Professional Documents
Culture Documents
الشعوبية في شعر بشار
الشعوبية في شعر بشار
جامعة الجزيرة
كلية التربية -حنتوب
قسم اللغة العربية والدراسات اإلسالمية
بكالوريوس جامعة الجزيرة كلية التربية الحصاحيصا قسم اللغة العربية والدراسات
اإلسالمية
بحث تكميلي مقدم لنيل درجة ماجستير اآلداب
تخصص أدب ونقد
نوفمبر 2016م:
1
أثر الشعوبية في الشعر العباسي _ بشار بن برد أنموذجاً
دارسة أدبية نقدية
محمد الريح محمد دفع اهلل
لجنة اإلشراف:
2
أثر الشعوبية في الشعر العباسي _ بشار بن برد أنموذجاً
دارسة أدبية نقدية
لجنة االمتحان
التاريخ
/17نوفمبر 2016/م
/17صفر1438 /ه
3
ن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَ َعلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ ِم ْ
علِيمٌ خَبِيرٌ )
اللهَ َ
اللهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ َّ
أَ ْك َرمَكُمْ عِ ْندَ َّ
13
4
اإلهـــــــــــــداء:
إكراماً وتقديراً
براً وإحساناً
وفاء وتقديرا
ب
5
شــــــــــكر وتقديـــــــــــر
وأخص بالشكر أستاذي الفاضلني األستاذ حممد الطيب الصديق ،واألستاذ سيد أبو إدريس
تكرماً باإلشراف على حبثي ،ومل يبخال عليّ بالنصح واإلرشاد واملعونة.
6
2016
7
8
9
مقدمة :
الحمد اهلل الذي بنعمته تتم الصالحات والصالة والسالم على سيد ولد آدم أجمعين سيدنا محمد وعلى
فقد برزت نزعة الشعوبية في الشعر العباسي بصورة واضحة في عصريه األول والثاني ،هي كلمة
منسوبة إلى الشعوب األجنبية ،وكانت تقوم علي مفاخرة الشعوب من الفرس وغيرهم إنَّ الشعوبية فرقة
من الناس ذهبوا إلى تصغير شأن العرب وأنهم ال يرون لهم فضالً على غيرهم ،وأن جميع ما قالته
الشعوبية في مقام االستدالل في مدعاهم ،واقع في غير موقعه ،وقائم في غير محله ،فإن المدعى إنما هو
فضيلة الجنس فيما هو مناط الفضيلة بين أنواع بني آدم ،وهو أن سبب فضل جنس العرب ما اختصوا به
في عقولهم وألسنتهم ،وأخالقهم ،وأعمالهم وغير ذلك مما أسلفت و ،بأتم وجه ،ليس المدعى أن الفضيلة
بنبوة حتى يقال إن أنبياء غير العرب أكثر من أنبيائهم ،وفي تقديري أن العرب بالطب والحكمة والذين
تميزوا بذلك أبي على بن سينا ،ابن رشد وقد بلغا من الشهرة إلى حيث صار أعداؤهم في ذلك الوقت
يرغبون في معالجتهم إياهم كما يحكى أن بعض ملوك قسطلية كان قد اعتراه مرض االستسقاء فاشتهى أن
اللليفة على اإلذن في أن يذهب ويداويه تكون معالجته على يد األبطباء العرب ،وحصل من لط
المسلمون ،وهذا يدل علي أن العرب يتميزون بالحكمة والطب ،وبهذه الشهادة التي أدلى بها هذا الملك
برهان على أن العرب أصحاب حضارة ليس حيث ذهب بعض الشعوبيين إلى أن العرب رعاة وبدواً ليس
لهم حضارة ،واتبعت الدراسة في هذا الموضوع المنهج االستقرائي واالستنبابطي ،ويتكون الهيكل العام
للبحث من ثالثة فصول وستة مباحث ،تناولت الدراسة في الفصل األول مفهوم الشعوبية وتعريفها في
اللغة واالصطالح وحياة بشار بن برد ،وفي الفصل الثاني تناولت الفكر شعوبي والمطاعن الشعوبية ،
والفصل األخير أوردت أثر الشعوبية في الشعر العباسي والنفس الشعوبي في شعر بشار بن برد .
10
الفصـــــــل األول
مفهوم الشعوبية وحياة بشار بن برد
11
المطلب األول :تعريف الشعوبية لغة اصطالحاً:
الشُّعوبي هو الذي يصغر شأن العرب ،وال يرى لهم فضالً على غيرهم ،وأما الذي في حديث
شعُوبُ أسلم ،فكانت تؤخذ منه الجزية فأمر عمر أن ال يؤخذ منه قال ابن األثير :
مسروق أن رجل من ال ّ
1
شعَب قرية باليمامة .
ب من القبائل واأل ْ
شعَ َ
أن الشّعبُ ما َت َ
شعُوبُ هنا العجم ووجهه َّ
ال ّ
والشعُوبيُّ محتقر أمر العرب وشِعبان بالكسر ماءُ لِبَني بكر بن كالب ،الشُّعبتان أكمةٌ لها قرنان ناتئان ،و
َّ
شعَبٌ الحق بطَريقهُ الفارق بينه وبين البابطل
شعَب باليمامة و ُم ْ
شعَب هو الطماع وال تكن أشْعب فتتعب األ ْ
أْ
3
،شُعيب من األنبياء .
الشعُوبية ،بالضم فرقة تفضل العجم علي العرب وإنما نسب إلى الجمع ألنه صار علماً كاألنصار ويقال
ُّ
شعْبُ) :هو النسب األول لعدنان و (القَبِيلةُ)
شعْبُ) ثم (قَبِيلَةٌ ) ثم (فَصِيلَةٌ) (فاَل ُ
أنساب العرب ست مراتب ( َ
ما أنقسم فيه أنساب الشعب و(ال ِعمَارةُ) ما انقسم فيه أنساب القبيلة و (،البَطْنْ) ما انقسم فيه أنساب العمارة
(،الفَلْذُ) ما انقسم فيه أنساب البطن و(الفَصِيلةُ) ما انقسم فيه أنساب الفلذ ،فلزيمة شعب ،وكنانة قبيلة،
4
وقريش عمارة ،وقصي بطن ،وهاشم فلذ والعباس فصيلة .
الشَّعبُ ،الجماعة الكبيرة ترجع ألب واحد ،وهو أوسع من القبيلة الجماعة من الناس تلضع لنظام
شعْبُ انفراج ما بين الرجلين و الشعاب بطريق مجرى الماء
إجماعي واحد والجماعة تتكلم لساناً واحداً وال ّ
تحت األرض ،شعبان هو الشهر الثامن من السنة القمرية و الشعبة فرقة من الشيء وفي التنزيل العزيز
6
قال :تعالى (إلى ظل ذِي ثالث شُعب) 5شعب ،وشعاب والشعب األصابع واألبطراف.
1
ابن منظور -لسنان العرب ج 1دار الصادر بيروت (د ،ط ) (د ،ت) ص498
2
الزبيدي -تاج العروس ج( 1د ،ط) (د ،ت) ص 632
3
الفيروز آبادي القاموس المحيط ج 1مؤسسة الرسالة بيروت لبنان ط 6تحقيق محمد عبد المنعم العرقوسي (د ،ت) ص102
4
الفيومي – المصباح المنير -ج 1المكتبة العلمية بيروت (د ،ت) (د ،ط) ص314
5
سورة المرسالت اآلية ()33
6
ابراهيم مصطفى وأخرون المعجم الوسيط ج 1المكتبة اإلسالمية للطباعة والنشر استانبول تركيا ط( 1د ،ت) ص 483
12
الشعوبية اصطالحاً
هي نزعة كانت تقوم علي مفاخرة تلك الشعوب ،وفي مقدمتها الشعب الفارسي ،للعرب مفاخر تستمد
من حضارتهم ،وما كان العرب فيه من بداوة ،وحياة خشنة غليظة ،.نادى اإلسالم بقوة لهدم الفوارق
العصبية للقبائل ،والفوارق الجنسية للشعوب حتى يسود الوئام بين افراد األمة اإلسالمية ،فال عدناني ،وال
قحطاني ،وال عربي ،وال عجمي إنما هي أمة واحدة بتساوي أفرادها في جميع الحقوق ،وال تفاضل فيها إال
شعُوبًا وَقَبَائِلَ
ج َعلْنَاكُمْ ُ
خلَقْنَاكُم مِّن َذ َكرٍ وأنثى وَ َ
بالتقوى ،والعمل الصالح ،ويقول جل شأنه (يَا أ َُّيهَا النَّاسُ إِنَّا َ
1
لِ َتعَارَفُوا ۚ إِنَّ َأ ْك َر َمكُ ْم عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُ ْم ۚ إِنَّ اللَّهَ علي ٌم خَبِيرٌ)
،.ويقول الرسول صلى اهلل عليه وسلم (:أيها الناس إنَّ ربكم واحد وإنَّ أباكم واحد كلكم آلدام وآدم خلق
2
من تراب ,أكرمكم عند اهلل أتقاكم وليس لعربي على عجمي فضل إال بالتقوى )
.وهذا بال ريب مثل أعلى ما أراده االسالم ألمته ,غير أنَّا ال نكاد نصل إلى عصر علي بن أبي بطالب
وما نشعب لعهده في صفين حتى نرى العصبيات القبلية تعود نزعة بين القبائل ،وكأنهم لم ينسوا حياتهم
القديمة بل لقد اضطرمت اضطرامآ تعهد ثائرته بطوال عصر بني أمية .وقد مضى األمويون ينحرفون
عن جادة الدَّين في المعاملة مع الموالي فهم يرهقونهم بكثرة الضرائب ،وهم ال يسوُّون بينهم وبين العرب
3
في الحقوق إال ما كان من عمر بن عبد العزيز ولكن مدة حكمه كانت قصيرة .
يقول :ويراد بها النزعة العدائية للعرب ،وهي باإلبطالق الثاني مصدر صناعي ،والشُّعوبي في إبطالق أخر هو الذي
يسوِّي بين العربي وغيره ،وال يفضل العربي وقد اشتق من اآلية الكريمة ،وذلك ألن المسلمين من غير العرب دعوا
4
إلى التسوية وكان هذا شعارهم ،ثم توسع العرب فأبطلقوا الكلمة علي محتقر أمر العرب .
وكانت هذه المعاملة السيئة للموالي قد مألتهم ضغينة وحقداً علي العرب ،أو بعبارة أدق علي الدولة األموية
,فشاركوا اللوارج والشيعة في الثورة عليها ،وأخذ فريق منهم يمثلهم إسماعيل بن يسار النسائي يفاخر العرب
بحضارة أمته الفارسية ‘وملوكها الساسانيين الذين غلبوا علي األرض وأعظم حقد الموالي الحفيظة الموجودة في
صدورهم ،والتفت منهم جماعات كثيرة حول أبي مسلم داعية العباسيين بلراسان ,وما لبثوا أن انتظموا في جيش
ضلم أدلوا به العباسيين من األمويين ،وللفُرس من العرب إدارة نفذوا في أثنائها إلى مناصب الدولة العباسية
العليا ،بحيث كان منهم أكثر القواد ،وأكثر الوالة ,خاصة حين استولى على أزمة حكم البرامكة في عهد الرشيد
1
سورة الحجرات – اآلية 13
2
اخرجه البخاري فتح الباري في شرح صحيح البخاري ج 6تحقيق ابن حجر دار النشر بيروت لبنان ص527
3
ضيف شوقي تاريخ األدب العربي 3العصر العباسي األول -ج - 1ط – 6دار المعارف مصر كرنيش النيل القاهرة ( د ت ) – ص 74
4
الوائلي أحمد ـ هوية التشيع ج 1ص207
13
،وبنو سهل في عهد المأمون ،وكان هذا التحول اللطير في مقاليد الحكم وما أصبح للفُرس من مكانة رفيعة في
1
المجتمع العباسي الجديد سبباً في بروز نزعة الشعوبية نسبة إلى الشعوب األعجمية .
،وكان منهم معتدلون وقفوا عند حد التسوية بين العرب وغيرهم من الشعوب ,حسب تعاليم اإلسالم فال عربيًا يفضل
أعجمياً ،وال أعجمي يفضل عربياً ،إذ ليس العروبة والعجمة ميزة في نفسها تُعلي من نفس صاحبها ،فالناس جميعاً
2
سواء وقد خلقوا من تراب ويعودون إلى التراب .
وكان بجانب هؤالء المعتدلين المتطرفين الذين تجاوزوا التسوية بين العرب وغيرهم من الشعوب إلى اإلزراء
عليه م والنزول بهم دون مرتبة أو مراتب ,وهؤالء الذين تصدق عليهم كلمة الشعوبية إذ قدموا الشعب األجنبي
على العرب ,تنقصوا قدرهم ،وصغروا شأنهم 3.
وظلت نيران الشعوبية مستعرة في هذا العصر علي نحو ما كانت مستعرة في العصر العباسي األول إذ
مضى كثيرون يشيدون بفضائل الشعوب القديمة وحضارتها ،ومدنيتها ،وفى مقدمتها الفرس بسياساتهم ،وآدابهم
والروم بعلومهم وفلسفاتهم والهند بسحرها ومعارفها الرياضية وغير الرياضية ،وأنضم إلى هذه الدعوة كثيرون
من أبناء الشعوب األخرى من نبط ،وسريان وغيرهما منوهين جميعاً ،لما كان بديارهم من علوم وفنون وعمارة و
كأنما ذهبت أدراج الرياح ورغم مناداة اإلسالم بهدم الفوارق الجنسية بين الشعوب ،كأنما كان هؤالء الشعوبيون
يبتغون أن يحدثوا صدعًا ال يلتئم وال يمكن الجمع بين أفراد األمة الواحدة 4
وقد لجّوا في تصوير ما كان عليه الجاهليون وعرب البوادي لعصرهم من العيش اللشن ،ومن الغلظة واألبطعمة
أنَّ العرب كانوا وال يزال كثيرون منهم بدواً ورعاة أغنام وإبل ،وأين هم من ملك األكاسرة اليابسة الجافة ،وكي
والقياصرة؟ ،وأين هم من الفرس والروم و حضارتهم ؟ وكان كثير من العلماء قد كتب في إفاضة عن مثالب
القبائل في القديم ،فاستغل هؤالء الشعوبيون ذلك ،وأخذوا منه أسلحة لدعوتهم ,وحتى فضائل العرب من مُثُل الكرم،
والشجاعة حاولوا بطمسها ناقضين لها نقضاً ،وتصدى الجاحظ ،وابن قتيبة لهذه النزعة اآلثمة وردوا عليها رداً
عنيفاً ،ويتضح أنَّ ال تسوية بين الشعوب من نظرية اإلسالم أن اللطأ أن حمل القائلين بالتسوية على الشعوبيين أو
علي القول بالشعوبية إنما الشعوبيون هم الذين يعلون االعاجم على العرب وينادون بعدم التسوية حانقين حنقًا
شديدًا علي كل عربي 5.
1
ضيف شوقي – تاريخ األدب العربي العصر العباسي األول ج3ط 6مصر القاهرة ص75
2
ضيف شوقي– المرجع السابق ص75
3
ضيف شوقي المرجع السابق ص76
4
شوقي ضيف -تاريخ األدب العربي العصر العباسي الثاني ج 4دار المعارف مصر القاهرة ط( 2د،ت) ص97
5
صيف شوقي تاريخ األدب العربي العصر العباسي الثاني ج – 4ط 2ص 100
14
الشعوبية حركة ثقافية حضارية مناهضة للعرب ،وكان العراق هو المسرح الذي ظهرت عليه ،
وترعرعت فيه ،ألنَّه كان ملتقى العنصر العربي الغالب بالعنصر الفارسي المغلوب ،هي حركة بدأت في
1
الثاني من القرن األول الهجري . النص
في هذا الحديث ومما ساعد الشعوبيون في علو كعبهم وفي رأيَّ الشلصي أوافق الدكتور شوقي ضي
علي العرب والتطاول عليهم بيئة العراق ومجاورتها للشعوب األجنبية.
إنَّ لفظ الشعوبية مأخوذ من الشُّعوب :جمع شعب ،وهو جيل الناس ,وهو أوسع من القبيلة وأشمل .قال
:الزبير بن بكار الشَّعب "ثم القبيلة ،ثم العمارة ،ثم البطن ،ثم الفلذ ثم ،الفصيلة" ،.وعلى هذا فالعرب
،والروم شعب والفرس شعب وهكذا وقد ذهب قوم إلى أنها مأخوذة من الشعوب في قوله تعالي ):يأيها
الناس إنَّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا )....إنَّ المراد بالشعوب بطون العجم ،
وبالقبائل قبائل العرب وهو تفسير في نظرنا غير صحيح ،وأوضح دليل على ذلك أن العرب لم تكن تفهمه
حين نزلت اآلية فقد نقل الينا الطبري آراء كثير من الصحابة والتابعين في تفسير اآلية كلها تدور حول أن
المراد بالشعوب النسب البعيد او البطون ،والقبائل دون ذلك ،والذي يظهر أن تفسير الشعوب بالعجم
والقبائل بالعرب تفسير شعوبي وضعه أعجمي ،واستطرد منه إلى القول بأنَّ العجم أفضل من العرب ،
2
ألن اهلل قدمهم في الذكر .
َّ
قال ابن قتيبة :بلغني أنَّ رجالً من العجم احتج بقول اهلل عز وجل :يأيها الناس – اآلية وقال :الشعوب
من العجم والقبائل من العرب والمقدم أفضل من المؤخر قد كنت أرى أهل التسوية يحتجون بهذه اآلية
،وقد غلطوا من وجهين :أحداهما إنَّ تقديم الذكر ال يوجب تقديم الفضل قال جل شأنه (يا معشر الجن
)3.
واإلنس
فقدم الجَّن علي اإلنس ،واإلنس أفضل من الجَّن والوجه اآلخر :إنَّ العجم ليست بالشَّعب أولى من العرب
وكل قوم كثروا ،وأن شعبوا فقد صاروا شعوباً .ومن الجائز أن يكون اسم الشعوبية مأخوذ من الشعوب بعد
أن فسرت اآلية بهذا التفسير ولكنه يكون مرتكزاً على أساس خطأ ،واألرجح أنَّ اسم الشعوبية لم يستلدم
4
إال في العصر العباسي .
1
عطوان حسين – الزندقة والشعوبية في العصر العباسي – ج 1دار الجيل بيروت
2
أمين أحمد ضحى اإلسالم ج 1مكتبة األسرة بيروت ط1997 2م ص73
3
سورة الرحمن اآلية ()33
4
أمين أحمد ضحى اإلسالم –ج -1ط 2مكتبة األسرة بيروت ص 73
15
كان أبو عمرو ضرار بن عمرو كوفياً معتزالً وكان من بني غطفان يرى رأي الشعوبية ،محال أن
يكون عربي شعوبياً ،ومات وهو ابن سبعين سنة ،وقيل لشريح القاضي :أيهما أبطيب اللوزينق ،أو
1
الجوزينق ؟ فقال ال أحكم عن غائب .
إن هذه النزعة التي تحاول مساواة العرب أو تحقيرهم لم تتلذ شكالً قوياً واضحاً يصح أن يطلق علي
َّ
معتنقيه اسم الشعوبية إال في العصر العباسي أما قبل ذلك فقد كانت نزعة خفية ال تستطيع الظهور ،وإذا
ظهرت أخمدت والحاجة إلى االسم إنما تكون بعد أن يتلذ المبدأ شكل عقيدة عامة أو حزباً الثاني :إنَّا لم
نر من أبطلق هذا االسم علي هذه النزعة في العصر األموي نعم إنَّ األصفهاني في األغاني قال :إنَّ
إسماعيل بن يسار كان شعوبياً ولكن من الواضح أنَّ األصفهاني وهو قد عاب إسماعيل باالسم الذي
يستحقه لما رفع شأن العجم ،وتغنى بشعره في ذلك أمام هشام بن عبد الملك وليس المعنى أنَّ إسماعيل بن
يسار عرف بذلك االسم في عصره ،وذلك كما عدوا سلمان الفارسي متصوفاً مع أن قائالً لم يقل بأنَّ اسم
الصوفية عرف على عهد سلمان وكذلك روى عن مسروق (:أنَّ رجالً من الشعوب أسلم فكانت تؤخذ منه
2
أال تؤخذ منه ).
