You are on page 1of 12

‫تطور أنامط التسيري داخل التنظيامت‬

‫من التسيري االستبدادي إىل الديمقراطي‬


‫دريدش حلمي ‪ ،‬أستاذ حمارض‪ -‬ب‪-‬‬
‫جامعة التكوين املتواصل ‪ -‬اجلزائر‬

‫ملخـص‪:‬‬
‫التنظيامت الرسمية التقليدية التي نشأت يف جو تسود فيه الروح غري الديمقراطية‪،‬‬
‫كثريا ما تسببت يف إحداث آالم نفسية لألفراد الذين يعملون فيها وأنه من املمكن تصميم‬
‫أبنية تنظيمية أفضل حتقق الذات عند املوظف‪ .‬إن أفضل شكل للتنظيم هو الذي حياول‬
‫حتقيق أقىص درجة من اإلشباع حلاجات الفرد والتنظيم معا‪ ،‬وذلك عن طريق مشاركة‬
‫املوظفني يف عملية اختاذ القرار دون املساس باجلانب الرشعي للتنظيم‪ .‬إذ مل يعد هناك‬
‫يف عرصنا احلايل مربرا لتنظيم بعض التنظيامت ( باستثناء التنظيامت العسكرية وشبه‬
‫العسكرية ) تنظي ًام بريوقراطي ًا فيبرييا‪.‬‬

‫‪Résumé :‬‬

‫‪Les styles d’organisation classiques qui ce sont développés dans‬‬


‫‪des conditions et un climat non démocratique ; on souvant causer des‬‬
‫‪douleurs psychiques aux personnels. Et qu’il est possible de construire‬‬
‫‪un system d’organisation mieux qu satisfaire les besoins des individus‬‬
‫‪et de l’organisme en même temps .Et ce, à travers la participation de‬‬
‫‪l’ensemble du personnel dans la politique générale de l’entreprise.‬‬
‫‪Actuellement il n’existe plus de raisons d’organiser nos entreprises par‬‬
‫‪le model wébérien.‬‬

‫‪57‬‬
‫متهيـد‪:‬‬
‫تزايد اإلدراك بأن النامذج النظرية التي تسود املجتمعات احلديثة (خاصة العربية‬
‫منها) منذ النصف الثاين من القرن التاسع عرش‪ ،‬مل تعد مناسبة للتطورات االقتصادية‬
‫والتكنولوجية واالجتامعية التي ظهرت باملجتمعات املتقدمة‪ ،‬وانعكست عىل املجتمعات‬
‫العربية ابتداء من العقود األخرية من القرن العرشين‪.‬فلم يعد التنظيم البريوقراطي‬
‫التقليدي الذي يستلهم من النموذج املثايل الفيبريي‪ -‬بخصائصه مثل وجود درجة عالية‬
‫من التخصص وتقسيم العمل‪ ،‬وبناء هرمي جامد للسلطة والضبط ونسق غري شخيص‬
‫للعالقات مناسبا للتطورات يف الظروف الفنية والتكنولوجية أو التقلبات يف أحوال‬
‫السوق‪ ،‬وما يصاحبها من تبديالت عىل مستوى بنية املجتمعات التي حدثت وحتدث مع‬
‫دخول العامل األلفية الثالثة‪.‬‬
‫ويرى مفكرو ما بعد احلداثة رضورة البعد عن نامذج التنظيم املرتبطة باحلداثة‪،‬‬
‫والتفكري يف نامذج تنظيمية أخرى‪ ،‬ترتبط بمرحلة ما بعد احلداثة‪ ،‬تتامشى مع ظهور‬
‫املجتمع الذي يطلق عليه االقتصادي» دانيل بل « ‪ DANIELO BELL‬اسم جمتمع‬
‫ما بعد الصناعة‪ ،‬أو ما تعارف عىل تسميته جمتمع املعلومات واملعلوماتية‪.‬‬
‫إن أنامط التسيري والتنظيم تطورت داخل التنظيامت بتطور املجتمعات‪ ،‬بحيث تم‬
‫التحول تدرجييا طبقا للمراحل التالية‪:‬‬

