You are on page 1of 296

@

@
@
@
@
@
@

@
<êiçfl’Ö]< ÓËjÖ]
@

@
@ðmí—Üa@ÙÑnÜaOlbnÙÜa@çaíåÈ
@×a‹ÉÜa@À@óïi‹ÉÜa@öbáÝÈ@‡åÈ
@ðáïánÜa@|ïj–@N†OÒÜü¾a
@@RPQS@M†a‡Íi@M¶ìÿa@óÉj(Üa
@óàbÉÜa@óïÐbÕrÜa@çìü“Üa@Ša†@Z0ÑÜa@xa‹‚ýaì@@|ïz—nÜaì@óïäì6ÙÜýa@óÈbj(Üa
@

@ @

@ Z@çaíåÉÜa
@ USWSSPW@Òmbè@M bÑïy@ËŠb’@–@†a‡Íi@–@×a‹ÉÜa@M óÐbÕrÜa@òŠaŒì
@ baghdad 2013 @mocul. gov. iq@ðäì ÙÜýa@‡îÜa
All rights reserved . No part of this book may be reproduced, stored in a retrieval system, or
transmitted in any form or by any means without prior permission in of the publisher .
;<+ ; =>           !   " #   $% &' ()*+ ,- ./0 1 : 3456 7 89:
@ @N@?%  @  AB

@
<

<
<ê{içfl’Ö]< ÓËjÖ]
<
@@×a‹ÉÜa@À@óïi‹ÉÜa@öbáÝÈ@‡åÈ

<êÛéÛjÖ]<xéf‘<J


  –   
RPQS@òîi‹ÈÛa@òÏbÔrÛa@òà–bÇ@†a‡Ìi@Êë‹“ß@paŠa‡–a@åß
@
@
@Z@öa‡èfia

@Z¶g
@
Z@la6Ìýa óÝyŠ@À@lŠş‡Üa@óÕïЊ@@
@
@‡á«@ãc
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫ الحمد لله وسالم عىل عباده الذين اصطفى ‬

‫املقدمة‬
‫رضورة دراسة تراثنا اللغوي بمستوياته كافة‪ ،‬قادتني إىل هذه السلسلة اللغوية التي‬
‫خلفـه لنـا علمـاء‬
‫ّ‬ ‫كانت تحمل يف األصل ْ‬
‫اسم " التفكري اللغوي عند العرب " لدراسة ما‬
‫العربية يف العراق من مؤلفات متكاملة يف ميادين الصوت‪ ،‬والداللة‪ ،‬والصناعة املعجمية‪،‬‬
‫القـراء دون َ ْ‬
‫سـرب غورهـا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أو آراء مبثوثة يف بطون الكتب‪ ،‬ممـا ّ‬
‫يمـر عليـه كثـري مـن‬
‫والتحقـق من مقاصدها‪ّ ،‬‬
‫كل ذلك من أجل الكشف عن تفكـري أسـالفنا يف هـذه البقعـة‬ ‫ّ‬
‫املبكـر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ونتائجه يف هذه امليادين اللغوية يف ذلك العهد‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫مرض‪ُ ْ ّ ،‬‬
‫حددت بيئة البحث مكانـا‪،‬‬ ‫ومراعاة للحرص والتدقيق يف البحث‪ ،‬وتقديم عمل ُ ْ‬
‫َ‬
‫مبتغى الدراسات الوصفية الحديثة ‪:‬‬ ‫وزمانا‪ ،‬ومستوى‪،‬وهو‬
‫فمكانه " العراق " البلد الذي ضم ّ " البرصة‪ ،‬والكوفة‪ ،‬وبغداد " عواصم العلم اللغوي‬
‫– آنذاك ‪ ،-‬وعلماء هذه املدن الذين أثبتوا الدرس اللغوي‪ّ ،‬‬
‫ودونوه‪ ،‬ونقلوه إىل غريهم‪.‬‬
‫رغب َ يف العلم‪ ،‬وما نجد َ َ‬
‫علما ً من أعـالم العربيـة إال وقـد‬ ‫فهذا املكان هو َ ْ ُ‬
‫قـصد َمن ْ َ ِ‬
‫خـلفوه من تراث‪.‬‬ ‫أخذ من علمائه مبارشة‪ ،‬أو ّ‬
‫مما ّ‬
‫ومـن ْ وفدوا عليه‪،‬‬
‫َ‬ ‫وسيقترص البحث عىل تراث علماء اللغة يف العراق‪:‬مولدا‪ ،‬ونشأة ً‪،‬‬
‫ضـمهم إىل علمـاء العـراق‪ّ .‬‬
‫أمـا علمـاء التجويـد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تـسوغ لنـا‬ ‫وأقاموا فيه ّ‬
‫مدة طويلة‪،‬‬
‫واملناطقة‪ ،‬والبيانيون‪ ،‬والفالسفة فعىل الرغم مما ّ‬
‫قدموه من تراث صـوتي أصـيل فهـم‬
‫خارج ميدان هذه الدراسة‪.‬‬
‫‪٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫هجريـــان( زمـان اكتمـال الدراسـات‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أما زمانه ‪ :‬فهما )القرنان الثالث والرابـع ال‬
‫اللغوية ونضجها عند العرب‪ ،‬وأغلب ما جاء بعده فهـو مـن قبيـل الـرشح‪ ،‬والتنظـيم‪،‬‬
‫والتهذيب‪ ،‬واالختصار أما املستوى فهو فـصيح الكـالم املنطـوق الـذي وصـفه علمـاء‬
‫العربية يف العراق‪.‬‬
‫ومنهج الدراسة قسم بما هو آت‪:‬‬
‫الرتكيز عىل عناية علماء العربية باأللفاظ مفـردة مـن حيـث نطقهـا‪ ،‬ومـا‬ ‫‪-١‬‬
‫يرتتب عىل هذا النطق من أقرتان أو افرتاق‪.‬‬
‫والتـدرج‬
‫ّ‬ ‫التتبع التاريخي للقضايا املطروحة ابتداء من اوائـل القـرن الثالـث‬ ‫‪-٢‬‬
‫معها حتى نهاية القرن الرابع‪ ،‬وذلك بذكر أبرز آراء علماء هـذه الفـرتة‪ ،‬مـع‬
‫ّ‬
‫التقدم أحيانا إىل القرن الثـاني للوقـوف عـىل جـذور معالجـة كـل قـضية‪.‬‬
‫وستكون سنة الوفاة أساسا ً لتحديد علماء فرتة الدراسة‪.‬‬
‫ّ‬
‫صـحة اآلراء‬ ‫اعتماد النقل املبارش من كتب علماء الفـرتة مـن أجـل ضـمان‬ ‫‪-٣‬‬
‫املنسوبة لهم‪.‬‬
‫* *‬ ‫*‬

‫وعنايتنا بهذه الدراسة الصوتية متأتّية من‪:‬‬


‫كون اللغة ما هي اال ّ تجمعات صوتية تنسج قي قوالب لغوية وبهذا ّ‬
‫فإن علـم‬ ‫أ‪-‬‬
‫األصوات أصل للعلوم اللغوية‪ ،‬وال يمكن دراسة هذه العلوم من "رصف‪ ،‬ونحو‪،‬‬
‫وجوانب داللية‪ ،‬ولهجات‪ ،‬وكيفيات النطـق الـسليم‪ ،‬ورصـد عيوبـه‪ ،‬وتعلـيم‬
‫اللغات إال ّ بعد دراسة أصوات اللغة"‪.‬‬
‫ب‪ -‬الجهود الضخمة التي بذلها علماء العربية يف العراق يف هذا امليدان بعد إدراكهم‬
‫ألهمية نتائجه إىل دراسة العلوم اللغوية‪ ،‬والتي وصلتنا ضمن تراث صوتي كان‬
‫ومازال مرجعا ً دراسيا ً مهما ً للكشف عن النظام الصوتي العربي‪.‬‬

‫‪V‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫األسبقية الرائعة التي ّ‬


‫سجلها علماؤنا يف نتائج دراساتهم الصوتية والتي شهد‬ ‫ج‪-‬‬
‫لها املنصفون من علماء اللغة الغربيني‪ ،‬عىل الرغم من حرمان عهـودهم املوغلـة يف‬
‫القدم من الوسائل واإلمكانات املساعدة يف الدراسة‪ ،‬إذ ْ لم يكن أمامهم إال ّ التجـارب‬
‫النطقية الخاصة‪ ،‬واملالحظات الذاتية‪ ،‬وتسجيل االنطباعات الشخصية مرئية كانـت‬
‫أو مسموعة‪.‬‬
‫الذكي لعنارص ميدان دراستهم الصوتية )علم األصوات النطقي(‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ – ٤‬اإلدراك‬
‫‪ -‬فقد ّ‬
‫حددوا أصوات اللغة العربية من صوامت‪ ،‬وأنـصاف صـوامت‪ ،‬وصـوائت تحديـدا ً‬
‫يكشف بصورة جيدة عن األصوات األساسية‪ ،‬وكذا الفرعية التي نطقت عىل املـستويات‬
‫اللهجية ومن ثم تعيني مخارجها‪ ،‬وصفاتها‪ ،‬وهي دراسات تندرج تحت مـا يعـرف األن‬
‫بـ"الفوناتيك"‪.‬‬
‫ّ‬
‫وتجمعها يف قوالـب لفظيـة كـاإلعالل‪،‬‬ ‫‪ -‬ورصدوا الظواهر الناتجة عن اقرتان األصوات‬
‫واإلبدال‪ ،‬واإلدغام‪ ،‬والتوافق الحركي واملخالفة‪ ،‬ومعرفة ما يجوز اقرتانـه وائتالفـه مـع‬
‫األصــوات األخــرى‪ ،‬ومــا لــم يقــرتن‪ .‬وهــي دراســة تنــدرج تحــت مــا يعــرف اآلن‬
‫بـ)الفونولوجيا(‪.‬‬
‫ويرى املحدثون من الغربيني أن ّ الفوناتيك والفونولوجيا فرعان يكمل أحدهما اآلخر‪،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وبـهما تتم دراسة بنية النظام الصوتي للغة‪.‬‬
‫وهذا ما فعله علماء العربية يف العراق‪ ،‬وأتحفونا بنتائج دقيقة جاءت ضـمن مـنهج‬
‫بـعد إىل ّ‬
‫حد كبري عن التفسريات الفلسفية‪ ،‬والتأويالت املنطقية التي زخرت‬ ‫وصفي عام َ ُ‬
‫بها فروع علم اللغة األخرى‪.‬‬
‫ّ‬
‫توصل‪.‬‬ ‫‪ -٥‬وسيتم عرض كثري من األفكار الصوتية وربطها بما‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وقد رسمت هذه الدراسة بتوطئة عامة للسلسلة كاملة‪ ،‬وثالثة فصول صوتية ‪:‬‬
‫ْ ُ‬
‫أفردت أولها لنتائج التفكري الـصوتي يف القـرن الثـاني للهجـرة‪ ،‬ومـصادر الدراسـة‬ ‫ــ‬
‫الصوتية عند العرب‪ ،‬ومنهجهم العام فيها‪ ،‬ألنه األساس الذي اعتمـدت عليهـا دارسـات‬
‫القرون الالحقة‪.‬‬
‫ّ ْ ُ‬
‫وخصصت ثانيها لدراستهم يف تحديد األصوات‪ ،‬ومخارجها‪ ،‬وصفاتها‪.‬‬ ‫ــ‬
‫ــ وجعلت ثالثها لتعليالتهم الصوتية يف ظواهر اإلعـالل‪ ،‬واإلبـدال‪ ،‬واإلدغـام والتوافـق‬
‫الحركي‪ ،‬والتخالف‪.‬‬
‫ــ وختمت هذه الدراسة بأبرز معاملها‪ ،‬وماجاء فيها من جديد يف ّ‬
‫مادتــه‪ ،‬أو يف أسـلوب‬
‫عرضه‪.‬‬
‫* * *‬

‫هذه الدراسة ‪:‬‬


‫إذا كانت الدراسات الصوتية التي سبقتنا قد ّ‬
‫ركزت عىل دراسة الخليل وسيبويه يف القرن‬
‫الثاني‪ ،‬ومن ثم االنتقال مبارشة إىل دراسة ابن ّ‬
‫جني يف نهاية القرن الرابـع وهـي قفـزة‬
‫كبرية عىل إنتاج أكثر من اربعني عاملا ً يف الدراسات الصوتية والداللية واملعجمية‪ ،‬فما بني‬
‫مما ّ‬
‫خلفه الخليل وتلميذه سيبويه أساسا ً انطلقـت منـه‪ ،‬مـسايرة ً‬ ‫يديك دراسة جعلت ّ‬
‫حقـها يف البحوث الصوتية التي تناولهـا‬
‫ّ‬ ‫آراء علماء القرنني الثالث والرابع التي لم تعط َ‬
‫مـن ْ جاء بعدهما‪.‬‬
‫غطـا عىل َ‬
‫ّ‬ ‫الدارسون‪ّ ،‬‬
‫ألن علم الرجلني " الخليل وتلميذه " قد‬
‫ومن هنا يربز دور هذه الدراسة الذي يكشف عن آراء علماء هـذه الفـرتة‪ ،‬وجهـودهم يف‬
‫التفسري‪ ،‬والتحليل‪ ،‬والتعليل ملا جاء مجمال ً‪ ،‬وكذا الكشف عما أضافوه من جديـد بـدءا ً‬
‫جنـي يف نهايـة القـرن الرابع‪،‬ومجمـوع هـذه اآلراء‬
‫ّ‬ ‫من أوائل القرن الثالث‪ ،‬إىل عهد ابن‬

‫‪X‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫يشكل ّ‬
‫مادة جديدة تفتقر إليها املكتبة اللغوية‪ ،‬وستكون ــ إن شاء الله تعاىل ــ مرجعا ً‬
‫ّ‬
‫خاصـة بعـد اعتمـاد – أغلـب‬ ‫الخـلة‪،‬‬
‫َ‬ ‫للباحثني‪ ،‬وأميل كبري أن تكون جديرة يف ّ‬
‫سد هذه‬
‫أقسام اللغة العربية بجامعاتنا العربية واإلسالمية – الدراسة الصوتية مادة ً أساسية ً يف‬
‫برامجها اللغوية‪.‬‬
‫ّ‬
‫وأقدم جزيل الشكر وعظيم االمتنان ألستاذي املرشف الدكتور عبد الله‬ ‫وهنا البد ْ‬
‫أن أذكر‬
‫املتربع من ُ ْ‬
‫بعد عـىل متابعـة‬ ‫ّ‬ ‫العزازي‪ ،‬وأخي األكرم األستاذ الدكتور رمضان عبد التواب‬
‫ّ‬
‫نمو هذه الدراسة واكتمالها‪ ،‬فقد كانت لتوجيهاتهما األثـر الكبـري يف ضـبط مـسارها‪،‬‬
‫ّ‬
‫وجل أحسن الجزاء وأوفره‪.‬‬ ‫وإصابة أهدافها‪ ،‬فجزاهما املوىل ّ‬
‫عز‬

‫وآخر دعواهم أن الحمد لله رب ّ العاملني‪...‬‬


‫صبيح التميمي‬
‫القاهرة‪١٩٨٢ :‬‬

‫‪٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫توطـــــئـــة‬

‫• بيئة الدراسة‪.‬‬
‫• لغة العرب‪.‬‬
‫• نشأة اللحن‪.‬‬
‫• نشأة التفكري اللغوي‪.‬‬
‫• الرواية اللغوية‪.‬‬
‫• الحركة اللغوية يف القرنني الثالث والرابع الهجريني‪.‬‬

‫‪QP‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫بيئة الدراسة‬
‫ال أريد أن أتحدث عن املايض القديم ألرض العراق بالتفصيل‪ ،‬إال أنـي أود ّ اإلشـارة إىل‬
‫شكلت إحدى رؤوس املثلث الحـضاري القـديم)‪ ،(١‬أال‬
‫أنها شهدت حضارة إنسانية قديمة ّ‬
‫ّ‬
‫تنفك عـن‬ ‫وهي حضارة وادي الرافدين املتمثلة يف حضارة بابل وآشور‪ ،‬الحضارة التي لم‬
‫االتصال بشعوب العالم األخرى‪ ،‬فقد كان لسكان هذه املنطقة ّ‬
‫اتصال مع دولـة فـارس‪،‬‬
‫زمن خضوع املنطقة لهم‪ ،‬منذ عهد كورش األول )‪ ٥٥٠‬ق‪.‬م( وولده قمبيز‪ّ ،‬‬
‫واتصال مـع‬
‫اليونانيني بعد نجاح االسكندر اليوناني )‪ (٢‬يف االنتصار عىل حكم الفرس يف هذه املنطقـة‬
‫ّ‬
‫وتغـريت الحـال‪ ،‬وتقلبـت الحكومـات‪ ،‬وعـاد‬ ‫استمر حتى وفاته‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وإخضاعها لهم الذي‬
‫الفرس ثانية‪ ،‬بظهور الدولة الساسانية )‪ ،(٣‬التي سيطرت عىل أرض العراق‪ ،‬وأقامت معه‬
‫اتصاالت اجتماعية‪ ،‬وتجاريـة‪ ،‬فكانـت املـدن العراقيـة أسـواقا ً للبـضائع الفارسـية‪،‬‬
‫الروم‪.‬‬ ‫ممرا ً لها َ‬
‫باتجاه اليمن‪ ،‬وبالد ّ‬ ‫والهندية‪ ،‬أو ّ‬
‫وازدياد العالقات صلة بني الفرس والعرب دفع ّ‬
‫حكام بالد فارس إىل مساعدة املناذرة‬
‫عىل تأسيس دولتهم يف الحرية )‪ ،(٤‬بهدف حماية أطرافهم الغربيـة مـن هجمـات الـروم‪،‬‬
‫وتأمني سبل تجارتهم التي تسري عرب هذه املنطقـة وبـدأ االخـتالط‪ ،‬والتفاعـل اللغـوي‬
‫والحضاري يأخذ مساره زمنا ً طويال ً‪ ،‬وتعاقبت األيام‪ ،‬وتغريت العالقات‪َ ُ ،‬‬
‫وفقدت الثقـة‬
‫بني حكام الفرس والعرب‪ ،‬وأراد ِكرسى التخلص من املناذرة )‪ ،(٥‬فأعقب ذلك معركـة ذي‬
‫قار )سنة‪٦١٠‬م( التي انترص العرب فيها بقيادة هاني بن مسعود الشيباني عىل جيوش‬
‫ومرت السنون‪ ،‬وعـاد الفـرس مـرة أخـرى وفرضـوا سـيطرتهم عـىل الحـرية‬
‫الفرس‪ّ ،‬‬

‫)‪ (1‬وهي حضارة اليمن‪ ،‬وحضارة وادي النيل‪ ،‬وحضارة وادي الرافدين‪.‬‬
‫)‪ (2‬األخبار الطوال ‪ ،٣٢ /‬تاريخ مخترص الدول ‪.٥٧/‬‬
‫)‪ (3‬األخبار الطوال ‪ ،٤٦/‬تاريخ مخترص الدول ‪.٤٧/‬‬
‫)‪ (4‬العرب قبل اإلسالم ‪ ،٢٦٣/‬وتاريخ العرب قبل اإلسالم ‪.٢٠١ :‬‬
‫)‪ ( 5‬تاريخ العرب قبل اإلسالم ‪.٢٣٠/‬‬
‫‪١١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫)‪(٦‬‬
‫استمر حتى بزوغ فجر اإلسالم العظـيم‪ ،‬وتكـوين الدولـة‬
‫ّ‬ ‫وحكموها حكما ً مبارشا ً‬
‫االسالمية‪ ،‬والبدء بالفتوحات االسالمية ِ ُ‬
‫وعـرض اإلسـالم عـىل كـرسى فأبـاه‪ ،‬فكانـت‬
‫القادسية‪ ،‬املعركة التي هدت اركان دولة كرسى‪ ،‬وفتحت أمام الدولة االسـالمية املنافـذ‬
‫الرشقية لها‪ ،‬من اجل مواصلة حمل نور االسالم‪ ،‬والهداية الربانية لتطبيق حكم اللـه يف‬
‫تلك البقاع‪ ،‬فكان للمسلمني ما أرادوا‪ ،‬وتوالت االنتصارات االسالمية‪ ،‬وفتحوا بالد فـارس‬
‫كلها‪ ،‬وتجاوزوها إىل أبعد منها‪.‬‬
‫والغرض ِمن ِذكر هذه اإلشـارات التاريخيـة هـو التأكيـد عـىل أن نـشوء الحـضارة‬
‫القديمة يف هذه الربوع‪ ،‬ثم احتكاكها بحضارات عاملية وتفاعلها معها‪ ،‬كان لـه االثـر يف‬
‫صياغة جوانب من منهجية الدراسات العلمية يف هذه البيئة وتكوينها‪.‬‬

‫تمصري البرصة‪:‬‬
‫رفع بعد انتصار املسلمني يف معركة القادسية أكرب العوائق التـي كانـت تحـول دون‬
‫انتشار ّ‬
‫املد االسالمي إىل الرشق‪ ،‬ومن أجل اسـتمرار تقـويض النفـوذ غـري اإلسـالمي يف‬
‫املنطقة‪ ،‬واإلطاحة بأركانه تماما ً‪ ،‬لتحرير اإلنسان من عبوديات األرض‪ ،‬بـرزت مـسألة‬
‫إيجاد مواقع للجيوش الفاتحة التخاذ منـازل لهـم لتكـون مـواطن راحـة واسـتقرار‪،‬‬
‫وانطالق‪ ،‬فوقع اختيار عتبة بن غزوان )‪ ،(٧‬قائد الحملة يف تلك املنطقة عىل موضع قـرب‬
‫"الخريبة"‪ ،‬وهي قرية ذات منازل خربة‪ ،‬وبها مسالح كرسى‪ ،‬فكتب للخليفة عمـر بـن‬
‫الخطاب كتابا‪ّ ،‬‬
‫ضمنه وصفا ً كامال ً للمنطقة‪ ،‬واستأذنه يف النزول بهـا‪ ،‬التخاذهـا دارا ً‬

‫)‪ (6‬تاريخ ابن خلدون ‪.٢٦٥/٢‬‬


‫)‪(7‬عتبة من املهاجرين األولني‪ ،‬شهد بدرا ً ّ‬
‫وجهه سعد بأمر من الخليفة اىل جهة األهـواز وميـسان‪ .‬تـوىف‬
‫سنة‪١٦‬هـ‪.‬‬

‫‪QR‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫للفاتحني‪ ،‬وملا اطلع الخليفة عىل صفتها‪ ،‬وموقعها‪َ ِ ،‬‬


‫أذن لهم وقال ‪ " :‬هذه أرض نـرضة‪،‬‬
‫فخطـها الفاتحون سنة‪١٤‬هـ )‪ ،(٩‬وبـدأ العمـل‬
‫ّ‬ ‫قريبة املشارب واملراعي واملحتطب " )‪،(٨‬‬
‫ّ‬
‫وسميت بالبرصة‪ ،‬وألهمية املكـان املختـار مـن موقـع جغـريف‬ ‫بعمارتها بدءا باملسجد‪،‬‬
‫ّ‬
‫ويطل عىل البادية التي تربطها بالعاصمة اإلسالمية‪ ،‬ومركـز تجـاري‬ ‫يرشف عىل البحر‪،‬‬
‫له شهرته رغب الناس فيه‪ ،‬فبعد أن استقر الفاتحون وفدت عليها جماعـت مـن قبائـل‬
‫عربية ‪ :‬من أبرزهم " تميم‪ ،‬واألزد‪ ،‬والحجاز"‪ .‬ولم يكن العـرب وحـدهم قـد اسـتوطنوا‬
‫البرصة‪ ،‬فقد استوطنت معهم‪:‬‬
‫عنارص غري عربية من الفرس‪ ،‬وأغلبهم من األساورة )‪ (١٠‬الذين كـانوا مـع الجـيش‬
‫الفاريس بعد أن آمنوا باإلسالم‪ ،‬وآثروا البقاء‪.‬‬
‫وجماعات هندية األصل يعرفون بالزط‪ّ ،‬وبالسبابجة )‪.(١١‬‬
‫ّ‬
‫الظن – من املتبقني بعد زوال دولتهم التي قىض عليهـا‬ ‫وجماعات يونانية – يف أغلب‬
‫الفرس‪.‬‬
‫ِمن هذه العنارص ذوات الحضارات القديمة‪ ،‬والثقافات املختلفة‪ ،‬واللغـات املتباينـة‪،‬‬
‫تكون املجتمع البرصي‪ ،‬فاختلطت الفرق وتفاعلت لغاتهـا مـع اللغـة العربيـة‪ ،‬وتـأثر‬
‫بعضها ببعض‪.‬‬
‫ومن نتائج هذا االختالط ظهور اللحن عىل ألسنة الجماعات غري العربية‪ ،‬خاصة بعد‬
‫ّ‬
‫توجهم إىل تعلم العربية‪ ،‬وانترش اللحن فخيف عىل كتاب الله تعـاىل‪ ،‬فـربزت الحاجـة إىل‬
‫ّ‬
‫تطور إىل الدرس اللغوي الخالص‪ ،‬ويف هذا قال أبـو األسـود الـدؤيل‬ ‫الدرس القرآني‪ ،‬الذي‬

‫)‪ (8‬رسائل الجاحظ‪ ،‬رسالة األوطان والبلدان ‪ ،١٣٩ /٤‬فتوح البلدان ‪.٣٤١ /‬‬
‫)‪ (9‬تاريخ الطربي ‪.٥٩٠/٣‬‬
‫)‪ (10‬جماعة تنسب اىل سياه االسواري أحد قواد الفرس‪.‬‬
‫)‪ (11‬السبابجة ‪ :‬قوم ذوو جلد من الهند‪ ،‬يكونون مع رئيس السفينة البحرية ليحرسوها ‪ /‬لسان العرب‪:‬‬
‫سبج ‪.٢٩٤/٢‬‬
‫‪١٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عندما سمع أحدهم يلحن ‪ " :‬هؤالء املوايل قد رغبوا يف اإلسالم‪ ،‬ودخلوا فيه‪ ،‬فـصاروا لنـا‬
‫أخوة فلو عملنا لهم الكالم‪ ،(١٢) "...‬وال يعني هذا ّ‬
‫أن ّ‬
‫كل األعاجم سواء يف مثل هذه الحـال‬
‫من اللغة العربية فقد نبغ منهم جماعة كالحسن البـرصي‪ ،‬وابـن املقفـع واألسـواري‪،‬‬
‫ّ‬
‫وتصدروا مجالس الدرس يف مسجد البـرصة إحـدى دعـامتي الحركـة العلميـة يف هـذه‬
‫املدينة‪.‬‬
‫أما الثانية فهي سوق املربد‪ ،‬التي هي يف األصل مناخة لإلبل‪ ،‬وسوق لتبـادل املنفعـة‪،‬‬
‫تطورت اىل مجالس أدبية ولغوية عامرة‪ ،‬كأسواق الجاهلية حتى كـان بعـض األعـراب‬
‫يفدون عليها‪ ،‬وال عمل لهم سوى إنفاق ما عندهم من لغـة‪ ،‬وغريـب‪ ،‬وشـعر‪ ،‬فيخـرج‬
‫إليهم طالب العربية‪ ،‬ورواة الشعر‪ ،‬ليسمعوا ويتلقفوا من أفواههم الكالم الفصيح‪.‬‬
‫تخرج فيهـا كثـري‬
‫ثرا للمرويات اللغوية واألدبية‪ ،‬ومدرسة ّ‬
‫وبهذا كان املربد مصدرا ً ّ‬
‫من علماء البرصة‪.‬‬
‫وعودا عىل بدء‪ ،‬فإذا كان االختالط السكاني بني العرب وغريهم له نتيجة سلبية هـي‬
‫ظهور اللحن‪ّ ،‬‬
‫فإن له يف الجانب املقابل نتيجـة إيجابيـة هـي ‪ :‬تكييـف مـنهج الـدرس‬
‫اللغوي‪ ،‬واإلسهام يف تنمية وعـي العلمـاء املنهجـي يف البحـث‪ ،‬وتـوجيههم إىل أسـاليب‬
‫منهجية جديدة‪ ،‬ال عهد للعرب بها‪ ،‬وذلك بسبب وجود جماعات أجنبية لهـا حـضارات‪،‬‬
‫الرس‬
‫ّ‬ ‫وأفكار لغوية‪ ،‬ومنهجية سابقة‪ ،‬ويف هذا قال الدكتور شوقي ضيف ‪ " :‬وبذلك نفهم‬
‫أن عقل البرصة كان ّ‬
‫أدق وأعمق من عقل الكوفة‪ ،...‬إذ سـبقتها إىل االتـصال بالثقافـات‬ ‫ّ‬
‫االجنبيــة‪ ،‬وبــالفكر اليونــاني‪ ،‬ومــا وضــعه أرســطوطاليس مــن املنطــق وحــدوده‬
‫وأقيسته")‪.(١٣‬‬

‫)‪ (12‬الفهرست ‪ :‬البن النديم ‪.٦٠ /‬‬


‫)‪ (13‬املدارس النحوية ‪.٢١ /‬‬

‫‪QT‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ّ‬
‫وتمسك به جملة‬ ‫فشاع القياس يف الدرس البرصي يف عهد مبكر بشكله الفطري اللغوي‪،‬‬
‫من النحاة كعبد الله بن أبي إسحاق )‪ ،(١٤‬ويونس بن حبيـب )‪ (١٥‬وغـريهم‪ ،‬هـذا القيـاس‬
‫ّ‬
‫توصلوا إليه من خالل الشائع املسموع من األعراب‪ ،‬وأفواه الفصحاء مـن القبائـل‬ ‫الذي‬
‫حددوا هذه القبائل ّ‬
‫مقدما ً‪ ،‬وما خالف هذه األقيـسة‪ ،‬فهـو عنـدهم مـن‬ ‫العربية بعد أن ّ‬
‫الشاذ‪ ،‬أو النادر‪ ،‬فال ُيحفل به يف وضع األقيسة‪ ،‬خوفا ً من وقوع االضطراب فيها‪ّ ،‬‬
‫لكنـه‬
‫ال ُيرتك أو ُيهمل‪ ،‬وإنما ُيحفظ يف بابه‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫تمصري الكوفة ‪:‬‬


‫أقام سعد بن أبي وقاص عسكره بعد االنتصار يف القادسية إىل أن أتاه كتاب الخليفة‪،‬‬
‫بحـر‪ ،‬فنـزل األنبـار‬
‫ٌ‬ ‫مقر الخالفة‬
‫ّ‬ ‫يأمره بأن يرتاد لجنده دار هجرة‪،‬ال يفصل بينها وبني‬
‫أوال‪ ،‬فآذاهم ّ‬
‫البق)‪ ،(١٦‬فارتحل عنهـا إىل موضـع آخـر‪ ،‬وبعـث بجماعـة الختيـار األرض‬
‫الصالحة للنزول عليها‪ ،‬فأخربه شخص ُيدعى ابن بقيلة )‪ ،(١٧‬عن موضع الكوفة‪ ،‬وحسن‬
‫ّ‬
‫وخلو أرضه‪ ،‬إال من ديرات قديمة قريبة منها‪ ،‬فأعجبه املوقـع‪ ،‬ملوافقتـه أوامـر‬ ‫موقعه‪،‬‬
‫الخليفة‪ ،‬فنزل بها‪،‬وبدأ بعمارتها مفتتحا باملسجد سنة )سبع عـرشة(‪ ،‬وقيـل )ثمانيـة‬
‫)‪.(١٨‬‬
‫عرش(‬

‫)‪ (14‬مراتب النحويني ‪.٢١ /‬‬


‫)‪ (15‬نزهة األلباء‪.٤٧ /‬‬
‫)‪ (16‬جمهرة اللغة‪ ،‬البن دريد ‪.١٥٨/٣ :‬‬
‫)‪ (17‬معجم البلدان ‪.٢٩٧/٧‬‬
‫)‪ (18‬رسائل الجاحظ ‪ ،١٣٩ /٤‬فتوح البلدان‪ ،٢٧٦ /‬تاريخ الطربي ‪.٤٣-٤٢ /٤‬‬
‫‪١٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وأقبل املسلمون عىل هذه املدينة التي ُعرفت بخصوبة أرضها ووفرة مياهها ّ‬
‫فأول َمن‬
‫ُ‬
‫تخل املدينـة‬ ‫نزل بها من العرب‪:‬اليمانيون واملرضيون )‪ ،(١٩‬ثم توافدت عليها القبائل‪ ،‬ولم‬
‫ِ‬
‫بالحرف‪ ،‬واألعمال العامة األخرى‪،‬منهم ‪:‬‬ ‫من عنارص أجنبية‪،‬اختصت‬
‫ـ عنارص فارسية )‪ ،(٢٠‬أغلبها من بقايا الجيوش الفارسـية التـي آمنـت باإلسـالم‪،‬‬
‫واختارت الكوفة موطنا ً‪.‬‬
‫ولعلـها كانت تسكن ديرات مجاورة ملوضع الكوفة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ــ عنارص رسيانية‪،‬‬
‫ــ عنارص نبطية‪ّ ،‬‬
‫ألن الكوفة عىل مقربة من الحرية التي كانت قبل‬
‫اإلسالم مصدر انتشار املسيحية اآلرامية‪.‬‬
‫ّ‬
‫استدل الدكتور املخزومي عىل وجود النبط بقول أبي عمرو بن العالء ألهـل‬ ‫وقد‬ ‫‪-‬‬
‫الكوفة ‪ ":‬لكم حذلقة النبط وصلفهم‪،‬ولنا دهاء فارس")‪.(٢١‬‬
‫ثم ّ‬
‫إن رواية الجاحظ ّ‬
‫تؤيد ذلـك‪ ،‬فقـد قـال ‪ " :‬أهـل الكوفـة قـد نزلـوا بـأدنى‬
‫بالد النبط " )‪.(٢٢‬‬
‫وعنارص يهودية من النجرانيني بعد أن أجالهم الخليفة عمر بن الخطاب بعـد‬ ‫‪-‬‬
‫تعاطيهم الربا فخافهم عىل اإلسالم )‪.(٢٣‬‬
‫فمن هذه القبائل العربية والعنارص األجنبية‪ ،‬التي وفدت عىل املدينة ّ‬
‫تكون املجتمـع‬
‫ومما هو جدير بالذكر ّ‬
‫أن تلك العنارص األجنبية قليلة العـدد لـذا كانـت هجنـة‬ ‫ّ‬ ‫الكويف‪،‬‬

‫)‪ (19‬معجم البلدان ‪ ،٢٩٧ /٧‬البلدان‪ ،‬لليعقوبي ‪ ،٧٠ /‬خطط الكوفة ‪.٤٥ /‬‬
‫)‪ (20‬تاريخ الطربي ‪ ،٤٩/٤‬فتوح البلدان ‪.٢٧٩ /‬‬
‫)‪ (21‬مدرسة الكوفة‪ ،٨ /‬و البيان والتبني ‪.١٠٦ /٢‬‬
‫)‪ (22‬البيان والتبيني ‪.١٩/١‬‬
‫)‪ (23‬فتوح البلدان ‪.٧٧ /‬‬

‫‪QV‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫املجتمع الكويف ّ‬
‫أقل مما هي عليه يف املجتمع البرصي‪ ،‬وهو أمر فرضـه موقـع البـرصة‪،‬‬
‫وقرب اتصالها بالعالم الخارجي‪.‬‬
‫أما املركز الثقايف األسايس يف املدينة فهو املسجد أيضا ً‪ ،‬ففيه تعقد الحلقات العلميـة‬
‫وتعلـم الفقه‪ ،‬وإنشاد الشعر‪ .‬وقد ّ‬
‫تميـزت‬ ‫ّ‬ ‫إلقراء القرآن الكريم‪ ،‬ورواية الحديث الرشيف‬
‫القـراء السبعة‪ ،‬وهم ‪ :‬عاصم بـن أبـي النجـود‪ ،‬وحمـزة بـن حبيـب‬
‫ّ‬ ‫الكوفة بثالثة من‬
‫)‪.(٢٤‬‬
‫الزيات‪ ،‬وعيل بن حمزة الكسائي‬
‫كما أنها ُعرفت أيضا ً باهتمامها برواية الشعر‪ ،‬إذ قال األصمعي ‪ " :‬والشعر بالكوفة‬
‫أكثر وأجمع منه بالبرصة )‪،(٢٥‬‬
‫ّ‬
‫الضبي اللـذان أخـذ عنهمـا أهـل‬ ‫ومن أشهر رواته عندهم ‪ :‬حماد الراوية‪ ،‬واملفضل‬
‫املرصين ‪:‬‬
‫ّ‬
‫أما سبب كثرة الشعر بالكوفة واالهتمام بروايته‪ ،‬فهو أمر حاول القدامى واملحدثون‬
‫تعليله ‪:‬‬
‫فابن ِ ّ‬
‫جـنـي – مثال – روى أنهم عثروا عىل كنوز من الـشعر مدفونـة‪ ،‬تحـت قـرص‬
‫النعمان‪ ،‬وبذلك كانوا أعلم باألشعار من أهل البرصة‪.‬‬
‫أما الدكتور املخزومي‪ ،‬فريى أن هذا االهتمام يعود إىل تكوينها السكاني‪ ،‬وأنها منازل‬
‫بيوت العرب‪ ،‬من الصحابة والتابعني‪ ،‬فاملحافظة عىل العـادات العربيـة والتقاليـد األوىل‪،‬‬
‫والتغني بالبطولة‪ ،‬والتفاخر بالشعر أمر ال ّ‬
‫بد له من املحافظة واالستمرار عليه‪.‬‬
‫وعموما ً فال خالف بني التعليلني‪ ،‬وال مانع من الجمع بينهما يف تبيان سبب عنايتهم‬
‫بالشعر‪ ،‬واالهتمام بكثرته)‪.(٢٦‬‬

‫)‪(24‬غاية النهاية يف طبقات القراء ‪.٥٣٥ ،٢٦١ ،٣٤٦/١‬‬


‫)‪ (25‬مراتب النحويني ‪.١١٩ /‬‬
‫)‪ (26‬لسان العرب طبعة دار املعارف املرصية ‪ :‬طنج ‪ ،٢٧٠٩/٤‬ومدرسة الكوفة‪.٣٩ /‬‬
‫‪١٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ‬
‫الـصحة يف النقـل‪،‬‬ ‫سنـة متبعة أساسـها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجو العام إلقراء القرآن الكريم كان‬ ‫ثم ّ‬
‫إن‬
‫ّ‬
‫يعتزون باألثر املرويّ عن العرب كالكـسائي‬ ‫وما يضيفه وجود رجال اإلسالم األول الذين‬
‫القراء‪.‬‬ ‫ّ‬
‫مؤسيس املذهب الكويف وأحد كبار ّ‬ ‫الذي هو أحد‬
‫أثــر هذا وذاك يف أحد جوانب منهج الـدرس اللغـوي يف هـذه املدينـة‪ ،‬وأصـبح‬
‫فقد ّ‬
‫يتمتــع بمكانـة وقيمـة ال يتغـاىض‬
‫ّ‬ ‫االعتزاز باألثر اللغوي‪ ،‬أو الشعر املروي عن العرب‬
‫عنها‪ ،‬وتبع هذه الحال االتساع يف رواية اللغة عن القبائل العربية والتسامح يف األخذ عـن‬
‫األعراب الذين استوطنوا الحوارض بعد الوثوق بهم‪ ،‬واعتدوا بما سمعوه مـن الفـصحاء‪،‬‬
‫مما ّ‬
‫عد من الشواذ عند البرصيني‪ ،‬لعدم توافقه مع األصول واألقيـسة املوضـوعة التـي‬
‫يجب أن ال تخالف عندهم )‪.(٢٧‬‬
‫وبقيت الكوفة املدينة الثانية بعد البرصة يف هذا امليدان‪ ،‬وكانت لها منافسات علميـة‬
‫خاصة يف مجال الدرس اللغوي‪ ،‬وال يخالف هذا كون الكوفيني قد ّ‬
‫ثبـتوا أفكـار مـذهبهم‬
‫الفراء‪.‬‬ ‫وأسسه يف بغداد‪ّ ،‬‬
‫ألن الكسائي قد دخل بغداد‪ ،‬وأقام فيها‪ ،‬وتبعه صاحبه ّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ويف هاتني املدينتني نشأ الدرس اللغوي العربي – لخدمة القرآن الكريم – وصون لغته‬
‫شع عىل ّ‬
‫كل البقاع واملدن اإلسـالمية‪ ،‬وأصـبحت‬ ‫من الخطأ‪ ،‬ونما وترعرع ونضج‪ ،‬حتى ّ‬
‫ّ‬
‫صـحة هـذا‬ ‫املعايري التي وضعها علماء هاتني املدينتني هي األساس الذي يحكم به عـىل‬
‫الكالم أو ذاك‪ ،‬وهو أمر فطن إليه السابقون ‪:‬‬
‫الطيب اللغوي ‪ " :‬وال علم للعرب إال يف هاتني املدينتني" )‪.(٢٨‬‬
‫ّ‬ ‫فقد قال أبو‬

‫)‪ (27‬املزهر ‪.٢٣٢ /١‬‬


‫)‪ (28‬مراتب النحويني ‪.١٥٥/‬‬

‫‪QX‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫وحاكاه السيوطي فقال ‪ " :‬والذي نقل اللغة واللـسان العربـي‪ ...‬وأثبتهـا يف كتـاب‪،‬‬
‫وصريها علما وصناعة‪ ،‬هم أهل الكوفة والبرصة فقط من بني أمصار العرب ")‪.(٢٩‬‬
‫ّ‬
‫ولم يزل أهل املرصين عىل هذه الحال حتـى بـدأت رحلـة العلمـاء إىل عاصـمة الخالفـة‬
‫العباسية )بغداد(‪.‬‬

‫تمصري بغداد ‪:‬‬


‫لم تكن بغداد قبل أن تنشأ منطقة عامرة‪ ،‬وقد ْ ُ ِ‬
‫اخـتـلـف يف وضعها السابق فمن‬
‫قائل ‪ :‬إنها أرض خراب‪ ،‬أو هي بساتني‪ ،‬ومهما كان األصـل‪ ،‬فقـد اختارهـا أبـو جعفـر‬
‫املنصور ثاني خلفاء العباسيني‪ ،‬وبدأ بعمارتها )سنة‪١٤٥‬هـ(‪ ،‬ونزلهـا)سـنة‪١٤٩‬هــ(‪،‬‬
‫مقر الخالفة‬
‫ّ‬ ‫قرر الخروج من‬
‫وكان سبب اختيارها هو حاجته إىل عاصمة جديدة بعد أن ّ‬
‫السابق )مدينة الهاشمية( ألسباب سياسية‪ّ ،‬‬
‫أهمها االبتعاد عـن الكوفـة التـي آلـت إىل‬
‫مركز سيايس غري مضمون الوالء‪.‬‬
‫ّ‬
‫تطـورت‬ ‫وبما ّ‬
‫أن بغداد عاصمة الدولة الفتية ذات القوة والسلطان واملركزيـة‪ ،‬فقـد‬
‫تألقــت بتوافـد‬
‫ّ‬ ‫الحياة فيها بجوانبها كافة‪ ،‬برسعة فائقة‪ ،‬ومنها الناحية العلمية التي‬
‫العلماء عليها‪ ،‬نتيجة تشجيع الخلفاء العباسيني األوائل عـىل طلـب العلـم‪ ،‬وتكـريمهم‬
‫لرجاله حتى أصبحت بغداد قبلة للطامعني يف ّ‬
‫الجاه‪ ،‬والشهرة‪ ،‬واملال‪.‬‬
‫وأولهم الكسائي الذي ُأحـرض إىل بغـداد‬
‫ومن أوائل العلماء الذين دخلوها الكوفيون‪ّ ،‬‬
‫وتوطــدت‬
‫ّ‬ ‫اتـصل بالرشيد‪ ،‬وأصبح ّ‬
‫مؤدبا لألمني واملـأمون‪،‬‬ ‫لبيان مسألة لغوية‪ ،‬بعدها ّ‬
‫عالقته مع الرشيد‪ ،‬وكانت سببا ً لتقريب بقية الكوفيني من دار الخالفة ونيلهم الحظوة‬
‫الكربى‪ ،‬التي حسدهم عليها البرصيون‪ ،‬وأرادوا منافستهم‪ ،‬إال أنهم لم يستطيعوا‪ ،‬وبقوا‬

‫)‪ (29‬االقرتاح‪.٥٧/‬‬
‫‪١٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫املربد البرصي الـذي اسـتطاع الوقـوف بوجـه ثعلـب‬ ‫ّ‬


‫يرتددون من غري إقامة حتى زمن ّ‬
‫الكويف‪.‬‬
‫املربد بغداد‪ ،‬وإقامته فيهـا بدايـة لعهـد جديـد للبـرصيني يف حـارضة‬
‫وكان دخول ّ‬
‫الخالفة العباسية‪ ،‬وبعده توافد أتباعه عليها‪ .‬ومنذ ذلك التاريخ ّ‬
‫تصدر مجالس الدرس يف‬
‫ّ‬
‫التلقي عـىل ممـثيل املـذهبني دون‬ ‫بغداد رجال املذهبني‪ ،‬مما ّ‬
‫يرس عىل الدارسني يف بغداد‬
‫تعصب‪ ،‬ومن أشهرهم ‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬وابن كيسان‪ ،‬ونفطويه‪ ،‬وابن شقري‪ ،‬و ّ‬
‫أول من أشـار‬ ‫ّ‬
‫إليهم ابن النديم )‪ ،(٣٠‬ووصفهم ّ‬
‫بأنهم ممن خلطوا بني املذهبني‪ ،‬ولم ينسب إليهم تكـوين‬
‫مستقل‪ ،‬وإنما اكتفى بصفة الخلط‪ ،‬أما املرزباني )‪ ،(٣١‬فقد أشار أيـضا ً إىل‬
‫ّ‬ ‫متفرد‬
‫ّ‬ ‫مذهب‬
‫" جماعة العلماء البغداديني " وذكر عددا كبريا من البرصيني والكـوفيني ‪ :‬كـأبي عبيـد‪،‬‬
‫وابن السكيت‪ ،‬وثعلب‪ ،‬واملربد‪ ،‬والزجاج‪ ،‬وابن دريد‪ ،‬أي ‪ّ :‬‬
‫إن أساس التصنيف عنـده هـو‬
‫املوطن واإلقامة‪ ،‬ولم يقصد املذهب الدرايس‪.‬‬
‫أما العنرص اآلخر الذي قامت عليه الحركة اللغوية يف بغداد فهم األعراب الذين وفـدوا‬
‫عليها‪ ،‬منهم أبو ثروان العكيل‪ ،‬وابن أبي صبح‪ ،‬وأبو زياد الكالبي‪ ،‬وأبـو شـبل العقـييل‪،‬‬
‫وأبو مسحل األعرابي‪ ،‬وأبو محمد الفقعيس‪ ،‬وغريهم‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫وشاركت املدن الثالث )البرصة‪ ،‬والكوفة‪ ،‬وبغداد()‪ ،(٣٢‬بالحركـة العلميـة يف العـراق‪،‬‬
‫وتنافس العلماء يف اإلنتاج الذي ّ‬
‫شع نوره عىل املدن اإلسالمية األخرى‪.‬‬

‫)‪ (30‬الفهرست ‪.١٢١ ،١٢٠ ،١١٥ /‬‬


‫)‪ (31‬نور القبس املخترص من املقتبس للمرزباني‪.٣٤٦ -٣١٠ /‬‬
‫)‪ (32‬هناك حوارض أخرى يف العراق ال ترقى إىل هذه املدن الثالث‪ ،‬وللعلماء الذين اقاموا فيها مشاركة يف‬
‫الحركة العلمية إال أنهم ينسبون أخريا ً إىل البرصة أو الكوفة‪ ،‬ومن أشهر هذه املدن )سامراء (‪.‬‬

‫‪RP‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫لغة العرب ‪:‬‬


‫ّ‬
‫وتوحـدها بالـشكل الفنـي‬ ‫ّ‬
‫العربيـة‪،‬وتطورها‬ ‫إذا استثنينا مسألة تحديد نشأة اللغة‬
‫اصطـلح عليه باللغة املشرتكة‪ ،‬وأردنا أن نقف عىل حال هـذه اللغـة يف األداء‬
‫ُ‬ ‫الرائع الذي‬
‫زمن نزول القرآن الكريم‪ ،‬نرى أنها تتمثل يف صورتني ‪:‬‬
‫ّ‬
‫تقيدت بأصوات العربية الصحيحة الثمانية‬ ‫ّ‬
‫املوحدة‪،‬التي‬ ‫أوالهما ‪ :‬الصورة الفصحى‬
‫ّ‬
‫وتمـسكت بـنظم أسـاليب‬ ‫والعرشين ومخارجها‪ ،‬والتزمت بضوابط إعـراب ألفاظهـا‪،‬‬
‫تراكيبها‪ ،‬وهي الصورة التي ُنظم بها الشعر الجاهيل‪ ،‬ونزل بهـا القـرآن الكـريم والتـي‬
‫ّ‬
‫خاصـة بفعـل عوامـل دينيـة‪ ،‬واقتـصادية‪،‬‬ ‫تطورت قبل اإلسالم يف الحجـاز‪ ،‬ويف مكـة‬
‫وسياسية‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬إنها نشأت يف مكة‪ ،‬وليست لهجتها‪ ،‬وذلك ّ‬
‫ألن االختالط بـني قـريش والقبائـل‬
‫ّ‬
‫مفـضلة‪،‬‬ ‫العربية األخرى بفعل العوامل املذكورة أوجد يف لهجة قـريش جوانـب لهجيـة‬
‫باإلضافة إىل ما فيها من الجوانب النطقية واألسلوبية التي استحسنها العرب‪ ،‬وهذا جيل ّ‬
‫يف أقوال علماء العربية‪ ،‬من ذلك ‪:‬‬
‫ّ‬
‫وتحـج البيـت يف الجاهليـة‪،‬‬ ‫الفراء ‪ " :‬كانت العرب تحرض املوسم يف ّ‬
‫كـل عـام‪،‬‬ ‫قول ّ‬
‫وقريش يسمعون لغات العرب‪ ،‬فما استحسنوه من لغاتهم تكلموا بـه‪ ،‬فـصاروا أفـصح‬
‫)‪.(٣٣‬‬
‫العرب‪ ،‬وخلت لغتهم من مستبشع اللغات‪ ،‬ومستقبح األلفاظ "‬
‫وقول ابن فارس ‪ " :‬وكانت قريش مع فصاحتها وحسن لغاتها‪ّ ،‬‬
‫ورقـة ألـسنتها‪ ،‬إذا‬
‫َ‬
‫أتتهم الوفود من العرب ّ‬
‫تخريوا من كالمهم وأشعارهم أحسن لغاتهم‪ ،‬وأصفى كالمهـم‪،‬‬
‫فاجتمع ما ّ‬
‫تخريوا من تلك اللغات إىل نحائزهم وسالئقهم التي طبعـوا عليهـا‪ ،‬فـصاروا‬
‫بذلك أفصح العرب " )‪.(٣٤‬‬

‫)‪ (33‬املزهر ‪.٢٢١ /١‬‬


‫)‪ (34‬الصاحبي ‪.٥٢ /‬‬
‫‪٢١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وقول أبي نرص الفارابي ‪ " :‬وكانت قريش أجود العرب انتقادا ً لألفصح من األلفاظ‪،‬‬
‫وأسهلها عىل اللسان عند النطق " )‪.(٣٥‬‬
‫وأكد املحدثون املبدأ الذي اعتمده اللغويون العرب يف كيفية ظهور اللغة املشرتكة‪:‬‬
‫فقد قال فندريس ‪ " :‬تقوم اللغات املشرتكة دائما ً عىل أساس لغـة موجـودة‪ ،‬حيـث‬
‫ّ‬
‫وتفـرس‬ ‫التكلــم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تـتـخذ هذه اللغة املوجودة لغة مشرتكة من جانـب أفـراد مختلفـي‬
‫ُ ّ‬
‫وتعلــل انتـشارها‪ ...‬وأحيانـا ً‬
‫ّ‬ ‫تغلـب هذه اللغة التي ّ‬
‫اتخذت أساسا‬ ‫ّ‬ ‫الظروف التاريخية‬
‫نرانا أمام إحدى اللهجات‪ ،‬أي ‪ :‬أمـام لغـة إقلـيم معـني انتـرشت يف األقـاليم املجـاورة‪،‬‬
‫وصارت لغتها املشرتكة )‪.(٣٦‬‬
‫أن نقول ‪ّ :‬‬
‫إن هذه اللغة املشرتكة‪ ،‬هي اللغة التي نـزل بهـا‬ ‫تقدم يمكننا ْ‬
‫ويف ضوء ما ّ‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬وكان نزوله عامال ً عىل ازدياد ّ‬
‫نموها وانتشارها وازدهارها‪ ،‬حتى كانـت‬
‫هي املحور األساس الذي دارت عليه دراسات اللغويني العرب يف العراق وغريه‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ّ‬
‫تشعب هذه اللغة يف بعض جوانبها إىل مجموعات من الصفات اللغويـة ‪:‬‬ ‫وثانيتهما ‪:‬‬
‫ّ‬
‫سـميت بــ‬ ‫الصوتية‪ ،‬والرصفية‪ ،‬والنحوية‪ ،‬والدالليـة التـي تنتمـي اىل بيئـات خاصـة‬
‫وعلـة هذا التشعب‪ ،‬هي سـعة انتـشار القبائـل العربيـة يف أرض الجزيـرة‬
‫ّ‬ ‫)اللهجات(‪،‬‬
‫الرحبة‪ ،‬واستيطانها يف مواطن متفرقة‪ ،‬األمـر الـذي ّأدى اىل إيجـاد نـوع مـن الفـوارق‬
‫اللغوية فيما بني نطق هذه القبائل‪ ،‬وبروز صفات لهجية ّ‬
‫لكل منها‪ ،‬عىل وفـق ظروفهـا‬
‫االجتماعية‪.‬‬

‫)‪ (35‬االقرتاح للسيوطي ‪.٥٦ /‬‬


‫)‪ (36‬اللغة ‪.٣٢٨ /‬‬

‫‪RR‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫وما بني الصورتني )اللغة املشرتكة‪ ،‬واللهجات( عالقة العـام والخـاص‪ ،‬إذ ّ‬
‫إن اللغـة‬
‫ّ‬
‫يتجـسد يف ‪:‬‬ ‫عدة لهجات‪ّ ،‬‬
‫لكل منها ما يميزها من صـفات خاصـة‪ ،‬أبرزهـا‬ ‫تشتمل عىل ّ‬
‫االختالف يف النواحي الـصوتية )‪ ،(٣٧‬أو االخـتالف يف أبنيـة الكلمـات )‪ ،(٣٨‬أو االخـتالف يف‬
‫دالالتها )‪ ،(٣٩‬أو االختالف يف الجوانب النحوية للرتكيب )‪ ،(٤٠‬وقد تشرتك هـذه اللهجـات يف‬
‫مجموعة من الصفات اللغوية‪ ،‬والعادات الكالمية التي تكون بمجموعها لغة ذات كيـان‬
‫مستقل‪.‬‬
‫ولقد فطن علماء العربية إىل هذا االنقسام اللغوي‪ّ ،‬‬
‫وألفوا فيمـا ورد منـه يف القـرآن‬
‫أكدوا ّ‬
‫أن هـذه اللهجـات لـم‬ ‫الكريم خاصة‪ ،‬أو يف لغات القبائل عامة‪ ،‬ثم إن كثريا ً منهم ّ‬
‫تكن يف مستوى واحد من الفصاحة‪ ،‬األمر الذي ّ‬
‫أثر عـىل مـسألة االحتجـاج‪ ،‬إذ اعتمـدوا‬
‫قسما ً منها‪ ،‬واستبعدوا القسم اآلخر‪ ،‬وتجىل ذلـك يف قـول الفـارابي ‪ " :‬والـذين عـنهم‬
‫نـقلت اللغة العربية‪ ...‬هم قـيس وتمـيم وأسـد‪ ،...‬ثـم هـذيل وبعـض كنانـة وبعـض‬
‫ُ‬
‫الطائيني‪ ،‬ولم ُيؤخذ عن غريهم من سائر قبائلهم‪ ،...‬فإنه لـم ُيؤخـذ مـن لخـم وال مـن‬
‫فإنـهم كانوا مجاورين ألهل مرص والقبط‪ ،‬وال من قضاعة وال من غسان وال من‬
‫ّ‬ ‫جذام‪،‬‬
‫فإنــهم كـانوا‬
‫ّ‬ ‫فإنـهم كانوا مجاورين ألهل الشام‪ ،...‬وال من تغلب وال من النمـر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أياد‪،‬‬
‫مجاورين لليونانية‪ ،‬وال من بكر ألنهم كانوا مجاورين للنبط والفرس‪.(٤١)" ...‬‬
‫فضابط هذا التصنيف عندهم هو مـوطن القبائـل‪ ،‬إذ ْ اعتمـدوا لهجـات القبائـل التـي‬
‫استوطنت وسط الجزيرة‪ ،‬وكانت يف منأى عن االختالط بالشعوب األخـرى التـي تقـصد‬
‫الجزيرة للتعامل معها‪ ،‬أي ‪ :‬إنهم وثقوا مـن سـالمة لغـتهم مـن التـأثر ّ‬
‫وردوا لهجـات‬

‫)‪ (37‬نظري ‪ :‬نطق القاف عند تميم التي تلحقه باللهاة حتى يغلظ‪.‬‬
‫)‪ (38‬نظري ‪ :‬مدين التي هي عند تميم ‪ :‬مديون‪ ،‬وأسارى عند الحجاز‪ ،‬وأرسى عند نجد‪.‬‬
‫)‪ (39‬نظري‪ :‬السدفة عند تميم ‪ :‬الظلمة‪ ،‬وعند قيس ‪ :‬الضوء‪.‬‬
‫)‪ (40‬نظري ‪ :‬الخالف يف )ما( بني التميميني والحجازيني‪.‬‬
‫)‪ (41‬االقرتاح للسيوطي ‪ ،٥٦ /‬واملزهر ‪.٢١٢ /١‬‬
‫‪٢٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫القبائل التي استوطنت أطراف الجزيرة التي كانت عرضة لالختالط واالحتكاك بالشعوب‬
‫املجاورة‪ ،‬إدراكا ً منهم للتطور اللغوي الذي يحدث نتيجة الرصاع بني اللغات املتجاورة‪.‬‬
‫وكان الجاحظ قد الحظ نوعا من هذا التأثر عندما تلتقي اللغتـان يف اللـسان الواحـد‪ ،‬إذ‬
‫ّ‬
‫كـل واحـدة منهمـا الـضيم عـىل‬ ‫قال ‪ " :‬اللغتان إذا التقتا يف اللـسان الواحـد‪ ،‬أدخلـت‬
‫صاحبتها" )‪.(٤٢‬‬
‫أقرته الدراسات الحديثة إذ يقول فندريس ‪ " :‬األثر الذي يقع عىل لغـة مـا‬
‫وهو مبدأ ّ‬
‫من لغات مجاورة لها‪ ،‬كثريا ً ما يلعب دورا ً هاما ً يف التطور اللغوي‪ ...‬واحتكـاك اللغـات‬
‫يؤدي حتما إىل تداخلها‪.(٤٣) " ...‬‬
‫ّ‬
‫* *‬ ‫*‬

‫)‪ (42‬البيان والتبيني ‪.٣٦٨ /١‬‬


‫)‪ (43‬اللغة ‪.٣٤٨ /‬‬

‫‪RT‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫نشأة اللحن ‪:‬‬


‫أشارت كتب اللغة واملعاجم العربية )‪ ،(٤٤‬إىل دالالت مادة ‪) :‬لحن( – التـي تـدور كلهـا‬
‫حول معنى عام‪ .‬كما يقول ابن فارس هو ‪ " :‬إمالـة يشء عـن جهتـه"‪ ،‬منهـا ‪ :‬ترجيـع‬
‫الصوت‪ ،‬التعريض وااليماء‪ ،‬معنى القول وفحواه‪ ،‬الفطنة‪ ،‬اللهجة‪ ،‬الخطأ يف اللغة )‪.(٤٥‬‬
‫والذي نقصده يف هذا البحث هو ‪) :‬الخطأ يف اللغة(‪ ،‬هذا املدلول الـذي اكتـسبه اللفـظ يف‬
‫فــرق مـا بـني التعبـري‬ ‫ّ‬
‫الظن " عندما تنبه العـرب بعـد اخـتالطهم باألعـاجم إىل َ ْ‬ ‫أغلب‬
‫الصحيح‪ ،‬والتعبري امللحون كما يقول يوهان فك‪ ،‬وهو ال يبعد كثريا ً عن قول ابن فارس ‪:‬‬
‫" فأما ْ‬
‫اللحن – بسكون الحاء – فإمالة الكالم عن جهته الـصحيحة يف العربيـة‪ ،‬يقـال ‪:‬‬
‫املولـد‪ ،‬ألّن اللحن محدث‪ ،‬لـم يكـن يف العـرب العاربـة‬
‫ّ‬ ‫لحن لحنا‪ ،‬وهذا عندنا من الكالم‬
‫الذين تكلموا بطباعهم السليمة " )‪.(٤٦‬‬

‫زمن نشأة اللحن‬


‫لم يتفق الرأي حول زمن نشأة اللحن – بمعنـى الخطـأ اللغـوي ‪ ،-‬فهـل وقـع قبـل‬
‫اإلسالم‪ ،‬أو بعده ؟‬
‫فأقوال القدامى تشري إىل أنه لـم يقـع إال بعـد انتـشار اإلسـالم‪ ،‬ودخـول الـشعوب‬
‫األعجمية فيه‪ ،‬ألنها لم تتقن نطق العربية يف مجاالت األصـوات‪ ،‬أو الـصيغ‪ ،‬أو حركـات‬
‫اإلعراب‪ ،‬منها‪:‬‬

‫)‪ (44‬أمايل القايل ‪ ٦،٤ /١‬ومعاجم املقاييس والصحاح واللسان مادة ‪ :‬لحن‪.‬‬
‫)‪ (45‬معجم مقاييس اللغة ‪ :‬لحن ‪.٢٣٩ /٥‬‬
‫)‪ (46‬العربية‪ ،‬يوهان فك ‪ ،٢٥٤ /‬ومعجم مقاييس اللغة ‪ :‬لحن ‪.٢٣٩ /٥‬‬
‫‪٢٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫• قول ّ‬
‫املربد ‪" :‬كان الصدر األول من أصحاب رسول الله صىل اللـه عليـه وآلـه وسـلم‬
‫وتغريت لغاتهم")‪.(٤٧‬‬
‫ّ‬ ‫يعربون طبعا ً‪ ،‬حتى خالطهم العجم ففسدت ألسنتهم‬
‫واملتعربني من عهد النبي صـىل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الطيب اللغوي ‪ " :‬اللحن ظهر يف كالم املوايل‬ ‫• وقول أبي‬
‫الله عليه وسلم " )‪.(٤٨‬‬
‫• وقول أبي بكر الزبيدي ‪ " :‬ولم تزل العرب يف جاهليتها وصدر من إسـالمها‪ ،‬تـربع يف‬
‫ودونت‬ ‫فـتحت املدائن ُ ّ‬
‫ومرصت األمصار‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫بالسجية وتتكلم عىل السليقة‪ ،‬حتى ُ‬ ‫نطقها‬
‫الدواوين‪ ،‬فاختلط العربي بالنبطي والتقى الحجازي بالفاريس‪ ،‬ودخل الدين أخـالط‬
‫األمم‪ ،‬وسواقط البلدان‪ ،‬فوقع الخلل يف الكالم‪ ،‬وبدأ اللحن يف ألسنة العوام " )‪.(٤٩‬‬
‫وكذلك إشارة ابن فارس السابقة إىل " ّ‬
‫أن اللحن ُمحدث‪ ،‬لم يكن يف العرب العاربـة الـذين‬
‫تكلموا بطباعهم السليمة‪.‬‬
‫• أما املحدثون ‪ :‬فلم تتّـفق كلمتهم يف زمن النشأة‪ ،‬وهم عىل مذهبني ‪:‬‬
‫ّ‬
‫يتجـسد هـذا املـذهب يف‬ ‫ردد رأي القدامى يف ّ‬
‫أن النشأة كانت بعد انتشار اإلسالم‪،‬‬ ‫األول ‪ّ :‬‬
‫تعقيب مصطفى صادق الرافعي عىل قول النبي )صىل الله عليه وآله وسلم( عندما سمع‬
‫ضل " )‪.(٥٠‬‬
‫رجال ً لحن بحرضته ‪ " :‬ارشدوا أخاكم فقد ّ‬
‫مستقر األسـباب التـي يكـون‬
‫ّ‬ ‫قال ‪ " :‬فلو كان اللحن معروفا ً يف العرب قبل ذلك العهد‪،‬‬
‫ّ‬
‫بـأن‬ ‫عنها‪ ،‬لجاءت عبارة الحديث عىل غري هذا الوجه‪ ...‬بل ّ‬
‫إن عبارة الحديث تكاد تنطق‬
‫)‪.(٥١‬‬
‫ذلك اللحن كان أول لحن سمعه أفصح العرب صىل الله عليه وسلم "‬

‫)‪ (47‬الفاضل ‪.٤ /‬‬


‫)‪ (48‬مراتب النحويني ‪.٢٣ /‬‬
‫)‪ (49‬لحن العوام ‪ ٤ /‬وانظر طبقات الزبيدي ‪.١١ /‬‬
‫)‪ (50‬مراتب النحويني ‪ ،٢٣ /‬الخصائص ‪ ٨/٢‬برواية " فإنه قد ّ‬
‫ضل ويف كنز العمال ‪ ،١٥١ /١‬ارشدوا‬
‫أخاكم" ‪.‬‬
‫)‪ (51‬تاريخ أدب العرب ‪.٢٣٧ /١‬‬

‫‪RV‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ونحن مع الرافعي يف ّ‬
‫أن هذا هو أول لحن سمعه )صىل الله عليه وآله وسلم( لكنــه‬
‫أظـن ّ‬
‫أن هـذا الحـديث‬ ‫ّ‬ ‫ال يمنع من القول بوجود اللحن بمناطق أخرى من الجزيـرة‪ ،‬وال‬
‫أول لحن وقع عند العرب جميعا ً‪.‬‬
‫يسعفنا للقول بأنه ّ‬
‫وعىل العموم ّ‬
‫فإن أصحاب هذا املذهب من القدامى واملحدثني يعملون عىل توجيه هذا‬
‫إن ورد يف هذه الحقبة‪ ،‬وجعله من قبيل اللهجات الشاذة‪ ،‬أو النادرة‪.‬‬
‫اللحن ِ‬
‫الثاني ‪ :‬يذهب إىل ّ‬
‫أن اللحن وقع قبل اإلسالم‪ ،‬ومن أصحاب هذا املذهب‪:‬‬
‫أ – االستاذ كمال إبراهيم )‪ ،(٥٢‬الذي استدل ّ عىل وقوعه يف الجاهلية باستعمال شعراء‬
‫هذه الفرتة لفظة )لحن(‪ ،‬وال يوضع لفظ لغري مدلوله ومـسماه )‪ .(٥٣‬وقـد استـشهد‬
‫الدكتور محمد حسني آل ياسني )‪ (٥٤‬ناقل الرأي السابق ببيت للبيد)‪ .(٥٥‬يصف كاتبا ً ‪:‬‬
‫ ‬
‫  ‬ ‫‬
‫!   ‬
‫ولم يتضح يل ما إذا كان االستشهاد من صاحب الرأي‪ ،‬أم من ناقله‪ّ ،‬‬
‫وأيا كانت جهـة‬
‫االستشهاد‪ ،‬فاالعتماد عليه غري سليم‪ّ ،‬‬
‫ألن املراد باللحن هنا هو الفطنة‪ ،‬ولـيس الخطـأ‬
‫اللغوي‪.‬‬
‫خطـــأ َمـن يـذهب إىل ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫ب – وإىل هذا الرأي ذهب األسـتاذ أحمـد عبـدالغفور الـذي‬
‫الجاهليني كانوا يف نجوة من الخطأ )‪.(٥٦‬‬
‫حدد الدكتور محمد عيد مجال وقوع اللحن يف عـرص مـا قبـل االسـالم‪ ،‬إذ يـرى ّ‬
‫أن‬ ‫ج– ّ‬
‫"اللغة العامة التي كانت وسيلة التفاهم بني الجميع‪ ،‬حدث فيها أحيانا اللحن والخطـأ‪،‬‬

‫)‪ (52‬استاذ سابق يف الدراسات العليا بكلية اآلداب ‪ /‬جامعة بغداد‪.‬‬


‫)‪ (53‬الدراسات اللغوية عند العرب ‪.٣٥ /‬‬
‫)‪ (54‬م‪ .‬ن‪.٣٥ /‬‬
‫)‪ (55‬الديوان ‪ ،٩١ /‬أمايل القايل ‪ ،١‬العسب والبان أنواع من الشجر‪.‬‬
‫)‪ (56‬مقدمة محقق الصحاح ‪.١٥ /١‬‬
‫‪٢٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ‬
‫تقدم به الزمن إىل العـرص الجـاهيل‪ ،‬لجاءتنـا‬ ‫صح ّ‬
‫أن االهتمام باللغة ودراستها قد‬ ‫ّ‬ ‫ولو‬
‫كتب يف " لحن العامة " عن هذا العرص‪ ،‬كما حدث يف القرن الثاني الهجري وما تاله")‪.(٥٧‬‬
‫يعدون اإلقواء)‪ (٥٩‬يف الشعر من قبيل الخطأ النحوي فإنه واقع‬
‫د –وإذا التفتنا إىل الذين)‪ّ (٥٨‬‬
‫ال شك فيه‪ ،‬لكثرة وروده يف أشعار تلك الفرتة )‪.(٦٠‬‬
‫وقلــت قـصيدة لهـم ]يعنـي‬
‫ّ‬ ‫حتى قال الفريوزآبـادي معـربا ً عـن كثـرة وروده ‪" :‬‬
‫الجاهليني[ بال إقواء " )‪.(٦١‬‬
‫وإننا نذهب مذهب الذين يرون اإلقواء عيبا ً من عيوب الـشعر العربـي‪ ،‬بـرز خـالل‬
‫ّ‬
‫تطوره‪ ،‬قبل اكتماله بالشكل الذي ورد إلينا يف القصيدة الجاهليـة قبيـل ظهـور‬ ‫مراحل‬
‫ّ‬
‫الظن ّ‬
‫بقية من بقايا تلـك‬ ‫اإلسالم‪ْ .‬‬
‫فإن وردت تلك الظاهرة يف بعض األبيات كانت يف أغلب‬
‫الظاهرة القديمة‪ ،‬وليست من اللحن اللغـوي بـيشء‪ ،‬حتـى ّ‬
‫إن كثـرة ورودهـا يف شـعر‬
‫ّ‬
‫الـضمة مـع‬ ‫املشهورين من شعراء العربية جعل الخليل بن أحمد يجيزه بقوله ‪ " :‬تجوز‬

‫)‪ (57‬املظاهر الطارئة عىل الفصحى ‪.٢٥ /‬‬


‫)‪ (58‬كالدكتور أنيس يف موسيقى الشعر ‪ ،٢٦١ /‬والدكتور رمضان يف فصوله ‪.١٩١ /‬‬
‫)‪ (59‬واإلقواء هو رفع قافية بيت وخفض آخرى يف قصيدة )مخترص القوايف البن جني ‪.(٣١/‬‬
‫)‪ (60‬ومما ورد منه قول النابغة الذبياني ‪:‬‬
‫!‪-.!/0‬א‪ '( )!*+,‬א&א‪"!#$‬‬
‫ُ‬
‫األسود‬ ‫أن رحلتنا غدا ً وبذاك خربنا الغراب‬‫ثم قال ‪ :‬زعم البوارح ّ‬
‫ينظر‪ :‬الديوان برواية ابن السكيت ‪ /‬تحقيق شكري فيصل ) بريوت‪ (١٩٦٨‬ص‪.٢٩‬‬
‫وقول دريد بن الصمة ‪:‬‬
‫‪?>@A‬א‪4‬א‪9:;3<=!>4‬א‪56784‬א‪2 34‬א‪1‬‬
‫ثم قال ‪3HEI-J :‬א‪E< DFG4‬א‪C4D6A' D‬א‪B*4‬‬
‫واملوشـح ‪.١٨ /‬‬
‫ّ‬ ‫ينظر ‪ :‬التنبيه عىل رشح مشكالت الحماسة البن جني ‪،٢٢٧ /‬‬
‫)‪ (61‬القاموس املحيط مادة ‪ :‬قوى‪.‬‬

‫‪RX‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫الكرسة وال تجوز مع الفتحة )‪ ،" (٦٢‬وإىل هذا ذهب األخفش بقوله ‪ " :‬قد كثر من فصحاء‬
‫العرب)‪."(٦٣‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫يقـوي ذلـك عنـدي ّ‬


‫أن‬ ‫ّ‬ ‫مر هو ‪ّ :‬‬
‫أن شيئا ً من اللحن قد وقع يف الجاهلية‪،‬‬ ‫وخالصة ما ّ‬
‫ّ‬
‫بحجـة‬ ‫الرواة وعلماء اللغة حني بدءوا بجمع اللغة‪ّ ،‬‬
‫تجنبوا كثريا ً مـن القبائـل العربيـة‪،‬‬
‫عدم فصاحتها بسبب اختالطها بغريهم من الشعوب‪ ،‬علما ً ّ‬
‫أن هـذا االخـتالط لـم يكـن‬
‫وليد فرتة ما بعد اإلسالم‪ ،‬وإنما هو قديم ِ َ‬
‫قدم اتصال هذه القبائل بالشعوب املجاورة‪ ،‬وال‬
‫تقدم زمن هذا االحتكاك عن زمن البعثة‪ ،‬وقد اعـرتف يوهـان فـك )‪ ،(٦٤‬بـاختالط‬ ‫ّ‬
‫شك يف ّ‬
‫يعـول عليـه‪ّ ،‬‬
‫ألن الفرصـة العظمـى‬ ‫ّ‬ ‫العرب بغريهم من األعاجم قبل اإلسالم‪ ،‬إال أنه لـم‬
‫ترتـبت عليها آثـار جماعيـة غـري‬
‫ّ‬ ‫الحتكاك العرب بغريهم كانت بعد اإلسالم‪ ،‬وهي التي‬
‫قدم االختالط ال ّ‬
‫بد أن ينتج عنه نوع من الخطأ اللغوي‪.‬‬ ‫فردية‪ .‬ونحن نرى ّ‬
‫أن ِ َ‬

‫نشأة التفكري اللغوي‪:‬‬


‫من أجل أن تتضح الصورة الكاملة للتفكري اللغوي عند علمـاء العربيـة يف العـراق يف‬
‫القرنني الثالث والرابع الهجريني‪ ،‬وتتجىل لنا ثمرات التفكري املتمثلة يف الدراسات اللغوية‬
‫التي أنتجت يف هذه الفرتة‪ّ ،‬‬
‫البد أن نشري بإيجاز إىل الباعث األسايس لنشأة هـذا التفكـري‬
‫عند العرب‪ ،‬وبواكريه األوىل‪.‬‬

‫)‪ (62‬املوشح ‪.١٧ /‬‬


‫)‪ (63‬م‪ .‬ن ‪.١٧‬‬
‫)‪ (64‬العربية‪.٢٥٤ /‬‬
‫‪٢٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ونعني بالتفكري اللغوي " إعمـال الفكـر‪ ،‬والتأمـل يف أيّ جانـب مـن جوانـب اللغـة‬
‫املتعددة‪ ،‬وبأية صورة من الصور" )‪.(٦٥‬‬
‫ّ‬
‫وقد نظر علماء العربية إىل لغتهم من جميع الجوانب التي يمكن أن تتناول منها أيـة‬
‫لغة ّ‬
‫حية جديرة باالهتمام‪ ،‬كنظرهم يف نطق أصواتها‪ ،‬وكتابة حروفها‪ ،‬وكيفية تركيبها‪،‬‬
‫وصياغة أبنيتها‪ ،‬ومعرفة أصولها‪ ،‬واسـتنباط اشـتقاقاتها‪ ،‬وداللـة ألفاظهـا‪ ،‬وتحديـد‬
‫ّ‬
‫وتعـدوا كـل هـذا وذاك إىل‬ ‫نوادرها‪ ،‬وإيضاح غريبها‪ ،‬وفرز لهجاتها‪ ،‬وتأليف معاجمهـا‪،‬‬
‫مباحث عامة‪ ،‬كالبحث يف نشأة اللغة‪.‬‬
‫ولم يعرف للعرب قبل اإلسالم نشاط علمي ملحوظ بشأن هذا التفكري‪ ،‬سوى ما أثـر‬
‫عنهم من إنشاد الشعر وروايته‪ ،‬وقول األمثال وتداولها‪ ،‬ورواية األنساب والتفاخر بهـا‪،‬‬
‫وهي جوانب كان للبيئة والحياة االجتماعية األثر الفاعل يف إيجادها‪ ،‬وسبب ذلك ّ‬
‫أن اللغة‬
‫قد جرت عىل ألسنتهم " فطرة وسليقة‪ ،‬وال يكاد يشذ ّ عن مداركهم لفظ‪ ،‬أو تعبري )‪.(٦٦‬‬
‫ونزل القرآن الكريم بتلك اللغة االدبية الراقية‪ ،‬التي وقف العرب أمامها مبهورين مـن‬
‫ّ‬
‫حـسهم اللغـوي‬ ‫خاصة إذا علمنا أنّهم لـم يكونـوا يف‬
‫ّ‬ ‫بيانها الساحر‪ ،‬وأسلوبها املعجز‪،‬‬
‫بمستوى واحد‪ ،‬وانترش اإلسالم‪ ،‬ودخلت شـعوب غـري عربيـة فيـه‪ ،‬واختلطـت النـاس‬
‫وتعايشت األجناس‪ ،‬وهي صاحبة لغات متباينة‪ ،‬وكان عىل هذه الشعوب ّ‬
‫تعلـم العربيـة‬
‫لغة دينهم الجديد‪ ،‬ويشء بديهي ّ‬
‫أنهم ال يملكون تلك الحصانة التي تجعلهم بمـأمن مـن‬
‫الزيغ يف النطق‪ ،‬فشاع اللحن‪ ،‬وانترش الفساد اللغوي بصورة أفزعت َمن أدرك هذا الخطر‬
‫املحدق باللغة الذي ّ‬
‫مس تالوة القرآن الكريم أيضا ً‪ ،‬فأصبحت الحاجة ملحة إىل التفكـري‬
‫ّ‬
‫النص القرآني من اللحن‪ ،‬ووضع ضـوابط للـتالوة الـصحيحة‪،‬‬ ‫فيما يعينهم عىل صيانة‬

‫)‪ (65‬دراسات يف علم اللغة ‪.١١ /‬‬


‫)‪ (66‬رواية اللغة‪ ،‬للشلقاني ‪.٥٨ :‬‬

‫‪SP‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ّ‬
‫الـنص القرآنـي‪ ،‬وبيـان‬ ‫وكذلك إىل ما يعينهم – خاصة غري العـرب – عـىل فهـم داللـة‬
‫مقاصده‪ ،‬وأهدافه‪ ،‬وبالتايل حفظ هذه اللغة التي ارتبطت به‪.‬‬
‫وكانت ثمرة هذا التفكري هي الدراسات القرآنية‪ ،‬التي لـم تكـن بمنـأى عـن الدراسـات‬
‫العربية للرتابط الوثيق بينهما‪.‬‬
‫ُ‬
‫بعـد‬ ‫وقد وصفها الدكتور حسني نصار بأنهـا " العـني التـي اسـتقى منهـا اللغويـون‬
‫)‪.(٦٧‬‬
‫وسبحوا فيما خرج منها من جداول أصبحت أنهارا ً "‬
‫ومن أوائل هذه الدراسات نوعان ‪:‬‬
‫أولهما ‪ :‬تمثل يف محاولة الصحابي الجليل عبدالله بـن عبـاس )‪٦٨‬هــ( لـرشح غريـب‬
‫جمعت يف كتاب ُنسب إليه )‪ ،(٦٨‬ومـع ّ‬
‫أن هـذه الدراسـة‬ ‫ألفاظ القرآن الكريم يف أقوال له ُ‬
‫قرآنية ّ‬
‫لكن ارتباطها بالدراسات اللغوية ليس بغامض‪.‬‬
‫وثانيهما ‪َ ّ َ َ :‬‬
‫تمثل يف محاوالت ّ‬
‫عدة ‪:‬‬
‫• منها ‪ :‬محاولة أبي األسود الدؤيل )‪٦٩‬هـ( لضبط حركات ألفاظ القـرآن الكـريم‪ ،‬إذ ْ‬
‫يعرف به الصواب من الخطأ " )‪.(٦٩‬‬
‫رسما ُ ْ َ‬ ‫أحب ْ‬
‫أن يرسم ْ‬ ‫ّ‬ ‫روي عنه أنه "‬
‫ُِ َ‬
‫ّ‬
‫املتغـري تعبـريا ً عـن‬ ‫ّ‬
‫تتشخص أركانه بالنقاط ذات املكـان‬ ‫وكان له ما أراد يف عمل رائد‬
‫ّ‬
‫والضمة‪ ،‬والكرسة‪ ،‬وقد كانت لهذا العمل فائدتان‪ ،‬هما‪:‬‬ ‫الفتحة‪،‬‬
‫اللـحن بضبط قراءة ألفاظه‪.‬‬ ‫‪ْ َ -١‬‬
‫صون القرآن الكريم من ّ‬
‫‪ -٢‬كونها ّ‬
‫أول محاولة إلصالح نظام الكتابة العربية‪.‬‬

‫)‪ (67‬املعجم العربي نشأته وتطوره ‪.٣٢ /١‬‬


‫)‪ (68‬الكتاب منشور باسم سؤاالت نافع بن األزرق‪ /‬يف بغداد مجلة رسالة االسالم‪ ،‬كلية أصول الدين‪.‬‬
‫)‪ (69‬إنباه الرواة عىل أنباء النحاة ‪.٥/١‬‬
‫‪٣١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫)‪(٧١‬‬
‫ومنها ‪ :‬محاولة نرص بـن عاصـم الليثـي )‪٨٥) (٧٠‬هــ( التـي تمثلـت يف إعجـام‬ ‫•‬
‫تعد املحاولة الثانية إلصالح نظـام الكتابـة العربيـة )‪ ،(٧٢‬وكـان‬
‫الحروف‪ ،‬فهي بهذا ّ‬
‫الدافع إليها أمرين‪ ،‬هما ‪:‬‬
‫أ ــ تشابه املجموعات من األحرف العربية يف الرسم )كالباء‪ ،‬والتـاء‪ ،‬والثـاء( إذا كانـت‬
‫بغري إعجام‪.‬‬
‫توافــر ملكة معرفة األحرف العربية – من السياق العام – لغري العرب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ب ــ عدم‬
‫• ومنها ‪ :‬محاولة الخليل بن أحمد الفراهيدي يف تطوير نقاط أبي األسـود اإلعرابيـة‪،‬‬
‫حيث جعل الضمة واوا ً صغرية يف أعىل الحرف‪ ،‬والكرسة ياء تحت الحرف‪ ،‬والفتحـة ألفـا‬
‫مبطوحة فوق الحرف‪ ،‬ثم أضاف إليها عالمات جديدة كالتشديد‪ ،‬وعالمة )خ( ملعرفة كون‬
‫بمتحرك )‪.(٧٣‬‬
‫ّ‬ ‫الحرف خفيفا ً‪ ،‬أي ‪ :‬ليس‬
‫ّ‬
‫تطورت هذه املحاوالت‪ ،‬وشملت مستويات الدرس اللغوي عامة‪ .‬وهـو مـا‬ ‫وبعد هذا‬
‫سنتحدث عنه يف هذه السلسلة من الدراسات يف تراثنا اللغوي‪ ،‬ومنهـا الجانـب الـصوتي‬
‫الذي ّ‬
‫خص به هذا الكتاب‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪ (70‬التصحيف والتحريف‪ ،‬للعسكري‪.١٠/‬‬


‫)‪ (71‬هو تمييز الحروف املتشابهة بوضع نقاط ملنع اللبس‪.‬‬
‫)‪ (72‬وردت نصوص تشري اىل الحروف العربية لم تكن عرية عن النقط إال أن الصحابة )رض( عندما كتبوا‬
‫القرآن الكريم جردوه منها‪.‬‬
‫)‪ (73‬املحكم للداني ‪ ٧ /‬بترصف‪ ،‬وكتاب الخليل بن أحمد ‪.٣٩:‬‬

‫‪SR‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫الرواية اللغوية)‪:(٧٤‬‬
‫شهد القرن الثاني للهجرة بـواكري الـرحالت العلميـة لعلمـاء العربيـة مـن البـرصة‬
‫والكوفة إىل البادية ْ‬
‫مهد األعراب الفـصحاء‪ ،‬ينهلـون اللغـة الفـصيحة مـن مـصادرها‬
‫الصافية التي لم تشهد ذلك التفاعل مع لغات الشعوب األخرى‪.‬‬
‫هذه الرحالت امليدانية قصدها علماء العربية قصدا‪ ،‬ألنهم لم يجـدوا بـني أيـديهم ثـروة‬
‫لغوية تعينهم عىل تحقيق أهدافهم‪.‬‬
‫ويمكننا إيجاز مالحظاتنا عىل رواية اللغة بأمور عامة‪ ،‬هي ‪:‬‬
‫‪ -١‬تتمثل بواعثها ودواعيها يف ‪:‬‬
‫ترسب اللحن إليه‪ ،‬بعد ضعف السالئق‪ ،‬واختالط العرب‬ ‫ّ‬
‫النص القرآني من ّ‬ ‫الخوف عىل‬ ‫‪-‬‬
‫اتـخاذ خطوات عىل سبيل إيجاد الضوابط‬
‫بغريهم من املسلمني‪ ،‬فكان ذلك باعثا ً عىل ّ‬
‫اللغوية التي تقي اللسان من الوقوع يف الزيغ‪ ،‬وال يمكن تحديد هذه الضوابط من غري‬
‫الوقوف عىل أساليب العربية‪ ،‬ونظمها يف كالم العرب الفصحاء‪.‬‬
‫ومن جانب آخر كانت هناك حاجة إىل تفسري نصوص القرآن الكريم تفسريا ً لغويـا ً‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫يحتـم عليهم أن يعودوا إىل اآلثار األدبية‪ ،‬لتبيان ما أشكل عليهم‪ ،‬ومنها الـشعر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وهذا‬
‫ديوانهم الذي يرجعون إليه عند غموض املعنى‪ ،‬وكان ابن عباس إذا ُ ِ‬
‫سـئل عـن رشح‬
‫لفظة من األلفاظ القرآنية‪ ،‬أجاب عنها مستدال عليها بما جاء يف شعر العرب)‪.(٧٥‬‬
‫تعلـــم العربيـة‬
‫ّ‬ ‫وجانب ثالث تمثل يف رغبة املسلمني من غري العرب‪ ،‬وحرصهم عـىل‬ ‫‪-‬‬
‫وإجادة نطقها‪ ،‬والرباعة يف حذفها‪ ،‬ألسباب اجتماعية‪ ،‬وسياسية‪.‬‬

‫)‪ (74‬املقصود هنا هي الرواية اللغوية التي اتخذت وسيلة لجمع اللغة‪ ،‬وضبط أصولها‪،‬‬
‫وموادها‪،‬وتراكيبها‪ ،‬وأساليبها ينظر‪ :‬كتاب رواية اللغة للشلقاني‪.‬‬
‫)‪ (75‬الفاضل للمربد‪ ١٠ /‬وانظر سؤاالت نافع بن االزرق البن عباس‪.‬‬
‫‪٣٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وفيها قال ابن شربمة ‪ " :‬إذا ّرسك أن تعظم يف عني َمن كنت يف عينه صغريا ً‪ ،‬ويـصغر يف‬
‫فتعلـــم العربيـة‪ ،‬فإنهـا تجريـك عـىل املنطـق‪ ،‬وتـدنيك مـن‬
‫ّ‬ ‫عينك من كان عظيمـا ً‪،‬‬
‫السلطان")‪.(٧٦‬‬
‫تأخـر زمنيا هو الحاجة العلمية ذاتها‪ ،‬لوضع الضوابط النحوية‪ ،‬بعـد‬
‫ّ‬ ‫وباعث آخر قد‬ ‫‪-‬‬
‫أن أصبح الدرس اللغوي ِعلما يطلب لذاته )‪.(٧٧‬‬
‫‪ -٢‬أن هذه الرواية اتخذت طريقني ‪:‬‬
‫أولهما ‪ :‬تمثل يف رحلة العلماء إىل البادية ملشافهة األعراب‪ ،‬واستنطاقهم‪ ،‬والرواية عنهم‪.‬‬
‫ّ‬
‫التكسب‪ ،‬والعيش برواية اللغة‪.‬‬ ‫وثانيهما ‪ :‬رحلة أعراب البادية إىل الحوارض من أجل‬
‫‪ – ٣‬اقرتنت هذه العملية بالتدوين من أجـل الـضبط‪ ،‬باإلضـافة إىل مـا وقـر يف صـدور‬
‫العلماء‪.‬‬
‫‪ – ٤‬إن القائمني بهذا العمل هم رواة علماء من املدينتني كأبي عمرو بن العالء‪ ،‬والخليـل‬
‫بن أحمد‪ ،‬والنرض بن شميل‪ ،‬وأبي زيد األنصاري من البرصيني‪ ،‬والكسائي‪ ،‬وأبـي عمـرو‬
‫الشيباني‪ ،‬وابن األعرابي من الكوفيني ثم ّ‬
‫تحول من هؤالء‪ ،‬ومن هؤالء إىل بغداد وشاركوا‬
‫يف هذا العمل الخطري‪.‬‬
‫‪ – ٥‬سارت الرواية اللغوية عند البرصيني عىل وفق منهج صارم تمثـل يف عمليـة انتقـاء‬
‫ّ‬
‫محتجـني لهـذا االنتقـاء‬ ‫ّ‬
‫محددة للقبائل العربية التي شـافهوا أعرابهـا‪ ،‬ونقلـوا عـنهم‬
‫باستهداف السالمة اللغوية‪ ،‬فأخضعوا بعض األعراب إىل امتحان لغوي‪ ،‬خوفا ً من ليونة‬
‫األلسنة كما يقولون‪.‬‬

‫)‪ (76‬عيون االخبار البن قتيبة ‪ ١٥٧/٢‬وابن شربمة هو )عبدالله بن شربمة من ضبة كان قاضيا ً عىل‬
‫سواد الكوفة ( املعارف ‪.٤٧٠/‬‬
‫)‪ (77‬الدراسات اللغوية عند العرب ‪.٦٧/‬‬

‫‪ST‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫أما الكوفيون فقد ّ‬


‫وسعوا دائرة استشهادهم اللغوي‪ ،‬وسمعوا أعرابا كان البرصيون قـد‬
‫ّ‬
‫التوسع‪.‬‬ ‫أبو األخذ عنهم‪ ،‬وقد عيب عليهم هذا‬
‫وال بد هنا من اإلشارة إىل التعاون بني رجال املدينتني)البرصة والكوفة(‪ ،‬فهناك‬
‫)‪.(٧٩‬‬
‫برصيون أخذوا عن الكوفيني)‪ ،(٧٨‬وكوفيون أخذوا عن البرصيني‬
‫‪ – ٦‬لم يقترص السماع عندهم عىل العرب الفصحاء‪ ،‬بل سمعوا الفصحاء من غري العرب‬
‫كموىس بن سيار األسواري‪ ،‬والحسن البرصي)‪.(٨٠‬‬
‫يتحدد الرواة بنوع ّ‬
‫معني من السماع‪ ،‬بـل سـمعوا الروايـات اللغويـة‪ ،‬واألدبيـة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ – ٧‬لم‬
‫واألخبار‪ ،‬واألنساب‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫‪ – ٨‬توقفت رواية اللغة ونقلها يف منتصف القرن الثاني للهجرة يف حوارض املدن‪ ،‬واستمر‬
‫النقل بعد هذا التاريخ يف البادية‪ ،‬إىل ما يقرب من نهاية القرن الرابع‪.‬‬
‫بعد ذلك اتخذت الرواية شكال ً جديدا ً‪ ،‬وهو النقل عـن الـرواة الـذين شـافهوا األعـراب‪،‬‬
‫كالخليل الفراهيدي‪ ،‬وأبي زيد األنصاري‪ ،‬واألصمعي وغريهم‪.‬‬
‫وجمعت ألفاظهـا‪ّ ُ ،‬‬
‫وحـددت أبنيتهـا‪،‬‬ ‫‪ – ٩‬من ثمرات هذا العمل الكبري أن ُ‬
‫ضبطت اللغة‪ُ ،‬‬
‫ُ‬
‫ووضحت تراكيبها‪ ،‬وامتازت أساليبها‪.‬‬
‫وكانت لعلماء العربية يف العراق أمام هذه املادة اللغوية املسموعة مواقف‪ ،‬ونظرات يف‬
‫جوانبها املتعددة من تفسري ظواهرها‪ ،‬ورشح ألفاظها‪ ،‬وتوثيق معانيها‪ ،‬وبيان نظمهـا‪،‬‬
‫وتحديد حاالت أواخر ألفاظها‪.‬‬

‫)‪ (78‬روي أن يونس بن حبيب أخذ عن حماد بن سلمة‪ ،‬وأن أبا زيد األنصاري أثبت يف أول كتابه سماعه‬
‫عن املفضل الضبي‪.‬‬
‫)‪ (79‬نظري ‪ :‬سماع الكسائي من الخليل ويونس‪ ،‬وسماع الفراء من يونس‪ ،‬ورواية سعدان بن املبارك عن‬
‫أبي عبيدة‪.‬‬
‫)‪ (80‬البيان والتبيني ‪.١٦٣ /١ ،٣٦٨ /١ :‬‬
‫‪٣٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ‬
‫ممهـدة لنـشوء علـوم اللغـة العربيـة‬ ‫وأخريا ً يمكن القول ّ‬
‫بأن الرواية اللغوية كانت‬
‫املختلفة‪ ،‬ودافعا ً لحركة التأليف اللغوي‪ ،‬ألنها وضعت مادة دراسية متنوعـة يف متنـاول‬
‫أيدي علماء العربية يف العراق‪.‬‬
‫* *‬ ‫*‬

‫‪SV‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫َأعالم الحركة اللغوية العامة يف القرنني‬


‫الثالث والرابع الهجريني ‪:‬‬

‫شهد القرنان الثالث والرابع حركة نشطة يف الحياة العلمية‪ ،‬ومنها الدراسات اللغويـة‬
‫ّ‬
‫الحد الذي لم تبلغه فرتة أخرى‪ ،‬فقـد كانـت بغـداد‬ ‫التي بلغت درجة النضج والتطور‪ ،‬إىل‬
‫ْ‬
‫حـدب‪ ،‬باإلضـافة إىل‬ ‫وينسل إليها العلماء واألدباء من ّ‬
‫كـل‬ ‫ّ‬ ‫الحارضة العلمية التي ّ‬
‫يؤمها‬
‫تسابق أمراء الواليات عىل استقدام الـشعراء واألدبـاء واللغـويني‪ ،‬فأحـسنوا وفـادتهم‪،‬‬
‫وبــذلوا لهــم األمــوال‪ّ ،‬‬
‫ألن يف وجــودهم عــزا ً لــسلطانهم‪ ،‬ودعمــا ً معنويــا ً لكيانــاتهم‬
‫السياسية‪ ،‬وشهرة وذيوعا ً لشخصياتهم‪ ،‬فربزت يف هذه الفرتة ظواهر علمية‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫‪ -١‬إهداء التصانيف للوالة والوزراء يف مختلف أنحاء الدولة‪.‬‬
‫‪ -٢‬تتلمذ بعض الوالة عىل هؤالء العلماء‪ ،‬أو مناقشتهم يف مسائلهم‪،‬أو مـشاركتهم‬
‫يف التأليف‪.‬‬
‫‪ْ َ -٣‬‬
‫ندب العلماء للمنادمة‪،‬أو تأديب أوالد الخلفاء والوزراء والوالة‪.‬‬
‫‪ -٤‬إقامة املناظرات العلمية سواء أكانت للمنافسة العلمية‪ ،‬أم بدوافع أخرى‪.‬‬
‫‪ -٥‬كثرة العلماء واألدباء والشعراء‪ ،‬وتنقلهم بني الحوارض اإلسالمية‪.‬‬
‫وخري دليل عىل الحركة العلمية النشطة يف هذين القرنني أن نذكر عددا ً مـن أشـهر‬
‫علماء العربية الذين عاشوا يف العراق يف القرنني الثالـث والرابـع الهجـريني‪ ،‬والتـي‬
‫كانت آراؤهم هي األساس الذي قام عليه رصح هذه السلسلة من الدراسات اللغوية‬
‫الرتاثية‪ ،‬مع ذكر سنة الوفاة عىل اآلرجح‪ْ ،‬‬
‫إن كان هناك اختالف فيها‪ ،‬وبيان املجـال‬
‫الذي أفدنا منه يف هذه الدراسات اللغوية بالشكل الذي يتناسب مع الجدول‪.‬‬

‫‪٣٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫املجال الدرايس يف البحث‬ ‫سنة الوفاة‬ ‫االسم‬


‫الداللة‬ ‫‪٢٠٦‬‬ ‫محمد بن املستنري)قطرب(‬
‫الداللة‪ ،‬واملعاجم‬ ‫‪٢٠٦‬‬ ‫أبو عمرو الشيباني‬
‫األصوات‪ ،‬والداللة‬ ‫‪٢٠٧‬‬ ‫يحيى بن زياد الفراء‬
‫الداللة‬ ‫‪٢١٠‬‬ ‫أبو عبيدة معمر بن املثنى‬
‫األصوات‪ ،‬والداللة‬ ‫‪٢١٥‬‬ ‫أبو الحسن األخفش‬
‫الداللة‪ ،‬ورسائله نواة للمعاجم‬ ‫‪٢١٥‬‬ ‫أبو زيد األنصاري‬
‫الداللة‪ ،‬ورسائله نواة للمعاجم‬ ‫‪٢١٦‬‬ ‫عبدامللك بن قريب األصمعي‬
‫الداللة‪ ،‬واملعاجم‬ ‫‪٢٢٤‬‬ ‫أبو عبيد القاسم بن سالم‬
‫الداللة‬ ‫‪٢٣١‬‬ ‫ابن األعرابي محمد بن زياد‬
‫األصوات‪ ،‬والداللة‪ ،‬واملعاجم‬ ‫‪٢٤٤‬‬ ‫ابن السكيت‬
‫الداللة‬ ‫‪٢٤٥‬‬ ‫محمد بن حبيب‬
‫األصوات‬ ‫‪٢٤٩‬‬ ‫أبو عثمان املازني‬
‫الداللة‬ ‫‪٢٥٥‬‬ ‫أبو حاتم السجستاني‬
‫الداللة‪ ،‬األصوات)أفكار عامة(‬ ‫‪٢٥٥‬‬ ‫أبو عمرو الجاحظ‬
‫الداللة‬ ‫‪٢٧٦‬‬ ‫ابن قتيبة‬
‫املعاجم‬ ‫‪٢٨٤‬‬ ‫أبو برش اليمان البندنيجي‬
‫األصوات‪ ،‬والداللة‬ ‫‪٢٨٥‬‬ ‫أبو العباس املربد‬
‫الداللة‬ ‫‪٢٩١‬‬ ‫أبو العباس ثعلب‬
‫األصوات‬ ‫‪٢٩٩‬‬ ‫أبو الحسن بن كيسان‬

‫‪SX‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫الداللة‬ ‫‪٣٠٠‬‬ ‫املفضل بن سلمة‬


‫األصوات‬ ‫‪٣١١‬‬ ‫أبو إسحاق الزجاج‬
‫األصوات‪ ،‬الداللة‬ ‫‪٣١٦‬‬ ‫أبو بكر ابن الرساج‬
‫األصوات‪،‬الداللة‪،‬واملعاجم‬ ‫‪٣٢١‬‬ ‫أبو بكر بن دريد‬
‫األصوات‪ ،‬والداللة‬ ‫‪٣٢٨‬‬ ‫أبو بكر بن األنباري‬
‫األصوات‪ ،‬والداللة‬ ‫‪٣٣٧‬‬ ‫أبو القاسم الزجاجي‬
‫املعاجم‬ ‫‪٣٣٧‬‬ ‫قدامة بن جعفر‬
‫الداللة‬ ‫‪٣٤٧‬‬ ‫ابن درستويه‬
‫الداللة‪ ،‬واملعاجم‬ ‫‪٣٥٦‬‬ ‫أبو عيل القايل البغدادي‬
‫األصوات‬ ‫‪٣٦٨‬‬ ‫أبو سعيد السريايف‬
‫األصوات‪ ،‬والداللة‬ ‫‪٣٧٧‬‬ ‫أبو عيل الفاريس‬
‫الداللة‬ ‫‪٣٨٤‬‬ ‫أبو الحسن الرماني‬
‫األصوات‪ ،‬والداللة‬ ‫‪٣٩٢‬‬ ‫أبو الفتح عثمان بن جني‬

‫وقد ْ ُ ِ‬
‫استـبعد من مجال الدراسة علماء كانت لهم شهرة كبرية يف القرنني الثالث والرابـع‬
‫الهجريني‪ ،‬خاصة يف املجاالت التي تناولتها هذه الدراسـة‪ ،‬وسـبب هـذا االسـتبعاد هـو‬
‫االلتزام بمنهج الدراسة املشار إليه يف املقدمـة‪ ،‬وهـو االقتـصار عـىل الجهـود اللغويـة‬
‫للعلماء الذين عاشوا يف العراق‪ ،‬أو الذين عاشوا فرتة طويلة فيه‪ ،‬أما الذين لم يقيموا فيه‬
‫سوى مدة قصرية‪ ،‬فجهودهم خارجة عن ميدان هذه السلسة الدراسية‪،‬‬
‫فمن املشهورين الذين لم يدخلوا بغداد أو غريها من املدن العراقية ‪:‬‬
‫عبدالرحمن عيىس الهمداني )‪٣٢٠‬هـ(‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪٣٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أبو إبراهيم إسحاق الفارابي )‪٣٥٠‬هـ(‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫أبو هالل العسكري )‪٣٩٥‬هـ(‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ومن الذين لم يقيموا فيه ّ‬
‫مدة طويلة ‪:‬‬
‫ّ‬
‫الطيب اللغوي )‪٣٥١‬هـ(‪.‬‬ ‫أبو‬ ‫‪-‬‬
‫ابن خالويه )‪٣٧٠‬هـ(‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أبو منصور األزهري )‪٣٧٤‬هـ(‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الصاحب بن عباد )‪٣٨٥‬هـ(‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ابن فارس أحمد بن زكريا )‪٣٩٥‬هـ(‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الجوهري)صاحب الصحاح( )‪٣٩٨‬هـ(‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪TP‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫‬
‫‬
‫א א  ‬
‫א ‬
‫‬
‫א א א  אאא ‬ ‫•‬
‫‪%‬א‪"#$‬א!א ‬ ‫•‬
‫א‪"#$‬א!‪*+‬א ) א‪&'($‬‬ ‫•‬
‫‪%3$/‬א‪"#$‬א!א‪12‬א‪,-.!/0‬‬ ‫•‬

‫‪٤١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪٤٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫مصادر الدراسة الصوتية‬


‫ّ‬
‫تعـددت‬ ‫نظرا ً الرتباط الدرس الصوتي يف العربية بسائر فروع الدراسة اللغوية فقـد‬
‫وتنوعت تبعا ً ّ‬
‫لتنوع مستويات البحوث التي أفادت منه وارتبطـت بـه‪ ،‬ومـن‬ ‫ّ‬ ‫مصادره‪،‬‬
‫أبرزها ‪:‬‬
‫‪ -١‬كتب األصوات ‪:‬‬
‫رس صـناعة‬ ‫أفـرد للدراسة الصوتية ُ‬
‫ونـرش إىل اآلن هـو كتـاب ) ّ‬ ‫الكتاب الوحيد الذي ْ ِ َ‬
‫مؤلـفه أن يشتمل عىل آثار أسالفه من علماء العـراق يف‬
‫ّ‬ ‫اإلعراب البن ّ‬
‫جني(‪ ،‬الذي أراد له‬
‫الدرس الصوتي خاصة‪ ،‬مع التحليل العلمي‪ ،‬والنقد الدقيق‪ ،‬مؤيدا ً ذلك ّ‬
‫كله بما رواه عـن‬
‫ّ‬
‫وجلتهم‪ ،‬وأضاف إىل ذلك ما هداه إليه عقله املبدع من إضافات أصيلة‪.‬‬ ‫حــذاق أصحابه‬
‫ّ‬
‫وأهم ما جاء فيه من موضوعات هي ‪:‬‬
‫فرق ما بني الصوت والحرف‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ذوق األصوات‪ ،‬وتحديد مخارجها‪ ،‬وبيان صفاتها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ذكـر ما يعرض لها يف حاالت التشكيل الصوتي )من إبدال‪ ،‬وإعالل‪ ،‬وإدغام( )‪.(١‬‬
‫ِ ْ‬ ‫‪-‬‬
‫)‪.(٢‬‬
‫تآلف األصوات واقرتانها‬ ‫‪-‬‬
‫إفراد أبواب مستقلة ّ‬
‫لكل حرف مراعيا ًالرتتيب األلفبائي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫كل باب‪ ،‬فيمكن ْ‬
‫أن نعرفه إجماال ً‪ ،‬مما ذكره تحت باب الهمزة من‬ ‫أما ما تناوله تحت ّ‬
‫مباحث‪ ،‬وهو ‪ :‬الصفة العامة للهمزة‪ ،‬إبدالها‪ ،‬زيادتها‪ ،‬أنواعها‪ ،‬حذفها )‪.(٣‬‬

‫)‪ (1‬رس صناعة اإلعراب ‪).٧٥ -٦/‬مخطوط(‬


‫)‪ (2‬م‪ .‬ن ‪. ٧٥٠/٣ ،٧٥/١ :‬‬
‫)‪ (3‬رس صناعة اإلعراب ‪.١٣٤ -٧٨/١ :‬‬
‫‪٤٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫والفراء‪ ،‬واألخفـش‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عرض آلراء سابقيه منهم ‪ :‬يونس‪ ،‬وسيبويه‪،‬‬ ‫ويف أثناء هذه املباحث‬
‫الرساج‪ ،‬وأبو عيل الفاريس‪ ،‬ولم يكن ذكر آراء هؤالء نقال ً مجردا ً‪ ،‬بل هـو‬
‫ّ‬ ‫وأبو زيد‪ ،‬وابن‬
‫ذكـر وتحليل ملضامينها )‪ ،(٤‬وتعليل لوجهاتها‪ ،‬وترجيح )‪ (٥‬بينها معتمدا الشواهد اللغوية‬
‫ِ ْ‬
‫من قراءات قرآنية‪ ،‬وأشعار فصيحة كل ذلك يف استقصاء‪ .‬لم يـسبق إليـه‪ ،‬وفيـه قـال ‪:‬‬
‫"فإن أصحابنا لم يشبعوا القول فيه عىل ما أردته اآلن " )‪.(٦‬‬
‫أما يف غري هذا الكتاب فهي بحوث صوتية متفرقة جاءت بني ثنايـا الكتـب اللغويـة‪ ،‬وال‬
‫يفوتنا أن نشري إىل أن هناك دراسات لم تصل إلينا أو موجودة يف مكتبات العالم ولم تنرش‬
‫بعد )‪ّ َ ُ ،(٧‬‬
‫يظـن أنها صوتية‪ ،‬أو تحمل بني طياتها قضايا صوتية‪ ،‬ولو قـدر لهـا الوصـول‬
‫إلينا‪ ،‬ألضاءت لنا جوانب أخرى من التفكري الصوتي عند العرب يف القرنني الثالث والرابع‬
‫الهجريني‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫كتاب اإلدغام ألبي حاتم السجستاني )الفهرست‪.(٨٧/‬‬ ‫•‬
‫كتب األصوات‪ ،‬منهـا ‪ :‬لقطـرب )الفهرسـت‪ ،(٨٧/‬و لألخفـش )الفهرسـت‪،(٧٨/‬‬ ‫•‬
‫ولألصمعي)الفهرست‪.(٨٣/‬‬
‫كتب الحـروف‪ ،‬منهـا ‪ :‬الهـاء للفـراء )بغيـة الوعـاة‪،(٣٩٦/١‬والآلمـات لألخفـش‬ ‫•‬
‫)الفهرســت ‪ (٥٤ /‬وااللــف والــالم للمــازني )الفهرســت‪ (٨٥/‬والحــروف للمــربد‬
‫)الفهرست‪،(٨٨/‬والالمـات والهـاءات ألبـي بكـر األنبـاري )الفهرسـت‪(١١٢،٥٤/‬‬
‫والهاءات والياءات البن مجاهد )الفهرست‪.(٤٧/‬‬

