Professional Documents
Culture Documents
التفكير الصوتي عند علماء العربية
التفكير الصوتي عند علماء العربية
@
@
@
@
@
@
@
<êiçfl’Ö]< ÓËjÖ]
@
@
@ðmí—Üa@ÙÑnÜaOlbnÙÜa@çaíåÈ
@×a‹ÉÜa@À@óïi‹ÉÜa@öbáÝÈ@‡åÈ
@ðáïánÜa@|ïj–@N†OÒÜü¾a
@@RPQS@M†a‡Íi@M¶ìÿa@óÉj(Üa
@óàbÉÜa@óïÐbÕrÜa@çìü“Üa@Ša†@Z0ÑÜa@xa‹‚ýaì@@|ïz—nÜaì@óïäì6ÙÜýa@óÈbj(Üa
@
@ @
@ Z@çaíåÉÜa
@ USWSSPW@Òmbè@M bÑïy@ËŠb’@–@†a‡Íi@–@×a‹ÉÜa@M óÐbÕrÜa@òŠaŒì
@ baghdad 2013 @mocul. gov. iq@ðäì ÙÜýa@‡îÜa
All rights reserved . No part of this book may be reproduced, stored in a retrieval system, or
transmitted in any form or by any means without prior permission in of the publisher .
;<+ ; => ! " # $% &' ()*+ ,- ./0 1 : 3456 7 89:
@ @N@?% @ AB
@
<
<
<ê{içfl’Ö]< ÓËjÖ]
<
@@×a‹ÉÜa@À@óïi‹ÉÜa@öbáÝÈ@‡åÈ
<êÛéÛjÖ]<xéf‘<J
–
RPQS@òîi‹ÈÛa@òÏbÔrÛa@òà–bÇ@†a‡Ìi@Êë‹“ß@paŠa‡–a@åß
@
@
@Z@öa‡èfia
@Z¶g
@
Z@la6Ìýa óÝyŠ@À@lŠş‡Üa@óÕïЊ@@
@
@‡á«@ãc
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
املقدمة
رضورة دراسة تراثنا اللغوي بمستوياته كافة ،قادتني إىل هذه السلسلة اللغوية التي
خلفـه لنـا علمـاء
ّ كانت تحمل يف األصل ْ
اسم " التفكري اللغوي عند العرب " لدراسة ما
العربية يف العراق من مؤلفات متكاملة يف ميادين الصوت ،والداللة ،والصناعة املعجمية،
القـراء دون َ ْ
سـرب غورهـا، ّ أو آراء مبثوثة يف بطون الكتب ،ممـا ّ
يمـر عليـه كثـري مـن
والتحقـق من مقاصدهاّ ،
كل ذلك من أجل الكشف عن تفكـري أسـالفنا يف هـذه البقعـة ّ
املبكـر.
ّ ونتائجه يف هذه امليادين اللغوية يف ذلك العهد
* * *
مرضُ ْ ّ ،
حددت بيئة البحث مكانـا، ومراعاة للحرص والتدقيق يف البحث ،وتقديم عمل ُ ْ
َ
مبتغى الدراسات الوصفية الحديثة : وزمانا ،ومستوى،وهو
فمكانه " العراق " البلد الذي ضم ّ " البرصة ،والكوفة ،وبغداد " عواصم العلم اللغوي
– آنذاك ،-وعلماء هذه املدن الذين أثبتوا الدرس اللغويّ ،
ودونوه ،ونقلوه إىل غريهم.
رغب َ يف العلم ،وما نجد َ َ
علما ً من أعـالم العربيـة إال وقـد فهذا املكان هو َ ْ ُ
قـصد َمن ْ َ ِ
خـلفوه من تراث. أخذ من علمائه مبارشة ،أو ّ
مما ّ
ومـن ْ وفدوا عليه،
َ وسيقترص البحث عىل تراث علماء اللغة يف العراق:مولدا ،ونشأة ً،
ضـمهم إىل علمـاء العـراقّ .
أمـا علمـاء التجويـد، ّ ّ
تـسوغ لنـا وأقاموا فيه ّ
مدة طويلة،
واملناطقة ،والبيانيون ،والفالسفة فعىل الرغم مما ّ
قدموه من تراث صـوتي أصـيل فهـم
خارج ميدان هذه الدراسة.
٥
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
V
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
٧
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد رسمت هذه الدراسة بتوطئة عامة للسلسلة كاملة ،وثالثة فصول صوتية :
ْ ُ
أفردت أولها لنتائج التفكري الـصوتي يف القـرن الثـاني للهجـرة ،ومـصادر الدراسـة ــ
الصوتية عند العرب ،ومنهجهم العام فيها ،ألنه األساس الذي اعتمـدت عليهـا دارسـات
القرون الالحقة.
ّ ْ ُ
وخصصت ثانيها لدراستهم يف تحديد األصوات ،ومخارجها ،وصفاتها. ــ
ــ وجعلت ثالثها لتعليالتهم الصوتية يف ظواهر اإلعـالل ،واإلبـدال ،واإلدغـام والتوافـق
الحركي ،والتخالف.
ــ وختمت هذه الدراسة بأبرز معاملها ،وماجاء فيها من جديد يف ّ
مادتــه ،أو يف أسـلوب
عرضه.
* * *
X
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
يشكل ّ
مادة جديدة تفتقر إليها املكتبة اللغوية ،وستكون ــ إن شاء الله تعاىل ــ مرجعا ً
ّ
خاصـة بعـد اعتمـاد – أغلـب الخـلة،
َ للباحثني ،وأميل كبري أن تكون جديرة يف ّ
سد هذه
أقسام اللغة العربية بجامعاتنا العربية واإلسالمية – الدراسة الصوتية مادة ً أساسية ً يف
برامجها اللغوية.
ّ
وأقدم جزيل الشكر وعظيم االمتنان ألستاذي املرشف الدكتور عبد الله وهنا البد ْ
أن أذكر
املتربع من ُ ْ
بعد عـىل متابعـة ّ العزازي ،وأخي األكرم األستاذ الدكتور رمضان عبد التواب
ّ
نمو هذه الدراسة واكتمالها ،فقد كانت لتوجيهاتهما األثـر الكبـري يف ضـبط مـسارها،
ّ
وجل أحسن الجزاء وأوفره. وإصابة أهدافها ،فجزاهما املوىل ّ
عز
٩
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
توطـــــئـــة
• بيئة الدراسة.
• لغة العرب.
• نشأة اللحن.
• نشأة التفكري اللغوي.
• الرواية اللغوية.
• الحركة اللغوية يف القرنني الثالث والرابع الهجريني.
QP
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
بيئة الدراسة
ال أريد أن أتحدث عن املايض القديم ألرض العراق بالتفصيل ،إال أنـي أود ّ اإلشـارة إىل
شكلت إحدى رؤوس املثلث الحـضاري القـديم) ،(١أال
أنها شهدت حضارة إنسانية قديمة ّ
ّ
تنفك عـن وهي حضارة وادي الرافدين املتمثلة يف حضارة بابل وآشور ،الحضارة التي لم
االتصال بشعوب العالم األخرى ،فقد كان لسكان هذه املنطقة ّ
اتصال مع دولـة فـارس،
زمن خضوع املنطقة لهم ،منذ عهد كورش األول ) ٥٥٠ق.م( وولده قمبيزّ ،
واتصال مـع
اليونانيني بعد نجاح االسكندر اليوناني ) (٢يف االنتصار عىل حكم الفرس يف هذه املنطقـة
ّ
وتغـريت الحـال ،وتقلبـت الحكومـات ،وعـاد استمر حتى وفاته،
ّ وإخضاعها لهم الذي
الفرس ثانية ،بظهور الدولة الساسانية ) ،(٣التي سيطرت عىل أرض العراق ،وأقامت معه
اتصاالت اجتماعية ،وتجاريـة ،فكانـت املـدن العراقيـة أسـواقا ً للبـضائع الفارسـية،
الروم. ممرا ً لها َ
باتجاه اليمن ،وبالد ّ والهندية ،أو ّ
وازدياد العالقات صلة بني الفرس والعرب دفع ّ
حكام بالد فارس إىل مساعدة املناذرة
عىل تأسيس دولتهم يف الحرية ) ،(٤بهدف حماية أطرافهم الغربيـة مـن هجمـات الـروم،
وتأمني سبل تجارتهم التي تسري عرب هذه املنطقـة وبـدأ االخـتالط ،والتفاعـل اللغـوي
والحضاري يأخذ مساره زمنا ً طويال ً ،وتعاقبت األيام ،وتغريت العالقاتَ ُ ،
وفقدت الثقـة
بني حكام الفرس والعرب ،وأراد ِكرسى التخلص من املناذرة ) ،(٥فأعقب ذلك معركـة ذي
قار )سنة٦١٠م( التي انترص العرب فيها بقيادة هاني بن مسعود الشيباني عىل جيوش
ومرت السنون ،وعـاد الفـرس مـرة أخـرى وفرضـوا سـيطرتهم عـىل الحـرية
الفرسّ ،
) (1وهي حضارة اليمن ،وحضارة وادي النيل ،وحضارة وادي الرافدين.
) (2األخبار الطوال ،٣٢ /تاريخ مخترص الدول .٥٧/
) (3األخبار الطوال ،٤٦/تاريخ مخترص الدول .٤٧/
) (4العرب قبل اإلسالم ،٢٦٣/وتاريخ العرب قبل اإلسالم .٢٠١ :
) ( 5تاريخ العرب قبل اإلسالم .٢٣٠/
١١
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
)(٦
استمر حتى بزوغ فجر اإلسالم العظـيم ،وتكـوين الدولـة
ّ وحكموها حكما ً مبارشا ً
االسالمية ،والبدء بالفتوحات االسالمية ِ ُ
وعـرض اإلسـالم عـىل كـرسى فأبـاه ،فكانـت
القادسية ،املعركة التي هدت اركان دولة كرسى ،وفتحت أمام الدولة االسـالمية املنافـذ
الرشقية لها ،من اجل مواصلة حمل نور االسالم ،والهداية الربانية لتطبيق حكم اللـه يف
تلك البقاع ،فكان للمسلمني ما أرادوا ،وتوالت االنتصارات االسالمية ،وفتحوا بالد فـارس
كلها ،وتجاوزوها إىل أبعد منها.
والغرض ِمن ِذكر هذه اإلشـارات التاريخيـة هـو التأكيـد عـىل أن نـشوء الحـضارة
القديمة يف هذه الربوع ،ثم احتكاكها بحضارات عاملية وتفاعلها معها ،كان لـه االثـر يف
صياغة جوانب من منهجية الدراسات العلمية يف هذه البيئة وتكوينها.
تمصري البرصة:
رفع بعد انتصار املسلمني يف معركة القادسية أكرب العوائق التـي كانـت تحـول دون
انتشار ّ
املد االسالمي إىل الرشق ،ومن أجل اسـتمرار تقـويض النفـوذ غـري اإلسـالمي يف
املنطقة ،واإلطاحة بأركانه تماما ً ،لتحرير اإلنسان من عبوديات األرض ،بـرزت مـسألة
إيجاد مواقع للجيوش الفاتحة التخاذ منـازل لهـم لتكـون مـواطن راحـة واسـتقرار،
وانطالق ،فوقع اختيار عتبة بن غزوان ) ،(٧قائد الحملة يف تلك املنطقة عىل موضع قـرب
"الخريبة" ،وهي قرية ذات منازل خربة ،وبها مسالح كرسى ،فكتب للخليفة عمـر بـن
الخطاب كتاباّ ،
ضمنه وصفا ً كامال ً للمنطقة ،واستأذنه يف النزول بهـا ،التخاذهـا دارا ً
QR
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
) (8رسائل الجاحظ ،رسالة األوطان والبلدان ،١٣٩ /٤فتوح البلدان .٣٤١ /
) (9تاريخ الطربي .٥٩٠/٣
) (10جماعة تنسب اىل سياه االسواري أحد قواد الفرس.
) (11السبابجة :قوم ذوو جلد من الهند ،يكونون مع رئيس السفينة البحرية ليحرسوها /لسان العرب:
سبج .٢٩٤/٢
١٣
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما سمع أحدهم يلحن " :هؤالء املوايل قد رغبوا يف اإلسالم ،ودخلوا فيه ،فـصاروا لنـا
أخوة فلو عملنا لهم الكالم ،(١٢) "...وال يعني هذا ّ
أن ّ
كل األعاجم سواء يف مثل هذه الحـال
من اللغة العربية فقد نبغ منهم جماعة كالحسن البـرصي ،وابـن املقفـع واألسـواري،
ّ
وتصدروا مجالس الدرس يف مسجد البـرصة إحـدى دعـامتي الحركـة العلميـة يف هـذه
املدينة.
أما الثانية فهي سوق املربد ،التي هي يف األصل مناخة لإلبل ،وسوق لتبـادل املنفعـة،
تطورت اىل مجالس أدبية ولغوية عامرة ،كأسواق الجاهلية حتى كـان بعـض األعـراب
يفدون عليها ،وال عمل لهم سوى إنفاق ما عندهم من لغـة ،وغريـب ،وشـعر ،فيخـرج
إليهم طالب العربية ،ورواة الشعر ،ليسمعوا ويتلقفوا من أفواههم الكالم الفصيح.
تخرج فيهـا كثـري
ثرا للمرويات اللغوية واألدبية ،ومدرسة ّ
وبهذا كان املربد مصدرا ً ّ
من علماء البرصة.
وعودا عىل بدء ،فإذا كان االختالط السكاني بني العرب وغريهم له نتيجة سلبية هـي
ظهور اللحنّ ،
فإن له يف الجانب املقابل نتيجـة إيجابيـة هـي :تكييـف مـنهج الـدرس
اللغوي ،واإلسهام يف تنمية وعـي العلمـاء املنهجـي يف البحـث ،وتـوجيههم إىل أسـاليب
منهجية جديدة ،ال عهد للعرب بها ،وذلك بسبب وجود جماعات أجنبية لهـا حـضارات،
الرس
ّ وأفكار لغوية ،ومنهجية سابقة ،ويف هذا قال الدكتور شوقي ضيف " :وبذلك نفهم
أن عقل البرصة كان ّ
أدق وأعمق من عقل الكوفة ،...إذ سـبقتها إىل االتـصال بالثقافـات ّ
االجنبيــة ،وبــالفكر اليونــاني ،ومــا وضــعه أرســطوطاليس مــن املنطــق وحــدوده
وأقيسته").(١٣
QT
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
ّ
وتمسك به جملة فشاع القياس يف الدرس البرصي يف عهد مبكر بشكله الفطري اللغوي،
من النحاة كعبد الله بن أبي إسحاق ) ،(١٤ويونس بن حبيـب ) (١٥وغـريهم ،هـذا القيـاس
ّ
توصلوا إليه من خالل الشائع املسموع من األعراب ،وأفواه الفصحاء مـن القبائـل الذي
حددوا هذه القبائل ّ
مقدما ً ،وما خالف هذه األقيـسة ،فهـو عنـدهم مـن العربية بعد أن ّ
الشاذ ،أو النادر ،فال ُيحفل به يف وضع األقيسة ،خوفا ً من وقوع االضطراب فيهاّ ،
لكنـه
ال ُيرتك أو ُيهمل ،وإنما ُيحفظ يف بابه.
* * *
وأقبل املسلمون عىل هذه املدينة التي ُعرفت بخصوبة أرضها ووفرة مياهها ّ
فأول َمن
ُ
تخل املدينـة نزل بها من العرب:اليمانيون واملرضيون ) ،(١٩ثم توافدت عليها القبائل ،ولم
ِ
بالحرف ،واألعمال العامة األخرى،منهم : من عنارص أجنبية،اختصت
ـ عنارص فارسية ) ،(٢٠أغلبها من بقايا الجيوش الفارسـية التـي آمنـت باإلسـالم،
واختارت الكوفة موطنا ً.
ولعلـها كانت تسكن ديرات مجاورة ملوضع الكوفة.
ّ ــ عنارص رسيانية،
ــ عنارص نبطيةّ ،
ألن الكوفة عىل مقربة من الحرية التي كانت قبل
اإلسالم مصدر انتشار املسيحية اآلرامية.
ّ
استدل الدكتور املخزومي عىل وجود النبط بقول أبي عمرو بن العالء ألهـل وقد -
الكوفة ":لكم حذلقة النبط وصلفهم،ولنا دهاء فارس").(٢١
ثم ّ
إن رواية الجاحظ ّ
تؤيد ذلـك ،فقـد قـال " :أهـل الكوفـة قـد نزلـوا بـأدنى
بالد النبط " ).(٢٢
وعنارص يهودية من النجرانيني بعد أن أجالهم الخليفة عمر بن الخطاب بعـد -
تعاطيهم الربا فخافهم عىل اإلسالم ).(٢٣
فمن هذه القبائل العربية والعنارص األجنبية ،التي وفدت عىل املدينة ّ
تكون املجتمـع
ومما هو جدير بالذكر ّ
أن تلك العنارص األجنبية قليلة العـدد لـذا كانـت هجنـة ّ الكويف،
) (19معجم البلدان ،٢٩٧ /٧البلدان ،لليعقوبي ،٧٠ /خطط الكوفة .٤٥ /
) (20تاريخ الطربي ،٤٩/٤فتوح البلدان .٢٧٩ /
) (21مدرسة الكوفة ،٨ /و البيان والتبني .١٠٦ /٢
) (22البيان والتبيني .١٩/١
) (23فتوح البلدان .٧٧ /
QV
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
املجتمع الكويف ّ
أقل مما هي عليه يف املجتمع البرصي ،وهو أمر فرضـه موقـع البـرصة،
وقرب اتصالها بالعالم الخارجي.
أما املركز الثقايف األسايس يف املدينة فهو املسجد أيضا ً ،ففيه تعقد الحلقات العلميـة
وتعلـم الفقه ،وإنشاد الشعر .وقد ّ
تميـزت ّ إلقراء القرآن الكريم ،ورواية الحديث الرشيف
القـراء السبعة ،وهم :عاصم بـن أبـي النجـود ،وحمـزة بـن حبيـب
ّ الكوفة بثالثة من
).(٢٤
الزيات ،وعيل بن حمزة الكسائي
كما أنها ُعرفت أيضا ً باهتمامها برواية الشعر ،إذ قال األصمعي " :والشعر بالكوفة
أكثر وأجمع منه بالبرصة )،(٢٥
ّ
الضبي اللـذان أخـذ عنهمـا أهـل ومن أشهر رواته عندهم :حماد الراوية ،واملفضل
املرصين :
ّ
أما سبب كثرة الشعر بالكوفة واالهتمام بروايته ،فهو أمر حاول القدامى واملحدثون
تعليله :
فابن ِ ّ
جـنـي – مثال – روى أنهم عثروا عىل كنوز من الـشعر مدفونـة ،تحـت قـرص
النعمان ،وبذلك كانوا أعلم باألشعار من أهل البرصة.
أما الدكتور املخزومي ،فريى أن هذا االهتمام يعود إىل تكوينها السكاني ،وأنها منازل
بيوت العرب ،من الصحابة والتابعني ،فاملحافظة عىل العـادات العربيـة والتقاليـد األوىل،
والتغني بالبطولة ،والتفاخر بالشعر أمر ال ّ
بد له من املحافظة واالستمرار عليه.
وعموما ً فال خالف بني التعليلني ،وال مانع من الجمع بينهما يف تبيان سبب عنايتهم
بالشعر ،واالهتمام بكثرته).(٢٦
ّ
الـصحة يف النقـل، سنـة متبعة أساسـها
ّ ّ
الجو العام إلقراء القرآن الكريم كان ثم ّ
إن
ّ
يعتزون باألثر املرويّ عن العرب كالكـسائي وما يضيفه وجود رجال اإلسالم األول الذين
القراء. ّ
مؤسيس املذهب الكويف وأحد كبار ّ الذي هو أحد
أثــر هذا وذاك يف أحد جوانب منهج الـدرس اللغـوي يف هـذه املدينـة ،وأصـبح
فقد ّ
يتمتــع بمكانـة وقيمـة ال يتغـاىض
ّ االعتزاز باألثر اللغوي ،أو الشعر املروي عن العرب
عنها ،وتبع هذه الحال االتساع يف رواية اللغة عن القبائل العربية والتسامح يف األخذ عـن
األعراب الذين استوطنوا الحوارض بعد الوثوق بهم ،واعتدوا بما سمعوه مـن الفـصحاء،
مما ّ
عد من الشواذ عند البرصيني ،لعدم توافقه مع األصول واألقيـسة املوضـوعة التـي
يجب أن ال تخالف عندهم ).(٢٧
وبقيت الكوفة املدينة الثانية بعد البرصة يف هذا امليدان ،وكانت لها منافسات علميـة
خاصة يف مجال الدرس اللغوي ،وال يخالف هذا كون الكوفيني قد ّ
ثبـتوا أفكـار مـذهبهم
الفراء. وأسسه يف بغدادّ ،
ألن الكسائي قد دخل بغداد ،وأقام فيها ،وتبعه صاحبه ّ
* * *
ويف هاتني املدينتني نشأ الدرس اللغوي العربي – لخدمة القرآن الكريم – وصون لغته
شع عىل ّ
كل البقاع واملدن اإلسـالمية ،وأصـبحت من الخطأ ،ونما وترعرع ونضج ،حتى ّ
ّ
صـحة هـذا املعايري التي وضعها علماء هاتني املدينتني هي األساس الذي يحكم به عـىل
الكالم أو ذاك ،وهو أمر فطن إليه السابقون :
الطيب اللغوي " :وال علم للعرب إال يف هاتني املدينتني" ).(٢٨
ّ فقد قال أبو
QX
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
وحاكاه السيوطي فقال " :والذي نقل اللغة واللـسان العربـي ...وأثبتهـا يف كتـاب،
وصريها علما وصناعة ،هم أهل الكوفة والبرصة فقط من بني أمصار العرب ").(٢٩
ّ
ولم يزل أهل املرصين عىل هذه الحال حتـى بـدأت رحلـة العلمـاء إىل عاصـمة الخالفـة
العباسية )بغداد(.
) (29االقرتاح.٥٧/
١٩
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
RP
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
وقول أبي نرص الفارابي " :وكانت قريش أجود العرب انتقادا ً لألفصح من األلفاظ،
وأسهلها عىل اللسان عند النطق " ).(٣٥
وأكد املحدثون املبدأ الذي اعتمده اللغويون العرب يف كيفية ظهور اللغة املشرتكة:
فقد قال فندريس " :تقوم اللغات املشرتكة دائما ً عىل أساس لغـة موجـودة ،حيـث
ّ
وتفـرس التكلــم،
ّ تـتـخذ هذه اللغة املوجودة لغة مشرتكة من جانـب أفـراد مختلفـي
ُ ّ
وتعلــل انتـشارها ...وأحيانـا ً
ّ تغلـب هذه اللغة التي ّ
اتخذت أساسا ّ الظروف التاريخية
نرانا أمام إحدى اللهجات ،أي :أمـام لغـة إقلـيم معـني انتـرشت يف األقـاليم املجـاورة،
وصارت لغتها املشرتكة ).(٣٦
أن نقول ّ :
إن هذه اللغة املشرتكة ،هي اللغة التي نـزل بهـا تقدم يمكننا ْ
ويف ضوء ما ّ
القرآن الكريم ،وكان نزوله عامال ً عىل ازدياد ّ
نموها وانتشارها وازدهارها ،حتى كانـت
هي املحور األساس الذي دارت عليه دراسات اللغويني العرب يف العراق وغريه.
* * *
ّ
تشعب هذه اللغة يف بعض جوانبها إىل مجموعات من الصفات اللغويـة : وثانيتهما :
ّ
سـميت بــ الصوتية ،والرصفية ،والنحوية ،والدالليـة التـي تنتمـي اىل بيئـات خاصـة
وعلـة هذا التشعب ،هي سـعة انتـشار القبائـل العربيـة يف أرض الجزيـرة
ّ )اللهجات(،
الرحبة ،واستيطانها يف مواطن متفرقة ،األمـر الـذي ّأدى اىل إيجـاد نـوع مـن الفـوارق
اللغوية فيما بني نطق هذه القبائل ،وبروز صفات لهجية ّ
لكل منها ،عىل وفـق ظروفهـا
االجتماعية.
RR
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
وما بني الصورتني )اللغة املشرتكة ،واللهجات( عالقة العـام والخـاص ،إذ ّ
إن اللغـة
ّ
يتجـسد يف : عدة لهجاتّ ،
لكل منها ما يميزها من صـفات خاصـة ،أبرزهـا تشتمل عىل ّ
االختالف يف النواحي الـصوتية ) ،(٣٧أو االخـتالف يف أبنيـة الكلمـات ) ،(٣٨أو االخـتالف يف
دالالتها ) ،(٣٩أو االختالف يف الجوانب النحوية للرتكيب ) ،(٤٠وقد تشرتك هـذه اللهجـات يف
مجموعة من الصفات اللغوية ،والعادات الكالمية التي تكون بمجموعها لغة ذات كيـان
مستقل.
ولقد فطن علماء العربية إىل هذا االنقسام اللغويّ ،
وألفوا فيمـا ورد منـه يف القـرآن
أكدوا ّ
أن هـذه اللهجـات لـم الكريم خاصة ،أو يف لغات القبائل عامة ،ثم إن كثريا ً منهم ّ
تكن يف مستوى واحد من الفصاحة ،األمر الذي ّ
أثر عـىل مـسألة االحتجـاج ،إذ اعتمـدوا
قسما ً منها ،واستبعدوا القسم اآلخر ،وتجىل ذلـك يف قـول الفـارابي " :والـذين عـنهم
نـقلت اللغة العربية ...هم قـيس وتمـيم وأسـد ،...ثـم هـذيل وبعـض كنانـة وبعـض
ُ
الطائيني ،ولم ُيؤخذ عن غريهم من سائر قبائلهم ،...فإنه لـم ُيؤخـذ مـن لخـم وال مـن
فإنـهم كانوا مجاورين ألهل مرص والقبط ،وال من قضاعة وال من غسان وال من
ّ جذام،
فإنــهم كـانوا
ّ فإنـهم كانوا مجاورين ألهل الشام ،...وال من تغلب وال من النمـر،
ّ أياد،
مجاورين لليونانية ،وال من بكر ألنهم كانوا مجاورين للنبط والفرس.(٤١)" ...
فضابط هذا التصنيف عندهم هو مـوطن القبائـل ،إذ ْ اعتمـدوا لهجـات القبائـل التـي
استوطنت وسط الجزيرة ،وكانت يف منأى عن االختالط بالشعوب األخـرى التـي تقـصد
الجزيرة للتعامل معها ،أي :إنهم وثقوا مـن سـالمة لغـتهم مـن التـأثر ّ
وردوا لهجـات
) (37نظري :نطق القاف عند تميم التي تلحقه باللهاة حتى يغلظ.
) (38نظري :مدين التي هي عند تميم :مديون ،وأسارى عند الحجاز ،وأرسى عند نجد.
) (39نظري :السدفة عند تميم :الظلمة ،وعند قيس :الضوء.
) (40نظري :الخالف يف )ما( بني التميميني والحجازيني.
) (41االقرتاح للسيوطي ،٥٦ /واملزهر .٢١٢ /١
٢٣
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القبائل التي استوطنت أطراف الجزيرة التي كانت عرضة لالختالط واالحتكاك بالشعوب
املجاورة ،إدراكا ً منهم للتطور اللغوي الذي يحدث نتيجة الرصاع بني اللغات املتجاورة.
وكان الجاحظ قد الحظ نوعا من هذا التأثر عندما تلتقي اللغتـان يف اللـسان الواحـد ،إذ
ّ
كـل واحـدة منهمـا الـضيم عـىل قال " :اللغتان إذا التقتا يف اللـسان الواحـد ،أدخلـت
صاحبتها" ).(٤٢
أقرته الدراسات الحديثة إذ يقول فندريس " :األثر الذي يقع عىل لغـة مـا
وهو مبدأ ّ
من لغات مجاورة لها ،كثريا ً ما يلعب دورا ً هاما ً يف التطور اللغوي ...واحتكـاك اللغـات
يؤدي حتما إىل تداخلها.(٤٣) " ...
ّ
* * *
RT
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
) (44أمايل القايل ٦،٤ /١ومعاجم املقاييس والصحاح واللسان مادة :لحن.
) (45معجم مقاييس اللغة :لحن .٢٣٩ /٥
) (46العربية ،يوهان فك ،٢٥٤ /ومعجم مقاييس اللغة :لحن .٢٣٩ /٥
٢٥
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• قول ّ
املربد " :كان الصدر األول من أصحاب رسول الله صىل اللـه عليـه وآلـه وسـلم
وتغريت لغاتهم").(٤٧
ّ يعربون طبعا ً ،حتى خالطهم العجم ففسدت ألسنتهم
واملتعربني من عهد النبي صـىل
ّ ّ
الطيب اللغوي " :اللحن ظهر يف كالم املوايل • وقول أبي
الله عليه وسلم " ).(٤٨
• وقول أبي بكر الزبيدي " :ولم تزل العرب يف جاهليتها وصدر من إسـالمها ،تـربع يف
ودونت فـتحت املدائن ُ ّ
ومرصت األمصارّ ، ّ
بالسجية وتتكلم عىل السليقة ،حتى ُ نطقها
الدواوين ،فاختلط العربي بالنبطي والتقى الحجازي بالفاريس ،ودخل الدين أخـالط
األمم ،وسواقط البلدان ،فوقع الخلل يف الكالم ،وبدأ اللحن يف ألسنة العوام " ).(٤٩
وكذلك إشارة ابن فارس السابقة إىل " ّ
أن اللحن ُمحدث ،لم يكن يف العرب العاربـة الـذين
تكلموا بطباعهم السليمة.
• أما املحدثون :فلم تتّـفق كلمتهم يف زمن النشأة ،وهم عىل مذهبني :
ّ
يتجـسد هـذا املـذهب يف ردد رأي القدامى يف ّ
أن النشأة كانت بعد انتشار اإلسالم، األول ّ :
تعقيب مصطفى صادق الرافعي عىل قول النبي )صىل الله عليه وآله وسلم( عندما سمع
ضل " ).(٥٠
رجال ً لحن بحرضته " :ارشدوا أخاكم فقد ّ
مستقر األسـباب التـي يكـون
ّ قال " :فلو كان اللحن معروفا ً يف العرب قبل ذلك العهد،
ّ
بـأن عنها ،لجاءت عبارة الحديث عىل غري هذا الوجه ...بل ّ
إن عبارة الحديث تكاد تنطق
).(٥١
ذلك اللحن كان أول لحن سمعه أفصح العرب صىل الله عليه وسلم "
RV
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
ونحن مع الرافعي يف ّ
أن هذا هو أول لحن سمعه )صىل الله عليه وآله وسلم( لكنــه
أظـن ّ
أن هـذا الحـديث ّ ال يمنع من القول بوجود اللحن بمناطق أخرى من الجزيـرة ،وال
أول لحن وقع عند العرب جميعا ً.
يسعفنا للقول بأنه ّ
وعىل العموم ّ
فإن أصحاب هذا املذهب من القدامى واملحدثني يعملون عىل توجيه هذا
إن ورد يف هذه الحقبة ،وجعله من قبيل اللهجات الشاذة ،أو النادرة.
اللحن ِ
الثاني :يذهب إىل ّ
أن اللحن وقع قبل اإلسالم ،ومن أصحاب هذا املذهب:
أ – االستاذ كمال إبراهيم ) ،(٥٢الذي استدل ّ عىل وقوعه يف الجاهلية باستعمال شعراء
هذه الفرتة لفظة )لحن( ،وال يوضع لفظ لغري مدلوله ومـسماه ) .(٥٣وقـد استـشهد
الدكتور محمد حسني آل ياسني ) (٥٤ناقل الرأي السابق ببيت للبيد) .(٥٥يصف كاتبا ً :
!
ولم يتضح يل ما إذا كان االستشهاد من صاحب الرأي ،أم من ناقلهّ ،
وأيا كانت جهـة
االستشهاد ،فاالعتماد عليه غري سليمّ ،
ألن املراد باللحن هنا هو الفطنة ،ولـيس الخطـأ
اللغوي.
خطـــأ َمـن يـذهب إىل ّ
أن ّ ب – وإىل هذا الرأي ذهب األسـتاذ أحمـد عبـدالغفور الـذي
الجاهليني كانوا يف نجوة من الخطأ ).(٥٦
حدد الدكتور محمد عيد مجال وقوع اللحن يف عـرص مـا قبـل االسـالم ،إذ يـرى ّ
أن ج– ّ
"اللغة العامة التي كانت وسيلة التفاهم بني الجميع ،حدث فيها أحيانا اللحن والخطـأ،
ّ
تقدم به الزمن إىل العـرص الجـاهيل ،لجاءتنـا صح ّ
أن االهتمام باللغة ودراستها قد ّ ولو
كتب يف " لحن العامة " عن هذا العرص ،كما حدث يف القرن الثاني الهجري وما تاله").(٥٧
يعدون اإلقواء) (٥٩يف الشعر من قبيل الخطأ النحوي فإنه واقع
د –وإذا التفتنا إىل الذين)ّ (٥٨
ال شك فيه ،لكثرة وروده يف أشعار تلك الفرتة ).(٦٠
وقلــت قـصيدة لهـم ]يعنـي
ّ حتى قال الفريوزآبـادي معـربا ً عـن كثـرة وروده " :
الجاهليني[ بال إقواء " ).(٦١
وإننا نذهب مذهب الذين يرون اإلقواء عيبا ً من عيوب الـشعر العربـي ،بـرز خـالل
ّ
تطوره ،قبل اكتماله بالشكل الذي ورد إلينا يف القصيدة الجاهليـة قبيـل ظهـور مراحل
ّ
الظن ّ
بقية من بقايا تلـك اإلسالمْ .
فإن وردت تلك الظاهرة يف بعض األبيات كانت يف أغلب
الظاهرة القديمة ،وليست من اللحن اللغـوي بـيشء ،حتـى ّ
إن كثـرة ورودهـا يف شـعر
ّ
الـضمة مـع املشهورين من شعراء العربية جعل الخليل بن أحمد يجيزه بقوله " :تجوز
RX
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
الكرسة وال تجوز مع الفتحة ) ،" (٦٢وإىل هذا ذهب األخفش بقوله " :قد كثر من فصحاء
العرب)."(٦٣
* * *
ونعني بالتفكري اللغوي " إعمـال الفكـر ،والتأمـل يف أيّ جانـب مـن جوانـب اللغـة
املتعددة ،وبأية صورة من الصور" ).(٦٥
ّ
وقد نظر علماء العربية إىل لغتهم من جميع الجوانب التي يمكن أن تتناول منها أيـة
لغة ّ
حية جديرة باالهتمام ،كنظرهم يف نطق أصواتها ،وكتابة حروفها ،وكيفية تركيبها،
وصياغة أبنيتها ،ومعرفة أصولها ،واسـتنباط اشـتقاقاتها ،وداللـة ألفاظهـا ،وتحديـد
ّ
وتعـدوا كـل هـذا وذاك إىل نوادرها ،وإيضاح غريبها ،وفرز لهجاتها ،وتأليف معاجمهـا،
مباحث عامة ،كالبحث يف نشأة اللغة.
ولم يعرف للعرب قبل اإلسالم نشاط علمي ملحوظ بشأن هذا التفكري ،سوى ما أثـر
عنهم من إنشاد الشعر وروايته ،وقول األمثال وتداولها ،ورواية األنساب والتفاخر بهـا،
وهي جوانب كان للبيئة والحياة االجتماعية األثر الفاعل يف إيجادها ،وسبب ذلك ّ
أن اللغة
قد جرت عىل ألسنتهم " فطرة وسليقة ،وال يكاد يشذ ّ عن مداركهم لفظ ،أو تعبري ).(٦٦
ونزل القرآن الكريم بتلك اللغة االدبية الراقية ،التي وقف العرب أمامها مبهورين مـن
ّ
حـسهم اللغـوي خاصة إذا علمنا أنّهم لـم يكونـوا يف
ّ بيانها الساحر ،وأسلوبها املعجز،
بمستوى واحد ،وانترش اإلسالم ،ودخلت شـعوب غـري عربيـة فيـه ،واختلطـت النـاس
وتعايشت األجناس ،وهي صاحبة لغات متباينة ،وكان عىل هذه الشعوب ّ
تعلـم العربيـة
لغة دينهم الجديد ،ويشء بديهي ّ
أنهم ال يملكون تلك الحصانة التي تجعلهم بمـأمن مـن
الزيغ يف النطق ،فشاع اللحن ،وانترش الفساد اللغوي بصورة أفزعت َمن أدرك هذا الخطر
املحدق باللغة الذي ّ
مس تالوة القرآن الكريم أيضا ً ،فأصبحت الحاجة ملحة إىل التفكـري
ّ
النص القرآني من اللحن ،ووضع ضـوابط للـتالوة الـصحيحة، فيما يعينهم عىل صيانة
SP
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
ّ
الـنص القرآنـي ،وبيـان وكذلك إىل ما يعينهم – خاصة غري العـرب – عـىل فهـم داللـة
مقاصده ،وأهدافه ،وبالتايل حفظ هذه اللغة التي ارتبطت به.
وكانت ثمرة هذا التفكري هي الدراسات القرآنية ،التي لـم تكـن بمنـأى عـن الدراسـات
العربية للرتابط الوثيق بينهما.
ُ
بعـد وقد وصفها الدكتور حسني نصار بأنهـا " العـني التـي اسـتقى منهـا اللغويـون
).(٦٧
وسبحوا فيما خرج منها من جداول أصبحت أنهارا ً "
ومن أوائل هذه الدراسات نوعان :
أولهما :تمثل يف محاولة الصحابي الجليل عبدالله بـن عبـاس )٦٨هــ( لـرشح غريـب
جمعت يف كتاب ُنسب إليه ) ،(٦٨ومـع ّ
أن هـذه الدراسـة ألفاظ القرآن الكريم يف أقوال له ُ
قرآنية ّ
لكن ارتباطها بالدراسات اللغوية ليس بغامض.
وثانيهما َ ّ َ َ :
تمثل يف محاوالت ّ
عدة :
• منها :محاولة أبي األسود الدؤيل )٦٩هـ( لضبط حركات ألفاظ القـرآن الكـريم ،إذ ْ
يعرف به الصواب من الخطأ " ).(٦٩
رسما ُ ْ َ أحب ْ
أن يرسم ْ ّ روي عنه أنه "
ُِ َ
ّ
املتغـري تعبـريا ً عـن ّ
تتشخص أركانه بالنقاط ذات املكـان وكان له ما أراد يف عمل رائد
ّ
والضمة ،والكرسة ،وقد كانت لهذا العمل فائدتان ،هما: الفتحة،
اللـحن بضبط قراءة ألفاظه. ْ َ -١
صون القرآن الكريم من ّ
-٢كونها ّ
أول محاولة إلصالح نظام الكتابة العربية.
)(٧١
ومنها :محاولة نرص بـن عاصـم الليثـي )٨٥) (٧٠هــ( التـي تمثلـت يف إعجـام •
تعد املحاولة الثانية إلصالح نظـام الكتابـة العربيـة ) ،(٧٢وكـان
الحروف ،فهي بهذا ّ
الدافع إليها أمرين ،هما :
أ ــ تشابه املجموعات من األحرف العربية يف الرسم )كالباء ،والتـاء ،والثـاء( إذا كانـت
بغري إعجام.
توافــر ملكة معرفة األحرف العربية – من السياق العام – لغري العرب.
ّ ب ــ عدم
• ومنها :محاولة الخليل بن أحمد الفراهيدي يف تطوير نقاط أبي األسـود اإلعرابيـة،
حيث جعل الضمة واوا ً صغرية يف أعىل الحرف ،والكرسة ياء تحت الحرف ،والفتحـة ألفـا
مبطوحة فوق الحرف ،ثم أضاف إليها عالمات جديدة كالتشديد ،وعالمة )خ( ملعرفة كون
بمتحرك ).(٧٣
ّ الحرف خفيفا ً ،أي :ليس
ّ
تطورت هذه املحاوالت ،وشملت مستويات الدرس اللغوي عامة .وهـو مـا وبعد هذا
سنتحدث عنه يف هذه السلسلة من الدراسات يف تراثنا اللغوي ،ومنهـا الجانـب الـصوتي
الذي ّ
خص به هذا الكتاب.
* * *
SR
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
الرواية اللغوية):(٧٤
شهد القرن الثاني للهجرة بـواكري الـرحالت العلميـة لعلمـاء العربيـة مـن البـرصة
والكوفة إىل البادية ْ
مهد األعراب الفـصحاء ،ينهلـون اللغـة الفـصيحة مـن مـصادرها
الصافية التي لم تشهد ذلك التفاعل مع لغات الشعوب األخرى.
هذه الرحالت امليدانية قصدها علماء العربية قصدا ،ألنهم لم يجـدوا بـني أيـديهم ثـروة
لغوية تعينهم عىل تحقيق أهدافهم.
ويمكننا إيجاز مالحظاتنا عىل رواية اللغة بأمور عامة ،هي :
-١تتمثل بواعثها ودواعيها يف :
ترسب اللحن إليه ،بعد ضعف السالئق ،واختالط العرب ّ
النص القرآني من ّ الخوف عىل -
اتـخاذ خطوات عىل سبيل إيجاد الضوابط
بغريهم من املسلمني ،فكان ذلك باعثا ً عىل ّ
اللغوية التي تقي اللسان من الوقوع يف الزيغ ،وال يمكن تحديد هذه الضوابط من غري
الوقوف عىل أساليب العربية ،ونظمها يف كالم العرب الفصحاء.
ومن جانب آخر كانت هناك حاجة إىل تفسري نصوص القرآن الكريم تفسريا ً لغويـا ً، -
يحتـم عليهم أن يعودوا إىل اآلثار األدبية ،لتبيان ما أشكل عليهم ،ومنها الـشعر،
ّ وهذا
ديوانهم الذي يرجعون إليه عند غموض املعنى ،وكان ابن عباس إذا ُ ِ
سـئل عـن رشح
لفظة من األلفاظ القرآنية ،أجاب عنها مستدال عليها بما جاء يف شعر العرب).(٧٥
تعلـــم العربيـة
ّ وجانب ثالث تمثل يف رغبة املسلمني من غري العرب ،وحرصهم عـىل -
وإجادة نطقها ،والرباعة يف حذفها ،ألسباب اجتماعية ،وسياسية.
) (74املقصود هنا هي الرواية اللغوية التي اتخذت وسيلة لجمع اللغة ،وضبط أصولها،
وموادها،وتراكيبها ،وأساليبها ينظر :كتاب رواية اللغة للشلقاني.
) (75الفاضل للمربد ١٠ /وانظر سؤاالت نافع بن االزرق البن عباس.
٣٣
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفيها قال ابن شربمة " :إذا ّرسك أن تعظم يف عني َمن كنت يف عينه صغريا ً ،ويـصغر يف
فتعلـــم العربيـة ،فإنهـا تجريـك عـىل املنطـق ،وتـدنيك مـن
ّ عينك من كان عظيمـا ً،
السلطان").(٧٦
تأخـر زمنيا هو الحاجة العلمية ذاتها ،لوضع الضوابط النحوية ،بعـد
ّ وباعث آخر قد -
أن أصبح الدرس اللغوي ِعلما يطلب لذاته ).(٧٧
-٢أن هذه الرواية اتخذت طريقني :
أولهما :تمثل يف رحلة العلماء إىل البادية ملشافهة األعراب ،واستنطاقهم ،والرواية عنهم.
ّ
التكسب ،والعيش برواية اللغة. وثانيهما :رحلة أعراب البادية إىل الحوارض من أجل
– ٣اقرتنت هذه العملية بالتدوين من أجـل الـضبط ،باإلضـافة إىل مـا وقـر يف صـدور
العلماء.
– ٤إن القائمني بهذا العمل هم رواة علماء من املدينتني كأبي عمرو بن العالء ،والخليـل
بن أحمد ،والنرض بن شميل ،وأبي زيد األنصاري من البرصيني ،والكسائي ،وأبـي عمـرو
الشيباني ،وابن األعرابي من الكوفيني ثم ّ
تحول من هؤالء ،ومن هؤالء إىل بغداد وشاركوا
يف هذا العمل الخطري.
– ٥سارت الرواية اللغوية عند البرصيني عىل وفق منهج صارم تمثـل يف عمليـة انتقـاء
ّ
محتجـني لهـذا االنتقـاء ّ
محددة للقبائل العربية التي شـافهوا أعرابهـا ،ونقلـوا عـنهم
باستهداف السالمة اللغوية ،فأخضعوا بعض األعراب إىل امتحان لغوي ،خوفا ً من ليونة
األلسنة كما يقولون.
) (76عيون االخبار البن قتيبة ١٥٧/٢وابن شربمة هو )عبدالله بن شربمة من ضبة كان قاضيا ً عىل
سواد الكوفة ( املعارف .٤٧٠/
) (77الدراسات اللغوية عند العرب .٦٧/
ST
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
) (78روي أن يونس بن حبيب أخذ عن حماد بن سلمة ،وأن أبا زيد األنصاري أثبت يف أول كتابه سماعه
عن املفضل الضبي.
) (79نظري :سماع الكسائي من الخليل ويونس ،وسماع الفراء من يونس ،ورواية سعدان بن املبارك عن
أبي عبيدة.
) (80البيان والتبيني .١٦٣ /١ ،٣٦٨ /١ :
٣٥
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ّ
ممهـدة لنـشوء علـوم اللغـة العربيـة وأخريا ً يمكن القول ّ
بأن الرواية اللغوية كانت
املختلفة ،ودافعا ً لحركة التأليف اللغوي ،ألنها وضعت مادة دراسية متنوعـة يف متنـاول
أيدي علماء العربية يف العراق.
