزرُوب‬
‫ن مَيَادِيْ َ‬
‫ن مِ ْ‬
‫وَأيَّ َ‬ ‫سرَىَ‬
‫ن ِك ْ‬
‫ن البَدُو مِنْ إيْوَا َ‬
‫فَأيَّ َ‬

‫‪1‬‬
‫ضيف شوقي – تاريخ األدب العربي ج‪ 3‬دار المعارف مصر ط‪ 14‬ص‪78‬‬
‫‪2‬‬
‫يوان أبو نواس ص‪11‬‬
‫‪3‬‬
‫يوان أبو نواس ص‪559‬‬

‫‪50‬‬
‫وفي رأيَّ الشلصي هكذا كان أبو نواس سائراً على العرب بشعره بصورة واضحة أخطر مما كان عليه‬
‫بشار بن برد في التصغير والتقليل من شأن العرب في تصوير سيئ جداً لحياة العرب في البادية‬
‫والحاضرة‪.‬‬

‫األبطالل‬ ‫وكان أشجع السلمي ‪،‬وأبو حيان الموسوس ‪،‬وديك الجن الحمصي يفضلون أن يُستبدل بوص‬
‫اللمر ‪،‬وتصوير مجالسها فإن عبداهلل بن أمية ال يزدري ذلك فحسب ‪،‬بل‬ ‫في أوائل القصائد ‪،‬وص‬
‫يزدري أيضاً كل ما يتصل به من أسماء الجاهلية ‪،‬ومحبوبات راحالتٍ ويتجه بحبه فقط إلى غالمه (مهنا )‬
‫‪1‬‬
‫الذي بهره وسحره إذ يقول ‪:‬‬

‫َوكُل رَبْ ٍع مُحِ ْيلِ‬ ‫طلُــــــولِ‬


‫ت ال ِ‬
‫ع درَاسَا ِ‬
‫دَ ْ‬

‫جهُولِ‬
‫ُل َ‬
‫َذرْهَا ِلك َّ‬ ‫دَارَ سَلَّـــــــمَى‬ ‫َولَاتَصِ‬

‫قَدْ آذَنَوا ِبرَحيـــل ِ‬ ‫ل آل لَ ْيلَــــــــــــــىَ‬


‫َولَاَتَ ُق ْ‬

‫جمُولِ‬
‫ن غَدا ال ُ‬
‫عَمَّ ْ‬ ‫ِحب مُهنَّـــــــــا‬
‫ْبي ب َّ‬
‫حس َّ‬
‫َ‬
‫‪2‬‬
‫ن قَتُولِ‬
‫بالمُ ْقلَتَي ِ‬ ‫س‬
‫صعْب العِنَانِ شُمـــــــــو ٌ‬
‫َ‬

‫رأيه عن الشعراء السابقين ‪ ،‬ألنه ال يدعو إلى استبدال شكل‬ ‫فيلتل‬ ‫أما أبو محمد عبداهلل أحمد بن يوس‬
‫بشكل ‪،‬ال بطراز بطراز ‪،‬بل يدعوا إلى إهمال المقدمات كلها ‪،‬وإلقاء كل ما يتصل بها أو يتشعب عنها من‬
‫اإلبل والصحراء اذا يقول‬ ‫وص‬

‫وَيَلُو ُم في دَيمِوم ٍة ُيهَمهمـــــــاء‬ ‫ص ُ المهام َة والسُّدى‬


‫ياشاعرًا يَ ِ‬

‫ب قِطا َوظِبـَـــــــاء‬
‫تَهوِى َكسَر َ‬ ‫كل نجيَّ ٍة وَعَقِيلةٍ‬ ‫ع وَص‬
‫دْ‬
‫‪3‬‬
‫شعَراء‬
‫ب َومَدحَ ُة ال ُ‬
‫لطِيْ ِ‬
‫ب ال َ‬
‫خطَ ُ‬
‫ُ‬ ‫حكَ سَيَّدًا تَبهَى ب ِه‬
‫وَأقصْد ِبمَدْ َ‬

‫والشعراء الذين يتميزون بالنفس الشعوبي الحاد علي العرب ديك الجن الحمصي حيث كان شديد التشعب‬
‫والعصبية على العرب ويقول‪ :‬ما للعرب فضل علينا جمعتنا وإياهم والدة براهيم عليه الصالة والسالم‬
‫ال منا قتل به ‪ ،‬لم نجد اهلل عز وجل قد فضلهم علينا وهو من‬
‫وأسلمنا كما أسلموا و من قتل منهم رج ً‬

‫‪1‬‬
‫بن المعتز – طبقات الشعراء ج‪ 1‬تحقيق عبد الستار أحمد دار العارف مصر ص‪323‬‬
‫‪2‬‬
‫ديوان ديك الجن الحمصي دار طالس دمشق ‪1989‬م ص‪202‬‬
‫‪3‬‬
‫يوان ديك الجن الحمصي ص ‪205‬‬

‫‪51‬‬
‫الشعراء العباسيين الذين ينتمون إلى الشعوبية كانت له جارية يحبها فأتهمها بغالم فقتلها واستنفذ شعره في‬
‫رثائها وهو يقول ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫جهَلت‬
‫حمَلت حَتَى َ‬
‫علَم إنَّي َ‬
‫أْ‬ ‫حمَلت وَالَ‬
‫جهْل قَ ْد َ‬
‫ل ذُوا ال َ‬
‫قَا َ‬

‫ولكن أبا نواس يجهر بدعوته في فواتيح مدائحه ‪،‬فإنها جميعًا تكاد تللو خلوًا تامًا من أيةِ اشاد ٍة إليها‬
‫‪،‬وإنما كان يذيعها في فواتح خمرياته ‪،‬فان في ديوانه ما يقرب من أربعين خمرية بين مقطوعة ‪،‬وقصيدة‬
‫كلها مرفوع عليها الفتات الثورة ‪،‬وشعاراتها التي كان يدعو فيها دعوة صريحة إلى مذهبه ‪،‬ويهاجهم‬
‫الوسائل و والجًا اليه أكثر السبل ‪،‬فهو تارة يدعو‬ ‫ال إلى ذلك بملتل‬
‫مهاجمة شديدة أنصار القديم ‪،‬متوس ً‬
‫الدمن ‪،‬والرسوم ‪،‬ويسلر من أولئك الذين يتمسكون بهذا القليد ‪،‬و يحضهم‬ ‫إلى نبذ افتتاح القصائد يوص‬
‫‪2‬‬
‫اللمر ومجالسها ‪،‬وعلي نحو ذلك ما يتضح في قوله‬ ‫علي وص‬

‫وَاقفًا مَاضَرَّ لو كَان َ جلسْ‬ ‫س‬


‫ن يَ ْبكِي علي َرسْم دَرَ ٍ‬
‫قُل ِلمَ ْ‬

‫ح َكرَخِيَّة مِثْل القَبَسْ‬


‫طلِ ْ‬
‫صَ‬‫وَا ْ‬ ‫س ْلمَى جَانِـــــبًَا‬
‫ا ْترُك الرَّبْ َع َو َ‬

‫ال تَجُ ْد بال ِدمُوعِ للِجَـــــرَدِ‬


‫وَ َ‬ ‫ب السَّنــــ ِد‬
‫ال تَ ْبكِ َرسْماَ بِجَانِ ْ‬

‫ت وَالَوَتـَـــــــــِد‬
‫خلَ ْ‬
‫ف َ‬
‫وَالَ أثَا ٍ‬ ‫َطلَـــــــــــةِ‬
‫الَ ُتعَرَّجْ علي ُمع َّ‬
‫‪3‬‬
‫ق مُعَّتَمـــدِ‬
‫ن الحَدي ِ‬
‫خ بَيْ َ‬
‫بال َكرْ ِ‬ ‫ف‬
‫س علي شَ َر ٍ‬
‫و مِل إلى مَجْل ٍ‬

‫ومما هو معلوم أن العصر العباسي اتشرت فيه المجون ‪،‬ودور اللهو ‪،‬والجواري النصرانيات ‪،‬والروميات‬
‫‪،‬و الفارسيات وقد كانت لديك الجن الحمصي عالقة بجارية نصرانية ‪،‬وهي كانت جزء من قصة حياته‬
‫المشعبة باأللم ‪،‬والندم ‪،‬والمرارة ‪،‬وكانت الجارية من أهل حمص ‪،‬وأصبحت ال تبارح خياله حتى غلبت‬
‫عليه فأشتهربها وحيث دعاها إلى اإلسالم فأجابته لعلها برغبته فيها ‪ ،‬وأسلمت علي يده فتزوجها وفي ذلك‬
‫يقول ‪:‬‬