‫)‪ (4‬رس صناعة االعراب ‪.٨٨/١‬‬


‫)‪ (5‬م‪ .‬ن ‪.٨٨/١‬‬
‫)‪ (6‬م‪ .‬ن ‪.١٢٠ /‬‬
‫)‪ (7‬تنظر مقالة الدكتور محمد حسني آل ياسني فيما وضع يف اللغة عند العرب )مجلة املورد‪ ،‬م‪٩‬‬
‫ع‪.(٢٤٩/٤‬‬
‫‪٤٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫كتب الهمز‪ ،‬منها ‪ :‬الهمز لقطرب )الفهرست‪ (٧٩/‬والهمز‬ ‫•‬


‫لألصمعي)الفهرست‪.(٨٢/‬‬
‫كتــب الوقــف واالبتــداء‪ ،‬منهــا ‪ :‬كتــب الفــراء )الفهرســت‪ (٥٤/‬واألخفــش‬ ‫•‬
‫)الفهرست‪ ،(٥٤/‬وثعلب)الفهرست‪ (١١١/‬وابـن كيـسان )الفهرسـت‪ (٥٤/‬وابـن‬
‫األنباري)الفهرست‪ (٥٤/‬وابن مقسم )الفهرست‪ (٥٠/‬والسريايف)الفهرست‪.(٩٣/‬‬
‫وما بني أيدينا من تراث مماثل لهذه الكتب هو‪:‬‬
‫‪ -١‬الحروف‪ ،‬للنرض بن شميل )‪.(٨‬‬
‫‪ -٢‬الهمز‪ ،‬ألبي زيد األنصاري )‪.(٩‬‬
‫‪ -٣‬الحروف‪ ،‬البن السكيت )‪.(١٠‬‬
‫‪ -٤‬أرجوزة الضاد والظاء‪ ،‬البن قتيبة )‪.(١١‬‬
‫‪ -٥‬منازل الحروف‪ ،‬للرماني )‪.(١٢‬‬
‫غري ّ‬
‫أن هذه الكتب تناولت يف بحوثها مواد لغوية متنوعة تجمع بني النحـو واملعـاني‪،‬‬
‫بعيدة عن الدراسة الصوتية التي نحن بصددها‪ ،‬ومع ذلك ال يمكن الحكـم عـىل املفقـود‬
‫بالحكم نفسه‪.‬‬
‫ويلحق بكتب األصوات أيضا ً كتب القلب واإلبدال‪ ،‬وقد طبع منها كتابان هما‪:‬‬
‫اإلبدال البن السكيت‪ ،‬واإلبدال واملعاقبة والنظـائر‪ ،‬للزجـاجي‪ ،‬وقـد أفـدنا منهمـا‪ ،‬كمـا‬
‫سيتضح فيما بعد‪.‬‬

‫)‪ (8‬نرش ضمن كتاب البلغة يف شذور اللغة ‪.١٥٩ /‬‬


‫)‪ (9‬نرش بتحقيق لويس شيخو )بريوت‪.(١٩١٠،‬‬
‫)‪ (10‬نرش بتحقيق الدكتور رمضان عبد التواب ‪١٩٦٩‬ثم أعاد طبعه ضمن ثالثة كتب يف الحروف سنة‬
‫‪.١٩٨٢‬‬
‫)‪ (11‬نرشت بتحقيق الدكتور داود الجلبي يف مجلة لغة العرب جـ ‪.٤٦١/٦‬‬
‫)‪ (12‬نرش بتحقيق الدكتور مصطفى جواد ضمن رسائل يف النحو واللغة‪.١٩٦٩ ،‬‬
‫‪٤٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ – ٢‬كتب قراءات القرآن‪ ،‬وتجويده‪ ،‬ومعانيه ‪:‬‬


‫معزوا ً لناقله )‪.(١٣‬‬
‫القراءة القرآنية ‪ :‬هي " علم بكيفية أداء كلمات القرآن َ ْ ُ‬
‫مبكـرا ً‪ ،‬إذ ُ ِ‬
‫نـسب تـأليف‬ ‫ّ‬ ‫بالقراء‪ ،‬وقد بدأ التأليف بها‬
‫ّ‬ ‫سنة ّ‬
‫متبعة‪ُ ،‬عرف أصحابها‬ ‫وهي ّ‬
‫فيها إىل يحيى بن يعمر )‪١٢٩) (١٤‬هـ( ثم تواىل التأليف من بعده‪ ،‬وشارك علمـاء القـرنني‬
‫الثالث والرابع يف هذا اللون من التأليف‪ ،‬منهم ‪:‬‬
‫أبو زيد األنصاري )الفهرست‪ ،(٨١/‬وأبو عبيـد القاسـم بـن سـالم ) الفهرسـت ‪،٥٣ /‬‬
‫‪ ،(١٠٦‬وأبــو حــاتم السجــستاني )الفهرســت‪ ،(٧٨/٥٣/‬وابــن قتيبــة )الفهرســت ‪/‬‬
‫‪ ،(١١٦/٥٣‬وثعلب )الفهرست‪ ،(١١١/٥٣/‬وابن مجاهد)‪.(١٥‬‬
‫وأعقب ذلك ظاهرة تأليف أخرى مرتبطة بسابقتها‪ ،‬وهي التأليف يف االحتجاج للقراءات‪:‬‬
‫وهي دراسات ُيراد بها توثيق القراءات يف الجوانب اللغوية من )نحو‪ ،‬ورصف‪ ،‬وصوت(‪.‬‬
‫وأشهر َمن ّألف فيها ‪ :‬ابن الرساج )‪ ،(١٦‬وابن دستوريه)‪ ،(١٧‬وابن خالويه)‪ ،(١٨‬وأبـو عـيل‬
‫الفاريس )‪ ،(١٩‬وقد حظيت القراءات الشاذة بهذا النوع من التأليف أيضا ً‪ ،‬فمن أصـحابه ‪:‬‬
‫ابن خالويه )‪ ،(٢٠‬وابن جني )‪.(٢١‬‬
‫أما علم التجويد ‪ :‬فهو األسلوب الصوتي العميل ألداء هـذه القـراءات القرآنيـة فـإذا‬
‫كانت القراءة علما نظريا ً‪ ،‬فالتجويد أداؤه وتطبيقه‪ ،‬لـذا فإنـه يتوقـف عـىل معرفـة ‪:‬‬

‫)‪ (13‬منجد املقرئني البن الجزري ‪.٣ /‬‬


‫)‪ (14‬مقدمتان يف علوم القرآن ‪ :‬مقدمة ابن عطية ‪.٢٧٩ /‬‬
‫)‪ (15‬نرش كتابه "السبعة يف القرءات" بتحقيق الدكتور شوقي ضيف‪.١٩٧٢ ،‬‬
‫)‪ (16‬الحجة يف علل القراءات السبع‪ ،‬مقدمة املؤلف ‪.٤/‬‬
‫)‪ (17‬الفهرست‪.٥٣/‬‬
‫)‪ (18‬نرش كتابه ‪ :‬الحجة يف القراءات السبع بتحقيق الدكتور عبدالعالم مكرم‪.١٩٧٧ ،‬‬
‫)‪ (19‬نرش كتابه ‪ :‬الحجة يف علل القراءات السبع بتحقيق النجدي‪ ،١٩٦٥ ،‬ثم نرش بدمشق‪.‬‬
‫)‪ (20‬نرش كتابه ‪ :‬مخترص شواذ القرآن بتحقيق برجشسرتارس‪.١٩٣٤،‬‬
‫‪.١٩٦٩‬‬
‫)‪ (21‬نرش كتابه ‪ :‬املحتسب يف تبيني وجوه شواذ القراءات بتحقيق النجدي‪١٩٦٩ ،‬‬
‫‪٤٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫مخارج األصوات‪ ،‬وصفاتها‪ ،‬وأحكام بعضها يف ّ‬


‫املد‪ ،‬واإلمالة‪ ،‬واإلدغام‪ ،‬والوقـف‪ ،‬وهـذه‬
‫املعارف نفسها داخلة يف القراءات القرآنية‪ ،‬أما التأليف يف هـذا العلـم فيبـدو أنـه بقـي‬
‫)‪(٢٢‬‬
‫متناثرا بني املدونات املختلفة‪ ،‬ولم يستقل إال يف القرن الرابع ‪ -‬كما ذكر ابن الجـزري‬
‫‪ -‬يف القصيدة الخاقانية )‪ ،(٢٣‬ملوىس بن عبدالله الخاقاني املتوىف سنة‪٣٢٥‬هــ‪.‬‬
‫وتوالت السنون حتى زمن مكي بن أبي طالب القييس األندليس )‪٤٣٧‬هـ( الذي ّ‬
‫صنف‬
‫كتاب )الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظة التالوة( الذي قال يف ّ‬
‫مقدمته ‪ " :‬وما علمت‬
‫ّ‬
‫املتقدمني سبقني إىل تأليف مثل هذا الكتاب وال إىل جمع مثل ما جمعت مـن‬ ‫ّ‬
‫أن أحدا من‬
‫صفات الحروف وألقابها ومعانيها‪ّ .(٢٤) "...‬‬
‫وعد كتابه أول كتاب مستقل يعـالج قـضايا‬
‫األصوات والتجويد‪.‬‬
‫وعىل العموم نجد ّ‬
‫أن كتب القراءات‪ ،‬واالحتجاج‪ ،‬واالنتصار لها‪ ،‬وكتب علـم التجويـد‬
‫قد أسهمت إسهاما ً جادا ً يف رفد الدراسات الصوتية‪ ،‬وذلك لالرتباط الوثيق بينهـا وبـني‬
‫الدرس الصوتي‪ ،‬ولعل ابن الجزري قد أوضح هـذا االرتبـاط مـن خـالل بيانـه لحقيقـة‬
‫التجويد فقال ‪:‬‬
‫ّ‬
‫املختص‬ ‫أول ما يجب عىل مريد إتقان القرآن‪ ،‬تصحيح إخراج ّ‬
‫كل حرف من مخرجه‬ ‫" ّ‬
‫به‪ ،‬تصحيحا ً يمتاز به عن مقاربه‪ ،‬وتوفية ّ‬
‫كل حرف صفته املعروفة به توفية تخرجـه‬
‫ّ‬
‫فكل حرف شارك غريه يف صفاته فإنه ال يمتاز عنه إال باملخرج‪ ،‬كـالهمزة‬ ‫عن مجانسه‪.،‬‬
‫ّ‬
‫والشدة‪ ...‬فإذا أحكم‬ ‫والهاء اشرتاكا مخرجا وانفتاحا واستفاال‪ ،‬وانفردت الهمزة بالجهر‬
‫حقـه‪ ،‬فليعمل نفسه بأحكامه حالة الرتكيب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫موف‬ ‫القارئ النطق ّ‬
‫بكل حرف عىل حدته‪،‬‬

‫)‪ (22‬غاية النهاية يف طبقات القراء ‪.٣٢٠/٢‬‬


‫)‪ (23‬وهي قصيدة رائية تقع يف واحد وخمسني بيتا ً نرشها االستاذ غانم قدوري)بغداد‪ (١٩٨٠‬ونرشها‬
‫غريه أيضا ً‪.‬‬
‫)‪ (24‬نرش بتحقيق د‪ .‬أحمد فرحان سنة ‪.١٩٧٣‬‬
‫‪٤٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ‬
‫صحة اللفظ حالة الرتكيـب‪،‬‬ ‫ألنه ينشأ عن الرتكيب ما لم يكن حالة اإلفراد‪ ...‬فمن أحكم‬
‫حصل حقيقة التجويد ")‪.(٢٥‬‬
‫فكالم ابن الجزري واضح يف أهمية دراسة األصوات مفردة ومركبة مع غريها‪.‬‬
‫أما كتب معاني القرآن ومجازه وتأويله ‪ :‬فهي تصانيف تناولت اآليات القرآنية الذي ترى‬
‫فيه ما ُيشكل عن أفهام الناس بالتفسري والرشح إلزالة اللبس الذي يكتنفها سواء أكـان‬
‫يف املعنى‪ ،‬أم يف القراءة‪ ،‬أم يف األحكام اللغوية األخرى من )نحو ورصف وصـوت(‪ ،‬وبهـذا‬
‫اختلفت عن كتب التفسري التي اتخذت مبدأ االستقصاء أساسـا ً يف رشح اآليـات وبيـان‬
‫مقاصدها وإظهار أحكامها‪ ،‬وإيضاح جوانبها اللغوية‪.‬‬
‫والذي يعنينا من هذه املؤلفات جملة اآلراء والدراسات الصوتية التي لجأ إليها مؤلفوهـا‬
‫من أجل تفسري الظواهر الصوتية والرصفية‪ ،‬وخاصة أنهم كانوا من كبار علماء العربية‬
‫يف القرنني الثالث والرابع‪ ،‬منهم ‪:‬‬
‫أبو عبيد القاسم بن سالم ‪) :‬الفهرست‪.(١٠٦/‬‬ ‫قطرب ‪) :‬الفهرست‪.(٥٢/‬‬
‫ثعلب ‪) :‬الفهرست‪.(٥٢ /‬‬ ‫املربد ‪) :‬الفهرست‪.(٥٢ /‬‬
‫املفضل بن سلمة ‪) :‬الفهرست‪.(٥٢ /‬‬ ‫ابن كيسان ‪) :‬الفهرست‪.(٥٢ /‬‬
‫محمد بن القاسم األنباري ‪) :‬الفهرست‪.(٥٢ /‬‬
‫ابن درستويه ‪) :‬الفهرست‪.(٥٢ /‬‬
‫الفراء )‪ ،(٢٦‬وأبـي عبيـدة )‪ ،(٢٧‬واألخفـش )‪ ،(٢٨‬وابـن قتيبـة )‪،(٢٩‬‬
‫وما بني أيدينا منها كتب ّ‬
‫الزجاج )‪.(٣٠‬‬
‫ّ‬

‫)‪ (25‬النرش يف القراءات العرش‪.٢١٥ – ٢١٤/١‬‬


‫)‪ (26‬نرش كتابه معاني القرآن سنة ‪.١٩٧٢‬‬
‫)‪ (27‬نرش كتابه مجاز القرآن سنة ‪.١٩٤٥‬‬
‫)‪ (28‬نرش كتابه معاني القرآن سنة ‪.١٩٧٩‬‬
‫)‪ (29‬نرش كتابه تأويل مشكل القرآن سنة ‪.١٩٧٣‬‬
‫)‪ (30‬نرش كتابه معاني القرآن وإعرابه سنة ‪.١٩٧٢‬‬
‫‪٤٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫وسنذكر الجهود الصوتية يف هذه املؤلفات يف مواضعها من هذه الدراسة‪.‬‬

‫ّ‬
‫املتخصصة ‪:‬‬ ‫‪ – ٣‬الكتب اللغوية‬
‫وخري ما يمثل هذا النوع من التأليف كتاب )الخصائص البن ّ‬
‫جني ( فقـد ذكـر فيـه‬
‫اللغة‪ ،‬ونشأتها‪ ،‬واطرادها‪ ،‬وشذوذها‪ ،‬وسماع اللغة وقياسها‪ ،‬وتعارض هـذا وذاك‪ ،‬مـع‬
‫حديث طويل عن العلل‪ ،‬واأللفاظ واملعاني واللهجات وتداخلها‪ ،‬واالشـتقاق‪ ،‬والحقيقـة‬
‫واملجاز‪ ،‬إىل غري ذلك من املباحث اللغوية التي تناولت خصائص العربية فوصفها جميعا‪،‬‬
‫وأوضح أرسارها‪ ،‬وأبان ِ َ‬
‫عللها‪.‬‬
‫وإننا مع ّ‬
‫كل هذا وذاك نجد بني ثنايا هذه املباحث اللغويـة أبوابـا مـستقلة‪ ،‬أو مباحـث‬
‫متداخلة مع غريها‪ .‬اشتملت عىل دراسات صوتية خاصة‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫مباحث تدور حول األصوات الصامتة والصائتة )‪.(٣١‬‬
‫وأخرى ‪ :‬حول إطالة األصوات الصائتة واختالسها )‪.(٣٢‬‬
‫وثالثة ‪ :‬حول مزج الحروف وتآلفها )‪.(٣٣‬‬
‫)‪.(٣٤‬‬
‫ورابعة ‪ :‬حول الهمز‪ ،‬وشواذه‪ ،‬وإبداله‬
‫وخامسة ‪ :‬حول ظواهر التشكيل الصوتي )‪.(٣٥‬‬
‫إىل غري ذلك من املباحث الصوتية التي هي قوام الدرس الصوتي عند العرب يف العراق‪.‬‬
‫ّ‬
‫املتخصص كتب النحو‪ ،‬إذ أسهم النحاة العـرب منـذ عـرص‬ ‫ويدخل تحت هذا النوع‬
‫ّ‬
‫املبكر الذي وصل إلينا عىل يد سيبويه بجهود صوتية عظيمة القدر‪ ،‬كان لها األثر‬ ‫التأليف‬

‫)‪ (31‬الخصائص ‪.٣٢٨ ،٣٢١ /٢ ،٥٩ /١ :‬‬


‫)‪ (32‬م‪ .‬ن ‪.١٣٣ – ١٢١ /٣ ،٩٤ – ٦٩ / ١ :‬‬
‫)‪ (33‬م‪ .‬ن‪.٦٨ /١ ،٥٤ /١ :‬‬
‫)‪(34‬م‪ .‬ن‪.١٥٤ ،١٤٢ /٣ :‬‬
‫)‪ (35‬الخصائص ‪.٢٢٩ ،١٤٥ – ١٣٩ ،٨٢ /٢ :‬‬
‫‪٤٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الكبري يف الدراسات الصوتية التي خلفتها‪ ،‬وقد جاءت دراساته ضمن أبواب اإلدغام التـي‬
‫ختم بها كتابه‪ ،‬وقد أرشنا إليها يف موضع سابق‪ ،‬فهو لم يدرسها لـذاتها بـل مـن أجـل‬
‫معالجة الظواهر الصوتية والرصفية يف ظاهرة اإلدغام‪ ،‬فنظرتهم إىل القـضايا الـصوتية‬
‫مماثلة لنظرة أصحاب املعاجم – كما سنرى – فهي وسيلة عندهم وليـست غايـة‪ ،‬وإىل‬
‫هذا األسلوب أشار الدكتور تمام حسان فقال ‪ " :‬لقد فطـن النحـاة العـرب إىل أن اللغـة‬
‫أن يفهم نحوها ورصفها فهما صحيحا إال بعد دراسة أصواتها‪ .‬ذلك ّ‬
‫ألن‬ ‫العربية ال يمكن ْ‬
‫بعض ظواهر النحو والرصف تعتمد اعتمادا تاما عىل دراسة األصوات‪ ،‬وبعضها الباقي ال‬
‫تكون دراسته يف أحسن صورها إال حيث تعتمد كذلك عىل دراسة األصوات " )‪.(٣٦‬‬
‫خص مخارج الحروف يف أول باب من أبواب اإلدغـام )‪ ،(٣٧‬وكـذلك مـا فعلـه‬
‫فاملربد مثال ّ‬
‫ّ‬
‫الزجاجي يف كتابه الجمل )‪.(٣٨‬‬
‫َ َ‬
‫ورست هذه املنهجية يف بحث القضايا الصوتية عىل القرون الالحقة‪ ،‬كمـا نجـدها عنـد‬
‫املفصل )‪ ،(٣٩‬وابن الحاجب يف الشافية )‪.(٤٠‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الزمخرشي يف‬

‫‪ – ٤‬املعاجم اللغوية ‪:‬‬


‫ّ‬
‫بمقـدمات عالجـت موضـوعات صـوتية‪،‬كتحديد‬ ‫ونخص منها املعاجم التي ُ ّ‬
‫صدرت‬ ‫ّ‬
‫األصوات‪ ،‬ومخارجها‪ ،‬وصفاتها‪ ،‬وتآلفها‪ ،‬وتنافرها‪ ،‬مـن أجـل اإلفـادة منهـا يف ترتيـب‬
‫األلفاظ داخل املعجم كالبارع‪ ،‬والتهذيب‪ ،‬واملحكم‪ ،‬أو يف معرفة ما يـأتلف منهـا ممـا ال‬

‫)‪ (36‬اللغة بني املعيارية والوصفية ‪.١٦٨ /‬‬


‫)‪ (37‬املقتضب ط‪.٣٢٨/١ ،٢‬‬
‫)‪ (38‬الجمل‪ ،‬تحقيق ابن أبي شنب‪.٣٧٥ /‬‬
‫)‪ (39‬املفصل‪ ،‬الطبعة األوربية ‪.١٨٨ /‬‬
‫)‪ (40‬رشح الشافية جـ‪.٢٣٣ /٣‬‬
‫‪٥٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫يأتلف كالجمهرة‪ ،‬وال نعدم وجود مثل هذه املقّدمات يف معاجم متأخرة مثل معجم لسان‬
‫ّ‬
‫يفضل االلتزام به‪.‬‬ ‫العرب‪ ،‬وكأن املسألة جزء من منهج معجمي‬

‫‪ – ٥‬كتب اإلعجاز والبالغة ‪:‬‬


‫ّ‬
‫ونخص من هذه الكتب مباحثها يف مسألة تالؤم الحـروف وتنافرهـا‪ ،‬املباحـث التـي‬
‫أقيمت عىل دراسة مخارج األصوات وصفاتها‪ ،‬ملا لها من أثر كبري يف ُ‬
‫حسن تأليف الكالم‬
‫يف السمع‪ ،‬وسهولته يف النطق‪.‬‬
‫ومن أشهر كتب اإلعجاز هو " النكت يف إعجاز القـرآن للرمـاني "‪ ،‬و" إعجـاز القـرآن "‬
‫تقـدم الـزمن نجـد ّ‬
‫أن البالغيـني كالخفـاجي )‪٤٦٦‬هــ( يف ّ‬
‫رس‬ ‫ّ‬ ‫للباقالني‪ ،‬وإذا سـايرنا‬
‫الفصاحة قد استعان بدراسات علماء العربية السابقني يف مخارج األصـوات وصـفاتها‪،‬‬
‫من أجل معرفة جرس الكلمة الفصيحة الذي يعتمد عىل ُ ْ‬
‫حسن تأليف اللفظة من حروف‬
‫متباعدة املخارج)‪.(٤١‬‬
‫وعىل العموم فهذه الكتب أفادت من الـدرس الـصوتي‪ّ ،‬‬
‫ورددت مـا كتبـه علمـاء اللغـة‬
‫السابقون‪ ،‬فهي أخذت ولم ِ‬
‫تعط‪ ،‬ففائدتها هنا هي احتواؤها عىل مباحث صوتية‪.‬‬

‫‪ – ٦‬كتب األدب العامة ‪:‬‬


‫وأشهرها كتاب البيان والتبيني للجاحظ‪،‬الذي اشتمل عىل مباحث وأبـواب متنوعـة‪،‬‬
‫منها الباب األول اشتمل عىل حقائق لغوية متنوعة‪ ،‬وكـان للجوانـب الـصوتية القـسم‬
‫األكرب‪ ،‬من ذلك ‪:‬‬

‫)‪ (41‬رس الفصاحة ‪.٥٤ ،١٣ ،٥ /‬‬


‫‪٥١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ – ١‬إشارته إىل مخارج األصوات كالضاد‪ ،‬مع إدراكه أن جهاز نطـق اإلنـسان يمكـن ْ‬
‫أن‬
‫ينتج أصواتا ً كثرية‪ ،‬قال ‪ " :‬واملخارج ال تحىص‪ ،‬وال يوقف عليها " )‪ (٤٢‬حتى ّ‬
‫إن بعـضهـا‬
‫ّ‬
‫يصوره "‪.‬‬ ‫أن‬ ‫ّ‬
‫للخط ْ‬ ‫اليمكن‬
‫‪ – ٢‬ذكره األصوات التي يكثر دورانها عىل األلسنة العربية‪ ،‬مع اتخاذه أسلوبا علميـا ً يف‬
‫التحديد‪ ،‬وهو أسلوب اإلحصاء لنماذج من الرسائل والخطب )‪.(٤٣‬‬
‫تعرضه إىل االختالفات الصوتية يف اللغات األخرى‪ ،‬كاسـتعمالها ألصـوات معينـة أو‬
‫‪ّ –٣‬‬
‫ّ‬
‫يصور لنـا بعـض الـصفات العامـة للكـالم األعجمـي‪،‬‬ ‫انعدامها فيها )‪ .(٤٤‬ولم َ‬
‫ينس أن‬
‫كالكالم الذي يشبه الصفري)‪.(٤٥‬‬
‫‪ – ٤‬إدراكه ألثر الحياة االجتماعية عىل الجوانب النطقية )‪.(٤٦‬‬
‫‪ – ٥‬رشحه لظاهرة اقرتان األصوات وتآلفها يف الكلمة العربية )‪.(٤٧‬‬
‫كل عيب )‪.(٤٨‬‬
‫‪ – ٦‬عرضه لعيوب النطق عند اإلنسان‪ ،‬وتسمية ّ‬
‫‪ – ٧‬تحديده لألصوات التي تدخلها اللثغة‪ ،‬وبيان ما تؤول إليه مـن أصـوات أخـرى‪ ،‬مـع‬
‫املقارنة بني عدد اللثغات التي تصيب هذه األصوات )‪ ،(٤٩‬وتحديـد بعـض األسـباب التـي‬
‫تؤدي إىل هذه الظاهرة كسقوط األسنان كلها أو بعضها)‪.(٥٠‬‬
‫ّ‬

‫)‪ (42‬البيان والتبيني ‪.٣٤ /١‬‬


‫)‪ (43‬م‪ .‬ن ‪.٢٢ /١‬‬
‫)‪ (44‬م‪ .‬ن ‪.٦٥ - ٦٤ /١‬‬
‫)‪ (45‬م‪ .‬ن ‪.٣٤ /١‬‬
‫)‪ (46‬م‪ .‬ن ‪.١٨/١‬‬
‫)‪ (47‬م‪ .‬ن ‪.٦٩ /١‬‬
‫)‪ (48‬م‪ .‬ن ‪.٣٧/١‬‬
‫)‪ (49‬م‪ .‬ن ‪.٣٤/١‬‬
‫)‪ (50‬م‪ .‬ن ‪.٥٨/١‬‬
‫‪٥٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫مقلــدي‬
‫ّ‬ ‫والتعلـم يف نطق أصوات اللغات األخرى‪ ،‬مشريا ً بذلك إىل‬
‫ّ‬ ‫‪ – ٨‬تأكيده عىل الدربة‬
‫األصوات الذي أطلق عىل أحدهم بــ )الحاكيـة(‪ ،‬ومقدرتـه عـىل محاكـاة الخراسـاني‪،‬‬
‫واألهوازي‪ ،‬والزنجي‪ ،‬والسندي‪ ،‬وكأنه أطبع منهم‪ ،‬قال ‪ " :‬وإنما تهيأ وأمكـن الحاكيـة‬
‫ذلـت جوارحه لذلك‪.(٥١)"...‬‬
‫التكلـف ّ‬
‫ّ‬ ‫لجميع مخارج األمم‪ ...‬فبطول استعمال‬
‫كـ"الكامل‬
‫وقد نجد مثل هذه البحوث واإلشارات الصوتية يف املوسوعات األدبية األخرى‪َ ،‬‬
‫للمربد‪ ،‬واألمايل ألبي عيل القايل"‪.‬‬

‫منهج التفكري الصوتي ودوافعه ‪:‬‬


‫املتفحص يف مصادر الدراسة الصوتية ْ‬
‫أن يرى املنهج العام واألسس التي‬ ‫ّ‬ ‫يمكن للناظر‬
‫اتــخذوها لكـشف‬
‫اعتمدها مؤلفوها يف رسم اإلطار العام لذلك املنهج والطريقـة التـي ّ‬
‫الحقائق الصوتية‪ ،‬وأبرز ما يرصد هو ‪:‬‬
‫‪ – ١‬أن املنهج العام هو منهج وصفي‪ ،‬لبيان كيفيات الواقـع املنطـوق كمـا عـارصوه‪،‬‬
‫تتبــع للتطـور‬
‫ّ‬ ‫والظواهر الصوتية الناتجة عن تجـاور األصـوات كمـا سـمعوها‪ ،‬دون‬
‫التاريخي الذي أصاب هذه األصوات‪.‬‬
‫ّ‬
‫والتذوق الشخيص‪ ،‬واملالحظـة الذاتيـة يف‬ ‫‪ – ٢‬اعتماد املشافهة يف سماع اللغة املنطوقة‪،‬‬
‫رصد الظواهر الصوتية بدرجة‪ ،‬ويرى الدكتور برش ‪ :‬أن هـذا األسـاس " هـو األسـلوب‬
‫يتمشـى مع طبيعة املادة بعيدا عن التأويالت واالفرتاضـات التـي مـألت‬
‫ّ‬ ‫الصحيح الذي‬
‫الرصف‪ ،‬والنحو " )‪ .(٥٢‬وهذا ال يعني عدم دخول األفكار‪ ،‬والتعليالت املنطقية يف دراستهم‬
‫الصوتية بدرجة ما‪ ،‬ذلك ألننا‪ ،‬وجدنا بعضها يف ثنايا دراساتهم الصوتية‪ ،‬من ذلك ‪:‬‬

‫)‪ (51‬البيان والتبيني ‪.٧٠/١‬‬


‫)‪ (52‬دراسات يف علم اللغة ‪.٥٩ :‬‬
‫‪٥٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -‬تعليل السريايف لقرب مخرج الراء من مخرج الياء بجعل األلثغ الراء ياء")‪.(٥٣‬‬
‫‪ -‬وكذلك تعليله لعدم إدغام الفاء )وهي صوت من باطن الشفة( بالباء )وهي صوت من‬
‫كل يشء‪ ،‬وضعف طرفه‪ ،‬فالفاء عنده أقوى من الباء‪ّ ،‬‬
‫ألن األوىل من‬ ‫بقوة وسط ّ‬
‫الشفتني( ّ‬
‫باطن الشفتني‪ ،‬والثانية من الطرف‪ ،‬إذ قال‪ ":‬ووسط اليشء أمكن مـن طرفـه‪ ،‬كمـا ّ‬
‫أن‬
‫داخل الفم أمكن من الشفتني‪ ،‬ومن أجل ذلك أدغمـت البـاء التـي مـن بـني الـشفتني يف‬
‫الفاء")‪.(٥٤‬‬
‫ومثل ذلك ما نجده يف أسس التقسيم عند ابن ّ‬
‫جني خالل حديثه عن مرتبة الحركـة مـن‬
‫الحرف إذ قال ‪ " :‬واعلم ّ‬
‫أن الحركة التي يتحملها الحرف ال تخلو ْ‬
‫أن تكون يف املرتبة قبله‪،‬‬
‫)‪.(٥٥‬‬
‫أو معه‪ ،‬أو بعده "‬
‫‪ – ٣‬انصبت الدراسة الصوتية عند علماء العراق عىل أحد فروع علم األصوات )‪:(٥٦‬‬
‫وهو " علم األصوات النطقي " الذي يقوم أساسا ً عىل تحديد مخـارج األصـوات‪ ،‬وبيـان‬
‫الصفات التي تشكل الصوت‪.‬‬
‫وهي جوانب يمكن أن تدرس وتحدد بطريق النطـق الشخـيص‪ ،‬أو بمالحظـة اآلخـرين‪،‬‬
‫وسماعهم لذا جاءت دراستهم عىل مستويني ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬دراسة األصوات اللغوية منفردة من جانبني ‪:‬‬


‫أ – مخارجها ‪:‬‬
‫واملخرج هو " نقطة معينة يف املجرى الصوتي)‪ (٥٧‬عنـدها يتكـون الـصوت‪ ،‬وعنـدها‬
‫تـسع حسب طبيعة الصوت وصفته ليتكون الصوت " )‪.(٥٨‬وسـبيلهم‬
‫يضيق املجرى‪ ،‬أو ي ّ‬

‫)‪ (53‬رشح السريايف لكتاب سيبويه )مخطوط( ‪.٥٢٩/٦‬‬


‫)‪ (54‬رشح السريايف ‪.٦٣٣ ،٥٠٤/٦‬‬
‫)‪ (55‬رس صناعة اإلعراب ‪.٣٢/١‬‬
‫)‪ (56‬وفروعه هي ‪ -١ :‬علم األصوات النطقي ‪ -٢‬علم األصوات الفيزيائي ‪ – ٣‬علم األصوات السمعي‪.‬‬
‫)‪ (57‬املجرى هو طريق الهواء الخارج من الرئتني حتى الشفتني‪.‬‬
‫‪٥٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫إىل ذوق األصوات هو النطق بالصوت ساكنا )غري متحرك()‪ (٥٩‬إدراكا ً منهم ّ‬
‫أن " الحركـة‬
‫تقلق الحرف عن موضعه‪ ،‬ومستقره‪ ،‬وتجتذبه إىل جهة الحـرف التـي هـي بعـضه‪ ،‬ثـم‬
‫ألن الساكن ال يمكن االبتداء به‪.(٦٠) "...‬‬
‫تدخل عليه همزة الوصل مكسورة من قبله‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫النص أمرين‪ ،‬هما ‪:‬‬ ‫ونالحظ عىل هذا‬
‫‪ – ١‬تأييدهم يف فكرة النطق بالحرف ساكنا )غري متحرك( من أجل ضبط مخرجه‪ ،‬ألنهـا‬
‫" الطريقة التي يدعو إليها املحدثون من علماء األصوات")‪.(٦١‬‬
‫‪ – ٢‬مخالفتهم يف مسألة تصدير الحرف بهمزة مفتوحة كانت أو مكسورة‪ ،‬ألّن النطق به‬
‫غري متحرك ال يلزم تصدير بهمزة‪ ،‬إلمكان النطق به ساكنا ً‪ ،‬إذا كان الصوت منفردا ً‪ ،‬أما‬
‫مؤلـفا ً مع غـريه‬
‫ّ‬ ‫علماء العربية يف العراق فيبدو ّ‬
‫أن فكرة عدم االبتداء بالساكن إذا كان‬
‫قد سيطرت عىل أذهانهم‪ ،‬فاتسعوا فيها لتشمل الصوت املنفرد‪ ،‬ويف هذه الحال إذا أردنـا‬
‫ْ‬
‫أن يكون املخرج دقيقا ً يف وصفه‪ ،‬فال ّ‬
‫بد مـن اإلتيـان بـه منفـردا ً مـن دون أي صـوت‬
‫ّ‬
‫يتقدمه‪ ،‬وال صعوبة نطقية يف ذلك‪ ،‬ويف هذا قيل ‪ " :‬يجب االحرتاز من اإلتيان قبله بـألف‬
‫وصــل‪ّ ...‬‬
‫ألن الــصوت حينئــذ ال يتحقــق فيــه االســتقالل الــذي هــو أســاس التجربــة‬
‫الصحيحة")‪.(٦٢‬‬
‫وعىل وفق هذه املخارج ُرتبت األصوات اللغوية العربية ترتيبا ً صوتيا ً‪ ،‬ابتداء ً من الحلـق‬
‫حتى الشفتني‪ ،‬أي ‪ :‬ترتيبـا عـضويا ً متواليـا ً ومـسايرا ً ملجـرى الهـواء الخـارج مـن‬
‫الرئتني‪.‬أما املحدثون فقد اختاروا االبتداء بأصوات الشفة‪ ،‬وانتهاء بأصوات الحلق‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪ (58‬األصوات اللغوية‪.٢٦ /‬‬
‫)‪ (59‬العني ‪ ،٤٧/١‬رس صناعة اإلعراب ‪.٧/١‬‬
‫)‪ (60‬رس صناعة اإلعراب ‪.٧/١‬‬
‫)‪ (61‬جهود علماء العربية يف الدراسة الصوتية‪ ،‬للدكتور أنيس‪ ،‬مقالة يف مجلة مجمع مرص ‪.٤٣/١٥‬‬
‫)‪ (62‬األصوات اللغوية ‪.٢٠ /‬‬
‫‪٥٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ب – صفاتها ‪:‬‬
‫ويُراد بها اآلثار الصوتية املسموعة التي يدركها اإلنسان حال النطق بالـصوت‪ ،‬فقـد‬
‫بأن األصوات تختلف يف طبائعها سواء أكانت يف كيفية ّ‬
‫تدخل أعضاء‬ ‫أحس علماء العربية ّ‬
‫ّ‬
‫جهاز النطق يف تكوينها‪ ،‬أم يف طريقة خروج الهواء‪ ،‬أم يف قوة الصوت أم يف خفوته‪ ،‬وإىل‬
‫جنـي يف أقواله‪:‬‬
‫ّ‬ ‫هذا أشار ابن‬
‫أن للحروف يف اختالف أجناسها انقسامات‪.(٦٣)"...‬‬
‫منها ‪ " :‬اعلم ّ‬
‫ومنها ‪ ..." :‬وألجل ما ذكرنا من اختالف األجراس يف حروف املعجم‪ ،‬باختالف مقاطعهـا‬
‫التي هي أسباب تباين أصدائها‪.(٦٤) " ....‬‬
‫ويف هذا ملح إىل إدراكهم ّ‬
‫بأن دراسة املخارج ال تفي بتحديد معالم األصوات‪ ،‬الشرتاك أكثر‬
‫من صوت يف مخرج واحد‪ ،‬فال ّ‬
‫بد من تشخيص آخر يحـدد معـالم األصـوات املتـشابهة‪،‬‬
‫ووجدوه يف دراسة الصفات‪.‬‬
‫ّ‬
‫وشــدة ورخـاوة‪،‬‬ ‫كلـها من ‪ :‬جهر وهمس‪،‬‬
‫وجاءت مباحثهم شاملة لصفات األصوات ّ‬
‫وإطباق وانفتاح‪ ،‬واستعالء واسـتفال‪ ،‬وتفخـيم وترقيـق‪ ،‬وإصـمات وذالقـة‪ ،‬وقلقلـة‪،‬‬
‫وتفيش‪ ،‬وصفري‪ ،‬وانحراف‪ ،‬وتكرير‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫مؤلـفة )التشكيل الصوتي(‪:‬‬


‫ّ‬ ‫ثانيا ً ‪ :‬دراسة األصوات اللغوية‬
‫أدرك علماء العربية ّ‬
‫أن هناك ظواهر صوتية ناتجة عن تجاور األصوات وتآلفها‪.‬‬
‫منها ‪ :‬صعوبة نطق األصوات املتشابهة يف كيفيات النطق متجاورة‪ ،‬كتجاور الدال والتاء‪،‬‬
‫لذا يلجأ الناطق إىل تيسري هذه الصعوبة‪ ،‬وتحقيق االنسجام بني الصوتني برفـع اللـسان‬
‫بهما رفعة واحدة تنتج عنها ظاهرة اإلدغام‪.‬‬

‫)‪ (63‬رس صناعة اإلعراب ‪.٩/١‬‬


‫رس صناعة اإلعراب ‪.٦٨/١‬‬
‫)‪ّ ( 64‬‬
‫‪٥٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ونظري هذا ما يحدث يف إبدال تاء )افتعل(‪ ،‬إذا كان الفاء من أصـوات معينـة وكـذلك مـا‬
‫يحدث يف ظاهرة اإلعالل‪.‬‬
‫فهذا القسم تكفل بدراسة هذه الظواهر املوقعية‪ ،‬وتحديد ضوابطها‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫وكال املستويني أساس علم األصوات النطقي الذي أ ُثر عن علمائنا يف دراستهم الصوتية‪،‬‬
‫ودراسة هذا الفرع فرضت عليهم أمرين‪ ،‬هما ‪:‬‬
‫فمما ذكروه )‪.(٦٥‬‬
‫ّ‬ ‫أ – رصد جهاز النطق ِ‬
‫وذكر أعضائه‪،‬‬
‫‪ – ١‬الحلق ‪ " :‬وهو الجزء الذي بني الحنجرة وأقىص الحنك " وقد ّ‬
‫قسموه إىل ثالثة أقسام‬
‫هي )أقصاه‪ ،‬ووسطه‪ ،‬أدناه(‪.‬‬
‫مرن سهل الحركة‪ ،‬وهو أهم أعضاء جهاز النطق ملشاركته‬
‫‪ – ٢‬اللسان ‪ " :‬عضو عضيل ِ‬
‫يف نطق أغلب األصوات‪ ،‬وقد ّ‬
‫حدد علماء العربية يف العراق أقسام هذا العضو التي تساهم‬
‫يف النطق‪ ،‬فذكروا ‪ :‬طرفه‪ ،‬وحافته‪ ،‬ووسطه أو ظهره وأقصاه‪.‬‬
‫‪ – ٣‬الحنك األعىل‪ ،‬أي سقف الفم ويشمل عىل ‪ :‬أصول الثنايا )اللثة(‪،‬والجزء الصلب مـن‬
‫السقف‪ ،‬والجزء الرخو منه بما يف ذلك اللهاة‪.‬‬
‫‪ – ٤‬األسنان ‪ :‬وقد مال العلماء فيهـا إىل التفـصيل يف بيـان أقـسامها‪ ،‬نظـري األرضاس‪،‬‬
‫ّ‬
‫والثنية‪ ،‬وأطراف الثنايا العليا‪.‬‬ ‫والضاحك‪ ،‬والناب‪ ،‬والرباعية‪،‬‬
‫‪ – ٥‬الشفتان ‪ :‬وأشاروا إىل وظيفتهما يف إنتاج بعض األصـوات بمفردهـا‪ ،‬أو بمـشاركة‬
‫عضو آخر كاألسنان‪.‬‬

‫)‪ (65‬رس صناعة اإلعراب ‪.٥٢/١:‬‬


‫‪٥٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يمر به الهـواء الخـارج مـن الـرئتني بعـد‬


‫‪ – ٦‬الخيشوم ‪ :‬وأرادوا به الفراغ األنفي الذي ّ‬
‫انغالق طريق الفم‪ ،‬ويحدث هذا يف نطق صوتي " امليم والنون"‪.‬‬
‫هذه هي أعضاء النطق التي أشاروا إليها وتابعهم فيها املحدثون‪ ،‬وأضافوا إليها " الرئة"‬
‫جنــي وهـو‬
‫ّ‬ ‫وقد يكون يف قبال هذا ِ‬
‫الذكر أو قريب منه‪ ،‬ما أشار إليـه سـيبويه‪ ،‬وابـن‬
‫"الصوت املنبعث من الصدر " )‪ ،(٦٦‬ويف هذا يقول املسترشق شاده ‪" :‬ولـيس ذلـك غلطـا‪،‬‬
‫ّ‬
‫ألن الصدر يحتوي عىل الرئة‪ ،‬والرئة هي مصدر النفس الذي هـو‪ ...‬جـوهر ّ‬
‫كـل صـوت‬
‫لغوي")‪ ،(٦٧‬وأضافوا " الحنجرة " وهي تجويف غرضويف تصل بني فراغ الحلق‪ ،‬والقصبة‬
‫الهوائية وتشتمل عىل الوترين الصوتيني‪ ،‬وللحنجرة كما يرى املحـدثون)‪ (٦٨‬دور يف نطـق‬
‫صوتي )الهمزة والهاء(‪ ،‬مع ّ‬
‫أن القدامى نسبوهما إىل الحلق مع العني‪ ،‬والحـاء‪ ،‬والخـاء‪،‬‬
‫والغني‪ ،‬وقد اعتذر الدكتور برش لهم بأنهم أطلقوا اسم الحلق عىل منطقـة أوسـع ممـا‬
‫يعنيه املحدثون اليوم‪ ،‬واملحصورة بني الحنجرة وأقىص الحنـك أمـا الـوتران الـصوتيان‬
‫اللذان لهما دور كبري يف جهر الصوت وهمسه‪ ،‬فأمر طبيعي أن يغفل القـدامى اإلشـارة‬
‫إليهما‪ ،‬لكونهما من األعضاء غري الظاهرة للعيان يف زمـن ال تـرشيح فيـه‪ ،‬وال تـصوير‬
‫باألشعة‪ ،‬ومع اعتماد املحدثني عىل الوترين الصوتيني اعتماد كليـا ً يف تحديـد األصـوات‬
‫املجهورة واملهموسة‪ ،‬جاء وصف القدامى لهذه األصوات يكاد يكون متفقا ً مـع وصـف‬
‫املحدثني‪ ،‬دون اعتماد هذين الوترين أساسا ً للتفرقة‪.‬‬
‫ب – التأكيد عىل األسلوب العميل يف تحديد املخارج‪ ،‬والصفات ‪:‬‬
‫وأقوالهم رصيحة يف ذلك ‪:‬‬

‫)‪ (66‬م‪ .‬ن ‪.٩/١‬‬


‫)‪ (67‬علم األصوات عند سيبويه وعندنا ‪ ٩/‬وأصل التعقيب عىل كالم سيبويه‪.‬‬
‫)‪ (68‬علم اللغة العام‪ ،‬األصوات ‪.١٥٨ ،١٥٧ ،١٥٦ ،١٤٢ /‬‬
‫‪٥٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫• منها ‪ :‬قول ّ‬
‫الفراء ‪ " :‬اعلم ّ‬
‫بأن األلف وهي الهمزة‪ ،‬والعـني‪ ،‬والحـاء‪ ،‬أخـوات‪ ،‬وذلـك‬
‫)‪.(٦٩‬‬
‫ّ‬
‫لتقاربهن يف املخرج من أقىص الحلق‪ ،‬إذا امتحنت ذلك وجدته "‬
‫• وقوله ‪ " :‬والياء والواو أختان‪ ،‬وإنما تآختا ّ‬
‫كل التآخي‪ّ ،‬‬
‫ألن مخرجهمـا مـن حـروف‬
‫الفم ال يلتقي بهما موضع من الفم‪ ،‬كما يلتقي عىل غريه‪ ،‬تجد ذلك إذا امتحنته ")‪.(٧٠‬‬
‫• ومنها ‪ :‬قول ّ‬
‫املربد ‪ّ " :‬‬
‫فأما النون الساكنة فمخرجها من الخياشيم نحو نون " منـك‬
‫)‪.(٧١‬‬
‫وعنك " وتعترب ذلك بأنك لو أمسكت بأنفك عند لفظك بها لوجدتها مختلة"‬
‫• وقوله ‪ " :‬وتعلم أنها مهموسة‪ ،‬بأنك ّ‬
‫تردد الحرف يف اللسان بنفسه‪ ،‬أو بحـرف اللـني‬
‫رمت ذلك يف املجهورة لوجدته ممتنعا ً " )‪.(٧٢‬‬ ‫الذي معه‪ ،‬فال يمنع َ‬
‫النفس‪ ،‬ولو ُ ْ‬
‫• ومنها ‪ :‬قول الزجاج ‪ " :‬ومن الحروف ماال ُ َ‬
‫ينطق به إال ّ مجهورا‪ ،‬وهي التسعة عـرش‬
‫أن تنطق بيشء منها لم يتهيأ لك ْ‬
‫أن تأتي به خفيـا ً‪ْ ُ ،‬‬
‫فـرم ذلـك يف‬ ‫رمت ْ‬
‫حرفا ً‪ ،‬فمتى ْ‬
‫العني‪ ،‬والقاف‪ ،‬والطاء‪ ،‬والدال‪ ،‬فإنه يمتنع وال يسمع إال مجهورا‪،‬ومنها ما يتهيأ لـك‬
‫أن تنطق به ويسمع منك خفيا‪،‬وهي األحرف العرشة َفـ ْر ْم ذلك يف التاء فإنك تجـد‬
‫ذلك‪،‬قولك ‪ :‬ت ت ت )‪.(٧٣‬‬
‫ومنها ‪ :‬قول السريايف يف تعقيب له عىل نطق النون الخفيفة التـي يكـون مخرجهـا مـن‬
‫الخيشوم‪ ،‬إذا جاءت قبل خمسة عرش حرفا ً من حروف الفم وهـي ) القـاف‪ ،‬والكـاف‪،‬‬
‫والجيم‪ ،‬والشني‪ ،‬والضاد‪ ،‬والزاي‪ ،‬والسني‪ ،‬والـصاد‪ ،‬والطـاء‪ ،‬والـدال‪ ،‬والتـاء‪ ،‬والظـاء‪،‬‬
‫والذال‪ ،‬والثاء‪ ،‬والفاء (‪.‬‬

‫)‪ (69‬رشح السريايف لكتاب سيبويه ‪.٤٥٤ /٦ :‬‬


‫)‪(70‬م‪ .‬ن ‪.٤٥٤ /٦ :‬‬
‫)‪ (71‬املقتضب ‪.٣٢٩ /١ :‬‬
‫)‪(72‬املقتضب ‪ ،٣٣٠ /١ :‬ويتم االمتناع هنا مع املجهورة الشديدة‪ ،‬أما املجهورة الرخوة فال يمتنع النفس‬
‫معها كالزاي‪.‬‬
‫)‪ (73‬رشح السريايف‪.٤٦٣،٤٤٤/٦ :‬‬
‫‪٥٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ‬
‫وسـد أنفـه لبـان‬ ‫قال ‪ " :‬ولو نطـق بهـا نـاطق‪ ،‬وبعـدها حـرف مـن هـذه الحـروف‪،‬‬
‫اختاللها")‪.(٧٤‬‬
‫ومنها ‪ :‬قول ابن ّ‬
‫جني ‪ " :‬وتختلف أجـراس الحـروف بحـسب اخـتالف مقاطعهـا وإذا‬
‫تفطنت لذلك وجدته عىل ما ذكرته لك‪ ،‬أال ترى أنك تبتدئ الصوت من أقـىص حلقـك‪ ،‬ثـم‬
‫تبلغ به أي املقاطع شئت‪ ،‬فتجد له جرسا ً ما‪ّ ،‬‬
‫فإن انتقلت عنه راجعا منـه أو متجـاوزا‬
‫له‪ ،‬ثم قطعت‪ ،‬أحسست عند ذلك صدى غري الصدى األول ")‪.(٧٥‬‬
‫أما دوافع هذا التفكري فيمكن إجمالها)‪ (٧٦‬بما هو آت ‪:‬‬
‫حسن أداء ترتيل اآليات القرآنية‪،‬فقد نهضت طائفـة مـن أهـل العلـم ُدعـوا‬
‫‪ – ١‬ضمان ُ‬
‫القراء(‪ ،‬وعنوا بهذا الجانب األدائي‪ ،‬وهو جانب صـوتي محـض تـبعهم جملـة مـن‬
‫بـ) ّ‬‫ِ‬
‫اللغويني القدامى‪ ،‬فقاموا بدراسة املشكالت الصوتية التـي أثارتهـا القـراءات القرآنيـة‬
‫)كالهمز( و)الوقف واالبتداء( و )اإلدغام(‪ ،‬واىل هذا أشار الدكتور محمد حسني آل ياسني‬
‫بقوله ‪ّ " :‬‬
‫إن القدماء لم يهتموا باألصوات – أول األمر – إال مـن خـالل عالقتهـا بقـراءة‬
‫املصحف الكريم ")‪.(٧٧‬‬
‫‪ – ٢‬تصحيح ظاهرة االنحراف يف النطق‪:‬فبعد ّ‬
‫تقدم الـزمن إىل األمـام‪ ،‬وازديـاد اخـتالط‬
‫العرب بغريهم من املسلمني‪ ،‬برزت ظاهرة اللحـن التـي كـان االنحـراف يف النطـق أحـد‬
‫صورها‪ ،‬وهو ما التفت الجاحظ إليه بقوله‪ " :‬وقد يتكلم املغالق – الـذي نـشأ يف سـواد‬
‫ّ‬
‫متخريا فاخرا‪ ،‬ومعناه رشيفا كريمـا‪ ،‬ويعلـم‬ ‫الكوفة – بالعربية املعروفة‪ ،‬ويكون لفظة‬

‫)‪ (74‬م‪ .‬ن ‪.٤٦٣،٤٤٤/٦ :‬‬


‫)‪ (75‬رس صناعة اإلعراب ‪.٦/١‬‬
‫)‪ (76‬دون مراعاة األوقات الزمنية لظهورها‪.‬‬
‫)‪ (77‬الدراسات اللغوية عند العرب ‪.٤٥٨ /‬‬
‫‪٦٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫مع ذلك السامع كالمه ومخارج حروفه أنه نبطي‪ ،‬وكذلك إذا تكلم الخراساني عىل هـذه‬
‫الصفة ")‪.(٧٨‬‬
‫فإذا كان هذا شأن البليغ منهم فما هي حال ما كان دونه‪ .‬وقد بان أثر هذا االنحراف‬
‫يف النطق عىل العرب الذين اختلطوا بهم‪ ،‬أو نشأوا معهم‪ُ ،‬‬
‫كعبيد الله بن زياد الذي ينطـق‬
‫" األساورة "‪ ،‬فكان هذا االنحراف‬ ‫الحاء )هاء(‪ ،‬ألنه نشأ مع قوم من العجم يقال لهم‬
‫دافعا ً – من جملة دوافع متعددة – لعلمـاء العربيـة يف العـراق عـىل دراسـة األصـوات‪،‬‬
‫والتنبيه عىل أهميتها‪ ،‬وااللتزام بنطقها نطقا ً صحيحا ً‪.‬‬
‫حفـزت علماء العربية يف العراق عىل دراسة األصوات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ – ٣‬وتمثل يف دوافع لغوية أخرى‪،‬‬
‫واإلفادة منها يف مستويات لغوية أخرى‪ ،‬أهمها ‪:‬‬
‫ترتيب األلفاظ وأبنيتها‪ ،‬وتصنيفها داخل املعاجم التي راعت الرتتيـب الـصوتي‬ ‫•‬
‫للحروف‪.‬‬
‫ّ‬
‫املربد بعد حديثه عن مخـارج‬ ‫تفسري الظواهر الرصفية والنحوية‪ ،‬ويف هذا قال‬ ‫•‬
‫لنــجريها‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫املقدمات يف مواضع األصوات‬ ‫األصوات وصفاتها ‪ " :‬إنما ّ‬
‫قدمنا هذه‬
‫يف مسائل اإلدغام ")*(‪.‬‬
‫تحديد التشكيالت الصوتية للكلمة العربيـة‪ ،‬وفيهـا قـال ابـن دريـد ‪ " :‬وإنمـا‬ ‫•‬
‫عرفتك املجاري لتعرف ما يأتلف منها مما ال يأتلف " )‪.(٧٩‬‬
‫ّ‬
‫ويلحق بهذا بيان مسألة التالؤم والتنافر التي ُ ِ‬
‫عنيت بها الكتب البالغية‪.‬‬
‫اإلفادة منها يف بيان ظواهر أخرى لها صلة وثيقة باألصوات منها ‪:‬‬ ‫•‬
‫تحديد عيوب النطق ومعالجتها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وإحصاء األصوات الدائرة يف االستعمال‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫)‪ (78‬البيان والتبيني ‪.٦٩ /١‬‬


‫)*( املقتضب ‪٣٣٢ /١‬‬
‫)‪ (79‬جمهرة اللغة ‪.٨/١‬‬
‫‪٦١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫والتأثـري ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫التفكري الصوتي بني األصالة‬
‫متقدم عىل فرتة هذه الدراسة‪ّ ،‬‬
‫ألن الدراسة الـصوتية‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫زمن بحث هذه املسألة بالذات‬
‫بدأت عىل يد الخليل بن أحمد )‪١٧٥‬هـ(‪ ،‬وترعرت عىل يد سيبويه )‪١٨٠‬هـ(‪ ،‬لكننا آثرنـا‬
‫اإلشارة إليها‪ ،‬وإىل أبرز آراء املحدثني فيها‪ ،‬من أجل اكتمال الخطوط العامة للدراسة‪.‬‬
‫رأي مفاده ّ‬
‫أن القرنني الثالث والرابع الهجـريني قـد شـهدا حركـة واسـعة‬ ‫وقد يرد هنا ٌ‬
‫وارد‪ .‬والجـواب عليـه هـو ّ‬
‫أن‬ ‫ٌ‬ ‫لرتجمة العلوم األجنبية إىل العربية‪،‬وبهذا فاحتمال التأثري‬
‫الدراسات الصوتية العربية يف هذين القرنني لم ِ‬
‫تأت بيشء ذي أهمية كبرية حتى يحتمـل‬
‫معه هذا الشك‪ ،‬وإنما ورث علماء هذين القرنني دراسات صوتية شبه متكاملة‪ ،‬وما أثـر‬
‫خطـا ً جديـدا ً يحتمـل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تشكل‬ ‫عنهم إال ّالتنقيح‪،‬والرتتيب‪ ،‬والتنظيم‪ ،‬واإلضافات التي لم‬
‫ّ‬
‫الشك به‪.‬‬ ‫إلحاق‬
‫أما ما أثري من شكوك حول أصالة التفكري الصوتي يف القرن الثـاني الهجـري فأساسـه‬
‫وجود التشابه العارض بني الدراسات العربية ودراسات هندية سابقة لها – ُ ِ َ‬
‫كتبت باللغة‬
‫وتمثـل هذا التشابه يف جوانب رئيسة‪ ،‬هي ‪- :‬‬
‫ّ‬ ‫السنسكريتية )‪– (٨٠‬‬
‫‪ – ١‬وضع أبجدية صوتية ّ‬
‫مرتبة عىل وفق مخارج األصوات مبتدئة من أقىص الحلق حتى‬
‫ّ‬
‫واملرتـدة‪،‬‬ ‫الشفتني ‪ :‬فما ُ ِأثرعن الهنود )‪ (٨١‬من ترتيب هو‪ :‬األصوات اللهويـة والنطعيـة‪،‬‬
‫واللثوية‪ ،‬والشفوية‪.‬‬

‫دون بها كتابهم املقدس )الفيدا( ومعظم تراثهم‪،‬‬ ‫)‪ (80‬اللغة السنسكريتية هي اللغة القديمة للهنود التي ُ ِ‬
‫وهي تنتمي إىل مجموعة اللغات الهندوأوربية‪ ،‬وقد ماتت منذ مدة طويلة )القرن الثالث قبل امليالد( ّ‬
‫وحلت‬
‫محلها لغة ثانية تدعى )براكريت(‪ ،‬ولم تكتشف وتحل رموزها إال يف آواخر القرن الثـامن عـرش عـىل يـد‬
‫العالم االوربي )وليم جونز( وكان الكتشافها األثر الكبري يف تقدم األفكار اللغوية يف أوربا )تاريخ علم اللغة‬
‫لجورج مونني‪ ،٦٤/‬والبحث اللغوي عند الهنود ‪ (١٨/‬ولإلفادة ينظر‪ :‬كتاب البحث اللغـوي عنـد العـرب‪/‬‬
‫د‪.‬أحمد مختار عمر‪.‬‬
‫)‪ (81‬تاريخ علم اللغة‪.٦٥ /‬‬
‫‪٦٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫وما جاء عن العرب عىل يد الخليل بن أحمد رائد هذه الدراسة هـو ‪ :‬األصـوات الحلقيـة‪،‬‬
‫واللهوية‪ ،‬والشجرية‪ ،‬واألسلية‪ ،‬والنطعية‪ ،‬واللثوية‪ ،‬والذلقية‪ ،‬والشفوية )‪.(٨٢‬‬
‫‪ – ٢‬دراسة صفات األصوات ‪ :‬املتمثلة قي آثارهـا املـسموعة أو يف كيفيـات نطقهـا ‪ :‬إذ‬
‫ّ‬
‫نسميه اآلن " صفات االنفجار‪ ،‬واالحتكـاك‪ ،‬والجهـر والهمـس‪،‬‬ ‫الهنود )‪ (٨٣‬عىل ما‬
‫ُ‬ ‫وقف َ‬
‫والصفري "‪.‬‬
‫ّ‬
‫كالـشدة ِ‬ ‫وجاءت عـن العـرب )‪ (٨٤‬دراسـات مستفيـضة يف صـفات األصـوات العامـة )‬
‫ّ‬
‫والتوسط ِ( و)الجهر والهمس( والخاصة )كاإلطبـاق‪ ،‬واإلسـتعالء‪ ،‬والذالقـة‪،‬‬ ‫والرخاوة ِ‬
‫والغنـة‪ ،‬والقلقلة( و)االنحراف‪ ،‬والتكرير(‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والصفري‪،‬‬
‫‪ – ٣‬تقسيم األصوات إىل صحاح‪ ،‬وعلل ‪:‬‬
‫فقد ُ ِ‬
‫نسب للهنود تصنيف األصوات إىل صحاح وعلل‪ ،‬وأنصاف علل‪ ،‬والعلل إىل بسيطة‬
‫وميزوا بني العلل يف كيفيات نطقها )‪.(٨٥‬‬ ‫ّ‬
‫ومركبة‪ّ ،‬‬
‫أما تصنيف العرب)‪ .(٨٦‬الذي اعتمد عىل اتساع مخارجها‪ ،‬وعدم وجـود عوائـق يف طريـق‬
‫املجرى الهوائي‪ ،‬فكان إىل صحاح وعلل‪ ،‬والعلل إىل طويلة)حروف املد واللـني(‪ ،‬وقـصرية‬
‫)الحركات( وقارنوا بني الحركات القصرية يف الخفة‪ ،‬والثقل )‪.(٨٧‬‬
‫‪ – ٤‬الحديث عن ظاهرة من ظواهر التشكيل الصوتي ‪:‬‬
‫وهي ظاهرة اإلبدال‪ ،‬إذ اشرتط الهنود يف تحقيق اإلبدال وجود نوع من التقارب بني ُ ْ َ‬
‫املبدل‬
‫ُ َْ‬
‫والـمبدل منه‪ .‬وحديث العرب عن ظواهر التشكيل الصوتي طويل وشامل‪ ،‬ومنها ظاهرة‬
‫اإلبدال ورشوطها‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪ (82‬العني ‪.٦٠ – ٤٧ /١‬‬


‫)‪ (83‬البحث اللغوي عند الهنود‪.٥٠-٤٩ /‬‬
‫)‪ (84‬العني ‪ ،٦٠ – ٤٧ /١‬الكتاب ‪ ٤٠٤ /٢‬وما بعدها‪.‬‬
‫)‪ (85‬البحث اللغوي عند الهنود ‪.٥٠ ،٤٨ /‬‬
‫)‪ (86‬العني ‪.٥٧/١‬‬
‫)‪ (87‬الكتاب ‪.٢٥٨/٢‬‬
‫‪٦٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وكما أسلفنا ّ‬
‫أن وجوه الشبه املذكورة هي مـدعاة االخـتالف حـول أصـالة التفكـري‬
‫الصوتي عند العرب إىل ثالثة آراء هي ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬الرتجيح أو القطع بوجود التأثري الهندي ‪:‬‬
‫وإىل هذا ذهب )‪ (Haywood‬الذي حاول َ ْ‬
‫سلـب أصالة الدراسة الصوتية واملعجميـة عنـد‬
‫العرب‪ ،‬ونسبتها إىل الهنود واليونان )‪.(٨٨‬‬
‫وكذلك الدكتور عبدالرحمن أيوب الـذي حـاول إثبـات التـأثري الهنـدي يف مجـال النحـو‬
‫والصوت )‪ .(٨٩‬والدكتور شوقي ضيف الذي يـرى ّ‬
‫أن الخليـل متـأثر بـالهنود يف دراسـاته‬
‫املعجمية والصوتية )‪.(٩٠‬‬
‫التأثر ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الثاني ‪ :‬االحتمال بوجود‬
‫وإىل هذا ذهب الدكتور املخزومي الذي يرى ذلـك يف أخـذ الخليـل الفكـرة األساسـية‬
‫للرتتيب الصوتي )‪ ،(٩١‬وكذا الدكتور السعران )‪ ،(٩٢‬والدكتور خليل نامي)‪ (٩٣‬اللذان أشارا إىل‬
‫التشابه وأسبقية الهمود‪ .‬أما الدكتور أحمد مختار فكأنه ّ‬
‫تردد بني القطع واالحتمال غري‬
‫أن االحتمال أكثر تعلقا ً يف فكره فرجحه )‪.(٩٤‬‬
‫ّ‬
‫ألنــه يـرى عـدم‬
‫ّ‬ ‫أما الدكتور رمضان عبدالتواب فال يبتعد رأيه عن هذا امليـدان )‪،(٩٥‬‬
‫لكنـه ال يملك الدليل عىل تأييد رأيه‪ ،‬أما الدكتور‬
‫ّ‬ ‫إمكان الفصل بني الثقافات املتعارصة‪،‬‬

‫)‪ (88‬البحث اللغوي عند الهنود ‪.١٣٩ – ١٣٨ /‬‬


‫)‪ (89‬م‪ .‬ن‪.١٣٩ – ١٣٨ /‬‬
‫)‪ (90‬املدارس النحوية ‪ ،٣٢ /‬الفن ومذاهبه يف الشعر العربي ‪.١٣٢ /‬‬
‫)‪ (91‬كتاب الخليل بن أحمد الفراهيدي ‪.١٤٦ /‬‬
‫)‪ (92‬علم اللغة ‪.٩٩ /‬‬
‫)‪ (93‬دراسات يف اللغة العربية ‪.٨ /‬‬
‫)‪ (94‬البحث اللغوي عند الهنود ‪.١٤٢ /‬‬
‫)‪ (95‬فصول يف فقه العربية ‪.٢٦٩ /‬‬
‫‪٦٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫شلبي)‪ (٩٦‬فقد ساير ّ‬


‫تقدم الزمن‪ ،‬ورأى ّ‬
‫أن التقاء تعليل أبي عيل ّ الفاريس مع املحـدثني يف‬
‫تأثـره بما كـان للهنـود يف األصـوات مـن‬ ‫دراسته الصوتية‪ّ ،‬‬
‫ربما يرجع يف بعض منه إىل ّ‬
‫دراسات‪.‬‬
‫والتأثـر‪ ،‬ويبقى‬
‫ّ‬ ‫األدلـة القاطعة عىل األخذ‬
‫ّ‬ ‫يرصحون بعدم امتالكهم‬
‫ّ‬ ‫وهؤالء جميعا ً‬
‫عندهم االحتمال فقط‪ ،‬والبحث العلمي ال يمكنه الركون إىل االحتماالت‪.‬‬
‫‪ -‬الثالث ‪ :‬األصالة ‪:‬‬
‫نبي‪ ِ ،‬ﱠ ْ‬
‫وممن يرى هذا الرأي ‪:‬‬ ‫ويتمثـل هذا الرأي َ ْ‬
‫بنفي أي تأثري أج ّ‬ ‫ّ‬
‫أ‪.‬شــاده )‪ ،(٩٧‬وبروكلمــان )‪ ،(٩٨‬والــدكتور حــسني نــصار )‪ ،(٩٩‬والــدكتور عبداللــه‬
‫درويش)‪ ،(١٠٠‬والدكتور محمـود حجـازي )‪ ،(١٠١‬وقـد ّ‬
‫أكـدوا جميعـا ً عـىل عـدم التـأثري‬
‫االجنبي‪ْ ،‬‬
‫وإن ُ ِ‬
‫وجدت بعض املشابه العارضة‪ ،‬نتيجة وحدة الهدف‪ ،‬وأن ّ العرب اسـتحدثوا‬
‫هذا الفن من املدارك العربية بأنفسهم ولم يقتبسوه من أي جهة‪ .‬فأسـاس االخـتالف يف‬
‫الرأي – إذا ً – هو تشابه الدراسات الصوتية‪ ،‬وأسبقية الهنود‪ّ ،‬‬
‫لكن مجرد التشابه وغياب‬
‫ّ‬
‫الظني الذي ال يمكن الركون إليه‪ ،‬وبناء رأي‬ ‫الدليل القطعي ُيبقي األمر يف نطاق االحتمال‬
‫إنسانـية كاللغة التـي هـي إحـدى‬
‫ّ‬ ‫خاصة ّ‬
‫أن هذا التشابه وقع يف مسألة‬ ‫علمي عليه‪ ،‬وب ّ‬
‫ّ‬
‫تشكـل قوانينهـا ظـاهرة إنـسانية مـشرتكة‬
‫ّ‬ ‫ظواهر املجتمع‪ ،‬ويف مجال األصوات التي‬
‫ّ‬
‫خصوصياتها فهي بقدر تعلق األمر بهذه اللغة أو تلك‪ ،‬إذ ليس مـن املـستبعد عـىل‬ ‫أمــا‬
‫ّ‬
‫العقل البرشي املتفتح من أيّ جنس كـان ْ‬
‫أن يتماثـل فيمـا ُ ّ‬
‫يتوصـل إليـه يف الدراسـات‬

‫)‪ (96‬أبو عيل الفاريس ‪.٢٣٩ – ٢٣٨ /‬‬


‫)‪ (97‬علم األصوات عند سيبويه وعندنا ‪.٤ /‬‬
‫)‪ (98‬تاريخ األدب العربي ‪ ١٢٤ ،١٢٣ /٢‬هامش‪.٥/‬‬
‫)‪ (99‬املعجم العربي نشأته وتطوره ط‪.٢٢٥/١ ٢‬‬
‫)‪ (100‬املعاجم العربية ‪.٤٠٢ /‬‬
‫)‪ (101‬قضايا يف علم اللغة العربية )محارضات ألقاها عىل طلبة كلية آداب القاهرة سنة ‪.(٥٨ ١٩٧٧ -١٩٧٦‬‬
‫‪٦٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫املتشابهة خاصة إذا ّ‬


‫اتحد الهدف كمـا هـو األمـر يف مـسألتنا هـذه‪ ،‬إذ ّ‬
‫أن الهنـود أرادوا‬
‫ّ‬
‫املقدس )الفيدا(‪ ،‬والعرب‪ -‬أيضا – أرادوا الحفاظ عـىل إجـادة‬ ‫الحفاظ عىل نطق كتابهم‬
‫نطق آي القرآن الكريم‪.‬‬
‫تاما بل نجد نقاط اختالف رئيسة ً‪ ،‬منه)‪: (١٠٢‬‬ ‫ثم ّ‬
‫إن هذا التشابه يف الدراسة لم يكن ّ‬

‫ويتمثـل ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األبجديتني‪،‬‬ ‫أوال ً – اختالف بني‬
‫أ – يف رموز األصوات الصحيحة ‪:‬‬
‫فالهندية تعتمد املقاطع وليس األصـوات املفـردة‪ ،‬فاللهويـة عنـدهم )كــا‪ ،‬خـا‪ ،‬حـا‪،‬‬
‫غا‪ ،(....،‬والنطعية )تسا‪ ،‬تشا‪ ،‬تجا‪ ،‬تزا‪ ،‬تنا(‪ ،‬يف حني تعتمد األبجدية العربية عىل الصوت‬
‫املفرد‪ ،‬نحو‪:‬ع‪ ،‬ح‪ ،‬هـ‪ ،‬خ‪ ،‬غ‪ ،‬ق‪ ،‬ك‪...،‬‬
‫واملركـبة نحو ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ب – يف رموز العلل ‪ :‬فقد وضع الهنود رموزا ً للعلل الطويلة والقصرية‬
‫‪a , á , i , i , u ,ú , r , É , i , I , e , ai ,o ,au‬‬
‫ّ‬
‫خاصة بالعلل الطويلة فحسب )ا‪،‬و‪،‬ي(‪.‬‬ ‫أما الرموز العربية فهي‬
‫ج – يف ترتيب األبجديتني – ْ‬
‫وإن كان أساسه مخارج األصوات – فلـم يكـن متوافقـا ً‪،‬‬
‫الصحاح(‪ ،‬يف حني ّ‬
‫أن العرب – عىل يد الخليـل‬ ‫ّ‬ ‫استهلــوها بالعلل‪ ،‬ثم السواكن )‬
‫ّ‬ ‫فالهنود‬
‫ّ‬
‫بالصحاح‪ ،‬وختموها بالعلل‪ ،‬ثم كانت التعديالت التـي أدخلهـا سـيبويه وابـن‬ ‫– ابتدءوا‬
‫ّ‬
‫جني من بعده‪ .‬كذلك َ‬
‫وضع الهنود أصوات الـصفري يف آخـر األبجديـة‪ ،‬يف حـني وضـعها‬
‫العرب يف وسط األبجدية حسب ترتيبها املخرجي‪.‬‬
‫قـصـة‪ ،‬فلـم تكـن هـي األوىل مـن نوعهـا يف تـاريخ‬
‫ّ‬ ‫د – لوضع األبجدية عند العرب‬
‫العربية‪ ،‬بل كانت بني أيديهم األبجدية القديمة )أبجد هوز حطي‪ ،(...،‬ومن ثـم ابتـدعت‬

‫)‪ (102‬البحث اللغوي عند الهنود ‪ ،٢٦ /‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪٦٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫األلفبائية )أ‪ ،‬ب‪ ،‬ت‪ ،‬ث‪ ،‬ج‪ ،‬ح‪ ،‬خ‪ ( ،‬وأخريا ً جاء الخليل‪ ،‬ورتَب األبجدية َ الـصوتية َ التـي‬
‫ّ‬
‫توصـل الخليـل إىل ترتيـب‬ ‫العهد للعرب بها‪ ،‬ويف كتاب العني روايـات تـصف لنـا كيـف‬
‫أبجديته‪ ،‬وسبب َ ْ ِ‬
‫رفـضه لأللفبائية‪ ،‬وعدم ابتدائه باأللف أو الباء من بعـدها‪ ،‬واألسـلوب‬
‫الذي ّ‬
‫تذوق به األصوات لرتتيبها وفق مخارجها‪ ،‬وهذا االجتهاد الذي عهدناه عند الخليـل‬
‫وجدناه عند تلميذه سيبويه‪ ،‬وعند ابن ّ‬
‫جني فقد أدخال تعديالت عىل األبجدية الصوتية‪" ،‬‬
‫يدل عىل ّ‬
‫أن املسألة لدى العرب اجتهادية أصلية‪ ،‬ولم يكونوا فيما أنجزوه من دراسة‬ ‫مما ّ‬
‫األصوات متأثرين بدراسة معينة أو مقلدين منهجا سابقا ً " )‪.(١٠٣‬‬
‫ّ‬
‫محل خالف‪ ،‬فمجموعة مـن اآلراء تـرى أنهـا‬ ‫أما اذا ُ ْ‬
‫عدنا إىل ْ‬
‫أصل األبجدية الهندية فهو‬
‫هندية األصل‪ ،‬ومجموعة أخرى ترى أنها سامية ُ األصل‪ ،‬أخذوها إما من الفينيقيـني‪ ،‬أو‬
‫من الساميني الذين سكنوا يف الشمال الرشقي من الجزيرة‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬اختالف يف تحديد املخارج‪:‬‬
‫نـسب إىل العـالم اللغـوي الهنـدي بـانيني بأنـه يـذكر )الـرأس( مـن بـني مخـارج‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫تؤيده‬ ‫يحدد الصوت الذي يخرج من الرأس‪ ،‬وهو أمر لم ْ‬
‫يقل به العرب‪ ،‬ولم‬ ‫االصوات‪،‬ولم ّ‬
‫الدراسات الحديثة‪.‬‬

‫ثالثا ً ‪ :‬اختالف يف إدراك الصفات ‪:‬‬


‫أدرك الهنود أثر التجويف الحنجري – فتحـة مـا بـني الـوترين – يف حـدوث الجهـر‬
‫والهمس‪ ،‬وهو أمر خطري اتخذته الدراسـات الحديثـة أساسـا ً لهـا‪ ،‬يف حـني ّ‬
‫أن العـرب‬
‫ذكـر الحنجرة أو تجويفها‪ ،‬وانما ذكروا الحلق‪ّ ،‬‬
‫أمـا ضـابطهم يف‬ ‫القدماء لم يؤثر عنهم ِ ْ‬

‫)‪ (103‬الدراسات اللغوية عند العرب ‪.٨٧/‬‬


‫‪٦٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫التمييز بني الجهر والهمس‪ ،‬فهو االعتماد يف مواضع النطق وجريان الـصوت‪ ،‬وسـيأتي‬
‫بيانه‪.‬‬

‫رابعا ً ‪ :‬اختالف يف جوانب صوتية أخرى ‪:‬‬


‫اختص الهنود بدراسات صوتية مهمة تتناول األصوات الهامشية‪ ،‬من ذلك ‪:‬‬
‫وكمياتهــا‪ ،‬وأهــم أجزائهــا‪ ،‬وك ـذلك دراســة الن ﱠـ ْ‬
‫ـرب‬ ‫دراســة املقــاطع‪ ،‬وقواعــدها‪ّ ،‬‬
‫وقواعده‪،‬ودرجاته‪ ،‬وهي دراسات لم ُ ْ‬
‫تؤثـر عن العرب القدامى‪.‬‬
‫ويف نهاية املطاف – مع ذكر أصالة الدراسة الصوتية عند العرب – يمكننا َ َ ّ‬
‫تلمس هذه‬
‫األصالة يف شخص الخليل بن أحمد رائد هذه الدراسة‪ ،‬إذ لم يثبت عنـه أنـه يعـرف لغـة‬
‫أجنبية ال سنسكريتية‪ ،‬وال يونانية‪ .‬حتى يمكنه ذلك من االطالع عىل الرتاث العلمي الذي‬
‫وتفتــح عقلـه عـىل‬
‫ّ‬ ‫تفوقه العلمـي وذكـاءه‬ ‫كتب بهاتني اللغتني‪ .‬ثم ّ‬
‫إن املصادر أثبتت ّ‬ ‫ُِ َ‬
‫الدراسة الصوتية التي أفاد منها يف إيجاد هـذا الرتتيـب‪ ،‬ويف دراسـة ظـواهر التـشكيل‬
‫الصوتي ويف علم العروض‪.‬‬
‫أن الخليل قد سـمع سـماعا ً ّ‬
‫أن للهنـود‬ ‫وأخريا ً يبقى هناك احتمال وارد عقال ً‪ ،‬هو ّ‬
‫فاقـتبس تلك اإلشارة النظرية‪ّ ،‬‬
‫ورتـب الحـروف العربيـة عـىل‬ ‫ْ‬ ‫ترتيبا ً صوتيا ً للحروف‪،‬‬
‫ْصح هذا َ َ‬
‫فلــن يقـدح يف ريادتـه‪ ،‬وتجربتـه الـصوتية‪ ،‬ولـم‬ ‫وحسه‪،‬وإن َ ّ‬
‫ّ‬ ‫وفـقها بذوقه‬
‫ِ ْ‬
‫ِ‬
‫فضله شيئا ً‪.‬‬ ‫ْ‬
‫ينقص من‬

‫نتائج التفكري الصوتي يف القرن الثاني ‪:‬‬


‫أول ما نواجه يف هذا امليدان‪ ،‬ذلك الرجل الزاهد الذي أكلت الدنيا بعلمه‪ ،‬وهو يف ُ ٍّ‬
‫خص ال‬ ‫ّ‬
‫يشـعر به‪ ،‬كسب أصحابه بعلمه األموال‪ ،‬وهو يف البرصة ال يقدر عـىل َ ْ‬
‫فلــس )‪ ،(١٠٤‬إنـه‬ ‫ُ َْ‬

‫)‪ (104‬هذا قول لتلميذه للنرض بن شميل )‪ ٢٠٣‬هـ(‪ ،‬نزهة األلباء ‪.٤٧/‬‬
‫‪٦٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫الخليل بن أحمد الفراهيدي )‪١٧٥‬هـ( الذي طرق أبواب العلوم اإلنسانية‪ ،‬وللـه َ ﱡ‬
‫دره مـن‬
‫طارق‪.‬‬
‫ّ‬
‫وحـسه‬ ‫ّ‬
‫فاملتفحص لرتاثه العلمي‪ ،‬يرى من خالل عظمة هذا الرجل‪ ،‬يف عقله املبـدع‪،‬‬
‫وتذوقه السليم‪ ،‬ومنهجه الصائب‪ ،‬هذه الصفات التـي ﱠ‬
‫أهلتـه البتـداع دراسـات‬ ‫ّ‬ ‫املرهف‪،‬‬
‫رائدة يف جوانب متنوعة‪ ،‬كالصوتية‪ ،‬والنحوية‪ ،‬والرصفية‪ ،‬واملعجمية‪ ،‬والعروضية‪ ،‬وهو‬
‫ّ‬
‫املقدم‪ ،‬والرائد‪.‬‬ ‫كلـها‬
‫فيها ّ‬
‫الذي يعنينا هنا ريادته يف التفكري الصوتي عند لغويّ العـراق يف القـرن الثـاني التـي‬
‫تجلـت يف ّ‬
‫مقدمة كتابه الشهري )معجم العني(‪ ،‬وهي أول دراسة صوتية عربية‪ ،‬يمكننـا‬ ‫ّ‬
‫من خاللها – ومما ورد للخليل من آراء يف كتـاب سـيبويه – ّ‬
‫أن نحـدد املعـالم الرئيـسة‬
‫ألفكار الخليل)‪ (١٠٥‬الصوتية‪ ،‬ونذكرها كما هي دون تعقيب عليها‪ ،‬تاركني ذلك للمواضـع‬
‫القادمة‪.‬‬
‫أوال ً ‪ :‬األصوات العربية )مخارجها‪ ،‬وصفاتها( ‪:‬‬
‫األصوات الصامتة ‪:‬‬
‫أ – تحديد أصوات بتسعة وعرشين صوتا ً‪.‬‬
‫ب – تحديد مخرج ّ‬
‫كل صوت‪ ،‬وتسميته‪.‬‬
‫ج – وضع أبجدية صوتية جديدة ال عهد للعرب بها‪ ،‬وفق معيار علمي هـو مخـرج كـل‬
‫صوت منها يف الحلق‪ ،‬باستثناء الهمـزة‪ّ ،‬ثـم األرفـع فـاألرفع‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫أدخل‬ ‫صوت‪ ،‬فجعل ّ َ‬
‫أولـها‬
‫حتى الشفتني‪َ َ ،‬‬
‫ووضع الواو واأللف والياء والهمزة يف آخرها‪ ،‬فكانت كما هو آت‪.‬‬
‫ع ح هــــ خ غ – ق ك – ج ش ض – ص س ز – ط د ت – ظ ذ ث – رل ن – ف ب م – وا‬
‫ي ء‪.‬‬

‫)‪ (105‬كان من املمكن أن نذكر نتائج دراسات سيبويه‪ ،‬لكننا آثرنا اإلشارة الرسيعة إىل أفكار الخليل‬
‫اعرتافا ً بفضله الكبري عىل الدراسات اللغوية كلها‪.‬‬
‫‪٦٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫د – تقسيم األصوات بحسب ما يعرتض طريق النفس حال النطق بها ‪:‬‬
‫منها خمسة وعرشون صحاح‪ ،‬لها أحياز ومدارج‪ ،‬وأربعة أحرف جـوف‪ ،‬هـي األصـوات‬
‫املعتلـة )األلف والواو والياء(‪ ،‬وجمع معهـا الهمـزة‪ ،‬الشـرتاكها معهـن يف االعـتالل يف‬
‫ّ‬
‫مواضع معينة مع اختالفها يف طريقة النطق‪.‬‬
‫تسعفـنا ّ‬
‫مقدمة كتاب العني ببحث واف ٍ عن صفات األصـوات‪ ،‬كمـا هـي‬ ‫ْ‬ ‫هـ ‪ْ -‬‬
‫وإن لم‬
‫لكـنها تحمل بني طياتها إشارات واضـحة تكـشف للقـارئ ّ‬
‫أن‬ ‫الحال يف كتاب سيبويه‪ّ ،‬‬
‫الخليل أدرك َ ّ‬
‫أن األصوات اللغوية ليـست متـشابهة يف آثارهـا املوسـيقية التـي يـدركها‬
‫وأحـس أيـضا ً ّ‬
‫أن‬ ‫ﱠ‬ ‫السمع‪ ،‬وأنها ذات أثر كبري يف تحديد معالم ّ‬
‫كل صوت‪ ،‬وإبراز كيانـه‪،‬‬
‫ألساليب نطق بعض األصوات آثارا يف صفاتها )‪ (١٠٦‬كانحراف الراء والالم والنون‪ ،‬وضغط‬
‫الهمزة‪ ،‬وصالبة الطاء‪ ،‬وخفوت الهاء والتـاء‪ ،‬ولـني الهـاء وهـشاشتها‪ّ ،‬‬
‫وبحـة الحـاء‪،‬‬
‫وضخامة جرس العني والقاف‪ ،‬وانطباق الشفتني عـىل املـيم‪ .‬هـذه أفكـار الخليـل عـن‬
‫دونها يف كتاب‬ ‫مقدمة كتاب العني‪ ،‬وهي ُ ّ‬
‫تعد أفكارا ً أولية ّ‬ ‫صفات األصوات‪ ،‬كما وردت يف ّ‬
‫العني الذي رواه الليث بن املظفر)‪ (١٠٧‬عنه يف خراسان )‪ ،(١٠٨‬بعدها عاد إىل البرصة وشـغله‬
‫الشاغل هو العلم والتفكري به‪.‬‬
‫وتلقــف‬ ‫أن فكره هداه إىل آراء جديدة‪ّ ِ َ ُ ،‬‬
‫تتمم عمله الـذي بـدأه بخراسـان َ َ ّ َ‬ ‫ويف أكرب الظن َ‬
‫ودونها بكتابه‪َ ُ ،‬‬
‫ويرجح هـذا الـرأي َ االتـصال ُ الوثيـق بـني‬ ‫سيبويه هذه اآلراء الجديدة‪ّ َ ،‬‬
‫األفكار الصوتية املطروحة يف ّ‬
‫مقدمة العـني وبـني األفكـار الـصوتية الـواردة يف كتـاب‬
‫سيبويه‪.‬‬

‫)‪ (106‬مقدمة كتاب العني ‪.٦٠ – ٤٧ /١‬‬


‫)‪ (107‬الليث بن املظفر هو أحد أصحاب الخليل الذي أتهم بأنه نحل الخليل بن أحمد تـأليف كتـاب العـني‬
‫جملة لينفق كتابه‪ ،‬قيل إنه رجل صالح‪ ،‬وكان من أكتب الناس يف زمانه بصريا ً بالشعر والغريـب والنحـو‬
‫)معجم األدباء ‪.(٤٣/١٧‬‬
‫)‪ (108‬املزهر ‪.٨٤ – ٨٣/١‬‬
‫‪٧٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫وبهذا فلسنا مع الدكتور أنيس الذي ﱠ‬


‫شك يف نسبة كتاب العني للخليل بن أحمد الخـتالف‬
‫األفكار الصوتية الواردة فيه مع ما ورد يف كتاب سيبويه تلميذ الخليل )‪.(١٠٩‬‬
‫ذهبنا إليه يمكننا أن نقول ‪ّ :‬‬
‫إن ما يف الكتاب من أفكار ٍ صوتية‪ ،‬ما هـي‬ ‫ْ‬ ‫فإذا َ ّ‬
‫صح ما‬
‫مقدمة العني‪.‬‬ ‫ّّ‬
‫متطورة ملا ورد يف ّ‬ ‫إال أفكار خليلية‬
‫* * *‬

‫الحركات العربية )األصوات الصائتة(‪:‬‬


‫ّ‬
‫تتشخص فيما يأتي ‪:‬‬ ‫ومعالم دراسته للحركات العربية )قصرية وطويلة(‬
‫أ – تطـوير كتابـة حركــات أبـي األســود الـدؤيل مــن النقـاط إىل مــا ُيـشبه الحركــات‬
‫الطويلة)‪.(١١٠‬‬
‫ب – إنه صاحب ّ‬
‫أول إشارة علمية لدراسة الحركات القصرية متمثلة بقوله ‪:‬‬
‫َ‬
‫ليوصل إىل‬ ‫ّ‬
‫وهن يلحقن الحرف‪،‬‬ ‫ّ‬
‫والضمة زوائد‪،‬‬ ‫" ّ‬
‫إن الفتحة والكرسة‬
‫التكلم بها‪ ،‬والبناء هو الساكن الذي ال زيادة فيه " )‪.(١١١‬‬
‫ج – التفت إىل الحركات الطويلة‪ ،‬وهي عنده حروف ِعلل )‪ ،(١١٢‬أو حـروف لـني‪ ،‬وأدرك ّ‬
‫أن‬
‫الواو والياء قد تكونان أقرب إىل األصوات الصحيحة يف سياقات صـوتية معينـة‪ ،‬فقـال ‪:‬‬
‫تحركتا كانتا أقوى " )‪.(١١٣‬‬
‫"الواو والياء إذا جاءتا بعد فتحة قويتا‪ ،‬وكذا إذا ّ‬
‫هـ ‪ -‬أدخل الحركات الطويلة )ا – و – ي( يف دراسـته ملخـارج األصـوات دون القـصرية‬
‫)الفتحة والضمة والكرسة(‪ ،‬إال ّ‬
‫أنه ربط بينهما ربطا ًوثيقا ً بقوله ‪:‬‬

‫)‪ (109‬األصوات اللغوية‪.١٠٧ /‬‬


‫)‪ (110‬املحكم يف نقط املصاحف للداني ‪.٧ /‬‬
‫)‪ (111‬الكتاب )طبعة بوالق( ‪.٣١٥ /٢‬‬
‫)‪ (112‬العني ‪.٥٩ /١‬‬
‫)‪ (113‬التهذيب ‪.٥١ /١‬‬
‫‪٧١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫والضمة من الواو" )‪ ،(١١٤‬أي إنهما متطابقتـان‬


‫ّ‬ ‫" فالفتحة من األلف‪ ،‬والكرسة من الياء‪،‬‬
‫يف نظره‪ ،‬وال فرق بينهما إال ّ يف كمية الصوت‪.‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬ظواهر التشكيل الصوتي‪ ،‬منها ‪:‬‬


‫أ – يف تآلف الحروف وتنافرها ‪:‬‬
‫كقوله ‪ " :‬العني ال تأتلف مع الحاء يف كلمة واحدة‪ ،‬لقرب مخرجيهما ")‪.(١١٥‬‬
‫ب – يف األبنية العربية وعالقتها باألصوات ‪:‬‬
‫كقوله ‪ " :‬الضاد والكاف إذا ألفتا ِ‬
‫فبدئ بالضاد‪ ،‬فقيل ‪ :‬ضك‪ ،‬كان تأليفا ‪.‬‬
‫لم يحسن يف أبنية األسماء واألفعال‪ ،‬إال مفصوال بني حرفيه بحرف الزم أو أكثر‪ ،‬من‬
‫ذلك ‪ :‬الضنك )‪ ،(١١٦‬وقوله ‪ " :‬وال يجوز السني يف الكلمة التـي جـاءت القـاف فيهـا قبـل‬
‫الصاد")‪ ،(١١٧‬ومن هذا – أيضا – إشارته إىل الصلة بني األبنية ومعانيهـا‪ ،‬كقولـه ‪ّ " :‬‬
‫رص‬
‫توهمـوا يف صـوت الجنـدب ّ‬
‫مـدا‪،‬‬ ‫ّ‬
‫فكـأنهم ّ‬ ‫ْ َ‬
‫ورصرص األخطب رصرصة‪،‬‬ ‫الجندب رصيرا‪،‬‬
‫وتوهموا يف صوت األخطب ترجيعا" )‪.(١١٨‬‬
‫ّ‬
‫ج – يف ظاهرة اإلبدال ‪:‬‬
‫َ‬
‫واملبـدل منـه يف الـصفة‪ ،‬أو يف املخـرج كمـا يف‬ ‫يرى وجود العالقة بني املبـدل‬
‫وكأنه ً‬
‫ّ‬
‫والخفة‬ ‫دهديت من دهدهت‪ ،‬إذ قال ‪ " :‬أبدل الياء من الهاء‪ ،‬لشبهها بها‪ ،‬وأنها يف الخفاء‬
‫نحوها")‪.(١١٩‬‬

‫)‪ (114‬الكتاب ‪.٣١٥ /٢‬‬


‫)‪ (115‬العني ‪.٦٠ /١‬‬
‫)‪ (116‬م‪ .‬ن ‪.٥٦/١ ،١٢٨/١ ،٦٥/١‬‬
‫)‪ (117‬م‪ .‬ن ‪.١٢٨/١‬‬
‫)‪ (118‬العني ‪.٥٦/١‬‬
‫)‪ (119‬الكتاب ‪ ،٣٨٦/٤‬وما يالحظ عدم وجود عالقة بني الياء والهاء إال يف اتساع مجـرى الـصوت وعـدم‬
‫الحاجز‪.‬‬
‫‪٧٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫والخبء‪ ،‬والعكل والعكر )‪ ،(١٢٠‬وقد يكـون اإلبـدال‬


‫ْ‬ ‫ْ‬
‫الخبع‬ ‫ومن أمثلته يف كتاب العني ‪:‬‬
‫نتيجة لتطور صوتي‪ ،‬أي ‪ّ :‬‬
‫إن الصورة الصوتية للفظ عىل ّمر األيام قد تتحول إىل صـورة‬
‫جديدة‪ ،‬نظري ما استقبح العرب من تكرار األلف يف )ماما(‪ ،‬فأبدلوا األوىل هـاء‪ ،‬فقـالوا ‪:‬‬
‫مهما)‪ ،(١٢١‬ويبدو أنه تفسري ألصل غري موجود‪ ،‬وإنما تخيله الخليل بتلك الصورة‪ ،‬وحاول‬
‫الربط بينه وبني الصورة الحالية‪ ،‬ومع هذا ففي هذه املالحظة إشـارة ذكيـة إىل دراسـة‬
‫فكرة التخالف )عكس اإلدغام(‪.‬‬
‫د – يف اإلدغام ‪:‬‬
‫ّ‬
‫فـإن‬ ‫من ذلك قوله يف التقاء " الياء والواو يف موضع‪ ،‬وكانت األوىل منهمـا سـاكنة‪،‬‬
‫الطي‪ ،‬مـن طويـت‪ ...‬الحـي مـن‬
‫ّ‬ ‫كلـه‪ ،‬نحو‬
‫الواو تدغم يف الياء قبلها أو بعدها يف الكالم ّ‬
‫الحيوان‪ ،(١٢٢) ...‬من هذه اإلشارة الرسيعة ّ‬
‫يتضح لنا ّ‬
‫أن الخليل وضع يـده عـىل األسـس‬
‫الرئيسة للدراسة الصوتية‪ ،‬وتلقى سيبويه هذه الدراسات‪ ،‬ونقحها بأفكـاره وسـماعه‪،‬‬
‫أقرهـا‬
‫فأضاف إليها إضافات أصيلة‪ ،‬وكانـت بمجموعهـا دراسـات صـوتية متكاملـة ّ‬
‫الدارسون املحدثون من مسترشقني )‪ (١٢٣‬وعرب)‪ ،(١٢٤‬وال يضرينا كون دراسـته الـصوتية‬
‫ّ‬
‫ممهدا لدراسته الرصفية‪.‬‬ ‫جزءا ً‬
‫تقدم نقول ‪ّ :‬‬
‫إن نتائج التفكري الصوتي يف القرن الثاني الهجري‪ ،‬ستكون ممثلـة يف‬ ‫ومما ّ‬
‫نتائج دراسات سيبويه يف ‪:‬‬

‫ّ‬
‫وضم قواصيها‪.‬‬ ‫)‪ (120‬العني ‪ ٢٠١ /١‬والعكل ‪ :‬حوز االبل‪،‬‬
‫)‪ (121‬الكتاب ‪.٤٣٣ /١‬‬
‫)‪ (122‬التهذيب ‪.٥٢/١‬‬
‫)‪ (123‬مثل برجـشرتارس يف كتابـه التطـور النحـوي ‪ ،١١/‬وشـاده يف محارضتـه )علـم األصـوات عنـد‬
‫سيبويه(‪ ٥/‬وكانتيو يف دروس يف علم أصوات العربية ‪.١١ /‬‬
‫)‪ (124‬مثل ‪ :‬الدكتورأنيس يف األصوات اللغوية ‪ ،١٠٥ /‬والدكتور الـسعران يف علـم اللغـة ‪ ،٩٩ /‬والـدكتور‬
‫املخزومي يف كتابه الخليل بن أحمد ‪.١٠٥ /‬‬
‫‪٧٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ – ١‬مخارج األصوات‪.‬‬
‫‪ – ٢‬صفات األصوات‪.‬‬
‫‪ – ٣‬التشكيل الصوتي ‪ :‬ظواهر )اإلدغام‪ ،‬واإلبدال‪،‬واإلعالل‪ ،‬والتخالف‪ ،‬واإلمالة(‪.‬‬
‫ّ‬
‫مخل‪ ،‬ليتبني لنا فيما بعد أثرها يف الدراسـات الـصوتية التـي‬ ‫وسنشري إليها بإيجاز غري‬
‫برزت يف القرنني الثالث والرابع الهجريني عند لغويّ العراق‪ ،‬وما ّ‬
‫قدم من جديد فيها‪.‬‬

‫أوال ً – األصوات ومخارجها ‪:‬‬


‫ّ‬
‫هـن‬ ‫أصل أصوات العربية عند سيبويه )‪ (١٢٥‬تسعة وعـرشون )‪ (١٢٦‬أضـاف إليهـا مـا‬
‫فروع‪ ،‬وأصلها من التسعة والعرشين‪ ،‬وهذه الفروع هي آثار صوتية لهجيـة شـاعت يف‬
‫القرن الثاني للهجرة‪ّ ،‬‬
‫صنفها سيبويه عىل قسمني ‪:‬‬
‫َ‬
‫بـني‪،‬‬ ‫َ‬
‫بـني‬ ‫‪ – ١‬ما هو ْ ْ‬
‫مستحسن يف القراءة والشعر‪ ،‬كالنون الخفيفة‪ ،‬والهمزة التـي‬
‫واأللف التي ُتمال إمالة شديدة‪ ،‬والـشني التـي كـالجيم‪ ،‬والـصاد التـي كـالزاي‪ ،‬وألـف‬
‫التفخيم‪.‬‬
‫ّ‬
‫الظن هي آثار صوتية مشوبة‬ ‫‪ – ٢‬ما هو غري ُمستحسن يف القراءة والشعر‪ ،‬ويف أكرب‬
‫بأصوات أعجمية هي ‪ :‬الكاف التي بني الجيم والكاف‪ ،‬والجيم التي كالكاف‪ ،‬والجيم التي‬
‫كالشني‪ ،‬والضاد الضعيفة‪ ،‬والصاد التي كالـسني‪ ،‬والطـاء التـي كالتـاء‪ ،‬والظـاء التـي‬
‫كالثاء‪ ،‬والباء التي كالفاء وإدراكا ً منه يف عدم استطاعة الكتابة العربيـة تـصوير هـذه‬
‫األصوات الفرعية قال ‪ " :‬إنها ال تتبني إال باملشافهة"‪.‬‬

‫)‪ (125‬الكتاب ‪.٤٠٤ /٢‬‬


‫)‪ (126‬ويف هذا خلط‪ ،‬ألن األصوات هي ثمانية وعرشون صوتا ً صامتا‪ ،‬وبإضـافة )صـوت األلـف( وهـو‬
‫حركة طويلة‪ ،‬وليس بصامت تكمل بها التسعة والعرشون‪ ،‬أما الواو والياء‪ ،‬فلكل منهمـا مـدلوالن ‪ :‬األول‬
‫صامت‪ ،‬والثاني ‪ :‬علة – سوى األلف الذي ال يكون إال علة‪.‬‬
‫‪٧٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫أما مخارج األصوات األصلية‪ ،‬فقد مال سيبويه إىل التدقيق يف توزيعها عىل ستة عـرش‬
‫مخرجا ً)‪ ،(١٢٧‬وهي ‪:‬‬
‫• أصوات الحلق‪ ،‬ومخارجها ثالثة ‪:‬‬
‫‪ – ١‬أقىص الحلق ‪ :‬مخرج الهمزة‪ ،‬والهاء‪ ،‬واأللف )‪.(١٢٨‬‬
‫‪ – ٢‬أوسط الحلق ‪ :‬مخرج العني‪ ،‬والحاء‪.‬‬
‫‪ – ٣‬أدنى الحلق ‪ :‬مخرج الغني‪ ،‬والخاء‪.‬‬
‫• أصوات أقىص اللسان ‪:‬‬
‫‪ – ١‬من أقىص اللسان وما فوقه من الحنك األعىل ‪ :‬مخرج القاف‪.‬‬
‫‪ – ٢‬من أسفل من موضع القاف من اللسان قليال ً‪ ،‬ومما يليه من الحنك األعىل ‪ :‬مخـرج‬
‫الكاف‪.‬‬
‫• أصوات اللسان ‪:‬‬
‫‪ – ١‬من وسط اللسان بينه وبني وسط الحنك األعىل ‪ :‬مخرج الجيم‪ ،‬والشني‪ ،‬والياء )غري‬
‫املدية(‪.‬‬
‫‪ – ٢‬من بني أول حافة اللسان وما يليه من األرضاس ‪ :‬مخرج الضاد‪.‬‬
‫‪ – ٣‬من حافة اللسان من أدناها إىل منتهى طرف اللسان‪ ،‬ما بينها وبـني مـا يليهـا مـن‬
‫الحنك األعىل وما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية ‪ :‬مخرج الالم‪.‬‬
‫‪ – ٤‬ومن طرف اللسان بينه وبني ما فويق الثنايا ‪ :‬مخرج النون‪.‬‬
‫‪ – ٥‬ومن مخرج النون غري أنه أدخل يف ظهر اللسان قليال ً‪ ،‬النحرافـه إىل الـالم ‪ :‬مخـرج‬
‫الراء‪.‬‬

‫)‪ (127‬الكتاب ‪ ٤٠٤ /٢‬بإضافة مخرج النون الخفية من الخياشيم‪.‬‬


‫ّ‬
‫الحيز‪.‬‬ ‫)‪ (128‬سيأتي الحديث عن وضع األلف يف هذا‬
‫‪٧٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ – ٦‬مما بني طرف اللسان وأصول الثنايا ‪ :‬مخرج الطاء‪ ،‬والدال‪ ،‬والتاء‪.‬‬
‫مما بني طرف اللسان ُ‬
‫وفويق الثنايا ‪ :‬مخرج الزاي‪ ،‬والسني‪ ،‬والصاد‪.‬‬ ‫‪ّ -٧‬‬
‫‪ - ٨‬مما بني طرف اللسان وأطراف الثنايا ‪ :‬مخرج الظاء‪ ،‬والذال‪ ،‬والثاء‪.‬‬
‫• أصوات الشفة ‪:‬‬
‫‪ – ١‬من باطن الشفة السفىل‪،‬وأطراف الثنايا ُ‬
‫العىل ‪ :‬مخرج الفاء‪.‬‬
‫‪ – ٢‬مما بني الشفتني ‪ :‬مخرج الباء‪ ،‬وامليم‪ ،‬والواو‪.‬‬

‫• ومن الخياشيم ‪:‬‬


‫مخرج النون الخفيفة )‪ (١٢٩‬وبهذا يكون ترتيب الحروف عنده ‪:‬‬
‫)ء هـ ا ع ح غ خ – ق ك – ج ش ي – ض – ل ن ر – ط د ت – ز س ص – ظ ذ ث – ف –‬
‫ب م و – النون الخفيفة (‪.‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬صفات األصوات ‪:‬‬


‫درس سيبويه خصائص األصوات العربية‪ ،‬وما تمتاز به من صفات حال النطق بهـا‪،‬‬
‫ّ‬
‫تبـدالت صـوتية يف‬ ‫من أجل معرفة النظام الصوتي العـام لهـا‪ ،‬ومـا يجـري فيهـا مـن‬
‫السياقات املختلفة التي بحثها تحت باب اإلدغام‪ ،‬ويمكن تصنيف هذه الصفات إىل ‪:‬‬
‫‪ – ١‬صفات عامة ‪ :‬شملت األصوات كلها‪.‬‬
‫‪ – ٢‬صفات خاصة ‪ :‬تميزت بها مجموعات صوتية‪.‬‬
‫‪ – ٣‬صفات خاصة ‪ :‬تميزت بها أصوات مفردة‪.‬‬

‫)‪ (129‬تدرك يف النطق يف سياقات صوتية معينة‪ ،‬وهي نون خفية تكون قبل القاف والكاف والجيم والشني‬
‫والضاد والطاء والدال والتاء والزاي والسني والصاد والظاء والذال والثاء والفاء‪.‬‬
‫‪٧٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫الصفات العامة ‪:‬‬


‫أ – الجهر والهمس ‪:‬‬
‫واألصوات املجهورة ‪ :‬هي ‪ " :‬الهمزة)‪ ،(١٣٠‬واأللـف‪ ،‬والعـني‪ ،‬والغـني‪ ،‬والقـاف‪ ،‬والجـيم‪،‬‬
‫والياء‪ ،‬والضاد‪ ،‬والالم‪ ،‬والنون‪ ،‬والراء‪ ،‬والطاء‪ ،‬والدال‪ ،‬والزاي‪ ،‬والظـاء‪ ،‬والـذال‪ ،‬والبـاء‪،‬‬
‫وامليم‪ ،‬والواو "‪.‬‬
‫واألصوات املهموسة هي ‪ :‬الهاء‪ ،‬والحاء‪ ،‬والخـاء‪ ،‬والكـاف‪ ،‬والـشني‪ ،‬والـسني‪ ،‬والتـاء‪،‬‬
‫والصاد‪ ،‬والثاء‪ ،‬والفاء‪.‬‬
‫ّ‬
‫والتوسط ‪:‬‬ ‫والرخاوة‬ ‫ّ‬
‫الشدة ّ‬ ‫ب–‬
‫األصوات الشديدة عنده هي ‪ " :‬الهمزة‪ ،‬والقاف‪ ،‬والكاف‪ ،‬والجيم‪ ،‬والطاء‪ ،‬والتاء‪ ،‬والدال‪،‬‬
‫والباء "‪.‬‬
‫الرخوة هي ‪ :‬الهاء‪ ،‬والحاء‪ ،‬والغني‪ ،‬والخاء‪ ،‬والشني‪ ،‬والصاد‪ ،‬والضاد‪ ،‬والزاي‪،‬‬
‫واألصوات ّ‬
‫والسني‪ ،‬والظاء‪ ،‬والثاء‪ ،‬والذال‪ ،‬والفاء‪.‬‬
‫أما بقية األصوات فقد عزلها سيبويه‪ ،‬وأشار إىل صفاتها‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫• العني ‪ :‬وقد ّ‬
‫رصح ّ‬
‫بأنها بني الرخوة والشديدة‪ ،‬أي تمثل حالة وسطى بينهما‪.‬‬
‫بالشدة مع إدراكه ّ‬
‫أن الصوت يجري معهـن عـىل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وصفهن‬ ‫• الالم والنون وامليم والراء ‪:‬‬
‫خالف الشديد‪ ،‬بسبب كيفيات خاصة ألعضاء النطق‪.‬‬
‫• الواو والياء واأللف ‪ :‬لم ّ‬
‫ينص عىل صفاتها‪ ،‬لكنه أشـار إىل اتـساع مخـارجهن‪ ،‬ممـا‬
‫يساعد عىل خروج هواء الصوت‪.‬‬

‫)‪ (130‬للمحدثني رأي يف " جهر الهمزة " سنذكره يف موضع قادم ‪.‬‬
‫‪٧٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ‬
‫التوسط رصاحة إال لـصوت العـني‪ ،‬وأن عزلـه‬ ‫والذي يالحظ ّ‬
‫أن سيبويه لم ينسب صفة‬
‫لهذه األصوات الثمانية‪ ،‬وإشارته إىل الكيفيات الخاصة ملرور الهواء حال نطقها‪ ،‬أوحـى‬
‫ّ‬
‫والتوصل إىل أنها تمثل حالة وسطى‪.‬‬ ‫ملن جاء بعده‪ ،‬بالنظر يف تحديد صفاتها‪،‬‬