الجزية فأمر عمر َّ
ومسروق تابعي كان في العصر األموي ،وقد فسر ابن األثير الشعوب في هذا القول بالعجم قال في اللسان
(:يجوز أن يكون جمع الشعوبي –وهو الذي يصغَّر شأن العرب –كقولهم اليهود ،والمجوس ،في جمع
اليهودي والمجوسي ) ،ونحن نستبعد التفسير الثاني ألنَّه صادر عن المتأخرين ،وقد فسروه بما عرفوه بعد
عصر مسروق ،والذي نراه أنَّ مسروقاً أراد أن رجالً من الشعوب األخرى غير العرب أسلم ،وإذن ال
يكون في ذلك دليل .وقد يستأنس –على ما نقول بأنًّ أكثر أسماء المذاهب التي وضعت في صدر الدولة
األموية لم تكن فيها النسبة كاللوارج ،والشيعة ،والمرجئة والمعتزلة ،ولم تعرف هذه النسبة إال في آخر
العهد األموي ،أو صدر العصر العباسي كالجهمية ،والقدرية ،واللرمية ،والشعوبية ،وأقدم ما وصلنا
3
من الكتب التي استعملت لفظ الشعوبية كتاب "البيان والتبيين" .للجاحظ
ونجح العباسيون في إنشاء دولتهم ،واستلدموا الموالي ،واستعملوهم في المراكز المهمة ،وأسندوا إلى
بعضهم مسؤولية الحكم ،وأبطلقوا لهم العنان ،وأحسوا بذواتهم ،وتسلطت عليهم النزعة ،القومية فقويت
4
حركة الشعوبية بينهم ،وتصاعد خطرها عليهم .
1
ابن عبد ربه – العقد الفريد ج 3ص53
2
أمين أحمد – ضحى اإلسالم ج1مكتبة األسرة بيروت ص74
3
أمين أحمد – المرجع السابق ج– 1ص74
4
عطوان حسين -المرجع السابق – دار الجيل بيروت ص149
16
المطلب الثاني مظاهر الشعوبية
أما في مظاهر الشعوبية كان هنالك مضمار افتلار بين الشعوب قدم النعمان بن المنذر على كسرى
وعنده وفود الهند والروم والصين فذكروا ملوكهم وبالدهم بما ذكروا ،.فافتلر النعمان بالعرب ،وفضلهم
على جميع األمم ،ولم يستثن فارساً وال غيرها فقال :كسرى وقد أخذته عزة الملك يا نعمان لقد فكرت في
أمر العرب وغيرهم من األمم ونظرت في حال من يقدم علي من وفود األمم ،فوجدت للروم حظاً في
اجتماع ألفتها ،وعظم سلطانها ،وكثرة مدائنها ،ووثيق بنيانها ،وأنَّ لهم ديناً بين حاللها ،وحرامها ويرد
سفيهها ،ويقوِّم جاهلها ،ورأيت للهند نحواً من ذلك في حكمتها ،وبطبعها مع كثرة أنهار بالدها ،وثمارها
1
،وعجيب صناعتها ،وبطيب أشجارها ،ودقيق حسابها ،وكثرة عددها .
،وكذلك الصين في اجتماعها ،وكثرة صناعات أيديها ،وفروسيتها ،وهمتها في آلة الحرب ،وصناعة
والثمار الحديد ،و أنَّ لها ملكاً يجمعها ،وترك على ما بهم من سوء الحال في المعاش وقلة الري
والحصون وهاهم رأس عمارة الدنيا من المساكن والمالبس لهم ملوك تضم قواصيهم ،وتدبر أُمرهم ،ولم
أرَ في العرب شيئا من خصال اللير في أمر دين وال دنيا وال حزم وال قوة مع أنَّ ما يدل علي مهانتها
وذلتها وصغر همتها محلتهم التي هم بها من الوحوش النافرة والطير الحائرة يقتلون أوالدهم من الفاقة ،
ويأكل بعضهم بعضاً من الحاجة فقد خرجوا من مطاعم الدنيا ومالبسها ومشاربها ولهوها ولذاتها فأفضل
بطعام ظفر به ناعمهم لحوم اإلبل التي تعافها كثير من السباع لثقلها وسوء بطعمها وإن قرى أحدهم ضيفاً
عدها مكرمة وإنَّ أبطعم أكلة عدها غنيمة تنطق بذلك أشعارهم ،وتفتلر بذلك رجالهم ما خال من هذه
2
التنوخية التي أسس ،جد اجتماعها وشد مملكتها من عدوها فجرى لها ذلك إلي يومنا هذا
ذهبت فرقة من الناس إلى أنَّ ال فضل بجنس العرب علي جنس العجم ،وهؤالء يسمون الشعوبية
النتصارهم للشعوب التي هي مغايرة للقبائل كما قيل القبائل للعرب ،والشعوب للعجم ،ومن الناس من
3
يفضَّل بعض أنواع العجم علي العرب .
وأما العرب في حكمة ألسنتهم فإنَّ اهلل تعالي أعطاهم في أشعارهم ورونق كالمهم ،وحسنه ورنة قوافيه
مع معرفتهم باألشياء ،وضربهم لألمثال وابالغهم في صفات ما ليس في ألسنة األجناس ،ثم خيلهم أفضل
1
األلوسي البغدادي محمود شكري – بلوغ األرب في معرفة أحوال العرب ج 1دارالكتب العلمية بيروت ط1314 1ه ص147
2
األلوسي البغدادي محمود شكري – المصدر السابق – ج 1ط 1ص148
3
ابن تيمية – اقتضاء الصراط المستقيم ج 1تحقيق محمد حامد الفقهي – مطبعة السنه المحمدية القاهرة ط 2ص149
17
النساء ،ولباسهم أفضل اللباس ،ومعادنهم الذهب ،والفضة ،وحجارة جبالهم الجزع الليل ،ونساؤهم أعط
1
،ومطاياهم التي ال يبلغ علي مثلها سفن ،وال يقطع بمثلها بلد قفر.
،وأما دينها وشريعتها ،فإنهم متمسكون به حتى يبلغ أحدهم من تمسكه بدينه أنَّ لهم أشهراً حرماً ،وبلدًا
محرماً ،وبيتاً محبوباً ينسكون فيه مناسكهم ،ويذبحون فيه ذبائحهم ،فيلقى الرجل قاتل أبيه ،وأخيه ،وهو
قادر على أخذ ثأره وإدراك غمته منه فيعجزه كرمه ،ويمنعه دينه عن تناوله بأذى ،وأما وفاؤها فإنَّ أحدهم
يلحظ اللحظة ،ويؤمي اإليماءْ فهي عقدة ،ولت ،و ال يحلها خروج نفسه ،وإنَّ أحدهم يدفع عوداً من
األرض فيكون رهن اً بدينه فال يغلق رهنه وال تلفر ذمته ،وإنَّ أحدهم ليبلغه رجل استجار به وعسى أن
يكون نائياً عن داره فيصاب فال يرقى ،حتى يفنى تلك القبيلة أو تفنى قبيلته لما أخفر من جواره ،وإن يلجأ
إليهم المجرم المحدث من غير معرفة وال قرابة فتكون نفوسهم دون نفسه وأموالهم دون ،ماله أما قولك :
أيها الملك يُئدون أوالدهم فإنَّ ما يفعله من يفعله منهم باإلناث أنفة من العار ،وغيرة من األزواج ،أما
قولك :أفضل بطعامهم لحوم اإلبل على ما وصفت منها فما تركوا ما دونها إال احتقاراً لها فعملوا إلى أجلها
وأفضلها ،وأرقها ألبانًا ،وأقلها قائلة ،وأحالها مضغًا 2.
ذكر بن عبد ربه في العقد الفريد أن العرب كانوا يقولون ال يقطع الصالة إال ثالثة حمار ،أو كلب أو
مولى ،وكانوا ال يكنون المولى وال يمشون معه في الص ، ،وال ويؤاكلونه بل فإذا أشركوه في الطعام
خصصوا له مكاناَ ليعرف أنه مولى ،وكانت األمة ال تلطب من أبيها ،وأخيها ،وإنما من موالها ،كانت
3
العرب في الحرب يركبون الليل والموالي يسيرون علي أقدامهم
1
األلوسي البغدادي محمود شكري -بلوغ األرب في معرفة أحوال العرب ج 1ط 1دار الكتب العلمية بيروت ص14
2
األلوسي البغدادي محمود شكري -المرجع السابق ج 1ط 1ص15
3
محمد نبيه حجاب – مظاهر الشعوبية -ج 1دار المعارف مصر ص51
18
المطلب الثالث :الذين ردوا على الشعوبية
قال ابن :قتيبة :أما أهل التسوية فإن منهم قوماً أخذوا ظاهر بعض الكتاب والحديث فقضوا به ،ولم
يفتشوا عن معناه ،فذهبوا إلى قولة تعالى ) يأيها الناس إنَّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل
1
لتعارفوا )....
وقوله (إنَّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم( إلى قول النبي صلى اهلل عليه وسلم في خطبته في
حجة الوداع :أيّها الناس إنَّ اهلل قد أذهب عنكم نلوة الجاهلية وتفاخرها باآلباء ليس لعربي علي عجمي
فلر إال بالتقوى كلكم آلدم وآدم خلق من تراب .وقوله :المؤمنون تتكافا دماؤهم ،ويسعى بذمتهم أدناهم
،وهم يد علي من سواهم .وإنَّما المعنى في هذا أنَّ الناس كلهم مؤمنون سواء في بطريق األحكام والمنزلة
2
من عند اهلل عز وجل والدار االخرة ) .
،وال لو كان الناس كلهم سواء في أمور الدنيا ليس ألحد فضل إال بأمر اآلخرة لم يكن في الدنيا شري
مشروف ،وال فاضل ،وال مفضول فما معنى قوله صلى اهلل عليه وسلم (إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه
)وقوله (:أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم ) في قوله في قيس بن عاصم هذا ( سيد الوبر ) وكانت العرب
تقول :ال يزال الناس بلير ما تباينوا فإذا تساووا هلكوا تقول :ال يزالون بلير ما كان فيهم أشراف ،وأخيار
يستوى فإذا جملوا كلهم جمله واحدة هلكوا ،وإذا ذمت العرب قوما فقالو :سواسية أسنان الحمار .وكي
الناس في فضلهم والرجل الواحد ال تستوي في نفسه أعضاؤه وال تتكافا مفاصله ولكن لبعضها الفضل
على بعض وللرأس الفضل على جميع البدن بالعقل والحواس اللمس وقالوا :القلب أمير الجسد ومن
3
االعضاء خادمة ومنها ملدومة .
1
سورة الحجرات اآلية - 13الحجرات اآلية 10
2
ابن عبد ربه األندلسي العقد الفريد ج 3دار الكتب العلمية بيروت ط 1تحقيق عبد الحميد الترحيني 1983م 356
3ا بن عبد ربه األندلسي المصدر السابق ج 3ص 356
19
قال ابن قتيبة :ومن أعظم ما أدعت الشعوبية فلرهم على العرب بآدم عليه السالم ،وبقول النبي
1
عليه الصالة السالم (:ال تفضلوني علي يونس بن متى ).
ثم فلرهم باألنبياء أجمعين ،وأنهم من العجم غير أربعة :هود وصالح وإسماعيل ومحمد عليهم الصالة
والسالم .و احتجوا بقول اهلل عز وجل (إنَّ اهلل اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين
2
ذرية بعضها من بعض واهلل سميع عليم )
وال خباء وال عك وهمـــــــدان في بلدة لم تصل عكل بها بطنبا
فما بها من بني الللناء إنسان أرض يبنى بها كسرى مساكنه
فبنو األحرار عندهم العجم وبنو الللناء عندهم العرب ،ألنّهم من ولد هاجر وهى أمة ،وقد غلطوا في هذا
التأويل ،وليس كل أمة يقال لها الللناء إنما الللناء من النتانة النتن أو هو نتن الريح ،ويقال :للن السقاء
إذا تغير ريحه ،فأمّا مثل هاجر التي بطهرها اهلل من كل دنس وارتضاها لللير فراشاً وللطيبين إسماعيل
3
ال عن مسلم أن يسميها للناء ؟.
أمًا ،وجعلها ساللة فهل يجوز لملحد فض ً
ما صارت إليه العجم من مذهب الشعوبية ،ما صار إليه الموالي من الفلر علي العرب ،وقد نجمت من
المو الي ناجمةٌ ،ونبتت منهم نابتة تزعم أنَّ المولى بواليةٍ قد صار عربياً لقوله صلى اهلل عليه وسلم
4
":مولى القوم منهم"
1
ا بن األثير – النهاية غريب األثر – ج 2للجزري تحقيق طاهر أحمد الزاوي – المكتبة العلمية بيروت 1979م ص1203
2
سورة آل عمران اآلية ()33
3
ابن عبد ربه األندلسي – العقد الفريد ج 3ط 1ص357
4
الجاحظ – الرسائل السياسية ج -1دار الهالل بيروت ص88
20
رد الشعوبية على ابن قتيبة
قال :بعض من يرى رأي الشعوبية فيما يرد به على ابن قتيبة في تباين الناس وتفاضلهم والسيد
والمشروف، منهم والمسود ،.إننا نحن ال ننكر تباين الناس وال تفاضلهم وال السيد منهم والمسود والشري
ولكنا نزعم أن تفاضل الناس فيما بينهم ليس بآبائهم وال بأحسابهم ولكنه بأفعالهم وأخالقهم وشرف انفسهم
وبعد هممهم أال ترى أنَّه من كان دنيء الهمة ساقط المروءة لم يشرف ولو كان من بني هاشم في ذؤابتها
من ،ومن أمية في أرومتها ،ومن قيس في أشرف بطن منها ،إنَّما الكريم من كرمت أفعاله والشري
شرفت همته وهو معنى حديث النبي عليه الصالة والسالم (إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه )وفي قوله في قيس
بن عاصم (هذا سيد أهل الوبر )،إنَّما قال فيه لسؤدده في قومه بالذب عن حريمه وبذله رفده :أال ترى أنَّ
عامر بن الطفيل كان في أشرف بطن قيس يقول :
أبى اهلل أن أسمو بأم وال أب فما سودتني عامر عن وراثــــــة
وقال قيس بن ساعدة :ألقضين بين العرب بقضية لم يقض بها أحد قبلي وال يردها أحد بعدي :أيما رجل
رمى رجله بمالمة دونها كرم فال كرم له
ومثله قول عائشة أم المؤمنين :كل كرم دونه لؤم فاللؤم أولى به ،وكل لؤم دونه كرم فالكرم أولى به
تعني بقولها ،أنَّ االشياء باإلنسان بطبائع نفسه وخصالها فاذا كرمت فال يضره لؤم أوليته وإن لومت فال
1
ينفعه كرم اوليته.
،لما كانت العرب يعتقدون أنَّ تميزهم يرجع في الدرجة األولى إلى بيئتهم ولما كان عصر الترجمة قد
واكب ظهور الشعوبية التي تعيب علي العرب تللفهم في شتى الميادين ،لم يشأ هؤالء العرب أن يقروا
2
بحاجتهم إلى معرفة ما لدى األمم األخرى من أدب .
رد الجاحظ على الشعوبية قلنا :ليس لكم فيما ذكرتم في هذه األشعار دليل على أنَّ العرب ال تقاتل بالليل
وقد يقاتلون بالليل والنهار من تحول دون ماله ،وهول الليل وربما تحاجز الفريقان وأنَّ كل واحد منهما
1
ابن عبد ربه االندلسي العقد الفريد ج 3ط 358 1ص
2
عباس احسان – مالمح يونانية في األدب العربي – ج 1المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت ط1977 1م ص23
21
يرى األخر عياناً بياناً ويرى أن يقاتل إذا لزم األمر في أي وقت ،وهذا كثير والدليل على أنهم كانوا
يقاتلون بالليل قول سعد بن مالك في قتل كعب بن مزيقا الملك الغساني
ويقول :شربوا اللبن الرائب فسكروا منه وهو اللبن الذى قد اخرجت زبدته
شهَقُ
ح َت ْ
ن بَيْنِ الجوانِ ِ
ال َء مِ ْ
جَ بِنَ ْ ن نَجُلْنَا لِابْن مَيْلَاَء نَحْرهُ
وَنَحْ ُ
َدقُ
يَأ ْرمَاحِنَا بالسُّبى مَوتٌ مُح َّ ن نَالَ أَخَاَهُ ُم
ويَوْمَ بَنى الدَّيَّا ِ
2
إيَا ٌد ُيزَجَّيهَا ال ُهمَا ُم مُحَرَّقُ َومِنَّا حُمَا ُة الجيشِ لَ ْيلَةَ أقْبَلَتــــــــــــْ
ظَلمَا
حَتَى إذَا مَا لَ ْيُلهُمُ أ َ بَاتُوا يُصِيب القَوْ ُم ضَيقاً َلهُمْ
ض َرمَا
ق النَّارِ أو أ ْ
حرِي ِ
مِثْل َ َقرَوْهُم شَهْبا ُء َم ْلمُومَـــــــــــة
3
خرَمضا
ك األ ْ
َد َ
ن مَثْوَى خ َّ
َوكَا َ ل مَانَجَـــــا
واهلل لوْلََا َق ْر ُز ٌ
وكان العرب اذا اجتمعوا للحرب استعدوا بالنهار ،وأوقدوا بالليل قال عمرو بن كلثوم ذكره واقعة لهم
4
رَفَدْنَا فَ ْوقَ رَفْدِ الرَّافِديْنَا خزَازَى
ن غَ َداَةَ أوقِ َد في َ
وَنَحْ ُ
1
ديوان سعد بن مالك نقل عن الجاحظ من كتاب البيان والتبيين
2
ديوان المحسنين ج 1ص 59
3
ديوان أوس بن حجر نقل عن الجاحظ من كتاب البيان والتبيين
4
الجاحظ البيان والتبيين ج – 2ط1993 1م تحقيق حسن السندوبي دار إحياء العلوم بيروت لبنان ص 714
22
الركُب كانت قديمة أال أنَّ الركب الحديث لم تكن عند
وأما ذكرهم للركوب فقد أجمعوا على أنَّ ُّ
العرب إال أيام األزارقة ،وكانت العرب ال تعود أنفسها إذا أرادت الركوب ،وأن تضع أرجلها في الركب
،و إنَّما كانت تتزر نزواً ،وقال عمر بن اللطاب رضى اهلل عنه (:ال تلور قوى ما كان صاحبها ينزو
وينزع ) ويقول ال تنتكث قوته مادام ينزع في القوى وينزو في السرج من غير أن يستعين بالركب
وقال عمر :الراحلة عقلة ،وإياكم والسِّمنة فأنَّها عقلةٌ ،ولهذا قتل خالد بن سعيد بن العاص حين غشيه العدو
وأراد الركوب ولم يجد من يحمله ،ولذلك قال :عمر (حين رأى المهاجرين واألنصار قد أخصبو ا وهمَّ
كثير منهم بمقاربة عيش العجم تمردوا واخشوشنوا واقطعوا الركب وأنزوا الليل نزوا) قال :أخفوا
تدع الركاب وانتعلوا فإنكم ال تدرون متى تكون الجفلة .وكانت العرب ال تدع اتلاذ الركاب للرحيل فكي
بد منه كراهة أن يتكلوا علي بعض
للسرج ،ولكنهم كانوا إن اتلذوا الركب فإنَّهم ال يستعملونها إال عندما ال َّ
1
ما يورثهم االسترخاء والتفنخ ويضاهئوا أصحاب الترفة والنعمة .
قال :األصمعي :قال العمري كان عمر بن اللطاب رضى اهلل عنه يأخذ بيده اليمنى أذن فرسه اليسرى ،ثم
يجمع جراميزه ويثب فكأنما خلق على ظهر فرسه ،فعل مثل ذلك الوليد بن يزيد وهو يومئذ ولى عهد هشام
،ثم أقبل على مسلمة بن هشام فقال :أبوك يحسن مثل هذا فقال :مسلمة :ألبي مئة عبد يحسن مثل هذا،
2
فقال :النائ لم ينصفه في الجواب .