‫خ ْز ِمهَا وَ َبهْجَ َة زَ ْهرِهَا‬


‫وَإلى َ‬ ‫شمْسِ القُصُوْر وَبَ ْدرَهَا‬
‫أ َنظُر إلى َ‬

‫ط بِلَ َبرَهَا‬
‫حُ‬‫مِنْ رِيْقَهَا مَنْ لَا يَ ِ‬ ‫س ُمهَـــــا‬
‫ت يَلْتَبِر أ ْ‬
‫وَرَّيَة الوَجَنَا َ‬
‫‪1‬‬
‫ن َث ْغرِهَـــــــا‬
‫وَرَّدِيْ َة َومَدَامَ َة مِ ْ‬ ‫ن كَ ِفهَـــــا‬
‫س مَدَامَ ٍة مِ ْ‬
‫ك كَأ ٍ‬
‫ُتسْقِ ْي َ‬

‫‪1‬‬
‫أبو الفرج األصفهاني – األغاني ج‪ 12‬دار الجيل بيروت ص‪144‬‬
‫‪2‬‬
‫نور الدين حسن جعفر– األعالم من األدباء والشعراء دار الكتب العلمية بيروت ط‪1990 1‬م ص ‪37‬‬
‫‪3‬‬
‫ديوان أبو نواس ص ‪134‬‬

‫‪52‬‬
‫وهكذا كانت حياة ديك الجن كان ماجناً ‪،‬مترددًا علي دور اللهو‪ ،‬والمجون في حمص ولم يغادرها البتة‪.‬‬

‫كانت قصائد ابو نواس أدق مثال يصور حملته علي العرب وتهكمه بهم ‪ ،‬وبوسائل لهوهم ‪ ،‬وبكل‬
‫ما شاع بينهم وعرف من قصص حبهم ‪ ،‬كما أيضاً إكبابه علي الحياة الجديدة ودعوته إلى االنغماس في‬
‫آثمها والتمتع بأزهرها ‪ ،‬ريحانها ‪ ،‬وإمائها ‪ ،‬وغلمانها وهو في ذلك يقول ‪:‬‬

‫ح وَال َمطَرا‬
‫يُقَاسِيَّ الرِّيْ َ‬ ‫دَعْ ال َرسْمَ الذي دَ َثرَا‬

‫لطَرا‬
‫ت وَال َ‬
‫في اللذَا ِ‬ ‫ع ال ِعلْ َم‬
‫جالً أضَا َ‬
‫َوكُنْ رَ ُ‬

‫َوسَابورٌ ِلمَنْ غَبَرا‬ ‫سرَىَ‬


‫ألَ ْم َت َر مَا بَنَى ِك ْ‬

‫ح وَال ُعشَرا‬
‫عَنْهَا الطَّلْ َ‬ ‫ض بَاعَدَ الرَّحْمنُ‬
‫بأرَّ ٍ‬

‫يَرَابِيْعَاً وَلَا وَحَـــــرا‬ ‫ل مَصَايْدَهَـــا‬


‫ج َع ْ‬
‫َولَ ْم يَ ْ‬

‫ُترَاعِيَّ بال َملَا بَقَــــرا‬ ‫ن حُو َر غُـــزْالن‬


‫َوَلكِ ْ‬

‫ن حَافَاتِهَا ُزمَـــــــرا‬
‫مِ ْ‬ ‫وإنَّ شِيْئنَا حَثَثْنَا الطَـــ ْيرَ‬

‫لمَـــــرا‬
‫شرْبُهَا ال َ‬
‫يُبَا ِك ْر ُ‬ ‫ن قَالْوا اقْتُلُوا عَ ْنكُـــم‬
‫وإ ْ‬
‫‪2‬‬
‫بِقَ ْفرَ ِتهَا َولَا وَبَـــــــــرا‬ ‫السَيْــــداً‬
‫ش َ‬‫ك العَيْ ُ‬
‫فَذَا َ‬

‫ألوانهن فيذكر أن ديك الجن‬ ‫رُويَّ عن الشعراء الشعوبيين أنهم كانوا يتميزون بحبهم للجوري بملتل‬
‫‪،‬فقتلها ثم ندم علي ذلك وأكثر من التغزل بها‬ ‫الحمصي كانت له جاريه إسمها دنيا فأتهمها بغالم وصي‬
‫‪،‬وكان مشغوفاً بحبها ‪،‬وعندما قتلها أحرق جسدها وأخذ رمادها وخلط به شيئاً من التراب وصنع منه‬
‫كوزين لللمر وكان يحضرهما في مجلس شرابه ‪ ،‬ويضع إحداهما عن يمينه واآلخر عن شماله وفي‬
‫موت الجارية يقول ‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫ى بِيَدَ ْيهَا‬
‫وَجَنَى َلهَا َثمَرْ الرَدَ َ‬ ‫حمَام عليها‬
‫بطلْع ًة بطَالِع ال َ‬
‫يَا َ‬

‫‪1‬‬
‫عطوان حسين مرجع سابق ج‪ 1‬دار الجيل بيروت ص ‪187‬‬
‫‪2‬‬
‫ديوان أبو نواس ص ‪557‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ ،‬نورالدين حسن جعفر –االعالم من األدباء والشعراء دار الجيل بيروت ط‪ 1‬ص‪40‬‬

‫‪53‬‬
‫في مقطوعة من ثالثة أبيات يشير ديك الجن إلى اللمرة وقد انبعثت منها روائح المسك ‪ ،‬والعنبر‬
‫جميل مورد اللدين هو في ذلك يقول ‪:‬‬ ‫ق مهفه‬
‫بلونها الوردي ويحملها سا ٍ‬ ‫وهي تتأل‬

‫ك وَالعَنْبَــــرُ‬
‫سُ‬‫يَنْفَتِح مِ ْنهَا ال ِم ْ‬ ‫وَقَهْو ٍة كَوْكَ ُبهَا يَزْهُــــو‬

‫ن خَدِه ُتعْصَــــــــرُ‬
‫كَأ َنهَا مِ ْ‬ ‫ح ِمُلهَا مِ ْثُلهَــــا‬
‫َورْدِيَ ٌة يَ ْ‬
‫‪1‬‬
‫مُ ْذ كَانَ إال كَس َد الجوَهـــرُ‬ ‫حكً‬
‫ُمهَ ْف َه َ لَ ْم يَبْ َتسِ ُم ضَا ِ‬

‫وهو يتحدث في مجلس خمري غرق في حلباته فبعد أن يدعوا إلى معاقرة اللمرة ليل ونهار يشير إلى‬
‫الكأس التي يحملها الساقي ‪ ،‬وقد أوشكت أن تحرق يده ‪ ،‬وهي تتألأل لمعاناً و بريقًاً كأنها استعار لونها من‬
‫‪2‬‬
‫خده وأدارها علي الجالسين الذين ظلوا يستلون روحها وهي تأخذ من أقدامهم ثأرها ‪.‬‬

‫كما اشتهر من شعراء الشعوبية بحب اللمر والتلذذ بشربها الحسن بن هاني كان يحب اللمر‬
‫ومجالسها والتردد علي المجون ‪ ،‬والتغزل في الغلمان ولديه قصائد كثيرة في اللمر تعرف باللمريات‬
‫ويرجع ذلك إلى لهوه وعبسه في مجالس اللمر إذ يقول في التلذذ في شرب اللمر ‪:‬‬

‫ح ْمرَاء كَالْ َورْد‬


‫ن َ‬
‫ب علي ال َورْ ِد مِ ْ‬
‫شرَ ُ‬
‫وَأ ْ‬ ‫طرَب إلى دَعْ ِد‬
‫ال َت ْ‬
‫الَ تَبْك هِنَدًا وَ َ‬

‫ج ْدتُ حُمَرتُهَا في العَيْن وَاللَــــــــــد‬


‫ت في حَلْقِ شَارِبَهَا وَ َ‬
‫كَأساً إذَا انْحَدَ َر ْ‬

‫لمْر يَاقُوْتَ ٍة وَالكَــأسِ لُــــؤلـــؤة في َك ْ جَارِي ٍة َممْشُوقَـــــــــة القَـــــــد‬


‫فَال َ‬

‫س ْكرَين مِنْ بُـــــــــدّ‬


‫ك مِنْ ُ‬
‫خمْرًا َفمَا َل َ‬
‫َ‬ ‫خمْــــرًا وَيَدِهَا‬
‫ن عَيْ ِنهَا َ‬
‫ك مِ ْ‬
‫ُتسْقِ ْي َ‬
‫‪3‬‬
‫ن بَيْنَهُم وَحْــــدِي‬
‫شِيء خُصصتُ به مِ ْ‬ ‫ي َنشْوَتَانِ وَللنَ ْدمَانَ وَاحِــــــدَة‬
‫َولِ ْ‬

