You are on page 1of 9

İ sl am H u k u k u Araştı r m al ar ı D e rgi s i, s y. 2 4 , 2 0 1 4 , s. 3 3 - 4 0 .

‫عالقة أصول الفقه باملنطق‬


* ‫شامل الشاهني‬.‫د‬

‫ملخص‬
‫ وبينت مكانة املنطق بشكل عام عند األصوليّني‬، ‫ق ّدمت هذه الدراسة توضيحًا مهمًا للعالقة بني أصول الفقه واملنطق‬
. ‫ وتفر ّدهم هبذه املباحث عن املنطق اليوناين‬،‫ومنهجهم يف مباحث احلد واالستدالالت‬
‫ وإن‬، ‫ وفرقوا بني القياس األصويل والتمثيل األرسطوطاليسي‬، ‫وكان لألصوليّني نظرهتم اخلاصة إىل التراكيب يف احلد‬
‫ ولكن ذلك مل يكن واضحًا حىت جاء اإلمام‬، ‫ب َعض األصوليّني قبل عصر الغزايل أخذوا يستخدمون مباحث املنطق‬
‫الغزايل فأخذ من املنطق ما هو ضروري لعلم أصول الفقه ومبنهجية إبداعية متدرجة مبتدئاَ فيها بكتابه املقاصد مث املعيار‬
‫ وحتويل‬، ‫ واختتم منهجيته هذه بكتاب املستصفى الذي سخر فيه القالب املنطقي خلدمة أصول الفقه‬، ‫مث املحك‬
. ‫املصطلحات املنطقية إىل مصطلحات إسالمية‬
‫وهبذه املنهجية أخذ األصوليّون من بعده واضعني للمنطق أبواباَ وفصوالًَ يف مقدمات كتبهم عرفت ب « املقدمات‬
.“ ‫األصوليّة‬
.‫ القياس املنطقي‬,‫ االستدالل‬,‫ الغزايل‬,‫ القياس‬,‫ أرسطوطاليس‬,‫ احلد‬,‫ املنطق‬,‫ أصول الفقه‬: ‫التكشيف‬

Özet: Fıkıh usulü ile mantık arasındaki ilişkiye önemli bir izah getiren bu çalışma, genel olarak Mantı-
ğın usulcüler nezdindeki konumuna ve onların, yunan mantığından ayrıldıkları had (tanım) ve istidlaller
konusundaki metotlarına açıklık getirmektedir. Usulcüler, had (tanım)a ilişkin terkipler konusunda özel
bir bakış açısına sahip idiler. Onlar usulcü kıyas ile Aristotelesçi temsili birbirinden ayırdılar. Gazali’den
önceki bazı usulcüler, eserlerinde mantık konularına yer vermelerine rağmen bu alanda istenileni vere-
memişlerdir. Daha sonra Gazâli gelmiş ve aşamalı yenilikçi bir metodolojiyle mantıktan, fıkıh usulü ilmi
için gerekli olan kısımları almıştır. Bu metodolojisiyle Makâsıd, Mi‘yâr ve Mihek’ten sonra mantık kalıbını
fıkıh usulünün hizmetine göre şekillendirdiği ve mantık kavramlarını İslamî kavramlara dönüştürdüğü
Mustasfâ isimli eserini telif etmiştir. Bu metodolojiyle, kendisinden sonra gelen usulcüler, kitaplarının
mukaddimelerinde mantık için “usul mukaddimeleri” adıyla anılan bâb ve fasıllara yer vermişlerdir.
Anahtar Kelimeler: Fıkıh Usulü, Mantık, Had, Aristoteles, Kıyas, Gazâli, İstidlâl, Mantıksal Kıyas.

Abstract: This study that substantially explains the Relationship of the Principles of Jurisprudence (Usul
al-Fiqh) with Logic, clarifies the position of Logic at methodologist and their methodology of definitions and
aptitude that they differ from Greek logic. Methodologists had a special perspective about definitions and
compositions. They separated methodological syllogism and Aristotelian figuration from each other. Altho-
ugh some of methodologists before Al-Ghazali had included logic subjects in their studies, they couldn’t
meet the requirements in this field. Afterwards Ghazalî had taken the necessary parts of logic with a gradual
innovative methodology for the methodology of Fiqh. With this methodology, after Makâsıd, Mi‘yâr and
Mihek, he wrote the book called ‘al-Mustasfa min ‘ilm al-usul’ in which he converted concepts of logic into
Islamic concepts and shaped the logic pattern according to the methodology of Fiqh’s service. With this
methodology, the methodologists that came after him, has included sections and chapters called “metho-
dology prefaces” for logic in their prefaces of their books.
Keywords: Principles of Jurisprudence (Usul al-Fiqh), Logic, Hadd, Aristotle, Comparison, Ghazâli, Inference,
Logical Comparison