‫خاصة ّ‬
‫تميزت بها مجموعات صوتية ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫صفات‬
‫أ– ُ‬
‫املذلقة )‪: (١٣١‬‬
‫وأصواتها ‪) :‬الراء‪ ،‬والالم‪ ،‬والنون( و)الفاء‪ ،‬والباء‪ ،‬وامليم( وما سواها فهي ‪ :‬الـصتم)‪،(١٣٢‬‬
‫أو املصمتة )‪.(١٣٣‬‬

‫ب – القلقلة )‪: (١٣٤‬‬


‫ّ‬
‫الـشدة‬ ‫وأصواتها ‪ :‬القاف‪ ،‬والجيم‪ ،‬والطاء‪ ،‬والدال‪ ،‬والباء‪ ،‬وقـد اشـتملت عـىل صـفتي‬
‫صويت‪ ،‬من أجـل املحافظـة عـىل‬ ‫وتميزت ّ‬
‫بأن النطق بها حال الوقف يصاحبه ُ‬ ‫ّ‬ ‫والجهر‪،‬‬
‫هاتني الصفتني‪.‬‬
‫ج – املطبقة )‪: (١٣٥‬‬
‫وأصواتها ‪ :‬الصاد‪ ،‬والضاد‪ ،‬والطاء‪ ،‬والظاء وما ِسواها فهي املنفتحة‪.‬‬

‫)‪ (131‬الذالقة يف املنطق إنما هي بطرف اللسان وهي صفة التفت إليها الخليل بن أحمد وأطلقها من بـاب‬
‫التغليب عىل املذلقة حقيقة وهي )ر ل ن ( وعىل الشفوية )ف ب م ( العني ‪٥٨ ،٥٢ /١‬‬
‫)‪ (132‬العني ‪.٥٥ – ٥٤ /١‬‬
‫)‪ (133‬تهذيب اللغة ‪ ٥١ /١ :‬وفيه ‪ " :‬أنها أصمتت فلم تدخل يف األبنية كلها‪،...‬فلست واجدا يف جميع كالم‬
‫العرب خماسيا بناؤه بالحروف املصمتة خاصة وال كالما رباعيا‪ ،‬غري املسينة " نحو عسجد‪.‬‬
‫)‪ (134‬الكتاب ‪.٢٨٤ /٢ :‬‬
‫)‪ (135‬م‪ .‬ن ‪.٤٠٦ /٢ :‬‬
‫‪٧٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫د – املستعلية )‪: (١٣٦‬‬


‫وجعلها سيبويه صفة لألصوات املطبقة األربعة‪ ،‬وأضاف إليها )الغني‪ ،‬والقاف‪ ،‬والخاء(‬
‫هـ ‪ -‬األعتالل )‪: (١٣٧‬‬
‫االعتالل ‪ :‬صفة ُيراد بها عدم ثبات أصواتها عىل حال واحدة عند األداء‪ ،‬بـل تتبـدل تبعـا‬
‫للسياقات الصوتية التي تكتنفها‪ ،‬وأصواتها هي ‪) :‬األلف‪ ،‬والواو‪ ،‬والياء( وما سواها هي‬
‫ّ‬
‫الصحاح‪.‬‬
‫ثم نظر سيبويه إليها من حيث نطقها‪ ،‬فالحظ سعة مخارجها‪ ،‬ومد أصـواتها فـسماها‬
‫بحروف املد )‪.(١٣٨‬‬
‫و – الصفري )‪: (١٣٩‬‬
‫وهي صفة الحظها يف )الصاد‪ ،‬والسني‪ ،‬والزاي(‪ ،‬وقد منحت ألصواتها قوة ووضوحا‪.‬‬
‫ز – االستطالة‪ ،‬والتفيش ‪:‬‬
‫وتفشـيه‪ ،‬ووصف الضاد باالستطالة أيضا ً )‪.(١٤٠‬‬
‫ّ‬ ‫فقد وصف الشني باستطالة املخرج‬
‫ح – الغـنّة )‪: (١٤١‬‬
‫والحظها يف صوتي امليم والنون‪.‬‬

‫)‪ (136‬م‪ .‬ن ‪.٢٦٤ /٢ :‬‬


‫)‪ (137‬م‪ .‬ن ‪.٢٦٤ /٢ ،٤٠٦ /٢ ،٢٨٤/٢ :‬‬
‫)‪ (138‬الكتاب ‪.٣٥٩ /٢‬‬
‫)‪ (139‬قال سيبويه ‪ :‬وهن " أندى يف السمع " الكتاب ‪.٤٢٠ / ٢‬‬
‫)‪ (140‬م‪.‬ن ‪.٤٢٠ ،٤١٢ / ٢ :‬‬
‫)‪ (141‬م‪ .‬ن ‪.٤٠٦ / ٢ :‬‬
‫‪٧٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫صفات تميزت بها أصوات مفردة )‪ ،(١٤٢‬وهي ‪:‬‬


‫• الصوت املنحرف‪ ،‬وهو الالم ‪ :‬إذ ينحرف اللسان معه‪ ،‬ويجري الصوت‪.‬‬
‫املكرر‪ ،‬وهو الراء ‪ :‬لتكرير رضبات اللسان عىل موضع النطق )اللثة(‪.‬‬
‫ّ‬ ‫• الصوت‬
‫• الصوت الهاوي‪ ،‬وهو األلف ‪ :‬التساع مخرجه أكثر من اتساع مخرج الياء والواو‪...‬‬

‫ظواهر التشكيل الصوتي ‪:‬‬


‫أدرك سيبويه ّ‬
‫أن هناك ظواهر صوتية تربز خالل التآلف أو االقرتان الصوتي‪ ،‬وقد عـرض‬
‫لها أثناء دراسته ملخارج األصوات‪ ،‬وصفاتها‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫اإلدغام ‪:‬‬
‫اإلدغام من أبرز ظواهر التشكيل الصوتي التي الحظها سـيبويه‪ ،‬وأكـدها وأسـهب يف‬
‫ّ‬
‫مضعفا‪ ،‬وقد وصف‬ ‫رشحها‪ ،‬وهي تتمثل يف فناء صوت يف صوت آخر‪ ،‬حتى يكون الثاني‬
‫سيبويه أحد أنواعها بقوله ‪ " :‬اإلدغام إنما يدخل فيه ّ‬
‫األول يف اآلخر‪ ،‬واآلخر عـىل حالـه‪،‬‬
‫األول‪ ،‬فيدخل يف اآلخر‪ ،‬حتى يصري هو واآلخر من موضع واحد " )‪.(١٤٣‬‬
‫ويقلب ّ‬
‫ووقف من خالل استقرائه لكالم العرب عىل أنواع من اإلدغام‪ ،‬هي )‪.(١٤٤‬‬
‫‪ – ١‬اإلدغام يف الحرفني اللذين تضع لسانك لهما موضعا ً واحدا ً ال يزول عنه‪:‬‬
‫وهو ما اصطلح عليه بـ " إدغام املثلـني" سـواء أكـان االلتقـاء يف كلمـة واحـدة أم يف‬
‫وعلـة ذلك ‪ :‬هو تخفيف الثقل الناتج عن ْ‬
‫رفع اللسان مّرة ثانية ومـن موضـع‬ ‫ّ‬ ‫كلمتني‪،‬‬
‫وعرب عنه بقوله ‪ " :‬ملا كانا من موضع واحد ثقل عليهم ْ‬
‫أن يرفعوا ألـسنتهم مـن‬ ‫واحد‪ّ ،‬‬

‫)‪(142‬الكتاب‪.٤٠٧ – ٤٠٦ / ٢ :‬‬


‫)‪(143‬م‪.‬ن‪.٢٥٤/٢ :‬‬
‫)‪ (144‬دراسة سيبويه لهذه األنواع دراسة تفصيلية‪ ،‬لكننا سنأخذ من كل نوع بطرف‪.‬‬
‫‪٨٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫موضع‪ ،‬ثم يعيدوها إىل ذلك املوضع للحرف اآلخر فلما ثقل عليهم ذلك‪ ،‬أرادوا ْ‬
‫أن يرفعـوا‬
‫رفعة واحدة " )‪.(١٤٥‬‬
‫‪ – ٢‬اإلدغام يف الحروف املتقاربة ‪:‬‬
‫وعلــة هذا النوع هو الثقل النتائج عن قرب املخارج‪ ،‬قال ‪ " :‬وألنهم ْ‬
‫إن بينوا ثقل عليهم‬ ‫ّ‬
‫ود" )‪.(١٤٦‬‬
‫ِلقرب املخرجني‪ ،‬كما ثقلت التاء مع الدال يف ّ‬
‫مرة واحدة " )‪ (١٤٧‬واستثنى من هذا النوع‬ ‫وكذلك من أجل ‪ْ " :‬‬
‫أن ال يستعملوا ألسنتهم إال ّ‬
‫بعض األصوات التي ال تدغم يف مقاربها‪ ،‬حفاظا ً عىل صـفات وخـصائص امتـازت بهـا‬
‫كالراء‪ ،‬والشني‪.‬‬
‫‪ – ٣‬اإلدغام يف حروف طرف اللسان والثنايا ‪:‬‬
‫وهو اإلدغام الحاصل يف املجموعات اللسانية )س ز ص( و)د ت ط( و )ظ ذ ث(‪.‬‬
‫ّ‬
‫وإن أصواته أصل لإلدغام‪ ،‬وأساسه هو قانون تقارب املخارج والصفات‪ ،‬وقد ّ‬
‫عـرب عنـه‬
‫بقوله ‪ " :‬والتاء والدال سواء ّ‬
‫كل واحد منها تدغم يف صاحبتها‪ ،‬حتـى تـصري التـاء داال‪،‬‬
‫والــدال تــاء‪ ،‬ألنهمــا مــن موضــع واحــد‪ ،‬وهمــا شــديدتان لــيس بينهمــا إال الجهــر‬
‫والهمس")‪.(١٤٨‬‬
‫أن الصاد‪ ،‬والسني‪ ،‬والزاي ال تدغم يف مقارباتهـا )‪ (١٤٩‬حفاظـا ً عـىل‬
‫والحظ يف هذا النوع ّ‬
‫صفة الصفري التي امتازت بها‪ ،‬ومنحتها ّ‬
‫قوة ووضوحا‪.‬‬
‫‪ – ٤‬اإلدغام يف ألفاظ شاذة ‪:‬‬
‫وود يف َ َ‬
‫وتد)‪.(١٥٠‬‬ ‫وسببه كراهية التضعيف الذي يسبب ِثقل النطق‪ ،‬نحو ‪ّ :‬‬
‫ست يف سدس‪ّ ،‬‬

‫)‪ (145‬الكتاب ‪.١٥٨ /٢ :‬‬


‫)‪ (146‬ن‪.‬م ‪.٤١٦ /٢ :‬‬
‫)‪ (147‬ن‪ .‬م ‪.٤١٥/٢ :‬‬
‫)‪ (148‬ن‪ .‬م ‪.٤١٨ /٢ :‬‬
‫)‪ (149‬ن‪ .‬م ‪.٤٢٠/٢ :‬‬
‫)‪ (150‬الكتاب ‪.٤٢٨/٢ :‬‬
‫‪٨١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫اإلبدال املرشوط ‪:‬‬


‫للعلــة املـشرتكة بينهمـا‪ ،‬وهـي‬
‫ّ‬ ‫َ ّ َ‬
‫ضمن سيبويه مبحث اإلدغام بعض أنواع اإلبـدال‪،‬‬
‫تيسري عملية النطق منها ‪:‬‬
‫أ – إبدال تاء افتعل ‪:‬‬
‫قال ‪ :‬إذا كانت فاء افتعل )زايا أو داال أو ذاال(‪َ ْ ُ ،‬‬
‫تقـلب التاء داال ً‪ ،‬وإذا كانت الفاء )صـادا‪،‬‬
‫مـزدان "‪ ،‬ويف " ُ ْ َ‬
‫مـصترب ‪:‬‬ ‫طـاء‪ ،‬كقـولهم يف " ُمزتـان ‪ْ ُ :‬‬
‫ً‬ ‫أو ضادا‪ ،‬أو ظاء ً( ُتقلـب التـاء‬
‫ُ‬
‫مصطـرب"‪.‬‬
‫ْ‬
‫َّ‬
‫وعلل ذلك بقوله ‪:‬‬
‫" ّ‬
‫ألنه ليس يشء أشبه بالزاي من موضعها من الدال‪ ،‬وهي مجهورة مثلها")‪.(١٥١‬‬
‫وقوله ‪" :‬أرادوا التخفيف حني تقاربا‪ ...‬فأبدلوا مكانها ] أي التاء[ أشبه الحروف بالصاد‪،‬‬
‫وهي الطاء‪ ،‬ليستعملوا ألسنتهم يف رضب واحد من الحروف‪ ،‬وليكون عملهم ِمـن وجـه‬
‫واحد" )‪.(١٥٢‬‬
‫ب‪ -‬اإلبدال يف الصاد الساكنة والشني إذا جاء بعدهما الدال ‪:‬‬
‫أصـدر‪ :‬أي‪ّ :‬‬
‫إن‬ ‫َ‬ ‫فالصاد والشني إذا جاء بعدهما الدال ِ‬
‫لـحق بهما نوع من الجهر‪ ،‬كما يف‪:‬‬
‫الصاد املهموسة تأثرت بالدال املجهورة‪ّ ِ ،‬‬
‫فأشمت صوت الزاي‪ ،‬وسـبب ذلـك هـو إيجـاد‬
‫التقريب بينهما‪ ،‬قال‪" :‬إنما دعاهم إىل ْ‬
‫أن يقربوها ويبدلوها‪ ،‬ليكون عملهـم مـن وجـه‬
‫واحد‪ ،‬وليستعملوا ألسنتهم يف رضب واحد")‪.(١٥٣‬‬
‫ج – اإلبدال يف السني إذا جاءت بعدها القاف ‪:‬‬
‫صقت يف ُ‬
‫سقت‪.‬‬ ‫نحو ‪ُ :‬‬

‫)‪ (151‬م‪ .‬ن ‪.٤٢١/٢ :‬‬


‫)‪ (152‬م‪ .‬ن ‪.٤٢١/٢ :‬‬
‫)‪ (153‬الكتاب ‪.٤٢٦/٢ :‬‬
‫‪٨٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫وعلتـه ‪ :‬إيجاد التناسب بني الصوتني‪ ،‬لتيسري عمليـة النطـق‪ ،‬وهـذا واضـح يف قولـه ‪:‬‬
‫ّ‬
‫"أبدلوا من موضع السني أشبه الحروف بصفة القاف‪ ،‬ليكون العمـل مـن وجـه واحـد‪،‬‬
‫تـعِل" )‪.(١٥٤‬‬ ‫وهي الصاد فكالهما ُ ْ‬
‫مس َ ْ‬
‫د – اإلبدال يف ألفاظ شاذة ‪:‬‬
‫الـطجع يف ْ َ‬
‫اضطجع‪.‬‬ ‫نحو ْ ْ‬
‫وعلته هو كراهية التضعيف)‪ ،(١٥٥‬فأبدلوا بالضاد أقرب الحروف منها مخرجا وانحرافـا‪،‬‬
‫وهو الالم‪ .‬فكأنهم ّ‬
‫شبهوا التقاء الضاد والطـاء املطبقتـني املتقـاربتني بالتقـاء املثلـني‬
‫فأبدلوا أحدهما‪.‬‬
‫اإلعالل ‪:‬‬
‫وتتحقـــق صـوره بالقلـب‪ ،‬أو الحـذف‪ ،‬أو‬
‫ّ‬ ‫العلــة للتخفيـف‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وهو إبدال يف حـرف‬
‫العلـة‪ ،‬وما ُ ْ‬
‫تقــلب إليـه أحيانـا مـن حـروف‬ ‫ّ‬ ‫اإلسكان‪ ،‬فمدار هذه الظاهرة هو حروف‬
‫خـصها سـيبويه )‪ (١٥٦‬بمبحـث كبـري‪ ،‬وتحتـه أبـواب‬
‫ّ‬ ‫صحاح كـ " الهمزة والتاء"‪ ،‬وقد‬
‫ْ‬
‫تحكمت فيه أسس ثالثة‪ ،‬هي ‪:‬‬ ‫ّ‬
‫متعددة‬
‫‪ – ١‬قوانني اإلعالل ‪ :‬وهي قوانني صوتية رصفية – أدركها من خالل استقرائه اللغـوي –‬
‫تعتمد عىل الصفات النطقية ألصوات العلة‪ ،‬ومتطلبات السياق العامة‪.‬‬
‫‪ – ٢‬الصيغ الرصفية ‪ :‬التي يحدث فيها اإلعالل‪.‬‬
‫‪ – ٣‬موقع الصوت ‪ :‬الذي يحدث فيه اإلعالل )‪.(١٥٧‬‬

‫)‪ (154‬م‪ .‬ن ‪.٤٢٧/٢ :‬‬


‫)‪ (155‬م‪ .‬ن ‪.٤٢٩ /٢ :‬‬
‫)‪ (156‬الكتاب ‪ ٣٦٣ /٢‬وما بعدها‪.‬‬
‫)‪ (157‬املدخل اىل علم األصوات ‪.١٧٧/‬‬
‫‪٨٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ‬
‫مؤكدين الحاالت التي برزت فيها تعليالته الصوتية إذ إننـا‬ ‫وسنذكر قسما ً من أنواعه‬
‫نجد سيبويه قد علل كثريا من حاالت القلب بني حروف العلـة‪ ،‬بكراهيـة العـرب للثقـل‬
‫الناتج عن تجاور حريف علة‪ ،‬لذا يلجأ العربي إىل تيسري النطق بإيجاد التناسب الصوتي يف‬
‫هذا التتابع الحركي الثقيل‪.‬‬
‫ونجد هذا رصيحا يف تمثيله وتعليله لقلب الواو ياء‪ ،‬إذا ُ ّ‬
‫سكـنت وقبلها كرسة‪ ،‬قـال ‪:‬‬
‫" فمن ذلك قولهم ‪ :‬امليزان وامليعاد‪ ،‬وإنما كرهوا ذلك‪ ،‬كما كرهوا الواو مـع اليـاء يف ّ‬
‫ليـة‬
‫ّ‬
‫وسيد‪ ،‬وكما يكرهون الضمة بعد الكرسة‪ ...‬وترك الواو يف ِ ْ‬
‫مـوزان أثقـل‪ ،‬مـن قبـل أنـه‬
‫ساكن‪ ،‬فليس يحجزه عن الكرسة يشء‪ ،..‬فكان العمل من وجه واحد‪ ،‬أخف عليهم" )‪.(١٥٨‬‬
‫تحركت‪ ،‬وقبلها ياء سـاكنة‪ ،‬قـال ‪ " :‬وذلـك ألن اليـاء‬
‫وكذا قوله يف قلب الواو ياء إذا ّ‬
‫وممرهما عىل ألـسنتهم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫والواو بمنزلة التي تدانت مخارجها‪ ،‬لكثرة استعمالهم إياهما‪،‬‬
‫فلما كانت الواو ليس بينها وبني الياء حاجز بعد الياء)‪ ،(١٥٩‬وال قبلها )‪ ،(١٦٠‬كان العمل من‬
‫وجه واحد‪ ،‬ورفع اللسان من موضع واحد‪ّ ،‬‬
‫أخف عليهم‪ ،‬وكانت الياء الغالبة يف القلـب ال‬
‫)‪.(١٦١‬‬
‫سيود َ ْ ِ‬
‫وصيوب‪"...‬‬ ‫وصيب‪ّ ،‬‬
‫وإنما أصلهما ‪ِ ْ َ :‬‬ ‫ّ‬ ‫الواو‪ ،...‬وذلك قولك يف فيعل ‪ّ :‬‬
‫سيد‬
‫ياء" ويريد بها الثقـل النـاجم عـن‬
‫بعلــة قلب الواو ً‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فشبهها‬ ‫علــة قلب الياء واوا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أما‬
‫التتابع الحركي املتناقض يف النطق‪ ،‬فمن حاالت قلب الياء واوا هو ْ‬
‫أن تكون الياء ساكنة‬
‫فإن أسكنتها ]الياء[‪،‬‬ ‫ضمة‪ ،‬كما يف صيغة ُ ْ ِ‬
‫مفعل من )اليقني( و)اليسار(‪ ،‬قال ‪ّ " :‬‬ ‫وقبلها ّ‬
‫وقبلها ضمة‪ ،‬قلبتها واوا‪ ،‬كما قلبت الواو ياء يف ميزان‪ ،‬وذلك نحو ‪ُ :‬مـوقن ُ‬
‫ومـورس‪ ،‬ويف‬
‫وتكلـف‪ ،‬فمن أجـل إيجـاد التناسـب‪ ،‬ليكـون عمـل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الضم والياء الساكنة مشقة‬ ‫تتابع‬

‫)‪ (158‬الكتاب ‪.٣٥٧ /٢‬‬


‫)‪ (159‬بعد الياء يف ‪ :‬سيود التي اصبحت = سيد‪.‬‬
‫)‪ (160‬قيل الياء يف ‪ :‬لوية التي أصبحت = لية‪.‬‬
‫)‪ (161‬الكتاب ‪.٣٧١/٢‬‬
‫‪٨٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫علـــة القلـب يف الـواوين‬


‫ّ‬ ‫اللسان من وجه واحد حدث القلب‪ ،‬وكذلك الثقل يف النطق هو‬
‫املتجاورين"‪ ،‬قال ‪ " :‬إذا التقت الواوان ّأوال أبدلت األوىل همـزة وال يكـون فيهـا إال ذلـك‪،‬‬
‫ألنهم ملا استثقلوا التي فيها الضمة فأبدلوا‪ ،...‬لم يجعلوا يف الواوين إال البدل‪ ،‬ألنهما أثقل‬
‫من الواو والضمة )‪ ، (١٦٢‬فقالوا ‪ :‬أواصل يف وواصل"‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫إىل هنا نقف عىل نتائج الدراسات الصوتية للقرن الثاني للهجرة‪ّ ،‬‬
‫أما الظواهر األخرى‬
‫التي الحظها سيبويه‪ ،‬وأشار إليها إشارات رسيعة يف ثنايا أبـواب النحويـة والـرصفية‪،‬‬
‫التعرض لها يف أصل البحث‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فسنشري اليها عند‬
‫ّ‬
‫للمتدبر بالرتاث الصوتي للقرن الثاني أن يقف عىل أمور أبرزها‪:‬‬ ‫وعىل العموم فيمكن‬
‫ّ‬
‫تشكل دليل وعي بـ ‪:‬‬ ‫أوال ً ‪ :‬دراسة األصوات‬
‫ا– ّ‬
‫أن اللغة ما هي إال أصوات منتظمة يف أبنية ّ‬
‫معينة‪.‬‬
‫أن دراسة اللغة تبدأ بدراسة هذه األصوات‪- ،‬ولكنهم ّ‬
‫أخروا مباحثها كتأخري مباحث‬ ‫ب– ّ‬
‫الرصف ألسباب رأوها‪ .‬وهو عني ما تفعله الدراسات الحديثة‪.‬‬

‫ثانيا ً ‪:‬دراسة األصوات ّ‬


‫تتم عىل مستويني ‪:‬‬
‫ا – دراسة األصوات منفردة من حيث املخارج والصفات‪.‬‬
‫ب – دراسة األصوات ّ‬
‫مؤلفة ضمن قوالب الكلمات‪ ،‬وما ينتج عنها من تغيريات تركيبيـة‬
‫أثناء االقرتان‪.‬‬
‫وكذا ما فعلته الدراسات الصوتية الحديثة‪.‬‬

‫)‪ (162‬م‪ .‬ن ‪.٣٥٦/٢‬‬


‫‪٨٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ثالثا ً ‪ :‬ما يمكن أن ُيؤخذ عليها هو أمر منهجي يتمثل بتأخري أبواب الدراسة الصوتية إىل‬
‫أي عـىل خـالف املنـاهج‬
‫أواخر تآليفهم‪ ،‬وهو منهج اتبعه علماء القرون الالحقة أيضا ً ْ‬
‫الحديثة التي تبدأ بالدراسات الصوتية‪ ،‬فالرصفية فالنحوية‪،‬وتختم بالداللية‪ ،‬ولم نعـدم‬
‫ّ‬
‫الـسكاكي‬ ‫هذا املنهج عند علماء العربية فقـد نجـده يف القـرن الـسابع الهجـري عنـد‬
‫)ت‪٦٢٦‬هـ( يف كتابه مفتاح العلوم‪.‬‬

‫‪٨٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫‬
‫א ‬ ‫א‬
‫‬

‫אאא  ‬
‫‬
‫كيفية إحداث الصوت‪.‬‬ ‫•‬
‫تحديد األصوات‪ ،‬وأنواعها‪.‬‬ ‫•‬
‫مخارج األصوات‪.‬‬ ‫•‬
‫صفات األصوات‪.‬‬ ‫•‬

‫‪٨٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪٨٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫البرشي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫كيفية إحداث الصوت‬

‫ّ‬
‫كيفية إحداث الصوت البرشي عند علماء العربية‪ ،‬مثلما وجدته عند‬ ‫لم أقف عىل بيان‬
‫نـي( يف قوله‪:‬‬
‫)ابن ج ّ‬
‫النفـس مستطيال ّ‬
‫متصال‪ ،‬حتى يعرض له يف الحلق‬ ‫عرض يخرج من ّ َ‬
‫فاعلم أن ّ الصوت َ َ‬
‫" ْ‬
‫ّ‬
‫فيسمى املقطع أينما عرض لـه‬ ‫والفم والشفتني مقاطع∗ تثنيه عن امتداده واستطالته‪،‬‬
‫ّ‬
‫وجدتـه‬ ‫تفطـنت لـذلك‬
‫ّ‬ ‫حرفا‪ ،‬وتختلف أجراس الحروف بحسب اختالف مقاطعها‪ ،‬وإذا‬
‫عىل ما ذكرته لك‪ ،‬أال ترى أنك تبتدئ الصوت من أقىص حلقك‪ ،‬ثـم تبلـغ بـه أيّ املقـاطع‬
‫ِشئت‪ ،‬فتجد له جرسا ّما‪ْ ،‬‬
‫فإن انتقلت منـه راجعـا منـه‪ ،‬أو متجـاوزا ً لـه‪،‬ثم قطعـت‪،‬‬
‫صدى غري الصدى ّ‬
‫األول‪ ،‬وذلك نحو الكاف‪ ،‬فإنك إذا قطعت بها سمعت‬ ‫أحسست عند ذلك ً‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫سمعت غري ذينـك‬ ‫فإن رجعت إىل القاف سمعت غريه‪ْ ،‬‬
‫وإن ُ‬
‫جزت إىل الجيم‪،‬‬ ‫هنا صدى ما‪ْ ،‬‬
‫األولني ")‪.(١‬‬
‫ّ‬
‫وتحليل ذلك هو‪:‬‬
‫أن الصوت أثر سمعي يخرج مع ّ َ‬
‫النفس )هواء الزفري(‪.‬‬ ‫‪ّ –١‬‬
‫‪ – ٢‬انسياب الصوت وانقطاعه‪ ،‬وفيه جوانب‪:‬‬
‫متـسعا من دون ْ‬
‫أن يقف يف طريق هواء الزفري عائق‬ ‫ّ‬
‫ممتدا ّ‬ ‫أ – قد يكون املجرى الصوتي‬
‫)‪.(٢‬‬
‫يقطع امتداده كما هي الحال يف نطق أصوات ّ‬
‫املد‪ :‬األلف‪ ،‬والياء‪ ،‬والواو‬

‫التوقـف سواء أكانت تضيقا ً أم إغالقا ً‬


‫ّ‬ ‫∗ املقاطع هي مواضع‬
‫)‪ّ (1‬رس صناعة اإلعراب ‪.٨ ،٦/ ١‬‬
‫)‪ (2‬م‪ .‬ن ‪.٨ ،٦ /١‬‬
‫‪٨٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ‬
‫تضيق اتـساعه سـواء أكـان يف‬ ‫ب – قد يعرتض هواء املجرى الصوتي عوائق امتداده‪ ،‬أو‬
‫الحلق )كما يف نطق أصوات العني والحاء والخـاء‪ ،(...‬أم يف الفـم )كمـا يف نطـق الجـيم‬
‫والدال والصاد والذال‪ ،(...‬أم يف الشفتني )كما يف نطق الباء‪ ،‬والفاء(‪.‬‬
‫تكون الصوت هو موضع إعاقة مجرى َ‬
‫النفس وقطعه‪.‬‬ ‫ج – موضع ّ‬
‫د – تختلف أجراس هذه )األصوات( بحسب اختالف مواضع قطع مجرى الهواء الخـارج‬
‫من الرئتني‪ ،‬وكيفية وضع أعضاء النطق يف هذا املوضع أو ذاك‪ْ ،‬‬
‫فجرس صوت العني الذي‬
‫جرس صوت القاف الذي ُيعرتض عليـه عنـد‬
‫ُيعرتض عليه يف منطقة الحلق‪ ،‬يختلف عن ْ‬
‫أقىص الحنك‪ ،‬وهما يختلفان عن َ ْ‬
‫جرس صوت الباء التي تنشأ يف منطقة الشفتني‪.‬‬
‫الصدى)‪.(٣‬‬
‫‪ – ٣‬أطلق عىل الصوت اسما ً جديدا ً هو ّ َ‬
‫‪ – ٤‬ينحرص املدرج الصوتي )‪ (٤‬ما بني أقىص الحلق وبني الشفتني‪.‬‬
‫‪ – ٥‬أما تسميته للمقطع بالحرف‪ ،‬فهو من باب االتساع يف اسـتعمال املـصطلحات‪ ،‬ويف‬
‫اتــساعا ً‬ ‫معنى مرادفا ملخرج الصوت‪ّ ،‬‬
‫واتسع يف اسـتعماله ّ‬ ‫ً‬ ‫الظن ّ‬
‫أنه يريد باملقطع‬ ‫ّ‬ ‫أكرب‬
‫متكون يف هذا املوضع‪ُ ،‬‬
‫وينطق به‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مجازيا ً للصوت نفسه‪ّ ،‬‬
‫فعرب عنه ْ‬
‫باسم ملا هو‬
‫عرب به ابن ّ‬
‫جني – إىل كيفية حـدوث الـصوت‬ ‫هذه هي نظرة علماء العربية – يف ضوء ما ّ‬
‫البرشي‪ ،‬وهي واضحة يف أسسها‪.‬‬
‫واآلن نرى‪ ،‬ماهو تقويم الدراسات الصوتية الحديثة لهذه النظرة ؟‬
‫قال كانتينو )‪:(٥‬‬
‫يف عملية التصويت عنرصان الزمان وكافيان إلحداث األصوات‪ ،‬أو إلحداث أيّ دويّ آخـر‪،‬‬
‫وهما‪:‬‬

‫رس صناعة اإلعراب ‪.٩ ،٧ ،٦/١‬‬


‫)‪ّ ( 3‬‬
‫كـلها‪.‬‬
‫)‪ (4‬املدرج يراد به املجرى الذي يضم ّ مخارج األصوات ّ‬
‫)‪ (5‬دروس يف علم أصوات العربية‪.١٩ /‬‬
‫‪٩٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫‪ – ١‬إخراج ّ َ‬
‫النـفس من الرئتني‪.‬‬
‫املدوي الفموي يمكن ْ‬
‫أن تتغـري هيئتـه‪،‬‬ ‫أن ّ‬ ‫‪ – ٢‬تفصيل النطق يف الفم‪ ،‬ومن املفروغ منه ّ‬
‫وحجمه حسب إرادة الناطق "‪.‬‬
‫جنـي كما أسلفنا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وهما أمران أشار إليهما ابن‬
‫ونتابع املحدثني يف بيانهم لكيفية إحداث الصوت اإلنساني فقد قال الدكتور رمضان عبد‬
‫سدا ّ‬
‫تاما‪ ،‬عند أية‬ ‫إما‪ْ :‬‬
‫أن يصادف مجراه مسدودا ّ‬ ‫التواب‪ّ " :‬‬
‫إن الهواء الخارج من الرئتني ّ‬
‫نقطة يف املجرى‪،‬وإما أن يصادف يف طريقه تضييقا يف املجرى ال ّ‬
‫سدا فيه‪ ،‬بحيث يـسمح‬
‫يحتك بنقطة التضييق هذه")‪.(٦‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ولكن هذا الهواء‬ ‫هذا التضييق للهواء باملرور‪،‬‬
‫وهو قول مماثل لسابقة يف األصول‪.‬‬
‫جنـي يف هذا امليدان؟‬
‫ّ‬ ‫قرره ابن‬
‫إذا ً‪ :‬ماذا أضاف الدارسون املحدثون إىل ما ّ‬
‫إن عنارص إحداث الصوت نفسها عند الفريقني‪ ،‬غري ّ‬
‫أن وصف‬ ‫الجواب‪ :‬ال يشء أصيل‪ ،‬بل ّ‬
‫املحدثني امتاز بالتفصيل وااليضاح‪ْ ِ ،‬‬
‫وذكر بعض األعضاء املساعدة يف النطـق كـالرئتني‪،‬‬
‫وهو أمر لم تكن معرفته ّ‬
‫ميرسة لدى القدامى‪.‬‬
‫وإذا ُعدنا إىل ما ِأثر عن كانتينو يف كيفية إحداث أصوات الكالم البرشي‪ ،‬نجـده أشـار إىل‬
‫عنرصين آخريني ليسا بالزمني عنده يف عملية التصويت‪ ،‬إذ قال‪:‬‬
‫األولني‪ ،‬أو ال ُيضافان إليهما‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫وهناك عنرصان آخران قد ُيضافان إىل العنرصين ّ‬
‫‪ – ١‬نزيز األوتار الصوتية‪.‬‬
‫الغنـة الخيشومية )‪.(٧‬‬
‫ّ‬ ‫‪–٢‬‬
‫وقد اعرتف هو بمعرفة العرب بدور الخيشوم يف إحداث بعض األصوات‪ ،‬غري ّ‬
‫أنه أشار إىل‬
‫جهلهم باألوتار الصوتية‪ ،‬ودورها األسايس يف إحداث األصوات‪ ،‬والذي يمكـن قولـه هنـا‬

‫)‪ (6‬املدخل اىل علم اللغة ‪.٢٨ /‬‬


‫)‪ (7‬دروس يف علم أصوات العربية ‪.٢٠ – ١٩ /‬‬
‫‪٩١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تعقيبا عىل قول كانتينو هو‪ّ :‬‬


‫أن الدور األسايس لألوتار الـصوتية كمـا تـرى الدراسـات‬
‫ّ‬
‫وحددوا بواسطتها كل ّ‬ ‫الحديثة‪ ،‬هو التمييز بني األصوات املجهورة واألصوات املهموسة‪،‬‬
‫أن علماء العربية يف العراق – ْ‬
‫وإن لم يعرفوا األوتار الصوتية – قـد‬ ‫ِ ْ‬
‫صنف‪ ،‬غري أننا وجدنا ّ‬
‫استطاعوا بفطنتهم ّ ّ‬
‫ودقـة مالحظاتهم‪ ،‬وبضوابط أخـرى‪ ،‬إدراك أثـر حركـة األوتـار أو‬
‫ّ‬
‫توصل إليـه‬ ‫سكونها‪ ،‬ومن ّ‬
‫ثم التمييز بني املجهور واملهموس بشكل يكاد يتطابق مع ما‬
‫الدرس الصوتي الحديث‪ ،‬ويف هذا مفخرة كربى‪.‬‬

‫ّ‬
‫وتميزه‪:‬‬ ‫كيفية إدراك الصوت‬
‫ويكمل ابن ّ‬
‫جني فكرته فكرته عن كيفية إحـداث الـصوت‪ ،‬بكيفيـة إدراك الـسامع لـه‬
‫فقال‪ " :‬وسبيلك إذا أردت اعتبار صدى الحرف أن تأتي به ساكنا ً ال متحركا ً‪ ...‬ثم تدخل‬
‫ألن الساكن ال يمكن االبتداء به " )‪.(٨‬‬
‫عليه همزة الوصل مكسورة من قبله‪ّ ،‬‬
‫أنـه‪:‬‬ ‫ّ‬
‫النص ّ‬ ‫وما نفهمه من‬
‫يتبنى منهج املالحظة الذاتية يف االستماع ملا ُينطق‪ ،‬وهي خطوة أوىل إلدراكه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪–١‬‬
‫‪ – ٢‬كيفية نطق الصوت الذي يراد تحديد مخرجه‪ ،‬وبيان صفته هي نطقه سـاكنا ً دون‬
‫حركة‪ّ ،‬‬
‫ألن الحركة عنده تقلق الحرف عن موضعه‪.‬‬
‫‪ – ٣‬وملا كان من غري املمكن –عندهم‪ -‬االبتداء بالساكن‪ّ ،‬‬
‫فإنه يرى تصدير الحرف بهمزة‬
‫وصل مكسورة للتمكن من نطقه‪ .‬وهذا أمر لم تـوافقهم بـه الدراسـات الحديثـة‪ّ ،‬‬
‫ألنـه‬
‫اقرتان قد ّ‬
‫يغري صفة الصوت املراد تمييزه‪.‬‬
‫* *‬ ‫*‬

‫)‪ (8‬رس صناعة اإلعراب ‪.٧ – ٦ / ١‬‬


‫‪٩٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫األصوات العربية‬
‫عددها‪:‬‬
‫ّ‬
‫وظـل‬ ‫الرئيسية يف اللغة العربية بتسعة وعرشين صوتا)‪،(٩‬‬
‫ّ‬ ‫الصوتـية‬
‫ّ‬ ‫ُّ‬
‫حددت الوحدات‬
‫ّ‬
‫والزجـاجي‪ ،‬والـسريايف‪ ،‬وابـن‬ ‫الـرساج‬
‫ّ‬ ‫هذا هو الرأي الغالب عند علماء العربيـة كـابن‬
‫جنـي)‪.(١٠‬‬
‫ّ‬
‫ويرى جماعة آخرون أنها ثمانية وعرشون صوتا‪ ،‬ومنهم‪:‬‬

‫الفراء حيث قال‪ " :‬إنك تقول أ‪ ،‬ب‪ ،‬ت‪ ،‬ث‪ ،‬ثمانية وعرشون حرفـا‪ ،‬فتكتفـي بأربعـة‬
‫ّ‬ ‫•‬
‫أحرف من ثمانية وعرشين " )‪.(١١‬‬
‫مبنية عىل ثمانية وعرشون حرفا ")‪.(١٢‬‬
‫ّ‬ ‫• وابن قتيبة بقوله‪ " :‬وألفاظ العرب‬
‫واملربد بقوله‪ ":‬اعلم ّ‬
‫أن الحروف العربية خمسة وثالثون حرفا‪ ،‬منها‬ ‫ّ‬ ‫•‬
‫ثمانية وعرشون لها صور‪ ،‬والحروف السبعة جارية عىل األلسن " )‪.(١٣‬‬
‫ّ‬
‫اعتـد بـالحرف الـذي‬ ‫إنــه‬
‫ستـة‪ ،‬أي ّ‬
‫ّ‬ ‫ثم عاد وذكر ّ‬
‫أن الحروف الجارية عىل األلسن هي‬
‫يتحدث عما كانت له صورة ثابتة‪ّ ،‬‬
‫يؤيد هذا ذكره‬ ‫ّ‬ ‫تركه ّأوال‪ ،‬وهو الهمزة‪ ،‬بسبب ّ‬
‫أنه كان‬
‫ّ‬
‫معتد بها‪.‬‬ ‫لها مع الشديدة‪ ،‬أي ّ‬
‫إنه‬
‫ّ‬
‫والزجاج إذ جاء عنه يف مقام التدليل عىل جواز التعبري عن حـروف الهجـاء بأربعـة‬ ‫•‬
‫منها‪ ،‬قوله‪ْ " :‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬قد يقول ألف‪ ،‬باء‪ ،‬تاء‪ ،‬ثاء‪ ،‬ثمانية وعـرشون حرفـا‪،‬‬

‫)‪ (9‬العني ‪ ،٥٧/١‬الكتاب ‪.٤٠٤/٢‬‬


‫‪،‬ورس صناعة اإلعراب ‪.٤٨ / ١‬‬
‫ّ‬ ‫)‪ (10‬االشتقاق‪ ،٥٤ :‬والجمل ‪ ،٣٧٥‬ورشح السريايف ‪٤٥٥/٦‬‬
‫)‪ (11‬معاني القرآن ‪.٣٦٨ /١‬‬
‫)‪ (12‬تأويل مشكل القرآن‪.١٤ :‬‬
‫)‪ (13‬املقتضب ‪.٣٢٨/١‬‬
‫‪٩٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وإنما ذكرت أربعة‪ ،‬فمن أين جاز ذلك ؟ قيل‪ ،‬قد صار اسـم هـذه ألـف‪ ،‬بـاء‪ ،‬تـاء‪،‬‬
‫ثاء")‪.(١٤‬‬
‫ّ‬
‫مرجعهن إىل ثمانيـة وعـرشين‬ ‫• وابن دريد بقوله‪ " :‬األصوات تسعة وعرشون حرفا‪،‬‬
‫حرفا "‪.‬‬
‫• وقال أيضا‪ " :‬الحروف‪ ...‬يجمعهن لقبان‪ :‬املصمتة‪ ،‬واملذلقة‪،‬فاملذلقة‪ :‬ستة أحـرف‪،‬‬
‫واملصمتة‪ :‬اثنان وعرشون حرفا "‪.‬‬
‫مقدمـة‬ ‫ترجح ّ‬
‫أنه يذهب إىل أنها ثمانيـة وعـرشون حرفـا‪ ،‬وقـد جـاء يف ّ‬ ‫فالروايتان ّ‬
‫معجمه الجمهرة رواية عىل أنها تسعة وعرشون حرفا ّ‬
‫لكنها لم تكن له‪ ،‬وإنما نقلها عن‬
‫قوم من النحويني كما ذكر)‪.(١٥‬‬
‫ّ‬
‫فحجـة الـذين‬ ‫ّ‬
‫أما مبعث الخالف بينهم‪ ،‬فهو عائد إىل مسألة االعتداد بالهمزة أو عدمـه‪،‬‬
‫أسقطوها‪ ،‬هي عدم وجود صورة ثابتة لها‪ ،‬ملا يلحق بها من تغيري‪.‬‬
‫ّ‬
‫اعتد للصوتني بـصورة‬ ‫بأن األلف‪ ،‬وهي الهمزة " )‪ .(١٦‬أي إنه‬
‫فالفراء يقول‪ " :‬اعلم ّ‬
‫ّ‬ ‫•‬
‫واحدة‪.‬‬
‫واملربد يرى ّ‬
‫أن للحروف العربية ثمانية وعرشين صورة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫•‬
‫بأدلـة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بالرد عىل هذا الرأي‬ ‫ّ )‪(١٧‬‬ ‫ّ‬
‫وتكفل ابن جني‬ ‫•‬
‫ألنـها موجودة يف اللفظ الـذي هـو قبـل‬ ‫‪ّ –١‬‬
‫أن ثبات الحروف واالعتداد بها‪ ،‬انما وجب ّ‬
‫الخطـ‪ ،‬والهمزة أيضا موجودة يف اللفظ كالهاء والقاف‪ ،‬وهو اعـرتاض يـنم ّ عـن ذكـاء‬
‫ّ‬
‫وتفرقة بني مستويني‪ :‬مستوى النطق‪ ،‬ومستوى الكتابة‪ ،‬وقـد ّ‬
‫ردد الـدكتور بـرش هـذا‬

‫)‪ (14‬معاني القرآن وإعرابه ‪.٣٤٦ / ٢‬‬


‫)‪ (15‬جمهرة اللغة ‪.٨ ،٦ ،٤ /١‬‬
‫)‪ (16‬رشح السريايف ‪.٤٥٤/٦‬‬
‫)‪ (17‬رس صناعة اإلعراب ‪.٤٨ / ١‬‬
‫‪٩٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫يعلـل تركه للهمزة‪ ،‬وعدم ذكـره‬


‫ّ‬ ‫املربد[‬
‫إنـه أي ] ّ‬ ‫ّ‬
‫موضحا ً بعد الثناء عليه وقال‪ّ " :‬‬ ‫القول‬
‫ّ‬
‫تغـري‬ ‫بتغـري صورتها وعدم استقرارها عىل حالة واحدة‪ ،‬والحال ّ‬
‫أن الذي‬ ‫ّ‬ ‫لها يف األبجدية‬
‫املؤكـد ّ‬
‫أن الهمزة تنطق سواء أكتبتهـا عـىل‬ ‫ّ‬ ‫هو الصورة الكتابية للهمزة ال نطقها‪ ،‬فمن‬
‫ياء أم عىل واو‪ ،‬وبالطبع حني تكتب عىل صورتها األصلية وهي األلف" )‪.(١٨‬‬
‫‪ – ٢‬اختالف مخرجي الهمزة واأللف‪ ،‬أي إنه يريد ْ‬
‫أن يثبت أنهما صوتان مختلفان‪.‬‬
‫ّ‬
‫اعتد‬ ‫فالتغري شمل أصواتا ً أخرى ومع هذا‬
‫ّ‬ ‫أن ّ‬
‫تغري أحوالها ال يعني عدم االعتداد بها‪،‬‬ ‫‪ّ –٣‬‬
‫بها‪.‬‬
‫أن ّ‬
‫تغري أحوالها‪ ،‬هو حادث عىل مستوى لهجي‪ ،‬فتخفيفها جاء عـىل مـذهب أهـل‬ ‫‪ّ –٤‬‬
‫الحجاز )‪.(١٩‬‬
‫جنــي‪ ،‬إذ‬
‫ّ‬ ‫تمتـع به ابـن‬
‫ّ‬ ‫• وقد أثنى الدكتور برش عىل هذا اإلدراك اللغوي الدقيق الذي‬
‫املربد يخلط بني لهجتني‪ ،‬فقد الحظ نطقهـا يف لهجـة‪ ،‬وتخفيفهـا يف لهجـة‬
‫أن ّ‬ ‫رأى ّ‬
‫تجنـب هذا الخلط ّ‬
‫أن " البحث اللغـوي الحـديث‬ ‫ّ‬ ‫أخرى‪ ،‬ولهذا يرى املحدثون من أجل‬
‫ّ‬
‫نحـدد البيئـة اللغويـة للظـاهرة املدروسـة‪،‬‬ ‫يوجب علينا منذ البداية فيما يوجب أن‬
‫تجنـبا لألحكام املتباينة لهذه الظاهرة )‪ (٢٠‬كما وقع فيه ّ‬
‫املربد‪،‬‬ ‫ّ‬
‫• أما املحدثون فريون ّ‬
‫أن العدد هو ثمانية وعرشون صـوتا صـحيحا ً‪ ،‬ولـم يكـن هـذا‬
‫اتفاقا منهم مع أصحاب الرأي الثاني من علماء العربية‪ ،‬وإنما جاء هذا العدد نتيجة‬
‫إخراجهم )األلف(ال)الهمزة( من هذه األبجدية‪.‬‬
‫فاأللف عندهم حركة طويلة‪ ،‬وليست حرفا مخرجه من الحلق‪.‬‬
‫والهمزة صوت صحيح مخرجه من الحنجرة‪.‬‬

‫)‪ (18‬دراسات يف علم اللغة‪.٨٠ :‬‬


‫)‪ (19‬رس صناعة اإلعراب ‪.٤٦ / ١‬‬
‫)‪ (20‬دراسات يف علم اللغة‪.٨٢ – ٨٠ :‬‬
‫‪٩٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وما دامت األبجدية هي أبجدية صوامت )حروف(‪ ،‬وليست أبجدية حركات )علـل(‪ ،‬فـال‬
‫مكان لأللف بينها‪.‬‬
‫أما الواو والياء فأبقوهما‪ ،‬إقرارا منهم ّ‬
‫بأن هذين الصوتني قد يكونان أشباه صـوامت يف‬
‫سياقات صوتية معينـة‪ ،‬وإذا أريـد بهمـا مـدلولهما الثـاني‪ ،‬وهـو كونهمـا حـريف ّ‬
‫مـد‬
‫)حركتني( فال مكان لهما أيضا يف هذه األبجدية‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫األصوات الفرعية‪:‬‬
‫وتظهر براعة علماء العربية يف العـراق وتـدقيقهم يف الدراسـات الـصوتية باسـتقرائهم‬
‫واستيفائهم للوحدات الصوتية املنطوقة يف بيئاتهم الدراسية‪ ،‬فقد أدركوا أصواتا أخـرى‬
‫ّ‬
‫وصنفوها عىل قسمني‪ ،‬هما‪:‬‬ ‫ّ‬
‫املحددة‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫عدت بأنها فروع من تلك األصوات‬
‫ْ‬
‫املستحسنة‪:‬‬ ‫أ – األصوات‬
‫وهي أصوات أساسها اختالف النطق اللهجي للقبائل العربية‪ ،‬إذ قد يطـرأ عـىل الـصوت‬
‫تغيري يف جرسه الصوتي ناتج عن النطق الخاص لهـذه القبيلـة أو تلـك‪ ،‬وبهـذا يـسقط‬
‫محلـه الصوت الجديد‪ ،‬وهو قريب منه‪ ،‬فهي بعـد هـذا أصـوات‬
‫ّ‬ ‫الصوت األسايس ليحل ّ‬
‫اعرتف بفصاحتها‪َ ِ ،‬‬
‫فأخذ بها يف نطق آي القران الكريم‪ ،‬وفصيح الكالم‪.‬‬
‫جنـي)‪.(٢٤‬‬
‫ّ‬ ‫املربد )‪،(٢١‬والزجاجي )‪ ،(٢٢‬والسريايف)‪ ،(٢٣‬وابن‬ ‫وهي – كما ّ‬
‫حددها ّ‬

‫)‪ (21‬املقتضب ‪.٣٣٠/١‬‬


‫)‪ (22‬الجمل‪.٣٧٦ /‬‬
‫)‪ (23‬رشح السريايف ‪.٤٤٦/٦‬‬
‫رس صناعة اإلعراب ‪.٥١ / ١‬‬
‫)‪ّ ( 24‬‬
‫‪٩٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫مخفـفة تكون وسطا بـني نطـق الهمـزة‪،‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مسهلة‬ ‫‪ – ١‬الهمزة التي بني بني‪ :‬وهي همزة‬
‫ونطق الحركة التي تليها‪ ،‬هذا الصوت ّ‬
‫حدده سيبويه بشكل عام فجاء بـصورة واحـدة‪،‬‬
‫أن السريايف يرى ّ‬
‫أنها تكون بثالث صور‪ ،‬فإذا كانت مكسورة فهي بني الهمزة والياء‪،‬‬ ‫غري ّ‬
‫وإذا كانت مضمومة فهي بني الهمزة والـواو‪ ،‬وإذا كانـت مفتوحـة فهـي بـني الهمـزة‬
‫واأللف‪.‬‬
‫ألف ُينحى بها نحو الياء‪ ،‬نظري نطق ألف ) ِ‬
‫عالم(‪.‬‬ ‫‪ – ٢‬األلف ُ‬
‫املمالة‪ :‬وهي ٌ‬
‫ومثــلوا لها بـألف الـصلوة والزكـوة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ – ٣‬ألف التفخيم‪ :‬وهي ٌ‬
‫ألف ُينحى بها نحو الواو‪،‬‬
‫يفخـمون هذه األلف‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فإن أهل الحجاز‬
‫‪ – ٤‬الشني التي كالجيم‪ ،‬كقولك يف أشدق‪ :‬أشجدق ) بشني شبه مجهورة( وذلك الجتماع‬
‫فقربـوا الـشني مـن‬
‫الشني ــ وهو مهموس ِرخو ــ مع الدال ــ وهو مجهور شديد ــ ّ‬
‫الجيم لهذا التنافر مع التجاور‪.‬‬
‫‪ – ٥‬الصاد التي كالزاي‪ ،‬كقولك يف أصدر‪ :‬أصـدر – بإشـمام الـصاد لفـظ الـزاي – بعـد‬
‫تقريب الصاد املهموسة من الدال املجهورة بإشمامها صوت الزاي املجهور الذي هو مـن‬
‫مخرجها‪.‬‬
‫وتتحقـق بمجيء النون الـساكنة قبـل خمـسة‬
‫ّ‬ ‫غنـة يف األنف‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الخفية‪ :‬وهي ّ‬ ‫‪ – ٦‬النون‬
‫عرش صوتا هي )القاف والكاف والجيم والشني والصاد والضاد والسني والـزاي والطـاء‬
‫غنــة من األنف‪ ،‬أن ّ الناطق بهـا‬
‫ّ‬ ‫والظاء والدال والتاء والذال والثاء والفاء( ودليل كونها‬
‫مختلـة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لو أمسك أنفه‪ ،‬لوجدها‬

‫ب – األصوات غري املستحسنة‪:‬‬


‫وهي أشكال نطقية – رصدها علماء العربية يف العراق– جاءت نتيجة التفاعل الـصوتي‬
‫بني اللغة العربية عىل لسان بعض القبائل‪ ،‬ولغـات أخـرى عـىل لـسان الـشعوب التـي‬
‫‪٩٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫قرر العلماء عـدم األخـذ بهـا يف قـراءة القـرآن‬


‫خالطت العرب بعد دخولها اإلسالم‪ ،‬وقد ّ‬
‫يغب عن إدراك علماء العربية فقد جـاء‬ ‫ّ‬
‫ولعل قانون التفاعل اللغوي لم ِ‬ ‫الكريم‪ ،‬والشعر‪.‬‬
‫يتكلـمون عىل لغة النازلة فيهم " )‪.(٢٥‬‬
‫ّ‬ ‫عن الجاحظ قوله‪ " :‬وأهل األمصار‬
‫وأشار ابن دريد إىل هذه الفكرة يف حديثه عن هذه األصوات‪ّ ،‬‬
‫وأن الناطق العربي قد يلجـأ‬
‫التكلــم بها اىل‬
‫ّ‬ ‫اضطروا إليها ّ‬
‫حولوها عند‬ ‫ّ‬ ‫أحيانا لنطق أصوات غري عربية‪ ،‬فقال‪ " :‬فإذا‬
‫)‪.(٢٦‬‬
‫أقرب الحروف من مخارجها "‬
‫ّ‬
‫كيفية نشأة بعض هذه األصـوات‪ .‬وقريـب مـن هـذا قـول‬ ‫ويمكن أن ّ‬
‫يفرس هذا القول‬
‫تكلـموا – بهذه األحرف املسرتذلة – من العرب خـالطوا العجـم‬
‫ّ‬ ‫السريايف‪ " :‬وأظن ّ الذين‬
‫فأخذوا من لغتهم ")‪.(٢٧‬‬
‫جنــي‪ ،‬عـىل‬
‫ّ‬ ‫وهذه األصوات كما ذكرها سيبويه‪ ،‬ورشحها السريايف‪ ،‬وأشـار إليهـا ابـن‬
‫قسمني‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬أصوات نطقت بها قبائل عربية‪ ،‬وهي‪:‬‬


‫‪ – ١‬الكاف التي بني الجيم والكاف‪ :‬وهو كاف عربية لم ُتنطق كما هـي‪ ،‬وإنمـا ُ ِ‬
‫نطقـت‬
‫بصورة بني الجيم والكاف‪ ،‬نظري نطق سكان جنوب العراق‪ ،‬والخلـيج وبعـض منـاطق‬
‫اليمن‪.‬‬
‫‪ – ٢‬الجيم التي كالكاف‪ :‬وهو صوت فاش ٍ – كما يرى ابن دريـد )‪ – (٢٨‬يف لغـة سـائرة يف‬
‫اضطروا إليه قالوا )گمل( بني الجيم والكـاف‪ ،‬ويـرى الـسريايف ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫اليمن مثل )جمل( اذا‬

‫)‪ (25‬البيان والتبيني ‪.١٨/١‬‬


‫)‪ (26‬جمهرة اللغة ‪.٥/ ١‬‬
‫)‪ (27‬رشح السريايف ‪.٤٥٠/ ٦‬‬
‫)‪ (28‬جمهرة اللغة ‪.٥ /١‬‬
‫‪٩٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫)الكاف التي بني الجيم والكاف( و)الجيم التـي كالكـاف( صـوت واحـد‪ ،‬غـري ّ‬
‫أن أصـل‬
‫أحدهما )الجيم(‪ ،‬وأصل اآلخر )الكاف(‪.‬‬
‫وتتحقـق إذا جاءت الجيم ساكنة‪ ،‬وتلتهـا التـاء‪ ،‬أو الـدال‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ – ٣‬الجيم التي كالشني )‪:(٢٩‬‬
‫نحو‪ :‬أجدر‪ ،‬واجتمعوا‪ ،‬بإشمام الجيم صوت الشني‪.‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬أصوات ُ‬


‫سمعت من ناطقني بالعربية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ – ١‬الضاد الضعيفة‪ :‬وهي لغة قوم ليس يف ْ‬
‫أصل حروفهم ضاد‪ ،‬فإذا احتاجوا اىل الـتكلم‬
‫ﱠ‬
‫تتـأت‬ ‫تكلــفوا إلخراجهـا‪ ،‬فلـم‬
‫ّ‬ ‫اعتاصت عليهم‪ّ ،‬‬
‫فربما أخرجوها ظاء‪ ،‬وربما‬ ‫َ‬ ‫بالعربية‬
‫لهم‪.‬‬
‫‪ – ٢‬الصاد التي كالسني‪ :‬نحو سبغ يف صبغ‪ ،‬أي‪ :‬نطق الصاد دون إطباق‪.‬‬
‫‪ – ٣‬الطاء التي كالتاء‪ :‬وهي صوت كما قال السريايف‪َ ُ :‬‬
‫تسمع من عجم أهـل املـرشق‪ّ ،‬‬
‫ألن‬
‫الطاء يف أصل لغتهم معدومة نحو‪ :‬تالب يف طالب‪ ،‬أي‪ :‬نطق الطاء دون إطباق‪.‬‬
‫‪ – ٤‬الظاء التي كالثاء‪ :‬نحو ثلم يف ظلم‪.‬‬
‫اضـطروا قـالوا يف بـور‪ :‬فـور")‪ .(٣٠‬أي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪ – ٥‬الباء التي كالفاء‪ :‬يرى ابن دريـد أنهـم " إذا‬
‫الجنوح إىل اإلهماس فيه‪ ،‬أما السريايف فقد ذكر ّ‬
‫أن الظاء التي كالثاء‪ ،‬أو الباء التي كالفاء‬
‫كثري يف لغة الفرس وغريهم من العجم‪ ،‬وأشار ابن قتيبة إىل ّ‬
‫أنه من ألفاظ االمـم‪ ،‬فقـال‪:‬‬
‫املتوسط مخرجي الفاء والباء ")‪.(٣١‬‬
‫ّ‬ ‫"الحرف‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫فقربت الشني إىل الـدال‪ ،‬ملـا بينهمـا مـن‬


‫)‪ (29‬الشني التي كالجيم هو صوت مستحسن يف نحو‪ :‬األشدق‪ّ ،‬‬
‫تنافر أما الجيم التي كالشني يف نحو‪ :‬األجدر‪ ،‬فلم يكن بني الجيم والدال من تنافر حتى ُيقرب أحدهما مـن‬
‫اآلخر‪.‬‬
‫)‪ (30‬جمهرة اللغة ‪.٥ – ٤ /١‬‬
‫)‪ (31‬تأويل مشكل القرآن ‪.١٤ /‬‬
‫‪٩٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وأضاف ابن دريد بعض األصوات التي وردت يف لهجات القبائل العربية‪:‬‬
‫منها‪ :‬الصوت الذي بني الياء والجيم يف نحو‪ :‬غالمج يف غالمي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ومنها‪ :‬تحويل كاف املخاطبة شيئا نحو‪ْ ِ :‬‬
‫منش ِ يف‪ :‬منك ِ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ومنها‪ :‬إلحاق بني تميم القاف بالكاف نحو‪ :‬الگوم‪ ،‬يف‪ :‬القـوم)‪(٣٢‬وهـو صـوت‬ ‫‪-‬‬
‫أن أشار ابن قتيبة )‪ (٣٣‬إىل ّ‬
‫أنه غري عربي‪.‬‬ ‫سبق ْ‬
‫* *‬ ‫*‬

‫وأضاف السريايف أصواتا سمعها‪ ،‬هي‪:‬‬


‫ّ‬
‫املفخمة(‪ ،‬و)القاف التي بني القاف‬ ‫)الشني التي كالزاي(‪ ،‬و)الجيم التي كالزاي(‪ ،‬و)الالم‬
‫والكاف( )‪.(٣٤‬‬
‫وعىل العموم فهي أصوات رافقتها نعوت نابية من قبل علماء العربية‪:‬‬
‫فابن دريد وصفها بالحروف املرغوب عنها‪.‬‬
‫والسريايف قال‪ :‬إنها غري مستحسنة‪ ،‬وإنها معيبة مرذولة‪.‬‬
‫وابن ّ‬
‫جني وصفها باملستقبحة‪ ،‬وأنها ال تكاد توجد إال يف لغة ضعيفة مرذولة)‪.(٣٥‬‬
‫* *‬ ‫*‬

‫مي عىل أعـىل درجـة مـن التـدقيق‪،‬‬


‫حرص عل ّ‬ ‫ويرى املحدثون ّ‬
‫أن هذا الذكر الشامل هو" َ ْ‬
‫تـام يف اللهجـات‪ّ :‬‬
‫جيـدها‬ ‫ّ‬ ‫اعتمد عىل السماع‪ ...‬واملشافهة‪ ،‬كمـا اعتمـد عـىل اسـتقراء‬
‫ورديئها")‪.(٣٦‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪ (32‬جمهرة اللغة ‪.٦ – ٥/١‬‬


‫)‪ (33‬تأويل مشكل القرآن ‪.١٤/‬‬
‫)‪(34‬رشح السريايف ‪.٤٥١/٦‬‬
‫رس صناعة االعراب ‪.٥١/١‬‬
‫)‪ّ ( 35‬‬
‫)‪ (36‬كالم العرب ‪.١٦ /‬‬
‫‪١٠٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ّ‬
‫الصحة واالعتالل يف األصوات‪:‬‬
‫صنـف علماء العربية األصوات اللغوية عىل قسمني‪:‬‬
‫ّ‬
‫أولهما‪ :‬األصوات الصحيحة‪.‬‬
‫املعتلــة ) ّ‬
‫املد واللني(‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وثانيهما‪ :‬األصوات‬
‫ّ‬
‫يجمعهن لقبان‪:‬املصمتة واملذلقـة‪ ،‬فاملذلقـة‪:‬‬ ‫• قال ابن دريد‪ ":‬الحروف سبعة أجناس‬
‫ّ‬
‫معتالت‪ ،‬وتسعة عرش حرفا‬ ‫ستة أحرف‪ ،‬واملصمتة‪ :‬اثنان وعرشون حرفا‪ ،‬ثالثة منها‬
‫صحاح " )‪.(٣٧‬‬
‫ّ‬
‫الصحة واالعتالل‪ ،‬فجميـع الحـروف‬ ‫جنــي‪ " :‬وللحروف قسمة أخرى إىل‬
‫ّ‬ ‫• وقال ابن‬
‫املـد واالسـتطالة " )‪ (٣٨‬واملـدد‬ ‫ّ‬
‫هـن حـروف ّ‬ ‫صحيح‪ ،‬إال األلف والياء والواو اللـواتي‬
‫االستطالة‪.‬‬
‫تتأثـــر يف بعـض‬
‫ّ‬ ‫وإذا كان أساس التقسيم عندهم هو إدراكهـم ّ‬
‫أن أصـوات العلـة‬
‫السياقات الصوتية فتنقلب من صوت إىل آخر‪ ،‬كما ُينبئ املـصطلح الـذي وسـموها بـه‪،‬‬
‫لكنهم الحظوا فيها أمرين‪:‬‬
‫ّ‬
‫بحرية‪ ،‬دون أيّ عائق‪:‬‬ ‫‪ – ١‬خروج الهواء معها‬
‫• قال ابن دريد‪ " :‬وأما حروف املد ّ واللني فثالثة ال غري‪ ،‬الواو واليـاء واأللـف‪...،‬وإنمـا‬
‫اتـسعت مخارجها حتى جرى فيها الصوت " )‪.(٣٩‬‬ ‫احتملت ّ‬
‫املد ألنها‪ّ ...‬‬
‫الرتنـم‬
‫ّ‬ ‫االتــساع يف املخرج هو الذي جعل لها صفة االمتداد ووقوع‬
‫ّ‬ ‫أن هذا‬ ‫ثم ّ‬
‫إنه الحظ ّ‬
‫الرتنـم يف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يمتد فيها فيقع عليها‬ ‫لينة‪ّ ،‬‬
‫ألن الصوت‬ ‫سميت ّ‬
‫ّ‬ ‫عليها يف الشعر‪ ،‬فقال‪ " :‬وإنما‬
‫القوايف" )‪.(٤٠‬‬

‫)‪ (37‬جمهرة اللغة ‪.٦/١‬‬


‫رس صناعة اإلعراب ‪.٧١/ ١‬‬
‫)‪ّ ( 38‬‬
‫)‪ (39‬جمهرة اللغة ‪.٨/١‬‬
‫)‪ (40‬م‪ .‬ن ‪.٨/١‬‬
‫‪١٠١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫اتـساع مجرى ِ َ‬
‫العلل – وخروج الهواء معها بحريـة تامـة‬ ‫جنـي يف تشبيه ّ‬
‫ّ‬ ‫• وأبدع ابن‬
‫دون أيّ عائق يعرتض سبيلها – بخروج صوت الناي دون ْ‬
‫أن يضع الزامر أنامله عىل‬
‫خروق الناي‪ّ ،‬‬
‫فإنه يكون مستطيال أملس ساذجا)‪،(٤١‬‬
‫أما إذا راوح أنامله عىل هذه الخروق ّ‬
‫فإنا نسمع منه أصداء‪ ،‬وأجراسا مختلفة نظري‬
‫ما يسمع من اختالف مخارج األصوات غري العلل عندما يعرتض عليها داخل الحلـق‪ ،‬أو‬
‫غـفـال غري محصور‪ ،‬كجريان الصوت‬
‫الفم‪ ،‬أو الشفتني‪ ،‬إذ قال‪ " :‬وجريان الصوت فيه ُ ْ‬
‫يف األلف الساكنة‪ ،‬وما يعرتضه من الضغط والحرص باألصابع كالذي يعرض للـصوت يف‬
‫ْ‬
‫الحرص‪.‬‬ ‫مخارج الحروف من املقاطع")‪ِ .(٤٢‬‬
‫وذكر األلف هنا للتمثيل ال‬
‫العلل‪ّ ،‬‬
‫وأن الصوت ال ينقطع إال بانتهاء الهـواء‬ ‫اتـساع مخارج ِ‬
‫موضـحا ّ‬
‫ّ‬ ‫وقال أيضا‬
‫الخارج‪:‬‬
‫اسـتمر‬
‫ّ‬ ‫اتـسع مخرج الحرف حتى ال يقتطع الصوت عن امتداده‪ ،‬واستطالته‬ ‫" ْ‬
‫فإن ّ‬
‫ثم اليـاء‪ّ ،‬‬
‫ثـم‬ ‫اتسعت مخارجها ثالثة‪ :‬األلف‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ممتدا حتى ينفد‪ ...‬والحروف التي‬ ‫الصوت‬
‫ممتد ال ُيعيقه عـائق يعـرتض سـبيله حتـى ينفـد‬
‫ّ‬ ‫الواو ")‪ .(٤٣‬فالصوت مع هذه الثالثة‬
‫الهواء‪.‬‬
‫‪ – ٢‬قوة إسماعها الصوتي‪:‬‬
‫قوة وضوحها وإسماعها الـصوتي‪ ،‬وتعـود ّ‬
‫قـوة اإلسـماع إىل جهـر‬ ‫تتفاوت األصوات يف ّ‬
‫واتـساع ذبذباته‪ ،‬فهناك أصوات‬
‫ّ‬ ‫الصوت وخروجه بحرية‪ ،‬دون أيّ اعرتاض‪ ،‬وإىل درجته‬
‫تسمع من مسافة بعيدة وأصوات أخرى ال تسمع إال من قريب‪ ،‬ويف أقوال علماء العربيـة‬

‫رس صناعة اإلعراب ‪.٩/ ١‬‬‫)‪ّ ( 41‬‬


‫)‪ (42‬رس صناعة االعراب ‪.٩ /١‬‬
‫)‪ (43‬م‪ .‬ن ‪.٩ /١‬‬
‫‪١٠٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫املـربد‬
‫ّ‬ ‫تـتسم بدرجة عالية من ّ‬
‫قوة الوضـوح‪ ،‬فقـد جـاء عـن‬ ‫أن هذه الثالثة ّ‬ ‫ما ّ‬
‫يوضح ّ‬
‫قوله‪:‬‬
‫املصوتة وهي‪ :‬الياء والواو واأللف ")‪.(٤٤‬‬
‫" الحروف الثالثة ّ‬
‫ويف إطالق هذا املصطلح إشارة إىل علو الصوت‪ ،‬فقـد جـاء يف املعـاجم ّ‬
‫أن الـصائت‪ :‬هـو‬
‫الصائح‪ ،‬ورجل ّ‬
‫صيت‪ :‬أي شديد الصوت‪ ،‬وبهذا فقـد أجـاد علمـاء العربيـة يف وصـفهم‬
‫ذكـية إىل مـا فيهـا مـن‬
‫ألنـها إشارة ّ‬ ‫ّ‬
‫املصوتة ّ‬ ‫حروف ّ‬
‫املد )الحركات الطويلة( بالحروف‬
‫ّ‬
‫حرية مرور الهـواء‪،‬‬ ‫ّ‬
‫متأت من‬ ‫وضوح سمعي )‪ .(٤٥‬وهذا التصويت ووضوح قوة اإلسماع‬
‫كلـها مجهورة‪ ،‬وأقوال علماء العربية تشهد بذلك‪.‬‬ ‫ومن الجهر‪ ،‬حيث ّ‬
‫أن هذه األصوات ّ‬
‫أما نظرة املحدثني من أوربيني وعرب إىل هذا التقسيم الصوتي فتكاد تتطابق مع ما ِأثـر‬
‫عن علماء العربية يف العراق بمالحظاتهم واألسس التي اعتمدوا عليها من ذلك‪:‬‬
‫ّ‬
‫املكونة للكالم‬ ‫األسايس الواجب يف نظام األصوات البسيطة‬
‫ّ‬ ‫• قول كانتينو‪ّ " :‬‬
‫إن الرتتيب‬
‫البرشي هو ترتيبها حروفا وحركات " )‪.(٤٦‬‬
‫علـــة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫• وقول ماريوباي‪ ":‬درج اللغويون عىل تقسيم أصـوات الكـالم‪ ...‬إىل أصـوات‬
‫علــة‪ ،‬وسواكن)‪."(٤٧‬‬
‫ّ‬ ‫وأشباه‬
‫أما أساس هذا التقسيم فقد ُبني عىل أمرين‪ ،‬هما‪:‬‬
‫‪ – ١‬الكيفية التي ّ‬
‫يتم بها نطق الصوت‪.‬‬
‫‪ – ٢‬قوة وضوح ْ‬
‫سمع الصوت‪.‬‬
‫فعن األمر األول‪ ،‬قال تروبتسكوي‪:‬‬

‫)‪ (44‬املقتضب ‪ ،٢٥٧/١‬وينظر‪.١٩٩/١ :‬‬


‫)‪ (45‬دراسات يف علم اللغة‪.٨٣ /‬‬
‫)‪ (46‬دروس يف علم أصوات العربية‪.٢٠/‬‬
‫)‪ (47‬أسس علم اللغة‪ ،‬ماريوباي ‪.٤٦/‬‬
‫‪١٠٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫َّ‬
‫خاصية الصحيح‪ ...‬هي إنشاء عقبة يف طريق الهواء‪ ،‬أو فتح هذه العقبة‪ ،‬عىل حـني‬ ‫" ّ‬
‫إن‬
‫ّ‬
‫خاصية العلل يف صورة انعدام أية عقبة أو تعويق"‪.‬‬ ‫تبدو‬
‫• وعن األمر الثاني‪ ،‬قال دانيال جونز‪:‬‬
‫ّ‬
‫الحق تفريـق مبنـي‬ ‫"ليس التفريق بني الصحاح والعلل اعتباطيا فسيولوجيا‪ ،‬ولكنه يف‬
‫قوة اإلسماع يف األصوات املختلفة " )‪.(٤٨‬‬
‫العلو النسبي‪ ،‬أو ّ‬
‫ّ‬ ‫عىل اعتبارات صوتية‪ ،‬هي‬
‫رتـبوا األصوات عىل وفق درجة إسـماعها وجـدوا ّ‬
‫أن العلـل‬ ‫ملـا ّ‬ ‫ومن املعلوم ّ‬
‫أن املحدثني ّ‬
‫أقوى األصوات إسماعا‪.‬‬
‫ولخـص لنا الدكتور أنيس نتائج تحليل املحدثني لهذا التقسيم‪ ،‬يف قولـه‪ " :‬فالـصفة‬
‫ّ‬ ‫•‬
‫ّ‬
‫وخلو مجراهـا‬ ‫ّ‬
‫تختص بها أصوات اللني هي كيفية مرور الهواء يف الحلق والفم‪،‬‬ ‫التي‬
‫من حوائل وموانع‪...‬يف حني ّ‬
‫أن األصوات الساكنة‪ّ ،‬‬
‫إما ينحبس معها الهواء انحباسـا ً‬
‫وترتـب عىل اختالف كيفيـة مـرور الهـواء يف حـالتي‬
‫ّ‬ ‫محكما ً‪...‬أو يضيق مجراها‪...‬‬
‫أن املحدثني الحظوا ّ‬
‫أن األصـوات الـساكنة‬ ‫النطق باألصوات الساكنة وأصوات اللني‪ّ ،‬‬
‫اللــني ُ َ‬
‫تــسمع مـن‬ ‫ّ‬ ‫اللـني‪ ،‬فأصوات‬ ‫عىل العموم ّ‬
‫أقل وضوحا يف السمع من أصوات ّ‬
‫يخطـأ يف تمييزها " )‪.(٤٩‬‬
‫َ‬ ‫مسافة عندها قد تختفي األصوات الساكنة‪ ،‬أو ُ‬
‫يتبني لنا بوضوح وجالء ّ‬
‫أن القـدامى برعـوا يف تقـسيم األصـوات عـىل هـذين‬ ‫وبهذا ّ‬
‫الصنفني‪ ،‬وأجادوا يف مالحظاتهم الدقيقة إىل الصنف الثاني‪ ،‬وهو ِ َ‬
‫العلــل )الحركـات( يف‬
‫إطار هذا التقسيم‪،‬‬

‫)‪ (48‬نقالً عن مناهج البحث يف اللغة ‪.١١٥ ،١١٤‬‬


‫)‪ (49‬األصوات اللغوية ‪.٢٧ – ٢٦ /‬‬
‫‪١٠٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫وإذا كان حديثنا السابق عن الحركات عامة‪ ،‬فسنتحدث اآلن عن الحركات القصرية مـن‬
‫باب تسميتها‪ ،‬وصفاتها‪ ،‬وأنواعها‪ ،‬ومرتبتها من الحروف‪ ،‬متبعني ذلـك بـصوتي الـواو‬
‫والياء إذا كانتا أشباه لني‪.‬‬
‫* *‬ ‫*‬

‫אא  ‬
‫تسميتها )‪:(٥٠‬‬
‫تــستنبط‬
‫لم نجد للحركات أثرا يف الرسم قبل أبي األسود الدؤيل )‪٦٩‬هـ(‪ ،‬وإنما كانت ُ‬
‫من السياق يف وقت كانت الفصاحة والسالئق السليمة هي السمة الغالبة عليهم‪ ،‬ولكـن‬
‫بعد ْ‬
‫أن ﱠ‬
‫دب اللحن وشاع بسبب اختالط العرب بغريهم من املسلمني‪ ،‬خيف عىل كتاب الله‬
‫فأحب أبو األسود الدؤيل " ْ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫تعاىل‪ ،‬فأصبحت الحاجة ّ‬
‫ملحة لضبط ألفاظ القرآن الكريم‪،‬‬
‫يرسم رسما ُيعرف به الصواب من الخطأ " )‪ .(٥١‬وكان عمله املشهور هو البداية الرائـدة‪.‬‬
‫ُ‬
‫فتحت فمـي بـالحرف‪ ،‬فـانقط‬ ‫يف قصة مشهورة خاطب بها كاتبه قائال‪ ":‬إذا رأيتني قد‬
‫ُ‬
‫كـرست‬ ‫ضممت فمي فانقط نقطة بـني يـدي الحـرف‪ْ ،‬‬
‫وإن‬ ‫نقطة فوقه عىل أعاله‪ْ ،‬‬
‫فإن َ ْ ُ‬
‫فاجعل النقطة تحت الحرف " )‪.(٥٢‬‬
‫ْ‬
‫وتبدو لنا من القول حقائق‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ – ١‬العمل رائد ال عهد للعرب به‪.‬‬
‫‪ – ٢‬لم يضع أبو األسود لرسومه أسماء ُتعرف بها‪.‬‬

‫)‪ (50‬الحركات األعرابية بني القدامى واملحدثني‪ ،‬لكاتب هذا البحث‪ ،‬مجلة كلية الرتبية ‪ /‬جامعـة املوصـل‬
‫‪.١٠١ /١٩٨٠‬‬
‫)‪ (51‬إنباه الرواة ‪.٥/١‬‬
‫)‪ (52‬أخبار النحويني البرصيني ‪ ،١٦ /‬الفهرست‪ ،٤٠/‬إنباه الرواة ‪.٥/١‬‬
‫‪١٠٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫كرست( التي ّ‬
‫تدل عىل تطابق أوضـاع الفـم حـال‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ضممت‪،‬‬ ‫ُ‬
‫فتحت‪،‬‬‫‪ – ٣‬استعمل األفعال )‬
‫النطق باألصوات املذكورة‪.‬‬
‫لتدل عىل نـوع ّ‬
‫كـل صـوت‪ ،‬لـذا ُعرفـت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتغري‪،‬‬ ‫‪ – ٤‬استعمل لفظة )نقطة( ذات املكان‬
‫)بنقط أبي األسود( نسبة اىل أشكالها وواضعها‪ ،‬أو )نقط اإلعراب( نسبة إىل مـا تهـدف‬
‫ّ‬
‫طـور‬ ‫إليه‪ ،‬وبقيت هذه الرسوم كما يبدو حتى عهد الخليل بـن أحمـد)‪١٧٥‬هــ( الـذي‬
‫ّ‬
‫ولعل هذه األشكال هي الـسبب يف‬ ‫رسمها إىل ما ُيشبه الحركات الطويلة‪ ،‬مراعاة لنطقها‬
‫تسميتها عندهم بـ )األلف الصغرية‪ ،‬والياء الصغرية‪ ،‬والـواو الـصغرية( وهـي تـسمية‬
‫وبتقـدم الـزمن ُعرفـت عنـدهم‬
‫ّ‬ ‫مطابقة لواقع حالها من حيث الشكل وكمية الصوت‪،‬‬
‫وعلـة‬
‫ّ‬ ‫سميت هذه األصوات الناقصة حركات" )‪.(٥٣‬‬
‫جنــي‪ّ ُ " :‬‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫باسم )الحركات(‪ ،‬قال ابن‬
‫جنــي نفسه – تكمن يف أمرين‪:‬‬
‫ّ‬ ‫هذه التسمية كما يراها ابن‬
‫تحرك – الحرف الذي تقرتن به‪ ،‬وتجتذبه نحو الحـروف التـي هـي‬
‫تـقلق – ّ‬ ‫ّ‬
‫أولهما‪ :‬أنها ُ‬
‫أبعاضها‪.‬‬
‫ثانيهما‪ّ :‬‬
‫أن الناطق بها لم يبلغ مدى الحروف التي هي أبعاضها‪ ،‬فهي ناقـصة يف كميـة‬
‫الصوت من الحروف التي هي منها‪ .‬وبقيت هذه التسمية )الحركات( متداولة يف بحـوث‬
‫علماء العربية اىل عرصنا الحارض‪ ،‬ولم تقف هذه الشهرة حائال من اسـتعمال مـصطلح‬
‫جنـي عىل الحركات الطويلة )حـروف‬
‫ّ‬ ‫املربد)‪ ،(٥٤‬ومن ّ‬
‫ثم ابن‬ ‫ّ‬
‫املصوت( الذي أطلقه ّ‬ ‫آخر )‬
‫ّ‬
‫املد(‪ ،‬وهو ينطبق تماما عىل الحركات القصرية‪ ،‬وفيه نظر علمي دقيق اىل أحـد صـفتي‬
‫الحركات‪ ،‬وهي صفة الجهر‪.‬‬

‫رس صناعة اإلعراب ‪.٩/ ١‬‬


‫)‪ّ ( 53‬‬
‫)‪ (54‬املقتضب ‪.٢٥٧ ،١٩٩ /١‬‬
‫‪١٠٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫صفاتها‪:‬‬
‫ربط علماء العربية يف العراق بني حروف ّ‬
‫املد)الحركـات الطويلـة( وبـني الحركـات‬
‫املـربد‪ " :‬الفتحـة مـن‬
‫ّ‬ ‫القصرية ربطا ً محكما ً حتى ّ‬
‫عدوهما من جنس واحد‪ ،‬وفيه قال‬
‫األلف‪ ،‬والضمة من الواو‪ ،‬والكرسة من الياء " )‪.(٥٥‬‬
‫جنــي عن هذا املفهوم بالبعضية‪ ،‬فقال‪ " :‬اعلم ّ‬
‫أن الحركات أبعـاض حـروف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وعرب ابن‬
‫املد واللني " )‪.(٥٦‬‬
‫ّ‬
‫يتبني ّ‬
‫أن الحركات القصرية هي الحركات الكبرية نفسها‪ ،‬ما عدا الفرق يف ّ‬
‫كمية‬ ‫فمن هذا ّ‬
‫ألن " الحركة حرف صغري")‪.(٥٧‬‬
‫الصوت ال الكيفية‪ّ ،‬‬
‫وأيدوا وقوعه‪ ،‬إذ قال الدكتور أنيس‪ّ " :‬‬
‫إن بعض القدماء قـد‬ ‫أقر املحدثون هذا الربط ّ‬
‫وقد ّ‬
‫يسمى بألف ّ‬
‫املد ال يعدو أن يكـون‬ ‫ّ‬ ‫يحس املحدثون ّ‬
‫بأن الفرق بني الفتحة وما‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أحس كما‬
‫أن زمـن نطـق‬ ‫فـرقا ً يف الكمية ")‪ْ .(٥٨‬‬
‫أي‪ :‬فرق يف االسـتمرار الزمنـي لـألداء‪ ،‬واملـشهور ّ‬ ‫َْ‬
‫ّ‬
‫يتعدى ذلك‪.‬‬ ‫الحركة الطويلة يعادل حركتني أو‬
‫ّ‬
‫وملا وصفوا حروف ّ‬
‫املد)الحركات الطويلة( بصفتني أساسيتني هما‪ :‬حرية مرور الهـواء‪،‬‬
‫بد ْ‬
‫أن يرسي هذا الوصـف عـىل أبعاضـها‪ ،‬وهـي الحركـات‪ ،‬وبهـذا يمكـن‬ ‫والجهر‪ ،‬فال ّ‬
‫ّ‬
‫وحرية مرور الهواء حال النطق بها‪ ،‬وهما‬ ‫تتـصف بالجهر‪،‬‬ ‫القول‪ّ :‬‬
‫إن الحركات القصرية ّ‬
‫ّ‬
‫خاصـية الحركـة هـي‪" :‬انعـدام قيـام‬ ‫اعتد بهما املحدثون‪ ،‬فقالوا‪ّ :‬‬
‫إن‬ ‫ّ‬ ‫الصفتان اللتان‬
‫حرا طليقا عند النطق بها " )‪.(٥٩‬‬
‫فيمر النفس املجهور ّ‬
‫ّ‬ ‫الحاجز يف جهاز التصويت‪،‬‬

‫)‪ (55‬م‪ .‬ن‪١٩٤ /١‬‬


‫رس صناعة اإلعراب ‪.١٩/ ١‬‬
‫)‪ّ ( 56‬‬
‫)‪ (57‬الخصائص ‪.٣١٥/٢‬‬
‫)‪ (58‬األصوات اللغوية ‪.٣٨ /‬‬
‫)‪ (59‬كانتينو‪ ،‬دروس يف علم أصوات العربية‪.١٤٣/‬‬
‫‪١٠٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ‬
‫متعـني يف‬ ‫فالصفتان هما عند الفريقني أنفسهما‪ ،‬وإذا كان مـن اخـتالف طفيـف فهـو‬
‫تحديد كيفية إنتاج الحركات القصرية‪ ،‬وأوضاع الفم معها )‪.(٦٠‬‬
‫وعلماء العربية يف العراق لم يرتكوا هذه املسألة دون بيان‪ ،‬ولو كان مجمال‪:‬‬
‫فإنــما يـستثقل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الضم والكرس‪ ،‬إذ قال‪" :‬‬ ‫فالفراء أشار إليها خالل حديثه عن استثقال‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫تنضم الرفعة بهما‪ ،‬فتثقـل‬ ‫الضم والكرس‪ّ ،‬‬
‫ألن ملخرجيهما مؤونة عىل اللسان والشفتني‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ويمال أحد الشدقني إىل الكرسة فرتى ذلك ثقيال‪ ،‬والفتحة مـن َ‬
‫خـرق الفـم بـال‬ ‫الضمة‪ُ ،‬‬
‫ّ‬
‫ُكلفة")‪.(٦١‬‬
‫جنـي‬
‫ّ‬ ‫املربد‪ ":‬الفتحة من مخرج األلف)‪ " (٦٢‬فقد أخذ ابن‬
‫وملا كان املخرج واحدا كما قال ّ‬
‫الفـراء – ووصـف بـه االخـتالف مـع‬
‫ّ‬ ‫اختالف أوضاع الفم مع هذه الحركات – كما ذكر‬
‫املد )الحركات الطويلة( بيشء من التفصيل‪ّ ،‬‬
‫وعده السبب يف اخـتالف صـداها إذ‬ ‫حروف ّ‬
‫قال‪ " :‬أما األلف فتجد الحلق والفم معها ُمنفتحني‪ ،‬غري ُمعرتضني عىل الـصوت بـضغط‬
‫سـفال ُ‬
‫وعلـوا قـد اكتنفـت جنبتـي اللـسان‬ ‫أما الياء فتجـد معهـا األرضاس ُ‬ ‫أو َ ْ‬
‫حرص‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫متـصعدا هنـاك‪ ،‬فألجـل تلـك‬ ‫ّ‬
‫وتفاج الحنك عن ظهر اللسان‪ ،‬فجرى الصوت‬ ‫وضغطته‪،‬‬
‫ُ ّ‬
‫فتــضم لها معظم الشفتني‪ ،‬وتدع بينهما بعض االنفـراج‬ ‫الفجوة ما استطال‪ ،‬أما الواو‬
‫ليخرج فيه ﱠ َ‬
‫النفـس)‪." (٦٣‬‬

‫مؤلـفها أن االختالف بني الحركات القـصرية ونظائرهـا‬


‫ّ‬ ‫)‪ (60‬أثبتت دراسة معملية حديثة عىل وفق نطق‬
‫الطويلة ليس مقصورا ً عىل الكمية بل هناك اختالف نوعي يتمثل يف موقع اللسان مـن حيـث االرتفـاع أو‬
‫الهبوط‪ ،‬ومن حيث االنسحاب إىل الخلف‪) ،‬التشكيل الصوتي يف اللغة العربية ‪.( ٤٢ – ٤١ /‬‬
‫)‪ (61‬معاني القرآن ‪.١٣/٢‬‬
‫)‪ (62‬املقتضب ‪.٢٩٢ /١‬‬
‫رس صناعة اإلعراب‪ ،٨/١:‬وتفاج‪ :‬تباعد )لسان العرب‪ :‬فجج(‪.‬‬ ‫)‪ّ ( 63‬‬
‫‪١٠٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫جنـي يوضحان لنا ّ‬


‫أن علماء العربية يف العراق أدركوا مـا‬ ‫ّ‬ ‫الفراء‪ ،‬ومن بعده ابن‬
‫فتحديد ّ‬
‫أقرته الدراسات‬
‫للسان والحنك األعىل والشفتني من دور يف نطق هذه الحركات‪ ،‬وهو أمر ّ‬
‫الصوتية الحديثة‪ ،‬كما أنهم أدركوا الوصف العام لكيفية نطق هذه األصوات‪.‬‬
‫شك ّ‬
‫أن املحدثني – بما ّ‬
‫تيرس لهم مـن وسـائل حديثـة تمكـنهم مـن تحديـد األجـزاء‬ ‫ال ّ‬
‫املتحركة من ظهر اللسان والنقاط التي ّ‬
‫يتـصل بهـا مـن الحنـك األعـىل – قـد‬ ‫ّ‬ ‫الصغرية‬
‫ّ‬
‫فتنوع الحركات عندهم عائد إىل حركة‬ ‫وصفوا أوضاع الفم حال النطق بها ّ‬
‫بكل تفصيل‪،‬‬
‫ّ‬
‫مقدمة اللسان‪ ،‬ومؤخرته نحو سقف الحنك‪ ،‬فإذا كان اللسان مستويا يف قاع الفـم مـع‬
‫انحراف قليل يف أقصاه نحو أقىص الحنك‪ ،‬فهو وضع إنتاج الفتحة‪ ،‬وإذا ارتفعت ّ‬
‫مقدمته‬
‫إىل األعىل قليال دون أن يحدث الهواء احتكاكا مسموعا‪ ،‬فهو وضع إنتـاج الكـرسة‪ ،‬وإذا‬
‫ارتفع أقصاه نحو سقف الحنك دون أن يحدث الهواء نوعا مـن الحفيـف مـع اسـتدارة‬
‫الشفتني فهو وضع إنتاج صوت الضمة)‪.(٦٤‬‬
‫متـسعة‪ ،‬وارتفاع ّ‬
‫مقدمته‪،‬أو‬ ‫ّ‬
‫يسمون الفتحة حركة ّ‬ ‫واستواء اللسان يف قاع الفم جعلهم‬
‫ّ‬
‫الضيقة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫والضمة‪ ،‬جعلهم يسمونهما بالحركات‬ ‫مؤخرته نحو الحنك األعىل مع الكرسة‬
‫ّ‬
‫ولعل هـذا اإلحـساس‬ ‫فالعالقة بني الكرسة والضمة واضحة لكونهما حركتني ّ‬
‫ضيقتني‪،‬‬
‫قـربا َ َ‬
‫ونـسبا ليس بينهمـا‬ ‫جنـي إىل القول ّ‬
‫بأن‪ " :‬بني الياء وبني الواو ُ‬ ‫ّ‬ ‫هو الذي دفع ابن‬
‫وبني األلف " )‪.(٦٥‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪ (64‬املدخل إىل علم اللغة‪ ٩٣ – ٩٢ :‬بترصف‪.‬‬


‫رس صناعة اإلعراب ‪.٢٣ /١‬‬ ‫)‪ّ ( 65‬‬
‫‪١٠٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أنواعها‪:‬‬
‫جنــي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اعتد علماء العربية يف العراق بثالث حركات قصرية وثالث طويلـة‪ ،‬قـال ابـن‬
‫أن هذه الحروف الثالثة‪ ،‬فكذلك الحركات ثالثة " )‪.(٦٦‬‬
‫"فكما ّ‬
‫والضمة(‪ّ ،‬‬
‫أما الطويلة فقد أطلقوا عليها اسم )حـروف‬ ‫ّ‬ ‫فالقصرية هي )الفتحة والكرسة‬
‫واملربد‪ ،‬وابن دريد‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املد واللني(‪،‬وهي )األلف والياء والواو(‪،‬وذلك واضح يف أقوال‪ :‬األخفش‪،‬‬
‫جنـي )‪.(٦٧‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والزجاجي‪ ،‬وابن‬
‫مع إدراك جملة من العلماء بوجود حركـات فرعيـة أخـرى شـاعت يف لهجـات القبائـل‬
‫كل‬ ‫ست‪ ،‬وذلك ّ‬
‫أن بني ّ‬ ‫جنـي بقوله‪ " :‬ومحصولها عىل الحقيقة ّ‬
‫ّ‬ ‫العربية‪ ،‬وإليها أشار ابن‬
‫حركتني حركة " )‪.(٦٨‬‬
‫وهذا إدراك منهم للتغريات الصوتية التي تصيب هذه األصوات أثنـاء األداء يف الـسياقات‬
‫ﱠ‬
‫يـوف‬ ‫تــختلس ولـم‬
‫املختلفة‪ ،‬فاأللف قد تمال نحو الياء‪ ،‬أو نحو الـواو‪ ،‬والحركـة قـد ُ‬
‫حقـها الصوتي‪ ،‬وقد ُتمطل ُ ّ‬
‫وتـمد فينشأ منها الحرف الذي هـو مـن حركتهـا‪ ،‬وكـذلك‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫وكـل‬ ‫تـقرص يف سياقات صوتية معينة‪ ،‬أو قد ّ‬
‫تمد أكثر‪،‬‬ ‫الحركة الطويلة )حرف ّ‬
‫املد( قد ُ‬
‫هذه التغريات ال تنال إال الجانب الصوتي‪ ،‬دونما أي تغيري يطرأ عىل الجانب الداليل‪.‬‬
‫* *‬ ‫*‬

‫)‪ (66‬م‪ .‬ن ‪.١٩ /١‬‬


‫ورس صـناعة‬
‫ّ‬ ‫)‪ (67‬معاني القرآن ‪ ،١٥٠/١‬واملقتـضب ‪ ،٣٤٨ /١‬وجمهـرة اللغـة‪ ،٨/ ١‬والجمـل ‪،٣٧٨ /‬‬
‫اإلعراب ‪.٧٤ /١‬‬
‫)‪ (68‬الخصائص ‪.١٢٠ / ٣‬‬
‫‪١١٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫مرتبة الحركة من الحرف‪:‬‬


‫لالرتباط الوثيق بني الحرف والحركة كما يراها علماء العربية يف العراق‪ ،‬حـاول بعـضهم‬
‫جنـي )‪ (٦٩‬ببيان هذه املـسألة‬
‫ّ‬ ‫املتحرك بها‪ ،‬وقد انفرد ابن‬
‫ّ‬ ‫بيان مرتبة الحركة من الحرف‬
‫ّ‬
‫مستقل بها‪ ،‬مشريا اىل آراء سابقيه يف املسألة كـسيبويه‪ ،‬وأبـي عـيل‬ ‫وتخصيص مبحث‬
‫الفاريس‪.‬‬
‫واملسألة ال تحتمل عنده أكثر من ثالثة افرتاضات‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫كون الحركة قبل الحرف‪ ،‬أو معه‪ ،‬أو بعده‪.‬‬
‫• وقد ّ‬
‫رد االفرتاض ّ‬
‫األول )أي كون الحركة قبل الحرف( بدليلني‪ ،‬هما‪:‬‬
‫محـال للحركة‪ ،‬فال تقوم إال به‪ ،‬فمحال أن توجد قبله‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أ – كون الحرف‬
‫قطـع‪ ،‬فلو كانت حركة الطاء الثانية قبل‬
‫ﱠ‬ ‫قطـطـع –‬
‫ْ َ‬ ‫ب – وقوع اإلدغام يف املثلني نحو‪:‬‬
‫الحرف لحجزت بينهما‪ ،‬وامتنع االدغام‪ ،‬ووقوعه ّ‬
‫يدل عىل أنها ليست قبله‪.‬‬
‫• أما االفرتاض الثاني ْ‬
‫أي كونها تنشأ مع الحرف‪ ،‬وهو رأي أبـي عـيل الفـاريس الـذي‬
‫واملتحركة من الفم‪ ،‬فلـو كانـت‬
‫ّ‬ ‫استدل عليه ّ‬
‫بأن النون الساكنة مخرجها من األنف‪،‬‬ ‫ّ‬
‫املتحركة أيضا من األنـف‪ ،‬مـا دامـت‬
‫ّ‬ ‫الحركة تحدث من بعد الحرف‪ ،‬لوجب أن تأتي‬
‫الحركة تأتي بعد النون‪ ،‬فال تغني عنه شيئا‪.‬‬
‫بأدلـة أبرزها قوله‪ :‬جواز تأثري اليشء بمـا قبلـه‪ ،‬مـن قبـل‬
‫ّ‬ ‫جنـي قول شيخه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ورد ابن‬
‫عنــرب‬
‫ْ‬ ‫تـقلب ميما‪ ،‬نحو‪:‬‬ ‫وجوده للعلم ّ‬
‫بأنه سريد‪ ،‬فالنون الساكنة إذا وقعت بعده الباء ُ‬
‫التي تنطق عمربــ بامليم ــ ‪ ،‬فحسب مقياس أبي عيل الفاريس يجـب أن ننطقهـا نونـا‬
‫متأثـرة بالباء‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ولكن واقع الحال هو نطقها ميما‬ ‫كما هي‪ّ ،‬‬
‫ألن الباء بعدها ال تغني شيئا‪،‬‬
‫التي جاءت بعدها‪.‬‬

‫ورس صناعة اإلعراب ‪.٣٢ /١‬‬


‫ّ‬ ‫)‪ (69‬الخصائص ‪،٣٢١ /٢‬‬
‫‪١١١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وإذا سقط االفرتاضان‪ ،‬فال يبقى إال االفرتاض الثالث‪ ،‬وهـو كـون الحركـة تحـدث بعـد‬
‫جنـي أيضا بدليلني‬
‫ّ‬ ‫الحرف‪ ،‬وهو رأي قال به سيبويه‪ّ ،‬‬
‫وأيده ابن‬
‫املثـلـني‪ ،‬نحو‪َ َ :‬‬
‫مـلـل فالحركة مانعة مـن إدغامهمـا‪ ،‬فلـو‬ ‫أ – كون الحركة فاصلة بني َ َ‬
‫كانت الحركة يف الرتبة قبل الحرف األول‪ ،‬فال فصل بينهما ولوجـب اإلدغـام‪ ،‬فظهورهـا‬
‫املتأخـرة‪ ،‬عن الحرف‬
‫ّ‬ ‫ألبتـة غري الحركة‬
‫ّ‬ ‫داللة عىل فصل واقع بينهما‪ ،‬وليس ههنا فصل‬
‫األول‪.‬‬
‫ب – عدم نشوء حرفني يف وقت واحد‪ ،‬وملا كانت الحركة بعض الحـرف‪ ،‬وحكـم الـبعض‬
‫ّ‬
‫الكل‪ ،‬فكذلك ال يجوز أن ينشأ بعض الحرف مـع حـرف آخـر يف وقـت‬ ‫جار مجرى حكم‬
‫واحد‪.‬‬
‫وعموما ّ‬
‫فإن هذه املناقشات متأتية من نظرة علماء العراق إىل الحركات القصرية‪ ،‬وعدم‬
‫مستقلـة‪ ،‬وإنما هي عندهم توابع للحروف‪ ،‬ولو نظروا إليها كما‬
‫ّ‬ ‫اعتدادهم بها كأصوات‬
‫كلــه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مستقلـة ملا احتيج إىل هذا‬
‫ّ‬ ‫يراها الدارسون املحدثون أصواتا‬

‫אא‪ :‬‬
‫صوتـيني‪ ،‬هما‪:‬‬
‫ّ‬ ‫أدرك علماء العربية ّ‬
‫أن لصوتي الواو والياء مدلولني‬
‫‪ – ١‬كونهما حركتني طويلتني )حريف ّ‬
‫مد (‪ :‬نحو‪ :‬نور‪ ،‬نري‪ ،‬فـالواو واليـاء هنـا حركتـان‬
‫ّ‬
‫الـضمة والكـرسة‪ ،‬إال يف مـدى‬ ‫فرق بينهما وبني‬
‫تحرك بهما حرف النون‪ ،‬وال ْ‬
‫خالصتان ّ‬
‫االستمرار الزمني لنطقهما‪ ،‬وما حديثنا السابق‪ ،‬إال عىل هذا املدلول‪.‬‬
‫‪ – ٢‬كونهما يقومان مقام األصوات الصامتة )الصحيحة(‪:‬‬
‫بيت‪ّ َ ،‬‬
‫بيت‪.‬‬ ‫يـلد‪ُ ُ ،‬‬
‫غـري‪ْ َ ،‬‬ ‫نحو‪ :‬الياء يف‪َ :‬‬
‫حوض‪ّ َ ،‬‬
‫حول‪.‬‬ ‫عوض‪ْ َ ،‬‬
‫ولـد‪َ ِ ،‬‬
‫‪ :‬والواو يف‪َ َ :‬‬
‫فالياء والواو يف هذه األلفاظ قامتا بالدور الوظيفي لألصوات الصامتة‪ ،‬فاليـاء يف )َيلـد(‬
‫‪١١٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫مثال‪ ،‬تقوم بالدور الوظيفي للباء يف مثل )َبلد( مع فـارق املعنـى‪ ،‬لـذا أمكـن تحريكهـا‬
‫بحركات غري متماثلة معها‪ ،‬أو تسكينها وما قبلها مفتوح‪ ،‬أو تكرارها كما هـي الحـال‬
‫مع األصوات الصامتة‪.‬‬
‫هذا املدلول لم ِ‬
‫يغب عن إدراك علماء العراق‪ ،‬وأقوالهم واضحة فيه‪:‬‬
‫صحتا " )‪ .(٧٠‬أي‪ :‬إنهما خرجتا‬
‫ﱠ‬ ‫• قال ّ‬
‫الفراء‪ " :‬الياء والواو إذا انفتح ما قبلهما ُ ّ‬
‫وسكنتا‬
‫املعتلـة النطقي والوظيفي‪ ،‬ولم يكن يقصد بأنها أصوات صامتة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫عن إطار األصوات‬
‫يف هذا السياق‪ ،‬فهما أقرب ما تكونان إليها‪.‬‬
‫جنـي يف هذا املدلول‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وكثرت أقوال ابن‬
‫تحركتا قويتا بالحركـة‪ ،‬فلحقتـا بـالحروف الـصحاح‪ ،‬فجـازت‬ ‫" ّ‬
‫إن الياء والواو ملا ّ‬
‫مخالفة ما قبلهما من الحركات إياهما ")‪.(٧١‬‬
‫قويـت وضـارعت الحـروف‬
‫وقال يف حديث عن الواو‪ " :‬إنها ملا أدغمت يف التي بعدها ِ‬
‫الصحاح‪ ،‬فجاز ثباتها مع انكسار ما قبلها " )‪.(٧٢‬‬
‫ّ‬
‫صحا يف بعـض املواضـع‬ ‫العلـة الياء والواو قد‬
‫ّ‬ ‫وقال أيضا‪ " :‬ومن ذلك عندي ّ‬
‫أن حريف‬
‫ّ‬
‫يــصحان لوقــوع حــرف اللــني ســاكنا بعــدهما نحــو‪:‬‬ ‫للحركــة بعــدهما كمــا‬
‫والغـيب")‪.(٧٣‬‬
‫ََ‬ ‫القـَود‪...‬‬
‫َ‬
‫فالكالم واضح يف ّ‬
‫أن الواو والياء قد يأتيان يف سياقات صوتية معينـة‪ ،‬وهمـا أشـبه‬
‫بالحروف الصحاح‪.‬‬

‫)‪ (70‬معاني القرآن ‪.٤٥٩/١‬‬


‫رس صناعة اإلعراب ‪.٢٢/١‬‬
‫)‪ّ ( 71‬‬
‫)‪ (72‬رس صناعة اإلعراب ‪.٢٣ /١‬‬
‫)‪ (73‬الخصائص ‪.٣٢١/٢‬‬
‫‪١١٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ‬
‫املعتـل‬ ‫جنـي يف موضع آخر هذين املدلولني معا ً‪ ،‬فقال‪ّ " :‬‬
‫وأما الحـرف‬ ‫ّ‬ ‫وقد أجمل ابن‬
‫ّ‬
‫ومعتـل غـري تـابع ملـا‬ ‫فعىل رضبني‪ :‬ساكن تابع ملا قبله‪ :‬كقاما‪ ،‬وقاموا‪ ،‬وقـومي)‪...(٧٤‬‬
‫أو‪.(٧٧) ...‬‬
‫لو‪ْ ،‬‬
‫كي‪ْ ،‬‬ ‫قبله)‪ ،(٧٥‬وهو الياء والواو الساكنتان بعد الفتحة")‪.(٧٦‬نحو‪ْ :‬‬
‫أي‪ْ ،‬‬
‫ومما يالحظ أن علماء العراق لم يذكروا حرف ّ‬
‫املد الثالث )األلف( هنا‪ ،‬ويف هذا إشعار‬
‫منهم بأنهم أدركوا ّ‬
‫أن األلف هو حرف ّ‬
‫مد )حركة طويلة( بكل سياقاته‪.‬‬
‫وتابع املحدثون ما ذكره القدامى )‪ (٧٨‬من اإلشارة اىل هذين املـدلولني تمامـا‪ ،‬غـري أنهـم‬
‫أوضحوا ّ‬
‫أن الواو والياء إذا لم تكونا حريف ّ‬
‫مد )حركتني طويلتني( فإنهمـا يختلفـان عـن‬
‫الواو والياء ّ‬
‫املديتني ببعض الفروق النطقية‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ – ١‬أن الفراغ بني اللسان ووسط الحنك األعىل حني النطق بالياء )نصف الحركة(‪ ،‬يكون‬
‫أضيق منه يف حالة النطق بالياء ّ‬
‫املدية )الكـرسة الطويلـة(‪،‬وكـذلك مـع الـواو )نـصف‬
‫الحركة( يكون الفراغ بني أقىص اللسان وأقىص الحنك أضيق منه يف حالة النطق بـالواو‬
‫ّ‬
‫املدية )الضمة الطويلة(‪.‬‬
‫‪ – ٢‬الواو والياء )نصف الحركتني( أقرص زمنا ًمن الحركتني املناظرتني لهما‪.‬‬
‫قلـة وضوحهما يف السمع‪ ،‬إذا قيسا بالحركتني املناظرتني لهما‪.‬‬
‫‪ّ –٣‬‬
‫ّ‬
‫متعددة منها‪:‬‬ ‫وقد أطلق املحدثون عىل صوتي الواو والياء إذا لم تكونا حركتني أسماء‬

‫)‪ (74‬أي‪ :‬كونهما حركتني خالصتني)حريف م ّ‬


‫مدد(‪.‬‬
‫)‪ (75‬وهو املدلول الثاني‪ ،‬أي‪ :‬أشباه اللني‪.‬‬
‫جنـي سياقا صوتيا واحدا‪ ،‬وال يعني هنا الحرص‪ ،‬والسياق اآلخر هو أن تلحق بالواو واليـاء‬ ‫ّ‬ ‫)‪ (76‬ذكر ابن‬
‫حركات مخالفة لهما‪.‬‬
‫)‪ (77‬الخصائص ‪.١٣١/٣‬‬
‫)‪ (78‬األصوات اللغوية ‪ ،٤٢ /‬وعلم اللغة العام ‪.١٠٥ /‬‬
‫‪١١٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫)‪(٨١‬‬
‫علــة‬
‫ّ‬ ‫أشباه أصوات اللني )‪ ،(٧٩‬أو أنصاف حركات‪ ،‬أو أنصاف صوامت )‪ ،(٨٠‬أو أنصاف‬
‫أو شبه السواكن )‪.(٨٢‬‬
‫* *‬ ‫*‬

‫مخارج األصوات‪:‬‬
‫منظـمة إىل ّ‬
‫حد ما‪ ،‬يف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫علمية‬ ‫مبكـر يف دراسات‬
‫ّ‬ ‫برع علماء العربية يف العراق منذ وقت‬
‫علم األصوات النطقي‪ ،‬وكان لهم – ضمن بحوث هذا العلـم – ترتيـب للحـروف العربيـة‬
‫حسب معيار صوتي عىل يد الخليل بن أحمد‪ ،‬ثم أعـاده سـيبويه بـشكل أكثـر موافقـة‬
‫ومالءمة ملا هو منطوق فعال يف ستة عرش مخرجا‪ ،‬ابتدأوا بهـا مـن الحلـق‪ ،‬ثـم األرفـع‬
‫فاألرفع‪ ،‬حتى انتهوا بالشفتني‪ ،‬وكأنهم سايروا خروج الهواء من الرئتني‪.‬‬
‫وقد اعرتف املحدثون بهذه األسبقية‪ ،‬وبدراستها املنظمة واملحكمة‪ ،‬التي توافـق أغلبهـا‬
‫ّ‬
‫توصل إليه الدرس الصوتي الحديث‪ ،‬عىل الرغم من الفارق الكبري يف وسائل البحث‬ ‫مع ما‬
‫بينهما‪.‬‬
‫• قال املسترشق برجشرتارس‪ " :‬ولم يسبق الغربيني يف هذا العلم إال قومان مـن أقـوام‬
‫الرشق‪ ،‬وهما أهل الهند‪ ،‬وأهل العرب ")‪.(٨٣‬‬
‫• وقال كانتينو‪ " :‬ونظرية مخارج الحروف عند النحاة العرب نظرية أحكموا ضـبطها‬
‫)‪.(٨٤‬‬
‫بعناية "‬

