You are on page 1of 49

‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬

‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬


‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫" أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسية الشرعية‬


‫املعاصرة عند ألاستاذ عالل الفاس ي من خالل النقد الذاتي "‬
‫‪The impact of purposefulijtihadon the‬‬
‫‪contemporarydivinepoliticalissues in the opinion of Professor Allal‬‬
‫‪Al-Fassi, self-criticism‬‬
‫رشيد باموس‬
‫أستاذ التعليم الثانوي إلاعدادي " مادة التربية إلاسالمية "‪ ،‬باحث في سلك الدكتوراه‪ ،‬مختبر الدراسات‬
‫والبحوث الفقهية وقضايا الهجرة وألاقليات‪ -‬جامعة القاض ي عياض مراكش‪.‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫تقديم‬
‫الحمد هلل رب العاملين والصالة والسالم على سيدنا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فإن موضوع الاجتهاد املقاصدي عند فقهاء الغرب إلاسالمي‪ -‬تأصيال‬
‫وتنزيال – موضوع بالغ ألاهمية‪ ،‬يعين على فهم أسس وقواعد الاجتهاد املقاصدي‬
‫عند علماء الغرب إلاسالمي الذين برعوا في فن املقاصد‪ ،‬كما يمكن من معرفة‬
‫مسالك وطرق تنزيل هؤالء ألاعالم الجتهاداتهم املقاصدية في مختلف النوازل‪،‬‬
‫وإدراك الضوابط الشرعية واملنهجية التي يراعونها في هذا الباب‪ ،‬وقد جاء هذا‬
‫البحث لإلسهام في جانب مهم من الاجتهاد املقاصدي‪ ،‬وهو الاجتهاد في نوازل‬
‫السياسة الشرعية املعاصرة‪ ،‬عند علم مقاصدي محقق من أعالم الغرب‬
‫إلاسالمي املعاصر وهو ألاستاذ عالل الفاس ي رحمه هللا من خالل كتابه النقد‬
‫الذاتي‪.‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61-109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫امللخص‪:‬‬
‫يعتبر ألاستاذ عالل الفاس ي رحمه هللا تعالى من أبرز علماء الغرب إلاسالمي‬
‫املعاصرين‪ ،‬فعرف رحمه هللا تعالى بنظره املقاصدي وتحليالته الواقعية التي تنم‬
‫عن سعة معارفه واطالعه على متغيرات عصره ومستجداته في جميع املجاالت‬
‫التي قاربها بفكره‪ ،‬ومن أبر هذه املجاالت‪ :‬املجال السياس ي‪ ،‬فدعا رحمه هللا تعالى‬
‫إلى البناء الديمقراطي‪ ،‬وقدم حلوال تقدمية تنويرية‪ ،‬و آراء مقاصدية في القضايا‬
‫الفقهية‪ ،‬والنوازل السياسية بعين الناقد املتبصر‪ ،‬وكل ذلك من أجل تحقيق‬
‫التقدم والرقي الحضاري لألمة في ضوء الضوابط الشرعية‪.‬‬
‫وقد سعى هذا البحث لبيان أهمية ومنزلة الاجتهاد املقاصدي والنظر املصلحي‬
‫عند ألاستاذ عالل الفاس ي في السياسة الشرعية‪ ،‬وبيان معالم رؤيته الفكرية في‬
‫هذا الباب‪ ،‬وأسس منهجه الاجتهادي في نوازل السياسة ومستجداتها‪ ،‬وذلك من‬
‫خالل دراسة مجموعة من القضايا التي تبين مدى نبوغ ألاستاذ عالل الفاس ي في‬
‫هذا الباب‪.‬‬

‫الكلمات املفتاحية‪ :‬الاجتهاد املقاصدي‪ .‬نوازل السياسة الشرعية‪ .‬متغيرات عصره‪.‬‬


‫البناء الديموقراطي‪ .‬منهج اجتهادي‬
‫‪Abstract: Professor Allal Al-Fassi, mayAllah have mercy on him, is one of the‬‬
‫‪mostfamouscontemporary scholars of the islamicwest. He known by‬‬
‫‪hispurposeful opinions and realisticanalyzisthatreflects the breadth of‬‬
‫‪hisknowledge and hisfamiliaritywith the variables of hisera and developments in‬‬
‫‪all areas thatheapproachedwithhisthought. Among the most important of these‬‬

‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪62‬‬


109 -61 ‫ص‬،)2021( 1 :‫الع ــدد‬/ 15‫املجلد‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109 Islamic Culture Magazine
ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X

areas: the politicalfield. He called to democratic construction, and


hepresentedadvancedenlightening solutions, and intentional opinions on
jurisprudential issues, and politicalcalamitieswith the eyes of the
insightfulcriticThis is in order to achieveprogress and civilizedadvancement of the
.nation in light of the divineregulations
This researchaims to demonstrate the importance and status of purposefulijtihad
and interest-basedconsideration of Professor Allal Al-Fassi in Shariahpolitics, and
to clarify the features of hisintellectual vision in thisfield, and the foundations of
hisjurisprudentialapproachthatheadopted in explaining the
politicaldevelopmentsthrough the study of a variety of issues that show the extent
of the brilliance of Professor Allal El Fassi in thisfield.

Keywords: purposefulijtihad. Contemporary divine political issues. Variables of


hisera. democratic construction. Jurisprudentialapproach.
‫إلاسالمي عبر مختلف‬ ‫يعتبر النظر املقاصدي موجها أساسيا للفقه‬
‫ فقعدت أصوله‬،‫ حيث حظي بالعناية وكثرة البحث والتصنيف‬،‫العصور‬
‫ مما يدل على عظمة الشريعة‬،‫ ميسرة بذلك الاجتهاد في كل عصر‬،‫وقواعده‬
‫ والعقلية املنهجية؛ وعليه فاملقاصد‬،‫ومتانة قواعدها الاستداللية النقلية‬
‫الشرعية ميزان الاجتهاد الفقهي في القضايا املعاصرة واملستجدات والنوازل‬
.‫الفقهية‬

‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ 63


‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61-109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫ولقد أولى علماء إلاسالم املقاصد عناية فائقة‪ ،‬ونبغ فيها علماء الغرب‬
‫إلامام الشاطبي رحمه هللا‪ ،‬وبرز من علماء املغرب‬ ‫إلاسالمي وعلى رأسهم‬
‫املعاصرين ألاستاذ عالل الفاس ي رحمه هللا‪ ،‬فعرف بنظره املقاصدي وتحليالته‬
‫السوسيولوجية نظرا الرتباطه بالواقع ومتغيرات عصره ومستجداته‪ ،‬واطالعه‬
‫على الفلسفة والتشريع الوضعي و إيجابياتهما؛ فدعا رحمه هللا تعالى إلى البناء‬
‫الديمقراطي الحديث املعدل‪ ،‬وقدم حلوال تقدمية تنويرية وآراء مقاصدية في‬
‫القضايا الفقهية والنوازل السياسية بعين الناقد املتبصر من أجل تحقيق التقدم‬
‫والرقي الحضاري لألمة في ضوء الضوابط الشرعية‪.‬‬
‫فما مدى عناية ألاستاذ عالل الفاس ي بالنظر املقاصدي في دراسة القضايا‬
‫السياسة املعاصرة؟‬
‫وما هي بعض نماذج الاجتهاد النوازلي في السياسة الشرعية عند ألاستاذ‬
‫عالل الفاس ي؟‬
‫وكيف أعمل رحمه هللا قواعد الاجتهاد النوازلي والنظر املصلحي في هذه‬
‫النوازل؟‬
‫وما أثر اجتهاداته ومنهجيته رحمه هللا في هذا الباب في إغناء الفكر‬
‫املقاصدي املعاصر؟‬
‫منهجية البحث‪:‬‬

‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪64‬‬


‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪،)2021( 1 :‬ص ‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫اعتمد هذا البحث املنهج الوصفي التحليلي لكشف عالقة مقاصد‬


‫الشريعة بالسياسة الشرعية‪ ،‬وإبراز أهم القواعد والضوابط الفقهية املقاصدية‬
‫واملصلحية الناظمة ملجال السياسة الشرعية وقضاياها املعاصرة‪.‬‬
‫هذا باإلضافة إلى تتبع وسبر مجموعة من القضايا السياسة املعاصرة التي‬
‫اجتهد فيها ألاستاذ عالل الفاس ي من خالل كتابه " النقد الذاتي" وقدم فيها آراءه‬
‫واجتهاداته املقاصدية بغية الوصول إلى معرفة معالم وأسس منهجه العلمي في‬
‫هذا الباب‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫جاءت مواد هذا البحث في مبحثين وخاتمة‪.‬‬
‫املبحث ألاول‪ :‬الاجتهاد املقاصدي واملصالح املرسلة وعالقتهما بنوازل‬
‫السياسة الشرعية‪.‬‬
‫املطلل ألاول‪ :‬تعريف الاجتهاد املقاصدي‪.‬‬
‫الفرع ألاول‪ :‬تعريف الاجتهاد‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تعريف املقاصد‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪:‬تعريف الاجتهاد املقاصدي‪.‬‬
‫املطلل الثاني ‪ :‬تعريف املصالح املرسلة وبيان حقيقتها‪ ،‬وأدلتها‪،‬‬
‫وخصائصها‪ ،‬وضوابطها‪ ،‬وعالقتها باملقاصد الشرعية‪.‬‬
‫الفرع ألاول‪ :‬مفهوم املصالح املرسلة وحقيقتها‪.‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪65‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61-109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أدلة اعتبار الشريعة للمصالح املرسلة‪.‬‬


‫الفرع الثالث‪ :‬أهم خصائص املصلحة في الشريعة إلاسالمية‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬ضوابط املصلحة الشرعية‪.‬‬
‫الفرع الخامس‪ :‬العالقة بين املقاصد الشرعية واملصالح املرسلة‪.‬‬
‫املطلل الثالث‪ :‬تعريف نوازل السياسة الشرعية‪ ،‬وعالقتها باالجتهاد‬
‫املقاصدي‪.‬‬
‫الفرع ألاول‪ :‬تعريف نوازل السياسة الشرعية‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬عالقة نوازل السياسة الشرعية باالجتهاد املقاصدي‪.‬‬
‫املبحث الثاني الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسية الشرعية عند‬
‫ألاستاذ عالل الفاس ي من خالل النقد الذاتي‪.‬‬
‫املطلل ألاول‪ :‬أهمية الاجتهاد املقاصدي في فكر ألاستاذ عالل الفاس ي‪.‬‬
‫املقاصدي في نوازل السياسة عند‬ ‫املطلل الثاني‪ :‬معالم الاجتهاد‬
‫ألاستاذ عالل الفاس ي من خالل " النقد الذاتي"‪.‬‬
‫الفرع ألاول‪ :‬موقفه من الثورات الدينية والتحرر الاليكي ضد هيمنة‬
‫سلطة رجال الدين حالل القرون الوسطة‪:‬‬
‫الفرع الثاني" الدعوة إلى الجمع بين الحضارة العربية والغربية وتكاملهما في‬
‫قضايا السياسة وأمور الحكم‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬النظر املصلحي التقدمي من مقتضيات التجديد‪.‬‬

‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪66‬‬


‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪،)2021( 1 :‬ص ‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬قواع د البناء الديمقراطي عند ألاستاذ عالل الفاس ي" الفكر‬
‫العام الصحيح املتحرك"‪.‬‬
‫الفرع الخامس‪ :‬تأصيل ألاستاذ عالل الفاس ي رحمه هللا ملسألة الانفتاح‬
‫السياس ي والقانوني على النظم والقوانين الغربية‪.‬‬
‫الخاتمة‪.‬‬
‫املبحث ألاول‪ :‬الاجتهاد املقاصدي واملصالح املرسلة وعالقتهما بنوازل‬
‫السياسة الشرعية‬
‫الشك أن املصطلحات هي أوعية العلوم‪ ،‬وأن الطريق املوصلة إلى العلم‬
‫إدراك غاياتهم ومقاصدهم‪ ،‬وبما أن‬ ‫معرفة اصطالحات أهله‪ ،‬ليتسنى بذلك‬
‫البحث يدور في موضوع الاجتهاد املقاصدي وأهم آلياته وهي املصلحة‪ ،‬وأثرهما في‬
‫الاجتهاد املعاصر في نوازل السياسة الشرعية كان البد من التعريف بهذه‬
‫املصطلحات‪.‬‬
‫املطلل ألاول‪ :‬تعريف الاجتهاد املقاصدي‪.‬‬
‫الاجتهاد املقاصدي مركب إضافي من لفظين هما "الاجتهاد" و"املقاصد"‬
‫ونبدأ بتعريف املصطلحين املفردين‪ ،‬وبعدها نعرف املصلح املركب "الاجتهاد‬
‫املقاصدي"‬
‫الفرر ول‪ :‬تعريف الاجتهاد‬
‫أوال‪ :‬تعريف الاجتهاد في اللغة‪.‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪67‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61-109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫الاجتهاد في اللغة بذل الجهد والوسع واستفراغ الطاقة‪ ،‬جاء في محتار‬


