You are on page 1of 26

‫التشيّع في قراءات هنري كوربن‬

‫مراجعة في اُألصول والمب َتنيات‬

‫أمداد توران (*)‬

‫ترجمة‪ :‬محمد عبد الزراق‬

‫توطئة‬

‫يرمي هذا المقال إلى التنقيب في نظريّات (هنري كوربن) حول التشيّع‪ ،‬فقد حاول كوربن الرب‪##‬ط بين مفه‪##‬وم‬

‫التشيّع والنزعة العرفانيّة في إيران‪ ،‬لذا سعى في ذلك إلى رص‪##‬د نق‪##‬اط االش‪##‬تراك بين التش‪#‬يّع وتع‪##‬اليم‪ #‬إي‪##‬ران‬

‫القديمة‪ .‬وقد‪ #‬ا ّتخذ منهجا ً خاصا ً به يلج ُه من بوّ ابة (ع‪#‬الم المث‪##‬ال)‪ ،‬وف‪##‬رض حض‪##‬ور‪ #‬ه‪##‬ذا المفه‪##‬وم على جمي‪##‬ع‬

‫وفس ‪#‬ر الكث‪##‬ير من الظ‪##‬واهر‬


‫العرفاني في بالد فارس ال سيّما في مجال التشيّع االثني عشري‪ّ ،‬‬
‫ّ‪#‬‬ ‫أصعدة اال ِّتجاه‬

‫والتعاليم وفقا ً لمفهوميّة ع‪##‬الم المث‪##‬ال‪ .‬وس‪##‬نتط ّرق‪ #‬في بحثن‪##‬ا الح‪##‬الي إلى ذك‪##‬ر آراء ك‪##‬وربن وتفس‪##‬يرات ِه لبعض‬

‫التعاليم الشيعيّة‪ ،‬ومن ث َّم التعليق عليها بالنقد والتحليل‪.‬‬

‫لع ّل من أبرز اإلشكاالت التي ُتواجه كوربن في هذا الباب‪ ،‬هو تجاهل أس‪##‬بقيّة العرف‪##‬اء أو المتص‪##‬وّ فة الع‪##‬رب‬

‫في التأسيس لمفهومه (عالم المث‪##‬ال) من قبي‪##‬ل‪ :‬ابن ع‪##‬ربي‪ ،‬أو أس‪##‬بقيّة اإليران‪##‬يين الس‪##‬نة أمث‪##‬ال الس‪##‬هرورديّ ‪#.‬‬

‫يُضاف إلى ذلك التعارض الموجود‪ #‬في بعض مبت َنيات كوربن ُألسس وعقائد التشيّع‪ ،‬األم‪##‬ر ال‪##‬ذي أفق‪##‬د بعض‬

‫تلك اآلراء قيمتها‪ #‬العلميّة‪.‬‬

‫________________________________________‬

‫(*)طالب دكتوراه ـ قسم الفلسفة بجامعة طهران‪.‬‬

‫[الصفحة ‪]39 -‬‬


‫عناصر البحث‬

‫مق ّدمة‬

‫لع‪ّ ##‬ل المتب‪##‬ادر من عن‪##‬وان (التش‪##‬يّع في ق‪##‬راءات ه‪##‬نري ك‪##‬وربن) أن يتن‪##‬اول‪ #‬ك‪##‬وربن الموض‪##‬وع ـ كس‪##‬ائر‬
‫المستشرقين ـ بحياديّة تامّة وأساليب منهجيّة حديثة هدفها الحقائق العلميّة والتاريخيّة‪ ،‬لكنّ الواقع يسجّ ل أم‪##‬راً‬
‫مغايراً لهذا كلِّه؛ فبغضِّ النظر عمّ‪#‬ا وجّه‪##‬ه من نق‪##‬ود ص‪#‬ريحة إلى أس‪##‬اليب النق‪#‬د الت‪#‬اريخيّ ‪ ،‬ف‪##‬إنّ كتابات‪#‬ه إلى‬
‫جانب شهادات المُعاصرين لـه ومن لهم معه حوارات ولقاءات طويلة‪ ،‬كالعالّمة الطباطب‪##‬ائيّ (‪ُ ،)1‬تش‪##‬ير‪ #‬إلى‬
‫‪#‬أثر‪ #‬مس‪َ #‬بق ببعض المض‪##‬امين‬ ‫‪#‬ول جامح‪##‬ة وبت‪ّ #‬‬
‫أ ّن‪##‬ه لم يكن حياد ّي‪#‬اً‪ #‬فحس‪##‬ب‪ ،‬وإ ّنم‪##‬ا ك‪##‬انت آراؤه تص‪##‬در‪ #‬عن مي‪ٍ #‬‬
‫فنأت به كثيراً عن الواقع‪.‬‬
‫ْ‬ ‫الشيعيّة‪ ،‬أو ما أ ّدعى هو شيعيّتها‪،‬‬

‫وعلى ال‪##‬رغم من أنّ ظ‪##‬اهرة االنج‪##‬ذاب نح‪##‬و التع‪##‬اليم الش‪##‬رقيّة واإلس‪##‬الميّة ليس ب‪##‬األمر الجدي‪##‬د على العلم‪##‬اء‬
‫الفرنسيين‪ ،‬إالّ أنّ االهتمام بالفكر الشيعيّ هو الفصل الجديد الذي تسجّ ل زيادته ـ دون ش‪##‬ك ـ باس‪##‬م ك‪##‬وربن‪.‬‬
‫كما ال ننسى فضل هذا المستشرق في فتح آفاق جديدة أمام مف ّكري إيران الجُدد في دراساتهم‪ #‬عن التشيّع‪.‬‬

‫ومع ما يحظى به كوربن من حف‪#‬اوة وإط‪##‬راء في إي‪##‬ران‪ ،‬علين‪##‬ا أن ال ننس‪#‬ى أ ّن‪#‬ه ـ كس‪#‬ائر البش‪##‬ر ـ مع‪ّ #‬رض‬
‫لميوالت ذاتيّة قد تدفعه إلى إبراز ما ه‪##‬و مطل‪##‬وب في مخيّلت‪##‬ه الشخص‪#‬يّة؛ وله‪##‬ذا نلح‪##‬ظ في كتابات‪##‬ه مص‪##‬ادر ًة‬
‫لبعض الج‪##‬وانب اُألخ‪##‬رى في التش‪#‬يّع ـ كالسياس‪##‬ة واالجتم‪##‬اع‪ #‬ـ على حس‪##‬اب غرض‪##‬ه المنش‪##‬ود أع‪##‬ني البُع‪##‬د‬
‫للصور المشوّ شة في ُأطروحاته عن العرفان الشيعيّ ‪ ،‬وتشبّثه بالن‪##‬ادر‪ #‬الش‪ّ #‬‬
‫‪#‬اذ من آراء‬ ‫َ‬ ‫العرفانيّ ‪ .‬هذا باإلضافة‬
‫الشيعة أو المخالف لإلجماع‪ ،‬والذي‪ #‬قد ي ّدعي هو بدوره اإلجم‪##‬اع في‪##‬ه وتعميم‪##‬ه على ك‪ّ #‬ل علم‪##‬اء التش‪#‬يّع‪ .‬في‬
‫حين أنّ هذا النوع من االختالف أمر طبيعيّ يحصل لدى سائر‪ #‬المذاهب والتيّارات‪ ،‬لك ّنه ال يص‪##‬لح ألن يُع ّب‪##‬ر‬
‫عن الرأي العام في ذلك الم‪##‬ذهب‪ .‬وله‪##‬ذا لم نكت‪##‬ف هن‪##‬ا باس‪##‬تعراض آراء ك‪##‬وربن وحس‪##‬ب‪ ،‬ب‪##‬ل س‪##‬جّ لنا بعض‬
‫ث وتص‪##‬ريح‪ ،‬فقار ّن‪##‬ا بينه‪##‬ا وبين م‪##‬ا ورد في آراء أب‪##‬رز علم‪##‬اء التش‪#‬يّع‬
‫المالحظات على ما أثبتناه له من حدي ٍ‬
‫ممّن هم مراجع لعامّة الشيعة‪.‬‬

‫________________________________________‬

‫(‪ )1‬ـ محم‪##‬د حس‪##‬ين الحس‪##‬ينيّ الطه‪##‬رانيّ ‪ ،‬توحي‪##‬د علميّ وعي‪##‬نيّ ‪46 ،‬ـ‪ ،49‬منش‪##‬ورات الحكم‪##‬ة‪ ،‬طه‪##‬ران‬
‫‪1410‬هـ‪.‬‬

‫[الصفحة ‪]40 -‬‬


‫عالم المثال‪ ،‬نقطة االنطالق‬
‫فناقش ماه ّي‪##‬ة التش ‪#‬يّع من خالل (عالق‪##‬ة‬
‫َ‬ ‫لقد أغفلت دراسات كروبن تاريخ العرفان الشيعيّ في العالم العربيّ ‪،‬‬
‫تتمثل في (عالم المثال) (‪)2‬أو (دنيا المثاليين)‪.‬‬ ‫التشيّع بإيران)‪ ،‬فكانت نقطة البداية في دراساته ّ‬
‫العرفاني في إيران‪ ،‬من‪##‬ذ عص‪##‬ور م‪##‬ا قب‪##‬ل اإلس‪##‬الم وح ّتى‬
‫ّ‪#‬‬ ‫عنصر ثابت في تسلسل الفكر‬ ‫ٍ‬ ‫يرى كوربن أنّ ثمّة‬
‫المتأخر منها‪ ،‬وهو عنصر واحد تعاقب في مس‪َ #‬ميّات مُختلف‪#‬ة من قبي‪#‬ل (الخورن‪#‬ة) في فلك ّي‪##‬ات الزرادش‪##‬تيين‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫و(اإلقليم الثامن) أو (عالم المثال) في كتابات علماء اإلسالم كالسهرورديّ ‪ #،‬والمال ص‪##‬درا الش‪##‬يرازيّ ‪ #،‬والمال‬
‫السبزواري (‪.)3‬‬
‫ّ‪#‬‬ ‫هادي‬
‫ُ‬
‫و(عالم المثال) هنا ليس هو (عالم المُثل) األفالطونيّة‪ ،‬وإ ّنما هو الح ّد الفاصل بين ع‪##‬الم المُث‪##‬ل عن‪##‬د أفالط‪##‬ون‬
‫والعالم المحسوس‪ ،‬فهو برزخ مزدوج‪ #‬بين االثنين‪ ،‬س‪##‬واء في اال ِّتج‪##‬اه التن‪##‬ازليّ (من الوح‪##‬دة إلى الك‪##‬ثرة)‪ ،‬أو‬
‫في اال ِّتجاه التصاعديّ (العودة من الكثرة إلى الوحدة)‪ ،‬فإن ا َّتخذناه من الناحية التنازل ّي‪##‬ة س‪##‬يكون برزخن‪#‬ا‪ #‬ه‪##‬و‬
‫عين‪##‬ه مدين‪##‬ة (جابلق‪##‬ا)‪ ،‬أي ع‪##‬الم المث‪##‬ال المق ‪َّ #‬دم على الع‪##‬الم الجس‪##‬مانيّ ‪ ،‬أ ّم‪##‬ا إذا ك‪##‬ان المقص‪##‬ود‪ #‬ه‪##‬و الج‪##‬انب‬
‫التصاعديّ فعالمنا سيكون مدينة (جابلسا)‪ ،‬وهي مرحلة عالم المحسوسات‪ .‬إذن‪ ،‬فجابلسا‪ #‬عالم ما بعد الم‪##‬وت‬
‫وعالم األجسام المثاليّة‪ ،‬حيث تظهر في هذا العالم صور ك ّل ما هو مكنون في سرائر النف‪##‬وس‪ ،‬سـواء ك‪##‬انت‬
‫نوايا خيّرة أو شـريرة‪ ،‬فت َّتخذ ما يناسبها من أشكال ومُثل‪ ،‬وتتجلّى جميع تلك الصور في الجسم المثاليّ وكأ ّنه‬
‫مرآتها الصقيلة (‪.)4‬‬
‫لقد أعوزتنا‪ #‬الحلقة المفق‪#‬ودة في سلس‪#‬لة م‪#‬راتب الوج‪#‬ود‪ #‬إلى ع‪#‬الم المث‪#‬ال‪ ،‬فه‪#‬و ب‪#‬رزخ بين الع‪#‬الم المحس‪#‬وس‬
‫والعالم المعقول‪ ،‬أي أ ّنه يتوسَّط وجودين هما وجود المعقوالت ووجود المحسوسات‪ ،‬فيعم‪##‬ل على الرب‪##‬ط بين‬
‫العالَمين زمن ّياً‪ #‬دون أن يكون لـه تعلّق بأحدهما‪ .‬ووفقا ً لذلك تتجسّم الروح المرتبطة بعالم المعقوالت‪ ،‬وتتجرّد‬
‫الما ّدة المتعلِّقة بعالم المحسوسات‪#.‬‬
‫________________________________________‬
‫(‪)2‬ـ قد ال يختلف مفهوم (عالم المثال) كثيراً عمّا هو ثابت في المنظومة اإلشراقيّة أو الحكمة المتعالي‪##‬ة‪ ،‬وإن تن‪##‬افى عنهم‪##‬ا في‬
‫بعض األحيان وتعليقا ً على توضيح مفهوم عالم المثال نذكر التعاريف التالية‪ :‬عالم المثال‪ :‬ويع‪##‬رف أيض‪#‬ا ً بـ (ع‪##‬الم الخي‪##‬ال) و‬
‫(عالم البرزخ)‪ ،‬وهو عالم حقيقيّ يأتي عقب مرتب‪#‬ة تج‪#‬رّد األرواح‪ ،‬ت‪#‬تراوح في‪#‬ه ص‪#‬دور األش‪#‬ياء بين التج‪#‬رّد والم‪#‬ادّة‪ ،‬ولع‪#‬الم‬
‫الخيال درجتان‪ :‬أ) الخيال المطلق (المنفصل)‪ :‬وله استقالل وجوديّ عن اإلنسان وق‪##‬واه المدرك‪##‬ة‪ ،‬ويُطل‪##‬ق علي‪##‬ه أيض‪#‬ا ً (المث‪##‬ال‬
‫تجس‪#‬د األرواح أو تجرّده‪#‬ا ومش‪#‬اهدة ال‪#‬ذوات المج‪#‬رّدة ص‪#‬ور األش‪#‬باح‬ ‫ّ‬ ‫المطلق) و(الخيال المنفص‪#‬ل)‪ ،‬وال تتع‪#‬دّى إمكانات‪#‬ه في‬
‫الجسمانيّة‪ .‬وتكون صور األشياء فيه دائما ً مطابقة للواقع‪ .‬ب) الخيال المقيّد (الم ّتصل)‪ :‬وهو المرتب‪##‬ط بق‪##‬وى البش‪##‬ر اإلدراك ّي‪##‬ة‪،‬‬
‫وقد يطابق الواقع أحيانا ً وقد يخالفه في أحيان ُأخر‪ ،‬ولهذا تدخل في هذا العالم المحاالت‪ ،‬باإلضافة لل‪##‬رؤى وبعض المكاش‪##‬فات‪.‬‬
‫كما يقسّم عالم الخيال ـ ذلك البرزخ بين األرواح واألجسام ـ أيض‪#‬ا ً إلى (ع‪#‬الم ال‪#‬برزخ والغيب الممكن)‪ ،‬وه‪#‬و مق‪#‬دّم على ع‪#‬الم‬
‫المادة ومسانخ للتج ّرد الوجوديّ ‪ ،‬وإلى (عالم البرزخ والغيب المحال)‪ ،‬وهو عالم ما بعد الموت‪ ،‬ويأتي مطابقا ً ألعمال اإلنس‪##‬ان‬
‫وسنخيّتها‪ .‬فمن يلج العالم الثاني أي (عالم البرزخ والغيب المحال) لن يك‪##‬ون باس‪##‬تطاعته الع‪#‬ودة‪ ،‬من هن‪#‬ا‪ ،‬يك‪#‬ون ع‪#‬الم الخي‪#‬ال‬
‫والمثال متك ّفالً بتجسّد األرواح نزوالً‪ ،‬وبتجرّد األجساد صعوداً‪ُ .‬أنظر‪ :‬سعيد رحيميان‪ ،‬التجلّي والظهور في العرفان النظ‪##‬ري‪،‬‬
‫‪280‬ـ‪ ،281‬نشر مكتب اإلعالم اإلسالمي‪ ،‬قم ‪1376‬هـ‪.‬ش‪.‬‬
‫(‪)3‬ـ داريوش شايكان‪ ،‬هانري كربن‪ ،‬آفاق تفك‪##‬ر معن‪##‬وي در إس‪##‬الم إي‪##‬راني (ه‪##‬نري ك‪##‬وربن وآف‪##‬اق العرف‪#‬ان في اإلس‪##‬الم عن‪##‬د‬
‫اإليرانيين)‪83 ،‬ـ‪ ،84‬ترجمه إلى الفارسيّة باقر برهام‪ ،‬نشر فرزان‪ ،‬طهران ‪1373‬هـ‪.‬شمسي‪.‬‬
‫(‪ )4‬ـ المص‪#####################################‬در الس‪#####################################‬ابق‪90 ،‬ـ‪.91‬‬

