Professional Documents
Culture Documents
محاضرات في الأنثروبولوجيا
محاضرات في الأنثروبولوجيا
حماضرات يف األنثروبولوجيا
دعم بيداغوجـ ـ ـي لطالب علم اإلجتمـ ـاع
اإلجتماعL.M.D نظام موجهة إلى طلبة السنة الثانية علم
إعداد:
-عرض مدخل عام حول األنثروبولوجيا (علم اإلنسان) قصد تعريف أهداف المقياس
الطالب بهذا التخصص العلمي ,بدءا من تحديد مفهومه ,تاريخه ,أهدافه,
وأهميته.
-تعريف الطالب باألقسام الرئيسية لألنثروبولوجيا ,في إطار عالقة هذا
العلم ,بغيره من فروع المعرفة العلمية ,و بخاصة علم اإلجتماع.
-توسيع مدارك الطالب ,حول أهم المداخل النظرية ,في التحليل
األنثروبولوجي.
-تدريب الطالب على توظيف المعارف المكتسبة في هذا المقياس,
واستثمارها في مجال تخصصه (علم اإلجتماع).
الفهرس
أ-ب مقدمة
-1تعريف األنثروبولوجيا
-2الفرق بين األنثروبولوجيا و اإلثنولوجيا و اإلثنوغرافيا
-3موضوعات األنثروبولوجيا
-4أهدافاألنثروبولوجيا
-5أهمية األنثروبولوجيا
40 - 19 المحاضرة الثانية :نشأة األ نثروبولوجيا و تطورها عبر التاريخ
-1العصور القديمة
-1-1الحضارة المصرية القديمة
-1-2الحضارة اإلغريقية
-1-3الحضارة الرومانية
-1-4الحضارة الصينية
-2العصور الوسطى
-1-2أوروبا في العصور الوسطى
-2-2الحضارة اإلسالمية فيالعصور الوسطى
-3األنثروبولجيا في عصر النهضة
-1-3األنثروبولوجيا في القرنين 15و 16
-2-3األنثروبولوجيا في القرن 17
-3-3األنثروبولوجيا في القرن 18
-4-3األنثروبولوجيا في القرن 19
-5-3األنثروبولوجيا في القرن 20
-2عالقة األنثروبولوجيابالطب
-1األنثروبولوجيا الفيزيقية
-2األنثروبولوجيا الثقافية
-3األنثروبولوجيا االجتماعية
-4األنثروبولوجيا التطبيقية
106 - 84 المحاضرة الخامسة :ال تجاهات النظرية الكبرى في الحقل األ نثروبولوجي
-5النظريات الحتمية
108 خاتمة
قائمة المراجع
قائمة األشكال
الصفحة العنوان الرقم
71 تقسيم الجامعات الرئيسية األمريكية لفروع األ نثروبولوجيا العامة 3
تبرز هذه المحاضرات بشكل مبسط و بأسلوب سلس ,التعريف باألنثروبولوجيا ,تاريخها ,أهميتها,
وأهدافها ,و كذا عالقتها بالحقول المعرفية األخرى ,التي تربطها بها عالقة تكامل وظيفي ,من حيث
الموضوعات و المناهج ,لذلك عرفت األنثروبولوجيا بأنها الدراسة الشاملة و المتكاملة لإلنسان ,إذ تهتم
بدراسته من النواحي الفيزيقية (الجسمانية) ,النفسية ,االجتماعية و الثقافية ,..و كذلك تفاعالته مع بيئاته
الطبيعية (الجغرافية) و الثقافية من عادات و معتقدات و طقوس و أعراف ,و غيرها من مكونات بناءه
الثقافي ,وأكثر من ذلك ,هي العلم الذي يدرس اإلنسان ككل.
كما حاولت تكييف محتوى المقياس ,بما يتناسب وشعبة علم االجتماع ,و ما يحتاجه الطلبة من
معارف أنثروبولوجية ,تخدم تكوينهم ضمن هذا التخصص العلمي ,دون الخوض في قضايا قد تكون هامشية,
أو معمقة ,تتجاوزهم من الناحية المعرفية و الفكرية.
فالطالب و من خالل هذه المطبوعة ,سوف يدعم مكتسباته المعرفية ,التي يتلقاها في مقياس مدخل
إلى األ نثروبولوجيا ,فيتزود بمعارف أساسية حول هذا الحقل المعرفي ,إذتتبعهذه المحاضرات منطق التدرج في
عرض المعلومة,إذ قمت بإعادة ترتيب بعض المباحث و المطالب ,المتضمنة في المقرر ,كما ارتأيت دمج
بعض المباحث كمطالب ,لضرورة االنتقال السليم و المنطقي ,في عرض محتوى المحاضرات ,فينتقل الطالب
بفهمه من الكل إلى الجزء ,حتى يسهل عليه استيعابها ,و بالتالي ترسيخها لديه.
ذلك,و من خالل تجربتي المتواضعة في التعليم بالجامعة ,و بخاصة في مقياس األنثروبولوجيا ,كثي ار
ما اعترضني موقف الطلبة من المقياس كونه "مقياس صعب و كثير التعقيد" .فأردت بذلك أن ارفع التحدي,
و أن اعد مطبوعة ألجلهم ,تكون دعما بيداغوجيا لهم ,و معينا لهم ,في فهم محتويات المقياس ,الذي يصفونه
فزودت المادة النظرية لمحتوى المحاضرات ,بأمثلة مستقاة من التاريخ ,و الواقع االجتماعي الذي
بالصعبّ .
يعيشه الطلبة ,كما أدرجت بعض الصور الفوتوغرافية ,للتعريف بأبرز أعالم األنثروبولوجيا القديمة,
والمعاصرة.
و بحسب المقرر الدراسي لمقياس "مدخل إلى األنثروبولوجيا االجتماعية و الثقافية" ,فإن المطبوعة
تدرس للطلبة ,في غضون السداسي األول من السنة الدراسية ,حيث
تضم خمس محاضرات ,يفترض أن ّ
تناولنا في األولى مفهوم األنثروبولوجيا ,بنوع من التفصيل ,ثم عرضنا إلى أهم موضوعاتها وأهدافها ,فأهميتها
بالنسبة لإلنسان ,و المجتمع بوجه عام .أما الثانية فقد تناولنا فيها نشأة األنثروبولوجيا و تطورها عبر
التاريخ,منذ الحضارات القديمة ,وصوال إلى العصر الحديث ,و كذا عرض خصائصها كعلم قائم بذاته ,مطلع
القرن العشرين .ثم ّبينا في المحاضرة الثالثة عالقتها مع العديد من الحقول المعرفية ,التي تربطها بها عالقة
يمهد
تكامل منهجي ,و نظ ار لكثرة العلوم ذات الصلة باألنثروبولوجيا ,إن لم نقل كّلها ,فقد انتقينا أهمها ,بما ّ
للخوض في موضوع فروعها الحقا .في حين تناولنا في المحاضرة الرابعة والمعنونة بـ" فروع األنثروبولوجيا"
األقسام الرئيسية لأل نثروبولوجيا ,و التي مثلت موضوع خالف بين العلماء ,و تحديدا بين األنثروبولوجيين
البريطانيين ,و األمريكيين .أما المحاضرة الخامسة فإن موضوعهايدور حول االتجاهات النظرية الكبرى ,التي
أثرت بشكل هام ,على تكوين الفكر األنثروبولوجي.
و في األخير ,آمل أن يجد الطلبة و حتى الباحثين و األساتذة ,كل الفائدة في اطالعهم على هذه
المطبوعة ,و هي على كل حال ,تبقى قابلة للمناقشة و التوجيه ,من اجل إعادتها مستقبال ,في صورة أفضل
و أدق.
م
02رمضان 1437ه الموافقلـ 07:جوان 2016
احمل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاضرة األول ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى
تمثل األنثروبولوجيا حقال معرفيا متشعبا و متداخال ,يخترق جل الحقول المعرفية األخرى ,سواء
االجتماعية منها أو اإلنسانية أو حتى الطبيعية ,كونه يتناول دراسة اإلنسان من مختلف النواحي البيولوجية,
االجتماعية ,الثقافية ,النفسية ,..ما جعل من الصعوبة بمكان ,أن تجد إجماعا علميا ,حول تعريف شامل
ودقيق لأل نثروبولوجيا ,فقد تعددت التعريفات المنتجة حولها ,و اختلفت بين العلماء من مدرسة فكرية إلى
أخرى ,و من مجتمع إلى آخر ,و من حقبة زمنية إلى أخرى ,بالرغم من اتفاقهم على العديد من موضوعاتها
الرئيسة مثل :الثقافة ,الدين ,العادات الجمعية ,..و عليه تعد األنثروبولوجيا من بين العلوم ,التي ثار حولها
الجدل ,الختالف العلماء ,في تحديد مفهومها و مجالها و تصورهم لها.
لغويا :األنثروبولوجيا اصطالح علمي ,من أصل يوناني ,مركبمن مقطعين اثنين ,األول
انثروبوس ,Anthroposو يعني اإلنسان ,و الثاني لوجوس ,Logosو يعني الحقل أو العلم أو الدراسة ,و
أي العلم الذي يدرس اإلنسان.أما تعريف األنثروبولوجيا من الناحية "),(1 بذلك يكون معناها "علم النسان
االصطالحية ,فإن تراث الفكر األنثروبولوجي ,يزخر بتعريفات عديدة حولها ,يصعب حصرها ,و سوف نورد
فيما يلي أهمها.
تعرف األنثروبولوجيا بأنها ":العلم الذي يدرس اإلنسان من حيث هو كائن عضوي حي ,يعيش في
ّ
مجتمع تسوده نظم و انساق اجتماعية ,في ظل ثقافة معينة ,..و يقوم بأعمال متعددة ,و يسلك سلوكا محددا,
و هو أيضا العلم الذي يدرس الحياة البدائية ,و الحياة الحديثة المعاصرة ,و يحاول التنبؤ بمستقبل اإلنسان,
معتمدا على تطوره عبر التاريخ اإلنساني الطويل ,و لذا يعتبر علم اإلنسان (األنثروبولوجيا) علما متطورا,
يدرس اإلنسان و سلوكه وأعماله "(.)2
و مهما كانت االختالفات بين هذه التعريفات المدرجة ,فإن االنثروبولوجيا علم يبحث مختلف الجوانب
المتعلقة بحياة اإلنسان ,و عالقة هذه الجوانب بعالم الطبيعة ,و عالم اإلنسان ,و ذلك إما في االتجاه الرأسي
عبر الزمان ,أو في االتجاه األفقي عبر المكان .فاالنثروبولوجيا إذن ,هي الدراسة المتكاملة لإلنسان بما
تحويه من جوانب بيولوجية ,فسيولوجية ,اجتماعية ,ثقافية و نفسية ,إذ تحاول الكشف عن العالقة بين
المظاهر البيول وجية الموروثة لإلنسان ,و ما يتلقاه ضمن عملية التنشئة االجتماعية و التعليم ,و مقارنة التنوع
الهائل للجماعات اإلنسانية و المجتمعات بوجه عام ,من حيث التراث الفكري ,العادات و التقاليد ,اإلبداع
األدبي و الفني ,و مختلف أشكال السلوك و الممارسات ,..و هذا ما يتوافق و التعريف الذي صاغه
عرفها بأنها " :الدراسة البيوثقافية المقارنة لإلنسان "(.)5
ادواردتايلورE .Taylorحول االنثروبولوجيا حيث ّ
هذا ,و قد حددت مرغريت ميد )1979-1910( M.Meadطبيعة علم األنثروبولوجيا و أبعاده كالتالي" :إننا
و عليه فإن األ نثروبولوجيا ,تتناول موضوعات مختلفة ,من العلوم و التخصصات ,التي تتعلق باإلنسان,
فهي ليست العلم الوحيد الذي ينفرد بدراسته ,ذلك أن البيولوجيا و الفسيولوجيا(علم وظائف اإلنسان) تدرس
البناء الفيزيقي لإلنسان ,أما سلوكه ,فإن علوما مثل علم النفس ,علم االجتماع ,علم االقتصاد ,علم السياسة
والتاريخ ,تهتم بدراسة هذا الجانب .و هكذا ,نجد أن األنثروبولوجيا تشترك في دراستها لإلنسان ,مع عدد كبير
من العلوم ,إال أن ها تختلف في مقاربتها له ,فهي ال تهتم بدراسة اإلنسان الفرد ,كما هو الحال في الفسيولوجيا
و علم النفس ,و لكنها تدرس اإلنسان باعتباره كائنا اجتماعيا يعيش في جماعات و أجناس ,كما تهتم بدراسة
ممارسات األفراد و سلوكاتهم .و على ذلك يمكن القول " :األنثروبولوجيا هي علم دراسة الجماعات اإلنسانية
و سلوكها و إنتاجها"(.)7
و مع ذلك نجد أن العلماء ,يختلفون في تعريف األنثروبولوجيا ,من مجتمع إلى آخر ,و من زمن إلى
آخر ,و يرجع ذلك إلى تباين الخلفيات الثقافية ,و المصالح القومية بين المجتمعات (الدول) .فيقول العلماء
األمريكيون أن األنثروبولوجيا ":وصف الخصائص اإلنسانية و البيولوجية والثقافية ,للنوع البشري عبر
الزمان"( ,)8و هم يستخدمون مصطلح األنثروبولوجيا الفيزيقية Physical Anthropologyللداللة على الجانب
العضوي أو الحيوي لإلنسان ,بينما يستخدمون مصطلح األنثروبولوجيا الثقافية Cultural Anthropology
للداللة على مجموع التخصصات ,التي تدرس الجوانب االجتماعية والثقافية ,لحياة اإلنسان.
و في المقابل نجد أن ما درج األمريكيون على تسميته األنثروبولوجيا الثقافية ,يصطلح الفرنسيون على
تسميته باإلثنولوجيا أو اإلثنوغرافيا ,و في بعض األحيان ,يدرسونها تحت مظلة علم االجتماع ,و تعني
األنثروبولوجيا لدى العلماء الفرنسيين " دراسة التاريخ الطبيعي لإلنسان "( ,)9حيث يرى الباحث الفرنسي جان
بوارييهأن اصطالح األنثروبولوجيا ,قد ظهر أوال في كتابات علماء الطبيعة ,إبان القرن ,18لتعنى بدراسة
التاريخ الطبيعي لإلنسان .و في ألمانيا تعني األنثروبولوجيا " دراسة التنوعات الطبيعية الجوهرية بين البشر,
أو الدراسة الطبيعية لإلنسان"( ,)10و اعتبر البعض أن عالم الطبيعة األلماني جوهان بلومينباخ ,أول من
ادخل مصطلح األنثروبولوجيا ,في منهج تدريس التاريخ الطبيعي ,بالمقررات الجامعية.
في انجلترا ,فقد اختار العلماء هناك تسمية هذا العلم "باألنثروبولوجيا اإلجتماعية" ,و نظروا إليه باعتباره
علما قائما بذاته ,ال يدرج تحته أي من التخصصات األخرى ,كما ميزوا أيضا بين مجال األنثروبولوجيا
واإلثنولوجيا ,هذه األخيرة التي سنأتي إلى بيانها الحقا .أما في روسيا فإنه يشيع لديهم ,استخدام مصطلح
اإلثنوغرافيا Ethnografiaو تعني دراسة التنظيم االجتماعي للمجتمعات البدائية ,وخاصة فيما يتعلق
بالتحوالت ,التي تحدث في تلك المجتمعات ,عند تحولها إلى دول جديدة ,و ما يتبعه من بروز للطبقات
اإلجتماعية ,كما يهتمون بدراسة المشكالت ,المتصلة بالجماعات العرقية ,و المشاعر القومية لألقليات,
وكذلك تطور المجتمعات اإلنسانية ,في إطار النظرية الماركسية.
و في هذا السياق ,تجدر اإلشارة إلى ضرورة التفرقة بين األنثروبولوجيا و اإلثنولوجيا و اإلثنوغرافيا,
كونها علوم تهتم بدراسة اإلنسان ,و تتقاطع و األنثروبولوجيا في نواح كثيرة ,في تناوله ككائن اجتماعي ذو
ثقافة ,لدرجة أن البعض بالكاد يفرقون فيما بينها ,و اعتقد الكثيرون أن األنثروبولوجيا هي نفسها اإلثنولوجيا,
نظ ار لتداخل مجال دراستهما لذات الموضوع .و فيما يلي سوف نستعرض الفرق ,بين كل من هذه العلوم,
حتى نزيل اللبس و الضبابية عنها ,و يتضح مجال و موضوع دراسة كل منها.
-1-2ال ثنولوجيا:Ethnology
يعتبر هذا العلم اقرب العلوم إلى األنثروبولوجيا ,بل يوجد قدر كبير من التداخل بينهما ,حتى انه كان
يطلق على األنثروبولوجيا اإلجتماعية في القرن 19و مطلع القرن 20اصطالح إثنولوجيا ,و اعتب ار علما
واحدا ,ويعود الفضل في فصلهما ,إلى العلماء البريطانيين ,الذين جعلوا لكل علم ,مجاله ,و موضوعاته ,لذلك
مركب من مقطعين من أصل يوناني Ethnosو
تعتبر األنثروبولوجيا علما حديثا نسبيا .و اصطالح إثنولوجيا ّ
تعني جنس أو شعب ,و Logosو تعني علم ,و قد شاعت ترجمته " بعلم األجناس " ,و كذلك " علم دراسة
الشعوب"(.)11
على دراسة الشعوب ,و الثقافات ,و تاريخ حياة الجماعات ,دون النظر إلى مدى تطورها و تقدمها .وقد ّ
عرفه
بريتشارد بأنه " :علم تصنيف الشعوب على أساس خصائصها ,و مميزاتها الساللية و الثقافية ,وتفسير
توزعها ,في الماضي و الحاضر ,نتيجة لتحركها ,و اختالطها ,و انتشار الثقافات "(.)12
عرفها هوبل Hoebelبأنها " فرع من األنثروبولوجيا ,تختص بتحليل المادة الثقافية ,و تفسيرها بطريقة
و قد ّ
منهجية "( ,)13معنى هذا أن اإلثنولوجيا تبقى ذات صلة مباشرة و دائمة باألنثروبولوجيا ,طالما أنها فرع منها,
و يدرجها علماء األنثروبولوجيا األمريكيون ,ضمن قسم األنثروبولوجيا الثقافية.
-1-1-2الدراسات ال ثنولوجية:
من أمثلة المسائل ,التي تدخل في صلب الدراسات اإلثنولوجية ,مسألة المصادر التاريخية للشعوب
البولينيزية :من أين أتت؟ و أي طريق سلكت؟ كيف احتلت هذه الشعوب المناطق التي تحتلها اآلن؟ و متى
كان ذلك؟ و من ثم فاإل ثنولوجي يحدد أوجه التماثل و االختالف بين الشعوب ,و يصنفها بعد ذلك ,على
أساس الجنس و اللغة و الثقافة .و عليه فإن اإلثنولوجيا علم تاريخي ,يفترض عند إعادة التركيبات التاريخية,
بعض التصميمات ,على أساس دراسة استقرائية واسعة ,..فهي دراسة تتابعية رأسية Diachronicألنها تعالج
الظاهرة في ضوء ماضيها ,و تدرس الوقائع كما تحدث عبر الزمن.
أما من حيث الدراسات ,فقد اكتشف اإلثنولوجيون ,أن ثمة صلة قريبة جدا ,بين اللغة الماالجازية The
Malagazy languageلسكان مدغشقر Madagascarو بين لغات أرخبيل ماالي Malay archipegoو هو
دليل على وجود عالقة قديمة ,بين هاتين المقاطعتين .كذلك فإن "وجود األهرامات في السودان شرق دامر,
أو شمال كسال ,أو في شندي ,ربما يرد إلى التأثير المصري القديم ,في الفترة من 2000إلى 5000ق.م,
حيث استعاروا من مصر ,فكرة اتخاذ األهرامات ,مقابر لدفن األسر المالكة"(.)14
و قد اهتمت أمريكا بالدراسات اإلثنولوجية ,و هي من دون شك مهد و مهجر ,لفلول بشرية و سالالت
عنصرية كثيرة ,شهدت أرضها ما لم تشهده منطقة أخرى ,من االنصهار بين عناصر بشرية ,من كل قارات
العالم ,فهي أشبه ما يكون ببوتقة لكل الدراسات و التجارب ,المتصلة باإلثنولوجيا ,و قد أنشأت " المكتب
اإلثنولوجي األمريكي " ,الذي يضم نخبة من علماء الرعيل األول ,في اإلثنولوجيا و األنثروبولوجيا واإلجتماع,
لتعميق الدراسة في هذا الميدان.
و لم يفت فرنسا أيضا ,أن تعنى باإلثنولوجيا .فأنشأت لها معهدا ,ألحقته بجامعة باريس Institut
d’Ethnologie de l’Université de Parisو كان من أبرز مديريه ليفي برول .Levi Bruhlو أولت انجلت ار
الدراسات اإل ثنولوجية اهتماما خاصا ,و أنشأت لها عدة أقسام في جامعاتها ,و أفادت منها في سياساتها
التطبيقية و العلمية(.)15
اإلثنوغرافيا اصطالح علمي مركب من مقطعين من أصل يونانيEthnos ,تعني جنس أو شعب,
وGraphoو تعني يكتب أو يرسم ,و قد ترجم بكلمتي " وصف الشعوب "( .)16إن اإلثنوغرافيا علم يختص
بالدراسة الوصفية المقارنة ,للمجتمعات اإلنسانية ,السيما البدائية منها ,و التي ال تزال في مراحل التخلف
االجتماعي ,السياسي ,الفكري و االقتصادي .إن اإلثنوغرافيا دراسة وصفية مقارنة في المكان ,و على نحو
أفقي ,و تعنى بجمع المعلومات و شرحها ,بطريقة وصفية ,أكثر مما تعنى بتحليلها ,و استخالص بعض
الفروض و النظريات منها ,على أنها استطاعت في النصف الثاني من القرن العشرين ,أن تغذي
األنثروبولوجيا ,بأبحاث نظرية.
كما تمثل اإل ثنوغرافيا دراسة متزامنة ,تتعلق باألحداث و الوقائع ,التي تحدث لشعب معين ,أو عدد من
الجماعات ,ترتبط ببعضها ,ارتباطا وثيقا ,و ذلك في وقت معين بالذات .و تقوم اإلثنوغرافيا بتصنيف
الشعوب ,و عقد مقارنات ,بين أوجه التماثل ,و أوجه االختالف فيها .هذا ,و يقضي اإلثنوغرافي أثناء دراسته
الحقلية ,فترة زمنية قد تدوم من سنة إلى سنتين ,يتعلم من خاللها ,لغة األهالي التي تصبح لغته الثابتة,
ويناقش اكتشافاته ,و وجهات نظره ,في ضوء اكتشافات و وجهات نظر أخرى .و تفيد هذه الدراسة ,في أنها
تمكن اإل ثنوغرافي ,من عقد المقارنات ,بين ثقافة مجتمعه ,و ثقافة المجتمع الذي يدرسه ,و بعد أن يتم
دراسته ,يعود اإل ثنوغرافي مرة ثانية ,إلى المجتمع الذي درسه ,و يقوم بدراسته مجددا ,مما يسمح له بوضع
نظرية شاملة.
و ما تجدر اإلشارة إليه – من الناحية التاريخية ,-أن اإلثنوغرافيا كعلم ,قد ارتبط في بداياته ,بالرحالت
التجارية و اإلكتشافية ,و بالحروب أيضا ,حيث كان الرحالة عبر العالم ,يجمعون المعلومات عن المجتمعات,
من مختلف المناطق التي يزورونها ,فيصفون عاداتهم وتقاليدهم و فنونهم..الخ ,و قد قام ّ
الرحالة العرب
بالعديد من الدراسات اإل ثنوغرافية ,منذ عهد بعيد ,و كان لهم الفضل ,في الكشف عن مجتمعات وجماعات
مقدمتهم)17(: اجتماعية ,لم تكن معروفة من قبل ,و في
-ابن بطوطة (1378م) في كتابه " تحفة األنظار في عجائب األسفار "
و مثلتهذه المؤلفات الجغرافية و معاجم البلدان ,مادة خصبة ,من ناحية المنهج اإلثنوغرافي ,في دراسة
الشعوب و الثقافات اإلنسانية ,و سميت هذه المرحلة باإلثنوغرافيا العفوية ,و كان للفتوحات اإلسالمية دور
كبير ,في االهتمام بدراسة " أحوال الناس في البالد المفتوحة ,و سبل إدارتها ,حيث أصبح ذلك من ضرورات
الرحالة األوروبيون في ذلك فيما بعد ,و بخاصة بعد اكتشاف العالم الجديد.
توسع ّ
التنظيم و الحكم"(.)18و ّ
أما اإلثنوغرافيا كمفهوم و تخصص علمي ,فهي علم حديث ,افرزه العصر الحديث ,بعد انفصال كثير من
العلوم ,و استقاللها بموضوعها و منهجها ,عن الفلسفة.
-1-3-2أوجه االختالف:
اإلثنوغرافيا هي الدراسة الوصفية المقارنة ,لمجتمعات و ثقافات اإلنسان ,مثل :مقارنة صناعات وأدوات
مجتمع معين ,ببقية المجتمعات األخرى ,و القائمة اآلن بالفعل ,و تلك هي المقارنة األفقية .كما تنحصر
دراسة اإلثنوغرافيا في الوصف ,حيث يقوم اإلثنوغرافي بتجميع المعلومات ,دون تحليلها أو تفسيرها.
التعرف على
أما اإلثنولوجيا تعني الدراسة الرأسية لمظاهر الثقافة ,بشقيها المادي و الالمادي ,و هي تحاول ّ
ماضي تلك السمات ,أو الظاهرات الثقافية .و هذا يعني أن الدراسة اإلثنوغرافية إذا كانت مقارنة في المكان
Spaceفإن الدراسة اإلثنولوجية إنما هي مقارنة في الزمان Timeو بخاصة الزمان البعيد المنقرض.
بعد أن يجمع اإلثنوغرافي البيانات حول جماعة ما ,يأت دور اإلثنولوجي كي يستفيد منها ,فيقوم بتصنيفها,
وتحليلها ,و استخالص المبادئ التي تفسر الحقائق اإلثنوغرافية ,و إقامة النظريات التي تتعلق بطبيعة
التصرفات اإلنسانية ,و النماذج الحضارية ,و وظائفها ,فإذا كانت الدراسة اإلثنوغرافية هي دراسة وصفية ,فإن
اإلثنولوجيا هي دراسة تفسيرية.و من ثم فإن المادة اإلثنوغرافية تشكل قاعدة أساسية لعمل الباحث اإلثنولوجي,
وتكمل الواحدة األخرى.
فاإلثنوغرافيا و اإلثنولوجيا مرتبطتان ّ
يشترك كل من اإلثنولوجيا و اإلثنوغرافيا و األنثروبولوجيا ,في تصنيف السالالت البشرية ,و التي تعد عملية
هامة وضرورية ,لعقد مقارنات بين المجتمعات األولى ,غير أن مقارنة اإلثنولوجيا تكون رأسية (في الزمان),
في حين تكون مقارنة اإلثنوغرافيا أفقية (في المكان) ,أما األنثروبولوجيا فإنها تستفيد من كال منهما ,حيث
تمت دراستها ,كما تشترك اإلثنولوجيا و األنثروبولوجيا ,في الوقوف على
يمدانها بحقائق عن الشعوب ,التي ّ
أوجه التماثل واالختالف ,بين الجماعات البشرية محل الدراسة ,ويحاول كليهما إعادة تكوين تاريخ بعض
الشعوب ,التي ال تتوافر فيها الوثائق و المستندات التاريخية ,و اآلثار التي يمكن تحليلها ,كما يعتمد كل من
اإلثنولوجيا و اإلثنوغرافيا و األنثروبولوجيا في استقاء المعلومات ,على الدراسات الحقلية (الميدانية) Field
.Study
هنالك فروق ميثودولوجية ,بين اإلثنولوجيا و اإلثنوغرافيا و األنثروبولوجيا اإلجتماعية ,تتجلى فيما يلي:
تدرس االنثروبولوجيا االجتماعية السلوك االجتماعي ,الذي يتخذ في العادة ,شكل نظم اجتماعية ,مثل :نظام
األسرة ,نظام القرابة ,النظام السياسي ,و النظم التشريعية ,و العقائد الدينية ,و ما ماثل ذلك ,كما تهتم
بتوضيح العالقة بين هذه النظم ,سواء في المجتمعات المعاصرة ,أو المجتمعات التاريخية ,التي توجد حولها
معلومات مناسبة ,و يستند ذلك إلى التجربة ,التي تتحقق بالعمل الحقلي .Field work
بينما تهتم اإل ثنولوجيا ,بتصنيف الشعوب ,و دراستها من ناحية صفاتها ,و الخصائص المميزة ألجناس
تفسر كذلك توزيع هذه الشعوب,
اإلنسان ,من ناحية المالمح الفيزيقية ,و الخلقية السائدة ,بين بني البشر ,و ّ
في الوقت الحاضر ,أو في الماضي ,عن طريق الهجرات ,أو االختالط ,أواإلنتشار الثقافي.