‫وفي رأيّ هكذا كان الشعراء الشعوبيون كثيري اللهو تارة وتارةً أخرى ينقصون من شأن العرب وساداتهم‬
‫وأنهم بكيدهم هذا يلطئون كثيراً في آداب وثقافات العرب‬

‫وكان أغلب الشعراء الذين رموا بالشعوبية يتلذذون بشرب اللمر ‪،‬أقبل ديك الجن الحمصي علي اللمر‬
‫بلهفة ‪،‬عب من دنانها ‪،‬وكؤوسها حتى صار ماجناً خليعاً عاكفاً علي اللمر ‪،‬واللهو ‪،‬والعبث وقد ذكرها‬

‫‪1‬‬
‫ديوان ديك الجن الحمصي ص‪222‬‬
‫‪2‬‬
‫نور الدين حسين جعفر االعالم من األدباء والشعراء دار الجيل بيروت ج‪ 1‬ص‪92‬‬
‫‪3‬‬
‫ديوان بشار بن برد عاشور محمد الطاهر‬

‫‪54‬‬
‫كثيراً في شعره ‪،‬فوصفها ‪،‬وتحدث عن تأثيرها في نفسه ‪،‬وأشار إلى ألوانها ‪،‬ومجالسها ‪،‬فهي حمراء‬
‫تحاكي وجنة المعشوق إذا مزجه بالماء أضحت نرجسية صفراء كلون العاشق المتيم وفي ذلك يقول ‪:‬‬

‫س وَشَقَائِـــــقٍ‬
‫ت بَيْنَ ثَوْبِي َنرْجِ ٍ‬
‫بَدَ ْ‬ ‫ج صَ ْفرَاء َبعْـــدِ ِه‬
‫ح ْمرَاء قَبْل ال َمزْ ِ‬
‫َ‬

‫شقٍ‬
‫عليها َمزَاجًَا فَاكْ َتسَت لَوَن عَا ِ‬ ‫فسلطُوا‬
‫ت وَجَنَة ال َم ْعشُوق صَرفًا َّ‬
‫حكَ ْ‬
‫َ‬

‫وله قصيدة يلابطب فيها ساقيًا وساقية‬

‫ن في دِعْصَينِ‬
‫في غُضَيْ ِ‬ ‫ى قدَّحَيْـــن‬
‫ن حَا ِملّ ْ‬
‫أفْديكُما مِ ْ‬

‫قَدْ ضَبَّ نعمتهُ علي الثَقَلَيْنِ‬ ‫اللَنَا‬


‫ضُبَّا علي الرَاح َ إنَّ ِه َ‬

‫بالتمر معجوناً بماء اللجين‬ ‫ت‬


‫وإلى كأسكُما علي ما خ ََّيلَ ْ‬
‫‪1‬‬
‫فهو يطلب منهما أن يصبا له كأسًا من اللمر ‪،‬يشبه التمر معجوننًا بالماء فيصبح لونها يشبه لون الذهب‪.‬‬

‫في رأيّ بصفتي باحث في هذا الشأن أن الشعوبية يعيرون العرب باختالفهم في األنساب ‪،‬واستحقارهم ‪،‬‬
‫واالدعاء بأنهم أشراف يفتلرون بذلك كثيراً وقال بجير في ذلك ‪:‬‬

‫ن البَرَابـــــــــرِ‬
‫بَيْنَــــكُم ُقرْبَـى وَبَيْــ َ‬ ‫ف‬
‫بأن الهِنْد أوْالَ َد خِنْــــد ٍ‬
‫عمْتُم َّ‬
‫زَ َ‬

‫عمْروبن عَامــر‬
‫ن أوْالَد َ‬
‫وَ ُبرْجَان مِ ْ‬ ‫سلٌ‬
‫ن َنسْل ابْن ضَبْة بَا ِ‬
‫وَدَ ْيلَم مِ ْ‬

‫وَصَارُوَا سَواء ً في أصُوُل العَنَاصر‬ ‫ل النَاسَ أوْالَد وَاحِد‬


‫فَقَد صَارَ ُك ْ‬

‫ك األكَاسُــــــــرِ‬
‫ى بِ ُقرْبَانَا مُلـــو ُ‬
‫وَأ ْولَ َ‬ ‫بَنُو األصْفَر األمْالكُ أكْر ُم مِ ْنكُم‬
‫‪2‬‬
‫َعي مُجاهـــــــدِ‬
‫ن د َّ‬
‫َولَم تَر سِتْرًا مِــ ْ‬ ‫صهْرًا دَاعيًَّا مُجَاهداً‬
‫طمِ َع بي ِ‬
‫أ ُت ْ‬

‫صنع ابن غرسية وهو مولى إقبال الدولة بن مجاهد ملك دانية ‪،‬الرسالة الشعوبية في‬
‫تفضيل العجم علي علي العرب ‪،‬وعارضها جماعة من الفضالء ‪ ،‬وأبو جعفر ممن عارضها وفيه ابن‬
‫غرسية هاجياً له ‪:‬‬

‫س ْلهَا َفمَا تُنكرُ‬


‫ت َف َ‬
‫عزٌبْ َ‬
‫َ‬ ‫ال له‬
‫طرْنة َتعْل ُم أص ً‬
‫َب َ‬

‫جزْر َولَا أكْثرُ‬


‫وشَ ْفرَ َة َ‬ ‫ل بِهَا وَضمًا ما ثالً‬
‫َوم ََّث ْ‬
‫‪1‬‬
‫حسن جعفر نور االعالم من األدباء والشعراء ط‪ 1‬ص‪91‬‬
‫‪2‬‬
‫بن عبد ربه العقد الفريد ج‪ 1‬ص ‪416‬‬

‫‪55‬‬
‫وَجددُّكم الجَاز ُر األكْب ُر‬ ‫ال تَائـــــهاً‬
‫َجر ذِيُول ال ُع َ‬
‫ت َّ‬

‫‪1‬‬
‫ومَثلُك يا سَيْدي يَفْتَلرُ‬ ‫ب‬
‫ال حَاح ٍ‬
‫َفهَذِي العُال الَعُ َ‬

‫اللريمى الشاعر المشهور يكثر في شعره من االعتزاز بالنسب الفارسي ‪،‬والتحقير من شأن‬
‫َّ‬ ‫وكان‬
‫العرب وفي ذلك يقول‪:‬‬

‫عرق األعاجم جلدًا بطيَّبَ اللبر‬ ‫الصغْدِ ألبسنى‬


‫إني امرؤ من سادة ُّ‬
‫َّ‬

‫ويقول أيضاً‪:‬‬

‫ج ْهلُ‬
‫ق جَارَتِى ال َ‬
‫ال ِ‬
‫خَ‬ ‫سِفَاها َومِنْ أ ْ‬ ‫جمْـــلُ‬
‫الصغْ ِد بَأس إذ ُتع ََّيرُني ُ‬
‫أبَا ُّ‬

‫ل‬
‫ن والع ََّق ُ‬
‫لرَ إال فَوقِ ِه الدي ُ‬
‫َفلَا فَ َ‬ ‫َملِـــــــي‬
‫ج ْملُ أوتَتَج َّ‬
‫ن تَفْلَريَّ يَا ُ‬
‫فَإ ْ‬

‫ضلُ‬
‫علَا ُء وَالَفَ ْ‬
‫لقَ ْب ٍر علي قَ ْب ٍر َ‬ ‫شرْعََا في الحَيَاةِ وَالَ يـُـــرَىَ‬
‫ى النَاسُ َ‬
‫أرَ َ‬

‫عكْل‬
‫َولَم َتشْتَمل جَرْ ٌم علي َولَا ُ‬ ‫َومَا ضَرَّني أنْ لَ ْم َتلِدْنَّي يَحَابــــــــــ ٌر‬

‫ن قَ ْبلُ‬
‫ن مِ ْ‬
‫ك مَا كَا َ‬
‫ن المَجْدِ لَ ْم يَنْ َف َع َ‬
‫مِ ْ‬ ‫إذَا أنْتَ لَ ْم تَحْ ِم القَدِيْ َم بَحَـــــــارِث‬

‫حسِيْبـــــُ‬
‫ن َ‬
‫ب في األكْ َرمِيْ َ‬
‫حسَ ٌ‬
‫لَهُ ْم َ‬ ‫خ فَوَا ِرسَــــــــًا‬
‫ن مَرْ ٍو وَبَل ٍ‬
‫ت مِ ْ‬
‫وَنَادَيْ َ‬

‫ب‬
‫فَ ُيكْ َث ُر مُ ْنهُم نَاصِــــرَىَ وَيَطِيْـــ ُ‬ ‫سرَتَا لَا دَا ُر قَ ْومِي َقرِيـْبـَـــــةٌ‬
‫حْ‬‫فَيَا َ‬