‫[الصفحة ‪]41 -‬‬


‫تواصل وترابطٍ بين مرتبتين وجوديَّتين أحدهما‬
‫ٍ‬ ‫إذن‪ ،‬فدور‪ #‬عالم المثال في سلسلة المراتب الوجوديّة هو خلق‬
‫سابقة له واُألخرى‪ #‬الحقة (‪.)5‬‬
‫ٌ‬
‫ّ‬
‫محطة عالم المثال مُستكشفا ً أربعة مسارات في عرض واحد على صعيد الفك‪##‬ر اإلس‪##‬الميّ‬ ‫ينطلق كوربن من‬
‫في إيران‪ ،‬وليست تلك المسارات متعاقبة فيما بينه‪##‬ا أو مكمِّل‪##‬ة لبعض‪##‬ها اآلخ‪##‬ر‪ ،‬وإ ّنم‪##‬ا هي عب‪##‬ارة عن أربع‪##‬ة‬
‫خطوط متوازية تلتقي في الشكل والمضمون‪ ،‬وت َّتحد‪ #‬في الكليّة‪.‬‬
‫بعبارة ُأخرى‪ ،‬يُمكن تشبيهها باللحن الموسيقيّ الواحد الذي من المُمكن عزفه على آالت متع ِّددة‪ .‬والمس‪##‬ارات‬
‫هي‪:‬‬
‫‪1‬ـ من النبوّ ة إلى الوالية‪.‬‬
‫‪2‬ـ من أصالة الماهيّة إلى أصالة الوجود‪.‬‬
‫‪3‬ـ من التخيّل العرفانيّ وح ّتى‪ #‬تح ّققه في النفس‪.‬‬
‫اإلنساني إلى العشق الربّانيّ ‪.‬‬
‫ّ‪#‬‬ ‫‪4‬ـ من العشق‬
‫وينصّ كوربن على إمكانيّة رصد المفاهيم أعاله في أربعة مصاديق‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪1‬ـ الج‪##‬انب البي‪##‬انيّ والحكم‪##‬ة النبويّ‪##‬ة‪ ،‬كم‪##‬ا في تفس‪##‬ير ش‪##‬مس ال‪##‬دين محم‪##‬د الالهيجي على (كلش‪##‬ن راز)‬
‫للشبستريّ ‪.‬‬
‫‪2‬ـ الجانب الفلسفيّ أو الوجوديّ ‪ ،‬كما هو عند المُال صدرا‪.‬‬
‫‪3‬ـ الجانب الروائيّ في قصص الخيال العرفانيّ ‪ ،‬كال‪##‬ذي كتب‪##‬ه ابن س‪##‬ينا في حيّ بن يقظ‪##‬ان‪ ،‬ورس‪##‬الة الط‪##‬ير‪،‬‬
‫السهروردي من قبيل‪ :‬ر ّنة جبرئيل‪ ،‬غرب‪##‬ة الغريب‪##‬ة وم‪##‬ؤنس‬
‫ّ‪#‬‬ ‫وحكاية ُأبسال وسالمان‪ ،‬أو ما ورد في مؤلَّفات‬
‫الع ّ‬
‫شاق‪.‬‬
‫‪4‬ـ جانب الحبّ والعرفان‪ ،‬كما في (كشف األس‪##‬رار) ال‪#‬ذي جم‪#‬ع في‪##‬ه روز جه‪##‬ان البقليّ الش‪#‬يرازيّ مكاش‪##‬فته‬
‫العرفانيّة في باب تجليّات الجمال اإللهيّ ‪.‬‬
‫وتلتقي المسارات األربعة في مركز عالم المثال سواء كان عالما ً للمستحيالت أو لالس‪#‬تحالة‪ ،‬وفي ه‪#‬ذا الع‪#‬الم‬
‫تت ُّم الحركة بين هذه اال ِّتجاهات‪ ،‬حيث يُعت‪##‬بر ك‪ّ #‬ل واح‪##‬د منه‪##‬ا مرحل‪##‬ة تح‪##‬وّ ل من نش‪##‬أة إلى ُأخ‪##‬رى‪ .‬ففي مق‪##‬ام‬
‫الوحي‬
‫________________________________________‬
‫(‪ )5‬ـ المص‪##########################################‬در الس‪##########################################‬ابق‪.87 ،‬‬

‫[الصفحة ‪]42 -‬‬


‫والتنزيل ُتع ّد المرحلة الالحقة بداية جديدة‪ ،‬أي تفسيراً ال ِّتجاه الوالية‪ ،‬الذي له وجود في مقابل ماهيّة األشياء‪،‬‬
‫وهو مفاجأة الحدث على صعيد الرواية النابع‪##‬ة عن حكايته‪##‬ا‪ ،‬أي من ص‪##‬ميم ال‪##‬ذات‪ ،‬ح ّتى نص‪##‬ل إلى مرحل‪##‬ة‬
‫‪#‬وم واح‪##‬د يع‪##‬ني التح‪##‬وّ ل‬
‫‪#‬اني بالعش‪##‬ق الرب‪##‬انيّ ‪ .‬إذن‪ ،‬نحن في ك ‪ّ #‬ل األح‪##‬وال أم‪##‬ام مفه‪ٍ #‬‬
‫اس‪##‬تبدال العش‪##‬ق اإلنس‪#ّ #‬‬
‫واالنقالب الروحيّ ‪ ،‬سواء كان األمر متعلِّقا ً بالعودة والبداية‪ ،‬أم استحض‪##‬ار الوج‪##‬ود‪ #,‬أو تجرب‪##‬ة ذات ّي‪##‬ة ُتفص‪##‬ح‬
‫عن جوهر الروح‪ ،‬بعبارة ُأخرى‪ ،‬إنّ ك ّل ذلك حاصل في برزخ عالم المثال‪.‬‬

‫ويصاحب ك ّل ا ِّتجاه (مرشد) يناسب مع رؤاه ـ سواء كان ا ِّتجاها ً نبو ّياً‪ ،‬أو وجود ّياً‪ ،‬أو روائ ّياً‪ #،‬أو على صعيد‬
‫‪#‬ور متعاقب‪ٍ #‬ة تب‪##‬دأ بوج‪##‬ود اإلم‪##‬ام‪ ،‬ثم العق‪##‬ل الف ّع‪##‬ال‪ ،‬ثم مل‪##‬ك اإلش‪##‬راق‪ ،‬وأخ‪##‬يراً‬ ‫ّ‬
‫فيتمث‪##‬ل بص‪ٍ #‬‬ ‫العش‪##‬ق والعرف‪##‬ان‬
‫المعشوق األزليّ (‪.)6‬‬

‫أوالًـ يُمكن استخالص فحوى كالم كوربن في عب‪##‬ارة‪ :‬إنّ جمي‪##‬ع مس‪##‬ارات العرف‪##‬ان اإلي‪#ّ #‬‬
‫‪#‬راني تلتقي في نقط‪##‬ة‬
‫اشتراك إسمها (عالم المثال)‪ ،‬على الرغم من تع ّدد الصور‪ #‬وتباينه‪#‬ا في المض‪#‬مون‪ .‬وك‪#‬ان يج‪#‬در بك‪#‬وربن أن‬
‫يختصر ك ّل ذل‪#‬ك عن طري‪#‬ق اإللهيّ‪#‬ات‪ ،‬أو عن طري‪#‬ق‪ #‬نظريّ‪#‬ات الوج‪#‬ود عن‪#‬د ش‪#‬يخ اإلش‪#‬راق‪ ،‬وروز‪ #‬جه‪#‬ان‬
‫البقليّ ‪ ،‬ومُال صدرا‪ ،‬والالهيجيّ ‪ ،‬وما قال به الزرادشتيّون‪ #‬في الوجود‪ ،‬فيُق‪##‬ارن بين ه‪##‬ذه اال ِّتجاه‪##‬ات الب‪##‬ارزة‬
‫في بالد فارس‪ ،‬مستوضِ حاً‪ #‬نقاط اشتراكها في (عالم المثال)‪.‬‬

‫فض ‪َ #‬ل الطري‪##‬ق الملتوي‪##‬ة على المس‪##‬تو َية‪ ،‬ووق ‪#‬ع‪ #‬في جمل‪##‬ة مطبَّات‪ ،‬منه‪##‬ا جمع‪##‬ه بين المس‪##‬ارات‬
‫لكن ك‪##‬روبن ّ‬
‫األربعة دون أن يق ِّدم لها عنوانا ً جامعا ً ين ُّم عن وحدتها‪ #‬الذاتيّة‪ ،‬حيث ال يمكن المقارنة بين المق‪##‬والت المتباين‪##‬ة‬
‫إالّ من خالل ما يجمع بينها في مرتبة عليا‪.‬‬

‫فهل يمكن مقارنة فكرة مُال صدرا الفلسفيّة في االنتقال من أصالة الماهيّة إلى أصالة الوجود‪ ,‬م‪##‬ع فك‪##‬رة روز‪#‬‬
‫‪#‬اني إلى العش‪##‬ق اإللهيّ ‪ ،‬وهي نقل‪##‬ة من ملَك‪#‬ة نفس‪##‬انيّة إلى‬
‫جهان البقليّ في رأيه في االنتق‪##‬ال من العش‪##‬ق اإلنس‪#ّ #‬‬
‫ُأخرى؟!‬

‫________________________________________‬

‫(‪ )6‬ـ المص‪##############################‬در الس‪##############################‬ابق‪93 ،‬ـ‪.95‬‬

‫[الصفحة ‪]43 -‬‬


‫كما لم تثبت العالقة الرابطة بين مرحل‪##‬ة ال‪##‬وحي والتنزي‪#‬ل‪ #‬ـ وال‪##‬ذي أق‪##‬رب م‪##‬ا يك‪##‬ون للمفه‪##‬وم اله‪##‬رمنطيقيّ ـ‬

‫ومرحل‪##‬ة القص‪##‬ص العرفان ّي‪##‬ة المتح ِّقق‪##‬ة في ذات اإلنس‪##‬ان‪ ،‬وه‪##‬و عب‪##‬ارة عن حرك‪##‬ة بين الع‪##‬والم الروح ّي‪##‬ة أو‬

‫الحصول على التجارب العرفانيّة وفقا ً لمفاد تلك القصص والحكايات‪.‬‬

‫وأدهى من ذلك‪ ،‬اإلشكال ال‪##‬وارد على ُأس‪##‬لوبيّة ك‪##‬وربن في ط‪##‬رح النظر ّي‪##‬ة‪ ،‬فببس‪##‬اطة ال يُمكن تحدي‪##‬د مالم َح‬

‫واض‪#‬حة لع‪#‬الم المث‪#‬ال ع‪#‬بر ه‪#‬ذه المس‪#‬ارات المق ّدم‪#‬ة من قِ َبل‪#‬ه؛ ذل‪#‬ك أنّ ع‪#‬الم المث‪#‬ال عب‪#‬ارة عن مفه‪#‬وم إلهيّ‬

‫وجوديّ ‪ ،‬وليست المسارات في شي ٍء من ذل‪##‬ك إطالق‪#‬اً‪ ،‬ب‪#‬ل يُمكن أن ُت ّ‬


‫فس‪#‬ر من خالل نم‪##‬ط ترتيبه‪#‬ا على أ ّنه‪##‬ا‬

‫‪#‬اهري إلى المع‪##‬نى الب‪##‬اطنيّ ‪ ،‬أو مف‪##‬اهيم اس‪##‬تدالليّة ـ‬


‫ّ‪#‬‬ ‫مفاهيم تأويليّة‪ ،‬بمعنى التح‪##‬وّ ل واالنتق‪##‬ال من المع‪##‬نى الظ‪#‬‬

‫ُكتس‪#‬بة‪ ،‬أو مف‪##‬اهيم نفس‪##‬انيّة‪ ،‬بمع‪##‬نى‬


‫بالمعنى الفلسفيّ للكلمة ـ أو مفاهيم كشفيّة‪ ،‬بمعنى التج‪##‬ارب العرفان ّي‪##‬ة الم َ‬

‫الملكات الروحيّة‪.‬‬

‫ّ‬
‫البت في دور عالم المثال خالل مرحلة االنتقال الفكريّ من أصالة الماه ّي‪##‬ة إلى أص‪##‬الة‬ ‫ولهذا ال يُمكن ـ مثالً ـ‬
‫الوجود‪.‬‬

‫ثانيا ً ـ لم يكشف كالم كوربن عن المسارات األربع‪##‬ة إالّ عن مرحل‪##‬ة واح‪##‬دة من التح‪##‬وّ ل واالنتق‪##‬ال‪ ،‬وه‪##‬و م‪##‬ا‬
‫خاص‪#‬ة؛ في حين أنّ أرب‪##‬اب تل‪##‬ك المس‪##‬ارات الس‪##‬لوكيّة ك‪##‬انوا ق‪##‬د بيَّن‪##‬وا مراح‪##‬ل عدي‪##‬دة‬
‫ّ‬ ‫يتح ّقق في عالم المثال‬
‫لمساراتهم‪ #‬في مقامات السير والسلوك‪ #‬العرفانيّ ‪ ،‬حيث إنّ بين ك ّل مرتب‪##‬ة ومرتب‪##‬ة واس‪##‬طة ترب‪##‬ط بين األس‪##‬فل‬
‫واألعلى من المقامات‪ .‬إذن‪ ،‬فإنْ كان الكالم حول المسار‪ #‬والحركة فهي الب ّد أن تكون متع ِّددة‪ ،‬وعليه لم يذكر‬

‫مقام واح ٍد لك ّل مسار‪ ،‬هذا إن سلّمنا بوجود مرحل ٍة أو ٍ‬


‫مقام في ك ّل مسار (يُدعى المث‪##‬ال)‪ ،‬بينم‪##‬ا‬ ‫كوربن سوى ٍ‬
‫ُأغفلت المراحل اُألخرى‪ #‬ممَّا يتعلَّق بالعوالم السفلى أو العليا‪.‬‬

‫فعلى سبيل المثال يستعرض روز‪ #‬جهان البقليّ ـ الذي ق‪َّ #‬دم ك‪##‬وربن كتاب‪##‬ه (كش‪##‬ف األس‪##‬رار) نموذج‪#‬اً‪ #‬للمس‪##‬ار‬
‫الرابع ـ أنواع العشق في كتاب (عبهر العاشقين)‪ ،‬فيقول‪« :‬أ ّم‪##‬ا العش‪##‬ق فعلى خمس‪##‬ة أن‪##‬واع‪ :‬ن‪##‬و ٌع إلهيّ وه‪##‬و‬
‫أعلى المقامات‪ ،‬وخاصّ‬

‫________________________________________‬

‫[الصفحة ‪]44 -‬‬


‫بأهل التوحيد والمشاهدة؛ ونوع عقليّ وهو في عالم مكاشفات الملك‪##‬وت‪ ،‬وه‪##‬و خ‪##‬اصٌ بأه‪##‬ل المعرف‪##‬ة الح ّق‪##‬ة؛‬
‫روحاني مختصٌ ببني البشر؛ ونوع بهيميّ عائد لألوباش من الناس؛ ونوع طبيعيّ لعامّة الخلق» (‪.)7‬‬
‫ّ‪#‬‬ ‫ونوع‬

‫ي ّتضح من ذلك ضرورة قطع أربع‪#‬ة مراح‪#‬ل للعب‪#‬ور من (العش‪#‬ق البهيميّ ) إلى (العش‪#‬ق اإللهيّ )‪ ،‬وليس ذل‪#‬ك‬
‫متح ِّققا ً بمجرّد العبور من عالم واح ٍد كعالم المثال‪.‬‬

‫ث مُال صدرا ـ الذي أخذه كوربن نموذجا ً للمسار الثاني ـ في رحلته من أصالة الماه ّي‪##‬ة إلى أص‪##‬الة‬
‫كذلك تح ّد َ‬
‫أسفار ذكرها في مطلع كتابه (األسفار األربعة)‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫الوجود عن أربعة‬