فيما تشكل اإلثنوغرافيا المادة النظرية األولية ,لكل من اإلثنولوجيا و األنثروبولوجيا ,من دون تحليل أو تفسير,
إذ تكتف بالمقارنة األفقية فحسب ,و يقوم اإلثنولوجي و كذلك األنثروبولوجي ,بالعمل على هذه المعطيات,
حيث يقوم اإلثنولوجي بإجراء مقارنة رأسية ,بينما يجمع األنثروبولوجي ,بين المقارنة الرأسية و األفقية في
حده اإلثنوغرافي ,لكن كل بطريقته.
أثناء دراسته ,و من ثم فإن كال العلمين ,يواصالن ما يتوقف عند ّ
-3موضوعات األ نثروبولوجيا:
قبل الخوض في موضوعات األنثروبولوجيا نجد من المهم أن نطرح السؤال التالي :كيف تدرس
األنثروبولوجيا اإلنسان؟
إن األ نثروبولوجياال تدرس اإلنسان ككائن وحيد و منعزل ,و إنما تدرسه ككائن اجتماعي ,يعيش في
مجتمع ,عليه حقوق و واجبات ,يؤدي وظائف اجتماعية ,منتج للثقافة ,ينتشر في األرض زم ار و جماعات.
كما تدرس األ نثروبولوجيا اإلنسان في كل زمان و مكان ,و ال يقتصر نطاقها على فترة تاريخية محددة
بعينها ,و إنما تهتم باألشكال األولى و المبكرة ,لإلنسان و أجداده و أصوله ,منذ أقدم العصور و األزمنة,
المسجل أو المكتوب ,أو ما يصطلح
ّ حتى يومنا هذا ,و هي عادة تهتم بتاريخ الشعوب التي تفتقر إلى التاريخ
على تسميتها بالبدائية ,كما تهتم كذلك بدراسة اإلنسان ,في كل مكان من أجزاء الكرة األرضية .مثل:
و هكذا ,ال تتقيد األ نثروبولوجيا بفترات الزمان ,أو حواجز المكان ,و لكنها تتقيد بموضوع واحد هو
اإلنسان .غير أن أوائل األنثروبولوجيون قد ركزوا في دراساتهم على مظاهر الحياة االجتماعية للمجتمعات
البدائية ,فعرفت األ نثروبولوجيا حينذاك بعلم المجتمعات المتأخرة ,و يؤكد ذلك ,ما ورد في مجلة
"األنثروبولوجيا األمريكية" ,في عدد أكتوبر 1960م ,حول ثقافات عصور ما قبل الفخار في اليابان ,و القرابة,
و التطور ,و التقاليد التاريخية ,و الدراسات األثرية في بولينيزيا ,و التحوالت و االنحراف الثقافي في تالل
الهماليا ,و مفهوم المرض في الثقافة المكسيكية.
و في المجلة نفسها ,عدد فبراير من عام 1961م ,عنيت الدراسات الرئيسية التي تضمنها ,بالنظرية
االقتصادية و المجتمع البدائي ,التنظيم العشائري في قرية ناطقة بلغة الناهواتل في والية تالكسكاال في
المكسيك ,و القوة و االلتحام في بنية بدنة صومالية شمالية.)19(..
و ما تجدر اإلشارة إليه ,أن موضوع تلك الدراسات دار حول المجتمعات الصغيرة مثل العشائر ,و كان
االهتمام موجها لدراسة نسق القرابة Kinshipsystemوالطقوس,Ritualsأما النظم االجتماعية األخرى ,فقد
أهملت لدرجة ما ,خاصة النظام السياسي.
و في ذلك يقول عالم األنثروبولوجيا األمريكي مانتشب وايت "M. Whiteإننا في استخدامنا لتعبير علم
اإلنسان ,ال نقصد دراسة اإلنسان ,بقدر ما نقصد دراسة اإلنسان البدائي ,و هذا يعني دراسة المجتمعات
المتطور المعقد ,لمجتمعاتنا المتطورة
ّ الفطرية ,أو التي ال زالت اقرب للفطرة ,و ذلك أن دراسة اإلنسان
أوالمتحضرة ,بالمعنى الحضري لهذه الكلمة ,ليست من مهمة عالم اإلنسان ,بل من مهمة عالم االجتماع
"( .)20لذلك عرفت األ نثروبولوجيا بأنها " العلم الذي يدرس بشكل رئيسي المجتمعات البدائية " .لكن السؤال
الذي يطرح نفسه بشدة ,لماذا اهتم الرعيل األول من األنثروبولوجيين بدراسة المجتمعات البدائية ؟
يمكن تلخيص األسباب ,التي دفعت بالرعيل األول من األنثروبولوجيين ,إلى دراسة المجتمعات
يلي)21(: البدائية ,فيما
جذبتهذه المجتمعات انتباه فالسفة القرن ,18كونها تمثل حالة الطبيعة ,التي يظن أن اإلنسان كان يعيش
عليها ,قبل أن يظهر نظام الحكومة المدنية.
اهتم بها كذلك علماء األنثروبولوجيا في القرن 19العتقادهم ,أنهم وجدوا فيها دالئل و شواهد ,تساعدهم في
بحثهم عن أصول النظم االجتماعية ,في ابسط صورها ,فالمنهج السليم يقتضي التدرج في الدراسة ,من النظم
األكثر بساطة ,إلى تلك األشد تعقيدا ,حتى يتسنى للباحث أن يستعين في دراسته بما تعلمه ,من الدراسة
السابقة.
و ثمة سبب آخر وجيه ,لدراسة المجتمعات البدائية ,و هو أن هذه المجتمعات أخذت تنفتح على العالم
الخارجي ,و تتغير بسرعة ,تحت تأثير الثقافة األوروبية الصناعية ,مما استوجب المبادرة إلى دراستها ,قبل
فوات األوان .و يرى وورنرWornerأن المجتمعات البدائية بالنسبة لألنثروبولوجي االجتماعي ,بمثابة
المعمل ,الذي يمكن أن يختبر فيه أفكاره ,و طرائقه في البحث االجتماعي.
حاليا ,لم تعد األبحاث األنثروبولوجية ,تقتصر على المجتمعات البدائية وحدها ,كون أن معظم هذه
المجتمعات ,قد تعرضت لإلبادة ,كما هو حال قبائل الهنود الحمر في أمريكا ,كما عملت وسائل االتصال بين
الشعوب ,على تطور المجتمعات و الجماعات البدائية و المتخلفة ,ذات النظام القبلي .و بذلك تحول اهتمام
األنثروبولوجيون إلى دراسة الجماعات المحلية ,القروية و الحضرية ,و البيئات الصناعية في ايرلنده و كوبيك
Québecو ماساشوسيث ,المكسيك و اليابان.
()22 يمكن تحديد أهم األهداف ,التي يسعى علماء األنثروبولوجيا إلى تحقيقها ,في النقاط التالية:
وصف مظاهر الحياة البشرية و الحضارية ,وصفا دقيقا ,و ذلك عن طريق معايشة الباحث ,لمجتمع الدراسة,
و تسجيل كل ما يقوم به األفراد ,من سلوكات و تعامالت فيما بينهم.
تصنيف مظاهر الحياة االجتماعية للمجتمعات و الجماعات ,بعد دراستها دراسة واقعية ,و ذلك من اجل
التوصل إلى وضع أنماط ثقافية عامة ,في سياق الترتيب التطوري الحضاري العام لإلنسان (بدائي ,زراعي,
صناعي ,معرفي ,تكنولوجي).
التغير الذي يحدث لإلنسان ,و عوامل هذا التغير و عملياته بدقة علمية ,و ذلك بالرجوع إلى
تحديد أصول ّ
التراث اإلنساني ,و ربطه بالحاضر ,من خالل المقارنة و التحليل ,و إيجاد عناصر التغيير المختلفة.
اكتشاف القواسم المشتركة بين البشر ,و كيفية زيادة االختالفات في أنماط السلوك البشري ,و كذلك معرفة
الطرق ,التي سيطرت بها الجماعات البشرية ,على بيئاتها ,من خالل األساليب التكنولوجية ,والنظم
االجتماعية(.)23
استنتاج المؤشرات و التوقعات ,التجاه التغيير المحتمل ,في الظواهر اإلنسانية و الحضارية والثقافية ,التي
تتمم دراستها ,و التصور بالتالي إلمكانية التنبؤ ,و استشراف مستقبل الجماعة البشرية ,التي أجريت عليها
ّ
الدراسة.
-5أهمية األ نثروبولوجيا:
إن اهتمام األنثروبولوجيا بدراسة المجتمعات كّلها ,و على المستويات الحضارية كافة ,يعتبر منطلقا
أساسيا ,في فلسفة علم األ نثروبولوجيا ,و أهدافها ,و لكن على الرغم من التوسع في مجال الدراسات
األنثروبولوجية ,ما زالت االهتمامات التقليدية لألنثروبولوجيا ,السيما وصف الثقافات ,و أسلوب حياة
المجتمعات ,و دراسة اللغات و اللهجات المحلية ,و آثار ما قبل التاريخ ,..تؤكد و من دون شك ّ
تفرد مجال
األنثروبولوجيا ,عن غيرها من العلوم ,بما فيها علم االجتماع (.)24
و من هنا كانت أهمية الدراسات األنثروبولوجية ,في تحديد صفات الكائنات البشرية ,و إيجاد القواسم
المشتركة فيما بينها ,بعيدا عن التعصب ,و األحكام المسبقة التي ال تستند إلى أصول علمية .و إذا كان علم
األ نثروبولوجيا بدراساته المتعددة ,قد استطاع أن يحقق نجاحا ,في إثبات الكثير من الظواهر ,المتعلقة بنشأة
تطوره الثقافي و الحضاري ,فإن أهم ما أثبته ,هو أن الشعوب البشرية ,باختالف
اإلنسان ,طبيعته ,مراحل ّ
أجناسها ,و ثقافاتها ,متماثلة إلى حد التطابق ,من حيث طبيعتها اإلنسانية ,السيما في النواحي العضوية
والحيوية.
الهوامش:
-1إبراهيم مذكور و آخرون ,معجم العلوم االجتماعية ,الهيئة المصرية العامة للكتاب ,1975 ,ص71
-2عيسى الشماس ,مدخل إلى علم اإلنسان ,منشورات اتحاد الكتّاب العرب -دمشق ,2004 ,ص12
-3قباري محمد إسماعيل ,األنثروبولوجيا العامة ,منشأة المعارف –اإلسكندرية ,1971 ,ص11
-4علي الجباوي ,األنثروبولوجيا -علم اإلنسان ,جامعة دمشق ,1997,ص 9
-5حسين عبد الحميد احمد رشوان ,األنثروبولوجيا في المجالين النظري و التطبيقي ,دار المعرفة الجامعية-
اإلسكندرية ,ط ,2009 ,2ص 5
showtheard/php?t=3504alwaha.net/moltaqa/Rabitat- -6مقدمة في علم األنثروبولوجيا
-7حسين عبد الحميد احمد رشوان ,مرجع سابق ,ص 6
-8يحي مرسي عيد بدر ,أصول علم اإلنسان -الجزء األول ,دار المعرفة الجامعية -اإلسكندرية,2007 ,
ص10
-12المرجع نفسه
-17مرجع سابق
-24حسين فهيم ,قصة األنثروبولوجيا – فصول في تاريخ علم اإلنسان ,عالم المعرفة ( )98شباط ,الكويت,
1986
احملـ ـ ـ ـ ــاضرة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
تطورها
نشأة األنثروبولوجي ـ ـ ـ ـ ـ ــا و ّ
عبـ ـ ـ ــر الت ـ ـ ـ ـ ـ ــاريخ
تمهيد:
رغم أن البحث في شؤون المجتمعات اإلنسانية ,قديم قدم اإلنسان نفسه ,إال أن األنثروبولوجيا ,كأحد هذه
العلوم ,تعد علما حديثا جدا ,يقترب عمره من قرن واحد .و قد بدأت هذه النوعية من الدراسات منذ القديم,
مع تلك التأمالت النظرية األولى ,في تاريخ اإلنسان ,حيث اهتم الفالسفة و المفكرون ,في كل زمان و مكان,
بوضع نظريات ,عن طبيعة المجتمع و دينه و ساللته ,و تقسيمه إلى طبقات اجتماعية ,مع بعض مشاعر
التحيز.
ّ التحامل و
و ال شك أن الحروب و الرحالت التجارية ,قد لعبت منذ عصور ما قبل الميالد ,دو ار هاما في حدوث
اتصال ثقافي ,بين الشعوب ,و بالتالي اكتساب معرفة فيما بينها ,خاصة ما تعلق باللغة ,العادات و التقاليد,
و على هذا األساس ,يكون من الصعب تحديد فترة تاريخية معينة ,نقول أن األنثروبولوجيا قد بدأت فيها.
غير أن المراحل التاريخية لتطور الفكر االجتماعي عموما ,و التي تحمل في طياتها ,مالمح نشأة الفكر
األنثروبولوجي ,يمكن أن نقسمها بحسب أولى الحضارات اإلنسانية ,و كذا األحداث التاريخية الكبرى فيها,
تميز به اإلنتاج المعرفي ,في كل مرحلة أو حقبة تاريخية ,و التي سنستعرضها على التوالي ,بالتدرج من
وما ّ
العصور القديمة (الحضارات اإلنسانية الكبرى) ,إلى الحديثة منها.
-1العصور القديمة:
-1-1الحضارة المصرية القديمة:
يجمع معظم علماء اإلجتماع واألنثربولوجيا ,أن الرحلة التي قام بها قدماء المصريين ,عام 1493ق.م
إلى بالد بونت (الصومال حاليا) ,بهدف التبادل التجاري ,هي أقدم الرحالت التاريخية في التعارف بين
الشعوب .وقد كانت الرحلة مؤلفة من خمسة مراكب ,على متن كل منها 31راكبا ,وذلك بهدف تسويق
بضائعهم النفيسة التي شملت البخور والعطور ,ونتج عن هذه الرحلة اتصال المصريين القدماء بأقزام أفريقيا,
صورت النقوش في معبد الدير البحري ,استقبال ملك وملكة بالد
وتأكيداً إلقامة عالقات معهم فيما بعد ,فقد ّ
بونت لمبعوث مصري(.)1
-1-2الحضارة الغريقية:
اعتبر جل مؤرخي األنثروبولوجيا ,أن المؤرخ اإلغريقي هيرودوتسHerodotusالذي عاش في القرن 5
ق.م ,الباحث األنثروبولوجي األول في التاريخ ,كونه رحالة محبا لألسفار ,وانه أول من صور أحالم
تنوع وفوارق فيما بينها ,من حيث النواحي الساللية والثقافية واللغوية
الشعوب وعاداتهم ,وطرح فكرة وجود ّ
والدينية( .)2و هو أول من قام بجمع معلومات وصفية دقيقة ,عن عدد كبير من الشعوب غير األوروبية
(حوالي خمسين شعبا) ,حيث تناول بالتفصيل ,تقاليدهم وعاداتهم ،ومالمحهم الجسمية وأصولهم الساللية .إذ
قارنبين بعض العادات اإلغريقية والليبية,فيقول " :يبدو أن ثوب أثينا ودرعها وتماثيلها ،نقلها اإلغريق عن
النساء الليبيات ,غير أن لباس الليبيات جلدي ,وأن عذبات دروعهن المصنوعة من جلد الماعز ,ليست
ثعابين ,بل هي مصنوعة من سيور جلد الحيوان ,وأما ما عدا ذلك ,فإن الثوب والدرع في الحاليتين سواء ..
"(.)3 ومن الليبيين تعلم اإلغريق ,كيف يقودون العربات ذات الخيول األربعة
كما وصف هيرودوتس بإسهاب ,التكوين الجسمي ألقوام قديمة ,و كذلك عاداتهم ,و قدم بعض
الفروض ,حول اللغة األصلية للجنس البشري ,و تناول وصف الصراع بين اليونان و الفرس ,و عرض بدقة
الحياة االجتماعية في مصر ,و حياة بعض الشعوب البربرية .واستنادا إلى هذه اإلسهامات ,المبكرة
والجادة ,يعتقد الكثيرون من علماء األنثروبولوجيا ,أن منهج هيرودوتس في وصف ثقافات الشعوبوحياتهم,
وبعض نظمهم االجتماعية ,ينطوي على بعض أساسيات المنهج اإلثنوغرافي ,المتعارف عليه في العصر
الحاضر باسم "وصف الشعوب".
أما أرسطو 384 -322(Aristoteق.م) فقد استخدم اصطالح أنثروبولوجيا ,لإلشارة إلى العلم الذي يهتم
بدراسة اإلنسان ,و بمعنى أدق ,لإلشارة إلى الفرد الذي يتحدث عن نفسه ,و هو معنى يختلف تماما عن
المعنى الحديث لالصطالح.وكذلك نجد أن أرسطو ,كان من أوائل الذين وضعوا بعض أوليات الفكر
التطوري ,للكائنات ّ
الحية ،وذلك من خالل مالحظاته ,وتأمالته في التركيبات البيولوجية ,وتطورها في الحيوان ّ
,..كما ينسب إليه أيضا ،توجيه الفكر نحو وصف نشأة الحكومات ,وتحليل أشكالها وأفضلها ،األمر الذي
يعتبر مساهمة مبدئية ,وهامة في دراسة النظم االجتماعية واإلنسانية(.)4
أفالطون 427-347(Platonق.م)
و هكذا ,عرض كل من أفالطون و أرسطو ,نظريات هامة في الفكر الفلسفي االجتماعي ,إال أنهما لم
يلما بشيء ,خارج العالم الذي يعيشان فيه .وعلى الرغم من هذا الطابع الفلسفي ,الذي يناقض – إلى حد ما
– ما تتّجه إليه الدراسات األنثروبولوجية ,والسوسيولوجية ,من دراسة ما هو قائم ,ال ما يجب أن تكون عليه,
األحوال االجتماعية والثقافية ،فإن فضل الفكر الفلسفي اليوناني ،والسيما عند كبار فالسفتهم ،ال يمكن التقليل
من شأنه أبدا.
-1-3الحضارة الرومانية:
امتد عصر اإلمبراطورية الرومانية ,حوالي ستة قرون ,تابع خاللها الرومان ما طرحه اليونانيون ,من
مسائل وأفكار ,حول بناء المجتمعات اإلنسانية ,وطبيعتها ,وتفسير التباين واالختالف فيما بينها ,..ولكنهم لم
يأخذوا بالنماذج المثالية /المجردة للحياة اإلنسانية ،بل وجهوا دراساتهم ,نحو الواقع الملموس والمحسوس.
ومع ذلك ,ال يجد األنثروبولوجيون في الفكر الروماني ,ما يمكن اعتباره كإسهامات أصيلة في نشأة علم
مستقل لدراسة الشعوب وثقافاتهم ,أو تقاليد راسخة لمثل هذه الدراسات.
ولكن ،يمكن أن يستثنى من ذلك ،لوكريسيوس ( 99 -55ق.م) ,و يعد اكبر ممثلي األبيقورية*
الرومانية ,كان أديبا و شاعرا ,و من أكثر المفكرين الرومان أصالة ,و هو من الباحثين في نظرية النشوء
واإلرتقاء( .)5حيث احتوت قصيدته "طبائع األشياء" ,على بعض األفكار االجتماعية الهامة .فقد تناول
موضوعات عدة ,عرضها في ستة أبواب رئيسة ,ضمنها أفكاره ونظرياته ,عن المادة وحركة األجرام السماوية
وشكلها ,وتكوين العالم ,..وخصص الباب السادس ,لعرض فكرتي :التطور والتقدم ,حيث تحدث عن اإلنسان
األول والعقد االجتماعي ,ونظامي الملكية والحكومة ,ونشأة اللغة ،إضافة إلى مناقشة العادات والتقاليد,
والفنون واألزياء والموسيقى(.)6
وقد رأى بعض األنثروبولوجيين ,أن لوكريسيوس استطاع أن يتصور مسار البشرية ,في عصور حجرية
ثم برونزية ،ثم حديدية ,..بينما رأى بعضهم اآلخر في فكره ,أن ثمة تطابق مع فكر لويس مورجان1881-
)1818)L. Morganأحد أعالم األنثروبولوجيا في القرن ,19وذلك من حيث نظريته حول تقدم المجتمعات
و انتقالها من مرحلة إلى أخرى ,في إطار حدوث طفرات مادية ,وان كان مردها في النهاية إلى عمليات
وابتكارات عقلية(.)7
هذا ,و يدرج البعض دراسة عن القبائل الجرمانية ,كان قد أجراها المؤرخ الروماني تاكتوس ,بعنوان
"جرمانيا" ,ففيها دراسة مقارنة ,لعادات الشعوب و تقاليدها ,و صفاتها الجسمية و العقلية( ,)8و التي يمكن أن
تصنف كدراسة أنثروبولوجية ,ضمن التراث المعرفي المنتج ,عهد الحضارة الرومانية.
وعلى الرغم من أن الرومان ,قد اهتموا بالواقع ,من حيث ربط السالالت البشرية ,بإمكانية التقدم
امتياز وأفضلية على الشعوب األخرى ,فكان الروماني
ا االجتماعي ,والحركة الحضارية ,فقد وجدوا في أنفسهم,
فوق غيره بحكم القانون ,حتى أن الرومان إذا أرادوا أن يرفعوا من قدر إنسان ,أو شأن ساللة ما ,أصدرت
الدولة ق ار اًر بمنح الجنسية الرومانية ألي منهما( .)9ويبدو أن هذا االتجاه العنصري ,وجد في معظم الحضارات
القديمة ,السيما الشرقية منها,مثاللصينية.
-1-4الحضارة الصينية:
يعتقد بعض المؤرخين ,والسيما األنثروبولوجيون منهم ,أنه على الرغم من اهتمام الصينيين القدماء,
بالحضارة الرومانية وتقديرهم لها,إال أنهم لم يجدوا فيها ,ما ينافس حضارتهم .فالصينيون القدماء كانوا
يشعرون باألمن والهدوء داخل حدود بالدهم ,وكانوا مكتفين ذاتياً من الناحية االقتصادية المعاشية ,حتى أن
تجارتهم الخارجية ,انحصرت فقط في تبادل السلع والمنافع ,من دون أن يكون لها تأثيرات ثقافية عميقة ,فلم
يعبأ الصينيون في القديم ,بالثقافات األخرى خارج حدودهم ,ومع ذلك ,لم يخل تاريخهم ,من بعض الكتابات
الوصفية لعادات بعض الجماعات البربرية ,والتي اتسمت باالزدراء واالحتقار.
وهذا االتجاه نابع من نظرة الصينيين القدماء العنصرية ,إذ كانوا يعتقدون – كالرومان – أنهم أفضل
الخلق ،وأنه ال وجود ألية حضارة أو فضيلة خارج جنسهم ,بل كانوا يرون أنهم ال يحتاجون إلى غيرهم في
شيء ,..ولكي يؤكد ملوكهم هذا الواقع ,أقاموا " سور الصين العظيم " حتى ال تدنس أرضهم بأقدام
اآلخرين(.)10
ولذلك ,اهتم فالسفة الصين القدماء ,باألخالق وشؤون المجتمعات البشرية ,من خالل االتجاهات
الواقعية /العملية ,في دراسة أمور الحياة اإلنسانية ومعالجتها ,مثل :الكونفشيوسية ,الطاوية والماوتسية*,..
ألن معرفة األنماط السلوكية ,التي ترتبط بالبناء االجتماعي ,في أي مجتمع ،تسهم في تقديم الدليل الواضح
على التراث الثقافي لهذا المجتمع ,والذي يكشف بالتالي عن طرائق التعامل فيما بينهم من جهة ,ويحدد
أفضل الطرائق للتعامل معهم من جهة أخرى ,وهذا ما يفيد الباحثين في العلوم األخرى ,والسيما تلك التي
تعنى باإلنسان.
-2العصور الوسطى:
اجمع جل المؤرخين أن العصور الوسطى ,تمتد من القرن الرابع إلى القرن الرابع عشر الميالدي .وقد
اصطلح على تسميتها بالعصور الوسطى,ألنها ارتبطت بتدهور الحضارة األوربية ,وارتداد الفكر إلى حقبة
مظلمة ,هيمنت فيها الكنيسة الكاثوليكية من جهة ,و من جهة أخرى وقعت بين عهدين هما :نهاية ازدهار
الفلسفات األوربية القديمة (اليونانية والرومانية) ,وبداية عصر النهضة األوربية (عصر التنوير) ,واالنطالق
إلى مجاالت جديدة من استكشاف العوالم األخرى ,واحياء التراث الفكري القديم ,وابداعات في الفنون واآلداب
المختلفة ,في الوقت الذي كانت فيه الحضارة العربية اإلسالمية تزدهر ,وتتسع لتشمل مجاالت العلوم
المختلفة(.)11
و عليه ,سوف نقسم عرض بوادر الفكر األنثروبولوجي ,في العصور الوسطى ,إلى قسمين اثنين,
بحيث نتناول في القسم األول واقع اإلنتاجات المعرفية االجتماعية في أوروبا ,أما الثاني نتناول فيه عرض
الحضارة اإلسالمية ,و أثرها على اإلنتاج المعرفي آنذاك.
يذكر المؤرخون أنه في هذه العصور الوسطى (المظلمة) تدهور التفكير العقالني ,وأدينت أية أفكار
تخالف التعاليم المسيحية ,أو ما تقدمه الكنيسة الكاثوليكية ,من تفسيرات للكون و للحياة اإلنسانية ,سواء في
منشئها أو في مآلها ,ولكن إلى جانب ذلك ,كانت مراكز أخرى وجهت منطلقات المعرفة ,وحددت طبيعة
الحضارة الغربية في تلك العصور ,كبالط الملوك مثال ,الذي كان يضم في العادة ,فئات من المثقفين
كرجال اإلدارة والسياسة والشعراء( .)12يضاف إلى ذلك ,التوسع في دراسة القانون في جامعة بولونيا ,ودراسة
الفلسفة والالهوت في جامعة باريس ,مما كانت لـه آثار واضحة ,في الحياة األوروبية العامة(السياسية,
االجتماعية ,الثقافية ,الدينية )..ومهد بالتالي للنهضة ,التي شهدتها أوروبا ,بعد هذه العصور.
و قد ترنحت محاوالت الكتابةحول بعض الشعوب ,في هذه المرحلة ,بين كتابات الرحالة ,و الوصف
التخيلي ,البعيدعن المشاهدة المباشرة ,على أرض الواقع .مثال ذلك ,ما قام به األسقف إسيدور Isidore
الذي عاش ما بين ( 636 -560م) حيث أعد في القرن السابع الميالدي ,موسوعة عن المعرفة ,وأشار فيها
التحيز .و مما
إلى بعض تقاليد الشعوب المجاورة وعاداتهم ,ولكن بطريقة وصفية عفوية ,تتسم بالسطحية و ّ
ذكره ,أن قرب الشعوب من أوروبا أو بعدها عنها ,يحدد درجة تقدمها ,فكلما كانت المسافة بعيدة ,كان
االنحطاط والتدهور الحضاري ,مؤكدا لتلك الشعوب ,و وصف األفراد الذين يعيشون في أماكن نائية ,بأنهم
من سالالت غريبة الخلق ,حيث تبدو وجوههم بال أنوف.
وقد ظلت تلك المعلومات سائدة وشائعة ,حتى القرن الثالث عشر ,حيث ظهرت موسوعة أخرى ّ
أعدها
كثير
الفرنسي باتولوماكوس ,Batholo Macusوالتي حظيت بشعبية كبيرة ,على الرغم من أنها لم تختلف ا
عن سابقتها ,العتمادها على الخيال .غير أن هذه المؤلفات قد اختص بها غير الرحالة ,ممن كانوا ال
يبرحون بالدهم البتة.