‫‪ . 1‬مرحلة التسيري االستبدادي‪:‬‬


‫متثل هذه املرحلة أوىل مراحل تطور أنامط التسيري داخل التنظيامت بوجه عام‪ .‬ويف هذه‬
‫املرحلة تقوم اإلدارة وحدها باختاذ القرارات املتعلقة بشؤون العمل‪ ،‬أما املرؤوسون فال‬
‫يشاركون يف اختاذ القرارات‪ ،‬ويقومون بتنفيذها فقط‪ ،‬وليس هلم حق املناقشة أو املعارضة‬
‫أو تبادل وجهات النظر مع اإلدارة‪ .‬إذ أن احلق يف اختاذ القرارات وكل ما يتعلق بإدارة‬
‫املؤسسة مرتبط باحلق يف امللكية‪ ،‬وللاملك بمقتىض حقه أن يستعمل ما يمتلكه ويستغله‬
‫ويترصف فيه بحرية كاملة‪ .‬وقد ترتب عىل ذلك أن أصبح املرؤوسون ال يرتبطون‬
‫بمؤسستهم إال بعقد عمل حيدد واجباهتم وحقوقهم فهم يقدمون عملهم إلدارهتم نظريا‬
‫لألجر أو الراتب كام يبيع املوردون للمرشوع املواد األولية(‪.)1‬‬
‫إن هذه املرحلة متيزت بتطبيق أساليب حتد من حرية األفراد داخل التنظيم‪ ،‬مما أحجم‬
‫اإلبداع الذي متيز به الكثري من العامل‪ ،‬واثر عىل مرونة وأداء العمل‪ .‬فكان العامل ينظرون‬
‫إىل مؤسساهتم باعتبارها فضاءات ضيقة ال يتمتعون بداخلها باحلرية واألمن الالزمني‬

‫‪58‬‬
‫تطور أنامط التسيري داخل التنظيامت من التسيري االستبدادي إىل لديمقراطي‬

‫حتى يشعر الفرد باالنتامء الذي يدفع الفرد العمل بأقىص مقدرته لتحقيق األهداف‬
‫املسطرة من طرف صاحب العمل ‪.‬مرحلة العالقات القانونية‪:‬‬
‫يف هذه املرحلة يقوم املرؤوسون بالتقدم بالشكاوي وااللتامسات التي تقبلها اإلدارة‬
‫وتعمل عىل حل مشكالت املرؤوسني وفقا لنظام مقرر‪ ،‬وقد يتدرج املوقف بني اإلدارة‬
‫والعاملني‪ ،‬بحيث يقوم كل من الطرفني بالتفاوض مع الطرف األخر‪ ،‬وقد تقوم اإلدارة‬
‫بالتفاوض مبارشة مع املرؤوسني أو مع ممثلني هلم‪.‬‬
‫هذه املرحلة مهدت لظهور خمتلف التكتالت العاملية املطالبة بحقوق أكثر لفئة العامل‪،‬‬
‫جامعة وراءها قاعدة هامة من العامل‪ ،‬ما اكسبها قوة تفاوضية والتي عرفت فيام بعد‬
‫بالنقابات‪ .‬ومن املفكرين من يفضل تسمية هذه املرحلة‪ ،‬بمرحلة املساواة َ‬
‫اجلمعية‪ ،‬بل‬
‫أن هناك من املفكرين مثل «كلج» ‪ H.AClegg‬من ينظر إىل املساومة َ‬
‫اجلمعية بني طريف‬
‫اإلنتاج أو اخلدمة (اإلدارة والعامل أو املوظفني ) عىل اعتبار أهنا أفضل الوسائل حلامية‬
‫املصالح واحلقوق‪ ،‬وعىل أهنا أوىل متطلبات الديمقراطية يف أي نظام‪ .‬نجد أن هناك‬
‫بعض القادة النقابيني يف كثري من الدول الذين يرون أن الديمقراطية ال يمكن حتقيقها إال‬
‫عن طريق املساومة َ‬
‫اجلمعية بني طريف التنظيم(‪. )2‬‬

‫‪ . 2‬مرحلة الوقوف عىل اجتاهات العاملني‪:‬‬


‫يف هذه املرحلة من مراحل تطور أنامط التسيري داخل التنظيامت‪ ،‬نجد أن اإلدارة‬
‫تطلب املعلومات بانتظام من العاملني‪ ،‬الذين يقومون بتقديم هذه املعلومات أو يمتنعون‬
‫عن تقديمها‪ .‬ويندرج املوقف بني الطرفني بحيث تطلب اإلدارة الرأي باستمرار من‬
‫العاملني يف األمور اهلامة التي تؤثر عىل حياهتم املهنية‪ ،‬دون أن يكون هذا الرأي ملزما‬
‫لإلدارة فلها سلطة العمل به أو رفضه‪ ،‬وقد يقوم العامل بتقديم الرأي أو االمتناع عن‬
‫تقديمه‪ .‬كام تساعد هذه املعلومات أو اآلراء اإلدارة املركزية عىل التعرف عىل اجتاهات‬
‫العاملني واالسرتشاد هبا عند اختاذ القرارات املختلفة املتعلقة بشؤون العاملني وحياهتم‬
‫املهنية حمافظة بذلك عىل السلم االجتامعي داخل املنظمة وتفادي ًا منها ألية احتجاجات‬
‫ممكنة قد تؤدي إىل توقيف العمل(‪. )3‬‬
‫لقد نتج عن املرحلتني السابقتني ( مرحلة العالقات القانونية‪ ،‬مرحلة الوقوف عىل‬
‫اجتاهات العاملني) تنظيامت قائمة عىل الضبط املطلق لتدعيم مكانتها داخل التنظيم ذاته‪.‬‬
‫ولضامن ثبات واستقرار تنظيمي دائم‪ ،‬ما أوجد ارتباطا شديدا بالقواعد البريوقراطية التي‬
‫هي يف نظر القائمني عىل هذا النمط من التسيري قمة املوضوعية والرشد ووضوح اهلدف‪،‬‬