‫ّ‬
‫الحق‪.‬‬ ‫‪1‬ـ السفر من الخلق إلى‬

‫ّ‬
‫الحق‪.‬‬ ‫ّ‬
‫بالحق في‬ ‫‪2‬ـ السفر‬

‫ّ‬
‫بالحق‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الحق إلى الخلق‬ ‫‪3‬ـ السفر من‬

‫ّ‬
‫بالحق في الخلق‪.‬‬ ‫‪4‬ـ السفر‬

‫إذن كيف سقطت أنواع العشق الخمسة م‪##‬ع األس‪##‬فار األربع‪##‬ة من مق‪##‬رّرات ك‪##‬وربن واس‪##‬تبدل‪ #‬ك‪ّ #‬ل ذل‪##‬ك بع‪##‬الم‬
‫المث‪##‬ال؟! والتس‪##‬اؤل‪ #‬ق‪##‬د يتجلّى أك‪##‬ثر إذا عرفن‪##‬ا أنّ (ع‪##‬الم العق‪##‬ول) أعلى وأش‪##‬رف‪ #‬عن‪##‬د مُال ص‪##‬درا من (ع‪##‬الم‬
‫المث‪##‬ال) (‪ ،)8‬كم‪##‬ا أنّ العش‪##‬ق اإللهيّ والعش‪##‬ق العقليّ أرف‪##‬ع رتب‪##‬ة في نظ‪##‬ر روز جه‪##‬ان البقليّ من األن‪##‬واع‬
‫اُألخرى التي قد يص ِّنفها كوربن على عالم المثال أحياناً‪.‬‬

‫ثالثا ً ـ ال يُمكن ع ّد عالم المثال من مختصَّات الفكر العرفانيّ في بالد فارس وحدها؛ فليس العلماء اإليرانيّ‪##‬ون‬
‫ّ‬
‫محط اهتمام العدي‪#‬د من العلم‪#‬اء في مختل‪#‬ف بق‪#‬اع الع‪#‬الم اإلس‪#‬المي‪،‬‬ ‫هم وحدهم من اهت َّم بهذا المفهوم بل كان‬
‫فهذا محيي الدين بن عربيّ األندلس‪##‬ي وأ ْت َباع‪##‬ه ك‪#‬انوا ق‪#‬د تطرَّ ق‪##‬وا‪ #‬للموض‪#‬وع‪ #‬بإس‪#‬هابٍ‪ ،‬وأس‪#‬ماه ابن ع‪##‬ربي بـ‬
‫(عالم الخيال) و (عالم البرزخ)‪ ،‬وقد‪ #‬كانت نصوص ابن عربي في هذا الب‪##‬اب كافي‪##‬ة ِّ‬
‫لتمثل كتاب‪#‬ا ً مس‪##‬تقالً بقلم‬
‫محمود الغراب الذي نقل عن محيي الدين قوله‪« :‬ليست‬

‫________________________________________‬

‫(‪ )7‬ـ روز جهان الشيرازيّ ‪ ،‬عبهر العاشقين‪ ،15 ،‬نشر منوجهري‪ ،‬طهران ‪1366‬هـ ‪ .‬شمسي‪.‬‬

‫(‪ )8‬ـ صدر المتألّهين الشيرازيّ ‪ ،‬الحكمة المتعالية في األسفار العقليّة األربعة‪ ،19 ،1‬تصحيح وتعليق‪ #‬حسن‬
‫زاده آملي‪ ،‬وزارة الثقافة واإلرشاد‪ #‬اإلسالمي‪ ،‬مؤسسة الطباعة والنشر ‪ ،‬طهران ‪1414‬هـ‪.‬‬

‫[الصفحة ‪]45 -‬‬


‫معاني البرزخ من ع‪##‬الم (الغيب في ش‪##‬يء‪ ،‬فكث‪##‬يراً م‪##‬ا تص‪##‬دق على الص‪##‬ور‪ #‬الحس‪#‬يّة‪ ،‬كم‪##‬ا أ ّنه‪##‬ا ال ت‪##‬دخل في‬
‫مفاهيم عالم الشهادة؛ أل ّنها معان مجرّ دة‪ .‬ولهذا كان عالم الخيال أوسع العوالم؛ أل ّنه يجمع بين عالمين‪ ...‬هم‪##‬ا‬
‫عالم الغيب عالم والشهادة» (‪.)9‬‬
‫المنظرين ألفكار ابن عربي ـ فقد ص‪َّ #‬نف الع‪##‬والم الكل ّي‪##‬ة في‬‫ّ‬ ‫أمّا داوود‪ #‬بن محمد القيصريّ ـ الذي يُع ّد من أهم‬
‫الفصل الخامس من شرحه على فصوص ابن عربيّ إلى خمسة‪:‬‬
‫أـ عالم األعيان الثابتة‪.‬‬
‫بـ ـ عالم أرواح الجبروت‪ #‬والملكوت‪ ،‬أي عالم العقول والنفوس المجرَّ دة‪.‬‬
‫جـ ـ عالم المثال‪.‬‬
‫د ـ عالم الملك‪.‬‬
‫اإلنساني وعالم الحقيقة (اإلنسان الكامل)‪ ،‬وفيه تجتمع العوالم (‪.)10‬‬
‫ّ‪#‬‬ ‫هـ ـ العالم‬
‫ّص القيصريّ الفصل السادس للبحث في عالم المثال (‪.)11‬‬ ‫وقد خص َ‬
‫ّ‬
‫المش ‪#‬ائيّون‬ ‫رابعا ً ـ ال يندرج (عالم المثال) حسب فلسفة ابن سينا تحت مفاهيم العرفان أو اإلشراق‪ ،‬فلم ي‪##‬ذكر‬
‫وفي مق ّدمتهم ابن سينا الجوهر الحامل لخواصّ الما ّدة مع تج ّرده عنها ـ أع‪#‬ني الج‪##‬وهر أو الوج‪##‬ود المث‪##‬اليّ ـ‬
‫في عداد أقسام الجوهر‪.‬‬
‫وقد تقرَّ ر في فلكيّات ابن سينا أنّ واجب الوج‪##‬ود ال يص‪##‬در عن‪##‬ه إالّ وج‪##‬ود‪ #‬واح‪##‬د ه‪##‬و (العق‪##‬ل األوّ ل)‪ ،‬وعن‪##‬ه‬
‫يصدر العقل الثاني والفلك األوّ ل بذاته وجسمه‪ ،‬كما يصدر العقل الثالث عن الثاني م‪##‬ع الفل‪##‬ك الث‪##‬اني‪ ،‬وهك‪##‬ذا‬
‫ح ّتى نصل للعقل العاش‪##‬ر أي (العق‪##‬ل الف ّع‪##‬ال) ال‪##‬ذي ال يُنتج عقالً‪ ،‬ب‪##‬ل الهي‪##‬ولي في ع‪##‬الم العناص‪#‬ر‪ #‬والص‪##‬ورة‬
‫الجسميّة المُنط َبعة فيها (‪.)12‬‬
‫من ذلك ي َّتضح أ ّنه ال وجود لعالم المثال بين سلسلة مراتب الوجود‪ #‬في هذه المنظومة الوجوديّة‪ ،‬األم‪##‬ر ال‪##‬ذي‬
‫قاد بعض الباحثين إلى القول بإنكار‪ #‬ابن سينا لعالم‬
‫________________________________________‬
‫(‪ )9‬ـ محمود الغراب‪ ،‬الخيال عاالم ال‪##‬برزخ والمث‪##‬ال من كالم الش‪##‬يخ األك‪##‬بر مح‪##‬يي ال‪##‬دين بن ع‪##‬ربي‪،13 ،‬‬
‫مطبعة نصر‪ ،‬دمشق ‪1404‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )10‬ـ السيد جالل ال‪##‬دين اآلش‪##‬تياني‪ ،‬ش‪##‬رح مق ّدم‪##‬ة القيص‪##‬ري على نص‪##‬وص الحكم‪447 ،‬ـ ‪ 448‬و ‪،445‬‬
‫مكتب النشر اإلسالمي‪ ،‬قم ‪ 1365‬هـ ‪ .‬ش‪.‬‬
‫(‪ )11‬ـ المصدر‪ #‬السابق‪ 483 ،‬ـ ‪.539‬‬
‫(‪ )12‬ـ السيد حسين نص‪##‬ر‪ ،‬الحكم‪##‬اء المس‪##‬لمين الثالث‪##‬ة‪33 ،‬ـ‪ ،34‬ش‪##‬ركة س‪##‬هامي كتابه‪##‬اي جي‪##‬بي‪ ،‬طه‪##‬ران‬
‫‪1354‬هـ‪.‬ش‪.‬‬
‫[الصفحة ‪]46 -‬‬
‫‪#‬ر وج‪##‬ود‪ #‬الخي‪##‬ال‬
‫المث‪##‬ال‪ ،‬من قبي‪##‬ل جالل ال‪##‬دين اآلش‪##‬تياني‪ #‬حيث كتب يق‪##‬ول‪« :‬حقيق‪##‬ة األم‪##‬ر أنّ ابن س‪##‬ينا أنك‪َ #‬‬
‫المن َفصِ ل‪ ،‬ولم يعتد بالعقالنيّة والبرزخيّة والمثاليّة في تقسيم الطبائع‪ ،‬كما أنكر أيضا ً القوّ ة المتخيّلة وما يسمّى‬
‫بـ (البرزخ الم َّتصل) » (‪.)13‬‬

‫إذن‪ ،‬كيف يُمكن تفسير قصص حيّ بن يقظ‪#‬ان ورس‪#‬الة الط‪#‬ير‪ ،‬وأبس‪#‬ال وس‪#‬المان عن‪#‬د ابن س‪#‬ينا وفق‪#‬ا ً لع‪#‬الم‬
‫المثال كما فعل كوربن؟!‬

‫ً‬
‫‪#‬توعبة لجمي‪##‬ع ا ِّتجاه‪##‬ات ومص‪##‬اديق‪#‬‬‫خامسا ً ـ لم تكن نظريّة ك‪##‬وربن في تص‪##‬نيف تل‪##‬ك المس‪##‬ارات األربع‪##‬ة مس‪#‬‬
‫المذاهب العرفانيّة في بالد فارس‪ ،‬فلم ُتفصح النظر ّي‪##‬ة ع ّم‪##‬ا إذا ك‪##‬انت بعض اآلث‪##‬ار اُألخ‪##‬رى أمث‪##‬ال‪( :‬من‪##‬ازل‬
‫السائرين) للخواجة عبد هللا األنصاري‪ #،‬و(إحياء علوم الدين) للغزاليّ ‪ ،‬و(التمهي‪##‬دات) لعين القض‪##‬اة الهم‪##‬دانيّ‬
‫و(منطق الطير) للعطار‪ #‬النيشابوريّ ‪ ،‬تنطبق‪ #‬عليها الصفات والش‪##‬روط المُلتزم‪##‬ة عن‪##‬د ك‪##‬وربن أم ال؟ أي أ ّنه‪##‬ا‬
‫مشتر ٍ‪#‬ك في هذا الجانب ـ وهو الظاهر حسب ك‪##‬وربن ـ‬
‫َ‬ ‫تحتو على وج ٍه‬
‫ِ‬ ‫اهتمَّت بعالم المثال أم لم تهتم؟ فإن لم‬
‫إذن‪ ،‬كيف حصل أن غاب موضوع بوزن ع‪#‬الم المث‪##‬ال ولع‪ّ #‬دة ق‪#‬رون عن أب‪##‬رز كتاب‪#‬ات المه َتمِّين بالتص‪##‬وّ ف‪#‬‬
‫السهروردي في القرن السادس؟!‬
‫ّ‪#‬‬ ‫ً‬
‫دفعة واحد ًة على لسان‬ ‫والعرفان ليظهر بعد ذلك‬

‫التاريخ القدسيّ‬

‫يرى كوربن أنّ التاريخ القدسيّ هو ذلك التاريخ الذي تس‪##‬مو وقائع‪##‬ه على التجرب‪##‬ة والم‪##‬ا ّدة والمش‪##‬اهدة‪ ،‬وه‪##‬و‬
‫التاريخ الذي ال يُمكن تسجيل حوادث‪##‬ه أو نق‪##‬دها‪ .‬حيث إنّ وق‪##‬ائع ه‪##‬ذا الت‪##‬اريخ ليس‪##‬ت تاريخ ّي‪##‬ة إالّ أ ّنه‪##‬ا ليس‪##‬ت‬
‫وهميّة أو ُأسطوريّة في الوقت ذاته‪ ،‬وإ ّنما هي وق‪#‬ائع مثاليّ‪#‬ة (‪ )imaginal‬تحص‪#‬ل في ع‪#‬الم المث‪#‬ال وموطن‪#‬ه‬
‫النفس اإلنسانيّة‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬فك ّل ما يقع في التاريخ القدسيّ له حقيقة واقع ّي‪##‬ة في نظ‪##‬ر ك‪#‬وربن‪ ،‬لك ّنه‪#‬ا ليس‪#‬ت من ب‪##‬اب واقعيّ‪#‬ة الع‪#‬الم‬
‫الجسمانيّ ‪ .‬إنّ وقائع‪ #‬التاريخ القدسيّ وقائع‪ #‬معنويّة بك ّل ما تحمل هذه اللفظة من داللة‪ .‬وهي حوادث محلّها ما‬
‫وراء التاريخ ـ في يوم‬

‫________________________________________‬

‫(‪)13‬ـ اآلشتياني‪ ،‬شرح مق ّدمة القيصري‪ #‬على نصوص الحكم‪ ،524 ،‬مصدر سابق‪.‬‬

‫[الصفحة ‪]47 -‬‬


‫ّ‬
‫لتتمخض عنه‪##‬ا واقع ّي‪##‬ة غيب ّي‪##‬ة تعج‪##‬ز عن إدراكه‪#‬ا‪ #‬التجرب‪##‬ة‬ ‫ت) ـ أو أ ّنها تظه‪#‬ر في غض‪##‬ون ه‪#‬ذا الع‪##‬الم‬
‫(ألسْ ُ‬
‫الماديّة‪.‬‬

‫يعتقد كوربن باستحالة درك نبوّ ة األنبياء وإمامة األئمّة بعيداً عن نافذة التاريخ القدسيّ ‪ ،‬فهو التاريخ الذي يبدَأ‬
‫من نقطة النبوّ ة ح ّتى استكمال الدائرة عند نقطة الوالية‪ ،‬فهو يع‪#‬ود إلى أص‪#‬ل ِه في خاتم‪#‬ة المط‪##‬اف‪ .‬إذن‪ ،‬نحن‬
‫في التاريخ القدسيّ أمام حلَقة دائريّة منذ البداية (النزول) وح ّتى‪ #‬النهاية (الصعود) وانغالق الدائرة‪ .‬وبم‪##‬ا أ َّنن‪##‬ا‬
‫نتح ّدث في التاريخ القدس‪##‬يّ عن ع‪##‬ود ٍة إلى نقط‪##‬ة البداي‪##‬ة‪ ،‬فالب‪ّ #‬د أن يك‪##‬ون هن‪##‬اك ح‪ّ #‬دان تع‪##‬ود إليهم‪##‬ا ح‪##‬وادث‬
‫التاريخ المعنويّ ‪ ،‬وهما ح‪ّ #‬دان موطنهم‪#‬ا‪ #‬م‪##‬ا وراء الت‪##‬اريخ‪ ،‬وبعه‪##‬دتهما‪ #‬تحوي‪##‬ل الت‪##‬اريخ إلى الت‪##‬اريخ القدس‪##‬يّ‬
‫فيمنحانه معنى ذلك‪ .‬أمّا ح ّد البداية ـ حسب ك‪##‬وربن ـ فه‪##‬و‪ :‬ي‪##‬وم الميث‪##‬اق ال‪##‬ذي أخ‪##‬ذ هللا في‪##‬ه من البش‪##‬ر عه‪##‬داً‬
‫بربوبيّته قبل الهبوط‪ #‬إلى (الناسوت)‪ ،‬والح ّد اآلخر هو عند ظه‪#‬ور‪ #‬اإلم‪#‬ام الغ‪#‬ائب‪ ،‬وال‪#‬زمن الح‪#‬اليّ ه‪#‬و زمن‬
‫ِّ‬
‫وتمثل حرك‪##‬ة (زم‪##‬ان الغيب‪##‬ة) نح‪##‬و (الظه‪##‬ور) دائ‪##‬رة‬ ‫غيبته‪ ،‬ولهذا فإنَّ زمانه يختل‪##‬ف عن زمانن‪##‬ا الت‪##‬اريخيّ ‪،‬‬
‫الوالية المع ِّق َبة لدائرة النبوّ ة(‪.)14‬‬