‫ن نَسِيْــــبُ‬
‫ن لي لو َت ْعَلمِيْ َ‬
‫وَخَاقًا ُ‬ ‫ن ِكسْرىَ بن هُـــــــرْم ٍز‬
‫وإنْ أبي سَاسَا ُ‬

‫لنَا تَابِ ٌع بطَوْعَ القِيْا ِد جَنِيْــبٌ‬ ‫ك ُكَلهُــــــــــم‬


‫ش ْر ِ‬
‫ب النَاس في ال ِ‬
‫َمكْنَا رِقَا َ‬
‫‪2‬‬
‫صِدُوَّر به نَحْوَ األنَا َم تُنيـــبُ‬ ‫َأنشَرَحَتْ لَـــــــــــــهُ‬
‫سالَ ُم و َّ‬
‫َفَلمْا أتَى اإل ْ‬

‫وفي رأيّ هكذا كانت دماء الشعوبيون حامية ‪،‬ونفوسهم ساخرة علي العرب ‘وملكهم ‪،‬وأدبياتهم‪.‬‬

‫ويقول ‪:‬المتوكلي وهو كان من ندماء المتوكل ‪،‬مفتلراً ومُعلي ًا من شأن العجم‬

‫ك العِجَ ْم‬
‫ث ُملُو َ‬
‫وَحَائ ْز إرْ ِ‬ ‫ُم‬
‫ل ج َّ‬
‫سِ‬‫ن َن ْ‬
‫أنَا ابن األكَارِ َم مِ ْ‬

‫وَعَفَّى عليه بطِوالِ القِدَمْ‬ ‫ن عِـــزْهُم‬


‫َومَحْي الذي بَا َد مِ ْ‬
‫‪1‬‬
‫نقالً بن سعيد المغربي – المغرب في حلى المغرب ج‪ 1‬ص ‪196‬‬
‫‪2‬‬
‫ال عن أمين أحمد ضحي االسالم ج‪ 3‬ص ‪82‬‬ ‫نق ً‬

‫‪56‬‬
‫ن حِقْدَهُم لَمْ أنمْ‬
‫ن نَا َم عَ ْ‬
‫َفمَ ْ‬ ‫ب أوْتَارَهُم جَــــــــهرةً‬
‫َوبطَالِ ُ‬

‫به أرْتَجِي أنَّا أسُوْدَ األمَمْ‬ ‫علَ ُم الكَابِياَنُ الــــــــذي‬


‫مَضَى َ‬

‫ل النَدَمْ‬
‫هَُلمْوا إلى اللُل ِع قَ ْب ُ‬ ‫جمَعِيْـــــــنَ‬
‫فَ ُقلْ لِبَني هَاشِمْ أ َ‬

‫بطعْنًا وَضَرْباً ِبسَ ْي ِ حَــزَمْ‬


‫َ‬ ‫َمَلكْنَاكُم عُنَوَة بال ِرمَــــــاح‬

‫ن وَفَيْتُم ِبشُـــــكْر ال ِنعًـــمْ‬


‫َفمَا إ ْ‬ ‫الكُم المَلكْ آبَاؤنَــــا‬
‫وَأوْ َ‬

‫ي الغَنَمْ‬
‫ل الضَّبَاب وَرَعِــــ ْ‬
‫ضكُ ْم بالحِجَا ِز أل ْك ِ‬
‫َفعُوْدُا إلى أرْ َ‬
‫‪1‬‬
‫حسَام وَحــــَرَف ال َقلَــــم‬
‫بِحَد ال ُ‬ ‫سرِيَّر ال ِملُوك‬
‫فَإنيَّ سَأعَلو َ‬

‫وفي رأيّ الشلصي وقد شعر العرب بلطورة موقفهم ‪،‬ولكن لم يستطيعوا دفع الشر عنهم ‪،‬ونجد في كثير‬
‫من الشعر في ذلك العصر‪.‬‬

‫أن الحجاج لما خرج عليه ابن األشعث ‪،‬ولقى ما لقى من قرى أهل العراق كان يشتت شمل الموالي حتى ال‬
‫يتألفوا ‪،‬و ال يتعاقدوا فقال قراهم أولى بهم ونقش علي كل واحد منهم اسم البلدة التي وجهه إليها ‪،‬وكان‬
‫الذي تولى ذلك منهم رجل من بني سعد بن عجل ابن لجيم ‪،‬ويقال خراش بن جابر وقال شاعرهم في ذلك‪:‬‬

‫ك حتى عا َذ بالحَكَم‬
‫لَ‬‫وفر شَيْ ُ‬ ‫ش العِجْليُّ راحتَ ُه‬
‫ن نق َ‬
‫أنت مَ ْ‬
‫‪2‬‬
‫حكَم بن أيوب الثقفي عامل الحجاج علي البصرة‬
‫ويريد بذلك ال َ‬

‫‪1‬‬
‫أمين أحمد– ضحي االسالم ج‪ 3‬ص‪83‬‬
‫‪2‬‬
‫ابن عبد ربه العقد الفريد ج‪ 3‬ص‪364‬‬

‫‪57‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫النفس الشعوبيَّ في شعر بشار‬

‫كان بشار بن برد قد ولد أكمه وهو في ذلك يقول ‪:‬‬

‫ب الظَّنَ للعل َم مٌوئال‬


‫ت عَجي ُ‬
‫فَجئ ُ‬ ‫ت جَنينًا والزكا ُء مِنْ ال َعمَى‬
‫عُمي ُ‬
‫‪1‬‬
‫ال‬
‫س حص ً‬
‫لقلبٍ إذا ما ضَيْ َع النَا ُ‬ ‫ن للعِلمَ رَافدًا‬
‫ض ضِيا ُء العَي ِ‬
‫وغَا َ‬

‫قال الموصلي ‪:‬كانت بالبصرة لرجل من آل سليمان بن على جارية ‪ ،‬وكانت محسنة بارعه الظرف‬
‫والجمال ‪،‬وكان بشار بن برد صديقاً لموالها ‪ ،‬مراداً له فحضر مجلسه والجارية عنده ‪،‬فشرب موالها‬
‫‪،‬وسكر ونام‪ ،‬ونهض ‪،‬لإلنصراف ‪ ،‬فقالت الجارية لبشار ‪:‬أحب أن نذكر مجلسنا هذا في قصيدة وترسل‬
‫بما إلي على أال نتذكر فيها إسمي ‪،‬وإسم سيدي فقال وبعث بها مع رسوله إليها‪ :‬وإذ يقول بشار بن برد في‬
‫‪2‬‬
‫ذلك‪.‬‬

‫س ْكرَانَا‬
‫ت تُغنَّي عَميدُ القَلبُ َ‬
‫بَاتَ َ‬ ‫س صُـــــــــ َورَتُها‬
‫شمّ َ‬
‫َأن ال َ‬
‫ل ك َّ‬
‫ت َد ّ‬
‫وذَا َ‬

‫ن قَتْالنَا‬
‫قَتَلـــــنَنَا ثُم لم يَحِيي ُ‬ ‫ن التي في بطَّر ِفهَا حُـــــــــــــــور‬
‫إن العُيُو ْ‬
‫َّ‬

‫حسَانَا‬
‫فأسمِعينَّي جَذَاكِ اهلل إ ْ‬
‫َّ‬ ‫ت يا سُؤلي و يا أمَـــــــــــــــلي‬
‫حسَنْ ِ‬
‫فَقُلتْ أ ْ‬

‫ن كَانَا‬
‫ن مَ ْ‬
‫وَحَبذَا سَاكِن الرَّيا َ‬ ‫ن جَــــــــــــ َبلٍ‬
‫ن مِ ْ‬
‫يا حَبْذا جَبَل الريا َ‬

‫ب حَيْرانَا‬
‫ن صَــــبَّ القَل ُ‬
‫هَ َذَا المِن كَا َ‬ ‫قَالت ‪:‬فَهل فَدتك النَفْسَ أحْسَن مِنْ‬

‫ن أحَيانَا‬
‫ق قَبْل العَيْ ِ‬
‫األذِن َتعْشــ ُ‬ ‫َي عَاشِـــــــــقَةٌ‬
‫ض الح َّ‬
‫يا قَومِ أذنَّي لِبَع ِ‬

‫ب واألحَشا ِء نِ ْيرِانَا‬
‫أضَّ َرمَتْ في القَل ِ‬ ‫س بطَالِع ٌة‬
‫شمّ ُ‬
‫ت ال َ‬
‫حسَنَّتِ أنَّ ِ‬
‫فَقَلتُ‪ :‬أ ْ‬