.(shamilshaheen@yahoo.com) ‫األستاذ املساعد يف قسم الفقه وأصوله كلية العلوم اإلسالمية جبامعة يالووا‬ *
‫د‪.‬شامل الشاهني | ‪34‬‬

‫النموذج األعلى للفكر اإلسالمي القائم على الصيغة‬ ‫َ‬ ‫إن الفكر األصويل يُ َع ُّد‬
‫مواد منهجيته من مقدمات‬ ‫ذت ُّ‬ ‫العقلية‪ ,‬وهو ميثل الفكر العلمي والعملي‪ ,‬والذي أُ ِخ ْ‬
‫إسالمية‪ ,‬واستمرت هذه العقلية على مناهجها ِحقب ًة زمنية معينة‪ ,‬قبل أن خيتلط املنطق‬
‫األرسطوطاليسي مبنطق األصوليِّني اخلاص هبم‪ ,‬واستمرت حىت بداية القرن الرابع للهجرة‪.‬‬
‫تلك كانت مرحلته األوىل‪ ,‬اليت كان فيها علم األصول معتمدًا على الصفة العلمية‬
‫ببنائه على قواع َد استقرائيَّ ٍة منضبطة‪ ,‬مثل‪ :‬دالالت األلفاظ‪ ,‬وأقسام احلكم الشرعي‪,‬‬
‫ومقاصد الشريعة‪ ,‬ومن جهة أخرى على املرونة اليت جتعل املتمكن من قواعده قادرًا على‬
‫املؤشر الذي يعتمده املجتهد‬
‫َ‬ ‫ربط األحكام الفقهية بواقع احلياة‪ ,‬بل إن هذا الواقع يُ َع ُّد‬
‫الستنباط األحكام (‪.)1‬‬
‫فكان منطق األصوليِّني اخلاص من فقهاء ومتكلمني منبثقًا من أدلة وبراهني مشتملة على‪:‬‬
‫مباحث احلد األصويل‪.‬‬
‫مباحث االستدالالت‪.‬‬
‫وتفر ُدهم هبذه األحباث ميّزهم عن العقلية اليونانية ومنطقها‪ ,‬حيث كان منطقهم‬ ‫ُّ‬
‫خاليًا من مباحث امليتافيزيقا‪ ,‬أو من الصفة امليتافيزيقية اليت جعلت من العلم‬
‫األرسطوطاليسي مكا َن العلم الضروري (‪.)2‬‬
‫احلد احلقيقي عندهم (عند األصوليِّني) هو اختصاص املحدد بوصف خيلص‬ ‫وإن َّ‬
‫منه‪ ,‬بينما احل ّد احلقيقي عند أرسطو هو‪ :‬التوصل إىل املاهية‪ ,‬وهو يوصل إىل ُكن ِه الشيء‬
‫املعرف‪ ,‬كما أثبت األصوليون أن للحد ثالث َة ألفاظ مترادفة‪ ,‬هي‪:‬‬
‫َّ‬
‫احلد‪ ,‬واحلقيقة‪ ,‬واملعىن‪.‬‬
‫وأمجعوا على الغرض من احلد هو التمييز بني املحدود وغريه (‪.)3‬‬
‫ومن املقررات املبدئية أن األصوليني اختذوا طريقًا خمالفًا ُ‬
‫لط ُر ِق املناطقة اليونانيني يف‬

‫أمحد اخلمليشي‪ :‬وجهة نظر ص‪.)107( :‬‬ ‫ ‪1‬‬


‫د‪ .‬علي سامي النشار‪ :‬مناهج البحث ص‪.)100( :‬‬ ‫‪ 2‬‬
‫اجلويين‪ :‬الكافية يف اجلدل ص‪.)2( :‬‬ ‫ ‪3‬‬
‫‪ | 35‬عالقة أصول الفقه باملنطق‬