‫وقفة نقديّة‬

‫أوالً ـ ال يحتمل أن يكون ك‪##‬وربن هن‪##‬ا ـ في أغلب الظنّ ـ بص‪##‬دد عكس رؤي‪##‬ة فرد ّي‪##‬ة أو م‪##‬ذهب من م‪##‬ذاهب‬
‫يؤس‪#‬س لهيك‪##‬ل فكرت‪##‬ه (ت‪##‬اريخ الش‪##‬يعة القدس‪##‬يّ ) بمجموع‪##‬ة من المف‪##‬اهيم ليس‪##‬ت من‬
‫الشيعة‪ ،‬في المقاب‪##‬ل ن‪##‬راه ِّ‬
‫الثوابت الم َّتفق عليها‪ ،‬فعمد‪ #‬إلى التنقيب في هذا الكتاب أو ذاك من فلس‪##‬فة وعرف‪##‬ان أو كالم الس‪##‬تخراج بعض‬
‫النصوص وتنميقها باإلضافة أو الح‪##‬ذف‪ ،‬ثم ليق‪ّ #‬دمها بوص‪#‬فها من (معتق‪#‬دات الش‪##‬يعة) الثابت‪#‬ة‪ .‬لكن ل‪#‬و ج ّزأن‪#‬ا‬
‫مكوِّ نات هذه الفكرة واجهتنا مجموعة من المف‪##‬اهيم من قبي‪##‬ل‪( :‬الت‪##‬اريخ القدس‪##‬يّ )‪( ،‬ق‪##‬وس ال‪##‬نزول والص‪##‬عود)‪#‬‬
‫وأه ُّم من ذلك كلّه مفهوم (عالم المثال) الذي صبّ كوربن ج ّل اهتمامه عليه‪ .‬وهنا نو ّد اإلشارة إلى مكانة هذا‬
‫المفهوم في الفكر الشيعيّ وعالقته باإلمام الغائب‪:‬‬

‫يمكن القول ـ من خالل مراجعة المصادر الشيعيّة ـ بأنّ (عالم المثال) لم‬

‫________________________________________‬

‫(‪)14‬ـ هنري كوربن‪ ،‬تاريخ الفلسفة اإلس‪#‬المية‪ 92 ،‬ـ ‪ ،96‬نش‪#‬ر ك‪#‬وير‪ ،‬طه‪#‬ران ‪1373‬هـ‪.‬ش؛ وانظ‪#‬ر‪ #‬ل‪#‬ه‬
‫أيضا ً الفلسفة اإليرانيّة والفلسفة التطبيقيّة‪ 30 ،‬ـ ‪ ،32‬نشر طوس‪ ،‬طهران ‪ 1369‬هـ‪.‬ش‪.‬‬

‫[الصفحة ‪]48 -‬‬


‫يكن عند علماء الشيعة قبل القرن الحادي عشر ِّ‬
‫ليمثل العالم الفاصل بين المحسوس‪##‬ات والمعق‪##‬والت‪ ،‬ب‪##‬ل إ ّنهم‬
‫لم يهت ّم‪##‬وا ب‪##‬ه كث‪##‬يراً فيم‪##‬ا ناقش‪##‬وا‪ #‬وق‪ّ #‬دموا‪ #‬في كتب الكالم والرواي‪##‬ة وتفس‪##‬يراتهم بخص‪##‬وص م‪##‬ا في اإلنس‪##‬ان‬
‫ومستقبله من خالل بعض اآليات والروايات‪ .‬هذا في الوقت الذي كان السهرورديّ ومح‪##‬يي ال‪ِّ #‬دين في الق‪##‬رن‬
‫السادس والسابع‪ #‬قد تطرَّ قا‪ #‬لمفهوم ع‪#‬الم المث‪#‬ال في تفس‪#‬ير بعض الحق‪#‬ائق‪ ،‬والب‪ّ #‬د أن تك‪#‬ون مؤلَّف‪#‬اتهم تل‪#‬ك ق‪#‬د‬
‫وصلت بيد علماء الشيعة‪ ،‬إالّ أ َّننا لم نلحظ استعمالهم لمفهوم (عالم المثال) بمعناه االصطالحيّ إالّ بعد الق‪##‬رن‬
‫الح‪##‬ادي عش‪##‬ر‪ .‬ولعلّ‪##‬ه يُمكن اعتب‪##‬ار المُال ص‪##‬درا (ت‪1050/‬هـ) أوّ ل من أدخ‪##‬ل مفه‪##‬وم (ع‪##‬الم المث‪##‬ال) إلى‬
‫المنظومة الشيعيّة‪ ،‬ومنذ ذلك الحين بدأت الرسائل ُت َ‬
‫ف‪#‬رد للخ‪#‬وض في دراس‪##‬ة ع‪##‬الم المث‪#‬ال وإثبات‪#‬ه‪ ،‬فق‪##‬د ذك‪##‬ر‬
‫صاحب الذريعة ثالثة كت ٍ‬
‫ب تحمل عنوان (عالم المثال)‪:‬‬
‫أـ إثبات عالم المثال‪ ،‬قطب ال‪#‬دين محم‪##‬د بن علي الش‪#‬ريف‪ #‬الالهيجيّ ‪ .‬وق‪##‬د ف‪#‬رغ من تأليف‪#‬ه س‪##‬نة ( ‪( #)1077‬‬
‫‪.)15‬‬
‫بـ ـ إثبات عالم المثال‪ ،‬شاه محمد اإلصطهباناتي الساكن بشيراز‪ ،‬وقد فرغ من التأليف سنة (‪.)16( )1100‬‬
‫جـ ـ رسالة في عالم المثال‪ ،‬المُال هادي السبزواريّ ‪ #،‬وهو من مدرسة المُال صدرا الح َكميّة (‪.)17‬‬
‫وعلى الرغم من تأييد جميع َمنْ تخ ّرج في مدرسة (الحكمة المتعالية) لوج‪##‬ود‪ #‬ع‪##‬الم المث‪##‬ال‪ ،‬لكن ك‪##‬انت هن‪##‬اك‬
‫مجموعة ُأخرى من المتكلِّمين والمح‪ِّ #‬دثين لم يرحب‪##‬وا ب‪##‬الفكرة‪ ،‬أو رفض‪##‬وها برمّته‪##‬ا‪ ،‬كالعالّم‪##‬ة المجلس‪##‬يّ في‬
‫بحار األنوار الذي ا َّتخذ موقفا ً معتدالً نوعا ً م‪#‬ا‪ ،‬عن‪#‬دما رفض في الج‪#‬زء الخس‪#‬مين االس‪#‬تناد إلى مفه‪#‬وم ع‪#‬الم‬
‫المثال في تفسير الروايات المتعلِّقة بعالم ال‪##‬برزخ‪ ،‬فكتب يق‪##‬ول‪« :‬ال يبع‪ُ #‬د أن يك‪#‬ون في وادي الس‪##‬الم ج ّن‪#‬ات‪،‬‬
‫وأنهار‪ ،‬ورياض‪ ،‬وحياض‪ ،‬تتم ّت‪#‬ع به‪#‬ا أرواح المؤم‪#‬نين بأجس‪#‬ادهم‪ #‬المثاليّ‪#‬ة اللطيف‪#‬ة ونحن ال نراه‪#‬ا‪ ...‬وه‪#‬ذا‬
‫قريبٌ من عالم المثال‪ ،‬أثبته اإلشراقيّون من الحكماء والصوفية‪ ،‬لكن بينهما فرق بيّن» (‪ .)18‬لك ّنه تش َّدد في‬
‫موقفه أكثر في الجزء‬
‫________________________________________‬
‫(‪)15‬ـ آق‪##‬ا ب‪##‬زرك الطه‪##‬راني‪ ،‬الذريع‪##‬ة إلى تص‪##‬انيف الش‪##‬يعة ج‪ ،96 #،1‬ط‪ .‬الثالث‪##‬ة‪ ،‬دار األض‪##‬واء‪ ،‬ب‪##‬يروت‬
‫‪1403‬هـ‪.‬‬
‫(‪)16‬ـ المصدر‪ #‬السابق نفسه‪.‬‬
‫(‪)17‬ـ المصدر‪ #‬السابق‪ ،‬ج ‪.207 ،15‬‬
‫(‪)18‬ـ المجلس‪#####‬ي‪ ،‬بح‪#####‬ار األن‪#####‬وار ‪،‬ج ‪ ،135 #####،50‬مؤسس‪#####‬ة الوف‪#####‬اء ‪ ،‬ب‪#####‬يروت ‪1403‬هـ‪.‬‬
‫[الصفحة ‪]49 -‬‬

‫الرابع والخمسين‪ ،‬فقال مع ِّقبا ً على بعض ما نقله من آراء للحكماء في ب‪#‬اب ع‪#‬الم المث‪#‬ال‪ ...« :‬م‪#‬ا أش‪#‬به ه‪#‬ذه‬
‫المزخرفات بالخرافات‪ #‬والخياالت الواهية واألوهام الفاسدة‪ .‬وال يتو ّقف تصحيح شي ٍء ممّا ذكروه على الق‪##‬ول‬
‫بهذا المذهب السخيف‪ ...‬وأمّا األجس‪##‬اد المثال ّي‪##‬ة ال‪##‬تي قلن‪##‬ا به‪##‬ا فليس من ه‪##‬ذا القبي‪##‬ل‪ ،‬كم‪##‬ا ع‪##‬رفت تحقيق‪##‬ه في‬
‫المجلّد الثالث‪ ،‬وأكثر أخبار هذا الباب يُمكن حملها على ظواهرها‪ ،‬إذ لم ِ‬
‫يدر أح‪ٌ #‬د س‪#‬وى األنبي‪#‬اء واألوص‪#‬ياء‪#‬‬
‫م‪##‬ا ح‪##‬ول جمي‪##‬ع الع‪##‬الم ح ّتى يحكم بع‪##‬دمها‪ ،‬وم‪##‬ا قال‪##‬ه الحكم‪##‬اء والرياض ‪#‬يّون في ذل‪##‬ك فه‪##‬و على الخ‪##‬رص‬
‫والتخمين‪ ...‬قد يستدل على ثبوت عالم المثال بما رواه الشيخ البه‪##‬ائي(رحم‪#‬ه هللا) في كت‪##‬اب (مفت‪##‬اح الفالح)‪،‬‬
‫عن الصادق(عليه السالم) أ ّنه قال‪ :‬ما من مؤمن إالّ وله مثال في العرش‪...‬‬

‫وأق‪##‬ول‪ :‬وإن أمكن تأويل‪##‬ه على م‪##‬ا ذك‪##‬روه‪ ،‬لكن ليس في‪##‬ه دالل‪##‬ة على الخصوص‪#‬يّات ال‪##‬تي أثبتوه‪##‬ا‪ ،‬وال على‬
‫عمومها في ك ّل شيء‪ ،‬ونحن ال ننكر وجود‪ #‬األجسام المثالية وتعلّق األرواح بها بعد الموت‪ ،‬بل ُنثبته‪##‬ا لدالل‪##‬ة‬
‫األحاديث المُعتبرة الصريحة عليها‪ ،‬بل ال يبعد عندي وجودها‪ #‬قبل الموت أيضاً‪ ...‬فيسير‪ #‬بها في عوالم الملك‬
‫والملكوت» (‪.)19‬‬

‫يُمكن تلخيص أفكار المجلسيّ كما يلي‪:‬‬

‫أ ـ تجاوز آراء الحكماء والمتصوِّ فة في إثبات عالم المثال حدود‪ #‬الحدس والتخمين‪ ،‬وال دليل لديهم من الق‪##‬رآن‬
‫وال ُس ّنة‪.‬‬

‫بـ ـ ال ُتثبت الروايات سوى وجود‪ #‬أجساد مثاليّة لإلنسان‪.‬‬

‫واضح على إثبات صورة مثاليّة لك ّل موجود‪ #‬ماديّ ‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫دليل‬
‫جـ ـ ليس ثمّة ٍ‬

‫‪#‬اني ه‪##‬و (ق‪##‬وس ال‪##‬نزول‬ ‫ثانيا ً ـ كان من جملة المفاهيم ال‪##‬تي َّ‬
‫أس‪#‬س عليه‪##‬ا ك‪##‬وربن فكرت‪##‬ه الجدي‪##‬دة مفه‪##‬وم عرف‪#ّ #‬‬
‫والصعود)‪ ،‬وا َّتضح من كالمه أنّ عالم ْ‬
‫(ألس‪ُ #‬‬
‫ت) أو (ال‪##‬ذ ّر) ه‪#‬و نقط‪#‬ة البداي‪##‬ة في ق‪##‬وس الهب‪#‬وط‪ ،‬وأنّ ظه‪##‬ور‬
‫اإلمام الغائب (عج) هو نقطة النهاية في قوس الصعود‪ ،‬وكال النقطتين متعلِّقتان بعالم المثال‪ ،‬إذن‪ ،‬فهو ي‪##‬رى‬
‫في عالم المثال المبدأ والمنتهى‪ #‬لقوس النزول والصعود‪#.‬‬

‫________________________________________‬

‫(‪)19‬ـ المصدر‪ #‬السابق ج‪.354 ،54‬‬


‫[الصفحة ‪]50 -‬‬

‫س‪#‬ابق ب‪#‬أنّ مفه‪#‬وم ع‪#‬الم المث‪#‬ال لم يكن مت‪#‬داوالً‪ #‬عن‪#‬د الش‪#‬يعة بفالس‪#‬فتهم ومتكلِّميّهم ومح‪ِّ #‬دثيهم‪#‬‬
‫ٍ‬ ‫وقد بي ّنا في نق ٍد‬
‫ليؤسّسوا‪ #‬أو يفسّروا بعض معتقداتهم وفقا ً له‪ ،‬أو أن يفسّروا بعض اآليات والروايات طبقا ً لهذا المفهوم‪ ،‬وهن‪##‬ا‬
‫‪#‬اني لم يكن متماش‪##‬يا ً م‪##‬ع ال‪##‬رؤى العرفان ّي‪##‬ة‬
‫نقول‪ :‬بأنّ تقرير كوربن لمفهوم (ق‪##‬وس ال‪##‬نزول والص‪##‬عود) العرف‪#ّ #‬‬
‫والفلسفيّة ـ سنيّة كانت أم شيعيّة ـ‪ ،‬فمب‪#‬دأ ومنتهى‪ #‬ال‪#‬نزول والص‪#‬عود في رأي العرف‪#‬اء والحكم‪#‬اء ال يُمكن أن‬
‫يكون عالم المثال‪ ،‬وإ ِّنما هو عالم العقل وأعلى من ذلك؛ «ألنّ مراحل قوس النزول عندهم ظهوريّة تب‪##‬دأ من‬
‫الوجود المقيّد بالتعيّن (هو األوّ ل والظاهر) ح ّتى تصل إلى أضعف مظاهر الخلقة (عالم الناسوت واألجرام)‪،‬‬
‫ّ‬
‫الحق إلى ع‪##‬والم الملك‪##‬وت (المثـال)‪،‬‬ ‫أمّا مراحل الصعود فهي تكامليّة تبدأ بالناسوت‪ ،‬فتمت ُّد بفضل فيوضات‪#‬‬
‫والجبروت (العقل) ح ّتى تنتهي إلى الفنـاء في هللا» (‪.)20‬‬

‫الفيض الكاشاني‪ #‬هو واحد من عرفاء الشيعة القائلين بتلك الحقيقة (تفوّ ق مب‪##‬دأ منتهى ن‪##‬زول وص‪##‬عود الع‪##‬والم‬
‫تمثل في بعض جوانبها‪ #‬واحداً من الشروح الشيعيّة على‬ ‫على عالم المثال)‪ ،‬فكتب في (الكلمات المكوّ نة) التي ّ‬
‫فصوص الحكم للقيصريّ ‪« #:‬الوجود‪ #‬يبتدي بعد مرتبة الغيب في التعيّن‪ ،‬فينزل من س‪##‬ماء اإلطالق إلى أرض‬
‫التقيّد مر ّتبا ً من األشرف فاألشرف‪ #‬إلى أن ينتهي إلى ماال أخسّ منه في اإلمك‪##‬ان وال أض‪##‬عف‪ ،‬فينقط‪##‬ع عن‪##‬ده‬
‫السلسلة النزوليّة‪ ،‬ثم يأخذ في العروج كذلك متدرِّ جاً‪ ،‬فال يزال ي‪##‬تر ّقى‪ #‬من األرذل إلى األفض‪##‬ل إلى أن ينتهي‬
‫إلى الذي ال أفضل منه في هذه السلسلة العروجيّة‪ ،‬فيكون هو ب‪##‬إزاء م‪##‬ا ب‪##‬دأ من‪##‬ه في ال‪##‬نزول‪ ...‬وفي المرتب‪##‬ة‬
‫اُألولى التي يظهر فيها الوجود‪ #‬أوالً بصور‪ #‬األعيان ال يفتخر في تقوِّ مه‪ ،‬وال في شي ٍء من صفاته وأفعاله إلى‬
‫شي ٍء سوى مبدعه القيوم ج ّل اسمه‪.‬‬