‫الصحاح‪(" :‬الجهد) بفتح الجيم وضمها الطاقة وقرئ بهما قوله تعالى‪{ :‬والذين ال‬
‫يجدون إال جهدهم}‪ )1( ،‬والجهد بالفتح املشقة يقال‪( :‬جهد) دابته و (أجهدها) إذا‬
‫حمل عليها في السير فوق طاقتها و (جهد) الرجل في كذا أي جد فيه وبالغ وبابهما‬
‫(‪)2‬‬
‫قطع‪ ...‬و(الاجتهاد) و(التجاهد) بذل الوسع و(املجهود) ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تعريف الاجتهاد اصطالحا‪:‬‬
‫عرف ألاصوليون الاجتهاد بتعريفات متقاربة نختار منها‪:‬‬
‫تعريف الشيرازي لالجتهاد بقوله‪" :‬الاجتهاد في عرف الفقهاء‪ :‬استفراغ الوسع‬
‫(‪)3‬‬
‫وبذل املجهود في طلب الحكم الشرعي"‪ .‬وألاحكام ضربان‪ :‬عقلي وشرعي‪.‬‬
‫وعرفه الغزالي بقوله‪" :‬ببذل املجتهد وسعه في طلب العلم بأحكام الشريعة‪.‬‬
‫والاجتهاد التام أن يبذل الوسع في الطلب بحيث يحس من نفسه بالعجز عن مزيد‬
‫(‪)4‬‬
‫طلب"‪.‬‬
‫وعرفه الرازي بقوله‪ :‬الاجتهاد‪" :‬في عرف الفقهاء فهو استفراغ الوسع في‬
‫النظر فيما ال يلحقه فيه لوم مع استفراغ الوسع فيه وهذا سبيل مسائل الفروع‬

‫(‪ )1‬سورة التوبة‪ :‬آلاية ‪.79‬‬


‫(‪ )2‬مختار الصحاح للرازي‪.63 /1 ،‬‬
‫(‪ )3‬اللمع في أصول الفقه‪ ،‬ألبي اسحاق الشيرازي ‪.129 /1‬‬
‫(‪ )4‬املستصفى‪ ،‬للغزالي‪ ،‬ص‪.342 :‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪68‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪،)2021( 1 :‬ص ‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫ولذلك تسمى هذه املسائل مسائل الاجتهاد والناظر فيها مجتهد وليس هذا حال‬
‫(‪)5‬‬
‫ألاصول"‪.‬‬
‫عرفه الصنعاني بقوله‪" :‬هو استفراغ الوسع وبذل املجهود في طلب الحكم‬
‫الشرعي عقليا كان أو نقليا قطعيا كان أو ظنيا على وجه يحس من النفس العجز‬
‫عن املزيد عليه"(‪.)6‬‬
‫واملالحظ على هذه التعريفات وغيرها من تعاريف ألاصوليين تقاربها‪ ،‬وهي‬
‫وصف لحال املجتهد‪ ،‬والتي إذا وجد عليه املرء صار مجتهدا‪ ،‬وتنص على أن‬
‫الاجتهاد ال يكون إال ببذل الوسع واستفراغ الجهد والطاقة حتى يحس معه املجتهد‬
‫عن العجز ببذل املزيد من الجهد‪ ،‬وغالب ألاصوليين على أن محل الاجتهاد‬
‫ألاحكام الشرعية العملية الفرعية‪ ،‬وأن الذي يتصدى له الفقيه املجتهد‪.‬‬
‫الفرر الثاني‪ :‬تعريف املقاصد‪.‬‬
‫أوال‪ :‬تعريف املقاصد لغة‪.‬‬
‫املقاصد‪ ،‬جمع مقصد‪ ،‬وهي مشتقة من فعل "قصد"‪ .‬قصد يقصد‬
‫قصدا‪ ،‬فهو قاصد‪ .‬والقصد‪ :‬استقامة الطريق‪ ،‬قال هللا تعالى‪ :‬وعلى هللا قصد‬
‫(‪)7‬‬
‫السبيل"‪ ،‬والقصد‪ :‬العدل‪.‬‬

‫(‪ )5‬املحصول لفخر الدين الرازي ‪.6/6‬‬


‫(‪ )6‬إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد‪ ،‬للصنعاني ‪.8 /1‬‬
‫(‪ )7‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور ‪.353 /3‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪69‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61-109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫والقصد أيضا‪ :‬إتيان الش يء‪ ،‬تقول قصدته‪ ،‬وقصدت له‪ ،‬وقصدت إليه‬
‫بمعنى‪ .‬وقصدت قصده‪:‬‬
‫(‪)8‬‬
‫نحوت نحوه‪.‬‬
‫والظاهر مما سبق أن معاني هذه املادة‪ :‬تفيد معاني منها‪ :‬استقامة الطريق‪،‬‬
‫والعدل‪ ،‬وإتيان الش يء وأمه وطلبه‪.‬‬
‫وفي هذا املعنى ألاخير قال ابن فارس‪ :‬و من الباب‪ :‬أقصده السهم‪ ،‬إذا‬
‫أصابه فقتل مكانه‪ ،‬وكأنه قيل ذلك ألنه لم يحد عنه‪ .‬قال ألاعش ى‪ :‬فأقصدها‬
‫(‪)9‬‬
‫سهمي وقد كان قبلها ‪ ...‬ألمثالها من نسوة الحي قانصا‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تعريف املقاصد اصطالحا‪:‬‬


‫اهتم علماء الشريعة باملقاصد ومصالح الشريعة وأسرارها منذ الصدر‬
‫ألاول‪ ،‬إال أن قدماء ألاصوليين لم يحددوا لها تعريفا خاصا بها رغم عنايتهم بها‪،‬‬
‫بل كانوا يعبرون عنها بألفاظ مماثلة‪ ،‬كاألمور بمقاصدها‪ ،‬ومراد الشارع‪ ،‬وأسرار‬
‫وج َمل لها تعلق ببعض أنواعها وأقسامها‪ ،‬وببعض‬‫الشريعة‪...‬ووجدت كلمات ُ‬

‫تعبيراتها ومرادفاتها ‪ ...‬فذكروا الكليات املقاصدية الخمس "حفظ الدين والنفس‬

‫(‪)8‬الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية‪ ،‬ألبي نصر الجوهري ‪.254 /2‬‬
‫(‪ )9‬مقاييس اللغة‪ ،‬البن فارس ‪.95 /5‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪70‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪،)2021( 1 :‬ص ‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫والعقل والنسل أو النسب واملال" وذكروا املصالح الضرورية والحاجية‬


‫(‪)10‬‬ ‫َ‬
‫الحكم وألاسرار والعلل املتصلة بأحكامها وأدلتها‬
‫والتحسينية‪ ،‬وذكروا بعض ِ‬
‫ولعل إلامام الشاطبي رحمه هللا هو إمام هذا الفن ومؤصله‪ ،‬فقد عقد في‬
‫موافقاته كتابا خاصا باملقاصد؛ فشهر هذا العلم وجعل له كيانا مستقال‪ ،‬واعتنى‬
‫ببحثه ودراسته وبرز فيه حتى غدا منظره ألاول‪.‬‬
‫وقد عرف ـ الغزالي املقاصد باملصلحة‪ ،‬فقال‪ " :‬أما املصلحة فهي عبارة في‬
‫ألاصل عن جلب منفعة أو دفع مضرة‪ ،‬ولسنا نعني به ذلك‪ ،‬فإن جلب املنفعة‬
‫ودفع املضرة مقاصد الخلق وصالح الخلق في تحصيل مقاصدهم‪ ،‬لكنا نعني‬
‫باملصلحة املحافظة على مقصود الشرع ومقصود الشرع من الخلق خمسة‪ :‬وهو‬
‫أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم‪ ،‬فكل ما يتضمن حفظ‬
‫هذه ألاصول الخمسة فهو مصلحة‪ ،‬وكل ما يفوت هذه ألاصول فهو مفسدة‬
‫(‪)11‬‬
‫ودفعها مصلحة‪.‬‬
‫وقال آلامدي‪ " :‬املقصود من شرع الحكم إما جلب مصلحة أو دفع مضرة‬
‫(‪)12‬‬
‫أو مجموع ألامرين"‪.‬‬

‫(‪ )10‬انظر علم املقاصد الشرعية لنور الدين الخادميص ‪.15 -14 :‬‬
‫(‪ )11‬املستصفى ‪.174 /1‬‬
‫(‪)12‬إلاحكام في أصول ألاحكام لآلمدي ‪.271 /3‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪71‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61-109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫وقال العز بن عبد السالم‪ " :‬من تتبع مقاصد الشرع في جلب املصالح ودرء‬
‫املفاسد‪ ،‬حصل له من مجموع ذلك اعتقاد أو عرفان بأن هذه املصلحة ال يجوز‬
‫إهمالها‪ ،‬وأن هذه املفسدة ال يجوز قربانها‪ ،‬وإن لم يكن فيها إجماع وال نص وال‬
‫قياس خاص"(‪.)13‬‬
‫وقال الشاطبي‪" :‬تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق‪،‬‬
‫وهذه املقاصد ال تعدو ثالثة أقسام‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن تكون ضرورية‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن تكون حاجية‪.‬‬
‫(‪)14‬‬
‫والثالث‪ :‬أن تكون تحسينية‪.‬‬
‫وحظيت مقاصد الشريعة في العصر الحديث بعناية خاصة من قبل‬
‫العلماء والباحثين؛ وذلك ألهميتها ودورها في عملية الاجتهاد الفقهي‪ ،‬وفي معالجة‬
‫قضايا الحياة املعاصرة في ضوء ألادلة والنصوص والقواعد الشرعية‪ .‬فعرفها‬
‫الطاهر بن عاشور بقوله‪" :‬مقاصد التشريع العامة هي‪ :‬املعاني والحكم امللحوظة‬
‫ُ‬
‫مالحظتها بالكون في‬ ‫ّ‬
‫تختص‬ ‫للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها‪ ،‬بحيث ال‬
‫نوع خاص من أحكام الشريعة‪ .‬فيدخل في هذا أوصاف الشريعة وغايتها العامة‬

‫(‪ )13‬قواعد ألاحكام في مصالح ألانام للعز بن عبد السالم ‪.189 /2‬‬
‫(‪ )14‬املوافقات للشاطبي ‪.1 /2‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪72‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪،)2021( 1 :‬ص ‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫ً‬
‫الحكم‬
‫واملعاني التي ال يخلو التشريع عن مالحظتها‪ ،‬ويدخل في هذا أيضا معان من ِ‬
‫(‪)15‬‬
‫ليست ملحوظة في سائر أنواع ألاحكام‪ ،‬ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها"‬
‫وعرفها ألاستاذ عالل الفاس ي بقوله‪« :‬إن املراد بمقاصد الشريعة الغاية‬
‫منها وألاسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها»(‪.)16‬‬
‫وعرفها الريسوني بقوله‪ :‬إن مقاصد الشريعة هي الغايات التي وضعت‬
‫(‪)17‬‬
‫الشريعة ألجل تحقيقها ملصلحة العباد‪.‬‬
‫وهذه التعريفات وغيرها من تعريفات املعاصرين تحوم حول معنى الحكم‬
‫والغايات وألاسرار ‪ ...‬التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامه‪ .‬ويالحظ عليها‬
‫أنها ليست جامعة مانعة نظرا لوضوحها‪ ،‬ولذلك ـ على سبيل املثال ـ نجد شيخ‬
‫املقاصد أبا إسحاق الشاطبي رحمه هللا لم يعط لها تعريفا‪.‬‬
‫الفرر الثالث‪ :‬تعريف الاجتهاد املقاصدي‬
‫وبعد الوقوف على معنى الاجتهاد واملقاصد ‪ ،‬يمكن أن يقال‪ :‬إن الاجتهاد‬
‫املقاصدي هو بذل الجهد في معرفة مقاصد الشارع في نصوصه وأحكامه‪ .‬وسبر‬
‫أغوارها ومعانيها‪ ،‬والكشف عن غاية الشارع من تشريعاته سعيا ملراعاتها‬
‫وتحقيقها‪.‬‬