يقول إحسان عباس :أسطورة األحساب واألنساب ما عالقة األحساب ،واألنساب يوثبه الشعب علي
ظالميه ؟ أما الشعوبية التي يغيظها ،و يمزقها أن يقول العربي أنه عربي وهم دائما يلصصون الهجوم
3
علي الحجاج هذا البطل الذي أراد يحمي الكوفة من الغزو الفارسي الشعوبي
وزعم رجال مشيلتنا العرب أنَّه لم يقم أحد من ولد العباس بالملك إال وهو جامع ألسباب الفروسية ،وأمَّا
ما ذكروا في شأن رماح العرب فليس األمر في ذلك على ما يتوهمون ،وللرماح بطبقات فمنها النيزك،
ومنها المربوع ،ومنها الملموس ،ومنها التام ،ومنها اللطل وهو الذي يضطرب فى يد صاحبه إلفراط
بطوله ،فإذا أراد الرجل أن يلبر عن شره أسر صاحبه ذكره كما ذكر متمم بن نويرة أخاه مالكا فقال
(:كان يلرج في ليلة الصنبرة عليه الشملة الفلوت بين المزادتين النضوحتين علي الجمل الثفال معتقل
الرمح اللطل) قالوا له وأبيك إن هذا لهو الجاد وال يحمل الرمح اللطل منهم إال الشديد األيد ،المدل
بفضل قوته عليه الذي إذا رآه فارسي في تلك الهيئة هابه وحاد عنه فإن شدَّ عليه كان أشد الستلذائه له
فوته بأن يكون ،والحال األخرى أن يلرج في بطلب بعقب الفارة فربما شد علي الفارسى المولى خي
1
الجاحظ -البيان والتبيين ج 2ط 716 1ص
2
المصدر السابق ج 2ص717
3
عباس إحسان -بدر شاكر الشياب دراسة وحياته وشعرة ج 1دار الثقافة بيروت ط1978- 2م ص102
23
رمحه مربوعاً ،أو ملموساً وعند ذلك يستعملون النيازك ،والنيزك أقصر الرماح ،وإذا كان الفارس
الهارب يفوت الفارس الطالب زجه بالنيزك ،وربما هاب ملالطته فيستعمل الزج دون الطعن صنيع ذؤاب
1
األسدي بعتبة بن الحارث بن شهاب
قال الشاعر
وقال اخر:
لمُوسِ
ن مَ ْ
َومُحَرَّبًا في مَازِ ٍ ض صَــــــارِماً
ح ِملُنِى وَأبْيَ َ
ك تَ ْ
هَاتِي َ
يعلم الناس إنَّ اليونان كان لديهم شعرهم اللاص بهم ،هو الذى يروى أن زوسموس اليوناني سئل كي
الشاعر وهو ليس بشاعر ،فأجاب كالمسن الذي يشحذ وال يقطع ،وحين يبتعد شبح الشعوبية ،يصبح
3
اإلقرار بحظ الشعوب األخرى من الشعر واألدب جملة أمرًا بطبيعيًا
إذا كان ابن قتيبة يرى أن الذين اعت نقوا ا الشعوبية (هم سفلة الناس وغوغاوهم فأنَّنا نؤكد أنهم من
ملتلفة األلوان بداياتهم األول ى حتى تنظيماتهم البابطنية ،وتشكيالتهم السرَّية ،والعلنية يمثلون بطوائ
،والنزعات فمنهم المتعصبون والمسرفون المثاليون ،اللياليون ومنهم البله المغلفون واألغرار المندفعون
والمنفعيون والمتطرفون ومنهم الالدينيون المشككون ومنهم اللونة األفاكون الجائرون ،و حقيقة أخرى
أنَّ الجمعيات البابطنية ،والسرَّية بصفة عامة تكاد تكون في الواقع مؤامرة مطبوعة بالطابع األرستقرابطي
ولهذا نالحظ أنَّ الدعوات أو المذاهب التي ترمي الى أغراض ديمقرابطية ،وإنسانية معاً ال تميل مطلقا
هذه الدعوات التقوم علي إلى األساليب الغامضة أو المناهج السَّرية ،وذلك ما سنراه في دراستنا ملتل
تفصيل وتحليل ولكن يكفى أن نذكر اآلن علي سبيل المثال أنَّ موسوعة إخوان الصفاء الضلمة تؤكد في
عن أقنعتها الناعمة الكاذبة ،ولهذا كان من الشعوبية غموضها هذه الحقيقة التي تفضح نفسها وتكش
1
الجاحظ البيان والتبيين ج 2ص717
2
الجاحظ المصدر السابق ج 2ص 718
النتفنخ *القهر والذل وجراميزه *مجموع بدنه جسد وأعضاء المربوع *ماطوله أربع أزرع الصنبرة الباردة والقسب التمر اليوالفارة جمع فأر
*الهاربون ص718
3
عباس إحسان – مالمح يونانية في األدب العربي ج 1المؤ سسة العربية للدراسات النشر بيروت لبنان ط1977 1م ص26
24
أفراد وبطبقات علي مستويات من الذكاء و هنا أسهم مؤرخون في كل ما من شأنه أن يعين علي خلق
1
ودعم التيارات المنفصلة عن المنهج اإلسالمي في حقول الفكر االسالمية الملتلفة .
لكن أقوى جبهة قامت عليها الشعوبية كانت اليهودية ،والفارسية علي أساس من العنصرية المشتركة بين
دعاوى شعب اهلل الملتار ومزاعم ارستقرابطية الدم الفارسي ،والحقيقة زعم الفرس أنَّهم من ولد إسحاق
ابن إبراهيم عليه السالم أمَّا العرب فهم من ولد إسماعيل ،وإسحاق هو ابن سارة ولهذا فهم أفضل من
2
العرب ألنهم بنو األحرار ،أو بنو شعب اهلل الملتار ،بينما العرب هم بنو الللناء
فإنَّ عامة من ارتاب باإلسالم إنما كان أول ذلك رأي الشعوبية ،والتمادي فيه ،وبطول الجدال المؤدي
إلى القتال ،فإذا أبغض شيئاً أبغض أهله وإن أبغض تلك اللغة أبغض تلك الجزيرة وإذا أبغض تلك الجزيرة
أحبَّ من أبغض تلك الجزيرة ،فال تزال الحاالت تنتقل به حتى ينسلخ من اإلسالم إذا كانت العرب هي التي
3
هم القدوة. جاءت به ،وكانوا السل
1
محمود عبد القادر – الفكر اإلسالم المعارضة في القديم والحديث (د ،ط ) (د ،ت) ص 7
2
محمود عبد القادر – المرجع السابق ص 8
3
الجاحظ – الحيوان – ج -2دار المعارف مصر ص158
25
المبحث الثاني:
المطلب األول حياة بشار بن برد
هو بشار بن برد بن يرجوخ بن أزد كرد بن حسيس بن مهران بن إخشيد شهر داد بن نيوز بن ما
خرشيدا نماذ بن شهريار بن بنداد أدريوس بن يستاسب ،وكان يرجوخ من بطلارستان ،سباه المهلب بن
صفرة ،وجاء به إلى البصرة ،وجعله من قِن (العبد الذي ُمِلكَ هو أبوه ) امراته خيرة القشرية فولد عندها
ابنه برداً ،فلما كب ر برد ،زوجته خيرة ،ووهبته إلمرأة من بني عقيل ،من قيس عيالن ،كانت متصلة بما
،فولدت له امرأته بشاراً فاعتقته العقيلية ألنه وُلد ضريراً .فانتسب إلى بني عقيل بالوالء .ولقب بالمرعث
،وكني بأبي معاذ .
كان يقول الشعر في العاشرة وتلشى الناس لسانه في الثانية عشر ويقول في هجاء اللليفة المهدي
لقد كان بشار فاتكاً حسب تعبيره وجسورا حسب تعبير سلم اللاسر ,لكنه يكن فاتكاً في الحرب وال جسوراً
على الجيوش ،فذلك الشيء هو بعيداً عنه كل البعد ،لكنه كان فاتكاً على أعراض الناس جسوراً علي القول
الجارح البذيء اللادش للحياء مما يستحيون ،وليس العامة ،وهو لذلك قد فتح باباً في الشعر الشرير الذي
يجلد رهق الشباب بسوط ال يرحم ،ويشكك في عفة النساء ويزعزع مقامة الحرائر بأسلوب شيطاني الذي
دفع الملك العباسي المهدي أن يمنعه من هذا اللون من القول بل من الغزل كله ،لقد ولد بشار بن أعمى
وهو يذكر ذلك في شعره ،و يربط بين العمى والذكاء في قوله
َّن مَوئِالَ
ت عجيب الظ َّ
فَجئْ ُ ن ال َعمَى
ت جنيناً وال َذكَاء مِ ْ
عِمي ُ
2
رُويَّ عنه أنه قال الحمد هلل جئت أعمى حتى ال الذين أكرهم .
مر بنا القول أن بشار كان متطرفاً في سلوكه ،وتصرفاته وحبه في كراهيته ،وبطرفه ،وعنفه ،
وعلمه ،وجهله ،وحكمته ،وشيلوخته ،وتهتكه ،وغالظته ،وفكاهته ،بل يمكن أن ينطبق ذلك ايضاً
1
ناصر مهدي محمد – ديوان بشار بن برد – دار الكتب العلمية بيروت ص 3
2
الشكعة مصطفى – رحلة الشعر من األموية إلى العباسية – الدار المصرية اللبنانية القاهرة ط1997 1م ص586
26
على زندقته ،وإيمانه أن كل صفه من هذه الصفات لها صدى بل اصداء في أقواله وأفعاله بل يمكن أن
نضي ايضاً أنه كان متطرفاً في بناء شعره وصوغه ،فبينما نجد القصيدة الغراء الفريدة نجد أمامها
القصيدة القبيحة القميئة ولكن األمر الذي ال شك فيه بشار شاعرا كبيرا فرض نفسه علي دنيا الشعر
واألدب بالكثير الجيد القدير من قوله قد كان يذهب إلى أنه كان خطيباً شاعراً سجاعاً صاحب منثور
مزدوج والحق أن لدينا من النصوص ما يشهد بصدق القيرواني وبشار باإلضافة كان شعوبياً يفتلر
بفارسيته ويتيه بها ،ثم ال يلبث أن يعتز بوالئه للعرب ،وبقيس بالذات التي منها عُقيل مواليه ،ولبشار
غزل فاسق في بعض شعره وهو في نفس الوقت في مرتبة عليا من الحكمة في نطاق القول وهو فاسد
1
العقيدة ،زنديق ،دهري ،ثنوي.
ويعتبر بشار بن برد من اللطباء األمصار ،وشعرائهم والمولَّدين ،وكنيته أبو معاذ ،وكان من أحد
موالي بني عقيل وكان مولي أم الظَّباء على ما يقول بني سدوس ،وعلى ما ذكره حماد عجرد ،فهو من
موالي بني سدوس ويقال إنه من أهل خراسان نازالً في بني عقيل ،وله مديح كثير في فرسان أهل
خراسان ورجاالتهم إذ يقول
وكان شاعراً راجزاً ،وسجاعاً خطيباً ،وصاحب منثور مزدوج وله رسائل معروفة ،وأنشد عقبة بن رؤبة
،رجزاً يمتدحه به وبشار حاضر فأظهر بشار استحسان األرجوزة ،فقال له عقبة هذا بطراز يا أبا معاذ ال
سلْمِ
تحسنهُ فقال :ألمثلي يقال هذا الكالم ؟ أنا واهلل أرجز منك ومن ابيك ومن جَدّك ،ثم قرأ علي عقبة بن َ
بأرجوزته التي أولها :
2
ت َبعْدي
باهلل خَبًر كَ َي َ كُنْ َ الصمْدِ
ت َّالحي بذا ِ
َّ ل
بطَل َ
يا َ
كان شاعراً مجيداً مفلقاً ،ظريفاً محسناً ،خدم الملوك وحضر مجالس الللفاء ،وأخذ فوائدهم ،وكان
يمدح المهدي ويحضر مجلسه ،وكان يأنس به ويدنيه ،ويجزل في العطايا ،وكان صاحب صوت حسن ،
ومنادمة وكان حضر المهدي في مجلسه مع جواريه بعث اليه ألجل المسامرة ،والمحادثة ،وكان بشار
يُعد من اللطباء ،والبلغاء ،والفصحاء ،وله قصائد وأشعار كثيرة فوشى به بعض من يبغضه إلى
المهدي ،بأنه يدين بدين اللوارج فقتله المهدي وقيل للمهدي أنه يهجوك فقتله والذي صَح من األخبار في
3
قتل بشار أنه كان يمدح المهدي والمهدي ينعم عليه فرمي بالزندقة فقتله سنة 168ه.
1
الشكعة مصطفي –رحلة الشعر من األموية الي العباسية – ص586
2
الجاحظ –البيان والتبيين ج 1ص15
3
ابن المعتز –طبقات الشعراء ج 1تحقيق عبدالستار أحمد دار المعارف القاهرة 1976م ص 50
27
نشأ بشار بن برد أعمى ،زعم ا بن األعرابي أن العرب تسمي الغراب األعور ألنه يغمض أحدى عينيه ،
ويقتصر على النظر بإحداهما من قوة بصره ،إنما سموه أعور لحدة بصره علي بطريق التفاؤل قال بشار
بن برد:
كما ظلم الناس الغراب بأعورا وقد ظلموه حين سموه سيداً
وقد تقدم عن ابن الهيثم أن الغراب يبصر من تحت األرض بقدر منقاره ،وقالوا أخيل من الغراب أو
أزهى ،وأبكر فإنه أشد من الطير بكوراً ،وقالوا :
أبطأ من غراب نوح ،وذلك أن نوحاً عليه السالم أرسله لينظر هل غرقت البالد ويأتيه باللبر ،فدعا عليه
فعقلت رجاله وخاف من الناس وقالوا :كأنهم كانوا غراباً واقعاً فيما ينقضي سريعاً فإن الغراب ،إذا وقع
ال يلبث أن يطير ،وقالوا الغراب أعرف بالتمر وذلك أن الغراب ال يأخذ إال األجود منه ،ولذلك يقال أجود
تمرة إذا وجدت شيئاً نفيساً وفي تقديري أن بشار يعير بجاحظ العينين ،ولكنه صاحب خيال رائع جدًا
1
وصاحب لسان أحد من المهند ،يجيد الهجاء بصورٍ الفته للنظر وكذلك المدح وغيره .
إ ن بشار بن بُرد أصله من بطلارستان من سبي المهلب بن صفره ،وهي ناهية كبيرة مشتملة علي بلدان
علي نهر جيحو ن وما وراء ،وكنيته أبو معاذ ولقبه المرعث ،وهو الذي في أُذنه رعاث ،جمع رعثة ،
وهي القربطة ،ولُقِّبَ بها ألنها كانت في صغره معلقه في أذنه ،وهو عقيليَّ بالوالء نسبه إلى عقيل بن
كعب بالتصغير وهي قبيلة ،وقيل :أنه ولد علي الرقّ وأيضاً وأعتقته امرأة عقيليَّة ،ولد أكمه جاحظ
الحدقتين وقد تغشاهما لحم أحمر ،وكان ضلمًا عظيم اللُلق والوجه مجدَّراً ،وهو في أول مرتبة المحدَّثين
من الشعراء المجيدين ،وقد نشأ بالبصرة ،ثم قدم بغداد ومدح المهدي بن المنصور العباسي ،رمي عنده
بالزندقة رُوي عنه كان يفضل النار علي األرض ،ويصوًّب رأي ابليس في امتناعه السجود آلدم عليه
السالم ونسب إليه قوله
2
والنار معبودة منذ كانت النار األرض مظلم ًة والنار مشرقة
فقد حدثنا الحسن بن سهل :اآلداب عشرة فثالثة شهرجانية ،وثالثة أنوشروانية وثالثة عربية ،و وأرْبَتْ
عليهن واحدة الشهرجانية ،ضرب العود ،لعب الشطرنج ،ولعب الصوَّالج ،وأما األنوشروانية ،الطب
،الهندسة ،الفروسية وأما العربية فالشعر والنسب ،وأيام الناس وأما الواحدة التي أرْبَتْ عليهن ،
1
ص39 الدميري -حياة الحيوان الكبرى –ج 2ج1تحقيق إبراهيم صالح دار البشائر دمشق 2005م
2
البغدادي عبد القادر – خزانة االدب – ج1تحقيق عبد السالم محمد مكتبة الخانجي ص385
28
فمقطعات الحديث ،والسمر ،وما يتلقاه الناس بينهم في المجالس فحضر بشار بن برد فقال :ال تجعلوا
1
مجلسنا غنا ًء كله ،وال شعرًا كله ،وال سمرًا كله ،ولكن انتهبوه انتهاباً .
أمامه رجل من الشطار ،وبشار ينشد فقال :أستر شعرك كما تستر عورتك ! رُويَّ عن بشار أنه وق
فصفق بشار بيديه وغضب وقال :من أنت ويلك ؟ فقال :أنا رجل من بأهله ،أخوالي سلول ،وأصهاري
عكل ،واسم أبي قرد ،ومولدي بأضاح ،منزلي بنهر بالل فضحك بشار ،وقال :أذهب ،ويحك ،فأنت
2
عتيق لؤمك ،وقد علم اهلل أنك استترت مني بحصون من حديد.
كان أبو معاذ مرحاً جداً قيل كانت بشار جالساً في دار المهدي ‘والناس يتنظرون اإلذن للدخول فقال
،عندما حضر قال :ما عندكم في قول اهلل عز وجل (وأوحى ربك بعض موالي المهد ي ،وهو ابن بطري
3
إلى النحل أن أتلذ ي من الجبال بيوتاً) .
فقال له بشار :النحل الذي يعرفه الناس ،قال :هيهات يا أبا معاذ! ،النحل بنو هاشم (يلرج من بطونها
ألوانه فيه شفاء للناس )يعنى العلم ،فقال له بشار :أراني اهلل شرابك ،وبطعامك ما يلرج شراب ملتل
من بطون بني هاشم فقد أوسعتنا غثاثة فغضب وشتم بشار ،بلغ المهدي اللبر فدعاهما فسألهما عن القصة
4
فحدثة بشار فضحك حتى أمسك علي بطنه .
يعتبر بشار بن برد من أول المحدثين ،آخر الملضرمين ،ممن لحق الدولتين األموية ،والعباسية عاشق
ويقوى سمع ،وشاعر جمع ،وشعر من ينفق عند الحجال ،عند فحول ،الرجال ،فهو يلين حتى يستضع
5
وقد بطال عمره ،وكثر شعره ،بطما بحره ،ونقب في البالد ذكره. حتى يستنك
قيل دخل المهدي أيام خالفته علي جماعة من جواريه وهن مجتمعات في حجرة بعضهن ،فجلس
عندهن يشرب ،فقلنَّ :لو أذنت لبشار في الدخول علينا لنسامره ونحادثه ،وكان من أحسن الناس حديثاً،
وأظرفهم مجلساً ،وأكثرهم مرحاً فأمر به فأحضر ،واجتمعن عليه ،وجعل يسرد عليهنَّ من نوادره ومرحه
وينشدهنَّ عيون شعره ،فسررن بذلك سروراً ،شديداً ،وقلنَ له :يا بشار ليتك أبونا فال نفارقك أبداً قال :
6
نعم وأنا على دين كسرى فضحك منه المهدي وأمر له بجائزة.
1
الحصري – زهر اآلداب وثمر األلباب –ج1دار الجيل بيروت ص64
2
البطليوسي – الحلل في شرح الجمل -ج 1تحقيق يحيى مراد دار الكتب العلمية 2001م ص24
3
سورة النحل اآلية () 69، 68
4
ابن حمدون – التذكرة الحمدونية –ج 1تحقيق احسان عباس دار الصادر بيروت ص367
5
القيرواني -رسائل اإلنتقاد ج 1دار األندلس الجديدة للطباعة والنشر ص3
6
ابن المعتز طبقات الشعراء ج 1دار العارف القاهرة ص4
29
المطلب الثاني وفاته
أن أجمع الرواة أنه مات مقتوالً بأمر من اللليفة المهدي حيث رماه الذندقة ،وحمله اللبر أن المهدي
حقن علي بشار لهجائه له ،و أخفى له في صدره كرهاً عظيماً ،وحين زار المهدي البصرة متفقداً أحوالها
،وصل إلى البطائح ،ومرّ بار بشار وكان أبو معاذ علي سطح بيته سكراناً ،فعلم بحضور المهدي ،وخاف
أنْ يراه علي حاله من السُكر فراح يؤذن فقال المهدي :من هذا الذي يؤذن ؟ في غير الوقت فقالوا :بشار
قال عليَّ به وحين مثل بين يديه قال :يا ذ نديق هذا من بذائك تؤذن غير الوقت ثكلتك أمك ثم أمر بصاحب
1
الزنادقة وهو ابن نهيك وقيل هو محمد بن عيسى بن حمدويه فأخرجه معه في زورق .