‫استخراج احلد كيْ ِفيَّ ِة تكوينه‪.‬‬


‫عدة طرق‪ ,‬هي‪:‬‬
‫إن املنطقية اليونانية قائم ٌة على َّ‬
‫االستقراء‪( :‬وينسب إىل سقراط)‪.‬‬
‫القسمة‪( :‬طريقة القسمة األفالطونية)‪.‬‬
‫الربهان‪( :‬وينسب إىل بقراطيس)‪.‬‬

‫التركيب‪( :‬وهو مذهب احلكيم أرسطو) (‪.)4‬‬


‫وإىل طريقة أرسطو (طريقة التركيب)‪ ,‬ذهب بعض فالسفة اإلسالم مثل ابن سينا‬
‫حيث رأى أن احلد ال يُ ْكتَ ُ‬
‫سب بالربهان وال باالستقراء‪ ,‬وإمنا يُكتَسب بالتركيب‪ ,‬وهو‬
‫واضح من خالل صفات احلد الذي نادى به‪.‬‬
‫أما الطريقة املنطقية األصولية فهي قائمة على وصف املحدود من خالل الصفات‬
‫الذاتية‪ ,‬ومن هنا نظر األصوليون إىل الصفات وقسموها إىل‪:‬‬
‫‪1‬ـ صفات الزمة للموصوف ال تفارقه بعدم ذاته‪.‬‬
‫‪2‬ـ صفات عارضة له ميكن مفارقتها له مع بقاء ذاته‪.‬‬
‫وهذه الصفات الالزمة منها ما هو الزم للشخص دون نوعه وجنسه‪ ,‬ومنها ما هو‬
‫الزم لنوعه أو جنسه (‪.)5‬‬
‫قسموا اللوازم إىل ذاتية وعرضية‪ ,‬ومن ثَ َّم‬
‫وعلى هذا خالف األصوليون املناطق َة الذين َّ‬
‫قسموا ال َع َرض إىل الزم للماهية‪ ,‬والزم للوجود‪ ,‬وغري الزم بل عارض‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ومل يقبلوا شيئًا من تلك الطرق املنطقية اليونانية‪ ,‬فاختصروا يف تكوينهم واستخراجهم‬
‫للحد على طريقة واحدة‪ ,‬وهي متييز املحدود من غريه بصفته‪ ,‬ومن هنا منع األصوليون‬ ‫ِّ‬
‫التركيب يف احلد‪.‬‬

‫جعفر آل ياسني‪ :‬الفارايب يف حدوده ورسومه ص‪.)7( :‬‬ ‫‪ 4‬‬


‫ابن تيمية‪ :‬تعارض العقل والنقل (‪.)321/3‬‬ ‫‪ 5‬‬
‫د‪.‬شامل الشاهني | ‪36‬‬

‫ورأَ ْوا أن احلد َّ‬


‫مكو ٌن من الوصف‪ ,‬ولكنهم اختلفوا يف عدد الوصف الذي يكون‬
‫للحد‪.‬‬
‫فاألصوليون نظروا إىل التركيب يف احلد نظرة مرفوضة بالنسبة للتركيب املنطقي‬
‫األرسطوطاليسي‪ ,‬والذي يشمل اجلنس والفصل‪ ,‬ونظر ًة مقبولة وهي كونه صف ًة واحدة‬
‫(‪.)6‬‬
‫أما القسم الثاين واملتمم للمنطق اإلسالمي وهو مبحث االستدالالت األصولية‬
‫مبحث التصديقات)‪.‬‬
‫َ‬ ‫اإلسالمية (والذي يُمثِّل‬
‫وهو املسمى باالصطالح الفلسفي بـ “األبيستمولوجيا”‪ :‬واليت تعين نظرية اإلنتاج‬
‫النوعي للتصورات العلمية‪.‬‬
‫واليت تَ َّم ْت يف املناخ العلمي‪ ,‬وعالقته املعرفية هبا‪ ,‬ومن خالل معرفة األسباب اليت‬
‫تتحكم يف اإلنتاجات العلمية‪.‬‬ ‫َّ‬
‫َّ‬
‫األصويل يف استدالالته (تصديقاته) علم معياري مطابق لقوانني‬ ‫وعليه فإن املنطق‬
‫ومراحل سريِ‬
‫ِ‬ ‫العقل املنبثقة من الواقع غريِ املستقر‪ ,‬وهذا يبدو واضحًا وجليًا يف خطوات‬
‫القياس األصويل (‪.)7‬‬
‫والذي رآى بعضهم أن هناك أثرًا للمنطق األرسطي فيه‪ ,‬وهذا األثر هو مباحث‬
‫التمثيل األرسطوطاليسي‪.‬‬
‫ولكن يف احلقيقة هناك خالف وفارق بني القياس األصويل‪ ,‬والتمثيل األرسطوطاليسي‬
‫يتمثل يف‪:‬‬
‫قياس‬ ‫َّ‬
‫األصويل أو َ‬ ‫القياس‬
‫‪1‬ـ أن كثريًا من األصوليِّني ـ قبل عصر الغزايل ـ اعتربوا َ‬
‫الغائب على الشاهد ِ‬
‫موص ً‬
‫ال إىل اليقني (‪.)8‬‬
‫‪2‬ـ أن األصوليِّني أرجعوا القياس إىل نوع من االستقراء العلمي الدقيق القائم على‬