و في المقابل ,تعددت في العصور الوسطى األسفار ,التي قام بها المحاربون ,في الحروب الصليبية,
والمبشرون و التجار ,و ظهرت كتابات عديدة ,عن تلك األسفار و الرحالت ,و حينها صدرت مدونات
االيطالي جون دي بالنو كاربيني ,)1252-1182( Carpiniالذي توجه إلى بالد التتار ,بناءا على تكليف
البابا ,لدراسة تقاليدهم و عاداتهم ,قصد إنجاح عمليات التنصير فيما بعد .و من الرحالة المشهورين ,الذين
عاشوا أيضا في تلك الفترة ماركو بولو Marco poloالبندقي نسبة إلى مدينة البندقية في ايطاليا (-1254
,)1323اشتغل بالتجارة في الصين ,لمدة 24عاما ,و استطاع أن يقدم وصفا هاما لعادات الصينيين,
وحياتهم االجتماعية.
و يجب اإلنتباه ,إلى أن تاريخ أوروبا منذ القرن 7م ,قد اختلط بالفتوحات اإلسالمية ,إذ تأثر الفكر
الغربي آنذاك ,بآالف الكتب العربية ,التي ترجمت إلى الالتينية.
امتدت من منتصف القرن السابع الميالدي ،إلى نهاية القرن الرابع عشر تقريبا ,حيث بزغت الحضارة
اإلسالمية ,وأخذت في االنتشار ،لتشمل كل المجتمعات العربية ,و العديد من المجتمعات غير العربية
(األسيوية ,اإلفريقية ,)..وفي تلك العصور ,و في الوقت الذي عرفت فيه المجتمعات األوروبية ,تكبيال للفكر
و المعارف ,و ضعفا واضحا في مختلف الميادين والمجاالت ,بلغت المجتمعات اإلسالمية ,أوج قوتها
وتقدمها الفكري ,و رقيها الحضاري ,في القرن 8م,و أصبحت بغداد عاصمة لها ,و مرك از ثقافيا هاما .فبرزت
انتاجات فكرية غزيرة ,ثرية و متعددة في:اآلداب ,األخالق ,الفلسفة ,المنطق ,الرياضيات ,الطب ,..كانت
ذات تأثيرات عظيمة ,خاصة في الحياة السياسية واالجتماعية والعالقات الدولية.
و قد برز العرب في وضع المعاجم الجغرافية ،كمعجم "البلدان" لـ ياقوت الحموي .وكذلك إعداد
الموسوعات الكبيرة التي بلغت ذروتها في القرن الثامن الهجري(الرابع عشر ميالدي) ,مثل" :مسالك األمصار"
لـإبن فضل هللا العمري ،و " نهاية األرب في فنون العرب " لـ النويري.والى جانب اهتمام هذه الكتب
الموسوعية بشؤون العمران ،فقد اعتمد في استقاء مادتها المعرفية ,على المالحظة المباشرة ,والخبرة
الشخصية ،وهذا ما جعلها مادة خصبة ,بالنسبة للدراسات األنثروبولوجية الالحقة ,حيث مثلت أولى تطبيقات
المنهج األنثروبولوجي ,الذي يعتمد أساسا ,على تقنية المالحظة بالمشاركة ,في دراسة الشعوب والثقافات
اإلنسانية.
و من أمثلة هؤالء الرحالة ,الذين يمكن أن نعتبرهم ,منأوائل األنثروبولوجيين ,و في الوقت نفسه من
اإل ثنوغرافيين أيضا ,لما اثروا به الفكر االجتماعي ,من معارف و معلومات ,تدور حول وصف ثقافات
الشعوب التي ارتحلوا إليها ,اآلتي ذكرهم:
ابن جبير:
كان كثير من الحجاج القادمين من األندلس ,يزورون المغرب و مصر و الشام ,في طريقهم إلى
الحجاز ,ثم ينتهزون هذه الفرصة ,للطواف في بعض األقاليم اإلسالمية األخرى ,وأعظم أولئك الحجاج شأنا,
في القرن ( 6الثاني عشر ميالدي) ,هو ابن جبير ,فقد قام بثالث رحالت إلى الشرق ,و ّ
دون أخبار الرحلة ه
األولى ,في شبه مذكرات يومية ,باسم " تذكرة باألخبار عن اتفاقات األسفار" ,و نشرها المستشرق االنجليزي
رايتW.Wrightسنة ,1852ثم ظهرت منها طبعة جديدة سنة ,1907راجعها المستشرق الهولندي دي
خويه(.)13
ولد ابن جبير في مدينة بلنسية Valenciaمدينة شهيرة من مدن شرق األندلس سنة 540ه1145/م,
و درس على أبيه ,و غيره من علماء العصر ,في سبته و غرناطة ,ثم دخل خدمة أبي سعيد بن عبد المؤمن
صاحب غرناطة( .)14و من أشهر رحالته تلك التي قام بها إلى األراضي الحجازية سنة 578ه الموافق لـ
1183م ,حيث ارتحل على سفينته من مراكش إلى صقلية ,و وصف ما مر به من عواصف و أهوال ,ثم
توجه إلى اإلسكندرية ,و وصف بدقة إجراءات الجمرك فيها ,فورد مما كتبه عن ذلك قوله ..":و على ساحل
البحر أعوان ,يتوكلون بهم و بحمل جميع ما انزلوه ,إلى الديوان ,فاستدعوا واحدا واحدا ,و احضر ما لكل
واحد من األسباب ,و الديوان قد غص بالزحام ,فوقع التفتيش بجميع األسباب ,ما دق منها و ما جل,)15("..
شيده السلطان آنذاك
كما ذكر عمائرها و آثارها ,بما فيها مدارس الغرباء ,و أشار كذلك إلى المستشفى ,الذي ّ
للغرباء.
لكن الجزء الرئيسي في رحلة ابن جبير ,هو وصف مكة و المسجد الحرام ,و مناسك الحج و زيارته
الحجاج العراقيين ,مثل :الموصل
ّ للمدينة .وصف كذلك بعض المدن العراقية التي مر بها رفقة ركب من
والكوفة ,أين تحدث عن حماماتها و أسواقها و مستشفياتها .كما وصف بعضا من مدن الشام ,مثل وصفه
التجار المسلمين و النصارى ,من جميع األفاق (األماكن).
لعكا ,حين قال بأنها ملتقى ّ
ابن بطوطة:
هو أعظم الرحالة المسلمين قاطبة ,و أكثرهم طوافا في اآلفاق ,و أوفرهم نشاطا و استيعابا لألخبار,
تجول فيها .ولد محمد ابن بطوطة في مدينة و أشدهم عناية بالتحدث ,عن الحالة االجتماعية في البالد التي ّ
طنجة في المغرب سنة 703ه 1304/م من عائلة ثرية ,استطاع الكثير من أبنائها النبوغ في العلوم الشرعية,
غادر وطنه سنة 725ه ألداء فريضة الحج ,و لكنه ظل حوالي ثمانية و عشرون سنة ,في أسفار متواصلة,
و رحالت متعاقبة( .)16سافر ابن بطوطة إلى مصر و زار منها اإلسكندرية ودمياط ,و سافر إلى دمشق في
سوريا ,واليمن ,فالجزائر و المغرب و مالي ,و الصومال ,كما سافر إلى الهند في القرن ,14و وصف الحياة
االجتماعية فيها ,و عادات و معتقدات الهنود ,و سافر أيضا إلى الصين ,و وصف حياة المسلمين فيها و
الوثنيين ,و بلدان أخرى ,ال يسع المجال لذكرها كلها.
و من طريف ما ذكره ابن بطوطة عن السودان (تعني تسمية السودان لدى ابن بطوطة ذووا البشرة
السوداء) ,أن منسا موسى احد ملوك مالي ,كان قد غضب على قاض من البيض ,فنفاه إلى الزنوج الذين
يأكلون لحوم البشر ,و أقام هذا القاضي بينهم أربع سنوات ,ثم عاد إلى مملكة مالي ,و لم يأكله الزنوج
لبياضه ,فقد كانوا يعتقدون أن أكل األبيض مضر ,ألنه لم ينضج بعد ,أما األسود فهو وحده ذو اللحم
الناضج(.)17
للعلم ,طبعت رحلة ابن بطوطة في باريس مع ترجمة فرنسية منتصف القرن ,20على يد المستشرقين
ديفريمري Deferemoryو سانجنتيSanguinettiو طبعت في القاهرة ,طبعتين غربيتين ,و نشر األستاذ
جب Gibbملخصا لها باللغة االنجليزية في سلسلة Broadway traveller’sعام .)18(1929
البيروني:
هو أبو الريحان البيروني المتوفى سنة 440ه1048/م ,امتاز باالطالع الواسع ,و روح النقد العلمي
الدقيق ,و العمق في التفكير ,فحاز قصب السبق في الفلسفة ,الفلك ,العلوم الرياضية ,التاريخ ,علوم اللغة
وتقويم البلدان ,و امتدت شهرته في العصور الوسطى إلى أوروبا ,و أفاد مما جمعه خالل أسفاره ,في تأليفه
كتابهعن الهند بعنوان " تحرير ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة " .و الحق ,أن كل ما كتبه
عن الهند يشهد سعة اطالعه ,وكثرة تجاربه ,ودقة مالحظاته ,وبأنه جال طويال في تلك البالد( ,)19وحسب
بعض المراجع فإن البيروني قد مكث في الهند 40عاما ,لذلك عرف آفاقها ,و بر أهلها ,و درس عاداتهم,
ومظاهر حضارتهم.واهتم أيضا بمقارنة النظم الدينية والسلوكيات الثقافية ,بمثيالتها عند اليونان والعرب
والفرس .وأبرز البيروني في هذا الكتاب ,حقيقة أن الدين يؤدي الدور الرئيس ,في تكبيل الحياة الهندية,
وتوجيه سلوك األفراد والجماعات ،وصياغة القيم والمعتقدات(.)20
ابن خلدون:
ولد ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد الكندي المعروف بابن خلدون في تونس 1332م وتوفي
سنة 1406م في القاهرة ,درس على أبيه و أشياخه في تونس ,و فاس ,و عاش في تلمسان و بجاية ,و نزح
إلى األندلس ,و حظي لدى أبي عبد هللا ثالث ملوك بني األحمر ,ولي الحجابة في بجاية ,ثم فر إلى بسكرة,
ففاس ,و اعتصم بعدها في قصر من قصور بني عريف في قلعة ابن سالمة ,جنوبي قسنطينة ,حيث شرع
في كتابة :كتاب "العبر و ديوان المبتدأ و الخبر في أيام العرب و العجم و البربر و من عاصرهم من ذوي
السلطان األكبر" .و هو الكتاب المعروف بالمقدمة(.)21
قام ابن خلدون بأسفار و رحالت ,عبر البالد اإلسالمية ,من سمرقند إلى المغرب ,و كانت دراسته
واقعية ,و في ضوء مالحظاته و تجاربه ,حيث وضع قواعد منهجية ,أهمها المالحظة و النقد ,و ترجع أهمية
دراسته ,إلى استخدام المنهج المقارن ,إذ الحظ عن كثب ,اختالف بعض الشعوب ,و تماثلها ,و ارجع ذلك
إلى عوامل البيئة الجغرافية ,و أثرها على أخالقيات الشعوب ,و أحوالهم االقتصادية ,و مدى تأثر الظواهر
السياسية ,بهذه العوامل .من آثاره باإلضافة إلى المقدمة ,سيرة حياته بقلمه ,و عنوانها" التعريف برحلة ابن
خلدون".
لقد أرسى ابن خلدون األسس المنهجية ,لدراسة المجتمعات البشرية ,ودورة الحضارات التي تمر بها,
فكان بذلك ,أسبق من علماء اإلجتماع في أوروبا .ولذلك ,يرى بعض الكتاب والمؤرخين ,أن ابن خلدون
يعتبر المؤسس الحقيقي لعلم االجتماع ,بينما يرى بعضهم اآلخر ,والسيما علماء األنثروبولوجيا البريطانيون,
في مقدمة ابن خلدون بعضا من موضوعات األنثروبولوجيا االجتماعية ومناهجها,وفي أمريكا ,أشار
جونهونجيمان أيضا في كتابه " تاريخ الفكر األنثروبولوجي " أن ابن خلدون تناول بعض األفكار ذات
الصلة بنظريةمارفين هاريس عـن" المادية الثقافية " Cultural Materialismونجد أنهاريس ذاته ,يذكر
أفكار وموادا ساعدت في بلورة نظرية الحتمية الجغرافية,التي سادت
ا أن ابن خلدون ومن قبله اإلدريسي ,قدما
إبان القرن الثامن عشر (.)22
تمثال البن خلدون في قلب العاصمة التونسية ( ساحة االستقالل)
واستنادا إلى ما تقدم يمكن القول :أن الفالسفة والمفكرين العرب أسهموا بفاعلية – خالل العصور
الوسطى -في معالجة كثير من الظواهر االجتماعية ,التي يمكن أن تدخل في االهتمامات األنثروبولوجية,
والسيما التنوع الثقافي (الحضاري) بين الشعوب ,سواء بدراسة خصائص ثقافة أوحضارة بذاتها ,أو بمقارنتها
مصادر للمادة اإلثنوغرافية التي درست (أسلوب الحياة في
ا مع ثقافة أخرى ,ولكن على الرغم من اعتبارها
مجتمع معين وخالل فترة زمنية محددة) العادات والقيم وأنماط الحياة ,فإن األنثروبولوجيا التي تبلورت في
أواخر القرن التاسع عشر كعلم جديد معترف به ،لم تكن ذات صلة تذكر بهذه الدراسات ,وال بغيرها من
الدراسات (اليونانية والرومانية) القديمة (.)23
المؤرخون على أن عصر النهضة في أوربا,قد بدأ في نهاية القرن الرابع عشر الميالدي ,حيث ّ يتفق
شرع األوروبيون في دراسة انتقائية ,للعلوم والمعارف اإلغريقية والعربية,رافقتها حركة نشطة لالستكشافات
الجغرافية ,وتبع ذلك االنتقال من المنهج الفلسفي إلى المنهج العلمي التجريبي ،في دراسة الظواهر الطبيعية
قام الرحالة و المستكشفون األوروبيون ,فيما بين القرنين 15و ,16بكتابة تقارير عن عادات وتقاليد,
شعوب أمريكا و آسيا ,و كانت اهتماماتهم مركزة خاصة ,حول الشعوب البدائية المختلفة ,التي صارت
أخبارها تصل إلى أوروبا تباعا .و لعل أهم رحلة أو(رحالت) استكشافيـة مشهورة ,أثّرت في علم
الرحالة االسباني كريستوف كولومبوس إلى القارة األمريكيـة ,ما بين األنثروبولوجيا,تلك التي قام بها
( )1502 -1492حيث زخرت مذكراته عن مشاهداته واحتكاكاته ,بسكان العالم الجديد ,بالكثير من
المعلومات والمعارف ,عن أساليب حياة تلك الشعوب ,وعاداتها وتقاليدها.
غير أن اغلب أولئك الرحالة و المغامرين ,كانوا جهلة ,غير مدربين تدريبا علميا ,و اتسمت تقاريرهم
تلك ,بالتعصب الذي عرف بها األوروبيون ,في الفترة السابقة على النهضة.
و بذلك ,تميزت تلك الفترة ,نتيجة الجهل و التعصب ,بشيوع أفكار و انطباعات خاطئة ,عن الشعوب
البدائية ,إذ كانت توصف بأنها " بال دين ,و ال نظام اجتماعي ,و أنها تعيش بشكل ,ال يميزها عن
الحيوانات ,إال استعمالها اللغات ,و أنها شعوب ال تعرف الضبط ,و ال القانون ,و تعيش في شيوعية جنسية,
و اقتصادية" (.)25و رغم ذلك فقد اهتم الجمهور المثقف بهذه التقارير ,و عرف الناس التنوع الكبير ,في النظم
و العادات ,لدى هذه الشعوب المختلفة.
في سنة ,1501ظهر مصطلح " أنثروبولوجيا" عنوانا لكتاب المفكر هوندتHundetتناول فيه
الخصائص الجسمانية لإلنسان ,من الناحية التشريحية ,كما ظهر هذا االصطالح L’Anthropologieفي
كتاب للمفكر كابيالCapellaعام ,1533و تضمن دراسة عن الصفات الفردية لإلنسان .و اتخذ العالم
االسباني ميسيMessieمن التنوع بين عادات و تقاليد الشعوب المختلفة ,موضوعا لكتاب ألفه بعنوان "دروس
متنوعة" ,ثم ترجم هذا الكتاب كلود جريجيه إلى الفرنسية عام .)26( 1955
فيما أّلف جون بودان J.Bodinعام ,1557كتابا بعنوان » كتب الجمهورية الست Les six livres
» ,de la républiqueذكر فيه أن االختالفات بين الشعوب ,و في شكل نظمهم الحكومية ,ال ترجع إلى
الهرمونات فحسب ,بل ترجع إلى اختالف المناطق الجغرافية التي تسكنها ,وخص بالذكر "المناخ".
أما الفيلسوف وعالم اإلجتماع الفرنسي,ميشيل دي مونتاني M.De. Montaigneالذي عاش ما بين
( )1592-1532فقد أجرى مقابالت مع مجموعات من السكان األصليين ,في أمريكا المكتشفة ,والذين
أحضرهم بعض المكتشفين إلى أوروبا .وبعد أن جمع منهم المعلومات عن العادات والتقاليد ,السائدة في
التنوع الحضاري
موطنهم األصلي ,خرج بالمقولة التالية ":إنه لكي يفهم العالم فهما جيدا ,ال بد من دراسة ّ
التنوع " ,ويكون بذلك قد طرح فكرة (النسبية األخالقية) مقابل
للمجتمعات البشرية ,واستقصاء أسباب هذا ّ
الحتمية الجغرافية لـ بودان.
ومما قاله في هذا اإلطار ,ما كتبه في مقاله الشهير عن " أكلة لحوم البشر " ,وجاء فيه " :يبدو
أنليس لدينا أي معيار للحقيقة والصواب ,إال في إطار ما نجده سائدا من آراء وعادات على األرض التي
نعيش عليها (أوروبا) ,حيث نعتقد بوجود أكمل الديانات ،وأكثر الطرائق فاعلية في الحصول على
األشياء ,إن هؤالء الناس (أكلة لحوم البشر) فطريون /طبيعيون ،مثل الفاكهة البرية .فقد بقوا على حالهم
البسيطة ,كما شكلتهم الطبيعة بطريقتها الخاصة ،وتحكمت فيهم قوانينها ,وسيرتهم"( .)27ومن هذه
كبير لدى مؤرخي الفكر األوروبي
ا الرؤية ،القى كتابه الشهير "المقاالت " الصادر عام ,1579اهتماما
عامة ,والفكر الفرنسي خاصة.
تقدمت األنثروبولوجيا(ما كتب حول المجتمعات غير األوروبية) في القرن ,17نتيجة االكتشافات
الجغرافية ,التي أدت إلى التعرف على شعوب ,لم تكن معروفة من قبل .و يكف انه حتى منتصف هذا القرن,
لم تكن نيوزلنده معروفة ,إال قبيل عام ,1647و لم يعرف الكونغو البلجيكي على الخريطة إال منذ 70سنة,
هذا ,و قد ألم الحكام اإلداريون بالعديد من المجتمعات المحلية في إفريقيا ,و عرفوا أنساقها االجتماعية.
و في عام 1655ظهر اصطالح األنثروبولوجيا في كتاب ,غير معروف مؤلفه ,و قد كتب باللغة
االنجليزية ,عنوانه » « Anthropology abstractedو موضوعه الطبيعة البشرية ,و قد انقسمت موضوعاته
إلى قسمين :احدهما خاص بعلم النفس ,و الثاني بعلم التشريح .وقد تبلور االتجاه (المذهب) العلمي في
الدراسات التجريبية والرياضية ،التي ظهرت في أعمال بعض علماء القرن السابع عشر ,من أمثال:
فرانسيسبيكون )1626-1561( F.Beconورينيهديكارت )R.Decartes (1650-1596واسحق
نيوتن )1727-1642( I.Newtonوغيرهم .حيث أصبحت النظرة الجديدة لإلنسان على أنه ظاهرة طبيعية,
ويمكن دراسته من خالل البحث العلمي ,والمنهج التجريبي,ومعرفة القوانين ,التي تحكم مسيرة التطور
اإلنساني,والتقدم االجتماعي .وهذا ما أسهم في تشكيل المنطلقات النظرية للفكر االجتماعي ,وأدى بصورة
تدريجية ,إلى بلورة البدايات النظرية لألنثروبولوجيا ,خالل عصر التنوير.
يعتبر القرن 18نقطة بداية مناسبة ,لدراسة الشعوب البدائية ,فقد ازدادت المعلومات ,عن تلك
الشعوب بشكل كبير ,نتيجة امتداد و توسع ,حركة االستيطان األوروبي لألمريكتين ,و كذلك لعدد كبير من
المجتمعات اإلفريقية ,اآلسيوية ,االسترالية ,و غيرها من المجتمعات في أرجاء العالم .و ازداد تبعا لذلك,
اهتمام العلماء األوروبيون بتلك الشعوب البدائية ,و استطاع المبشرون الدينيون ,و رجال اإلدارة ,أن يتحفوا
العالم بدراسات عديدة ,و رغم أنها لم تكن علمية ,إال أنها قد احتوت على الكثير من المعلومات الدقيقة,
فعالة و مشجعة ,على الدراسات األنثروبولوجية.
والمفيدة ,فكانت خطوة ّ
فاحتّلت كتابات جان جاك روسو )1778-1712( J.J. Rosseauأهمية كبيرة لدى مؤرخي علم
األنثروبولوجيا ,وذلك بالنظر لما تضمنته في دراستها اإلثنوغرافية ,للشعوب المكتشفة (المجتمعات البدائية),
مقارنة مع المجتمعات الغربية /األوروبية.
و في سنة 1729قام الفيتوLafiteauبدراسة حول عادات الهنود الحمر ,الذين زار بالدهم ,وقارن
بينهم ,و بين عادات الجماعات االجتماعية ,التي كانت تعيش في العالم القديم ,كما وصفها اليونان والرومان
القدامى .و سنة 1760نشر تشارلز دي بروسCharles de brosseكتابا طابق فيه ,بين ديانة المصريين
القدامى ,و ديانة غرب إفريقيا ,و هو موضوع ال يزال يشغل اهتمام المدرسة األنثروبولوجية .الحديثة إلى
يومنا هذا.
و خالصة القول أن فالسفة القرن 18قد مهدوا لظهور علوم موضوعية ,تدرس النظم االجتماعية,
ومن أهم تلك العلوم ,نجد األنثروبولوجيا االجتماعية ,و كان لذلك تأثير عظيم في القرن .19
أصبحت األنثروبولوجيا ,ذات طابع أكاديمي متميز خالل القرن ,19فمع بداية هذا القرن ,اهتم عدد
من الباحثين ,بدراسة األطالل و البقايا ,التي وجدوها في مناطق جغرافية مختلفة ,و قد تقدمت هذه األبحاث
والدراسات ,نتيجة تقدم البحوث الجيولوجية و الباليونتولوجية ,Geological and Palaeontologicalو التي
كشفت عن عمر األرض التقريبي ,و برهنت أنها أقدم بكثير ,مما كان يظن ,حيث أكد الباحثون الفرنسيون,
أن وجود اإلنسان في فرنسا يعود إلى العصر الجليديIce ageحيث عثروا على أدوات حجرية في حصى
الوديان ,في بداية سنة ,1830ثم العثور على أدوات أخرى ,في الفترة ما بين 1847و .1864
و في هذا القرن أصبحت المجتمعات البدائية ,مجال البحث الرئيسي في األنثروبولوجيا ,بدال من
تفكير وتأمالت األنثروبولوجيون األوائل ,والمجادالت غير العلمية بين المفكرين .و استهدف هذا العلم الكشف
عن القوانين العامة ,التي تحكم تطور المجتمعات البشرية .و تعد الفترة من 1861إلى ,1871فترة نشأة
()30 األنثروبولوجيا ,وذلك لظهور مجموعة معتبرة من المؤلفات ,ينتمي أصحابها إلى جنسيات مختلفة:
السير هنري مينSir Henri Mainمن كتبه " المجتمع القديم"Ancient societyعام ,1861
و"المجتمعات القروية" عام .1871
السير ادوارد تايلور Sir Edward Taylorمن كتبه " أبحاث في التاريخ القديم للجنس البشري" عام
,1865و" الثقافة البدائية " .و تناول تايلور في هذين المجلدين تطور األساطير ,الفلسفة والدين,
درس تايلور بجامعة
اللغة و الفن و العادات ,واهتم اهتماما بالغا بأصل النظم المختلفة للثقافة ,و ّ
أكسفورد* Oxfordفي الفترة ما بين 1884و ,1909و تضمنت األنثروبولوجيا في هذه الجامعة,
قسمين رئيسيين ,هما :األنثروبولوجيا الفيزيقية و األنثروبولوجيا الثقافية ,مع التركيز على آثار ما قبل
التاريخ ,أكثر من المجتمعات البدائية.
السير هنري البوك Sir Henri Labbokكانت له إضافة هامة ,في هذه الدراسات ,بنشره كتابا بعنوان
" أصل الحضارة ."The origine of Civilization
ماكلينان Mc Lennanهو محامي اسكنلتدي ,بدأ يكتب في الفن ,ثم نشر مقاال في دائرة المعارف
البريطانية عام ,1857بعنوان " القانون " ,ثم تاله كتابا آخر بعنوان " الزواج البدائي
"Primitivemariageعام ,1865و عرض حقائق استقاها عن طريق رحلته ,إلى مناطق كثيرة
من العالم ,ليبرهن أن عادة وأد البنات كانت منتشرة بين الشعوب المتوحشة ,و أدى هذا إلى بروز
ظاهرة ,خطف البنات ,من اجل الزواج ,و من ثم ظهر نوعان من الزواج:
برز فوستيل دي كوالنج Fustel de Coulangeو نشر كتابا بعنوان " المدينة العتيقة La
من أبرزهم لويس هنري مورجانLewisHenri Morganحيث قام بدراسة حقلية عن
قبائل الهنود الحمر ,في أمريكا الشمالية ,من كتبه " :أنساق روابط الدم و المصاهرة في
العائلة البدائية "عام .1871
أشهرهم باخوفن It.Bachofenو من أهم كتبه " حق األم " نشره عام ,1861تناول فيه
تطورها.
بإسهاب ,نظام العائلة األمومية ,نشأتها و خواصها و ّ
االنتقادات الموجهة إلى أنثروبولوجيا القرن :19
تعرض علماء أنثروبولوجيا القرن ,19إلى انتقادات شديدة ,نذكر من أهمها التالي:
ّ -4
-لم تكن مؤلفاتهم نابعة من تخصصاتهم ,حيث كانت المحاماة ,هي العمل األصلي ,لكل من -5
مورجان و باخوفن و ماكلينان ,أما فوستيل دي كوالنجفقد كان مؤرخا للعصور القديمة,
والوسطى ,و كان تايلور متخصصا في دراسة اللغات.
-تميل دراساتهم إلى السرد و الوصف ,و االصطباغ بصبغة أدبية خالصة ,و ال يهتمون بالتحليل -6
المنهجي ,إال في النزر القليل.
-كانت دراساتهم تنزع نحو التأريخية ,فانشغلوا بمسألة األصول ,Originsو إثارة المناقشات -7
النظرية ,و التأمالت الظنية ,حول أصل النظم االجتماعية ,كما اهتموا بأصل الطوطمية* ,و نشأة
الدين ,و أصل الزواج الخارجي.