‫ويسمّى أهل تلك المرتبة على اختالف درجاتهم‪ #‬بالعقول واألرواح‪ #‬والمالئكة المقرّ بين‪ ...‬وفي المرتبة الثاني‪##‬ة‬
‫يفتقر في أفعاله وصفاته إلى ما دون‪##‬ه من الم‪##‬راتب‪ .‬ويس‪#‬مّى أهله‪##‬ا على تف‪##‬اوت أق‪##‬دارهم‪ #‬ب‪##‬النفوس وال‪##‬برازخ‪#‬‬
‫والمالئكة المدبّرين» (‪.)21‬‬

‫________________________________________‬

‫(‪)20‬ـ س‪###‬عيد رحيمي‪###‬ان‪ ،‬التجلّي والظه‪###‬ور في العرف‪###‬ان النظ‪###‬ري‪ ،125 :‬مكتب اإلعالم اإلس‪###‬المي‪ ،‬قم‬
‫‪1376‬هـ‪.‬ش ‪.‬‬

‫(‪)21‬ـ الفيض الكاشاني‪ ،‬كلمات مكوّ نة من علوم أهل الحكمة والمعرفة‪65 ،‬ـ‪ ،66‬ط‪ .‬الثاني‪##‬ة‪ ،‬نش‪##‬ر فراه‪#‬اني‪#‬‬
‫‪.1360‬‬
‫[الصفحة ‪]51 -‬‬

‫يتسلسل الفيض الكاش‪##‬اني‪ #‬في تع‪##‬داد الم‪##‬راتب النزول ّي‪##‬ة ح ّتى يص‪##‬ل مرتب‪##‬ة الم‪##‬ا ّدة والهي‪##‬ولى‪ ،‬ثم يب‪##‬دأ بم‪##‬راتب‬
‫العروج ح ّتى يصل إلى مرتبة العقل المُستفاد‪ ،‬ويتوصّل إلى نتيجة مفادها‪« :‬فابتدأ الوج‪##‬ود من العق‪##‬ل وانتهى‬
‫إلى العقل» (‪.)22‬‬

‫لك ّنه سرعان ما ينفي عن هذه النتيجة الد ّقة الالزمة‪ ،‬فيُضيف‪#:‬‬

‫«وفي الحقيقة من هللا البدء وإليه يعود وإلى هللا المصير» (‪.)23‬‬

‫تأسيسا ً على ذلك لن تكون ُأطروحة (قوس النزول والصعود) من ثوابت الش‪##‬يعة فحس‪##‬ب‪ ،‬ب‪##‬ل ال تلتقي أيض‪#‬ا ً‬
‫مع رؤى العرفان والعرفاء‪ .‬وإ ّنما حيك هذا المفهوم سيء الطالع على أيدي كوربن‪ ،‬أضفاه جلبابا ً على عقائ‪##‬د‬
‫الشيعة‪.‬‬

‫ثالثا ً ـ تد ّل عبارات كوربن المنقولة آنفا ً وغيرها ممّا سيأتي ذكره على هامش موضوع‪( #‬اإلم‪##‬ام الغ‪##‬ائب) على‬
‫أنّ حيات‪##‬ه (عج) أو غيبت‪##‬ه وظه‪##‬وره كلّه‪##‬ا ض‪##‬ربٌ من ع‪##‬الم المث‪##‬ال‪ ،‬أي أنّ ك‪##‬وربن ي‪##‬رى في اإلم‪##‬ام الغ‪##‬ائب‬
‫موجوداً مثال ّياً‪ .‬وهذا ما ال يقول به علماء اإلماميّة العرف‪##‬اء ـ فض‪#‬الً‪ #‬عن فقه‪##‬ائهم والمتكلِّمين ـ وه‪##‬و بطبيع‪##‬ة‬
‫الحال مناقضٌ لُألسس العرفانيّة عند الشيعة‪ ،‬ذل‪##‬ك أ ّنهم يُثبت‪##‬ون وج‪##‬ود‪ #‬ع‪##‬الم آخ‪##‬ر إلى ج‪##‬انب م‪##‬راتب الوج‪##‬ود‬
‫الخمس (األحديّة‪ ،‬والواحديّة‪ ،‬العقل‪ ،‬المثال‪ ،‬الطبيعة) وهو عالم (اإلنسان الكامل)‪ ،‬فاإلنس‪##‬ان الكام‪##‬ل ه‪##‬و من‬
‫‪#‬ل‪ ،‬فل‪##‬ه وج‪##‬و ٌ‪#‬د في س‪##‬ائر‬ ‫يجمع بين المراتب الخمس مع كماالتها؛ وعليه الب ّد لك ِّل مرتب‪##‬ة وجود ّي‪##‬ة إنس‪ٍ #‬‬
‫‪#‬ان كام‪ٍ #‬‬
‫المراتب ومنها عالم الطبيعة في المرتبة األدنى من عالم المثال والعوالم اُألخرى السابقة‪.‬‬
‫ومعلوم أنّ عقيدة العرفاء الشيعة ال تعيّن مصداقاً‪ #‬لإلنسان الكامل غ‪##‬ير اإلم‪##‬ام المعص‪##‬وم في زمان‪##‬ه‪ ،‬واإلم‪##‬ام‬
‫الثاني عشر(عج) في العصر الحاضر‪ ،‬لذا فرؤي‪##‬ة العرف‪##‬ان الش‪##‬يعيّ تف‪##‬ترض وج‪##‬ود اإلم‪##‬ام الث‪##‬اني عش‪##‬ر في‬
‫جميع العوالم الوجوديّة ومنها عالم الطبيعة نفسه‪.‬‬
‫إنّ ما قلناه بهذا الصدد ليس جزافاً‪ #‬أو ا ّدعا ًء مسبقاً‪ ،‬وإ ّنما هذا ما تنصّ علي‪#‬ه كتاب‪#‬ات علم‪#‬اء العرف‪#‬ان الش‪#‬يعيّ‬
‫كالم للفيض الكاشاني حيث‬
‫ٍ‬ ‫بوضوح‪ ،‬كما جاء في‬
‫________________________________________‬
‫(‪)22‬ـ المصدر‪ #‬السابق‪.66 ،‬‬
‫(‪)23‬ـ المص‪###############################‬در‪ #‬الس‪###############################‬ابق نفس‪###############################‬ه‪.‬‬
‫[الصفحة ‪]52 -‬‬

‫قال‪« :‬لمّا كان المقصود من إيجاد العالم وإبقائه هو اإلنس‪##‬ان الكام‪##‬ل واإلم‪##‬ام الع‪##‬ادل ال‪##‬ذي ه‪##‬و خليف‪##‬ة هللا في‬
‫أرضه ـ كما أنّ المقصود من تسوية الجسد خلقه‪ ،‬هو النفس الناطقة ـ وجب أن تخرب الدار الدنيا بانتقال هذا‬
‫اإلنسان الكامل عنها‪ ،‬كما هو حال الجسد بمفارقة النفس له فإ ّن‪##‬ه يبلى ويف‪##‬ني؛ ألنّ هللا س‪##‬بحانه ال يتجلّى على‬
‫العوالم الدنيويّة إالّ بواسطة‪ ،‬فإذا انقطعت هذه الواسطة‪ ،‬فإنّ وصول‪ #‬العون واإلغاثة للعوالم الدنيو ّي‪##‬ة‪ ،‬وال‪##‬تي‬
‫هي موجبة لبقاء الوجود‪ #‬وكماالته سوف‪ #‬تنقطع‪ .‬وبانتقال تلك الواسطة (اإلنسان الكامل)‪ ،‬س‪##‬وف تنتق‪##‬ل ال‪##‬دنيا‬
‫أيضاً‪ ،‬وسوف‪ #‬يذهب ما كان فيها من المع‪##‬اني والكم‪##‬االت إلى ال‪##‬دار اآلخ‪##‬رة‪ ،‬وفي‪ #‬ه‪##‬ذا الحين تنش‪#ّ #‬‬
‫‪#‬ق الس‪##‬ماء‬
‫وتتكوّ ر‪ #‬الشمس (فتقوم القيامة) » (‪.)24‬‬

‫ثم يستش‪##‬هد‪ #‬الفيض الكاش‪##‬اني بجمل‪ٍ #‬ة من الرواي‪##‬ة‪ ،‬ومنه‪##‬ا الرواي‪##‬ة عن اإلم‪##‬ام الص‪##‬ادق(علي‪##‬ه الس‪##‬الم) من أنّ‬
‫عين لس‪##‬اخت بأهله‪##‬ا (‪ .)25‬فه‪#‬ذه العب‪#‬ائر وغيره‪##‬ا تش‪##‬ير إلى أنّ الكاش‪#‬اني‬
‫ٍ‬ ‫األرض لو خلَت من حجّ ة طرف‪#‬ة‬
‫يطبّق مفهوم (اإلنسان الكامل) العرفانيّ على ما ورد في الرواي‪##‬ات من مفه‪##‬وم للحجّ‪ #‬ة واإلم‪##‬ام‪ ،‬وأنّ انعدام‪##‬ه‬
‫على األرض ـ انعدام اإلمام في عالم الما ّدة والطبيعة ـ مستلز ٌم لهالك اإلنسان وحلول يوم القيامة‪.‬‬

‫األئمّة(عليهم السالم)‬

‫مظهر أسماء هللا وصفاته‬

‫يقول كوربن‪ :‬ال يمكن فهم صفات األئمة(عليهم الس‪##‬الم) دون أن يُنظ‪##‬ر لهم بوص‪##‬فهم وج‪##‬و ٌ‪#‬د مق‪ّ #‬دم على ع‪##‬الم‬
‫الكون والفساد‪ .‬وقد بيّن األئمّة أنفسهم هذه الصفات إبّان ظهورهم‪ #‬على وج‪##‬ه األرض‪ ،‬حيث نق‪##‬ل لن‪##‬ا الكلي‪##‬نيّ‬
‫العديد من تلك الروايات‪ #‬في ُأصول الكافي‪.‬‬

‫وقد نصّت أحاديثهم‪ #‬على أ ّنهم خلفاء هللا في أرضه‪ ،‬وأبوابه التي منها يؤتى‪ ،‬وهم أوص‪##‬ياء الرس‪##‬ول وورثت‪##‬ه‪.‬‬
‫والقرآن بنفسه يدلّنا على حقيقة األئمّة وعلمهم‪ ،‬فهم معدن المعرفة‪ ،‬وشجرة النبوّ ة‪ ،‬ومهبط الوحي والمالئك‪##‬ة‪،‬‬
‫وهم ورث‪##‬ة العلم من بعض‪##‬هم البعض‪ ،‬وعن‪##‬دهم علم جمي‪##‬ع الكتب الس‪##‬ماويّة‪ ،‬وهم من يعلم باس‪##‬م هللا األعظم‪،‬‬
‫علوم على الرسل‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وعندهم ك ّل ما نزلت به المالئكة من‬

‫________________________________________‬

‫(‪)24‬ـ المصدر‪ #‬السابق‪ 130 ،‬ـ ‪.131‬‬

‫(‪)25‬ـ المصدر‪ #‬السابق نفسه‪.‬‬


‫[الصفحة ‪]53 -‬‬

‫ولع ّل هذا الكالم يبلغ ذروته عندما نراجع (خطبة البي‪##‬ان) المنس‪##‬وبة لإلم‪##‬ام األوّ ل(علي‪##‬ه الس‪##‬الم) حيث يق‪##‬ول‪:‬‬
‫«أنا وجه هللا‪ ..‬أنا يد هللا‪ ..‬أن جنب هللا‪ ،..‬أنا إيليا اإلنجيل ووارث العلوم‪. » ..‬‬

‫ففي الخطبة ـ على اختالف نقولها ـ نحو (‪ )66‬صفة من هذا القبيل‪ .‬وهناك نص‪#‬وصٌ ُأخ‪#‬رى مش‪#‬ابهة لألئم‪#‬ة‬
‫األطهار(عليهم السالم) وصفوا أنفسهم فيها بيد هللا وعينه ووجهه وغير ذلك‪ ،‬وهذا يد ّل على أنّ المعص‪##‬ومين‬
‫األربعة عشر هم تجل ّي‪##‬ان هلل اُألولى على الخل‪##‬ق‪ ،‬حيث إنّ الغاي‪##‬ة من خل‪##‬ق األك‪##‬وان ه‪##‬و معرف‪##‬ة وأدراك كن‪##‬ه‬
‫الخالق المحجوب‪ ،‬وهذا ما يتحصّل من خالل األنوار‪ #‬األربعة عشر‪ ،‬فهي وجه هللا المتجلّي للعب‪##‬اد‪ .‬فال يمكن‬
‫لإلنسان أن يع‪#‬رف هللا إالّ من خالل أس‪#‬مائه وص‪#‬فاته‪ ،‬وليس‪#‬ت تل‪#‬ك الش‪#‬هب األربع‪#‬ة عش‪#‬ر إالّ مظ‪#‬اهر لتل‪#‬ك‬
‫األسماء والصفات (‪.)26‬‬

‫وقفة نقديّة‬

‫أنْ يكون األئمة(عليهم الس‪##‬الم) أس‪##‬ماء وص‪#‬فات إلهيّ‪#‬ة أو مظه‪#‬راً لألس‪##‬ماء والص‪##‬فات اإلله ّي‪##‬ة‪ ،‬فه‪#‬ذا ليس من‬
‫معتقدات الشيعة الثابتة‪ ،‬أي أ ّنه ليس ممّا قالت به علماء ومراجع العقيدة الشيعيّة الح ّقة‪.‬‬

‫وهذا أما ال نجده أيضا ً بمراجعتنا لمؤلَّفات علماء الشيعة البارزين على مرّ الت‪##‬اريخ‪ ،‬من قبي‪##‬ل‪( :‬االعتق‪##‬ادات)‬
‫للشيخ الص‪#‬دوق‪ ،‬و(تص‪#‬حيح االعتق‪#‬اد) للش‪#‬يخ المفي‪#‬د‪ ،‬و(تجري‪#‬د االعتق‪#‬اد) للخواج‪#‬ة نص‪#‬ير ال‪#‬دين الطوس‪#‬ي‪،‬‬
‫و(شرح تجريد‪ #‬االعتقاد) للعالّمة الحلي‪ ،‬وصوالً‪ #‬للعصور المتأخرة من قبيل‪ :‬كتاب (أصل الشيعة وُأص‪##‬ولها)‬
‫لكاشف الغطاء‪ ،‬و(عقائد اإلماميّة) للمظفر‪ .‬ك ّل هذه المص‪##‬نفات لم ت‪##‬ذكر ال من ق‪##‬ريب وال من بعي‪##‬د م‪##‬ا ينص‬
‫على أنّ األئمّة أسماء وصفات إلهيّة‪.‬‬

‫نص ‪#‬ا ً في‬


‫فس ‪#‬ره ك‪##‬وربن أو ح ّتى إن ك‪##‬انت هي ّ‬
‫زد على ذلك أنّ مج ّرد وجود روايات عند الشيعة من قبيل ما ّ‬
‫المعنى‪ ،‬فهذا ال يعني بالضرورة أن يكون مضمونها واح‪##‬داً من معتق‪##‬دات الش‪##‬يعة؛ فم‪##‬ا أك‪##‬ثر الرواي‪##‬ات ال‪##‬تي‬
‫رُفضت من قبل علماء اإلماميّة‬

‫________________________________________‬

‫(‪)26‬ـ ت‪#############‬اريخ الفلس‪#############‬فة اإلس‪#############‬المية‪ 73 ،‬ـ ‪ ،76‬مص‪#############‬در س‪#############‬ابق‪.‬‬