‫ابن تيمية‪ :‬الرد على املنطقيِّني ص‪ ،)17( :‬اجلويين‪ :‬الكافية ص‪.)10( :‬‬ ‫‪ 6‬‬
‫مصطفى مجال الدين‪ :‬القياس حقيقته وحجيته ص‪.)163( :‬‬ ‫‪ 7‬‬
‫السيوطي‪ :‬صون املنطق والكالم عن فن املنطق والكالم ص‪.)234-232( :‬‬ ‫ ‪8‬‬
‫‪ | 37‬عالقة أصول الفقه باملنطق‬

‫فكرتني مها‪:‬‬
‫أ ـ فكرة العلِّيَّة أو قانون ال ِعلِّية‪.‬‬
‫ب ـ قانون االطراد يف وقوع احلوادث (‪.)9‬‬
‫فهي إذن استدالالت وتصديقات استخرجها العلماء من خالل ممارستهم العلمية‪,‬‬
‫عد ُة ُطرق ومناهج استداللية‪ :‬منها استدالالت يقينيَّة‪ ,‬ومنها‬
‫نت لديهم َّ‬
‫تكو ْ‬
‫وبالتايل َّ‬
‫استدالالت ظنيَّة (وطرق ضعيفة)‪.‬‬
‫وهبذا يكون األصوليون قد َخ َرجوا مبنطقهم هذا من تأثري األدوات والضوابط اجلاهزة‬
‫نتائج حتمي ًة كما هو احلال يف بعض املنطق اليوناين‪.‬‬
‫تج َ‬ ‫يف قوالب صورية تُتَّبع‪ ,‬ومن مث تُنْ ُ‬
‫فالقياس األصويل أو املنهج األصويل يف االستدالالت يُ َع ُّد مذهبًا منطقيًا متكام ً‬
‫ال ذا‬
‫صيغة إسالمية متكاملة‪ ,‬دون أن تَ ُشوبَها شائب ٌة يونانية‪.‬‬
‫مقصدين أو مطلَبني‪.‬‬ ‫وإن هذا املنهج االستداليل يه ِدف إىل ِ‬
‫منهج الوصول إىل احلقيقة وبلوغ اليقني‪.‬‬
‫األول‪ :‬يتحدد فيه ُ‬
‫الثاين‪ :‬يقوم بتجربة النتائج اليت تنتهي إليها احلقائق بعينها‪ ,‬وحتدي ِد النموذج الذي‬
‫يَصوغُها‪ ,‬وذلك من خالل منهج ال ِعلَّة‪ ,‬وشروطها‪ ,‬ومسالكها‪.‬‬
‫توصل إليها األصوليون بنظرهتم العقلية وجهو ِدهم املعرفية‪.‬‬
‫ولقد َّ‬
‫خاصا هبم‪ ,‬خيالف‬
‫وعليه؛ فإن األصوليِّني وضعوا هلم منطقًا (منهج حبث علمي) ًّ‬
‫املنطق األرسطي‪ ,‬واستمروا بعيدين عن أي ٍ‬
‫خلط أو دمج باملنطق األرسطي حىت هناية‬
‫القرن الثالث وبداية القرن الرابع اهلجري‪ ,‬حيث أخذ األصوليون بعدها يستخدمون بعضًا‬
‫من مباحث املنطق األرسطوطاليسي‪ ,‬وأخذ يظهر ذلك يف مؤلَّفات بعض األصوليِّني‪,‬‬
‫أمثال‪ :‬ابن حزم األندلسي‪ ,‬والباقالين‪ ,‬وإمام احلرمني‪ ,‬وغريهم‪...‬‬
‫أكثر انتقا ًء وهتذيبًا‬
‫أكثر وضوحًا ودقَّ ًة‪ ,‬ويف نفس الوقت َ‬
‫مج واخللط َ‬
‫الد ُ‬
‫وأصبح هذا َّ‬
‫لدى اإلمام الغزايل‪.‬‬