و بما أن الدراسة الميدانية ,هي احد األركان األساسية لألنثروبولوجيا ,فإنه ال يمكن اعتبار
القرن ,19فترة نضوج األنثروبولوجيا ,و استكمال عناصرها ,إنما فترة نشأتها(.)31
بلغت األنثروبولوجيا مطلع القرن 20 ,مرحلة التخصص ,و تميزت هذه المرحلة ,بمظاهر
يلي)32(: متعددة ,نوجزها فيما
-وقع الفصل بين األنثروبولوجيا و األثنولوجيا ,مع تراجع الدراسات الميدانية أو الحقلية Fieldstudy
-2المرجع السابق
-3علي فهمي خشيم ,نصوص ليبية ,دار مكتبة الفكر -طرابلس ,1967 ,ص 87
-4حسين فهيم ،قصة األنثروبولوجيا -فصول في تاريخ علم اإلنسان ،سلسلة عالم المعرفة العدد (,)98
المجلس الوطني للثقافة و الفنون واآلداب -الكويت ,1986 ,ص 46
* -األبيقورية :نسبة إلى أبيقور ( 270-341ق.م) فيلسوف أثيني ,أسس مدرسة فلسفية عام
306ق.م ,في حديقته الشهيرة ,وكان يستقبل تالمذته فيها ,حتى توفي .ترتكز الفلسفة األبيقورية على
حدس مؤسس و هو اللذة هي الغاية ,و القيمة هي الخير األعلى .و األبيقورية هي قبل كل شيء ,فن
للعيش ,و رغبة في الحفاظ على اكبر قدر ممكن ,على الرضى في عالم متوتر .من أهم أعمال أبيقور
نذكر :رسالة إلى هيرودتس (فيزياء) ,رسالة إلى بيتوكلس ( Pythoclesعلم الظواهر الجوية) ,رسالة إلى
,Meneceeوأربعون حكمة رئيسية.
شروخ ,مدخل في علم االجتماع ,دار العلوم للنشر و التوزيع-عنابة ,2005 ,ص 51
-5صالح الدين ّ
-6المرجع نفسه ,ص 47
-7حسين عبد الحميد احمد رشوان ,األنثروبولوجيا في المجالين النظري و التطبيقي ,دار المعرفة
الجامعية -اإلسكندرية ,ط , 2009 ,2ص 7
-10محمد مؤنس ,الحضارة – دراسة في أصول وعوامل قيامها وتدهورها ,عدد كانون الثاني ,عالم
المعرفة -الكويت ,1978,ص 43
الطاوية :Taoïsmو المحور الثاني الهام للفكر االجتماعي الصيني القديم ,بنته الطاوية ,و هي قائمة على
وجوب طلب الطاو ,أي الوسط بين المكونين االثنين للعالم و هما ألين أي األنثى ,و اليانج أي الذكر ,و
ترى الطاوية بأن الطبيعة البشرية ليست حسنة ,و ال هي بالسيئة أصال ,و بالتالي فإن االستقامة ليست إال
عادة تكتسب بتكرار السلوك الحسن.
الماوتسية :و هي العقيدة الصينية الثالثة ,و كانت معاصرة الكونفشيوسية ,و قبلت بمبدأ الجاذبية فيها,
ولكنها أنكرت التدرج في الجاذبية على أساس القرابة ,فالحب يجب أن يعم الجنس البشري كّله ,و قد آمنت
الماوتسية بوجود هللا ,فالدنيا محكومة حسبها بإرادة مدركة واعية لكائن أعلى ,و اعتبرت حب اإلنسانية
كلها واجبا دينيا ,و دعت إلى التقشف ,و أن اإلنسان يطلب اللذة عن طريق خدمة البشرية.
-14زكي محمد حسن ,الرحالة المسلمون في العصور الوسطى ,كلمات للنشر و التوزيع -القاهرة
,2013,ص 57
-15المرجع نفسه
-16المرجع نفسه
-19المرجع نفسه
-22المرجع نفسه
- 24المرجع نفسه
*جامعة اوكسفورد Oxfordتأسست عام 1180م ,و تعد من أعرق الجامعات في بريطانيا ,و كذلك في
أوروبا.
*-الطوطم :Totemتطلق كلمة "طوطم" التي تنسب إليها "الطوطمية "Totemismعلى كل أصل
حيواني أو نباتي ,تتخذه عشيرة ما رم از لها ,و لقبا لجميع أفرادها ,و تعتقد أنها تؤلف معه وحدة
اجتماعية ,و تنزله وتنزل األمور التي ترمز إليه ,منزلة التقديس.
-31يحي مرسي عيد بدر ,أصول علم اإلنسان -الجزء األول ,دار المعرفة الجامعية -اإلسكندرية,
,2007ص.223
تهتم األنثروبولوجيا بدراسة اإلنسان ,من مختلف جوانبه ,الفيزيقية و االجتماعية و الثقافية ,سواء في
الماضي البعيد ,أو الوقت الحاضر ,و ضمن مختلف البيئات ,التي يتواجد فيها(االجتماعية ,الطبيعية ,)..وفي
كل بقاع العالم ,و بالتالي فإن هذا العلم ,يتشارك و علوم إنسانية ,و أخرى طبيعية ,في دراسة اإلنسان ,و من
ثم فهو يفيد ويستفيد منها ,بل و يرتبط معها ,و يتداخل و ّإياها ,تداخال قويا.
فاألنثروبولوجيا تستفيد من معطيات العلوم األخرى ,سواء على مستوى النظري أو المنهجي ,أو حتى
على مستوى النتائج المتوصل إليها ,ضمن كل من هذه العلوم ,و العكس صحيح .و من هذا المنطلق ,سوف
نستعرض سويا ,بعضا من مجمل العلوم ,التي تفيد و تستفيد منها األنثروبولوجيا ,أو لنقل أهم العلوم ,التي
ترتبط و تتكامل و الدراسة األنثروبولوجية ,و التي يمكن التعبير عنها كذلك ,بأنها تلك العلوم ,التي ال تستغني
عنها األنثروبولوجيا ,في تجميع مادتها األولية.
لكي تحقق األنثروبولوجيا أهدافها كعلم ,فيما يتعّلق بالدراسة ألصل اإلنسان الطبيعي ,فإنها تستعين
بعلوم البيولوجياBiologyأوعلم األحياء و هو علم طبيعي ُيعنى بدراسة الحياة والكائنات الحية ,بما في ذلك
هياكلها ووظائفها ,ونموها وتطورها وتوزيعها وتصنيفها( ,)1و التشريح Anatomyوهو فرع منفروع علم
األحياء المعني بدراسة بنية الكائنات الحية وأجزائها( .)2األمر الذي أدى إلى تسمية األنثروبولوجيا الفيزيقية,
باسم البيولوجيا النسانية Human biologyأي أنها الدراسة البيولوجية لإلنسان وحده ,دون سائر الكائنات
Comparative الحية األخرى .كما تستعين األنثروبولوجيا الفيزيقية ,بدراسات علم التشريح المقارن
, anatomyلعقد المقارنات بين مختلف أجناس البشر ,قصد محاولة إعادة تركيب التاريخ الطبيعي ,للجنس
البشري برمته.
تطور األسس
التطور اإلنساني ,خصوصا ّّ إن األنثروبولوجيون يتناولون في دراستهم لإلنسان ,عملية
البيولوجية للسلوك الثقافي ,و هذا جعلهم ينهلون من نتائج علم البيولوجيا في هذا الصدد .و من ناحية أخرى,
التطور
ّ التطور البيولوجي ,و
ّ يمكن القول أن بداية األنثروبولوجيا المتخصصة ,ترجع إلى المماثلة بين
الثقافي .كما استعارت األنثروبولوجيا التركيز التاريخ الطبيعي المبكر ,على النزعة المبيريقية ,Empiricism
تغير النظريات العلمية المختلفة ,و النظرة الكلية ,Holismو ال تزان .Homeostasis
و مع ّ
أما "علم وظائف األعضاء أو الفسيولوجيا" (باإلنجليزية )physiologyوهو علم دراسة وظائف
األعضاء ,واألجهزة الحيوية ,ويتضمن ذلك كيف تقوم األجهزة العضوية ,والخاليا ,والجزيئات الحيوية,
بالعمليات الكيميائية ,والفيزيائية في الكائنات الحية( ,)3فقد استفادت األنثروبولوجيا منه ,في دراسةالنظم
االجتماعية ,و كيفية أدائها وظائفها.
هذا ,و قد اهتم البيولوجيون األوائل ,بتصنيف اإلنسان إلى سالالت ,غير أن خالفات حادة وقعت
بينهم ,و بين علماءاألنثروبولوجيا الفيزيقية ,على مدى فترة طويلة من الزمن ,بخصوص عدد السالالت ,التي
كانت موجودة ,و من ثم ابتكر األنثروبولوجيون الفيزيقيون ,عددا من المعايير المورفولوجية ,لتصنيف اإلنسان
العاقل ,إلى عدة أنواع ساللية .و من خالل هذه المعايير ,تم تطوير بعض فروع االنثروبولوجيا الفيزيقية,
مثل :علم قياس الجسم البشري Anthropometryو هو قائم على قياسات خاصة بالجمجمة ,وبعض
العظام األخرى كالفخذ ,..و كذلك علم الفحوص البشرية .)4(Anthroposcopy
تتداخل اهتمامات األطباء و األنثروبولوجيين ,بل و يتفقان في كون الصحة و المرض ,ال يرتبطان
بالعوامل البيولوجية فقط ,و لكن بالمصادر الثقافية للبشر ,و كذلك بالسلوك االجتماعي ,الذي يستفيد من هذه
المصادر .و خالل مرحلة تداخل اهتمامات األطباء و األنثروبولوجيين ,كان االهتمام الرئيسي لألطباء,
يتصل بطرق تأثير السلوك البشري ,على قضية الحفاظ على الصحة ,و مدى اإلصابة بالمرض ,و السيطرة
عليه ,كما شارك األنثروبولوجيون في العديد من البحوث ,المتصلة بهذه المشكالت .و ترتب على هذه
األ نثروبولوجيا يسمى جديد, علمي فرع نشأة واألنثروبولوجيا, الطب بين العالقة,
تعرف األنثروبولوجيا الطبية بأنها ":دراسة كلية مقارنة للثقافة ,و مدى
الطبية.Medicalanthropologyو ّ
تأثيرها على المرض و الرعاية الصحية"(.)5
و قد نشأ هذا الفرع وتبلور ,انطالقا من اإليمان -بعد وجود العديد من المؤشرات و الدالالت -بأن
سبب حدوث المرض ,ال يرتبط فقط بالعامل البيولوجي ,و لكن العوامل اإلجتماعية و الثقافية ,تلعب هي
األخرى دو ار بالغ األهمية ,في مدى اإلصابة باألمراض ,و مدى فعالية العالج ,خاصة إذا كانت العادات
تشكل عائقا أمام استفادة األفراد ,من البرامج الطبية المقدمة .علما أن
والتقاليد ,و النظم االجتماعية عموماّ ,
األنثروبولوجيا الطبية قد ازدهرت ,فيما بعد الحرب العالمية الثانية ,حيث برزت دراسات تناولت وصف
المفاهيم األسطورية ,و المعتقدات المرتبطة بالمرض و الممارسات الصحية ,في المجتمعات البسيطة.
فشكلتهذه الدراسات,محاور أساسية ,ضمن فرع األنثروبولوجيا الطبية ,نذكر من بينها:دراسة كل من
ّ
ريفرز Riversعام ,1924كلمنتس Clementsعام ,1932ايفانز بريتشارد PritchardEvansعام
,1937و جيلينGillinعام .)6(1948
ومن بين مجاالت البحث في األنثروبولوجيا الطبية نجد موضوع التغذية ,Nutritionفاألنثروبولوجيون
ينظرون إلى الغذاء و تناوله ,على انه احد المقوالت الثقافية الهامة ,و ما يترتب عن ذلك من نتائج
سيكولوجية ,و اجتماعية ,وصحية .كما يهتمون بالربط بين المعتقدات والممارسات المتعلقة بالغذاء ,و
المؤسسات االجتماعية األخرى ,و يرون انه من الصعوبة بمكان ,فهم األنساق الطبية ,و المستويات الصحية,
باإلشارة إلى الغذاء فحسب.
يعرف علم اإلجتماع بأنه " :العلم الذي يدرس النماذج االجتماعية ,أو النظم االجتماعية ,و معظم ّ
علماء االجتماع البريطانيون ,األمريكيون يأخذون بهذا التعريف ,أما الفرنسيون وااليطاليون ,فإنهم يميلون إلى
تعريفه بأنه علم دراسة الوقائع الجتماعية ,Faits sociauxأو الظواهر الجتماعيةPhénomènes sociaux
يعرفونه بأنه دراسة العالقات االجتماعية مثل ديبريل ,أو البناء اإلجتماعي مثل عدد
و ثمة قلة من العلماءّ ,
كبير من العلماء األلمان ,و على رأسهم فون فيز ,و بعضهم ّ
يعرفه بأنه دراسة العمليات اإلجتماعية .والواقع
أن كل هذه التعريفات ,ال تعارض بينها ,ألنها جميعا تدرس الحقيقة اإلجتماعية من زوايا مختلفة(.)7
و قد أطلق اوغيست كونتA. Compteعلى دراسات المجتمع أوال ,اصطالح " الفيزيقا اإلجتماعية",
مستعي ار إياه من سان سيمون ,و كأنه أراد أن تدرس الظواهر اإلجتماعية ,على النحو الذي تدرس به الظواهر
الطبيعية ,ثم احل محلها اصطالح " سوسيولوجيا" ,و هو مركب من أصلين احدهما التيني Socioو يعني
تجمع ,و اآلخر يوناني Logosو يعني علم أو دراسة ,و من ثم يركب األصلين معا ,فتصبح مجتمع أو ّ
التسمية علم المجتمع أو علم اإلجتماع ,و األخيرة من عرفت انتشا ار و استخداما واسعين(.)8
و الحق ,أن عبد الرحمن بن محمد بن خلدون( )1332-1406كان أول من أشار بإنشاء "علم
كرس له كل مقدمته .و علم العمران هو علم اإلجتماع ,الذي بحث المؤلف في أبوابه الستة,العمران" الذي ّ
معظم فروع علم اإلجتماع ,و ذلك قبل إنشاء أوغيست كونت لعلم اإلجتماع بخمسة قرون(.)9
و مما تقدم نجد أن ثمة تداخل كبير ,بين علم اإلجتماع و األنثروبولوجيا ,بل يعتبر علم اإلجتماع,
اقرب الفروع العلمية إلى األنثروبولوجيا اإلجتماعية ,خاصة من حيث الموضوعات ,التي يتناولها الفرعين
بالدراسة ,و ذلك من خالل ما يلي:
-1كالهما يدرس البناء اإلجتماعي ,و الوظائف اإلجتماعية ,مما دعا راد كليف براون إلى القول
بأن األنثروبولوجيا اإلجتماعية ,فرع من فروع علم اإلجتماع المقارن.
-2األنثروبولوجيا تدرس الممارسات و الظواهر االجتماعية ,في كل المجتمعات القديمة و المعاصرة,
المتخلفة والمتقدمة ,و تتعرض إلى كثير من الموضوعات ,التي تشكل بؤرة اهتمام لدى علماء
اإلجتماع ,مثل :مشكالت المجتمع الصناعي ,الهجرة ,مشكالت التنمية اإلجتماعية ,التربية,
اإلنحراف.
-1مجال البحث :تركز األنثروبولوجيا على دراسة اإلنسان ,من حيث ثقافته ,نظمه اإلجتماعية ,في
المجتمعات البدائية و البسيطة .أما علم اإلجتماع ,فانه يهتم بدراسة المجتمعات المتحضرة,
والصناعية الكبرى.
-2األنثروبولوجيا تدرس المجتمع ككل ,إذ تدرس البيئة العامة أو االيكولوجيا ,النظم اإلقتصادية
والقانونية ,كما تدرس العائلة و نظم القرابة ,الدين ,العادات ,الفن ,التكنولوجيا ,..على أنها أجزاء
من نسق اجتماعي عام .حتى و إن درس األنثروبولوجي ,ظواهر معينة ,فإنه يدرسها من ناحية
ارتباطها ,بالبناء اإلجتماعي الكلي ,أو الثقافة الكلية .أما علم اإلجتماع فان دراسته ,تكون
متخصصة إلى حد كبير ,إذ يقتصر على دراسة ظواهر محددة ,أو مشكالت معينة ,في
المجتمعاتالصناعية المتحضرة ,كما يهتم بدراسة مشكالت اجتماعية ,قائمة بذاتها ,مثل:
مشكالت األسرة ,الطالق ,الجريمة ,البطالة..الخ.
-3من حيث المنهج :األنثروبولوجي يدرس المجتمعات ,دراسة مباشرة ,أي يعيش فيها لفترة زمنية
معينة (شهور أو سنوات) ,حيث يعتمد على المالحظة المباشرة ,و التي تكون بالمشاركة ,أو قد
يستعين بالمخبرين ,الذين يزودونه بالمعلومات أو التفسيرات ,التي يعجز عن إدراكها ,كما يتوجب
عليه أن يلم بلغة المجتمع الذي يدرسه ,لتسهيل عملية االتصال بينه ,و بين أفراده .بينما يعتمد
عالم اإلجتماع ,على الوثائق ,اإلحصائيات ,االستبيانات ,..فاالتجاه الكمي ,يعتبر خاصة مميزة,
للبحوث السوسيولوجية ,أما االتجاه الكيفي ,يعتبر احد الخصائص المميزة ,للبحوث و التحليالت
األنثروبولوجية.
و مع ذلك ,فاالعتماد متبادل بين العلمين ,إذ يقدم علماء األنثروبولوجيا ,مشاهداتهم و مالحظاتهم,
لعلماء اإلجتماع ,الذين يستفيدون منها ,في صياغة نظرياتهم .كما يستفيد علماء األنثروبولوجيا من النظريات
السوسيولوجية ,في فهم بعض الظواهر اإلجتماعية ,و الممارسات الثقافية ,خارج نطاق المجتمعات البدائية,
والبسيطة.
يتكون مصطلح علم النفس (سيكولوجيا) من مقطعين يونانيين هما Psychو تعني نفس ,و Logos
ّ
و تعني علم ,استخدمه ألول مرة ميالنشتون Melanchthonفي محاضراته عام ,1550ثم ظهر مطبوعا
في كتابات ,Gochenو في عامي 1732و 1734نشر ولف Wolffكتابيه علم النفس
التجريبي Psychologia Empiricaو علم النفس العقلي ,Psychologia Rationalisثم انتشر استخدام هذا
المصطلح على يدي الفالسفة أمثال مين دي بيران Main de Brainو أتباعه الذين اعتبروه جزءا من دراسة
الفلسفة(.)10
إن علم النفس هو تخصص علمي ,يعنى بدراسة الجانب النفسي ,أو النفساني لإلنسان .يبحث في
مجال سلوك اإلنسان ,دوافعه الداخلية ,انفعاالته و ميوله الفردية ,تفكيره ,إحساسه ,إدراكه ,و ذكاءه ,و بمعنى
يعرف علم النفس بأنه " :العلم الذي يهتم بدراسة العقل البشري,
آخر دراسة العقل و الشخصية الفردية .و ّ
والطبيعة البشرية ,و السلوك الناتج عنهما ,و هذا يعني انه العلم الذي يدرس سلوك اإلنسان ,بهدف فهمه
وتفسيره" .كما تهتم الدراسات النفسية ,بالخصائص الجسمية الموروثة ,و تحديد عالقاتها بالعوامل السلوكية
لدى الفرد ,السيما تلك العالقة بين الصفات الجسمية العامة ,و سمات الشخصية ,مع األخذ في الحسبان,
العوامل البيئية المحيطة ,بهذه الشخصية.
كذلك ,يهتم علم النفس بدراسة األمراض ,و المشكالت النفسية ,مثل العقد النفسية ,المترتبة عن
الحرمان ,حاالت الكبت و التعويض ,العدوان,..إلى جانب اهتمامه باألم ارض العصبية أو العقلية ,المترتبة
عن حالة نفسية معينة .و على ذلك ,يختلف علم النفس عن األنثروبولوجيا ,فعلم النفس يقصر دراسته على
الفرد ,بينما تركز األنثروبولوجيا اهتمامها ,على المجموعة ,و على كل فرد كعضو في تلك المجموعة.
و مع ذلك هناك صلة وثيقة ,بين علم النفس و األنثروبولوجيا ,فقد صدرت بعض الدراسات المتعلقة
بعلم النفس االجتماعي Social psychologyكشفت أن اإلنسان ال يعيش إال وسط بيئة اجتماعية ,يؤثر
ويتأثر بها ,و اهتم الكثير منهم بموضوع تفاعل الفرد مع بيئته ,أو التفاعل بين فردين أو أكثر ,و كذلك دراسة
العالقات بين الجماعات .علما أن دراسة علم النفس تنصب على موضوعات :المحاكاة و التقليد ,الميول,
الغريزة التجمع ,الذوق العام ,القيادة..الخ ,و كذلك دراسة االتجاهات.
و يتميز اليابانيون بالطاعة و الثقة بالنفس..الخ( ,)11إن هذه الفروق ,و إن كانت ّ
تقرها المالحظة المباشرة,
والمنطق السليم ,الختالف هذه المجتمعات من حيث اللغة ,الدين ,القيم ,أساليب التنشئة االجتماعية ,..إال
أنها ال تعدو أن تظل مالحظات غير منظمة ,خارجة عن نطاق البحث العلمي الدقيق.
و من أمثلة ذلك ,ما ظهر من محاوالت لبعض المفكرين األوروبيين ,نذكر منهم مونتسكيو
Montesquieuفي كتابه "روح القوانين" ,و دو توكفيل De Tocquevilleفي كتابيه " النظام القديم و الثورة "
و" الديمقراطية في أمريكا " ,اللذين أبديا اهتمامات خاصة ,بتبيين الفروق الموجودة في الطباع و السمات
القومية بين المجتمعات و األمم .و يرجع الفضل في وضع األسس العلمية و المنهجية ,لدراسة الثقافة
والشخصية ,للعالمتين األنثروبولوجيتين األمريكيتين روث بنيديكت R.Benedictالتي تعتبر رائدة األبحاث
العلمية في هذا المجال ,و تعقبها في الترتيب العالمة مارغريت ميد M.Meadالتي خطت بالثقافة والشخصية,
خطوات إلى األمام ,و عمقتها بفضل الدراسات التي قامت بها في العديد من المجتمعات.
و من المميزات المنهجية لهذا الفرع العلمي ,انه يتوفر على العديد من المناهج و الطرق العلمية,
لكون موضوعه يجمع بين علم النفس و األنثروبولوجيا ,و بالتالي يستعين الباحث األنثروبولوجي بمناهج
البحث في كال البحثين ,و من أهم هذه المناهج العلمية المطبقة في دراسة الثقافة و الشخصية نذكر :طريقة
مالحظة السلوك ,دراسة سير الحياة ,تفسير األحالم ,االختبارات اإلسقاطية ,دراسة األدب الشعبي(.)12
و إذا كان علم النفس يهتم بدراسة الشخصية ,فإن األنثروبولوجيا النفسية ,تركز دراستها على العالقة
بين الثقافة و الشخصية ,حيث يؤدي فهم المتغيرات السيكولوجية ,إلى فهم المتغيرات السوسيوثقافية ,و قد اخذ
االهتمام بهذا الفرع يتزايد ,بعد تركيز األنثروبولوجيين ,على دراسة عمليات التغير الثقافي ,في المجتمعات
البدائية و النامية ,و الحظوا أن الفهم الدقيق لظاهرة " التكامل الثقافي " و عمليات " التغير الثقافي " يتطلب
الرجوع إلى علم النفس .و ألن األنساق الثقافية ليست واحدة لدى المجتمعات و الجماعات االجتماعية ,فان
األنثروبولوجيا النفسية تدرس الخصائص العقلية و السيكولوجية السائدة في مختلف األنماط الثقافية .غير أن
بعض العلماء األمريكيين ,قاموا باستغالل بعض نتائج دراستهم ضمن هذا الفرع ,في إثبات النزعة العنصرية,
حيث طبقوا اختبا ار للذكاء ,على مجموعة من األطفال الزنوج و البيض ,و أكدوا بعد المقارنة بينهم ,أن
األطفال البيض ,هم األذكى من الزنوج .لكن التجارب التي قام بها العالم األمريكي جارت ,قد بينت أن الفروق
في الذكاء ,ترتبط بعامل البيئة التربوية ,ال الوراثية .و عن طريق هذه التجارب في علم النفس ,حاول
األنثروبولوجيون تحديد الفروق الوراثية ,بين السالالت ,ومعرفة ما يرجع منها إلى البيئة االجتماعية.
و يمكن القول أن البدايات األولى لألنثروبولوجيا النفسية ,تمتد إلى المعالجة التي أتى بها المفكر
الفرنسي ليفي برولLevey Brulو تحليله للعقلية البدائية ,عن طريق التطور و النمو السيكولوجي لإلنسان ,و
هي العقلية التي تميزت بخصائصها و سماتها الفكرية السابقة عن المنطق .prélogique
دونه,
من الناحية اللغوية ,نجد أن التاريخ مشتق من الفعل الماضي "أرخ" و أرخ الشيء يعني كتبه و ّ
و هذا يعني أن التاريخ لغويا مرتبط بالتأريخ .أما من الناحية االصطالحية ,فإن التاريخ هو "عبارة عن سجل
للخبرات السابقة المتعلقة بموضوع معين ,أو بمشكلة معينة ,في كافة ميادين الحياة ,من اجل فهمها فهما جيدا
حاضرا ,و التنبؤ لما ستؤول عليه مستقبال"(.)13
وتدل كلمة تاريخ على معان متعددة ,منها :تعريف الوقت ,أو ذكر األخبار الخاصة بمجتمع أوجيل,
و كيفما كان فإن مفردة تاريخ تدل بصفة عامة ,على العلم الذي يسعى إلى إنقاذ الحقائق الماضية ,من
النسيان .فهو يسعى إلى دراسة تطور الماضي للمجتمعات اإلنسانية ,و ترابط األحداث التاريخية ,واألسباب
والدوافع التي أدت إلى حدوثها ,و هو يمثل تجارب الماضي ,خاصة خالل المرحلة التي كانت فيها السجالت
المكتوبة متيسرة.
و في ذات السياق ,ندرج ما جاء على لسان العالمة عبد الرحمن ابن خلدون ,حول أهمية االستعانة
بالتاريخ ,قوله " :إن فن التاريخ فن عزيز المذهب ,جم الفوائد ,شريف الغاية ,إذ هو يوقفنا على أحوال
الماضين من األمم ,في أخالقهم و األنبياء في سيرهم و الملوك في دولهم و سياستهم ,حتى تعم فائدة
االقتداء في ذلك ,لما يرونه في أحوال الدين و الدنيا ,فهو(أي المؤرخ) محتاج إلى معارف متنوعة ,و حسن
نظر ,و تثبت يفضيان إلى الحق ,و ينكبان عن المزالت و المغالط ,ألن األخبار إذا اعتمد فيها على مجرد
النقل ,لم يؤمن مزلة القدم ,و التاريخ في ظاهره ,ال يزيد عن أخبار األيام و الدول و السوابق ,من القرون
األولى ,و في باطنه (أي التاريخ) نظر و تحقيق و تحليل ,و علم بكيفيات الوقائع و أسبابها"(.)14
و التاريخ بذلك ليس علما تجريبيا ,لما يوجد من فروق واضحة ,تفصل بينه و بين العلوم التجريبية,
فالتاريخ بمعناه الخاص ,ال يدرس سوى " أفعال األفراد و تجاربهم ,في الماضي و ما يترتب عليها ,من آثار
نفسية ,و حضارية ,و مادية"( . )15و من ثم فهو ليس علم تجربة و اختبار ,و إنما هو علم نقد و تحقيق,
يستند إلى الوثائق ,التي يفحصها المؤرخ فحصا دقيقا ,و يحكم عليها حكما احتماليا .إذ يميز المؤرخ بين
الحسن و القبيح ,و يحكم على الوقائع باعتبارها وقائع حسنة أم سيئة ,مما يسمح باالتجاه الذاتي ,و التعبير
عن الموضوعات ,من وجهة نظره الشخصية ,و هو ما يتنافى و خصائص البحث العلمي ,الذي يقتضي
الموضوعية ,و هو ما جعل البعض (اإلبستيمولوجيين) يرون أن التاريخ ليس جدي ار بأن يكون علما ,و يرون
كذلك أن المؤرخ ,ال يالحظ الظواهر التي يدرسها بشكل مباشر ,و يعتمد عادة ,على ما ينقله من اآلخرين,
أو اعتماده على بعض الوثائق و التراجم ,التي يكتبها بعض األفراد ,الذين عايشوا الحدث أو سمعوا عنه.
وهنا نجد أنه من البديهي أن يحذر الباحثون ,من مثل هذه الطرق ,و أن يشكوا فيها ,ألن كثي ار من األفراد,
يعمدون إلى تشويه الحقائق حال نقلها ,و هو ما سبقت اإلشارة إليه في قول بن خلدون.