‫‪59‬‬
‫فركزوا منها عىل ما يتفق مع االسرتاتيجية اإلدارية‪ .‬وما لبثت هذه القواعد البريوقراطية‬
‫أن اكتسبت يف نظر املوظفني والعامل قدسية دعمها انطباع سعت اإلدارة العليا إىل تكوينه‬
‫لدهيم‪ ،‬وهو احرتام اإلدارة العليا مرتبط باحرتام هذه القواعد البريوقراطية (هذه املرحلة‬
‫هي املرحلة التي توقفت عندها معظم الدول النامية وعىل رأسها الدول العربية )‪.‬‬
‫وقد نتج عن ذلك تطبيق حريف للقواعد وتقييد شديد حلرية الترصف ويف تنفيذها‬
‫وضخامة يف حجم اإلجراءات الرضورية ألداء األعامل وتعقيد واضح يف العمليات‬
‫املكتبية وطول خط االتصال ومركزية يف اختاذ القرارات وكثرة الوثائق واملستندات‬
‫وغياب للحوافز والتشجيع وقيود حادة عىل حرية الفرد الشخصية وتلقائيته‪ ،‬نتج عنه‬
‫غياب شبه كيل لروح املبادرة واالقرتاح‪ ،‬كل ذلك يف جو يسوده رصاع مستمر وإن‬
‫كان هذا الرصاع غري معلن وغري واضح للعيان إال أنه قد يتمثل ويتجسد يف ترصفات‬
‫وردود أفعال فردية‪ ،‬يعرب من خالهلا أفراد التنظيم عن معارضتهم وعدم رضاهم‪ ،‬مثال‬
‫ذلك التغيب عن العمل‪ ،‬انخفاض معدل مرد ودية العامل‪ ،‬العطل املرضية القرصية‬
‫االستقاالت‪ ...‬بام أن افراد التنظيم ليس بإمكاهنم التعبري رصاحة عىل عدم رضاهم إزاء‬
‫القوانني التي تسريهم‪ ،‬ألن هذه األخرية ال تسمح بذلك‪ ،‬وقد تتخذ املعارضة شكال أكثر‬
‫اتساعا فتصبح مجاعية وتتحول إىل اعتصامات وإرضابات ومسريات‪ ،‬وما األحداث التي‬
‫تشهدها معظم الدول العربية يف الفرتة األخرية (الربيع العريب) إال دليل واضح‪.‬‬

‫‪ . 3‬مرحلة الديمقراطية يف اختاذ القرارات‪.‬‬


‫تبدأ هذه املرحلة منذ قيام اإلدارة بالتشاور مع العاملني يف املسائل املختلفة املتعلقة‬
‫بشؤون العمل وتندرج هذه املرحلة من التشاور املشرتك بينهام يف املسائل البسيطة ( مثل‬
‫حتسني ظروف العمل ) إىل التشاور بينهام يف املسائل اهلامة ( مثل األجور وساعات العمل‬
‫والتغريات الفنية وأنامط التسيري)‪.‬‬
‫تعترب هذه املرحلة خطوة هامة نحو حتقيق الديمقراطية داخل التنظيامت‪ ،‬نظرا ألن‬
‫االستشارة املشرتكة بني اإلدارة والعاملني من شأهنا أن تعمل عىل تبادل وجهات النظر‬
‫بني الطرفني وتتيح الفرصة أمام العاملني إلبداء رأهيم يف كثري من املسائل التي تؤثر يف‬
‫حياهتم العملية واملهنية‪ .‬ويف هذا الصدد يذهب املفكر « روس « ‪ )4(ROSSE‬إىل أن كل‬
‫من الديمقراطية والكفاءة أو املردودية اإلنتاجية يقتضيان أال يامرس املديرون سلطاهتم‬
‫إال بعد استشارة تامة مع من يعنيهم األمر‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫تطور أنامط التسيري داخل التنظيامت من التسيري االستبدادي إىل لديمقراطي‬