‫د‪ .‬علي سامي النشار‪ :‬مناهج البحث ص‪.)112( :‬‬ ‫‪ 9‬‬


‫د‪.‬شامل الشاهني | ‪38‬‬

‫يل من املنطق ما هو ضروري لعلم أصول الفقه‪ ,‬فإذا وجد طبيع َة‬ ‫حيث أخذ الغزا ّ‬
‫حمدد‪ ,‬ويعقِّب‬ ‫ِ‬
‫موضوعات املنطق فإنه يناقشها بقدر َّ‬ ‫ِ‬
‫مباحث أو‬ ‫البحث تقو ُده إىل بعض‬
‫عرفناك إسرافهم يف هذا اخللط‪ ,‬فإنا ال نرى أن نُ ْخلِ َي‬
‫بالتنويه على ذلك‪ ,‬قائالً‪“ :‬وبعد أن ّ‬
‫والنفوس عن الغريب نافرة‪,‬‬‫ُ‬ ‫املجموع عن شيء منه‪ ,‬ألن ال ِفطا َم عن املألوف شديد‪,‬‬
‫َ‬ ‫هذا‬
‫َ‬
‫مدارك‬ ‫ولكنا نقتصر من ذلك على ما تظهر فائدتُه على العموم يف مجلة العلوم‪ ,‬من تعريفه‬
‫ني فيه حقيقة العلم‪,‬‬ ‫تدرجها من الضروريات إىل النظريات‪ ,‬على وجه تَبِ ُ‬ ‫العقول‪ ,‬وكيفي ِة ّ‬
‫والنظر‪ ,‬والدليل‪ ,‬وأقسامها‪. ”..‬‬
‫(‪)10‬‬

‫حتوالً‬
‫احلد األرسطي ‪ ،‬واستعاض عنه بالعلة ‪ ،‬وهذا يُ َع ُّد ُّ‬ ‫استغىن الغزايل عن استعمال ِّ‬
‫وحتوالً للمنطق جتاه املفاهيم األصولية‪.‬‬
‫يف نظرته املنهجية ‪ُّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫مصطلحات إسالمية‪,‬‬ ‫سعى الغزايل إىل عملية قلب املصطلحات املنطقية وحتويلِها إىل‬
‫التصور باملعرفة‪ ,‬والتصديق بالعلم‪ ,‬واجلزئي باملعيَّن‪ ,‬والكلي باملطلَق‪ ,‬واملوضوع‬‫كإبدال ُّ‬
‫واحلد بالعلَّة‪ ,‬والشكل بالنظم‪ ,‬واملقدمة باألصول‪,‬‬ ‫باملحكوم عليه‪ ,‬واملحمول باحلكم‪ِّ ,‬‬
‫والنتيجة بالفرع‪.‬‬
‫حد كبري يف تطويع وتطعيم املعاين املنطقية هبدف إغناء االستدالل األصويل‪,‬‬ ‫وجنح وإىل ٍّ‬
‫مبحث القضية‬
‫َ‬ ‫ال حمضًا‪ ,‬وقد جعل‬ ‫فنجده يف املحك مييل حنو املعاين اإلسالمية والفقهية َميْ ً‬
‫فيه قالَبًا إسالميًا حبتًا دون أن يتخلَّى عن مضامينها املنطقية (‪.)11‬‬
‫وقسم‬
‫وري إىل استدالل صحيح واستدالل فاسد‪ّ ,‬‬
‫الص َّ‬
‫وقسم الغزايل االستدالل ُّ‬
‫(‪)12‬‬
‫ّ‬
‫االستدالل الصحيح إىل‪:‬‬
‫استدالل برهاين (‪.)13‬‬
‫استدالل جديل (‪.)14‬‬