وأمر الجالدين أن يضربوه مبرحاً ،وجعل بشار كلما وقع عليه صوت حَسْ وهي كلمة تقولها العرب عند
األلم ،جلد سبعين سوبطاً حتى مات ألقى من علي السفينة فحمله الموج إلى شابطي البصرة ،فحمله أهله
2
ودفنوه في عام 168ه
وقال آخر :عندما سمع المهدي بأن بشار قد هجاه فاغتاظ المهدي ،وانحدر إلى البصرة لينظر في أمرها
،فسمع آذان في ضحى النهار فقال :انظروا ما هذا؟ ،وإذا به وهو بشار بن برد ،وهو سكران ،فقال له :يا
زنديق عجب أنْ يكون هذا من غيرك ،ثم أمر به ،فضرب سبعين سوبطاً حتى أتلفه بها ،ألقي في السفينة
3
.
1
ناصر الدين محمد مهدي– ديوان بشار بن برد ج 1دار الكتب العلمية بيروت ط 1ص3
2
المرجع السابق ج 1ص4
3
األبشيهي – المستطرف في كل مستطرف ج 1دار مكتبة للطباعة والنشر بيروت ص 246
30
الفصل الثاني
أصل الفكر الشعوبي ومطاعن الشعوبية
31
المبحث األول
أصل الفكر الشعوبي
معروف أنَّ جمهور الفرس قبل اإلسالم كانوا مجوساً زرادشتية الدين الذي ظهر في ديارهم حوالي
القرن السابع قبل الميالد وما وضعه لهم من تعاليم ضمُّنها كتابه (األفستا ) وفيه زعم أن للعالم منتص
إلهين هما (أهورا مزد) إله النور خالق كل خير ،و (أهرمن) إله الظلمة خالق كل شر ،وأن وراء الحياة
الدنيا حياة أخرى يكون فيها حساب الشلص على أعماله فأما النعيم وإما الجحيم وأنَّ النار مقدسة بطاهرة
مما جعل اإليرانيين يقيمون لها المعابد في كل مكان ،وظهر عندهم في القرن الثالث الميالدي داعٍ يسمى
ماني مزج في تعاليمه بين الزرادشتية والبوذية والنصرانية فأبقى من األولى إله والنور والظلمة
واستباحة الزواج بالبنات واألخوات وأخذ من الثانية عقيدة التناسخ ،وتحريم ذبح الحيوان و ،الطيور وأخذ
من الثالثة الزهد والنُّسك ،وفرض علي أصحابه صلوات وأدعية كثيرة في أواخر القرن اللامس للميالد
1
ظهر في ايران داع جديد هو مزدك وكان ثنويًا يؤمن باله النور والظلمة وتقديس النار.
وقد مضى يدعو دعوة صارخة إلى العكوف علي اللذات والشهوات واإلمعان فيها ،وأحل النساء وأباح
األموال وجعلها شركة للناس ،وكان له ما كان من األتباع الكثيرين ،وقد عامل اإلسالم المسلمين
والمجوس معاملة أهل الكتب السماوية ،وبذلك صارت المجوسية حية قوية حتى العصر العباسي ومر بنا
ما كان من ثورات سنباذ ،واللرمية في خراسان ،وبطبرستان وهي ثورات كانت تستوحي هذه الملل
المجوسية 2.
وقيل أنَّ أول من قدم من دعاة بني العباس سنة تسعمائة بعثه محمد اإلمام علي بن عبد اهلل بن العباس بن
3
المطلب
تجدر اإلشارة إلى أن بيئة العراق قد عرفت بدور اللهو والمجون منذ العصر الجاهلي ،لقد كانت
الحيرة التي قامت الكوفة بالقرب منها تزخر بالحانات واألديرة وفنون اللهو والعبث ،وظل هذا شأنها حتى
العصر األموي ،بل أن الكوفة تعد الوارثة لها في هذا الجانب ،وإذا كان األمر كذلك كان من الطبيعي أن
ينعكس ذلك بوضوح ال علي حياة الناس بل علي حياة الشعراء وأن يظل اللهو في اضطراد مستمر حتى
1
ضيف شوقي تاريخ األدب العربي ج 3دار المعارف مصر ص80
2
ضيف شوقي المرجع السابق ص 81
3
ابن العبري – تاريخ مختصر الدول ط 1دار الكتب العلمية بيروت 1997م ص104
32
إذا ما بلغ أوائل العصر العباسي وجدناه يشكل ظاهرة كبرى اختلطت بالزندقة فأثرت تأثيراً كبيراً في
المجتمع اإلسالمي ولوَّنت أخالقياته بصنوف من العلل واالعوجاج .ولو تتبعنا الشعراء في هذا الطور من
خالل هذا الموضوع وجدنا جماعة من الشعراء يتجهون هذا االتجاه الجديد في الشعر ،غير أنَّ أشهرهم
في إقليم العراق كان األقيشر المغيرة بن عبد اهلل وفي الشام كان اللليفة بن يزيد ،وفي إقليم خراسان
وفارس كان قالب بن عبد القدوس المعروف بأبي هندي .فأما األقيشر فقد وصفه أبو الفرج بأنَّه كان خليعاً
ماجناً مدمناً شرب اللمر ،وكان قليل االهتمام باالتصال بالللفاء واألمراء ،إذ كان كل همه أن يحقق
نفسه رغبت ه في الشراب ،فإذا وجد ذلك هنيئاً بمدحه أحد زعماء القبائل في الكوفة اكتفى بذلك ،لم يكل
تدبيج القصائد وااللتجاء بها إلى اللالفة ،ومن العجب أنَّ يصدر هذا من شاعر مسلم ،واإلسالم ما زال
في قرنه األول ،ثم كان األقيشر ال يتورع عن اللمر وصفها بالتحدث عن ضياع ماله فيها يقول :
1
ب *** قرع القواميز أفواه األباريق
أفنى تالدي وما جمعت من نش ٍ
فأما اللهو والمجون فقد وجد بسبب عوامل ملتلفة تضافرت علي اإلظهار في هذا الطور ،من ثم اتضح
تأثيره في بعض الشعراء الذين عرفوا به أو وقفوا شعرهم عليه ،وأهم هذه العوامل يتمثل في حياة الترف
التي عاشها قطاع كبير من األثرياء في هذا العصر ،وقد أدت حياة الترف هذه الى شيوع ظاهرة شرب
اللمر خاصة في مجتمع العراق وخراسان ،فاللمر في هذين اإلقليمين كان لها دور ال يلفى في حياة
الناس والشعراء وربما يرجع ذلك إلى أنَّ أهل العراق كانوا يحللون نوع من الشراب وهو النبيذ الذي
يسمى عند أهل الكوفة (نهر بطالوت ) استناداً إلى أكاد أجزم أنه موضوع ،وبناء علي هذا لم يكن هنالك
رجل يعيش بينهم وال يشرب النبيذ قال" :ابن عبد ربه عن رواته لم يكن أحدًا من الكوفيين يحرمه غير عبد
األمر عند نهر بطالوت هذا بل تعداه إلى أنواع اللمر ،وإلى اهلل بن ادريس ،وكان بذلك معيباً " لم يق
المجاهرة بها واإلدالل على شرابها في الشعر وقد ساعد على انتشار ظاهرة اللمر وجدوا دور الغناء
واللهو التي زخرت بها مدينة الكوفة وغيرها من الموابطن البعيدة عن األرض التي نشأ فيها اإلسالم ،ففي
الكوفة كانت هنالك دار عبد اهلل بن هالل وكانت له مغنيتان رائعتان ذكروا أن عمر بن أبي ربيعة قدم من
الحجاز من أجل أن يسمع إليهما كانت هنالك دور الغناء ووجد أيضاً هنالك دور للقَيان نتيجة لتجارة الرقيق
2
التي ظلت رائجة بطوال هذين القرنين األول ،والثاني للهجرة.
كما يعدُّ الفكر الشعوبي هو المرآ ة الحقيقية التي تعكس اللالف بين العرب و الشيعة هم الذين تشيعوا لعلي
وولوه وفضلوه على باقي الصحابة ورأوه أحق باللالفة من غيره ،وهذا ما يجمع عليه الشيعة بكل فرقهم
،وما ال يلتلفون فيه بل أظنه هو الذي يميزهم عن سواهم من المسلمين الذين يلتلفون في فضل على في
1
علي محمد عثمان – آداب اإلسالم في عهد النبوة والراشدين وبني امية ط 2دار االوزاعي ,بيروت ,لبنان –1986ص (.)538
2
المرجع السابق
33
كونه أفضل الصحابة ،لكنهم ال يرون ما يراه الشيعة في موضوع اللالفة فتفضيل علي والقول بانه احق
1
الصحابة باللالفة اذن هو األصل الذي تجتمع عليه فرق الشيعة.
و من الظواهر االجتماعية الواضحة في العصر العباسي كثرة الجواري وانتشارهن انتشاراً واسعاً
نتيجة كثرة الفتوحات العربية آنذاك من سبي الحروب ،وهنَّ بالتالي حق للفاتحين إذ يصرن ملك يمين لهم
وقد زاد في انتشارهن اشتغال النلاسين بتجارتهن فكانت لهنٌ أسواق خاصة بهن كسوق الرقيق في بغداد
،وقد كنَّ من جنسيات ملتلفة ،الروميات والفارسيات والتركيات والزنجيات ،قد كان كثير منهنَ يتمتعن
بجمال باهر مما جعلهن يغلبن على عقول الرجال ،وبالتالي جعل لهن مكاناً متميزاً في هذا العصر سواء
وكن
َّ في قصور اللالفة يغلبن أو بيوت العرب ،ومما سبق نفيد بأن الجواري كُنَّ مقدمات ومرغوباً فيهنَّ
ينتقلنَّ من زوج إلى آخر وقد يكون من هؤالء األزواج من هو عليه القوم وقد كنَّ كذلك حظايا الللفاء
وأمهات أوالدهم ،ويكفي للتدليل على ذلك أنَّ جميع الللفاء العباسيين كانوا من أمهات جوا ٍر ،وأوالد ثالثة
من الللفاء أبو العباس السفاح ،والمهدي ،واألمين ،من جوارٍ لم تكن الطبقة العليا فقط هي الطبقة الوحيدة
2
التي تهتم بالجواري ،بل كذلك العامة
،ومنهم الشعراء الذين أكثروا من ذكرهن في أشعارهم ،وقد ساهمنَ في موجة النجوم التي شاعت فيي هيذا
العصر عند بطائفة منهم إضافة إلى اقتران مشاهيرهم بأسماء الجواري منهم أبيو نيواس اليذي اقتيرن اسيمه
،وبشار بن برد بعبدة وال شك أن ألخالق الجواري بجنان جارية عبد الوهاب الثقفي ،و العباس بن األحن
يد بطويلة في تشجيع الشعراء على مالحقتهن والتغيزل بهين فيي إشياعة الغيزل المكشيوف اليذي شياع عليي
ألسنتهم ،كان لظهيور اإلسيالم أثير كبيير فيي حيياة العيرب والشيعوب األخيرى المجياورة لهيم بصيفة خاصية
الشعب الفارسي ،فقد أدى هذا الظهور إلى حدوث تصادم حاد ومتصل بين مبدأ التوحيد اإلسالمي والثنويية
اإليرانية ،كميا تسيبب هيذا الظهيور للدولية العربيية التيي نشيرت اإلسيالم وكانيت معاديية للشيعوب األجنبيية
،وأخضعت شعوباً أخرى فللقت منازعات بيين العيرب والميوالي وعمليت عليى ظهيور الشيعوبية وتغيذيتها
3
وتوسيعها واستطاعت من خالل تلك المنازعات أن تلعب دورًا بعيدًا مؤثراً في حياة هؤالء وأولئك .
ذكرنا ما كان من الحركة الفكرية في العصر العباسي علي أسر االنقالب السياسي وتجمع الحقائق العلمية
والفلسفية والطبية ،والالهوتية ،والرياضية والفلكية واألدبية وتزاحمها في أذهان الناس ،وقد ظهرت بطائفة
تجهر بالزندقة وفيهم جماعة كبيرة من األدباء والشعراء مثل حماد عجرد ،وحفص بن أبي وردة ،وابن
المقفع ،يونس بن أبي فروة وعلي بن اللليل و حماد الراوية وبشار بن برد ،وغيرهم من الشعراء واألدباء
1
فرج اهلل أحمد– تاريخ جديد للتاريخ علي هامش الفرق اإلسالمية شبكة اإلمامين الحسنين للتراث اإلسالمي ص9
2
نصير أمل العالقات األسرية في شعر العصر العباسي في نهاية القرن الثالث هجري ط 1دار اإلسراء عمان األردن 2005م ص51
3
السامرائي عبداهلل سلوم -الشعوبية حركة مضاد لإلسالم واألمة العرب دار المعارف ,بيروت ص23
34
كانوا يجتمعون ويهجون بعضهم بعضاً وكثيراً ما كانوا يشتركون في أموالهم ،وأحوالهم كما يفعل
االشتراكيون اليوم فكان مطيع بن اياس ويحيى بن زياد الفارسي ،ابن المقفع يتنادون وال يفترقون وال
يستأثر أ حدهم على صاحبه بالمال وال بالملك ،وكانوا جميعاً يرمون بالزندقة وكان أولئك المتفلسفون
ينظرون إلى الدنيا من وجهها األسود فال يرون فيها حسناً وال يعترفون ألحد بفضيلة ،وذكروا أنَّ مطيع
بن أياس مر بيحيى بن حماد الراوية وهما يتحدثان ،فقال لهما (:فيم أنتما ) قاال (في قذف المحصنات ) قال
أنَّ "أو في األرض محصنة تقذفانها ؟" ويرى هذا من جهة أخرى علي رأيهم في المرأة ويقول من المؤل
هؤالء الشعراء متفلسفة وهم إ نما كانوا أصحاب لهو وعبث ،وهو يبالغ أيضاً :كانوا ينظرون من الدنيا من
1
وجهها األسود ،
ومن الشعوبية من دفع باإلسالم ثم أقرّ به عثمان بن عتبة بن أبى سفيان وأمه رومية نصرانية ،قال يقال
:إن عتبة بن سعيد كان قبطياً ،كان يلقب بالقبطي يقال :إن عثمان بن عبد اهلل بن خالد كان ممن دفع
اإلسالم ثم أقرً به وممن دفع اإلسالم وهب بن عمرو بن صفوان وغيرهم ،وهنالك من الشعوبية من كانت
المجوسية أو النص رانية واليهودية والزندقة دينه ،حدثنا الهيثم بن عدي كانت النصرانية دينهم في ربيعة
وغسان وبعض قضاعة ،وكانت اليهودية في خيبر وبني كنانة ،وكانت المجوسية في بني تميم وكان هالل
2
التميمي بالبحرين مجوسيًا كما كانت الزندقة ايضًا موجودة.
لعل مجتمعاً عربياً لم يعرف اللهو والمجون كما عرفها المجتمع العباسي في القرنين الثاني و الثالث ،فقد
عرف الناس في الكوفة و البصرة وبغداد بأثر الحضارة الفارسية المادية ،وما يطوى فيها من غناء وخمر،
وحقاً بدأت بطالئع ذلك في أواخر العصر األموي حين ظهر الوليد بن يزيد و حين أخذت الكوفة تسرف
علي نفسها في اللهو وما يتبعه ،لكن ذلك ال يقاس في شيء إلى ما كان في العصر العباسي الذي شعر فيه
الفرس بحريتهم التامة ،حتى لتأخذ شكل ثورة عاصفة علي جميع التقاليد العربية ،ومضى أبناء هذه
الثورة يعيُّون كؤوس اللهو واللمر حتى الثمالة ،وانتشرت دورها في كل مكان ،ولم تكن تزخر باللمر
والغناء وحدها كانت تزخر بالقيان والغلمان ،وساعد في اتساع هذه الموجة شيئان ،ظهور مذاهب شاكَّة
بللت األفكار وعلي راسها مذاهب الزنادقة والدهريين ،ثم انتشار دور القيان الالتي تعرضهن للبيع ،وكانت
عند ذلك فإنَّ أصحاب هذه الدور كانوا يتلذونهن للتسلية تثقفهن وتؤدبهن وتعلمهن الغناء وهي لم تق
وروادها وابتزاز أموالهم فكانت مألفاً للشعراء يلتلفون إليها وكانوا ينظمون فيهن أشعارهم ،وهنَّ يغنيهم
كن من أهم األسباب في إذاعة الشعر العباسي الحديث عند
فيها ،بينما هم يشربون ويصتفون ومن غير شك َّ
1
زيدان جرجي -تاريخ آداب اللغة العربية – ج 2بمراجعة وتعليق شوقي ضيف دار الهالل للطباعة والنشر ص60
2
الكلبي ‘ هاشم مثالب العرب ط 1تحقبق نجاح الطائي دار الهدى بيروت ص56
35
بشار بن برد ومطيع بن إياس وأبي نوأس وأضربهم إذ كنَّ يحملنه معهم حين يُبَعْنَ فيدخلن به في دور
1
اللالوي ودور األشراف كما ينقلنه إلى األمصار اإلسالمية الالئي يرحلن إليها
األصل غير العربي لم يكن الشيعة الرواد والذين يلونهم من الموالي أو من أي عنصر غير عربي ،ومن
مؤلفو أو مفكرو الشيعة إزاء العروبة والعرب موفقًا جليالً في تكريم الشيعة إزاء العروبة لقد وق مواق
الفكر العربي واإلشادة بإسهامه في خدمة الشريعة اإلسالمية مبرهنين على أن اهلل تعالى كرم العرب
2
بحملهم للرسالة وجعل هذه اللغة الكريمة لغتهم
وهذا الجانب العابث من الحياة العباسية في جانب القيان وغنائهن واألغاني التي تغنين بها ،وأخبارهن
مع الشعراء الذين كانوا يلتلقون إلى دورهن وما نشأ بينهم وبين هؤالء القيان أو الجواري من حب
صوروه تصويراً ظريفاً في أشعار كن يتغنين بها ،وذاعت في كل مكان ،وقلما يلمع شاعر إال وله جاريه
أو جوارٍ يُذْعْنَ شعره ،فلمطيع بن إياس جواريه ،ولبشار جواريه األخرى ،واشتهر غير شاعر بجارية
بفوز ومحمود عليها شعره اشتهر أبو نواس بجنان واشتهر أبو العتاهية بعُتبة والعباس بن األحن وق
الوراق بسَكن ،وسعيد بن حُمير بفضل ،وكان مسلم بن الوليد يُلقب بصريع الغواني،.وبطبيعي أن تكون
حياة هؤالء القيان والجواري حياة ماجنة ليس فيها بطهر إال شذوذاً ،وصور الجاحظ العلة في ذلك ،فقال
تسلم القينة من الفتنه أو يمكنها أن تكون عفيفة ،وإنما تكتسب األهواء وتتعلم األلسن واألخالف :كي
بالمنشأة ،وهي إنما تنشأ من لدن مولدها إلى أوان وفاتها فيما يصدُّ عن ذكر اهلل من لهو الحديث وبين
الللعاء والمُجَّان ومن ال يُسَمع منه كلمة جد وال يرجع منه إلى تُقه والدين وال صيانة مروءة ،وتروي
الحاذقة منهن أربعه أالف صوت أغنية يكون الصوت فيما بين البيتين إلي أربعة أبيات ،وعدد ما يدخل في
ذلك الشعر إذا ضُرب بعضه ببعض ،عشرة أالف بيت ليس فيها ذكر اهلل إال عن غفلة ،وال ترهيب من
3
عقاب وال ترغيب في ثواب .
نتساءل ماهي عالقة الشعوبية بالتشيع ؟األمر الذي دفع مثل الدكتور أحمد أمين يقول :أما التشيع فهو عش
الشعوبية الذي يأوون إليه ،وستارهم الذي يتسترون به إن رمي الشعوبية بالتشيع أمر يدعو إلى
االستغراب فليس هنالك أي عالقة بين الشعوبية والتشيع ،وسنحاول استقصاء األمور التي تكون عالمة أو
4
منشأ للشعوبية .