‫[الصفحة ‪]54 -‬‬

‫ليس فقط لضعفها السنديّ وحسب‪ ،‬بل واأله ّم من ذلك مخالفة متنها لصريح الق‪##‬رآن والس‪ّ #‬نة المت‪##‬واترة‪ ،‬وه‪##‬ذا‬
‫هو المعيار الحقيقيّ في ر ّد الرواية أو قبولها‪ ،‬كم‪##‬ا س‪##‬يجيء تفص‪##‬يله في نق‪##‬ل كالم العالّم‪##‬ة الطباطب‪#ّ #‬‬
‫‪#‬ائي حيث‬
‫يقول‪« :‬ال تعمل اإلماميّة بالروايات المخالفة للقرآن‪ ،‬أمّا األخبار التي يعلم أمرها في ذلك‪ ،‬فإ ّنها‪ #‬تطرح جانب ‪#‬ا ً‬
‫مهما كان وزنها‪ #‬ومحتواها» (‪.)27‬‬
‫ك في أنّ ُأمهات عقائد الشيعة الثابتة هو االعتقاد بتباين وجود الخالق عن وج‪##‬ود المخل‪##‬وق‪ ،‬وهي عقي‪##‬دة‬
‫ال ش ّ‬
‫مستندة في جوهرها إلى القرآن والروايات‪ #‬المتواترة‪ .‬ف‪##‬المخلوق‪ #‬مهم‪##‬ا ك‪##‬ان مقرب‪#‬ا ً من الخ‪##‬الق فإ ّن‪##‬ه ال يص‪##‬ل‬
‫درجته‪ ،‬ويتجاوز‪ #‬مملكته الربانيّة‪.‬‬
‫من ذلك نعرف م‪#‬دى مص‪#‬داقيّة الرواي‪#‬ات ال‪#‬تي اس‪#‬تند إليه‪#‬ا ك‪#‬وربن في ط‪#‬رح أفك‪#‬اره‪ ،‬فكلّم‪#‬ا ك‪#‬انت الرواي‪#‬ة‬
‫منض‪##‬و َية تحت اإلط‪##‬ار الق‪##‬رآني فهي مقبول‪##‬ة حس‪##‬ب الرؤي‪##‬ة الش‪##‬يعيّة‪ ،‬وإالّ فهي مرفوض‪##‬ة ح ّتى وإن ك‪##‬انت‬
‫يمثل معتقدهم العام بشكل من اإلشكال‪.‬‬ ‫السند‪ .‬إذاً‪ ،‬فما كان مرفوضا ً لدى الشيعة ال يمكن أن ّ‬
‫صحيحة َ‬
‫معرفة اإلمام تصون التوحيد من التعطيل والتشبيه‬
‫يعتقد كوربن بأنّ معرفة اإلمام تصون الموحِّ د من الوقوع في محذور (التعطيل) و(التشبيه)‪ ،‬فالقول بالتعطيل‬
‫يأتي تج ّنبا ً لمنح األسماء والصفات اإللهية طابعا ً بشر ّياً‪ ،‬األمر الذي يؤ ّدي إلى حجب الحقيقة اإللهيّة في غي ٍ‬
‫ب‬
‫مطلق‪ .‬نعم‪ ،‬قد يقول الفكر الشيعي بصفة اإلله الغيبيّة‪ ،‬لك ّنه في الوقت نفسه يرفض تعطي‪##‬ل المعرف‪##‬ة في ه‪##‬ذه‬
‫الشخصي بربه‪.‬‬
‫ّ‪#‬‬ ‫المرحلة؛ أل ّنه يح ّد من إدراك حقيقة الباري‪ ،‬ويلغي ا ّتصال اإلنسان‬
‫أمّا إذا قلنا با ِّتصاف‪ #‬الذات اإللهيّة نفسها بتلك األسماء والص‪##‬فات‪ ،‬فإ ِّنن‪##‬ا س‪##‬نقع في مح‪#ٍ #‬‬
‫‪#‬ذور آخ‪##‬ر ه‪##‬و الق‪##‬ول بـ‬
‫(التشبيه) والتجسيم‪.)28( #‬‬
‫أمّا لو أ ّننا فسّرنا وجود‪ #‬األئمّة بالمظاهر اإللهيّة‪ ،‬فس‪##‬يكونون أس‪##‬ماء هللا‪ ،‬وبه‪##‬ذا ننج‪##‬وا من الت‪##‬ورّ ط‪ #‬بالمح‪##‬ذور‬
‫المزدوج‪ ،‬أي (التعطيل) و (التشبيه) (‪.)29‬‬
‫________________________________________‬
‫(‪)27‬ـ السيد محمد حسين الطباطبائي‪ ،‬الش‪##‬يعة في اإلس‪##‬الم‪ 53 ،‬ـ ‪ ،54‬مكتب التبلي‪##‬غ اإلس‪##‬المي‪ ،‬قم ‪1348‬‬
‫هـ‪.‬ش‪.‬‬
‫(‪)28‬ـ هنري كوربن‪ ،‬عن اإلسالم في إيران شواهد روحيّة وفلس‪##‬فيّة‪366 :‬ـ ‪ ،367‬نقل‪##‬ه إلى العرب ّي‪##‬ة ن‪##‬وّ اف‬
‫الموسوي‪ ،‬دار النهار للنشر ـ بيروت ‪2000‬م‪.‬‬
‫(‪)29‬ـ المص‪###############################‬در‪ #‬الس‪###############################‬ابق نفس‪###############################‬ه‪.‬‬

‫[الصفحة ‪]55 -‬‬


‫وقفة نقديّة‬

‫ثمّة عالقة ظريفة في المعتقد الشيعيّ بين معرفة اإلمام ومعرف‪##‬ة هللا‪ ،‬لع‪ّ #‬ل أب‪##‬رز مص‪##‬اديقها‪ #‬عن‪##‬دما نق‪##‬ول‪ :‬م‪##‬ا‬
‫حق معرفته إالّ النبيّ واإلمام‪ ،‬وهما من يدالن على كنه ِه ـ ج ّل وعال ـ‪ ،‬وك ّل من خاض في أب‪##‬واب‬
‫عرف هللا ّ‬
‫التوحيد بعيداً عن هذين المصدرين فإ ّنه ال محالة سيقع في محذور (التعطيل) و (التشبيه)‪.‬‬

‫على أنّ هذه العالقة قد تأخذ بُعداً آخر على صعيد الرؤية العرفان ّي‪##‬ة‪ ،‬فعالو ًة على العالق‪##‬ة القائم‪##‬ة في الج‪##‬انب‬
‫المعرفيّ في معناه الحص‪##‬وليّ ‪ ،‬س‪#‬تكون هن‪#‬اك عالق‪##‬ة ُأخ‪#‬رى من ناحي‪#‬ة العلم الحض‪#‬وريّ ‪ ،‬أي يتح َّتم على من‬
‫يطمح إلى رؤية الجمال اإللهيّ بعين البصيرة أن يم ّر أوالً في مراتب س‪##‬يره وس‪##‬لوكه بمعرف‪##‬ة ورؤي‪##‬ة اإلم‪##‬ام‬
‫الباطنيّة (‪ .)30‬وهذا المعنى ليس بعيداً عن حدود عقائد الشيعة الرسميّة‪.‬‬

‫أمّا ما ذهب إليه كوربن أخذاً عن بعض عرفاء الشيعة‪ ،‬من القول بأنّ ‪« :‬ال‪##‬ذات اإلله ّي‪##‬ة في مقامه‪##‬ا الغي‪##‬بي ال‬
‫تحمل الص‪##‬فات‪ ،‬وإالّ وق‪##‬ع التش‪##‬بيه‪ ،‬وله‪##‬ذا ال ب‪ّ #‬د من اعتب‪##‬ار األئ ّم‪##‬ة ص‪##‬فات إله ّي‪##‬ة»‪ ،‬ه‪##‬ذا كلّ‪##‬ه مؤس‪##‬سٌ وفق‪#‬ا ً‬
‫لإللهيّات العرفانيّة القائلة بالتفكيك بين مق‪##‬ام ال‪##‬ذات الغي‪##‬بي أو (غيب الغي‪##‬وب) وم‪##‬راتب (األحد ّي‪##‬ة)‪ ،‬أي مق‪##‬ام‬
‫تج ّرد الذات عن جميع التعيّنات‪ ،‬وبين (الواحديّة)‪ ،‬أي مقام تعيّن الذات باألسماء‪.‬‬
‫ووفقا ً لهذا الن‪##‬وع اإللهيّ‪#‬ات لن يك‪##‬ون لل‪#‬ذات اإلله ّي‪##‬ة أيّ إس‪#ٍ #‬م أو رس‪#‬م‪ ،‬فال تعري‪##‬ف له‪##‬ا بحيث ال يمكن ع‪ّ #‬دها‬
‫وجوداً مطلقا ً عن جمي‪##‬ع القي‪##‬ود؛ ألنّ اإلطالق ه‪##‬و ض‪##‬رب من التقيي‪##‬د‪ .‬في ه‪##‬ذه المرتب‪##‬ة تس‪#‬مّى ال‪##‬ذات (غيب‬
‫الغيوب)‪ ،‬وبعد ه‪##‬ذه المرتب‪##‬ة ال‪##‬تي ال تعيّن فيه‪##‬ا ي‪##‬أتي دور التعيّن األوّ ل وه‪##‬و (األحد ّي‪##‬ة)‪ ،‬وه‪##‬و تعيّن يتح ّق‪##‬ق‬
‫بلح‪##‬اظ إطالق ال‪##‬ذات اإلله ّي‪##‬ة من جمي‪##‬ع أن‪##‬واع التعيّن؛ حيث إنّ حقيق‪##‬ة (ع‪##‬دم التعيّن) هن‪##‬ا هي بمثاب‪##‬ة طلب‬
‫التعيين‪ .‬أمّا إذا كانت الذات اإللهيّة ُتلحظ بلحاظ وجود جميع األسماء سيكون ذلك في وجود االس‪##‬م (الواح‪##‬د)‪،‬‬
‫وهو ما يعبّر عنه بمقام (الواحديّة) (‪.)31‬‬
‫وتنصُّ اإللهيّات العرفانيّة ـ كما س‪#‬بق ذك‪#‬ره ـ على ض‪#‬رورة وج‪#‬ود‪ #‬اإلنس‪#‬ان الكام‪#‬ل بوص‪#‬فه مظه‪#‬راً‪ #‬لس‪#‬ائر‬
‫األسماء اإللهيّة‪ ،‬وكما يقول الكاشاني‪« :‬فإنّ ظهورها‪#‬‬
‫________________________________________‬
‫(‪)30‬ـ للعالّمة الطباطبائي بحث قيّم حول العالق‪##‬ة بين معرف‪##‬ة هللا ومعرف‪##‬ة اإلم‪##‬ام عن‪##‬د الش‪##‬يعة‪ُ ،‬أنظ‪##‬ر كتاب‪##‬ه‬
‫الشيعة في اإلسالم‪ ،154 ،152 ،124 ،121 :‬مصدر‪ #‬سابق‪.‬‬
‫(‪)31‬ـ نقالً عن أح‪#‬د عرف‪#‬اء التش‪#‬يّع‪ ،‬وه‪#‬و آي‪#‬ة هللا الس‪#‬يد أحم‪#‬د الك‪#‬ربالئي أنظ‪#‬ر كت‪#‬اب الس‪#‬يّد محم‪#‬د حس‪#‬ين‬
‫الحسينيّ الطهرانيّ ‪ ،‬التوحيد العلمي والعيني‪ ،73 ،‬انتشارات الحكمة‪ ،‬طهران ‪1410‬هـ‪.‬‬
‫[الصفحة ‪]56 -‬‬
‫(األسماء اإللهيّة) في ك ّل مظهر ومجلى معيّن إ ّنما يكون بحسب ذلك المظهر المعيّن ال غير‪ ...‬ويُدرك ذاتها‬
‫من حيث الجهة الجامعة وهو اإلنسان الكامل‪ ،‬فإ ّنه الجامع بين مظهريّة الذات المطلَقة وبين مظهريّة األسماء‬
‫والص‪#‬فات واألفع‪#‬ال‪ #...‬وه‪#‬و خليفت‪#‬ه عليه‪#‬ا‪ ...‬وه‪##‬و الج‪#‬امع المتض‪#‬مِّن لس‪#‬ائر المظ‪##‬اهر المش‪#‬تمل على جمل‪#‬ة‬
‫المراتب» (‪.)32‬‬

‫وإذا أما ُأضيف لمفهوم معرفة هللا ومعرفة اإلنسان على الطريق‪##‬ة العرفان ّي‪##‬ة مق ّدم‪#‬ة ُأخ‪#‬رى يس‪#‬لّم فيه‪##‬ا عرف‪#‬اء‬
‫الشيعة بضرورة كون ذلك اإلنسان الكامل واحداً من المعصومين األربعة عشر‪ ،‬فإ ّننا‪ #‬حينها س‪##‬نخرج بنتيج ‪ٍ #‬ة‬
‫مشابه ٍة لما تو َّ‬
‫صل‪ #‬إليه كوربن في باب معرفة اإلمام واإلمامة‪.‬‬

‫قد تكون فكرة كوربن هنا ـ وخالفاً‪ #‬لس‪#‬ابقاتها ـ أك‪#‬ثر انطباق‪#‬اً‪ #‬م‪#‬ع بح‪#‬وث عرف‪#‬اء الش‪#‬يعة في ب‪#‬اب معرف‪#‬ة هللا‬
‫واإلمام‪ ،‬والب ّد من اإلشارة إلى أنّ الفكر الش‪##‬يعيّ في الق‪##‬رون الس‪##‬ابقة لم يكن ليس‪##‬تعمل مف‪##‬ردات عرفان ّي‪##‬ة من‬
‫قبيل‪( :‬غيب الغيوب)‪( ،‬األحديّة)‪( ،‬الواحديّة)‪( ،‬اإلنسان الكامل)‪ ،‬في ب‪##‬اب معرف‪##‬ة الخ‪##‬الق أو معرف‪##‬ة اإلم‪##‬ام‪،‬‬
‫ناهيك من أنّ كتب الشيعة العقائديّة والكالميّ‪#‬ة ـ ق‪#‬ديما ً وح‪#‬ديثاً‪ #‬ـ لم تكن تص‪#‬نف ه‪#‬ذا الن‪#‬وع من البح‪#‬وث من‬
‫العقيدة‪.‬‬
‫لذا‪ ،‬يجدر بنا أن ال نعمّم القول في نسبة األفكار‪ #‬العرفانيّة وننسبها إلى التشيّع‪ ،‬كما فعل ك‪##‬وربن‪ ،‬ب‪##‬ل األص ‪ُّ #‬ح‬
‫أن ُتنسب إلى تيّارات محدودة بين عرفاء التش‪#‬يّع‪ ،‬م‪##‬ع االع‪##‬تراف بظهوره‪##‬ا إلى الس‪##‬احة في بعض العص‪##‬ور‪#‬‬
‫وتأثيرها‪ #‬على عالم التشيّع وإن بشكل محدود‪#.‬‬
‫اإلمام الغائب‬
‫يعتقد كوربن‪ :‬إنّ فكرة وجود المنجي في عالم الغيب ـ العاري من صفات عالم المحسوسات ـ هي فك‪##‬رة ذات‬
‫ِّ‬
‫للح‪#‬ق‬ ‫جذور فارس‪#‬يّة‪ .‬وإنّ اإلم‪#‬ام مس‪#‬تثنىً من ق‪#‬وانين العليّ‪#‬ة التاريخيّ‪#‬ة‪ ،‬بوص‪#‬فه مظه‪#‬ر الص‪#‬ورة الملكوتيّ‪#‬ة‬
‫ٍ‪#‬‬
‫وسيط وبرزخ (عالم‬ ‫تعالى‪ ،‬حيث إنّ التاريخ القدسيّ لإلمام الثاني عشر(عج) يروي سيرة حياته في عالم‬
‫________________________________________‬
‫(‪)32‬ـ الفيض الكاشاني‪ ،‬كلمات مكنونة من علوم أهل الحكمة والمعرف‪##‬ة‪ ،116 ،‬مص‪##‬در‪ #‬س‪##‬ابق‪ .‬ال يخفى أنّ‬
‫للعرف‪##‬اء اس‪##‬تدالالت مختلف‪##‬ة على ض‪##‬رورة وج‪##‬ود اإلنس‪##‬ان الكام‪##‬ل‪ ،‬واالس‪##‬تدالالت‪ #‬الم‪##‬ذكورة تثبت حض‪##‬ور‬
‫اإلنسان الكامل في مرتب‪#‬ة (الواحديّ‪#‬ة)‪ ،‬وم‪#‬ا يتبعه‪#‬ا‪ .‬وهن‪#‬اك اس‪#‬تدالالت ُأخ‪#‬رى ق‪#‬الت بوج‪#‬وده في (األحديّ‪#‬ة)‬
‫وأنظر أيضاً‪ ،‬سعيد رحيمان‪ ،‬التجلّي والظهور في العرفان النظريّ ‪ ،‬ص ‪ 255‬ـ ‪ ،258‬مصدر سابق‪.‬‬