‫الشاهني‪ ،‬ص‪:‬‬
‫انظر‪ :‬املنطق إمام احلرمني ‪ ،‬واحلد عند إمام احلرمني يف ‪ :‬علم الكالم واملنطق عند إمام احلرمني ‪َّ :‬‬ ‫‪ 10‬‬
‫(‪.)22-19 ،18-15‬‬
‫الغزايل‪ :‬حمك النظر ص‪.)133( :‬‬ ‫‪1 1‬‬
‫الغزايل‪ :‬معيار العلم ص‪.)184( :‬‬ ‫‪1 2‬‬
‫وهو الذي تكون مقدماته يقينيَّ ًة معلومة‪.‬‬ ‫‪1 3‬‬
‫َب مقدماتِه‪.‬‬ ‫هو الذي سلَّم املخاط ُ‬ ‫‪ 14‬‬
‫‪ | 39‬عالقة أصول الفقه باملنطق‬

‫استدالل ِخطايب (‪.)15‬‬


‫وجعل للمنطق عالقة باملسائل الفقهية واألصولية دون املسائل اإلعتقادية‪ ،‬فال ت ّعلق له‬
‫النظر يف العقليات‬
‫بالعقيدة على وجه اإلطالق ‪ ،‬يقول ‪“ :‬إن النظر يف الفقهيات ال يباين َ‬
‫‪ ،‬ويف ترتيبه وشروطه وعياره ‪ ،‬بل يف مأخذ املقدمات فقط” (‪.)16‬‬
‫انتقل اإلمام الغزايل من وصفه منطقيًّا ناسخًا يف كتابه املقاصد‪ ,‬إىل مستخ ِد ٍم للتعابري‬
‫حك واملستصفى‬ ‫يف كتابه املعيار (القضية العامة‪ ,‬والقضية اخلاصة)‪ ,‬حىت بلغ يف كتابه املَ ّ‬
‫غايتَه املنهجية يف تسخري القالَب املنطقي خلدمة علم أصول الفقه وحتويل املصطلحات‬
‫ٍ‬
‫مصطلحات إسالمية‪.‬‬ ‫املنطقية إىل‬
‫مقد ٍ‬
‫مات ضروري ًة لكل العلوم (‪.)17‬‬ ‫وجعلها ِّ‬
‫إن حماولة اإلمام الغزايل هذه مل تُفهم (عند البعض)‪ ,‬واليت سعى فيها إىل جتريد القالَ ِب‬
‫املنطقي عن معانيه اليونانية وتطبي ِعه باملعاين اإلسالمية‪ ,‬وتطويعه‪ ,‬وجعلِه علمًا إسالميًا‬
‫ٍ‬
‫مصطلحات إسالمية‪,‬‬ ‫(منهجًا ومصطلحًا)‪ ,‬حيث غيّر الكثريَ من مصطلحات املنطق إىل‬
‫وفقهية أخذت أبعا َدها اإلسالمية‪.‬‬
‫تطعيم األلفاظ اليت سار عليها يف املعيار‪ ,‬إىل املزج الذي بلغ‬
‫جتاوزت منهجي ُة الغزايل َ‬
‫طورًا أحدث من خالله بُني ًة تركيبيَّ ًة جديدة على صعيد املضمون واملصطلح واألبعاد‪.‬‬
‫اعتمد الغزايل يف منهجه املنطقي األصويل على‪:‬‬
‫أ ـ كتبه املنطقية‪.‬‬
‫ب ـ الفقه ومسائله‪.‬‬
‫جـ ـ خصوصيَّة اللغة العربية‪.‬‬

‫مقدماتُه مشهور ًة بني الناس‪.‬‬


‫‪ 1 5‬وهو الذي تكون ِّ‬
‫‪ 16‬الغزايل ‪ :‬معيار العلم ص‪.)184 ،27( :‬‬
‫مباحث املنطق يف أصول الفقه جاء‬
‫َ‬ ‫‪ 1 7‬ومن احلقائق العلمية اليت جيب أن نذكرها يف هذا املوضوع أن إدخال الغزايل‬
‫متجر ٍد مثَّـلَـتْه عقلي ُة الغزايل وعبقريَّـتُه العلمية الفذَّة‪.‬‬
‫متأخرًا‪ ,‬وبعد حبث مستفيض ِّ‬
‫يؤد إىل خلط القياس األرسطي بالقياس األصويل‪ ,‬لذلك‬ ‫كما أن َمزْجَ الغزايل املنطقَ وتطوي َعه للعلوم اإلسالمية مل ِّ‬ ‫ ‬
‫أي فكر ٍة أرسطوية داخله‪ ,‬ويف نفس الوقت ال جند يف القياس األرسطي أي‬ ‫ال جند عند دراستنا للقياس األصويل َّ‬
‫فكرة إسالمية أصولية‪.‬‬
‫د‪.‬شامل الشاهني | ‪40‬‬