‫يَزي ُد حُبًا مُحِبًا فِيْك أشْجَانَا‬ ‫فأَسَّمعيْنَا غنِاء ُمطَرباً َهزِجـــــــــــــــ ًا‬
‫‪3‬‬
‫تُبدي ال َترَنمُ لَاْ تُكفِي ِه ك َِّتمِانِا‬ ‫ت عُوُدهَا ثم انَّثَنت بطَـــــــــــــرَبًا‬
‫فَحَرك ْ‬

‫‪1‬‬
‫ديوان بشار بن برد عاشور محمد الطاهر ص‪75‬‬
‫‪2‬‬
‫الصفدي نكث الهيمان في نكت العميان ج‪ 1‬ص ‪24‬‬
‫‪3‬‬
‫ال عن المعافي ابن زكريا –الجليس الصالح واالنيس الناصح – ج‪( 1‬د‪ ،‬ط) (د‪ ،‬ت) ص‪89‬‬
‫قول بشار نق ً‬

‫‪58‬‬
‫بال شك أن الجارية وسيدها‬ ‫هكذا كان بشار مجيدًا لموسيقى الشعر في دور الللفاء كان بارع في الوص‬
‫الجيد والجذل ‪.‬‬ ‫تمتعا بهذا الوص‬

‫كان بشار مولي لبني عقير ‪ ،‬ويقال لبني سدوس ويكنى بأبي معاذ ويلقب بالمرعث ‪ ،‬المرعث الذي‬
‫جعل في أذنيه الرعثات ‪ ،‬وهي القربطة وكان يرمى بالزندقة وهو مع ذلك يقول‬

‫ومَنْ سَيُقْصَي لِيَو ٍم حَبْسٍ بطَوِيلٍ‬ ‫ل‬


‫كَ ْي َ يَ ْبكِي ِلمُحْبِس ٍفي بطِــلُو ِ‬

‫ف ِبرَسْ ِم دَا ٍر مُحِيلِ‬


‫ن وقُو ٍ‬
‫عَ ْ‬ ‫حسَابِ لشُــــــــغْالً‬
‫ث وال ِ‬
‫إن في ال َبعْ ِ‬
‫َّ‬

‫كان بشار أحد المطبوعين الذين كانوا اليتكلفون الشعر ‪ ،‬وال يتعبون فيه ‪ ،‬وهو إمام الشعراء المحدثين أي‬
‫‪1‬‬
‫أشعرهم ‪.‬‬

‫كان والد بشار بن برد ‪ ،‬يضرب اللبن أو الطين ‪ ،‬وقد ذكر ذلك حماد عجرد فقال "اللفي " ولريح‬
‫اللنزير أهون من ريحك يا ابن الطيان وقد ذكر ابن الحوق يحي روايته عنه أنه قال لمن دخلت علي‬
‫المهدي قال لي فيمن تعتد يا بشار ؟ فقلت أما اللسان والرأي فعربي وأما األصل فعجمي كما قلت ‪:‬‬

‫ت ال َعلَمُ‬
‫ن ذَا َوكُنْ ُ‬
‫ن مَ ْ‬
‫يَقُولُو َ‬ ‫ت قَومًا بِه ْم جُنَّــــــــــــــــــــة‬
‫نُبِئ ُ‬

‫لِ َي ْعرِفَنَّي أنَـــــــا أُ َن َ ال َكرَمُ‬ ‫ْئـــــــــلي جَــــــــاهِدًا‬


‫ِّ‬ ‫أال أيُها السَا‬

‫ش والعَجَمُ‬
‫َصلي ُقرَي ٍ‬
‫ِفرُوعِي وأ َّ‬ ‫ت فـــــي ِكرَا ْم بَنَّي عَام ٍر‬
‫ِنمْ َ‬
‫‪2‬‬
‫وأَصْبَي الفْتَاة فَما َتغْتَنِ ُم‬ ‫و إنَّي ألَغْنَي مَقْامِ الفَــــــــتــــــــــى‬

‫وفي ذلك يقول ‪:‬‬ ‫مغنيه اذا يعتبر بشار من البارعين في الوص‬ ‫قال بشار بن برد في وص‬

‫ع‬
‫ب مَطِيَّ َة رَا ِ‬
‫بِبُؤسٍ َولَ ْم َت ْركَ ْ‬ ‫ش‬
‫ل اللَيَّزرَانْةِ لَمْ َتعِ ْ‬
‫وصَ ْفرَا ُء مِ ْث ُ‬

‫ع‬
‫ن مُزهِــــ ٍر و َيرَا ِ‬
‫لِز َوَارِهَا مِ ْ‬ ‫ن فَ ْوقَ ِلسَانِها‬
‫جرَى اللَّؤل ْؤ ال َمكْنُو ْ‬
‫َ‬

‫ع‬
‫س دَا ٍ‬
‫ُقلُوبًا دَعَاهَا لل َوسَــاوِ َ‬ ‫ت‬
‫بطرَا ِفهَا العُودِ زََّل َزلَ ْ‬
‫تأ ْ‬
‫إذَّ قَلَّدَ ْ‬

‫مَحَاسِ ُنهَا مِنْ رَوضَـــ ٍة ويَقَاعِ‬ ‫ن‬


‫كأ َنهُم في جَنَّ ٍة قَ ْد تَالحَقْــ َ‬

‫‪1‬‬
‫َنشَاوِىّ وَما َتسْقِيهِ ُم بِصَواعِ‬ ‫ح ِد ْيثُهَا‬
‫ن تَ ْغ ِر ّي ُدهَا وَ َ‬
‫ن ِم ْ‬
‫يَروْحُو َ‬

‫‪1‬‬
‫ال عن ابن قتيبة – الشعر والشعراء – ج‪1‬تحقيق عبد الستار أحمد دار المعارف مصر ص‪162‬‬
‫قول بشار نق ً‬
‫‪2‬‬
‫قول بشار نقالً ابن سعد الخير – القرط علي الكامل – ج‪ 1‬مكتبة أنقرة تركيا ص‪180‬‬

‫‪59‬‬
‫قال المبرد في حقه لم يجتمع ألحد من المحدثين في بيت واحد هجاء رجل ومدح أبيه اال لبشار بن‬
‫برد ‪ ،‬ولما قعد حماد عجرد لتأديب ولد األمين ‪ ،‬قال بشار بن برد هاجياً ومادحًا في بيت واحد إذ يقول‪:‬‬

‫ب‬
‫ن بطِيْ ِ‬
‫ل مِ ْ‬
‫لِ‬‫ب َي ْعلَ ُم مَا بِالسَ ْ‬
‫وَالذِئْ ُ‬ ‫ن الذِئْبَ َأ ِكلَهُ‬
‫ل َيعَلمُ أَ ْ‬
‫لْ‬‫السَ َ‬

‫وفيه يقول أيضا ‪:‬‬

‫ب في الغَنَ ِم‬
‫وَقَ َع الذِئْ ُ‬ ‫ل ال تَنَ ْم‬
‫ضُ‬‫يا أبَا الفَ ْ‬

‫خ سُو ٍء قَ ْد اغْتَنَمْ‬
‫شَيْ ُ‬ ‫حمَا َد عَجرد‬
‫ن َ‬
‫إْ‬

‫ف مِـــنْ األدَمِ‬
‫في غِال ٍ‬ ‫حرْبَ ُة‬
‫ن فَلَذِيْ ِه َ‬
‫بَي َ‬

‫جمَ ُع المِيْ َم بِالقَــــلَمِ‬


‫يَ ْ‬ ‫َأي ثُمَ غَ ْفلَةَ‬
‫إنْ ر َّ‬

‫قال بشار يفتلر بأجداده العجم ‪:‬‬


‫‪2‬‬
‫عمَادٍ‬
‫علي ولِي في العَامِرِّينَ ِ‬ ‫ت‬
‫ط َف ْ‬
‫ن تَعْ َ‬
‫عجَمِيي َ‬
‫ك األ ْ‬
‫ن مِلُو ْ‬
‫أنَا اب ْ‬

‫ويقول معرضاً بأعرابي آخر قال له (ما للموالي وللشعر )تعريضاً نفذ منه إلى االفتلار بأصله اللراساني‪،‬‬
‫وأنه من جملة أبناء مرازبة بطلارستان ‪،‬أهل اليسار ‪،‬والترف في مطاعمهم اللذيذة ‪،‬وأوانيهم الذهبية‬
‫‪،‬الفضية ‪،‬ومالبسهم الفاخرة ‪،‬ومراكبهم الفلمة في ذلك يقول ‪:‬‬