‫[الصفحة ‪]57 -‬‬


‫برزخي مثاليّ ‪ .‬والب ّ‪#‬د لمفهوم (التجلّي) من وجود عالم المثال‪ ،‬هو ع‪##‬الم (الش‪##‬رق‬
‫ّ‪#‬‬ ‫المثال)‪ ،‬كما أنّ زمانه أيضا ً‬
‫األوسط) الذي يق ّدمه لنا تاريخ اإلمام القدسي تحت عنوان (الجزيرة الخض‪##‬راء) الممت‪ّ #‬دة ببحره‪#‬ا‪ #‬األبيض إلى‬
‫الالمكان‪.‬‬

‫ويرى كوربن أنّ جميع ما يُنقل من رؤية بعض األفراد لإلمام(عج) كانت ق‪##‬د وقعت في ع‪##‬الم آخ‪##‬ر‪ ،‬ال يمل‪##‬ك‬
‫صفات عالمنا الحسي‪ ،‬من قبيل‪ :‬حكاية (الجزيرة الخضراء) ذاتها التي يح‪##‬فّ رحل‪#‬ة زائره‪##‬ا غم‪##‬وضٌ واس‪##‬ع‬
‫في عالم المثال‪ ،‬ولهذا ليس غريبا ً أن ينعم الفكر الفارسيّ بشي ٍء من راحة البال في محيط مسيح التشيّع‪.‬‬

‫إنّ القواعد واُألسس واألفكار التي وضعتها الزرادشتيّة اإليران ّي‪##‬ة قب‪##‬ل اث‪##‬ني عش‪##‬ر أل‪##‬ف س‪##‬نة‪ ،‬كفك‪##‬رة المع‪##‬اد‬
‫منج موعود‪ ،‬تح ّتم عليها بالضرورة اليوم أن تسلك مسلك التشيّع‪.‬‬
‫واالعتقاد بوجود‪ٍ #‬‬

‫فاإلمام الغائب هو معاد ٌل موضوعي لـ (سوشيانت) وه‪#‬و الش‪#‬خص ال‪#‬ذي ح‪#‬رم ه‪#‬ذا الع‪#‬الم من وج‪#‬وده‪ ،‬لك ّن‪#‬ه‬
‫موضع آخر وسوشيانت الذي س‪##‬ينجي الع‪##‬الم بأس‪##‬ره ليس ل‪##‬ه وج‪ٌ #‬ه م‪##‬رئيّ ‪ ،‬وه‪##‬و من‬
‫ٍ‬ ‫يبقى حاضراً يُراقب من‬
‫الض‪َ #‬رورت)‪ ،‬ح ّتى ي‪##‬أتي الي‪##‬وم ال‪##‬ذي‬
‫ساللة زرادشتيّة نطفته حفظت في بحيرة (كانسانويا) بحراسة (مالئك‪##‬ة َ‬
‫تغطس فيه فتاة تدعى (إردت فذري) في أعماق تلك البحيرة وتحمل من تلك النطفة!‬

‫إنّ اإلمام وإن كان غائبا ً عن األنظار‪ ،‬لك ّن‪##‬ه يبقى حاض‪##‬راً في قل‪##‬وب أنص‪##‬اره؛ ذل‪##‬ك ألنّ ع‪##‬دم وج‪##‬ود‪ #‬اإلم‪##‬ام‪،‬‬
‫‪#‬ان مجه‪##‬ول ال ينتمي لمق‪##‬والت المك‪##‬ان عن‪##‬دنا‪ ،‬ب‪##‬ل يبقى‬
‫يعني أن ال يبقى شيء في العالم‪ .‬إذن‪ ،‬فاإلمام‪ #‬في مك‪ٍ #‬‬
‫موضعه اإلمكان! وعلى الرغم من أ ّنه خ‪##‬ارج عن ح‪##‬دودنا‪ #‬المكان ّي‪##‬ة؛ لك ّن‪##‬ه يتمت‪##‬ع بمك‪ٍ #‬‬
‫‪#‬ان وفض‪##‬اء خ‪##‬اص ب‪##‬ه‪.‬‬
‫وليس للبش‪##‬ر أن ي‪##‬روه النغالق بص‪##‬يرتهم‪ ،‬فهم ع‪##‬اجزون عن تحص‪##‬يل مكان‪##‬ه المث‪##‬الي‪ ،‬وعلي‪##‬ه لن يك‪##‬ون‬
‫ظهوره(عج) حدثا ً خارج ّياً‪ ،‬كما تقع الح‪#‬وادث والوق‪##‬ائع الخارج ّي‪##‬ة! ب‪##‬ل‪ ،‬س‪##‬يكون الح‪##‬دث ه‪##‬و انكش‪##‬اف مك‪#‬ان‬
‫اإلمام المنتظر للعيان من الداخل (‪ .)33‬لقـد تضمَّنت سيرة اإلمام الث‪##‬اني عش العدي‪##‬د من العناص‪##‬ر الرمز ّي‪##‬ة‬
‫والمثاليّة المرتبطة بوالدته وغيبته‪ ،‬وسيبقى‪ #‬النقد‬

‫________________________________________‬
‫(‪)33‬ـ داريوش‪ #‬شايكان‪ ،‬هنري ك‪##‬وربن وآف‪##‬اق‪ #‬العرف‪##‬ان في اإلس‪##‬الم اإلي‪##‬راني‪156 ،‬ـ ‪ ،165‬نش‪##‬ر ف‪##‬رزان‪،‬‬
‫طهران‪1373 .‬هـ‪.‬ش؛ عن اإلسالم في إيران مشاهد روحيّة وفلسفيّة‪171 ،‬ـ ‪ ،176‬مصدر‪ #‬سابق‪.‬‬

‫[الصفحة ‪]58 -‬‬

‫التاريخي عقيما ً في هذا المجال؛ ألنّ الموض‪##‬وع ه‪##‬و الت‪##‬اريخ القدس‪##‬يّ ومن هن‪##‬ا‪ ،‬دع‪##‬ا ك‪##‬وربن إلى اس‪##‬تحداث‬
‫طرق فينومنلوجيّة تستظهر‪ #‬نوايا الوجدان الشيعيّ (‪.)34‬‬
‫وفي معرض حديثه العابر عن الغيبة الصغرى‪ #‬والكبرى لإلمام يرى ك‪##‬وربن ب‪##‬أنّ مب‪##‬دأ ت‪##‬اريخ اإلم‪##‬ام الغي‪##‬بيّ‬
‫يشرع ببداية الغيبة الكبرى‪ ،‬وهو تاريخ ال يخضع لقوانين تاريخيّة الوقائع‪ #‬الماديّة‪ ،‬ولن ي َُر اإلمام قبل ظهوره‬
‫إالّ في ع‪##‬والم الرؤي‪##‬ا والش‪##‬هود واللق‪##‬اءات الشخص ‪#‬يّة‪ ،‬وهي مش‪##‬اهدات ال تنقض مفه‪##‬وم (الغيب‪##‬ة)‪ ،‬وال ّ‬
‫تمت‬
‫للماديّة والعينيّة بصلة (‪.)35‬‬
‫لقد منح أرباب المذهب الشيخيّ معنى الغيبة وحضور‪ #‬اإلمام الغائب أكثر مصداقيّة‪ ،‬وذلك من خالل توظيفهم‬
‫لعالم المثال في هذا الجانب‪ ،‬فمشاهدة اإلمام الغائب في أرض الملكوت (هورقلي‪##‬ا) هي المش‪##‬اهدة الحقيقيّ‪#‬ة ل‪#‬ه‬
‫في مكانه الواقعي أي في عالم ما وراء الحس‪ ،‬لذا فهو بحاجة لعضو وأداة خاصّة في إدراكه (‪.)36‬‬
‫وقفة نقديّة‬
‫ً‬
‫وغرابة في آراء كوربن هي تلك التي تن‪##‬اول فيه‪#‬ا عقي‪##‬دة الش‪#‬يعة في اإلم‪#‬ام‬ ‫ً‬
‫هزالة‬ ‫أوالً ـ كانت أكثر الجوانب‬
‫الثاني عشر(عج)‪ ،‬وال ينبع ذلك من ا ّدعائه نسبة بعض العقائد للتشيّع فحسب‪ ،‬إ ّنما الذي زاد في الطين بلّة أنّ‬
‫ذلك ال ينسجم والمنهج الذي قرّره سلفا ً في خوض تحقيقات‪##‬ه في ه‪##‬ذا الب‪##‬اب؛ حيث إنّ منهج‪##‬ه التحقيقيّ ـ كم‪##‬ا‬
‫سيأتي كالمه في ذلك ـ يعتمد على دراسة الظواهر‪ ،‬وهو اُألس‪##‬لوب ال‪##‬ذي يكتفي في‪##‬ه الب‪##‬احث باس‪##‬تعراض م‪##‬ا‬
‫يتوصّل إليه دون إصدار حكم في ذل‪##‬ك‪ ،‬لك ّنن‪##‬ا س‪##‬نلحظ تناقض‪#‬ا ً بين انطباع‪##‬ات ك‪##‬وربن عن عقائ‪##‬د الش‪##‬يعة في‬
‫(المهدويّة)‪ ،‬وواقع‪ #‬تلك العقائ‪##‬د‪ ،‬ومواق‪##‬ف علم‪##‬ائهم في ه‪##‬ذا الب‪##‬اب‪ .‬عالوة على ذل‪##‬ك إنّ أك‪##‬ثر م‪##‬ا يُالح‪##‬ظ في‬
‫بحوث كوربن هو إصدار األحكام‪ ،‬فلو أ ّنه اختار المنهج (الهرمنيوطيقيّ ) لكان أكثر تطابقاً‪.‬‬
‫محصلة الكالم‪ ،‬أنّ كوربن يرى (عالم المثال) أو (الهورقليا) و (اإلمك‪#‬ان) ه‪#‬و م‪#‬وطن إقام‪#‬ة اإلم‪#‬ام الغ‪#‬ائب‪،‬‬
‫وهو عالم من ّزه مكانه وزمان‪##‬ه عن خ‪##‬واصّ الع‪##‬الم الم‪##‬اديّ ‪ .‬وك ّن‪##‬ا ق‪##‬د ناقش‪##‬نا‪ #‬ه‪##‬ذا الم‪ّ #‬دعى من حيث انس‪##‬جامه‬
‫وعدمه مع الرؤية العرفانيّة لدى‬
‫________________________________________‬
‫(‪)34‬ـ تاريخ الفلسفة اإلسالميّة‪103 ،‬ـ ‪ ،105‬مصدر‪ #‬سابق‪.‬‬

‫(‪)35‬ـ المصدر‪ #‬السابق نفسه‪.‬‬

‫(‪)36‬ـ المص‪###############################‬در‪ #‬الس‪###############################‬ابق نفس‪###############################‬ه‪.‬‬

‫[الصفحة ‪]59 -‬‬

‫عرفاء اإلماميّة‪ ،‬وهناك أثبتنا عدم االنسجام‪ ،‬وهن‪##‬ا نض‪##‬يف‪ #‬أنّ ذل‪##‬ك ال ينس‪##‬جم ك‪##‬ذلك م‪##‬ع م‪##‬ا علي‪##‬ه الرواي‪##‬ات‬
‫المتعلِّقة بالحجّ ة (عج)‪ ،‬والتي ِّ‬
‫تمثل اال ِّتجاه النقليّ في االعتقاد الشيعيّ ‪ ،‬وهكذا الحال بالنسبة لال ِّتجاه الكالميّ ‪.‬‬
‫فعلى صعيد الروايات‪ ،‬فإنّ نصوصها‪ #‬ال تدلّك سوى على وجود حياة دنيويّة لإلمام‪ ،‬وذلك من قبيل‪ :‬الروايات‬
‫الواردة بخصوص تاريخ ومح ّل والدته (‪ ،)37‬ونسبه‪ ،‬وصفاته الجسمانية‪ ،‬وم ّدة عمره‪ ،‬واألخبار التي ُتشير‪#‬‬
‫إلى تواجده عند والده‪ ،‬ورؤية الناس له ح ّتى بعد وفاة وال‪##‬ده (‪ ،)38‬وم‪##‬ا إلى ذل‪##‬ك من النص‪##‬وص الدالّ‪##‬ة على‬
‫ظهوره ليمأل األرض قسطاً‪ #‬وعدالً‪.‬‬

‫أمّا على صعيد متكلِّمي الشيعة‪ ،‬فإنّ الدالئل والمؤ ِّشرات ُتثبت مخالفتهم للرأي المذكور (حياة اإلمام في ع‪##‬الم‬
‫المثال)‪ ،‬فإنّ العديد من بح‪##‬وث واس‪##‬تدالالت المتكلِّمين ُتش‪##‬ير إلى إجم‪##‬اع س‪##‬ائر الم‪##‬ذاهب الكالم ّي‪##‬ة على حي‪##‬اة‬
‫اإلمام الماديّة الدنيويّة إبّان غيبته‪ ،‬ولهذا نرى متكلِّمي اإلماميّة غالب‪#‬ا ً م‪##‬ا يدرس‪##‬ون مس‪##‬ألة ط‪##‬ول عم‪##‬ر اإلم‪##‬ام‬
‫وإمكانيّة إثبات ذلك باألدلّة العقليّة والنقليّة (‪.)39‬‬

‫ح ّتى إنّ بعض العلماء كانوا قد أصدروا رس‪##‬ائل وكتب‪#‬ا ً مس‪##‬تقلة في ه‪##‬ذا الموض‪##‬وع‪ ،‬من قبي‪##‬ل (البره‪##‬ان على‬
‫طول عمر صاحب الزمان) لمحمد بن علي بن عثمان الكراجكي‪( #‬ت‪ 449 /‬هـ)‪.‬‬
‫كثير من الشرح‪ .‬لكنّ ال‪##‬ذي‬ ‫ٍ‬ ‫وخالصة الكالم في ذلك‪ ،‬إنّ هذه العقيدة باتت من بديهيّات الشيعة وال تحتاج إلى‬
‫يدعونا إلى التساؤل هو انطباع كوربن عن عقيدة الشيعة بخصوص موطن اإلمام الغائب وتوهّمه القائل بعالم‬
‫اطالع كوربن على كتب المذهب الشيخيّ هو واحد من األسباب التي قادته للوقوع‪ #‬في مثل‬ ‫المثال! وقد يكون ّ‬
‫هذا الوهم‪ ،‬حيث جاء في بعض كتب الشيخيّة بأنّ عالم (الهورقليا) هو موطن إقامة اإلمام الغ‪##‬ائب(عج)‪ ،‬لكنّ‬
‫واقع الحال وكما يقول الدكتور‪( #‬أمير معدني)‪« :‬ليس هناك من يقول ب‪##‬ذلك بين علم‪##‬اء اإلمام ّي‪##‬ة س‪##‬وى اث‪##‬نين‬
‫من أتباع الشيخيّة في مدينة كرمان‪ ،‬هما‪ :‬محمد كريم خان الكرماني‪ ،‬وأبو قاسم‬
‫________________________________________‬
‫(‪)37‬ـ راجع‪ :‬الكليني‪ُ ،‬أصول الكافي‪ ،‬كتاب الح ّج‪ #‬ة‪ ،‬أب‪##‬واب الت‪##‬اريخ‪ ،‬ب‪##‬اب (مول‪##‬د الص‪##‬احب)‪ ،‬وال يخفى أنّ‬
‫الكلينيّ كان قد حرّ ر هذا الموضع عقب كالم‪##‬ه عن موالي‪#‬د المعص‪##‬ومين الثالث‪#‬ة عش‪##‬ر‪ ،‬وه‪#‬و م‪##‬ا يكش‪#‬ف عن‬
‫اعتقاده بسنخيّة والدة المهدي مع والدة سائر المعصومين‪.‬‬
‫(‪)38‬ـ هناك العديد من الكتب التي تناولت موضوع وروايات‪ #‬لقاءات اإلمام الحجة‪ ،‬من قبيل ما دوّ نه آي‪##‬ة هللا‬
‫لطف هللا الصافي‪ #‬الكلبايكاني في ثالثة أبواب مستقلة‪ ،‬منها ما يتعلق بالروايات ال‪##‬واردة في رؤيت‪##‬ه على عه‪##‬د‬
‫والده‪ ،‬ومنها إبّان الغيبة الصغرى‪ #،‬وأخيراً‪ #‬فيما يتعلق بالغيب‪##‬ة الك‪##‬برى‪ .‬وق‪##‬د اعتم‪##‬د الكلبايك‪##‬اني في نقل‪##‬ه على‬
‫ُأمّهات المصادر‪ #‬الشيعية‪ُ .‬أنظر‪ :‬الصافي‪ #‬الكلبايكاني‪ ،‬منتخب األثر في اإلمام الثاني عشر‪( 355 :‬في من رآه‬
‫في في أيام أبيه)‪ ،‬ص ‪( ،358‬في من ف‪##‬از برؤيت‪##‬ه في الغيب‪##‬ة الص‪##‬غرى)‪ ،‬ص ‪( 412‬في من رآه في الغيب‪##‬ة‬
‫الكبرى)‪ ،‬منشورات الداوري‪ #‬ـ قم‪.‬‬
‫(‪)39‬ـ الشيخ المفيد‪ ،‬المسائل العشر في الغيبة‪91 ،‬ـ ‪ ،105‬نشر مركز األبحاث العقائديّة‪ ،‬قم ‪1412‬هـ‪.‬‬
‫[الصفحة ‪]60 -‬‬
‫اإلبراهيميّ ‪ ،‬اللذان ق ّدما عالم (الهورقليا) محالً لتواجد اإلمام الغائب‪ ،‬وهو العالم الذي عبّر عنه كوربن بع‪##‬الم‬
‫المثال‪.‬‬