1
ن ومذاهبه في الشعر العربي – ط 10دار المعارف مصر ص 100
ضيف شوقي – الف ّ
2
أمين احمد -ضحى االسالم ج 1دار االسرة ،بيروت ص63
3
ضيف شوقي – المرجع السابق – ص 101
4
الوائلي أحمد هوية التشيع ط 2ص210
36
إن مبدأ التوحيد الذي يعدُّ الركن األول من العقيدة اإلسالمية هو كما يقول محمد عبده "علم يبحث في
به وما يجب أن ينفى عنه ،والرسل وجود اهلل وما يجب أن يثبت له من صفات ما يجوز أن يوص
1
إلثبات رسالتهم وما يجب أن يكونوا عليه وما يجوز أن ينسب إليهم ،
وما يمتنع أن يلحق بهم لثنوية قوم قالوا صانع العالم اثنان ففاعل اللير نور ،وفاعل الشر ظلمة ،وهما
قديمان لم يزاال ،ولن يزاال ،قويين وسمعيين ،وبصريين ،وهما ملتلفان في النفس والصورة،
ومتضادات في الفعل والتدبير ،فجوهر النور فاضل حسن نير صاف نقي بطيب الريح حسن المنظر
،ونفسه نفس خيرة كريمة نافعة منها اللير واللذة والسرور والصالح وجوهر الظلمة علي ضد ذلك من
الكدر والنقص نتن الريح وقبح المنظر في رأيّ الشلصي هؤالء الثنوية يلوضون في بحار الظلم
،والظالم الدامس كما يقرون بجهلهم وينسون أن خالق كل شيء هو اهلل تعالى جل جالله هو األول
2
،والظاهر ،والبابطن ،وسع كل شيء علماً .
وكان للديانات الفارسية األثر األكبر في إثارة هذا الوعي وذلك ألنَّ تلك الديانات أقوى مثل للذات اإليرانية
المجوسية وأن الدعوة إليها تنطوي علي وعي إيراني بين المجوس علي جهد مكافحة اإلسالم ،فقد ارتبط
التناقض الحضاري مع العرب بالطبيعة الفارسية ،وقد أضاف إليها عنصرية الفرس ذاتهم التي لم يغيرها
اإلسالم ،إيجابياً فأولئك العبيد الذين حررهم اإلسالم لم يندمجوا في الحياة الجديدة إنما حصل العكس تمامًا
كما قال ابن قتيبة :بدالً من أن يقودهم تحررهم نحو أخالق اإلسالم التي تعتبر جديدة عليهم إنما ارتدوا
3
خلفاء
وقد ذكر أبو الحسن أحمد بن يحيى في كتابة في الرد علي الشعوبية ،علالً كثيرة ،وذكر أنَّ من أختصه اهلل
تعالى من عباده ،واصطفاه إذا كان عن بطريق الثواب أم عن بطريق التفضيل ،قال :إنَّ زعم زاعم أنَّ
ذلك ثواب خرج من معقول كالم العرب ،مفهوم خطابها ،ألن ال يقال لمن أعطى األجير أجرته ووفى
العامل ثوابه :قد اختص فالن فالناً بعطيته ،إنَّما يقال ذلك إذا تطوع عليه بالعطية بغير عمل ،منعها غيره
بغير جرم ،إنَّ زعموا أنه تفضيل قلنا لهم :فإذا جاز أنّ يصرف اهلل عز وجل رحمته إلى بعض خلقه بغير
عمل استحقوها ،به َفلِمَ ال يجوز أنَّ يشرفهم بأنسابهم ،إن لم تكن األنساب من أعمالهم ،فإن قالوا ليس من
العدل أنَّ يشرفهم بغير أعمالهم ،قلنا لهم :رأيتكم إنَّ عارضكم مُعارض ،فزعم أنه ليس من العدل أن يمن
عليه م رحمته دون غيرهم بغير عمل كان منهم وبغير معصية كانت من غيرهم ،وماذا يكون الفصل بينكم
1
السامرائي عبد اهلل سلوم – الشعوبية حركة مضادة لإلسالم و األمة العربية ص24
2
أبن الجوزي تلبيس إبليس ط 2دار اإلسراء عمان األردن 2005م ص37
3
المستشرق هاملتون جب – دراسات في الحضارة اإلسالمية – ص4
37
معاشر الشعوبية وبينه ،وقد أخبرنا اهلل عمن اصطفاه من خلقه فقال ( :إنَّ اهلل اصطفى آدم ونوحاً وآل
1
إبراهيم وآل عمران علي العالمين ذرية بعضها من بعض واهلل سميع عليم).
دائماً يدل وفي رأيّ بصفتي باحث في هذا الشأن فإن شرف األنساب يحوي شرف األعمال ألن الشري
. العمل الشري
ورمى بعض المستشرقين العرب بالمادية ،و بصفات أخرى ،فقال أوليري :أن العربي الذي يعد مثالً أو
نموذجاً ،مادي ينظر إلى األشاء نظرة مادية ،ضعيفة ،ال يقومها إال بحسب ما تنتج من النفع ،يتملك
ال يميل كثيراً إلى ،وال يكترث بشيء إال بقدر ما الطمع مشاعره ،ليس لديه مجال للليال ،ال للعوابط
2
ينتجه من فائدة عملية يملؤه الشعور بالكرامة الشلصية حتى ليثور علي كل شكل من أشكال السلطة .
وفي اعتقادي الشلصي أنا أوافق أوليري في حب العرب للسلطة ألن األعرابي يمكن أنَّ يحقد علي
صديقه ،و أخيه إذا فضل عليه في الوالء ،و ربما يؤدي الحقد إلى أنَّ يقتل األعرابي أخيه من أجل
السلطة ،وهذه الصفة مورثة عنا جد عن جد نحن العرب.
أن مشكلة المساواة بين العرب ،والموالي تسير في نطاق واحد اسمه الشعوبية يرى شوقي ضي
،وكان واضحاً أن الموالي يسبقون العرب في العلم ،إذ كان منهم أكثر العلماء في العصر العباسي وحده
،بل منذ العصر األموي ،وبطبعاً كانوا يسبقونهم في الزراعة ،والحرف الملتلة ،وهم اليوم يسبقونهم في
السياسة ،وأخذت الدولة تفيد فائدة واسعة من النظم (الساسانية ،القديمة) كما أخذت تنظم ترجمة الثقافات
األجنبية كما كان كثير من األدباء ،والكتاب ،والشعراء من الموالي بصفة خاصة الفرس ،إذ كان ابن
المقفع أكبر كتاب عصره وهو فارسياً ،وكذلك بشار بن برد زعيم المجددين في الشعر ،وكذلك هيَأ لفتح
هذا الباب الكبير باب الشعوبية ،وواضح من اسمها أنها تبحث في فضائل الشعوب ،و أيهما يتقدم غيره
3
من األمم.
ووقفت الشعوبية بطويالً عند عادة اللطباء العرب من اتلاذ العصي والقوس في خطبهم مؤشرين بها في
الشرح و التوضيح لدى السامعين أثناء اللطبة ورد عليهم الجاحظ في بيانه مبيناً فوائد العصا ،ومن أقواله
في تلك العادة إن حمل العصا ،دليل علي التأهب لللطبة و التهيؤ لإلبطناب ،واإلبطالة وفي ذلك شيء
خاص في خطبة اللطباء العرب و مقصوره عليهم و منسوبة إليهم حتى إنهم ليذهبون في حوائجهم ،
اللاصرة بأيديهم إلفاً ،وتوقعاً ،لبعض ما يوجب حملها و اإلشارة بها ،وكانوا يمدحون في اللطيب
1
المسعودي -مروج الذهب ج 1تحقيق محمد محى الدين عبد الحميد -دار الفكر بيروت لبنان ص191
2
علي جواد – المفضل في تأريخ العرب قبل اإلسالم ج281 1
3
ضيف شوقي– الفن ومذاهبه في الشعر العربي ج 1ط 1ص96
38
الثبات ،وحضور البديهة ،وقلة التلفت ،وكثرة الريق ،وجهارة الصوت ،قوته ،وكانوا يعيبون فيه
1
التنحنح و االرتعاش ،و التعثر في الكالم ،
وفي رأيّ الشلصي :أن العرب يتميزون عن الشعوب األخرى بميزات ال توجد في األمم األخرى ،وهي
،الشجاعة ،والكرم ،و الجود ،وعدم الغدر ،إذ إنهم في المعارك كما رويَّ عنهم ،ال يأتون العدو غدراً ،
إنما يرون ذلك من سمات الجبناء‘ وقد ورد ذلك عند كثير من الكتاب العرب .
عشنا دهراً في زمان قوامه الصراع الدائم بين دعوة الحق ،والدعوات المتطرفة إلى كل ما يثير األحرار
السيارة في ،من نبذ للعروبة ،والعربية دعوة عارمة إلى الشعوبية .،بلغت العامية ذروتها في الصح
مصرنا العزيزة ،واقع سجله التأريخ ،والتزال آثاره باقية في سجل ال يستطيع محوه في صفحة معروفة
متداولة مبني عليه ا ،وكان هذا األمر محزناً حقاً ،وعشنا كذلك في زمان دعا فيه بعض األفراد ممن
اضطرتهم الظروف أن يعدلوا مسارهم من اإللحاد الظاهر إلى الكتابة في مجال اإليمان بل في مجال
،واهلل أعلم بما صنعوا ،وكان هذا التصوف ،وتمجيد اإلسالم ،وإبطال اإلسالم ،يقولون عفا اهلل عما سل
قدرنا ،وهذا عصرنا الذي أظلتنا ظالله القاتمة السوداء ،وكانت فتنة هدمها الحق ،وقوض دعائهما الهشة
تقويضاً ،وآتى اهلل بنياتهم من قواعدها ،وكانت نفوسنا الشابة حينئذ تأسى القوم الذين بغوا وبثقوا أن تنتكس
2
الراية وتنصر دعوة سادتهم أعداء العروبة ،والذين من صغار المستشرقين ومغرضيهم
فإذا كان عند العرب شهداء فإن للموالي شهداء ،وإذا نبغ العرب في قرض الشعر وبلغوا فيه غاية الجودة
فليحاول شهداء الموالي أن يكون شعرهم منافساً للعرب في الجودة ،وأن يتفوقوا عليه ،وإذا كان للعرب
ض عريق ومشرف ،وأدب يعتزون به ،فقد حاول العجم أن يتلمسوا أسباب القوة في تأريلهم ،ويبرزوا
ما ٍ
مشرفة يتفننون بها ويحاولون فيها التفوق على العرب ،وظهرت بداية هذا التنافس في ما فيه مواق
العصر األموي بصورة خافتة ،ألنهم يلشون بطش الللفاء يهابون سطوتهم فالدولة كان عربية صميمة
،وفي العصر العباسي ظهر ما يسمى الحركة الشعوبية التي تمثل الصراع والتنافس بين العرب وغيرهم
3
من الشعوب .
ما جاء به العرب نتيجة وفي رأيّ الشلصي هذه الشعوبية ومطاعنها علي العرب وفكرها الذي يلال
للمعاملة السيئة التي كان يعاملها الللفاء األمويين للموالي مما أظهر الحركة الشعوبية بصورة واضحة في
الدولة العباسية.
1
ضيف شوقي – تاريخ األدب العربي العصر الجاهلي ج 1دار المعارف مصر ص416
2
محمد عبد السالم – كناشة النوادر ج 1مكتبة الخانجي ط1985 1م ص3
3
عمارة السيد أحمد – دراسة في نصوص العصر الجاهلي تحليل وتذوق –ج 1مكتبة المتنبي للطباعة والنشر ص65
39
أن أكثر ما تعيبهم به الشعوبية قلة االهتمام بالمباني ،وأن معظمهم أهل خيام ،و إبل محبين للغارات
،وسفك الدماء ،وبطلب الثأر ،و السهم المصيب في الجواب استهدف للغض منهم باإلهمال في البوادي أنهم
جلبوا علي إبطعام الطعام ،إعداد القوة لمن يجتازهم من المتمردين ،والسالكين من أخالط الفرق الذين
يعيشون بالذكر بذلك في كل مكان يحلونه ،ويمرون به ،وذلك ال يتمكن في الحاضرة كما يتمكن في البادية
،وقد مألوا أشعارهم برفع النيران ،والضيفان ،واستداللهم بنباح الكالب ،ما أشبه ذلك من اللواص البادية
كألبان األغنام ،والصيد البري ،وغير ذلك ال يلزمهم ،يتميز سكان البادية بتقديم أيسر ما تيسر للضي
1
التقيد بالتجمل الذي يلزم أهل الحاضرة .
وقد ذكر الجاحظ في معرض الحجج بين السودان والبيضان ،وعلى لسان الزنج قولهم للعرب من جهلكم
أنكم رأيتم ما لكم أكفاء في الجاهلية في نسائكم ،فلما جاء عدل اإلسالم رأيتم ذلك فاسداً وما بناء الرغبة
عنكم مع البادية منا مألي كثير ممن قد تزوج ورأس ،وساد ،منع كنفكم من العدو وفي هذا القول إشارة إلى
التزاوج بين العرب والزنج أي السودان المجلوبين من إفريقيا في الجاهلية ،وإلى انصراف العرب عنه
في اإلسالم ما خال البادية ،وذلك بسبب إقبالهم علي الزواج بالفارسيات ،و الروميات ،وبغيرهن على ما
يظهر بسبب الفتوح ،وتوسع أسواق النلاسة في هذا الوقت ،وإرتفاع المستوى االقتصادي للعرب في
االسالم عنه وفي الجاهلية مما مكنهم من التزوج باألجنبيات البيض الجميالت ،وتفضليهن على
2
السودانيات .
1
ابن سعيد األندلسي – نشوة الطرب في تاريخ الجاهلية والعرب ج 1تحقيق نصرت عبد الرحمن -مكتبة األقصى عمان ط 1ص83
2
علي جواد -المفضل في تاريخ العرب قبل اإلسالم ج 7دار الساقي ط 4ص312
40
المبحث الثاني
مطاعن الشعوبية على العرب
وقالت الشعوبية :ومن يتعصب للعجمية القضيب لإليقاع ،والقناة للقار ،والعصا للقتال ،والقوس
للرمي ،وليس بين الكالم وبين العصا سبب وال بينه وبين القوس نسب وهما إالَّ يشغال ويصرفا اللوابطر
ويعترضا الذهن أشبه ،وليس في حملها ما يشحذ الذهن وال في اإلشارة بها يجلب اللفظ ،وقد زعم أصحاب
الغناء أن المغني إذا ضرب علي غنائه قصر عن المعنى الذي ال يضرب على غنائه وحمل العصا
بأخالق الفدادين أشبه ،وهو بجفاة األعراب ،وعُنجهية أهل البدو ومزاولة إقامة اإلبل علي بطريق أشكل
وبه أشبه قالوا :اللطابة شيء في جمع األمم ،وبكل األجيال إليه أعظم الحاجة حتى أن الزنج مع الغثارة
،ومع فرط الغباوة ومع كالل الحد ومع غلظ الحس وفساد المزاج لتطيل اللطب وتفوق في ذلك جميع
العجم ،وإن كانت معانيها أجفى وأغلظ وألفاظها أخطا ،وأجهل وقد علمنا أن أخطب الناس الفرس وأخطب
الفرس أهل فارس أعذبهم كالما وأسهلهم ملرجاً ،وأحسنهم والء وأشدهم تحنكاً أفصحهم بالفارسية الدرية
،وباللغة الفهلوية أهل قصبة األهواز وقالوا :ومن أحب أن يبلغ في صناعة البالغة ويعرف الغريب
ويتبحر في اللغة فليقرأ كتاب كاروند ومن أحتاج الى العقل واألدب والعلم بالمراتب واأللفاظ الكريمة
1
والمعاني الشريفة فلينظر الى سير الملوك
أنَّ يبدو الشعوبية في ذلك العصر كانوا متكاتفين يسعى كل منهم في صالح األخر ،ويتعاونون علي إقصاء
أي نفوذ معنوي للفكرة العربية عمن يرى فيه ميل إليها من الللفاء يناصرون أبا عبيدة ،حين رأوا
األصمعي وهو نصير الفكرة العربية يحتل مكانة لدى هارون الرشيد سعوا في إقصائه عن بطريق القدح
2
فيه لدى هارون وظلوا يلحّون عليه في ذلك حتى أسقطوه.
فهذه الفرس ورسائلها ،وخطابها ،ومعانيها ،وهذه يُونان ورسائلها وخطابها وحكامها ،وهذه كتبها في
النطق التي جعلتها الحكماء بها تعرف السقيم من الصحة ،واللطأ من الصواب ،وهذه كتب الهند في
حكامها وأسرارها وسيرها وعللها ،فمن قرأ هذه الكتب عرف غور تلك العقول ،و غرائب تلك الحكم
سقط علي جميع األمم من المعروفين بتدقيق وعرف أين البيان والبالغة وأين تكاملت تلك الصناعة ،فكي
المعاني ،وتليّر األلفاظ ،وتمييز األمور أن يشيدوا بالقنا والعصا ،و القضبان ،والقسي كال ،ولكنكم كنت
رعاة بين اإلبل والغنم فحملتم القنا في الحضر بفضل عادتكم لحملها في السفر ،وحملتموها في المدن
1
الجاحظ البيان والتبيين – ج 3ط 2القاهرة – 1932تحقيق حسن السندوبي *الفدادين :الرعاة والفالحون *الغثارة :الغباوة ص10
2
اسماعيل عز الدين – في الشعر العباسي الرؤية والفن ط 1دار المعارف مصر 1975م ص123
41
بفضل عادتكم لحملها الوبر ،و حملتموها في السلم بفضل عادتكم لحملها في الحرب ،ولطول اعتيادكم
لملابطبة اإلبل ج فا كالمكم ،وغلظت ملارج أصواتكم حتى كأنكم إنما تلابطبون الصٌمان إذا كلمتم الجلساء
جل قتالكم بالعصى ،ولذلك فلر األعشى على سائر العرب فقال :
،إنما كان ُّ
وقالوا إن ما كانت رماحكم من ُمرّان وأسنتكم من قرون البقر وكنتم تركبون الليل في الحرب عراء ،فإن
كان الفرس ذا سرج فسرجه رحالة من أدم ٍ لم يكن ذا ركابٍ ،والركاب من أجود آالت الطاعن برمحه
1
محمالً ،وأشد بطعنة ، ،والضارب بسيفه وكان فارسكم يطعن بالقناة الصَّماء ،وقد علمنا أن الجوفاء أخ
هكذا استطاعت الحركة الشعوبية أن تسير في هدوء وابطمئنان قُدما نحو أهدافها البعيدة ،أن تحقيق هذه
األهداف آخر األمد ،حين تهيأت الظروف المادية إلنشاء دويالت فارسية ،القومية الطابع علي أنقاض
2
الدولة العربية اإلسالمية .
خلفاء بني أمية ،وبني العباس ولقد اتفق المؤرخون الطبري ،و المسعودي وغيرهم على أن جميع سل
أنما كانوا يركبون بالحِلية اللفيفة من الفضة في المنابطق والسيوف واللُجم والسروج ؛ وأن أول خليفة
احدث الركوب بحلية الذهب هو ابن المعتز بن المتوكل ثامن الللفاء بعد الرشيد وهكذا كان حالهم في
مالبسهم فما ظنك في مشاربهم وبين ذلك بأتم من هذا اذا ضممت بطبيعة الدولة في البداوة والغضاضة
ويناسب هذا وقريب من ما ينقلونه كافه عن يحيى بن أكثم قاضي المأمون وصاحبه وأنه كان يعاقر اللمر
وأنه سكر ليلة مع شَربة فدفن في الريحان حتى أفاق ويبشرون علي لسانه :
قد جار في حلمه من كان يسقني يا سيدي وأمر الناس كلهم
وحال بن أكثم والمأمون في ذلك من حال الرشيد ،وشرابهم إنما كان النبيذ لم يكن محظوراً عندهم وأما
السُكر فليس من شأنهم وصابته للمأمون أنما كانت خُلَّة في الدين ولقد ثبت أنه كان ينام معه في البيت ونقل
من الفضائل المأمون وحسن عشيرته أنه أنتبه ذات ليلة عطشان فقام يتحسس ويتلمس اإلناء ملافة أن
يوقظ يحيى بن أكثم ثبت أنهما كانا يصليان الصبح في جماعة فأين هذا من المعاقرة؟ وأيضاً كان يحيى بن
1
ص12 -11 الجاحظ البيان والتبيين -ج 3ط * 2المُرّان :شجر تتخذ من فروعه رماح فيها صالبة ولدنة * األدم :الجلد
2
.اسماعيل عز الدين – في الشعر العباسي الرؤية والفن ط 1ص 123
42
أكثم من عليةِ أهل الحديث وقد أثنى عليه أحمد بن حنبل وإسماعيل القاضي وأخرج عنه الترمذي في كتابة
1
الجامع.