‫)‪ (79‬األصوات اللغوية ‪،٤٢ /‬علم اللغة للسعران ‪ ،١٩٧/‬وقد اصطلح عليها بأشباه الصوائت‪.‬‬
‫)‪(80‬علم اللغة العام ‪.١٠٨/‬دروس يف علم أصوات العربية ‪.١٣٧/‬‬
‫)‪ (81‬مناهج البحث يف اللغة ‪.١٠٨ – ١٠٧ /‬‬
‫)‪ (82‬اللغة‪ ،‬لفندريس ‪.٥١ /‬‬
‫)‪ (83‬التطور النحوي للغة العربية‪١١/‬‬
‫)‪ (84‬دروس يف علم أصوات العربية ‪.٣١ /‬‬
‫‪١١٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وسنعرض – بإيجاز – ما ذكره علماء العربية يف العراق يف القرنني الثالث والرابع مـن‬
‫أقوال وآراء يف مخارج األصوات‪ ،‬مؤثرين يف هذا العرض التسلسل الزمني‪،‬حتـى نـصل إىل‬
‫جنـي "‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تمام البحث فيها عىل يد "ابن‬
‫وسيكون أساس الدراسة – بادئ األمر – وتقويم آراء علماء العربية يف القرنني الثالث‬
‫خلـفه لنا سيبويه )‪ ،(٨٥‬وهو‪:‬‬
‫والرابع عىل وفق الرتتيب الذي ّ‬
‫) ء هـــــ ا – ع ح – غ خ ‪ /‬ق ك ‪ /‬ج ش ي )‪ / (٨٦‬ض ‪ /‬ل ‪ /‬ن‪ /‬ر ‪ /‬ط د ت ‪ /‬ز س‬
‫ص‪ /‬ظ ذ ث‪ /‬ف‪ /‬ب م و ‪ /‬النون الخفيفة (‪.‬‬
‫جنــي مـن آراء‪ّ ،‬‬
‫ألن‬ ‫ّ‬ ‫أما املقارنة مع الدرس الحديث فستكون مع ما ِ‬
‫أثـر عـن ابـن‬
‫أفكاره تمثل قمة ما وصل اليه علماء العربية يف العراق من دراسات صوتية‪.‬‬

‫الفراء الكويف‪:‬‬
‫ّ‬
‫الفراء الكويف‪ ،‬الذي لـم يـرتك لنـا ترتيبـا‬ ‫ّ‬
‫أول ما نقف عنده يف بداية القرن الثالث هو ّ‬
‫لكـنه عرض ليشء من هذا يف كتابه معاني القرآن‪.‬‬
‫صوتيا كامال‪ّ ،‬‬
‫وأشهر ما وصل إلينا عنه رواية الـسريايف التـي تـذكر ّ‬
‫أن الفـراء خـالف سـيبويه يف‬
‫موضعني‪:‬‬
‫فـرق بينهمـا‬ ‫أولهما‪ " :‬أنه جعل مخرج الياء والواو واحدا " )‪ ،(٨٧‬غري ّ‬
‫أن سيبويه قـد ّ‬
‫فجعل الياء من وسط اللسان‪ ،‬والواو مـن الـشفتني‪ ،‬وروايـة الـسريايف هـذه اعتمـدها‬
‫الدكتور املخزومي وحاول تسويغها ّ‬
‫بأن الفـراء يـرى رأي الخليـل يف أن مخـرج الـواو‪،‬‬

‫)‪ (85‬الكتاب ‪ ٤٠٤ /٢‬وما بعدها‪.‬‬


‫)‪ (86‬الياء غري ّ‬
‫املدية‪.‬‬
‫)‪ (87‬رشح السريايف ‪.٤٥٥ – ٤٥٤ /٦‬‬
‫‪١١٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫والياء‪ ،‬واأللف واحد هو الجوف )‪ .(٨٨‬واعتمدها أيضا الدكتور محمد حسني آل ياسني ولم‬
‫يعقب عليها‪ ،‬وجعلها من املسائل الخالفية يف اللغة )‪.(٨٩‬‬
‫إال أني أرى عدم موافقة هذا التفسري مع روح ّ‬
‫نص الفراء الذي نقله السريايف‪ ،‬وال مع‬
‫ما جاء عنه يف كتابه معاني القرآن‪ ،‬فهو تفسري ناقص‪ ،‬وتبيان ذلك هو‪:‬‬
‫الفراء الذي استوحى منه السريايف هذا الرأي هو‪:‬‬
‫أ – قول ّ‬
‫كل التآخي‪ّ ،‬‬
‫ألن مخرجهما من حروف الفم‪ ،‬ال يلتقـي‬ ‫)والياء والواو أختان‪ ،‬وإنما تآختا ّ‬
‫بهما موضع من الفم كما يلتقي عىل غريه( )‪.(٩٠‬‬
‫ّ‬
‫محـدد‪،‬‬ ‫فالنص واضح يف ّ‬
‫أن الفراء لم يقل‪ :‬إنهما أختان لوحـدة مخرجهمـا يف موضـع‬ ‫ّ‬
‫وإنما نسب مخرجهما إىل منطقة الفم‪ ،‬وهي منطقة واسعة‪ ،‬ويبدو يل أنه يريـد يف هـذا‬
‫القول‪ :‬وصف الياء والواو إذا كانتا من حروف املد‪ ،‬أي‪ :‬كونهما حركتني طويلتني‪ ،‬وهمـا‬
‫الصوتان اللذان نسبهما الخليل بن أحمد )‪ (٩١‬إىل الجوف‪ ،‬ألنهما ال يقعان يف مدرجـة مـن‬
‫مدارج الحلق‪ ،‬أو الفم‪ ،‬أو الشفتني‪ ،‬حتى تنسبا إليه‪ ،‬فهما بهذه الصفة صوتان ممتـدان‬
‫الفراء‪ " :‬ال يلتقي بهما موضع مـن الفـم‬
‫ال يعرتض سبيل هوائهما حائل‪ ،‬أي كما يقول ّ‬
‫كما يلتقي عىل غريه " من األصوات الصحاح‪.‬‬
‫دقـة مالحظته الـصوتية التـي تبعـد‬
‫الفراء‪ّ ،‬‬
‫ب – ويعضد ما ذهبنا إليه من تفسري قول ّ‬
‫عنه احتمال قوله ّ‬
‫بأن الواو والياء إذا لم تكونـا مـدتني همـا مـن مخـرج واحـد‪ ،‬فمـن‬
‫الدقــة‪،‬هو إحساسه ّ‬
‫بأن الحركات القصرية عىل الـرغم مـن كونهـا مـن‬ ‫ّ‬ ‫مصاديق هذه‬
‫جنس حروف املد )الحركات الطويلة( التي لم يكن لها مخرج تنسب إليه – لها كيفيـات‬

‫)‪ (88‬مدرسة الكوفة ‪ ،١٦٩ /‬وكتاب العني ‪.٥٧ /١‬‬


‫)‪ (89‬الدراسات اللغوية عند العرب ‪.٣٩٥ /‬‬
‫)‪ (90‬رشح السريايف ‪.٤٥٤ /٦‬‬
‫)‪ (91‬العني ‪.٥٧ /١‬‬
‫‪١١٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ‬
‫الـضم‬ ‫مختلفة يف الفم حال النطق بها‪ ،‬إذ قال يف معرض حديثـه عـن اسـتثقال تتـابع‬
‫الضم والكرس ّ‬
‫ألن ملخرجيهما مؤونة عـىل اللـسان والـشفتني‬ ‫ّ‬ ‫والكرس‪ " :‬فإنما يستثقل‬
‫ّ‬
‫تنضم الرفعة بهما فيثقل الضمة ويمال أحد الـشدقني إىل الكـرسة‪ ،‬فـرتى ذلـك ثقـيال‪،‬‬
‫والفتحة تخرج من خرق الفم بال كلفة " )‪.(٩٢‬‬
‫فمن ُيدرك هذا االختالف جدير به ْ‬
‫أن يدرك اختالف الواو والياء مخرجا ًإذا لـم تكونـا‬ ‫َ‬
‫ّ‬
‫مدتني‪.‬‬
‫وثانيهما‪) :‬أنه جعل الفاء والباء وامليم من بني الشفتني()‪.(٩٣‬‬
‫ّ‬
‫أما سيبويه فقد جعل الفاء من باطن الشفة السفىل وأطراف الثنايـا العـىل‪ ،‬وجعـل‬
‫الفراء اقتفى فيه‬
‫أن ّ‬ ‫الباء وامليم من الشفتني‪ ،‬واعتمد الدكتور املخزومي هذا النقل ورأى ّ‬
‫عد هذه األصوات من الشفتني )‪ ،(٩٤‬واعتمده كذلك الدكتور محمد حـسني‬
‫أثر الخليل الذي ّ‬
‫وعده من املسائل الخالفية بني املدرستني يف اللغة )‪.(٩٥‬‬
‫آل ياسني‪ّ ،‬‬
‫الفراء لسببني‪ ،‬هما‪:‬‬
‫فكر ّ‬‫ويبدو يل أن هذا ال يمثل ِ ْ‬
‫الفراء الذي اعتمده السريايف وبنى عليه هذا الحكم‪،‬هو‪ ":‬أبعد الحروف من الحاء‬
‫نص ّ‬ ‫أ‪ّ -‬‬
‫أن الفاء وأختيها من الشفتني مخارجهن‪ّ ،‬‬
‫فهن الغاية‬ ‫وأخواتها‪ ،‬الباء وامليم والفاء‪ ،‬وذلك ّ‬
‫البعد من الحاء وأخواتها)*("‪.‬‬
‫يف ُ‬

‫)‪ (92‬معاني القرآن ‪.١٣/٢‬‬


‫)‪ (93‬رشح السريايف ‪ ٤٥٥/٦‬ونقل ابن الحاجب هذين الرأيني من دون االشـارة اىل الـسريايف‪ ،‬وقـد سـقط‬
‫اللفظ )الباء( من الرأي الثاني‪ ،‬وجاء برواية )خالف الفراء سيبويه يف موضعني‪ :‬أحدهما أنه جعل مخـرج‬
‫الياء والواو واحدا‪ ،‬واآلخر أنه جعل الفاء وامليم بني الشفتني( )ينظر‪ :‬رشح الشافية ‪( ٣٩٥ /٣‬‬
‫)‪ (94‬مدرسة الكوفة ‪.١٦٩ /‬‬
‫)‪ (95‬والدراسات اللغوية ‪.٣٩ /‬‬
‫)*( رشح السريايف ‪.٤٥٤ /٦‬‬
‫‪١١٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫فالنص واضح يف كونه ليس بصدد بيان مخرج ّ‬


‫كل صوت من األصوات الثالثة‪ ،‬وإنما‬ ‫ّ‬
‫هو بصدد بيان تقابل األصوات املتباعدة‪ ،‬ففي جهة الحاء وأخواتها من أصـوات الحلـق‪،‬‬
‫ويف الجهة املقابلة صوت الفاء وأختيها من الشفتني‪.‬‬
‫أن أصوات الحلـق‬ ‫فعرب عن األصوات الحلقية بعبارة )الحاء وأخواتها (علما ّ‬
‫أنه يرى ّ‬ ‫ّ‬
‫تتوزع عىل ثالثة مخارج‪ ،‬فقد ذكر يف بداية النص السابق‪) :‬األلف التي هي الهمـزة‪ ،‬ثـم‬
‫ّ‬
‫صـح هـذا‬ ‫ذكر العني والحاء‪ ،‬ثم قال‪ :‬والذي يتلوهم يف القرب منهن الغني والخاء (‪ ،‬فإذا‬
‫فلم ال نحمل عبارته األخرى عىل وفق هذا التفسري‪ّ ،‬‬
‫وأنه ال يرى وحدة مخارجهـا‪ ،‬وإنمـا‬
‫ذكر الشفتني معهن لدورها الرئيس يف نطق األصوات الثالثة‪ ،‬خاصة ّ‬
‫وأن املوضـع لـيس‬
‫موضع بيان مخارج‪.‬‬
‫ِ‬
‫برضبة الزب والزم‪ُ ،‬يبدلون الباء ميمـا لتقـارب‬ ‫الفراء‪ ":‬العرب تقول‪ :‬ليس هذا‬
‫ب‪ -‬قول ّ‬
‫املخارج ")‪.(٩٦‬‬
‫أن إجمـاع علمـاء العربيـة عـىل ّ‬
‫أن‬ ‫عرب عن عالقة الباء بامليم بالتقارب‪ ،‬مع ّ‬
‫فالفراء ّ‬
‫ّ‬
‫مخرجهما الشفتان‪ ،‬فإذا كان هو يرى ّ‬
‫أن الباء وامليم متقاربان‪ ،‬فكيـف يجمـع معهمـا‬
‫ّ‬
‫مخارجهن‪.‬‬ ‫حد ما‪ّ -‬‬
‫ويدعي وحدة‬ ‫الفاء ؟ وهي مستقلة عنهما –إىل ّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الفراء ذهابه إىل ّ‬


‫أن مخرج الالم والنون والـراء واحـد‪ ،‬إذ‬ ‫ومن املسائل التي نقلت عن ّ‬
‫ُروي عن أبي حيان محمد بن يوسف )‪٧٤٥‬هــ( قولـه‪ ".‬واملخـارج سـتة عـرش خالفـا‬
‫والفراء‪ ،‬وابن دريد يف زعمهم أربعة عرش‪ ،‬ومحل الخالف هو‪ :‬مخرج‬
‫ّ‬ ‫والجرمي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫لقطرب‪،‬‬

‫)‪ (96‬معاني القرآن ‪.٣٨٤/٢‬‬


‫‪١١٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أن مخرجها واحـد‪ ،‬ومـذهب الجمهـور ّ‬


‫أنهـا ثالثـة‬ ‫الالم والنون والراء‪ ،‬فذهب هؤالء اىل ّ‬
‫مخارج ")‪.(٩٧‬‬
‫رجـح رأي الجمهـور‪ّ ،‬‬
‫ألن‬ ‫وأعتمد الدكتور أحمد مكي األنصاري هذه الرواية‪ ،‬إال أنـه ّ‬
‫الدراسة الحديثة تؤيدهم )‪.(٩٨‬‬
‫الفراء‪ ،‬بـدليل مـا جـاء عنـه يف كتابـه‬
‫ويبدو يل أن الرواية غري دقيقة يف تفسري رأي ّ‬
‫معاني القرآن الذي ال يتفق مع هذا التفسري‪ ،‬إذ قال‪ ":‬العرب تدغم الـالم عنـد النـون إذا‬
‫وتحركت النون‪ ،‬وذلك أنها قريبة املخرج منها " )‪.(٩٩‬‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫سكنت الالم‬
‫أن الالم قريبة املخرج مـن النـون وليـست مـن‬ ‫كاف للداللة عىل ّ‬
‫أنه يرى ّ‬ ‫فهذا الترصيح ٍ‬
‫الرد عىل رواية أبي حيان‪.‬‬
‫مخرجها‪ ،‬ويف هذا أبلغ ّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫أبو الحسن سعيد بن مسعدة األخفش‪:‬‬


‫لم يأت عنه ترتيب متكامل لألصوات العربية عىل وفق مخارجها‪ ،‬وإنما أشـار إىل مـا‬
‫هو بحاجة إليه يف دراسته الصوتية لآليات الكريمة التي تناولها بالدراسة‪.‬‬
‫فقد ذكر مخارج ّ‬
‫كل من الالم‪ ،‬والنون‪ ،‬والطاء‪ ،‬والـدال‪ ،‬والتـاء‪ ،‬والـسني‪ ،‬والـصاد‪،‬‬
‫والثاء‪ ،‬والواو‪ ،‬وقد وافق سيبويه فيها‪ ،‬ولم يخالف‪ ،‬وأبرز ما يالحظ يف بيانه هو اإليجـاز‬
‫يف وصف املخارج‪ ،‬واالكتفاء بذكر أحد العضوين املـشرتكني يف نطـق الـصوت‪ ،‬كقولـه‪:‬‬
‫النون بطرف اللسان‪ ،‬والصاد والنون من مخرج طرف اللسان)‪.(١٠٠‬‬
‫ومن املسائل التي نقلت عنه‪ ،‬هي‪:‬‬

‫)‪ (97‬النرش يف القراءات العرش ‪،٢٨٦/١‬وهمع الهوامع ‪،٢٢٨/٢‬بإضافة ابن كيسان‪.‬‬


‫)‪ (98‬أبو زكريا الفراء ومذهبه يف النحو واللغة ‪.٤٧٢ /‬‬
‫)‪ (99‬معاني القرآن‪ ،‬للفراء ‪.٣٥٣ / ٢‬‬
‫)‪ (100‬معاني القرآن‪ ،‬لألخفش ‪.٥٣٣/٢ ،٢٣،١٠٧،٣٣٩ /١‬‬
‫‪١٢٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫أي‪ :‬أقصاها مخرجا‪.‬‬ ‫إن ّالهمزة هي ّ‬


‫أول األصوات العربية‪ْ ،‬‬ ‫‪-١‬‬
‫أن‬ ‫إّن مخرج الهاء مع األلف ال قبلها وال بعدها )‪ (١٠١‬مـع ّ‬
‫أن سـيبويه ذهـب إىل ّ‬ ‫‪-٢‬‬
‫تحركـت‬ ‫مـؤداه‪ّ :‬‬
‫إن األلـف إذا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ورد ابن ّ‬
‫جني عـىل األخفـش بقـول‬ ‫األلف قبل الهاء )‪ّ ،(١٠٢‬‬
‫اعتمدت بها عىل أقرب الحروف منها إىل أسفل فقلبتها همـزة‪ ،‬ولـو كانـت الهـاء معهـا‬
‫لقلبتها هاء )‪.(١٠٣‬‬
‫والقول يف هذا ّ‬
‫أن مقارنة مخرجي الهاء مع األلف خلط بني صوتني‪:‬‬
‫األول منها‪ :‬الهاء صوت صامت‪ ،‬والثاني‪ :‬األلف صوت صائت ال مخرج له‪ ،‬وال مكان‬
‫ّ‬
‫حددنا مخرجه بموضع الوترين حـال اهتزازهمـا‬ ‫له يف الرتتيب الصوتي لألبجدية‪ .‬إال ّ إذا‬
‫إلحداث الجهر‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫املربد‪:‬‬
‫أبو العباس ّ‬
‫املربد أبواب اإلدغام يف كتابه املقتضب )‪ - (١٠٤‬عىل طريقة سيبويه – بباب خـاص‬ ‫ّ‬
‫استهل ّ‬
‫ملخارج األصوات ّ‬
‫كلها‪ ،‬كاد يتطابق مع ما ذكره سيبويه ‪ ،‬سوى الخالف اآلتي‪:‬‬
‫‪ -١‬يف أصوات الحلق ّ‬
‫قدم الحاء عىل العني‪ ،‬وقدم الخاء عىل الغني‪ ،‬وقد أخرهما سيبويه‪.‬‬
‫‪ -٢‬يف أصوات وسط اللسان قدم الشني عىل الجيم‪،‬مع ّ‬
‫أن سيبويه ّ‬
‫قدم الجيم ولم يـذكر‬
‫املربد الياء معهن‪ ،‬وإنما أشار إليها عند ذكر مخرج النون‪ ،‬مستدال بهـا عـىل قـرب‬
‫ّ‬

‫رس صناعة اإلعراب ‪.٥٢/١‬‬ ‫)‪ّ ( 101‬‬


‫)‪ (102‬الكتاب ‪ ،٢٥٣/٢‬قال سيبويه‪ّ " :‬‬
‫ألن الهمزة أقىص الحـروف‪ ...‬وكـذلك الهـاء ألنـه لـيس يف الـستة‬
‫األحرف أقرب إىل الهمزة منها‪ ،‬وانما األلف بينهما "‪.‬‬
‫رس صناعة اإلعراب ‪.٥٢/١‬‬ ‫)‪ّ ( 103‬‬
‫)‪ (104‬املقتضب ‪.٣٢٨/١‬‬
‫‪١٢١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫مخرج صوت من صوت‪ ،‬إذ قال‪ ":‬فأما النون املتحركة فأقرب الحروف منهـا الـالم‪،‬‬
‫كما أن اقرب الحروف من الياء الجيم‪".‬‬
‫واملربد ذكر الطاء‬
‫ّ‬ ‫‪ -٣‬يف أصوات طرف اللسان ‪ ،‬نجد ّ‬
‫أن سيبويه ذكر الطاء والدال والتاء‪،‬‬
‫واملربد ذكر السني والصاد والزاي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫والتاء والدال‪ ،‬وسيبويه ذكر الزاي والسني والصاد‬
‫َ‬
‫ولعـل وحـدة‬ ‫واملربد ذكر الظـاء والثـاء والـذال‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وسيبويه ذكر الظاء والذال والثاء‪،‬‬
‫املخرج ّ‬
‫سوغت له التقديم والتأخري يف املجموعة الواحدة إذ ْ ال ضري فيه‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫أبو الحسن محمد بن كيسان‪:‬‬


‫ّ‬
‫نـستدل عـىل رأيـه يف ترتيـب‬ ‫لكــننا يمكـن ْ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫لم نقف عىل ترتيب كامل لألصوات‪،‬‬
‫نقـل عنـه ّ‬
‫أن‬ ‫مخارج األصوات من خالل إشارته إىل األصوات املجهورة‪ ،‬واملهموسة‪ :‬فقد ِ‬
‫املجهورة هي )األلف‪ ،‬والعني‪ ،‬والغني‪ ،‬والقاف‪ ،‬والجيم‪ ،‬والباء‪ ،‬والضاد‪ ،‬والـالم‪ ،‬والنـون‪،‬‬
‫والراء‪ ،‬والطاء‪ ،‬والزاي ‪ ،‬والظاء‪ ،‬والذال‪ ،‬وامليم‪ ،‬والواو‪ ،‬والهمزة‪ ،‬والياء(‬
‫أما املهموسة فهي‪) :‬الهاء‪ ،‬والحاء‪ ،‬والخاء‪ ،‬والكاف‪ ،‬والشني‪ ،‬والـسني‪ ،‬والتـاء‪ ،‬الـصاد‪،‬‬
‫والثاء‪ ،‬والفاء( )‪.(١٠٥‬‬
‫النصني مع ّ‬
‫نيص سيبويه لالحظنا‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ولو قارنا هذين‬
‫مطابقة ترتيب األصوات املهموسة عند الرجلني‪ ،‬واختالف ترتيب األصوات املجهـورة‬
‫يف مواضع هي‪:‬‬
‫َ‬
‫فعـل الخليـل بـن أحمـد‬ ‫يقدم العني كما‬ ‫يقدم الهمزة كما ف َ‬
‫عل سيبويه‪ ،‬ولم ّ‬ ‫‪ – ١‬لم ّ‬
‫ولعلـه يرى ّ‬
‫أنها أبعد مخرجا ً من العني‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وإنما ّ‬
‫قدم األلف‪،‬‬

‫)‪ (105‬لسان العرب ‪ :١٧/١‬باب ألقاب الحروف‪.‬‬


‫‪١٢٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ولعلــه‬
‫ّ‬ ‫أخـر الهمزة والياء‪،‬وأتبعهما لصوت الواو‪ ،‬وختم بهما األصوات املجهـورة‪،‬‬
‫‪ّ –٢‬‬
‫أخـر هذه األصوات بعد ّ‬
‫ضم صوت األلف إليها‪.‬‬ ‫تأثر بما فعل الخليل بن أحمد‪ ،‬الذي ّ‬
‫ْ ُ‬
‫وضـع الباء مكان الياء‪ ،‬يرد عليه أمران‪ ،‬هما‪:‬‬ ‫‪–٣‬‬
‫أخـر الـواو‪ ،‬واليـاء‪ ،‬واأللـف والهمـزة إىل آخـر‬
‫أ –محاكاة ترتيب الخليل بن أحمد الذي ّ‬
‫األبجدية الصوتية‪.‬‬
‫لكنه تبقى عندنا مسألة تقديم األلف عىل ّ‬
‫كل األصوات واالستهالل به‪ ،‬وهذا ماال نجد لـه‬
‫تفسريا‪.‬‬
‫ب – قد يكون سببه هو التـصحيف‪ ،‬وبخاصــة ّ‬
‫أن التـشابه كبـري بـني كتابـة لفظـي‬
‫الصوتني‪ ،‬وهو أمر محتمل‪ ،‬وبذلك يقارب ترتيب سيبويه‪.‬‬
‫أن املخارج أربعـة عـرش‪ّ ،‬‬
‫ألنه‬ ‫أما رواية أبي حيان )‪ (١٠٦‬التي َ‬
‫نقـلت لنا رأي ابن كيسان يف ّ‬
‫لنـدرة ما َ‬
‫وصل إلينا من‬ ‫التحقـق منها ُ‬
‫ّ‬ ‫عد مخرج النون والالم والراء واحدا ً‪ ،‬فال سبيل إىل‬
‫ّ‬
‫أفكاره الصوتية‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫أبوبكر محمد بن الحسن بن دريد‪:‬‬


‫اعتمد ابن دريد ترتيـب الحـروف املعهـود بـني النـاس وهـو )أ ب‪،‬ت‪ ،‬ث‪ (...‬يف بنـاء‬
‫ّ‬
‫الخاصة‪ ،‬وطالبهـا مـن هـذه‬ ‫كعلم‬ ‫معجمه )جمهرة اللغة( ّ‬
‫ألنه يرى ّ‬
‫أن ِعلم العامة بها َ ِ‬
‫أي‪ّ :‬‬
‫إنه لم يلتزم بالرتتيـب الـصوتي الـذي‬ ‫الجهة بعيدا من الحرية مشفيا عىل ُ‬
‫املراد )‪ْ (١٠٧‬‬
‫املتمثــل يف إيـراد الكلمـة‬
‫ّ‬ ‫وضعه الخليل – عىل الرغم مـن متابعتـه لنظـام التقليبـات‬

‫)‪ (106‬النرش يف القراءات العرش ‪ ،٢٨٦/١‬والهمع ‪.٢٢٨/٢‬‬


‫)‪ (107‬جمهرة اللغة ‪.٣/١‬‬
‫‪١٢٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ومقلوباتها – من الصور املحتملة حالة ّ‬


‫تغري مواضع حروف الكلمة داخل البناء الواحد –‬
‫متأثــرا بأسـالفه‬
‫ّ‬ ‫وبحثها يف موضع واحد‪ ،‬لكنه شارك ببحث صوتي يف ّ‬
‫مقدمة معجمه‬
‫من علماء اللغة والنحو‪ .‬وقـد شـمل هـذا البحـث تحديـده األصـوات العربيـة األصـلية‬
‫ّ‬
‫مقيد‪ ،‬وشـمل ـــ‬ ‫ّ‬
‫مقيد بتتابع صوتي معني أوغري‬ ‫ّ‬
‫تطور‬ ‫والفرعية‪ ،‬وما جرى عليها من‬
‫أيضاــ بحث صفات األصوات‪،‬وأجناسها‪،‬ومخارجها‪ ،‬والذي ّ‬
‫يهمنـا اآلن بحثـه ملخـارج‬
‫األصوات‪ ،‬إذ جاء يف ّ‬
‫مقدمة الجمهرة بابان‪:‬‬
‫تطرق فيه إىل مخـارج األصـوات ّ‬
‫ألن تقـسيم‬ ‫‪ -‬أحدهما‪ :‬باب صفة الحروف وأجناسها‪ّ ،‬‬
‫تصوره‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األجناس ُبني عىل املخارج عىل وفق‬
‫استهلـه بذكر مخارج األصـوات عـىل وفـق‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬وثانيهما‪ :‬باب الحروف وأجناسها‪ ،‬والذي‬
‫نـصه‪ " :‬وقـد ّ‬
‫فـرس‬ ‫ّ‬ ‫آراء النحويني السابقني له‪ ،‬إذ قال يف ختام البـاب الـسابق لـه مـا‬
‫أثبتــه لك‪ْ ،‬‬
‫وإن كان فيـه طـول‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النحويون مخارج الحروف وأجناسها تفسريا آخر‪ ،‬وقد‬
‫لتقف عىل ألقاب الحروف ومخارجها "‪.‬‬
‫ومع ما ُ ْ‬
‫يؤخذ عىل هذا الباب من مالحظات‪،‬سواء أكانت يف الرتتيب العام للمجموعات‬
‫ّ‬
‫حـد كبـري مـا جـاء عـن‬ ‫لكل مجموعة‪ ،‬إال ّ‬
‫أنـه يـشبه اىل‬ ‫الصوتية‪ ،‬أم الرتتيب الخاص ّ‬
‫سيبويه‪.‬‬
‫خلـفه لنا ابن دريد يف هذا املجال فسيُْعتمد الباب األول – املوسوم بــ‬ ‫ّ‬
‫أما تقويمنا ملا ّ‬
‫صفة الحروف وأجناسها – أساسا له‪ ،‬ألنه ّ‬
‫يعرب عن أفكار ابن دريد الخاصة به‪ ،‬والبـاب‬
‫الثاني ّ‬
‫يعرب عن أفكار النحويني السابقني له‪.‬‬
‫وفكرة باب صفة الحروف وأجناسها تدور حول تصنيف عام جديد عىل وفق مخارج‬
‫عامة أطلق عليها اسم )األجناس( وهي سبعة‪:‬‬

‫‪١٢٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫‪ – ١‬جنس حروف الحلق‪:‬‬


‫وأصواته‪ :‬الهمزة‪ ،‬والهاء‪ ،‬والحاء‪ ،‬العني‪ ،‬والخاء‪ ،‬والغني‪:‬‬
‫والذي يتبني لنا من هذا الرتتيب هو‪:‬‬
‫أ – إقراره ّ‬
‫بأن الهمزة أقىص األصوات مخرجا‪.‬‬
‫ب – إسقاطه صوت األلف من األصوات الحلقية‪ ،‬ال بسبب كونه حركة‪ ،‬وليس بصامت‬
‫ّ‬
‫متغري ال ُيبدأ به‪.‬‬ ‫متنقـل‬
‫ّ‬ ‫كما يرى املحدثون‪ّ ،‬‬
‫وإنما ألنه‬
‫ألنه يرى ّ‬
‫أنها تيل الهاء‪ ،‬بدليل وقوع اإلبدال بينهمـا‪ ،‬نحـو‪:‬‬ ‫ج – تقديمه الحاء عىل العني‪ّ ،‬‬
‫مدح ومده‪ّ ،‬‬
‫وأن العني تتلو الحاء يف املدرج واالرتفاع‪.‬‬
‫أما سيبويه وجمهور النحاة فريون ّ‬
‫أن املخرج واحد‪ ،‬وهو وسط الحلق‪ ،‬لكنـه جـرى‬
‫وأيد الدارسون املحدثون هذا األمر )‪.(١٠٨‬‬
‫العرف يف تقديم العني عىل الحاء عندهم‪ّ ،‬‬
‫ُ‬
‫بأن الخاء تيل العني يف املخرج‪ ،‬وهو ما ذهب إليـه سـيبويه والجمهـور‪ ،‬إال ّ‬
‫أن‬ ‫د – إقراره ّ‬
‫قدم الغني عىل الخاء ُعرفا‪ ،‬مـع‬
‫تقديمه الخاء عىل الغني ال يعني مخالفته للجمهور الذي ّ‬
‫إقرار الجميع بوحدة مخرجهما‪ ،‬فقد قـال‪ " :‬الخـاء‪ ...‬تـيل العـني‪ ،‬والغـني عـىل مـدرج‬
‫الخاء")‪.(١٠٩‬‬
‫‪ – ٢‬جنس أقىص الفم من أسفل اللسان‪:‬‬
‫وأصواته‪ :‬القاف‪ ،‬والكاف‪ ،‬ثم الجيم‪ ،‬ثم الشني‪:‬‬
‫ونالحظ عىل هذا أمرين‪:‬‬
‫أ – موافقته لرأي سيبويه يف ّ‬
‫عد القاف والكاف من أقىص الفم واللسان‪.‬‬

‫)‪(108‬األصوات اللغوية ‪ ،٨٨ /‬علم اللغة العام ‪.١٥٥/‬‬


‫)‪ (109‬جمهرة اللغة ‪.٦/١‬‬
‫‪١٢٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عـدهما مـن وسـط‬ ‫عد الجيم والشني من هـذا املخـرج‪ّ ،‬‬


‫ألن سـيبويه ّ‬ ‫ب – مخالفته يف ّ‬
‫اللسان‪ ،‬وعليه الدارسون املحدثون )‪.(١١٠‬‬
‫ّ‬
‫الحيـز بعـدم‬ ‫ّ‬
‫استدل عىل التقاء هذه األصوات األربعة يف هـذا‬ ‫ويظهر ّ‬
‫أن ابن دريد قد‬
‫تآلفها يف البناء‪ ،‬وقال‪ " :‬ليس يف كالمهم‪ :‬قك وال كق‪...‬وليس كالمهم‪ :‬جك وال كج " )‪.(١١١‬‬
‫تفشـيها وقربها ناحية الفم‪ ،‬فوجد‬
‫ّ‬ ‫أن الشني دخلت عىل هذه األصوات بسبب‬ ‫إال ّ‬
‫أنه رأى ّ‬
‫القش‪ ،‬وكش‪ ،‬وجش‪.‬‬
‫وفـق ابن دريد يف تحديد أصوات هذا الجنس‪ّ ،‬‬
‫ألنه من الثابت عنـد القـدامى‬ ‫وعموما لم ي ّ‬
‫واملحدثني ّ‬
‫أن صوتي الجيم والشني ليسا من أقىص اللسان‪.‬‬
‫‪ – ٣‬جنس حروف وسط اللسان مما هو منخفض‪:‬‬
‫أما سيبويه ّ‬
‫فعد هذه األصوات مـن طـرف اللـسان‪،‬‬ ‫وأصواته‪:‬السني‪،‬والزاي‪ ،‬والصاد‪ّ ،‬‬
‫وليس من وسطه‪ ،‬وهي كذلك عند املحدثني‪ ،‬فابن دريد يف هذا التحديد لـم يكـن دقيقـا‪،‬‬
‫ّ‬
‫النص‪ ،‬وقلنا‪ :‬بأنه أحس بإطباق الصاد‪،‬فأدرك كيفيـة وضـع‬ ‫ّ‬
‫الظن يف تفسري‬ ‫ّ‬
‫أحسنا‬ ‫وإذا‬
‫صح ُيحمد عليه‪ ،‬إال ّ‬
‫أن جمعه للـسني‪ ،‬والـزاي‪،‬‬ ‫ليتم اإلطباق‪ ،‬وهو إدراك لو ّ‬
‫ّ‬ ‫اللسان معه‬
‫مع الصاد يقف يف وجه هذا التأويل وي ّ‬
‫رده‪.‬‬
‫‪ – ٤‬جنس حروف أدنى الفم‪:‬‬
‫وأصواته‪ :‬التاء‪،‬والطاء‪،‬والدال‪ .‬وأدنى منهـا ّ‬
‫ممـا هـو " شـاخص إىل الغـار األعـىل‪:‬‬
‫الظاء‪،‬والثاء‪،‬والذال‪،‬والضاد‪.‬‬
‫أما عند سيبويه فالطاء والدال والتاء من طرف اللسان وأصول الثنايا‪ ،‬وهي كـذلك عنـد‬
‫املحدثني‪ ،‬والظاء والذال والثاء من طرف اللسان وأطراف الثنايا وهي بهذا الوصـف عنـد‬

‫)‪ (110‬دروس يف علم أصوات العربية ‪ ،٩٨ ،٣٠ /‬علم اللغة العام ‪.١٥٤ /‬‬
‫)‪ (111‬جمهرة اللغة ‪.٧ – ٦ /١‬‬
‫‪١٢٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫حافــة اللسان وما يليـه مـن األرضاس‪،‬‬


‫ّ‬ ‫أما الضاد عند سيبويه فهي من ّ‬
‫أول‬ ‫املحدثني‪ّ .‬‬
‫وقد استحسنه بعض املحدثني )‪.(١١٢‬‬
‫و ما نالحظه عىل وصف ابن دريد هو‪:‬‬
‫ُُ‬
‫وصفــه للطـاء والـدال‬ ‫أ – قد يكون مراده من أدنى الفم منطقة طرف اللسان‪ ،‬فيكون‬
‫والتاء‪ ،‬وللظاء والثاء والذال صحيحا‪.‬‬
‫بأنـــها شاخـصة إىل الغـار‬
‫ّ‬ ‫ب– ّ‬
‫أما وصفه لألصوات )الظاء‪ ،‬والثاء‪ ،‬والـذال‪ ،‬والـضاد(‬
‫األعىل ال ينطبق عىل األصوات األربعة‪ّ ،‬‬
‫ألن الشخوص اىل الغار األعـىل صـفة قريبـة مـن‬
‫اإلطباق أو االستعالء‪ ،‬وبهذا يكون الوصف بها صحيحا للظاء والضاد دون الثاء والـذال‪،‬‬
‫َ‬
‫الشخوص إىل الغار األعىل أقرب إىل الصفات منهـا اىل‬ ‫فهذان من األصوات املستفلة‪ ،‬ثم ّ‬
‫إن‬
‫املخارج‪.‬‬
‫ُ‬
‫جنس الشفة‪ ،‬وأصواته‪ :‬الفاء‪ ،‬وامليم‪ ،‬والباء‪.‬‬ ‫‪–٥‬‬
‫ولعلــه قـصد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أسفلهن‪ ،‬ثم الباء‪ ،‬ثم امليم‪،‬‬ ‫حدد ابن دريد ُمخرج صوت الفاء ّ‬
‫بأنه‬ ‫وقد ّ‬
‫ّ‬
‫ويـرجح هـذا‬ ‫ّ‬
‫أسفلهن( وضع التقاء باطن الشفة السفىل بأطراف الثنايا العليـا‪،‬‬ ‫بلفظ )‬
‫وقوفه عىل وصف النحويني له‪ .‬فإذا َ ّ‬
‫صح هذا‪ ،‬فقد أصاب يف وصفه‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومقدم الغار األعىل‪:‬‬ ‫‪ – ٦‬جنس أسلة اللسان‬
‫وأصواته‪ :‬الراء‪ ،‬والنون‪ ،‬والالم‪ ،‬وهو وصف عام ملا ذكره سيبويه من وصف دقيق لها‪،‬‬
‫لعل هذا الوصف العام هو الذي أوحى إىل أبي حيان أن ينسب إىل ابن دريد بأنه يـرى ّ‬
‫أن‬ ‫و ّ‬
‫)‪(١١٣‬‬
‫وليست ثالثة مخارج‪.‬‬ ‫مخرج الالم‪ ،‬والنون‪ ،‬والراء واحد‬
‫‪ – ٧‬جنس الفم‪:‬‬

‫)‪ (112‬دروس يف علم أصوات العربية ‪.٨٥ /‬‬


‫)‪ (113‬همع الهوامع‪.٢٢٨/٢ :‬‬
‫‪١٢٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ‬
‫متقدم لوجدنا الخليل قد نسب )الواو والياء‬ ‫وأصواته‪ :‬الواو والياء‪ ،‬لو ُ ْ‬
‫عدنا إىل عرص‬
‫واأللف اللينة إىل الجوف )‪ّ ،(١١٤‬‬
‫أما سيبويه فكأنه أدرك أحد مدلويل الصوتني‪ ،‬وهو كونهما‬
‫ّ‬
‫حدده له‪.‬‬ ‫ففرقهما يف الرتتيب الصوتي‪ ،‬ووضع ّ‬
‫كل صوت يف املخرج الذي‬ ‫صامتني‪ّ ،‬‬
‫اتــساع مخرجيهما‪ ،‬وهـي‬
‫فكأنـه حاكى الخليل يف تحديده لهما‪ ،‬فرأى ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أما ابن دريد‬
‫تتم حال كونهما حركتني خالـصتني‪ ،‬غـري ّ‬
‫أن ابـن دريـد لـم يـذكر هـذا‬ ‫كيفية نطقية ّ‬
‫الضابط‪ّ ،‬‬
‫لكن كالمه يـوحي بـذلك‪ ،‬فقـد قـال‪ " :‬ومـن جـنس الفـم‪...‬مـا مخرجـه إىل‬
‫ذكـر)األلف( معهما‪ِ ،‬علما ّ‬
‫أنـه يـشرتك‬ ‫الهواء‪...‬الواو والياء‪ (...‬وما ُيؤخذ عليه‪ ،‬هو عدم ِ ْ‬
‫معهما يف هذه الحالة النطقية‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ّ‬
‫الزجاجي‪:‬‬ ‫أبو القاسم عبدالرحمن بن إسحاق‬
‫ّ‬
‫استهل باب اإلدغام يف كتابه )الجمل( بذكر مخارج االصوات‬ ‫وهو عىل ُ ّ‬
‫سنـة سابقيه‬
‫الستة عرش‪ ،‬مراتبها‪ ،‬وصفاتها وكان حديثه عن املخـارج مـوجزا‪ ،‬إذ قـال‪ " :‬فحـروف‬
‫العربية تسعة وعرشون حرفا وهي‪ :‬الهمـزة واأللـف والهـاء‪ ،‬والعـني والحـاء‪ ،‬والغـني‬
‫والخاء‪ ،‬والقاف والكاف‪ ،‬والضاد والجيم والشني والياء‪ ،‬والـالم والـراء والنـون‪ ،‬والطـاء‬
‫والدال والتاء‪ ،‬والصاد والـزاي والـسني‪ ،‬والظـاء والـذال والثـاء‪ ،‬والفـاء‪ ،‬والبـاء واملـيم‬
‫والواو")‪.(١١٥‬‬
‫اتــبع الرتتيـب األول لـسيبويه )‪ (١١٦‬الـذي ذكـر فيـه األصـوات‬
‫أنه ّ‬‫وما نالحظه هو ّ‬
‫ومجردة عن بيان مخارجها‪،‬فهو يكاد يتطابق معه مطابقة تامة ما عدا ترتيب‬
‫ّ‬ ‫مرتــبة‬
‫ّ‬

‫)‪ (114‬العني‪ .٥٧ /١ :‬يحتمل يف مراده من مصطلح الجوف‪ :‬جوف البطن )الصدر(‪ ،‬أو جوف الفم‪.‬‬
‫)‪ (115‬الجمل ‪.٣٧٦ – ٣٧٥/‬‬
‫)‪ (116‬الكتاب‪.٤٠٤/٢ :‬‬
‫‪١٢٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ّ‬
‫الزجـاجي‬ ‫القاف والكاف‪ ،‬فقد ذكر سيبويه يف هذا الرتتيب )الكاف والقاف( وربما اعتمد‬
‫نسخة أخرى من الكتاب لم تصلنا‪.‬‬
‫ّ‬
‫األدق يف الرتتيب كمـا ذكـر سـيبويه‬ ‫ومما هو جدير بالذكر ّ‬
‫أن القاف‪ ،‬ثم الكاف‪ ،‬هو‬
‫أيدته الدراسة الحديثة)‪.(١١٧‬‬
‫عند بيانه تفصيالت املخارج‪ ،‬وهو أيضا مما ّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫جنــي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ابن‬
‫جنــي‪ ،‬فقـد أفـرد لـه‬
‫ّ‬ ‫وبلغ كمال البحث الصوتي ونضجه عىل يد اللغوي الكبري ابن‬
‫رس صــناعة اإلعــراب( إذ دارت بحوثــه عــىل مخــارج األصــوات‬ ‫ّ‬
‫خاصــا‪ ،‬هــو ) ّ‬ ‫كتابــا‬
‫وصفاتها‪،‬وما يطرأ عليها من تغريات صوتية‪ ،‬وقد جعل ترتيبه العلمـي الـدقيق ملخـارج‬
‫ّ‬
‫سـجلها‬ ‫جنـي للمخارج بالصورة التي‬
‫ّ‬ ‫األصوات أحد املحدثني يقول فيه‪ ":‬أما ْ‬
‫وصف ابن‬
‫أن‬ ‫ّ‬
‫والحـق ّ‬ ‫يف كتابه‪ ،‬وترتيبه لهذه املخارج‪ ،‬فهو ّ‬
‫يدل عىل ّ‬
‫قوة مالحظته‪ ،‬وذكائه النـادر‪،‬‬
‫ّ‬
‫لتعـد مفخـرة لـه‪،‬‬ ‫النتائج التي وصل إليها هذا العالم يف ذلك الوقت الذي كان يعيش فيه‬
‫يؤكــد براعتهم ونبوغهم يف هذا العلـم أنهـم قـد‬
‫ّ‬ ‫وملفكري العرب يف هذا املوضوع‪ ،‬ومما‬
‫ّ‬
‫توصلوا إليه من حقائق مدهشة دون االستعانة بأية أجهزة‪ ،‬وآالت تعينهم‬ ‫ّ‬
‫توصلوا إىل ما‬
‫عىل البحث والدراسة كما نفعل نحن اليوم " )‪.(١١٨‬‬
‫جنـي لم ِ‬
‫يحد عن أسلوب أسالفه يف الرتتيب الصوتي‪ ،‬فقد ابتـدأ بأصـوات الحلـق‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وابن‬
‫وتدرج إىل األرفع فاألرفع‪ ،‬حتى انتهى بأصوات الشفتني‪ ،‬وكان اعتمـاده الرتتيـب الـذي‬
‫خلــفه سيبويه‪.‬‬
‫ّ‬

‫)‪ (117‬مناهج البحث يف اللغة ‪ ،٩٦/‬ودروس يف علم أصوات العربية ‪.٣١/‬‬


‫)‪ (118‬الدكتور كمال برش يف كتابه علم اللغة العام ‪.١٢٠/‬‬
‫‪١٢٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فرتتيب سيبويه هو‪ :‬الهمـزة‪ ،‬والهـاء‪ ،‬واأللـف‪ ،‬والعـني‪ ،‬والحـاء‪ ،‬والغـني‪ ،‬والخـاء‪،‬‬
‫والقاف‪ ،‬والكاف‪ ،‬والجيم‪ ،‬والشني‪ ،‬والياء‪ ،‬والضاد‪ ،‬والالم‪ ،‬والنون‪ ،‬والراء‪ ،‬والطاء‪ ،‬والدال‪،‬‬
‫والتاء‪ ،‬والزاي‪ ،‬والسني‪ ،‬والصاد‪ ،‬والظاء‪ ،‬والذال‪ ،‬والثاء‪ ،‬والفاء‪ ،‬والبـاء‪ ،‬واملـيم‪ ،‬والـواو‪،‬‬
‫والنون الخفيفة)‪.(١١٩‬‬
‫جنــي)‪ (١٢٠‬فهو‪ :‬الهمزة‪ ،‬واأللف‪ ،‬والهـاء‪ ،‬والعـني‪ ،‬والحـاء‪ ،‬والغـني‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أما ترتيب ابن‬
‫والخاء‪ ،‬والقاف‪ ،‬والكاف‪ ،‬والجيم‪ ،‬والشني‪ ،‬والياء‪ ،‬والضاد‪ ،‬والـالم‪ ،‬والنـون‪ ،‬والـراء)‪،(١٢١‬‬
‫والطاء‪ ،‬والدال‪ ،‬والتاء‪ ،‬والصاد‪ ،‬والزاي‪ ،‬والسني‪ ،‬والظاء‪ ،‬والذال‪ ،‬والثاء‪ ،‬والفـاء‪ ،‬والبـاء‪،‬‬
‫وامليم‪ ،‬والواو‪ ،‬والنون الخفيفة‪.‬‬
‫وكاد الرتتيبان يتطابقان عدا نقطتني هما‪:‬‬
‫جنــي ّ‬
‫أنه‬ ‫ّ‬ ‫جنــي لأللف عىل الهاء ضمن أصوات الحلق‪ ،‬وهو أمر يراه ابن‬
‫ّ‬ ‫أ – تقديم ابن‬
‫ّ‬
‫ويؤيد هذا‬ ‫مطابق لفكرة سيبويه ْ‬
‫إذ قال "‪ :‬الهمزة واأللف والهاء هكذا يقول سيبويه‪":‬‬
‫ّ‬
‫وأشدها سفوال‪ ،‬وكذلك الهاء‪ ....‬إنما‬ ‫ما جاء يف الكتاب قوله " ّ‬
‫ألن الهمزة أقىص الحروف‬
‫األلف بينهما " )‪.(١٢٢‬‬
‫ّ‬
‫تعرض لخطأ من ّ‬
‫النساخ‪.‬‬ ‫فإذا ثبت هذا‪ ،‬فيحتمل ّ‬
‫أن ما يف الكتاب قد‬
‫جنــي للصاد عىل مجموعة حـروف الـصفري‪ ،‬وال ضـري يف ذلـك لتـداني‬
‫ّ‬ ‫ب – تقديم ابن‬
‫مخارج هذه املجموعة‪.‬‬
‫جنــي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وبيان ما جاء عن ابن‬
‫ثالثة منها يف الحلق‪:‬‬

‫)‪ (119‬اعتمدنا هنا ترتيب سيبويه الذي ذكره عند بيان املخارج‪ ،‬ال الرتتيب األول املجرد‪.‬‬
‫رس صناعة اإلعراب ‪ ٥٠/١‬وما بعدها‪.‬‬
‫)‪ّ ( 120‬‬
‫قدم ابن جني الراء عىل النون يف ترتيبه األول لألصوات‪ ،‬وأخرها هنا وهو أدق‪.‬‬‫)‪ّ ( 121‬‬
‫)‪ (122‬الكتاب ‪.٢٥٣ /٢‬‬
‫‪١٣٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫• من أقصاه‪ :‬مخرج الهمزة واأللف والهاء‪.‬‬


‫• ومن وسطه‪ :‬مخرج العني والحاء‪.‬‬
‫• ومما فوق ذلك من أول الفم‪ :‬مخرج الغني والخاء‪.‬‬
‫ويتلخـص رأي املحدثني يف هذه األصوات بنقاط رئيسية‪ ،‬هي‪:‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫موحـدة‬ ‫اتـفاقهم عـىل تـسمية‬ ‫أ – اإلقرار ّ‬
‫بأن الهمزة أقىص األصوات مخرجا‪ ،‬مع عدم ّ‬
‫ملخرجها‪ ،‬فمنهم‪َ :‬من يرى تسمية القدماء أي من )أقىص الحلق(‪ ،‬ومنهم‪َ :‬من يرى أنهـا‬
‫من )املزمار( فوق الحنجرة‪ ،‬ومنهم‪َ :‬من يرى أنها من )الحنجرة(‪ ،‬وهو األشهر‪.‬‬
‫مد )حركـة‬ ‫وضـع األلف مع أصوات الحلق‪ّ ،‬‬
‫ألنه ّ‬
‫بكل سياقاته حرف ّ‬ ‫ْ‬ ‫ب – االعرتاض عىل‬
‫طويلة(‪ ،‬وليس حرفا صامتا‪ ،‬والكالم هنا عـن مخـارج األصـوات الـصامتة ال مخـارج‬
‫الحركات‪ ،‬وال يبطل هذا وجود الواو والياء ضمن أصوات األبجدية‪ّ ،‬‬
‫ألن هذين الصوتني قد‬
‫ّ‬
‫محددة ضمن األصوات الصامتة )ليسا بحركتني( وهمـا هنـا‬ ‫يأتيان يف سياقات صوتية‬
‫بهذا املدلول‪.‬‬
‫ت – اإلقرار بوجود الهاء‪ ،‬واختلفوا يف التـسمية أيـضا بـني )أقـىص الحلـق( أو )داخـل‬
‫املزمار( أو )الحنجرة(‪.‬‬
‫ث – تأييد وحدة )‪ (١٢٣‬مخرجي العني والحاء‪ ،‬وأنهما من )الحلـق( الـذي يقابـل )وسـط‬
‫ّ‬
‫مسميات القدامى‪.‬‬ ‫الحلق( يف‬
‫االتـفاق عىل ّ‬
‫أن الغني والخاء أقرب أصوات هذه املجموعة اىل الفم‪ ،‬فهما مـن أدنـى‬ ‫ّ‬ ‫ج–‬
‫الطبـق( )‪ (١٢٤‬وكلهـا‬
‫الحلق‪ ،‬ووصفها بعضهم أنها من )أقـىص الحنـك(‪ ،‬أو همـا مـن ) َ‬

‫)‪ (123‬كانتينو‪ ،١١٦/‬األصوات اللغوية‪ ،٨٨/‬ومناهج البحث‪.١٠٣ – ١٠٢‬‬


‫)‪ (124‬مناهج البحث يف اللغة ‪ ١٠٢ – ١٠١/‬والتشكيل الصوتي‪ ٥٧ :‬والطبق‪ :‬هو الجزء الرخو مـن سـقف‬
‫الحنك قبل اللهاة‪.‬‬
‫‪١٣١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ‬
‫ضـم‬ ‫أن بعضهم )‪ (١٢٥‬قد ّ‬
‫قوم فكرة علماء العربية يف العراق يف‬ ‫تسميات ملنطقة واحدة‪،‬إال ّ‬
‫)الغني والخاء( إىل األصـوات الحلقيـة عـىل وفـق التـسميات الحديثـة ملنطقـة الحلـق‬
‫والحنجرة‪ ،‬ورأوا ّ‬
‫أن يف ّ‬
‫عد علماء العربية الغني والخاء ضمن أصوات الحلق أحد موقفني‪:‬‬
‫األول‪ْ :‬‬
‫إن كان علماء العربية يعنون باصطالح )الحلق( كما ّ‬
‫حدده العلمـاء املحـدثون‬
‫اليوم‪ ،‬وهي املنطقة املحصورة بني أقىص الحنك والحنجرة‪ ،‬فالتحديد غري دقيق‪.‬‬
‫مؤخــرة اللـسان‪ ،‬والحلـق‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الثاني‪ْ :‬‬
‫وإن كانوا يريدون بـه منطقـة أوسـع تـشمل‬
‫والحنجرة فهم مصيبون يف تحديداتهم‪.‬‬
‫بـالتعرف‬
‫ّ‬ ‫وهو أمر مقبول تؤيد ظروف العرص الذي عاشوا فيه‪ ،‬والذي لم تسمح لهم‬
‫عىل دقائق أعضاء داخلية غري واضحة للعيان‪.‬‬
‫قـســموا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بـأن القـدماء‬ ‫ّ‬
‫ويـستدل عليـه‬ ‫وينارص الدكتور برش هذا االحتمال أيضا‪،‬‬
‫منطقة الحلق الصغرية إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪ -‬أقىص الحلق‪،‬ومنه مخرج الهمزة والهاء‪ ،‬وهو تناظر الحنجرة يف التقسيم الحديث‪.‬‬
‫‪ -‬وأوسط الحلق ومنه مخرج العني والحاء‪ ،‬وهو تناظر الحلق باملعنى الحقيقي‪.‬‬
‫‪ -‬وأدنــى الحلــق ومنــه مخــرج الغــني والخــاء‪ ،‬وهــو تنــاظر أقــىص الحنــك عنــد‬
‫املحدثني)‪.(١٢٦‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪ (125‬م‪ .‬ن ‪.١٠١/‬‬


‫)‪ (126‬علم اللغة العام ‪.١٧٥ /‬‬
‫‪١٣٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫• ومن أقىص اللسان )مخرج القاف(‬


‫باتـصال أدنى الحلق – بمـا يف‬
‫وإىل هذا ذهب الدكتور أنيس فوصف مخرج القاف‪ّ " :‬‬
‫ذلك اللهاة – بأقىص اللسان " )‪ ،.(١٢٧‬ويرى بعض املحدثني )‪ (١٢٨‬أنهـا قبـل هـذا املوضـع‪،‬‬
‫وضمها باحث آخر)‪ (١٢٩‬مع الخاء والغني‪ ،‬ووصفوا هذه األصوات بـ " اللهوية "‪.‬‬
‫ّ‬
‫فالقـرب أو التالصق الذي لحظه املحدثون بني القاف والخاء والغني لـم‬
‫ُ‬ ‫وعىل العموم‬
‫يغب عن إدراك علماء العربية‪ْ ،‬‬
‫وإن لم يذكروا ذلك يف املخارج‪ ،‬ودليل قولنا هذا هو‪:‬‬ ‫ِ‬
‫أ – قول السريايف يف إخفاء النون الساكنة مع الغني والخاء‪ّ " :‬‬
‫إن من الناس مـن يجريهـا‬
‫)‪.(١٣٠‬‬
‫مجرى حروف الفم‪ ،‬فتخفى النون الساكنة معها كما تخفيها مع القاف "‬
‫علــة إتباع حركة النون لحركـة القـاف يف ) ِ‬
‫نقيـذ(‪ ،‬وهـو إتبـاع‬ ‫ّ‬ ‫جنـي يف‬
‫ّ‬ ‫ب – قول ابن‬
‫أن ُ َ‬
‫تـشبه القـاف‬ ‫والرغيف‪،‬قال‪ " :‬فجـاز ْ‬
‫النخـيز‪ ،‬ﱢ‬
‫ﱠ‬ ‫ّ‬
‫حلقية‪ ،‬نحو‪:‬‬ ‫َ‬
‫حصل فيما كانت عينه‬
‫لقـربها من حروف الحلق بها " )‪.(١٣١‬‬
‫ُ‬
‫فاملخارج ليست متقاربة فحسب‪ ،‬وإنما متالصقة‪ ،‬وعرص علماء العربية يف العراق يف‬
‫بالتعرف عىل تلك األجزاء املتدانية أو املتالصـقة‪ ،‬نعـم تنبهـوا إىل‬
‫ّ‬ ‫القرون األوىل ال يسمح‬
‫وجود مجموعة من األحياز يف كل ّ‬
‫حيز مجموعة من املخارج‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪ (127‬األصوات اللغوية ‪.٨٧ /‬‬


‫)‪ (128‬مناهج البحث يف اللغة ‪.٩٦ /‬‬
‫)‪ (129‬كانتينو‪.٣١ /‬‬
‫)‪ (130‬رشح السريايف ‪.٥١٠ /٦‬‬
‫)‪ (131‬الخصائص ‪.٣٦٥/١‬‬
‫‪١٣٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫• ومن أسفل من ذلك ]أقىص اللسان[ وأدنى من ّ‬


‫مقدم الفم مخرج الكاف‪:‬‬
‫مؤخـرة اللـسان‬
‫ّ‬ ‫وإىل هذا ذهب املحدثون‪ ،‬وأطلقوا عىل مخرج الكاف )أقىص الحنك(‪ ،‬أو‬
‫وكلــه واحد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مع سقف الحنك الرخو‪،‬‬
‫* *‬ ‫*‬

‫* ومن وسط اللسان بينه وبني وسط الحنك األعىل مخرج الجيم والشني والياء‪:‬‬
‫واىل هذا ذهب كانتينو)‪ (١٣٢‬يف تحديد املخرج بوسط اللسان ووسط الحنك األعـىل‪ ،‬لـذا‬
‫ُ ِ‬
‫وصفت هذه املجموعة باألدنى حنكية‪.‬‬
‫الـرغم مـن‬ ‫وقد استحسن الدكتور برش هذا الوصف‪ ،‬وقال‪ :‬إنه تقدير ّ‬
‫جيد سليم عىل ّ‬
‫وصفهن بــ ) اللثوية الحنكية()‪.(١٣٣‬‬
‫ّ‬ ‫أنـه‬
‫ّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫• ومن أول حافة اللسان وما يليها من األرضاس مخرج الضاد‪.‬‬
‫مفخـمة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تطور يف النطق فأصبح ظاء‪ ،‬أو داال‪ ،‬أو الما‬ ‫ولِما أصاب صوت الضاد من‬
‫ّ‬
‫وأن األساس املتبع يف وصف املخرج بصورة دقيقة هو االستماع الفعيل للصوت‪ ،‬كما هو‬
‫فمـن املحدثني )‪َ (١٣٤‬من استحسن وصف‬
‫حقيقة‪ ،‬فقد اختلفت األقوال واالجتهادات فيه‪ِ ،‬‬
‫القدماء‪ ،‬أما الدكتور برش )‪ (١٣٥‬فقد ذكر ّ‬
‫أن مخرج الضاد كمـا تنطـق اليـوم – يريـد يف‬
‫ورجح ّ‬
‫أن القدماء وصفوا‬ ‫ّ‬ ‫مرص – هو مخرج الدال والتاء والطاء‪ ،‬أي‪ :‬هو أسناني لثوي‪،‬‬

‫)‪ (132‬دروس يف علم أصوات العربية‪.٣٠ ،٩٨ ،‬‬


‫)‪ (133‬علم اللغة العام ‪.١٥٤ /‬‬
‫)‪ (134‬كانتينو‪.٨٥ /‬‬
‫)‪ (135‬علم اللغة العام ‪.١٣٢ /‬‬
‫‪١٣٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫نتكلــم بها اليوم‪ ،‬إذ إنهم وصفوا صوتا يخرج معه الهـواء بـصورة‬
‫ّ‬ ‫لنا ضادا غري التي‬
‫تكلــفتها مـن الجانـب األيمـن‪ْ ،‬‬
‫وإن‬ ‫ّ‬ ‫جنـي‪ْ " :‬‬
‫فإن ِشئت‬ ‫جانبية كالالم‪ ،‬بدليل قول ابن ّ‬
‫ِشئت من الجانب األيرس"‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫• ومن حافة اللسان من أدناه إىل منتهى طرف اللسان من بينها‪ ،‬وبـني مـا يليهـا مـن‬
‫الحنك األعىل‪ ،‬مما ُ َ‬
‫فـويق الضاحك‪ ،‬والناب والرباعية‪ ،‬والثنية‪ :‬مخرج الالم‪.‬‬
‫وأقر املحدثون ذلك‪ ،‬إذ وصفه الدكتور أنيس بأنه يتكون عندما‪ " :‬يتصل طـرف اللـسان‬
‫ّ‬
‫فيتـرسب مـن‬
‫ّ‬ ‫يـحال بني الهواء ومروره مـن وسـط الفـم‪،‬‬
‫بأصول الثنايا العليا‪ ،‬وبذلك ُ‬
‫جانبيه " )‪.(١٣٦‬‬
‫متعددة‪ ،‬منها ّ‬
‫أنه )لثوي جانبي(‬ ‫ّ‬ ‫كثري‪،‬لكنــهم أطلقوا عىل مخرجه تسميات‬
‫ّ‬ ‫ووافقه‬
‫أو )أسناني لثوي جانبي(‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫• ومن طرف اللسان بينه وبني ما ُ‬
‫فـويق الثنايا‪ :‬مخرج النون‪.‬‬
‫ولم يخالف املحدثون فيه إذ وصفه الدكتور برش)‪ّ (١٣٧‬‬
‫بأنه‪ " :‬يعتمد طرف اللسان عىل‬
‫لثـة بنطق هذا الـصوت أطلقـوا عليـه‪ :‬اسـم‬
‫اللثـة‪ ،‬ولعالقة ال ّ‬
‫ّ‬ ‫أصول األسنان العليا مع‬
‫أنـه أسناني لثوي‪.‬‬
‫اللثوي‪ ،‬أو ّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪ (136‬األصوات اللغوية ‪.٦٤ /‬‬


‫)‪ (137‬علم اللغة العام ‪.١٦٨ /‬‬
‫‪١٣٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫• ومن مخرج النون غري ّ‬


‫أنـه أدخل يف ظهر اللسان قليال‪ ،‬النحرافه إىل الالم مخرج‬
‫الراء‪.‬‬
‫تتكرر عليه رضبات اللـسان فقـالوا‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وسمـوه ْ‬
‫باسم املوقع الذي‬ ‫ّ‬ ‫ووافقهم املحدثون‪،‬‬
‫ّ‬
‫إنه لثوي‪ ،‬أو‪ :‬أسناني لثوي‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ومن بني طرف اللسان وأصول الثنايا مخرج الطاء ‪ ،‬والدال‪ ،‬والتاء‪.‬‬
‫أي‪ :‬تنطق بإلصاق طـرف اللـسان بـداخل األسـنان العليـا‬
‫وهي كذلك عند املحدثني ْ‬
‫ّ‬
‫ومقدمة اللثة‪ .‬وتفاوتت تسميات مخارجها عندهم مابني‪ :‬أسنانية‪ ،‬أو لثوية‪ ،‬أو أسنانية‬
‫لثوية‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ومما بني الثنايا وطرف اللسان مخرج الصاد ‪،‬والزاي‪،‬والسني‪.‬‬


‫وهي كذلك عند املحدثني‪ ،‬لكنهم اختلفوا فيما بينهم يف موضع اعتماد طرف اللـسان‬
‫خلف األسنان‪ ،‬فمنهم‪َ :‬من يرى االعتماد يكون خلف األسنان الـسفىل لـذا ّ‬
‫سـموه بأنـه‬
‫)‪(١٣٨‬‬
‫يرى ّ‬
‫أن االعتماد يكون خلف األسـنان العليـا‪ ،‬فاالسـم‬ ‫)أسناني لثوي( ‪ ،‬ومنهم‪َ :‬من َ‬
‫يكون عندهم لثويا )‪ ،(١٣٩‬ومنهم‪َ (١٤٠) :‬من يرى ّ‬
‫أن االعتماد يكون خلف األسنان السفىل أو‬
‫العليا القرتابهما‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪ (138‬مناهج البحث يف اللغة ‪.١٠٠ /‬‬


‫)‪ (139‬علم اللغة العام ‪.١٥٣/‬‬
‫)‪ (140‬األصوات اللغوية ‪.٧٦ /‬‬
‫‪١٣٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ومما بني طرف اللسان وأطراف الثنايا مخرج الظاء‪ ،‬والذال‪ ،‬والثاء‪ .‬وهي كذلك عنـد‬
‫ّ‬
‫وسمي هـذا املخـرج‬ ‫املحدثني فمخارجها واحد هو التقاء طرف اللسان وأطراف الثنايا‪،‬‬
‫ب)مابني األسنان( أو )أسناني(‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ومن باطن الشفة السفىل وأطراف الثنايا ُ‬


‫العىل مخرج الفاء‪.‬‬
‫ولم ُ ِ‬
‫يضف املحدثون شيئا‪ ،‬وأطلقوا عليه مصطلحا حديثا‪ ،‬وهو )شفوي أسناني(‬
‫* *‬ ‫*‬

‫ومما بني الشفتني مخرج الباء‪ ،‬وامليم ‪ ،‬والواو‪.‬‬


‫والثالثة عند املحدثني شفوية )‪ ،(١٤١‬ومال الدكتور بـرش إىل التـدقيق يف مخـرج هـذه‬
‫ّ‬
‫األدق للـواو ْ‬
‫أن ُيقـال‪:‬‬ ‫األصوات‪،‬إذ رأى ّ‬
‫أن األصوات الشفوية هي الباء وامليم‪ ،‬أما الوصف‬
‫إنها من أقىص الحنك‪ّ ،‬‬
‫ألن اللسان يقرتب من أقىص الحنك حال النطق بالواو‪ ،‬مع اعرتافه‬
‫بان نسبة األصوات الثالثة إىل الشفتني ليس بخطأ )‪.(١٤٢‬‬
‫وترصيحه ّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪ (141‬التشكيل الصوتي ‪.٥٩ /‬‬


‫)‪ (142‬علم اللغة العام ‪.١١٢/‬‬
‫‪١٣٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ‬
‫الخفية‪.‬‬ ‫ومن الخياشيم مخرج النون‬
‫ّ‬
‫صـوتي‬ ‫ويقال‪ :‬الخفيفة ــ أي‪:‬الساكنة ــ ُ‬
‫ويراد بها‪ :‬النون التـي تنطـق يف سـياق‬
‫خاص‪ ،‬حال كونها متبوعة بصوت من األصوات الخمسة عرش‪ ،‬وهـي‪ :‬القـاف والكـاف‬
‫والجيم والشني والضاد والصاد والزاي والسني والطاء والدال والتاء والظاء والذال والثـاء‬
‫والفاء‪.‬‬
‫وهذه النون تخرج ّ‬
‫غنة من األنف عىل خالف النون املتحركة التي تخـرج مـن الفـم‪،‬‬
‫عىل كون خروجها من األنف بـدليل عمـيل‪ ،‬هـو‬ ‫)‪(١٤٣‬‬‫املربد ومن بعدها ابن ّ‬
‫جني‬ ‫واستدل ّ‬
‫إمساك األنف حال النطق بها متبوعة بأحد األصوات املذكورة‪ ،‬فسيجدها الناطق ‪ -‬وهـو‬
‫َ ﱠ‬
‫مختلــة‪.‬‬ ‫عىل هذه الحالة ‪-‬‬
‫وترنــم يقـع بـإغالق الفـم ")‪.(١٤٤‬‬
‫ّ‬ ‫ووصفه كانتينو ّ‬
‫بأنه‪ ":‬نغمة خيشومية ممدودة‪،‬‬
‫ولكون صوت النون ينطق مع هـذه األصـوات املـذكورة بهـذا اإلخفـاء‪ ،‬وهـذه النغمـة‬
‫الخيشومية‪ ،‬مبتعدا عن الفم‪ ،‬عىل خالف صوت النون إذا جاء بعده أحد أصـوات الحلـق‪،‬‬
‫ّ‬
‫فإنه ينطق بصوت ّ‬
‫بني من الفم‪ ،‬لذا وضع علماء العربية يف العراق للنون مخرجني‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ويف ختام الحديث عن املخارج‪ ،‬يتضح ّ‬
‫أن مجـال االتفـاق كبـري بـني وصـف علمـاء‬
‫العربية يف العراق ملخارج األصوات‪ ،‬وبني وصف املحدثني حتـى قربـا مـن التطـابق‪ّ ،‬‬
‫وأن‬
‫كثريا من نقاط الخالف كان سببها هو التالصق أو التـداني التـام بـني املخـارج‪ ،‬ولهـذا‬
‫السبب أيضا وقعت بعض االختالفات بني املحدثني أنفسهم وقد أشار إليه الـدكتور بـرش‬
‫وأن نهملها ّ‬
‫لشدة التقارب والتـداخل بـني مخـارج‬ ‫ّ‬
‫نغض النظر عنها‪ْ ،‬‬ ‫وقال‪ " :‬يمكن أن‬

‫‪ ،٣٢٩‬ورس صناعة اإلعراب ‪.٥٣/١‬‬


‫)‪ (143‬املقتضب ‪٣٢٩/١‬‬
‫)‪ (144‬دروس يف علم أصوات العربية‪.٦١:‬‬
‫‪١٣٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ّ‬
‫علمية لها القدرة الفائقة عىل تحديد مخرج‬ ‫النطق " )‪ ،(١٤٥‬مع ما توافرت لهم من أجهزة‬
‫ّ‬
‫كل صوت‪ ،‬فما عىس أن يفعل القدماء أكثر من هذا‪ ،‬وهم الذين اعتمـدوا عـىل املالحظـة‬
‫الذاتية‪ ،‬والتذوق الشخيص يف عرص غابت عنه كثري من وسائل املعرفة‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫صفات األصوات‪:‬‬
‫تابع علماء العربية يف العراق يف القرنني الثالث والرابع الهجريني سيبويه يف مباحثـه‬
‫ّ‬
‫لكـل‬ ‫املتكاملة عن صفات األصوات بحدودها‪ ،‬وتصنيفاتها‪ ،‬وتعيني أصواتها‪ ،‬وسنعرض‬
‫صفة بالقدر املستطاع‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الجهر الهمس‬
‫الزجــاج بقولـه‪:‬‬
‫ّ‬ ‫قوة الصوت‪ ،‬وبـالهمس خفـاؤه‪ ،‬وإىل هـذا أشـار‬ ‫ُ‬
‫واملراد بالجهر‪ّ :‬‬
‫أخـفيت")‪.(١٤٦‬‬
‫همست‪ُ ْ :‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وكشفت وأظهرت‪ ،‬ومعنى‬ ‫أعلنـت‬
‫ْ‬ ‫"معنى َ َ‬
‫جهرت‪،‬‬
‫سمى سيبويه هذه الحروف مجهورة‪ّ ...‬‬
‫ألن قوة‬ ‫وإليه ـ أيضا ـ أشار السريايف بقوله‪ّ :‬‬
‫وسمى الحروف اآلخـر مهموسـة‪ّ ،‬‬
‫ألن الهمـس‬ ‫ّ‬ ‫الصوت باقية‪ ،‬أخذه سيبويه من الجهر‪،‬‬
‫الخفي " )‪.(١٤٧‬‬
‫ّ‬ ‫الصوت‬
‫ّ‬
‫والقـوة للـصوت‬ ‫بكل منهما‪ ،‬إذ إ ّن الوضـوح‬
‫فمؤدى املصطلحني واضح فيما يقصد ّ‬
‫ﱠ‬
‫املجهور‪ ،‬والضعف واإلخفاء للصوت املهموس‪.‬‬
‫ّ‬
‫إما التعريفان اللذان وضعهما سيبويه للصوتني‪ :‬املجهور واملهموس فهما‪:‬‬

‫)‪ (145‬علم اللغة العام ‪.١١٩/‬‬


‫)‪ (146‬رشح السريايف ‪. ٤٦٣/٦‬‬
‫)‪ (147‬رشح السريايف ‪.٤٥٧/٦‬‬
‫‪١٣٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ومنـع الـنفس ْ‬
‫أن يجـري معـه‪ ،‬حتـى‬ ‫َ‬ ‫أشبع االعتماد يف موضـعه‪،‬‬
‫املجهور‪ ":‬حرف ِ‬
‫ينقيض االعتماد عليه‪ ،‬ويجري الصوت " )‪.(١٤٨‬‬
‫النفس معه" )‪.(١٤٩‬‬
‫ُ‬ ‫ِ َ‬
‫أضعف االعتماد يف موضعه حتى جرى‬ ‫واملهموس هو‪ ":‬حرف‬
‫وعىل الرغم من ّ‬
‫أن سيبويه لم يعتمد تذبذب األوتار الصوتية أو عدمه أساسا للتمييـز‬
‫فإنــه اسـتطاع تـصنيف األصـوات‬
‫ّ‬ ‫بني املجهور واملهموس – كما هو عليه املحدثون –‬
‫بدقـة كبرية‪ ،‬ماعدا ثالثة أصوات – هـي‪ :‬الهمـزة‪ ،‬والقـاف‪،‬‬
‫ّ‬ ‫العربية بني هاتني الصفتني‬
‫والطاء‪ ،‬فقد اختلف املحدثون معه فيها‪،‬‬
‫ّ‬
‫لكـل مـن املجهـور واملهمـوس‪ ،‬ووجـدوا‬ ‫وقد حاول بعضهم تفسري تعريف سيبويه‬
‫فيهما وصفا حقيقا لواقع أصوات ّ‬
‫كل صفة‪ ،‬مع كونهما قد صيغا بعبارات مشوبة بنوع‬
‫ّ‬
‫القـوة‬ ‫يتــسم بـصفة‬ ‫من الغموض‪ .‬فذهبوا )‪ (١٥٠‬إىل ّ‬
‫أن مراده مـن املجهورهـو صـوت ّ‬
‫ّ‬
‫نطقية خاصة تمنـع الـنفس مـن الخـروج – لتقـارب الـوترين‬ ‫والوضوح نتيجة حالة‬
‫ليحـرك الـوترين‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كمية من الهواء‬ ‫كليـا ً‪ ،‬من أجل خروج‬
‫ّ‬ ‫الصوتيني )‪ – (١٥١‬منعا جزئيا ال‬
‫عبـر عنه سيبويه بعبـارة )ويجـري الـصوت(‪ ،‬وهـي‬ ‫ّ‬
‫ليتم الجهر‪ ،‬وهو الذي ّ‬ ‫الصوتيني‬
‫عبارة ّ‬
‫خصصها للصوت املجهور دون املهموس‪.‬‬
‫يصدر من‬
‫ُ‬ ‫وقول سيبويه – كما رواه السريايف – يكشف أكثر عن إحساسه بصوت ّما‬
‫تـصل اىل‬ ‫وإنـما الفرق بني املجهور واملهموس ّ‬
‫أنك ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ونصه‪" :‬‬ ‫أسفل من منطقه الحلق‪،‬‬
‫كلـــها هكـذا‬
‫ّ‬ ‫تبيني املجهور‪ ،‬إال ْ‬
‫أن يدخله الصوت الذي يخرج من الـصدر‪ ،‬فـاملجهورة‬
‫الصدر‪ ،‬ويجري يف الحلق‪ ،‬غري ّ‬
‫أن امليم والنون تخرج أصـواتهما مـن‬ ‫ّ‬
‫صوتهن من ّ‬ ‫يخرج‬

‫)‪ (148‬الكتاب ‪.٤٠٥/٢‬‬


‫)‪ (149‬م‪ .‬ن ‪.٤٠٥/٢‬‬
‫)‪ (150‬األصوات اللغوية ‪ ،١٢٣/‬التطور اللغوي‪ ،‬د‪:‬شاهني ‪.٢٣٠/‬‬
‫)‪ (151‬حسب رأي املحدثني‪.‬‬
‫‪١٤٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫غـنــة‪ ...‬وأمـا‬
‫الصدر‪ ،‬وتجري يف الصدر والخيـشوم‪ ،‬فيـصري مـا جـرى يف الخيـشوم ُ ّ‬
‫املهموسة فتخرج أصواتها من مخارجها‪ ...‬ولم يعتمد عليه فيها كاعتمادهم يف املجهور‪،‬‬
‫ُ ِ‬
‫فأخرج الصوت من الفم ضعيفا " )‪.(١٥٢‬‬
‫ّ‬
‫املميـزة للـصوت‬ ‫ورجح الدكتور أنيس ّ‬
‫أنه يقصد من عبارة )صوت الصدر( ‪ -‬الصفة‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫الـصدى‬ ‫املجهور ‪ -‬بأنها َ َ‬
‫صدى الذبذبات التي تحدث مع حركة الوترين بالحنجرة‪ ،‬وهـو‬
‫ّ‬
‫الكف عىل الجبهة )‪ ،(١٥٣‬وهذا‬ ‫وضـع‬
‫ْ‬ ‫تحس به يف الصدر‪ ،‬أو عند ّ‬
‫سد األذنيني‪ ،‬أو عند‬ ‫ّ‬ ‫الذي‬
‫الكالم معقول جدا‪ ،‬إذ ْ ال تفسري لصوت ّ‬
‫الصدر أرجح منه‪.‬‬
‫النـفـس معـه‪،‬‬
‫أما الصوت املهموس – كما يرى سيبويه – فهو الصوت الذي يجري ﱠ َ‬
‫تحـرك‬
‫ّ‬ ‫املجرى الهوائي‪ ،‬وبتباعد الوترين الصوتيني دون‬
‫َ‬ ‫وجريان النفس هذا ُ ّ‬
‫يعلـل بفتح‬
‫األوتار الصوتية‪.‬‬
‫ُ‬
‫سـألت‬ ‫يعـرف به‪ ،‬وهو كما َ‬
‫روى لنـا األخفـش بقولـه‪" :‬‬ ‫ّ‬
‫ولكل من الصوتني ضابط ُ ْ َ‬
‫كررتـه‬
‫خفــفته ثـم ّ‬
‫ّ‬ ‫سيبويه عن الفصل بني املهموس واملجهور‪ ،‬فقـال‪ :‬املهمـوس إذا‬
‫َ‬
‫وأخفـى‪،‬‬ ‫كرر سيبويه التاء بلسانه‬
‫ثم ّ‬ ‫أمكنك ذلك فيه‪ّ ،‬‬
‫وأما املجهور فال يمكنك ذلك فيه‪ّ ،‬‬
‫وكرر الطاء والدال‪ ،‬وهما من مخرج التاء فلم يمكنْـه")‪.(١٥٤‬‬
‫ترى كيف يمكن‪ّ ،‬‬
‫فقال‪ :‬أال َ‬
‫إنـه يمكن إخفاء الصوت املهموس‪ ،‬وتكرير النطق به من دون ْ‬
‫أن يفقد شيئا من‬ ‫أي‪ّ :‬‬
‫ْ‬
‫أمـا الصوت املجهور فال يمكن إخفاؤه وترديده‪ّ ،‬‬
‫ألن يف هـذا فقـدانا ً ملعاملـه‬ ‫خصائصه‪ّ ،‬‬
‫وعقــب أيـضا‬
‫ّ‬ ‫وخصائصه التي ُيعرف بها‪ ،‬وقد استحسن الدكتور أنيس هذه الوسـيلة‪،‬‬
‫بقوله‪" :‬الذي لم يكن يعرفه سيبويه هو ّ‬
‫أن اإلخفاء معناه إسكات الذبذبات التي تحدث‬

‫)‪(152‬رشح السريايف ‪.٤٦٢ / ٦‬‬


‫)‪ (153‬األصوات اللغوية ‪.١٢٢/‬‬
‫)‪ (154‬رشح السريايف ‪.٤٦١/٦‬‬
‫‪١٤١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ْ‬
‫انقطعت تلـك الذبـذبات‬ ‫ْ‬
‫سكتت أو‬ ‫مع كل ّمجهور يف الوترين الصوتيني بالحنجرة‪ ،‬ومتى‬
‫انقلب املجهور اىل نظريه املهموس " )‪.(١٥٥‬‬
‫أما تحديد الوحدات الصوتية ّ‬
‫لكل صفة‪ ،‬فهو‪:‬‬
‫املجهورة‪ :‬الهمزة‪ ،‬األلف‪ ،‬العني‪ ،‬الغني‪ ،‬القاف‪ ،‬الجيم‪ ،‬الياء‪ ،‬الضاد‪ ،‬الالم‪ ،‬النون‪ ،‬الراء‪،‬‬
‫الطاء‪ ،‬الدال‪ ،‬الزاي‪ ،‬الظاء‪ ،‬الذال‪ ،‬الباء‪ ،‬امليم‪ ،‬والواو‪ ،‬فذلك تسعة عرش حرفا‪.‬‬
‫واملهموسة‪ :‬الهاء‪ ،‬الحاء‪ ،‬الخاء‪ ،‬الكاف‪ ،‬الشني‪ ،‬السني‪ ،‬التاء‪ ،‬الصاد‪ ،‬الثاء‪ ،‬الفاء‪،‬‬
‫فذلك عرشة أحرف )‪.(١٥٦‬‬
‫خلـف سيبويه‪ ،‬ننتقل إىل آراء علماء العربيـة يف القـرنني‬
‫وبعد هذا العرض املوجز ملا ّ‬
‫الثالث والرابع يف هاتني الصفتني‪:‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫األخفش‪:‬‬
‫لم أقف عىل أثر له يف هاتني الصفتني –يف حدود ّ‬
‫اطالعي‪ -‬غري روايته عـن سـيبويه يف‬
‫كيفية التمييز بني الصوت املجهور واملهموس‪ ،‬وقد سبق القول فيها‪.‬‬
‫ُ‬
‫ووقفت أيضا عىل ّ‬
‫نص له يف كتابه معاني القرآن يتحدث عن إحدى القراءات القرآنية‬
‫صلحا ً()‪ (١٥٧‬إذ قال‪" :‬وقد‬
‫يصلحا بينهما ُ‬ ‫الصلح" من قوله تعاىل ) ْ‬
‫أن ُ ْ ِ‬ ‫يف "صيغة افتعل من ﱡ‬
‫ﱡ‬
‫الـصلح‪ ،‬فكانـت‬ ‫أن َ ْ َ‬
‫يفــتعال مـن‬ ‫صلـحا(‪ ،‬وهي‪ْ :‬‬
‫يصلحا بينهما ُ ْ‬
‫قــرئت هذه اآلية )أن َ ﱠ‬
‫ُِ‬
‫التاء بعد الصاد‪ ،‬فلم تدخل الصاد فيها‪ ،‬للجهر واإلطباق‪ ،‬فأبدلوا التاء صادا " )‪.(١٥٨‬‬

‫)‪ (155‬األصوات اللغوية ‪.١٢١ /‬‬


‫)‪ (156‬الكتاب ‪.٤٠٥/٢‬‬
‫)‪ (157‬النساء ‪.١٢٨/‬‬
‫)‪ (158‬معاني القرآن‪ ،‬لألخفش ‪.٣٦٦/٢‬‬
‫‪١٤٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫فاألخفش وصف الصاد )بالجهر( وهو رأي لم َ ُ‬


‫يقل به أحد من القدامى‪ ،‬أو املحـدثني‪،‬‬
‫ألنقـض به هذا الوصف‪ ،‬لـذا بقـي‬
‫ُ‬ ‫ولم استطع الوقوف عىل َ َ‬
‫أثــر له يف هاتني الصفتني‪،‬‬
‫أمامي احتماالن‪،‬هما‪:‬‬
‫‪ – ١‬وجود عبارة ساقطة‪ ،‬وهي ال تعدو ْ‬
‫أن تكون حديثا عن الطاء التي يفرتض إحاللهـا‬
‫ّ‬
‫محل التاء‪ ،‬لوجود الصاد املطبقة نحو‪:‬يصتلحا– يصطلحا‪ ،‬وقد يستبعد هـذا االحتمـال‪،‬‬
‫يتحدث عنها هي عدم اإلبدال‪ ،‬وإدغام التاء يف الصاد‪ ،‬حتـى ْ‬
‫وإن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ألن القراءة القرآنية التي‬
‫فرضنا ّ‬
‫أن حديثا ساقطا عن الطاء‪ ،‬فاملفروض يصف الطاء )بالجهر فقط( فهي الصفة‬
‫املميزة لها عن الصاد‪ ،‬أما صفة اإلطباق فتشمل الصوتني‪.‬‬
‫محقــق‬
‫ّ‬ ‫‪ – ٢‬أن يكون ذلك سهوا ً – وهو األرجح – وقد فات األخ الدكتور فائز فـارس –‬
‫الكتاب – التنبيه عليه‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫املربد‪:‬‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫ارتـدع‬ ‫املربد األصوات املجهورة واملهموسة بقوله‪ " :‬ومنهـا حـروف إذا ّ‬
‫رددتهـا‬ ‫حدد ّ‬ ‫ّ‬
‫جـرى معهـا الـصوت‬
‫َ‬ ‫الصوت فيها‪ ،‬وهي املجهورة‪...‬ومنها حروف إذا ّ‬
‫رددتها يف اللسان‬
‫وهي املهموسة "‪ ،.‬وضابطه ملعرفة املهموس هو‪ " :‬أنك ّ‬
‫تردد الحرف يف اللسان بنفـسه‪،‬‬
‫رمت ذلك يف املجهورة لوجدته ممتنعا " )‪.(١٥٩‬‬ ‫أو بحرف اللني معه‪ ،‬فال يمنع ﱠ َ‬
‫النفس‪ ،‬ولو ُ ْ‬
‫واملربد هنا لم يضع تعريفا لصفتي الجهر والهمس‪ ،‬وإنمـا أشـار إىل حالـة نطقيـة‪،‬‬
‫ّ‬
‫جري‬ ‫ومؤداها هو ّ‬
‫أن أساس الفصل بينهما‪ ،‬هو ْ‬ ‫ّ‬ ‫وهي صفة الرتديد التي ذكرها سيبويه‪،‬‬
‫وأن املهموس يمكن ترديده دون ضياع معامله‪ ،‬ثم ّ‬
‫إن‬ ‫ﱠَ‬
‫النـفس مع املهموس دون املجهور‪ّ ،‬‬

‫)‪ (159‬املقتضب‪.٣٣١ – ٣٣٠ /١:‬‬


‫‪١٤٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫املربد – " أنك ّ‬


‫تردد الحرف يف اللسان بنفسه‪ ،‬أو بحرف اللني الذي معـه " – تحمـل‬ ‫عبارة ّ‬
‫التعرف عىل معالم الـصوت‪ ،‬وهـذا مـا‬
‫ّ‬ ‫أن تساعد عىل‬ ‫إشارة صوتية إىل ّ‬
‫أن الحركة يمكن ْ‬
‫ّ‬
‫أيده الدرس الصوتي الحديث‪.‬‬
‫بذكر عددها‪ ،‬وهي عـرشة أحـرف‪،‬إال ّ‬
‫أنـه‬ ‫واستهلـها ِ ْ‬
‫ّ‬ ‫املربد األصوات املهموسة‪،‬‬
‫وذكر ّ‬
‫فالبد أنها سقطت من املخطوطة‪ ،‬ولم ﱠ‬
‫ينبـه األسـتاذ‬ ‫ّ‬ ‫عندما َ َ‬
‫ذكر أصواتها لم يذكر الخاء‪،‬‬
‫املحقـق عليها‪.‬‬
‫ّ‬
‫بذكـر املهموسة عن ِ ْ‬
‫ذكـر املجهورة‪.‬‬ ‫املربد ِ ْ‬
‫واكتفى ّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ابن كيسان‪:‬‬
‫النفــس أن يجـري‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وحـبس‬ ‫واملجهور عنده ما " ِلزم موضعه إىل انقـضاء حروفـه‪،‬‬
‫معه"‪.‬‬
‫وجرى معه ﱠ َ‬
‫النفس‪ ،‬وكـان دون‬ ‫َ‬ ‫أما املهموس فهو " حرف َ‬
‫الن مخرجه دون املجهور‪،‬‬ ‫ّ‬
‫رفـع الصوت " )‪.(١٦٠‬‬
‫املجهور يف َ ْ‬
‫لـزم‬ ‫ّ‬
‫لكـل منهمـا‪ ،‬فعبارتـه " ِ‬ ‫ّ‬
‫حـدده سـيبويه‬ ‫والتعريفان ال يخرجان عن إطار ما‬
‫موضعه إىل انقضاء حروفه‪ " ،‬يريد ْ‬
‫أن يناظر بها وصف سيبويه للمجهور بـــ )إشـباع‬
‫االعتماد يف املوضع حتى ينقيض االعتماد عليه(‪.‬‬
‫وليونة املخرج مع املهموس‪ ،‬يريد بها منـاظرة وصـف سـيبويه لـه بــ )إضـعاف‬
‫منـع ﱠ‬
‫الـنفس مـع املجهـور‪،‬‬ ‫يحد عنه‪ ،‬فهو َ ْ‬
‫االعتماد يف املوضع(‪ ،‬أما الضابط العام فلم ِ‬
‫وجريه مع املهموس‪.‬‬

‫)‪ (160‬لسان العرب ‪ :١٣/١‬باب ألقاب الحروف‪.‬‬


‫‪١٤٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫أما تحديد أصوات ّ‬


‫كل صفة فقد ذكرها كما هي عنـد سـيبويه‪ ،‬بـل تابعـه حتـى يف‬
‫ترتيب األصوات‪ ،‬ففي املهموسـة تطـابق الرتتيبـان تمامـا‪ ،‬ويف املجهـورة َ َ‬
‫ورد اخـتالف‬
‫بسيط‪ ،‬أرشنا إليه يف بحث املخارج‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ّ‬
‫الزجاج‪:‬‬
‫الزجاج أسالفه يف عدد األصوات املهموسة‪ ،‬واألصوات املجهورة‪ ،‬وكما أرشنا ُ‬
‫قبل‬ ‫ّ‬ ‫تابع‬
‫ّ‬
‫أن الجهر عنده‪ :‬هو اإلعالن والظهور والكشف‪ ،‬والهمس‪ :‬هو اإلخفـاء‪ ،‬فمـا دام الجهـر‬
‫ّ‬
‫والقـوة حتـى‬ ‫فكل األصوات عنـده يمكـن ْ‬
‫أن تنطـق بـيشء مـن الوضـوح‬ ‫ّ‬ ‫بهذا املعنى‬
‫تفقــد معاملهـا‬
‫ُ‬ ‫أن األصوات املجهورة ال ُتنطق إال مجهـورة‪ ،‬واال‬
‫املهموسة‪ ،‬وعكس هذا ّ‬
‫يتهيأ لك ْ‬
‫أن تـأتي‬ ‫ّ‬ ‫تنطـق بيشء منها‪ ،‬لم‬
‫ُ‬ ‫رمت ْ‬
‫أن‬ ‫وخصائصها الطبيعية‪ .‬إذ قال‪ " :‬فمتى ُ ْ‬
‫فإنـه يمتنع ُ ْ َ‬
‫واليـسمع إال ّ مجهـورا‪...‬‬ ‫ّ‬ ‫فرم ذلك يف العني‪،‬والقاف‪،‬والطاء‪،‬والدال‬ ‫ّ‬
‫خفيا‪ُ ،‬‬ ‫به‬
‫وتـسمع بصوت أعىل " )‪.(١٦١‬‬ ‫ّ‬
‫خفية‪ُ ،‬‬ ‫فإنها ُ َ‬
‫تسمع‬ ‫أما املهموسة وهي األحرف العرشة‪ّ ،‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ابن دريد‪:‬‬
‫ذكر ابن دريد صفات الحروف يف باب مخارج الحـروف التـي نقلهـا عـن النحـويني‬
‫وعلــل تـسميتها بقولـه‪ " :‬إنمـا ُ ّ‬
‫سـميت‬ ‫ّ‬ ‫السابقني‪ّ ،‬‬
‫فعد األصوات العـرشة املهموسـة‪،‬‬
‫متفشـية " )‪.(١٦٢‬‬
‫ّ‬ ‫مهموسة‪ ،‬ألنها ّ‬
‫اتسع لها املخرج‪ ،‬فخرجت كأنها‬

‫‪.٤٦٣‬‬
‫)‪ (161‬رشح السريايف ‪٤٦٣/٦‬‬
‫)‪ (162‬جمهرة اللغة‪.٨/١ :‬‬
‫‪١٤٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وعد األصوات املجهورة وهي تسعة عرش‪ ،‬كما هي عند سابقيه‪ ،‬إال ّ‬
‫أن صـوت الجـيم‬ ‫ّ‬
‫مكررا – وهو تحريف – ّ‬
‫ألن املراد بأحدهما هو )امليم(‪ ،‬ومشابهة الرسم هي سـبب‬ ‫جاء ّ‬
‫وقوع التحريف‪.‬‬
‫سميت مجهورة‪ّ ،‬‬
‫ألن مخرجهـا‬ ‫ّ‬ ‫علـة التسمية فقد جاءت يف تتمة قوله السابق‪" :‬‬ ‫ّ‬
‫أما ّ‬
‫لم ّيتسع‪ ،‬فلم تسمع لها صوتا "‪.‬‬
‫فالضابط عنده هو‪ :‬اتّساع املخرج مع املهموسة‪ ،‬وعدمه مع املجهورة‪.‬‬
‫املجرى الهـوائي يف الحنجـرة التـي‬
‫َ‬ ‫االتـساع‪ ،‬إال إحساس منه بسعة‬
‫ّ‬ ‫وال تفسري لهذا‬
‫يراه املحدثون أيضا ً‪ ،‬نتيجة تباعد الوترين الصوتيني مع األصوات املهموسة‪ ،‬وعدمه مـع‬
‫ّ‬
‫وتتم صفة الجهـر‪ ،‬فهـي –‬ ‫املجهورة‪ :‬لتقارب الوترين الصوتيني ليحدث التذبذب فيهما‪،‬‬
‫ْ‬
‫إن ّ‬
‫صح هذا التفسري – مالحظة صوتية دقيقة‪.‬‬
‫أتـصور ّ‬
‫أنـه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أما عبارته يف تعليله لألصوات املجهورة )فلم تسمع لها صوتا(‪ ،‬فكـأني‬
‫املجرى الهوائي يف الحنجرة غلقا تاما وانقطـاع الـصوت‪،‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫عرب بها ساعة إحساسه بغلق‬
‫وهي الحالة التي ّ‬
‫تتم عندما ينطق الوتران الصوتيان انطباقا تاما لفرتة زمنيـة قـصرية‬
‫مفاجئ‪ ،‬وهي كذلك حال قطـع‬
‫ِ‬ ‫كحالة نطق همزة القطع‪ ،‬ثم يعقب هذا االنغالق انفراج‬
‫ﱠ‬
‫النفس كما ّعرب عنها علماء العربية يف العراق‪.‬‬

‫ّ‬
‫الزجاجي‪:‬‬
‫لكل صفة‪ ،‬وتحديد أصواتها)‪.(١٦٣‬‬
‫الزجاجي ما قاله سيبويه تماما يف تعريفه ّ‬
‫ّ‬ ‫أعاد‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪ (163‬الجمل‪٣٧٧ :‬‬


‫‪١٤٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫جنــي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ابن‬
‫جنـي )‪ (١٦٤‬سابقيه يف تعريف ّ‬
‫كل من املجهـور واملهمـوس‪ ،‬وتحديـد أصـواتها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تابع ابن‬
‫وبيان ضابط ّ‬
‫كل منهما‪ ،‬ولم ِ‬
‫يضف يف هذا شيئا جديدا‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫رأي املحدثني يف صفتي الجهر والهمس‪:‬‬


‫بعد ّ‬
‫تقدم علم الترشيح‪ ،‬ومعرفة ما تحتويه الحنجرة من غضاريف وأوتـار‪ :‬ومنهـا‪:‬‬
‫ّ‬
‫يمتـدان بـالحنجرة نفـسها‬ ‫ّ‬
‫الصوتيان‪ ،‬وهما رباطان مرنان يشبهان الـشفتني‬ ‫الوتران‬
‫خاصا مع ّ‬
‫كل صوت‪ ،‬فقد يبتعدان ويسمحان للهواء بالخروج –‬ ‫ّ‬ ‫أفقيا‪ّ ،‬‬
‫وإن لهما وضعا ً‬ ‫ّ‬
‫ممر الهـواء نهائيـا – حـال نطـق‬
‫ّ‬ ‫حال نطق األصوات املهموسة – أو ينقبضان فينغلق‬
‫ّ‬
‫لكميـة مـن‬ ‫ّ‬
‫جزئيا – حال نطق األصوات املجهورة – بحيـث يـسمح‬ ‫صوت الهمزة – أو‬
‫تــحدث صـفة الجهـر يف‬
‫الهواء بالخروج ليتذبذب الوتران‪ ،‬ويـصدران النغمـات التـي ُ‬
‫األصوات‪ ،‬فهذه الحاالت املختلفة لألوتار الـصوتية هـي ضـابط املحـدثني للتمييـز بـني‬
‫األصوات املجهورة واألصوات املهموسة‪.‬‬
‫ّ‬
‫الصوتيان‪.‬‬ ‫ّ‬
‫يهتز معه الوتران‬ ‫فالصوت املجهور‪ :‬هو الذي‬
‫ّ‬
‫الصوتيان‪.‬‬ ‫ّ‬
‫يهتز معه الوتران‬ ‫والصوت املهموس‪ :‬هو الذي ال‬
‫صنـف املحدثون األصوات املجهـورة واألصـوات املهموسـة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وعىل وفق هذا الضابط‬
‫وجاءت كما هي عند علماء العربية يف العراق ما عدا ثالثة أصوات هي‪ :‬القـاف‪ ،‬والطـاء‪،‬‬
‫والهمزة‪.‬‬

‫رس صناعة اإلعراب ‪.٦٩ – ٦٨/١‬‬


‫)‪ّ ( 164‬‬
‫‪١٤٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فقد ّ‬
‫عد علماء العربية يف العراق هذه الثالثة مـن األصـوات املجهـورة‪ ،‬اعتمـادا عـىل‬
‫منع ّ َ‬
‫النـفس ِ وعدم جريانه مع الصوت املجهور‪ ،‬واملنـع‬ ‫تمسكوا به‪ ،‬وهو ْ‬
‫ّ‬ ‫الضابط الذي‬
‫ّ‬
‫تمشيا مع الضابط املذكور‪.‬‬ ‫حاصل مع األصوات الثالثة‪ ،‬فالوصف صحيح‬
‫أما املحدثون فقد ّ‬
‫طبقوا ضابط ارتعاش األوتار الصوتية وتذبذبها‪ ،‬فلم يجـدوا لهـذه‬ ‫ّ‬
‫األصوات الثالثة نصيبا من هذا االرتعاش‪ ،‬فافرتضـوا لهـذا احتمـالني يف صـوتي القـاف‬
‫والطاء‪:‬‬
‫أولهما‪ّ :‬‬
‫أن علماء العربية يف العراق أخطأوا تقدير صفة هذه األصوات‪.‬‬ ‫ّ‬
‫لدقـة وصفهم سائر األصوات‪ ،‬وموافقة الدرس الصوتي الحـديث‬
‫ّ‬ ‫وهو أمر ُمستبعد‪،‬‬
‫لهم‪.‬‬
‫وثانيهما‪ّ :‬‬
‫أن علماء العربية وصفوا صوتني‪ ،‬لـم ُينطقـا بالكيفيـة التـي ننطـق بهـا يف‬
‫فصحى هذا العرص‪.‬‬
‫تــنطق‬ ‫• فالقاف القديمة التي ُ ِ‬
‫وصفت هي قاف من أقىص اللـسان مجهـورة‪ ،‬ومـا ُ‬
‫اليوم فهي قاف لهوية مهموسة‪ .‬إال أننا نالحظ ّ‬
‫أن هناك قافا مجهـورة يف منـاطق‬
‫عربية مختلفة كالعراق‪ ،‬والكويت‪ ،‬والسودان‪ ،‬واليمن‪ ،‬وغريها وهي تـشبه الكـاف‬
‫ّ‬
‫ولعل القـدماء‬ ‫الفارسية التي تنطق ‪ gaf‬أو صوت ‪ g‬يف اللغة االنجليزية يف مثل )‪،(go‬‬
‫ّ‬
‫ويرجح هذا كون مخرج هذه القـاف‬ ‫قد وصفوا هذه القاف لشيوعها عىل ألسنتهم‪،‬‬
‫يأتي بعد الخاء والغني كما ّ‬
‫حددها علماء العربية‪ .‬والحظ املستـرشق برجـشرتارس‬
‫إن نطق القاف العتيق ال يـزال باقيـا يف بعـض الجهـات" )‪.(١٦٥‬‬
‫هذه الصفة فقال‪ّ " :‬‬
‫ويريد هنا بعض األلسن الدارجة يف مناطق عربية كما أرشنا‪.‬‬

‫)‪ (165‬التطور النحوي للغة العربية ‪ ،١٧/‬ودروس يف علم أصوات العربية ‪.١٠٧/‬‬
‫‪١٤٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫• أما )الطاء( فقد ذهب املحدثون يف وصفه بالجهر إىل احتماالت منها)‪:(١٦٦‬‬
‫ّ‬
‫املميـز لـصفة الجهـر أو الهمـس‪،‬‬ ‫دقـة الضابط‬
‫أ – خطأ تقدير علماء العربية له‪ ،‬لعدم ّ‬
‫وهو أمر استبعده بعضهم‪.‬‬
‫أنـهم وصفوا طاء مجهورة غـري التـي ننطقهـا اليـوم‪ ،‬ويف هـذا قـال املستـرشق‬
‫ب– ّ‬
‫برجشرتارس‪ " :‬إن نطق الطاء العتيق‪ ،‬قد انمحى وتالىش " )‪.(١٦٧‬‬
‫واحتمل بعضهم أن تكون الطاء القديمة شيئا يشبه الـضاد املـرصية )‪ ،(١٦٨‬أو الـدال‬
‫املفخمة )‪ (١٦٩‬وكالهما مجهور‪ ،‬أو صوتا فيه نوع من التهميز‪ ،‬أي طاء متبوعة ُ ِ‬
‫بصويـت‬
‫يقرب من الهمز نتيجة قفل األوتار الصوتية حـال النطـق بهـا)‪ (١٧٠‬وهـي عـىل أيّ هـذه‬
‫األصوات املحتملة يكون فيها نوع من الجهر‪ ،‬وعىل العموم فالـصوت الـذي ننطقـه اآلن‬
‫أصابه تغيري صوتي تاريخي فقلبه اىل صوت مهموس‪.‬‬
‫• أما صوت الهمزة‪ :‬فلم ّ‬
‫يتفق املحدثون أنفسهم عىل وصفه‪،‬‬
‫يرى أنه مجهور)‪،(١٧١‬وهو بهذا متابع لرأي القدماء‪.‬‬
‫‪ -‬فمنهم‪َ :‬من َ‬
‫يرى أنه مهموس )‪ ،(١٧٢‬إلغالق املزمار‪ ،‬وعدم تذبذب األوتار الـصوتية حـال‬
‫‪ -‬ومنهم‪َ :‬من َ‬
‫خروج الهواء حال ِ نطقها‪.‬‬
‫ّ‬
‫يتكـون‬ ‫يرى أنه صوت ال هو باملجهور وال هو باملهموس )‪ ،(١٧٣‬ألن مخرجه‬
‫‪ -‬ومنهم‪َ :‬من َ‬
‫ّ‬
‫يـرجح‬ ‫ّ‬
‫ولعـل ذلـك‬ ‫اتـصال األوتار الصوتية نفسها‪ ،‬فهي حالة فريدة بني األصوات‪،‬‬
‫عند ّ‬

‫)‪ (166‬علم اللغة العام ‪ ،١٣٠/‬األصوات اللغوية ‪.٦٢ /‬‬


‫)‪ (167‬التطور النحوي للغة العربية ‪.١٧/‬‬
‫)‪ (168‬األصوات اللغوية ‪.٦٢ /‬‬
‫)‪ (169‬علم األصوات عند سيبويه وعندنا‪ ،‬أ‪ .‬شاده ‪.١٣ /‬‬
‫)‪ (170‬مناهج البحث يف اللغة ‪.٩٤/‬‬
‫)‪ (171‬عيل عبدالواحد وايف ‪ /‬فقه اللغة ‪.١٦٧/‬‬
‫)‪ (172‬شاده ‪ /‬علم األصوات عند سيبويه ‪ ،١٤ /‬تمام حسان‪ ،‬مناهج البحث يف اللغة ‪ .٩٧/‬كانتينو ‪.١٢٣/‬‬
‫)‪ (173‬أنيس‪ ،‬األصوات اللغوية ‪ ،٩٠ /‬برش‪ ،‬علم اللغة العام ‪.١٤٢ /‬‬
‫‪١٤٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫كونها ال مجهورة وال مهموسة‪ ،‬ويرى الدكتور برش ّ‬


‫أن إلحاق الهمس بصوت الهمزة رأي‬
‫غري دقيق‪ّ ،‬‬
‫ألن يف إصدارها مرحلتني‪ ،‬هما‪:‬‬
‫ّ‬
‫مهمـة يف تكـوين الـصوت‪،‬‬ ‫‪ -‬األوىل‪ :‬انطباق الوترين تماما‪،‬وقطع ﱠ َ‬
‫النـفس‪ ،‬وهي مرحلة‬
‫وحالة الوترين معها حالة ثالثة ال توصف بالجهر وال بالهمس‪.‬‬
‫تحرك األوتار‪ ،‬فهي مهموسة ملن نظـر‬
‫‪ -‬الثانية‪ :‬االنفجار املفاجئ وخروج الصوت دون ّ‬
‫إىل هذه املرحلة دون األوىل )‪.(١٧٤‬‬
‫بأنــهم وصـفوا‬
‫ّ‬ ‫ويعلـل بعضهم سبب ْ‬
‫وصف علماء العربية صوت الهمزة بـالجهر‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫يـأت‬ ‫فأثــر ْ‬
‫جهر الحركة عـىل صـوت الهمـزة‪ ،‬فلـم‬ ‫ّ‬ ‫الهمزة مشكولة ) ّ‬
‫متلوة بحركة(‪،‬‬
‫الوصف دقيقا )‪.(١٧٥‬‬
‫والكالم هنا – يف ظاهره غري دقيق – ألننا نعلم أنهم ال يقيسون عىل هذا املنـوال بـل‬
‫يصدرون الحرف بهمزة مفتوحة أومكسورة‪،‬ففي حالة قياسهم الهمزة وما ُ ّ‬
‫صدرت بـه‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫فحوال إىل همـزة‬ ‫ّ‬
‫مصدرة ‪ +‬همزة األصل‪ ،‬ونطقهما صعب‪،‬‬ ‫يجتمع لديهم همزتان‪ :‬همزة‬
‫ّ‬
‫ولعل صاحب هذا الرأي يعني هذا األمر‪.‬‬ ‫ّ‬
‫متلوة بحركة‪،‬‬ ‫ممدودة‪ ،‬أي‪ :‬كأنها همزة‬
‫تفرد اللغوي الجزائري الدكتور عبدالرحمن الحاج صالح بتفسري ّ‬
‫قوة االعتماد‬ ‫‪ -‬وقد ّ‬
‫الواردة يف عبارة اللغويني العراقيني القدماء‪ ،‬وتأييد وجـوده يف املجهـور دون املهمـوس‪،‬‬
‫ّ‬
‫كقـوة‬ ‫الرماني وهـو ّ‬
‫أن ) ّ‬
‫قـوة االعتمـاد‬ ‫فبعد ْ‬
‫أن نقل إيضاح أبي الحسن عيل بن عيىس ّ‬
‫النـقـر( قال الدكتور‪:‬‬
‫ﱠ ْ‬
‫ّ‬
‫املخاطية يف موضـع الحـرف‪،‬‬ ‫" فهذا النقر حاصل – ال محالة – بفضل ّ‬
‫تمدد الجلدة‬
‫التوتـر زائد يف املجهورة دون املهموسة ")‪.(١٧٦‬‬
‫ّ‬ ‫وبينا ّ‬
‫أن‬ ‫خاصة ّ‬
‫ّ‬ ‫وقد ِ ْ‬
‫قسنا ذلك بآلة‬