‫إن تبني هذا النمط من التسيري وتزامنه مع ضغوطات الطبقة العاملة والتحوالت التي‬
‫يعرفها العامل‪ ،‬سوف يؤدي حتام مع مرور الوقت إىل االنتقال يف مرحلة معينة إىل نمط‬
‫أكثر ديمقراطية أال وهو نمط التسيري باملشاركة‪ .‬وهو من احدث أنامط وأساليب التسيري‬
‫التي تتبناها معظم املؤسسات الغربية يف وقتنا احلارض‪ ،‬ملا له من اثر اجيايب عىل مرودية‬
‫وأداء أفراد التنظيم‪ ،‬الذي يرون فيه حتقيقا للذات وهو أقىص درجات الدوافع التي حترك‬
‫السلوك اإلنساين وتشكله‪.‬‬

‫‪ . 4‬مرحلة اإلدارة باملشاركة‪:‬‬


‫متثل هذه املرحلة آخر مراحل تطور نمط التسيري داخل التنظيامت بوجه عام ويف هذه‬
‫املرحلة تقوم اإلدارة بمناقشة العاملني يف كل ما يتعلق بميزانية ونشاط املرشوع‪ ،‬كام أهنا‬
‫تعرض عىل العاملني متثيلهم يف جملس اإلدارة‪ ،‬باإلضافة إىل أهنا قد تتيح هلم فرصة كبرية‬
‫لالشرتاك يف ملكية املرشوع وإدارته‪.‬‬
‫وهيدف نظام مشاركة العامل يف اإلدارة إىل إجياد عالقات طيبة بني مجيع مستويات‬
‫املؤسسة مما يؤدي إىل الكفاية اإلنتاجية باستمرار‪ ،‬نتيجة ضامن تأثري القوى العاملة يف‬
‫القرارات التي تتخذ داخل التنظيم‪ ،‬كام تؤدي اإلدارة باملشاركة إىل التخفيف من حدة‬
‫الرصاعات ومشكالت العمل املختلفة باإلضافة إىل أن هذه املشاركة تؤدي إىل اختاذ‬
‫أفضل القرارات يف جمال العمل واالنتفاع من القدرات وخلق روح االبداع واالبتكار‬
‫عند مجيع العاملني داخل التنظيم وتشجيعهم عىل حتمل املسؤولية وارتفاع روحهم‬
‫املعنوية وجتهزهم عىل تقبل التغريات التي حتدث يف جمال العمل باعتبارهم قد شاركوا يف‬
‫صياغتها‪ ،‬وارتفاع املكانة االجتامعية للعاملني نتيجة شعورهم بأهنم يشرتكون يف حتديد‬
‫األجور وساعات العمل عن طريق حصوهلم عىل عضوية جملس اإلدارة(‪.)5‬‬
‫إن الدراسات احلديثة يف جمال االدارة (نظرية ‪ x‬و‪ )y‬ترفض اسرتاتيجيات اإلدارة‬
‫القائمة عىل اإلجبار والسيطرة املبارشة عىل العاملني نتيجة االفرتاض أن اإلنسان يكره‬
‫العمل‪ ،‬وأن كثريا من العاملني يفضلون التبعية عىل االستقالل‪ ،‬وتقدم هذه الدراسات‬
‫إسرتاتيجية إدارية جديدة لتحقيق الكفاءة التنظيمية‪ ،‬تستفيد من العالقات اإلنسانية‬
‫وتعمل عىل تشجيع العاملني عىل املشاركة يف اختاذ القارات‪ .‬وتقوم هذه اإلسرتاتيجية‬
‫اجلديدة عىل الثقة بني العاملني أو املوظفني واإلدارة العليا والعمل معا عىل حتقيق‬
‫األهداف التنظيمية التي حددهتا اإلدارة عىل أن ُتشبع هذه األخرية الدافع األعىل‬
‫للموظفني وهو حتقيق الذات‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫‪ . 6‬نظرة املفكرين نحو التنظيم‬
‫اختلفت نظرة املفكرين نحو التنظيم‪ ،‬هناك من نظر إليها نظرة تشاؤمية‪ ،‬ألهنا سيطرت‬
‫عىل اإلنسان وأفقدته حريته وسلبته القدرة عىل املبادأة حيث أصبح هذا األخري ال يعدو‬
‫أن يكون ترسا يف آلة ال تتوقف عن الدوران‪ ،‬فهناك من نظر إليها نظرة إجيابية عىل أهنا‬
‫نتيجة تطور املجتمع‪ ،‬وحتمل عنارص إجيابية كالتعاون‪ ،‬وحتقيق األهداف‪.‬‬
‫يعرف تالكوت بارسونز التنظيم عىل أنه « وحدة اجتامعية تقام وفق نموذج بنائي‬
‫(‪)6‬‬
‫معني لكي حيقق أهدافا حمددة‪».‬‬
‫فالتنظيم بمثابة نسق اجتامعي يتألف من أنساق فرعية خمتلفة كاجلامعات‪ ،‬األقسام‪،‬‬
‫اإلدارات‪ ،‬كام أنه يف نفس الوقت يعد نسقا فرعيا يدخل يف إطار نسق اجتامعي أكرب‬
‫وأشمل هو املجتمع‪.‬‬
‫ويعرفه ايتزيوين بأنه « وحدة اجتامعية يتم إنشاؤها من أجل حتقيق هدف معني»‬
‫(‪)7‬‬