فإن الليل حصون العرب ومنبت العز وسلم المجد ،وبها تدرك الثأر وعليها تصيد الوحش وكانوا
يؤرثونها علي األوالد باللبن يستدونها باألجنبية للمطلب والمهرب وقد كنى اهلل عليها كما فيها من اللير
فقال :حكاية عن نبيه سليمان عليه السالم (إني أحببت حب اللير عن زكر ربي حتى توارت بالحجاب
2
)يعنى الليل .
والوفاء بالعهد خلق عربي حافظوا عليه في جاهليتهم ،وبزلوا دونه أموالهم وأنفسهم وأبناءهم ،عرف لهم
ولسنا ذلك من جاورهم من األمم من الفرس ،والروم و حوادثهم في ذلك مأثورة حفظتها بطون الصح
بصدد أن نقتصها لما جاء اإلسالم أيد هذا الللق وأمر به أمراً حتماً ال هوادة فيه ،قال تعالى في محكم
تنزيله (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئوالً) وإلى غير ذلك من اآليات القرآنية التي شددت في وجوب
الوفاء بالعهد ،و اعتبارها أساساً تقوم عليه الدولة اإلسالمية ،وعلي ذلك سار الللفاء الراشدون كما يعلم
من استقرأ تواريلهم وكذلك نحا بنو أمية ذلك المنحى ألنَّ العنصر العربي كان له مكان فيها بل يصح أن
يقال أنها كانت دولة عربية محضة لما جاءت الدولة العباسية وقد ظهرت علي أيدي عنصر غير عربي
ظهر منها ألول نشأتها حوادث متكررة تدل علي أنه ليس للعهود في نظرة خلفائها قيمة فقد قتل المنصور
في حياة السفاح بن هبيرة بعد أن أمن أماناً الشك فيه ،وكان الذي أشار بقتله أبو مسلم اللراساني الذي
3
يظنونه مشيد للدعوة العباسية وكانوا ال يحبون أن ينقذوا أمرًا دون مشورته.
يظن العجم أنهم هم األحرار من ولد إسحاق وإسحاق لسارة وهي حرة وإسماعيل لهاجر وهي أمة قالوا
:الللناء والللناء عند العرب اآلمة وكذلك يطعن الشعوبية في العرب فالويل الطويل لهؤالء والبعد
والثبور من هذه العداوة ألولياء اهلل فقد غلطوا في تأويلهم عن اللغة وليس كل أم عند العرب للناء إنما
الللناء هي اآلمة الممتهنة في رعي اإلبل وسقيها ،وجمع الحطب وحمله واستقاء الماء ،والحلب ،و أشباه
4
ذلك من اللدمة .
وفي رأيَّ الشلصي أن العرب هم الذين ينادون بتفرقة العنصرية أكثر من الشعوب األخرى ألن ما زالت
هذه العنصرية تظهر في معاملة الناس حتى أبناء القطر الواحد يعانون من ذلك .
1
حلْيَة :القوم وأعاظمهم ص 357 -356
بن خلدون المقدمة ج 1ط 3دار النهضة مصر القاهرة ِ
2
كرد محمد علي -رسائل البلغاء ط 2دار الكتب العربية الكبرى القاهرة ص 274اآلية 32من سورة ص
3
الخضري الشيخ محمد – محاضرات تاريخ األمم اإلسالمية ط 6دار المعرفة بيروت لبنان 2001م اآلية سورة اإلسراء ( )34ص424
4
كرد محمد علي – المرجع السابق ط 2ص 276
43
في سنة سبع وسبعين كانت للحجاج حروب مع شبيب اللارجي وولى عنه الحجاج بعد قتل ذريع كان في
أصحابه حتى أحصى عددهم بالقضيب ،فدخل الكوفة وتحصن في دار اإلمارة ،ودخل شبيب وأمة وزوجته
غزالة الكوفة عند الصباح ،كانت الغزالة من الشجاعة والفروسية بالوضع العظيم وكذلك أم شبيب ،وقد
كان عبد الملك حين بلغه خبر حرب الحجاج وتحصنه في دار اإلمارة بالكوفة من شبيب بعث من الشام
بعساكر كثيرة عليها سفيان بن األبرد الكلبي لقتال شبيب فقدم علي الحجاج بالكوفة فلرجوا إلى شبيب
،فحاربوه فانهزم شبيب ،وقتلت الغزالة وأمه ومضى شبيب في فوارس من أصحابه ،وأتبع سفيان في أهل
الشام فلحقه باألهواز فولَي شبيب ،فلما وصل إلى جسر دجيل نفر به فرسه وعليه الحديد الثقيل ومِغفَر
فألقاه في الماء ،فقال :له بعض أصحابه أغرقاً أمير المؤمنين؟ قال :ذلك تقدير العزيز العليم ،فألقاه دجيل
ميتاً بشطه ,من يظن بالد العرب صحراء جرداء ال نبات فيها يلطئ والذين يظنون أن أهلها بدو ورحل
ال يقرون في مكان واحد ،وال يتصلون باألرض التي يسكنونها اتصاالً وثيقاً كأهل البالد الزراعية ،وإنما
1
يتربصون مواسم الغيث فيلرجون بكل مالهم من نساء و إبل يتطلبون المرعى.
في سنة اثنين وثمانين قتل الحجاج ابن القُرِّية للروجه مع ابن األشعث وإنشائه الكتب له ووضع الصدور
واللطب ،وكان ابن القُرِّية من البالغة والعلم والفصاحة بالموضع الموصوف ،وقد أتينا علي خبر مقتله
2
،وما كان من كالمه مع الحجاج وقد كان صبراً.
وفي رأيَّ هكذا كان الشعوبيون يعيرون العرب بأنهم بدوا ورحل يرحلون من مكان إلى آخر يبحث عن
المراعي يحملون هم أنعامهم بين البلد والبلدين ونحن بصفتنا عرب ال ننكر هذا الشيء ألن ذلك جزء من
حياة أهلنا في البادية الجميلة .
جاءت الوقائع بين األمين والمأمون فكان من نتيجتها ازدياد قوة العنصر اللراساني ألن قوة المأمون
ارتكزت عليه ،وظهر البيت الطاهر وهو أول بيت من الموالي منح خراسان علي بطريقة االستقالل ،وهو
الذي كان يزيد من قوة العناصر ،وأن المأمون وأخاه كانا يميالن إلى االستكثار من األتراك الذين كانوا
يفدون علي بغداد بكثرة ،ويقدمهم ملوك ما وراء النهر وآل بطاهر من هؤالء الشبان من كان يشترى بالمال
هذه الدولة الكبيرة ووالئها ،ولم ،ومنهم من كان ذا بيت عريق في قومه فقدم بغداد ليستزيد عزاً بحل
تزل هذه الوفود تتوارد توارداً مطرداً حتى كان زمن المعتصم ،وقد تألفت منها جيوش ظن اللليفة أن
العنصر يعتمد عليها في إقامة دولته ،ويستغنى عن العرب وعصبيتهم ،وعن أبناء خراسان أيضاً ،وضع
العربي ضعفاً شديداً فتفرق وعصائب وعاد الكثير منها إلى موابطنها في الفقر والصحراء والذين بالمدن لم
1
نصار حسين -نشأة الكتابة الفنية في األدب العربي ط 1مكتبة الثقافة الدينية القاهرة 2002م ص17
2
المسعودي ـــ مروج الذهب ـــ ج 3تحقيق محمد محى الدين عبد الحميد ـ دار الفكر بيروت لبنان ( د ت) ص147
44
ثقة الللفاء فاختل موالي خراسان لضع تبقَ لهم عصبيات يستندون في حياتهم إليها ،وكذلك ضع
التوازن بين عناصر الدولة ،ووجد غلمان األتراك أنفسهم منفردين بالملك مستأثرين به ،وليس أمام الللفاء
إال هم فاستحكم نفوذهم ،وصاروا هم اآلمرين حتى امتدت أيديهم إلى حياة الللفاء ،وإلى أموالهم ،وإلى كل
شيء ،عندهم وخضع الللفاء لهذه القوة التي لم يجدوا أمامهم ما يردها من العرب ،وال من األبناء،
العنصر الذي كان أول اللالفة شراً وأما هذا فهو نهاية الشرور ،وكان تغلب هذا العنصر ولعبه برقاب
1
صول الللفاء وقلل من قيمة أقوالهم وأوامرهم. الللفاء من بني العباس ذات نتائج سيئة فإن أضع
الشعوبية علي العرب عند هذا الحد ،فقد زيفوا الشروح ،واختلقوا القصص ،وافتعلوا األخبار ولم تق
2
ونسبوها جميعاً للعرب لتشويه تاريلهم ،فكان ذلك أخطر على العرب من الحرب الظاهرة .
وابن القُرِّية القائل :الناس ثالثة عاقل ،وأحمق ،وفاجر؛ فأما العاقل فإن الدين شريعته ،والحلم بطبيعته ،
والرأي الحسن سجيته ،وإن نطق أصاب ،وإن كلم أجاب ،وإن سمع العلم وعى ،وإن سمع الفقه روى،
وأمَّا األحمق فإن تكلم عجل ،وإن حُدث ذهل ،وإن حمل علي القبيح حمل ،وأمَّا الفاجر فإن استأمنته خانك
3
علّم لم يعلم ،وإن حدث لم يصدق وإن فقه لم يفقه .
،وإن صاحبته شانك ،وإن استكلم لم يكتم ،وإن ُ
وذكر المدائني أنَّ الحجاج لم يكن يظهر لندمائه أمنة بشاشة وال سماحة في الللق إال في يوم دخلت عليه
ليلي األخيلية فقال :لها لقد بلغني أنك مررت بقبر توبة بن الحُميِّر وعدلت عنه ،فواهلل ما وفيت له ولو
كان هو بمكانك ،وأنتِ بمكانه ما عدل عنك ،قالت :أصلح اهلل األمير لي عذر قال :ما هو ؟ قالت أني
سمعته يقول :
وكان معه نسوة سمعن قوله فكرهت أن أكذبه فاستحسن الحجاج قولها وقضى حوائجها وانبسط في
محادثتها فلم ترَ منه بشاشة وأريحية كما في مثل ذلك اليوم ،.وذكر حماد الراوية غير هذا الوجه وهو أن
عليها وقد اجتازوا بقبر توبة أن تنزل وتأتي القبر وتسلم عليه تكذبه حيث يقول ذُكر القبر زوج ليلى حل
ودمعها على صدرها كغز السحاب فقالت :السالم عليك يا تَوْبة فلم تتم النداء حتى انفرج القبر عن
4
بطائر كالحمامة البيضاء فضرب صدرها فوقعت ميتة فأخذوا في جهازها وكفنها ودفنت إلى جانب قبره .
1
الخضري الشيخ محمد محاضرات تاريخ األمم اإلسالمية الدولة العباسية ط 6ص417
2
أمين أحمد -ضحى االسالم ج 1ص70
3
المسعودي – مروج الذهب – ج – 3دار الفكر بيروت ص 148
4
المسعودي – المرجع السابق ص 149-
45
إذ عملت الشعوبية على عرقلة أنساب العرب زاعمين أنهم كانوا ينكحُون نساءهم في غاراتهم بال عقد
1
نكاح ،فأختلطت أنسابهم وأصولهم وأنكروا كل الصفات الللقية الكريمة.
ربما كانت االنتصارات التي حققها العرب في فتوحاتهم والثراء الذي أصابوه نتيجتها سبباً في
شعور االست عالء الذي أحس به العرب إذ رأوا في أنفسهم الجنس الفاتح السيد ،وأن ما سواهم من األجناس
خُلق لكي يكون في خدمتهم ،وليقوم بشؤون حياتهم اليومية حتى يتفرغ هذا الجنس الفاتح لجالئل األمور
من قضايا السياسة والحرب ،وقد ساد هذا الشعور بطوال عصر بني أمية بما أبداه بنو أمية من تعصب
للعرق العربي ،ومن معاملة الموالي معاملة دون مستوى معاملة العرب فكانوا إذا حاربوا مع العرب
حاربوا مشاه ثم ال ينالهم من الفيء والغنائم إال النزر اليسير ،وكان ال يسمح لهم بسكنى األمصار ومن
2
أسلم منهم لم تسقط عنه الجزية .،
وقد سرى هذا التعصب العرقي من الساسة إلى من يسوسون ،فكان العربي ال يسمح لمولى يتقدمه في
موكب ،وكان ال يناديه بكنيته ألن الكنية فيها تعظيم للمنادى ،وإذا عاد العربي من السوق فرأى أحد
الموالي كلفه بأن يحمل عنه ما شراه ،وربما وقر في أذهان العرب أنَّ الموالي جنس أدنى ال يحق له أن
يتساوى بالعرب في ما أوجبه الشرع من مساواة ،فقد روى صاحب األغاني أنَّ أحد الموالي خطب أحدى
بنات بنى سليم و تزو جها فركب محمد بن بشير اللارجي إلى المدينة ،وعليها يومئذ ابراهيم بن هشام
يشكو إليه ،ذلك فضربه مائتي سوط ،وحلق رأسه ولحيته ،وفرق بينه وبين زوجته وقال محمد بن بشير :
3
ولم ترث الحكمة بعيد . ال
قضيت بسنة وحكمت عد ً
عابوا بدوية العرب وفصاحتهم ،وبالغتهم ،وما كانوا يستعينون به أثناء اللطابة من االتكاء علي أبطراف
4
العصي واإلشارة بالقضبان والقنا ،وسلروا من آالتهم في الحرب .
إنَّ بدا وة الطبع التي كثر الكالم في ذمها ،و تجريحها لم تكن إال في كالم الشعوبية ،وهم قوم أرادوا الغض
تنكر على رجل مثلي أن يظل بدوي في من شمائل العربية ،ولوال ذلك الهجوم لبقيت من المحامد ،فكي
زمن توارت فيه الصراحة ،وكثرة فيه تنمق األحاديث ال بد من خالف بيني وبينك لتجد البحوث األدبية ،
المقدس في حياة العقل ،والوجدان ،فإذا صدرك فهذا الحقيقة ،واكتفيت والفلسفية ،وقوداً يحيى به الله
1
عطوان حسين– الزندقة والشعوبية في العصر العباسي األول -ص 159
2
فوزي أمين وآخر في األدب العباسي – دار المعرفة الجامعية شرق السويس 2006ص 37
3
فوزي أمين المرجع السابق ص 37
2عطوان حسين الزندقة والشعوبية في العصر العباسي األول ص160
46
الذي يقول :إن صحراء تشكو الظمأ وإن البحر يشكو الري وإن اللير في امتزاج بمحاورة الرجل اللطي
1
شاء. شئت وكي البحر بالصحراء إن كان ذلك ما يرضيك فشرق في محادثة ،وغرب كي
وعن الشعوبية وصلتها بنحل الشعر ،تحدث الدكتور بطه حسين عن نشأة الشعوبية ،بعد دخول الموالي
في اإلسالم ،وموقفهم من األحزاب السياسية منذ قيام الدولة األموية ،واستقاللهم اللصومات السياسية
التي كانت بين هذه األحزاب ليعيشوا من جهة ،ويلرجوا من الرق أو من حياة الوالء إلى حياة األحرار
،و السادة من جهة أخرى ،ثم ليشفوا ما في صدورهم من غل ،وينفسوا علي أنفسهم ما كانوا يضمرون
من ضغينة للعرب من جهة ثالثة ثم ضرب أمثلة من حقد الموالي المغوليين ،علي العرب الغالبين ،أعقب
ذلك بأن الشا عر من الموالي كان يكفيه عندما يحاول االفتلار ،أن يثبت أن العرب أنفسهم كانوا قبل أن
يتيح لهم اإلسالم هذا التغلب يعترفون بفضل الفرس ،وتقدمهم ،يقولون في ذلك الشعر يتقربون به إليهم ،
ويبتغون به الثواب عندهم ،وال سيما الحوادث التاريلية ،واألسابطير تعين علي ذلك ،يضرب أمثلة علي
سلطان الفرس قبل اإلسالم بسيطرتهم علي العراق ،واحتاللهم اليمن بعد إخراجهم الحبش ،منها وكان بين
2
العرب والفرس من وقائع تبعية ملوك الحيرة لهم .
يرى الجاحظ أن رسالة فلر السودان علي البيضان كرسالة الترك تصور لنا الحركة الشعوبية تصويراً
واضحاً ،أن هذه الشعوب تحاول أن تثبت وجودها ،وتميُزها ،وفضائلها ،ومأثرها ،وتفوقها علي العرب ،
هكذا دائماً الشعوب األجنبية تحاول زرع العنصرية في أفكار الناس ،كما تحاول أيضًا في النقص من شأن
3
العرب في شتى ميادين الحياة الفكرية ،والسياسية ،واإلجتماعية.
ويوجه الجاحظ في الكالم في مقدمة الرسالة إلى شلص لم يذكر اسمه سأله أن يكتب كتاباً في مفاخر
السودان فيلبي الجاحظ بطلبه ،ويؤل هذه الرسالة التي يبدي فيها عطفاً وظاهراً علي السودان ألنه كان
أسود اللون يميل إليهم بصلة القرابة ،وهو يرد اوالً الرجال العظام الذين أنجبهم السودان ،وذكر منهم
لقمان الحكيم ،ومنهم بالل الحبشي رضي اهلل عنه ،ومنهم المقداد الذي عاش في عهد النبي صلى اهلل عليه
وسلم ،وثمة سبب أخر لكثرة السودان ،وهو ترامي أصفاهم فإذا كان البيضان يسكنون بالد فارس ،
والروم ،وخراسان ،فالسودان يملئون بالد الزنج والحبشة ،والنوبة ،والهند ،ثم إن العرب يعدون السودان
4
ألن لونهم أقرب إليهم من البيضان.
أن األقوال ،و األخبار التي تبين فضائل الفرس ،والنصارى ،واليهود تلفي خلفها شعوبية متنكرة ،حاقدة،
دافنة ،علي العرب والنيل منهم ،ومن أديباتهم ،وثقافاتهم وعقيدتهم ،ونحن نعلم أن الجاحظ حمل علي
الشعوبية التي تبغض العرب ،وتكيد لهم ،وتحاول تشويه دينهم ،وتزوير تأريلهم ،بالدس ،والنحل،
1
سيد أحمد أنور – المعارك األدبية ج 1مكتبة األنجلو المصرية ط1983 1م ص701
2
الجندي علي -في تاريخ االدب الجاهلي ج1مكتبة دار التراث ط1991 1م ص230
3
الجاحظ – الرسائل السياسية ج1مكتبة دار الهالل بيروت ص51
4
الجاحظ – الرسائل السياسية ج1ص51
47
صاحب المحاسن ،واألضداد ،ومن عن موق الجاحظ من النصارى ،واليهود يلتل والتوليد ،وموق
يقرأ رسالة النصارى يتضح له بجالء أن أبا عثمان لم يكن راضياً عنهم ،وال عن الفرس ،والذين هم حملة
1
لواء الشعوبية.