‫(‪ )15‬مقاصد الشريعة إلاسالمية للطاهر بن عاشور ‪.165 /3‬‬


‫(‪ )16‬مقاصد الشريعة إلاسالمية ومكارمها لعالل الفاس ي ص‪.7‬‬
‫(‪ )17‬نظرية املقاصد عند الشاطبي‪ :‬ألحمد الريسوني ص‪.7‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪73‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61-109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫والاجتهاد املقاصدي " ّ‬


‫مؤسس على استحضار املقاصد واعتبارها في كل ما‬
‫يقدره أو يفسره‪ ،‬ليس في مجال الشريعة وحدها‪ ،‬بل في كل املجاالت العلمية‬
‫(‪)18‬‬
‫والعملية"‬
‫وهو بذلك له ارتباط وثيق بفهم النصوص الشرعية ودالالتها على ألاحكام‪،‬‬
‫ومؤسس على فهم الواقع والنفسيات‪.‬‬
‫املطلل الثاني تعريف املصالح املرسلة وبيان حقيقتها وأدلة مراعاة‬
‫الشريعة لها‪ ،‬وخصائصها‪ ،‬وضوابطها‪.‬‬
‫تعتبر املصالح املرسلة أساس الاجتهاد املقاصدي في السياسة الشرعية‪،‬‬
‫وذلك بكونها من أسس استنباط ألاحكام التي لم ينص عليها بعينها‪ .‬وعليها يقوم‬
‫جانب مهم من النظر الاجتهادي في مستجدات السياسة الشرعية التي لم ّ‬
‫يتعين‬
‫ا‬
‫لها أصل‪ ،‬وصاحب ألامر يفعله بحكم الوالية العامة له أو ملن واله‪.‬‬
‫الفرر ألاول مفهوم املصالح املرسلة وحقيقتها‬
‫اختلفت أنظار العلماء إلى املصالح املرسلة؛ ولذلك تسمى أيضا‪ :‬املناسب‬
‫املرسل ـ الاستدالل ـ الاستصالح ‪ ...‬وتدل على حقيقة وهي ‪ :‬كل منفعة داخلة في‬
‫(‪)19‬‬
‫مقاصد الشارع دون أن يكون لها ولجنسها القريب شاهد باالعتبار أو إلالغاء‪.‬‬

‫(‪)18‬الفكر املقاصدي‪ :‬قواعده وفوائد ألحمد الريسوني ص‪.35‬‬


‫(‪ )19‬انظر ضوابط املصلحة في الشريعة إلاسالمية لرمضان البوطي ص‪.330‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪74‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪،)2021( 1 :‬ص ‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫ومن أمثلتها‪ :‬مصلحة الدولة في فرض مزيد من الضرائب عندما ال تفي‬


‫خزينة الدولة بتجييش الجيوش وسد الثغور‪ ،‬وهذا داخل ضمن مقصد حفظ‬
‫(‪)20‬‬
‫الدين‪.‬‬
‫إلارسال الحقيقي‬ ‫ويمكن القول في حقيقة املصالح املرسلة‪ :‬أنها ال تعني‬
‫والخلو التام من أي دليل شرعي ‪ ،‬وإنما هو اصطالح أريد به التفريق بينه وبين‬
‫القياس ‪ ،‬فالقياس ال بد أن يكون للفرع فيه شاهد من أصل وجدت فيه علة‬
‫الفرع وقام الدليل من نص أو إجماع على عليتها ‪ ...‬أما املصالح املرسلة فهي ما‬
‫كانت مرسلة عن مثل هذا الشاهد ولكنها في الوقت نفسه مالئمة العتبارات‬
‫(‪)21‬‬
‫الشارع وجملة مقاصده وأحكامه‪.‬‬
‫الفرر الثاني‪ :‬أدلة مراعاة الشريعة للمصلحة‪:‬‬
‫ألادلة الكلية والجزئية على أن الشريعة جاءت لتحقيق املصالح الدنيوية‬
‫وإسعاد الناس كثيرة‪ ،‬منها قوله تعالى‪( :‬وما أرسلناك إال رحمة للعامين) (‪ ،)22‬وإنما‬
‫يكون إرسال الرسول رحمة لهم إذا كانت الشريعة التي بعث بها إليهم وافية‬
‫بمصالحهم‪ ،‬ومنها قوله صلى هللا عليه وسلم‪ :‬الخلق كلهم عيال هللا فأحبهم إلى‬

‫(‪ )20‬نفس املرجع والصفحة‪.‬‬


‫(‪ )21‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪376‬‬
‫(‪ )22‬سورة ألانبياء‪ ،‬آلاية ‪.107‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪75‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61-109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫هللا أنفعهم لعياله (‪ ،" )23‬فإذاكان ميزان ما يتقرب العبد إلى هللا هو خدمة مصالح‬
‫العباد فأحرى أن يكون هذا امليزان هو نفسه املحكم في الشريعة إلاسالمية‪.‬‬
‫ومنها أيضا ألادلة من قواعد الشرع‪ ،‬مثل مراعاة الشريعة ألعراف الناس‬
‫بشرط أن ال تجر عليهم مفسدة وأن ال تفوت عليهم مصلحة سواء كانت تلك‬
‫ألاعراف معدودة في املقاصد بالسنبة لتصرفاتهم أو معدودة في الوسائل‬
‫وألاسباب‪.‬‬
‫وجملة هذه ألادلة والقواعد املذكورة ـ وغيرها ـ تثمر داللة قاطعة على أن‬
‫(‪)24‬‬
‫الشريعة جاءت لتحقيق للمصالح‪.‬‬
‫وقد تلقاها الصحابة بالقبول‪ ..‬ألنها مندرجة ضمن مقاصد الشرع مثل‬
‫إلى عمر وقضاء الخلفاء بتضمين‬ ‫جمع أبي بكر القرآن‪ .‬وعهد أبي بكر بالخالفة‬
‫الصناع وقتل الجماعة بالواحد‪ ،‬واتفاقهم على حد شارب الخمر ثمانين‪ .‬وتلقاها‬
‫بعدهم التابعون بالقبول‪ ،‬مثل ما فعله ابن عبد العزيز في الاكتفاء في رد الحقوق‬
‫بأيسر ألادلة خالفا ما كان يفعله خلفاء بني أمية من ألادلة القاطعة ألن فيه‬
‫إقامته للخانات في طريق خرسان ليرتاح فيها‬ ‫ذهاب للحقوق وظلم‪ ،‬ومنه‬
‫(‪)25‬‬
‫املسافرون‪ ،‬ومنه كتابه بمنع تشييد املباني بمنى حرصا على راحة الحجيج‪.‬‬

‫(‪)23‬أخرجه الطبراني في املعجم الكبير‪ ،‬باب من روى عن ابن مسعود أنه لم يكن مع النبي صلى هللا عليه وسلم ليلة‬
‫الجن‪ ،‬رقم‪.86 /10 ،10033 :‬‬
‫(‪ )24‬نفس املرجع‪ ،‬وانظر تفصيل هذه ألادلة ص ‪ 75‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )25‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪ 360‬وما بعدها‪.‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪76‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪،)2021( 1 :‬ص ‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫ـ الفرر الثالث‪ :‬أهم خصائص املصلحة في الشريعة إلاسالمية‪.‬‬


‫تتميز املصلحة الشرعية بمجموعة من امليزات والخصائص تجعلها أسمى‬
‫وأرقى من غيرها‪ ،)26(...‬وهذه الخصائص ‪ ،‬كما بينها رمضان البوطي‪ ،‬رحمه هلل هي‪:‬‬
‫الخاصية ألاولى‪ :‬أن الزمن الذي يظهر فيه أثر املصلحة واملفسدة ليس‬
‫محصورا في الدنيا بل بشمل حتى آلاخرة‪.‬‬
‫الخاصية الثانية‪ :‬أن قيمة املصلحة الشرعية ال تنطوي على ما تنحصر‬
‫عليه من لذة مادية كما في املصلحة لدي علماء ألاخالق بل هي تابعة لحاجتي كل‬
‫من الجسم والروح في إلانسان‪ ,‬وإذا املصلحة في الشريعة إلاسالمية ناظرة بعدالة‬
‫إلى نوازع كل من الجسم والروح‪.‬‬
‫الخاصية الثالثة‪ :‬أن مصلحة الدين أساس للمصالح ألاخرى ومقدمة‬
‫(‪)27‬‬
‫عليها‪ ،‬عكس ما رأيناه عند علماء ألاخالق والقانون‪.‬‬

‫الفرر الرابع‪ :‬ضوابط املصلحة الشرعية‪.‬‬

‫(‪ )26‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪ 24‬وما بعدها‪.‬‬


‫(‪ )27‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪ 44‬وما بعدها‪.‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪77‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61-109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫املصالح في إلاسالم مقننة ومضبوطة الحدود واملعالم‪ ،‬وميزان وضوابط‬


‫املصلحة عند النظار في الشريعة مضبوط موزون باملصالح الدنيوية وألاخروية‪،‬‬
‫وألاولى محكومة بمصالح الثانية ‪ )28(.‬وهذه الضوابط‪:‬‬
‫الضابط ألاول ‪ :‬اندراجها ضمن مقاصد الشرع ‪ :‬وغاية هذه املقاصد غاية‬
‫كلية واحدة‪ ،‬وهي أن تكون عبد هلل اختيارا ‪ ،‬وألادلة على ذلك مستفيضة‪.‬‬
‫الضابط الثاني ‪ :‬عدم معارضتها للكتاب‪ :‬ويدل على صحة هذا الضابط‬
‫جملة من ألادلة منها‪:‬‬
‫الدليل العقلي‪ :‬وذلك أن معرفة مقاصد الشارع إنما تمت استنادا إلى‬
‫ألاحكام الشرعية املنبثقة من أدلتها التفصيلية‪..‬‬
‫والدليل النقلي ما ثبت بصريح القرآن نفسه من وجوب التمسك بأحكامه‬
‫وتطبيق أوامره ونواهيه‪ ،‬وما ثبت في السنة‪.‬‬
‫ـالضابط الثالث‪ :‬عدم معارضتها للسنة واملقصود بالسنة ما ثبت سنده‬
‫متصال إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير‪ ،‬سواء ورد‬
‫متواترا أو آحادا‪ .‬واتباع السنة في استعمال الوسائل يكون من حيث التوصل إلى‬
‫تنفيذ حكم هللا تعالى‪ ،‬ال من حيث الجمود عند جزئياتها بقطع النظر عن نتائجها‪.‬‬
‫الضابط الرابع‪ :‬عدم معارضتها للقياس‪ :‬والقياس إنما هو مرعاة مصلحة‬
‫في فرع بناء ملساواته ألصل في علة حكمه املنصوص عليه فبينهما إذ من النسبة‬

‫(‪ )28‬نفس املرجع ص ‪.25‬‬


‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪78‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪،)2021( 1 :‬ص ‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫العموم والخصوص املطلق ‪ .‬فكل قياس مرعاة للمصلحة وليس كل مرعاة‬


‫للمصلحة قياسا ـ‬
‫(‪)29‬‬
‫الضابط الخامس‪ :‬عدم تفويتها مصلحة أهم منها أو مساوية لها‪.‬‬
‫وتتجلى أهمية ضوابط املصلحة للباحث واملجتهد في كونها سبيل الهداية‬
‫إلى الحق‪ ،‬إذ هو لن يهتدي إلى الحق فيما يجد بالبحث فيه إال إذا اتخذ من‬
‫ضوابط املصلحة الشرعية منارا في طريق بحثه؛ وال يزيغ إلى باطل إال عندما‬
‫يتهاون في التقيد بهذه الضوابط‪ ،‬أو ال يدقق النظر في حقيقتها‪.‬‬
‫وموقع هذه الضوابط من املصلحة هو الكشف والتحديد ال الاستثناء‬
‫والتضييق‪ ،‬أي أن ما وراء هذه الضوابط ليس داخال في حدود املصلحة وإن‬
‫توهم متوهم أنه يدخل فيها‪ .‬ومن تم ال يتصور التعارض بحال بين املصلحة وأدلة‬
‫(‪)30‬‬
‫ألاحكام‪.‬‬