‫وعَ ْنهُم حِيْنَ بَا َرزَ للفِلَارِ‬ ‫عنيـــــــــــــــــــــــ‬


‫َّ‬ ‫سأخبر األعراب‬

‫ن بطُلَارِ‬
‫ب مِ ْ‬
‫تُنازعني ال َمرَازِ ُ‬ ‫أنا ابْن األكْرمينَ أباً وأمــــــــــــــًا‬

‫شرَبُ في اللُّجَينَ وفى النُّضَارِ‬


‫َرمَك المَنْفُوط عِـــــــزاً وَ َن ّ‬
‫ُنغَاذَى الد َّ‬

‫ب الحِبَارِ‬
‫ج للحَر ِ‬
‫َركْبُ في ال َفرِيْدَ إلى النَّدامــــــــــى وفى الدَّيبِا َ‬
‫وَن َّ‬

‫جهَ ُه عِقْدُ اإلسارِ‬


‫ن وَ ْ‬
‫ُيزَيَّ ُ‬ ‫ت َوكَ ْم تَقَد َم مِنْ أسِيــــــــــــــــــ ْـرٍ‬
‫أسِرَّ ُ‬

‫ق الكِبَارِ‬
‫وَسفلَ بِال َبطَارِ ْي َ‬ ‫عالَ لعَبـــــــــــــــــــــــ ٍد‬
‫ن َ‬
‫إذا انْقَلبَ ال َزمَا ُ‬
‫‪1‬‬
‫ن خَسارِ‬
‫ك مِ ْ‬
‫حسْب َ‬
‫حرَار َ‬
‫بَنَّــي األ ْ‬ ‫ع‬
‫تُفَاخُر يَاْ ابْنَ رَاعِي ٍة َورَا ٍ‬

‫‪1‬‬
‫القرشي الجيعي – حماسة القرشي – ج‪ 1‬دار مكتبة هجر للطباعة والنشر سوريا ص‪34‬‬
‫‪2‬‬
‫االبشهبي شهاب الدين المستطرف في كل فن مستطرف – ج‪ 1‬مكتبة الحياة للطباعة بيروت ص‪246‬‬

‫‪60‬‬
‫وفي رأيّ بصفتي باحث في هذا الموضوع أن الفكر الشعوبي دائماً ما يحاول النيل من العادات العربية‬
‫والقيم الجميلة التي تميّ ز بها العرب منذ عهد الجاهلية ويحاولون بطمس وتدنيس تلك القيم بشتى السبل‬
‫والنواحي ‪.‬‬

‫ويقول بشار بن برد مهاجماً للعرب ‪ ،‬مزرياً بحياتهم الوعرة القاسية ‪،‬ومآكلهم الفظة ‪ ،‬ومالبسهم‬
‫الغليظة ‪ ،‬وأنسابهم المعمورة ‪،‬معلياً نفسه عليهم ‪،‬ملحقاً لها بأبناء ملوك الفرس ‪،‬والعجم ‪،‬وزاعماً أنه‬
‫يطرق أبواب الللفاء ‪،‬ويحظى عندهم بمكانة سنية ‪،‬ويعيش معيشة ناعمة ‪ ،‬و في ذلك يقول في أعرابية‬

‫ؤزرَةٌ بالوبر في شَوْذَرة ِقرَدِ‬


‫مــــ َّ‬ ‫خرَتْها عربيةُ‬
‫تقول ابنَّتي إذ فَا َ‬

‫ن كبدْ‬
‫ضب ومِ ْ‬
‫َّ‬ ‫ب‬
‫ن قل ِ‬
‫بأشوي ٍة مِ ْ‬ ‫ع اذا راح عندها‬
‫لها وال ٌد رَا ٍ‬

‫يلينُ له بَاب ال ُهمَام إذا وَفــــــ ْد‬ ‫أبي نجل أمالك وزو ُر خليف ٍة‬

‫ل ومَن قَصَدْ‬
‫ن جَاز السبي َ‬
‫متاعٌ لِم ْ‬ ‫ب‬
‫وأنتِ لقا ٌة بين خَِّل ٍ وأكل ٍ‬

‫ن عيشها النَكدْ‬
‫س مِ ْ‬
‫ترى غيرًا بالنف ِ‬ ‫ن قَومٍ عليهم غَضَاضةُ‬
‫ك مِ ْ‬
‫وإن ِ‬

‫يقول بشار ممتدحاً ومفتلراً ومباهيًا بانتسابه للعرب وفي ذلك يقول ‪:‬‬

‫ُر وال ثضَارُ‬


‫أرى قيسًا تَض َّ‬ ‫ت مُضَرُّةَ الفُحَشاءِ أنـــي‬
‫أمِن ُ‬
‫‪2‬‬
‫ت األرضِ أخطاهُ ال ِقطَا ُر‬
‫نبَا ُ‬ ‫ب عَنْهُم‬
‫كأن الناسَ حين تَغِيْ ُ‬
‫ُّ‬

‫رُويَّ عن بشار بن برد أنه لم يكن يحس أصله اللراساني في العصر األموي ‪،‬بل كان مشدوداً إلى مواليه‬
‫العقيليين ‪،‬معتزاً بانتمائه إليهم ومدافع عن سياستهم ‪،‬مصرحا بذلك تصريحا مجلجالً كقوله يفتلر بوالئه‬
‫لبني عقيل وهو في ذلك يقول ‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫من بطلي األعناق‬ ‫مَوضِ َع السَيَّ‬ ‫ن بني عُقيلٍ بن َكعْبٍ‬
‫إننًّي مِ ْ‬

‫يقول بشار أيضاً ممجداً لبطولتهم ‪،‬نكاية بأعدائهم ‪،‬مؤازرتهم لمروان بن محمد وهو آخر خلفاء بني أمية ‪:‬‬

‫ص َر الحَقَّ بطَالبهُ‬
‫ن حَتَّى أبْ َ‬
‫ن العَيْ َ‬
‫ك األولى شَقُّوا ال َعمَى بِسُيُوفَهُــــم عَ ْ‬
‫أُوال َ‬

‫ح مُروانٌ تَقْ ُد مَوَاكِبهُ‬


‫وَأصّــــَبَ َ‬ ‫شرِفيَّ َة وَالقَنـــَـــــــــــا‬
‫إذا َركِبُوا بِال َم ْ‬

‫‪1‬‬
‫ديوان بشار بن برد عاشور محمد الطاهر ص‪229‬‬
‫‪2‬‬
‫– المرجع السابق ص‪151‬‬
‫‪3‬‬
‫أبو الفرج األصفهاني – األغاني ج‪ 3‬دار الكتب المصرية ص‪139‬‬

‫‪61‬‬
‫ن ال تَبْكيِّ عليه َقرَائبهُ‬
‫وأزعَ َ‬ ‫وأي قَبيَّلـــــــــــــة‬
‫ص ُّ‬‫َي امرىء عَا ٍ‬
‫فأ ُّ‬

‫يقول بشار بن برد‪:‬‬

‫وساء بك المقدم والوراء‬ ‫أفرخ الزنج بطال بك البـــــــالء‬

‫وهل يغني من الحرب البكاء‬ ‫بكيت خالف كندير عليه‬

‫وكنديراً أقل فتى تشاء‬ ‫فحدثني فقد نقصت عمـــــــــراً‬

‫أصابك في استك الداء والعياءُ‬ ‫ال تتبع كل أيــرٍ‬


‫كفى شغ ً‬

‫ُجم ُعهَا عراءُ‬


‫وأبعا ٍر ت َّ‬ ‫ط‬
‫ح ونوى لقــــــــــــــا ٍ‬
‫أما في كُربُ ٍ‬

‫وتكدي حين يسمعك الرَّعاءُ‬ ‫ل آكل التمر انتجاعًا‬


‫غُ‬‫ُتشَا ِ‬

‫ومن أم بها جمع الفــتاءُ‬ ‫وعندي من أبيك الوغد علـــــــم‬

‫أبوك إذا غدا خنزير وحــــــــــــــش وأمـــــك كلبة فيها بذاءُ‬

‫وضم ُهمَا الفضاءُ‬


‫َّ‬ ‫إذا اجْ َتمَـــــــعَا‬ ‫فما يأتيك من هذا وهذا‬

‫وأمــــــات إذا ذكر النساءُ‬ ‫أال إنَّ اللئيمَ أبا قديــــــــــمًا‬

‫أن الكمار لهُ شفاءُ‬


‫يـــــــرى َّ‬ ‫ب‬
‫نتيج بين خنزير وكلــــــــ ٍ‬
‫‪1‬‬
‫وأنت محنت فيك التواء‬ ‫نطقــــت بإسمي‬ ‫أفرخ الزّنج كي‬

‫يتميز شعر بشار بأنه تارة يفتلر بأهله الفرس ويفضلهم على العرب وتارة يفتلر بالوالء واالنتماء إلى‬
‫العرب والفلر بهم وتارة أخرى يتبرأ من والء العرب فيقول في ذلك ‪:‬‬