‫)‪ (174‬علم اللغة العام ‪.١٤٢/‬‬


‫)‪ (175‬علم األصوات عند سيبويه وعندنا ‪.١٤ /‬‬
‫)‪ (176‬تكنولوجيا اللغة والرتاث العربي اللغوي األصيل‪ ،‬د‪.‬الحاج صالح أسـتاذ بجامعـة الجزائـر )بحـث‬
‫مطبوع باآللة الراقنة‪.(٢٢/‬‬
‫‪١٥٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫وإذا كانت يل كلمة أختم بها حديثي عن الجهر والهمـس فـأقول‪ّ :‬‬
‫إن املحـدثني عـىل‬
‫الدقـــة يف التحديـد‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الرغم مما أوتوا من وسائل حديثة )ميكانيكية‪،‬وإلكرتونية( بالغة‬
‫موحد يف صفة الهمزة فما عسانا ْ‬
‫أن نقـول لعلمـاء العربيـة‬ ‫يتـفقوا عىل رأي ّ‬
‫فإنهم لم ّ‬
‫ّ‬
‫والتذوق الشخيص يف عرص غابت عنه‬ ‫القدماء الذين لم يعتمدوا إال عىل املالحظة الذاتية‪،‬‬
‫كل هذه الوسائل املساعدة‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫والرخاوة‪:‬‬ ‫ّ‬
‫الشدة ّ‬ ‫ثانيا‪:‬‬
‫ّ‬
‫يتكـون‬ ‫وهو تصنيف لألصوات ّ‬
‫مبني عىل كيفية خروج الهـواء مـن املواضـع الـذي‬
‫تاما عند مخرج الصوت‪ ،‬ثـم ُيفـرج عنـه‪،‬‬
‫حبسا ً ّ‬
‫عندها الصوت )املخرج(‪ ،‬فقد ُيحبس ْ‬
‫بقوة ُمحدثا الصوت الـشديد‪ ،‬أو ْ‬
‫أن يـصادف الهـواء الخـارج تـضييقا يف‬ ‫فيخرج الهواء ّ‬
‫املخرج يسمح للهواء املرور ُمحدثا الصوت ّ‬
‫الرخو‪.‬‬
‫صنـف سيبويه األصوات عىل ثالثة أقسام‪ ،‬هي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وعىل وفق هذا األساس‬
‫‪ – ١‬الصوت الشديد‪ :‬وهو الذي يمنع الصوت ْ‬
‫أن يجري فيـه‪ ،‬واألصـوات الـشديدة هـي‪:‬‬
‫ّ‬
‫انـصب املنـع‬ ‫الهمزة‪ ،‬والقاف‪ ،‬والكاف‪ ،‬والجيم )‪ ،(١٧٧‬والطاء‪ ،‬والتاء‪ ،‬والدال‪ ،‬والباء‪ ،‬وقـد‬
‫النـفـس‪ ،‬كما هو يف الصوت املجهور‪ ،‬ألننا نـسمع مـع‬
‫هنا عىل الصوت وامتداده ال عىل ﱠ َ‬
‫والنــفـس ممتنع‪ ،‬أما مع الشديد فينقطع الـصوت للحـبس يف مخـرج‬
‫ﱠ َ‬ ‫املجهور صوتا‪،‬‬
‫الصوت‪ ،‬وبهذا يشمل املجهور واملهموس‪.‬‬
‫ّ‬
‫ويمتد‪.‬‬ ‫الرخو‪ :‬وهو الذي يجري فيه الصوت‬
‫‪ – ٢‬الصوت ّ‬

‫)‪ (177‬للمحدثني رأي يف ّ‬


‫شدة الجيم سيأتي بيانه‪.‬‬
‫‪١٥١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫واألصوات الرخوة هي‪ :‬الهاء‪ ،‬والحاء‪ ،‬والغني‪ ،‬والخاء‪ ،‬والشني‪ ،‬والصاد‪ ،‬والضاد‪ ،‬والـزاي‪،‬‬
‫والسني‪ ،‬والظاء‪ ،‬والثاء‪ ،‬والذال‪ ،‬والفاء‪.‬‬
‫ويمثــلها صـوت العـني‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الرخوة والـشديدة‪،‬‬ ‫‪ – ٣‬أدرك سيبويه ّ‬
‫أن هناك حالة ثالثة بني ّ‬
‫أن هناك أصواتا شديدة‪ ،‬إال ّ‬
‫أن الصوت يجري فيها ألوضاع نطقية خاصة‪.‬‬ ‫وأدرك أيضا ّ‬
‫‪ -‬فالالم‪ :‬جرى فيه الصوت‪،‬النحراف اللسان مع الصوت‪.‬‬
‫غـنـة من األنف‪.‬‬
‫جرى فيهما الصوت‪ ،‬ألنهما ُ ّ‬
‫‪ -‬والنون وامليم‪َ :‬‬
‫جرى فيها الصوت لتكرير رضبات اللسان عىل موضع خروجه‪.‬‬
‫‪ -‬الراء‪َ :‬‬
‫ّ‬
‫مخارجهن‪.‬‬ ‫التـساع‬ ‫ّ‬
‫فيهن الصوت‪ّ ،‬‬ ‫جرى‬
‫‪ -‬األلف والواو والياء‪َ :‬‬
‫ّ‬
‫الشدة والرخاوة التـي اعتمـدت‬ ‫هذه هي األفكار الرئيسية التي وضعها سيبويه لصفتي‬
‫كيفية مرور الهواء الرئوي أساسا للتقـسيم‪ ،‬وتابعـه علمـاء القـرون الالحقـة يف هـذا‬
‫التقسيم‪ ،‬وسنذكر بعض آرائهم‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫فرد الفراء بذكر مصطلحني جديدين للشديد والرخو‪ ،‬لذا سأرجيء الحديث عنـه‬
‫الفراء‪ :‬ت ّ‬
‫إىل نهاية بحث هاتني الصفتني‪.‬‬
‫* * *‬
‫املربد‪:‬‬
‫ّ‬
‫فـالرخوة‬
‫ّ‬ ‫الرخوة والـشديدة‪،‬‬
‫املربد – ضمن تقسيماته لألصوات – إىل األصوات ّ‬
‫أشار ّ‬
‫النـفـس )‪.(١٧٨‬‬
‫هي‪:‬التي يجري النفس معها‪،‬أما الشديدة‪ ،‬فهي حروف تمنع ﱠ َ‬
‫تمثــل ببعضها‪ ،‬فقال‪ " :‬فالرخوة كالـسني‪،‬‬
‫ّ‬ ‫لكـنه لم يذكر أصوات ّ‬
‫كل صفة‪ ،‬وإنما‬ ‫ّ‬
‫والشني‪ ،‬والزاي‪ ،‬والصاد‪ ،‬والضاد "‪.‬‬
‫وقال‪" :‬والشديدة نحو‪ :‬الهمزة‪ ،‬والقاف‪ ،‬والكاف‪ ،‬والتاء"‪.‬‬

‫)‪ (178‬املقتضب ‪.٣٣٢ – ٣٣١/١‬‬


‫‪١٥٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫إنـه التفت إىل الحالة التي هي بني بني‪ ،‬قال‪ " :‬وهذه الحروف التي تعـرتض بـني‬
‫ثـم ّ‬
‫ّ‬
‫النــفـس‪ ،‬الستعانتها بـصوت‬
‫ﱠ َ‬ ‫الرخوة والشديدة هي شديدة يف األصل‪ ،‬وانما يجري فيها‬
‫املتكلـم عند اللفظ بهـا بـصوت الحـاء‪....‬‬
‫ّ‬ ‫الرخوة‪ ،‬كالعني التي يستعني‬
‫ما جاورها من ﱢ‬
‫الغـنة‪ ،‬وكحروف ّ‬
‫املـد واللـني التـي‬ ‫وكالنون التي تستعني بصوت الخياشيم ملا فيها من ّ‬
‫ّ‬
‫الشدة‪ ،‬ومنها الراء وهي شديدة‪ ،‬ولكنهـا‬ ‫يجري فيها الصوت ِللينها‪ ،‬فهذه ّ‬
‫كلـها رسمها‬
‫حرف ترجيع‪ ،‬فإنما يجري فيها الصوت ملا فيها من التكرير " )‪.(١٧٩‬‬
‫النــفـس بدل الصوت‪ ،‬وال يعني شيئا جديدا‪ّ ،‬‬
‫ألنه يريد الهـواء‬ ‫ﱠ َ‬ ‫واملربد استعان بلفظ‬
‫ّ‬
‫الخارج من الرئتني‪.‬‬
‫ّ‬
‫أما عدم ذكره لألصوات كاملة فهو من باب اإليجاز‪.‬‬
‫جـرى‬
‫َ‬ ‫وإذا كان سيبويه قد حاول التفريق بني العني وبقية األصوات الـشديدة التـي‬
‫املربد جمعها معا ً‪ ،‬وجعلها حالة واحدة بني الرخـوة والـشديدة‪ ،‬وقـد‬
‫فإن ّ‬ ‫فيها الصوت‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الشدة أصال لهذه األصوات‪.‬‬ ‫جعل صفة‬
‫تعـرض إىل بيـان كيفيـة‬
‫ّ‬ ‫الشدة أصال لصوت العني‪ ،‬ثم ّ‬
‫إنه ملـا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أما سيبويه فلم يجعل‬
‫الرخــوة والــشديدة‪ ،‬قــال املـ ّ‬
‫ـربد‪":‬إنمــا يجــري فيهــا‬ ‫مــرور الهــواء يف أصــوات بــني ّ‬
‫النـفس‪،‬الستعانتها بصوت ما جاورها من الرخوة "‬
‫ّ‬
‫وهذا تفسري لم يقل به سيبويه عىل هذه الصورة باإلضافة إىل عدم دقتـه يف التعبـري‬
‫ِ‬
‫يستعن الناطق بها بصوت الحـاء املجـاور لهـا‪،‬‬ ‫عن واقع هذه األصوات‪ .‬فالعني مثال لم‬
‫وإنما يمكن القول‪ّ :‬‬
‫إن الناطق بها استعان عىل نطقها بهذه الصفة القريبة من الرخاوة‪،‬‬
‫بقلـــة‬
‫ّ‬ ‫بالبحة املوجودة فيها‪،‬والتي تشابه َ ﱠ‬
‫بحة الحـاء‪ ،‬وبـالتعبري الحـديث يقـال‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫أي‪:‬‬
‫االحتكاك‪،‬وعدم وجود االنسداد التام‪.‬‬

‫)‪ (179‬املقتضب ‪٣٣٣/١‬‬


‫‪١٥٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أما وصفه لألصوات فسليم‪ ،‬ألنه أعاد االستعانة يف النطق إىل شكل أعضاء النطق حال‬
‫خروج الهواء‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ابن دريد‪:‬‬
‫ذكر ابن دريد األصوات الرخوة بقولـه‪" :‬إ ّن األصـوات ّ‬
‫الرخـوة هـي‪ " :‬الحـاء والكـاف‪،‬‬
‫والخاء‪ ،‬والسني‪ ،‬والعني‪ ،‬والغـني‪ ،‬والـصاد‪ ،‬والـضاد‪ ،‬والظـاء‪ ،‬والـذال‪ ،‬والثـاء‪ ،‬والفـاء‪،‬‬
‫والزاي"‪.‬‬
‫وجاء أيضا ً‪ّ " :‬‬
‫سميت رخوة‪ ،‬ألنها تسرتخي يف املجاري ")‪.(١٨٠‬‬
‫التوتــر يف موضـع‬
‫ّ‬ ‫ويبدو ّ‬
‫أن ابن دريد يقصد باالسرتخاء يف املجاري‪ ،‬هو‪ :‬عدم وجود‬
‫مجرى الهواء الخارج من الرئتني‪.‬‬
‫َ‬ ‫النطق‪ ،‬وعدم انسداد‬
‫ّ‬
‫النص السابق‪ ،‬فقد خالف املشهور بني علماء العربيـة‪،‬‬ ‫الرخوة يف‬
‫أما تحديد األصوات ّ‬
‫فلم يذكر معها صوت )الهاء( وهو من األصوات الرخوة‪ ،‬وزاد فيها صوت )الكاف( وهـو‬
‫من األصوات الشديدة‪ ،‬وزاد فيها أيضا صوت )العني( وهو من األصوات التي بني الرخـوة‬
‫والشديدة‪.‬‬
‫نص الجمهرة‪ ،‬لكان يف إمكاننـا القـول‪ّ :‬‬
‫إن ابـن دريـد‬ ‫ولو لم يكن هذا االضطراب يف ّ‬
‫تميـزه عنها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الرخاوة عىل صوت العني‪ ،‬مع ما به من فروق‬
‫سبق املحدثني يف إبقاء صفة ّ‬
‫النص ُيبعد هذا القول‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لكن اضطراب‬

‫)‪ (١٨٠‬جمهرة اللغة ‪ ٨ /١‬من مظاهر اضطراب الجمهرة أنها لم تذكر الشديد بعد الرخو‪ ،‬وانما جاءت‬
‫الرخوة ثم أصوات اللني ثم املطبقة ثم الشديدة‪.‬‬
‫‪١٥٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ّ‬
‫يعـد‬ ‫أما األصوات الشديدة فلم يذكر لها تعريفـا أو تعلـيال لتـسميتها‪ ،‬ثـم ّ‬
‫إنـه لـم‬
‫أصواتها‪ ،‬وما ذكره ثالثة أصوات جاءت يف قوله‪ " :‬والحـروف الـشديدة الطـاء والـسني‬
‫ّ‬
‫النص وصفه للسني ضمن األصوات الشديدة‪ ،‬وهو‬ ‫والجيم وغري ذلك)‪ .(١٨١‬ويقابلنا يف هذا‬
‫الـنص الـسابق‪،‬ويف أكـرب الظـن ّ‬
‫أن هـذا‬ ‫ّ‬ ‫صوت رخو‪ ،‬جاء ضـمن األصـوات الرخـوة يف‬
‫مـرتني‪،‬‬ ‫مرده اختالف نسخ جمهرة اللغة‪ّ ،‬‬
‫آلن ابن دريد أمالهـا مـن حفظـه ّ‬ ‫االضطراب ّ‬
‫إحداهما يف بالد فارس والثانية يف بغداد‪،‬كما ذكر ابن النديم)*(‪ّ .‬‬
‫أمـا األصـوات التـي بـني‬
‫الرخوة والشديدة فلم نجد لها ذكرا‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫السريايف‪:‬‬
‫جاءت يف رشح السريايف ألفكار سيبويه‪ ،‬عبارات من شأنها إيضاح الفكرة وتنظيمها‪،‬‬
‫والرخـو‪ :‬إذا وقفـت عليـه لـم ينحـرص‬
‫نحو‪ " :‬الشديد إذا وقفت عليه انحرص الصوت‪ّ ،‬‬
‫)**(‬ ‫الصوت‪ ،‬تقول‪ْ :‬‬
‫إق‪ ،‬فتجد القاف منحرصا‪ ،‬و تقول‪ :‬إش ْ‪ ،‬أو إخ ْ فتجده جاريا "‬
‫ويرى السريايف يف رشحه للحالة التي بني الرخوة والشديدة ّ‬
‫أن سيبويه‬ ‫َ‬
‫قد ّ‬
‫صنف األصوات الثمانية عىل قسمني‪ ،‬هما‪:‬‬
‫الرخوة والشديدة‪ :‬وهو صوت العني إذ "ليس لصوتها االنحصار التام‪ ،‬وال جـري‬
‫‪١‬ــ بني ّ‬
‫)***(‬
‫الرخو‪ ،‬فجعله بينهما‪".‬‬
‫‪٢‬ـــ الشديدة وفيها شبه الرخوة‪ :‬وهي الالم‪ ،‬والنون‪،‬وامليم‪ ،‬والراء األلف‪،‬والواو‪ ،‬واليـاء‪،‬‬
‫بالرخوة‪ ،‬بالصوت الذي يجـري عنـد الوقـف‬ ‫ّ‬
‫مشبهة ّ‬ ‫ّ‬
‫ومثل ألصوات اللني فقال‪ :‬فصارت‬

‫)‪ (١٨١‬املصدر نفسه‪.‬‬


‫)*( الفهرست‪.٩١ /‬‬
‫)**( رشح السريايف ‪.٤٥٩ /٦‬‬
‫)***( م‪ .‬ن ‪.٤٥٩ /٦‬‬
‫‪١٥٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عليها‪ ،‬وهي تشبه الشديد للزومها مواضـعها‪ ،‬ولـيس الـصوت فيهـا مثلـه يف الحـروف‬
‫)*(‬ ‫ألن الرخوة ّ‬
‫إنما صوتها الجاري عند الوقف من موضعها‪.‬‬ ‫الرخوة‪ّ ،‬‬
‫فبيان السريايف محاولة منه لرشح أفكار سيبويه وتنظيمها‪.‬‬
‫* *‬ ‫*‬

‫جنــي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ابن‬
‫والرخاوة وما بينهمـا‪ ،‬وإذا كـان‬ ‫ّ‬
‫الشدة ّ‬ ‫جنـي ما ذكره سيبويه من صفات‬
‫ّ‬ ‫كرر ابن‬
‫ّ‬
‫سيبويه لم يجمع األصوات الثمانية )ع‪ ،‬ل‪ ،‬م‪ ،‬ن‪ ،‬ر‪ ،‬ا‪ ،‬و‪ ،‬ي( تحـت عنـوان واحـد‪ ،‬هـو‬
‫جنـي قد جمعها معا ً‪ ،‬ولم يفصل بينها)‪.(١٨٢‬‬
‫ّ‬ ‫الرخوة والشديدة‪ّ ،‬‬
‫فإن ابن‬ ‫ّ‬
‫التوسط بني ّ‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الفراء ومصطلحاته الجديدة‪:‬‬


‫والرخو‪:‬‬ ‫ّ‬
‫املصوت واألخرس مصطلحان جديدان للشديد ّ‬
‫والرخاوة بعد ِ ْ‬
‫ذكـر سيبويه لهمـا‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الشدة ّ‬ ‫أجمع علماء العربية يف العراق عىل مصطلحي‬
‫الفراء الكويف الذي ذكر مصطلحني جديدين لهما‪:‬‬
‫ولم أجد ما يخالف ذلك إال ّ‬
‫الرخو(‪ ،‬واألخرس عنده هو )الشديد(‬ ‫ّ‬
‫فاملصوت عنده هو ) ّ‬
‫عثرت عليهما يف باب اإلدغام عند الكـوفيني )‪ (١٨٣‬الـذي كتبـه أبـو سـعيد الـسريايف‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وقد‬
‫الفراء لـم‬
‫أن ّ‬ ‫وألحقه برشح كتاب سيبويه الذي مازال مخطوطا‪ ،‬ومما هو جدير بالذكر ّ‬
‫ﱢ‬ ‫لكن مراده واضـح مـن خـالل حديثه‪،‬فقـد َ‬
‫مثـل ُ‬
‫للمـصوت بالـصاد‬ ‫يذكر ذلك رصاحة‪ّ ،‬‬

‫)*( م‪ .‬ن ‪.٤٦١ /٦‬‬


‫رس صناعة اإلعراب‪.٧٠ – ٦٩/١ :‬‬ ‫)‪ّ (١٨٢‬‬
‫)‪ (١٨٣‬نرشته أكثر من مرة‪ .‬األوىل يف مجلة املورد العراقية‪ ،‬والثانية يف ّ‬
‫جدة ‪.١٩٨٥‬‬
‫‪١٥٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫واستدل السريايف عىل ّ‬


‫أن الفراء يريد باألخرس )الـشديد(‬ ‫ّ‬ ‫والضاد‪ ،‬ولألخرس بالتاء والباء‪،‬‬
‫تنـضمان انـضمام األخـرس الصـوت لـه‪ُ َ ،‬‬
‫وضـعف‬ ‫ّ‬ ‫بقوله يف وصف )الباء(‪ " :‬الشفتان‬
‫االنضمام بامليم‪ ،‬ألن الصوت من الخيشوم يبقى يف امليم‪ ،‬مع انضمام الشفتني ")‪.(١٨٤‬‬
‫الفراء يف حديث له عن صيغة افتعل‪ّ " :‬‬
‫إن تاء افتعل إذا كان فاء الفعـل مـن‬ ‫وكذلك قول ّ‬
‫بلـوت ذلـك‬ ‫قـلبت طاء‪ّ ،‬‬
‫ألن التاء أخرس ال يخـرج لـه صـوت‪ ،‬إذا ْ َ‬ ‫إنـما ُ ِ‬
‫حروف اإلطباق‪ّ ،‬‬
‫مصوت يف حرف أخرس")‪.(١٨٥‬‬
‫وجدته‪ ،‬فكرهوا إدغام ُ ّ‬
‫وكلـها رخوة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فاملصوت هنا يريد به‪ :‬الصاد‪ ،‬أو الضاد‪ ،‬الظاء‪،‬‬
‫أما التاء الشديد فقد وصفه بأنه )أخرس(‪.‬‬
‫تعثــر األخرس يف إخراج األصوات مـن انـسداد‬
‫ّ‬ ‫أنـه الحظ‬
‫الفراء ّ‬
‫والذي يبدو يل من قول ّ‬
‫نــطق الـصوت الـشديد‬
‫الشفتني وانفتاحهما‪ ،‬فأدرك وجه الشبه بني املرحلة األوىل من ُ‬
‫نـطق األخرس الـذي‬ ‫ومنـع الهواء من الخروج‪ّ ،‬‬
‫وأول ُ‬ ‫ْ‬ ‫التي ّ‬
‫تتم بانضمام عضوي النطق‪،‬‬
‫ّ‬
‫فسمى الصوت الشديد باألخرس‪.‬‬ ‫قد ُ ّ‬
‫تـضم شفتاه قبل انفتاحهما‪،‬‬
‫فالفراء بهذا قد الحظ يف تسمية الصوت املرحلة األوىل من تكوينه‪ ،‬وهـو عـني مـا فعلـه‬
‫ّ‬
‫اللغويون األمريكيون يف تسمية األصوات الشديدة بـ )الوقفات( أما اللغويـون األنجليـز‬
‫ّ‬
‫فسموا الـشديد بــ‬ ‫الحـبس‪،‬‬
‫ْ‬ ‫فقد الحظوا املرحلة الثانية لتكوين الصوت‪ ،‬وهي التي تيل‬
‫)االنفجاري(‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪ (١٨٤‬رشح السريايف ‪.٦٠٦/٦‬‬


‫)‪ (١٨٥‬م‪ .‬ن ‪.٦٠٦ /٦‬‬
‫‪١٥٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫رأي املحدثني‪:‬‬
‫من أسس تصنيف األصوات عندهم هي حالة ممر الهواء أثناء النطق بها وعىل وفق هـذا‬
‫املعيار ُوجدت مجموعات صوتية هي‪:‬‬
‫حبس مجرى‬ ‫ّ‬
‫تتكون حالة َ ْ‬ ‫‪ – ١‬األصوات االنفجارية )الوقفات‪ ،‬االنسدادية(‪ :‬وهي أصوات‬
‫يـطلــق رساحـه فجـأة‬
‫َ‬ ‫الهواء الخارج من الرئتني ْ‬
‫حبسا ً تاما ً يف مخرج الـصوت‪ ،‬ثـم ُ‬
‫فيندفع الهواء محدثا ً صوتا انفجاريا‪ ،‬وهو ما يقابل الشديد عند علمـاء العربيـة الـذي‬
‫وعقـب الدكتور أنيس عـىل هـذا التعريـف‬
‫ﱠ‬ ‫وصفوه " بأنه يمنع الصوت ْ‬
‫أن يجري فيه "‬
‫ّ‬
‫نحس به يف مخرج الحرف لحظة قـصرية جـدا‪،‬‬ ‫بقوله‪ " :‬هذا هو االنحباس املؤقت الذي‬
‫ّ‬
‫يـسمى بالـصوت‬ ‫بسبب التقاء العضوين التقـاء محكمـا ً‪ ،‬فـإذا انفرجـا سـمعنا مـا‬
‫الشديد")‪.(١٨٦‬‬
‫ّ‬
‫موحد تجاه تحديد علماء العربية يف العراق ألصوات هـذه‬ ‫يتــفق املحدثون عىل رأي‬
‫ّ‬ ‫ولم‬
‫مـن اقتفى أثرهم وقال‪ " :‬وقائمة الحروف الشديدة‪ ...‬مطابقة لنظريتنا‬
‫الصفة‪ ،‬فمنهم‪َ :‬‬
‫الحديثة تمام املطابقة ")‪.(١٨٧‬‬
‫ومنهم‪َ :‬من اختلف معهم اختالفا يسريا‪ ،‬وقال‪ :‬إن األصوات االنفجارية )الـشديدة( هـي‬
‫الهمزة‪ ،‬القاف‪ ،‬الكاف‪ ،‬الطاء‪ ،‬الضاد‪ ،‬الدال‪ ،‬التاء‪ ،‬الباء‪.‬‬
‫وعند املقارنة نجد َ ْ َ ْ‬
‫فـرقــني‪ ،‬هما‪:‬‬
‫بحجـة ّ‬
‫أن االلتـصاق‬ ‫ّ‬ ‫أ – إخراج صوت الجيم الفصيحة املعارصة – من هذه املجموعة –‬
‫ّ‬
‫يـتم‬ ‫بني اللسان والحنك األعىل ال يزول فجأة‪ ،‬كما هـو يف األصـوات االنفجاريـة‪ ،‬وإنمـا‬

‫)‪ (١٨٦‬األصوات اللغوية ‪.١٢٥/‬‬


‫)‪ (١٨٧‬كانتينو ‪.٣٥/‬‬
‫‪١٥٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ّ‬
‫يحتـك‬ ‫االنفصال بينهما ببطء‪ ،‬بحيث يعطي الفرصة لهواء الرئتني – بعد االنفجـار – أن‬
‫مركـب أو مزدوج‪ ،‬أي‪ :‬انفجاري – احتكاكي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بالعضوين املتباعدين‪ ،‬لذا فهو عندهم‪:‬‬
‫أما الدكتور عبـدالرحمن أيـوب فـريى خـالف ذلـك‪ ،‬وهـو ّ‬
‫أن الجـيم الفـصحى صـوت‬ ‫ّ‬
‫انفجاري)‪ ،(١٨٨‬فهو يف هذا متابع لوصف علماء العربية‪ ،‬وقد سمع الدكتور بنفسه نطـق‬
‫نــطقا انفجاريا‪ ،‬نظري نطقهم لفظة ) ِ‬
‫جـيكارة( بـ )‪ (gaf‬أي‪ :‬صوت بـني‬ ‫العراقيني له ُ‬
‫القاف والكاف يريدون )سيكارة(‪.‬‬
‫ب – إضافة صوت الضاد عىل األصوات االنفجارية )الشديدة( بعد أن ّ‬
‫عده علماء العربيـة‬
‫تصح املقارنة بني الوضعني‪ّ ،‬‬
‫ألن القدامى وصفوا‬ ‫ّ‬ ‫من األصوات الرخوة )االحتكاكية(‪ ،،‬وال‬
‫يتكلــفها من الجانب األيمـن‪ ،‬أو مـن‬
‫ّ‬ ‫املتكلـم أن‬
‫ّ‬ ‫لنا صوتا له صفة الجانبية‪ْ ،‬‬
‫فإن شاء‬
‫الجانب األيرس أو كليهما‪ّ ،‬‬
‫أما املحدثون فقد وصفوا صـوتا مـن مخـرج التـاء‪ ،‬والـدال‪،‬‬
‫لهجي عىل مستوى دولة مرص أو غريها‪ ،‬والسبب يف ذلك ّ‬
‫أن صـوت‬ ‫ّ‬ ‫نــطق‬
‫والطاء‪ ،‬وهو ُ‬
‫الضاد قد لحق به تطور صوتي تاريخي‪.‬‬
‫‪ – ٢‬األصوات االحتكاكية‪:‬‬
‫مجرى الهواء الخارج من الرئتني يف مخـرج الـصوت‬
‫َ‬ ‫تتكون ْ‬
‫بأن يضيق‬ ‫ّ‬ ‫وهي أصوات‬
‫ﱢ‬
‫الضيق احتكاكا مسموعا‪.‬‬ ‫بحيث يحدث الهواء عند مخرجه‬
‫أما أصوات هذه املجموعة عندهم فهي)‪:(١٨٩‬‬
‫ّ‬
‫الهاء‪ ،‬والعني‪ ،‬والحاء‪ ،‬والغني‪ ،‬والخاء‪ ،‬والشني‪ ،‬والصاد‪ ،‬والسني‪ ،‬والزاي‪ ،‬والظاء‪ ،‬والذال‪،‬‬
‫والثاء‪ ،‬والفاء‪.‬‬

‫)‪ (١٨٨‬أصوات اللغة ‪.٢٠٩ /‬‬


‫)‪ (١٨٩‬علم اللغة العام ‪.١٥١/‬‬
‫‪١٥٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فـرقــني‪:‬‬
‫وعند املقارنة نجد َ ْ َ‬
‫أ – إخراج الضاد‪ ،‬وإلحاقها باألصوات االنفجارية‪ ،‬وقد سبق القول يف هذا االلحاق‪.‬‬
‫ب – إضافة صوت العني‪ ،‬وهو صوت ّ‬
‫عدة علماء العربيـة بـني الرخـوة والـشديدة )بـني‬
‫اتـخذوه أساسا للتمييـز‪ ،‬وهـو امتنـاع‬
‫االحتكاكية واالنفجارية( بناء عىل املقياس الذي ّ‬
‫بمـشقـة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫جرى فيها الصوت‬
‫الرخو‪ ،‬فوجدوا العني قد َ‬
‫الصوت مع الشديد وجريانه مع ّ‬
‫ّ‬
‫متميـزة بـصفة‬ ‫فهو إذا حالة وسطى بني الصفتني‪ ،‬وكأن املحـدثني الحظـوا ّ‬
‫أن العـني‬
‫ّ‬
‫متنـوع‪ ،‬فهـي أحيانـا‬ ‫يرى صعوبة تكييفها‪ ،‬ونطقها‬ ‫ّ‬
‫خاصة‪ :‬فاملسترشق برجشرتارس َ‬
‫متمادية )رخوة(‪ ،‬وأحيانا آنية )شديدة(‪ ،‬والـدويّ املمـازج لهـا أحيانـا قـويّ ‪ ،‬وأحيانـا‬
‫ّ‬
‫متوسطة بني الحروف ذوات الـدويّ الـصوتية املحـضة وبـني‬ ‫ضعيف‪ ،‬فهي يف الحقيقة‬
‫الحروف الشديدة والرخوة)‪.(١٩٠‬‬
‫وبيان ذلك هو كمـا يف التقـسيم املرسـوم عـىل وفـق الـرأي الـذي طرحـه املستـرشق‬
‫برجشرتارس‪.‬‬

‫)‪ (١٩٠‬التطور النحوي للغة العربية ‪.١٥/‬‬


‫‪١٦٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫األصوات العربية‬

‫الرخوة‬ ‫املتوسطة‬ ‫بني الرخوة والشديدة‬ ‫الشديدة‬

‫ل‪ ،‬ن‪ ،‬ر‪ ،‬م‬ ‫املجهورة املهموسة‬

‫ك‪،‬ت‬ ‫د‪،‬ب‬

‫املجهورة‬ ‫املهموسة‬

‫وهي أصوات‬ ‫هـ‪،‬ح‬

‫دوي صوتي‬
‫ّ‬ ‫ذات‬

‫نتيجة الجهر غ‪،‬ذ‬

‫ع‬

‫متوسط بني األصوات ذات الدوي‬

‫الصوتي )املجهورة الرخوة(‬

‫وبني)سائر األصوات(‬

‫فالعني إذا كانت رخوة فينبغي ّ‬


‫ضمها إىل أخواتها األصـوات الرخـوة املجهـورة )ذات‬
‫لكنـه وجد أنها حالة متوسـطة بـني األصـوات ذات‬
‫ّ‬ ‫الدوي الصوتي كالغني والذال مثال(‬
‫الدويّ الصوتي‪ ،‬وبني باقي األصوات من الشديدة والرخوة جميعا‪.‬‬
‫فإنـها تدعم نظرة علماء العربية يف العراق‬
‫ّ‬ ‫دقــة هذا الوصف أو عدمه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ومهما كانت‬
‫ّ‬
‫خاصة يف صفة خروج الهواء‪.‬‬ ‫ّ‬
‫يتميز بحالة‬ ‫إىل ّ‬
‫أن صوت العني‬
‫‪١٦١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ‬
‫بـأن‬ ‫أمـا الدكتور أنيس فنظرته إىل هذا الصوت تقرب من نظرة القدامى‪ ،‬فقد قال "‬
‫ّ‬
‫يقربها من امليم والالم والنون ")‪.(١٩١‬‬
‫ضعف حفيفها ّ‬
‫أقل األصوات االحتكاكية احتكاكا ")‪.(١٩٢‬‬
‫ورصح كذلك الدكتور برش بأنها‪ّ " :‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫لـضمها إىل هـذه األصـوات‬ ‫ّ‬
‫مـسوغ ظـاهر‬ ‫وقلـــة االحتكـاك‬
‫ّ‬ ‫ويف موضع آخر قـال‪" :‬‬
‫املتوسطة )‪(١٩٣‬ولكن الدكتور برش لم يفعل هذا يف تقسيماته‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ – ٣‬األصوات التي ليست انفجارية وال احتكاكية )املتوسطة(‪:‬‬
‫ّ‬
‫تتكون عند التقاء عضوين من أعـضاء جهـاز النطـق‪،‬لكن‬ ‫وهي مجموعة من األصوات‬
‫الهواء الخارج من الرئتني يجد له منفذا من غري نقطة االلتقاء‪ ،‬دون ْ‬
‫أن يحدث احتكاكا‪،‬‬
‫لذا ُ ِ‬
‫وصف عندهم بهذا الوصف‪ ،‬واألصوات هي‪) :‬الالم‪ ،‬والنون‪ ،‬وامليم‪ ،‬والراء(‪.‬‬
‫وفيها قال الدكتور أنيس‪ " :‬واملحدثون من علماء األصوات قد برهنوا بتجـاربهم عـىل ّ‬
‫أن‬
‫ّ‬
‫وسـموها‬ ‫هذه األصوات األربعة ّ‬
‫تكون مجموعة خاصة‪ ،‬ال هي بالـشديدة وال بـالرخوة‪،‬‬
‫ّ‬
‫تنسل انسالال من مخرج الصوت‪.‬‬ ‫باألصوات املائعة " )‪ ،(١٩٤‬وكأنهم يقصدون أنها‬
‫وكان علماء العربية يف العراق قد أضافوا إىل هذه املجموعة أصواتا أخرى‪ ،‬هي‪:‬‬
‫أ – العني‪ :‬وقد سبق الحديث عنها‪.‬‬
‫وأيـد املحدثون )‪ (١٩٥‬هذه اإلضافة‪،‬إذا كانت أشباه حركات‪) ،‬أشباه ِ َ‬
‫علل(‬ ‫ب – الواو والياء‪ّ :‬‬
‫الظـن ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫ألنــهما ّ‬
‫يؤديان هنا وظائف األصوات الصامتة‪ ،‬ويف أكـرب‬ ‫ّ‬ ‫ولــد‪ِ َ ،‬‬
‫ويلـد‪،‬‬ ‫كما يف‪َ َ :‬‬
‫هذا هو املقصود عندهم قياسا ً عىل وصفهم ملخارجها‪.‬‬

‫)‪ (١٩١‬األصوات اللغوية ‪.٨٨/‬‬


‫)‪ (١٩٢‬علم اللغة العام‪.١٧٠ ،١٥٦/‬‬
‫)‪ (١٩٣‬م‪ .‬ن ‪.١٧٠/‬‬
‫)‪ (١٩٤‬األصوات اللغوية‪.٢٤ /‬‬
‫)‪ (١٩٥‬مناهج البحث يف اللغة ‪ ،١٠٧/‬علم اللغة العام ‪.١٦٩ /‬‬
‫‪١٦٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ج – األلف‪ :‬وهو أمر غري جائز‪ ،‬وال مجال لتأويل جمعه مع هذه األصوات ألنه عـىل ّ‬
‫كـل‬
‫حال حركة طويلة‪ ،‬وليس بصامت‪.‬‬
‫* *‬ ‫*‬

‫ثالثا ً‪ :‬اإلطباق واالنفتاح‪:‬‬


‫ّ‬
‫مؤخر اللسان وانخفاضه‪.‬‬ ‫مبني عىل حالة ارتفاع‬
‫ّ‬ ‫وهو تصنيف لألصوات‬
‫ّ‬
‫خاصة انمازت بها مجموعة صوتية هـي )الـصاد‪ ،‬والـضاد‪ ،‬والطـاء‪،‬‬ ‫فاإلطباق‪ :‬كيفية‬
‫الكيفية كما ُ ِ‬
‫وصفت يف كتاب الجمهرة‪ " ،‬إذا لفظـت بهـا أطبقـت عليهـا‬ ‫ّ‬ ‫والظاء( وهذه‬
‫حتى تمنع النفس أن يجري معها " )‪(١٩٦‬وعبارة‪ :‬أطبقت عليها‪ ،‬إحساس من ابن دريـد –‬
‫ّ‬
‫يتكيف لنطق هذه األصوات‪ ،‬حتى يكـون شـكله‬ ‫كغريه من علماء العربية – ّ‬
‫بأن اللسان‬
‫جنـــي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويوضـح هـذا ـ أيـضا ـ ً قـول ابـن‬ ‫أولـه وآخـره‪،‬‬ ‫كالطبق‪ ،‬وذلك ْ‬
‫بأن يرتفـع ّ‬
‫"واإلطباق أن ترفع ظهر لسانك اىل الحنك األعىل ُمطبقا له ")‪.(١٩٧‬‬
‫ْ‬
‫حـرص‬ ‫أن يجري معها‪ ،‬فهي مع ُ‬
‫حسن الظن أراد بهـا‬ ‫أما عبارة ابن دريد‪ :‬تمنع ﱠ َ‬
‫النـفس ْ‬ ‫ّ‬
‫الصوت بني اللسان والحنك األعىل‪ ،‬وكأنه أراد محاكاة قول سيبويه‪ " :‬فالصوت محصور‬
‫فيما بني اللسان والحنك اىل موضع الحروف"‪.‬‬
‫لكن تعبريه لم يكن دقيقا‪ ،‬ولسيبويه يف هذا املوضـوع التفاتـة بارعـة جـاءت يف قولـه‪:‬‬
‫"فهذه األربعة لها موضعان من اللسان "‪ .‬أي‪ّ :‬‬
‫إن اللسان يرتفع من موضعني‪:‬‬
‫ــ األول‪ :‬طرفه لاللتقاء يف أحد املواضع لتكوين مخرج الصوت‪.‬‬

‫)‪ (١٩٦‬الجمهرة ‪.٨/١‬‬


‫رس صناعة اإلعراب ‪.٧ /١‬‬
‫)‪ّ (١٩٧‬‬
‫‪١٦٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫مؤخـره للتقارب مع أقىص الحنك األعىل )الطبق عند املحدثني(‪ ،‬وهو الجزء‬
‫ّ‬ ‫ــ والثاني‪:‬‬
‫الرخو يف سقف الحنك إلكمال شكل الطبق‪.‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫كيفية اإلطباق‪ ،‬أي‪ :‬هو ابتعاد‬ ‫أمـا االنفتاح‪ :‬فهي الكيفية الخاصة للسان التي تقابل‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫نسبيا عن الحنك األعىل عند النطق بغري هذه األصوات األربعـة‪ ،‬وتبقـى الحركـة‬ ‫اللسان‬
‫ّ‬
‫املخصص من اللسان لتكوين مخرج صوت‪ ،‬ولم نجد لصفة االنفتاح عنـد علمـاء‬ ‫للجزء‬
‫العربية يف العراق بيانا كما فعلوا مع صفة اإلطباق‪ ،‬واكتفوا بالقول‪ " :‬واملنفتحة ّ‬
‫كل مـا‬
‫سوى ذلك"‪ .‬أو‪ :‬سائر الحروف منفتحة‪ ،‬أو‪ :‬ما سوى ذلك فمفتوح غري ُمطبق‪.‬‬
‫ِ َ‬
‫ولم يخرج املحدثون يف وصفهم لظاهرة اإلطباق ّ‬
‫عما رسمه علماء العربية يف العراق‪،‬‬
‫ففي التسمية – مثال ً – منهم‪َ :‬من استعملها )‪(١٩٨‬نفسها‪.‬‬
‫)‪.(١٩٩‬‬
‫ومنهم‪َ :‬من استعمل مصطلحا جديدا هو )التفخيم(‬
‫ومنهم‪َ :‬من أورد املصطلحني معا ً‪.‬‬
‫أما وصف الظاهرة نفسها كما جاءت عن الدكتور تمام حسان )‪ (٢٠٠‬من خالل حديثه عن‬
‫مؤخــر‬
‫ّ‬ ‫نطقـه بإلصاق طرف اللسان باألسنان العليا‪ ...‬ويرتفـع‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ويتم‬ ‫الطاء‪ ،‬إذ قال‪" :‬‬
‫ّ‬
‫يسمى باإلطبـاق " أو عنـد وصـفهم‬ ‫ََ‬
‫الطـبق‪ ،‬وهذا ما‬ ‫اتــجاه‬
‫اللسان يف نفس الوقت يف ّ‬
‫الرتفاع أول اللسان وآخره وأمر طبيعي تقعر وسط اللسان‪.‬‬
‫لفظي فقط‪ّ ،‬‬
‫أما ما أضافوه فهو أمران‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫والوصف هو هو‪ ،‬واالختالف‬
‫تقعر اللسان)‪ (٢٠١‬أثناء النطق بصوت ُمطبق‪ ،‬ولم يكن‬
‫وصف بعضهم صفة ّ‬
‫‪ – ١‬جاءت يف ْ‬
‫ّ‬
‫الظن أنهـم أدركـوه‬ ‫ّ‬
‫يرصحوا به لفظا ً – ففي أكرب‬ ‫هذا جديدا‪ ،‬فعلماء العربية – ْ‬
‫وإن لم‬

‫)‪ (١٩٨‬األصوات اللغوية ‪ ،٤٨/‬ودراسة الصوت اللغوي ‪.١٠٤ /‬‬


‫)‪ (١٩٩‬أصوات اللغة ‪.٢٠٢/‬‬
‫)‪ (٢٠٠‬مناهج البحث يف اللغة ‪.٩٤ /‬‬
‫)‪ (٢٠١‬األصوات اللغوية ‪.٤٨/‬‬
‫‪١٦٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫عندما أطلقوا صفة اإلطباق‪ ،‬او عند وصفهم الرتفاع اول اللسان وآخـره وأمـر طبيعـي‬
‫تقعر وسط اللسان‪.‬‬
‫أن اللــسان يتـ ّ‬
‫ـأخر قلــيال إىل‬ ‫‪ – ٢‬مــا كــشفته األجهــزة الحديثــة )أشــعة أكــس( مــن ّ‬
‫فـضـل‬
‫ّ‬ ‫باتـجاه الطبـق‪ ،‬لـذا‬
‫مؤخـرة إىل األعىل ّ‬
‫ّ‬ ‫الجدارالخلفي للحلق‪،‬باإلضافة إىل حركة‬
‫)‪(٢٠٢‬‬
‫لتدخــل منطقـة الحلـق يف تفخـيم‬
‫ّ‬ ‫بعض الغربيني تسمية هذه الظاهرة بـالتحليق‬
‫ملؤخــر اللسان‪ ،‬وأنهـا لـم تكـن نتيجـة‬
‫ّ‬ ‫الصوت‪ ،‬وإذا ّ‬
‫صح ثبوت هذه الحركة املزدوجة‬
‫لهجي ّ‬
‫معني‪ ،‬فليس يف ثبوته أيّ مأخذ أو نقص يف بحوث علماء العربيـة‪ ،‬إذ‬ ‫ّ‬ ‫نطق ملستوى‬
‫أن ْ‬
‫فضل األجهزة الحديثة التي ُ ِ‬
‫حرم منها زمن علماء العربية واضح‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وبهذا أصبحت لهذه الظاهرة ثالث تسميات‪ ،‬هي‪:‬‬
‫ـ اإلطباق‪:‬منظور فيه إىل حركة اللسان إىل األعىل من ّ‬
‫أوله ومن آخره‪.‬‬
‫ـ التفخيم‪ :‬منظور فيه إىل ِ َ‬
‫غلـظ الصوت وفخامته‪.‬‬
‫باتـجاه الحلق‪ ،‬وهو وضع يختلف‬
‫ـ التحليق‪ :‬منظور فيه إىل الحركة الخلفية للسان ّ‬
‫طبعا عن نطق األصوات الحلقية‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫رابعا ً‪ :‬االستعالء واالنخفاض‪:‬‬


‫مؤخـرة اللسان إىل األعـىل أو انخفاضـها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مبني عىل ارتفاع‬
‫ّ‬ ‫وهو تصنيف لألصوات‬
‫املربد سبعة‪ ،‬هي‪ " :‬الصاد والضاد‪ ،‬والطاء‪ ،‬والظاء‪ ،‬والخاء‪،‬‬
‫واألصوات املستعلية كما قال ّ‬
‫)‪.(٢٠٣‬‬
‫والغني‪ ،‬والقاف "‬

‫)‪ (٢٠٢‬دراسة الصوت اللغوي ‪.٢٧٩/‬‬


‫)‪ (٢٠٣‬املقتضب ‪.٣٦٠/١‬‬
‫‪١٦٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ‬
‫تصعد أقىص اللسان حـال النطـق بهـذه األصـوات إىل الحنـك‬ ‫فاملراد باالستعالء هو‬
‫األعىل‪ ،‬سواء أحصل اإلطباق أو لم يحصل‪.‬‬
‫جنـي املجموعة الصوتية إىل قسمني‪ ،‬هما‪:‬‬
‫ّ‬ ‫صنـف ابن‬
‫ّ‬ ‫وقد‬
‫‪ – ١‬أصوات مع استعالئها إطباق‪ ،‬وهي‪ :‬الصاد‪ ،‬والضاد‪ ،‬والطاء‪ ،‬والظاء‪.‬‬
‫‪ – ٢‬أصوات ال إطباق مع استعالئها‪ ،‬وهي‪ :‬الخاء‪ ،‬والغني‪ ،‬والقاف)‪.(٢٠٤‬‬
‫يتــخذ‬
‫ّ‬ ‫وسبب االختالف بينهما هو ّ‬
‫أن اللسان مع أصوات )الخاء‪ ،‬والغني‪ ،‬والقـاف( لـم‬
‫مؤخــر اللـسان إىل أقـىص الحنـك موضـع‬
‫ّ‬ ‫شكله مع األصوات املطبقة‪ ،‬فمـع ارتفـاع‬
‫مخارجها يبقى طرفه دون ارتفاع‪ ،‬لعدم وجود دور له يف نطق هذه األصوات الثالثة‪ ،‬لـذا‬
‫لم ّ‬
‫يتم له شكله مع األصوات املطبقة‪ ،‬فكان فيها استعالء دون إطباق‪.‬‬
‫وغري هذه األصوات فمنخفض‪ ،‬ويراد باالنخفاض هو‪ :‬استواء اللسان يف قـاع الفـم‪،‬‬
‫وعدم ارتفاعه‪ ،‬وأصواته هي سائر األصوات غري املستعلية‪.‬‬
‫وكرر املحدثون أفكار علماء العربية يف العراق يف هـاتني الـصفتني‪ ،‬غـري ّ‬
‫أن بعـضهم‬ ‫ّ‬
‫ضم الحاالت التي تطرأ عىل )الراء‪،‬والالم( ُ‬
‫وتضفي عليها ِ َ‬
‫قيمـا ً تفخيميـة إىل هـذا‬ ‫حاول ّ‬
‫املبحث‪.‬‬
‫واعتقد ّ‬
‫أن سبب عدم ِ ْ‬
‫ذكـر علماء العربية للحاالت التفخيمية لصوتي الراء‪ ،‬والـالم يف‬
‫متعلــقة باألصـوات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مختصة بسياقات صوتية معينـة‪ ،‬وليـست‬ ‫أنـها‬
‫هذا املبحث‪ ،‬هو ّ‬
‫ّ‬
‫متخصصة بذوات األصوات املفردة ال بالسياقات الرتكيبية‪ ،‬فالالم‬ ‫أنفسها‪ ،‬واملباحث هنا‬
‫– مثال ً‪ -‬مرققة‪ ،‬أما تفخيمها ففي لفظ الجاللة )الله( املسبوقة بفتحة أو ضمة‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫رس صناعة اإلعراب ‪.٧١ /١‬‬


‫)‪ّ (٢٠٤‬‬
‫‪١٦٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫خامسا ً‪ :‬القلقلة‪:‬‬

‫خاصة أثناء الوقف عليهـا‪ ،‬وهـي ْ‬


‫أن‬ ‫ّ‬ ‫صوتــية ّ‬
‫تميزت بحالة‬ ‫ّ‬ ‫وهو تصنيف ملجموعة‬
‫ّ‬
‫خواصها األساسية‪.‬‬ ‫يتبعها ُ َ‬
‫صويت من أجل تحقيق معاملها‪ ،‬وبيان‬
‫املربد يف حديثه عن صفات األصوات‪ ،‬فقال‪ " :‬ومنهـا حـروف تـسمع يف‬
‫وقد وصفها ّ‬
‫نـربة بعدها‪ ،‬وهي حروف القلقلة‪ ،‬وذلك ألنها ُ ِ‬
‫ضغطت مواضعها "‪.‬‬ ‫الوقف عندها َ ْ‬
‫وهي القاف‪ ،‬والجيم‪ ،‬والطاء‪ ،‬والدال‪ ،‬والباء‪.‬‬
‫جنـي)‪ (٢٠٥‬ما كتبه سيبويه عن هـذه الـصفة‪ ،‬وعـن موقـف األصـوات‬
‫ّ‬ ‫وأعاد لنا ابن‬
‫وإمــا‬
‫ّ‬ ‫إمــا مجهورة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫كلـها – حال الوقف – ّ‬
‫مما يتبعها من دفعات هوائية‪ ،‬فاألصوات‬ ‫ّ‬
‫مهموسة‪:‬‬
‫واللــني – تنقسم عىل ثالثة أنواع‪:‬‬
‫ّ‬ ‫فاملجهورة – عدا أصوات ّ‬
‫املد‬
‫‪ – ١‬مجهورة يتبعها ُ َ‬
‫صويت نتيجة الضغط عليها‪ ،‬وهي أصوات القلقلة‪ :‬القاف‪ ،‬والجيم‪،‬‬
‫الشدة إىل الجهر)‪.(٢٠٦‬‬
‫ّ‬ ‫والطاء‪ ،‬والدال‪ ،‬والباء‪ .‬وقد جمعت‬
‫تـضغط ضغط األوىل‪ ،‬وهي‪ :‬الزاي‪ ،‬والظاء‪ ،‬والـذال‪،‬‬
‫نفـخ‪ ،‬ألنها لم ُ‬
‫‪ – ٢‬مجهورة يتبعها ْ‬
‫والضاد‪ ،‬والراء‪ ،‬وهي أصوات جمعت الرخاوة إىل الجهر‪.‬‬
‫‪ – ٣‬مجهورة ال تسمع يف الوقف بعدها شيئا وهي‪:‬الالم‪ ،‬والنون‪ ،‬وامليم‪ ،‬والعني‪ ،‬والغـني‪،‬‬
‫والهمزة‪ ،‬وهي أصوات جمعت إىل الجهر صفات مختلفة‪ ،‬فالالم‪ ،‬والنون‪ ،‬وامليم‪ ،‬والعـني‪:‬‬
‫ّ‬
‫والشدة‪.‬‬ ‫الرخاوة‬ ‫ّ‬
‫متوسطة بني ّ‬

‫)‪ (٢٠٥‬املقتضب ‪ ،٣٣٠/١‬ورس صناعة اإلعراب ‪ ،٧٣ /١‬والكتاب ‪.٢٨٤ /٢‬‬


‫)‪ (٢٠٦‬القاف والطاء مجهورتان‪ ،‬والجيم شديدة‪ ،‬عىل وفق ما وصفه علماء العربية وهو نطقهم القديم‪.‬‬
‫‪١٦٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -‬والغني رخوة‪.‬‬
‫‪ -‬والهمزة شديدة)‪.(٢٠٧‬‬
‫أما املهموسة‪ :‬فهي أصوات ُ ْ‬
‫تتــبع ِ َ‬
‫بـنـفخ‪ ،‬لخروجها مع النفس بحرية من الحنجرة‪.‬‬ ‫‪ّ -‬‬
‫والذي يعنينا هنا هو النوع األول من املجهورة التي تجمـع بـني أصـواته صـفتا الجهـر‬
‫والشدة‪ ،‬حتى أتبعت ُ َ‬
‫بصويت حال الوقف عليها‪ ،‬فعلماء العربيـة يف العـراق لـم يـذكروا‬ ‫ّ‬
‫سبب إتباع هذا الصويت إال عبارة ) ُ ِ‬
‫ضـغطت مواضعها(‪،‬وهي عبارة تحتـاج بـدورها إىل‬
‫بيان سبب هذا الضغط‪.‬‬
‫أما املحدثون)‪ (٢٠٨‬فقد حاولوا تعليل هذا اإلتباع بسبب حرصهم عىل األصوات الشديدة‬
‫ّ‬
‫املجهورة‪...‬وقلقلوها يف نطقهم‪ ،‬ليأمنوا بهذه من همسها‪ ،‬فالقلقلة ليـست يف الحقيقـة‬
‫إال مبالغة يف الجهر بالصوت‪ ،‬لـئال تـشوبه شـائبه مـن همـس‪ ،‬كمـا شـاع يف لهجـات‬
‫الكالم)‪ .(٢٠٩‬وبيان هذا‪:‬‬
‫ّ‬
‫أن الصوت املجهور يحتاج إىل امتداد صـوتي بدرجـة عاليـة نـسبيا ليظهـر جهـره‪،‬‬
‫مـؤداه ّ‬
‫أن أصـواتا‬ ‫ّ‬ ‫والوقف سكون‪،‬ال يسمح بإتمام هذا الوضع‪ ،‬وقد يرد هنـا اعـرتاض‬
‫ضم صفة ا ّ‬
‫لشدة إىل الجهر‪ ،‬فطبيعة‬ ‫ّ‬
‫ولكن هذا لم يثبت أمام ّ‬ ‫مجهورة لم ُ َ‬
‫تـتبع ُ َ‬
‫بصويت‪،‬‬
‫أتبــع الـصوت‬ ‫ّ‬
‫الشدة‪ ،‬فمن أجل إبقاء الصفتني معـا ً ِ‬ ‫تقلـل من صفة‬
‫ّ‬ ‫الوقف ‪ -‬أيضا –‬
‫ّ‬
‫وشدته بكامل طبيعتهما‪ ،‬وقوتهمـا‪،‬‬ ‫بصويت‪ّ ،‬‬
‫ليتم جهره‬ ‫املجهور الشديد –حال الوقف– ُ َ‬
‫لتظهر معالم الصوت وخصائصه دون نقص‪.‬‬

‫صحــت مالحظتـه بالنـسبة إىل الـالم واملـيم‬


‫ﱠ‬ ‫عقـب الدكتور شاهني عىل هذا النوع بقوله‪ " :‬فإذا‬‫ّ‬ ‫)‪(٢٠٧‬‬
‫تصح بالنسبة إىل بقية األصوات )الهمزة والعني‪ ،‬والغني( وهي محتملـة‬ ‫ّ‬ ‫والنون حيث ال يليها نفخ‪ ،‬فقد ال‬
‫لهذا النفخ )ينظر التطور اللغوي‪.(٢٥١/‬‬
‫)‪ (٢٠٨‬األصوات اللغوية ‪ ،١٧٩ /‬التطور اللغوي‪ ،‬لشاهني ‪ ،٢٥٠ /‬علم اللغة العام ‪.١٤٨ /‬‬
‫)‪ (٢٠٩‬إشارة اىل ما أصاب صوتي القاف والطاء من همس‪.‬‬
‫‪١٦٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ولم يستلزم هذا اإلتباع مع املهمـوس الـشديد كالكـاف والتـاء‪ ،‬فمـا يتبعهمـا هـو‬
‫النـفــخ مـع‬
‫علــل أبو عيل الفاريس إتباع هـذا ﱠ ْ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ككل األصوات املهموسة‪ ،‬وقد‬ ‫نـفــخ‪،‬‬
‫َ ْ‬
‫املهموسة بقوله‪ " :‬والحروف املهموسة إذا وقف عليها‪ ،‬كان الوقف مع نفـخ‪ ،‬ألنهـا لـم‬
‫وانسلــت معه ")‪.(٢١٠‬‬
‫ّ‬ ‫تعرتض عىل النفس اعرتاض املجهورة‪...‬‬
‫ومن املعروف ّ‬
‫أن االعرتاض عىل األصوات املجهورة لـم يكـن إال يف الحنجـرة‪ ،‬نتيجـة‬
‫فكأنــه جعل االعرتاض سببا ً إليجاد ﱡ َ‬
‫الصويت مع املجهور دون‬ ‫ّ‬ ‫اقرتاب األوتار الصوتية‪،‬‬
‫املهموس‪.‬‬
‫فريى ّ‬
‫أن األصوات الشديدة – املجهورة واملهموسـة – ينبغـي أن‬ ‫أمـا بعض املحدثني َ‬
‫ّ‬
‫الصــَويت محافظة عىل تحقيق شدتها )انفجارها()‪.(٢١١‬‬
‫ﱡ‬ ‫يتبعها هذا‬
‫ّ‬
‫يضمه‬ ‫وتبقى مشكلة )الهمزة( وهو الصوت الوحيد من )الشديدة املجهورة(الذي لم‬
‫القدامى إىل أصوات القلقلة‪ ،‬ولم يذكروا لذلك تعليال غري ّ‬
‫أن ابن الجزري )‪٨٣٣‬هـ( بعد ْ‬
‫أن‬
‫علـل إبعاد الجمهور لها من هذه‬
‫ذكر رأيا ً لبعضهم بإضافة )الهمزة( اىل أصوات القلقلة ّ‬
‫املجموعة بما " يدخلها من التخفيف حالة السكون‪ ،‬ففارقت أخواتها‪ ،‬وملا يعرتيهـا مـن‬
‫اإلعالل ")‪.(٢١٢‬‬
‫ويمكننا اضافة أمرين إىل هذا التعليل‪ ،‬هما‪:‬‬
‫ّ‬
‫يتميز به صوت الهمزة حتى مع حال الوقف‪.‬‬ ‫‪ – ١‬الوضوح النسبي الذي‬
‫ثقـال آخر‪ ،‬وهذا ما يهـرب منـه‬
‫وأيـة إضافة صوتية له سيكسبه ْ‬
‫ّ‬ ‫‪ – ٢‬أنها صوت ثقيل‪،‬‬
‫الناطق العربي‪.‬‬

‫)‪ (٢١٠‬الحجة عىل علل القراءات السبع ‪ .٩٧/١‬علل القراءات السبع ‪.٩٧/١‬‬
‫)‪ (٢١١‬األصوات عند سيبويه‪ ،‬برش‪ ،‬مجلة الثقافة املرصية العدد ‪ ٢١‬سنة ‪ ١٩٧٥‬ص ‪.١٨‬‬
‫)‪ (٢١٢‬النرش يف القراءات العرش ‪.٢٩١ /١‬‬
‫‪١٦٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فقد تكون هذه األسباب مجتمعة هي الدوافع التي جعلتهم يبعـدونها عـن أصـوات‬
‫القلقلة‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫سادسا ً‪ :‬الذالقة‪:‬‬
‫مبنــي عىل دور َذلق ِ اللسان والشفتني يف نطقها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وهو تصنيف لألصوات‬
‫ّ‬
‫وحـسهم املرهـف للكـالم‬ ‫وقد رصد علماء العربية – من خالل مالحظاتهم الدقيقـة‬
‫ستـة ّ‬
‫تميزت بصفات مـشرتكة يف نطقهـا‪ ،‬وتعاملهـا‪ ،‬ودورانهـا يف‬ ‫ّ‬ ‫املنطوق – أصواتا ً‬
‫الـــذلق( أو‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫وسـموها )الحـروف‬ ‫الكالم‪ ،‬حتى انمازت عن باقي أصوات العربية األخرى‬
‫)املذلقة( أو )الذالقة( )‪ ،(٢١٣‬وهي‪ :‬الفاء‪ ،‬والباء‪ ،‬وامليم – والراء‪ ،‬والنون‪ ،‬والالم‪.‬‬
‫تلمسها من أقوالهم‪:‬‬ ‫ُ‬
‫أصل التسمية فيمكن ّ‬ ‫ّ‬
‫أما‬
‫كل يشء‪:‬‬ ‫سميت الحروف ُمذلقة ً‪ّ ،‬‬
‫ألن عملها يف طرف اللسان‪ ،‬وطرف ّ‬ ‫ُ‬
‫األخفش‪ّ ِ ُ " :‬‬ ‫قال‬
‫ذلـقـه ")‪.(٢١٤‬‬
‫َ ُ‬
‫جنـي‪":‬ألنه يعتمد عليها ِ َ َ‬
‫بذلـق اللسان‪ ،‬وهو صدره وطرفه")‪.(٢١٥‬‬ ‫ّ‬ ‫وعند ابن‬
‫لكنــهم‬
‫ّ‬ ‫يتـضح ّ‬
‫أن لذلق اللـسان دورا ً يف إخـراج هـذه األصـوات‪،‬‬ ‫فمن هذه األقوال ّ‬
‫أدركوا ّ‬
‫أن قسما من هذه األصوات ال عمل لذلق اللسان يف إخراجها‪ ،‬وفيه قال ابن دريـد‪:‬‬
‫ستــة ولها جنسان‪:‬‬
‫ّ‬ ‫" ّ‬
‫أما املذلقة من الحروف فهي‬

‫ورس صناعة اإلعراب ‪.٧٤ /١‬‬


‫ّ‬ ‫)‪ (٢١٣‬العني ‪ ،٥١/١‬وجمهرة اللغة ‪،٧/١‬‬
‫)‪ (٢١٤‬جمهرة اللغة ‪.٧/١‬‬
‫رس صناعة اإلعراب ‪.٧٤ /١‬‬‫)‪ّ (٢١٥‬‬
‫‪١٧٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫جنس الشفة‪ :‬وهي الفاء وامليم والباء‪ ،‬ال عمـل للـسان يف هـذه األحـرف الثالثـة‪،...‬‬
‫والجنس الثاني من املذلقة‪ :‬بني أسلة اللسان إىل ّ‬
‫مقدم الغار األعىل‪ ،‬وهي الـراء‪ ،‬والنـون‪،‬‬
‫والالم")‪.(٢١٦‬‬
‫فاملذلقة – إذا ً – مجموعتان‪ :‬مجموعة شـفوية ال عمـل للـسان فيهـا‪ ،‬ومجموعـة‬
‫أطلقـت‬ ‫ّ‬
‫ولكن التسمية غلبت عىل املجموعتني‪ ،‬بسبب صفة الذالقة التي ِ‬ ‫مذلقة حقيقية‪،‬‬
‫ّ‬
‫سميت هذه الحـروف‬ ‫ويتـضح هذا يف قول أحدهم‪ " :‬وإنما‬
‫ّ‬ ‫عىل أسلة اللسان والشفتني‪،‬‬
‫إنـما هي بطرف أسلة اللسان والشفتني‪ ،‬وهما مدرجتا هذه‬ ‫ذلـقا‪ّ ،‬‬
‫ألن الذالقة يف املنطق‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫الحروف الستة ")‪.(٢١٧‬‬
‫ِ‬
‫بـــذلق اللـسان‪،‬‬ ‫الخفـة يف النطق‪ ،‬وليس لنطقهـا‬
‫ّ‬ ‫ويخيل يل ّ‬
‫أن مرجع التسمية هو‬ ‫ّ‬
‫والخفــة)‪.(٢١٨‬‬
‫ّ‬ ‫ويؤكــد هذا تفسري ابن األعرابي للذالقة‪ :‬بالطالقة‬
‫ّ‬
‫َ‬ ‫املـصمتة‪ ،‬وسميت ُ‬
‫مـصمتة كمـا يقـول األخفـش‪ " :‬ألنهـا‬ ‫وما سوى املذلقة‪ :‬فهي ُ َ‬
‫كـثرت حروفه‪،‬العتياصها عىل اللسان ")‪.(٢١٩‬‬ ‫ّ‬
‫تختص بالبناء إذا ُ‬ ‫أصمتت ْ‬
‫أن‬ ‫ْ ِ‬
‫أن ُ َ ّ‬
‫يتكـلــم بها‪ ،‬وتبنى الكلمة منها‬ ‫صمـت ْ‬
‫سميت ُمص َمتة ألنه َ ِ‬
‫الرساج‪ّ " :‬‬
‫ّ‬ ‫وقال ابن‬
‫ّ‬
‫والخماسـية‬ ‫ّ‬
‫الرباعية‬ ‫إذا ُكثرت ")‪ :(٢٢٠‬أي‪ّ :‬‬
‫إنـها ُمنعت من االنفراد بتأليف أصول األلفاظ‬
‫دون اقرتانها باألصوات املذلقة‪.‬‬

‫)‪ (٢١٦‬جمهرة اللغة ‪.٧/١‬‬


‫)‪ (٢١٧‬الصحاح‪ :‬ذلق ‪ ،١٤٧٩ /٤‬وأصل الكالم للخليل بن أحمد‪ ،‬يف العني ‪.٥١/١‬‬
‫)‪ (٢١٨‬الصحاح‪ :‬ذلق ‪١٤٧٩ /٤‬‬
‫)‪ (٢١٩‬جمهرة اللغة ‪.٧/١‬‬
‫)‪ (٢٢٠‬االشتقاق البن الرساج ‪.٤٩/‬‬
‫‪١٧١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫صفاتها‪:‬‬
‫ممـيزة لها‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫ّ‬ ‫أرشنا إىل أنهم وقفوا عىل صفات‬
‫الخفـة يف النطق‪:‬‬
‫ّ‬ ‫أ–‬
‫ّ‬
‫أخف الحروف‪ ،‬وأحسنها امتزاجا بغريها ")‪.(٢٢١‬‬ ‫قال األخفش‪ " :‬وهي‬
‫الخفــة تفـسري ابـن األعرابـي للذالقـة‪ ،‬إذ قـال‪ " :‬لـسان َ ْ‬
‫ذلــق‪ ،:‬وذليـق‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ويؤكد هذه‬
‫طليق")‪ (٢٢٢‬ومثله ما ذكره األزهري من كالم الخليل بـن أحمـد‪ " :‬وملـا ذلقـت الحـروف‬
‫وسهـلت عليه يف النطق‪.(٢٢٣)"...‬‬
‫ُ‬ ‫الستـة‪َ ،‬‬
‫ومذل بهن اللسان‪،‬‬ ‫ّ‬
‫متأتــية من ّ‬
‫أن اللسان لم يبذل مجهـودا عـضليا‬ ‫ّ‬ ‫الخفــة والسهولة يف النطق‬
‫ّ‬ ‫وهذه‬
‫كبريا يف نطقها‪ ،‬فالالم‪ ،‬والنون‪ ،‬والراء يعالجها بطرفه وهو أكثر أجـزاء اللـسان حركـة‬
‫ّ‬
‫أخف حركة من اللسان‪.‬‬ ‫وخفـة‪ ،‬أما‪ :‬الفاء‪ ،‬والباء‪ ،‬وامليم فمن الشفتني وهي‬
‫ّ‬
‫ب – شيوع استعمالها‪:‬‬
‫الخفـة ّ‬
‫أدت إىل كثرة دورانها عىل‬ ‫ّ‬ ‫خفــتها يف النطق‪ ،‬إذ ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫وهو أمر جاء حصيلة عن‬
‫األلسنة‪ ،‬وشيوع امتزاجها مع األصوات األخرى لتأليف األلفاظ بمختلـف أنواعهـا مـن‬
‫حروف‪ ،‬وأدوات‪ ،‬وأسماء‪.‬‬
‫مبكـر إىل إحـصاء نـسبة دوران األصـوات‬
‫ّ‬ ‫وقد انتبه علماء العربية يف العراق يف وقت‬
‫ّ‬
‫خاصة‪.‬‬ ‫عامة يف الكالم‪ ،‬وأصوات الذالقة‬
‫يـرى ّ‬
‫أن الـالم والـراء مـن‬ ‫فقد روى لنا الجاحظ)‪ (٢٢٤‬عن أبي محمـد اليزيـدي‪ّ ،‬‬
‫أنــه َ‬
‫أشد‪ّ ،‬‬
‫وأيد الجاحظ هذا الرأي وأوضح فكرتـه‬ ‫األصوات التي يكثر تردادها‪،‬والحاجة إليها ّ‬

‫)‪ (٢٢١‬جمهرة اللغة ‪.٧/١‬‬


‫)‪ (٢٢٢‬الصحاح‪ :‬ذلق ‪١٤٧٩ /٤‬‬
‫)‪ (٢٢٣‬تهذيب اللغة ‪ ،٤٤ /١‬وانظر‪ :‬العني ‪.٥٢/١‬‬
‫)‪ (٢٢٤‬البيان والتبيني ‪.٢٢/١‬‬
‫‪١٧٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫خـطب ثـم إحـصاء‬ ‫عــدة رسائل‪ّ ،‬‬


‫وعدة ُ‬ ‫ّ‬ ‫أخـذ‬
‫عن أسلوب هذا اإلحصاء الذي يعتمد عىل ْ‬
‫األصوات الواردة فيها‪.‬‬
‫وقرر ّ‬
‫أن أكثر الحروف اسـتعماال عنـد العـرب بعـد‬ ‫وشارك ابن دريد يف هذا اإلحصاء‪ّ ،‬‬
‫املد )الحركات الطويلة( هي‪ :‬امليم‪ ،‬والباء‪ ،‬والراء‪ ،‬الالم‪ ،‬والنون)‪.(٢٢٥‬‬
‫حروف ّ‬
‫ج – مشاركتها يف أصول األبنية الرباعية والخماسية‪:‬‬
‫أي‪ّ :‬‬
‫إن األبنية الرباعية والخماسية ال ّ‬
‫بد أن يشتمل بناؤها عىل صوت أو صوتني مـن‬
‫صوتـيا ً ُيحكم به عىل عربيـة اللفـظ وأصـالته‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أصوات الذالقة‪ ،‬وجعلوا من هذا قانونا ً‬
‫ْ‬
‫وإن لم يكن اللفظ عىل هذا البناء فهو من ّ‬
‫الدخيل يف كالم العرب‪.‬‬
‫وقد أرشنا يف موضع سابق إىل ريادة الخليل يف الكشف عن هذا القانون الصوتي الذي‬
‫تابعه علماء العربية فيه‪.‬‬
‫بناء رباعيا مصمت الحروف ال مـزاج لـه‬
‫ويف هذا قال ابن دريد‪ " :‬أال ترى أنك ال تجد ً‬
‫بناء ُيجعل بالسني‪،‬وهو قليل جدا‪ ،‬مثل عسجد‪ْ ...‬‬
‫فإن جـاءك بنـاء‬ ‫من حروف الذالقة إال ً‬
‫فاردده ")‪.(٢٢٦‬‬
‫فإنـه ليس من كالم العرب ْ ُ ْ ُ‬
‫ّ‬ ‫يخالف ما رسمته لك مثل دعشق‪...‬‬
‫الستـة ّرس طريف ُ َ‬
‫ينتـفع بـه يف اللغـة‪ ،‬وذلـك‬ ‫ّ‬ ‫جنــي‪ " :‬ويف هذه الحروف‬
‫ّ‬ ‫وقال ابن‬
‫أنك متى رأيت اسما رباعيا أو خماسيا غري ذي زوائد‪،‬فال ّ‬
‫بد فيه حرف من هذه الـستة أو‬
‫وربما كان فيه ثالثة‪ ...‬فمتى وجدت كلمة رباعية أو خماسية ُ ّ‬
‫معراة من بعـض‬ ‫حرفني‪ّ ،‬‬
‫بأنـه دخيل يف كالم العرب‪ ،‬وليس منه ")‪.(٢٢٧‬‬
‫فاقـض ّ‬
‫الستـة‪ْ ،‬‬
‫ّ‬ ‫هذه األحرف‬
‫مطــردة يف أحكامهـا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وبما ّ‬
‫أن األلفاظ وتطورها ال يمكن أن تسري عىل وفق قوانني‬
‫معراة مـن أصـوات ﱠ‬
‫الـذلق‪،‬‬ ‫فقد وجد العلماء أمامهم ألفاظا معدودة رباعية أو خماسية ّ‬

‫)‪ (٢٢٥‬جمهرة اللغة ‪.١٢/١‬‬


‫)‪ (٢٢٦‬جمهرة اللغة ‪.١١/١‬‬
‫رس صناعة اإلعراب ‪.٧٤/١‬‬
‫)‪ّ (٢٢٧‬‬
‫‪١٧٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫مربرات لعدم احتوائها عىل أحد هذه األصـوات مـن أجـل الحفـاظ عـىل‬
‫فحاولوا إيجاد ّ‬
‫القواعد العامة التي وضعوها لألبنية‪.‬‬
‫لينـة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫بـأن الـسني ّ‬ ‫ّ‬
‫املـسينة‪ ،‬نحـو‪ :‬عـسجد‪،‬‬ ‫فابن دريد حاول تسويغ ورود األلفاظ‬
‫خفــف مـن ِ َ‬
‫ثقــل‬ ‫ّ‬ ‫الغنـة)‪ ،(٢٢٨‬وهو بهـذا يريـد ّ‬
‫أن جـرس الـسني‬ ‫ّ‬ ‫وجرسها من جوهر‬
‫وكأنـه قام مقام أحد أصوات الذالقة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األصوات املصمتة‪،‬‬
‫)‪(٢٢٩‬‬
‫وعلــل عـدم‬
‫ّ‬ ‫جنـي ذكـر العـسجد‪ ،‬والعـسطوس‪ ،‬والدهدقـة‪ ،‬والزهزقـة‬
‫ّ‬ ‫وابن‬
‫ّ‬
‫وقـوة القـاف‬ ‫اشتمالها عىل صوت من أصوات الذالقة بنصاعة العني‪ ،‬ولذاذة مستمعها‪،‬‬
‫ورقــة الـسني وليونتهـا عـن اسـتعالء‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وصحة جرسها‪ ،‬وليونة الدال عن صالبة الطاء‪،‬‬
‫ّ‬
‫ولعل هذا‬ ‫الصاد)‪(٢٣٠‬وهذه التعليالت هي للخليل بن أحمد‪،‬ومع هذا فقد وصفها بالشذوذ‪،‬‬
‫الوصف أحسن من التعليل بأمور قد تكون غري ّ‬
‫معربة عن واقع هذه األلفاظ‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫هذه هي الخطوط العامة لنظرة علماء العربية يف العراق لهـذه املجموعـة الـصوتية‪،‬‬
‫ّ‬
‫توصلت إليه الدراسات الصوتية الحديثـة‪ ،‬إذ ال نجـد خالفـا بـني‬ ‫وقد جاءت مطابقة ملا‬
‫خفــتها وسـهولتها‪ ،‬فأصـوات الـشفة عنـدهم مـن‬
‫ّ‬ ‫النظرتني فال ّ‬
‫شك عند املحدثني يف‬
‫األصوات األوىل التي يولع الطفل برتديدها وتركيب مقاطع منها‪ ،‬وهـذا خـري دليـل عـىل‬
‫خفـتها عىل عضالت لسان الطفل فضال عىل ألسنة الكبار‪.‬‬
‫ّ‬

‫)‪ (٢٢٨‬جمهرة اللغة ‪.١١/١‬‬


‫)‪ (٢٢٩‬العسطوس‪ :‬شجر يشبه الخيزران‪ ،‬والدهدقة‪ :‬تقطع اللحم وتكرس العظام‪ ،‬والزهزقة‪ :‬شدة‬
‫الضحك‪.‬‬
‫رس صناعة اإلعراب ‪.٧٥/١‬‬
‫)‪ّ (٢٣٠‬‬
‫‪١٧٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫خفـة أصوات الذالقة )الالم والنون وامليم( بميل النـاطق العربـي‬


‫ّ‬ ‫واستدلوا أيضا عىل‬
‫ّ‬
‫املـضعفني‬ ‫املضعـفة بإزالة تضعيفها‪ ،‬عن طريـق إبـدال أحـد‬
‫ّ‬ ‫إليها يف تخفيف الرتاكيب‬
‫بأحد هذه األصوات باإلضافة إىل طبيعتها النطقية‪ ،‬وعدم بذل اللـسان أيّ مجهـود كبـري‬
‫إنـــهم وجـدوا ّ‬
‫أن أصـوات النـون‪ ،‬والالم‪،‬وامليم‪،‬والـراء قريبـة الـشبه مــن‬ ‫ّ‬ ‫فيهـا‪ ،‬ثـم‬
‫الحركات‪،‬وأهم أوجه التشابه‪،‬‬
‫هو)‪:(٢٣١‬‬
‫‪ – ١‬حرية مرور الهواء‪:‬‬
‫فإنـــه مـع الـالم يخـرج مـن‬
‫ّ‬ ‫فإذا كان الهواء يخرج مع الحركات من وسط الفـم‬
‫جانبيه‪ ،‬ومع امليم والنون من األنف‪ ،‬بالشكل الذي ال نسمع ملـرور الهـواء أيّ حفيـف أو‬
‫احتكاك‪.‬‬
‫وهو أمر التفت إليه علماء العربية يف العراق‪ ،‬وأفردوا لهذه األصوات صفة خاصة‪ ،‬هي‬
‫الرخوة والشديدة كما سبق بيانه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫التوسط بني ّ‬
‫‪ّ –٢‬‬
‫قوة الوضوح السمعي‪:‬‬
‫ّ‬
‫القـوة هـي ْ‬
‫جهـر‬ ‫وعلـــة هـذه‬
‫ّ‬ ‫فإذا كانت الحركات هي أقوى األصوات إسـماعا –‬
‫الصوت‪ ،‬وعدم االعرتاض عىل مجراه الهوائي – ّ‬
‫فإن هذه األصوات تأتي يف الدرجة الثانيـة‬
‫تعرضوا إليـه إال‬
‫قوة الوضوح مبحث حديث لم يكن القدماء قد ّ‬ ‫يف ّ‬
‫قوة اإلسماع‪ ،‬وقياس ّ‬
‫ألنــها نتيجة طبيعية للوضع النطقي لهذه األصوات التي لـم يختلـف يف‬
‫ّ‬ ‫يف أصوات ّ‬
‫املد‪،‬‬
‫تحديده القدماء واملحدثون‪.‬‬

‫)‪ (٢٣١‬حروف تشبه الحركات‪ ،‬مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة ‪.١٣/١٦‬‬
‫‪١٧٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ – ٣‬نسبة شيوعها ودورانها يف اللغة‪:‬‬


‫ذكر الدكتور أنيس ّ‬
‫أن النون‪ ،‬وامليم‪ ،‬والالم قريبة النـسبة مـن الحركـات الطويلـة يف‬
‫نسبة شيوعها يف الكالم‪ ،‬بعد إحصاء أجراه يف نصوص القرآن الكريم)‪ ،(٢٣٢‬وهو أمر أدركه‬
‫ورصح به)‪ (٢٣٣‬ابن دريد‪.‬‬
‫ّ‬
‫هذا التشابه الكبري بني الحركات وبني أصوات الالم والنون وامليم هـو الـذي دعـاهم إىل‬
‫ّ‬
‫ولعـل املحـدثني لـم يكونـوا‬ ‫تسميتها بـ )أشباه الحركات( أو )حروف تشبه الحركات(‪،‬‬
‫مبدعني يف هذه التسمية‪ ،‬فقد الحظها علماء العربية قبلهم يف مجال لغوي آخر‪ ،‬فقد جاء‬
‫ً‬
‫حـسنة‬ ‫تـك‬ ‫يعلــل سـقوط النـون مـن )تكـن( يف قولـه تعـاىل ) ْ‬
‫وإن ُ‬ ‫ّ‬ ‫عن ا ّ‬
‫لزجاج وهو‬
‫وأنــها سـاكنة‬
‫ّ‬ ‫تـشبه حـروف اللـني‪،‬‬ ‫يضاعفـها()‪ ،(٢٣٤‬قال‪ " :‬فاجتمع يف النون ّ‬
‫أنــها ُ‬ ‫ْ‬
‫فحذفت استخفافا لكثرة االستعمال")‪.(٢٣٥‬‬
‫جنــي وأعـاد هـذا القـول‪،‬‬
‫ّ‬ ‫فالقول رصيح يف ْ‬
‫رصد الشبه بالحركات الطويلة‪ ،‬وجاء ابن‬
‫الغنـة التي فيها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ورأى هذا الشبه جاء بسبب‬
‫قال‪ " :‬فلما حذفوا الواو للجزم يف )لم ْ‬
‫يكن( ووقعت النون آخرا ً ساكنة‪ ،‬وهي مـضارعة‬
‫وأنــها ساكنة حذفوا النون أيضا ")‪.(٢٣٦‬‬
‫ّ‬ ‫بالغنــة التي فيها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫واللـني‬
‫ّ‬ ‫لحروف ّ‬
‫املد‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫سابعا ً‪ :‬ﱠ‬
‫الصفري‪:‬‬
‫ﱠ‬
‫بالصفري‪،‬‬ ‫وهو تصنيف ملجموعة صوتية بحسب ما ُيسمع معها من احتكاك أشبه‬
‫متـسع للخروج‪ ،‬سـوى مجـرى‬
‫نتيجة انحصار الصوت بني الشفتني‪ ،‬وعدم وجود منفذ ﱠ‬

‫)‪ (٢٣٢‬حروف تشبه الحركات‪ ،‬مجلة مجمع اللغة ‪.١٣ /١٦‬‬


‫)‪ (٢٣٣‬جمهرة اللغة ‪.١٢/١‬‬
‫)‪ (٢٣٤‬النساء‪.٤٠/‬‬
‫)‪ (٢٣٥‬معاني القرآن وإعرابه ‪ ،٥٤/٢‬وإعراب ثالثني سورة ‪.٢٣٠/‬‬
‫)‪ (٢٣٦‬املنصف ‪.٢٢٨ /٢‬‬
‫‪١٧٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ّ‬
‫تنـسل انـسالال‪ ،‬وهـي‬ ‫املربد‪ " :‬حروف ﱠ‬
‫الصفري‪ :‬وهـي حـروف‬ ‫ﱢ‬
‫ضيق بينهما‪ .‬وفيها قال ّ‬
‫السني‪ ،‬والصاد‪ ،‬والزاي ")‪.(٢٣٧‬‬
‫املـربد داللـة عـىل خـروج الـصوت دون ْ‬
‫أن ُيحجـز يف‬ ‫ّ‬ ‫ويف مصطلح االنسالل يف قـول‬
‫موضـع ما‪.‬‬
‫مجرى الهـواء معهـا‬
‫َ‬ ‫ألن‬ ‫أيد املحدثون)‪ (٢٣٨‬وجود ﱠ‬
‫الصفري يف هذه األصوات الثالثة‪ّ ،‬‬ ‫وقد ّ‬
‫ﱠ‬
‫كالـصفري‪ ،‬وإذا‬ ‫ّ‬
‫الضيق محدثا احتكاكـا مـسموعا‬ ‫ويترسب الهواء من هذا املنفذ‬
‫ّ‬ ‫يضيق‬
‫كان بعضهم قد أضاف أصواتا ً أخرى إىل هذه املجموعة ُيسمع معها يشء ُيشبه الـصفري‬
‫رد الدكتور أنيس عىل هذه اإلضافة ّ‬
‫بأن‬ ‫هي )الثاء‪ ،‬والذال‪ ،‬والشني‪ ،‬والظاء‪ ،‬والفاء( فقد ّ‬
‫الصفري مع هذه األصوات لم يصل إىل درجته مع " السني‪ ،‬والـصاد‪ ،‬والـزاي ممـا أمكـن‬
‫وقـرص هذه الصفة عليها ")‪.(٢٣٩‬‬
‫الصفري‪ْ َ ،‬‬
‫تربير تسميتها بأصوات ّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫التفشـي واالستطالة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ثامنا ً‪:‬‬
‫مبنـي عىل املساحة التي يـستحوذ عليهـا‬
‫ّ‬ ‫وهو تصنيف لصوتني من أصوات العربية‬
‫هواء الصوت من ظهر اللسان‪ ،‬فقد ينبسط اللسان‪ ،‬وينترش عليه هـواء الـصوت‪ ،‬وقـد‬
‫يـتـصل بمخارج األصوات األخرى‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يمتد هواء الصوت عىل اللسان حتى‬
‫املربد خالل حديثه عن صوت الالم‪ ،‬إذ قال‪ " :‬والحرفان اللـذان‬
‫وهما مما أشار إليهما ّ‬
‫التفشـي الذي فيهما‪ :‬الشني والضاد")‪.(٢٤٠‬‬
‫ّ‬ ‫ويتـصالن بها يف‬
‫ّ‬ ‫يبعدان عن مخرجها ]الالم[‬

‫‪ (٢٣٧‬املقتضب ‪.٣٢٩ /١‬‬


‫)‪٢٣٧‬‬
‫)‪ (٢٣٨‬أصوات اللغة ‪ ،٢٠٤/‬والعربية الفصحى‪ ،‬فليش‪.٤٠/‬‬
‫)‪ (٢٣٩‬األصوات اللغوية ‪.٧٤ /‬‬
‫)‪ (٢٤٠‬املقتضب ‪.٣٤٨ /١‬‬
‫‪١٧٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫التفشـي واالستطالة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إنـه وصف الشني بوصفني هما‬
‫ثم ّ‬
‫تتفـشــى حتـى‬
‫ّ‬ ‫فقال يف تفشيها‪ " :‬فأما الشني فتخرج مـن وسـط اللـسان‪ ...‬ثـم‬
‫تـتصل بمخرج الالم "‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقال يف استطالتها‪:‬‬
‫ألبتـة‪ّ ،‬‬
‫ألن الشني من حروف التفيش‪ ،‬فلها استطالة مـن‬ ‫ّ‬ ‫" وال ُ ْ‬
‫تـدغم الشني يف الجيم‬
‫تــتصل بمخرج الطاء "‪.‬‬
‫مخرجها‪ ،‬حتى ّ‬
‫وجــاء بعــده ابــن دريــد ووصــف الــشني بالتفــيش‪ ،‬ووصــفها أبــو عــيل الفــاريس‬
‫باالستطالة)‪ (٢٤١‬وقد سبقهم سيبويه إىل هذا َ َ‬
‫فـنـعت الشني باالستطالة والتفيش‪ ،‬ونعت‬
‫نصـه السابق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫املربد يف‬
‫الضاد باالستطالة فقط‪ ،‬ولم ينعتها بالتفيش كما فعل ّ‬
‫وتابع املحدثون)‪ (٢٤٢‬علماء العربية فوصفوا الشني بالتفيش أيضا ً‪ ،‬وأرادوا بـه‪ " :‬أن‬
‫يشغـل الصوت من عرض اللسان مساحة ينتج منها هذا الوشـيش "‪ .‬ووصـفوا الـضاد‬
‫ُ‬
‫يشغـل من طول اللسان مـساحة تـصل مخرجـه‬
‫ُ‬ ‫باالستطالة‪ ،‬وأرادوا بها‪ّ " :‬‬
‫أن الصوت‬
‫بمخرج صوت آخر يجاوره "‪.‬‬

‫الغـنــة‪:‬‬
‫تاسعا ً‪ّ ُ :‬‬
‫وهي تصنيف صوتي عىل وفق حالة نطقيـة خاصـة يرتخـي معهـا أقـىص الحنـك‬
‫ّ‬
‫فـإن‬ ‫ّ‬
‫فيسد مجرى الفم‪ ،‬فيخرج الهـواء خـالل التجويـف األنفـي‪ ،‬ولـذا‬ ‫الرخو)الطبق(‬
‫ّ‬
‫حددها ابن دريد‪ ،‬والسريايف هي‪ :‬صوت من الخيشوم)‪.(٢٤٣‬‬
‫الغنــة – كما ّ‬
‫ّ‬
‫أما أصواتها كما أشار إليها األخفش‪ ،‬واملربد فهما‪ :‬النون‪ ،‬وامليم)‪.(٣٤٤‬‬

‫والحجـة يف علل القراءات السبعة ‪.٩٧/١‬‬


‫ّ‬ ‫)‪ (٢٤١‬جمهرة اللغة ‪،٦/١‬‬
‫)‪ (٢٤٢‬دروس يف علم أصوات العربية ‪ ،٣٨/‬والتطور اللغوي‪ ،‬لشاهني ‪.٢٤٣/‬‬
‫)‪ (٢٤٣‬جمهرة اللغة ‪ ،٧ /١‬ورشح السريايف ‪.٥١٧ /٦‬‬
‫)‪ (٣٤٤‬معاني القرآن ‪ ،٩٥/١‬واملقتضب ‪.٣٥٠/١‬‬
‫‪١٧٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫تمثـــل بمجـاورة أحـد هـذين‬ ‫ّ‬


‫محـدد ي ّ‬ ‫الغنــة يف سياق صـوتي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويتم حدوث هذه‬
‫فيؤثــر هذا الصوت يف النون‪ ،‬أو امليم ويتالشيان ويرتكان مكانهما‬
‫ّ‬ ‫الصوتني صوتا آخر‪،‬‬
‫أثـر‬
‫الغنــة‪ ،‬وهـو ٌ‬
‫ّ‬ ‫املخفــي‪ ،‬فهذا األثر الصوتي ّ‬
‫املتبقي هو‬ ‫ّ‬ ‫غـنــة للداللة عىل الصوت‬
‫ُ ّ‬
‫ّ‬
‫باألنفية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫اعتد املحدثون بوجوده يف هذين الصوتني‪ ،‬واصطلحوا عليه‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫صفات أصوات منفردة‪:‬‬


‫من الصفات التي أشاروا إليها‪ ،‬ما امتازت بها أصوات منفردة‪ ،‬هي‪:‬‬
‫االنحراف‪:‬‬
‫اتــصال بـأكثر‬
‫املربد بقولـه‪ " :‬املنحـرف‪ ...‬ولـه ّ‬
‫وهي صفة لصوت الالم‪ ،‬وإليه أشار ّ‬
‫واتـصاله‬
‫ّ‬ ‫تدل عىل انحراف اللسان‪،‬‬ ‫الحروف‪ ،‬وهو الالم ")‪ .(٢٤٥‬والعبارة واضحة إذ ّ‬
‫إنــها ّ‬
‫جنــي فقد تابع سيبويه‪ ،‬وقال تحت صـفة االنحـراف‪:‬‬
‫ّ‬ ‫بمخارج أصوات أخرى‪ ،‬أما ابن‬
‫َ‬
‫وتتجـاىف ناحيتـا‬ ‫"ومن الحروف حرف منحرف‪ّ ،‬‬
‫ألن اللسان ينحرف فيـه مـع الـصوت‪،‬‬
‫ّ‬
‫مستدق اللسان عن اعرتاضهما عىل الصوت‪ ،‬فيخرج الصوت من تينك النـاحيتني‪ ،‬وممـا‬
‫فويقهما‪ ،‬وهو الالم ")‪.(٢٤٦‬‬
‫ذكـر انحرافني‪ ،‬هما‪:‬‬ ‫ّ‬
‫واملتفحص للقولني السابقني يرى ْ‬
‫ّ‬
‫ويرجح أنه انحراف نحـو صـوت الـضاد‪ ،‬ملـشاركة إيـاه يف حافـة‬ ‫‪ – ١‬انحراف اللسان‪،‬‬
‫اللسان بناء عىل ما وصفوه‪.‬‬

‫)‪ (٢٤٥‬املقتضب ‪.٣٤٨ /١‬‬


‫رس صناعة اإلعراب ‪.٧٢/١‬‬
‫)‪ّ (٢٤٦‬‬
‫‪١٧٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ – ٢‬انحراف الصوت‪ ،‬وعدم خروجه من وسط الفم – لوجود حـاجز مـن التقـاء طـرف‬
‫اللثــة – وترسّبه من جانبي اللسان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اللسان مع‬
‫ويبدو يل ّ‬
‫أنهم لم يريدوا باالنحراف النوع األول‪ ،‬وهو انحراف اللسان‪ّ ،‬‬
‫ألن صوت الالم لـم‬
‫ينفرد بهذا االنحراف‪ ،‬فقد ذكروا انحراف الراء عن مخرج النون نحو جهة الالم‪ ،‬ومع هذا‬
‫ﱠ‬
‫املـرجح هـو انحـراف الـصوت‪،‬‬ ‫َ‬
‫يبـق‬ ‫ﱠ‬
‫صـح هـذا‬ ‫ْ‬
‫فـإن‬ ‫لم يصفوا الراء بصفة االنحراف‪،‬‬
‫وخروجه من حافتي اللسان‪ ،‬وهذا ما استصوبه املحدثون‪ ،‬وآثروا تسميته بالجـانبي‪ ،‬أو‬
‫الجانبية‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫التكرير‪:‬‬
‫جـرى‬
‫َ‬ ‫املربد‪ " :‬هو الرتجيع الذي لـواله ملـا‬
‫وهي صفة لصوت الراء‪ ،‬واملراد به كما ذكر ّ‬
‫جرى فيه الصوت( تأكيـد عـىل َ ْ‬
‫كــون تكـرار‬ ‫فيه الصوت ")‪ .(٢٤٧‬وعبارة ّ‬
‫املربد )لواله ملا َ‬
‫جنــي‬
‫ّ‬ ‫رضبات اللسان عىل اللثة صفة أساسية يف إيضاح معالم صوت الراء‪ .‬وحاول ابن‬
‫يتعثـــر بمـا‬
‫ّ‬ ‫إيضاح هذه الصفة‪ ،‬فقال‪ " :‬وذلك أنك إذا وقفت عليه رأيت طرف اللـسان‬
‫فيه من التكرير ")‪.(٢٤٨‬‬
‫ّ‬
‫وكيفية حدوثها‪.‬‬ ‫وأقر املحدثون)‪ (٢٤٩‬هذه الصفة بصوتها‪ ،‬وتسميتها‪،‬‬
‫ّ‬
‫وانفرد الدكتور عبدالرحمن أيوب)‪ (٢٥٠‬بالنظر اىل مسألة دقيقة‪ ،‬وهي التفريق بني حالتني‬
‫لصوت الراء يف العربية‪ ،‬وهما‪:‬‬

‫)‪ (٢٤٧‬املقتضب ‪ ٣٣٢/١‬بترصف‪.‬‬


‫)‪ (٢٤٨‬رس صناعة اإلعراب ‪.٧٢/١‬‬
‫)‪ (٢٤٩‬مناهج البحث يف اللغة ‪ ،١٠٤ /‬األصوات اللغوية ‪ ،٦٦/‬علم اللغة العام ‪.١٦/‬‬
‫)‪ (٢٥٠‬أصوات اللغة ‪.٢٠٤ – ٢٠٣ /‬‬
‫‪١٨٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫واملشددة‪ :‬وهي راء فيها تكرير ) ّ‬


‫مرتددة( أي‪ :‬كما وصفها علمـاء‬ ‫ّ‬ ‫املتحركة‬
‫ّ‬ ‫الراء غري‬
‫‪ّ –١‬‬
‫العربية‪ّ ،‬‬
‫وأيدهم املحدثون‪.‬‬
‫مكررة‪ ،‬وانما يلتقي فيها طرف اللسان باللثة‪ ،‬ويفارقه‬
‫ملتحركة‪ :‬وهي راء غري ّ‬
‫ّ‬ ‫الراء ا‬
‫‪ّ –٢‬‬
‫ّ‬
‫يتكون من رضبـة واحـدة مـن‬ ‫فالراء عنده يف هذه الحالة صوت مليس‬ ‫بمجرد ِ‬
‫ملسها‪ ،‬لذا ّ‬
‫ّ‬
‫التثبت مـن ذلـك بتحليـل صـور‬ ‫أيده الدكتور أدور يوحنا)‪ (١٥١‬بعد‬
‫اللسان عىل اللثة‪ ،‬وقد ّ‬
‫كثرية يف جهاز التحليل الطيفي للصوت‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫املهتوت‪:‬‬
‫جنــي‪ " :‬ومن الحروف املهتوت‪ ،‬وهو الهـاء‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وهي صفة لصوت الهاء‪ ،‬وفيه قال ابن‬
‫والخـفاء ")‪.(٢٥٢‬‬
‫َ‬ ‫الضـعف‬
‫ﱠ‬ ‫ملا فيها من‬
‫ﱠ‬
‫والـضعف والخفـاء‬ ‫ّ‬
‫خفيـة‪،‬‬ ‫املربد‪ ،‬حيث وصف الهاء بأنها‬
‫وصفة الخفاء قالها قبله ّ‬
‫ّ‬
‫متأصل يف هذا الصوت‪ ،‬لكونه صوتا ً مهموسا ً رخوا ً‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الهاوي‪:‬‬
‫باتـــساع مخرجـه‬
‫وعلــلها ّ‬
‫ّ‬ ‫وهي صفة لصوت األلف‪ :‬وهي ّ‬
‫مـما التفت إليها سيبويه‪،‬‬
‫ّ‬
‫ويـسميها‬ ‫وإنـــما هـي هـواء يف الحلق‪،‬‬
‫ّ‬ ‫املربد إىل األلف بقولـه‪" :‬‬
‫لهواء الصوت‪ ،‬وأشار ّ‬
‫جنــي يف حديثه عن أصوات االعتالل‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ّ‬ ‫النحويون الحرف الهاوي " )‪ ،(٢٥٣‬وذكره ابن‬
‫أشد امتدادا‪ ،‬وأوسع مخرجا‪ ،‬وهو الحرف الهاوي ")‪.(٢٥٤‬‬ ‫"أال ّ‬
‫إن األلف ّ‬

‫)‪ (١٥١‬الراء يف العربية ‪ /‬مجلة اللسان العربي م ‪ ،١٧/‬ج‪.١/‬‬


‫رس صناعة اإلعراب ‪.٧٢/١‬‬ ‫)‪ّ (٢٥٢‬‬
‫)‪ (٢٥٣‬املقتضب ‪.٣٢٨ ،٢٩٢ /١‬‬
‫رس صناعة اإلعراب ‪.٧٢/١‬‬ ‫)‪ّ (٢٥٤‬‬
‫‪١٨١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪١٨٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫א  א ‬
‫‬

‫‬ ‫אא ‬
‫‬

‫• אאא א ‪.‬‬


‫! ‪#‬אא&‪$%‬‬ ‫• א"!א‬
‫א*)('‬
‫א*‪+,‬א' ‬
‫א*‪ -./‬‬
‫א א‪1‬א‪  &0‬‬
‫א‪23‬‬

‫‬

‫‪١٨٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪١٨٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫اقرتان األصوات وتنافرها‪:‬‬


‫من املالحظات الدقيقة لدى علماء العربية يف العراق والتي ّ‬
‫تعد إحدى مجاالت البحـث‬
‫املتخصص هي مسألة ُ اقرتان األصوات العربية وتنافرها)‪.(١‬‬
‫ّ‬ ‫الصوتي‬
‫فـرضــت عىل البناء الصوتي‬
‫َ‬ ‫وقد كشفت لنا هذه املالحظات عىل ّ ِ ّ‬
‫أوليتها القيود التي ُ‬
‫مذهبهم يف َ ْ‬
‫مزج األصوات بعضها ببعض‪،‬بمـا يـتالءم وذوق‬ ‫َ‬ ‫للكلمة العربية‪َ َ ْ ،‬‬
‫وأوضـحت‬
‫ومما هو معروف ّ‬
‫أن الكلمة العربيـة‬ ‫ينـطق بها‪ّ .‬‬
‫اإلنسان العربي يف ترتيب األصوات التي ُ ْ‬
‫ِ‬
‫علــة‪ ،‬وال يمكن ْ‬
‫أن نبني كلمة من أصوات‬ ‫ّ‬ ‫بد ْ‬
‫أن تتألف من أصوات صحيحة وأصوات‬ ‫ال ّ‬
‫ُ‬
‫املالحظات نتيجة من نتائج دراساتهم ملخارج األصوات‪،‬‬ ‫صحيحة فقط ‪ ،‬وقد جاءت هذه‬
‫مما ال يأتلف‪ ،‬فإذا‬ ‫َ‬
‫لتعرف ما يأتلف منها ّ‬ ‫ويف هذا قال ابن دريد‪ ":‬وإنما َ ّ ْ ُ‬
‫عرفـتـك املجاري‬
‫َ‬
‫عرفـت موضـع الـدخل منهـا‪،‬‬ ‫تؤلـف مثلهـا العـرب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫جاءتك كلمة مبنية من حروف ال‬
‫َََْ‬
‫فرددتها غري هائب لها")‪.(٢‬‬
‫ومن أساليب علماء العربية يف تحديد نسج بناء الكلمة العربية‪:‬‬
‫ّ‬
‫محدد‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫أوال‪ُ ْ :‬‬
‫حرص صور االقرتانات غري املسموح بها من دون ضابط ٍ‬
‫الظـاء‪ ،‬وال القـاف‪ ،‬وال‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫تقـارن‬ ‫ّ‬
‫فـإن الجـيم َ ال‬ ‫قول الجاحظ‪ّ ":‬‬
‫فأما يف اقرتان الحروف‪:‬‬
‫الظـاء‪ ،‬وال الـسني‪ ،‬وال الـضاد‪ ،‬وال‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫تقارن‬ ‫الطاء‪ ،‬وال الغني‪ ،‬بتقديم وال بتأخري‪ ،‬والزايُ ال‬
‫الذال‪ ،‬بتقديم وال بتأخري")‪.(٣‬‬
‫وبيان هذا‪:‬‬

‫)‪ (1‬أرشنا يف موضع سابق اىل ريادة الخليل بن أحمد يف الكشف عن أسس هذه الظاهرة والتنبيه عليها‪.‬‬
‫)‪ (2‬جمهرة اللغة ‪.٨/١‬‬
‫)‪ (3‬البيان والتبيني ‪.٦٩/١‬‬

‫‪١٨٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ُ‬
‫تراكيب جظ‪ ،‬ظج‪ ،‬جق‪ ،‬قج‪ ،‬جط‪ ،‬طج‪ ،‬جغ‪ ،‬غج‪ ،‬وال توجد زظ‪ ،‬ظـز‪ ،‬زس‪،‬‬ ‫أنـه ال توجد‬
‫ّ‬
‫سز‪ ،‬زض‪ ،‬ضز‪ ،‬زذ‪ ،‬ذز‪.‬‬
‫َ‬
‫تحـت بـاب تقـارب املخـارج‪ ،‬أمـا‬ ‫ْ‬
‫يندرج‬ ‫تقارب غري ّ‬
‫أن األغلب لم‬ ‫ٌ‬ ‫وقد يكون يف بعضها‬
‫َ‬
‫اعتمـد‬ ‫َْ‬
‫قـــد‬ ‫أسلوب الجاحظ يف تحديد هذه االقرتانات غري املوجودة‪ ،‬فهو يف أغلب الظن‬
‫أسلوب اإلحصاء للرتاكيب الصوتية الـواردة يف اللغـة العربيـة يف مجموعـة معينـة مـن‬
‫النصوص‪ ،‬نظري ما استخدمه من أسلوب يف إحصاء نسبة ترداد الوحدات الصوتية‪ ،‬وذلك‬
‫ورسائلهم)‪.(٤‬‬
‫ِ‬ ‫خطب الناس ِ‬
‫ِ‬ ‫بـعد األصوات الواردة يف ُ‬
‫جملة ٍ من‬ ‫َِّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ثانيا‪ْ :‬‬
‫حرص ُ‬
‫صور االقرتانات غـري املـسموح بهـا بـسبب تقـارب‬
‫املخارج‪:‬‬
‫َ‬
‫نطـق‬ ‫ّ‬
‫حـد مـا‬ ‫َ‬
‫النطق بصوتني متواليني متقاربني يف املخرج‪ ،‬يماثل إىل‬ ‫وهذا يعني أ ّن‬
‫ألنــه‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫نطقهما صعوبة ً عىل اللسان‪،‬‬ ‫ُ‬
‫يشكل‬ ‫صوتني متماثلني متواليني‪ ،‬ويف كلتا الحالتني‬
‫َ‬
‫يعـود إىل النقطـة‬ ‫معني‪ ،‬ما ْ‬
‫أن ينتهي من نطقه حتـى‬ ‫يرتفع من نقطة ما لنطق صوت ّ‬
‫ومـشقـة‪ ،‬وهـو‬
‫ّ‬ ‫تكلــف‬
‫ّ‬ ‫نفسها التي ارتفع عنها‪ ،‬أو مالصقة‪ ،‬أو مجاورة لها‪ ،‬ويف هذا‬
‫أمر أدركه اللغويون القدامى‪ ،‬وأدركوا كراهة العرب لهذا النطق‪ ،‬حتى جنحوا إىل أسـلوب‬
‫ٌ‬
‫آخر يعالج هذه املشقة كاإلبدال‪ ،‬واإلدغام‪ ،‬كراهة اجتماع مثلني)‪.(٥‬‬
‫والقرتان صوتني متقاربني متواليني يف العربية نوعان‪ ،‬هما‪:‬‬

‫)‪ (4‬البيان والتبيني ‪.٢٢/١‬‬


‫)‪ (5‬املنصف ‪.٩٠ /١‬‬

‫‪١٨٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ٌ‬
‫ثقيل غريُ مستساغ‪:‬‬ ‫‪ –١‬ما هو‬
‫نظريُ اقرتان ِ أصوات الحلق‪ ،‬وأقوال علماء العربية يف العراق يف هذا كثرية‪:‬‬
‫فـتـحـقـــقا‬
‫ّ‬ ‫أن تلتقـي همزتـان َ ُ َ‬ ‫وأعلـم ّ‬
‫أنـه لـيس مـن كالمهـم ْ‬ ‫ُ‬
‫قول املـربد‪ْ ":‬‬ ‫منها‬
‫جميعا")‪.(٦‬‬
‫والعلــة ُ واضحة ٌ هي مسألة وحدة املخرج‪ .‬وقد شمل ابن دريد الصوتني املتقـاربني‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫أثقل عىل‬ ‫ُ‬
‫مخارجها‪ ،‬كانت‬ ‫واعلم ّ‬
‫أن الحروف إذا تقاربت‬ ‫بهذا االستثقال أيضا ً‪ ،‬إذ ْ قال‪ْ " :‬‬
‫ْ‬
‫تباعدت‪ ،‬ألنك إذا استعملت اللسان يف حروف الحلق‪ ،‬دون حـروف الفـم‪،‬‬ ‫اللسان منها إذا‬
‫كلـفته جرسا واحدا‪.(٧)"...‬‬ ‫ِ‬
‫حروف الذالقة ّ‬ ‫ودون َ‬
‫قــبح‬ ‫وأكـد ابن ِ ّ‬
‫جـني هذا االستثقال‪،‬فقال‪ ":‬وإذا تقارب الحرفـان يف مخرجيهمـا‪َ ُ َ ،‬‬ ‫ّ‬
‫السيما حروف الحلق")‪.(٨‬‬
‫ّ‬ ‫اجتماعهما‪،‬‬
‫ُ‬
‫وأثقل صور هذا التقارب هو تجاور صوتي حلق‪،‬‬
‫َ‬
‫حـروف‬ ‫يـرى الـسريايف ّ‬
‫أن"‬ ‫السابقة‪،‬وعلـة هذا ِ‬
‫الثقـــل كمـا َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫كما جاء يف النصوص‬
‫وأحوج إىل تمكني آلة الصوت من غريها" )‪.(٩‬‬
‫ُ‬ ‫أشد عالجا‪ُ َ ْ ،‬‬
‫وأصعب اخراجا‪،‬‬ ‫الحلق ﱡ‬
‫وواضح ّ‬
‫أن الذي يريده السريايف من ّ‬
‫شدة العالج‪ ،‬وصعوبة اإلخراج‪ ،‬هو التعبـري عـن‬
‫ُ‬
‫عـضل‬ ‫إحساسه بعدم سهولة نطق أصوات الحلق نتيجة َ صالبة عـضل الحلـق بخـالف‬
‫اللسان‪.‬‬