* * *
SV
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
شهد القرنان الثالث والرابع حركة نشطة يف الحياة العلمية ،ومنها الدراسات اللغويـة
ّ
الحد الذي لم تبلغه فرتة أخرى ،فقـد كانـت بغـداد التي بلغت درجة النضج والتطور ،إىل
ْ
حـدب ،باإلضـافة إىل وينسل إليها العلماء واألدباء من ّ
كـل ّ الحارضة العلمية التي ّ
يؤمها
تسابق أمراء الواليات عىل استقدام الـشعراء واألدبـاء واللغـويني ،فأحـسنوا وفـادتهم،
وبــذلوا لهــم األمــوالّ ،
ألن يف وجــودهم عــزا ً لــسلطانهم ،ودعمــا ً معنويــا ً لكيانــاتهم
السياسية ،وشهرة وذيوعا ً لشخصياتهم ،فربزت يف هذه الفرتة ظواهر علمية ،منها :
-١إهداء التصانيف للوالة والوزراء يف مختلف أنحاء الدولة.
-٢تتلمذ بعض الوالة عىل هؤالء العلماء ،أو مناقشتهم يف مسائلهم،أو مـشاركتهم
يف التأليف.
ْ َ -٣
ندب العلماء للمنادمة،أو تأديب أوالد الخلفاء والوزراء والوالة.
-٤إقامة املناظرات العلمية سواء أكانت للمنافسة العلمية ،أم بدوافع أخرى.
-٥كثرة العلماء واألدباء والشعراء ،وتنقلهم بني الحوارض اإلسالمية.
وخري دليل عىل الحركة العلمية النشطة يف هذين القرنني أن نذكر عددا ً مـن أشـهر
علماء العربية الذين عاشوا يف العراق يف القرنني الثالـث والرابـع الهجـريني ،والتـي
كانت آراؤهم هي األساس الذي قام عليه رصح هذه السلسلة من الدراسات اللغوية
الرتاثية ،مع ذكر سنة الوفاة عىل اآلرجحْ ،
إن كان هناك اختالف فيها ،وبيان املجـال
الذي أفدنا منه يف هذه الدراسات اللغوية بالشكل الذي يتناسب مع الجدول.
٣٧
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
SX
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
وقد ْ ُ ِ
استـبعد من مجال الدراسة علماء كانت لهم شهرة كبرية يف القرنني الثالث والرابـع
الهجريني ،خاصة يف املجاالت التي تناولتها هذه الدراسـة ،وسـبب هـذا االسـتبعاد هـو
االلتزام بمنهج الدراسة املشار إليه يف املقدمـة ،وهـو االقتـصار عـىل الجهـود اللغويـة
للعلماء الذين عاشوا يف العراق ،أو الذين عاشوا فرتة طويلة فيه ،أما الذين لم يقيموا فيه
سوى مدة قصرية ،فجهودهم خارجة عن ميدان هذه السلسة الدراسية،
فمن املشهورين الذين لم يدخلوا بغداد أو غريها من املدن العراقية :
عبدالرحمن عيىس الهمداني )٣٢٠هـ(. -
٣٩
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
TP
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
א א
א
א א א אאא •
%א"#$א!א •
א"#$א!*+א ) א&'($ •
%3$/א"#$א!א12א,-.!/0 •
٤١
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
٤٢
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
والفراء ،واألخفـش،
ّ ّ
عرض آلراء سابقيه منهم :يونس ،وسيبويه، ويف أثناء هذه املباحث
الرساج ،وأبو عيل الفاريس ،ولم يكن ذكر آراء هؤالء نقال ً مجردا ً ،بل هـو
ّ وأبو زيد ،وابن
ذكـر وتحليل ملضامينها ) ،(٤وتعليل لوجهاتها ،وترجيح ) (٥بينها معتمدا الشواهد اللغوية
ِ ْ
من قراءات قرآنية ،وأشعار فصيحة كل ذلك يف استقصاء .لم يـسبق إليـه ،وفيـه قـال :
"فإن أصحابنا لم يشبعوا القول فيه عىل ما أردته اآلن " ).(٦
أما يف غري هذا الكتاب فهي بحوث صوتية متفرقة جاءت بني ثنايـا الكتـب اللغويـة ،وال
يفوتنا أن نشري إىل أن هناك دراسات لم تصل إلينا أو موجودة يف مكتبات العالم ولم تنرش
بعد )ّ َ ُ ،(٧
يظـن أنها صوتية ،أو تحمل بني طياتها قضايا صوتية ،ولو قـدر لهـا الوصـول
إلينا ،ألضاءت لنا جوانب أخرى من التفكري الصوتي عند العرب يف القرنني الثالث والرابع
الهجريني ،منها :
كتاب اإلدغام ألبي حاتم السجستاني )الفهرست.(٨٧/ •
كتب األصوات ،منهـا :لقطـرب )الفهرسـت ،(٨٧/و لألخفـش )الفهرسـت،(٧٨/ •
ولألصمعي)الفهرست.(٨٣/
كتب الحـروف ،منهـا :الهـاء للفـراء )بغيـة الوعـاة،(٣٩٦/١والآلمـات لألخفـش •
)الفهرســت (٥٤ /وااللــف والــالم للمــازني )الفهرســت (٨٥/والحــروف للمــربد
)الفهرست،(٨٨/والالمـات والهـاءات ألبـي بكـر األنبـاري )الفهرسـت(١١٢،٥٤/
والهاءات والياءات البن مجاهد )الفهرست.(٤٧/
ّ
صحة اللفظ حالة الرتكيـب، ألنه ينشأ عن الرتكيب ما لم يكن حالة اإلفراد ...فمن أحكم
حصل حقيقة التجويد ").(٢٥
فكالم ابن الجزري واضح يف أهمية دراسة األصوات مفردة ومركبة مع غريها.
أما كتب معاني القرآن ومجازه وتأويله :فهي تصانيف تناولت اآليات القرآنية الذي ترى
فيه ما ُيشكل عن أفهام الناس بالتفسري والرشح إلزالة اللبس الذي يكتنفها سواء أكـان
يف املعنى ،أم يف القراءة ،أم يف األحكام اللغوية األخرى من )نحو ورصف وصـوت( ،وبهـذا
اختلفت عن كتب التفسري التي اتخذت مبدأ االستقصاء أساسـا ً يف رشح اآليـات وبيـان
مقاصدها وإظهار أحكامها ،وإيضاح جوانبها اللغوية.
والذي يعنينا من هذه املؤلفات جملة اآلراء والدراسات الصوتية التي لجأ إليها مؤلفوهـا
من أجل تفسري الظواهر الصوتية والرصفية ،وخاصة أنهم كانوا من كبار علماء العربية
يف القرنني الثالث والرابع ،منهم :
أبو عبيد القاسم بن سالم ) :الفهرست.(١٠٦/ قطرب ) :الفهرست.(٥٢/
ثعلب ) :الفهرست.(٥٢ / املربد ) :الفهرست.(٥٢ /
املفضل بن سلمة ) :الفهرست.(٥٢ / ابن كيسان ) :الفهرست.(٥٢ /
محمد بن القاسم األنباري ) :الفهرست.(٥٢ /
ابن درستويه ) :الفهرست.(٥٢ /
الفراء ) ،(٢٦وأبـي عبيـدة ) ،(٢٧واألخفـش ) ،(٢٨وابـن قتيبـة )،(٢٩
وما بني أيدينا منها كتب ّ
الزجاج ).(٣٠
ّ
ّ
املتخصصة : – ٣الكتب اللغوية
وخري ما يمثل هذا النوع من التأليف كتاب )الخصائص البن ّ
جني ( فقـد ذكـر فيـه
اللغة ،ونشأتها ،واطرادها ،وشذوذها ،وسماع اللغة وقياسها ،وتعارض هـذا وذاك ،مـع
حديث طويل عن العلل ،واأللفاظ واملعاني واللهجات وتداخلها ،واالشـتقاق ،والحقيقـة
واملجاز ،إىل غري ذلك من املباحث اللغوية التي تناولت خصائص العربية فوصفها جميعا،
وأوضح أرسارها ،وأبان ِ َ
عللها.
وإننا مع ّ
كل هذا وذاك نجد بني ثنايا هذه املباحث اللغويـة أبوابـا مـستقلة ،أو مباحـث
متداخلة مع غريها .اشتملت عىل دراسات صوتية خاصة ،منها :
مباحث تدور حول األصوات الصامتة والصائتة ).(٣١
وأخرى :حول إطالة األصوات الصائتة واختالسها ).(٣٢
وثالثة :حول مزج الحروف وتآلفها ).(٣٣
).(٣٤
ورابعة :حول الهمز ،وشواذه ،وإبداله
وخامسة :حول ظواهر التشكيل الصوتي ).(٣٥
إىل غري ذلك من املباحث الصوتية التي هي قوام الدرس الصوتي عند العرب يف العراق.
ّ
املتخصص كتب النحو ،إذ أسهم النحاة العـرب منـذ عـرص ويدخل تحت هذا النوع
ّ
املبكر الذي وصل إلينا عىل يد سيبويه بجهود صوتية عظيمة القدر ،كان لها األثر التأليف
الكبري يف الدراسات الصوتية التي خلفتها ،وقد جاءت دراساته ضمن أبواب اإلدغام التـي
ختم بها كتابه ،وقد أرشنا إليها يف موضع سابق ،فهو لم يدرسها لـذاتها بـل مـن أجـل
معالجة الظواهر الصوتية والرصفية يف ظاهرة اإلدغام ،فنظرتهم إىل القـضايا الـصوتية
مماثلة لنظرة أصحاب املعاجم – كما سنرى – فهي وسيلة عندهم وليـست غايـة ،وإىل
هذا األسلوب أشار الدكتور تمام حسان فقال " :لقد فطـن النحـاة العـرب إىل أن اللغـة
أن يفهم نحوها ورصفها فهما صحيحا إال بعد دراسة أصواتها .ذلك ّ
ألن العربية ال يمكن ْ
بعض ظواهر النحو والرصف تعتمد اعتمادا تاما عىل دراسة األصوات ،وبعضها الباقي ال
تكون دراسته يف أحسن صورها إال حيث تعتمد كذلك عىل دراسة األصوات " ).(٣٦
خص مخارج الحروف يف أول باب من أبواب اإلدغـام ) ،(٣٧وكـذلك مـا فعلـه
فاملربد مثال ّ
ّ
الزجاجي يف كتابه الجمل ).(٣٨
َ َ
ورست هذه املنهجية يف بحث القضايا الصوتية عىل القرون الالحقة ،كمـا نجـدها عنـد
املفصل ) ،(٣٩وابن الحاجب يف الشافية ).(٤٠
ّ ّ
الزمخرشي يف
يأتلف كالجمهرة ،وال نعدم وجود مثل هذه املقّدمات يف معاجم متأخرة مثل معجم لسان
ّ
يفضل االلتزام به. العرب ،وكأن املسألة جزء من منهج معجمي
– ١إشارته إىل مخارج األصوات كالضاد ،مع إدراكه أن جهاز نطـق اإلنـسان يمكـن ْ
أن
ينتج أصواتا ً كثرية ،قال " :واملخارج ال تحىص ،وال يوقف عليها " ) (٤٢حتى ّ
إن بعـضهـا
ّ
يصوره ". أن ّ
للخط ْ اليمكن
– ٢ذكره األصوات التي يكثر دورانها عىل األلسنة العربية ،مع اتخاذه أسلوبا علميـا ً يف
التحديد ،وهو أسلوب اإلحصاء لنماذج من الرسائل والخطب ).(٤٣
تعرضه إىل االختالفات الصوتية يف اللغات األخرى ،كاسـتعمالها ألصـوات معينـة أو
ّ –٣
ّ
يصور لنـا بعـض الـصفات العامـة للكـالم األعجمـي، انعدامها فيها ) .(٤٤ولم َ
ينس أن
كالكالم الذي يشبه الصفري).(٤٥
– ٤إدراكه ألثر الحياة االجتماعية عىل الجوانب النطقية ).(٤٦
– ٥رشحه لظاهرة اقرتان األصوات وتآلفها يف الكلمة العربية ).(٤٧
كل عيب ).(٤٨
– ٦عرضه لعيوب النطق عند اإلنسان ،وتسمية ّ
– ٧تحديده لألصوات التي تدخلها اللثغة ،وبيان ما تؤول إليه مـن أصـوات أخـرى ،مـع
املقارنة بني عدد اللثغات التي تصيب هذه األصوات ) ،(٤٩وتحديـد بعـض األسـباب التـي
تؤدي إىل هذه الظاهرة كسقوط األسنان كلها أو بعضها).(٥٠
ّ
مقلــدي
ّ والتعلـم يف نطق أصوات اللغات األخرى ،مشريا ً بذلك إىل
ّ – ٨تأكيده عىل الدربة
األصوات الذي أطلق عىل أحدهم بــ )الحاكيـة( ،ومقدرتـه عـىل محاكـاة الخراسـاني،
واألهوازي ،والزنجي ،والسندي ،وكأنه أطبع منهم ،قال " :وإنما تهيأ وأمكـن الحاكيـة
ذلـت جوارحه لذلك.(٥١)"...
التكلـف ّ
ّ لجميع مخارج األمم ...فبطول استعمال
كـ"الكامل
وقد نجد مثل هذه البحوث واإلشارات الصوتية يف املوسوعات األدبية األخرىَ ،
للمربد ،واألمايل ألبي عيل القايل".
-تعليل السريايف لقرب مخرج الراء من مخرج الياء بجعل األلثغ الراء ياء").(٥٣
-وكذلك تعليله لعدم إدغام الفاء )وهي صوت من باطن الشفة( بالباء )وهي صوت من
كل يشء ،وضعف طرفه ،فالفاء عنده أقوى من الباءّ ،
ألن األوىل من بقوة وسط ّ
الشفتني( ّ
باطن الشفتني ،والثانية من الطرف ،إذ قال ":ووسط اليشء أمكن مـن طرفـه ،كمـا ّ
أن
داخل الفم أمكن من الشفتني ،ومن أجل ذلك أدغمـت البـاء التـي مـن بـني الـشفتني يف
الفاء").(٥٤
ومثل ذلك ما نجده يف أسس التقسيم عند ابن ّ
جني خالل حديثه عن مرتبة الحركـة مـن
الحرف إذ قال " :واعلم ّ
أن الحركة التي يتحملها الحرف ال تخلو ْ
أن تكون يف املرتبة قبله،
).(٥٥
أو معه ،أو بعده "
– ٣انصبت الدراسة الصوتية عند علماء العراق عىل أحد فروع علم األصوات ):(٥٦
وهو " علم األصوات النطقي " الذي يقوم أساسا ً عىل تحديد مخـارج األصـوات ،وبيـان
الصفات التي تشكل الصوت.
وهي جوانب يمكن أن تدرس وتحدد بطريق النطـق الشخـيص ،أو بمالحظـة اآلخـرين،
وسماعهم لذا جاءت دراستهم عىل مستويني :
إىل ذوق األصوات هو النطق بالصوت ساكنا )غري متحرك() (٥٩إدراكا ً منهم ّ
أن " الحركـة
تقلق الحرف عن موضعه ،ومستقره ،وتجتذبه إىل جهة الحـرف التـي هـي بعـضه ،ثـم
ألن الساكن ال يمكن االبتداء به.(٦٠) "...
تدخل عليه همزة الوصل مكسورة من قبلهّ ،
ّ
النص أمرين ،هما : ونالحظ عىل هذا
– ١تأييدهم يف فكرة النطق بالحرف ساكنا )غري متحرك( من أجل ضبط مخرجه ،ألنهـا
" الطريقة التي يدعو إليها املحدثون من علماء األصوات").(٦١
– ٢مخالفتهم يف مسألة تصدير الحرف بهمزة مفتوحة كانت أو مكسورة ،ألّن النطق به
غري متحرك ال يلزم تصدير بهمزة ،إلمكان النطق به ساكنا ً ،إذا كان الصوت منفردا ً ،أما
مؤلـفا ً مع غـريه
ّ علماء العربية يف العراق فيبدو ّ
أن فكرة عدم االبتداء بالساكن إذا كان
قد سيطرت عىل أذهانهم ،فاتسعوا فيها لتشمل الصوت املنفرد ،ويف هذه الحال إذا أردنـا
ْ
أن يكون املخرج دقيقا ً يف وصفه ،فال ّ
بد مـن اإلتيـان بـه منفـردا ً مـن دون أي صـوت
ّ
يتقدمه ،وال صعوبة نطقية يف ذلك ،ويف هذا قيل " :يجب االحرتاز من اإلتيان قبله بـألف
وصــلّ ...
ألن الــصوت حينئــذ ال يتحقــق فيــه االســتقالل الــذي هــو أســاس التجربــة
الصحيحة").(٦٢
وعىل وفق هذه املخارج ُرتبت األصوات اللغوية العربية ترتيبا ً صوتيا ً ،ابتداء ً من الحلـق
حتى الشفتني ،أي :ترتيبـا عـضويا ً متواليـا ً ومـسايرا ً ملجـرى الهـواء الخـارج مـن
الرئتني.أما املحدثون فقد اختاروا االبتداء بأصوات الشفة ،وانتهاء بأصوات الحلق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
) (58األصوات اللغوية.٢٦ /
) (59العني ،٤٧/١رس صناعة اإلعراب .٧/١
) (60رس صناعة اإلعراب .٧/١
) (61جهود علماء العربية يف الدراسة الصوتية ،للدكتور أنيس ،مقالة يف مجلة مجمع مرص .٤٣/١٥
) (62األصوات اللغوية .٢٠ /
٥٥
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ب – صفاتها :
ويُراد بها اآلثار الصوتية املسموعة التي يدركها اإلنسان حال النطق بالـصوت ،فقـد
بأن األصوات تختلف يف طبائعها سواء أكانت يف كيفية ّ
تدخل أعضاء أحس علماء العربية ّ
ّ
جهاز النطق يف تكوينها ،أم يف طريقة خروج الهواء ،أم يف قوة الصوت أم يف خفوته ،وإىل
جنـي يف أقواله:
ّ هذا أشار ابن
أن للحروف يف اختالف أجناسها انقسامات.(٦٣)"...
منها " :اعلم ّ
ومنها ..." :وألجل ما ذكرنا من اختالف األجراس يف حروف املعجم ،باختالف مقاطعهـا
التي هي أسباب تباين أصدائها.(٦٤) " ....
ويف هذا ملح إىل إدراكهم ّ
بأن دراسة املخارج ال تفي بتحديد معالم األصوات ،الشرتاك أكثر
من صوت يف مخرج واحد ،فال ّ
بد من تشخيص آخر يحـدد معـالم األصـوات املتـشابهة،
ووجدوه يف دراسة الصفات.
ّ
وشــدة ورخـاوة، كلـها من :جهر وهمس،
وجاءت مباحثهم شاملة لصفات األصوات ّ
وإطباق وانفتاح ،واستعالء واسـتفال ،وتفخـيم وترقيـق ،وإصـمات وذالقـة ،وقلقلـة،
وتفيش ،وصفري ،وانحراف ،وتكرير.
* * *
ونظري هذا ما يحدث يف إبدال تاء )افتعل( ،إذا كان الفاء من أصـوات معينـة وكـذلك مـا
يحدث يف ظاهرة اإلعالل.
فهذا القسم تكفل بدراسة هذه الظواهر املوقعية ،وتحديد ضوابطها.
* * *
وكال املستويني أساس علم األصوات النطقي الذي أ ُثر عن علمائنا يف دراستهم الصوتية،
ودراسة هذا الفرع فرضت عليهم أمرين ،هما :
فمما ذكروه ).(٦٥
ّ أ – رصد جهاز النطق ِ
وذكر أعضائه،
– ١الحلق " :وهو الجزء الذي بني الحنجرة وأقىص الحنك " وقد ّ
قسموه إىل ثالثة أقسام
هي )أقصاه ،ووسطه ،أدناه(.
مرن سهل الحركة ،وهو أهم أعضاء جهاز النطق ملشاركته
– ٢اللسان " :عضو عضيل ِ
يف نطق أغلب األصوات ،وقد ّ
حدد علماء العربية يف العراق أقسام هذا العضو التي تساهم
يف النطق ،فذكروا :طرفه ،وحافته ،ووسطه أو ظهره وأقصاه.
– ٣الحنك األعىل ،أي سقف الفم ويشمل عىل :أصول الثنايا )اللثة(،والجزء الصلب مـن
السقف ،والجزء الرخو منه بما يف ذلك اللهاة.
– ٤األسنان :وقد مال العلماء فيهـا إىل التفـصيل يف بيـان أقـسامها ،نظـري األرضاس،
ّ
والثنية ،وأطراف الثنايا العليا. والضاحك ،والناب ،والرباعية،
– ٥الشفتان :وأشاروا إىل وظيفتهما يف إنتاج بعض األصـوات بمفردهـا ،أو بمـشاركة
عضو آخر كاألسنان.
• منها :قول ّ
الفراء " :اعلم ّ
بأن األلف وهي الهمزة ،والعـني ،والحـاء ،أخـوات ،وذلـك
).(٦٩
ّ
لتقاربهن يف املخرج من أقىص الحلق ،إذا امتحنت ذلك وجدته "
• وقوله " :والياء والواو أختان ،وإنما تآختا ّ
كل التآخيّ ،
ألن مخرجهمـا مـن حـروف
الفم ال يلتقي بهما موضع من الفم ،كما يلتقي عىل غريه ،تجد ذلك إذا امتحنته ").(٧٠
• ومنها :قول ّ
املربد ّ " :
فأما النون الساكنة فمخرجها من الخياشيم نحو نون " منـك
).(٧١
وعنك " وتعترب ذلك بأنك لو أمسكت بأنفك عند لفظك بها لوجدتها مختلة"
• وقوله " :وتعلم أنها مهموسة ،بأنك ّ
تردد الحرف يف اللسان بنفسه ،أو بحـرف اللـني
رمت ذلك يف املجهورة لوجدته ممتنعا ً " ).(٧٢ الذي معه ،فال يمنع َ
النفس ،ولو ُ ْ
• ومنها :قول الزجاج " :ومن الحروف ماال ُ َ
ينطق به إال ّ مجهورا ،وهي التسعة عـرش
أن تنطق بيشء منها لم يتهيأ لك ْ
أن تأتي به خفيـا ًْ ُ ،
فـرم ذلـك يف رمت ْ
حرفا ً ،فمتى ْ
العني ،والقاف ،والطاء ،والدال ،فإنه يمتنع وال يسمع إال مجهورا،ومنها ما يتهيأ لـك
أن تنطق به ويسمع منك خفيا،وهي األحرف العرشة َفـ ْر ْم ذلك يف التاء فإنك تجـد
ذلك،قولك :ت ت ت ).(٧٣
ومنها :قول السريايف يف تعقيب له عىل نطق النون الخفيفة التـي يكـون مخرجهـا مـن
الخيشوم ،إذا جاءت قبل خمسة عرش حرفا ً من حروف الفم وهـي ) القـاف ،والكـاف،
والجيم ،والشني ،والضاد ،والزاي ،والسني ،والـصاد ،والطـاء ،والـدال ،والتـاء ،والظـاء،
والذال ،والثاء ،والفاء (.
ّ
وسـد أنفـه لبـان قال " :ولو نطـق بهـا نـاطق ،وبعـدها حـرف مـن هـذه الحـروف،
اختاللها").(٧٤
ومنها :قول ابن ّ
جني " :وتختلف أجـراس الحـروف بحـسب اخـتالف مقاطعهـا وإذا
تفطنت لذلك وجدته عىل ما ذكرته لك ،أال ترى أنك تبتدئ الصوت من أقـىص حلقـك ،ثـم
تبلغ به أي املقاطع شئت ،فتجد له جرسا ً ماّ ،
فإن انتقلت عنه راجعا منـه أو متجـاوزا
له ،ثم قطعت ،أحسست عند ذلك صدى غري الصدى األول ").(٧٥
أما دوافع هذا التفكري فيمكن إجمالها) (٧٦بما هو آت :
حسن أداء ترتيل اآليات القرآنية،فقد نهضت طائفـة مـن أهـل العلـم ُدعـوا
– ١ضمان ُ
القراء( ،وعنوا بهذا الجانب األدائي ،وهو جانب صـوتي محـض تـبعهم جملـة مـن
بـ) ِّ
اللغويني القدامى ،فقاموا بدراسة املشكالت الصوتية التـي أثارتهـا القـراءات القرآنيـة
)كالهمز( و)الوقف واالبتداء( و )اإلدغام( ،واىل هذا أشار الدكتور محمد حسني آل ياسني
بقوله ّ " :
إن القدماء لم يهتموا باألصوات – أول األمر – إال مـن خـالل عالقتهـا بقـراءة
املصحف الكريم ").(٧٧
– ٢تصحيح ظاهرة االنحراف يف النطق:فبعد ّ
تقدم الـزمن إىل األمـام ،وازديـاد اخـتالط
العرب بغريهم من املسلمني ،برزت ظاهرة اللحـن التـي كـان االنحـراف يف النطـق أحـد
صورها ،وهو ما التفت الجاحظ إليه بقوله " :وقد يتكلم املغالق – الـذي نـشأ يف سـواد
ّ
متخريا فاخرا ،ومعناه رشيفا كريمـا ،ويعلـم الكوفة – بالعربية املعروفة ،ويكون لفظة
مع ذلك السامع كالمه ومخارج حروفه أنه نبطي ،وكذلك إذا تكلم الخراساني عىل هـذه
الصفة ").(٧٨
فإذا كان هذا شأن البليغ منهم فما هي حال ما كان دونه .وقد بان أثر هذا االنحراف
يف النطق عىل العرب الذين اختلطوا بهم ،أو نشأوا معهمُ ،
كعبيد الله بن زياد الذي ينطـق
" األساورة " ،فكان هذا االنحراف الحاء )هاء( ،ألنه نشأ مع قوم من العجم يقال لهم
دافعا ً – من جملة دوافع متعددة – لعلمـاء العربيـة يف العـراق عـىل دراسـة األصـوات،
والتنبيه عىل أهميتها ،وااللتزام بنطقها نطقا ً صحيحا ً.
حفـزت علماء العربية يف العراق عىل دراسة األصوات،
ّ – ٣وتمثل يف دوافع لغوية أخرى،
واإلفادة منها يف مستويات لغوية أخرى ،أهمها :
ترتيب األلفاظ وأبنيتها ،وتصنيفها داخل املعاجم التي راعت الرتتيـب الـصوتي •
للحروف.
ّ
املربد بعد حديثه عن مخـارج تفسري الظواهر الرصفية والنحوية ،ويف هذا قال •
لنــجريها
ُ ّ
املقدمات يف مواضع األصوات األصوات وصفاتها " :إنما ّ
قدمنا هذه
يف مسائل اإلدغام ")*(.
تحديد التشكيالت الصوتية للكلمة العربيـة ،وفيهـا قـال ابـن دريـد " :وإنمـا •
عرفتك املجاري لتعرف ما يأتلف منها مما ال يأتلف " ).(٧٩
ّ
ويلحق بهذا بيان مسألة التالؤم والتنافر التي ُ ِ
عنيت بها الكتب البالغية.
اإلفادة منها يف بيان ظواهر أخرى لها صلة وثيقة باألصوات منها : •
تحديد عيوب النطق ومعالجتها. -
وإحصاء األصوات الدائرة يف االستعمال. -
والتأثـري :
ّ التفكري الصوتي بني األصالة
متقدم عىل فرتة هذه الدراسةّ ،
ألن الدراسة الـصوتية ّ ُ
زمن بحث هذه املسألة بالذات
بدأت عىل يد الخليل بن أحمد )١٧٥هـ( ،وترعرت عىل يد سيبويه )١٨٠هـ( ،لكننا آثرنـا
اإلشارة إليها ،وإىل أبرز آراء املحدثني فيها ،من أجل اكتمال الخطوط العامة للدراسة.
رأي مفاده ّ
أن القرنني الثالث والرابع الهجـريني قـد شـهدا حركـة واسـعة وقد يرد هنا ٌ
وارد .والجـواب عليـه هـو ّ
أن ٌ لرتجمة العلوم األجنبية إىل العربية،وبهذا فاحتمال التأثري
الدراسات الصوتية العربية يف هذين القرنني لم ِ
تأت بيشء ذي أهمية كبرية حتى يحتمـل
معه هذا الشك ،وإنما ورث علماء هذين القرنني دراسات صوتية شبه متكاملة ،وما أثـر
خطـا ً جديـدا ً يحتمـل
ّ ّ
تشكل عنهم إال ّالتنقيح،والرتتيب ،والتنظيم ،واإلضافات التي لم
ّ
الشك به. إلحاق
أما ما أثري من شكوك حول أصالة التفكري الصوتي يف القرن الثـاني الهجـري فأساسـه
وجود التشابه العارض بني الدراسات العربية ودراسات هندية سابقة لها – ُ ِ َ
كتبت باللغة
وتمثـل هذا التشابه يف جوانب رئيسة ،هي - :
ّ السنسكريتية )– (٨٠
– ١وضع أبجدية صوتية ّ
مرتبة عىل وفق مخارج األصوات مبتدئة من أقىص الحلق حتى
ّ
واملرتـدة، الشفتني :فما ُ ِأثرعن الهنود ) (٨١من ترتيب هو :األصوات اللهويـة والنطعيـة،
واللثوية ،والشفوية.
دون بها كتابهم املقدس )الفيدا( ومعظم تراثهم، ) (80اللغة السنسكريتية هي اللغة القديمة للهنود التي ُ ِ
وهي تنتمي إىل مجموعة اللغات الهندوأوربية ،وقد ماتت منذ مدة طويلة )القرن الثالث قبل امليالد( ّ
وحلت
محلها لغة ثانية تدعى )براكريت( ،ولم تكتشف وتحل رموزها إال يف آواخر القرن الثـامن عـرش عـىل يـد
العالم االوربي )وليم جونز( وكان الكتشافها األثر الكبري يف تقدم األفكار اللغوية يف أوربا )تاريخ علم اللغة
لجورج مونني ،٦٤/والبحث اللغوي عند الهنود (١٨/ولإلفادة ينظر :كتاب البحث اللغـوي عنـد العـرب/
د.أحمد مختار عمر.
) (81تاريخ علم اللغة.٦٥ /
٦٢
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
وما جاء عن العرب عىل يد الخليل بن أحمد رائد هذه الدراسة هـو :األصـوات الحلقيـة،
واللهوية ،والشجرية ،واألسلية ،والنطعية ،واللثوية ،والذلقية ،والشفوية ).(٨٢
– ٢دراسة صفات األصوات :املتمثلة قي آثارهـا املـسموعة أو يف كيفيـات نطقهـا :إذ
ّ
نسميه اآلن " صفات االنفجار ،واالحتكـاك ،والجهـر والهمـس، الهنود ) (٨٣عىل ما
ُ وقف َ
والصفري ".
ّ
كالـشدة ِ وجاءت عـن العـرب ) (٨٤دراسـات مستفيـضة يف صـفات األصـوات العامـة )
ّ
والتوسط ِ( و)الجهر والهمس( والخاصة )كاإلطبـاق ،واإلسـتعالء ،والذالقـة، والرخاوة ِ
والغنـة ،والقلقلة( و)االنحراف ،والتكرير(.
ّ والصفري،
– ٣تقسيم األصوات إىل صحاح ،وعلل :
فقد ُ ِ
نسب للهنود تصنيف األصوات إىل صحاح وعلل ،وأنصاف علل ،والعلل إىل بسيطة
وميزوا بني العلل يف كيفيات نطقها ).(٨٥ ّ
ومركبةّ ،
أما تصنيف العرب) .(٨٦الذي اعتمد عىل اتساع مخارجها ،وعدم وجـود عوائـق يف طريـق
املجرى الهوائي ،فكان إىل صحاح وعلل ،والعلل إىل طويلة)حروف املد واللـني( ،وقـصرية
)الحركات( وقارنوا بني الحركات القصرية يف الخفة ،والثقل ).(٨٧
– ٤الحديث عن ظاهرة من ظواهر التشكيل الصوتي :
وهي ظاهرة اإلبدال ،إذ اشرتط الهنود يف تحقيق اإلبدال وجود نوع من التقارب بني ُ ْ َ
املبدل
ُ َْ
والـمبدل منه .وحديث العرب عن ظواهر التشكيل الصوتي طويل وشامل ،ومنها ظاهرة
اإلبدال ورشوطها.
* * *
وكما أسلفنا ّ
أن وجوه الشبه املذكورة هي مـدعاة االخـتالف حـول أصـالة التفكـري
الصوتي عند العرب إىل ثالثة آراء هي :
األول :الرتجيح أو القطع بوجود التأثري الهندي :
وإىل هذا ذهب ) (Haywoodالذي حاول َ ْ
سلـب أصالة الدراسة الصوتية واملعجميـة عنـد
العرب ،ونسبتها إىل الهنود واليونان ).(٨٨
وكذلك الدكتور عبدالرحمن أيوب الـذي حـاول إثبـات التـأثري الهنـدي يف مجـال النحـو
والصوت ) .(٨٩والدكتور شوقي ضيف الذي يـرى ّ
أن الخليـل متـأثر بـالهنود يف دراسـاته
املعجمية والصوتية ).(٩٠
التأثر :
ّ الثاني :االحتمال بوجود
وإىل هذا ذهب الدكتور املخزومي الذي يرى ذلـك يف أخـذ الخليـل الفكـرة األساسـية
للرتتيب الصوتي ) ،(٩١وكذا الدكتور السعران ) ،(٩٢والدكتور خليل نامي) (٩٣اللذان أشارا إىل
التشابه وأسبقية الهمود .أما الدكتور أحمد مختار فكأنه ّ
تردد بني القطع واالحتمال غري
أن االحتمال أكثر تعلقا ً يف فكره فرجحه ).(٩٤
ّ
ألنــه يـرى عـدم
ّ أما الدكتور رمضان عبدالتواب فال يبتعد رأيه عن هذا امليـدان )،(٩٥
لكنـه ال يملك الدليل عىل تأييد رأيه ،أما الدكتور
ّ إمكان الفصل بني الثقافات املتعارصة،
ويتمثـل :
ّ ّ
األبجديتني، أوال ً – اختالف بني
أ – يف رموز األصوات الصحيحة :
فالهندية تعتمد املقاطع وليس األصـوات املفـردة ،فاللهويـة عنـدهم )كــا ،خـا ،حـا،
غا ،(....،والنطعية )تسا ،تشا ،تجا ،تزا ،تنا( ،يف حني تعتمد األبجدية العربية عىل الصوت
املفرد ،نحو:ع ،ح ،هـ ،خ ،غ ،ق ،ك...،
واملركـبة نحو :
ّ ب – يف رموز العلل :فقد وضع الهنود رموزا ً للعلل الطويلة والقصرية
a , á , i , i , u ,ú , r , É , i , I , e , ai ,o ,au
ّ
خاصة بالعلل الطويلة فحسب )ا،و،ي(. أما الرموز العربية فهي
ج – يف ترتيب األبجديتني – ْ
وإن كان أساسه مخارج األصوات – فلـم يكـن متوافقـا ً،
الصحاح( ،يف حني ّ
أن العرب – عىل يد الخليـل ّ استهلــوها بالعلل ،ثم السواكن )
ّ فالهنود
ّ
بالصحاح ،وختموها بالعلل ،ثم كانت التعديالت التـي أدخلهـا سـيبويه وابـن – ابتدءوا
ّ
جني من بعده .كذلك َ
وضع الهنود أصوات الـصفري يف آخـر األبجديـة ،يف حـني وضـعها
العرب يف وسط األبجدية حسب ترتيبها املخرجي.
قـصـة ،فلـم تكـن هـي األوىل مـن نوعهـا يف تـاريخ
ّ د – لوضع األبجدية عند العرب
العربية ،بل كانت بني أيديهم األبجدية القديمة )أبجد هوز حطي ،(...،ومن ثـم ابتـدعت
األلفبائية )أ ،ب ،ت ،ث ،ج ،ح ،خ ( ،وأخريا ً جاء الخليل ،ورتَب األبجدية َ الـصوتية َ التـي
ّ
توصـل الخليـل إىل ترتيـب العهد للعرب بها ،ويف كتاب العني روايـات تـصف لنـا كيـف
أبجديته ،وسبب َ ْ ِ
رفـضه لأللفبائية ،وعدم ابتدائه باأللف أو الباء من بعـدها ،واألسـلوب
الذي ّ
تذوق به األصوات لرتتيبها وفق مخارجها ،وهذا االجتهاد الذي عهدناه عند الخليـل
وجدناه عند تلميذه سيبويه ،وعند ابن ّ
جني فقد أدخال تعديالت عىل األبجدية الصوتية" ،
يدل عىل ّ
أن املسألة لدى العرب اجتهادية أصلية ،ولم يكونوا فيما أنجزوه من دراسة مما ّ
األصوات متأثرين بدراسة معينة أو مقلدين منهجا سابقا ً " ).(١٠٣
ّ
محل خالف ،فمجموعة مـن اآلراء تـرى أنهـا أما اذا ُ ْ
عدنا إىل ْ
أصل األبجدية الهندية فهو
هندية األصل ،ومجموعة أخرى ترى أنها سامية ُ األصل ،أخذوها إما من الفينيقيـني ،أو
من الساميني الذين سكنوا يف الشمال الرشقي من الجزيرة.
ثانيا ً :اختالف يف تحديد املخارج:
نـسب إىل العـالم اللغـوي الهنـدي بـانيني بأنـه يـذكر )الـرأس( مـن بـني مخـارج
ُ
ّ
تؤيده يحدد الصوت الذي يخرج من الرأس ،وهو أمر لم ْ
يقل به العرب ،ولم االصوات،ولم ّ
الدراسات الحديثة.
التمييز بني الجهر والهمس ،فهو االعتماد يف مواضع النطق وجريان الـصوت ،وسـيأتي
بيانه.
) (104هذا قول لتلميذه للنرض بن شميل ) ٢٠٣هـ( ،نزهة األلباء .٤٧/
٦٨
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
الخليل بن أحمد الفراهيدي )١٧٥هـ( الذي طرق أبواب العلوم اإلنسانية ،وللـه َ ﱡ
دره مـن
طارق.
ّ
وحـسه ّ
فاملتفحص لرتاثه العلمي ،يرى من خالل عظمة هذا الرجل ،يف عقله املبـدع،
وتذوقه السليم ،ومنهجه الصائب ،هذه الصفات التـي ﱠ
أهلتـه البتـداع دراسـات ّ املرهف،
رائدة يف جوانب متنوعة ،كالصوتية ،والنحوية ،والرصفية ،واملعجمية ،والعروضية ،وهو
ّ
املقدم ،والرائد. كلـها
فيها ّ
الذي يعنينا هنا ريادته يف التفكري الصوتي عند لغويّ العـراق يف القـرن الثـاني التـي
تجلـت يف ّ
مقدمة كتابه الشهري )معجم العني( ،وهي أول دراسة صوتية عربية ،يمكننـا ّ
من خاللها – ومما ورد للخليل من آراء يف كتـاب سـيبويه – ّ
أن نحـدد املعـالم الرئيـسة
ألفكار الخليل) (١٠٥الصوتية ،ونذكرها كما هي دون تعقيب عليها ،تاركني ذلك للمواضـع
القادمة.
أوال ً :األصوات العربية )مخارجها ،وصفاتها( :
األصوات الصامتة :
أ – تحديد أصوات بتسعة وعرشين صوتا ً.
ب – تحديد مخرج ّ
كل صوت ،وتسميته.
ج – وضع أبجدية صوتية جديدة ال عهد للعرب بها ،وفق معيار علمي هـو مخـرج كـل
صوت منها يف الحلق ،باستثناء الهمـزةّ ،ثـم األرفـع فـاألرفع
ٍ َ
أدخل صوت ،فجعل ّ َ
أولـها
حتى الشفتنيَ َ ،
ووضع الواو واأللف والياء والهمزة يف آخرها ،فكانت كما هو آت.
ع ح هــــ خ غ – ق ك – ج ش ض – ص س ز – ط د ت – ظ ذ ث – رل ن – ف ب م – وا
ي ء.
) (105كان من املمكن أن نذكر نتائج دراسات سيبويه ،لكننا آثرنا اإلشارة الرسيعة إىل أفكار الخليل
اعرتافا ً بفضله الكبري عىل الدراسات اللغوية كلها.
٦٩
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د – تقسيم األصوات بحسب ما يعرتض طريق النفس حال النطق بها :
منها خمسة وعرشون صحاح ،لها أحياز ومدارج ،وأربعة أحرف جـوف ،هـي األصـوات
املعتلـة )األلف والواو والياء( ،وجمع معهـا الهمـزة ،الشـرتاكها معهـن يف االعـتالل يف
ّ
مواضع معينة مع اختالفها يف طريقة النطق.
تسعفـنا ّ
مقدمة كتاب العني ببحث واف ٍ عن صفات األصـوات ،كمـا هـي ْ هـ ْ -
وإن لم
لكـنها تحمل بني طياتها إشارات واضـحة تكـشف للقـارئ ّ
أن الحال يف كتاب سيبويهّ ،
الخليل أدرك َ ّ
أن األصوات اللغوية ليـست متـشابهة يف آثارهـا املوسـيقية التـي يـدركها
وأحـس أيـضا ً ّ
أن ﱠ السمع ،وأنها ذات أثر كبري يف تحديد معالم ّ
كل صوت ،وإبراز كيانـه،
ألساليب نطق بعض األصوات آثارا يف صفاتها ) (١٠٦كانحراف الراء والالم والنون ،وضغط
الهمزة ،وصالبة الطاء ،وخفوت الهاء والتـاء ،ولـني الهـاء وهـشاشتهاّ ،
وبحـة الحـاء،
وضخامة جرس العني والقاف ،وانطباق الشفتني عـىل املـيم .هـذه أفكـار الخليـل عـن
دونها يف كتاب مقدمة كتاب العني ،وهي ُ ّ
تعد أفكارا ً أولية ّ صفات األصوات ،كما وردت يف ّ
العني الذي رواه الليث بن املظفر) (١٠٧عنه يف خراسان ) ،(١٠٨بعدها عاد إىل البرصة وشـغله
الشاغل هو العلم والتفكري به.
وتلقــف أن فكره هداه إىل آراء جديدةّ ِ َ ُ ،
تتمم عمله الـذي بـدأه بخراسـان َ َ ّ َ ويف أكرب الظن َ
ودونها بكتابهَ ُ ،
ويرجح هـذا الـرأي َ االتـصال ُ الوثيـق بـني سيبويه هذه اآلراء الجديدةّ َ ،
األفكار الصوتية املطروحة يف ّ
مقدمة العـني وبـني األفكـار الـصوتية الـواردة يف كتـاب
سيبويه.
ّ
وضم قواصيها. ) (120العني ٢٠١ /١والعكل :حوز االبل،
) (121الكتاب .٤٣٣ /١
) (122التهذيب .٥٢/١
) (123مثل برجـشرتارس يف كتابـه التطـور النحـوي ،١١/وشـاده يف محارضتـه )علـم األصـوات عنـد
سيبويه( ٥/وكانتيو يف دروس يف علم أصوات العربية .١١ /
) (124مثل :الدكتورأنيس يف األصوات اللغوية ،١٠٥ /والدكتور الـسعران يف علـم اللغـة ،٩٩ /والـدكتور
املخزومي يف كتابه الخليل بن أحمد .١٠٥ /
٧٣
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– ١مخارج األصوات.
– ٢صفات األصوات.
– ٣التشكيل الصوتي :ظواهر )اإلدغام ،واإلبدال،واإلعالل ،والتخالف ،واإلمالة(.
ّ
مخل ،ليتبني لنا فيما بعد أثرها يف الدراسـات الـصوتية التـي وسنشري إليها بإيجاز غري
برزت يف القرنني الثالث والرابع الهجريني عند لغويّ العراق ،وما ّ
قدم من جديد فيها.
أما مخارج األصوات األصلية ،فقد مال سيبويه إىل التدقيق يف توزيعها عىل ستة عـرش
مخرجا ً) ،(١٢٧وهي :
• أصوات الحلق ،ومخارجها ثالثة :
– ١أقىص الحلق :مخرج الهمزة ،والهاء ،واأللف ).(١٢٨
– ٢أوسط الحلق :مخرج العني ،والحاء.
– ٣أدنى الحلق :مخرج الغني ،والخاء.
• أصوات أقىص اللسان :
– ١من أقىص اللسان وما فوقه من الحنك األعىل :مخرج القاف.
– ٢من أسفل من موضع القاف من اللسان قليال ً ،ومما يليه من الحنك األعىل :مخـرج
الكاف.
• أصوات اللسان :
– ١من وسط اللسان بينه وبني وسط الحنك األعىل :مخرج الجيم ،والشني ،والياء )غري
املدية(.
– ٢من بني أول حافة اللسان وما يليه من األرضاس :مخرج الضاد.
– ٣من حافة اللسان من أدناها إىل منتهى طرف اللسان ،ما بينها وبـني مـا يليهـا مـن
الحنك األعىل وما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية :مخرج الالم.
– ٤ومن طرف اللسان بينه وبني ما فويق الثنايا :مخرج النون.
– ٥ومن مخرج النون غري أنه أدخل يف ظهر اللسان قليال ً ،النحرافـه إىل الـالم :مخـرج
الراء.
– ٦مما بني طرف اللسان وأصول الثنايا :مخرج الطاء ،والدال ،والتاء.
مما بني طرف اللسان ُ
وفويق الثنايا :مخرج الزاي ،والسني ،والصاد. ّ -٧
- ٨مما بني طرف اللسان وأطراف الثنايا :مخرج الظاء ،والذال ،والثاء.
• أصوات الشفة :
– ١من باطن الشفة السفىل،وأطراف الثنايا ُ
العىل :مخرج الفاء.
– ٢مما بني الشفتني :مخرج الباء ،وامليم ،والواو.