-1-5المنهج التاريخي:
و من بين العلوم التي تساعد المؤرخ في أداء عمله :علم قراءة الكتابات القديمة ,علم المسكوكات*
القديمة ,علم البناءات اللغوية ,علم تنظيم المراجع ,..أما عن عالقة التاريخ باألنثروبولوجيا ,فقد ظهرت
كتابات عديدة ,تبين أن العلمين يشتركان في الكثير من النقاط ,و يلتقيان في أكثر من موقع ,سواء من حيث
المنهج أو من حيث الهدف .يمكن تحديدها فيما يلي:
عرفه آدم سميث A. Smithبأنه " :علم الثروة و أسبابها ,و ميدانه يقتصر على دراسة طبيعة ثروة
ّ
األمم ,و أسبابها و مظاهرها الخارجية" .ربط سميث اإلقتصاد بالثروة ,و كأن األخيرة حسبه ,تمثل الموضوع
الرئيسي له ,دون التطرق إلى عملياته.
عرفه بيرو Biruبأنه " :العلم الذي يبحث في مبادلة األشياء بين األفراد ,و الذي بمقتضاه يتنازل
ّ
فرد عما في حوزته لفرد آخر ,مقابل حصوله على ما في حوزة اآلخر من سلعة أخرى" .و هنا إشارة إلى
رغبة اإلنسان ,في إشباع حاجته من ثروة ,أو مادة ما ,عن طريق التبادل (المقايضة) ,وهي تمثل أولى طرق
االستفادة من الموارد الطبيعية بين الجماعات االجتماعية ,التي عرفتها قديما ,غير أن بيرو لم يبرز طريقة
التعامل النقدية بين البشر ,رغم أهميتها فيما بعد التبادل ,بل حددها أساسا في عملية المقايضة بين األفراد.
عرف علم
أما رايموند فيرث R.Firthالعالم الشهير في اقتصاديات المجتمعات الصغيرة ,فقد ّ
اإل قتصاد بأنه ":العلم الذي يهتم بالمصادر و تحديدها ,و استخداماتها و التنظيم ,و عالقة ذلك باحتياجات
اإلنسان" .يقترب تعريف فيرث إلى حد كبير ,و تعريف سميث ,حيث تمثل المصادر أو الثروات الموضوع
الرئيسي لعلم اإل قتصاد ,و نجد من المهم أن تدرج العمليات االقتصادية ,مثل :البيع /الشراء ,و اإلنتاج /
االستهالك ,..ضمن تعريف علم اإلقتصاد ,ألنها تمثل هي األخرى أهم موضوعاته ,و بخاصة بعد التطور
الكبير الذي شهدته المجتمعات في استغالل الطاقة ,و طرق االستفادة منها ,و ما تجره من مداخيل قومية.
ويندرج كل ذلك ضمن ما يعرف بالنشاط اإلقتصادي.
والنشاط اإلقتصادي ,هو احد مظاهر التنظيم االجتماعي ,الذي ال يخلو منه مجتمع من المجتمعات,
وهو لذلك يعتبر نشاطا اجتماعيا بطبيعته ,فاإلنسان يحتاج إلى آالت متنوعة ,في عمله ,قد ال يمكنه إنتاجها
بنفسه ,حتى في المراحل األولى في المجتمعات اإلنسانية ,و كذلك الشأن إذا كان مستهلكا ,ألن الفرد يستهلك
أشياء من إنتاج غيره ,و اإلنسان في المجتمعات المعاصرة ,ال ينتج ما يستهلكه ,و ال يستهلك كل ما ينتجه,
و إنما يستبدل عمال و مجهودا بعمل اآلخرين ,فتنشأ بذلك عالقات متعددة ,تنظمها قواعد و قوانين و نظم,
تشرف على تنظيمها السلطة المركزية في الدولة ,و لذاك تختلف المجتمعات البشرية ,في نظمها اإلقتصادية
و التشريعية و السياسية ,بل إن هذه النظم تختلف في المجتمع الواحد ,باختالف العصور ,وفقا للتطور
االجتماعي العام ,الذي يط أر على المجتمع.
وقد أكدت الدراسات ,الترابط القوي بين النظم االقتصادية ,و باقي النظم االجتماعية ,في المجتمعات
البدائية ,وعلى ذلك ظهرت األنثروبولوجيا االقتصادية ,و هي فرع من فروع األنثروبولوجيا العامة ,ذات تاريخ
طويل ,و مع ذلك فالمصطلح حديث نسبيا ,و يختص هذا الفرع بدراسة النظم االقتصادية ,في المجتمعات
البدائية ,و الزراعية .تهتم األنثروبولوجيا االقتصادية بالدراسة المقارنة لألنساق االقتصادية ,و التي تتدرج من
المجتمعات المحلية المنعزلة و البدائية ,من حيث التكنولوجيا ,إلى تلك القروية ,المتأثرة بالتصنيع .و رأى
بعض األنثروبولوجيون ,إمكانية تحويل كل المبادالت السوسيو-اقتصادية (الجوانب االجتماعية واإلقتصادية),
لتصبح موضعا لتحليالت اقتصادية .كتلك الدراسات التي أنجزت عام 1960م ,و التي اعتبرت مهر
العروس Birde weelthثمن يدفع مقابل الخدمات الجنسية و المنزلية.
هذا ,و يعتبر المدخل االقتصادي ,مدخال ممتا از لدراسة البناء االنقسامي ,داخل نسق البدنات ,و ذلك
ألن العالقات اإل قتصادية ,التي تقوم بين الوحدات القرابية و اإلقليمية ,تلعب دو ار هاما ,وواضحا ,في تحقيق
وحدة و تضامن و تماسك ,هذه الوحدات االجتماعية ,فإشباع حاجاتهم االقتصادية ,يتوقف على مدى
تعاونهم ,مع الوحدات األخرى المماثلة.
لم يتمكن الجغرافيون حتى اآلن ,من صياغة تعريف شامل ,و محدد لعلم الجغرافيا ,و مرد ذلك إلى
الطبيعة المركبة لهذا العلم ,بل و المعقدة من جهة ,و الختالف المراحل و المذاهب المتعددة ,التي بحثت في
هذا الميدان من جهة ثانية .و لعل أقدم تعريف للجغرافيا ,قد اشتق من المعنى الحرفي للمصطلح اليوناني
المركب من Geoو تعني األرض ,و Grapheinو تعني وصف ,و عليه فإن اصطالح جغرافيا يعني
وصف األرض ,أو وصف سطح القشرة األرضية(.)18
تعرف الجغرافيا بأنها " دراسة علمية وصفية ,توضح ما اشتملت عليه األرض من نبات وحيوان ,و ما
ّ
استحدثه اإلنسان فيها من مدن و عمران ,و هي متعددة المجاالت ,فإن اقتصرت على الطبيعة كانت جغرافيا
طبيعية ,و إن انصبت على الظواهر الكونية كانت جغرافيا فلكية ,و إن عنيت بسالالت اإلنسان و خصائصه
كانت جغرافيا بشرية "( ,)19و لذلك هي وثيقة الصلة بدراسات كثيرة من بينها األنثروبولوجيا.
و لعل أهم االتجاهات النظرية ,التي برزت في القرن ,19و أثرت على التوجه الفكري للجغرافيين
واألنثروبولوجيين في آن معا ,في تفسير العالقة بين اإلنسان والبيئة الطبيعية" ,الحتمية الجغرافية" و يبدأ
المنهج الحتمي ,من األهمية المطلقة للمعطيات الطبيعية ,و تأثيرها على سلوك اإلنسان ,و نمط معيشته,
وأنواع تنظيماته االجتماعية .علما أن جذور الحتمية الجغرافية ضاربة في القدم ,فنجد كتابات هيبوقراط (
القرن الخامس ق.م) و أرسطو ( القرن الثالث ق.م) حيث وصفا األحوال االجتماعية ,لسكان األقاليم الجبلية
الباردة و الحارة ,عند اليونانيين و اإلثيوبيين.
أما ابرز الفالسفة المسلمون و العرب ,الذين اهتموا بدراسة العالقة بين المكان (البيئة) و جسم اإلنسان
و طبائعه ,العالمة ابن خلدون في مقدمته المشهورة ,التي أوضح فيها العالقة بين حوادث التاريخ والجغرافيا,
محددا العوامل الجغرافية ,التي تؤدي إلى قيام الحضارة ,و ارتقائها ,و تلك التي تؤدي إلى تدهورها .كما
تحدث عن اختالف أحوال العمران في الخصب و الجوع ,و ما ينشأ عن ذلك من آثار في أبدان البشر
وأخالقهم .و يقول في هذا الشأن " :إن األقاليم المعتدلة ليست كلها يوجد فيها الخصب ,و تجد الفاقدين
للحبوب من أهل القفار ,أحسن حاال في أجسادهم و أخالقهم ,من المنغمسين في العيش ,فألوانهم أصفى,
وأبدانهم أنقى ,و أشكالهم أحسن ,و أخالقهم ابعد عن االنحراف"(.)20
و في هذا السياق ندرج ما قاله الفيلسوف الفرنسي فيكتور كوزان " :Victor Cousinإذا حصلنا على
خريطة بلد معين أمكن تحديد :تضاريسه ,مناخه,مياهه ,رياحه ,منتجاته الطبيعية ,أنواع النباتات والحيوانات
التي تتواجد فيه ,و أمكن لنا أن نحدد بصفة أولية كيف يكون هذا المكان ,أو كيف يكون اإلنسان الذي يعيش
فيه ,و نستطيع أن نحدد حتى الدور الذي سوف يلعبه في التاريخ ,بالضرورة و ليس عن طريق الصدفة" .كما
يعرض بيرسنت العوامل الجغرافية األربعة التي تؤثر في الحياة ,و في المصادر الطبيعية في المجتمع .وهي:
()21
-حركة األرض و ما ينتج عنها ,من تعاقب الليل و النهار ,و الفصول األربعة ,و ما لكل ذلك من
أهمية في تحديد أنماط السلوك ,التي تصدر عن اإلنسان.
-مصادر المياه في األراضي الخصبة ,وحول المصادر الطبيعية للمياه ,تحدد كل منها مدى الجماعة
التي تعيش معها ,كما تحدد طبيعة اإلنتاج.
-للمناخ تأثير على مزاج األفراد و أخالقهم ( و هو ما يتطابق مع ما توصل إليه ابن خلدون ).
-مصادر الثروة الطبيعية ,تحدد القدرة اإلنتاجية ,للجماعة التي تعيش فيها.
و من ثم فإن عالم األنثروبولوجيا و على غرار علماء الجغرافيا ,يولي أهمية كبيرة لموضوعات البيئة
الطبيعية ,طبيعة األرض ,الموقع الجغرافي ,المناخ ,البحار ,األنهار ,الحيوانات ,النباتات في المنطقة موضوع
الدراسة .كونها تلعب دو ار هاما في تحديد نمط االقتصاد ,أماكن اإلقامة (التجمعات السكانية) ,أنواع المهن
السائدة .أشكال العالقات االجتماعية..الخ .فندرة األمطار أو قلتها ,تؤدي إلى قلة المحاصيل الزراعية ,والتي
قد تفضي إلى المجاعة ,التي تعمل على تشتت األفراد ,و ارتحالهم إلى مناطق جغرافية أخرى ,و بالتالي
تكوين عالقات اجتماعية جديدة ( حالة البدو الرحل) .علما أن العديد من الحروب ,التي وقعت بين البشر,
كانت الثروات الطبيعية أهم عواملها ,حتى بالنسبة للقبائل قديما ,كانت الصراعات و النزاعات بينها ,بسبب
الحصول على المياه ,من األنهار و اآلبار .و لذلك فإن الدراسات األنثروبولوجية ,تركز على العالقة بين
المجتمعات المحلية ,و البيئة الطبيعية ,و هي ما يطلق عليها "اليكولوجيا النسانية".
و مثلما تستفيد األنثروبولوجيا من الجغرافيا ,فإنها تستفيد أيضا من الدراسات الجيولوجية .و الجيولوجيا
الداخلية(الزالزل والعوامل الداخلي, وتركيبها األرض,تاريخها, بدراسة يهتم الذي هو"العلم
والبراكين)والخارجية(التعرية والتجوية) ,التي أثرت وال زالت تؤثر على سطح األرض ,وعالقتها باألجرام
السماوية .أما عن أصل كلمة جيولوجيا,فهي مشتقة من اللغة اليونانية ,حيث أن Geoتعني "أرض" ,و Logos
تعني علم وبذلك يعني مصطلح جيولوجيا علم األرضأوالراضة"( .)22و للجيولوجيا فروع عديدة ,منها:
جيولوجيا حيوية ,جيولوجيا فيزيائية ,علم الصخور ,علم البلورات ,جيولوجيا النفط...وغيرها.
تساعد الدراسات الجيولوجية التاريخية ,في تحديد الفترات الزمنية التي عاش فيها كلنوع من الجنس
البشري,لوجود البقايا العظمية ,على شكل بقايا مستحاثة حفرية ,بين ثنايا القشرة األرضية الرسوبية ,و
المنضدة
ّ
بعضها فوق بعض ,وفق خاصية النشوء والتقادم لكل منها ,بحيث يكون أسفلها أقدمها ,و أعالها أحدثها.
و بذلك ,يتمكن الباحث األنثروبولوجي ,من معرفة الفترة الزمنية ,التي عاش فيها ذلك اإلنسان الحفري,
إلى جانب معرفة العالم الحيواني اآلخر ,الذي كان يعاصره في بيئة جغرافية واحدة ,من خالل التعرف إلى
البقايا العظمية المستحاثية ,لألنواع الحيوانية (حيوان الماموتMammouthمثال) .كما يمكن التع ّرف إلى
الظروف المناخية التي كانت سائدة ,عندما كان يعيش هذا اإلنسان أو ذاك ,في تلك األزمنة السحيقة من
التاريخ البشري(.)23
مقيـــــاس زمنــــــي جيولوجــــــــــي
يتكون اصطالح فولكلور من مقطعين األول "فولك "Folkو يعني عامة الشعب ,والثاني " لور"Lore
و يعني معرفة ,و بهذا يكون المعنى الحرفي للمصطلح "معارف العامة"( .)24و ّ
يعرف الفلكلور Folklore
بأنه " التراث الروحي للشعب ,خاصة التراث الشفاهي Oral traditionو هو كذلك العلم الذي يدرس هذا
التراث"( . )25و إذا كانت االتجاهات الكالسيكية تميل إلى اعتباره " مجرد دراسة لألدب الشعبي ,أو لثقافة
قطاع معين من المجتمع" ,فإن المفهوم الحديث لهذا العلم يختلف عن ذلك ,إذ أصبح يمثل " دراسة شاملة
متكاملة ,للثقافة التقليدية أو الشعبية " أو " هو علم دراسة الحياة الشعبية " ,يختار منه البعض جانبا معينا هو
التراث الشفاهي ,أو األدب الشعبي Popular Literatureو يتخصصون فيه ,ويعرف باسم الفولكلور ,و هذا
هو االتجاه األمريكي أساسا.
بينما تجمع كل الهيئات العلمية ,على تسمية الميدان كله باسم ال ثنولوجيا القليمية ,و لهذا العلم
تسميات محلية خاصة ,لكن دالالتها تظل واحدة :في الدول الناطقة باللغة األلمانية يصطلح على تسميته
فولكسكنده ,Volkskundeأما في الدول االسكندينافية يعرف بـ" دراسات الحياة الشعبية " .و كان لأللمان
قصب السبق ,في دراسة الفولكلور ,حيث "درس مانهارت )1880-1831( W.Mannhardtاألساطير
السائدة في األديان ,و درس فربنيوس Frobeniusسنة 1910م العادات الشعبية في الكاميرون"( .)26و قد
أصبح الفولكلور علما تاريخيا ,منذ زمن بعيد ,و استقرت مناهج البحث فيه ,و غدت له جمعيات و متاحف,
في كثير من الدول في العالم ,و هو يشترك مع علوم أخرى ,في دراسة حياة اإلنسان الغابرة ,السيما علوم
اللغة ,التاريخ( بما فيه تاريخ األديان) ,اإلثنوغرافيا ,و كذلك األنثروبولوجيا.
يقولجوزيف ريسان ":Joseph Rysanيمكن تعريف الفولكلور بأنه التجسيم الجماعي للعواطف
األساسية مثل الرهبة ,الخوف ,البغض ,اإلحترام Reverenceوالرغبة من قبل جزء من المجموعة االجتماعية
"( .)27فيما يوضحه الدكتور محمد الجوهري ":إن علم الفولكلور إنما هو علم ثقافي ,يختص بقطاع معين من
الثقافة (هو الثقافة التقليدية أو الشعبية)" " .إن اسم " فولكلور يطلق على التراث الروحي للشعب (خاصة
التراث الشفاهي)"(.)28
و في عام 1846م ,اشتق عالم اآلثار االنجليزي ويليام جون توماس W.J.Thomasاصطالح
فولكلور Folkloreليحل محل األثريات الشعبية ,و قد القى هذا االصطالح القبول وبالتالي االنتشار,
السيما في الدول األوروبية .و يراد به األدب غير المكتوب و المنقول شفهيا ,في امة من األمم ,أو مجتمع
من المجتمعات ,فهو أدب نابع من الشعب ,و متداول بين طبقاته ,وهو غير األدب الرفيع ,المقصور على
خاصة المفكرين و األدباء( .)29و يشمل :األحاجي و األلغاز الشعبية ,األساطير و الخرافات و الحكايات,
األمثال والحكم المتداولة بين األفراد ,األغاني والشعر ,األلعاب واألذواق والميول ..إلى غير ذلك من الجوانب
التي تدل على نفسية الشعب(.)30
أما اصطالح فولكسكنده فقد كان أوسع استخداما ,كونه يشمل دراسة فن الفالحين ,وخصائصه
اليدوية ,في حين يقتصر الفولكلور على دراسة المأثورات غير المدونة للشعب ,كما هو الحال فيما يخص:
القصص الشعبي ,العادات الجمعية ,المعتقدات ,الطقوس ,السحر..الخ .لكن االعتراض الذي يثار حول هذا
االصطالح ,انه يحمل معنيين:
و قد ازدهرت دراسات الفولكلور ,في مناطق كثيرة من العالم ,ففي إفريقيا تم جمع الكثير من المواد
الفولكلورية ,خاصة خالل القرن ,20عن طريق البعثات التبشيرية ,و الرحالة ,و رجال اإلدارة ,و اللغويين,
واأل نثروبولوجيين ,و لذلك تعتبر إفريقيا حقال خصبا بالنسبة للثقافات التقليدية ,و من ثم للمواد الفولكلورية,
حيث قام الباحثون األمريكيون ,بإعداد أطروحات دكتوراه في الفولكلور ,خالل قيامهم بدراسات ميدانية في
إفريقيا .و من أمثلة تلك الدراسات الفولكلورية ,في شرق إفريقيا ,دراسة جون أمبيتيJohn Imbitiعن
الحكايات الشفهية المتداولة ,بين أفراد جماعات األكمبا في كينيا ,ونشرها ضمن كتاب بعنوان " قصص
األكمبا".
و على العموم يمكن القول أن دراسات الفولكلور أو التراث الشعبي ,تعتبر – بشكلها العلمي المتقدم
اآلن -جديدة في مجال األنثروبولوجيا ,و إن كانت العالقة جد قديمة ,تعود إلى فترة تقارير الرحالة,
والمبشرين ,والمستكشفين ,و من ثم بداية الدراسات اإلثنوغرافية ,و األخيرة كانت تضم معلومات أنثروبولوجية,
و فولكلورية في الوقت ذاته ,فهي بمثابة المادة الخام لكليهما .و هو ما جعل علماء األنثروبولوجيا و علماء
االجتماع المعاصرين ,ال ينظرون بكثير من االحترام إلى الفولكلور ,والى جهود الفولكلوريين ,و يميلون إلى
إخراجه ,من نطاق العلوم االجتماعية .فاألنثروبولوجيون ينظرون إلى الفولكلوريون ,على أنهم جامعي مادة
علمية ,دون االهتمام بالتحليل أو الرؤية النظرية ,و في المقابل ,ينظر الفولكلوريون إلى األنثروبولوجيون,
على أنهم ال يدرسون مواد التراث الشعبي ,في ممارستها الحية ,و يرون في االتجاهات النظرية مثل البنيوية
و غيرها ,أنها " تجريد " و " تطويع " للمادة العلمية ,لتقف مع هذه االتجاهات النظرية أو تلك.
و الواقع أن للفولكلوريين أساليبهم المتطورة ,في جمع المادة العلمية ,خاصة في تسجيل المادة ,و لذلك
يكون األنثروبولوجيون في حاجة دائمة إليهم .و رغم ذلك نجد أن البحوث والدراسات االجتماعية
(السوسيولوجية و األ نثروبولوجية ,)..تكاد تخلو من استخدام مصطلح فولكلور ,و إن كانت الكثير من
المعلومات ,و الحقائق اإل ثنوغرافية ,التي تعتمد عليها هذه الكتابات ,تندرج بشكل أوبآخر ,تحت الفولكلور,
وتؤلف مادته األساسية .فالكثير من الدراسات األنثروبولوجية ,تدرس العديد من الموضوعات ,التي يهتم بها
الفولكلوريين ,تحت عناوين و مسميات مختلفة ,مثل :الفنون الكالمية ,اآلداب الشفهية ,الحكايات الشعبية,..
ومن بين هؤالء األنثروبولوجيين نذكر تايلور Taylorالذي خصص جزءا من كتابه الثقافة
البدائيةPrimitive cultureلدراسة الخرافات واألساطير ,و المأثورات الشعبية ,في المجتمعات البدائية ,تحت
اسم ميثولوجيا Mythologyدون أن يذكر كلمة فولكلور .و هو الشأن كذلك بالنسبة للعالمة سيرجيمس
فريزر S.J.Fraserفي كتابه "الغصن الذهبي" ,على الرغم من انه يعد احد الكتب األساسية في هذا
العلم(.)31
إن هذا الموقف المعادي للفلكلور ,لم يمنع عددا من علماء األنثروبولوجيا المعاصرين ,من أن يعيدوا
النظر في المادة و المعلومات الفولكلورية المتوفرة ,و أن يخضعوها لمناهج األنثروبولوجيا ,و معالجتها كجزء
من الثقافة ,و البناء االجتماعي السائد ,و من ثم دراستها في عالقتها ببقية عناصر الثقافة ,و عالقتها بالنظم
االجتماعية ,التي تؤلف بناء المجتمع .مثال ,نجد أن عالم األنثروبولوجيا الفرنسي كلود لوفي ستراوس
Claude levi Strawssقد اهتم بدراسة األساطير والخرافات في المجتمعات البدائية ,و قدم تحليال عميقا لتلك
المادة ,عن طريق ربطها ,ببقية أجزاء ومكونات البناء االجتماعي.
هذا ,و نشير أن هناك تداخال واضحا بين الفولكلور و اإلثنولوجيا و كذلك األنثروبولوجيا ,فالعديد من
الموضوعات تعتبر قاسما مشتركا فيما بينهم ,مثل:
-دراسة المعتقدات و الخرافات ,سواء في المجتمعات البدائية ,أو التقليدية ,أو المتقدمة ,و كذلك دراسة
الفنون و الصناعات ,و الحرف اليدوية ,مراسيم الزواج ,األعياد و االحتفاالت الشعائرية ,التي تقام
في المناسبات المختلفة.
-تشترك هذه العلوم في طرق البحث ,التي تعتمد أساسا ,على المالحظة و الجمع و التسجيل بطريقة
مباشرة ,و حتى على مستوى نوعية األسئلة و المشكالت ,التي أصبح الفولكلوريون المحدثون يهتمون
ببحثها ,و هي تقترب إلى حد كبير ,لما يثيره اإلثنولوجيون و األنثروبولوجيون ,من أسئلة ومشكالت.
إجماال ,لقد تخطى الفولكلوريون اهتماماتهم التقليدية ,و ارتادوا آفاقا جديدة ,من البحث والدراسة ,مثل:
العالقة بين الفرد و العادات الشعبية في المجتمع ,و مدى الحرية التي تتاح للتعبير عن الفردية ,في مجال
العادات الشعبية,..و هي موضوعات يمكن القول أنها تتقاطع مع ما تدرسه حقول اجتماعية أخرى ,على
رأسها األنثروبولوجيا.
األركيولوجيامصطلح مركب ,مشتق من اليونانية أرخيوس Archaiosو يعني قديم أما Logia
فيعني دراسة ,و على هذا يصبح المعنى الحرفي للمصطلح "دراسة القديم"(.)32
إن علم اآلثار هو ذلك العلم ,الذي يدرس اآلثار القائمة ( بقايا المباني ,التحف ,)..و ما تستحدثه
الكشوف األثرية ,دراسة وصفية تحليلية ,محاوال تحليل مكوناتها ,و عناصرها ,و نسبتها إلى عصورها
التاريخية ,و إلى الذين أسهموا في تشييدها ,و االستفادة من ذلك في الوقوف على تاريخ الشعوب التي
خلفتها ,و مظاهر حضاراتها ,و لغاتها ,وعاداتها ,و فنونها ,و المستويات الثقافية و الحضارية و االجتماعية
التي عاصرتها .مع االهتمام بالدراسة التحليلية المقارنة ,بين مجاميع اآلثار ,التي ترجع إلى عصر واحد ,في
شعب معين ,أو في مجموعة من الشعوب .و تستخدم كذلك في تصحيح الكثير من الحقائق التاريخية (.)33
كما يدرس علم اآلثار مجتمعات وثقافات ما قبل التاريخ.Prehistoric humanculture
يعرفه ديفيد توماس David Thomasفي كتابه " التنبؤ بالماضي" كالتالي " :إن األركيولوجيا هي
ّ
دراسة الماضي ,أو دراسة اإلنسان في عهوده القديمة ,و هي تركز على الجانب المادي من ثقافة اإلنسان".
ويرى هاموند P.Hammondفي كتاب له بعنوان " مقدمة فياأل نثروبولوجيا الثقافية" حيث يقول":
األركيولوجيا تهدف إلى إعادة البناء التاريخي القائم ,على األدلة المادية ,لنمو ثقافة اإلنسان ,خالل الزمن,
وأن عمل األركيولوجي ,يمدنا برؤية مساوية نسبيا ,الهتمامات األنثروبولوجي االجتماعي ,أو الثقافي ,ألنه
يبحث حول سؤال أساسي ,أال و هو كيف تنمو الثقافات ,و تتغير عبر الزمن؟ ".
و لذلك يستخدم علماء اآلثار في دراساتهم ,مناهج علمية متعددة ,مستعينين بنتائج دراسات ,أجريت
ضمن حقول معرفية ,ذات صلة بموضوعات التاريخ البشري و تطوره ,مثل علوم التاريخ ,والجغرافيا,
واإلثنولوجيا ,و علم اللغات المقارن (الفيلولوجيا) و األنثروبولوجيا و ما إلى ذلك ,و هم يستعينون حاليا إلى
جانب هذه العلوم ,بالدراسات اإلشعاعية ,و االلكترونية ,في قياس عمر اآلثار ,و كشف طبيعة عناصرها,
ومكوناتها.
و يتناول علم اآلثار – رغم كونه علما حديث نسبيا -أقدم المجتمعات اإلنسانية ,منذ ظهور النسان
العاقل Homo sapiensو يتابع التغير الثقافي و الحضاري ,على مر العصور ,و تطور أساليب الحياة ,لهذه
الشعوب القديمة ,و ذلك باالستناد إلى االكتشافات ,و أعمال الحفريات والمخلفات و البقايا ,التي تركها
اإلنسان األول ,فيما قبل التاريخ ,حيث ال توجد سجالت ,و وثائق مكتوبة .و هو بذلك ,يساعد على إعادة
بناء التاريخ الماضي -االجتماعي و الثقافي لإلنسان -ويوضح سيطرة اإلنسان على الطبيعة ,و تكيفه
ومجهوداته و نضاله وصراعه مع البيئة ,و صراع اإلنسان ضد اإلنسان ,و النمو البطيء للثقافات عبر
الزمن.
و تشمل المخلفات و البقايا في :بعض األدوات الحجرية ,و األسلحة التي صنعها ذلك اإلنسان
البدائي ,إضافة إلى األواني و بعض األدوات المدفونة في باطن األرض ,سواء مع صاحبها الذي كان
يستخدمها ,أو في أكوام مكدسة مكان إنتاجها.