‫)‪ (6‬املقتضب ‪.٢٩٥/١‬‬


‫)‪ (7‬جمهرة اللغة ‪.٩/١‬‬
‫)‪ (8‬رس صناعة اإلعراب ‪.٧٥ /١‬‬
‫)‪ (٩‬رشح السريايف ‪.٥٣١ /٦‬‬

‫‪١٨٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ُ‬
‫تقـارب‬ ‫وملح ُ‬
‫ابن ِ ّ‬
‫جـنـي سببا ً آخر‪ ،‬يزيد من كراهـة ائـتالف أصـوات الحلـق‪ ،‬هـو‬
‫قـربا لم يحدث يف غريها من األصـوات إذ ْ قـال‪...":‬حـروف الحلـق هـي مـن‬
‫مخارجها ُ ْ‬
‫)‪(٩‬‬ ‫)*(‬
‫االئتالف ُ‬
‫أبعد‪ ،‬لتقارب مخارجها"‬
‫ولم يغفْل علماء العربية ورود بعض صور االقرتانات التي اشتملت عىل أصـوات حلقيـة‬
‫متجاورة‪.‬‬
‫ففيها قال ابن دريد‪ .....":‬وأصعبها حروف الحلق‪ ،‬فأما حرفـان فقـد اجتمعـا يف كلمـة‬
‫ونـخـع‪.(١٠)"....‬‬ ‫أحد‪ْ َ ،‬‬
‫وأهل‪ْ َ ،‬‬
‫وعهد‪َ َ ،‬‬ ‫مثل‪ْ :‬‬
‫أخ‪ ،‬بال فاصلة‪ ،‬واجتمعا يف مثل‪َ :‬‬
‫ونظـمها عىل قسمني‪،‬هما‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫جــني وأخذ هذه األمثال‪،‬وأضاف إليها‬ ‫وجاء ابن‬

‫أ – اقرتان مع فصل‪ ،‬نحو‪ :‬هدأ‪.‬‬


‫ب – اقرتان من دون فصل‪ ،‬نحو‪:‬‬
‫‪ – ١‬أن تبدأ الهمزة ويجاورها أحد ثالثة من أصوات الحلق هـي الهـاء‪ ،‬والحـاء‪ ،‬والخـاء‬
‫نحو‪ :‬أهل‪ ،‬أحد‪ ،‬أخذ‪.‬‬
‫‪ – ٢‬ائتالف الهاء مع العني‪ ،‬يف حال ّ‬
‫تقدم العني‪ ،‬نحو‪ْ َ :‬‬
‫عهد‪.‬‬
‫‪ – ٣‬ائتالف العني ِ مع الخاء‪ ،‬يف حال تقدم الخاء نحو‪ :‬نخع)‪.(١١‬‬
‫ونـضيف إىل ائتالف الهمزة مع غريها من أصوات الحلق مجاورتها اىل العـني والغـني‬
‫ُ‬ ‫•‬
‫نحو‪ :‬أعلم‪ ،‬وأغنى‪.‬‬

‫)*( الخصائص ‪.٥٤/١‬‬


‫)‪ (10‬جمهرة اللغة ‪.٩/١‬‬
‫)‪ (11‬رس صناعة اإلعراب)مخطوط( ‪ ٧٥١ – ٧٥٠ /٣‬بترصف‪.‬‬

‫‪١٨٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫• وشمل ابن دريد بهذا االستثقال‪ :‬أصوات أقىص الفم‪ ،‬وهـي عنـده‪ :‬القـاف والكـاف‪،‬‬
‫والجيم‪ ،‬والشني)‪.(١٣)....(١٢‬‬
‫ففي ائتالف هذا األصوات قال‪ ":‬لم تأتلف الكاف والقاف يف كلمة إال ّ بحـواجز‪ ...‬وكـذلك‬
‫لتفشـي الشني‪."....‬‬
‫ّ‬ ‫أنـها قد دخلت عىل الشني‬
‫حالهما مع الجيم‪ ....‬اال ّ‬
‫والكـلفــة يف‬
‫ُ ْ‬ ‫باملشقـة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫جـنـي يف تعليل عدم ائتالف الكاف والقاف والجيم‪،‬‬ ‫وتابعه ُ‬
‫ابن ِ ّ‬
‫النطق‪ ،‬وأضاف إليها ما ُ ِ َ‬
‫رفض استعماله لتقارب حروفه‪ ،‬نحو‪ :‬سـص‪ ،‬وظـس‪ ،‬وظـث‪،‬‬
‫الحس عنه")‪.(١٤‬‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫واضح لنفور‬ ‫ٌ‬
‫حديث‬ ‫وقال‪ ":‬وهذا‬
‫فإنـها تنـضوي عنـدهم تحـت مبـدأ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أما حال األصوات األخرى‪ ،‬إذا لزم السياق اقرتانها‪،‬‬
‫القوة والضعف يف األصوات‪ ،‬فال ّ‬
‫بد من تقديم األقوى عىل األضعف‪.‬‬
‫وأقوالهم واضحة‪:‬‬
‫تألـف منها يشء بدءوا باألقوى من الحـرفني‪ .(١٥)"..‬وقـال ابـن‬
‫قال ابن الرساج‪ ":‬فمتى ﱠ‬
‫األلـيـن")‪.(١٦‬‬
‫ْ َ‬ ‫دريد‪ ":‬من شأنهم اذا أرادوا هذا أن بدأوا باألقوى من الحرفني‪ ،‬ويؤخروا‬
‫يبتــدأ باألقوى منهما")‪.(١٧‬‬ ‫ِّ‬
‫جــني‪ ":‬فينبغي يف تداني الحرفني أن َ ْ َ َ‬ ‫وقال ابن‬

‫)‪ (12‬أرشنا يف موضع سابق اىل عدم دقة ابن دريد يف وضع)الجيم والشني( مع أصـوات أقـىص الفـم‪ ،‬وال‬
‫مجال هنا الفرتاض مـراده مـن الجـيم الـصوت الـذي بـني الكـاف والقـاف أي املماثـل لنطـق الـصوت‬
‫االنكليزي)‪ (g‬وذلك لألمثلة التي ذكرها بعد هذا القول‪ .‬نحو‪ :‬جك‪ ،‬وكج‪.‬‬
‫)‪ (13‬جمهرة اللغة ‪.٦/١‬‬
‫)‪ (14‬الخصائص ‪.٥٤/١‬‬
‫)‪ (15‬االشتقاق‪.٤٦/‬‬
‫)‪ (16‬جمهرة اللغة ‪.١٢/١‬‬
‫رس صناعة اإلعراب ‪)٧٥٦/٣‬مخطوط(‪.‬‬ ‫)‪ّ ( 17‬‬

‫‪١٨٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ثم اننا نج ُد ابن ِ ّ‬


‫جـنـي قد حاول تطبيق هذه الفكرة عىل اقرتان أصوات الحلق أيضا ً عىل‬
‫قلــة الصور التي ْ ِ َ‬
‫أحصيت‪.‬‬ ‫ّ‬
‫جمــع بني اثنني منهـا ُ ﱢ َ‬
‫قــدم‬ ‫أبعد‪ْ ....‬‬
‫فإن ُ ِ َ‬ ‫قال‪ ":‬وكذلك حروف الحلق‪ :‬هي من‪:‬االئتالف ُ‬
‫األقوى عىل ْ‬
‫األضعف‪،‬نحو‪:‬أهل‪ ،‬وأحد‪،‬وأخ‪ ،‬وعهد‪.(١٨)...‬‬
‫الصوت‪َ ،‬‬
‫وضعفه عندهم ؟‬ ‫ِ‬ ‫ملراد ّ ِ‬
‫بقوة‬ ‫وهنا نتساءل‪ ،‬ما ا ُ‬
‫أنـنا وقفنا عىل كالم نسبي يف مواقع صوتية معينة‪.‬‬
‫والجواب عىل ذلك هو ّ‬
‫ّ‬
‫بتقـدم الـراء‬ ‫ورل()‪ ،(١٩‬أي‬ ‫فابن ّ‬
‫الرساج‪ :‬أشار إىل ّ‬
‫قوة الراء‪ ،‬وضعف الالم‪ ،‬ومثل بلفظة‪َ َ ):‬‬
‫ّ‬
‫األرث)‪ ،(٢٠‬كمـا‬ ‫عىل الالم‪ ،‬واستدل عىل قوة الراء‪ ،‬بقوة جرسها واعتياصها يف النطق عـىل‬
‫استدل عىل ضعف الالم بلينها وانقطاع جرسها بغنة )‪.(٢١‬‬
‫ّ‬
‫صـطلح‬ ‫َ‬
‫جعل من تكرر رضبات اللسان لنطق صـوت الـراء – التـي ا ْ ِ‬ ‫أنـه‬
‫والذي أراه ّ‬
‫عليها بقوة الجرس – صفة قوة ٍ للحرف‪.‬‬
‫مجهور‬
‫ٌ‬ ‫ضـعف له‪ ،‬علما ّ‬
‫أنه‬ ‫صوته ِ‪ ،‬بغنة ٍ صفة َ َ ْ ِ‬ ‫َ‬
‫وانقطاع َ‬ ‫جعل َ‬
‫لني الالم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ويف مقابل ذلك‬
‫أيضا ً كصوت الراء‪.‬‬
‫جنـي )‪.(٢٢‬‬
‫ّ‬ ‫وتابعه يف هذا كل من ابن دريد‪ ،‬وابن‬

‫)‪ (18‬الخصائص ‪.٥٤/١‬‬


‫ّ‬
‫الضب‪.‬‬ ‫دويية صغرية أصغر من‬ ‫)‪ (19‬ورل‪َ ُ :‬‬
‫الرتــة‪ّ َ َ :‬‬
‫تـمنــع أول الكالم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫)‪( 20‬‬
‫)‪ (21‬االشتقاق‪ ،‬البن الرساج ‪.٤٦/‬‬
‫)‪ (22‬جمهرة اللغة ‪ ،٩/١‬والخصائص ‪.٤٥/١‬‬

‫‪١٩٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫وكالم ُ ابن الرساج تقدير سليم‪ ،‬نجد له أثرا ً يف دراسـات املحـدثني ْ‬


‫إذ قيـل‪ ":‬والـالم ُ‬
‫تتميـزبأنــها صـوت‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ولكـن الـراء‬ ‫والراء من مخرج واحد‪ ،‬وكالهما من النوع املجهور‪،‬‬
‫ُ‬
‫مما يجعله صوتا ً مركبا ً بالنسبة لصوت الالم" )‪.(٢٣‬‬
‫مكرر‪ّ ...‬‬
‫ّ‬
‫يتطلــب مجهودا عضليا أكثر من املجهـود الـذي ُيبـذل‬
‫ّ‬ ‫نــطـق الراء‬
‫أن ُ ْ‬‫وخالصة ُ هذا ّ‬
‫لنطق الالم‪.‬‬
‫قوة للصوت )‪ .(٢٤‬وهـو أمـر صـحيح‪،‬‬
‫التشديد صفة ُ ٍ‬
‫َ‬ ‫الرساج ــ أيضا ًــ ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫ويرى ابن‬
‫َ‬
‫الجهد العضيل يكون مضاعفا ً‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ألن‬
‫قوتـه عـىل الـذي‬ ‫ّ‬
‫متأت من ّ‬ ‫وأضاف ابن دريد إىل ذلك ّ‬
‫أن الصوت إذا َ‬
‫أبى عن اإلدغام‪ ،‬فهذا‬
‫يدغـم فيه )‪.(٢٥‬‬
‫ُْ َ‬
‫وضعفـها بموضعني‪ ،‬هما‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ ّ‬
‫خــص قوة َ األصوات‬ ‫أما ابن ِ ّ‬
‫جني‪ :‬فقد‬
‫ُ‬
‫استعماله لتقارب حروفه‪ ،‬وذكر أمثلة كان ابن دريد قد سبقه‬ ‫أ – أثناء حديثه عما ُ ِ َ‬
‫رفض‬
‫ورتــبها عـىل‬
‫ّ‬ ‫نظــمها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫جـنـي‬ ‫إىل ذكرها يف حديثه عن اقرتان أصوات الحلق‪ّ ،‬‬
‫لكن ابن ِ ّ‬
‫وفق فكرة ّ‬
‫القوة والضعف‪ ،‬ومما ذكره‪:‬‬
‫قوة الهمزة عىل الهاء يف)أهل(‪ ،‬وعىل الحاء يف)أحد(‪ ،‬وعىل الخاء يف)أخ(‪ .‬وقوة العني عـىل‬
‫الهاء يف)عهد(‪.‬‬
‫غري ّ‬
‫أن الحديث‬ ‫أصواتـها من األحداث‪َ ْ ،‬‬
‫َ‬ ‫ب – أثناء حديثه عن مقابلة األلفاظ بما ُيشاكل ُ‬
‫لم يكن عن القوة والضعف حال تجاور األصوات‪ ،‬بل عن القوة والضعف بـني صـوتني يف‬

‫)‪ (23‬دراسة الصوت اللغوي ‪.٣٤٠/‬‬


‫)‪ (24‬االشتقاق‪ ،‬البن الرساج ‪.٤٨/‬‬
‫)‪ (25‬جمهرة اللغة ‪.١٢/١‬‬

‫‪١٩١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫كلمتني‪ ،‬من أجل اختيار الصوت األقوى للمعنى األقوى وبالعكس‪ ،‬فمما ذكره قوة الطاء‬
‫املتفشـية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عىل الدال والتاء‪ ،‬ألنه أحرص للصوت منهما‪ّ .‬‬
‫وقوة الدال عىل الشني‬
‫السني ملا فيها من االستعالء )‪.(٢٦‬‬
‫وقوة الصاد عىل ّ‬
‫ّ‬
‫شـك‬ ‫ْ‬
‫نعدم شيئا ً من هذا يف بحوث املحدثني‪ ،‬فقد قال الدكتور أحمد مختار عمر‪ ":‬ال‬ ‫ولم‬
‫أكثر بساطة ً من الصاد‪ّ ،‬‬
‫ألن األخرية تقتيض عملية إضافية عىل حركات نطـق‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫السني‬ ‫أن ّ‬
‫ٌ‬
‫تطـابق‬ ‫مؤخــرة اللـسان اىل أعـىل" )‪ .(٢٧‬ويف هـذا‬
‫ّ‬ ‫السني‪ ،‬وهذه العملية تتمثل يف حركة‬
‫ٌ‬
‫واضح مع ما عناه ابن ِ ّ‬
‫جـنـي يف قوله السابق‪.‬‬
‫جـنـي‪ ،‬نجد ّ‬
‫أن الصفة الواحدة قد ال تكون ثابتة الصفة يف املواقع‬ ‫واذا ُ ْ‬
‫عدنا إىل كالم ابن ِ ّ‬
‫َ‬
‫مواقع صوتية ٍ أخرى‪ ،‬نحو قوله‪:‬‬ ‫كلـها‪ ،‬وإنما تكون نسبية الختالفها يف‬
‫ّ‬
‫الطاء أقوى من الدال يف)وطد(‪ ،‬والدال أقوى من الشني يف) َ ّ‬
‫شـد(‪ ،‬وقوله‪ :‬الهمـزة ُ أقـوى‬ ‫ُ‬
‫وأنصع من الحاء )‪.(٢٨‬‬
‫ُ‬ ‫من العني‪ ،‬والعني أقوى‬
‫أن َ‬
‫ابن ِ ّ‬
‫جـنـي لم يكتف باملقارنة بني األصوات القويـة والـضعيفة‪،‬‬ ‫وهذا ّ‬
‫يوضح لنا ّ‬
‫أنـها ليست يف درجـة واحـدة مـن‬ ‫وانما قارن بني األصوات التي ُ ِ َ‬
‫وصفـت بالقوة‪ ،‬فوجد ّ‬
‫هذه القوة‪.‬‬
‫َ‬
‫نرصد الـصفات َ التـي نـسبوها اىل‬ ‫قلـتها‪ ،‬يمكن لنا ْ‬
‫أن‬ ‫ومن النصوص السابقة عىل ِ ّ‬
‫ّ‬
‫كل ٍ من القوة والضعف‪ :‬فمن صفات القوة‪ :‬الجهر‪ ،‬والشدة‪ ،‬واالستعالء‪ ،‬والتكرير‪ ،‬ومـن‬
‫والرخاوة‪.‬‬
‫صفات الضعف‪ :‬الهمس‪ّ ،‬‬

‫)‪ (26‬الخصائص‪.١٦٣،١٦٠ ،١٥٨/٢ ،٥٤/١ :‬‬


‫)‪ (27‬دراسة الصوت اللغوي ‪.٣٤٠ /‬‬
‫)‪ (28‬التنبيه عىل رشح مشكالت الحماسة)مخطوط(‪.١٧٧ /‬‬

‫‪١٩٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫صفات القوة يف الصوت‪ ،‬كان أكثر ّ ً‬


‫قوة مـن غـريه‪ ،‬كمـا رأينـا عنـد‬ ‫ُ‬ ‫تكررت‬ ‫ّ‬
‫وكل ما ّ‬
‫املقارنة بني الراء والالم املجهورين‪.‬‬
‫يـرى قـوة التـاء – وهـي‬ ‫روي عن ابن الرساج مـن ّ‬
‫أنـه َ‬ ‫َ‬
‫التحديد إال ّ ما ُ ِ َ‬ ‫ْ‬
‫يعارض هذا‬ ‫ولم‬
‫معلـال ذلك‪:‬‬
‫ّ‬ ‫مهموسة – عىل الدال – وهي مجهورة –‬
‫جنــي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫" بانقطاع التاء بجرس قويّ ‪ ،‬وانقطاع الدال بجرس لني" )‪ ،(٢٩‬وتابعه يف ذلك ابن‬
‫نـطــق التـاء حـال‬
‫وكأنهم نظروا يف هذه القوة اىل كمية الدفعة الهوائية التـي ترافـق ُ ْ‬
‫أن صـوت التـاء‬‫الوقف‪ ،‬دون مراعاة قوة الجهر‪ ،‬وضعف الهمس‪ ،‬والذي يالحظ عىل هذا ّ‬
‫مع ضخامة كمية الدفعة الهوائية املرافقة لها حال النطق بها‪ ،‬تبقى أقـل إسـماعا مـن‬
‫تـسمع التاء كسماع الـدال‪ ،‬إذا ُ ِ َ‬
‫وقـف‬ ‫بعـد ال ُ ْ َ‬ ‫ْ‬
‫فمن ُ ْ‬ ‫الدال‪ ،‬وهذا واضح ال يحتاج اىل دليل‪،‬‬
‫عىل أحدهما‪.‬‬
‫ُ‬
‫حدودها بعـد‬ ‫أن مسألة َ قوة األصوات وضعفها لم تكتمل‬ ‫فهذا ونظائره‪ ،‬يكشف لنا ّ‬
‫وإن لم ُ ّ‬
‫يرصحوا به – هو مقدار الجهد العضيل املبذول يف النطق‪.‬‬ ‫عندهم‪ ،‬غري ّ‬
‫أن األساس ْ‬
‫إنـهم لم يرتكوا مسألة َ تقديم األقوى عـىل األضـعف مـن دون تعليـل مـن أجـل‬
‫ثم ّ‬
‫دقــة هذا التعليل‪،‬ومـدى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بغض النظر عن‬ ‫اكتمال الخطوط العامة لبحث هذه الظاهرة‪،‬‬
‫مالمته للبحث اللغوي‪.‬‬
‫ِ ّ‬
‫جــنـي‪:‬‬ ‫ويف هذا قال ابن‬
‫أول نطقـه أقـوى‬ ‫قبل ّ‬
‫أن املـتكلم يف ّ‬ ‫أنـهم ّ‬
‫يقدمون األقوى من املتقاربني‪ ،‬من ِ َ‬ ‫" وأنا أرى ّ‬
‫أثقل الحرفني" )‪.(٣٠‬‬
‫ُ‬ ‫وأظهر نشاطا ً‪ّ ُ َ ،‬‬
‫فــقـدم‬ ‫ُ‬ ‫نـفـسا ً‪،‬‬
‫َ ْ‬

‫)‪ (29‬االشتقاق‪ ،‬البن الرساج ‪.٤٦/‬‬


‫)‪ (30‬الخصائص ‪.٥٥/١‬‬

‫‪١٩٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫َ‬
‫اجتماع صوتني متقاربني‪ ،‬وال مجال فيهما لتقديم أحدهما عىل اآلخر‪،‬‬ ‫األمر‬
‫ُ‬ ‫اما إذا َ ِ َ‬
‫لــزم‬
‫لتجنب مسألة ِ َ‬
‫ثقــل النطق‪ ،‬لجأوا اىل أسلوب آخر للتخلص من هذا التتابع الصوتي غري‬
‫املرغوب فيه‪ ،‬وهو أسلوب اإلبدال أو اإلدغام‪ ،‬من أجل إيجاد التناسب الصوتي‪ ،‬وهـذا مـا‬
‫سنعرض له بعد قليل‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪ – ٢‬ما هو سهل ٌ مستساغ‬


‫وهو النوع الثاني من اقرتان األصوات املتقاربة املتوالية يف مباني الكلمة العربية‪ ،‬وقد‬
‫جاءت منه صور سهلة النطق‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫ف‪ ،‬م = فم‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ت‪ ،‬د = َ ْ‬
‫املحتد‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ج‪ ،‬ش‪ ،‬ي = جيش‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ش‪ ،‬ي = شني‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ولم أقف عىل تعليالت من علماء العربية يف العراق لورود هذه االقرتانات التي تخـالف‬
‫ُ‬
‫أثقل عىل اللسان"‪ ،‬سـوى مـا‬ ‫ُ‬
‫مخارجها كانت‬ ‫ما ذهبوا إليه من" ّ‬
‫أن الحروف اذا تقاربت‬
‫جاء عن ابن دريد من ّ‬
‫أن دخول الشني عىل الجيم يف الشج‪ ،‬والجش‪ ،‬كـان بـسبب تفـيش‬
‫الشني)‪ .(٣١‬وهي تمثل ُ حالة َ انبساط الفم معها‪ ،‬وانتـشار الـصوت عليـه‪ ،‬فهـي قريبـة‬
‫أصال ً من أصوات كثرية‪.‬‬

‫)‪ (31‬جمهرة اللغة ‪.٦ /١‬‬

‫‪١٩٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫حسنها وجمالها ألفـاظ‬ ‫ويرى بعض املتأخرين كابن االثري ّ‬


‫أن مثل َ هذه األلفاظ مع ُ ْ‬ ‫َ‬
‫َشــذت عن القاعدة العامة التي ترى ُ ْ‬
‫الحسن مع تباعد املخارج)‪.(٣٢‬‬
‫‪ – ٣‬حرص االقرتانات غري املسموح بها‪ ،‬لتـأليف أصـول الكلمـات الرباعيـة‬
‫والخماسية‪.‬‬
‫ُ‬
‫النوع باألصوات املصمتة )وهي األصوات الصحاح عدا األصوات املذلقة( إذ‬ ‫ّ‬
‫ويختص هذا‬
‫لتؤلـف أصول الكلمات الرباعيـة والخماسـية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫تقرتن فيما بينها منفردة ً‪،‬‬ ‫منعت من ْ‬
‫أن‬ ‫َُِ‬
‫يشهد بذلك تسميتها ُ ْ َ‬
‫باملصمتة‪.‬‬
‫أن تخـتص بالبنـاء إذا َكثـرت‬
‫أصمتــت ْ‬
‫ألنــها ْ ِ َ‬
‫ّ‬ ‫وسميت‪َ ْ ُ ...‬‬
‫مصمتة‪،‬‬ ‫قال األخفش‪ّ ُ ":‬‬
‫كل كلمة رباعية أو خماسية األصل‪ ،‬ال ّ‬
‫بد‬ ‫حروفه‪ ،‬العتياصها عىل اللسان" )‪ ،(٣٣‬بمعنى ّ‬
‫أن ّ‬
‫ْ‬
‫أن تشتمل عىل أحد األصوات املذلقة‪ ،‬وهي الراء‪ ،‬والالم‪ ،‬والنون‪ ،‬والفـاء‪ ،‬والبـاء‪ ،‬واملـيم‪،‬‬
‫ثقــل نطق األصـوات املـصمتة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫للخفة النطقية التي تنماز بها األصوات التي قابلوا بها ِ َ َ‬
‫وعدوا هذا قانونا ً ُ ْ َ‬
‫يحكم به عىل أصالة الكلمة العربية أو عدمها‪.‬‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫مـزاج لـه مـن‬ ‫َ‬
‫مـصمت الحـروف ال‬ ‫بناء رباعيـا ً‬
‫ترى أنك ال تجد ً‬
‫قال ابن دريد‪ ":‬أال َ‬
‫ْ‬
‫فـإن جـاء بنـاء يخـالف مـا‬ ‫حروف الذالقة‪ ،‬إال ّ ببناء ُ ْ َ‬
‫يجـعل بالسني وهو قليل جـدا‪....‬‬
‫فاردده")‪.(٣٤‬‬
‫ُْ‬ ‫ْ ُ‬
‫رسمته لك‪ ...‬فإنه ليس من كالم العرب‬
‫معـراة مـن‬ ‫َ‬
‫وجدت كلمة ً رباعية ً‪ ،‬أو خماسية ً ُ َ ّ‬ ‫واكـد ابن ِ ّ‬
‫جـنـي هذا‪ ،‬فقال‪ ":‬فمتى‬ ‫ّ‬
‫بأنـه دخيل يف كالم العرب")‪.(٣٥‬‬
‫بعض هذه األحرف الستة فاقض ِ ّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪ (32‬املثل السائر ‪.٦٠/‬‬


‫)‪ (33‬جمهرة اللغة ‪. ٧/١‬‬
‫)‪ (34‬م ‪.‬ن‪.١١/١‬‬
‫)‪ (35‬رس صناعة اإلعراب ‪.٧٤/١‬‬

‫‪١٩٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ – ٤‬ويف مقابل هذه الصور النادرة‪ ،‬أو االقرتانات العقيمـة يف اللغـة‪ّ َ ،‬‬
‫نبـه اللغويـون‬
‫املؤلـفة من أصوات متباعدة املخارج‪:‬‬
‫ﱠ‬ ‫ُ‬
‫العرب إىل االقرتانات الحسنة يف الكلمات‬
‫إن بنوا بامتزاج الحروف املتباعدة"‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أحسن األبنية عندهم‪ْ ،‬‬ ‫قال ابن دريد‪":‬‬
‫حسن وجه التأليف")‪.(٣٦‬‬ ‫ْ‬
‫تباعدت مخارج الحروف َ ُ‬ ‫وقال أيضا ً‪ ":‬إذا‬
‫)‪(٣٧‬‬ ‫َ‬
‫الحروف كلما تباعدت يف التأليف كان أحسن"‬ ‫اعلم ّ‬
‫أن هذه‬ ‫وقال ابن جني‪ْ ":‬‬
‫أنــه األسـاس الـذي‬ ‫وهذا هو األساس الذي َ‬
‫ابتنى عليه أغلب أبنية ألفاظ اللغة‪ ،‬كما ّ‬
‫اعتمده البالغيون يف بحثهم ملسألة فصاحة الكلمة‪ ،‬فمـن أوىل رشوط فـصاحة اللفظـة‬
‫تأليفـها من حروف متباعدة املخارج‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫عندهم هي‪ :‬أن‬
‫ويصل ابن جني إىل نتائج من خالل استقرائه لصور االقرتانات يف العربيـة‪ ،‬إذ ْ رأى ّ‬
‫أن‬
‫تأليف الحروف واقرتانها عىل ثالثة أرضب‪ ،‬هي‪:‬‬
‫• " تأليف املتباعدة‪ ،‬وهو األحسن‪.‬‬
‫• تضعيف الحرف نفسه‪،‬وهو ييل القسم األول يف ُ ْ‬
‫الحسن‪.‬‬
‫قـل استعماله")‪.(٣٨‬‬ ‫• تأليف املتقاربة وهو دون االثنني األوليني‪ ،‬فإما ُ ِ َ‬
‫رفض ألبتة‪ ،‬وإما َ ّ‬
‫الحس املرهف الذي ّ‬
‫تميز بـه‬ ‫ّ‬ ‫وكان ضابط استحسان هذا االقرتان واالبتعاد عن ذاك‪ ،‬هو‬
‫الرماني‪ ":‬وأما ُ ْ‬
‫الحسن بتأليف الحـروف املتالئمـة‪ ،‬فهـو‬ ‫الفصحاء والعلماء‪ ،‬وفيه يقول ّ‬
‫بالحس‪ ،‬وموجود يف اللفظ")‪.(٣٩‬‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫مدرك‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪ (36‬جمهرة اللغة ‪.٩ ،١١/١‬‬


‫)‪ (37‬رس صناعة اإلعراب ‪ ٧٥/١‬و‪)٧٥١/٣‬مخطوط(‪.‬‬
‫رس صناعة اإلعراب ‪)٧٥٤/٣‬مخطوط(‪.‬‬ ‫)‪ّ ( 38‬‬
‫)‪ (39‬النكت يف إعجاز القرآن ‪.٧٢ /‬‬

‫‪١٩٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫تبيـن لنا من‬


‫ّ‬ ‫َ‬
‫أساس ظاهرة اقرتان األصوات وتنافرها – كما‬ ‫مر ّ‬
‫فإن‬ ‫وخالصة ما ّ‬
‫ّ‬
‫فكل ما تباعدت املخارج كان‬ ‫أقوالهم – قد بُ ِ َ‬
‫نيت عىل فكرة تقارب املخارج وتباعدها‪،‬‬
‫ٌ‬
‫مرغوب عنه‪ ،‬لثقله يف النطق‪ ،‬خاصة يف أصوات‬ ‫َ‬
‫التقارب‬ ‫فإن‬ ‫ُ‬
‫التأليف أحسن‪ ،‬وبعكسه‪ّ ،‬‬

‫الحلق‪ ،‬وأقىص الحنك ِ َ‬


‫لغلـظ عضل املوضعني وصالبتهما‪.‬‬
‫ٌ‬
‫مرغوب فيه‪ ،‬فقد وردت ألفاظ متقاربة املخارج‪ ،‬وما‬ ‫وال يعنى هذا ّ‬
‫أن التقارب دائما‬
‫نال هذا التقارب من فصاحتها‪ْ ُ ،‬‬
‫وحسنها‪ ،‬وجمالها‪.‬‬
‫ٌ‬
‫سبب للحسن دائما‪ ،‬ويمكن هنا األستئناس بكـالم‬ ‫َ‬
‫التباعد‬ ‫ويف مقابل ذلك ال يعنى ّ‬
‫أن‬
‫ابن األثري عليه بـورود كلمة)ملع(‪ ،‬قال‪ّ ":‬‬
‫فإن هذه اللفظـة‬ ‫ابن االثري البالغي فقد ْ َ‬
‫أشكل ُ‬
‫ّ‬
‫بفـن‬ ‫مكروهة االستعمال ينبو عنها الذوق الـسليم‪ ،‬وال يـستعملها َ ْ‬
‫مـن عنـده معرفـة‬
‫الفصاحة‪ ،‬وههنا نكتة غريبة‪ ،‬وهو أنا إذا عكسنا حروف َ هذه اللفظـة صـارت)علـم (‪،‬‬
‫حسنا‪ ،‬ألنه لم‬ ‫ُ ْ ُ‬
‫القـبـح ُ ْ‬ ‫وعند ذلك تكون حسنة‪،‬ال مزيد عىل حسنها‪ ،‬وما ندري كيف صار‬
‫يتغري من مخارجها يشء")‪.(٤٠‬‬
‫واإلجابة عن َ ْ‬
‫حرية ابن األثري ال تعدو أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬هو إدراك مسألة االهمال واالستعمال يف العربية‪ ،‬فهناك ألفـاظ ْ ِ َ‬
‫أهملــت ولـم‬
‫ْ‬
‫يـرد يف‬ ‫ُ ْ َ ْ‬
‫تــستعـمل‪ ،‬وقد ُ ِ َ‬
‫رصدت هذه األلفـاظ يف املعـاجم‪ ،‬واذا كـان هـذا االهمـال لـم‬
‫أن) َ ْ‬
‫امللـع(‪ :‬الرسعة‪.‬‬ ‫مادة)ملع( حيث جاء يف جمهرة ابن دريد ّ‬

‫)‪ (40‬املثل السائر ‪.٦١ /‬‬

‫‪١٩٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ‬
‫الحس املرهـف بامليـل اىل اللفظـة واإلحـساس‬ ‫فإنـه يبقى عندنا األمر الثاني‪ ،‬وهو‬
‫ّ‬
‫وأما ُ‬
‫الحسن بتأليف الحروف املتالئمة‪ ،‬فهو‬ ‫بجمالها وعذوبتها‪ .‬وقد سبق قول الرماني ّ" ّ‬
‫بالحس")‪.(٤١‬‬
‫ّ‬ ‫مدرك‬
‫َ‬
‫الـصوت‬ ‫اقرتان األصوات املتقاربة وال محـيص عنـه‪ ،‬فقـد الحظـوا ّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫أما إذا َ َ‬
‫لــزم‬
‫املتقدم هو األقوى‪ ،‬واملتأخر هو األضعف‪ ،‬علما ً ّ‬
‫أنهم لم يخلفوا لنا دراسة ً دقيقة املعالم‬
‫يف قوة األصوات وضعفها أسوة بدراساتهم الصوتية األخرى‪.‬‬
‫ْ‬
‫فإن اقرتن الصوتان ولم يستطيعوا مجاراة أمر تقديم األقوى عىل األضعف‪ ،‬لجأوا إىل‬
‫اإلبدال أو اإلدغام تحقيقا لالنسجام الصوتي‪ ،‬وتيـسريا لعمليـة النطـق مـن االسـتثقال‬
‫املكروه‪.‬‬

‫التعليل الصوتي للتغيريات الرتكيبية‪:‬‬


‫تـصيب األصوات من جهة الصالت‬
‫ونريد بالتغيريات الرتكيبية تلك" التي ُ‬
‫التي تربط ُ هذه األصوات بعضها ببعض يف كلمة واحدة‪ ،‬فهي لذلك مرشوطة بتجمع‬
‫)‪(٤٢‬‬
‫معني‪ ،‬وليست عامة يف الصوت يف ّ‬
‫كل ظروفه وسياقاته اللغوية"‬ ‫صوتي ّ‬
‫وأهم هذه التغيريات التي تناولها علماء العربية بالدراسة هي‪:‬‬
‫‪ -١‬اإلعالل‪.‬‬
‫‪ -٢‬اإلبدال)‪.(٤٣‬‬

‫)‪ (41‬النكت يف إعجاز القرآن ‪.٧٢/‬‬


‫)‪ (42‬التطور اللغوي‪ ،‬د‪ .‬رمضان عبدالتواب ‪.٢٢/‬‬
‫)‪ (43‬سنقترص عىل ذكر االبدال املرشوط يف سياقات صوتية معينة‪.‬‬

‫‪١٩٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫‪ -٣‬اإلدغام‪.‬‬
‫‪ -٤‬التوافق الحركي‪.‬‬
‫‪ ٥‬ــ التخالف‬

‫اإلعــــالل‪:‬‬
‫علــة مكان صوت آخر‪ ،‬أو حذفه‪ ،‬أو إسـكانه‪ ،‬فهـو‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ونعني به ظاهرة إحالل صوت‬
‫تـقـلب إليه من حروف صحاح‪ ،‬كالهمزة والتاء)‪.(٤٤‬‬ ‫إبدال ّ‬
‫لكن مداره أصوات العلة‪ ،‬وما ُ ْ‬
‫وقد عالج علماء العربية يف العراق جوانب مـن هـذه الظـاهرة‪ ،‬عـىل وفـق القـوانني‬
‫الصوتية‪ّ ،‬‬
‫وقدموا لنا تفسريات علمية للتغيريات التي أصابت هـذه األصـوات‪ ،‬واألسـاس‬
‫الذي انطلقوا منه ملعالجة هذه الظاهرة معالجـة صـوتية‪ ،‬هـو إحـساسهم ِ ِ‬
‫بــثقـــل‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫علــة ضمن تتـابع صـوتي معـني‪ ،‬فتخفيـف هـذا ِ‬
‫الثقـــل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫نطقي سببه تجاور حريف‬
‫ٌ‬
‫ثمرة من ثمرات تطبيق هذه الظاهرة‪.‬‬ ‫والنزوع اىل تتابع صوتي ّ‬
‫ميرس النطق‪،‬‬
‫ُ‬
‫فاالعالل بعد هذا هو أحد األساليب التي يلجأ إليها الناطق لتخفيف املجهود العـضيل‬
‫املبذول من أعضاء جهاز النطق‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ثقيل‪ ،‬لبعده عن التناسب‬ ‫نـطـق األصل ليس باملستحيل‪ ،‬وإنما هو‬ ‫ثم إنهم أدركوا ّ‬
‫أن ُ ْ‬
‫ضــم ﱢ اىل كـرس ِ‪ ،‬وفيـه قـال ابـن‬
‫َ‬ ‫ضـم ٍ‪ ،‬أو مـن‬ ‫واالنسجام‪ ،‬كالخروج من َ ْ‬
‫كــرس ِ اىل َ ّ‬
‫جنــي‪:‬‬
‫ّ‬

‫)‪ (44‬نحو‪ :‬وواصل و)أواصل( و وولج و تولج ‪.‬‬

‫‪١٩٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫َ ّ‬
‫الـضمة قبـل اليـاء الـساكنة‬ ‫" لو َ ﱠ ْ َ‬
‫تكـلـفـت الكرسة قبل الواو الساكنة املفـردة‪ ،‬أو‬
‫وكلــفة")‪.(٤٥‬‬
‫مشـقـة ُ ْ‬
‫لتــجشمت فيه َ َ ّ‬
‫َ َ ْ‬ ‫املفردة‪،‬‬
‫وأضاف‪:‬‬
‫وإن كان مستثقال‪ ،‬فليس بمستحيل")‪.(٤٦‬‬
‫" ْ‬
‫قــلــب الياء واوا ً‪ ،‬لنقف عىل‬
‫ياء‪ ،‬أو َ ْ‬
‫قـلـب الواو ً‬
‫وسنعرض لثالثة أمثلة من حاالت َ ْ‬
‫تعليالتهم الصوتية لهذه الظاهرة‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ياء يف) ِ ْ‬
‫مـفـعال‪ :‬من الوزن(‪:‬‬ ‫‪ُ –١‬‬
‫قلب الواو ً‬
‫ياء‪.‬‬ ‫موزان‪َ ْ َ ،‬‬
‫فـقــلبت الواو ً‬ ‫مـيزان‪ ،‬واألصل‪ْ ِ :‬‬
‫مـفـعال( من الوزن‪،‬قيل‪ْ ِ :‬‬
‫إذا أريد بناء) ِ ْ‬
‫فما هو تعليل هذا القلب عندهم ؟‬
‫قـطـعتـم ِمن لينة")‪.(٤٧‬‬ ‫• قال األخفش يف ِ‬
‫لــينة من قوله تعاىل‪ ":‬ما َ َ ْ ُ ْ‬
‫" وهي من اللون‪ ....‬ولكن ملا انكرس ما قبلها انقلبت إىل الياء")‪.(٤٨‬‬
‫• وأعاد املربد هذا املعنى بقوله‪ ":‬والياء تكون َ َ‬
‫بدال ً من الواو إذا انكرس ما قبلها‪ ،‬وهـي‬
‫ساكنة")‪.(٤٩‬‬
‫َ‬
‫للقلب‪ ،‬إذ ْ قال‪:‬‬ ‫• وجعل السريايف االستثقال سببا ً‬

‫)‪ (٤٦) (45‬رس صناعة اإلعراب ‪.٢٢ – ٢١/١‬‬


‫)‪ (47‬الحرش‪ ٥/‬وهو رضب من النخل‪.‬‬
‫)‪ (48‬معاني القرآن لألخفش ‪.٤٩٧ /٢‬‬
‫)‪ (49‬املقتضب‪.٢٠٠/١ :‬‬

‫‪٢٠٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫العرب من واو سـاكنة بعـد كـرسة)‪،(٥٠‬‬


‫ٌ‬ ‫" ِميزان‪ ....‬واألصل‪ْ ِ :‬‬
‫موزان‪ ....‬وانما امتنعت‬
‫استثقاال ًللجمع بينهما")‪.(٥١‬‬
‫ّ‬
‫املكون من الكرسة‪ ،‬ثم الواو الساكنة‪ِ ،‬‬
‫ثــقال ً يف‬ ‫والكالم واضح يف ّ‬
‫أن للتتابع الصوتي‬
‫سبب لها القلب اىل الياء‪.‬وأعاد ابن جني)‪ (٥٢‬املعنـى املطـروح َ يف تعلـييل األخفـش‬
‫النطق َ ﱠ َ‬
‫واملربد‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ – ٢‬قلب الياء واوا يف) ُ ْ ِ‬
‫مفـعل‪ ،‬من اليقني(‪:‬‬
‫مـيقن َ ُ َ‬
‫فـقـلبت الياء واوا‪.‬‬ ‫مـوقن‪ ،‬واألصل‪ِ ْ ُ :‬‬ ‫بناء) ُ ْ ِ‬
‫مفـعـل( من اليقني قيل‪ِ ْ ُ :‬‬ ‫اذا أريد ُ‬
‫املـربد‪ ":‬وتكـون ]الـواو[ بـدال ً مـن اليـاء إذا انـضم مـا قبلهـا‪ ،‬وكانـت‬
‫ّ‬ ‫وفيه قال‬
‫أيقـ ْنت ْ َ ْ‬
‫وأيرست")‪.(٥٣‬‬ ‫ومورس‪ّ ،‬‬
‫ألنها من ْ َ‬ ‫موقـن‪ِ ُ ،‬‬
‫ساكنة‪،‬نحو قولك‪ِ ُ :‬‬
‫جـنـي هذا التعليل)‪.(٥٤‬‬
‫وأعاد ابن ِ ّ‬
‫يتـضح من النصوص يف قلب الواو ياء ً‪ ،‬والياء واوا‪ ،‬هي ِ َ‬
‫ثقــل هـذين‬ ‫فالعلــة ْ كما ّ‬
‫ّ‬
‫التتابعني الصوتيني يف النطق وهما‪:‬‬
‫ضم‪ ،‬أو ‪ّ ،‬‬
‫ضم ‪ +‬كرس‬ ‫كرس ‪ّ +‬‬
‫ّ‬
‫ضـمة بعـد‬ ‫ّ‬
‫ضـمة‪ ،‬أو‬ ‫الفراء رصاحة ً بقوله‪ ":‬إنما يستثقلون كـرسة بعـد‬
‫وقد ذكرهما ّ‬
‫كرسة")‪.(٥٥‬‬

‫ثباتـها بعد الكرسة نحو‪َ ِ :‬‬


‫العوض‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الواو ج َ‬
‫از‬ ‫ُ‬ ‫)‪ (50‬إذا تحركت‬
‫)‪ (51‬رشح السريايف ‪.١٠٨/٦‬‬
‫)‪ (52‬املنصف ‪.٣٢٠/٢‬‬
‫)‪ (53‬املقتضب ‪.٢٠٠/١‬‬
‫)‪ (54‬املنصف ‪.١٢٧ /٢‬‬
‫)‪ (55‬معاني القرآن ‪.١٢/٢‬‬

‫‪٢٠١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ثم حاول أن يوضح َ َ َ‬


‫سبب هذا الثقل‪ ،‬اعتمادا عىل بيان حركات أعضاء جهاز النطق يف‬
‫مثل هذين التتابعني‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫والكرس‪،‬ألن ُ ْ َ‬
‫ملخـرجيهما مؤونـة ً عـىل اللـسان والـشفتني‪،‬‬ ‫ُ ّ‬ ‫يستثـقـل َ ّ‬
‫الضم‬ ‫فإنـما ُ ْ َ ْ َ‬
‫ّ‬
‫أحد الشدقني إىل الكرسة‪،‬فرتى ذلك ثقيال")‪.(٥٦‬‬
‫ويمال ُ‬
‫الضمة‪ُ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تنضم الرفعة بهما‪ ،‬فيثقل‬
‫ّ‬
‫الضم‪ ،‬لكنه لم يصل‬ ‫جـنـي يف بيان ِ َ‬
‫ثقــل النطق بالخروج من الكرس إىل‬ ‫َ‬
‫وشارك ابن ِ ّ‬
‫الفراء السابق الذكر‪ ،‬إذ ْ قال‪:‬‬
‫إىل جودة بيان ّ‬
‫" إنما هو استثقال منهم للخروج من ثقيـل إىل مـا هـو أثقـل منـه‪ ....‬وكـذلك لـو‬
‫ّ‬
‫الـضمة قبـل اليـاء الـساكنة املفـردة‪،‬‬ ‫ّ ْ َ‬
‫تكلـفـت الكرسة قبل الواو الساكنة املفـردة‪ ،‬أو‬
‫مشقـة وكلفة")‪.(٥٧‬‬
‫ّ‬ ‫لتجشـمت فيه‬
‫ّ‬
‫جنـي ثانية لبيـان ِ َ‬
‫ثقــل النطـق بتأكيـده عـىل عـدم انـسيابية الـصوت‬ ‫ّ‬ ‫وعاد ابن ُ‬
‫وامتداده‪ ،‬وعىل تناقض حركات أعضاء جهاز النطـق يف مثـل هـذين التتـابعني فقـال‪:‬‬
‫ألنــك إذا َ َ َ‬
‫بـدأت بالكـرسة ِ فقـد جئـت‬ ‫ّ‬ ‫قـلـ َبت هذه الحروف بعد هذه الحركات‪،‬‬ ‫" ّ‬
‫وإنما ُ ِ‬
‫أول َ قولـك‬ ‫ْ َ‬
‫وآذنـت بتمامها‪ ،‬فـإذا تراجعـت عنهـا اىل الـواو فقـد نقـضت ّ‬ ‫ببعض الياء‪،‬‬
‫ِ‬
‫بآخره‪،‬وخالفت بني طرفيه‪ ،‬وكذلك اذا بدأت بالضمة‪ ،‬ثم جئت بعدها باليـاء فقـد جئـت‬
‫بالـضمة توقعـت الواو‪،‬فـإذا َ َ ْ َ‬
‫عدلـــت إىل الياء‪،‬فقـد‬ ‫ّ‬ ‫املتوقـع‪ ،‬ألنك ملا جئـت‬
‫ّ‬ ‫بأمر ُ ُ‬
‫غريه‬
‫أولـه")‪.(٥٨‬‬
‫لفظك ﱠ َ ُ‬
‫بآخر ِ ِ‬
‫ناقضت ِ‬

‫)‪ (56‬م‪ .‬ن ‪.١٣/٢‬‬


‫)‪ (57‬رس صناعة اإلعراب ‪.٢١/١‬‬
‫)‪ (58‬م‪.‬ن ‪.٢١/١‬‬

‫‪٢٠٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ﱠ‬
‫النص يشريُ إشارة ً واضحة ً إىل عدم وجود االنسجام الصوتي املطلوب للخفـة‬ ‫ثم ّ‬
‫إن‬
‫نـأتي بـالواو التـي‬
‫َ‬ ‫ّ ُ‬
‫يتطلـب املجيء بالياء‪ ،‬ألنها بعضها‪ ،‬ال أن‬ ‫يف النطق‪ ،‬إذ ْ ّ‬
‫إن بالكرسة‬
‫َُّ‬
‫تـعد نقضا ً وتنافرا ً مع الصوت األول‪ ،‬ومثل هذا لو بدأنا بالضمة ونلحقها بالياء‪.‬‬
‫ِ َ‬
‫وثقــل النطق بهذين التتابعني‪ ،‬هو السبب الذي قال به املحدثون‪.‬‬
‫تكلـــف النطق‪،‬وثقلـه فلكـي تنطـق بـالواو‬
‫ّ‬ ‫فالدكتور فليش قال‪ ":‬ترى نوعا ً من‬
‫ُ‬
‫وتعليلـه قريـب‬ ‫العكس فتتفرجـان")‪.(٥٩‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫تنطق بالكرسة يحدث‬ ‫تستدير الشفتان‪ ،‬ولكي‬
‫ُ‬
‫الفراء اآلنف الذكر‪.‬‬
‫من تعليل ّ‬
‫ثقــل وقوع الياء ساكنة بعد ّ‬
‫ضم‪َ ِ ،‬‬
‫وثقـل وقوع الواو سـاكنة‬ ‫ّ‬
‫وأكد الدكتور شاهني ِ َ َ‬
‫اتــفاق ُ‬
‫يتـــضح ّ‬
‫ّ‬ ‫تخلـص منهما الناطق العربـي‪ ،‬وبهـذا‬
‫ّ‬ ‫بعد ْ‬
‫كرس‪ ،‬ولثقل هذا التتابع‬
‫علــة القلب يف هـذين التتـابعني‪ ،‬غـري ّ‬
‫أنـه يختلـف معهـم يف‬ ‫الدكتور شاهني معهم يف ِ ّ‬
‫العلـــة‪ ،‬كمـا‬
‫ّ‬ ‫ورأى ّ‬
‫أن القلب وقع بني الحركات ال بني أحرف‬ ‫َ‬ ‫موضع القلب‪ ،‬فقد اجتهد‬
‫يرى القدماء‪.‬‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫والضمة‪ ،‬ولـيس بـني الـواو واليـاء عـىل‬ ‫ُ‬
‫القلب بني الكرسة‬ ‫موزان( مثال‪َ :‬‬
‫وقع‬ ‫ففي) ِ ْ‬
‫أسقطـت عنـرص الـضمة‪ ُ ،‬ﱢ َ ْ‬
‫وعوضـت مكانـه كـرسة ٌ قـصرية ٌ‪ ،‬تـصبح‬ ‫التقدير اآلتي‪َ ِ ْ ":‬‬
‫كـتبت يف صورة الياء")‪.(٦٠‬‬
‫باإلضافة إىل سابقتها كرسة طويلة بعد امليم‪ ،‬هي التي ُ ِ َ‬
‫تخلــصا ً من الصعوبة‪ ،‬ونزوعـا إىل‬
‫ّ‬ ‫قـلبت الضمة ُ كرسة ً‪،‬‬ ‫َ‬
‫نقول‪َ ِ ُ ":‬‬ ‫واألولـى عنده ْ‬
‫أن‬ ‫ْ َ‬
‫االنسجام")‪.(٦١‬‬

‫)‪ (59‬العربية الفصحى ‪.٢٠٤ /‬‬


‫)‪ (60‬املنهج الصوتي للبنية العربية ‪. ١٩١/‬‬
‫)‪ (61‬م‪ .‬ن ‪.١٨٩/‬‬

‫‪٢٠٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫َ‬
‫مكان الواو املحذوفة‪ ،‬من أجل‬ ‫وأيّ القولني أخذنا به فالنتيجة هي إحالل صوت الياء‬
‫إيجاد التناسب واالنسجام الصوتي‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪ – ٣‬قلب الواو ياء ًحني تجاورهما وأوالهما ساكنة‪:‬‬


‫وسيود‪ْ َ ،‬‬
‫ولـوية‪،‬‬ ‫أيوام‪ْ َ ،‬‬ ‫وسيد‪ّ َ َ ،‬‬
‫ولــية‪ ،‬واألصل‪ْ :‬‬ ‫أيام‪ّ َ ،‬‬
‫نحو‪ّ :‬‬
‫فالتقت الواو والياء يف األصل يف تتابعني صوتيني هما‪:‬‬
‫ياء ساكنة ‪ +‬واو‪.‬‬
‫ياء‪َ ِ ْ ،‬‬
‫وأدغمت مع الياء األوىل‪.‬‬ ‫واو ساكنة ‪ +‬ياء‪ ،‬فتأثرت الواو يف التتابعني‪َ ِ ُ ،‬‬
‫وقـلبت ً‬
‫تــقــلـب‬ ‫املربد‪ُ ":‬‬
‫حكـم الواو والياء إذا التقتا واألوىل منهما ساكنة ٌ‪ ،‬أن ُ ْ َ‬ ‫وفيهما قال ّ‬
‫الواو اىل الياء‪َ ْ ُ ،‬‬
‫وتـدغم إحداهما يف األخرى")‪.(٦٢‬‬
‫فإن الواو تصري‬ ‫كل)ياء( و)واو( َ َ َ‬
‫سبق أحدهما اآلخر بسكون‪ّ ،‬‬ ‫وقال ابن كيسان‪ّ ":‬‬
‫إن ّ‬
‫أصلــها‪ْ :‬‬
‫أيـوام‪ ،‬ومثلهـا‬ ‫ُ‬ ‫أيـام‬ ‫ياء يف ذلك املوضع‪َ ْ ُ ،‬‬
‫وتدغــم إحداهما يف األخرى‪ ،‬من ذلك ّ‬ ‫ً‬
‫سيد‪.(٦٣)"...‬‬
‫َ ّ‬
‫فما هي ِ ّ‬
‫علــة هذا القلب ؟ الجواب عىل ذلك‪:‬‬
‫خفـة ُ الياء عن الواو‪ ،‬مستدال ً بفرار العرب اىل اليـاء مـن الـواو‪،‬‬
‫ّ‬ ‫• عند األخفش هي‪:‬‬
‫وعدم فرارهم اىل الواو من الياء)‪.(٦٤‬‬

‫)‪ (62‬املقتضب ‪.٣٠٨/١‬‬


‫)‪ (63‬تهذيب اللغة ‪.٦٤٦/١‬‬
‫)‪ (64‬معاني القرآن ‪.٣٧٩/٢‬‬

‫‪٢٠٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ّ‬
‫وتمكن مـن‬ ‫خفـة ُ الياء العائدة اىل موضع نطقها الذي ّ‬
‫توسط الفم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫• وعند ّ‬
‫املربد هي‪:‬‬
‫نـطـق الـواو الـذي لـم يـرشكه إال البـاء‬
‫مخالطة أكثر الحروف‪ ،‬عىل خالف موضع ُ ْ‬
‫وامليم)‪.(٦٥‬‬
‫املربد هنا اشرتاك األصوات الثالثة يف الشفتني‪ ،‬وهو اشرتاك جانبي‪ّ ،‬‬
‫ألن وضع‬ ‫ويقصد ّ‬
‫الشفتني مع الواو يختلف عن وضعهما مع امليم والباء‪ .‬ثم ّ‬
‫إن وضعهما مع البـاء واملـيم‬
‫مختلفان أيضا ً‪.‬‬
‫الخفـة وإيثار العرب للياء دون الواو)‪ ،(٦٦‬مع عدم ِ ذكر‬
‫ِّ‬ ‫أكـد عىل‬ ‫• ّ‬
‫أما ابن ِ ّ‬
‫جـنـي فقد ّ‬
‫الخفـة الناجمة عن سهولة نطقها إذا قيست بنطق الواو‪ ،‬فنطـق اليـاء‬
‫ّ‬ ‫سبب هذه‬
‫ّ‬
‫فيتم نطقه بارتفـاع أقـىص‬ ‫ُ‬
‫الواو‬ ‫بارتفاع َ‬
‫وسط اللسان مع انفراج الشفتني‪ ،‬أما‬ ‫ّ‬
‫يتم ْ‬
‫ّ‬
‫بالخفة والسهولة‪.‬‬ ‫اللسان مع استدارة الشفتني‪ ،‬وهما وضعان لم يتّسما‬
‫خفـة نطق الياء التي كانت سببا إليثار‬
‫ّ‬ ‫أفكار هذه النصوص تشري اىل‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫الجملة‪،‬فإن‬ ‫ويف‬
‫أقرها املحدثون)‪ .(٦٧‬وقد‬
‫الخفــة ُ التي ّ‬
‫ّ‬ ‫العرب لها‪ ،‬دون الواو يف هذين التتابعني‪ ،‬هذه هي‬
‫ّ‬
‫متقدمة عىل مرحلة بحثنا‪ ،‬لنقف عىل رأي سيبويه‬ ‫َ‬
‫نعود إىل مرحلة‬ ‫يكون من املناسب ْ‬
‫أن‬
‫والواو بمنزلة التـي َ ْ‬
‫تــدانت مخارجهـا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫يف هذا النوع من القلب إذ ْ قال‪" :‬وذلك ﱠ‬
‫ألن اليا َء‬
‫وممرهما عىل ألسنتهم‪ّ ،‬‬
‫فلما كانت الواو ليس بينها وبني اليـاء‬ ‫ّ‬ ‫لكثرة استعمالهم إياهما‬
‫ُ‬
‫العمل من وجه واحد‪ ،‬ورفع اللسان من وضـع واحـد‪،‬‬ ‫حاجز بعد الياء‪،‬وال قبلها)‪ ،(٦٨‬كان‬
‫ٌ‬

‫)‪ (65‬املقتضب ‪.٣١٠/١‬‬


‫)‪ (66‬الخصائص ‪ ،٢٣٠/٢‬واملنصف ‪.١٧/٢‬‬
‫)‪ (67‬املنهج الصوتي للبنية العربية ‪.١٩٠/‬‬
‫سيود‪ .‬وقبل الياء يف مثل‪ْ َ :‬‬
‫لوية‪.‬‬ ‫)‪ (68‬بعد الياء يف مثل‪ْ َ :‬‬

‫‪٢٠٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سيد َ ّ‬
‫وصـيب‪،‬‬ ‫فـيعل‪ّ َ :‬‬ ‫ﱠ‬
‫أخف عليهم‪ ،‬وكانت الياء الغالبة يف القلب ال الواو‪ ....‬وذلك قولك يف َ ْ ِ‬
‫وصيوب")‪.(٦٩‬‬
‫سيود َ ْ‬
‫وإنما أصلهما‪ْ َ :‬‬
‫لــية َ ّ‬
‫وسيد‪ ،‬كما يكرهون الضمة بعد الكرسة‪...‬وترك‬ ‫الواو مع الياء يف َ ّ‬
‫َ‬ ‫وقال‪ ":‬كرهوا‬
‫)‪.(٧٠‬‬
‫الواو يف ِ ْ‬
‫موزان أثقل"‬
‫ُ‬
‫يحاول إثبات القرابة الصوتية بني الياء والــــواو‪،‬‬ ‫فكر سيبويه وهو‬ ‫فالنص ُ ْ ُ‬
‫يربز لنا َ‬
‫العن طريق تداني مخارجهما حقيقة ً‪ ،‬وإنما عن طريق اشرتاكهما بالصفات‪ ،‬كـالجهر‬
‫واملد)‪ ،(٧١‬وكثرة تعاقبهما‪ ،‬ودورانهما عىل األلـسنة‪ ،‬لـذا فهمـا عنـده بمنزلـة الحـروف‬
‫ّ‬
‫أمر مسِوغ ٌ إلحالل الصوت مكان مقاربه‪ ،‬ثم قد يكون تتابع‬
‫املتقاربة املخارج‪ ،‬والتقارب ٌ‬
‫هذين الصوتني ضمن سياق صوتي ّ‬
‫معني ثقيال‪ّ ،‬‬
‫ألنهما بحكم الحروف املتدانية املخـارج‪،‬‬
‫ّ‬
‫محبب يف العربية‬ ‫ومن هذا التتابعات تجاورهما مع سكون األول منهما‪ ،‬وهو تتابع غري‬
‫أجل التخلص منه ُ ِ َ‬
‫عمد اىل‬ ‫َ ّ‬
‫الضــم‪ ،‬ومن ْ‬ ‫أسوة بتتابع) ِ ْ‬
‫موزان(‪ ،‬أي الخروج من الكرس اىل‬
‫قلب الواو ياء للمناسبة واالنسجام‪.‬‬
‫جـنـي هذا التقارب بني الواو واليـاء‪ ،‬فقـال‪ّ ":‬‬
‫إن بـني اليـاء وبـني الـواو‬ ‫والحظ ُ‬
‫ابن ِ ّ‬
‫قــربا ً َ َ‬
‫ونسبا")‪.(٧٢‬‬ ‫ُْ‬
‫يعلــل املحدثون هذا القلب بغري ما ذكره سيبويه وبقية ُ علماء العربية‪ .‬فقد قال‬
‫ّ‬ ‫ولم‬
‫سيود‪ ،‬ما َ ّ‬
‫نـصه‪:‬‬ ‫الدكتور شاهني يف تعليل القلب يف َ ْ‬

‫)‪ (69‬الكتاب ‪.٣٥٧/٢ ،٣٧١/٢‬‬


‫)‪ (70‬م‪ .‬ن ‪.٣٧٥ /٢ ،٣٧١ /٢‬‬
‫)‪(71‬قال أبو عيل الفاريس" أال ترى أن الواو والياء قد جرتا مجرى املثلني‪ ...‬ملا‬
‫اجتمعا فيه من اللني"‪ .‬الحجة يف علل القراءات‪.٩٨/ ١ ،‬‬
‫)‪ (72‬رس صناعة اإلعراب ‪.٢٣/١‬‬

‫‪٢٠٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ُ‬
‫الـواو إثـر اليـاء‪ ،‬ونظـرا‬ ‫ّ‬
‫والضمة‪ ،‬حيث تقع فيه‬ ‫ُ‬
‫أشبه بتتابع الكرسة‬ ‫" وهذا التتابع‬
‫فإنـها مالت اىل إحداث االنسجام يف هذا املثـال‬
‫ّ‬ ‫لصعوبة ِ هذا الرتكيب‪ ،‬وكراهة ِ اللغة له‪،‬‬
‫أن ُيقـال‪ّ :‬‬
‫إن الـواو‬ ‫عنـرصالكـرسةعىل عنـرصالفتحة‪ ،‬وهنـا يمكـن ْ‬
‫وأشباهه‪،‬بتغليب ُ ْ‬
‫فعال")‪.(٧٣‬‬
‫قــلـبت ِ ْ‬
‫ُ َِ‬
‫ُ ُ‬
‫نفسه‪ ،‬وليست فيه إضافة ٌ أصيلة ٌ‪.‬‬ ‫فالتعليل هو‬
‫* *‬ ‫*‬

‫اإلبــــــــدال‪:‬‬
‫وأقروها‬
‫ّ‬ ‫ظاهرة ُ اإلبدال من ُ َ َ ّ‬
‫املتـغـريات الصوتية التي الحظها علماء العربية يف العراق‬
‫حظـا ً من تآليفهم التـي هـي يف مجملهـا‪:‬‬
‫ّ‬ ‫سنة من ُ‬
‫سنن العرب‪ ،‬ونالت عندهم‬ ‫وعدوها ُ‬
‫ّ‬
‫أبــيح تداولهما‪ّ ،‬‬
‫ألن اإلبدال َ يعنـى عنـدهم‪:‬‬ ‫جمع األلفاظ التي ُ َ‬
‫رويت بصوتني نطقيتني ِ‬
‫إقامة حرف مكان حرف آخر أزيل‪.‬‬
‫وجاءت تآليفهم لهذه الظاهرة عىل مستويني‪ ،‬هما‪:‬‬
‫َ َ‬
‫التـزم بـه‬ ‫املطــرد‪ ،‬أو القيايس‪ ،‬أو النحوي‪ ،‬وهو نـوع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املسمى باإلبدال‬ ‫‪ – ١‬رصيف ّ‪ :‬وهو‬
‫َ‬
‫حروف اإلبدال‪.‬‬ ‫ّ‬
‫تسمى‬ ‫النحاة‪ ،‬ورأوا وقوعه يف حروف محدودة‬
‫املطـرد‪ ،‬أو الـسماعي‪ ،‬وهـو نـوع التـزم بـه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املسمى باإلبدال غـري‬ ‫‪ – ٢‬لغويّ )‪ :(٧٤‬وهي‬
‫إنـهم لم يجدوا "حرفا إال ّ قـد جـاء‬ ‫َ‬
‫وقوعه يف جميع حروف اللغة‪ ،‬حيث ّ‬ ‫اللغويون‪ ،‬ورأوا‬
‫فيه البدل ولو نادرا"‪ ،‬وال ّ‬
‫شك يف وقوع هذا النوع‪ ،‬وباملستوى العـام الـذي جـاء نتيجـة‬

‫)‪ (73‬املنهج الصوتي للبنية العربية ‪.١٩٠ – ١٨٩ /‬‬


‫ّ‬
‫التخصص يف الدراسة‪ ،‬وال يعنى عدم انضمام املباحث الرصفية اىل علوم اللغة‪.‬‬ ‫)‪ (74‬التقسيم يراعي دقة‬

‫‪٢٠٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ‬
‫متعـددة‪ ،‬باإلضـافة اىل عوامـل َ أخـرى‪،‬‬ ‫طبيعية لجمع اللغة من بيئات لهجيـة عربيـة‬
‫متـحدة يف معانيها‪ ،‬متقاربة يف أصواتها‪ ،‬ولم تختلف إال ّ يف صوت‬
‫إذ ْوجدوا ألفاظا ً كثرية ّ‬
‫ّ‬
‫ماهية إبداله‪.‬‬ ‫واحد لم يتفق يف‬
‫املبـدل ُ ْ َ‬
‫واملبـدل‬ ‫ى عدم االتفاق يكمن يف العالقة الصوتية التي تربط بني الـصوت ُ ْ َ‬ ‫ّ‬
‫ومؤد َ‬
‫َ‬
‫شواهد وأمثلة تندرج تحت موقفني‪ ،‬هما‪:‬‬ ‫منه‪ ،‬فما جاءت عنهم من‬
‫املبدل ُ ْ َ‬
‫واملبدل منه‪:‬‬ ‫أ – اشرتاط العالقة الصوتية بني ُ ْ َ‬
‫وأقوالهم رصيحة يف ذلك‪:‬‬
‫• قال ّ‬
‫الفراء‪ ":‬إذا تقارب الحرفان يف املخرج تعاقبا يف اللغات")‪.(٧٥‬‬
‫ٌ‬
‫شاهد عىل وجود العالقة بني الـصوتني‪،‬‬ ‫َ‬
‫اإلبدال‬ ‫الفراء إىل أكثر من هذا‪ ،‬ويؤكد ّ‬
‫أن‬ ‫ويذهب ّ‬
‫نـقـل عنه ثعلب قوله‪:‬‬
‫فقد َ َ‬
‫ُ‬
‫الحرف من أخيه")‪.(٧٦‬‬ ‫يعــلـم ما تناسب من الحروف باللغة‪ْ ،‬‬
‫أن ُ ْ َ َ‬
‫يبدل‬ ‫إنـما ُ ْ َ‬
‫" ّ‬
‫• ويف كالم ّ‬
‫املربد ما ُ ْ‬
‫يشـعر اشرتاطه للعالقة الصوتية‪ ،‬إذ ْ قال‪:‬‬
‫ألنهما من الشفة")‪.(٧٧‬‬
‫قـلــبت امليم باء ً‪ّ ،‬‬
‫" ُ َِ‬
‫)‪.(٧٨‬‬
‫التـاء من مخرج الطاء‬
‫ألن ّ‬‫وقتــرة لغتان‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫قــطـرة لجنبيه‬
‫وقال أيضا ً‪ ":‬يقال َ ّ‬
‫وأكـد أبو عيل الفاريس هذا بقوله‪:‬‬
‫ّ‬ ‫•‬

‫)‪ (75‬معاني القرآن‪.٢٤١ /٣ :‬‬


‫)‪ (76‬رشح السريايف ‪.٦٠٦ /٦‬‬
‫)‪ (77‬الكامل ‪. ٢٠٠/١‬‬
‫)‪ (78‬الكامل ‪.٨٢ /٢‬‬

‫‪٢٠٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫إنـما هو فيما تقـارب منهـا‪ ،‬وذلـك‪:‬الـدال‪،‬والطاء‪ ،‬والتـاء‪/‬‬ ‫" ْ ُ‬


‫أصل القلب يف الحروف ّ‬
‫والذال‪ ،‬والظـاء‪ ،‬والثـاء ‪ /‬والهـاء والهمـزة ‪ /‬واملـيم والنـون‪ ،‬وغـري ذلـك ممـا تـدانت‬
‫)‪.(٧٩‬‬
‫ُ‬
‫مخارجه"‬
‫انقالب أحدهما اىل صاحبه")‪.(٨٠‬‬
‫ُ‬ ‫تدانى الحرفان أرسع‬
‫َ‬ ‫• أما ابن ّ‬
‫جني‪،‬فقد قال‪ ":‬وكلما‬
‫ّ‬
‫سـماه)بـاب يف‬ ‫فإنـه قد أفرد بابـا يف خصائـصه‬
‫ّ‬ ‫وإذا كان هذا ال ّ‬
‫يوضح رأيه تماما‪،‬‬
‫َ‬
‫مكان صاحبه( فهو خري دليل عىل التزامـه بوجـود‬ ‫الحرفني املتقاربني ُ ْ َ ْ‬
‫يستعمل أحدهما‬
‫ــ َ ّ‬
‫رده عىل رأي من أجاز إبدال)الحاء( مـن)الثـاء(‬ ‫العالقة الصوتية‪ِ ْ ُ ،‬‬
‫ويدعم هذ اـ أيضا ً‬
‫يف‪ :‬حثحثوا من حثثوا‪ ،‬إذ ْ قال‪:‬‬
‫قـلـب أحدهما اىل أختها")‪.(٨١‬‬
‫الحاء فبعيدة ٌمن الثاء‪ ،‬وبينهما تفاوت يمنع من َ ْ‬
‫ُ‬ ‫" ّ‬
‫فأما‬
‫يتـضح لنا مدى التزام أغلب علماء العربية يف العراق برشط العالقة الـصوتية بـني‬
‫وبهذا ّ‬
‫املبدل ُ َ‬
‫واملبدل منه‪ ،‬وهو الرأيُ الراجح ُ َ‬
‫لدى املحدثني‪ ،‬والذي يمكن بسببه تفسري حـدوث‬ ‫ُ َ‬
‫ّ‬
‫تطـور صـوتي‪ ،‬أو اخـتالف يف عـادات النطـق‪،‬‬ ‫املربر اللغوي لوقوعه من‬
‫اإلبدال‪ ،‬وإيجاد ّ‬
‫َ‬
‫الـصوت نفـسه لـم‬ ‫والقول ِبرشط وجـود تقـارب املخـرج يعنـي مـن جانـب آخـر ّ‬
‫أن‬
‫يتغري‪،‬ولكنه طرأ عليه تعديل يف مخرجه نتيجة اختالف عادات الناطقني تبعا لظـروفهم‬
‫ْ‬
‫أنـه يعني ــ أيـضاــ ارتبـاط املعـاني" بـبعض املجموعـات‬
‫البيئية واالجتماعية‪ ،‬كما ّ‬
‫الصوتية ارتباطا ًعاما‪ ،‬ال يتقيد بالصوت ِعينه ِ‪ ،‬بل بنوعه الذي يندرج تحتـه مـن حيـث‬
‫املخرج أو الصفات")‪ ،(٨٢‬نحو‪):‬طربزل وطربزن(‪،‬و)دهامج ودهانج()مخر وبخر(‪.‬‬

‫)‪ (79‬رس صناعة اإلعراب‪.١٩٧ /١ :‬‬


‫)‪ (80‬الخصائص‪.١٥١ /١ :‬‬
‫)‪ (81‬رس صناعة اإلعراب ‪.١٩٧ /١‬‬
‫)‪ (82‬اللغة العربية يف مواجهة الحياة‪ ،‬للدكتور عيد محمد الطيب ‪.١٩٥ /‬‬

‫‪٢٠٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫املبدل ُ‬
‫واملبدل منه‪:‬‬ ‫ب – عدم ُ اشرتاط العالقة الصوتية بني ُ‬
‫رويـت‬ ‫أنـه ُع َ‬
‫رف من خالل الشواهد التـي ُ ِ‬ ‫ولم ِ ْ‬
‫أقف عىل رأي رصيح ألحد ٍ يف هذا‪ ،‬اال ّ ّ‬
‫مؤلـفات خاصة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ُ َ‬
‫وجمعت يف‬
‫ُ‬
‫تربز العالقـة َ بـني الـصوتني‬ ‫فكتاب اإلبدال البن السكيت مثال ً‪ ،‬اشتمل عىل ألفاظ كثرية‬
‫املبدل واملبدل منه‪ ،‬كما َ ّ‬
‫ضم اليها أمثلة – قليلة أخرى – انعدمت فيها العالقـة الـصوتية‬
‫املبْ َدل ُ ْ َ‬
‫والبدل منه‪ ،‬نحو‪:‬‬ ‫بني ُ‬
‫إبدال ِ بني الفاء والكاف يف حساكل‪ ،‬وحسافل‪)،‬للصغار(‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وارمد‪)،‬إذا َ‬
‫مىض عىل وجهه(‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وإبدال بني امليم والقاف يف ّ‬
‫ارقد‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫ّ‬
‫وتفكه‪)،‬إذا تندم(‪.‬‬ ‫ّ‬
‫تفكن‪،‬‬ ‫وإبدال بني النون والهاء يف‬ ‫‪-‬‬
‫وإبدال الالم والهاء يف شاكله‪ ،‬وشاكهه)‪.(٨٣‬‬ ‫‪-‬‬
‫ّ‬
‫التبـدالت‬ ‫وليس لنا أمام مثل هذا اللون من األلفاظ – التي ال يمكن معـه تفـسري هـذه‬
‫الصوتية إذا افرتضنا وقوعها – إال ّ القـول‪ :‬بأنهـا ألفـاظ أصـلية يف أبوابهـا‪ ،‬تماثلـت يف‬
‫ّ‬
‫يسمى‬ ‫معانيها وهي من باب الرتادف‪ ،‬وقد قيل" فأما ما لم يتقارب مخرجاه ألبتة‪ ...‬فال‬
‫بدال‪ ،‬وذلك كأبدال حرف من حروف الفم من حرف من حروف الحلق")‪.(٨٤‬‬
‫ََ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫َْ‬
‫واملبدل منه‪:‬‬ ‫األصالة والفرعية بني ُ ْ َ‬
‫املبدل‬
‫املبدل ُ‬
‫واملبـدل‬ ‫إذا كان أغلب اللغويني قد اشرتطوا وجود العالقة الصوتية بني الصوت ُ‬
‫ابن ِ ّ‬
‫جـنـي قد أضاف رشطا ً جديدا‪ ،‬وهو مسألة األصالة والفرعية يف اللفظـة‪،‬‬ ‫منه‪ّ ،‬‬
‫فإن َ‬

‫)‪ (83‬اإلبدال‪ ،‬البن السكيت ‪.١٤٥ – ١٤١ /‬‬


‫)‪ (84‬املخصص‪.٢٧٤/١٣ ،‬‬

‫‪٢١٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫وتتحقـق األصـالة عنـده‬


‫ّ‬ ‫وهي قضية الحظها علماء العربية يف القرن الثاني للهجرة)‪،(٨٥‬‬
‫ترصفا وأكثر استعماال" نحو‪ :‬خامل و خامن‪ ،‬فالنون بدال‬‫ّ‬ ‫أعم‬ ‫َ‬
‫تكون ّ‬ ‫إلحدى اللفظتني ْ‬
‫أن‬
‫ُُ‬
‫خــموال‪ ،‬أمـا إذا‬ ‫خــمل َ ْ ُ‬
‫يخــمل‬ ‫َ َ‬ ‫ألنـه أكثر استعماال‪،‬وأكثر ترصفا‪،‬إذ ْ قيـل‪:‬‬
‫من الالم‪ّ ،‬‬
‫هتـلـت السماء َ َ َ ْ‬
‫وهتــنت‪ ،‬يقولـون‪:‬‬ ‫تساويا يف االستعمال والترصف فهما أصالن‪ ،‬نحو‪َ َ َ :‬‬
‫ُ ٌ‬
‫هـتــن‬ ‫ُ ﱠ‬
‫وهـــن سـحائب ُ‬ ‫َْ‬
‫تـــهتاال‪،‬‬ ‫وهتـلـت َ َ ْ ِ‬
‫تـهتل‬ ‫تــهتانا‪َ َ َ ،‬‬ ‫هتـنـت السماء َ ْ ِ ُ‬
‫تـهتن َ ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫وهـتـل)‪.(٨٦‬‬
‫ُ ُ ٌ‬
‫فاإلبدال عنده مرهون بالحكم ِ بأصالة إحدى اللفظتني‪،‬وفرعية األخرى وإال ّ فهمـا مـن‬
‫قبيل اختالف اللهجات‪.‬‬
‫وبهذا كان لتحديد ظاهرة اإلبدال عند ابن ِ ّ‬
‫جـنـي أساسان‪ ،‬هما‪:‬‬
‫املبدل ُ ْ َ‬
‫واملبدل منه‪.‬‬ ‫أ – اشرتاط وجود العالقة الصوتية بني ُ ْ َ‬
‫ب – إثبات أصالة إحدى اللفظتني‪ ،‬وفرعية األخرى‪.‬‬
‫جـنـي قد ُ ّ‬
‫وفق يف األساس األول‪ ،‬فلم يكـن دقيقـا يف األسـاس الثـاني‪،‬‬ ‫ْ‬
‫وإن كان ابن ِ ّ‬
‫وذلك لعدم ّ‬
‫تيرس أوليات الحكم يف األصالة والفرعية‪ ،‬فالذي لم يصلنا مـن ألفـاظ اللغـة‬
‫أنــها قليلـة التـرصف‪ ،‬حتـى‬
‫فإن عدم وجود مشتقات لفظة ما‪،‬ال يعنى ّ‬ ‫كثري‪ ،‬لذا ّ‬
‫ً‬ ‫يشء‬
‫ً‬
‫ّ‬
‫نسبية‪ ،‬فقد تـشيع لفظـة‬ ‫يمكن القول بفرعيتها‪ ،‬وكذلك ّ‬
‫فإن قلة االستعمال هي قضية‬
‫ما يف عرص من العصور حتى تصل اىل درجة االبتذال‪ ،‬وقـد تـنكمش اللفظـة نفـسها يف‬
‫ويرتتــب‬
‫ّ‬ ‫عرص آخر‪ ،‬فال تستعمل تبعا لرغبة الناطقني‪ ،‬وظروفهم البيئية واالجتماعية‪،‬‬
‫بقلــة االستعمال لم يكن دقيقا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عىل هذا ّ‬
‫أن القول‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪ (85‬نقل لنا سيبويه فكرة األصالة والفرعية عن الخليل بن أحمد يف جذب)الكتاب‪(٣٨٠/٢‬‬
‫)‪ (86‬الخصائص ‪.٨٤ – ٨٢/٢‬‬

‫‪٢١١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫اإلبدال واللهجات‪:‬‬
‫مـدى تمثيـل األلفـاظ‬ ‫ّ‬
‫تتحدد يف َ‬ ‫ُ ِ َ‬
‫نـظر إىل الرتاث املرويّ يف هذه الظاهرة نظرة أخرى‪،‬‬
‫محددة أو أكثر‪ ،‬فما جاء عن ابن الـسكيت يمكـن ْ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫التي حدث فيها اإلبدال لبيئة لغوية‬
‫إنـه‬
‫يرى وقوع اإلبدال يف البيئة اللغوية الواحدة)القبيلة الواحدة(‪ ،‬أي‪ّ :‬‬
‫أنـه َ‬ ‫ُ َْ‬
‫يفـهم منها ّ‬
‫يمكن للمنتمي لقبيلة ما ْ‬
‫أن َ ْ‬
‫ينـطـق لفظة واحدة بصورتني دون غرابة من أبناء قبيلتـه‬
‫أنــفــحة)‪ ،(٨٧‬وقـال اآلخـر‪:‬‬
‫إذ ْ قال‪ ":‬حرضني أعرابيان من بني كالب‪ ،‬فقال أحـدهما‪َ َ ْ :‬‬
‫ِ َْ َ‬
‫منـفحة‪ ،‬ثم افرتقا عىل أن يسأال جماعة األشياخ من بني كالب‪ ،‬فاتفق جماعة عىل قول‬
‫ذا‪ ،‬وجماعة عىل قول ذا‪ ،‬وهما لغتان")‪.(٨٨‬‬
‫نطـقــا لفظـة واحـدة بـصورتني‪،‬‬
‫َ َ‬ ‫ّ‬
‫األعـرابيني مـن قبيلـة واحـدة‪،‬‬ ‫أن‬ ‫فالرواية ّ‬
‫توضح ّ‬
‫وتابعهما عىل هذا أبناء قبيلتهما‪.‬‬
‫وإنــما َ‬
‫روى لنـا اختالفـا‬ ‫ّ‬ ‫يرى هذا الرأي بالـذات‪،‬‬ ‫الظن ّ‬
‫أن ابن السكيت ال َ‬ ‫ّ‬ ‫ويف أكرب‬
‫لغويا كان قد سمعه‪ّ ،‬‬
‫يدل عىل هذا ما رواه عن اللحياني‪ ،‬قوله‪:‬‬
‫حلـك ِ الغراب أو َ َ ِ‬
‫حنكة‪ ،‬فقال‪ :‬ال أقول حلكه")‪ (٨٩‬ولم يعقـب‬ ‫قلت ألعرابي‪ :‬أتقول‪ُ :‬‬
‫مثل َ َ‬ ‫" ُ‬
‫عليها ابن السكيت‪ ،‬مع ما فيها من اختالف مع داللة الرواية السابقة‪.‬‬
‫ّ‬
‫بـأن اإلبـدال ال يقـع يف‬ ‫أيضا ًــ ما ُ ْ َ‬
‫يفـهم منها تمثيال أو تـرصيحا‬ ‫ومن الروايات ــ ْ‬
‫قبيلة واحدة‪،‬بل يف بيئتني لغويتني)قبيلتني(‪.‬‬

‫)‪ (87‬االنفحة‪ :‬كرش الجمل‪،‬أو الجدي ما لم يأكل‪ ،‬فاذا ِ‬


‫أكل فهو كرش‪.‬‬
‫)‪ (88‬إصالح املنطق ‪.١٧٦ – ١٧٥ /‬‬
‫)‪ (89‬اإلبدال‪ ،‬البن السكيت ‪.٦٧ /‬‬

‫‪٢١٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫منها‪ :‬رواية األصمعي إذ ْ قال‪ ":‬اختلف رجالن يف الصقر‪ ،‬فقال أحدهما‪ :‬الصقر)بالصاد(‪،‬‬
‫بأول ِ وارد عليهما‪ ،‬فحكيا له ما ُهما فيه‪ ،‬فقـال‪:‬‬
‫وقال اآلخر‪ :‬السقر)بالسني(‪ ،‬فرتاضيا ّ‬
‫الزقـر")‪.(٩٠‬‬
‫ال أقول كما قلتما إنما هو ﱠ ْ‬
‫ترى إىل ّ‬
‫كل واحد من الثالثة‪ ،‬كيف أفاد يف هذه الحال إىل‬ ‫ــب ابن ِ ّ‬
‫جـنـي‪،‬وقال‪ ":‬أفال َ‬ ‫فعق ّ‬
‫لغته لغتني أخريني معها‪ ،‬وهكذا تتداخل اللغات")‪.(٩١‬‬
‫أنـها ثالث لغات")‪.(٩٢‬‬ ‫وقد سبقه أحدهم وقال‪ّ َ َ ":‬‬
‫فـدل عىل ّ‬
‫ــ رواية أبي حاتم السجستاني‪ ،‬قال‪ ":‬قلت ألّم الهيثم‪ :‬كيف‬
‫ومن هذه الروايات ــ أيضا ً‬
‫تقولني‪ّ :‬‬
‫أشد سوادا من ماذا ؟‬
‫قالت‪ :‬من َ َ‬
‫حلــك الغراب‪،‬‬
‫قلت‪ :‬أتقولينها من َ َ‬
‫حنـك الغراب‪،‬‬
‫قالت‪ :‬ال أقولها أبدا")‪.(٩٣‬‬
‫وقد نجد الترصيح واضحا عند أحد اللغويني اذ قال‪ ":‬ليس املـراد باإلبـدال ّ‬
‫أن العـرب‬
‫وإنـما هي لغات مختلفة‪ ...‬والدليل عىل ذلـك ّ‬
‫أن قبيلـة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تتعهد تعويض حرف من حرف‪،‬‬
‫مـرة وبالـسني‬
‫واحدة ال تتكلم بكلمة طورا ً مهموزة وطورا ً غري مهمـوزة‪ ،‬وال بالـصاد ّ‬
‫أخرى‪ ...‬إنما يقول هذا قوم وذاك آخرون")‪.(٩٤‬‬

‫)‪ (90‬الخصائص ‪.٣٧٤/١‬‬


‫)‪ (91‬م‪ .‬ن ‪.٣٧٤/١‬‬
‫)‪ (92‬هو ابن خالويه)‪٣٧٠‬هـ(‪ ،‬انظر)املزهر ‪.(٤٧٥ /١‬‬
‫)‪ (93‬جمهرة اللغة‪ :‬حكل ‪ ١٨٥/٢‬والحلك‪ :‬السواد‪.‬‬
‫)‪ (94‬املزهر ‪.٤٦٠ /١‬‬

‫‪٢١٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يرى ّ‬
‫أن االبدال ال يقـع يف القبيلـة الواحـدة‪،‬‬ ‫ومع ما يف القول من دليل واضح عىل ّ‬
‫أنه َ‬
‫أحد عوامل َ ْ‬
‫نشـأة اإلبدال‪ ،‬وهو اختالف اللهجات‪،‬‬ ‫ُ‬
‫يكشف لنا َ‬ ‫فإنـه‬
‫ّ‬ ‫وإنما يقع يف قبيلتني‪،‬‬
‫نـسبت لقائليها من القبائل)‪.(٩٥‬‬ ‫ثم ّ‬
‫إن كثريا من مروياتهم قد ُ ِ َ‬

‫اإلبدال املرشوط‪:‬‬
‫ما َ َ‬
‫سبق هو خالصة للفكرة العامة لظاهرة اإلبدال كمـا رصـدها علمـاء العربيـة يف‬
‫العراق‪ ،‬وأقروا بوجودها قضية لغوية جاءت عىل لسان القبائل العربية‪.‬‬
‫محـدد‪ ،‬أي ّ‬
‫إن االبـدال‬ ‫ّ‬ ‫صـوتي‬
‫ّ‬ ‫ولهذه الظاهرة جانب آخر هو وقوعها ضمن تركيـب‬
‫فيها ال يقع إال ّ بعد امتزاجها وتأليفها ضمن هذا الرتكيب أو ذاك‪.‬‬
‫َ‬
‫مواضع‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫وسنتناول بإيجاز بعض أنواع هذا اإلبدال املرشوط يف أربعة‬
‫أ – اإلبدال يف صيغة افتعل‪.‬‬
‫ب‪ -‬اإلبدال يف نون َ ْ َ‬
‫عنـرب‪.‬‬
‫ج – اإلبدال يف صاد ْ َ‬
‫أصدر‪.‬‬
‫د – إبدال السني صادا قبل األصوات املستعلية‪.‬‬
‫وعلـة اختيار هذه املواضع دون غريها‪ ،‬هي شهرة إبدالها‪ ،‬وتعليل علماء العربيـة يف‬
‫ّ‬
‫العراق ألسباب وقوع اإلبدال فيها‪ ،‬ومشاركة ُ املحدثني يف بيان هذا التعليل‪.‬‬
‫فمن أجل الجمع واملقارنة بني النظرتني‪ ،‬اخرتنـا هـذه األنـواع‪ ،‬وسـتكون الدراسـة‬
‫مكرسة إللقاء الضوء عىل الجانب التعلييل لهذه الحوادث الصوتية‪.‬‬
‫ّ‬

‫)‪ (95‬اإلبدال‪ ،‬البن السكيت‪.١٤٦/ ١٢٧/ ١٢٦/ ١١٨/ ١١٤/١١١ :‬‬

‫‪٢١٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫أ – صيغة افتعل‪:‬‬
‫وهي رضبان‪:‬‬
‫‪ – ١‬إبدال تاء)افتعل( داال‪ ،‬إذا كان فاؤها زايا‪ ،‬أو داال‪ ،‬أو ذاال‪:‬‬
‫نحو‪ :‬افتعل من الزجر‪ :‬ازدجر‪ ،‬واألصل‪ :‬ازتجر‪.‬‬
‫زاي صـارت تـاء‬ ‫ُ‬
‫أولـه ٌ‬ ‫افــتـعل من َ َ‬
‫زجرت‪ ،‬وإذا كـان الحـرف‬ ‫ْ َ‬ ‫• قال ّ‬
‫الفراء‪ ":‬ازدجر‬
‫االفتعال فيه داال")‪.(٩٦‬‬
‫ز‪ +‬د( = ازدجر‬ ‫• ازتجر)ز ‪ +‬ت‬
‫ّ‬
‫املتأخر برشوط متوفرة‪.‬‬ ‫أثـر عىل الصوت‬ ‫ّ‬
‫املتقدم ّ‬ ‫فالصوت‬
‫• وأوضح السريايف‪ّ :‬‬
‫أن تاء االفتعال يلزم ُ‬
‫قلبها‪ ...‬داال مع ثالثة أحرف‪...‬هي الدال والذال‬
‫والزاي‪.(٩٧)...‬‬
‫علـــة هـذا التغيـري‬
‫ّ‬ ‫وهو إبدال للتقريب ولتسهيل النطق‪ ،‬وليس تماثال ً تاما ً‪ ،‬فما هـي‬
‫الذي أصاب التاء وجعلها داال ؟‬
‫علــته‪:‬‬
‫هذا ما الحظه علماء العربية‪ ،‬وأبانوا ّ‬
‫أمة")‪.(٩٨‬‬
‫بعـد ﱠ ٍ‬ ‫• قال األخفُش يف قوله تعاىل‪َ َ ّ ":‬‬
‫واذكـر َ ْ َ‬
‫فأصلـها)اذتكر(‪ ،‬فاجتمع الذال والتاء يف بناء افتعـل ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫افــتعل من" ذكرت"‬
‫ْ‬ ‫"وإنما هي‬
‫مجهور – وإنما يـدخل األول يف‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حرف‬ ‫ُ‬
‫واألول‬ ‫ومخرجاهما متقاربان‪ ،‬وأرادوا ْ‬
‫أن يدغموا‪،‬‬
‫اآلخر – واآلخر مهموس‪ ،‬فكرهوا ْ‬
‫أن يذهب منه الجهر‪ ،‬فجعلوا من موضع التـاء حرفـا‬

‫)‪ (96‬معاني القرآن ‪.١٠٦/٣‬‬


‫)‪ (97‬رشح السريايف ‪.٥٥٩/٦‬‬
‫)‪ (98‬يوسف ‪.٤٥ /‬‬

‫‪٢١٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الطـاء‪ّ ،‬‬
‫ألن‬ ‫َ‬ ‫من موضعها مجهورا‪ ،‬وهو الدال ّ‬
‫ألن الحرف الذي قبلها مجهور‪ ،‬ولم يجعلوا‬
‫الطاء مع الجهر مطبقة")‪.(٩٩‬‬
‫َ‬
‫فالعلــة‪ :‬هي تجاور صوتني أحدهما مهموس واآلخر مجهور‪ ،‬واألول عندهم ُ ْ َ‬
‫يدغــم‬ ‫ّ‬
‫يف الثاني – وهذا يعني ذهاب جهر الذال بذهاب صوته األساس إلدغامه يف التـاء – فمـن‬
‫أجل املحافظة عىل هذه املزية ْ‬
‫أبدل التاء صوتا من موضـعه مجهـورا وهـو الـدال‪ ،‬ولـم‬
‫ألنـه يحمل صفة جديدة غري موجودة يف األول وهـي‬ ‫يبدلوه طاء‪ْ ،‬‬
‫وإن كان من موضعه‪ّ ،‬‬ ‫ُِْ‬
‫صفة اإلطباق‪.‬‬
‫ُ‬
‫يتحدث عن الدال‪ ،‬إذ ْ قال‪:‬‬ ‫• هذا ما أوضحه ّ‬
‫املربد وهو‬
‫مجهـور مـن‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حرف‬ ‫قبلــها‬
‫َ‬ ‫ترصف منه‪ ،‬إذا كان‬
‫ّ‬ ‫مفـتعل وما‬ ‫" وهي ُ َ‬
‫تبدل مكان التاء يف ُ ْ َ‬
‫مخرجها‪ ،‬ومما يدانيها من املخرج‪ ،‬نحو الذال والزاي")‪.(١٠٠‬‬
‫والزجاج يف حديثه عن) ّ‬
‫تدخرون(‪ ،‬إذ ْ قال‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫•‬
‫ّ‬
‫لـشدة‬ ‫يجـري معـه‪،‬‬
‫ِ َ‬ ‫الـنفس ُ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫إن أصلها تذتخرون ّ‬
‫ألن الذال حرف مجهور ال يمكـن‬ ‫" ّ‬
‫يشـبه الذال يف‬ ‫ِْ َ‬
‫مهموسة‪،‬فأبدل من مخرج التاء حرف مجهور‪ْ ُ ،‬‬ ‫اعتماده يف مكانه‪ ،‬والتاء‬
‫جهرها وهو الدال‪ ،‬فصارت َ ّ‬
‫تدخرون بعد اإلدغام")‪.(١٠١‬‬
‫• والسريايف بقوله‪:‬‬
‫التمسوا حرفا مجهورا من مخرج التاء‪ ،‬موافقا لهـذه الحـروف غـري ُ َ ْ‬
‫مطبـق‪ ...‬وهـو‬ ‫" َ‬
‫الدال")‪.(١٠٢‬‬

‫)‪ (99‬معاني القرآن ‪.٣٦٦/٢‬‬


‫)‪ (100‬املقتضب ‪.٢٠٣/١‬‬
‫)‪ (101‬اللسان مادة‪ :‬ذخر‪.‬‬
‫)‪ (102‬رشح السريايف‪.٥٥٩/٦‬‬

‫‪٢١٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ألنـه تقريب‬ ‫ِّ‬


‫جــني‪،‬وبحث هذا اإلبدال ضمن باب اإلدغام األصغر‪ّ ،‬‬ ‫• وتابعهم ابن‬
‫الحرف من الحرف‪ ،‬وإدناؤه منه وليس تماثال تاما ً)‪.(١٠٣‬‬
‫* *‬ ‫*‬

‫ظاء‪.‬‬
‫طاء أو ً‬ ‫‪ – ٢‬إبدال تاء)افتعل( طاء‪،‬إذا كان ُ‬
‫فاؤها صادا ً‪،‬أو ضادا ً‪ ،‬أو ً‬
‫طـاء‪ ،‬كـذلك الفـصيح مـن‬
‫ً‬ ‫• قال ّ‬
‫الفراء‪":‬وتاء االفتعال تـصري مـع الـصاد والـضاد‪،‬‬
‫الكالم‪."(١٠٤)...‬نظري‪:‬‬
‫اصطرب‪.‬‬ ‫ص ط(‬ ‫افتعل من الصرب‪ :‬اصترب)ص ت‬
‫تـرصف‬
‫ّ‬ ‫تـبدل مكان التاء يف ُ ْ َ‬
‫مفـتعل‪ ،‬وما‬ ‫ّ‬
‫يتحدث عن الطاء‪ ":‬وهي ُ ْ َ‬ ‫• وقال ّ‬
‫املربد‪ :‬وهو‬
‫منه‪ ،‬إذا كان قبلها حرف من حروف اإلطباق‪.(١٠٥)"...‬‬
‫• وقال الزجاج يف حديثه عن ْ َ‬
‫اصطفاه‪ ":‬األصل ْ َ‬
‫اصتـفاه‪ ،‬فالتاء إذا وقعت بعـد الـصاد‪،‬‬
‫مطــبقة كمـا ّ‬
‫أن الـصاد مطبقـة‪،‬‬ ‫ُِْ َ‬
‫ابدلــت طاء‪ّ ،‬‬
‫ألن التاء من مخرج الطاء‪ ،‬والطاء ُ ْ‬
‫النـطـق بما بعد الصاد")‪.(١٠٦‬‬
‫فأبدلوا الطاء من التاء ليسهل ُ ْ‬
‫يتــضح هو تالقي صوتني أحدهما ُ ْ‬
‫مطـبق‪ ،‬واآلخر غري مطبـق)منفـتح(‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فالعلـة كما‬
‫ّ‬
‫فيبدأ السياق النطقي بإيجاد التشاكل والتناسب بينهما بجعلهمـا مـن صـفة واحـدة‪،‬‬
‫وهي اإلطباق ليسهل النطق بهما‪.‬‬

‫)‪ (103‬املنصف ‪ ٣٣١ /٢‬بترصف‪.‬‬


‫)‪ (104‬معاني القرآن ‪.٢١٦/١‬‬
‫)‪ (105‬املقتضب ‪.٢٠٢/١‬‬
‫)‪ (106‬معاني القرآن واعرابه ‪.٣٢٢/١‬‬

‫‪٢١٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫داال‪ ،‬أم ذاال ً‪ْ ،‬‬


‫أم‬ ‫• َّ‬
‫وعرب ابن دريد عن هذا التناسب يف صيغة افتعـل سـواء أكـان الفـاء ً‬
‫ّ‬
‫بتحول الحرف من الضعف إىل القوة لتتناسـب القـوة يف‬ ‫زايا ً‪ْ ،‬‬
‫أم من حروف اإلطباق‪،‬‬
‫الفاء والتاء من الصيغة املذكورة‪ ،‬فاإلبدال من التاء إىل الطاء هو ّ‬
‫تحول مـن الـضعف‬
‫إىل القوة‪.‬‬
‫ُ َ ّ ُ‬
‫تـــحول اىل الحـرف‬ ‫قال‪ ":‬فتاء االفتعال عند الطاء‪ ،‬والظاء‪ ،‬والزاي‪ ،‬والصاد‪ ،‬وأخواتهـا‬
‫الذي يليه‪ ،‬حتى يبدأ باألقوى فيصري يف لفظ واحد وقوة واحدة")‪.(١٠٧‬‬
‫علــــة هذا االبدال بقوله‪:‬‬
‫ّ‬ ‫• وشارك السريايف ّ يف إيضاح‬
‫" فطلبوا حرفا ً من مخرج التاء يوافقها يف اإلطباق‪ ،‬وهي الطاء")‪.(١٠٨‬‬
‫جني آثار سابقيه‪،‬فقال‪ ":‬إذا قلت يف اصترب‪ :‬اصطرب‪ ،‬فأنـت قـد َ ّ ْ‬
‫قــربت‬ ‫• واقتفى ابن ّ‬
‫التاء من الصاد‪ ،‬بأن قلبتها اىل أختها يف اإلطباق‪ ،‬واالستعالء‪ ،‬والطـاء مـع ذلـك مـن‬
‫جملة مخرج التاء")‪.(١٠٩‬‬
‫ُ ْ‬
‫وقال يف موضع آخر‪ ":‬إنهم أرادوا تجنيس الصوت من الصوت‪ ،‬وأن يكون العمل مـن‬
‫وجه‪ ،‬بتقريب حرف من حرف")‪.(١١٠‬‬
‫ُ‬
‫إيجاد التناسب‪ ،‬وتقريب الصوت عن طريق تحويـل التـاء املنفـتح إىل‬ ‫فاملسألة ُ هي‬
‫صوت مطبق من مخرجه‪ ،‬ليتشاكل مع الصوت املطبق يف فاء الصيغة‪.‬‬
‫الفـراء" حـسب روايـة‬
‫ّ ُ‬ ‫َ‬
‫انفـرد"‬ ‫• هذا هو الرأي العام عند علماء العربية يف العراق وقد‬
‫السريايف برأي ٍ مفاده‪ّ :‬‬
‫أن اإلبدال حدث نتيجة كراهة تجاور حرف ُ َ ّ‬
‫مصوت)رخو( مـع‬

‫)‪ (107‬جمهرة اللغة ‪.١٢ /١‬‬


‫)‪ (108‬رشح السريايف ‪.٥٥٩/٦‬‬
‫)‪ (109‬الخصائص ‪.٢٢٩/٢‬‬
‫)‪ (110‬املنصف ‪.٣٢٥ – ٣٢٤/٢‬‬

‫‪٢١٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ّ‬
‫يعتد بصفة اإلطباق واالنفتاح التي الحظهـا علمـاء‬ ‫حرف أخرس)شديد(‪ ،‬أي‪ :‬هو لم‬
‫علــة لإلبدال‪ ،‬ورواية السريايف َ ْ ُ‬
‫عـنـه هي‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫العربية‪ّ ،‬‬
‫وعدوها‬
‫إنـما ُ ِ َ‬
‫قلــبت طـاء ً‪،‬‬ ‫أن تاء افتعل إذا كان فاء الفعل من حروف اإلطباق‪ّ ،‬‬
‫الفراء ذكر ّ‬
‫أن ّ‬ ‫" ّ‬
‫أخرس‪ ،‬فلما فاتهم اإلدغام‪ ،‬وجدوا الطاء معتدلـة ً يف املخـرج بـني التـاء‬ ‫ّ‬
‫ألن التاء حرف َ‬
‫والصاد‪ ،‬لتكون غري ذاهبة بواحدة من الحرفني")‪.(١١١‬‬
‫• َ ّ‬
‫وخطـأ السريايف هذا القول‪ّ ،‬‬
‫ورد عليه بثالثة أمور‪ ،‬هي‪:‬‬
‫الخـرس)الشدة(‪ ،‬فـاذا‬
‫ََ‬ ‫املبدل ُ ْ َ‬
‫واملبدل منه)التاء والطاء( متفقان يف صفة‬ ‫أن الحرف ُ ْ َ‬
‫‪ّ –١‬‬
‫لخـرسه‪ ،‬فينبغي اإلتيان بصوت آخر يخالفه يف الصفة‪ ،‬فال ينبغـي أن ُ ْ َ‬
‫يجعـل‬ ‫أزيل التاء َ َ‬
‫مثلــه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫حرف‬ ‫مكانـه‬
‫َ‬
‫َ‬
‫يوفق بها بني التاء والصاد‪ ،‬بل‬ ‫‪ّ –٢‬‬
‫أن الطاء ليست معتدلة املخرج بني التاء والصاد حتى‬
‫إنـها من مخرج التاء نفسه‪.‬‬
‫ّ‬
‫العرب َ ْ ِ ُ‬
‫تـقـلـب التاء داال إذا كان الفاء ذاال أو زايا‪ ،‬والتـاء مثـل الـدال يف املخـرج‬ ‫َ‬ ‫‪ّ –٣‬‬
‫أن‬
‫الشدة(‪،‬وليس بينهما ٌ‬
‫فرق إال ّ الجهر والهمس‪.‬‬ ‫والخـرس) ّ‬
‫ََ‬
‫ويصل السريايف يف ختام َ ّ‬
‫رده اىل تأكيد مقولة سيبويه وعلماء العربية اآلخرين يف العراق يف‬
‫علـة إبدال التاء طاء مع الصاد‪ ،‬والضاد‪ ،‬والطاء‪ ،‬والظاء‪ ،‬هي أن الطاء من حـروف‬
‫كون ّ‬
‫اإلطباق‪ ،‬ومن مخرج التاء‪ ،‬فالتناسب حصل بني صفتي االنفتاح‪ ،‬واإلطباق مع املحافظة‬
‫عىل مخرج الصوت القديم)التاء(‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪ (111‬رشح السريايف ‪.٦٠٩ /٦‬‬

‫‪٢١٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ب – إبدال النون الساكنة قبل الباء ميما ً‬


‫عمرب يف َ ْ َ‬
‫عنـرب‪ ،‬وشمباء يف شنباء‪.‬‬ ‫كقولهم‪َ ْ َ :‬‬
‫الغنـة‪ ،‬ليكون العمل من وجه واحـد‬
‫ّ‬ ‫• وفيه قال ّ‬
‫املربد‪ ":‬وقلبوها ميما لشبهها امليم يف‬
‫يف تقريب الحرف اىل الباء")‪.(١١٢‬‬
‫لعلـة هو التنافر بني مجـرى الهـواء الرئـوي لنطـق الـصوتني‪ ،‬إذ ْ ّ‬
‫إن مخـرج النـون‬ ‫فا ّ‬
‫نـطــق هـذين‬
‫الساكنة من األنف‪ ،‬ومخرج الباء من الشفتني‪ ،‬فمـن أجـل التقريـب يف ُ ْ‬
‫الصوتني املتجاورين املختلفني يف مجراهما الهوائي ُ ّ‬
‫حول مجرى هواء النون الساكنة من‬
‫األنف اىل الفم‪ ،‬ولوحظ يف هذا اإلبدال أمران ليتم التناسب والتشاكل والتقريب‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪ – ١‬اختيار الصوت املشابه للنون الساكنة‪.‬‬
‫‪ – ٢‬اختيار املخرج املقارب ملخرج الباء‪.‬‬
‫ّ‬
‫نـصه‬ ‫املـربد يف‬
‫ّ‬ ‫َ ُ ِ‬
‫ووجـد هذان األمران يف صوت امليم‪ ،‬وكان العمل من وجه واحد‪ ،‬كما قال‬
‫السابق‪.‬‬
‫ومثل هذا ما ذكره السريايف‪ ،‬إذ ْ قال‪:‬‬
‫" وتباعد مابني الخيشوم)مخرج النون الساكنة( وبني مخرج الباء مـن الـشفتني‪ ،‬ولـم‬
‫ّ‬
‫كـل‬ ‫ّ‬
‫يتوسط بينهما بمالمسته بينه وبـني‬ ‫يكن بينهما مشابهة تجمعهما‪ ،‬فطلبوا حرفا‬
‫أن امليم تخرج من مخرج الباء‪َ ْ ُ ،‬‬
‫وتـدغم البـاء فيـه‪ ،‬فهـذه‬ ‫واحد منهما‪،‬وهو امليم‪ ،‬وذلك ّ‬
‫مالبسة امليم للباء‪ ،‬ويف امليم غنة ٌ يف الخيـشوم‪ ،‬فهـذه مالبـسة املـيم للنـون التـي مـن‬
‫الخيشوم")‪.(١١٣‬‬

‫)‪ (112‬املقتضب ‪٣٥٤/١‬‬


‫)‪ (113‬رشح السريايف ‪.٤٤٥/٦‬‬

‫‪٢٢٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫املتــفق عليه ولم‬


‫ّ‬ ‫• وهذا أي‪ :‬إبدال النون الساكنة قبل الباء ميما هو الرأي السائد‬
‫يرى ّ‬
‫أن الصوت الجديد هو‬ ‫ّالفراء كما روى السريايف إذ ْ َ‬
‫ّ‬ ‫ينفرد إال‬
‫" نون مخفاة" وليس ميما ً)‪.(١١٤‬‬
‫ملخــصهما هو‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بالرد عليه بأمرين‬ ‫وتكفل السريايف‬
‫‪ -١‬عدم وجود فرق كبري بني امليم والنون املخفاة‪.‬‬
‫‪ -٢‬إذا كانت النون الساكنة بعد الباء نونا ً مخفاة‪ ،‬فهي بمنزلة النون التـي تـأتي قبـل‬
‫"القاف والكاف" والذي ُ ْ‬
‫يسمع – إذا نطق بها – غري ذلك‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ج – إشمام الصاد الساكنة رائحة الزاي‪ ،‬أو إبدالها زايا ً خالـصة إذا وقعـت قبـل الـدال‪:‬‬
‫نحو‪َ ْ :‬‬
‫أصدر‪:‬‬
‫متقدمـة‪ ،‬فـإذا ُ ّ‬
‫سكــنت الـصاد‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫الـدال‪ ،‬والـصاد‬ ‫ُ‬
‫الصاد‬ ‫قال ابن دريد‪ ":‬إذا جاورت‬
‫ّ‬
‫فيحولونها يف بعض اللغات زايا ً‪"....‬‬ ‫َُ َ‬
‫ضـعفت‬
‫ومجمل اللهجات العربية يف" ْ‬
‫أصدر" ونظائرها‪ ،‬هو‪:‬‬
‫ْ‬
‫إن شئت جعلتها" صادا ً خالصة" ألنها األصل‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ْ‬
‫إن شئت جعلتها" بني الصاد والزاي"‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ْ‬
‫إن شئت جعلتها زايا ً خالصة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫)‪ (114‬م‪ .‬ن‪.٦١٢/٦:‬‬