) (129تدرك يف النطق يف سياقات صوتية معينة ،وهي نون خفية تكون قبل القاف والكاف والجيم والشني
والضاد والطاء والدال والتاء والزاي والسني والصاد والظاء والذال والثاء والفاء.
٧٦
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
) (130للمحدثني رأي يف " جهر الهمزة " سنذكره يف موضع قادم .
٧٧
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ّ
التوسط رصاحة إال لـصوت العـني ،وأن عزلـه والذي يالحظ ّ
أن سيبويه لم ينسب صفة
لهذه األصوات الثمانية ،وإشارته إىل الكيفيات الخاصة ملرور الهواء حال نطقها ،أوحـى
ّ
والتوصل إىل أنها تمثل حالة وسطى. ملن جاء بعده ،بالنظر يف تحديد صفاتها،
خاصة ّ
تميزت بها مجموعات صوتية : ّ صفات
أ– ُ
املذلقة ): (١٣١
وأصواتها ) :الراء ،والالم ،والنون( و)الفاء ،والباء ،وامليم( وما سواها فهي :الـصتم)،(١٣٢
أو املصمتة ).(١٣٣
) (131الذالقة يف املنطق إنما هي بطرف اللسان وهي صفة التفت إليها الخليل بن أحمد وأطلقها من بـاب
التغليب عىل املذلقة حقيقة وهي )ر ل ن ( وعىل الشفوية )ف ب م ( العني ٥٨ ،٥٢ /١
) (132العني .٥٥ – ٥٤ /١
) (133تهذيب اللغة ٥١ /١ :وفيه " :أنها أصمتت فلم تدخل يف األبنية كلها،...فلست واجدا يف جميع كالم
العرب خماسيا بناؤه بالحروف املصمتة خاصة وال كالما رباعيا ،غري املسينة " نحو عسجد.
) (134الكتاب .٢٨٤ /٢ :
) (135م .ن .٤٠٦ /٢ :
٧٨
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
موضع ،ثم يعيدوها إىل ذلك املوضع للحرف اآلخر فلما ثقل عليهم ذلك ،أرادوا ْ
أن يرفعـوا
رفعة واحدة " ).(١٤٥
– ٢اإلدغام يف الحروف املتقاربة :
وعلــة هذا النوع هو الثقل النتائج عن قرب املخارج ،قال " :وألنهم ْ
إن بينوا ثقل عليهم ّ
ود" ).(١٤٦
ِلقرب املخرجني ،كما ثقلت التاء مع الدال يف ّ
مرة واحدة " ) (١٤٧واستثنى من هذا النوع وكذلك من أجل ْ " :
أن ال يستعملوا ألسنتهم إال ّ
بعض األصوات التي ال تدغم يف مقاربها ،حفاظا ً عىل صـفات وخـصائص امتـازت بهـا
كالراء ،والشني.
– ٣اإلدغام يف حروف طرف اللسان والثنايا :
وهو اإلدغام الحاصل يف املجموعات اللسانية )س ز ص( و)د ت ط( و )ظ ذ ث(.
ّ
وإن أصواته أصل لإلدغام ،وأساسه هو قانون تقارب املخارج والصفات ،وقد ّ
عـرب عنـه
بقوله " :والتاء والدال سواء ّ
كل واحد منها تدغم يف صاحبتها ،حتـى تـصري التـاء داال،
والــدال تــاء ،ألنهمــا مــن موضــع واحــد ،وهمــا شــديدتان لــيس بينهمــا إال الجهــر
والهمس").(١٤٨
أن الصاد ،والسني ،والزاي ال تدغم يف مقارباتهـا ) (١٤٩حفاظـا ً عـىل
والحظ يف هذا النوع ّ
صفة الصفري التي امتازت بها ،ومنحتها ّ
قوة ووضوحا.
– ٤اإلدغام يف ألفاظ شاذة :
وود يف َ َ
وتد).(١٥٠ وسببه كراهية التضعيف الذي يسبب ِثقل النطق ،نحو ّ :
ست يف سدسّ ،
وعلتـه :إيجاد التناسب بني الصوتني ،لتيسري عمليـة النطـق ،وهـذا واضـح يف قولـه :
ّ
"أبدلوا من موضع السني أشبه الحروف بصفة القاف ،ليكون العمـل مـن وجـه واحـد،
تـعِل" ).(١٥٤ وهي الصاد فكالهما ُ ْ
مس َ ْ
د – اإلبدال يف ألفاظ شاذة :
الـطجع يف ْ َ
اضطجع. نحو ْ ْ
وعلته هو كراهية التضعيف) ،(١٥٥فأبدلوا بالضاد أقرب الحروف منها مخرجا وانحرافـا،
وهو الالم .فكأنهم ّ
شبهوا التقاء الضاد والطـاء املطبقتـني املتقـاربتني بالتقـاء املثلـني
فأبدلوا أحدهما.
اإلعالل :
وتتحقـــق صـوره بالقلـب ،أو الحـذف ،أو
ّ العلــة للتخفيـف،
ّ وهو إبدال يف حـرف
العلـة ،وما ُ ْ
تقــلب إليـه أحيانـا مـن حـروف ّ اإلسكان ،فمدار هذه الظاهرة هو حروف
خـصها سـيبويه ) (١٥٦بمبحـث كبـري ،وتحتـه أبـواب
ّ صحاح كـ " الهمزة والتاء" ،وقد
ْ
تحكمت فيه أسس ثالثة ،هي : ّ
متعددة
– ١قوانني اإلعالل :وهي قوانني صوتية رصفية – أدركها من خالل استقرائه اللغـوي –
تعتمد عىل الصفات النطقية ألصوات العلة ،ومتطلبات السياق العامة.
– ٢الصيغ الرصفية :التي يحدث فيها اإلعالل.
– ٣موقع الصوت :الذي يحدث فيه اإلعالل ).(١٥٧
ّ
مؤكدين الحاالت التي برزت فيها تعليالته الصوتية إذ إننـا وسنذكر قسما ً من أنواعه
نجد سيبويه قد علل كثريا من حاالت القلب بني حروف العلـة ،بكراهيـة العـرب للثقـل
الناتج عن تجاور حريف علة ،لذا يلجأ العربي إىل تيسري النطق بإيجاد التناسب الصوتي يف
هذا التتابع الحركي الثقيل.
ونجد هذا رصيحا يف تمثيله وتعليله لقلب الواو ياء ،إذا ُ ّ
سكـنت وقبلها كرسة ،قـال :
" فمن ذلك قولهم :امليزان وامليعاد ،وإنما كرهوا ذلك ،كما كرهوا الواو مـع اليـاء يف ّ
ليـة
ّ
وسيد ،وكما يكرهون الضمة بعد الكرسة ...وترك الواو يف ِ ْ
مـوزان أثقـل ،مـن قبـل أنـه
ساكن ،فليس يحجزه عن الكرسة يشء ،..فكان العمل من وجه واحد ،أخف عليهم" ).(١٥٨
تحركت ،وقبلها ياء سـاكنة ،قـال " :وذلـك ألن اليـاء
وكذا قوله يف قلب الواو ياء إذا ّ
وممرهما عىل ألـسنتهم،
ّ والواو بمنزلة التي تدانت مخارجها ،لكثرة استعمالهم إياهما،
فلما كانت الواو ليس بينها وبني الياء حاجز بعد الياء) ،(١٥٩وال قبلها ) ،(١٦٠كان العمل من
وجه واحد ،ورفع اللسان من موضع واحدّ ،
أخف عليهم ،وكانت الياء الغالبة يف القلـب ال
).(١٦١
سيود َ ْ ِ
وصيوب"... وصيبّ ،
وإنما أصلهما ِ ْ َ : ّ الواو ،...وذلك قولك يف فيعل ّ :
سيد
ياء" ويريد بها الثقـل النـاجم عـن
بعلــة قلب الواو ً
ّ ّ
فشبهها علــة قلب الياء واوا،
ّ أما
التتابع الحركي املتناقض يف النطق ،فمن حاالت قلب الياء واوا هو ْ
أن تكون الياء ساكنة
فإن أسكنتها ]الياء[، ضمة ،كما يف صيغة ُ ْ ِ
مفعل من )اليقني( و)اليسار( ،قال ّ " : وقبلها ّ
وقبلها ضمة ،قلبتها واوا ،كما قلبت الواو ياء يف ميزان ،وذلك نحو ُ :مـوقن ُ
ومـورس ،ويف
وتكلـف ،فمن أجـل إيجـاد التناسـب ،ليكـون عمـل
ّ ّ
الضم والياء الساكنة مشقة تتابع
إىل هنا نقف عىل نتائج الدراسات الصوتية للقرن الثاني للهجرةّ ،
أما الظواهر األخرى
التي الحظها سيبويه ،وأشار إليها إشارات رسيعة يف ثنايا أبـواب النحويـة والـرصفية،
التعرض لها يف أصل البحث.
ّ فسنشري اليها عند
ّ
للمتدبر بالرتاث الصوتي للقرن الثاني أن يقف عىل أمور أبرزها: وعىل العموم فيمكن
ّ
تشكل دليل وعي بـ : أوال ً :دراسة األصوات
ا– ّ
أن اللغة ما هي إال أصوات منتظمة يف أبنية ّ
معينة.
أن دراسة اللغة تبدأ بدراسة هذه األصوات- ،ولكنهم ّ
أخروا مباحثها كتأخري مباحث ب– ّ
الرصف ألسباب رأوها .وهو عني ما تفعله الدراسات الحديثة.
ثالثا ً :ما يمكن أن ُيؤخذ عليها هو أمر منهجي يتمثل بتأخري أبواب الدراسة الصوتية إىل
أي عـىل خـالف املنـاهج
أواخر تآليفهم ،وهو منهج اتبعه علماء القرون الالحقة أيضا ً ْ
الحديثة التي تبدأ بالدراسات الصوتية ،فالرصفية فالنحوية،وتختم بالداللية ،ولم نعـدم
ّ
الـسكاكي هذا املنهج عند علماء العربية فقـد نجـده يف القـرن الـسابع الهجـري عنـد
)ت٦٢٦هـ( يف كتابه مفتاح العلوم.
٨٦
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
א א
אאא
كيفية إحداث الصوت. •
تحديد األصوات ،وأنواعها. •
مخارج األصوات. •
صفات األصوات. •
٨٧
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
٨٨
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
البرشي:
ّ كيفية إحداث الصوت
ّ
كيفية إحداث الصوت البرشي عند علماء العربية ،مثلما وجدته عند لم أقف عىل بيان
نـي( يف قوله:
)ابن ج ّ
النفـس مستطيال ّ
متصال ،حتى يعرض له يف الحلق عرض يخرج من ّ َ
فاعلم أن ّ الصوت َ َ
" ْ
ّ
فيسمى املقطع أينما عرض لـه والفم والشفتني مقاطع∗ تثنيه عن امتداده واستطالته،
ّ
وجدتـه تفطـنت لـذلك
ّ حرفا ،وتختلف أجراس الحروف بحسب اختالف مقاطعها ،وإذا
عىل ما ذكرته لك ،أال ترى أنك تبتدئ الصوت من أقىص حلقك ،ثـم تبلـغ بـه أيّ املقـاطع
ِشئت ،فتجد له جرسا ّماْ ،
فإن انتقلت منـه راجعـا منـه ،أو متجـاوزا ً لـه،ثم قطعـت،
صدى غري الصدى ّ
األول ،وذلك نحو الكاف ،فإنك إذا قطعت بها سمعت أحسست عند ذلك ً
ْ
َ
سمعت غري ذينـك فإن رجعت إىل القاف سمعت غريهْ ،
وإن ُ
جزت إىل الجيم، هنا صدى ماْ ،
األولني ").(١
ّ
وتحليل ذلك هو:
أن الصوت أثر سمعي يخرج مع ّ َ
النفس )هواء الزفري(. ّ –١
– ٢انسياب الصوت وانقطاعه ،وفيه جوانب:
متـسعا من دون ْ
أن يقف يف طريق هواء الزفري عائق ّ
ممتدا ّ أ – قد يكون املجرى الصوتي
).(٢
يقطع امتداده كما هي الحال يف نطق أصوات ّ
املد :األلف ،والياء ،والواو
ّ
تضيق اتـساعه سـواء أكـان يف ب – قد يعرتض هواء املجرى الصوتي عوائق امتداده ،أو
الحلق )كما يف نطق أصوات العني والحاء والخـاء ،(...أم يف الفـم )كمـا يف نطـق الجـيم
والدال والصاد والذال ،(...أم يف الشفتني )كما يف نطق الباء ،والفاء(.
تكون الصوت هو موضع إعاقة مجرى َ
النفس وقطعه. ج – موضع ّ
د – تختلف أجراس هذه )األصوات( بحسب اختالف مواضع قطع مجرى الهواء الخـارج
من الرئتني ،وكيفية وضع أعضاء النطق يف هذا املوضع أو ذاكْ ،
فجرس صوت العني الذي
جرس صوت القاف الذي ُيعرتض عليـه عنـد
ُيعرتض عليه يف منطقة الحلق ،يختلف عن ْ
أقىص الحنك ،وهما يختلفان عن َ ْ
جرس صوت الباء التي تنشأ يف منطقة الشفتني.
الصدى).(٣
– ٣أطلق عىل الصوت اسما ً جديدا ً هو ّ َ
– ٤ينحرص املدرج الصوتي ) (٤ما بني أقىص الحلق وبني الشفتني.
– ٥أما تسميته للمقطع بالحرف ،فهو من باب االتساع يف اسـتعمال املـصطلحات ،ويف
اتــساعا ً معنى مرادفا ملخرج الصوتّ ،
واتسع يف اسـتعماله ّ ً الظن ّ
أنه يريد باملقطع ّ أكرب
متكون يف هذا املوضعُ ،
وينطق به. ّ مجازيا ً للصوت نفسهّ ،
فعرب عنه ْ
باسم ملا هو
عرب به ابن ّ
جني – إىل كيفية حـدوث الـصوت هذه هي نظرة علماء العربية – يف ضوء ما ّ
البرشي ،وهي واضحة يف أسسها.
واآلن نرى ،ماهو تقويم الدراسات الصوتية الحديثة لهذه النظرة ؟
قال كانتينو ):(٥
يف عملية التصويت عنرصان الزمان وكافيان إلحداث األصوات ،أو إلحداث أيّ دويّ آخـر،
وهما:
– ١إخراج ّ َ
النـفس من الرئتني.
املدوي الفموي يمكن ْ
أن تتغـري هيئتـه، أن ّ – ٢تفصيل النطق يف الفم ،ومن املفروغ منه ّ
وحجمه حسب إرادة الناطق ".
جنـي كما أسلفنا.
ّ وهما أمران أشار إليهما ابن
ونتابع املحدثني يف بيانهم لكيفية إحداث الصوت اإلنساني فقد قال الدكتور رمضان عبد
سدا ّ
تاما ،عند أية إماْ :
أن يصادف مجراه مسدودا ّ التوابّ " :
إن الهواء الخارج من الرئتني ّ
نقطة يف املجرى،وإما أن يصادف يف طريقه تضييقا يف املجرى ال ّ
سدا فيه ،بحيث يـسمح
يحتك بنقطة التضييق هذه").(٦
ّ ّ
ولكن هذا الهواء هذا التضييق للهواء باملرور،
وهو قول مماثل لسابقة يف األصول.
جنـي يف هذا امليدان؟
ّ قرره ابن
إذا ً :ماذا أضاف الدارسون املحدثون إىل ما ّ
إن عنارص إحداث الصوت نفسها عند الفريقني ،غري ّ
أن وصف الجواب :ال يشء أصيل ،بل ّ
املحدثني امتاز بالتفصيل وااليضاحْ ِ ،
وذكر بعض األعضاء املساعدة يف النطـق كـالرئتني،
وهو أمر لم تكن معرفته ّ
ميرسة لدى القدامى.
وإذا ُعدنا إىل ما ِأثر عن كانتينو يف كيفية إحداث أصوات الكالم البرشي ،نجـده أشـار إىل
عنرصين آخريني ليسا بالزمني عنده يف عملية التصويت ،إذ قال:
األولني ،أو ال ُيضافان إليهما ،وهما:
وهناك عنرصان آخران قد ُيضافان إىل العنرصين ّ
– ١نزيز األوتار الصوتية.
الغنـة الخيشومية ).(٧
ّ –٢
وقد اعرتف هو بمعرفة العرب بدور الخيشوم يف إحداث بعض األصوات ،غري ّ
أنه أشار إىل
جهلهم باألوتار الصوتية ،ودورها األسايس يف إحداث األصوات ،والذي يمكـن قولـه هنـا
ّ
وتميزه: كيفية إدراك الصوت
ويكمل ابن ّ
جني فكرته فكرته عن كيفية إحـداث الـصوت ،بكيفيـة إدراك الـسامع لـه
فقال " :وسبيلك إذا أردت اعتبار صدى الحرف أن تأتي به ساكنا ً ال متحركا ً ...ثم تدخل
ألن الساكن ال يمكن االبتداء به " ).(٨
عليه همزة الوصل مكسورة من قبلهّ ،
أنـه: ّ
النص ّ وما نفهمه من
يتبنى منهج املالحظة الذاتية يف االستماع ملا ُينطق ،وهي خطوة أوىل إلدراكه.
ّ –١
– ٢كيفية نطق الصوت الذي يراد تحديد مخرجه ،وبيان صفته هي نطقه سـاكنا ً دون
حركةّ ،
ألن الحركة عنده تقلق الحرف عن موضعه.
– ٣وملا كان من غري املمكن –عندهم -االبتداء بالساكنّ ،
فإنه يرى تصدير الحرف بهمزة
وصل مكسورة للتمكن من نطقه .وهذا أمر لم تـوافقهم بـه الدراسـات الحديثـةّ ،
ألنـه
اقرتان قد ّ
يغري صفة الصوت املراد تمييزه.
* * *
األصوات العربية
عددها:
ّ
وظـل الرئيسية يف اللغة العربية بتسعة وعرشين صوتا)،(٩
ّ الصوتـية
ّ ُّ
حددت الوحدات
ّ
والزجـاجي ،والـسريايف ،وابـن الـرساج
ّ هذا هو الرأي الغالب عند علماء العربيـة كـابن
جنـي).(١٠
ّ
ويرى جماعة آخرون أنها ثمانية وعرشون صوتا ،ومنهم:
الفراء حيث قال " :إنك تقول أ ،ب ،ت ،ث ،ثمانية وعرشون حرفـا ،فتكتفـي بأربعـة
ّ •
أحرف من ثمانية وعرشين " ).(١١
مبنية عىل ثمانية وعرشون حرفا ").(١٢
ّ • وابن قتيبة بقوله " :وألفاظ العرب
واملربد بقوله ":اعلم ّ
أن الحروف العربية خمسة وثالثون حرفا ،منها ّ •
ثمانية وعرشون لها صور ،والحروف السبعة جارية عىل األلسن " ).(١٣
ّ
اعتـد بـالحرف الـذي إنــه
ستـة ،أي ّ
ّ ثم عاد وذكر ّ
أن الحروف الجارية عىل األلسن هي
يتحدث عما كانت له صورة ثابتةّ ،
يؤيد هذا ذكره ّ تركه ّأوال ،وهو الهمزة ،بسبب ّ
أنه كان
ّ
معتد بها. لها مع الشديدة ،أي ّ
إنه
ّ
والزجاج إذ جاء عنه يف مقام التدليل عىل جواز التعبري عن حـروف الهجـاء بأربعـة •
منها ،قولهْ " :
فإن قال قائل :قد يقول ألف ،باء ،تاء ،ثاء ،ثمانية وعـرشون حرفـا،
وإنما ذكرت أربعة ،فمن أين جاز ذلك ؟ قيل ،قد صار اسـم هـذه ألـف ،بـاء ،تـاء،
ثاء").(١٤
ّ
مرجعهن إىل ثمانيـة وعـرشين • وابن دريد بقوله " :األصوات تسعة وعرشون حرفا،
حرفا ".
• وقال أيضا " :الحروف ...يجمعهن لقبان :املصمتة ،واملذلقة،فاملذلقة :ستة أحـرف،
واملصمتة :اثنان وعرشون حرفا ".
مقدمـة ترجح ّ
أنه يذهب إىل أنها ثمانيـة وعـرشون حرفـا ،وقـد جـاء يف ّ فالروايتان ّ
معجمه الجمهرة رواية عىل أنها تسعة وعرشون حرفا ّ
لكنها لم تكن له ،وإنما نقلها عن
قوم من النحويني كما ذكر).(١٥
ّ
فحجـة الـذين ّ
أما مبعث الخالف بينهم ،فهو عائد إىل مسألة االعتداد بالهمزة أو عدمـه،
أسقطوها ،هي عدم وجود صورة ثابتة لها ،ملا يلحق بها من تغيري.
ّ
اعتد للصوتني بـصورة بأن األلف ،وهي الهمزة " ) .(١٦أي إنه
فالفراء يقول " :اعلم ّ
ّ •
واحدة.
واملربد يرى ّ
أن للحروف العربية ثمانية وعرشين صورة. ّ •
بأدلـة ،منها:
ّ ّ
بالرد عىل هذا الرأي ّ )(١٧ ّ
وتكفل ابن جني •
ألنـها موجودة يف اللفظ الـذي هـو قبـل ّ –١
أن ثبات الحروف واالعتداد بها ،انما وجب ّ
الخطـ ،والهمزة أيضا موجودة يف اللفظ كالهاء والقاف ،وهو اعـرتاض يـنم ّ عـن ذكـاء
ّ
وتفرقة بني مستويني :مستوى النطق ،ومستوى الكتابة ،وقـد ّ
ردد الـدكتور بـرش هـذا
وما دامت األبجدية هي أبجدية صوامت )حروف( ،وليست أبجدية حركات )علـل( ،فـال
مكان لأللف بينها.
أما الواو والياء فأبقوهما ،إقرارا منهم ّ
بأن هذين الصوتني قد يكونان أشباه صـوامت يف
سياقات صوتية معينـة ،وإذا أريـد بهمـا مـدلولهما الثـاني ،وهـو كونهمـا حـريف ّ
مـد
)حركتني( فال مكان لهما أيضا يف هذه األبجدية.
* * *
األصوات الفرعية:
وتظهر براعة علماء العربية يف العـراق وتـدقيقهم يف الدراسـات الـصوتية باسـتقرائهم
واستيفائهم للوحدات الصوتية املنطوقة يف بيئاتهم الدراسية ،فقد أدركوا أصواتا أخـرى
ّ
وصنفوها عىل قسمني ،هما: ّ
املحددة، ُّ
عدت بأنها فروع من تلك األصوات
ْ
املستحسنة: أ – األصوات
وهي أصوات أساسها اختالف النطق اللهجي للقبائل العربية ،إذ قد يطـرأ عـىل الـصوت
تغيري يف جرسه الصوتي ناتج عن النطق الخاص لهـذه القبيلـة أو تلـك ،وبهـذا يـسقط
محلـه الصوت الجديد ،وهو قريب منه ،فهي بعـد هـذا أصـوات
ّ الصوت األسايس ليحل ّ
اعرتف بفصاحتهاَ ِ ،
فأخذ بها يف نطق آي القران الكريم ،وفصيح الكالم.
جنـي).(٢٤
ّ املربد )،(٢١والزجاجي ) ،(٢٢والسريايف) ،(٢٣وابن وهي – كما ّ
حددها ّ
)الكاف التي بني الجيم والكاف( و)الجيم التـي كالكـاف( صـوت واحـد ،غـري ّ
أن أصـل
أحدهما )الجيم( ،وأصل اآلخر )الكاف(.
وتتحقـق إذا جاءت الجيم ساكنة ،وتلتهـا التـاء ،أو الـدال،
ّ – ٣الجيم التي كالشني ):(٢٩
نحو :أجدر ،واجتمعوا ،بإشمام الجيم صوت الشني.
وأضاف ابن دريد بعض األصوات التي وردت يف لهجات القبائل العربية:
منها :الصوت الذي بني الياء والجيم يف نحو :غالمج يف غالمي. -
ومنها :تحويل كاف املخاطبة شيئا نحوْ ِ :
منش ِ يف :منك ِ. -
ومنها :إلحاق بني تميم القاف بالكاف نحو :الگوم ،يف :القـوم)(٣٢وهـو صـوت -
أن أشار ابن قتيبة ) (٣٣إىل ّ
أنه غري عربي. سبق ْ
* * *
ّ
الصحة واالعتالل يف األصوات:
صنـف علماء العربية األصوات اللغوية عىل قسمني:
ّ
أولهما :األصوات الصحيحة.
املعتلــة ) ّ
املد واللني(. ّ وثانيهما :األصوات
ّ
يجمعهن لقبان:املصمتة واملذلقـة ،فاملذلقـة: • قال ابن دريد ":الحروف سبعة أجناس
ّ
معتالت ،وتسعة عرش حرفا ستة أحرف ،واملصمتة :اثنان وعرشون حرفا ،ثالثة منها
صحاح " ).(٣٧
ّ
الصحة واالعتالل ،فجميـع الحـروف جنــي " :وللحروف قسمة أخرى إىل
ّ • وقال ابن
املـد واالسـتطالة " ) (٣٨واملـدد ّ
هـن حـروف ّ صحيح ،إال األلف والياء والواو اللـواتي
االستطالة.
تتأثـــر يف بعـض
ّ وإذا كان أساس التقسيم عندهم هو إدراكهـم ّ
أن أصـوات العلـة
السياقات الصوتية فتنقلب من صوت إىل آخر ،كما ُينبئ املـصطلح الـذي وسـموها بـه،
لكنهم الحظوا فيها أمرين:
ّ
بحرية ،دون أيّ عائق: – ١خروج الهواء معها
• قال ابن دريد " :وأما حروف املد ّ واللني فثالثة ال غري ،الواو واليـاء واأللـف...،وإنمـا
اتـسعت مخارجها حتى جرى فيها الصوت " ).(٣٩ احتملت ّ
املد ألنهاّ ...
الرتنـم
ّ االتــساع يف املخرج هو الذي جعل لها صفة االمتداد ووقوع
ّ أن هذا ثم ّ
إنه الحظ ّ
الرتنـم يف
ّ ّ
يمتد فيها فيقع عليها لينةّ ،
ألن الصوت سميت ّ
ّ عليها يف الشعر ،فقال " :وإنما
القوايف" ).(٤٠
اتـساع مجرى ِ َ
العلل – وخروج الهواء معها بحريـة تامـة جنـي يف تشبيه ّ
ّ • وأبدع ابن
دون أيّ عائق يعرتض سبيلها – بخروج صوت الناي دون ْ
أن يضع الزامر أنامله عىل
خروق النايّ ،
فإنه يكون مستطيال أملس ساذجا)،(٤١
أما إذا راوح أنامله عىل هذه الخروق ّ
فإنا نسمع منه أصداء ،وأجراسا مختلفة نظري
ما يسمع من اختالف مخارج األصوات غري العلل عندما يعرتض عليها داخل الحلـق ،أو
غـفـال غري محصور ،كجريان الصوت
الفم ،أو الشفتني ،إذ قال " :وجريان الصوت فيه ُ ْ
يف األلف الساكنة ،وما يعرتضه من الضغط والحرص باألصابع كالذي يعرض للـصوت يف
ْ
الحرص. مخارج الحروف من املقاطع")ِ .(٤٢
وذكر األلف هنا للتمثيل ال
العللّ ،
وأن الصوت ال ينقطع إال بانتهاء الهـواء اتـساع مخارج ِ
موضـحا ّ
ّ وقال أيضا
الخارج:
اسـتمر
ّ اتـسع مخرج الحرف حتى ال يقتطع الصوت عن امتداده ،واستطالته " ْ
فإن ّ
ثم اليـاءّ ،
ثـم اتسعت مخارجها ثالثة :األلفّ ،
َ ّ
ممتدا حتى ينفد ...والحروف التي الصوت
ممتد ال ُيعيقه عـائق يعـرتض سـبيله حتـى ينفـد
ّ الواو ") .(٤٣فالصوت مع هذه الثالثة
الهواء.
– ٢قوة إسماعها الصوتي:
قوة وضوحها وإسماعها الـصوتي ،وتعـود ّ
قـوة اإلسـماع إىل جهـر تتفاوت األصوات يف ّ
واتـساع ذبذباته ،فهناك أصوات
ّ الصوت وخروجه بحرية ،دون أيّ اعرتاض ،وإىل درجته
تسمع من مسافة بعيدة وأصوات أخرى ال تسمع إال من قريب ،ويف أقوال علماء العربيـة
املـربد
ّ تـتسم بدرجة عالية من ّ
قوة الوضـوح ،فقـد جـاء عـن أن هذه الثالثة ّ ما ّ
يوضح ّ
قوله:
املصوتة وهي :الياء والواو واأللف ").(٤٤
" الحروف الثالثة ّ
ويف إطالق هذا املصطلح إشارة إىل علو الصوت ،فقـد جـاء يف املعـاجم ّ
أن الـصائت :هـو
الصائح ،ورجل ّ
صيت :أي شديد الصوت ،وبهذا فقـد أجـاد علمـاء العربيـة يف وصـفهم
ذكـية إىل مـا فيهـا مـن
ألنـها إشارة ّ ّ
املصوتة ّ حروف ّ
املد )الحركات الطويلة( بالحروف
ّ
حرية مرور الهـواء، ّ
متأت من وضوح سمعي ) .(٤٥وهذا التصويت ووضوح قوة اإلسماع
كلـها مجهورة ،وأقوال علماء العربية تشهد بذلك. ومن الجهر ،حيث ّ
أن هذه األصوات ّ
أما نظرة املحدثني من أوربيني وعرب إىل هذا التقسيم الصوتي فتكاد تتطابق مع ما ِأثـر
عن علماء العربية يف العراق بمالحظاتهم واألسس التي اعتمدوا عليها من ذلك:
ّ
املكونة للكالم األسايس الواجب يف نظام األصوات البسيطة
ّ • قول كانتينوّ " :
إن الرتتيب
البرشي هو ترتيبها حروفا وحركات " ).(٤٦
علـــة،
ّ • وقول ماريوباي ":درج اللغويون عىل تقسيم أصـوات الكـالم ...إىل أصـوات
علــة ،وسواكن)."(٤٧
ّ وأشباه
أما أساس هذا التقسيم فقد ُبني عىل أمرين ،هما:
– ١الكيفية التي ّ
يتم بها نطق الصوت.
– ٢قوة وضوح ْ
سمع الصوت.
فعن األمر األول ،قال تروبتسكوي:
َّ
خاصية الصحيح ...هي إنشاء عقبة يف طريق الهواء ،أو فتح هذه العقبة ،عىل حـني " ّ
إن
ّ
خاصية العلل يف صورة انعدام أية عقبة أو تعويق". تبدو
• وعن األمر الثاني ،قال دانيال جونز:
ّ
الحق تفريـق مبنـي "ليس التفريق بني الصحاح والعلل اعتباطيا فسيولوجيا ،ولكنه يف
قوة اإلسماع يف األصوات املختلفة " ).(٤٨
العلو النسبي ،أو ّ
ّ عىل اعتبارات صوتية ،هي
رتـبوا األصوات عىل وفق درجة إسـماعها وجـدوا ّ
أن العلـل ملـا ّ ومن املعلوم ّ
أن املحدثني ّ
أقوى األصوات إسماعا.
ولخـص لنا الدكتور أنيس نتائج تحليل املحدثني لهذا التقسيم ،يف قولـه " :فالـصفة
ّ •
ّ
وخلو مجراهـا ّ
تختص بها أصوات اللني هي كيفية مرور الهواء يف الحلق والفم، التي
من حوائل وموانع...يف حني ّ
أن األصوات الساكنةّ ،
إما ينحبس معها الهواء انحباسـا ً
وترتـب عىل اختالف كيفيـة مـرور الهـواء يف حـالتي
ّ محكما ً...أو يضيق مجراها...
أن املحدثني الحظوا ّ
أن األصـوات الـساكنة النطق باألصوات الساكنة وأصوات اللنيّ ،
اللــني ُ َ
تــسمع مـن ّ اللـني ،فأصوات عىل العموم ّ
أقل وضوحا يف السمع من أصوات ّ
يخطـأ يف تمييزها " ).(٤٩
َ مسافة عندها قد تختفي األصوات الساكنة ،أو ُ
يتبني لنا بوضوح وجالء ّ
أن القـدامى برعـوا يف تقـسيم األصـوات عـىل هـذين وبهذا ّ
الصنفني ،وأجادوا يف مالحظاتهم الدقيقة إىل الصنف الثاني ،وهو ِ َ
العلــل )الحركـات( يف
إطار هذا التقسيم،
وإذا كان حديثنا السابق عن الحركات عامة ،فسنتحدث اآلن عن الحركات القصرية مـن
باب تسميتها ،وصفاتها ،وأنواعها ،ومرتبتها من الحروف ،متبعني ذلـك بـصوتي الـواو
والياء إذا كانتا أشباه لني.
* * *
אא
تسميتها ):(٥٠
تــستنبط
لم نجد للحركات أثرا يف الرسم قبل أبي األسود الدؤيل )٦٩هـ( ،وإنما كانت ُ
من السياق يف وقت كانت الفصاحة والسالئق السليمة هي السمة الغالبة عليهم ،ولكـن
بعد ْ
أن ﱠ
دب اللحن وشاع بسبب اختالط العرب بغريهم من املسلمني ،خيف عىل كتاب الله
فأحب أبو األسود الدؤيل " ْ
أن ّ تعاىل ،فأصبحت الحاجة ّ
ملحة لضبط ألفاظ القرآن الكريم،
يرسم رسما ُيعرف به الصواب من الخطأ " ) .(٥١وكان عمله املشهور هو البداية الرائـدة.
ُ
فتحت فمـي بـالحرف ،فـانقط يف قصة مشهورة خاطب بها كاتبه قائال ":إذا رأيتني قد
ُ
كـرست ضممت فمي فانقط نقطة بـني يـدي الحـرفْ ،
وإن نقطة فوقه عىل أعالهْ ،
فإن َ ْ ُ
فاجعل النقطة تحت الحرف " ).(٥٢
ْ
وتبدو لنا من القول حقائق ،هي:
– ١العمل رائد ال عهد للعرب به.
– ٢لم يضع أبو األسود لرسومه أسماء ُتعرف بها.
) (50الحركات األعرابية بني القدامى واملحدثني ،لكاتب هذا البحث ،مجلة كلية الرتبية /جامعـة املوصـل
.١٠١ /١٩٨٠
) (51إنباه الرواة .٥/١
) (52أخبار النحويني البرصيني ،١٦ /الفهرست ،٤٠/إنباه الرواة .٥/١
١٠٥
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كرست( التي ّ
تدل عىل تطابق أوضـاع الفـم حـال ُ ُ
ضممت، ُ
فتحت، – ٣استعمل األفعال )
النطق باألصوات املذكورة.
لتدل عىل نـوع ّ
كـل صـوت ،لـذا ُعرفـت ّ ّ
املتغري، – ٤استعمل لفظة )نقطة( ذات املكان
)بنقط أبي األسود( نسبة اىل أشكالها وواضعها ،أو )نقط اإلعراب( نسبة إىل مـا تهـدف
ّ
طـور إليه ،وبقيت هذه الرسوم كما يبدو حتى عهد الخليل بـن أحمـد)١٧٥هــ( الـذي
ّ
ولعل هذه األشكال هي الـسبب يف رسمها إىل ما ُيشبه الحركات الطويلة ،مراعاة لنطقها
تسميتها عندهم بـ )األلف الصغرية ،والياء الصغرية ،والـواو الـصغرية( وهـي تـسمية
وبتقـدم الـزمن ُعرفـت عنـدهم
ّ مطابقة لواقع حالها من حيث الشكل وكمية الصوت،
وعلـة
ّ سميت هذه األصوات الناقصة حركات" ).(٥٣
جنــيّ ُ " :
ّ ْ
باسم )الحركات( ،قال ابن
جنــي نفسه – تكمن يف أمرين:
ّ هذه التسمية كما يراها ابن
تحرك – الحرف الذي تقرتن به ،وتجتذبه نحو الحـروف التـي هـي
تـقلق – ّ ّ
أولهما :أنها ُ
أبعاضها.
ثانيهماّ :
أن الناطق بها لم يبلغ مدى الحروف التي هي أبعاضها ،فهي ناقـصة يف كميـة
الصوت من الحروف التي هي منها .وبقيت هذه التسمية )الحركات( متداولة يف بحـوث
علماء العربية اىل عرصنا الحارض ،ولم تقف هذه الشهرة حائال من اسـتعمال مـصطلح
جنـي عىل الحركات الطويلة )حـروف
ّ املربد) ،(٥٤ومن ّ
ثم ابن ّ
املصوت( الذي أطلقه ّ آخر )
ّ
املد( ،وهو ينطبق تماما عىل الحركات القصرية ،وفيه نظر علمي دقيق اىل أحـد صـفتي
الحركات ،وهي صفة الجهر.
صفاتها:
ربط علماء العربية يف العراق بني حروف ّ
املد)الحركـات الطويلـة( وبـني الحركـات
املـربد " :الفتحـة مـن
ّ القصرية ربطا ً محكما ً حتى ّ
عدوهما من جنس واحد ،وفيه قال
األلف ،والضمة من الواو ،والكرسة من الياء " ).(٥٥
جنــي عن هذا املفهوم بالبعضية ،فقال " :اعلم ّ
أن الحركات أبعـاض حـروف ّ ّ
وعرب ابن
املد واللني " ).(٥٦
ّ
يتبني ّ
أن الحركات القصرية هي الحركات الكبرية نفسها ،ما عدا الفرق يف ّ
كمية فمن هذا ّ
ألن " الحركة حرف صغري").(٥٧
الصوت ال الكيفيةّ ،
وأيدوا وقوعه ،إذ قال الدكتور أنيسّ " :
إن بعض القدماء قـد أقر املحدثون هذا الربط ّ
وقد ّ
يسمى بألف ّ
املد ال يعدو أن يكـون ّ يحس املحدثون ّ
بأن الفرق بني الفتحة وما ّ ّ
أحس كما
أن زمـن نطـق فـرقا ً يف الكمية ")ْ .(٥٨
أي :فرق يف االسـتمرار الزمنـي لـألداء ،واملـشهور ّ َْ
ّ
يتعدى ذلك. الحركة الطويلة يعادل حركتني أو
ّ
وملا وصفوا حروف ّ
املد)الحركات الطويلة( بصفتني أساسيتني هما :حرية مرور الهـواء،
بد ْ
أن يرسي هذا الوصـف عـىل أبعاضـها ،وهـي الحركـات ،وبهـذا يمكـن والجهر ،فال ّ
ّ
وحرية مرور الهواء حال النطق بها ،وهما تتـصف بالجهر، القولّ :
إن الحركات القصرية ّ
ّ
خاصـية الحركـة هـي" :انعـدام قيـام اعتد بهما املحدثون ،فقالواّ :
إن ّ الصفتان اللتان
حرا طليقا عند النطق بها " ).(٥٩
فيمر النفس املجهور ّ
ّ الحاجز يف جهاز التصويت،
ّ
متعـني يف فالصفتان هما عند الفريقني أنفسهما ،وإذا كان مـن اخـتالف طفيـف فهـو
تحديد كيفية إنتاج الحركات القصرية ،وأوضاع الفم معها ).(٦٠
وعلماء العربية يف العراق لم يرتكوا هذه املسألة دون بيان ،ولو كان مجمال:
فإنــما يـستثقل
ّ ّ
الضم والكرس ،إذ قال" : فالفراء أشار إليها خالل حديثه عن استثقال
ّ
ّ
تنضم الرفعة بهما ،فتثقـل الضم والكرسّ ،
ألن ملخرجيهما مؤونة عىل اللسان والشفتني، ّ
ويمال أحد الشدقني إىل الكرسة فرتى ذلك ثقيال ،والفتحة مـن َ
خـرق الفـم بـال الضمةُ ،
ّ
ُكلفة").(٦١
جنـي
ّ املربد ":الفتحة من مخرج األلف) " (٦٢فقد أخذ ابن
وملا كان املخرج واحدا كما قال ّ
الفـراء – ووصـف بـه االخـتالف مـع
ّ اختالف أوضاع الفم مع هذه الحركات – كما ذكر
املد )الحركات الطويلة( بيشء من التفصيلّ ،
وعده السبب يف اخـتالف صـداها إذ حروف ّ
قال " :أما األلف فتجد الحلق والفم معها ُمنفتحني ،غري ُمعرتضني عىل الـصوت بـضغط
سـفال ُ
وعلـوا قـد اكتنفـت جنبتـي اللـسان أما الياء فتجـد معهـا األرضاس ُ أو َ ْ
حرصّ ،
ّ
متـصعدا هنـاك ،فألجـل تلـك ّ
وتفاج الحنك عن ظهر اللسان ،فجرى الصوت وضغطته،
ُ ّ
فتــضم لها معظم الشفتني ،وتدع بينهما بعض االنفـراج الفجوة ما استطال ،أما الواو
ليخرج فيه ﱠ َ
النفـس)." (٦٣
أنواعها:
جنــي:
ّ ّ
اعتد علماء العربية يف العراق بثالث حركات قصرية وثالث طويلـة ،قـال ابـن
أن هذه الحروف الثالثة ،فكذلك الحركات ثالثة " ).(٦٦
"فكما ّ
والضمة(ّ ،
أما الطويلة فقد أطلقوا عليها اسم )حـروف ّ فالقصرية هي )الفتحة والكرسة
واملربد ،وابن دريد،
ّ ّ
املد واللني(،وهي )األلف والياء والواو(،وذلك واضح يف أقوال :األخفش،
جنـي ).(٦٧
ّ ّ
والزجاجي ،وابن
مع إدراك جملة من العلماء بوجود حركـات فرعيـة أخـرى شـاعت يف لهجـات القبائـل
كل ست ،وذلك ّ
أن بني ّ جنـي بقوله " :ومحصولها عىل الحقيقة ّ
ّ العربية ،وإليها أشار ابن
حركتني حركة " ).(٦٨
وهذا إدراك منهم للتغريات الصوتية التي تصيب هذه األصوات أثنـاء األداء يف الـسياقات
ﱠ
يـوف تــختلس ولـم
املختلفة ،فاأللف قد تمال نحو الياء ،أو نحو الـواو ،والحركـة قـد ُ
حقـها الصوتي ،وقد ُتمطل ُ ّ
وتـمد فينشأ منها الحرف الذي هـو مـن حركتهـا ،وكـذلك ّ
ّ
وكـل تـقرص يف سياقات صوتية معينة ،أو قد ّ
تمد أكثر، الحركة الطويلة )حرف ّ
املد( قد ُ
هذه التغريات ال تنال إال الجانب الصوتي ،دونما أي تغيري يطرأ عىل الجانب الداليل.
* * *
وإذا سقط االفرتاضان ،فال يبقى إال االفرتاض الثالث ،وهـو كـون الحركـة تحـدث بعـد
جنـي أيضا بدليلني
ّ الحرف ،وهو رأي قال به سيبويهّ ،
وأيده ابن
املثـلـني ،نحوَ َ :
مـلـل فالحركة مانعة مـن إدغامهمـا ،فلـو أ – كون الحركة فاصلة بني َ َ
كانت الحركة يف الرتبة قبل الحرف األول ،فال فصل بينهما ولوجـب اإلدغـام ،فظهورهـا
املتأخـرة ،عن الحرف
ّ ألبتـة غري الحركة
ّ داللة عىل فصل واقع بينهما ،وليس ههنا فصل
األول.
ب – عدم نشوء حرفني يف وقت واحد ،وملا كانت الحركة بعض الحـرف ،وحكـم الـبعض
ّ
الكل ،فكذلك ال يجوز أن ينشأ بعض الحرف مـع حـرف آخـر يف وقـت جار مجرى حكم
واحد.
وعموما ّ
فإن هذه املناقشات متأتية من نظرة علماء العراق إىل الحركات القصرية ،وعدم
مستقلـة ،وإنما هي عندهم توابع للحروف ،ولو نظروا إليها كما
ّ اعتدادهم بها كأصوات
كلــه.
ّ مستقلـة ملا احتيج إىل هذا
ّ يراها الدارسون املحدثون أصواتا
אא :
صوتـيني ،هما:
ّ أدرك علماء العربية ّ
أن لصوتي الواو والياء مدلولني
– ١كونهما حركتني طويلتني )حريف ّ
مد ( :نحو :نور ،نري ،فـالواو واليـاء هنـا حركتـان
ّ
الـضمة والكـرسة ،إال يف مـدى فرق بينهما وبني
تحرك بهما حرف النون ،وال ْ
خالصتان ّ
االستمرار الزمني لنطقهما ،وما حديثنا السابق ،إال عىل هذا املدلول.
– ٢كونهما يقومان مقام األصوات الصامتة )الصحيحة(:
بيتّ َ ،
بيت. يـلدُ ُ ،
غـريْ َ ، نحو :الياء يفَ :
حوضّ َ ،
حول. عوضْ َ ،
ولـدَ ِ ،
:والواو يفَ َ :
فالياء والواو يف هذه األلفاظ قامتا بالدور الوظيفي لألصوات الصامتة ،فاليـاء يف )َيلـد(
١١٢
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
مثال ،تقوم بالدور الوظيفي للباء يف مثل )َبلد( مع فـارق املعنـى ،لـذا أمكـن تحريكهـا
بحركات غري متماثلة معها ،أو تسكينها وما قبلها مفتوح ،أو تكرارها كما هـي الحـال
مع األصوات الصامتة.
هذا املدلول لم ِ
يغب عن إدراك علماء العراق ،وأقوالهم واضحة فيه:
صحتا " ) .(٧٠أي :إنهما خرجتا
ﱠ • قال ّ
الفراء " :الياء والواو إذا انفتح ما قبلهما ُ ّ
وسكنتا
املعتلـة النطقي والوظيفي ،ولم يكن يقصد بأنها أصوات صامتة،
ّ عن إطار األصوات
يف هذا السياق ،فهما أقرب ما تكونان إليها.