‫كام يرى هيومن أن التنظيم « عملية تشمل تقسيم وجتميع العمل الواجب تنفيذه يف‬
‫وظائف منفردة ثم العالقات املقررة بني األفراد الذين يشغلون هذه الوظائف كام يشمل‬
‫التنظيم عمليات حتليل النشاط والقرارات والعالقات من أجل تصنيف العمل وتقسيمه‬
‫إىل أنشطة يمكن إدارهتا ثم تقسيم هذه األنشطة إىل وظائف ثم جتميع هذه الوحدات‬
‫والوظائف يف هيكل تنظيمي وأخريا اختيار األشخاص الالزمني إلدارة هذه الوحدات‬
‫(‪)8‬‬
‫والوظائف‪».‬‬
‫فالتنظيم يف واقع األمر يتضمن أبنية رسمية وأخرى غري رسمية تعرب عن أهداف‬
‫واحتياجات العاملني هبا داخل هذا التنظيم‪ ،‬واستعاملنا هلذا املفهوم يتحدد وفقا‬
‫للمفاهيم سابقة الذكر‪ ،‬مع خصوصية دراسته يف املجال الصناعي‪ ،‬باعتبار الدراسة‬
‫امليدانية جترى يف التنظيم الصناعي‪.‬‬
‫« عىل الرغم من اتفاق وجهات نظر الباحثني املاركسيني والراديكاليني فيام يتعلق‬
‫بدراستهم لظاهرة التغيري عىل مستوى التنظيامت – باعتبارهم ينطلقون من نفس التوجه‬
‫وهو املدخل اهليجيل املاركيس‪ -‬إال أن حتليالهتم هلذه الظاهرة عىل مستوى تنظيامت‬
‫العمل قد تبدو متباينة يف بعض األحيان‪ ،‬وذلك راجع إىل رؤية كل طرف طبيعة وحجم‬
‫(‪) 9‬‬
‫التغريات والتجديدات التي ينبغي إدخاهلا عىل عمليات اإلنتاج‪».‬‬