‫‪٢٢١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫• أما علة التغيري الذي لحق بالـصاد حـال ُمجاورتهـا "الـدال" فهـي عنـد الـسريايف‪ْ :‬‬
‫أن‬
‫فـنـبـت الـصاد‬
‫"الصاد" مهموسة رخوة مطبقة‪ ،‬والدال مجهورة شديدة غري مطبقة َ َ َ‬
‫عن الدال‪ ،‬كما بينهما من هذه املخالفات بعض النبوة‪ُ َ ،‬‬
‫فـجعل مكان الصاد حـرف بـني‬
‫ّ‬
‫وأقل نبوا عنهـا مـن الـصاد‪ ،‬وذلـك‬ ‫الصاد والدال‪ ،‬وهو" الزاي" الذي هو من مخرجها‪،‬‬
‫َ ْ‬
‫بـالجهر وعـدم اإلطبـاق‪ ،‬ووافـق‬ ‫الحرف هو الزاي مجهورة غري مطبقة فوافق الـدال‬
‫الصاد بأنهما من مخرج واحد‪ ،‬وبالصفري")‪.(١١٥‬‬
‫أصدر‪ } ،‬بصاد فيه رائحة الزاي{‪.‬‬ ‫ز د(‬ ‫أصدر‪) :‬ص د‬
‫فالعلــة إذا ًهي االختالف الكبري بني صفتي الحرفني الصاد والدال‪ ،‬فمن أجل تقليل هـذا‬
‫ّ‬
‫االختالف والتنافر بني الصوتني املتجاورين‪َ ِ ُ ،‬‬
‫عمل عـىل إحـالل الـزاي مكـان الـصاد‪ ،‬أو‬
‫إشمامها رائحتها‪ ،‬والتي هي من مخرجها‪ ،‬وصفتها‪ ،‬لتقريبها من الـدال املجـاورة لهـا‪،‬‬
‫والتي ترشك معها يف الجهر وعدم االطباق‪.‬‬
‫• وإىل هذا ذهب ابن ِ ّ‬
‫جـني‪ ،‬ولم يخرج بتعديالته عما سبق‪ ،‬إذ ْ قال‪:‬‬
‫" فأبدلوا من الصاد – وهي مهموسة ٌ– حرفا من مخرجها َ ْ ُ ُ‬
‫يـقـرب من الدال‪ ،‬وهو الزاي‬
‫لتوافقها يف الجهر")‪.(١١٦‬‬
‫فـزد له")‪.(١١٧‬‬
‫يحرم من ُ ْ َ‬ ‫وعن َ‬
‫املثل العربي‪" :‬لم ُ ْ َ‬

‫)‪ (115‬رشح السريايف ‪.٥٧٦/٦‬‬


‫)‪ (116‬املنصف ‪.٣٢٥/٢‬‬
‫)‪ (117‬اإلبدال البن السكيت ‪ ،١٠٥/‬واملستقىص يف أمثال العرب ‪.٢٩٤/٢‬‬

‫‪٢٢٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫فـصد له‪ ،‬فلما ُ َ‬


‫سكنـت الـصاد‪،‬‬ ‫تقديرهُه‪ْ ُ :‬‬ ‫فصد له‪،‬ثم ْ‬
‫أسكنت العني‪ ...‬فصار تقدير‬ ‫قال‪ " :‬أصله ِ َ‬
‫ّ َ‬
‫فقربـت منهـا‪،‬‬ ‫ُ‬
‫فضعفت به‪ ،‬وجاورت الصاد ــ وهي مهموسة ــ الدال وهي مجهـورة‬
‫أشمت شيئا من لفـظ الزاي املقاربة للدال بالجهر")‪.(١١٨‬‬
‫بأن ِ ّ‬
‫وقريب من هذا مضارعتهم بني الصاد املهموسة‪ ،‬والطاء املجهورة عن ُ ْ‬
‫بعد وانفـصال يف‬
‫وقـرئ أيضا بإشمام الصاد لفظ الزاي )‪.(١١٩‬‬
‫قـرئ بالزاي‪ُ ،‬‬ ‫قوله تعاىل" ِ‬
‫الرصاط" فقد ُ ِ‬
‫الخفــة بإبـدال الـصاد‬
‫ّ‬ ‫الرساج هاتني القراءتني‪ ،‬بأنهما نزوع اىل‬
‫ّ‬ ‫ّ َ‬
‫وعلـل أبو بكر ابن‬ ‫•‬
‫حرفا مجهورا حتى يشبه الطاء يف الجهر)‪.(١٢٠‬‬
‫• وقريب منه ما ذكره أبو عيل الفاريس يف قراءة" ِ‬
‫الرصاط" باملضارعة ْ‬
‫إذ قال‪:‬‬
‫ّ‬
‫أحـب أن يـشاكل‬ ‫حجز ما َ ُ َ‬
‫حجز بينهما من الحروف‪ ،‬وكأنه‬ ‫فوفــقوا بني الحرفني مع َ ْ‬
‫ّ‬ ‫"‬
‫َ‬
‫صـوت الـزاي‬ ‫ُ‬
‫الصاد‬ ‫فأشـرب‬
‫ِْ‬ ‫بهذه املضارعة‪،‬ليكثر بذلك تناسب أحد الحرفني اىل اآلخر‪،‬‬
‫لذلك")‪.(١٢١‬‬
‫أي‪َ :‬‬
‫أوجدوا التناسب بني الصوتني الصاد املهموسة والطاء املجهـورة – عنـدهم ‪ -‬مـع‬
‫وجود الفاصل بينهما‪ ،‬وذلك بإشمام الصاد صوت الزاي لتقرب من جهر الطاء‪.‬‬
‫أيد الدرس الحديث هذا التناسب مع وجود الفاصـل‪ّ ،‬‬
‫ألن" ظـاهرة التفخـيم ليـست‬ ‫وقد ّ‬
‫تؤثــر يف املقطع ُ‬
‫املجاور)‪.(١٢٢‬‬ ‫ّ‬ ‫محصورة يف حدود املقطع‪ ،‬ولكنها قد تؤثر‪ ،‬أو ال‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪ (118‬الخصائص ‪.١٤٤/٢‬‬


‫)‪ (119‬الفاتحة ‪ ،٥/‬والحجة يف القراءات السبع ‪ ٦٢/١‬بترصف‪.‬‬
‫)‪ (120‬الحجة يف القراءات السبع ‪.٣٦/١‬‬
‫)‪ (121‬م‪ .‬ن ‪.٤٠/١‬‬
‫)‪ (122‬التشكيل الصوتي‪.٥٠ :‬‬

‫‪٢٢٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫د – إبدال السني صادا إذا وقعت قبل األصوات املستعلية‪:‬‬


‫وألفاظهم التي رووها لهذا اإلبدال لم يتحقق فيها التجاور والتداني التام بني الـسني‬
‫واألصوات املستعلية‪ ،‬بل ُ ِ‬
‫فـصل بينهما بحركة‪ ،‬أو حركة وحرف واحد‪ ،‬أو حركـة وأكثـر‬
‫من حرف‪ ،‬نحو‪:‬‬
‫سبخة َ ْ‬
‫وصبخة‬ ‫َ ْ‬ ‫سقر َ َ‬
‫وصقر‪،‬‬ ‫َ َ‬
‫ِرساط ِ‬
‫ورصاط‪ ،‬مساليخ ومصاليخ‬
‫بلـعنــرب َ ِ ْ‬
‫يـقــلبون الـسني‬ ‫• ويف هذا قال قطرب‪ّ ":‬‬
‫إن قوما من بني تميم يقال لهـم َ ْ َ ْ‬
‫صادا عند أربعة أحرف‪ ،‬عند الطاء‪ ،‬والقاف‪ ،‬والغني‪ ،‬والخاء‪ ،‬إذا ّ‬
‫كن بعـد الـسني‪ ،‬وال‬
‫ِ‬
‫ســـراط‪،‬‬ ‫ُ ّ‬
‫يكــن بعـدها‪،‬يقولون‪:‬‬ ‫أم رابعـة ً بعـد ْ‬
‫أن‬ ‫يبالون أثانية ً ُ ّ‬
‫كـن‪ ،‬أم ثالثة ً‪ْ ،‬‬
‫والصخب‪.(١٢٣) "....‬‬
‫ﱠ َ‬ ‫ورصاط‪ ..‬ﱠ َ‬
‫والسخـب‬
‫• واذا كان قطرب لم ُ َ‬
‫يعلـل هـذا اإلبـدال‪ ،‬فأننـا نجـد هـذا التعليـل واضـحا ً يف قـول‬
‫تـقلـب للتقريب ّ‬
‫مما بعدها ‪ ،‬فإذا لقيها حرف من الحروف املـستعلية‪،‬‬ ‫املربد‪ّ ":‬‬
‫وإنما ُ َ‬ ‫ّ‬
‫ُ َِ‬
‫قـلـبت معه‪،‬ليكون تناولهما من وجه واحد"‪.‬‬
‫وأضاف أيضا ً‪ ":‬لئال يكونوا يف انحدار ثم يرتفعوا")‪.(١٢٤‬‬
‫أنـه حال النطق بالسني يكـون اللـسان معـه يف‬
‫املربد‪ ،‬إشارة واضحة إىل ّ‬
‫ففي قول ّ‬
‫ّ‬
‫فالبد من االرتفـاع‬ ‫وسط الفم يف حالة استفال‪ ،‬فإذا انتقل إىل نطق الصوت املستعيل‬
‫والتصعد اىل األعىل‪ّ ،‬‬
‫ألن املستعلية أصوات يرتفع معها اللسان اىل الحنك األعىل‪.‬‬ ‫ّ‬

‫)‪ (123‬لسان العرب‪ :‬صدغ‪.‬‬


‫)‪ (124‬املقتضب‪.٣٦٠/١ :‬‬

‫‪٢٢٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫نـطـق الصوتني املختلفني‪ ،‬ليكون تناولهما مـن‬


‫فمن أجل التوفيق بني حركة اللسان يف ُ ْ‬
‫املربد – اختاروا بدل الـسني صـوتا آخـر مـن مخرجـه‪ ،‬وصـفته‪،‬‬
‫وجه واحد – كما قال ّ‬
‫َ‬
‫الصاد بهذه الصفات‪،‬‬ ‫ّ‬
‫لتتم املشاكلة مع الصوت الالحق فوجدوا‬ ‫ويتـسم بصفة االستعالء‬
‫ّ‬
‫فأبدلوه من السني‪.‬‬
‫• ولم يخرج علماء العربية يف العراق عن مضمون هذا التعليل نظـري قـول ابـن دريـد‪:‬‬
‫" ّ‬
‫ألن السني من وسط الفم ُ ْ َ َ‬
‫مطـمئنـة ً عىل ظهر اللسان‪ ،‬والقاف‪ ،‬والطاء شاخصتان‬
‫أن َ‬
‫يقع اللسان عليها‪ ،‬ثم يرتفع اىل الطاء‪ ،‬والقاف‪ ،‬فأبدلوا‬ ‫اىل الغار األعىل‪ ،‬فاستثقلوا ْ‬
‫ّ‬
‫أشـد ارتفاعـا‬ ‫ألنـها أقرب الحروف إليها لقرب املخرج‪ ،‬ووجدوا الـصاد‬
‫السني صادا‪ّ ،‬‬
‫وأقرب إىل القاف والطاء‪ ،‬وكان استعمالهم اللسان يف الصاد مـع القـاف‪ ،‬أيـرس مـن‬
‫استعمالهم إياه مع السني")‪.(١٢٥‬‬
‫• وقال أبو عيل الفاريس يف تعقيبه عىل قراءة" ِ‬
‫الرصاط" بالسني والصاد فعـن القـراءة‬
‫ّ‬
‫يتصعد بالطاء يف ِرساط"‪.‬‬ ‫يكره عىل هذا ْ‬
‫أن ُ َ ّ‬
‫يتسفـل ثم‬ ‫بالسني‪ ،‬قال‪َ َ ُ ":‬‬
‫وعن القراءة بالصاد‪ :‬قال‪ ":‬وإذا كانوا قد أبدلوا من السني الصاد‪ ،‬مع القاف يف صـقت‪،‬‬
‫وقــرب الطـاء منهـا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وصويق‪ ،‬ليجعلوها يف استعالء القاف مع ُبعد القاف من السني‪،‬‬
‫ْ‬
‫فأن ُ ْ‬
‫يبدلوا منها الصاد مع الطاء أجدر من حيث كانت الصاد اىل الطـاء أقـرب‪ ،‬أال تـرى‬
‫تـدغـم يف الصاد")‪.(١٢٦‬‬ ‫أنهما جميعا من حروف طرف اللسان وأصول الثنايا‪ّ ،‬‬
‫وأن الطاء ُ ْ َ‬
‫التصعد باملستعيل بعد نطق السني ُ َ َ ِ‬
‫املتـسفـل يف قاع الفم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فعلـة اإلبدال هي كراهة‬
‫ّ‬

‫)‪ (125‬جمهرة اللغة ‪.١٢/١‬‬


‫)‪ (126‬الحجة يف علل القراءات السبع ‪.٣٨/‬‬

‫‪٢٢٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫معقــبا عـىل ـ باسـقات وباصـقات ـ مـن قولـه‬


‫ّ‬ ‫ولم َيزد ابن جني عىل هذا‪ ،‬فقد قال‬
‫باسقات ٍ")‪.(١٢٧‬‬ ‫َ ْ َ‬
‫والنـخـل ِ‬ ‫تعاىل‪" :‬‬
‫َ‬
‫لتقـرب‬ ‫" األصل السني‪ ،‬وإنما الصاد بدل منها‪ ،‬الستعالء القاف‪ ،‬ف ْ ِ‬
‫أبدلت الـسني صـادا‪،‬‬
‫من القاف‪ ،‬ملا يف الصاد من االستعالء‪ ،‬ونحوه قولهم يف سقر‪ :‬صقر")‪.(١٢٨‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫أقرتـه الدراسات املعملية الحديثة إذ ْ قـالوا‪:‬‬


‫وتأثريُ الطاء عىل األصوات املجاورة أمر ّ ْ‬
‫مفخــما ً‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ساكن يف مقطع ما ﱠ‬
‫فإن جميع املقطع يصبح‬ ‫ٌ‬ ‫مفـخـم‬ ‫ٌ‬
‫صوت ُ َ ﱠ ٌ‬ ‫ُ‬
‫يوجد‬ ‫"عندما‬
‫ومن املمكن أن يجعل هذا جميع‪ ...‬الفونيمات متأثرا ً ببيئته الصوتية")‪.(١٢٩‬‬
‫ّ‬
‫امتـد‬ ‫ّ‬
‫لشدة استعالئها‪ ،‬لذا‬ ‫تـفـخـم دائما‬
‫والطاء يف العربية من أصوات االستعالء التي ُ َ ّ‬
‫ُ‬
‫وأثـرت فيه‪.‬‬
‫نفوذها اىل املقطع السابق لها ّ‬
‫تمد نفوذها اىل ما يسبقها")‪.(١٣٠‬‬ ‫• وقال ُ ْ َ‬
‫مـحدث آخر‪ّ ":‬‬
‫إن أصوات اإلطباق ّ‬
‫والقوالن ُ ْ‬
‫يدعمان ما ذهب إليه علماء العربية يف العراق‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫العلـة هي الثقل الناشئ عن‬
‫ّ‬ ‫ونعود ثانية ً اىل ما ذكره علماء العربية يف العراق من ّ‬
‫أن‬
‫ولـنــر اآلن مـوقفهم مـن التتـابع‬ ‫ّ‬
‫تصعده لنطق الصوت املـستعيل‪َ ْ َ .‬‬ ‫تسفـل اللسان ثم‬
‫ّ‬

‫)‪ (127‬ق‪.١٠ /‬‬


‫)‪ (128‬املحتسب ‪ ،٢٨٣/٢‬وينظر املنصف ‪ ،٣٢٥/٢‬والخصائص ‪١٤٢/٢‬ـ ‪١٤٣‬‬
‫)‪ (129‬التشكيل الصوتي ‪ ،٥٠ /‬والتفخيم مصطلح بمعنى اإلطباق عند القدماء‪.‬‬
‫نـقـال ً عن دراسة الصوت اللغوي ‪.٣٢٩ /‬‬
‫ْ‬ ‫)‪ (130‬هو ‪Beeston ،A.F.L‬‬

‫‪٢٢٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ُ‬
‫الصوت املستعيل أوال ً‪ ،‬ويلحق به الـصوت املـستفل‪ ،‬فهـل‬ ‫يأتي‬
‫َ‬ ‫الصوتي املعكوس أي ْ‬
‫أن‬
‫يقع اإلبدال‪ ،‬أم ال ؟‬
‫فإن كان حرف من هذه الحروف ]املستعلية[ قبل السني لـم َ ُ ْ‬
‫يجـز‬ ‫• ويف هذا قال ّ‬
‫املربد‪ْ ":‬‬
‫ُ‬
‫قلبها‪ ،‬نحو‪ :‬قست‪ ،‬وقسوت‪...‬ألنهم إنما قلبوها‪ ،‬وهذه الحروف بعدها‪ ،‬لئال يكونوا يف‬
‫انحدار ثم يرتفعوا‪ ،‬واذا كانت قبلها فإنما ينحدر إليها انحدارا ً")‪.(١٣١‬‬
‫ألنــه ـ اآلن ـ‬
‫ّ‬ ‫• وقال أبو عيل الفاريس‪ ":‬إذا قال‪ :‬قست وقسوت‪ ،‬لم ُ ْ َ‬
‫يبدل الصاد منهـا‪،‬‬
‫يستـثقل‪ ،‬كما ْ ُ ِ‬
‫استثقل عكسه")‪.(١٣٢‬‬ ‫ينحدر بعد اإلصعاد‪ ،‬وهذا ُ ْ َ َ ّ‬
‫يستـخف وال ُ ْ َ‬
‫أي‪ :‬إنهم أجازوا التتابع الصوتي إذا ّ‬
‫تقدم الصوت املستعيل‪ ،‬لعدم وجود الثقـل الحاصـل‬
‫من االرتفاع الذي َ ﱠ َ‬
‫سبب اإلبدال‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ويف ختام دراستنا لهذا النوع من اإلبدال الذي َ ّ‬


‫صور لنا َ‬
‫أحد مظـاهر التغيـريات التـي‬
‫أنهم أدركوا ّ‬
‫أنها وقعت من أجل‬ ‫محدد‪ ،‬فقد ظهر لنا ّ‬
‫ّ‬ ‫أصابت األصوات ضمن نسج صوتي‬
‫تخفيف ِ َ‬
‫ثـقـل النطق‪ ،‬الذي هو حصيلة حركات متناقضة داخل أعضاء جهـاز النطـق‪،‬‬
‫ومن اللسان خاصة‪ ،‬وذلك بإحالل صوت جديد يتناسب معه‪ ،‬ومع الصوت املجـاور لـه‪،‬‬
‫ّ‬
‫وصور لنا علماء العربية هذا التغيري بعبارات‬ ‫ليتشاكل ويتناسب املحيط الصوتي للفظة‪،‬‬
‫متقاربة‪:‬‬

‫)‪ (131‬املقتضب ‪.٣٦١ – ٣٦٠ /١‬‬


‫)‪ (132‬الحجة يف علل القراءات السبع ‪.٣٨ /‬‬

‫‪٢٢٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫اختيارهم الحـرف بـني الحـرفني‪ ،‬فقـد قـالوا‪:‬‬


‫َ‬ ‫تـنكرن‬ ‫• قال ّ‬
‫الفراء يف"ازدجر"‪ ":‬وال ِ َ ّ‬
‫عدال بني التاء والزاي")‪.(١٣٣‬‬
‫ازدجر ومعناها‪ :‬ازتجر‪ ،‬فجعلوا الدال َ ْ‬
‫عنـرب‪ ":‬ليكون العمل من وجه واحد يف تقريب الحرف من الباء")‪.(١٣٤‬‬ ‫• وقال ّ‬
‫املربد يف ْ‬
‫يتوسط بينهما‪ ،‬بمالمسته بينـه وبـني ّ‬
‫كـل‬ ‫ّ‬ ‫• وقال السريايف يف"عنرب"‪ ":‬فطلبوا حرفا‬
‫واحد منها‪ ،‬وهو امليم")‪.(١٣٥‬‬
‫• وقال أبو عيل الفاريس يف" سويق وصويق" ‪ ":‬ملا أريـد فيـه ذلـك ُ‬
‫تــرك َ األصـل إىل‬
‫تشاكل الصوتني وتجانسهما")‪.(١٣٦‬‬
‫جنـي‪ ":‬قالوا يف سقت‪ :‬صقت‪ّ ....‬‬
‫كل ذلك ليكون العمل مـن وجـه واحـد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫• وقال ابن‬
‫أن للتجنيس عندهم تأثريا قويا")‪.(١٣٧‬‬
‫يدلـك من مذهبهم عىل ّ‬
‫ّ‬ ‫فهذا‬

‫مسائل أخرى‪:‬‬
‫واآلن ّ‬
‫أود التقاط بعض العبارات املتفرقة‪ ،‬وأقف عند ثالث مسائل ضمن مدار هـذه‬
‫الظاهرة‪:‬‬
‫‪ – ١‬الفصل بني الصوتني املتجاورين‪:‬‬
‫اشرتكت ظاهرتا اإلدغام‪،‬واإلبدال يف مسألة تقريب صوت من صوت مع االختالف يف‬
‫عرضنا يف دراستنا لإلدغـام إىل وجـوب ت ّ‬
‫حقـق رشط التـداني‬ ‫ْ‬ ‫درجة هذا التقريب‪ ،‬وقد‬
‫فصل بني الصوتني املتجاورين‪ ،‬وإال ّ فال إدغام هناك‪.‬‬
‫التام‪ ،‬من غري أيّ ْ‬

‫)‪ (133‬معاني القرآن ‪.٢١٦ /١‬‬


‫)‪ (134‬املقتضب ‪.٣٥٤/١‬‬
‫)‪ (135‬رشح السريايف ‪.٤٥٤/٦‬‬
‫)‪ (136‬الحجة يف علل القراءات السبع ‪.٢٩/‬‬
‫)‪ (137‬املنصف ‪.٣٢٥/٢‬‬

‫‪٢٢٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫أي عـدم‬
‫بتوفــر هـذا الـرشط‪ْ ،‬‬
‫ّ‬ ‫وما دام اإلبدال يشرتك معه يف الهدف‪ ،‬فالقياس يقيض‬
‫وجود فاصل بني الصوتني من حركة أو حرف‪ ،‬ولكن األمثلة التي بني أيدينا حدث فيهـا‬
‫اإلبدال مع وجود الفصل بني الصوتني‪ ،‬وهذا األمر التفت إليه بعض علماء اللغة‪ ،‬منهم‪:‬‬
‫وعـده مـن بـاب َ َ ّ‬
‫التوهم‪،‬وعـدم االكـرتاث‬ ‫ّ ُ‬ ‫• ابن دريد‪ ،‬فقد أشار إليه إشارة رسيعـة‪،‬‬
‫بالحاجز‪ ،‬إذ ْ قال‪:‬‬
‫"وكذلك ْ‬
‫إن أدخلوا بني السني والطاء‪ ،‬والقاف‪ ،‬حرفـا ًحـاجزا ً‪ ،‬أو حـرفني لـم يكرتثـوا‪،‬‬
‫)‪(١٣٨‬‬
‫يزد‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وتوهموا املجاورة يف البناء‪ ،‬فأبدلوا‪ ،‬أال تراهم قالوا‪ :‬صبط" ولم ِ‬
‫تحركـت الـصاد‬ ‫ّ‬
‫لصحة وقوع هذا اإلبدال‪ ،‬فـإذا ّ‬ ‫يرى وجوب التجاور التام‪،‬‬
‫فابن دريد َ‬
‫لتحركهـا" ّ‬
‫ألن‬ ‫ّ‬ ‫تنطق كما هي دون إبدال‪ ،‬ولهذا قال‪ ":‬فاذا قالوا صـدق قالوهـا بالـصاد‬
‫الفتحة أصبحت حاجزا ً بني الصوتني)الصاد والدال(" )‪.(١٣٩‬‬
‫َ ْ‬
‫الفـصل نظرة فاحصة‪ ،‬وأبدى رأيا ً فيه‪:‬‬ ‫• غري ّ‬
‫أن أبا عيل الفاريس نظر إىل هذا‬
‫ألنــها قـد‬
‫ّ‬ ‫تبـدل مـن الـسني الـزاي يف)رساط( مـن أجـل الطـاء‪،‬‬ ‫ْ‬
‫إذ قال‪ ":‬ينبغـي أال ّ ُ ْ َ‬
‫تــحركـت‪ ...‬مع ّ‬
‫أن بينـهما يف رساط حاجزين"‪.‬‬ ‫َ َّ َ‬
‫ُ‬
‫الحرف"‪.‬‬ ‫تـبدل‪ّ ...‬ملا َ َ َ‬
‫فـصلـت الحركة ُ‪ ،‬أو‬ ‫ثان‪ ":‬وإنما لم ُ ْ َ‬ ‫ّ‬
‫وأكد هذا بقول ٍ‬
‫ََ‬
‫وحجزت الحركة ُ‪ ،‬أو الحرف امتنع ما كان يجوز من قبل"‪.‬‬ ‫وقال‪ ":‬فلما َوقع الفصل‪،‬‬
‫فرايُ أبي عيل واضح يف عدم جواز اإلبدال واملـشاكلة بـني الـصوتني غـري املتجـاورين‪،‬‬
‫َ‬
‫للفصل الواقع بينهما من حركة‪ ،‬أو حرف‪.‬‬

‫)‪ (138‬جمهرة اللغة ‪.١٣/١‬‬


‫)‪ (139‬م‪ .‬ن‪.٢٦١ ،١٢١/٢ .‬‬

‫‪٢٢٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أما عن كيفية إيجاد املشاكلة‪ ،‬واالنسجام بني الصاد يف)رصاط( والتناسب بينهما مع‬
‫يشـم الصاد صوت الـزاي‪ ،‬مـن أجـل‬ ‫يرجح قراءة املضارعة‪ْ ،‬‬
‫بأن ُ َ ّ‬ ‫فإنـه ّ‬
‫ّ‬ ‫وجود الحجز‪،‬‬
‫حجز بينهما من الحروف")‪.(١٤٠‬‬
‫حجز ما َ َ َ‬
‫التوفيق" بني الحرفني مع َ ْ‬
‫وهذه القراءة عنده أحسن من القراءة بإبداله زايا خالصة‪ ،‬لوجود الفصل بينهما‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪ – ٢‬مسألة النطق بأصل اللفظ‪:‬‬


‫ِ ّ‬
‫للـفظ الذي يقع يف أحد أصواته إبدال صورتان‪:‬‬
‫ـــ األوىل هي األصل‪ ،‬ـــ والثانية هي الفرع‪.‬‬
‫والتفت علماء العربية إىل هاتني الصورتني‪ ،‬وأدركوا ّ‬
‫أن الصورة َ الثانية َ هـي الـصيغة‬
‫املتداولة يف النطق‪ ،‬ووقفوا عند صورة األصل‪ ،‬وناقشوا مسألة النطق بهـا‪ ،‬ومـن خـالل‬
‫أقوالهم يمكن ْ‬
‫أن نقف عىل ثالثة أنواع من األصل‪ ،‬هي‪:‬‬
‫ألبتــة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫النطق به‬ ‫أ – ماال يمكن‬
‫نظري الصيغة األساس من بناء افتعل‪ :‬اضرتب من الـرضب‪ ،‬واصـترب مـن الـصرب‪ّ .‬‬
‫ألن‬
‫ُ ْ َ‬
‫املستـعمل هو‪ :‬اضطرب‪ ،‬واصطرب‪.‬‬
‫• قال أبو عثمان املازني‪ ":‬هذا باب ما ُ ْ َ‬
‫تـقـلـب فيه تاء افتعل عن أصلها وال ُ َ َ ّ‬
‫يتكـلــم‬
‫ترصف منه‪ ،‬وكانت الفاء صـادا أو‬
‫ّ‬ ‫أنـك إذا َ‬
‫قلت‪ :‬افتعل وما‬ ‫بها عىل األصل ألبتة‪ ...‬وذلك ّ‬
‫ضادا‪ ،‬أو طاء ً‪ ،‬أو ظاء ً‪ ،‬فالتاء فيه مبدلة"‪.(١٤١)...‬‬

‫)‪ (140‬الحجة يف علل القراءات السبع ‪ ٤٠/١‬وفيه األقوال جميعا ً‪.‬‬


‫)‪ (141‬املنصف ‪.٣٢٥ – ٣٢٤/٢‬‬

‫‪٢٣٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫• وقال ابن ِ ّ‬
‫جـنـي‪ ":‬ال ُيقال يف اصـطرب‪ :‬اصـترب‪ْ ...‬‬
‫وإن كـان هـذا هـو األصـل‪ ...‬ويف‬
‫ُ‬
‫ابـن جنـي‬ ‫كالمهم من األصول املرفوضة)‪ ....(١٤٢‬ما ال ُيحـىص كثـرة")‪ .(١٤٣‬وقـد دعاهـا‬
‫باألصول التي ال ُتراجع‪ ،‬اي ال ينطق بها‪.‬‬
‫جـنـي هو عدم "تجنيس الصوت الذي ُ ّ‬
‫يـسبب‬ ‫والعلــة يف عدم نطق األصل عند ابن ِ ّ‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫صعوبة يف النطق"‪.‬‬
‫تكلـف‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ب – ما يمكن النطق به عىل‬
‫كقولهم‪ْ َ :‬‬
‫عنـرب بإظهار النون‪.‬‬
‫املتكلـم إخراجهـا مـن الفـم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تكلــف‬
‫ّ‬ ‫• قال السريايف يف إظهار النون من عنرب‪" :‬ولو‬
‫وبعدها الباء‪ ،‬ألمكن عىل مشقة وبعالج‪ ،‬وإنما تخـرج مـن الخيـشوم‪ ،‬وهـي سـاكنة‪،‬‬
‫وبعدها الباء فتنقلب ميما")‪.(١٤٤‬‬
‫ُ‬
‫النطق باألصل هو األجود‪:‬‬ ‫ج – ما كان‬
‫كقولهم‪ :‬سطر وصطر‪ ،‬وسقر وصقر‪:‬‬
‫ُ‬
‫السني صادا ً‪ ،‬وتركها عىل لفظهـا أجـود‪ ،‬وذاك‬ ‫املربد‪ ":‬هذا باب ما ُ ْ َ ُ‬
‫تـقـلب فيه‬ ‫قال ّ‬ ‫•‬
‫تـقـلـب للتقريب مما بعدها")‪.(١٤٥‬‬
‫وإنـما ُ ْ َ‬
‫ّ‬ ‫ألنـها األصل‪،‬‬
‫ّ‬
‫* * *‬

‫وبيع يف قام وباع‪ْ ،‬‬


‫واستقوم يف استقام‪.‬‬ ‫)‪ (142‬يريد باألصول املرفوضة نحو‪َ :‬قو َ‬
‫ومم َ َ‬
‫)‪ (143‬املنصف ‪.٣٢٥ – ٣٢٤/٢‬‬
‫)‪ (144‬رشح السريايف ‪.٤٤٤/٦‬‬
‫)‪ (145‬املقتضب ‪.٣٦٠،٣٥٣/١‬‬

‫‪٢٣١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ﱠ‬
‫اللـبس يف الصيغة الجديدة‬ ‫‪ – ٣‬عدم‬
‫تـصيد بعض العبارات من خالل دراستهم لظاهرة اإلبـدال التـي مـن شـأنها ْ‬
‫أن‬ ‫يمكن َ َ ّ ُ‬
‫اللـبس‪ّ ،‬‬
‫وأن الصيغة الجديدة بعد حـدوث اإلبـدال‪،‬‬ ‫بأنـهم راعوا مسألة عدم ﱠ ْ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫توضح لنا‬
‫ُيشرتط فيها أن ال تلتبس بصيغة أخرى‪،‬‬
‫ّ‬
‫فألن الكـالم ال يقـع يف يشء‬ ‫• كقول ّ‬
‫املربد يف نون) َ ْ َ‬
‫عنـرب(‪" :‬وأما قلبها ميما مع الباء‪،‬‬
‫فأمنوا االلتباس")‪.(١٤٦‬‬
‫منه ميم ساكنة قبل الباء‪ِ ،‬‬
‫وقول أبي بكر ابن الرساج يف اختيار الصاد يف)الرصاط(‪:‬‬
‫والحسن يف السمع‪ ،‬وهو غري ُملبس‪ّ ،‬‬
‫ألن من لغتـه‬ ‫ُ ْ‬ ‫للخفـة‬
‫ّ‬ ‫" واالختيار عندي الصاد‪،‬‬
‫لـبس‪ّ ،‬‬
‫ألن الـسني كأنهـا مهملـة يف‬ ‫يتجنـب السني مع الطاء‪ ،‬لم يقع عليه َ ْ‬
‫ّ‬ ‫هذا إذا كان‬
‫االستعمال عنده مع الطاء‪ ،‬وإنما يقع االلتباس لو التبست كلمة بالسني بكلمة بالـصاد‬
‫يف معنيني مختلفني")‪.(١٤٧‬‬
‫• وقول السريايف يف قلب تاء افتعل طاء مع حروف اإلطباق‪:‬‬
‫أنــه ال يقـع‬
‫" فطلبوا حرفا من مخرج التاء‪ ،‬يوافقها يف اإلطباق وهي الطاء‪ ،‬وقد علموا ّ‬
‫لـبس يف ذلك")‪.(١٤٨‬‬
‫َْ ٌ‬
‫فواضح من النصوص الثالثة اطمئنانهم من عدم اللبس يف الصيغة التي ّ‬
‫تم فيها اإلبدال‪.‬‬
‫* * *‬

‫)‪ (146‬املقتضب ‪.٣٦٠،٣٥٣/١‬‬


‫)‪ (147‬الحجة يف علل القراءات السبع ‪.٣٧/١‬‬
‫)‪ (148‬رشح السريايف ‪.٥٥٩ /٦‬‬

‫‪٢٣٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫اإلدغام‪:‬‬
‫تـأثر األصـوات اللغويـة بعـضها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خاص أدركه علماء العربية ناتج عن‬ ‫هو أداء صوتي‬
‫تأثرا ً يفيض إىل ّ‬
‫تحول األصوات املختلفة اىل التماثـل فيمـا بينهـا‬ ‫ببعض حال تجاورها ّ‬
‫وفيه‪:‬‬
‫ُ ّ‬
‫واحدا‪،‬فـسكن األول منهمـا‪ ،‬فهـو‬ ‫اعلم ّ‬
‫أن الحرفني إذا كـان لفظهمـا‬ ‫• قال ّ‬
‫املربد‪ْ ":‬‬
‫مدغـم يف الثاني‪ ،‬وتأويل قولنا) ُ ْ َ‬
‫مدغـم( أنه ال حركة تفصل بينهمـا‪ ،‬فإنمـا تعتمـد‬ ‫ُْ َ‬
‫فــ ْ‬
‫ـصل‪ ،‬وذلــك قولــك‪:‬‬ ‫لهمــا باللــسان اعتمــادة واحــدة‪ّ ،‬‬
‫ألن املخــرج واحــد‪ ،‬وال َ‬
‫قـطـع")‪.(١٤٩‬‬
‫َ ﱠ‬
‫• وأوضحه الزجاجي بقوله‪:‬‬
‫ُْ ِ ُ‬
‫وتــدغمه يف الثـاني أي‬ ‫"هو ْ‬
‫أن يلتقي حرفان من جنس واحد‪َ ُ َ ،‬‬
‫فـتـسكن األول منهما‪،‬‬
‫تدخله فيه ‪ ،‬فيصري حرفا ً واحدا ً مشددا ً ينبـو اللـسان عنـه نبـوة واحـدة‪ ،‬أو يلتقـي‬
‫حرفان متقاربان يف املخرج‪ْ ُ َ ،‬‬
‫فـتـبدل األول من جنس الثاني‪ ،‬وتدغمه فيه‪ ،‬وانما تفعـل‬
‫ذلك تخفيفا")‪.(١٥٠‬‬
‫جنـي فاالدغام عنده تقريب صوت من صوت‪ ،‬وهو عىل رضبني‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أما ابن‬ ‫•‬
‫قطـع أم متحركا ً‬
‫ّ‬ ‫األول‪ :‬هو إدغام املثلني سواء أكان األول ساكنا‪ ،‬كالطاء األوىل من‬
‫كالدال األوىل من َ ّ‬
‫شـد‪.‬‬
‫ّ‬
‫املـسوغة لإلدغـام فتقلـب‬ ‫الثاني‪ :‬هو إدغام املتقاربني حال تجاورهما عىل األحكام‬
‫أحدهما إىل لفظ صاحبه‪ ،‬فتدغمه فيه‪،‬نحو‪:‬‬

‫)‪ (149‬املقتضب ‪.٣٣٣/١‬‬


‫)‪ (150‬الجمل ‪.٣٧٨ /‬‬

‫‪٢٣٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ود)‪.(١٥١‬‬
‫َ ّ‬ ‫َ ْ‬
‫وتــد‬ ‫َوتَد‬
‫ومن هذه النصوص‪ ،‬يتبني ّ‬
‫أن االدغام عندهم أداء صوتي مفاده إدخال الصوت يف‬
‫مـثـلــني‪ ،‬كالطائني يف‬ ‫مشـددا ً‪ ،‬وهما‪ :‬إما ْ‬
‫أن يكونا َ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫مجاوره‪ ،‬حتى يكونا صوتا ًواحدا ً‬
‫وتـد‪ ،‬فتدغمهما بعد قلب التاء داال‪.‬‬ ‫قـطــع‪،‬أو ُ َ‬
‫متــقاربني كالتاء والدال يف َ َ‬ ‫َ ّ‬
‫وعلــة هذه الظاهرة عندهم هي ِ‬
‫ثـقل النطق الناتج عن تجاور مخرجـي الحـرفني‬ ‫ّ‬
‫املتقاربني‪ ،‬أو اتحادهما يف املتماثلني حال نطقهما منفصلني‪.‬‬
‫وتحركت النون‪ ،‬وذلك‬
‫ّ‬ ‫تـدغم الالم عند النون‪ ،‬إذا ْ َ‬
‫سكنـت الالم‪،‬‬ ‫• قال ّ ُ‬
‫الفراء‪ ":‬العرب ُ ْ ِ‬
‫أنـها قريبة املخرج")‪.(١٥٢‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الدال‪،‬ألن مخرجها من مخرجها‪...‬‬ ‫• وقال األخفش" التاء ُ ْ َ‬
‫تـدغـم يف‬
‫مخرجه‪،‬فافعل به هذا")‪.(١٥٣‬‬
‫ْ‬ ‫قـُربَ َ‬
‫ب‬ ‫ّ‬
‫فكل ما َ‬ ‫‪.....‬‬
‫فـتـدغـم يف الحاء‪ ...‬ألنهما متقاربتان")‪.(١٥٤‬‬ ‫• وقال ّ‬
‫املربد‪ّ ":‬‬
‫وأما الهاء َ ُ ْ َ‬
‫فتقارب املخارج رشط أساس‪ ،‬فإذا تباعدا فال إدغام هناك‪.‬‬
‫َ‬
‫النـون ليـست مـن حـروف‬ ‫يـنـزلون‪ّ ،‬‬
‫ألن‬ ‫• قال األخفش‪ ":‬وال َ‬
‫تـقل يف َ َ َ ّ‬
‫يتـنـزلون‪َ َ :‬‬
‫الثنايا كالتاء")‪.(١٥٥‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪ (151‬الخصائص ‪ ١٣٩ /٢‬بترصف‪.‬‬


‫)‪ (152‬معاني القرآن‪ ،‬للفراء ‪.٣٥٣/٢‬‬
‫)‪ (153‬معاني القرآن‪ ،‬لألخفش ‪.١٠٦/١‬‬
‫)‪ (154‬املقتضب ‪.٣٤٢/١‬‬
‫)‪ (155‬معاني القرآن‪ ،‬لألخفش‪.١٠٧ /١ ،‬‬

‫‪٢٣٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫من رشوط االدغام التالصق‬


‫اشرتطوا يف تجاور الحرفني املتقاربني‪ْ ،‬‬
‫أن يكونا متالصقني تماما‪ ،‬من دون حاجز يفصل‬
‫َ‬
‫الفاصل بينهمـا‪ ،‬فالتالصـق‬ ‫َ‬
‫يزيل‬ ‫بينهما‪ ،‬من حركة‪ ،‬أو حرف‪ ،‬وال ّ‬
‫بد ملن أراد اإلدغام أن‬
‫تـرى َ ُ ْ‬
‫لــهم مـن‬ ‫الفـراء‪ ":‬قولـه) َ َ ْ‬
‫فــهل َ‬ ‫ّ‬ ‫بني الصوتني هو أساس حـدوث اإلدغـام قـال‬
‫هلل( و) أج ْ‬
‫أجلل(‪ ،‬وال ُ ْ َ‬
‫تــدغـم يف الـالم التـي‬ ‫بلل( و)ه ْ‬ ‫باقية ٍ()‪َ ْ ُ (١٥٦‬‬
‫تـدغـم الالم ُعند التاء من)ب ْ‬
‫ألن الالم ليست بموصولة بما بعدها ّ‬
‫كاتـصال الـالم‬ ‫قد تتحرك يف حال‪ ،‬وإظهارها جائز‪ّ ،‬‬
‫من التاء)‪.(١٥٧‬‬
‫تفصل بينهما")‪.(١٥٨‬‬
‫ُ‬ ‫أنـه ال حركة َ‬ ‫• وقال ّ‬
‫املربد‪ ":‬وتأويل قولنا‪َ ْ ُ :‬‬
‫مدغـم‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫مـضامته‪،‬‬ ‫َ‬
‫بالثاني‪،‬وتجذبه إىل‬ ‫لتخلطـه‬
‫َ‬ ‫ترى أنك إنما ْ‬
‫أسكنته‪،‬‬ ‫• وقال ابن ّ‬
‫جني‪ ":‬أال َ‬
‫ومماسة لفظة بلفظه‪ ،‬بزوال الحركة التي كانت حاجزة بينه وبينه")‪.(١٥٩‬‬
‫ّ ِ‬
‫ألنــه‬
‫ّ‬ ‫روم الحركـة)‪ (١٦٠‬يمنـع مـن اإلدغـام‬
‫أن َ‬‫• أما أبو عيل الفاريس فقد ذهب اىل ّ‬
‫ُ‬
‫تفصل الحركـة ُ‬ ‫غري ُ ْ َ‬
‫مشـبع‪ ،‬كما‬ ‫صوت‪ ،‬وهذا" الصوت يفصل‪ْ ،‬‬
‫وإن كان ُ ْ‬
‫مخـفًى َ‬
‫املشبعة ُ ُ َ ّ ّ‬
‫املمطـطـة")‪.(١٦١‬‬
‫سبب ثقل يف نطق الصوتني‪ ،‬هما ّ‬
‫علة حدوث اإلدغام‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فالتالصق إذا ً والتداني التام‪ ،‬هو‬

‫)‪ (156‬الحاقة ‪.٨/‬‬


‫)‪ (157‬معاني القرآن‪ ،‬للفراء ‪.٣٥٣ /٢‬‬
‫)‪ (158‬املقتضب ‪.٣٣٣/١‬‬
‫)‪ (159‬الخصائص ‪.١٤٠/٢‬‬
‫ّ‬
‫ألنـه ليس بصوت‪ ،‬وإنما هو تهيئة ُ العـضو إلخـراج الـصوت‬ ‫)‪ (160‬اما االشمام ُ فال يمتنع مع اإلدغام‪،‬‬
‫ّ‬
‫ليدل عليه‪.‬‬ ‫الذي هو الضم‪،‬‬
‫)‪ (161‬الحجة يف علل القراءات ‪.١٥٩ /١‬‬

‫‪٢٣٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫إظهارهـا‬
‫ُ‬ ‫الالم تدخل يف الراء دخوال ً شديدا ً‪َ ،‬‬
‫ويثقـل عىل اللـسان‬ ‫َ‬ ‫فإن‬ ‫• قال ّ‬
‫الفراء‪ّ ":‬‬
‫فـأدغمت")‪.(١٦٢‬‬
‫ْ ِ َ‬
‫فأدغم")‪.(١٦٣‬‬ ‫• وقال أيضا ً‪ ":‬فما َ ُ َ‬
‫ثـقـل عىل اللسان إظهاره ْ ِ‬

‫مصدر ثقل املتقاربني‪:‬‬


‫وتربز براعتهم يف التدقيق يف هذا العلم‪ْ ،‬‬
‫بأن وقفوا عىل كيفية حدوث الثقـل يف نطـق‬
‫الصوتني املتماثلني واملتقاربني‪:‬‬
‫• قال ّ‬
‫املربد‪ ":‬ولكنك أدغمت لثقل الحـرفني إذا فـصلت بينهمـا‪ ،‬ألّن اللـسان يزايـل‬
‫الحرف إىل موضع الحركة‪ ،‬ثم يعود إليه")‪.(١٦٤‬‬
‫• ويمكن أن تستأنس بتعريف االدغام عند أحد أصحاب كتـب القـراءات لوضـوحه‪،‬‬
‫فقد قال أبو بكر بن مجاهد‪:‬‬
‫" واإلدغام تقريب الحرف إذا َ ُ َ‬
‫قرب مخرجه من مخرجه يف اللـسان‪ ،‬كراهيـة أن يعمـل‬
‫ـقل عليه")‪.(١٦٥‬‬ ‫اللسان يف حرف واحد مرتني‪َ َ ،‬‬
‫فيث ْ ُ‬
‫َ‬
‫اللسان يرتفع من موضع نطق صوت ما‪ ،‬وبمجرد انتهائـه منـه يعـود إىل‬ ‫أي‪ّ :‬‬
‫إن‬
‫ّ‬
‫ليـؤدي العمـل األول‬ ‫تحرك منه نفسه‪ ،‬أو إىل نقطة مالصقة لـه تمامـا ً‪،‬‬
‫املوضع الذي ّ‬
‫متحركني"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أكـدوا" كراهة اجتماع َ َ َ‬
‫مثـلـني‬ ‫وتكلـف‪ ،‬لذا فقد ّ‬
‫ّ‬ ‫مشقــة‬
‫ّ‬ ‫نفسه‪ ،‬ويف هذا‬
‫التخلـص من الثقل‪:‬‬
‫ّ‬ ‫كيفية‬

‫)‪ (162‬معاني القرآن‪ ،‬للفراء ‪.٣٥٤/٢‬‬


‫)‪ (163‬م‪ .‬ن ‪.٣٥٤ /٢‬‬
‫)‪ (164‬املقتضب ‪.٣٤٤/١‬‬
‫)‪ (165‬السبعة يف القراءات ‪.١٢٥/‬‬

‫‪٢٣٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫تمثــلت‬
‫ّ‬ ‫أما الكيفية التي عالج اللسان بها هذه الصعوبة لرفع ِ َ‬
‫الثقـل عنـه‪ ،‬فقـد‬
‫بأن يرتفع بالصوتني معا ً)‪ (١٦٦‬بعد إدغامهما رفعة واحدة‪ ،‬بدال ً من تكرار العمـل بهمـا‬
‫ُِ ّ‬
‫وخـفـف املجهود العضيل الـذي يبذلـه‬ ‫اخـتـزل ذلك الثقل‪،‬‬
‫مرتني قبل اإلدغام‪ ،‬وبذلك ْ ُ‬
‫ّ‬
‫اللسان‪.‬‬
‫دل هذا عىل يشء‪ ،‬فإنما َ ُ‬
‫يدل عىل ُ ْ‬
‫عمـق‬ ‫هذا ما التفت اليه علماء العربية يف العراق‪ْ ،‬‬
‫فإن َ ّ‬
‫معرفتهم بجهاز النطق‪ ،‬وحركات أعضائه‪.‬‬
‫• قال ّ‬
‫املربد يف الحرفني املدغمني‪:‬‬
‫ألن املخرج واحد وال فصل")‪.(١٦٧‬‬
‫" فإنما تعتمد لهما باللسان اعتمادة واحدة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫أخـف")‪.(١٦٨‬‬ ‫وقال أيضا ًفيهما‪َ ْ ُ ":‬‬
‫لريفع اللسان عنهما رفعة واحدة‪،‬إذ ْ كان ذلك‬
‫ّ‬
‫مـشددا‪،‬‬ ‫• وقال الزجاجي بعد وصفه للحرفني ُ ْ َ‬
‫املدغـمني‪ ،‬وكونهمـا حرفـا واحـدا‬
‫قال‪ ":‬فينبو اللسان عنه نبوة واحدة")‪.(١٦٩‬‬
‫ﱡ‬
‫أخـف علـيهم مـن‬ ‫• وقال ابن ِ ّ‬
‫جـنـي‪ّ ":‬‬
‫إنهم قد علموا‪ :‬أن إدغام الحرف يف الحرف‬
‫َّ‬
‫شــد‬ ‫أن اللسان ينبو عنهما معا ً نبوة واحدة‪ ،‬نحو قولك‪:‬‬
‫ترى ّ‬
‫إظهار الحرفني‪ ،‬أال َ‬
‫وقـطـع")‪.(١٧٠‬‬
‫َ ّ‬
‫وقال أيضا ً يف إدغام الثاء يف التاء‪ ":‬فلما تجاورتا يف املخارج أرادوا ْ‬
‫أن يكـون العمـل مـن‬
‫وجه واحد‪ ...‬ليكون الصوت نوعا ً واحدا ً")‪.(١٧١‬‬
‫* *‬ ‫*‬

‫)‪ (166‬اذا كان الحرف مما يتدخل اللسان يف نطقه‪.‬‬


‫)‪ (167‬املقتضب ‪.٣٣٣/١‬‬
‫)‪ (168‬م‪ .‬ن ‪.٣٣٣ /١‬‬
‫)‪ (169‬الجمل ‪.٣٧٨/‬‬
‫)‪ (170‬الخصائص ‪.٢٢٧ /٢‬‬
‫)‪ (171‬رس صناعة اإلعراب ‪.١٨٩ /١‬‬

‫‪٢٣٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الصوتان املدغمان بمثابة الحرف الواحد‪:‬‬


‫أن الحرفني ُ ْ َ‬
‫املدغـمني هما بمثابة الحرف الواحـد‪،‬‬ ‫اتفق علماء العربية يف العراق عىل ّ‬
‫ّ‬
‫ألن اللسان يعتمد لهما اعتمادة واحدة باملوضع نفـسه‪ُ َ ْ ُ ،‬‬
‫ويـسمع منـه جـرس الـصوت‬
‫اعتماده الصوت لو ُ ِ َ‬
‫نــطق بمفـرده‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫زمن النطق به أكثر من‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مضعف‪،‬يمتد‬ ‫نفسه‪ ،‬لكنه‬
‫)‪(١٧٢‬‬
‫شـدد ّأدىّ غريه ‪ ،‬سوى ّ‬
‫الفراء‪.‬‬ ‫أحد منهم‪ّ ،‬‬
‫بأن الحرف الواحد إذا ُ ّ‬ ‫ولم ْ‬
‫يقل ٌ‬
‫• فقد ُ ِ َ‬
‫نـقل عنه قوله‪:‬‬
‫أدت نونا ً")‪.(١٧٣‬‬
‫شـددت ﱠ‬
‫شـدد ّأدى مثله إال ّ امليم‪ ،‬فإنها إذا ُ ّ َ‬
‫حرف إذا ُ ّ َ‬ ‫" ُ‬
‫كل َ ْ‬
‫غـنــة‪ ،‬ويبـدو ّ‬
‫أن‬ ‫متوهما‪ّ ،‬‬
‫ألن صوتي امليم والنون يشرتكان يف ال ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫وظنـه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ورده السريايف‪،‬‬
‫ّ‬
‫املشددة فلم يجدها إال ّ ميما‪ .‬وهو اختبار سليم‪،‬‬ ‫السريايف حاول عمليا ً معرفة صوت امليم‬
‫الفراء لم يكن دقيقا لالشرتاك والتداخل بني الصوتني‪ ،‬وقـد سـبق ْ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫وال شك فيه‪ ،‬ورأيُ‬
‫الغنــة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫إن خرجت من الـشفة‪ ،‬فهـي تجاورهـا‪ ،‬ملـا يف املـيم مـن‬ ‫املربد‪ّ :‬‬
‫بأن امليم" ْ‬ ‫قال ّ‬
‫وتشاركها يف الخياشيم‪ ،‬والنون ُ ْ َ‬
‫تـسمع كامليم‪ ،‬وكذلك امليم كالنون‪ ،‬وتقعـان يف القـوايف‬
‫ُ َ َ‬
‫املكـفـأة‪ ،‬فتكون إحدى القافيتني نونا‪ ،‬واألخرى ميما‪ ،‬فال يكون عيبا)‪.(١٧٤‬‬

‫عدم ذهاب اإلدغام ببعض الصفات‪:‬‬


‫اشرتط علماء العربية أال ّ يذهب َ اإلدغام بصفة امتاز بها الصوت‪ ،‬أو مجموعـة مـن‬
‫األصوات عن غريها‪.‬‬

‫َ‬
‫صوت املدغم فيه‪.‬‬ ‫املدغـم منهما يؤدي‬
‫َ‬ ‫)‪ (172‬ال يشمل هذا إدغام املتقاربني‪ّ ،‬‬
‫ألن الصوت‬
‫)‪ (173‬رشح السريايف ‪.٦١٣/٦‬‬
‫)‪ (174‬املقتضب ‪.٢١٧ /١‬‬

‫‪٢٣٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫• قال ّ‬
‫املربد‪:‬‬
‫يبخس الحروف َ وال ينقصها")‪.(١٧٥‬‬
‫" واإلدغام ال َ ْ ُ‬
‫اصـرب"‪ّ " ،‬‬
‫ألن يف‬ ‫ّ‬ ‫اطـرب" يف اصطرب‪ ،‬وجواز"‬
‫جنـي‪ :‬يف تعليل عدم جواز" ّ‬
‫ّ‬ ‫• وقال ابن‬
‫الصاد صفريا وتمام صوت‪ ،‬فلو أدغمتها َ َ ْ َ‬
‫لسلـبتها ذلك‪ ،‬ومتى كان اإلدغام ينقص‬
‫يجز ْ")‪.(١٧٦‬‬
‫األول شيئا لم َ ُ‬
‫وقال يف عدم جواز إدغام الزاي يف التاء‪:‬‬
‫يذهب منها الصفري‪ ،‬وطول الصوت ملا فيها من االنسالل")‪.(١٧٧‬‬
‫َ‬ ‫"لئال‬
‫املربد‪ ،‬والسريايف‪ ،‬وأبو عيل الفاريس)‪ (١٧٨‬عدم إدغـام مجموعـة مـن‬
‫علــل ّ‬
‫ّ‬ ‫وبهذه النظرة‬
‫َ‬
‫يذهب اإلدغام بصفات امتازت بها‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫األصوات يف غريها‪ ،‬لئال‬
‫األلف‪ ،‬والواو‪ ،‬والياء‪ ،‬لها فضيلة ّ‬
‫مد الصوت‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫السني‪ ،‬والزاي‪ ،‬والصاد‪ ،‬لها فضيلة الوضوح لصوت صفريها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫التفشـي واالستطالة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الشني‪ ،‬والضاد‪ ،‬لها فضيلة‬ ‫‪-‬‬
‫والراء لها فضيلة التكرير‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تفشـيا")‪.(١٧٩‬‬
‫ّ‬ ‫ولخـص السريايف هذا املبدأ بقوله‪ ":‬األقل ّ تفشيا ُ ْ ُ‬
‫يدغم يف األكثر‬ ‫ّ‬ ‫•‬
‫أن تدغم األضعف يف األقوى")‪.(١٨٠‬‬ ‫جنـي بقوله‪ ":‬وإنما َ‬
‫املذهب ْ‬ ‫ّ‬ ‫وحاكاه ابن‬ ‫•‬

‫)‪ (175‬م‪ .‬ن ‪.٢١١ /١‬‬


‫)‪ (176‬املنصف ‪.٣٣٠ ،٣٢٨ /٢‬‬
‫)‪ (177‬املنصف ‪.٣٣٠ /٢‬‬
‫)‪ (178‬املقتضب ‪ ،٢١١ ،٢١٧/١‬رشح السريايف ‪،٤٩٩/٦‬الحجة ‪.٦٦/١‬‬
‫)‪ (179‬رشح السريايف ‪.٥٠٦/٦‬‬
‫)‪ (180‬املنصف ‪.٣٢٨/٢‬‬

‫‪٢٣٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وقد نجد لهذه الفكرة تأييدا يف الدراسـات الـصوتية الغربيـة الحديثـة‪ ،‬فقـد صـاغ‬ ‫•‬
‫سـماه‪ :‬قـانون َ‬
‫الغَلبـة‬ ‫ّ‬ ‫اللغوي الفرنيس جرامـون)‪ (Grammont‬قانونـا ً صـوتيا ً‬
‫ّ‬
‫فـإن األضـعف‬ ‫أثـر صـوت يف آخـر‪،‬‬
‫حقـق شهرة‪ ،‬ومفاده إذا ّ‬
‫ّ‬ ‫لألقوى‪ ،‬وهو قانون‬
‫بموقعه يف املقطع‪ ،‬أو بامتداده النطقي هو الذي يقع تحت تأثري اآلخر)‪.(١٨١‬‬
‫أعثر عـىل مـا ُيخالفـه إال ّ‬
‫ْ‬ ‫هذا هو ما اتفق عليه أغلب علماء العربية يف العراق ولم‬ ‫•‬
‫كالفراء وثعلب يف مسألتني‪ ،‬هما‪:‬‬
‫ّ‬ ‫عند كبار الكوفيني‬
‫الفراء)‪.(١٨٢‬‬
‫أوالهما‪ :‬جواز إدغام الراء يف الالم عند ّ‬
‫وقد جاء هذا اإلدغام أيضا ً عن أبي عمـرو بـن العـالء)‪١٥٤) (١٨٣‬هــ( َ ّ َ‬
‫تحركـت الـراء‪ ،‬أو‬
‫لـكم()‪.(١٨٤‬‬ ‫لـكم(‪ ،‬وقوله تعاىل) َ ْ ْ‬
‫يغـفر َ‬ ‫أطـهر َ‬ ‫سكنـت نظري قوله تعاىل) ُ ﱠ‬
‫هن ْ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫الفراء هنا يعكس جانبا من جوانـب اعتـزاز ِ الكـوفيني بـالقراءات القرآنيـة‪ْ ،‬‬
‫وإن‬ ‫ورأي ّ‬
‫القياس العام)‪.(١٨٥‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫خالفت‬
‫علما ّ‬
‫أن الذين عابوا هذا اإلدغام‪ ،‬احتجوا له بـسبب صـوتي يدعمـه ويقويـه ويوضـح‬
‫الخفـة يف النطق‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫ّ‬ ‫هدفـه‪ ،‬وهو امليل ُ اىل‬
‫َ‬

‫)‪Bertil Malmberg 1954- phonetics.p.100 (181‬‬


‫)‪ (182‬رشح السريايف ‪ ،٦٤١ – ٦٤١/٦‬رشح املفصل ‪.١٤٣ /١٠‬‬
‫)‪ (183‬السبعة يف القراءات‪،‬البن مجاهد‪.١٢١/‬‬
‫)‪ (184‬هود‪ ،٧٨/‬نوح ‪.٤/‬‬
‫رس الصناعة ‪ ":٢٠٦/١‬واعلم أن ّ الراء ملا فيها من التكرير‪ ،‬اليجوز إدغامهـا فيمـا‬
‫)‪ (185‬قال ابن جني يف ّ‬
‫ألن ادغامها يف غريها يسلبها مافيها من الوفور‪ ،‬والتكرير‪ ،‬فأمـا قـراءة أبـي عمـرو"‬ ‫يليها من الحروف‪ّ ،‬‬
‫يغفر لكم" بإدغام الراء يف الالم‪ ،‬فمدفوع عندنا‪،‬وغري معروف عند اصحابنا‪ ،‬وإنما هـو يشء رواه القـراء‪،‬‬
‫وال قوة له يف القياس"‪.‬‬

‫‪٢٤٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫• قول السريايف‪ ":‬ومما ُ ْ َ‬


‫يحتـج ّ به ألبي عمرو وغريه‪ ،‬ممن أدغم الراء يف الالم‪ّ ،‬‬
‫أن الراء‬
‫ّ‬
‫وأخف من أن يأتي بــ)راء( فيهـا‬ ‫إذا ْ ِ َ‬
‫أدغمت يف الالم صارت الما‪ ،‬ولفظ الالم أسهل‪،‬‬
‫تكرير‪ ،‬وبعدها)الم( وهي مقاربة للراء‪ ،‬فيصري كالنطق بثالثة أحرف مـن مخـرج‬
‫ٌ‬
‫فــطـلـب التخفيف")‪.(١٨٦‬‬
‫واحد‪َ ِ ُ َ ،‬‬
‫وإذا ما استثنينا مسألة املحافظة عىل تكرير الراء‪ ،‬فإن ّ إلدغام الراء يف الالم مـا يـسّوغه‬
‫أيد بعض املحدثني هذا االدغام)‪.(١٨٧‬‬
‫قرب ِ املخرج‪،‬مع اتحاد صفة الجهر‪ ،‬وألجل هذا ّ‬
‫من ْ‬
‫وثانيهما‪ :‬اعرتاض ثعلب عىل عدم إدغام أصوات الصفري‪:‬‬
‫ويف هذا قال‪ ":‬قد أدغم ]سيبويه[ النون وهـي مغنونـة ٌ)‪ (١٨٨‬يف الـالم‪ ،‬فمـا الفـرق بـني‬
‫يزد عىل ذلك شـيئا‪،‬‬ ‫طالـب َ ْ‬
‫بفرق ولم ِ‬ ‫َ َ‬ ‫املغنونة وبني‪ ....‬التي فيها صفري")‪ ،(١٨٩‬فثعلب هنا‬
‫َ‬
‫جواز إدغام أصوات الصفري‪.‬‬ ‫أنـه يرى‬
‫يفــهم من كالمه ّ‬ ‫ّ‬
‫لكن الذي ُ ْ َ‬
‫ّ‬
‫ورده السريايف بثالثة أمور‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ّ –١‬‬
‫أن أصحابه الكوفيني يرون إدغام النون‪.‬‬
‫العرب لم ُ ْ ِ‬
‫تـدغم أصوات الـصفري يف غريهـا‪ ،‬فـإذا أرادت)افتعـل مـن الـصعوط‪،‬‬ ‫َ‬ ‫‪ّ –٢‬‬
‫أن‬
‫واصرب‪ ،‬وبيان ذلك هو ّ‬
‫أن أصلهما‪َ َ ْ :‬‬
‫اصتـعـط‬ ‫اصعط‪ّ ،‬‬
‫والصرب‪ ،‬وآثرت اإلدغام فيها قالت‪ّ :‬‬
‫ْ‬ ‫فأبدلـت التاء طاء ملجانسة الـصاد‪ ،‬فأصـبحتا‪َ َ ْ :‬‬
‫اصطـعطـ‪،‬واصطــرب‪ ،‬فـإذا‬
‫َ‬ ‫واصتـرب‪َ ِ ْ .‬‬
‫ْ َ‬
‫إنــهم أدغموا الطاء يف الصاد ولم يدغموا‬ ‫اصعط‪ّ ،‬‬
‫واصرب( أي ّ‬ ‫آثرت العرب اإلدغام قالت‪ّ :‬‬
‫الصاد يف الطاء‪.‬‬

‫)‪ (186‬رشح السريايف ‪.٦٤٢/٦‬‬


‫)‪ (187‬االصوات اللغوية ‪.١٩٩/‬‬
‫غــنـة‪.‬‬
‫ُ ّ‬ ‫)‪ (188‬أي فيها‬
‫)‪ (189‬رشح السريايف ‪.٦١٠/٦‬‬

‫‪٢٤١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أما َ‬
‫الفرق بني النون وأصوات الصفري فهو واضح يف املخارج والصفات)‪.(١٩٠‬‬ ‫‪ّ –٣‬‬
‫َ‬
‫عدم جـواز إدغـام أصـوات الـصفري يف‬ ‫الفراء يرى‬
‫ألن ّ‬‫خاص بثعلب‪ّ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫رأي‬
‫ٌ‬ ‫ويبدو ّ‬
‫أن هذا‬
‫فـغـلـب الزاي عىل الدال‪،‬‬ ‫غريها‪ ،‬فقد ِأثر عنه قوله‪ّ ":‬‬
‫مزجر يف مزدجر" َ َ ّ‬
‫ـفاء‬
‫فإنــها شـ ٌ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فاصـعطها‪،‬‬ ‫عقــيل‪ ":‬عليـك بـأبوال ِ الظبـاء‬ ‫َ‬
‫قـول بعـض بنـي ُ َ ْ‬ ‫َ‬
‫وروى‬
‫للطحل")‪.(١٩١‬‬
‫ينـقـد هذا‬ ‫ّ‬
‫اصعط‪ ،‬ولم َ ْ ُ‬ ‫ْ َ‬
‫اصطـعط‬ ‫فـغـلـب الصاد عىل الطاء يف‪ :‬اصتعط‬
‫َ َ ّ‬
‫ّ‬
‫صحته عنده‪.‬‬ ‫يدلــل عل‬
‫ّ‬ ‫القول‪ ،‬مما‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫خلـفه علماء العربية يف العراق من تعليل لهـذه‬
‫ولو أردنا أن نلقي نظرة ً تقويمية ً ملا ّ‬
‫ّ‬
‫توصل إليه الدرس الـصوتي الحـديث‪ ،‬فـسنجد تقاربـا ً‬ ‫الظواهر الصوتية‪ ،‬عىل وفق ما‬
‫كبريا‪ ،‬بل تماثال يف كثري من جوانبها‪.‬‬
‫ّ‬
‫محـل‬ ‫فمن نظريات املحدثني الصوتية‪ :‬نظرية التماثل‪ُ ،‬‬
‫ويراد بها" عملية إحالل صـوت‬
‫صوت آخر تحت تأثري صوت ثان ٍ قريب منه يف الكلمة")‪ ،(١٩٢‬وشمل هذا املفهوم ُ الحاالت ِ‬
‫تـم فيها فناء صوت يف آخر‪ ،‬وهو عني ما ُ ْ َ َ‬
‫اصطـلـح عليه علماء العربية باإلدغام‪.‬‬ ‫التي َ َ ﱠ‬
‫ُ‬
‫واألصـوات يف تأثرهـا كمـا قـال الـدكتور‬ ‫تأثـر نتيجة َ املجاورة‪،‬‬
‫فالتماثل إذا ً هو‪ٌ ّ :‬‬
‫أنيس)‪ :(١٩٣‬تهدف اىل نوع من املماثلة‪ ،‬أو املشابهة بينها‪ ،‬ليزداد مع مجاورتهـا قربهـا يف‬
‫الصفات أو املخارج‪.‬‬

‫)‪(190‬رشح السريايف ‪ ٦١٢ – ٦١٠/٦‬بترصف‪.‬‬


‫)‪ (191‬معاني القران ‪.٢١٦/١‬‬
‫)‪ (192‬املدخل اىل علم األصوات للدكتورصالح الدين صالح ‪.٧٤/‬‬
‫)‪ (193‬األصوات اللغوية ‪.١٧٨/‬‬

‫‪٢٤٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ُ‬
‫يحدث بني األصوات الصامتة")‪.(١٩٤‬‬ ‫"وهذا التوافق‪ ،‬يحدث بني الحركات‪ ،‬كما‬
‫أما الغرض من هذا التأثري فهو عندهم" التقريب بني الـصوتني املتجـاورين‪ ،‬مـا أمكـن‬
‫تيسريا ً لعملية النطق‪ ،‬واقتصادا يف الجهد العضيل"‪.‬‬
‫تأثــر األصـوات‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫مصاديق ظاهرة التماثـل حـسب نـسبة‬ ‫)‪(١٩٥‬‬ ‫َ ّ‬
‫وصنف الدكتور أنيس‬
‫بعضها ببعض‪ ،‬اىل أرضب ٍ‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ – ١‬صفة الصوت‪:‬‬
‫أثر أحـدهما يف اآلخـر فيقلبـه اىل‬ ‫ٌ‬
‫مهموس ّ‬ ‫مجهور‪،‬واآلخر‬
‫ٌ‬ ‫إذا التقى صوتان أحدهما‬
‫ّ‬
‫وفـرسوا‬ ‫نظريه حتى يكونا مجهورين مثال ً مع‪ ،‬املحافظة عىل مخرج الصوت املقلـوب‪،‬‬
‫َ‬
‫انقـالب‬ ‫اقتصاد يف املجهود العـضيل املبـذول مـن اللـسان‪ّ ،‬‬
‫ألن‬ ‫ٌ‬ ‫هذا االلتقاء والتأثر ّ‬
‫بأنه‬
‫املهموس اىل املجهور هو اقتصاد يف عملية االنقباض واالنبساط يف املزمار الـذي ُ ْ َ‬
‫يفــتح‬
‫مع املهموس‪ ،‬ويضيق مع املجهور‪ ،‬ليتذب َ‬
‫ذب الوتران الصوتيان‪.‬‬
‫يؤثــر أحـدهما يف‬
‫ّ‬ ‫رخــو‪ ،‬فقـد‬
‫ْ‬ ‫وكذلك إذا التقى صـوتان أحـدهما شـديد واآلخـر ِ‬
‫اآلخر‪،‬فيقلبه اىل نظريه ليصبح الصوتان شديدين أو رخوين‪ُ َ ْ َ ،‬‬
‫وتـصحب هذا التأثري عـادة‬
‫ظاهرة ُ اإلدغام‪ ،‬فهو حالة سابقة لها‪.‬‬
‫يؤثــر الـصوت املطبـق‬
‫ّ‬ ‫وكذلك إذا التقى صوتان أحدهما مطبق‪،‬واآلخر منفتح‪ ،‬فقد‬
‫عىل الصوت املنفتح‪ ،‬ويقلبه اىل نظريه‪ ،‬حتى يكون تناول اللسان لهما بوضـع متناسـب‬
‫ُ‬
‫االقتصاد يف الجهد‪.‬‬ ‫ُ‬
‫يتحقق‬ ‫ومتقارب‪ ،‬وبذلك‬

‫)‪ (194‬التطور اللغوي‪ ،‬الدكتور رمضان عبدالتواب ‪.٢٢/‬‬


‫)‪ (195‬األصوات اللغوية‪.١٨١ :‬‬

‫‪٢٤٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تجاور األصوات املتأثرة تجاورا مبارشا من دون حاجز حتى اذا كـان‬
‫ُ‬ ‫واشرتطوا أن يكون‬
‫الفاصل ُ حركة ً قصرية ً‪.‬‬
‫‪ – ٢‬انتقال مجرى الهواء‪:‬‬
‫يخرج الهواء عند نطق األصوات العربية من الفم‪ ،‬سوى صوتني‪ ،‬هما املـيم والنـون‪،‬‬
‫فيخرج الهواء معهما من األنف‪.‬‬
‫فاذا التقى صوتان يخرج الهواء مع أحدهما من الفم‪ ،‬ومع الثاني من األنف‪ ،‬فيـؤثر‬
‫ُ‬
‫ويقع هـذا التـأثري عـادة كحالـة ٍ‬ ‫ُ‬
‫أحدهما يف مجاوره‪،‬ويقلبه اىل نظريه من النوع اآلخر‪،‬‬
‫ْ‬
‫وقلبها ميمـا‬ ‫معنا")‪،(١٩٦‬‬
‫اركـب ﱠ َ‬ ‫ٍ‬
‫سابقة لظاهرة اإلدغام‪ ،‬كتأثري الباء بامليم يف قوله تعاىل" ْ َ ْ‬
‫ثم يحدث اإلدغام‪.‬‬
‫أي َ ّ‬
‫تـم انتقال مجرى الهواء مع الباء من الفم اىل األنف‪ ،‬بعـد قلبـه اىل نظـريه الـشفوي‬
‫ّ‬
‫يتـــم االقتـصاد يف الجهـد العـضيل املبـذول يف‬ ‫الذي يخرج الهواء معه من األنف‪ ،‬وبهذا‬
‫النطق‪.‬‬
‫‪ -٣‬انتقال مخرج الصوت‪:‬‬
‫آخر‪ ،‬أمامه أو خلفـه‪ ،‬حتـى‬
‫فقد ينتقل مخرج الصوت من مكانه اىل مخرج ِ صوت ٍ َ‬
‫ُ‬
‫استبداله بأقرب األصوات إليه تحت ظروف صوتية خاصة‪ ،‬كقلب النون الساكنة إذا‬ ‫َ ّ‬
‫يتـم‬
‫الباء ميما ً‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وليها‬
‫‪ – ٤‬فناء صوت يف صوت آخر‪:‬‬
‫يفنى أحـدهما يف اآلخـر‪َ ْ ُ ،‬‬
‫وينـطــق‬ ‫َ‬ ‫إذا التقى صوتان متقاربان أو متجانسان‪ ،‬فقد‬
‫الصوتان بصوت واحد‪ ،‬وهو ما اصطلح عليه علماء العربية باإلدغام الـذي ُ َ ّ‬
‫يعـد أقـىص‬

‫)‪ (196‬هود ‪.٤٢ /‬‬

‫‪٢٤٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫حاالت التأثري باملجاورة‪ ،‬وقد حـاكى املحـدثون القـدماء َ يف تعـريفهم للظـاهرة أيـضا‬
‫بأسلوب حديث‪:‬‬
‫قال كانتينو‪ ":‬أما االدغام ُ فهو ظاهرة ٌ تتمثـل يف نزعـة صـوتني مـا اىل التماثـل‪ ،‬أو اىل‬
‫ت)‪.(١٩٧‬‬
‫ّ‬ ‫االتــصاف بصفات مشرتكة نحو‪ :‬د ت‬
‫ّ‬
‫وأشاد املسترشقون ــأيضا ــ باكتشاف علماء العربية يف العراق لهذا القانون الـصوتي‬
‫يتوصل علم األصوات العرصي اىل معرفته اال ّ منذ عهد قريب)‪.(١٩٨‬‬
‫ْ‬ ‫الذي لم‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ﱠَ‬
‫حـددها املحـدثون‪،‬‬ ‫ونظرة رسيعة ملعالم ظاهرة التماثل‪ ،‬أو االنسجام الصوتي كمـا‬
‫علمـاء‬
‫َ‬ ‫وعللها‪ ،‬وأهدافها‪ ،‬يتبني لنا بوضوح ال خفاء فيه‪ ،‬وال غبار عليه ّ‬
‫أن‬ ‫بتقسيماتها‪ِ ،‬‬
‫العربية يف العراق القدماء أدركوا تأثري األصوات املتجاورة بعضها ببعض من أجل تخفيف‬
‫ميرسة‪ ،‬من أجل تخفيف ِ َ َ‬
‫ثقــل‬ ‫التتابعات الصوتية الثقيلة‪ ،‬واستبدالها بتتابعات صوتية ّ‬
‫التحركات عىل اللسان‪ ،‬وتيسري عملية النطق‪.‬‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫رسـمها القـدماء سـوى‬ ‫ولم َ ْ‬
‫يضف املحدثون شيئا جديدا بارزا إىل هذه الظاهرة التي َ‬
‫تغيري األلفاظ ِ واملصطلحات‪.‬‬
‫* * *‬

‫)‪ (197‬دروس يف علم أصوات العربية ‪.٢٦ /‬‬


‫)‪ (198‬علم االصوات عند سيبويه وعندنا‪ ،‬أ‪ .‬شاده‪.٢٥/‬‬

‫‪٢٤٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫التوافق الحركي‪:‬‬
‫ُ‬
‫االنـسجام والتماثـل ُ بـني األصـوات‬ ‫ويراد بها‪ :‬الظواهر النطقيـة التـي َ َ ّ‬
‫تــم فيهـا‬ ‫ُ‬
‫الصائتة)الحركات( قصرية ً كانت أو طويلة ً يف مقطعني متجاورين‪.‬‬
‫غري تام(‪ ،‬كالحركتني املتواليتني يف اإلمالة‪ .‬أو يكون‬
‫وهذا التماثل إما أن يكون جزئيا ً) َ‬
‫تاما كحركة اإلتباع‪ ،‬إذ ْ ُ ْ َ‬
‫ينـطــق بهما كفتحتني أو ضمتني‪ ،‬أو كرستني‪.‬‬
‫وهذه الظواهر جاءت عىل مستويني‪:‬‬
‫ُ‬
‫تشمل لهجات ِ العرب كافة‪.‬‬ ‫أولهما‪ :‬ما جاءت‬
‫تتحدد بمستوى لهجي ّ‬
‫معني‪ ،‬أي بقبيلة خاصة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وثانيهما‪ :‬ما جاءت‬
‫العلـــة يف‬
‫ّ‬ ‫علماء العربية معالم هـذه الظـاهرة‪ ،‬ووقوعهـا بـني أصـوات‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫أدرك‬ ‫لقد‬
‫صور لنا االنسجام والتناسب ّ‬
‫بكل‬ ‫علمي صوتي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫متعددة‪ ،‬وأبانوا ِعللها بمنظار‬ ‫مصاديق‬
‫دقة‪ ،‬وأدركوا وقوع َ هذا التناسب هنا كوقوعه بني األصوات الصامتة‪ ،‬وربطوا بينهمـا يف‬
‫استدالالتهم‪،‬‬
‫• وفيه قال ابن ِ ّ‬
‫جـني ‪:‬‬
‫التقارب بني الحرفني‪ ،‬فقد ُ‬
‫تجده أيضا ً بني‬ ‫َ‬ ‫" واعلم أنك كما قد تجد هذه املضارعة‪ ،‬وهذا‬
‫الحركات")‪.(١٩٩‬‬
‫وسنتحدث ُ عن بعض مظاهر هذا التوافق مؤكدين تعليالتهم الصوتية لها يف ّ‬
‫كل من‪:‬‬
‫اإلمالة‪ ،‬واإلتباع‪.‬‬

‫)‪ (199‬رس صناعة اإلعراب ‪.٥٨ /١‬‬

‫‪٢٤٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫)‪(٢٠٠‬‬
‫اإلمالـــــــــة‪:‬‬
‫فيجنــح بـه‬ ‫ُ‬
‫األلف يف محيط ٍ صوتي ٍ محـدد ٍ‪ُ َ ْ ُ ،‬‬ ‫ّ‬
‫اختص به صوت‬ ‫وهي ظاهرة نطقية‬
‫نحو الياء‪.‬‬
‫ُ‬
‫تقريـب" الحـرف‬ ‫ألنـها عنده‬ ‫َ‬
‫نحو الياء ِ"‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫باأللف‬ ‫وهي عندهم كما قال ّ‬
‫املربد‪ ":‬أن تنحو‬
‫مما ُيشاكله من كرسة أو ياء")‪.(٢٠١‬‬
‫وكرر العلماء هذا املعنى يف دراساتهم لها‪:‬‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫األلف نحو الياء‪ ،‬والفتحة نحو الكرسة")‪.(٢٠٢‬‬ ‫َ‬
‫تميل‬ ‫• كقول الزجاجي‪ْ ":‬‬
‫أن‬
‫َ‬
‫فتميـل‬ ‫إنـما هي ْ‬
‫أن تنحو بالفتحـة نحـو الكـرسة‬ ‫بأن" اإلمالة ّ‬ ‫• وقول ابن ِ ّ‬
‫جـنـي ّ‬
‫َ‬
‫األلف التي بعدها نحو الياء‪ ،‬لرضب من تجانس الصوت‪ ،‬فكما ّ‬
‫أن الحركـة َ ليـست‬
‫َ‬
‫األلـف تابعـة ٌ‬ ‫فتحة محضة‪ ،‬فكذلك األلف التي بعدها ليست ألفـا ً محـضة‪ّ ....‬‬
‫ألن‬
‫للفتحة)‪.(٢٠٤)".....(٢٠٣‬‬
‫أنـها كيفية ٌ خاصة لنطق األلف يف تتابع صوتي بعينه‪.‬‬
‫فاإلمالة بعد هذا تتبني ّ‬
‫علـة اإلمالة" عند علماء العربية‪ ،‬كمـا يتـضح مـن‬
‫وهذا التتابع الحركي الصوتي هو" ّ‬
‫أقوالهم‪:‬‬

‫ّ ُ‬
‫سنعلـل له‪.‬‬ ‫أشهرها‪ ،‬إمالة ُ الفتح ِ نحو الكرس ِ وهو ما‬
‫ُ‬ ‫)‪ (200‬االمالة كما ُرويت أنواع كثرية‬
‫)‪ (201‬املقتضب ‪.٤٢ /٣‬‬
‫)‪ (202‬الجمل ‪.٣٦٣/‬‬
‫بأن حروف املد تسبقها حركـات ٌ مجانـسة لهـا‪،‬‬‫)‪ (203‬وعبارة األلف تابعة للفتحة توضح لنا تصورهم ّ‬
‫فاأللف تسبقها الفتحة‪ ،‬والياء تسبقها الكرسة‪ ،‬والواو تسبقها الضمة‪ ،‬وهو أمر لم تؤيدهم به الدراسـات‬
‫الحديثة ألن الحروف الصامتة السابقة لحروف املد متحركة بحروف املد ِ‬
‫نفسها‪ ،‬ألنها حركات طويلة‪.‬‬
‫)‪ (204‬رس صناعة اإلعراب ‪.٥٨/١‬‬

‫‪٢٤٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫)‪(٢٠٥‬‬ ‫َ‬
‫األلف للكرسة الالزمة ملا بعدها‪ ..‬وكذا إذا كانت قبلها‪...‬‬ ‫َ‬
‫أملت‬ ‫• قال ّ‬
‫املربد‪ ":‬فإنما‬
‫عابـد( و)ِعباد("‪.‬‬
‫ومثل للتتابعني بـ) ِ‬
‫وإنـما تحدث األمالة عن الكرسة‪ ،‬إذا كانت قبل‬
‫ّ‬ ‫جنـي هذا املعنى بقوله‪":‬‬
‫ّ‬ ‫وكرر ُ‬
‫ابن‬ ‫ّ‬ ‫•‬
‫حاتم")‪.(٢٠٦‬‬
‫الحرف املمال أو بعده‪....‬نحو‪ِ :‬عماد‪ ،‬وهذا ِ‬
‫َ‬
‫الهدف املنشود من هذه الظاهرة‪ ،‬وهو أنها وقعت" لرضب مـن تجـانس‬ ‫وأبان ـ أيضا ًـ‬
‫)‪(٢٠٧‬‬
‫ُ‬
‫العمل من وجه واحد‬ ‫َ‬
‫ليكون‬ ‫الصوت" و‬
‫مؤلـف ٍ من‪:‬‬
‫ّ‬ ‫فعلــة االمالة إذا ً هي وجود" األلف" يف تتابع صوتي‬
‫ّ‬
‫املد‪ ،‬أو‪ ،‬ألف ّ‬
‫املد ‪ +‬صامت مكسور‪.‬‬ ‫صامت مكسور‪ +‬ألف ّ‬
‫ُ‬
‫يتطلب‬ ‫َ‬
‫األلف‬ ‫ألن‬ ‫َ‬
‫يخفى ما بني نطق الكرس واأللف من اختالف يف الحركات النطقية‪ّ ،‬‬ ‫وال‬
‫َ‬
‫انفتاح الفم مع استواء اللسان يف قاع الفم‪ ،‬عىل خالف الوضع النطقـي مـع الكـرسة أو‬
‫الياء‪ ،‬فمن أجل التقريب بني الوضعني املتخالفني‪ ،‬وإيجاد ِ التناسب واالنسجام الصوتي‪،‬‬
‫َ‬
‫دون انفتاح الفم معها‪ ،‬لتقريب من الوضع النطقي للكرسة أو الياء‪ ،‬وبذلك‬ ‫ُ ِ َ‬
‫نـطق بألف ٍ‬
‫ٍ‬
‫وجه واحـد ٍ" كمـا قـال‬ ‫ُ‬
‫العمل من‬ ‫املربد‪ ،‬و" يكون‬ ‫ّ‬
‫يتم" التقريب بني الصوتني" كما قال ّ‬
‫ابن ِ ّ‬
‫جـنـي‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪ (205‬املقتضب ‪.٤٢/٣‬‬


‫)‪ (206‬املنصف ‪.٥٦/١‬‬
‫)‪ (207‬رس صناعة اإلعراب ‪.٥٨/١‬‬

‫‪٢٤٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫• ولم َ ِ‬
‫يضف املحدثون أمرا ً ذا أهمية عما قاله علماء العراق يف تعليل هـذه الظـاهرة‪.‬‬
‫أيد َ ْ َ‬
‫كـون هذا الحادث الصوتي املشهور من باب تقريب الـصوت‬ ‫فاملسترشق شاده ّ‬
‫الفـهم)‪.(٢٠٨‬‬
‫َْ‬ ‫فـهموا ما هية َ هذا الحادث ّ‬
‫حق‬ ‫علماء العربية َ‬
‫َ‬ ‫وأكـد ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫من الصوت‪،‬‬
‫• وقال الدكتور أنيس‪ ":‬فليس هذا إال ّ نوعا من االنسجام بني أصوات اللني‪ ،‬لذلك جعل‬
‫القدماء من أسباب اإلمالة وجود كرسة سواء أكانت سابقة أم الحقـة‪ ،‬وال شـك ّ‬
‫أن‬
‫ُ‬
‫يتطلب مجهودا ً عـضويا ً أكـربَ ممـا لـو‬ ‫االنتقال من الكرس أو الفتح‪ ،‬أو بالعكس‬
‫بأن تصبح متشابهة‪ّ ،‬‬
‫ألن حركة َ األمالـة‬ ‫أصوات اللني بعضها مع بعض‪ْ ،‬‬
‫ُ‬ ‫انسجمت‬
‫أقرب إىل الكرسة ِ منها اىل الفتحة")‪.(٢٠٩‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫لنعد ثانية اىل تراثنا يف هذه الظاهرة‪ ،‬فقد خلفوا لنا تفسريا ً صوتيا ً دقيقا ً يف إحـدى‬
‫حاالت منع اإلمالة‪ ،‬وهي عندما يسبق)األلف( أو يلحق به أحد أصوات االستعالء السبعة‪:‬‬
‫الصاد‪ ،‬والضاد‪ ،‬والطاء‪ ،‬والظاء‪ ،‬والخاء‪ ،‬والقاف‪ ،‬والغني‪ ،‬مفتوحا كان أو مضموما‪.‬‬
‫• ففي هذا قال ّ‬
‫املربد‪ ":‬فاذا كانت هذه الحروف ]املستعلية[ يف موضـع الفـاءات مـن‬
‫ّ‬
‫يتـصعد املـتكلم بعـد‬ ‫فاعل‪َ َ َ ،‬‬
‫منعت اإلمالة لقربها‪ ،‬وهي بعد األلف أمنـع)‪ ،(٢١٠‬لـئال‬
‫االنحدار")‪.(٢١١‬‬

‫)‪ (208‬علم االصوات عند سيبويه وعندنا ‪.٢٤/‬‬


‫)‪ (209‬يف اللهجات العربية ‪.٦٧/‬‬
‫)‪ (210‬أي إن هذه األصوات إذا كانت بعد األلف فهي أقوى يف منع اإلمالة مما لو كانت قبله ألنها لو كانـت‬
‫سابقة لكان النطق يبدأ بالعايل وينحدر‪ ،‬أما اذا جاءت بعده ّ‬
‫فإن النطق يبدأ بالتسفل ثم يتصعد اىل األعـىل‪،‬‬
‫مشقـة أكثر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ويف هذا‬
‫)‪ (211‬املقتضب ‪.٤٦/٣‬‬

‫‪٢٤٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ّ‬
‫يـصعدوا باملـستعيل‬ ‫• وقال أبو عيل الفاريس‪ ":‬تركوا إمالة)واقد( ونحوه‪ ،‬كراهـة ْ‬
‫أن‬
‫التسفـل باإلمالة")‪.(٢١٢‬‬
‫ّ‬ ‫بعد‬
‫سبب صوتي‪ ،‬إذ إّن صوت األلف يتطلب انفتاح الفـم‪ ،‬أمـا اإلمالـة‬
‫ٌ‬ ‫فاملانـع هنا‬
‫ُ‬
‫فإنـه‬
‫ّ‬ ‫جنح بها اىل الصوت املستعيل‪،‬‬ ‫ُ‬
‫األلف‪ ،‬ثم ُ ِ َ‬ ‫فتتطلب التسفل بالنطق‪ ،‬فإذا أميلت‬
‫حقــه‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫والشخوص إىل الغار األعىل من أجل إعطاء الصوت املستعيل‬ ‫ّ‬
‫التصعد‬ ‫يتطلب‬
‫ألن املستعلية َ" حروف استعلت اىل الحنك األعىل")‪ (٢١٣‬أو هي" شاخصة إىل‬
‫يف النطق‪ّ ،‬‬

‫الغار األعىل" كما أفاد ابن دريد)‪ ،(٢١٤‬فيكون يف االنتقال من الوضع النطقي لإلمالـة‬
‫ّ‬
‫يـؤدي‬ ‫ومشقـة ٌ للتباعد واالرتفاع املبارش الذي‬
‫ّ‬ ‫ّ ٌ‬
‫تكلــف‬ ‫إىل نطق األصوات املستعلية‬
‫اىل ثقل النطق‪.‬‬
‫َ‬
‫أحـد‬ ‫ْ‬
‫سبقت‬ ‫علـة قلب السني صادا إذا‬ ‫ُ‬
‫نفسها ّ‬ ‫فعلة ُ حدوث االنسجام يف هذا التتابع‪ ،‬هي‬
‫يقـع اللـسان ُ عليهـا‪ّ ،‬‬
‫ثـم يرتفـع اىل الطـاء‬ ‫َ‬ ‫األصوات املـستعلية التـي " اسـتثقلوا ْ‬
‫أن‬
‫والقاف")‪.(٢١٥‬‬
‫ّ‬
‫تمـد‬ ‫وهذا التعليل نال موافقة َ املحـدثني وتأييـدهم للفكـرة يف" ّ‬
‫أن أصـوات – اإلطبـاق‬
‫نفوذها إىل ما يسبقها‪،‬وما يتبعها من أصوات")‪.(٢١٦‬‬

‫)‪ (212‬الحجة يف علل القراءات السبع ‪.٣٨/‬‬


‫)‪ (213‬املقتضب‪.٤٦ /٣‬‬
‫)‪ (214‬جمهرة اللغة ‪.١٢/١‬‬
‫)‪ (215‬م‪ .‬ن ‪.١٢/١‬‬
‫)‪ (216‬القول للمسترشق)‪ (Beeston,A.F.L‬نقال ً عن دراسة الصوت اللغوي ‪.٣٢٩/‬‬

‫‪٢٥٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ّ‬
‫فـإن جميـع‬ ‫مفخـم سـاكن يف مقطـع مـا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وقال الدكتور العاني‪ ":‬عندما يوجد صوت‬
‫املقطع يصبح مفخما ً‪ ،‬ومـن املمكـن أن يجعـل جميـع‪ ...‬الفونيمـات متـأثرا ً ببيئتـه‬
‫الصوتية")‪.(٢١٧‬‬
‫وقال كانتينو‪ ":‬فإننا‪ ...‬نوافقهم تمام َ املوافقة يف ضبطهم ملوانـع اإلمالـة‪ ،‬أي الحـروف‬
‫َ‬
‫األلف منعت إمالتها وهي الحروف السبعة املستعلية")‪.(٢١٨‬‬ ‫التي إذا جاورت‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫اإلتباع يف الحركات‪:‬‬
‫ُ ْ َ‬
‫مختلفني‪،‬يجنح بهمـا اىل التماثـل‬ ‫ُ‬
‫ويراد بها عندهم ظاهرة توايل صوتي لني قصريين‬
‫الخفـة يف النطق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫موحد‪ ،‬ليصبحا فتحتني‪ ،‬أو ضمتني‪ ،‬أو كرستني من أجل‬ ‫التام بنطق‬
‫وأكــد الفـاريس هـذا‬
‫ّ‬ ‫اتـباع العرب لهـا)‪،(٢١٩‬‬ ‫• وهي ظاهرة َ َ‬
‫وصفـها األخفش بكثرة ّ‬
‫بقوله‪ ":‬ومن ذلك أنهم قد احتملوا من أجل إتباع الحركات ما رفضوه يف غريه‪ ،‬وذلك‬
‫يـخـطـف)‪ّ ِ ِ ،(٢٢٠‬‬
‫ويـكـتـب‪ ،‬فكرسوا الياء يف املـضارعة إتباعـا ملـا بعـدها‪،‬‬ ‫قولهم‪ّ ِ ِ :‬‬
‫ولوال ذلك لم تكرس الياء")‪.(٢٢١‬‬
‫أنـهم هنا كرسوا ياء املضارعة إتباعا ً‪ ،‬علما أنـه غـري‬ ‫ويريد أبو عيل الفاريس ْ‬
‫أن يوضح ّ‬
‫عرفوا ْ‬
‫بكرس حرف املضارعة‪.‬‬ ‫معمول به حتى عند الذين ُ ِ‬

‫مر ذكره أيضا‪ً .‬‬


‫)‪ (217‬التشكيل الصوتي ‪ ،٥٠/‬وقد ّ‬
‫)‪ (218‬دروس يف علم أصوات العربية ‪.١٥٩/‬‬
‫)‪ (219‬معاني القرآن‪ ،‬لألخفش ‪.٥٠/١‬‬
‫)‪ (220‬يخطف وأصله يختطف‪ ،‬فأدغم التاء يف الطاء‪ ،‬وكرست الخاء الجتماع الساكنني‪ ،‬ثم كـرست اليـاء‬
‫لالتباع‪.‬‬
‫)‪ (221‬الحجة يف علل القراءات السبع ‪.٨٣/١‬‬

‫‪٢٥١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫اإلتـــباع وقوتـه يف نفوسـهم‪ ،‬فقـال‪":‬وقـد‬


‫ْ‬ ‫• وزاد ابن ِ ّ‬
‫جـنـي بيان ميل العـرب إىل‬
‫لــوا باإلعراب‪ ،‬فقال بعضهم‪:‬‬ ‫قرب الصوت ِ إىل ْ‬
‫أن أخ ّ‬ ‫إيثار ِ‬
‫ُ‬ ‫دعاهم‬
‫الساقني ِ ّ‬
‫إمك هابل‬ ‫ارضب ّ‬
‫وقال ِ ِ‬
‫لـله")‪.(٢٢٢‬‬
‫والحمد ِ‬
‫ِ‬ ‫الحمد لُله‪،‬‬
‫ُ‬ ‫• وهذا نحو من‪":‬‬
‫تـرى ّ‬
‫أن َمـن‬ ‫• وقال أبو عيل الفاريس‪ّ ":‬‬
‫إن حركة َ اإلعراب ال ُ ْ َ‬
‫يـبدل منها لإلتباع‪ ...‬أال َ‬
‫منـتن")‪ .(٢٢٣‬بمعنى أنـه‬
‫يجز كما جاز‪ِ ْ ِ :‬‬ ‫ُ‬
‫للمالئكة ُاسجدوا‪ ،‬لم يكن مصيبا‪ ،‬ولم َ ُ ْ‬ ‫قال‪:‬‬
‫رفض حركة اإلتباع ْ‬
‫إن كانت حركة إعراب‪ ،‬وإجازه يف حركات بنية الكلمة‪.‬‬
‫علـة وقوع هذه الظاهرة‪ ،‬فهي" ثقل نطق الحركتني املختلفتـني"‪ ،‬وهـذا مـا أكدتـه‬
‫أما ّ‬
‫أقوالهم‪:‬‬
‫أن يجتمع َ يف اسم واحد من كالمهم ّ‬
‫ضمة ٌ بعد كرسة ٍ‪ ،‬أو‬ ‫• قال ّ‬
‫الفراء‪ ":‬فثقل عليهم ْ‬

‫ضمة")‪.(٢٢٤‬‬
‫كرسة ٌ بعدها ّ‬
‫اسـتثقل الـضمة َ يف‬ ‫عليــهم‪ّ "،‬‬
‫فإنـه ْ‬ ‫ِ ُ‬ ‫عليهم(‪ ،‬واألصل‪:‬‬
‫وقال ـ أيضاـ يف بيانه لالتباع يف) ِ‬
‫عليهـم")‪.(٢٢٥‬‬
‫ِ‬ ‫ياء ساكنة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫الهاء‪ ،‬وقبلها ٌ‬
‫بعلـة الثقل‪ ،‬إذ قال يف وقوع اإلتباع يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واعتد األخفش‬ ‫•‬

‫)‪ (222‬الخصائص ‪ ١٤٥/٢‬والشاهد يف البيت كرس ميم ّ‬


‫إمك إتباعا ً لكرسة الهمزة‪ ،‬واألصل هو الرفع لكون‬
‫اللفظة مبتدأ‪.‬‬
‫)‪ (223‬الحجة يف علل القراءات السبع ‪.٤٩ /١‬‬
‫)‪ (224‬معاني القرآن‪ ،‬للفراء ‪. ٣/١‬‬
‫)‪ (225‬م‪ .‬ن ‪.٥- ٣/١‬‬

‫‪٢٥٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ُ‬
‫األلف‪ ،‬إذا كان الحرف الثالـث مـضموما‪،‬‬ ‫كـثريا")‪" ،(٢٢٦‬وانما ّ‬
‫ضمت هذه‬ ‫" ُ ُُ‬
‫واذكـروا َ‬
‫الله َ‬
‫فـثـقـل علـيهم أن يكونـوا يف ْ ٍ‬
‫كـرس‪ ،‬ثـم‬ ‫ألنـهم لم يروا بني الحرفني إال ّ حرفا ً ساكنا ً‪ُ َ َ ،‬‬
‫ّ‬
‫يصريوا إىل َ‬
‫الض ّم‪ ،‬فأرادوا أن يكونا جميعا مضمومني‪ ،‬إذا كان ذلك ال ّ‬
‫يغري املعنى"‪.‬‬
‫ومن ّ‬
‫نص األخفش تتبني لنا أمور‪ ،‬هي‪:‬‬
‫علـة وقوع االتباع هي ِ ُ‬
‫ثقل النطق الحاصل عن تتابع حركتني مختلفتني‪.‬‬ ‫أن َ‬‫‪ّ –١‬‬
‫متحرك‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ – ٢‬عدم االعتداد بالحرف الحاجز بني الحركتني‪ ،‬لكونه غري‬
‫‪ – ٣‬كون املعنى ثابتا‪ ،‬ال يتغري بعد وقوع اإلتباع‪.‬‬
‫• والحظ أبو عيل الفاريس)‪ (٢٢٧‬مسألة َ وقوع اإلتباع مع وجود الفصل بني الحـركتني‪،‬‬
‫إن حركة اإلتباع قد جاءت عنهم مع حجز َ ْ‬
‫حـرف ٍ بـني الحـركتني‪ ،‬وذلـك‬ ‫إذ ْ قال‪ّ ":‬‬
‫أجيئـك‪ِ ِ ،‬‬
‫ومنتن‪."...‬‬ ‫ُ‬ ‫قولهم‪ُ ُ :‬‬
‫أجؤك يف‬
‫ُ‬
‫األساس لظاهرة اإلتباع فهو الخفة ُ يف النطـق التـي تكـون حـصيلة تنـاول‬ ‫ُ‬
‫الهدف‬ ‫أما‬
‫ّ‬
‫موحـد‪ ،‬ومتماثـل عـىل نمـط واحـد ليجعلهمـا‬ ‫اللسان نطق الحركتني بوضـع نطقـي‬
‫ــتن‪ ،‬والضمتني يف ْ ُ‬
‫أنـبؤك ‪ ،‬وبذلك يتشابه الصوتان‪ ،‬ويتفقان‪ ،‬وتتحقق‬ ‫كالكرستني يف ِمن ْ ِ‬
‫الخفـة املنشودة‪.‬‬
‫ّ‬
‫أما األلفاظ املروية ُ يف باب اإلتباع‪ ،‬فهي رضبان‪:‬‬
‫أثـرت فيه الحركة السابقة عىل الحركة الالحقة‪.‬‬
‫األول‪ :‬ما ﱠ‬
‫نظري‪:‬‬
‫وبـهـم ‪،‬‬ ‫وعليــهم‪ُ ،‬‬
‫وبهم ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُْ‬
‫علـيهم‬ ‫• ما رواه ّ‬
‫الفراء‪:‬‬
‫• ويف تغيري حركة هذا الضمري‪.‬‬

‫)‪ (226‬األنفال ‪.٤٥/‬‬


‫)‪ (227‬الحجة يف علل القراءات السبع ‪.٨٣/١‬‬

‫‪٢٥٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫• قال أبو عيل الفاريس‪ ":‬إنها إذا لم تجاورها الكرسة‪ ،‬وال الياء لم تكن إال ّ مضمومة‪،‬‬
‫الكرس فيها لإلتباع والتقريب")‪.(٢٢٨‬‬
‫ُ‬ ‫وإذا جاورتها الكرسة ُ‪ ،‬أو الياء جاز‬
‫أجؤك)‪.(٢٢٩‬‬ ‫• وما رواه األخفش‪ ":‬أنا ْ ُ‬
‫أنـبـؤك‪ ،‬وأنا ُ‬
‫ََ‬
‫الخــفق يف‬ ‫وقـربان‪ ،‬وما جـاء مـن ألفـاظ الـشعر‪:‬‬
‫قـربان ُ ُ‬ ‫• وما رواه ابن ِ ّ‬
‫جـنـي‪ْ ُ :‬‬
‫الجـلـد)‪.(٢٣٠‬‬
‫ِ ْ‬ ‫ِ ِ‬
‫والجـلد يف‬ ‫والعشق يف ِ ْ‬
‫العشـق‪،‬‬ ‫الخـفـق‪ِ ِ ،‬‬
‫َ ْ‬
‫أثـرت فيه الحركة ُ الالحقة ُ عىل الحركة السابقة‬
‫الثاني‪ :‬ما ﱠ‬
‫• نظري‪:‬‬
‫ُ‬
‫الحمد ِلله‪ ،‬والحمد ِ ِلله‪.‬‬ ‫• ما رواه ا ّ‬
‫لفراء‪:‬‬
‫ومنحـدر‬ ‫ُ‬ ‫واذكـروا ُ‬
‫واذكــروا‪ُ َ َ ُ ،‬‬ ‫ومنــ ِتن‪ ،‬والن ﱠْقـد ِ ِ‬
‫والنقد‪ُ ِ ،‬‬ ‫• وما رواه األخفش‪ِ ْ ُ :‬‬
‫منـتن ِ ْ‬
‫ومنـحدر)*(‪.‬‬
‫ُ ْ َ ُ ُ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ودرس املحدثون هذه الظاهرة تحت باب ظاهرة االنسجام بني أصوات اللني وهـي‬
‫ّ‬
‫التطور يف حركات الكلمـات‪ ،‬فالكلمـة التـي تـشتمل عـىل‬ ‫عندهم" ظاهرة من ظواهر‬
‫ُ‬
‫اللسان‬ ‫حركات متباينة تميل يف تطورها إىل االنسجام بني هذه الحركات‪ ،‬حتى ال ينتقل‬
‫ضم اىل كرس اىل فتح يف الحركات املتوالية‪ ،‬وقد برهنت املالحظـة الحديثـة عـىل ّ‬
‫أن‬ ‫من ّ‬

‫)‪ (228‬معاني القرآن‪ ،‬للفراء ‪ ،٥/١‬و الحجة يف علل القراءات السبع ‪.٩٩/‬‬
‫)‪ (229‬معاني القرآن‪ ،‬لألخفش ‪.١٧٠ /١‬‬
‫)‪ (230‬املحتسب ‪ ١٧٧/١‬و املنصف ‪.٣٠٨/٢‬‬
‫)*( معاني الفراء ‪ ،٣ /١‬معاني األخفش ‪.١٧٠ ،٥ ،٤ /١‬‬

‫‪٢٥٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ّ‬
‫تعمد إىل االنسجام بني‬ ‫الناطق حني يقتصد يف الجهد العضوي يميل ُ دون شعور منه‪ ،‬أو‬
‫حركات الكلمات")‪.(٢٣١‬‬
‫ومن الصيغ التي حدث فيها االتباع هي‪:‬‬
‫‪ِ – ١‬فعيل بدل َ‬
‫فـعيل)إذا كان ثانيه من أصوات الحلق(‪:‬‬
‫وعيد الله")‪.(٢٣٢‬‬
‫لمن خاف ِ ِ‬ ‫• حكى أبو زيد األنصاري عن العرب قولهم‪َ ":‬‬
‫الجنة ِ َ‬
‫وروى األخفش‪ِ :‬شعري)‪.(٢٣٣‬‬
‫َ‬ ‫•‬
‫والرغيـف‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والبعـري‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬
‫والـشعري‪،‬‬ ‫والنخـري‪ِ ،‬‬
‫والنغيـق‪،‬‬ ‫الـشخري‪ِ ،‬‬ ‫• وروى ابن ِ ّ‬
‫جـنـي‪ِ :‬‬
‫والزئري)‪.(٢٣٤‬‬
‫• واشرتط األخفش ْ‬
‫أن يكون ثانيه أحد أصوات الحلق فقال‪ ":‬وهذا ليس من كالمهم‬
‫إال ّ يف ما كان ثانيه أحد الحروف الستة")‪.(٢٣٥‬‬
‫وفقـري‪ِ :‬جريـب‪ ،‬وال ِ ِ‬
‫فــقري‪،‬‬ ‫• واىل هذا ذهب ابن جني بقوله‪ ":‬وال تقول يف َ‬
‫جريب‪َ ،‬‬
‫ألنه ليس ثاني حروفهما حرفا من حروف الحلق"‪.‬‬
‫مطـرد يف بابه‪ ،‬لحرف الحلق")‪.(٢٣٦‬‬
‫ّ‬ ‫وقال أيضا ً‪ ":‬هذا‬
‫ويبدو ّ‬
‫أن اشرتاط األخفش وقويل ابن ِ ّ‬
‫جـنـي لم يكونا دقيقني‪ ،‬لورود ألفاظ يف هذا الباب‪،‬‬
‫ّ‬
‫ولعـل االسـتقراء التـام قـد‬ ‫دون أن يكون ثاني حروفها من حروف الحلق‪ ،‬نحو‪ِ :‬نقيـذ‪،‬‬
‫دقـة هذا الرشط‪.‬‬ ‫ُ ْ ِ‬
‫يفـصح عن عدم ّ‬

‫)‪ (231‬يف اللهجات العربية ‪.٩٧ – ٩٦ /‬‬


‫)‪ (232‬الخصائص ‪ ،١٤٣/٢‬املنصف ‪ ،١٩/١‬املحتسب ‪.٤١/٢‬‬
‫)‪ (233‬معاني القرآن ‪.٥/١‬‬
‫)‪(234‬املحتسب ‪،٤١ /٢‬و الخصائص ‪.١٤٣/٢‬‬
‫)‪ (235‬معاني القرآن ‪.٥/١‬‬
‫)‪ (236‬املنصف ‪.٢٢٤ ،١٩/١‬‬