جنـي يف هذا املدلول ،منها:
ّ وكثرت أقوال ابن
تحركتا قويتا بالحركـة ،فلحقتـا بـالحروف الـصحاح ،فجـازت " ّ
إن الياء والواو ملا ّ
مخالفة ما قبلهما من الحركات إياهما ").(٧١
قويـت وضـارعت الحـروف
وقال يف حديث عن الواو " :إنها ملا أدغمت يف التي بعدها ِ
الصحاح ،فجاز ثباتها مع انكسار ما قبلها " ).(٧٢
ّ
صحا يف بعـض املواضـع العلـة الياء والواو قد
ّ وقال أيضا " :ومن ذلك عندي ّ
أن حريف
ّ
يــصحان لوقــوع حــرف اللــني ســاكنا بعــدهما نحــو: للحركــة بعــدهما كمــا
والغـيب").(٧٣
ََ القـَود...
َ
فالكالم واضح يف ّ
أن الواو والياء قد يأتيان يف سياقات صوتية معينـة ،وهمـا أشـبه
بالحروف الصحاح.
ّ
املعتـل جنـي يف موضع آخر هذين املدلولني معا ً ،فقالّ " :
وأما الحـرف ّ وقد أجمل ابن
ّ
ومعتـل غـري تـابع ملـا فعىل رضبني :ساكن تابع ملا قبله :كقاما ،وقاموا ،وقـومي)...(٧٤
أو.(٧٧) ...
لوْ ،
كيْ ، قبله) ،(٧٥وهو الياء والواو الساكنتان بعد الفتحة").(٧٦نحوْ :
أيْ ،
ومما يالحظ أن علماء العراق لم يذكروا حرف ّ
املد الثالث )األلف( هنا ،ويف هذا إشعار
منهم بأنهم أدركوا ّ
أن األلف هو حرف ّ
مد )حركة طويلة( بكل سياقاته.
وتابع املحدثون ما ذكره القدامى ) (٧٨من اإلشارة اىل هذين املـدلولني تمامـا ،غـري أنهـم
أوضحوا ّ
أن الواو والياء إذا لم تكونا حريف ّ
مد )حركتني طويلتني( فإنهمـا يختلفـان عـن
الواو والياء ّ
املديتني ببعض الفروق النطقية ،وهي:
– ١أن الفراغ بني اللسان ووسط الحنك األعىل حني النطق بالياء )نصف الحركة( ،يكون
أضيق منه يف حالة النطق بالياء ّ
املدية )الكـرسة الطويلـة(،وكـذلك مـع الـواو )نـصف
الحركة( يكون الفراغ بني أقىص اللسان وأقىص الحنك أضيق منه يف حالة النطق بـالواو
ّ
املدية )الضمة الطويلة(.
– ٢الواو والياء )نصف الحركتني( أقرص زمنا ًمن الحركتني املناظرتني لهما.
قلـة وضوحهما يف السمع ،إذا قيسا بالحركتني املناظرتني لهما.
ّ –٣
ّ
متعددة منها: وقد أطلق املحدثون عىل صوتي الواو والياء إذا لم تكونا حركتني أسماء
)(٨١
علــة
ّ أشباه أصوات اللني ) ،(٧٩أو أنصاف حركات ،أو أنصاف صوامت ) ،(٨٠أو أنصاف
أو شبه السواكن ).(٨٢
* * *
مخارج األصوات:
منظـمة إىل ّ
حد ما ،يف ّ ّ
علمية مبكـر يف دراسات
ّ برع علماء العربية يف العراق منذ وقت
علم األصوات النطقي ،وكان لهم – ضمن بحوث هذا العلـم – ترتيـب للحـروف العربيـة
حسب معيار صوتي عىل يد الخليل بن أحمد ،ثم أعـاده سـيبويه بـشكل أكثـر موافقـة
ومالءمة ملا هو منطوق فعال يف ستة عرش مخرجا ،ابتدأوا بهـا مـن الحلـق ،ثـم األرفـع
فاألرفع ،حتى انتهوا بالشفتني ،وكأنهم سايروا خروج الهواء من الرئتني.
وقد اعرتف املحدثون بهذه األسبقية ،وبدراستها املنظمة واملحكمة ،التي توافـق أغلبهـا
ّ
توصل إليه الدرس الصوتي الحديث ،عىل الرغم من الفارق الكبري يف وسائل البحث مع ما
بينهما.
• قال املسترشق برجشرتارس " :ولم يسبق الغربيني يف هذا العلم إال قومان مـن أقـوام
الرشق ،وهما أهل الهند ،وأهل العرب ").(٨٣
• وقال كانتينو " :ونظرية مخارج الحروف عند النحاة العرب نظرية أحكموا ضـبطها
).(٨٤
بعناية "
) (79األصوات اللغوية ،٤٢ /علم اللغة للسعران ،١٩٧/وقد اصطلح عليها بأشباه الصوائت.
)(80علم اللغة العام .١٠٨/دروس يف علم أصوات العربية .١٣٧/
) (81مناهج البحث يف اللغة .١٠٨ – ١٠٧ /
) (82اللغة ،لفندريس .٥١ /
) (83التطور النحوي للغة العربية١١/
) (84دروس يف علم أصوات العربية .٣١ /
١١٥
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسنعرض – بإيجاز – ما ذكره علماء العربية يف العراق يف القرنني الثالث والرابع مـن
أقوال وآراء يف مخارج األصوات ،مؤثرين يف هذا العرض التسلسل الزمني،حتـى نـصل إىل
جنـي ".
ّ تمام البحث فيها عىل يد "ابن
وسيكون أساس الدراسة – بادئ األمر – وتقويم آراء علماء العربية يف القرنني الثالث
خلـفه لنا سيبويه ) ،(٨٥وهو:
والرابع عىل وفق الرتتيب الذي ّ
) ء هـــــ ا – ع ح – غ خ /ق ك /ج ش ي ) / (٨٦ض /ل /ن /ر /ط د ت /ز س
ص /ظ ذ ث /ف /ب م و /النون الخفيفة (.
جنــي مـن آراءّ ،
ألن ّ أما املقارنة مع الدرس الحديث فستكون مع ما ِ
أثـر عـن ابـن
أفكاره تمثل قمة ما وصل اليه علماء العربية يف العراق من دراسات صوتية.
الفراء الكويف:
ّ
الفراء الكويف ،الذي لـم يـرتك لنـا ترتيبـا ّ
أول ما نقف عنده يف بداية القرن الثالث هو ّ
لكـنه عرض ليشء من هذا يف كتابه معاني القرآن.
صوتيا كامالّ ،
وأشهر ما وصل إلينا عنه رواية الـسريايف التـي تـذكر ّ
أن الفـراء خـالف سـيبويه يف
موضعني:
فـرق بينهمـا أولهما " :أنه جعل مخرج الياء والواو واحدا " ) ،(٨٧غري ّ
أن سيبويه قـد ّ
فجعل الياء من وسط اللسان ،والواو مـن الـشفتني ،وروايـة الـسريايف هـذه اعتمـدها
الدكتور املخزومي وحاول تسويغها ّ
بأن الفـراء يـرى رأي الخليـل يف أن مخـرج الـواو،
والياء ،واأللف واحد هو الجوف ) .(٨٨واعتمدها أيضا الدكتور محمد حسني آل ياسني ولم
يعقب عليها ،وجعلها من املسائل الخالفية يف اللغة ).(٨٩
إال أني أرى عدم موافقة هذا التفسري مع روح ّ
نص الفراء الذي نقله السريايف ،وال مع
ما جاء عنه يف كتابه معاني القرآن ،فهو تفسري ناقص ،وتبيان ذلك هو:
الفراء الذي استوحى منه السريايف هذا الرأي هو:
أ – قول ّ
كل التآخيّ ،
ألن مخرجهما من حروف الفم ،ال يلتقـي )والياء والواو أختان ،وإنما تآختا ّ
بهما موضع من الفم كما يلتقي عىل غريه( ).(٩٠
ّ
محـدد، فالنص واضح يف ّ
أن الفراء لم يقل :إنهما أختان لوحـدة مخرجهمـا يف موضـع ّ
وإنما نسب مخرجهما إىل منطقة الفم ،وهي منطقة واسعة ،ويبدو يل أنه يريـد يف هـذا
القول :وصف الياء والواو إذا كانتا من حروف املد ،أي :كونهما حركتني طويلتني ،وهمـا
الصوتان اللذان نسبهما الخليل بن أحمد ) (٩١إىل الجوف ،ألنهما ال يقعان يف مدرجـة مـن
مدارج الحلق ،أو الفم ،أو الشفتني ،حتى تنسبا إليه ،فهما بهذه الصفة صوتان ممتـدان
الفراء " :ال يلتقي بهما موضع مـن الفـم
ال يعرتض سبيل هوائهما حائل ،أي كما يقول ّ
كما يلتقي عىل غريه " من األصوات الصحاح.
دقـة مالحظته الـصوتية التـي تبعـد
الفراءّ ،
ب – ويعضد ما ذهبنا إليه من تفسري قول ّ
عنه احتمال قوله ّ
بأن الواو والياء إذا لم تكونـا مـدتني همـا مـن مخـرج واحـد ،فمـن
الدقــة،هو إحساسه ّ
بأن الحركات القصرية عىل الـرغم مـن كونهـا مـن ّ مصاديق هذه
جنس حروف املد )الحركات الطويلة( التي لم يكن لها مخرج تنسب إليه – لها كيفيـات
ّ
الـضم مختلفة يف الفم حال النطق بها ،إذ قال يف معرض حديثـه عـن اسـتثقال تتـابع
الضم والكرس ّ
ألن ملخرجيهما مؤونة عـىل اللـسان والـشفتني ّ والكرس " :فإنما يستثقل
ّ
تنضم الرفعة بهما فيثقل الضمة ويمال أحد الـشدقني إىل الكـرسة ،فـرتى ذلـك ثقـيال،
والفتحة تخرج من خرق الفم بال كلفة " ).(٩٢
فمن ُيدرك هذا االختالف جدير به ْ
أن يدرك اختالف الواو والياء مخرجا ًإذا لـم تكونـا َ
ّ
مدتني.
وثانيهما) :أنه جعل الفاء والباء وامليم من بني الشفتني().(٩٣
ّ
أما سيبويه فقد جعل الفاء من باطن الشفة السفىل وأطراف الثنايـا العـىل ،وجعـل
الفراء اقتفى فيه
أن ّ الباء وامليم من الشفتني ،واعتمد الدكتور املخزومي هذا النقل ورأى ّ
عد هذه األصوات من الشفتني ) ،(٩٤واعتمده كذلك الدكتور محمد حـسني
أثر الخليل الذي ّ
وعده من املسائل الخالفية بني املدرستني يف اللغة ).(٩٥
آل ياسنيّ ،
الفراء لسببني ،هما:
فكر ّويبدو يل أن هذا ال يمثل ِ ْ
الفراء الذي اعتمده السريايف وبنى عليه هذا الحكم،هو ":أبعد الحروف من الحاء
نص ّ أّ -
أن الفاء وأختيها من الشفتني مخارجهنّ ،
فهن الغاية وأخواتها ،الباء وامليم والفاء ،وذلك ّ
البعد من الحاء وأخواتها)*(".
يف ُ
املربد:
أبو العباس ّ
املربد أبواب اإلدغام يف كتابه املقتضب ) - (١٠٤عىل طريقة سيبويه – بباب خـاص ّ
استهل ّ
ملخارج األصوات ّ
كلها ،كاد يتطابق مع ما ذكره سيبويه ،سوى الخالف اآلتي:
-١يف أصوات الحلق ّ
قدم الحاء عىل العني ،وقدم الخاء عىل الغني ،وقد أخرهما سيبويه.
-٢يف أصوات وسط اللسان قدم الشني عىل الجيم،مع ّ
أن سيبويه ّ
قدم الجيم ولم يـذكر
املربد الياء معهن ،وإنما أشار إليها عند ذكر مخرج النون ،مستدال بهـا عـىل قـرب
ّ
مخرج صوت من صوت ،إذ قال ":فأما النون املتحركة فأقرب الحروف منهـا الـالم،
كما أن اقرب الحروف من الياء الجيم".
واملربد ذكر الطاء
ّ -٣يف أصوات طرف اللسان ،نجد ّ
أن سيبويه ذكر الطاء والدال والتاء،
واملربد ذكر السني والصاد والزاي،
ّ والتاء والدال ،وسيبويه ذكر الزاي والسني والصاد
َ
ولعـل وحـدة واملربد ذكر الظـاء والثـاء والـذال،
ّ وسيبويه ذكر الظاء والذال والثاء،
املخرج ّ
سوغت له التقديم والتأخري يف املجموعة الواحدة إذ ْ ال ضري فيه.
* * *
ولعلــه
ّ أخـر الهمزة والياء،وأتبعهما لصوت الواو ،وختم بهما األصوات املجهـورة،
ّ –٢
أخـر هذه األصوات بعد ّ
ضم صوت األلف إليها. تأثر بما فعل الخليل بن أحمد ،الذي ّ
ْ ُ
وضـع الباء مكان الياء ،يرد عليه أمران ،هما: –٣
أخـر الـواو ،واليـاء ،واأللـف والهمـزة إىل آخـر
أ –محاكاة ترتيب الخليل بن أحمد الذي ّ
األبجدية الصوتية.
لكنه تبقى عندنا مسألة تقديم األلف عىل ّ
كل األصوات واالستهالل به ،وهذا ماال نجد لـه
تفسريا.
ب – قد يكون سببه هو التـصحيف ،وبخاصــة ّ
أن التـشابه كبـري بـني كتابـة لفظـي
الصوتني ،وهو أمر محتمل ،وبذلك يقارب ترتيب سيبويه.
أن املخارج أربعـة عـرشّ ،
ألنه أما رواية أبي حيان ) (١٠٦التي َ
نقـلت لنا رأي ابن كيسان يف ّ
لنـدرة ما َ
وصل إلينا من التحقـق منها ُ
ّ عد مخرج النون والالم والراء واحدا ً ،فال سبيل إىل
ّ
أفكاره الصوتية.
* * *
١٢٤
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
) (110دروس يف علم أصوات العربية ،٩٨ ،٣٠ /علم اللغة العام .١٥٤ /
) (111جمهرة اللغة .٧ – ٦ /١
١٢٦
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
ّ
متقدم لوجدنا الخليل قد نسب )الواو والياء وأصواته :الواو والياء ،لو ُ ْ
عدنا إىل عرص
واأللف اللينة إىل الجوف )ّ ،(١١٤
أما سيبويه فكأنه أدرك أحد مدلويل الصوتني ،وهو كونهما
ّ
حدده له. ففرقهما يف الرتتيب الصوتي ،ووضع ّ
كل صوت يف املخرج الذي صامتنيّ ،
اتــساع مخرجيهما ،وهـي
فكأنـه حاكى الخليل يف تحديده لهما ،فرأى ّ
ّ ّ
أما ابن دريد
تتم حال كونهما حركتني خالـصتني ،غـري ّ
أن ابـن دريـد لـم يـذكر هـذا كيفية نطقية ّ
الضابطّ ،
لكن كالمه يـوحي بـذلك ،فقـد قـال " :ومـن جـنس الفـم...مـا مخرجـه إىل
ذكـر)األلف( معهماِ ،علما ّ
أنـه يـشرتك الهواء...الواو والياء (...وما ُيؤخذ عليه ،هو عدم ِ ْ
معهما يف هذه الحالة النطقية.
* * *
ّ
الزجاجي: أبو القاسم عبدالرحمن بن إسحاق
ّ
استهل باب اإلدغام يف كتابه )الجمل( بذكر مخارج االصوات وهو عىل ُ ّ
سنـة سابقيه
الستة عرش ،مراتبها ،وصفاتها وكان حديثه عن املخـارج مـوجزا ،إذ قـال " :فحـروف
العربية تسعة وعرشون حرفا وهي :الهمـزة واأللـف والهـاء ،والعـني والحـاء ،والغـني
والخاء ،والقاف والكاف ،والضاد والجيم والشني والياء ،والـالم والـراء والنـون ،والطـاء
والدال والتاء ،والصاد والـزاي والـسني ،والظـاء والـذال والثـاء ،والفـاء ،والبـاء واملـيم
والواو").(١١٥
اتــبع الرتتيـب األول لـسيبويه ) (١١٦الـذي ذكـر فيـه األصـوات
أنه ّوما نالحظه هو ّ
ومجردة عن بيان مخارجها،فهو يكاد يتطابق معه مطابقة تامة ما عدا ترتيب
ّ مرتــبة
ّ
) (114العني .٥٧ /١ :يحتمل يف مراده من مصطلح الجوف :جوف البطن )الصدر( ،أو جوف الفم.
) (115الجمل .٣٧٦ – ٣٧٥/
) (116الكتاب.٤٠٤/٢ :
١٢٨
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
ّ
الزجـاجي القاف والكاف ،فقد ذكر سيبويه يف هذا الرتتيب )الكاف والقاف( وربما اعتمد
نسخة أخرى من الكتاب لم تصلنا.
ّ
األدق يف الرتتيب كمـا ذكـر سـيبويه ومما هو جدير بالذكر ّ
أن القاف ،ثم الكاف ،هو
أيدته الدراسة الحديثة).(١١٧
عند بيانه تفصيالت املخارج ،وهو أيضا مما ّ
* * *
جنــي:
ّ ابن
جنــي ،فقـد أفـرد لـه
ّ وبلغ كمال البحث الصوتي ونضجه عىل يد اللغوي الكبري ابن
رس صــناعة اإلعــراب( إذ دارت بحوثــه عــىل مخــارج األصــوات ّ
خاصــا ،هــو ) ّ كتابــا
وصفاتها،وما يطرأ عليها من تغريات صوتية ،وقد جعل ترتيبه العلمـي الـدقيق ملخـارج
ّ
سـجلها جنـي للمخارج بالصورة التي
ّ األصوات أحد املحدثني يقول فيه ":أما ْ
وصف ابن
أن ّ
والحـق ّ يف كتابه ،وترتيبه لهذه املخارج ،فهو ّ
يدل عىل ّ
قوة مالحظته ،وذكائه النـادر،
ّ
لتعـد مفخـرة لـه، النتائج التي وصل إليها هذا العالم يف ذلك الوقت الذي كان يعيش فيه
يؤكــد براعتهم ونبوغهم يف هذا العلـم أنهـم قـد
ّ وملفكري العرب يف هذا املوضوع ،ومما
ّ
توصلوا إليه من حقائق مدهشة دون االستعانة بأية أجهزة ،وآالت تعينهم ّ
توصلوا إىل ما
عىل البحث والدراسة كما نفعل نحن اليوم " ).(١١٨
جنـي لم ِ
يحد عن أسلوب أسالفه يف الرتتيب الصوتي ،فقد ابتـدأ بأصـوات الحلـق، ّ وابن
وتدرج إىل األرفع فاألرفع ،حتى انتهى بأصوات الشفتني ،وكان اعتمـاده الرتتيـب الـذي
خلــفه سيبويه.
ّ
فرتتيب سيبويه هو :الهمـزة ،والهـاء ،واأللـف ،والعـني ،والحـاء ،والغـني ،والخـاء،
والقاف ،والكاف ،والجيم ،والشني ،والياء ،والضاد ،والالم ،والنون ،والراء ،والطاء ،والدال،
والتاء ،والزاي ،والسني ،والصاد ،والظاء ،والذال ،والثاء ،والفاء ،والبـاء ،واملـيم ،والـواو،
والنون الخفيفة).(١١٩
جنــي) (١٢٠فهو :الهمزة ،واأللف ،والهـاء ،والعـني ،والحـاء ،والغـني،
ّ أما ترتيب ابن
والخاء ،والقاف ،والكاف ،والجيم ،والشني ،والياء ،والضاد ،والـالم ،والنـون ،والـراء)،(١٢١
والطاء ،والدال ،والتاء ،والصاد ،والزاي ،والسني ،والظاء ،والذال ،والثاء ،والفـاء ،والبـاء،
وامليم ،والواو ،والنون الخفيفة.
وكاد الرتتيبان يتطابقان عدا نقطتني هما:
جنــي ّ
أنه ّ جنــي لأللف عىل الهاء ضمن أصوات الحلق ،وهو أمر يراه ابن
ّ أ – تقديم ابن
ّ
ويؤيد هذا مطابق لفكرة سيبويه ْ
إذ قال " :الهمزة واأللف والهاء هكذا يقول سيبويه":
ّ
وأشدها سفوال ،وكذلك الهاء ....إنما ما جاء يف الكتاب قوله " ّ
ألن الهمزة أقىص الحروف
األلف بينهما " ).(١٢٢
ّ
تعرض لخطأ من ّ
النساخ. فإذا ثبت هذا ،فيحتمل ّ
أن ما يف الكتاب قد
جنــي للصاد عىل مجموعة حـروف الـصفري ،وال ضـري يف ذلـك لتـداني
ّ ب – تقديم ابن
مخارج هذه املجموعة.
جنــي:
ّ وبيان ما جاء عن ابن
ثالثة منها يف الحلق:
) (119اعتمدنا هنا ترتيب سيبويه الذي ذكره عند بيان املخارج ،ال الرتتيب األول املجرد.
رس صناعة اإلعراب ٥٠/١وما بعدها.
)ّ ( 120
قدم ابن جني الراء عىل النون يف ترتيبه األول لألصوات ،وأخرها هنا وهو أدق.)ّ ( 121
) (122الكتاب .٢٥٣ /٢
١٣٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
ّ
ضـم أن بعضهم ) (١٢٥قد ّ
قوم فكرة علماء العربية يف العراق يف تسميات ملنطقة واحدة،إال ّ
)الغني والخاء( إىل األصـوات الحلقيـة عـىل وفـق التـسميات الحديثـة ملنطقـة الحلـق
والحنجرة ،ورأوا ّ
أن يف ّ
عد علماء العربية الغني والخاء ضمن أصوات الحلق أحد موقفني:
األولْ :
إن كان علماء العربية يعنون باصطالح )الحلق( كما ّ
حدده العلمـاء املحـدثون
اليوم ،وهي املنطقة املحصورة بني أقىص الحنك والحنجرة ،فالتحديد غري دقيق.
مؤخــرة اللـسان ،والحلـق،
ّ الثانيْ :
وإن كانوا يريدون بـه منطقـة أوسـع تـشمل
والحنجرة فهم مصيبون يف تحديداتهم.
بـالتعرف
ّ وهو أمر مقبول تؤيد ظروف العرص الذي عاشوا فيه ،والذي لم تسمح لهم
عىل دقائق أعضاء داخلية غري واضحة للعيان.
قـســموا
ّ ّ
بـأن القـدماء ّ
ويـستدل عليـه وينارص الدكتور برش هذا االحتمال أيضا،
منطقة الحلق الصغرية إىل ثالثة أقسام:
-أقىص الحلق،ومنه مخرج الهمزة والهاء ،وهو تناظر الحنجرة يف التقسيم الحديث.
-وأوسط الحلق ومنه مخرج العني والحاء ،وهو تناظر الحلق باملعنى الحقيقي.
-وأدنــى الحلــق ومنــه مخــرج الغــني والخــاء ،وهــو تنــاظر أقــىص الحنــك عنــد
املحدثني).(١٢٦
* ومن وسط اللسان بينه وبني وسط الحنك األعىل مخرج الجيم والشني والياء:
واىل هذا ذهب كانتينو) (١٣٢يف تحديد املخرج بوسط اللسان ووسط الحنك األعـىل ،لـذا
ُ ِ
وصفت هذه املجموعة باألدنى حنكية.
الـرغم مـن وقد استحسن الدكتور برش هذا الوصف ،وقال :إنه تقدير ّ
جيد سليم عىل ّ
وصفهن بــ ) اللثوية الحنكية().(١٣٣
ّ أنـه
ّ
* * *
• ومن أول حافة اللسان وما يليها من األرضاس مخرج الضاد.
مفخـمة،
ّ ّ
تطور يف النطق فأصبح ظاء ،أو داال ،أو الما ولِما أصاب صوت الضاد من
ّ
وأن األساس املتبع يف وصف املخرج بصورة دقيقة هو االستماع الفعيل للصوت ،كما هو
فمـن املحدثني )َ (١٣٤من استحسن وصف
حقيقة ،فقد اختلفت األقوال واالجتهادات فيهِ ،
القدماء ،أما الدكتور برش ) (١٣٥فقد ذكر ّ
أن مخرج الضاد كمـا تنطـق اليـوم – يريـد يف
ورجح ّ
أن القدماء وصفوا ّ مرص – هو مخرج الدال والتاء والطاء ،أي :هو أسناني لثوي،
نتكلــم بها اليوم ،إذ إنهم وصفوا صوتا يخرج معه الهـواء بـصورة
ّ لنا ضادا غري التي
تكلــفتها مـن الجانـب األيمـنْ ،
وإن ّ جنـيْ " :
فإن ِشئت جانبية كالالم ،بدليل قول ابن ّ
ِشئت من الجانب األيرس".
* * *
• ومن حافة اللسان من أدناه إىل منتهى طرف اللسان من بينها ،وبـني مـا يليهـا مـن
الحنك األعىل ،مما ُ َ
فـويق الضاحك ،والناب والرباعية ،والثنية :مخرج الالم.
وأقر املحدثون ذلك ،إذ وصفه الدكتور أنيس بأنه يتكون عندما " :يتصل طـرف اللـسان
ّ
فيتـرسب مـن
ّ يـحال بني الهواء ومروره مـن وسـط الفـم،
بأصول الثنايا العليا ،وبذلك ُ
جانبيه " ).(١٣٦
متعددة ،منها ّ
أنه )لثوي جانبي( ّ كثري،لكنــهم أطلقوا عىل مخرجه تسميات
ّ ووافقه
أو )أسناني لثوي جانبي(.
* * *
• ومن طرف اللسان بينه وبني ما ُ
فـويق الثنايا :مخرج النون.
ولم يخالف املحدثون فيه إذ وصفه الدكتور برش)ّ (١٣٧
بأنه " :يعتمد طرف اللسان عىل
لثـة بنطق هذا الـصوت أطلقـوا عليـه :اسـم
اللثـة ،ولعالقة ال ّ
ّ أصول األسنان العليا مع
أنـه أسناني لثوي.
اللثوي ،أو ّ
* * *
ومن بني طرف اللسان وأصول الثنايا مخرج الطاء ،والدال ،والتاء.
أي :تنطق بإلصاق طـرف اللـسان بـداخل األسـنان العليـا
وهي كذلك عند املحدثني ْ
ّ
ومقدمة اللثة .وتفاوتت تسميات مخارجها عندهم مابني :أسنانية ،أو لثوية ،أو أسنانية
لثوية.
* * *
ومما بني طرف اللسان وأطراف الثنايا مخرج الظاء ،والذال ،والثاء .وهي كذلك عنـد
ّ
وسمي هـذا املخـرج املحدثني فمخارجها واحد هو التقاء طرف اللسان وأطراف الثنايا،
ب)مابني األسنان( أو )أسناني(.
* * *
ّ
الخفية. ومن الخياشيم مخرج النون
ّ
صـوتي ويقال :الخفيفة ــ أي:الساكنة ــ ُ
ويراد بها :النون التـي تنطـق يف سـياق
خاص ،حال كونها متبوعة بصوت من األصوات الخمسة عرش ،وهـي :القـاف والكـاف
والجيم والشني والضاد والصاد والزاي والسني والطاء والدال والتاء والظاء والذال والثـاء
والفاء.
وهذه النون تخرج ّ
غنة من األنف عىل خالف النون املتحركة التي تخـرج مـن الفـم،
عىل كون خروجها من األنف بـدليل عمـيل ،هـو )(١٤٣املربد ومن بعدها ابن ّ
جني واستدل ّ
إمساك األنف حال النطق بها متبوعة بأحد األصوات املذكورة ،فسيجدها الناطق -وهـو
َ ﱠ
مختلــة. عىل هذه الحالة -
وترنــم يقـع بـإغالق الفـم ").(١٤٤
ّ ووصفه كانتينو ّ
بأنه ":نغمة خيشومية ممدودة،
ولكون صوت النون ينطق مع هـذه األصـوات املـذكورة بهـذا اإلخفـاء ،وهـذه النغمـة
الخيشومية ،مبتعدا عن الفم ،عىل خالف صوت النون إذا جاء بعده أحد أصـوات الحلـق،
ّ
فإنه ينطق بصوت ّ
بني من الفم ،لذا وضع علماء العربية يف العراق للنون مخرجني.
* * *
ويف ختام الحديث عن املخارج ،يتضح ّ
أن مجـال االتفـاق كبـري بـني وصـف علمـاء
العربية يف العراق ملخارج األصوات ،وبني وصف املحدثني حتـى قربـا مـن التطـابقّ ،
وأن
كثريا من نقاط الخالف كان سببها هو التالصق أو التـداني التـام بـني املخـارج ،ولهـذا
السبب أيضا وقعت بعض االختالفات بني املحدثني أنفسهم وقد أشار إليه الـدكتور بـرش
وأن نهملها ّ
لشدة التقارب والتـداخل بـني مخـارج ّ
نغض النظر عنهاْ ، وقال " :يمكن أن
ّ
علمية لها القدرة الفائقة عىل تحديد مخرج النطق " ) ،(١٤٥مع ما توافرت لهم من أجهزة
ّ
كل صوت ،فما عىس أن يفعل القدماء أكثر من هذا ،وهم الذين اعتمـدوا عـىل املالحظـة
الذاتية ،والتذوق الشخيص يف عرص غابت عنه كثري من وسائل املعرفة.
* * *
صفات األصوات:
تابع علماء العربية يف العراق يف القرنني الثالث والرابع الهجريني سيبويه يف مباحثـه
ّ
لكـل املتكاملة عن صفات األصوات بحدودها ،وتصنيفاتها ،وتعيني أصواتها ،وسنعرض
صفة بالقدر املستطاع:
أوال :الجهر الهمس
الزجــاج بقولـه:
ّ قوة الصوت ،وبـالهمس خفـاؤه ،وإىل هـذا أشـار ُ
واملراد بالجهرّ :
أخـفيت").(١٤٦
همستُ ْ :
ُ ُ
وكشفت وأظهرت ،ومعنى أعلنـت
ْ "معنى َ َ
جهرت،
سمى سيبويه هذه الحروف مجهورةّ ...
ألن قوة وإليه ـ أيضا ـ أشار السريايف بقولهّ :
وسمى الحروف اآلخـر مهموسـةّ ،
ألن الهمـس ّ الصوت باقية ،أخذه سيبويه من الجهر،
الخفي " ).(١٤٧
ّ الصوت
ّ
والقـوة للـصوت بكل منهما ،إذ إ ّن الوضـوح
فمؤدى املصطلحني واضح فيما يقصد ّ
ﱠ
املجهور ،والضعف واإلخفاء للصوت املهموس.
ّ
إما التعريفان اللذان وضعهما سيبويه للصوتني :املجهور واملهموس فهما:
ومنـع الـنفس ْ
أن يجـري معـه ،حتـى َ أشبع االعتماد يف موضـعه،
املجهور ":حرف ِ
ينقيض االعتماد عليه ،ويجري الصوت " ).(١٤٨
النفس معه" ).(١٤٩
ُ ِ َ
أضعف االعتماد يف موضعه حتى جرى واملهموس هو ":حرف
وعىل الرغم من ّ
أن سيبويه لم يعتمد تذبذب األوتار الصوتية أو عدمه أساسا للتمييـز
فإنــه اسـتطاع تـصنيف األصـوات
ّ بني املجهور واملهموس – كما هو عليه املحدثون –
بدقـة كبرية ،ماعدا ثالثة أصوات – هـي :الهمـزة ،والقـاف،
ّ العربية بني هاتني الصفتني
والطاء ،فقد اختلف املحدثون معه فيها،
ّ
لكـل مـن املجهـور واملهمـوس ،ووجـدوا وقد حاول بعضهم تفسري تعريف سيبويه
فيهما وصفا حقيقا لواقع أصوات ّ
كل صفة ،مع كونهما قد صيغا بعبارات مشوبة بنوع
ّ
القـوة يتــسم بـصفة من الغموض .فذهبوا ) (١٥٠إىل ّ
أن مراده مـن املجهورهـو صـوت ّ
ّ
نطقية خاصة تمنـع الـنفس مـن الخـروج – لتقـارب الـوترين والوضوح نتيجة حالة
ليحـرك الـوترين
ّ ّ
كمية من الهواء كليـا ً ،من أجل خروج
ّ الصوتيني ) – (١٥١منعا جزئيا ال
عبـر عنه سيبويه بعبـارة )ويجـري الـصوت( ،وهـي ّ
ليتم الجهر ،وهو الذي ّ الصوتيني
عبارة ّ
خصصها للصوت املجهور دون املهموس.
يصدر من
ُ وقول سيبويه – كما رواه السريايف – يكشف أكثر عن إحساسه بصوت ّما
تـصل اىل وإنـما الفرق بني املجهور واملهموس ّ
أنك ال ِ ّ ّ
ونصه" : أسفل من منطقه الحلق،
كلـــها هكـذا
ّ تبيني املجهور ،إال ْ
أن يدخله الصوت الذي يخرج من الـصدر ،فـاملجهورة
الصدر ،ويجري يف الحلق ،غري ّ
أن امليم والنون تخرج أصـواتهما مـن ّ
صوتهن من ّ يخرج
غـنــة ...وأمـا
الصدر ،وتجري يف الصدر والخيـشوم ،فيـصري مـا جـرى يف الخيـشوم ُ ّ
املهموسة فتخرج أصواتها من مخارجها ...ولم يعتمد عليه فيها كاعتمادهم يف املجهور،
ُ ِ
فأخرج الصوت من الفم ضعيفا " ).(١٥٢
ّ
املميـزة للـصوت ورجح الدكتور أنيس ّ
أنه يقصد من عبارة )صوت الصدر( -الصفة ّ
َ
الـصدى املجهور -بأنها َ َ
صدى الذبذبات التي تحدث مع حركة الوترين بالحنجرة ،وهـو
ّ
الكف عىل الجبهة ) ،(١٥٣وهذا وضـع
ْ تحس به يف الصدر ،أو عند ّ
سد األذنيني ،أو عند ّ الذي
الكالم معقول جدا ،إذ ْ ال تفسري لصوت ّ
الصدر أرجح منه.
النـفـس معـه،
أما الصوت املهموس – كما يرى سيبويه – فهو الصوت الذي يجري ﱠ َ
تحـرك
ّ املجرى الهوائي ،وبتباعد الوترين الصوتيني دون
َ وجريان النفس هذا ُ ّ
يعلـل بفتح
األوتار الصوتية.
ُ
سـألت يعـرف به ،وهو كما َ
روى لنـا األخفـش بقولـه" : ّ
ولكل من الصوتني ضابط ُ ْ َ
كررتـه
خفــفته ثـم ّ
ّ سيبويه عن الفصل بني املهموس واملجهور ،فقـال :املهمـوس إذا
َ
وأخفـى، كرر سيبويه التاء بلسانه
ثم ّ أمكنك ذلك فيهّ ،
وأما املجهور فال يمكنك ذلك فيهّ ،
وكرر الطاء والدال ،وهما من مخرج التاء فلم يمكنْـه").(١٥٤
ترى كيف يمكنّ ،
فقال :أال َ
إنـه يمكن إخفاء الصوت املهموس ،وتكرير النطق به من دون ْ
أن يفقد شيئا من أيّ :
ْ
أمـا الصوت املجهور فال يمكن إخفاؤه وترديدهّ ،
ألن يف هـذا فقـدانا ً ملعاملـه خصائصهّ ،
وعقــب أيـضا
ّ وخصائصه التي ُيعرف بها ،وقد استحسن الدكتور أنيس هذه الوسـيلة،
بقوله" :الذي لم يكن يعرفه سيبويه هو ّ
أن اإلخفاء معناه إسكات الذبذبات التي تحدث
ْ
انقطعت تلـك الذبـذبات ْ
سكتت أو مع كل ّمجهور يف الوترين الصوتيني بالحنجرة ،ومتى
انقلب املجهور اىل نظريه املهموس " ).(١٥٥
أما تحديد الوحدات الصوتية ّ
لكل صفة ،فهو:
املجهورة :الهمزة ،األلف ،العني ،الغني ،القاف ،الجيم ،الياء ،الضاد ،الالم ،النون ،الراء،
الطاء ،الدال ،الزاي ،الظاء ،الذال ،الباء ،امليم ،والواو ،فذلك تسعة عرش حرفا.
واملهموسة :الهاء ،الحاء ،الخاء ،الكاف ،الشني ،السني ،التاء ،الصاد ،الثاء ،الفاء،
فذلك عرشة أحرف ).(١٥٦
خلـف سيبويه ،ننتقل إىل آراء علماء العربيـة يف القـرنني
وبعد هذا العرض املوجز ملا ّ
الثالث والرابع يف هاتني الصفتني:
* * *
األخفش:
لم أقف عىل أثر له يف هاتني الصفتني –يف حدود ّ
اطالعي -غري روايته عـن سـيبويه يف
كيفية التمييز بني الصوت املجهور واملهموس ،وقد سبق القول فيها.
ُ
ووقفت أيضا عىل ّ
نص له يف كتابه معاني القرآن يتحدث عن إحدى القراءات القرآنية
صلحا ً() (١٥٧إذ قال" :وقد
يصلحا بينهما ُ الصلح" من قوله تعاىل ) ْ
أن ُ ْ ِ يف "صيغة افتعل من ﱡ
ﱡ
الـصلح ،فكانـت أن َ ْ َ
يفــتعال مـن صلـحا( ،وهيْ :
يصلحا بينهما ُ ْ
قــرئت هذه اآلية )أن َ ﱠ
ُِ
التاء بعد الصاد ،فلم تدخل الصاد فيها ،للجهر واإلطباق ،فأبدلوا التاء صادا " ).(١٥٨
املربد:
ّ
َ
ارتـدع املربد األصوات املجهورة واملهموسة بقوله " :ومنهـا حـروف إذا ّ
رددتهـا حدد ّ ّ
جـرى معهـا الـصوت
َ الصوت فيها ،وهي املجهورة...ومنها حروف إذا ّ
رددتها يف اللسان
وهي املهموسة " ،.وضابطه ملعرفة املهموس هو " :أنك ّ
تردد الحرف يف اللسان بنفـسه،
رمت ذلك يف املجهورة لوجدته ممتنعا " ).(١٥٩ أو بحرف اللني معه ،فال يمنع ﱠ َ
النفس ،ولو ُ ْ
واملربد هنا لم يضع تعريفا لصفتي الجهر والهمس ،وإنمـا أشـار إىل حالـة نطقيـة،
ّ
جري ومؤداها هو ّ
أن أساس الفصل بينهما ،هو ْ ّ وهي صفة الرتديد التي ذكرها سيبويه،
وأن املهموس يمكن ترديده دون ضياع معامله ،ثم ّ
إن ﱠَ
النـفس مع املهموس دون املجهورّ ،
ابن كيسان:
النفــس أن يجـري
َ َ
وحـبس واملجهور عنده ما " ِلزم موضعه إىل انقـضاء حروفـه،
معه".
وجرى معه ﱠ َ
النفس ،وكـان دون َ أما املهموس فهو " حرف َ
الن مخرجه دون املجهور، ّ
رفـع الصوت " ).(١٦٠
املجهور يف َ ْ
لـزم ّ
لكـل منهمـا ،فعبارتـه " ِ ّ
حـدده سـيبويه والتعريفان ال يخرجان عن إطار ما
موضعه إىل انقضاء حروفه " ،يريد ْ
أن يناظر بها وصف سيبويه للمجهور بـــ )إشـباع
االعتماد يف املوضع حتى ينقيض االعتماد عليه(.
وليونة املخرج مع املهموس ،يريد بها منـاظرة وصـف سـيبويه لـه بــ )إضـعاف
منـع ﱠ
الـنفس مـع املجهـور، يحد عنه ،فهو َ ْ
االعتماد يف املوضع( ،أما الضابط العام فلم ِ
وجريه مع املهموس.
ّ
الزجاج:
الزجاج أسالفه يف عدد األصوات املهموسة ،واألصوات املجهورة ،وكما أرشنا ُ
قبل ّ تابع
ّ
أن الجهر عنده :هو اإلعالن والظهور والكشف ،والهمس :هو اإلخفـاء ،فمـا دام الجهـر
ّ
والقـوة حتـى فكل األصوات عنـده يمكـن ْ
أن تنطـق بـيشء مـن الوضـوح ّ بهذا املعنى
تفقــد معاملهـا
ُ أن األصوات املجهورة ال ُتنطق إال مجهـورة ،واال
املهموسة ،وعكس هذا ّ
يتهيأ لك ْ
أن تـأتي ّ تنطـق بيشء منها ،لم
ُ رمت ْ
أن وخصائصها الطبيعية .إذ قال " :فمتى ُ ْ
فإنـه يمتنع ُ ْ َ
واليـسمع إال ّ مجهـورا... ّ فرم ذلك يف العني،والقاف،والطاء،والدال ّ
خفياُ ، به
وتـسمع بصوت أعىل " ).(١٦١ ّ
خفيةُ ، فإنها ُ َ
تسمع أما املهموسة وهي األحرف العرشةّ ،
* * *
ابن دريد:
ذكر ابن دريد صفات الحروف يف باب مخارج الحـروف التـي نقلهـا عـن النحـويني
وعلــل تـسميتها بقولـه " :إنمـا ُ ّ
سـميت ّ السابقنيّ ،
فعد األصوات العـرشة املهموسـة،
متفشـية " ).(١٦٢
ّ مهموسة ،ألنها ّ
اتسع لها املخرج ،فخرجت كأنها
.٤٦٣
) (161رشح السريايف ٤٦٣/٦
) (162جمهرة اللغة.٨/١ :
١٤٥
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعد األصوات املجهورة وهي تسعة عرش ،كما هي عند سابقيه ،إال ّ
أن صـوت الجـيم ّ
مكررا – وهو تحريف – ّ
ألن املراد بأحدهما هو )امليم( ،ومشابهة الرسم هي سـبب جاء ّ
وقوع التحريف.
سميت مجهورةّ ،
ألن مخرجهـا ّ علـة التسمية فقد جاءت يف تتمة قوله السابق" : ّ
أما ّ
لم ّيتسع ،فلم تسمع لها صوتا ".
فالضابط عنده هو :اتّساع املخرج مع املهموسة ،وعدمه مع املجهورة.
املجرى الهـوائي يف الحنجـرة التـي
َ االتـساع ،إال إحساس منه بسعة
ّ وال تفسري لهذا
يراه املحدثون أيضا ً ،نتيجة تباعد الوترين الصوتيني مع األصوات املهموسة ،وعدمه مـع
ّ
وتتم صفة الجهـر ،فهـي – املجهورة :لتقارب الوترين الصوتيني ليحدث التذبذب فيهما،
ْ
إن ّ
صح هذا التفسري – مالحظة صوتية دقيقة.
أتـصور ّ
أنـه ّ ّ
أما عبارته يف تعليله لألصوات املجهورة )فلم تسمع لها صوتا( ،فكـأني
املجرى الهوائي يف الحنجرة غلقا تاما وانقطـاع الـصوت،
َ ّ
عرب بها ساعة إحساسه بغلق
وهي الحالة التي ّ
تتم عندما ينطق الوتران الصوتيان انطباقا تاما لفرتة زمنيـة قـصرية
مفاجئ ،وهي كذلك حال قطـع
ِ كحالة نطق همزة القطع ،ثم يعقب هذا االنغالق انفراج
ﱠ
النفس كما ّعرب عنها علماء العربية يف العراق.
ّ
الزجاجي:
لكل صفة ،وتحديد أصواتها).(١٦٣
الزجاجي ما قاله سيبويه تماما يف تعريفه ّ
ّ أعاد
* * *
جنــي:
ّ ابن
جنـي ) (١٦٤سابقيه يف تعريف ّ
كل من املجهـور واملهمـوس ،وتحديـد أصـواتها، ّ تابع ابن
وبيان ضابط ّ
كل منهما ،ولم ِ
يضف يف هذا شيئا جديدا.
* * *
فقد ّ
عد علماء العربية يف العراق هذه الثالثة مـن األصـوات املجهـورة ،اعتمـادا عـىل
منع ّ َ
النـفس ِ وعدم جريانه مع الصوت املجهور ،واملنـع تمسكوا به ،وهو ْ
ّ الضابط الذي
ّ
تمشيا مع الضابط املذكور. حاصل مع األصوات الثالثة ،فالوصف صحيح
أما املحدثون فقد ّ
طبقوا ضابط ارتعاش األوتار الصوتية وتذبذبها ،فلم يجـدوا لهـذه ّ
األصوات الثالثة نصيبا من هذا االرتعاش ،فافرتضـوا لهـذا احتمـالني يف صـوتي القـاف
والطاء:
أولهماّ :
أن علماء العربية يف العراق أخطأوا تقدير صفة هذه األصوات. ّ
لدقـة وصفهم سائر األصوات ،وموافقة الدرس الصوتي الحـديث
ّ وهو أمر ُمستبعد،
لهم.
وثانيهماّ :
أن علماء العربية وصفوا صوتني ،لـم ُينطقـا بالكيفيـة التـي ننطـق بهـا يف
فصحى هذا العرص.