‫(‪ )29‬ضوابط املصلحة ص ‪ 119‬وما بعدها‪.‬‬


‫(‪ )30‬ضوابط املصلحة‪ ،‬ص ‪.117 -115‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪79‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61-109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫الفرر الخامس‪ :‬العالقة بين املقاصد الشرعية واملصالح املرسلة‬


‫والعالقة بين املقاصد الشرعية واملصالح املرسلة‪ ،‬بينهما عموم وخصوص‪،‬‬
‫فاملصالح املرسلة التي سكت عنها الشارع‪ ،‬والتي تتوافق مع ألادلة والقواعد‬
‫والضوابط الشرعية؛ إنما هي صميم مقاصد الشريعة ومراد الشارع‪ .‬فمصلحة‬
‫حفظ القرآن بتدوينه‪ ،‬ومصلحة إذاعة آلاذان والقرآن والصلوات والخطب‬
‫والتراويح باالستعانة بالوسائل العصرية ‪...‬فكل تلك املصالح هي مقصودة للشارع‬
‫(‪)31‬‬
‫ومرادة له‪ ،‬على الرغم من أنها تثبت عن طريق استخدام املصلحة املرسلة‪.‬‬
‫املطلل الثالث‪ :‬تعريف نوازل السياسة الشرعية‪ ،‬وعالقتها باالجتهاد‬
‫املقاصدي‬
‫الفرر ألاول‪ :‬تعريف نوازل السياسة الشرعية‬
‫أوال‪ :‬تعريف النازلة‬
‫النوازل لغة‪ :‬جمع "نازلة"‪ ،‬والنازلة اسم فاعل من "نزل ينزل"‪ ،‬إذا ا‬
‫حل‪،‬‬
‫والنازلة‪ :‬الشديدة تنزل بالقوم(‪ ،)32‬ومن ذلك القنوت في النوازل‬

‫(‪ )31‬علم املقاصد الشرعية‪ ،‬ص‪.39‬‬


‫(‪ )32‬لسان العرب ‪.659 /11‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪80‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪،)2021( 1 :‬ص ‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫وأما في الاصطالح فقد شاع واشتهر عند الفقهاء إطالق النازلة على‬
‫ً‬ ‫ا‬
‫واجتهادا ‪ ،‬قال ابن عبدالبر‪" :‬باب‬ ‫املسألة الواقعة الجديدة التي تتطلب نظرا‬
‫(‪)33‬‬
‫اجتهاد الرأي على ألاصول عند عدم النصوص في حين نزواللنازلة"‬
‫(‪)34‬‬
‫اجتهاد ألائمة في النوازل‪ ،‬ور ّدها إلى ألاصول"‬
‫ُ‬ ‫وقال النووي‪" :‬وفيه‬
‫وقال ابن القيم‪" :‬وقد كان أصحاب رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬
‫(‪)35‬‬
‫يجتهدون في النوازل"‪.‬‬
‫ًّ‬
‫شرعيا من الوقائع‬ ‫عرفها بعض املعاصرين بقوله‪" :‬ما استدعى ً‬
‫حكما‬ ‫وقد ا‬
‫ا (‪)36‬‬ ‫ا‬
‫املستجدة" أو يقال‪ :‬هي الوقائع املستجدة امللحة‬
‫ثانيا‪ :‬تعريف السياسة الشرعية‪:‬‬
‫(‪)37‬‬
‫عرفها ابن ألاثير فقال‪" :‬السياسة‪ :‬القيام على الش يء بما يصلحه‪.‬‬ ‫لغة‪ّ :‬‬
‫ُ‬
‫قال ابن منظور‪" " :‬والسياسة‪ :‬القيام على الش يء بما يصلحه‪ ،‬والسياسة‪:‬‬
‫وس‬‫الدواب إذا قام عليها وراضها‪َ ،‬و ْعال َوالي َي ُس ُ‬
‫ا‬ ‫السا ِئس‪ .‬يقال‪ :‬هو َي ُس ُ‬
‫وس‬ ‫ِف ْعع ُل ا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ا َ (‪)38‬‬
‫ر ِعيته"‬

‫(‪ )33‬جامع العلم وفضله‪.‬‬


‫(‪" )34‬شرح النووي على صحيح مسلم"‪ ،‬للنووي ‪.213 /1‬‬
‫(‪")35‬إعالم املوقعين" البن القيم ‪.155 /1‬‬
‫(‪" )36‬فقه النوازل دراسة تأصيلية تطبيقية‪ ،‬د محمد الجيزاني ‪.24/1‬‬
‫(‪)37‬النهاية في غريب ألاثر والحديث البن ألاثير‪.421 /2 ،‬‬
‫(‪ )38‬لسان العرب ‪.108 /6‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪81‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61-109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫الرجل َ‬
‫أمور الناس‪ ،‬على‬ ‫ُ‬ ‫س‬ ‫ياس ًة‪ُ ،‬‬
‫وس ّو َ‬ ‫الرعية س َ‬
‫ّ‬ ‫وقال الجوهري‪ُ " :‬س ْعس ُ‬
‫ت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫(‪)39‬‬
‫ما لم يسم فاعله‪ ،‬إذا ُم ِل َك أمرهم"‪.‬‬
‫وأما تعريف السياسة شرعا واصطالحا‪ ،‬فلم يرد في نصوص الشريعة‬
‫مصطلح السياسة وال ما هو مشتق من جذرها إال في حديث واحد للنبي ‪-‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ -‬وهو قوله‪« ":‬كانت بنو إسرائيل تسوسهم ألانبياء‪ ،‬كلما هلك نبي‬
‫خلفه نبي‪ ،‬وإنه ال نبي بعدي‪ ،‬وسيكون خلفاء فيكثرون» قالوا‪ :‬فما تأمرنا؟ قال‪:‬‬
‫(‪)40‬‬
‫«فوا ببيعة ألاول فاألول‪ ،‬أعطوهم حقهم‪ ،‬فإن هللا سائلهم عما استرعاهم»‬
‫وهي واردة هنا في الحديث باملعنى اللغوي السابق‪ ،‬قال ابن حجر‪" :‬قوله‪:‬‬
‫(تسوسهم ألانبياء) أي ّأنهم كانوا إذا ظهر فيهم فساد‪ ،‬بعث هللا لهم ً‬
‫نبيا يقيم لهم‬
‫ّ‬
‫أمرهم‪ ،‬ويزيل ما غيروا من أحكام التوراة‪ ،‬وفيه إشارة إلى أنه ال بد للرعية من‬
‫(‪)41‬‬
‫قائم بأمورها‪ ،‬يحملها على الطريق الحسنة‪ ،‬وينصف املظلوم من الظالم"‪.‬‬
‫وعرفها ابن عقيل كما نقلها عنه ابن القيم‪" :‬السياسة ما كان من ألافعال‬
‫(‪)42‬‬
‫بحيث يكون الناس معه أقرب إلى الصالح وأبعد عن الفساد"‪.‬‬

‫(‪ )39‬الصحاح ‪.938 /3‬‬


‫(‪ )40‬أخرجه البخار‪ ،‬كتاب أحاديث ألانبياء باب ما ذكر عن بني إسرائيل ‪.169 /4‬‬
‫(‪ )41‬فتح الباري البن الحجر ‪.497 /6‬‬
‫(‪ )42‬إعالم املوقعين عن رب العاملين ‪.283 /4‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪82‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪،)2021( 1 :‬ص ‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫ُ‬
‫وهذه التعاريف فيها شمول ألفعال إلامام ولكل من أوكل إليه رعاية ش يء‪،‬‬
‫كالناظر على الوقف وولي اليتيم ونحوهما‪ ،‬فالقيام على كل ش يء ّ‬
‫يسمى سياسة‪،‬‬
‫سواء كان شؤون الدولة أو البيت أو مؤسسة ما‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق يتضح أن مفهوم السياسة الشرعية هو رعاية الشؤون‬
‫العامة والقيام على ما يصلح حال العباد في العاجل وآلاجل‪ ،‬انطالقا من هدي‬
‫الوحي ومقاصده‪ ،‬والسياسة في إلاسالم شاملة لجميع مناحي الحياة‪ ،‬سواء كان‬
‫تصرف إلامام بمقتض ى النص أو الاجتهاد واملصلحة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬تعريف نوازل السياسة الشرعية‬
‫واملقصود بنوازل السياسة الشرعية هي مختلف القضايا السياسية‬
‫املستجدة ـ مثل العمل بالدمقراطية‪ ،‬والتعددية السياسية ‪ ..‬ـ التي لم يرد فيها‬
‫نص من القرآن أو السنة وال اجتهد فيها العلماء السابقون‪ ،‬فتحتاج إلى اجتهاد من‬
‫الفقهاء في ضوء مقاصد الشريعة ومصالحها‪.‬‬
‫الفرر الثاني‪ :‬عالقة نوازل السياسة الشرعية باالجتهاد املقاصدي‪.‬‬
‫ملا كان علم السياسة الشرعية جاء ليدير شؤون الرعية بما يحقق‬
‫مصالحها ويدفع عنها املفاسد‪ ،‬فإن توقفه على علم املقاصد الشرعية وآليات‬
‫اجتهاده ونظره املصلحي أمر قطعي‪ .‬كما يتضح مما سبق أن هناك عالقة وطيدة‬
‫واتصاال وثيقا بين نوازل السياسة الشرعية والاجتهاد املقاصدي‪ ،‬وذلك لكون هذا‬
‫ألاخير هو املوجه والضابط لكل أنواع الاجتهاد وفي مختلف املجاالت؛ في ضوء‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪83‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61-109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫نصوص الشرع وقواعده‪ ،‬وملا كانت السياسة في عصرنا تعريف كثيرا من‬
‫املتغيرات واملستجدات فهي في حاجة إلى إعمال الاجتهاد املقاصدي في نوازلها‪،‬‬
‫وكذلك النظر املصلحي عبر الاجتهاد الجامع بين الثوابت واملتغيرات في ضوء‬
‫ضوابط املصلحة لكي ال يزيغ هذا الاجتهاد عن حدوده الشرعية ويضيع مصالح‬
‫الرعية‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسية الشرعية عند‬
‫ألاستاذ عالل الفاس ي من خالل النقد الذاتي‬
‫هذا املبحث مخصص لبيان أهمية ومنزلة الاجتهاد املقاصدي والنظر‬
‫املصلحي عند ألاستاذ عالل الفاس ي‪ ،‬وبيان معالم رؤيته الفكرية في هذا الباب‬
‫وأسس نظره الاجتهادي في نوازل السياسة ومستجداتها‪ ،‬ودراسة بعض ألامثلة من‬
‫خالل كتابه النقد الذاتي للوقوف على منهجية مقاربته لقضايا السياسة‬
‫وألاصول والقواعد التي يعتمدها في تقريره لألحكام واستخالص النتائج‪.‬‬
‫املطلل ألاول‪ :‬أهمية الاجتهاد املقاصدي في فكر ألاستاذ عالل الفاس ي‪.‬‬
‫نبغ علماء الغرب إلاسالمي عبر التاريخ في علم مقاصد الشريعة‪ ،‬وتميزوا‬
‫باجتهادهم فيها‪ ،‬واستصحابهم ملصالح الشريعة وعللها عند النظر في‬
‫القضايا والنوازل املستجدة‪ ،‬ويعتبر ألاستاذ عالل الفاس ي رحمه هللا تعالى من‬
‫املعاصرين الذين أبدعوا في هذا الفن‪ ،‬وأبانوا عن فهم عميق ملقاصد الشريعة‪،‬‬
‫ودورها في استنباط ألاحكام‪ ،‬قال رحمه هللا‪« :‬مقاصد الشريعة هي املرجع ألابدي‬

‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪84‬‬


‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪،)2021( 1 :‬ص ‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫الستقاء ما يتوقف عليه التشريع والقضاء في الفقه إلاسالمي‪ ،‬وأنها ليست مصدرا‬
‫خارجيا عن الشرع إلاسالمي ولكنها من صميمه‪ ،‬وليست غامضة غموض القانون‬
‫الطبيعي الذي ال يعرف له حد وال مورد ولكنها ذات معالم وصوى كصوى‬
‫(‪)43‬‬
‫الطريق»‪.‬‬
‫ويرى عالل الفاس ي رحمه هللا تعالى أن الشريعة إلاسالمية تميزت بخاصية‬
‫الاجتهاد املقاصدي املتجدد الذي يجعل ألاحكام لها بعد إلهي‪ ،‬و بعد بشري‬
‫تجريبي؛ مما يضمن عدم الفراغ فقال‪ « :‬والخالصة أن الاجتهاد هو العلم الذي‬
‫وضعه إلاسالم ليشرك به املجتهدين ألاكفاء في التشريع وفي تفسير الخطاب‬
‫إلالهي‪ ،‬وهو ما يجعل الشريعة إلاسالمية قابلة للتطور و الدوران مع املصلحة‬
‫(‪)44‬‬
‫العامة والخاصة في جميع العصور وجميع الجهات‪.‬‬
‫ويوضح ألاستاذ عالل الفاس ي رحمه هللا تعالى طريق الوصول إلى معرفة‬
‫املقاصد والوسائل املعينة على ذلك قائال‪ «:‬والشريعة أحكام تنطوي على مقاصد‪،‬‬
‫ومقاصد تنطوي على أحكام‪ ... ،‬ـ فهي ـ نظر بالعقل في إطار أصول عامة يهتدي به‬
‫املكلف بذلك النظر إلى اكتشاف أسرار الشريعة‪ ،‬ومقاصدها عن طريق اللفظ‪،‬‬
‫(‪)45‬‬
‫واملدلول الخاص والعام‪.» ،‬‬

‫(‪ )43‬مقاصد الشريعة إلاسالمية ومكارمها‪ ،‬ص‪ 55‬و ‪.56‬‬


‫(‪ )44‬مقاصد الشريعة إلاسالمية ومكارمها‪ ،‬ص‪.169 -168‬‬
‫(‪ )45‬نفسه‪ ،‬ص‪.47‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪85‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61-109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫وملا كان عالل الفاس ي رحمه هللا مرتبطا بالواقع وهمومه يتأثر ويؤثر‪،‬‬
‫وعضوا فاعال في الحركة الوطنية‪ ،‬إضافة إلى تضلعه في علوم الشريعة كان نظره‬
‫مقاصديا بامتياز‪ ،‬ولذلك صرح محقق الكتاب الدكتور إسماعيل الحسني بأن "‬
‫للفاس ي إسهام واضح في نقل الفكر املقاصدي من علياء التنظير ألاصولي إلى واقع‬
‫التوظيف العملي ‪ ،‬فذلك ما يتسق مع طبيعة شخصية الفاس ي الذي مارس‬
‫العمل الوطني‪ ،‬وامتهن النضال ضد الاستعمار الفرنس ي ‪ ،‬وكان رئيسا لحزب‬
‫(‪)46‬‬
‫سياس ي مغربي عريق "‬
‫ولعل املنطلق املقاصدي واملصلحي عند ألاستاذ عالل الفاس ي دافع له‬
‫للدعوة إلى التجديد انطالقا من ألاساس العقدي‪ ،‬بالدعوة إلى إصالح العقيدة‪،‬‬
‫وألاساس السياس ي‪ ،‬بالدعوة إلى إصالح السياسة وتجديد القانون‪.‬‬
‫وينطلق ألاستاذ عالل الفاس ي رحمه هللا في تجديده واجتهاده من منظور‬
‫شمولية الدين لكل مناحي الحياة وسيادته على مجرياته‪ ،‬فيرى أنها هي الفكرة‬
‫املالكة لكل شؤون الحياة‪ ،‬وأنه ليس هنالك أمر يماثل الطبيعة في شمولها‬
‫وسيرانها مثل الدين‪ ،‬ويرى أن التدين ومراعاة املثل ألاعلى إلالهي سبيل الرقي‬
‫والتقدم والتمكين‪ ،‬ويستشهد لذلك على بمعطيات التاريخ وسننه‪ ،‬فاألمم التي‬
‫حافظت على سموها الروحي استطاعت الخلود‪ ،‬وأن هذه الفكرة تتأكد حقيقتها‬

‫(‪ )46‬مقاصد الشريعة إلاسالمية ومكارمها‪ ،‬لعالل الفاس ي‪ ،‬تحقيق إسماعيل الحسني‪ ،‬طبعة دار السالم‪ ،‬ص‪.289 :‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪86‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪،)2021( 1 :‬ص ‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫بأحلى مظاهرها في تاريخ الحضارة إلاسالمية وما كانت عليه من مقام عال وحد‬
‫سام يوم كان إلاسالم هو الفكرة السارية في شرايين الدولة(‪.)47‬‬
‫املطلل الثاني‪ :‬معالم الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية‬
‫عند ألاستاذ عالل الفاس ي من خالل "النقد الذاتي"‪.‬‬
‫ال شك أن ألاستاذ عالل الفاس ي رحمه هللا في مواقفه وأرائه السياسية‬
‫واجتهاده في نوازل السياسة الشرعية يصدر فيها انطالقا من املنظور الشرعي‪،‬‬
‫وخصوصا النظر املصلحي‪ ،‬عبر دليل املصلحة املرسلة التي تيسر للعلماء سبل‬
‫الاجتهاد في مستجدات السياسة بإرجاعها إلى أصول الشرع وقواعده وقيمه العليا‬
‫ومقاصده الكلية وإن لم يقم دليل جزئي عليها‪.‬‬
‫وفيما يأتي عرض وبيان لبعض القضايا السياسة التي تصدى لها ألاستاذ‬
‫عالل الفاس ي رحمه في كتابه النقد الذاتي بالبحث والدراسة‪:‬‬
‫الفرر ألاول‪ :‬موقفه من الثورات الدينية والتحرر الالئكي ضد هيمنة‬
‫سلطة رجال الدين خالل القرون الوسطى‪:‬‬
‫يرى ألاستاذ عالل الفاس ي أن هذه الثورات التي قامت على ألانظمة‬
‫الكهنوتية ـ الرهبنة ـ كونتها ظروف املسيحية في تجاربها التاريخية‪ ،‬ويرى أن هذه‬
‫الثورات ومآلتها ليست منافية للدين الخالص بقدر ما هي موافقة له‪ ،‬فيقول‬

‫(‪ )47‬النقد الذاتي‪ ،‬ص‪100 :‬‬


‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪87‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61-109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫"وإلاسالم بصفة خاصة ال يمكنه إال أن يحبذ كل ثورة تقض ي على التحكم في‬
‫العقول وألاشخاص باسم الدين أو تمنح طائفة من البشر مكان التشريع الديني‬
‫والقداسة الروحية التي تجعلهم آلهة أو أنصاف آلهة‪ ،‬ألن أول ما منعه إلاسالم هو‬
‫تعبيد النفوس وألارواح ألي طغيان من طغيانات إلانس والجن‪ ...‬وفكرنا الديني‬
‫يجب أن يكون مبينا على هذا ألاساس الذي يجعل الناس أمام هللا وأمام الدين‬
‫(‪)48‬‬
‫سواء"‪.‬‬
‫وألاستاذ عالل الفاس ي في هذا املوضع يثور بشدة أمام استعباد الناس‬
‫والتحكم في رقابهم وسلب حرياتهم‪ ،‬وينطلق في ذلك من منطلق ومقصد تعبدي‬
‫خالص؛ فالعبودية هلل والاستسالم ألمره وشرعه الحنيف وهديه هو ما يجب أن‬
‫يصدر عنه الناس في بناء دولهم وحضاراتهم‪.‬‬
‫إلاسالمية والغربية‬ ‫الفرر الثاني" الدعوة إلى الجمع بين الحضارة‬
‫وتكاملهما في قضايا السياسة وأمور الحكم‬
‫يدعو ألاستاذ عالل الفاس ي رحمه هللا تعالى إلى املعاصرة والانفتاح على‬
‫تجارب إلانسانية في مجال القيم الكونية املشتركة‪ ،‬مثل تحقيق الاستقالل‬
‫الشامل والسالم‪ ،‬ونشر الحرية وألامان‪ ،‬قال‪" :‬وعملنا ذلك ال يمكن أن يكون إال‬
‫جزءا من الكفاح البشري املتواصل لنصرة الحرية ومقاومة الاستعباد‪ .‬وذلك ما‬
‫يستدعي اتصاال دائما بالفكر إلانساني في شتى أشكاله وتعاونا صادقا مع ذوي‬

‫(‪ )48‬النقد الذاتي‪ ،‬ص‪101 :‬‬


‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪88‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪،)2021( 1 :‬ص ‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫النية الحسنة في كل الدنيا من غير مراعاة ألصولهم وال اتجاهاتهم‪ ،‬ما داموا‬
‫يحملون هذه العقيدة التي هي عقيدة الفطرة الصحيحة وعقيدة الفكر الحر‬
‫والنظر املستقل والتآخي البشري ونصر العدل والكفاح ضد الطغيان‪.)49(...‬‬
‫فهو رحمه هللا ال يشترط لتحقيق هذا املقصد إلانساني النبيل واملشترك‪،‬‬
‫دخول هؤالء الحلفاء في إلاسالم وال الاعتراف به دينا سماويا منزال‪ ،‬ويرى أن الهم‬
‫املشترك امتداد للتعاون إلانساني الذي بدأه إلاسالم بين الشعوب التي انضمت‬
‫إلى عقليته وتأثرت بتوجيهاته التحريرية العظمى‪.‬‬
‫إلاسالمي في دعوته العامة والتي‬ ‫ودعوته هذه صادرة عن نظرته للفكر‬
‫تجعل املسلم يتجه بوضوح كامل إلى إنسانية صادقة تلتمس الخير من الجميع‬
‫لفائدة الكل‪ ،‬وال تتخوف من الاتصال بمختلف ألاوساط وشتى البيئات والبحث‬
‫معها عما يساعد على التحرر والتقدم والبناء والعمران وتحسين حالة املجتمع‬
‫(‪)50‬‬
‫البشري والارتفاع به للمستوى العالي الذي خلق من أجله ‪.‬‬
‫ولعل أهم قاعدة مقاصدية ينطلق منها ألاستاذ عالل الفاس ي رحمه هللا في‬
‫نظره ملستجدات عصره ومتغيراته ـ وخصوصا السياسة ـ قاعدة املصلحة‪ ،‬يقول‬
‫إلاسالمية هو بناؤها على أصول متينة‬ ‫رحمه هللا‪" :‬وأعظم طابع يميز الديانة‬
‫تجعلها قابلة للتطور والسير دائما إلى إلامام‪ ،‬وتعدها لتكون صالحة لكل الطبقات‬

‫(‪ )49‬النقد الذاتي‪ ،‬ص‪.110 :‬‬


‫(‪ )50‬نفسه‪ ،‬ص‪.110‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪89‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61-109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫ولكل العصور ومختلف البقاع ‪ ...‬وتركت للمسلمين حق النظر في كل ما هو من‬


‫شؤون الحياة وما يسمى عند علماء إلاسالم (باملصلحيات) أي املسائل الراجعة‬
‫للمصلحة العامة والتي تتطور بحسب تقلباتها وجودا وعدما ‪ ...‬وفي مقدمة هذه‬
‫املصلحيات ما يتعلق بشؤون الدولة وأنظمتها وشكل الحكم الذي تختاره ألامة‬
‫إلاسالم وجه املسلمين نحو الحياة الاستشارية التي‬ ‫لنفسها‪ ،‬ومعنى هذا أن‬
‫إلانسانية‬ ‫تجعلهم يفكرون في مصيرهم ومآل أساليبهم على ضوء التجارب‬
‫(‪)51‬‬
‫املختلفة وفي تجرد عن ألاهواء‪ ،‬وتمسك بالحق والعدل واملعروف من الدين"‪.‬‬
‫وإلاسالم عنده في هذا الباب وغيره مفعم بروح تقدمية‪ ،‬فهي لم تقيد‬
‫الناس بكثير من املواد القانون ية الجافة‪ ،‬ليتقيدوا بمقتضاها‪ ،‬بل جعل طابع‬
‫ألاحكام متجددا فهي تتغير بتغير املسائل املعروضة وظروفها‪.‬‬
‫وفي هذا إلاطار ينبه إلى خطأ الذين يريدون أن يجعلوا من بعض ألاعراف‬
‫املصطنعة قوانين دائمة‪ ،‬ونبهم إلى أنهم بذلك قد ناقضوا الذهنية املغربية التي‬
‫جعلها الفكر إلاسالمي دائمة الرغبة في التحول والتجديد‪ ،‬وناقضوا الحاسة‬
‫القضائية حيث ربطوها بالعرف‪ ،‬والعرف معناه العادة التي ال تتبدل أي ما‬
‫يسميه الاجتماعيون بالطبيعة الثانية‪ ،‬بينما الواجب يقض ي أال يرتبط إال‬