‫‪62‬‬
‫تطور أنامط التسيري داخل التنظيامت من التسيري االستبدادي إىل لديمقراطي‬

‫‪ -1-6‬املدخل املاركيس‪:‬‬
‫« اعتمد التفسري املاركيس عىل جمموعة من القضايا الفكرية التي انطلق منها يف‬
‫حتليالته للتنظيامت البريوقراطية فالتنظيامت البريوقراطية يف نظره تشكل فئة اجتامعية‬
‫متميزة لكوهنا أداة من أدوات الدولة التي متارس من خالهلا الطبقات احلاكمة سيطرهتا‬
‫واستغالهلا للطبقات األخرى فالوظيفة األساسية هلذه التنظيامت هي فرض نظام‬
‫يدعم التقسيم الطبقي واالستغالل مع اإلشارة إىل أن هذه التنظيامت ال ترتبط ارتباطا‬
‫مبارشا بعمليات اإلنتاج لذلك فإن نموها يعد طفيليا ومهمتها األساسية هي احلفاظ‬
‫عىل األوضاع الراهنة التي تعرب عن استغالل الطبقات احلاكمة للطبقات املغلوبة عىل‬
‫(‪)10‬‬
‫أمرها‪».‬‬
‫ومن هذا املنطلق فقد وضع ماركس حتليالته البريوقراطية يف إطار نظريته عن رصاع‬
‫الطبقات ليكشف عن جوهر ذلك التناقض و الرصاع الناشئ عن النظام الرأساميل‬
‫واملرتبط بالرصاع بني عالقات اإلنتاج والقوى املنتجة كام أن النظرية املاركسية تفرتض‬
‫بأن القوى املنتجة تتغري وتنمو باستمرار نظرا المتدادها عىل مستوى النشاط اإلنساين‬
‫الفعيل لتعرب عن مقاومة عالقات اإلنتاج الثانية مما يتنج عن ذلك ظهور تناقضات داخل‬
‫التنظيامت ومن ثم فإن عنده التناقضات يمكن أن تشمل املستويات التنظيمية وخاصة‬
‫بني أبنية السلطة كام هو احلال بني األقسام والوحدات اإلنتاجية داخل املصانع وهذه‬
‫التناقضات قد ال تؤدي دائام إىل حتوالت وتغريات راديكالية داخل التنظيامت بل يكفي‬
‫أن تظهر يف شكل أزمات سياسية يمكن رؤيتها أو كأزمة قانونية وقد حددها ماركس‬
‫(‪)11‬‬
‫يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬إن التنظيامت كغريها من األبنية االجتامعية جيب دراستها يف إطار العمليات التارخيية‬
‫التي تساعدها عىل النمو وتؤدي أيضا إىل حدوث تناقضات خمتلفة بني التنظيم‬
‫والقوى االجتامعية‪.‬‬
‫‪ -2‬إن حيوية البناء االجتامعي ال جيب قياسها أو حتديدها بمفاهيم الزمن أو الثبات‬
‫املؤقت وبنمو معيار الوحدة الذاتية كام هو احلال يف التنظيامت وإنام يتم حتديدها عن‬
‫طريق معدل األشكال االجتامعية التي بدأت تظهر يف مقابل أشكال أخرى بدأت يف‬
‫االختفاء‪.‬‬
‫‪ -3‬إن دراسة التنظيامت باعتبارها تتكون من مشاركني مندجمني مع بعضهم البعض داخل‬
‫نشاط معني يعد جتريدا خيفي وراءه خصوصية وأشكال اجلامعات داخل التنظيامت‬
‫وخيفي أيضا خصوصية املصالح ما بني اجلامعات املختلفة التي تتخذ شكل خمرجات‬
‫للتنظيامت‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫تتنوع التنظيامت تبعا لتنوع درجة التناقضات البنائية التي تتطور بداخلها كام أن‬
‫املشاركني قد أصبحوا يشعرون هبذه التناقضات إىل درجة أهنا انعكست عىل مستوى‬
‫اإليديولوجيات من جهة وعىل مستوى املراكز من جهة أخرى‪.‬‬
‫تعد التنظيامت مراكز لتطوير التناقضات كام أهنا يف الوقت ذاته جزء من اقتصاد‬
‫سيايس واجتامعي وتارخيي أكثر اتساعا كام أهنا تعد جزءا من تكوين سوسيوتارخيي منح‬
‫أسلوب اإلنتاج القدرة عىل السيطرة عىل اآلخرين‪.‬‬
‫‪ -2-6‬املدخـل الراديكالـي‪:‬‬
‫حياول املدخل الراديكايل يف املجال التنظيمي تقديم إطار حتلييل لدراسة العالقات‬
‫التنظيمية يستند عىل الفكر اجلديل املستمد من الفكر اهليجيل املاركيس واهتم الباحثون‬
‫الراديكاليون ببحث العالقة اجلدلية بني األشكال املجتمعة وأبنية املصالح والسيطرة‬
‫وأنساق الضبط داخل تنظيامت العمل الكبري‪ ،‬ومن ثم فهم يعارضون االفرتاض‬
‫التقليدي القائل بأنه يمكن جتريد التنظيم من عالقاته باجلامعات املسيطرة ومصادر القوة‬
‫(‪)12‬‬
‫والبناء اإليديولوجي للمجتمع‪.‬‬
‫« وقد انتقد هربرت ماركيوز نظرية التنظيم يف املجتمعات الرأساملية وخاصة مفهوم‬
‫الرتشيد عند ماركس فيرب والتحول التكنولوجي للمجتمع الرأساميل وينطلق يف نقده‬
‫لفكرة الرتشيد املبنية عىل االختيار املناسب للتكنولوجيا التي حتقق املزيد من السيطرة‬
‫واهليمنة عىل مستوى تنظيامت العمل وعىل الرغم من أن الواقع االجتامعي للبلدان‬
‫الرأساملية قد شهد تغريا كبريا إال أن ذلك مل يؤدي إىل تغري عالقات السيطرة التي تربط‬
‫اإلنسان باإلنسان والتي يفرضها النسق التكنولوجي وقد اقرتح هذا الباحث أشكاال‬
‫حمدودة من النشاطات التي من شأهنا أن حتفز اإلنسان وتدفعه إىل إحداث التغيري عىل‬
‫مستوى تنظيامت العمل مثل‪ :‬زيادة املشاركة الديمقراطية للجامهري العاملية يف إدارة‬
‫التنظيامت عىل اعتبار أن ذلك يشكل خطوة متهيدية للتغري االجتامعي التدرجيي‪.‬‬
‫باإلضافة إىل رضورة العمل عىل استبدال وسائل الضبط احلالية يف العمليات اإلنتاجية‬
‫‪13‬‬
‫بوسائل ضبط تكون أقل قهرا‪».‬‬
‫‪ 3-6‬املدخل اإلمربيقي‪:‬‬
‫‪ -1-3-6‬حركة اإلدارة العلمية‪:‬‬
‫« يرجع الفضل يف ظهور هذه احلركة إىل جهود فريدريك تايلور الذي حدد مبادئ‬
‫ووضع فلسفتها رفقة بعض من زمالئه مثل فرانك جلربت نتيجة لقيامه بإجراء العديد‬