تــنطق • فالقاف القديمة التي ُ ِ
وصفت هي قاف من أقىص اللـسان مجهـورة ،ومـا ُ
اليوم فهي قاف لهوية مهموسة .إال أننا نالحظ ّ
أن هناك قافا مجهـورة يف منـاطق
عربية مختلفة كالعراق ،والكويت ،والسودان ،واليمن ،وغريها وهي تـشبه الكـاف
ّ
ولعل القـدماء الفارسية التي تنطق gafأو صوت gيف اللغة االنجليزية يف مثل )،(go
ّ
ويرجح هذا كون مخرج هذه القـاف قد وصفوا هذه القاف لشيوعها عىل ألسنتهم،
يأتي بعد الخاء والغني كما ّ
حددها علماء العربية .والحظ املستـرشق برجـشرتارس
إن نطق القاف العتيق ال يـزال باقيـا يف بعـض الجهـات" ).(١٦٥
هذه الصفة فقالّ " :
ويريد هنا بعض األلسن الدارجة يف مناطق عربية كما أرشنا.
) (165التطور النحوي للغة العربية ،١٧/ودروس يف علم أصوات العربية .١٠٧/
١٤٨
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
• أما )الطاء( فقد ذهب املحدثون يف وصفه بالجهر إىل احتماالت منها):(١٦٦
ّ
املميـز لـصفة الجهـر أو الهمـس، دقـة الضابط
أ – خطأ تقدير علماء العربية له ،لعدم ّ
وهو أمر استبعده بعضهم.
أنـهم وصفوا طاء مجهورة غـري التـي ننطقهـا اليـوم ،ويف هـذا قـال املستـرشق
ب– ّ
برجشرتارس " :إن نطق الطاء العتيق ،قد انمحى وتالىش " ).(١٦٧
واحتمل بعضهم أن تكون الطاء القديمة شيئا يشبه الـضاد املـرصية ) ،(١٦٨أو الـدال
املفخمة ) (١٦٩وكالهما مجهور ،أو صوتا فيه نوع من التهميز ،أي طاء متبوعة ُ ِ
بصويـت
يقرب من الهمز نتيجة قفل األوتار الصوتية حـال النطـق بهـا) (١٧٠وهـي عـىل أيّ هـذه
األصوات املحتملة يكون فيها نوع من الجهر ،وعىل العموم فالـصوت الـذي ننطقـه اآلن
أصابه تغيري صوتي تاريخي فقلبه اىل صوت مهموس.
• أما صوت الهمزة :فلم ّ
يتفق املحدثون أنفسهم عىل وصفه،
يرى أنه مجهور)،(١٧١وهو بهذا متابع لرأي القدماء.
-فمنهمَ :من َ
يرى أنه مهموس ) ،(١٧٢إلغالق املزمار ،وعدم تذبذب األوتار الـصوتية حـال
-ومنهمَ :من َ
خروج الهواء حال ِ نطقها.
ّ
يتكـون يرى أنه صوت ال هو باملجهور وال هو باملهموس ) ،(١٧٣ألن مخرجه
-ومنهمَ :من َ
ّ
يـرجح ّ
ولعـل ذلـك اتـصال األوتار الصوتية نفسها ،فهي حالة فريدة بني األصوات،
عند ّ
وإذا كانت يل كلمة أختم بها حديثي عن الجهر والهمـس فـأقولّ :
إن املحـدثني عـىل
الدقـــة يف التحديـد،
ّ الرغم مما أوتوا من وسائل حديثة )ميكانيكية،وإلكرتونية( بالغة
موحد يف صفة الهمزة فما عسانا ْ
أن نقـول لعلمـاء العربيـة يتـفقوا عىل رأي ّ
فإنهم لم ّ
ّ
والتذوق الشخيص يف عرص غابت عنه القدماء الذين لم يعتمدوا إال عىل املالحظة الذاتية،
كل هذه الوسائل املساعدة.
* * *
والرخاوة: ّ
الشدة ّ ثانيا:
ّ
يتكـون وهو تصنيف لألصوات ّ
مبني عىل كيفية خروج الهـواء مـن املواضـع الـذي
تاما عند مخرج الصوت ،ثـم ُيفـرج عنـه،
حبسا ً ّ
عندها الصوت )املخرج( ،فقد ُيحبس ْ
بقوة ُمحدثا الصوت الـشديد ،أو ْ
أن يـصادف الهـواء الخـارج تـضييقا يف فيخرج الهواء ّ
املخرج يسمح للهواء املرور ُمحدثا الصوت ّ
الرخو.
صنـف سيبويه األصوات عىل ثالثة أقسام ،هي:
ّ وعىل وفق هذا األساس
– ١الصوت الشديد :وهو الذي يمنع الصوت ْ
أن يجري فيـه ،واألصـوات الـشديدة هـي:
ّ
انـصب املنـع الهمزة ،والقاف ،والكاف ،والجيم ) ،(١٧٧والطاء ،والتاء ،والدال ،والباء ،وقـد
النـفـس ،كما هو يف الصوت املجهور ،ألننا نـسمع مـع
هنا عىل الصوت وامتداده ال عىل ﱠ َ
والنــفـس ممتنع ،أما مع الشديد فينقطع الـصوت للحـبس يف مخـرج
ﱠ َ املجهور صوتا،
الصوت ،وبهذا يشمل املجهور واملهموس.
ّ
ويمتد. الرخو :وهو الذي يجري فيه الصوت
– ٢الصوت ّ
واألصوات الرخوة هي :الهاء ،والحاء ،والغني ،والخاء ،والشني ،والصاد ،والضاد ،والـزاي،
والسني ،والظاء ،والثاء ،والذال ،والفاء.
ويمثــلها صـوت العـني،
ّ الرخوة والـشديدة، – ٣أدرك سيبويه ّ
أن هناك حالة ثالثة بني ّ
أن هناك أصواتا شديدة ،إال ّ
أن الصوت يجري فيها ألوضاع نطقية خاصة. وأدرك أيضا ّ
-فالالم :جرى فيه الصوت،النحراف اللسان مع الصوت.
غـنـة من األنف.
جرى فيهما الصوت ،ألنهما ُ ّ
-والنون وامليمَ :
جرى فيها الصوت لتكرير رضبات اللسان عىل موضع خروجه.
-الراءَ :
ّ
مخارجهن. التـساع ّ
فيهن الصوتّ ، جرى
-األلف والواو والياءَ :
ّ
الشدة والرخاوة التـي اعتمـدت هذه هي األفكار الرئيسية التي وضعها سيبويه لصفتي
كيفية مرور الهواء الرئوي أساسا للتقـسيم ،وتابعـه علمـاء القـرون الالحقـة يف هـذا
التقسيم ،وسنذكر بعض آرائهم ،من ذلك:
فرد الفراء بذكر مصطلحني جديدين للشديد والرخو ،لذا سأرجيء الحديث عنـه
الفراء :ت ّ
إىل نهاية بحث هاتني الصفتني.
* * *
املربد:
ّ
فـالرخوة
ّ الرخوة والـشديدة،
املربد – ضمن تقسيماته لألصوات – إىل األصوات ّ
أشار ّ
النـفـس ).(١٧٨
هي:التي يجري النفس معها،أما الشديدة ،فهي حروف تمنع ﱠ َ
تمثــل ببعضها ،فقال " :فالرخوة كالـسني،
ّ لكـنه لم يذكر أصوات ّ
كل صفة ،وإنما ّ
والشني ،والزاي ،والصاد ،والضاد ".
وقال" :والشديدة نحو :الهمزة ،والقاف ،والكاف ،والتاء".
إنـه التفت إىل الحالة التي هي بني بني ،قال " :وهذه الحروف التي تعـرتض بـني
ثـم ّ
ّ
النــفـس ،الستعانتها بـصوت
ﱠ َ الرخوة والشديدة هي شديدة يف األصل ،وانما يجري فيها
املتكلـم عند اللفظ بهـا بـصوت الحـاء....
ّ الرخوة ،كالعني التي يستعني
ما جاورها من ﱢ
الغـنة ،وكحروف ّ
املـد واللـني التـي وكالنون التي تستعني بصوت الخياشيم ملا فيها من ّ
ّ
الشدة ،ومنها الراء وهي شديدة ،ولكنهـا يجري فيها الصوت ِللينها ،فهذه ّ
كلـها رسمها
حرف ترجيع ،فإنما يجري فيها الصوت ملا فيها من التكرير " ).(١٧٩
النــفـس بدل الصوت ،وال يعني شيئا جديداّ ،
ألنه يريد الهـواء ﱠ َ واملربد استعان بلفظ
ّ
الخارج من الرئتني.
ّ
أما عدم ذكره لألصوات كاملة فهو من باب اإليجاز.
جـرى
َ وإذا كان سيبويه قد حاول التفريق بني العني وبقية األصوات الـشديدة التـي
املربد جمعها معا ً ،وجعلها حالة واحدة بني الرخـوة والـشديدة ،وقـد
فإن ّ فيها الصوتّ ،
ّ
الشدة أصال لهذه األصوات. جعل صفة
تعـرض إىل بيـان كيفيـة
ّ الشدة أصال لصوت العني ،ثم ّ
إنه ملـا ّ ّ
أما سيبويه فلم يجعل
الرخــوة والــشديدة ،قــال املـ ّ
ـربد":إنمــا يجــري فيهــا مــرور الهــواء يف أصــوات بــني ّ
النـفس،الستعانتها بصوت ما جاورها من الرخوة "
ّ
وهذا تفسري لم يقل به سيبويه عىل هذه الصورة باإلضافة إىل عدم دقتـه يف التعبـري
ِ
يستعن الناطق بها بصوت الحـاء املجـاور لهـا، عن واقع هذه األصوات .فالعني مثال لم
وإنما يمكن القولّ :
إن الناطق بها استعان عىل نطقها بهذه الصفة القريبة من الرخاوة،
بقلـــة
ّ بالبحة املوجودة فيها،والتي تشابه َ ﱠ
بحة الحـاء ،وبـالتعبري الحـديث يقـال: ّ أي:
االحتكاك،وعدم وجود االنسداد التام.
أما وصفه لألصوات فسليم ،ألنه أعاد االستعانة يف النطق إىل شكل أعضاء النطق حال
خروج الهواء.
* * *
ابن دريد:
ذكر ابن دريد األصوات الرخوة بقولـه" :إ ّن األصـوات ّ
الرخـوة هـي " :الحـاء والكـاف،
والخاء ،والسني ،والعني ،والغـني ،والـصاد ،والـضاد ،والظـاء ،والـذال ،والثـاء ،والفـاء،
والزاي".
وجاء أيضا ًّ " :
سميت رخوة ،ألنها تسرتخي يف املجاري ").(١٨٠
التوتــر يف موضـع
ّ ويبدو ّ
أن ابن دريد يقصد باالسرتخاء يف املجاري ،هو :عدم وجود
مجرى الهواء الخارج من الرئتني.
َ النطق ،وعدم انسداد
ّ
النص السابق ،فقد خالف املشهور بني علماء العربيـة، الرخوة يف
أما تحديد األصوات ّ
فلم يذكر معها صوت )الهاء( وهو من األصوات الرخوة ،وزاد فيها صوت )الكاف( وهـو
من األصوات الشديدة ،وزاد فيها أيضا صوت )العني( وهو من األصوات التي بني الرخـوة
والشديدة.
نص الجمهرة ،لكان يف إمكاننـا القـولّ :
إن ابـن دريـد ولو لم يكن هذا االضطراب يف ّ
تميـزه عنها،
ّ الرخاوة عىل صوت العني ،مع ما به من فروق
سبق املحدثني يف إبقاء صفة ّ
النص ُيبعد هذا القول.
ّ ّ
لكن اضطراب
) (١٨٠جمهرة اللغة ٨ /١من مظاهر اضطراب الجمهرة أنها لم تذكر الشديد بعد الرخو ،وانما جاءت
الرخوة ثم أصوات اللني ثم املطبقة ثم الشديدة.
١٥٤
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
ّ
يعـد أما األصوات الشديدة فلم يذكر لها تعريفـا أو تعلـيال لتـسميتها ،ثـم ّ
إنـه لـم
أصواتها ،وما ذكره ثالثة أصوات جاءت يف قوله " :والحـروف الـشديدة الطـاء والـسني
ّ
النص وصفه للسني ضمن األصوات الشديدة ،وهو والجيم وغري ذلك) .(١٨١ويقابلنا يف هذا
الـنص الـسابق،ويف أكـرب الظـن ّ
أن هـذا ّ صوت رخو ،جاء ضـمن األصـوات الرخـوة يف
مـرتني، مرده اختالف نسخ جمهرة اللغةّ ،
آلن ابن دريد أمالهـا مـن حفظـه ّ االضطراب ّ
إحداهما يف بالد فارس والثانية يف بغداد،كما ذكر ابن النديم)*(ّ .
أمـا األصـوات التـي بـني
الرخوة والشديدة فلم نجد لها ذكرا.
* * *
السريايف:
جاءت يف رشح السريايف ألفكار سيبويه ،عبارات من شأنها إيضاح الفكرة وتنظيمها،
والرخـو :إذا وقفـت عليـه لـم ينحـرص
نحو " :الشديد إذا وقفت عليه انحرص الصوتّ ،
)**( الصوت ،تقولْ :
إق ،فتجد القاف منحرصا ،و تقول :إش ْ ،أو إخ ْ فتجده جاريا "
ويرى السريايف يف رشحه للحالة التي بني الرخوة والشديدة ّ
أن سيبويه َ
قد ّ
صنف األصوات الثمانية عىل قسمني ،هما:
الرخوة والشديدة :وهو صوت العني إذ "ليس لصوتها االنحصار التام ،وال جـري
١ــ بني ّ
)***(
الرخو ،فجعله بينهما".
٢ـــ الشديدة وفيها شبه الرخوة :وهي الالم ،والنون،وامليم ،والراء األلف،والواو ،واليـاء،
بالرخوة ،بالصوت الذي يجـري عنـد الوقـف ّ
مشبهة ّ ّ
ومثل ألصوات اللني فقال :فصارت
عليها ،وهي تشبه الشديد للزومها مواضـعها ،ولـيس الـصوت فيهـا مثلـه يف الحـروف
)*( ألن الرخوة ّ
إنما صوتها الجاري عند الوقف من موضعها. الرخوةّ ،
فبيان السريايف محاولة منه لرشح أفكار سيبويه وتنظيمها.
* * *
جنــي:
ّ ابن
والرخاوة وما بينهمـا ،وإذا كـان ّ
الشدة ّ جنـي ما ذكره سيبويه من صفات
ّ كرر ابن
ّ
سيبويه لم يجمع األصوات الثمانية )ع ،ل ،م ،ن ،ر ،ا ،و ،ي( تحـت عنـوان واحـد ،هـو
جنـي قد جمعها معا ً ،ولم يفصل بينها).(١٨٢
ّ الرخوة والشديدةّ ،
فإن ابن ّ
التوسط بني ّ
رأي املحدثني:
من أسس تصنيف األصوات عندهم هي حالة ممر الهواء أثناء النطق بها وعىل وفق هـذا
املعيار ُوجدت مجموعات صوتية هي:
حبس مجرى ّ
تتكون حالة َ ْ – ١األصوات االنفجارية )الوقفات ،االنسدادية( :وهي أصوات
يـطلــق رساحـه فجـأة
َ الهواء الخارج من الرئتني ْ
حبسا ً تاما ً يف مخرج الـصوت ،ثـم ُ
فيندفع الهواء محدثا ً صوتا انفجاريا ،وهو ما يقابل الشديد عند علمـاء العربيـة الـذي
وعقـب الدكتور أنيس عـىل هـذا التعريـف
ﱠ وصفوه " بأنه يمنع الصوت ْ
أن يجري فيه "
ّ
نحس به يف مخرج الحرف لحظة قـصرية جـدا، بقوله " :هذا هو االنحباس املؤقت الذي
ّ
يـسمى بالـصوت بسبب التقاء العضوين التقـاء محكمـا ً ،فـإذا انفرجـا سـمعنا مـا
الشديد").(١٨٦
ّ
موحد تجاه تحديد علماء العربية يف العراق ألصوات هـذه يتــفق املحدثون عىل رأي
ّ ولم
مـن اقتفى أثرهم وقال " :وقائمة الحروف الشديدة ...مطابقة لنظريتنا
الصفة ،فمنهمَ :
الحديثة تمام املطابقة ").(١٨٧
ومنهمَ :من اختلف معهم اختالفا يسريا ،وقال :إن األصوات االنفجارية )الـشديدة( هـي
الهمزة ،القاف ،الكاف ،الطاء ،الضاد ،الدال ،التاء ،الباء.
وعند املقارنة نجد َ ْ َ ْ
فـرقــني ،هما:
بحجـة ّ
أن االلتـصاق ّ أ – إخراج صوت الجيم الفصيحة املعارصة – من هذه املجموعة –
ّ
يـتم بني اللسان والحنك األعىل ال يزول فجأة ،كما هـو يف األصـوات االنفجاريـة ،وإنمـا
ّ
يحتـك االنفصال بينهما ببطء ،بحيث يعطي الفرصة لهواء الرئتني – بعد االنفجـار – أن
مركـب أو مزدوج ،أي :انفجاري – احتكاكي.
ّ بالعضوين املتباعدين ،لذا فهو عندهم:
أما الدكتور عبـدالرحمن أيـوب فـريى خـالف ذلـك ،وهـو ّ
أن الجـيم الفـصحى صـوت ّ
انفجاري) ،(١٨٨فهو يف هذا متابع لوصف علماء العربية ،وقد سمع الدكتور بنفسه نطـق
نــطقا انفجاريا ،نظري نطقهم لفظة ) ِ
جـيكارة( بـ ) (gafأي :صوت بـني العراقيني له ُ
القاف والكاف يريدون )سيكارة(.
ب – إضافة صوت الضاد عىل األصوات االنفجارية )الشديدة( بعد أن ّ
عده علماء العربيـة
تصح املقارنة بني الوضعنيّ ،
ألن القدامى وصفوا ّ من األصوات الرخوة )االحتكاكية( ،،وال
يتكلــفها من الجانب األيمـن ،أو مـن
ّ املتكلـم أن
ّ لنا صوتا له صفة الجانبيةْ ،
فإن شاء
الجانب األيرس أو كليهماّ ،
أما املحدثون فقد وصفوا صـوتا مـن مخـرج التـاء ،والـدال،
لهجي عىل مستوى دولة مرص أو غريها ،والسبب يف ذلك ّ
أن صـوت ّ نــطق
والطاء ،وهو ُ
الضاد قد لحق به تطور صوتي تاريخي.
– ٢األصوات االحتكاكية:
مجرى الهواء الخارج من الرئتني يف مخـرج الـصوت
َ تتكون ْ
بأن يضيق ّ وهي أصوات
ﱢ
الضيق احتكاكا مسموعا. بحيث يحدث الهواء عند مخرجه
أما أصوات هذه املجموعة عندهم فهي):(١٨٩
ّ
الهاء ،والعني ،والحاء ،والغني ،والخاء ،والشني ،والصاد ،والسني ،والزاي ،والظاء ،والذال،
والثاء ،والفاء.
فـرقــني:
وعند املقارنة نجد َ ْ َ
أ – إخراج الضاد ،وإلحاقها باألصوات االنفجارية ،وقد سبق القول يف هذا االلحاق.
ب – إضافة صوت العني ،وهو صوت ّ
عدة علماء العربيـة بـني الرخـوة والـشديدة )بـني
اتـخذوه أساسا للتمييـز ،وهـو امتنـاع
االحتكاكية واالنفجارية( بناء عىل املقياس الذي ّ
بمـشقـة،
ّ جرى فيها الصوت
الرخو ،فوجدوا العني قد َ
الصوت مع الشديد وجريانه مع ّ
ّ
متميـزة بـصفة فهو إذا حالة وسطى بني الصفتني ،وكأن املحـدثني الحظـوا ّ
أن العـني
ّ
متنـوع ،فهـي أحيانـا يرى صعوبة تكييفها ،ونطقها ّ
خاصة :فاملسترشق برجشرتارس َ
متمادية )رخوة( ،وأحيانا آنية )شديدة( ،والـدويّ املمـازج لهـا أحيانـا قـويّ ،وأحيانـا
ّ
متوسطة بني الحروف ذوات الـدويّ الـصوتية املحـضة وبـني ضعيف ،فهي يف الحقيقة
الحروف الشديدة والرخوة).(١٩٠
وبيان ذلك هو كمـا يف التقـسيم املرسـوم عـىل وفـق الـرأي الـذي طرحـه املستـرشق
برجشرتارس.
األصوات العربية
ك،ت د،ب
املجهورة املهموسة
دوي صوتي
ّ ذات
ع
وبني)سائر األصوات(
ّ
بـأن أمـا الدكتور أنيس فنظرته إىل هذا الصوت تقرب من نظرة القدامى ،فقد قال "
ّ
يقربها من امليم والالم والنون ").(١٩١
ضعف حفيفها ّ
أقل األصوات االحتكاكية احتكاكا ").(١٩٢
ورصح كذلك الدكتور برش بأنهاّ " :
ّ
ّ
لـضمها إىل هـذه األصـوات ّ
مـسوغ ظـاهر وقلـــة االحتكـاك
ّ ويف موضع آخر قـال" :
املتوسطة )(١٩٣ولكن الدكتور برش لم يفعل هذا يف تقسيماته.
ّ
– ٣األصوات التي ليست انفجارية وال احتكاكية )املتوسطة(:
ّ
تتكون عند التقاء عضوين من أعـضاء جهـاز النطـق،لكن وهي مجموعة من األصوات
الهواء الخارج من الرئتني يجد له منفذا من غري نقطة االلتقاء ،دون ْ
أن يحدث احتكاكا،
لذا ُ ِ
وصف عندهم بهذا الوصف ،واألصوات هي) :الالم ،والنون ،وامليم ،والراء(.
وفيها قال الدكتور أنيس " :واملحدثون من علماء األصوات قد برهنوا بتجـاربهم عـىل ّ
أن
ّ
وسـموها هذه األصوات األربعة ّ
تكون مجموعة خاصة ،ال هي بالـشديدة وال بـالرخوة،
ّ
تنسل انسالال من مخرج الصوت. باألصوات املائعة " ) ،(١٩٤وكأنهم يقصدون أنها
وكان علماء العربية يف العراق قد أضافوا إىل هذه املجموعة أصواتا أخرى ،هي:
أ – العني :وقد سبق الحديث عنها.
وأيـد املحدثون ) (١٩٥هذه اإلضافة،إذا كانت أشباه حركات) ،أشباه ِ َ
علل( ب – الواو والياءّ :
الظـن ّ
أن ّ ألنــهما ّ
يؤديان هنا وظائف األصوات الصامتة ،ويف أكـرب ّ ولــدِ َ ،
ويلـد، كما يفَ َ :
هذا هو املقصود عندهم قياسا ً عىل وصفهم ملخارجها.
ج – األلف :وهو أمر غري جائز ،وال مجال لتأويل جمعه مع هذه األصوات ألنه عـىل ّ
كـل
حال حركة طويلة ،وليس بصامت.
* * *
مؤخـره للتقارب مع أقىص الحنك األعىل )الطبق عند املحدثني( ،وهو الجزء
ّ ــ والثاني:
الرخو يف سقف الحنك إلكمال شكل الطبق.
ّ
ّ
كيفية اإلطباق ،أي :هو ابتعاد أمـا االنفتاح :فهي الكيفية الخاصة للسان التي تقابل
ّ
ّ
نسبيا عن الحنك األعىل عند النطق بغري هذه األصوات األربعـة ،وتبقـى الحركـة اللسان
ّ
املخصص من اللسان لتكوين مخرج صوت ،ولم نجد لصفة االنفتاح عنـد علمـاء للجزء
العربية يف العراق بيانا كما فعلوا مع صفة اإلطباق ،واكتفوا بالقول " :واملنفتحة ّ
كل مـا
سوى ذلك" .أو :سائر الحروف منفتحة ،أو :ما سوى ذلك فمفتوح غري ُمطبق.
ِ َ
ولم يخرج املحدثون يف وصفهم لظاهرة اإلطباق ّ
عما رسمه علماء العربية يف العراق،
ففي التسمية – مثال ً – منهمَ :من استعملها )(١٩٨نفسها.
).(١٩٩
ومنهمَ :من استعمل مصطلحا جديدا هو )التفخيم(
ومنهمَ :من أورد املصطلحني معا ً.
أما وصف الظاهرة نفسها كما جاءت عن الدكتور تمام حسان ) (٢٠٠من خالل حديثه عن
مؤخــر
ّ نطقـه بإلصاق طرف اللسان باألسنان العليا ...ويرتفـع
ُ ّ
ويتم الطاء ،إذ قال" :
ّ
يسمى باإلطبـاق " أو عنـد وصـفهم ََ
الطـبق ،وهذا ما اتــجاه
اللسان يف نفس الوقت يف ّ
الرتفاع أول اللسان وآخره وأمر طبيعي تقعر وسط اللسان.
لفظي فقطّ ،
أما ما أضافوه فهو أمران: ّ والوصف هو هو ،واالختالف
تقعر اللسان) (٢٠١أثناء النطق بصوت ُمطبق ،ولم يكن
وصف بعضهم صفة ّ
– ١جاءت يف ْ
ّ
الظن أنهـم أدركـوه ّ
يرصحوا به لفظا ً – ففي أكرب هذا جديدا ،فعلماء العربية – ْ
وإن لم
عندما أطلقوا صفة اإلطباق ،او عند وصفهم الرتفاع اول اللسان وآخـره وأمـر طبيعـي
تقعر وسط اللسان.
أن اللــسان يتـ ّ
ـأخر قلــيال إىل – ٢مــا كــشفته األجهــزة الحديثــة )أشــعة أكــس( مــن ّ
فـضـل
ّ باتـجاه الطبـق ،لـذا
مؤخـرة إىل األعىل ّ
ّ الجدارالخلفي للحلق،باإلضافة إىل حركة
)(٢٠٢
لتدخــل منطقـة الحلـق يف تفخـيم
ّ بعض الغربيني تسمية هذه الظاهرة بـالتحليق
ملؤخــر اللسان ،وأنهـا لـم تكـن نتيجـة
ّ الصوت ،وإذا ّ
صح ثبوت هذه الحركة املزدوجة
لهجي ّ
معني ،فليس يف ثبوته أيّ مأخذ أو نقص يف بحوث علماء العربيـة ،إذ ّ نطق ملستوى
أن ْ
فضل األجهزة الحديثة التي ُ ِ
حرم منها زمن علماء العربية واضح. ّ
وبهذا أصبحت لهذه الظاهرة ثالث تسميات ،هي:
ـ اإلطباق:منظور فيه إىل حركة اللسان إىل األعىل من ّ
أوله ومن آخره.
ـ التفخيم :منظور فيه إىل ِ َ
غلـظ الصوت وفخامته.
باتـجاه الحلق ،وهو وضع يختلف
ـ التحليق :منظور فيه إىل الحركة الخلفية للسان ّ
طبعا عن نطق األصوات الحلقية.
* * *
ّ
تصعد أقىص اللسان حـال النطـق بهـذه األصـوات إىل الحنـك فاملراد باالستعالء هو
األعىل ،سواء أحصل اإلطباق أو لم يحصل.
جنـي املجموعة الصوتية إىل قسمني ،هما:
ّ صنـف ابن
ّ وقد
– ١أصوات مع استعالئها إطباق ،وهي :الصاد ،والضاد ،والطاء ،والظاء.
– ٢أصوات ال إطباق مع استعالئها ،وهي :الخاء ،والغني ،والقاف).(٢٠٤
يتــخذ
ّ وسبب االختالف بينهما هو ّ
أن اللسان مع أصوات )الخاء ،والغني ،والقـاف( لـم
مؤخــر اللـسان إىل أقـىص الحنـك موضـع
ّ شكله مع األصوات املطبقة ،فمـع ارتفـاع
مخارجها يبقى طرفه دون ارتفاع ،لعدم وجود دور له يف نطق هذه األصوات الثالثة ،لـذا
لم ّ
يتم له شكله مع األصوات املطبقة ،فكان فيها استعالء دون إطباق.
وغري هذه األصوات فمنخفض ،ويراد باالنخفاض هو :استواء اللسان يف قـاع الفـم،
وعدم ارتفاعه ،وأصواته هي سائر األصوات غري املستعلية.
وكرر املحدثون أفكار علماء العربية يف العراق يف هـاتني الـصفتني ،غـري ّ
أن بعـضهم ّ
ضم الحاالت التي تطرأ عىل )الراء،والالم( ُ
وتضفي عليها ِ َ
قيمـا ً تفخيميـة إىل هـذا حاول ّ
املبحث.
واعتقد ّ
أن سبب عدم ِ ْ
ذكـر علماء العربية للحاالت التفخيمية لصوتي الراء ،والـالم يف
متعلــقة باألصـوات
ّ ّ
مختصة بسياقات صوتية معينـة ،وليـست أنـها
هذا املبحث ،هو ّ
ّ
متخصصة بذوات األصوات املفردة ال بالسياقات الرتكيبية ،فالالم أنفسها ،واملباحث هنا
– مثال ً -مرققة ،أما تفخيمها ففي لفظ الجاللة )الله( املسبوقة بفتحة أو ضمة.
* * *
خامسا ً :القلقلة:
-والغني رخوة.
-والهمزة شديدة).(٢٠٧
أما املهموسة :فهي أصوات ُ ْ
تتــبع ِ َ
بـنـفخ ،لخروجها مع النفس بحرية من الحنجرة. ّ -
والذي يعنينا هنا هو النوع األول من املجهورة التي تجمـع بـني أصـواته صـفتا الجهـر
والشدة ،حتى أتبعت ُ َ
بصويت حال الوقف عليها ،فعلماء العربيـة يف العـراق لـم يـذكروا ّ
سبب إتباع هذا الصويت إال عبارة ) ُ ِ
ضـغطت مواضعها(،وهي عبارة تحتـاج بـدورها إىل
بيان سبب هذا الضغط.
أما املحدثون) (٢٠٨فقد حاولوا تعليل هذا اإلتباع بسبب حرصهم عىل األصوات الشديدة
ّ
املجهورة...وقلقلوها يف نطقهم ،ليأمنوا بهذه من همسها ،فالقلقلة ليـست يف الحقيقـة
إال مبالغة يف الجهر بالصوت ،لـئال تـشوبه شـائبه مـن همـس ،كمـا شـاع يف لهجـات
الكالم) .(٢٠٩وبيان هذا:
ّ
أن الصوت املجهور يحتاج إىل امتداد صـوتي بدرجـة عاليـة نـسبيا ليظهـر جهـره،
مـؤداه ّ
أن أصـواتا ّ والوقف سكون،ال يسمح بإتمام هذا الوضع ،وقد يرد هنـا اعـرتاض
ضم صفة ا ّ
لشدة إىل الجهر ،فطبيعة ّ
ولكن هذا لم يثبت أمام ّ مجهورة لم ُ َ
تـتبع ُ َ
بصويت،
أتبــع الـصوت ّ
الشدة ،فمن أجل إبقاء الصفتني معـا ً ِ تقلـل من صفة
ّ الوقف -أيضا –
ّ
وشدته بكامل طبيعتهما ،وقوتهمـا، بصويتّ ،
ليتم جهره املجهور الشديد –حال الوقف– ُ َ
لتظهر معالم الصوت وخصائصه دون نقص.
ولم يستلزم هذا اإلتباع مع املهمـوس الـشديد كالكـاف والتـاء ،فمـا يتبعهمـا هـو
النـفــخ مـع
علــل أبو عيل الفاريس إتباع هـذا ﱠ ْ
ّ ّ
ككل األصوات املهموسة ،وقد نـفــخ،
َ ْ
املهموسة بقوله " :والحروف املهموسة إذا وقف عليها ،كان الوقف مع نفـخ ،ألنهـا لـم
وانسلــت معه ").(٢١٠
ّ تعرتض عىل النفس اعرتاض املجهورة...
ومن املعروف ّ
أن االعرتاض عىل األصوات املجهورة لـم يكـن إال يف الحنجـرة ،نتيجـة
فكأنــه جعل االعرتاض سببا ً إليجاد ﱡ َ
الصويت مع املجهور دون ّ اقرتاب األوتار الصوتية،
املهموس.
فريى ّ
أن األصوات الشديدة – املجهورة واملهموسـة – ينبغـي أن أمـا بعض املحدثني َ
ّ
الصــَويت محافظة عىل تحقيق شدتها )انفجارها().(٢١١
ﱡ يتبعها هذا
ّ
يضمه وتبقى مشكلة )الهمزة( وهو الصوت الوحيد من )الشديدة املجهورة(الذي لم
القدامى إىل أصوات القلقلة ،ولم يذكروا لذلك تعليال غري ّ
أن ابن الجزري )٨٣٣هـ( بعد ْ
أن
علـل إبعاد الجمهور لها من هذه
ذكر رأيا ً لبعضهم بإضافة )الهمزة( اىل أصوات القلقلة ّ
املجموعة بما " يدخلها من التخفيف حالة السكون ،ففارقت أخواتها ،وملا يعرتيهـا مـن
اإلعالل ").(٢١٢
ويمكننا اضافة أمرين إىل هذا التعليل ،هما:
ّ
يتميز به صوت الهمزة حتى مع حال الوقف. – ١الوضوح النسبي الذي
ثقـال آخر ،وهذا ما يهـرب منـه
وأيـة إضافة صوتية له سيكسبه ْ
ّ – ٢أنها صوت ثقيل،
الناطق العربي.
) (٢١٠الحجة عىل علل القراءات السبع .٩٧/١علل القراءات السبع .٩٧/١
) (٢١١األصوات عند سيبويه ،برش ،مجلة الثقافة املرصية العدد ٢١سنة ١٩٧٥ص .١٨
) (٢١٢النرش يف القراءات العرش .٢٩١ /١
١٦٩
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقد تكون هذه األسباب مجتمعة هي الدوافع التي جعلتهم يبعـدونها عـن أصـوات
القلقلة.
* * *
سادسا ً :الذالقة:
مبنــي عىل دور َذلق ِ اللسان والشفتني يف نطقها.
ّ وهو تصنيف لألصوات
ّ
وحـسهم املرهـف للكـالم وقد رصد علماء العربية – من خالل مالحظاتهم الدقيقـة
ستـة ّ
تميزت بصفات مـشرتكة يف نطقهـا ،وتعاملهـا ،ودورانهـا يف ّ املنطوق – أصواتا ً
الـــذلق( أو
ُ ّ
وسـموها )الحـروف الكالم ،حتى انمازت عن باقي أصوات العربية األخرى
)املذلقة( أو )الذالقة( ) ،(٢١٣وهي :الفاء ،والباء ،وامليم – والراء ،والنون ،والالم.
تلمسها من أقوالهم: ُ
أصل التسمية فيمكن ّ ّ
أما
كل يشء: سميت الحروف ُمذلقة ًّ ،
ألن عملها يف طرف اللسان ،وطرف ّ ُ
األخفشّ ِ ُ " : قال
ذلـقـه ").(٢١٤
َ ُ
جنـي":ألنه يعتمد عليها ِ َ َ
بذلـق اللسان ،وهو صدره وطرفه").(٢١٥ ّ وعند ابن
لكنــهم
ّ يتـضح ّ
أن لذلق اللـسان دورا ً يف إخـراج هـذه األصـوات، فمن هذه األقوال ّ
أدركوا ّ
أن قسما من هذه األصوات ال عمل لذلق اللسان يف إخراجها ،وفيه قال ابن دريـد:
ستــة ولها جنسان:
ّ " ّ
أما املذلقة من الحروف فهي
جنس الشفة :وهي الفاء وامليم والباء ،ال عمـل للـسان يف هـذه األحـرف الثالثـة،...
والجنس الثاني من املذلقة :بني أسلة اللسان إىل ّ
مقدم الغار األعىل ،وهي الـراء ،والنـون،
والالم").(٢١٦
فاملذلقة – إذا ً – مجموعتان :مجموعة شـفوية ال عمـل للـسان فيهـا ،ومجموعـة
أطلقـت ّ
ولكن التسمية غلبت عىل املجموعتني ،بسبب صفة الذالقة التي ِ مذلقة حقيقية،
ّ
سميت هذه الحـروف ويتـضح هذا يف قول أحدهم " :وإنما
ّ عىل أسلة اللسان والشفتني،
إنـما هي بطرف أسلة اللسان والشفتني ،وهما مدرجتا هذه ذلـقاّ ،
ألن الذالقة يف املنطقّ ، ُ
الحروف الستة ").(٢١٧
ِ
بـــذلق اللـسان، الخفـة يف النطق ،وليس لنطقهـا
ّ ويخيل يل ّ
أن مرجع التسمية هو ّ
والخفــة).(٢١٨
ّ ويؤكــد هذا تفسري ابن األعرابي للذالقة :بالطالقة
ّ
َ املـصمتة ،وسميت ُ
مـصمتة كمـا يقـول األخفـش " :ألنهـا وما سوى املذلقة :فهي ُ َ
كـثرت حروفه،العتياصها عىل اللسان ").(٢١٩ ّ
تختص بالبناء إذا ُ أصمتت ْ
أن ْ ِ
أن ُ َ ّ
يتكـلــم بها ،وتبنى الكلمة منها صمـت ْ
سميت ُمص َمتة ألنه َ ِ
الرساجّ " :
ّ وقال ابن
ّ
والخماسـية ّ
الرباعية إذا ُكثرت ") :(٢٢٠أيّ :
إنـها ُمنعت من االنفراد بتأليف أصول األلفاظ
دون اقرتانها باألصوات املذلقة.
صفاتها:
ممـيزة لها ،أهمها:
ّ أرشنا إىل أنهم وقفوا عىل صفات
الخفـة يف النطق:
ّ أ–
ّ
أخف الحروف ،وأحسنها امتزاجا بغريها ").(٢٢١ قال األخفش " :وهي
الخفــة تفـسري ابـن األعرابـي للذالقـة ،إذ قـال " :لـسان َ ْ
ذلــق ،:وذليـق: ّ ويؤكد هذه
طليق") (٢٢٢ومثله ما ذكره األزهري من كالم الخليل بـن أحمـد " :وملـا ذلقـت الحـروف
وسهـلت عليه يف النطق.(٢٢٣)"...
ُ الستـةَ ،
ومذل بهن اللسان، ّ
متأتــية من ّ
أن اللسان لم يبذل مجهـودا عـضليا ّ الخفــة والسهولة يف النطق
ّ وهذه
كبريا يف نطقها ،فالالم ،والنون ،والراء يعالجها بطرفه وهو أكثر أجـزاء اللـسان حركـة
ّ
أخف حركة من اللسان. وخفـة ،أما :الفاء ،والباء ،وامليم فمن الشفتني وهي
ّ
ب – شيوع استعمالها:
الخفـة ّ
أدت إىل كثرة دورانها عىل ّ خفــتها يف النطق ،إذ ّ
أن ّ وهو أمر جاء حصيلة عن
األلسنة ،وشيوع امتزاجها مع األصوات األخرى لتأليف األلفاظ بمختلـف أنواعهـا مـن
حروف ،وأدوات ،وأسماء.
مبكـر إىل إحـصاء نـسبة دوران األصـوات
ّ وقد انتبه علماء العربية يف العراق يف وقت
ّ
خاصة. عامة يف الكالم ،وأصوات الذالقة
يـرى ّ
أن الـالم والـراء مـن فقد روى لنا الجاحظ) (٢٢٤عن أبي محمـد اليزيـديّ ،
أنــه َ
أشدّ ،
وأيد الجاحظ هذا الرأي وأوضح فكرتـه األصوات التي يكثر تردادها،والحاجة إليها ّ
مربرات لعدم احتوائها عىل أحد هذه األصـوات مـن أجـل الحفـاظ عـىل
فحاولوا إيجاد ّ
القواعد العامة التي وضعوها لألبنية.
لينـة، ّ
بـأن الـسني ّ ّ
املـسينة ،نحـو :عـسجد، فابن دريد حاول تسويغ ورود األلفاظ
خفــف مـن ِ َ
ثقــل ّ الغنـة) ،(٢٢٨وهو بهـذا يريـد ّ
أن جـرس الـسني ّ وجرسها من جوهر
وكأنـه قام مقام أحد أصوات الذالقة.
ّ األصوات املصمتة،
)(٢٢٩
وعلــل عـدم
ّ جنـي ذكـر العـسجد ،والعـسطوس ،والدهدقـة ،والزهزقـة
ّ وابن
ّ
وقـوة القـاف اشتمالها عىل صوت من أصوات الذالقة بنصاعة العني ،ولذاذة مستمعها،
ورقــة الـسني وليونتهـا عـن اسـتعالء
ّ ّ
وصحة جرسها ،وليونة الدال عن صالبة الطاء،
ّ
ولعل هذا الصاد)(٢٣٠وهذه التعليالت هي للخليل بن أحمد،ومع هذا فقد وصفها بالشذوذ،
الوصف أحسن من التعليل بأمور قد تكون غري ّ
معربة عن واقع هذه األلفاظ.
* * *
هذه هي الخطوط العامة لنظرة علماء العربية يف العراق لهـذه املجموعـة الـصوتية،
ّ
توصلت إليه الدراسات الصوتية الحديثـة ،إذ ال نجـد خالفـا بـني وقد جاءت مطابقة ملا
خفــتها وسـهولتها ،فأصـوات الـشفة عنـدهم مـن
ّ النظرتني فال ّ
شك عند املحدثني يف
األصوات األوىل التي يولع الطفل برتديدها وتركيب مقاطع منها ،وهـذا خـري دليـل عـىل
خفـتها عىل عضالت لسان الطفل فضال عىل ألسنة الكبار.
ّ
) (٢٣١حروف تشبه الحركات ،مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة .١٣/١٦
١٧٥
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ّ
تنـسل انـسالال ،وهـي املربد " :حروف ﱠ
الصفري :وهـي حـروف ﱢ
ضيق بينهما .وفيها قال ّ
السني ،والصاد ،والزاي ").(٢٣٧
املـربد داللـة عـىل خـروج الـصوت دون ْ
أن ُيحجـز يف ّ ويف مصطلح االنسالل يف قـول
موضـع ما.
مجرى الهـواء معهـا
َ ألن أيد املحدثون) (٢٣٨وجود ﱠ
الصفري يف هذه األصوات الثالثةّ ، وقد ّ
ﱠ
كالـصفري ،وإذا ّ
الضيق محدثا احتكاكـا مـسموعا ويترسب الهواء من هذا املنفذ
ّ يضيق
كان بعضهم قد أضاف أصواتا ً أخرى إىل هذه املجموعة ُيسمع معها يشء ُيشبه الـصفري
رد الدكتور أنيس عىل هذه اإلضافة ّ
بأن هي )الثاء ،والذال ،والشني ،والظاء ،والفاء( فقد ّ
الصفري مع هذه األصوات لم يصل إىل درجته مع " السني ،والـصاد ،والـزاي ممـا أمكـن
وقـرص هذه الصفة عليها ").(٢٣٩
الصفريْ َ ،
تربير تسميتها بأصوات ّ
* * *
التفشـي واالستطالة:
ّ ثامنا ً:
مبنـي عىل املساحة التي يـستحوذ عليهـا
ّ وهو تصنيف لصوتني من أصوات العربية
هواء الصوت من ظهر اللسان ،فقد ينبسط اللسان ،وينترش عليه هـواء الـصوت ،وقـد
يـتـصل بمخارج األصوات األخرى.
ّ ّ
يمتد هواء الصوت عىل اللسان حتى
املربد خالل حديثه عن صوت الالم ،إذ قال " :والحرفان اللـذان
وهما مما أشار إليهما ّ
التفشـي الذي فيهما :الشني والضاد").(٢٤٠
ّ ويتـصالن بها يف
ّ يبعدان عن مخرجها ]الالم[
التفشـي واالستطالة.
ّ إنـه وصف الشني بوصفني هما
ثم ّ
تتفـشــى حتـى
ّ فقال يف تفشيها " :فأما الشني فتخرج مـن وسـط اللـسان ...ثـم
تـتصل بمخرج الالم ".
ّ
وقال يف استطالتها:
ألبتـةّ ،
ألن الشني من حروف التفيش ،فلها استطالة مـن ّ " وال ُ ْ
تـدغم الشني يف الجيم
تــتصل بمخرج الطاء ".
مخرجها ،حتى ّ
وجــاء بعــده ابــن دريــد ووصــف الــشني بالتفــيش ،ووصــفها أبــو عــيل الفــاريس
باالستطالة) (٢٤١وقد سبقهم سيبويه إىل هذا َ َ
فـنـعت الشني باالستطالة والتفيش ،ونعت
نصـه السابق.
ّ املربد يف
الضاد باالستطالة فقط ،ولم ينعتها بالتفيش كما فعل ّ
وتابع املحدثون) (٢٤٢علماء العربية فوصفوا الشني بالتفيش أيضا ً ،وأرادوا بـه " :أن
يشغـل الصوت من عرض اللسان مساحة ينتج منها هذا الوشـيش " .ووصـفوا الـضاد
ُ
يشغـل من طول اللسان مـساحة تـصل مخرجـه
ُ باالستطالة ،وأرادوا بهاّ " :
أن الصوت
بمخرج صوت آخر يجاوره ".
الغـنــة:
تاسعا ًّ ُ :
وهي تصنيف صوتي عىل وفق حالة نطقيـة خاصـة يرتخـي معهـا أقـىص الحنـك
ّ
فـإن ّ
فيسد مجرى الفم ،فيخرج الهـواء خـالل التجويـف األنفـي ،ولـذا الرخو)الطبق(
ّ
حددها ابن دريد ،والسريايف هي :صوت من الخيشوم).(٢٤٣
الغنــة – كما ّ
ّ
أما أصواتها كما أشار إليها األخفش ،واملربد فهما :النون ،وامليم).(٣٤٤
– ٢انحراف الصوت ،وعدم خروجه من وسط الفم – لوجود حـاجز مـن التقـاء طـرف
اللثــة – وترسّبه من جانبي اللسان.