‫(‪ )51‬النقد الذاتي‪ ،‬ص ‪110‬ـ ‪.111‬‬


‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪90‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪،)2021( 1 :‬ص ‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫بالقانون الذي يتبع الاستنباط ويقبل التطور وال ينكر الاعتبارات العرفية وغيرها‬
‫(‪)52‬‬
‫من حيث اعتماده على ظروف ألاحداث وأجوائها‪.‬‬
‫الفرر الثالث النظر املصلحي التقدمي من مقتضيات التجديد‪.‬‬
‫يركز ألاستاذ عالل الفاس ي في هذه القضية على معلم مهم من معالم‬
‫الرؤية الفكرية إلاسالمية؛ وهو أن الدعوة إلاسالمية حيوية حركية ومتجددة‪ ،‬بما‬
‫تحمله من فكر باعث على النظر والتفكير والعمل التقدمي املستمر‪ ،‬وينبه على أنه‬
‫وإلارشاد والهداية‪ ،‬فإنها‬ ‫إذا كانت مهمة صاحب الوحي والشريعة هي الدعوة‬
‫كذلك مهمة املفكرين واملصلحين في كل عصر وجيل‪ ،‬كما دل عليه الحديث‪" :‬إن‬
‫(‪)53‬‬
‫وهو وعد‬ ‫هللا يبعث إلى هذه ألامة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"‬
‫إلهي‪ ،‬جعل له هللا من الدين كل ألاسس والسنن التي تعين على تحقيقه‪ ،‬ألن‬
‫الفكر إلاسالمي يوجب على من يعتنقه النظر والتبصر والاعتبار بتقلبات الزمن‬
‫والبحث املستمر عن اتجاهات الحياة ومحاولة التحكم في سير ألاشياء وفقا ملا‬
‫(‪)54‬‬
‫تستدعيه مصلحة إلانسان‪.‬‬

‫(‪ )52‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.111‬‬


‫(‪ )53‬املستدرك على الصحيحين‪ ،‬للحاكم النيسابوري‪ ،‬كتاب الفتن والالحم ‪.567 /4‬‬
‫(‪ )54‬النقد الذاتي ص ‪.112‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪91‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61-109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫وعلى أساس هذا الوعد تقوم هداية الناس إلى الحق‪ ،‬وإرشادهم إلى الخير‬
‫وإصالح أحوالهم‪ ،‬والبحث عما يصلح حالهم في الدنيا وآلاخرة حسب ما تقتضيه‬
‫الحاجة واملصلحة ويوافق قواعد الشرع وقيمه‪.‬‬
‫ويقول ألاستاذ عالل الفاس ي رحمه هللا في معرض تعليقه على هذا‬
‫الحديث‪" :‬على أن الذي يهمنا هو ما يشتمل عليه هذا الحديث من روح صريحة‬
‫وضمنية تؤذن بأن ألامة إلاسالمية تخضع للتطور كغيرها من ألامم ألاخرى‪ ،‬وتنذر‬
‫بأنه ال تمر مائة عام إال وتكون في حاجة لبعث جديد ويقظة ثانية‪ ،‬وأن ما قرره‬
‫عصر سابق من أساليب ال يمكن أن يتحكم فيما يريده العصر املوالي ألن‬
‫التجديد ال يعني دائما الترميم‪ ،‬بل يعيني حتى الاستبدال وإن كان ال يقصد أبدا‬
‫عدم املتابعة لألساس‪ .‬والامتالء بهذه الروح هو الذي جعل عليا يقول‪" :‬علموا‬
‫أوالدكم فقد خلقوا لجيل غير جيلكم" أي أن التغاير يقع بين جيل ألاب وجيل‬
‫(‪)55‬‬
‫الابن‪...‬‬
‫ويشير إلى أنه على أساس هذه الروح بنى أسالفنا حضارة كان من أخص‬
‫ميزاتها الانفتاح على مختلف الحضارات إلانسانية السائدة والتفاعل معها تأثيرا‬
‫وتأثرا‪ ،‬كل ذلك في شكل مليء باالحترام لسائر القيم البشرية امتالءه باالعتداد‬
‫بالدين وروحه العظيمة التي هي إلانسانية نفسها‪.‬‬

‫(‪ )55‬النقد الذاتي ص ‪112‬ـ ‪.113‬‬


‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪92‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪،)2021( 1 :‬ص ‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫إلاسالمي يدعوا إلى الاتصال‬ ‫وينبه ألاستاذ عالل الفاس ي إلى أن الفكر‬
‫بالعقول والتنقيب عن كل املعارف والتقاط الحكمة من كل الجهات والتطلع‬
‫دائما إلى التجديد‪ ،‬كما أنه يمنع املسلمين من الانكماش على أنفسهم والاستسالم‬
‫(‪)56‬‬
‫ملا فعلته عوامل الانحطاط في مجتمعهم‪.‬‬
‫وبعد هذا التحليل والتأصيل يقرر رحمه هللا قاعدة مصلحية ركينة ومهمة‬
‫إلاسالم الصحيح‪ ،‬ونعمل على‬ ‫في قوله‪" :‬وإذن فواجبنا اليوم أن نهتدي بهدي‬
‫تجديد أحوالنا‪ ،‬مستمدنا من تراثنا ومن تراث غيرنا ومن حاضر ألامم الراقية‬
‫وتجاربها ما يكون لنا عصر انبعاث حقيقي ويقظة نشيطة واستئناف ملواصلة‬
‫السير نحو املثل ألاعلى الذي يمأل قلوبنا والذي هو سلوتنا فيما نعانيه اليوم من‬
‫(‪)57‬‬
‫بؤس وشقاء"‬
‫ويأتي هذا النظر املصلحي عند الشيخ في طابع يستشرف املستقبل وينظر‬
‫في مآالت ألامور‪ ،‬ألن مسيرة إلانسانية وركب التقدم والتطور ال يعرف الانتظار وال‬
‫التريث بمن يتأخرون عن إدراكها‪ ،‬والغفلة عن ألاحوال وعدم الاهتمام باملآل ال‬
‫إلانساني الذي يوجب‬ ‫تزيد إال في إرجاعنا القهقرى حيث نزداد بعدا عن الركب‬
‫الفكر إلاسالمي أن نكون في مقدمة هداته ألاولين‪.‬‬

‫(‪ )56‬نفسه‪ ،‬ص ‪.113‬‬


‫(‪ )57‬النقد الذاتي‪ ،‬ص ‪.113‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪93‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61-109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫وقد وضح رحمه هللا في هذا السياق بعض معالم وقواعد الفكر املصلحي‬
‫التقدمي قائال‪" :‬إن الفكر إلاسالمي يعني الانتباه والحذر والحركة الدائبة والتجديد‬
‫املستمر في ألاسلوب‪ ،‬وخصوصا في آلالة النفسية التي تبعث على انتحاله‪ ،‬وفي‬
‫الحركة وخصوصا في فهم العوامل الداخلية والخارجية التي تدعوا إليها‪ ،‬وهو أكثر‬
‫من ذلك وازع الثورة على الخمود والاستنكار للجمود والامتالء بروحانية العمل‬
‫(‪)58‬‬
‫والكفاح للتمتع بالحق والشعور بالعدل وتذوق معاني الحرية‬
‫ـ الفرر الرابع‪ :‬قوار د البناء الديمقراطي عند ألاستاذ عالل الفاس ي"‬
‫الفكر العام الصحيح املتحرك"‪.‬‬
‫يستند البناء الد يمقراطي عند ألاستاذ عالل الفاس ي إلى الفكر العام‬
‫الصحيح‪ ،‬وهو ما سماه علماء ألاصول (باالستحسان العام) وهو ما يسميه علماء‬
‫الاجتماع الفكر العام املتحرك‪،‬‬
‫ويرى أن الفكر العام الصحيح يجب أن يستند إلى رأي ألاكثرية الساحقة‬
‫من ألامة بعد دراسته الدراسة الصادقة املبنية على التفكير والنظر الواعيين‪ ،‬وأن‬
‫يكون عاما‪ ،‬ومعنى هذا أن الفكر العام يجب أن يكون قويا إلى حد أن ألاقلية التي‬
‫لم توافق عليه تضطر العتماده ومسايرته دون إجبار وال ضغط‪ ،‬بل عن اختيار‬
‫وحسن إرادة‪ ،‬ألن الديمقراطية الصحيحة هي التي تخضع فيها ألاقلية لرأي‬
‫ألاكثرية من غير تأثر وال حنق‪.‬‬

‫(‪ )58‬النقد الذاتي‪ ،‬ص ‪.115‬‬


‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪94‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪،)2021( 1 :‬ص ‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫ويرى أن الفكر العام املتحرك عامل أساس ي في النظام الديمقراطي الذي‬


‫يستند على التأييد الشعبي الاختياري‪ ،‬وأن مقدمة املظاهر الديمقراطية العمل‬
‫الجدي لتنوير الرأي العام وإصالح ما فسد من جوانبه وتقويم ما اعوج من‬
‫جواذبه ومقاومة كل ما يمنعه من التطور وألاخذ بوسائل التقدم‪.‬‬
‫ويشير ألاستاذ عالل الفاس ي إلى أن هذا الفكر عامل مهم في تكوين املذاهب‬
‫والنظريات التي تبدو ألول مرة فورة تجريبية لتصبح بعد مواظبة الرأي العام‬
‫عليها عقيدة أو عادة أو منظمة اجتماعية‪ ،‬وبهذا يصبح الفكر العام في مقدمة‬
‫العوامل الاجتماعية في العصر الحديث‪ ،‬لذلك عد الاهتمام به من أوجب‬
‫(‪)59‬‬
‫الواجبات‪.‬‬
‫ويبين ألاستاذ وسائل نشر ورصد وتثمين هذا الفكر وهي وسائل الاتصال‬
‫املباشر بالشعب من صحافة ونشر وخطابة ومذياع‪ ،‬وقيمة التعليم الاجباري‬
‫للبنين والبنات‪ ،‬فذلك كله من أسباب التنوير للفكر العام وإخراجه من حيز‬
‫الجمود إلى حيز الحراك والتقدم‪.‬‬
‫ويوضح وسائل الكشف عن الرأي العام قائال‪" :‬ويستعمل الديمقراطيون‬
‫عادة ملعرفة الرأي العام في مسألة من املسائل أحد أمرين‪ :‬الانتخاب باالقتراع‬
‫السري‪ ،‬أو الاستفتاء‪ ،‬وكل ذلك ال يكون ذا قيمة إال إذا كان القائمون به‬

‫(‪ )59‬النقد الذاتي‪ ،‬ص ‪.56 -55‬‬


‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪95‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61-109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫مستعدين لإلعراب عن أفكارهم بكامل الحرية وبكامل الصراحة دون خوف وال‬
‫(‪)60‬‬
‫وجل ‪"...‬‬
‫وبعين الناقد املتبصر يكشف ألاستاذ عالل الفاس ي رحمه هللا بعض الحيل‬
‫التي تقف أما هذا البناء الديمقراطي قائال‪" :‬إن الفكر العام الحقيقي كثيرا ما‬
‫يخرج عن التعبيرات الرسمية إذ تكون إرادة الشعب مختلفة كامل الاختالف عما‬
‫تقتضيه الانتخابات العامة أو الاستفتاءات الشعبية‪ .‬وذلك راجع لبعض الحيل في‬
‫مواجهة املسائل وعرضها على الجمهور من طرف القائمين على الانتخابات أو‬
‫الاستفتاءات‪ ،‬أو الثقة في بعض القادة والدعاة الذين ال يقدمون لألمة الفكرة من‬
‫جميع جهاتها وال يبدون لها إال الجانب املقبول املسلم‪ ،‬خصوصا أن الجمهور ال‬
‫(‪)61‬‬
‫يهتم في أغلب ألاحوال بتعمق املسائل ودراسة جوانبها"‬
‫وأشار رحمه هللا إلى كثير من هذه الحيل التي يلجأ إليها بعض السياسيين‪،‬‬
‫ويؤكد أن هذه الحيل الخادعة ال تصل إلى حد إلغاء النظام الديمقراطي في‬
‫قوله‪" :‬ولكن هذه ألاشياء وغيرها من العيوب النيابية ال تؤثر في قيمة النظام‬
‫الديمقراطي‪ ،‬ألنها راجعة ألخالق ألاشخاص أكثر مما هي راجعة إلى النظام نفسه‪.‬‬

‫(‪ )60‬النقد الذاتي‪ ،‬ص‪.57‬‬


‫(‪ )61‬نفسه‪ ،‬ص‪.57‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪96‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪،)2021( 1 :‬ص ‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫وبين رحمه هللا بعض القواعد ألاخالقية الضابطة لهذا النظام‬