المسود ،وال الشري قال ابن قتيبة :إننا نحن ال ننكر تباين الناس ،وال تفاضلهم ،وال السيد منهم وال
،وال المشروف ،ولكننا نزعم أن تفاضل الناس فيما بينهم ليس بآبائهم ،وال بأحسابهم ،ولكنه بأفعالهم،
وأخالقهم ،وشرف أنفسهم ،وبُعد هممهم ،أال ترى من كان دنئ الهمة ،ساقط المروءة ،لم يشرف ،وإن
كان من بني هاشم ،ذؤابتها ،ومن أمية في أرومتها ،ومن قيس أشرف بطن منها ،إنما الكريم من كرمت
من شرفت همتهُ ،وهو معنى حديث النبي صلى اهلل عليه وسلم(إذا أتاكم كريم قوم أفعاله و الشري
فأكرموه) ،وقوله في قيس بن قاسم (:هذا سيد أهل الوبر ) إنما قيل فيه ذلك لسؤدده في قومه عن حريمهم،
وبزله رفده لهم :،أال تراء أن عامر بن بطفيل كان في أشرف بطن في قيس :
أبا اهلل أن أسمو بأمٍ وال أبِ فما سودتني عامرٍ عن وراث ٍة
وقال قس بن ساعدة ألق ضين بين العرب بقضية لم يقضي بها أحداً من قبل وال يرددها أحداً بعدي ،أيما
ال بمالمة دونها كرم فال لؤم عليه وأيما رجل أدعى كرمًا دونه لؤم فال كرم له ،مثله قول أم
رجل رمى رج ً
المؤمنين عائشة رضي اهلل عنها كل كرم دونه لؤم فاللؤم أولى به ،وكل لؤم دونه كرم فالكرم أولى به ،
وهي تعني بقولها ،أن أولى األشياء باإلنسان بطبائع نفسه ،وخصالها ،فاذا كرمت فال يضره لؤم أوّليته ،
2
وإن لؤمت فال ينفعه كرم أوليته
،وفي أيام الحفل كما فعل الحارث بن حلزة في بطويلته ،وهي رُويَّ أن العرب ال يطيلون إال في المواق
أقرب دليل علي الشعر القصصي ،ومنزلته ،و أسبابه عندهم ،وسياتي الكالم عن سببها في موضعه ،ثم
أن بطبيعة لغتهم تأبى اإلبطالة إلى أكثر ما تبعث عليه الحاجة المفاخرة ،والمقارعة ألن البالغة فيها مبنية
على الحذف ،أو اإلشارة ،واإليجاز ،و االكتفاء من المعنى باللمحة الدالة ،ومن القصة بالمثل المعروف
3
وسيقا بفهم بعضهم عن بعض ،ثم يتفاخرون علي هذه السنة
1
الجاحظ -المحاسن واألضداد ج1مكتبة دار الهالل بيروت ص15
2
ابن عبد ربه – العقد الفريد ج1404 3ه ص 358
3
الرافعي-مصطفى صادق تاريخ آداب العرب ج 3دار الكتاب للطباعة والنشر ص 96
48
الفصل الثالث
أثر الشعوبية في الشعر وبشار بن برد أنموذجاً
المبحث األول :النفس الشعوبيَّ في الشعر العباسي
المبحث الثاني :النفس الشعوبيَّ في شعر بشار
49
المبحث األول
النفس الشعوبيَّ في الشعر العباسي
وممن يسلكون في شعراء الشعوبية أبو يعقوب اللريمي ،ولم يكون جاداً في تعصبه لدى العرب
،وخصومتهم ،إنما كان يطلب التسوية بينهم و بين غيرهم من الشعوب ،لذلك ينبغي أن يتنحى عن جماعة
الشعوبيين ،وأدخل فيهم أبو نواس ،شعوبيته إنما ترجع إلى شغفه باللمر وعكوفه على المجون
،واحتجاجه بالحضارات األجنبية وما وجه إليها سبيالً ويجعلها غاية الغايات في حياته وقد مضى يصور
ذلك بدعوته إلى االنصراف عن الحياة المتبدية اللشنة ،وما يتصل بها بكاء األبطالل ،الوقوف برسم
الديار إلى الحياة الناعمة المترفة ،ويتصل بها من نشوة باللمر والغلو في الشراب ،و اإلغراء في اللذات
1
،وله في ذلك أشعار كثيرة وهو يقول مذريًا من شأن العرب
لطُوبْ
عهْد جِدَ َتهَا ال ُ
وَتَ ْبكِي َ ب
ل َتسِفَيَهَا الجَنُو ْ
دَع األبطْال ُ
شهُم جَدِيَّـــــب
وَالعَ ّيشًَا وَعَ ْي َ عرَابْ َلهْــ َواً
َولَاَتَأخُ ْذ عَنْ األ ْ
ش بَيْنَهُم غَرِيـَّـب
ق العَيْ َ
رَقِ ْي َ شرَبُهَا الرَّجَــال
ع األلْبَانْ َي ْ
دَ ْ
2
ك حُوُب
ج َفمَا في َذِل َ
حرَ ُ
َولََا تُ ْ ل عليه
ب قَ ِب َ
حلِيْ ُ
ب ال َ
إ َذاَ رَأ ْ
لهوه ثم يرجع كرة أخرى علي التحقير من شأن العرب وحياتهم إذ وهكذا يمضى أبو نواس في وص
يقول :
حلِيْب
ن ال َ
وَهَذَا العَيْشَ لَا اللَبَ ْ ال خَيْ َم البَوَادِيّ
ش َفَهَذَا العَيْ َ
3
ن الـــــــــ ِزرُوب
ن مَيَادِيْ َ
ن مِ ْ
وَأيَّ َ سرَىَ
ن ِك ْ
ن البَدُو مِنْ إيْوَا َ
فَأيَّ َ
1
ضيف شوقي – تاريخ األدب العربي ج 3دار المعارف مصر ط 14ص78
2
يوان أبو نواس ص11
3
يوان أبو نواس ص559
50
وفي رأيَّ الشلصي هكذا كان أبو نواس سائراً على العرب بشعره بصورة واضحة أخطر مما كان عليه
بشار بن برد في التصغير والتقليل من شأن العرب في تصوير سيئ جداً لحياة العرب في البادية
والحاضرة.
األبطالل وكان أشجع السلمي ،وأبو حيان الموسوس ،وديك الجن الحمصي يفضلون أن يُستبدل بوص
اللمر ،وتصوير مجالسها فإن عبداهلل بن أمية ال يزدري ذلك فحسب ،بل في أوائل القصائد ،وص
يزدري أيضاً كل ما يتصل به من أسماء الجاهلية ،ومحبوبات راحالتٍ ويتجه بحبه فقط إلى غالمه (مهنا )
1
الذي بهره وسحره إذ يقول :
جهُولِ
ُل َ
َذرْهَا ِلك َّ دَارَ سَلَّـــــــمَى َولَاتَصِ
جمُولِ
ن غَدا ال ُ
عَمَّ ْ ِحب مُهنَّـــــــــا
ْبي ب َّ
حس َّ
َ
2
ن قَتُولِ
بالمُ ْقلَتَي ِ س
صعْب العِنَانِ شُمـــــــــو ٌ
َ
رأيه عن الشعراء السابقين ،ألنه ال يدعو إلى استبدال شكل فيلتل أما أبو محمد عبداهلل أحمد بن يوس
بشكل ،ال بطراز بطراز ،بل يدعوا إلى إهمال المقدمات كلها ،وإلقاء كل ما يتصل بها أو يتشعب عنها من
اإلبل والصحراء اذا يقول وص
ب قِطا َوظِبـَـــــــاء
تَهوِى َكسَر َ كل نجيَّ ٍة وَعَقِيلةٍ ع وَص
دْ
3
شعَراء
ب َومَدحَ ُة ال ُ
لطِيْ ِ
ب ال َ
خطَ ُ
ُ حكَ سَيَّدًا تَبهَى ب ِه
وَأقصْد ِبمَدْ َ
والشعراء الذين يتميزون بالنفس الشعوبي الحاد علي العرب ديك الجن الحمصي حيث كان شديد التشعب
والعصبية على العرب ويقول :ما للعرب فضل علينا جمعتنا وإياهم والدة براهيم عليه الصالة والسالم
ال منا قتل به ،لم نجد اهلل عز وجل قد فضلهم علينا وهو من
وأسلمنا كما أسلموا و من قتل منهم رج ً
1
بن المعتز – طبقات الشعراء ج 1تحقيق عبد الستار أحمد دار العارف مصر ص323
2
ديوان ديك الجن الحمصي دار طالس دمشق 1989م ص202
3
يوان ديك الجن الحمصي ص 205
51
الشعراء العباسيين الذين ينتمون إلى الشعوبية كانت له جارية يحبها فأتهمها بغالم فقتلها واستنفذ شعره في
رثائها وهو يقول :
1
جهَلت
حمَلت حَتَى َ
علَم إنَّي َ
أْ حمَلت وَالَ
جهْل قَ ْد َ
ل ذُوا ال َ
قَا َ
ولكن أبا نواس يجهر بدعوته في فواتيح مدائحه ،فإنها جميعًا تكاد تللو خلوًا تامًا من أيةِ اشاد ٍة إليها
،وإنما كان يذيعها في فواتح خمرياته ،فان في ديوانه ما يقرب من أربعين خمرية بين مقطوعة ،وقصيدة
كلها مرفوع عليها الفتات الثورة ،وشعاراتها التي كان يدعو فيها دعوة صريحة إلى مذهبه ،ويهاجهم
الوسائل و والجًا اليه أكثر السبل ،فهو تارة يدعو ال إلى ذلك بملتل
مهاجمة شديدة أنصار القديم ،متوس ً
الدمن ،والرسوم ،ويسلر من أولئك الذين يتمسكون بهذا القليد ،و يحضهم إلى نبذ افتتاح القصائد يوص
2
اللمر ومجالسها ،وعلي نحو ذلك ما يتضح في قوله علي وص
ت وَالَوَتـَـــــــــِد
خلَ ْ
ف َ
وَالَ أثَا ٍ َطلَـــــــــــةِ
الَ ُتعَرَّجْ علي ُمع َّ
3
ق مُعَّتَمـــدِ
ن الحَدي ِ
خ بَيْ َ
بال َكرْ ِ ف
س علي شَ َر ٍ
و مِل إلى مَجْل ٍ
ومما هو معلوم أن العصر العباسي اتشرت فيه المجون ،ودور اللهو ،والجواري النصرانيات ،والروميات
،و الفارسيات وقد كانت لديك الجن الحمصي عالقة بجارية نصرانية ،وهي كانت جزء من قصة حياته
المشعبة باأللم ،والندم ،والمرارة ،وكانت الجارية من أهل حمص ،وأصبحت ال تبارح خياله حتى غلبت
عليه فأشتهربها وحيث دعاها إلى اإلسالم فأجابته لعلها برغبته فيها ،وأسلمت علي يده فتزوجها وفي ذلك
يقول :
ط بِلَ َبرَهَا
حُمِنْ رِيْقَهَا مَنْ لَا يَ ِ س ُمهَـــــا
ت يَلْتَبِر أ ْ
وَرَّيَة الوَجَنَا َ
1
ن َث ْغرِهَـــــــا
وَرَّدِيْ َة َومَدَامَ َة مِ ْ ن كَ ِفهَـــــا
س مَدَامَ ٍة مِ ْ
ك كَأ ٍ
ُتسْقِ ْي َ
1
أبو الفرج األصفهاني – األغاني ج 12دار الجيل بيروت ص144
2
نور الدين حسن جعفر– األعالم من األدباء والشعراء دار الكتب العلمية بيروت ط1990 1م ص 37
3
ديوان أبو نواس ص 134
52
وهكذا كانت حياة ديك الجن كان ماجناً ،مترددًا علي دور اللهو ،والمجون في حمص ولم يغادرها البتة.
كانت قصائد ابو نواس أدق مثال يصور حملته علي العرب وتهكمه بهم ،وبوسائل لهوهم ،وبكل
ما شاع بينهم وعرف من قصص حبهم ،كما أيضاً إكبابه علي الحياة الجديدة ودعوته إلى االنغماس في
آثمها والتمتع بأزهرها ،ريحانها ،وإمائها ،وغلمانها وهو في ذلك يقول :
ح وَال َمطَرا
يُقَاسِيَّ الرِّيْ َ دَعْ ال َرسْمَ الذي دَ َثرَا
لطَرا
ت وَال َ
في اللذَا ِ ع ال ِعلْ َم
جالً أضَا َ
َوكُنْ رَ ُ
ح وَال ُعشَرا
عَنْهَا الطَّلْ َ ض بَاعَدَ الرَّحْمنُ
بأرَّ ٍ
ن حَافَاتِهَا ُزمَـــــــرا
مِ ْ وإنَّ شِيْئنَا حَثَثْنَا الطَـــ ْيرَ
لمَـــــرا
شرْبُهَا ال َ
يُبَا ِك ْر ُ ن قَالْوا اقْتُلُوا عَ ْنكُـــم
وإ ْ
2
بِقَ ْفرَ ِتهَا َولَا وَبَـــــــــرا السَيْــــداً
ش َك العَيْ ُ
فَذَا َ
ألوانهن فيذكر أن ديك الجن رُويَّ عن الشعراء الشعوبيين أنهم كانوا يتميزون بحبهم للجوري بملتل
،فقتلها ثم ندم علي ذلك وأكثر من التغزل بها الحمصي كانت له جاريه إسمها دنيا فأتهمها بغالم وصي
،وكان مشغوفاً بحبها ،وعندما قتلها أحرق جسدها وأخذ رمادها وخلط به شيئاً من التراب وصنع منه
كوزين لللمر وكان يحضرهما في مجلس شرابه ،ويضع إحداهما عن يمينه واآلخر عن شماله وفي
موت الجارية يقول :
3
ى بِيَدَ ْيهَا
وَجَنَى َلهَا َثمَرْ الرَدَ َ حمَام عليها
بطلْع ًة بطَالِع ال َ
يَا َ
1
عطوان حسين مرجع سابق ج 1دار الجيل بيروت ص 187
2
ديوان أبو نواس ص 557
3
،نورالدين حسن جعفر –االعالم من األدباء والشعراء دار الجيل بيروت ط 1ص40
53
في مقطوعة من ثالثة أبيات يشير ديك الجن إلى اللمرة وقد انبعثت منها روائح المسك ،والعنبر
جميل مورد اللدين هو في ذلك يقول : ق مهفه
بلونها الوردي ويحملها سا ٍ وهي تتأل
ك وَالعَنْبَــــرُ
سُيَنْفَتِح مِ ْنهَا ال ِم ْ وَقَهْو ٍة كَوْكَ ُبهَا يَزْهُــــو
ن خَدِه ُتعْصَــــــــرُ
كَأ َنهَا مِ ْ ح ِمُلهَا مِ ْثُلهَــــا
َورْدِيَ ٌة يَ ْ
1
مُ ْذ كَانَ إال كَس َد الجوَهـــرُ حكً
ُمهَ ْف َه َ لَ ْم يَبْ َتسِ ُم ضَا ِ
وهو يتحدث في مجلس خمري غرق في حلباته فبعد أن يدعوا إلى معاقرة اللمرة ليل ونهار يشير إلى
الكأس التي يحملها الساقي ،وقد أوشكت أن تحرق يده ،وهي تتألأل لمعاناً و بريقًاً كأنها استعار لونها من
2
خده وأدارها علي الجالسين الذين ظلوا يستلون روحها وهي تأخذ من أقدامهم ثأرها .
كما اشتهر من شعراء الشعوبية بحب اللمر والتلذذ بشربها الحسن بن هاني كان يحب اللمر
ومجالسها والتردد علي المجون ،والتغزل في الغلمان ولديه قصائد كثيرة في اللمر تعرف باللمريات
ويرجع ذلك إلى لهوه وعبسه في مجالس اللمر إذ يقول في التلذذ في شرب اللمر :
وفي رأيّ هكذا كان الشعراء الشعوبيون كثيري اللهو تارة وتارةً أخرى ينقصون من شأن العرب وساداتهم
وأنهم بكيدهم هذا يلطئون كثيراً في آداب وثقافات العرب
وكان أغلب الشعراء الذين رموا بالشعوبية يتلذذون بشرب اللمر ،أقبل ديك الجن الحمصي علي اللمر
بلهفة ،عب من دنانها ،وكؤوسها حتى صار ماجناً خليعاً عاكفاً علي اللمر ،واللهو ،والعبث وقد ذكرها
1
ديوان ديك الجن الحمصي ص222
2
نور الدين حسين جعفر االعالم من األدباء والشعراء دار الجيل بيروت ج 1ص92
3
ديوان بشار بن برد عاشور محمد الطاهر
54
كثيراً في شعره ،فوصفها ،وتحدث عن تأثيرها في نفسه ،وأشار إلى ألوانها ،ومجالسها ،فهي حمراء
تحاكي وجنة المعشوق إذا مزجه بالماء أضحت نرجسية صفراء كلون العاشق المتيم وفي ذلك يقول :
س وَشَقَائِـــــقٍ
ت بَيْنَ ثَوْبِي َنرْجِ ٍ
بَدَ ْ ج صَ ْفرَاء َبعْـــدِ ِه
ح ْمرَاء قَبْل ال َمزْ ِ
َ
شقٍ
عليها َمزَاجًَا فَاكْ َتسَت لَوَن عَا ِ فسلطُوا
ت وَجَنَة ال َم ْعشُوق صَرفًا َّ
حكَ ْ
َ
ن في دِعْصَينِ
في غُضَيْ ِ ى قدَّحَيْـــن
ن حَا ِملّ ْ
أفْديكُما مِ ْ
في رأيّ بصفتي باحث في هذا الشأن أن الشعوبية يعيرون العرب باختالفهم في األنساب ،واستحقارهم ،
واالدعاء بأنهم أشراف يفتلرون بذلك كثيراً وقال بجير في ذلك :
ن البَرَابـــــــــرِ
بَيْنَــــكُم ُقرْبَـى وَبَيْــ َ ف
بأن الهِنْد أوْالَ َد خِنْــــد ٍ
عمْتُم َّ
زَ َ
عمْروبن عَامــر
ن أوْالَد َ
وَ ُبرْجَان مِ ْ سلٌ
ن َنسْل ابْن ضَبْة بَا ِ
وَدَ ْيلَم مِ ْ
ك األكَاسُــــــــرِ
ى بِ ُقرْبَانَا مُلـــو ُ
وَأ ْولَ َ بَنُو األصْفَر األمْالكُ أكْر ُم مِ ْنكُم
2
َعي مُجاهـــــــدِ
ن د َّ
َولَم تَر سِتْرًا مِــ ْ صهْرًا دَاعيًَّا مُجَاهداً
طمِ َع بي ِ
أ ُت ْ
صنع ابن غرسية وهو مولى إقبال الدولة بن مجاهد ملك دانية ،الرسالة الشعوبية في
تفضيل العجم علي علي العرب ،وعارضها جماعة من الفضالء ،وأبو جعفر ممن عارضها وفيه ابن
غرسية هاجياً له :
55
وَجددُّكم الجَاز ُر األكْب ُر ال تَائـــــهاً
َجر ذِيُول ال ُع َ
ت َّ
1
ومَثلُك يا سَيْدي يَفْتَلرُ ب
ال حَاح ٍ
َفهَذِي العُال الَعُ َ
اللريمى الشاعر المشهور يكثر في شعره من االعتزاز بالنسب الفارسي ،والتحقير من شأن
َّ وكان
العرب وفي ذلك يقول:
ويقول أيضاً:
ج ْهلُ
ق جَارَتِى ال َ
ال ِ
خَ سِفَاها َومِنْ أ ْ جمْـــلُ
الصغْ ِد بَأس إذ ُتع ََّيرُني ُ
أبَا ُّ
ل
ن والع ََّق ُ
لرَ إال فَوقِ ِه الدي ُ
َفلَا فَ َ َملِـــــــي
ج ْملُ أوتَتَج َّ
ن تَفْلَريَّ يَا ُ
فَإ ْ
ضلُ
علَا ُء وَالَفَ ْ
لقَ ْب ٍر علي قَ ْب ٍر َ شرْعََا في الحَيَاةِ وَالَ يـُـــرَىَ
ى النَاسُ َ
أرَ َ
عكْل
َولَم َتشْتَمل جَرْ ٌم علي َولَا ُ َومَا ضَرَّني أنْ لَ ْم َتلِدْنَّي يَحَابــــــــــ ٌر
ن قَ ْبلُ
ن مِ ْ
ك مَا كَا َ
ن المَجْدِ لَ ْم يَنْ َف َع َ
مِ ْ إذَا أنْتَ لَ ْم تَحْ ِم القَدِيْ َم بَحَـــــــارِث
حسِيْبـــــُ
ن َ
ب في األكْ َرمِيْ َ
حسَ ٌ
لَهُ ْم َ خ فَوَا ِرسَــــــــًا
ن مَرْ ٍو وَبَل ٍ
ت مِ ْ
وَنَادَيْ َ
ب
فَ ُيكْ َث ُر مُ ْنهُم نَاصِــــرَىَ وَيَطِيْـــ ُ سرَتَا لَا دَا ُر قَ ْومِي َقرِيـْبـَـــــةٌ
حْفَيَا َ
ن نَسِيْــــبُ
ن لي لو َت ْعَلمِيْ َ
وَخَاقًا ُ ن ِكسْرىَ بن هُـــــــرْم ٍز
وإنْ أبي سَاسَا ُ
وفي رأيّ هكذا كانت دماء الشعوبيون حامية ،ونفوسهم ساخرة علي العرب ‘وملكهم ،وأدبياتهم.
ويقول :المتوكلي وهو كان من ندماء المتوكل ،مفتلراً ومُعلي ًا من شأن العجم
ك العِجَ ْم
ث ُملُو َ
وَحَائ ْز إرْ ِ ُم
ل ج َّ
سِن َن ْ
أنَا ابن األكَارِ َم مِ ْ
56
ن حِقْدَهُم لَمْ أنمْ
ن نَا َم عَ ْ
َفمَ ْ ب أوْتَارَهُم جَــــــــهرةً
َوبطَالِ ُ
ل النَدَمْ
هَُلمْوا إلى اللُل ِع قَ ْب ُ جمَعِيْـــــــنَ
فَ ُقلْ لِبَني هَاشِمْ أ َ
ي الغَنَمْ
ل الضَّبَاب وَرَعِــــ ْ
ضكُ ْم بالحِجَا ِز أل ْك ِ
َفعُوْدُا إلى أرْ َ
1
حسَام وَحــــَرَف ال َقلَــــم
بِحَد ال ُ سرِيَّر ال ِملُوك
فَإنيَّ سَأعَلو َ
وفي رأيّ الشلصي وقد شعر العرب بلطورة موقفهم ،ولكن لم يستطيعوا دفع الشر عنهم ،ونجد في كثير
من الشعر في ذلك العصر.