‫أمّا ما عليه سائر‪ #‬علماء اإلماميّة وك ّتابهم‪ #‬منذ عشرة قرون وح ّتى يومنا هذا فهو‪ #‬اعتقادهم بحضور اإلم‪##‬ام في‬
‫محسوس وماديّ » (‪.)40‬‬
‫ٍ‬ ‫وبجسم‬
‫ٍ‪#‬‬ ‫عالم المحسوسات‬

‫‪#‬وتي لتجلّي‬
‫ثانيا ً ـ يذهب كوربن إلى أنّ وجود‪ #‬اإلمام خار ٌج عن قوانين العليّة التاريخيّة بوصفه المظه‪##‬ر الملك‪#ّ #‬‬
‫الحق‪ ،‬مستدالً على ذلك بحياة اإلمام في إط‪##‬ار ع‪#‬الم المث‪##‬ال‪ .‬والش‪##‬اهد على ذل‪##‬ك األح‪##‬اديث ال‪##‬واردة في حي‪##‬اة‬
‫اإلمام والقصص التي تروي‪ #‬لنا لقاءه ببعض الناس‪ ،‬فإنّ جميعها منطب‪ٌ #‬ع بط‪#‬ابع اإلعج‪#‬از وخ‪#‬ار ٌج عن ح‪##‬دود‬
‫العالم الماديّ ‪.‬‬

‫لكن رأي الشيعة في اإلم‪##‬ام الغ‪##‬ائب وعالقت‪##‬ه بق‪##‬وانين العل ّي‪##‬ة مخ‪##‬الفٌ تمام‪#‬ا ً لم‪##‬ذهب ك‪##‬وربن‪ ،‬حيث إنّ الفك‪##‬ر‬
‫الشيعيّ ال يفرّق بين النبيّ (صلى هللا عليه و آله و سلم) وسائر األئمة من حيث صدق القوانين الطبيعيّة عليهم‬
‫ً‬
‫وطبيعة‪ ،‬وبهذا السبب فإنّ جمي‪##‬ع األئم‪##‬ة‬ ‫وبين اإلمام الثاني عشر‪ ،‬فجميعهم م َّتحدون من الناحية البدنيّة قانونا ً‬
‫أو أغلبهم‪ ،‬باعتقاد الشيعة‪ ،‬أمّا مقتول بالسيف أو مسموم‪#.‬‬

‫وهو األمر ذاته الذي دعا اإلمام الثاني عشر لالحتجاب عن األنظار خشية البطش به من قبل الس‪##‬لطة‪ ،‬وه‪##‬ذا‬
‫ما تواترت به روايات الشيعة‪( .‬لكنّ كوربن قد يمنح لإلمام األمان بعدم تعرّ ضه للقتل باعتباره ق‪##‬اب ٌع في ع‪##‬الم‬
‫كعالم المثال وبإمكانه الظهور هناك بحريّة!) أمّا ما يتح‪##‬دث عن‪##‬ه ك‪##‬وربن من مع‪##‬اجز اإلم‪##‬ام الغ‪##‬ائب وبع‪##‬دها‬
‫الميتافنريقي فهذا ليس من مختصّاته وحده‪ ،‬بل ُأثرت الكثير من المع‪##‬اجز عن الن‪##‬بي(ص‪##‬لى هللا علي‪##‬ه و آل‪##‬ه و‬
‫ّ‪#‬‬
‫سلم) وسائر‪ #‬األئمّة(عليهم السالم)‪ ،‬وجميعهم‪ #‬ـ حسب النظريّة الشيعيّة ـ خاضعون لقوانين العليّة داخل محي‪##‬ط‬
‫العالم الماديّ وليسوا‪ #‬من عالم المثال في شيء‪.‬‬
‫وق‪#‬د بلغت وف‪#‬رة ه‪#‬ذا الن‪#‬وع من الرواي‪#‬ات‪ #‬مبلغ‪#‬ا ً َح‪ #‬دَا ببعض علم‪#‬اء الش‪#‬يعة إلى ت‪#‬أليف الكتب والرس‪#‬ائل‪ #‬في‬
‫جمعها‪ ،‬ككتاب (الخرائج والجرائح) لقطب ال ِّدين‬

‫________________________________________‬

‫(‪)40‬ـ محمد علي أمير ّ‬


‫معزي‪ ،‬التحقيق في أنواع روايات اللقاءات بإمام الزمان في كتاب في أحوال وأفك‪##‬ار‬
‫هنري كوربن‪ 74 ،‬ـ ‪ ،75‬نشر هرمس‪ ،‬طهران ‪1379‬هـ‪.‬‬

‫[الصفحة ‪]61 -‬‬

‫الراون‪##‬ديّ (ت ‪ 573‬هـ)‪ ،‬وق‪#‬د‪ #‬جم‪##‬ع في‪##‬ه جمل‪##‬ة المع‪##‬اجز المنس‪##‬وبة للن‪##‬بيّ (عليهم‪##‬ا الس‪##‬الم) واألئ ّم‪##‬ة أالث‪##‬ني‬
‫عشر(عليهم السالم)‪.‬‬
‫ولم يفسِّر الش‪##‬يعة تل‪##‬ك الح‪##‬وادث اإلعجاز ّي‪##‬ة بخ‪##‬روج أص‪##‬حابها‪ #‬عن ق‪##‬وانين الطبيع‪##‬ة وعلّيته‪##‬ا‪ ،‬أو أن يكون‪##‬وا‬
‫عاشوا حياتهم في عالم المثال‪ ،‬إ ّنها تؤمن بعقيدة الشيعة بإعجاز النبي وأهل بيته(عليهم الس‪##‬الم) وتق‪##‬ديمهم‪ #‬م‪##‬ا‬
‫الطبيعي على الرغم من تواجدهم‪ #‬ضمن عالم الما ّدة الطبيعيّ ‪.‬‬
‫ّ‪#‬‬ ‫يفوق العقل‬
‫نورد هنا جانبا ً من كالم نصير الدين الطوسي‪ #‬ـ نموذجا ً عن رأي سائر علماء الشيعة بهذا الخصوص ـ حيث‬
‫قال في تجريد االعتقاد وهو واحد من الكتب المدرسيّة‪« :‬وطريق معرفة صدقه )النبي( ظه‪##‬ور‪ #‬المعج‪##‬ز على‬
‫يده‪ ،‬وقصّة مريم وغيرها تعطي جواز ظهوره على الصالحين )من غير األنبياء( » (‪.)41‬‬
‫للطوسي يستشهد العالّمة الحليّ بقصة (آص‪##‬ف بن برخي‪##‬ا)‪ ،‬وبم‪##‬ا ت‪##‬واتر‪ #‬من أخب‪##‬ار عن مع‪##‬اجز أم‪##‬ير‬
‫ّ‪#‬‬ ‫وتأييداً‬
‫المؤمنين وسائر األئمّة(عليهم السالم)‪ ،‬فيثبت من خالل ذلك إمكانيّة تح ّقق الجانب اإلعجازيّ لغ‪##‬ير األنبي‪##‬اء (‬
‫‪.)42‬‬
‫ثالثا ً ـ يظهر أنّ كوربن كان قد ق ّدر أنّ ك ّل اللقاءات التي كان يحظى بها الش‪##‬يعة م‪##‬ع اإلم‪##‬ام (عج) ك‪##‬انت تق‪##‬ع‬
‫في عالم المثال حصراً؛ أل ّنه يعتقد أنّ جميع األخبار الواردة بهذا الخص‪##‬وص ت‪##‬وحي بأ ّنه‪##‬ا ك‪##‬انت تحص‪##‬ل في‬
‫عالم آخر فاق ٍ‪#‬د لخواصّ الما ّدة وعالمها كالذي يُستوحى من قصّة (الجزي‪##‬رة الخض‪##‬راء)‪ .‬وهن‪##‬ا نش‪##‬اهد ك‪##‬وربن‬
‫ٍ‬
‫ُأ‬
‫يُخفق مرة خرى عن إدراك الرؤية الشيعيّة بجميع جوانبها؛ حيث ُتفرّق الرؤية الشيعيّة بين ثالث‪##‬ة أنم‪##‬اط من‬
‫لقاءات اإلمام الغائب‪)43( :‬‬
‫أ ـ المشاهدة وجها ً لوجه بالحاسّة الباصرة‪ ،‬ال البصيرة القلبيّة‪.‬‬
‫بـ ـ المشاهدة في عالم الرؤيا‪.‬‬
‫جـ ـ لق‪##‬اء اإلم‪##‬ام في ع‪##‬الم المكاش‪##‬فات العرفان ّي‪##‬ة‪ ،‬وه‪##‬و النم‪##‬ط ال‪##‬ذي يمكن من خالل مف‪##‬اهيم الفك‪##‬ر العرف‪##‬انيّ‬
‫وتجارب العرفاء مقارنته بوقائع‪ #‬عالم المثال‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫(‪)41‬ـ العالّمة الحلي‪ ،‬كشف المراد في شرح تجريد االعتق‪#‬اد‪ 350 ،‬ـ ‪ ،351‬مؤسس‪#‬ة المطبوع‪#‬ات الديني‪#‬ة ـ‬
‫قم ‪1366‬هـ‪.‬ق‪.‬‬
‫(‪)42‬ـ المصدر‪ #‬السابق نفسه‪.‬‬
‫(‪)43‬ـ لقد خضع هذا التقسيم لبعض التصحيح أحياناً‪ ،‬راج‪##‬ع مثالً كت‪##‬اب الس‪#‬يّد حس‪##‬ن األبطحي‪ ،‬لق‪##‬اءات م‪##‬ع‬
‫إمام العصر‪ ،11 ،‬نشر آل يس‪ ،‬مشهد ‪1405‬هـ‪ .‬ش ‪.‬‬
‫[الصفحة ‪]62 -‬‬
‫ومثاالً للقول بالتفريق بين أنماط الرؤية نذكر مصدرين من المصادر الشيعيّة‪:‬‬

‫األوّ ل‪ :‬دار السالم‪ ،‬للشيخ محمد العراقيّ (ت‪1308 /‬هـ)‪ ،‬منشورات مسجد جمكران المق‪##‬دس ـ قم‪ ،‬ج‪##‬اء في‬
‫الفصل الثاني والثالث والرابع من الباب الثالث العن‪#‬اوين التالي‪#‬ة‪ :‬في َمنْ رآه في ع‪#‬الم اليقظ‪#‬ة فعرف‪#‬هُ‪ ،‬في َمنْ‬
‫رآه في اليقظة وعرفه الحقاً‪ ،‬في َمنْ رآه في المن‪##‬ام‪ ،‬كم‪##‬ا تح‪ّ #‬دث المؤل‪##‬ف في الفص‪##‬ل األوّ ل من الخاتم‪##‬ة عن‬
‫(ذكر بعض المكاشفات في عالم المثال)‪.‬‬

‫الث‪##‬اني‪ :‬العبق‪##‬ريّ الحس‪##‬ان في أح‪##‬وال موالن‪##‬ا ص‪##‬احب الزم‪##‬ان‪ ،‬آي‪##‬ة هللا الش‪##‬يخ علي أك‪##‬بر النهاون‪##‬ديّ (ت‪/‬‬
‫‪1369‬هـ)‪ ،‬نشر حجاز ـ مشهد ‪1383‬هـ‪.‬ش‪ ،‬أورد فيه تحت عنوان (بركات حضرة وليّ العص‪##‬ر)‪ ،‬تحقي‪##‬ق‬
‫السيد جواد معلم‪ .‬وق‪##‬د اختصّ القس‪##‬م األوّ ل والث‪##‬اني من الكت‪##‬اب بـ (التش‪##‬رّف بلق‪##‬اء اإلم‪##‬ام مباش‪##‬رة)‪ ،‬والقس‪##‬م‬
‫الثالث بـ (المكاشفات)‪ ،‬والقسم الرابع بـ (الرؤيا‪ #‬الصادقة)‪.‬‬

‫ما يهمّنا من ذل‪##‬ك كلّ‪##‬ه أنّ قص‪##‬ص لق‪##‬اءات اإلم‪##‬ام‪ ،‬ومنه‪#‬ا‪( #‬الجزي‪##‬رة الخض‪##‬راء) (‪ ،)44‬س‪##‬واء ص‪##‬دقت أم لم‬
‫تصدق‪ ،‬وسواء كانت الرؤية بالعين المج ّردة أو بالمكاشفة‪ ،‬فإ ّنها‪ #‬ال تغيّر من واقع المُعتقد الشيعيّ تجاه األئمّة‬
‫واإلمام الغائب؛ ذل‪#‬ك ألنّ الفك‪#‬ر الش‪#‬يعيّ لم يؤس‪#‬س مفردات‪ِ #‬ه وفق‪#‬ا ً للقص‪#‬ص والحكاي‪#‬ات من قبي‪#‬ل‪( :‬الجزي‪#‬رة‬
‫الخضراء) التي ظهرت بع‪##‬د ق‪##‬رون على والدة التش‪#‬يّع اإلم‪##‬اميّ االث‪##‬ني عش‪##‬ريّ ‪ ،‬وإ ّنم‪##‬ا ّ‬
‫تأس‪#‬س ه‪##‬ذا الم‪##‬ذهب‬
‫برصي ٍد من اآليات والروايات‪ #‬المُعتبرة من ُأمَّهات المصادر‪ #‬الموثوقة‪.‬‬

‫رابعا ً ـ إنّ مقارنة اإلمام الغائب(عج) بـ (سوشيانت) قياسٌ مع الفارق‪ ،‬ف‪##‬الواقع أنّ (سوش‪##‬يانت) الزرادش‪##‬تيين‬
‫بالمهدي عند أهل الس َّنة‪ ،‬فكان يجدر بكوربن أن يُشير في تفسيره لـ (اإلس‪##‬الم‬
‫ّ‪#‬‬ ‫الذي لم يولد بعد أشبه ما يكون‬
‫الفارسيّ ) ألوجه الشبه بين المذهب السنيّ وتعاليم‪ #‬إيران القديمة‪ ،‬وهل أنّ الفكر السني الذي حكم إيران ح‪##‬تى‬
‫زمن الصفويّة َّ‬
‫تأثر بثقافة ودين الزرادشتيين أم لم يتأثر؟ فمثل هذا السؤال هل كان يوجد في أجندة ك‪##‬وربن أم‬
‫ال؟ وإن كان الجواب بالنفي‪ ،‬فلماذا؟‬

‫________________________________________‬

‫(‪)44‬ـ راجع في الدراسات النقديّة حول قصّة الجزيرة الخض‪##‬راء كت‪##‬اب جعف‪##‬ر مرتض‪#‬ى‪ #‬الع‪##‬املي‪ ،‬الجزي‪##‬رة‬
‫الخضراء في ميزان الفقه‪ ،‬نشر بوستان كتاب ـ قم ‪1381‬هـ ‪.‬ش‪.‬‬

‫[الصفحة ‪]63 -‬‬

You might also like