‫الديمقراطي في قوله‪" :‬من الواجب اعتبار بعض ألاصول ألاخالقية كش يء ضروري‬
‫لألمة ال يمكن لها أن تستغني عنه أو تقول بخالفه‪.‬‬
‫فليس من املعقول أن يعتبر حكم ألاغلبية في تضييع استقالل ألامة‪ ،‬ألن‬
‫هذه ألاغلبية تبث من نفسها أن حكمها مزيف‪ ،‬وأن ما تقول به ال يتفق مع‬
‫(‪)62‬‬
‫الرغبات الطبيعية لألمة التي ال يمكن أن تقبل ضياع استقاللها‪."...‬‬
‫ويزيد من بيان هذا الضابط ألاخالقي بقوله‪" :‬إن كل فكرة تعبر عنها‬
‫ألاغلبية‪ ،‬وتكون ضد ألاسس ألاخالقية التي آمنت بها ألامة يجب أن تتهم ويعاد‬
‫(‪)63‬‬
‫فيها النظر‪ ،‬فإن الشعوب ال تعبد نفسها وال ترض ى بحريتها بديال"‪.‬‬
‫ويبرز أهمية النظام الديمقراطي بقوله‪" :‬ألاسلوب الديمقراطي خير وسيلة‬
‫ممكنة للتعبير عن الفكر العام واستكناه رغبات الشعب الحقيقة"‪.‬‬
‫ويوضح عالقته بالعقل قائال‪" :‬وإذا كانت الديمقراطية هي سيطرة العقل‬
‫فمن الواجب أن نتجه في اعتبارنا كله لرفع مستوى العقل وإلاعالء من شأنه ألنه‬
‫وحده الذي يحمينا من أخطائنا ويعقلنا عن شهواتنا"(‪.)64‬‬

‫(‪ )62‬النقد الذاتي‪ ،‬ص‪.58-57‬‬


‫(‪ )63‬النقد الذاتي‪ ،‬ص ‪.58‬‬
‫(‪ )64‬نفسه‪ ،‬ص ‪.58‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪97‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61-109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫وينطلق رحمه في دراسة حال وواقع بالده ـ املغرب ـ في عصره في ضوء‬


‫الطرح الديمقراطي‪ ،‬فيقول‪" :‬إن املغرب لحد آلان ما يزال في أنظمته العتيقة‬
‫وعلى الرغم من رغبة موالنا امللك وطموح أمته لنيل الحياة النيابية التي تيسر لها‬
‫سبيل إلاعرابعن وجهة نظرها واملراقبة على سير شؤونها فإن البالد ما تزال ترزح‬
‫تحت ثقل نظام من العصور الوسطى تدعمه إقطاعية جديدة يأبى بعض الناس‬
‫(‪)65‬‬
‫إال دوامها‪".‬‬
‫ويقدم رحمه هللا تصوره للحل قائال‪ " :‬ولكنه سيأتي يوم تدرك فيه ألامة‬
‫كل رغباتها‪ ،‬وتتحقق فيه أمال موالنا امللك في تمتيع رعيته بالحرية السياسية‬
‫والنظم الدستوري‪ .‬فيجب أن نعد لذلك عدته من آلان‪ ،‬وأن نعمل بكل ما في‬
‫استطعنا لتنوير الفكر العام املغربي‪ ،‬ودعوته للتحرر من كل الخرافات والتقاليد‬
‫البالية وتعليمه أساليب التفكير الصحيح والتذرع باملبادئ السليمة حتى يتهيأ‬
‫ألداء واجبه على الوجه الذي يرض ي‪ ،‬فيكون النظام النيابي نعمة عليه ووسيلة‬
‫إلنقاذه من أنواع الاستعباد السياس ي والاقتصادي والروحي الذي يحرص كثير من‬
‫(‪)66‬‬
‫املغرضين على بقائه وعدم زواله‪.‬‬
‫ويعرض وسائل نهوض املجتمع وتطويره في هذا الباب وتقدمه‪ ،‬وهي إعمال‬
‫الفكر والعقل ونشر التوعية والتعليم‪ ،‬ومقاومة الجمود والرجعية والتقاليد‬

‫(‪ )65‬النقد الذاتي ص ‪.58‬‬


‫(‪ )66‬نفسه‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪98‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪،)2021( 1 :‬ص ‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫البالية وتبليغ رسالة العقل الصحيح لألمة فهذا كله سبيل تكوين الفكر العام‬
‫املتحرك الحقيقي الذي ال تتم ديموقراطية بدون وجوده‪.‬‬
‫(‪)67‬‬
‫ووضع لذلك شعارا ‪ :‬ال مسؤولية بغير حرية‪ ،‬وال حرية بغير تفكير‪.‬‬
‫ويصف ألاستاذ عالل الفاس ي رحمه هللا تعالى بعين املطلع املتبصر مختلف‬
‫العناصر املتعلقة بتكوين الرأي العام واملؤثرة فيه ما يدل على سعة اطالعه على‬
‫معطيات الواقع ومجرياته في هذا الباب ومستجداته املعاصرة عند الدول‬
‫املتقدمة في هذا الباب وتقليبه لها اطالعا ونظرا ودراسة بالبحث العلمي‬
‫الرصين‪ ")68(،‬فيقول‪ " :‬يجب أن نعرف مجتمعنا على الصفة التي سبق أن‬
‫أوضحناها‪ ،‬ولكن يجب أن نعرف كذلك العالم كله بجميع نواحيه وسائر أجزائه‬
‫وكل ما فيه من تيارات ونظريات حسنة وقبيحة؛ وأن ال نحكم بالجملة على‬
‫واحدة منها قبل تمحيصها بكل وسائل الدرس العلمي املجرد؛ ثم نقيسها بعقدة‬
‫الخير الذي نريده لقومنا ‪ ...‬ثم نستعمل وسائل العصر الحديث لتبيين نتيجة‬
‫أعمالنا ودراساتنا ألبناء قومنا؛ فاسحين لهم مجال النظر الحر واملناقشة الرصينة‬
‫(‪)69‬‬
‫حث يكون قبولهم ملا وصلنا إليه قبول مدرك فهيم ومقتنع راض‪".‬‬

‫(‪ )67‬النقد الذاتي‪ ،‬ص ‪.59‬‬


‫(‪ )68‬نفسه‪ ،‬ص ‪.61-60‬‬
‫(‪ )69‬النقد الذاتي‪ ،‬ص ‪.63-62‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪99‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61-109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫وأمام عقبات طريق التحرر والبناء والتقدم يوجه ألاستاذ عالل الفاس ي‬
‫رحمه هللا إلى الطريق الناهجة ملواجهة مختلق العقبات والصعاب‪ ،‬ويقدم لذلك‬
‫مجموعة من الضوابط كما في قوله‪" :‬علينا أن نتحرر من كل سيطرة غير سيطرة‬
‫الفكر املؤمن بالحرية حتى نستطيع أن نحرر الفكر العام من خرافات املاض ي‬
‫(‪)70‬‬
‫ومضلالت العصر الحديث"‪.‬‬
‫والظاهر أن ألاستاذ عالل الفاس ي رحمه هللا يجعل من الفكر العام املتحرر‬
‫واملتحرك ركيزة في البناء الديمقراطي والبناء الحضاري والتقدم في جميع املجاالت‬
‫ألنه ينبع من إرادة شعبية يعبر عنها الجميع بمختلف أشكال ووسائل التعبير عن‬
‫الرأي واملوقف‪ ،‬ويؤكد أن هذه آلاراء والاتجاهات يجب أن تتخذ عن علم ومعرفة‬
‫ودراسة وحرية مطلقة واعية دون تحكم أو تسلط‪.‬‬
‫ونبه على مهمة توجيه الفكر العام الذي يقوم به العلماء واملفكرون‬
‫واملصلحون‪ ،‬وضرورة التذرع بالوسائل املجدية لتعريف الفكر العام بالحقائق‬
‫أكثر منه‬ ‫وتحذيره من الوقوع فب املزالق‪ ،‬قائال‪ " :‬والتوجيه هو كالتربية‪ ،‬أداة‬
‫موضوعا‪ ،‬بل إنهما أداتان ال أقل وال أكثر‪ ...‬كذلك القائد يستطيع أن يكون من الجمهور‬
‫الفئة التي يريدها إذا أخذ لألمر طريقته واستعمل وسائل التوجيه الذي يعتمد على منطق‬
‫الجماعة ونفسية ألافراد ‪.)71( "...‬‬

‫(‪ )70‬نفسه‪ ،‬ص ‪.64‬‬


‫(‪ )71‬النقد الذاتي‪ ،‬ص ‪.66‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪100‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪،)2021( 1 :‬ص ‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫وقد جعل للفكر الصحيح الذي يوجه الفرد شروطا وهي‪:‬‬


‫‪-‬أن يكون مساعدا على بقاء هذه ألامة وسيرها إلى ألامام‪.‬‬
‫‪-‬الاستجابة لحاجات ألامة ورغباتها‪.‬‬
‫‪-‬التقدمية‪ :‬فكل فكرة ال تعمل على توجيه ألامة صوب التطور والتقدم إلى‬
‫ألامام هي فكرة عقيمة‪.‬‬
‫‪-‬الشمول‪ :‬أي أن تكون الفكرة مراعية ما يصلح كل جوانب الحياة في البالد‬
‫ويساعدها على التقدم(‪.)72‬‬
‫إلانسان العقلية والروحية‪,‬‬ ‫ويؤكد على أهمية العناية والرعاية لجوانب‬
‫وجعل املثل ألاعلى هو "إرضاء الذي بيده مصيرنا والوصول إلى حظيرة القدس في‬
‫امللكوت ألاعلى‪.‬‬
‫ويستحضر في سياق التقدم والبناء الحضاري الجانب الروحي العقدي‬
‫ومقاصد الاستخالف وعمارة ألارض‪ ،‬ودور املراقبة إلالهية في توجيه السلوك‬
‫وتزكيته(‪.)73‬‬
‫الفرر الخامس‪ :‬تأصيل ألاستاذ عالل الفاس ي رحمه هللا ملسألة الانفتاح‬
‫السياس ي والقانوني على النظم والقوانين الغربية‪.‬‬

‫(‪ )72‬النقد الذاتي‪ ،‬ص ‪.90-88‬‬


‫(‪ )73‬نفسه‪ ،‬ص ‪98‬ـ ‪.99‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪101‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61-109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫إلاسالمية لم ُ‬
‫تغفل‬ ‫ويؤصل رحمه هللا لهذا ألامر بناء أن الشريعة‬
‫الاستفادة في تفاصيلها من أي قاعدة ومادة فقهية أجنبية أو حتى من أعراف‬
‫البالد التي دخلها إلاسالم إذا كانت تندرج تحت أصل شرعي عام‪ .‬وهذا ما يفسر‬
‫كثيرا من التغاير الواقع في تطبيق الشريعة بحسب العصور وألازمنة؛ ألامر الذي‬
‫يدل على أن أسالفنا اعتمدوا قبل كل ش يء على أصول الفقه العامة التي أجمعت‬
‫امللل والنحل عليها‪ ،‬ثم لم ينظروا إلى أقوال الفقهاء وألائمة إال كمادة يستقى منها‬
‫إلى جانب غيرها من املواد لالحتفاظ بالتقدمية الشرعية في البالد‪ .‬ولقد كان لهم‬
‫في مادة "الاستحسان" و "املصالح املرسلة" ما فسح لهم املجال الواسع في سبيل‬
‫التطور الفقهي إلى حد يفوق كل الطاقات التي يملكها رجال القوانين في ألامم‬
‫(‪)74‬‬
‫ألاخرى‪.‬‬
‫وفي إطار تطوير القانون وتجديده يقول‪" :‬مصلحة الوطن تقتض ي بوضع‬
‫قانون مغربي عام يطبق في سائر املحاكم املغربية وعلى جميع الساكنين في البالد‪،‬‬
‫إلاسالمية وألاعمال املغربية مع الاستعانة‬ ‫وتكون مصادره ألاساسية الشريعة‬
‫بالقانون الفرنس ي وألاجنبي‪ ،‬ويحمل بعد مصادقة الجاللة الشريفة عليه بعد‬
‫إفتاء العلماء بما أن ما فيه من مواد كلها قابلة لالندراج تحت ألاصول العامة‬
‫للفقه إلاسالمي ـ اسم "القانون إلاسالمي املغربي" (‪.)75‬‬