ّ اللسان مع
ويبدو يل ّ
أنهم لم يريدوا باالنحراف النوع األول ،وهو انحراف اللسانّ ،
ألن صوت الالم لـم
ينفرد بهذا االنحراف ،فقد ذكروا انحراف الراء عن مخرج النون نحو جهة الالم ،ومع هذا
ﱠ
املـرجح هـو انحـراف الـصوت، َ
يبـق ﱠ
صـح هـذا ْ
فـإن لم يصفوا الراء بصفة االنحراف،
وخروجه من حافتي اللسان ،وهذا ما استصوبه املحدثون ،وآثروا تسميته بالجـانبي ،أو
الجانبية.
* * *
التكرير:
جـرى
َ املربد " :هو الرتجيع الذي لـواله ملـا
وهي صفة لصوت الراء ،واملراد به كما ذكر ّ
جرى فيه الصوت( تأكيـد عـىل َ ْ
كــون تكـرار فيه الصوت ") .(٢٤٧وعبارة ّ
املربد )لواله ملا َ
جنــي
ّ رضبات اللسان عىل اللثة صفة أساسية يف إيضاح معالم صوت الراء .وحاول ابن
يتعثـــر بمـا
ّ إيضاح هذه الصفة ،فقال " :وذلك أنك إذا وقفت عليه رأيت طرف اللـسان
فيه من التكرير ").(٢٤٨
ّ
وكيفية حدوثها. وأقر املحدثون) (٢٤٩هذه الصفة بصوتها ،وتسميتها،
ّ
وانفرد الدكتور عبدالرحمن أيوب) (٢٥٠بالنظر اىل مسألة دقيقة ،وهي التفريق بني حالتني
لصوت الراء يف العربية ،وهما:
املهتوت:
جنــي " :ومن الحروف املهتوت ،وهو الهـاء،
ّ وهي صفة لصوت الهاء ،وفيه قال ابن
والخـفاء ").(٢٥٢
َ الضـعف
ﱠ ملا فيها من
ﱠ
والـضعف والخفـاء ّ
خفيـة، املربد ،حيث وصف الهاء بأنها
وصفة الخفاء قالها قبله ّ
ّ
متأصل يف هذا الصوت ،لكونه صوتا ً مهموسا ً رخوا ً.
* * *
الهاوي:
باتـــساع مخرجـه
وعلــلها ّ
ّ وهي صفة لصوت األلف :وهي ّ
مـما التفت إليها سيبويه،
ّ
ويـسميها وإنـــما هـي هـواء يف الحلق،
ّ املربد إىل األلف بقولـه" :
لهواء الصوت ،وأشار ّ
جنــي يف حديثه عن أصوات االعتالل ،وقال:
ّ النحويون الحرف الهاوي " ) ،(٢٥٣وذكره ابن
أشد امتدادا ،وأوسع مخرجا ،وهو الحرف الهاوي ").(٢٥٤ "أال ّ
إن األلف ّ
١٨٢
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
א א
אא
١٨٣
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١٨٤
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
) (1أرشنا يف موضع سابق اىل ريادة الخليل بن أحمد يف الكشف عن أسس هذه الظاهرة والتنبيه عليها.
) (2جمهرة اللغة .٨/١
) (3البيان والتبيني .٦٩/١
١٨٥
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ُ
تراكيب جظ ،ظج ،جق ،قج ،جط ،طج ،جغ ،غج ،وال توجد زظ ،ظـز ،زس، أنـه ال توجد
ّ
سز ،زض ،ضز ،زذ ،ذز.
َ
تحـت بـاب تقـارب املخـارج ،أمـا ْ
يندرج تقارب غري ّ
أن األغلب لم ٌ وقد يكون يف بعضها
َ
اعتمـد َْ
قـــد أسلوب الجاحظ يف تحديد هذه االقرتانات غري املوجودة ،فهو يف أغلب الظن
أسلوب اإلحصاء للرتاكيب الصوتية الـواردة يف اللغـة العربيـة يف مجموعـة معينـة مـن
النصوص ،نظري ما استخدمه من أسلوب يف إحصاء نسبة ترداد الوحدات الصوتية ،وذلك
ورسائلهم).(٤
ِ خطب الناس ِ
ِ بـعد األصوات الواردة يف ُ
جملة ٍ من َِّ
* * *
ثانياْ :
حرص ُ
صور االقرتانات غـري املـسموح بهـا بـسبب تقـارب
املخارج:
َ
نطـق ّ
حـد مـا َ
النطق بصوتني متواليني متقاربني يف املخرج ،يماثل إىل وهذا يعني أ ّن
ألنــه
ّ ُ
نطقهما صعوبة ً عىل اللسان، ُ
يشكل صوتني متماثلني متواليني ،ويف كلتا الحالتني
َ
يعـود إىل النقطـة معني ،ما ْ
أن ينتهي من نطقه حتـى يرتفع من نقطة ما لنطق صوت ّ
ومـشقـة ،وهـو
ّ تكلــف
ّ نفسها التي ارتفع عنها ،أو مالصقة ،أو مجاورة لها ،ويف هذا
أمر أدركه اللغويون القدامى ،وأدركوا كراهة العرب لهذا النطق ،حتى جنحوا إىل أسـلوب
ٌ
آخر يعالج هذه املشقة كاإلبدال ،واإلدغام ،كراهة اجتماع مثلني).(٥
والقرتان صوتني متقاربني متواليني يف العربية نوعان ،هما:
١٨٦
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
ٌ
ثقيل غريُ مستساغ: –١ما هو
نظريُ اقرتان ِ أصوات الحلق ،وأقوال علماء العربية يف العراق يف هذا كثرية:
فـتـحـقـــقا
ّ أن تلتقـي همزتـان َ ُ َ وأعلـم ّ
أنـه لـيس مـن كالمهـم ْ ُ
قول املـربدْ ": منها
جميعا").(٦
والعلــة ُ واضحة ٌ هي مسألة وحدة املخرج .وقد شمل ابن دريد الصوتني املتقـاربني
ّ
ُ
أثقل عىل ُ
مخارجها ،كانت واعلم ّ
أن الحروف إذا تقاربت بهذا االستثقال أيضا ً ،إذ ْ قالْ " :
ْ
تباعدت ،ألنك إذا استعملت اللسان يف حروف الحلق ،دون حـروف الفـم، اللسان منها إذا
كلـفته جرسا واحدا.(٧)"... ِ
حروف الذالقة ّ ودون َ
قــبح وأكـد ابن ِ ّ
جـني هذا االستثقال،فقال ":وإذا تقارب الحرفـان يف مخرجيهمـاَ ُ َ ، ّ
السيما حروف الحلق").(٨
ّ اجتماعهما،
ُ
وأثقل صور هذا التقارب هو تجاور صوتي حلق،
َ
حـروف يـرى الـسريايف ّ
أن" السابقة،وعلـة هذا ِ
الثقـــل كمـا َ
َ ّ كما جاء يف النصوص
وأحوج إىل تمكني آلة الصوت من غريها" ).(٩
ُ أشد عالجاُ َ ْ ،
وأصعب اخراجا، الحلق ﱡ
وواضح ّ
أن الذي يريده السريايف من ّ
شدة العالج ،وصعوبة اإلخراج ،هو التعبـري عـن
ُ
عـضل إحساسه بعدم سهولة نطق أصوات الحلق نتيجة َ صالبة عـضل الحلـق بخـالف
اللسان.
١٨٧
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ُ
تقـارب وملح ُ
ابن ِ ّ
جـنـي سببا ً آخر ،يزيد من كراهـة ائـتالف أصـوات الحلـق ،هـو
قـربا لم يحدث يف غريها من األصـوات إذ ْ قـال...":حـروف الحلـق هـي مـن
مخارجها ُ ْ
)(٩ )*(
االئتالف ُ
أبعد ،لتقارب مخارجها"
ولم يغفْل علماء العربية ورود بعض صور االقرتانات التي اشتملت عىل أصـوات حلقيـة
متجاورة.
ففيها قال ابن دريد .....":وأصعبها حروف الحلق ،فأما حرفـان فقـد اجتمعـا يف كلمـة
ونـخـع.(١٠)".... أحدْ َ ،
وأهلْ َ ،
وعهدَ َ ، مثلْ :
أخ ،بال فاصلة ،واجتمعا يف مثلَ :
ونظـمها عىل قسمني،هما:
ّ ِّ
جــني وأخذ هذه األمثال،وأضاف إليها وجاء ابن
١٨٨
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
• وشمل ابن دريد بهذا االستثقال :أصوات أقىص الفم ،وهـي عنـده :القـاف والكـاف،
والجيم ،والشني).(١٣)....(١٢
ففي ائتالف هذا األصوات قال ":لم تأتلف الكاف والقاف يف كلمة إال ّ بحـواجز ...وكـذلك
لتفشـي الشني."....
ّ أنـها قد دخلت عىل الشني
حالهما مع الجيم ....اال ّ
والكـلفــة يف
ُ ْ باملشقـة،
ّ جـنـي يف تعليل عدم ائتالف الكاف والقاف والجيم، وتابعه ُ
ابن ِ ّ
النطق ،وأضاف إليها ما ُ ِ َ
رفض استعماله لتقارب حروفه ،نحو :سـص ،وظـس ،وظـث،
الحس عنه").(١٤
ّ ٌ
واضح لنفور ٌ
حديث وقال ":وهذا
فإنـها تنـضوي عنـدهم تحـت مبـدأ
ّ ّ
أما حال األصوات األخرى ،إذا لزم السياق اقرتانها،
القوة والضعف يف األصوات ،فال ّ
بد من تقديم األقوى عىل األضعف.
وأقوالهم واضحة:
تألـف منها يشء بدءوا باألقوى من الحـرفني .(١٥)"..وقـال ابـن
قال ابن الرساج ":فمتى ﱠ
األلـيـن").(١٦
ْ َ دريد ":من شأنهم اذا أرادوا هذا أن بدأوا باألقوى من الحرفني ،ويؤخروا
يبتــدأ باألقوى منهما").(١٧ ِّ
جــني ":فينبغي يف تداني الحرفني أن َ ْ َ َ وقال ابن
) (12أرشنا يف موضع سابق اىل عدم دقة ابن دريد يف وضع)الجيم والشني( مع أصـوات أقـىص الفـم ،وال
مجال هنا الفرتاض مـراده مـن الجـيم الـصوت الـذي بـني الكـاف والقـاف أي املماثـل لنطـق الـصوت
االنكليزي) (gوذلك لألمثلة التي ذكرها بعد هذا القول .نحو :جك ،وكج.
) (13جمهرة اللغة .٦/١
) (14الخصائص .٥٤/١
) (15االشتقاق.٤٦/
) (16جمهرة اللغة .١٢/١
رس صناعة اإلعراب )٧٥٦/٣مخطوط(. )ّ ( 17
١٨٩
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١٩٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
١٩١
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلمتني ،من أجل اختيار الصوت األقوى للمعنى األقوى وبالعكس ،فمما ذكره قوة الطاء
املتفشـية.
ّ عىل الدال والتاء ،ألنه أحرص للصوت منهماّ .
وقوة الدال عىل الشني
السني ملا فيها من االستعالء ).(٢٦
وقوة الصاد عىل ّ
ّ
شـك ْ
نعدم شيئا ً من هذا يف بحوث املحدثني ،فقد قال الدكتور أحمد مختار عمر ":ال ولم
أكثر بساطة ً من الصادّ ،
ألن األخرية تقتيض عملية إضافية عىل حركات نطـق ُ َ
السني أن ّ
ٌ
تطـابق مؤخــرة اللـسان اىل أعـىل" ) .(٢٧ويف هـذا
ّ السني ،وهذه العملية تتمثل يف حركة
ٌ
واضح مع ما عناه ابن ِ ّ
جـنـي يف قوله السابق.
جـنـي ،نجد ّ
أن الصفة الواحدة قد ال تكون ثابتة الصفة يف املواقع واذا ُ ْ
عدنا إىل كالم ابن ِ ّ
َ
مواقع صوتية ٍ أخرى ،نحو قوله: كلـها ،وإنما تكون نسبية الختالفها يف
ّ
الطاء أقوى من الدال يف)وطد( ،والدال أقوى من الشني يف) َ ّ
شـد( ،وقوله :الهمـزة ُ أقـوى ُ
وأنصع من الحاء ).(٢٨
ُ من العني ،والعني أقوى
أن َ
ابن ِ ّ
جـنـي لم يكتف باملقارنة بني األصوات القويـة والـضعيفة، وهذا ّ
يوضح لنا ّ
أنـها ليست يف درجـة واحـدة مـن وانما قارن بني األصوات التي ُ ِ َ
وصفـت بالقوة ،فوجد ّ
هذه القوة.
َ
نرصد الـصفات َ التـي نـسبوها اىل قلـتها ،يمكن لنا ْ
أن ومن النصوص السابقة عىل ِ ّ
ّ
كل ٍ من القوة والضعف :فمن صفات القوة :الجهر ،والشدة ،واالستعالء ،والتكرير ،ومـن
والرخاوة.
صفات الضعف :الهمسّ ،
١٩٢
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
١٩٣
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
َ
اجتماع صوتني متقاربني ،وال مجال فيهما لتقديم أحدهما عىل اآلخر، األمر
ُ اما إذا َ ِ َ
لــزم
لتجنب مسألة ِ َ
ثقــل النطق ،لجأوا اىل أسلوب آخر للتخلص من هذا التتابع الصوتي غري
املرغوب فيه ،وهو أسلوب اإلبدال أو اإلدغام ،من أجل إيجاد التناسب الصوتي ،وهـذا مـا
سنعرض له بعد قليل.
* * *
١٩٤
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
١٩٥
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– ٤ويف مقابل هذه الصور النادرة ،أو االقرتانات العقيمـة يف اللغـةّ َ ،
نبـه اللغويـون
املؤلـفة من أصوات متباعدة املخارج:
ﱠ ُ
العرب إىل االقرتانات الحسنة يف الكلمات
إن بنوا بامتزاج الحروف املتباعدة". ُ
أحسن األبنية عندهمْ ، قال ابن دريد":
حسن وجه التأليف").(٣٦ ْ
تباعدت مخارج الحروف َ ُ وقال أيضا ً ":إذا
)(٣٧ َ
الحروف كلما تباعدت يف التأليف كان أحسن" اعلم ّ
أن هذه وقال ابن جنيْ ":
أنــه األسـاس الـذي وهذا هو األساس الذي َ
ابتنى عليه أغلب أبنية ألفاظ اللغة ،كما ّ
اعتمده البالغيون يف بحثهم ملسألة فصاحة الكلمة ،فمـن أوىل رشوط فـصاحة اللفظـة
تأليفـها من حروف متباعدة املخارج.
ُ َ
يكون عندهم هي :أن
ويصل ابن جني إىل نتائج من خالل استقرائه لصور االقرتانات يف العربيـة ،إذ ْ رأى ّ
أن
تأليف الحروف واقرتانها عىل ثالثة أرضب ،هي:
• " تأليف املتباعدة ،وهو األحسن.
• تضعيف الحرف نفسه،وهو ييل القسم األول يف ُ ْ
الحسن.
قـل استعماله").(٣٨ • تأليف املتقاربة وهو دون االثنني األوليني ،فإما ُ ِ َ
رفض ألبتة ،وإما َ ّ
الحس املرهف الذي ّ
تميز بـه ّ وكان ضابط استحسان هذا االقرتان واالبتعاد عن ذاك ،هو
الرماني ":وأما ُ ْ
الحسن بتأليف الحـروف املتالئمـة ،فهـو الفصحاء والعلماء ،وفيه يقول ّ
بالحس ،وموجود يف اللفظ").(٣٩
ّ ٌ
مدرك
* * *
١٩٦
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
١٩٧
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ّ
الحس املرهـف بامليـل اىل اللفظـة واإلحـساس فإنـه يبقى عندنا األمر الثاني ،وهو
ّ
وأما ُ
الحسن بتأليف الحروف املتالئمة ،فهو بجمالها وعذوبتها .وقد سبق قول الرماني ّ" ّ
بالحس").(٤١
ّ مدرك
َ
الـصوت اقرتان األصوات املتقاربة وال محـيص عنـه ،فقـد الحظـوا ّ
أن ُ أما إذا َ َ
لــزم
املتقدم هو األقوى ،واملتأخر هو األضعف ،علما ً ّ
أنهم لم يخلفوا لنا دراسة ً دقيقة املعالم
يف قوة األصوات وضعفها أسوة بدراساتهم الصوتية األخرى.
ْ
فإن اقرتن الصوتان ولم يستطيعوا مجاراة أمر تقديم األقوى عىل األضعف ،لجأوا إىل
اإلبدال أو اإلدغام تحقيقا لالنسجام الصوتي ،وتيـسريا لعمليـة النطـق مـن االسـتثقال
املكروه.
١٩٨
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
-٣اإلدغام.
-٤التوافق الحركي.
٥ــ التخالف
اإلعــــالل:
علــة مكان صوت آخر ،أو حذفه ،أو إسـكانه ،فهـو
ّ ْ
ونعني به ظاهرة إحالل صوت
تـقـلب إليه من حروف صحاح ،كالهمزة والتاء).(٤٤ إبدال ّ
لكن مداره أصوات العلة ،وما ُ ْ
وقد عالج علماء العربية يف العراق جوانب مـن هـذه الظـاهرة ،عـىل وفـق القـوانني
الصوتيةّ ،
وقدموا لنا تفسريات علمية للتغيريات التي أصابت هـذه األصـوات ،واألسـاس
الذي انطلقوا منه ملعالجة هذه الظاهرة معالجـة صـوتية ،هـو إحـساسهم ِ ِ
بــثقـــل
َ
َ علــة ضمن تتـابع صـوتي معـني ،فتخفيـف هـذا ِ
الثقـــل، ّ نطقي سببه تجاور حريف
ٌ
ثمرة من ثمرات تطبيق هذه الظاهرة. والنزوع اىل تتابع صوتي ّ
ميرس النطق،
ُ
فاالعالل بعد هذا هو أحد األساليب التي يلجأ إليها الناطق لتخفيف املجهود العـضيل
املبذول من أعضاء جهاز النطق.
ٌ
ثقيل ،لبعده عن التناسب نـطـق األصل ليس باملستحيل ،وإنما هو ثم إنهم أدركوا ّ
أن ُ ْ
ضــم ﱢ اىل كـرس ِ ،وفيـه قـال ابـن
َ ضـم ٍ ،أو مـن واالنسجام ،كالخروج من َ ْ
كــرس ِ اىل َ ّ
جنــي:
ّ
١٩٩
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
َ ّ
الـضمة قبـل اليـاء الـساكنة " لو َ ﱠ ْ َ
تكـلـفـت الكرسة قبل الواو الساكنة املفـردة ،أو
وكلــفة").(٤٥
مشـقـة ُ ْ
لتــجشمت فيه َ َ ّ
َ َ ْ املفردة،
وأضاف:
وإن كان مستثقال ،فليس بمستحيل").(٤٦
" ْ
قــلــب الياء واوا ً ،لنقف عىل
ياء ،أو َ ْ
قـلـب الواو ً
وسنعرض لثالثة أمثلة من حاالت َ ْ
تعليالتهم الصوتية لهذه الظاهرة.
* * *
ياء يف) ِ ْ
مـفـعال :من الوزن(: ُ –١
قلب الواو ً
ياء. موزانَ ْ َ ،
فـقــلبت الواو ً مـيزان ،واألصلْ ِ :
مـفـعال( من الوزن،قيلْ ِ :
إذا أريد بناء) ِ ْ
فما هو تعليل هذا القلب عندهم ؟
قـطـعتـم ِمن لينة").(٤٧ • قال األخفش يف ِ
لــينة من قوله تعاىل ":ما َ َ ْ ُ ْ
" وهي من اللون ....ولكن ملا انكرس ما قبلها انقلبت إىل الياء").(٤٨
• وأعاد املربد هذا املعنى بقوله ":والياء تكون َ َ
بدال ً من الواو إذا انكرس ما قبلها ،وهـي
ساكنة").(٤٩
َ
للقلب ،إذ ْ قال: • وجعل السريايف االستثقال سببا ً
٢٠٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
٢٠١
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
٢٠٢
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
ﱠ
النص يشريُ إشارة ً واضحة ً إىل عدم وجود االنسجام الصوتي املطلوب للخفـة ثم ّ
إن
نـأتي بـالواو التـي
َ ّ ُ
يتطلـب املجيء بالياء ،ألنها بعضها ،ال أن يف النطق ،إذ ْ ّ
إن بالكرسة
َُّ
تـعد نقضا ً وتنافرا ً مع الصوت األول ،ومثل هذا لو بدأنا بالضمة ونلحقها بالياء.
ِ َ
وثقــل النطق بهذين التتابعني ،هو السبب الذي قال به املحدثون.
تكلـــف النطق،وثقلـه فلكـي تنطـق بـالواو
ّ فالدكتور فليش قال ":ترى نوعا ً من
ُ
وتعليلـه قريـب العكس فتتفرجـان").(٥٩
ُ َ
تنطق بالكرسة يحدث تستدير الشفتان ،ولكي
ُ
الفراء اآلنف الذكر.
من تعليل ّ
ثقــل وقوع الياء ساكنة بعد ّ
ضمَ ِ ،
وثقـل وقوع الواو سـاكنة ّ
وأكد الدكتور شاهني ِ َ َ
اتــفاق ُ
يتـــضح ّ
ّ تخلـص منهما الناطق العربـي ،وبهـذا
ّ بعد ْ
كرس ،ولثقل هذا التتابع
علــة القلب يف هـذين التتـابعني ،غـري ّ
أنـه يختلـف معهـم يف الدكتور شاهني معهم يف ِ ّ
العلـــة ،كمـا
ّ ورأى ّ
أن القلب وقع بني الحركات ال بني أحرف َ موضع القلب ،فقد اجتهد
يرى القدماء.
َ
ّ
والضمة ،ولـيس بـني الـواو واليـاء عـىل ُ
القلب بني الكرسة موزان( مثالَ :
وقع ففي) ِ ْ
أسقطـت عنـرص الـضمة ُ ،ﱢ َ ْ
وعوضـت مكانـه كـرسة ٌ قـصرية ٌ ،تـصبح التقدير اآلتيَ ِ ْ ":
كـتبت يف صورة الياء").(٦٠
باإلضافة إىل سابقتها كرسة طويلة بعد امليم ،هي التي ُ ِ َ
تخلــصا ً من الصعوبة ،ونزوعـا إىل
ّ قـلبت الضمة ُ كرسة ً، َ
نقولَ ِ ُ ": واألولـى عنده ْ
أن ْ َ
االنسجام").(٦١
٢٠٣
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
َ
مكان الواو املحذوفة ،من أجل وأيّ القولني أخذنا به فالنتيجة هي إحالل صوت الياء
إيجاد التناسب واالنسجام الصوتي.
* * *
٢٠٤
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
ّ
وتمكن مـن خفـة ُ الياء العائدة اىل موضع نطقها الذي ّ
توسط الفم، ّ • وعند ّ
املربد هي:
نـطـق الـواو الـذي لـم يـرشكه إال البـاء
مخالطة أكثر الحروف ،عىل خالف موضع ُ ْ
وامليم).(٦٥
املربد هنا اشرتاك األصوات الثالثة يف الشفتني ،وهو اشرتاك جانبيّ ،
ألن وضع ويقصد ّ
الشفتني مع الواو يختلف عن وضعهما مع امليم والباء .ثم ّ
إن وضعهما مع البـاء واملـيم
مختلفان أيضا ً.
الخفـة وإيثار العرب للياء دون الواو) ،(٦٦مع عدم ِ ذكر
ِّ أكـد عىل • ّ
أما ابن ِ ّ
جـنـي فقد ّ
الخفـة الناجمة عن سهولة نطقها إذا قيست بنطق الواو ،فنطـق اليـاء
ّ سبب هذه
ّ
فيتم نطقه بارتفـاع أقـىص ُ
الواو بارتفاع َ
وسط اللسان مع انفراج الشفتني ،أما ّ
يتم ْ
ّ
بالخفة والسهولة. اللسان مع استدارة الشفتني ،وهما وضعان لم يتّسما
خفـة نطق الياء التي كانت سببا إليثار
ّ أفكار هذه النصوص تشري اىل
َ ّ
الجملة،فإن ويف
أقرها املحدثون) .(٦٧وقد
الخفــة ُ التي ّ
ّ العرب لها ،دون الواو يف هذين التتابعني ،هذه هي
ّ
متقدمة عىل مرحلة بحثنا ،لنقف عىل رأي سيبويه َ
نعود إىل مرحلة يكون من املناسب ْ
أن
والواو بمنزلة التـي َ ْ
تــدانت مخارجهـا، َ يف هذا النوع من القلب إذ ْ قال" :وذلك ﱠ
ألن اليا َء
وممرهما عىل ألسنتهمّ ،
فلما كانت الواو ليس بينها وبني اليـاء ّ لكثرة استعمالهم إياهما
ُ
العمل من وجه واحد ،ورفع اللسان من وضـع واحـد، حاجز بعد الياء،وال قبلها) ،(٦٨كان
ٌ
٢٠٥
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سيد َ ّ
وصـيب، فـيعلّ َ : ﱠ
أخف عليهم ،وكانت الياء الغالبة يف القلب ال الواو ....وذلك قولك يف َ ْ ِ
وصيوب").(٦٩
سيود َ ْ
وإنما أصلهماْ َ :
لــية َ ّ
وسيد ،كما يكرهون الضمة بعد الكرسة...وترك الواو مع الياء يف َ ّ
َ وقال ":كرهوا
).(٧٠
الواو يف ِ ْ
موزان أثقل"
ُ
يحاول إثبات القرابة الصوتية بني الياء والــــواو، فكر سيبويه وهو فالنص ُ ْ ُ
يربز لنا َ
العن طريق تداني مخارجهما حقيقة ً ،وإنما عن طريق اشرتاكهما بالصفات ،كـالجهر
واملد) ،(٧١وكثرة تعاقبهما ،ودورانهما عىل األلـسنة ،لـذا فهمـا عنـده بمنزلـة الحـروف
ّ
أمر مسِوغ ٌ إلحالل الصوت مكان مقاربه ،ثم قد يكون تتابع
املتقاربة املخارج ،والتقارب ٌ
هذين الصوتني ضمن سياق صوتي ّ
معني ثقيالّ ،
ألنهما بحكم الحروف املتدانية املخـارج،
ّ
محبب يف العربية ومن هذا التتابعات تجاورهما مع سكون األول منهما ،وهو تتابع غري
أجل التخلص منه ُ ِ َ
عمد اىل َ ّ
الضــم ،ومن ْ أسوة بتتابع) ِ ْ
موزان( ،أي الخروج من الكرس اىل
قلب الواو ياء للمناسبة واالنسجام.
جـنـي هذا التقارب بني الواو واليـاء ،فقـالّ ":
إن بـني اليـاء وبـني الـواو والحظ ُ
ابن ِ ّ
قــربا ً َ َ
ونسبا").(٧٢ ُْ
يعلــل املحدثون هذا القلب بغري ما ذكره سيبويه وبقية ُ علماء العربية .فقد قال
ّ ولم
سيود ،ما َ ّ
نـصه: الدكتور شاهني يف تعليل القلب يف َ ْ
٢٠٦
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
ُ
الـواو إثـر اليـاء ،ونظـرا ّ
والضمة ،حيث تقع فيه ُ
أشبه بتتابع الكرسة " وهذا التتابع
فإنـها مالت اىل إحداث االنسجام يف هذا املثـال
ّ لصعوبة ِ هذا الرتكيب ،وكراهة ِ اللغة له،
أن ُيقـالّ :
إن الـواو عنـرصالكـرسةعىل عنـرصالفتحة ،وهنـا يمكـن ْ
وأشباهه،بتغليب ُ ْ
فعال").(٧٣
قــلـبت ِ ْ
ُ َِ
ُ ُ
نفسه ،وليست فيه إضافة ٌ أصيلة ٌ. فالتعليل هو
* * *
اإلبــــــــدال:
وأقروها
ّ ظاهرة ُ اإلبدال من ُ َ َ ّ
املتـغـريات الصوتية التي الحظها علماء العربية يف العراق
حظـا ً من تآليفهم التـي هـي يف مجملهـا:
ّ سنة من ُ
سنن العرب ،ونالت عندهم وعدوها ُ
ّ
أبــيح تداولهماّ ،
ألن اإلبدال َ يعنـى عنـدهم: جمع األلفاظ التي ُ َ
رويت بصوتني نطقيتني ِ
إقامة حرف مكان حرف آخر أزيل.
وجاءت تآليفهم لهذه الظاهرة عىل مستويني ،هما:
َ َ
التـزم بـه املطــرد ،أو القيايس ،أو النحوي ،وهو نـوع
ّ ّ
املسمى باإلبدال – ١رصيف ّ :وهو
َ
حروف اإلبدال. ّ
تسمى النحاة ،ورأوا وقوعه يف حروف محدودة
املطـرد ،أو الـسماعي ،وهـو نـوع التـزم بـه
ّ ّ
املسمى باإلبدال غـري – ٢لغويّ ) :(٧٤وهي
إنـهم لم يجدوا "حرفا إال ّ قـد جـاء َ
وقوعه يف جميع حروف اللغة ،حيث ّ اللغويون ،ورأوا
فيه البدل ولو نادرا" ،وال ّ
شك يف وقوع هذا النوع ،وباملستوى العـام الـذي جـاء نتيجـة
٢٠٧
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ّ
متعـددة ،باإلضـافة اىل عوامـل َ أخـرى، طبيعية لجمع اللغة من بيئات لهجيـة عربيـة
متـحدة يف معانيها ،متقاربة يف أصواتها ،ولم تختلف إال ّ يف صوت
إذ ْوجدوا ألفاظا ً كثرية ّ
ّ
ماهية إبداله. واحد لم يتفق يف
املبـدل ُ ْ َ
واملبـدل ى عدم االتفاق يكمن يف العالقة الصوتية التي تربط بني الـصوت ُ ْ َ ّ
ومؤد َ
َ
شواهد وأمثلة تندرج تحت موقفني ،هما: منه ،فما جاءت عنهم من
املبدل ُ ْ َ
واملبدل منه: أ – اشرتاط العالقة الصوتية بني ُ ْ َ
وأقوالهم رصيحة يف ذلك:
• قال ّ
الفراء ":إذا تقارب الحرفان يف املخرج تعاقبا يف اللغات").(٧٥
ٌ
شاهد عىل وجود العالقة بني الـصوتني، َ
اإلبدال الفراء إىل أكثر من هذا ،ويؤكد ّ
أن ويذهب ّ
نـقـل عنه ثعلب قوله:
فقد َ َ
ُ
الحرف من أخيه").(٧٦ يعــلـم ما تناسب من الحروف باللغةْ ،
أن ُ ْ َ َ
يبدل إنـما ُ ْ َ
" ّ
• ويف كالم ّ
املربد ما ُ ْ
يشـعر اشرتاطه للعالقة الصوتية ،إذ ْ قال:
ألنهما من الشفة").(٧٧
قـلــبت امليم باء ًّ ،
" ُ َِ
).(٧٨
التـاء من مخرج الطاء
ألن ّوقتــرة لغتانّ ،
ّ قــطـرة لجنبيه
وقال أيضا ً ":يقال َ ّ
وأكـد أبو عيل الفاريس هذا بقوله:
ّ •
٢٠٨
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
٢٠٩
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
املبدل ُ
واملبدل منه: ب – عدم ُ اشرتاط العالقة الصوتية بني ُ
رويـت أنـه ُع َ
رف من خالل الشواهد التـي ُ ِ ولم ِ ْ
أقف عىل رأي رصيح ألحد ٍ يف هذا ،اال ّ ّ
مؤلـفات خاصة.
ّ ُ َ
وجمعت يف
ُ
تربز العالقـة َ بـني الـصوتني فكتاب اإلبدال البن السكيت مثال ً ،اشتمل عىل ألفاظ كثرية
املبدل واملبدل منه ،كما َ ّ
ضم اليها أمثلة – قليلة أخرى – انعدمت فيها العالقـة الـصوتية
املبْ َدل ُ ْ َ
والبدل منه ،نحو: بني ُ
إبدال ِ بني الفاء والكاف يف حساكل ،وحسافل)،للصغار(. -
وارمد)،إذا َ
مىض عىل وجهه(. ّ وإبدال بني امليم والقاف يف ّ
ارقد، -
ّ
وتفكه)،إذا تندم(. ّ
تفكن، وإبدال بني النون والهاء يف -
وإبدال الالم والهاء يف شاكله ،وشاكهه).(٨٣ -
ّ
التبـدالت وليس لنا أمام مثل هذا اللون من األلفاظ – التي ال يمكن معـه تفـسري هـذه
الصوتية إذا افرتضنا وقوعها – إال ّ القـول :بأنهـا ألفـاظ أصـلية يف أبوابهـا ،تماثلـت يف
ّ
يسمى معانيها وهي من باب الرتادف ،وقد قيل" فأما ما لم يتقارب مخرجاه ألبتة ...فال
بدال ،وذلك كأبدال حرف من حروف الفم من حرف من حروف الحلق").(٨٤
ََ
* * *
َْ
واملبدل منه: األصالة والفرعية بني ُ ْ َ
املبدل
املبدل ُ
واملبـدل إذا كان أغلب اللغويني قد اشرتطوا وجود العالقة الصوتية بني الصوت ُ
ابن ِ ّ
جـنـي قد أضاف رشطا ً جديدا ،وهو مسألة األصالة والفرعية يف اللفظـة، منهّ ،
فإن َ
٢١٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
) (85نقل لنا سيبويه فكرة األصالة والفرعية عن الخليل بن أحمد يف جذب)الكتاب(٣٨٠/٢
) (86الخصائص .٨٤ – ٨٢/٢
٢١١
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اإلبدال واللهجات:
مـدى تمثيـل األلفـاظ ّ
تتحدد يف َ ُ ِ َ
نـظر إىل الرتاث املرويّ يف هذه الظاهرة نظرة أخرى،
محددة أو أكثر ،فما جاء عن ابن الـسكيت يمكـن ْ
أن ّ التي حدث فيها اإلبدال لبيئة لغوية
إنـه
يرى وقوع اإلبدال يف البيئة اللغوية الواحدة)القبيلة الواحدة( ،أيّ :
أنـه َ ُ َْ
يفـهم منها ّ
يمكن للمنتمي لقبيلة ما ْ
أن َ ْ
ينـطـق لفظة واحدة بصورتني دون غرابة من أبناء قبيلتـه
أنــفــحة) ،(٨٧وقـال اآلخـر:
إذ ْ قال ":حرضني أعرابيان من بني كالب ،فقال أحـدهماَ َ ْ :
ِ َْ َ
منـفحة ،ثم افرتقا عىل أن يسأال جماعة األشياخ من بني كالب ،فاتفق جماعة عىل قول
ذا ،وجماعة عىل قول ذا ،وهما لغتان").(٨٨
نطـقــا لفظـة واحـدة بـصورتني،
َ َ ّ
األعـرابيني مـن قبيلـة واحـدة، أن فالرواية ّ
توضح ّ
وتابعهما عىل هذا أبناء قبيلتهما.
وإنــما َ
روى لنـا اختالفـا ّ يرى هذا الرأي بالـذات، الظن ّ
أن ابن السكيت ال َ ّ ويف أكرب
لغويا كان قد سمعهّ ،
يدل عىل هذا ما رواه عن اللحياني ،قوله:
حلـك ِ الغراب أو َ َ ِ
حنكة ،فقال :ال أقول حلكه") (٨٩ولم يعقـب قلت ألعرابي :أتقولُ :
مثل َ َ " ُ
عليها ابن السكيت ،مع ما فيها من اختالف مع داللة الرواية السابقة.
ّ
بـأن اإلبـدال ال يقـع يف أيضا ًــ ما ُ ْ َ
يفـهم منها تمثيال أو تـرصيحا ومن الروايات ــ ْ
قبيلة واحدة،بل يف بيئتني لغويتني)قبيلتني(.
٢١٢
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
منها :رواية األصمعي إذ ْ قال ":اختلف رجالن يف الصقر ،فقال أحدهما :الصقر)بالصاد(،
بأول ِ وارد عليهما ،فحكيا له ما ُهما فيه ،فقـال:
وقال اآلخر :السقر)بالسني( ،فرتاضيا ّ
الزقـر").(٩٠
ال أقول كما قلتما إنما هو ﱠ ْ
ترى إىل ّ
كل واحد من الثالثة ،كيف أفاد يف هذه الحال إىل ــب ابن ِ ّ
جـنـي،وقال ":أفال َ فعق ّ
لغته لغتني أخريني معها ،وهكذا تتداخل اللغات").(٩١
أنـها ثالث لغات").(٩٢ وقد سبقه أحدهم وقالّ َ َ ":
فـدل عىل ّ
ــ رواية أبي حاتم السجستاني ،قال ":قلت ألّم الهيثم :كيف
ومن هذه الروايات ــ أيضا ً
تقولنيّ :
أشد سوادا من ماذا ؟
قالت :من َ َ
حلــك الغراب،
قلت :أتقولينها من َ َ
حنـك الغراب،
قالت :ال أقولها أبدا").(٩٣
وقد نجد الترصيح واضحا عند أحد اللغويني اذ قال ":ليس املـراد باإلبـدال ّ
أن العـرب
وإنـما هي لغات مختلفة ...والدليل عىل ذلـك ّ
أن قبيلـة ّ ّ
تتعهد تعويض حرف من حرف،
مـرة وبالـسني
واحدة ال تتكلم بكلمة طورا ً مهموزة وطورا ً غري مهمـوزة ،وال بالـصاد ّ
أخرى ...إنما يقول هذا قوم وذاك آخرون").(٩٤
٢١٣
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يرى ّ
أن االبدال ال يقـع يف القبيلـة الواحـدة، ومع ما يف القول من دليل واضح عىل ّ
أنه َ
أحد عوامل َ ْ
نشـأة اإلبدال ،وهو اختالف اللهجات، ُ
يكشف لنا َ فإنـه
ّ وإنما يقع يف قبيلتني،
نـسبت لقائليها من القبائل).(٩٥ ثم ّ
إن كثريا من مروياتهم قد ُ ِ َ
اإلبدال املرشوط:
ما َ َ
سبق هو خالصة للفكرة العامة لظاهرة اإلبدال كمـا رصـدها علمـاء العربيـة يف
العراق ،وأقروا بوجودها قضية لغوية جاءت عىل لسان القبائل العربية.
محـدد ،أي ّ
إن االبـدال ّ صـوتي
ّ ولهذه الظاهرة جانب آخر هو وقوعها ضمن تركيـب
فيها ال يقع إال ّ بعد امتزاجها وتأليفها ضمن هذا الرتكيب أو ذاك.
َ
مواضع ،هي: وسنتناول بإيجاز بعض أنواع هذا اإلبدال املرشوط يف أربعة
أ – اإلبدال يف صيغة افتعل.
ب -اإلبدال يف نون َ ْ َ
عنـرب.
ج – اإلبدال يف صاد ْ َ
أصدر.
د – إبدال السني صادا قبل األصوات املستعلية.
وعلـة اختيار هذه املواضع دون غريها ،هي شهرة إبدالها ،وتعليل علماء العربيـة يف
ّ
العراق ألسباب وقوع اإلبدال فيها ،ومشاركة ُ املحدثني يف بيان هذا التعليل.
فمن أجل الجمع واملقارنة بني النظرتني ،اخرتنـا هـذه األنـواع ،وسـتكون الدراسـة
مكرسة إللقاء الضوء عىل الجانب التعلييل لهذه الحوادث الصوتية.
ّ
٢١٤
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
أ – صيغة افتعل:
وهي رضبان:
– ١إبدال تاء)افتعل( داال ،إذا كان فاؤها زايا ،أو داال ،أو ذاال:
نحو :افتعل من الزجر :ازدجر ،واألصل :ازتجر.
زاي صـارت تـاء ُ
أولـه ٌ افــتـعل من َ َ
زجرت ،وإذا كـان الحـرف ْ َ • قال ّ
الفراء ":ازدجر
االفتعال فيه داال").(٩٦
ز +د( = ازدجر • ازتجر)ز +ت
ّ
املتأخر برشوط متوفرة. أثـر عىل الصوت ّ
املتقدم ّ فالصوت
• وأوضح السريايفّ :
أن تاء االفتعال يلزم ُ
قلبها ...داال مع ثالثة أحرف...هي الدال والذال
والزاي.(٩٧)...
علـــة هـذا التغيـري
ّ وهو إبدال للتقريب ولتسهيل النطق ،وليس تماثال ً تاما ً ،فما هـي
الذي أصاب التاء وجعلها داال ؟
علــته:
هذا ما الحظه علماء العربية ،وأبانوا ّ
أمة").(٩٨
بعـد ﱠ ٍ • قال األخفُش يف قوله تعاىلَ َ ّ ":
واذكـر َ ْ َ
فأصلـها)اذتكر( ،فاجتمع الذال والتاء يف بناء افتعـل ،
ُ افــتعل من" ذكرت"
ْ "وإنما هي
مجهور – وإنما يـدخل األول يف
ٌ ٌ
حرف ُ
واألول ومخرجاهما متقاربان ،وأرادوا ْ
أن يدغموا،
اآلخر – واآلخر مهموس ،فكرهوا ْ
أن يذهب منه الجهر ،فجعلوا من موضع التـاء حرفـا
٢١٥
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطـاءّ ،
ألن َ من موضعها مجهورا ،وهو الدال ّ
ألن الحرف الذي قبلها مجهور ،ولم يجعلوا
الطاء مع الجهر مطبقة").(٩٩
َ
فالعلــة :هي تجاور صوتني أحدهما مهموس واآلخر مجهور ،واألول عندهم ُ ْ َ
يدغــم ّ
يف الثاني – وهذا يعني ذهاب جهر الذال بذهاب صوته األساس إلدغامه يف التـاء – فمـن
أجل املحافظة عىل هذه املزية ْ
أبدل التاء صوتا من موضـعه مجهـورا وهـو الـدال ،ولـم
ألنـه يحمل صفة جديدة غري موجودة يف األول وهـي يبدلوه طاءْ ،
وإن كان من موضعهّ ، ُِْ
صفة اإلطباق.
ُ
يتحدث عن الدال ،إذ ْ قال: • هذا ما أوضحه ّ
املربد وهو
مجهـور مـن
ٌ ٌ
حرف قبلــها
َ ترصف منه ،إذا كان
ّ مفـتعل وما " وهي ُ َ
تبدل مكان التاء يف ُ ْ َ
مخرجها ،ومما يدانيها من املخرج ،نحو الذال والزاي").(١٠٠
والزجاج يف حديثه عن) ّ
تدخرون( ،إذ ْ قال: ّ •
ّ
لـشدة يجـري معـه،
ِ َ الـنفس ُ
أن ُ إن أصلها تذتخرون ّ
ألن الذال حرف مجهور ال يمكـن " ّ
يشـبه الذال يف ِْ َ
مهموسة،فأبدل من مخرج التاء حرف مجهورْ ُ ، اعتماده يف مكانه ،والتاء
جهرها وهو الدال ،فصارت َ ّ
تدخرون بعد اإلدغام").(١٠١
• والسريايف بقوله:
التمسوا حرفا مجهورا من مخرج التاء ،موافقا لهـذه الحـروف غـري ُ َ ْ
مطبـق ...وهـو " َ
الدال").(١٠٢
٢١٦
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
ظاء.
طاء أو ً – ٢إبدال تاء)افتعل( طاء،إذا كان ُ
فاؤها صادا ً،أو ضادا ً ،أو ً
طـاء ،كـذلك الفـصيح مـن
ً • قال ّ
الفراء":وتاء االفتعال تـصري مـع الـصاد والـضاد،
الكالم."(١٠٤)...نظري:
اصطرب. ص ط( افتعل من الصرب :اصترب)ص ت
تـرصف
ّ تـبدل مكان التاء يف ُ ْ َ
مفـتعل ،وما ّ
يتحدث عن الطاء ":وهي ُ ْ َ • وقال ّ
املربد :وهو
منه ،إذا كان قبلها حرف من حروف اإلطباق.(١٠٥)"...
• وقال الزجاج يف حديثه عن ْ َ
اصطفاه ":األصل ْ َ
اصتـفاه ،فالتاء إذا وقعت بعـد الـصاد،
مطــبقة كمـا ّ
أن الـصاد مطبقـة، ُِْ َ
ابدلــت طاءّ ،
ألن التاء من مخرج الطاء ،والطاء ُ ْ
النـطـق بما بعد الصاد").(١٠٦
فأبدلوا الطاء من التاء ليسهل ُ ْ
يتــضح هو تالقي صوتني أحدهما ُ ْ
مطـبق ،واآلخر غري مطبـق)منفـتح(، ّ فالعلـة كما
ّ
فيبدأ السياق النطقي بإيجاد التشاكل والتناسب بينهما بجعلهمـا مـن صـفة واحـدة،
وهي اإلطباق ليسهل النطق بهما.
٢١٧
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
٢١٨
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
ّ
يعتد بصفة اإلطباق واالنفتاح التي الحظهـا علمـاء حرف أخرس)شديد( ،أي :هو لم
علــة لإلبدال ،ورواية السريايف َ ْ ُ
عـنـه هي: ّ العربيةّ ،
وعدوها
إنـما ُ ِ َ
قلــبت طـاء ً، أن تاء افتعل إذا كان فاء الفعل من حروف اإلطباقّ ،
الفراء ذكر ّ
أن ّ " ّ
أخرس ،فلما فاتهم اإلدغام ،وجدوا الطاء معتدلـة ً يف املخـرج بـني التـاء ّ
ألن التاء حرف َ
والصاد ،لتكون غري ذاهبة بواحدة من الحرفني").(١١١
• َ ّ
وخطـأ السريايف هذا القولّ ،
ورد عليه بثالثة أمور ،هي:
الخـرس)الشدة( ،فـاذا
ََ املبدل ُ ْ َ
واملبدل منه)التاء والطاء( متفقان يف صفة أن الحرف ُ ْ َ
ّ –١
لخـرسه ،فينبغي اإلتيان بصوت آخر يخالفه يف الصفة ،فال ينبغـي أن ُ ْ َ
يجعـل أزيل التاء َ َ
مثلــه.