أن الحجاج لما خرج عليه ابن األشعث ،ولقى ما لقى من قرى أهل العراق كان يشتت شمل الموالي حتى ال
يتألفوا ،و ال يتعاقدوا فقال قراهم أولى بهم ونقش علي كل واحد منهم اسم البلدة التي وجهه إليها ،وكان
الذي تولى ذلك منهم رجل من بني سعد بن عجل ابن لجيم ،ويقال خراش بن جابر وقال شاعرهم في ذلك:
ك حتى عا َذ بالحَكَم
لَوفر شَيْ ُ ش العِجْليُّ راحتَ ُه
ن نق َ
أنت مَ ْ
2
حكَم بن أيوب الثقفي عامل الحجاج علي البصرة
ويريد بذلك ال َ
1
أمين أحمد– ضحي االسالم ج 3ص83
2
ابن عبد ربه العقد الفريد ج 3ص364
57
المبحث الثاني
النفس الشعوبيَّ في شعر بشار
قال الموصلي :كانت بالبصرة لرجل من آل سليمان بن على جارية ،وكانت محسنة بارعه الظرف
والجمال ،وكان بشار بن برد صديقاً لموالها ،مراداً له فحضر مجلسه والجارية عنده ،فشرب موالها
،وسكر ونام ،ونهض ،لإلنصراف ،فقالت الجارية لبشار :أحب أن نذكر مجلسنا هذا في قصيدة وترسل
بما إلي على أال نتذكر فيها إسمي ،وإسم سيدي فقال وبعث بها مع رسوله إليها :وإذ يقول بشار بن برد في
2
ذلك.
س ْكرَانَا
ت تُغنَّي عَميدُ القَلبُ َ
بَاتَ َ س صُـــــــــ َورَتُها
شمّ َ
َأن ال َ
ل ك َّ
ت َد ّ
وذَا َ
ن قَتْالنَا
قَتَلـــــنَنَا ثُم لم يَحِيي ُ ن التي في بطَّر ِفهَا حُـــــــــــــــور
إن العُيُو ْ
َّ
حسَانَا
فأسمِعينَّي جَذَاكِ اهلل إ ْ
َّ ت يا سُؤلي و يا أمَـــــــــــــــلي
حسَنْ ِ
فَقُلتْ أ ْ
ن كَانَا
ن مَ ْ
وَحَبذَا سَاكِن الرَّيا َ ن جَــــــــــــ َبلٍ
ن مِ ْ
يا حَبْذا جَبَل الريا َ
ب حَيْرانَا
ن صَــــبَّ القَل ُ
هَ َذَا المِن كَا َ قَالت :فَهل فَدتك النَفْسَ أحْسَن مِنْ
ن أحَيانَا
ق قَبْل العَيْ ِ
األذِن َتعْشــ ُ َي عَاشِـــــــــقَةٌ
ض الح َّ
يا قَومِ أذنَّي لِبَع ِ
ب واألحَشا ِء نِ ْيرِانَا
أضَّ َرمَتْ في القَل ِ س بطَالِع ٌة
شمّ ُ
ت ال َ
حسَنَّتِ أنَّ ِ
فَقَلتُ :أ ْ
يَزي ُد حُبًا مُحِبًا فِيْك أشْجَانَا فأَسَّمعيْنَا غنِاء ُمطَرباً َهزِجـــــــــــــــ ًا
3
تُبدي ال َترَنمُ لَاْ تُكفِي ِه ك َِّتمِانِا ت عُوُدهَا ثم انَّثَنت بطَـــــــــــــرَبًا
فَحَرك ْ
1
ديوان بشار بن برد عاشور محمد الطاهر ص75
2
الصفدي نكث الهيمان في نكت العميان ج 1ص 24
3
ال عن المعافي ابن زكريا –الجليس الصالح واالنيس الناصح – ج( 1د ،ط) (د ،ت) ص89
قول بشار نق ً
58
بال شك أن الجارية وسيدها هكذا كان بشار مجيدًا لموسيقى الشعر في دور الللفاء كان بارع في الوص
الجيد والجذل . تمتعا بهذا الوص
كان بشار مولي لبني عقير ،ويقال لبني سدوس ويكنى بأبي معاذ ويلقب بالمرعث ،المرعث الذي
جعل في أذنيه الرعثات ،وهي القربطة وكان يرمى بالزندقة وهو مع ذلك يقول
كان بشار أحد المطبوعين الذين كانوا اليتكلفون الشعر ،وال يتعبون فيه ،وهو إمام الشعراء المحدثين أي
1
أشعرهم .
كان والد بشار بن برد ،يضرب اللبن أو الطين ،وقد ذكر ذلك حماد عجرد فقال "اللفي " ولريح
اللنزير أهون من ريحك يا ابن الطيان وقد ذكر ابن الحوق يحي روايته عنه أنه قال لمن دخلت علي
المهدي قال لي فيمن تعتد يا بشار ؟ فقلت أما اللسان والرأي فعربي وأما األصل فعجمي كما قلت :
ت ال َعلَمُ
ن ذَا َوكُنْ ُ
ن مَ ْ
يَقُولُو َ ت قَومًا بِه ْم جُنَّــــــــــــــــــــة
نُبِئ ُ
ش والعَجَمُ
َصلي ُقرَي ٍ
ِفرُوعِي وأ َّ ت فـــــي ِكرَا ْم بَنَّي عَام ٍر
ِنمْ َ
2
وأَصْبَي الفْتَاة فَما َتغْتَنِ ُم و إنَّي ألَغْنَي مَقْامِ الفَــــــــتــــــــــى
وفي ذلك يقول : مغنيه اذا يعتبر بشار من البارعين في الوص قال بشار بن برد في وص
ع
ب مَطِيَّ َة رَا ِ
بِبُؤسٍ َولَ ْم َت ْركَ ْ ش
ل اللَيَّزرَانْةِ لَمْ َتعِ ْ
وصَ ْفرَا ُء مِ ْث ُ
ع
ن مُزهِــــ ٍر و َيرَا ِ
لِز َوَارِهَا مِ ْ ن فَ ْوقَ ِلسَانِها
جرَى اللَّؤل ْؤ ال َمكْنُو ْ
َ
ع
س دَا ٍ
ُقلُوبًا دَعَاهَا لل َوسَــاوِ َ ت
بطرَا ِفهَا العُودِ زََّل َزلَ ْ
تأ ْ
إذَّ قَلَّدَ ْ
1
َنشَاوِىّ وَما َتسْقِيهِ ُم بِصَواعِ ح ِد ْيثُهَا
ن تَ ْغ ِر ّي ُدهَا وَ َ
ن ِم ْ
يَروْحُو َ
1
ال عن ابن قتيبة – الشعر والشعراء – ج1تحقيق عبد الستار أحمد دار المعارف مصر ص162
قول بشار نق ً
2
قول بشار نقالً ابن سعد الخير – القرط علي الكامل – ج 1مكتبة أنقرة تركيا ص180
59
قال المبرد في حقه لم يجتمع ألحد من المحدثين في بيت واحد هجاء رجل ومدح أبيه اال لبشار بن
برد ،ولما قعد حماد عجرد لتأديب ولد األمين ،قال بشار بن برد هاجياً ومادحًا في بيت واحد إذ يقول:
ب
ن بطِيْ ِ
ل مِ ْ
لِب َي ْعلَ ُم مَا بِالسَ ْ
وَالذِئْ ُ ن الذِئْبَ َأ ِكلَهُ
ل َيعَلمُ أَ ْ
لْالسَ َ
ب في الغَنَ ِم
وَقَ َع الذِئْ ُ ل ال تَنَ ْم
ضُيا أبَا الفَ ْ
خ سُو ٍء قَ ْد اغْتَنَمْ
شَيْ ُ حمَا َد عَجرد
ن َ
إْ
ف مِـــنْ األدَمِ
في غِال ٍ حرْبَ ُة
ن فَلَذِيْ ِه َ
بَي َ
ويقول معرضاً بأعرابي آخر قال له (ما للموالي وللشعر )تعريضاً نفذ منه إلى االفتلار بأصله اللراساني،
وأنه من جملة أبناء مرازبة بطلارستان ،أهل اليسار ،والترف في مطاعمهم اللذيذة ،وأوانيهم الذهبية
،الفضية ،ومالبسهم الفاخرة ،ومراكبهم الفلمة في ذلك يقول :
ن بطُلَارِ
ب مِ ْ
تُنازعني ال َمرَازِ ُ أنا ابْن األكْرمينَ أباً وأمــــــــــــــًا
ب الحِبَارِ
ج للحَر ِ
َركْبُ في ال َفرِيْدَ إلى النَّدامــــــــــى وفى الدَّيبِا َ
وَن َّ
ق الكِبَارِ
وَسفلَ بِال َبطَارِ ْي َ عالَ لعَبـــــــــــــــــــــــ ٍد
ن َ
إذا انْقَلبَ ال َزمَا ُ
1
ن خَسارِ
ك مِ ْ
حسْب َ
حرَار َ
بَنَّــي األ ْ ع
تُفَاخُر يَاْ ابْنَ رَاعِي ٍة َورَا ٍ
1
القرشي الجيعي – حماسة القرشي – ج 1دار مكتبة هجر للطباعة والنشر سوريا ص34
2
االبشهبي شهاب الدين المستطرف في كل فن مستطرف – ج 1مكتبة الحياة للطباعة بيروت ص246
60
وفي رأيّ بصفتي باحث في هذا الموضوع أن الفكر الشعوبي دائماً ما يحاول النيل من العادات العربية
والقيم الجميلة التي تميّ ز بها العرب منذ عهد الجاهلية ويحاولون بطمس وتدنيس تلك القيم بشتى السبل
والنواحي .
ويقول بشار بن برد مهاجماً للعرب ،مزرياً بحياتهم الوعرة القاسية ،ومآكلهم الفظة ،ومالبسهم
الغليظة ،وأنسابهم المعمورة ،معلياً نفسه عليهم ،ملحقاً لها بأبناء ملوك الفرس ،والعجم ،وزاعماً أنه
يطرق أبواب الللفاء ،ويحظى عندهم بمكانة سنية ،ويعيش معيشة ناعمة ،و في ذلك يقول في أعرابية
ن كبدْ
ضب ومِ ْ
َّ ب
ن قل ِ
بأشوي ٍة مِ ْ ع اذا راح عندها
لها وال ٌد رَا ٍ
يلينُ له بَاب ال ُهمَام إذا وَفــــــ ْد أبي نجل أمالك وزو ُر خليف ٍة
ل ومَن قَصَدْ
ن جَاز السبي َ
متاعٌ لِم ْ ب
وأنتِ لقا ٌة بين خَِّل ٍ وأكل ٍ
ن عيشها النَكدْ
س مِ ْ
ترى غيرًا بالنف ِ ن قَومٍ عليهم غَضَاضةُ
ك مِ ْ
وإن ِ
يقول بشار ممتدحاً ومفتلراً ومباهيًا بانتسابه للعرب وفي ذلك يقول :
رُويَّ عن بشار بن برد أنه لم يكن يحس أصله اللراساني في العصر األموي ،بل كان مشدوداً إلى مواليه
العقيليين ،معتزاً بانتمائه إليهم ومدافع عن سياستهم ،مصرحا بذلك تصريحا مجلجالً كقوله يفتلر بوالئه
لبني عقيل وهو في ذلك يقول :
3
من بطلي األعناق مَوضِ َع السَيَّ ن بني عُقيلٍ بن َكعْبٍ
إننًّي مِ ْ
يقول بشار أيضاً ممجداً لبطولتهم ،نكاية بأعدائهم ،مؤازرتهم لمروان بن محمد وهو آخر خلفاء بني أمية :
ص َر الحَقَّ بطَالبهُ
ن حَتَّى أبْ َ
ن العَيْ َ
ك األولى شَقُّوا ال َعمَى بِسُيُوفَهُــــم عَ ْ
أُوال َ
1
ديوان بشار بن برد عاشور محمد الطاهر ص229
2
– المرجع السابق ص151
3
أبو الفرج األصفهاني – األغاني ج 3دار الكتب المصرية ص139
61
ن ال تَبْكيِّ عليه َقرَائبهُ
وأزعَ َ وأي قَبيَّلـــــــــــــة
ص َُّي امرىء عَا ٍ
فأ ُّ
يتميز شعر بشار بأنه تارة يفتلر بأهله الفرس ويفضلهم على العرب وتارة يفتلر بالوالء واالنتماء إلى
العرب والفلر بهم وتارة أخرى يتبرأ من والء العرب فيقول في ذلك :
1
ناصر محمد مهدي محمد ديوان بشار بن برد ج 1دار الكتب العلمية بيروت ص30
2
ديوان بشار بن برد ج 1دار الكتب العلمية بيروت _ تحقيق محمد مهدي محمد ناصر ص31
* *فرخ الزنج العبد األسود * الكندير :الحمار * النتيج :الحاصل من تزواج الحيوانات *الكمار :اإلتيان*الفعال من الجود الكرم ونحوه
62
يقول بشار في الغواني والتغزل بهن :
على الغزلي سَــــالم ُ اهلل منَّي وإنْ صنع اللليف ُة ما يشا ءُ
سكُ ما ُء 1
ومن راح به ِم ْ ن الجَوَاري
فهذا حين تُبْ ُ
1
ناصر محمد المهدي ديوان بشار بن برد دار الكتب العلمية بيروت ص20
2
عاشور محمد الطاهر ديوان بشار بن برد ج 2ص107
الغضات :فردها غضة وهي المليحة الشابة *السموط :فردها السمط وهي القالدة * الغَّر :القاصرات من النساء *الراح :من أسماء الخمر *الملق
:التودد *الداء العليا :مرض العضال
63
أهله الفرس بأنهم ملوك األزمان وأنهم اليزالون ملوك يقول بشار بن برد وهو يص
ب
جمِي َع ال َعرَ ِ
عَنَّي َ ل مُلَيرٍ
هَل مِنْ َرسُو ِ
ت يومًا نَسَبي
عَدْد ُ وَقْيْصَر خَــــــــــالَي إذا
سغَبَ
يَثْقُبُـــها مِنْ َ وال أتى حَنْــــــــــــظلَ ًة
لشَبِ
يَلْبُطهَا بال َ عرْفـــــــــــطةً
وآل أتى ُ
ب
مُنَضْنِــضًا بالذَنَ ِ َولَا شَوَيْنــــــــــــــــَا َورَالً
1
حزَبِ
ب ال ِ
ت ضَـ َّ
أكْل ُ ت َولَا
وال تَقَعَّصَـــــــ ُ
ويقول أيضًا
ت ودُودا
قلدتهم مرحي وَكُن ُ أبلغ سراة بني اللصين بأننَّــــــي
1
محمد مهدي ناصر ديوان بشار بن برد دار الكتب العلمية بيروت ص 181
*األقطاب مفردها القطيب وهو الشراب الممزوجٍ* العلب :مفردها العلبة وهو قدح من الجلد ال ينكسر* حداء غنى لإلبل وسار بها *الجرب :الذي
اصابه داء الجرب * العرفطة :نبة رائحتها غير طبية * الورل :ديب يشبه الضب * منضنض :محرك ذنبه *تقصعت :تحرشت بالضب في
جحره* الحِزب :هي الغليظة
2
عاشور محمد الطاهر خ ديوان بشار بن برد ج 2تحقيق ص 230
64
ويقول مفتلرًا بأهله الفرس :
الصلُبِ
بِالشَام أرْض َّ ت
حتَّى إذا ما دوِّخــــــــ ْ
ل ذي لَجَبِ
في جحف ٍ سرْنا إلى مِصْــــ َر بــها
ِ
ِي ال َعرَبي
ل النَب َّ
أ ْه ِ ك فِــــي
حتَّى رددْنَا المــــ ْل َ
سرَى الغَضَبِ
أْ ب هلل ولإلسالمــــــ
َنغْضَـــــ ُ
1
أنا ابن فَرْعي فارِســــــــٍ عَنْها المحامي العَصِبِ
سَاقِي الحَجِيَّجِ ومِ ْنكُ ُم مُنهبُ الزَّادِ مِ ْنكُم نَبِيُّ الهُدَى يَ ْقرُو مَحَاسِنَ ُه
فوُج وَفو ٌد وَفَوجٌ غَيْر َوفَّـــــــــــادِ صَلَّت َلكُمْ عَجَمُ اآلفَاقِ قابطِبَ ًة
2
خروا سُجُودًا وما كانوا ِبسُجَّــادِ ن كَانوا علي عَجَبٍ
إذا رأوْكم إ ْ
1
ناصر محمد المهدي ديوان بشار بن برد _تحقيق ناصر دار الكتب العلمية بيروت ص182
2
عاشور محمد الطاهر ديوان بشار بن برد ج 2تحقيق محمد الطاهر عاشور ص209
65
الخاتمة
الحمد اهلل رب العالمين والصالة والسالم على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحابته
أجمعين في ختام هذا البحث الذي تناول أثر الشعوبية في الشعر العباسي وكان للشعر في العصر العباسي
نفس شعوبي حاد جداً علي العرب والنقص من شأنهم ،واحتقارهم ،والحط من مكانتهم بين الشعوب كما
يعتبرونهم رعاة ،وبدواً وأنهم بعيدين كل البعد عن الحضارة ومن خالل تلك الدراسة توصلت إلى النتائج
التالية
/1أنَّ الشعر عند الشعوبية وخاصة قصائد بشار بن برد اتجه إلشاعة المجون وشرب اللمر وكثير من
المفاهيم التي تنافى مع العقيد اإلسالمية بغرض المساس بمرتكزات هذه األمة والقيم التي تؤمن بها
/2كما توصلت إلى أن الشعر الشعوبيَّ قد حمل بعض اإلشارات لتقديس اآللهة بغرض إشاعة القيم التي
كانت تؤمن بها بعض تلك الشعوب بين العرب ،والمسلمين
/3وإلى أنهم كانوا من خالل تلك القصائد كانوا يصفون العرب بلشونة العيش ،والغلظة ولهذا فهم ليسوا
أهل حضارة مدنية ولهذا فقد كانت تلك اإلشارات في الشعر الشعوبيَّ توضح حقدهم الدفين على هذه
األمة
إن الوفاء بالعهود خلق عربي وحافظوا عليه لما جاء اإلسالم أيد ذلك
َّ /4
أن الفكر الشعوبيَّ ارتكز على فكر اليهود والفرس الذي ينبني على أساس من العنصرية من خالل
َّ /5
نظرية شعب اهلل الملتار ،وأرستقرابطية الدم الفارسي
توصي الدراسة بالوقوف على األدب العربي لبيان ما يحمل بين بطياته من قيم دينة وسالسة في األسلوب
وعزوبة في المنطق
كما تقترح الدراسة إجراء مقارنة وموازنة بين القيم التي تنبتها أشعار وقصائد الشعراء الشعوبيين
،والشعراء العرب في فترة الصراع بين العرب والموالي لبيان دور الشعر عند الطرفين في الدفاع عن
66
1993 2 1
3 2
1996 1 4
1968 1 5
1 6
1 7
1 1 8
1 1 9
1 10
1 11
67
1983 1 12
13
2005
14
1 15
1 16
1998
1 17
2 18
19
20
1 21
2003
2003 22
3 23
1 24
68
1 25
1 26
1986 27
1 28
1978 1 29
3 30
4 31
1984 1 32
33
2 34
3 35
36
1 37
2005 1 38
1997 1 39
1987 2 40
69
1987 3 41
1 42
1 43
44
1997
1 45
46
1 47
3 48
1 49
1976
1991 1 50
1975 51
52
1991 1 53
1 54
70
1 55
3 56
57
58
1 59
1 60
1 61
1 62
63
64
65
1989 66
71
الفهـــــــــــــــــــــــــــــــرس :
أ االستهالل
ب اإلهداء
د المللص
1 المقدمة
72
8 المطلب الثاني :مظاهر الشعوبية
57 اللاتمة
73