‫مولى العريب فلذ بفضلك فأفلر‬ ‫أصبحت مولى ذي الجالل وبعضهم‬

‫أهب الفعال ومن قريش المشعر‬ ‫موالك أكرم من تميم كلــــــــــــها‬


‫‪2‬‬
‫سبحان موالك األجل األكبر‬ ‫فارجع إلى موالك مرافــــــــــــع‬

‫‪1‬‬
‫ناصر محمد مهدي محمد ديوان بشار بن برد ج‪ 1‬دار الكتب العلمية بيروت ص‪30‬‬
‫‪2‬‬
‫ديوان بشار بن برد ج‪ 1‬دار الكتب العلمية بيروت _ تحقيق محمد مهدي محمد ناصر ص‪31‬‬
‫* *فرخ الزنج العبد األسود * الكندير ‪:‬الحمار * النتيج ‪ :‬الحاصل من تزواج الحيوانات *الكمار ‪:‬اإلتيان*الفعال من الجود الكرم ونحوه‬

‫‪62‬‬
‫يقول بشار في الغواني والتغزل بهن ‪:‬‬

‫وقد نَاديْتُ لو سُمعَ النَّداءُ‬ ‫ُر الغَوَانِي‬


‫وأقعدني عن الغ َّ‬

‫وعهد ال ينام به الوفاءُ‬ ‫وصية من أرا ُه علــــــى رَبَّا‬

‫كما العين فقدتهما سواءُ‬ ‫هجرت اآلنسات وهن عندي‬

‫أعو ُذ به إذا عرضت البالءُ‬ ‫وقد عرَّضن لي واهلل دوني‬

‫حلبت لهن ما وسع اإلناءُ‬ ‫والوالء القائمُ المهدي فِينَا‬

‫وليس لعهد جارية بقاءُ‬ ‫ت عهدًا‬


‫ويومًا بالجُــــ َد ْي ِد وفي ُ‬

‫ت وحان َ من غزلي انتهاءُ‬


‫وقر ُ‬ ‫ن إنَّي‬
‫ت يَقرْ َ‬
‫فقل للغاَنِيَا ِ‬

‫فثاب الحلم ُ وانقطع العناءُ‬ ‫نهاني مالك األمالك عنها‬

‫وبينهُما إذا التقيا صفاء‬ ‫وكم من هاجرٍ لفتاة ِقوم‬

‫ن السُّمُوطُ لها إباءُ‬


‫عليه َ‬ ‫وغضات الشباب من العزارَى‬

‫وتربيتي وللكلب العُواءُ‬ ‫إذا نبح العدى فلـــهن ودَّي‬

‫صرْن لهُ وإذ نسمِي شفاءُ‬


‫ي ِ‬ ‫لهوت بهنَّ إذ مَلقِي أنِيقٌ‬

‫وأبطبق ح َُّبهُنَ علي فؤادي كما انطبقتْ علي األرض السماءُ‬

‫على الغزلي سَــــالم ُ اهلل منَّي وإنْ صنع اللليف ُة ما يشا ءُ‬

‫سكُ ما ُء ‪1‬‬
‫ومن راح به ِم ْ‬ ‫ن الجَوَاري‬
‫فهذا حين تُبْ ُ‬

‫ويقول ‪:‬أيضًا في هجاء سهيل بن سالم البصري‬

‫و والهــمو في شرك ِه غير صالح ٍ‬ ‫ل بِصِـــــهرِهِ‬


‫سهَي ٌ‬
‫َلعَمرِي لقد أزرى ُ‬

‫ومــــا زائنٌ زوجتُمُو ُه بِفاضِح‬ ‫أزوجتمُ ال ِعلْجُ اللئيمَ ابن ســـــــــــــــالمٍ‬

‫وهذا سهيل صه ُر موسى بن صالح‬ ‫ن كان خـــارجاً‬


‫أال يلرُجُ الرَّجَالُ إ ْ‬
‫‪2‬‬
‫ح‬
‫وال كان َيرْجُوهَا ل ُه في المنَاكِ ِ‬ ‫ح‬
‫س صــــــالِ ٍ‬
‫أملَتْ هذا له نفْ ُ‬
‫فما َّ‬

‫‪1‬‬
‫ناصر محمد المهدي ديوان بشار بن برد دار الكتب العلمية بيروت ص‪20‬‬
‫‪2‬‬
‫عاشور محمد الطاهر ديوان بشار بن برد ج‪ 2‬ص‪107‬‬
‫الغضات ‪:‬فردها غضة وهي المليحة الشابة *السموط ‪:‬فردها السمط وهي القالدة * الغَّر‪ :‬القاصرات من النساء *الراح ‪:‬من أسماء الخمر *الملق‬
‫‪:‬التودد *الداء العليا ‪ :‬مرض العضال‬

‫‪63‬‬
‫أهله الفرس بأنهم ملوك األزمان وأنهم اليزالون ملوك‬ ‫يقول بشار بن برد وهو يص‬

‫ب‬
‫جمِي َع ال َعرَ ِ‬
‫عَنَّي َ‬ ‫ل مُلَيرٍ‬
‫هَل مِنْ َرسُو ِ‬

‫ومن ثوى في التُربِ‬ ‫ن كَان حيًَّا مِ ْنهُم‬


‫مِ ْ‬

‫سرِى َوسَاسَانُ أبيِ‬


‫و ِك ْ‬ ‫جدَّي الذِي أسْمُوا بهِ‬

‫ت يومًا نَسَبي‬
‫عَدْد ُ‬ ‫وَقْيْصَر خَــــــــــالَي إذا‬

‫بتاجِ ِه ُمعَتِصَب‬ ‫كَمْ لِي وَكَم لِي مِــــــــنْ أب ٍ‬

‫يُجْثى لهُ بالرَّكبِ‬ ‫أشْوَسَ فيِ مجـــــــلسِهِ‬

‫في الجَوْهر المُل َتهِبِ‬ ‫يغدو إلى مَجْـــــلسِ ِه‬

‫وقائم فِي الحُجُبِ‬ ‫ُمسَتَفضِلٌ في فنــــــــك‬

‫بآنِياتِ الذهب‬ ‫ق لــــــــــهُ‬


‫سعَى الهَبانِي ُ‬
‫َي ْ‬

‫شرَبُها فِي العُلَبِ‬


‫يَ ْ‬ ‫لَمْ يسق أقْطابَ سِــــــقى‬

‫خلـــــ َ بعِي ٍر جرِب‬ ‫وال حدا قط أبــــــــــي‬

‫سغَبَ‬
‫يَثْقُبُـــها مِنْ َ‬ ‫وال أتى حَنْــــــــــــظلَ ًة‬

‫لشَبِ‬
‫يَلْبُطهَا بال َ‬ ‫عرْفـــــــــــطةً‬
‫وآل أتى ُ‬

‫ب‬
‫مُنَضْنِــضًا بالذَنَ ِ‬ ‫َولَا شَوَيْنــــــــــــــــَا َورَالً‬
‫‪1‬‬
‫حزَبِ‬
‫ب ال ِ‬
‫ت ضَـ َّ‬
‫أكْل ُ‬ ‫ت َولَا‬
‫وال تَقَعَّصَـــــــ ُ‬

‫ويقول أيضًا‬

‫ت ودُودا‬
‫قلدتهم مرحي وَكُن ُ‬ ‫أبلغ سراة بني اللصين بأننَّــــــي‬

‫حُرِّا يَلَّد بها الرَّواة َنشِيدا‬ ‫ت قَر ُمهُم الضيق قصائِـــــــــــــدي‬


‫حَمَّل ُ‬
‫‪2‬‬
‫ن ْفسِي تُنازِعُني القريض َ جَدي ِد‬ ‫وإذا ذكرتُ بني قتيبة أصَبحَتْ‬

‫‪1‬‬
‫محمد مهدي ناصر ديوان بشار بن برد دار الكتب العلمية بيروت ص ‪181‬‬
‫*األقطاب مفردها القطيب وهو الشراب الممزوجٍ* العلب ‪ :‬مفردها العلبة وهو قدح من الجلد ال ينكسر* حداء غنى لإلبل وسار بها *الجرب ‪ :‬الذي‬
‫اصابه داء الجرب * العرفطة ‪ :‬نبة رائحتها غير طبية * الورل ‪ :‬ديب يشبه الضب * منضنض ‪:‬محرك ذنبه *تقصعت ‪:‬تحرشت بالضب في‬
‫جحره* الحِزب‪ :‬هي الغليظة‬
‫‪2‬‬
‫عاشور محمد الطاهر خ ديوان بشار بن برد ج‪ 2‬تحقيق ص ‪230‬‬