ُ ٌ
حرف مكانـه
َ
َ
يوفق بها بني التاء والصاد ،بل ّ –٢
أن الطاء ليست معتدلة املخرج بني التاء والصاد حتى
إنـها من مخرج التاء نفسه.
ّ
العرب َ ْ ِ ُ
تـقـلـب التاء داال إذا كان الفاء ذاال أو زايا ،والتـاء مثـل الـدال يف املخـرج َ ّ –٣
أن
الشدة(،وليس بينهما ٌ
فرق إال ّ الجهر والهمس. والخـرس) ّ
ََ
ويصل السريايف يف ختام َ ّ
رده اىل تأكيد مقولة سيبويه وعلماء العربية اآلخرين يف العراق يف
علـة إبدال التاء طاء مع الصاد ،والضاد ،والطاء ،والظاء ،هي أن الطاء من حـروف
كون ّ
اإلطباق ،ومن مخرج التاء ،فالتناسب حصل بني صفتي االنفتاح ،واإلطباق مع املحافظة
عىل مخرج الصوت القديم)التاء(.
* * *
٢١٩
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
٢٢٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
ج – إشمام الصاد الساكنة رائحة الزاي ،أو إبدالها زايا ً خالـصة إذا وقعـت قبـل الـدال:
نحوَ ْ :
أصدر:
متقدمـة ،فـإذا ُ ّ
سكــنت الـصاد ّ َ
الـدال ،والـصاد ُ
الصاد قال ابن دريد ":إذا جاورت
ّ
فيحولونها يف بعض اللغات زايا ً".... َُ َ
ضـعفت
ومجمل اللهجات العربية يف" ْ
أصدر" ونظائرها ،هو:
ْ
إن شئت جعلتها" صادا ً خالصة" ألنها األصل. -
ْ
إن شئت جعلتها" بني الصاد والزاي". -
ْ
إن شئت جعلتها زايا ً خالصة. -
٢٢١
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• أما علة التغيري الذي لحق بالـصاد حـال ُمجاورتهـا "الـدال" فهـي عنـد الـسريايفْ :
أن
فـنـبـت الـصاد
"الصاد" مهموسة رخوة مطبقة ،والدال مجهورة شديدة غري مطبقة َ َ َ
عن الدال ،كما بينهما من هذه املخالفات بعض النبوةُ َ ،
فـجعل مكان الصاد حـرف بـني
ّ
وأقل نبوا عنهـا مـن الـصاد ،وذلـك الصاد والدال ،وهو" الزاي" الذي هو من مخرجها،
َ ْ
بـالجهر وعـدم اإلطبـاق ،ووافـق الحرف هو الزاي مجهورة غري مطبقة فوافق الـدال
الصاد بأنهما من مخرج واحد ،وبالصفري").(١١٥
أصدر } ،بصاد فيه رائحة الزاي{. ز د( أصدر) :ص د
فالعلــة إذا ًهي االختالف الكبري بني صفتي الحرفني الصاد والدال ،فمن أجل تقليل هـذا
ّ
االختالف والتنافر بني الصوتني املتجاورينَ ِ ُ ،
عمل عـىل إحـالل الـزاي مكـان الـصاد ،أو
إشمامها رائحتها ،والتي هي من مخرجها ،وصفتها ،لتقريبها من الـدال املجـاورة لهـا،
والتي ترشك معها يف الجهر وعدم االطباق.
• وإىل هذا ذهب ابن ِ ّ
جـني ،ولم يخرج بتعديالته عما سبق ،إذ ْ قال:
" فأبدلوا من الصاد – وهي مهموسة ٌ– حرفا من مخرجها َ ْ ُ ُ
يـقـرب من الدال ،وهو الزاي
لتوافقها يف الجهر").(١١٦
فـزد له").(١١٧
يحرم من ُ ْ َ وعن َ
املثل العربي" :لم ُ ْ َ
٢٢٢
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
٢٢٣
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
٢٢٤
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
٢٢٥
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
٢٢٦
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
ُ
الصوت املستعيل أوال ً ،ويلحق به الـصوت املـستفل ،فهـل يأتي
َ الصوتي املعكوس أي ْ
أن
يقع اإلبدال ،أم ال ؟
فإن كان حرف من هذه الحروف ]املستعلية[ قبل السني لـم َ ُ ْ
يجـز • ويف هذا قال ّ
املربدْ ":
ُ
قلبها ،نحو :قست ،وقسوت...ألنهم إنما قلبوها ،وهذه الحروف بعدها ،لئال يكونوا يف
انحدار ثم يرتفعوا ،واذا كانت قبلها فإنما ينحدر إليها انحدارا ً").(١٣١
ألنــه ـ اآلن ـ
ّ • وقال أبو عيل الفاريس ":إذا قال :قست وقسوت ،لم ُ ْ َ
يبدل الصاد منهـا،
يستـثقل ،كما ْ ُ ِ
استثقل عكسه").(١٣٢ ينحدر بعد اإلصعاد ،وهذا ُ ْ َ َ ّ
يستـخف وال ُ ْ َ
أي :إنهم أجازوا التتابع الصوتي إذا ّ
تقدم الصوت املستعيل ،لعدم وجود الثقـل الحاصـل
من االرتفاع الذي َ ﱠ َ
سبب اإلبدال.
* * *
٢٢٧
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسائل أخرى:
واآلن ّ
أود التقاط بعض العبارات املتفرقة ،وأقف عند ثالث مسائل ضمن مدار هـذه
الظاهرة:
– ١الفصل بني الصوتني املتجاورين:
اشرتكت ظاهرتا اإلدغام،واإلبدال يف مسألة تقريب صوت من صوت مع االختالف يف
عرضنا يف دراستنا لإلدغـام إىل وجـوب ت ّ
حقـق رشط التـداني ْ درجة هذا التقريب ،وقد
فصل بني الصوتني املتجاورين ،وإال ّ فال إدغام هناك.
التام ،من غري أيّ ْ
٢٢٨
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
أي عـدم
بتوفــر هـذا الـرشطْ ،
ّ وما دام اإلبدال يشرتك معه يف الهدف ،فالقياس يقيض
وجود فاصل بني الصوتني من حركة أو حرف ،ولكن األمثلة التي بني أيدينا حدث فيهـا
اإلبدال مع وجود الفصل بني الصوتني ،وهذا األمر التفت إليه بعض علماء اللغة ،منهم:
وعـده مـن بـاب َ َ ّ
التوهم،وعـدم االكـرتاث ّ ُ • ابن دريد ،فقد أشار إليه إشارة رسيعـة،
بالحاجز ،إذ ْ قال:
"وكذلك ْ
إن أدخلوا بني السني والطاء ،والقاف ،حرفـا ًحـاجزا ً ،أو حـرفني لـم يكرتثـوا،
)(١٣٨
يزد. ّ
وتوهموا املجاورة يف البناء ،فأبدلوا ،أال تراهم قالوا :صبط" ولم ِ
تحركـت الـصاد ّ
لصحة وقوع هذا اإلبدال ،فـإذا ّ يرى وجوب التجاور التام،
فابن دريد َ
لتحركهـا" ّ
ألن ّ تنطق كما هي دون إبدال ،ولهذا قال ":فاذا قالوا صـدق قالوهـا بالـصاد
الفتحة أصبحت حاجزا ً بني الصوتني)الصاد والدال(" ).(١٣٩
َ ْ
الفـصل نظرة فاحصة ،وأبدى رأيا ً فيه: • غري ّ
أن أبا عيل الفاريس نظر إىل هذا
ألنــها قـد
ّ تبـدل مـن الـسني الـزاي يف)رساط( مـن أجـل الطـاء، ْ
إذ قال ":ينبغـي أال ّ ُ ْ َ
تــحركـت ...مع ّ
أن بينـهما يف رساط حاجزين". َ َّ َ
ُ
الحرف". تـبدلّ ...ملا َ َ َ
فـصلـت الحركة ُ ،أو ثان ":وإنما لم ُ ْ َ ّ
وأكد هذا بقول ٍ
ََ
وحجزت الحركة ُ ،أو الحرف امتنع ما كان يجوز من قبل". وقال ":فلما َوقع الفصل،
فرايُ أبي عيل واضح يف عدم جواز اإلبدال واملـشاكلة بـني الـصوتني غـري املتجـاورين،
َ
للفصل الواقع بينهما من حركة ،أو حرف.
٢٢٩
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما عن كيفية إيجاد املشاكلة ،واالنسجام بني الصاد يف)رصاط( والتناسب بينهما مع
يشـم الصاد صوت الـزاي ،مـن أجـل يرجح قراءة املضارعةْ ،
بأن ُ َ ّ فإنـه ّ
ّ وجود الحجز،
حجز بينهما من الحروف").(١٤٠
حجز ما َ َ َ
التوفيق" بني الحرفني مع َ ْ
وهذه القراءة عنده أحسن من القراءة بإبداله زايا خالصة ،لوجود الفصل بينهما.
* * *
٢٣٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
• وقال ابن ِ ّ
جـنـي ":ال ُيقال يف اصـطرب :اصـتربْ ...
وإن كـان هـذا هـو األصـل ...ويف
ُ
ابـن جنـي كالمهم من األصول املرفوضة) ....(١٤٢ما ال ُيحـىص كثـرة") .(١٤٣وقـد دعاهـا
باألصول التي ال ُتراجع ،اي ال ينطق بها.
جـنـي هو عدم "تجنيس الصوت الذي ُ ّ
يـسبب والعلــة يف عدم نطق األصل عند ابن ِ ّ
ّ
ُ
صعوبة يف النطق".
تكلـف:
ّ ب – ما يمكن النطق به عىل
كقولهمْ َ :
عنـرب بإظهار النون.
املتكلـم إخراجهـا مـن الفـم،
ّ تكلــف
ّ • قال السريايف يف إظهار النون من عنرب" :ولو
وبعدها الباء ،ألمكن عىل مشقة وبعالج ،وإنما تخـرج مـن الخيـشوم ،وهـي سـاكنة،
وبعدها الباء فتنقلب ميما").(١٤٤
ُ
النطق باألصل هو األجود: ج – ما كان
كقولهم :سطر وصطر ،وسقر وصقر:
ُ
السني صادا ً ،وتركها عىل لفظهـا أجـود ،وذاك املربد ":هذا باب ما ُ ْ َ ُ
تـقـلب فيه قال ّ •
تـقـلـب للتقريب مما بعدها").(١٤٥
وإنـما ُ ْ َ
ّ ألنـها األصل،
ّ
* * *
٢٣١
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ﱠ
اللـبس يف الصيغة الجديدة – ٣عدم
تـصيد بعض العبارات من خالل دراستهم لظاهرة اإلبـدال التـي مـن شـأنها ْ
أن يمكن َ َ ّ ُ
اللـبسّ ،
وأن الصيغة الجديدة بعد حـدوث اإلبـدال، بأنـهم راعوا مسألة عدم ﱠ ْ
ّ ّ
توضح لنا
ُيشرتط فيها أن ال تلتبس بصيغة أخرى،
ّ
فألن الكـالم ال يقـع يف يشء • كقول ّ
املربد يف نون) َ ْ َ
عنـرب(" :وأما قلبها ميما مع الباء،
فأمنوا االلتباس").(١٤٦
منه ميم ساكنة قبل الباءِ ،
وقول أبي بكر ابن الرساج يف اختيار الصاد يف)الرصاط(:
والحسن يف السمع ،وهو غري ُملبسّ ،
ألن من لغتـه ُ ْ للخفـة
ّ " واالختيار عندي الصاد،
لـبسّ ،
ألن الـسني كأنهـا مهملـة يف يتجنـب السني مع الطاء ،لم يقع عليه َ ْ
ّ هذا إذا كان
االستعمال عنده مع الطاء ،وإنما يقع االلتباس لو التبست كلمة بالسني بكلمة بالـصاد
يف معنيني مختلفني").(١٤٧
• وقول السريايف يف قلب تاء افتعل طاء مع حروف اإلطباق:
أنــه ال يقـع
" فطلبوا حرفا من مخرج التاء ،يوافقها يف اإلطباق وهي الطاء ،وقد علموا ّ
لـبس يف ذلك").(١٤٨
َْ ٌ
فواضح من النصوص الثالثة اطمئنانهم من عدم اللبس يف الصيغة التي ّ
تم فيها اإلبدال.
* * *
٢٣٢
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
اإلدغام:
تـأثر األصـوات اللغويـة بعـضها
ّ ّ
خاص أدركه علماء العربية ناتج عن هو أداء صوتي
تأثرا ً يفيض إىل ّ
تحول األصوات املختلفة اىل التماثـل فيمـا بينهـا ببعض حال تجاورها ّ
وفيه:
ُ ّ
واحدا،فـسكن األول منهمـا ،فهـو اعلم ّ
أن الحرفني إذا كـان لفظهمـا • قال ّ
املربدْ ":
مدغـم يف الثاني ،وتأويل قولنا) ُ ْ َ
مدغـم( أنه ال حركة تفصل بينهمـا ،فإنمـا تعتمـد ُْ َ
فــ ْ
ـصل ،وذلــك قولــك: لهمــا باللــسان اعتمــادة واحــدةّ ،
ألن املخــرج واحــد ،وال َ
قـطـع").(١٤٩
َ ﱠ
• وأوضحه الزجاجي بقوله:
ُْ ِ ُ
وتــدغمه يف الثـاني أي "هو ْ
أن يلتقي حرفان من جنس واحدَ ُ َ ،
فـتـسكن األول منهما،
تدخله فيه ،فيصري حرفا ً واحدا ً مشددا ً ينبـو اللـسان عنـه نبـوة واحـدة ،أو يلتقـي
حرفان متقاربان يف املخرجْ ُ َ ،
فـتـبدل األول من جنس الثاني ،وتدغمه فيه ،وانما تفعـل
ذلك تخفيفا").(١٥٠
جنـي فاالدغام عنده تقريب صوت من صوت ،وهو عىل رضبني:
ّ ّ
أما ابن •
قطـع أم متحركا ً
ّ األول :هو إدغام املثلني سواء أكان األول ساكنا ،كالطاء األوىل من
كالدال األوىل من َ ّ
شـد.
ّ
املـسوغة لإلدغـام فتقلـب الثاني :هو إدغام املتقاربني حال تجاورهما عىل األحكام
أحدهما إىل لفظ صاحبه ،فتدغمه فيه،نحو:
٢٣٣
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ود).(١٥١
َ ّ َ ْ
وتــد َوتَد
ومن هذه النصوص ،يتبني ّ
أن االدغام عندهم أداء صوتي مفاده إدخال الصوت يف
مـثـلــني ،كالطائني يف مشـددا ً ،وهما :إما ْ
أن يكونا َ َ َ ّ مجاوره ،حتى يكونا صوتا ًواحدا ً
وتـد ،فتدغمهما بعد قلب التاء داال. قـطــع،أو ُ َ
متــقاربني كالتاء والدال يف َ َ َ ّ
وعلــة هذه الظاهرة عندهم هي ِ
ثـقل النطق الناتج عن تجاور مخرجـي الحـرفني ّ
املتقاربني ،أو اتحادهما يف املتماثلني حال نطقهما منفصلني.
وتحركت النون ،وذلك
ّ تـدغم الالم عند النون ،إذا ْ َ
سكنـت الالم، • قال ّ ُ
الفراء ":العرب ُ ْ ِ
أنـها قريبة املخرج").(١٥٢
ّ
ّ
الدال،ألن مخرجها من مخرجها... • وقال األخفش" التاء ُ ْ َ
تـدغـم يف
مخرجه،فافعل به هذا").(١٥٣
ْ قـُربَ َ
ب ّ
فكل ما َ .....
فـتـدغـم يف الحاء ...ألنهما متقاربتان").(١٥٤ • وقال ّ
املربدّ ":
وأما الهاء َ ُ ْ َ
فتقارب املخارج رشط أساس ،فإذا تباعدا فال إدغام هناك.
َ
النـون ليـست مـن حـروف يـنـزلونّ ،
ألن • قال األخفش ":وال َ
تـقل يف َ َ َ ّ
يتـنـزلونَ َ :
الثنايا كالتاء").(١٥٥
* * *
٢٣٤
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
٢٣٥
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إظهارهـا
ُ الالم تدخل يف الراء دخوال ً شديدا ًَ ،
ويثقـل عىل اللـسان َ فإن • قال ّ
الفراءّ ":
فـأدغمت").(١٦٢
ْ ِ َ
فأدغم").(١٦٣ • وقال أيضا ً ":فما َ ُ َ
ثـقـل عىل اللسان إظهاره ْ ِ
٢٣٦
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
تمثــلت
ّ أما الكيفية التي عالج اللسان بها هذه الصعوبة لرفع ِ َ
الثقـل عنـه ،فقـد
بأن يرتفع بالصوتني معا ً) (١٦٦بعد إدغامهما رفعة واحدة ،بدال ً من تكرار العمـل بهمـا
ُِ ّ
وخـفـف املجهود العضيل الـذي يبذلـه اخـتـزل ذلك الثقل،
مرتني قبل اإلدغام ،وبذلك ْ ُ
ّ
اللسان.
دل هذا عىل يشء ،فإنما َ ُ
يدل عىل ُ ْ
عمـق هذا ما التفت اليه علماء العربية يف العراقْ ،
فإن َ ّ
معرفتهم بجهاز النطق ،وحركات أعضائه.
• قال ّ
املربد يف الحرفني املدغمني:
ألن املخرج واحد وال فصل").(١٦٧
" فإنما تعتمد لهما باللسان اعتمادة واحدةّ ،
ّ
أخـف").(١٦٨ وقال أيضا ًفيهماَ ْ ُ ":
لريفع اللسان عنهما رفعة واحدة،إذ ْ كان ذلك
ّ
مـشددا، • وقال الزجاجي بعد وصفه للحرفني ُ ْ َ
املدغـمني ،وكونهمـا حرفـا واحـدا
قال ":فينبو اللسان عنه نبوة واحدة").(١٦٩
ﱡ
أخـف علـيهم مـن • وقال ابن ِ ّ
جـنـيّ ":
إنهم قد علموا :أن إدغام الحرف يف الحرف
َّ
شــد أن اللسان ينبو عنهما معا ً نبوة واحدة ،نحو قولك:
ترى ّ
إظهار الحرفني ،أال َ
وقـطـع").(١٧٠
َ ّ
وقال أيضا ً يف إدغام الثاء يف التاء ":فلما تجاورتا يف املخارج أرادوا ْ
أن يكـون العمـل مـن
وجه واحد ...ليكون الصوت نوعا ً واحدا ً").(١٧١
* * *
٢٣٧
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
َ
صوت املدغم فيه. املدغـم منهما يؤدي
َ ) (172ال يشمل هذا إدغام املتقاربنيّ ،
ألن الصوت
) (173رشح السريايف .٦١٣/٦
) (174املقتضب .٢١٧ /١
٢٣٨
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
• قال ّ
املربد:
يبخس الحروف َ وال ينقصها").(١٧٥
" واإلدغام ال َ ْ ُ
اصـرب"ّ " ،
ألن يف ّ اطـرب" يف اصطرب ،وجواز"
جنـي :يف تعليل عدم جواز" ّ
ّ • وقال ابن
الصاد صفريا وتمام صوت ،فلو أدغمتها َ َ ْ َ
لسلـبتها ذلك ،ومتى كان اإلدغام ينقص
يجز ْ").(١٧٦
األول شيئا لم َ ُ
وقال يف عدم جواز إدغام الزاي يف التاء:
يذهب منها الصفري ،وطول الصوت ملا فيها من االنسالل").(١٧٧
َ "لئال
املربد ،والسريايف ،وأبو عيل الفاريس) (١٧٨عدم إدغـام مجموعـة مـن
علــل ّ
ّ وبهذه النظرة
َ
يذهب اإلدغام بصفات امتازت بها ،وهي: األصوات يف غريها ،لئال
األلف ،والواو ،والياء ،لها فضيلة ّ
مد الصوت. -
السني ،والزاي ،والصاد ،لها فضيلة الوضوح لصوت صفريها. -
التفشـي واالستطالة.
ّ الشني ،والضاد ،لها فضيلة -
والراء لها فضيلة التكرير. -
تفشـيا").(١٧٩
ّ ولخـص السريايف هذا املبدأ بقوله ":األقل ّ تفشيا ُ ْ ُ
يدغم يف األكثر ّ •
أن تدغم األضعف يف األقوى").(١٨٠ جنـي بقوله ":وإنما َ
املذهب ْ ّ وحاكاه ابن •
٢٣٩
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد نجد لهذه الفكرة تأييدا يف الدراسـات الـصوتية الغربيـة الحديثـة ،فقـد صـاغ •
سـماه :قـانون َ
الغَلبـة ّ اللغوي الفرنيس جرامـون) (Grammontقانونـا ً صـوتيا ً
ّ
فـإن األضـعف أثـر صـوت يف آخـر،
حقـق شهرة ،ومفاده إذا ّ
ّ لألقوى ،وهو قانون
بموقعه يف املقطع ،أو بامتداده النطقي هو الذي يقع تحت تأثري اآلخر).(١٨١
أعثر عـىل مـا ُيخالفـه إال ّ
ْ هذا هو ما اتفق عليه أغلب علماء العربية يف العراق ولم •
كالفراء وثعلب يف مسألتني ،هما:
ّ عند كبار الكوفيني
الفراء).(١٨٢
أوالهما :جواز إدغام الراء يف الالم عند ّ
وقد جاء هذا اإلدغام أيضا ً عن أبي عمـرو بـن العـالء)١٥٤) (١٨٣هــ( َ ّ َ
تحركـت الـراء ،أو
لـكم().(١٨٤ لـكم( ،وقوله تعاىل) َ ْ ْ
يغـفر َ أطـهر َ سكنـت نظري قوله تعاىل) ُ ﱠ
هن ْ ُ ُ َ
الفراء هنا يعكس جانبا من جوانـب اعتـزاز ِ الكـوفيني بـالقراءات القرآنيـةْ ،
وإن ورأي ّ
القياس العام).(١٨٥
َ ْ
خالفت
علما ّ
أن الذين عابوا هذا اإلدغام ،احتجوا له بـسبب صـوتي يدعمـه ويقويـه ويوضـح
الخفـة يف النطق ،من ذلك:
ّ هدفـه ،وهو امليل ُ اىل
َ
٢٤٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
٢٤١
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما َ
الفرق بني النون وأصوات الصفري فهو واضح يف املخارج والصفات).(١٩٠ ّ –٣
َ
عدم جـواز إدغـام أصـوات الـصفري يف الفراء يرى
ألن ّخاص بثعلبّ ،
ٌ رأي
ٌ ويبدو ّ
أن هذا
فـغـلـب الزاي عىل الدال، غريها ،فقد ِأثر عنه قولهّ ":
مزجر يف مزدجر" َ َ ّ
ـفاء
فإنــها شـ ٌ
ّ ّ
فاصـعطها، عقــيل ":عليـك بـأبوال ِ الظبـاء َ
قـول بعـض بنـي ُ َ ْ َ
وروى
للطحل").(١٩١
ينـقـد هذا ّ
اصعط ،ولم َ ْ ُ ْ َ
اصطـعط فـغـلـب الصاد عىل الطاء يف :اصتعط
َ َ ّ
ّ
صحته عنده. يدلــل عل
ّ القول ،مما
* * *
خلـفه علماء العربية يف العراق من تعليل لهـذه
ولو أردنا أن نلقي نظرة ً تقويمية ً ملا ّ
ّ
توصل إليه الدرس الـصوتي الحـديث ،فـسنجد تقاربـا ً الظواهر الصوتية ،عىل وفق ما
كبريا ،بل تماثال يف كثري من جوانبها.
ّ
محـل فمن نظريات املحدثني الصوتية :نظرية التماثلُ ،
ويراد بها" عملية إحالل صـوت
صوت آخر تحت تأثري صوت ثان ٍ قريب منه يف الكلمة") ،(١٩٢وشمل هذا املفهوم ُ الحاالت ِ
تـم فيها فناء صوت يف آخر ،وهو عني ما ُ ْ َ َ
اصطـلـح عليه علماء العربية باإلدغام. التي َ َ ﱠ
ُ
واألصـوات يف تأثرهـا كمـا قـال الـدكتور تأثـر نتيجة َ املجاورة،
فالتماثل إذا ً هوٌ ّ :
أنيس) :(١٩٣تهدف اىل نوع من املماثلة ،أو املشابهة بينها ،ليزداد مع مجاورتهـا قربهـا يف
الصفات أو املخارج.
٢٤٢
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
ُ
يحدث بني األصوات الصامتة").(١٩٤ "وهذا التوافق ،يحدث بني الحركات ،كما
أما الغرض من هذا التأثري فهو عندهم" التقريب بني الـصوتني املتجـاورين ،مـا أمكـن
تيسريا ً لعملية النطق ،واقتصادا يف الجهد العضيل".
تأثــر األصـوات
ّ َ
مصاديق ظاهرة التماثـل حـسب نـسبة )(١٩٥ َ ّ
وصنف الدكتور أنيس
بعضها ببعض ،اىل أرضب ٍ ،هي:
– ١صفة الصوت:
أثر أحـدهما يف اآلخـر فيقلبـه اىل ٌ
مهموس ّ مجهور،واآلخر
ٌ إذا التقى صوتان أحدهما
ّ
وفـرسوا نظريه حتى يكونا مجهورين مثال ً مع ،املحافظة عىل مخرج الصوت املقلـوب،
َ
انقـالب اقتصاد يف املجهود العـضيل املبـذول مـن اللـسانّ ،
ألن ٌ هذا االلتقاء والتأثر ّ
بأنه
املهموس اىل املجهور هو اقتصاد يف عملية االنقباض واالنبساط يف املزمار الـذي ُ ْ َ
يفــتح
مع املهموس ،ويضيق مع املجهور ،ليتذب َ
ذب الوتران الصوتيان.
يؤثــر أحـدهما يف
ّ رخــو ،فقـد
ْ وكذلك إذا التقى صـوتان أحـدهما شـديد واآلخـر ِ
اآلخر،فيقلبه اىل نظريه ليصبح الصوتان شديدين أو رخوينُ َ ْ َ ،
وتـصحب هذا التأثري عـادة
ظاهرة ُ اإلدغام ،فهو حالة سابقة لها.
يؤثــر الـصوت املطبـق
ّ وكذلك إذا التقى صوتان أحدهما مطبق،واآلخر منفتح ،فقد
عىل الصوت املنفتح ،ويقلبه اىل نظريه ،حتى يكون تناول اللسان لهما بوضـع متناسـب
ُ
االقتصاد يف الجهد. ُ
يتحقق ومتقارب ،وبذلك
٢٤٣
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تجاور األصوات املتأثرة تجاورا مبارشا من دون حاجز حتى اذا كـان
ُ واشرتطوا أن يكون
الفاصل ُ حركة ً قصرية ً.
– ٢انتقال مجرى الهواء:
يخرج الهواء عند نطق األصوات العربية من الفم ،سوى صوتني ،هما املـيم والنـون،
فيخرج الهواء معهما من األنف.
فاذا التقى صوتان يخرج الهواء مع أحدهما من الفم ،ومع الثاني من األنف ،فيـؤثر
ُ
ويقع هـذا التـأثري عـادة كحالـة ٍ ُ
أحدهما يف مجاوره،ويقلبه اىل نظريه من النوع اآلخر،
ْ
وقلبها ميمـا معنا")،(١٩٦
اركـب ﱠ َ ٍ
سابقة لظاهرة اإلدغام ،كتأثري الباء بامليم يف قوله تعاىل" ْ َ ْ
ثم يحدث اإلدغام.
أي َ ّ
تـم انتقال مجرى الهواء مع الباء من الفم اىل األنف ،بعـد قلبـه اىل نظـريه الـشفوي
ّ
يتـــم االقتـصاد يف الجهـد العـضيل املبـذول يف الذي يخرج الهواء معه من األنف ،وبهذا
النطق.
-٣انتقال مخرج الصوت:
آخر ،أمامه أو خلفـه ،حتـى
فقد ينتقل مخرج الصوت من مكانه اىل مخرج ِ صوت ٍ َ
ُ
استبداله بأقرب األصوات إليه تحت ظروف صوتية خاصة ،كقلب النون الساكنة إذا َ ّ
يتـم
الباء ميما ً.
ُ وليها
– ٤فناء صوت يف صوت آخر:
يفنى أحـدهما يف اآلخـرَ ْ ُ ،
وينـطــق َ إذا التقى صوتان متقاربان أو متجانسان ،فقد
الصوتان بصوت واحد ،وهو ما اصطلح عليه علماء العربية باإلدغام الـذي ُ َ ّ
يعـد أقـىص
٢٤٤
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
حاالت التأثري باملجاورة ،وقد حـاكى املحـدثون القـدماء َ يف تعـريفهم للظـاهرة أيـضا
بأسلوب حديث:
قال كانتينو ":أما االدغام ُ فهو ظاهرة ٌ تتمثـل يف نزعـة صـوتني مـا اىل التماثـل ،أو اىل
ت).(١٩٧
ّ االتــصاف بصفات مشرتكة نحو :د ت
ّ
وأشاد املسترشقون ــأيضا ــ باكتشاف علماء العربية يف العراق لهذا القانون الـصوتي
يتوصل علم األصوات العرصي اىل معرفته اال ّ منذ عهد قريب).(١٩٨
ْ الذي لم
* * *
ﱠَ
حـددها املحـدثون، ونظرة رسيعة ملعالم ظاهرة التماثل ،أو االنسجام الصوتي كمـا
علمـاء
َ وعللها ،وأهدافها ،يتبني لنا بوضوح ال خفاء فيه ،وال غبار عليه ّ
أن بتقسيماتهاِ ،
العربية يف العراق القدماء أدركوا تأثري األصوات املتجاورة بعضها ببعض من أجل تخفيف
ميرسة ،من أجل تخفيف ِ َ َ
ثقــل التتابعات الصوتية الثقيلة ،واستبدالها بتتابعات صوتية ّ
التحركات عىل اللسان ،وتيسري عملية النطق.
ّ
َ
رسـمها القـدماء سـوى ولم َ ْ
يضف املحدثون شيئا جديدا بارزا إىل هذه الظاهرة التي َ
تغيري األلفاظ ِ واملصطلحات.
* * *
٢٤٥
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوافق الحركي:
ُ
االنـسجام والتماثـل ُ بـني األصـوات ويراد بها :الظواهر النطقيـة التـي َ َ ّ
تــم فيهـا ُ
الصائتة)الحركات( قصرية ً كانت أو طويلة ً يف مقطعني متجاورين.
غري تام( ،كالحركتني املتواليتني يف اإلمالة .أو يكون
وهذا التماثل إما أن يكون جزئيا ً) َ
تاما كحركة اإلتباع ،إذ ْ ُ ْ َ
ينـطــق بهما كفتحتني أو ضمتني ،أو كرستني.
وهذه الظواهر جاءت عىل مستويني:
ُ
تشمل لهجات ِ العرب كافة. أولهما :ما جاءت
تتحدد بمستوى لهجي ّ
معني ،أي بقبيلة خاصة. ّ وثانيهما :ما جاءت
العلـــة يف
ّ علماء العربية معالم هـذه الظـاهرة ،ووقوعهـا بـني أصـوات
ُ َ
أدرك لقد
صور لنا االنسجام والتناسب ّ
بكل علمي صوتيّ ،
ّ ّ
متعددة ،وأبانوا ِعللها بمنظار مصاديق
دقة ،وأدركوا وقوع َ هذا التناسب هنا كوقوعه بني األصوات الصامتة ،وربطوا بينهمـا يف
استدالالتهم،
• وفيه قال ابن ِ ّ
جـني :
التقارب بني الحرفني ،فقد ُ
تجده أيضا ً بني َ " واعلم أنك كما قد تجد هذه املضارعة ،وهذا
الحركات").(١٩٩
وسنتحدث ُ عن بعض مظاهر هذا التوافق مؤكدين تعليالتهم الصوتية لها يف ّ
كل من:
اإلمالة ،واإلتباع.
٢٤٦
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
)(٢٠٠
اإلمالـــــــــة:
فيجنــح بـه ُ
األلف يف محيط ٍ صوتي ٍ محـدد ٍُ َ ْ ُ ، ّ
اختص به صوت وهي ظاهرة نطقية
نحو الياء.
ُ
تقريـب" الحـرف ألنـها عنده َ
نحو الياء ِ"ّ ، ِ
باأللف وهي عندهم كما قال ّ
املربد ":أن تنحو
مما ُيشاكله من كرسة أو ياء").(٢٠١
وكرر العلماء هذا املعنى يف دراساتهم لها:
ّ
َ
األلف نحو الياء ،والفتحة نحو الكرسة").(٢٠٢ َ
تميل • كقول الزجاجيْ ":
أن
َ
فتميـل إنـما هي ْ
أن تنحو بالفتحـة نحـو الكـرسة بأن" اإلمالة ّ • وقول ابن ِ ّ
جـنـي ّ
َ
األلف التي بعدها نحو الياء ،لرضب من تجانس الصوت ،فكما ّ
أن الحركـة َ ليـست
َ
األلـف تابعـة ٌ فتحة محضة ،فكذلك األلف التي بعدها ليست ألفـا ً محـضةّ ....
ألن
للفتحة).(٢٠٤)".....(٢٠٣
أنـها كيفية ٌ خاصة لنطق األلف يف تتابع صوتي بعينه.
فاإلمالة بعد هذا تتبني ّ
علـة اإلمالة" عند علماء العربية ،كمـا يتـضح مـن
وهذا التتابع الحركي الصوتي هو" ّ
أقوالهم:
ّ ُ
سنعلـل له. أشهرها ،إمالة ُ الفتح ِ نحو الكرس ِ وهو ما
ُ ) (200االمالة كما ُرويت أنواع كثرية
) (201املقتضب .٤٢ /٣
) (202الجمل .٣٦٣/
بأن حروف املد تسبقها حركـات ٌ مجانـسة لهـا،) (203وعبارة األلف تابعة للفتحة توضح لنا تصورهم ّ
فاأللف تسبقها الفتحة ،والياء تسبقها الكرسة ،والواو تسبقها الضمة ،وهو أمر لم تؤيدهم به الدراسـات
الحديثة ألن الحروف الصامتة السابقة لحروف املد متحركة بحروف املد ِ
نفسها ،ألنها حركات طويلة.
) (204رس صناعة اإلعراب .٥٨/١
٢٤٧
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
)(٢٠٥ َ
األلف للكرسة الالزمة ملا بعدها ..وكذا إذا كانت قبلها... َ
أملت • قال ّ
املربد ":فإنما
عابـد( و)ِعباد(".
ومثل للتتابعني بـ) ِ
وإنـما تحدث األمالة عن الكرسة ،إذا كانت قبل
ّ جنـي هذا املعنى بقوله":
ّ وكرر ُ
ابن ّ •
حاتم").(٢٠٦
الحرف املمال أو بعده....نحوِ :عماد ،وهذا ِ
َ
الهدف املنشود من هذه الظاهرة ،وهو أنها وقعت" لرضب مـن تجـانس وأبان ـ أيضا ًـ
)(٢٠٧
ُ
العمل من وجه واحد َ
ليكون الصوت" و
مؤلـف ٍ من:
ّ فعلــة االمالة إذا ً هي وجود" األلف" يف تتابع صوتي
ّ
املد ،أو ،ألف ّ
املد +صامت مكسور. صامت مكسور +ألف ّ
ُ
يتطلب َ
األلف ألن َ
يخفى ما بني نطق الكرس واأللف من اختالف يف الحركات النطقيةّ ، وال
َ
انفتاح الفم مع استواء اللسان يف قاع الفم ،عىل خالف الوضع النطقـي مـع الكـرسة أو
الياء ،فمن أجل التقريب بني الوضعني املتخالفني ،وإيجاد ِ التناسب واالنسجام الصوتي،
َ
دون انفتاح الفم معها ،لتقريب من الوضع النطقي للكرسة أو الياء ،وبذلك ُ ِ َ
نـطق بألف ٍ
ٍ
وجه واحـد ٍ" كمـا قـال ُ
العمل من املربد ،و" يكون ّ
يتم" التقريب بني الصوتني" كما قال ّ
ابن ِ ّ
جـنـي.
* * *
٢٤٨
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
• ولم َ ِ
يضف املحدثون أمرا ً ذا أهمية عما قاله علماء العراق يف تعليل هـذه الظـاهرة.
أيد َ ْ َ
كـون هذا الحادث الصوتي املشهور من باب تقريب الـصوت فاملسترشق شاده ّ
الفـهم).(٢٠٨
َْ فـهموا ما هية َ هذا الحادث ّ
حق علماء العربية َ
َ وأكـد ّ
أن ّ من الصوت،
• وقال الدكتور أنيس ":فليس هذا إال ّ نوعا من االنسجام بني أصوات اللني ،لذلك جعل
القدماء من أسباب اإلمالة وجود كرسة سواء أكانت سابقة أم الحقـة ،وال شـك ّ
أن
ُ
يتطلب مجهودا ً عـضويا ً أكـربَ ممـا لـو االنتقال من الكرس أو الفتح ،أو بالعكس
بأن تصبح متشابهةّ ،
ألن حركة َ األمالـة أصوات اللني بعضها مع بعضْ ،
ُ انسجمت
أقرب إىل الكرسة ِ منها اىل الفتحة").(٢٠٩
* * *
لنعد ثانية اىل تراثنا يف هذه الظاهرة ،فقد خلفوا لنا تفسريا ً صوتيا ً دقيقا ً يف إحـدى
حاالت منع اإلمالة ،وهي عندما يسبق)األلف( أو يلحق به أحد أصوات االستعالء السبعة:
الصاد ،والضاد ،والطاء ،والظاء ،والخاء ،والقاف ،والغني ،مفتوحا كان أو مضموما.
• ففي هذا قال ّ
املربد ":فاذا كانت هذه الحروف ]املستعلية[ يف موضـع الفـاءات مـن
ّ
يتـصعد املـتكلم بعـد فاعلَ َ َ ،
منعت اإلمالة لقربها ،وهي بعد األلف أمنـع) ،(٢١٠لـئال
االنحدار").(٢١١
٢٤٩
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ّ
يـصعدوا باملـستعيل • وقال أبو عيل الفاريس ":تركوا إمالة)واقد( ونحوه ،كراهـة ْ
أن
التسفـل باإلمالة").(٢١٢
ّ بعد
سبب صوتي ،إذ إّن صوت األلف يتطلب انفتاح الفـم ،أمـا اإلمالـة
ٌ فاملانـع هنا
ُ
فإنـه
ّ جنح بها اىل الصوت املستعيل، ُ
األلف ،ثم ُ ِ َ فتتطلب التسفل بالنطق ،فإذا أميلت
حقــه
ّ َ
والشخوص إىل الغار األعىل من أجل إعطاء الصوت املستعيل ّ
التصعد يتطلب
ألن املستعلية َ" حروف استعلت اىل الحنك األعىل") (٢١٣أو هي" شاخصة إىل
يف النطقّ ،
الغار األعىل" كما أفاد ابن دريد) ،(٢١٤فيكون يف االنتقال من الوضع النطقي لإلمالـة
ّ
يـؤدي ومشقـة ٌ للتباعد واالرتفاع املبارش الذي
ّ ّ ٌ
تكلــف إىل نطق األصوات املستعلية
اىل ثقل النطق.
َ
أحـد ْ
سبقت علـة قلب السني صادا إذا ُ
نفسها ّ فعلة ُ حدوث االنسجام يف هذا التتابع ،هي
يقـع اللـسان ُ عليهـاّ ،
ثـم يرتفـع اىل الطـاء َ األصوات املـستعلية التـي " اسـتثقلوا ْ
أن
والقاف").(٢١٥
ّ
تمـد وهذا التعليل نال موافقة َ املحـدثني وتأييـدهم للفكـرة يف" ّ
أن أصـوات – اإلطبـاق
نفوذها إىل ما يسبقها،وما يتبعها من أصوات").(٢١٦
٢٥٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
ّ
فـإن جميـع مفخـم سـاكن يف مقطـع مـا،
ّ وقال الدكتور العاني ":عندما يوجد صوت
املقطع يصبح مفخما ً ،ومـن املمكـن أن يجعـل جميـع ...الفونيمـات متـأثرا ً ببيئتـه
الصوتية").(٢١٧
وقال كانتينو ":فإننا ...نوافقهم تمام َ املوافقة يف ضبطهم ملوانـع اإلمالـة ،أي الحـروف
َ
األلف منعت إمالتها وهي الحروف السبعة املستعلية").(٢١٨ التي إذا جاورت
* * *
اإلتباع يف الحركات:
ُ ْ َ
مختلفني،يجنح بهمـا اىل التماثـل ُ
ويراد بها عندهم ظاهرة توايل صوتي لني قصريين
الخفـة يف النطق.
ّ ّ
موحد ،ليصبحا فتحتني ،أو ضمتني ،أو كرستني من أجل التام بنطق
وأكــد الفـاريس هـذا
ّ اتـباع العرب لهـا)،(٢١٩ • وهي ظاهرة َ َ
وصفـها األخفش بكثرة ّ
بقوله ":ومن ذلك أنهم قد احتملوا من أجل إتباع الحركات ما رفضوه يف غريه ،وذلك
يـخـطـف)ّ ِ ِ ،(٢٢٠
ويـكـتـب ،فكرسوا الياء يف املـضارعة إتباعـا ملـا بعـدها، قولهمّ ِ ِ :
ولوال ذلك لم تكرس الياء").(٢٢١
أنـهم هنا كرسوا ياء املضارعة إتباعا ً ،علما أنـه غـري ويريد أبو عيل الفاريس ْ
أن يوضح ّ
عرفوا ْ
بكرس حرف املضارعة. معمول به حتى عند الذين ُ ِ
٢٥١
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضمة").(٢٢٤
كرسة ٌ بعدها ّ
اسـتثقل الـضمة َ يف عليــهمّ "،
فإنـه ْ ِ ُ عليهم( ،واألصل:
وقال ـ أيضاـ يف بيانه لالتباع يف) ِ
عليهـم").(٢٢٥
ِ ياء ساكنة ،فقال:
الهاء ،وقبلها ٌ
بعلـة الثقل ،إذ قال يف وقوع اإلتباع يف قوله تعاىل:
ّ ّ
واعتد األخفش •
٢٥٢
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
ُ
األلف ،إذا كان الحرف الثالـث مـضموما، كـثريا")" ،(٢٢٦وانما ّ
ضمت هذه " ُ ُُ
واذكـروا َ
الله َ
فـثـقـل علـيهم أن يكونـوا يف ْ ٍ
كـرس ،ثـم ألنـهم لم يروا بني الحرفني إال ّ حرفا ً ساكنا ًُ َ َ ،
ّ
يصريوا إىل َ
الض ّم ،فأرادوا أن يكونا جميعا مضمومني ،إذا كان ذلك ال ّ
يغري املعنى".
ومن ّ
نص األخفش تتبني لنا أمور ،هي:
علـة وقوع االتباع هي ِ ُ
ثقل النطق الحاصل عن تتابع حركتني مختلفتني. أن َّ –١
متحرك.
ّ – ٢عدم االعتداد بالحرف الحاجز بني الحركتني ،لكونه غري
– ٣كون املعنى ثابتا ،ال يتغري بعد وقوع اإلتباع.
• والحظ أبو عيل الفاريس) (٢٢٧مسألة َ وقوع اإلتباع مع وجود الفصل بني الحـركتني،
إن حركة اإلتباع قد جاءت عنهم مع حجز َ ْ
حـرف ٍ بـني الحـركتني ،وذلـك إذ ْ قالّ ":
أجيئـكِ ِ ،
ومنتن."... ُ قولهمُ ُ :
أجؤك يف
ُ
األساس لظاهرة اإلتباع فهو الخفة ُ يف النطـق التـي تكـون حـصيلة تنـاول ُ
الهدف أما
ّ
موحـد ،ومتماثـل عـىل نمـط واحـد ليجعلهمـا اللسان نطق الحركتني بوضـع نطقـي
ــتن ،والضمتني يف ْ ُ
أنـبؤك ،وبذلك يتشابه الصوتان ،ويتفقان ،وتتحقق كالكرستني يف ِمن ْ ِ
الخفـة املنشودة.
ّ
أما األلفاظ املروية ُ يف باب اإلتباع ،فهي رضبان:
أثـرت فيه الحركة السابقة عىل الحركة الالحقة.
األول :ما ﱠ
نظري:
وبـهـم ، وعليــهمُ ،
وبهم ِ ِ ِ ُْ
علـيهم • ما رواه ّ
الفراء:
• ويف تغيري حركة هذا الضمري.
٢٥٣
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• قال أبو عيل الفاريس ":إنها إذا لم تجاورها الكرسة ،وال الياء لم تكن إال ّ مضمومة،
الكرس فيها لإلتباع والتقريب").(٢٢٨
ُ وإذا جاورتها الكرسة ُ ،أو الياء جاز
أجؤك).(٢٢٩ • وما رواه األخفش ":أنا ْ ُ
أنـبـؤك ،وأنا ُ
ََ
الخــفق يف وقـربان ،وما جـاء مـن ألفـاظ الـشعر:
قـربان ُ ُ • وما رواه ابن ِ ّ
جـنـيْ ُ :
الجـلـد).(٢٣٠
ِ ْ ِ ِ
والجـلد يف والعشق يف ِ ْ
العشـق، الخـفـقِ ِ ،
َ ْ
أثـرت فيه الحركة ُ الالحقة ُ عىل الحركة السابقة
الثاني :ما ﱠ
• نظري:
ُ
الحمد ِلله ،والحمد ِ ِلله. • ما رواه ا ّ
لفراء:
ومنحـدر ُ واذكـروا ُ
واذكــرواُ َ َ ُ ، ومنــ ِتن ،والن ﱠْقـد ِ ِ
والنقدُ ِ ، • وما رواه األخفشِ ْ ُ :
منـتن ِ ْ
ومنـحدر)*(.