‫ين من األلفاظ‪ ,‬ضاع وهلك‪ ,‬كمن استدبر املغرب‬ ‫قائالً‪“ :‬اعلم أن من طلب املعا َ‬
‫َ‬
‫األلفاظ فقد اهتدى‪”...‬‬ ‫ين أوالً يف عقله بال لفظ‪ ,‬ثُ َّم أتبَع املعا َ‬
‫ين‬ ‫وهو يطلبه‪ .‬ومن َّقرر املعا َ‬
‫(‪.)18‬‬
‫وأصبحت املنهجية الغزالية املنطقيَّ َة واضح َة املعامل متامًا يف كتاب املستصفى وخصوصًا‬
‫القياس السلجسيت باالستدالل األصويل تصرحيًا‬
‫َ‬ ‫يف مقدمة الكتاب‪ ,‬حيث دمج الغزا ّ‬
‫يل‬
‫العقلي جنبًا إىل جنب مع التسليم‬
‫ِّ‬ ‫وظهر ْت ِس َم ُة هذه املنهجية يف العمل بالنظر‬ ‫وحتليالً‪َ ,‬‬
‫اإلمياين النقلي املطلق‪ ,‬فهو مج ٌع بني الرأي والسمع‪ ,‬وبني املنطق واألصول‪.‬‬
‫متبيِّنًا يف ذلك منهجي َة اجلمع بني اجتاه األصوليِّني (الذين يُ ِق ُّرون بالتحديد اللفظي‪,‬‬
‫املاهوي)‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫يصرون على التحديد‬ ‫املجرد للمعاين) واملناطقة (الذين ّ‬
‫ألهنم ينطلقون من النص َّ‬
‫باحلد والرسم واللفظ معًا‪.‬‬
‫وذلك عن طريق التعريفات ِّ‬
‫مزج‬ ‫مبراحل علمي ٍة ذات نسق تنظيمي َش ِمل ْ‬
‫َت بدايتُها َ‬ ‫َ‬ ‫مرت هذه املنهجية‬ ‫وبعد أن َّ‬
‫وتطعيم املنطق باملعاين اإلسالمية‪ ,‬ومن ثَ َّم َّ‬
‫مر ْت بعمليات التوفيق‪ ,‬إىل أن انتهت أخريًا‬
‫املنطق حبُلَّته اإلسالمية وثوبه اجلديد‪ ,‬خادمًا لألصول‪,‬‬
‫اجها َ‬ ‫بالتطويع والتبديل‪ ,‬وأصبح نَتَ ُ‬
‫ومستنبطًا من القرآن (‪.)19‬‬
‫وهكذا أخذ االصوليون واملتكلمون من بعده متأثرين هبذه املنهجية واضعني للمنطق أبوابًا‬
‫وفصوالً يف مقدمات كتبهم عرفت بـ(املقدمات الكالمية) أو ( املقدمات األصولية ) ‪.‬‬
‫ملخصني فيها املنطق األرسطي أو بعض مباحثه وخاصة مباحث األلفاظ‪ ،‬أما القياس‬
‫األصويل فبقي بعيدًا وإىل حد كبري عن املنطق اليوناين األرسطي ‪.‬‬

‫‪ 1 8‬الغزايل‪ :‬حمك النظر ص‪.)109-108( :‬‬


‫الشاهني ‪ ،‬ص‪.)187-174( :‬‬
‫‪ 19‬انظر ‪ :‬املنهجية املنطقية األصولية عند اإلمام الغزايل ‪َّ :‬‬
Copyright of Journal of Islamic Law Studies is the property of Mehir Vakfi and its content
may not be copied or emailed to multiple sites or posted to a listserv without the copyright
holder's express written permission. However, users may print, download, or email articles for
individual use.

You might also like