‫‪64‬‬
‫تطور أنامط التسيري داخل التنظيامت من التسيري االستبدادي إىل لديمقراطي‬

‫من الدراسات والبحوث يف عدة مصانع أمريكية مثل رشكة بتلهم للحديد ورشكة‬
‫‪14‬‬
‫ميدفال للصلب‬
‫« وكان الدافع احلقيقي الذي شجع هذا الباحث عىل القيام بدراساته هو تلك‬
‫الظروف الصعبة التي كان يعاين منها املجتمع األمريكي يف ضعف اإلنتاج الصناعي‬
‫رغم استخدام آالت ومعدات ضخمة حديثة ومع ذلك ظل رأس املال الصناعي يعاين‬
‫من اخلسائر بسبب أساليب العمل املطبقة يف املرشوعات الصناعية والتي وصفت بأهنا‬
‫أساليب موروثة وغري خمططة ترتك للعامل كامل احلرية مما نتج عنه تباطؤ عمليات اإلنتاج‬
‫‪)15‬‬
‫وكذلك إتالف آالت اإلنتاج‪».‬‬
‫« حيث جاءت هذه البحوث والدراسات ملواجهة هذه املشكالت وذلك عىل طريق‬
‫إدخال بعض املتغريات عىل طرق وأساليب العمل واإلنتاج التي من شأهنا العمل عىل‬
‫زيادة اإلنتاج مع خفض التكاليف‪.‬‬
‫وقد انتقل تايلور بعد ذلك إىل إجراء جتاربه حول ظروف العمل بإدخال بعض‬
‫التغريات عليها للتأكد من تأثرياهتا عىل عمليات اإلنتاج منها حتسني ظروف العمل من‬
‫خالل ختفيف الضغوط املرتتبة عىل عمليات اإلنتاج التي تعتمد عىل الرتكيز الشديد‬
‫واملراقبة املستمرة معتمدا كخطوة أوىل عىل ختفيف ساعات العمل إىل ثامين ساعات‬
‫ونصف مع اإلبقاء عىل نفس األجر كام قام ببعض التحسينات فيام يتعلق برشوط العمل‬
‫مثل إعطاء فرتات للراحة وكذلك تطبيق نظام احلوافز وفقا إلنجاز العمل يف الوقت‬
‫(‪)16‬‬
‫املحدد‪».‬‬
‫‪ -2-3-6‬حركة العالقات اإلنسانية‪:‬‬
‫« فقد ظهرت هذه احلركة نتيجة اجلهود التي بذهلا إلتون مايو وزمالؤه من جامعة‬
‫هارفرد وعرفت بإسم جتارب اهللوثورن التي أجريت يف رشكة وسرتن إلكرتيك ففي‬
‫عام ‪ 1927‬قامت الرشكة بدعوة إلتون مايو لدراسة املتغريات التي تؤثر يف إنتاجية العامل‬
‫بحيث اجتهت تلك التجارب يف البداية نحو دراسة اآلثار املرتتبة عىل تغري الظروف‬
‫الفيزيقية للعمل»( ‪ « )17‬وتوصل يف هناية املطاف إىل اكتشاف أن تغري أنشطة األفراد‬
‫‪18‬‬
‫واجتاهاهتم يتطلب أوال تغيريا يف طبيعة العالقات السائدة‪».‬‬