ُ ْ َ ُ ُ
* * *
ودرس املحدثون هذه الظاهرة تحت باب ظاهرة االنسجام بني أصوات اللني وهـي
ّ
التطور يف حركات الكلمـات ،فالكلمـة التـي تـشتمل عـىل عندهم" ظاهرة من ظواهر
ُ
اللسان حركات متباينة تميل يف تطورها إىل االنسجام بني هذه الحركات ،حتى ال ينتقل
ضم اىل كرس اىل فتح يف الحركات املتوالية ،وقد برهنت املالحظـة الحديثـة عـىل ّ
أن من ّ
) (228معاني القرآن ،للفراء ،٥/١و الحجة يف علل القراءات السبع .٩٩/
) (229معاني القرآن ،لألخفش .١٧٠ /١
) (230املحتسب ١٧٧/١و املنصف .٣٠٨/٢
)*( معاني الفراء ،٣ /١معاني األخفش .١٧٠ ،٥ ،٤ /١
٢٥٤
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
ّ
تعمد إىل االنسجام بني الناطق حني يقتصد يف الجهد العضوي يميل ُ دون شعور منه ،أو
حركات الكلمات").(٢٣١
ومن الصيغ التي حدث فيها االتباع هي:
ِ – ١فعيل بدل َ
فـعيل)إذا كان ثانيه من أصوات الحلق(:
وعيد الله").(٢٣٢
لمن خاف ِ ِ • حكى أبو زيد األنصاري عن العرب قولهمَ ":
الجنة ِ َ
وروى األخفشِ :شعري).(٢٣٣
َ •
والرغيـف، ِ
والبعـريِ ، ِ
والـشعري، والنخـريِ ،
والنغيـق، الـشخريِ ، • وروى ابن ِ ّ
جـنـيِ :
والزئري).(٢٣٤
• واشرتط األخفش ْ
أن يكون ثانيه أحد أصوات الحلق فقال ":وهذا ليس من كالمهم
إال ّ يف ما كان ثانيه أحد الحروف الستة").(٢٣٥
وفقـريِ :جريـب ،وال ِ ِ
فــقري، • واىل هذا ذهب ابن جني بقوله ":وال تقول يف َ
جريبَ ،
ألنه ليس ثاني حروفهما حرفا من حروف الحلق".
مطـرد يف بابه ،لحرف الحلق").(٢٣٦
ّ وقال أيضا ً ":هذا
ويبدو ّ
أن اشرتاط األخفش وقويل ابن ِ ّ
جـنـي لم يكونا دقيقني ،لورود ألفاظ يف هذا الباب،
ّ
ولعـل االسـتقراء التـام قـد دون أن يكون ثاني حروفها من حروف الحلق ،نحوِ :نقيـذ،
دقـة هذا الرشط. ُ ْ ِ
يفـصح عن عدم ّ
٢٥٥
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علـة التغيري الذي أصاب هذه الصيغة فهي واضحة يف قول ابن ِ
جـني: أما ّ
"فكرسوا فاء الفعل لكرسة عينه").(٢٣٧
وبيان هذا هو أنه ملا كانت حركة الـصوت الحلقـي هـي الكـرسة الطويلـة)اليـاء(،
ُ
التناسب بينهما ،لتباعد وضعي نطقهما وحركة الحرف السابق له هي الفتحة ،فقد َ ُ
بعد
حلقـي
ّ يف الفم ،الختالف التتابع الصوتي وعدم انسجامه وهو :صامت مفتوح +صامت
مكسور.
وملا كان السياق يلجأ – يف كثري من أحواله – إىل التناسب من أجل الخفـة يف النطـق،
مؤلـفا من:
ّ فقد ْ ِ
أبدلت فتحة ُ فاء الفعل ،كرسة ليكون التتابع
)صامت مكسور +صامت حلقي مكسور( ،وبهذا ّ
يتم التناسب وتتحقـق املـشاكلة
َ
وجه هنا لقول أبي عيل الفاريسِ ":شعري ،ورغيف ...أتبعوا الفتحة الكرسة يف بينهما ،وال
قـربها من الكرسة").(٢٣٨ ّ
الضمة ُ ْ جميع ذلك لقربها ،منها ...حيث لم تقرب الفتحة من
ّ
الضمة أكثر من نطق األلف ،وهـو أمـر أدركـه ابـن فالتشابه يف نطق الكرسة ونطق
ونـسبا ليس بينهما وبني األلف").(٢٣٩
قـربا َ َ ِ ّ
جـنـي ،وجاء بقوله ":بني الياء وبني الواو ُ ْ
ّ
الضمة والكرسة من الحركات الضيقة بينما أيده الدارسون املحدثون ّ
وعدوا وهو أمر ّ
متـسعة.
األلف حركة ّ
أقر الدارسون املحدثون كونهـا نوعـا مـن االنـسجام بـني
أما الظاهرة نفسها ،فقد ّ
حركات بنية الكلمة الواحدة.
* * *
٢٥٦
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
فـعل َ ْ َ
يفـعـل: َ َ –٢
عينــها أو ُ
المهـا صـوتا ً ُ فـعـل)املايض املفتوح العني( إذا كـان ويراد بها ّ
أن صيغة َ َ
فإن عينـها يف املضارع تأتي مفتوحة ،أي ّ
إن صوت الحلق ُيؤثر الفتحـة.نظـري: حلقيا ًّ ،
شـدخ َ ْ َ
يشـدخ. يدمغَ َ ،
دمغ َ ْ َ
يذبحَ َ ،
وذبح َ َ
يسعلَ ،
سعل َ ْ َ ذهب َ َ
يذهبَ َ ، يسألَ ،
سأل َ ْ
ّ
العني،فـإن مـستقبله يـأتي • قال ابن السكيت ":ما كان ماضيه عىل َ َ
فـعل مفتـوح
ُ
مستقبله بـالفتح، وقـتـل َ ْ ُ
يقـتـل ،وال يأتي ضـرب َ ْ
يرضبَ َ ، بالضم أو الكرس نحوَ َ :
الم الفعل ،أو ُ
عني الفعل َ
أحد الحروف الستة ،وهـي حـروف الحلـق... إال ّ أن تكون ُ
يفـعل").(٢٤٠
فـعـل َ ْ َ ّ
فإن الحرف إذا كان فيه أحد هذه الستة األحرف ،جاء عىل َ
َعلماء العربية يف العراق هذا التآخي بني أصـوات الحلـق والفتحـة ،ضـمن
ُ وقد أدرج
َ
بعـض االخـتالف ،فـإذا كـان التقريـب يف ّ
يتـضمن أبواب املضارعة والتقريب ،علما أنه
فإنـه يف هذه الـصيغة وقـع
ّ الحاالت السابقة وقع بني صوتني صامتني ،أو بني حركتني،
بني صوت صامت وحركة.
فرصدوه،وعلـلــوه تعليال صـوتيا .قـال:
ّ هذا التناسب لم َ ِ ْ
يغب عن بال علماء اللغة،
وجأر َ ْ
يجأر ،فأتبعوا الهمزة وأخواتها مـا جانـسها يقـرأَ ،
قـرأ َ ْ َ
أبو عيل الفاريس ":قالواَ َ :
من الحركات ،وما كان من ّ
حيزها،وهي الفتحة ،ولم يفعلوا ذلك مع الحـروف املرتفعـة
يقـربن من الفتحة قرب الحلقية منها").(٢٤١
عن الحلق ،حيث لم َ ْ ُ
فـعـل َ ْ َ
يفـعل إال أفعال قليلة جدا ) (240ولم يأت من األفعال – إذا لم يكن فيها أحد األصوات الستة – عىل َ َ
منها ماهو متفق عليه نظري)أبى يأبى وقنط َ ْ َ
يقــنـط (،ومنها ماهو مختلف فيه ،أو هو من باب تـداخل
اللغات وهي عرشة أفعال كما أحصاها ابن خالويه ،ينظر)أدب الكاتب ،٣٧١ /وكتاب ليس .(٢٩/٢٨/
) (241الحجة يف علل القراءات السبع .٧٠/١
٢٥٧
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النص ّ
أن أصوات الحلق عندهم تجانس حركة الفتحة ،لكونها ّ يتـضح من هذا
والذي ّ
ِ
األلف،ومخرجهـا ُ
بعض يرصح - :هو ّ
أن الفتحة َ هي حيزها ،وتفسري هذا – ْ
وإن لم ُ ْ ﱠ من ّ
من مخرجه ،وال َ َ
فرق بينهما إال ّ يف الكمية ،وملا كانت األلف عندهم من أصـوات الحلـق،
فلذا جانست الفتحة ُ بقية َ أصوات الحلق.
َ
يثبت هذا التجانس عن طريق عدم إلحـاق الفتحـة يف الفاريس ْ
أن ّ وقد حاول أبو عيل
عينـها أو ُ
المها من الحروف التي ارتفعت عن مخرج الحلـق، ُ مثل هذه الصيغة إذا كانت
تحقـق املجانسة ،كما تحققت بني الفتحة وأصوات الحلق.
ّ لعدم
إثر شيخه يف تعليل إيثار أصوات الحلق للفتحة فقال ":ومن ذلك
جـنـي َ واتـبع ُ
ابن ِ ّ ّ َ •
يفـعل( مما عينه أو المه حرف حلقي ...وذلـك ّ
أنهـم فعل َ ْ َ
أيضا ]التقريب[ قولهم) َ
ضارعوا بفتحة العني يف املضارع جنس حرف الحلق ،ملا كان موضـعا منـه مخـرج
األلف التي منها الفتحة").(٢٤٢
ُ
فـسبب فـتح هذا إذا كان عني الصيغة صوتا حلقيا ،أما إذا كان الالم صـوتا حلقيـا،
َ
األلف التي هي من جنسها ،وملا كانـت الفتحـة تـشابه العني معه ،هو ّ
أن هذه األصوات ُ
بد ألخواتها من أصوات الحلق ْ
أن تسبقها الفتحة مجاراة لأللف ،وفيه سابقة لأللف ،فال ّ
قال ابن ِ ّ
جـنـي:
َ
األلـف ،التـي ال يكـون مـا قبلهـا إال ّ َ
الحـروف حلقيـة ،فـضارعت بـذلك " ّ
إن هذه
مفتوحا").(٢٤٣
٢٥٨
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
ويفــتـح َ
األلف ،التي هي إحداهنُ َ ْ ُ ، فأصوات الحلق تؤثر الفتحة ،ألن ّ الفتحة بعض
ما قبلهن كفتح ما َ
قبل األلف.
ِ
األلف صوتا صـامتا، ٌ
دقيق يف حالة افرتاض كون ٌ
وتعليل ٌ
سليم، تقدير
ٌ وكالم القدماء
تـنـسب إليه. َ
األلف حركة ٌ طويلة ،ال مخرج َ لها حتى ُ ْ َ ولكن
وملا كانت األلف حركة طويلة ،فال توجد فتحة سابقة له ،كما قال ابن ِ ّ
جـنـي.
وأخريا ً يمكن القولّ :
إن إيثار أصوات الحلق للفتحة أمر ال شك فيه ،نادت بـه الدراسـات
علـة هذا التوافق واالنسجام بـني الحديثة ،إال ّ ّ
أن املحدثني يختلفون مع القدماء يف بيان ّ
الفتحة وأصوات الحلق .فاملحدثون يرون ّ
أن العلة هي يف تشابه وضع اللسان حال النطق
خفـة ٌ عىل اللسان.
ّ بالفتحة ،وبأصوات الحلق ،فتكون يف ارتباطهما
• قال برجشرتارس ":وسبب امليل اىل الفتحـة ّ
أن اللـسان يف نطـق الحـروف الحلقيـة
يجذب إىل وراء مع بسط وتسطيح له ،وهذا هو وضعه يف نطق الفتحـة") (٢٤٤ومـن
ُ ْ ُ
َ
اللسان يكون حال نطقه بالفتحة .مستويا يف قـاع الفـم ،مـع ارتفـاع املعروف ّ
أن
)(٢٤٥
ُ
فوضـعهما خفيف يف وسطه ،وربما ينحو هـذا االرتفـاع نحـو الخلـف قلـيال"
متشابه ٌ إىل ّ
حد كبري.
• وقد ّ
اكـد الدكتور أنيس هذا التعليل بقوله ":األصوات الحلقيـة تناسـب يف الغالـب
خاصا للسان ،يتفق ُ مع ما نعرفه من وضعه مع الفتحة").(٢٤٦
ّ وضعا
وأضاف مشريا ً اىل براعة علماء العربية يف إدراك هذا التناسب الصوتي ،قائال:
٢٥٩
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التخالف:
ويراد بها الظاهرة ُ الصوتية التي ّ
تتم باجتماع صـوتني متمـاثلني أو أكثـر ،ونـزوع ُ
أحدهما إىل مخالفة الصوت اآلخر.
أحمـد) ،(٢٤٧وسـيبويه) ،(٢٤٨ثـم توالـت
َ ُ
العرب إليها منذ زمن الخليـل بـن َ َ
فطـن وقد
بعدهما مالحظات العلماء ،منها:
املشدد الحرف منه بالياء والواو").(٢٤٩
ّ تبدل يف • قول ّ
الفراء ":والعرب ُ ْ ِ
َ
حروف املضاعف إىل الياء").(٢٥٠ ُ
تقلب • وقول أبي عبيدة ":العرب
وتبدل مكان أحد ِ الحرفني إذا ُ
ضوعفا").(٢٥١ • وقول ّ
املربد يف حديثه عن الياءْ ُ ":
ّ
حـددوا الظـاهرة َ باجتمـاع حـرفني متمـاثلني أنـهم
ومن األقوال السابقة يتبني لنا ّ
أبـدل أحدهما بياء أو واو.
مشـددْ ،
ّ ُ ِ
نــطقا ً بصوت واحد،
* * *
٢٦٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
ُ
الوقوف عليها من خالل بعض عباراتهم: علـة هذا اإلبدال عندهم ،فيمكن
أما ّ
ّ
الضبي وهو يتحدث عن لفظ)تقني( ":وكان األصلِ ُ :
تـقنـن ،فأبدل • قال أبو عكرمة
النون األخرية ُ ياء ،كراهة ً الجتماع ِ حرفني من جنس واحد").(٢٥٢
لبــبك ،فاسـتثقلوا الجمـع بـني ثـالث
ّ • وقال أبو بكر ابن األنباري ":األصل يف ّ
لبيك:
باءات ،فأبدلوا من األخرية ياء").(٢٥٣
النص ّ
بأن الظاهرة قد تشتمل عىل ثالثة ِ أصوات ٍ متماثلة باالضـافة اىل بيـان ّ ويفيد هذا
العلـة.
ّ
استثقالهم َ َ
املثلـني حتى قلبوا أحدهما". ُ • وقال ابن ِ ّ
جـنـي....":ومن ذلك
ووصفه يف موضع آخر ِ
بـ ":استثقال تكريره".
ورصح أيضا بعبارة التخفيف ،إذ ْ قال ":فأّما أمليت فال إنكار لتخفيفه بأبداله").(٢٥٤
ّ
ِ
الناشئ عن تجاور صوتني من مخرج فالعلــة واضحة يف أقوالهم،وهي كراهة الثقل
ّ
ْ
ينفـرج عـن ألن اللـسان َ لـم يعرتض عليه بأنهما ُ ْ
ينطقان بصوت واحد ،ذلك ّ واحد ،وال ُ ْ َ
موضع نطق الصوت ،وإنما يمكث فيه مدة أطول من نطق الصوت املنفرد ،ليؤدي ما فيه
يتطلـب مجهودا ً عضليا ً أكرب ،فمالوا إىل تخفيف هذا الجهـد
ّ من تضعيف ،وهذا الوضع
نطقـها ،من أجـل
ُ املضعفة اىل أحد األصوات التي َ ّ
خـف ّ بإبدال أحد الصوتني ،أو األصوات
تقليل الجهد العضيل املبذول يف نطق التضعيف.
٢٦١
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولــم َ ِ
يغــب عــن إدراك علمــاء العربيــة ورود ألفــاظ اجتمعــت فيهــا ثالثــة أمثــال
تـعلـلـت،وتـصببت،وتـحددت ،مما ّ
يدل داللة واضـحة َ َّْ َ َ ّ صحيحة،ولم ُ ْ َ
يبدل أحدها،نحوْ ّ َ َ :
عىل ّ
أن اإلبدال غري ُ ْ
ملـزم يف الحاالت كلها ،وفيه قال :ابن جني "::لم يكن واجبا...وإنمـا
اجتمعت فيه أمثال").(٢٥٥
ْ غـيـر استحسانا ً ...ولم يكن موجبا لتغيري ّ
كل ما ُ ّ
مـصنـفة
ّ أما منهج دراستنا أللفاظ هذه الظـاهرة ،فـستكون بـذكر األلفـاظ ّأوال ً
بمجموعات ،ومن ثم إبداء مالحظاتنا حولها:
املجموعة ُ األوىل:
ما اجتمع يف ّ
كل من ألفاظها صوتان متماثالن ،ال يفصل بينهما فاصل من حركـة أو
فأبدل ُ
أحدهما بصوت آخر ،فتحققت املخالفة بني املتماثلني ،نحو: حرفِ ْ ،
)(٢٥٦
عن ابن السكيت وأتـرنج
ْ ّ
أترجه
)(٢٥٧
والفراء
ّ عن قطرب، ْ
وأيما أمـا
ّ
)(٢٥٨
عن ابن السكيت وخرنوب خروب
ّ
الفراء).(٢٥٩
عن ّ وديباج ّ
دباج
)(٢٦٠
عن ابن ِ ّ
جـنـي وديماس ّ
دماس
)(٢٦١
واملربد ،وابن األنباري
ّ الفراء،
عن ّ ودينار دنـار
ّ
٢٦٢
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
٢٦٣
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
املجموعة الثانية:
ما اجتمع يف ّ
كل من ألفاظها ثالثة ُ أصوات متماثلةِ ْ ،
أبدل الثالـث منهـا بـصوت جديـد،
فتحقــقت املخالفة
ّ
الفراء ،وأبي عبيدة).(٢٧٢
عن ّ ودساها ّ
دسسها
عن ابن قتيبة).(٢٧٣ وربيته ّ
رببته
واملربد).(٢٧٤
ّ عن األصمعي، و ترسيت ترسرت
ّ
والفراء).(٢٧٥
ّ عن الشيباني، وتظنيت ّ
تظننت
جـنـي).(٢٧٦
عن ابن السكيت ،وابن ِ ّ وقصيت قصصت
عن أبي عبيدة).(٢٧٧ وتمطى
َ تمطـط
ّ
* * *
املجموعة الثالثة:
ُ
حـاجز،وعومال معاملـة َ ُ
يحجـز بينهمـا ما اجتمع يف ّ
كل من ألفاظها صوتان متماثالن
وتحقــقت املخالفة بني الصوتني املتماثلني عىل تباعدهما.
ّ املتجاورينِ ْ ،
فأبدل أحدهما،
٢٦٤
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
جـنـي).(٢٧٨
عن ابن ِ ّ وحداء حداد
عن ابن السكيت).(٢٧٩ وسادي سادس
عن املازني ،وأبي عيل الفاريس).(٢٨٠ وهذي هذه
وكذلك:
عن املازني ،وابن قتيبة).(٢٨١ ودهديت دهدهت
جــنـي).(٢٨٢
ِ ّ عن ابن وصهصيت صهصهت
إطـالعي – عـىل تعليـل مقنـع لحـدوث ظـاهرة اإلبـدال يف هـذه ولم ْ
أقف – بحدود ّ
املجموعة.
فاملــازني اكتفــى بــالقول باإلبــدال يف)هــذي( :أصــلها هــذه ،وكــذلك)دهــديت(:
أصلها)دهدهت().(٢٨٣
عـلـل وقوعه يف)حداء( التي أصلها)حـداد( مـع وجـود األلـف
ّ جـنـي ،فقد ّ
أما ابن ِ ّ
ُ
أضعف األحـرف الثالثـة ،ألنهـا الحاجزة بني الدالني ،بسبب كون الحاجز هو) ٌ
ألف( وأنها
ُ ّ
خـصت بمساواة الحركة)الفتحة( دون أختيها ،فلم يكرتثوا بفصلها بني الـدالني ،نظـري
تـاء
َ ونص قوله هو ":ومن ذلـك ّ
أن ﱡ عدم اكرتاثهم بفصل الفتحة بني الالمني يف ْ َ ْ
أملـلـت،
ُ
األلـف التأنيث يف الواحد ال يكون ما قبلها إال ّ مفتوحا ،نحو حمزة ،وطلحةْ ....
فإن كانت
٢٦٥
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
٢٦٦
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
ّ –٥
أن االبدال جاء يف قافية بيت شعر ،وهو موقع خاضع ملتغـريات ورضورات خاصـة،
قد يكون االلتزام بهذه الـرضورات) (٢٨٥يف تعليـل حـدوث املخالفـة يف" حـداء" أقـرب اىل
الصحيح من التعليل بغريه.
ّ
أما األلفاظ األخرى نحو :دهدهت ،وصهصهت ،فلم يتناولوها بالتعليل ،والذي أراه فيهـا
كل منهما ،هو السبب الذي ّ
هيأ لوقوع االبدال ،ففي هو ّ
أن اجتماع األصوات املهموسة يف ّ
األوىل :اجتمعت ثالثة أصوات مهموسة ،ويف الثانية :اجتمعت خمسة ٌ مهموسة ،علما ً ّ
أن
عضيل ،ليس باليسري لنطقـه ،فكيـف إذا اجتمـع
ّ صوت َ الهاء لوحده بحاجة اىل مجهود
َ
وجود صوت مجهور خفيف النطق كصوت اللني أو شـبهه منه صوتان أو أكثر؟ لذا ّ
فإن
والخفـة يف النطق ،ولعل هذا االفـرتاض يمكـن ْ
أن ّ يكـسب اللفظة َ شيئا من ُ
اليرس مما ُ ْ ِ
ُ َ ّ
يفـرس به حدوث التخالف يف األلفاظ االخرى.
املجموعة الرابعة:
ما اجتمع يف ّ
كل من ألفاظها أصوات متماثلة أبدلوا أواسطها ،نحو:
عن ابن قتيبة).(٢٨٦ ّ
املشفف واملشفشف
).(٢٨٧
الفراء ،وابن السكيت
تبـشـش عن ّ
ّ تبشبش من
تجفـف عن ابن السكيت).(٢٨٨
ّ تجفجف من
٢٦٧
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جـنـي).(٢٨٩
حثـث عن ابن ِ ّ
ّ حثحث من
جـنـي).(٢٩٠
رقــق عن ابن ِ ّ
ّ من رقرق
زلــل عن ابن األنباري).(٢٩١
ّ من زلزل
عن ابن السكيت ،وابن األنباري).(٢٩٢ رصر
رصرص من ّ
عن ابن السكيت ،وابن قتيبة).(٢٩٣ كبكب من ّ َ
كبب
عن ابن قتيبة).(٢٩٤ كرر
كركر من ّ
عن ابن قتيبة).(٢٩٥ تكمكم من ّ
تكمم
جــنـي).(٢٩٦
ِ ّ تملــل عن ابن قتيبة ،وابن
ّ تململ من
فأصل األلفاظ املذكورة قد اجتمع فيها ثالثة أصوات متماثلةُ ْ ِ ،
وثقـل نطقها أمر واضح، ُ
لذا جنحوا إىل اإلبدال فيها.
• قال ّ
الفراء ":وإنما فعلوا ذلك كراهية اجتماع ثالثة أحرف من جنس واحد").(٢٩٧
َ
أصاب أوسط َ هذه األصوات الثالثـة ،وجـيء بـصوت مماثـل لفـاء والحظنا ّ
أن اإلبدال َ
الكلمة ،وكأنهم قصدوا اىل معادلة األصوات التي تتألف منها اللفظة ،ويف هذا.
٢٦٨
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
َ
مكـان الرص ،فأبـدلوا
ّ رصر من
ّ رصرص ...أصلها
ٌ وقولـهم ٌ
ريح ُ • قال ابن السكيت":
الراء الوسطى فاء الفعل").(٢٩٨
زلــلوا ،فأبدلوا من الـالم الثانيـة ،زايـا
ّ • وقال ابن األنباري ":وزلزلوا ....واألصل فيه
كراهية للجمع بني الالمات).(٢٩٩
* * *
٢٦٩
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ُ
الـسبب الخفـة هي
ّ أما) .(٣٠٠وبهذا تبقى
أيما ،يف ّ
املضعفني ياء مع فتح أول اللفظة نحوْ :
ّ
املضعفني. ُ
الوحيد يف اختيار صوت الياء ملعالجة ثقل نطق
* * *
٢٧٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
ّْ
النــفس يوجـد فيهـا قبـل نفسية ٌ محضة ٌ ،نظري الخطأ يف النطق ،وبيان ذلك هو ّ
أن"
ّ
تـصور بعينـه ُ
ويصعب عليها إعادة ّ
تصور الحركات الالزمة عىل ترتيبها، النطق بكلمة،
بعد حصوله بمدة قصرية ،ومن هنـا ينـشأ الخطـأ ُ إذا أرسع اإلنـسان يف نطـق جملـة
وتـتـابع فيها حروف متشابهة"
محتوية عىل كلمات تتكرر َ َ
علـــة
ّ متــصلني " :فهـي
علـــة املخالفة التـي تقـع بـني صـوتني متمـاثلني ّ
ّ ّ
أما
أن علــة التخالف املنفصل ،وهي ّ
أن املتكلم يرجـو ْ ّ نفسية ٌــ أيضاــ مختلفة قليال عن
ُ يؤثر يف نفس السابع تأثريا زائدا ،فال يكتفي بالضغط عىل الحرف وتشديده ،بـل ُ
يـضيف َ
إليه حرفا آخر لزيادة ذلك التأثري").(٣٠٣
ِ
لرصـدها جملـة مـن تعـرض
ّ املبدلة ُ ْ َ
واملبدلة منهـا ،فهـي مـسألة أما األصوات ُ ْ َ
ـــ ّ
املحدثني.
أن" الحروف املائعة ُ َ ّ
تعد عادة وسيلة مخالفة للتـضعيف يرى ّ
فاملسترشق)َ (Hurwitz
يف الصيغ املضعفة القديمة").(٣٠٤
توصل إليه العلمـاء املحـدثون مـن ّ
أن اللغـات تـستخدم ّ بنى َ
رأيه عىل ما ويبدو ّ
أنه َ َ
ّ
والرتددية بشكل أكثر لتحقيق عنرص املخالفـة ،واقـرتان هـذا بـورود السواكن َ األنفية،
ّ
املتوسـطة( بـدل أحـد ألفاظ تمت ّ فيها ظاهرة املخالفة بإحالل أحد األصـوات املائعـة)
ُ
صـوت اليـاء الصوتني املتماثلني ،لكنه لم يتعرض بالذكر للصيغ التي ا ْ
ستـــعمل فيهـا
ُ
لتحقيق عنرص املخالفة ،وهي تفوق يف عددها إىل األضعاف من الصيغ التـي اسـتعملت
٢٧١
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
٢٧٢
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
املشقــة التي نصف بها تجاور املثلني ،أن يكونا من غـري األصـوات التـي
ّ ُ
فرشط ُ "
َ
أصوات اللني ،فتجاور الالمني ،أو النونني ،ال يحتاج اىل تيـسري ،وعليـه ال تتناولـه تـشبه
ُ
عملية املخالفة إال ّ يف النادر").(٣٠٧
والقول يف هذا كالقول يف سابقه ،إذ ْ وجدنا نسبة عالية قاربت نصف عدد األمثلة ،قد
تضعيفـها مع كونه من األصوات املتوسطة.
ُ ّ
فك
نحو:
تظنــنت وتظنيت ،وتقنن وتقنى.
ّ دنــار ودينار،
ّ ََْ َ
والخـدرنــق، الخدنـق
ّ
جلـــط وجلمط ،وأمللت ،وأمليت.
ّ
خـروب
ّ طـم وطـام")،(٣٠٨
ّ ّ
غـم وغـام، يأتم ويأتميّ ،
دماس وديمـاس"، ّ أمـا وأيما،
ّ
قراط وقرياط.
ورشاز وشريازّ ،
وخرنوبّ ،
ميل إىل تيسري نطق صـيغ مـضاعفةْ ،
وإن وأخريا ً يمكن القول بأن ظاهرة التخالف َ ْ ٌ
نطقــها ،وال وجـه َ
ُ وسـهل عـىل اللـسان كان التضعيف مؤلفا من األصوات التي ﱠ
خف َ ُ
أخـذنا املـشهور دون انتقـاء واختيـار
قلــة األمثلة التي جمعناها ،ألننا ْ
ّ لالعرتاض عىل
البد ْ
أن يخضع لألفكـار جمـعــت ،ويف اعتقادي ّ
أن أيﱠ إحصاء ألمثلة أخرى ّ للصيغ التي ُ ِ َ
ْ ّ
توصـلنــا إليها. العامة التي
٢٧٣
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخاتمة:
من أبرز املعالم والنتائج التي أسفر عنها هذا البحث نوعان:
– ١نتائج عامة شاركنا فيها غرينا.
ِّ
الجـدة ،واألولوية يف الكشف عنها. خاصة تحمل بني ّ
طياتها أنواعا ً من ّ – ٢نتائج
* * *
–١ما جاء عن الخليل بن أحمد هو العمل الرائد يف ميدان الدراسة الصوتية وهو وما
أضاف إليه سيبويه ّ
يعدان أساس التفكري الصوتي عند العرب يف العراق ويف غـريه خـالل
القرن الثاني للهجرة ،والقرون الالحقة.
* * *
٢٧٤
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
– ٥أصالة الدراسة الصوتية عند العرب عىل الرغم من التـشابه العـارض مـع دراسـات
هندية سابقة.
* * *
٢٧٥
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خلــف لنا علماء العربية دراسات صوتية كادت تطابق الدراسات الصوتية الحديثـة
ّ –٦
متمثلة يف:
أ – إدراك العنارص الالزمة إلحداث الصوت البرشي.
ب – تحديد مخارج األصوات.
ج – تعيني صفات األصوات.
د – تعليل الظواهر الناجمة من تآلفها ،واقرتانها.
* * *
– ٢الكشف عن آراء صوتية جديدة للكوفيني ،أثبتها لنا السريايف يف ختام رشحـه لكتـاب
سيبويه يف باب أفرده لها باسم)باب اإلدغام عند الكوفيني(.
الفراء:
-فمن آراء ّ
ّ
املصوت(. أ – تسمية الصوت الشديد بـ ِ)األخرس( ،والصوت الرخو ِ
بــ)
ب – تعليل اإلبدال يف صيغة افتعل إذا كان الفاء من أصـوات اإلطبـاق ،بتجـاور صـوتني
ّ
ومصوت ،دون النظر إىل صفتي اإلطباق واالنفتاح. أخرس
٢٧٦
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
– ٤الكشف عن إدراك علماء العربية يف العراق لقوة تقارب مخرجي القاف والغني ،ممـا
يقربهم إىل الرأي املعارص يف تقديم مخرج القاف عىل الغني.
ّ
* * *
–٥تسمية بعض املحدثني ِلـ) الالم والنون والراء( بــ)حـروف تـشبه الحركـات (هـي
تسمية قديمة جاءت عىل لسان الزجاج وابن ِ ّ
جـنـي يف حديثهما عن صوت النون.
* * *
٢٧٧
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
املـربد
ّ ّ
املصوتة" هي تسمية قديمة جاءت عىل لسان – ٦تسمية املحدثني للحركات ِ
بــ"
يف مقتضبه ،ومن ثم ابن ِ ّ
جـنـي يف خصائصه.
* * *
– ٧شيوع ظاهرة التخالف يف األصوات الذلقية ،عىل خالف ما أثبته بعض املحدثني.
* * *
ّ
توصل إليه علماء العربية يف العراق يف القرنني ٨ـــ متابعة الدارسني املحدثني ألغلب ما
الثالث والرابع الهجريني.
* * *
صبيح التميمي
القاهرة ١٩٨٢
٢٧٨
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
א
א א א
- ١القرآن الكريم:
- ٢املخطوطات والرسائل العلمية:
-التنبيه عىل رشح مشكالت الحماسة ،البن ِ ّ
جـنـي ،رسالة ماجستري /كليـة اآلداب /
جامعة القاهرة .١٩٧١ /
جنـي ٨٥٧ /لغة /دار الكتب املرصية.
ّ رس صناعة اإلعراب ،البن
ّ -
-رشح السريايف عىل كتاب سيبويه ٥٦٨ /نحو تيمور /دار الكتب املرصية.
-قضايا يف علم اللغة العربية /د :محمود حجازي ،محارضات ألقاها عىل طلبـة كليـة
اآلداب /جامعة القاهرة .١٩٧٦ /
-٣املطبوعات:
-أ-
-اإلبدال ،البن السكيت ،تح :د .حسني رشف) القاهرة.(١٩٧٨ ،
-أبو زكريا الفراء ،د :أحمد مكي األنصاري)القاهرة.(١٩٦٤ ،
-األخبار الطوال ،للدينوري ،تح :عبد املنعم عامر)القاهرة.(١٩٦٠ ،
-أخبار النحويني البرصيني ،للسريايف،تح:الزيني وخفاجي)القاهرة.(١٩٥٥ ،
-أدب الكاتب ،البن قتيبة ،تح :محمد محي الدين)القاهرة.(١٩٦٣ ،
٢٧٩
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ ب ــ
-البحث اللغوي عند العرب ،د :احمد املختار )القاهرة.(١٩٧١ ،
-بغية الوعاة يف طبقات اللغويني والنحاة ،للسيوطي ،تح:محمد أبو الفـضل)القـاهرة،
.(١٩٦٥
-البلدان ،لليعقوبي)النجف األرشف.(١٩٥٧ ،
-البلغة يف شذور اللغة)مجموعة رسائل (،نرش :هفنر)بريوت.(١٩١٤ ،
٢٨٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
-ت–
-تأويل مشكل القران ،البن قتيبة ،تح :لسيد احمد صقر)القاهرة.(١٩٧٣ ،
-تاريخ ابن خلدون ،تصحيح :عالل الفايس)القاهرة.(١٩٣٦ ،
-تاريخ آداب العرب ،ملصطفى الرافعي)القاهرة.(١٩٧٤ ،
-تاريخ الرسل وامللوك ،للطربي ،تح :محمد ابو الفضل)القاهرة.(١٩٦٢ ،
-تاريخ القرآن ،ألبي عبد الله الزنجاني)بريوت.(١٩٦٩ ،
-تاريخ مخترص الدول ،البن العربي) أكسفورد ،ط ( ٢
-التصحيف ،والتحريف ،للعسكري)القاهرة.(١٩٠٨ ،
-التطور اللغوي ،د .رمضان عبد التواب)القاهرة.(١٩٨١ ،
-تهذيب اللغة،ألبي منصوراألزهري،تح:هارون وآخرين)القاهرة.(١٩٦٤ ،
-ج–
-الجمل ،للزجاجي ،نرش ابن أبي شنب)باريس.(١٩٥٧ ،
-جمهرة اللغة ،ألبن دريد)الهند ،حيدر أباد الدكن١٣٤٤ ،هـ(.
-ح–
-الحجة يف علل القراءات السبع ،ألبي عيل الفاريس ،تـح :النجـدي وآخـرين)القـاهرة،
.(١٩٦٥
-الحجة يف القراءات السبع،البن خالويه ،تح:د .عبد العال مكرم)بريوت.(١٩٧٧ ،
٢٨١
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-خ-
-الخصائص ،البن جني ،تح :محمد النجار)القاهرة.(١٩٥٢ ،
-الخليل بن أحمد الفراهيدي ،د :مهدي املخزومي)بغداد.(١٩٦٠ ،
-د-
-دراسة الصوت اللغوي ،د :أحمد املختار)القاهرة.(١٩٧٦ ،
-دراسات يف علم اللغة ،د .كمال برش)القاهرة.(١٩٧٣ ،
-دراسات يف نقد األدب العربي ،د .بدوي طبانة)بريوت.(١٩٦٩ ،
-الدراسات اللهجية والصوتية البن جني :د:حسام النعيمي)بريوت.(١٩٨٠ ،
-داللة األلفاظ ،د :إبراهيم أنيس)القاهرة.(١٩٨٠ ،
-ديوان األدب ،للفارابي ،تح :أحمد مختار)القاهرة.(١٩٧٤ ،
-ديوان لبيد)بريوت دار صادر (.
-ديوان النابغة ،تح محمد أبو الفضل)القاهرة.(١٩٧٧ ،
-ديوان النابغة ،تح :شكري فيصل)بريوت.(١٩٦٨ ،
-ر-
-رسائل الجاحظ ،تح :هارون)القاهرة.(١٩٧٩ ،
-رواية اللغة ،د :عبد الحميد الشلقاني)القاهرة.(١٩٧١ ،
٢٨٢
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
-ز–
-الزاهر ،ألبي بكر األنباري ،تح ،د .حاتم الضامن)بغداد.(١٩٧٩ ،
-س–
-السبعة يف القراءات،البن مجاهد ،تح :د.شوقي ضيف)القاهرة١٤٠٠ ،هـ(.
-رس الفصاحة ،للخفاجي ،تح :د .عبد املتعال الصعيدي)القاهرة.(١٩٦٩ ،
-ش-
-شذرات الذهب يف أخبار َمن ذهب ،البن العماد الحنبيل)بريوت ،ال .ت(.
-رشح شافية ابن الحاجب ،للريض ،تح محمد نور الحسن واخرين)بريوت .(١٩٧٥
-رشح املفصل ،البن يعيش)بريوت ،عالم الكتب (.
-الشعر والشعراء ،البن قتيبة ،تح ،احمد شاكر)القاهرة.(١٩٧٧ ،
-شفاء الغليل ،للخفاجي)القاهرة١٢٨٢ ،هـ(.
-ص-
-الصاحبي يف فقه اللغة ،البن فارس،تح د .الشويمي)بريوت.(١٩٦٤،
-صبح األعىش ،للقلقشندي)القاهرة.(١٩١٤ ،
-الصحاح)تاج اللغة وصحاح العربية ( للجوهري ،تح:عبد الغفور)بريوت .(١٩٧٩
-ط-
-طبقات فحول الشعراء ،البن سالم الجمحي ،تح محمود شاكر)القاهرة.(١٩٦٥ ،
٢٨٣
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-ظ-
-ظهر اإلسالم ،ألحمد أمني)القاهرة.(١٩٦٢ ،
-ع-
-العرب قبل اإلسالم ،لجرجي زيدان)بريوت.(١٩٧٩ ،
-العقد الفريد ،البن عبد ربه ،تح :أحمد أمني وآخرين)القاهرة.(١٩٥٦ ،
-علم اللغة العام –األصوات ،د :كمال برش)القاهرة.(١٩٧٥ ،
-العني ،للخليل الفراهيدي،تح:د :املخزومي والسامرائي)بغداد.(١٩٨٠ ،
-عيون األخبار ،البن قتيبة)القاهرة.(١٩٢٥ ،
-غ-
-غاية النهاية يف طبقات القراء،البن الجزري،نرش برجشرتارس)القاهرة.(١٩٣٢،
-غريب الحديث ،ألبي عبيد القاسم بن سالم)الهند ،حيدر آباد.(١٩٦٦ ،
-ف-
-الفاضل ،للمربد ،تح عبد العزيز امليمني)القاهرة.(١٩٥٦ ،
-فتوح البلدان ،للبالذري)بريوت.(١٩٧٨،
-فصول يف فقه العربية ،د :رمضان عبدالتواب)القاهرة.(١٩٨٠ ،
-فقه اللغة ،د:عبد الواحد وايف)القاهرة.(١٩٧٢ ،
-الفن ومذاهبه يف الشعر العربي ،د :شوقي ضيف)القاهرة.(١٩٦٥ ،
٢٨٤
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
-ك-
-الكتاب ،لسيبويه)القاهرة،بوالق١٣١٧،هـــ(.
-كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون،لحاجي خليفة)تركيا١٣١٠،هـ(.
-الكشف عن وجوه القراءات السبع ،ملكي القييس ،تح،د .محي الدين رمـضان)دمـشق،
.(١٩٧٤
-ق–
-القاموس املحيط ،للفريوز آبادي)القاهرة.(١٩٥٢ ،
-ل-
-لحن العوام ،للزبيدي ،تح :د .رمضان عبد التواب)القاهرة.(١٩٦٤ ،
-لسان العرب ،البن منظور)بريوت ،دار صادر(.
-لسان العرب ،البن منظور و)طبعة دار املعارف املرصية(
-اللغة بني املعيارية والوصفية ،د:تمام حسان)املغرب.( ١٩٨٠ ،
-اللغة العربية يف مواجهة الحياة ،د.عيد الطيب)القاهرة١٤٠٢ ،هـ(.
-اللمع يف العربية ،البن جني ،تح :حسني رشف )القاهرة.(١٩٧٩ ،
٢٨٥
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-ن–
-نزهة األلباء ،ألبي الربكات األنباري ،تح:د:السامرائي)بغداد.(١٩٧٠،
-النرش يف القراءات العرش ،البن الجزري ،تح :د .محمد سالم)القاهرة.(١٩٧٨ ،
-النوادر يف اللغة ،ألبي زيد األنصاري ،تح :د .محمد عبدالقادر)بريوت.(١٩٨١،
٢٨٧
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
٢٨٨
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
٢٨٩
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهرست املحتوى
الصفحة املوضوع
٥ ّ
املقدمة ............................................................................
١٠ توطئة .............................................................................
١١ بيئة الدراسة .....................................................................
١٢ تمصري البرصة ..................................................................
١٥ تمصري الكوفة ...................................................................
١٩ تمصري بغداد .....................................................................
٢١ لغة العرب ........................................................................
٢٥ نشأة اللحن ......................................................................
٢٥ زمن نشأة اللحن ................................................................
٢٩ نشأة التفكري اللغوي ...........................................................
٣٣ الرواية اللغوية ...................................................................
أعالم الحركة اللغوية العامة يف القرنني .....................................
٣٧ الثالث والرابع الهجريني .......................................................
الفصل األول
٤١ دراسة تمهيدية ..................................................................
٤٣ مصادر الدراسة الصوتية .....................................................
٢٩٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
٤٩ ّ
املتخصصة............................................... -٣الكتب اللغوية
٥٠ -٤املعاجم اللغوية ..............................................................
٥١ -٥كتب األعجاز والبالغة ......................................................
٥١ -٦كتب األدب العامة ...........................................................
٥٣ منهج التفكري الصوتي ودوافعه .............................................
٥٤ دراسة االصوات اللغوية منفردة من جانبني ...............................
٥٦ دراسة االصوات اللغوية مؤلفة )التشكيل الصوتي(…...................
٦٠ دوافع التفكري الصوتي .......................................................
٦٢ التفكري الصوتي بني األصالة والتأثري .......................................
٦٨ نتائج التفكري الصوتي يف القرن الثاني .....................................
٦٩ االصوات العربية )مخارجها ،وصفاتها( ...................................
٧١ الحركات العربية )األصوات الصائتة( ......................................
٧٢ ظواهر التشكيل الصوتي ......................................................
٧٤ االصوات ومخارجها ............................................................
٧٦ صفات األصوات .................................................................
٧٧ الصفات العامة ..................................................................
٧٨ صفات خاصة تميزت بها مجموعات صوتية ............................
٨٠ صفات تميزت بها أصوات مفردة ..........................................
٨٠ ظواهر التشكيل الصوتي .....................................................
٨٢ االبدال املرشوطة ...............................................................
٢٩١
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الثاني
٨٧ األصوات العربية ..............................................................
٨٩ كيفية إحداث الصوت البرشي ...............................................
٩٢ كيفية إدراك الصوت وتميزه .................................................
٩٣ االصوات العربية ................................................................
٩٦ االصوات الفرعية ...............................................................
٩٦ االصوات املستحسنة ..........................................................
٩٧ االصوات غري املستحسنة ....................................................
٩٨ أصوات نطقت بها قبائل عربية ............................................
٩٩ أصوات ُ
سمعت من ناطقني بالعربية ......................................
١٠١ الصحة واالعتالل يف االصوات .................................................
١٠٥ الحركات القصرية ...............................................................
١١١ مرتبة الحركة من الحرف ......................................................
١١٢ أشباه أصوات اللني ..............................................................
١١٥ مخارج األصوات .................................................................
١١٦ الفراء الكويف .....................................................................
١٢٠ أبو الحسن سعيد بن مسعدة األخفش.......................................
١٢١ أبو العباس املربد ...............................................................
١٢٢ أبو الحسن محمد كيسان ....................................................
١٢٣ ابو بكر محمد بن الحسن بن دريد ..........................................
١٢٨ ابو القاسم عبد الرحمن بن اسحاق الزجاجي ............................
٢٩٢
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
٢٩٣
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١٨٦ حرص صور االقرتانات غـري املـسموح بهـا بـسبب تقـارب الخـارج
................
١٨٧ ماهو ثقيل غري مستساغ .....................................................
١٩٤ ما هو سهل مستساغ .........................................................
١٩٨ التعليل الصوتي للتغريات الرتكيبية ........................................
١٩٩ االعالل .............................................................................
٢٠٧ االبدال...............................................................................
٢٩٤
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التفكري الصوتي
٢٩٥
التفكري الصوتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
٢٩٦