و قد يعثر عالم اآلثار ,على بعض الرسوم و النقوش الحجرية ,و األشكال المصنوعة من الطين
المحروق (الفخار) ,و أعداد ال حصر لها من المواد األخرى ,التي استطاعت أن تقاوم الزمن .كما يمكن
لعالم اآلثار العثور على أطالل المباني ,و المعابد ,و البيوت ,و أسوار المدن القديمة.
يهتم علم اللغويات بتحليل اللغة ,في زمن معين ,و يدرس النظم الصوتية ,و قواعد اللغة ,والمفردات.
و يدرس العالقات التاريخية بين اللغات ,التي يمكن متابعتها تاريخيا ,عن طريق وثائق مكتوبة ,كما يهتم
عرف ستورتيفانت Sturtevantاللغة بأنها " :رموز صوتية تعارف عليها األفراد ,وهي
أيضا باللغة الكالميةّ .
تعمل على أن يتفاعلوا و يتعاونوا ,و هي عنصر من عناصر الثقافة ,ويكتسبها اإلنسان من خالل معيشته
في المجتمع"( . )34معنى هذا أن اللغة أداة لالتصال ,و بالتالي التفاعل الذي يمثل أساس الحياة االجتماعية,
و من خواصها زيادة على اختالفها من مجتمع إلى آخر -تباعا الختالف الثقافات -أنها تكتسب من البيئة
االجتماعية للفرد ,فهي إذن غير فطرية.
هذا ,وقد ظهرت اللغة في الجماعات البدائية ,على شكل إشارات ,هزات الرأس ,حركات اليدين
والكتفين ,قسمات الوجه (اإليماءات) ,حتى أن بعض القبائل البدائية في إفريقيا ,ال يستطيع أفرادها التفاهم
ليال ,إال إذا جلسوا حول النار .و مع مرور الزمن تطورت اللغة من مجرد إشارات ,إلى أصوات ,و بدأ حينها
اإلنسان في تقليد أصوات من الطبيعة ,مثل أصوات بعض الحيوانات (زقزقة العصافير) ,ثم تطورت اللغة من
التقليد ,إلى أصوات رمزية اصطالحية ,حيث تقدمت اللغة نحو مزيد من سهولة االستعمال ,و الداللة على
المعنى المقصود ,و االعتماد على الرمز ,و كانت اللغة طوال هذه المرحلة تنتقل شفاهيا بين األفراد.
و لما احتاج اإلنسان إلى تسجيل بعض المعلومات ,التي يهمه الرجوع إليها ,و التي يخشى نسيانها,
()35 حاول اختراع الكتابة .فانتقلت اللغة بذلك إلى مراحل أخرى ,نوردها على التوالي:
و للعلم فإنها قد ظهرت عند المصريين القدامى الكتابة الهيلوغريفية ,ثم هذبها الفينيقيون واإلغريق
(الفينيقيون 26حرفا صامتا ,أضاف لها اإلغريقيون الحروف المتحركة) ,ثم اكتملت اللغة كأداة للتفاهم والعلم,
باختراع األرقام ,و بذلك أمكن التعبير عن جميع هذه المعاني ,بالرموز االصطالحية المتفق عليها .وعليه
تعرف اللغة بأنها ":أصوات مركبة ,ذات مقاطع تتألف من كلمات و جمل ,ذات دالالت وضعية ,يعبر بها
ّ
اإلنسان تعبي ار مقصودا ,عما يجول بخاطره ,من معان ,و يتفاهم بها مع أبناء جنسه"(.)36
و الواقع أن العالقة بين اللغة و المجتمع و الثقافة ,عالقة وثيقة " ,فاللغة هي وعاء الفكر وأداة
التعبير ,و وسيلة االتصال ,و قد ثبت أن اللغة ,تتأثر بحضارة األمة ,و نظمها ,و تقاليدها ,وعقائدها,
"(.)37 واتجاهاتها الفكرية ,و درجة ثقافتها ,و نظرتها إلى الحياة و الشؤون االجتماعية عامة
كما يؤدي االختالف الطبقي في بعض المجتمعات ,و بخاصة األوروبية ,و ما يفرزه من فوارق ,في
مظاهر الحياة االجتماعية ,و االقتصادية ,إلى التمييز بينها في المفردات التي تطلق على شؤون كل طبقة
منها .و نستدل على ذلك بالدراسة التي قام بها بيار بورديو )2002-1930(P. Bourdieuحول االختالف
الثقافي ,بين الطبقات االجتماعية في فرنسا ,في كتابه " التمييز " La Distinctionوتوصل إلى أن الثقافة
المهيمنة ,و البارزة ,تكون من إنتاج الطبقة البورجوازية ,ال البسيطة ,و أن لكل طبقة اجتماعية ,ثقافتها
الخاصة بها ,حتى على مستوى المفردات ,المستخدمة في اللغة.
و حيث أن اللغة ظاهرة اجتماعية و ثقافية ,فهي تعد احد الميادين الهامة ,التي يهتم بدراستها فرع
األنثروبولوجيا الثقافية ,إذ يدرس:
و من ثم ,تمخض عن اهتمام األنثروبولوجيين الثقافيين ,المتزايد باللغة ,تخصص يعرف بـ
اللغوياتاأل نثروبولوجية ,Anthropological Linguisticsو هو يركز على دراسة الشعوب غير الغربية ,و
يقوم باختبار نظريات اللغة المبنية أساسا ,على اللغات األوروبية ,كما تركز على عالقة ما تنفرد به
األنثروبولوجيا اللغوية – بإطارها االجتماعي و الثقافي .و السمة الهامة المميزة ,لدراسات األنثروبولوجيا
اللغوية" ,طابعها الميداني" ,حيث يقوم األنثروبولوجيون اللغويون بد ارساتهم الميدانية ,بالطريقة نفسها التي
يطبقها األنثروبولوجيون الثقافيون ,فهم يحاولون أن يصبحوا جزءا من المجتمع المحلي ,و يعتمدون على
اإلخباريين* لمساعدتهم ,في الحصول على تفاصيل اللغة المحلية .و تستغرق الدراسة الميدانية ساعات
طويلة ,من المقابالت الواعية ,مع ا إلخباريين المهرة ,و المدربين على تقويم الكلمات و العبارات المختلفة ,في
إجاباتهم على تساؤالت الباحث .أما أدوات العمل األساسية فتشمل :المذكرات ,األقالم ,شرائط التسجيل,
واألذن المرهفة .و إلى جانب اإلخباريين فإن األنثروبولوجيون اللغويون ,يستخدمون المالحظة بالمشاركة,
لإللمام بمختلف األنشطة ,في المجتمع محل الدراسة .و من أهم األنثروبولوجيون اللغويون ,نذكر فرانس
بواز F.Boasو ادوارد سابير ,E.Sapirو يعتبران من آباء األنثروبولوجيا األمريكية الحديثة ,و من
المتخصصين في لغات و ثقافات الهنود األمريكيين ,حيث درسا عالقة لغاتهم بثقافاتهم.
كما صاغ كل من بنيامين هورف B.whorfو ادوارد سابير E.Sapirفروضهما حول دراسة اللغة ,و
نظ ار إليها ,على أنها المرشد الحي,لطبيعة الواقع االجتماعي ,الذي يعيشه األفراد ,في الثقافات المحلية .أما
ستانلي نيومان Stanley Newmanفإنه ال يرى أهمية حقيقية ,في إقبال الباحث األنثروبولوجي ,على دراسة
الخصائص البنائية للغة ( اإلعراب ,االشتقاق اللغوي ,)..و إنما عليه أن يقوم بدراستها كظاهرة اجتماعية ,أو
كمظهر ثقافي ,عن طريق تحليل عالقة اللغة ,باألنماط االجتماعية ,واألمزجة و الطباع Ethosالخاصة
بشعب معين ,في ضوء دراسة موجهات القيم ,والتقاليد المحلية ,و عالقتها باللغة.
علم السياسة هو فرع من العلوم االجتماعية ,يعرف بأنه " علم الدولة " ,و يختص بدراسة ممارسة
الدولة لسلطتها ,و التنظيم و الحكومة ,و أسلوب حكمها ,و اختصاص الحكومات القائمة ,و عالقة الحاكم
بالمحكومين -عالقة الطبقة الحاكمة بأفراد المجتمع -و حقوق و واجبات األفراد ,و مدى مراعاة السالم
والنظام ,داخل المجتمع .كما يهتم علماء السياسة ,بالسلوك السياسي ,و سعي الجماعات والتنظيمات ,والنظم
المميزة عن الدولة ,وراء السلطة ,و تنظيم و نشاطات األحزاب السياسية ,والجماعات الضاغطة ,و طبيعة
الرأي العام ,والدعاية .و يشمل هذا العلم موضوعات ,مثل :أصل و تطور الدولة ,تفسير و تحليل و مقارنة
النظم القائمة ,في الحاضر ,العمليات و الهيئات التي تشرع من خاللها القوانين(.)38
ي مارس النسق السياسي تأثي ار واضحا ,على مختلف األنساق االجتماعية ,و لذلك فإنه يلعب دو ار
رئيسيا ,يغير من صميم الحياة االقتصادية ,و عليه ظهر فرع من األنثروبولوجيا العامة يعرف باألنثروبولوجيا
السياسية ,و هو يهتم بأشكال و نظم الحكم ,سواء تركزت السلطة في يد "رئيس" أو " زعيم" ,أو تحت إشراف
مجلس كبار السن ,أو هيئة شيوخ القبيلة ,كما يهتم بمشكالت اإلدارة ,ومعرفة طبيعة القوانين و العادات ,عند
الشعوب البدائية ,و من بين أهم الدراسات ,التي أنجزت ضمن هذا الفرع ,نذكر دراسة العالمة ايفانز
بريتشارد حول وضعية الرئيس لدى قبائل األزاندي في السودان عام .1927كما اهتم لويس مورجان,
قسم التطور السياسي للبشرية ,إلى مرحلتين اثنتين:
بموضوع التعريف بالسياسة ,حيث ّ
المرحلة األولى :تأسس الحكومات على العالقات الشخصية البحتة (القرابة) و أطلق عليها التنظيم
االجتماعي.
المرحلة الثانية :ظهور الملكية ,و ذلك في وقت متأخر من تطور اإلنسان .و يقول مورجان انه
ظهرت في الوقت نفسه ,فكرة الحدود اإلقليمية ,للحكومة التي تقوم فيها السلطة ,و تسمى بالدولة.
و نافلة القول ,أن األنثروبولوجيا تعتمد في استقاء مادتها المعرفية ,من جل العلوم الطبيعية,
االجتماعية و اإلنسانية ,كونها تدرس اإلنسان من مختلف جوانبه المكونة لذاته ,بيولوجيا ,اجتماعيا ,نفسيا,
تكون حقال كبي ار لفهم اإلنسان ,و دراسته بشكل شامل
ثقافيا .فاألنثروبولوجيا و بالتعاون مع كل هذه العلوم ّ
ومتكامل.
الهوامش:
-13عبد الناصر جندلي ,تقنيات و مناهج البحث في العلوم السياسية و االجتماعية ,ديوان المطبوعات
الجامعية -الجزائر ,2005 ,ص 156
-14مقدمة العالمة ابن خلدون ,دار الرائد العربي -بيروت ,ط ,1982 ,5ص ص 10-9
-16المرجع نفسه
-17علي وهب ,الجغرافيا البشرية ,المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع -بيروت ,ط,1
,1986ص 10
http://www.maarefa.org -23جيولوجيا
-29المرجع نفسه
-30فايز مقدسي ,مناهج التعليم السومرية -البابلية منذ األلف الثالث ق.م ,مجلة المعرفة ,و ازرة
الثقافة السورية ,العدد ,558 :آذار ,2010ص ( 137بتصرف)
-32المرجع نفسه
* -اللهجة هي تجلي جغرافي للغة كأن نقول لغة عربية و من لهجاتها الجزائرية ,التونسية ,اللبنانية..
* -الخباريون :هم أفراد أصليون من المجتمع محل الدراسة ,يساعدون الباحث األنثروبولوجي في
فهم بعض العادات و الطقوس و األعراف و اللهجات ,التي استعصي عليه فهمها ,كما يتميز البعض
منهم بمهارتهم في الترجمة و اإلتصال مع اآلخرين ,و معرفتهم بتاريخ منطقتهم.
تناولنا في المحاضرة السابقة ,عالقة األنثروبولوجيا بالعديد من العلوم منها علم االجتماع ,التاريخ
و األركيولوجيا ,..و كلها علوم تمد األنثروبولوجيا بالمادة النظرية و المنهجية ,التي تحتاج إليها,
وتزودها من خالل دراساتها و نتائجها ,بما يسهم في تطوير أبحاثها ,و أطرها التفسيرية كذلك ,حيث
تمخض عن هذا التكامل المنهجي ,بين كل هذه العلوم و األنثروبولوجيا ,ظهور فروع متخصصة,
ضمن حقل األنثروبولوجيا العامة ,مثل األنثروبولوجيا النفسية ,األنثروبولوجيا الطبية ,األنثروبولوجيا
السياسية ,اللغويات األنثروبولوجية..الخ .و إن كان العديد من هذه الفروع (التي تم تناولها) ,قد انبثقت
أو تفرعت ,عن فروع اشمل منها ,يصطلح األنثروبولوجيون على تسميتها ,باألقسام الرئيسية
لألنثروبولوجيا ,علما أن هذه األقسام ,هي محل خالف و جدل ,بين علماء األنثروبولوجيا أنفسهم ,إذ ال
يوجد إجماع علمي بينهم ,يحدد عدد أقسامها الرئيسة أو الفروع المنبثقة عنها ,و التي تختلف من
مدرسة إلى أخرى ,و من دولة إلى أخرى ,و هو ما سوف نستفيض في عرضه ,ضمن هذه المحاضرة.
فيما يلي سوف ندرج أهم التقسيمات ,التي وضعها علماء األنثروبولوجيا ,من مختلف اتجاهاتهم
الفكرية (مدارسهم الفكرية) ,و دولهم أيضا ,و البداية سوف تكون من أمريكا:
االنثروبولوجيا
علم
االثار االجتماعية االنثروبولوجيا
النفسية
و حسب بوجر كيسينج Poger Keesingتنقسم األنثروبولوجيا العامة إلى قسمين رئيسيين(وهو بذلك ال
يختلف عن لينتون فيما ذهب إليه) هما:
االنثروبولوجيا العامة
الشكل رقم ( )03يبين تقسيم الجامعات الرئيسية األمريكية لفروع األ نثروبولوجيا العامة
نالحظ من خالل األشكال المبينة لتفريعات األنثروبولوجيا العامة في أمريكا ,غياب األنثروبولوجيا
االجتماعية ,ألن علماء األنثروبولوجيا األمريكيون ,يعتبرونها فرعا من األنثروبولوجيا الثقافية ,على
أساس أنها الفرع الذي يتخصص في دراسة جانب العالقات االجتماعية من الثقافة ,في حين يرى
علماء المدرسة البريطانية ,أن األنثروبولوجيا االجتماعية ,و األنثروبولوجيا الثقافية ,كالهما يمثل فرعا
مستقال بذاته ,ضمن األنثروبولوجيا العامة.
االنثروبولوجيا
الثقافية
األ نثروبولوجيا الجتماعية االنثروبولوجيا الفيزيقية
الشكل رقم ( )04يبين تقسيم الجامعات البريطانية لفروع األ نثروبولوجيا العامة
تدرس
و نشير في هذا السياق ,أن جل الدول األوروبية ,بما فيها فرنسا وألمانياّ ,
األنثروبولوجيا ,من خالل قسمين رئيسيين هما :األنثروبولوجيا البيولوجية ,واألنثروبولوجيا الثقافية.
يوحد فيه بين الفرعين معا,
أما البعض منها ,فإنه يفرد فرعا مستقال ضمن األنثروبولوجيا العامةّ ,
فيكون بذلك فرع األ نثروبولوجيا االجتماعية و الثقافية .و فيما يلي سوف نتناول أهم الفروع
ّ
الرئيسية في األنثروبولوجيا العامة ,علما أن هذا التفريع يؤخذ به في المدرسة البريطانية ,و قد
تبنيناه نظ ار ألهمية الفروع نفسها ,و هي على التوالي:
تهتم األنثروبولوجيا الفيزيقية ,بدراسة اإلنسان من حيث سماته الفيزيقية ,مثل :الخصائص
الجسمية ,الصفات التشريحية (حجم الجمجمة ,Skullطول القامة ,لون البشرة ,لون العينين ,شكل
األنف ,نوع الشعر ,)..فإذا كانت األنثروبولوجيا االجتماعية ,تهتم أو تعالج ما يسمى بالبناء
االجتماعي ,فإن األ نثروبولوجيا الفيزيقية ,تهتم و تدرس الخصائص و المالمح العامة ,للبناء
الفيزيقي لإلنسان .هذا ,و تدرس األنثروبولوجيا الفيزيقية ,اإلنسان العضوي في نشأته األولى ,وفي
تطوره عبر التاريخ ,وصوال إلى اكتسابه للصفات و الخصائص ,الوراثية و الساللية التي تميز
جنسه" .حيث بين المختصون في هذا الفرع ,أن مخ اإلنسان قد نمى بصورة واضحة ,خالل
األحقاب التاريخية المختلفة ,في حين تضاءل حجم وجهه ,و هذا ما أكدته الدراسة المقارنة ,التي
أجريت بين اإلنسان الحديث Modern manواإلنسان المنتصب القامة Homo erectus
والشامبانزي .)3("Champanzee
و من بين أهم التساؤالت ,التي تسعى األنثروبولوجيا الفيزيقية إلى اإلجابة عنها ,و التي
كانت موضع اهتمام الباحثين و العلماء و الدارسين منذ القدم ,حتى العصر الحديث :أين و متى
ظهرت الكائنات الحية ألول مرة؟ و ما هي صفات هذه الشعوب؟ و ما هي أوجه التماثل
واالختالف بينها؟ كيف تغيرت الخصائص الجسمية لإلنسان خالل األزمنة المتعاقبة على وجه
األرض؟
كما تهتم كذلك بمسالة :هل هناك أنواع أقوى من غيرها تستطيع أن تورث صفاتها لغيرها
من الشعوب؟ و هل هناك صلة بين التركيب الجسمي لإلنسان ,و بين الصفات األخرى كالمزاج
و الذكاء و النواحي النفسية؟
و كي تحقق األنثروبولوجيا الفيزيقية أهدافها العلمية ,فإنها تستعين بمجموعة من العلوم
الطبيعية ,نذكر منها :البيولوجيا ,Biologyعلم وظائف األعضاء ,Physiologyعلم التشريح
,Anatomyالهستولوجي Histologyالذي هو علم األنسجة العضوية الحية ,علم الوراثة ,علم
العظام ,Osteologyعلم البناء اإلنساني ,Human morphologyمقاييس حجم اإلنسان ,دراسة
مقاييس األجسام الحية ,Biometricsعلم الجراحة اإلنساني ,Human serologyعلم األجنة
.Imbryologyباإلضافة إلى علوم أخرى اجتماعية ,مثل :علم آثار ما قبل التاريخ
,Prehistoricarcheologyو علم أصول السالالت البشرية الذي هو اإلثنولوجيا ,Ethnology
كما ال يخلو عمل األنثروبولوجي الفيزيقي من دراسة اللغويات ,Linguisticsو كذلك
األنثروبولوجيا االجتماعية(.)4
-2األ نثروبولوجيا الثقافية :Cultural Anthropology
األنثروبولوجيا الثقافية ,فرع من فروع األنثروبولوجيا العامة ,موضوعها الرئيسي الثقافة ,في كل
األمكنة و األزمنة ,مهما تعددت و اختلفت .إذ تشمل الثقافة قواعد العرف ,العادات ,التقاليد,
المعتقدات و الممارسات و غيرها ,و تعتبر أداة االتصال و التواصل مع اآلخرين ,سواء ضمن
الجماعة المحلية ,أو الجماعات االجتماعية المجاورة لها ,في بيئاتها الطبيعية المختلفة ,ولذلك
كان احد أهداف األنثروبولوجيا الثقافية ,دراسة هذا التباين ,أو التماثل الثقافي ,باإلضافة إلى
االهتمام بتاريخ هذه الثقافات ,و أصولها ,و نموها ,و تطورها.
و يمكن القول أن الثقافة ,هي كل ما ال يولد به البشر ,كونها تشمل كل انتاجاتهم ,المادية
تورث ,و تنتقل من جيل إلى آخر ,وبالتالي
و الالمادية ,عبر الزمان ,و أكثر من ذلك فإن الثقافة ّ
هي مكتسبة (فوق عضوية) ,و إن كان شق من العلماء يقول بأنها فطرية ,و ربطوها بالقدرات
العقلية ,و االستعدادات النفسية لإلنسان .و حول هذه النقطة يوضح مالينوسكيMalinowski
قائال " :اإلنسان كائن له شكله الفيزيقي ,و تراثه االجتماعي ,وسماته الثقافية .إن الطفل قد يولد
زنجيا من الناحية الفيزيقية ,و لكنه لو ينشأ في فرنسا مثال ,فإنه يكتسب عادات اجتماعية,
وسيتصف بسمات ثقافية ,تميزه عن أقرانه ,الذين لم يبرحوا موطنهم األصلي"(.)5
و من ثم ندرك أن الثقافة ,تؤثر في شخصية األفراد ,و بالتالي الشخصية االجتماعية
(القومية) ,و عليه فإن المجتمعات تختلف بحسب تنوع ثقافاتها ,كما تختلف الثقافة نفسها من فترة
زمنية إلى أخرى ,بفعل عوامل التغير االجتماعي ,و هي لذلك دينامية ,متغيرة ,متطورة ,و نسبية
أيضا .فاألزياء التي كان يرتديها األفراد مثال فترة السبعينيات من القرن العشرين ,و التي كانوا
يتباهون بارتدائها ,قد تبدو غريبة و مضحكة ,لو ارتداها فرد ما أيامنا هذه .و أن ما يعتبره مجتمع
ما جريمة ,قد يعد بالنسبة آلخر طقسا دينيا (مثل تقديم قرابين بشرية إرضاءا إلله مزعوم) .و قس
على ذلك كل المنتجات المادية ,و المفاهيم و المعارف و النظريات و القوانين العلمية ,فهي
ليست بالجامدة أو الثابتة عبر الزمان .معنى ذلك أن اإلنسان في كل مكان و زمان ,له تراثه
الثقافي ,هذا األخير الذي يمثل الموضوع الرئيسي لألنثروبولوجيا الثقافية .وهي تعنى كذلك بدراسة
الثقافة القديمة للشعوب ,و ذلك بالكشف عن البقايا المادية لطرائق الحياة ,و هذا من اجل إعادة
تركيب البناء الثقافي لشعب معين ,في مرحلة زمنية معينة ,ومنطقة إقليمية معينة.
كما تهتم االأنثروبولوجيا الثقافية بدراسة الثقافة البدائية ,ثقافة المجتمعات المحلية
المعاصرة ,في أوروبا و أمريكا ,و التي تمتاز بالتقدم و الرقي الحضاري ,و من ثم تعقد مقارنات
بين طرائق حياة المجتمعات المنقرضة و الحالية ,والبدائية والمتقدمة .إنها بذلك تدرس وظائف
الثقافات اإلنسانية ,في الماضي و الحاضر ,بمعنى آخر أن األنثروبولوجيا الثقافية تهتم بالثقافة
في ذاتها ,سواء كانت ثقافة األسالف ,أو ثقافة المعاصرين.
إن عالم األنثروبولوجيا في اهتمامه بالثقافة ,يحاول الوصول إلى مجموعة من المبادئ,
التي تحكم تطور اإلنسان ,من الناحية الثقافية ,و لهذا فإنه يثير العديد من التساؤالت ,حول
أسباب التنوع الثقافي و اللغوي عند اإلنسان؟ ما هي طبيعة الثقافة؟ كيف تتغير الثقافات؟ كيف
يستجيب األفراد للقيم و المثل و المعايير و األهداف التي تحددها لهم الثقافة؟ ما هي العالقة بين
الثقافة و الشخصية؟..الخ ,و قد يأخذ شكل االهتمام بالثقافة لدى األنثروبولوجيون جانبين ,األول
يمثل الدراسة المتزامنة ,أي دراسة المجتمعات و الثقافات في نقطة معينة من تاريخها ,و الجانب
الثاني يتمثل في الدراسة التتابعية أو التاريخية ,أي دراسة المجتمعات و الثقافات عبر التاريخ(.)6
و نظ ار لتعدد و تنوع الموضوعات التي تدخل في نطاق الثقافة ,و التي تمثل في
مجموعها موضوع األنثروبولوجيا الثقافية ,و بخاصة فيما تعّلق بتفسير الدين ,الشعوذة و السحر,
األساطير ,..و التي ظلت موضوعات مفضلة لدى بعض العلماء المتأخرين نسبيا ,مثل:
ماريت MarretR.R.في بريطانيا ,و بول رادين P.Radinو روبرت لوي R.Lowieفي أمريكا(,)7
فإنه يمكن تقسيم هذا التخصص العلمي إلى عدة فروع ,تندرج كلها ضمن العلوم االجتماعية ,و
هي على التوالي :اإلثنولوجيا ,اإلثنوغرافيا ,علم اآلثار ,علم اللغويات الذي ينقسم هو اآلخر إلى
علم اللغويات الوصفي ,و علم أصول اللغة .و حسب التصنيف األمريكي لفروع األنثروبولوجيا
العامة ,فإن األنثروبولوجيا االجتماعية تعد فرعا ضمن األنثروبولوجيا الثقافية ,فيما يدرج آخرون
فرع االأنثروبولوجيا النفسية ,كون األنثروبولوجيا الثقافية ,تعنى بدراسة الثقافة و الشخصية.
أما عن تاريخها ,لم تظهر األنثروبولوجيا الثقافية كميدان له أهمية ,إال بعد الحرب
الرحالة و غيرهم ,لم تشكل أهمية كبرى ,من الناحية
العالمية الثانية ,فالكتابات التي جمعها ّ
النظرية ,أو حتى من الناحية العملية ,و هي على كل حال ,وضعية الحقل األنثروبولوجي بصفة
عامة في بداياته ,حيث كان يعتمد على المبشرين الدينيين ,و رجال اإلدارة االستعمارية ,في جمع
المعلومات عن المجتمعات البدائية و المستعمرات ,لذلك غلب على معظم هذه الدراسات ,الطابع
التحيز ,واستخدمت األنثروبولوجيا عموما ,لغير
ّ المشبع بمشاعر االزدراء و السخرية و
ّ التقريري,
األغراض العلمية .لكن الوضع تغير ,بعد الحرب العالمية الثانية" ,خاصة بعد بروز أمريكا قوة
عظمى ,لها دور في السياسة الدولية ,حيث بدأت الحكومة األمريكية ,ترصد األموال ,للقيام
بدراسات عن الثقافات األخرى ,أيا كان نوعها ,خاصة المجتمعات النامية ,و ثقافاتها التقليدية"(.)8
لقد أنشأت في أمريكا مراكز تدريب ,و تخريج المتخصصين ,في الثقافات األخرى
المختلفة ,و يوجد اآلن متخصصون في الثقافات العربية واإلفريقية..الخ ,بل قد برز أيضا
وسع علماء األنثروبولوجيا
االهتمام بالثقافات الفرعية داخل الثقافة الكلية ,و من ناحية أخرىّ ,
األمريكيون ,دائرة دراستهم االجتماعية والثقافية ,بحيث تشمل الثقافات القروية ,والحضرية وغيرها.
-3األ نثروبولوجيا االجتماعية :Social Anthropology
استخدم اصطالح األنثروبولوجيا اإلجتماعية في بريطانيا ,و إلى حد ما في الواليات
المتحدة األمريكية ,ليشير إلى ذلك الفرع من فروع األنثروبولوجيا العامة ,وهو يعنى بدراسة البناء
االجتماعي للمجتمع ,و النظم االجتماعية في نشأتها ,و تطورها في المجتمعات البدائية ,فيدرس
األسرة و النظم االقتصادية ,التربوية ,الدينية ,الجمالية ,السياسية ,القضائية..إلى آخر ذلك من
النظم المختلفة.