‫‪65‬‬
‫خالصة‪:‬‬
‫بعد هذا العرض النظري‪ ،‬جيب التأكيد عىل أن للتصور النظري كفاءة يف وصف‬
‫وتشخيص مشكالت التنظيم بأشكاله ملا يشمل عليه من عرض ورشح وتشخيص‬
‫ملختلف املشكالت واملعوقات التي تعرتض طريق أي تنظيم واقرتاحه حلول وخمارج‬
‫عامة لتلك املشكالت‪ .‬وقد بينت خمتلف التصورات النظرية يف ميدان التسيري اإلداري‬
‫خاصة تلك التي تناولتها من املنظور االجتامعي النفيس أن اإلدارة نشاط إنساين مستمر‬
‫ومتصل يستهدف حتقيق غايات مرغوبة من خالل العمل عىل االستغالل االمثل للموارد‬
‫املتاحة وتنمية موارد جديدة باستمرار‪ ،‬كام يرتبط العمل اإلداري ويتأثر بنمط التنظيم‬
‫السائد فيه‪ .‬هذا األخري عليه خلق املناخ املالئم لتحفيز األفراد عىل العمل من أجل إنجاز‬
‫األهداف التنظيمية يف الوقت الذي حيققون فيه أهدافهم اخلاصة و يشبعون حاجاهتم‬
‫الشخصية‪ ،‬وال يقترص هذا املناخ عىل الظروف املادية فحسب‪ ،‬بل إنه يشتمل أيضا عىل‬
‫الفلسفة أو اإليديولوجية اإلدارية والسياسات والقواعد املنظمة ألداء العمل‪ ،‬يضاف‬
‫إىل ذلك أن إدارة التنظيم عليها أن حتقق درجة عالية من التالؤم بني متطلبات املجتمع‬
‫( باعتبار أن املوظف أو العامل هو جزء منه ) بالتكيف مع القيم واملعايري املتغرية داخل‬
‫املجتمع‪ ،‬باعتبار أن هناك صلة وثيقة بني العمل اإلداري واملجتمع ككل ‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫تطور أنامط التسيري داخل التنظيامت من التسيري االستبدادي إىل لديمقراطي‬

‫قائمة املراجع ‪:‬‬


‫‪1.1‬أمحد زكي بدوي‪ :‬عالقات العمل واخلدمة االجتامعية العاملية‪ ،‬دار اجلامعات‬
‫املرصية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1978 ،‬ص ‪.406‬‬
‫‪2.2‬طلعت إبراهيم لطفي‪ :‬علم اجتامع التنظيم‪ ،‬دار غريب للطباعة والنرشوالتوزيع‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،2007،‬ص‪.81‬‬
‫‪3.3‬عبد اهلل حممد عبد الرمحان‪ :‬علم اجتامع التنظيم‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪ 1988‬ص‪.361‬‬
‫‪4.4‬روس نقال عن د‪.‬طلعت إبراهيم لطفي‪:‬علم اجتامع التنظيم‪ ،‬دار غريب للطباعة‬
‫والنرشوالتوزيع القاهرة ‪ ،2007‬ص‪.82‬‬
‫‪.5.5‬عيل عبد الرزاق جلبي‪ :‬علم اجتامع التنظيم‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية للطبع والنرش‬
‫والتوزيع اإلسكندرية‪ ،2005 ،‬ص ‪.177‬‬
‫‪6.6‬عيل غريب‪ ،‬نزار يمينة‪ ،‬التكنولوجيا املستوردة وتنمية الثقافة العاملية باملؤسسة‬
‫الصناعية‪ ،‬خمرب علم االجتامع االتصال‪ ،‬قسنطينة‪ ،2002 ،‬ص‪33‬‬
‫‪7.7‬طلعت لطفي ابراهيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.08‬‬
‫‪8.8‬يوسف سعدون‪ ،‬علم االجتامع ودراسة التغيري التنظيمي يف املؤسسات الصناعية‪،‬‬
‫خمرب التنمية والتحوالت الكربى يف املجتمع اجلزائري‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪،‬‬
‫قسنطينة‪ ،2004 ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪9.9‬السيد احلسيني‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪56‬‬
‫‪10. - Claude Riviere, L’analyse dynamique en sociologie, Press‬‬
‫‪Universitaire de France, Paris, 1978 , P 151.‬‬
‫‪1111‬سعد عيد مريس بدر‪ ،‬اإليديولوجيا ونظرية التنظيم –مدخل نقدي‪، -‬دار املعرفة‬
‫اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،1990 ،‬ص ‪.311‬‬
‫‪1212‬السيد عبد العاطي السيد‪ ،‬علم االجتامع الصناعي‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪ ،1985‬ص ‪.83‬‬
‫‪1313‬السيد عبد العاطي السيد‪ ،‬علم االجتامع الصناعي‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪ ،1985‬ص ‪.83‬‬
‫‪1414‬يوسف سعدون مرجع سابق‪ ،‬ص‪56‬‬
‫‪1515‬سعد عيد مريس بدر مرجع سابق‪ ،‬ص‪155‬‬
‫‪1616‬السيد احلسيني‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪56‬‬

‫‪67‬‬

You might also like