‫(‪ )74‬النقد الذاتي‪ ،‬ص ‪.159‬‬


‫(‪ )75‬النقد الذاتي‪ ،‬ص ‪.160‬‬
‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪102‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪،)2021( 1 :‬ص ‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫واملصلحة من الانفتاح على القوانين ألاجنبية مع أصالة مصدرية الشريعة‬


‫هي وضع" قانون ينطبق على املصالح الوقتية‪ ،‬وال يتنافى ال مع ديننا وال مع‬
‫مقتضيات منتهى حدود التقدمية العصرية ألرقى الشعوب(‪.)76‬‬

‫الخاتمة‬
‫توصلت هذه الدراسة إلى مجموعة من النتائج‪ ،‬منها‪:‬‬
‫عناية ألاستاذ عالل الفاس ي رحمه هللا تعالى الفائقة بمسائل السياسة‬
‫الشرعية والاجتهاد فيها على ضوء املقاصد واملصالح الشرعية كما في كتابه النقد‬
‫الذاتي‪ ،‬وكتابه مقاصد الشريعة إلاسالمية ومكارمها‪.‬‬
‫ـ حرصه الشديد في اجتهاداته وآرائه في مسائل السياسة الشرعية ونوازلها‬
‫على مراعاة ضوابط املصلحة الشرعية‪ ،‬فيجتهد في ضوء املقاصد الشرعية‬
‫وألادلة الشرعية من كتاب وسنة فال يخرج عنها وال يعارضها‪.‬‬
‫ـ انفتاحه وتواصله مع مختلف الثقافات والحضارات في إطار من التكامل‬
‫واستحضار لنظرية التراكم املعرفي‪ ،‬فيدرس ما عندها من القضايا الفكرية‬
‫والسياسية ألخذ العبرة واستلهام التجارب والدروس الايجابية‬

‫(‪ )76‬نفسه‪ ،‬ص ‪.161 -160‬‬


‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪103‬‬
‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61-109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫الناجحة في ضوء املشترك إلانساني وحث إلاسالم على طلب الحكمة‪.‬‬


‫إن العلماء املعاصرين املحققين ـ ـ ومنهم ألاستاذ عالل الفاس ي رحمه هللا‬
‫تعالى ـ ـ ـ في اجتهاداتهم ونظرهم إلى املصلحة يستحضرون النصوص الشرعية‬
‫وأحكامها ويربطونها بما عليه الناس في الواقع املعيش عبر فهم عميق يصبو إلى‬
‫تحقيق املصلحة دون إخالل بالضوابط الشرعية املقررة‪.‬‬
‫ـ اهتمامه رحمه هللا بدراسة الواقع عن كثب؛ لفهم مجرياته وأحداثه‪،‬‬
‫وتحليلها وتفسيرها‪ ،‬ثم يبحث له عما يصلحه ويطوره باالنفتاح على مختلف‬
‫التجارب البشرية وأفكارها‪ ،‬مراعيا ضوابط املصلحة الشرعية‪.‬‬
‫ونسأل هللا عز وجل أن يتقبل منا جميعا‪ ،‬ويجعل هذا العمل في ميزان حسناتنا‪،‬‬
‫والحمد هلل رب العاملين‪.‬‬
‫الئحة املصادر واملراجع‪:‬‬
‫ـ القرآن الكريم برواية ورش عن نافع‪.‬‬

‫ـ إلاحكام في أصول ألاحكام‪ :‬بي الحسن آلامدي (ت‪631‬هـ)‪ ،‬تحيقق‪:‬عبد الرزاق عفيفي‪،‬‬

‫املكتل إلاسالمي‪ ،‬بيروت ـ لبنان ‪.‬‬

‫ـ إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد‪ :‬ملحمد بن إسماعيل الصنعاني (ت ‪1182‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪:‬‬

‫صالح الدين مقبول أحمد‪ ،‬الدار السلفية – الكويت ـ ـ الطبعة‪ :‬ألاولى‪.1405 ،‬‬

‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪104‬‬


‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪،)2021( 1 :‬ص ‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫‪751‬هـ)‪،‬‬ ‫إعالم املوقعين عن رب العاملين‪ :‬ملحمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (ت‬

‫تحقيق‪ :‬محمد عبد السالم إبراهيم‪ ،‬دار الكتل العلمية – بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬ألاولى‪،‬‬

‫‪1411‬هـ ‪1991 -‬م‬

‫ـ الجامع املسند الصحيح املختصر من أمور رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وسننه‬

‫وأيامه = حيح البخاري‪ :‬ملحمد بن إسماعيل أبو عبدهللا البخاري الجعفي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬

‫محمد زهير بن ناصر الناصر‪ ،‬دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم‬

‫محمد فؤاد عبد الباقي)‪ ،‬الطبعة‪ :‬ألاولى‪1422 ،‬هـ‪.‬‬

‫ـ الصحاح تاج اللغة و حاح العربية‪ ،‬بي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي‬

‫(املتوفى‪393 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد عبد الغفور عطار‪ ،‬الناشر‪ :‬دار العلم للماليين –‬

‫بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الرابعة ‪ 1407‬هـ ‪ 1987 -‬م‪.‬‬

‫ـ ضوابط املصلحة في الشريعة الاسالمية لرمضان البوطي‪( ،‬د ‪.‬ت)‬

‫ـ علم املقاصد الشرعية‪ :‬نور الدين بن مختار الخادمي‪ ،‬مكتبة العبيكان الطبعة‪ :‬ألاولى‬

‫‪1421‬هـ‪.2001 -‬‬

‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪105‬‬


‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61-109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫ـ فتح الباري شرح حيح البخاري‪ :‬حمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقالني‬

‫الشافعي‪ ،‬دار املعرفة ‪ -‬بيروت‪ ،1379 ،‬رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه‪ :‬محمد فؤاد عبد‬

‫الباقي‪ ،‬قام بإخراجه و ححه وأشرف على طبعه‪ :‬محل الدين الخطيل‪ ،‬عليه تعليقات‬

‫العالمة‪ :‬عبد العزيز بن عبد هللا بن باز‪.‬‬

‫ـ "فقه النوازل دراسة تأصيلية تطبيقية‪ ،‬ملحمد الجيزاني‪ ،‬دار ابن الجوزي "‪.‬‬

‫ـ الفكر املقاصدي قواعده وفوائده‪ :‬حمد الريسوني‪ ،‬منشورات جريدة الزمن‪ ،‬ديسمبر‬

‫‪1999‬مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء‪.‬‬

‫ـ قواعد ألاحكام في مصالح ألانام‪ :‬بي محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم‬

‫امللقل بسلطان العلماء (املتوفى‪660 :‬هـ)‪ ،‬راجعه وعلق عليه‪ :‬طه عبد الرؤوف سعد‪،‬‬

‫مكتبة الكليات ألازهرية – القاهرة‪ ،‬طبعة‪1414 :‬هـ ‪1991 -‬م‪.‬‬

‫ـ لسان العرب‪ :‬ملحمد بن منظور (املتوفى‪711 :‬هـ)‪ ،‬دار صادر – بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة ‪-‬‬

‫‪ 1414‬هـ ‪.‬‬

‫ـ اللمع في أصول الفقه‪ :‬بي سحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي (املتوفى‪:‬‬

‫‪476‬هـ)‪ ،‬دار الكتل العلمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬الطبعة الثانية ‪ 2003‬م ‪ 1424 -‬هـ‪.‬‬

‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪106‬‬


‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪،)2021( 1 :‬ص ‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫ـ املحصول‪ :‬بي عبد هللا محمد بن عمر الرازي امللقل بفخر الدين الرازي خطيل الري‬

‫(املتوفى‪606 :‬هـ)‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬الدكتور طه جابر فياض العلواني‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬

‫الطبعة‪ :‬الثالثة‪ 1418 ،‬هـ ‪.1997 -‬‬

‫‪666‬هـ)‪،‬تحقيق‪:‬‬ ‫ـ مختار الصحاح‪ :،‬لزين الدين أبو عبد هللا الحنفي الرازي (املتوفى‪:‬‬

‫يوسف الشيخ‪ ،‬املكتبة العصرية ‪ -‬الدار النموذجية‪ ،‬بيروت – صيدا‪ ،‬الطبعة‪:‬‬

‫الخامسة‪1420 ،‬هـ ‪1999 /‬م‪.‬‬

‫‪405‬هـ)‪،‬‬ ‫ـ املستدرك على الصحيحين‪ :‬بي عبد هللا الحاكم النيسابوري (املتوفى‪:‬‬

‫تحقيق‪ :‬مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬دار الكتل العلمية – بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬ألاولى‪1411 ،‬‬

‫– ‪.1990‬‬

‫ـ املستصفى‪ :‬بي حامد الغزالي الطوس ي (املتوفى‪505 :‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد السالم‬

‫عبد الشافي‪ ،‬دار الكتل العلمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬ألاولى‪1413 ،‬هـ ‪1993 -‬م‪.‬‬

‫‪360‬هـ)‪،‬‬ ‫ـ املعجم الكبير‪ :‬لسليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني (املتوفى‪:‬‬

‫تحقيق‪ :‬حمدي بن عبد املجيد السلفي‪ ،‬مكتبة ابن تيمية – القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية "‬

‫د‪ .‬ت"‪.‬‬

‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪107‬‬


‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪ ،)2021( 1 :‬ص‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61-109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫ـ معجم مقاييس اللغة‪ :‬حمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي‪ ،‬أبو الحسين‬

‫(املتوفى‪395 :‬هـ)‪،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم محمد هارون‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬عام النشر‪:‬‬

‫‪1399‬هـ ‪1979 -‬م‪.‬‬

‫ـ مقاصد الشريعة إلاسالمية‪ :‬ملحمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور‬

‫التونس ي (املتوفى‪1393 :‬هـ) تحقيق‪ :‬محمد الحبيل ابن الخوجة‪ ،‬وزارة ألاوقاف‬

‫والشؤون إلاسالمية‪ ،‬قطر‪ ،‬سنة‪ 1425 :‬هـ ‪ 2004 -‬م‪.‬‬

‫ـ مقاصد الشريعة الاسالمية ومكارمها لعالل الفاس ي‪ ،‬دار الغرب الاسالمي‪ ،‬الطبعة‬

‫الخامسة‪1993 ،‬م‪.‬‬

‫ـ مقاصد الشريعة الاسالمية ومكارمها لعالل الفاس ي‪ ،‬تحقيق اسماعيل الحسني‪ ،‬دار‬

‫السالم للطباعة والنشر‪ ،‬الطبعة ألاولى‪1432 :‬هـ ‪2011 /‬م‪.‬‬

‫ـ املنهاج شرح حيح مسلم بن الحجاج‪ :‬بي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي‬

‫(املتوفى‪676 :‬هـ)‪ ،‬دار إحياء التراث العربي – بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪.1392 ،‬‬

‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪108‬‬


‫املجلد‪/ 15‬الع ــدد‪،)2021( 1 :‬ص ‪109 -61‬‬ ‫مجلة الثقافة إلاسالمية‬
‫‪Vol 15 / N°: 1 (2021), page 61- 109‬‬ ‫‪Islamic Culture Magazine‬‬
‫‪ISSN : 2170-0869 / EISSN : 2773-398X‬‬

‫ـ املوافقات‪ :‬إلبراهيم بن موس ى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي (املتوفى‪:‬‬

‫‪790‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان‪ ،‬دار ابن عفان‪ ،‬الطبعة ألاولى‬

‫‪1417‬هـ‪1997 /‬م‪.‬‬

‫ـ نظرية املقاصد عند إلامام الشاطبي‪ :‬حمد الريسوني‪ ،‬الدار العاملية للكتاب إلاسالمي‪،‬‬

‫الطبعة‪ :‬الثانية ‪ 1412 -‬هـ ‪1992 -‬م‪.‬‬

‫ـ نهاية في غريل الحديث وألاثر‪ :‬ملجد الدين أبو السعادات املبارك بن محمد ابن ألاثير‬

‫(املتوفى‪606 :‬هـ)‪ ،‬املكتبة العلمية ‪ -‬بيروت‪1399 ،‬هـ ‪1979 -‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬طاهر أحمد‬

‫الزاوى ‪ -‬محمود محمد الطناحي‪.‬‬

‫أثر الاجتهاد املقاصدي في نوازل السياسة الشرعية املعاصرة‬ ‫‪109‬‬

You might also like