إن هذا الفرع حديث النشأة ,ال يتجاوز عمره بالكاد قرنا من الزمن ,و قد أوجده العلماء
البريطانيون ,كي يتميز بمجال مختلف عن مجال اإلثنولوجيا ,و قد استخدم هذا المصطلح الجديد
ألول مرة ,العالمة سير جيمس فريزر( Sir James Fraserالذي كان أستاذ كرسي في هذا الفرع
عرفها بأنها
بجامعة ليفربول) ,في محاضرته تحت عنوان " مجال األنثروبولوجيا االجتماعية" ,و ّ
"محاولة علمية للكشف عما يسميه (بالقوانين العامة) التي تحكم الظواهر المختلفة في حياة
اإلنسان ,و تفسر ماضي الظواهر للتمكن – على ضوءها -من التنبؤ بمستقبل المجتمعات
البشرية ,استنادا إلى اإلد ارك الدقيق لتلك القوانين السوسيولوجية العامة ,التي تنظم حياة اإلنسان
مكان"()9 عبر الزمان ,حيث يعتقد بأن الطبيعة البشرية واحدة بعينها في كل زمان و
و تجدر اإلشارة هنا ,إلى وجود بعض االختالف بين العلماء ,حول مفهوم األنثروبولوجيا
االجتماعية ,حيث اعتبر علماء المدرسة األمريكية ,أن األنثروبولوجية االجتماعية ,فرع من
األ نثروبولوجيا الثقافية ,على أساس أنها الفرع الذي يتخصص في دراسة جانب العالقات
االجتماعية من الثقافة ,في حين يرى علماء المدرسة البريطانية ,أن األنثروبولوجيا االجتماعية
والثقافية ,كالهما تمثل قسما مستقال بذاته ,في نطاق األنثروبولوجيا العامة ,لذلك فإنهم يرون
ضرورة الفصل بينهما .أما ما يسميه البريطانيون باألنثروبولوجيا االجتماعية ,فإنه يعرف في
أوروبا باسم اإلثنولوجيا أو علم االجتماع(.)10
في حين يخلط بعض الباحثين ,بين األنثروبولوجيا االجتماعية و األنثروبولوجيا الثقافية,
وال يفرقون بين الفرعين ,على الرغم من أن الفرق بينهما واضح .غير انه يمكن تفسير هذا الخلط,
بتداخل مجال الفرعين معا ,و هو على حد ما ذهب إليه موس Maussو
مالينوفسكي "Malinowskiإن األشياء المادية كاألدوات الصناعية و األسلحة و اآلالت ,يمكن
أن تتضمن في مجال كل من األننثروبولوجيا االجتماعية و الثقافية" .فيما يرى العالمة ايجان
Egganضرورة التعاون بين الفرعين ,الستمرار و ازدهار الدراسات األنثروبولوجية ,و للوصول
إلى نتائج أكثر عمقا و نضجا.
فاألنثروبولوجيا االجتماعية ,تمثل دراسة من نوع خاص ,قوامها التجربة و الفرض ,حيث
تستند التجربة الحقلية ,على فروض نظرية موجهة ,و تقوم على المالحظة العلمية المنظمة .تهتم
األ نثروبولوجيا االجتماعية ,بدراسة أنماط السلوك االجتماعي ,الذي يتخذ في العادة ,شكل نظم
وانساق اجتماعية ,كالعائلة ,القرابة ,النظام السياسي ,اإلجراءات القانونية ,و العبادات الدينية ,كما
تدرس العالقة بين هذه النظم ,سواء في المجتمعات المعاصرة أو في المجتمعات التاريخية ,التي
تتوفر حولها معلومات مناسبة ,يمكن معها القيام بمثل هذه الدراسات .أي أنها تدرس ما يعرف
بالبناء االجتماعي Social structureالذي يتفق العلماء على تعريفه بأنه ":شبكة معقدة من
العالقات ,تربط بين األفراد أو الزمر االجتماعية ,و تأخذ شكل نظم و انساق اجتماعية ,و تتميز
بالثبات و االستمرار عبر الزمن"( .)11و يمثل العالمة راد كليف براونRad Cliff Brownابرز
رواد األنثروبولوجيا االجتماعية ,و أهم المنظرين البنيويين.
وهكذا إذا كان علماء األنثروبولوجيا الثقافية ,يهتمون بدراسة اإلنسان باعتباره كائنا
حضاريا ,يعيش في ثقافة ,و يركزون دراستهم على ثقافة الشعوب ,بشقيها المادي و الالمادي ,في
نشأتها وتطورها وانتشارها .فإن علماء األنثروبولوجيا االجتماعية ,يهتمون بد ارسة اإلنسان
االجتماعي ,و النظم و العالقات اإلنسانية ,و البناءات االجتماعية ,في نشأتها و تطورها.
ولألنثروبولوجيا االجتماعية فروع تشمل :األنثروبولوجيا االقتصادية ,أنثروبولوجيا القرابة
واألنثروبولوجيا الدينية( .)12لنتصور مثال أن باحثا في األنثروبولوجيا االجتماعية ,يقوم ببحث
حول نظام القرابة في مجتمع قروي ,و أن باحثا آخ ار في األنثروبولوجيا الثقافية ,يقوم بدراسة
عادات و تقاليد الزواج الداخلي لهذه األسر في المجتمع نفسه ,و من ثم نالحظ الفرق بين
الفرعين ,في طريقة تناول الموضوع ,وفي ذات الوقت ,فإننا نستشف التداخل فيما بينهما(بين
االجتماعي و الثقافي) ,فإذا كان يمكن الفصل بين الفرعين من الناحية النظرية ,فإنه – في
تقديرنا -من الصعب جدا أن نفصل بينهما في الواقع.
-4األ نثروبولوجيا التطبيقية :Applied Anthropology
األنثروبولوجيا التطبيقية فرع متخصص من األنثروبولوجيا العامة ,يهدف إلى االستفادة
من الدراسات األنثروبولوجية النظرية ,في ضبط التغير االجتماعي ,و توجيهه في المجتمعات
البدائية ,و التقليدية .إن مصطلح األنثروبولوجيا التطبيقية ,حديث نسبيا ,استخدمه ألول مرة ,راد
كليف براون Rad Cliffe Brownفي مقال له بعنوان " األنثروبولوجيا التطبيقية " عام ,1930
وكان المصطلح الشائع قبله " األ نثروبولوجيا العملية ."Pratical Anthropology
يعرفها د.حسن شحاته سعفان بأنها ":العلم الذي يبين كيف يمكن االستفادة من علوم
ّ
األ نثروبولوجيا النظرية ,في إدارة المجتمعات البدائية ,و تربيتها ,و النهوض بها و تطويرها ,و في
النهوض بوسائل رفاهيتها فهو – مثال -يشترك في وضع خطة للتعليم ,في مثل تلك المجتمعات,
أو خطة لتهيئة مجتمع ما للحكم الذاتي ,و كذلك الخطط االقتصادية ,و التغير الديني إلى آخر
ذلك"( .)13ندرك من خالل هذا التعريف ,أن األنثروبولوجيا التطبيقية ,أداة للتعرف على أفضل
الطرق ,وأنجع األساليب لتنمية المجتمعات الضعيفة ,في شتى مجاالت الحياة االجتماعية ,و ذلك
باالعتماد على نظريات الفروع األنثروبولوجية األخرى ,فيما يخص المجتمعات المراد إصالحها,
حيث يتم إشراك أفراد هذه المجتمعات ,و توجيههم بما يخدم المجتمعات القوية و المهيمنة عليهم,
السيما إذا كانت المجتمعات المهيمن عليها ,ضمن مستعمرات المجتمعات القوية.
و يرجع ظهور هذا الفرع من األنثروبولوجيا ,إلى رغبة بعض الحكومات االستعمارية ,في
حكم الشعوب و القبائل الخاضعة لها ,بطريقة ال تتعارض مع القيم التقليدية المتوارثة .و كانت
بريطانيا أول دولة استعمارية ,استعانت باألنثروبولوجيين ,في دراسة األنساق االجتماعية ,و النظم
للتعرف على أفضل الطرق
و القيم السائدة في مستعمراتها ,في فترة ما بين الحربين العالميتينّ ,
والوسائل ,لتوجيه خططها ,و وضع مشروعاتها الخاصة ,و الستغالل الثروة القومية لهذه
المستعمرات .نفهم من ذلك أن الغرض من األنثروبولوجية التطبيقية -ظاهريا -هو اإلصالح
والتنمية ,غير أنه يستخدم ألغراض استعمارية ,هدفها األساسي الهيمنة على المستعمرات ,من
خال ل التعرف على بناءاتها االجتماعية و الثقافية ,حتى يسهل التحكم فيها ,و بالتالي االستفادة
من ثرواتها ,بشكل غير مباشر ,و عن طريق أفرادها (مواطنيها أو أهاليها)(.)14
و قد زاد اهتمام المسؤولين عن وضع سياسات التنمية و التخطيط,في كثير من
المجتمعات النامية ,باألنثروبولوجيا التطبيقية ,خاصة السنوات األخيرة ,نتيجة ازدياد اقتناعهم ,بأن
مشكالت التنمية ,ليست اقتصادية أو تكنولوجية فحسب ,و إنما هي في جوهرها مشكالت
اجتماعية ,و أن إغفال النواحي االجتماعية ,كثي ار ما يؤدي إلى إخفاق المشروعات التنموية ,و في
-15المرجع نفسه
احملـ ـ ـ ـ ــاضرة اخلامس ـ ـ ـ ـ ــة
لقد تعددت اإلتجاهات النظرية ,و التيارات الفكرية ,التي أثرت على الحقل األنثروبولوجي ,وعلى
مختلف الحقول المعرفية األخرى ,بما فيها حقل العلوم االجتماعية ,حيث عملت على توجيه الفكر
األ نثروبولوجي ,و تنوعه ,و بالتالي تفيئته إلى عدة مدارس ,كان لها دورها في تفسير الظواهر
االجتماعية ,و مختلف األنماط الثقافية ,السائدة في المجتمعات .و نحن في هذه المحاضرة ,سوف
نستعرض سويا ,مجموعة من أهم هذه اإلتجاهات النظرية ,التي و رغم تعددها و اختالفها ,فإنها
تستهدف جميعا ,دراسة و فهم اإلنسان ,في ماضيه و حاضره ,من منظور كلي.
يدل اصطالح التطور Evolutionعلى الحركة الطبيعية ,التي تنتج تغيرا ,أو تؤدي إلى نوع جديد,
و بمعنى أدق ,يدل على عملية التغير المتصلة ,التي يخرج من خاللها شيء جديد ,دون أي مساس
بهوية الوحدة األصلية و فرديتها ,و في معناه الضيق ,يدل على التطور العضوي ,و هو تفاعل
الكائن الحي ,مع بيئته الطبيعية( .)1و قد ارتبط هذا المصطلح باسم دارونDarwinالذي صاغ نظرية
التطور ,و أحلها محل االقتناع القديم ,بثبات األنواع ,الذي دعمته العقيدة الدينية ,عن خلق الكون,
ولذلك يصطلح البعض على تسميتها ,بالنظرية الداروينية نسبة إلى صاحبها .علما أن التطورية هي
احد االتجاهات النظرية الكبرى ,التي برزت بقوة في القرن .19
إن فكرة التطور ترجع إلى 2500سنة قبل زمن دارون ,و هو ما تؤكده كتابات فلسفية و فكرية,
تعود إلى أزمنة قديمة و متفاوتة .إن أرسطو اعتقد أن األشكال الجديدة للحياة ,ظهرت بعد األشكال
القديمة ,بمعنى أن األشكال الجديدة ,هي نتاج تطور األشكال القديمة ,فاألشكال الجديدة إذن ,لم تنشأ
كما هي عليه ,من مواصفات أو خصائص .كما تأثر المفسرون األوائل للتوراة ,بأفكار أرسطو ,و قالوا
بإمكانية ظهور أنواع جديدة ,تنبثق عن األنواع األولى ,التي خلقها هللا .و اعتقد رجال الدين المسيحي,
أن كل شكل من أشكال الحياة ,قد تشكل من خالل عملية الخلق األصلية .لكن لم يثبت تاريخيا أن
علماء الدين اإلسالمي ,قد آمنوا أو أيدوا النظرية التطورية ,ألن اآليات القرآنية الكريمة ,تتضمن في
مجملها ,تأكيدا حول قدرة هللا ,في خلق أنواع و أشكال من الكائنات الحية ,ال عالقة لها ببعضها ,وأن
اإلختالف هو سنة هللا في خلقه .علما أن كلمة تطور لم تذكر البتة في النصوص الشرعية ,وعليه لم
تلق النظرية التطورية ,اإلنتشار والقبول أو التأييد ,بين العلماء المسلمين ,على اختالف تخصصاتهم
العلمية.
إراسموس مع ,16 القرن إلى التطورية النظرية بدايات آخرون, يرجع بينما
داروين )1802-1731(E.Darwinو هو جد تشارلز دارون مؤسس نظرية التطور الحديثة ,و قدم
إراسموس داروين نظريته باالشتراك مع العالم الفرنسي كومت دي فون( )1707-1788و التي
مؤداها أن " األحياء تكتسب صفات معينة خالل تكيفها مع الطبيعة ,و تنتقل هذه الصفات إلى
األجيال ,عن طريق الوراثة ,فقد تكتسب مثال بعض الحيوانات المتعرضة للصدمات و الجروح ,جلودا
تشبه الدرع ,ثم تنتقل إلى أنسالها" (.)2
"manعام.1871و تفترض نظرية داروين أن كل أشكال الحياة ,لم تخلق خلقا متخصصا لكل نوع,
و إنما يرتبط بعضها ببعض ,فالجنس البشري تطور تطو ار بطيئا ,من التنظيمات الحيوانية الدنيا ,و
ينتج عن ذلك التكيف مع البيئة الطبيعية ,وعلى ذلك فإن أشكال الحياة تمثل وحدة توضع تحت قانون
التطور .و اعتمد داروين ,على المالحظة المباشرة للحقائق (الكائنات الحية كما هي في الطبيعة).
وقد اثر كتاب داروين تأثي ار كبيرا ,في علوم البيولوجيا ,علم النفس ,والعلوم االجتماعية بشكل عام ,بل
و الموسيقى خالل 50سنة التي تلت نشره.
ظهر االتجاه النظري التطوري ,في الحقل األنثروبولوجي ,في القرن ,19حيث استعار علماء
األنثروبولوجيا المفهوم البيولوجي للتطور ,و أسقطوه على المجتمع اإلنساني ,و اعتبروا أن السير
الرتيب للمجتمع ,ال يمكن أن يكون اعتباطيا ,أو خاضعا للمسيرات الفردية أو األهواء أو المصادفات,
و لكنه يقع في مراحل متعاقبة ,ينظمها قانون واحد هو التطور ,و بذلك ظهرت نظرية التطور
االجتماعي ,في حقل العلوم االجتماعية ,و أثرت فيه بقوة ,السيما الحقل السوسيولوجي ,و كذلك
األنثروبولوجي ,و ماثلت بين المجتمع و الكائن الحي في نموه ,الذي يكون عبر مراحل محددة.
يهتم االتجاه التطوري في األنثروبولوجيا ,بدراسة األصول Originsو تخمين البدايات األولى
للنظم ,مثل :أصل الدين ,أصل اللغة ,أصل القانون ,..أي أنها تعالج مشكالت األصول ,التي صدرت
عنها النظم االجتماعية .كما يهتم بالدراسة التتابعية Genetic studyإذ يحاول هذا االتجاه ,تتبع
نشأة الظواهر االجتماعية ,و تغيرها من حاالت بدائية ساذجة و بسيطة ,إلى أخرى معقدة و أكثر
تركيبا ,و من حالة التجانس إلى التباين ,و إيجاد العلل و األسباب ,التي توضح لنا كيف يحدث
التغير في النظم .حيث أكد بعض العلماء على سبيل المثال ,أن تطور األسرة كان وفق المراحل
المتتالية:
كما يرى أصحاب هذا اإلتجاه ,أن النظام اإلقتصادي للمجتمعات ,يمر عبر المراحل المتتالية:
و أن التكنولوجيا ,شهدت عصو ار ثالثة ,تعبر عن مراحل تطورها ,و انتقالها من مرحلة إلى أخرى,
وهي على التوالي:
قسم مورجان كل من المرحلة األولى و الثانية ,إلى ثالثة مراحل فرعية ,و تتولد كل مرحلة من هذه
و ّ
المراحل العامة و الفرعية ,بواسطة اختراع تكنولوجي عظيم .الحظ الشكل الموالي:
تطور المجتمعات
"and affinity of human famillyعام ,1871تناول فيه إعادة تركيب كل تاريخ الزواج و العائلة,
وبين أن كليهما ,تطور من الحالة األصلية للجنسية الجماعية (إباحة جنسية) إلى األسرة األمومية ,ثم
ّ
األسرة األبوية ,إلى المدنية حيث الزواج األحادي .Monogamy
وجهت جملة من االنتقادات إلى النظرية التطورية ,تبرز عيوبها و نقائصها ,و فيما يلي سوف
ّ
نلخص أهمها:
ّ
تبين لعلماء التاريخ ,و آثار ما قبل التاريخ ,أن ثمة مجتمعات تقدمت ,و قطعت شوطا بعيدا
في التقدم ,من دون أن تمر بتلك المراحل المفترضة عند التطوريون ,زد على ذلك ,تجاهل هذه
النظرية ,للتنوعات الهائلة للثقافات المختلفة ,فال يمكن بأي حال أن نرسم خطا ,و ندعي أن
كل المجتمعات ,قد عبرته ,فبعض الثقافات ,قد اندثرت ,و بعضها اآلخر تقدم ,و بذلك فالتتابع
غير حتمي.
اعتماد التطوريون على معلومات غير دقيقة ,جمعها الرحالة و المبشرون و التجار ,إلى جانب
االعتماد على التاريخ الظني و التخميني ,حيث لم يقدموا األسانيد و التفسيرات ,التي تدعم
أفكارهم حول التطور المتوازي للثقافات ,و المرتبطة بالتقدم الحتمي .إذ نجد مجتمعا مثل
االسكيمو في أالسكا ,قد انتقل من مرحلة الصيد ,إلى الزراعة المنظمة ,على نحو غير مماثل
لمجتمعات الشرق األوسط ,أو مصر مثال .و زيادة على ذلك ,افتقار هذه النظرية إلى
األسانيد ,التي تثبتها ,نظ ار لكون أصحاب هذه النظريات ,لم يقوموا بالدراسات الميدانية,
الختبار نظرياتهم هذه.
كشف األستاذ راد كليف براون ,عن نقطة الضعف الشديد في دراسة جنودM.Junodالتي
اقتصر فيها ,على جمع المعلومات المؤيدة لنظريته التاريخية ,حول الخال في مجتمع التونجا,
حيث قال أن الخال مسيطر تماما على توجيه ,و حماية ابن األخت ,و يقدم القرابين
واألضاحي ,إلى اآللهة حين يمرض طلبا للشفاء ,إضافة إلى أن ابن األخت يطالب ببعض
تركات خاله ,ما جعل جنوديتمسك بنظرية تطور المجتمعات األمومية ,و أسبقيتها على
المجتمعات األبوية .في حين وجد براون أن تلك المظاهر في التونجا ,التي يتخذها الخال تجاه
ابن األخت ,توجد أيضا في مجتمعات أبوية بحتة ,مثل مجتمع باتونجا ,Bathonga
الناما ,Namaفي بولينيزيا ,Polynesiaو في جزر فيجي ,ففي كل هذه المجتمعات ,نجد
الشواهد و العادات نفسها ,التي تدور حول الخال ,على الرغم من أنها مجتمعات ينتسب فيها
الطفل ,إلى زمرة أبيه ,ال إلى عشيرة أمه ,كما تورث فيها الملكية في خط الذكور(.)3
برز اإلتجاه النظري اإلنتشاري ,أو ما يعرف كذلك باالنتشار الثقافي ,في القرن ,19كرد فعل لالتجاه
التاريخي التطوري ,حيث انتقد اإلنتشاريون بشدة ,ما تم طرحه ,في إطار نظرية التطور االجتماعي,
مبرزين جوانب الضعف و القصور فيها ,قائلين " :إذا كان التطوريون يعتقدون ,أن الثقافة تتطور ذاتيا,
وأن المجتمع البشري ,ينتقل من مرحلة بسيطة ,إلى أخرى معقدة ,وأكثر تقدما ,بمجرد توفر العوامل
والشروط الكافية ,لظهور المرحلة الحديثة .فإن الحقيقة -يؤكد اإلنتشاريون -تتمثل في انتشار السمات
الثقافية ,بين المجتمعات المتباعدة ,أو القريبة ,التي تساعد على تهيئة الشروط الكفيلة ,إلحداث التغير
الثقافي ,أو االنتقال من مرحلة إلى أخرى" .و من ثم فقد ابرزوا أهمية ال تصال الثقافيCultural contact
أو التفاعل بين الجماعات االجتماعية ,و بالتالي انتقال السمات الثقافية ,من مجتمع إلى آخر.
و بناءا على ذلك ,فإن تماثل النظم االجتماعية ,و العادات في المجتمعات المختلفة ,ال ينشأ عن
النمو التلقائي ,الناتج عن اإلمكانيات االجتماعية و الطبيعية لإلنسان ,و إنما توصل إليها مجتمع واحد في
مكان معين ,و في فترة زمنية من تاريخيه ,ثم انتقلت بعد ذلك ,كل أو بعض سماته الثقافية ,إلى
المجتمعات األخرى .و مع ذلك فإن كال المدرستين التطورية و االنتشارية ,تهتم بالماضي ,بحيث عند
دراستهما للنظم تقومان بتتبع تاريخها.
إن المبدأ األساسي ,الذي تقوم عليه معظم نظريات اإلنتشار الثقافي ,هو إذا تساوت كل الظروف
االجتماعية ,فإن عناصر الثقافة ,ستتبناها أو تستعيرها أوال ,تلك المجتمعات القريبة من منابعها أو
مصادرها األصلية ,ثم تتبناها المجتمعات األبعد ,أو المجتمعات التي يكون احتكاكها المباشر بالمنبع
األصلي ,اضعف منه في حالة المجتمعات األخرى .و يستند هذا المبدأ ,إلى الحقيقة الواضحة التالية,
وهي أن انتشار أي سمة ثقافية ,يتطلب وجود عاملين معا ,هما :الحتكاك و الوقت (.)4
إذا افترضنا أن هناك ثالثة قبائل ,هي":أ"" ,ب"" ,ج" .بحيث أن القبيلة "ب" تتوسط القبيلتين "أ" و "ج",
يعني هذا أن القبيلة "ب" ,تحول دون احتكاك مباشر بينهما ,في حين أنها األقرب من القبيلة "أ" ,التي لو
افترضنا أن بعض السمات الثقافية ,تنتشر لعوامل معينة (هجرة أو تجارة )..من القبيلة "أ" إلى"ب" ,فإن
القبيلة "ج" ,سوف تحتاج مزيدا من الوقت ,حتى يقع اإلحتكاك ,أو لنقل تنتقل إليها ,سمات القبيلة "أ",
والعكس صحيح بالنسبة إلى القبيلة "ج" ,و احتكاكها بالقبيلة "أ" ,و بذلك نتوصل إلى أن القبيلتين:
"أ" و "ب" يتم بينهما احتكاك مباشر ,و بالتالي وقت أقصر النتشار السمة الثقافية.
"أ" و "ج" يتم بينهما احتكاك غير مباشر ,و بالتالي وقت أطولإلنتشار السمة الثقافية.
و بطبيعة الحال ,فإن هذا النموذج المقدم يمكن إسقاطه في الواقع ,كأن نعوض القبائل اإلفتراضية
"أ"",ب"",ج" ,بمجتمعات حقيقية ,لتكن مثال :مصر ,تونس ,الجزائر .و التدخين بالشيشة ,التي نجدها
منتشرة بكثرة في مصر ,في تونس مستعملة بشكل اقل ,فيما تقل عنهما في الجزائر .وسوف يتضح ذلك
أكثر ,إذا تمت اإلستعانة بخريطة ,لتحديد نوعية اإلحتكاك (مباشر /غير مباشر) و من ثم الوقت الذي قد
يستغرقه ,انتشار أي سمة ثقافية.و يمكن أن نضرب مثاال ,حول انتشار السمات الثقافية ,بين جماعتين أو
قبيلتينمتجاورتين ,عن أقزام إفريقيا االستوائية ,الذين يطلق عليهم تسمية ,Negrillosو هم يعيشون في
شمال شرق حوض الكونغو ,قرب منابع نهري النيل و الكونغو ,و جنوب شرق الكونغو ,و شمال زامبيا .و
يعتبر أقزام إفريقيا بقايا السالالت الزنجية( .)5كان هؤالء األقزام من قبل عراة كليا ,حتى النساء أيضا ,لكن
بعد احتكاكهم واختالطهم بقبائل البانتو ,لمدة زمنية ,قلّدوهم في بعض سماتهم الثقافية ,ببرد أسنانهم ,و
خزم أنوفهم ,و شفاههم ,لوضع قطعة أو حلقة من الحديد ,و أصبح األقزام يرتدون بعض األلبسة,
المصنوعة من أغصان و أوراق األشجار ,أو من جلود بعض الحيوانات ,و ذلك كغطاء للعورة فقط.
إن االتجاه النظري اإلنتشاري ,قد عرف منذ ظهوره في القرن ,19ثالثة مدارس رئيسية ,نوردها على
التوالي:
المدرسة البريطانية:
يمثلها إليوت سميث ,)1931-1871( E. Smithو تلميذه وليام بيري ,W.Berryو كذلك
ريفرز ,W.Riversوترى أن هناك مرك از رئيسيا للحضارة هو "مصر" ,التي عرفت الزراعة و بناء
األهرامات وعبادة الشمس منذ 5000سنة ق.م ,و منها انتقلت إلى كثير من الشعوب في أنحاء العالم,
هذه الشعوب التي عجزت عن االبتكار و االختراع ,فعوضت ذلك باالستعارة و التقليد .وبذلك عرفت هذه
المدرسة باسم "مدرسة المصدر الوحيد للثقافة" ,و هو ما جعلها تتلقى انتقادات الذعة ,بهذا الخصوص,
من طرف الكثير من أصحاب االتجاهات النظرية األخرى ,إذ أن التسليم بما ذهبت إليه هذه المدرسة,
يبرز تنحية صفة االبتكار و اإلبداع -التي هي من خواص العقل البشري-عن كل المجتمعات ,و
انحصارها في مجتمع واحد ,باعتباره المنتج للثقافة ,والمصدر األول لها ,إلى المجتمعات و الجماعات
االجتماعية ,عبر مختلف مناطق العالم.
المدرسة األمريكية:
"areasالمتجانسة جغرافيا ,واعادة بناء تاريخ المجتمعات المتجاورة ,و ركزوا على قبائل شمال أمريكا,
لتحقيق ذلك الهدف.
فرانس بواز)1942-1858( Franz Boas
و يعد ويسلرWisslerأول من صاغ نظرية المناطق الثقافية ,حيث تبين له من خالل دراسته ,للهنود
الحمر في أمريكا ,أن بعض العناصر الثقافية أو لنقل ثقافات ,تميل إلى التجمع في أقاليم معينة ,ولذلك
أطلق عليها ,تسمية المناطق الثقافية ,و أن لكل شعب من الشعوب أو القبائل ,منطقة ثقافية معينة ,تتميز
بالعناصر المميزة للمنطقة ,بدرجة قد تقل أو تكثر ,من شعب إلى آخر.
الثقافــــــــــة
نظم اجتماعية
أنماط ثقافية
سمات ثقافية
حاول أصحاب النظرية التطورية المحدثة ,تدارك إخفاق النظرية التطورية الكالسيكية ,حول التطور
االجتماعي ,للمجتمعات عبر التاريخ ,و التي تعرضت إلى انتقادات الذعة ,قللت إلى حد ما من أهميتها,
أما النظرية التطورية المحدثة ,و بخاصة في الحقل األنثروبولوجي ,فقد احتلت آراء أصحابها ,أهمية كبيرة,
على مستوى الدراسات األنثروبولوجية المعاصرة ,من أبرزهم :ليزلي هوايت ,Lesli Whiteجوليان ستيوارد
,Julian Stewardو جوردن تشايلد.Gordon Childe
و رغم أن تساؤالتهم جاءت مماثلة إلى حد كبير ,و الخطوط األساسية ألفكار التطوريين في القرن
, 19إال أنهم أضافوا إليها بعض التعديالت ,و األفكار وثيقة الصلة ,بميكانيزمات التغير ,و القوانين
العامة ,التي تحكم التغير الثقافي .إن التطورية الكالسيكية ,لم تربط عملية التطور االجتماعي ,بعوامل
معينة ,و تركته تلقائيا .أما التطورية المحدثة ,فقد ربطته على مستوى الثقافة ,بعوامل متعددة.