‫‪64‬‬
‫ويقول مفتلرًا بأهله الفرس ‪:‬‬

‫فِي سالِفاتِ الحقبِ‬ ‫ل‬


‫إنَّا مُلُوكٌ لَ ْم نَـــــــــــــزَ ْ‬

‫بلخ بِغ ْي ِر الكذِب‬ ‫حنُ جَلَ ْبنَا اللَـــــ ْيل مــــِنْ‬


‫نَ ْ‬

‫الصلُبِ‬
‫بِالشَام أرْض َّ‬ ‫ت‬
‫حتَّى إذا ما دوِّخــــــــ ْ‬

‫ل ذي لَجَبِ‬
‫في جحف ٍ‬ ‫سرْنا إلى مِصْــــ َر بــها‬
‫ِ‬

‫ِب ُم ْلكِنا ال ُمسْتَلبِ‬ ‫حتَّى استـــبلنا ُملْكــــــــها‬

‫بطَنْجَ َة ذات العَجَبِ‬ ‫ل بِنــــــا‬


‫ت اللــي ُ‬
‫وجَاد ْ‬

‫ِي ال َعرَبي‬
‫ل النَب َّ‬
‫أ ْه ِ‬ ‫ك فِــــي‬
‫حتَّى رددْنَا المــــ ْل َ‬

‫سرَى الغَضَبِ‬
‫أْ‬ ‫ب هلل ولإلسالمــــــ‬
‫َنغْضَـــــ ُ‬
‫‪1‬‬
‫أنا ابن فَرْعي فارِســــــــٍ عَنْها المحامي العَصِبِ‬

‫ويقول في العرب ‪:‬‬

‫سمَتَ القَائِم الهَادِي‬


‫َبي وَ َ‬
‫عهْ َد الن َّ‬
‫َ‬ ‫ل البَيتْ إنَّ َلهُمْ‬
‫نَفْسي فِداءُ أله ِ‬

‫حكْم ابْنِه العَادِي‬


‫ال ُ‬
‫حكْم المُحِل وَ َ‬
‫ُ‬ ‫حكُموا فِي مَوَالِيهُم وَقَد َمَلكُوا‬
‫لَ ْم يَ ْ‬

‫ُنا غَيْر هُجَّـــــادِ‬


‫حتَّى هَجَدْنا وَك َّ‬ ‫ولكن ولونا بإنصاف ومَعَدَلةِ‬

‫سَاقِي الحَجِيَّجِ ومِ ْنكُ ُم مُنهبُ الزَّادِ‬ ‫مِ ْنكُم نَبِيُّ الهُدَى يَ ْقرُو مَحَاسِنَ ُه‬

‫فوُج وَفو ٌد وَفَوجٌ غَيْر َوفَّـــــــــــادِ‬ ‫صَلَّت َلكُمْ عَجَمُ اآلفَاقِ قابطِبَ ًة‬
‫‪2‬‬
‫خروا سُجُودًا وما كانوا ِبسُجَّــادِ‬ ‫ن كَانوا علي عَجَبٍ‬
‫إذا رأوْكم إ ْ‬

‫‪1‬‬
‫ناصر محمد المهدي ديوان بشار بن برد _تحقيق ناصر دار الكتب العلمية بيروت ص‪182‬‬
‫‪2‬‬
‫عاشور محمد الطاهر ديوان بشار بن برد ج‪ 2‬تحقيق محمد الطاهر عاشور ص‪209‬‬

‫‪65‬‬
‫الخاتمة‬
‫الحمد اهلل رب العالمين والصالة والسالم على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحابته‬
‫أجمعين في ختام هذا البحث الذي تناول أثر الشعوبية في الشعر العباسي وكان للشعر في العصر العباسي‬
‫نفس شعوبي حاد جداً علي العرب والنقص من شأنهم ‪ ،‬واحتقارهم ‪،‬والحط من مكانتهم بين الشعوب كما‬
‫يعتبرونهم رعاة ‪،‬وبدواً وأنهم بعيدين كل البعد عن الحضارة ومن خالل تلك الدراسة توصلت إلى النتائج‬
‫التالية‬

‫‪ /1‬أنَّ الشعر عند الشعوبية وخاصة قصائد بشار بن برد اتجه إلشاعة المجون وشرب اللمر وكثير من‬
‫المفاهيم التي تنافى مع العقيد اإلسالمية بغرض المساس بمرتكزات هذه األمة والقيم التي تؤمن بها‬

‫‪ /2‬كما توصلت إلى أن الشعر الشعوبيَّ قد حمل بعض اإلشارات لتقديس اآللهة بغرض إشاعة القيم التي‬
‫كانت تؤمن بها بعض تلك الشعوب بين العرب ‪،‬والمسلمين‬

‫‪ /3‬وإلى أنهم كانوا من خالل تلك القصائد كانوا يصفون العرب بلشونة العيش ‪ ،‬والغلظة ولهذا فهم ليسوا‬
‫أهل حضارة مدنية ولهذا فقد كانت تلك اإلشارات في الشعر الشعوبيَّ توضح حقدهم الدفين على هذه‬
‫األمة‬

‫إن الوفاء بالعهود خلق عربي وحافظوا عليه لما جاء اإلسالم أيد ذلك‬
‫‪َّ /4‬‬

‫أن الفكر الشعوبيَّ ارتكز على فكر اليهود والفرس الذي ينبني على أساس من العنصرية من خالل‬
‫‪َّ /5‬‬
‫نظرية شعب اهلل الملتار ‪ ،‬وأرستقرابطية الدم الفارسي‬

‫توصي الدراسة بالوقوف على األدب العربي لبيان ما يحمل بين بطياته من قيم دينة وسالسة في األسلوب‬

‫وعزوبة في المنطق‬

‫كما تقترح الدراسة إجراء مقارنة وموازنة بين القيم التي تنبتها أشعار وقصائد الشعراء الشعوبيين‬

‫‪،‬والشعراء العرب في فترة الصراع بين العرب والموالي لبيان دور الشعر عند الطرفين في الدفاع عن‬

‫مقدسات قيم اإلسالم‪.‬‬

‫‪66‬‬
1993 2 1

3 2

1996 1 4

1968 1 5

1 6

1 7

1 1 8

1 1 9

1 10

1 11

67
1983 1 12

13

2005

14

1 15

1 16

1998

1 17

2 18

19

20

1 21

2003

2003 22

3 23

1 24

68
1 25

1 26

1986 27

1 28

1978 1 29

3 30

4 31

1984 1 32

33

2 34

3 35

36

1 37

2005 1 38

1997 1 39

1987 2 40

69
1987 3 41

1 42

1 43

44

1997

1 45

46

1 47

3 48

1 49

1976

1991 1 50

1975 51

52

1991 1 53

1 54

70
1 55

3 56

57

58

1 59

1 60

1 61

1 62

63

64

65

1989 66

71
‫الفهـــــــــــــــــــــــــــــــرس ‪:‬‬

‫رقم الصحفة‬ ‫الموضوع‬

‫أ‬ ‫االستهالل‬

‫ب‬ ‫اإلهداء‬

‫ج‬ ‫الشكر والتقدير‬

‫د‬ ‫المللص‬

‫‪1‬‬ ‫المقدمة‬

‫الفصل األول ‪ :‬مفهوم الشعوبية وحياة بشار‬

‫‪2‬‬ ‫الشعوبية ومظاهرها والذين ردوا عليها‬ ‫المبحث األول ‪ :‬تعري‬

‫‪3‬‬ ‫الشعوبية‬ ‫المطلب األول ‪ :‬تعري‬

‫‪72‬‬
‫‪8‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬مظاهر الشعوبية‬

‫‪10‬‬ ‫المطلب الثالث ‪ :‬الذين ردوا علي الشعوبية‬

‫‪17‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬حياة بشار ووفاته‬

‫المطلب األول ‪ : :‬حياة بشار‬

‫المطلب الثاني‪ :‬وفاته‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬أصل الفكر الشعوبي ومطاعن الشعوبية‬

‫‪23‬‬ ‫المبحث األول ‪ :‬أصل الفكر الشعوبي‬

‫‪32‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬مطاعن الشعوبية‬

‫الفصل الثالث ‪ :‬اثر الشعوبية في الشعر العباسي وبشار أنموذجاً‬

‫‪40‬‬ ‫المبحث األول ‪ :‬النفس الشعوبيَّ في الشعر العباسي‬

‫‪49‬‬ ‫الشعوبي في شعر بشار‬


‫َّ‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬النفس‬

‫‪57‬‬ ‫اللاتمة‬

‫‪60‬‬ ‫المصادر والمراجع‬

‫‪73‬‬

You might also like