‫‪٢٥٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫علـة التغيري الذي أصاب هذه الصيغة فهي واضحة يف قول ابن ِ‬
‫جـني‪:‬‬ ‫أما ّ‬
‫"فكرسوا فاء الفعل لكرسة عينه")‪.(٢٣٧‬‬
‫وبيان هذا هو أنه ملا كانت حركة الـصوت الحلقـي هـي الكـرسة الطويلـة)اليـاء(‪،‬‬
‫ُ‬
‫التناسب بينهما‪ ،‬لتباعد وضعي نطقهما‬ ‫وحركة الحرف السابق له هي الفتحة‪ ،‬فقد َ ُ‬
‫بعد‬
‫حلقـي‬
‫ّ‬ ‫يف الفم‪ ،‬الختالف التتابع الصوتي وعدم انسجامه وهو‪ :‬صامت مفتوح ‪ +‬صامت‬
‫مكسور‪.‬‬
‫وملا كان السياق يلجأ – يف كثري من أحواله – إىل التناسب من أجل الخفـة يف النطـق‪،‬‬
‫مؤلـفا من‪:‬‬
‫ّ‬ ‫فقد ْ ِ‬
‫أبدلت فتحة ُ فاء الفعل‪ ،‬كرسة ليكون التتابع‬
‫)صامت مكسور ‪ +‬صامت حلقي مكسور(‪ ،‬وبهذا ّ‬
‫يتم التناسب وتتحقـق املـشاكلة‬
‫َ‬
‫وجه هنا لقول أبي عيل الفاريس‪ِ ":‬شعري‪ ،‬ورغيف‪ ...‬أتبعوا الفتحة الكرسة يف‬ ‫بينهما‪ ،‬وال‬
‫قـربها من الكرسة")‪.(٢٣٨‬‬ ‫ّ‬
‫الضمة ُ ْ‬ ‫جميع ذلك لقربها‪ ،‬منها‪ ...‬حيث لم تقرب الفتحة من‬
‫ّ‬
‫الضمة أكثر من نطق األلف‪ ،‬وهـو أمـر أدركـه ابـن‬ ‫فالتشابه يف نطق الكرسة ونطق‬
‫ونـسبا ليس بينهما وبني األلف")‪.(٢٣٩‬‬
‫قـربا َ َ‬ ‫ِ ّ‬
‫جـنـي‪ ،‬وجاء بقوله‪ ":‬بني الياء وبني الواو ُ ْ‬
‫ّ‬
‫الضمة والكرسة من الحركات الضيقة بينما‬ ‫أيده الدارسون املحدثون ّ‬
‫وعدوا‬ ‫وهو أمر ّ‬
‫متـسعة‪.‬‬
‫األلف حركة ّ‬
‫أقر الدارسون املحدثون كونهـا نوعـا مـن االنـسجام بـني‬
‫أما الظاهرة نفسها‪ ،‬فقد ّ‬
‫حركات بنية الكلمة الواحدة‪.‬‬
‫* *‬ ‫*‬

‫)‪ (237‬الخصائص ‪ ،٣٦٥ /١‬واملنصف ‪ .١٩ /١‬املحتسب ‪.٤١/٢‬‬


‫)‪ (238‬الحجة يف علل القراءات السبع ‪ ٧٠/١‬وعنده ّ‬
‫أن النسبة بـني الحركـات فيمـا بينهـا كالنـسبة بـني‬
‫حروف امل ّ‬
‫املدد‪.‬‬
‫)‪ (239‬رس صناعة اإلعراب ‪.٢٣/١‬‬

‫‪٢٥٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫فـعل َ ْ َ‬
‫يفـعـل‪:‬‬ ‫‪َ َ –٢‬‬
‫عينــها أو ُ‬
‫المهـا صـوتا ً‬ ‫ُ‬ ‫فـعـل)املايض املفتوح العني( إذا كـان‬ ‫ويراد بها ّ‬
‫أن صيغة َ َ‬
‫فإن عينـها يف املضارع تأتي مفتوحة‪ ،‬أي ّ‬
‫إن صوت الحلق ُيؤثر الفتحـة‪.‬نظـري‪:‬‬ ‫حلقيا ً‪ّ ،‬‬
‫شـدخ َ ْ َ‬
‫يشـدخ‪.‬‬ ‫يدمغ‪َ َ ،‬‬
‫دمغ َ ْ َ‬
‫يذبح‪َ َ ،‬‬
‫وذبح َ َ‬
‫يسعل‪َ ،‬‬
‫سعل َ ْ َ‬ ‫ذهب َ َ‬
‫يذهب‪َ َ ،‬‬ ‫يسأل‪َ ،‬‬
‫سأل َ ْ‬
‫ّ‬
‫العني‪،‬فـإن مـستقبله يـأتي‬ ‫• قال ابن السكيت‪ ":‬ما كان ماضيه عىل َ َ‬
‫فـعل مفتـوح‬
‫ُ‬
‫مستقبله بـالفتح‪،‬‬ ‫وقـتـل َ ْ ُ‬
‫يقـتـل‪ ،‬وال يأتي‬ ‫ضـرب َ ْ‬
‫يرضب‪َ َ ،‬‬ ‫بالضم أو الكرس نحو‪َ َ :‬‬
‫الم الفعل‪ ،‬أو ُ‬
‫عني الفعل َ‬
‫أحد الحروف الستة‪ ،‬وهـي حـروف الحلـق‪...‬‬ ‫إال ّ أن تكون ُ‬
‫يفـعل")‪.(٢٤٠‬‬
‫فـعـل َ ْ َ‬ ‫ّ‬
‫فإن الحرف إذا كان فيه أحد هذه الستة األحرف‪ ،‬جاء عىل َ‬
‫َعلماء العربية يف العراق هذا التآخي بني أصـوات الحلـق والفتحـة‪ ،‬ضـمن‬
‫ُ‬ ‫وقد أدرج‬
‫َ‬
‫بعـض االخـتالف‪ ،‬فـإذا كـان التقريـب يف‬ ‫ّ‬
‫يتـضمن‬ ‫أبواب املضارعة والتقريب‪ ،‬علما أنه‬
‫فإنـه يف هذه الـصيغة وقـع‬
‫ّ‬ ‫الحاالت السابقة وقع بني صوتني صامتني‪ ،‬أو بني حركتني‪،‬‬
‫بني صوت صامت وحركة‪.‬‬
‫فرصدوه‪،‬وعلـلــوه تعليال صـوتيا‪ .‬قـال‪:‬‬
‫ّ‬ ‫هذا التناسب لم َ ِ ْ‬
‫يغب عن بال علماء اللغة‪،‬‬
‫وجأر َ ْ‬
‫يجأر‪ ،‬فأتبعوا الهمزة وأخواتها مـا جانـسها‬ ‫يقـرأ‪َ ،‬‬
‫قـرأ َ ْ َ‬
‫أبو عيل الفاريس‪ ":‬قالوا‪َ َ :‬‬
‫من الحركات‪ ،‬وما كان من ّ‬
‫حيزها‪،‬وهي الفتحة‪ ،‬ولم يفعلوا ذلك مع الحـروف املرتفعـة‬
‫يقـربن من الفتحة قرب الحلقية منها")‪.(٢٤١‬‬
‫عن الحلق‪ ،‬حيث لم َ ْ ُ‬

‫فـعـل َ ْ َ‬
‫يفـعل إال أفعال قليلة جدا‬ ‫)‪ (240‬ولم يأت من األفعال – إذا لم يكن فيها أحد األصوات الستة – عىل َ َ‬
‫منها ماهو متفق عليه نظري)أبى يأبى وقنط َ ْ َ‬
‫يقــنـط (‪،‬ومنها ماهو مختلف فيه‪ ،‬أو هو من باب تـداخل‬
‫اللغات وهي عرشة أفعال كما أحصاها ابن خالويه‪ ،‬ينظر)أدب الكاتب ‪ ،٣٧١ /‬وكتاب ليس ‪.(٢٩/٢٨/‬‬
‫)‪ (241‬الحجة يف علل القراءات السبع ‪.٧٠/١‬‬

‫‪٢٥٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫النص ّ‬
‫أن أصوات الحلق عندهم تجانس حركة الفتحة‪ ،‬لكونها‬ ‫ّ‬ ‫يتـضح من هذا‬
‫والذي ّ‬
‫ِ‬
‫األلف‪،‬ومخرجهـا‬ ‫ُ‬
‫بعض‬ ‫يرصح‪ - :‬هو ّ‬
‫أن الفتحة َ هي‬ ‫حيزها‪ ،‬وتفسري هذا – ْ‬
‫وإن لم ُ ْ ﱠ‬ ‫من ّ‬
‫من مخرجه‪ ،‬وال َ َ‬
‫فرق بينهما إال ّ يف الكمية‪ ،‬وملا كانت األلف عندهم من أصـوات الحلـق‪،‬‬
‫فلذا جانست الفتحة ُ بقية َ أصوات الحلق‪.‬‬
‫َ‬
‫يثبت هذا التجانس عن طريق عدم إلحـاق الفتحـة يف‬ ‫الفاريس ْ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫وقد حاول أبو عيل‬
‫عينـها أو ُ‬
‫المها من الحروف التي ارتفعت عن مخرج الحلـق‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫مثل هذه الصيغة إذا كانت‬
‫تحقـق املجانسة‪ ،‬كما تحققت بني الفتحة وأصوات الحلق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لعدم‬
‫إثر شيخه يف تعليل إيثار أصوات الحلق للفتحة فقال‪ ":‬ومن ذلك‬
‫جـنـي َ‬ ‫واتـبع ُ‬
‫ابن ِ ّ‬ ‫ّ َ‬ ‫•‬
‫يفـعل( مما عينه أو المه حرف حلقي‪ ...‬وذلـك ّ‬
‫أنهـم‬ ‫فعل َ ْ َ‬
‫أيضا ]التقريب[ قولهم) َ‬
‫ضارعوا بفتحة العني يف املضارع جنس حرف الحلق‪ ،‬ملا كان موضـعا منـه مخـرج‬
‫األلف التي منها الفتحة")‪.(٢٤٢‬‬
‫ُ‬
‫فـسبب فـتح‬ ‫هذا إذا كان عني الصيغة صوتا حلقيا‪ ،‬أما إذا كان الالم صـوتا حلقيـا‪،‬‬
‫َ‬
‫األلف التي هي من جنسها‪ ،‬وملا كانـت الفتحـة‬ ‫تـشابه‬ ‫العني معه‪ ،‬هو ّ‬
‫أن هذه األصوات ُ‬
‫بد ألخواتها من أصوات الحلق ْ‬
‫أن تسبقها الفتحة مجاراة لأللف‪ ،‬وفيه‬ ‫سابقة لأللف‪ ،‬فال ّ‬
‫قال ابن ِ ّ‬
‫جـنـي‪:‬‬
‫َ‬
‫األلـف‪ ،‬التـي ال يكـون مـا قبلهـا إال ّ‬ ‫َ‬
‫الحـروف حلقيـة‪ ،‬فـضارعت بـذلك‬ ‫" ّ‬
‫إن هذه‬
‫مفتوحا")‪.(٢٤٣‬‬

‫)‪ (242‬الخصائص ‪.١٤٣/٢‬‬


‫)‪ (243‬املحتسب ‪.١٦٧ – ١٦٦/١‬‬

‫‪٢٥٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ويفــتـح‬ ‫َ‬
‫األلف‪ ،‬التي هي إحداهن‪ُ َ ْ ُ ،‬‬ ‫فأصوات الحلق تؤثر الفتحة‪ ،‬ألن ّ الفتحة بعض‬
‫ما قبلهن كفتح ما َ‬
‫قبل األلف‪.‬‬
‫ِ‬
‫األلف صوتا صـامتا‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫دقيق يف حالة افرتاض كون‬ ‫ٌ‬
‫وتعليل‬ ‫ٌ‬
‫سليم‪،‬‬ ‫تقدير‬
‫ٌ‬ ‫وكالم القدماء‬
‫تـنـسب إليه‪.‬‬ ‫َ‬
‫األلف حركة ٌ طويلة‪ ،‬ال مخرج َ لها حتى ُ ْ َ‬ ‫ولكن‬
‫وملا كانت األلف حركة طويلة‪ ،‬فال توجد فتحة سابقة له‪ ،‬كما قال ابن ِ ّ‬
‫جـنـي‪.‬‬
‫وأخريا ً يمكن القول‪ّ :‬‬
‫إن إيثار أصوات الحلق للفتحة أمر ال شك فيه‪ ،‬نادت بـه الدراسـات‬
‫علـة هذا التوافق واالنسجام بـني‬ ‫الحديثة‪ ،‬إال ّ ّ‬
‫أن املحدثني يختلفون مع القدماء يف بيان ّ‬
‫الفتحة وأصوات الحلق‪ .‬فاملحدثون يرون ّ‬
‫أن العلة هي يف تشابه وضع اللسان حال النطق‬
‫خفـة ٌ عىل اللسان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بالفتحة‪ ،‬وبأصوات الحلق‪ ،‬فتكون يف ارتباطهما‬
‫• قال برجشرتارس‪ ":‬وسبب امليل اىل الفتحـة ّ‬
‫أن اللـسان يف نطـق الحـروف الحلقيـة‬
‫يجذب إىل وراء مع بسط وتسطيح له‪ ،‬وهذا هو وضعه يف نطق الفتحـة")‪ (٢٤٤‬ومـن‬
‫ُ ْ ُ‬
‫َ‬
‫اللسان يكون حال نطقه بالفتحة‪ .‬مستويا يف قـاع الفـم‪ ،‬مـع ارتفـاع‬ ‫املعروف ّ‬
‫أن‬
‫)‪(٢٤٥‬‬
‫ُ‬
‫فوضـعهما‬ ‫خفيف يف وسطه‪ ،‬وربما ينحو هـذا االرتفـاع نحـو الخلـف قلـيال"‬
‫متشابه ٌ إىل ّ‬
‫حد كبري‪.‬‬
‫• وقد ّ‬
‫اكـد الدكتور أنيس هذا التعليل بقوله‪ ":‬األصوات الحلقيـة تناسـب يف الغالـب‬
‫خاصا للسان‪ ،‬يتفق ُ مع ما نعرفه من وضعه مع الفتحة")‪.(٢٤٦‬‬
‫ّ‬ ‫وضعا‬
‫وأضاف مشريا ً اىل براعة علماء العربية يف إدراك هذا التناسب الصوتي‪ ،‬قائال‪:‬‬

‫)‪ (244‬التطور النحوي للغة العربية ‪.٦٣/‬‬


‫)‪ (245‬علم اللغة العام – األصوات ‪.١٣٣/‬‬
‫)‪ (246‬من أرسار اللغة ‪.٥٠ /‬‬

‫‪٢٥٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يربره يف القوانني الصوتية الحديثة‪.‬‬


‫فلهذه الظاهرة التي اسرتعت انتباه َ القدماء ما ّ‬
‫* *‬ ‫*‬

‫التخالف‪:‬‬
‫ويراد بها الظاهرة ُ الصوتية التي ّ‬
‫تتم باجتماع صـوتني متمـاثلني أو أكثـر‪ ،‬ونـزوع‬ ‫ُ‬
‫أحدهما إىل مخالفة الصوت اآلخر‪.‬‬
‫أحمـد)‪ ،(٢٤٧‬وسـيبويه)‪ ،(٢٤٨‬ثـم توالـت‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫العرب إليها منذ زمن الخليـل بـن‬ ‫َ َ‬
‫فطـن‬ ‫وقد‬
‫بعدهما مالحظات العلماء‪ ،‬منها‪:‬‬
‫املشدد الحرف منه بالياء والواو")‪.(٢٤٩‬‬
‫ّ‬ ‫تبدل يف‬ ‫• قول ّ‬
‫الفراء‪ ":‬والعرب ُ ْ ِ‬
‫َ‬
‫حروف املضاعف إىل الياء")‪.(٢٥٠‬‬ ‫ُ‬
‫تقلب‬ ‫• وقول أبي عبيدة‪ ":‬العرب‬
‫وتبدل مكان أحد ِ الحرفني إذا ُ‬
‫ضوعفا")‪.(٢٥١‬‬ ‫• وقول ّ‬
‫املربد يف حديثه عن الياء‪ْ ُ ":‬‬
‫ّ‬
‫حـددوا الظـاهرة َ باجتمـاع حـرفني متمـاثلني‬ ‫أنـهم‬
‫ومن األقوال السابقة يتبني لنا ّ‬
‫أبـدل أحدهما بياء أو واو‪.‬‬
‫مشـدد‪ْ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ُ ِ‬
‫نــطقا ً بصوت واحد‪،‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪ (247‬قال الخليل‪ ":‬واما مهما ّ‬


‫فان أصلها ماما‪ ،‬ولكن أبدلوا من األلف األوىل هاء ليختلف اللفـظ‪).‬العـني‪:‬‬
‫نص الخليل إذ ذكر الفعل منها)يختلف(‪.‬‬ ‫ُ‬
‫فأصل التسمية وردت يف ّ‬ ‫مه ‪(٣٥٨/٣‬‬
‫)‪ (248‬الكتاب ‪.٤٠١/٢‬‬
‫)‪ (249‬معاني القرآن‪.٢٦٧/ ٣‬‬
‫)‪ (250‬االبدال‪ ،‬البن السكيت ‪.١٣٣/‬‬
‫)‪ (251‬املقتضب ‪.٦٢/١‬‬

‫‪٢٦٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ُ‬
‫الوقوف عليها من خالل بعض عباراتهم‪:‬‬ ‫علـة هذا اإلبدال عندهم‪ ،‬فيمكن‬
‫أما ّ‬
‫ّ‬
‫الضبي وهو يتحدث عن لفظ)تقني(‪ ":‬وكان األصل‪ِ ُ :‬‬
‫تـقنـن‪ ،‬فأبدل‬ ‫• قال أبو عكرمة‬
‫النون األخرية ُ ياء‪ ،‬كراهة ً الجتماع ِ حرفني من جنس واحد")‪.(٢٥٢‬‬
‫لبــبك‪ ،‬فاسـتثقلوا الجمـع بـني ثـالث‬
‫ّ‬ ‫• وقال أبو بكر ابن األنباري‪ ":‬األصل يف ّ‬
‫لبيك‪:‬‬
‫باءات‪ ،‬فأبدلوا من األخرية ياء")‪.(٢٥٣‬‬
‫النص ّ‬
‫بأن الظاهرة قد تشتمل عىل ثالثة ِ أصوات ٍ متماثلة باالضـافة اىل بيـان‬ ‫ّ‬ ‫ويفيد هذا‬
‫العلـة‪.‬‬
‫ّ‬
‫استثقالهم َ َ‬
‫املثلـني حتى قلبوا أحدهما"‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫• وقال ابن ِ ّ‬
‫جـنـي‪....":‬ومن ذلك‬
‫ووصفه يف موضع آخر ِ‬
‫بـ‪ ":‬استثقال تكريره"‪.‬‬
‫ورصح أيضا بعبارة التخفيف‪ ،‬إذ ْ قال‪ ":‬فأّما أمليت فال إنكار لتخفيفه بأبداله")‪.(٢٥٤‬‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫الناشئ عن تجاور صوتني من مخرج‬ ‫فالعلــة واضحة يف أقوالهم‪،‬وهي كراهة الثقل‬
‫ّ‬
‫ْ‬
‫ينفـرج عـن‬ ‫ألن اللـسان َ لـم‬ ‫يعرتض عليه بأنهما ُ ْ‬
‫ينطقان بصوت واحد‪ ،‬ذلك ّ‬ ‫واحد‪ ،‬وال ُ ْ َ‬
‫موضع نطق الصوت‪ ،‬وإنما يمكث فيه مدة أطول من نطق الصوت املنفرد‪ ،‬ليؤدي ما فيه‬
‫يتطلـب مجهودا ً عضليا ً أكرب‪ ،‬فمالوا إىل تخفيف هذا الجهـد‬
‫ّ‬ ‫من تضعيف‪ ،‬وهذا الوضع‬
‫نطقـها‪ ،‬من أجـل‬
‫ُ‬ ‫املضعفة اىل أحد األصوات التي َ ّ‬
‫خـف‬ ‫ّ‬ ‫بإبدال أحد الصوتني‪ ،‬أو األصوات‬
‫تقليل الجهد العضيل املبذول يف نطق التضعيف‪.‬‬

‫)‪ (252‬األمثال‪ ،‬ألبي عكرمة ‪.٨٥ – ٨٤/‬‬


‫)‪ (253‬الزاهر ‪.١٩٧/١‬‬
‫)‪ (254‬الخصائص‪.٢٣٣ ،٢٣١،٩٠،٢٣٢ /٢ :‬‬

‫‪٢٦١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ولــم َ ِ‬
‫يغــب عــن إدراك علمــاء العربيــة ورود ألفــاظ اجتمعــت فيهــا ثالثــة أمثــال‬
‫تـعلـلـت‪،‬وتـصببت‪،‬وتـحددت‪ ،‬مما ّ‬
‫يدل داللة واضـحة‬ ‫َ َّْ‬ ‫َ َ ّ‬ ‫صحيحة‪،‬ولم ُ ْ َ‬
‫يبدل أحدها‪،‬نحو‪ْ ّ َ َ :‬‬
‫عىل ّ‬
‫أن اإلبدال غري ُ ْ‬
‫ملـزم يف الحاالت كلها‪ ،‬وفيه قال‪ :‬ابن جني‪ "::‬لم يكن واجبا‪...‬وإنمـا‬
‫اجتمعت فيه أمثال")‪.(٢٥٥‬‬
‫ْ‬ ‫غـيـر استحسانا ً‪ ...‬ولم يكن موجبا لتغيري ّ‬
‫كل ما‬ ‫ُ ّ‬
‫مـصنـفة‬
‫ّ‬ ‫أما منهج دراستنا أللفاظ هذه الظـاهرة‪ ،‬فـستكون بـذكر األلفـاظ ّأوال ً‬
‫بمجموعات‪ ،‬ومن ثم إبداء مالحظاتنا حولها‪:‬‬
‫املجموعة ُ األوىل‪:‬‬
‫ما اجتمع يف ّ‬
‫كل من ألفاظها صوتان متماثالن‪ ،‬ال يفصل بينهما فاصل من حركـة أو‬
‫فأبدل ُ‬
‫أحدهما بصوت آخر‪ ،‬فتحققت املخالفة بني املتماثلني‪ ،‬نحو‪:‬‬ ‫حرف‪ِ ْ ،‬‬
‫)‪(٢٥٦‬‬
‫عن ابن السكيت‬ ‫وأتـرنج‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫أترجه‬
‫)‪(٢٥٧‬‬
‫والفراء‬
‫ّ‬ ‫عن قطرب‪،‬‬ ‫ْ‬
‫وأيما‬ ‫أمـا‬
‫ّ‬
‫)‪(٢٥٨‬‬
‫عن ابن السكيت‬ ‫وخرنوب‬ ‫خروب‬
‫ّ‬
‫الفراء)‪.(٢٥٩‬‬
‫عن ّ‬ ‫وديباج‬ ‫ّ‬
‫دباج‬
‫)‪(٢٦٠‬‬
‫عن ابن ِ ّ‬
‫جـنـي‬ ‫وديماس‬ ‫ّ‬
‫دماس‬
‫)‪(٢٦١‬‬
‫واملربد‪ ،‬وابن األنباري‬
‫ّ‬ ‫الفراء‪،‬‬
‫عن ّ‬ ‫ودينار‬ ‫دنـار‬
‫ّ‬

‫)‪ (255‬الخصائص‪.٢٣٣ ،٢٣١،٩٠،٢٣٢ /٢ :‬‬


‫)‪ (256‬اصالح املنطق ‪.١٧٨/‬‬
‫)‪ (257‬املحتسب ‪ ،٣١٤ /٢‬معاني القرآن‪ ،‬للفراء ‪.٢٦٧/٣‬‬
‫)‪ (258‬اصالح املنطق ‪ ،١٧٦ /‬وهو نبت معروف‪.‬‬
‫)‪ (259‬معاني القرآن ‪ ٢٦٧/٣‬وهو رضب من الثياب‪.‬‬
‫)‪ (260‬املحتسب ‪ ٣١٤/٢‬قيل هو كساء‪ ،‬وقيل هو ّ‬
‫كل ما غطاك‪.‬‬
‫)‪ (261‬معاني القرآن‪ ،٢٦٧ /٣ :‬واملقتضب ‪ ،٢٤٦ ،٦٢ /١‬والزاهر ‪.١٩٧ /١‬‬

‫‪٢٦٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫الفراء‪ ،‬وابن األنباري)‪.(٢٦٢‬‬


‫عن ّ‬ ‫وديوان‬ ‫ّ‬
‫دوان‬
‫عن ابن دريد)‪.(٢٦٣‬‬ ‫وسنبة‬ ‫ّ‬
‫سبة من الدهر‬
‫عن أبي عبيدة‪ ،‬وابن قتيبة)‪.(٢٦٤‬‬ ‫من صددت‬ ‫التصدية‬
‫)‪(٢٦٥‬‬
‫املربد‪ ،‬وابن دريد‬
‫عن ّ‬ ‫وقرياط‬ ‫قراط‬
‫ّ‬
‫ومنها ما هي أفعال‪ ،‬نحو‪:‬‬
‫عن ابن األعرابي)‪.(٢٦٦‬‬ ‫ويأتمي‬ ‫ّ‬
‫يأتم‬
‫الفراء‪ ،‬وابن دريد)‪.(٢٦٧‬‬
‫عن ّ‬ ‫وجلمط‬ ‫جلــط‬
‫ّ‬
‫الفراء‪ ،‬وثعلب)‪.(٢٦٨‬‬
‫عن ّ‬ ‫وحسيت‬ ‫حسست‬
‫)‪(٢٦٩‬‬
‫الفراء‬
‫عن ّ‬ ‫ويشبو‬ ‫ّ‬
‫يشب‬
‫)‪.(٢٧٠‬‬
‫عن ابن دريد‬ ‫وفرطح‬ ‫فطـح‬
‫ّ‬
‫)‪(٢٧١‬‬
‫عن أبي عكرمة الضبي‬ ‫وتقني‬ ‫تقنن‬

‫)‪ (262‬معاني القرآن‪ ،٢٦٧ /٣ :‬والزاهر ‪.١٩٧ /١‬‬


‫)‪ (263‬جمهرة اللغة‪ :‬سب ‪.٣١ /١‬‬
‫)‪ (264‬اإلبدال‪ ،‬البن السكيت ‪ ،١٣٥/‬أدب الكاتب ‪.٣٧٦/‬‬
‫)‪ (265‬املقتضب ‪ ،٢٤٦ ،٦٢/١‬جمهرة اللغة‪ :‬رطق‪.٣٧٢/٢ :‬‬
‫)‪ (266‬االبدال‪ ،‬البن السكيت ‪.١٣٥/‬‬
‫)‪(267‬الصحاح‪،‬وجمهرة اللغة‪ :‬جلط)أي حلق رأسه(‪.‬‬
‫)‪ (268‬معاني القرآن ‪ ،٢١٧ /١‬مجالس ثعلب ‪)٤١٨/٢‬حسست‪ :‬علمت(‪.‬‬
‫)‪ (269‬معاني القرآن‪.٢١٧/١ :‬‬
‫)‪ (270‬جمهرة اللغة‪ :‬فطح ‪.١٧١/٢‬‬
‫)‪ (271‬األمثال ألبي عكرمة ‪.٨٤/‬‬

‫‪٢٦٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫املجموعة الثانية‪:‬‬
‫ما اجتمع يف ّ‬
‫كل من ألفاظها ثالثة ُ أصوات متماثلة‪ِ ْ ،‬‬
‫أبدل الثالـث منهـا بـصوت جديـد‪،‬‬
‫فتحقــقت املخالفة‬
‫ّ‬
‫الفراء‪ ،‬وأبي عبيدة)‪.(٢٧٢‬‬
‫عن ّ‬ ‫ودساها‬ ‫ّ‬
‫دسسها‬
‫عن ابن قتيبة)‪.(٢٧٣‬‬ ‫وربيته‬ ‫ّ‬
‫رببته‬
‫واملربد)‪.(٢٧٤‬‬
‫ّ‬ ‫عن األصمعي‪،‬‬ ‫و ترسيت‬ ‫ترسرت‬
‫ّ‬
‫والفراء)‪.(٢٧٥‬‬
‫ّ‬ ‫عن الشيباني‪،‬‬ ‫وتظنيت‬ ‫ّ‬
‫تظننت‬
‫جـنـي)‪.(٢٧٦‬‬
‫عن ابن السكيت‪ ،‬وابن ِ ّ‬ ‫وقصيت‬ ‫قصصت‬
‫عن أبي عبيدة)‪.(٢٧٧‬‬ ‫وتمطى‬
‫َ‬ ‫تمطـط‬
‫ّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫املجموعة الثالثة‪:‬‬
‫ُ‬
‫حـاجز‪،‬وعومال معاملـة َ‬ ‫ُ‬
‫يحجـز بينهمـا‬ ‫ما اجتمع يف ّ‬
‫كل من ألفاظها صوتان متماثالن‬
‫وتحقــقت املخالفة بني الصوتني املتماثلني عىل تباعدهما‪.‬‬
‫ّ‬ ‫املتجاورين‪ِ ْ ،‬‬
‫فأبدل أحدهما‪،‬‬

‫)‪ (272‬معاني الفرآن ‪ ،٢٦٧/٣‬واإلبدال‪ ،‬البن السكيت ‪.١٣٤/‬‬


‫)‪ (273‬أدب الكاتب ‪.٣٧٤ /‬‬
‫)‪ (274‬أماىل القايل ‪ ،١٧١ /٢ /‬واملقتضب ‪.٢٤٦ /١‬‬
‫)‪ (275‬اإلبدال‪ ،‬البن السكيت ‪ ،١٣٤/‬معاني القرآن ‪.٢٧٦ /٣‬‬
‫)‪ (٢٧٦‬اإلبدال‪ ،‬البن السكيت ‪ ،١٣٥ /‬الخصائص ‪.٩٠ /٢‬‬
‫)‪ (٢٧٧‬أدب الكاتب ‪.٣٧٦ /‬‬

‫‪٢٦٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫جـنـي)‪.(٢٧٨‬‬
‫عن ابن ِ ّ‬ ‫وحداء‬ ‫حداد‬
‫عن ابن السكيت)‪.(٢٧٩‬‬ ‫وسادي‬ ‫سادس‬
‫عن املازني‪ ،‬وأبي عيل الفاريس)‪.(٢٨٠‬‬ ‫وهذي‬ ‫هذه‬
‫وكذلك‪:‬‬
‫عن املازني‪ ،‬وابن قتيبة)‪.(٢٨١‬‬ ‫ودهديت‬ ‫دهدهت‬
‫جــنـي)‪.(٢٨٢‬‬
‫ِ ّ‬ ‫عن ابن‬ ‫وصهصيت‬ ‫صهصهت‬
‫إطـالعي – عـىل تعليـل مقنـع لحـدوث ظـاهرة اإلبـدال يف هـذه‬ ‫ولم ْ‬
‫أقف – بحدود ّ‬
‫املجموعة‪.‬‬
‫فاملــازني اكتفــى بــالقول باإلبــدال يف)هــذي(‪ :‬أصــلها هــذه‪ ،‬وكــذلك)دهــديت(‪:‬‬
‫أصلها)دهدهت()‪.(٢٨٣‬‬
‫عـلـل وقوعه يف)حداء( التي أصلها)حـداد( مـع وجـود األلـف‬
‫ّ‬ ‫جـنـي‪ ،‬فقد‬ ‫ّ‬
‫أما ابن ِ ّ‬
‫ُ‬
‫أضعف األحـرف الثالثـة‪ ،‬ألنهـا‬ ‫الحاجزة بني الدالني‪ ،‬بسبب كون الحاجز هو) ٌ‬
‫ألف( وأنها‬
‫ُ ّ‬
‫خـصت بمساواة الحركة)الفتحة( دون أختيها‪ ،‬فلم يكرتثوا بفصلها بني الـدالني‪ ،‬نظـري‬
‫تـاء‬
‫َ‬ ‫ونص قوله هو‪ ":‬ومن ذلـك ّ‬
‫أن‬ ‫ﱡ‬ ‫عدم اكرتاثهم بفصل الفتحة بني الالمني يف ْ َ ْ‬
‫أملـلـت‪،‬‬
‫ُ‬
‫األلـف‬ ‫التأنيث يف الواحد ال يكون ما قبلها إال ّ مفتوحا‪ ،‬نحو حمزة‪ ،‬وطلحة‪ْ ....‬‬
‫فإن كانت‬

‫)‪ (278‬الخصائص ‪.٢٣٢ – ٢٣١ /٢‬‬


‫)‪ (٢٧٩‬إصالح النطق ‪.٣٠١ /‬‬
‫)‪ (٢٨٠‬املنصف ‪ ،١٧٥/٢‬والحجة يف علل القراءات ‪.٥١/١‬‬
‫)‪ (٢٨١‬املنصف ‪ ،١٧٥/٢‬أدب الكاتب ‪.٣٧٤ /‬‬
‫)‪ (282‬رس صناعة اإلعراب ‪.٢٣٧/١‬‬
‫)‪ (283‬املنصف ‪.١٧٥ /٢‬‬

‫‪٢٦٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ترى إىل مـساواتهم بـني‬


‫وحدها من بني سائر الحروف جازت‪ ،‬وذلك نحو قطاة"‪ ،....‬أفال َ‬
‫يدل عىل ّ‬
‫أن أضعف األحرف الثالثة األلـف‪ ،‬دون – أختيهـا‪ّ ،‬‬
‫ألنهـا‬ ‫الفتحة واأللف‪ ....‬وهذا ّ‬
‫‪..........................‬‬ ‫ُ ّ‬
‫خـصت هنا بمساواة الحركة دونها‪ ،‬ومن ذلك قوله‪:‬‬
‫ْ َ َ‬
‫أنشـب من ِ‬
‫مآرش ٍ حداء‬
‫يعدد الحركة يف ذلـك يف‬ ‫َ‬
‫األلف حاجزا بني املثلني‪ ،‬كما لم َ ْ ُ‬ ‫قالوا‪ :‬أراد‪ :‬حدادا‪ ،‬فلم َ ْ ُ ْ‬
‫يعـدد‬
‫نحو‪ :‬أمليت الكتاب يف أمللت")‪.(٢٨٤‬‬
‫والذي نالحظه يف قول ابن ِ ّ‬
‫جـنـي‪ ،‬هو‪:‬‬
‫أنـه يريـد غـري الـضعف‬
‫بد ّ‬ ‫عدم االفصاح ِ عن مراده َ ْ‬
‫بضعف األلف عن أخواتها‪ ،‬وال ّ‬ ‫ُ‬ ‫‪–١‬‬
‫ألن األلف لم تكن أقل مـن أخواتهـا يف درجـة اإلسـماع للكيفيـة‬ ‫ُ‬
‫خالف القوة‪ّ ،‬‬ ‫الذي هو‬
‫ُّ‬
‫تتميز بها‪.‬‬ ‫النطقية التي‬
‫‪ – ٢‬االستدالل عىل ضعف األلف بمساواته الفتحة يف تـأليف بنـاء لفظـة‪ ،‬قـد ال يكـون‬
‫كلـها تماثل أخواتهـا مـن حـروف ّ‬
‫املـد‬ ‫دقيقا‪ ،‬باالضافة إىل ّ‬
‫أن الحركات يف مواقع أخرى ّ‬
‫والـلني)الحركات الطويلة (‪ ،‬ما عدا فرقا ً يف كمية الصوت‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ – ٣‬لم يكرتث علماء العربية يف مسألة الحاجز يف مواقع أخرى مماثلة‪ ،‬فقد أبدلوا السني‬
‫ُ‬
‫الحـاجز‬ ‫ّ‬
‫املتكون من)حرف‪ ،‬وحركـة(‪ ،‬ولـم يكـن‬ ‫صادا يف" الرصاط" مع وجود الحاجز‬
‫يف)حداد( إال ّ األلف‪ ،‬وهي حركة طويلة‪.‬‬
‫‪ – ٤‬لم يكن اإلبدال يف)حداء( اتجاه نحو األيرس‪ ،‬فالهمزة صوت ّ‬
‫يتميز بنوع من صـعوبة‬
‫النطق‪.‬‬

‫)‪ (284‬الخصائص ‪.٢٣١/ ٣١٨،٢/٢‬‬

‫‪٢٦٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫‪ّ –٥‬‬
‫أن االبدال جاء يف قافية بيت شعر‪ ،‬وهو موقع خاضع ملتغـريات ورضورات خاصـة‪،‬‬
‫قد يكون االلتزام بهذه الـرضورات)‪ (٢٨٥‬يف تعليـل حـدوث املخالفـة يف" حـداء" أقـرب اىل‬
‫الصحيح من التعليل بغريه‪.‬‬
‫ّ‬
‫أما األلفاظ األخرى نحو‪ :‬دهدهت‪ ،‬وصهصهت‪ ،‬فلم يتناولوها بالتعليل‪ ،‬والذي أراه فيهـا‬
‫كل منهما‪ ،‬هو السبب الذي ّ‬
‫هيأ لوقوع االبدال‪ ،‬ففي‬ ‫هو ّ‬
‫أن اجتماع األصوات املهموسة يف ّ‬
‫األوىل‪ :‬اجتمعت ثالثة أصوات مهموسة‪ ،‬ويف الثانية‪ :‬اجتمعت خمسة ٌ مهموسة‪ ،‬علما ً ّ‬
‫أن‬
‫عضيل‪ ،‬ليس باليسري لنطقـه‪ ،‬فكيـف إذا اجتمـع‬
‫ّ‬ ‫صوت َ الهاء لوحده بحاجة اىل مجهود‬
‫َ‬
‫وجود صوت مجهور خفيف النطق كصوت اللني أو شـبهه‬ ‫منه صوتان أو أكثر؟ لذا ّ‬
‫فإن‬
‫والخفـة يف النطق‪ ،‬ولعل هذا االفـرتاض يمكـن ْ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫يكـسب اللفظة َ شيئا من ُ‬
‫اليرس‬ ‫مما ُ ْ ِ‬
‫ُ َ ّ‬
‫يفـرس به حدوث التخالف يف األلفاظ االخرى‪.‬‬

‫املجموعة الرابعة‪:‬‬
‫ما اجتمع يف ّ‬
‫كل من ألفاظها أصوات متماثلة أبدلوا أواسطها‪ ،‬نحو‪:‬‬
‫عن ابن قتيبة)‪.(٢٨٦‬‬ ‫ّ‬
‫املشفف واملشفشف‬
‫)‪.(٢٨٧‬‬
‫الفراء‪ ،‬وابن السكيت‬
‫تبـشـش عن ّ‬
‫ّ‬ ‫تبشبش من‬
‫تجفـف عن ابن السكيت)‪.(٢٨٨‬‬
‫ّ‬ ‫تجفجف من‬

‫)‪ (285‬رضائر الشعر‪ ،‬للقزاز ‪ ٢٤١ /‬وفيه"سادس وسادي"‬


‫)‪ (286‬أدب الكاتب ‪ ،٣٧٨ /‬واملشفشف‪ :‬املهزول‬
‫)‪ (287‬معاني القرآن‪ ،‬للفراء ‪ ،١١٤/٣‬اصالح املنطق ‪ ٣٢٠ /‬والبشاشة‪ :‬طالقة الوجه واللطف‬
‫)‪ (288‬إصالح املنطق ‪ ،٣١٩//‬وتجفجف‪ :‬جف وفيه بعض النداوة‪.‬‬

‫‪٢٦٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫جـنـي)‪.(٢٨٩‬‬
‫حثـث عن ابن ِ ّ‬
‫ّ‬ ‫حثحث من‬
‫جـنـي)‪.(٢٩٠‬‬
‫رقــق عن ابن ِ ّ‬
‫ّ‬ ‫من‬ ‫رقرق‬
‫زلــل عن ابن األنباري)‪.(٢٩١‬‬
‫ّ‬ ‫من‬ ‫زلزل‬
‫عن ابن السكيت‪ ،‬وابن األنباري)‪.(٢٩٢‬‬ ‫رصر‬
‫رصرص من ّ‬
‫عن ابن السكيت‪ ،‬وابن قتيبة)‪.(٢٩٣‬‬ ‫كبكب من ّ َ‬
‫كبب‬
‫عن ابن قتيبة)‪.(٢٩٤‬‬ ‫كرر‬
‫كركر من ّ‬
‫عن ابن قتيبة)‪.(٢٩٥‬‬ ‫تكمكم من ّ‬
‫تكمم‬
‫جــنـي)‪.(٢٩٦‬‬
‫ِ ّ‬ ‫تملــل عن ابن قتيبة‪ ،‬وابن‬
‫ّ‬ ‫تململ من‬
‫فأصل األلفاظ املذكورة قد اجتمع فيها ثالثة أصوات متماثلة‪ُ ْ ِ ،‬‬
‫وثقـل نطقها أمر واضح‪،‬‬ ‫ُ‬
‫لذا جنحوا إىل اإلبدال فيها‪.‬‬
‫• قال ّ‬
‫الفراء‪ ":‬وإنما فعلوا ذلك كراهية اجتماع ثالثة أحرف من جنس واحد")‪.(٢٩٧‬‬
‫َ‬
‫أصاب أوسط َ هذه األصوات الثالثـة‪ ،‬وجـيء بـصوت مماثـل لفـاء‬ ‫والحظنا ّ‬
‫أن اإلبدال َ‬
‫الكلمة‪ ،‬وكأنهم قصدوا اىل معادلة األصوات التي تتألف منها اللفظة‪ ،‬ويف هذا‪.‬‬

‫)‪ (289‬رس صناعة االعراب ‪ ٢٠٤ /١‬ونسبه للبغداديني ّ‬


‫ورد إبداله بدعوى عدم املناسبة بني املبـدل واملبـدل‬
‫منه‪.‬‬
‫)‪ (290‬رس صناعة االعراب ‪.٢٠٤/١‬‬
‫وحذر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫)‪ (291‬الزاهر‪ ،٣٣١/٢‬وزلزل‪ّ :‬‬
‫خوف‬
‫)‪ (292‬إصالح املنطق ‪ ،٣١٩ /‬الزاهر ‪ ،٣٣١/٢‬ورصرص الباب‪ :‬اذا صوت‪.‬‬
‫)‪ (293‬إصالح املنطق ‪ ،٣١٩ /‬أدب الكاتب ‪.٣٧٨ /‬‬
‫)‪ (294‬أدب الكاتب ‪.٣٧٧/‬‬
‫)‪ (295‬أدب الكتاب ‪ ،٣٧٧ /‬وتكمكم الرجل من الكمة وهي القلنسوة‪.‬‬
‫)‪ (296‬أدب الكتاب ‪ ،٣٧٧ /‬وتململ من امللة‪ :‬وهي الرماد الحار‪.‬‬
‫)‪ (297‬معاني القرآن‪ ،‬للفراء‪.١١٤/٣ :‬‬

‫‪٢٦٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫َ‬
‫مكـان‬ ‫الرص‪ ،‬فأبـدلوا‬
‫ّ‬ ‫رصر من‬
‫ّ‬ ‫رصرص‪ ...‬أصلها‬
‫ٌ‬ ‫وقولـهم ٌ‬
‫ريح‬ ‫ُ‬ ‫• قال ابن السكيت‪":‬‬
‫الراء الوسطى فاء الفعل")‪.(٢٩٨‬‬
‫زلــلوا‪ ،‬فأبدلوا من الـالم الثانيـة‪ ،‬زايـا‬
‫ّ‬ ‫• وقال ابن األنباري‪ ":‬وزلزلوا‪ ....‬واألصل فيه‬
‫كراهية للجمع بني الالمات)‪.(٢٩٩‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫األصوات املبدلة منها‪ ،‬واملبدلة‪:‬‬


‫إذا تأملنا األلفاظ يف املجموعات الثالث‪ ،‬رأينا ّ‬
‫أن األصوات َ التي تم ّ فيها اإلبـدال‪ ،‬هـي‬
‫ّ‬
‫محدد‪،‬‬ ‫أصوات ٌ متنوعة َ ْ ُ‬
‫يصـعب جمعها يف ضابط‬
‫• فمنها األصوات الشديدة‪ :‬كالباء‪ ،‬والدال‪.‬‬
‫• ومنها األصوات املهموسة ‪ :‬كالهاء‪ ،‬والسني‪.‬‬
‫• ومنها األصوات املطبقة‪ :‬كالطاء‪ ،‬والظاء‪ ،‬والصاد‪ ،‬والضاد‪.‬‬
‫لـجأ إليها الناطق العربي للتخلص مـن ِثقـل ُ‬
‫نــطق اجتمـاع‬ ‫أما األصوات املبدلة‪ ،‬التي َ‬
‫املثلني‪ ،‬أو األمثال الثالثة‪ ،‬فهي‪:‬‬
‫ّ‬
‫املـضعفة‪ ،‬وقـد‬ ‫ّ‬
‫محل أحـد األصـوات‬ ‫أكثر األصوات نسبة ً يف إحالل‬
‫ُ‬ ‫ــ صوت الياء‪ ،‬وهو‬
‫عرضــا ً إىل مـسألة عـدم وجـود الـصلة بـني الكـرسة يف أوائـل‬
‫َ‬ ‫ِ ّ‬
‫جــنــي َ‬ ‫َ‬
‫التفت ابـن ُ‬
‫دباج‪ّ ِ ،‬‬
‫دماس(‪ ،‬وبني إبدالها ياء‪ ،‬مستدال عـىل هـذا بإبـدال أحـد املثلـني‬ ‫دنـار‪ّ ِ ،‬‬
‫األلفاظ) ِ ّ‬

‫)‪ (298‬إصالح املنطق ‪.٣١٩ /‬‬


‫)‪ (299‬الزاهر ‪.٣٣١/٢‬‬

‫‪٢٦٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ُ‬
‫الـسبب‬ ‫الخفـة هي‬
‫ّ‬ ‫أما)‪ .(٣٠٠‬وبهذا تبقى‬
‫أيما‪ ،‬يف ّ‬
‫املضعفني ياء مع فتح أول اللفظة نحو‪ْ :‬‬
‫ّ‬
‫املضعفني‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الوحيد يف اختيار صوت الياء ملعالجة ثقل نطق‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫التخالف يف دراسات املحدثني‪:‬‬


‫ّ‬
‫وسـوغوها مـن الناحيـة الـصوتية‪ ،‬وأطلقـوا عليهـا‬ ‫أقر املحدثون بهذه الظـاهرة‪،‬‬
‫ﱠ‬
‫مصطلح‪ :‬التباين‪ ،‬أو املخالفة‪ ،‬أو التخالف)‪ ،(٣٠١‬ويعنون به حدوث اختالف بني الـصوتني‬
‫أول حـديثنا عـن هـذه الظـاهرة إىل ّ‬
‫أن أصـل َ‬ ‫املتماثلني يف الكلمة الواحدة‪ ،‬وقد أرشنا يف ّ‬
‫التسمية جاءت عىل لسان الخليل بن أحمد الفراهيدي‪.‬‬
‫وتتم هذه الظاهرة بأبدال أحد الصوتني املتماثلني بصوت آخر‪ ،‬لتتم املخالفة بينهما‪.‬‬
‫علـة عندهم فهي" ّ‬
‫أن الصوتني املتماثلني يحتاجان اىل مجهـود عـضيل للنطـق‬ ‫أما ال ّ‬
‫يقـلـب ُ‬
‫أحد الصوتني اىل تلك األصوات‬ ‫بهما يف كلمة واحدة‪ ،‬ولتيسري هذا املجهود العضيل ُ ْ َ ُ‬
‫اللني وأشباهها")‪.(٣٠٢‬‬
‫التي ال تستلزم مجهودا ً عضليا ً كأصوات ّ‬
‫رصحـوا‬
‫وهذا البيان هو محاكاة – بأسلوب حـديث – لـرأي علمـاء العربيـة الـذين ّ‬
‫للخفـة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بكراهية تضعيف املتماثلني‪ ،‬أو االستثقال‪ ،‬أو اإلبدال‬
‫علــة‬
‫ّ‬ ‫علــة اإلبدال هنا هي‬
‫ّ‬ ‫انفرد املسترشق برجشرتارس‪ ،‬واجتهد بالقول‪ّ ،‬‬
‫بأن‬ ‫ُ‬ ‫وقد‬
‫العلـــة َ‬
‫ّ‬ ‫نفسية تختلف باختالف نوع املخالفة‪ ،‬فإذا كانت بني متماثلني منفصلني‪ّ ،‬‬
‫فإن‬

‫)‪ (300‬املحتسب ‪.٣١٤/٢‬‬


‫)‪ (301‬دروس يف علم أصوات العربية ‪ ،٢٦/‬واألصوات اللغوية ‪.٢١٠/‬‬
‫)‪ (302‬األصوات اللغوية – ‪.٢١١‬‬

‫‪٢٧٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ّْ‬
‫النــفس يوجـد فيهـا قبـل‬ ‫نفسية ٌ محضة ٌ‪ ،‬نظري الخطأ يف النطق‪ ،‬وبيان ذلك هو ّ‬
‫أن"‬
‫ّ‬
‫تـصور بعينـه‬ ‫ُ‬
‫ويصعب عليها إعادة‬ ‫ّ‬
‫تصور الحركات الالزمة عىل ترتيبها‪،‬‬ ‫النطق بكلمة‪،‬‬
‫بعد حصوله بمدة قصرية‪ ،‬ومن هنـا ينـشأ الخطـأ ُ إذا أرسع اإلنـسان يف نطـق جملـة‬
‫وتـتـابع فيها حروف متشابهة"‬
‫محتوية عىل كلمات تتكرر َ َ‬
‫علـــة‬
‫ّ‬ ‫متــصلني‪ " :‬فهـي‬
‫علـــة املخالفة التـي تقـع بـني صـوتني متمـاثلني ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أما‬
‫أن‬ ‫علــة التخالف املنفصل‪ ،‬وهي ّ‬
‫أن املتكلم يرجـو ْ‬ ‫ّ‬ ‫نفسية ٌــ أيضاــ مختلفة قليال عن‬
‫ُ‬ ‫يؤثر يف نفس السابع تأثريا زائدا‪ ،‬فال يكتفي بالضغط عىل الحرف وتشديده‪ ،‬بـل ُ‬
‫يـضيف‬ ‫َ‬
‫إليه حرفا آخر لزيادة ذلك التأثري")‪.(٣٠٣‬‬
‫ِ‬
‫لرصـدها جملـة مـن‬ ‫تعـرض‬
‫ّ‬ ‫املبدلة ُ ْ َ‬
‫واملبدلة منهـا‪ ،‬فهـي مـسألة‬ ‫أما األصوات ُ ْ َ‬
‫ـــ ّ‬
‫املحدثني‪.‬‬
‫أن" الحروف املائعة ُ َ ّ‬
‫تعد عادة وسيلة مخالفة للتـضعيف‬ ‫يرى ّ‬
‫فاملسترشق)‪َ (Hurwitz‬‬
‫يف الصيغ املضعفة القديمة")‪.(٣٠٤‬‬
‫توصل إليه العلمـاء املحـدثون مـن ّ‬
‫أن اللغـات تـستخدم‬ ‫ّ‬ ‫بنى َ‬
‫رأيه عىل ما‬ ‫ويبدو ّ‬
‫أنه َ َ‬
‫ّ‬
‫والرتددية بشكل أكثر لتحقيق عنرص املخالفـة‪ ،‬واقـرتان هـذا بـورود‬ ‫السواكن َ األنفية‪،‬‬
‫ّ‬
‫املتوسـطة( بـدل أحـد‬ ‫ألفاظ تمت ّ فيها ظاهرة املخالفة بإحالل أحد األصـوات املائعـة)‬
‫ُ‬
‫صـوت اليـاء‬ ‫الصوتني املتماثلني‪ ،‬لكنه لم يتعرض بالذكر للصيغ التي ا ْ‬
‫ستـــعمل فيهـا‬
‫ُ‬
‫لتحقيق عنرص املخالفة‪ ،‬وهي تفوق يف عددها إىل األضعاف من الصيغ التـي اسـتعملت‬

‫)‪ (303‬التطور النحوي للغة العربية ‪.٣٥ – ٣٤/‬‬


‫)‪ (304‬دراسة الصوت اللغوي ‪.٣٣٠/‬‬

‫‪٢٧١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فيها األصوات املائعة‪ ،‬وخريُ من ّ‬


‫صور واقع ظاهرة التخالف بصورة عامة هـو الـدكتور‬
‫أنيس بقوله‪:‬‬
‫"‪....‬إننا نلحظ ّ‬
‫أن كثريا من الكلمات التي تشتمل عىل صوتني متماثلني ّ‬
‫كـل املماثلـة‬
‫يتغري فيها أحد الصوتني إىل صـوت لـني طويـل – وهـو الغالـب – أو إىل أحـد األصـوات‬
‫ّ‬
‫الشبيهة بأصوات اللني يف بعض األحيان")‪.(٣٠٥‬‬
‫تعرض أيضا ً إىل األصوات التي ُ ْ َ‬
‫تبدل‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ثم ّ‬
‫والرخوة ُبوجه عام‪ ،‬أدركنا أن ّ املخالفة َ‬ ‫" إذا علمنا‪ّ ...‬‬
‫أن أشق األصوات هي املطبقة‪ّ ،‬‬
‫ال تكاد ُ ُ‬
‫تتم إال ّ حـني يتجـاور صـوتان متمـاثالن مـن أصـوات اإلطبـاق‪ ،‬أو األصـوات‬
‫الرخوة")‪.(٣٠٦‬‬
‫والذي نراه من األمثلة – التي جمعناها بصورة غري مقصودة – ّ‬
‫أن قول الدكتور أنيس‬
‫ألن أكثر األصوات التي ا ْ ُ ْ ِ‬
‫ستــبدلت هي ليست مطبقة ً وال رخوة ً‪ ،‬بل من‬ ‫ُ‬
‫ينطبق عليها‪ّ ،‬‬ ‫ال‬
‫األصــوات املتوســطة)النــون‪ ،‬والــراء‪ ،‬واملــيم‪ ،‬والــالم(‪ ،‬وتلتهــا يف النــسبة األصــوات‬
‫الشديدة)كالباء‪ ،‬والدال( ثم األصوات الرخوة‪ ،‬فاملطبقة‪.‬‬
‫ِ‬
‫بالخفـة‪ ،‬لكنـه‬ ‫املتوسطة َ)املائعة( هي أصـوات ٌ ّ‬
‫تميـزت‬ ‫ّ‬ ‫علما أننا نعلم ّ‬
‫أن األصوات‬
‫ّ‬
‫مضعفاتها ميله لها بصورة منفردة‪.‬‬ ‫يمل اىل‬ ‫يظهر ّ‬
‫أن الناطق العربي لم َ ِ ْ‬
‫وتابع الدكتور أنيس رأيه السابق‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫)‪ (305‬األصوات اللغوية ‪.٢١١/‬‬


‫)‪ (306‬م‪ .‬ن ‪.٢١٤ ،٢١٣/‬‬

‫‪٢٧٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫املشقــة التي نصف بها تجاور املثلني‪ ،‬أن يكونا من غـري األصـوات التـي‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫فرشط ُ‬ ‫"‬
‫َ‬
‫أصوات اللني‪ ،‬فتجاور الالمني‪ ،‬أو النونني‪ ،‬ال يحتاج اىل تيـسري‪ ،‬وعليـه ال تتناولـه‬ ‫تـشبه‬
‫ُ‬
‫عملية املخالفة إال ّ يف النادر")‪.(٣٠٧‬‬
‫والقول يف هذا كالقول يف سابقه‪ ،‬إذ ْ وجدنا نسبة عالية قاربت نصف عدد األمثلة‪ ،‬قد‬
‫تضعيفـها مع كونه من األصوات املتوسطة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫فك‬
‫نحو‪:‬‬
‫تظنــنت وتظنيت‪ ،‬وتقنن وتقنى‪.‬‬
‫ّ‬ ‫دنــار ودينار‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ََْ َ‬
‫والخـدرنــق‪،‬‬ ‫الخدنـق‬
‫ّ‬
‫جلـــط وجلمط ‪ ،‬وأمللت‪ ،‬وأمليت‪.‬‬
‫ّ‬
‫خـروب‬
‫ّ‬ ‫طـم وطـام")‪،(٣٠٨‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫غـم وغـام‪،‬‬ ‫يأتم ويأتمي‪ّ ،‬‬
‫دماس وديمـاس‪"،‬‬ ‫ّ‬ ‫أمـا وأيما‪،‬‬
‫ّ‬
‫قراط وقرياط‪.‬‬
‫ورشاز وشرياز‪ّ ،‬‬
‫وخرنوب‪ّ ،‬‬
‫ميل إىل تيسري نطق صـيغ مـضاعفة‪ْ ،‬‬
‫وإن‬ ‫وأخريا ً يمكن القول بأن ظاهرة التخالف َ ْ ٌ‬
‫نطقــها‪ ،‬وال وجـه َ‬
‫ُ‬ ‫وسـهل عـىل اللـسان‬ ‫كان التضعيف مؤلفا من األصوات التي ﱠ‬
‫خف َ ُ‬
‫أخـذنا املـشهور دون انتقـاء واختيـار‬
‫قلــة األمثلة التي جمعناها‪ ،‬ألننا ْ‬
‫ّ‬ ‫لالعرتاض عىل‬
‫البد ْ‬
‫أن يخضع لألفكـار‬ ‫جمـعــت‪ ،‬ويف اعتقادي ّ‬
‫أن أيﱠ إحصاء ألمثلة أخرى ّ‬ ‫للصيغ التي ُ ِ َ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫توصـلنــا إليها‪.‬‬ ‫العامة التي‬

‫)‪ (307‬األصوات اللغوية ‪.٢١٤ ،٢١٣/‬‬


‫)‪ (308‬املثاالن األخريان ذكرهما الدكتور أنيس ‪ /‬يف األصوات اللغوية ‪.٢١٢/‬‬

‫‪٢٧٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الخاتمة‪:‬‬
‫من أبرز املعالم والنتائج التي أسفر عنها هذا البحث نوعان‪:‬‬
‫‪ – ١‬نتائج عامة شاركنا فيها غرينا‪.‬‬
‫ِّ‬
‫الجـدة‪ ،‬واألولوية يف الكشف عنها‪.‬‬ ‫خاصة تحمل بني ّ‬
‫طياتها أنواعا ً من‬ ‫ّ‬ ‫‪ – ٢‬نتائج‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫أوال ً – النتائج العامة‪:‬‬


‫يف توطئة البحث‪:‬‬
‫ّ‬
‫تقدم زمن نشأة اللحن عن ظهور االسالم‪ ،‬إذ ْ و'جد يف زمن الجاهلية بقدر ما‪ ،‬ولكنه‬
‫ازداد انتشارا ًبعد ظهور اإلسالم بسبب اخـتالط العـرب بغـريهم مـن املـسلمني‪ّ ،‬‬
‫ممـن‬
‫استوطنوا البرصة‪ ،‬والكوفة بعد تمصريهما‪ ،‬وبخاصة اللحن يف نطق األصـوات‪ ،‬فكانـت‬
‫هذه الحالة الجديدة منبهة لرجال العربية للتفكري يف َ ْ‬
‫صون لغة القرآن الكريم من الخطر‬
‫املحدق بها‪ ،‬فابتدعت أوليات الدراسات اللغوية بأنواعها‪ ،‬وبدأت الرحالت امليدانية لجمـع‬
‫تنـبه لذلك علماء البرصة والكوفـة ومـن ثـم‬
‫من ّ‬‫وأول َ ْ‬ ‫اللغة وروايتها‪ِ ُ ،‬‬
‫ورشع بالتدوين‪ّ ،‬‬
‫بغداد‪ ،‬وكانت ألعمال هؤالء جميعا ً الفضل الكبري يف تدوين اللغـة وحفظهـا‪ ،‬وتخطـيط‬
‫مناهج دراستها‪ ،‬ثم نقلها اىل سائر العرب‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪ –١‬ما جاء عن الخليل بن أحمد هو العمل الرائد يف ميدان الدراسة الصوتية وهو وما‬
‫أضاف إليه سيبويه ّ‬
‫يعدان أساس التفكري الصوتي عند العرب يف العراق ويف غـريه خـالل‬
‫القرن الثاني للهجرة‪ ،‬والقرون الالحقة‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪٢٧٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫‪ – ٢‬مصادر الدراسة الصوتية هي‪:‬‬


‫ّ‬
‫املتخصـصة‪،‬‬ ‫‪ -‬كتب األصوات‪ ،‬وكتب قراءات القرآن وتجويده ومعانيه‪ ،‬وكتب اللغـة‬
‫واملعاجم اللغوية‪ ،‬وكتب اإلعجاز والبالغة‪ ،‬وكتب األدب العامة‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪ – ٣‬املنهج العام لدراستهم الصوتية هو‪:‬‬


‫منهج وصفي درس كيفيات الواقع النطقـي فرصـدوا أصـوات العربيـة األساسـية‬
‫ّ‬
‫وحددوا مخارجها‪ ،‬وصفاتها‪ ،‬والظـواهر الـصوتية الناتجـة عـن تجاورهـا‪،‬‬ ‫والفرعية‪،‬‬
‫اعتمادا ً عىل املشافهة يف سـماع هـذه األصـوات‪ ،‬وتـسجيل انطباعـاتهم‪ ،‬ومالحظـاتهم‬
‫الذاتية‪ ،‬لذا تمحورت دراستهم الصوتية عىل علم األصوات النطقي‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪ – ٤‬تنوعت دوافع هذا اللون من الدراسات اللغوية‪ ،‬ومن أبرزها ضمان ُ ْ‬


‫حسن ترتيـل أي‬
‫القران الكريم‪ ،‬وتفسري الظواهر الرصفية‪ ،‬والنحوية‪ ،‬وترتيب األلفـاظ داخـل املعـاجم‪،‬‬
‫وتحديد التشكيالت الصوتية للفظة العربية‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪ – ٥‬أصالة الدراسة الصوتية عند العرب عىل الرغم من التـشابه العـارض مـع دراسـات‬
‫هندية سابقة‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪٢٧٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫خلــف لنا علماء العربية دراسات صوتية كادت تطابق الدراسات الصوتية الحديثـة‬
‫ّ‬ ‫‪–٦‬‬
‫متمثلة يف‪:‬‬
‫أ – إدراك العنارص الالزمة إلحداث الصوت البرشي‪.‬‬
‫ب – تحديد مخارج األصوات‪.‬‬
‫ج – تعيني صفات األصوات‪.‬‬
‫د – تعليل الظواهر الناجمة من تآلفها‪ ،‬واقرتانها‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ثانيا ً‪ :‬النتائج الخاصة‬


‫التي تضمنت أشياء جديدة يف مادتها‪ ،‬ويف أساليب عرضها ‪:‬‬
‫مدة قرنني مـن الـزمن َفُرِصـدت أقـوال‬
‫تتبع الدراسة الصوتية عند العرب يف العراق ّ‬
‫‪ّ –١‬‬
‫العلماء يف تحديد مخارج األصوات‪ ،‬وصفاتها‪ ،‬وتعليل ظواهر اقرتاناتها‪ ،‬من هؤالء‪:‬‬
‫واملربد‪ ،‬وابن كيـسان‪ ،‬وابـن دريـد‪ ،‬والزجـاجي‪ ،‬وأبـو عـيل‬
‫ّ‬ ‫والفراء‪ ،‬واألخفش‪،‬‬
‫ّ‬ ‫قطرب‪،‬‬
‫الفاريس‪ ،‬وابن ِ ّ‬
‫جـنـي‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪ – ٢‬الكشف عن آراء صوتية جديدة للكوفيني‪ ،‬أثبتها لنا السريايف يف ختام رشحـه لكتـاب‬
‫سيبويه يف باب أفرده لها باسم)باب اإلدغام عند الكوفيني(‪.‬‬
‫الفراء‪:‬‬
‫‪ -‬فمن آراء ّ‬
‫ّ‬
‫املصوت(‪.‬‬ ‫أ – تسمية الصوت الشديد بـ ِ)األخرس(‪ ،‬والصوت الرخو ِ‬
‫بــ)‬
‫ب – تعليل اإلبدال يف صيغة افتعل إذا كان الفاء من أصـوات اإلطبـاق‪ ،‬بتجـاور صـوتني‬
‫ّ‬
‫ومصوت‪ ،‬دون النظر إىل صفتي اإلطباق واالنفتاح‪.‬‬ ‫أخرس‬

‫‪٢٧٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫ج – كون النون يف)عنرب( نونا ً مخفاة وليست ميما ً‪.‬‬


‫شددت ّ‬
‫أدت نونا ً‪.‬‬ ‫شدد ّأدى مثله‪ ،‬إال ّ امليم فإنها إذا ّ‬ ‫د– ّ‬
‫كل حرف إذا ّ‬
‫هـ ‪ -‬جواز إدغام الراء يف الالم‪.‬‬
‫‪ -‬ومن آراء ثعلب‪:‬‬
‫اعرتاضه عىل سيبويه يف عدم أصوات الصفري‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الفراء‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫‪ّ –٣‬‬


‫رد مزاعم مشهورة عن ّ‬
‫أ – جعل مخرج الياء‪ ،‬والواو واحدا ً‪.‬‬
‫ب – جعل الفاء‪ ،‬والباء‪ ،‬وامليم من الشفتني‪.‬‬
‫ج – جعل مخرج الالم‪ ،‬والنون‪ ،‬والراء‪ ،‬واحدا ً‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪ – ٤‬الكشف عن إدراك علماء العربية يف العراق لقوة تقارب مخرجي القاف والغني‪ ،‬ممـا‬
‫يقربهم إىل الرأي املعارص يف تقديم مخرج القاف عىل الغني‪.‬‬
‫ّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪ –٥‬تسمية بعض املحدثني ِلـ) الالم والنون والراء( بــ)حـروف تـشبه الحركـات (هـي‬
‫تسمية قديمة جاءت عىل لسان الزجاج وابن ِ ّ‬
‫جـنـي يف حديثهما عن صوت النون‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪٢٧٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫املـربد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املصوتة" هي تسمية قديمة جاءت عىل لسان‬ ‫‪ – ٦‬تسمية املحدثني للحركات ِ‬
‫بــ"‬
‫يف مقتضبه‪ ،‬ومن ثم ابن ِ ّ‬
‫جـنـي يف خصائصه‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪ – ٧‬شيوع ظاهرة التخالف يف األصوات الذلقية‪ ،‬عىل خالف ما أثبته بعض املحدثني‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ّ‬
‫توصل إليه علماء العربية يف العراق يف القرنني‬ ‫‪ ٨‬ـــ متابعة الدارسني املحدثني ألغلب ما‬
‫الثالث والرابع الهجريني‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫وآخر دعواهم أن الحمد لله ّ‬


‫رب العاملني‪ ،‬عليه توكلت وإليه أنيب‪.‬‬
‫*** *** *** ***‬

‫صبيح التميمي‬
‫القاهرة ‪١٩٨٢‬‬

‫‪٢٧٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫‬
‫א ‬
‫‬ ‫א‬ ‫א  א‬

‫‪ - ١‬القرآن الكريم‪:‬‬
‫‪ - ٢‬املخطوطات والرسائل العلمية‪:‬‬
‫‪ -‬التنبيه عىل رشح مشكالت الحماسة‪ ،‬البن ِ ّ‬
‫جـنـي‪ ،‬رسالة ماجستري‪ /‬كليـة اآلداب ‪/‬‬
‫جامعة القاهرة ‪.١٩٧١ /‬‬
‫جنـي ‪ ٨٥٧ /‬لغة ‪ /‬دار الكتب املرصية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫رس صناعة اإلعراب‪ ،‬البن‬
‫‪ّ -‬‬
‫‪ -‬رشح السريايف عىل كتاب سيبويه ‪ ٥٦٨ /‬نحو تيمور ‪ /‬دار الكتب املرصية‪.‬‬
‫‪ -‬قضايا يف علم اللغة العربية ‪ /‬د‪ :‬محمود حجازي‪ ،‬محارضات ألقاها عىل طلبـة كليـة‬
‫اآلداب‪ /‬جامعة القاهرة ‪.١٩٧٦ /‬‬

‫‪ -٣‬املطبوعات‪:‬‬
‫‪-‬أ‪-‬‬
‫‪ -‬اإلبدال‪ ،‬البن السكيت‪ ،‬تح‪ :‬د‪ .‬حسني رشف) القاهرة‪.(١٩٧٨ ،‬‬
‫‪ -‬أبو زكريا الفراء‪ ،‬د‪ :‬أحمد مكي األنصاري)القاهرة‪.(١٩٦٤ ،‬‬
‫‪ -‬األخبار الطوال‪ ،‬للدينوري‪ ،‬تح‪ :‬عبد املنعم عامر)القاهرة‪.(١٩٦٠ ،‬‬
‫‪ -‬أخبار النحويني البرصيني‪ ،‬للسريايف‪،‬تح‪:‬الزيني وخفاجي)القاهرة‪.(١٩٥٥ ،‬‬
‫‪ -‬أدب الكاتب‪ ،‬البن قتيبة‪ ،‬تح‪ :‬محمد محي الدين)القاهرة‪.(١٩٦٣ ،‬‬
‫‪٢٧٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -‬االشتقاق‪ ،‬ألبي بكر ابن الرساج‪،‬تح‪ :‬محمد صالح)بغداد‪.(١٩٧٣ ،‬‬


‫‪ -‬إصالح املنطق‪ ،‬البن السكيت‪ ،‬تح‪ :‬أحمد شاكر‪ ،‬وهارون)القاهرة‪.(١٩٧٠ ،‬‬
‫‪ -‬أصوات اللغة‪ ،‬د‪ .‬عبد الرحمن أيوب)القاهرة‪.(١٩٦٨ ،‬‬
‫‪ -‬األصوات اللغوية‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم أنيس)القاهرة‪.(١٩٨١ ،‬‬
‫‪ -‬األضداد‪ ،‬املنسوب لألصمعي‪ ،‬ضمن ثالثة كتب يف األضداد)بريوت‪.(١٩١٢ ،‬‬
‫‪ -‬إعجاز القرآن‪ ،‬للباقالني‪ ،‬تح‪ :‬السيد احمد صقر)القاهرة‪.(١٩٥٤ ،‬‬
‫‪ -‬إعراب ثالثني سورة‪ ،‬البن خالويه)القاهرة‪.(١٩٤١ ،‬‬
‫‪ -‬االقرتاح‪ ،‬للسيوطي‪ ،‬تح‪ :‬احمد قاسم)القاهرة‪.(١٩٧٦ ،‬‬
‫‪ -‬األلفاظ الكتابية‪ ،‬للهمداني)القاهرة‪ ،‬ال‪.‬ت (‪.‬‬
‫‪ -‬اإلمالة‪ ،‬د‪ .‬عبد الفتاح شبيل)القاهرة‪.(١٩٧١ ،‬‬
‫‪ -‬األمايل‪ ،‬للقايل)القاهرة‪.(١٩٧٥ ،‬‬
‫‪ -‬األمثال‪ ،‬ألبي عكرمة الضبي‪ ،‬تح‪ :‬د‪ .‬رمضان عبد التواب)القاهرة‪.(١٩٧٤ ،‬‬
‫‪ -‬إنباه الرواة عىل أنباه النحاة‪ ،‬للقفطي‪ ،‬تح‪ :‬محمد أبو الفضل)القاهرة‪.(١٩٥٠ ،‬‬
‫‪ -‬اإليضاح يف علوم البالغة‪ ،‬للقزويني‪ ،‬نرش‪ :‬خفاجي)بريوت‪.(١٩٧٥ ،‬‬

‫ــ ب ــ‬
‫‪ -‬البحث اللغوي عند العرب‪ ،‬د‪ :‬احمد املختار )القاهرة‪.(١٩٧١ ،‬‬
‫‪ -‬بغية الوعاة يف طبقات اللغويني والنحاة‪ ،‬للسيوطي‪ ،‬تح‪:‬محمد أبو الفـضل)القـاهرة‪،‬‬
‫‪.(١٩٦٥‬‬
‫‪ -‬البلدان‪ ،‬لليعقوبي)النجف األرشف‪.(١٩٥٧ ،‬‬
‫‪ -‬البلغة يف شذور اللغة)مجموعة رسائل (‪،‬نرش‪ :‬هفنر)بريوت‪.(١٩١٤ ،‬‬
‫‪٢٨٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫‪ -‬البيان والتبيني‪ ،‬للجاحظ‪ ،‬تح‪ :‬هارون)القاهرة‪.(١٩٧٥ ،‬‬

‫‪ -‬ت–‬
‫‪ -‬تأويل مشكل القران‪ ،‬البن قتيبة‪ ،‬تح‪ :‬لسيد احمد صقر)القاهرة‪.(١٩٧٣ ،‬‬
‫‪ -‬تاريخ ابن خلدون‪ ،‬تصحيح‪ :‬عالل الفايس)القاهرة‪.(١٩٣٦ ،‬‬
‫‪ -‬تاريخ آداب العرب‪ ،‬ملصطفى الرافعي)القاهرة‪.(١٩٧٤ ،‬‬
‫‪ -‬تاريخ الرسل وامللوك‪ ،‬للطربي‪ ،‬تح‪ :‬محمد ابو الفضل)القاهرة‪.(١٩٦٢ ،‬‬
‫‪ -‬تاريخ القرآن‪ ،‬ألبي عبد الله الزنجاني)بريوت‪.(١٩٦٩ ،‬‬
‫‪ -‬تاريخ مخترص الدول‪ ،‬البن العربي) أكسفورد‪ ،‬ط ‪( ٢‬‬
‫‪ -‬التصحيف‪ ،‬والتحريف‪ ،‬للعسكري)القاهرة‪.(١٩٠٨ ،‬‬
‫‪ -‬التطور اللغوي‪ ،‬د‪ .‬رمضان عبد التواب)القاهرة‪.(١٩٨١ ،‬‬
‫‪ -‬تهذيب اللغة‪،‬ألبي منصوراألزهري‪،‬تح‪:‬هارون وآخرين)القاهرة‪.(١٩٦٤ ،‬‬

‫‪ -‬ج–‬
‫‪ -‬الجمل‪ ،‬للزجاجي‪ ،‬نرش ابن أبي شنب)باريس‪.(١٩٥٧ ،‬‬
‫‪ -‬جمهرة اللغة‪ ،‬ألبن دريد)الهند‪ ،‬حيدر أباد الدكن‪١٣٤٤ ،‬هـ(‪.‬‬

‫‪ -‬ح–‬
‫‪ -‬الحجة يف علل القراءات السبع‪ ،‬ألبي عيل الفاريس‪ ،‬تـح‪ :‬النجـدي وآخـرين)القـاهرة‪،‬‬
‫‪.(١٩٦٥‬‬
‫‪ -‬الحجة يف القراءات السبع‪،‬البن خالويه‪ ،‬تح‪:‬د‪ .‬عبد العال مكرم)بريوت‪.(١٩٧٧ ،‬‬
‫‪٢٨١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -‬الحروف‪ ،‬البن السكيت‪ ،‬د‪ .‬رمضان عبد التواب)القاهرة‪.(١٩٦٩ ،‬‬


‫‪ -‬الحروف البن السكيت‪ ،‬ضمن ثالثة كتب يف الحروف)القاهرة‪.(١٩٨٢ ،‬‬

‫‪-‬خ‪-‬‬
‫‪ -‬الخصائص‪ ،‬البن جني‪ ،‬تح‪ :‬محمد النجار)القاهرة‪.(١٩٥٢ ،‬‬
‫‪ -‬الخليل بن أحمد الفراهيدي‪ ،‬د‪ :‬مهدي املخزومي)بغداد‪.(١٩٦٠ ،‬‬
‫‪-‬د‪-‬‬
‫‪ -‬دراسة الصوت اللغوي‪ ،‬د‪ :‬أحمد املختار)القاهرة‪.(١٩٧٦ ،‬‬
‫‪ -‬دراسات يف علم اللغة‪ ،‬د‪ .‬كمال برش)القاهرة‪.(١٩٧٣ ،‬‬
‫‪ -‬دراسات يف نقد األدب العربي‪ ،‬د‪ .‬بدوي طبانة)بريوت‪.(١٩٦٩ ،‬‬
‫‪ -‬الدراسات اللهجية والصوتية البن جني‪ :‬د‪:‬حسام النعيمي)بريوت‪.(١٩٨٠ ،‬‬
‫‪ -‬داللة األلفاظ‪ ،‬د‪ :‬إبراهيم أنيس)القاهرة‪.(١٩٨٠ ،‬‬
‫‪ -‬ديوان األدب‪ ،‬للفارابي‪ ،‬تح‪ :‬أحمد مختار)القاهرة‪.(١٩٧٤ ،‬‬
‫‪ -‬ديوان لبيد)بريوت دار صادر (‪.‬‬
‫‪ -‬ديوان النابغة‪ ،‬تح محمد أبو الفضل)القاهرة‪.(١٩٧٧ ،‬‬
‫‪ -‬ديوان النابغة ‪ ،‬تح‪ :‬شكري فيصل)بريوت‪.(١٩٦٨ ،‬‬

‫‪ -‬ر‪-‬‬
‫‪ -‬رسائل الجاحظ‪ ،‬تح‪ :‬هارون)القاهرة‪.(١٩٧٩ ،‬‬
‫‪ -‬رواية اللغة‪ ،‬د‪ :‬عبد الحميد الشلقاني)القاهرة‪.(١٩٧١ ،‬‬

‫‪٢٨٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫‪ -‬ز–‬
‫‪ -‬الزاهر‪ ،‬ألبي بكر األنباري‪ ،‬تح ‪ ،‬د‪ .‬حاتم الضامن)بغداد‪.(١٩٧٩ ،‬‬

‫‪ -‬س–‬
‫‪ -‬السبعة يف القراءات‪،‬البن مجاهد‪ ،‬تح‪ :‬د‪.‬شوقي ضيف)القاهرة‪١٤٠٠ ،‬هـ(‪.‬‬
‫‪ -‬رس الفصاحة‪ ،‬للخفاجي‪ ،‬تح‪ :‬د‪ .‬عبد املتعال الصعيدي)القاهرة‪.(١٩٦٩ ،‬‬

‫‪ -‬ش‪-‬‬
‫‪ -‬شذرات الذهب يف أخبار َمن ذهب‪ ،‬البن العماد الحنبيل)بريوت‪ ،‬ال‪ .‬ت(‪.‬‬
‫‪ -‬رشح شافية ابن الحاجب‪ ،‬للريض‪ ،‬تح محمد نور الحسن واخرين)بريوت ‪.(١٩٧٥‬‬
‫‪ -‬رشح املفصل‪ ،‬البن يعيش)بريوت‪ ،‬عالم الكتب (‪.‬‬
‫‪ -‬الشعر والشعراء‪ ،‬البن قتيبة‪ ،‬تح‪ ،‬احمد شاكر)القاهرة‪.(١٩٧٧ ،‬‬
‫‪ -‬شفاء الغليل‪ ،‬للخفاجي)القاهرة‪١٢٨٢ ،‬هـ(‪.‬‬

‫‪ -‬ص‪-‬‬
‫‪ -‬الصاحبي يف فقه اللغة‪ ،‬البن فارس‪،‬تح د‪ .‬الشويمي)بريوت‪.(١٩٦٤،‬‬
‫‪ -‬صبح األعىش‪ ،‬للقلقشندي)القاهرة‪.(١٩١٤ ،‬‬
‫‪ -‬الصحاح)تاج اللغة وصحاح العربية ( للجوهري‪ ،‬تح‪:‬عبد الغفور)بريوت ‪.(١٩٧٩‬‬

‫‪ -‬ط‪-‬‬
‫‪ -‬طبقات فحول الشعراء‪ ،‬البن سالم الجمحي‪ ،‬تح محمود شاكر)القاهرة‪.(١٩٦٥ ،‬‬
‫‪٢٨٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -‬طبقات النحويني واللغويني‪،‬للزبيدي‪ ،‬تح محمد أبو الفضل)القاهرة‪.(١٩٧٣ ،‬‬

‫‪-‬ظ‪-‬‬
‫‪ -‬ظهر اإلسالم‪ ،‬ألحمد أمني)القاهرة‪.(١٩٦٢ ،‬‬
‫‪-‬ع‪-‬‬
‫‪ -‬العرب قبل اإلسالم‪ ،‬لجرجي زيدان)بريوت‪.(١٩٧٩ ،‬‬
‫‪ -‬العقد الفريد‪ ،‬البن عبد ربه‪ ،‬تح‪ :‬أحمد أمني وآخرين)القاهرة‪.(١٩٥٦ ،‬‬
‫‪ -‬علم اللغة العام –األصوات‪ ،‬د‪ :‬كمال برش)القاهرة‪.(١٩٧٥ ،‬‬
‫‪ -‬العني‪ ،‬للخليل الفراهيدي‪،‬تح‪:‬د‪ :‬املخزومي والسامرائي)بغداد‪.(١٩٨٠ ،‬‬
‫‪ -‬عيون األخبار‪ ،‬البن قتيبة)القاهرة‪.(١٩٢٥ ،‬‬

‫‪ -‬غ‪-‬‬
‫‪ -‬غاية النهاية يف طبقات القراء‪،‬البن الجزري‪،‬نرش برجشرتارس)القاهرة‪.(١٩٣٢،‬‬
‫‪ -‬غريب الحديث‪ ،‬ألبي عبيد القاسم بن سالم)الهند‪ ،‬حيدر آباد‪.(١٩٦٦ ،‬‬

‫‪ -‬ف‪-‬‬
‫‪ -‬الفاضل‪ ،‬للمربد‪ ،‬تح عبد العزيز امليمني)القاهرة‪.(١٩٥٦ ،‬‬
‫‪ -‬فتوح البلدان‪ ،‬للبالذري)بريوت‪.(١٩٧٨،‬‬
‫‪ -‬فصول يف فقه العربية‪ ،‬د‪ :‬رمضان عبدالتواب)القاهرة‪.(١٩٨٠ ،‬‬
‫‪ -‬فقه اللغة‪ ،‬د‪:‬عبد الواحد وايف)القاهرة‪.(١٩٧٢ ،‬‬
‫‪ -‬الفن ومذاهبه يف الشعر العربي‪ ،‬د‪ :‬شوقي ضيف)القاهرة‪.(١٩٦٥ ،‬‬
‫‪٢٨٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫‪ -‬الفهرست‪ ،‬البن النديم)بريوت‪.(١٩٧٨ ،‬‬


‫‪-‬يف تاريخ العرب قبل اإلسالم ‪ ،‬د‪.‬محمد زغلول)بريوت‪.(١٩٧٦،‬‬
‫‪ -‬يف التطور اللغوي‪،‬د‪ :‬عبد الصبور شاهني)القاهرة‪.(١٩٧٥ ،‬‬
‫‪-‬يف اللهجات العربية‪ ،‬د إبراهيم أنيس)القاهرة‪.(١٩٧٣ ،‬‬

‫‪-‬ك‪-‬‬
‫‪ -‬الكتاب‪ ،‬لسيبويه)القاهرة‪،‬بوالق‪١٣١٧،‬هـــ(‪.‬‬
‫‪ -‬كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون‪،‬لحاجي خليفة)تركيا‪١٣١٠،‬هـ(‪.‬‬
‫‪ -‬الكشف عن وجوه القراءات السبع‪ ،‬ملكي القييس‪ ،‬تح‪،‬د‪ .‬محي الدين رمـضان)دمـشق‪،‬‬
‫‪.(١٩٧٤‬‬

‫‪ -‬ق–‬
‫‪ -‬القاموس املحيط‪ ،‬للفريوز آبادي)القاهرة‪.(١٩٥٢ ،‬‬

‫‪ -‬ل‪-‬‬
‫‪ -‬لحن العوام‪ ،‬للزبيدي‪ ،‬تح‪ :‬د‪ .‬رمضان عبد التواب)القاهرة‪.(١٩٦٤ ،‬‬
‫‪ -‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور)بريوت‪ ،‬دار صادر(‪.‬‬
‫‪ -‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور و)طبعة دار املعارف املرصية(‬
‫‪ -‬اللغة بني املعيارية والوصفية‪ ،‬د‪:‬تمام حسان)املغرب‪.( ١٩٨٠ ،‬‬
‫‪ -‬اللغة العربية يف مواجهة الحياة‪ ،‬د‪.‬عيد الطيب)القاهرة‪١٤٠٢ ،‬هـ(‪.‬‬
‫‪ -‬اللمع يف العربية‪ ،‬البن جني‪ ،‬تح‪ :‬حسني رشف )القاهرة‪.(١٩٧٩ ،‬‬
‫‪٢٨٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -‬اللهجات العربية‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم نجا)القاهرة‪.(١٩٧٢ ،‬‬


‫‪ -‬ليس‪ ،‬البن خالويه‪ ،‬تح‪ :‬احمد عبد الغفور)مكة املكرمة‪.(١٩٧٩ ،‬‬
‫‪-‬‬
‫‪ -‬م‪-‬‬
‫‪ -‬املثل السائر‪ ،‬البن األثري)القاهرة‪١٣١٢ ،‬هـ(‪.‬‬
‫‪ -‬مجالس ثعلب‪ ،‬تح‪ :‬عبد السالم هارون)القاهرة‪.(١٩٤٨ ،‬‬
‫‪ -‬محارضات يف اللغة‪ ،‬د‪ :‬عبد الرحمن أيوب)بغداد‪.(١٩٦٦ ،‬‬
‫‪ -‬املحتسب يف شواذ القراءات‪،‬البن جني‪ ،‬تح‪:‬النجدي)القاهرة‪.(١٩٦٥ ،‬‬
‫‪ -‬املحكم يف نقط املصاحف‪،‬للداني‪،‬تح‪ :‬د‪.‬عزة حسن)دمشق‪.(١٩٦٠،‬‬
‫‪ -‬مخترص يف شواذ القرآن البن خالويه‪،‬نرش‪ :‬برجشرتارس)القاهرة‪.(١٩٣٤ ،‬‬
‫‪ -‬املدارس النحوية‪ ،‬د‪ :‬شوقي ضيف)القاهرة‪.(١٩٦٨ ،‬‬
‫‪ -‬املدخل إىل علم األصوات‪،‬د‪ .‬صالح حسنني)القاهرة‪.(١٩٨١ ،‬‬
‫‪ -‬املدخل اىل علم اللغة‪ ،‬د‪ .‬رمضان عبد التواب)القاهرة‪.(١٩٨٢ ،‬‬
‫‪ -‬مدرسة الكوفة‪ ،‬د‪ :‬مهدي املخزومي)القاهرة‪.(١٩٥٨ ،‬‬
‫‪ -‬مراتب النحويني‪،‬ألبي الطيب اللغوي‪،‬تح‪:‬محمد أبو الفضل)القاهرة‪.(١٩٧٤،‬‬
‫‪ -‬املزهر يف علوم اللغة‪ ،‬للسيوطي تح‪ ،‬محمد أبو الفضل )القاهرة‪.(١٩٥٨ ،‬‬
‫‪ -‬املستقيص يف أمثال العرب‪ ،‬للزمخرشي)بريوت‪.(١٩٧٧ ،‬‬
‫‪ -‬املظاهر الطارئة عىل الفصحى‪ ،‬د‪ .‬محمد عيد)القاهرة‪.(١٩٨٠ ،‬‬
‫‪ -‬املعارف‪ ،‬البن قتيبة‪ ،‬تح‪ :‬ثروت عكاشة)القاهرة ‪.(١٩٦٩‬‬
‫‪ -‬معاني القرآن‪ ،‬لألخفش‪ ،‬تح‪ :‬فائز فارس)الكويت‪.(١٩٧٩،‬‬
‫‪ -‬معاني القرآن‪ ،‬للفراء‪ ،‬تح‪ :‬أحمد نجاتي وآخرين)القاهرة(‬
‫‪٢٨٦‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫‪ -‬معاني القرآن وإعرابه‪ ،‬للزجاج‪ ،‬تح‪ :‬عبدالجليل شلبي)القاهرة‪.(١٩٧٣‬‬


‫‪ -‬معجم األدباء‪ ،‬لياقوت الحموي)بريوت‪ ،‬دار املسترشق(‪.‬‬
‫‪ -‬معجم البلدان‪ ،‬لياقوت الحموي)القاهرة‪.(١٩٠٦ ،‬‬
‫املعرب‪ ،‬الجواليقي‪ ،‬تح‪ :‬أحمد شاكر)القاهرة ‪.(١٩٦٩‬‬
‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬املفصل‪ ،‬للزمخرشي)الطبعة األوربية ‪١٨٤٠‬م(‪.‬‬
‫‪ -‬مقاييس اللغة‪ ،‬البن فارس‪ ،‬تح‪ :‬هارون)القاهرة‪١٣٦٦،‬هـ(‪.‬‬
‫‪ -‬املقتضب‪ ،‬للمربد‪ ،‬تح‪ :‬الشيخ عضيمة)القاهرة‪.(١٩٦٣،‬‬
‫‪ -‬مقدمتان يف علوم القرآن‪ ،‬لصاحب املباني‪ ،‬وابن عطية‪ ،‬نرش‪:‬‬
‫آرثر جفري)القاهرة‪.(١٩٥٤،‬‬
‫‪ -‬مناهج البحث يف اللغة‪ ،‬د‪ :‬تمام حسان)القاهرة‪.(١٩٥٥،‬‬
‫‪ -‬منجد املقرئني‪ ،‬البن الجزري)القاهرة‪ ١٣٥٠ ،‬هـ(‪.‬‬
‫‪ -‬املنصف يف رشح ترصيف املازني‪ ،‬البن جني‪ :‬تح‪ :‬إبراهيم مصطفى‬
‫)القاهرة‪.(١٩٥٤ ،‬‬
‫‪ -‬املنهج الصوتي للبنية العربية‪ ،‬د‪ :‬عبدالصبور شاهني)القاهرة‪.(١٩٧٧،‬‬
‫‪ -‬موسيقى الشعر‪ ،‬د‪ :‬إبراهيم أنيس)القاهرة‪.(١٩٦٥،‬‬
‫املوشــح‪ ،‬ألبي عبدالله املرزباني)القاهرة ‪.(١٩٧٤ -‬‬
‫ّ‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -‬ن–‬
‫‪ -‬نزهة األلباء‪ ،‬ألبي الربكات األنباري‪ ،‬تح‪:‬د‪:‬السامرائي)بغداد‪.(١٩٧٠،‬‬
‫‪ -‬النرش يف القراءات العرش‪ ،‬البن الجزري‪ ،‬تح‪ :‬د‪ .‬محمد سالم)القاهرة‪.(١٩٧٨ ،‬‬
‫‪ -‬النوادر يف اللغة‪ ،‬ألبي زيد األنصاري‪ ،‬تح‪ :‬د‪ .‬محمد عبدالقادر)بريوت‪.(١٩٨١،‬‬
‫‪٢٨٧‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -‬نور القيس املخترص من املقتبس‪ ،‬للمرزباني تح‪ :‬رودلف زلهايم)املانيا ‪.(١٩٦٤‬‬


‫‪ -‬هـ ‪-‬‬
‫همع الهوامع‪ ،‬للسيوطي)بريوت طبعة دار املعرفة ال‪ .‬ت(‪.‬‬
‫* * *‬

‫‪ – ٤‬الكتب املرتجمة وكتب املسترشقني العربية‪:‬‬


‫‪ -‬أسس علم اللغة‪ ،‬ماريوباي‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬أحمد مختار عمـر )ليبيـا‪ -‬جامعـة طـرابلس‪،‬‬
‫‪.(١٩٧٢‬‬
‫‪ -‬تاريخ األدب العربي‪ ،‬كارل بركلمان‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبدالحليم النجار)القاهرة‪.(١٩٧٤ ،‬‬
‫‪ -‬تاريخ الشعوب االسالمية‪ ،‬كارل بروكلمان‪ ،‬ترجمة‪ :‬نبيه فارس)بريوت‪.(١٩٦٨ ،‬‬
‫‪ -‬تاريخ علم اللغة‪ ،‬جورج مونني‪ ،‬ترجمة‪ :‬بدر الدين القاسم)دمشق‪.(١٩٧٢ ،‬‬
‫‪ -‬تاريخ اللغات السامية‪ ،‬أ‪ .‬ولفنسون)بريوت‪.(١٩٨٠ ،‬‬
‫‪ -‬التشكيل الصوتي للغة العربية‪ ،‬د‪ :‬سلمان العاني‪ ،‬ترجمة يارس املالح) ّ‬
‫جدة‪.(١٩٨٣ ،‬‬
‫‪ -‬التطور النحوي للغة العربية‪ ،‬ج‪ ،‬برجشرتارس‪ ،‬أخراج د‪ .‬رمضان عبدالتواب)القـاهرة‪،‬‬
‫‪.(١٩٨٢‬‬
‫‪ -‬خطط الكوفة‪ ،‬ما سنيون‪ ،‬ترجمة‪ :‬تقي املصعبي)النجف األرشف‪.(١٩٧٩ ،‬‬
‫‪ -‬دروس يف علم أصوات العربية‪،‬كانتينو‪،‬ترجمة‪:‬صالح القرمادي)تونس‪.(١٩٦٦ ،‬‬
‫‪ -‬العربية‪ ،‬يوهان فك‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬رمضان عبدالتواب)القاهرة ‪.(١٩٨٠‬‬
‫‪ -‬العربية الفصحى‪ ،‬هنري فليش‪ ،‬ترجمة د‪ .‬عبدالصبور شاهني)بريوت‪.(١٩٦٦ ،‬‬
‫ّ‬
‫والقصاص)القاهرة‪.(١٩٥٠ ،‬‬ ‫‪ -‬اللغة‪ ،‬فندريس‪ ،‬ترجمة الدواخيل‬

‫‪٢٨٨‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫‪ – ٥‬املقاالت العلمية املنشورة يف املجالت‪:‬‬


‫‪ -‬اإلبدال اللغوي‪ ،‬د‪ :‬اسماعيل الطحان)بغداد‪ ،‬مجلة آداب املستنرصية العدد االول(‪.‬‬
‫‪ -‬األصوات عند سيبويه‪ ،‬د‪ :‬كمال برش)القاهرة‪ ،‬مجلة الثقافة ع‪.(١٩٧٥ ،٢١‬‬
‫‪ -‬جهود علماء العربية يف الدراسات الصوتية‪ ،‬د‪ :‬ابراهيم أنيس‪)،‬القاهرة مجلـة املجمـع‬
‫العدد‪.(١٥‬‬
‫‪ -‬الحركات اإلعرابية بـني القـدامى واملحـدثني‪ ،‬صـبيح حمـود التميمـي‪ ،‬مجلـة كليـة‬
‫الرتبية)جامعة املوصل‪.(١٩٨٠ ،‬‬
‫‪ -‬حروف تشبه الحركات‪ ،‬د‪ :‬إبراهيم أنيس)القاهرة مجلة املجمع‪ ،‬ج ‪.(١٦‬‬
‫‪ -‬الراء يف العربية‪ ،‬د‪ :‬أدور يوحنا)املغرب‪ ،‬مجلة اللسان العربي م ‪ ،١٧‬ج‪١٩٧٩ ،١‬م(‪.‬‬
‫‪ -‬سؤاالت نافع بن األزرق‪ ،‬البن عباس‪ ،‬تح‪ :‬د‪ .‬إبراهيم السامرائي)بغداد‪ ،‬مجلـة رسـالة‬
‫االسالم‪ ،‬كلية أصول الدين‪ ،‬العددان ‪ ،٦ – ٥‬السنة الثانية‪.(١٩٦٨ ،‬‬
‫‪ -‬علم األصوات عند سيبويه وعندنا‪ ،‬أ‪ .‬شاده)صحيفة الجامعة املـرصية الـسنة الثانيـة‬
‫‪١٩٣١‬م (‪.‬‬
‫‪ -‬فيما وضع يف اللغة عند العرب‪ ،‬د‪ .‬محمد حسني آل ياسني)بغداد – مجلة املورد م‪،٩‬ع‪،٤‬‬
‫‪١٩٨١‬م(‪.‬‬
‫‪ -‬املفهومات األساسية للتحليل اللغوي عند العرب‪ ،‬د‪ :‬عبـدالرحمن أيـوب)املغرب‪،‬مجلـة‬
‫اللسان العربي م‪ ١٦‬ج‪.(١٧‬‬

‫‪٢٨٩‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فهرست املحتوى‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬
‫‪٥‬‬ ‫ّ‬
‫املقدمة ‪............................................................................‬‬
‫‪١٠‬‬ ‫توطئة ‪.............................................................................‬‬
‫‪١١‬‬ ‫بيئة الدراسة ‪.....................................................................‬‬
‫‪١٢‬‬ ‫تمصري البرصة ‪..................................................................‬‬
‫‪١٥‬‬ ‫تمصري الكوفة ‪...................................................................‬‬
‫‪١٩‬‬ ‫تمصري بغداد ‪.....................................................................‬‬
‫‪٢١‬‬ ‫لغة العرب ‪........................................................................‬‬
‫‪٢٥‬‬ ‫نشأة اللحن ‪......................................................................‬‬
‫‪٢٥‬‬ ‫زمن نشأة اللحن ‪................................................................‬‬
‫‪٢٩‬‬ ‫نشأة التفكري اللغوي ‪...........................................................‬‬
‫‪٣٣‬‬ ‫الرواية اللغوية ‪...................................................................‬‬
‫أعالم الحركة اللغوية العامة يف القرنني ‪.....................................‬‬
‫‪٣٧‬‬ ‫الثالث والرابع الهجريني ‪.......................................................‬‬

‫الفصل األول‬
‫‪٤١‬‬ ‫دراسة تمهيدية ‪..................................................................‬‬
‫‪٤٣‬‬ ‫مصادر الدراسة الصوتية ‪.....................................................‬‬

‫‪٤٣‬‬ ‫‪ -١‬كتب األصوات ‪................................................................‬‬


‫‪٤٦‬‬ ‫‪ -٢‬كتب قراءات القرآن الكريم وتجويده ومعانيه‪.........................‬‬

‫‪٢٩٠‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫‪٤٩‬‬ ‫ّ‬
‫املتخصصة‪...............................................‬‬ ‫‪ -٣‬الكتب اللغوية‬
‫‪٥٠‬‬ ‫‪ -٤‬املعاجم اللغوية ‪..............................................................‬‬
‫‪٥١‬‬ ‫‪ -٥‬كتب األعجاز والبالغة ‪......................................................‬‬
‫‪٥١‬‬ ‫‪ -٦‬كتب األدب العامة ‪...........................................................‬‬
‫‪٥٣‬‬ ‫منهج التفكري الصوتي ودوافعه ‪.............................................‬‬
‫‪٥٤‬‬ ‫دراسة االصوات اللغوية منفردة من جانبني ‪...............................‬‬
‫‪٥٦‬‬ ‫دراسة االصوات اللغوية مؤلفة )التشكيل الصوتي(…‪...................‬‬
‫‪٦٠‬‬ ‫دوافع التفكري الصوتي ‪.......................................................‬‬
‫‪٦٢‬‬ ‫التفكري الصوتي بني األصالة والتأثري ‪.......................................‬‬
‫‪٦٨‬‬ ‫نتائج التفكري الصوتي يف القرن الثاني ‪.....................................‬‬
‫‪٦٩‬‬ ‫االصوات العربية )مخارجها‪ ،‬وصفاتها( ‪...................................‬‬
‫‪٧١‬‬ ‫الحركات العربية )األصوات الصائتة( ‪......................................‬‬
‫‪٧٢‬‬ ‫ظواهر التشكيل الصوتي ‪......................................................‬‬
‫‪٧٤‬‬ ‫االصوات ومخارجها ‪............................................................‬‬
‫‪٧٦‬‬ ‫صفات األصوات ‪.................................................................‬‬
‫‪٧٧‬‬ ‫الصفات العامة ‪..................................................................‬‬
‫‪٧٨‬‬ ‫صفات خاصة تميزت بها مجموعات صوتية ‪............................‬‬
‫‪٨٠‬‬ ‫صفات تميزت بها أصوات مفردة ‪..........................................‬‬
‫‪٨٠‬‬ ‫ظواهر التشكيل الصوتي ‪.....................................................‬‬
‫‪٨٢‬‬ ‫االبدال املرشوطة ‪...............................................................‬‬

‫‪٢٩١‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الثاني‬
‫‪٨٧‬‬ ‫األصوات العربية ‪..............................................................‬‬
‫‪٨٩‬‬ ‫كيفية إحداث الصوت البرشي ‪...............................................‬‬
‫‪٩٢‬‬ ‫كيفية إدراك الصوت وتميزه ‪.................................................‬‬
‫‪٩٣‬‬ ‫االصوات العربية ‪................................................................‬‬
‫‪٩٦‬‬ ‫االصوات الفرعية ‪...............................................................‬‬
‫‪٩٦‬‬ ‫االصوات املستحسنة ‪..........................................................‬‬
‫‪٩٧‬‬ ‫االصوات غري املستحسنة ‪....................................................‬‬
‫‪٩٨‬‬ ‫أصوات نطقت بها قبائل عربية ‪............................................‬‬
‫‪٩٩‬‬ ‫أصوات ُ‬
‫سمعت من ناطقني بالعربية ‪......................................‬‬
‫‪١٠١‬‬ ‫الصحة واالعتالل يف االصوات ‪.................................................‬‬
‫‪١٠٥‬‬ ‫الحركات القصرية ‪...............................................................‬‬
‫‪١١١‬‬ ‫مرتبة الحركة من الحرف ‪......................................................‬‬
‫‪١١٢‬‬ ‫أشباه أصوات اللني ‪..............................................................‬‬
‫‪١١٥‬‬ ‫مخارج األصوات ‪.................................................................‬‬
‫‪١١٦‬‬ ‫الفراء الكويف ‪.....................................................................‬‬
‫‪١٢٠‬‬ ‫أبو الحسن سعيد بن مسعدة األخفش‪.......................................‬‬
‫‪١٢١‬‬ ‫أبو العباس املربد ‪...............................................................‬‬
‫‪١٢٢‬‬ ‫أبو الحسن محمد كيسان ‪....................................................‬‬
‫‪١٢٣‬‬ ‫ابو بكر محمد بن الحسن بن دريد ‪..........................................‬‬
‫‪١٢٨‬‬ ‫ابو القاسم عبد الرحمن بن اسحاق الزجاجي ‪............................‬‬

‫‪٢٩٢‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫‪١٢٩‬‬ ‫ابن الجني ‪.........................................................................‬‬


‫‪١٣٩‬‬ ‫صفات االصوات ‪.................................................................‬‬
‫‪١٣٩‬‬ ‫الجهر والهمس ‪..................................................................‬‬
‫‪١٤٢‬‬ ‫األخفش ‪...........................................................................‬‬
‫‪١٤٣‬‬ ‫املربد ‪...............................................................................‬‬
‫‪١٤٤‬‬ ‫ابن الكيسان ‪.....................................................................‬‬
‫‪١٤٥‬‬ ‫الزجاج ‪............................................................................‬‬
‫‪١٤٥‬‬ ‫ابن دريد ‪...........................................................................‬‬
‫‪١٤٦‬‬ ‫الزجاجي ‪..........................................................................‬‬
‫‪١٤٧‬‬ ‫ابن الجني ‪.........................................................................‬‬
‫‪١٤٧‬‬ ‫رأي املحدثني يف صفتي الجهر والهمس ‪....................................‬‬
‫‪١٥١‬‬ ‫الشدة والرخاوة‪..................................................................‬‬
‫‪١٥٢‬‬ ‫املربد ‪...............................................................................‬‬
‫‪١٥٤‬‬ ‫ابن دريد ‪..........................................................................‬‬
‫‪١٥٥‬‬ ‫السريايف ‪............................................................................‬‬
‫‪١٥٦‬‬ ‫ابن جني ‪...........................................................................‬‬
‫‪١٥٦‬‬ ‫الفراء ومصطلحاته الجديدة ‪..................................................‬‬
‫‪١٥٦‬‬ ‫املصوت واالخرس مصطلحان جديدان للتسديد والرخو ‪.................‬‬
‫‪١٥٨‬‬ ‫رأي املحدثني ‪.....................................................................‬‬
‫‪١٦٣‬‬ ‫اإلطباق واالنفتاح ‪...............................................................‬‬
‫‪١٦٥‬‬ ‫االستعالء واالنخفاض ‪..........................................................‬‬

‫‪٢٩٣‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪١٦٧‬‬ ‫القلقلة ‪............................................................................‬‬


‫‪١٧٠‬‬ ‫الذالقة ‪............................................................................‬‬
‫‪١٧٢‬‬ ‫صفاتها ‪.........................................................................‬‬
‫‪١٧٦‬‬ ‫الصفري ‪...........................................................................‬‬
‫‪١٧٧‬‬ ‫التفيش واالستطالة ‪............................................................‬‬
‫‪١٧٨‬‬ ‫الغنة ‪..............................................................................‬‬
‫‪١٧٩‬‬ ‫صفات أصوات منفردة ‪........................................................‬‬
‫‪١٨٠‬‬ ‫التكرير ‪............................................................................‬‬
‫‪١٨١‬‬ ‫املهتوت ‪............................................................................‬‬
‫‪١٨١‬‬ ‫الهاوي ‪............................................................................‬‬
‫الفصل الثالث ‪....................................................................‬‬
‫‪١٨٣‬‬ ‫التشكيل الصوتي ‪................................................................‬‬
‫‪١٨٥‬‬ ‫اقرتان األصوات وتنافرها ‪......................................................‬‬
‫حرص صور االقرتانات غري املسموح بها‬
‫‪١٨٥‬‬ ‫ٍ‬
‫ضابط محدد ‪.....................................................‬‬ ‫من دون‬

‫‪١٨٦‬‬ ‫حرص صور االقرتانات غـري املـسموح بهـا بـسبب تقـارب الخـارج‬
‫‪................‬‬
‫‪١٨٧‬‬ ‫ماهو ثقيل غري مستساغ ‪.....................................................‬‬
‫‪١٩٤‬‬ ‫ما هو سهل مستساغ ‪.........................................................‬‬
‫‪١٩٨‬‬ ‫التعليل الصوتي للتغريات الرتكيبية ‪........................................‬‬
‫‪١٩٩‬‬ ‫االعالل ‪.............................................................................‬‬
‫‪٢٠٧‬‬ ‫االبدال‪...............................................................................‬‬

‫‪٢٩٤‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي‬

‫‪٢١٠‬‬ ‫االصالة والفرعية بني املبدل واملبدل منه ‪...................................‬‬


‫‪٢١٢‬‬ ‫االبدال واللهجات ‪...............................................................‬‬
‫‪٢١٤‬‬ ‫االبدال املرشوط ‪.................................................................‬‬
‫‪٢٢٨‬‬ ‫مسائل اخرى ‪...................................................................‬‬
‫‪٢٢٨‬‬ ‫الفصل بني الصوتني املتجاورين ‪...........................................‬‬
‫‪٢٣٠‬‬ ‫مسألة النطق بأصل اللفظ ‪..................................................‬‬
‫‪٢٣٢‬‬ ‫عدم اللبس يف الصيغة الجديدة ‪..............................................‬‬
‫‪٢٣٣‬‬ ‫االدغام ‪...........................................................................‬‬
‫‪٢٣٥‬‬ ‫من رشوط االدغام التالصق ‪..................................................‬‬
‫‪٢٣٦‬‬ ‫مصدر ثقل املتقاربني ‪..........................................................‬‬
‫‪٢٣٨‬‬ ‫الصوتان املدغمان بمثابة الحرف الواحد ‪..................................‬‬
‫‪٢٣٨‬‬ ‫عدم ذهاب اإلدغام ببعض الصفات ‪........................................‬‬
‫‪٢٤٦‬‬ ‫التوافق الحركي ‪.................................................................‬‬
‫‪٢٤٧‬‬ ‫اإلمالة ‪.............................................................................‬‬
‫‪٢٥١‬‬ ‫االتباع يف الحركة ‪................................................................‬‬
‫‪٢٦٠‬‬ ‫التخالف ‪..........................................................................‬‬
‫‪٢٦٩‬‬ ‫االصوات املبدلة منها‪ ،‬واملبدلة‪................................................‬‬
‫‪٢٧٠‬‬ ‫التخالف يف دراسات املحدثني ‪...............................................‬‬
‫‪٢٧٤‬‬ ‫الخاتمة‪............................................................................‬‬
‫أوال ً‪:‬‬
‫‪٢٧٤‬‬ ‫النتائج العامة ‪...................................................................‬‬

‫‪٢٩٥‬‬
‫التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ثانيا ً‪............................................................................... :‬‬


‫‪٢٧٦‬‬ ‫النتائج الخاصة ‪.................................................................‬‬
‫‪٢٧٩‬‬ ‫الفهارس ‪.........................................................................‬‬
‫‪٢٧٩‬‬ ‫املصادر واملراجع ‪...............................................................‬‬
‫‪٢٩٠‬‬ ‫فهرست املحتوى ‪...............................................................‬‬

‫‪٢٩٦‬‬

You might also like