يتحدث هوايت Whiteعن مراحل التطور الثقافة ,التي يراها تنمو و ترقى ,تباعا الزدياد كمية
الطاقة ,و الكفاءة المتخصصة لهذه الطاقة ,بمعنى أن الخبرة اإلنسانية المتراكمة ,في مجال التحكم في
الطاقة ,هي عامل مهم ,للتطور الثقافي للمجتمع.
فيما يرى جوردن تشايلدGordon Childeأن الثورة التكنولوجيا و العلمية ,و كل التحوالت الكبرى في
التطور اإلنساني ,هي عوامل أساسية ,في تغيير النسيج الكلي للحياة الثقافية ,سواء على مستوى األبنية
االجتماعية ,أو السياسية ,أو التنظيمات األخرى.
ترتبط بنية المجتمع في األنثروبولوجيا ,بالتحليل الوظيفي ,ذلك أن الوظيفة في مجال األنثروبولوجيا ,يقصد
بها الدور الذي يلعبه النظام االجتماعي ,في البناء االجتماعي الشامل ,فالشعائر الجنائزية – في الواقع-
من حيث هي وظيفة اجتماعية ,تعبر عن الترابط الوجداني بين أفراد المجتمع ,ذلك التعبير الذي يؤكد
روابط التضامن ,التي تربطهم بعضهم ببعض .و من ثم يمكن النظر إلى شبكة البناء االجتماعي ,في
ضوء العالقات بين المراكز االجتماعية ,و األدوار االجتماعية .و بداية ,و حتى يمكن توضيح ذلك,
سوف نتناول النظرية الوظيفية ,ثم نتدرج إلى البناء االجتماعي ,فالبنائية الوظيفية.
-4-1النظرية الوظيفية:
انتقلت األنثروبولوجيا ,خالل مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية ,بدراسة الثقافة من العام إلى
الخاص ,وبمعنى آخر من دراسة الثقافة أو الحضارة اإلنسانية في مجملها ,إلى دراسة الثقافات اإلنسانية
في جزئياتها ,و كوحدات متنوعة ,لكل منها كيانه الخاص و المميز عن اآلخر ,سواء من حيث
تكوينهالتاريخي ,أو نظمه االجتماعية .و بذلك أبرزت الطابع النسبي للثقافة ,أي اختالفها عبر األماكن
عرفها
ّ والعصور ,و من ثم لم تعد الثقافة ,تفسر كما تناولها تايلور .Taylorحيث
مالينوفسكي Malinowskiو هو من رواد المدرسة الوظيفية ,بأنها " وحدة كلية ,يمكن تحليلها إلى أجزاء و
النظم المكونة لها ,و اخذ العالقات المتبادلة بين هذه األجزاء ,مع عدم إغفال عالقة ذلك ,بحاجات الكائن
البشري ,و البيئة الطبيعية ,و تلك التي من صنع اإلنسان"( .)6و قد أكد كذلك ,على أهمية النظرة
الوظيفية ,فإذا عرفنا وظيفة النظام ,فإننا نستطيع تفسيره وفهمه .ولذلك ,فإن الوظيفية تستخدم لإلشارة إلى
الحاجات األساسية ,أو االحتياجات التي ينبغي إشباعها ,حتى تستمر الجماعة في الوجود.
ونستطيع من خالل الوظيفية ,إدراك أن النظم تقام و تؤسس كأنماط سلوك ,تتواءم مع معايير وقيم
محددة ,فالوظيفية تتناول النظم كمفاهيم اجتماعية نفسية ,تستغني عن المشاكل المتعلقة باألصول
التاريخية ,و عمليات التغير ,كما أنها تشكل اتجاها محافظا ,متمي از في الفكر ,فكل شيء يثبت انه وظيفي
(له وظيفة) البد أن يكون ضروريا (له مكانة في المجتمع).
إن الوظيفيون ,ال يؤمنون بما يعرف بالتطور أو التغير ,و إنما يقولون بأن ثمة اختالالت وظيفية,
تصيب األنساق في المجتمع ,لكن سرعان ما يستعيد المجتمع توازنه ,عن طريق خلق بدائل
Alternativesإلعادة توازنه من جديد ,فما يسميه البعض "التغير" ,يسميه الوظيفيون "الخلل الوظيفي".
يعتبر فرانس بواز F.Boasمن أنصار المدرسة الوظيفية ,و قد انتقد االتجاه التطوري اإلثنولوجي
القديم ,الذي يدرس األصول ,التي تتعلق بالنظم االجتماعية ,عن طريق جمعالمعلومات ,و الظاهرات من
مختلف األزمنة ,و المجتمعات .و يقول أن الظواهر عند دراستها ,ال يجب أن تنتزع من سياقها ,و إال ال
يمكننا فهمها" .و يضرب مثاال فيقول ":إن ظاهرة تقديم الطفل كأضحية أو قربان ,عند بعض الجماعات,
قد نفهمها على أنها عملية قتلحال عزلها عن سياقها ,و لكنها من وجهة نظر البناء الثقافي ,التي هي جزء
منه ,فإنها تعبر عن معنى آخر ,و مغاير تماما ,لما قد يظهر" (.)7
و من ثم فالمدرسة الوظيفية ,تهتم بتوضيح وظيفة أي عنصر ,أو طقس من طقوس الثقافة,
وبالتالي فإن الباحث األنثروبولوجي ,يهتم بالبحث عن الوظيفة الحقيقية للسمة الثقافية ,و التي تكون حسب
ما ذهب إليه روبرت ميرتون R.Mertonكامنة غير ظاهرة ,و هي تختلف بالطبع عن تلك الوظيفة
الظاهرة و الواضحة للسمة الثقافية ,التي يدركها جيدا أعضاء المجتمع ,و قد ال تمثل هذه الوضعية
"الوظيفة الحقيقية لها" .و بذلك فإن الوظيفة الحقيقية ال تتضح لنا ,إال من خالل الدراسة األنثروبولوجية
الميدانية ,و التي تتجه اتجاها وظيفيا.
هذا ,و قد ساهمت نتائج الدراسات الميدانية األنثروبولوجية الحديثة ,و خصوصا التي تنتهج
الوظيفة كمنهج و نظرية ,ظهور مصطلح النسبية الثقافية .فبعد أن كان األنثروبولوجيون األوائل ,يهدفون
إلى تحقيق علم عام لإلنسان ,و اكتشاف القوانين االجتماعية ,التي تحكم عملية تطوره ,و من ثم الوصول
إلى تعميمات عن الجنس البشري ,و ذلك من خالل مقارنة المعلومات ,التي تتعلق بمدى التنوع البشري,
في الماضي و الحاضر ,و بدال من كل ذلك ,أصبح العلماء ,يركزون على دراسة ثقافات جزئية محددة,
وفي هذا الصدد ,قدمت روث بنديكت Ruth Benedictعدة دراسات تؤيد فيها فكرة النسبية الثقافية ,و قد
هامتين)8(: أوضحت من خاللها ,نقطتين
إن الثقافات تختلف من مكان ألخر ,و أن هناك تنوعا ثقافيا كبيرا.
عدم وجود مطلق ,ألن المبادئ التي قد نستخدمها للحكم على السلوك ,أو أي شيء آخر ,تعتبر
نسبية ,و مرتبطة بالثقافات التي نشأنا فيها.
يعرف البناء االجتماعي في قواميس األ نثروبولوجيا بأنه ":نسيج يتكون من العالقات ,التي تربط
ّ
بين أعضاء مجتمع ما" .و في آخر ":يتكون ذلك النسيج من العالقات ,التي تربط بين الجماعات
اإلنسانية ,في مجتمع ما".
و يذكر العالمة ايفانز بريتشارد في مؤلفاته بان البناء االجتماعي هو ":الجماعات االجتماعية ,المستمرة
في الوجود لوقت كاف ,بحيث تستطيع االحتفاظ بكياناتها كجماعات ,رغم التغيرات التي تحدث لألفراد,
الذين يكونون تلك الجماعات".
و يقول العالمة كيسينج ":Kessingيقصد بالبناء االجتماعي ,النظم االجتماعية ,التي عن طريقها تصل
مجموعة من السكان ,إلى حالة التكامل و الترابط ,و هي الحالة الالزمة لتكوين المجتمع".
و يرى راد كليف براونأن المالحظة المباشرة تكشف أن األفراد ,إنما يرتبطون معا بشبكة من العالقات
االجتماعية ,القائمة بالفعل ,و هي التي تكون البناء االجتماعي ,و هي موضوع األ نثروبولوجيا
االجتماعية .و يضيف براون أن البناء االجتماعي ,يشتمل على ثالث 03مجموعات من الظواهر,
هي)10(:
الجماعات االجتماعية المستمرة في الوجود ,لفترة كافية من الزمن ,و تعرف هذه باألشكال
المورفولوجية للمجتمع اإلنساني ,و هي أشكال تكتل اإلنسان ,في وحدات اجتماعية مختلفة ,قي
الحجم و الوظيفة.
كل العالقات االجتماعية بين فرد و آخر ,من أعضاء مجتمع ما.
ظواهر التنوع بين أفراد و جماعات مجتمع ما.
األول :االستمرار في الزمن ,و يصدق ذلك على الجماعات و العالقات االجتماعية ,التي تؤلف البناء
اإلجتماعي.
الثاني:إن العالقات الثابتة المستمرة ,التي تقوم بالضرورة بين الجماعات المتماسكة ,التي ينقسم إليها
المجتمع الواحد ,تتخذ شكل انساق و نظم ,و تلعب دو ار هاما ,في الحياة اإلجتماعية ,بمعنى :أنها تؤدي
وظيفة اجتماعية معينة ,كما هو شأن عالقات القرابة ,و العالقات السياسية ,و العالقات االقتصادية.
لقد تطور االتجاه النظري البنائي الوظيفي ,إلى حد بعيد ,على يدي كبار األنثروبولوجيين,
وبخاصة البريطانيين منهم ,نذكر من بينهم :سير هنري مين ,ماكلينان ,راد كليف براون ,فقد درس هؤالء
العلماء النظم اإلجتماعية دراسة وظيفية ,و سوف نلخص فيما يلي أهم دراساتهم.
-درس هنري مين H.Meanالظواهر االجتماعية ,في ضوء ظواهر اجتماعية أخرى ,مثل العالقة
بين القانون و الدين و األخالق ,و تأثير القانون في الظروف التاريخية المختلفة,
-و ّبين السويسري باخوفن في كتابه " حق األم " ,أن ظاهرة سيادة األم في األسرة ,ال يمكن فهمها,
و دراستها كظاهرة معزولة ,بانتزاعها عن غيرها ,من سائر الظواهر االجتماعية األخرى.
فسر ماكلينان النظم االجتماعية ,استنادا إلى ظاهرة الزواج االغترابي Exogamyحيث ّبين أن
-و ّ
للنظام الطوطمي ,عداوة الدم ,اآلخذ بالثار ,وأد البنات ,عالقة بظهوره ,فيربط بينها ,في تسلسل
القضايا المنطقية ,التي تؤلف فيما بينها نسقا برهانيا ,بحيث تكون كل قضية منها ,نتيجة لقضية
سابقة ,ومقدمة لقضية الحقة.
-أما راد كليف براونيرى أن البناء االجتماعي ,يمثل موضوع األنثروبولوجيا اإلجتماعية ,و هو
يستبعد الدراسة الوصفية للثقافة ,ويطالب بالتركيز على العالقات المتبادلة المكونة للبناء
اإل جتماعي ,و الذي يمثل حسبه" شبكة العالقات االجتماعية الفعلية التي تقوم بين األفراد" .فالبناء
يكون من العالقات الثنائية ,كالعالقة بين األب و االبن ,أو بين
القرابي آلي مجتمع – مثالّ -
الخال و ابن األخت ,و ال يقتص البناء اإلجتماعي على هذه العالقات فحسب ,و إنما يتضمن
أيضا ,ذلك التمايز بين األفراد و الطبقات ,بحسب أدوارهم اإلجتماعية.
ميز راد كليف براون ,بين البناء اإلجتماعي من حيث هو صورة بنائية ,خاضعة للمالحظة
هذا ,و ّ
المباشرة ,و بين كونه بناءا واقعيا .فيقول:
" إذا نظرنا إلى استمرار و دوام البناء اإلجتماعي خالل الزمن ,فاستمرار هذا البناء ,ال يكون
استم ار ار استاتيكيا كبناء البيت ,و إنما يكون استم ار ار ديناميكيا ,تتغير و تتجدد فيه الحياة
اإلجتماعية ,كما يتجدد البناء العضوي بالنسبة للكائن الحي .و هكذا نجد أن العالقات الواقعة بين
األفراد و الجماعات ,تتغير من عام آلخر ,و من يوم آلخر ,فيدخل في المجتمع أفراد جدد ,عن
طريق الميالد و الهجرة إليه ,في حين يخرج آخرون بالموت أو الهجرة أو النزوح عنه"(.)11
فعندما يتغير البناء الواقعي بهذه الطريقة ,تظل الصورة البنائية العامة ثابتة نسبيا ,لفترة قد تطول
أو تقصر عبر الزمن.
لقي االتجاه النظري البنائي الوظيفي ,انتقادات شديدة ,من جانب عدد من علماء األنثروبولوجيا ,نلخصها
فيما يلي:
-ال يظهر االتجاه البنائي الوظيفي ,الجانب التطوري للنظم اإلجتماعية ,ألنها خاضعة لتطور
وتغير مستمرين.
تكون؟) ,و هو ما أهمله هذا االتجاه
-لفهم المجتمع البد من الرجوع إلى تاريخه (كيف نشأ و ّ
النظري.
-اعترض العالم البريطاني فورتس ماير Fortes Mayerعلى فكرة البناء اإلجتماعي ,حسب
رادكليف براون ,حيث قال " :ال يمكن للبناء اإلجتماعي ,أن يخضع للرؤية العينية المباشرة ,و
إنما ينكشف عن طريق المقارنة و اإلستقرار ,و أن اصطالح البناء الصوري ,هو اصطالح عام
غير محدد ,ألن Formأو صورة ,هي كلمة مرنة شاع استخدامها عند الكثيرين ,دون أي تحديد
لها.
-5النظريات الحتمية:Determinism
تركز النظريات الحتمية في تفسير عمليات التغير اإلجتماعي ,أو نشوء ظواهر اجتماعية معينة,
على عامل محدد (العامل االقتصادي ,العامل الجغرافي ,العامل التكنولوجي ,)..واعتباره المؤثر الوحيد,
والعامل الرئيسي ,المتحكم في بروز الظاهرة ,أو تطورها ,أو تغيرها ,فاصطلح عليها لذلك بالنظريات
العاملية .و يشرح ماكيفر Mc Ivreمعنى الحتمية في قوله ":نحن نعني بالنظريات الحتمية أي مذاهب
و هو المادية"(.)12 تفسير السلوك اإلنساني و التغيرات فيه ,تفسي ار أوليا بالظروف البيئية و الخارجية و
في تعريفه هذا ,يحدد النظريات الحتمية ,في العوامل الخارجية و المادية المنفصلة عن ذات اإلنسان ,فيما
يوسع آخرون نطاقها ,لتشمل العوامل السيكولوجية ,البيولوجية و الوراثية أيضا.
علما أن فكرة الحتمية هذه ,قد هيمنت منذ آالف السنين (العصر القديم) مع فالسفة اليونان ,على
الفكر اإلجتماعي ,حتى ظهرت النظريات التي تعتمد تفسيراتها ,على أكثر من عامل ,بعدما تبين أن
الظاهرة اإل جتماعية ,مركبة بطبيعتها ,من عوامل متعددة و متداخلة ,و ال يمكن بأي حال التركيز على
عامل بعينه ,و اعتباره األساسي و الحاسم ,في نشأة الظواهر ,وتطورها أو اندثارها .و سوف نتناول فيما
يلي اثنين من أهم النظريات الحتمية ,التي أثرت بقوة في الحقل األنثروبولوجي ,وهي على التوالي الحتمية
الجغرافية ,و كذلك الحتمية اإلقتصادية.
-5-1الحتمية الجغرافية:
تعرف نظرية الحتمية الجغرافية كذلك ,باسم االيكولوجيا الثقافية ,و "هو مفهوم مستعار من
علم األحياء (البيولوجيا) ,و يعنى بدراسة العالقات القائمة بين الكائنات الحية و البيئة ,أما في علم
االجتماع و األنثروبولوجيا ,يقتصر استخدام مصطلح "ايكولوجيا" ,على دراسة العالقات القائمة ,بين
المجموعات البشرية ,وبيئاتها .وتتفق كل التعريفات ,على هذه الخاصية الجوهرية لمجال الدراسة"(.)13
وتفسر نظرية الحتمية الجغرافية التغير االجتماعي ,على انه استجابة للعوامل الجغرافية ,مثل :المناخ,
ّ
التربة ,الموقع و ما إلى ذلك من الحقائق الجغرافية .ولإلشارة فإن هذا اإلتجاه النظري ,حديث نسبيا في
الحقل األنثروبولوجي ,نجد من أقطابه كل من:
و هم يركزون في دراساتهم ,على العالقة الدينامية المتبادلة ,بين اإلنسان و البيئة الطبيعية التي يعيش
فيها ,و من ثم فإنهم يبحثون عن عمليات التكيف ,التي تؤدي إلى ظهور صيغ
ثقافية CulturalConfigurationsمتباينة.
مهدوا لهذا االتجاه ,كانوا من الجغرافيين القدامى ,مثل ابن خلدون (1406 -1332م)ومعظم الذين ّ
في مقدمته ,التي تناول فيها اثر البيئة الطبيعية ,على طباع البشر و مزاجهم" .و اليعقوبي(القرن 10م)
الذي درس في كتابه " أحسن التقاسيم في معرفة األقاليم " النواحي اإلقتصادية و التضاريسية .وابن حوقل
( 977م) الذي ربط بين المناخ و الظواهر الجغرافية ,و تأثيرها على اإلنسان في كتابه "صورة األرض".
أما في أوروبا فقد برز كل من جان بودان ( 1530-1596م) الذي ربط بين المناخ و طبائع البشر ,في
كتابه "كتب الجمهورية الست" .و مونتسكيو ( 1679-1755م) الذي كان متحمسا لمبدأ الحتمية
الجغرافية ,إذ حاول الربط بين المناخ و التربة و طبائع البشر ,فاعتبر اإلنسان كائنا يقابله المناخ و التربة,
و كان يعتبر أن المناخ ال يشتمل على غير الح اررة ,و أن التربة في نظره تقتصر على الخصوبة والجدب,
مهد لهذا االتجاه كذلك,
و على هذه الركائز حاول مونتسكيو تحديد صفات البشر و أخالقهم"( .)14كما ّ
األنثروبولوجيون ذوي الميول الجغرافية ,و ذهبوا إلى توضيح اثر البيئة الجغرافية ,في تشكيل و تطور
الثقافة .و هم يحددون لنا نوعين من التكيف :التكيف اإلنساني مع الطبيعة ,و التكيف الثقافي.
و يقصد به التكيف البيولوجي ,Biological Adaptaionو هو يعتمد على قدرة الجسم البشري ,على
التكيف بذاته بيولوجيا ,مع بيئات معينة .ومن أمثلة ذلك:
إن سكان جبال األ نديز بأمريكا الجنوبية ,يعيشون على ارتفاعات شاهقة ,و لكنهم يحيون حياة
طبيعية ,حيث أن نسبة الهيموجلوبين في رئاتهم ,تزيد عن المعدل العادي بمقدار مرة و نصف ,باإلضافة
إلى قوة رئاتهم مقارنة مع أولئك الذين يعيشون على مستوى سطح البحر ,في حين نجد أن هؤالء ,يشعرون
بالدوار و صعوبة التنفس ,و عدم القدرة على التركيز ,بسبب نقص األكسجين ,ألنهم لم يتعودوا على هذه
االرتفاعات ,و بالتالي لم يتمكنوا من التكيف معها .أما سكان مرتفعات األنديز ,عندما ينزلون في أماكن
بمستوى سطح البحر ,مثل منطقة البيرو ,فنجدهم يعانون من زيادة كمية خاليا الدم ,و زيادة نسبة
أحماض الجسم العامة .و بهذا فإن التكيف الناتج في إحدى البيئات ,قد يصبح نقطة ضعف ,في بيئة
أخرى.
كذلك" ,إذا كان اإلنسان يعيش في بيئة جبلية ,يكون تأثيرها باإليجاب على تقوية عضالت الرجلين ,..أما
إذا كانت بحرية ,فإنها تقوي عضالت اليدين"(.)15
و ذلك من خالل بناء الثقافات ,حيث يمكن لألفراد أن يتخطوا معوقات البيئة ,التي يعيشون فيها,
بفضل الثقافة ,و التي تشمل كل منتجات و ابتكارات العقل البشري ,فالمالبس مثال ,تمكنهم من
المعيشة في مناطق ,لم يكن بإمكانهم العيش فيها من قبل ,فالمناطق الباردة و المثلجة ,تتطلب من
األفراد ارتداء مالبس صوفية سميكة ,حتى تدفئ أجسامهم.
كما أن تطور التكنولوجي ,قد عمل على تناقص تأثير العديد من الظواهر الطبيعية ,على أنماط الحياة
البشرية ,فاألفراد في مجتمعات ما قبل الصناعة ,كانوا يعتمدون على الشمس كمصدر وحيد لإلضاءة,
أو على ضوء القمر ليال ,فأنشطتهم اليومية -في العادة -تحكمها دورة الليل و النهار ,بينما يسمح
الضوء الصناعي( اإلنارة ) للبشر ,بمد نطاق نشاطاتهم ,طوال اليوم.
-5-2الحتمية القتصادية:
اعتبر بعض العلماء في الحقل األنثروبولوجي ,أن العامل اإلقتصادي هو الوحيد ,الذي يفسر الحياة
اإلجتماعية ,و التغير اإلجتماعي بشكل عام ,و "من أنصار هذا اإلتجاه سان سيمونS.Simonالذي
عاش في القرن ,18و شهد الثورة الصناعية الكبرى ,و كان أول المفكرين الذي تنبأ بتأثير التنمية
اإلقتصادية و التكنولوجية ,على التنظيم اإلجتماعي ,حيث تبنى سان سيمون شعا ار مؤداه " كل شيء
مناجل الصناعة "( .)16و هذا نظ ار لما خلفته الثورة الصناعية و التكنولوجية ,من تغير في التنظيم
اإل جتماعي للمجتمع ,كظهور الفردانية ,و نمو نسق العلم و العقالنية ,و بالتالي تراجع األفكار المثالية
والالهوتية ,ظهور نمط األسر النووية ,في المجتمعات التقليدية و المحافظة..الخ.
طور الفيلسوف اإلشتراكي األلماني كارل ماركسKarl Marxهذه و في منتصف القرن ّ ,19
النظرية ,متخذا طروحات المفكرين من قبله ,عناصر أساسية لفلسفته .حيث "رفض فكرة أن األفراد أوالدين
أو العوامل األخرى ,من تسبب التغيير السياسي في المجتمع ,و حاول بدال من ذلك ,توضيح أن التغييرات
السياسية ,ال تنتج إال عن التغييرات ,في كيفية إنتاج المجتمع للبضائع و الخدمات و توزيعها .فقد اعتقد
ماركس أن األنظمة السياسية للمجتمعات الرأسمالية ,نتجت عن نمو المصانع ,والتطورات اإلقتصادية
األخرى .كما يشار بالحتمية اإلقتصادية ,إلى نظرية ماركس حول الصراع الطبقي ,الذي يعده حتميا"(.)17
يكون بنيته الطبقية ,وذلك أن الطبقة ذات القوة ويرى ماركس أن النظام اإلقتصادي للمجتمع ,من ّ
اإل قتصادية األكبر ,تمتلك القوة السياسية األكبر ,إذن فالطبقات ذات القوة السياسية القليلة ,ال تستطيع أن
تكتسب القوة ,إال بوساطة تغيير النظام اإلقتصادي .و من ثم فإن العامل اإلقتصادي حسبه ,هو" العامل
األساسي ,في تحديد بناء المجتمع ,و تطوره"(.)18
-1إبراهيم مذكور وآخرون ,معجم العلوم اإلجتماعية ,الهيئة المصرية العامة للكتاب ,1975 ,ص
151
-2يحي مرسي عيد بدر ,أصول علم اإلنسان -الجزء األول ,دار المعرفة الجامعية -اإلسكندرية,
,2007ص 173
-3المرجع نفسه
-4حسين عبد الحميد احمد رشوان ,األنثروبولوجيا في المجالين النظري و التطبيقي ,دار المعرفة
الجامعية -اإلسكندرية ,ط ,2009 ,2ص22
-5علي وهب ,الجغرافيا البشرية ,المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع -بيروت ,ط,1
,1986ص134
-6حسين عبد الحميد احمد رشوان ,مرجع سابق ,ص27
-7المرجع نفسه ,ص 28
-8المرجع نفسه ,ص ص 29-28
-9المرجع نفسه31 ,
-10المرجع نفسه33 ,
-11المرجع نفسه
Http:// hamdisocio.blogspot.com
أ -المصادر:
-1مقدمة العالمة ابن خلدون ,دار الرائد العربي -بيروت ,ط 1982 ,5
ب -المراجع:
-1إبراهيم مذكور وآخرون ,معجم العلوم اإلجتماعية ,الهيئة المصرية العامة للكتاب1975 ,
-2احمد أبو زيد ,البناء اإلجتماعي -مدخل لدراسة المجتمع ,الجزء األول المفهومات ,الدار القومية
للطباعة و النشر -اإلسكندرية1965 ,
-3احمد بن نعمان ,نفسية الشعب الجزائري ,شركة دار األمة – برج الكيفان ,الطبعة الثانية1997 ,
-4حسين عبد الحميد احمد رشوان ,األنثروبولوجيا في المجالين النظري و التطبيقي ,دار المعرفة
الجامعية -اإلسكندرية ,الطبعة الثانية2009 ,
-5حسين فهيم ,قصة األنثروبولوجيا – فصول في تاريخ علم اإلنسان ,عالم المعرفة ( )98شباط,
الكويت1986 ,
-6زكي محمد حسن ,الرحالة المسلمون في العصور الوسطى ,كلمات للنشر و التوزيع -القاهرة,
2013
شروخ ,مدخل في علم االجتماع ,دار العلوم للنشر و التوزيع-عنابة2005 ,
-7صالح الدين ّ
-8عبد الناصر جندلي ,تقنيات ومناهج البحث في العلوم السياسية و االجتماعية ,ديوان المطبوعات
الجامعية -الجزائر2005 ,
-9علي الجباوي ,األنثروبولوجيا -علم اإلنسان ,جامعة دمشق1997,
-10علي فهمي خشيم ,نصوص ليبية ,دار مكتبة الفكر -طرابلس1967 ,
-11علي محمد المكاوي ,األنثروبولوجيا الطبية (دراسات نظرية و بحوث ميدانية) ,دار النصر
للتوزيع والنشر -القاهرة( ,د.ت)
-12علي وهب ,الجغرافيا البشرية ,المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع -بيروت ,ط,1
1986
-13عيسى الشماس ,مدخل إلى علم اإلنسان ,منشورات اتحاد الكتّاب العرب -دمشق2004 ,
-14محمد احمد بيومي ,المجتمع و الثقافة و الشخصية (دراسة في علم االجتماع الثقافي) ,دار
المعرفة الجامعية-اإلسكندرية1986 ,
-15محمد عبده محجوب ,مقدمة في االتجاه السوسيو أنثروبولوجي ,الهيئة المصرية العامة للكتاب-
اإلسكندرية1977 ,
-16محمد عبده محجوب ,األنثروبولوجيا االجتماعية (دراسات نظرية و تطبيقية) ,دار المعرفة
الجامعية -اإلسكندرية2008 ,
-17محمد مؤنس ,الحضارة – دراسة في أصول وعوامل قيامها وتدهورها ,عدد كانون الثاني ,عالم
المعرفة -الكويت1978 ,
-19فايز مقدسي ,مناهج التعليم السومرية -البابلية منذ األلف الثالث ق.م ,مجلة المعرفة ,العدد:
,558و ازرة الثقافة السورية ,آذار 2010
-21يحي مرسي عيد بدر ,أصول علم اإلنسان -الجزء األول ,دار المعرفة الجامعية-
اإلسكندرية2007,
Http:// hamdisocio.blogspot.com
الحتمية اإلقتصادية-12
Http:// www .marefa.org